أ. د. سليمان العيسى/د. حسين العبيدي
2/ 12 / 1426 هـ
(1)
الحج مع حملات باهظة الثمن
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إنه لا ينبغي الحج مع تلك الحملات لما في ذلك من الإسراف والتبذير الذي نهى الله عنه، قال _تعالى_: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (الأعراف: من الآية31).
هذا والحج جهاد وليس ترفهاً ولا أدري كيف يشعر هؤلاء بالعبادة والإنابة وهم ينتقلون إلى البيت رفاهية وقد جعل الرسول _صلى الله عليه وسلم_ الحج نوعاً من الجهاد في سبيل الله حينما سألته أم المؤمنين عائشة _رضي الله عنها_ هل على النساء جهاد؟ قال: عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة، رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي وغيرهم.
هذا وعلى الحاج وغيره أن يقتدي بنبيه محمد _صلى الله عليه وسلم_ فقد حج _صلى الله عليه وسلم_ على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي رواه ابن ماجه. قال ابن القيم _رحمه الله_: (وكان حجّه على رحل لا في محمل ولا هودج ولاعمارية، وقد تذكَّر صاحبُه ابن عمر _رضي الله عنهما_ بعد سنين حاله _صلى الله عليه وسلم_ تلك حيما مرت به رفقة يمانية، ورحالهم الأدم وخُطُم إبلهم الخُزُم، فقال: من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة وردت العام برسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وأصحابه إذ قدموا في حجة الوداع فلينظر إلى هذه الرفقة، وفيها أن راحلته _صلى الله عليه وسلم_ كانت زاملته التي يحمل عليها متاعه وزاده، ولم تكن له ناقة أخرى خاصة بذلك كما جاء في حديث ثمامة قال: "حج أنس على رحل ولم يكن شحيحاً، وحدَّث أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ حج على رحل وكانت زاملته" رواه البخاري.
ومنها إردافه _صلى الله عليه وسلم_ أسامة بن زيد _رضي الله عنهما_ من عرفة إلى مزدلفة والفضل بن العباس _رضي الله عنهما_ من مزدلفة إلى منى، ومنها عدم تميزه في الموسم عن الناس بشيء وأعظم ما تجلى فيه ذلك أنه _صلى الله عليه وسلم_ جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يا فضل اذهب إلى أمك فأت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بشراب من عندها، فقال: أسقني. قال: يا رسول الله، إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال: أسقني فشرب منه، رواه البخاري، وفي رواية أنه _صلى الله عليه وسلم_ قال - حين قالوا نأتيك به من البيت-: لا حاجة لي فيه أسقوني مما يشرب منه الناس. انتهى هذا.
وبعد هذا العرض الموجز لشيء من سيرته _صلى الله عليه وسلم_ في حجه أوصي الإخوة الذين يتنافسون في اختيار الحملات الباهظة الثمن ويفتخرون بذلك أنهم قد خالفوا هدي المصطفى _صلى الله عليه وسلم_، فالحج ليس نزهة أو رحلة ترفيهية، بل هو عبادة فيها معنى الجهاد كما تقدم.
نسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنه على كل شيء قدير.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
أ. د. سليمان بن فهد العيسى
(2)
تغطية الرأس من أجل البرد
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إن من محظورات الإحرام على الذكر تغطية الرأس ولبس المخيط، فقد قال _صلى الله عليه وسلم_ في المحرم الذي وقصته راحلته: "كفّنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً" متفق عليه، لكن إن احتاج المحرم إلى تغطية رأسه أو إلى لبس المخيط من أجل الحكة أو الحساسية أو البرد الشديد ونحو ذلك فله فعل ذلك وعليه الفدية وهي ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام أو صيام ثلاثة أيام، قياساً على فدية الأذى، قال _تعالى_: "وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" (البقرة: من الآية196)، وهذه الفدية على التخيير.
هذا ولو أنه دفع البرد بأن غطى جسمه ما عدا رأسه بقباء أو فرو ولم يدخل يديه في الكُمين أو بطانية ونحو ذلك مما لا يُعَدُّ مخيطاً جاز له ذلك ولا فدية عليه.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
أ. د. سليمان بن فهد العيسى
(3)
الأعذار التي تجيز للحاج المبيت خارج منى
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/48)
المبيت بمنى واجب من واجبات الحج على القول الصحيح مع الإمكان فإذا لم يتمكن الحاج من وجود مكان بمنى يصلح للمبيت فإنه يسقط عنه، ولا تصلح الأرصفة ولا الطرقات مكاناً للمبيت لوجود الضرر والخطر فيها وعدم صلاحيتها للمبيت، وعندئذٍ فإذا لم يجد الحاج مكاناً بمنى يصلح للمبيت سقط عنه ولا شيء عليه؛ لأن التكليف مشروط بالقدرة على العمل؛ لقول الله _تعالى_: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (التغابن: من الآية16)، وقوله: "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا" (البقرة: من الآية286)؛ ولذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية قاعدة مفادها "لا واجب مع العجز" والواجبات كلها تسقط بالعجز، ومن ذلك إذا عجز الحاج عن المبيت بمنى أيام التشريق لعدم وجود مكان بها فبات خارج حدودها فإنه لا شيء عليه؛ لأن الواجبات جميعها تسقط بالعجز.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
د. حسين بن عبد الله العبيدي
(4)
دخول الحاج في الخيام غير المسكونة بمنى ومزدلفة وعرفة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
من سبق إلى مكان فهو أحق به فيكون من اختصاصه، وقد روى أبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "منى مناخ من سبق" وهذه الخيام المنصوبة بمنى لا شك أن لها أصحاب وعليكم أن تستأذنوا أصحابها إن وجدتموهم فإن لم تجدوهم وأنتم بضرورة أو حاجة إليها فلكم البقاء فيها حتى يأتي أصحابها فإن أذنوا فبها ونِعْمَتْ وإن لم يأذنوا فعليكم الخروج منها؛ لأن لهم حق الأسبقية.
هذا وإن كان المقصود من السؤال هو الأماكن الفارغة حول تلك الخيام فنقول إن كان قد عُمل حولها أروقة دائرية عليها فالحكم كما تقدم لكن على من حجزها وهو غير محتاج لها أو ينتظر من يؤجرها عليه أو يهبها له الإثم وعلى من عرف وعلم بحال هؤلاء من أنهم يحجزون الأماكن من غير حاجة قائمة ومن ثَمَّ يحرمون غيرهم ممن هم في أمس الحاجة إلى تلك الأماكن أن يرفع بهم إلى الجهة المختصة لتمنعهم من ذلك وهذا من باب النهي عن المنكر، والله أعلم.
وفّق الله الجميع لكل خير، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
أ. د. سليمان بن فهد العيسى
(5)
اعتبار البرد عذراً شرعياً في المبيت خارج منى
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
في نظري أن البرد وحده ليس عذراً للسكن خارج منى كما أن الحر كذلك، فالبرد يمكن دفعه بوسائل التدفئة وباللباس؛ لأن الحاج في منى ليالي أيام التشريق قد حل التحلل الأول الذي يبيح له ما شاء من الثياب، أما إذا لم يجد الحاج مكاناً في منى فإنه لا حرج أن يبيت خارج منى لكن يكون منزله متصلاً بمنازل الحجاج؛ لقوله _تعالى_: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (التغابن: من الآية16)، فهذا الذي يستطيع ويكون والحالة هذه كالنازل في منى كالجماعة إذا امتلأ المسجد يصفون عند نهاية الصفوف ويكون لهم حكم المصلين داخل المسجد، هذا ولا يلزمه أن يذهب إلى منى يدور بسيارته معظم الليل أو يجلس على الأرصفة بين السيارات وقد يكون ذلك خطراً عليه.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
أ. د. سليمان بن فهد العيسى
(6)
مغادرة الحاج إلى بلده قبل إكمال حجه ثم رجوعه
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أما مغادرة الحاج مكة قبل إنهاء مناسك حجه كلها فمن المعلوم أن الحاج متلبس بهذا النسك العظيم ولا يفرغ منه إلا بإكمال أعماله وختامه بطواف الوداع عند سفره، ومن المعلوم أيضاً أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لزم منى، بل أفاض يوم النحر فصلى الظهر بمنى ولم يخرج منها ليلاً ولا نهاراً إلا بعد نهاية الرمي في اليوم الثالث عشر، وهكذا هو الواجب على المسلم لزوم منى ليلاً ونهاراً لأنه في عبادة لكن الواجب هو الليل، وعليه فلا ينبغي للحاج أن يخرج أو يسافر قبل إكمال حجه لهذه المخالفة، ولأنه قد يعرض حجه للنقص وعدم التمام حينما يعرض له ما يخل بحجه ولا يستطيع إكماله، وليس له السفر إلا من ضرورة دون مسافة قصر وهذا خاص بأيام التشريق أما قبل الإحرام بالحج كيوم التروية فله أن يسافر حيث شاء.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
د. حسين بن عبد الله العبيدي
(7)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/49)
ترك الحاج بعض أعمال الحج بسبب خشية فوات رحلة دولية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
من أراد الحج، فالغالب أنه معلوم لديه أن أعمال الحج لا تنتهي إلا بالثاني عشر من شهر ذي الحجة للمتعجل فهو بلا شك لا يحجز إلا بعد هذه المدة. نعم قد يختلف دخول شهر ذي الحجة بالرؤية عنه في الحسابات الفلكية والتقاويم كما حصل في أحد الأعوام الماضية، حيث صار اليوم الثالث عشر بالحساب هو الثاني عشر بالرؤية، فإذا حصل مثل هذا أو كان جاهلاً بأيام الحج (وهذا نادر لمن أراد الحج) فكان حجزه مثلاً في الحادي عشر ونحو ذلك من الأمور القهرية وكان أيضاً قد طاف طواف الحج وسعى إن لم يكن سعى مع طواف القدوم فإننا نرى – والحالة هذه – أن عليه جزاء ما تركه من واجبات الحج ولنفرض أنه سافر في اليوم الحادي عشر من ذي الحجة نقول: تطوف للوداع، وعليك فدية تذبح في مكة عن ترك الرمي، وعليك أيضاً إطعام عن ترك المبيت ليلة الثاني عشر، وقد روي عن الإمام أحمد – رحمه الله – أنه في ترك ليلة يطعم شيئاً، ولو يسيراً. أقول: ويكفي أن يتصدق بشيء من المال ولو خمسة ريالات أو عشرة.
هذا وليعلم أن الفداء الذي يدفعه لترك بعض الواجبات ليس بدلاً عن ذلك على وجه التخيير بينها وبين هذه العبادات وإنما هي جبر لما حصل من الخلل بترك هذه العبادات فلا يصح لحاج أن يقول: أنا أترك بعض الواجبات وأفدي.
هذا ويحسن أن أنقل فتوى عن فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله – فقد جاء مجموع فتاواه جـ23 ص 304 سؤال رقم 1377 ما نصه (سئل فضيلة الشيخ – رحمه الله تعالى-: بالنسبة لكثير من الحجاج بالطائرة حاجزين في اليوم الثالث عشر وقد تغير دخول الشهر فصار اليوم الثالث عشر هو اليوم الثاني عشر فإذا رموا قبل الزوال تمكنوا من رحلتهم فهل يجوز لهم الرمي قبل الزوال لأنهم إذا تأخروا لن يجدوا حجزاً بالطائرة؟
فأجاب – رحمه الله – بقوله: أرى أنهم في هذه الحالة ينزلون مكة ويطوفون طواف الوداع ويمشون، والقادر منهم يذبح فدية بمكة لترك الواجب الذي هو الرمي ولا يسقط عنهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص للضعفاء الذين رخص لهم في العيد أن يرموا قبل الزوال، فإذا كان الرسول لم يرخص مع وجود السبب دل هذا على أنه لا يجوز لكن نقول: إنهم حُصروا عن فعل الواجب وقد قال الله _تعالى_: "فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ" (البقرة: من الآية196)، هذا أقرب شيء انتهى. والله أعلم.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
أ. د. سليمان بن فهد العيسى
(8)
حصر الحجاج بسبب الأمطار والسيول وفوات الحج بسبب ذلك
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
اختلف أهل العلم بماذا يكون الحصر أهو خاص بالعدو أو يكون بالعدو ونحوه من كل مانع من إكمال النسك فمنهم من يرى أن الحصر بالعدو خاصة، ويرى آخرون أن كل مانع من إكمال النسك من عدو أو مرض أو ضياع نفقة أو غير ذلك فهو حصر لعموم قول الله _تعالى_: "فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ" (البقرة: من الآية196)، ومعنى (أُحْصِرْتُمْ أي: منعتم من الوصول إلى البيت لإكمال النسك بمرض أو ضلالة أو عدو ونحو ذلك من أنواع الحصر الذي هو المنع)، فعلى هذا المحصر: من يصير ممنوعاً من مكة بعد الإحرام بمرض أو عدو أو غيره، وهذا ما صححه كثير من أهل العلم وذلك لعموم الآية، فعلى هذا من أصابه عذر منعه من إكمال نسكه من كسر أو مرض أو حادث فإنه يحل من إحرامه بحصول ذلك المانع.
أما من فاته من الحجاج وقت الوقوف بعرفة ولم يستطع الوصول إليها إلا بعد طلوع الشمس يوم النحر من أجل المطر ونحوه فكل من لم يقف بعرفة في شيء من زمان الوقوف المحدد من طلوع الفجر الثاني يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثاني يوم النحر فمن لم يدرك الوقوف هذا الوقت فقد فاته الحج بلا خلاف بين أهل العلم سواء فاته الوقوف لعذر من مرض أو عدو أو مطر أو ضل الطريق أو أبطأ به سيره أو ضاعت نفقته، وحينئذٍ يتحلل بعمرة فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر، وعليه فإن كان حجه فرضاً فعليه قضاؤه وإن كان نفلاً فلا قضاء عليه، ولا يفوت الحج إلا بفوات وقت الوقوف بعرفة، وحينئذٍ فمن فاته وقته فاته الحج، ومن أدرك وقت الوقوف أدرك الحج ويأتي ببقية أفعاله، ومن ترك شيئاً من الواجبات فعليه دم.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
د. حسين بن عبد الله العبيدي
ـ[مهنَّد المعتبي]ــــــــ[19 - 10 - 07, 06:10 م]ـ
الإخوةَ الفضلاء: بارك اللهُ فيكم أجمعين ..
وأعتذِرُ عن الإكمالِ؛ لارتباطي بسفرٍ ..
وهذا رابطُ الصفحة:
" نوازل الحج " .. للشيخ عبد الله السكاكر .. ملف وورد ( http://saaid.net/book/open.php?cat=87&book=3057)
ـ[أحمد العقلاء]ــــــــ[20 - 10 - 07, 08:11 ص]ـ
جزاك الله خيراً على هذه الفوائد ..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/50)
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[20 - 10 - 07, 11:42 م]ـ
من النوازل ما ذكره الشيخ: سعد الخثلان في شرح فقه النوازل
اتصال منى بمكة وأثر ذلك في حكم قصر المقيمين بمكة للصلاة في منى
المسألة الثانية من نوازل في كتاب الحج: اتصال منى بمكة وأثر ذلك في حكم قصر المقيمين بمكة للصلاة في منى:
نقول: إن منى لم تكن من قبل متصلة بمكة، بل كان بينها وبين عامر مكة، كان بين منى وعامر مكة جبال وأودية وشعاب، فالمسافة بينهما يطلق عليها سفر عند بعض الفقهاء، كما عند شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وجمع من الفقهاء، ولكن في الوقت الحاضر اتصلت منى بمكة، بل إن منى أصبحت تكاد أن تصبح حيًّا من أحياء مكة، بل إن بعض الأحياء بعض أحياء مكة، لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق منى، ومن يذهب إلى منى من أهل مكة لا يحتاج إلى حمل زاد ومزاد، وليس في عرف الناس اليوم أن من يذهب من مكة إلى منى أنه يقول قد سافرت إلى منى، بل هو في انتقاله من مكة إلى منى كانتقاله لأي حي من أحياء مكة، بل بعض أحياء مكة أبعد من منى.
فهذا الاتصال لا يمكن أن يقال معه أن المسافة بين منى ومكة مسافة قصر، وهذا يقودنا قبل أن نشير إلى كلام أهل العلم في هذه المسألة، مسألة اتصال منى بمكة، وأثره في القصر بالنسبة لأهل مكة، نشير أولًا إلى آراء العلماء في حكم قصر أهل مكة للصلاة، في حكم قصرهم الصلاة بمنى وبعرفة وبمزدلفة. نقول اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن أهل مكة لا يقصرون ولا يجمعون في هذه المشاعر، ومنها منى، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعية، وهو قولٌ عند الحنابلة.
القول الثاني: أنهم يجمعون ولا يقصرون، وهذا هو مذهب الحنفية، قال به طائفة من أصحاب أحمد، ومن أصحاب الشافعي.
القول الثالث: أنهم يجمعون ويقصرون، يجمعون ويقصرون في منى وعرفات ومزدلفة، يجمعون ويقصرون، وهذا هو مذهب مالك، وهذا القول هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم رحمهما الله تعالى.
فإذا نجد أن من الفقهاء من قال أنهم لا يجمعون ولا يقصرون، ومنهم من قال يجمعون ولا يقصرون، ومنهم من قال يجمعون ويقصرون، لكن من قال بأنهم يجمعون ولا يقصرون، أو يجمعون ويقصرون، هل الجمع والقصر هنا لأجل النسك، أو لأجل السفر، خلاف بين أصحاب هذا القول، فمنهم من قال إن سبب الجمع هو النسك، أن الجمع هنا والقصر لأجل النسك.
ولكن هذا القول يرد عليه، يرد على القول بأن الجمع والقصر لأجل النسك، يرد عليه إشكالية، وهي أننا لو قلنا بأن هذا الجمع والقصر لأجل النسك فيترتب على هذا أن المكي إذا أحرم في بيته جاز له أن يقصر وأن يجمع، ولا قائل بذلك من العلماء. اتضح المقصود، لو قلنا بأن القصر والجمع لأجل النسك يترتب على هذا أن المكي إذا أحرم في بيته جاز له أن يقصر وأن يجمع وهو في البيت لأنه تلبس بالنسك الآن، ولا قائل بذلك من أهل العلم، فهذا يرد على القول بأنه لأجل النسك، ولذلك فإن هذا القول قول ضعيف، وإن كان بعض العلماء قد تبناه هربًا من الإشكالية الواردة، وهي اتصال منى بمكة، وحينئذ فالصواب أن القصر لأجل السفر وليس لأجل النسك.
وقد تبنى هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية ونصره، وهو أن القصر لأجل السفر وليس لأجل النسك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال: إن من تأمل الأحاديث في حجة الوداع وسياقَها علم علمًا يقينيًّا أن الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم من أهل مكة وغيرهم صلوا بصلاته قصرًا وجمعًا، ولم يفعلوا خلاف ذلك، ولم ينقل أحد قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بعرفة أو مزدلفة أو بمنى: يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر، وإنما نقل أنه قال ذلك في نفس مكة، كما رواه أهل السنن عنه، وقوله ذلك في داخل مكة دون عرفة ومزدلفة ومنى دليل على الفرق.
إذًا شيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن القصر والجمع إنما هو لأجل السفر، وهكذا أيضًا ابن القيم، وهكذا أيضًا هو مذهب المالكية، وإن كان المالكية مذهبهم أن السفر المبيح للترخص، هو ما كان يوم وليلة وهو في حدود ثمانية كيلو متر تقريبًا لكنهم يستثنون هذه المسألة، وإن لم نقف على قول أو تعليل لهم في كتبهم بأن ذلك لأجل النسك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/51)
ولكن سبق أن قررنا أن القول بأنه لأجل النسك قول ضعيف فيبقى القول بأن من قال من العلماء بأن أهل مكة يقصرون العلة بذلك السفر، كيف يعتبر سفرًا والمسافة ليست كبيرة بين منى وبين مكة، قرر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وذكر أنه يوجد بين مكة ومنى، يوجد صحراء فيها أودية وشعاب وجبال، وهكذا بينها وبين عرفات وبين مزدلفة، وهذا يسمى على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية يعتبر سفرا.
هذا القول قبل اتصال منى بمكة قول متجه، لكن الآن لما اتصلت منى بمكة هنا تنتفي هذه العلة، معلوم أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وكما قدمنا اتصلت الآن منى بمكة، وتكاد تصبح حيًّا من أحيائها ولا يمكن أن نعتبر المسافة الآن بين منى ومكة مع هذا الاتصال، لا يمكن اعتبارها سفرًا، ولو تأملت يعني هذا التصور وجدت أن الآن منى اتصلت الآن بحي العزيزية، وهذا الاتصال يجعلنا نقول: إن أهل مكة في هذه الحال ليسلهم أن يترخصوا برخص السفر؛ لأن المسافة ما بين منى ومكة لم تعد سفرًا بعد اتصال منى بمكة، لم تعد هذه المسافة سفرًا.
ومن قال بجواز القصر والجمع، فعلل ذلك بأنه لأجل السفر، ولم تعد هذه المسافة في وقتنا الحاضر تعد سفرًا، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى قباء كل سبت، يعني كل أسبوع ويصلي فيه ركعتين في مسجد قباء، والمسافة ما بين مسجده صلى الله عليه وسلم وقباء أطول من المسافة التي بين مكة الآن ومنى، ومع ذلك لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى في قباء لم يكن يقصر الصلاة.
بل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي يرى القصر لأهل مكة في منى يقول: إن مدينة النبي صلى الله عليه وسلم كانت بمنزلة القرى المتقاربة، عند كل قوم نخيلهم ومقابرهم ومساجدهم قباء وغير قباء، ولم يكن خروج الخارج إلى قباء سفرًا، ولهذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقصرون في مثل ذلك، والمنتقل في المدينة من ناحية إلى ناحية ليس بمسافر ولا يقصر الصلاة، هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في حال المدينة وعواليها وقراها المحيطة بها، فمن باب أولى منى مع مكة في الوقت الحاضر.
فنقول إذًا إن علة قصر أهل مكة في منى إما أن تكون لأجل النسك وهذا قلنا أنه قول ضعيف، أو لأجل السفر، وهذا قول متجه قبل اتصال منى بمكة، وأما بعد اتصال منى بمكة فلم تعد هذه العلة باقية الآن، انتفت علة السفر والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، ولهذا نقول إن أهل مكة إذا حجوا فإنهم في منى وفي عرفات وفي مزدلفة لا يقصرون ولا يجمعون، اللهم إلا إذا كان في ترك الجمع حرج كبير، فيجوز لهم الجمع لأجل هذا الحرج، أما القصر فليس لهم القصر مطلقًا.
ويأخذ حكم أهل مكة المقيمين فيها من غير أهل مكة إقامة طويلة، مثل الجنود الذين يقيمون إقامة طويلة ونحوهم فيأخذون حكم أهل مكة في هذا. وهذه المسألة من المسائل التي يكثر السؤال عنها والحكم فيها كما سمعتم على هذا التفصيل، على أن أكثر أهل العلم وجمهور أهل العلم قبل اتصال منى بمكة يرون أن أهل مكة لا يقصرون، فكيف مع اتصال منى بمكة في الوقت الحاضر، هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.
-------------------
نقله وجمعه وصححه
أبو أحمد عبد الله المطرفي
alma.trfi@hotmail.com
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[21 - 10 - 07, 12:09 ص]ـ
أتمنى من المشرف تغيير العنوان الاساسي إلى: النوازل الفقهية في الحج
قال الشيخ الدكتور سعد الخثلان في شرح فقه النوازل
نقول إن المسعى هو علم على المكان الذي تؤدى فيه شعيرة السعي، ابتداء من جبل الصفا وانتهاء بجبل المروة، ولم يكن المسعى عبر التاريخ الإسلامي لم يكن جزءًا من المسجد الحرام، ولا متصلًا به، بل كان منفصلًا عنه تمامًا، وما بين الحائط الشرقي للمسجد الحرام والمسعى، يعني ما بين المسعى والمسجد الحرام أقيمت المساكن التي نمت وزادت على مر السنين وأنشئت بينهما، يعني بين المسعى والمسجد الحرام أنشئت الأسواق والمدارس والمنازل، ومن أشهر الأسواق التي كانت بين الحرم والمسعى، سوق الكتيبة، كان هذا سوقًا بين المسعى والمسجد الحرام، يسمى سوق الكتيبة، وأطلق عليه بعضهم اسم سوق الوراقين. ومن المدارس التي كانت بين المسجد الحرام والمسعى، من أشهرها مدرسة الشعرابي.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/52)
والمسعى نفسه إلى جانب أنه مشعر كان في فترة مضت كان سوقًا كبيرة تمتد على جانبيه الدكاكين والمتاجر والمساكن، وكانت السيارات تسير في بطن الوادي، ومن قبل السيارات البهائم والدواب، بل كان في نفس المسعى، كان يختلط الساعون بالمتسوقين، وهذا أمر معلوم لدى كبار السن.
وقد وصف هذا بعض المؤرخين، ومن المؤرخين الذين وصفوا ذلك، محمد طه الكردي في كتابه "التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم" قال ومما ذكر في هذا الكتاب قال: وقفت ساحة المسجد الحرام عند الحد الذي بلغته بعد عمارة السلطان مراد خان عام 984 للهجرة، ولكن البناء حوله لم يتوقف، يعني البناء حول المسجد الحرام يعني ما بين المسجد الحرام والمسعى، بل ظل يزحف إليه حتى اتصلت به المنازل من جميع الجهات، وأصبحت الطرق المؤدية إليه أزقة ضيقة ملتوية، يعني نشأت في هذه المنطقة التي بين المسجد الحرام والمسعى، نشأت هذه المساكن، حتى أصبح يعني الوصول إلى المسعى فيه مشقة.
قال: وأصبحت الطرق المؤدية إليه، يعني إلى المسعى، أزقة ضيقة ملتوية، يجد في اجتيازها الذاهبون إليه والعائدون منه مشقة وعناء خاصة في أيام الحج، قال: وهكذا كانت حال المسعى فقد فصلت المباني الخاصة بينه وبين المسجد الحرام، وأصبح على مر العصور طريقًا تقوم على جوانبه الحوانيت تطؤها السلع المختلفة، وترتفع فوقها المساكن، والباعة المتجولون يعرضون بضائعهم في كل ركن منه، لقد أصبح موضع العبادة سوقًا يختلط قصاده للعبادة بقصد للبيع والشراء فيتزاحمون، حتى صار المسعى شاقًّا خشية التصادم بسبب الزحام إلى آخر ما ذكر.
المقصود أن يعني بعض المؤرخين أشار إلى هذه المسألة، ولعل من أسباب التغاضي عن هذه الظاهرة عبر القرون السابقة هو أن عدد الحجاج كان قليلًا، عدد الحجاج والمعتمرين كان قليلًا، فلم يكن ذلك يسبب مشكلة كبيرة، ولكن لما تكاثر عدد الحجاج والمعتمرين في الوقت الحاضر، وقامت المملكة العربية السعودية في عهد الملك سعود -رحمه الله- بتوسعة المسجد الحرام، ابتدأت أعمال هذه التوسعة عام 1375 للهجرة وهدمت المنازل والدور التي كانت بين المسجد الحرام، وبين المسعى، وعوض أصحابها عوض أصحاب تلك المنازل.
ثم فصل المسعى بأسلوب هندسي بحيث بعد إزالة تلك المساكن أصبح متصلًا بالحرم، أصبح متصلًا بالمسجد الحرام بعد إزالة وفصل تلك المنازل عنه، وقسم إلى قسمين قسم يذهب من الصفا إلى المروة، والآخر من يعود من المروة إلى الصفا، وهذا التقسيم حدث مع التوسعة، وإلا فكان في السابق ليس هناك تقسيم، وذلك بسبب كثرة أعداد الحجاج، وهذا من توفيق الله U وهذا مما يذكر من باب الاعتراف لأصحاب الفضل بفضلهم يذكر من محاسن الدولة السعودية عنايتها بالمسجد الحرام.
فاتصل المسعى بهذا، اتصل المسعى بالمسجد الحرام وأزيلت تلك المساكن. لما اتصل الآن المسعى بالمسجد الحرام، هل يتغير الحكم الشرعي، هل نقول إن هذا المسعى الآن أصبح حكمه حكم المسجد الحرام، أو نقول إنه منفصل عنه، تجد في عامة كتب أهل العلم يعتبرون المسعى خارجًا عن المسجد الحرام، ولذلك يجوز للحائض أن تسعى وهي حائض، بينما لا يجوز لها أن تطوف وهي حائض، يعللون ذلك بأن المسعى منفصل عن المسجد الحرام، يجوز للإنسان أن يسعى وهو على غير طهارة، بينما ليس له أن يطوف إلا بطهارة، لكن الآن اتصل المسعى بالمسجد الحرام، فهل نقول إن المسعى يأخذ حكم المسجد الحرام، بعد هذا الاتصال، فهذا وجه اعتبار هذه المسألة نازلة، أنه على مدار القرون الماضية كان المسعى منفصلًا عن المسجد الحرام، والآن اتصل.
قبل أن أشير إلى هذه المسألة يعني أشير إلى أيضًا ما دمنا أشرنا إلى الجهود التي قد بذلت في إزالة المساكن والدكاكين التي بين المسعى والمسجد الحرام، أشير إلى أنه أيضًا كان في المسجد الحرام نفسه كان هناك مقامات، مقام للمذهب الحنفي، المقام الحنفي، والمقام المالكي، والمقام الحنبلي، وكان المقام الحنفي يصلي بهم إمام من أتباع مذهب أبي حنيفة، والحنفية يصلون خلفه، والمقام المالكي يصلي بهم إمام من المذهب المالكي، والمقام الحنبلي يصلي بهم إمام من المذهب الحنبلي، فكانت تقام عدة جماعات في المسجد الحرام، يعني لم يكن هناك إمام واحد، بل كان هناك عدد من الأئمة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/53)
الغريب في الأمر أن هذه المقامات موجودة من وقت طويل، وقد ذكر المؤرخ إبراهيم بن عيسى المتوفى سنة 1079 للهجرة، ذكر أن وقت حدوث هذه المقامات غير معروف تحقيقًا، قال: ورأيت ما يدل على أن المقام الحنفي والمالكي كانا موجودين في سنة سبع وتسعين وأربعمائة للهجرة، يعني 497، كان المقام الحنفي والمالكي موجودين، وأن الحنبلي لم يكن موجودًا، قال: ووجدت ما يدل عليه أنه موجود في سنة الأربعين وخمسمائة.
وذكر أيضًا حسين عبد الله با سلامة بأن إحداثها كان القرن الرابع أو الخامس، يعني أن هذه المقامات لها أكثر من تسعمائة سنة، إذا قلنا أن المقام الحنفي والمالكي كانا موجودين سنة 497، ولم تزل إلا قريبًا في وقت الملك عبد العزيز، معنى ذلك أنها بقيت قرابة تسعمائة سنة أو تزيد، فكان الناس في المسجد الحرام يصلون جماعات وأكثر من إمام.
طيب ما موقف العلماء، العلماء أنكروا هذا لكن حاولوا إزالة مثل هذه المقامات وتوحيدهم على إمام واحد، لكن لم تجد محاولاتهم، وكتب في هذا كتابات ومؤلفات في إنكار هذا العمل، كيف يكون يعني الناس في المسجد الحرام جماعات وعلى مذاهب، والحنفي لا يصلي خلف المالكي، والمالكي لا يصلي خلف الحنفي، والحنبلي لا يصلي خلف المالكي أو الحنفي، هذا من التفرق، لكن الغريب في الأمر يعني استمرارها هذه المدة الطويلة أكثر من تسعمائة سنة، حتى قيد الله U الدولة السعودية فجمعت الناس على إمام واحد، كان ذلك سنة 1343، لما دخل الملك عبد العزيز -رحمه الله- الحجاز، جمع الناس على إمام واحد.
وفي سنة 1377 أصدر الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله- مفتي المملكة أصدر فتوى بإزالة المقامات الثلاثة، ولم يكن فيه إلا مقامات ثلاثة، الحنفي والمالكي والحنبلي، الشافعي ليس موجودًا، عام 1377، وأزيلت تلك المقامات وأصبح الناس، ولله الحمد، على إمام واحد، بعدما كانت هذه المقامات موجودة مدة طويلة، وهذا يعني كما ذكرت من باب الاعتراف لأهل الفضل بفضلهم من محاسن الدولة السعودية.
وقد كان هناك يوجد حفرة عن يمين الواقف أمام باب الكعبة، يسميها العامة حفرة التوبة، كان الناس يقعون في هذه الحفرة يسمونها حفرة التوبة، ثم دفنت أيضًا في ذلك التاريخ دفنت هذه الحفرة، فأصبح يعني الحال على ما هو عليه الآن كان هذا من فضل الله U وتوفيقه.
المسألة التي بين أيدينا الآن اتصال المسعى بالمسجد الحرام، ما أثره في الأحكام الشرعية.
اختلف العلماء في هذه المسألة، فبعض أهل العلم قال إن المسعى لما اتصل بالمسجد الحرام فينبغي أن يأخذ حكم المسجد، فيترتب على ذلك أن الحائض لا يجوز لها أن تسعى وهي حائض ولا أن تمكث في المسعى، وهكذا بالنسبة للجنب، ومن العلماء من قال إنه: وإن اتصل بالمسجد الحرام إلا أنه يبقى مشعرًا منفصلًا عنه.
وقد بحثت هذه المسألة في مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في الدورة الرابعة عام 1415 للهجرة، قبل اثني عشر عامًا، واختلف العلماء في المجمع في هذه المسألة، ولكن صدر قرار بالأغلبية بأن المسعى لا يأخذ حكم المسجد، كان يرأس المجمع الفقهي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وجاء في قرار المجمع أن المسعى بعد دخوله ضمن مبنى المسجد الحرام، لا يأخذ حكم المسجد، ولا تشمله أحكامه لأنه مشعر مستقل، يقول الله U â¨bÎ)$xÿ¢Á9$#nourö?yJø9$#ur`ÏBÌ?Í!$yèx©«!$#(ô`yJs ù¢kym|Mø?t7ø9$#Írr&t?yJtFôã$#?xsùyy$oYã_Ïmø?n=tãbr&??q©Üt?$yJÎgÎ/4á([1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=684790#_ftn1))
وقد قال بذلك جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الأربعة.
وتجوز الصلاة فيه متابعة للإمام في المسجد الحرام في غيره من البقاع الطاهرة، ويجوز المكث فيه والسعي للحائض والجنب، وإن كان المستحب في السعي الطهارة.
إذًا مجمع الفقه يرى أن الأحكام المدونة في كتب الفقهاء المتقدمين تبقى كما هي من أن الحائض يجوز لها أن تسعى وهي حائض، وأنه لا يشترط الطهارة للسعي، وأنه وإن اتصل بالمسجد الحرام إلا أنه يبقى منفصلًا عنه باعتبار أنه مشعر. هذا هو الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم، وهو الأقرب في هذه المسألة والله تعالى أعلم.
ويترتب على هذا أن الساحات الخارجية التي خلف المسعى ليست من المسجد الحرام، لأنه إذا كان المسعى ليس من المسجد الحرام، فمن باب أولى الساحة التي خلفه ليست من المسجد الحرام، ولذلك من أتى لهذه الساحة له أن يجلس من غير أن يأتي بتحية المسجد باعتبار أنها ليست من المسجد الحرام، ولا تأخذ حكم المسجد الحرام، ولكن إذا اتصلت الصفوف فإنها تأخذ حكم المسجد باعتبار اتصال الصفوف، ويكون للمصلي أجر من صلى في المسجد الحرام مائة ألف صلاة، وهذا حتى في غير المسجد الحرام لو افترضنا أن هذا الجامع مثلًا امتلأ بالمصلين يوم الجمعة وصلى بعض الناس خارج الجامع فإن صلاتهم خارج الجامع، تأخذ حكم صلاتهم داخل الجامع ما دامت الصفوف متصلة، هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.
[1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=684790#_ftnref1) - سورة البقرة آية: 158.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/54)
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[21 - 10 - 07, 12:14 ص]ـ
حكم الأضحية والهدي والعقيقة بمقطوع الألية
المسألة الثالثة، وهي متعلقة بباب الهدي والأضحية والعقيقة، وهي مسألة مقطوع الألية:
والألية تضبط هكذا بفتح الهمزة، كما قال ابن منظور في لسان العرب، قال ابن منظور: الألية بالفتح العجيزة للناس وغيرهم، وألية الشاة وألية الإنسان مفتوحة الألف، وقال: ولا تقل إلية فإنها خطأ.
وجه اعتبار هذه المسألة من النوازل، هو أن قطع الألية لم يكن معروفًا ومشتهرًا في المجتمعات الإسلامية، قطع الألية بالنسبة للأغنام لم يكن معروفًا ومشتهرًا، وإن كان قد يوجد لكن لم يكن معروفًا ومشتهرًا، وفي الوقت الحاضر أصبحت كثيرٌ من الأغنام التي ترد خاصة من أستراليا ونيوزيلندا وبعض الدول الأوربية تأتي وقد استؤصلت أليتها، فهل تجزئ تلك الأغنام مع استئصال الألية هل تجزئ في الهدي والأضحية والعقيقة أم لا؟
بعض الفقهاء المتقدمين أشاروا لهذه المسألة ربما على سبيل الافتراض أو أنها ربما توجد لكن بقلة، وقد أشار لها الموفق ابن قدامة في المغني إشارة مختصرة، فقال رحمه الله: ولا تجزئ ما قطع منها عضو كالألية، ولكن لم يتوسع الفقهاء المتقدمون في هذه المسألة كما ذكرت بسبب أن هذا لم يكن معروفًا ومشتهرًا في المجتمعات الإسلامية، لكن في الوقت الحاضر أصبح هذا كثيرًا، وذلك أن القائمين على تربية تلك الأغنام يرون أن الألية إذا قطعت فإن ذلك يؤدي إلى مردود اقتصادي بالنسبة لهم، فقطع الألية يسبب سمن تلك الأغنام مما يؤدي إلى ارتفاع قيمتها فيكون في ذلك مردود اقتصادي لهم.
لما أصبحت تلك الأغنام تأتي وتُستورد، بحث مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة هذه المسألة قبل عشر سنوات، وأصدر فيها قرارًا جاء فيه أن مجلس الهيئة درس موضوع حكم الأضحية والهدي والعقيقة بمقطوع الألية؛ لأن أكثر الأغنام التي ترد إلى المملكة من أستراليا ونيوزيلندا وبعض الدول الأوروبية مستأصلة أليتها، واطلع المجلس على البحوث المعدة فيه، وعلى الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو دواد والترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم والدارمي، والبيهقي والحاكم من طرق متعددة: , أمرنا رسول الله r أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحي بعوراء ولا مقابَلَة - والمقابلة هي التي شقت أذنها من الأمام عرضًا - ولا مدابَرة - وهي التي شقت أذنها من الخلف عرضا - ولا شرقاء - هي التي شقت أذنها طولًا - ولا خرقاء - وهي التي خرقت أذنها - قال زهير أحد رواة الحديث قلت لأبي إسحاق ما المقابلة إلى آخره.
وجاء في بعض طرق حديث علي عند البيهقي: , نهى رسول الله r أن يضحى بعضباء الأذن والقرن - قال قتادة أحد رواة الحديث وسألت سعيد بن المسيب عن العضب فقال: النصف فما زاد، أي قطع النصف فأكثر من الأذن أو القرن، هذا هو الأصل في هذه المسألة.
وقرر المجلس بالأكثرية أنه لا تجزئ الأضحية ولا الهدي ولا العقيقة بمقطوع الألية؛ لأن الألية عضو كاملٌ مقصود، فصار مقطوعها أولى بعدم الإجزاء من مقطوع القرن والأذن، إذًا التعليل أن الألية عضو كامل مقصود، فصار مقطوعها أولى بعدم الإجزاء من مقطوع القرن والأذن، يعني إذا كان مقطوع القرن والأذن لا يجزئ فلا يجزئ مقطوع الألية من باب أولى، فالألية ذات قيمة ومرادة ومقصودة في نفسها.
ولهذا عند إكرام الضيف في بعض المجتمعات يرون أن وجود الألية على الذبيحة أنه رمز لإكرام الضيف، وأن تقديم الذبيحة بدون الألية يشعر بالنقص في إكرام ذلك الضيف، لا زال هذا موجودًا عند بعض المجتمعات، وهذا يدل على أن الألية مقصودة ومرادة في ذاتها، فهي عضو مقصود، فإذا كانت عضوًا مقصودًا، فقطعها يجعلنا نقول: إن تلك الأغنام التي قطعت منها لا تجزئ، فهي أولى بعدم الإجزاء من مقطوع الأذن والقرن، إذا كان مقطوع القرن والأذن لا يجزئ، مع أن القرن والأذن قد لا يستفاد منهما، فمقطوع الألية من باب أولى، ولهذا عند الأضحية والهدي والعقيقة ينبغي التأكد من هذا، من أن ما تريد أن تضحي به أو ما تريد أن تهديه أو ما تريد أن تجعله عقيقة تتأكد من أنه ليس مقطوع الألية.
يوجد بعض الأغنام تشبه مقطوع الألية لكنها يكون لها ذيل قصير بأصل خلقتها، بأصل الخلقة، فهذه تجزئ، هذه تجزئ لأنها لم تقطع الألية منها، وإنما أتت هكذا بأصل خلقتها، ومن ذلك بعض الأغنام الأسترالية، بعض الأغنام الأسترالية لا يكون لها ألية، وإنما يكون لها ذيل كذيل البقرة، فهذه التي ليست لها ألية خلقة، وإنما لها ذيل تجزئ في الهدي والأضحية والعقيقة إذا توفرت الشروط الأخرى.
هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.
-------------------------------------
ـ[شبيب القحطاني]ــــــــ[25 - 10 - 07, 06:44 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[سعد أبو إسحاق]ــــــــ[26 - 10 - 07, 09:03 م]ـ
فوائد عظيمة يحتاج إليها طالب العلم والحاج ومن باب أولى من يرشد الناس في الحج
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/55)
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[27 - 10 - 07, 12:08 ص]ـ
اقتباس من كلام الأخ مهند (صاحب فكرة الموضوع)
الإخوةَ الفضلاء: بارك اللهُ فيكم أجمعين ..
وأعتذِرُ عن الإكمالِ؛ لارتباطي بسفرٍ ..
-----------------------------------------------------------
طال الانتظار فخشينا الفوت فأكملنا المسير بعد أن فتح لنا الطريق من صيد الفوائد ناقلين ومن الأخ معتذرين
النازلة الثانية: هل جدة ميقات أو لا؟
وهذه المسألة قد تكون نازلة باعتبار أن جدة لم تكن على عهد النبي _صلى الله علية وسلم_ كما هي الآن مدينة مأهولة وعامره وباعتبار أيضا أن الناس إلى عهد قريب كان كثير منهم يأتي إلى الحج عن طريق البر وحتى الذين يأتون عن طريق البحر كانوا ربما نزلوا عن طريق ينبع أو عن طريق الشعيبه وهذه كلها لا إشكال فالذي يأتي من ينبع يحرم من ذي الحليفة أو من الجحفة والذي يأتي من الشعيبه يحرم من يلملم.
أما في هذه الأزمنة فأنتم تعرفون أن أكثر من نصف الحجاج يأتي عن طريق جدة إما عن طريق الطيران أو عن طريق البحر فبالنسبة إلى هؤلاء هل نقول لهم إن جدة ميقات بحيث أن الواحد منهم لا يحرم حتى يصل إلى جدة وينزل فيها ثم بعد ذلك يحرم أم نقول إن الإحرام واجب عليهم قبل أن يصلوا إلى جدة. قبل أن نبحث هذه المسألة يحسن بنا أن نحرر محل النزاع حتى نعرف ما هو متفق علية وما هو مختلف فيه من هذه المسألة. فنقول:
إن أهل العلم أجمعوا على أن أهل جدة والمقيمين في جدة وحتى الطارئين على جدة لكنهم ما أنشؤا نية النسك من حج أو عمرة إلا وهم في جدة أن هؤلاء جدة بالنسبة لهم ميقات فأهل جدة مثلاً إذا اراد الواحد منهم أن يعتمر فبإجماع أهل العلم أنه يحرم من بيته في جدة وحتى القادمين عليها من الآفاق افترض أن إنسانا من مصر وضيفته في جدة فسكن جدة فإنه إذا أراد أن يعتمر أو يحج يحرم من جدة. هذا بإجماع أهل العلم حتى غير المقيم فيها إذا جاء إليها ثم أنشأ النية في جدة فإن ميقاته جدة بإجماع أهل العلم.إذاً هؤلاء لا يدخلون في محل النزاع فجدة بالنسبة لهم ميقات بالإجماع.
إذاً محل النزاع الذي نريد أن نبحثه أيها الاخوه هو من يأتي إلى جدة وهو في نيته أن يحج أو يعتمر قبل أن يصل إلى جدة كمن يسافر مثلاً من بريده إلى جدة وهو ينوي الحج أو العمرة أو يأتي من مصر أو يأتي من العراق أو من الباكستان أو من المغرب أو من أي بلد يأتي إلى جدة وهو من حين انشأ السفر ينوي الإحرام بالحج أو العمرة فهذا من أين يحرم وهل تعد جدة بالنسبة له ميقات أو لا؟
الذي يأتي إلى جدة وهو في نيته الإحرام إذا مر فوق أحد المواقيت كأن يمر فوق قرن المنازل أو السيل الكبير الآن أو فوق ذي الحليفة أو فوق الجحفة أو فوق يلملم فإذا أحرم فوق الميقات أو من محاذات الميقات الذي يمر عليه فهذا لاشك أنه ابرأ لذمته واسلم له لانه يكون قد خرج من الخلاف
الذي يمر على ميقات من المواقيت في الجو أو في البر أوفي البحر فيحرم من الميقات الذي يمر عليه قبل أن يصل إلى جدة فإن هذا يخرج من خلاف أهل العلم ومن النزاع ويسلم من التأثم على قول بعض أهل العلم لكن نأتي إلى أحد رجلين إما شخص يأتي إلى جدة ولم يمر بميقات من المواقيت ولا بما يحاذيه أو انه مر بميقات ولكنه أراد أن يحرم من جدة. أفترض أن إنسانا خرج من عندنا من هنا من بريدة وهو يريد أن يذهب إلى العمرة وقال أنا اريد أن احرم من جدة فهل يجوز لي ذلك أم لا يجوز؟ هذه هي مسألتنا فهذا بالتأكيد أنه سيمر فوق ذي الحليفة أو قرن المنازل أو الجحفة لكنه يريد أن لا يحرم إلا من جده. فهل يجوز له أن يحرم من جدة أم لا؟ أهل العلم اختلفوا في هذه المسألة على أربعة أقوال:
# القول الأول: قالوا إن جدة ليست ميقاتا لاحد. ليست ميقاتا إلا لمن ذكرناهم في المسألة المجمع عليها قبل ذلك وهم أهلها والمقيمون فيها أو من لم ينو العمرة أو الحج إلا فيها. أما القادم عليها بنية العمرة فإنها ليست ميقاتا له وبالتالي فإن من تجاوز الميقات قبل أن يحرم فإنه آثم وهل عليه فدية أو لا؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/56)
هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، واستدلوا بأن جدة لم يوقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست محاذية لأقرب المواقيت إليها فإن يلملم أقرب المواقيت إليها ويلملم تبعد عن مكة أكثر من تسعين كيلا وجدة لاتبعد أكثر من سبعين كيلا.
# القول الثاني: قالوا إن جدة ميقات لمن يأتي من جهة الغرب عنها وهم الذين يأتون من شمال السودان او من جنوب مصر فهؤلاء الذين يأتون من هذا الاتجاه يعني من جهة الغرب لا يمرون بميقات من المواقيت وبالتالي فإن جدة تعتبر ميقاتا لهم أما من عدا هؤلاء فليست ميقاتا لهُ وبالتالي إذا تجاوز الميقات ولم يحرم منه فإنه آثم.
# القول الثالث: قالوا إن جدة ميقات لمن قدم إليها عن طريق الجو أو عن طريق البحر أما من جاء عن طريق البر فليست ميقاتا له وإنما ميقاته ما قبلها من المواقيت أما الذي يأتي من البحر أو من الجو فجدة تعتبر ميقاتا له.هذا هو القول الثالث في هذه المسألة.
وحجة أصحابه أن جدة ليست محاذية ولكن لمشقة إحرام الناس في الطائرة والباخرة ولأن الحرج مرفوع فيجوز لهم الإحرام من جدة.
# القول الرابع: يقول إن جدة ميقات فرعي لكل من أتى إليها من الجو أو البحر أو حتى من البر فهي ميقات فرعي وحينما نقول ميقات فرعي لأن المواقيت التي وقتها النبي _صلى الله عليه وسلم_ معروفه أربعة وزاد عمر _رضي الله عنه_ خامسا وما عدا ذلك فهو ميقات فرعي كما سنبينه الآن. هذا هو القول الرابع في هذه المسألة وهو أوسع هذه الأقوال أن جدة ميقات لكل من أتى إليها.
لو أردنا أيها الإخوة أن نستعرض أدلة كل قول من هذه الأقوال لطال بنا المقام واتسع ولكننا سننظر في هذه المسألة باعتبار أن ملايين من المسلمين يأتون إلى جدة عن طريق البحر أو عن طريق الجو وهؤلاء منهم الجاهل ومنهم من له أحد يفتيه ومنهم من لم يعلم حتى وصل. فهؤلاء إذا جاؤا إلى جدة واحرمُوا منها أو قيل لهم لا تحرمُوا إلا من جدة أو وصلوا إلى جدة وقيل لهم ليست ميقاتا أو نحو ذلك. هؤلاء ما حكمهم؟ الذين يقولون بأن جدة ميقات لكل من اتى إليها عن طريق البر أو البحر أو الجو هؤلاء قالوا إن جدة تعتبر محاذية لميقات يلملم وإذا كانت محاذية لهذا الميقات فإنها تكون ميقاتا فرعيا فمن أتى إليها فإنها ميقاته لان النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال " هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن " فمن أتى عليها من غير أهلها أصبحت ميقاتا له وقبل أن نتبين هل جدة فعلاً محاذية ليلملم.
نتبين بعض الأمور أولها ما معنى المحاذاة؟
المحاذاة هي التي وردت في حديث عمربن الخطاب _رضي الله عنه_ في صحيح البخاري فإن أهل العراق لما فتح العراق جاؤا إلى عمر_رضي الله عنه_ فقالوا يا أمير المؤمنين إن قرناً جور عن طريقنا _ يعني قرن المنازل الذي هو السيل الكبير الآن بعيد عن طريقنا ويشق علينا وإن ذهبنا إليه شق علينا _ فقال عمر _رضي الله تعالى عنه_ أنظروا ُ حذوهُ من طريقكم _ يعني أنظرواُ ما يحاذي قرن المنازل من طريقكم _ ثم وقت لهم رضي الله تعالى عنه ذات عرق. وذات عرق تقع تقريباً إلى جهة الشمال من قرن المنازل على طريق الحاج العراقي قديماً. أخذ من ذلك أهل العلم أن كل إنسان يأتي إلى الحرم من طريق لا تمر بإحدى النقاط التي وقتها الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وهي ذو الحليفة والجحفة ويلملم وقرن المنازل أن كل من أتى من غير هذه الطرق أنه يحرم إذا حاذى أقرب هذه المواقيت.
فما معنى المحاذاة؟ كثير من الناس يتبادر إلى ذهنه أن المحاذاة هي أن الإنسان يخط خطوطا بين المواقيت الأربعة ثم إذا وصل إلى هذا الخط يعتبر محاذيا للميقات الذي يليه ويكون هذا محل إحرامه والحقيقة أن المحاذاة ليست بهذا المفهوم فالمحاذاة عند عامة أهل العلم هي أن الإنسان إذا أتى من طريق لا يمر على ميقات من المواقيت التي وقتها رسول _صلى الله عليه وسلم_ فإنه ينظر إلى أقرب ميقات من المواقيت التي وقتها رسول _صلى الله علية وسلم_ إليه فإذا كان مثلا أقربها ذو الحليفة ينتقل إلى الخطوة التالية وهي أنه ينظر كم المسافة بين الميقات القريب وهو ذو الحليفة وبين الحرم فإذا كان في نقطة بينه وبين الحرم مثلها فإن هذا هو ميقاته فإذا قلنا مثلاً ان ذا الحليفة بينه وبين مكة أربعمائة كم فجاء إنسان مثلاً من جهة مهد الذهب قلنا أقرب المواقيت إليك ما هو؟ قال
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/57)
أقرب المواقيت إلي هو ذو الحليفة نقول له أنظر إذا كنت في نقطة بينك وبين مكة أربع مئة كيلو فهذا هو ميقاتك هذا هو معنى المحاذاة. المحاذاة كما قلت لكم أن تنظر إلى أقرب المواقيت الأصلية التي وقتها النبي _صلى الله عليه وسلم_ في الحديث إليك فتنظر المسافة بين هذا الميقات وبين مكة فإذا كنت أنت في مكان بينك وبين مكة مثل المسافة التي بين هذا الميقات وبين مكة فأنت حينئذ في المحاذاة فلو نظرت مثلاً إلى ذات عرق لوجدت أن المسافة التي بينها وبين قرن المنازل أقرب من المسافة التي بينها وبين ذي الحليفة إذاً هي محاذية لقرن المنازل. ثم تنظر المسافة بين قرن المنازل ومكة هي نفس المسافة التي بين ذات عرق وبين مكة هذا معنى المحاذاة.
نرجع الآن إلى جدة. فنقول العملية الأولى ما هي أقرب المواقيت إلى جدة؟ جدة بين ميقاتين بين الجحفة وبين يلملم. الجحفة ميقات أهل الشام ومصر ويلملم ميقات أهل اليمن. فجدة بين هذين الميقاتين لكنها كما هو معروف أقرب إلى يلملم وإذن إذا أردنا أن ننظر هل تكون جدة محاذية ليلملم نقول يجب أن ننظر كم المسافة التي تكون بين يلملم وبين مكة فإذا كانت المسافة بين جدة وبين مكة هي نفس المسافة قلنا أن جدة ميقات. يلملم في موقع الميقات الموجود الآن الذي يسمى السعدية أو الذي على طريق الساحل المسافة بينه وبين الحرم مسافة كبيرة المسافة بحدود ست وتسعين كيلو متر (96كم) وجدة بينها وبين مكة ما يصل إلى ستين (60) أو خمسة وستين كيلو متر (65كم) إذن كيف قال أصحاب هذا القول إن جدة ميقات وأنها محاذية ليلملم. أقول لكم
أولاً ما هي يلملم؟ ثبت كما في الصحيحين أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقت لأهل اليمن يلملم فما هي يلملم؟ أختلف أهل العلم في يلملم. قد رجعت إلى كثير من كتب البلدان والأماكن والبقاع واللغة فوجدت أن من أهل اللغة من يقول أن يلملم جبل ومنهم من يقول إنها وادي. والذي يظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم أن يلملم جبل ووادي جميعا ولهذا تجد بعض أهل العلم يقول إنها جبل وبعضهم يقول إنها وادي والذين قالوا إنها وادي كثيرون من أهل العلم فقد ذكر ذلك في معجم البلدان وفي كتاب ألف حديثا تكلم عن المواقع التي وردت في السيرة كلهم قالوا يلملم عبارة عن وادي فإذا نظرنا إلى هذا الوادي الذي هو يلملم نجد أن هذا الوادي تمتد أصوله وأعاليه من أعلى جبال تهامة أعلى جبال السر وات فهو في أعلاه يكون تقريباً على شكل سبعة له أصلان احدهما ينحدر تقريباً من منطقة الشفا بالطائف والثانية تقع شمالا عنها بحدود عشرة كيلو مترات في بلاد هذيل ثم ينزل هذا الوادي ثم يجتمع هذان الواديان في وادي واحد فيمر في يلملم التي كانت ميقاتًا عصورًا طويلة ثم تقريباً بحدود الأربع مئة والألف هجرية خرج طريق الساحل مما يلي الليث والشعيبة تقريباً وكان قريبا من الساحل فنقل الميقات أو انتقل الناس وبدؤا يحرمون من مسجد أقيم على هذا الطريق في أسفل هذا الوادي. الوادي هذا ينطلق تقريباً من الشمال الشرقي ويتجه إلى الجنوب الغربي بهذا الشكل ولهذا حتى الذين نقلو الميقات من موقعه الأول إلى موقعه الجديد على الطريق الساحلي نظروا إلى الوادي فإنك لو تأملت الميقات الجديد ابعد من الميقات القديم فلو كانت في المحاذاة لوضعوه في موضع تكون المسافة واحدة لكنهم نظروا إلى الوادي فالوادي ينزل حتى يقطع الطريق الجديد طريق الساحل فجعلوا الميقات على تقاطع طريق الساحل مع هذا الوادي. وهذا الوادي ممتد كأن النبي _النبي صلى الله عليه وسلم_ جعله ميقاتا لكل من أتى من أهل اليمن عن طريق تهامة إن أتى من أسفل فهو من طريق الساحل الآن أو من أعلا فمن الذي كان الناس يحرمون منه سابقا ومن أتى من أعلا فإنه يحرم من أصول هذا الوادي ومن أعاليه. فهذا الوادي الذي هو يلملم لاشك أنه أقرب المواقيت إلى جدة فإذا نظرنا إلى أعالي هذا الوادي كما قلت لكم أعلا هذا الوادي واديان أحدهما قريب من منطقة الشفا بالطائف وهذه المنطقة التي هي طرف الوادي من هنا بينها وبين مكة بحدود ستين كيلو متر (60 كم) وإذا أتينا إلى الفرع الشمالي منه الذي في بلاد هذيل فإن المسافة بينه وبين الحرم لا تزيد على خمسين كيلو متر (50كم) فأهل العلم الذين قالوا بأن جدة ميقات وأنها محاذية ليلملم نظروا إلى أقرب نقطة من
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/58)
يلملم وقاسوا المسافة بينها وبين الحرم ثم نظروا إلى المسافة بين جدة وبين الحرم فوجدُوا أن المسافتين متساويتان بل إن أوسط جدة وغرب جدة أبعد من أصول و أعالي وادي يلملم عن الحرم وبناء على ذلك قالوا إنها تعدُ محاذية ليلملم وبالتالي فإنها ميقات من المواقيت. إذا قلنا إنها ميقات من المواقيت وهذا القول هو الذي يظهر لي والعلم عند الله سبحانه وتعالى أنها ميقات فرعي لمحاذاتها لوادي يلملم في أعاليه. فننتقل إلى مسألتين هما آخر المسألة.
• المسألة الأولى هي: إذا قلنا أن جدة ميقات فرعي. فالذي يأتي من جهة البحر مثلاً من السودان أومن مصر أو نحو ذلك. يأتي إلى جدة هذا لا إشكال فيه لان هذا الميقات هو أول ميقات يصل إليه فحينئذ يحرم منه ولا خلاف بين من يقول هذا القول في انه قد احرم من الميقات وانه ليس عليه شيء أمام الله سبحانه وتعالى وانه احرم من الميقات الفرعي المقيس على الميقات الذي وقته رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لكن الإشكال هو في أمثالنا مثلاً من يأتي مثلاً من القصيم أو من الرياض أو من الشام أو من اليمن فيأتي عن طريق الطائرة مثلاً أو عن طريق السيارة فيتجاوز قرن المنازل ويذهب إلى جدة أو يتجاوز ذا الحليفة أو يتجاوز الجحفة ويذهب إلى جدة ويقول لن احرم إلا من جدة فما حكم هذا؟
أهل العلم يبحثون هذه المسألة في مسألة حكم تجاوز الميقات إلى ميقات آخر. يعني افترض أنك أنت من أهل المدينة وأردت أنك تعتمر وقلت لن احرم من ذي الحليفة ميقات أهل المدينة وسأذهب إلى الجحفة فتعتمر من هناك ما حكم هذا عند أهل العلم؟ المسألة فيها قولان عند أهل العلم: أكثر أهل العلم يقولون لا يجوز أن يتجاوز الإنسان ميقاتًا إلى ميقاتٍ آخر. وهذا يقول به كثير من أهل العلم وعلى هذا من يذهب من هنا على الطائرة لا يجوز له أن يحرم من جدة بل يجب عليه أن يحرم إذا حاذى السيل أو حاذى ذا الحليفة أو حاذى الجحفة ولا يجوز له أن يتجاوز ذلك إلى الميقات الآخر وهو جدة هذا هو القول الأول. واستدلوا لذلك بقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ _ عن هذه المواقيت _" هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن" فإن من يأتي على أي ميقات من المواقيت سواء كان من أهله أو من غير أهله فأنه لا يجوز له أن يتجاوز إلا بإحرام.
ومن أهل العلم وهو منسوب إلى الإمام مالك وأبي حنيفة و أبي ثور وهو قبل ذلك مروي عن عائشة _رضي الله عنها_ من يقول أنه يجوز تجاوز الميقات إلى ميقات آخر. فإنه قد ذكر أهل العلم أن عائشة _رضي الله عنها _كانت مقيمه في المدينة فكانت إذا أرادت أن تعتمر أحرمت من الجحفة وإذا أرادت أن تحج أحرمت من ذي الحليفة فإذا أرادت أن تعتمر فلا شك أنها تجاوزت ذا الحليفة إلى الجحفه وثبت أيضا في الصحيحين من حديث أبي قتادة _رضي الله عنه_ أنه خرج مع المسلمين عام الحديبية فالمسلمون أحرموا من ذي الحليفة وأبو قتادة _رضي الله تعالى عنه_ ما احرم من ذي الحليفة فالموفق ابن قدامة يقول إنه أحرم من الجحفة فيكون أبو قتادة _رضي الله تعالى عنه_ أيضاً مثل عائشة تجاوز ميقاتًا إلى ميقاتٍ آخر. وأيضا يمكن أن يُستدل لأ صحاب هذا القول بقول النبي _صلى الله عليه وسلم_" هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن" فإذا أتيت إلى جدة وإن كانت جدة ليست ميقاتا لك إلا أنك إذا أتيت من جهتها تصبح ميقاتا لك والذي يظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم أن هذا القول هو الراجح.لأنه بالنظر إلى هذه المواقيت نلاحظ أن هذه المواقيت جعلها الله سبحانه وتعالى حرمة للبيت الحرام تعظيم لهذا البيت فإن الله عز وجل جعل لبيته الحرام وللكعبة المشرفة ثلاث حرمات "حرمة المسجد وحرمة الحرم وحرمة المواقيت"فأنت لو وضعت نقاطا على كل منطقة سواء كانت ميقاتًا أصليًا أو فرعيا لوجدت أنها تحيط بالحرم من كل جوانبه فهي كما إذا أتيت هذا المسجد فإذا دخلت مع هذا الباب وتريد أن تخرج مع هذا الباب ثم ترجع مرة أُخرى هل نقول صل تحية المسجد الآن أم إذا رجعت. نقول صل تحية المسجد إذا أردت أن تجلس ولو مررت بالمسجد. فنحن نقول لمن دخل في حدود المواقيت ثم خرج أنه لم يرد الحج والعمرة في هذا الدخول وبالتالي فأنه لا يجب عليه الإحرام حتى يدخله مرة أُخرى بنيةً الحج أو العمرة تمامًا كما لو أن إنسانا ذهب من هنا وهو يريد أن يمر بالمدينة ويصطاف
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/59)
بالطائف لمدة أسبوع ثم يرجع ويعتمر ومن حين خرج من هنا وهو يريد العمرة لكنه ما أرادها في الدخول الأول دخل حدود المواقيت ثم خرج ثم يريد أن يرجع مرة أُخرى فهذا والعلم عند الله سبحانه وتعالى يجوز أن يتجاوز الميقات الأول إلى الميقات الثاني لأنه لا يعتبر مُخلاً بهذا البيت أن دخل وخرج ولا شك أن تأثيم ملايين المسلمين ليس من مقاصد الدين ولا من أهداف الشريعة فمادام أن الأمر يحتمل وأن المسألة ليس فيها تجاوز لكتاب الله ولا لسنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ تجاوزً صريحا وأن هذا له مسوغ من كلام أهل العلم فانه لا معنى أن نذهب للقول الأشد أو حتى الأحوط لان الأحوط أحياناً يكون فيه حرج على مئات الملايين من المسلمين الذين يأتون في كل عام للحج والعمرة.
• المسألة الثانية هي: هل جدة كلها ميقات أم لا؟ تعرفون أن جزءا كبيرا من الحجاج الآن ينزل في مطار الملك عبد العزيز فهل نقول أن مطار الملك عبد العزيز ميقات؟ وجزء كبير ينزل في ميناء جدة الإسلامي.مدينة جدة واسعة جداً وطويلة تمتد على البحر ما يقرب من سبعين كيلو متر وبناء على هذا القول الذي أراه والعلم عند الله سبحانه وتعالى راجحا فإن جدة ليست كلها ميقاتا فمطار الملك عبد العزيز ليس ميقاتا ولا يجوز لمن ذهب إلى جدة أن يحرم من المطار. لأنه بالنظر إلى مطار جدة نجد أن بينه وبين الجحفة أقرب من المسافة بينه وبين يلملم وقد قلنا في المحاذاة أن المحاذاة أن تنظر إلى أقرب الميقاتين إليك فبالنسبة إلى شمال جدة والمطار فإن الجحفة أقرب من يلملم وبالتالي لا تكون محاذية حتى تكون المسافة بينها وبين الحرم كالمسافة بين الجحفة وبين الحرم وإذا فبناء على هذا القول الذي يعتبر ميقاتا هو وسط وجنوب جدة هذا هو الذي يعتبر ويعد ميقاتا بناء على هذا القول فالميناء الإسلامي و أوسط جدة وجنوب جدة وغرب جدة هذا كله يعد ميقاتا.
وقبل أن اختم هذه المسألة فإني أقول إن هذه المسألة من المسائل الكبيرة والهامة والتي تعم بها البلوى والتي وردت فيها فتاوى كثيرة ودرسها مجمع الفقه الإسلامي وبحثها غير واحد من أهل العلم وطلابه ومن أحسن من بحث هذه المسألة هو الشيخ عدنان العرعور _حفظة الله تعالى_ في كتاب أو رسالة سماها (أدلة إثبات أن جدة ميقات) لكنيِ أقول إن هذه المسألة تحتاج إلى مزيد بحث والذي أراه و أشير به وأدعو إليه هو أن الجهات المختصة وولاة الأمر يكلفون عددا من طلبة العلم ممن يرى هذا الرأي ويرى أن جدة ميقات ويكلفون معهم عددا من المختصين بعلم الجغرافيا والذين عندهم القدرة والخبرة على قراءة الخرائط وقراءة الصور الجوية وأن يجتمع هؤلاء ثم يبحثوا هذه المسألة بحثا شرعيا وينزلونها على الواقع ويضعون المعالم لما يعد من جدة ميقاتا ومالا يعد منها ميقاتا ثم تعرض هذه المسألة وهذا البحث على هيئة كبار العلماء للنظر فيه فإذا أقر فإنه ينزل على الواقع وتوضع علامات في جدة للمواقيت وأيضا يستحسن أن يوضع في جدة كما وضع في سائر المواقيت مسجدا يكون علامة على الميقات بحيث أن الناس يحرمون منه من أتى من طريق المطار أو من البحر أو من غيرة فيكون هذا معلما وميقاتا مثل المساجد التي أقامتها الدولة بارك الله فيها في بقية المواقيت هذا مايسر الله سبحانه وتعالى وفتح به في هذة المسألة أسأل الله سبحانه وتعالى السداد والتوفيق.
ـ[أبو الوليد التويجري]ــــــــ[28 - 10 - 07, 02:06 م]ـ
بارك الله فيك أخي مهند ..
كنت بصدد إنزالها ..
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[05 - 12 - 07, 10:15 م]ـ
حكم الأضحية والهدي والعقيقة بمقطوع الألية
المسألة الثالثة، وهي متعلقة بباب الهدي والأضحية والعقيقة، وهي مسألة مقطوع الألية:
والألية تضبط هكذا بفتح الهمزة، كما قال ابن منظور في لسان العرب، قال ابن منظور: الألية بالفتح العجيزة للناس وغيرهم، وألية الشاة وألية الإنسان مفتوحة الألف، وقال: ولا تقل إلية فإنها خطأ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/60)
وجه اعتبار هذه المسألة من النوازل، هو أن قطع الألية لم يكن معروفًا ومشتهرًا في المجتمعات الإسلامية، قطع الألية بالنسبة للأغنام لم يكن معروفًا ومشتهرًا، وإن كان قد يوجد لكن لم يكن معروفًا ومشتهرًا، وفي الوقت الحاضر أصبحت كثيرٌ من الأغنام التي ترد خاصة من أستراليا ونيوزيلندا وبعض الدول الأوربية تأتي وقد استؤصلت أليتها، فهل تجزئ تلك الأغنام مع استئصال الألية هل تجزئ في الهدي والأضحية والعقيقة أم لا؟
بعض الفقهاء المتقدمين أشاروا لهذه المسألة ربما على سبيل الافتراض أو أنها ربما توجد لكن بقلة، وقد أشار لها الموفق ابن قدامة في المغني إشارة مختصرة، فقال رحمه الله: ولا تجزئ ما قطع منها عضو كالألية، ولكن لم يتوسع الفقهاء المتقدمون في هذه المسألة كما ذكرت بسبب أن هذا لم يكن معروفًا ومشتهرًا في المجتمعات الإسلامية، لكن في الوقت الحاضر أصبح هذا كثيرًا، وذلك أن القائمين على تربية تلك الأغنام يرون أن الألية إذا قطعت فإن ذلك يؤدي إلى مردود اقتصادي بالنسبة لهم، فقطع الألية يسبب سمن تلك الأغنام مما يؤدي إلى ارتفاع قيمتها فيكون في ذلك مردود اقتصادي لهم.
لما أصبحت تلك الأغنام تأتي وتُستورد، بحث مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة هذه المسألة قبل عشر سنوات، وأصدر فيها قرارًا جاء فيه أن مجلس الهيئة درس موضوع حكم الأضحية والهدي والعقيقة بمقطوع الألية؛ لأن أكثر الأغنام التي ترد إلى المملكة من أستراليا ونيوزيلندا وبعض الدول الأوروبية مستأصلة أليتها، واطلع المجلس على البحوث المعدة فيه، وعلى الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو دواد والترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم والدارمي، والبيهقي والحاكم من طرق متعددة: , أمرنا رسول الله r أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحي بعوراء ولا مقابَلَة - والمقابلة هي التي شقت أذنها من الأمام عرضًا - ولا مدابَرة - وهي التي شقت أذنها من الخلف عرضا - ولا شرقاء - هي التي شقت أذنها طولًا - ولا خرقاء - وهي التي خرقت أذنها -قال زهير أحد رواة الحديث قلت لأبي إسحاق ما المقابلة إلى آخره.
وجاء في بعض طرق حديث علي عند البيهقي: , نهى رسول الله r أن يضحى بعضباء الأذن والقرن -قال قتادة أحد رواة الحديث وسألت سعيد بن المسيب عن العضب فقال: النصف فما زاد، أي قطع النصف فأكثر من الأذن أو القرن، هذا هو الأصل في هذه المسألة.
وقرر المجلس بالأكثرية أنه لا تجزئ الأضحية ولا الهدي ولا العقيقة بمقطوع الألية؛ لأن الألية عضو كاملٌ مقصود، فصار مقطوعها أولى بعدم الإجزاء من مقطوع القرن والأذن، إذًا التعليل أن الألية عضو كامل مقصود، فصار مقطوعها أولى بعدم الإجزاء من مقطوع القرن والأذن، يعني إذا كان مقطوع القرن والأذن لا يجزئ فلا يجزئ مقطوع الألية من باب أولى، فالألية ذات قيمة ومرادة ومقصودة في نفسها.
ولهذا عند إكرام الضيف في بعض المجتمعات يرون أن وجود الألية على الذبيحة أنه رمز لإكرام الضيف، وأن تقديم الذبيحة بدون الألية يشعر بالنقص في إكرام ذلك الضيف، لا زال هذا موجودًا عند بعض المجتمعات، وهذا يدل على أن الألية مقصودة ومرادة في ذاتها، فهي عضو مقصود، فإذا كانت عضوًا مقصودًا، فقطعها يجعلنا نقول: إن تلك الأغنام التي قطعت منها لا تجزئ، فهي أولى بعدم الإجزاء من مقطوع الأذن والقرن، إذا كان مقطوع القرن والأذن لا يجزئ، مع أن القرن والأذن قد لا يستفاد منهما، فمقطوع الألية من باب أولى، ولهذا عند الأضحية والهدي والعقيقة ينبغي التأكد من هذا، من أن ما تريد أن تضحي به أو ما تريد أن تهديه أو ما تريد أن تجعله عقيقة تتأكد من أنه ليس مقطوع الألية.
يوجد بعض الأغنام تشبه مقطوع الألية لكنها يكون لها ذيل قصير بأصل خلقتها، بأصل الخلقة، فهذه تجزئ، هذه تجزئ لأنها لم تقطع الألية منها، وإنما أتت هكذا بأصل خلقتها، ومن ذلك بعض الأغنام الأسترالية، بعض الأغنام الأسترالية لا يكون لها ألية، وإنما يكون لها ذيل كذيل البقرة، فهذه التي ليست لها ألية خلقة، وإنما لها ذيل تجزئ في الهدي والأضحية والعقيقة إذا توفرت الشروط الأخرى.
هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.(86/61)
مسألة .. رجل نذر أن يصوم لله عز وجل ..
ـ[عبدالرحمن الناصر]ــــــــ[18 - 10 - 07, 12:21 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله ..
رجل نذر أن يصوم لله عز وجل ..
وعندما جاء يوم عرفه تذكر النذر ..
فصام يوم عرفه بنية (صيام عرفه) وبنية (الإيفاء بالنذر) ..
فهل يتحقق له ذلك؟
فهل يسقط عنه النذر ويأخذ أجر صيام عرفه؟؟
أم أنه لا يجوز اشراك نتيتين في عمل واحد؟؟
ـ[يحيى صالح]ــــــــ[18 - 10 - 07, 07:12 م]ـ
مسألة الاشتراك في النيات من المسائل المختلف فيها، ويتضح ذلك بمثال غسل الجنابة وغسل الجمعة وغسل الحيض، أيضا مثال تحية المسجد وسنة الصلاة القبلية، وغيرها من المسائل.
والذي تطمئن إليه النفس هو تخليص كل عبادة على حدة وفعلها منفصلة عن الأخرى، وذلك للخروج من خلاف العلماء، فإنك إذا فعلتها (مدمجة) يقول البعض بعدم صحتها، وإذا فعلتها (منفصلة) قال الجميع بالصحة.
هذا كلام إجمالى يمكنك مراجعة تفاصيله في (المحلى) و بعض كتب للشيخ الألباني لا أتذكر أسماءها الآن.
ـ[المقرئ]ــــــــ[18 - 10 - 07, 07:24 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
يفتي شيخنا ابن عثيمين في هذه المسألة بأنه يصح صومه ويقع عن نذره وعن عرفة والله أعلم
ـ[ابو حمزة الشمالي]ــــــــ[18 - 10 - 07, 09:16 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته:
ذكر ذلك ابن رجب في قواعده أي مسألة تداخل العبادات البدنية فإن كان كلاهما واجب فلا يكفي أحدهما عن الآخر أما و قد كان صوم عرفة سنة و نذره واجب فلعلهما يتداخلان.
والله أعلم(86/62)
علة وسبب قصر الصلاة للمكي في الحج
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[18 - 10 - 07, 06:45 م]ـ
أستفسر عن بحث في مسألة (الجمع والقصر من الحاج هل هو للنسك أو للسفر) هذا عنوان استفسار من الأخ: أبو العبادلة (عضوء جديد) من ضمن أعضاء الملتقى حفظهم الباري، وهذا نص السؤال وكان بتاريخ 6/ 12 / 2006 م
الأخوة الفضلاء:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أستفسر عن بحث في مسألة (الجمع والقصر من الحاج هل هو للنسك أو للسفر)، أرجو الإفادة ولكم الشكر.
الجواب:
أخي الفاضل: هذه مشاركة بسيطة في الموضوع وقد كتبت في هذه المسألة بحثا قديما أختار لك منه ما يناسب السؤال 0
واعتذر عن عدم ترتيب الحواشي فشيء فوق وشيء تحت، وأخرى بجانب.
وأتمنى الاستفادة من مشايخ الملتقى ولتكن نقطة البحث (سؤال السائل) لا مسالة حكم قصر أو إتمام أهل مكة في الحج.
* علة وسبب قصر الصلاة في منى للجميع - المكي وغيره -
اختلفوا في ذلك على قولين (1):
1 - الشافعي وأحمد وأكثر الفقهاء أن القصر لأجل السفر، فلا يجوز إلا للمسافر الذي يباح له القصر طرداًً للقياس.
2 – مالك وبعض أصحاب الشافعي وأحمد أن القصر لأهل مكة وغيرهم لأجل النسك، واختاره ابن كثير (2) 0
وتعقب: بأنه لو كان للنسك لكان أهل منى يتمون ولا قائل بذلك (3) 0
** وعند الحنفية القصر للسفر والجمع للنسك 0
* علة وسبب قصر أهل مكة خلفه صلى الله عليه وسلم والرد على علة النسك
اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك على قولين (4) 0
1 – أن ذلك كان لأجل النسك وهو لبعض أصحاب أحمد والمالكية 0
قال بعض المالكية: " لو لم يجز لأهل مكة القصر بمنى لقال لهم النبي r أتموا، وليس بين مكة ومنى مسافة القصر فدل على أنهم قصروا للنسك " (5) 0
وأجيب: بأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى استغناء بما تقدم بمكة 0
وردّ: بأن الحديث ضعيف من رواية علي بن زيد بن جدعان وهوضعيف، ولو صح فالقصة كانت في الفتح، ومنى في حجة الوداع، وكان لابد من بيان ذلك لبعد العهد 0 (6)
- وإن كان القصر لأجل النسك فيجب معرفته للجميع إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز 0
2 – كان لأجل السفر، وهو قول لبعض أصحاب الإمام أحمد 0
قال شيخ الإسلام: " وهو الصواب، وهو أنهم قصروا لأجل سفرهم، ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة، وكانوا محرمين، والقصر معلق بالسفر وجوداً وعدماً، ولا تعلق له بالنسك، ولا مسوغ لقصر أهل مكة بعرفة إلا إنهم بسفر " (7)
ووافقه ابن القيم فقال: " ولا تأثير للنسك في قصر الصلاة البتة، وإنما التأثير لما جعله الله سبباً وهو السفر هذا مقتضى السنة، ولا وجه لما ذهب إليه المحددون " (8) 0
واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال:
" الصحيح أن القصر في منى وعرفة ومزدلفة، ليس سببه النسك بل سببه السفر، والسفر لا يتقيد بالمسافة بل يتقيد بالحال وهو أن الإنسان إذا خرج تأهب واستعد لهذا الخروج وحمل معه الزاد والشراب فهو مسافر " (9) 0
------------------------------
(1) انظر مجموع الفتاوى 26/ 169
(2) حجة الوداع ص 327
(3) انظر فتح الباري 2/ 563
(4) انظر مجموع الفتاوى 24/ 12
(5) انظر فتح الباري 2/ 563
(6) المرجع السابق 0
(7) مجموع الفتاوى 24/ 12
(8) زاد المعاد 2/ 235
(9) لقاء الباب المفتوح 51/ 21
- ومما يدل على أن صلاة النبي r بالمشاعر قصراً لأجل السفر: أنه صلّى بعرفة الظهر والعصر قصراً لأنه أسرّ بالقراءة فيها، وقد كان ذلك يوم جمعة، وصلّى أهل مكة معه، ولو كانوا متمين للصلاة للزمتهم الجمعة، ولا قائل به.
ولو كان القصر لأجل النسك لصلّى الجمعة جهراً بدل الظهر سرّاً مقصورة، وليس على المسافر جمعة فدل على أنه قصرها لأجل السفر والله أعلم.
و لا يصح أن يقال: هو قصر الصلاة لأجل السفر، وهم قصروا لأجل النسك. لما فيه من التناقض الظاهر.
----------------------------
... تحقيق مذهب الإمام مالك في علة القصر والرد على علة النسك.
من أين جاءت علة النسك؟
اشتهر على الألسن وفي أكثر كتب الشروح أن القصر في الحج عند الإمام مالك رحمه الله للنسك لا للسفر كما سبق في المسألة 0
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/63)
قال الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي: " وهو غير صحيح كما بسط في الأوجز (1)، عن كتب فروع المالكية 0 وفي هامش اللامع: والأوجه عندي أن القصر عند الإمام مالك أيضاً للسفر كما صرح في الموطأ إذ قال: الصلاة يوم عرفة إنما هي ظهر، ولكنها قصرت لأجل السفر 0 إ-هـ فهذا نص عنه رضي الله إلا أنه عد الذهاب من مكة إلى منى، ومنها إلى عرفة، ومنها إلى راجعاً إلى المزدلفة ثم إلى منى ثم إلى مكة سفراً واحداً للزومه بالإحرام، ولذلك لا يقصر أهل مكة بمكة، وأهل منى بمنى عنده لأنهم مقيمون في أوطانهم، ولو كان القصر للنسك ليقصرون حجاج مكة ومن في أوطانهم 0إهـ"
(1) حجة الوداع للكاندهلوي ص 101
والمقصود بالأوجز كتاب (أوجز المسالك إلى موطأ الإمام مالك) مطبوع.
--------------------------------------------
وهذه العلة – علة النسك - ضعيفة ولا تصح لأسباب كثيرة منها:
- أنها مستنبطة، وعلة السفر منصوصة بالكتاب والسنة، ومن طرق الترجيح عند الأصوليين تقديم العلة المنصوصة على العلة المستنبطة.
- أنها (علة النسك) غير مطردة بخلاف علة السفر فهي في مكة ومنى وعرفة ... الخ
ولذالك حصل تناقض عند بعض المفتين من المعاصرين فقال يقصرون (أهل مكة) في منى ويتمّون في مكة، وكأن منى في محافظة ثانية غير مكة.
- أنّ عمر رضي الله عنه كان يصلّي الظهر بأهل مكة فسلّم من ركعتين ثم قال: " يا أهل مكة أتمّوا صلاتكم فإنا قوم سفر " (1).
(1) أخرجه مالك في الموطأ 1/ 402 كتاب الحج، باب صلاة منى وإسناده صحيح كما في المجموع للنووي 8/ 92، والدراية 1/ 231 والمصنف لعبد الرزاق 2/ 540 رقم 4371، 2/ 540 رقم 4369 0
فلو كان القصر لأجل النسك لما قال لهم ذلك. لأن النسك لا يختلف في مكة أو المشاعر.
ولو كان للنسك أيضاً للزم إعلانه لهم بمنى والمشاعر وهو الخليفة الملهم، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولا يصح لأهل مكة أن يخالفوا عمر رضي الله عنه في المشاعر ويتمّون فدل على أنهم قصروا في المشاعر لأجل علة السفر لا للنسك، ولمّا كانوا بمكة
(مقيمين) أتمّوا.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وهو الصواب وهو أنهم قصروا لأجل سفرهم، ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة، وكانوا محرمين والقصر معلّق بالسفر وجوداً وعدماً، ولا تعلّق له بالنسك، ولا مسوّغ لقصر أهل مكة بعرفة إلا أنهم في سفر ". (1)
(1) مجموع الفتاوى 17/ 479
وقال ابن القيم رحمه الله: " ولا تأثير للنسك في قصر الصلاة البتة، إنما التأثير لما جعله الله سبباً وهو السفر، هذا مقتضى السنة، ولا وجه لما ذهب إليه المحددون ". (2)
(2) زاد المعاد 2/ 235
- أنها حادثة لم أجد لها ذكرا في عصر الصحابة والتابعين، فلا ينبغي الالتفات إليها.
ولا يصح أن نترك علة نص عليه القرآن في قوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} (2) سورة النساء آية 100
0قلت هذه العلّة (علة النسك) علل بها أصحاب المذاهب الفقهية خوفا من التناقض الوارد على قواعدهم في تحديد قصر الصلاة في السفر بالمسافة عللوا ذلك بالنسك فقالوا بقصر الصلاة لأجل النسك ونسبوها للإمام مالك رحمه الله، وهي علة عليلة يبرأ منها الأمام مالك فإنه نص في الموطأ على أن علة قصر الصلاة هي السفر كما حقق ذلك العلامة محمد زكريا الكاندهلوي وقد سبق كلامه.
- أن العلة لوكانت للنسك لكانت في العمرة أيضاً ولا قائل به 0 ولا فرق بين الحج والعمرة للمسافر في قصر الصلاة.فلماذا فرق بينه وبين المكي في العمرة وهما نسكان.فبطل القول بأن العلة للنسك 0 والله أعلم
---------
الدراسات السابقة
وقد وقفت على من كتب في هذه المسألة قديماً وحديثاً تبعا أو مستقلا بكتاب أو بحث أو رسالة أو فتوى لعالم قديمة أو حديثة، وكل أدلى بدلوه ورجح ما أدّاه إليه اجتهاده، وأوسعهم بحثا شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، وكلامه هو عمدة المتأخرين وحجتهم في قصر الصلاة للمكي.
فمن ذلك:
1 – سؤال ورد عام 1365هـ في شهر ذي الحجة من مرسى بومبائي ومن بلدة ماليكون من بعض أبناء العلم من عصرنا بأنه r ومن كان معه من الصحابة y في حجة الوداع قد صلّوا الظهر والعصر يوم عرفة ركعتن ركعتين وكذا بالمزدلفة العشاء لأنهم كانوا مسافرين فهل قصر أهل مكة معه r أم أتموا لكونهم مقيمين غير مسافرين؟ وهل أمرهم رسول الله r بالإتمام في حجة الوداع، وإن قصروها معه فما الدليل على جوازه عند الأحناف رحمهم الله تعالى من الأحاديث والآثار؟
هكذا ورد السؤال بعد تعريبه واختصاره من قبل العلامة مهدي حسن الكيلاني الحنفي، محقق كتاب الحجة على أهل المدينة ج 2/ 447 لمحمد بن الحسن الشيباني رحم الله الجميع.
2 - فتوى قديمة وحديثة لشيخنا محمد الصالح العثيمين رحمه الله.
الأولى بالقصر والثانية بالإتمام.
2 – المكيون والميقاتيون وما يختص بهم من أحكام الحج والعمرة. مطبوع
للدكتور: أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي جامعة أم القرى
ومسألة قصر الصلاة للمكي من صفحة
(31 - 43).
3 – بحث في حكم الجمع والقصر للحجاج في عرفة ومزدلفة والقصر في منى وأن ذلك من خصائص النسك؟
للشيخ: عبد الله بن سليمان المنيع، ضمن مجموع فتاوى وبحوث المجلد الثالث من صفحة 148 إلى 165. ويلاحظ من العنوان اختيار علة النسك.
4 - اثر اتساع النطاق العمراني بمكة المكرمة في فتوى قصر المكي للصلاة بمنى / عبد الله حمد الغطيمل.- مجلة البحوث الفقهية المعاصرة: فصلية، محكمة.- س 13، ع 49 (شوال / ذو الحجة 1421، فبراير 2001).- ص 222 - 256. مع ملحق للخرائط.
************************************************
أبو أحمد الهذلي: عبد الله بن عويض بن عبد الله المطرفي الدخيلي الهذلي alma.trfi@hotmail.com (alma.trfi@hotmail.com)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/64)
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[18 - 10 - 07, 10:50 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
أسأل الله تعالى رب العرش العظيم أن يبارك فيك، وأن يجزيك خير الجزاء، وأن يرفع قدرك في الدنيا والآخرة، وأن يعافيك من كل بلاء. اللهم آمين.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[19 - 10 - 07, 07:57 ص]ـ
بارك الله فيك وجزاك خيراً
ـ[فاضيل خليد]ــــــــ[19 - 10 - 07, 01:14 م]ـ
جزاك الله خيراً
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[20 - 10 - 07, 11:32 م]ـ
سلام عليكم
جزاء الله الإخوة خير الجزاء.
وتتميما للفائدة هذه فائدة من الشيخ الدكتور سعد الخثلان حفظه الله في مسألتنا ضمن شرح فقه النوازل في دورة جامع ابن تيمية بالرياض.
-------------------------------------
اتصال منى بمكة وأثر ذلك في حكم قصر المقيمين بمكة للصلاة في منى
المسألة الثانية من نوازل في كتاب الحج: اتصال منى بمكة وأثر ذلك في حكم قصر المقيمين بمكة للصلاة في منى:
نقول: إن منى لم تكن من قبل متصلة بمكة، بل كان بينها وبين عامر مكة، كان بين منى وعامر مكة جبال وأودية وشعاب، فالمسافة بينهما يطلق عليها سفر عند بعض الفقهاء، كما عند شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وجمع من الفقهاء، ولكن في الوقت الحاضراتصلت منى بمكة، بل إن منى أصبحت تكاد أن تصبح حيًّا من أحياء مكة، بل إن بعض الأحياء بعض أحياء مكة، لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق منى، ومن يذهب إلى منى من أهل مكة لا يحتاج إلى حمل زاد ومزاد، وليس في عرف الناس اليوم أن من يذهب من مكة إلى منى أنه يقول قد سافرت إلى منى، بل هو في انتقاله من مكة إلى منى كانتقاله لأي حي من أحياء مكة، بل بعض أحياء مكة أبعد من منى.
فهذا الاتصال لا يمكن أن يقال معه أن المسافة بين منى ومكة مسافة قصر، وهذا يقودنا قبل أن نشير إلى كلام أهل العلم في هذه المسألة، مسألة اتصال منى بمكة، وأثره في القصر بالنسبة لأهل مكة، نشير أولًا إلى آراء العلماء في حكم قصر أهل مكة للصلاة، في حكم قصرهم الصلاة بمنى وبعرفة وبمزدلفة. نقول اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن أهل مكة لا يقصرون ولا يجمعون في هذه المشاعر، ومنها منى، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعية، وهو قولٌ عند الحنابلة.
القول الثاني: أنهم يجمعون ولا يقصرون، وهذا هو مذهب الحنفية، قال به طائفة من أصحاب أحمد، ومن أصحاب الشافعي.
القول الثالث: أنهم يجمعون ويقصرون، يجمعون ويقصرون في منى وعرفات ومزدلفة، يجمعون ويقصرون، وهذا هو مذهب مالك، وهذا القول هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم رحمهما الله تعالى.
فإذا نجد أن من الفقهاء من قال أنهم لا يجمعون ولا يقصرون، ومنهم من قال يجمعون ولا يقصرون، ومنهم من قال يجمعون ويقصرون، لكن من قال بأنهم يجمعون ولا يقصرون، أويجمعون ويقصرون، هل الجمع والقصر هنا لأجل النسك، أو لأجل السفر، خلاف بين أصحاب هذا القول، فمنهم من قال إن سبب الجمع هو النسك، أن الجمع هنا والقصر لأجل النسك.
ولكن هذا القول يرد عليه، يرد على القول بأن الجمع والقصر لأجل النسك، يرد عليه إشكالية، وهي أننا لو قلنا بأن هذا الجمع والقصر لأجل النسك فيترتب على هذا أن المكي إذا أحرم في بيته جاز له أن يقصر وأن يجمع، ولا قائل بذلك من العلماء. اتضح المقصود، لو قلنا بأن القصر والجمع لأجل النسك يترتب على هذا أن المكي إذا أحرم في بيته جاز له أن يقصر وأن يجمع وهو في البيت لأنه تلبس بالنسك الآن، ولا قائل بذلك من أهل العلم، فهذا يرد على القول بأنه لأجل النسك، ولذلك فإن هذا القول قول ضعيف، وإن كان بعض العلماء قد تبناه هربًا من الإشكالية الواردة، وهي اتصال منى بمكة، وحينئذ فالصواب أن القصر لأجل السفر وليس لأجل النسك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/65)
وقد تبنى هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية ونصره، وهو أن القصر لأجل السفر وليس لأجل النسك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال: إن من تأمل الأحاديث في حجة الوداع وسياقَها علم علمًا يقينيًّا أن الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم من أهل مكة وغيرهم صلوا بصلاته قصرًا وجمعًا، ولم يفعلوا خلاف ذلك، ولم ينقل أحد قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بعرفة أو مزدلفة أو بمنى: يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر، وإنما نقل أنه قال ذلك في نفس مكة، كما رواه أهل السنن عنه، وقوله ذلك في داخل مكة دون عرفة ومزدلفة ومنى دليل على الفرق.
إذًا شيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن القصر والجمع إنما هو لأجل السفر، وهكذا أيضًا ابن القيم، وهكذا أيضًا هو مذهب المالكية، وإن كان المالكية مذهبهم أن السفرالمبيح للترخص، هو ما كان يوم وليلة وهو في حدود ثمانية كيلو متر تقريبًا لكنهم يستثنون هذه المسألة، وإن لم نقف على قول أو تعليل لهم في كتبهم بأن ذلك لأجل النسك.
ولكن سبق أن قررنا أن القول بأنه لأجل النسك قول ضعيف فيبقى القول بأن من قال من العلماء بأن أهل مكة يقصرون العلة بذلك السفر، كيف يعتبر سفرًا والمسافة ليست كبيرة بين منى وبين مكة، قرر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وذكر أنه يوجد بين مكة ومنى، يوجد صحراء فيها أودية وشعاب وجبال، وهكذا بينها وبين عرفات وبين مزدلفة، وهذا يسمى على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية يعتبر سفرا.
هذا القول قبل اتصال منى بمكة قول متجه، لكن الآن لما اتصلت منى بمكة هنا تنتفي هذه العلة، معلوم أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وكما قدمنا اتصلت الآن منى بمكة، وتكاد تصبح حيًّا من أحيائها ولا يمكن أن نعتبر المسافة الآن بين منى ومكة مع هذا الاتصال، لا يمكن اعتبارها سفرًا، ولو تأملت يعني هذا التصور وجدت أن الآن منى اتصلت الآن بحي العزيزية، وهذا الاتصال يجعلنا نقول: إن أهل مكة في هذه الحال ليسلهم أن يترخصوا برخص السفر؛ لأن المسافة ما بين منى ومكة لم تعد سفرًا بعد اتصال منى بمكة، لم تعد هذه المسافة سفرًا.
ومن قال بجواز القصر والجمع، فعلل ذلك بأنه لأجل السفر، ولم تعد هذه المسافة في وقتنا الحاضر تعد سفرًا، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى قباء كل سبت، يعني كل أسبوع ويصلي فيه ركعتين في مسجد قباء، والمسافة ما بين مسجده صلى الله عليهوسلم وقباء أطول من المسافة التي بين مكة الآن ومنى، ومع ذلك لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى في قباء لم يكن يقصر الصلاة.
بل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي يرى القصر لأهل مكة في منى يقول: إن مدينة النبي صلى الله عليه وسلم كانت بمنزلة القرى المتقاربة، عند كل قوم نخيلهم ومقابرهم ومساجدهم قباء وغير قباء، ولم يكن خروج الخارج إلى قباء سفرًا، ولهذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقصرون في مثل ذلك، والمنتقل في المدينة من ناحية إلى ناحية ليس بمسافر ولا يقصر الصلاة، هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في حال المدينة وعواليها وقراها المحيطة بها، فمن باب أولى منى مع مكة في الوقتالحاضر.
فنقول إذًا إن علة قصر أهل مكة في منى إما أن تكون لأجل النسك وهذا قلنا أنه قول ضعيف، أو لأجل السفر، وهذا قول متجه قبل اتصال منى بمكة، وأما بعد اتصال منى بمكة فلم تعد هذه العلة باقية الآن، انتفت علة السفر والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، ولهذا نقول إن أهل مكة إذا حجوا فإنهم في منى وفي عرفات وفي مزدلفة لا يقصرون ولايجمعون، اللهم إلا إذا كان في ترك الجمع حرج كبير، فيجوز لهم الجمع لأجل هذا الحرج، أما القصر فليس لهم القصر مطلقًا.
ويأخذ حكم أهل مكة المقيمين فيها من غير أهل مكة إقامة طويلة، مثل الجنود الذين يقيمون إقامة طويلة ونحوهم فيأخذون حكم أهل مكة في هذا. وهذه المسألة من المسائل التي يكثر السؤال عنها والحكم فيها كما سمعتم على هذا التفصيل، على أن أكثر أهل العلم وجمهور أهل العلم قبل اتصال منى بمكة يرون أن أهل مكة لا يقصرون، فكيف مع اتصال منى بمكة في الوقت الحاضر، هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.
-------------------
نقله وجمعه وصححه
أبو أحمد عبد الله المطرفي
alma.trfi@hotmail.com (alma.trfi@hotmail.com)
ـ[مشعل العياضي]ــــــــ[26 - 10 - 07, 12:43 ص]ـ
جزاك الله خيراً أخي المطرفي على هذا البحث الطيب والمفيد
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[26 - 10 - 07, 05:51 م]ـ
آمين. ولك مثله.
وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنكم بأخيكم.
ـ[أبو محمد الموحد]ــــــــ[27 - 10 - 07, 10:40 ص]ـ
جزاك الله خيراً
ـ[عبدالله يعقوب]ــــــــ[28 - 11 - 07, 07:16 م]ـ
هناك بحث للدكتور عبدالله بن حمد الغطيمل الأستاذ بكلية الشريعة بمكة بعنوان: (أثر اتساع النطاق العمراني بمكة المكرمة في فتوى قصر المكي للصلاة بمنى)
منشور بمجلة البحوث الفقهية المعاصرة ‘ العدد (49) شوال وذو القعدة وذو الحجة عام 1421هـ
من صفحة 222 - 256
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/66)
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[28 - 11 - 07, 08:22 م]ـ
يبدو أنك استعجلت
أو أنك لم تقرأ البحث فقد سبقت الاشارة في من كتب في الموضوع من المتقدمين والمتأخرين وهذه نص العبارة:
4 - اثر اتساع النطاق العمراني بمكة المكرمة في فتوى قصر المكي للصلاة بمنى / عبد الله حمد الغطيمل.- مجلة البحوث الفقهية المعاصرة: فصلية، محكمة.- س 13، ع 49 (شوال / ذو الحجة 1421، فبراير 2001).- ص 222 - 256. مع ملحق للخرائط.
-------------------------------------------
أتمنى معرفة رأيك في أصل المسألة حكم القصر لأهل مكة في المشاعر
ـ[مصعب الخضير]ــــــــ[29 - 11 - 07, 11:12 ص]ـ
عفى الله عنا وعنكم ..
والبحث ماشاء الله مفيد ونافع .. جزاكم الله خيراً ..(86/67)
ما حكم من صلّى بدون وضوء عمداً؟؟
ـ[عبدالرحمن الناصر]ــــــــ[19 - 10 - 07, 01:04 ص]ـ
ما حكم من صلّى بدون وضوء عمداً؟؟
سمعت أن بعض أهل العلم قال بكفره ..
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[19 - 10 - 07, 02:18 ص]ـ
سلام عليك:
لاشك في بطلان صلاته ومطالبته بالإعادة (قضاء الصلاة) مع التوبة النصوح.
وفيه خلاف يتضح لك من النقل المذكور
مجموع فتاوى ابن تيمية 23/ 177
ذكر بعض أصحاب أبي حنيفة أن من صلى بلا وضوء فيما تشترط له الطهارة بالإجماع. كالصلوات الخمس أنه يكفر بذلك وإذا كفر كان مرتدا. والمرتد عند أبي حنيفة تبين منه زوجته ولكن تكفير هذا ليس منقولا عن أبي حنيفة نفسه ولا عن صاحبيه وإنما هو عن أتباعه وجمهور العلماء على أنه يعزر ولا يكفر إلا إذا استحل ذلك واستهزأ بالصلاة
وفي رد المحتار على الدر المختار ( http://www.islamweb.net/ver2/Library/BooksCategory.php?idfrom=1&idto=8624&bk_no=27&ID=1&lang=A) كتاب الطهارة باب التيمم ج 1/ 253
(والمحصور فاقد) الماء والتراب (الطهورين) بأن حبس في مكان نجس ولا يمكنه إخراج تراب مطهر , وكذا العاجز عنهما لمرض (يؤخرها عنده: وقالا: يتشبه) بالمصلين وجوبا , فيركع ويسجد [ص: 253] إن وجد مكانا يابسا وإلا يومئ قائما ثم يعيد كالصوم (به يفتى وإليه صح رجوعه) أي الإمام ( http://www.islamweb.net/ver2/Library/showalam.php?ids=11990) كما في الفيض , وفيه أيضا (مقطوع اليدين والرجلين إذا كان بوجهه جراحة يصلي بغير طهارة) ولا يتيمم (ولا يعيد على الأصح) وبهذا ظهر أن تعمد الصلاة بلا طهر غير مكفر فليحفظ وقد مر وسيجيء في صلاة المريض. .
قال ابن عابدين:
مطلب فاقد الطهورين (قوله فاقد) بالرفع صفة المحصور , واللام فيه للعهد الذهني فيكون في حكم النكرة وبالنصب على الحال , كذا رأيته بخط الشارح (قوله ولا يمكن إخراج تراب مطهر) أما لو أمكنه بنقر الأرض أو الحائط بشيء فإنه يستخرج ويصلي بالإجماع بحر عن الخلاصة. قال ط: وفيه أنه يلزم التصرف في مال الغير بلا إذنه (قوله يؤخرها عنده) لقوله عليه الصلاة والسلام (لا صلاة إلا بطهور ( http://www.islamweb.net/ver2/Library/BooksCategory.php?flag=1&bk_no=27&ID=293#)) سراج (قوله وقالا يتشبه بالمصلين) أي احتراما للوقت. [ص: 253] قال ط: ولا يقرأ كما في أبي السعود , سواء كان حدثه أصغر أو أكبر. ا هـ. قلت: وظاهره أنه لا ينوي أيضا ; لأنه تشبه لا صلاة حقيقية تأمل (قوله إن وجد مكانا يابسا) أي لأمنه من التلوث , لكن في الحلية: الصحيح على هذا القول أنه يومئ كيفما كان ; لأنه لو سجد صار مستعملا للنجاسة (قوله كالصوم) أي في مثل الحائض إذا طهرت في رمضان , فإنها تمسك تشبها بالصائم لحرمة الشهر ثم تقضي , وكذا المسافر إذا أفطر فأقام (قوله مقطوع اليدين) أي من فوق المرفقين والكعبين وإلا مسح محل القطع كما تقدم , لكن سيأتي في آخر صلاة المريض بعد حكاية المصنف ما ذكره هنا , وقيل لا صلاة عليه , وقيل يلزمه غسل موضع القطع
(قوله إذا كان بوجهه جراحة) وإلا مسحه على التراب إن لم يمكنه غسله (قوله ولا يعيد على الأصح) لينظر الفرق بينه وبين فاقد الطهورين لمرض , فإنه يؤخر أو يتشبه على الخلاف المذكور آنفا كما علمت مع اشتراكهما في إمكان القضاء بعد البرء وكون عذرهما سماويا تأمل.
(قوله وبهذا ظهر إلخ) رد لما في الخلاصة وغيرها عن أبي علي السعدي , من أنه لو صلى في الثوب النجس أو إلى غير القبلة لا يكفر ; لأنها جائزة حالة العذر. أما الصلاة بلا وضوء فلا يؤتى بها بحال فيكفر. قال الصدر الشهيد: وبه نأخذ. ا هـ.
ووجه الرد أنها جائزة في مسألة المقطوع المذكورة , فحيث كانت علة عدم الإكفار الجواز حالة العذر لزم القول به في الصلاة بلا وضوء فافهم (قوله وقد مر) أي في أول كتاب الطهارة , وقدمنا هناك عن الحلية البحث في هذه العلة وأن علة الإكفار إنما هي الاستخفاف.
--------------
والله أعلم(86/68)
الإيضاح في مناسك الحج والعمرة للنووي مصورا
ـ[علي ياسين جاسم المحيمد]ــــــــ[19 - 10 - 07, 01:40 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد فهذا رابط الكتاب المشار إليه في المكتبة الوقفية وهو كما لا يخفى من الكتب الهامة لاسيما لأصحابنا الشافعية http://www.waqfeya.com/open.php?cat=14&book=1734
ـ[الاسدودى]ــــــــ[19 - 10 - 07, 02:34 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[19 - 10 - 07, 10:53 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
أسأل الله تعالى رب العرش العظيم أن يبارك فيك، وأن يجزيك خير الجزاء، وأن يرفع قدرك في الدنيا والآخرة، وأن يعافيك من كل بلاء. اللهم آمين.
ـ[فاضيل خليد]ــــــــ[19 - 10 - 07, 12:45 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[علي ياسين جاسم المحيمد]ــــــــ[20 - 10 - 07, 10:19 ص]ـ
جزاكم الله خيرا جميعا وشكر الله لكم(86/69)
الحذر من الأقوال الشاذة بحجة التيسير على الحجاج أرجوا المشاركة؟
ـ[ابو العابد]ــــــــ[19 - 10 - 07, 02:30 م]ـ
الحذر من الأقوال الشاذة بحجة التيسير على الحجاج أرجوا المشاركة؟
حتى يحذرها طلاب العلم والعوام , لئلا يظن أنها من المسائل الخلافية بين العلماء
فيتوسع المقلد في أخذها.
ـ[أبوهمام الطائفي]ــــــــ[24 - 10 - 07, 10:23 م]ـ
صدر كتابان حديثا يتعقبان الشيخ سلمان العودة على كتابه افعل ولا حرج
الأول: (كيف نفهم التيسير؟ وقفات مع كتاب " افعل ولا حرج ") للأخ الفاضل الشيخ / فهد أباحسين. وقدّم له الشيخ صالح الفوزان، والشيخ عبدالعزيز الراجحي، والشيخ عبدالله السعد. قال الشيخ صالح في مقدمته: (إن التيسير فيما شرعه الله وبينه رسول الله، لا باتباع الأقوال المخالفة لهدي الكتاب والسنة .. والمؤمل من الشيخ سلمان أن يرجع إلى الصواب؛ لأن قصده - إن شاء الله - إصابة الحق). وقال الشيخ عبدالعزيز: (ولقد أجاد الشيخ فهد وأفاد في هذا الحوار العلمي مع الشيخ الدكتور سلمان، فينبغي للدكتور سلمان تأمل هذه الوقفات، والأخذ بأحسنها؛ كما قال تعالى: " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .. "). وأما الشيخ السعد فقد أسهب في مقدمته في نقض منهج التيسير غير الشرعي، وأحال على كتاب الأخ عبدالله الطويل " منهج التيسير المعاصر .. " وقال عنه: (وهو كتاب قيم جدًا، ونفيس في بابه، وقد أفاض في الكلام على هذه القضايا والمسائل).
الثاني: (تنبيهات في الحج على الكتابة المسماة " افعل ولا حرج ")، للشيخ عبدالمحسن العباد - وفقه الله -.
وذلك على ذمة الأخ سليمان الخراشي
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[26 - 10 - 07, 04:26 ص]ـ
من الأقوال الشاذة في مسائل الحج:
* القول بعدم صحة الإفراد بالحج، وأنه ليس من الأنساك.
والدليل على التخيير بين الثلاثة: ما رواه الشيخان في صحيحهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع. فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهل بالحج. الحديث.
قال الشيخ الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان": (وقال النووي في شرح المهذب: وجواز الثلاثة قال به العلماء، وكافة الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلا ما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما: أنهما كان ينهيان عن التمتع. انتهى محل الغرض من كلامه.
وقال أيضاً في شرح مسلم: وقد أجمع العلماء على جواز الأنواع الثلاثة.
وقال ابن قدامة في المغني: وأجمع أهل العلم على جواز الإحرام، بأي الأنساك الثلاثة شاء. واختلفوا في أفضلها.
وفي رواية في الصحيح عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من أراد منكم أن يُهل بحج وعمرة فلْيفعلْ، ومن أراد أن يُهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل، قالت عائشة رضي الله عنها: فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج وأهل به ناس معه، وأهل ناس بالعمرة والحج، وأهل ناس بعمرة، وكنت فيمن أهل بالعمرة» هذا لفظ مسلم في صحيحه: وهو صريح في جواز الثلاثة المذكورة.
وبه تعلم أن ادعاء بعض المعاصرين أن إفراد الحج ممنوع مخالف لما صح باتفاق مسلم والبخاري عن النَّبي صلى الله عليه وسلم. وأطبق عليه جماهير أهل العلم. وحكى غير واحد عليه الإجماع).
* تجويز إحرام أهل مكة بالعمرة منها، وعدم إلزامهم بالخروج إلى الحل.
وقد استدل الفقهاء بالاستقراء على أن النسك يلزم فيه الجمع بين الحل والحرم، وقد أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عبدالرحمن بن أبي بكر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن يخرج بعائشة رضي الله عنها إلى التنعيم لتحرم بالعمرة منها. قال في المغني (5/ 59): (لا نعلم في هذا خلافاً).
* عدم إبطال الإحرام بالوطء في الفرج.
وقد نقل ابن المنذر وابن قدامة رحمهما الله تعالى وغيرهما الإجماع على أنه مفسد له، وعليه فتوى الصحابة رضي الله عنهم. ويستوي في ذلك أن يكون في حج أو عمرة.
ولنا عَودٌ بإذن الله تعالى لنكمل.
ـ[عبدالرحمن السعد]ــــــــ[26 - 10 - 07, 02:33 م]ـ
كتاب الشيخ فهد أبا حسين .. جميل جداً ورد مؤصل يستحق النشر .. وأتمنى انه ينشر في الحج كما نشر كتاب افعل ولا حرج.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[28 - 10 - 07, 02:46 ص]ـ
من الأقوال الشاذة في مسائل الحج (2):
* القول بإجزاء طواف القدوم عن طواف الإفاضة (طواف الحج).
ولا أعرف أحداً قال به إلا بعض أصحاب مالك رحمه الله تعالى. انظر مواهب الجليل (8/ 53).
قال في "بداية المجتهد": (وأما أعداده: فإن العلماء أجمعوا على أن الطواف ثلاثة أنواع: طواف القدوم على مكة، وطواف الإفاضة بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر، وطواف الوداع.
وأجمعوا على أن الواجب منها الذي يفوت الحج بفواته هو طواف الإفاضة وأنه المعنى بقوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق}، وأنه لا يجزئ عنه دم.
وجمهورهم على أنه لا يجزئ طواف القدوم على مكة عن طواف الإفاضة إذا نسي طواف الإفاضة لكونه قبل يوم النحر. وقالت طائفة من أصحاب مالك: إن طواف القدوم يجزئ عن طواف الإفاضة كأنهم رأوا أن الواجب إنما هو طواف واحد).
قال القرطبي: (الطواف المذكور في هذه الآية هو طواف الإفاضة، الذي هو من واجبات الحج. قال الطبري: لا خلاف بين المتأولين في ذلك) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/ 50).
* إبطال حج من لم يدرك من الرجال صلاة الصبح في مزدلفة يوم النحر.
وهو قول ابن حزم رحمه الله تعالى. بل قال أيضاً في "المحلى" (7/ 194): (ومن أدرك مع الامام صلاة الصبح بمزدلفة من الرجال فلما سلم الامام ذكر هذا الانسان أنه على غير طهارة فقد بطل حجه لانه لم يدرك الصلاة مع الامام).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/70)
ـ[علي الكناني]ــــــــ[30 - 10 - 07, 05:09 م]ـ
هل يعد من الأقوال الشاذة القول بإجزاء الرمي بأقل من سبع حصيات؟؟؟
فقد سمعت من يفتي به في الحج!!!!
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[30 - 10 - 07, 05:35 م]ـ
عند الحنابلة أنه لو ترك حصاة أو حصاتين فلا شيء عليه، وفي رواية عندهم: عليه أن يتصدق، وفي رواية أيضاً: أن في الحصاة الواحدة دماً، كقول مالك، وفي رواية: أن في الثلاث فأكثر دماً، كقول الشافعي.
وعند الأحناف: لو ترك أكثر من ثلاث حصيات من جمرة العقبة لزمه الدم، ولهم تفصيلات أخرى في هذا.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[19 - 11 - 07, 10:46 م]ـ
من الأقوال الشاذة في مسائل الحج (3):
* القول بجواز قص المحرِم أظفاره وما عدا شعر الرأس من بدنه.
وهو منسوب إلى داود الظاهري رحمه الله تعالى.
انظر: تفسير القرطبي (2/ 383)، المجموع شرح المهذب (7/ 262).
وذُكِر أن جواز تقليم أظفاره رواية عن أحمد رحمه الله تعالى، وقيل: هي رواية عن مالك رحمه الله تعالى.
انظر: الإنصاف (3/ 410)، المجموع (7/ 262).
وقد نص على أن تقليم الأظفار وأخذ شيء من شعر البدن من محظورات الإحرام جماهير العلماء، ونص جمع منهم على أنه إجماع.
انظر: الإجماع لابن المنذر (64)، المغني (5/ 145)، تفسير القرطبي (2/ 382).
* القول بجواز نتف شعر رأسه -دون حلق- إذ المنهي عنه في القرآن هو الحلق.
وهذا ما صرح به ابن حزم رحمه الله تعالى في "المحلَّى" (7/ 142).
* القول بأن من أفسد حج التطوع أو فاته لا قضاء عليه ولا فدية
قال في بداية المجتهد (2/ 712): (وشذ قوم فقالوا: لا هدي أصلا ولا قضاء إلا أن يكون في حج واجب).
وبالله التوفيق
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلم
ـ[مصعب الخضير]ــــــــ[29 - 11 - 07, 11:23 ص]ـ
جزاكم الله خيراً ..
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[29 - 11 - 07, 11:25 ص]ـ
وإياكم
ـ[مصعب الخضير]ــــــــ[30 - 11 - 07, 01:39 م]ـ
هناك كتاب للشيخ الشمراني اسمه (إرسال الشواظ على من تتبع الشواذ) جميل ومفيد ..
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[30 - 11 - 07, 02:49 م]ـ
أخي الحبيب
وهناك كتاب آخر: (الأقوال الشاذة في بداية المجتهد) للشيخ صالح الشمراني أيضاً
وليس كل ما بوب له من الشاذ، وإنما يناقش القول بشذوذه.
ـ[عبدالملك الصبيحي]ــــــــ[04 - 12 - 07, 01:31 ص]ـ
صدر حديثاً كتاب لفضيلة الشيخ الدكتور ك إبراهيم بن محمد الصبيحي
(حتى لايقع الحرج) وهو رداً على كتاب (إفعل ولاحرج) لفضيلة الشيخ الدكتور: سلمان العودة
رابط الموضوع
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=118354(86/71)
'أحبتي: هل في كلام الشيخ بن باز رحمه الله سقطٌ, أم أنِّي لم أعِ مراده في هذه الجملة
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[19 - 10 - 07, 06:26 م]ـ
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الحلف بالطلاق هو التعليق الذي يراد به حث الحالف على شيء، أو منعه من شيء، أو حث المستمعين المخاطَبين على تصديقه أو تكذيبه، هذا هو اليمين بالطلاق، فهو تعليق، ومقصوده حث أو منع، أو تصديق أو تكذيب، فهذا يسمى يمينا بالطلاق.
بخلاف التعليق المحض، فهذا لا يسمى يمينا، كما لو قال: إذا طلعت الشمس فزوجته طالق، أو قال: إذا دخل رمضان فزوجته طالق، فهذا لا يسمى يمينا، بل تعليق محض وشرط محض، متى وجد الشرط وقع الطلاق، فإذا قال مثلا: إذا دخل رمضان فامرأته طالق، طلقت بدخول رمضان، وإذا قال مثلا: إذا طلعت الشمس فزوجته طالق، طلقت بطلوع الشمس ".
وقال: " أما إذا كان ليس هناك حث ولا منع، بل هو شرط محض، فهذا تعليق محض يقع به الطلاق كما تقدم، مثل لو قال: إذا دخل شهر رمضان فامرأته طالق، فهذا شرط محض، وهذا إذا وقع وقع الطلاق؛ لأن المعلق على الشرط يقع بوقوع الشروط، وهذا هو الأصل ". انتهى من "فتاوى الطلاق" (ص 129 - 131)
الكلام الملوَّن هل يقصد به الشيخ أن المكلف قصد إيقاع الطلاق أم لم يقصده يعتبر حانثاً ويكفر عن اليمين, أم أن المكلَّف يُسأل عن نيته فإن نوى الطلاق طلقت زوجته وإن نوى التهديد كفر عن يمينه.؟
وقول الشيخ (ومقصوده حث أو منع) هل الواو فيه استئنافية أم حالية .. ؟
ـ[أبوصخر]ــــــــ[19 - 10 - 07, 06:47 م]ـ
تنبيه بسيط:
أرجو من الأخوة المشرفين تعديل عنوان الموضوع من: [رجمه الله] إلى [رحمه الله].
و الله الموفق.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[19 - 10 - 07, 07:19 م]ـ
أحسن الله تعالى إليك أحي الحبيب أبا صخر , وجزى الله خيراً من عدل الخطأ وصححه
ـ[المقرئ]ــــــــ[19 - 10 - 07, 11:38 م]ـ
نعم هو كذلك ولهذا الشيخ فرق بين التعليق المحض وبين تعليق اليمين لسبب الحث أو المنع ونحوه
وعليه فالحلف بالطلاق إن كان لغير قصد الطلاق فهو يمين مكفرة وإن كان لأجل إيقاع الطلاق وقصد ولكنه معلق فهو يقع متى ما وقع المعلق عليه
وعليه فلا يوجد سقط والكلام مترابط والله أعلم(86/72)
هل تستطيع المرأة الحج بدون محرم مع مجموعة من النساء الثقات
ـ[أيمن التونسي المديني]ــــــــ[19 - 10 - 07, 07:52 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
سمعت في خطبة الجمعة في مسجدنا ان المرأة تستطيع القيام بالحج بدون محرم بمعية مجموعة من النساء الثقات و قد أورد هذا القول الامام الشافعي، فمن يملك تفصيل هذا القول بالدليل اما موافقة او دحضا فليمدني به و جزاه الله خيرا.
ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[19 - 10 - 07, 08:03 م]ـ
السؤال: هذه سائلة رمزت لاسمها أ. أ تقول فضيلة الشيخ إذا كانت المرأة لا يوجد لها محرم ولم تؤدي فريضة الحج ويوجد نساء يردن الحج فهل تحج معهن ملتزمات وموثوقات جدا جدا أم يسقط عنها الحج في في هذه الحالة ارجوا من فضيلة الشيخ إجابة مأجورين
الجواب
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله و أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين الحج لا يجب على هذه المرأة التي لم تجد محرما لقول الله تبارك وتعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وهذه المرأة وان كانت مستطيعة استطاعة حسية فإنها غير مستطيعة استطاعة شرعية وذلك انه لا يحل للمرأة ان تسافر إلا مع ذي محرم لقول ابن عباس رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يخطب يقول لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل قال يا رسول الله ان امرأتي خرجت حاجة وأني اكتتب في غزوة كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم (انطلق فحج مع امرأتك) فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ان يدع الغزو وان ينطلق فيحج مع امرأته ولم يستفصل النبي صلى الله عليه والله وسلم في هذه الحال هل المرأة معها نساء ملتزمات وهل هي آمنة أو غير آمنة وهل هي شابة أو عجوز فلما لم يستفصل بل أمر هذا الرجل ان يدع الغزو ويذهب إلى ويذهب ليحج مع امرأته دل ذلك على العموم وانه لا يحل لامرأة ان تسافر للحج ولا لغيره أيضا إلا مع ذي محرم حتى وان كانت آمنة على نفسها وان كانت مع نساء وفي هذه الحال غير مستطيعة شرعا فلو توفيت ولاقت الله عز وجل فإنها لا تكون مسئولة عن هذا الحج لأنها معذورة لكن من العلماء من قال من المحرم شرطا لوجوب الحج وعلى هذا فلا يلزمها ان تستنيب من يحج عنها إذا كانت قادرة بمالها لان شرط الوجوب إذا انتفع يسقط مثل يسقط بانتفاء الوجوب ومن العلماء من قال ان المحرم شرط للزوم الأداء أي للزوم حجها بنفسها وبناء على هذا يلزمها إذا كان عندها مال ان تقيم من يحج عنها و إذا توفيت فانه يجب إخراج الحج عنها من تركتها على كل حال نقول لهذه السائلة اطمئني فأنتي ألآن لست آثمة إذا لم تحجي بل إذا حججتي فأنتي آثمة وإذا مت ليس في ذمتك في شي لأنك غير مستطيعة شرعا وكثير من الناس يكون مشتاق إلى الحج ومحبا للحج فيرتكب معه بعض المحرمات من أجل تحقيق رغبته وإرادته ومحبته وهذا غير صحيح بل الصحيح بل الصحيح والحق أن تتبع ما جاء من الشرع في هذه الأمور وما غيرها فإذا كان الله تعالى لم يلزمك بالحج فلا ينبغي ان تلزم نفسك بما لا يلزمك ومثال ذلك ان بعض الناس يكون في ذمته دين لأحد من ثمن للمبيع أو قيمة مثله أو إيجاره أو غير ذلك فتجده يذهب للحج وذمته مسؤولة بهذا الدين مع ان الحج في هذه الحال لا يجب عليه بل هو بمنزلة الفقير لا تجب عليه الزكاة فكذلك هذا الذي عليه الدين لا يجب عليه الحج ولا يكون آثما بتركه ولا مستحقا للعقاب إذا لاقى الله عز وجل لأنه معذور فوفاء الدين واجب والحج مع الدين ليس بواجب والعاقل لا يقوم بما ليس بواجب ويدع ما هو واجب لذلك نصيحتي لأخواني الذين عليهم ديون وليس ولم يحجوا من قبل نصيحتي لهم ان يدعوا الحج حتى يغنيهم الله عز وجل ويقضوا ديونهم ثم يحجوا نعم لو كان الدين مؤجلا وكان عند الإنسان مال وافر بحيث يضمن لنفسه انه كل ما حل قسط من هذا الدين فانه يقضيه فهذا إذا كان بيده مال عند حلول وقت الحج فانه يحج به ولا ولا باس بذلك
ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[19 - 10 - 07, 08:04 م]ـ
هذه فتوى للشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله، وناهيك به علما وفهما وتقوى ...
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[19 - 10 - 07, 08:14 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير على هذه الفتوى ورحم الله شيخنا محمد بن صالح العثيمين وجعل الفردوس له منزلا ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن ينتقي أطيب الكلام كما ينتقى أطيب الثمر فجزاك الله خير الجزاء يا شيخنا ورحمك الله وبارك فيك.
ـ[أيمن التونسي المديني]ــــــــ[19 - 10 - 07, 08:26 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
جزاك الله خيرا و نفع بك و رحم الله شيخنا العلامة ابن عثيمين و أسكنه فسيح جناته انه ولي ذلك و القادر عليه.
ـ[أيمن التونسي المديني]ــــــــ[19 - 10 - 07, 09:33 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
اخوتي في الله، هل تبنى الإمام الشافعي هذا القول و بالتالي يذكر من يرون جواز حج المرأة بدون محرم قوله أم أنه قول باطل بالاجماع و جزاكم الله خيرا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/73)
ـ[أبو معاذ الحسن]ــــــــ[19 - 10 - 07, 11:50 م]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=77960&highlight=%C7%E1%CD%CC+%C8%CF%E6%E4+%E3%CD%D1%E3
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=36190&highlight=%C7%E1%CD%CC+%C8%CF%E6%E4+%E3%CD%D1%E3
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=5519&highlight=%C7%E1%E1%CC%E4%C9+%C7%E1%CF%C7%C6%E3%C9
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15980&highlight=%C7%E1%E1%CC%E4%C9+%C7%E1%CF%C7%C6%E3%C9
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[20 - 10 - 07, 12:54 ص]ـ
ليس هذا القول مخالفاً للإجماع أبداً، بل هو قول ثلة من علماء الإسلام وسلف الأمة.
وإن كان الوقوف عند لفظ الحديث في النهي عن ذلك أسلم وأحوط وأرجح.
وأنبه إلى أن الأظهر أن اشتراط المَحرم لوجوب الحج على المرأة إنما هو في حق من كان بينها وبين مكة مسافة سفر، أما من كانت من أهل الحرم -مثلاً- فلا يشترط لها رفقة المَحرم في حجها بل يُكتفَى بأن تأمن على نفسها وأن تأمن الخلوة، وتكون مع رفقة صالحة مأمونة.
ـ[أيمن التونسي المديني]ــــــــ[20 - 10 - 07, 02:12 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
اخوتي ابو معاذ الحسن و ابو يوسف التواب جزاكم الله خيرا و نفع الله بكم
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[20 - 10 - 07, 02:34 ص]ـ
وإياك أخي الكريم
ـ[علي ياسين جاسم المحيمد]ــــــــ[20 - 10 - 07, 10:17 ص]ـ
المفتى به لدى الشافعية فيما أذكر ما قاله خطيب مسجدكم أخي أيمن شريطة أن تأمن الطريق سواء من اللصوص أو من الخلوة بالأجانب أو غير ذلك
ـ[أيمن التونسي المديني]ــــــــ[20 - 10 - 07, 02:48 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي علي
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[20 - 10 - 07, 03:09 م]ـ
بل هو مذهب مالك والشافعي رحمهما الله تعالى.
لكن انظر ما قاله النووي رحمه الله تعالى مع كونه شافعياً: (يحرم علي المرأة ان تسافر وحدها من غير ضرورة إلى ما يسمى سفرا سواء بعد أم قرب لحديث ابي هريرة رضى الله عنه قال " قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة الا مع ذى محرم عليها " رواه البخاري ومسلم وفى رواية لمسلم مسيرة يوم وفى رواية ليلة وفى رواية لابي داود والحاكم مسيرة بريد وقد سبق بيان هذا كله في أول باب صلاة المسافر وعن ابن عباس رضي الله عنهما انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " لا يخلون رجل بامرأة الا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة الا مع ذى محرم فقال رجل يا رسول الله ان امرأتي خرجت حاجة واني اكتتبت في غزوة كذا قال انطلق فحج مع امرأتك " رواه البخاري ومسلم)
وقال: ((فرع) هل يجوز للمرأة ان تسافر لحج التطوع أو لسفر زيارة وتجارة ونحوهما مع نسوة ثقات أو امرأة ثقة فيه وجهان وحكاهما الشيخ أبو حامد والماوردي والمحاملي وآخرون من الاصحاب في باب الاحصار وحكاهما القاضي حسين والبغوى والرافعي وغيرهم (احدهما) يجوز كالحج (والثاني) وهو الصحيح باتفاقهم وهو المنصوص في الام وكذا نقلوه عن النص لا يجوز لانه سفر لبس بواجب هكذا علله البغوي ويستدل للتحريم ايضا بحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تسافر امرأة ثلاثا الا ومعها محرم) رواه البخاري ومسلم وفى رواية لمسلم (لا يحل لامراة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث ليال الا ومعها ذو محرم) وعن ابن عباس قال (قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسافر امرأة الا مع محرم فقال رجل يا رسول الله إنى اريد ان اخرج في جيش كذا وكذا وامرأتى تريد الحج قال اخرج معها) رواه البخاري ومسلم وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تسافر امرأة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم) رواه البخاري ومسلم وعن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوما وليلة ليس معها ذو حرمة) رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم (مسيرة يوم) وفي رواية له مسيرة ليلة)) أهـ من المجموع شرح المهذب.
ـ[أيمن التونسي المديني]ــــــــ[20 - 10 - 07, 04:49 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي أبو يوسف و نفع الله بك و جعل ذلك في ميزان حسناتك.
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[20 - 10 - 07, 11:06 م]ـ
سلام عليكم جميعا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/74)
حكم اشتراط المحرم لنساء أهل مكة في الحج تخرج على القولين هل عرفة سفر أم لا؟
وهل من فَرْقٍ بين السفر القصير والطويل في الأحكام؟
وهل المحرم للسفر فقط أم لأسباب أخرى؟
وهل من فَرق بين حج الفريضة والنافلة؟
وهل يكفي أن تكون مع جماعة النساء؟
- قال ابن حزم رحمه الله في المحلّى (5/ 3):
" وروينا عن أبي حنيفة، وسفيان: إن كانت من مكة على أقل من ليال ثلاث فلها أن تحج مع غير زوج، وغير ذي محرم، وإن كانت على ثلاث فصاعداً فليس لها أن تحج إلا مع زوج، أو ذي محرم من رجالها".
- سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: عن بعض النساء من داخل مكة يذهبن إلى الحج بدون محرم مع جماعات من النساء عن طريق النقل الجماعي فهل هذا جائز؟
الجواب:
الصحيح أنه لا يجوز للمرأة أن تحج إلا بمحرم، حتى وإن كانت من أهل مكة؛ لأن ما بين مكة وعرفات سفر على القول الراجح، ولهذا كان أهل مكة يقصرون مع النبي r في المشاعر (2) لقاء الباب المفتوح 57/ 176
ويكفي أمر النبي r عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج مع أخته عائشة ? إلى التنعيم مع أن المسافة ليست مسافة قصر
وللدار قطني من ابن عباس مرفوعاً: " لا تحجنّ امرأة إلا ومعها ذو محرم ". صححه أبو عوانه. ()
وهذا اللفظ نص في الحج دون تحديد سفر قصير أو طويل 0
وللطبراني عن أبي أمامة مرفوعا: " لا يحل لامرأة مسلمة أن تحج إلا مع زوج أو ذي محرم " ()
وما رواه الدار قطني في «سُنَنِه،» والبَزَّار في «مسنده»، عن ابن عباس، أَنَّ رسول الله ? قال: «لا تَحُجُّ المرأَةُ إِلاَّ ومَعَها مَحْرَمٌ»، فقال رَجُلٌ: يا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي اكْتَتَبْتُ في غزوةِ كذا، وامرأَتي حَاجَّة، قال: «ارْجِع وحُجَّ مَعَها».
وفي «سُنَنِ الدار قطني» من حديث أَبي أُمَامَةَ الباهِلِي مَرْفُوعاً:
«لا تُسَافِرُ امرأَةٌ ثلاثةَ أَيَّامٍ أَوْ تَحُجُّ إِلاَّ ومعها زَوْجُها».
-----------------------------------------------------
(82 باب حج المرأة بغير ذي محرم
قَالَ مَالِك فِي الصَّرُورَةِ مِنْ النِّسَاءِ الَّتِي لَمْ تَحُجَّ قَطُّ إِنَّهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذُو مَحْرَمٍ يَخْرُجُ مَعَهَا أَوْ كَانَ لَهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَيْهَا فِي الْحَجِّ لِتَخْرُجْ فِي جَمَاعَةِ النِّسَاءِ
الموطأ برواية يحي 1/ 425
أخي: هل يتفق ما ذهب إليه بعض الفقهاء من جواز حج المرأة دون محرم مع الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تمنع سفر المرأة من غير محرم وأكثرها بصيغة النهي (لا الناهية) التي تفيد التحريم بل التحريم الصريح حينما ترد بصيغة (لا يحل لامرأة) بل وربط بعضها بالإيمان بالله واليوم الآخر.
كمثل آية في كتاب الله: (و لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر)
أخي الحبيب: إن لكل مسألة فقهية تأريخ من جهة بعدها عن النص ودخول الاجتهادات بل والآراء على حساب ما يعرف بفهم النص أو استدراكا عليه بتخصيص أو تقييد .... الخ
ومسألتنا من هذه فقد اشترط بعض الفقهاء شروطا لسفر المرأة من غير محرم (وانظر إلى اللفظ النبوي لم يشترط شرطا)
قال ابن سيرين: تخرج مع رجل من المسلمين لا بأس به
وقال مالك: تخرج مع جماعة من النساء
وقال الشافعي: تخرج مع حرة مسلمة ثقة.
وقال الأوزاعي: تخرج مع قوم عدول تتخذ سلما تصعد عليه وتنزل و لا يقربها رجل.
وقد رد على ذلك ابن المنذر المحدث المفسرالفقيه الشافعي فقال: " تركوا العمل بظاهر الحديث واشترط كل واحد منهم شرطا لا حجة معه عليه " 0
وقال ابن قدامة: المغني 3/ 192 " واشترط كل واحد منهم عند محل النزاع شرطا من عند نفسه لا من كتاب ولا من سنة فما ذكره النبي ? أولى بالاشتراط ".
ولا يخفى عليكم أنكم أهل حديث وسنة والملتقى يدل على ذلك فلكم نصيب في تعظيم السنة وتقديما على كل قول ... الخ
أخي: لقد توسّع الناس في سفر المرأة بلا محرم وليس لهم سلف ذلك فاجتهادات الأئمة كانت في حدود ضيقة كما فعل مالك في فتواه: لا تترك فريضة الحج تحج مع نسوة ..
فلاحظ في الفتوى: 1 - سفر حج.يخرج غيره من الأسفار
2 - حج فريضة لم تحج من قبل. (يخرج حج النافلة والتطوع)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/75)
3 - مع مجموعة نسوة (يخرج مع مجموعة الرجال) (ويخرج أن امرأة واحدة لا تكفي)
وانظر حال بعض المفتين اليوم لم يفتوا بمذهبه فصارت أقيسه واجتهادات أخرى وتوسعات فأدخلوا سفر العمرة الواجبة أو التطوع أو اطرد في كل الأسفار.
وحاول بعضهم تعليل الحكم بأمن الطريق (على أساس أنه غير تعبدي) وهي غير منضبطة وغير معلومة 0
الخلاصة أخي: لا يجوز ولا يحل أن تحج بدون محرم حج فريضة أو نافلة مكية أو مدنية بعيدة أو قريبة من منى والمشاعر 0
قال الخطابي: (قلت: في هذا بيان أن المرأة لا يلزمها الحج إذا لم تجد رجلا ذا محرم يخرج معها. . وقال الشافعي: تخرج مع امرأة حرة مسلمة ثقة من النساء. قلت: المرأة الحرة المسلمة الثقة التي وصفها الشافعي لا تكون ذا حرمة منها، وقد حظر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تسافر إلا ومعها ذو محرم منها، فإباحة الخروج لها في سفر الحج مع عدم الشريطة التي أثبتها النبي -صلى الله عليه وسلم- خلاف السنة، فإذا كان خروجها مع غير ذي محرم معصية، لم يجز إلزامها الحج وهو طاعة. بأمر يؤدي إلى معصية) معالم السنن 2/ 144. خاصة وأنه مع وجود غير المحرم قد تتعرض المرأة أثناء سفرها لما لا ينبغي لها لعدم وجود من يمنع عنها الردى، أو يشفق عليها لو حصل لها مكروه، ولذلك، نرى الإمام مالكا يكره خروج المرأة للحج مع ابن زوجها وإن كان ذا محرم منها شرح الزرقاني على موطأ مالك ج 2/ 402 طبع دار الفكر. .
(الجزء رقم: 28، الصفحة رقم: 260)
وإذا كان مالك يكره ذلك مع ابن الزوج وهو محرم، فالقول بالحرمة مع غير المحرم أولى.
ولا حاجة للتفريق بين المرأة الشابة والمتجالة، لأن مناط النهي للتحريم كما في الأحاديث كونها امرأة وهو وصف منضبط يصلح لأن يكون علة للتحريم، بخلاف كونها شابة أو متجالة، خاصة وأن بعض النفوس قد تتعلق بالمرأة المتجالة أيضا فكل ساقطة في الحي لها لاقطة، وقد رد النووي على هذا بقوله (وهذا الذي قاله الباجي لا يوافق عليه؛ لأن المرأة مظنة الطمع فيها، ومظنة الشهوة، ولو كانت كبيرة، وقد قالوا لكل ساقطة لاقطة. ويجتمع في الأسفار من سفهاء الناس وسقطهم من لا يرتفع عن الفاحشة بالعجوز وغيرها. لغلبة شهوته، وقلة دينه ومروءته وخيانته، ونحو ذلك) صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 104، 105. .
ومما يؤيد حرمة سفر المرأة بدون محرم للحج ما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: صحيح البخاري الجهاد والسير (2896) ,صحيح مسلم الحج (1341) ,سنن ابن ماجه المناسك (2900) ,مسند أحمد بن حنبل (1/ 346). جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله إني كتبت في غزوة كذا وكذا وامرأتي حاجة قال ارجع وحج مع امرأتك ففي هذا الحديث دلالة على تقديم الأهم من الأمور المتعارضة، لأنه لما تعارض سفره في الغزو وفي الحج معها رجح الحج معها، لأن الغزو يقوم غيره مقامه بخلاف الحج معها صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 110. وهذا يدل على أن المحرم لا ينوب عنه جماعة المسلمين الصالحين أو النساء الثقات، وإلا لما أمره -صلى الله عليه وسلم- بالرجوع عن الجهاد والتخلف عنه لا سيما وأن من يتخلف عنه منافق معلوم النفاق.
والله أعلم 0
كتبه وجمعه أبو أحمد عبد الله المطرفي الهذلي المكي
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 12:33 ص]ـ
سلام عليكم جميعا
حكم اشتراط المحرم لنساء أهل مكة في الحج تخرج على القولين هل عرفة سفر أم لا؟
وهل من فَرْقٍ بين السفر القصير والطويل في الأحكام؟
وهل المحرم للسفر فقط أم لأسباب أخرى؟
وهل من فَرق بين حج الفريضة والنافلة؟
وهل يكفي أن تكون مع جماعة النساء؟
- قال ابن حزم رحمه الله في المحلّى (5/ 3):
" وروينا عن أبي حنيفة، وسفيان: إن كانت من مكة على أقل من ليال ثلاث فلها أن تحج مع غير زوج، وغير ذي محرم، وإن كانت على ثلاث فصاعداً فليس لها أن تحج إلا مع زوج، أو ذي محرم من رجالها".
- سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: عن بعض النساء من داخل مكة يذهبن إلى الحج بدون محرم مع جماعات من النساء عن طريق النقل الجماعي فهل هذا جائز؟
الجواب:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/76)
الصحيح أنه لا يجوز للمرأة أن تحج إلا بمحرم، حتى وإن كانت من أهل مكة؛ لأن ما بين مكة وعرفات سفر على القول الراجح، ولهذا كان أهل مكة يقصرون مع النبي r في المشاعر (2) لقاء الباب المفتوح 57/ 176
ويكفي أمر النبي r عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج مع أخته عائشة ? إلى التنعيم مع أن المسافة ليست مسافة قصر
وللدار قطني من ابن عباس مرفوعاً: " لا تحجنّ امرأة إلا ومعها ذو محرم ". صححه أبو عوانه. ()
وهذا اللفظ نص في الحج دون تحديد سفر قصير أو طويل 0
وللطبراني عن أبي أمامة مرفوعا: " لا يحل لامرأة مسلمة أن تحج إلا مع زوج أو ذي محرم " ()
وما رواه الدار قطني في «سُنَنِه،» والبَزَّار في «مسنده»، عن ابن عباس، أَنَّ رسول الله ? قال: «لا تَحُجُّ المرأَةُ إِلاَّ ومَعَها مَحْرَمٌ»، فقال رَجُلٌ: يا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي اكْتَتَبْتُ في غزوةِ كذا، وامرأَتي حَاجَّة، قال: «ارْجِع وحُجَّ مَعَها».
وفي «سُنَنِ الدار قطني» من حديث أَبي أُمَامَةَ الباهِلِي مَرْفُوعاً:
«لا تُسَافِرُ امرأَةٌ ثلاثةَ أَيَّامٍ أَوْ تَحُجُّ إِلاَّ ومعها زَوْجُها».
-----------------------------------------------------
(82 باب حج المرأة بغير ذي محرم
قَالَ مَالِك فِي الصَّرُورَةِ مِنْ النِّسَاءِ الَّتِي لَمْ تَحُجَّ قَطُّ إِنَّهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذُو مَحْرَمٍ يَخْرُجُ مَعَهَا أَوْ كَانَ لَهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَيْهَا فِي الْحَجِّ لِتَخْرُجْ فِي جَمَاعَةِ النِّسَاءِ
الموطأ برواية يحي 1/ 425
أخي: هل يتفق ما ذهب إليه بعض الفقهاء من جواز حج المرأة دون محرم مع الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تمنع سفر المرأة من غير محرم وأكثرها بصيغة النهي (لا الناهية) التي تفيد التحريم بل التحريم الصريح حينما ترد بصيغة (لا يحل لامرأة) بل وربط بعضها بالإيمان بالله واليوم الآخر.
كمثل آية في كتاب الله: (و لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر)
أخي الحبيب: إن لكل مسألة فقهية تأريخ من جهة بعدها عن النص ودخول الاجتهادات بل والآراء على حساب ما يعرف بفهم النص أو استدراكا عليه بتخصيص أو تقييد .... الخ
ومسألتنا من هذه فقد اشترط بعض الفقهاء شروطا لسفر المرأة من غير محرم (وانظر إلى اللفظ النبوي لم يشترط شرطا)
قال ابن سيرين: تخرج مع رجل من المسلمين لا بأس به
وقال مالك: تخرج مع جماعة من النساء
وقال الشافعي: تخرج مع حرة مسلمة ثقة.
وقال الأوزاعي: تخرج مع قوم عدول تتخذ سلما تصعد عليه وتنزل و لا يقربها رجل.
وقد رد على ذلك ابن المنذر المحدث المفسرالفقيه الشافعي فقال: " تركوا العمل بظاهر الحديث واشترط كل واحد منهم شرطا لا حجة معه عليه " 0
وقال ابن قدامة: المغني 3/ 192 " واشترط كل واحد منهم عند محل النزاع شرطا من عند نفسه لا من كتاب ولا من سنة فما ذكره النبي ? أولى بالاشتراط ".
ولا يخفى عليكم أنكم أهل حديث وسنة والملتقى يدل على ذلك فلكم نصيب في تعظيم السنة وتقديما على كل قول ... الخ
أخي: لقد توسّع الناس في سفر المرأة بلا محرم وليس لهم سلف ذلك فاجتهادات الأئمة كانت في حدود ضيقة كما فعل مالك في فتواه: لا تترك فريضة الحج تحج مع نسوة ..
فلاحظ في الفتوى: 1 - سفر حج.يخرج غيره من الأسفار
2 - حج فريضة لم تحج من قبل. (يخرج حج النافلة والتطوع)
3 - مع مجموعة نسوة (يخرج مع مجموعة الرجال) (ويخرج أن امرأة واحدة لا تكفي)
وانظر حال بعض المفتين اليوم لم يفتوا بمذهبه فصارت أقيسه واجتهادات أخرى وتوسعات فأدخلوا سفر العمرة الواجبة أو التطوع أو اطرد في كل الأسفار.
وحاول بعضهم تعليل الحكم بأمن الطريق (على أساس أنه غير تعبدي) وهي غير منضبطة وغير معلومة 0
الخلاصة أخي: لا يجوز ولا يحل أن تحج بدون محرم حج فريضة أو نافلة مكية أو مدنية بعيدة أو قريبة من منى والمشاعر 0
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/77)
قال الخطابي: (قلت: في هذا بيان أن المرأة لا يلزمها الحج إذا لم تجد رجلا ذا محرم يخرج معها. . وقال الشافعي: تخرج مع امرأة حرة مسلمة ثقة من النساء. قلت: المرأة الحرة المسلمة الثقة التي وصفها الشافعي لا تكون ذا حرمة منها، وقد حظر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تسافر إلا ومعها ذو محرم منها، فإباحة الخروج لها في سفر الحج مع عدم الشريطة التي أثبتها النبي -صلى الله عليه وسلم- خلاف السنة، فإذا كان خروجها مع غير ذي محرم معصية، لم يجز إلزامها الحج وهو طاعة. بأمر يؤدي إلى معصية) معالم السنن 2/ 144. خاصة وأنه مع وجود غير المحرم قد تتعرض المرأة أثناء سفرها لما لا ينبغي لها لعدم وجود من يمنع عنها الردى، أو يشفق عليها لو حصل لها مكروه، ولذلك، نرى الإمام مالكا يكره خروج المرأة للحج مع ابن زوجها وإن كان ذا محرم منها شرح الزرقاني على موطأ مالك ج 2/ 402 طبع دار الفكر. .
(الجزء رقم: 28، الصفحة رقم: 260)
وإذا كان مالك يكره ذلك مع ابن الزوج وهو محرم، فالقول بالحرمة مع غير المحرم أولى.
ولا حاجة للتفريق بين المرأة الشابة والمتجالة، لأن مناط النهي للتحريم كما في الأحاديث كونها امرأة وهو وصف منضبط يصلح لأن يكون علة للتحريم، بخلاف كونها شابة أو متجالة، خاصة وأن بعض النفوس قد تتعلق بالمرأة المتجالة أيضا فكل ساقطة في الحي لها لاقطة، وقد رد النووي على هذا بقوله (وهذا الذي قاله الباجي لا يوافق عليه؛ لأن المرأة مظنة الطمع فيها، ومظنة الشهوة، ولو كانت كبيرة، وقد قالوا لكل ساقطة لاقطة. ويجتمع في الأسفار من سفهاء الناس وسقطهم من لا يرتفع عن الفاحشة بالعجوز وغيرها. لغلبة شهوته، وقلة دينه ومروءته وخيانته، ونحو ذلك) صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 104، 105. .
ومما يؤيد حرمة سفر المرأة بدون محرم للحج ما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: صحيح البخاري الجهاد والسير (2896) ,صحيح مسلم الحج (1341) ,سنن ابن ماجه المناسك (2900) ,مسند أحمد بن حنبل (1/ 346). جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله إني كتبت في غزوة كذا وكذا وامرأتي حاجة قال ارجع وحج مع امرأتك ففي هذا الحديث دلالة على تقديم الأهم من الأمور المتعارضة، لأنه لما تعارض سفره في الغزو وفي الحج معها رجح الحج معها، لأن الغزو يقوم غيره مقامه بخلاف الحج معها صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 110. وهذا يدل على أن المحرم لا ينوب عنه جماعة المسلمين الصالحين أو النساء الثقات، وإلا لما أمره -صلى الله عليه وسلم- بالرجوع عن الجهاد والتخلف عنه لا سيما وأن من يتخلف عنه منافق معلوم النفاق.
والله أعلم 0
كتبه وجمعه أبو أحمد عبد الله المطرفي الهذلي المكي
=====
جزاك الله خيراً
بل الصحيح أن ما بين مكة وعرفة ليس سفراً ..
لأمور عدة:
1 - أنه لا يسمى في العرف سفراً البتة.
2 - أن بعض السلف -كقول لمالك رحمه الله- أولوا هذا القصر في الحج باعتبار مجموع المسافة التي يقطعها الحاج طيلة حجه من منى لعرفة فإلى مزدلفة فإلى منى فإلى البيت. فهذا أجود في نظري ممن قال بأن ما بين مكة وعرفة سفر.
فإن قلنا بهذا؛ فيبقى أن عليها الاعتمار -إن أوجبناه- ولو لم يكن لها محرم بشرط أن تستطيع إليه سبيلاً، ولا يسقط عنها الفرض لهذا.
3 - خروج عبدالرحمن مع أخته عائشة رضي الله عنهما إلى التنعيم ليس دليلاً يمكن اعتباره؛ لأن غاية ما فيه أنه مجرد فعل، ولا نختلف أن رفقة محرمها أولى وأفضل.
وأما الأحاديث التي ذكرتها
فمنها: «لا تُسَافِرُ امرأَةٌ ثلاثةَ أَيَّامٍ أَوْ تَحُجُّ إِلاَّ ومعها زَوْجُها» عند الدارقطني .. ولكن الفعل (تحج) معطوف على "تسافر" فيكون المعنى: أو تحج مسيرة 3أيام.
وتُحمَل الأحاديث الأخرى التي ذكرت على هذا المعنى. وارجع إلى صدر حديث ابن عباس مرفوعاً: " لا تحجنّ امرأة إلا ومعها ذو محرم " ليتضح لك ذلك:
قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- «أَيْنَ نَزَلْتَ». قَالَ عَلَى فُلاَنَةٍ. قَالَ «أَغْلَقَتْ عَلَيْكَ بَابَهَا لاَ تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ».
ثم أخي الكريم: لماذا يباح لها أن تخرج داخل مكة لحاجتها ولزيارة قرابتها وغير ذلك من المباحات بشرط عدم الخلوة، ويحرم عليها أن تخرج داخل مكة لتؤدي فريضة الله عز وجل؟!. فالشرع حكيم، والتعليل هنا ظاهر. والله أعلم.
وقد بينتُ أن قول أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله تعالى ومن وافقهما من المالكية والشافعية وجماعة من السلف في اشتراط المحرَم للسفر أظهر دليلاً وأهدى سبيلاً.
ـ[أبي عبدالله]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:20 ص]ـ
أخي الفاضل
أبا يوسف
كأني أفهم من كلام الإمام النووي موافقته لإمامه في جواز سفر المرأة لحج الفريضة من غير محرم.
أليس كذلك!!؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/78)
ـ[أيمن التونسي المديني]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:58 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
أخي أبو أحمد الهذلي جزاك الله خيرا و نفع الله بك.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 05:18 ص]ـ
أخي أبا عبدالله
ليس فيما ذكرناه بيان لرأي النووي في المسألة، وقد قال في موضع آخر:
((فرع) قد ذكرنا تفصيل مذهبنا في حج المراة وذكرنا ان الصحيح أنه يجوز لها في سفر حج الفرض أن تخرج مع نسوة ثقات أو أمراة ثقة ولا يشترط المحرم ولا يجوز في التطوع وسفر التجارة والزيارة ونحوهما الا بمحرم * وقال بعض أصحابنا يجوز بغير نساء ولا امراة إذا كان الطريق آمناً وبهذا قال الحسن البصري وداود * وقال مالك لا يجوز بامرأة ثقة وانما يجوز بمحرم أو نسوة ثقات * وقال أبو حنيفة واحمد لا يجوز الا مع زوج أو محرم قال الشيخ أبو حامد والمسافة التي يشترط أبو حنيفة فيها المحرم ثلاثة ايام فان كان اقل لم يشترط، واحتج لهم بحديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأه ثلاثا الا معها ذو محرم) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاخر تسافر مسيرة ثلاث ليال الا ومعها ذو محرم)، وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امراة الا مع محرم فقال يا رسول الله إنى اريد ان اخرج في جيش كذا وكذا وامراتي تريد الحج قال اخرج معها) رواه البخاري ومسلم * وعن ابن سعيد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تسافر المراة يومين الا ومعها زوجها أو ذو محرم) رواه البخاري ومسلم * وعن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل لامراة تؤمن بالله واليوم الاخر ان تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة) رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم: مسيرة يوم، وفي رواية له ليلة، وفي رواية صحيحة في سنن أبي داود (مسيرة بريد)، وقياسا على حج التطوع وسفر التجارة والزيارة ونحوهما *
واحتج أصحابنا بحديث عدي بن حاتم قال (بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل فقال يا عدي هل رايت الحيرة قلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال فان طال بك حياة لترين الظعينة ترتل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله) رواه البخاري وسبق ذكره في استطاعة المراة
(فان قيل) لا يلزم من حديث عدي جواز سفرها بغير محرم لان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بان هذا سيقع ووقع ولا يلزم من ذلك جوازه كما أخبر صلى الله عليه وسلم بانه سيكون دجالون كذابون ولا يلزم من ذلك جوازه * قال أصحابنا: فجوابه أن هذا الحديث خرج في سياق ذم الحوادث (وأما) حديث عدى فخرج في سياق المدح والفضيلة واستعلاء الاسلام ورفع مناره فلا يمكن حمله على ما لا يجوز * قال الشيخ أبو حامد
(فان قيل) هذا الخبر متروك الظهر بالاجماع لان فيه أنها تخرج بغير جوار ولا خلاف أنها لا تخرج بغير جوار ولو امراة واحدة (فالجواب) أن بعض أصحابنا جوز خروجها وحدها بغير امرأة كما سبق وعلى مذهب الشافعي ومنصوصه يشترط المراة ولا يلزم من ذلك ترك الظاهر لان حقيقته أن لا يكون معها جوار أصلا - والجوار الملاصق والقريب - ونحن لا نشترط في المراة التي تخرج معها كونها ملازمة لها فان مشت قدام القافلة أو بعدها بعيدة عن المراة جاز فحصل من هذا أنا نقول بظاهر الحديث هذا كلام أبى حامد * قال أصحابنا ولانه سفر واجب فلم يشترط فيه المحرم كالهجرة قال أصحابنا وقياسا على ما إذا كانت المسافة مرحلتين فان الحنفية وافقونا على انه لا يشترط المحرم *
(فان قالوا) انما جاز في المرحلتين لانه ليس بسفر (قلنا) هذا مخالف للاحاديث الصحيحة السابقة (وأما) الجواب عن الاحاديث التي احتجوا بها فمن أوجه:
(أحدها) جواب الشيخ أبي حامد وآخرين انها عامة فنخصها بما ذكرناه
(والثاني) أنه محمول على سفر التجارة والزيارة وحج التطوع وسائر الاسفار غير سفر الحج الواجب
(الثالث) ذكره القاضي أبو الطيب انه محمول على ما إذا لم يكن الطريق امنا (والجواب) عن قياسهم على حج التطوع وسفر التجارة انه ليس بواجب بخلاف حج الفرض والله اعلم) أهـ
فها هو يذكر مذهب الشافعية ويذكر حججه فيما يتعلق بحجة الفريضة. ذكرت هذا فقط جواباً لسؤال أخينا الكريم.
ـ[أبي عبدالله]ــــــــ[21 - 10 - 07, 08:22 م]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم
أبا يوسف
فقط عندما قرأت بداية إستدراكك بـ (لكن) فهمت أنك تسوق لنا رأي النووي المخالف لمذهب مالك والشافعي عليهما رحمة الله ومغفرته. وهذا الذي استشكل علي
بل هو مذهب مالك والشافعي رحمهما الله تعالى.
لكن انظر ما قاله النووي رحمه الله تعالى مع كونه شافعياً ...
غفر الله لك.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 11:36 م]ـ
ولك
وجزاك خيراً وبارك فيك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/79)
ـ[علي ياسين جاسم المحيمد]ــــــــ[14 - 11 - 07, 07:42 م]ـ
النووي لم يخالف المذهب يا أخي فالكلام في الحج ولم يخالف التووي رحمه الشافعية بدليل نقلك لقوله: ((احدهما) يجوز كالحج (والثاني) وهو الصحيح باتفاقهم وهو المنصوص في الام وكذا نقلوه عن النص لا يجوز لانه سفر لبس بواجب هكذا علله)
فالنووي هنا جعل الحج مما يجوز السفر إليه في الرفقة الآمنة(86/80)
الفرق بين التيسير و التشديد؟ و هل التيسير هو تتبع الرخص (موضوع للنقاش الهاديء)
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[19 - 10 - 07, 10:31 م]ـ
ها قد أقبل الحج ـ بلغني الله و إياكم إياه و جعلنا من حجاج بيته ـ و العلماء في الحج لهم مذاهب و طرق، و لعل أبرز مذهبين أو طريقين هو طريق التيسير، و الطريق المقابل.
و لحاجة الناس في هذا الزمن لتيسير فقد ذهب إليه جمع من العلماء الذين لا يُشك في علمهم و فقههم و لعل من أبرز من يطرح هذا الطرح و يشتد في الإنكار على من يخالف منهجه في التشديد على الناس هو فضيلة الشيخ د. سلمان العودة في كتابه (افعل و لا حرج) و الذي قدم له بعض حهابذه العلماء أمثال: ابن جبرين و ابن بيّة و المنيع و غيرهم، و لا يخفى تبني مؤسسة (الإسلام اليوم) لهذا المنهج، فقط أصدروا كتابا قبل (افعل و لا حرج) و هو (السكينة السكينة) و قد أثار هذين الكتابين أصداء واسعة و جدلا كبيرا ما بين مؤيد و معارض.
يقابل ذلك فريق اختار إتباع الدليل و التحري و التحوط في العبادة حتى تؤدى كما أداه رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - و الصحابة من بعده، بينما عد القول الطرف المقابل تشددا و تنطعا في الدين، و لماذا يُلجأ الناس إلى أضيق الطرق و قد وسع الله عليهم، و الفريق الآخر يعبتر هذا تمييعا للدين و إماتة له، و أن هذا الطريق مؤداه في نهاية المطاف تغيير شعيرة الحج و تاديتها على غير الوجه الذي أداه رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، و أنكم ايها المشايخ تتلاعبون بالدين، و تنتقون منه تشاؤون و تدعون ما تشاؤون، تتبعا للرخص، و ابتعادا عن الدليل، و قد جعلتم نصب أعينكم إرضاء الناس و التسهيل عليهم، و ليس المراد من الشريعة التسهيل بل هو إتباع الدليل.
هذا و قد صدر كتاب حديثا للشيخ فهد ابا حسين في الرد على كتاب الشيخ سلمان و قد قدم له المشايخ:
الفوزان و الراجحي و السعد.
هذا هو الموضوع بين إيديكم و قد طرحت فيه كلا القولين، و أنا اعلم ان الموضوع حساس، و لكن لابد من طرحة، و لا بد من حوار متزن مصحبٍ للأدلة، و القواعد الشرعية الأصولية.
و سأطرح بين الفينة بعض الأدلة لكلا الطرفين، و لن أتبنى رأيا بعينة.
وفقنا الله لما يحبه و يراه و جعلنا متبعين للحق و سائرين في أين ما سار.
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[20 - 10 - 07, 01:41 ص]ـ
محاضرة للشيخ عبدالكريم الخضير
المسائل المشكلة في الحج:
http://alkhadher.islamlight.net/index.php
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[20 - 10 - 07, 11:51 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك الله خيراً، وبارك الله فيك، ونفع بك، وجعلنا وإياك من خدمة السنة النبوية المطهرة.
ـ[أبي عبدالله]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:38 ص]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم
عبدالرحمن
نسأل الله أن يجعل أعمالنا صالحة خالصة.
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:54 ص]ـ
هاتان حلقتان للشيخ سلمان العودة بعنوان التيسير، القاها في رمضان في الـ mbc
http://radio.islamtoday.net/arshefinfo.cfm?st=1824
http://radio.islamtoday.net/arshefinfo.cfm?st=1825
و له في الغد (عصر الاحد) في اذاعة القران لقاء بعنوان التيسير.
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:42 م]ـ
بحث للشيخ عبدالله بن بيه حول رمي الجمار:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد
فإن رمي الجمار من شعائر الحج الظاهر، والمراقب لحال المسلمين اليوم عند أداء هذه الشعيرة يرى مالا يحمد، وسأشارك في هذا الموضوع من خلال النقاط التالية:
النقطة الأولى: حكم الرمي.
حكم الرمي الوجوب من تركه أو ترك بعضه وجب عليه دم.
النقطة الثانية:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/81)
الوقت في رمي جمرة العقبة وقتان: وقت فضيلة،ووقت صحة كما هو مذهب الإمام أحمد والشافعي رحمهما الله تعالى، فمن رمى بعد منتصف الليل فذلك وقت صحة. ومن رمى بعد طلوع الفجر فذلك وقت فضيلة، وأما بعد طلوع الشمس فذلك الأولى، ويستمر الوقت حتى غروب الشمس،ومن العلماء من مدده بالليل الذي بعده وهو مذهب أبي حنيفة، ومنهم من قال إذا لم يرمي في اليوم الأول رمى في اليوم الثاني عند زوال الشمس، والوقت في الأيام الباقية هو من الزوال إلى غروب الشمس،واختلف العلماء في الرمي في الليل فذهب بعضهم إلى أن الليل تابع للنهار،وذهب بعضهم إلى أنه لا يرمي حتى يكون نهاراً أي في اليوم الثاني، وذهب بعض العلماء إلى أن الأيام الثلاثة هي وقت أدى فمن رمى في اليوم الثالث عشر يكون قد أدى، وبالتالي لا يجب عليه دم على أن يرتب الرمي بالنية أي أن يرمي في اليوم الأول والثاني .... إلخ هذا هو وقت الرمي.
النقطة الثالثة: الرمي قبل الزوال
من رمى قبل الزوال في اليوم الثالث عشر لينفر فإنه لا بأس في ذلك على مذهب أبي حنيفة. أما في اليوم الثاني عشر إذا كان يريد النفرة فهو قوله أيضاً،لكن في اليوم الأول أي اليوم الحادي عشر فإن القول ضعيف جدا ً، فمن دعته حاجته إلى الرمي في اليوم الثاني عشر قبل الظهر. فعسى أن لا يكون بذلك بئس. لكن الأولى هو الذي عليه جمهور العلماء أن يرمي بعد الزوال ولو ليلاً، وهذا هو الأولى وهو الذي يجب المصير إليه إلا لضرورة أو حاجة تلامس الضرورة.
النقطة الرابعة: توسيع الحوض والرمي قريباً منه
الظاهر أنه لا ينبغي أن يرمى خارج الحوض هذا مذهب جماهير العلماء، فإذا وقع الرمي خارج المرمى فإنه يكون باطلاً. وبالتالي فإن هذا الأمر من التعبديات التي لا بأس بها.
وقريب الحوض لم أرى من العلماء من قال أنه كالرمي في الحوض، وإن كان العلماء يذكرون قاعدة في غير هذا المحل وهي قريب الشيء كهو. وهي قاعدة خلافية فرعت عليها كثير من الفروع جاءت بها كثير من أحكام الفرائض كما قال الزقاق في قواعده (قريب الشيء كهو)، فهي قاعدة معروفة وضعت عليها أقوال كثيرة لكن لا أعرف تفريع هذه المسألة عليها.
النقطة الخامسة: توكيل الضعفة ونحوهما
المريض والضعيف يوكل على اختلاف بين العلماء هل يجب عليه دم مع التوكيل كما هو في مذهب مالك، ويسقط عنه الإثم،أو لا يجب عليه دم،وهو الأولى،وبخاصة في الزحمة في هذا الزمان. والأولى للضعفة أن يوكلوا.
وأما الرمي في الليل ذكرنا أنه يجوز على مذهب بعض العلماء وأن الأمر واسع إن شاء الله لقوة الخلاف،ولأن رجلاً قال رميت حين أمسيت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا حرج. الحديث.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[21 - 10 - 07, 11:09 م]ـ
اخي الكريم: عيسى بنتفريت
اشكرك على مرورك و دعائك، و جزاك الله خيرا.
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[22 - 10 - 07, 12:27 ص]ـ
مقدمة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين لكتاب الشيخ السلمان، و فيها إضافات مهمة لم ترد في كتاب الشيخ:
مقدمة سماحة الشيخ
عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين
عضو الإفتاء سابقًا
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد سمعت هذه الرسالة الموسومة بـ «افعل ولا حرج»، بقراءة كاتبها فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة وفقه الله ()، وسرني ما تتضمنه من التسهيل والتوسعة على الحجاج؛ بحيث إن الكثير يتعرضون للزحام الشديد والمضايقات، والتي قد تؤدي إلى الوفيات، وإلى الأضرار، وإلى الصعوبة التي تشغل الحاج عن أهمية العبادة، وعن الحكمة والمصلحة التي شرعت لأجلها تلك العبادة، كما فصله الكاتب وفقه الله.
وهذا ما تطمئن إليه النفس في هذه الأزمنة التي تحدث فيها الوفيات، وزهوق الأرواح المحترمة، فنوصي بالتمشي مع هذه التسهيلات، فـ «إن الدين يسر - كما قال رسول الله ^ - ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا» (). وعلى ما ذكر الله تعالى:
* •????? ???? ?????????? ?•????? ??? & [الشرح:5].
وقد أضفت خمسة تعليقات هي:
(1) الوقوف بعرفة يجزئ أية ساعة ليلًا أو نهارًا، من طلوع الشمس إلى طلوع الفجر يوم النحر، كما يدل عليه حديث عروة بن مُضَرِّس ا مرفوعًا: «من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلًا أو نهارًا، فقد تم حجه وقضى تفثه» ().
(2) نمرة داخلة في حدود عرفة، وعرفة واسعة جدًّا، وكذلك عُرنة (بالنون)، كما قال ^: «عرفة كلها موقف، إلا بطن عرنة» (). وقال ^: «وارفعوا عن بطن عرنة» ().
والوادي هو المنخفض الذي نهى النبي ^ عن الوقوف فيه.
وتمتد عرفة شمالًا نحو خمسة كيلومترات، وكانت حدودها قديمًا إلى نخل يسمى نخل بني عامر، ولكنه زال الآن.
وتمتد شرقًا إلى الجبال الشاهقة الرفيعة، وغربًا إلى الجبال أيضًا، وجنوبًا إلى الجبال المنخفضة الممتدة.
(3) الاحتياط في التحلل الأول أن يكون باثنين من ثلاثة، كما ذكره الفقهاء، ومنهم الشيخ ابن باز / في «التحقيق والإيضاح» ()، وهو الذي يترجح لي.
(4) السعي قبل الطواف جاء فيه حديث: سعيت قبل أن أطوف، قال: «لا حرج» (). وقد اختلف العلماء في صحته.
والأقرب جواز تقديم السعي على الطواف إذا كانا في يوم واحد، حيث إن ظاهر الحديث يدل على أن السائل طاف وسعى في يوم واحد، وهو يوم النحر.
(5) أرى توسعة وقت الرمي للجمرات، وأنه ضروري في هذه الأزمنة، وفي الأزمنة السابقة كان الرمي يسيرًا، ولا مشقة فيه، أما الوقت الآن فقد تغير.
وأسأل الله التوفيق والهداية والقبول للمسلمين جميعًا، إنه جواد كريم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم ..
أملاه:
عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين
27/ 8 / 1427هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/82)
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[22 - 10 - 07, 02:08 ص]ـ
أخي عبدالرحمن بارك الله فيك
ما اسم كتاب الشيخ فهد أبا حسين؟
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[22 - 10 - 07, 03:37 ص]ـ
اخي الكريم ابا يوسف في الحقيقة اني لم أقرأ الكتاب الى الان، و اما رأيت غلافه مع احد الاخوة، و بحثت عنه فلم اجده.
و لكن ذكر الاخ عبدالله المزروع في الملتقى العلمي ـ إذ اني طرحت الموضوع في الملتقى في الألوكة ـ انه من اصدار دار المحدث و لم يوزع بعد، و اظن ان اسمه وقفات مع كتاب افعل و لا حرج.
و الكتاب موجود عند دار المحدث
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[22 - 10 - 07, 03:54 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
نقض دعاوى من استدل بيُسر الشريعة
على التيسير في الفتاوى
تأليف
الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب الشريف
الطبعة الأولى
1423 للهجرة – 2002 للميلاد
جميع حقوق النشر و التأليف محفوظة للمؤلف
للحصول على نسخه من الكتاب ( http://saaid.net/Doat/Najeeb/14.zip)
تقديم
الحمد لله و كفى و صلاةً و سلاماً على عباده الذين اصطفى، و بعد:
ففي أوج انتشار منهج التيسير في الإفتاء، عمَد بعض الميسِّرين إلى تكلّف إيجاد مرجعيّة شرعيّة، و تأصيل منهجيّة فقهيّة فجّةٍ، تعمَد إلى ما في نصوص الوحيين، و كلام السابقين، من أدلّة على أنّ الدين يُسرٌ لا مشقّةَ فيه، و تتذرّع بها لتبرير منهجها في إختيار أيسر المذاهب، و الإفراط في التيسير في الفتاوى المعاصرة، إلى حدٍّ يبلغ حافّة الإفراط، و يخشى على من وَقَعَ في أن يصير إلى هاوية الانحلال من التكاليف أو بعضها، أو القول على الله بغير علم، بتقديمه ما يستحسنه بين يدي الله و رسوله.
و قد تأمّلت أدلّة القوم النقليّة، فإذا هي آيات مُحكمات، و أخبار صحيحة ثابتة، غير أنّي لم أجد فيها دليلاً على ما ذهبوا إليه، بل بعضها يدلّ على خلاف مذهبهم، و رأيت من المناسب بيان ما بدا لي في هذا الباب على عُجالةٍ، في هذه المقالة الوجيزة، من خلال مقصِدَين و خاتمة.
المقصد الأوّل
نصوص التيسير من الكتاب و السنّة
استدل دعاةُ التيسير بعموم النصوص الدالّة على أنّ التيسير و رَفع المشقّة مقصد من مقاصَد التشريع الإسلامي، كقوله تعالى:
? يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ? [البقرة: 185].
و غفلوا عن الآية التي قَبلَها، و فيها رَفعُ رُخصة الفطر في رَمضان مع الكفّارة لمن قدِرَ على الصوم، و هو ما ثبتَ بقوله تعالى في الآية السابقة لها: ? وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ? [البقرة: 184].
رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ سَلَمَة بْن الأَكْوَع أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ? وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ?، كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِر و يَفْتَدِي حَتَّى نَزَلَتْ الآيَة الَّتِي بَعْدهَا فَنَسَخَتْهَا.
قلتُ: و هذا من قبيل النسخ بالأشد، و هو من التشديد و ليس من التيسير، في شيءٍ، فتأمّل!
و مثل ذلك استدلالهم بقوله تعالى: ? وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ? [الحج: 78]، متغافلين عن صدر الآية ذاتها، و هو قوله تعالى: ? وَ جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ ? مع أنّه لا مشقّة تفوق مشقّة الجهاد و التكليف به، فبقي أن يُحمل رَفع الحرج على ما رُفِعَ بنصّ الشارع الحكيم سبحانه، لا بآراء المُيَسّرين.
و من هذا القبيل ما رواه الشيخان في صحيحيهما، و أبو داود في سننه , و أحمد في مسنده، عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضى الله عنها، قَالَتْ: (مَا خُيِّرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَأْثَمْ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ).
و ما رواه البخاري في كتاب العلم من صحيحه، و مسلم في الجهاد و السير عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه , عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا، و بَشِّرُوا و لاَ تُنَفِّرُوا».
و في روايةٍ للبخاري في كتاب الأدب: «يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا، و سَكِّنُوا و لاَ تُنَفِّرُوا».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/83)
و روى مسلم و أبو داود عَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: «بَشِّرُوا و لاَ تُنَفِّرُوا و يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا».
قلتُ: جميع ما تقدّم من نصوص الوحيَين، و كثيرٌ غيره ممّا يقرّر قيام الشريعة الغرّاء على اليُسر و نفي الضرر، و رفع الحَرَج، فهِمَه الميسّرون على غير وجهه، و حمّلوه ما لا يحتمل، متعنّتين في توجيهه لنُصرة شُبهَتهم القاضيةَ بجَعل التيسير في الفتوى منهاجاً رَشَداً، و فيما يلي نقضُ غَزلهم، و كشف شبههم إن شاء الله:
أوّلاً: ثمّة فرقٌ لغويٌ بين اليُسر و التيسير، فاليُسر صفةٌ لازمةٌ للشريعة الإسلاميّة، و مقصدٌ من مقاصدها التشريعيّة جاء به الكتاب و السنّة، و أنزله النبيّ صلى الله عليه وسلم و السلفُ الصالحُ منزلَتَه، أمّا التيسير فهو من فِعل البشر، و يعني جَعلَ ما ليس بميسَّرٍ في الأصل يسيراً، و هذا مَوطِنُ الخَلل.
ثانياً: إن اختيار النبيّ صلى الله عليه وسلم للأيسر في كلّ أمرين خُيِّرَ بينهما، كما في حديث عائشة رضي الله عنها المتقدّم فيه أربع نكات لطيفةٍ:
النكتة الأولى: أنَّ الاختيار واقع منه صلى الله عليه وسلم فيما خُيّر فيه، و ليس في كلّ ما أوحيَ إليه أو كُلّف به، هو أو أمّته، و مثال ذلك الاختلاف في صيَغ الأذان، و تكبيرات العيد، و ما إليه حيث لا يعيبُ من أخَذ بهذا على من أخذَ بذاك من العلماء، لثبوت الروايات بالأمرين كليهما.
و الثانيّة: تقييد التخيير بما لم يكُن إثماً، و لا شكّ أنّ العدول عن الراجح إلى المرجوح، أو تعطيل (و من باب أولى رد) ما ثبت من الأدلّة الشرعيّة إثمٌ يُخشى على صاحبه من الضلال، فلا وَجه لاعتباره من التيسير المشروع في شيء.
و الثالثةُ: أنّ التخيير المذكور في الحديث يُحمل على أمور الدنيا لا الدِّين، و هذا ما فهمه أهل العِلم قَبلَنا، و قدّ أمِرنا بالردّ إليهم، و منهم الحافظ ابن حجر، حيث قال رحمه الله في الفتح: (قولُه بين أمرين: أي من أمور الدنيا. لأن أمور الدين لا إثم فيها ... و وقوع التخيير بين ما فيه إثم و ما لا إثم فيه من قِبَل المخلوقين واضح، و أمَّا من قبل الله ففيه إشكال؛ لأن التخيير إنما يكون بين جائِزَين) [فتح الباري: 6/ 713].
و النكتة الرابعة و الأخيرة: أنّ هذا الخبر ما لم يُقيّد بما سبق سيكون معارضاً باختيار النبيّ صلى الله عليه وسلم الأشقَّ على نفسه، كقيامه الليل حتّى تتشقق قدَماه مع أنّ الله تعالى قد غَفَر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر. قال الحافظ في الفتح: (لكن إذا حملناه على ما يفضي إلى الإثم أمكن ذلك بأن يخيره بين أن يفتح عليه من كنوز الأرض ما يخشى مع الاشتغال به أن لا يتفرغ للعبادة مثلاً، و بين أن لا يُؤتِيَه من الدنيا إلا الكفاف، و إن كانت السعة أسهل منه، و الإثم على هذا أمر نسبي، لا يراد منه معنى الخطيئة لثبوت العصمة له) [فتح الباري: 6/ 713].
ثالثاً: لا تكليف بدون مشقّة، و إن كانت المشقّة الحاصلة بكلِّ تكليفٍ بحَسَبه، و هي متفاوتة، فإذا جاز لنا تخيّر أيسر المذاهب دفعاً لكلّ مشقّةٍ، ترتّبَ على ذلك إسقاط كثيرٍ من التكاليف الشرعيّة ...
قال الشاطبي رحمه الله: (المقصد الشرعي مِن وضْع الشريعة هو إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبداً لله اختياراً كما هو عبد الله اضطراراً) [الموافقات: 2/ 128].
و قال الإمام شمس الدين ابن القيّم رحمه الله: (لو جاز لكل مشغول و كل مشقوق عليه الترخيص ضاع الواجب و اضمحل بالكلية) [إعلام الموقعين 2/ 130].
و قال أيضاً في مَعرض كلامه عن رُخَص السفَر: (إنَّ المشقة قد عُلِّقَ بها من التخفيف ما يناسبها، فإن كانت مشقة مرض و ألم يُضِرُّ به جاز معها الفطر و الصلاة قاعداً أو على جنب، و ذلك نظير قصر العدد، و إن كانت مشقّةَ تعبٍ فمصالح الدنيا و الآخرة منوطةٌ بالتعب، و لا راحة لمن لا تعب له بل على قدر التعب تكون الراحة فتناسبت الشريعة في أحكامها و مصالحها بحمد الله و مَنِّه) [إعلام الموقعين 2/ 131].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/84)
قلتُ: فمن آثر الراحة و الدعةَ في مقام الجدّ و النصَب، فقد خالف الصواب، و غَفَل عمّا أريد منه، و ما أنيط به، و لو كان في البعد عن الجدّ و الجَهد في الطاعة بدون مرخّصٍ شرعيٍ مندوحةٌٌٌ لغير ذوي الأعذار، لما قال تعالى لخير خلقه، و أحبّهم إليه: (فإِذا فَرَغْتَ فانْصَبْ) [الانشراح: 7].
رابعاً: ما ورد في التحذير و التنفير من التشديد و التعسير و المشاقّة و التنطّع، و التعمّق - و ما إلى ذلك - على النفس و الغير، لا يدلُّ على التخيير (أو التخيُّر) في الأحكام الشرعيّة، لدلالة النصوص على التكليف بالأشدّ في مواضع كثيرة، و لأنّ النسخ بالأشد ممّا جاءت به الشريعة بالاتفاق، فضلاً عن حمل جمهور أهل العلم لنصوص النهي عن التنطّع و نحوه على ما كان فيه مجاوزة للمشروع، كالوصال في الصيام، فهو ممّا نُهي عنه، و إن كان مقدوراً عليه بدون مشقّة، بخلاف الصوم المشروع فلا يسقط عمّن وجَبَ عليه حتى و إن ثبتت مشقّته، ما دام مقدوراً عليه، و قد تقدّم ذكر بعض أقوال أهل العلم في أنّ الأصل في التكليف، أنّه قائمٌ على المشقّة المقدور عليها.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: (التشديد تارة يكون باتخاذ ما ليس بواجب، و لا مستحب، بمنزلة الواجب و المستحب في العبادات، و تارةً باتخاذ ما ليس بمُحرَّم، و لا مكروه، بمنزلة المحرم و المكروه في الطيبات، و عُلِّل ذلك بأن الذين شددوا على أنفسهم من النصارى، شَدَّد الله عليهم لذلك، حتى آل الأمر إلى ما هم عليه من الرهبانية المبتدعة، و في هذا تنبيه على كراهة النبي صلى الله عليه وسلم لِمِثْل ما عليه النصارى من الرهبانية المبتدعة، و إن كان كثير من عُبَّادِنا قد وقعوا في بعض ذلك، متأولين معذورين، أو غير متأولين و لا معذورين) [اقتضاء الصراط: 1/ 103].
و قال ابن القيّم رحمه الله: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشديد في الدين، و ذلك بالزيادة على المشروع، و أخبر أن تشديد العبد على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه؛ إما بالقدر، و إمَّا بالشَرْع؛ فالتشديد بالشرع كما يشدد على نفسه بالنذر الثقيل، فيلزمه الوفاء به، و بالقدر كفعل أهل الوسواس، فإنهم شدَّدوا على أنفسهم، فشُدِّدَ عليهم القدر، حتى استحكم ذلك، و صار صفةً لازمة لهم) [إغاثة اللهفان: 1/ 132].
و لا يقال: إنّ أحكام الشريعة تتدرّجُ من الأشدّ إلى الأيسَر، و لا من الأيسر إلى الأشد، باضطراد، لأنّها اشتملت على الأمرين معاً، و هذه المسألة مبسوطة في مباحث النسخ في كتب الأصول، و الأمثلة عليها كثيرة من الكتاب و السنّة، و من استقرأها وقفَ على حقيقةٍ مفادها أنّ التدرّج من الأيسر إلى الأشدّ هو الغالب في النَسخ، و هو ما يصلحُ دليلاً على نقيض ما ذهَب إليه دعاة التيسير، و مؤصّلوه في هذا الزمان.
لقد جاء الشرع بالتشديد بعد الترخيص في مواضع منها ما تقدّم ذِكره من إيجاب الصيام على كلّ مكلّّف بعد أن كان على التخيير في حق من يطيقه.
و نحو ذلك ما جاء في تحريم الخمر من التدرّج من الأيسر إلى الأشد، حيث كان مباحاً على الأصل، ثمّ نزلت الآية لتفيد كراهته بالإشارة على رُبُوِّ إثمه على نفعه، ثمَّ حرّم أثناء الصلاة خاصّة، ثمّ نزل تحريمه في الكتاب، و حدُّ شاربه في السنّة.
و كذلك الحال في تشديد حدّ الزنا من الإيذاء باللسان و اليد، إلى حبس الزواني في البيوت حتى يأتيهن الموت أو يجعل الله لهنّ سبيلاً، ثمّ الجلد للبكر (و التغريب في بعض المذاهب)، و الرجم للمحصن.
و نحوه ما كان من النهي عن الجهاد في أوّل الأمر، ثمّ الإذن فيه، ثم إيجابه على غير ذوي الأعذار بعد الهجرة.
و الأمثلة غير ما ذكرنا على أن الشرع الحنيف جاء بالتدرّج في التشريع من الأيسر إلى الأشدّ كثيرة، و لو أردنا تتبُّعَها، وذِكرَ أدلّتها و ما يتفرّع عنها من مسائل و أحكام، لطال بنا المقام، قبل أن نصير إلى التمام (1) ( http://saaid.net/Doat/Najeeb/8.htm#(1)) .
و هذا يدلّ على نقيض ما تذرّع به الميسِّرون، يسَّر الله لنا و لهم سُبُلَ الهدى، و وقانا مضلات الهوى و موارد الردى.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/85)
فإذا أضيف إليه ما قرّرناه آنِفاً، من بُطلان استدلالهم بنصوص الوحيين على الجنوح إلى التيسير على وجه التخيير، ظهر لنا الحق الصريح، و هو إغلاق باب الاجتهاد في مورد النص الصحيح، و وجوب الردّ إلى الله تعالى و رسوله على وجه التسليم و القبول، و الله أعلَم و أحكَم.
المقصِِِد الثاني
أقوال السلف في اختيار أيسَر المذاهب
تذرّع دعاة التيسير في العصر الحديث بما روي عن السلف و الأئمة المتّبعين بإحسان، من استحباب الأخذ بالرُخص.
و من ذلك، قول قتادة رحمه الله: (ابتغوا الرخصة التي كَتَب الله لكم) [انظره في: تحفة المولود، ص: 8].
و قول سفيان الثوري رحمه الله: (إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة , فأما التشديد فيُحسنه كل أحد) [آداب الفتوى للنووي، ص: 37].
و قول شيخ الإسلام ابن تيميّة: (إذا فعل المؤمن ما أُبيح له قاصداً العدول عن الحرام لحاجته إليه فإنّه يثاب على ذلك) [مجموع الفتاوى: 7/ 48].
و قول ابن القيّم: (الرخص في العبادات أفضل من الشدائد) [شرح العمدة: 2/ 541].
و قول الكمال بن الهمّام في التحرير: (إنّ المقلّد له أن يقلّد من يشاء، و إن أخذ العاميّ في كلّ مسألة بقول مجتهد أخفّ عليه، لا أدري ما يمنعه من النقل أو العقل.
و كون الإنسان يتتبّع ما هو الأخفّ عليه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد، ما علمت من الشرع ذمّه عليه، و كان صلى الله عليه وسلّم يحبّ ما خفّف عن أمّته).
و قول الشاطبي: (المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، و لا يميل إلى طرف الانحلال، و الدليل على صحة هذا أنَّه الصراط المستقيم، الذي جاءت به الشريعة، فإنه قد مر أن مقصد الشارع من المكلف، الحملُ على التوسط من غير إفراطٍ و لا تفريطٍ، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين خرج عن قصد الشارع، و لذلك كان ما خرج عن المذهب الوسط مذموما عند العلماء الراسخين) [الموافقات: 4/ 285].
إلى غير ذلك ممّا وقفوا عليه فاحتجّوا به، أو غاب عنهم فأغفلوه.
و لو تأمّلنا ما أوردناه (و لا أعلَم لهم استدلالاً بغيره من أقوال الأئمّة) لما رأينا فيه دليلاً على التيسير الذي يُدندنُ حَوله المعاصرون، فقتادةُ يدعوا إلى الترخّص حيث شرع الله الرخصة، فيقول: (ابتغوا الرخصة التي كَتَب الله لكم) (ابتغوا الرخصة التي كَتَب الله لكم) (ابتغوا الرخصة التي كَتَب الله لكم)، و لا يقول: رخِّصوا باستحسانكم، أو لمجرّد التخفيف عن العباد أو مسايرتهم.
و ابن تيميّة يذكر الاستغناء بالحلال عن الحرام، و ليس الإفتاء بعدَم حُرمةِ الحرَام أصلاً، أو اختيار قول من يعدل عن التحريم إلى التحليل أو مجرّد الكراهة، و إن ضَعُفَت حُجّته، و وَهت شُبهته.
أمّا ابن القيّم فكلامه في الرخص في العبادات، و هذا لا خلاف فيه، خلافاً لدُعاة التيسير الذين وقعوا في تحليل الحرام، و نفي الكراهة عن المكروه، و شتّان ما بين المذهبين.
و ما يُروى عن سفيان رَحمه الله لا يؤخذ منه الترخيص بإسقاط الواجب، أو تحليل المحرّم، و لكنّه موجّه إلى ما ينبغي أن يفتيَ به العالم من وَقع في حرَج متيقّن ليعينه على القيام بما وَجَبَ عليه، لا ليُسقِطه عنه، و ذلك كثيراً ما يَقَع في باب الكفّارات، و أداء النذور و نحوها.
و ما روي عن ابن عيينة، قال به غيره، و لكنّهم تحوّطوا في ضبط صوَره بالتمثيل له.
قال النووي: (و أما من صحَّ قصدُه , فاحتَسَبَ في طلب حيلةٍ لا شُبهةَ فيها , لتخليصٍ من ورطة يمينٍ و نحوها , فذلك حسن جميل، و عليه يُحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا , كقول سفيان: إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة , فأما التشديد فيُحسنه كل أحد) [آداب الفتوى للنووي، ص: 37].
و ننبّه هنا إلى أنّ ما رويَ عن السلف الصالح، في الحث على التمسّك بالعزائم، و التحذير من الترخّص المجرّد عن الدليل، أضعاف ما روي عنهم في التيسير و الترخيص، و العدل أن يُجمَع بين أقوالهم، لا أن يُسقَط بعضها، أو يُضرَبَ بعضُها ببَعضٍ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/86)
و ربّما اتّضحت الصورة أكثر إذا قرّبناها بالتمثيل لما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله عليهم أجمعين، فإذا رَجَعنا إلى سيَرِهِم وقفنا على معالم منهجهم في التشديد و التيسير على النفس و الغير، و من أبرز تلك المعالم:
أوّلاً: تشديد العالم على نفسه أكثر ممّا يشدد على غيره.
و لهذا المَعلَم ما يشهد له من السنّة، حيث أرشَد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه معاذ بنَ جبل رضي الله عنه، حين أمرَه بالإيجاز إذا أمَّ الناسَ في الصلاة، و يقتضي هذا الترخيص له في الإطالة إذا صلى فذاً، كما في الصحيحين و غيرهما.
ثانياً: عُرِف عن السلف الصالح، من الصحابةِ الكرام و من بَعدَهُم التشديد على الناس فيما تساهلوا فيه، و هذا خلاف ما عليه ميسِّرة العصر، من التيسير فيما كثُر وقوع الناس فيه.
و من ذلك قول عمر الفاروق رضي الله عنه: (فلو أمضيناه عليهم) حينما حكمَ بإيقاع طلاق المجلس ثلاثاً، و أمضاه على الناس، لأنّهم استعجلوا بعد أن كانت لهم فيه أناة.
و كذلك تضمين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه للصنّاع، بعد أن فسدت الذمم و تغيرت النفوس.
ألا ترى أنّ عمرَ و عليَّ رضي الله عنهما قد بالغا في التشديد في هاتين المسألتين، استحساناً، رغم وجود ما يراه الميسِّرون المعاصرون مقتضياً للتيسير، و مستلزماً للتخفيف مراعاةً ظروف المجتمع، و رفعاً للحَرَج عن الناس.
ثالثاً: أنّ من السلف من كان يفتي بالفتوى، أو يقضي بالقضاء، ثمّ يرجع عنه إذا بلغه ما هو أقوى منه دليلاً و أقوَم سبيلاً، إذ إنّ العبرة عنهم بما جاء من عند الله، و ثبت عن رسول الله، و ليس بالتيسير أو التشديد.
أخرج مسلم في كتاب الحج من صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (أنه كان يفتي بالمتعة فقال له رجُل: رويدك بعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك، فقال: يا أيها الناس: من كنا قد أفتيناه فتيا فليتئد، فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فأتموا، قال: فقدم عمر، فذكرت ذلك له، فقال: أن تأخذ بكتاب الله فإن الله تعالى قال: ? وَ أَتِمُّوُا الحَجَّ و العُمْرَةَ لله ? [البقرة: 196]، و أن تأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى نحر الهدي).
و الأمثلة غير هذا في رجوعهم إلى الحقّ كثيرة، فهل في دعاة اليوم من يلزم غرزَ السابقين، و ينحو نحوَهُم، فيقف عند الدليل، و يرجع إليه إن بلغه، و لو بعد حين، و لا يجد غضاضةً في أن يقول: (تلك على ما قضينا، و هذه على ما نقضي)؟
رابعاً: كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يدورون مع الدليل حيثُ دارَ، فمنهم الميسِّر و منهم المشدد، و لكن عن علم و بصيرة و دليل.
و كلُّهُم مِنْ رسولِ اللهِ مُقْتَبِسٌ ... غرفاً مِنَ البَحرِ أو رَشْفاً مِنَ الدِيَمِ
و إن كان فيهم من يلتزم في عمله الأحوط في مقابل من يجنح إلى الأيسر، و لكنّ الحامل لكلٍّ منهما على مذهبه لا يخرج عن الاستدلال بما ثبت عنده عن نبيِّ الهُدى صلى الله عليه وسلم.
و يحسن التمثيل لاختلاف آراء الصحابة في هذا الأمر بما كان عليه الصاحبان الإمامان: عبد الله بن عبّاس، و عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، فقد كان (أحدهما يميل إلى التشديد و الآخر إلى الترخيص و ذلك في غير مسألة، و عبد الله بن عمر كان يأخذ من التشديدات بأشياء لا يوافقه عليها الصحابة فكان يغسل داخل عينيه في الوضوء حتى عمي من ذلك، و كان إذا مسح رأسه أفرد أذنيه بماء جديد، و كان يمنع من دخول الحمام، و كان إذا دخله اغتسل منه، و ابن عباس كان يدخل الحمام، و كان ابن عمر يتيمم بضربتين ضربةٍ للوجه، و ضربةٍ لليدين إلى المرفقين، و لا يقتصر على ضربة واحدة، و لا على الكفين، و كان ابن عباس يخالفه، و يقول: التيمم ضربةٌ للوجه، و الكفين، و كان ابن عمر يتوضأ من قُبلةِ امرأتِه، و يُفتي بذلك، و كان إذا قبل أولاده تمضمض ثم صلى، و كان ابن عباس يقول: ما أبالي قبَّلتُها أو شممت ريحاناً، و كان يأمر من ذكر أن عليه صلاة و هو في أخرى أن يُتِمَّها، ثم يصلي الصلاة التي ذكرها، ثم يعيد الصلاة التي كان فيها ... و المقصود أن عبد الله بن عمر كان يسلك طريق التشديد و الاحتياط) [زاد
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/87)
المعاد: 2/ 47 و 48].
قلتُ: و مع كلِّ ما كان يذهب إليه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من التشديد و لزوم الأحوَط، لم يغمز قناته أحدٌ من السلف أو الخلف، و لم يصمه أحدٌ بوصمة التعسير، على وجه التخطئة و التنفير، بل غاية ما ذَهَبَ إليه مخالفوه هو عدَم موافقته في تشديداته، مع اعتبارها أمارةً على وَرَعه و حُسن اتّباعه، و عُذر مَن ذهبَ مذهبَه من الأتباع ما داموا يدورون مع الدليل مدارَه.
و لم يكن يسعهم حتى تمني خلافه فضلاً عن تبريره أو تسويغ القول و العمل به.
قال أبو عبد الله الزركشي [في المنثور: 1/ 20، 21] و هو يُعدِّدُ أنواع التمني و يعرض حكم الشرع في كلٍّ منها: السابع: تمني خلاف الأحكام الشرعية لمجرد التشهي ... قال الإمام الشافعي في (الأم) و قد روى عن عمر: (لا يُسترق عربي) قال الشافعي رحمه الله: لولا أنَّا نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون هذا هكذا، و كأنه أراد تغير الأحكام و لم يرد أن التمني كله حرام).
قلت: فلله درّهم ما أبرَّهم، و ما أنبلهم حيث لا يسوّغون مجرّد كون الحرام حلالاً، فضلاً عن تسويغه، و الإفتاء بحلّه، و لو كان بليّ أعناق النصوص، و حشد الشواهد و الشواذ من كلّ رطبٍ و يابِسٍ، من زلاّت المتقدّمين، و هفولت المتأخّرين، و سقطات المُتابِعين.
إنّها و الله الخشية من العَبدِ للمعبود، فمن أو تِيَها فقد أوتِيَ خيراً كثيراً، و هل العِلمُ إلاّ الخشية، و ما مثل من كثر عِلمُه و قلّت خشيته إلا كمثل التاجر المدين، تكثر بين يديه العروض، ليس له منها شيء.
خاتمة
و بعد، فقد آل بنا البحث عند ختامه إلى الحديث عن الخشية، و هي جماع صفاة العالم الرباني، تسوقه إلى الحقّ، و تأطُرُه عليه أطراً.
قال صاحب الآداب الشرعيّة: (و نقل المروزي عن أحمد أنه قيل له: لمن نسأل بعدك؟ فقال: لعبد الوهاب يعني الوراق، فقيل إنه ضيق العلم فقال: رجل صالح مثله يوفق لإصابة الحق .... و قال الأوزاعي كنا نمزح و نضحك، فلما صرنا يقتدى بنا خشيت أن لا يسعنا التبسم ... و روى ابن بطة عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى: إن الفقه ليس بسعة الهذر و كثرة الرواية إنما الفقه خشية الله ... و قال الأوزاعي: بلغني أنه يقال: ويل للمتفقهين لغير العبادة , والمستحلين المحرمات بالشبهات ... و قال الشافعي رضي الله عنه: زينة العلم الورع و الحلم، و قال أيضا لا يجْمُل العلم، و لا يحسن إلا بثلاث خلال: تقوى الله , و إصابة السنة , و الخشية).
فما أحرى العاملين للإسلام؛ دعاةً و فقهاء و مُفتين إن يقفوا على الحقّ، و يقولوا به، و يردّوا عِلمَ ما اختُلِفَ فيه إلى عالمه.
لتكون السبيل محجّةً بيضاء؛ كتاباً و سنةً، مع سلامةٍ في الصدر و المنهج.
ففي ذلك السلامة، و النجاة من الندامة، و هذا غاية ما أردت بيانه في رسالتي هذه، باذلاً في طلب الحق و تقريبه للخلق وسعي، فإن أصبت فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، و إن أخطأتُ فمِن نفسي و من الشيطان، و اللهَ تعالى أسألُ أن يغفر زلّتي، و يقيل عثرتي.
و أفوّض أمري إلى الله، إنّ الله بصير بالعباد
و الحمد لله ربّ العالمين
و صلّى الله و سلّم على نبيّنا محمّد، و آله، و صحبه أجمعين
--------------------
(1) كان التدرّج في التشريع في زمن الوحي، و انقطع بانقطاعه، حيث أكمَلَّ الله دينه، و أتمّ على عباده نعمته، فقال: (اليوم أكملتُ لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً) فليس لأحد بعد ذلك أن يجاري الشارع الحكيم سبحانه في التدرّج في تبليغ حكم الله تعالى، و حُكمِ رسولِه لحديثي العهد بالإسلام أو التوبة، إذ إنّ الأحكام قد استقرّت على ما قضى الله و رسوله، و بالله العصمة.
و كتب
أحمد بن عبد الكريم نجيب
(الملقّب بالشريف)
دَبْلِن (إيرلندا) في غرّة جمادى الآخرة عام 1423 للهجرة
الموافق العاشر من يوليو (تمّوز) عام 2002 للميلاد
http://www.saaid.net/Doat/Najeeb (http://www.saaid.net/Doat/Najeeb)
alhaisam@msn.com (ahmadnajeeb@hotmail.com)
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[22 - 10 - 07, 09:45 ص]ـ
أخي عبدالرحمن بارك الله فيك
ما اسم كتاب الشيخ فهد أبا حسين؟
كيف نفهم التيسير؟
وقفات مع كتاب (افعل ولا حرج).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/88)
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[22 - 10 - 07, 10:54 ص]ـ
جزاكما الله خيراً
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[22 - 10 - 07, 10:37 م]ـ
https://il.packet.me.uk/dmirror/http/www.kabah.info/uploaders/kayfah.jpg
صورة غلاف الكتاب.
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[24 - 10 - 07, 11:32 م]ـ
هذه مقدمة الشيخ عبدالله بن بيَّة أصل فيها لمذهب التيسير و أنه يتأكد في الحج أكثر، و قد أورد فيها فتوى لشيخ الإسلام بن تيميَّة، و من رأيي أنها أهم و أثمن ما في المقدمة و لا أبالغ إن قلت إنها أثمن ما في الكتاب، و سأجعلها بلون مختلف حتى تتبين و يسهل العثور عليها.
مقدمة معالي الشيخ
عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيه
وزير العدل بجمهورية موريتانيا سابقًا
وعضو مجمع الفقه الإسلامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، وبعد:
فلقد اطلعت على كتاب «افعل ولا حرج» لأخينا العلامة المستبصر الدكتور سلمان بن فهد العودة حفظه الله تعالى، وهو كتاب صغير الحجم، إلا أنه مشتمل على جمل مفيدة من العلم، وبخاصة مسائل الحج والعمرة، جاء في وقته وأوانه، متسمًا بالفهم والتدبر في مشكلات الحج في زمانه ومكانه.
ولعمري إنه لموضوع جدير بالاهتمام، بلغ سيله الزبى وحزامه الطبيين، بعد تكرار حوادث الازدحام التي تؤدي إلى هلاك الأنفس وتشويه صورة الإسلام، حيث يظهر معتنقوه بمظهر الفوضى وعدم الانضباط والانتظام، ويجد أعداء الدين -وهم كثر- فرصة للقدح والتجريح، وكلتا الحالتين منافية لمقاصد الشرع، ومنابذة لمقتضيات العقل والطبع.
وقد طلب مني التقديم لهذا العمل الذي أعتبره إنارة وإثارة؛ أما كونه إنارة، فإنه ينير طريق التيسير لمريد سلوكه، موضحًا بأدلته، وأما كونه إثارة، فإنه يثير لفيفًا من المسائل ينبغي أن تبحث بين الفقهاء لتحرير الفتوى فيها على ضوء الواقع، طبقًا لجدلية الدليل الكلي «المقصد» والدليل الجزئي «النص» وما في معناه من ظاهر أو اقتضاء أو مفهوم، حيث يتجلى فقه الفقهاء وفهم العلماء في مراعاة زوايا هذا المثلث الذي هو: الواقع المستجد من كل جوانبه؛ وهو هنا تزايد أعداد الحجاج، وضيق الرقعة الجغرافية، وذهاب الأنفس شبه المطرد، وتطبيق الحكم الشرعي الذي ينشأ عن نظرة متوازنة للكلي مع الجزئي، تضع نصب عينيها المقاصد الشرعية الأكيدة، دون أن تغيب عن بصرها وبصيرتها النصوص الجزئية، لما يؤدي إلى إيجاد نسبية لاطراد المقصد وشموله .. إن ذلك بعينه هو الوسطية التي لا يسع المتعاطي للفتوى إلا مراعاتها دون تقصير ولا شطط.
فأجبت الطلب، واختصرت هذه المقدمة في ثلاثة مطالب:
الأول: عن مقصد التيسير في الشريعة الغراء.
والثاني: توظيف اختلاف العلماء لرفع الحرج والمشقة عن الأمة، وذلك معنى كون الاختلاف رحمة.
والثالث: مقصد التيسير في الحج بخصوصه، وفتاوى بعض العلماء.
المطلب الأول: مقصد التيسير في الشريعة الغراء
اعلم وفقنا الله وإياك أن التيسير من خصائص هذه الرسالة الخاتمة، فقد قال ـ: * tûïÏ%©!$#?cqãèÎ7Ft?tAqß™?9$#¢ÓÉ<¨Z9$# _ÍhGW{$#“Ï%©!$#¼çmtRr߉Ågs†$¹/qçGõ3tBöNèdy‰YÏã’ÎûÏp1u‘öqG9$#È@ÅgUM}$#urNèdã?ãB ù't?Å$rã?÷èyJø9$$Î/öNßg8pk÷]t?urÇ`tãÌ?x6YßJø9$#‘@Ïtä†urÞOßgs9ÏM»t6Íh©Ü9$#ãPÌh ?ptä†urÞOÎgø?n=tæy]Í´¯»t6y‚ø9$#ßì?Òt?uröNßg÷ZtãöNèdu?ñÀÎ)?@»n=øñF{$#u rÓÉL©9$#ôMtR%x.óOÎgø?n=tæ4?úïÏ%©!$$sù(#qãZtB#uä¾Ïm Î/çnr⑨“tãurçnrã?|ÁtRur(#qãèt7¨?$#uru‘q‘Z9$#ü“Ï%©!$ #tAÌ“Ré&ÿ¼çmyètBy7Í´¯»s9'ré&ãNèd?cqßsÎ=øÿßJø9$#ÇÊÎÐÈ&[ الأعراف:157].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/89)
إنها آية كريمة ترسم ملامح الرسالة من خلال صفات نبيها ^، وتعرج على ما يجب له من الحقوق، وتبشر أتباعه بالصلاح والفلاح؛ فهو جامع لوصفي الرسالة والنبوة، وهو أمي لم يتعلم من أحد، فلم يتعلم من نبي ولا عالم، وإنما علمه العليم الحكيم، وهو مكتوب موصوف في توراة موسى وإنجيل عيسى.
فهو النبي الخاتم الذي بشر به الأنبياء، وأخذ العهد عليهم بالإيمان به ونصره، ووصف بأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحل الطيبات ويحرم الخبائث، ويضع عنهم الإصر والأغلال، أي: التكاليف الغليظة التي كانت تكبلهم الشرائع السابقة بها.
إنه تصوير لحالة الضيق والمشقة التي أماطتها هذه الشريعة بالسماحة واليسر.
فالإصر: يقول عنه النضر بن شميل /: هو العهد الثقيل ([1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn1)). وكل ثقيل فهو إصر؛ لأنه يأصر صاحبه، أي: يحبسه عن الحركة.
أما الأغلال: فجمع غُل بالضم، وهو جامعة الحديد تكون في العنق واليدين. قال مرتضى في «التاج» عن الأغلال: «وقد تكرر ذكرها في القرآن والسنة، ويراد بها التكاليف الشاقة والأعمال المتعبة» ([2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn2)).
قلتُ: إنه تصوير ناطق يُقدم إلى السامع صورة شخص مكبل بأغلال حديدية، وهو يحمل على كاهله حملًا ثقيلًا ينوء به! فكيف يقوم بوظيفة الاستخلاف؟ إلى أن امتن ـ عليه برسالة النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام، فكانت كلمة «يضع» هي المفتاح لفك كبله وإماطة الحمل عن ظهره، فلا غل في الشريعة ولا إصر في الحنيفية السمحة.
وليس التيسير ورفع الحرج قاعدة فقهية فقط عبر عنها الفقهاء بقولهم: «المشقة تجلب التيسير». وقول الشافعي /: «الأمر إذا ضاق اتسع» ([3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn3)). إلى غير ذلك من العبارات التي تصب في هذا الجدول، بل رفع الحرج والتيسير مقصد أعلى من مقاصد الشريعة.
وهذه فقرات لأبي المقاصد أبي إسحاق الشاطبي / تبين ذلك، حيث يقول: «المسألة السادسة: فإن الشارع لم يقصد إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه، والدليل على ذلك أمور:
أحدها: النصوص الدالة على ذلك، كقوله تعالى: *& szlig;ì?Òt?uröNßg÷ZtãöNèdu?ñÀÎ)?@»n=øñF{$#urÓÉL©9$#ôMt R%x.óOÎgø?n=tæ&[ الأعراف:157]، وقوله: *$ oY/u‘?wurö@ÏJóss?!$uZø?n=tã#\?ô¹Î)$yJx.¼çmtFù=yJym’n? tã?úïÏ%©!$#`ÏB$uZÎ=ö6s%&[ البقرة:286]. وفي الحديث: «قال الله تعالى: قد فعلت» ([4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn4)). وقد جاء:
*? wß#Ïk=s3ã?ª!$#$²¡øÿtR?wÎ)$ygyèó™ãr&[ البقرة:286]، و*& szlig;‰?Ì?ã?ª!$#ãNà6Î/t?ó¡ã?ø9$#?wur߉?Ì?ã?ãNà6Î/u?ô£ãèø9$#&[ البقرة:185]، و*$ tBur?@yèy_ö/ä3øn=tæ’ÎûÈûïÏd‰9$#ô`ÏB8lt?ym&[ الحج:78]، و*& szlig;‰?Ì?ã?ª!$#br&y#Ïeÿs?ä†öNä3Ytã4t,Î=äzurß`»|¡RM}$#$ZÿÏè|Ê&[ النساء:28]، و*$ tB߉?Ì?ã?ª!$#?@yèôfu?Ï9Nà6øn=tæô`ÏiB8lt?ym`Å3» s9ur߉?Ì?ã?öNä.t?ÎdgsÜã?Ï9NÏGã?Ï9ur¼çmtGyJ÷èÏRöNä 3øn=tæöNà6¯=yès9?crã?ä3ô±n@&[ المائدة:6]. وفي الحديث: «بعثت بالحنيفية السمحة» ([5] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn5)). وحديث: «ما خير رسول الله ^ بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه» ([6]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/90)
( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn6)). وإنما قال: «ما لم يكن إثمًا» لأن ترك الإثم لا مشقّة فيه من حيث كان مجرد ترك. إلى أشباه ذلك مما في هذا المعنى.
ولو كان قاصدًا للمشقة لما كان مريدًا لليسر ولا التخفيف ولكان مريدًا للحرج والعسر وذلك باطل.
والثاني: ما ثبت أيضًا من مشروعية الرخص، وهو أمر مقطوع به، ومما علم من دين الأمة ضرورة، كرخص القصر والفطر والجمع وتناول المحرمات في الاضطرار، فإن هذا نمط يدل قطعًا على مطلق رفع الحرج والمشقّة، وكذلك ما جاء من النهي عن التعمق والتكلف والتسبب في الانقطاع عن دوام الأعمال.
ولو كان الشارع قاصدًا للمشقة في التكليف لما كان ثم ترخيص ولا تخفيف» ([7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn7)).
وقال الشاطبي أيضًا: «فالنصوص سالفة الذكر عامة في المشقّة بنوعيها الشديد والمتوسط، وإذا فرضنا أن رفع الحرج مفقود فيه صيغة عموم، فإنا نستفيده من نوازل متعددة خاصة مختلفة الجهات متفقة في أصل رفع الحرج، كما إذا وجدنا التيمم شرع عند مشقة طلب الماء، والصلاة قاعدًا عند مشقة طلب القيام، والقصر والفطر في السفر، والجمع بين الصلاتين في السفر والمرض والمطر، والنطق بكلمة الكفر عند مشقة القتل ... ».
وأطال النفس قائلًا: «إلى جزئيات كثيرة جدًّا يحصل من مجموعها قصد لرفع الحرج، فإنا نحكم بمطلق رفع الحرج في الأبواب كلها عملًا بالاستقراء» ([8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn8)).
وعلى هذه الشاكلة القول بالأخف:
يقول الزركشي: «إن القول بالأخف قد يكون بين المذاهب، وقد يكون بين الاحتمالات المتعارضة أماراتها، وقد صار إليه بعضهم؛ لقوله تعالى: *& szlig;‰?Ì?ã?ª!$#ãNà6Î/t?ó¡ã?ø9$#?wur߉?Ì?ã?ãNà6Î/u?ô£ãèø9$#&[ البقرة:185]. وقوله: *$ tBur?@yèy_ö/ä3øn=tæ’ÎûÈûïÏd‰9$#ô`ÏB8lt?ym&[ الحج:78]. وقوله ^: «بعثت بالحنيفية السمحة» ([9] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn9)).
وهذا يخالف الأخذ بالأقلِّ، فإن هناك يُشترط الاتفاق على الأقل ولا يشترط ذلك هاهنا، وحاصله يرجع إلى أن الأصل في المضار المنع، إذ الأخف منهما هو ذلك.
وقيل: يجب الأخذ بالأشق كما قيل هناك يجب الأخذ بالأكثر» ([10] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn10)).
قال الطوفيفي الترجيح عند تعارض الدليلين:
«الثاني: يأخذ بأشد القولين؛ لأن «الحق ثقيل مَرِيءٌ والباطل خفيف وَبيِءٌ». كما يروى في الأثر ([11] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn11)). وفي الحكمة: «إذا ترددت بين أمرين فاجتنب أقربهما من هواك» ([12] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn12)).
وروى الترمذي من حديث عائشة قالت: قال رسول الله r: « ما خُيِّر عمار بين أمرين إلا اختار أشدَّهما». وفي لفظ: «أَرْشَدَهُما». قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ورواه أيضا النسائي وابن ماجه ([13] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn13)).
فثبت بهذين اللفظين للحديث أن الرشد في الأخذ بالأشد.
الثالث: يأخذ بأخف القولين؛ لعموم النصوص الدالة على التخفيف في الشريعة، كقوله Q: *߉?Ì?ã?ª!$#ãNà6Î/t?ó¡ã?ø9$#?wur߉?Ì?ã?ãNà6Î/u?ô£ãèø9$#&[ البقرة:185]. وقوله:*$ tBur?@yèy_ö/ä3øn=tæ’ÎûÈûïÏd‰9$#ô`ÏB8lt?ym&[ الحج:78]. وقوله ^: «لا ضرر ولا ضرار» ([14] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn14)). وقوله ^: «بعثت بالحنيفية السمحة السهلة» ([15] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn15)).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/91)
قال شيخنا المزني: من قواعد الشريعة أن يستدل بخفة أحد الأمرين المتعارضين على أن الصواب فيه، أو كما قال.
قلتُ: وثبت عن النبي ^ أنه «ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا» ([16] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn16)).
قلتُ: والفرق بينه وبين عمار فيما حكينا عنه من الأخذ بأشد الأمور: أن عمارًا كان مكلفًا محتاطًا لنفسه ودينه، والنبي ^ كان مُشرِّعًا موسِّعًا على الناس لئلا يحرج أمته. وقال: «يَسِّروا ولا تُعَسروا» ([17] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn17)). وقال لبعض أصحابه في سياق الإنكار عليه: «إن فيكم منفرين» ([18] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn18))([19] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn19)).
قلت: وقد روي حديث عمار: «أسدهما» بالسين المهملة، من السداد، وعليه فلا دليل فيه للشدة.
وبناء على هذا المقصد رجح العلماء في قضايا الخلاف التيسير على مر الزمان، إذا ظهر أن القول الراجح يؤدي إلى إعنات ومشقة، وعدلوا عن القياس وخصصوا عموم النصوص، فالقاعدة أن «غلبة المشقة مسقطة للأمر»، قال عليه الصلاة والسلام: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك» ([20] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn20)).
المطلب الثاني:
توظيف اختلاف العلماء لرفع الحرج والمشقة
عن الأمة، وذلك معنى كون الاختلاف رحمة
فقد فسر الشاطبي رحمة الخلاف بقوله: «إن جماعة من السلف الصالح جعلوا اختلاف الأمة في الفروع ضربًا من ضروب الرحمة، وإذا كان من جملة الرحمة، فلا يمكن أن يكون صاحبه خارجًا من قسم أهل الرحمة.
وبيان كون الاختلاف المذكور رحمة: ما رُوي عن القاسم بن محمد قال: «لقد نفع الله باختلاف أصحاب رسول الله ^ في العمل، لا يعمل العامل بعلم رجل منهم إلا رأى أنه في سَعة» ([21] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn21)).
وعن ضمرة عن رجاء قال: «اجتمع عمر بن عبدالعزيز والقاسم بن محمد، فجعلا يتذاكران الحديث، قال: فجعل عمر يجيءُ بالشيء يخالف فيه القاسم، قال: وجعل القاسم يشق ذلك عليه، حتى تبين فيه، فقال له عمر: لا تفعل، فما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم» ([22] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn22)).
وروى ابن وهب عن القاسم أيضًا، قال: «لقد أعجبني قول عمر بن عبدالعزيز: ما أحب أن أصحاب محمد ^ لا يختلفون؛ لأنه لو كان قولًا واحدًا لكان الناس في ضيق، وإنهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سنة» ([23] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn23)).
ومعنى هذا: أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد وجواز الاختلاف فيه، لأنهم لو لم يفتحوه لكان المجتهدون في ضيق؛ لأن مجال الاجتهاد ومجالات الظنون لا تتفق عادة -كما تقدم- فيصير أهل الاجتهاد مع تكليفهم باتباع ما غلب على ظنونهم مكلفين باتباع خلافهم، وهو نوع من تكليف مالا يطاق، وذلك من أعظم الضيق. فوسع الله على الأمة بوجود الخلاف الفروعي فيهم، فكان فتح باب للأمة للدخول في هذه الرحمة، فكيف لا يدخلون في قسم *` tBzMÏm‘y7•/u‘& [ هود:119]، فاختلافهم في الفروع كاتفاقهم فيها، والحمد لله» ([24] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn24)).
قال ابن عابدين في تعليقه على قول صاحب «الدّر المختار»: «وعلم بأن الاختلاف من آثار الرحمة، فمهما كان الاختلاف أكثر كانت الرحمة أوفر» -: «وهذا يشير إلى الحديث المشهور على ألسنة الناس، وهو: «اختلاف أمتي رحمة». قال في «المقاصد الحسنة»: رواه البيهقي بسند منقطع عن ابن عباس ب، بلفظ: قال رسول الله ^: «مهما أوتيتم من كتاب الله؛ فالعمل به لا عذر لأحد في تركه، فإنْ لم يكن في كتاب الله فسنة مني، فإنْ لم تكن سنة مني فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فأيما أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة». وأورده ابن الحاجب في «المختصر» بلفظ: «اختلاف
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/92)
أمتي رحمة للناس».
وقال ملا علي القاري: إن السيوطي قال: أخرجه نصر المقدسيّ في «الحجة» والبيهقي في «الرسالة الأشعرية» بغير سند، ورواه الحليمي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم، ولعله خرّج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا.
ونقل السيوطي عن عمر بن عبدالعزيز أنه كان يقول: «ما سرني أن أصحاب محمد ^ لم يختلفوا؛ لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة».
وأخرج الخطيب أن هارون الرشيد قال لمالك بن أنس: يا أبا عبدالله! نكتب هذه الكتب -يعني: مؤلفات الإمام مالك- ونفرقها في آفاق الإسلام لنحمل عليها الأمة. قال: «يا أمير المؤمنين! إن اختلاف العلماء رحمة من الله تعالى على هذه الأمة، كل يتبع ما صح عنده، وكلهم على هدى، وكل يريد الله تعالى». وتمامه في «كشف الخفاء ومزيل الإلباس» ([25] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn25)).
وللاختلاف أسبابه المشروعة في الفقه، ولهذا اعتبر العلماء معرفة الاختلاف ضرورية للفقيه حتى يتسع صدره وينفسح فقهه.
فقد قال قتادة /: «من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه» ([26] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn26)).
وعن هشام بن عبيد الله الرازي /: «من لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه» ([27] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn27)).
وعن عطاء /: «لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس، حتى يكون عالمًا باختلاف الناس» ([28] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn28)).
وقال يحيى بن سلام /: «لا ينبغي لمن لا يعرف الاختلاف أن يفتي، ولا يجوز لمن لا يعلم الأقاويل أن يقول: هذا أحب إليّ» ([29] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn29)).
إلى غير ذلك من الأقوال، ويراجع الشاطبي في «الموافقات»، فقد عدَّ معرفة الاختلاف من المزايا التي على المجتهد أن يتصف بها ([30] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn30)).
إذا تقرر ما تقدم من جواز الاختلاف بين أهل الحق، فاعلم أن هذا الاختلاف قد يكون سببًا للتيسير والتسهيل، والتيسير مقصد من مقاصد الشريعة بنص الكتاب والسنة، كما مر عن الشاطبي وغيره.
وبناءً عليه: يوجد في المذاهب كلها العدول عن القول الراجح إلى قول مرجوح، لجلب مصلحة ترجحت، أو درء مفسدة، أو دفع مشقة عرضت.
ولهذا تقرر عند المالكية تقديم القول الضعيف الذي جرى به العمل على القول الراجح في زمن من الأزمنة أو مكان من الأمكنة لتبدل عرف أو عروض جلب مصلحة أو درء مفسدة، فيرتبط العمل بالموجب وجودًا أو عدمًا، كما يقول شارح التحفة. وبنوا على ذلك مئات المسائل.
وقال ابن عابدين كذلك بجواز الإفتاء بالضعيف للضرورة، وذكر أبياتًا في ذلك:
ولا يجوز بالضعيف العمل
ولا به يجاب من جا يسأل
إلا لعامل له ضروره
أو من له معرفة مشهوره
ومعنى ذلك: أن مقصد التيسير يرجح القول الضعيف فيتعين العمل به لعروض المشقة، فمعادلة المقصد الكلي بالنص الجزئي مؤثرة في الفتوى على مدار الأزمنة.
يقول ابن القيم / في تغير الأحكام بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال: «هذا فصل عظيم النفع جدًّا، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يُعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالّة عليه وعلى صدق رسوله ^» ([31] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn31)).
وتغير الزمان المشار إليه هو تغير أحوال الناس، فالحجيج الذين كانوا يعدون بالآلاف أصبحوا يعدون بالملايين، والأنفس القليلة التي كانت تموت في موسم الحج أصبحت تعد بالمئات.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/93)
ومحل الشاهد منه أن الإبقاء على أحكام الجزئيات التي تخالف مقاصد الشريعة وتؤدي إلى مشقة وإعنات، مخالف لروح الشريعة وغلط.
وأي مشقة أعظم من ذهاب الأنفس في الزحام والإثخان بالجروح والآلام، ألا يستحق الأمر اجتهادًا؟
قال ابن عابدين في نفس المعنى: «فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان، لتغيّر عرف أهله، أو لحدوث ضرورة، أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولًا للزم منه المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد، لبقاء العالم على أتم نظام وأحسن إحكام، ولهذا ترى مشايخ المذاهب خالفوا ما نصَّ عليه المجتهد في مواضع كثيرة، بناها على ما كان في زمنه، لعلمهم بأنه لو كان في زمانهم لقال بما قالوا به أخذًا من قواعد مذهبه» ([32] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn32)).
وقال أيضًا: «ثم اعلم أن كثيرًا من الأحكام التي نص عليها المجتهد صاحب المذهب بناء على ما كان في عرفه وزمانه، قد تغيرت بتغير الأزمان؛ بسبب فساد أهل الزمان أو عموم الضرورة كما قدمناه».
المطلب الثالث:
مقصد التيسير في الحج بخصوصه
وفتاوى بعض العلماء
1 - إن التصريح برفع الحرج من الشارع فيمن خالف أفعاله في الحج بقوله: «افعل ولا حرج». دليل لملاحظة مقصد التيسير في الحج، بالإضافة إلى كونه مقصدًا عامًّا في كل مناحي التشريع الإسلامي بالنصوص التي ذكرناها سلفًا، إلا أنه تجدر الإشارة إلى قوله تعالى: *$ tBur?@yèy_ö/ä3øn=tæ’ÎûÈûïÏd‰9$#ô`ÏB8lt?ym4s'©#ÏiBöNä3Î/r&zO?Ïdºt?ö/Î)uqèdãNä39£Jy™tûüÏJÎ=ó¡ßJø9$#`ÏBã@ö6s%&[ الحج:78]، أورد في سورة الحج، وأن الحج من أهم موروث من ملة أبينا إبراهيم ×.
2 - إن الحج عبادة قرنت بالاستطاعة نصًّا، مع أن كل العبادات يشترط لوجوبها الاستطاعة، قال تعالى: *! ur’n?tãĨ$¨Z9$#?kÏmÏMø?t7ø9$#Ç`tBtí$sÜtGó™$#Ïmø s9Î)WxÎ6y™&[ آل عمران:97]، وجاء في الحديث: «وحج البيت من استطاع إليه سبيلًا» ([33] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn33)).
وهذه نصوص تشير إلى إرادة التيسير وعدم الإعنات.
3 - إن الحج في كثيرٍ من أحكامه مبني على التخيير، والتخيير أساس التيسير.
فالحج وقته متسع، فهو واجب على التراخي عند بعض العلماء كالشافعية والمغاربة من المالكية، ويشرع فيه بإحرام بواحد من ثلاثة أنساك على سبيل التخيير، وهي: التمتع والقران والإفراد.
وكذلك التخيير في الفدية: *` u
قال الشيخ الألباني :
sùtb%x.Nä3ZÏB$³Ò?Í?£D÷rr&ÿ¾ÏmÎ/“]?r&`ÏiB¾ÏmÅ™ù&‘×pt?ô‰Ïÿsù`ÏiBBQ$u?Ϲ÷rr&>ps%y‰|¹÷rr&77Ý¡èS&[ البقرة:196].
4 - إن بعض أفعال الحج المختلف فيها بالتقديم والتأخير، كالرمي، لا يوجد بخصوصها دليل قولي من الشارع، وإنما تدخل تحت دلالة الفعل، ودلالة الفعل دلالة ضعيفة، وإن كان مستندًا إلى قوله ^: «خذوا عني مناسككم» ([34] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn34)). فمعلوم أن أفعاله ^ في الحج منها الواجب والمسنون والجائز، فيبقى الاحتمال قائمًا في تعيين أي منها، فقد حج راكبًا، وهو أمر جائز، وقد حصَّب ([35] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn35))، وهو أمر مختلف في دلالته بين الجواز والاستحباب.
وقد رتب الرمي والحلق والإفاضة، وقد ثبت عنه رفع الحرج عمن خالف الترتيب.
وقد سمح لذوي أعذار خفيفة بترك المبيت بمنى، وبجمع الرمي في يوم واحد.
إلى غير ذلك من الرخص التي يشتمل عليها كتاب أخينا العلامة الدكتور سلمان العودة.
وعدمُ وجود بيان قولي مما يقرب المسألة من منطقة العفو لاحتمال أن يكون فعله ^ محمولًا على الأفضلية، ويرجح مذهب من أجاز الرمي في أي وقت من أيام منى للحاجة والمشقة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/94)
ولهذا ترخص العلماء في مواطن ورد فيها بيان قولي، كمسألة طواف الحائض عندما أدت إلى شدة ومشقة في القرن الثامن الهجري.
وهذه فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية /، كما نقلها اللبدي، ننقلها بكاملها مع تعليقات اللبدي، لما تضمنته من معانٍ توضح منحى التعامل مع المشقات في الحج، حيث يقول:
«مسألة مهمة جدًّا: نبه عليها الشيخ الإمام والحبر الهمام قدوة الأنام شيخ الإسلام بحر العلوم أبو العباس تقي الدين أحمد ابن تيمية، طيب الله ثراه وجعل الجنة مأواه؛ قال /:
وقد يقع في الحج في كل عام ما يبتلى به كثير من نساء العلماء والعوام؛ وذلك أن المحرمة تحيض قبل طواف الإفاضة، ويرحل الركب قبل طهرها، ولا يمكن المقام للطواف.
قال: وفي سنة سبع وسبعمائة جرى ذلك لكثير من نساء الأعيان وغيرهم، فمنهن من انقطع دمها يومًا أو أكثر باستعمال دواء، ومنهن من انقطع دمها يومًا أو أكثر بغير دواء، فظنت أن الدم لا يعود، ففعلت كالأولى، ثم عاد الدم في أيام عدتها، ومنهن من طافت قبل انقطاعه وقبل غسلها، ومنهن من سافرت مع الركب قبل الطواف، وكانت قد طافت طواف القدوم وسعت بعده؛ فهؤلاء أربعة أصناف.
فلما اشتد الأمر بهن، وخفن أن يحرم تزويجهن، ووطء المتزوجة منهن، ويرجعن بلا حج، وقد أتين من بلاد بعيدة، وقاسين المشاق الشديدة، وأنفقن الأموال، كثر منهن السؤال، وقد قاربت عقولهن للزوال: هل من مخرج عن هذا الحرج، وهل مع الشدة من فرج؟
فسألت الله التوفيق والإرشاد، إلى ما فيه التيسير على العباد من مذاهب العلماء الأئمة، الذين جعل اختلافهم رحمة للأمة، فظهر لي في الجواب، والله أعلم بالصواب: أنه يجوز تقليد كل واحد من الأئمة الأربعة، وأن يُقَلّدَ واحد منهم في مسألة وآخر في أخرى؛ فعلى هذا يصح حج كل منهن:
أما الأولى والثانية: فعلى أحد قولين في مذهب الشافعي، بناء على أن يوم النقاء طهر.
قلت: وهو الصحيح من مذهبنا أيضًا، فقد جزم به في «المنتهى» و «الإقناع» وغيرهما.
قال: وأما الثالثة: فعلى مذهب أبي حنيفة، فعنده لا يشترط للطواف طهارة حدث ولا نجس، وهو أحد الروايتين عن أحمد.
قلت: والصحيح المشهور خلافها.
قال: وأما الرابعة: فقد تتخرج صحة حجها على أحد الروايتين عن مالك، وهي أن من طاف طواف القدوم وسعى بعده ورجع إلى بلده قبل طواف الإفاضة، ناسيًا أو جاهلًا، أجزأه عن طواف الإفاضة، فإنَّ عذر الحيض أظهر من عذر الجاهل والناسي.
قال: وإن لم يعمل بهذه الرواية أو لم يصح التخريج، فعلى قياس أصول مذهب الشافعي، أنها إذا جاوزت مكة بيوم أو أكثر، بحيث لا يمكنها الرجوع إلى مكة، خوفًا على نفسها أو مالها، تصير كالمحصر، فتتحلل كهو وتذبح شاة وتقصر من شعرها، وتصير حلالًا. انتهى باختصار من نحو ورقتين.
وقال / في مواضع أخر: غاية ما في الطهارة أنها شرط في الطواف، ومعلوم أن كونها شرطًا في الصلاة آكد، ومع ذلك تصح الصلاة بدونها مع العذر عند الأكثر ... وذكر كلامًا كثيرًا لا يحتمله هذا المختصر.
والحاصل: أنه انتصر لصحة طواف الحائض انتصارًا لا مزيد عليه، وأقام على ذلك أدلة واضحة، وذكر أنه لا دم عليها.
وآخر ما قال: هذا الذي يتوجه عندي في هذه المسألة، ولضرورة الناس واحتياجهم إليها علمًا وعملًا تجمشت الكلام فيها، فإني لم أجد فيها كلامًا لغيري، والاجتهاد عند الضرورة مما أمر الله به، فإن يكن ما قلته صوابًا فهو من الله ورسوله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه. انتهى ملخصًا من «شرح عمدة الأحكام» ([36] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn36)).
وعلق الزرقاني في «شرحه» عند قول خليل: «وحُبِسَ الكَرِيُّ والوَلِيُّ لحيضٍ أو نِفَاس قَدْرَهُ، وقُيِّدَ إنْ أَمنَ». بقوله - بعد نقله لأقوال مذهب مالك في اعتبار الحائض محصرة وأنها تظل على إحرامها-: «وفيه من المشقة -خصوصًا على من بلادها بعيدة- ما لا يخفى، ومقتضى يسر الدين أن لها أن تقلد: إما ما رواه البصريون المالكية عن الإمام مالك، من أن من طاف للقدوم وسعى ورجع لبلده قبل طواف الإفاضة جاهلًا أو ناسيًا أجزأه عن طواف الإفاضة، خلاف ما نقل البغداديون عنه من عدم الإجزاء وإن كان هو المذهب.
ولاشك أن عذر الحائض والنفساء أبلغ من عذر الجاهل والناسي.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/95)
وإما أبا حنيفة، أن للحائض أن تطوف؛ لأنه لا يشترط عنده في الطواف طهارة حدث وخبث، وكذا هو إحدى الروايتين عن أحمد، ويلزمها ذبح بدنة ويتم حجها لصحة طوافها، وإن كانت تأثم عندهما أو عند أحمد فقط بدخول المسجد حائضًا. والله أعلم بالصواب» ([37] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn37)).
قلت: وأحوال الناس اليوم أشق وأشد من حال الحائض، لذهاب الأنفس، أفلا تستحق منا اجتهادًا لاختيار الأقوال الميسرة!
بلى؛ لقد أصبح ذلك من الواجب، وهو ما نحسب أن كتاب العلامة الشيخ سلمان ينحو نحوه، فجزاه الله خيرًا ونفع بعلمه، ووفقنا وإياه للسداد في القول، والرشاد في العمل.
وهو سبحانه وتعالى ولي التوفيق
والهادي بمنه وكرمه إلى سواء الطريق
وكتب:
عبدالله بن بيّه
([1]) ينظر: لسان العرب (4/ 22)، وتاج العروس (أ ص ر). وحكاه البغوي في تفسيره (2/ 288) عن ابن عباس والحسن والضحاك والسدي ومجاهد.
([2]) ينظر: تاج العروس (غ ل ل).
([3]) الأشباه والنظائر للسيوطي (83).
([4]) أخرجه مسلم (126).
([5]) أخرجه أحمد (21260، 23710).
([6]) تقدم تخريجه (ص:7).
([7]) الموافقات (2/ 121 - 122).
([8]) الموافقات (2/ 299).
([9]) تقدم تخريجه (ص:19).
([10]) البحر المحيط للزركشي (4/ 340).
([11]) جاء عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان ب. ينظر: الزهد لابن المبارك (290، 850)، والزهد لهناد (499)، والحلية (1/ 134)، والفقيه والمتفقه (1211).
([12]) ينظر: الفقيه والمتفقه (1212).
([13]) ينظر: جامع الترمذي (3799)، وسنن النسائي الكبرى (8276)، وسنن ابن ماجه (148).
([14]) أخرجه أحمد (2719)، وابن ماجه (2341)، والحاكم (2345)، وغيرهم.
([15]) تقدم تخريجه (ص:19)، دون قوله: «السهلة».
([16]) تقدم تخريجه (ص:7).
([17]) تقدم تخريجه (ص:7).
([18]) أخرجه أحمد (16460)، والبخاري (702)، ومسلم (466).
([19]) شرح مختصر الروضة (3/ 669 - 671).
([20]) أخرجه البخاري (7240)، ومسلم (253).
([21]) أخرجه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم (1686).
([22]) أخرجه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم (1688).
([23]) أخرجه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم (1689).
([24]) الاعتصام (2/ 170).
([25]) رد المحتار (1/ 46 - 47)، وينظر: المقاصد الحسنة (69 - 70)، وكشف الخفاء (1/ 68).
([26]) أخرجه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم (1520، 1522).
([27]) أخرجه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم (1523).
([28]) أخرجه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم (1524).
([29]) ذكره ابن عبدالبر في جامع بيان العلم (1534).
([30]) الموافقات (4/ 161).
([31]) إعلام الموقعين (3/ 11).
([32]) مجموع رسائل ابن عابدين (2/ 123).
([33]) صحيح مسلم (12).
([34]) أخرجه مسلم (1297)، والنسائي (3062)، والبيهقي bvhmh (5/125).
([35]) التحصيب: نزول الحجاج بالمحصَّب -موضع بين مكة ومنى- عند الخروج من مكة. والمحصَّب أيضًا: موضع الجمار بمنى.
([36]) دليل السالك لأداء المناسك للشيخ عبدالغني بن ياسين اللبدي الحنبلي (ص:54).
([37]) الزرقاني على مختصر خليل (2/ 289).
ـ[ابن وهب]ــــــــ[27 - 10 - 07, 06:36 م]ـ
(وأحوال الناس اليوم أشق وأشد من حال الحائض، لذهاب الأنفس، أفلا تستحق منا اجتهادًا لاختيار الأقوال الميسرة)
هذا الكلام أشبه ما يقول فيه الشيخ الألباني - كلام خطابي
وإلا فأين ذهاب الأنفس في عشرات المسائل التي ذكرت
إن سلمنا جدلا بأن ذهاب الأنفس في اختيار قول من الأقوال فأين عشرات المسائل
هل فيه أيضا ذهاب الأنفس
وأين المسألة التي أفتى فيها النميري ببعض ما يفتى اليوم
ـ[أبو الحسن الأثري]ــــــــ[27 - 10 - 07, 07:06 م]ـ
قال لي الشيخ عبدالله الغنيمان يوما الأن بعض الناس نهار العيد (الأضحى) بالرياض!! أو هكذا سمعته قبل بضع سنوات!!
ـ[ابن وهب]ــــــــ[27 - 10 - 07, 07:29 م]ـ
قال لي الشيخ عبدالله الغنيمان يوما الأن بعض الناس نهار العيد (الأضحى) بالرياض!! أو هكذا سمعته قبل بضع سنوات!!
******
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[31 - 10 - 07, 12:35 م]ـ
أبو الحسن
يقول الشيخ فهد أبا حسين أن هذه المسألة طرحت عليه، و كان السائل يريد أن يفدي لكل واجب و ينتهي الاشكال!!
كذلك النساء يريدون التوكيل في الرمي و يخرجون للأسواق!!
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[31 - 10 - 07, 02:55 م]ـ
الإخوة الكرام بارك الله فيهم وسددهم ..
من الأمور المهمة في هذا الباب أن نعلم أن اليسر هو في أصل الشريعة، لا أن يتكلف المجتهد فيلوي أعناق بعض النصوص لتحصيل ما يظنه يُسراً.
ولا يخفى أن في التكليف نوع ابتلاء، وقد يكون معه نوع مشقة، ولكن العبرة بالتوسط في الأمر وعدم تجاوز الدليل الشرعي إلا لضرورة غير متوهمة.
وعلى سبيل المثال: ما يتعلق بمن حاضت قبل أن تطوف طواف الحج (الإفاضة) يقال فيها: إن الأصل أن لا تغادر مكة حتى تطوف لقوله صلى الله عليه وسلم في شأن صفية رضي الله عنها لما حاضت: (أحابِستُنا هي؟). فهذا هو الأصل الذي لا يصح أن نخرج عنه إلا لضرورة.
وأما لفظة (التشديد)، فلا تشديد هنا إذا اتبعنا ما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقفنا عند ما جاء فيها، إذ تجاوزها بحجة التيسير خطأ وافتئات على الشرع المطهر وانخلاع عن ربقة التكليف.
وأنبه -أيضاً- إلى أن بعضَ ما يحتج به بعضُ مَن يدعي التيسير إنما هو الوهم والتخرص؛ إذ لو طُبِّق بعضُ ما يدعون الناس إليه من الرخص في بعض المسائل فإن الواقع الذي يريدون الفرار منه لن يتغير بسبب هذا الترخيص فيما يظهر. والله أعلم
وفي الجهةالمقابلة لا يصح أن يفتَى الناس بالورع، أو يطرد المجتهد قضية الاحتياط في فتاواه، أو أن يلغي الترخيص في حالات الضرورات المتيقنة. والحمد لله رب العالمين.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/96)
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[02 - 11 - 07, 10:20 م]ـ
--------------------------------------------------------------------------------
بإذن الله سبحانه
سيكون هناك لقاء مع الشيخ عبدالعزيز الفوزان
في ديوانية الشيخ عبدالعزيز الحمدان بحي الملك فهد
يوم الجمعة بعد صلاة العشاء مباشرة بتاريخ 27/ 11 / 1428 هـ
و الموضوع هو: مفهوم التيسير في الحج
و نحن نسعد بحضوركم و إثرائكم للموضوع
ـ[أبوعمرو المصري]ــــــــ[03 - 11 - 07, 12:15 ص]ـ
حكم استفتاء المتساهل و تصدره للفُتيا
http://www.saaid.net/Doat/Najeeb/f55.htm
ـ[أبوعمرو المصري]ــــــــ[03 - 11 - 07, 12:17 ص]ـ
رابط فيه فوائد:
http://www.google.com.eg/search?sourceid=navclient&aq=t&ie=UTF-8&rlz=1T4RNWN_enEG242EG242&q=%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b3%d8%a7%d9%87%d9%84+%d9%8 8%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%ae%d8%b5+%d9%81%d9%8a +%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%81%d8%aa%d8%a7% d8%a1+%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%aa%d9%8a%d8%a7
ـ[أبوعمرو المصري]ــــــــ[03 - 11 - 07, 12:25 ص]ـ
للرفع.
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[06 - 11 - 07, 01:00 ص]ـ
أبو عمرو المصري شكرا على تفاعلك ....
أيها الإخوة هل من المعقول أنه ليس عند الإخوة ما يضيفونه حول هذا الموضوع.
أرجوا التفاعل و لو مجاملة:)
ـ[أبوبدر ناصر]ــــــــ[10 - 11 - 07, 04:34 م]ـ
هل من متطوع يقوم بتنزيل كتاب الشيخ فهد أبا حسين على الشبكة
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[20 - 11 - 07, 09:16 م]ـ
يرفع لعل قرب الحج يحث الاخوة على المساهمة في الموضوع ...
أرجوا الإجابة على هذا السؤال:
ما الفرق بين التيسير و تتبع الرخص؟؟؟؟؟
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[30 - 11 - 07, 06:52 م]ـ
ارجوا الاجابة على السؤال
ـ[مصعب الخضير]ــــــــ[06 - 12 - 07, 08:10 م]ـ
لعلها ياأخ عبدالرحمن تناقش غداّ في الديوانية مع الشيخ عبدالعزيز .. وتفيدنا بها ..
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[06 - 12 - 07, 08:32 م]ـ
أرجوا ذلك، و لعلك تأتي تناقشها كذلك،
أرجوا أن يكون الوصف واضح أخي الكريم
حياكم الله جميعا
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[14 - 12 - 07, 10:43 م]ـ
مفهوم التيسير في الحج
ملخص محاضرة الشيخ عبدالعزيز الفوزان
هذا بعض ما استطعت تدوينه مع الشيخ، و أنا أضعها رؤوس أقلام من دون الأدلة، أو الاستطرادات:
تحدث الشيخ في البداية عن احترام العلماء و حسن الأدب معهم، و أطال في هذه النقطة.
1. بين التشديد و التيسير:
o يظن الكثير أن الحق في التشديد، أو البحث عن الرخص عن الرخص للتيسير على الناس.
o الوسطية لا تعني العبث بالشرع و الأخذ بالرخص.
- قواعد مهمة قبل البدء:
o الأصل في الأشياء الحل و الإباحة، إلا ما دل الشرع على التحليله أو تحريمه.
o الأصل براءة الذمة، فلا يجوز أن يوجب على الإنسان فعل أو طاعة لم يدل عليها الشرع.
o أن تحريم الحلال أغلظ من تحليل الحرام .... و السبب:
? أن تحريم الحلال كذب على الله سبحانه.
? أن فيه تكليف للعباد و إعنات عليهم.
? لأن الأصل في الأمور الحل.
- الاحتياط الحقيقي هو الأخذ بما دل عليه الدليل.
- وجود الخلاف رحمة في كثير من الأحيان.
- من إيجابيات الخلاف إيجاد ثروة فقهية لا تملكها أمة من الأمم.
o مسائل:
? الرمي قبل الزوال:
o جماهير الفقهاء على المنع.
o الكثير يرون الجواز، و يطالبون بدليل المنع.
o كثرة الاستثناءات من حديث (خذوا عني) تضعف دلالته.
o لو كان الرمي محرما لنبه عليه الرسول ?، و لم ينبه عليه.
- القصد من عرض الخلاف و إيراد الأدلة تبيين أدلة القول الثاني، و أن الخلاف معتبر في هذه المسألة، و ممن قال بهذا القول الشيخ العلامة ابن جبرين و المحمود.
- الأحوط الرمي قبل الزوال و هذا الذي أعمله و أفتي به.
- لا أجرؤ على تأثيم من رمى قبل الزوال أو أمره بالإعادة لوجود الخلاف.
? الطواف بلا طهارة:
o ألف شيخ الإسلام رسالة طويلة في جواز الطواف بلا طهارة و هو رواية عن أحمد.
o و هذا الرأي للشيخ ابن عثيمين، و الأحوط الطواف بطهارة.
o لو سُألت عن شخص طاف بلا طهارة لن آمره بالإعادة.
o لا أعلم صحابيا أو تابعيا أبطل طواف من طاف بلا طهارة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/97)
o استدلوا: " الطواف بالبيت طواف " و الأثر موقوف، و لا يوجد دليل عليه.
2. التيسير و رفع الحرج في الشرع:
- الحج فيه من رفع الحرج ما لا يوجد في غيره.
- من ارتكب محظورا (لست متأكدا من تقييده بالنسيان و الجهل) فليس عليه إثم.
- قتل الصيد من غير تعمد ليس فيه كفارة.
قواعد:
- المشقة تجلب التيسير.
- إذا ضاق الأمر اتسع.
- لا واجب مع العجز و لا محرم مع الضرورة.
3. أنواع الرخص في الشرع و نماذج لها:
بالاستقراء تنقسم الرخص في الشرع إلى سبعة أقسام:
- تخفيف الإسقاط: أي إسقاط الواجب ...
مثل: الجمعة – الجماعة – الجهاد – الصوم حال العذر الموجب لسقوطها.
الإسقاط في الحج: إسقاطه عن العاجز – إسقاط الوداع عن الحائض و النفساء.
- تخفيف التنقيص: كـ قصر الصلاة.
قد تكون الرخص واجبة كأكل الميتة حال الضرورة.
يكون التخفيف في الحج من خلال:
التعجل – الدفع من المزدلفة – إسقاط المبيت في منى عن الرعاة و السقاة و الشُرَط.
- تخفيف الإبدال: مثل التيمم.
- تخفيف التقديم: تقديم الزكاة - الصلاة – الكفارة في الحنث باليمين – تقديم السعي – الجمرة الكبرى.
- تخفيف التأخير: الصلاة.
في الحج: الجمار في آخر يوم – الرمي إلى الليل – استمرار الرمي لجمرة العقبة حتى طلوع الفجر.
- تخفيف الترخيص: شرب الخمر للغصة.
- تخفيف التغيير: تغيير الصلاة حال الخوف.
بعض الإجابة على الأسئلة:
ضوابط الأخذ بالرخص:
o لا يجوز تتبع الرخص و الأخذ بالشواذ.
o قواعد العلماء يحتج لها لا بها.
o الرخص نوعان:
? رخص مشروعة و تنقسم إلى: واجبه – مباحة.
? رخص متأولة: لا يجوز العمل بها.
- الآن لا حاجة للرمي قبل الزوال بعد التوسعة، و لكن لا يمنع الناس من الرمي، و خصوصا أن الفتوى الرسمية للعالم الإسلامي في شتى البلدان هي الجواز، و لذلك لا يصح منع الناس من الرمي.
- سألت الشيخ بعد اللقاء عن التقديم السعي على الطواف أو إيقاعه بلا طواف فقال:
لا دليل على المنع، المانعون يطالبون بالدليل.
هذا بعض ما استطعت كتابته مع الشيخ، أرجوا ممن استفاد منها ألا يحرمني من دعوة صالحة.
و جزى الله الشيخ خير الجزاء.
ـ[أبو محمد الموحد]ــــــــ[15 - 12 - 07, 01:15 ص]ـ
- من ارتكب محظورا (لست متأكدا من تقييده بالنسيان و الجهل) فليس عليه إثم.
هذا غريب!!(86/98)
من لديه شرح بالادلة عن الحج والعمرة يعني كتاب شامل يضعه هنا بارك الله فيكم
ـ[ابو محمد الطائفي]ــــــــ[19 - 10 - 07, 10:36 م]ـ
من لديه شرح بالادلة عن الحج والعمرة يعني كتاب شامل يضعه هنا بارك الله فيكم
ـ[أبو إسرائيل السكندري]ــــــــ[26 - 10 - 07, 10:38 ص]ـ
هذا أخي الكريم كتاب شيخنا د. أحمد حطيبة ـ حفظه الله ـ وهو من أجمع ما قرأت في هذا الباب.
http://www.hotaybah.com/downloads/hag1.pdf
وقد شرحه الشيخ أكثر من مرة، تجد الشرح هنا:
http://www.hotaybah.com/modules.php?name=Lessons&act=series&s=2
والشرح مصحوب بالفيديو لتوضيح صور المناسك والخرائط.
نفعني الله وإياك بالعلم النافع والعمل الصالح.
ـ[عبدالرحمن السعد]ــــــــ[26 - 10 - 07, 02:25 م]ـ
هناك كتاب جميل اسمه المغني في أحكام الحج والعمرة.
ـ[سعد أبو إسحاق]ــــــــ[26 - 10 - 07, 09:23 م]ـ
http://upload.9q9q.net/file/bBaXXSHHCzx/-------------------------.doc.html-Accounting.html
ـ[سعد أبو إسحاق]ــــــــ[26 - 10 - 07, 09:30 م]ـ
أخي أبو إسرائيل السكندري
الكتاب فيه الآيات والأحاديث لاتستطيع تحميلها وتظهر على شكل نقط سوداء كبيرة فهل من نسخة إليكترونية أفضل وجزيت خيرا
ـ[أبو إسرائيل السكندري]ــــــــ[28 - 10 - 07, 02:02 م]ـ
حاول أخي من هذا الرابط، وإن كنت أظنها نفس النسخة:
http://saaid.net/book/open.php?cat=87&book=2404
وإلا فإنها تعمل عندي جيداً، وجزاك الله خيراً.
ـ[سعد أبو إسحاق]ــــــــ[31 - 10 - 07, 06:46 م]ـ
حاولت أخي أبو إسرائيل ولكن نفس المشكلة حدثت فهل من طريقة أخري
ـ[مصطفي سعد]ــــــــ[03 - 11 - 07, 06:03 م]ـ
http://www.hotaybah.com/downloads/hag1.pdf
حملها من هنا(86/99)
دليل مواضيع الملتقى المتعلقة بأعمال الحج وعشر ذي الحجة والعيد والأضحية
ـ[أبو معاذ الحسن]ــــــــ[19 - 10 - 07, 11:53 م]ـ
أرجو من الاخوة المشرفين تثبيت الموضوع باسم الأخ عمر الامبابي ..
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88538&highlight=%C7%E1%CD%CC+%C8%CF%E6%E4+%E3%CD%D1%E3
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[20 - 10 - 07, 12:37 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاك الله خيرًا و بارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك.
اللهم أني أسالك. بعزتك وقدرتك ورحمتك ومغفرتك وجبروتك وسلطانك وجلالك وعليائك أن تحفظ من أهدى إلى عيوب نفسي أو نصحني وان تسكنه الفردوس الأعلى يارب العالمين.(86/100)
رد الدكتور الريسوني على شيخ الأزهر
ـ[أشرف عبد الله]ــــــــ[20 - 10 - 07, 10:01 ص]ـ
شيخ الأزهر حين يتلاعب بالدين
اعتاد الشيخ طنطاوي ـ الملقب بشيخ الأزهر ـ على تسخير ثقافته الشرعية في نصرة بعض المواقف السياسية، بما يرضي أصحاب المنة والفضل. واعتاد كذلك ألا يتلقى في ذلك إلا ردودا صحفية وتعليقات سياسية لا يأبه لها، بل يعتبرها شهادة له على أنه قد أجاد وأفاد. فلذلك تمادى الرجل في نهجه، منتقلا من سيئ إلى أسوأ، مما يستوجب الكشف العلمي لخطورة التلاعب الذي يمارسه بالدين، وباسم لقبه العلمي الديني.
عاد الشيخ من المغرب بعد تلقيه "الإكرام السنوي"، الذي يواظب على تلقيه من وزارة الأوقاف المغربية كل رمضان، منذ سنين طويلة. عاد فوجد فرصة سانحة لتقديم خدمته وتسخير ثقافته. وجد الجدل قد احتدم بعد الحكم بالسجن على مجموعة من الصحفيين، كانوا قد نشروا أخبارا تداولها كل المصريين حول مرض رئيسهم، بعد أن احتجب عنهم لعدة أسابيع.
وهكذا تقدم الشيخ بفتوى دعا فيها إلى إقامة حد القذف، ثمانين جلدة، على الصحفيين المسجونين، لما نشروه حول مرض الرئيس، تعويلا منه ـ بزعمه ـ على قول الله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [سورة النور/4]
وقد تضمنت هذه الفتوى جهالات وأخطاء عديدة منها:
1. حد القذف ـ الذي هو ثمانون جلدة ـ خاص بالقذف بفاحشة الزنى الصريح.وأما غير ذلك من الاتهامات ففيها التعزير وليس الحد. واختلف الفقهاء في القذف غير الصريح بالزنى، هل هو كالقذف بالزنى الصريح أم لا. كما اختلفوا في القذف باللواط، هل يجب فيه الحد كالزنى، أم فيه مجرد التعزير. قال الجصاص: " الْقَذْف الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ إنَّمَا هُوَ الْقَذْفُ بِصَرِيحِ الزِّنَا " (أحكام القرآن 8/ 37) وقال: "لمَّا ثبت أن المراد بقوله: {والذين يرمون المحصنات} هو الرمي بالزنا، لم يجز لنا إيجاب الحد على غيره؛ إذ لا سبيل إلى إثبات الحدود من طريق المقاييس، وإنما طريقها الاتفاق أو التوقيف" (أحكام القرآن 8/ 39)
2. إقامة حد القذف بالزنى، لا تكون إلا بطلب من الجهة المقذوفة، أو بطلب من الحاكم، إذا عَلم بالقذف، وذلك بعد التحقق وصدور حكم قضائي في النازلة. ولا وجود لشيئ من هذا عند الشيخ الداعي إلى جلد الصحفيين حدّاً. قال ابن العربي " ولا يجوز إقامة حد القذف بإجماع من الأمة، إلا بعد المطالبة بإقامته، ممن يقول إنه حق لله، ومن يقول إنه حق للآدمي" (أحكام القرآن 7/ 6)
3. قوانين الدولة المصرية الحالية، ليس فيها عقوبة بالجلد، لا على القذف بالزنى، ولا على غيره. فقبل المطالبة بجلد أي شخص ـ حتى لوكان مجرما حقيقيا ـ كان على شيخ الأزهر أن يطالب أولاً باعتماد تطبيق الأحكام الشرعية ووضعها موضع التنفيذ، قبل أن يقول ما قال. أما في الوضع القانوني الحالي، فإن السيد طنطاوي قد ارتكب جريمة التحريض على الضرب، خاصة وأن عددا من ضباط الشرطة سيتمسكون بفتواه ويحملونها على محمل الجد، فيتمادون باطمئنان وارتياح في سيرتهم الشهيرة. فمن واجب النيابة العامة فتح المتابعة ضد هذا التحريض والتشجيع على انتهاك القانون المعتمد ...
4. ما نشره الصحفيون حول الحالة الصحية لرئيس بلدهم، ليس فيه أصلا أي نوع من أنواع القذف. فالحديث عن مرض شخص ما، وعن خطورة حالته الصحية، وحتى عن احتمال وفاته، كل هذا لا قذف فيه ولا طعن ولا إهانة؛ لأن المرض من الله، والموت بيد الله. بل من المفيد، في العقيدة الإسلامية، وفي الآداب الإسلامية، تحذير الناس من الموت وتذكيرهم به، ليأخذوا أهبتهم، ويرتبوا أمورهم، خاصة إذا بلغوا من الكبر عتيا، مثل فضيلة الشيخ وسيادة الرئيس.
د. أحمد الريسوني
ـ[رجل من أقصى المدينة]ــــــــ[25 - 10 - 07, 06:12 م]ـ
جزاك الله خيراً. أرجو ذكر مصدر الخبر.
ـ[ابن وهب]ــــــــ[25 - 10 - 07, 09:19 م]ـ
بارك الله فيك
(ختلفوا في القذف باللواط، هل يجب فيه الحد كالزنى، أم فيه مجرد التعزير. قال الجصاص: " الْقَذْف الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ إنَّمَا هُوَ الْقَذْفُ بِصَرِيحِ الزِّنَا " (أحكام القرآن 8/ 37) وقال: "لمَّا ثبت أن المراد بقوله: {والذين يرمون المحصنات} هو الرمي بالزنا، لم يجز لنا إيجاب الحد على غيره؛ إذ لا سبيل إلى إثبات الحدود من طريق المقاييس، وإنما طريقها الاتفاق أو التوقيف" (أحكام القرآن 8/ 39))
انتهى
قول الحنفية خطأ وهو ناتج عن قولهم بسقوط الحد
قال في المغني
(وَقَالَ عَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَ بِمَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عِنْدَهُ)
وفي الحقيقة قول قتادة هو في عبارة (لوطي) لا فيمن قذف رجلا بالعمل
فكلام قتادة هو في نفس الحرف
فلا يعتبر من المخالفين لقول الجمهور
والله أعلم
وقد خالف يعقوب ومحمد النعمان في المسألة
ولا شك أن قول الجمهور أقرب وأصح
وما كان ينبغي للدكتور ذكر هذا القول المخالف للجمهور وذكر من انتصر له
وترك قول الجمهور إلا بمجرد اشارة إلا إذا كان الشيخ يرى رأي الحنفية في المسألة
وكذا قول عطاء موافق لقول الجمهور
ففي المصنف
(: أخبرنا ابن جريج قال: قلت لعطاء (1): قال لاخر (2) حتى يقول: إنك لتصنع بفلان.)
فثبت بهذا بأن القول بسقوط حد القذف هو مما انفرد به النعمان
وقد خالفه محمد بن الحسن ويعقوب
وذكر عطاء وقتادة ضمن من قالوا بسقوط الحد فيه نظر
والله أعلم
تنبيه:
إنما ذكرت هذا لأن الشيخ الدكتور - وفقه الله من أشهر من تكلم على فقه المقاصد
بل وجل كلامه على المقاصد الشرعية ولا أدري كيف فاته هذا هنا
(إن كان هذا رأيه في المسألة)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/101)
ـ[أحمد بن شبيب]ــــــــ[27 - 10 - 07, 08:05 م]ـ
جزاك الله خيراً. أرجو ذكر مصدر الخبر.
لقاء في قناة MBC في برنامج اسمه اليوم السابع .... مع المذيع محمود سعد
قال ان مروج الاشاعات حده فى الاسلام هو الجلد ثمانين جلده وحجته فيها قوله تعالى
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
فلما حاورة محمود سعد واتى برد العلماء عليه وهو ان الايه المقصود بها هنا هو الزنا او بالتحديد الرمى بالزنا
كان رده وهو متعصب جدا ومنفعل قال:
من قال هذا فهو جاهل جاهل جاهل ان الايات المتعلقة بالزنا هى التى فى أول الآيه اما هذة الايه فلا دخل لها بالزنا الم تقرأ فى اول السورة قوله تعالى:
سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)
هذة هى الايات المتعلقة بالزنا وبها حكمه وهى الجلد 100 جلدة اما الايه التى معنا وهى
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
فلا دخل لها بالزنا لان الزنا قد بين الله تعالى عقوبتة فى اول السورة ..
والله المستعان .....
ـ[ابن وهب]ــــــــ[27 - 10 - 07, 08:32 م]ـ
بارك الله فيك
وبالنسبى للأخ الكريم الذي سأل عن المصدر
هو في موقع الشيخ
http://www.raissouni.org/def.asp?codelangue=6&po=2
ـ[ابن وهب]ــــــــ[27 - 10 - 07, 08:38 م]ـ
لقاء في قناة MBC في برنامج اسمه اليوم السابع .... مع المذيع محمود
.................
قال:
من قال هذا فهو جاهل جاهل جاهل.
ترى ماهو الجهل
نسأل الله السلامة
ـ[أبو حاتم يوسف حميتو المالكي]ــــــــ[27 - 10 - 07, 10:13 م]ـ
جزاك الله خيراً. أرجو ذكر مصدر الخبر.
هذا أشهر من ان يسأل عن مصدره، فعدد كبير من الجرائد المغربية نشرت هذا المقال للدكتور الريسوني ومنها صحيفة التجديد وصحيفة المساء، ولك أن تبحث في النت لتتأكد من ذلك. وانظر في موقع الدكتور الريسوني تجده.
http://www.raissouni.org/def.asp?codelangue=6&po=2
استدراك: عفوا لم أنتبه إلى أن بعض الإخوة أجاب على السؤال.
ـ[رجل من أقصى المدينة]ــــــــ[30 - 10 - 07, 11:23 م]ـ
جزاكم الله خيراً.
وأحب التنبيه إلى أنني لم أسأل عن المصدر تشكيكاً في النقل، وإنما لمزيد الطمأنينة.(86/102)
ما أراء الفقهاء في حكم بيع العربون وصوره .. للأهمية
ـ[طالبة العلم سارة]ــــــــ[20 - 10 - 07, 11:55 ص]ـ
السلام عليكم
ما هو اراء الفقهاء في حكم بيع العربون وصوره؟
مع ذكر ادلة كل فريق بارك الله فيكم ثم الترجيح مع التعليل ...
مأجورين
ـ[ابن عبد الغنى]ــــــــ[20 - 10 - 07, 01:17 م]ـ
السلام عليكم
ذهب الجمهور الى عدم صحة بيع العربون لما رواه ابن ماجه ان النبى صلى الله عليه وسلم
نهى عن بيع العربون
واجاز الحنابلة بيع العربون وضعف الامام احمد الحديث الذى احتج به الجمهور
واستدل الامام احمد بما رواه عن نافع ابن الحارث انه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن اميه باربعة آلاف درهم فان رضى عمر كان البيع نافذا وان لم يرض فلصفوان اربعمائة درهم
وقال ابن سيرين وابن المسيب لاباس اذا كره السلعة ان يردها ويرد معها شيئا واجازه ايضا ابن عمر
وصفة بيع العربون ان يشترى شيئا ويدفع جزءا من ثمنه الى البائع فان نفذ البيع احتسب من الثمن وان لم ينفذه اخذه البائع على انه هبة من المشترى
والله تعالى اعلم
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[20 - 10 - 07, 02:35 م]ـ
من بحث مختصر للأخ عدنان الأحمدي:
(قد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم بيع العربون على قولين:
القول الأول:التحريم
وذهب إليه جمهور العلماء، واحتجوا بالأدلة التالية:
1ـ حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله r عن بيع العربان. أخرجه مالك في الموطأ (2/ 609)، وأبو داود (3502)، وابن ماجة (2192)، وأحمد (11/ 12 تحقيق شاكر) وغيرهم.
2ـ قوله r : لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع. رواه الخمسة.
قال الشوكاني: فاشتمل العربون على شرطين فاسدين.
قال في المسوى: قال المحلي: وعدم صحته لاشتماله على شرط الرد والهبة إن لم يرض السلعة.ا. ه
3ـ قوله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل .. الآية))
قال القرطبي في تفسيره (5/ 150): ومن أكل أموال الناس بالباطل بيع العربان .. فهذا لا يصلح، ولا يجوز عند جماعة فقهاء الأمصار، من الحجازيين، والعراقيين، لأنه من باب بيع القمار، والغرر، والمخاطرة، وأكل المال بالباطل، بغير عوض ولا هبة، وذلك باطل بالإجماع. ا. ه
4ـ أن في بيع العربون معنى الميسر، قاله الدهلوي في الحجة: ولعله يرجع إلى ما قبله.
5ـ أنه بمنزلة الخيار المجهول، فإنه اشترط أن له رد المبيع من غير ذكر مدة، كما لو قال: ولي الخيار، متى شئت رددت السلعة ومعها درهم.
وقالوا: ولا يصح أن يكون العربون مستحقاً للبائع كعوض عن انتظاره، وتأخر بيعه، لأنه لو كان عوضاً عن ذلك لما جاز جعله من الثمن في حال الشراء، ولأن الانتظار بالبيع لا تجوز المعاوضة عنه، ولو جازت لوجب أن يكون معلوم المقدار، كما في الإجارة. (الشرح الكبير 3/ 59).
القول الثاني: الجواز
وهو مذهب الإمام أحمد، ومحمد ابن سيرين، وفعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعن ابن عمر أنه أجازه، وقال ابن المسيب: لا بأس إذا كره السلعة أن يردها، ويرد معها شيئاً. قال أحمد: هذا في معناه.
واحتجوا بما يلي:
1ـ ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 392)، وعلقه البخاري (الفتح 5/ 91)، ورواه الأثرم في سننه، من طريق ابن عيينة عن عمرو ـ هو ابن دينار ـ عن عبد الرحمن بن فروخ:" أن نافع بن عبد الحارث اشترى داراً للسجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم، فإن رضي عمر فالبيع له، وإن عمر لم يرض فأربعمائة لصفوان ".
وأخرجه أيضاً عبد الرزاق في مصنفه (5/ 147،148)، والبيهقي في سننه (6/ 34)، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 165)، والفاكهي في أخبار مكة (3/ 254)، كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة به.
وفي إسناده عبد الرحمن بن فروخ العدوي مولاهم، قال الحافظ في التقريب ص348: مقبول، من الثالثة، ولم يصرح البخاري بذكره.ا. هـ
وقد ذكره ابن حبان في ثقاته (7/ 87)، ولم يتكلم عليه الذهبي في الميزان (2/ 582)، وذكره مسلم في الوحدان ص117 ممن تفرد عنه عمرو بن دينار بالرواية، ولم يزد البخاري في تاريخه (5/ 337) على هذا سوى أنه عبد الرحمن بن فروخ مولى عمر بن الخطاب عن أبيه. ا. هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/103)
وقال الألباني في مختصر البخاري (2/ 137):إن عبد الرحمن هذا أشار الذهبي إلى أنه مجهول، لم يرو عنه غير عمرو بن دينار.
وذكر الحافظ في الفتح (5/ 91،92) أن عمر بن شبة رواه في أخبار مكة من طريق ابن جريج: أن نافع بن عبد الحارث .. فذكره، فأسقط عبد الرحمن، والصحيح أن ابن جريج يرويه عن عبد الرحمن أيضاً، كما روى ذلك عبد الرزاق في مصنفه (5/ 147،148).
ومع هذا يظهر لي والله أعلم أن هذا الأثر مما يحتج به، خاصة أن عمرو بن دينار كان يفتي به، ويحتج به، وكذلك كان الإمام أحمد يحتج به، فذكره في معرض الاستدلال على جواز بيع العربون كما نقله عنه ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير (4/ 59) قالا: قال الأثرم: قلت لأحمد: تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر رضي الله عنه. وذكر الأثرم هذ الحديث ا بإسناده.
ونقله عنه ابن القيم أيضاً في بدائع الفوائد (4/ 84).
ومما يقوي هذا الحديث أيضا أن قصة شراء عمر بن الخطاب داراً للسجن بمكة من صفوان بن أمية ـ قد اشتهرت بين أهل العلم، وبين من كتب في تاريخ مكة، مثل: الأزرقي، والفاكهي، وابن شبة، حتى إنها كانت موجودة في عصر الفاكهي، وكانت لا تزال سجن مكة، فليراجع، والله أعلم.
ثم إنهم قد أجابوا عن حديث النهي بتضعيفه، لعدم معرفة الثقة الذي روى عنه مالك، وهو مشهور من طريق ابن لهيعة رحمه الله.
وقد ضعفه الإمام أحمد بقوله عندما سئل عنه: ليس بشيء. نقله ابن القيم في البدائع (4/ 84).
وضعفه البيهقي (المعرفة 4/ 380)، والنووي في المجموع (9/ 335)، والمنذري في مختصر السنن (عون 9/ 399)، وابن حجر في التلخيص (3/ 17)، والألباني في ضعيف الجامع الصغير (6073)،
وفي المشكاة (2864)، وقواه بمجموع طرقه الزرقاني في شرح الموطأ (3/ 250)، والشوكاني في النيل (5/ 153).
والأقرب ـ والله أعلم ـ هو ضعف هذا الحديث، وعدم انتهاضه للاحتجاج، خاصة أنه يدور على هذا المبهم، وكل من ذكر أهل العلم أنه هو المبهم فإنه إما يكون ضعيفاً، أو الطريق إليه لا تصح، فتأمل.
بقي أن يجاب عن علة تحريم بيع العربون عند من يحرمه، وهو أكل أموال الناس بالباطل، وانه من الميسر، وأن فيه غرراً وجهالة .. الخ.
فيقول الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ في شرح البلوغ ص100:" الجهالة في بيع العربون ليست جهالة ميسر، لأن جهالة الميسر يكون فيه المتعاملان بين الغنم والغرم، أما هذه فإن البائع ليس بغارم، بل البائع غانم، وغاية ما هنالك أن ترد إليه سلعته، ومن المعلوم أن المشتري لو شرط الخيار لنفسه مدة يوم أو يومين كان ذلك جائزاً، وبيع العربون يشبه شرط الخيار، إلا أنه يعطى للبائع جزء من الثمن إذا رد إليه السلعة، لأن قيمتها قد تنقص إذا علم الناس بهذا، ولو على سبيل التقديم، ففيه مصلحة.
وفيه أيضاً مصلحة للبائع من وجه آخر، أن المشتري إذا سلم العربون فإن في هذا دافع لتتميم البيعة.
وفيه كذلك مصلحة للمشتري، لأنه يكون بالخيار في رد السلعة إذا دفع العربون، بينما لو لم يدفعه للزمه البيع". ا. هـ مختصراً
قلت: ومما يدل كذلك على أن فيه مصلحة راجحة، أن عدم اشتراطه قد يسبب خصومات ومفاسد كبيرة، خاصة في الاستصناع، حيث يصنع العامل للمشتري ما يريد، فيضمن العربون للعامل أخذ المشتري للبضاعة، ويضمن للمشتري عدم غش الصانع، أو بيعه البضاعة لغيره، أو هروبه عنه، ومماطلته في حال لو دفع الثمن كاملاً، وفي حالة عدم دفع أي شيء من المبلغ المتفق عليه، فأصبح العربون صمام أمان في كثير من المعاملات التجارية، إن لم يكن جميعها، ومعلوم تشوف الشارع الحكيم إلى مثل هذه الأمور التي تمنع الشحناء والبغضاء والغش في التعامل بين المسلمين،وقد جرى على هذا العمل بين الناس، وقد قرر المجمع الفقهي المنعقد في دورته الثامنة من 1إلى 7 محرم 1414هـ ما يلي:
1ـ المراد ببيع العربون بيع السلعة، مع دفع المشتري مبلغاً من المال إلى البائع، على أنه إذا أخذ السلعة احتسب المبلغ من الثمن، وإن تركها فالمبلغ للبائع.
ويجري مجرى البيع والإجارة، لأنها بيع المنافع، ويستثنى من البيوع كل ما يشترط لصحته قبض أحد البدلين في مجلس العقد (السلم)، أو قبض البدلين (مبادلة الأموال الربوية والصرف)، ولا يجري في المرابحة الأمر بالشراء في مرحلة المواعدة، ولكن يجري في مرحلة البيع التالية للمواعدة.
2ـ يجوز بيع العربون إذا قيدت فترة الانتظار بزمن محدود، ويحتسب العربون جزءاً من الثمن إذا تم الشراء، ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء.ا. هـ
وقال السنهوري في كتابه مصادر الحق:
إن العربون لم يشترط للبائع بغير عوض، إذ العوض هو الانتظار بالمبيع، وتوقيف السلعة حتى يختار المشتري، وتفويت فرصة البيع من شخص آخر لمدة معلومة، وليس بيع العربون بمنزلة الخيار المجهول، إذ المشتري إنما يشترط خيار الرجوع في البيع، فإن لم يرجع فيها مضت الصفقة وانقطع الخيار. ا. هـ
قلت: والأقرب ـ والله أعلم ـ هو الجواز، لأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولضعف حديث النهي، والله الموفق.
غير أنه لو احتاط المسلم لدينه، وطلب البراءة له، وتجنب التعامل بالعربون، لكان ذلك حسناً من باب التورع عن الشبهات والله أعلم
تنبيه:
ذكر النووي في المجموع (9/ 335)، وشمس الدين بن قدامة في شرح المقنع (4/ 59)، صورة مباحة من صور بيع العربون ـ عند من يرى تحريمه ـ وهي فيما إذا دفع إليه قبل البيع درهماً، وقال: لا تبع هذه السلعة لغيري، وإن لم أشترها منك فهذا الدرهم لك، ثم اشترى منه بعد ذلك بعقد مبتدأ، وحسب الدرهم من الثمن، قالوا: فيصح البيع، لأنه خلا من الشرط المفسد.ويشترط الشافعية قول هذا الشرط قبل العقد، ولا يتلفظا به حالة العقد، وإلا كان باطلاً). والله تعالى أعلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/104)
ـ[محمد أبا الخيل]ــــــــ[20 - 10 - 07, 10:05 م]ـ
حديث عمرو بن شعيب
قال عنه أبو داود: هذا منقطع.
وأخرجه ابن ماجه مسنداً، وفيه عبدالله بن عامر الأسلمي، قال عنه في تقريب التهذيب:ضعيف.
ـ[ابن عبد الغنى]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:22 ص]ـ
شيخى الفاضل ابو يوسف كالعهد بك دائما مسدد موفق زادك الله علما وفضلا ونفعنا بعلمك
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:43 ص]ـ
أكرمك الله .. وغفر لي ولك وعفا عني وعنك
ـ[أبو طه الجزائري]ــــــــ[30 - 03 - 09, 01:16 م]ـ
جزاكم الله خيرا و نفع بكم ..
بارك الله في افادتكم القيمة ..
حفظكم الله تعالى و سدد خطاكم(86/105)
وكأن شيخ الإسلام عاصر مشكلة التسعير ..
ـ[الموسى]ــــــــ[20 - 10 - 07, 04:27 م]ـ
قال شيخ الإسلام:
(وأبلغ من هذا أن يكون الناس قد التزموا ألا يبيع الطعام أو غيره إلا أناس معروفون لا تباع تلك السلع إلا لهم ; ثم يبيعونها هم ; فلو باع غيرهم ذلك منع إما ظلما لوظيفة تؤخذ من البائع ; أو غير ظلم ; لما في ذلك من الفساد فههنا يجب التسعير عليهم بحيث لا يبيعون إلا بقيمة المثل ولا يشترون أموال الناس إلا بقيمة المثل بلا تردد في ذلك عند أحد من العلماء ; لأنه إذا كان قد منع غيرهم أن يبيع ذلك النوع أو يشتريه: فلو سوغ لهم أن يبيعوا بما اختاروا أو اشتروا بما اختاروا كان ذلك ظلما للخلق من وجهين: ظلما للبائعين الذين يريدون بيع تلك الأموال ; وظلما للمشترين منهم. والواجب إذا لم يمكن دفع جميع الظلم أن يدفع الممكن منه فالتسعير في مثل هذا واجب بلا نزاع وحقيقته: إلزامهم ألا يبيعوا أو لا يشتروا إلا بثمن المثل. وهذا واجب في مواضع كثيرة من الشريعة) (الفتاوى)
ـ[أبو سليمان القارئ]ــــــــ[23 - 11 - 07, 07:05 م]ـ
جزاك الله خيرا يا أخي،،،،
هل عندك المزيد عن موضوع التسعير فإني في طور كتابة بحث في هذا الموضوع وأحتاج إلى مراجع معاصرة وتصوير كامل لواقع الحال هذه الأيام مع ربطه بكلام أهل العلم المتقدمين والمتأخرين.(86/106)
اتجاه القبلة
ـ[طلحة محمد خالد]ــــــــ[20 - 10 - 07, 04:55 م]ـ
الاخوة الكرام عندما يكتشف شخص أن اتجاه مسجده الى غير القبلة أي منحرف عن القبلة بعض الشيء هل يستمر ويترك الوضع كما هو والا يغير الاتجاه
ـ[عبدالله الهاشمي]ــــــــ[21 - 10 - 07, 11:57 م]ـ
الاخوة الكرام الاخ يطالبك بعرض ما لديكم من علم ومعرفة في هذا الامر
وبالمناسبة لدينا مسجد قد يكون يشبه ما في قلب السائل واعرض عليكم صورته
http://www4.0zz0.com/2007/10/21/19/64302464.jpg
http://www5.0zz0.com/2007/10/21/20/93153933.jpg
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[22 - 10 - 07, 04:38 ص]ـ
بل يُتحقق من ذلك وتخاطب الجهات المسؤولة كالأوقاف أو المراكز الإسلامية، ويتم إصلاح الخلل. لا سيما إذا كان الانحراف عن القبلة شديداً.
أما الانحراف اليسير فلا يضر .. ويحدد هذا بنظر الجهة المسؤولة برجوعها للعلماء.(86/107)
بعض فتاوى العلاّمة محمد العثيمين عليه شآبيب الرحمة والرضوان , المتعلقة بالحج وأحكامه
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[20 - 10 - 07, 06:18 م]ـ
هذه بعض فتاوى العلاّمة محمد العثيمين عليه شآبيب الرحمة والرضوان , المتعلقة بالحج وأحكامه, مفرغة من برنامج نور على الدرب ,وسأورد ما تيسر منها تباعاً إن شا الله:
السؤال: يقول رجل مسلم يريد الحج ما هي الأمور التي ينبغي أن يعملها المسلم ليكون حجه مقبولاً إن شاء الله؟
الجواب
الشيخ: الأمور التي ينبغي أن يعملها ليكون حجة مقبولاً أن ينوي بالحج لوجه الله عز وجل وهذا و الإخلاص وأن يكون متبعاً في حجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو المتابعة وكل عمل صالح فإنه لا يقبل إلا بهذين الشرطين الأساسيين الإخلاص والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمري ما نوى ولقوله صلى الله عليه وسلم من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد فهذا أهم ما يجب على الحاج أن يعتمد عليه الإخلاص والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول في حجته لتأخذوا عني مناسككم ومنها أن يكون الحج بمال حلال فإن الحج بمال حرام محرم لا يجوز بل قد قال بعض أهل العلم إن الحج لا يصح في هذه الحال ويقول بعضهم
إذا حججت بمال أصله سحت ... فما حججت ولكن حجّت العير
يعني حجت الإبل ومنها أن يتجنب ما نهى الله عنه لقوله تعالى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) فيتجنب ما حرم الله عليه تحريماً عاماً في الحج وغيره من الفسوق والعصيان والأقوال المحرمة والأفعال المحرمة والاستماع إلى آلات اللهو ونحو ذلك ويجتنب ما حرم الله عليه تحريماً خاصاً في الحج كالرفث وهو إتيان النساء وحلق الرأس واجتناب ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبسه في الإحرام وبعبارة أعم يجتنب جميع محظورات الإحرام وينبغي أيضاً للحاج أن يكون ليناً سهلاً كريماً في ماله وجاهه وعمله وأن يحسن إلى إخوانه بقدر ما يستطيع ويجب عليه أن يجتنب الإيذاء إيذاء المسلمين سواء كان ذلك في المشاعر أو في الأسواق فيتجنب الإيذاء عند الازدحام في المطاف وعند الازدحام في المسعى وعند الازدحام في الجمرات وغير ذلك فهذه الأمور التي ينبغي على الحاج أو يجب للحاج أن يقوم بها ومن أقوى ما يحقق ذلك أن يصطحب الإنسان في حجه رجلاً من أهل العلم حتى يذكره في دينه وإذا لم يتيسر ذلك فليقرأ من كتب أهل العلم ما كان موثوقاً قبل أن يذهب إلى الحج حتى يعبد الله على بصيرة.
************************************************** ***************
السائل: يقول أخوكم إبراهيم سليمان يقول إن لي خال وقد توفي منذ حوالي سنتين أو اكثر ولخالي أخ أكبر منه وطلب مني أن أحج لهما وحجيت ولما ذهبت إلى الحج وفي يوم رمي الجمرات ضعت عن الأخوة الذين معي وتعبت في البحث عنهم ولم اذبح في اليوم الأول وذبحت في اليوم الثاني وقد حلقت رأسي في اليوم الأول فهل يجوز لي أم لا وهو يقول وقد حجيت عنهما؟
الجواب
الشيخ: الحمد لله هذه النقطة التي أشرت إليها وهو قوله أنه طلب أن يحج عنهما فحج هو يمكن أن يكون حج عن واحد منهما أما إذا حج عنهما جميعاً في نسك واحد فإنه لا يجوز لأن النسك الواحد لا يتبعض لا بد أن يكون عن شخص واحد فإذا أراد شخص أن يحج عن أمه وأبيه مثلاً في سنة واحدة بنسك واحد فإن ذلك لا يجوز وإنما يحرم عن أبيه في سنة أو عن أمه في سنة وعن الوالد الثاني في سنة أخرى وأما بالنسبة لما فعله من تأخير الذبح إلى اليوم الثاني والحلق في اليوم الأول فإنه لا بأس به وذلك أن الإنسان يوم العيد ينبغي أن يرتب الأنساك التي تفعل فيه كالتالي أولاً يبدأ برمي جمرة العقبة ثم بعد ذلك ينحر هدية ثم يحلق رأسه أو يقصره والحلق أفضل ثم ينزل إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة وهو طواف الحج ويسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً أو كان قارناً أو مفرداً ولم يكن سعى بعد طواف القدوم فإن كان قارناً أو مفرداً وقد سعى بعد طواف القدوم فإنه لا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/108)
يعيد السعي مرة ثانية
************************************************** **************
سؤال: هذه رسالة من المقدم المواطن عبد الله بن محمد الحقيبي من القويعية الأحوال المدنية يقول إنه قد حج في عام 98 من القويعية مع صاحب سيارة ولكن صاحب السيارة كان جاهلاً بمشاعر الحج من حيث الطرق ومع الأسف الشديد أننا نزلنا أيام مني الثلاث في الحوض بمكة وبتنا ليالي مني في هذا المكان وذبحنا هدينا فهل علينا في ذلك شيء علماً أننا لم يتيسر لنا الوصول إلى منى أرجو عرض هذه المشكلة على أحد أصحاب الفضيلة فما يجب علينا من الكفارة وهل تسقط عنا هذا والله أسأل أن يوفق الجميع لما فيه السعادة والخير والتوفيق.
الجواب
الشيخ: أما ذبحهم الهدي هناك فلا بأس به لأنه يجوز الذبح بمني ويجوز الذبح في مكة ويجوز الذبح في جميع مناطق الحرم وأما بالنسبة لمكثهم الأيام الثلاثة في هذا المكان فإن كان الأمر كما وصف لم يتمكن من الوصول إلى منى فليس عليهم في ذلك شيء وإن كانوا مفرطين ولم يبحثوا ولم يستقصوا في هذا الأمر فقد خطأوا خطأ عظيما والواجب على المسلم أن يحتاط لدينه وأن يبحث حتى يتحقق العجز فإذا تحقق العجز فإن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها وقد قال أهل العلم استنادا لهذه الآية الكريمة إنه لا واجب مع العجز فليس عليهم كفارة إنما عليهم أن يحتاطوا في المستقبل
************************************************** **************
السؤال: من سعيد يحيى محمد غيثي وردتنا هذه الرسالة يقول من مدرسة تحفيظ القرآن الكريم ببلاد الرين يقول رجل حج إلى بيت الله الحرام واكمل جميع المناسك وطاف طواف الوداع ثم سعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط اعتقاداً منه أن الحج هكذا وهي عن طريقة الجهل فهل حجهُ جائز. وهل يلحقه إثم؟ وماذا يجب عليه أن يفعل؟
الجواب:
الشيخ: متى تاريخ خط الكلام هذا
السؤال: هذا تاريخه في شهر 4/ 1401.
الشيخ: الواقع أنه يؤسفني أن يكون هذا الكتاب يسأل فيه مقدمه عن أمر وقع قبل أربعة شهور فالواجب على المسلم أولاً إذا أراد أن يفعل عبادة أن يسأل عن أحكامها من يثق به من أهل العلم لأجل أن يعبد الله على بصيرة، والإنسان إذا أراد أن يسافر إلى بلد وهو لا يعرف طريقها تجده يسأل عن هذا الطريق وكيف يصل وأي الطرق أقرب وأيسر فكيف بطريق الجنة وهو الأعمال الصالحة فالواجب على المرء إذا أراد أن يفعل عبادة أن يتعلم أحكامها قبل فعلها هذه واحدة، ثانياً إذا قدر أنه فعلها وحصل له إشكال فيها فليبادر به، لا يأتي بعد أربعة أشهر يسأل، لأنه إذا بادر حصل بذلك مصلحة وهي العلم ومصلحة أخرى وهو المبادة بالإصلاح إذا كان قد أخطأ في شيء، أما بالنسبة للجواب على هذا السؤال فنقول إن سعيه بعد طواف الوداع ظناً منه أن عليه سعياً لا يؤثر على حجه شيئاً ولا على طواف الوداع شيئاً فهو أتي بفعل غير مشروع له لكنه جاهل فلا يجب عليه شيء
************************************************** **************
السؤال: لديه سؤال آخر يقول فيه، يوجد عندنا عادة إذا دخل شهر ذو الحجة في العشر الأولى يذبح كل بيت ذبيحة ويقول اللهم أجعله لأرواح موتانا، وهذا شيء كل عام ويسمونه عندنا حج الأموات، هل هذا صحيح؟
الجواب:
الشيخ: هذا ليس بصحيح، بل هو بدعة ولا يتقرب بالذبح لله إلا فما وردت به السنة وهي ثلاثة أمور، الأضاحي، والهدايا للبيت مكة، والثالث العقيقة، هذه هي الذبائح المشروعة، وأما ما عداها فليس بمشروع، ثم إن زعمهم أن هذا حج الأموات ليس بصحيح، فالأموات انقطعت أعمالهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له) وهذا ليس من الصدقة الجارية، لأن معنى الصدقة الجارية أن الإنسان يوقف شيئاً ينتفع الناس به بعد موته، والعلم الذي ينتفع به من بعده إذا علم أحداً علماً نافعاً فعملوا به بعد موته أو علموه انتفع به، والولد الصالح الذي يدعو له الذكر أو الأنثى من أولاده إذا دعا له انتفع به
************************************************** **************
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/109)
السؤال: من هاني عنبر من الأفلاج يقول أديت فريضة الحج مع جماعة في سيارة خاصة عن طريق المدينة المنورة وعند الإحرام قال قائل لنا أن انووا كالتالي اللهم لبيك عمرة، هذا في اليوم السادس من شهر ذي الحجة، وبهذا الشكل لما وصلنا مكة المكرمة طوفنا بالبيت وسعينا بين الصفا والمروة وقصرنا شعرنا وحللنا إحرامنا وبقينا غير محرمين حتى صباح اليوم الثامن، حيث أحرمنا من منى، ثم طفنا وسعينا وبتنا في منى ووقفنا على جبل عرفات وبتنا في المزدلفة وفي صباح يوم العيد ذهبنا إلى البيت العتيق وطوفنا طواف الإفاضة ثم رجعنا ورمينا جمرة العقبة وحللنا ولم نذبح، وفي اليوم الثاني والثالث رمينا الجمار الثلاث ولم نذبح، وطوفنا طواف الوداع ثم غادرنا مكة المكرمة إلى الرياض حيث إننا من المقيمين في الرياض، والسؤال هنا هل حجنا هذا جائز مع عدم ذبحنا الفدى، حيث إننا بعد طواف الوداع سرنا إلى الرياض؟
الجواب:
الشيخ: أما عمرتهم فصحيحة لا غبار عليها لأنها على الوجه المشروع، وأما حجهم فهم أحرموا من منى، ولا حرج عليهم في الإحرام من منى، لكنهم طافوا وسعوا ولا ندري ماذا أرادوا بهذا الطواف والسعي، إن أرادوا به أنه طواف الحج وسعي الحج فهما غير صحيحين مع أنه ذكر في القضية أنهم طافوا يوم العيد، فإن أرادوا أن هذا الطواف والسعي للحج فهما غير صحيحين لأنهما وقعا في غير محلهما إذ محلهما بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة، وعلى هذا فيعتبران لاغيين، ثم إنه في القضية أنهم طافوا طواف الإفاضة ولم يسعوا للحج فبقي عليهم إذن السعي، وهو ركن من أركان الحج على القول الراجح عند أهل العلم، وبقي عليهم أيضاً الهدى، هدي التمتع فإنهم لم يذبحوه والواجب أن يذبح في أيام العيد أو أيام التشريق، وفي مكة، في الحرم، وعلى هذا فهم يحتاجون الآن إلى إكمال الحج بالرجوع إلى مكة والسعي بين الصفا والمروة وكذلك ذبح الهدي الواجب عليهم، المستطيع منهم ومن لم يستطع فليصم عشرة أيام، ثم بعد السعي يطوفون طواف الوداع ويرجعون إلى بلدهم
************************************************** **************
السؤال: المرسل ع. ي. ض. من الرياض وفي الحقيقة أنه ينتهز فرصة الحج ويسأل هذا السؤال وإن كان الحج قد مضى يقول أفيدكم أنني قد حجيت مفرداً وقد أكملت الحج وعندما رميت جمرة العقبة وحلقت رجعت وفسخت الإحرام وهو يوم العيد ومعي زوجتي لعلها رفثت معه في الليل يعني جامعته، لكنه يقول أنه جامع زوجته، ويقول وأنا والله ثم والله لم أعلم أنه يفسد الحج، وأنا جاهل في هذا الكلام، وأنا أول مرة أحج ومعي زوجتي وأني حجيت عام 1399 هـ فما حكم حجي هذا؟
الجواب
الشيخ: حكم حجه صحيح ولا شيء عليه ما دام جاهلاً لأن الله سبحانه وتعالى يقول (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)، وقال تعالى (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) ويقول سبحانه وتعالى في جزاء الصيد (ومن قتله منكم متعمداً فجزاءه مثل ما قتل من النعم) فكل هذه الآيات وكثير من النصوص سواها يدل على أن فاعل المحذور إذا كان جاهلاً أو ناسياً فلا شيء، وعلى هذا نقول للرجل لا تعد لمثل ما فعلت
************************************************** **************
السؤال: يقول المستمع مشهور سعيد من جيزان هل تجوز ضحية واحدة لأخوين شقيقين في بيت واحد مع أولادهم أكلهم وشربهم واحد؟
الجواب
الشيخ: نعم يجوز ذلك يجوز أن يقتصر أهل البيت الواحد ولو كانوا عائلتين على أضحية واحدة ويتأذى بذلك فضيلة الأضحية
************************************************** **************
السؤال: هذه رسالة وصلت من أختكم في الله من المنطقة الشرقية المستمعة رمزت لاسمها هنا بالرمز ن أ تقول يا فضيلة الشيخ نحن نذهب ولله الحمد كل سنة إلى مكة المكرمة للعمرة في رمضان المبارك وفي كل مرة أنوي العمرة لأبي ومرة أخرى أنويها لأمي ولكنني في أخر مرة نويتهما لهما معاً فعندما سئلت عن أمر هذه العمر قيل لي بأنها تحسب لك ليس لهما هل هذا صحيح يا فضيلة الشيخ
الجواب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/110)
الشيخ: نعم هذا صحيح عند أهل العلم رحمهم الله يقولون إن النسك لا يمكن أن يقع عن اثنين النسك لا يقع إلا عن واحد إما للإنسان وإما لأبيه وإما لأمه ولا يمكن أن يلبي عن شخصين اثنين فإن فعل لم يصح لهما وصار النسك له ولكني أقول أنه ينبغي للإنسان أن يجعل الأعمال الصالحة لنفسه من عمرة وحج وصدقة وصلاة وقراءة قرآن وغير ذلك لأن الإنسان محتاج إلى هذه الأعمال الصالحة سيأتيه يوم يتمنى أن يكون في صحيفته حسنة واحدة ولم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى أن يصرفوا الأعمال الصالحة إلى آبائهم وإلى أمهاتهم لا أحياءهم ولا إلى أمواتهم وإنما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء للأموات حيث قال صلى الله عليه وسلم إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له فتأمل قوله يدعوا له لم يقل أو ولد صالح يقرأ له القرآن أو يصلي له ركعتين أو يعتمر عنه أو يحج عنه أو يصوم عنه بل قال أو ولد صالح يدعو له مع أن السياق في العمل الصالح فدل هذا على أن الأفضل للإنسان أن يدعوا لوالديه دون أن يعمل لهما عملاً صالحاً يجعله لهما ومع ذلك فإننا فإنه ومع ذلك فإنه لا بأس أن يعمل عملاً صالحاً يجعله لوالديه أو أحدهما إلا أن الحج والعمرة لا يلبى بهما عن اثنين نعم
************************************************** **************
السؤال: أختكم في الله من المغرب تقول في رسالتها والدتي في المغرب وأنا أعمل في السعودية وأنا أريد أن أرسل لها حتى تحضر لي تقوم بأداء فريضة الحج وليس معها محرم لأن والدي متوفى وأخواني وأخوالي ليس عندهم القدرة على الذهاب إلى فريضة الحج هل يجوز أن تحضر لوحدها وتحج لوحدها أفيدونا بهذا مأجورين
الجواب
الشيخ: لا يجوز لها أن تأتي إلى الحج وحدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) قاله النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإن أكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أنطلق فحج مع امرأتك) والمرأة إذا لم يكن لها محرم فإن الحج لا يجب عليها ثم إن الفريضة سقطت عنها لعدم القدرة على الوصول إلى البيت وعدم القدرة هنا عجز شرعي وإما أنه لا يجب عليها أداء بمعنى أنها لو ماتت حج عنها من تركتها على كل حال إني أقول لهذا السائل لا تضيق المرأة ذرعاً بعدم قدرتها على الحج لعدم وجود المحرم فإن ذلك لا يضرها ولا يلحقها إثم إذا ماتت وهي لم تحج لأنها معذورة شرعاً غير مستطيعة شرعاً وقد قال الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) نعم
************************************************** **************
السؤال: رسالة وصلت من الطائف المستمع رمز لاسمه بـ ص ع ح يقول أنه يرغب في أداء العمرة ولكن لا يستطيع لبس الإحرام لأنه معاق ومشلول فضيلة الشيخ أرجو الفتوى هل أستطيع العمرة في ثيابي وهل عليّ كفارة؟
الجواب
الشيخ: نعم إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يلبس ثياب الإحرام فإنه يلبس ما يقدر عليه من اللباس الآخر وعليه عند أهل العلم إما أن يذبح شاة يفرقها على الفقراء أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو يصوم ثلاثة أيام هكذا قال أهل العلم قياساً على ما جاء في حلق شعر الرأس حيث قال الله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُك).
************************************************** **************
السؤال: على بركة الله نبدأ هذه الحلقة باستعراض بقية أسئلة المستمع أحمد سعيد عبد الغفار والذي استعرضنا بعضاً من رسالته في حلقة ماضية يقول منّ الله عليّ وأديت فريضة الحج أسئلتي عندما تحللت من إحرامي في اليوم العاشرة من ذي الحجة عند رمي الجمرة الكبرى قصرت شعري بعض الشعر ولم أكن أعلم بأن المقصود هو تقصير كل الشعر نقطة أخرى في اليوم الحادي عشر وبعد رمي الجمرات الثلاث أرهقت إرهاقاً شديداً لا استطيع معه السير وخاصة لأن صحتي ضعيفة لست مريضاً ولم أكن أستطيع السير على الأقدام إلا بوضع الثلج فوق رأسي وفي اليوم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/111)
الثاني عشر وهو اليوم الثاني لرمي الجمرات الثلاثة أفادوني أصحابي بأنني لا أستطيع رمي الجمرات لشدة الزحام والحر وهذا فيه مشقة كبيرة عليّ خوفاً من أن يحدث لي مثل ما حدث في الأمس فوكلت أحد أصحابي برمي الجمار نيابة عني وبعدها ذهب إلى طواف الوداع ثم إلى المدينة المنورة لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم والسؤال هل حجي صحيح يا فضيلة الشيخ وهل يجب علي هدي لعدم تقصير الشعر علماً بأنني كما ذكرت لم أعلم وقتها بأن المقصود بتقصير الشعر هو الشعر كله وإذا كان هناك هدي فكيف أوديه ومتى وبالنسبة لتوكيل أحد أصحابي برمي الجمرات الثلاث في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة نظراً لما شرحته في ظروف صحتي هل هو صحيح أم ماذا أفعل أفيدونا مأجورين؟
الجواب
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما ما يتعلق بتقصير شعر الرأس حيث أنك لم تقصر ألا جزاءً يسيراً منه جاهلاً بذلك ثم تحللت فإنه لا شيء عليك في هذا التحلل لأنك جاهل ولكن يبقى عليك إتمام التقصير لشعر رأسك وإنني بهذه المناسبة أنصح أخواني المستمعين إذا أرادوا شيئاً من العبادات ألا يدخلوا فيها حتى يعرفوا حدود الله عز وجل فيها لئلا يتلبسوا بأمر يخل بهذه العبادة فإنه كما قيل الوقاية خير من العلاج و خير من ذلك قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وقوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) فكونك تدعو الله عز وجل على بصيرة عالماً بحدوده في هذه العبادة خير بكثير من كونك تعبد الله سبحانه وتعالى على جهل بل مجرد تقليد لقوم يعلمون أو لا يعلمون وما أكثر ما تقع هذه المشاكل من الحجاج والصوام والمصلين يعبدون الله عز وجل على جهل ويخلون بهذه العبادات ثم بعد هذا يأتون إلى أهل العلم ليستفتوهم فيما وقع منهم فلو أنك تعلمت حدود الحج قبل أن تتلبس به لزال عنك إشكالات كثيرة ونفعت غيرك أيضاً فيما علمته من حدود الله سبحانه وتعالى. أعود فأقول بالنسبة للتقصير يمكنك الآن أن تكمل ما يجب عليك فيه لأن كثيراً من أهل العلم يقولون إن التقصير والحلق ليس له وقت محدود ولاسيما وأنت في هذه الحال جاهل وتظن أن ما قصرته كاف في أداء الواجب وأما بالنسبة لتوكيلك في اليوم الثاني عشر من يرمي عنك فإذا كنت على الحال الذي وصفته في سؤالك لا تستطيع أن ترمي بنفسك لضعفك وعدم تحملك الشمس ولا تستطيع أن تتأخر حتى ترمي في الليل وترمي في اليوم الثالث عشر ففي هذه الحال لك أن توكل ولا يكون عليك في ذلك شيء لأن القول الصحيح أن الإنسان إذا جاز له التوكيل لعدم قدرته على الرمي بنفسه لا في النهار ولا في الليل فإنه لا شيء عليه خلافاً لمن قال إنه يوكل وعليه دم لأننا إذا قلنا بجواز التوكيل صار الوكيل قائماً مقام الموكل
************************************************** **************
السؤال: من ليبيا الذي رمز لاسمه أخوكم في الإسلام م. ع. م. ر. يقول في رسالته شخص رجم في اليوم الأول من أيام التشريق الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق اعتقاداً منه أن وقت بعد الزوال يبدأ بعد منتصف النهار أي الثانية عشرة وكان في نيته حين خروجه من منى للرجم أنه تحرى الوقت الصحيح للرجم وسأل أحد المسلمين بالقرب من الجمرات فأجابه بأن الوقت بأن وقت بعد الزوال هو الثانية عشرة وحينما عاد لمسكنه بمكة أعلمه أحد الأصدقاء بأن وقت الرجم يحين بعد الثانية عشرة والنصف وحينها تبين له جهله وفي اليوم الثاني رجم بعد أذان الظهر أي الساعة الثانية عشرة وعشرين دقيقة والآن بعد أن عاد إلى بلاده يسأل فصيلتكم هل يلزمه هدي بهذه الحالة أفيدونا جزاكم الله خيرا؟
الجواب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/112)
الشيخ: قبل الإجابة على سؤاله أحب أن يكون تعبيره عن الرمي أي عن رمي الجمرات بلفظ الرمي لا بلفظ الرجم وذلك لأن هذا هو التعبير الذي عبر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله وكلما كان الإنسان في لفظه متبعاً لما في الكتاب والسنة كان أولى وأحسن أما بالنسبة لما فعله فإن رمي الجمرات في أيام التشريق قبل الزوال رمي في غير وقته وفي غير الحد الذي حدده النبي عليه الصلاة والسلام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرم الجمرات في أيام التشريق إلا بعد الزوال وقال لتاخذوا عني مناسككم ونحن نعلم أن رمي الجمرات قبل زوال الشمس أرفق بالناس وأيسر لهم لأن الشمس لم ترتفع بعد ولم يكن الحر شديداً وكون النبي صلى الله عليه وسسلم يؤخر الرمي حتى تزول الشمس وعند اشتداد الحر دليل على أنه لا يجوز الرمي قبل ذلك إذ لو كان جائزاً قبل ذلك ما اختار لأمته الأشق على الأيسر وقد قال الله تعالى في القرآن حين ذكر مشروعية الصوم قال يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ورمي الجمرات قبل زوال الشمس من اليسر ولو كان من شرع الله عز وجل لكان من مراد الله الشرعي ولكان مشروعاً وإذا تبين أن رمي الجمرات قبل الزوال قبل الوقت المحدد شرعاً فإنه يكون باطلاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد أي مردود على صاحبه وقد ذكر أهل العلم أن الإنسان إذا ترك واجباً من واجبات الحج فإن عليه أن يذبح فدية في مكة يوزعها على الفقراء إذا كان قادراً عليها فإن كان ذلك في مقدورك فافعل إبراء لذمتك واحتياطاً لدينك وإن لم يكن في مقدورك فليس عليك شيء ولكن عليك أن تتوب إلى الله عز وجل وتستغفره وأن تتحرى لدينك في كل شرائع الدين وشعائره حتى تعبد الله على بصيرة
************************************************** **************
السؤال: تسأل وتقول ما حكم من وقف من الحجاج في اليوم الثامن أو العاشر خطأ هل يجزئهم وما معنى الحج عرفة؟
الجواب
الشيخ: نعم لو وقف الحجاج في اليوم الثامن أو في اليوم التاسع خطأ فإن ذلك يجزئهم لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها وقد قال الله تعالى (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيما) وأما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم الحج عرفة فمعناه أنه لا بد في الحج من الوقوف بعرفة فمن لم يقف بعرفة فقد فاته الحج وليس معناه أن من وقف بعرفة لم يبق عليه شيء من أعمال الحج بالإجماع فإن الإنسان إذا وقف بعرفة بقي عليه من أعمال الحج المبيت بمزدلفة وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والمبيت في منى ولكن المعنى أن الوقوف بعرفة لا بد منه في الحج وأن من لم يقف بعرفة فلا حج له ولهذا قال أهل العلم من فاته الوقوف فاته الحج.
************************************************** **************
السؤال: المستمعة م. ن. أ. من الدمام الخبر تقول في رسالتها ما هي الأدعية الواردة في يوم عرفة أفيدوني بذلك بارك الله فيكم؟
الجواب
الشيخ: الأدعية الواردة في يوم عرفة منها ذكر الله عز وجل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وفيه أدعية أخرى يمكن الرجوع إليها في كتب الحديث و أهل الفقه ولكن المهم أن يكون الإنسان حين الدعاء والذكر حاضر القلب مستحضراً عجزه وفقره إلى الله تبارك وتعالى محسن الظن بالله فإن الله تعالى يقول (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان) وينبغي أن يكون في حال دعائه مستقبلاًَ القبلة ولو كان الجبل خلف ظهره وأن يكون رافعاً يديه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف عند الصخرات وقال وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ولا ينبغي للإنسان أن يتعب نفسه في الذهاب إلى الموقف الذي وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مع شدة الحر وبعد المسافة واختلاف الأماكن فربما يلحقه العطش والتعب وربما يضيع عن مكانه فيحصل في ذلك عليه ضرر والنبي عليه الصلاة والسلام قد قال عرفة كلها موقف وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير بهذا القول إلى أنه ينبغي للإنسان أن يقف في مكانه إذا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/113)
كان يحصل عليه التعب والمشقة في الذهاب إلى الموقف الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم
************************************************** **************
السؤال: يسأل ويقول قال الرسول صلى الله عليه وسلم هن لهن ولمن مر عليهنّ من غير أهلهنّ ما معنى هذا بارك الله فيكم
الجواب
الشيخ: معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم ولأهل نجد قرن المنازل وقال هنّ لهنّ أي هذه المواقيت لأهل هذه البلاد ولمن مر عليهنّ أي على هذه المواقيت من غير أهلهنّ فأهل المدينة يحرمون من ذي الحليفة إذا أرادوا الحج أو العمرة وإذا مر أحدهم من أهل نجد عن طريق المدينة أحرم من ذي الحليفة لأنه مر بالميقات وكذلك إذا مر أحد من أهل الشام عن طريق المدينة فإنه يحرم من ذي الحليفة لأنه مر بها وكذلك لو أن أحداً من أهل المدينة جاء من قبل نجد ومر بقرن المنازل فإنه يحرم منه هذا معنى قوله ولمن مر عليهنّ من غير أهلهنّ ومن تأمل هذه المواقيت تبين له فيها فائدتان الفائدة الأولى رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده حيث جعل لكل ناحية ميقاتاً عن طريقهم حتى لا يصعب عليهم أن يجتمع الناس من كل ناحية في ميقات واحد والفائدة الثانية أن تعيين هذه المواقيت من قبل أن تفتح هذه البلاد فيه آية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث إن ذلك يستلزم أن هذه البلاد ستفتح وأنها سيقدم منها قوم يأمون هذا البيت للحج والعمرة ولهذا قال ابن عبد القوي في منظومته الدالية المشهورة:
وتوقيتها من معجزات نبينا ... بتعيينها من قبل فتح معدد
فصلوات الله وسلامه عليه
************************************************** **************
السؤال: بارك الله فيكم أيضاً فضيلة الشيخ ما رأيكم فيمن كان طريقه لا تمر بهذه المواقيت وإذا أحرم أو الحاج قبل الميقات ما حكم ذلك؟
الجواب
الشيخ: إذا كان لا يمر بشيء من هذه المواقيت فإنه ينظر إلى حذاء الميقات الأقرب إليه فإذا مر في طريق بين يلملم وقرن المنازل فينظر أيهما أقرب إليه فإذا حاذا أقربهما إليه أحرم من محاذاته ويدل لذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه أهل العراق وقالوا يا أمير المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجد قرناً وإنها جور عن طريقنا يعني فيها ميول وبعد عن طريقنا فقال رضي الله عنه انظروا إلى حذوها من طريقكم فأمرهم أن ينظروا إلى محاذاة قرن المنازل ويحرمون هكذا جاء في صحيح البخاري وفي حكم عمر رضي الله عنه هذا فائدة جليلة وهي أن الذين يأتون عن طريق الطائرات وقد نووا الحج والعمرة ويمرون بهذه المواقيت إما فوقها أو عن يمينها أو يسارها يجب عليهم أن يحرموا إذا حاذوا هذه المواقيت ولا يحل لهم أن يؤخروا الإحرام حتى ينزلوا في جدة كما يفعله كثير من الناس فإن هذا خلاف ما حدده النبي عليه الصلاة والسلام وقد قال الله تعالى (ومن يتعد حدود الله تعالى فقد ظلم نفسه) وقال الله تعالى (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) فعلى الإنسان الناصح لنفسه إذا كان جاء عن طريق الجو وهو يريد الحج أو العمرة عليه أن يكون متهيئاً للإحرام في الطائرة فإذا حاذت أول ميقات يمر به وجب عليه أن يحرم أي أن ينوي الدخول في النسك ولا يحل له أن يؤخر ذلك حتى يهبط في مطار جدة
************************************************** **************
السؤال: يقول ما حكم الشرع في نظركم فيمن يبيع ويشتري ويتكسب وهو يؤدي الحج والعمرة أفيدونا بارك الله فيكم؟
الجواب
الشيخ: جواب هذا السؤال بينه الله عز وجل في قوله ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا كان الإنسان قد أتى بنية الحج ولكنه حمل معه سلعة يبيعها في الموسم أو اشترى سلعة من الموسم لأهله أو ليبيعها في بلده فإن هذا لا بأس به ما دام القصد الأول هو الحج أو العمرة وهو من توسيع الله عز وجل على عباده حيث لم ينعتهم جلا وعلا بمنعهم من الاتجار والتكسب ومثل ذلك إذا كان الإنسان صاحب سيارة وأراد أن يحج ثم حمل عليها أناساً بالأجرة فإن ذلك لا بأس به ولا حرج فيه لدخوله في عموم قوله ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم.
************************************************** **************
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/114)
السؤال: المستمع أحمد ن. ن. مصري يقول في رسالته ما صفة التلبية وهل هي تستحب على كل حال أم أن لها مواطن تستحب فيها وما هو القول الراجح في وقتها؟
الجواب
الشيخ: صفة التلبية أن يقول الإنسان لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ومعنى قول الإنسان لبيك أي إجابة لك يا رب وثنيت لإرادة التكرار وليس المعنى أن الإنسان يجيب ربه مرتين فحسب بل المعنى أنه يجيبه مرة بعد أخرى فالتثنية هنا يراد بها مجرد التكرار والتعدد فمعناها إجابة الإنسان ربه وإقامته على طاعتة ثم إنه بعد هذه الإجابة يقول إن الحمد والنعمة لك والملك. الحمد هو وصف المحمود بالكمال فإذا كرر صار ثناء والنعمة هي ما يتفضل الله به على عباده من حصول المطلوب ودفع المكروه فالله سبحانه وتعالى وحده هو المنعم كما قال الله تعالى (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) وقوله والملك يعني والملك لك الله تبارك وتعالى هو المالك وحده كما يدل على هذا قوله تعالى (ولله ملك السماوات والأرض) وقوله (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ*وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) وقوله لا شريك لك أي لا أحد يشاركك بما يختص بالله عز وجل في صفاته الكاملة ومن ذلك انفراده بالملك والخلق والتدبير والألوهية هذا موجز لمعنى التلبية التي يلبي بها كل مؤمن وهي مشروعة من ابتداء الإحرام إلى رمي جمرة العقبة في الحج وفي العمرة من ابتداء الإحرام إلى الشروع في الطواف
************************************************** **************
السؤال: يقول هل يصح أن يحرم أو هل يصح الإحرام بالحج قبل أشهره حيث أن هناك من قال بصحة ذلك أفيدوني بارك الله فيكم؟
الجواب
الشيخ: في هذا خلاف بين أهل العلم مع اتفاقهم على أنه لا يشرع أن يحرم بالحج قبل أشهره وأشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة فإذا أحرم الإنسان بالحج في رمضان مثلاً فمن أهل العلم من يقول إن إحرامه ينعقد ويكون متلبساً بالحج لكنه يكره ومنهم من يقول أنه لا يصح إحرامه بالحج قبل أشهره لقول الله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) فجعل الله ترتب أحكام الإحرام على من فرضه في أشهر الحج فيدل ذلك على أن أحكام الإحرام لا تترتب على من فرضه في غير أشهر الإحرام وإذا لم تترتب الأحكام فمعنى ذلك أنه لم يصح الإحرام.
************************************************** ***************
السؤال: أحمد محمد جمهورية مصر العربية يقول في رسالته قال الله تعالى (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) من هم حاضروا المسجد الحرام هل هم أهل مكة أم أهل الحرم أفيدونا بارك الله فيكم؟
الجواب
الشيخ: هذا الذي ذكره السائل هو جزء من آية ذكرها الله سبحانه وتعالى فيمن تمتع فقال (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) هم أهل مكة ومن كان دون مسافة من الحرم دون مسافة القصر على اختلاف العلماء في تحديدها هؤلاء هم حاضروا المسجد الحرم فمن كان من حاضري المسجد الحرام فإنه وإن تمتع بالعمرة إلى الحج ليس عليه هدي مثل لو سافر الرجل من أهل مكة إلى المدينة مثلاً في أشهر الحج ثم رجع من المدينة فأحرم من ذي الحليفة بالعمرة مع أنه قد نوى أن يحج هذا العام فإنه لا هدي عليه هنا لأنه من حاضري المسجد الحرام ولو أن أحداً فعله من غير حاضري المسجد الحرام لوجب عليه الهدي أو بدله إن لم يجده وأهل مكة يمكن أن يتمتعوا ويمكن أن يقرنوا ولكن لا هدي عليهم فمثال تمتعهم ما ذكرت آنفاً أن يكون أحدٌ من أهل مكة في المدينة فيدخل مكة في أشهر الحج محرماً بعمرة ناوياً أن يحج من
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/115)
سنته ثم يحج فهذا تمتع بالعمرة إلى الحج لكن لا هدي عليه لأنه من حاضري المسجد الحرام ومثال القران أن يكون أحد من أهل مكة في المدينة ثم يحرم من ذي الحليفة في أيام الحج بعمرة وحج قارناً بينهما فهذا قارن و هدي عليه أيضاً لأنه من حاضري المسجد الحرام.
************************************************** ***************
السؤال: المستمع محمد قائد من الجمهورية العربية اليمنية إب له عدة أسئلة يقول في سؤاله الأول رجل نوى الحج فعندما أراد الذهاب إلى الحج وافته المنية وقد كان قد باع ما عنده من أجل الحج فما حكم هذا وهل يصح إذا نوى أن يكتب له حج أفيدونا بارك الله فيكم
الجواب
الشيخ: هذا الرجل الذي عزم على الحج فباع ما عنده ليحج به فوافته المنية قبل أن يقوم بالحج نرجو أن الله عز وجل يكتب له أجر الحاج لأنه نوى العمل الصالح وفعل ما قدر عليه من أسبابه ومن نوى العمل وفعل ما قدر عليه من أسبابه فإنه يكتب له قال الله تبارك وتعالى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وإذا كان هذا الرجل الذي باع ماله ليحج لم يحج فريضة الإسلام فإنه يحج عنه بعد موته بهذه الدراهم التي هيأها ليحج بها يحج بها عنه أحد من أوليائه أو أحد من غيرهم وذلك لما في المتفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال نعم وكان ذلك في حجة الوداع.
************************************************** *****************************
السؤال: المستمع شداد الرحيلي من المدينة المنورة يقول ما هي الفواسق الخمس التي تقتل في الحل والحرم وهل معنى هذا أننا لو وجدناها أو بعضها ونحن محرمون في داخل حدود الحرم أنه يجوز قتلها ولماذا هذه الخمس دون غيرها مع أنه قد يكون هناك من الدواب والسباع ما هو أخطر منها على الإنسان ومع ذلك لم تذكر أم أنه يقاس عليها ما شابهها
الجواب
الشيخ: الفواسق الخمس هي الفارة والعقرب والكلب العقور والغراب والحدأة هذه هي الخمس التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام خمس كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم فيسن للإنسان أن يقتل هذه الفواسق الخمس وهو محرم أو محل داخل أميال الحرم أو خارج أميال الحرم لما فيها من الأذى والضرر في بعض الأحيان ويقاس على هذه الخمس ما كان مثلها أو أشد منها إلا أن الحيات التي في البيوت لا تقتل إلا بعد أن يحرج عليها ثلاثاً لأنه يخشى أن تكون من الجن إلا الأبتر وذو الطفيتين فإنه يقتل ولو في البيوت لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي في البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإذا وجدت في بيتك حية فإنك لا تقتلها إلا أن تكون أبتر أو ذات الطفيتين الأبتر يعني قصير الذنب فالأبتر هو قصير الذنب وذو الطفيتين هما خطان أسودان على ظهره فهذان النوعان يقتلان مطلقاً وما عداهما فإنه لا يقتل ولكن يحرج عليه ثلاث مرات بأن يقول لها أحرج عليك أن تكوني في بيتي أو كلمة نحوها مما يدل على أنه ينذرها ولا يسمح لها بالبقاء في بيته فإن بقيت بعد هذا الإنذار فمعنى ذلك أنها ليست بجن أو أنها وإن كانت جناً أهدرت حرمتها فحينئذٍ يقتلها ولكن لو اعتدت عليه في هذه الحال فإن له أن يدافعها لو بأول مرة يدافعها فإن أدى إلى قتلها لم يندفع أذاها إلا بقتلها أو لم تندفع مهاجمتها إلا بقتلها فله أن يقتلها حينئذٍ لأن ذلك من باب الدفاع عن النفس
************************************************** ******************************
السؤال: إنما الأمر لا يقتصر على هذه أو التحريم أو الحلية لا تقتصر على هذه الخمس بعينها؟
الجواب
الشيخ: مشروعية قتل الفواسق لا تختص به هذه الخمس بل يقاس عليها ما كان مثلها أو أشد ضرراً منها
************************************************** *******************************
السؤال: هذا القياس متروك لاجتهاد الشخص؟
الجواب
الشيخ: نعم الاجتهاد متروك لاجتهاد الشخص الذي يكون أهلاً لذلك بأن يكون عنده علم بموارد الشريعة ومصادرها وعلم بالأوصاف والعلل التي تقتضي الإلحاق أو عدمه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/116)
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[20 - 10 - 07, 06:52 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم بارك الله فيك وجزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك.
ورحم الله الشيخ محمد بن صالح العثيمين واسكنه الفردوس الأعلى.
وأسأل من الله العلي القدير أن يجمعنا ومشايخنا مع محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[20 - 10 - 07, 07:24 م]ـ
وفيك بارك الله أخي عيسى , ووهبنا جميعاً العلم النافع المورث للعمل الصالح الموجب لمحبة الله ورضوانه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السؤال: الأخت المستمعة ن أ من المنطقة الشرقية الأخت المستمعة تقول عندما كنت في مكة المكرمة وصلني نبأ أن قريبة لنا قد توفيت فطفت لها سبعاً حول الكعبة وأهديتها لها فهل يجوز ذلك أرجو بهذا إفادة
الجواب
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين نعم يجوز لك أن تطوفي سبعاً تجعلين ثوابه لمن شئت من المسلمين هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن أي قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها لمسلم ميت أو حي فإن ذلك ينفعه سواء أن كانت هذه القربة عملاً بدنياً محضاً كالصلاة والطواف أم مالياً محضاً كالزكاة أي كالصدقة أم مالياً محضاً كالصدقة أم جامع بينهما كالأضحية ولكن ينبغي أن يعلم أن الأفضل للإنسان أن يجعل الأعمال الصالحة لنفسه وأن يخص من شاء من المسلمين بالدعاء له لأن هذا هو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله إذا مات الإنسان انقطع علمه إلا من ثلاثة ألا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له
************************************************** ***************
السؤال: هذه رسالة وصلت من السودان من آدم علي يقول حاج متمتع أحرم من المكان الزماني للإحرام وبعد أداء العمرة قام بزيارة المسجد النبوي وقبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وفي العودة ما بين المدينة ومكة رجع بآبار علي وهو وهي ما بين المدينة ومكة وهو ما بين المدينة ومكة وتعتبر مكان إحرام لمن يخرج من المدينة في أيام الإحرام ولم يحرم منه على كونه سيحرم من مكة لأنه متمتع ما الحكم في عدم إحرامه بمروره بالآبار هل عليه هدي علماً بأنه متمتع وسيذبح هدي وسيذبح هدي في أيام التشريق بمنى على كونه متمتع
الجواب
الشيخ: رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت وقال (هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة) فإذا مررت بميقات وأنت تريد الحج أو العمرة فإن الواجب عليك أن تحرم منه وأن لا تتجاوزه وبناء على هذا فإن المشروع في حق هذا الرجل أن يحرم من أبيار علي أي من ذو الحليفة حين رجع من المدينة لأنه راجع بنية الحج فيكون مار بميقات وهو يريد الحج فيلزمه الإحرام فإذا لم يفعل فالمعروف عند أهل العلم أنه من ترك واجباً من واجبات الحج فعليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء نعم
************************************************** ***************
السؤال: هذا المستمع سوداني يقول من حج وعليه دين
الجواب
الشيخ: حج من عليه الدين صحيح ولكن لا يجب الحج على من عليه دين حتى يؤدي دينه لأنه الله تعالى يقول (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) والمدين الذي ليس عنده مال لا يستطيع الوصول إلى البيت فيبدأ أولاًَ بقضاء الدين ثم يحج و العجب أن بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية يذهبون إلى العمرة أو إلى الحج تطوعاً من غير فريضة وهم مدينون في ذمتهم ديون وإذا سألتهم لما تأتون بالعمرة أو الحج وأنتم مدينون قالوا لأن الدين كثير وهذا جواب غير سديد لأن القليل مع القليل يكون كثيراً وإذا قدر أنك تَعْتَمِر بخمسمائة ريال فهذه الخمسمائة أبقيها عندك لتوفي بها شيئاًَ من دينك ومعلوم أن من أوفى من المليون ريالاً واحداً فإنه يسقط عنه ويكون عليه مليوناً إلا ريالاً وهذه فائدة يستفيد بها فنصيحتي لأخواني الذين عليهم ديون أن لا يأتوا لتطوع من حج أو عمرة لأن قضاء الواجب أهم من فعل مستحب بل حتى من لم يؤدي الفريضة من حج وعمرة لا يجب أن يؤدي الفريضة وعليه دين لأن الدين سابق ولا يجب الحج أو العمرة إلا بعد
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/117)
قضاء الديون نعم
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم مستمع من الخبر م. ح. م. المملكة العربية يقول كلفت من يحج عن والدتي المتوفاة وسمعت أن الشخص الذي أعطيته مبلغاً من المال قد أخذ مبالغ أخرى ليحج عن أناسٍ آخرين ما حكم ذلك فضيلة الشيخ وهل تعد هذه حجة كاملة أم عليّ أن أحج بدلاً عنها أفتونا مأجورين؟
الجواب
الشيخ: الذي ينبغي للإنسان أن يكون حازماً في تصرفه وأن لا يكل الأمر إلا إلى شخصٍ يطمئن إليه في دينه بأن يكون أميناً عالماً بما يحتاج إليه في مثل ذلك العمل الذي أوكل إليه فإذا أردت أن تعطي شخصاً ليحج عن أبيك المتوفى أو عن أمك فعليك أن تختار من الناس من تثق به في علمه ودينه وذلك لأن كثيراً من الناس عنده جهلٌ عظيم في أحكام الحج فلا يؤدون الحج على ما ينبغي وإن كانوا هم في أنفسهم أمناء ولكن يظنون أن هذا هو الواجب عليهم وهم مخطئون كثيراً ومثل هؤلاء لا ينبغي أن يعطوا إنابةً في الحج لقصور علمهم ومن الناس من يكون عنده علم لكن ليس عنده أمانة فتجده لا يهتم بما يقوله ويفعله في مناسك الحج لضعف أمانته ودينه ومثل هذا أيضاً لا ينبغي أن يعطى أو أن يوكل إليه أداء الحج فعلى من أراد أن ينيب شخصاً في الحج عنه أن يختار من أفضل من يجده علماً وأمانة حتى يؤدي ما طلب منه على الوجه الأكمل وهذا الرجل الذي ذكره السائل أن الذي أعطاه ليحج عن والدته وسمع فيما بعد أنه أخذ حجاتٍ أخرى لغيره ينظر فلعل هذا الرجل أخذ هذه الحجات من غيره وأقام أناساً يؤدونها وقام هو بأداء الحج عن الذي استنابه ولكن هل يجوز للإنسان أن يفعل هذا الفعل أي هل يجوز للإنسان أن يتوكل عن أشخاصٍ متعددين في الحج أو في العمرة ثم لا يباشر هو بنفسه ذلك بل يكله إلى أناسٍ آخرين نقول إن ذلك لا يجوز ولا يحل وهو من أكل المال بالباطل فإن كثيراً من الناس يتاجرون بهذا الأمر تجدهم يأخذون عدةً من الحجج والعمر على أنهم هم الذين سيقومون بها ولكنه يكلها إلى فلانٍ وفلانٍ من الناس بأقل مما أخذ هو فيكسب أموالاً بالباطل ويعطي أشخاصاً قد لا يرضونهم من أعطوه هذه الحجج أو العمر فعلى المرء أن يتقي الله عز وجل في إخوانه وفي نفسه لأنه إذا أخذ هذا الباطل لأنه إذا أخذ مثل هذا المال فقد أخذه بغير حق ولأنه إذا أؤتمن من قبل إخوانه على أنه هو الذي يؤدي الحج فإنه لا يجوز له أن يكل ذلك إلى غيره لأن هذا الغير قد لا يرضاه من أعطاه هذه الحجج أو هذه العمر نعم
************************************************** ************** السؤال: يقول المستمع فهد أيضاً في هذا السؤال من أين تقص المرأة شعرها بعد فك الإحرام أهو من مؤخرة الضفيرة أم من مقدمة الرأس جزاكم الله خيرا؟
الجواب
الشيخ: تقص المرأة من رأسها إذا كانت محرمة بحجٍ أو عمرة من أطراف الشعر من أطراف الضفائر إن كانت قد ضفرته أي جدلته أو من أطرافه إذا لم تجدله من كل ناحية من الأمام ومن اليمين ومن الشمال ومن الخلف نعم
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم المستمع رأفت عبد البديع مصري يعمل في ضواحي حائل بعث برسالة يقول فيها تلقيت خطاب من بلدي بأن زوجتي ستحضر لأداء فريضة الحج وذهبت إلى جدة واستقبلتها في المطار على أمل أننا سنذهب إلى المدينة لزيارة المسجد النبوي والسلام على رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم ولكن المسئول عن ترتيب البعثة قال إن المدينة المنورة زيارتها بعد أداء مناسك الحج فأحرمنا من مكة وطفنا وسعينا؟
الجواب
الشيخ: مكة وإلا من جدة؟
السؤال: يقول فأحرمنا من مكة وطفنا وسعينا وأدينا شعائر الحج فهل حجنا صحيح أم أن علينا شيء من ناحية عدم إحرامنا من الميقات الصحيح نرجو الإفادة؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/118)
الشيخ: أما بالنسبة للحج فهو صحيح لأن الإنسان أتى بأركانه وأما بالنسبة لعدم الإحرام من الميقات فإنه إساءة ومحرم ولكنه لا يبطل به الحج ويجبر بفدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء هناك ولو أن هذا الرجل لما قدم جدة أو لما قدم قدمت زوجته جدة وقدم هو أيضاً جدة وأراد أن يذهب إلى المدينة ليحرما من ذي الحليفة من أبيار علي ثم لم يحصل ذلك لو أحرم من جدة لكان هذا هو الواجب عليه لكنه أساء حيث أحرم من مكة إن كان ما ذكر في السؤال صحيحاً وإن كان المقصود أنه أحرم من جدة فإنه ليس عليه دم لأنه أحرم من حيث أنشأ وقد ذكر الأخ السائل أن امرأته أتت من مصر إلى الحج وظاهر كلامه أنه ليس معها محرم وهذا حرامٌ عليها لا يحل لها لقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) فقام رجلٌ قال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أنطلق فحج مع امرأتك) فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدع الغزوة التي اكتتب فيها وأن يذهب مع زوجته ولم يستفصل هل كانت الزوجة آمنة أو غير آمنة وهل هي جميلة يخشى الفتنة منها أو بها أم لم تكن وهل معها نساء أم لم يكن وهذا دليلٌ على العموم وأنه لا يجوز للمرأة أن تسافر لا لحجٍ ولا لغيره إلا بمحرم وإذا لم تجد المرأة محرماً لتهنأها السلامة فإنه لا يجب عليها الحج حينئذٍ لقول الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وهي إذا لم تجد محرماً لا تستطيع الوصول إلى البيت لأنها ممنوعةٌ شرعاً من السفر بدون محرم وحينئذٍ تكون معذورة في عدم الحج وليس عليها إثم نعم.
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم يا شيخ محمد هذه رسالة وصلت من المستمع أ. أ. ع. من العراق بعث برسالة يقول فيها توفي والدي منذ ما يقارب من عشرين عاما ولم يؤدِ فريضة الحج وخلف تركة بسيطة تضاءلت كثيراً عندما قسمت بين الورثة وأخي يريد أن يحج عنه مع إن الإمكانيات المادية له ضعيفة جداً ولديه بيت وزوجة وأولاد وقلت له لا يجب عليك أن تحج عنه لأنك غير قادر فهل كلامي هذا صحيح أم أن علي إثمٌ في ذلك علماً بأنني أنوي أن أحج عنه عندما تتحسن ظروفي المادية؟
الجواب
الشيخ: نعم إذا كان أبوك في حياته لا يستطيع الحج لكون المال الذي في يده لا يكفيه أو لا يزيد على مئونته وقضاء ديونه فإن الحج لا يجب عليه وذمته بريئةٌ منه قال الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وأما إذا كان أبوك يمكنه أن يحج في حال حياته لأن عنده دراهم زائدة عن حاجاته وقضاء ديونه فإن الواجب عليكم أن تحجوا عنه من تركته لأن الحج يكون ديناً في ذمته مقدماً على الوصية والإرث لقول الله تعالى في آية المواريث (من بعد وصيةٍ يوصى بها أو دين) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالدين قبل الوصية وأما إذا أراد أحدٌ منكم أن يحج عنه تطوعاً فلا حرج في ذلك لكن لا يكون هذا على حساب نفقته ونفقة أولاده فإذا كان المال الذي بيده قليلاً لا يزيد عن حاجاته فإنه لا ينبغي له أن يحج عن والده لأنه لو كان هو نفسه لم يحج لم يجب عليه حج فيكف يحج عن غيره ويمكنكم إذا أردتم نفع أبيكم أن تستغفروا له وأن تدعوا له بالرحمة والرضوان فإن ذلك ينفعه إذا تقبل الله منكم
************************************************** ***************
السؤال: طيب بارك الله فيكم هذا مستمع للبرنامج محمد السيد يقول في سؤاله أنه يعمل في مدينة الرياض وسافر إلى مدينة جدة يوم الخميس مساءً ثم في صباح يوم الجمعة أحرم من جدة وذهب إلى مكة وقام بأداء مناسك العمرة مع العلم بأنه كان في نيته العمرة قبل خروجه من الرياض يقول قد أخبرني أحد الأخوان بأنه يجب علي الذبح لأنني كان من المفروض أن أحرم قبل خروجي أو في الطائرة طالما أن في نيتي العمرة قبل الخروج فهل فعلاً يجب علي الهدي أم لا أفيدونا جزاكم الله خيرا؟
الجواب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/119)
الشيخ: نعم إذا كان الإنسان قاصداً مكة يريد العمرة أو الحج فإن الواجب عليه أن لا يتجاوز الميقات حتى يحرم لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل اليمن من يلملم وذكر الحديث وهذا خبرٌ بمعنى الأمر وعلى هذا فإن ما فعلته من ترك الإحرام من الميقات ولم تحرم إلا من جدة فعلٌ غير صحيح والواجب عليك عند أهل العلم أن تذبح فدية في مكة وتوزعها على الفقراء أما لو كنت مسافراً إلى جدة وليس من نيتك أن تعتمر ولكن بعد أن وصلت إلى جدة طرأ عليك أن تعتمر فهنا أحرم من المكان الذي نويت فيه العمرة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين وقت المواقيت (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ) حتى أهل مكة من مكة ولكن كيف يكون الإحرام في الطائرة الإحرام في الطائرة أن يغتسل الإنسان في بيته ويلبس ثياب الإحرام وإذا حاذى الميقات وهو في الجو لبى وأحرم أي دخل في النسك وإذا كان يحب أن لا يلبس ثياب الإحرام إلا بعد الدخول في الطائرة فلا حرج المهم أن لا تحاذي الطائرة الميقات إلا وقد تهيأ واستتم ولم يبقَ عليه إلا النية والمعروف أن قائد الطائرة إذا قارب الميقات ينبه الركاب بأنه بقي على الميقات كذا وكذا ليكونوا متهيئين نعم
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم لعلكم تحدثون المستمعين يا فضيلة الشيخ عن أفضل المناسك؟
الجواب
الشيخ: أفضل المناسك التمتع وهو أن يأتي الحاج بالعمر أولاً ويتحلل منها ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه به وقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولا أحللت معكم، ولأن التمتع يجمع بين نسكين مع تمام أفعالهما فإن المتمتع يأتي بالعمرة كاملة وبالحج كاملاً ولهذا كان القول الراجح الذي عليه جمهور أهل العلم أن على المتمتع طواف وسعي للعمرة وطواف وسعي للحج كما جاء ذلك في حديث ابن عباس وعائشة رضى الله عنهما ولأن التمتع يحصل به متعة للحاج وكيف تهون عليه لأنه بين العمرة والحج يتحلل تحللاً كاملاً ويتمتع بما أحل الله له من محظورات الإحرام التي لو بقي على إحرامه لكان ممنوعاً منها هذا إن لم يكن ساق الهدي، فإن كان الناسك قد ساق الهدي فإنه لا يأتي بالتمتع ويكون قارناً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لأن من ساق الهدي لا يمكنه أن يحل حتى يبلغ الهدي محله كما قال الله تعالى (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام إني سقت الهدي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر، نعم.
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم في حديث ضباعة بنت الزبير عندما قالت للرسول صلى الله عليه وسلم أريد الحج وأنا شاكية فقال لها حجي واشترطي؟
الجواب
الشيخ: والمعنى أنها تقول إن حبسني حابس أي منعني مانع من إتمام النسك فإنني أحل وقت وجود ذلك المانع، وإنما أرشدها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإشتراط لأنها كانت تخاف ألا تتم النسك من أجل المرض فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تشترط، وأما من لم يكن خائفاً من إتمام النسك فإنه لا يشترط لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا اشترطوا عند الإحرام هذا الشرط ولهذا كان القول الراجح أن الإشتراط ليس بمستحب ولا مشروع إلا لمن كان خائفاً من عدم إتمام نسكه، وهذا القول هو القول الذي يجمع بين الأدلة، وأما من نفى الإشتراط مطلقاً أو أثبت الإشتراط مطلقاً فإنه لابد أن يقع في مخالفة لبعض النصوص، يقول بعض الناس إننا في هذا الزمن خائفون بكل حال لكثرة حوادث السيارات وجوابنا عن هذا أن حوادث السيارات بالنسبة لكثرتها ليس بشيء فإن السيارات تكون عشرات الآلاف وإذا حصل من عشرات الآلاف حادثة أو حادثتان أو عشر أو عشرون حادثة فليست بشيء والحوادث كائنة حتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه صح من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أن رجل وقصته راحلته يوم عرفة فمات وهذا حادث وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فالمهم أن الحوادث محتملة حتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يرشد الأمة إلى الإشتراط إلا لمن كان خائفاً
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/120)
************************************************** ***************
السؤال: شكر الله لكم فضيلة الشيخ، المستمع عاطف محمد مصري يعمل باليمن في سؤاله الثاني يقول رجل يريد أن يحج ولم يتزوج فأيهما يقدم؟
الجواب
الشيخ: يقدم النكاح إذا كان يخشى المشقة في تأخيره مثل أن يكون شاباً شديد الشهوة ويخشى على نفسه المشقة فيما لو تأخر زواجه فهنا يقدم النكاح على الحج، أما إذا كان عادياً ولا يشق عليه الصبر فإنه يقدم الحج هذا إذا كان حج فريضة، أما إذا كان الحج تطوعاً فإنه يقدم النكاح بكل حال، ما دام عنده شهوة وإن كان لا يشق عليه تأجيله وذلك لأن النكاح مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة كما صرح بذلك أهل العلم، نعم
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم، هذه رسالة وصلت من عزت جودة مصري الجنسية مقيم بالمملكة يقول فضيلة الشيخ رجل أعطاني جمرات في اليوم الثاني عشر لكي أرمي بدلاً عنه بحجة أنه مسافر والمسافة بعيدة ولعلمكم بأنه ليس مريض فما حكم الشرع في نظركم في هذا العمل؟
الجواب
الشيخ: نَظَرُنا أن هذا العمل لا يجزئه لأنه ترك واجباً من واجبات الحج وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله، ومن وكّل غيره بذلك فإنه لم يقم بذكر الله في هذه الجمرات وعلى هذا فإن رمي هذا الوكيل لا يجزيء عن موكله، والواجب على موكله الآن أن يستغفر الله ويتوب إليه مما صنع وأن يذبح فدية توزع على الفقراء في مكة، يذبح فدية في مكة توزع على الفقراء هناك لأنه ترك واجباً من واجبات الحج وقد قال أهل العلم إن الإنسان إذا ترك واجباً من واجبات الحج وجبت عليه فدية تذبح في مكة وتوزع جميعها على الفقراء هناك، وليعلم أن الحج عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه وأن الإنسان نفسه مكلف بها وبإتمامها كما قال الله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) فالواجب على من شرع في حج أو عمرة أن يتمها بنفسه ولا يجوز أن يوكِّل فيها لا في الطواف ولا في السعي ولا في المبيت ولا في الرمي ولا في الوقوف بعرفة لابد أن تباشر أنت بنفسك هذه الأعمال، ولو لا أن الصحابة كانوا يرمون عن الصبيان لقلنا إن من عجز عن رمي الجمرات فإنه لا يستنيب أحداً لأنها عبادة متعلقة ببدن الفاعل فإن قدر فذاك وإن لم يقدر سقطت عنه فإن كان لها بدل أتى ببدلها وإن لم يكن لها بدل سقطت بالكلية، وأما تهاون بعض الناس اليوم في التوكيل في رمي الجمرات فإنه يدل على أحد أمرين إما على نقص في العلم أو على ضعف في الدين وأما من كان عنده علم بشريعة الله فإنه يتبين له أن رمي الجمرات كغيرها من واجبات الحج لابد أن يقوم الإنسان به بنفسه ولا يجوز أن يوكل غيره فإن الله تعالى قال (وأتموا الحج والعمرة لله) والإتمام يشمل إتمام جميع أعمالهما، فإن قال قائل إذا كان معي نساء فإن النساء ضعيفات لا يستطعن مقاومة هذا الزحام الشديد الذي قد يحصل به الموت أحياناً وذلك لغشم الناس وعدم معرفتهم بما ينبغي أن يكونوا عليه في هذه المناسك من الرفق والرحمة بإخوانهم فإذا ذهبنا بالنساء للرمي سار عليهن المشقة وربما يحصل عليهن ضرر فالجواب عن هذا أن نقول إن هذا الزحام ليس دائماً بل هذا الزحام يكون عند ابتداء وقت الرمي في الغالب ثم يخف الناس شيئاً فشيئاً فانتظر وقت خفة الناس ولو أن ترمي في الليل فإن الرمي في الليل جائز ولاسيما عند هذا الزحام الشديد، ولا يجوز أن يوكل النساء من يرمي عنهن من أجل الزحام ولهذا أذن النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل ليرموا الجمرات قبل زحمة الناس فأمرهم أن يقتطعوا جزءاً من المبيت في مزدلفة مع أن المبيت بمزدلفة من شعائر الله ومن المشاعر العظيمة قال الله تعالى (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) ومع هذا أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يقتطعوا جزءاً من هذه العبادة من أجل أن يسلموا من الزحام ولم يقل صلى الله عليه وسلم اجلسوا لا تجهروا إلا معنا ووكلوا من يرمي عنكم، ولو كان هناك مسار للتوكيل لكان التوكيل أهون من أن يقتطعوا جزءاً من المبيت في مزدلفة ورخص لهم أن يتقدموا وأن يرموا قبل الوقت الذي رمى فيه، والصحيح أنه يجوز أن يرموا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/121)
ولو قبل الفجر متى أبيح لهم الدفع من مزدلفة أبيح لهم الرمي متى وصولوا إلى منى لأن رمي الجمرات تحية منى، وكذلك الرعاة أذِنَ لهم الرسول عليه الصلاة والسلام أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً ولم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمى عنهم في اليوم الذي هم فيه غائبون عن منى فلهذا يجب على المسلم أن يتقي الله في نفسه وأن يؤدي أفعال النسك بنفسه إلا ما عجز عنه وورد فيه التوكيل، نعم
************************************************** ***************
السؤال: في سؤاله الأخير يقول بعد السعي للعمرة قمت بقص شعرات من رأسي هل يصح ذلك أو يكون التقصير للشعر كله؟
الجواب
الشيخ: الواجب أن يكون التقصير للشعر كله لا في العمرة ولا في الحج بأن يكون التقصير شاملاً لجميع الرأس لا لكل شعرة بعينها، وما يفعله بعض الناس من كونه يقص عند المروة شعرات إما ثلاث أو أربعاً فإن ذلك لا يجزئ لأن الله تعالى قال محلقين رؤوسكم ومقصرين، ومعلوم أن أخذ شعرات ثلاث أو أربع من الرأس لا يترك فيه أبداً أثر التقصير ولا كأن الرجل قصّر فلابد من تقصير يظهر له أثر على الرأس وهذا لا يمكن إلا إذا عم التقصير جميع الرأس وتبين أثره وعليه فالذي أرى أن من الأحوط لك أن تذبح فديه في مكة توزع على الفقراء هناك لأنك تركت واجباً وهو التقصير وقد ذكر أهل العلم أن ترك الواجب فيه فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء هنالك، نعم
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم هذه مستمعة أختكم في الله من المغرب مقيمة في المملكة العربية السعودية تقول أطلب منكم أن تجيبوا على سؤالي تقول أنا أخت ملتزمة بدين الله ومتحجبة وأريد الحج إلى بيت الله الحرام وأعرف أنه لا يجوز لي الحج بدون محرم وأنا لا يوجد معي محرم فهل أذهب إلى الحج وحدي فأنا متشوقة إلى مكة المكرمة ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
الشيخ: لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم لا للحج ولا لغير الحج وهي إذا تخلفت عن الحج لعدم وجود محرم لها فليس عليها إثم ويدل لهذا أي لكون المرأة لا تسافر بدون محرم لا للحج ولا غيره ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال (سمعت النبي يخطب يقول لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم انطلق فحجّ مع امرأتك) مع أن هذه المرأة خرجت للحج ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أن يحج معها وأنت لا تتعبي نفسك وضميرك أقول ذلك للسائلة فإنك إذا بقيت من اجل عدم المحرم فقد تركت الحج بأمر الله عز وجل لأن السفر بدون محرم قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالاقامة من أجل عدم المحرم تكون استجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
************************************************** ***************
السؤال: هل يصح حج من عليه دين وخصوصاً إذا كان الدين بمبلغ كبير أي لا يستطيع القضاء إلا بعد فترة زمنية طويلة ولا يستطيع تحديدها؟
الجواب
الشيخ: حج من عليه دين صحيح ولكنه آثم إذا حج وعليه دين لأن الدين يجب قضاؤه والحج ليس واجباً عليه فيما إذا كان عليه دين لأن الله تعالى اشترط في الحج الاستطاعة فقال (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ومن عليه دين فإنه لا يستطيع أن يحج إذاكان حجه يحتاج إلى مال أما إذا كان حجه لا يحتاج إلى مال كرجل في مكة يستطيع أن يحج على قدميه بدون أن يخسر شيئاً من المال ففي هذا الحال يجب عليه الحج وليس آثماً فيه لأن ذلك لا يضر غرماءه شيئاً فيفرق بين رجل حج أو بين رجل يحج بلا نفقة لكونه من أهل مكة ويستطيع الحج على قدميه وشخص آخر لا يستطيع أن يحج إلا بمال فالأول له أن يحج ولو كان عليه دين بل يجب عليه الحج إذا لم يكن أدى الفريضة وأما الثاني فلا يلزمه الحج ولا يحل له أن يحج وعليه دين لأن الدين قضاء واجب والحج في حال ثبوت الدين على الإنسان ليس بواجب نعم
************************************************** **************
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/122)
السؤال: بارك الله فيكم المستمع للبرنامج رمز لاسمه بـ علي. أ. أ. يقول ما حكم التوكيل في رمي الجمرات في الحج فيقوم بعض كبار السن والنساء الكبيرات في السن بتوكيلنا نحن الشباب فنقوم بالرمي عنهم هل يجوز لنا هذا؟
الجواب
الشيخ: نقول إن رمي الجمرات نسك من مناسك الحج يجب على الحاج أن يفعله بنفسه لقول الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه) فكما أن الإنسان لا يوكل أحداً يبيت عنه في مزدلفه أو يطوف عنه أو يسعى عنه أو يقف عنه بمعرفة فكذلك لا يجوز أن يوكل عنه من يرمي عنه ولكن إذا كان الحاج لا يستطيع أن يرمي لضعف في بدنه أو لكونه كبيراً لا يستطيع أو أعمى يشق عليه الذهاب إلى رمي الجمرة مشقة شديدة أو امرأة حاملاً تخشى على نفسها وعلى ما في بطنها ففي هذه الحال يجوز التوكيل للضرورة ولولا أنه روي عن الصحابة ما يدل على ذلك من كونهم يرمون عن الصبيان لقلنا إن من عجز عن الرمي سقط عنه كغيره من الواجبات ولكن نظراً إلى أنه ورد عن الصحابة إنهم كانوا يرمون عن الصبيان لعجز الصبيان عن الرمي بأنفسهم فإننا نقول وكذلك من كان شبيهاً بهم لكونه عاجزاً عن الرمي بنفسه فإنه يجوز أن يوكل ولكن هنا مسألة وهي أن بعض الناس لا يستطيع الرمي في حال الزحام ولكنه لو كان المرمى خفيفاً لاستطاع أن يرمي فنقول لهذا لا يجوز لك أن توكل في هذه الحال بل انتظر حتى يخف الزحام فترمي إما في آخر النهار وإما في الليل لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الرمي في الليل للنهار الفائت لا بأس به فيمكن للإنسان أن يرمي في اليوم الحادي عشر بعد غروب الشمس أو بعد صلاة العشاء وفي هذا الوقت سيجد المرمى خفيفاً يتمكن من أن يرمي بنفسه نعم
************************************************** **************
السؤال: بارك الله فيكم من الأردن المستمع الكريم يقول في سؤال له ما هي أفضل النسك بالنسبة للحاج والذي يريد أن يحج لأول مرة بالتفصيل بارك الله فيكم؟
الجواب
الشيخ: أفضل نسك للحاج أن يحرم بالعمرة أولاً من الميقات ثم إذا وصل إلى مكة طاف وسعى وقصر ثم لبس ثيابه وحل من احرامه احلالاً تاماً فإذا كان اليوم الثامن أحرم بالحج إذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج وخرج إلى منى وبات بها ليلة التاسع فإذا كان يوم التاسع ذهب إلى عرفة ووقف بها إلى أن تغرب الشمس ثم يدفع منها إلى مزدلفة ويبيت بها ثم يدفع منها قبل أن تطلع الشمس إذا أسفر جداً فيرمي جمرة العقبة ثم ينحر هديه ثم يحلق رأسه ثم ينزل إلى مكة فيطوف ويسعى ثم يرجع إلى منى فيبيت بها الليلة الحادي عشر والليلة الثانية عشر ويرمي في هذين اليومين بعد الزوال الجمرات الثلاثة كلها يبدأ بالأولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة ثم إن شاء تعجل فخرج وإن شاء بقي إلى اليوم الثالث عشر وإذا أراد أن يرجع إلى بلده فإنه لا يخرج حتى يطوف للوداع هذا أفضل الأنساك ويسمى عند أهل العلم التمتع لأن الرجل تمتع بين العمرة والحج بما كان حراماً على المحرم حيث إنه أحل من إحرامه وتمتع بما أحل الله له فهذا هو أفضل الأنساك فينبغي للحاج سواء كان حجه أول مرة أو فيما بعدها ينبغي له أن يحرم على الوجه الذي ذكرناه وهو التمتع لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يسق الهدي من أصحابه به وقال (افعلوا ما أمرتكم به).
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم سؤاله الثاني يقول من سافر بالطائرة من الرياض إلى جدة بنية العمرة لكنه لم يحرم ولما وصل المطار ذهب إلى السيل الكبير وأحرم منه هل عمله صحيح؟
الجواب
الشيخ: إذا سافر من الرياض إلى جدة بالطائرة فإن أقرب ميقات تمر به الطائرة هو السيل الكبير فيجب عليه أن يحرم من السيل الكبير إذا حاذاه في الجو وعلى هذا يكون متأهباً فيغتسل في بيته ويلبس ثياب الاحرام فإذا قارب الميقات بنحو خمس دقائق فليكن على أتم تأهب وليلبي بالعمرة فإن لم يفعل فمن الواجب عليه إذا هبط المطار في جدة أن يذهب إلى السيل الكبير ويحرم منه وفي هذا الحال لا يكون عليه شيء لأنه أدى ما يجب عليه وهو الاحرام من الميقات نعم
************************************************** **************
السؤال: بارك الله فيكم يكون في السؤال الآخر والدي أدى معنى فريضة الحج ونظراً لتعبه وكبر سنه لم يكمل طواف الشوط الأخير من طواف الوداع فقد طاف ستة أشواط فقط فما الحكم؟
الجواب
الشيخ: الطواف لابد أن يكون سبعة أشواط يبتدئ بها من الحجر وينتهي بها إلى الحجر فإن نقص شوطاً واحداً أو خطوة واحدة لم يصح الطواف لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس علينا أمرنا فهو رد) وبناء على ذلك فإن طواف أبيك للوداع الذي نقص فيه شوطاً واحداً لم يصح فيكون كتاركه وطواف الوداع على القول الراجح من أقوال أهل العلم واجب والقاعدة عند العلماء أن ترك الواجب فيه فدية شاة انثى من الضأن أو ذكر من الضان أو انثى من الماعز أو ذكر من الماعز تذبح في مكة وتوزع على الفقراء وعليه فأبلغ أباك بأن عليه هذا ثم لا بأس أن يوكلك في القيام به
************************************************** **************
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/123)
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[21 - 10 - 07, 06:17 م]ـ
السؤال: فضيلة الشيخ هذه المستمعة أختكم ن. ن. من المزاحمية تقول لقد حججت أكثر من مرة وكنت مرتدية الحجاب الشرعي الكامل إلا إنني لم ألبس قفازين وذلك لعلمي بأنه من محظورات الإحرام علي وذلك وأنا محرمة وإنما اخفيت اليدين داخل العباءة وغطيت وجهي كاملاً فهل في تغطية وجهي محظور أرجو إفادة مأجورين؟
الجواب
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين لبس القفازين في حال الإحرام نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من محظورات الإحرام كما قالت السائلة وأما تغطية الوجه فالمشروع في حق المحرمة أن تكشفه إلا إذا كان حولها رجال غير محارم لها ففي هذه الحال يجب عليها أن تغطيه كما حكت ذلك عائشة رضي الله عنها أنهم كانوا إذا مر بهم ركبان وحاذوهم فإنهن يغطين وجوههن فإذا جاوزهن كشفن وجوههن وليس على المرأة حرج فيما لو مس حجابها وجهها خلافاً لقول بعض أهل العلم الذين يقولون لا بد أن يكون الحجاب غير مماس لوجهها لأن هذا الشرط ليس له دليل من السنة.
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم هذا مستمع سوداني إبراهيم مقيم في السعودية يقول والدي في السودان كبير السن لكنه يستطيع الحركة قريباً مثل يذهب إلى المسجد ويذهب إلى البيوت القريبة لكنه لا يستطيع العمل لكبر سنه وبه مرض يلازمه سنين طويلة إذا استطاع المجيء إلى الحج يمكن أن يؤدي الطواف والسعي ولكن يا فضيلة الشيخ ليس له مال وأنا من هنا لا أستطيع أن أرسل له المبلغ الذي يأتي به وهو يكلف ما يقارب من ثمانية عشر ألف جنية سوداني فهل يجوز لي أن أحج عنه أفتوني بذلك مأجورين؟
الجواب
الشيخ: إن والدك إذا كان على الحال التي وصفت يعني ليس عنده مال فإنه لا يلزمه الحج ولو مات. مات غير عاصٍ لله ولو مات. مات وهو قد كمل دينه لأن الله تعالى اشترط لوجوب الحج الاستطاعة فقال تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ومن ليس عنده مال فإنه لا يستطيع الحج وإذا لم يستطع الحج فلا حج عليه فاطمئن على والدك ولا تخف عليه ولا تقلق لأن عدم حجه لأن الحج ليس واجباً في حقه
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم مستمعة للبرنامج رمزت لاسمها بـ ع. ص. ج. الثقبة المملكة العربية السعودية تقول لقد حججت مع زوجي عام 1409هـ وبعد ما رمينا الجمرات يوم الثاني عشر توجهنا إلى مدينة جدة وفي اليوم التالي صلينا الظهر ثم اتجهنا إلى مكة لكي نطوف طواف الوداع ومن ثم نتجه إلى مكان إقامتنا ولكن قبل أن نغادر جدة صافحني بعض الرجال الأجانب ولم أستطع أن أجدد وضوئي وطفت بالبيت طواف الوداع وأنا على هذه الحالة فما حكم طوافي هذا وماذا يترتب عليّ من ذلك وإن كان هناك من كفارة فهل يجوز لي أن أرسل بقيمتها إلى المجاهدين أم لا؟
الجواب
الشيخ: أقول إن خروج هذه المرأة وزجها إلى جدة قبل طواف الوداع ينظر فيه فهل جدة هي مكان إقامتهم إن كانت جدة مكان إقامتهم فإن خرجوهم من مكة إليها قبل طواف الوداع محرم ولا ينفعهم الرجوع بعد ذلك والطواف بل عليهم الفدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء على كل واحد منهم شاة تذبح في مكة وتوزع على الفقراء هذا إذا كانت جدة مكان إقامتهم أما إذا لم تكن مكان إقامتهم ولكنهم خرجوا إليها لحاجة على أن من نيتهم أن يعودوا إلى مكة ويطوفوا للوداع ويخرجوا إلى مكان إقامتهم فإنه لا شيء عليهم وأما ما ذكرت من أنها سلمت على بعض الرجال قبل الطواف ثم طافت بعد ذلك بدون وضوء فإن ذلك لا يضر بالنسبة للطواف لأن مس المرأة للرجل أو مس الرجل للمرأة لا ينقض الوضوء حتى وإن كان بشهوة على القول الراجح ولكنّ مصافحتها للرجال الأجانب حرام عليها ولا يحل لها أن تكشف وجهها ولا أن تسلم على الرجال الأجانب ولو كانت كفاها مستورتين بقفاز أو غيره والواجب عليها أن تتوب إلى الله مما صنعت من مصافحة الرجال الأجانب وألا تعود لمثل ذلك وهنا أنبه على مسألة خطيرة في هذا الباب وهي أن بعض الناس اعتادوا على أن يسلم أخو الزوج على زوجته أي على زوج أخيه أو يسلم على ابنة عمته
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/124)
مصافحة وهذه العادة عادة سيئة محرمة ولا يحل لامرأة أن تسلم على رجل ليس من محارمها أبداً ولو كان ابن عمها أو ابن خالها أو ابن عمتها أو ابن خالتها أو أخا زوجها أو زوج أختها كل هذا حرام ولا يجوز والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم قد يقول قائل أنا أسلم عليها وأنا برئ وأنا واثق من نفسي ألا تتحرك شهوتي وألا أتمتع بمسها فنقول له ولو كان الأمر كذلك لأن هذه المسألة حساسة جداً والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ولهذا جاء في الحديث لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما وما ظنك بأن الشيطان يكون ثالثهما كذلك أيضاً إذا مس الرجل المرأة فإن الشيطان سوف يجعل في نفسه حركات وإن كان بعيداً منها لكن هو على خطر ولهذا أحذر من أن تصافح المرأة من ليس من محارمها قد يقول قائل أنا لو تجنبت هذا ومدت إليّ يدها فقلت هذا لا يجوز لأثر ذلك على العلاقة بيني وبينها أو بيني وبين أبيها إن كانت بنت عمي أو بينها وبين أخي إن كانت زوجته أو ما أشبه ذلك فأقول له (أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه) ولقد قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق (وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) وإذا كان أقاربك من أخ أو عم أو أي أحد يجدون في أنفسهم عليك إذا أنت فعلت الحق أو تجنبت الباطل فليكن ذلك فليكن ذلك فإنه لا إثم عليك وإنما الإثم عليهم الإثم عليهم من وجهين الوجه الأول أنهم وجدوا عليك في أنفسهم وهم من أقاربك والوجه الثاني إنهم وجدوا عليك لأنك فعلت ما تقتضيه الشريعة وأي إنسان يكره شخصاً فعل ما تقتضيه الشريعة بل الذي ينبغي أن ما فعل ما تقتضيه الشريعة ولا سيما مع مخالفة العادات الذي ينبغي أن يجّل هذا الرجل وأن يعظمه ويكرمه وأن يكون له في قلوبنا منزلة أرقى وأعلى من منزلته السابقة
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم فضيلة الشيخ إذا طاف الإنسان أربعة أشواط ثم قطع الطواف من أجل الصلاة والزحام ثم أتمه بعد ذلك بعد خمس وعشرين دقيقة من الفصل فما حكم هذا الطواف.
الجواب
الشيخ: هذا الطواف قد أنقطع بطول الفصل بين أجزائه لأنه إذا قطعه لأجل الصلاة فإن المدة ستكون قليلة الصلاة لا تستغرق إلا عشر دقائق أو ربع ساعة أو نحو ذلك أما خمس وعشرون دقيقة فهذا فصل كثير يبطل بناء الأشواط بعضها على بعض وعلى هذا فليعد طوافه حتى يكون صحيحا لأن الطواف عبادة واحدة فلا يمكن أن تفرق أجزاءنا وأشلاء ينفصل بعضها عن بعض بمقدار حمس وعشرين دقيقة أو أكثر فالمولاة بين أشواط الطواف شرط شرط لابد منه لكن رخص بعض العلماء بمثل ما قلت صلاة الجنازة صلاة الفريضة التعب ثم يستريح قليلا ثم يواصل وما أشبه ذلك
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم هذا مستمع للبرنامج محمد إسماعيل من سوريا حلب ومقيم في الأردن ويقول فضيلة الشيخ كنت لا أعرف مكان الإحرام فأحرمت من مطار جدة مع العلم بأنني أقلعت من مطار دمشق فهل الإحرام أو على كفارة أفيدونا أفادكم الله
الجواب
الشيخ: المسافر على الطائرة إلى مكة يريد العمرة يجب عليه أن يحرم عند أول ميقات يحاذيه من فوق لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت المواقيت وقال (هن لهن ولمن آتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة) ولما سأل أهل العراق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يجعل لهم ميقات قال انظروا إلى حذوها يعني قرن المنازل من طريقكم فدل هذا الأثر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن محاذاة الميقات كالوصول إلى الميقات بالفعل وعل هذا فمن حاذى الميقات من فوق الطائرة فإنه يجب عليه الإحرام منه ولا يحل له أن يؤخر الإحرام حتى يصل إلى جدة فإن فعل فإن كان متعمدا فهو أثم وعليه الفدية شاة يذبحها في مكة و يوزعها على الفقراء وإن فعل ذلك جاهلا كما يفيده سؤال هذا السائل فإنه لا أثم عليه لأنه معذور بجهله لكن عليه الفدية جبرا لما نقص من إحرامه شاة يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء وعلى هذا فنقول للسائل يذبح فدية في مكة ويوزعها على الفقراء إما بنفسه إن ذهب إلى مكة أو بتوكيل غيره ممن هو في مكة أو قريب منها
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/125)
يذبحها عنه ويوزعها على الفقراء
************************************************** ***************
السؤال: المستمعة أم مريم من الكويت تذكر بأنهم أدوا فريضة الحج في العام الماضي مع ابنتها وزوجها وبعد الرجوع إلى البلد أخبرتهم البنت بان الدورة نزلت عليها وهي تطوف طواف الوداع ولم تخبرهم إلا بعد الرجوع إلى البيت فماذا يعملون
الجواب
الشيخ: المرأة الحائض لا تطوف بالبيت لقول النبي صلي الله عليه واله وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت قبل ان يصلوا إلى مكة قال افعلي ما يفعل الحاج غير ان لا تطوفي بالبيت و مما ذكر له أن صفية رضي الله عنها حاضت بعد فراغ الحج قال أحاجزتنا هي قالوا إنها قد افاضت قال انفروا وهذا يدل علي ان الحائض لا يمكن ان تطوف بالبيت لان الحائض ممنوعة من المكث في المسجد لا من المرور فيه وإذا كانت ممنوعة من المكث في المسجد فالطواف مكث في المسجد الحرام وان كان مكثا فيه حركة وعلي هذا فان هذه المرأة التي حاضت في اثنا طواف الوداع ولم تخبر أهلها ان احتاطت وذبحت فدية في مكة توزع للفقراء فهو خير وذلك لان طوافها بطل بحصول الحيض في أثنائه وان لم تفعل فأرجو ألا يكون عليها شيء لان هذه المرأة لو حاضت قبل ان تسعى بطواف الوداع سقط عنها طواف الوداع فإذا شرعت فيه وهي طاهر ثم حاضة في أثنائه فقد فعلت ما أوجب الله عليها وسقط عنها بقية الطواف بوجود الحيض فلا يتبين وجوب الفدية عليها ولكن ان فدت فهو خير و ان لم تفدي فلا شي عليها
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم هذه مستمعة للبرنامج المستمعة أم أحمد ومقيمة بالرياض تقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ لقد أحرمت بالعمرة وأديت مناسكها غير أن طفت بالبيت الحرام أكثر من سبع مرات لأنني كنت مشغولة بالدعاء ولا أستطيع حفظ العدد فكنت أعد من الأول في كل مرة وتقريبا طفت أكثر من عشرين مرة وقلت في نفسي أطوف أكثر خيرا لي فهل هذا يجوز وهل عمرتي صحيحة أم غير صحيحة نرجوا التوضيح يا فضيلة الشيخ؟
الجواب
الشيخ: الأولى بالمسلم و الأجدر به أن يكون مهتم بعبادته وأن يكون حاضر القلب فيها حتى لا يزيد فيها ولا ينقص ومن المعلوم أن المشروع في الطواف أن يكون سبعة أشواط فقط بدون زيادة ولا تنبغي الزيادة على سبعة أشواط ولكن إنه شك هل أتم سبع أو ست ولم يترجح عنده أنها سبع فإنه يأتي بواحدة أي بشوط واحد يكمل به الستة ولا ينبغي أن يزيد عن العدد الذي شرعه الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بل شرعه الله في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكون الإنسان يشتغل بالذكر والدعاء في الطواف لا يمنع أبدا أن يكون حاضرا حاضر القلب في عدد الطواف أي عدد أشواطه لكن لو فرض أن الإنسان حسب على سبعة أشواط فإن طوافه لا يبطل لانفصال كل شوط عن الأخر بخلاف الصلاة فإنه لو صلى الرباعية خمسا لم تصح صلاته لأنها جزء واحد فأنه من حين أن يكبر يدخل في تحريمة الصلاة إلى أن يسلم أما الطواف فإن كل شوط مستقل بنفسه وإن كان سبعة أشواط متوالية لكن إذا زاد ثمانية أو تسعة أو عشرة فإن ذلك لا يبطل الطواف
************************************************** ***************
السؤال: هذه سائلة رمزت لاسمها أ. أ تقول فضيلة الشيخ إذا كانت المرأة لا يوجد لها محرم ولم تؤدي فريضة الحج ويوجد نساء يردن الحج فهل تحج معهن ملتزمات وموثوقات جدا جدا أم يسقط عنها الحج في في هذه الحالة ارجوا من فضيلة الشيخ إجابة مأجورين
الجواب
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله و أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين الحج لا يجب على هذه المرأة التي لم تجد محرما لقول الله تبارك وتعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وهذه المرأة وان كانت مستطيعة استطاعة حسية فإنها غير مستطيعة استطاعة شرعية وذلك انه لا يحل للمرأة ان تسافر إلا مع ذي محرم لقول ابن عباس رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يخطب يقول لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل قال يا رسول الله ان امرأتي خرجت حاجة وأني اكتتب في غزوة كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم (انطلق فحج مع امرأتك) فأمره النبي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/126)
صلى الله عليه وسلم ان يدع الغزو وان ينطلق فيحج مع امرأته ولم يستفصل النبي صلى الله عليه والله وسلم في هذه الحال هل المرأة معها نساء ملتزمات وهل هي آمنة أو غير آمنة وهل هي شابة أو عجوز فلما لم يستفصل بل أمر هذا الرجل ان يدع الغزو ويذهب إلى ويذهب ليحج مع امرأته دل ذلك على العموم وانه لا يحل لامرأة ان تسافر للحج ولا لغيره أيضا إلا مع ذي محرم حتى وان كانت آمنة على نفسها وان كانت مع نساء وفي هذه الحال غير مستطيعة شرعا فلو توفيت ولاقت الله عز وجل فإنها لا تكون مسئولة عن هذا الحج لأنها معذورة لكن من العلماء من قال من المحرم شرطا لوجوب الحج وعلى هذا فلا يلزمها ان تستنيب من يحج عنها إذا كانت قادرة بمالها لان شرط الوجوب إذا انتفع يسقط مثل يسقط بانتفاء الوجوب ومن العلماء من قال ان المحرم شرط للزوم الأداء أي للزوم حجها بنفسها وبناء على هذا يلزمها إذا كان عندها مال ان تقيم من يحج عنها و إذا توفيت فانه يجب إخراج الحج عنها من تركتها على كل حال نقول لهذه السائلة اطمئني فأنتي ألآن لست آثمة إذا لم تحجي بل إذا حججتي فأنتي آثمة وإذا مت ليس في ذمتك في شي لأنك غير مستطيعة شرعا وكثير من الناس يكون مشتاق إلى الحج ومحبا للحج فيرتكب معه بعض المحرمات من أجل تحقيق رغبته وإرادته ومحبته وهذا غير صحيح بل الصحيح بل الصحيح والحق أن تتبع ما جاء من الشرع في هذه الأمور وما غيرها فإذا كان الله تعالى لم يلزمك بالحج فلا ينبغي ان تلزم نفسك بما لا يلزمك ومثال ذلك ان بعض الناس يكون في ذمته دين لأحد من ثمن للمبيع أو قيمة مثله أو إيجاره أو غير ذلك فتجده يذهب للحج وذمته مسؤولة بهذا الدين مع ان الحج في هذه الحال لا يجب عليه بل هو بمنزلة الفقير لا تجب عليه الزكاة فكذلك هذا الذي عليه الدين لا يجب عليه الحج ولا يكون آثما بتركه ولا مستحقا للعقاب إذا لاقى الله عز وجل لأنه معذور فوفاء الدين واجب والحج مع الدين ليس بواجب والعاقل لا يقوم بما ليس بواجب ويدع ما هو واجب لذلك نصيحتي لأخواني الذين عليهم ديون وليس ولم يحجوا من قبل نصيحتي لهم ان يدعوا الحج حتى يغنيهم الله عز وجل ويقضوا ديونهم ثم يحجوا نعم لو كان الدين مؤجلا وكان عند الإنسان مال وافر بحيث يضمن لنفسه انه كل ما حل قسط من هذا الدين فانه يقضيه فهذا إذا كان بيده مال عند حلول وقت الحج فانه يحج به ولا ولا باس بذلك
************************************************** ***************
السؤال: تمتعت بالعمرة إلى الحج ولم أذبح هدي ولم أصم فما رأيكم في هذا؟
الجواب
الشيخ: يقول السائل أنه متمتع بالعمرة إلى الحج ولم يهدي هدياً ولم يصم ولكن يجب أن نعلم ما هو التمتع بالعمرة إلى الحج الذي ينبني عليه وجوب الهدي التمتع بالعمرة إلى الحج أن يشرع الإنسان بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ويتحلل تحللا كاملا ثم يحرم بالحج من عامه ويكون عند إحرامه بالعمرة قد نوى أن يحج هذا هو المتمتع ويلزمه الهدي بشرط أن لا يرجع إلى بلده فإن رجع إلى بلده ثم أنشأ السفر إلى الحج وأحرم بالحج فقط فإنه يكون مفرداً لا متمتعاً والهدي الواجب هو ما يجزئ في الأضحية ويشترط له شروط الأول أن يكون من بهيمة الأنعام فلا يجزئ الهدي من غيرها لقول الله تعالى (ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) الثاني أن يكون بالغاً للسن المجزء وهو الثني من الإبل والبقر والمعز أو الجذع من الضأن لقول النبي صلي الله علية وسلم (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جدعة من الضأن) الثالث أن يكون سليم من العيوب المانعة للإجزاء وهي التي ذكرها النبي صلي الله عليه وسلم في قوله (أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والعجفاء يعني الهزيلة التي لا تنقي) والرابع أن يكون في الزمان الذي يذبح فيه الهدي وهو يوم العيد وثلاثة أيام بعده فلا يجزئ ذبح الهدي قبل يوم العيد لأن النبي صلي الله علية وسلم لم يذبح هديه إلا يوم العيد حين رمى جمرة العقبة والخامس أن يكون في الحرم أي داخل أميال الحرم إما في منى أو مزدلفة أو في مكة وكل طريق مكة وكل فجاج مكة طريق ومنحر فلا يجزئ أن يذبح في عرفة أو في غيرها من أماكن الحل وقد سمعنا إن بعض الناس ذبحوا هداياهم خارج الحرم إما في عرفة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/127)
أو في جهات أخرى ليست من الحرم وهذا لا يجزئ عند أكثر أهل العلم بل لا بد أن يكون الذبح في نفس الحرم أي داخل حدود الحرم فإذا ذبح في داخل حدود الحرم فلا بأس أن ينقل من لحمها إلى خارج الحل ويشترط لوجود الهدي على المتمتع أن لا يكون حاضري المسجد الإحرام فإن كان من حاضري المسجد الحرام فإنه ليس عليه هدي لقول الله تبارك وتعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ) أي ذلك الحكم ثابت لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرم والحكم المذكور هو وجوب الهدي أو بدله لمن عدمه وحاضرو المسجد الحرام هم أهل مكة أو الحرم أي هم من كانوا داخل حدود الحرم أو كانوا من أهل مكة ولو كانوا خارج حدود الحرم وإنما قلت أو كانوا من أهل مكة ولو كان خارج حدود الحرم لأن جهة التنعيم الآن قد صارت من مكة فإن الدور والمباني تعدت التنعيم الذي هو مبتدأ الحرم ومنتهى الحل وعلى هذا فمن كان من أهل التنعيم الذين هم خارج الحرم أومن وراءهم والبيوت متصلة لبيوت مكة فإنهم يعدون من حاضري المسجد الحرام ومن كان من الجهات الأخرى داخل حدود الحرم وغير متصل بمكة فإنه من حاضري المسجد الحرام أيضا فحاضرو المسجد الحرام إذن هم أهل مكة أو أهل الحرم فإن كان من حاضري المسجد الحرام فإنه ليس عليه هدي ولا صوم وهذا السائل يقول إنه حج متمتعا ولم يهدِ ولم يصم نقول له الآن عليك أن تتوب إلى الله فإن كنت من القادرين على الهدي في عام حجك وجب عليك أن تذبحه اليوم ولكن في مكة وإن كنت من غير القادرين على الهدي في عام حجك فعليك الصوم فصم الآن عشرة أيام ولو في بلدك
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم المستمع أخوكم في الله عبد الله محمد شيخ إبراهيم يقول فضيلة الشيخ السؤال الأول أين ميقات أهل أثيوبيا والصومال وما حكم من أتى منهما للعمرة ولغيرها بدون إحرام ثم أحرم بعد أيام وذهب إلى مكة مباشرة ماذا يجب عليه أن يفعل مأجورين؟
الجواب
الشيخ: ميقات أثيوبيا والصومال إذا جاءوا من جنوب جدة أن يحاذوا يلملم التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن وإن جاؤا من شمال جدة فميقاتهم الجحفة التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام وجعل الناس بدلا منها رابغ أما إذا جاءوا من بين ذلك قصدا إلى جدة فإن ميقاتهم جدة لأنهم يصلون إلى جدة قبل محاذاة الميقاتين المذكورين هذا إذا جاؤا للعمرة أو للحج أما من جاء للعمل وقد أدى فريضة العمرة والحج فله أن لا يحرم أصلا لأن الحج والعمرة لا يجبان إلا مرة واحدة في العمر فإذا أسقطهما الإنسان لم يجبا عليه مرة أخرى اللهم إلا بنذر ومن قدم للحج أو للعمرة ولم يحرم إلا بعد أن جاوز الميقاتين وهو قد مر بأحدهما فإن أهل العلم يقولون إن إحرامه صحيح ولكن عليه دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء لأنه ترك واجبا من واجبات الإحرام وهو كونه من الميقات فمن حصل له مثل ذلك فعليه ذبح الدم في مكة يوزع على الفقراء إن كان غنيا وإن كان فقيرا فليس عليه شيء لقول الله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم).
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم نفس المستمع يقول فضيلة الشيخ هناك رجال ونساء أحرموا للعمرة في ليلة السابع والعشرين من رمضان ثم عندما وصلوا الكعبة طافوا بالبيت ثم بدؤوا بالسعي ولكن لشدة الزحام في تلك الليلة خافوا على أنفسهم الخطر فخرجوا من المسعى بعد مرة أو مرتين من السعي ورجعوا إلى بيوتهم بدون إتمام السعي وبدون حلق أو تقصير طبعا العمرة ليست تامة ولكن هل عليهم شيء وماذا ينبغي لهم أن يفعلوا وجزاكم الله خيرا؟
الجواب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/128)
الشيخ: لاشك أن العمرة كما قال السائل لم تتم حيث إن سعيها لم يتم والواجب عليهم أن يعودوا محرمين إلى مكة ويكملوا السعي ولكنهم يبدءون به من الأول فيسعون سبعة أشواط ويحلقون أو يقصرون وما فعلوه من المحظورات قبل هذا فإنه لا شيء عليهم لأنهم جاهلون ولكنني آسف أن تمضي عليهم مدة وهم قد عملوا هذا العمل ويعلمون أن عمرتهم لم تتم ثم لم يسألوا عن ذلك في حينه لأن الواجب على المسلم أن يحرص على دينه أكثر مما يحرص على دنياه وإذا كان فاته شيء من الدنيا لبادر في استدراك ما فاته فما باله إذا فاته شيء من عمل الآخرة لم يهتم به إلا بعد مدة قد يمضي سنة أو سنتان أو أكثر وهو لم يسأل وهذا من البلاء الذي ابتلي به كثير من الناس بل من المؤسف حقا أن بعض الناس يقول لا تسأل فتخبر عن شيء يكون فيه مشقة عليك ثم يتأولون الآية الكريمة على غير وجهها وهي قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) فإن النهي عن ذلك إنما كان وقت نزول الوحي الذي يمكن أن تتجدد الأحكام فيه أو تتغير أما بعد أن توفي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالواجب أن يسأل الإنسان عن كل ما يحتاجه في أمور دينه.
************************************************** ***************
السؤال: السائل أنور مصري مقيم بالكويت يقول ما الحكمة من تقبيل الحجر يرجو بهذا إفادة مأجورين؟
الجواب
الشيخ: الحكمة من تقبيل الحجر بينها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال إني أعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك فهذه الحكمة التعبد لله عز وجل باتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تقبيل هذا الحجر وإلا فهو حجر من الأحجار لا يضر ولا ينفع كما قال أمير المؤمنين فهذه الحكمة ومع ذلك فإنه لا يخلو من ذكر الله عز وجل بأن المشروع أن يكبر الإنسان عند ذلك فيجمع بين التعبد لله تعالى بالتكبير والتعظيم والتعبد لله عز وجل بتقبيل هذا الحجر اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبه يعرف أن ما يفعله بعض الناس من كونه يمسح الحجر بيده ثم يمسح على وجهه وصدره تبركاً بذلك فإنه خطأ وضلال وليس بصحيح وليس المقصود من استلام الحجر أو تقبيله. التبرك بذلك بل المقصود به التعبد لله باتباع شريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكذلك يقال استلام الركن اليماني إن المقصود به التعبد لله باتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث كان يستلمه ولهذا لا يشرع استلام بقية الأركان فالكعبة القائمة الآن فيها أركان أربعة الحجر والركن اليماني والركن الغربي والركن الشمالي فالحجر يستحب فيه الاستلام والتقبيل فإن لم يمكن فالإشارة والركن اليماني يسن فيه الاستلام دون التقبيل فإن لم يمكن الاستلام فلا إشارة والركن الغربي والشمالي لا يسن فيهما استلام ولا تقبيل ولا إشارة وقد رأى ابن عباسٍ رضي الله عنهما أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان يطوف ويستلم الأركان الأربعة فأنكر عليه فقال له معاوية إنه ليس شيءٌ من البيت مهجوراً يعني كل البيت معظم فقال له ابن عباس (لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة) وقد رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستلم الركنين اليمانيين يعني الحجر الأسود والركن اليماني فتوقف معاوية وصار لا يستلم إلا الركنين اليمانيين اتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا واجب على كل أحد سواءٌ كان صغيراً أو كبيرا كل الناس أمام الشرع صغار وفيه فضيلة ابن عباس رضي الله عنه وفضيلة معاوية رضي الله عنه نسأل الله أن يوفق رعيتنا ورعاتنا لما فيه الخير والسداد والتعاون على البر والتقوى
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم يا فضيلة الشيخ له سؤال آخر يا فضيلة الشيخ يقول بأنه ذهب إلى الحج في العام الماضي يقول وكانت نيتي أن أكمل مناسك الحج على أكمل وجه غير أنني رميت الجمرات في اليوم الثاني بعد صلاة الفجر فوجدت الناس يرمون فرميت مثلهم ولكن سمعت من بعض الأخوة بأنهم يقولون رمي الجمرات بعد الزوال ونظراً لأنني لم أستطع الرمي مرةً أخرى في هذا اليوم من الإرهاق والزحام فأفيدوني في حكم حجي مأجورين؟
الجواب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/129)
الشيخ: ما أفتاك به الأخوة من أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال في الحادي عشر وكذلك في الثاني عشر وكذلك في الثالث عشر فهو صحيح لأن الرمي في هذه الأيام الثلاثة لا يدخل وقته إلا بعد الزوال وعلى هذا فرميك بعد صلاة الفجر في غير وقته فيكون مردوداً غير مقبول لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد وكان ينبغي لك أنهم لما أخبروك أن رميك بعد صلاة الفجر غير صحيح ذهبت في آخر النهار أو في الليل فرميت ولكن لما لم يحصل ذلك فإن عليك الآن أن تذبح فدية في مكة وتوزعها على الفقراء ويكون ذلك بدلاً عن الواجب الذي تركته وإنني بهذه المناسبة أنصح أخي هذا السائل وسائر إخواننا المستمعين أن لا يفعلوا العبادة إلا وقد عرفوا ما يجب فيها وما يحرم فيها حتى لا يتركوا واجباً ولا يقعوا في محرم وما أكثر الذين يحصل لهم خطأ في الحج ثم يأتون إلى العلماء يسألونهم بعد ذلك وربما قد يكون فات الأوان ولا يمكن تداركه وكل ذلك بسبب أن كثيراً من الناس لا يهتمون في عباداتهم بل يخرجون مع هذا العالم ويفعلون كما يفعل الناس وإن كانوا على جهل وحينئذٍ يندمون فأنت إذا أردت أن تعبد الله عز وجل على بصيرة فتعلم أحكام العبادة التي تريد أن تفعلها قبل أن تقوم بفعلها حتى يكون فعلك مبنيٌ على أساسٍ صحيح
************************************************** ***************
السؤال: بارك الله فيكم السائلة أم عبد العزيز من الرياض تقول كم الوقت الذي يجب أن يفصل بين العمرة والعمرة الأخرى؟
الجواب
الشيخ: يرى بعض العلماء أن العمرة لا تتكرر في السنة وإنما تكون عمرة في كل سنةٍ مرة ويرى آخرون أنه لا بأس من تكرارها لكن قدروا ذلك بنبات الشعر لو حلق وقد روي ذلك عن الإمام أحمد رحمه الله أنه إذا حمم رأسه أي إذا نبت واسود فحينها يعتمر لأن من واجبات العمرة الحلق أو التقصير ولا يكون ذلك بدون شعر وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في إحدى فتاويه أنه يكره الإكثار من العمرة والموالاة بينها باتفاق السلف فإذا كان بين العمرة والعمرة شهرٌ أو نحوه فهذا لا بأس به ولا يخرج عن المشروعية إن شاء الله وأما ما يفعله بعض الناس في رمضان من كونه يكرر العمرة كل يوم فبدعةٌ منكرة ليس لها أصلٌ من عمل السلف ومن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتح مكة وبقي فيها تسعة عشر يوماً ولم يخرج يوماً من الأيام إلى الحل ليأتي بعمرة وكذلك في عمرة القضاء أقام ثلاثة أيام في مكة ولم يأتِ بعمرة كل يوم ولم يعرف عن السلف الصالح رضي الله عنهم أنهم كانوا يفعلون ذلك وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنكر من ذلك أن بعضهم إذا اعتمر العمرة الأولى حلق جزءً من رأسه لها ثم تحلل فإذا اعتمر الثانية حلق جزءً آخر ثم تحلل ثم يوزع رأسه على قدر العمر التي كان يأخذها وقد شاهدت رجلاً يسعى بين الصفا والمروة وقد حلق شطر رأسه بالنصف وبقي الشطر الآخر وعليه شعرٌ كثيف فسألته لماذا فقال إني حلقت هذا الجانب لعمرة أمس والباقي لعمرة اليوم وهذا يدل لا شك على الجهل لأن حلق بعض الرأس وترك بعضه من القزع المنهي عنه ثم ليس هو نسكاً أعني حلق بعض الرأس وترك بعضه ليس نسكاً يتعبد به لله بل هو مكروه لكن الجهل قد طبق على كثير من الناس نسأل الله العافية وله سببان السبب الأول قلة تنبيه أهل العلم للعامة في مثل هذه الأمور وأهل العلم مسئولون عن هذا ومن المعلوم أن العامي لا يقبل قبولاً تاماً من غير علماء بلده فالواجب على علماء بلاد المسلمين أن يبينوا للعامة في أيام المناسبات في قدومهم لمكة ماذا يجب عليهم وماذا يشرع لهم وماذا ينهون عنه حتى يعبدوا الله على بصيرة أما السبب الثاني فهو قلة الوعي في العامة وعدم اهتمامهم بالعلم فلا يسألون العلماء ولا يتساءلون فيما بينهم وإنما يأتي الواحد منهم يفعل كما يفعله العامة الجهال وكأنه يقول رأيت الناس يفعلون شيئاً ففعلت وهذا خطأ عظيم فالواجب على الإنسان إذا أراد أن يحج أو يعتمر أن يتفقه بأحكام الحج والعمرة على يد عالمٍ يثق به حتى يعبد الله على بصيرة وإنك لتعجب أيما عجب أن الإنسان إذا أراد أن يسافر إلى مكة مثلاً فإنه لن يسافر إليها حتى يبحث عن الطريق أين الطريق الموصل إلى مكة أين الطريق الأمثل من الطرق حتى يسلكه لكن إذا أراد أن يأتي إلى مكة لحجٍ وعمرة لا يسأل كيف يحج وكيف يعتمر مع أن سؤاله كيف يحج وكيف يعتمر أهم لأنه سؤال عن دين وعن عباده فالذين يريدون الحج نقول لهم ابحثوا عن أحكام الحج قبل أن تحجوا كونوا صحبةً مع طالب علم يبين لكم ما يرشدكم استصحبوا كتباً تبحث في الحج والعمرة من العلماء الذين تثقون في علمهم وأمانتهم وديانتهم أما أن تذهبوا إلى مكة والواحد منكم فراغ من أحكام الحج فهذا تهاون وتساهل نسأل الله أن يرزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/130)
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[21 - 10 - 07, 06:27 م]ـ
السؤال: أحسن الله إليكم امرأة وكلت شخصاً لرمي الجمرة لكنه نسي ماذا عليه وماذا عليها؟
الجواب
الشيخ: تجب الفدية في هذه الحال لأن الرمي من واجبات الحج وقد قال العلماء إن ترك الواجبات فيه دم لكن على من يكون أعلى المرأة أم على الوكيل قد يقال إن الوكيل فرط لأنه لو انتبه وتأهب تأهباً تاماً ما نسي وقد يقال إن النسيان ليس بتفريط لأنه من طبيعة الإنسان والذي أرى أن يتصالحا في هذه المسألة إما أن يتحملا الفدية جميعاً كل واحد يعني نصفها وإما أن يرضيا بأن تكون الفدية على الجميع
************************************************** ***************
السؤال: أحسن الله إليكم يقول في آخر أسئلته هل يجوز تأخير الرمي في اليوم الأول من أيام التشريق إلى أن يزول الزحام لكي لا أضايق الآخرين؟
الجواب
الشيخ: يجب أن نقول لإخواننا المسلمين ما نعلمه من السنة رمي جمرة العقبة يوم العيد من آخر الليل ليلة العيد إلى طلوع الفجر ليلة الحادي عشر لكن الأفضل للقادرين أن لا يرموا حتى طلوع الشمس رمي جمرات أيام التشريق من الزوال أي من دخول وقت صلاة الظهر إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني فيوم إحدى عشر من زوال الشمس إلى طلوع الفجر يوم اثنا عشر وكذلك رمي يوم اثنا عشر من الزوال إلى طلوع الفجر أي فجر يوم ثلاثة عشر يوم ثلاثة عشر من الزوال إلى غروب الشمس ولا رمي بعد غروب الشمس يوم ثلاثة عشر لأنه تنتهي أيام التشريق لكن في اليوم الثاني عشر من أراد التعجل فليحرص على أن يرمي قبل غروب الشمس لكن لو فرض أنه تأخر الرمي عن غروب الشمس للعجز عنه لكون المسير غير سريع أو لبقاء الزحام الشديد إلى غروب الشمس فلا بأس أن يرمي بعد غروب الشمس ويستمر ولا يلزمه في هذه الحال أن يبيت في منى لأن الرجل تأهب ونوى التعجل وفارق خيمته لكنه حبس إما من مسير السيارات وإما من كون الزحام شديداً حتى غابت الشمس ولا يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رمى بعد الزوال وقال خذوا عني مناسككم ومن رمى قبل الزوال لم يأخذ عنه مناسكه بل تعجل ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يترقب بفارق الصبر كما يقولون أن تزول الشمس بدليل أنه من حين أن تزول الشمس يرمي قبل أن يصلي الظهر ويلزم من هذا أن يؤخر صلاة الظهر ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لرمى قبل الزوال لأجل أن يصلي الظهر في أول وقتها ثالثاً أنه ما كان للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أرحم الخلق بأمته ما كان ليؤخر الرمي حتى تزول الشمس فيشتد الحر مع جواز الرمي قبل ذلك لأن من المعلوم أن هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً كم هذه ثلاثة أوجه الرابع أنه لم يأذن للضعفة أن يرموا قبل الزوال كما أذن لهم ليلة العيد أن يتقدموا ويرموا الجمرة قبل طلوع الفجر وأما قول بعض الناس إن هذا مشقة نقول الحمد لله ما في مشقة أكثر ما تكون مشقة عند الزوال يوم اثنا عشر أخر إلى العصر إذا بقي الزحام أخر إلى المغرب إذا بقي الزحام أخر إلى العشاء لك إلى الفجر فأين المشقة قول بعض الناس ما يمكن أن يرمي مليونان من الناس في هذا المكان من الزوال إلى الغروب هذا أيضاً مغالطة لأنه من يقول إن الحجاج يبلغون مليونين هذه واحدة ثانياً إذا بلغوا مليونين هل كلهم يرمي بنفسه كثير من يوكل ثالثاً إننا نقول ليس هناك دليل على أن وقت الرمي ينتهي بالغروب بغروب الشمس لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدد أوله ولم يحدد آخره فالواجب على المسلمين أن يتبعوا ما دلت عليه السنة ويجب أن نعلم أنه ليس كلما حلت مشقة جاز تغيير أصول العبادة وإلا لقلنا إن الإنسان إذا شق عليه صلاة الظهر في وقت الظهيرة جاز أن يصليها في أول النهار لأنه أيسر مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر عند اشتداد الحر في صلاة الظهر أن يبردوا بالصلاة ولم يقل قدموها في أول النهار
************************************************** ***************
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/131)
السؤال: جزاكم الله خيراً هذا السائل عبد الرحمن من مكة المكرمة يقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول في الحج العام الماضي وفي ليلة المزدلفة المبيت في المزدلفة قام أحد الشباب خطيب في المسلمين وهذه بعض كلماته قال أيها المسلمون لقد توصل العلماء بأن الدخان مبطلٌ للحج وأنتم الآن في المزدلفة ومزدلفة حكمها حكم المسجد والذي يصر على تعاطي الدخان فهو مجرمٌ وعليه لعنة الله اللهم هل بلغت اللهم فاشهد ما حكم هذا القول مأجورين؟
الجواب
الشيخ: أولاً الخطبة في ليلة المزدلفة ليست مشروعة والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يخطب في المزدلفة بل صلى المغرب والعشاء ثم نام إلى أن طلع الفجر ثانياً إن قول هذا إن شرب الدخان مبطلٌ للحج خطأ فليس مبطلٌ للحج وأما قوله إن مزدلفة مسجد فهو خطأ أيضاً فإن مزدلفة كغيرها من الأراضي ولو كانت مسجداً لحرم أن يبول بها الإنسان ولحرم أن يكون بها جنباً إلا بوضوء ولحرم على الحائض أن تبقى فيها فهي ليست بمسجد إلا كما نصف بقية الأرض بأنها مسجد وأما قوله عليه لعنة الله فهذا قولٌ كذب إن أراد به الخبر ومحرم إن أراد به الدعاء فنصيحتي لهذا إن صح ما نقل عنه أن يتوب إلى الله عز وجل وأن لا يتكلم إلا بعلم وأن لا يضل عباد الله والدخان بلا شك حرام عندنا يعني لا شك عندنا أن الدخان حرام ولكن فعل المحرم لا يبطل الحج لا يفسد الحج إلا ما ذكره العلماء وهو الجماع قبل التحلل الأول إذا كان الإنسان عالماً ذاكراً وما عدا ذلك حتى محظورات الإحرام لا تبطل الحج.
************************************************** ***************
السؤال: جزاكم الله خيراً من أسئلة هذا السائل يقول هل تجوز هل تجوز الأضحية عن الميت؟
الجواب
الشيخ: نعم تجوز الأضحية عن الميت بمعنى أن يضحي الإنسان في أيام النحر أي في عيد الأضحى وثلاثة أيام بعده أضحية ينويها عن الميت يقول مثلاً اللهم هذا منك عند ذبحها يقول عند ذبحها اللهم هذا منك ولك اللهم هذه عن فلان ولكن ليس هذا بأمرٍ مشروع ليس هذا بأمرٍ مشروع لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ضحى عن أحدٍ من أمواته فقد ماتت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وهي من أحب النساء إليه ولم يضح لها واستشهد عمه حمزة بن عبد المطلب في أحد ولم يضح عنه ومات له ثلاثة بنات في حياته ولم يضح عنهن ولو كان هذا أمراً مشروعاً لبينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إما بقوله وإما بفعله وإما بإقراره ولم يعلم أن أحداً من الصحابة ضحى عن أحدٍ من أمواته في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكن لو ضحى لم يمنعه لو ضحى عن ميت لم يمنعه وإن كان بعض أهل العلم قال إنه لا ينفع الميت وقالوا إن الصدقة بثمن الأضحية عن الميت أفضل من الأضحية ولكن هاهنا مسألة إذا ضحى الإنسان عنه وعن أهل بيته ونوى أنه عن الحي والميت فأرجو أن يكون ذلك نافعاً إن شاء الله تعالى ومشروعاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بالأضحية عنه وعن أهل بيته فهذا محتمل أن يكون عن أهل بيته الأحياء والأموات ويحتمل أن يكون عن أهل بيته الأحياء فقط والشيء الذي ينبغي أن ينكر ما يفعله بعض الناس تجده يشتري الأضحية من ماله ويضحي بها عن أمواته ولا ينويها عنه وعن أهل بيته وهذا أمرٌ خلاف السنة بلا شك فالأضحية في الأصل عن الأحياء فقط التنبيه الآخر أنه إذا أوصى الميت بأضحية فهنا لا بد أن يضحى عنه إتباعاً لوصيته ويكون هذا من عمله لأنه أوصى به
************************************************** ***************
السؤال: أحسن الله إليكم هل يجوز رمي الجمار في وقتٍ غير وقت السنة أو بعد المغرب مثلاً للذين يخافون من الزحام أو الاختناق والمزاحمة وللذين لا يستطيعون؟
الجواب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/132)
الشيخ: في أيام التشريق يبتدئ رمي الجمرات من زوال الشمس أي من دخول وقت صلاة الظهر إلى طلوع الفجر من اليوم التالي إلا اليوم الثالث عشر فإنه من زوال الشمس إلى غروب الشمس لأن أيام الرمي تنتهي بغروب الشمس في الثالث عشر الوقت والحمد لله واسع نبدأ بجمرة العقبة جمرة العقبة من طلوع الشمس يوم العيد إلى طلوع الفجر يوم الحادي عشر ولمن يخشى من الزحام والتعب من آخر ليلة النحر إلى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر هذه جمرة العقبة الجمرات الثلاث يوم إحدى عشر واثنا عشر وثلاثة عشر لمن تأخر من الزوال إلى طلوع الفجر من اليوم التالي إلا اليوم الثالث عشر فإنه ينتهي بغروب الشمس
************************************************** ***************
السؤال: أحسن الله إليكم تذكر السائلة بأنها حجت وهي في السادسة عشر من عمرها مع أحد محارمها وفي اليوم الثاني نزلت عليها الدورة ولم تخبر أحداً من محارمها خجلاً منها وأدت جميع المناسك فما الحكم في ذلك؟
الجواب
الشيخ: أولاً أحذر إخواني المسلمين من التهاون بدينهم وعدم المبالاة فيه حيث إنهم يقعون في أشياء كثيرة مفسدة للعبادة ولا يسألون عنها ربما يبقى سنةً أو سنتين أو أكثر غير مبالٍ بها مع أنها من الأشياء الظاهرة لكن يمنعه التهاون أو الخجل أو ما شابه ذلك والواجب على من أراد أن يقوم بعبادة من صلاةٍ أو زكاةٍ أو صيامٍ أو حج أن يعرف أحكامه قبل حتى يعبد الله على بصيرة قال الله تبارك تعالى (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) قال البخاري رحمه الله العلم قبل القول والعمل ثم استدل بهذه الآية ثانياً بالنسبة للسؤال نقول هذه المرأة لا تزال في بقية إحرام لأنها لم تحل التحلل الثاني حيث طافت وهي حائض وطواف الحائض فاسد فهي لا تحل التحلل الثاني إلا إذا أتمت الطواف والسعي مع الرمي والتقصير وعليه فنقول يلزمها الآن أن تتجنب الزوج إن كانت متزوجة لأنها لم تحل التحلل الثاني وتذهب الآن إلى مكة فإذا وصلت الميقات أحرمت بعمرة ثم طافت وسعت وقصرت ثم طافت طواف الإفاضة الذي كان عليها فيما سبق وإن أحبت أن لا تحرم بعمرة فلا بأس لأنها لا تزال في بقيةٍ من بقايا إحرامها الأول المهم لا بد أن تذهب وتطوف لأنها لم يتم حجها حتى الآن وأن لا يقربها زوجها إن كانت قد تزوجت فإن كانت قد عقدت النكاح في أثناء هذه المدة فللعلماء في صحة نكاحها قولان القول الأول أن النكاح فاسد ويلزم على هذا القول أن يعاد العقد من جديد والقول الثاني أن النكاح ليس بفاسد بل هو صحيح فإن احتاطت وأعادت العقد فهذا خير وإن لم تفعل فأرجو أن يكون النكاح صحيحاً
************************************************** ***************
السؤال: أحسن الله إليكم يسأل عن حكم لقطة الحرم وغيره ما حكمها وما حكم أخذها؟
الجواب
الشيخ: أما لقطة الحرم فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لا تحل ساقطتها إلا لمنشد يعني لا تأخذ لقطة الحرم إلا إذا كنت ضامن على نفسك أن تبقى تبحث عن صاحبها إلى أن تموت وإذا مت فأوصي بأن هذه لقطة الحرم تبحث عن صاحبها ومعلومٌ ما في هذا من المشقة إذاً لا تأخذها دعها فربما يرجع صاحبها ويجدها ونحن إذا قلنا لكل واحدٍ في مكة لا تأخذ اللقطة بقيت اللقطة حتى يأتيها صاحبها فتكون من جنس الإبل في غير مكة تترك ويأتي صاحبها ويجدها ولكن إذا قال قائل أنا إن تركتها أخذها من لا يبالي ولا يعرفها بل أخذها من يدخلها في جيبه متملكاً لها وحينئذٍ أيهما أولى أن أبقيها ويأخذها من لا يعرفها أو آخذها وأعرفها ثم إن لم أجد صاحبها تصدقت بها عنه في مكة أو أعطيتها القاضي الجواب الثاني يعني في هذه الحال نقول خذها وابحث عن صاحبها فإذا لم تجده تصدق بها عنه في مكة وإلا فأعطها القاضي
************************************************** ***************
السؤال: أحسن الله إليكم المستمع عبد الله ح. م. ع. مكة المكرمة يقول هل السعي بعد طواف القدوم للقارن والمفرد والمتمتع يجزئ عن سعي الحج؟
الجواب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/133)
الشيخ: أما القارن والمفرد فسعيه بعد طواف القدوم يجزئ لأن أفعال العمرة دخلت في الحج إذا أن القارن أفعاله كأفعال المفرد تماماً ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه الذين كانوا معه أي قارنين لم يسعوا مرتين وأما المتمتع فلا يكفيه سعي العمرة عن سعي الحج لأن النسكين انفصلا وتميز بعضهما عن الآخر فيجب على المتمتع طواف العمرة حين يقدم مكة وسعي العمرة ويجب عليه طواف الإفاضة وسعي الحج فالطواف والسعي الأول للعمرة والطواف والسعي الثاني للحج ولا بد
************************************************** ***************
السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم يا شيخ السائل أبو عبد الله من الكويت يقول من مات ولم يحج وهو في الأربعين وكان مقتدرا على الحج مع أنه محافظ على الصلوات الخمس وكان يسوف في كل سنة يقول سوف أحج هذه السنة ومات وله ورث هل يحج عنه وهل عليه شيء؟
الجواب
الشيخ: اختلف العلماء في هذا فمنهم من قال إنه يحج عنه وأن ذلك ينفعه ويكون كمن حج بنفسه ومنهم من قال لا يحج عنه وأنه لو حج عنه ألف مرة لم تقبل يعني لم تبرأ بها ذمته وهذا القول هو الحق لأن هذا الرجل ترك عبادة واجبة عليه مفروضة على الفور بدون عذر فكيف يرغب عنها ثم نلزمها إياه بعد الموت ثم التركة الآن تعلق بها حق الورثة كيف نحرمهم من ثمن هذه الحجة وهي لا تجزئ صاحبها وهذا هو ما ذكره بن القيم رحمه الله في تهذيب السنن وبه أقول أن من ترك الحج تهاونا مع قدرته عليه لا يجزئ عنه الحج أبدا لو حج عنه الناس ألف مرة أما الزكاة فمن العلماء من قال إذا مات وأديت الزكاة عنه أبرأت الذمة ولكن القاعدة التي ذكرتها تقتضي ألا تبرأ ذمته من الزكاة وأنه سيكوى بها جنبه وجبينه وظهره يوم القيامة لكني أرى أن تخرج الزكاة من التركة لأنه تعلق بها حق الفقراء والمستحقين للزكاة بخلاف الحج، الحج ما يؤخذ من التركة لأنه لا يتعلق به حق الإنسان والزكاة يتعلق بها حق الإنسان فتخرج الزكاة لمستحقيها ولكنها لا تجزئ عن صاحبها سوف يعذب بها عذاب من لم يزك نسأل الله العافية كذلك الصوم إذا علمنا أن هذا الرجل ترك الصيام وتهاون في قضائه فإنه لا يقضى عنه لأنه تهاون وترك هذه العبادة التي هي ركن من أركان الإسلام بدون عذر فلو قضي عنه لم ينفعه وأما قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) فهذا فيمن لم يفرط وأن من ترك القضاء جهرا وجهارا بدون عذر شرعي فما الفائدة أن نقضي عنه.
************************************************** ***************
السؤال: أحسن الله إليكم هذه السائلة أم عبد العزيز من الرياض تقول من باب المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد الصحابة هل يجوز للإنسان أن يحج عنهم.
الجواب
الشيخ: أما الصحابة فلا بأس يحج عنهم الإنسان كما يحج عن أي مسلم لكن مع ذلك نرى أن الدعاء للأموات أفضل بكثير من الأعمال الصالحة حتى الأب والأم إذا دعوت الله لهما فهو أفضل من أن تحج عنهما إذا لم يكن فرضا وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما تحدث عن عمل الإنسان بعد موته قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) يدعو له ما قال يحج عنه ولا يتصدق عنه ولا يصوم عنه ولا يزكي ولا يحج ما قالها قال ولد صالح يدعو له وهل تظن أيها المؤمن أحدا أنصح للأحياء والأموات من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا والله لا نظن بل نظن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنصح الخلق للأحياء والأموات ومع ذلك قال أو ولد صالح يدعو له هذه واحدة ثانيا بالنسبة للصحابة قلنا أنهم كسائر الناس ولكن الدعاء أفضل لهم ولغيرهم أما النبي صلى الله عليه وسلم فإهداء القرب له من السفه من حيث العقل ومن البدعة من حيث الدين أما كونه بدعة في الدين فلأن الصحابة رضي الله عنهم الذين شاهدوا الرسول ولازموه وأحبوه أكثر منا ما كانوا يفعلون هذا هل أبو بكر حج عن الرسول عمر عثمان علي العباس عمه كلهم لم يفعلوا هذا نأتي نحن في آخر الدنيا ونبر الرسول بالحج عنه أو بالصدقة عنه غلط هذا غلط من ناحية شرعية من الناحية العقلية هو سفه لأن كل عمل صالح يقوم به العبد فللنبي صلى الله عليه وسلم مثله لأن من دل على خير فله مثل فاعله وإذا أهديت ثواب العمل الصالح للرسول هذا يعني أنك حرمت نفسك فقط لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم منتفع بعملك له مثل أجرك سواء أهديته أم لم تهديه وأظن أن هذه البدعة لم تحدث إلا في القرن الرابع ومع ذلك أنكرها العلماء وقالوا لا وجه لها وإذا كنت صادقا في محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأرجو أن تكون صادقا فعليك باتباعه أتباع سنته وهديه كن وأنت تتوضأ كأنما تشعر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ أمامك وكذلك في الصلاة وغيرها حتى تحقق المتابعة ولست أقول أمامك أنه عندك في البيت هذا لا أقوله لكن المعنى من شدة إتباعك له كأنه أمامك يتوضأ ولهذا أنبه الآن على نقطة مهمة مثلا نحن نتوضأ للصلاة والحمد لله عندما ما نتوضأ أكثر الأحيان وأكثر الناس لا يشعرون ألا أنهم يؤدون شرطا من شروط لكن ينبغي أن نلاحظ أولا أن نشعر بأننا نمتثل أمر الله عز وجل حيث قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) إلى آخره هذه واحدة ثانيا أن نشعر بأتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأننا توضأنا نحو وضوءه ثالثا أن نحتسب الأجر لأن هذا الوضوء يكفر الله سبحانه وتعالى كل خطيئة حصلت من هذه الأعضاء الوجه إذا غسله آخر قطره يكفر بها عن الإنسان وكذلك بقية الأعضاء هذه ثلاثة أمور غالبا لا نشعر بها إنما نعمل كأننا أدينا شرطا من شروط الصلاة فأسأل الله أن يعينني وأخواني المسلمين على استحضارها حتى تكون العبادة طاعة لله وإتباعا لرسول الله واحتسابا لثواب الله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/134)
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[03 - 11 - 10, 06:56 م]ـ
يُرفع
ـ[أبوالفداء المصري]ــــــــ[05 - 11 - 10, 05:03 ص]ـ
رفع الله قدرك شيخنا الحبيب دنيا وأخرى
جزاكم الله خيرا(86/135)
الحث على اغتنام فضل عشرة ذي الحجة والاكثار من العمل الصالح فيهن لابن عثيمين رحمه الله
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[20 - 10 - 07, 06:55 م]ـ
قال رحمه الله في خطبة له بهذه المناسبة:
************************************************** **************
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وأشهد أن لا الله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة يوم نلاقيه وأشهد أن محمد عبده ورسوله وخليله و أمينة على وحيه صلي الله عليه وعلى أهله أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد
فيا عباد الله إنكم تستقبلون في هذه الأيام عشر ذي الحجة التي بينَّ النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم فضل العمل فيها بقوله (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلَّا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) (1) فالعمل الصالح في عشر ذي الحجة أفضل من العمل الصالح في عشر رمضان الأخيرة بل أفضل من العمل الصالح في أي يوم من أيام السنة هكذا قال النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم ولكن كثيراً من الناس يجهلون قدر هذه الأيام العشر فلا تكاد تجد أحدا يميزها عن غيرها بكثرة العمل الصالح و لكني أقول إن من بلغته سنة النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم فإن الأولى به أن يكون متبعا لها وجوباً في الواجبات واستحبابا في المندوبات إذاً فأكثروا من العمل الصالح في هذه الأيام العشر أكثروا من الصلاة أكثروا من قراءة القرآن أكثروا من الذكر أكثروا من الصدقة صوموها فإن الصيام من أفضل الأعمال الصالحة قال الله عز وجل في الحديث القدسي (كل عمل بن آدم له الحسنة بعشرِ أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلَّا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) (2) وفي هذه الأيام العشر احترموا أضحيتكم بحرماتها التي جعلها النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال (إذا دخل العشر و أراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من ظفره ولا من بشره أي من جلده شيئا) (3) فمن أراد أن يضحي فلا يأخذن من ذلك شيئا إلى أن يضحي وذلك احتراماً للأضحية التي هي من شعائر الله قال الله عز وجل ? ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُةُ الطَّيْرُ أُوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ? (الحج:30 - 32) وفي هذا دليل على أهمية الأضحية حيث جعل لها النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم حرمات يحترمها الإنسان عند إرادة فعلها ولكن في أي مكان تكون الأضحية تكون الأضحية في بلد الإنسان تكون الأضحية في بيته يقيم بذلك شعائر الله في بلاد الله عز وجل وليست الأضحية مجرد صدقة حتى يتوخى الإنسان فيها أحوج بلاد المسلمين ولكنها قربة خاصة يتقرب بها الإنسان إلى ربه ولو كانت مجرد صدقة لكانت جائزة قبل صلاة العيد بعدها ولكانت جائزة من بهيمة الأنعام وغيرها ولكانت جائزة فيما بلغ السنة وما لم يبلغه ولكنها عبادة مؤقتة محددة بكيفيتها ووقتها وحين إذاً نعرف انه من الغلط أن يرسل الإنسان دراهمه إلى بلاد أخرى ليضحي بها هناك فان هذا ليس من سنة الرسول صلي الله عليه وعلى آله وسلم وإنما كان يبعث بالهدى من المدينة إلى مكة من أجل اختصاص المكان لا من أجل حاجة الناس أما الأضحية فإن النبي صلي الله عليه وسلم كان يضحي في المدينة وإن إرسال الدراهم ليضحي بها في مكان آخر تفوت به مصالح كثيرة يفوت به إظهار الشعيرة في البلاد فإن ذبح الأضاحي من شعائر الله فإذا أرسل الناس دراهمهم إلى بلاد أخرى ليضحي بها بقيت البلاد بلا شعيرة يفوت بها أن يذكر الإنسان ربه على هذه البهيمة التي ضحى بها والله تعالي يقول ? وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَام ? (الحج: 34) يفوت بها إتباع سنة النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم حيث كان يضحي بنفسه ويذبح أضحيته ويذكر اسم الله عليها ويسأل الله قبولها وإذا أرسلت
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/136)
الدراهم إلى هناك فمن الذي يتولى ذلك أليس هو الذابح هذا إن أحسنا الظن به ووثقنا بمن نرسل الدراهم معه أما إذا كانت أضحيتك في بيتك فتولى ذبحها بنفسك إن كنت تحسنه أو تحضره ويحصل بذلك تعظيم شعائر الله في البيت فإن أرسلها إلى بلاد أخرى يفوت به هذه المصلحة العظيمة يفوت في إرسالها إلى بلاد أخرى أن يأكل الإنسان منها والله تعالي قد أمر بالأكل منها فقال ? وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهٌِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرُ?فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عليها صَوَافَّ فَإذا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ? (الحج: 36) ومن المعلوم أنه إذا كانت الأضحية في غير بلدك فإنه لا يمكنك أن تمتثل أمر الله بالأكل منها لأنها ليست عندك وحين إذاً تفوت أمر الله عز وجل فيها وقد قال بعض أهل العلم أن الأكل من الأضحية واجب وإن الإنسان إذا لم يأكل منها فهوا آثم عاص لله ولاشك انه عاصٍ للأمر ولكن هل يأثم لهذا العصيان أو لا يأثم هذا محل الخلاف بين العلماء وإنك إذا أرسلت الدراهم ليضحي بها في بلد أخر فلا تدري متى تكون الأضحية هل تكون في اليوم الأول الذي هو أفضل من الأيام الثلاثة بعده أو تكون قبل الصلاة أو تكون بعد أيام التشريق ثم تبقى معلقا أيضا بالنسبة لأخذ الشعر والظفر والبشرة وأنت إذا أرسلتها إلى بلد أخر فلا تدري أيقوم المشتري بالاحتياط التام في تمام سنها وخلوها من العيوب المانعة من الإجزاء وخلوها من العيوب التي تكره فيها كل هذا سيفوتك أيها الأخوة إن من الغلط أن يرسل الإنسان دراهمه إلى بلد آخر ليضَُحي بها هناك لتفويت هذه المصالح التي سمعتموها وإذا كان عند الإنسان فضل مال فإني أحثه على أن يرسله إلى البلاد الفقيرة والمحتاجة للجهاد في سبيل الله والله سبحانه وتعالي ذو الفضل العظيم وإن من السنة أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته بالأضحية وهذا لا شك أنه إذا اقتصر عليه فهو السنة الموافقة لسنة رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وسلم لأن النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم وهو أكرم الخلق بلا شك وأحب الخلق للخير بلا شك وهو صلي الله عليه وسلم أسبق الناس إلى فعل الخير بلا شك وهو صلي الله عليه وسلم المشرع لأمته بلا شك لم يضحِ عنه وعن أهل بيته إلا بأضحية واحدة ومن المعلوم أن نساءه تسع وكل امرأة في بيت لم يضحِ بأكثر من ذلك وإن من خلاف السنة ما يفعله بعض الناس اليوم من الإسراف في الأضحية ولكن مع الأسف أن بعض الناس عندنا يضحي بعشر ضحايا لا حاجة إليها تجد الرجل يضحي عنه وعن أهل بيته كما قلت ثم تأتي البنت وتقول أريد أن أضحي عن جدي من قبل الأب وعن جدتي من قبل الأب و عن جدتي من قبل الأم و عن جدي من قبل الأم وهكذا تأتي الأخت وهكذا تأتي الزوجة حتى يصبح في البيت الواحد إلى عشر ضحايا لا حاجة إليها بل هي من الإسراف وإني أقول إن النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم توفيت زوجته خديجة وهي من أحب نسائه إليه وهي أم أكثر أولاده وهي التي لم يتزوج عليها حين وجودها ومع ذلك لم يضحي عنها توفي عمه حمزة بن عبد المطلب أستشهد في أحد رضي الله عنه وهو أسد الله وأسد رسوله ومع ذلك لم يضحي عنه النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم توفيت بناته الثلاث قبل أن يموت إلا أن فاطمة بقية بعده ولم يضحي عن بناته فمن أين جاءنا أن يضحي عن الأموات؟ الوصايا تبقي بحالها ويضحي بها أما أن نضحي عن أمواتنا فمن كان عنده حرف واحد صحيح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه ضحي عن أحد من أمواته أو أنه أمر أن يضحي أحد عن أمواته فليسعفنا به فإنا له قابلون وله متبعون إن شاء الله أما أن نفعل عبادة نتقرب بها إلي الله لمجرد عواطف تكون في قلوبنا وصدورنا فليس لنا ذلك إنما الشرع من عند الله ألم تعلموا أن بعض العلماء يقول الأضحية عن الميت غير صحيحة لأنها لم ترد في السنة وقد قال النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) (4) ألم تعلموا أن الذين أجازوا الأضحية عن الميت إنما قاسوها عن الصدقة لأن الصدقة وردت بها السنة في حديث سعد بن عبادة حيث (تصدق بمخرافة عن أمه بإذن النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم) (5) ومخرا فه هو البستان الذي يخرف وكذلك الرجل الذي قال يا رسول الله (إن أمي افتلتت نفسها
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/137)
وأظنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها قال نعم) (6) ولكن هل قال رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وسلم يوم من الأيام لأمته تصدقوا عن أمواتكم هل قال ضحوا عن أمواتكم هل ضحي عن أمواته هذا هو محل الحكم وهذا مناط الحكم إذاً ما بالنا نجعل في البيت الواحد عشر ضحايا أو أقل أو أكثر لأموات في سنة لم ترد عن رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وسلم إذا كان عند هؤلاءِ فضل مال فنقول إن أضحية قِيمّ البيت كافية عن الجميع فلا تتجاوزوا سنة رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وسلم أنتم خيرُ? أم رسول الله أنتم أكرم أم رسول الله أنتم أحب في الطاعة من رسول الله هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين والله لسنا أكرم من رسول الله ولا أعلم بما يحب الله ولا أسبق لما يحب الله بل رسول الله صلي الله عليه وسلم أكرم الخلق على الإطلاق وأحب ما يكون للخير فنقول يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته بشاة واحدة ومن عنده فضل مال فليسعف به إخوانه المسلمين في البوسنة والهرسك وغيرها من بلاد المسلمين هناك أناس فقراء لا يأكلون إلا ورق الشجر إن تهيئ لهم هناك أناس عراة لا يتقون برداً ولا حرا فما بالنا نحرم هؤلاءِ مما أعطانا الله ثم نسرف به وقد قال الله عز وجل ? والله لا يحب المسرفين? نقول لهؤلاءِ الذين يحرصون على أن ينفعوا أمواتهم ابذلوا هذه الأموال في غير الأضحية ابذلوها في الصدقة تصدقوا على إخوان لكم يموت من الجوع منهم عدد كثير أيها الأخوة أدعوكم ونفسي إلى إتباع السنة لا إلى إتباع العاطفة أدعوكم ونفسي إلى أن يترسم الخطى إمامنا وقدوتنا وأسوتنا محمد صلي الله عليه وسلم وألا نتجاوز ما فعل وألا نسرف فيما لا يحب الله الإسراف فيه إن بعض الناس يعتمدون على حديث ضعيف أن الأضحية في كل شعرة منها حسنة وهذا لا يصح عن النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم أهم شيء في الأضحية أن ينهر الدم ابتغاء وجه الله وتعظيما لله عز وجل هذا وهو المهم قال تعالى? لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ? (الحج: 37) هذا الذي يناله الله أن نتقي الله عز وجل في التقرب إلى الله تعالي بذبحها وذكر اسم الله عليها وان نتمتع بالأكل منها نحن وأولادنا وجيراننا وإخواننا وفقراءنا وأعظم من ذلك وأدهى أن من الناس من يرسل الوصايا التي في أوقاف أمواته إلى بلاد أخرى يضحي بها فكيف يسوغ ذلك لنفسه الوصي وكيل والوكيل لا يجوز أن يتصرف فيوكل إلا بإذن موكله والإذن هنا مستحيلاً ثم إن الأموات يظهر من قصدهم فيما أوصي به من الضحايا يظهر من قصدهم أنهم أرادوا أن يتمتع من خلفهم بهذه الأضحية يأكلون ويسمون على الأكل ويحمدون الله على الأكل ويدعون للأموات هذا هو القصد من وصية الموصين لا أن تذبح من وراء البراري والبحار فيا عباد الله لا تنسابوا وراء العاطفات عندكم العلماء اسألوهم فإن ما يبني على العلم والبرهان هو العبادة الصحيحة وأما ما يبني على الظن الوهم والعاطفة التي لا مستند لها لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وسلم ولا من سنة الخلفاء الراشدين أنها باطلة لقول النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد خلاصة قولي في هذه الخطبة أنني أقول من كان عنده ضحايا فلا يرسلها لا إلى للبوسنة والهرسك ولا إلى غيرها من البلاد بل يضحي بها في بلده إظهاراً لشعائر الله وإتباعاً لسنة رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وسلم وحصولا للمصالح العظيمة التي ذكرنا أنه إذا أرسلها خارج البلاد فإن هذه المصالح تفوت هذه واحدة ثانياً الإسراف في الأضاحي لا داعي له فالأضحية الواحدة تكون للرجل عنه وعن أهل بيته كافية ومن كان عنده فضل مال وأراد أن ينفع أمواته فل يتصدق به على من كانوا في بلاد أخرى محتاجين للصدقة أكثر ممن كانوا في بلادنا ثالثاً أقول ذكرنا أن الإنسان إذا أراد أن يضحي فإنه لا يأخذ من شعره ولا ظفره ولا من بشرته شيء من حين أن يدخل شهر ذي الحجة إلى أن يضحي و أما من يضحي عنه فلا حرج فليأخذوا من ذلك ما شأوا فأهل البيت مثلاً إذا كان قيم البيت يريد أن يضحي عنهم لا حرج عليهم أن يأخذوا من شعورهم و أظفارهم لأن النبي صلي عليه وسلم إنما قال (وأراد أحدكم أن يضحي) (7) ولم يقل أن يضحي أو يضحي عنه ولأن النبي صلي الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/138)
عليه وعلى آله وسلم لم ينقل عنه أنه قال لأهله وهو يريد أن يضحي عنهم لم ينقل عنه أنه قال لا تأخذوا من شعوركم وأظفاركم وأبشاركم شيئاً والأصل براءة الذمة والأصل الحِل حتى يقوم دليل على التحريم وعلى هذا فلا يشمل النهي أهل البيت وإنما يختص بقيّم البيت الذي هو يريد أن يضحي أيها الأخوة أعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد صلي الله عليه وعلى آله وسلم وأسأل الله تعالي أن يلزمني وإياكم هدي محمد صلي الله عليه وسلم إلى أن نلقاه وهو راضي عنا خير الهدى هدي محمد صلي الله عليه وسلم وشرُ الأمور محدثاتها وكل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة فعليكم بالجماعة فإن يدي الله على الجماعة ومن شذ، شذ في النار وأعلموا أن الله تعالي أمركم أن تصلوا وتسلموا على نبيكم محمد صلي الله عليه وعلى آله وسلم فقال ? إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً? (الأحزاب: 56) إن صلاتكم وسلامكم على نبيكم محمد صلي الله عليه وعلى وآله وسلم إنها امتثال لا أمر الله عز وجل إنها قياما بحق الرسول صلي الله عليه وعلى آله وسلم إنها أجرُ? وغنيمة لكم فقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم (أن من صلي عليه مرة واحدة صلي الله عليه بها عشراً) (8) فأكثروا أيها الأخوة من الصلاة والسلام على النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم والإكثار من ذلك ليس أمراً شاقاً ولا أمر متعِباً لأنه قول اللسان وأسهل ما يكون حركة هو اللسان أكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم محمد صلي الله عليه وعلى آله وسلم واحتسبوا بذلك الأجر من الله احتسبوا أنكم إذا صليتم عليه مرة واحدة صلي الله عليكم بها عشراً اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد اللهم أرزقنا محبته وإتباعه ظاهراً وباطناً الله توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته الله أسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم أحسن عواقبنا في الأمور كلها اللهم أحسن خاتمتا اللهم أجعل خير أعمارنا أخرها وخير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا وأسعدها يوم نلقاك يا رب العالمين يا ذا الجلال و الإكرام اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وأجعل بلدنا هذا آمنا وسائر بلاد المسلمين اللهم من أراد بالمسلمين سوء فأجعل كيده في نحره اللهم من أراد بالمسلمين سوء فأجعل كيده في نحره وأفسد عليه أمره وأجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين اللهم أنصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم أنصرهم في البوسنة والهرسك والشيشان اللهم أنا نسألك أن تنزل بالروس بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين اللهم فرق جمعوهم وأهزم جنودهم وشتت كلمتهم يا رب العالمين اللهم أنزل بهم البلاء وألقي بينهم العداوة والبغضاء حتى يكون بعضهم يقتل بعضا ويسبي بعضهم بعضاً يا رب العالمين إنك على كل شي قدير اللهم وأفعل مثل ذلك في الصرب المعتدين الخائنين يا أرحم الراحمين يا ذا الجلال والإكرام اللهم أجمع كلمة المسلمين على الحق اللهم أجمع كلمة المسلمين على الحق اللهم أصلح شبابهم وشيوخهم و ذكورهم وإناثهم يا رب العالمين اللهم ألّف بين قلوبهم الله أهدهم سبل السلام اللهم يسرهم لليسرى وجنبهم العسرى أغفر لهم في الآخرة و الأولى يا رب العالمين ? رَبَّنَا أغْفِرْ لَنَا وَلِإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفُ رَّحِيُم ? (الحشر: 10) اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم أرنا الحق حق و ارزقنا إتباعه أرنا الباطل باطل وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
************************************************** ***************
(1) وأخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في ك الجمعة (916) أخرجه الترمذي في كتاب الصوم (688) من حديث بن عباس رضي الله تعالى عنهما واللفظ له وأخرجه ابن ماجة في سننه في ك الصيام (1717) وأخرجه أبو داود في سننه في ك الصيام (2082) وأخرجه الإمام احمد في مسنده (1867) (7329) ت ط ع
(2) أخرجه الإمام احمد في باقي مسند المكثرين (10136) من حديث أبي هريرة رضى الله تعالى عنه وأخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في ك الصيام (1771) وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في ك الصيام (1945) وأخرجه أصحاب السننه في سننهم.
(3) أخرجه الإمام احمد رحمه الله تعالى في مسنده (25269) وأخرجه النسائي رحمه الله تعالى في سننه في ك الضحايا (4288) من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الاقضية (3243) من حديث عائشة رضي الله عنها وأخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في ك الصلح (2499) من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.
(5) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الوصايا (2551) من حديث سعد بن عباده رضي الله تعالى عنه.
(6) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الوصايا (2554) من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة (1672) وفي كتاب الوصية (3082، 3083) من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.ت ط ع
(7) أخرجه الإمام احمد في مسنده (25269) من حديث أم سلمه رضي الله تعالى عنها وأخرجه النسائي في كتاب الضحايا (4288) من حديث أم سلمه رضي الله تعالى عنها.
(8) أخرجه الإمام مسلم في كتاب الصلاة (577) من حديث عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه. ت ط ع
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/139)
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[20 - 10 - 07, 09:58 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم بارك الله فيك وجزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك.
ورحم الله الشيخ محمد بن صالح العثيمين واسكنه الفردوس الأعلى.
وأسأل من الله العلي القدير أن يجمعنا ومشايخنا مع محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[03 - 11 - 10, 06:56 م]ـ
يُرفع
ـ[ابنة محمد]ــــــــ[03 - 11 - 10, 10:27 م]ـ
بارك الله فيكم , ونفعكم بما علمكم!
ورحم الله شيخنا الجليل و أكرمه بفضله.
ـ[أبو سحمان السلفي]ــــــــ[04 - 11 - 10, 05:39 م]ـ
بارك الله فيك على النقل المبارك, في الزمن المبارك ..(86/140)
الحج خطوة بخطوة مع العلامة العثيمين رحمه الله
ـ[طالبة العلم سارة]ــــــــ[20 - 10 - 07, 08:09 م]ـ
على هذا الرابط مفرغة أو صوتية:
http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=lecview&sid=162&read=1
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[20 - 10 - 07, 09:50 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن ينفع بك، وأن يجعل كل ما تقدمه من خدمات جليلة لطلبة العلم في ميزان حسناتك، وأن يجري لك ثوابها إلى يوم القيامة اللهم آمين.
ورحم الله الشيخ محمد بن صالح العثيمين واسكنه الفردوس الأعلى.
وأسأل من الله العلي القدير أن يجمعنا ومشايخنا مع محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم.
ـ[محمود حجي]ــــــــ[21 - 10 - 07, 05:28 م]ـ
بارك الله في هذه الجهود الطيبة
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[08 - 11 - 08, 12:52 م]ـ
للرفع والنفع.!
ـ[المغربي أبو عمر]ــــــــ[10 - 11 - 08, 09:38 م]ـ
للفائدة(86/141)
هل القول الصحيح هو أن الميتة من جملة النجاسات؟؟
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:14 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي الكرام
إذا كان القول الصحيح هو أن الميتة من جملة النجاسات فلماذا ادهن الصحابة رضي الله عنهم من ذلك الحوت الذي أقاه البحر، مع علمهم بحرمة الميتة؟
يعني الأكل للضرورة، فما بالهم ادهنوا منها؟؟
أفيدونا جزاكم الله خيراً
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:19 ص]ـ
الميتة نجسة.
والمراد بالميتة: ما لم يذكَّ، أو مما ذُكِّي ولكن لا تعمل الذكاة فيه كمحرم الأكل.
أما ما مات من الحوت فليس كذلك، إذْ يجوز أكله فكيف يكون نجسا.
والله أعلم
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:24 ص]ـ
ميتة البحر مستثناة أيها الحبيب.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:25 ص]ـ
لعلك لم تفهم سبب ايرادي يا زكرياء
أول ما رأى الصحابة الحوت ميتاً ماذا قالوا؟؟
قالوا ميتة، لا أذكر اللفظ الآن، يعني كانوا يعتقدون حرمة ميتة البحر آنذاك ـ راجع لفظ الحديث ـ، أما الإدهان فادهنوا، وهل ندهن بالنجاسة للضرورة؟؟
يعني هذا ألا يدل على استقرار عدم نجاسة الميتة عندهم؟؟
* * *
وعلى ماذا يدل عدم نهي النبي صلى الله عليه وسلم لهم عن صنيعهم ذاك؟
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:32 ص]ـ
صحيح، لم أفهم مرادكم إلا الآن ...
يمكن أن يقال ما تفضلتم به .. لكن هناك أحاديث أخرى تبين نجاسة الميتة ....
كحديث: " دباغ جلود الميتة طهورها " فهي قبل الدبغ غير طاهرة؛ وإذا قيل هذا في الجلد فاللحم وما يتبع ذلك مما تحله الحياة من باب أولى وأحرى ... في أشياء أخر .. ولعل الصنعاني تردد في الحكم بنجاستها - لا أذكر، يُراجع شرحه على بلوغ المرام -.
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:33 ص]ـ
مكرر
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:39 ص]ـ
أخي الكريم أبا سلمى
ألست تقصد قصة سرية سيف البحر؟
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:40 ص]ـ
هو يقصد حديث السرية الذي رأوا العنبر ... والحديث في الصحيح.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:43 ص]ـ
أخي الكريم أبا سلمى
ألست تقصد قصة سرية سيف البحر؟
نعم
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:46 ص]ـ
وعلى ماذا يدل عدم نهي النبي صلى الله عليه وسلم لهم عن صنيعهم ذاك؟
هم لم يرتكبوا محظورا ....
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:49 ص]ـ
بعثَنا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بثلاثمائة راكب وأميرُنا أبو عبيدة، تَرْصُدُ عِيرا لقريش، فأصابنا جوع شديد، حتى أكلنا الخَبَط، فسمِّي: جيشَ الْخَبَط، وألقى البحر حوتا يقال له: العنبر، فأكلنا [منه] نصف شهر، وادَّهنَّا بوَدَكه، حتى صَلَحت أجسامنا، فأخذَ أبو عبيدة ضِلْعا من أضلاعه فنصبَه، فمرَّ الراكب تحته، وكان فينا رجل،فلما اشتد الجوع نحرَ ثلاثَ جزائر، ثم نحرَ ثلاثَ جزائر، ثم نهاه أبو عبيدة.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:53 ص]ـ
هم لم يرتكبوا محظورا ....
كانوا يعلمون بحرمة أكل الميتة
ولم يكونوا يعلمون بحكم ميتة البحر
فإذا أكلوا للضرورة
فما بالهم ادهنوا بالنجاسة؟
ولم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن الادهان بشيء يعتقدون نجاسته.
*********
ألا يدل هذا على طهارة الميتة.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:54 ص]ـ
باب (إباحة ميتات البحر). انظر شرح مسلم للنووي.
وسِيف البحر: بكسر السين وإسكان الياء
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:01 ص]ـ
باب (إباحة ميتات البحر). انظر شرح مسلم للنووي.
وسِيف البحر: بكسر السين وإسكان الياء
يا أخي التواب أنا أعلم حل ميتة البحر
إنما المطلوب النظر في إرادي
انظر مشاركتي التي قبل مشاركتك هذه ففيها زيادة توضيح.
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:02 ص]ـ
فما بالهم ادهنوا بالنجاسة؟
فما بالهم أكلوا النجاسة؟؟
فإذا أكلوا للضرورة
لكنهم أكلوا حتى قال الراوي: فأكلنا حتى سمنا، أو كلمة نحوها ...
ولم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن الادهان بشيء يعتقدون نجاسته.
*********
ألا يدل هذا على طهارة الميتة.
هم لم يرتكبوا محظورا في نفس الأمر فلماذا ينهاهم النبي صلى الله عليه وسلم.
مثال: لو فعل رجلٌ مباحا، هل أنت تسأله هل تعتقد أن هذا المباح حرام؟؟ ثم تنكر عليه؟؟ الجواب: لا، بل ما دام لم يفعل محرما فسوف لن تنكر عليه.
ألا يدل هذا على طهارة الميتة.
لم يتبين الأمر بعد، والأدلة قاضية بنجاسة الميتة، فلا يُعدل عنها إلى حديث محتمل الدلالة ..
والله أعلم
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:14 ص]ـ
إلى حديث محتمل الدلالة ..
جزاك الله خيراً
********
الحديث الثاني:
[حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبى حبيب عن عطاء بن أبى رباح عن جابر بن عبد الله - رضى الله عنهما - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح، وهو بمكة «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام». فقيل يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس. فقال «لا، هو حرام». ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك «قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه.] رواه البخاري.
********
النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة
لماذا لم يبين لهم نجاسة شحوم الميتة؟؟
* * *
أم هو دليل على طهارة الميتة؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/142)
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:23 ص]ـ
الحديث الثالث:
روى البيهقي في شعب الإيمان
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه قال: أنا موسى بن الحسن ثنا القعنبي ح
و أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم المرساني بمكة أنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثنا سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بالسوق داخلا من بعض العاليه فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: أيكم أن هذا له بدرهم قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء و ما نصنع به قال: أتحبون أنه لكم قالوا: و الله لو كان حيا لكان عيبا فيه أنه أسك فكيف و هو ميت قال: فوالله للدنيا أهون عند الله من هذا عليكم رواه مسلم في الصحيح عن القعنبي.
***********
ما هو الدافع للنبي صلى الله عليه وسلم إلى الإمساك بالنجاسة بيده الشريفة؟؟
أهي الضرورة؟؟
أم هو دليلٌ على طهارة الميتة؟؟
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:23 ص]ـ
جزاك الله خيراً
********
الحديث الثاني:
[حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبى حبيب عن عطاء بن أبى رباح عن جابر بن عبد الله - رضى الله عنهما - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح، وهو بمكة «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام». فقيل يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس. فقال «لا، هو حرام». ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك «قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه.] رواه البخاري.
********
النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة
لماذا لم يبين لهم نجاسة شحوم الميتة؟؟
قد حصل المقصود بالنهي؟؟ فأي حاجة في بيان أنها نجسة وهي معلومة من أحاديثه عليه الصلاة والسلام .. فهل كلما جاء ذكر الميتة بيَّن لهم أنها نجسة وإلا فهي طاهرة؟!
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:27 ص]ـ
قد حصل المقصود بالنهي؟؟ فأي حاجة في بيان أنها نجسة وهي معلومة من أحاديثه عليه الصلاة والسلام .. فهل كلما جاء ذكر الميتة بيَّن لهم أنها نجسة وإلا فهي طاهرة؟!
رويدك انظر الحديث الثالث أعلاه
* * *
إذن يا أخي زكرياء ممكن تبين لي متى يصح ومتى لا يصح الاستدلال بهذه القاعدة؟
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:27 ص]ـ
الحديث الثالث:
روى البيهقي في شعب الإيمان
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه قال: أنا موسى بن الحسن ثنا القعنبي ح
و أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم المرساني بمكة أنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثنا سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بالسوق داخلا من بعض العاليه فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: أيكم أن هذا له بدرهم قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء و ما نصنع به قال: أتحبون أنه لكم قالوا: و الله لو كان حيا لكان عيبا فيه أنه أسك فكيف و هو ميت قال: فوالله للدنيا أهون عند الله من هذا عليكم رواه مسلم في الصحيح عن القعنبي.
***********
ما هو الدافع للنبي صلى الله عليه وسلم إلى الإمساك بالنجاسة بيده الشريفة؟؟
أهي الضرورة؟؟
أم هو دليلٌ على طهارة الميتة؟؟
لابد من الجمع بين الأدلة .... لا الاعتماد على أحاديث وترك أحاديث أخرى ...
وللعلم فإن الحاجة قد تنزل منزلة الضرورة ...
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:31 ص]ـ
(لا، هو حرام. قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه)
أي بيان أعظم من هذا؟!
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:33 ص]ـ
(لا، هو حرام. قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه)
أي بيان أعظم من هذا؟!
يريد لماذا لم يبين لهم أنه نجس!!
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:35 ص]ـ
رويدك أبا سلمى لا تعجل علينا بالإيرادات
فالسرعة عندنا بطيئة للغاية فتمهل حتى نجيبك أخانا.
ـ[ابوسفيان المقدشى]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:43 ص]ـ
كل الميتات نجسة الاميتة الادمى والجراد والسمك
وفى مغنى المحتاج شرح منهاج الطالبين للخطيب الشربينى ما يلى
وَمَيْتَةِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ) وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمُهَا لِحُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا.
قَالَ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} وَتَحْرِيمُ مَا لَيْسَ بِمُحْتَرَمٍ وَلَا مُسْتَقْذَرٍ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ.
مغنى المحتاج ج1ص9 6 3
وفى الاقناع للخطيب الشربينى
المنفصل من (الآدمي) سواء انفصل منه في حال حياته أم بعد موته طاهر لقوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم) * وقضية التكريم أن لا يحكم بنجاسته بالموت وسواء المسلم وغيره، وأما
قوله تعالى: * (إنما المشركون نجس) * فالمراد به نجاسة الاعتقاد أو اجتنابهم كالنجس لا نجاسة الابدان.
وتحل ميتة السمك والجراد لقوله (ص): أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد والكبد
الاقناع ج1ص6 2
كلاهما حسب الشاملة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/143)
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:43 ص]ـ
معذرة على السرعة
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 03:04 ص]ـ
يريد لماذا لم يبين لهم أنه نجس!!
نعم
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 03:05 ص]ـ
أدلة نجاسة الميتة في الأصل:
الدليل الأول: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}
والمعنى: إلا أن يكون المطعوم ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس.
الثاني: تحريم بيع الميتة وثمنها كما مر في حديث جابر عند الشيخين.
قال الجمهور: العلة في تحريم البيع: نجاستها.
الثالث: حديث ابن عباس مرفوعاً: (إذا دُبِغ الإهاب فقد طَهُر)
والطهارة إنما تكون من حدث أو نجس، ولا حدث هنا.
الرابع: الإجماع الذي لم يُعرف له مخالف في القرون الأولى. كما نقله ابن رشد، وابن قدامة، وجماعة.
ويطالب من ينقضه بأن يأتينا بقول صريح لأحد السلف ممن يرى طهارتها.
وسنرد على ما يخالف هذا بإذن الله تعالى.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 03:22 ص]ـ
لابد من الجمع بين الأدلة .... لا الاعتماد على أحاديث وترك أحاديث أخرى ...
نعم وهو عين ما أرمي إليه
* * *
وللعلم فإن الحاجة قد تنزل منزلة الضرورة ...
و [دباغ جلود الميتة طهورها] قد يفهم منه صحة استعمالها.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 03:30 ص]ـ
أدلة نجاسة الميتة في الأصل:
الدليل الأول: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}
والمعنى: إلا أن يكون المطعوم ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس.
الثاني: تحريم بيع الميتة وثمنها كما مر في حديث جابر عند مسلم.
قال الجمهور: العلة في تحريم البيع: نجاستها.
الثالث: حديث ابن عباس مرفوعاً: (إذا دُبِغ الإهاب فقد طَهُر)
والطهارة إنما تكون من حدث أو نجس، ولا حدث هنا.
الرابع: الإجماع الذي لم يُعرف له مخالف في القرون الأولى. كما نقله ابن رشد، وابن قدامة، وجماعة.
ويطالب من ينقضه بأن يأتينا بقول صريح لأحد السلف ممن يرى طهارتها.
وسنرد على ما يخالف هذا بإذن الله تعالى.
1 - أليست صفة الرجس عائدة على لحم الخنزير وحده؟
2 - قولك [كما مر في حديث جابر عند مسلم. قال الجمهور: العلة في تحريم البيع: نجاستها.] بين لي وجه الدلالة من الحديث على ما ذهبوا إليه بارك الله فيك.
3 - قولك [والطهارة إنما تكون من حدث أو نجس، ولا حدث هنا.] وقد يكون معنى الطهارة صحة استعماله.
4 - قولك [الاجماع ... بقول صريح لأحد السلف ممن يرى طهارتها.] الأحاديث التي أوردتها؟
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 03:33 ص]ـ
وأما حديث مسلم: (إنما حرُم أكلها) وحديث أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن الجدي الأسكّ الميت
فإن غاية ما فيهما - فيما يظهر لي - جواز الانتفاع بالميتة على وجه لا يتعدى.
وأقول للأخ أبي سلمى: ما البيان الواضح والدليل الظاهر على نجاسة عذرة الآدمي؟
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 03:42 ص]ـ
أجيب أخي أبا سلمى وفقه الله:
1 - الضمير عائد على المطعوم (سواء كان ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير) عند الجمهور. وهو الأجود حسب السياق في نظري.
2 - وجه الدلالة عندهم حسب علمي: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ثمن الميتة وبيعها .. فلماذا إن لم يكن بسبب نجاسة العين؟!
3 - أن قولك: (معنى الطهارة: صحة استعمالها) بعيد
والأصل أن نرجع في تفسير النصوص إلى الحقائق الشرعية، والحقيقة الشرعية في الطهارة: رفع الحدث، وإزالة النجس.
4 - لا شك أن الإجماع إذا ثبت حجة شرعية قطعية مقدمة على دلالة الأحاديث كما تقرر في الأصول، بل لو وقع إجماع على خلاف نص حديث فإنه دلالة على وجود ناسخ ونحو ذلك.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 03:43 ص]ـ
وأقول للأخ أبي سلمى: ما البيان الواضح والدليل الظاهر على نجاسة عذرة الآدمي؟
أليس هو العرف؟
***********
وتواتر الحكم جيلا عن جيل؟
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 03:56 ص]ـ
أليس هو العرف؟
***********
وتواتر الحكم جيلا عن جيل؟
=====
هو الإجماع.
ولو جاءنا أهل بلدة عُرفُهم أنه ليس بنجس لما قبلنا منهم ذلك.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 04:02 ص]ـ
لم أفهم علاقة سؤالك لي بالموضوع
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 04:15 ص]ـ
علاقة السؤال
أنني أرد منهج بعض المعاصرين والمحدَثين الذين يطالبون بالدليل دوماً دون اعتبار للإجماع، ودون فقه لمعاني النصوص، وكل معولهم على الظواهر واتباع ما شذ.
نعم. الأصل اتباع الظاهر، لكننا يجب أن نجمع بين النصوص، وأن نجل استنباط السلف، وأن ننظر في ثبوت الإجماع قبل الاجتهاد المدعى.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/144)
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 04:20 ص]ـ
علاقة السؤال
أنني أرد منهج بعض المعاصرين والمحدَثين الذين يطالبون بالدليل دوماً دون اعتبار للإجماع، ودون فقه لمعاني النصوص، وكل معولهم على الظواهر واتباع ما شذ.
نعم. الأصل اتباع الظاهر، لكننا يجب أن نجمع بين النصوص، وأن نجل استنباط السلف، وأن ننظر في ثبوت الإجماع قبل الاجتهاد المدعى.
أنا لست منهم
أنا بريء منهم
اعتبرني دائماً طالبا للعلم فقط
لا غير
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 04:31 ص]ـ
أستغفر الله
لم أقصد اتهامك بذلك أخي الكريم. وفقك الله
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:06 م]ـ
ولعل الصنعاني تردد في الحكم بنجاستها - لا أذكر، يُراجع شرحه على بلوغ المرام -.
قال في " سبل السلام ": " وأما الميتة فلولا أنه ورد: " دباغ الأديم طهوره "، " وأيما إهاب دبغ فقد طهر " لقلنا بطهارتها إذ الوارد في القرآن: تحريمُ أكلها، لكن حكمنا بالنجاسة لما قام عليها دليل غير دليل تحريمها".
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 10 - 07, 03:42 م]ـ
أستغفر الله
لم أقصد اتهامك بذلك أخي الكريم. وفقك الله
معاذ الله
وأنا أيضاً لا يمكنني أن أظن أنك اتهمتني به
مستحيل
أنت أخي وشيخي
يا أبا يوسف
************
فمن أمثالكم نستفيد
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 10 - 07, 11:34 م]ـ
أحسن الله إليك أخي الأكبر أبا سلمى
وجزاك خيراً .. فقد أفدتمونا غير مرة.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[27 - 10 - 07, 01:29 ص]ـ
أحسن الله إليك أخي الأكبر أبا سلمى
وجزاك خيراً .. فقد أفدتمونا غير مرة.
جزاك الله خيراً يا ابا يوسف
****
فائدة قد تفيد من ظن أن ادهان أصحاب السفينة معناه أكل الدهن وليس الاطلاء به.
فاعلم رحمك الله وإياي أن:
(نَدَّهِنُ) فعل مضارع، ماضيه (ادَّهَنَ)، والمصدر (الادِّهان)، ومنه الحديث (ائتدموا بالزيت وادَّهِنوا به)
قال في فيض القدير: (وادهنوا به: أي اطلوا به بدنكم شعرا وبشرا ... قال ابن القيم: الدهن في البلاد الحارة (الحجاز) من أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن، وهو كالضروري لهم، وأما بالبلاد الباردة فضار، وكثرة دهن الرأس به فيه خطر بالبصر)).
منقول من هنا ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=688604)
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[12 - 11 - 07, 12:20 ص]ـ
للرفع
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 11 - 07, 01:46 ص]ـ
وفقكم الله وسدد خطاكم
نجاسة الميتة ثابتة شرعا بنصوص كثيرة، من أصرحها حديث ميمونة في البخاري مرفوعا: (ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم)، فإذا كان ما يلامس الميتة فقط يتنجس، فأحرى أن تكون الميتة أصلا نجسة، وهذا واضح.
وأما قصة سرية سيف البحر، فالجواب عنها أنه يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا؛ فالميتة لما أبيح أكلها للضرورة أبيح ما يتبع ذلك من الانتفاع بعظمها، والادهان بدهنها، ولو لم يبح الأكل الذي هو الأصل لم يبح الفرع.
والعلماء اختلفوا في القدر الذي يباح من الميتة، فالأكثرون على أنه لا يباح منها إلا قدر ما يقيم الأود فقط، وظاهر هذا الحديث يخالف ذلك؛ لأنهم أكلوا حتى سمنوا، فمن أراد أن يستدل بهذا الحديث على طهارة الميتة، فيلزمه أيضا أن يستدل به على جواز أكل الميتة لغير ضرورة؛ لأنهم ليس بهم ضرورة إلى الأكل منها حتى السمن.
والعلماء يقولون: الأمر إذا ضاق اتسع، ولا شك أن أكل الميتة أشد من الادهان بها؛ لأن الادهان بنجس يمكن إزالته عن الجسد بغسله، بخلاف الأكل فلا تستطيع أن تزيله بعد ذلك.
والادهان يكاد يكون من الضرورات أيضا عند العرب لما كان يصيبهم من تركه من الآفات بسبب الحرارة والجفاف، فنزلت الحاجة منزلة الضرورة.
والله تعالى أعلم.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[12 - 11 - 07, 02:23 م]ـ
يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا
جزاكم الله خيراً
ممكن زيادة توضيح لهذه القاعدة مع التمثيل بأمثلة أخرى؟
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 11 - 07, 02:32 م]ـ
أنسيت هذا الموضوع يا أخي الكريم؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=672006
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 - 11 - 07, 02:33 م]ـ
أنسيت هذا الموضوع يا أخي الكريم؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=672006
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 11 - 08, 08:47 م]ـ
الرابع: الإجماع الذي لم يُعرف له مخالف في القرون الأولى. كما نقله ابن رشد، وابن قدامة، وجماعة.
ويطالب من ينقضه بأن يأتينا بقول صريح لأحد السلف ممن يرى طهارتها
معذرة على تأخر الرد
قال ابن حجر في فتح الباري في [بَابُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ]:
(وَالِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ مُطْلَقًا قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ مَشْهُورٌ مِنْ مَذْهَبِ الزُّهْرِيِّ، وَكَأَنَّهُ اِخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ، وَحُجَّتُهُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا " فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا عَدَا أَكْلهَا مُبَاحٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/145)
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[21 - 11 - 08, 09:05 م]ـ
وفقكم الله وسدد خطاكم
نجاسة الميتة ثابتة شرعا بنصوص كثيرة، من أصرحها حديث ميمونة في البخاري مرفوعا: (ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم)، فإذا كان ما يلامس الميتة فقط يتنجس، فأحرى أن تكون الميتة أصلا نجسة، وهذا واضح.
آمين وإياكم
وهل الإلقاء حتماً بسبب نجاستها؟
ولماذا لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم على الضبع - آكل الجيف - أنه جلالة يجب صده عن أكل الجيف ثلاثة ايام قبل أكله؟
ألا يدل هذا على طهارة الميتة؟
عَنْ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ قُلْتُ لِجَابِرٍ: (الضبع صيد هي قال نعم قلت آكلها قال نعم قلت أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم) رواه الخمسة وصححه الترمذي
قال الشيخ الألباني رحمه الله في "إرواء الغليل": 2494 - (صحيح) وانظر "صحيح ابن ماجة" (3236)
- **أيضا حديث (الضبع صيد و فيه كبش).
تخريج السيوطي
(قط هق) عن ابن عباس.
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3900 في صحيح الجامع.
صحيح وضعيف الجامع الصغير - (ج 3 / ص 422)
/** وحديث (الضبع صيد فكلها و فيها كبش مسن إذا أصابها المحرم)
صحيح وضعيف الجامع الصغير - (ج 3 / ص 421)
تخريج السيوطي 7346
(هق) عن جابر.
تحقيق الألباني
(صحيح) انظر حديث رقم: 3899 في صحيح الجامع.
ـ[عبد الرشيد الهلالي]ــــــــ[24 - 11 - 08, 12:02 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي الكرام
إذا كان القول الصحيح هو أن الميتة من جملة النجاسات فلماذا ادهن الصحابة رضي الله عنهم من ذلك الحوت الذي أقاه البحر، مع علمهم بحرمة الميتة؟
يعني الأكل للضرورة، فما بالهم ادهنوا منها؟؟
أفيدونا جزاكم الله خيراً
الادهان ليس امرا ترفيهيا كماليا عند العرب بل قد يكون حاجيا لشدة الحر والقر بتلك البلاد،فلا
تصلح ابدانهم الا بالإدهان. فلما استحلوا أكلها وهي ميتة ــ في ظنهم ــ نجسة،ادهنوا
بشحمها، ولا شك أن الادهان أهون من الأكل. على أنه لم يرد ذكر الادهان في كثير من روايات
هذا الحديث،فلا ينبغي التمسك بلفظة مختلف في ثبوتها لنقض ما قام الاجماع
عليه.
واعلم أيها الحبيب أنه يجب عند الاستدلال اعتبار مراتب الادلة وأولها وأقواها الاجماع،فإذا وجد
الاجماع على مسألة لم يبق للمجتهد فيها كلام.
وأما أخذ النبي بأذن الجدي الميت،فأي دليل فيه على طهارة الميتة؟ أبمثل هذه المتشابهات
ترد المحكمات؟ على أنهم لا يرون نجاسة اصواف الميتة وأشعارها وقرونها. وإلزامهم بغير ذلك
تحكم نعيذكم بالله أن تأتوه.
وهب أن أوبارها و أشعارها نجسة فمن أين لك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يغسل يده منها بعد ذلك؟؟؟
ثم يا حبيب. أليس في قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أيما إهاب دبغ فقد طهر و دباغ الاديم طهوره دلالة صحيحة
على تجاسة الميتة.
و قد كانوا يدهنون بشحوم الميتة فلم نهاهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عنها ولم يرخص لهم الانتفاع بها كما رخص
لهم في الانتفاع بجلدها؟ ما ذلك الا لأن شحومها نجسة والدباغ لا يزكيها، بل لو دبغوها ما
انتفعوا بها.وهذا ظاهر لمن وفقه الله وهداه.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[24 - 11 - 08, 10:49 م]ـ
... ما قام الاجماع عليه.
واعلم أيها الحبيب أنه يجب عند الاستدلال اعتبار مراتب الادلة وأولها وأقواها الاجماع،فإذا وجد
الاجماع على مسألة لم يبق للمجتهد فيها كلام
وهل الإجماع على نجاستها وقع وثبت حقاً؟
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[24 - 11 - 08, 10:57 م]ـ
(وَالِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ مُطْلَقًا قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ مَشْهُورٌ مِنْ مَذْهَبِ الزُّهْرِيِّ، وَكَأَنَّهُ اِخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ،
لو فرضنا أن هذا القول يقدح في الإجماع، فسيكون النزاع في جلود الميتة فقط لا في جميع الميتة.
فالنزاع خاص بالجلود، فكيف يعمم في جملة الميتة؟
ـ[عبد الرشيد الهلالي]ــــــــ[24 - 11 - 08, 11:01 م]ـ
وهل الإجماع على نجاستها وقع وثبت حقاً؟
يا حبيب. قد نقل ابن حزم ــ في مراتب الاجماع ــ الاتفاق على نجاستها.
هل تعلم أحدا من أهل العلم "نص" على طهارة الميتة؟
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[24 - 11 - 08, 11:03 م]ـ
وهل الإلقاء حتماً بسبب نجاستها؟
هذا هو الظاهر الجلي، فلا يعدل عنه إلا بحجة أقوى منه.
ولماذا لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم على الضبع - آكل الجيف - أنه جلالة يجب صده عن أكل الجيف ثلاثة ايام قبل أكله؟
ألا يدل هذا على طهارة الميتة؟
إن فرضنا أن في هذا دلالة على ما تقول، فهي دلالة خفية لا تنهض أمام الأدلة القوية الأخرى في نجاسة الميتة.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[24 - 11 - 08, 11:58 م]ـ
هذا هو الظاهر الجلي
لعله ليس عند الكل.
لو فرضنا أن هذا القول يقدح في الإجماع، فسيكون النزاع في جلود الميتة فقط لا في جميع الميتة.
فالنزاع خاص بالجلود، فكيف يعمم في جملة الميتة؟
سؤال: أليس التابع تابع؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=80376
يعني يجوز لنا أن نستدل بحديث [إذا دبغ الإهاب فقد طهر] على نجاستة الميتة .. أما قول الزهري بطهارة جلدها فلا يحتج به على طهارتها؟؟
الرجاء التوضيح
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/146)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[25 - 11 - 08, 12:06 ص]ـ
وفقك الله وسدد خطاك
أولا: قد يقال الجلود هي التابعة لا المتبوعة! والتابع هو الذي يتبع المتبوع لا العكس.
ثانيا: لو فرضنا أن الجلود هي المتبوعة، فهذا لا يقدح في الإجماع المنقول؛ لأن معرفة الحكم شيء ومعرفة تعليل الحكم شيء آخر.
ثالثا: حتى لو فرضنا أنه ليس في المسألة إجماع، فأمثال هذه الضوابط إنما توضع لتسهيل الحفظ والتعلم، لا للاعتراض بها على النصوص الصريحة، ولذلك تجد لهذه القاعدة استثناءات في كتب الأشباه والنظائر، فهي أغلبية لا كلية.
رابعا: قد يقال: لا يوجد تابع ولا متبوع في هذه المسألة؛ فالدم المسفوح محرم ولا يقال إنه تابع للذبيحة مثلا.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[25 - 11 - 08, 12:12 ص]ـ
يا حبيب. قد نقل ابن حزم ــ في مراتب الاجماع ــ الاتفاق على نجاستها.
هل تعلم أحدا من أهل العلم "نص" على طهارة الميتة؟
ليتك تنضم إلى أبي مالك في الرد على استفساري واستدلالي بمذهب الزهري
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[25 - 11 - 08, 12:20 ص]ـ
وفقك الله وسدد خطاك
أولا: قد يقال الجلود هي التابعة لا المتبوعة! والتابع هو الذي يتبع المتبوع لا العكس.
ثانيا: لو فرضنا أن الجلود هي المتبوعة، فهذا لا يقدح في الإجماع المنقول؛ لأن معرفة الحكم شيء ومعرفة تعليل الحكم شيء آخر.
ثالثا: حتى لو فرضنا أنه ليس في المسألة إجماع، فأمثال هذه الضوابط إنما توضع لتسهيل الحفظ والتعلم، لا للاعتراض بها على النصوص الصريحة، ولذلك تجد لهذه القاعدة استثناءات في كتب الأشباه والنظائر، فهي أغلبية لا كلية.
رابعا: قد يقال: لا يوجد تابع ولا متبوع في هذه المسألة؛ فالدم المسفوح محرم ولا يقال إنه تابع للذبيحة مثلا.
آمين وإياكم أبا مالك
لم أقل أبداً أن الجلد متبوع بل أقول أنه تابع
وأما تعجبي فناتج عن استدلالنا بحديث [إذا دبغ الإهاب] على نجاسة الميتة وفي نفس الوقت تجدنا نمنع الاستدلال بقول الزهري بطهارة إهابها على طهارتها.
أما وقاعدة التابع والمتبوع قائمة ثابتة فقد ترد عليها استثناءات بنصوص شرعية كمثل مسألة نجاسة الدم المسفوح من المذكاة.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[25 - 11 - 08, 12:22 ص]ـ
ليتك تنضم إلى أبي مالك في الرد على استفساري واستدلالي بمذهب الزهري
وفقك الله وسدد خطاك
الأخ يقصد أنه لم ينقل عن أحد من أهل العلم طهارة الميتة هكذا بإطلاق.
ومن الأدلة على أن الزهري بين الجلود وغيرها أنه كره أكل السمكة الطافية، وليست بأعظم من الميتة اتفاقا!
فلعل مذهب الزهري إن أردنا توجيهه مبني على اعتبار جلود الميتة مثل التابع المنفصل كالأظفار والشعر، والله أعلم.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[25 - 11 - 08, 12:28 ص]ـ
لم أقل أبداً أن الجلد متبوع بل أقول أنه تابع
إذا كنت تقول بذلك فلا يمكن أن يتم استدلالك؛ لأن التابع يلحق المتبوع في الحكم لا العكس، فإذا كان الجلد تابعا فكيف تريد أن تعمم حكمه في الميتة وهي المتبوعة أصلا؟
قاعدة (التابع تابع) كيف تستعمل؟
تبدأ بالمتبوع، وتقرر حكمه بدليله، ثم تقرر أن شيئا ما تابع لهذا المتبوع، ثم تجعل لهذا التابع حكم ذاك المتبوع.
وأما تعجبي فناتج عن استدلالنا بحديث [إذا دبغ الإهاب] على نجاسة الميتة وفي نفس الوقت تجدنا نمنع الاستدلال بقول الزهري بطهارة إهابها على طهارتها.
الأدلة على نجاسة الميتة كثيرة لا تتوقف على هذا الحديث، مع أنه واضح الدلالة جدا.
هل قوله (إذا دبغ الإهاب فقط طهر) معناه أنه كان قبل الدبغ طاهرا أيضا؟
الجواب: لا يقول بذلك عاقل.
طيب إذا لم يكن طاهرا قبل الدبغ، فلماذا كان نجسا؟
الجواب: لأنه كان تابعا للميتة التي هي نجسة.
وتعجبك في غير محله؛ لأن التابع هو الذي يلحق بالمتبوع لا العكس، فتأمل.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[25 - 11 - 08, 12:34 ص]ـ
الأخ يقصد أنه لم ينقل عن أحد من أهل العلم طهارة الميتة هكذا بإطلاق.
قال ابن حجر في فتح الباري في [بَابُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ]:
(وَالِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ مُطْلَقًا قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ مَشْهُورٌ مِنْ مَذْهَبِ الزُّهْرِيِّ، وَكَأَنَّهُ اِخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ، وَحُجَّتُهُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا " فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا عَدَا أَكْلهَا مُبَاحٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى).
يعني هل يعقل أنه - رحمه الله - يبيح النجاسة لكل الاستعمالات [ما عدا الأكل]؟ مع كوننا نلقي السمن المحيط بالفأرة!
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[25 - 11 - 08, 12:37 ص]ـ
إذا كنت تقول بذلك فلا يمكن أن يتم استدلالك؛ لأن التابع يلحق المتبوع في الحكم لا العكس، فإذا كان الجلد تابعا فكيف تريد أن تعمم حكمه في الميتة وهي المتبوعة أصلا؟ ... وتعجبك في غير محله؛ لأن التابع هو الذي يلحق بالمتبوع لا العكس، فتأمل.
أنا أعلم ان التابع هو الذي يلحق المتبوع لا العكس
سؤال: كيف استدلوا على نجاسة الميتة بحديث [إذا دبغ الإهاب فقد طهر]؟ فلعل الخلل في فهمي أنا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/147)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[25 - 11 - 08, 12:55 ص]ـ
وفقك الله وسدد خطاك
ينبغي أن تتأمل كلام الحافظ ابن حجر لتعرف مراده.
توضيح المسألة كما يلي:
الحديث الذي شرحه الحافظ ابن حجر نصه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال: هلا استمتعتم بإهابها؟ قالوا: إنها ميتة. قال: إنما حرم أكلها.
فقوله (إنما حرم أكلها) يفيد إباحة ما عدا الأكل؛ لأن (إنما) للحصر، وإن قيل إنها ليست للحصر، فهي دلالة مفهوم.
ولكن ينبغي أن نسأل أنفسنا الآن: لماذا لم يقل لهم النبي صلى الله عليه وسلم: هلا انتفعتم بجميع الميتة من غير أكل؟
هل تظن أن الانتفاع غير ممكن إلا بالإهاب؟
الجواب لا؛ لأن غير الإهاب من الميتة يمكن الانتفاع به في كثير من الأمور؛ فإنه يستفاد بشحومها في السفن وغير ذلك.
ولكن لم يقل لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فدل دلالة واضحة على أن الكلام مخصوص بالإهاب فقط.
فمقصود الحافظ ابن حجر أن قوله (إنما حرم أكلها) يفيد عموم الإباحة، ولكن العموم قابله عموم آخر وهو تحريم الانتفاع بالميتة كما ثبت في حديث (أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس) فقال: (لا هو حرام).
فهذا نص صريح على أن الانتفاع بالميتة حرام، وهو عام في جميع أجزائها.
فهذان العمومان تعارضا في الظاهر، فوجب حمل العموم الأول على الإهاب إذا دبغ فقط على قول عامة أهل العلم، وعلى الإهاب فقط على قول الزهري.
أرجو أن يكون الكلام واضحا.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[25 - 11 - 08, 12:57 ص]ـ
سؤال: كيف استدلوا على نجاسة الميتة بحديث [إذا دبغ الإهاب فقد طهر]؟ فلعل الخلل في فهمي أنا
أجبت عن هذا السؤال في المشاركة 59
الخطأ باختصار أنك تجعل (حمل التابع على المتبوع) مساويا لـ (حمل المتبوع على التابع)
ـ[عبد الرشيد الهلالي]ــــــــ[25 - 11 - 08, 01:01 ص]ـ
حجة الزهري فيما ذهب اليه حديث شاة ميمونة {افلا استمتعتم بإهابها ... إنما حرم أكلها} وهذا مطلق وقد جاءت
الاحاديث بتقييد جواز الانتفاع بالدبغ.أفلا ينبغي حمل المطلق على المقيد؟
قد قال {ما أبين من الحية فهو ميتة} فما أنت قائل فيما أبين من الميتة؟
لا شك أنه ميتة!
فإذا جاء النص الثابت {ايما اهاب دبغ فقد طهر} يبين أن جلد الميتة نجس لا يطهر الا بالدباغ.أتراك تعارضه بقول
الزهري وهو قول لم يشايعه عليه من المتقدمين أحد؟ على أن له في التأويل وجه،وذلك أن يقال إنه أراد جواز الانتفاع به في غير الاستعمال وذلك ببيعه مثلا.
وما زلت أنتظر أن تذكر لنا من من العلماء المتقدمين" نص" على طهارة الميتة.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[25 - 11 - 08, 01:04 ص]ـ
فإذا جاء النص الثابت {ايما اهاب دبغ فقد طهر} يبين أن جلد الميتة نجس لا يطهر الا بالدباغ.أتراك تعارضه بقول الزهري وهو قول لم يشايعه عليه من المتقدمين أحد؟
وفقك الله وسدد خطاك
ليس الكلام عن ترجيح مذهب الزهري، وإنما عن ثبوت الإجماع المنقول.
والحاصل هنا أن قول الزهري لا يقدح في الإجماع على نجاسة الميتة؛ لأن كلامه مخصوص بالجلود فقط.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[25 - 11 - 08, 01:49 ص]ـ
أجبت عن هذا السؤال في المشاركة 59
الخطأ باختصار أنك تجعل (حمل التابع على المتبوع) مساويا لـ (حمل المتبوع على التابع)
إذن هنا سيصير دوراً [في حلقة مغلقة]، ولن أستطيع المواصلة أبداً!
وأنا لا أجعل (حمل التابع على المتبوع) مساويا لـ (حمل المتبوع على التابع أبداً.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[25 - 11 - 08, 02:02 ص]ـ
إذن هنا سيصير دوراً [في حلقة مغلقة]، ولن أستطيع المواصلة أبداً!
الأمر يسير جدا:
أنت تريد أن تعمم قول الزهري في الإهاب على جميع أجزاء الميتة، فماذا تسمي هذا؟
هل هو من:
1 - حمل التابع على المتبوع
أو من
2 - حمل المتبوع على التابع؟
هذا هو السؤال، أجب عنه فقط باختيار (1) أو (2).
وأنا لا أجعل (حمل التابع على المتبوع) مساويا لـ (حمل المتبوع على التابع أبداً.
إذن فيا ليتك توضح كلامك.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[25 - 11 - 08, 06:10 ص]ـ
معذرة على تأخر الرد
قال ابن حجر في فتح الباري في [بَابُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ]:
(وَالِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ مُطْلَقًا قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ مَشْهُورٌ مِنْ مَذْهَبِ الزُّهْرِيِّ، وَكَأَنَّهُ اِخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ، وَحُجَّتُهُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا " فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا عَدَا أَكْلهَا مُبَاحٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى).
وهل هذا قول صريح أخي الكريم؟
ـ[عبد الرشيد الهلالي]ــــــــ[25 - 11 - 08, 10:42 ص]ـ
وفقك الله وسدد خطاك
والحاصل هنا أن قول الزهري لا يقدح في الإجماع على نجاسة الميتة؛ لأن كلامه مخصوص بالجلود فقط.
بارك الله فيك .... هذا الذي أردته من قولي.لأن صاحبنا إذا سلم له القول بجواز الانتفاع بجلد الميتة جعله تكأة للقول بطهارته وطهارة مظروفه. وهو الذي ننازعه فيه، ونطالبه أن يأتينا بنص عن متقدم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/148)
ـ[أبوالوليد السلفي]ــــــــ[25 - 11 - 08, 05:52 م]ـ
هل الانتفاع بجلد الميتة = طهارتها؟؟؟
لا يلزم , فجلد الميتة لا يطهر بالدباغ في مذهب الإمام أحمد, ويباح استعماله في يابس من حيوان طاهر في الحياة.
وعلى هذا فلا يلزم مما نقله ابن حجر عن الزهري أنه يقول بطهارة جلد الميتة فضلاً عن طهارة الميتة نفسها. والله أعلم.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[26 - 11 - 08, 12:33 ص]ـ
هذه مشاركتكم رقم 59 التي احلتموني إليها يا أبا مالك - حفظكم الله -
...
... (إذا دبغ الإهاب فقط طهر) معناه أنه كان قبل الدبغ طاهرا أيضا؟
الجواب: لا يقول بذلك عاقل.
طيب إذا لم يكن طاهرا قبل الدبغ، فلماذا كان نجسا؟
الجواب: لأنه كان تابعا للميتة التي هي نجسة.
وتعجبك في غير محله؛ لأن التابع هو الذي يلحق بالمتبوع لا العكس، فتأمل.
ما الفرق بين استدلالي بمذهب الزهري وبين استدلالكم انتم بهذا الحديث
- وأنا أقول [بناءاً على مذهب الزهري القائل بطهارة جلدها]
طيب إذا لم يكن نجساً قبل الدبغ، فلماذا كان طاهراً
الجواب: لأنه كان تابعاً للميتة التي هي طاهرة.
........
ما الفرق بين استدلالي واستدلالكم؟ من أجل هذا أنا أتعجب من تفريقكم.
كيف تعجبي في غير محله؟ أليس الاستدلال هو نفسه؟
.......
أم أن مذهب الزهري هذا سيلغي الإجماع الذي نقله ابن حزم؟
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[26 - 11 - 08, 12:41 ص]ـ
طيب إذا لم يكن نجساً قبل الدبغ، فلماذا كان طاهراً
الجواب: لأنه كان تابعاً للميتة التي هي طاهرة.
لم يقل أحد من العقلاء إن الجلد طاهر لأنه تابع للميتة التي هي طاهرة!!
حتى الزهري ومن وافقه إنما يقولون: إن الجلد مستثنى من جملة الميتة.
ألم أقل لك إنك تخلط بين المسألتين؟!
سأشرحها لك مرة أخرى:
أنت تقول: الجلد تابع للميتة، والجلد طاهر، إذن الميتة طاهرة! [هذا كلامك]
وهذا فيه حمل الميتة (المتبوع) على الجلد (التابع)، وهذا هو الخطأ الذي ذكرته لك مرارا.
نحن نقول: الميتة نجسة، والجلد تابع لها، إذن فهو نجس! (ما لم يدبغ)
وهذا فيه حمل الجلد (التابع) على الميتة (المتبوع)، وهذا هو الإعمال الصحيح للقاعدة.
هل لاحظت الفرق الآن؟
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[26 - 11 - 08, 12:43 ص]ـ
فلعل مذهب الزهري إن أردنا توجيهه مبني على اعتبار جلود الميتة مثل التابع المنفصل كالأظفار والشعر، والله أعلم.
1 - لماذا نريد توجيه مذهب الزهري ولا نريد أن نقول أن الإجماع غير ثابت؟
2 - لماذا أمام حديث [إذا دبغ الإهاب فقد طهر] يتغير الموقف؛ فنستدل به على نجاسة الميتة ولا نعتبر كون جلود الميتة مثل التابع المنفصل كالدم المسفوح؟
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[26 - 11 - 08, 12:48 ص]ـ
نحن نقول: الميتة نجسة، والجلد تابع لها، إذن فهو نجس! (ما لم يدبغ)
أنا لا اقصد هذا هذا كلام واضح بين
إنما أقصد الاستدلال بحديث [إذا دبغ الإهاب] على نجاسة الميتة.
كيف استدلوا بنجاسة الإهاب على نجاسة الميتة؟
الرجاء اجيبوني كيف استدلوا به؟
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[26 - 11 - 08, 12:49 ص]ـ
1 - لماذا نريد توجيه مذهب الزهري ولا نريد أن نقول أن الإجماع غير ثابت؟
سواء وجهنا مذهب الزهري أو لم نوجهه، فالإجماع ثابت في غير الجلد قولا واحدا.
2 - لماذا أمام حديث [إذا دبغ الإهاب فقد طهر] يتغير الموقف؛ فنستدل به على نجاسة الميتة ولا نعتبر كون جلود الميتة مثل التابع المنفصل كالدم المسفوح؟
وفقك الله!
لو تفكرت قبل أن تكتب هذا الكلام لما صدر منك!
لأن التابع المنفصل أصلا لا يختلف عن التابع المتصل إلا على القول بطهارته!
فلو قلنا إن المنفصل طاهر، فلا معنى لكونه يطهر بالدباغ أصلا؛ لأنه طاهر ابتداء!
قوله (إذا دبغ الإهاب فقد طهر) أنت تقول: هذا معناه أنه أصلا طاهر سواء دبغ أو لم يدبغ.
وهذا الكلام يتنزه عنه آحاد العقلاء فضلا عن أفصح الخلق.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[26 - 11 - 08, 12:50 ص]ـ
حتى الزهري ومن وافقه إنما يقولون: إن الجلد مستثنى من جملة الميتة.
مستثنى؟؟
يعني أن الزهري يقول بنجاسة الميتة؟ ممكن تذكرون لنا من نقل عنه القول بنجاستها؟
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[26 - 11 - 08, 12:54 ص]ـ
قوله (إذا دبغ الإهاب فقد طهر) أنت تقول: هذا معناه أنه أصلا طاهر سواء دبغ أو لم يدبغ.
وهذا الكلام يتنزه عنه آحاد العقلاء فضلا عن أفصح الخلق.
سبحان الله
قوله صلى الله عليه وسلم (إذا دبغ الإهاب فقد طهر) أنا لم أستدل به لا على طهارة ولا على نجاسة.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[26 - 11 - 08, 12:57 ص]ـ
لأن التابع المنفصل أصلا لا يختلف عن التابع المتصل إلا على القول بطهارته!
فلو قلنا إن المنفصل طاهر، فلا معنى لكونه يطهر بالدباغ أصلا؛ لأنه طاهر ابتداء!.
كلامكم مسلم به فقط إذا سلمت لكم بنجاسة الميتة.
وهل التطهير بالدباغ معناه حتماً التطهير من النجاسة؟
ألا يكون معنى التطهير في الحديث هنا الذكاة؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/149)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[26 - 11 - 08, 01:00 ص]ـ
إنما أقصد الاستدلال بحديث [إذا دبغ الإهاب] على نجاسة الميتة.
كيف استدلوا بنجاسة الإهاب على نجاسة الميتة؟
الرجاء اجيبوني كيف استدلوا به؟
لم يستدلوا بنجاسة الإهاب على نجاسة الميتة، وإنما استدلوا بدليل الخطاب، مع الأدلة الأخرى.
إذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دبغ الإهاب فقد طهر)
فهل هذا معناه أن الميتة نفسها طاهرة من غير دباغ؟!
هذا لا يمكن أن يصدر من عاقل، فضلا عن سيد الخلق.
يعني هل تظن أن مقصود الرسول أن (الميتة نفسها طاهرة، ولكن جلدها هو النجس، ولذلك يطهر بالدباغ)!
هل هذا هو ما تفهمه من الحديث؟
النصوص الشرعية ينبغي أن تفهم بناء على فهم العرب للكلام، لا بناء على فهم الأعاجم.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[26 - 11 - 08, 01:02 ص]ـ
مستثنى؟؟
يعني أن الزهري يقول بنجاسة الميتة؟ ممكن تذكرون لنا من نقل عنه القول بنجاستها؟
هذا مفهوم من صنيعه، لأمور:
أولا: أنه سئل عن جلود النمور، فقال: رخص النبي صلى الله عليه وسلم في جلود الميتة.
فقوله: رخص، معناه أن هذا مستثنى كما هو واضح.
ثانيا: أنه سئل عن السمكة الطافية فكرهها، فدل هذا على أن الأصل عنده نجاسة الميتة.
ثالثا: المنقول عنه إباحة جلود الميتة، والعاقل الذي يرى طهارة الميتة لا يمكن أن يفتي بالترخيص في جلود الميتة فقط، فتأمل.
رابعا: لا نحتاج في كل إجماع منقول أن ننقله عن كل فرد فرد من العلماء؛ لأنه لا يوجد شيء مثل هذا أصلا في الشريعة، وقد نقلوا عنه الخلاف في الجلود، وهو من أئمة التابعين المشهورين بالعلم والفتوى، فلو كان له قول بذلك لاشتهر لمخالفته لما هو معروف عند العلماء.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[26 - 11 - 08, 01:04 ص]ـ
سبحان الله
قوله صلى الله عليه وسلم (إذا دبغ الإهاب فقد طهر) أنا لم أستدل به لا على طهارة ولا على نجاسة.
دعك من هذا، فأنا أسألك عن اعتقادك لمعنى الحديث، لا عن استدلالك.
أسألك فقط: ما معنى هذا الحديث؟
عندنا احتمالان لا ثالث لهما:
- الأول: أنه إذا دبغ فقد طهر وإذا لم يدبغ لم يطهر
- الثاني: أنه سواء دبغ أو لم يدبغ لم يطهر
فإما أن تختار واحدا من هذين المعنيين، وإما أن تقول إن للحديث معنى ثالثا.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[26 - 11 - 08, 01:11 ص]ـ
كلامكم مسلم به فقط إذا سلمت لكم بنجاسة الميتة.
كلامي عام لا يتعلق بنجاسة الميتة مطلقا!!
يوجد شيء اسمه التابع المتصل، وشيء اسمه التابع المنفصل [هل هذا له علاقة بنجاسة الميتة؟]
طيب: إما أن نقول: المنفصل والمتصل سواء، وإما أن نقول ليسا سواء [هل هذا له علاقة بنجاسة الميتة؟]
الآن: إن قلنا هما ليسا بسواء، ففيم اختلافهما؟!
إما أن نقول: اختلافهما في الطهارة والنجاسة وإما في شيء آخر.
فإن كان في الطهارة والنجاسة فقد ثبت المطلوب.
وإن كان في شيء آخر، فأنت لم تذكره.
وهل التطهير بالدباغ معناه حتماً التطهير من النجاسة؟
ألا يكون معنى التطهير في الحديث هنا الذكاة؟
هل ورد استعمال التطهير في الشرع بمعنى (الذكاة)؟
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[26 - 11 - 08, 01:17 ص]ـ
هل ورد استعمال التطهير في الشرع بمعنى (الذكاة)؟
قال صلى الله عليه وسلم: " إذا دُبِغَ الإهاب فقد طهر"، " دباغ الأديم طهوره " وثبت عنه أيضاً: (دباغ الأديم ذكاته) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى والدارقطني في سننه وغيرهم.
السؤال:
- أفلا تصبح عبارة الطهارة مفسرة بالذكاة هنا؟
- يعني أنه يدل على أن طهر ليس معناه أنه كان نجساً وإنما يدل على أن الدباغ بمنزلة الذكاة؟
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[26 - 11 - 08, 01:19 ص]ـ
ما الفرق بين الذكاة والتطهير من النجاسة؟
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[26 - 11 - 08, 09:09 ص]ـ
ما الفرق بين الذكاة والتطهير من النجاسة؟
يا أبا مالك ما مناسبة هذا السؤال هنا؟
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[26 - 11 - 08, 02:46 م]ـ
مناسب جدا للمقام، فالعلماء فسروا التطهير في الحديث على أنه التطهير من النجاسة، وأنت تفسره على أنه التذكية.
فلو لم يكن هناك فرق بينهما، فلا حجة لك في الرواية التي ذكرتها.
وإن كان هناك فرق بينهما، فاذكره؛ لأن ذكرك له سيظهر كثيرا من الأمور التي قد تخفى علينا وعليك.
وأنا أقول: إن هناك فرقا بينهما، ولكن المطلوب هو وجهة نظرك أنت حتى نناقشك على أساسها.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[26 - 11 - 08, 03:00 م]ـ
مناسب جدا للمقام، فالعلماء فسروا التطهير في الحديث على أنه التطهير من النجاسة، وأنت تفسره على أنه التذكية.
فلو لم يكن هناك فرق بينهما، فلا حجة لك في الرواية التي ذكرتها.
وإن كان هناك فرق بينهما، فاذكره؛ لأن ذكرك له سيظهر كثيرا من الأمور التي قد تخفى علينا وعليك.
وأنا أقول: إن هناك فرقا بينهما، ولكن المطلوب هو وجهة نظرك أنت حتى نناقشك على أساسها.
دباغ الأديم طهوره = دباغ الأديم ذكاته
النتيجة: طهوره = ذكاته، يعني التطهير هنا معناه التذكية.
التفسير ليس من عندي أنا، النصوص فسرت نفسها.
........
والفرق بين الذكاة والتطهير من النجاسة أن المذكى غير نجس قبل التذكية ولا بعدها
أما المطهَّر من النجاسة فنجس قبل التطهير.
- وأما إذا كان معنى التطهير في الحديث التذكية - كمسألتنا هذه - فلا أظن أن هناك داعي للسؤال عن الفرق.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/150)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[26 - 11 - 08, 03:33 م]ـ
والفرق بين الذكاة والتطهير من النجاسة أن المذكى غير نجس قبل التذكية ولا بعدها
جميل جدا
إذن فالمذكى طاهر قبل التذكية وبعدها، فلم تفده التذكية طهارة.
والآن:
ما الذي تظن أن المذكى استفاده من التذكية؟
ـ[عبد الرشيد الهلالي]ــــــــ[26 - 11 - 08, 06:53 م]ـ
لننخل ما طحنتموه فأقول:
لقد قام الاجماع على طهارة حي الانعام، فإذا نفق لم يحل الانتفاع بشيء منه مما تحله الحياة، واستثنوا من
ذلك جلده. فأجاز الجمهور الانتفاع به بعد دبغه، ومنعه آخرون مطلقا، وعن الزهري القول بجواز الانتفاع به مطلقا.!
ثانيا: الحياة علة الطهارة، وسلبها موجب لثبوت ضدها. ولذلك أجمعوا على نجاسة ميتة الانعام، حكاه غير واحد من أهل العلم ..
فإن قيل:قد خالف في ذلك الزهري، فأجاز الانتفاع بجلد الميتة قبل الدباغ وبعده!! ولا يجوز الانتفاع به الا وهو طاهر
و إذا ثبتت طهارته ثبتت طهارة متبوعه "اللحم"!!!
قيل له:هذا شيء حكاه عنه معمر وخالفه الحفاظ من أصحاب الزهري فرووا عنه مثل قول الجمهور،وروايتهم
مقدمة على رواية معمر، فإن أبيت إلا التنزل قيل لك:تعارض مثل هاتين الروايتين موجب لسقوطهما،وقد قال
حماد بن سلمة: {إذا جاءك عن رجل حديثان مختلفان لا تدري الناسخ منهما من المنسوخ، ولا الأول من الآخر
فلم يجئك عنه شيء} وهذا بين إن شاء الله.
فإن قيل: قد جاء في حديث {دباغ الأديم ذكاته} والذكاة لا تعمل الا في طاهر.!
قيل: هذا دفع للواضحات بالمشكلات، والمبينات بالمبهمات، و لو سلم سنده من العلة لكان في مجيئه من طريق
آخر بلفظ {دباغ الأديم طهوره} ما يوجب حمل ذاك على هذا.والله أعلم.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[26 - 11 - 08, 11:54 م]ـ
جميل جدا
إذن فالمذكى طاهر قبل التذكية وبعدها، فلم تفده التذكية طهارة.
والآن:
ما الذي تظن أن المذكى استفاده من التذكية؟
استفاد جواز الأكل إذا كان من المأكولات
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[27 - 11 - 08, 12:02 ص]ـ
لننخل ما طحنتموه فأقول:
لقد قام الاجماع على طهارة حي الانعام، فإذا نفق لم يحل الانتفاع بشيء منه مما تحله الحياة ...
قبل أن أتم لدي هنا وقفة ..
يعني لا يجوز له حتى إطعامها لكلابه؟
أليس في عام الفتح قال النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ) رواه البخاري.
أليس دليلاً صريحاً على أن الصحابة لم يكونوا يرون نجاسة الميتة وهذا عام الفتح
فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله (لَا هُوَ حَرَامٌ؛ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ)
أليس المقصود بالحرام هنا هو بيعها فقط؟
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[27 - 11 - 08, 12:42 ص]ـ
استفاد جواز الأكل إذا كان من المأكولات
ما معنى هذا القيد؟
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[27 - 11 - 08, 12:47 ص]ـ
أليس دليلاً صريحاً على أن الصحابة لم يكونوا يرون نجاسة الميتة وهذا عام الفتح
فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله (لَا هُوَ حَرَامٌ؛ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ)
أليس المقصود بالحرام هنا هو بيعها فقط؟
هل قال هذا أحد من العقلاء؟! فضلا عن العلماء؟
يحرم بيعها، ولا يحرم طلاء السفن بها؟
يحرم بيعها ولا يحرم الادهان بها؟
يحرم بيعها ولا يحرم استصباح الناس بها؟
ألم أقل لك إن العبرة في فهم النصوص الشرعية هو فهم العرب لا العجم.
ـ[عبد الرشيد الهلالي]ــــــــ[27 - 11 - 08, 02:05 ص]ـ
قبل أن أتم لدي هنا وقفة ..
ليتك ما وقفت! لقد كانت وقفة المؤوهة!
يعني لا يجوز له حتى إطعامها لكلابه؟
يا حبيب.أما أهل العلم فقد اتفقوا على جواز ذلك. فإن كنت ترى أن الكلاب مخاطبة بفروع
الشريعة فذلك أمر آخر!!
أليس في عام الفتح قال النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ) رواه البخاري.
أليس دليلاً صريحاً على أن الصحابة لم يكونوا يرون نجاسة الميتة وهذا عام الفتح
**دليلا صريحا؟؟ سبحان الله! لقد كان النبي في حجته هذه يتحدث الى أقوام لم يروه قبلها ولم يروه بعدها ... وهذا الحديث بالذات قاله جوابا لرجال من البحرين سألوه عن دهن سفنهم بشحم الميتة!!.أم تراك أيضا تقول إن الصحابة لم يكونوا قبل حجة الوداع يعلمون حرمة بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام؟؟ هذا لعمري في القياس شنيع!!
فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله (لَا هُوَ حَرَامٌ؛ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ)
أليس المقصود بالحرام هنا هو بيعها فقط
بلى! قد فهمه كذلك بعض أهل العلم،ولكنه ليس "فقط "!! فالأكثرون قدروه ب "الانتفاع"حرام.
؟
ماذا لو تفضلت يا أبا سلمى وأتممت التعليق على كلام أخيك عبد الرشيد.؟ فإذا فرغت عجت
على هذا السؤال: (لم أمر النبي في الفأرة تسقط في السمن بالذي أمر به؟)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/151)
ـ[عبد الرشيد الهلالي]ــــــــ[27 - 11 - 08, 02:18 ص]ـ
هل قال هذا أحد من العقلاء؟! فضلا عن العلماء؟
يحرم بيعها، ولا يحرم طلاء السفن بها؟
يحرم بيعها ولا يحرم الادهان بها؟
يحرم بيعها ولا يحرم استصباح الناس بها؟
ألم أقل لك إن العبرة في فهم النصوص الشرعية هو فهم العرب لا العجم.
يا أبا مالك! تمالك! أما هذا فقد قال به "بعض" العقلاء والعلماء وليسوا من العجم.!! بل فيهم
الصحابي والتابعي والفقيه اللوذعي!!
وفي مداخلتي السابقة جواب سؤاله فانظره إن شئت.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[27 - 11 - 08, 10:53 ص]ـ
هل قال هذا أحد من العقلاء؟! فضلا عن العلماء؟
يحرم بيعها، ولا يحرم طلاء السفن بها؟
يحرم بيعها ولا يحرم الادهان بها؟
يحرم بيعها ولا يحرم استصباح الناس بها؟
ألم أقل لك إن العبرة في فهم النصوص الشرعية هو فهم العرب لا العجم.
قَوْله: (فَقَالَ: لَا هُوَ حَرَام)
أَيْ الْبَيْع، هَكَذَا فَسَّرَهُ بَعْض الْعُلَمَاء كَالشَّافِعِيِّ وَمَنْ اِتَّبَعَهُ
راجع فتح الباري مثلاً تجد ابن حجر ينقله عن العلماء والعقلاء
ثم يقول بعده [وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ قَوْله " وَهُوَ حَرَام " عَلَى الِانْتِفَاع فَقَالَ: يَحْرُم الِانْتِفَاع بِهَا وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْعُلَمَاء، فَلَا يُنْتَفَع مِنْ الْمَيْتَة أَصْلًا عِنْدهمْ إِلَّا مَا خُصَّ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ الْجِلْد الْمَدْبُوغ]
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[27 - 11 - 08, 07:57 م]ـ
يا حبيب.أما أهل العلم فقد اتفقوا على جواز ذلك. فإن كنت ترى أن الكلاب مخاطبة بفروع
الشريعة فذلك أمر آخر!!
كلامي واضح أنه في مسألة جواز الانتفاع بالميتة .. وإطعامها كلابنا داخل في عموم الانتفاع بها
فلا داعي لتقويلي ما لم أقل ولا داعي لشيء آخرَ غيرَ نفعي بعلمك
يا حبيب
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[28 - 11 - 08, 05:45 ص]ـ
استفاد جواز الأكل إذا كان من المأكولات
وإن لم يكن من المأكولات فماذا استفاد؟
يبدو لي أنك عرفت الآن إلام كنت أرمي من سؤالي.
الآن ليس أمامك إلا خيار من ثلاثة:
الأول: أن تقول: يجوز أكل جلد الميتة، وحينئذ تناقض النص الذي تستدل به (إنما حرم أكلها).
الثاني: أن تقول: لا يجوز أكل جلد الميتة، وتفسر الذكاة بمعنى جواز الأكل، وحينئذ يلزمك أن لا تفسر الطهارة في الحديث بالذكاة.
الثالث: أن تقول: لا يجوز أكل جلد الميتة، وتفسر الذكاة بمعنى التطهير، وبهذا ترجع عن قولك إلى قول الجمهور.
فإن كان عندك مخرج رابع فتفضل بذكره، وإلا فعليك أن تختار واحدا من هذه الثلاثة.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[29 - 11 - 08, 09:40 ص]ـ
دباغ الأديم طهوره = دباغ الأديم ذكاته
طهوره = ذكاته
سؤال:
وإن لم يكن من المأكولات فماذا استفاد؟
....... فإن كان عندك مخرج رابع فتفضل بذكره، وإلا فعليك أن تختار واحدا من هذه الثلاثة.
الجواب: ليس حتماً يا أبا مالك
الفائدة التي نستفيدها من دبغ الجلد هي الفائدة التي نستفيدها من ذكاة المذكَى.
يعني استفاد جواز الانتفاع به بما تجيزه الذكاة في المُذَكى؛ فيجوز بيعه أيضاً بعدَ أن كان بيعه محرَّماً.
انظر مثلاً التمهيد لابن عبد البر: [قال أبو عبد الله: وسائر من ذكرنا جعلها طاهرة بعد الدباغ وأطلق الانتفاع بها في كل شيء وهو القول الذي نختاره ونذهب إليه.
قال أبو عمر:
قوله أطلق الانتفاع بها في كل شيء يعني الوضوء فيها والصلاة فيها وبيعها وشراءها وسائر وجوه الانتفاع بها وبثمنها "كالجلود" المذكاة سواء. "وعلى هذا أكثر أهل العلم بالحجاز والعراق من أهل الفقه والحديث وممن قال بهذا الثوري والأوزاعي و عبد الله بن الحسن العنبري والحسن بن حي وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهما وهو قول داود بن علي والطبري وإليه ذهب ابن وهب صاحب مالك كل هؤلاء يقولون دباغ الإهاب طهوره للصلاة والوضوء والبيع وكل شيء"].
ـ[عبد الرشيد الهلالي]ــــــــ[29 - 11 - 08, 12:30 م]ـ
دباغ الأديم طهوره = دباغ الأديم ذكاته
طهوره = ذكاته
سؤال:
فيجوز بيعه أيضاً بعدَ أن كان بيعه محرَّماً.
الله المستعان.
لماذا كان بيعه قبل الدبغ محرما؟
تقول:لأنه غير مذكى!
طيب. فيقال: وغير المذكى لماذا يحرم بيعه؟
فإما أن تقول ــ كما نقول ــ يحرم بيع غير المذكى لأنه نجس والعين النجسة يحرم بيعها باجماع
أو تقول: لأنه يحرم أكله،وما حرم أكله حرم بيعه! وتقف عند النص غير ملتفت الى علة في
ذلك ولا حكمة. فيبطل الكلام معك في هذه المسألة،وتناظر في مسألة علة الحكم و حكمته،
واثبات القياس ونفيه.
أما نحن فإنانقول: إن في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. (طهور الأديم دباغه) بيان العلة التي أوجبت حرمة أكله
وبيعه وهي النجاسة.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[29 - 11 - 08, 01:28 م]ـ
يا أخي الفاضل
ماذا تعني بقولك (الفائدة التي نستفيدها من دبغ الجلد هي الفائدة التي نستفيدها من ذكاة المذكى)؟
أجبني بوضوح عن سؤالي الذي ذكرته سابقا، هل يجوز أكل الجلد المدبوغ؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/152)
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[29 - 11 - 08, 03:43 م]ـ
يا أخي الفاضل
ماذا تعني بقولك (الفائدة التي نستفيدها من دبغ الجلد هي الفائدة التي نستفيدها من ذكاة المذكى)؟
أجبني بوضوح عن سؤالي الذي ذكرته سابقا، هل يجوز أكل الجلد المدبوغ؟
الجواب بوضوح: أصلاً أنا شخصياً لم أسمع ببشرٍ يستطيعون أكل تلك الجلود المدبوغة.
أما سؤالكم عن معنى قولي (الفائدة التي نستفيدها من دبغ الجلد هي الفائدة التي نستفيدها من ذكاة المذكى)
فهو موجود في مشاركتي أعلاه فقد قلتُ: (الفائدة التي نستفيدها من دبغ الجلد هي الفائدة التي نستفيدها من ذكاة المذكَى.
يعني استفاد جواز الانتفاع به بما تجيزه الذكاة في المُذَكى؛ فيجوز بيعه أيضاً بعدَ أن كان بيعه محرَّماً).
ونقلت لكم كلام ابن عبد البر
فأعني أنه كما أنه لا يجوز لنا بيع الحيوان [1] الذي خرجت روحه بلا تذكية فكذلك لا يجوز بيع الجلد قبل الدباغ؛ فالذكاة هي التي تجوِّزُ لنا بيع الحيوان المذكى [2]، وكذلك هو الأمر بالنسبة للدباغ فإنه هو الذي يجوِّزُ لنا بيع جلد الميتة. هذا مما نستفيده من حديث (دباغ الأديم ذكاته).
.........
[1] وأقصد الذي لا يحل أكله إلا بالذكاة
[2] إذ أنه لا يجوز بيع الميتة
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[29 - 11 - 08, 04:03 م]ـ
الله المستعان
الله المستعان.
لماذا كان بيعه قبل الدبغ محرما؟
تقول:لأنه غير مذكى!
لا! بل لأنه غير مدبوغ فقط؛ فلا يحتاج إلى ذبح
فجلد غير المذكى يجوز بيعه بعد الدبغ لأن (دباغ الأديم ذكاته).
يعني دباغ أديم الميتة بمنزلة تذكية الحيوان.
طيب. فيقال: وغير المذكى لماذا يحرم بيعه؟
فإما أن تقول ــ كما نقول ــ يحرم بيع غير المذكى لأنه نجس والعين النجسة يحرم بيعها باجماع
لا يمكنني قوله ولا يمكنك الاستدلال به لأنه أصل الخلاف بيننا
أو تقول: لأنه يحرم أكله،وما حرم أكله حرم بيعه! وتقف عند النص غير ملتفت الى علة في
ذلك ولا حكمة.
فيبطل الكلام معك في هذه المسألة،وتناظر في مسألة علة الحكم و حكمته،
واثبات القياس ونفيه.
ومتى اتفقتُ معك أنا أن ما حرم أكله حرم بيعه؟ ألا يجوز بيع الرقيق [البشر] مع تحريم أكلهم؟
أما نحن فإنانقول: إن في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. (طهور الأديم دباغه) بيان العلة التي أوجبت حرمة أكله
وبيعه وهي النجاسة.
نعم هذا أمر واضح هذا هو قولك أنا عارف
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[29 - 11 - 08, 04:14 م]ـ
الجواب بوضوح: أصلاً أنا شخصياً لم أسمع ببشرٍ يستطيعون أكل تلك الجلود المدبوغة.
وفقك الله وسدد خطاك
هذا ليس بجواب عن السؤال، السؤال هو: هل يجوز أو لا يجوز؟
أجب فقط بـ (يجوز) أو (لا يجوز)
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[29 - 11 - 08, 04:34 م]ـ
وفقك الله وسدد خطاك
هذا ليس بجواب عن السؤال، السؤال هو: هل يجوز أو لا يجوز؟
أجب فقط بـ (يجوز) أو (لا يجوز)
جوابي هو: لا يجوز أكل جلد الميتة وإن دبغ
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[29 - 11 - 08, 05:24 م]ـ
ممتاز جدا
الآن راجع مشاركتك التي ذكرت فيها أن قوله صلى الله عليه وسلم (دباغ الأديم طهوره) لا يعني به التطهير من النجاسة وإنما يعني به الذكاة.
فهذا الكلام لا يصح إلا إن كان هناك فرق بين (التطهير من النجاسة) و (الذكاة)
والفرق الوحيد بينهما هو جواز الأكل، وأنت نفيت جواز الأكل، فسقط هذا الفرق.
فهل هناك فرق بينهما، أرجو أن تجيب عن هذا السؤال فقط.
باختصار: هل هناك شيء في (الذكاة) يختلف عن (التطهير من النجاسة) بخلاف جواز الأكل؟
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[29 - 11 - 08, 09:45 م]ـ
ممتاز جدا
الآن راجع مشاركتك التي ذكرت فيها أن قوله صلى الله عليه وسلم (دباغ الأديم طهوره) لا يعني به التطهير من النجاسة وإنما يعني به الذكاة.
فهذا الكلام لا يصح إلا إن كان هناك فرق بين (التطهير من النجاسة) و (الذكاة)
والفرق الوحيد بينهما هو جواز الأكل، وأنت نفيت جواز الأكل، فسقط هذا الفرق.
فهل هناك فرق بينهما، أرجو أن تجيب عن هذا السؤال فقط.
باختصار: هل هناك شيء في (الذكاة) يختلف عن (التطهير من النجاسة) بخلاف جواز الأكل؟
كأنني أجبتك من قبل على هذا السؤال
والفرق بين الذكاة والتطهير من النجاسة أن المذكى غير نجس قبل التذكية ولا بعدها
أما المطهَّر من النجاسة فنجس قبل التطهير.
أم انني لم أفهم سؤالك؟
أبا مالك في الأول أنا قلت أن دباغ جلد الميتة بمنزلة ذكاة الحيوان، وهذا ليس من عندي، إنما الأحاديث النبوية فسرت بعضها قال النبي صلى الله عليه وسلم (دباغ الأديم ذكاته)، فسألتني عما يستفاد من تفسير الدباغ بالذكاة إن لم نستفد منه التطهير من النجاسة، فأجبتك أنه يستفاد منه جواز بيعه، فصرت تقول أن الفرق الوحيد بين الذكاة والتطهير هو جواز الأكل فقط، لكني أحببت أن أقف هنا وقفة لو سمحت لأسألك: هل الجلد بعد الدباغ هذا الذي يصنع منه الأحذية و سروج الخيل والنعال ومحفظات الأدوات المدرسية والحقائب ووو هل هو أصلاً من جملة المأكولات حتى تسألني عن جواز أكله؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/153)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[29 - 11 - 08, 10:06 م]ـ
وفقك الله
يبدو أنك لم تفهم السؤال مع أني وضحته وبينته مرارا.
أعيد لك السؤال بصيغة أخرى:
ما الصفة التي استفادها الجلد بعد الدباغ ولم تكن موجودة له قبل الدباغ؟
أنت تقول: إنه كان طاهرا قبل الدباغ أصلا، فلماذا يدبغ إذن؟
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[29 - 11 - 08, 10:08 م]ـ
فأجبتك أنه يستفاد منه جواز بيعه،
أنت تقول: إنه أصلا جائز البيع قبل الدبغ!
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[29 - 11 - 08, 10:11 م]ـ
وهذا ليس من عندي، إنما الأحاديث النبوية فسرت بعضها قال النبي صلى الله عليه وسلم (دباغ الأديم ذكاته)
الأحاديث فسرت بعضها هذا صحيح، ولكنك أخطأت في فهمها.
(دباغ الأديم ذكاته) (دباغ الأديم طهوره)
الصواب أن يحمل الأول على الثاني، لا العكس؛ لأنه لا مجال هنا لدخول الذكاة المعروفة بعد اتفاقنا على حرمة الأكل.
ولا يصح تفسير الجلي بالخفي كما هو معروف.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[29 - 11 - 08, 10:26 م]ـ
وفقك الله
يبدو أنك لم تفهم السؤال مع أني وضحته وبينته مرارا.
أعيد لك السؤال بصيغة أخرى:
ما الصفة التي استفادها الجلد بعد الدباغ ولم تكن موجودة له قبل الدباغ؟
أنت تقول: إنه كان طاهرا قبل الدباغ أصلا، فلماذا يدبغ إذن؟
يدبغ ليصلح للاستعمال فيما يستعمل له الجلد المدبوغ. فلذلك تجد الدباغ عند الكافر أيضاً.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[29 - 11 - 08, 10:28 م]ـ
أنت تقول: إنه أصلا جائز البيع قبل الدبغ!
أنا لا اقول أنه يجوز بيع جلد الميتة قبل الدبغ.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[29 - 11 - 08, 10:33 م]ـ
الأحاديث فسرت بعضها هذا صحيح، ولكنك أخطأت في فهمها.
(دباغ الأديم ذكاته) (دباغ الأديم طهوره)
الصواب أن يحمل الأول على الثاني، لا العكس؛ لأنه لا مجال هنا لدخول الذكاة المعروفة بعد اتفاقنا على حرمة الأكل.
ولا يصح تفسير الجلي بالخفي كما هو معروف.
- أبا مالك أنا لم أقل أن الأديم بالدباغ يصير مذكى إنما قلت وأعيد فأقول أن الدباغ لجلد الميتة بمنزلة الذكاة للحيوان فقط – انظر مثلاً مشاركتي رقم 108 - وليس هو ذكاة حقيقية فأنت تعلم جيداً أن بالذكاة تخرج روح ما فيه روح أما جلد ميتتنا أصلاً ليس فيه روح تخرج بدباغه.
لكني أحببت أن أقف هنا وقفة لو سمحت لأسألك: هل الجلد بعد الدباغ هذا الذي يصنع منه الأحذية و سروج الخيل والنعال ومحفظات الأدوات المدرسية والحقائب ووو هل هو أصلاً من جملة المأكولات حتى تسألني عن جواز أكله؟
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[29 - 11 - 08, 10:59 م]ـ
يدبغ ليصلح للاستعمال فيما يستعمل له الجلد المدبوغ. فلذلك تجد الدباغ عند الكافر أيضاً.
معنى كلامك أنه يجوز استعماله قبل الدبغ أيضا إن وجد له استعمال؟ فهل تقول بذلك؟
وهل تظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن أن يقول: (إذا دبغ الأديم فقد صار صالحا لما يستعمل له الجلد المدبوغ)؟!!
تفكر جيدا قبل أن تجيب عن هذه التساؤلات، فإن الإشكال ليس في حمل الأحاديث على بعض المعاني، ولكن في أنه هل يمكن أن يصدر شيء من ذلك عن سيد الخلق؟!
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[29 - 11 - 08, 11:05 م]ـ
حفظكم الله أبا مالك
معنى كلامك أنه يجوز استعماله قبل الدبغ أيضا إن وجد له استعمال؟ فهل تقول بذلك؟
رشيد: نعم
وهل تظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن أن يقول: (إذا دبغ الأديم فقد صار صالحا لما يستعمل له الجلد المدبوغ)؟!!
رشيد: هذه قد أجبت عنها من قبل وقلت أننا استفدنا من الحديث جواز البيع
وسالتني فلماذا يدبغ إذن؟ فأجبتك أنه:يدبغ ليصلح للاستعمال فيما يستعمل له الجلد المدبوغ. فلذلك تجد الدباغ عند الكافر أيضاً.
تفكر جيدا قبل أن تجيب عن هذه التساؤلات، فإن الإشكال ليس في حمل الأحاديث على بعض المعاني، ولكن في أنه هل يمكن أن يصدر شيء من ذلك عن سيد الخلق؟!
رشيد: نعم وين الإشكال إن كنا نستفيد من أحاديثه صلى الله عليه وسلم أحكاماً شرعيةً مثل جواز بيعه؟
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[29 - 11 - 08, 11:09 م]ـ
لم تجبني عنها سابقا، فهذا سؤال جديد.
(إذا دبغ الأديم فقد صار صالحا لما يستعمل له الجلد المدبوغ)
هل هذا الكلام يمكن أن يصدر من العقلاء؟
مثاله:
إذا طبخ الطعام فقد صار صالحا لما يستعمل له الطعام المطبوخ
وكأننا والماء من حولنا .............. قوم جلوس حولهم ماء!
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[29 - 11 - 08, 11:11 م]ـ
يدبغ ليصلح للاستعمال فيما يستعمل له الجلد المدبوغ. فلذلك تجد الدباغ عند الكافر أيضاً.
لو تأملت عبارتك المعلمة بالأحمر حق التأمل، لعرفت أنك أبعدت النجعة جدا في الفهم!!
النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا بالأحكام الشرعية، لا بعوائد الأمم!!
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[29 - 11 - 08, 11:20 م]ـ
لو تأملت عبارتك المعلمة بالأحمر حق التأمل، لعرفت أنك أبعدت النجعة جدا في الفهم!!
النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا بالأحكام الشرعية، لا بعوائد الأمم!!
المعلم بالأحمر جاء لزيادة بيان أن الدباغ فائدته هي استطاعة وصحة استعمال الجلد فيما يستعمل له الجلد المدبوغ .. جاء جواباً على سؤالكم.
ولم أقصد ما ذكرتم من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/154)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[29 - 11 - 08, 11:28 م]ـ
وهذا هو ما أعنيه يا أخي الكريم، وآخر كلامك ينقض أوله.
فكون الدباغ يفيد إمكان الاستعمال أمر معروف عند الأمم، لا يحتاج لذكره في الحديث!
وإنما الذي يحتاج إلى ذكره:
- هل هو حلال أو حرام؟
- هل هو طاهر أو نجس؟
والأصل أن يكون كلام النبي لبيان الحكم الشرعي، لا لبيان أن هذا الشيء ممكن في العادات.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[29 - 11 - 08, 11:38 م]ـ
لم تجبني عنها سابقا، فهذا سؤال جديد.
(إذا دبغ الأديم فقد صار صالحا لما يستعمل له الجلد المدبوغ)
هل هذا الكلام يمكن أن يصدر من العقلاء؟
مثاله:
إذا طبخ الطعام فقد صار صالحا لما يستعمل له الطعام المطبوخ
وكأننا والماء من حولنا .............. قوم جلوس حولهم ماء!
وهذا هو ما أعنيه يا أخي الكريم، وآخر كلامك ينقض أوله.
فكون الدباغ يفيد إمكان الاستعمال أمر معروف عند الأمم، لا يحتاج لذكره في الحديث!
وإنما الذي يحتاج إلى ذكره:
- هل هو حلال أو حرام؟
- هل هو طاهر أو نجس؟
والأصل أن يكون كلام النبي لبيان الحكم الشرعي، لا لبيان أن هذا الشيء ممكن في العادات.
يا أخي جاء كلامي جواباً على سؤالك لو راجعت سياق الكلام
قلت لي
أعيد لك السؤال بصيغة أخرى:
ما الصفة التي استفادها الجلد بعد الدباغ ولم تكن موجودة له قبل الدباغ؟
أنت تقول: إنه كان طاهرا قبل الدباغ أصلا، فلماذا يدبغ إذن؟
فأجبتك أنه يدبغ ليصلح لما يصلح له الجلد المدبوغ
وندبغه أيضاً ليجوز لنا بيعه
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[29 - 11 - 08, 11:49 م]ـ
وفقك الله
السؤال كان عن الصفة الشرعية، لا الصفات العادية، وهذا واضح لا يحتاج لبيان.
يعني مثلا: لا يصح أن تقول لي: استفاد أنه صار جافا! أو استفاد أنه صار يصنع منه الملابس؛ لأن هذه صفات عادية معروفة في عوائد الأمم.
فكذلك لا يصح أن تقول لي: استفاد أنه صار يصلح لما يصلح له الجلد المدبوغ.
لأن هذا حكم عادي لا حكم شرعي، فتنبه!
ولاحظ أن كلامك ينبغي أن يكون متسقا لا يضرب بعضه بعضا، وإلا كان ساقطا.
يعني الآن خلاصة ما تقول: (دباغ الأديم ذكاته) معناه أنه صار صالحا لما يصلح له الجلد المدبوغ.
أي أنك تقول: (دباغ الأديم: أن يصلح لما يصلح له الجلد المدبوغ)!
هل هذا ما تقصده؟ وهل تظن أن هذا الكلام يصدر من العقلاء؟
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[29 - 11 - 08, 11:57 م]ـ
يعني الآن خلاصة ما تقول: (دباغ الأديم ذكاته) معناه أنه صار صالحا لما يصلح له الجلد المدبوغ.
أي أنك تقول: (دباغ الأديم: أن يصلح لما يصلح له الجلد المدبوغ)!
هل هذا ما تقصده؟ وهل تظن أن هذا الكلام يصدر من العقلاء؟
راجع المشاركات السابقة؛ هذه الجزئية سبق لنا الكلام فيها وهو أننا استفدنا من الدباغ حكما شرعياً ألا وهو جواز بيع الجلد المدبوغ.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[30 - 11 - 08, 12:10 ص]ـ
وفقك الله وسدد خطاك
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[30 - 11 - 08, 12:12 ص]ـ
وفقك الله وسدد خطاك
وإياكم يا أبا مالك
[إذا استفدت من المشاركة فادع الله أن يغفر لي ويتوب علي]
غفر الله لكم ذنوبكم كلها دقها وجلها علانيتها وسرها صغيرها وكبيرها يا أبا مالك
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[16 - 06 - 09, 02:03 م]ـ
للرفع
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[03 - 12 - 09, 11:23 م]ـ
للرفع
للرفع(86/155)
سؤال الحاج عبر الهاتف. مجموعة فتاوى صوتية
ـ[ابو همام المكي]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:44 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه مجموعة فتاوى صوتية للشيخ: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
من هنا ( http://www.sal7en.com/play.php?catsmktba=3&id=2955)
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[21 - 10 - 07, 11:26 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم بارك الله فيك وجزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك.
ورحم الله الشيخ محمد بن صالح العثيمين واسكنه الفردوس الأعلى.
وأسأل من الله العلي القدير أن يجمعنا ومشايخنا مع محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم.
ـ[ابو همام المكي]ــــــــ[21 - 10 - 07, 02:33 م]ـ
وفيك بارك الله أخي عيسى وأشكر لك مرورك الطيب(86/156)
المبيت بمنى
ـ[أبو حسين]ــــــــ[21 - 10 - 07, 07:41 ص]ـ
قال صاحب كتاب البدع والمخالفات في الحج:
سادسا: البدع والمخالفات المتعلقة بمنى:
1 - عدم الجهر بالتلبية في منى (1).
2 - التزام دعاء معين إذا أتى منى " اللهم هذه منى فامنن علي بما مننت به على أوليائك وأهل طاعتك " وإذا خرج منها " اللهم اجعلها خير عودة عدتها. . " (2).
3 - الذهاب إلى عرفة مباشرة وعدم المبيت بمنى (3).
4 - عدم المبيت بمنى أيام التشريق والتساهل في ذلك.
5 - البقاء وقتا يسيرا من الليل في منى بدل المبيت به أيام التشريق.
6 - الجمع بين الصلوات في منى (4).
7 - إيقاد الشمع الكثير بمنى ليلة عرفة (5).
8 - نزول بعض الحجاج قريبا من منى وعدم التثبت من حدودها.
ما هو مقدار المبيت في منى هل نصف الليل ام جزء من الليل ام يبات حتى الفجر؟
وهل يجب ان يجلس بمنى في النهار ام يكفي الليل فقط؟
وماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل في أيام التشريق؟
ـ[أبو حسين]ــــــــ[23 - 10 - 07, 09:39 ص]ـ
ارجو ان اجد اجابه للاهميه
ـ[ابو همام المكي]ــــــــ[01 - 11 - 07, 12:32 ص]ـ
الجواب: المشروع للحاج أن يبقى في منى طول الوقت، هكذا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والإنسان لم يتغرب عن وطنه، ولم يتجشم المشاق إلا لأداء هذه العبادة العظيمة على وفق ما جاء عن رسول الله صلى الله علي وسلم، لم يأت من بلده إلى هذا المكان ليترفه، ويسلك ما هو الأيسر، مع مخالفته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشروع في حق الحاج أن يبقى في منى ليلا ونهارا، ولكن مقتضى كلام الفقهاء، أن الواجب أن يبقى في منى معظم الليل، فى الليلة الحادية عشرة والثانية عشرة، وأما بقية الليل والنهار جميعه فليس بواجب عندهم أن يمكث في منى، ولكن ينبغي للإنسان أن يتقيد بما جاءت به السنة، وأن يبقى في منى ليلا ونهارا، والمسألة ما هي إلا يومان فقط، بالإضافة إلى يوم العيد، بل يوم ونصف، وزيادة يسيرة مع يوم العيد.
قاله: إبن عثيمين رحمه الله
وهذا الرابط الصوتي للفتوى
http://www.2hajj.com/sound/oth00057.ra
وفق الله الجميع لكل خير.,.,.,
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[01 - 11 - 07, 10:14 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك الله خيراً، وبارك الله فيك، ونفع بك، وجعلنا وإياك من خدمة السنة النبوية المطهرة.(86/157)
لا يستباح المحرم إلا لأداء واجب ... أرجو ذكر أمثلة
ـ[زوجة وأم]ــــــــ[21 - 10 - 07, 01:44 م]ـ
السلام عليكم
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن-:
((3 - وجوب مقاتلة الناس حتى يقوموا بهذه الأعمال.
فإذا قال قائل: لماذا لا يكون الأمر للاستحباب؟
والجواب: لا يكون للاستحباب، لأن هذا فيه استباحة محرّم، واستباحة المحرّم لاتكون إلا لإقامة واجب.
ولهذا استدل بعض الفقهاء - رحمهم الله - على وجوب الختان بأن الختان قطع شيء من الإنسان محترم، والأصل التحريم فلا يجوز قطع أي عضو أوجلدة من بدنك، فلما استبيح هذا القطع دلّ على وجوب الختان، إذ لا يستباح المحرّم إلا لأداء واجب وعلى هذا فنقول: الأمر هنا للوجوب.))
أرجو ذكر أمثلة أخرى غير الختان
جزاكم الله خيرا
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[22 - 10 - 07, 03:11 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
المثال واضح وجلى، ولكننى فهمته بطريقتين
- المثال ضرب لبيان حكم شرعى وهو الإستدلال على وجوب الفعل الناتج عن الإستباحة، بقاعدة " لو لم يكن واجبا لما استبيح الفعل ".
- عنوان المقال بمعزل عن المثال يستفاد منه بيان حكم شرعى آخر وهو إستباحة المحرم لإقامة واجب ثابت بالفعل كقطع يد السارق وتطبيق الحدود عموما" والقتال فى الأشهر الحرم لدفع العدو، وغيرها.
فإذا كنت تقصد الأولى أخى الكريم، فهذا لا طاقة لى به، اذ انه لجهابزة علم الأصول أدعى وأولى، وإن كانت الثانية، فقد اتيت به،
والله المستعان وعليه التكلان
ـ[زوجة وأم]ــــــــ[22 - 10 - 07, 10:58 ص]ـ
أقصد الأول
بارك الله فيكم
أريد أمثلة ذكرها أهل العلم
ـ[أبو عبدالرحمن بن أحمد]ــــــــ[11 - 08 - 09, 09:28 ص]ـ
ما قاله الشيخ ابن عثيمين يستدرك عليه أن كشف وجه المرأة عنده محرم و مع ذلك يستحب للخاطب النظر .. فا القاعدة يستباح المحرم لغيره للمصلحة الراجحة والله أعلم
ـ[بو عبد الرحمن]ــــــــ[11 - 08 - 09, 01:17 م]ـ
لعل يدخل في هذا الباب قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"، لأن الضرورة أصلاً واجبة، وأما الحاجة فهي كالكماليات، وعلى هذه القاعده فالأمثلة كثيرة منها ما ذكره الشيخ ابن عثيمين -رحمنا الله وإياه- في شرحه على منظومة أصول الفقه -بما معناه-:
هذه من القواعد الفقهية الأصولية التي دل عليها القرآن، كل شيء ممنوع، فإنه يحل للضرورة،دليل هذا قول الله -تبارك وتعالى- في سورة المائدة: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ أي في مجاعة غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
وقال في آية أخرى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
ومثال ذلك -أيضاً-: رجل في فلاة قفار، وإذا قد فقد الطعام وجاع ولم يجد إلا ميتة، فنقول: لا حرج عليك أن تأكل من الميتة ما تكف به ضرورتك أي ما يسد رمقك ...
فإن قال قائل: لو لم يجد إلا الخمر، نعم رجل عطشان، ولم يجد إلا خمرا، يأخذ منها وعاء تصبيرا، ...
إلى آخر كلامه رحمنا الله وإياه.
والله أعلم.
ـ[هشام بن محمد البسام]ــــــــ[26 - 10 - 09, 10:02 ص]ـ
المحرم نوعان:
محرم لذاته، كأكل الميتة والزنى.
ومحرم لغيره، أي لأنه وسيلة إلى محرم لذاته، كتحريم النظر والخلوة بالمرأة الأجنبية، لأنه وسيلة إلى الزنى.
فالأول لا يباح إلا للضرورة.
والثاني يباح للضرورة والحاجة، فإذا احتاج الرجل أن ينظر إلى وجه المرأة الأجنبية للشهادة عليها مثلا جاز له ذلك.(86/158)
تحديد ليلة القدر
ـ[أبويسلم]ــــــــ[21 - 10 - 07, 04:14 م]ـ
أيها الأخوة الكرام وصلتني قبل فترة رسالة على بريدي الإلكتروني تتحدث عن باحث قام بتحديد ليلة القدر، وادّعى بأن ليلة القدر ليست من علم الغيب، وأنه يمكن تحديدها بل ووضع جدولا يوضح ليالي القدر في أكثر من سنة، وأنه لا يمكن دخول شهر رمضان في يوم جمعة ولا في يوم أحد، ولا أدري إن كان هذا الموضوع قديما أو حديثا، ولكن أرجو منكم قبل أن تشاركوا في الموضوع أن تقرؤوا بحثه المرفق، وهذا البحث وجدته في الإنترنت، وتنسيقه غير جيد لكن يهمنا مضمون البحث، أرجو منكم قراءته وتمحيصه ثم الرد عليه.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[21 - 10 - 07, 04:17 م]ـ
راجع هذا الرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=67776#post67776(86/159)
كيف يتطهر المريض الذي لا يستطيع لمس الماء من الجنابة
ـ[أيمن التونسي المديني]ــــــــ[21 - 10 - 07, 05:26 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
اخوتي في الله من يستطيع ان يفيدنا في هذه المسألة فلا يبخل علينا ـــ
مريض اذا لمس الماء (مثلا قام بعملية جراحية في بطنه أو رأسه أو مصاب بنزلة برد شديدة .. ) زاد مرضه، فكيف يستطيع ان يتطهر من الجنابة مع العلم أنه يستطيع الوضوء،
مع إيضاح الدليل، و جزاكم الله خيرا.
ـ[عبدالله الوائلي]ــــــــ[21 - 10 - 07, 07:07 م]ـ
إذا أصابت الرجل جنابة أو المرأة وكان مريضاً لا يتمكن من استعمال الماء، فإنه في هذه الحال يتيمم، لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}، وإذا تيمم من هذه الجنابة فإنه لا يعيد التيمم عنها مرة أخرى إلا بجنابة تحدث له أخرى ولكنه يتيمم عن الوضوء كلما انتقض وضوؤه.
والتيمم رافعٌ للحدث مطهرٌ للمتيمم، لقول الله تعالى حين ذكر التيمم، وقبله الوضوء والغسل قال سبحانه وتعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً"، والطهور ما يتطهر به الإنسان، لكن التيمم مطهر طهارة مقيدة بزوال المانع من استعمال الماء فإذا زال المانع من استعمال الماء فبرأ المريض ووجد الماء من عَدِمه، فإنه يجب عليه أن يغتسل إذا كان تيمم عن جنابة وأن يتوضأ إذا كان تيمم عن حدث أصغر ويدل على ذلك ما رواه البخاري من حديث عمران بن حصين الطويل وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصلِّ في القوم فسأله ما الذي منعه، فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: "عليك بالصعيد فإنه يكفيك"، ثم حضر الماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستقى الناس منه وبقي منه بقية، فقال للرجل: "خذ هذا فأفرغه على نفسك"، وهذا دليل على أن التيمم مطهر وكافٍ عن الماء لكن إذا وجد الماء فإنه يجب استعماله، ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفرغه على نفسه بدون أن يحدث له جنابة جديدة، وهذا القول هو الراجح من أقوال أهل العلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الحادي عشر - باب التيمم.
http://www.islamway.com/?iw_s=Fatawa&iw_a=view&fatwa_id=11598
ـ[أيمن التونسي المديني]ــــــــ[21 - 10 - 07, 07:36 م]ـ
أخي عبد الله جزاك الله خيرا و نفع الله بك،
قد اطلعت أخي منذ مدة على فتوى للشيخ العثيمين يبين فيها أن المريض الذي لا يستطيع الاغتسال و لكنه يستطيع الوضوء ففي حالة أنه على جنابة فيلزمه للتطهر أن يتوضأ و يتييم بعد الوضوء مباشرة لأجزاء البدن التي لم يمكنه غسلها، أردت أخي أن أتأكد من صحة هذه الفتوى مع الدليل و جزاك الله خيرا.
ـ[أيمن التونسي المديني]ــــــــ[22 - 10 - 07, 10:11 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
من يفيدنا من الاخوة في صحة هذه الفتوى مع الدليل و جزاه الله خيرا.
ـ[سعودالعامري]ــــــــ[23 - 10 - 07, 01:59 ص]ـ
أخي عبد الله جزاك الله خيرا و نفع الله بك،
قد اطلعت أخي منذ مدة على فتوى للشيخ العثيمين يبين فيها أن المريض الذي لا يستطيع الاغتسال و لكنه يستطيع الوضوء ففي حالة أنه على جنابة فيلزمه للتطهر أن يتوضأ و يتييم بعد الوضوء مباشرة لأجزاء البدن التي لم يمكنه غسلها، أردت أخي أن أتأكد من صحة هذه الفتوى مع الدليل و جزاك الله خيرا.
لعلك اخطأت في فهم كلام الشيخ فهذا القول ليس من منهج الشيخ رحمه الله فقد يكون الشيخ يذكر قولا لاهل العلم فقط وليس هو قوله.
ـ[أيمن التونسي المديني]ــــــــ[23 - 10 - 07, 03:22 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
أي من أهل العلم قد تبنى هذا القول؟ أو أنه قول لا أساس له يعني قد تداخل الأمر على فهمي، و جزاكم الله خيرا.(86/160)
هل حرّم الإمام مالك رحمه الله تحية المسجد بين العصر و المغرب
ـ[أيمن التونسي المديني]ــــــــ[21 - 10 - 07, 05:32 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
اخوتي في الله، يكثر الجدل في مساجدنا حول مسألة صلاة تحية المسجد بين العصر و المغرب، و يكثر التعصب لرأي الامام مالك (ان كان هذا رأيه حقا) ان الصلاة حينئذ محرمة و ليست حتى مكروهة، فأفيدونا جزاكم الله خيرا مع ذكر أقوال أهل العلم في المسألة و توضيح رأي الامام مالك مع بيان الأدلة و جزاكم الله خيرا.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[22 - 10 - 07, 04:55 ص]ـ
المسألة تم بحثها في الملتقى: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=12197&highlight=%D0%E6%C7%CA+%C7%E1%C3%D3%C8%C7%C8
ولا مسوغ لشدة النكير على من أخذ بقول الشافعي رحمه الله تعالى في جواز صلاة ما له سبب في أوقات النهي، والله تعالى أعلم.
ـ[أيمن التونسي المديني]ــــــــ[22 - 10 - 07, 03:13 م]ـ
أخي أبو يوسف جزاك الله خيرا و نفع بك و رزقك الفردوس الأعلى.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[22 - 10 - 07, 09:43 م]ـ
وإياك أخي الكريم(86/161)
من نصَّ من العلماء على مشروعية إقامة صلاة الاستسقاء للدعاء لبلد آخر.
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[21 - 10 - 07, 06:18 م]ـ
http://www.alukah.net/majles/images/smilies/mid.gif هذا الاشكال يتكرر سنوياً - تقريباً - حيث تمطر بعض مناطق المملكة، وبقية المناطق تصاب بالقحط ... فيصدر أمر ملكي بإقامة صلاة الاستسقاء في المملكة، فيستسقي الإمام والمطر يهطل فوق رأسه؟!
http://www.alukah.net/majles/images/smilies/mid.gif وجدت هذا النص - ولم أتتبع كتب الفقه - لكني وجدت في كتاب (كفاية المبتدي وري الصدي) لأبي الفتح محمد بن علي الحلواني البغدادي الحنبلي - كما في المجموع البهي لرسائل ومصنفات قي الفقه الحنبلي 1/ 54 - ما نصُّهُ:
فإذا أجدبت الأرض، وقحط المطر عن الأرض المسكونة، أو المسكونة فزع الناس إلى الصلاة؛ حتى ولو كان القحط في غير أرضهم ... .
http://www.alukah.net/majles/images/smilies/mid.gif هل هناك نصوص أخرى عن أهل العلم؟
ـ[صالح العقل]ــــــــ[21 - 10 - 07, 10:35 م]ـ
للفائدة .....
ـ[أبو معاذ الحسن]ــــــــ[21 - 10 - 07, 10:55 م]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=4638&highlight=%D5%E1%C7%C9+%C7%E1%C7%D3%CA%D3%DE%C7%C1
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[22 - 10 - 07, 02:14 ص]ـ
جزاكما الله خيراً،
والرابط الذي أشرت إليه - أخي الحسن - مليءٌ بالنقول - بارك الله فيك، ونفع بك -.(86/162)
كتاب الحج من عمدة الفقه للشيخ العلاّمة محمد المختار الشنقيطي - المدرس بالحرم النبوي-
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[21 - 10 - 07, 07:08 م]ـ
قال الإمام المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الحج والعمرة]:
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن سار على سبيله، ونهجه واستن بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فيقول المصنف -رحمه الله-: [كتاب الحج والعمرة]: يشتمل هذا الكتاب على بيان الركن الخامس من أركان الإسلام وهو ركن الحج إلى بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا، ومن عادة العلماء من المحدثين والفقهاء أن يختموا أركان الإسلام ببيان أحكام الحج وأحكام العمرة؛ وذلك لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رتّب هذه الأركان فجعل خاتمتها الحج؛ كما في الصحيح من حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا)).
ومناسبة كتاب الحج لكتاب الصوم واضحة، وقد رتبها المصنف على ترتيب السنة.
والحج في لغة العرب: القصد. قال بعض العلماء: القصد إلى كل شيء حج.
وقال بعض أئمة اللغة: بل إنه يختص بالقصد إلى الأشياء المعظمة، وأيا ما كان فإن أصل معناه القصد.
وأما في الاصطلاح: فهو القصد إلى بيت الله الحرام والمناسك بأفعال مخصوصة ونية مخصوصة. وأما العمرة فإنها في لغة العرب: الزيارة، وأما في اصطلاح العلماء فهي زيارة البيت بطوافه والسعي بين الصفا والمروة.
وهاتان العبادتان متلازمتان، ولذلك يقول العلماء: الحج نوعان: حج أكبر، وحج أصغر. فالحج الأكبر هو الحج إلى بيت الله الحرام، وأداء المناسك من: الوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار، والمبيت بمنى، وهذه كلها متعلقة بالحج الأكبر، وأما بالنسبة للحج الأصغر فهو العمرة؛ وقد أشار الله عز وجل إلى ذلك بقوله سبحانه: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} فبين أن الحج فيه أكبر وفيه أصغر.
والأصل في مشروعية الحج دليل الكتاب والسنة والإجماع:
أما كتاب الله؛ فإن الله تعالى يقول: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}.
وأما السنة فأحاديث، منها: حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- المتقدم حيث عدّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحج إلى بيت الله الحرام ركنا من أركان الإسلام.
وكذلك ثبت في الأحاديث الصحيحة، منها: حديث سؤال الأعرابي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن فرائض الإسلام، وذكر منها الحج.
وأما الإجماع فقد أجمع العلماء -رحمهم الله- على فرضية الحج، وأنه ركن من أركان الإسلام. وأما العمرة فإن العلماء -رحمهم الله- اختلفوا فيها على قولين:
قال بعض العلماء: إنها واجبة، وهذا هو مذهب الحنابلة والشافعية في المشهور وقال به بعض أئمة السلف -رحمة الله على الجميع-.
ومنهم من قال: إنها سنة مستحبة وليست بواجبة كما هو مذهب الحنفية والمالكية وقول عند الشافعية ورواية عند الحنابلة؛ والدليل على وجوبها أن الله تعالى قال: {ولله على الناس حج البيت} فأمر عباده بالحج إلى بيته، وبيّن في كتابه أن الحج حج أكبر وأصغر، فدل على وجوبهما، ولم يأتِ دليل بإخراج العمرة من هذا الأصل.
وأما السنة فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال لأبي رزين العقيلي -رضي الله عنه وأرضاه- وقد سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في فريضة الحج حيث أدركت أباه شيخا كبيرا لا يستقيم على الراحلة. فقال له: حج عن أبيك واعتمر، فقد صحح هذا ا لحديث غير واحد من أئمة الحديث كالإمام الترمذي -رحمه الله- وغيره.
فقوله عليه الصلاة والسلام: ((حج عن أبيك واعتمر)) فأمره أن يعتمر؛ فدل على وجوب العمرة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/163)
وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كما في حديث عائشة الحسن في السنن عنها -رضي الله عنها- أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما سألته أَعَلَى النساء جهاد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة)) وبناء على ذلك فأصح قولي العلماء هو وجوب العمرة.
وأما الذين قالوا بعدم الوجوب فقد قالوا إن الكتاب نص على وجوب الحج ولم ينص على وجوب العمرة.
والجواب عن ذلك ظاهر حيث إن الحج شامل للأصغر والأكبر كما دلت عليه نصوص الكتاب وكذلك الأحاديث التي وردت بالأمر بالحج يندرج تحتها العمرة.
وأما بالنسبة لقوله -رحمه الله-: [كتاب الحج والعمرة]: أي في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بالحج إلى بيت الله الحرام والعمرة، وكلتا العبادتين عظيم عند الله أجرها عظيم ثوابها؛ وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الحديث الصحيح: ((من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) وهما من أجلّ ما يتقرب به العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، وما من مسلم يخرج من بيته من أجل أداء هذه العبادة حجا كانت أو عمرة فقصدهما لوجه الله إلا كان أجره وثوابه على الله عز وجل، ولذلك عُدّ الخروج في الحج من أعظم الخروج ثواباً وأجراً كما أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في فضائل الأعمال أن منها الحج المبرور، ولا يكون الإنسان بارا في حجه إلا إذا استجمع أسباب البر التي أعظمها الإخلاص لله عز وجل، وطيب المكسب، وتحري السنة وهدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في حجه، فهو منذ أن يتجرد من ثيابه، ويتجرد من مخيطه، ويلبس ثوبيه، يتأمل السنة الواردة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يحج كحجه، ويعتمر كعمرته، حتى كأنه يرى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمامه في طوافه، وفي سعيه، وفي مناسكه كلها، فإذا وُفّق للكسب الطيب ووُفق للإخلاص لله عز وجل ووفق لتحري السنة كان حريا أن يرجع إلى بيته بالحج المبرور، وبخاصة إذا اتقى الله في سمعه وبصره ولسانه فلم يرفث ولم يفسق ولم يعتد حرمات الله عز وجل في إخوانه المسلمين.
يقول المصنف -رحمه الله-: [كتاب الحج والعمرة]: أي في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بالحج والعمرة.
قال رحمه الله: [يجب الحج والعمرة مرة في العمر]: يجب الحج والعمرة مرة في العمر لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما سأله الصحابي وقد قال: ((أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا)) فقام له الأقرع بن حابس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وقال: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فسكت النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثم قال: ((أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا)) فقام الأقرع وقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)) وقال في اللفظ الآخر: ((لو قلت: نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم ذروني ما تركتكم)) الحديث.
فقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((لو قلت نعم لوجبت)) أي لوجب عليكم أن تحجوا كل عام، فدل على أنه لا يجب الحج إلا مرة واحدة؛ لأنه لم يقل: نعم -صلوات الله وسلامه عليه-.
فالواجب مرة في العمر، وهذا من رحمة الله بعباده، ولو تصور المسلم أن الحج واجب في كل عام على المسلم لنظر في ذلك من المشقة والبلاء للناس ما الله به عليم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/164)
قال رحمه الله: [على المسلم]: على المسلم: لأن الكافر إذا حج لا يصح حجه؛ قال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} فالكافر عمله قد أحبطه الله فعليه أولا أن يُسْلم ثم بعد ذلك يخاطب بفعل الحج ويصح منه حجه بعد إسلامه؛ إذاً الإسلام شرط لوجوب الحج وإجزائه وصحته، فلا يجب الحج على غير الكافر أصلا حتى يحقق أصل الإسلام بالتوحيد. وكذلك أيضاً لا يصح من الكافر لظاهر القرآن كما ذكرنا، ولا يجزيه لو حج الكافر بكفره لم يجز عن حجة الإسلام بل الواجب عليه أن يعيد حجه؛ وقد صح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه بعث مناديه ينادي في الحج: ((أن لا يحج بعد العام مشرك، وأن لا يطوف بالبيت عريان))، فدل على أن الحج لا يصح من الكافر.
قال رحمه الله: [العاقل]: العاقل: وهذا أيضا شرط وجوب وصحة وإجزاء، فلا يجب الحج على مجنون؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((رفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم المجنون حتى يفيق)) حتى يفيق من جنونه وهذا الحديث عن عائشة وعلي -رضي الله عنهما- حديث صحيح.
وأجمع العلماء على عدم وجوب الحج على المجنون.
قال رحمه الله: [البالغ]: البالغ: وقد تقدم معنا في الصوم من هو البالغ، سواء كان بلوغه بالسن من الرجال والنساء وهو بلوغ خمس عشر سنة، وبينا دليل ذلك، أو بالإنبات وبينا دليل ذلك، أو كان بالحيض والنفاس كما هو خاص بالنساء، فإذا بلغ فإنه يجب عليه الحج، ويجزيه الحج إذا أداه في حال بلوغه، ويصح الحج من الصبي فلو أن صبيا أحرم بالحج ولبى في الحج أو العمرة وأدى مناسك الحج والعمرة؛ صح منه ذلك؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أحرم عام حجة الوداع وبلغ فج الروحاء وهو ما يسمى اليوم ببئر الراحة اعترضه ركب فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: من الركب؟ قال: المسلمون، ثم سألوا من الركب؟ قالوا: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأصحابه. فرفعت امرأة صبيها إليه فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: ((نعم ولك أجر)).
فبين أن الحج يصح من الصبي، والصبي ينقسم إلى قسمين: إما أن يكون صبيا دون التمييز، ومثل أن يكون له أربع سنوات أو ثلاث سنوات أو حتى يحمل كالصبي الذي يحمل كذي السنة أو السنتين فإذا كان كذلك فهو دون التمييز، وإما أن يكون مميزا يعلمه أبوه أو وليه فيؤدي المناسك. فأما بالنسبة للصبي غير المميز؛ فإنه يحرم عنه وليه؛ سواء كان رجلا أو امرأة، فيجوز للأم أن تلبي عن صبيها وصغيرها، ويجوز للأب أن يلبي عن صبيه وصغيره، ثم إذا أحرم الأب أو أحرمت الأم عن الصغير والصغيرة قام بمناسك الحج بالنية عنه، وطاف به ولو محمولا يطوف عن نفسه، ثم يطوف عنه وسنبين هذا، ثم إذا حصل إخلال من هذا الصبي لزم الولي في ماله ولا يلزم في مال الصبي؛ لأنه هو الذي أحرم.
وأما إذا كان الصبي مميزا؛ فله حالتان: الحالة الأولى أن يرغب الصبي بنفسه، فيحرم من نفسه ويطلب ذلك، فإذا حصل منه إخلال وجب ضمانه في ماله كما لو ارتكب جناية، وقد سوي بين حق الله وحق المخلوق في الضمانات.
وأما إذا كان وليه هو الذي أمره وهو الذي ألزمه؛ فمذهب طائفة من العلماء بوجوب الفدية على الولي والإخلالات عليه.
أما من حيث صحة الحج فالحج والعمرة يصحان من الصبي سواء كان مميزا أو كان غير مميز، ثم إذا كان مميزا علمه والده الأذكار والأفعال ودله عليها وأرشده إليها، وقام بها الصبي بنفسه أصالة إلا أن يعجز فيوكل فيما تدخله الوكالة. فبيّن رحمه الله أن البلوغ شرط من شروط الحج، والمراد بهذا الشرط أنه شرط إجزاء ووجوب وليس بشرط صحة، وعلى هذا فإنه يصح الحج من الصبي ولا يجب عليه.
قال رحمه الله: [الحر]: الحر ضد المملوك، وعلى هذا فإنه إذا حج المسلم البالغ العاقل الحر صح حجه وأجزأه عن حجة الإسلام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/165)
وأما إذا كان مملوكا فقد نصت نصوص الكتاب والسنة على أنه ملك لسيده، مأمور بالقيام بحقه؛ ولذلك قال تعالى: {عبدا مملوكا لا يقدر على شيء} ووصفه بهذا الوصف وقد ذكرنا غير مرة أن الإسلام ضرب الرق دون نظر إلى جنس ولا لون ولا بلد، وإنما أوجب الرق على من كفر بالله في الجهاد الشرعي بإذن ولي الأمر، فإذا ضرب الرق على هذا الوجه فقد ضرب على من يستحقه؛ لأن الآدمي كرمه الله وشرفه، فإذا كفر بالله ووقف في وجه الإسلام حاملا سلاحه مقاتلا للمسلمين نزل إلى مقام أحط من مقام البهيمة؛ كما قال تعالى: {إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل} فقد كفر نعمة سيده ومولاه، فحكم الله عليه بالرق، وفي هذه الحالة يكون ملكا لسيده كما قال تعالى: {وما ملكت أيمانهم} وعليه فإنه لا يخاطب بالحج ولا يجب عليه إلا بعد أن يعتق.
قال رحمه الله: [إذا استطاع إليه سبيلا]: إذا استطاع إليه سبيلا: هذا الشرط الأخير وهو شرط الاستطاعة؛ والأصل فيه قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} أي استطاع سبيلا إلى البيت الحرام وأداء المناسك في الحج والعمرة.
وأجمع العلماء -رحمهم الله- على اعتبار شرط الاستطاعة من حيث الأصل، وعلى هذا فلو كان فقيرا أو ليس عنده زاد أو ليس عنده نفقة الذهاب إلى مكة؛ فإنه لا يجب عليه الحج، وهذا شرط وجوب، وعلى هذا فلو أنه حج وهو غير مستطيع فتكلف المشقة وحج من عند نفسه
فإنه يصح حجه ويجزيه، ولا يعتبر موجبا لعدم صحة حجه.
فأصبحت شروط الحج منها ما هو شرط صحة وإجزاء ووجوب وهو شرطا الإسلام والعقل، ومن الشروط ما هو شرط وجوب وإجزاء وهو الحرية والبلوغ، ومنها ما هو شرط وجوب فقط وهو النفقة والاستطاعة. هذا حاصل ما ذكره العلماء بالنسبة لشروط الحج، وقد أجملها المصنف -رحمه الله- وبينّها بهذا الترتيب: الإسلام، ثم البلوغ، ثم البلوغ، ثم الحرية، ثم الاستطاعة.
وقسمها العلماء إلى هذه الثلاثة الأقسام: شروط وجوب وصحة وإجزاء، وشروط وجوب وإجزاء، وشرط وجوب، وهو شرط الاستطاعة كما ذكرنا.
قال رحمه الله: [وهو أن يجد زادا وراحلة بآلتهما]: وهو أن يجد زادا وراحلة بآلتهما: إذا كان يشترط في وجوب الحج على الإنسان أن يكون مستطيعا، فالاستطاعة أن يجد زادا ومركوباً بآلة المركوب وآلة الزاد لإصلاح الطعام ونحو ذلك، فإذا تيّسر له ذلك فقد وجب عليه الحج، وعلى هذا ينظر في الاستطاعة إلى الآلة التي يصل بها كالدابة والسيارة، وهذا مذهب الجمهور -رحمهم الله-.
ومن أهل العلم من قال: لا تشترط الدابة والركوب، بل إنه يجب عليه إذا كان قادرا على المشي كقوله تعالى: {وأذن في الناس للحجّ يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}
{وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا} قال: يأتوك رجالا فدل على أن الركوب ليس معتبرا في الزاد، وقد جاء في السنة ما يدل على اشتراط الركوب، ولاشك أن الأصل يقتضي أنه إذا كان بعيدا مسافة السفر لابد من أن يتهيأ له ما يوصله إلى البيت، فهذه الدابة إذا كان يملكها فلا إشكال، وإن كان لا يملكها نظرنا في أجرة مثله للركوب، فإذا كانت أجرته مائة ريال في ركوبه وذهابه للحج وإيابه فإننا نقول إذا ملك المائة لركوبه، ثم ننظر في طعامه ونفقة الطعام فإذا كانت تُكلّفه مثلا مثلها فإننا نقول إذا كان عنده المائتان وأمن الطريق وليس في الطريق خطر عليه فإنه يجب عليه أن يحج؛ لأنه يستطيع أن يصل إلى البيت، وهذا المذهب يقوم على تفسير الاستطاعة بشرطين: الراحلة، والزاد، كما ورد التفسير في السنة. الراحلة وهو المركوب الذي يركبه لبلوغ مكة كما في زماننا سيارة الأجرة تنزّل منزلة الراحلة، فإذا وجد من يستأجره أو وجد صديقا يقله ويحمله فحينئذ يسقط الأجرة إذا لم يكن في حمله ضرر كما يقول العلماء إذا لم تكن منة عليه وفي ذلك أذية عليه فلابأس، وحينئذ يسقط شرط الراحلة؛ لأنه في حكم من ملك الراحلة.
أما بالنسبة للنفقة فالمراد بها نفقة الأكل ونفقة السكن في ذهابه للنسك وإيابه.
ومن أهل العلم من اعتبر الذهاب دون الإياب؛ والصحيح أنه معتبر بالذهاب والإياب، إذا قدّرت النفقة:
فأولا: تقدر ذهابا وإيابا.
ثانيا تقدر للركوب وللأكل.
ثالثا يقدر معها السكن لمثله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/166)
ورابعا أن يكون هذا التقدير يعتد به لمثله، فلا يبالغ ولا يجحف به، فينظر إلى مثله إذا ركب يركب ما يرتفق به المثل، فكبير السن يركب ما لا يركبه الشاب الجلد، فيحتاج إلى وسيلة تريحه أكثر من الشاب ونحو ذلك مما ينظر فيه على حسب اختلاف الأشخاص.
فالشرط في الاستطاعة الزاد والراحلة، لكن مع هذا ينبغي اعتبار أمن الطريق، فأمن الطريق نص عليه العلماء -رحمهم الله- فلو كان الطريق مخوفا أو لا يمكنه بلوغ البيت أو في زمان فتنة فإنه لا يجب عليه أن يحج في ذلك الزمان، فلو تعسر عليه الوصول إلى البيت إلا من طريق يخاف فيه القتل أو يخاف عدوا من أعدائه فإنه لا يجب عليه حتى يأمن.
قال رحمه الله: [مما يصلح لمثله]: مما يصلح لمثله الزاد والراحلة.
قال رحمه الله: [فضلا عما يحتاج إليه لقضاء دينه]: إذا قدرنا نفقة هذا المسافر لحجه فرضنا بخمسمائة ريال ما بين الركوب ونفقة النزول ونفقة الأكل فنقول له: يجب عليك الحج إذا ملكت خمسمائة ريال زائدة عن نفقتك الأصلية ونفقة من تعول، فإذا كان عنده زوجة وعنده أولاد ونفقته الأصلية لهم بخمسمائة ريال ووجد خمسمائة ريال فأصبح المجموع عنده ألف ريال وجب عليه الحج؛ لأنه ملك نفقة الحج وما يستطيع به الحج فاضلا عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته، وأما إذا كان دون ذلك فلا يجب عليه.
قال رحمه الله: [ومؤونة نفسه وعياله على الدوام]: ومؤونة نفسه وعياله كما ذكرنا.
قال رحمه الله: [ويعتبر للمرأة وجود محرمها]: ومن شرط وجوب الحج على النساء أن يكون مع المرأة محرم، والمحرم شرط في وجوب الحج؛ لأنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم؛ فإن النبي - r- قال كما في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم)) فبين عليه الصلاة والسلام أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم؛ وفي الحديث الصحيح أن رجلا من الصحابة قال: يا رسول الله، إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وإن امرأتي انطلقت حاجة. فقال عليه الصلاة والسلام: ((انطلق فحج مع امرأتك)) فأمره أن يحج معها.
فالمَحْرم شرط لوجوب الحج على المرأة؛ لأنها إذا سافرت وحدها لم تأمن أذية المؤذين، ولم تأمن أن يصيبها شيء، فتحتاج إلى من يقوم عليها، فإذا قام عليها الأجنبي لم تأمن الفتنة، ومن هنا وضعت الشريعة هذا الشرط لنوع خاص وهم النساء يجب أن يكون معها محرم، هذا الشرط محله أن تكون المرأة بعيدة عن مكة مسافة القصر فأكثر، أما لو كانت من أهل مكة فيجوز لها أن تحج مع الرفقة المأمونة ولا يشترط وجود المحرم معها؛ لأنها ليست على سفر؛ لأن مسافة المناسك من مكة ليست مسافة سفر.
قال رحمه الله: [وهو زوجها ومن تحرم عليه من التأبيد بنسب أو سبب مباح]: وهو أي المحرم زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح أو رضاع: المحرم أمر مهم، وينبغي لطالب العلم ولكل مسلم إذا بلغ طور الرجال أن يعرف من هي المرأة التي هي محرم له يجوز له أن يسلم عليها، وأن يختلي بها، وأن يسافر معها، ومن هي المرأة الأجنبية التي هي بخلاف ذلك، فمعرفة المحارم أمر مهم؛ لأنه تترتب عليه مسائل شرعية.
والمحرم هو: كل من يحرم على المرأة على التأبيد بنسب أو سبب من المصاهرة أو الرضاع.
{الرجال قوامون على النساء}.
وأما بالنسبة للمحرم من قرابتها على التأبيد فهم من ثلاث جهات:
الجهة الأولى: جهة النسب.
والجهة الثانية: جهة المصاهرة.
والجهة الثالثة: جهة الرضاع.
فالمرأة إذا حرمت على الإنسان على التأبيد فإنها محرم له إلا في اللعان، فأما بالنسبة للمحرمة من جهة النسب فقد حرم الله من جهة النسب سبعاً من النساء، وهن: الأمهات، والبنات، والأخوات، وبنات الأخ، وبنات الأخت، والعمات، والخالات. فهؤلاء سبع من جهة النسب وقالوا نسب لأنه ينسب للإنسان ويضاف إليه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/167)
فأما الأم فهي كل أنثى لها على الإنسان ولادة؛ سواء كانت مباشرة كأمه التي ولدته، أو أم أمه وإن علت سواء كانت تمحضت بالنساء كأم أمه وهي الجدة، أو تمحضت بالذكور كأم أب الأب، فكل هؤلاء محارم ومحرمات للإنسان؛ لقوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} وأجمع العلماء -رحمهم الله- على تحريم الأم المباشرة والأم بواسطة سواء تمحضت بالذكور أو بالإناث أو جمعت بينهما.
النوع الثاني: البنات، والبنت: هي كل أنثى لك عليها ولادة، سواء كانت مباشرة كبنتك من صلبك، أو بواسطة كبنت ابنك أو بنت بنتك، تمحضت بالإناث كبنت البنت، أو تمحضت بالذكور كبنت الابن، فهؤلاء كلهن محرمات ومحارم؛ لقوله تعالى: {وبناتكم}.
النوع الثالث: الأخت، والأخت هي: كل أنثى شاركتك في أحد أبويك، أو فيهما معا، فقول العلماء: هي كل أنثى شاركتك في أحد أصليك المراد بها الأخت لأب أو الأخت لأم، وهي التي شاركت في أحد الأصلين، أو شاركت فيهما معا وهي الأخت الشقيقة، فالأخوات ثلاثة أنواع: شقيقة، ولأب ولأم، فكلهن محرمات ومحارم لقوله تعالى: {وأخواتكم}.
النوع الرابع: الخالات، والخالة: هي كل أنثى شاركت الأم في أحد أصليها، أو فيهما معا، ويشمل هذا الخالة الشقيقة وهي التي شاركت في الأصلين، والخالة لأب، والخالة لأم، فكل واحدة منهما شاركت في أحد الأصلين. الخالة لأم هي أخت الأم لأم، والخالة لأب هي أخت الأم لأب؛ والأصل في ذلك قوله تعالى: {وخالاتكم}، والخالة يستوي أن تكون خالة لك أو خالة لأصولك، فخالات الأب وخالات الجد وخالات الجدة كلهن خالات لك؛ ولذلك قال العلماء: خالات الأصول خالات للفروع.
النوع الرابع: العمات، وهي كل أنثى شاركت الأب في أحد أصليه، أو فيهما معا، فيشمل العمة الشقيقة وهي التي شاركت في الأصلين، والعمة لأب، والعمة لأم، فكل واحدة منهما شاركت في أحد الأصلين، فإذا شاركت المرأة الأب في الأصلين فهي عمة شقيقة، وإذا شاركت في أحدهما فهي إما عمة لأب، أو عمة لأم؛ والأصل في ذلك قوله تعالى: {وعماتكم}.
وأما النوع الخامس فهن بنات الأخ، وبنات الأخ هي كل أنثى لأخيك عليها ولادة، فكل ما ولد أخوك فإنه محرم ومحرم عليك نكاحه؛ لقوله تعالى: {وبنات الأخ} يشمل الأخ الشقيق والأخ لأب والأخ لأم، فكل من أنجبوا من النسوة من البنات يعتبرن محارم ومحرمات.
وأما بنت الأخت وهو النوع السابع فهي كل أنثى لأختك عليها ولادة سواء كانت مباشرة كبنت الأخت أو بواسطة كبنت بنت الأخت أنثى كانت أو ذكرا؛ والأصل في ذلك قوله تعالى: {وبنات الأخت}.
فهؤلاء كلهن محرمات من جهة النسب، وتحريمهم إلى الأبد، فلا يحِللن للإنسان عمره كله.
أما النوع الثاني من المحرمات على التأبيد فهن المحرمات من جهة المصاهرة، وهن أربعة أنواع: بنت الزوجة، وأمها، وزوجة الأب، وزوجة الابن، هؤلاء أربعة من النساء يحرم على المسلم أن ينكحهن إلى الأبد. فالتحريم على التأبيد، وهن محرمات ومحارم.
فأما بالنسبة لزوجة الأب فكل أنثى عقد عليها الأب سواء دخل بها أو لم يدخل، سواء طلقها أو مات وهي في عصمته، فكل أنثى عقد عليها تعتبر محرمة عليك إلى الأبد؛ لقوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} فقال تعالى: {ما نكح آباؤكم} والمرأة منكوحة للأب بالعقد، فكل امرأة عقد عليه الإنسان فقد نكحها، سواء دخل بها أو لم يدخل؛ كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} فوصفهم بكونهم ناكحين قبل الدخول، فدل على أن كل امرأة عقد عليها الأب ولو لم يدخل بها فإنه ناكح لها، يستوي في ذلك زوجة الأب وزوجة الجد وإن علا الجد سواء كان من جهة الأب أو من جهة الأم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/168)
أما النوع الثاني من المحرمات من المصاهرة فهي زوجة الابن، وهي كل أنثى عقد عليها ابنك سواء دخل بها أو لم يدخل؛ لقوله تعالى: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} فبين I أن كل امرأة صارت حليلة للابن أنها حرام على أبيه وإن علا سواء دخل بها أو لم يدخل؛ لأنه قال: {حلائل أبنائكم} وحليلة الابن تكون المرأة حلالا للابن بمجرد العقد، فلا يشترط دخوله بها، وسواء كان الابن ابنا لك مباشرة أو ابن ابنك أو ابن بنتك، فلو أن ابن البنت عقد على امرأة في هذه الساعة حل لجده أن يدخل على المرأة وأن يسلم عليها وأن يصافحها وأن يختلي بها؛ لأنها حرام ومحرم.
وأما بالنسبة لبنت الزوجة وهي النوع الثالث من المحرمات من المصاهرة فبنت الزوجة وهي الربيبة فهي كل أنثى ولدتها الزوجة إذا كانت من زوج آخر سواء كان هذا الزوج قد نكح الزوجة قبل الرجل أو بعده، فكل من تنجبه هذه المرأة التي نكحتها من النساء فهي ربيبة، ويستوي أن تكون بنتا مباشرة كبنت الزوجة المباشرة أو بنت بنتها فإنها ربيبة أيضا، ويستوي أن تتمحض بالإناث أو تتمحض بالذكور فبنت بنتها ربيبة وبنت ابنها ربيبة؛ والأصل في ذلك قوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} إلا أن الربيبة وهي بنت الزوجة لا تحرم إلا بشرط أن يدخل بأمها، فإذا دخل بأمها حرمت الربيبة، ولا يكفي مجرد العقد، فلو عقد على امرأة ثم طلقها حل له أن ينكح الربيبة وهي بنتها، ويستوي في الربيبة أن تكون قد تربّت في حجر الإنسان، أو كانت بلغت قبل أن يدخل بأمها؛ فإنها ربيبة في مذهب جمهور العلماء؛ لقوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن}.
فقوله: {في حجوركم} خرج مخرج الغالب، والنص إذا خرج مخرج الغالب لم يعتبر مفهومه، وقد دلت السنة على أن الربيبة حرام على الزوج سواء كانت في حجره أو لم تكن في حجره؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال لأم حبيبة بنت أبي سفيان -رضي الله عنها وعن أبيها- كما في الصحيحين- ((فلا تعرِضُن -يخاطب أزواجه- علي بناتكن ولا أخواتكن)) فحرم عليهن أن يعرضن بناتهن فدل على أن الربيبة محرمة سواء كانت في الحجر أو لم تكن في الحجر؛ لأنه لم يقل فلا تعرضن علي بناتكن اللاتي في حجري، وإنما قال: فلا تَعرضْن علي بناتكن مطلقا فدل على صحة مذهب الجمهور على تحريم الربيبة مطلقا.
أما النوع الرابع من المحرمات من جهة المصاهرة فهي أم الزوجة، وأم الزوجة هي كل أنثى لها على الزوجة ولادة؛ سواء كانت أمها المباشرة أو أما لأمها فجدة الزوجة سواء من جهة أبيها أو أمها فإنها محرمة؛ لأنها أم للزوجة تمحضت بالذكور أو تمحضت بالإناث أو جمعت بينهما؛ فيجوز للرجل أن يسلم على أم زوجته وعلى جدة زوجته سواء كانت من جهة الأب أو من جهة الأم؛ لقوله تعالى: {وأمهات نسائكم} فدل على أن أم المرأة محرم؛ ولما قال الله تعالى: {وأمهات} فشمل الأم المباشرة والأم بواسطة؛ وقال: {وأمهات نسائكم} والمرأة تكون من نساء الإنسان بمجرد العقد، فبمجرد أن يعقد على زوجة يجوز له بعد العقد أن يدخل على أمها وأن يسلم عليها وأن يختلي بها وأن يسافر محرما لها.
هؤلاء هن المحرمات من جهة النسب، ومن جهة المصاهرة.
ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فتحرم الأم من الرضاع، والبنت من الرضاع، والعمة من الرضاع، والخالة من الرضاع، وبنت الأخ، وبنت الأخت، والأخت من الرضاع، وكذلك أيضا يحرم من الرضاع بالمصاهرة أم الزوجة من الرضاع، وبنت الزوجة من الرضاع، كلهن محارم، وزوجة الابن من الرضاع، وزوجة الأب من الرضاع، كلهن محارم، هذا حاصل ما يقال في المحرم على التأبيد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/169)
وقال المصنف: [على التأبيد] فخرج المحرم من النساء على التأقيت، فمثلا أخت الزوجة نجد بعض الأزواج الآن يجلس مع أخت زوجته، فإن قيل له: لماذا تفعل هذا؟ يقول: إنها محرّمة علي، ولا يفرّق بين التحريم والمحرمية، فليس كل مُحرَّم نكاحها مَحْرما للإنسان، الأجنبية محرّم نكاحها لكن ليس معنى ذلك أنها محرم له، فأخت الزوجة تحرمها مؤقت؛ لأنه إذا طلق أختها وخرجت من عدتها حل له أن ينكحها، فليست بمحرم؛ لأنها محرمة على التأقيت، وهكذا المطلقة ثلاثا؛ فإنها محرمة على التأقيت حتى تنكح زوجا غيره، وهكذا بالنسبة لبقية المحرمات كما في مانع الكفر ومانع الزنا وغيرها من الموانع المؤقتة، فبين رحمه الله أن التحريم لا يكون إلا من جهة المحرمات على التأبيد.
قال رحمه الله: [فمن فرط حتى مات أخرج عنه من ماله حجة وعمرة]: فمن فرط في الحج حتى مات أخرج من ماله نفقة الحج والعمرة بمعنى أنه يحجّجُ عنه؛ والأصل في ذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعل الحج دينا لله، وقال للمرأة: أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم. قال: ((فدين الله أحق أن يقضى)) فمن وجب عليه الحج في حياته فتركه وفرط فيه وتساهل فيه حتى توفي -والعياذ بالله- ولم يحج؛ فإنه عاص لله - U- آثم للتأخير، ثم في ذمته هذه الحج بالبدل، فيخرج من ماله على قدر ما يستأجر الشخص بنفقته ذهابا وإيابا لمثله في الحج، فلو كان يحجج عن الإنسان بألف ريال إذا توفي وترك خمسة آلاف ريال يؤخذ الألف الريال قبل قسمة التركة؛ لأنها دين لله عز وجل ولا تقسم التركة إلا بعد قضاء الديون؛ لقوله تعالى: {من بعد وصية يوصي بها أو دين} وقال في الآية الأخرى: {من بعد وصية توصون بها أو دين} فلا حق للوارث إلا بعد سداد دينه، فتسدد الديون.
أخرج من ماله على قدر ما يحجّج عنه: إذا استأجر الشخص للحج هناك صورتان:
الصورة الأولى: أن يقول لك: أعطني ما يكفيني للركوب وللأكل وللسكن وهذا ما يسميه العلماء بأجرة البلاغ.
والصورة الثانية: أن يقول لك: أعطني عشرة آلاف، أعطني خمسة آلاف، أعطني ثلاثة آلاف، ما زاد فهو لي، وما نقص فأنا أضمنه.
فأما الصورة الأولى فيسمونه أجرة البلاغ، وأما الصورة الثانية فيسمونها أجرة المقاطعة، يفاصله ويبيع ويشتري معه.
فأما إذا أخذ أجرة البلاغ فلا إشكال في جواز ذلك ومشروعيته أن يحجّج بقدر ما يبلغه ذهابا وإيابا بنفقة مثله، وإذا حج معتمرا أو قارنا أعطي قيمة الدم لنسكه هذا لا إشكال في جوازه.
وأما إذا قال: أريد خمسة آلاف وما زاد فهو لي، أريد عشرة آلاف وما زاد فهو لي؛ فهذا لا يجوز في أصح قولي العلماء؛ لأن الحج عبادة وليس محلا للتجارة، وإنما عليه أن يبلغه الحج، وأن يعطيه ما يبلغه الحج، وليس محلا لأن يأخذ عليه مقاطعة، فيكون له الزائد، ويضمن ما نقص بعد ذلك. يعطيه نفقة حجه ذهابا وإيابا وتؤخذ من تركة الميت.
قال رحمه الله: [ولا يصح من كافر ولا مجنون]: ولا يصح الحج من كافر ولا مجنون؛ قال تعالى في الكافر: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} فبين أنه لا يصح مع الكفر عمل، ولا مجنون؛ لأن المجنون قد رفع عنه القلم فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((رفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم المجنون حتى يفيق)) فدل على عدم صحة حج المجنون.
قال رحمه الله: [ويصح من الصبي والعبد ولا يجزئهما]: ويصح الحج من الصبي؛ لقوله عليه الصلاة والسلام- حينما سألته المرأة: ألهذا حج؟ قال: ((نعم، ولك أجر)) فبين أن الحج يصح من الصبي.
قال رحمه الله: [والعبد]: والعبد فإذا حج العبد صح، ولكن لا يجزي الصبي ولا يجزي العبد حجهما حال الصبا وحال الرق؛ لأنه حج نافلة، ولم يجب عليهم الحج بعد، وإنما يخاطب الصبي بالحج بعد بلوغه، فإذا حج قبل البلوغ فقد تنفل، فقد أدى العبادة قبل وجوبها عليه، والنافلة لا تجزي عن الفرض، وهكذا بالنسبة للرقيق؛ فإنه قد أداها نافلة، فإذا عتق فإنه يعيد ويحج، وكذلك إذا بلغ يحج حجة الإسلام؛ وفي هذا أثر ابن عباس اختلف في رفعه ووقفه، ومثله لا يقال بالرأي فيجب عليه أن يعيد حجه بعد بلوغه وعتقه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/170)
قال رحمه الله: [ويصح من غير المستطيع والمرأة بغير محرم]: ويصح الحج من غير المستطيع فلو أن شخصا لا يستطيع الحج ولكنه تكلف وتجشم، وكم ترى عينك في الحج أناسا من الحطمة والضعفة وكبار السن، بل تتعجب كيف بلغ إلى هذه الأماكن، ولكنها العزيمة. قال بعض السلف: علمت أن قوة الإنسان في قلبه وروحه وليس في جسده، ثم قال: ألا ترى الشيخ الكبير الحطمة يفعل ما لا يفعل الشاب، أو يقوى ما لا يقوى عليه الشاب، هذا يدل على صدق العزيمة فلو أن هذا الرجل الذي لا يجب على مثله الحج تجشّم الصعاب وركب الشدائد وحج؛ صح حجه وعلى الله أجره، ولاشك أن الحج صحيح، فليس شرط الاستطاعة شرطا في الإجزاء والصحة.
قال رحمه الله: [والمرأة بغير محرم]: وكذلك يصح الحج من المرأة بغير محرم، ولكنها آثمة عاصية، فإذا حجت؛ صح حجها؛ لأنها فعلت ما أمرها الله به وأدت العبادة على وجهها، وتأثم لعصيانها؛ لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن سفر المرأة بدون محرم، هذا إذا كانت على مسافة القصر كما ذكرنا. أما إذا كانت دون مسافة القصر فيصح منها بدون محرم.
قال رحمه الله: [ومن حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه أو عن نذر وقع حجه عن فرض نفسه دون غيره]: بين رحمه الله أن الحج عن الغير يشترط فيه أن يكون الإنسان قد حج عن نفسه، فشرع في الشروط الخاصة في المسائل الخاصة بعد أن بيّن شروط الحج العامة شرع في بيان الشروط الخاصة في المسائل الخاصة، وهي مسألة الحج عن الغير. يشترط أن يكون الوكيل قد حج عن نفسه؛ والدليل على ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سمع رجلا وهو يطوف بالبيت يقول: لبيك عن شبرمة. فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((ومن شبرمة؟ قال: أخي أو ابن عم لي مات ولم يحج. قال: أحججت عن نفسك؟ قال: ((لا حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)) فدل هذا على أن الوكيل لا يصح أن يقوم بالحج عن الغير إلا بعد أن يؤدي الفرض عن نفسه.
الأسئلة:
السؤال الأول: فضيلة الشيخ: من أخر ركعتي الطواف إلى ما بعد وقت النهي فهل يجوز أن يبدأ بالسعي، وإذا طال وقت النهي فهل يؤثر طول الانتظار في الطواف والسعي. وجزاك الله خيراً؟
الجواب:
بسم الله. الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فيجوز تأخير ركعتي الطواف إلى ما بعد وقت النهي؛ وذلك لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عن الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس.
وأما مشروعية التأخير فقد جاءت بها سنة راشدة عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - حيث أخر ركعتي الطواف إلى ذي طِوَى، فطاف في حجه طواف الوداع بعد صلاة الصبح ثم أخر ركعتي الطواف حتى أشرقت عليه الشمس وهو في وادي ذي طِوَى، وهذا الوادي هو جهة الزاهر الآن، فصلى رضي الله عنه وأرضاه بعد طلوع الشمس، فدل على مشروعية تأخير ركعتي الطواف إلى ما بعد انتهاء وقت النهي.
وأما إذا كان في العمرة فسعى قبل أن يصلي الركعتين؛ صح سعيه، ثم يصلي الركعتين بعد طلوع الشمس؛ لأن تقدمها على السعي ليس بشرط في صحة السعي وليس بواجب ولا ركن، والسعي صحيح؛ لأنه سعى كما أمره الله، فيسعى مباشرة حتى لا يفصل بين الطواف والسعي.
وقد اختار طائفة من العلماء الموالاة بين السعي والطواف في العمرة. والله تعالى أعلم.
السؤال الثاني: فضيلة الشيخ: أنا أشتغل في دعوة غير المسلمين فأجد من الكفار من يرغب تعلم في الإسلام، ويظهر منهم أنهم يريدون أن يسلموا ولكن يترددون، فهل يجوز أن أعطي من مال الزكاة ترغيبا لهم في الإسلام. وجزاك الله كل خير؟
الجواب:
إذا كان الكافر يؤلف للإسلام بالمال؛ جاز إعطاؤه من الصدقات والزكوات؛ لأن الله تعالى جعل في الزكاة سهما للمؤلفة قلوبهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/171)
وأجمع العلماء -رحمهم الله- على أنهم من أصناف الزكاة الثمانية الذين يجب دفع الزكاة لهم، فالمؤلفة قلوبهم يدخل فيهم من كان متذبذباً فإذا أعطي المال انشرح صدره فيعطى؛ لأن الناس أقسام، فمنهم من يدخل الإسلام بالرأي والحجة، ومنهم من يدخل بالقوة والسيف، فإذا رأى العزة للإسلام كما وقع لصناديد قريش لما رأوا أن الإسلام قد ظهر أسلموا، ثم اطمأنت قلوبهم بعد ذلك، ومنهم من يدخل بالمال، وكل أعطاه الله حقه، وهنا يرد الإشكال: كيف نعطي المال للناس يسلمون بالمال؟ إذًا إسلامهم للمال وليس لله؟
والجواب أن الإسلام دين حق، وهذا الحق لو تأمله الإنسان تأملا صحيحا انكشف له.
فإن الإسلام دين حق، وهذا الحق يمتنع الإنسان من تأمله بسبب فتن الدنيا، ولكن إذا خلي بينه وبين التأمل والنظر الصحيح أدرك الصواب والحق، ولذلك لما قيل لعمرو بن العاص: لماذا تأخر إسلامك وأنت أنت؟ -يعني في العقل والحجا والرأي-
فقال: إنا كنا تسوسنا رجالنا يعني كبار السن منا، وكنا تبعاً لهم في ذلك، فلما صار الأمر إلينا وتأملنا علمنا أنه الحق، فقد تأتي شواغل أو أمور تمنع من تأمل الحق من عصبية أو غيرها، فإذا كان الإنسان في تردد وأعطي المال أعطي مبتغاه فإنه سرعان ما يحب الإسلام للإسلام لا للمال، فهذا المال يقطع العوارض الدنيوية في حال كفره وضعفه، والمقصود منه تقويته على أن يتأمل الإسلام بحق، ولذلك تجد من ألّف قلبه للإسلام قد يعود أقوى ثباتا وغيرة على الإسلام من كثير من أهله، وهذا عرف في التاريخ وعرف بالاستقراء والتتبع، فمن الناس من يدخل الإسلام طواعية، ومنهم من يدخله تأملا ونظرا، ومنهم من يدخله بالمال رغبة، وكل له مثال في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فثمامة بن أثال سيد بني حنيفة سيد من سادات بني حنيفة لما أخذته خيل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأتي به إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو سيد في قومه، قد كان بالإمكان أن يهدده، وقد كان بالإمكان أن يتوعده، وقد كان بالإمكان أن يضرب رقبته على الكفر، ومع هذا كله نظر -بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه- النظرة الصحيحة فعلم أنه رجل على عقل ووعي أن مثله إذا تبين له الحق سرعان ما يقبل، فأمر بربطه في المسجد، فربط في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصار ينظر إلى الصحابة، نظر إلى ذلك الرعيل الذي تربىّ بين يدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، نظر إلى شمائل الإسلام وأخلاق الأعزة الكرام، نظر إلى أخلاق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وسمته ودله، في غضبه ورضاه، في ليله ونهاره، وصبحه ومسائه، وأخذه وعطائه، وبين أصحابه -صلوات الله وسلامه- وفي صلاته وفي عبادته، نظر إلى جميع هذه الأمور كلها ثلاثة أيام، كل يوم يقف عليه رسول الرحمة -صلوات الله وسلامه عليه- ويقول: ما وراءك يا ثمامة؟ فيقول له: إن تقتل؛ تقتل ذا دم، وإن تعفُ؛ تعفُ عن كريم لا ينسى، فلما كان اليوم الثالث نظر إليه صلوات الله وسلامه عليه النظرة الواعية الصادقة فنظر في وجهه أنه يريد الإسلام وأنه يرغبه. فقال: أطلقوا ثمامة، فلما أطلق رضي الله عنه وأرضاه انصرف إلى حائط عن طواعية وعن اختيار، ولكنها طواعية أخذت بقلبه أشد من أخذ المكره على ما يكره عليه، من قوة محبته في الإسلام، طواعية وهو في عزته وأنفته وكبريائه رئيسا في عشيرته وعزيزا في قومه لم يسلم ذليلا ولا مهانا، فخرج إلى الحائط واغتسل، ثم جاء إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليقف إليه ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، والله يا محمد، لقد كان وجهك أبغض الوجوه إلي، ودينك أبغض الأديان إلي، فأصبح وجهك أحب الوجوه إلي، ودينك أحب الأديان إلي، متى؟! لما انكشف له الإسلام حقيقة، لما زال المنافقون والمرجفون والكذابون والغشاشون والنمامون والأفّاكون والمفترون والمشركون والوثنيون الذين لفقوا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وكذبوا عليه، فأخذوا يلفقون عن الصحابة، ويضعون الحواجز بين الناس وبين دين الله عز وجل، وهكذا كل صاحب فطرة مستقيمة إذا وقف أمام إنسان صاحب حق وصاحب هدى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/172)
، قد يجد العوائق من القيل والقال والترهات والأكاذيب والأراجيف وقول الحساد والنمامين ولكن إذا وقف أمام الحق منصفا صادقا متأملا سرعان ما يعرف الحق، شاء أو أبى، ويأخذه سلطان الحق بالقوة إذا سلمت فطرته، وصدقت عزيمته، وأراد النجاة من نار الله عز وجل قبل أن يأخذه الله على الكفر أخذ عزيز مقتدر، فالكفار إذا استبانت لهم الأمور، وانكشفت لهم الحقائق؛ فإنهم إذا كانوا أصحاب عقول مستقيمة أسلموا؛ وإلا والعياذ بالله قد يكابرون {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} فالذي يعرض عليه الإسلام بالمال ليس معناه أننا نشتري الناس ليسلموا، وإنما نريد أن نقطع العوائق والعلائق التي تحول بين الناس وبين دين الله عز وجل تحول بينهم وبين تأمل هذه الأنوار الإلهية التي تخرج من الظلمات إلى النور التي تحول بينهم وبين انشراح الصدر وطمأنينة القلب والاهتداء بهداية الله لكي يصيب الإنسان سعادة لا شقاء بعدها أبدا، فيعطى هذا المال من أجل أن تزول هذه العوائق وليس معنى ذلك أنه يسلم من أجل أن يأخذ المال، ومن هنا من نظر في التاريخ وسمع العبر كثير ممن أسلموا وألُّفت قلوبهم سرعان ما أخذوا المال في بداية أمرهم ثم تركوه، ومنهم من رد المال، وأحب الإسلام للإسلام؛ لأنهم انكشفت لهم الحقيقة، فإعطاء المال للمؤلفة قلوبهم سهم لهم سهم في الزكاة، ولهم أن يعطوا من الصدقات، ولو عرض عليك إنسان يريد الإسلام وتعلم أنك لو أعطيته أو تألفته بالمال أنه يسلم تبادر وتعطيه ما تستطيع؛ لأنه إذا اهتدى على يدك وبسببك كان لك أجر صلاته وزكاته وحجه وعمرته وإسلامه وإسلام من يسلم على يديه وإسلام من أنجبه من أبنائه المسلمين، وتلك والله هي التجارة الرابحة، وتجارة رائجة رائحة.
نسأل الله بعزته وجلاله أن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، ونسأله أن يهدينا ويهدي بنا، وأن يجعلنا هداة مهتدين على طاعته ومحبته ومرضاته.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
{يتبع الباقي إن شا الله تعالى}
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[21 - 10 - 07, 08:43 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيك أخي في الله على هذه الموضوع الرائع والدال على الخير كفاعله , كما قال عليه الصلاة والسلام.
أخوك في الله ...
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[22 - 10 - 07, 11:00 ص]ـ
قال المصنف - رحمه الله -: [باب المواقيت]:
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن سار على سبيله ونهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله: [باب المواقيت]: المواقيت: جمع ميقات، يقال: أقّت الشيء يؤقته تأقيتا إذا حدده، والتحديد من الشرع أصل في العبادات، ولذلك جعل الله لعبادة الحج والعمرة ميقاتين: ميقات زماني، وميقات مكاني.
فالعمرة في ميقاتها الزماني شامل عام لجميع السنة إلا ما استثناه بعض العلماء -رحمهم الله- من يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق.
وأما بالنسبة للحج فله ميقات زماني لا يقدم عليه ولا يؤخر عنه على تفصيل سيأتي -إن شاء الله- لأهل العلم.
وأما الميقات المكاني فهي مواضع محددة حددها رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - بالنسبة للآفاقيين، ولمن مر بهذه المواضع من غير أهلها أن لا يجاوزوها وعندهم نية أن يحجوا ويعتمروا إلا بعد الإحرام منها، ولأجل هذا التحديد اصطلح العلماء رحمهم الله بتسميته بالمواقيت والميقات الزماني بينته أو أشارت إليه نصوص الكتاب العزيز والميقات المكاني بينته السنة الصحيحة عن رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - ومن عادة أهل العلم في باب المواقيت أن يتكلموا عن ميقات الحج الزماني وعن ميقاته المكاني.
فيقول المصنف رحمه الله: [باب المواقيت]: أي في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بمواقيت الحج الزمانية والمكانية وكذلك مواقيت العمرة وجمعها رحمه الله لتعددها واختلافها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/173)
قال رحمه الله: [وميقات أهل المدينة ذو الحليفة]: الميقات الأول ميقات أهل المدينة وهو ذو الحليفة، والحليفة نوع من الشجر، وقيل سمي هذا الموضع بذلك؛ لأنه كانت به شجرة، ومن عندها وبجوارها كان المصلى الذي صلى فيه رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - من بطن الوادي، ولذلك قالوا ذو الحليفة، وقيل إن هذا النوع من الشجر ينبت في هذا الموضع من الوادي وهو وادي العقيق، ويقال له: الوادي المبارك لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال كما في الحديث الحسن: ((إن هذا الوادي مبارك)) يعني وادي العقيق وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيح أنه قال: ((أتاني الليلة آت من ربي فقال أهل في هذا الوادي وقل حجة في عمرة)) والميقات ميقات ذوالحليفة هو أبعد المواقيت عن مكة، ويبعد ما بين أربعمائة إلى خمسمائة كيلومتر من مكة، وهو على عشر مراحل في عهد النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وموضعه عند نهاية حد المدينة، فهو بحذاء جبل عير، وبطن الوادي هو الذي أحرم منه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والسنة أن ينزل إلى بطن الوادي وأن يغتسل ثم يهل بنسكه بعد صلاة الفريضة كما ثبت عن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - إن تيسر.
وأما بالنسبة لهذا الموضع فإنهم اتفقوا على أنه أبعد المواقيت عن مكة، وأنه ميقات أهل المدينة، والأصل في ذلك حديث عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- في الصحيحين أن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، وهذا الموضع قلنا إنه في بطن الوادي والعبرة بالإهلال به إذا نزف البطن بطن الوادي أو أخذ من طرفه إذا كان مارا بالوادي، فمروره على أحد طريقين بالنسبة للموجودة الآن إما طريق مكة القديم وإما طريق الذي يسمى بطريق الهجرة اسما لا حقيقة؛ لأن طريق الهجرة الحقيقي غير هذا الطريق كما هو معروف عند أهل السير، ولكن هذا الطريق هو طريق الأيسر عند خروج الخارج من المدينة، والأول هو طريق الأيمن، فإن مر بالطريق القديم فإنه بمحاذاته للمسجد يشرع له أن يحرم ولا يجوز له أن يجاوز ذلك الموضع، ثم هناك ابتداء وانتهاء لموضع المحاذاة، فهل العبرة بأوله أم العبرة بآخره؟
نص طائفة من أهل العلم -رحمهم الله- على أنه يتحرى أول المحاذاة للمسجد، ولو أحرم من آخر المحاذاة عند طرف المسجد من ركنه صح إحرامه، ونص على ذلك غير واحد من الأئمة -رحمهم الله- سواء كان مروره بالطريق القديم أو الطريق الجديد.
الطريق القديم كان النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - ينزل إلى بطن الوادي، ثم يرتقي على البيداء، فهذه البيداء هي المرتفع الذي يحاذي المسجد من الجهة اليمنى للخارج من المدينة، وهي التي ورد فيها حديث عبدالله بن عمر في الصحيحين عنه -1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - - أنه قال بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - ولما علاها عليه الصلاة والسلام أهل بالتوحيد ولبى.
البيداء موضعها يبدأ من عند الموضع الذي فيه الإشارة الآن الذي ينزل منه إلى المسجد، فهذا المكان العالي هو بداية البيداء، ثم بعد البيداء في الخط القديم إذا مضى إلى جهة مكة يكون ذات الجيش، وذات الجيش من منقطع البيداء إلى الجبال التي هي نهاية الأرض السهلة في ذلك الموضع، وذات الجيش هو الذي انقطع فيه عقد عائشة -رضي الله عنها- وحبست رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - في القصة المشهورة ونزلت آية التيمم، فهذا الموضع يقال ذات الجيش، فإن أخر عن البيداء إلى ذات الجيش وأحرم من ذات الجيش لزمه الدم، فلابد وأن يكون إحرامه من البيداء محاذيا للموضع الذي أحرم منه النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -.
وأما بالنسبة للطريق الجديد فلا إشكال أنه يكون على سمت المسجد من ابتدائه احتياطا كما ذكرنا إلى نهايته إجزاء على نفس التفصيل الذي ذكرناه في الجهة اليمنى.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/174)
أما إذا حاذى بالطائرة فإنه يعتد بمحاذاة المسجد ولم أجد تحديدا دقيقا رغم كثرة سؤالي لبعض الأخوة الذين لهم خبرة وبعضهم يقود الطائرات، فسألتهم فاختلف تقديرهم للدقائق من الإقلاع إلى محاذاة الميقات؛ والسبب في هذا اختلاف جهة الإقلاع، واختلاف السرعة؛ خاصة عند وجود الريح وعدمه، ولذلك لا يوضع ضابط معين بالنسبة للوقت، فتارة إذا أقلع على الجهة المعاكسة للميقات سيستغرق وقت حتى يقلع ثم يرجع إلى سيره، وهذا يحتاج إلى زيادة ا لدقائق، وهكذا إذا أقلع بخلاف ما إذا أقلع مباشرة على جهة مكة، وأيضا يختلف في الزمان كما يذكر بعض أهل الخبرة منهم بحسب قوة الريح وضعفه، وقوة الطائرة وضعفها، فهذا صعب وضع قدر زماني يحدد به، لكن يستطيع الراكب أن ينظر فيعتد بالمحاذاة إذا كان من جهة النظر أو تيسر له النظر، أو إذا بلغ أنه بالمحاذاة فإنه يبني على ذلك إذا كان بقول الثقة، هذا حاصل ما يقال بالنسبة لميقات: ذوالحليفة.
ميقات ذوالحليفة يقال له: أبيار علي، وهو يبعد عن المدينة ما يقارب تسعة كيلومترات، وهذا الميقات أجمع العلماء -رحمهم الله- على أنه ميقات محدد من النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - بالقول وبالفعل، فحدده النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - بالقول، وقال: ((يهل أهل المدينة من ذي الحليفة)) وحدده بالفعل حينما أحرم منه -عليه الصلاة والسلام-.
قال رحمه الله: [وأهل الشام والمغرب ومصر الجحفة]: وميقات أهل الشام ومصر والمغرب وأهل أفريقيا في الطريق القديم حيث كانوا يأتون من شمال المملكة من أعلى العقبة، ثم ينزلون برا على جهة ضبا، ثم يمرون بالجحفة فطريقهم ساحلي غربي، ولذلك ميقات أهل الغرب هو الجحفة، وأهل الشام أخذوا حكم أهل الغرب؛ لأنه كان لهم طريق من جهة الساحل وهو الذي تسبقه العير، وفيه قصة عير قريش المشهورة، فطريق الساحل هذا إذا أخذه أهل الشام صار ميقاتهم الجحفة، وأما إذا مروا بالمدينة وصار طريقهم إلى المدينة لا إشكال أن ميقاتهم وميقات المدينة واحد، وعلى هذا فإن ميقات الجحفة ميقات أهل الشام وأهل الغرب.
والجحفة مأخوذة من اجتحف الشيء إذا أخذه، قالوا: كان فيها قوم من العماليق، فأرسل الله عليهم السيل فاجتحفهم، فأخذهم عن بكرة أبيهم، فسميت الجحفة، ويقال: لها مهِيْعة ومَهْيَعة وهذا الموضع خراب مهجور؛ وذلك لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال: ((اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا لمكة أو أشد وصححها وانقل حماها إلى الجحفة)) فنقلت الحما إلى الجحفة فأصبحت وبيئة ولذلك يتحاماها الناس ويحرمون بحذائها من رابغ، فهذا الميقات أجمع العلماء على أنه نصي وأن النبي - r- أقته كما في الصحيحين من حديث ابن عباس وعبدالله بن عمر قال عبدالله 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: وقت رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة.
فقوله: ولأهل الشام الجحفة أي وقّت لأهل الشام الجحفة، فهو ميقات نصي يبعد عن مكة خمس مراحل، وهو ما يقارب مائتين وكيلو، وهو ميقات من ذكرنا من جهة الغرب.
قال رحمه الله: [واليمن يلملم]: واليمن يلملم ويقال ألملم، وهو جبل معروف في ذلك الموضع، ويقال إنه موضع السعدية الآن ويبعد عن مكة بمرحلتين ما يقارب من ثمانين إلى خمس وثمانين كيلومتر وهو ميقات أهل اليمن، وكانوا في القديم يأتي الحجاج من الصين ومن جاوه ومن ماليزيا عن طريق اليمن وحضرموت ثم يسلكون طريق الجنوب ويكون هذا ميقاتا لهم ولذلك اعتدوه ميقاتا للجنوب.
قال رحمه الله: [ولنجد قرن]: ولأهل نجد قرن المنازل. يقال له: قرن الثعالب، والقرن له أسماء: يطلق على عدة مسميات منها: أعلى الجبل، وهذا الموضع يقال إنه هو طبعا يسمى الآن بالسيل الكبير، ويبعد عن مكة بمرحلتين ما يقارب من ثمانين كيلومتر إلى خمس وثمانين كيلومتر وهو ميقات أهل نجد ومن جاء من طريق من أهل الخليج.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/175)
قال رحمه الله: [وللمشرق ذات عرق]: فميقات قرن المنازل وقته رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - لأهل نجد كما في الصحيحين من حديث عبدالله بن عباس ولأهل نجد قرن المنازل، وكذلك أيضا في حديث عبدالله بن عمر وحديث عائشة -رضي الله عن الجميع- فهو ميقات نصي.
قال رحمه الله: [وللمشرق ذات عرق]: وللمشرق ذات عرق والعرق هو الجبل، وهذا الجبل هو المنقطع تهامة وابتداء نجد ويسمى بالضريبة ويقال الخريبات عند الخريبات وهو يبعد مرحلتين أيضا ما يقرب من ثمانين إلى خمس وثمانين كيلومتر، هذا الميقات هو ميقات أهل العراق، ومن جاء من جهتهم كأهل فارس وأهل المشرق إذا سلكوا طريقهم وسبيلهم.
واختلف فيه هل وقته النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - كما في الحديث الصحيح أنه وقته لأهل العراق، وقيل إن الذي وقته عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -.
والصحيح أنه مؤقت نصا وأن عمر لما سئل أي سأله عن العراق فقالوا: إن قرنا جور عن طريقنا فوقت لهم القرن بحذائها فوقت لهم ذات عرق فوافق توقيته توقيت النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وقد كان محدثا ملهما -رضي الله عنه وأرضاه-.
هذه المواقيت كلها نصية على الصحيح من أقوال العلماء -رحمهم الله- إلا ذات عرق فالصحيح أن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وقتها خلافا لمن قال إن عمر هو الذي وقتها، والصحيح أنها نصية. هذه المواقيت إذا تأملها المتأمل وجد أن منها ما هو بجهة الشمال كذي الحليفة، ومنها ما هو في جهة الغرب كالجحفة، ومنها ما هو إلى جهة الجنوب كيلملم، ومنها ما هو إلى جهة المشرق كذات عرق وقرن المنازل، وعلى هذا فالمواقيت هذه ينبغي أن ترتبط بجهاتها، ويقوّي هذا أنه افترق حكم الشامي ما بين مروره من طريق المدينة وما بين مروره من طريق الساحل، فكل جهة يعتد بالميقات المنسوب إليها، فمن كان من جهة هي أقرب إلى الشمال اعتد بميقات أهل المدينة، ومن كان في جهة إلى الغرب اعتد بميقات الجحفة، ومن كان إلى المشرق اعتد بميقات أهل المشرق، وهكذا بالنسبة لمن كان في الجنوب.
هذه المواقيت ثبتت فيها السنة كما ذكرنا في حديث عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- وحديث عبدالله بن عمر وحديث عائشة -رضي الله عن الجميع- وكلها حديث صحيحة قال عبدالله 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: ((وقت النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم وقال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة فمن كان دون ذلك فإحرامه من حيث أنشأ حتى إن أهل مكة يهلون من مكة)).
فدل هذا الحديث على انقسام الناس إلى من كان خارجا عن المواقيت أو من أهلها كأهل المدينة وإلى من كان دون المواقيت فيما بين المواقيت والحرم، وإلى من كان من أهل الحرم وهم أهل مكة، هذه ثلاثة أقسام بينها النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - في هذا الحديث.
القسم الأول يسميه العلماء بالآفاقيين وهم الذين على المواقيت وخارج المواقيت، ومنهم من يرى أن الآفاقي من كان بين المواقيت والحرم، لكن الصحيح أنهم يقال لهم أهل الحل وهم الذين بين المواقيت وبين حرم مكة.
والقسم الثالث هم أهل مكة.
فمن كان خارجا عن هذه المواقيت نظرنا إلى جهته وأمرناه أن يعتد بميقات تلك الجهة، فلو أن رجلا من أهل المدينة أراد أن يسافر إلى جهة الغرب، ثم أراد أن يحج ويعتمر بعد هذا السفر كأن يسافر إلى جهة الساحل قال أريد: أن أذهب لزيارة أهل أو جماعتي أو صديقي في ضبا ثم بعد ذلك أحرم بالحج، فنقول إنه في هذه الحالة إذا سافر سفره الأول إلى جهة المغرب لم يتمحض نسكا، فيجوز له أن يؤخر ميقاته وليس ميقات المدينة ميقاتا له فيؤخر إحرامه إلى ميقات الجحفة فقد صح عن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أنه قال للصحابة: ((خذوا ساحل البحر فأحرموا كلهم إلا أبو قتادة)) وهذا يدل على أن من أسهل من أخذ طريق الساحل أو أخذ جهة الغرب أنه يعتد بميقات أهل الغرب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/176)
وهكذا لو أن شخصا قال: أريد أن أذهب إلى الطائف ثم أحج، فنقول له يجوز له أن تذهب إلى الطائف بدون إحرام، ثم إذا أردت الإحرام نزلت عن طريق السيل أو عن طريق وادي محرم فأحرمت وأهللت بالحج أو بالعمرة.
إذا بالعبرة في هذه المواقيت بأهلها إذا كانوا من جهتها، أما إذا خرجوا عن الجهة أخذوا حكم من مر بالميقات غير ميقاته؛ والأصل في ذلك أن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قسم الناس إلى هذه الثلاثة الأقسام.
أما من كان دون المواقيت فإنه يجب عليه أن يحرم من موضعه؛ وذلك لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال: ((فمن كان دون ذلك فإحرامه من حيث أنشأ)) فقوله عليه الصلاة والسلام: ((فمن كان دون ذلك فإحرامه من حيث أنشأ)) يدل على أن من كان موضعه دون الميقات يحرم من موضعه بالحج والعمرة.
ومن أمثلة ذلك في ميقات المدينة من كان دون الميقات كأبيار الماشي والعشيرة ووادي ريم ووادي الفرع والأكحل والفارع كل هؤلاء يحرمون من موضعهم؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال: ((فمن كان دون ذلك فإحرامه من حيث أنشأ)).
وقوله: ((دون ذلك)) يعني دون المواقيت، وهذا أكده فعل الصحابة -رضي الله عنهم- فإن عبدالله بن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - كان له مزرعة في وادي الفرع، ثم أنشأ منها النية بالنسك فأحرم من مزرعته ولم يرجع إلى ذي الحليفة، وهذا يدل على أن من أنشأ النية وهو دون المواقيت أنه يحرم من موضعه.
والنوع الثالث: طبعا كل ميقات يكون من دونه بجهته، فمثلا بالنسبة للمدينة ما ذكرنا، بالنسبة للجحفة يكون أهل قديد؛ لأن قديد إلى جهة الجحفة إلى الغرب ألصق منها من الشمال، فهؤلاء يحرمون من موضعهم وهكذا أهل خليص وأهل عسفان كل هؤلاء يحرمون من مواضعهم.
وأما ما يفعله بعض المتأخرين من أن من إدخال الجحفة وإلزام من حاذى الجحفة ممن كان دون ميقات المدينة فهذا خطأ بين؛ لأن فيه نصا عن رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أن من كان دون ميقات المدينة فالعبرة بميقات المدينة فيحرم من موضعه. فأهل الأكحل وأهل الفارع لا يجوز لهم أن يؤخروا إحرامهم إلى محاذاة الجحفة؛ لأنهم دون ميقات المدينة، وقد نبهنا غير مرة على هذا التنبيه الموجود في الطريق بعد الفارع هنا ميقات محاذاة الجحفة وبينا أكثر من مرة أن هذا التحديد مبني على قول من قال من الفقهاء أنه يحرم بالمحاذاة إذا لم يكن على طريقه ميقات، وكلام الفقهاء أنه يحرم بالمحاذاة إذا لم يكن على طريقه ميقات في غير من كان دون المواقيت.
أما من كان دون المواقيت فإن فيه نصا عن رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - لا يلغى بقول الفقهاء ولا بغيرهم، فيه نص وفعل من الصحابة فانظر رحمك الله إلى عبدالله بن عمر أنه يحرم من وادي فرع، ثم يمضي حتى يمر الفارع ثم ينزل إلى مكة، ونقول بعد هذا إن من كان في الأكحل أو كان في الفارع ينتظر حتى يحاذي الجحفة؛ إذا أهل أبيار الماشي ومن كان دون الميقات كأهل الريم والعشيرة لهم أن يؤخروا إلى محاذاة الجحفة وهذا لا يعرف في كلام العلماء -رحمهم الله- المتقدمين؛ ولذلك هذه المحاذاة خاطئة، وأرجو من الله أن يكون هناك استجابة لإزالتها، وتوسع في ذلك حتى إن بعض المحطات هناك تسمى بمحطة الميقات، حتى إن العوام أو من لا يحسن الفهم يؤخر إحرامه من هذه المواضع كلها التي فيها النص حتى يأتي إلى هذا الميقات المزعوم، والميقات لا ينبغي أن يسمى به إلا الموضع الذي وقته النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وحدده للناس.
فالمقصود من هذا التنبيه على هذا الخطأ. المحاذاة محلها أن لا يكون دون المواقيت وأن لا يمر بميقات. أما إذا كان ممن هو دون الميقات؛ ففيه نص عن رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - لا مجال لإلغاء هذا النص بقول أحد كائنا من كان.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/177)
هذه المواقيت العبرة بها لأهلها كما ذكرنا، ومن كان دونها يحرم من موضعه. يحرم من موضعه سواء كان من أهل ذلك الموضع أو طرأ عليه النسك وهو في ذلك الموضع، فلو أن رجلا من أهل المدينة خرج من المدينة العصر ومضى إلى جدة يريد جدة، فلما صار بين المدينة وجدة عنَّ له أن يحرم بعمرة أو عنَّ له أن يحج من عامه فنقول له: متى ما عزمت على الحج وأنت في هذا الطريق أحرمت من موضعك عند عزمك؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال: ((فمن كان دون ذلك فإحرامه من حيث أنشأ)) هذا بالنسبة للنوع الثاني.
أما النوع الثالث وهم أهل مكة وهم أهل الحرم فهؤلاء لا يخلو إحرامهم إما أن يكون بحج وإما أن يكون بعمرة، فإن كان إحرامهم بالحج؛ فإنهم يحرمون من بيوتهم؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال: ((حتى إن أهل مكة يهلون من مكة))، ولأن أصحاب النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - انطلقوا مع رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - بعد أن تمتعوا بعمرتهم وفسخوا حجهم بالعمرة انطلقوا من رحالهم حاجين ملبين فخرجوا إلى منى وهم ملبون، وعلى هذا فإن المكي يحرم من بيته، واستحب بعض العلماء أن يحرم من الحرم. والصحيح أنه يحرم من بيته استحبابا وحكما، هذا من جهة أهل مكة في الحج.
أما بالنسبة لإحرامهم بالعمرة؛ فإنهم يحرمون من أدنى الحل، فيخرجون إلى أدنى الحل من أي موضع من مكة، فلو خرج المكي إلى عرفات وأحرم منها صح؛ لأنها في الحل وهكذا لو خرج إلى العابدية وأحرم منها صح، ولا يتعين عليه أن يخرج إلى التنعيم، ولا يتعين عليه أن يخرج إلى الشميسي الحديبية، وإنما يخرج من أي موضع إلى أدنى الحل ثم بعد ذلك يحرم منه، حتى جاء في الرواية عن عائشة: ((فلا والله ما ذكر التنعيم ولا غيره)) ولذلك أمرها أن تخرج إلى أدنى الحل، فلما أمر النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - عائشة أن تحرم من أدنى الحل؛ دل على أن أهل مكة ميقاتهم من هذا الموضع، والسر في ذلك أنهم يجمعون بين الحل والحرم، كما أن الحاج يجمع بين الحل والحرم. فالحاج لا يمكن أن يكون حجه إلا بخروج إلى عرفة، ولذلك يحرم من مكة ثم يخرج إلى الحل، فصار نسكه جامعا بين الحل والحرم، والمعتمر نسكه في مكة من جهة المواضع والأماكن، ليس كالحاج نسكه خارج مكة في عرفات؛ فحينئذ يحتاج أن يخرج إلى الحل ابتداء فينشئ من أدنى الحل حتى يجمع بين الحل والحرم، هذا بالنسبة لأحكام المواقيت التي ذكرها المصنف -رحمه الله-.
قال بعض الفضلاء:
عرق العراقي يلملم اليمني ** وذو الحليفة يحرم المدني
الشام والجحفة إن مررت بها ** وأهل نجد قرن فاستبني
هذا بالنسبة للمواقيت التي ورد النص بها وأحكامها وأحكام من كان دونها.
قال رحمه الله: [فهذه المواقيت لأهلها]: لأهلها: تخصيص أي خاصة بأهلها؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال: ((هن لهن)) فذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام، وقرن لأهل نجد، وذات عرق للعراق، ويلملم لليمن.
قال رحمه الله: [ولكل من يمر عليها]: ولكل من يمر عليها وعليه الذي يمر على ميقات غير ميقاته يجب عليه أن يحرم من ذلك الميقات حتى ولو لم يكن من أهل المواقيت كأهل مكة، فلو أن مكيا خرج من مكة إلى المدينة لطلب علم أو حاجة أو تجارة أو عبادة ثم عنَّ له أن يحج أو يعتمر أحرم من ميقات أهل المدينة؛ والدليل على ذلك قوله: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)).
قال رحمه الله: [ومن منزله دون الميقات فميقاته من منزله حتى أهل مكة يهلون منها لحجهم]: هذا بالنسبة للصنفين من دون المواقيت وأهل الحرم من دون المواقيت وهم أهل الحل يهلون من موضعه، فلو أن رجلا في النوارية أو في التنعيم أراد أن يحرم بالحج أو يحرم بالعمرة أحرم من بيته ومن موضعه، وهكذا لو كان بمر الظهران أو وادي فاطمة أو الجموم؛ فإنه يحرم من موضعه، ولا يجب عليه أن يخرج إلى المواقيت بل عليه أن يحرم من موضعه؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال: ((فمن كان دون ذلك فإحرامه من حيث أنشأ)).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/178)
قال رحمه الله: [ويهلون للعمرة من أدنى الحل]: ويهل أهل مكة للعمرة من أدنى الحل ففرق فيهم بين الإحرام بالحج والإحرام بالعمرة.
قال رحمه الله: [ومن لم يكن طريقه على ميقات فميقاته حذو أقربها إليه]: بعد أن بين رحمه الله أصحاب المواقيت شرع في بيان من ليس على ميقات، فإذا كان في موضع ليس من هذه المواضع التي سميناه فإنه إما أن يمر في طريقه بميقات؛ فحينئذ لا إشكال أنه يحرم من ذلك الميقات، وإما أن لا يمر في طريقه بميقات، وهذا هو الذي عناه المصنف، فيعتد بالمحاذاة، والمنبغي في مسألة المحاذاة أن ينتبه للجهة؛ لأن عدم ضبط الجهة هو الذي حصل به الخلط عند بعض المتأخرين وتوضيح ذلك: أننا إذا نظرنا إلى هذه المواقيت التي نص عليها النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وجدنا الجهة فيها مؤثرة فوجدناها لجهة المغرب كما في الجحفة، ولجهة المشرق كما في ذات عرق وقرن، وفي جهة الجنوب كما في ألملم ويلملم، ولجهة الشمال كما في ذو الحليفة وقد بينا هذا؛ بناء على ذلك لماذا نقول الجهة حتى لا يحصل الخلط بين الميقات الأبعد والأقرب، فمثلا الآن من كان طريقه إلى جدة فإنه إذا نظر إلى جهة المغرب فالمنبغي أن يعتد بمحاذاة الجحفة؛ لأن هي جهته وميقاته، وإن نظر إلى مسألة القرب إلى الميقات اعتد بيلملم وحينئذ يستطيع حتى أن يحرم من جدة نفسها وهذا هو الذي جعل بعض المتأخرين يخلط في هذه المسألة، ويقول: إن جدة ميقات، بناء على كلام الفقهاء هذا، والواقع أن الفقهاء -رحمهم الله- فصّلوا في هذه المسألة، ومن هنا كلام بعض فقهاء الحنفية الذي رتب وركب عليه البعض أن جدة ميقات بين فيه بعض أئمته ممن جاء بعرض البحر من غربي جدة فإنه يحرم بمحاذاته للجحفة، وغربي جدة في عرض البحر إذا قدر المسافة قبل الوصول إلى الميناء بالمسافة التي بين جدة وبين الميقات الذي هو الجحفة أمكنه أن يحرمه في عرض البحر، وهذا ما يسمى بالمحاذاة، وحينئذ تصح المحاذاة باعتبار الجهة، وليس مراد العلماء المحاذاة المطلقة، وإلا حصل الخلط بالتحايل للميقات الأقرب وإلغاء الميقات الأبعد، فالجهة مؤثرة، وقلنا إن الجهة مؤثرة؛ لأن من كان إلى جهة الجنوب فهو أقرب إلى يلملم فيعتد يلملم، ومن كان إلى جهة الغرب أقرب فإنه يعتد بالجحفة لأنها أقرب إلى جهته، وهذا هو المنبغي في مسألة المحاذاة.
قال رحمه الله: [ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوز الميقات غير محرم]: ولا يجوز لمن أراد دخول مكة أن يجاوز الميقات إلا وهو محرم، وهذا مذهب الجمهور؛ واستدلوا بأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - نهى عن دخول مكة بغير نسك، وخالف في هذه المسألة الشافعية والظاهرية -رحمهم الله- فقالوا يجوز لمن ذهب إلى مكة وليس عنده نية أن يحج أو يعتمر أن يدخل مكة بدون إحرام ولا يلزمه أن يحرم من هذه المواقيت؛ وهذا هو أصح قولي العلماء لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال في هذه ا لمواقيت: ((لمن أراد الحج والعمرة)) فجعلها مواقيت محددة لمن أراد الحج والعمرة، ومفهوم ذلك أنه إذا لم يرد الحج والعمرة كأن يذهب إلى تجارة أو صلة رحم أو طلب علم أو دراسة أو نحو ذلك؛ فإنه لا يلزمه أن يحرم ويجوز له أن يدخل مكة بدون إحرام.
قال رحمه الله: [إلا لقتال مباح]: وهذا مبني طبعا إذا قلنا بقول الجمهور لابد من الإحرام فاستثنوا القتال المباح؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فدخلها وهو حلال ولم يدخلها وهو محرم، فقالوا إذا كان قتالا مباحا جاز له أن يدخلها وهو حلال أي لا يلزمه أن يحرم.
قال رحمه الله: [وحاجة تتكرر كالحطاب ونحوه]: وحاجة تتكرر: لأن الأمر إذا ضاق اتسع فلما ألزموا بالإحرام من الميقات ورد السؤال إذا كانت له حاجة تتكرر فيدخل مكة مرة بعد مرة كالحطابين وأهل النقل كالجمالين في القديم وأهل السيارات الآن ونحوهم استثنوهم، قالوا إن هؤلاء لو أمرناهم بالإحرام لصارت لهم مشقة، والأمر إذا ضاق اتسع، والمشقة تجلب التيسير فييسر لهم ويوسع عليهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/179)
قال رحمه الله: [ثم إذا أراد النسك أحرم من موضعه]: ثم إذا أراد النسك أحرم من موضعه وهذا بالنسبة للأصل إن كان آفاقيا فإنه يعتد بميقاته، وإن كان دون المواقيت أحرم من موضعه من منزله، أو من حيث أنشأ العمرة، وإن كان مكيا أحرم بالحج من بيته أو من أدنى الحل في العمرة.
قال رحمه الله: [وإن جاوزه غير محرم رجع فأحرم من الميقات ولا دم عليه لأنه أحرم من ميقاته]: يرد السؤال: لو أن إنسانا مر بهذه المواقيت وهو يريد النسك ثم لم يحرم وتذكر أو نبه فكان التنبيه بعد مجاوزته للميقات فما الحكم؟ إذا تنبه أو رجع عن قصده بأن كان ينوي أن يحرم دون المواقيت ثم ألغى ذلك ورجع؛ فإنه لا شيء عليه؛ لأن إحرامه في الحقيقة وقع من المواقيت ولم يحصل منه إخلال في هذا الإحرام، وقد فعل ما أمره الله من ا لإحرام بهذه المواقيت؛ إذا كل من جاوز هذه المواقيت وعنده نية النسك ثم رجع عن المجاوزة ولم يحرم من موضعه دون المواقيت فإنه يسقط عنه الدم ولا شيء عليه.
أما إذا أحرم من موضعه دون الميقات؛ فإنه يجب عليه الدم سواء رجع أو لم يرجع؛ لأنه أحرم بالنسك وانعقد إحرامه من غير الموضع المعتد، وقد خالف، فيجب عليه ضمان هذه المخالفة بالدم وهو دم الجبران.
قال رحمه الله: [فإن أحرم من دونه فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع]: إذًا من جاوز المواقيت وعنده نية للنسك إما أن يرجع قبل أن يحرم وإما أن يحرم من موضعه؛ فإن رجع قبل إحرامه فلا شيء عليه؛ لما ذكرنا، وإن لم يرجع وأحرم من موضعه؛ فعليه الدم سواء رجع إلى الميقات؛ لأنه فات التدارك، أو لم يرجع.
قال رحمه الله: [والأفضل أن لا يحرم قبل الميقات]: بعد أن بين رحمه الله أن هذه المواقيت متعينة يرد السؤال: هل يجوز أن يحرم قبل الميقات أو لا يجوز؟ وإذا كان جائزا فهل الأفضل أن يحرم قبل الميقات أو من الميقات؟
أما المسألة الأولى وهي الإحرام قبل الميقات؛ فجماهير الأئمة من السلف والخلف على جواز أن يحرم قبل الميقات، كما إذا كان في المدينة فأحرم من بيته قبل أن يخرج إلى ذي الحليفة، أو كان في الطائف فأحرم من بيته بالطائف ولبى قبل أن يمر بوادي محرم أو يمر بميقات السيل فقالوا إنه يجوز له ذلك ولا حرج عليه وإحرامه صحيح.
وذهب بعض العلماء كالظاهرية إلى أنه لا يجوز بعض أئمة السلف إلى أنه لا يجوز له أن يحرم قبل الميقات.
واستدل الجماهير بفعل السلف الصالح -رحمهم الله- من تصحيحهم للنسك قبل الميقات؛ فقد أحرم عبدالله بن عمر من بيت المقدس، وكذلك أيضا أحرم عبدالله بن مسعود -1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - - من القادسية وعمران بن حصين من البصرة وكذلك أيضا أحرم عبدالله بن عامر بن كريز.
فالشاهد من هذا أن الصحابة لما عرض على عثمان أنه من فعل ذلك وكذلك عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عتب على عمران أنه أحرم قبل الميقات ولكنه لم يحكم بفساد إحرامه؛ فدل على أن الإحرام صحيح وأنه يجزيه وأنه ينعقد إحرامه لو أحرم قبل هذه المواقيت، والمراد بالإحرام الدخول في النسك؛ لأن البعض يظن أن مجرد لبس الثياب التجرد من المخيط ولبس الثياب هو الإحرام.
العبرة في الإحرام بالنية والدخول في النسك، فلو أنه كان في فندقه في المدينة فلبس الإحرام ولم يلبِّ ولم ينو فهو غير محرم؛ إذًا إذا نوى الدخول في النسك فهو المحرم، فإذا فعل ذلك قبل الميقات صح، وهل هو الأفضل أم أن الأفضل أن يحرم من الميقات؟
قولان للعلماء -رحمهم الله-:
منهم من قال: الأفضل أن يحرم من الميقات كما هو مذهب المالكية والحنابلة.
ومنهم من قال: الأفضل أن يحرم قبل الميقات، كما يقول به بعض الفقهاء من الحنفية وغيرهم. واستدل الذين قالوا: إن الأفضل أن يحرم من الميقات بفعل النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - حيث أنه أحرم من ميقات ذي الحليفة، وقد كان بالإمكان أن يحرم من المدينة، فلما أخر إلى ذي الحليفة فعل الأفضل، وما كان بأبي وأمي -صلوات الله وسلامه- عليه أن يترك الأفضل ولا ينبه عليه أصحابه -رضي الله عنهم وأرضاهم- فدل هذا على أن الأفضل أن يحرم من الميقات.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/180)
والذين قالوا إن الأفضل أن يحرم من دون الميقات قالوا: إنه أكثر تعبا وهذا أعظم أجرا، وقد بينا أن الذين قالوا إن الأفضل أن يحرم من الميقات تمسكوا بالسنة، وقولهم أقعد وأرجح؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - فعل ذلك، وحرص عليه صلوات الله وسلامه عليه في مناسكه ولا يفعل إلا الأفضل، وإذا فعل المكلف السنة اتباعا للنبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - فالوارد أفضل من غير الوارد، ومن هنا يقدم إحرامه من الميقات، وهو أفضل على إحرامه قبل الميقات.
قال رحمه الله: [فإن فعل فهو محرم]: فإن فعل فأحرم قبل الميقات فهو محرم لما ذكرنا.
قال رحمه الله: [وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة]: بعد أن بين الميقات المكاني شرع في بيان الميقات الزماني، وميقات الحج الزماني فيه ابتداء وفيه انتهاء، فيبتدئ الإحرام بالحج بهلال شوال، وينتهي بفوات القدر الذي يمكنه به أن يدرك الوقوف بعرفة من قبل بزوغ الفجر من ليلة النحر، وعلى هذا فإنه يجوز له أن يحرم بالحج ليلة العيد عيد الفطر إلى أن يبقى من الزمان القدر الذي يتدارك به الوقوف بعرفة، فلو كان بجوار عرفة وفي سيارته ثم عنَّ له أن يحج فإنه يتجرد ويجوز له أن يلبي ويدخل إلى عرفة مباشرة ولو قبل بزوغ الفجر بلحظة، فإذا أدرك هذه اللحظة فإنه حينئذ ينعقد إحرامه ويكون إحرامه بالحج، وهكذا لو أحرم بالحج ولم يدرك الوقت في ليلة النحر، فإنه في الأصل يصح له أن يحرم على رجاء أن يدرك، لكن هذا الميقات هو ميقات الابتداء.
أما ميقات الانتهاء فإنه ينتهي بانتهاء شهر ذي الحجة، وفائدة هذه المسألة إذا أخر طواف الإفاضة فإنه إذا قلنا العبرة بأيام النحر أو عشر بأيام التشريق أو يوم النحر فإنه إذا أخر طواف الإفاضة إلى آخر أيام النحر لزمه دم على قول، وإذا أخره عن يوم العيد وأيام التشريق لزمه دم؛ لأنهم يرون انتهاء الحج بانتهاء أيام التشريق.
والصحيح أنه إذا أخر طواف الإفاضة ولم يخرج عن زمن الحج أنه لا دم عليه؛ لأن الله تعالى يقول: {الحج أشهر معلومات} وتمامها وكمالها ثلاثة أشهر وهو أقل الجمع.
ـ[وكيع الكويتي]ــــــــ[22 - 10 - 07, 11:05 ص]ـ
أخي الكريم شروحات الشيخ على الزاد وغيرها من كتب العلم أين أجدها مفرغة
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[22 - 10 - 07, 11:06 ص]ـ
قال الإمام المصنف رحمه الله: [باب الإحرام]: إذا ثبت أن بداية الحج تكون من هلال شوال فلو أن شخصا أحرم بالحج قبل ليلة العيد كآخر يوم من رمضان أو أحرم في أول رمضان أو أحرم في شعبان أو أحرم في رجب فللعلماء قولان:
القول الأول: إن إحرامه فاسد ولا ينعقد لا حجا ولا عمرة، وهذا مذهب بعض العلماء وبعض السلف رحمهم الله.
والقول الثاني: أن إحرامه صحيح، ثم اختلفوا فمنهم من قال ينعقد للحج ويبقى وينتظر حتى يدخل زمان الحج، فيبدأ بأعمال الحج من الطواف، وينتظر الوقوف بعرفة إلى أن يأتي زمانه، وهذا مذهب الحنفية رحمهم الله.
واستدلوا بأن غاية الأمر أنه ميقات زمان فيجوز أن يوقع الشرط وهو الإحرام قبله كما لو توضأ قبل صلاة الظهر قبل دخول وقتها؛ فإنه يصح وضوؤه ولكنه لا يصلي الظهر إلا بعد دخول الوقت، وكرهوا له ذلك لقربه من الركن كما ذكروا.
وأما بالنسبة لمذهب الجمهور من حيث الجملة أنه لا ينعقد للحج وينقلب عمرة على الصحيح؛ لأنه قبل زمانه المعتبر، وعلى هذا فإنه إذا أحرم قبل ليلة العيد؛ فإنه يتحلل بعمرته وينتظر إلى دخول زمان الحج.
ومن يتأمل زمان الحج في ابتدائه يجده بين العيدين، عز وجل على هذا الميقات المعتبر.
قال الإمام المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإحرام]: يقول المصنف رحمه الله: [باب الإحرام]: الإحرام مأخوذ من الحرام، وأصل الحرام المنع، والمحرم هو الممنوع، والإحرام الدخول في الحرمات. يقال: أحرم إذا دخل في حرمات الصلاة.
والمراد بالإحرام في اصطلاح العلماء: نية أحد النسكين أو هما معا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/181)
فمن نوى الحج أو نوى العمرة أو نواهما معا فقد أحرم، فإن نوى العمرة في غير زمان الحج فلا إشكال فهي نية نسك العمرة، أو ينوي العمرة في أشهر الحج متمتعا بها للحج، أو ينوي الحج والعمرة قارنا، أو ينوي الحج وحده مفردا، كل هذا يسمى إحراما، فلا يحكم بكون الشخص محرما إلا إذا نوى، وانعقدت نيته بأحد النسكين أو هما معا.
يقول رحمه الله: [باب الإحرام] أي في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بنية النسك.
ومناسبة هذا الباب واضحة؛ لأنه بدأ ببيان حكم الحج، فبعد أن بين على من يجب الحج وشروط الوجوب، ورد السؤال:كيف أحج؟ فقيل له هناك ميقات زماني وميقات مكاني، فإذا دخل الميقات الزماني والمكاني سأل بعد دخول وقت العبادة من أين أبدأ؟ عن صفة الدخول في النسك وبداية النسك، فيقال له: أحرم، فيحتاج إلى بيان كيفية الدخول في نسك الحج، وكيفية الدخول في نسك العمرة، فهذا الباب مبني على ما قبله، ولذلك يقع الإحرام بعد الوصول للميقات، فبعد أن بين أحكام المواقيت شرع في بيان أحكام الإحرام.
قال رحمه الله: [من أراد الإحرام يستحب له أن يغتسل ويتنظف ويتطيب]: استحب له أن يتنظف أن يغتسل ويتنظف ويتطيب: من أراد الدخول في نسك الحج أو العمرة أو هما معا استحب له أن يتنظف أن يغتسل.
أما ا لاغتسال؛ فلأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - كما في حديث زيد تجرد واغتسل لإحرامه، وثبت أيضا في الصحيح أنه طاف على نسائه -عليه الصلاة والسلام- ثم اغتسل، فهذا الغسل ثابت في السنة قولا وفعلا.
أما قولا؛ فإن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أمر أسماء بنت عميس أن تغتسل للإهلال، وهذا سيأتي أنه لوجود عذر النفاس، لكنه أصل عند العلماء بالدخول للنسك. السنة أن يغتسل، وهذا الغسل يصير واجبا ومتعينا إذا كانت المرأة حائضا أو نفساء؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - كما في الصحيح حديث أسماء بنت عميس لما نفست بمحمد بن أبي بكر الصديق أمرها النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أن تغتسل، فقال لأبي بكر: ((مرها فلتغتسل ثم لتهل)) وهذا الغسل إذا لم يتيسر؛ فإنه للعلماء فيه وجهان:
منهم من قال: غسل نظافة لا يقوم التيمم مقامه.
ومنهم من قال: غسل عبادة يقوم البدل مقامه وهو التيمم.
فإذا قلنا إن هذا الغسل المراد به النظافة؛ فإنه حينئذ يكون عبادة معقولة المعنى، ومن هنا لا يتيمم؛ لأن التيمم لا يزيده نظافة، وإن قلنا إنه عبادة والمراد به التشريع للأمة على وجه معناه فإنه حينئذ يتيمم لكن التيمم في حال وجوبه أقوى بخلاف ما إذا كان في حال الاستحباب فالمعنى فيه ظاهر. يتنظف بتقليم أظفاره والأخذ من شعره وإزالة الشعث والقذر عن بدنه؛ لأنه سيتلبس بالإحرام ولربما يكون هناك أيام عديدة كما كان في القديم، فيحتاج أن يتهيأ لهذا حتى لا يعظم منه الأذية للناس في زحامه لهم وفي المساجد فيتنظف لشرف العبادة ويغتسل؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - تجرد لإحرامه واغتسل كما في حديث زيد --1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -.
قال رحمه ا لله: [ويتطيب]: ويتطيب التطيب تفعل من الطيب وسمي الطيب طيبا لطيب رائحته، فالسنة إذا اغتسل أن يتطيب لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أصبح يمضخ طيبا وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: طيبت رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - لحله قبل حرمه، وهذا الطيب له صورتان:
الصورة الأولى: أن يقع قبل الغسل ثم يغتسل فلا إشكال في هذه الصورة عند الجميع.
والصورة الثانية: أن يغتسل ثم يتطيب. ففيه الخلاف المشهور، والصحيح أنه من السنة ولا بأس به ولا حرج.
قال رحمه الله: [ويتجرد عن المخيط]: يقول رحمه الله: [ويتجرد عن المخيط]: المخيط هو المحيط بالعضو، فيشمل ما كان لأعلى البدن كالفنيلة والقميص، وما كان لأسفل البدن كالسروال بجميع بأنواعه كالسراويل بجميع أنواعها، أو كان للجميع كالثوب، أو كان محيطا بالعضو ولو كان لبعض الأعضاء.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/182)
فالتجرد من المخيط هو الأصل؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - تجرد لإهلاله واغتسل تجرد من المخيط، وسيأتي إن شاء الله أن من محظورات الإحرام لبس المخيط.
قال رحمه الله: [ويلبس إزارا ورداء أبيضين نظيفين]: ويلبس إزارا ورداء وهو ما يسمى بالثوبين؛ وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في المحرم الذي وقصته دابته: ((اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه)) فالأصل في المحرم أن يحرم في ثوبين: إزار لأسفل البدن يستر عورته، ورداء لأعلى البدن؛ تأسيا برسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -.
أبيضين: لأن الأبيض هو أفضل الثياب؛ وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((خير ثيابكم البيض فالبسوها وكفنوا فيها موتاكم)) وقد قالوا إن الحج فيه شبه من الكفن؛ فاستحبوا لبس الأبيض؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - فضله واستحبه للأمة، فالأفضل لبس الأبيض، لكنه لو لبس غير الأبيض؛ فإنه لا يضر، فلو لبس لونا آخر غير الأبيض لا يعتبر ذلك محرما عليه ولا منكرا عليه؛ لأنه قد يكون فقيرا، وليس عنده أن يأخذ ثيابا بيضاء أو لا يجد ثيابا بيضاء، ولو عنَّ له أن يحرم وليس عنده إلا المناشف كأن تكون عنده منشفة صفراء أو خضراء منشفتين كبيرتين ساترتين فاتزر بإحداهما وتردى بالأخرى ارتدى بالأخرى فإنه لا بأس ولا حرج عليه.
قال رحمه الله: [نظيفين]: نظيفين من النجاسة بلا إشكال؛ لأنه سيصلي وسيؤدي العبادة ويطوف بالبيت، وهذا تشترط كله تشترط له الطهارة ونظيفين من القذر حتى لا يؤذي بهما الناس وهذا على الأكمل والأفضل، لكن لو ضاق عليه الوقت ولم يتسن له أن يغسل إحرامه فوجد إحراما سبق أنه استعمله وليس فيه نجاسة جاز له أن يحرم فيه هذا على الأكمل والأفضل.
قال رحمه الله: [ثم يصلي ركعتين ويحرم عقيبهما]: ثم يصلي ركعتين السنة أن يقع الإحرام بعد الصلاة؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أحرم بعد الصلاة وقد أحرم بعد صلاة الفريضة وليس للإحرام ركعتان خاصة بالإحرام كما يظن البعض، بل إنه يلبي بعد الصلاة سواء كانت فريضة أو كانت نافلة كأن يأتي مثلا في وقت ليس فيه فريضة فيتوضأ أو يغتسل ثم يصلي ركعتي الوضوء ثم يحرم بعدها؛ تأسيا بالنبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أنه وقع إحرامه بعد الصلاة.
قال رحمه الله: [وهو أن ينوي الإحرام]: وهو أن ينوي الإحرام.
قال رحمه الله: [ثم يصلي ركعتين ويحرم عقيبهما وهو أن ينوي الإحرام]: وينوي عقيبهما وهو أن ينوي الإحرام يحرم عقيب الركعتين اختلف الصحابة -رضي الله عنهم- هل أهلّ النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وأحرم وهو في مصلاه أو أهلّ وأحرم بعد ما ركب دابته أو أهلّ وأحرم بعد أن رقى البيداء؟ وقد بيّن ابن عباس -رضي الله عنهما- سبب هذا الاختلاف، وقال: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى ثم أهلّ بالتوحيد فأدرك أقوام إهلاله، ثم لما رقى على دابته أهل فسمعه بعض الصحابة وأدركوا ذلك فقالوا أهل عند ركوبه لدابته، ثم لما رقا البيداء أهلّ صلوات الله وسلامه عليه وسمعه أقوام فظنوا أنها بداية إحرامه.
فالشاهد من هذا أن السنة أنه يحرم من مصلاه بعد أن يسلم من الصلاة يلبي بحج أو يلبي بعمرة أو يلبي بهما معا، فيقول: لبيك حجا أو لبيك عمرة أو لبيك عمرة وحجا، هذا هو الوارد عن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - والمحفوظ.
قال رحمه الله: [ويستحب أن ينطق بما أحرم به]: ويستحب أن ينطق بما أحرم به؛ لما ثبت في الصحيحين عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((أتاني الليلة آت من ربي وقال أهل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة)) ((قل)): أمر. ((عمرة في حجة)) والقول لا يكون إلا بالتلفظ، فلو أنه لم يتلفظ لم يصدق عليه أنه قائل، فلما قال له: ((قل)) دل على أن من السنة أن يتلفظ بما أهل به وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أنه قال: كنت تحت ناقة النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - يمسني لعابها أسمعه يقول: لبيك عمرة وحجا، فدل على أن السنة أن يتلفظ بما أهلّ به.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/183)
قال رحمه الله: [ويشترط ويقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني]: الاشتراط يقع في الحج ويقع في العمرة، ويقع فيهما معا إذا كان قارنا، ومسألة الاشتراط تكون عند ابتداء الإحرام، والإنسان له حق في هذا الاشتراط مادام أنه في ابتداء الإحرام، فلا يدخل الاشتراط بعد الإحرام، فلو أنه أحرم ودخل في النسك ثم خرج من ميقاته وعنَّ له أن يشترط لم يصح اشتراطه؛ إذًا الاشتراط يكون عند النية، وهذا الاشتراط للعلماء فيه قولان:
منهم من قال: إنه لا يشرع.
ومنهم من قال: إنه مشروع.
فالذين قالوا بشرعيته هم فقهاء الشافعية والحنابلة والظاهرية وطائفة من أهل الحديث -رحمة الله على الجميع -.
واستدلوا بما ثبت في الصحيح من حديث ضباعة بنت الزبير -رضي الله عنها وأرضاها- أنها دخل عليها النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وهي شاكية، فقالت: يا رسول الله، إني أريد الحج وأنا شاكية؛ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((أهلي واشترطي إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فإن لك على ربك ما اشترطت)) هذا الحديث دل دلالة واضحة على مشروعية الاشتراط وأنه جائز ومشروع.
والذين قالوا بعدم شرعيته قالوا إن الله تعالى يقول: {وأتموا الحج والعمرة لله} والاشتراط يمنع من الإتمام؛ لأنه إذا وقع الشيء الذي اشترطه؛ فحينئذ له حق أن يفسخ النسك، ولا يكون عليه شيء، ولا يتم ولا يفعل ما يفعله المحصر، فهذا كله خلاف الأصل، ومن هنا اعتذروا عن الحديث بأنه واقعة عين، والقاعدة أن قضايا الأعيان لا تصلح دليلا للعموم.
والصحيح ما ذهب إليها أصحاب القول الأول من مشروعية الاشتراط في الحج وفي العمرة وفيهما معا، ومحله ما ذكرنا.
المسألة الثانية: هل الاشتراط على العموم أو على الخصوص؟
ظاهر السنة أن الاشتراط ليس على العموم؛ لأن من تأمل حديث ضباعة وجد أن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - دخل عليها وهي شاكية قبل أن تدخل في النسك؛ وحينئذ وهي مريضة إذا تكلفت ودخلت في النسك كأن الشرع أعطاها هذا الحق؛ لأنها من الابتداء مريضة، أو عندها عذر، فجعل هذا بمثابة الاستصحاب للمعذور، بخلاف ما إذا طرأ عليها العذر بعد الإحرام، فأعدل الأقوال في هذا قول الشافعية وهو أيضا رواية عند الحنابلة أنه يختص بالحالات التي توجد فيها الحاجة؛ ولذلك القول بعمومه بمعنى أننا نقول يستحب لكل من أتى الميقات أن يقول ذلك فيه إشكال.
وجه الإشكال: أن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - دخل على ضباعة وهي مريضة، وهذا قبل أن ينطلق إلى ذي الحليفة، وقال لها هذا الكلام، ثم انطلق مع أصحابه إلى ذي الحليفة ولم يأمر الصحابة أن يشترطوا، فكيف نقول باستحباب ذلك، وأنه مع أنه خاطب به ضباعة، ومن المعلوم أنه دخل على امرأة في بيتها وهي شاكية على حالة خاصة يقوى تخصيص الحكم بها؛ لأن فيها معنى يقوى أن يخصص به وهو العذر، والعذر لاشك أنه يقوي تخصيص الدليل، فقول من قال إنه من كان معذورا ومثل صفة ضباعة يقال له بالاشتراط ونبقي الأدلة الباقية الملزمة بإتمام النسك على ما هي عليه هوأوفق وأولى بالصواب إن شاء الله تعالى أنه ليس على عمومه، وإنما يعطى لمن كان على صفة ضباعة؛ تحقيقا للسنة على ورودها، وإبقاء الأصل الذي دل على وجوب إتمام النسك على ما هو عليه.
وعلى هذا فالاشتراط لا يكون إلا عند وجود العذر؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - جعله للمعذور ولم يرد أنه جعله لغير المعذور.
قال رحمه الله: [وهو مخير بين التمتع والإفراد والقران]: وهو أي المحرم يخير إذا أراد الإحرام بين التمتع والقران والإفراد؛ والدليل على هذا التخيير أن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - حينما أتى الميقات قال لأصحابه -رضي الله عنهم-: ((من أراد منكم أن يهل بحج فليهل ومن أراد منكم أن يهل بعمرة فليهل ومن أراد أن يهل بحج وعمرة فليهل،، وهذا التخيير وقع من النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - في ميقات ذي الحليفة، فخير أصحابه -رضي الله عنهم- بين هذه الأنساك الثلاثة، فهو مخير بين هذه الأنساك كلها سواء كانت حجة الإسلام أو كانت حجة نافلة؛ فإنه يخير بين هذه الأنساك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/184)
الثلاثة.
قال رحمه الله: [وأفضلها التمتع]: وأفضل هذه الأنساك الثلاثة التمتع؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - تمناه ولا يتمنى إلا الأفضل؛ ولذلك قال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة))، وهذا هو مذهب الحنابلة رحمهم الله وطائفة من أهل الحديث: أن الأفضل من الأنساك الثلاثة هو التمتع.
وذهب الشافعية والمالكية إلى أن الأفضل الإفراد؛ وذلك لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أهلّ ابتداء مفردا؛ ولأن أبابكر وعمر وعثمان من الخلفاء الراشدين داوموا على الإفراد؛ ولأنه إذا أفرد أتم الحج والعمرة، وقد قال علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك. بمعنى أن تجعل العمرة سفرا مستقلا وللحج سفرا مستقلا، ولما قال علي ذلك قال عمر: صدق علي فصدقه فاجتمع الخليفتان الراشدان على ذلك.
وذهب الحنفية رحمهم الله واختاره الإمام ابن القيم إلى تفضيل القران قالوا: لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قرن حجه ابتداء وانتهاء أما من الابتداء فحديث عمر في الصحيح صريح في ذلك: ((أتاني الليلة آت من ربي وقال أهل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة)) فأمر أن يبتدئ إحرامه بالقران، قالوا فمعنى ذلك أن الله اختار له من فوق سبع سماوات أن تكون حجته قرانا، ولم يحج إلا حجة واحدة؛ وقد ثبت القران عنه -عليه الصلاة والسلام- كما هو معلوم عند أئمة الحديث عن أكثر من عشرين صحابيا كلهم أثبتوا أن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - كان قارنا. قالوا ولأن القران يتكلف فيه بعد عمرته، يتكلف فيه فلا يتحلل بعد عمرته، ففضل على التمتع؛ ولأن القران فيه زيادة نسك العمرة على الإفراد، ففضل على المفرد.
وهذه المسألة جمع بعض العلماء فيها جمعا حسنا -وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله- أن الناس يختلفون فمن كان من الناس يمكنه أن يفرد عمرة بحج وحجه عمرته بسفر وحجه بسفر والأفضل له الإفراد؛ ولذلك كما قال في الشرح: إن العمرة المفردة أفضل من عمرة التمتع؛ واستدل بما جاء عن في قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} من تفسير الصحابة -رضوان الله عليهم- بأن الإتمام أن يحرم بهما من دويرة الأهل.
وأما إذا كان يصعب عليه أن يأتي للحج وأن يأتي للعمرة ولا يستطيع أن يأتي للعمرة بعد حجه فالأفضل له أن يتمتع، وأما إذا كان يمكنه سوق الهدي؛ فالأفضل له أن يقرن، وبهذا جمع بين السنن المتعددة، وهذا القول إن شاء الله هو أولى بالصواب، لكن الإشكال ليس في تفضيل التمتع ولا في تفضيل الإفراد ولا في تفضيل القران، فكل من ترجح عنده قول لابأس أن يعمل به مادام أن له سلفا وله دليل، ولكن الإشكال في جعل هذه الأفضلية بمثابة الإلزام حتى إن الشخص إذا فضل الإفراد أنكر على المتمتع والقارن، وإذا فضل التمتع أنكر على المفرد والقارن، وإذا فضل القِران أنكر على المفرد والمتمتع، وهذا هو المحظور أن يجعل من مسألة التفضيل وسيلة للاستهجان بالغير وتخطئته والإنكار عليه والانتقاص منه، وهذا لا يعرفه علماء السلف -رحمهم الله- والأئمة بل إن الأمر على السعة فمن ترجح عنده قول من أقوال العلماء -رحمهم الله- له دليله وله حجته فلابأس أن يأخذ بهذا القول.
وأما مسألة الإلزام بالتمتع كما يقول به بعض المتأخرين -وهو مذهب ابن عباس- حتى قال بعضهم: إذا كان حجة الإسلام فإنه إذا طاف وسعى أحل شاء أو أبى، وهذا القول قال ابن عباس فانفرد به وعد من شذوذاته كما شذ في ربا الفضل وكما شذ في مسألة التمتع، وخالفه في ذلك من هو أعلم منه وأولى بالاتباع وهم الخلفاء الراشدون: فأبوبكر وعمر وعثمان في خلافتهم الراشدة كلها بإجماع العلماء لم يحجوا إلا مفردين.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/185)
فالقول بأن التمتع وفسخ الحج بالعمرة واجب إلى يوم القيامة قول ضعيف، والسنة دالة على ضعفه؛ ولذلك لما جاء عروة بن مضرس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: يا رسول الله، أقبلت من جبل طي أكللت راحلتي وأتعبت نفسي وما تركت جبلا ولا شعبا إلا وقفت فيه قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((من صلى صلاتنا هذه ووقف موقفنا هذا وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه)) وهذا عين الإفراد وقضى تفثه وهذا يدل على أن العموم وقع من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في صبيحة يوم النحر، وهذا بعد أمره لأصحابه بفسخ الحج بالعمرة، وأمره عليه الصلاة والسلام بفسخ الحج بالعمرة جاء لسبب عارض وهو التشريع كما لا يخفى، فقد كانت العرب في جاهليتها الجهلاء تحرّم العمرة في أشهر الحج، فاحتاج النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أن يبطل هذه العادة المختلقة المكذوبة من دخائل الجاهلية والوثنية في تحريم العمرة في أشهر الحج، وكانوا يقولون: إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر فكانوا يعتقدون ذلك ويرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور؛ ولذلك لما أمر النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - الصحابة أن يتحللوا بعمرة قالوا: يا رسول الله، أي الحل؟ قال: ((الحل كله)) قالوا: أنذهب إلى منى ومذاكرنا تقطر منيا؟! فلما رأى منهم هذا الاستبطاء قال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)) مبالغة في إنكار هذا الاعتقاد الجاهلي وإبطال تحريم العمرة في أشهر الحج، وينبغي وضع النصوص في دلالتها خاصة إذا وجدنا جماهير السلف والأئمة -رحمهم الله- على هذا أن الإفراد جائز إلى يوم القيامة، ومن أراد أن يفرد فليفرد، وقد قال عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - بعد وفاة النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وعلي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وأفتوا به الناس بل كما قال علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، وهذا يدل على جواز الإفراد، فهل يمكن لهما أن يقولا بشيء منسوخ أو شيء لا يصح حاشا وكلا! ولذلك يجوز للمسلم أن يفرد وأن يتمتع وأن يقرن ولا ينكر عليه واحد من هذه؛ إلا أن من تأول تفضيل أحدها عليه أن يتقي الله وأن لا يبالغ في تأويله فينكر على غيره مادام أن له سلفا وله دليل. هذا بالنسبة لمسألة التفضيل في المناسك.
قال رحمه الله: [ثم الإفراد]: الذين قالوا بتفضيل الإفراد قالوا إن كل من قال بالتفضيل يجعل الإفراد هو الثاني، فالذين قالوا بتفضيل التمتع قالوا التمتع ثم الإفراد ثم القران، والذين قالوا بتفضيل القران قالوا القران ثم الإفراد، والتمتع قالوا إنه أفضل؛ لأنه يجمع بين نسكين، وحينئذ لاشك أن ثواب النسكين ليس كثواب النسك الواحد.
وثانيا أنه يتكلف أعمال العمرة قبل الحج، وهذا أكثر، ومن هنا كان أفضل؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - تمناه، هذا بالنسبة لحجة من قال بتفضيله.
ومن قال بالإفراد فقالوا: لما ذكرنا:
أولا: أنه أتم للنسك؛ وقد قال الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} وفسر الصحابة الإتمام بالإفراد.
وأما بالنسبة لكون التمتع مفضولا قالوا لأنه يخل فيما بين النسكين بإصابة الأهل؛ ولأنه لم يرجع إلى الميقات فيحرم بالحج كان المفروض أن يرجع إلى ميقاته فتمتع وترفه بالنساء وسقط عنه السفر الثاني فصار دمه دم جبران، قالوا فصار أنقص من الإفراد من هذا الوجه، وأكدوا أفضلية الإفراد بعمل الخلفاء الراشدين بعد النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -.
والذين قالوا بالقران لما ذكرنا، وعلى كل حال الجمع بين هذه بالتفصيل الذي ذكرنا من أن أوضاع الناس تختلف، فمن أمكنه سوق الهدي فالقران له أفضل، ومن أمكنه أن يأتي بكل منهما بسفر مستقل فالإفراد أفضل، وأما كما هو حال كثير من الناس الآن بصعوبة خاصة من الآفاقيين إذا كان يصعب عليهم أن يفعلوا ذلك فالتمتع لهم أفضل أن يجمعوا بين النسكين وأن يأخذوا برخصة الله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/186)
قال رحمه الله: [والتمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحرم بالحج في عامه]: والتمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج هذا الشرط الأول، فلو أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج لم يكن متمتعا إلا إذا أوقع بعد العمرة في غير أشهر الحج وبعضها في أشهر الحج على تفصيل سنذكره.
أما اشتراط كونها في أشهر الحج؛ فهذا منصوص عليه وظاهر قوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} أنها تكون في أشهر الحج المعتبرة.
أما إذا أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج وحج من عامه وأوقع العمرة كاملة تامة قبل دخول أشهر الحج ثم حج من عامه؛ فإنه ليس بمتمتع إجماعا، مثال ذلك: لو أن رجلا خرج في رمضان وجاء بعمرة في رمضان ثم رجع إلى أهله أو بقي في مكة ثم حج من عامه؛ فإنه ليس بمتمتع؛ وذلك لأن العمرة لم تقع في أشهر الحج، فيشترط في العمرة أن تكون في أشهر الحج.
فأما إذا فعل بعضها في أشهر الحج وبعضها في غير أشهر الحج نظرنا فقال بعض العلماء: إذا وقع بعض العمرة في رمضان وبعضها في شوال العبرة بالطواف، فإذا ابتدأ الطواف بعد دخول أشهر الحج فهي عمرة التمتع، وإن ابتدأ الطواف قبل مغيب الشمس من آخر يوم من رمضان فعمرته ليس بعمرة التمتع، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة -رحمهم الله - ودليلهم في هذا ظاهر؛ لأن الركن الأول للعمرة هو في الطواف فتكون عمرته تامة كاملة إذا وقع طوافها تاما كاملا في أشهر الحج.
والقول الثاني قالوا: إن العبرة بأكثر الطواف وهو مذهب الحنفية، قالوا إذا طاف أربعة أشواط فأكثر قبل دخول هلال قبل مغيب شمس آخر يوم من رمضان فإنه ليس بمتمتع، وإن طاف أربعة أشهر وأكثر بعد مغيب الشمس وهو متمتع؛ لأن العبرة عندهم بأكثر الطواف.
والقول الثالث أن العبرة بالتحلل كما هو مذهب المالكية.
والصحيح القول الأول أن العبرة بالطواف لأنه ركن العمرة فإذا وقعت العمرة بأركانها تامة كاملة بعد دخول أشهر الحج فهي عمرة في أشهر الحج، وأما إذا وقع بعض أركانها أو ابتدأ الركن قبل مغيب الشمس فقد وقعت في غير أشهر الحج.
هذا الشرط الأول أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج.
الشرط الثاني: أن لا يرجع بعد العمرة إلى بلده، أو ما يحاذي بلده أن لا يرجع إلى مسافة القصر فأكثر بعد عمرته، وهذا الشرط دليله قوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} فبين الله عز وجل أن المتمتع لا يكون متمتعا إلا إذا بقي بعد عمرته إلى الحج؛ وعليه فإنه لو سافر بعد عمرته إلى بلده أو غير بلده فقد قطع النسك الأول عن الثاني، وحينئذ لم يكن متمتعا بسفره الأول لحجه، ولا يجب عليه دم التمتع، فإن أراد أن يتمتع ينشئ عمرة ثانية.
وخالف في هذه المسألة طاووس، فقال: هو متمتع وإن رجع إلى بلده، واعتبروا خلافه شذوذا كما قال ابن رشد: وشذ طاووس فقال هو متمتع وإن رجع إلى بلده، وضعف العلماء والأئمة هذا القول أن من رجع إلى بلده متمتع لو حج من عامه.
والصحيح أنه لا تكون العمرة معتبرة في التمتع إلا إذا بقي بعدها بمكة ولم يسافر، فإن فصل بين العمرة والحج بسفر؛ فإنه في هذه الحالة ينقطع تمتعه، ويكون مفردا إن حج من عامه.
الشرط الثالث: أن يحج من عامه؛ وذلك لقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} يجعله متمتعا بعمرته إذا حج من عامه وهذا قول جماهير السلف والأئمة خلافا لمن شذ فقال إنه لو حج من العام القابل كان متمتعا.
والصحيح أن العبرة بنفس الحج من ذلك العام، هذا مما ينبغي توفره للحكم بكونه متمتعا، فبيّن رحمه الله أن من شرط التمتع أن يوقع العمرة في أشهر الحج.
قال رحمه الله: [والإفراد أن يحرم بالحج وحده]: والإفراد أن يحرم بالحج وحده فيقول: لبيك حجة.
قال رحمه الله: [والقران أن يحرم بهما أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج]: والقران أن يقرن الحج بالعمرة فيقول: لبيك حجة وعمرة؛ وحينئذ لا إشكال أنه قارن كما فعل النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وقال له: قل: عمرة في حجة، أو يحرم بالعمرة بالحج ثم يردف عليه العمرة يدخل عليه العمرة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/187)
قال رحمه الله: [ولو أحرم بالحج ثم أدخل]: أن يحرم بالعمرة ثم يدخل عليه الحج فيدخل الأكبر على الأصغر في هذه الحالة يكون قارنا، فإذا كان معتمرا ثم أردف فهو الحج فهو قارن، ويكون هذا الإرداف شرطه أن لا يبتدئ بالطواف، فإذا كان معتمرا ثم أردف العمرة بالحج ثم أردف عليها الحج صح له ذلك ما لم يبتدئ الطواف، فإذا ابتدأ الطواف؛ فإنه قد وقع طوافه عن عمرته، وحينئذ لا يصح له الإرداف؛ لأن هناك ما يستثنى منها المسألة: المرأة إذا حاضت فإذا حاضت المرأة فإنه يجوز لها أن تدخل الحج على العمرة إذا كانت متمتعة، والمصنف رحمه الله في المسألة الثانية بين أنه لا يجوز إدخال العمرة على الحج، وأجاز إدخال الحج على العمرة، فأجاز إدخال الأكبر على الأصغر ولم يجز إدخال الأصغر على الأكبر؛ لأنه لا معنى له ولا فائدة من إدخاله، ولكن بالنسبة لمسألة من أحرم بالعمرة ثم أدخل الحج عليها؛ فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أنه أمر عائشة رضي الله عنها أن تبقى بإحرامها، وقد أحرمت متمتعة فأبقاها على إحرامها، وصارت قارنة؛ والدليل على ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام- لها كما في الصحيح: لما قالت له: أيرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج؟! قال: طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة كافيك لحجك وعمرتك، فنقلها من التمتع إلى القران؛ لأنه يتعذر عليها أن تطوف بالبيت قبل حجها، وحينئذ تنقلب من التمتع إلى القران لوجود العذر.
قال رحمه الله: [ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم ينعقد إحرامه بالعمرة]: هذا طبعا مسألة الإدخال، لكنه لو أنه فسخ الحج بعمرة كأن يكون ناويا الحج ثم أراد أن يفسخ حجه بعمرة فيجعل حجه عمرة فأصح القولين في هذه المسألة أنه يجوز له أن يفسخ حجه بعمرته قبل أن يبتدئ بالوقوف بعرفة؛ والأصل في ذلك أن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أمر من لم يسق الهدي أن يتحلل وأن يجعلها عمرة، وهذا يدل على أن الحج ينفسخ بالعمرة، وإنما كان خاصا بأصحاب رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - الإلزام وهذا هو معنى قول أبي ذر: متعتان لا تصلح إلا لنا معشر أصحاب رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - متعة النساء ومتعة الحج يعني الإلزام بفسخ الحج بعمرة.
وأما جواز أن يفسخ حجه بعمرة؛ فإنه باق على الأصل لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أمر به الصحابة ويجوز أن يفسخ حجه بعمرة فيتمتع كما لو كان مثلا محرم بالحج مفردا ثم جاءه شخص وقال له الأفضل أنك تتمتع فاقتنع أنه الأفضل فإنه يفسخ حجه بعمرة، ينوي العمرة ويتحلل بها ثم بعد ذلك يحرم بحجه وعليه الدم.
قال رحمه الله: [فإذا استوى على راحلته لبى]: الإحرام بالحج له صورتان:
الصورة الأولى: أن يعين، والصورة الثانية أن يبهم.
والذي تكلم عليه المصنف -رحمه الله- التعيين أن يعين أنه مفرد أو متمتع أو قارن أو يعين أنه معتمر. فالإحرام إما أن يقع معينا وإما أن يقع مبهما أو ما يسميه بعض العلماء بالمطلق. فإن عين لا إشكال، أنه يلزمه ما عين، ويجوز له في المعين أن يغير ويبدل على التفصيل الذي ذكره المصنف ما لم يشرع في الطواف، وعلى الأصل الذي ذكرناه، والصور التي بيناها.
أما بالنسبة للإحرام المبهم فهو أن يقول: نويت لله، أحرمت لله، فإن كان مبهما فيصح إحرامه في قول جماهير العلماء –رحمهم الله –، لو مر بالميقات وقال: نويت لله، أو أحرمت لله صح إحرامه؛ الأصل في ذلك أن عليا - 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - - جعل إحرامه معلقا، فلما قدم على النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - في مكة قال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: بما أهللت؟ قال: أهللت بما أهلّ به رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - فلم يعين. ومن هنا قالوا إنه إذا قال: أحرمت لله، فقد دخل في الإحرام ولم يبق إلا أن يعين كما علق على 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - إحرامه بإحرام رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -؛ فدل على أن التعيين بنوع النسك ليس شرطا أن يعلمه المكلف أو يحدده أثناء الإحرام؛ لأن عليا لم يعلم ما الذي أهل به رسول الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/188)
- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -؛ فصار أصلا في إحرام المبهم وهو قول أئمة الأربعة رحمهم الله.
إذا صار مبهما فإنه يصرفه إلى ما شاء قبل ابتدائه بالطواف على التفصيل الذي ذكرنا للعلماء هل العبرة بابتداء الطواف أو العبرة بأكثر الطواف في العُمَر؟
الصحيح كما ذكرنا العبرة بابتداء الطواف ويقلبه إلى عمرة ينوي به العمرة أو ينوي به حجا إفرادا أو ينوي به قرانا أو ينوي به عمرة متمعة بها في حجه. قالوا: والأصل في ذلك أن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - لما أتاه علي من اليمن. قاله له: بما أهللت؟ قال: أهللت بما أهلّ رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -. فقال له النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -: ابق كما أنت ولو أني سقت الهدي لتحللت وجعلتها عمرة، فدل على مشروعية الإبهام، وأنه يعينه قبل ابتدائه بالطواف.
قال رحمه الله: [فإذا استوى على راحلته لبى]: فإذا استوى: يعني ركب. على راحلته: أي على دابته، فيدخل في زماننا السيارة، والسنة أن يلبي وهو في مصلاه؛ لما ذكرنا. فإذا ركب على الراحلة لبى؛ تأسيا بالنبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -.
قال رحمه الله: [فقال لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك الملك لا شريك لك]: هذا اللفظ هو أفضل ألفاظ التلبية وهو الوارد عن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وهو الذي عناه جابر في منسكه بقوله: ((أهل بالتوحيد)).
لبيك اللهم: قيل: لبى مثنى لبى النداء أي أجاب مرة بعد مرة. أي أنا مجيب لندائك يا الله مرة بعد مرة، وهذا النداء هو الذي أمر الله به الخليل فقال سبحانه وتعالى: {وأذن في الناس في الحج} فقال: أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج كما في حديث الحاكم وغيره. فقالوا إن قوله لبيك اللهم لبيك إجابة لهذا النداء، وقيل: لبى من ألبّ بالمكان إذا أقام فيه، فهو يقول: أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، وقيل: من لبّ الشيء التلبية من لب الشيء وهو خالصه، وما كان سالما من الشوائب، فهو يقول: إخلاصي لك يا الله إخلاصا بعد إخلاص؛ لأن العبادة لا تقبل إلا من المخلصين، وقيل غير ذلك، منها قولهم: المواجهة والاتجاه فتقول: داري تُلِب بدارك أي تواجهها أي وجهتي إليك يا الله وجهة بعد وجهة.
وقوله: [لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك الملك لا شريك]: اشتمل على التوحيد، كما قال جابر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: أهلّ بالتوحيد. والتوحيد قائم على النفي والإثبات. فالنفي في قوله لا شريك لك، والإثبات:في قوله: لبيك اللهم فهو الإله الحق. سبحانه وتعالى الذي لا إله غيره ولا رب سواه، وهذه التلبية هي الأفضل؛ لأن هي الواردة عن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وهل يجوز أن يزيد في التلبية ويغير في ألفاظها؟
أصح القولين: قول الجمهور؛ خلافا للظاهرية؛ واستدل على الجواز بأن الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يقولون: لبيك ذا المعارج، ولم ينكر النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عليهم ذلك وقد أشار إلى ذلك جابر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - في منسكه.
في قوله: لبيك اللهم لبيك: التلبية واجبة، فلو تركها في عمرته ولم يلب أو في حجه ولم يلب فإن عليه دما في أصح قولي العلماء -رحمه الله-.
وقد أُمِر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالتلبية وأمر بها أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بها ويبتدأ بالتلبية في النسك كما ذكرنا في مصلاه، وإذا أخره بعد ذلك ولبى في عمرته ما لم يبدأ باستلام الحجر فلا إشكال، لكن لو أنه لبى من ابتداء إحرامه فمتى يقتطع التلبية؟ والجواب: إما أن يكون في حج أو يكون في عمرة، فإن كان في عمرة قطع التلبية عند ابتداء الطواف؛ لحديث عبدالله بن عمرو -رضي الله عنها- أن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - اعتمر من جعرانة فلم يزل يلبي حتى استلم الحجر، ففي العمرة يقطع التلبية عند استلام الحجر، وقيل يقطعها عند الحرار عند دخوله مكة كما فعل عبدالله بن عمر، والأول أقوى.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/189)
وأما في الحج فإنه يقطع التلبية عند رمي جمرة العقبة. الانتهاء من رميها كما في حديث ابن خزيمة وأصله في الصحيح أن الفضل 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - -- قال: كنت رديف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة. وفي صحيح ابن خزيمة: حتى رمى آخر حصاة من جمرة العقبة. فهنا يقطع التلبية. والسنة رفع الصوت بها والإكثار منها؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية)) قال أنس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: فما بلغنا فج الروحاء حتى بح أصواتنا.
قال رحمه الله: [ويستحب الإكثار منها]: ويستحب الإكثار من التلبية؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - لبى ولبى معه أصحابه.
قال رحمه الله: [ورفع الصوت بها لغير النساء]: ورفع الصوت بها؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا بالتلبية)) لغير النساء: وهذا يدل على أن الأصل في صوت المرأة أنه عورة، وقد بينا هذه المسألة وقلنا: إن الشرع أمر المرأة إذا رابها شيء في الصلاة أن تصفق، وهذا يدل على تشديد الشرع في سماع الرجل صوت المرأة، أو في إظهار المراة لصوتها للرجال. إذا كان هذا في العبادة يقول النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -: ((إنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)) ويصرفها من ذكر الله وهي داخلة الصلاة إلى العمل وإلى الصوت الذي لا ذكر فيه لاشك أنه يدل دلالة واضحة على هدي الشرع في عدم تعاطي الأسباب في التساهل في سماع الرجال لأصوات النساء ففي العبادة آكد حتى لا يفتن لأن الرجل مجبول بالميل فطرة إلى المرأة والتأثر بها ولذلك شرع رفع الصوت للرجال دون النساء.
قال رحمه الله: [وهي آكد فيما إذا علا نشز ا أو هبط واديا]: إذا علا النشر من الأرض النشز: هو المرتفع من الأرض. وأخذوا من هذا من إهلاله لما رقى البيداء، فدل على أنه إذا علا النشز يلبي.
قال رحمه الله: [إذا سمع ملبيا]: أو هبط واديا بالعكس وهذا ما يسميه العلماء باختلاف الحال وأخذوا هذا ما أثر عن إبراهيم من فعل السلف إبراهيم النخعي رحمه الله من فعل السلف أنهم كانوا يجددون التلبية عند تغير الأحوال من طلوع النشز والجبل وهبوط الوادي ونحو ذلك.
قال رحمه الله: [إذا سمع ملبيا]: أو سمع ملبيا.
[أو فعل محظورا ناسيا]: إذا تذكر يلبي. هذا بعض العلماء يستحبه، وليس فيه هناك دليل. الأصل يكثر من التلبية، ويكون هذا عند اختلاف الأحوال آكد دون تعيين أو تحديد بهذه الأمور التي ذكرها.
قال رحمه الله: [أو لقي ركبا]:
قال رحمه الله: [وفي أدبار الصلاة المكتوبة وفي الأسحار]: كما ذكرنا أنه من فعل السلف رحمه الله.
قال رحمه الله: [وإقبال الليل والنهار].
ـ[وكيع الكويتي]ــــــــ[22 - 10 - 07, 11:10 ص]ـ
أخي الكريم شروحات الشيخ على الزاد وغيرها من كتب العلم أين أجدها مفرغة
.....
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[22 - 10 - 07, 11:18 ص]ـ
{باب محظورات الإحرام}
قال الإمام المصنف رحمه الله: [باب محظورات الإحرام]: المحظورات: جمع محظور. والمحظور هو المحرم والممنوع. حظر عليه الشيء إذا منعه. ومحظورات الإحرام أمور حرمها الله على المحرم، فلا يجوز له أن يتلبس بها. هذه المحظورات متعددة؛ ولذلك جمعه المصنف -رحمه الله- بقوله: [باب محظورات الإحرام] مناسبة هذا الباب لما قبله أنه بعد أن بيّن الإحرام شرع في بيان ما يحظر على المحرم، والترتيب هنا صحيح ومنطقي؛ لأن بيان المحظور بعد إثبات ما يوجب الحظر وهو الإحرام.
يقول رحمه الله: [باب محظورات الإحرام]: أي في هذا الموضع سأذكر لك جملة من المسائل والأحكام التي تتعلق بما حظر ومنع منه المحرم بالنسك.
قال رحمه الله: [وهي تسعة]: إجمال قبل البيان والتفصيل.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/190)
قال رحمه الله: [الأول والثاني حلق الشعر وقلم الظفر]: حلق الشعر وتقليم الأظفار والطيب وقتل الصيد وتغطية الرأس ولبس المخيط وعقد النكاح والمباشرة والوطء في الفرج هذه تسعة محظورات. ابتدأ بقوله: حلق الشعر ليس المراد تخصيص الحكم بالحلق، وإنما تأدب العلماء والفقهاء بذكر الحلق؛ لورود النص به في قوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم} والمراد بذلك إزالة الشعر كله أو بعضه بالحلق أو النتف أو الحرق كل ذلك محظور على المحرم سواء كان في الرأس أو في اللحية أو في الإبط أو في أي موضع من مواضع البدن مما يترفّه به أو يتجمّل أو هما معا؛ وعليه فإن إزالة الشعر بأي وسيلة مما ذكرنا توجب الفدية؛ والأصل في ذلك أن الله تعالى يقول في كتابه: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} فحرم الله –عز وجل- إزالة الشعر؛ فدل على أنه محظور من محظورات الإحرام؛ ولأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أمر كعب بن عجرة مع كونه محظورا أن يفتدي بحلق شعره، وهذا يدل على أنه محظور ولا يستباح إلا بوجه شرعي.
قال رحمه الله: [وقلم الظفر]: قلم الظفر: والأظفار سواء من الرِجْلين أو من اليدين لا يجوز تقليمها للمحرم؛ والأصل في ذلك قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} فجعل المحرم محظورا من إلقاء التفث، ومن إلقاء التفث أن يقلم أظفاره، فأحل الله له ذلك بعد التحلل الأول؛ فدل على أنه قبل التحلل الأول ممنوع منه، وهذا قول جماهير السلف والخلف والأئمة -رحمهم الله- أن قلم الظفر لا يجوز للمحرم.
قال رحمه الله: [ففي ثلاثة منها دم]: في ثلاث شعرات منها دم، وتكون فيها فدية كاملة وتخييرية طبعا ما بين الدم وما بين إطعام ستة مساكين فرقا وهو ثلاثة آصع وبين صيام ثلاثة أيام؛ والأصل في ذلك قوله تعالى: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} فجعل الله –عز وجل- من حلق شعره بمكان الأذى فيه أن يفتدي، وجعل الفدية على هذا الوجه تخييرية. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ما كان في القرآن (بأَوْ) فهو للتخيير، وما كان (بثمّ) فلا يجوز الثاني إلا عند العجز عن الأول. أي أن الترتيب فيه متعين، وهنا قال تعالى: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} وأجمل القرآن الصيام، وأجمل الصدقة، و أجمل النسك، فبينت السنة هذا المجمل، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لكعب بن عجرة كما في الصحيحين: ((أطعم فرقا بين ستة مساكين أوصم ثلاثة أيام أو أنسك نسيكة)) فبين عليه الصلاة والسلام المراد بالإطعام والصدقة والمراد بالصيام وهو صيام ثلاثة أيام والمراد بالنسك وهو ذبح شاة على الصفة المعتبرة في الدم الواجب.
قال رحمه الله: [وفي كل واحد مما دونه مد طعام وهو ربع الصاع]: هذا فيه خلاف في الواحد: هل يتصدق بالمد أو يتصدق بالقبضة من الطعام؟ والخلاف فيه مأثور حتى عند المتقدمين -رحمهم الله- والأصل عندهم ثلاث شعرات؛ لأنها أقل الجمع، فجعل الله الحظر بصيغة الجمع قال: {ولا تحلقوا رؤوسكم} وقالوا لا يصدق عليه بالشعر بالجمع إلا بثلاث شعرات فأكثر ومن هنا فرقوا بين الجمع وما دونه.
قال رحمه الله: [وإن خرج في عينه شعر فقلعه أو نزل شعره فغطى عليه أو انكسر ظفره فقصه فلا شيء عليه]: فرّق رحمه الله بين وجود الأذى في الشعر وبين وجود الأذى من الشعر، وبين وجود الأذى تحت الظفر، وتوقف إزالة الأذى على إزالة الظفر وبين وجود الأذى من الظفر نفسه، فإن كان الأذى من الظفر كأن يكون منكسرا يؤذيه في بدنه أو يدخل في لحمه فيدميه فإنه يجوز له أن يكسره؛ لأنه يزيد ضرره وليس بمترفه به، وحينئذ يفترق عمن يتأذى بشيء في شعره فيريد أن يترفه بإزالة الشعر لإزالة ذلك الضرر كما وقع لكعب بن عجرة -1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - -، وتوضيح ذلك: أن كعب بن عجرة كان القمل في رأٍسه قال 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - كما في الصحيحين: ((حملت إلى رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - والقمل يتناثر على وجهي وهذا في الحديبية؛ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((ما كنت أرى أي أظن أن يبلغ بك الجهد ما أرى)) ثم قال له: ((أطعم فرقا بين ستة مساكين أو أنسك نسيكة أو صم ثلاثة أيام)) فهنا حلق شعر
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/191)
رأسه من أجل أن يتوصل إلى إزالة ضرر القمل الموجود في الشعر، فالضرر ليس من الشعر وإنما من شيء موجود في الشعر، ففرّق العلماء والأئمة ويؤثر حتى عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- من إجازة قلع الظفر المكسور إذا آذى وأضر في اللحم وأدمى ونحو ذلك، وفي حكمه أيضا الشعر إذا نبت وأضر في العين أو نزل فآذى في مسيره أو نحو ذلك.
قال رحمه الله: [الثالث: لبس المخيط إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل]: لبس المخيط والأصل فيه ما ثبت في الصحيحين في حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلا سأل رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - فقال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم؟ قال: ((لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطع ما أسفله من الكعبين)).
فبين عليه الصلاة والسلام تحريم لبس المخيط، ثم إذا تأملت هذا الحديث وجدته حظر على المسلم أن يلبس المخيط في أسفل بدنه؛ وذلك في قوله: ((ولا السراويلات)) وفي أعلى بدنه وذلك في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((القمص)) وفيما جمع بينهما كما في قوله: ((ولا البرانس)) وعلى هذا يحظر عليه أن يلبس المخيط.
والمخيط هو المحيط بالعضو، يشمل ذلك السراويلات بأنواعها القصيرة والطويلة، ويشمل القمص ذات الأكمام أو ناقصة الأكمام كل ذلك محظور بإحاطته بالعضو.
وفي حكمه لبس المخيط أن يكون الرداء والإزار مفصلا كما يوجد في الطقطق الذي يكون له أزارير، والطقطق موجود في زماننا فمثل هذا لا إشكال في كونه في حكم المخيط، فلابد وأن يكون متجردا عن المخيط؛ فحديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أصل في تحريم لبس المخيط على المحرم.
قال رحمه الله: [إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل]: إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((السراويل لمن لم يجد الإزار)) وكذلك إذا لم يجد النعلين جاز له أن يلبس الخفين، فيفتق السروال ويقطع الخفين؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال: ((وليقطعهما أسفل من الكعبين)) وسكوته عن التنبيه عن ذلك في خطبة الحج حجة الوداع لا يقتضي إلغاء الأصل المنصوص عليه؛ لأن السكوت يحتمل أنه لم ينبه لسبق التنبيه، ويحتمل أنه حكم مستأنف فتردد بين الأمرين فبقي على الأصل، والأصل الحظر، والصحيح كما فصلناه في مذكرة الحج أنه يبقى على الأصل لنص النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - على ذلك بالقطع.
قال رحمه الله: [أو لا يجد نعلين فيلبس خفين ولا فدية عليه]: فلو أنه أراد الإحرام وكان في الطائرة وليس عنده مناشف ولا عنده إزار وعنده سروال أحرم في سرواله، وإذا كان أمكن فتقه من الأسفل مع ستر العورة لا إشكال، وهذا ذكره العلماء في السراويل بالفتق للأنواع القديمة، أما الأنواع الجديدة فلا يمكن فيها الفتق ويبقى على حاله ويلبس سرواله، وهكذا في حكم السروال البنطال يحرم به حتى يجد الإزار.
وأما بالنسبة للفتق فكان هناك نوع من السراويل المرسل وهو الذي يقارب إلى حد الركبتين، ونص بعض العلماء على فتقه قياسا على الخفين، والنوع الموجود عندنا ليس كالموجود قديما، ولذلك يحرم في سرواله بدون فتقه.
أما بالنسبة للخفين فلا إشكال في كونه يقطعهما أسفل من الكعبين؛ لنصه -عليه الصلاة والسلام- على ذلك كما في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-.
قال رحمه الله: [أو لا يجد نعلين فيلبس خفين ولا فدية عليه]: وإذا لم يجد النعلين ووجد الخفين جاز له أن يلبس الخفين؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - نص على ذلك ويجب علي القطع لما ذكرنا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/192)
قال رحمه الله: [الرابع تغطية الرأس والأذنان منه]: تغطية الرأس؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال: ((لا تلبسوا القمص ولا العمائم)) والعمامة غطاء الرأس فلا يجوز له أن يغطي الرأس بالعمامة، ولا يجوز له أن يغطي الرأس بالطاقية، ولا يجوز له أن يغطي الرأس باللفافة؛ وذلك لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - منع من تغطية الرأس في موضعين من حديث ابن عمر: الموضع الأول في قوله: ((ولا العمائم))، والموضع الثاني في قوله: ((ولا البرانس)).
والبرانس ثياب غطاء الرأس متصل فيها، ولا تزال موجودة إلى زماننا، فدل على أن المحرم لا يغطي رأسه، وأكد هذا عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح من حديث عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه نهى أن يغطى رأس المحرم وقال عليه الصلاة والسلام: ((ولا تغطوا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا)) دل على أن المحرم لا يجوز له تغطية رأسه.
قال رحمه الله: [والأذنان منه]: والأذنان من الرأس؛ لحديث عبدالله بن عباس وأبي أمامة وقد حُسّن الحديث بالشواهد أن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال: ((الأذنان من الرأس)) فلا يغطي الأذنين ولذلك قال بهذا الإمام أحمد -رحمه الله-؛ إعمالا للسنة، فأتبع الأذنين للرأس في المسح في الوضوء وكذلك أيضا أتبعهما للرأس في منع الستر.
قال رحمه الله: [الخامس الطيب في بدنه وثيابه]: الطيب في البدن؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولا تمسوه بطيب)) في الرجل الذي وقصته دابته، وفي الثياب؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال كما في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر: ((ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس)) وكل من الزعفران والورس طيب كما هو معلوم، فدل على حرمة الطيب في البدن وفي الثوب؛ وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كما في حديث يعلى بن أمية حينما اعتمر من الجعرانة وجاءه رجل عليه جبة عليها طيب أو صفرة من طيب فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((انزع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الطيب)) فدل على أنه لا يجوز للمحرم أن يتطيب، والنبات ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يستنبت للطيب، ويستخرج منه الطيب.
والقسم الثاني: ما ينبت لغير الطيب، ولا يتخذ منه الطيب، وهو عكس الأول.
والقسم الثالث: ما ينبت طيبا، ولا يتخذ منه الطيب.
فأصبح عندنا ما يستنبت للطيب ويتخذ منه الطيب، وما لا يستنبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب، وما كان مستنبتا طيبا ولا يتخذ منه الطيب.
فأما ما كان من النبات يستنبت للطيب ويتخذ منه الطيب فكالورد والفل والزعفران، فهذه يستنبت من أجل أن يتخذ منها الطيب ويتخذ منها الطيب، فهذا بالإجماع يحرم التطيب به، ثم إذا تطيب به يستوي أن يكون دُهنا أو يكون شمًّا كالبخور، أو يكون احتواء كأن يحتويه كما في المبخرة إذا احتواها دون أن يشم ويستوي أن يكون يترفه بهذا الشم كأن تكون عنده حاسة الشم فيستطيب الرائحة، أو لا يترفه كأن لا تكون عنده حاسة شم فهو محظور من الطيب في كل هذه الأحوال؛ إلا أنه يرد السؤال في هذا النوع: لو أنه أكله هل يدخل في الحظر أو لا؟ إذا وضع في الأكل إما أن يستنفذ فتستهلك رائحته وحينئذ لا إشكال في جواز أكله كما في بعض الأحوال في الزعفران إذا وضع مع غيره فاستهلك، وإما أن تبقى رائحته ويبقى أثره فيبقى على الحظر؛ لأنه في الأصل متخذ للطيب مستنبت للطيب والمقصود منه ذلك، وعلى هذا فالمربى التي تصنع من الورد آخذة حكم الورد، ولا يجوز إذا كان فيها طيب الورد وبقيت فيها طيب الورد ولم تستهلك بأن لم تطبخ طبخا جيدا يذهب الرائحة وأثرها فإنه لا يجوز استعمالها للمحرم.
النوع الثاني: ما ليس مستنبتا للطيب ولا يستخرج منه الطيب، ومن أمثلة ذلك: نبت المراعي الطيب الرائحة كالشيح والقيصوم والخزامة ونحو ذلك فإنه لا يحظر على المُحْرِم وليس من الطيب المحرَّم، كانت هذه المراعي موجودة ولم يكن الصحابة -رضوان الله عليهم- يمنعون منها، ونص الجماهير -رحمهم الله- على أنها لا تؤثر في الإحرام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/193)
والنوع الثالث: ما يستنبت لطيبه ولا يستخرج منه الطيب كالريحان، ومن أشهر أنواع الريحان الفارسي، وصح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وبعض الصحابة أنه لا بأس به حتى ولو دخل البستان يشم رائحته ويجد رائحته لا يؤثر في إحرامه.
فأصبح هذه الثلاثة الأقسام: ما يستنبت للطيب ويقصد منه الطيب وتستخرج منه الطيب، مثل الورد والعود ونحو ذلك والزعفران والفل، وما لا يستنبت للطيب ولا يقصد منه الطيب كنبت المرعى كالشيح والقيصوم والإذخر وكذلك أيضا العَرَار، وكان من أزكى الروائح كما قال فيه البيت المشهور:
تمتع من شميم عَرَار نجد فما بعد العشية من عَرَار
والإذخر وكان معروفا لكنه لا يقصد منه الطيب ولا يستخرج منه الطيب فهذا لا يؤثر.
وأما بالنسبة للنوع الثالث الذي ذكرناه مما يستنبت للطيب ولكنه لا يستخرج منه الطيب ولا يقصد كالريحان الفارسي ونحوه؛ فإنه لا يؤثر.
يلتحق بهذا من غير النبات ما كان مقصودا منه الطيب ويستخرج منه الطيب، مثل ما يستخرج من المسك من الغزال؛ فإنه محظور، ولا يجوز استعماله، وهكذا بقية الأطياب.
الطيب محرم مفردا ومركبا مجموعا مع غيره، ولذلك قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في المحرم: ((ولا تحنطوه)) والحنوط أخلاط الطيب، فدل على أنه يحظر عليه مجتمعا ومنفردا، ولما قال: ((ولا تحنطوه)) والطيب مخلوط بغيره دل على أن خلط الطيب وطبخ الطيب إذا بقيت فيه رائحة الطيب أثّر كما ذكرنا في مسألة الأكل فيفرق بين بقاء مادته وأثره وزواله.
قال رحمه الله: [السادس: قتل الصيد]: السادس قتل الصيد؛ والأصل في ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} والمراد بالصيد: صيد البر؛ لقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرما} فنص سبحانه وتعالى على تحريم صيد البر خاصة على المحرم، وبقي صيد البحر حلالا للمحرم، وما كان بريا بحريا وهو البرمائي ينظر إلى تكاثره وأغلب عيشه، فإن كان بيضه وتكاثره في الماء أخذ حكم الماء كالضفادع ونحوها وسرطان الماء، وما كان تكاثره وتواجده في البر أكثر كالسلحفاة ونحوها أخذ حكم البر.
وأما بالنسبة لصيد البر فهو ما توحش وانحاش سواء كان من الدواب كالضباع والوعول المتوحشة وتيس الجبل والتيثل ونحو ذلك والغزال والريم، أو كان من الطير كالحمام والعصافير كلها محرمة على المحرم.
قال رحمه الله: [وهو ما كان وحشيا مباح]: ما كان وحشيا خرج الداجن والمستأنس، وعليه فلو كان عنده دجاج وأراد أن يذبح دجاجة جاز له ذلك وليس بصيد، ولو كان عنده حمام داجن وأراد أن يذبحه فيأكله ليس عليه حرج؛ لأنه ليس بصيد، فلابد وأن يكون متوحشا.
قال رحمه الله: [وأما الأهلي فلا يحرم]: وأما الأهلي فلا يحرم لما ذكرناه فيجوز له أن يذبح الإبل أن ينحر الإبل والبقر وأن يذبح الغنم ولا شيء عليه في ذلك.
قال رحمه الله: [وأما صيد البحر فإنه مباح]: وأما صيد البحر فإنه مباح: فيجوز له أن يصيد السمك وأن يصيد الحوت ولا بأس بذلك ولا حرج عليه؛ لأن الله تعالى يقول: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة} ثم لما أراد أن يحرم قال: {وحرم عليكم صيد البر} فخصص بالصفة في حال الإحرام في قوله: {مادمتم حرما} وخصص المصيد فقال: {صيد البر} فدل على أن صيد البحر لا يأخذ حكم صيد البر.
قال رحمه الله: [السابع: عقد النكاح حرام ولا فدية فيه]: هذا من حيث الأصل أن يكون صيدا وأن يقصده بالقتل، يستوي أن يصيده هو أو يعين غيره على الصيد، والإعانة على الصيد بالإشارة أو إعطاء السلاح، فإذا أعان على الصيد بالإشارة إليه أو أعطى السلاح للصائد أو أمسك له آلته حتى يرمي؛ فإنه في جميع هذه الأحوال محرم عليه فعل ذلك؛ لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - في قصة أبي قتادة قال: ((هل أحد منكم أعانه؟ هل أحد منكم أشار إليه؟)) فهذا يدل على تأثير المعونة على القتل وعلى الصيد، واستوى في الحظر أن يصيد أو يعين، ويستوي في التحريم قتل الصيد وتنفيره، فلا يجوز له أن ينفر الصيد، ولا يجوز له أن يقتله، لكن الفدية خاصة بالقتل، وكذلك يتعلق الحكم بالصيد وببيضه، فيحظر عليه أن يتعرض للصيد وأن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/194)
يتعرض لبيض الصيد، وإذا أخذ بيض الصيد أو فقص بيض الصيد أو أتلفه وجب عليه الضمان.
قال رحمه الله: [السابع: عقد النكاح حرام ولا فدية فيه]: لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - نهى المحرم أن يَنْكح أو يُنْكح أو يخطب، فلا يجوز للمحرم أن ينكح إذا كان رجلا، ولا يجوز له أن يُنْكح إذا كان امرأة، فيحرم النكاح على المحرم رجلا كان أو امرأة، وهذا النص صريح في الدلالة على التحريم.
وخالف في هذه المسألة الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- فقال: إنه يكره ولا يحرم؛ واحتج بأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - نكح ميمونة وهو حلال، وهو حديث ابن عباس في السنن.
والصحيح مذهب الجمهور من عدة وجوه:
أولها: أن حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عارضه من هو أولى بالاعتبار منه، فأبو رافع السفير بين رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وميمونة، وميمونة نفسها صاحبة القصة كلهم أثبتوا أن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - نكحها وهو حلال.
وثانيا: أن رواية التحريم من رواية الأكابر، فحديث عثمان في الصحيح، وإفادة الحل من حديث الأصاغر، وإذا تعارضت رواية الأصاغر والأكابر قدمت رواية الأكابر على الأصاغر، وقد اعترف بذلك ابن عباس نفسه حينما قال: ((أما السنة -كما في الصحيح - فأنتم أعلم بحديث رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - مني)) فجعل التقديم للأكبر؛ لأنه أقرب إلى النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وأعلم بمواطن التنزيل وأكمل إدراكا لها.
وثالثاً: أن أحاديث الجمهور التي دلت على المنع مشتملة على التحريم، وحديث ابن عباس يفيد الحل، والقاعدة: ((إذا تعارض الحاظر والمبيح قدم الحاظر على المبيح)).
ورابعا: أن أحاديث الجمهور خطاب للأمة القولية، وحديث ابن عباس فعلي، والقول مقدم على الفعل؛ لأنه توجيه للأمة خاصة والفعل يحتمل الخصوصية، وقد خص الله نبيه بكثير من الخصائص حتى في النكاح، فلا يبعد أن يكون إذا صح أنه نكحها وهو محرم أن يكون من خصوصياته -عليه الصلاة والسلام-.
كذلك أيضا من أوجه الترجيح لمذهب الجمهور على مذهب الحنفية -رحمهم الله- في القول بجواز نكاح المحرم أن قول ابن عباس تزوجها وهو محرم متردد بين أن يكون محرما متلبسا بالنسك وبين أن يكون مراده محرما أي داخل حرم مكة بعد أن انتهى من عمرته، وهذا أقوى؛ لأن العرب تسمي من كان داخل حرمات الزمان والمكان محرما، فيقال للرجل: أحرم إذا دخلت عليه الأشهر الحرم، ويقال له: أحرم إذا دخل حدود الحرم، وهذا معروف في لسان العرب، ومنه قولهم: ((قتلوا ابن عفان الخليفة محرما)). كقول حسان -1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - -، ومن المعلوم أن عثمان 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قتل في حرم المدينة، وليس في إحرام الحج ولا في إحرام العمرة، وكذلك أيضا داخل الأشهر الحرم؛ لأنه قتل في ذي الحجة -رضي الله عنه وأرضاه -، فدل على أن العرب تطلق المحرم على من حل بالحرم، وحينئذ يكون مراد ابن عباس أن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - ترك مكة مهاجرا، وتزوج فيها، فدل على أن من هاجر من بلد جاز له أن يتزوج فيها، وأن الزواج لا يلغي الهجرة، ويكون مراده من هذا معنى خارجا عن مسألتنا، وعليه فيقوى مذهب الجمهور بتحريم نكاح المحرم.
لا يجوز له أن يعقد النكاح وإذا عقد النكاح فسد نكاحه على أصح قولي العلماء -رحمهم الله- ولذلك لا يصح أن يكون زوجا، ولا زوجة، ولا وليا لعقد النكاح، ولا شاهدا عليه على أصح قولي العلماء -رحمهم الله-.
قال رحمه الله: [ولا فدية فيه]: ولا فدية في النكاح: فلو أنه عقد النكاح على امرأة فإنه لا فدية عليه بهذا الإخلال.
قال رحمه الله: [الثامن: المباشر لشهوة فيما دون الفرج]: المباشرة محرمة على المحرم؛ لأن الله تعالى يقول: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} فقوله: {فلا رفث} ويشمل رفث الأفعال ورفث الأقوال، فلا يتكلم الكلام الذي يتغزل به النساء، ولا يفعل الأفعال التي تثير الشهوة، ومن ذلك المباشرة في قول جماهير العلماء -رحمهم الله- أنه لا يجوز للمحرم أن يباشر زوجته.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/195)
قال رحمه الله: [فإن أنزل بها فعليه بدنة]: فلو باشر امرأته فأنزل فللعلماء قولان:
منهم من قال: عليه دم شاة.
ومنهم من قال: عليه بدنة، والقول بدم الشاة من القوة بمكان.
قال رحمه الله: [وإلا ففيها شاة وحجه صحيح]: اختار المصنف -رحمه الله- أن عليه بدنة؛ وذلك لأنها قاربت الشهوة الكبرى وهي الجماع؛ لأن المباشرة حصلت بإنزال، فجعل الإنزال موجبا للبدنة مع المباشرة، ولم يقتضِ فساد الحج والأقوى كما ذكرنا اعتبار الدم فيها وهو أشبه للأصول خاصة على القول بالتمتع بين نسك الحج والعمرة أن الضمان من الشرع فيه أن الدم فيه دم جبران وهو اختيار بعض العلماء -رحمهم الله- ولذلك سقط عن المكي وقد جعل الإصابة فيما بينهما مضمونة بالشاة.
قال رحمه الله: [التاسع: الوطء في الفرج]: الوطء في الفرج موجب لفساد الحج وهو أعظم محظورات الإحرام، ولذلك يحرم عليه أن يجامع بعد دخوله في النسك، وإذا حصل منه الجماع بإيلاج رأس الذكر فإنه يحكم بفساد حجه بإجماع العلماء -رحمهم الله-، وفيه سنة راشدة عن عمر بن الخطاب وعبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر -رضي الله عن الجميع-.
قال رحمه الله: [فإن كان قبل التحلل الأول فسد الحج]: إذا وقع الوطء في المكان المعتبر الموجب للفساد كأن يكون قبل الوقوف بعرفة فبالإجماع يوجب فساد الحج، وفي هذه الحالة يجب عليه أن يتم حجه الفاسد، وبه قضى بعض أصحاب النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - ثم يفترق الزوج عن زوجته في الموضع الذي حصل فيه الإخلال، وأشار بعض العلماء والأئمة كشيخ الإسلام -رحمه الله- في الشرح إلى أن هذا الافتراق محفوظ عن الصحابة وله معنى نفسي؛ لأن هذه المواضع التي يحصل فيها الإخلال بحدود الله وانتهاك محارم الله تذكّر وتجدد العهد بالحرام عند المرور بها، وخشي عليه أنه إذا رجع مع زوجته إلى الموضع أنه يتجدد ولربما لا يؤمن منه أن يصيبها ثانية، فأخذ عمر -1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - - وبعض الصحابة ممن قضى بذلك بهذا المعنى ولكن ليس بملزم، والأفضل أن يقال بذلك احتياطا وصيانة للعبادة منهما.
قال رحمه الله: [ووجب المضي في فاسده والحج من قابل]: وجب المضي في فاسده؛ لأنه قضاء الصحابة -رضوان الله عليهم- كما ذكرنا أنهم أوجبوا على من جامع امرأته أن يتم النسك معها، ثم عليه الحج من قابل وعليه بدنة، هذا إذا كان جماعه في الوقت المعتبر الموجب لفساد الحج.
قال رحمه الله: [ويجب على المجامع بدنة]: كما ذكرنا.
قال رحمه الله: [وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة]: وإن كان جامع بعد التحلل الأول ففيه شاة عليه شاة، وهذا قضاء بعض أصحاب النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - وقد قدمنا في الشروح في شرح المذكرة أني متوقف في هذه المسألة، والذي اختار المصنف أنه طبعا بالنسبة لحجه حجه صحيح عند الجمهور -رحمهم الله- وعليه شاة، ويخرج إلى التنعيم ليأتي بطواف الإفاضة في نسك معتبر.
قال رحمه الله: [ويحرم من التنعيم ليطوف محرما]: كما ذكرنا.
[وإن وطئ في العمرة أفسدها ولا يفسد النسك بغيره]: ولا يفسد النسك بغيره أي بغير الجماع، فلو وطئ في عمرته سواء قبل الطواف أو بعد الطواف وقبل السعي فإنه يحكم بفساد العمرة ويجب عليه أن يتمها، والحج والعمرة نسكان اختصا بإتمام الفاسد منهما؛ لعموم قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله}، وقد أخذ جماهير السلف والخلف أن من أفسد عمرته بالجماع وأفسد حجه بالجماع يجب عليه أن يمضي في الفاسد؛ لقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} وعليه إتمامها سواء أفسد أو لم يفسد للعموم.
قال رحمه الله: [والمرأة كالرجل]: والمرأة كالرجل يجب عليها ما يجب على الرجل.
قال رحمه الله: [إلا أن إحرامها في وجهها]: يعني أنها تتقي المحظورات التي ذكرنا إلا في مسألة لبس المخيط، وهي كالرجل لا تتطيب، ولا تقلم الأظفار، ولا تقص الشعر، ولا تقتل الصيد، ولا يعقد عليها النكاح، ولا تباشر، ولا تجامع كالرجل، وأما بالنسبة للباس فإحرامها في وجهها لأن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال: ((لا تنتقب المرأة)).
قال رحمه الله: [ولها لبس المخيط]: ولها لبس المخيط؛ لأن المحظور عليها تغطية الوجه كما ذكرنا لظاهر الحديث عن عبدالله بن عمر -1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - - في الصحيح.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[22 - 10 - 07, 11:20 ص]ـ
.....
عفواً أخي الكريم:
هذه الشروحات لم تخرج كلها مفرغةً, بل هي مفرقةٌ بين ما عو موجود في موقع الشيخ وهو قليل وبين ما في أيدي طلبته, والذي خرج منها بإشراف الشيخ وبعد تدقيقه ومراجعته هو كتاب الطهارة من الزاد فقط.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[22 - 10 - 07, 11:28 ص]ـ
تصويب البيتين في إحدى المشاركات التي كتبها أخونا أبو زيد -زاده الله من فضله:
عرق العراقِ يلملم اليمنِ ** وبذي الحليفةَ يحرم المدني
والشام جحفة إن مررت بها ** ولأهل نجد قرن فاستبنِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/196)
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[22 - 10 - 07, 12:39 م]ـ
دائماً يكمل الله بك البنيان أبا يوسف , شكر الله لك أخي الحبيب
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[22 - 10 - 07, 01:07 م]ـ
(قال الإمام المصنف رحمه الله: [باب الإحرام]: إذا ثبت أن بداية الحج تكون من هلال شوال فلو أن شخصا أحرم بالحج قبل ليلة العيد كآخر يوم من رمضان أو أحرم في أول رمضان أو أحرم في شعبان أو أحرم في رجب فللعلماء قولان:
القول الأول: إن إحرامه فاسد ولا ينعقد لا حجا ولا عمرة، وهذا مذهب بعض العلماء وبعض السلف رحمهم الله.
والقول الثاني: أن إحرامه صحيح، ثم اختلفوا فمنهم من قال ينعقد للحج ويبقى وينتظر حتى يدخل زمان الحج، فيبدأ بأعمال الحج من الطواف، وينتظر الوقوف بعرفة إلى أن يأتي زمانه، وهذا مذهب الحنفية رحمهم الله.
واستدلوا بأن غاية الأمر أنه ميقات زمان فيجوز أن يوقع الشرط وهو الإحرام قبله كما لو توضأ قبل صلاة الظهر قبل دخول وقتها؛ فإنه يصح وضوؤه ولكنه لا يصلي الظهر إلا بعد دخول الوقت، وكرهوا له ذلك لقربه من الركن كما ذكروا.
وأما بالنسبة لمذهب الجمهور من حيث الجملة أنه لا ينعقد للحج وينقلب عمرة على الصحيح؛ لأنه قبل زمانه المعتبر، وعلى هذا فإنه إذا أحرم قبل ليلة العيد؛ فإنه يتحلل بعمرته وينتظر إلى دخول زمان الحج).
هذه العبارة فيها غرابة؛ فالذي أحفظه أن الجمهور أن الحج ينعقد قبل أشهره، وهو جائز مع الكراهة، خلافاً للشافعية ورواية عن أحمد.
وانظر: درر الحكام (3/ 119)، مواهب الجليل (7/ 327)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (5/ 346)، شرح العمدة لابن تيمية، أخصر المختصرات.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[22 - 10 - 07, 01:52 م]ـ
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب": ((فرع) في مذاهب العلماءفي وقت الاحرام بالحج:
لا ينعقد الاحرام بالحج الا في أشهره عندنا، فان أحرم في غيرها انعقد عمرة وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد وأبو ثور ونقله الماوردى عن عمر وابن مسعود وجابر وابن عباس وأحمد * وقال الاوزاعي يتحلل بعمرة * وقال ابن عباس لا يحرم بالحج إلا في أشهره * وقال داود لا ينعقد *
وقال النخعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وأحمد يجوز قبل أشهر الحج لكن يكره قالوا فاما الاعمال فلا تجوز قبل أشهر الحج بلا خلاف) أهـ
ـ[طالبة العلم سارة]ــــــــ[22 - 10 - 07, 08:26 م]ـ
أحسنت شيخنا أبا يوسف زادك الله علما
ـ[مشتاق حجازي]ــــــــ[23 - 10 - 07, 02:50 ص]ـ
اقتراح
لو انفرد هذا الموضوع لإكمال ما بدأ به أخونا أبو زيد من دروس الشيخ الجليل دون أي مداخلات لكان أفضل
ومن أراد مداخلة فله إنشاء مشاركة أخرى
ـ[محبة لطيبه]ــــــــ[26 - 10 - 07, 05:01 ص]ـ
قال رحمه الله: [السابع: عقد النكاح حرام ولا فدية فيه]: هذا من حيث الأصل أن يكون صيدا وأن يقصده بالقتل، يستوي أن يصيده هو أو يعين غيره على الصيد، والإعانة على الصيد بالإشارة أو إعطاء السلاح، فإذا أعان على الصيد بالإشارة إليه أو أعطى السلاح للصائد أو أمسك له آلته حتى يرمي؛ فإنه في جميع هذه الأحوال محرم عليه فعل ذلك؛ لأن النبي -- في قصة أبي قتادة قال: ((هل أحد منكم أعانه؟ هل أحد منكم أشار إليه؟)) فهذا يدل على تأثير المعونة على القتل وعلى الصيد، واستوى في الحظر أن يصيد أو يعين، ويستوي في التحريم قتل الصيد وتنفيره، فلا يجوز له أن ينفر الصيد، ولا يجوز له أن يقتله، لكن الفدية خاصة بالقتل، وكذلك يتعلق الحكم بالصيد وببيضه، فيحظر عليه أن يتعرض للصيد وأن يتعرض لبيض الصيد، وإذا أخذ بيض الصيد أو فقص بيض الصيد أو أتلفه وجب عليه الضمان.
أخي لعلك أن تصحح ما بين القوسين ..
سبحان الله العظيم وبحمده
.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[26 - 10 - 07, 05:31 ص]ـ
.....
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[27 - 10 - 07, 05:15 م]ـ
قال الإمام المصنف رحمه الله تعالى: [باب الفدية]:
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن سار على سبيله ونهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/197)
فيقول المصنف -رحمه الله-: [باب الفدية]: هذا الاسم مصطلح شرعي مأخوذ من قوله تعالى: {ففديةٌ من صيام أو صدقة أو نسك} وكثير من المصطلحات أخذها العلماء من نصوص الكتاب والسنة؛ تأسيا بالوارد.
والفدية: الفداء الذي يدفع لكي يفك الأسير من الأسر؛ قال تعالى: {وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها} فالفداء يدفع لقاء الأسير حتى يفك من أسره، فكأن الإنسان إذا دخل في النسك أصبح ملزما بهذا النسك محرما عليه ما ذكرنا من المحظورات، فهو يفتدي ويخرج من هذا الضيق إلى سعة الله عز وجل وتيسيره سبحانه حيث جعل له الفرج والمخرج بهذه الفدية.
وقوله رحمه الله: [باب الفدية]: مناسبة هذا الباب لما تقدم واضحة جلية؛ لأن الفدية مرتّبة على فعل المحظور، فناسب بعد بيان المحظورات أن يبين كيف يفتدي منها.
قال رحمه الله: [وهي على ضربين: أحدهما على التخيير]: الفدية في النسك من حج وعمرة على ضربين: إما أن تكون تخييرية، وإما أن تكون مرتبة.
فأما فدية التخيير فهي التي نص الله عز وجل عليها، وهي كما ذكر حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- جاءت بصيغة (أوْ) فما كان (بأو) فهو على التخيير، إن فعلت أي خصلة منها أجزأك حتى لو انتقلت إلى الأقل مع القدرة على الأكثر فإنه يجزيك.
قال رحمه الله: [أحدهما على التخيير]: بمعنى أن المكلف يخيّر، ويقال له: افعل خصلة من هذه الخصال.
قال رحمه الله: [وهي فدية الأذى واللبس والطيب]: وهي فدية الأذى واللبس والطيب: وأشار الله تعالى إليها بقوله: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} فنص I فيها على التخيير، وبين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هذا التخيير حينما قال لكعب بن عجرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: ((أطعم فرقا بين ستة مساكين أو انسك نسيكة أو صم ثلاثة أيام)).
فخيرّه -عليه الصلاة والسلام- بين هذه الثلاث.
تكون في الأذى، مثل: حلق الشعر، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وتكون في الطيب، وتكون في اللباس، وإذا فعل واحدة من هذه المحظورات قيل له: افتدِ وأنت مخيّر في فديتك بين هذه الثلاث الخصال.
قال رحمه الله: [فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين، أو ذبح شاة]: مخيّر بين هذه الثلاث، وهي التي ذكرنا: أولها الصيام فيما رتبه المصنف {ففدية من صيام} الصيام يصوم ثلاثة أيام؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال لكعب: ((أو صم ثلاثة أيام)) فإذا صام ثلاثة أيام ولو كان غنيا قادرا على أن يشتري الإطعام صح وأجزأه، ثم هذا الصيام يصح في أي مكان، سواء في المكان الذي يفعل فيه المحظور أو غيره؛ لأن الله تعالى يقول: {ففدية من صيام} ولم يعين مكانا للصوم.
قال رحمه الله: [أو إطعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين]: الخيار الثاني: أن يطعم ثلاثة آصع، والصاع أربعة أمداد بمد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ومد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هو ملء اليدين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين، فالغالب في الشخص الذي هو متوسط اليد ليس بكبيرهما ولا بصغير اليدين متوسط اليدين أنه لو أخذ الطعام بكفيه ملأ هذا القدر، هذا القدر يسمى ربع الصاع، ويسمى صاع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو الذي كان يتوضأ به المد، مد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقال له: ربع الصاع، ويقال مد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، اثنان منه يعدلان نصف الصاع، فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بنصف صاع لكل مسكين، فقال لكعب: ((أطعم فَرَقًا)) والفَرَق في لغة العرب يعادل ثلاثة آصع، فقال: ((أطعم فرقا بين ستة مساكين)) أي اقسمه بين ستة مساكين، فإذا كانت الثلاثة الآصع بين ستة مساكين فمعناه أن لكل مسكين نصف صاع، وهذا يكون من التمر، ويكون من البر، ويكون من الشعير، ويكون من سائر الطعام على ما قدمنا في الزكاة وفي زكاة الفطر، فعلى كل حال يطعم فرقا بين ستة مساكين، سواء كانوا في بلده أخّر إلى أن رجع إلى بلده وأطعم، أو في المكان الذي فعل فيه المحظور، أو كانوا مساكين الحرم فهو مخير ولا يلزم بمساكين الحرم على
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/198)
خلاف بقية الفدية التي نص الله فيها أن تكون طعاما لمساكين الحرم.
هذا الإطعام يعادل ثلاثة آصع بالكيل، وأما الوزن فقد قدمنا غير مرة أن المنبغي المحافظة على الكيل؛ إبقاء للسنة، وحتى لا ينسى الناس الصاع، وأما التقدير بالوزن في المكيلات غير معتبر عند أهل العلم -رحمهم الله-، ولذلك منعوا من بيع الربوي المكيل وزنا ومن بيع الربوي الموزون كيلا؛ لأنه لا تتحقق بهما المماثلة؛ ولأن الطعام يختلف في الثقل، وهذا راجع للوزن، فلا ينضبط إذا كان مكيلا، ولو قيل: إن التمر فالتمر أصناف فيه الثقيل وفيه الخفيف، وقد بينا هذه المسألة، فلابد من ثلاثة آصع كل مسكين له نصف صاع.
قال رحمه الله: [أو ذبح شاة]: أو يخيّر بينهما وبين ذبح الشاة، الشاة ينبغي أن تكون سليمة من العيوب، فلا يجزئ المريض البيّن مرضها، ولا العوراء، ولا العرجاء البين ضلعها، ولا الكبيرة، ولا الهزيلة، ولا العجفاء كله لا يجزي في هذه الشاة، ينبغي أن تكون سالمة من العيوب، وأن تكون ثنيا من الماعز وهو الذي أتم سنة ودخل في الثانية، أو جذعة من الضأن يخيّر بينهما؛ لأن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني كما بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
والجذع من الضأن ما أتم ستة أشهر، ودخل في الشهر السابع أي أنه دخل في أكثر الحول، هذه الشاة يذبحها في أي موضع، ويطعمها للمساكين، ولا يأكل منها؛ لأنها صدقة على المساكين، هذا بالنسبة للخيار الثالث وهو الذي عناه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقوله: ((أو انسك نسيكة)) ((انسك)) يعني اذبح. ((نسيكة)) يعني ذبيحة وهي الشاة.
قال رحمه الله: [وجزاء الصيد مثل ما قتل من النعم]: وإذا قتل صيدا فجزاؤه مثل ما قتل من النَّعَم، فالصيد منه ما يعادل الغنم، ومنه ما يعادل البقر، ومنه ما يعادل الإبل، فيحتاج في مسألة العِدْل إلى حكمين عَدْلين؛ كما قال تعالى: {فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم} فيختار رجلين عدلين في الموضع الذي قتل فيه الصيد، فلو كان مسافرا بين مكة والمدينة ثم قتل ظبيا أو ريما أو غزالا أو تيس الجبل أو وعلاً أو تيثلاً فإنه يرجع إلى ذوي عَدْل في الموضع الذي هو فيه، وينظران في صفة المقتول، وما يعادله من بهيمة الأنعام، هذا الحكم من ذوي عَدل لا يخلو من حالتين:
إما أن يكون المقتول مما قضى فيه الصحابة، وفيه سنة عنهم محفوظة، وآثار عنهم محفوظة.
وإما أن يكون لم يقضِ فيه الصحابة -رضي الله عنهم-.
فإن كان مما قضى فيه الصحابة؛ فإنه للعلماء فيه قولان:
قال بعض العلماء: ما حكم فيه الصحابي وصح وثبتت حكومته فيه تبقى حكومته سُنّة، ومن أمثلة ذلك: أن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قضى في الحمامة بشاة؛ لأنها تعُبّ الماء، فينظر في صفات المقتول وما يماثلها من بهيمة الأنعام، فقضى بالشاة في الحمامة مع أن الحمامة لا تماثل الشاة في الحجم، ولكن تماثلها في الصفة، فقضى بهذا القضاء، فقالوا إنه يبقى سُنّة راشدة وحكما باقيا، وعلى هذا فما قتل من الصيد ينظر فيه: إن كان فيه مما فيه قضاء للصحابة حكم باعتبار قضاء الصحابة، فهم أعلم وأقرب إلى مواضع التنزيل، وأقدر على تطبيق النص الوارد، وما كان لا قضاء للصحابة فيه فإنه يبقى مستأنفاً يبقى الحكم فيه مستأنفاً، فإذا جيء بذوي عَدل ونظروا في الشيء المقتول أول شيء إلى نوعه والصفات التي هو فيها، وما يعادله من بهيمة الأنعام، ثم الصفة التي هو عليها، فالهزيل يماثله ا لهزيل، والسمين يماثله السمين من بهيمة الأنعام، والوسط يماثله الوسط، فلو قضوا بأن عليه شاة، والمقتول من أجود وأحسن الصيد وأوفره أو كان في زمان الربيع ممتلئا فيقال: شاة حسناء طيبة، وعلى هذا فإذا قضى العدلان بالمثلي، مثلا: لو قتل بقر الوحش، وقضى العَدلان بأن عِدْلها بقرة؛ فإنه في هذه الحالة يخيّر ويقال له: إما أن تخرج بقرة هديا بالغ الكعبة وتسوقها إلى مكة وتذبحها بمكة طعمة لمساكين الحرم هذا الخيار الأول {فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين} أو نقول له في الخيار
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/199)
الثاني: انظر إلى قيمة هذه البقرة، وهذه القيمة تشتري بها طعاما من تمر أو بر وتطعمه للمساكين، فلو كانت قيمة البقرة خمسمائة ريال، نقول له: أنت بالخيار بين أن تخرج البقرة هديا بالغ الكعبة وتذبحها بمكة طعمة لمساكين الحرم، أو تأخذ الخمسمائة وتشتري بها طعاما، فلو كان الصاع بخمسة ريالات تشتري مائة صاع، وتطعم المائة الصاع للمساكين، هذا الخيار الثاني، أو تصوم عن كل نصف صاع أو ربع صاع يوما هذا الخيار الثالث {أو عدل ذلك صياما} فإما أن يخرج المثلية هديا بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياما، فإذا اختار أي واحد من هذه أجزأه، فأصبح جزاء قتل الصيد تخييرية، ولكنه يفتقر إلى حكم ذوي العدل، فإذا حكما بالشيء نظر إلى مثله من بهيمة الأنعام، ثم بعد ذلك قُدر الطعام ثم قُدر الصيام ثم يقال له أنت بالخيار بين هذه الثلاثة الأشياء: فإن كان اختار الهدي فلابد وأن يسوقه إلى مكة هديا بالغ الكعبة ولا يجزيه أن يذبح في أي موضع، بل لابد أن يذبحه داخل حدود مكة؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام-: ((نحرت هاهنا وفجاج مكة وشعابها كلها منحر))؛ فلما قال الله تعالى: {هديا بالغ الكعبة} المراد حدود الحرم، فإذا بلغ حدود الحرم نحره، ثم خلّى بينه وبين المساكين هذا الخيار الأول.
والخيار الثاني: أن ينظر إلى قيمة هذا الشيء المثلي الذي حكم به ذوا عدل، فلو فرضنا مثلا: قتل نعامة، فقضى في النعامة بناقة، نقول له: إما أن تخرج ناقة هديا بالغ الكعبة، أو تخرج بقيمتها طعاما، أو تصوم عدل ذلك، فلو أخذ الناقة ونحرها خارج حدود الحرم لم يجزه ويجب عليه أن يأخذ مثلها وأن ينحرها داخل حدود الحرم؛ لنص الله عز وجل على ذلك، فأصبحت هذه الفدية التخييرية تختلف عن الفدية الأولى، فالفدية الأولى الإطعام فيها في كل مكان، ولكن هذه الفدية الإطعام فيها مخصوص الذبح في الأولى والإطعام في أي مكان، ففدية الأذى وتغطية الرأس والطيب يذبح الشاة في أي موضع، وأيضا يطعمها لأي مساكين، ولكن في جزاء الصيد لابد وأن يكون بمكة، أن يكون الذبح داخل مكة، وأن يخص بها مساكين الحرم؛ لأن هذا هو المعنى من أمره أن يبلغ به الهدي الكعبة، كذلك أيضا في الإطعام وجدنا فدية الأذى يطعم في أي موضع، وثانيا أن هذا الإطعام محدد بثلاثة آصع، وأما في قتل الصيد فالإطعام يكون لمساكين الحرم، وأيضا يكون غير مقدر ولا مقيد؛ لأنه تابع إلى قيمة الهدي، أو عدْل ذلك صياما وهذا هو الفارق الثالث أن الصوم في فدية الأذى محدد بثلاثة أيام، وأما في جزاء الصيد فإنه ينبني على قدر الإطعام على خلاف بين أهل العلم -رحمهم الله-: في كل هل هو نصف صاع أو ربع صاع؟ فإن قلنا نصف صاع وكانت مائة صاع فمعنى ذلك يكون عدلها مائتي يوم، ويخيّر بالنسبة للصوم أن يكون بمكة أو يكون بغيرها
قال رحمه الله: [إلا الطائر فإن فيه قيمته]: إلا الطائر فإن فيه قيمته ليس له عدل في العصافير والنغاري، وهذا قول طائفة من العلماء -رحمهم الله- إذا كان المقتول من الصيد ليس له مثلي نظر إلى قيمته، فلو قتل جرادا نظر إلى قيمة الجراد وعدلها من الإطعام، ثم الصيام عدل ما يجب عليه من الإطعام؛ لأنه ليس له مثلي.
فالخيار الأول وهو المثلي يتقدر بما فيه شبه يماثل به بهيمة الأنعام، فتيس الجبل والوعل والثيثل وحمار الوحش والضبا والريم والغزال كلها لها مثلي من بهيمة الأنعام، أما لو قتل جراداً فهذا الجراد ليس له مثلي من بهيمة الأنعام، ولا يشبه بهيمة الأنعام، فيقال له: كم جرادةً قتلت؟ قال: قتلت عشر جرادات. كم قيمتها في السوق؟ قالوا: إن هذا القدر من الجراد بخمس ريالات مثلا، يقال له: كم تشتري بخمسة ريالات من الطعام؟ يقول - مثلا-: صاعين. نقول: إما أن تخرج صاعين صدقة لفقراء الحرم، أو تصوم عدلها على الأصل الذي ذكرناه؛ لأنه تعذر فيه المثلي من بهيمة الأنعام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/200)
وهكذا لو أفسد البيض، فإذا أفسد البيض من الصيد هجم على عش الحمام وأفسد بيضة؛ فإنه يضمن، فيُنظر إلى قيمة البيض، وتُقدّر هذه القيمة بالطعام، ثم يُؤمر بإخراج الطعام أو الصيام، فينحصر في الخيارين، هذا كله إذا هجم على الصيد وقتله، لكن لو أن الصيد هو الذي هجم عليه وتعذّر عليه أن يتلافاه، كما هو موجود في زماننا إذا قاد سيارته، ثم كان زمان الربيع وكثر الجراد، فقتل من الجراد ما لا يحصى ذكر طائفة من العلماء من المحققين أنه إذا كان الصيد في طريقه أو الجراد على فراشه ولا يمكنه أن ينام إلا بقتله ونام فهو كدفع الصائل من الحيوان لا فدية فيه ولا ضمان، هذا إذا هجم بنفسه ولم يمكنه أن يتلافاه ويتعذر عليه أن يتلافاه، أما إذا أمكنه تلافيه فإنه يضمن.
قال رحمه الله: [إلا الحمامة ففيها شاة]: الحكم كله في الصيد، وعلى هذا ما ليس بصيد فلو أنه قتل السبع فلا ضمان عليه، ولا تجب عليه هذه الفدية؛ لأنها خاصة بالصيد، فلو قتل أسدا أو نمرا السبع العادي فإنه لا شيء عليه، والسباع العادية يجوز قتلها ولو لم تبدأ الإنسان بالهجوم، فلو كان في برية ورأى أسدا أو نمرا وقتله فلا شيء عليه يعني يجوز له ذلك شرعا؛ لأن هذه السباع من طبيعتها أن تعدو، فلا يُنتظر حتى تهجم على الإنسان، وعلى هذا يحل له قتلها ولو لم تبدأ بالهجوم، وهكذا الكلب العقور، فلو كان في موضع ثم كان فيه كلب عقور ولم يفاجأ إلا وهو أمامه ولا يمكنه أن يدفعه إلا بقتله يقتله؛ لأن الكلب العقور يقتل في الحل والحرم ويقتل في الإحرام وغيره؛ لأجل الضرر وهو الذي يعقر الناس.
وذهب بعض العلماء إلى أنه قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((والكلب العقور)) في قوله: ((خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية، والحدأة والغراب والفأرة والكلب العقور)) إلا أن المراد بالكلب العقور كل سبع عادٍ؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سمى السبع كلبا، فقال في عتبة بن أبي لهب -لعنه الله وأباه وأمه - الذي كان يؤذي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حتى قيل: إنه بصق في وجه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((اللهم سلط عليه كلبا من كلابك)) وهذا الحديث حسنه الحافظ بن حجر في الفتح والشوكاني رحمه الله وغيره.
فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((اللهم سلط عليه كلبا من كلابك)) فلما خرج إلى تجارته في الشام جاء الأسد له من بين أصحابه، وفي بعض الروايات الذئب، فشمه حتى استله من بين أصحابه فقتله شر قتلة، فاستجيبت فيه دعوة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فقال: ((كلبا من كلابك)) فجعل السبع كلبا، ومن هنا قالوا إن قوله: ((الكلب العقور)) يقتضي أنه لو كان في الإحرام وقتل السبع أنه لا ضمان عليه ويجوز له قتل السبع في مكة وفي غيرها.
قال رحمه الله: [إلا الحمامة ففيها شاة]: لقضاء الصحابة -رضوان الله عليهم-، فإذا قتل حمامة صادها وهو محرم، أو صاد حمامة داخل الحرم وهو ليس بمحرم، مثلا: رأى حمامة داخل حدود الحرم فأطلق عليها النار فقتلها؛ فإنه في هذه الحالة يجب عليه ضمانها بمثلي وهو الشاة؛ لأن الصحابة -رضوان الله عليهم- قضوا فيها بشاة؛ لأنها تعُبُّ الماء فأشبهت بهيمة الأنعام.
قال رحمه الله: [والنعامة فيها بدنة]: كذلك أيضا قضاء الصحابة، فالنعامة فيها بدنة، وينظر إليها متعيّنة بمعنى أنه إذا قتل نعامة كان عِدْلها البدنة فلا يحتاج إلى ذوي عَدْل فلا يحتاج إلى الحكومة؛ لأنه مضت حكومة الصحابة -رضي الله عنهم- فيها فيحكم فيها بهذا المثلي.
قال رحمه الله: [ويتخير بين إخراج المثل وتقويمه بطعام]: ويتخيّر في قتل الصيد بين إخراج المثل: إن كان شاة؛ فشاة، أو بقرة؛ فبقرة، أو ناقة؛ فناقة، فبهيمة الأنعام من: الإبل، والبقر، والغنم فقط، هذا مثليّها يخيّر بين أن يخرج هذا المثل من بهيمة الأنعام هذا الخيار الأول؛ لقوله تعالى: {فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة} فبيّن أنه يخرج المثلي من بهيمة الأنعام.
قال رحمه الله: [وتقويمه بطعام]: هذا الخيار الثاني كما ذكرنا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/201)
قال رحمه الله: [فيطعم كل مسكين مدا أو يصوم عن كل مد يوما]: فيطعم كل مسكين مدا وهو ربع الصاع، وعلى هذا يكون الإطعام لكل مسكين ربع صاع، وهذا راجع إلى التقدير بالفدية بالربع؛ كما جاء في حديث سلمة بن صخر البياضي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أوتي بعَرْق من تمر- العَرْق هو المِكْتل والمكتل مثل ما يسمى في عرف العامة بالقُفّة الكبيرة والزنبيل الكبير من الخَصَف كان يصنع من الخصف وكان يوضع فيه التمر هذا الزنبيل أو المكتل فيه خمسة عشر صاعاً- فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سلمة أن يطعمه ستين مسكينا، فمعنى ذلك أن لكل مسكين ربع صاع؛ وعليه قالوا إن الله تعالى لما أوجب على المسلم أن يطعم المساكين، وجعل إطعام ربع الصاع في هذه الكفارة المغلظة مجزئا دل على أن العبرة في إطعام المساكين في قتل الصيد أنه يكون بربع الصاع، فذهب بعض العلماء إلى أنه يقدّر بنصف الصاع؛ لأن فدية الأذى جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيها الصدقة بنصف صاع.
وأجاب الأولون بأن القرآن عبّر بالإطعام وعبّر بالصدقة، فُقدّم ربع الصاع للتعبير بالإطعام كما في كفارة الظهار.
قال رحمه الله: [أو يصوم عن كل مد يوما]: أو يصوم عن كل مد يوما: إذا قلنا لكل مسكين مد فحينئذ يصوم عن كل مد يوماً، وإن قلنا لكل مسكين نصف صاع فيصوم عن كل نصف صاع يوماً، ومثال ذلك: لو فرضنا أن قيمة البهيمة تعادل عشرة آصع من التمر؛ فعلى القول الأول يصوم أربعين يوما؛ لأن العشرة الآصع ربع الصاع عِدْلها أربعون يوماً، وإذا قلنا على القول الثاني يصوم عشرين يوما، متفرقة أو متتابعة ولا يلزمه التتابع، إذا كان عليه عشرون يوماً فإنه يصومها متفرقة ومتتابعة.
قال رحمه الله: [الضرب الثاني على الترتيب وهو المتمتع يلزمه شاة]: الضرب الثاني على الترتيب: وهو ما أوجب الله في دم التمتع، والتمتع يشمل التمتع بالعمرة في أشهر الحج، وأيضا القران، فمن تمتع بعمرته إلى الحج وجب عليه الدم، ووجبت عليه هذه الفدية على الترتيب، وكذلك أيضا من قرن ولم يجد، أو كذلك أيضا من وجب عليه الدم -دم الجبران- فإنه ينتقل إلى فدية الترتيب. يبدأ أول شيء بالدم.
قال رحمه الله: [يلزمه شاة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع]: لأن الله أوجب على المتمتع الهدي، وهذا الهدي بالغ الكعبة يعني ينبغي أن يكون بمكة يذبحه وينحره بمكة، فالخيار الأول الشاة في تمتع العمرة وتمتع القران، فإذا لم يجد الشاة؛ فإنه حينئذ ينتقل إلى البدن، وهو صيام عشرة أيام: ثلاثة منها في الحج، وسبعة منها إذا رجع إلى أهله؛ والأصل في دم التمتع في متعة العمرة؛ ولذلك إذا أراد أن يحرم بالحج يقدم إحرامه على يوم عرفة حتى يتمكن من صيام الثلاثة الأيام، فيحرم ليلة السادس ليصوم اليوم السادس والسابع والثامن، أو يحرم ليلة الخامس ليصوم اليوم الخامس والسادس والسابع، وإذا عجز عن الصيام قبل يوم عرفة صام الثلاثة الأيام من التشريق؛ لوجود الحاجة؛ وقد أمر الله أن تكون في حال إحرامه بالحج أو تلبسه بنسك الحج، فأوجب الله سبحانه وتعالى في التمتع الدم؛ فقال تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} فاشتملت الآية:
أولا: على مشروعية التمتع في قوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}، وشملت النوعين تمتع المعروف بالعمرة، ثم يتحلل بعدها، ثم يحرم بالحج، والتمتع بالجمع بين الحج والعمرة في نسك واحد، وهو تمتع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دلت على مشروعية التمتع.
ثانيا: أن هذه المشروعية وقعت على العموم في أهل مكة وغيرهم وهو مذهب الجمهور.
ثالثا: أنها بينت وجوب الدم على المتمتع في قوله تعالى: {فما استيسر من الهدي} وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((إني قلدت هديي ولبدت شعري فلا أحل حتى أنحر)) فبين أنه قد ساق هديه في متعة القران.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/202)
وأما بالنسبة لمتعة الحج المعروفة فظاهر الآية شمولها للعموم، فيجب عليه الهدي بصفة الشاة التي ذكرنا تكون ثنَْيا من المعز أو جذعة من الضأن سالمة من العيوب، ويجب ذبحها بمكة؛ وذلك هو الأصل لقوله -عليه الصلاة والسلام- حينما نحر هديه قال: ((نحرت هاهنا وفجاج مكة وشعابها كلها منحر)) فدل على أن العبرة بذبحها داخل حدود الحرم، وإذا عجز عن الدم في التمتع؛ فإنه ينتقل إلى البدل وهو الصيام، فلا يصح أن يصوم العشرة الأيام وهو قادر على أن يشتري الهدي؛ لأنه مبني على الترتيب؛ ولذلك لا يجزئ الثاني مع القدرة على الأول.
قال رحمه الله: [وفدية الجماع بَدَنة]: وفدية الجماع بَدَنة كما قضى فيها أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وذكرنا أن من العلماء من قال بالشاة؛ والصحيح بدنة في مسألة الجماع، وأما المباشرة بما دون الجماع فقد أشرنا إلى الكلام فيها، فإن وقع جماع ووجبت عليه بدنة؛ فإنها تنحر بمكة شأنها شأن الدم الواجب، فدم الجبران ودم هدي التمتع ودم أيضا فدية الجماع كلها تكون بمكة طعمة لمساكين الحرم سواء كانت من الإبل أو كانت من البقر أو كانت من الغنم.
قال رحمه الله: [فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع]: فإن لم يجد المجامع البَدَنة فإنه ينتقل إلى البدل فيصوم كصيام المتمتع، هذا مذهب بعض العلماء: أن الدم الواجب في الجماع والدم الواجب في جبران النسك - من ترك واجبا من واجبات الحج - هذه الدماء إذا عجز عنها ينتقل إلى الصوم، فيصوم عشرة أيام قياسا على التمتع، ووجه هذا القياس: أن المتمتع أوجب الله عليه الدم؛ لأنه كان المفروض بعد انتهائه من العمرة مادام قد دخلت عليه أشهر الحج كان المفروض أنه بعد أن ينتهي من العمرة أن يرجع ويحرم بالحج من ميقاته؛ لأنه مر بالميقات ناويا للحج والعمرة، فلما أحرم بالحج من مكة سقط عنه السفر الثاني وجبره بالدم، وهذا الدم دم جبران على أصح قولي العلماء بدليل أن المكي حينما جاء بالحج والعمرة وتمتع أسقط الله عنه الدم، وهذا يدل على أنه دم جبران؛ لأن الآفاقي هو الذي يلزمه الرجوع، وأما المكي فلا يلزمه، فلما فرّق الله بين حاضري المسجد الحرام من أهل مكة ومن كان في حكمهم وبين غيرهم دل على أن هذا الدم دم جبران في حكم الجبر، وإذا كان في حكم الجبر فكل دم جبر في فدية أو غيرها يلحق بهذا الدم، فإن عجز عن أصله انتقل إلى بدله وهو الصيام، هذا وجه القياس ووجه الإلحاق.
فالخلاصة: أنه يجب دم التمتع، فإن عجز عنه صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وإذا كان عليه دم جبرانا لواجب أو كان دما في فدية جماع؛ فإنه يقوم به، فإن عجز عنه صام عشرة أيام كاملة، ويختلف عن المتمتع؛ لأن صوم المتمتع ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع، وأما غيره فيصوم العشرة سردا ولا يشترط تتابعها.
قال رحمه الله: [وكذلك الحكم في دم الفوات]: وكذلك الحكم في دم الفوات: لو أنه خرج من بلده يريد الحج، ثم إنه لما وصل إلى عرفات طلع الفجر من يوم النحر فلا يمكنه أن يدرك الحج وقد فاته الحج، ففي هذه الحالة ويتحلل بعمرة وعليه دم؛ لأن عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قضى بذلك في قضية هبار بن الأسود -رحمه الله-، فإنه فاته الحج في خلافة عمر -رضي الله عنه وأرضاه- فقال له عمر: ابق كما أنت؛ لأنه جاءه يوم العيد، وكان يظن أن يوم العيد هو يوم عرفة؛ لأنه تعرفون أن الناس يبنون على الرؤية وتختلف من مكان إلى آخر، فأخطأ ثم جاء في هذا اليوم بعد فوات الحج، فقال له عمر: ابق كما أنت يعني لازلت محرما حتى تأتي البيت، فتتحلل بعمرة، وإذا كان من قابل فاهدِ وحج، فأوجب عليه الدم هذا هو دم الفوات فإن عجز عنه صام.
قال رحمه الله: [والمحصر يلزمه دم]: والمحصَر يلزمه دم؛ لقوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}؛ ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أحصر عام الحديبية نحر هديه -صلوات الله وسلامه عليه- فدل على أن المحصَر ينحر هديه ويتحلل إذا منع من الوصول إلى البيت وتعذر عليه الوصول إلى البيت فإنه ينحر هديه ويتحلل في موضعه؛ كما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عام الحديبية حينما أحصر ومنعته قريش من بلوغ البيت.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/203)
قال رحمه الله: [فإن لم يجد فصيام عشرة أيام]: هذا على الأصل الذي ذكرناه أنه عوض وبدل عن دم واجب، والشرع جعل بدل الدم الواجب صيام العشرة الأيام، فيقوم مقامها هذا من القياس.
قال رحمه الله: [ومن كرر محظورا من جنس غير قتل الصيد فكفارة واحدة]: ومن كرّر محظورا من غير جنس قتل الصيد كأن يكون غطّى رأسه أكثر من مرة أو تطيّب أكثر من مرة فإن عليه كفارة واحدة.
قال رحمه الله: [فإن كفّر عن الأول قبل فعل الثاني سقط حكم ما كفر عنه]: فإن كانت هذه الكفارة قد فعلها في أول مرة ثم فعل مرة ثانية وجبت عليه كفارة ثانية، فتجزيه الكفارة الواحدة إن كرر ولم يكفّر، أما إذا كفّر المرة الأولى أو الثانية بعد الثانية ثم فعل ثالثة ورابعة فعلى الثالثة والرابعة فدية، فشرط دخول هذه المحظورات في بعضها أن لا يكفر عن الأول سواء اتحد المجلس أو اختلف.
قال رحمه الله: [وإن فعل محظورا من أجناس فلكل واحد كفارة]: وإن فعل محظورا من أجناس كأن يكون تطيّب وغطّى رأسه ولبس المخيط هذه أجناس، كل جنس منها له فديته الخاصة، فيجب عليه أن يفتدي، ولو أنه قلّم أظفاره وقصّ شعره ففيها فديتان، أما إذا فعل المحظور في موضع واحد كما ذكرنا من الطيِْب وتغطية الرأس أو حلق رأسه ولم يكفّر ثم نتف شعر إبطيه ولم يكفّر ثم حلق شعر عانته فهذه ثلاثة من أصل واحد وهو الحلق مادام أنه لم يكفر عن الأول تلزمه كفارة واحدة – فدية واحدة- سواء اتحد الموضع كأن يحلق يبدأ مثلا بقص شعر رأسه ثم بعد ساعة قص الجانب الآخر من رأسه ثم في اليوم الثاني قص جانباً ثالثًا حينئذ عليه فدية واحدة مادام أنه لم يكفر بالفدية في أول مرة.
أما لو كفر بالفدية والمرة فالحكم على الاستئناف؛ لأن الأول كفارته الفدية الأولى، فإن فعل بعدها فقد فعل جديدا لم يتعلق به الأول لا بنيّته ولا بعمله فوجبت له كفارة جديدة، وهذا ما يسمى بالتداخل في الفدية.
قال رحمه الله: [والحلق والتقليم والوطء وقتل الصيد يستوي عمده وسهوه]: والحلق والتقليم والوطء وقتل الصيد يستوي فيه العمد والخطأ؛ لأنه نقص لا يمكن جبره، ولا يمكن تلافيه، من قلّم ظفره لا يستطيع أن يرده، ولا يستطيع أن يرجع إلى الحال الأصلي. أما من غطى رأسه فيمكنه أن يزيل الغطاء ويرجع إلى الأصل، ومن لبس المخيط يمكنه أن يخلع المخيط ويرجع إلى الأصل، ففُرّق بين ما يمكنه تلافيه وما لا يمكن تلافيه، والذي لا يمكن تلافيه أن يحلق الشعر أو يقصّه أو ينتفه، كذلك أيضا لو قلّم الأظفار، ولو جامع، ولو قتل الصيد كلها أمور لا يمكن تداركها ولا تلافيها، فتجب فيها الفدية، سواء تعمّد أو كان ناسيا؛ لأن الضمان في الإخلالات معتبر بغض النظر عن كون الإنسان قاصد أو غير قاصد، فهذا النوع فيه نقص يجب ضمانه، والضمانات يستوي فيها المتعمّد والمخطئ، فلو أن شخصا أخطأ ودعس بسيارته مالا وأتلفه كأن يدعس غنما مثلا وهو مخطئ نقول هذا في الضمان ويجب عليك أن تدفع قيمته ولو لم تقصد، فالضمانات لا يشترط في تحمل مسؤوليتها وضمانها القصد يستوي فيها العمد والخطأ، غاية ما في العمد والخطأ أن العامد يأثم والمخطئ لا إثم عليه، والمتعمد آثم؛ لأنه قاصد، والناسي غير آثم؛ لأنه لم يقصد؛ وقد قال الله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} وفي الصحيح أن الله تعالى يقول: ((قد فعلت)) أي لا أؤاخذكم بالإثم، إن نسيتم أو أخطأتم وهذا لا يسقط الضمان؛ ولذلك أوجب الله في قتل الخطأ الدية فهي ضمان للحقوق، فإذا كان هذا في الآدميين فقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((فدين الله أحق أن يقضى)) فحق الله آكد أن يضمن، فكل إخلال من المحظورات فيه نقص لا يمكن تلافيه فإن عمده وسهوه سِيّان في الحكم.
قال رحمه الله: [وسائر المحظورات لا شيء في سهوه]: سائر المحظورات لا شيء في سهوه تطيّب ثم تذكر أنه محرم أو غسل يديه بصابون مطيّب ثم تذكّر أنه محرم وأزال الرائحة لا شيء عليه، ولو غطّى رأسه ناسيا أنه محرم ثم تذكّر وأزال الغطاء عند تذكره لا شيء عليه، فلو بقي بعد التذكّر ولو لحظة قادرا على الإزالة ولم يزل وجب عليه أن يفتدي.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/204)
قال رحمه الله: [وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم إلا فدية الأذى فإنه يفرقها في الموضع الذي حلق به]: وكل هدي أو إطعام فإنه في أي موضع؛ ففي الفدية أمر الله عز وجل بالنسك ولم يحدد أن يكون بمكة؛ فدل على أنه يجزيه أن يذبح الشاة في أي موضع، فلو أنه حلق رأسه لوجود الأذى من قمل أو غير ذلك كما حصل لكعب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وأراد أن يفتدي بالذبح، فقال: أريد أن أذبح الشاة في بلدي. نقول له: لك ذلك، ولا حرج عليك في ذلك؛ لأن الله يقول: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} ولم يأمر في هذا النسك أن يكون بمكة؛ ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمر كعبا أن ينسك نسيكة وكان خارج الحرم، ولم يقل له ابعث بها إلى الحرم فدل على أنه يجزيه في أي موضع؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يعين في الفدية أن تكون داخل الحرم، وهكذا في الإطعام فإنه لو أطعم في بلده وقال: أريد أن أطعم المساكين في بلدي فأعرفهم هناك وهنا لا أعرف المساكين، قلنا له ذلك، وأما بالنسبة لما استثناه من قتل من جزاء الصيد فيجب أن يكون بمكة، ويتعين عليه أن يكون بمكة، واختلف في الدم في الهدي وظاهر السنة ما ذكرناه أنه بمكة، فبيّن المصنّف -رحمه الله- أنه يستثنى من هذا أن يكون بمكة إذا كان قتل صيد، وما عداه فإنه يكون في أي موضع من هدي وإطعام.
قال رحمه الله: [وهدي المحصر ينحره في موضعه وأما الصيام فيجزئه بكل مكان].
الأسئلة:
السؤال الأول:
فضيلة الشيخ: الشخص الذي يصوم صوم قضاء عن رمضان فهل يلزمه إتمام صومه إذا شرع فيه أو أنه أمير نفسه وكذلك النية متى تكون، وجزاك الله خيرا؟
الجواب:
بسم الله. الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
هناك مسألة أريد أن أنبه عليها وهي مسألة دجاج البيك، الذي استقر بنقل المشايخ والدعاة الذين كانوا في الخارج أن الدجاج المذبوح في الخارج في الغرب لا يسمح بذبحه للشركات بالذبح الشرعي المعروف، ولذلك كان مشايخنا وعلماؤنا ومن أدركنا من أهل العلم يرون أن حكمه حكم الميتة؛ لأنه يصعق بالكهرباء، ويدوّخ ويُخْنق، وتقوم الآلة بقطع الرأس دون تذكية شرعية، هذا الذي نعرفه بنقل المشايخ والعلماء وطلبة العلم الثقات الذين ذهبوا وسافروا ونظروا في بلاد الغرب حيث لا يسمح لهم بهذا الشيء، لكن بالنسبة لدجاج البيك كنت أنتظر إفادة واضحة، ومكثت قرابة شهرين جاءني بعض الإخوة ببعض الأوراق غير واضحة، كانت في لجنة جاءت وأبدت ملاحظات على الذبح، ثم لم توجد شهادات توثّق هل عُمل بهذه الملاحظات أو لم يعمل؟ وتأخر الإخوان - أصلحهم الله – في إحضار هذه الشهادات وأرسلوا لي أوراقا غير واضحة بالفاكس، وانتظرت خلال الشهرين أحد يأتيني حتى جاء أحد الإخوة –جزاه الله خيرا- بالأمس وأحضر لي شهادات موثقة من مشايخ معتبرين وطلبة علم أرجو أنهم ثقات على أن الذبح شرعي، وأنه يسمح لهم بالطريقة الإسلامية في أمريكا اللاتينية، وجاءت بوثائق – في الحقيقة- سرّتني كثيرا؛ لأن مثل هذا الشيء حينما يكون على الشريعة ومثل هذه الشركة تشترط أن يكون شيئا شرعيا وتحرص على إحضار المشايخ وطلبة العلم، فهذا سرّني كثيرا، ولذلك أنا أقول: إن هذا الدجاج حلال، لثبوت هذه الشهادة بشرط أن يُستمر العمل على هذا الشيء الموجود في هذه الشهادات وبالطريقة التي نُقلت إلي بهذه الوثائق. فأحببت أن أشير إلى هذا؛ لأنني كنت في الأول أقول: إن أي شيء من الخارج من الدجاج الذي يأتي من الخارج من الغرب لا يذكى ذكاة شرعية؛ لأن الشهادة كانت عندي موثقة ومن المشايخ الذين سافروا هناك أرضاهم فيما بيني وبين الله، وكنت أنتظر الإفادة وفي الحقيقة كان من المفروض أن يرسلوا الإفادة عاجلة وواضحة، وسبب التأخير عدم وصولها إلي، أما الآن فقد تبيّن الأمر أنا أقول: إنه حلال وذبحه شرعي، ويجوز أن يأكله المسلم ولا حرج ولا بأس بذلك.
بالنسبة لما ورد في السؤال من صيام القضاء: إذا صام الإنسان في القضاء فإنه يجب عليه أن يبيّت النية بالليل؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من لم يبيت النية بالليل فلا صوم له)). ويجب عليه أن يمسك ولا يجوز له أن يفطر، وليس بأمير نفسه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/205)
وأما قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((المتطوع أمير نفسه)) فإن هذا الحديث حجة على وجوب على إتمام الإمساك؛ لأنه قال: ((المتطوع)) ومن صام قضاء فليس بمتطوع؛ لأنه يصوم عن الواجب، وكذلك أكد ذلك النظر الصحيح؛ فإن قضاء رمضان منزّل منزلة رمضان؛ لقوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} والقضاء يحكي الأداء فلا يجوز له أن يفطر أثناء يومه في القضاء إلا من عذر والله تعالى أعلم.
السؤال الثاني:
فضيلة الشيخ: أشكل علي أن الحج لا يجب على الكافر، وقد ذكر بعض أهل العلم بأن الكافر مطالب بفروع الشريعة فما توجيه ذلك. وجزاك الله خيرا؟
الجواب:
هذه المسألة تعرف بهل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أو لا؟
فمنهم من قال: مخاطبون بالتوحيد أولا، ثم بعد ذلك يخاطبون بفروع الشريعة.
ومنهم من قال: إنهم مخاطبون بفروع الشريعة، وقد اتفق الجميع على أنه لا تصح منهم فروع الشريعة إلا بعد أن يؤدوا الأصل وهو توحيد الله.
فائدة الخلاف يقول إنهم يعذبون على الكفر، وعلى ترك الامتثال للأوامر بفروع الشريعة؛ واستدلوا بذلك بأدلة: بقوله تعالى: {قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين} فذكر من ذنوبهم فروع الشريعة أنهم ما كانوا يقومون بحق الله عز وجل في الصدقات والزكوات، وكانوا يخوضون مع الخائضين، فهذا كله من فروع الشريعة وليس من أصولها؛ وعلى هذا قالوا إنهم مخاطبون بفروع الشريعة، وهذه المسألة معروفة في الأصول، وكثر فيها الكلام حتى قال بعض أئمة الأصول: ((مسألة طويلة الذيل قليلة النيل)) فالخلاف فيها طويل، ولكن الفائدة ما فيها فائدة، حتى قال بعضهم: إن الفائدة فيها قليلة؛ وعليه فإننا نقول: إنهم مخاطبون بفروع الشريعة مع أصل الشريعة كما ذكرنا. والله تعالى أعلم.
السؤال الثالث:فضيلة الشيخ: رجل من المدينة قصد ينبع وهو ناوٍ النسكَ فهل يلزمه الإحرام من ذي الحليفة أو الجحفة؛ علما بأنه سيمكث في ينبع أياما أفتونا بارك الله فيكم؟
الجواب:
من قصد جهة الساحل وغرّب قلنا إن ميقاته ميقات الساحل؛ ولذلك يعتبر من أهل المدينة الذين يمرون بالجحفة، وفرق بين من يمر من المدينة بالجحفة قاصدا للنسك بسفره أصلا وبين من يقصد موضعا بغربي المدينة لغير النسك؛ فحينئذ إذا أراد الزيارة هناك وقصد أهلا في ضبا أو الوجه وذهب إليهم فله أن يؤخر الإحرام إلى أن ينتهي من حاجته، وهذا هو أصح قولي العلماء والأفضل والأكمل له أن يحتاط فيحرم من المدينة. والله تعالى أعلم.
السؤال الرابع: فضيلة الشيخ: هل جد والد أمي يعتبر محرما لزوجتي أو لا وجزاك الله خيرا؟
الجواب:
نعم. جدك والد الأم محرم لزوجتك، ولكل امرأة بمجرد أن تعقد عليها يجوز لأبيك وأبيه وإن علا سواء من جهة الإناث أو الذكور، ولأبي أمك وأبيه وإن علا كلهم آباء لك؛ لأن أب الأم يعتبر أبا للإنسان، وابن البنت ابنا للإنسان؛ كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ابن بنته: ((إن ابني هذا سيد)) وقال في الجد قال تعالى: {ملة أبيكم إبراهيم} فيعتبر هؤلاء كلهم محارم للزوجة بمجرد عقدك عليها، فهم محارم وليسوا بأجانب، ولا يحل لهم أن يتزوجوا هذه المرأة أبداً، فهي محرمة على التأبيد. والله تعالى أعلم.
السؤال الخامس:
فضيلة الشيخ: إذا اشتد ألم ضرسي في رمضان فهل أفطر. وجزاك الله خيرا؟
الجواب:
لا ألم إلا ألم الضرس! يقولون: لا هم إلا هم العرس، ولا ألم إلا ألم الضرس! ألم الضرس معروف إذا كان ألم الضرس خفيفا يمكن الصبر عليه يجب عليك الصبر، إذا كان قويا شديدا يحرجك ويصل بك إلى درجة الحرج والعنت جاز لك الفطر، وهذا على الأصل المعتبر عند العلماء أن ما يوجب الحرج ينتقل إلى درجة الحاجة، والقاعدة ((أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة))؛ والدليل على أن مرتبة الحاجة والألم الشديد توجب الرخصة قوله تعالى: {ما جعل عليكم في الدين من حرج} فإذا قلنا لك صم مع وجود هذا الألم الشديد؛ فإنه حرج وبيّن الله تعالى أنه ليس في دينه حرجٌ، فيرخص لك الفطر إن أردت الفطر، ولك أن تصبر حتى ينتهي يومك ثم بعد ذلك تعالج الألم. والله تعالى أعلم.
السؤال السادس:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/206)
فضيلة الشيخ: قد يشكو كثير من طلاب العلم عند إقبالهم على طلبه من وجود المضايقات والهموم والمعوقات؛ ولذلك يشعر البعض بانقطاعه عن العبادة وإقباله على العلم فهل من توجيه تزيل به هذا الإشكال. وجزاكم الله خيرا؟
الجواب:
بسم الله. الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الله ابتلى عبده المؤمن في هذه الدنيا، فهو من غم إلى غم، ومن همّ إلى همّ، ومن كرب إلى كرب، حتى يقف على آخر أعتاب هذه الدنيا، وقد رفعت درجته، وعظمت عند الله منزلته، وكُفّرت ذنوبه وخطاياه، فكم من مهموم مغموم خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وكم من مهموم مغموم رفعت له درجاته في الفردوس من رضوان الله عز وجل عليه.
هذه الدنيا دار ابتلاء، ودار مشقة وعناء، وهي دار الدناءة، يرفع فيها الوضيع، ويوضع فيها الرفيع، ويكرم فيها الفاجر، ويهان فيها البر، ويؤذى فيها ولي الله، فلم يجعلها الله لأوليائه، ولا جعلها لأصفيائه، ولا جعلها لأحبابه؛ إذ يقول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر فيها شربة ماء)).
فجعلها الله ابتلاء لأوليائه، تضيق عليهم بشدائدها، وتؤذيهم بفتنها ومحنها، ولا يزال العبد الصابر المؤمن قد وجه وجهه إلى ربه، وأسلم قلبه لخالقه، متوكلا على الله، مفوضا أمره إلى الله، لسان حاله ومقاله: حسبنا الله، قد استكفى بالله، فنعم المولى ونعم النصير.
هل قرأت في سيرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، هل رأيته بأبي وأمي -صلوات الله وسلامه عليه- منذ أن أكرم بالرسالة، فقد صُبّت عليه البلايا، وأهين في طاعة الله ومرضات الله، ورأى شدائد الدنيا وأهوالها، وكان كل ذلك كان فيه عليه الصلاة والسلام أصدق ما يكون إيمانا، وأثبت ما يكون جنانا، وأوضح ما يكون سبيلا ومنهجا وحجة وبرهانا، لم يضعف عليه الصلاة والسلام في طاعة ربه، ولم يجبن ولم يخف، فما كان عليه الصلاة والسلام إلا ثابت الجنان، سديد اللسان، موفقا من العظيم الرحمن -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه-، حتى رأى بأم عينيه عمه مجندلا على الأرض قد بقرت بطنه، وسالت دماؤه، وقُطعت أشلاؤه، ورأى عليه الصلاة والسلام من الشدائد والمصائب حتى فقد البنات وفقد البنين -عليه الصلاة والسلام- وما زاده ذلك إلا حبا لله ورضوانا عن الله، وما تأمل مسلم ذلك كله فرأى سيرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في جميع شؤونه وأحواله إلا وجده من كرب إلى كرب، ومن خَطْب إلى خَطْب، إن دخل إلى بيته رأى الابتلاء من ربه، وإن خرج إلى الناس ابتلي في نفسه وفي أصحابه وفي أحبابه؛ كل ذلك حكمة من الله سبحانه وتعالى حتى وقف على آخر أعتاب هذه الدنيا، وقد دنت ساعة الفراق، فصاحت بنته: واكرب أباه! فقال -بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه-: ((لا كرب على أبيك بعد اليوم)).
الكرب في هذه الدنيا سنة من الله للأولياء والأتقياء والصلحاء، تعضهم الدنيا فيهان ويذل ويضيق عليهم في أمورهم فلا يزيدهم ذلك إلا ثباتا ويقينا وصدقا.
نعم إنها الفتن والمحن التي تظهر بر البر وفجور الفاجر، تظهر صدق الصادقين، وثبات الموقنين، ورباط المرابطين، فتن تشع بها أنوار الإيمان في قلوب الموقنين المحسنين -جعلنا الله وإياكم منهم برحمته وهو أرحم الراحمين-.
أخي في الله أعظم نعمة من الله على العبد أن يفوض أمره إلى الله، وأن يكون عنده اليقين أن أزمّة الأمور كلها بيد الله، وأن الأمر كله لله، وأن الله يغلب ولا يغلب، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وأن الدنيا بقضها وقضيضها وكثيرها وقليلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، وأن كل ما يرى من فجور الفجار واعتداء الأشرار على الأخيار وتسلطهم على الصفوة الأبرار، وما يرى هو في طلبه العلم من ضيق الحال وسوء الحال كله ينتهي به إلى رحمة ذي العزة والجلال.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/207)
من هذه البلايا خرج الصادقون بصدقهم، من هذه البلايا خرج الموقنون والمحسنون بثباتهم، أي شيء تشتكيه هل قرأت أو رأيت أو نظرت ما مر بسلفك الصالح، ليتك تعلم هذه الكتب التي بين يديك، وهذه الحروف التي سطرت أمام عينيك، ليتك تعلم كيف سطرت؟! ومن الذي سطرها؟! وما الذي رآه من الشدائد والأهوال حتى إن الواحد منهم كان غريبا عن أهله غريبا عن وطنه لكي يحفظ حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الذي بين يديك، وكان الرجل منهم ينزوي عن الدنيا وفتنها ومحنها لكي يبلغك آية أو حديثا أو حكما شرعيا، فيا لله، من أمة رأت في طلبها للعلم الشدائد بحق، كان الرجل منهم يرى الموت أمام عينيه، ولربما وجد الشدائد في نفسه وفي حاله، أما أنت اليوم فآكل شارب، آمن في سربك، معافا في بدنك، عندك قوت يومك.
أخي في الله في أي لحظة تستطيع أن تضيء المصباح فيشع بيتك نورا، وكان السلف يضيء الواحد منهم الفتيلة أو يشعل الشعلة فلا يجد إلا ما يكتب به الكلمة أو الكلمتين ثم تنطفئ، ثم من الذي يجد هذه الشعلة، وأنت اليوم تخط بالأقلام الملونة وتفعل ما تشاء والصحف بين يديك وكان الرجل منهم لا يجد مدادا يمد به قلمه حتى يكتب.
أخي في الله أي نعمة ترفل فيها، وأي منة تجدها حتى إن العلم أصبح بين يديك نائما على فراشك، تستمع إلى مسجلك فتسمع الأحاديث والعلوم، وتسمع ما لم يخطر لك على بال، أي نعمة ستقف بين يدي الله وتحاسب عنها.
يا طالب العلم دع الهموم عنك جانباوانظر إلى سعة رحمة الله عليك وفضله وجميل منته لديك، واعقد العزم، وتوكل على الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.
اترك عنك هذا التخاذل والتباطل والضعف، واعلم أنه إن نزلت بك بلايا لن تساوي شيئا مما مر بالأولين، وأنها إذا نزلت بك لن تكون شيئا أمام الأنبياء والصديقين، فارفع نفسك إلى تلك الصفوة المجتباة، واعقد العزم على أن تثبت في هذه الفتن وهذه المحن، وتستمر في كتابة العلم وطلب العلم وتصبر على همك وغمك لعل الله أن يجعل لك فرجا ومخرجا.
والله، ثم والله، لن ترى في هذا العلم إلا ما تقر به عينك في دينك ودنياك وأخراك إن صدقت مع الله، وصبرت واحتسبت الأجر عند الله، فإن هذا العلم عواقبه حميدة، ونهاياته كريمة، ونسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وكماله أن يجعلنا وإياكم ذلك الرجل.
أوصيك أخي في الله:
أولا: أن تكثر من تلاوة القرآن مع التدبر، فإنها تقوي القلوب في الفتن والمحن؛ خاصة في طلب العلم، وتجعل لك وردا من الليل لا تتركه.
ثانيا: أن تكثر من الدعاء أن الله يثبتك على طاعته، وأن يصرف عنك الفتن ما ظهر منها وما بطن.
ثالثا: استشعار نعمة الله عليك، تحس أنك أسعد الناس، من هذا الذي جلس بين يديك فجلس بين يديك كتاب من كتب مشايخ الإسلام وأئمة الإسلام بين يديك، كتب يجدها في أي ساعة يأخذ كتاب من شاء من هؤلاء العلماء، فاحمد نعمة الله عز وجل عليك، وحس أنك في نعمة عظيمة، المشكلة قل أن تجد طالب علم يشكر نعمة الله عليه اليوم، وتجد الواحد منهم يقول نريد الشيخ أن يجلس معنا أربعاً وعشرين ساعة وهو لا يستطيع أن يشكر حتى لو جلس معه الشيخ ربع ساعة قل أن يقوم من مجلس فيقول: الحمد لله والشكر لله على هذه الربع ساعة، إن الله تأذن بالزيادة لمن شكر، فاشكر الله حتى يبارك الله لك، واعرف نعمة الله عز وجل عليك إذا خطت يدك أو سمعت أذنك أو نظرت عينك حتى تحس أنك في نعمة فتحافظ عليها، وإياك وأن تخذل أو تضعف، وأكثر من الدعاء، وصحبة الصالحين، وقراءة سيرة العلماء العاملين.
نسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وكماله أن يصرف عنا وعنكم الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نسألك إيمانا كاملا، ويقينا صادقا، وعلما نافعا، اللهم خذ بنواصينا إلى ما يرضيك عنا، اللهم خذ بنواصينا إلى ما يرضيك عنا، اللهم وفقنا لما تحب وترضى، وألهمنا البر والتقوى، واجعلنا من أئمة الهدى، والموفقين للرضى، يا من جل وعلا، لا إله إلا أنت سبحان ربك رب العزة عما يصفون، والحمد لله رب العالمين.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[28 - 10 - 07, 09:35 ص]ـ
قال الإمام المصنف رحمه الله تعالى: [باب دخول مكة]:
الشرح:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/208)
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن سار على سبيله ونهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله: [باب دخول مكة]: دخول مكة حفظت فيه السنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وذلك في حجة الوداع، وفي دخوله -عليه الصلاة والسلام- في عُمَرِه وفي دخوله يوم فتح مكة؛ ولذلك حفظ أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السنة وهديه في ذلك الدخول، ومن هنا اعتنى الأئمة والعلماء -رحمهم الله- ببيان هذه السنن؛ فقد صح عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما دخل مكة بات بذي طوى، ثم إنه عليه الصلاة والسلام اغتسل بعد صلاة الصبح، ثم مضى إلى البيت ودخل المسجد، وهذا يدل على أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى السنة، فإذا دخل في الحج أو العمرة أن يبدأ بالاغتسال، وهذا الاغتسال فيه فوائد عظيمة: لأنه تستجم به الروح، وتقوى به النفس، ولذلك يذهب عن الإنسان الشعث وعناء السفر، ويكون أكمل وأقوى وأقدر على الخشوع وحضور القلب، ومن عناية الصحابة -رضي الله عنهم- بالسنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنهم راقبوه في جميع شؤونه، فحفظوا دخوله حتى حفظوا الصفة التي دخل بها، وحفظوا المكان الذي دخل منه -بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه- كل هذا حرصا على حفظ هذه السنة والهدي للأمة.
يقول المصنف رحمه الله: [باب دخول مكة]: أي في هذا الموضع سأذكر لك جملة من السنن والآداب التي ينبغي للمسلم أن يراعيها ويحافظ عليها عند دخوله لمكة، وكيف كان دخول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فيسن ويشرع الائتساء والاقتداء به.
قال رحمه الله: [يستحب أن يدخل مكة من أعلاها]: يستحب أن يدخل مكة من أعلاها: مكة فيها العالية وفيها السافلة، وأعلاها من جهة قبور المعلاة، من جهة المُحَصّب والبطحاء وأسفلها من جهة الحفائر، وهي الجهة الجنوبية إلى الغرب، وأعلاها الجهة الشمالية إلى الشرق فالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حينما دخل مكة ما دخلها إلا من أعلاها، واختلف العلماء -رحمهم الله- في هذا الدخول بعد ثبوت السنة به، دخلها يوم الفتح من أعلاها، ودخلها عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع وفي عُمَرِه كلها من أعلاها، فاختلفوا في هذا الدخول: هل هو مقصود أو غير مقصود؟
قال بعض العلماء: دخلها عليه الصلاة والسلام من أعلاها نكاية بالمشركين، وتصديقا لحسان بن ثابت وذلك حينما قال:
عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كَداء
وكداء هي الثنية العليا من جهة القبور. فقال حسان قبل فتح مكة هذا البيت، فصدقه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقال: ((لا تدخلوا مكة إلا من الثنية حيث قال حسان)) لكي يصدق من نصر الإسلام بقوله فلا يكذبه ولا يخذله، وهذه هي سنته عليه الصلاة والسلام وهديه حتى مع غير المسلم، حتى إنه عليه الصلاة والسلام لما ذهب إلى الطائف وأراد دخول مكة بعد أن أوذي صلوات الله وسلامه عليه منعته قريش من البيت، فدخل في جوار المطعم، وحمل المطعم أبناؤه السلاح وأدخلوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ذمتهم وجوارهم، فلما كان يوم بدر وأخذ أسرى بدر، شفع الناس فامتنع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من قبول الشفاعة، وضرب رقاب صناديد قريش، حتى إن عقبة بن أبي معيط حاول أن يستلطف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فما كان منه إلا أن قتله، حتى قال له: ما للصبية من بعدي؟ قال: لك النار، ثم أمر بضرب عنقه، ففي هذه الموقف مع شدته يقول للمطعم: لو كان الشيخ حيا يعني أباك فسألنيهم لوهبتهم له؛ لأنه نصر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأدخله في جواره. فقال: ((لا تدخلوها إلا من الثنية العليا)).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/209)
الوجه الثاني: أن الثنية العليا فيها السوق؛ ولذلك تعتبر وجه البلد، والناس الشرفاء والفضلاء ودخول العزة والكرامة الذي لا ريبة فيه يكون الدخول من الأبواب لا من الظهور، وأبواب المدن أسواقها؛ ولذلك دخل عليه الصلاة والسلام من أعلاها؛ لأن في الأعلى السوق، قالوا فراعى هذا المعنى ولم يدخل من أسفلها.
الوجه الثالث: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل من جهة المعلاة؛ لأنها جهة باب البيت، والملوك تؤتى بيوتهم من أبوابها، وهذا بيت الله عز وجل بيت ملك الملوك، فيؤتى البيت من بابه، وهذا أشار إليه شيخ الإسلام -رحمه الله- واختاره بعض شراح الحديث أن هذه الجهة فيها باب البيت ولذلك فضلها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وكان دخوله حتى من باب بني شيبة مراعاة لهذا المعنى، وقرره الشيخ -رحمه الله- شيخ الإسلام في الشرح أن هذا الدخول مقصود، وأن هذا الخروج مقصود، أي أنه كان يدخل من الثنية العليا قصدا ويخرج قصدا لا اتفاقا ولا تيسيرا ولا لسهولة الدخول. قال رحمه الله لأنه لما أراد غزو الطائف والخروج إلى حنين خرج من الثنية السفلى مع أن الأرفق والأخف بالبيت وبه -صلوات الله وسلامه عليه- أن يخرج من الثنية العليا؛ لأنه بجهة المشرق، فكونه -عليه الصلاة والسلام- تقصد الخروج مع سهولة الخروج من المعلاة دل على أنه مقصود.
وقال بعض العلماء: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يقصد ذلك وإنما أراد تكثير الثواب باختلاف طريق الدخول وطريق الخروج.
والأصح أنه دخول مقصود.
هذه الثنية مشرفة على القبور، والآن طريقها لمن جاء من جهة المدينة إذا دخل مع شارع التنعيم يدخل على أسواق العتيبية، وينحرف شمالا إلى جهة المشرق، وإذا دخل في آخر أسواق العتيبية وانصب على قبور المعلاة فهو مدخل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهي الثنية العليا.
ثبتت هذه السنة في حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل مكة من كداء، وخرج منها من كدى.
وكذلك عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنه دخل من الثنية العليا وخرج من الثنية السفلى صلوات الله وسلامه عليه.
قال رحمه الله: [ويدخل المسجد من باب بني شيبة]: ويدخل مسجد مكة من باب بني شيبة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صحت عنه الرواية أنه دخل من باب بني شيبة؛ ولذلك استحب العلماء التأسي به -عليه الصلاة والسلام- في الدخول من هذا الباب، وهذا الباب من جهة الصفا في الجهة الشرقية أقرب إلى الصفا، والغالب أنه إذا دخل منه استقبل الجهة الشرقية.
قال رحمه الله: [لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل منه]: هذا بيان للحكم ودليله.
قال رحمه الله: [فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر الله وحمده ودعا]: هذا الدخول من باب بني شيبة على السنة، فإن تيسر فالحمد لله، وهكذا بالنسبة للدخول من الثنية العليا إن تيسر فالحمد لله، أما إذا لم يتيسر فإنه يدخل من أي موضع، والأفضل له أن يتحرى السنة حتى يكون ذلك أكمل في الهدي، وسببا في الرحمة.
قال رحمه الله: [فإذا رأى البيت رفع يديه]: فإذا رأى البيت رفع يديه: إذا دخل المسجد فالسنة المحفوظة أن يقول دعاء الدخول عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو في مسجد الكعبة وغيره للداخل أول مرة وغيره؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعله سنة فيقول: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله اللهم افتح لي أبواب رحمتك، أو يقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الوارد، وهذه هي السنة في الدخول في كل مسجد ويشمل ذلك المسجد الحرام إلا أن بعض السلف -رحمهم الله- اختاروا للدخول إلى مسجد مكة الدعاء الذي سيشير إليه المصنف -رحمه الله-.
قال رحمه الله: [وكبر الله]: وكبر الله: التكبير عند الدخول الحقيقة ليس فيه نص صحيح وكذلك التكبير عند رؤية البيت، والسنة أن يقول الوارد المحفوظ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/210)
قال رحمه الله: [وحمده ودعا]: وحمد الله ودعا: الدعاء عند رؤية البيت كل هذه قال بها بعض العلماء -رحمهم الله- واستحبوها، ولكن الاستحباب حكم شرعي، والدخول إلى المسجد فيه سنن صحيحة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وحفظ دخوله -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع أمام أمته وأصحابه صلوات الله وسلامه عليه ولو اختلف هذا الدخول عن غيره لبيّنه بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه فهذا الذي ذكره من رفع اليدين والتكبير والدعاء عند رؤية البيت قال به بعض العلماء، وفيه آثار لم تصح، ولذلك البقاء على الأصل المسنون الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هو الذي ينبغي العمل به.
قالوا: يستحب أن يدعو بقوله: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتكريما ومهابة وبرا، وفي بعض الروايات عن ابن جريج وهي منقطعة: ((وزد مَنْ شرّفه وكرّمه وعظمه ممن حجه واعتمره مهابة وتشريفا وتكريما وبرا)) ولكن هذا الدعاء يروى مرفوعا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والحديث ضعيف، بل هو من رواية الكذابين والوضاعين، ومثل هذه الرواية لا تنجبر ولا تقبل التحسين؛ لأن شرط الانجبار أن لا يكون من طريق الكذاب والوضاع
وحيث تابع الضعيفَ معتبر فحسنٌ لغيره وهو نظر
إن لم يكن لتهمةِ بالكذبِ أو الشذوذ فانجباره أُبِي
هذا الذي من عنده قد امتضى من حقَّق الحسنى وجاء المرتضى
فالأصل أن الأدعية والأفعال الخاصة في العبادات أنها توقيفية، ولا يمكن أن تجعل هذه الأدعية سنة للأمة بروايات الكذابين والوضاعين، وعلى المسلم أن يأتسي بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيما صح وورد عنه.
أما رفع اليدين عند رؤية البيت؛ فقد أنكره بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فقد روى الإمام الترمذي -رحمه الله- عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- أنه سأله المهاجر فقال له: أترفع الأيدي عند رؤية البيت؟ قال: حججنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفكنا نفعله؟! والاستفهام إنكاري أي أننا حججنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وما فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولا فعلناه، ولذلك لا يشرع رفع اليدين عند رؤية البيت ولا عند الدخول أيضا، وهذا ترجم له الإمام الترمذي -رحمه الله- في السنن بقوله: باب كراهية رفع اليد عند رؤية البيت.
قال رحمه الله: [ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمرا]: ثم يبتدئ بطواف العمرة: السنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه ابتدأ الطواف ولم يصل تحية المسجد؛ والأصل في ذلك حديث جابر بن عبدالله وحديث عبدالله بن عمر وحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنهم- كلهم أثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل البيت ثم استفتح بالطواف ولم يسبق الطواف شيء لا من الصلاة ولا من غيره، فدل على أن السنة أن يحيى البيت بالطواف.
ومن قال من العلماء: إنه يصلي تحية المسجد قبل الطواف فقوله مخالف للسنة، والأصل أن الطواف نفسه تحية البيت، وسيصلي بعد الطواف ركعتي الطواف؛ ولذلك يجزئ هذا الفعل عن التحية كلها.
فالسنة أن يبتدئ بالطواف قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: إنه أول ما بدأ به أن توضأ عليه الصلاة والسلام، ثم استلم الحجر، فبينت أنه توضأ لطوافه وللصلاة عقيب الطواف، ثم استلم الحجر، فكان أول ما بدأ أن حيى البيت بالطواف.
قال رحمه الله: [فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر الله وحمده ودعا ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمرا]: ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمرا، وهذا الطواف ركن كما سيأتي إن شاء الله، ويبتدئ بطواف العمرة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حينما دخل في عمره ابتدأ بالطواف.
قال رحمه الله: [أو بطواف القدوم إن كان مفردا أو قارنا]: أي أنه إذا بدأ الطواف في الحج إما أن يبدأه بطواف عمرة إذا كان متمتعا، أو يبدأه بطواف القدوم الذي يكون للقارن ويكون كذلك للمفرد إن تيسر له قبل الوقوف بعرفة، فبين نوعية الطواف قبل ابتدائه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/211)
والطواف إما أن يكون طواف عمرة، وإما أن يكون طواف قدوم، وإما أن يكون طواف زيارة أو إفاضة، وهو طواف الركن في الحج، وإما أن يكون طواف وداع، أو يكون طوافا في سائر الأوقات طواف نافلة، أو يكون طوافا منذورا، هذه أحوال الطواف، فبين أنه يبتدئ بالطواف إن كان معتمرا فطواف عمرة، وإن كان حاجا فهو طواف قدوم للقارن والمفرد.
طواف قدوم للقارن كما فعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأصحابه الذين كانوا معه قارنين كعلي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وطواف عمرة كما فعله أكثر أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خاصة من لم يسق الهدي منهم، وقد أمرهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن يتحللوا وأن يجعلوها عمرة، وأما بالنسبة لكونه في طواف العمرة فلا إشكال بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - له.
قال رحمه الله: [فيضطبعه فيجعله وسطه تحت عاتقه الأيمن]: فيبتدئ بالطواف السنة عند ابتداء الطواف أن يضطبع، وهذا الاضطباع في بعض الروايات وقع قبل استلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للحجر، والاضطباع ويقال له أيضا التوشح والتأبط هو أن يجعل الرداء تحت إبطه الأيمن، ثم يرمي بطرفيه فوق عاتقه، وهذا ما أشار إليه ابن عباس -رضي الله عنهما- في الرواية الصحيحة في عمرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الجعرانة، قال: ((فجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم رموا بها على عواتقهم)) فهذا هو الاضطباع يكشف فيه المنكب الأيمن ولا يكشف الأيسر بل يغطى، وهذا لكي يعين على الرمل؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعله أول ما فعله حينما قال المشركون: يأتيكم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فنزل الوحي على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بما قالوا في عمرة القضية فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أصحابه أن يروا المشركين الجلد، فقال r - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((رحم الله امرءا أراهم من نفسه جلدا)) فاضطبع عليه الصلاة والسلام ورمل وخبّ الأِشواط الثلاثة الأُوَل فهي سنة شرعت بسبب وبقيت إلى الأبد. قال عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: فيما الرملان وكشف المناكب وقد أطّأ الله للإسلام ومحا الكفر ولكن لا ندع شيئا فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ومما يدل على بقاء هذه السنة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اضطبع في عمرته من الجعرانة وقد فتحت مكة، وهذا يدل على أنها سنة باقية وأن زوال السبب لا يقتضي زواله.
يضطبع: هذا الاضطباع قلنا يكون عند ابتداء الطواف، وللعلماء وجهان:
قالوا إنه للطواف ويكون في جميع الطواف، وقيل: إنه من أجل الرمل، فعلى القول أنه للطواف لا إشكال أنه يبقى مضطبعا حتى ينتهي من طوافه، وأصحاب هذا القول قالوا إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اضطبع ولم يحفظ عنه أنه غيّر الاضطباع، بخلاف الرمل فقد قال عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- خب الثلاثة الأشواط الأول ومشى الأربع، فذكر اختلاف الحال، ولم يذكر اختلاف الحال في الاضطباع فرأوا أنه يبقى مضطبعا.
واختار جمع من العلماء رحمهم الله والأئمة أن الاضطباع من أجل الرمل، وهو من جهة النظر أقوى، ولذلك يرون أنه من بعد انتهائه من الرمل يغطي كتفه، والأمر في هذا واسع، فمن تأول السنة وأبقى كشف الكتف إلى آخر الطواف لا ينكر عليه، ومن غيّر وستر فإنه لا ينكر عليه لوجود الاحتمال.
قال رحمه الله: [فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر]: يأخذ الرداء فيجعل وسط الرداء تحت الإبط الأيمن ثم يجمع الطرفين ويرمي بهما على عاتقه الأيسر، والعاتق ما بين مفصل الكتف والرقبة.
قال رحمه الله: [ويبدأ بالحجر الأسود فيستلمه ويقبّله]: ويبدأ بالحجر الأسود فيستلمه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابتدأ طوافه في حجه وعُمَره -صلوات الله وسلامه عليه- باستلام الحجر، والاستلام للعلماء فيه وجهان:
قيل: مأخوذ من السلام وهو التحية.
وقيل: مأخوذ من السلام وهي الحجارة؛ لأنه يمسح يده على حجر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/212)
وكلا الوجهين حكاهما العلماء -رحمهم الله- والأئمة. الاستلام أن يضع يده على الحجر وهو بمثابة التحية ثم بعد ذلك يقبّل؛ فصح الاستلام عنه عليه الصلاة والسلام كما في حديث جابر بن عبدالله وحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهم فبدأ بالاستلام قبل التقبيل، وهذه هي السنة أن يبدأ باستلام الحجر قبل تقبيله، وإن قبله ثم استلمه فلابأس، ولكن السنة أن يقدم الاستلام على التقبيل؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
الاستلام البعض يخلط بين الاستلام وبين التمكن من الحجر، فبعضهم يظن أن استلام الحجر هو وضع اليدين على جهتي الحجر من أجل أن يدخل رأسه، والواقع أن هذا ليس باستلام إنما الاستلام أن يدخل يده داخل الحجر، وحينئذ يكون الاستلام حقيقة ويكون بيده اليمنى بخلاف التمكن من الحجر فإنه يكون غالبا باليدين.
قال رحمه الله: [فيستلمه ويقبله]: ويقبله؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وفي هذه الحالة يكون مقابلا للحجر بكليته، ومن الأخطاء التي يقع فيها البعض أنهم يأتون من أجل الاستلام في بداية الطواف من جهة الباب فتجدهم يفوتون قدرا مما يجب تحصيله من الطواف؛ لأن الطواف لا يصح إلا بمسامتة الحجر كُلًّا يعني بالجسم كاملا، ولذلك قالوا إن السنة أن يقابل الحجر؛ قالوا لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - توجه إلى الحجر؛ لأن الداخل من جهة باب بني شيبة يستقبل الحجر، وهذا التوجه أشبه بالاستقبال في الصلاة، وهو قبلته ومقصوده البيت. ومن هنا قالوا إنه يستلم الحجر فيكون مسامتا للحجر تماما، فإن جاء من جهة الباب وجب عليه أن يكون على جهة الاعتدال المسامتة للحجر فيستلم الحجر ثم يقبله، والتقبيل أن يضع شفتيه على الحجر؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأنه قبله وفي الصحيح من حديث عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أنه قال: ((أما إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقبلك ما قبلتك)). وهذا يدل على أنه رأى النبي صص قبله وصح ذلك في حديث جابر بن عبدالله وحديث عائشة وحديث ابن عمر -رضي الله عن الجميع وأرضاهم- أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبّل الحجر.
والتقبيل أن يضع شفتيه على الحجر دون إحداث الأصوات والمبالغة في التقبيل وإطالة الوقت واللثم واللحس ونحو ذلك من الأمور التي لا أصل لها، على المسلم أن يتأسى بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثم لينظر إلى هذا المحدّث الملهم عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - الخليفة الراشد يقول: ((أما إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقبلك ما قبلتك))، فدل على أن هذا التقبيل ينبغي أن لا يفعله الإنسان إلا في الوارد، وإذا فعله في الوارد أن يلتزم به صفة الوارد؛ ولذلك ما يفعله البعض من إحداث الأصوات ونحو ذلك من الأمور التي لم تأت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مخالفا للسنة، وعلى المسلم أن يتحرى السنة وأن يتأسى بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قال رحمه الله: [ويقول: بسم الله. والله أكبر]: بسم الله والله أكبر هذا صح عن ابن عمر عند الطبراني بسند صحيح أنه ابتدأ طوافه فقال: ((بسم الله والله أكبر))؛ ولذلك استحبه بعض العلماء -رحمهم الله- وليس فيه شيء مرفوع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إلا أن ابن عمر بعد أن انتهى من فعله أسند ذلك إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ومن هنا أجاز طائفة من أهل العلم التسمية، وأما التكبير فلا إشكال في ثبوتها في الأحاديث الصحيحة الأخر أنه كبر عند استلامه للحجر -صلوات الله وسلامه عليه-.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/213)
قال رحمه الله: [ويقول: بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -]: هذا فيه حديث حسنه بعض العلماء -رحمهم الله- فيه ضعف لكن حسنه بعض العلماء واغتفر قوله عند ابتداء الطواف: ((اللهم إيماناً بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)) ومتنه قوي وصحيح؛ ولذلك قالوا باستحباب أن يبتدئ به عند طوافه أن يقول عند ابتداء الطواف ذلك.
والسنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه كبر واستلم الحجر، ثم إنه عليه الصلاة والسلام أخذ ذات اليمين وهذا محفوظ في حديث جابر وحديث عبدالله بن عمر -رضي الله عن الجميع- أنه أخذ ذات اليمين.
وذهب بعض العلماء إلى أن أخذه ذات اليمين مقصود منه -عليه الصلاة والسلام-، ووجهوا ذلك القصد بأن المشركين كانوا إذا قبلوا الحجر أخذوا ذات اليسار وانحرفوا إلى جهة الباب، ولكنه خالفهم عليه الصلاة والسلام فأخذ ذات اليمين، ومن هنا إن كان تيسر للإنسان فإنه يأخذ بهذه السنة، فإذا استلم الحجر انحرف إلى جهة اليمين دون أن يولي البيت ظهره كما هو معلوم؛ لأن من شرط صحة الطواف أن يجعل البيت عن يساره فلا يوليه قفاه ولا يجعله كله أمامه إلا في مسألة التقبيل التي ورد النص باستثنائها.
قال رحمه الله: [ثم يأخذ عن يمينه ويجعل البيت عن يساره]: هذه هي الصفة الواردة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الطواف بالبيت، فالطواف المشروع أن يجعل البيت عن يساره؛ وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في حديث ابن عباس الذي اختلف في رفعه ووقفه: ((الطواف بالبيت صلاة)) ومن نظر وجد أنه يشبه الصلاة من عدة أمور فهو يستقبل البيت عند ابتدائه للطواف ويستقبله أثناء طوافه ثم إنه يستفتح طوافه بالتكبير، وكذلك أيضا يجعل البيت على جهة واحدة وهي يساره، وكذلك يتطهر كما يتطهر للصلاة، ونحو ذلك مما فيه مشابهة لأفعال الصلاة، ومن هنا إذا طاف بالبيت لابد وأن يجعله قبلته، وقبلته في الطواف أن يجعله عن يساره، فلا يصح الطواف لو جعل البيت عن يمينه، فلو طاف سبعة أشواط وقد جعل البيت عن يمينه لم يصح طوافه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أداها عبادة على هذا الوجه.
قال رحمه الله: [فيطوف سبعا يَرْمل في الثلاثة الأُول من الحجر إلى الحجر]: فيطوف سبعة أشواط ويرمل من الحجر إلى الحجر: هذا في طواف القدوم في الحج، وكذلك في طواف العمرة لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعل الرمل فيهما، ولا يفعل الرمل في طواف الإفاضة؛ لأنه قد حيى البيت ولذلك فعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في هذه الأطوفة ولم يفعله في طواف الإفاضة، وقد طاف على بعيره صلوات الله وسلامه عليه.
يرمل الثلاثة الأشواط الأول كما صح في حديث جابر بن عبدالله عند مسلم وحديث عبدالله بن عمر في الصحيح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خب الأشواط الثلاثة الأُول.
والرمل هو الإسراع في المشي ضرب من السير يقال له: الهرولة والرمل ما بين المشي المعتاد وما بين العدو والجري فهو وسط بينهما، اختلف هل هو مع هز المنكب أو بدون هز المنكب؟
على وجهين للعلماء -رحمهم الله-، وهذا الضرب من المشي هو ضرب الجلد والقوة كما يفعله في الجيش يفعلونه في الحروب ويفعلونه عند استعراضهم لقوة الجيش؛ لأنه يدل على الجلد والقوة وفعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لهذا المعنى كي يظهر للمشركين أنهم ليسوا أصحاب وهن وضعف -صلوات الله وسلامه عليه-.
يرمل الثلاثة الأشواط الأُول فإن تيسر له الرمل فالحمد لله، وإن لم يتيسر له؛ فإنه للعلماء فيه وجهان:
منهم من قال يقتصر على القفز ولو ضاق عليه المكان.
ومنهم من قال يسقط الرمل كلية.
وهذا راجع إلى وجود القفز فيه وعدم وجوده، وظاهر السنة أنه يقتصر على الهرولة، ثم من العلماء من قال الهرولة إن كان المكان فسيحا تكون بشدة يعني بأشد ما تكون الهرولة، وأخذوا ذلك من هرولة السعي وقالوا هما رملان.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/214)
والصحيح أن رمل السعي يختلف عن رمل الطواف، فرمل السعي فيه شدة كما جاء في حديث حبيبة بنت أبي تجرات وكذلك حديث حبيبة بنت شيبة وهو السنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وحال هاجر بين الصفا والمروة ليس كحاله عليه الصلاة والسلام في إظهار الجلد في طوافه بالبيت فاختلف الرملان.
قال رحمه الله: [ويمشي في الأربعة الأخرى]: ويمشي في الأربعة الأشواط الأخرى، واختلف العلماء لو كان هناك زحام فإذا اقترب من البيت لم يستطع الرمل ولو ابتعد من البيت استطاع الرمل، فهل الأفضل أن يقترب من البيت فلا يرمل أو يبتعد عن البيت ويرمل؟
الأقوى أنه يبتعد ويرمل؛ لأن القاعدة أنه ((إذا تعارضت الفضيلتان المتصلة بالعبادة والمنفصلة قدمت الفضيلة المتصلة على المنفصلة)) وعلى هذا قالوا إن الرمل متصل بالعبادة لأنه بنفس الفعل في طوافه بالبيت بخلاف القرب من البيت والبعد هذا راجع إلى المكان، لكن هذا يشكل عليه إذا كان في الصف الأول لا يتمكن من التورك في الرباعية ولو تأخر للصف الثاني تمكن من التورك فهل معنى ذلك أن يترك الصف الأول وينتقل إلى الصف الثاني؟
أجابوا عن هذا وقالوا باختلاف الصورتين، ففضيلة القرب من البيت ليست نصية، وفضيلة الصف الأول نصية، ومن هنا تقدم فضيلة الصف الأول ويسقط، والفقيه يجد له مخرجا!
قال رحمه الله: [ويمشي في الأربعة الأخرى]: يمشي مشيا معتادا إذا بقيت الأربعة الأشواط يمشي مشيا معتادا فلا يخب.
قال رحمه الله: [وكلما حاذى الركن اليماني والحجر استلمهما وكبر وهلل]: لا يستلم من البيت إلا الركنان: الركن اليماني، والركن الذي فيه الحجر الأسود؛ لأنهما هما ركنا البيت، وأما بالنسبة لبقية الأركان فإن قريشا تقاصرت بها النفقة فلم تستتم في بنائها للبيت، ولذلك يبقى من البيت عدة أذرع من الحِجْر كما ثبت في الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فهذان هما الركنان من البيت وهما اللذان يستلمان في قول جماهير العلماء والأئمة والسلف هذا هو الذي يستلم من البيت وأما الركنان الآخران فإنهما لا يستلمان؛ لأنهما ليسا هما ركني البيت؛ لأن البيت لم يكن كما في القصة المشهورة في بناء الكعبة حينما أرادوا أن يبنوها من مالهم وطلبوا المال الحلال فقصرت فيهم النفقة.
فالشاهد من هذا أن الاستلام لا يكون إلا للركن اليماني وللركن الذي فيه الحجر الأسود، ثم ينفرد الركن الذي فيه الحجر الأسود بالتقبيل، وينفرد بالإشارة عند عجز التقبيل، وينفرد بتقبيل ما يمسه من محجن وعصا بخلاف الركن اليماني، فالركن اليماني يقتصر فيه فقط على الاستلام بوضع يده ويكفي فيه ولا يقبل وهو قول جمهور العلماء والأئمة -رحمهم الله- أن الركن اليماني لا يقبل وإنما الذي يقبل الحجر الأسود، ولذلك قال: لولا أني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقبلك فأسند التقبيل إلى الحجر ولم يسنده إلى مكان الحجر وهو الركن، والفرق بين الركن ومكان الحجر واضح ظاهر، ولما قال: لولا أني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقبلك ما قبلتك دل على أنه لا يجوز التقبيل إلا إذا كان هناك ما يدل عليه من السنة ولم يأتِ في السنة التقبيل ولم يأت التقبيل إلا للحجر فدل على اقتصاره على الحجر.
وأما الإشارة تسامح بعض العلماء إن عجز عن الاستلام فإنه يشير وهذا راجع إلى مسألة: هل إشارة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للحجر قائمة مقام التقبيل أو أن الإشارة قائمة مقام المحاذاة أو أن الإشارة قائمة مقام الركن نفسه؟
وفي الحقيقة كونها قائمة مقام المحاذاة أقوى، وهذا مثل أجزاء الصلاة بأضعافها، ولذلك يشير فيكبر، فجمع بين القول والفعل كما ينتقل من جزء من ركعة إلى ركعة بالقول والفعل.
وفائدة هذا الخلاف أنه إذا كان في الشوط الأخير فسامت الحجر فإنه يشير؛ لأن الإشارة للمحاذاة وهذا يدل عليه قول الصحابي فإذا لم يستلم أشار بيده فدل على أنه جعل الإشارة لمكان المحاذاة وليست عوضا عن التقبيل ولا عوضا عن الاستلام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/215)
قال رحمه الله: [وكبر]: وكبر: قال: الله أكبر، فيستلم الركن اليماني والاستلام الركن اليماني أن يمسحه، ولذلك تقال: مسّح بالأركان وهي أركان البيت فإذا وضع يده عليه أو حرك يده كالماسح فإنه يجزيه، ثم لا يفعل بعد استلام الركن اليماني لا تقبيلا ولا مسحا على الوجه؛ فإنما يقتصر فقط على وضعها كما هي السنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قال رحمه الله: [وهلل]: ويمشي بين الركنين معناه أنه لا يرمل بين الركن اليماني وبين الركن الذي فيه الحجر الأسود، وهذه مسألة خلافية.
والصحيح أنه يرمل من الحجر إلى الحجر؛ وذلك لأن ابتداء الرمل كان من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لكي يظهر الجلد لكفار قريش، وكان كفار قريش بحذاء قُعَيْقَعان؛ لأنه كان الشرط بأن يخلوا بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويبن المسجد، فظهروا على الجبل فكانوا من جهة الشامية ينظرون إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولا يتمكنون من رؤيته إلا إذا توارى بالبيت، فكان إذا وصل الركن اليماني صار مستترا بالبيت، فمشى عليه الصلاة والسلام فيتقوى بهذا المشي على إظهار الجلد لهم أكثر، فلما كانت عمرته من الجعرانة كما في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اعتمر من الجعرانة فرمل من الحجر إلى الحجر؛ لأنه قد زال المعنى وأبقى السنة على ما هي عليه وزال معنى النظر فأبقى السنة كاملة بأن يرمل الثلاثة الأشواط تامة كاملة وهو أصح الوجهين عند أهل العلم -رحمهم الله-.
قال رحمه الله: [وهلل]: كبر وهلل ثم يمشي بين الركنين ويقول المأثور قوله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أي بين الركن اليماني وبين الحجر الأسود.
قال رحمه الله: [ويقول بين الركنين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار]: وهذا الدعاء من أجمع الدعاء الوارد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وكل دعائه من جوامع الكلم -صلوات الله وسلامه عليه-، وكان أكثر دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هذا الدعاء كما صح عن أنس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أنه كان أكثر دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)).
وللعلماء في تفسير هذه الآية الكريمة لأن الله أثنى على من دعا بها في نسكه للعلماء أقوال: منهم من فسرها بالخصوص، فقال: الحسنة في الدنيا الزوجة الصالحة، والحسنة في الآخرة دخول الجنة.
والصحيح أن قوله: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة)) المراد به العموم، والحسنة تكون حسنة الخير في الدين والدنيا والآخرة، فهي نكرة تفيد العموم.
ومن خصص من السلف في التفسير فقد ذكر الأئمة والمحققون منهم شيخ الإسلام -رحمه الله- أن ما أثر عن الصحابة -رضوان الله عليهم- وأئمة التفسير من ذكر الأفراد إنما هو تمثيل بالنوع لا يقتضي الحصر في هذا النوع بعينه، فإذا دعا الإنسان لا يعتقد هذا أن قوله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة أنها الزوجة وإنما يقصد العموم.
كان أنس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - يقول إن أكثر دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)) فمن هو السعيد الذي أعطاه في الدنيا حسنة، وأعطاه في الآخرة حسنة، ووقاه عذاب النار، هذا أسعد الناس بل إنه الفائز الرابح المفلح {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} فهذا مزحزح عن النار؛ لأنه يقول: وقنا عذاب النار ومن وقاه الله عذاب النار فقد فاز فوزا عظيما.
فالمقصود من هذا أن هذا الدعاء يحرص عليه، ولذلك نبه العلماء والأئمة أن هذه الدعوة من جوامع دعائه وكلمه -عليه الصلاة والسلام- التي ينبغي الحرص عليها في الحج، بل قال بعض مشايخنا -رحمهم الله- في الحج وغيره؛ لأن أنسا 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - كان إذا دعا دعوة دعا بها وإذا دعا بغيرها جعلها مع الدعاء حرصا على هذه الدعوة العظيمة يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/216)
قال رحمه الله: [ويدعو في سائره بما أحب]: ويدعو في سائر الطواف بما أحب فليس بملزم بدعاء معين؛ والأفضل أن يأتسي بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويتخير جوامع الدعاء من جوامع كلمه -عليه الصلاة والسلام- ومن ذلك قوله بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه كما في الصحيح: ((اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر)) ومن أعطاه الله هذه الخمس فقد فاز فوزا عظيما.
أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر، فهذا أسعد الناس من أعطاه الله هذه الدعوة: سلامة في دينه وفي دنياه وفي آخرته، فهذا من جوامع كلمه ومن جوامع دعائه -صلوات الله وسلامه عليه- يدعو بالوارد أفضل؛ لأنه إذا دعا بالوارد أصابته الرحمة والهداية كما قال تعالى: {واتبعوه لعلكم تهتدون}، والذين يتبعون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأمي لاشك أنهم تصيبهم الرحمة التي وعد الله بها أتباعه -صلوات الله وسلامه عليه- فيأتسي بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويحفظ الأدعية الجامعة، يحرص على دعاء الآخرة، ويجعل الآخرة أكبر همه ومبلغ علمه وغاية رغبته وسؤله، ويدعو في الدنيا بما يعينه على صلاح دينه، ويجعل هذا هو الأساس، وإنك لتعجب أن البعض لا يعرف كيف يسأل ربه -نسأل الله السلامة والعافية- حتى يذهب ويأتي بمن يدعو له، ثم يجلس يصيح وراءه بكلام لا يعرف معناه، ولربما يردد يأخذ الكتب التي جعلت فيها الأدعية غير الواردة، فإن البعض يخصص لكل شوط دعاء، وهذا لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهذا منكر أن تجعل لكل شوط دعاء ويقال للناس إن هذا مسنون ومشروع، فهذه الكتب التي تخصص لكل شوط دعاء ينبغي التنبيه على خطئها وتنبيه الناس، ويقال لمثل هؤلاء: هل تعجز أن تسأل الله صلاح دينك ودنياك! يا هذا لو أنك طفت بالبيت تقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة لكان ذلك خير الدنيا والآخرة لك، ثم من هذا الذي عجز حتى كيف يسأل ربه فتجده لا يعرف كيف يسأل الله عز وجل العفو والعافية؟! يبدأ بنفسه أولا، فيسأل الله صلاح دينه، ويستعيذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلاح الدين في تحصيل الفرائض وترك المحارم، فيسأل الله التقوى والاعتصام بالدين، ثم يسأل الله السلامة من المنكرات من الشبهات والشهوات، وأن يسلم له دينه وأن يعصمه في دينه كما كان ابن عمر يقول: ((اللهم إني أسألك العصمة في ديني)) فيسأل الله العصمة في دينه، ثم يسأل الله الزيادة في الدين والخير من التمسك بالكتاب والسنة والاهتداء بهما وأن يحبب كتابه إليه وكلامه إليه، وأن يجعله مهتديا باتباع سبيله ودينه وشرعه، واتباع رسله -صلوات الله وسلامه عليهم- يسأل الله هذا، ثم إذا انتهى من دنياه فلينظر إلى ما أمامه من الآخرة، فيسأل الله أن يعيذه من القبر وأن يعيذه من فتن القبر ومن عذاب القبر ثم يتقدم إلى الآخرة فيسأل الله عز وجل أن يسلمه من أهوالها ومن شدائدها وأن يسلمه على الصراط وأن يسلمه واقفا بين يديه حافيا عاريا، ثم بعد ذلك يسأل الله الدرجات العلى في الجنة، فهذا كله لا يعجز الإنسان.
أما أن يأخذ كتابا فيقرأه ولا يعرف ما معناه، ولا يعرف معنى الأدعية، أو يأتي برجل ينعق ويصيح، ومن المنكرات رفع الصوت بهذه الأدعية فتجد الخمسين والثلاثين يأتون في المطاف وكأنه لا يجد في حرم الله غيرهم، ثم يصيحون بصياح شديد، يشوش على الراكع وعلى الساجد وعلى الطائف بالبيت، كل هذه من البدع، وفيها إثم كبير أن الذي يرفع صوته بهذه الطريقة التي تشوش على الراكعين والساجدين، والله، لقد سمعت أقواما يسعون بين الصفا والمروة ما استطعت أن أصلي وأنا في رواق البيت، فكيف بالذي يطوف بجواره، فهذا بعضهم لماّ يأتي ويدعو ويدعون وراءه إذا بهم يدعون بقوة ويصيحون بقوة؛ والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقول: ((اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا)) سبحانه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/217)
وتعالى فهو أقرب إلى الإنسان من الحبل الوريد.
فالمقصود من هذا أنه ينبغي التأسي بالوارد وترك مثل هذه الأمور، بل إنه ربما يقرأ الكتاب وهو لا يعي معناه، حتى إنه ربما يكون في العمرة فيقول: اللهم إني أسألك حجا مبرورا وسعيا مشكورا وهو في العمرة!! وبعضهم يقول: لا تدع لنا ذَنَبا. قال بعض العلماء بجواره: إلا قطعته! فإنه لا يعرف، يتكلم بشيء لا يعرفه، ثم الجبن ينقلب إلى ما هو معروف ومعهود كل هذا سببه الجهل، وسببه الجهل بالله قبل كل شيء، لقد جهل الناس ربهم، فلم يعظموه حق تعظيمه ولم يقدروه حق قدره، الرجل يذهب إلى العمرة وإلى الحج لا يعي أنه وافد على الله وأنه ضيف على الله وأنه ينبغي عليه أن يتهيأ، يا لله العجب لو أنه ذهب إلى عظيم من عظماء الدنيا ولله المثل الأعلى، لوجدته يسأل كيف يدخل عليه؟ وماذا يقول؟ وما هي آدابهم؟ وما هي عاداتهم؟ وما هي تقاليدهم؟ لوجدته يستكثر من ذلك ولا يستقل ويبحث عنه ويفصل فيه بالقليل والكثير وهو داخل على ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، ولذلك وما قدروا الله حق قدره، فيأتي الإنسان إلى عمرته وكأنه شيء معهود مألوف، ولقد كان الرجل من السلف إذا وقف ملبيا خر مَغْشيا عليه من تعظيمه لله عز وجل، وكان علي زين العابدين إذا قال: لبيك احمر واصفر، وأثر عنه أنه غشي عليه -رضي الله عنه وأرضاه- وقيل له في ذلك فقال: أخشى أن يقال لي لا لبيك.
فالمقصود من هذا أن الناس سببهم في وقوع هذه البدع والمحدثات والأمور الغريبة العجيبة حتى إنه يأتي للرجل بالمال ويقول له: طوفني، فيحتاج أن يدعو له، والدعاء لا يكون مستجابا إلا إذا كان خالصا ومن قلب، وهذا الذي يدعو يدعو بالمال حتى إنهم يضحكون على الناس وهذا ليس خاصا بالطواف، هذا كله مما لُبّس فيه على الناس في دينهم حتى إنه بلغ ببعضهم -والعياذ بالله- من الجرأة على الله أنه يأتي ويقول ألفاظا لا أصل لها حتى لربما أدخل الدين بالدنيا، وبلغ ببعضهم أنه يأتي ويقول له: اللهم إني نويت أن أعطي مزوّري كذا وكذا ريالا كل هذا حتى يضمن سقاط الدنيا وفتات الدنيا فكيف يكون الدعاء من مثل من كان قلبه بهذه المثابة معظماً للدنيا على الدين ومؤثرا ما عند الناس على ما عند الله عز وجل، فالمقصود من هذا أن هذه الأدعية وهذه الطريقة غير مشروعة، والمنبغي للإنسان أن يأتسي بالوارد، وأن يدعو من قلبه، ويقال له: ادع لنفسك، وادع لوالديك، واستغفر للمسلمين، ولو أنك طفت ولا تقول إلا رب اغفر لي ولوالدي وللمسلمين لخرج ببلايين ملايين الحسنات التي لا يحصيها إلا الله سبحانه وتعالى، فلو استغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء والأموات وكان له بكل مسلم من الحسنات ما لا يعلمه إلا الله، كم سيجد من هذه الكلمة الخفيفة على اللسان الثقيلة في الميزان، فنسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.
قال رحمه الله: [ثم يصلي ركعتين خلف المقام]: ثم يصلي بعد انتهائه من الشوط السابع ركعتين خلف المقام؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعل لكل أسبوع ركعتين، وأجمع العلماء -رحمهم الله- على أن لكل أسبوع من الطواف ركعتين، وللعلماء وجهان:
هاتان الركعتان قيل تكون بعد طواف ولا تفصل بطواف آخر.
وذهب بعض السلف إلى التوسعة فيها فقال: لو طاف أسبوعا بعد أسبوع جاز له أن يؤخر ركعتي الطواف للأسبوع الأول، فيصلي أربعا بعد الأسبوع الثاني.
وهذا رخّص فيه بعض السلف كما أثر عن إبراهيم النخعي وغيره؛ ولكن السنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه بعد ما انتهى من طوافه وفرغ صلى ركعتين.
خلف المقام: فتلا الآية: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فصلى عليه الصلاة والسلام فجعل المقام بينه وبين البيت، وللعلماء في توجيه ذلك أقوال: قيل العبرة أن يجعل المقام بينه وبين البيت قريبا من البيت، وقيل قريبا أو بعيدا، وقيل المسجد كله مقام إبراهيم، فإذا صلى الركعتين في أي موضع جاز، لكن ينبغي أن يفرّق بين الجواز وبين الأفضل، فالأفضل أن يفعل ما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيجعل المقام بينه وبين البيت؛ تأسيا بالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ثم إذا لم يتيسر له ذلك المكان فإنه يتحرى في التأخر أن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/218)
يكون المقام بينه وبين البيت حتى ولو كان قريبا من غير جهة المقام؛ فإنه يختار جهة المقام؛ لظاهر الآية؛ ولظاهر فعله -عليه الصلاة والسلام-، ولا يشترط فعلها في داخل المسجد حتى لو أنه خرج بعد الطواف بغرض أو ظرف ثم صلاها في فندقه أو نُزُله فإنه يجزيه ولذلك أثر عن عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أنه طاف طواف الوداع بعد صلاة الصبح كما روى مالك في موطئه بسند صحيح وأخر ركعتي الطواف إلى ذي طوى؛ لأنه كان لا يرى ركعتي الطواف بعد صلاة الصبح، فأخرها إلى ذي طوى فدل على عدم تعيّن أن يصلي في نفس المسجد ولكن السنة ما ذكرناه، فإذا صلى الركعتين يقرأ في الأولى منهما بـ {قل يا أيها الكافرون} وفي الآخرة بـ {قل هو الله أحد} وهما سورتا الإخلاص اللتان اشتملتا على توحيد الله عز وجل وأصليه الإخلاص العظيمين: النفي والإثبات، البراءة من الشرك، والإقرار بالتوحيد لله سبحانه وتعالى وبوحدانيته في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى. ثبت في الحديث عن جابر أنه صلى فيها عليه الصلاة والسلام ركعتي الطواف وقرأ فيهما بـ {قل يا أيها الكافرون} {وقل هو الله أحد}.
قال رحمه الله: [ويعود إلى الركن فيستلمه]: ويعود إلى الركن فيستلم الركن؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كما صح عنه في الرواية أنه بعد ما صلى ركعتي الطواف رجع فاستلم الحجر، وفي بعض الروايات أنه شرب من زمزم ثم رجع واستلم الحجر فهذا سنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قال رحمه الله: [ثم يخرج إلى الصفا من بابه فيرقى عليه]: ثم يخرج إلى الصفا من باب الصفا وكان موجودا إلى عهد قريب وهو بحذاء الجبل فيخرج إلى الصفا؛ لأن الصفا كانت خارج المسجد، فإذا خرج إلى الصفا فالسنة أنه إذا جاء عند أصل الجبل يقرأ الآية {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم} ثم يقول: أبدأ بما بدأ الله به؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تلا الآية ثم قال: أبدأ بما بدأ الله به ثم رقى الصفا، هذه السنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، والصفا والمروة جبلان شرقي الكعبة، الأيمن منهما إن أصبح البيت وراء الظهر هو الصفا، والأيسر منهم بحذاء قعيقعان المروة، والأول عند أبي قبيس.
قال رحمه الله: [ويكبر الله]: فإذا رقى الصفا استقبل البيت كما في الحديث الصحيح عن جابر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وعن عبدالله بن عمر –رضي الله عنهما-، وجاءت الرواية بزيادة الاستقبال قال نظر إلى البيت فهناك فرق بين رواية: ((استقبل البيت)) ورواية ((نظر إلى البيت)) ومن هنا يتحرى النظر وهي السنة الصحيحة المرفوعة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه ينظر إلى البيت إذا أمكن يكون في موضع من الصفا يتمكن فيه من رؤية البيت فيجمع بين الاستقبال والرؤية، فإن غلب لزحام استقبل إذا لم يتيسر له الرؤية، فالسنة أن يرقى الصفا؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رقاها، ثم يكبر ثلاث مرات: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ويرفع يديه كما صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه رفع يديه على الصفا ثم إذا انتهى من التكبير ثلاثا، قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، فهذا نوعان من التهليل، فيكبر ثلاثا ويهلل مرتين: التهليل الأول التام إلى قوله: وهو على كل شيء قدير، والتهليل الثاني: لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو ثم يرجع مرة ثانية ويقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثم يهلل مرتين، ثم يدعو، ثم يرجع مرة ثالثة ويكبر ثلاثا ويهلل مرتين ويدعو، فأصبح مجموع التكبيرات تسعا، ومجموع التهليلات ستا، والدعاء ثلاث مرات هذه هي رواية جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- في الصحيح -صحيح مسلم وغيره- وهي في منسك جابر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - واختاره جمع من الأئمة -رحمهم الله-، ومنهم من اختار أن يكبر سبع مرات، وفيها رواية ابن عمر -رضي الله عنهما- وهي صحيحة كما
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/219)
في معجم الطبراني، واختارها طائفة من العلماء -رحمهم الله- ويفهم من كلام الشيخ -رحمه الله- شيخ الإسلام في الشرح الميل إليها، وقال إن قضية جابر في الصيغة لم تتفق الرواة عليها، وكذلك أيضا إن السبع متفقة مع الفعل فيتفق القول مع الفعل، وجمع بينها وبين رواية جابر من وجه آخر فقال لا يبعد أن يكون كبر ثلاثا ثم أعاد التكبير سبعا ثلاثا ثلاثا حتى بلغ السبع وهذا بترجيح رواية ابن عمر على رواية جابر، ولكن مذهب المحققين وطائفة من العلماء -رحمهم الله- أنه يقدم رواية جابر رضي الله عنهما لأن رواية جابر بن عبدالله تمحضت بإثبات النسك، وأما رواية ابن عمر فقد جاءت فيها زيادة الأدعية التي اختارها 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - فلا يبعد أن يكون قد اختار التكبير سبعا.
وبعض العلماء يقول لا يمنع أن يكون خلاف تنوع، بمعنى أن جابراً سمع ذلك منه في حجة الوداع، وعبدالله بن عمر سمع منه ذلك في عُمَره، وهذا جمع حسن حتى أشار إليه شيخ الإسلام -رحمه الله- وهذا الجمع طيب وإذا كان على هذا الوجه فيرد السؤال: هل الأفضل ما في حديث جابر أو حديث ابن عمر؟ لاشك أنه لو قيل بتفضيل حديث جابر: أولا: لأنه من رواية الصحيح فما في الصحيح مقدم على غيره، وثانيا: أن حديث جابر متأخر؛ لأنه حفظ ما فعله في حجة الوداع، وثالثا: أن هذا كان خطابا للأمة كلها قصد فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - التبيين العام فيقدم على غيره.
قال رحمه الله: [ويكبر الله ويهلله ويدعوه]: ويكبر الله ويهلله: يكبر الله: الله أكبر الله أكبر على الصفة التي ذكرناها، ويهلله هناك تهليل ثانٍ في رواية ابن عمر يختلف عن تهليل جابر، فتهليل ابن عمر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فاتفق مع جابر في التهليل الأول، واختلف معه في التهليل الثاني؛ لأنه قال: لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولوكره الكافرون، وأما تهليل جابر لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، وفيه مناسبة؛ لأنه بالأمس يقف على الصفا فيأمرهم بتوحيد الله ويقول لهم قولوا: لا إله إلا الله، فانطلق الملأ منهم يكذبونه ويمترون في أمره ويقولون: ساحر كذاب {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق} فكذبوه -عليه الصلاة والسلام- وقال له عمه -وهو من أقرب الناس إليه-: تبا لك ألهذا جمعتنا؟! ويأبى الله إلا أن يَصْدُقَه وعده وأن ينصر عبده وأن ينجز له ذلك الوعد فيدخل عليه الصلاة والسلام ومعه مائة ألف من أصحابه كلهم يفدّيه بنفسه وروحه، وكلهم يقول: ماذا يقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وماذا يفعل، ويركب الناس بعضهم بعضا ليروا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في هديه وسمته ودله وقيامه في عبادة ربه -صلوات الله وسلامه عليه-، وهذا كله يدل على أن من قام لله مقاما أذل فيه فإن الله سيعزه عاجلا أو آجلا أو فيهما، والله يحكم ولا معقب لحكمه، جعلنا الله وإياكم من أوليائه وأنصار دينه وشرعه.
قال رحمه الله: [ويدعوه]: ويدعو الله عز وجل كما ذكرنا. الدعاء كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يدعو حتى إن سالما -رحمه الله- قال: كان يملنا ونحن شباب، وهذا هو حال السلف وحال من عرف أنه بين يدي الله سبحانه وتعالى وليس كحال الله المستعان الضعفاء والبؤساء الذين بمجرد أن يدخل الواحد منهم في العمرة كأنه -والعياذ بالله- في السجن، يريد أن يخرج منها ويريد أن يتخلص منها، فتجده بمجرد أن يرقى الصفا يهرول نازلا ولا يستشعر أنه بين يدي الله ووافد على الله، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((الغازي والحاج والمعتمر وفد الله سألوه فأعطاهم ودعوه فأجابهم))، فانظر كيف المكانة للحاج والمعتمر، وجعلهم مع الغازي في سبيل الله عز وجل وهذا يدل على أنه ينبغي للمسلم أن يدعو، وعلى الصفا من مظان الإجابة كما ذكر العلماء -رحمهم الله- وهي من المواضع المؤكد والمستحب الدعاء فيها: الطواف، وعند الرقي على الصفا، وبين الصفا والمروة كما أثر عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، وكذلك أيضا في الوقوف بعرفة، وفي المشعر، وبعد رمي الجمرة الصغرى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/220)
، والوسطى، كلها مواضع يتحراها المسلم ويحرص فيها على أن يسأل ربه حاجته وخير دينه ودنياه وآخرته، فيكثر من الدعاء والإلحاح على الله عز وجل وسؤاله.
قال بعض العلماء: إن الصفا والمروة كما نص ابن عباس -رضي الله عنهما- جعلها الله سنة بفعل هاجر، فهاجر سعت بين الصفا والمروة سبعة أشواط، وهاجر سعت سعي المكروب المنكوب المفجوع المفزوع، فهي ترى ولدها بين الحياة والموت، وسألت ربها أن يفرّج كربها فجاءت تسعى تأخذ بالسبب، فسعت في هذا الموضع السبعة الأشواط ولكنها كانت مؤمنة بالله موقنة بالله كيف وهي وديعة عند الله عز وجل، استودعها الخليل ربه فكيف يضيع الله وديعته حاشا وكلا لأن الله لا تضيع ودائعه؛ ولذلك قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه)) فالله عز وجل لا تضيع ودائعه سبحانه وتعالى، فلما سعت هذه السبعة الأشواط أبى الله أن يجعل تفريج كربها إلا من تحت قدم ابنها، ولا يأتي أحد يصب لها الماء يتمنن عليها، فانظر رحمك الله، فياليت كل مكروب ومنكوب يستشعر هذا، وكيف أن الله فرج كربة هذه المرأة، ثم انظر كيف أنها امرأة والمرأة أضعف من الرجل وهي من الضعفة؛ كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((إني أحرج حق الضعيفين كما في صحيح البخاري المرأة واليتيم)) فهي من الضعفاء، جاء المثال في ضعيفة ومكروبة ومنكوبة لكي يعلم أن من دعا الله بصدق في هذه المواضع أن الله لا يخيبه، فجعل الله عز وجل تفريج كربها من تحت قدم ولدها، وجعلها زمزم الماء الذي لا ينضب والمعين الصافي الذي لا تكدره الدلاء من عظمة الله عز وجل وهذا كله يدل على أن من سأل الله بصدق وصدق مع الله في هذه المواطن أنه لا يخيبه في رجائه، جعلنا الله وإياكم ذلك الرجل.
قال رحمه الله: [ثم ينزل فيمشي إلى العلم]: ثم ينزل من الصفا ويمشي قاصدا إلى المروة، ويمشي حتى يصل إلى العلم وهو بداية الوادي بين الجبلين، فإذا وصل إلى الوادي وانصبت قدماه في الوادي فإنه يسعى شديدا؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سعى شديدا حتى دار إزاره على ركبته -بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه- وهو يقول: ((أيها الناس إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا)) فيسعى شديدا، وهذه هي السنة، وأثر عن عبدالله بن مسعود 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أنه لما خب وسعى بين العلمين كان يقول: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، واستحبه بعض العلماء؛ لأنه مأثور عن هذا الصحابي من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ورضي الله عنهم أجمعين.
قال رحمه الله: [ثم يسعى إلى العلم الآخر]: ثم يسعى إلى العلم الآخر يسعى بشدة، والسعي هنا أشد من السعي في الرمل في الطواف.
ثانيا أن هذا السعي للرجال دون النساء، وكذلك الرمل في الطواف بالبيت للرجال دون النساء، قال ابن عمر رضي الله عنهما: ليس على النساء رمل، فدل على أن المرأة لا تهرول؛ لأنها إذا هرولت انكشفت، فهذا يدل على تعاطي الأسباب بالستر، فالمرأة لا تهرول في سعيها بين الصفا والمروة، هذا الموضع مأمور بالسعي، وهذا معنى قوله: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} يعني بينهما فالباء للظرفية، وهذا أحد معاني الباء المشهورة:
تعد لصوقاً واستعن بتسبب وبدل صحابا قابلوك بالاستعلا
وزاد بعضهم ظرفا: فهي للظرفية أن يطوف بهما يعني بينهما أي بين الصفا والمروة، وهذا الموضع واجب تحصيله، ولذلك لو انحرف عنه ولم يحصله لم يصح السعي ولم يعتد بذلك الشوط.
قال رحمه الله: [ثم يمشي حتى يأتي المروة فيفعل كفعله على الصفا]: فإذا رقى المروة فعل عليها كما فعل على الصفا، يستقبل البيت والآن يتعذر رؤية البيت؛ لأنه لا يمكنه رؤية البيت فيقتصر على الاستقبال، ثم يرفع يديه ويكبر ثلاثا ويهلل مرتين ويدعو على الصفة التي ذكرناها يفعل على الصفا مثل ما فعل على المروة؛ لأن جابرا 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال ثم فعل على المروة مثل ما فعل على الصفا.
قال رحمه الله: [ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه]: ثم ينزل ويمشي في موضع مشيه على هذا بيّن المصنف -رحمه الله- أمورا:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/221)
أولا: أن الابتداء يكون بالصفا، وهذا هو فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وقول جماهير العلماء والأئمة وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى جواز أن يبدأ بالمروة كما هو قول ابن خيران والصيرفي وابن بنت الشافعي.
والصحيح ما ذهب إليه الجماهير أنه لو ابتدأ بالمروة أو مشى إلى الصفا سقط ذلك الشوط ولم يعتد به، وأن عليه أن يبدأ بالصفا، وأن ينتهي بالمروة؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؛ والدليل على ذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعل ذلك وقال: ((خذوا عني مناسككم))، وأكد هذا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما تلا الآية قال:: ((أبدأ بما بدأ الله به)) فجعلها عبادة متبعا فيها التقديم الوارد في الكتاب، وهناك رواية في النسائي: ((ابدأوا)) وتكلم بعض العلماء على سندها فإن صحت فلا إشكال بوجوب البداءة بالصفا دون المروة.
قال رحمه الله: [ويسعى في موضع سعيه]: العبرة بما بين الصفا والمروة، وعلى هذا فالرقي إلى أعلى المروة والرقي إلى أعلى الصفا ليس بلازم، فلو اشتد الزحام أو كان مع الإنسان حطمة أو كبار السن أو مريض أو من يجهده الصعود إلى أعلى الجبل فإنه على آخر الصفا، وآخر الصفا هو منتهى مجرى العربيات الموجودة الآن، وتحرى العلماء والمشايخ -رحمهم الله- وضع هذا أن يكون عند آخر الحد، ولذلك كان في الفتوى أنهم يراعون في آخر الحد حتى إذا جاء بل لا يمكن الرقي بالعربية إلى آخر إلى الموضع المعروف من الجبل فهذا الحد هو القدر الذي يبدأ عنده الصفا فلو رقى على طرف الصفا وعلى طرف المروة فقد حصل المكان المأمور بتحصيله.
ثانيا: الأصل أن يكون على قدميه السعي، فإن احتاج لمرض أو كبر أو ضعف أن يركب العربية ونحوها فإنه يصح سعيه بذلك، يراعي السعي بين الصفا والمروة على ظاهر النص، ورخص بعض العلماء في السعي في الدور الثاني، ومنع منه بعض العلماء وهي مسألة متأخرة نازلة اختلف فيها العلماء -رحمهم الله- فكان بعض العلماء يرى ولا يزال بعضهم من الأحياء -حفظهم الله- يرون أنه يسعى في الدور الثاني وبنوا ذلك على أدلة منها أن الأصل الشرعي يقتضي أن الأعلى يأخذ حكم الأسفل؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((من ظلم قِيْدَ شبر من الأرض طوّقه يوم القيامة من سبع أراضين)) فجعل الأسفل كالأعلى والأعلى كالأسفل، وسمعت في الفتوى في إبان حياة سماحة الشيخ عبدالعزيز -رحمه الله- أن العلة أن من ملك أرضا ملك سماءها، وهذا أصل متفق عليه بين العلماء، فهو مبني على هذا المعنى في الحديث الذي ذكرناه.
ومنع منه بعض العلماء كالشيخ الأمين -رحمه الله- والوالد -رحمة الله على الجميع- ويرون أن البينية تقتضي ظرف المكان، ففرقوا بين الطواف في الدور الثاني بالبيت وبين السعي بين الصفا والمروة؛ لأن البينية مقصودة فقال: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} وعلى كل حال من تأول فتوى من يجيز لا ينكر عليه، ومن أخذ بالاحتياط في دينه فلا ينكر عليه، والمنبغي أن يحرص الإنسان قدر استطاعته أن يلتزم الوارد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ما أمكن، وهذا من رحمة الله عز وجل لو أن الناس كلهم الآن يسعون في الدور الأول كيف يكون؟! ولكن الله وسع على العباد، والاجتهاد من نظر إلى أصول العلماء يرى له مبررات صحيحة، ولذلك في الطواف في الدور الثاني لم يفرّق فيه بين الدور الثاني والثالث وجعل أعلى الأرض كأسفلها فلا فرق بين الطواف وبين السعي عند من يقول بالجواز.
قال رحمه الله: [ويسعى في موضع سعيه حتى يكمل سبعة أشواط]: يشترط في صحة السعي أن يكون سبعة أشواط لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اعتد بالسبع، ومذهب الجمهور أنها سبع كاملة. وذهب بعض الفقهاء إلى أن العبرة بأكثر السعي أربعة فأكثر وهذا أصل عند الحنفية أن أكثر الشيء يأخذ حكم الكل، وعلى هذا فإنه يعتد بالأربع فلو فاتته الثلاث أو ترك الثلاث أمكنه الجبر.
ولكن الصحيح ما ذهب إليه الجماهير من أن العبرة بكل الطواف وبكل السعي، وعلى هذا فإنه لابد وأن يستتم سبعة أشواط ذهابا وإيابا على التفصيل الذي ذكرناه يبدأ بالصفا وينتهي بالمروة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/222)
قال رحمه الله: [يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية]: لفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لذلك.
قال رحمه الله: [يفتتح بالصفا ويختم بالمروة]: هذا هو المحفوظ عنه عليه الصلاة والسلام كما صرح بذلك جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-، وهناك من العلماء من يقول لابد من الذهاب والإياب يعني الشوط الواحد ذهابا وإيابا - ولذلك قال بعض العلماء: رحم الله فلانا ما حج وما اعتمر أنه لم يحج ولم يعتمر. قال لو حج واعتمر ما قال بقوله. مثل ما يقولون: لو أكل علقة كان ما أفتى بالأربعة عشر شوطا ما هي سهلة-، ومن هنا الصحيح ما ورد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالسبعة الأشواط الذهاب شوط والإياب شوط، وهذا هو الذي ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولا يزاد على ذلك.
قال رحمه الله: [ثم يقصر من شعره إن كان معتمرا وقد حل]: إذا انتهى من الطواف والسعي فقد تمت عمرته، وحينئذ يتحلل من العمرة، فإذا طاف وسعى فحينئذ قد تمت عمرته فيتحلل، فإن كان متمتعا قصّر، فإن كان في عمرة قصر ولم يحلق، والأفضل لاشك أن الحلق أفضل؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((اللهم ارحم المحلقين - قالها ثلاثا-)).وهذا يقتضي أن الحلق أفضل، لكن استثنى العلماء -رحمهم الله- المتمتع لأنه إذا حلق لم يجد شيئا يحلقه في حجه فقالوا إنه يقصر.
والوجه الثاني وهو الأقوى قالوا إن الحج أكبر وأصغر، وإذا تعارضت فضيلتان: فضيلة في موضعين: أحدهما أفضل من الآخر ولا يمكن فعلها إلا في أحدهما قدم الأفضل على المفضول، والحج أفضل من العمرة؛ ولذلك قال: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} فجعل الحج أكبر و أصغر، ومن هنا قالوا: أن يجعل الأفضلية الحلق للأكبر وهو الحج ولا يحلق إذا كان الوقت قصيرا.
قال رحمه الله: [ثم يقصر من شعره إن كان معتمرا وقد حل]: ثم يقصر من شعره إن كان معتمرا، والتقصير ينبغي أن يعم جميع الرأس كما أن الحلق يعم جميع الرأس، وهو أصح أقوال العلماء -رحمهم الله-، وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن حلق بعض الشعر وترك بعضه، وكذلك القص بأن يقص البعض ويترك البعض، بل المنبغي أن يعم بالتقصير ويعم بالحلق، وهذه هي السنة وينبغي المحافظة عليها، فيعم شعره بالتقصير، فإذا قصر فقد حل.
قال رحمه الله: [إلا المتمتع إن كان معه هدي والقارن والمفرد فإنه لا يحل]: إلا المتمتع المراد بهذا تمتع القران الذي يسوق معه الهدي قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((إني قلدت هديي ولبدت شعري فلا أحل حتى أنحر)) فدل على أنه بقى على إحرامه بعد انتهائه من طوافه وسعيه -صلوات الله وسلامه عليه-؛ وعليه فإنه يبقى ولا يتحلل، فكل من القارن والمفرد فإنه لا يتحلل في الحج، بل يبقى على إحرامه حتى يكون يوم النحر فيتحلل.
قال رحمه الله: [والمرأة كالرجل]: والمرأة كالرجل فيما مضى من الطواف والسعي وصلاة ركعتي الطواف إلا الرمل كما ذكرنا.
قال رحمه الله: [إلا أنها لا ترمل في طواف ولا سعي]: قال ابن عمر رضي الله عنهما: ليس على النساء رمل، فلا ترمل لا في الطواف ولا في السعي.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[28 - 10 - 07, 09:49 ص]ـ
قال الإمام المصنف رحمه الله تعالى: [باب صفة الحج]: صفة الشيء حليته، وما يتميز به، وصفة الحج أي ما جاء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الحج من الأقوال والأفعال، فشبه هذا الأقوال والأفعال في المناسك، أي في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بصفة الحج، وهذه الصفة تنقسم إلى قسمين: صفة كمال، وصفة إجزاء.
فأما صفة الكمال فهي الجامعة للأركان والواجبات والشرائط والسنن والمستحبات.
وأما صفة الإجزاء فإنها تختص بالأركان وإجزاء المثوبة والعقوبة وهي الواجبات، ولا تشمل السنن والمستحبات.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/223)
والمصنف -رحمه الله- درج في العبادة على تقديم صفة الكمال على صفة الإجزاء، ولذلك ذكر صفة الصلاة كاملة، ثم ذكر باب أركان الصلاة وواجباته، وهنا صفة الحج كاملة، ثم قال باب أركان الحج وواجباته، فسيذكر رحمه الله الصفة كاملة كما وردت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في هديه.
قال رحمه الله: [وإذا كان يوم التروية فمن كان حلالا أحرم من مكة وخرج إلى عرفات]: [وإذا كان يوم التروية] كان: تامة. [وإذا كان يوم التروية] وقع وحصل خرج إلى منى: السنة لمن تمتع وتحلل في مكة أن يخرج من مكة محرما إلى منى؛ وذلك هو فعل أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وشدد بعض العلماء كما أشار شيخ الإسلام -رحمه الله- وقال: الأصول تقويه في تأخيرهم للإحرام والنية إلى منى؛ والسبب في ذلك أن فعل الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم أحرموا من منزلهم بالمحصب والأبطح وهو منزل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بحذاء خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر، وهذا يدل على أنهم يمضون إلى منى محرمين حتى يكون من العبادة؛ وهذا أفضل إذ إنه أعجل في الوقت، وأكثر في العمل، فهو أعظم أجرا وثوابا.
فبعض الناس اليوم بعضهم يأخذ إحرامه إذا كان متمتعا ولا يحرم إلا في منى، والسنة أن يمضي إلى منى محرما إذا كان متمتعا، وشدد كما ذكرنا بعض العلماء واختلفوا: هل عليه دم إذا أخر إلى منى أو لا؟ فذهب بعض العلماء إلى التفريق بين تأخيره إلى منى وتأخيره إلى عرفات، ووجه ذلك أنه إذا أخر إلى عرفات فقد جمع بين الحل والحرم وحينئذ عليه الدم، ولكنه في منى داخل حدود الحرم؛ لأن منى من الحرم، ولكن ينبغي للمسلم أن لا يقع في هذه الإشكالات، والسنة واضحة في هذا، فإن الصحابة -رضي الله عنهم- خرجوا إلى منى محرمين.
قال رحمه الله: [فمن كان حلالا أحرم من مكة وخرج إلى عرفات]: فمن كان حلالا إذا كان يوم التروية؛ سمي بذلك لأنهم كانوا يحملون الماء إلى عرفات من أجل الري -ري الحاج-؛ لأن عرفات لم يكن فيها ماء فكانوا يحملون الماء لكثرة الناس في الحج، فيحتاجون إلى تهيئة الماء قبل يوم عرفة، فصار اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية وسمي بهذا الاسم لهذا الفعل الموجود فيه، والتروية من الري، والمراد به ري الماء، والسنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه خرج من منزله بخيف كنانة، وكان قد ضرب خيمته وقبته -صلوات الله وسلامه عليه- في الخيف حيث تقاسموا على الكفر وخيف بني كنانة، فخرج عليه الصلاة والسلام وخرج معه أصحابه، ثم إنه عليه الصلاة والسلام صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر من صبيحة التاسع بمنى، هذه هي السنة أن يمضي قبل صلاة الظهر وأن يكون محرما وأن يصلي الظهر بمنى، ثم يبقى بمنى حتى يصلي العصر والمغرب والعشاء والفجر وهي خمسة فروض؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هذا على السنة ليس على اللزوم كما سيأتي.
قال رحمه الله: [فمن كان حلالا أحرم من مكة وخرج إلى عرفات]: هو كان من المنبغي أن يقول إذا كان يوم التروية خرج إلى منى أولاً؛ لأنها هي صفة الكمال أن يخرج إلى منى وأن يصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ولكن قد يضيق الوقت فاعتد بقدر الإجزاء وهو الذهاب إلى الركن الأعظم وهو عرفة، ولكن السنة ما ذكرناه أنه يبيت بمنى ليلة التاسع، ثم السنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه لما أصبح خرج هو وأصحابه ومضى إلى عرفات، وكان خروجه من طريق ضب، فخرج من طريق ضب وهو الطريق من الأسفل من جهة جمرة العقبة، ويجعل بذلك منى ومزدلفة عن يساره وينخرط في هذا الطريق الذي بجوار السقاية – سقاية الزبيدة - ويكون الأخشبان وطريق المأزمين عن يساره أيضا وهو الطريق الأسفل، فخرج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إلى عرفات من طريق الضب، وكان معروفا بهذا الاسم، وسلكه في ذهابه إلى عرفات، وفي رجوعه دفع من طريق المأزمين، وطريق المأزمين هو الذي فيه حدود الحرم ما بين المأزمين الأخشبين اللذين هما حد مزدلفة عند مصب الوادي في أعلى مزدلفة من جهة الحرم، فسلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طريقا للذهاب إلى عرفة وطريقا عند
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/224)
الخروج من عرفة –صلوات الله وسلامه عليه -.
خرج عليه الصلاة والسلام بعد صلاة الصبح، وضربت له قبته بنمرة – نَمِرة ونِمْرة ونَمْرة – موضع ما بين حدود الحرم والوادي – وادي عرنة-، وهذا الموضع يقرب من نصف كيلو خمسائة متر، نزل به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل الزوال وهذه هي السنة، فدل على أن السنة أن لا يدخل عرفة إلا بعد زوال الشمس؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فضربت له القبة صلوات الله وسلامه عليه وكانت قريش تظن أنه لا يخرج من حدود الحرم وكان هذا من مختلقات قريش، ويقولون: نحن الحمس ونحن أهل الحرم، فكانوا لا يخرجون؛ ولذا قال تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} وهذه يسميه العلماء من مسائل الجاهلية التي أحدثوها على دين الحنيفية واختلقوها، هذه مختلقات العرب، وقد نظم فيها بعض العلماء نظما، ومنها: مسألة التعشير وهي نهيق الحمار وادّعو أنها من الحنيفية، وكذبوا وفجروا، وقد بيّن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه يجب الجمع بين الحل والحرم في نسك الحج، فنزل عليه الصلاة والسلام قبل الزوال في هذا الموضع، فلما زالت الشمس أمر بناقته – عليه الصلاة والسلام- القصواء فرحّلت وركبها عليه الصلاة والسلام واستبطن الوادي ثم خطب الناس من بطن وادي عرنة.
قال رحمه الله: [فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين] فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر، فالسنة للإمام أن يخطب الناس، وأن يذكرهم بالله عز وجل وأن يبين شرائع الإسلام ومقاصده العظيمة، وأن يبين حدود الله ومحارمه، فيرغب ويرهب، ويذكر بالله عز وجل فتكون خطبته جامعة مؤثرة في الناس، وهذا هو هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولذلك خطب عليه الصلاة والسلام خطبة حجة الوداع فكانت أجمع الخطب لشرائع الإسلام ومقاصده العظيمة، وكل خطبه – عليه الصلاة والسلام – كذلك، بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه – وقد أمر بناقته فرحّلت، ثم استبطن الوادي، ثم خطب وفتح الله له مسامع الناس وهم في منازلهم -صلوات الله وسلامه عليه – وكان مما قال: ((أيها الناس، اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا))، فاستخدم الأساليب المؤثرة في النفوس الداعية إلى الحفظ والوعي بالسنة والضبط للأحكام والشرائع وكان هديه -عليه الصلاة والسلام- في الحج من أكمل الهدي وأجمله وأعلاه وأسناه، فمن تأمل أحواله عليه الصلاة والسلام في حجه منها حالة التعليم ومنهجه في التعليم في الحج، وكيف كان عليه الصلاة والسلام يقرع القلوب ويقرع الأسماع ويدخل تلك القلوب فيؤثر فيها صلوات الله وسلامه عليه بما منحه الله وأعطاه من بليغ المقال وصدق المقام، فكانت خطبته من أجمع ما تكون وأبلغ ما تكون، وقد جمع الله له بين أمرين عظيمين ما حصلهما خطيب إلا نفع الله بخطبته، ولا واعظ إلا نفع الله بوعظه، ولا متكلم إلا نفع الله بكلامه: أول الأمرين: أنه ما كان لا يقول إلا صدقا وحقا، صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين- فكان كلامه على الحق، فلا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فقال فصدق وبر -بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه-،
أما الأمر الثاني: فكان يتخيّر الكلمات الطيبات الطاهرات المباركات الجامعات؛ استجابة لأمر الله عز وجل حيث قال له: {وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} فكان قوله بليغا، سريع التأثير في النفوس، فبمجرد أن ابتدأ خطبته وقال هذه الكلمة شنّف الأسماع وارتفعت الأبصار إليه -عليه الصلاة والسلام- وخشعت القلوب وأصغت إلى نبي الأمة وهاديها ومعلمها.
وقف عليه الصلاة والسلام على ناقته شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فقال في خطبته الكلمات العظيمة المؤثرة، فذكّر الناس بالله وبتوحيده وبأصل دينه وشرعه، فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، وأقام لهم معالم الحنيفية، وهدم معالم الشرك والوثنية، وأخذ الناس من عبودية الناس إلى العبودية لرب الجنة والناس، سبحانه وتعالى، ودعاهم إلى التوحيد ونبذ عبادة غير الله عز وجل ثم بعد ذلك بين لهم شرائع الإسلام، فأحلّ الحلال وحرم الحرام، وبين كمال الدين وتمامه، وبيّن أعظم الحرمات
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/225)
وأجلها وأخطرها على العبد: ((لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)). فذكرهم أيضا صلوات الله وسلامه بحرمة الدماء وحرمة الأموال وحرمة الأعراض، فكل مسلم في كل ساعة، وفي كل دقيقة، وفي كل لحظة مطالب أن يتذكر في معاملته مع إخوانه أن يتذكر هذا الموقف العظيم من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حينما يقف موقفا واحدا لم يقف قبله ولا بعده مثله أبدا، هو الموقف الوحيد، فما ظنك لو وقف هذا الموقف واختار شيئا ينبه عليه أليس هذا الشيء من أعظم الأشياء وأهم الأشياء؟
الجواب: بلى. ولذلك اختار ماذا؟ اختار حرمة المسلم أي يوم هذا اليوم أي شهر هذا الشهر ثم قال: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى. قال: اللهم فاشهد)). فكان يرفع إصبعه إلى السماء وينكتها عليهم. لكي لا يبقى لمسلم عذر أمام الله عز وجل إذا اغتاب مسلما أو سبه أو شتمه أو اتهمه أو استباح منه عرضاً فقذفه -والعياذ بالله-، ولا يبقى له عذر أمام الله إذا استباح دما محرما بدون بيينة ولا برهان، ولا يبقى له عذر أمام الله إذا أخذه وعمل عنده وكدح عنده الشهور ثم قال له: ليس لك عندي من شيء، أو أعطاه مالا دينا ثم قال له: لم آخذ منك شيئا، فإن هذه الدماء والأموال والأعراض كلها حقوق بيّن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عظمها وخطرها، وقرن الدماء وقرن الأعراض والأموال بالدماء. فهذه حرم عظيمة بيّنها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بين حقوق الزوج مع زوجته، واختار المقاطع المؤثرة والكلمات الجميلة، وكل كلامه عليه الصلاة والسلام جميل حري بطالب العلم وحري بالمسلم أن يقرأ هذه الخطبة، وأن يتأملها، وأن ينظر ما فيها، وأن يجمع بين العلم والعمل والتطبيق والدعوة، فينبه الناس على ما نبه عليه الصلاة والسلام، ولشرف هذا لمكان، وشرف الزمان، وشرف المقام الذي قامه -عليه الصلاة والسلام- فقال هذه الخطبة المؤثرة نزلت عليه آية لو نزلت على اليهود لاتخذوا يومها عيدا كما في الصحيح عن عمر حينما سئل عنها فقال: ألا إني أعلم متى نزلت. نزلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يوم عرفة {اليوم أكلمت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} فالسنة أن يصلى الظهر والعصر مع الإمام، يتحرى هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في صلاة الظهر والعصر مع الإمام هذا أفضل وأكمل، فإن تأخر ولم يدرك الجماعة فإنه يصلي الظهر والعصر مع ركبه وجماعته؛ لأن الجمع هنا من أجل أن يتفرغ للدعاء وهو جمع نسك، ولذلك يشرع للمكي كما يشرع لغير المكي.
قال رحمه الله: [يجمع بينهما بأذان وإقامتين]: يجمع بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين كما صح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قال رحمه الله: [ثم يروح إلى الموقف]: ثم يروح إلى الموقف: الرواح يكون في آخر النهار، فالسنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه خطب الناس، ونزل وصلى الظهر والعصر بالناس ثم مضى إلى الموقف، وتفرغ عليه الصلاة والسلام من بعد الصلاة إلى مغيب الشمس للدعاء وسؤال الله عز وجل من رحمته، فشرع للأمة أن يحرصوا على هذا الوقت المبارك، وهو وقت ليس في العام كله مثله؛ ولذلك قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة)) وما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه الناس من النار من يوم عرفة، فهو اليوم العظيم الذي ينبغي للمسلم أن يستشعر فضل الله عز وجلعليه إذ اختاره وافدا عليه، وحمله في البر والبحر، ورزقه من الطيبات حتى وقف هذا الموقف، وكم من أناس وأمم كانت تتمنى بلوغ عرفة، فمنهم من مات، ومنهم من التقمته البحار والقفار، فإذا دخل عرفات أحس بنعمة الله عز وجل ثم أحس بفضل الله عز وجل أن بلغه هذا المكان؛ ولذلك كان السلف الصالح -رحمهم الله- يستشعرون الرحمة من الله بتوفيقه لهم بالوصول إلى هذا المكان. يقول عبدالله بن المبارك -رحمه الله-: ((دخلت على سفيان الثوري يوم عرفة فوجدته مبتهلا يبكي وقد بلّل ثوبه بالدموع. فقلت له: من هو المحروم اليوم؟ قال: من ظن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/226)
أن الله لا يغفر لهؤلاء)). أشقى الناس من ظن أن الله لا يغفر لهؤلاء. فمن الذي جاء بهم من هذه المسافات البعيدة، ومن هذه الأماكن البعيدة، ويسّر لهم وحملهم ورزقهم من الطيبات هو سبحانه وتعالى فهو أهّّلهم لهذه النعمة العظيمة والمنة الكريمة فهو يوم العتق من النار ويوم المغفرة.
فالتشاغل بالأكل والتشاغل بالنوم والتشاغل بالأحاديث والقصص والنكت وغير ذلك كل يخالف مقصود الشرع من هذا اليوم، فهذا اليوم يوم عبادة، وأدركنا من العلماء والأجلاء من كان على هذه الوتيرة كما ذكر عبدالله بن المبارك عن هذا الإمام من أئمة السلف أنه دخل عليه مبتهلا قد بلل ثوبه بالدموع، ولقد ر أينا من مشايخنا وعلمائنا ما نتعجب إذا رأينا أحوال الناس عليه اليوم وأدركنا من العلماء والفضلاء من إذا صلى الظهر والعصر تغيّرت حاله، وأقبل على ربه متذللا متبذّلا على وجهه الخوف، ويرى على وجهه السكينة والخشوع والتذلل لله، وشدة الابتهال والدعاء فلا يعرف الناس ولا الناس تعرفه، مقبل على ربه بصدق، فهي ساعات الإنابة وساعات الاستجابة، إذا صدق العبد مع ربه، وأصابته رحمة الله عز وجل فهو سعيد، فما يفعله بعض الناس من التساهل و التشاغل، فشيء عجيب أن الرجل تجده يأتي إلى عرفات حتى إذا جاء وقت الدعاء وجدته يبحث عن سيارته، ويبحث عن ماذا يفعل في رحله ومأكله ومشربه ورفقته، وهذا كله من الغفلة، فعلى الإنسان أن يحرص على كسب هذا الوقت، وعلى بلوغ أفضل المنازل فيه. جعلنا الله وإياكم ذلك الرجل. فيجتهد بالدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى.
قال رحمه الله: [وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة]: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((وقفت ههنا وعرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة)). فعرنة الوادي ليس من عرفات، ومقدم المسجد الموجود الآن ليس من عرفة؛ لأنها في بطن عرنة، ولاشك أنه من التوفيق جعل هذه المقدمة من المسجد لأجل أن يكون المنبر في بطن الوادي؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ومن أحسن ما يكون قفل الأبواب التي تسامت الوادي حتى إذا وقف أحد في داخل هذا الموضع فإنه إذا خرج من بعد المغرب يخرج وقد ألمّ بطرف عرفات، فمقدمة المسجد ينبغي التأخر عنها بعد الانتهاء من الصلاة ينصرف إلى مؤخرة المسجد حتى يدخل في عرفة ويدعو.
قال رحمه الله: [ويستحب أن يقف في موقف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أو قريبا منه على الجبل قريبا من الصخرات]: إن تيسر له ذلك. والجبل جبل إلال، الرقي على الجبل والصعود على الجبل ليس له أصل، وهذا الجبل لم يرد فيه سنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لا قولا ولا فعلا لا بفضله ولا بشرف الرقي عليه ولا فضل الجلوس عليه، وما يفعله العوام من قصد هذا الجبل والطلوع عليه وأخذ الصور والتذكار، كل هذا بدعة وحدث وبخاصة إن فيه نوعاً من المباهاة، وفيه نوع من التعظيم واعتقاد تعظيم الموضع ولا يجوز تعظيم مكان واعتقاد فضل مكان إلا إذا دل الشرع على ذلك الفضل، وانعقدت النصوص على تلك الدلالة، فينبغي تنبيه الناس في ذلك. هذا الجبل ليس له مزية وليس له فضل، ولكن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - استقبل القبلة عند الصخرات أسفل الجبل وجعل حبل المشاة بين يديه صلوات الله وسلامه عليه. ودعا حتى غاب عليه الشمس.
قال رحمه الله: [ويجعل حبل المشاة بين يديه]: يجعل حبل المشاة بين يديه والحبل إذا مشى الناس في البرية أو في الوادي أو في المقطع من الطريق وأخذوا طريقا واحدا يصبح بينا مثل الحبل، فترى بياضه من بين الطريق، فيقال حبل المشاة يعني الطريق الذي يسلكونه قال رحمه الله: [ويستقبل القبلة ويكون راكبا]: هذه السنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه استقبل القبلة، ويكون راكبا على دابته إن تيسر له، وإن لم يتيسر فهل يقف أو يجلس؟ هذا راجع إلى مسألة من جلس على الدابة هل هو جالس أو قائم؟ فقال بعض العلماء: إنه يقف أبلغ في التضرع، وبعضهم يقول بالجلوس، والجلوس فيه وجه لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان على دابته وهذا نوع جلوس، ومن هنا إذا وقف له وجه وإذا جلس له وجه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/227)
قال رحمه الله: [ويكثر من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير]: يكثر من التهليل بالتوحيد: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((خير الدعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبي من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)) وهذه المسألة راجعة هل الأفضل الدعاء أو التمجيد؟ فمن أهل العلم من قال: إنه لو اقتصر على التمجيد لكان أفضل، فلو أنه اجتهد في كثرة التهليل لله –عز وجل- والتكبير والتعظيم يكون أبلغ واحتجوا له بقول: ((من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)) وأفضل الذكر قول: لا إله إلا الله. وهذا له وجه صحيح من الأصل.
ومن العلماء من قال إن الدعاء أفضل؛ لأن المقصود دعاء عرفة، ومنهم من قال باستحباب الجمع بين التمجيد والدعاء، فيدعو ويجعل في أضعاف الدعاء التهليل والتمجيد لله عز وجل.
قال رحمه الله: [ويجتهد في الدعاء والرغبة إلى الله عز وجل إلى غروب الشمس]: هذا الاجتهاد أصدقه وأكمله وأفضله أن يكون بخلوص لله عز وجل، فيقف بلا رياء ولا سمعة، فيتخير المكان الذي ينزوي فيه عن الناس، ويبتعد فيه عن رؤية أحبابه وأصحابه وأصدقائه إن تيسر له ذلك حتى يكون أقرب للإخلاص؛ لأنه ربما خشع ودمع وبكى وخضع لله عز وجل، ومن هنا جاء في الحديث الذي صححه غير واحد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة)).
فالإنسان إذا جاء يجتهد في الدعاء يتحرى المكان المناسب للإخلاص والحال الأفضل والأكمل، فأكمل الناس حالا في دعائه وتضرعه من سأل الله من قلبه موقنا بربه متأدبا في سؤاله، واختار جوامع الدعاء، عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - متأسيا بالسنة، وخشع وخضع لله، وسأل الله بقلب يعي ويعقل ما يقوله، وأخذ بالسنة في الدعاء، فهذا - إن شاء الله - من أرجى الناس للإجابة من الله سبحانه وتعالى
قال رحمه الله: [ثم يدفع مع الإمام إلى مزدلفة عن طريق المأزمين وعليه السكينة والوقار] فإذا غابت الشمس هذا أول شيء، وذهبت الصفرة التي تلي المغيب ثاني شيء، أي أنه لا يعجل بالخروج بمجرد المغيب، ولذلك قال جابر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((وانتظر حتى ذهبت الصفرة))، وهي تكون بعد المغيب، فالسنة أن يدفع، ويكون الدفع بعد دفع الإمام، وانتظار المغيب لمن وقف قبل غروب الشمس واجب، فلو أنه دفع قبل غروب الشمس ولو بلحظة لزمه أن يرجع، فإذا لم يرجع إلى أن طلع الفجر فعليه دم؛ لأنه يجب على من وقف بعد الزوال وقبل المغيب أن يحصل جزءا من الليل في وقوفه، وهذا لا يعارضه عموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((ووقف بعرفات أي ساعة من ليل أو نهار)) فهذا العموم خصصه الفعل من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حيث بيّن وقوف النهار، وأنه لا يصح قبل الزوال، وأنه يكون إلى مغيب الشمس، ووقع فعله بيانا لواجب فكان واجبا، وعلى هذا يدفع بعد غروب الشمس، فالسنة أن يدفع وعليه السكينة والوقار، يدفع مع الإمام مع جماعة المسلمين؛ لأن للحج إماما، فينتظر حتى يدفع الإمام فيدفع بدفعه، ولازالت هذه السنة باقية إلى اليوم والحمد لله، فإمام الحج أمير الحج هو إمام للحجاج وأميرهم، فيدفع بدفعه، وهذا فعل السلف الصالح -رحمهم الله- ومن بعدهم، فيجعل دفعه بعد دفع الإمام وينتظر حتى يدفع، ثم يأخذ بالسكينة، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان يأمر الناس بالسكينة في دفعه من عرفات إلى مزدلفة، فكان الناس يسرعون، ويضعون في سيرهم في الإبل، وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسير العَنَق كما في حديث الصحيحين: ((كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسير العَنَق – وهو ضرب من السير- فإذا وجد فجوة نصَّ)) – والنص فوق العَنَق – ضرب فوق العَنَق فكان آخذ بزمام ناقته القصواء قد شَنَقها، أي أنه لا يريد أن يرسل لها حتى لا يسرع في السير.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/228)
قال رحمه الله: [ثم يدفع مع الإمام إلى مزدلفة عن طريق المأزمين وعليه السكينة والوقار ويكون ملبيا ذاكرا] ويدفع إلى مزدلفة عن طريق المأزمين، والمأزم هو الجبل، والمأزمان الأخشبان اللذان يكتنفان حدود الحرم، قِبَالة المسجد- مسجد نَمِرة- هذا الطريق سلكه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في دفعه من عرفات إلى مزدلفة إفاضته -عليه الصلاة والسلام- وهو سنة أن يسلك هذا الطريق على خلاف بين العلماء –رحمهم الله – هل هو مقصود أو غير مقصود؟
والأقوى أنه إذا فعل تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه يؤجر ويكون من السنة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خالف بين الطريقين مع أن كِلا الطريقين يمر بمزدلفة، أحدها يمر بحذائها وهو طريق ضَبّ عند ذهابه، والثاني يفيض إليها عند المشعر عند رأس جبل قُزَح في نهاية مصب الوادي من بين الأخشبين. فكون عليه الصلاة والسلام يتحراها هذا لاشك أنه لمعنى، ومن هنا إذا أفاض من مأزمين يكون متأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو أفضل
قال رحمه الله: [وعليه السكينة والوقار]: وعليه السكينة: من السكن، والوقار: من وقر الشيء إذا ثبت، فيكون ثابتا بعيدا عن كثرة الحركة، وهيشات الناس، وفعل العوام، وهذا لكي يتجانس مع العبادة، وأفعال العبادات والذهاب إلى العبادة والمضي للعبادة ينبغي أن يكون متناسبا مع العبادة؛ ولذلك أُمر الخارج إلى المسجد أن يأتي الصلاة بسكينة ووقار؛ قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة)).
فالشاهد من هذا أن عليه السكينة والوقار؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قال رحمه الله: [ويكون ملبيا ذاكرا لله عز وجل]: ويكون ملبيا ذاكرا لله عز وجل, التلبية في الطريق عند بعض العلماء كما أشار شيخ الإسلام وغيره –رحمة الله عليهم- أن التلبية تكون فيما بين العبادات، لا في أصل المواقف، ولذلك منع بعض العلماء من التلبية على الصفا، ومنع بعضهم من التلبية في أثناء الدعاء في مزدلفة، قالوا: لأنها هي المقصود، والتلبية تكون في أجزاء الطرق، ولذلك قال أنس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: ((غدونا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إلى عرفات فمنا الملبي ومنا المهلل ومنا المكبر)).
وكذلك أيضا قال الفضل بن عباس: ((كنت رديف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يوم النحر فلم يزل يلبي حتى بلغ جمرة العقبة)).
فالشاهد من هذا أنهم يرون أنها في الطرق وأجزاء المناسك أنها آكد استحبابا يعني ينبغي عليه أن يحرص على التلبية، فيلبي في ليلة النحر على أصح قولي العلماء –رحمهم الله – أن التلبية لا تنقطع يوم عرفة.
وذهب بعض السلف إلى أن التلبية يقطعها يوم عرفة.
والصحيح أن التلبية تقطع وتنتهي عند رمي جمرة العقبة؛ لقول الفضل 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: ((كنت رديف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يوم النحر فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة))؛ ولأن عبدالله بن مسعود في ليلة النحر ليلة العيد لبى فنظر إليه الناس، فقال: سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول: هه لبيك نا اللهم لبيك.
فأثبت أن التلبية باقية بعد عرفة؛ خلافا لمن قال إنها تنقطع يوم عرفة.
والذين قالوا تنقطع يوم عرفة ردوها إلى المعنى أن التلبية إجابة بعد إجابة؛ ومن بلغ المكان الذي دعي إليه فلا يشرع أن يقول لبيك.
فرأوا أن الحج عرفة، وعرفة هي الغاية والمقصود، وهذا النظر يعارض الأثر المرفوع، ولا اجتهاد مع النص، النص واضح أنه يشرع أن يلبي في دفعه من إفاضته، وفي دفعه من مزدلفة إلى منى.
قال رحمه الله: [فإذا وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء قبل حط الرحال يجمع بينهما]: السنة أن لا يصلي المغرب بعرفة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال لأسامة بن زيد 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - لما قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -وكان رديفه من عرفات إلى مزدلفة-: الصلاة. قال له: ((الصلاة أمامك)). وهذا يدل على أن السنة أن يؤخر الصلاة إلى أن يصل إلى مزدلفة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/229)
وقال بعض العلماء حتى ولو وصلها بعد منتصف الليل؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((الصلاة أمامك)) فلا مكان لهذه الصلاة في تلك الليلة إلا بمزدلفة.
قال رحمه الله: [يجمع بينهما]: يجمع بين المغرب والعشاء بأذان وإقامتين كما صح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الأصل في الجمع، فإذا نزل إلى مزدلفة صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أفاض من عرفات إلى مزدلفة، ثم لما وصل الشعب الذي دون مزدلفة دخله -عليه الصلاة والسلام- فقضى حاجته وتوضأ وضوءا سريعا - صلوات الله وسلامه عليه- ما ترك الصحابة شيئا حتى صفة الوضوء قالوا إنه خفيف منه عليه الصلاة والسلام في هذا الموضع، من دقتهم -رضي الله عنهم- وحرصهم على معرفة ما فعل عليه الصلاة والسلام، ثم إنه عليه الصلاة والسلام مضى إلى مزدلفة فأمر بلالا فأذّن ثم أقام فصلى المغرب، ثم جلس بقدر ما قام كل رجل إلى رحله ثم أمره فأقام العشاء ولم يسبح بينهما وعلى إثرهما كما في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- فلم يصل راتبة المغرب بين المغرب والعشاء لم يسبح بينهما. لم يسبح يعني لم يصل، لا مثل بعضهم يقول لم يسبح يعني ما قال الأذكار بين المغرب والعشاء، ثم يأتي باجتهاد عجيب ويقول: إذا جمع يقوم مباشرة حتى قبل الأذكار! وهذا في الحقيقة ينبغي أن ينتبه لها، كثير ممن يجمع، بل حتى إن بعض الأئمة عليهم أن يعلموا الناس السنة، فإن الجمع ينبغي أن يتريث فيه بين الأولى والثانية بقدر ما ينتهي من الأذكار.
فقوله: ولم يسبّح ليس معناه أنه لم يذكر؛ لأن التسبيح المراد به الصلاة من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، ولذلك قال: لم يسبح بينهما وعلى إثرهما – صلوات الله وسلامه عليه-.
فلما جمع صلوات الله وسلامه عليه في مزدلفة كما ذكر جابر ترك قدرا بقدر ما يحط الرحل ثم أمره فأقام، فصلى عليه الصلاة والسلام بالناس العشاء، هذه هي السنة حتى ينتهي من الأذكار، فإذا انتهى من الأذكار أقام الصلاة الثانية ثم صلى، فلما صلى عليه الصلاة والسلام كان جمعه جمع تأخير؛ لأن المسافة بين مزدلفة وبين عرفات لا يصل فيها في وقت المغرب غالباً وبخاصة إنه نزل وقضى حاجته – عليه الصلاة والسلام-؛ ولذلك نص طائفة من العلماء على أن هذا الجمع وقع من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جمع تأخير وليس جمع تقديم.
قال رحمه الله: [ثم يبيت بها] ثم يبيت بمزدلفة تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وسيأتي أن هذا المبيت واجب من واجبات الحج، ويرخص للضعفة والعجزة وكبار السن ومن يفتقرون إليه كالسائقين والخدم ونحوهم ولو كانوا أقوياء أن يدفعوا بعد منتصف الليل؛ وذلك لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أذن للضعفة من أهله. قال ابن عباس –رضي الله عنهما-: ((كنت في من قدّم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -))، فيقدم الضعفة من النساء والأطفال والشيوخ وكبار السن ونحوهم كالمريض ونحو ذلك يقدمون توسعة من الله عز وجل لعباده.
أما غيرهم فإنه يبيت، وهذا هو أصح قولي العلماء وسيأتي - إن شاء الله - في واجبات الحج، وهو أصح قولي العلماء، ولكن للأسف الآن أصبح الذي يتقدم هم الأقوياء والذي يتأخرون هم الضعفة؛ وإذا ذهب الضعفة وتعجلوا فلربما هلكوا، وكل هذا بسبب مخالفة السنة، والعبث ببعض النصوص الصحيحة الواضحة في الدلالة على لزوم المبيت، ولو أنهم أخذوا بسنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لكان في ذلك من الرحمة والرفق بالناس الخير الكثير، ومرادنا بذلك الذين يذهبون ويتعجلون مع إمكان تأخرهم، وتيسر التأخر لهم.
قال رحمه الله: [ثم يصلي الفجر بغلس]: المبيت بمزدلفة من أفضل ما فيه وأكمل ما فيه وأعظم ما فيه الوقوف بالمشعر، وهو وسيلة للوقوف بالمشعر، حتى إن بعض العلماء يرى أن الوقوف بالمشعر ركن؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((من صلى صلاتنا هذه ووقف موقفنا هذه وكان قد أتى عرفات من أي ساعة من ليل أو نهار)). وإن كان الصحيح أنه ليس بركن، ولكن انظر كيف العلماء عظموا هذا الأمر في الوارد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/230)
فالشاهد من هذا أن هذا الموقف موقف الدعاء يتركه الإنسان، ويأخذ برخص الفقهاء، ويتسامح في أمر حجه وعبادته، ولربما جاء من مئات الكيلو المترات بل من آلاف الكيلو المترات وقد تحمل المشاق العظيمة وقد تحمل الأهوال والشدائد، ولا يستطيع أن يصبر الساعة والسويعة حتى يحصل هذا المقام الشريف المنيف لكي يقف بين يدي الله في صبيحة ذلك اليوم المبارك يوم النحر لكي يسأل الله من فضله، هذا لاشك أنه من الحرمان -نسأل الله السلامة والعافية-.
هذا موقف عظيم، المشعر موقف عظيم، وأدركنا العلماء والأجلاء يبكون ويتضرعون ويخشعون لله عز وجل، وأثر عن بعض أهل العلم أنه قال: وقفت في هذا الموقف ستين عاما أسأل الله أن لا يجعله آخر العهد ويكون كذلك - يعني أن الله يرده مرة ثانية - وإني لأستحي أن أسأله فرجع فمات من عامه، حتى قال بعض العلماء: إنه من الأماكن التي يرجى فيها إجابة الدعاء، ولذلك أمر الله عز وجل بذكره في المشعر الحرام، ومزدلفة كلها مشعر، وأفضل ما يكون الموقف عند المشعر عند جبل قُزَح الذي هو عند نهاية مزدلفة من جهة حدود الحرم من جهة عرفات، الجبل الصغير، ولا زال الآن قبلية المسجد هو الأفضل والأكمل أن يقف عنده بحذاء المسجد الأفضل والأكمل أن يقف عنده بغلس.
السنة من الإمام أن يغلس فيصلي فجر يوم النحر بغلس، فغلس عليه الصلاة والسلام وخالف المشركين، فصلى الصلاة بغلس ثم وقف وتضرع وسأل الله عز وجل حتى أسفر، ثم لما أسفر بادر عليه الصلاة والسلام بالركوب، وكانت العرب والمشركون كانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير، وكانوا لا يخرجون من مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس، ويمتنعون من الخروج منها، فيقولون: أشرق ثبير. وثبير هو الجبل المطل على منى ومزدلفة، فيقولون: أشرق ثبير كيما نغير حتى يؤخرون الدفع إلى حصول الإشراق، فخالفهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ودفع قبل طلوع الشمس.
قال رحمه الله: [ويأتي المشعر الحرام فيقف عنده ويدعو]: ويقف عند المشعر الحرام إن تيسر له ذلك؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وإن لم يتيسر له فمزدلفة كلها موقف، فيقف في خيمته، ويقف في أي موضع نزل في مزدلفة مادام أنه داخل الحدود، ومزدلفة من طرف الأخشبين عند مصب الوادي عند جبل قُزَح إلى وادي محسر، وداي محسر طرفه من جبل ذي مَراخ.
وادي محسّر بين جبلين الذي هو دقم الوبر وذي مراخ الذي يقال له المريخات هذا هو نهاية مزدلفة، ولا يعتبر الوادي من مزدلفة، ومن بات بالوادي فليس بمزدلفة، ويعتبر وادي محسر الذي حسره الله فيه الفيل عن مكة بين منى وبين مزدلفة فهو نهاية مزدلفة من جهة الوادي ضفة الوادي من جهة مزدلفة وهي الضفة الشرقية وضفة الوادي الغربية هي نهاية منى، والوادي نفسه ليس من منى ولا من مزدلفة.
ودقم الوبر هو الأيمن منهما عند الإفاضة ومعروف، وكان مساكن الأشراف. ذكروا عن بعض العلماء رحمهم الله -نحن نُروِّح في بعض مجالس العلم-: جاءه بعض الأشراف فقال له: نريد منك أن تعقد لنا عقدا، هذا قريب من بعض المشايخ -رحمة الله عليهم- فقال: طلبوني من بعد العشاء ثم أخذوه وخرجوا به بعد صلاة العشاء من المسجد الحرام، قال: فمشينا أكثر من ساعة، وأنا أقول لهم: أين المكان؟ فيقولون: رمية حجر، كلما قال؛ قالوا: رمية حجر، قال: فمشيت حتى قاربت منتصف الليل فسمعت صوت المدافع والبنادق، فأصابني الرعب فإذا بي على الزواج، فأكرموه وكانت ليلة يقول فيها:
فيا ليلةً ما أشد عناءها ... تلقينا الكرب فيها من رمية الحجر (1)
إلى أن يقول:
رعى الله سكان البوادي بفضله ... لاسيما الأشراف في دقم الوبر
فدقم الوبر بحذاء مزدلفة معروف وهو نهاية الحد. فإذا وقف من أي موضع من مزدلفة صح موقفه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/231)
قال رحمه الله: [ويستحب أن يكون من دعائه: اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكرو الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين، ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم]: هذا الدعاء ليس فيه شيء مرفوع عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وذكره المصنف هكذا، لكن الأصل عند أهل العلم –رحمهم الله – أنه لا يجوز تخصيص الدعاء المعين في المكان المعين أو الزمان المعين إلا بأصل شرعي، ولذلك لا وجه لتخصيص أي نوع من الدعاء في أي موضع من المناسك إلا إذا صحت به الرواية عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وهذا في الحقيقة ليس فيه مرفوع، لا حديثا ولا أثرا عن الصحابة - رضي الله عنهم -، ولذلك لا داعي لتحديد دعاء معين، فيدعو بما فتح الله عز وجل عليه، وقد قسم الله عز وجل الناس إلى:
من يقول: ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق، وإلى من يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، فهم الفائزون الرابحون، يسأل الله عز وجل من خير دينه ودنياه وآخرته.
قال رحمه الله: [ويقف حتى يسفر جدا]: تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، والإسفار طبعا أسفر الشيء إذا بان واتضح، والغلس اختلاط ظلمة الليل بضياء الصبح، والغلس يكون في بداية وقت الفجر، ويستمر يعني يأخذ قدرا على حسب طول الليل وقصره في الصيف والشتاء، ولذلك كانت النساء يشهدن صلاة الفجر مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كما قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ثم ينقلبن إلى بيوتهن كما في الصحيحين ما يعرفهن أحد من شدة الغلس.
وقال جابر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - لما سئل عن صلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - المكتوبة؟ قال: ((الصبح كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يصليها بغلس)).
فغلس اختلاط ظلمة الليل بضياء النهار. هذه السنة أن يبدأ صلاة الفجر يغلس بها يعني يصليها في أول الوقت، ثم بعد ذلك يقف، ثم بعد ذلك إلى أن يسفر ثم يدفع، وهذا يدل على مسألة مهمة جدا وهي هذا النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- في سنته وإمامته للناس في الصلاة مراعاته للأحوال، فإذا كان هناك شيء يدعو إلى التطويل أطال عليه الصلاة والسلام، ثم فعل من فعله ما يناسب الإطالة، فإذا كان يقرأ من الستين إلى المائة الآية وينصرف الصحابة ما تعرف النساء من شدة الغلس، فهذا يدل على أنه يوقع في أول الوقت بخلاف ما إذا طال الفصل بين الأذان والإقامة، فلربما إذا طال الفصل إلى ثلث ساعة إلى نصف ساعة وبخاصة إذا كان يريد أن يقرأ في صبح الجمعة، وبعض الأئمة يريد أن يحبّر قراءته فيطيل ولربما يكون بعضهم كما في الحرمين يكون قد جاء من الأذان الأول، فيا ليت عند قصد الإمام للإطالة أن يراعي السنة بالتبكير، فبدل أن ينتظر نصف ساعة يجعل ربع ساعة، ثم يقرأ القراءة ويعطي حقه وينصرف مصيبا للسنة؛ لأن السنة أن ينصرف منها بغلس، فلما كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عنده الموقف غلّس بالصلاة، فحصّل فضيلة الصلاة في أول وقتها، وثانياً حصّل الوقت الكافي في الدعاء، وحصل مخالفة المشركين بالخروج والدفع قبل طلوع الشمس.
قال رحمه الله: [ثم يدفع قبل طلوع الشمس] تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قال رحمه الله: [فإذا بلغ محسرا أسرع قدر رمية بحجر حتى يأتي منى]: محسر هو وادي محسر الذي حسره الله فيه الفيل، وقصة الفيل قصة معروفة وثابتة بالنص كما في سورة الفيل، فهذا العبث الذي يفعله بعض الكتاب من التشكيك والتوهين في القصة ومكانها وأنها لم تكن بمكة، ألا شاهت هذه الوجوه الآثمة الظالمة التي لا يقصد في الحقيقة مسألة إثبات القصة أولا، المسألة وراءها شيء أكبر من هذا كله، وينبغي لطلبة العلم أن يدركوا هذا، هناك في الغزو الفكري ما يسمى التشكيك في الثوابت، والتشكيك في الأصول، والتشكيك في الثوابت والأصول إذا كانت الثوابت ما تقبل عند المسلمين جدالا لا يعبثون بها، ولكن يبحثون
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/232)
عن شيء يشكك في مصادرها، ويشكك في كيفية التلقي، ولذلك تجدهم تارة يتعقبون النصوص، وتارة يتعقبون طرق الاستدلال بالنصوص، ويأتون إلى أقوال أئمة جهابذة؛ لأن المراد أنه إذا حصل عند المسلم شكا في هذا الشيء المعروف في سيره وفي الأخبار وفي التاريخ فحينئذ يضع علامة الاستفهام على كل ما يرد في التاريخ، ومعناه أن تاريخه مشبوه، ولذلك تجد بعض المتأخرين وللأسف يقول: ينبغي أن نحقق التاريخ وأن نفعل بالتاريخ، هؤلاء دواوين العلم وأئمة العلم. يقول الإمام أحمد: كنا إذا أتينا إلى التاريخ تسامحنا، ولم يكونوا يطبقون عليه التشديد كما يطبق على الرواية إلا إذا تضمن التاريخ حكما شرعيا فحينئذ ينبغي تبيينه.
فالشاهد من هذا أنه ليست القضية التشكيك في القصة ولكن القضية العبث بالمصادر التاريخية وحينئذ تجد كثيرا من الناشئة التي نشأت في هذا الزمان لا تماثل ولا عشر معشار ما كان عليه الأولون من تمسكهم بأئمتهم وبكتب المصادر التاريخية واحترامهم وتوقيرهم وتقديرهم لهذه المصادر، ومن هنا كان بعض مشايخنا -رحمة الله عليهم- يكره هذا الذي من الإغراق في تتبع القصص في السير والإغراق فيها وتطبيق الصنعة الحديثية حتى أصبح الواحد لما يقرأها فإذا وجد في كتاب تاريخ احتقر هذا الكتاب، ووجد أن هذا المحقق قد أخرجها سندها معضل أو منقطعة ثم لا ينظر إلى مقصد العلماء من إيرادها كعبرة، والمراد بها نوع من التأسي ونوع من التأثر، وليس المراد بها حكما شرعيا.
فالمقصود من هذا أن هذا الوادي هو الوادي الذي حسر الله فيه الفيل، وأخذهم فيه أخذ عزيز مقتدر، فقد قصدوا بيته الحرام، وما قصد جبار هذا البيت إلا قصمه جبار السماوات والأرض، ولذلك لما جاء هذا الطاغية الآثم وجاء أصحاب الفيل واكتسحوا كل من وقف في وجوههم من قبائل العرب -العرب فرادى وجماعات- وما وقف أحد أمامهم إلا أبادوه والقصة معروفة.
فالشاهد من هذا أنهم لما بلغوا هذا الموضع بالمغمس حسر الله الفيل، ومنعه من المضي، ثم أرسل الله عليهم عذابه، فأرسل عليهم طيرا أبابيل وهو نوع من الطيور، وقيل: هو نوع من الطيور لم يوجد إلا في ذلك الوقت، وذكر بعض العلماء أنه نوع من العصافير الصغيرة ولا يزال بعض بقاياها بمكة، وهو شديد الإزعاج، شديد الصرير، وكان يلقط كل واحد منهم حجرا فيرميه على الرجل من رأسه فيخترمه إلى أسفله فيخرّ ميتا في مكانه؛ {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}.
{كذلك أخذ ربك} ليس إذا أخذ الأفراد ولا الجماعات ولا القرية ولا المدينة {إذا أخذ القرى} {وهي ظالمة} والحال أنها ظالمة. {إن} بالتوكيد {أخذه أليم شديد} وإذا قال الله: أليم فهو الأليم، وإذا قال الله شديد: فهو شديد.
فالشاهد أن الله حسر الفيل في هذا الموضع وامتنع الفيل من المضي ثم أرسل الله عليه العذاب، فهذا الموضع موضع عذاب، فلما كان موضع عذاب وبلغه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضرب دابته وأسرع، وهذه سنته في مواضع العذاب أنها لا تزار ولا ينزل فيها، فلا تزار إلا بقصد الاعتبار مرورا إذا مرّ بها دون قصد على تفصيل عند بعض العلماء - رحمهم الله -، ولذلك لما مر بديار ثمود كما في الصحيح في العلا ضرب دابته وأسرع عليه الصلاة والسلام وغطى رأسه حتى قال بعض العلماء كأنه يقول: إني مصدق بعذابهم ولو لم تر عيني، وهذا من أكمل ما يكون من التوحيد والإسلام لله عز وجل. فمواضع العذاب قال: ((لا تمروها إلا وأنتم باكون أو متباكون لا يصيبكم ما أصابهم))، فلا يشرع زيارتها والجلوس فيها إلا على هذه الصفة إذا مر بها باكيا أو متباكيا متأثرا، وجعل العلماء –رحمهم الله - ذلك أصلا، فلما مر النبي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - بوادي محسر ضرب دابته وأسرع؛ لأنه موضع عذاب، فلا ينزل فيه.
قال رحمه الله: [حتى يَأْتَي مِنى]: وهي مشعر؛ سميت منى لكثرة ما يمنى ويراق فيها من الدماء، وقيل: لكثرة الناس إذا اجتمعوا فيها، وقيل: لكثرة الخير، وما يكون فيها من عطاء الله عز وجل لعباده.
ومنى: واد فسيح ما بين جمرة العقبة ووادي محسر، واختلف في جمرة العقبة: هل هي منى أو ليست من منى؟ على قولين، والصحيح أنها ليست من منى، وعليه فلا يسامت الجمرة وإنما يكون قبل الجمرة، وهذا هو الذي عليه الجمهور – رحمهم الله -.
وبناء على ذلك العقبة لا تعتبر من منى، وأمر عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - الناس أن يتحولوا فيها إلى داخل منى كما جاء عنه 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - فكان يبعث الرجال فيخرجون من نزل وراء جمرة العقبة، ويأمر من نزل وراء جمرة العقبة أن يدخل إلى منى.
وأما من جهة وادي محسر فقد قلنا ضفة الوادي مما يلي منى هي نهاية منى، وهذا الوادي ما بين الجبلين: ثبير والصانع. ويقال: الصائح، والقابل بعضهم يسميه، هذان الجبلان ما أقبل منهما فهو من منى، وما أدبر فليس من منى، وبطون الجبال وسفوحها كلها من منى، وتعتبر من بات بها فقد بات بمنى، وذكرت بعض المنشورات أن مساحة منى بهذا القدر تقارب ستة ملايين متر مربع وهي مساحة كبيرة جدا، هذا الوادي كله يعتبر منى.
نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1/ الإخوة الكرام: نعلم ما في البيت من كسرٍ عروضي , وليس محل الشاهد من البيتين مكسوراً فعوه.!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/233)
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[29 - 10 - 07, 11:44 ص]ـ
قال الإمام المصنف -رحمه الله تعالى-: [باب ما يفعله بعد الحل]:
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه واستن بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فقد ترجم الإمام المصنف -رحمه الله- بهذه الترجمة، والتي تتعلق بالأفعال التي يسن ويشرع للمسلم أن يفعلها يوم النحر وأيام التشريق ولياليه، وهذا ما يعبر عنه العلماء بما يفعل بعد الحل، فيشمل ذلك المبيت بمنى ليالي التشريق، ويشمل ذلك رمي الجمار في اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر واليوم الثالث عشر لمن تأخر، ثم كذلك يشتمل هذا الباب على أحكام طواف الوداع، وكيف يودع الإنسان، فهذا كله يجعله العلماء -رحمهم الله- في هذا الموضع.
ومن فوائد هذا التقسيم: أنه يعين طالب العلم على ضبط المسائل، وحصر جملها في مواضع حتى يستطيع أن يتفرغ لكل موضع فيدرسه على حدة، فهذا لاشك أنه يعين طالب العلم كثيرًا ومن هنا شرع المصنف -رحمه الله- ببيان السنة وهدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالمبيت بمنى ورمي الجمار.
قال رحمه الله: [ثم يرجع إلى منى ولا يبيت إلا بها]: ثم يرجع بعد أن يطوف طواف الإفاضة ويسعى سعي الحج إن لم يكن سعى من قبل إلى منى فيبيت بها. [يرجع إلى منى]: سميت منى بهذا الاسم من كثرة ما يراق فيها من الدماء، وقيل في سبب تسميتها أشياء أخر فيها أحاديث ضعيفة ومرويات ضعيفة والأقوى والأشبه أنها سميت بهذا الاسم مراعاة لما يُمْنى فيها من الدماء أي كثرة ما يراق فيها من الدماء من دماء الهدي الواجب أو المستحب. ومنى لها بداية ولها نهاية، وهذه حدود مكانية، فهي -أعني مِنَى- شعب بين جبلين، يكتنفها الجبلان: أحدهما ثبير والثاني الصانع أو الصائح كما يسمى الآن، ويقال لثبير القابل هذان الجبلان هما حد منى من جهتهما. ما أقبل من الجبلين على منى فهو من منى، وما أدبر فليس من منى، وأما بالنسبة لحدها من طرفي الشِّعب فأولهما الحد من جهة مكة وهو جمرة العقبة. والصحيح أنّ الجمرة هي النهاية وما بعد الجمرة يعتبر خارجاً عن منى، وقيل إن العقبة نفسها من منى. والصحيح أنها ليست من منى، والسبب في ذلك أن الجمرة كانت في حِضْن الجبل الذي فيه العقبة، وهذا الجبل اختلف فيه والعقبة نفسها اختلف فيها هل هي من منى أو لا؟
والصحيح أنها ليست من منى ولكن الجمرة نفسها فيما سامتها مباشرة وما دونه من جهة المسجد يعتبر من منى، وذلك أن عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - كان يبعث رجاله يمنع من بات وراء جمرة العقبة ويأمرونه أن يرتحل إلى داخل منى فاعتبر العقبة وما وراءها خارجا عن منى.
وأما بالنسبة لحدها من جهة مزدلفة فهو وادي مُحسّر، وضفة الوادي هي نهاية منى من جهة منى، وضفّته الثانية نهاية مزدلفة من جهة مزدلفة، والوادي فاصل بينهما وقدر الوادي قدر رَمْيَة الحجر.
وبالنسبة لمنى قيل – بالمقاييس المتأخرة- إن مساحتها في بطن الوادي تقارب من أربعة ملايين متر مربع، وأما بالنسبة لسفوح الجبال سفح الجبل الأيمن والأيسر فتقارب من مليوني متر مربع حتى يصبح الجميع ستة ملايين متر مربع هذا هو محل المبيت وهو مشعر منى المعتبر.
[يرجع إلى منى فيبيت بها]: بمعنى أنه لا يبقى بمكة، وأنه ينبغي عليه أن يبيت بمنى ليلة الحادي عشر، وسيأتي إن شاء الله أن المبيت بمنى واجب من واجبات الحج، والسبب في ذلك ورود النصوص الدالة على وجوبه. وأما قول المصنف يرجع إلى منى فيبيت بها؛ تأسياً بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقد قدمنا أنه اختلف هل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلّى ظهر يوم العيد بمكة أو صلاه بمنى؟ واختلفت روايات الصحابة: فجابر وعائشة –رضي الله عنهما- يثبتان أنه صلى الظهر بمكة، وعبدالله بن عمر –رضي الله عنهما- يقول أنه صلى الظهر بمنى، وهي مسألة مشكلة عند العلماء -رحمهم الله-. لكن إن ثبت أنه صلى عليه الصلاة والسلام الظهر بمنى فيحرص على أن ينتهي من طواف الإفاضة ومن سعيه حتى يدرك صلاة الظهر بمنى؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/234)
وأما العصر فكلهم متفقون على أنه صلى العصر بمنى يوم العيد -عليه الصلاة والسلام- وليست هناك أفعال بعد رميه لجمرة العقبة وإفاضته -صلوات الله وسلامه عليه- بمنى لما رجع إلى منى لم يفعل شيئاً غير أنه -عليه الصلاة والسلام- جلس واختلف في مسألة خطبة يوم النحر، لكن من حيث المشاعر من رمي أو غيره لم يفعل عليه الصلاة والسلام بمنى مشعرا واجبا بعد إفاضته -عليه الصلاة والسلام-.
[ثم يبيت بمنى]: فلو أنه نزل ليطوف طواف الإفاضة وتأخر بسبب الزحام ولم يستطع أن يصل إلى منى إلا في وقت متأخر من الليل، فلم يدرك أكثر الليل للمبيت، فهذا إن كان معذورا وكان تأخيره لطواف الإفاضة لعذر فلا شيء عليه؛ لأنه تأخر لركن فوت بسببه واجباً، والتأخر للركن الذي يفوت الواجب لا يوجب الضمان، والدليل على ذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما تأخر عروة بن مضرس عن المبيت بمزدلفة بسبب وقوفه عشية عرفة وأدرك الموقف مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأجاز له ذلك ولم يأمره بأن يضمن المبيت بمزدلفة وهذا استنبطه بعض العلماء -رحمهم الله- عند وجود العذر المؤثر مثل أن تقع بعض الحالات والظروف للركب أو يمرض فلا يستطيع أن يؤدي طواف الإفاضة صبيحة يوم العيد فيتأخر قيامه لطواف الإفاضة إلى ما بعد المغرب ثم ينزل ويحصل الزحام أو مثلا يخرج من مكة بعد أن انتهى من طواف الإفاضة لصلاة المغرب مثلا ثم يحصل الزحام فلا يدخل منى إلا بعد تقريبا منتصف الليل ولم يكن ممن يستطيع المشي حتى يدرك المبيت بمعنى أنه يتحقق فيه أنه عنده عذر فحينئذ اشتغل بركن وهو طواف الإفاضة وسعي الحج إذا كان تأخر بسبب السعي واشتغل بركن عن واجب فرخص فيه العلماء والأئمة طائفة من أهل العلم -رحمهم الله- وأسقطوا عنه الضمان إذا أدرك ولو القليل من ليلة الحادي عشر ثم يبيت بها وإذا بات بها انتظر إذا أصبح حتى تزول الشمس.
قال رحمه الله: [فيرمي بها الجمرات بعد الزوال من أيامها كل جمرة بسبع حصيات]: فينتظر إلى زوال الشمس من اليوم الحادي عشر ولا يجوز له أن يبتدئ رمي الجمرات قبل زوال الشمس؛ لأنها عبادة مؤقتة بزمان مقصود شرعا، فلم يصح إيقاعها قبله، كصلاة الظهر إذا صلاها قبل زوال الشمس، فإنها عبادة مؤقتة؛ والدليل على التأقيت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أجمعت الروايات عنه أنه ما رمى الجمرات الثلاث قبل زوال الشمس، لا في اليوم الحادي عشر ولا في اليوم الثاني عشر ولا في اليوم الثالث عشر، كل الروايات الصحيحة الثابتة متفقة على أنه عليه الصلاة والسلام في منسكه ما رمى الجمرات إلا بعد زوال الشمس، فينتظر إلى أن تزول الشمس، إما أن يسمع الأذان فحينئذ لا إشكال، أو تكون عنده ساعة يضبط بها الزوال فحينئذ لا إشكال يعتد بها، فيبتدئ الرمي رمي الجمرات قال رحمه الله: [يرمي الجمرات] الجمرات الثلاث في الثلاثة الأيام الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، الأولى من الجمرات الجمرة الصغرى وهي التي تلي مسجد الخيف، والثانية الجمرة الوسطى وهي التي بعدها، والثالثة جمرة العقبة وهي الأخيرة، فأصبح ترتيب الجمرات من جهة منى الأولى الصغرى ثم الوسطى ثم العقبة، ومن جهة مكة الأولى العقبة، ثم الوسطى، ثم الصغرى، والسنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيما حفظ في بعض مرويات الصحابة أنه ذهب إلى الجمرات في يوم الحادي عشر والثاني عشر ماشيا وكان ابن عمر يرمي ماشيا ويرجع ماشيا، وهذا أفضل وأكمل أنه يخرج من منزله بمنى ويمشي إن تيسر له المشي، وإن لم يتيسر له المشي فيجوز له أن يركب ويذهب إلى الجمرات ثم يرميها، ويستوي أن يرميها راكبا أو واقفا. المهم أنه يقع الرمي بعد الزوال، فصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه ابتدأ بالصغرى قبل الوسطى والكبرى فقال: رحمه الله يرمي الجمرات.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/235)
قال رحمه الله: [فيرمي بها الجمرات بعد الزوال من أيامها كل جمرة بسبع حصيات]: كل جمرة من الثلاث بسبع حصيات: أجمع العلماء -رحمهم الله- على أن السنة الواردة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في حصى الجمرات في يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر أنه رمى كل جمرة بسبع حصيات، وأن لكل يوم إحدى وعشرين حصاة، لكل جمرة منها سبع حصيات، هذه هي السنة المحفوظة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لا يزاد عليها ولا ينقص منها؛ لأنها عبادة توقيفية، ولم يلتقط عليه الصلاة والسلام هذه الإحدى والعشرين حصاة من غير منى، بل كان يلتقطها عليه الصلاة والسلام من منى، وما يفعله بعض العوام كما نبهنا بالأمس من أنهم يلتقطون كل الجمرات بمزدلفة فهذا لا أصل له، إنما التقط عليه الصلاة والسلام جمرة العقبة وحدها وهي سبع حصيات. فقال للفضل بن عباس رضي الله عنهما: ((القط لي سبع حصيات)).
قال رحمه الله: [يبتدئ بالجمرة الأولى فيستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات كما رمى جمرة العقبة]: يبتدئ بالجمرة الصغرى والصحيح أن الترتيب معتبر في رمي الجمرات، فلابد أن يرميها مرتّبة، فلو أنه رمى الكبرى وهي العقبة ثم الوسطى ثم الصغرى صح رمي الصغرى ولزمه أن يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي الكبرى، صح رمي الصغرى؛ لأنه معتد به، ولم يصح رمي الوسطى؛ لأنها لا تصح إلا بعد الصغرى ولا رمي جمرة العقبة؛ لأنها لا تصح إلا بعدهما -بعد الصغرى والوسطى-، فلابد من الترتيب، وعلى هذا يبدأ بالصغرى التي تلي مسجد الخيف، فيستقبل القبلة على ما نص عليه طائفة من العلماء أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رماها من جهة المسيل وأسهل عليه الصلاة والسلام إن تيسرت له هذه الجهة وإن لم يتيسر له هذه الجهة فمن أي موضع في الجمرة الصغرى يجزيه الرمي؛ لأن المقصود أن يرمي؛ ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يلزم الصحابة من موضع معين، إنما الأفضل والأكمل هذا أن يرمي بسبع حصيات، مثل حصى الخذف وهو الحصى الذي يمكن أن يضعه الإنسان بين السبابة والإبهام فيقذف ويحذف ويرمي به، فخرج بهذا الحصى الكبيرة، والسؤال: لو أنه أخذ حجرا كبيرا ورمى به الجمار هل يجزيه؟
وجهان للعلماء:
قال بعض العلماء: لا يجزيه. وقال بعضهم: يجزيه؛ لأنه رمى وأساء بمخالفة السنة.
والأقوى أنه يعيد الرمي؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((بمثل هذا فارموا وإياكم والغلو)) فجعل الزائد غلوا في الدين، والغلو ليس من الدين، وإذا كان ليس من الدين لم يعتد به، وعلى هذا فإنه ليس كالأجزاء المجزئة في مسائل الغلو التي يعتد بها بقدر الواجب ويلغى ما زاد عنه، فالحصى كل لا يتجزأ إذا كانت كبيرا، ثم إنه خالف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأحد الأوجه عند العلماء في هذه المسألة أن إسقاط الرمي وعدم الاعتداد به مبني على قاعدة ((أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه))، وحينئذ يحكم بعدم صحة رميه من هذا الوجه.
قال رحمه الله: [ويرميها بسبع حصيات كما رمى جمرة العقبة]: فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فحينئذ في الرمي سنتان: فعلية، وقولية. فالفعلية أن يرمي ويخذف الحصاة، والعبرة أن يوقعها في الحوض بغض النظر عن ضرب الشاخص وعدمه، فإذا وقعت في الحوض أجزأه، وأن يكون وقوعها بفعله، وعلى هذا فإذا حصل الرمي على هذه الصفة صح الفعل، وأما القول فهو أن يكبر مع كل حصاة؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وإذا أتم السبع فإنه يبني على غالب ظنه واليقين. اليقين أن يأخذ سبع حصيات فيرميها ويعدها ويحصيها وليس عنده أي شك، وغلبة الظن أن يبني على غالب ظنه بالتقدير، فلو شك هل وقعت الحصاة في الحوض أو خارجة عن الحوض بنى على أنها لم تقع في الحوض حتى يجزم أنها وقعت أو يغلب على ظنه أنها وقعت، فلو رمى رميا يغلب على ظنه أن هذا الرمي يصادف الحوض أجزأه وإن لم ير بعينه حصاته تدخل في الحوض؛ لأن هذا صعب ومتعذر أن يراها بين مئات الحصيات خاصة في وقت الزحام، فإذاً يرمي ويبني على غالب الظن واليقين، فإن استيقن كأن يأتي عند طرف الحوض ثم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/236)
يرمي فيستيقن من وقوعها في الحوض فلا إشكال، أو غالب ظن كأن يكون بعيدا فيرمي ويقدر ويرى أن هذا الرمي تقع الحصاة به في داخل الحوض، هذان الأمران لا إشكال فيهما، لكنه لو رمى ثم تحرك مع الزحام أثناء رميه، فشك هل جاء في الحوض أو لم تأت؟ فيبني على أنها لم تأت حتى يتأكد من أنها قد أصابت الحوض؛ إذاً عند الشك يلغي الوقوع وعدمه ويعتد بأنها لم تقع حتى يستيقن أو يغلب على ظنه، وإن شك هل رمى سبع حصيات أو ست حصيات؟ بنى على ستّ؛ لأن اليقين أنه رمى ست حصيات، ومطالب شرعا أن يبرئ ذمّته بسبع فذمته مشغولة ولا ينفك من هذا الدَّين والحق لله عز وجلإلا بيقين وغالب ظن فلابد أن يرمي السابعة حتى يبرئ ذمته.
قال رحمه الله: [ثم يتقدم فيقف فيدعو الله]: ثم يتقدم بعد انتهائه من الرمي، وعليه أن يتّقيَ الله أثناء الرمي، فلا يزاحم ولا يؤذي ضعفة المسلمين، وعليه أن يتخلّق بأخلاق الإسلام، فلا يفعل الأمور التي تشينه في دينه، وخاصة في هذه المواطن المشرّفة المعظمة، فإن منى من الحرم، ومن أراد فيها الحرام فإن الله يذيقه عذابا أليما -نسأل الله السلامة والعافية- {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} فليتّقِ الله في سمعه، وليتقّ الله في بصره، وليتقِ في حدود الله ومحارم الله، ويتجنب مخالطة النساء، والدخول بين عورات المسلمين، ولا يؤذي ضعفة المسلمين وكبارهم، ولا يتعرض لفتن الناس، خاصة إذا كان فيه وسامة أو غير ذلك، وننبه على ذلك؛ لأنها منكرات انتشرت بين الناس، فالمسلم جاء من أجل أن يصيب الحسنات، وأن يضع ما على ظهره من بلائها وعنائها، فالشقي من حُرم، فمن الشقاء أن يستخف بحدود الله عز وجل يستخف بمحارم الله -عز وجل في مقام هو أرجى لرحمة الله عز وجل، فإذا انتهى من الرمي، السنة أن يأخذ ذات اليسار قليلا يبتعد عن الرمي حتى لا يؤذي الرامي ولا يضيّق عليهم يبتعد عن المرمى وعن الجمرة الصغرى، ويُسْهل بمعنى يأخذ إلى المسيل وهو مجرى الوادي، فهذا يقتضي أن يأخذ يسارا قليلا كما ثبت في السنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وكما قال عبدالله بن مسعود: ((من هنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة)) يقصد بذلك جمرة العقبة وكذلك قال حينما رمى وأسهل 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وأسند ذلك إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال بعض العلماء: من هنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة خص سورة البقرة لأنها لا تستطيعها البطلة، وقيل لأن البقرة فيها أكثر مناسك الحج، وهذا هو الأشبه، ولذلك قالوا في إحدى الروايات في السير أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما كان يوم حنين قال للعباس -وفر عنه الصحابة لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بوغت بهجوم هوازن وكان معه ما يقارب العشرة الآلاف وفجأة انكشفوا عنه -عليه الصلاة والسلام- لأن الهجوم كان على غبش الليل وعند طلوع الفجر، وكانت هوازن من أقوى العرب في الرمي، وكان الرجل منهم إذا رمى السهم قل أن يخطئ، فَكَمَنت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثم أمطروا الصحابة بالسهام فجأة على آخر الليل، وهذا يروع الجيش وخاصة إذا بوغت الجيش بالعدو يتفرّق، فتفرّق الصحابة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -الشاهد- فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للعباس: ((ادع لي أصحاب الشجرة وفي بعض الروايات في السير قال: يا أهل الشجرة يا أهل سورة البقرة، فلما قال يا أهل سورة البقرة؛ لأن الله يقول فيها: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله} فقالوا إن اختيار هذه السور لمعان فيها، ومن هنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة فراعى هذا المعنى.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/237)
قال رحمه الله: [ثم يتقدم فيقف فيدعو الله]: ثم يتقدم عن موضع الرمي يتقدم قليلا إذا كان الزحام قليلا أما إذا كان الزحام كثيرا يتقدم أكثر حتى لا يؤذي الرامين فمن يريد الرمي محتاج لهذا المكان لواجب، والواقف للدعاء يحتاج إلى هذا المكان لسنّة، ولاشك أن الواجب مقدم على السنة، فبعض الإخوة -أصلحهم الله- يأتون ويقفون للرمي قريبا من الحوض، ويؤذون من يرمي، فالمنبغي لهم أن يبتعدوا وأن يوسعوا على الناس؛ لأنه قد تأتي الرفقة فيها الضعفة وفيها النساء وفيها أيا ما كان حتى ولو كان فيها الشاب الجلد فلا أن يضيق على الناس في موضع الرمي.
قال رحمه الله: [فيقف فيدعو الله]: فيقف فيدعو الله عز وجل؛ وقد جاء عن عبدالله بن مسعود 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أنه وقف ودعا كثيرا. يقال إن هذا الموضع من المواضع التي ترجى فيها الإجابة في الحج، وهي على الصفا، وعشية عرفة، وفي المشعر الحرام، وفي منى بعد رمي جمرة الصغرى والوسطى دون العقبة، فهذه المواضع يتحرى فيها الدعاء، وكان مما أثر عن أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن منهم من كان يقول: اللهم اجعله حجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا، فكانوا يسأل الله عز وجل القبول والصفح والعفو والمغفرة، فيدعو الله عز وجل ويسأله وجاء في الرواية أن ابن مسعود أطال الوقوف فيطيل الوقوف في الدعاء.
قال رحمه الله: [ثم يأتي الوسطى فيرميها كذلك]: ثم يأتي الوسطى فيرميها كما تقدم في مسائل الرمي.
قال رحمه الله: [ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها]: إذا رمى الوسطى وقف بعدها أيضا، ومثل ما ذكرنا في الصغرى، ثم يمضي إلى جمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات؛ إذًا لابد من أن يكون الرمي بسبع حصيات، وأن يراعي الترتيب في هذه الجمار، وأن يراعي الوقت المعتبر، فيكون رميه في الوقت والزمان المعتبر، ويبتدئ الرمي كما ذكرنا من زوال الشمس يوم القر وهو يوم الحادي عشر وكذلك يوم النَفْر الأول وهو يوم الثاني عشر، وكذلك في يوم النَفْر الثاني هو الثالث عشر، فأيام التشريق ثلاثة أيام بعد يوم العيد: الحادي عشر ويسمى يوم القر؛ لأن الحجاج يستقرون بمنى، والثاني عشر ويسمى يوم النفر الأول، والثالث عشر ويسمى يوم النفر الثاني، ففي هذه الأيام كلها وقت الرمي من الزوال كما ذكرنا، ينتهي وقت الرمي لليوم الحادي عشر من طلوع الشمس من صبيحة الثاني عشر، على أصح قولي العلماء، ولذلك ينتهي رمي جمرة العقبة بطلوع فجر الحادي عشر، وينتهي رمي الحادي عشر بطلوع فجر الثاني عشر؛ لأن كل ليلة انسحبت لما بعدها، قالوا لأن عرفة أصبحت عشيتها بعد، فانسحبت إلى ليلة العيد، وإلا الأصل أن كل يوم ليلتها قبله، إلا في يوم عرفة جعلت عشيته بعد، فلما جعلت عشية عرفة بعد صار العيد أيضا يوم النحر عشيته إلى طلوع الفجر من الحادي عشر، فينتهي رمي جمرة العقبة بطلوع الفجر من الحادي عشر، فكذلك في الثاني عشر وينتهي في الثالث عشر من مغيب الشمس؛ لأنه نهاية المناسك؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((أيام منى)) والأيام تنتهي بمغيب الشمس.
بالنسبة للرمي في الليل حجته ما جاء عن صفية امرأة عبدالله بن عمر -رضي الله عنها وعنه- لما نفست ليلة العيد، فإنها نفست بمزدلفة، وتأخرت في النفاس ولم تأت منى إلا بعد غروب الشمس، فرمت جمرة العقبة بعد غروب الشمس، فأجاز لها ذلك ابن عمر ولم يأمرها بشيء؛ ولذلك قالوا إن رمي جمرة العقبة يستمر إلى طلوع الفجر، فأخذ منه طائفة من العلماء أن الرمي في الحادي عشر ينتهي بطلوع فجر الثاني عشر، كما أنه يوم النحر ينتهي رمي جمرة العقبة بطلوع الفجر من الحادي عشر، هذا بالنسبة للرمي يعتد به بهذه الصفات أنه يراعي فيه الترتيب ويراعي فيه الزمان وأن يكون الرمي بالحصى فلا يرمي بغير الحصى، فلو رمى بالخشب لم يجزه وبالحديد وبالنحاس وبالرصاص والنيكل كلها لا يجزيه؛ لأنها ليست من الحصى، وخفف بعض العلماء في الطين اليابس الشديد كالحجر إذا كان مكورا وفي الآجر وهو الطين المسخن بالنار إذا كان صلبا كما في الطوب الأحمر هذا المكسر فتاته أجاز بعض العلماء الرمي به والصحيح أنه لابد من الرمي بالحصى؛ لأنه هو الأصل ولم يرد ما يدل على غيره فبقي على هذا الأصل؛ ولأن رمي إبراهيم كان بالحصى، وعليه فلابد من
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/238)
مراعاة هذه الأمور في الرمي.
قال رحمه الله: [ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها]: ولا يقف بعد جمرة العقبة كما ذكرنا، وأصبح الضابط عند العلماء في الوقوف بعد الرمي أن يكون بعد الوقوف رمي، فإذا كان بعد الوقوف رمي؛ فإنه يصح الوقوف، وأما إذا كان لا رمي بعده؛ فإنه لا يقف، فجمرة العقبة ليس بعدها شيء يرمى، وعلى هذا فإنه لا يقف بعد رميه لهذه الجمرة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يقف عندها لا يوم العيد ولا أيام التشريق.
قال رحمه الله: [ثم يرمي في اليوم الثاني كذلك]: ثم يرمي في اليوم الثاني على الصفة التي ذكرناها.
بالنسبة للرمي ينبغي للمسلم أن يحرص على السنة؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - واتباع الوارد، ومن ذلك أن يكون رميه لجمرة العقبة يوم العيد، وأن يكون ضحى، وكذلك أيضا بالنسبة لرمي الجمرات البقية في أيام التشريق أن يكون رميه بعد الزوال، والأفضل أن يكون قريباً من الزوال لأن جابراً قال ثم انتظر حتى زالت الشمس رمى جمرة العقبة، ومن هنا قال بعض العلماء أنه يرميها قبل أن يصلي الظهر؛ لأنها مخصوصة لذلك اليوم مبادرة في الامتثال وفضلوا ذلك، بمعنى أنه يبادر ويعجل وهذا وقت فضيلة أن يكون الرمي ما بين الزوال إلى صلاة العصر، ثم يستمر الجواز إلى طلوع الفجر كما ذكرنا، فيراعي السنة والتأسي بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ما أمكن.
قال رحمه الله: [فإن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل الغروب]: فإن أحب أن يتعجل في يومين وهما الثاني عشر والثالث عشر فيخرج بعد رميه للثاني عشر؛ لقوله تعالى: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى} فهناك أمران: الأمر الأول التعجل، والأمر الثاني التقوى.
فأما بالنسبة للتعجل فحقيقته أن يخرج من منى برحله ومتاعه قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر، فإذا استتم الخروج من حدود منى في اليوم الثاني عشر قبل غروب الشمس فإنه متعجل، وعلى هذا لا يجب عليه أن يبيت ليلة الثالث عشر، وأما أن يخرج لكي تغيب الشمس ثم يعود ويأخذ رحله ويأخذ متاعه ويحتال على الشرع فليس بمتعجل حقيقة؛ لأن الله قال: {تعجل} ولا يكون متعجلا إلا إذا أتم أغراضه ومتاعه وخرج حقيقة؛ لأن الإنسان إذا بقي له غرض لم يكن متعجلا، لو خرج ثم رجع لم يكن أصلا خارجاً، إذا خرج الإنسان عن موضع ولا زال متاعه ورحله في الموضع فإنه لم يخرج حقيقة، وإذا لم يخرج حقيقة لم يصدق عليه أنه تعجل ولم يصدق عليه أنه تحقق فيه شرط الشرع، فالبعض يظن أن تغيب الشمس وهو خارج منى، وهذا ليس مقصود العلماء وليس هو ظاهر النص، النص يقتضي أن يحصل منه صفة التعجيل، ولا يمكن التعجيل إلا بالخروج، ولا يتحقق هذا الخروج لمن بقي له متاعه وبقي له غرضه فليس بمتعجل، وعلى هذا فلابد أن يستتم الخروج حتى يصدق عليه أنه فعلا تعجل، وإذا حصل منه التعجل بالخروج كلياً من منى فإنه يحكم بسقوط المبيت ورمي الثالث عشر، كذلك لو أنه ركب سيارته وازدحم الطريق فإنه إذا غابت الشمس ولم يخرج فليس بمتعجل؛ لأن الله يقول: {تعجل} والذي غابت عليه الشمس ولو كان على دابته ولو كان على سيارته ولو كان المتاع على ظهره فإنه لم يتعجل؛ ولذلك لم يفتِ أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولا مَنْ بعدهم من السلف الصالح من القرون المفضلة وغيرهم أن من حمل المتاع على ظهره ثم ازدحم قبل خروجه عند جمرة العقبة مع الناس أنه يجوز له أن يخرج؛ لأنه قد تعجل بوضع المتاع على ظهره. هناك أمران ينبغي التنبه لهما في فقه هذه المسألة، هناك شيء يسمى النية والقصد، وهناك شيء يسمى الفعل الظاهر. الأول متعلق بالقلب، والثاني متعلق بالظاهر، فالذي يريد أن يتعجل لابد فيه من الأمرين: أن يخرج قاصدا للتعجل، وأن يكون معه رحله ومعه متاعه، وعلى هذا فالذي يكون في داخل منى قد خرج بسيارته وعليها متاعه ثم غابت عليه الشمس في الزحام ولم يخرج من منى خرج بنيته ولم يخرج بفعله، والشرع يصفه بالتعجل، وهذه صفة خاصة تقتضي أنه استنفذ الأسباب والوسائل لكي يخرج من منى في الوقت المعتبر، وعلى هذا لا يكفي أن ننظر إلى الباطن ونلغي الظاهر. فالظاهر أنه في منى، ولم يتعجل حقيقة، والذي عليه ضوابط العلماء في
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/239)
التعجل أنه لابد أن يخرج من منى، ولم يُلتفت إلى قضية العذر، وإلا لو كان العذر أنه في الزحام ليس بمتعجل لكان الذي يكون مريضا ولا يستطيع أن يخرج ثم يستطيع بعد المغرب أنه يجوز له أن يتعجل ونحو ذلك من الأعذار والذي يَنْسى أن يخرج ثم يتذكر بعد غروب الشمس فليخرج لأنه عنده عذر؛ إذا ينفتح باب لا يمكن إغلاقه، وعلى هذا لابد من الرجوع إلى الصفة الواردة في القرآن، عليك أن تتأمل أنه تعجل وهذا يقتضي أنه استنفذ الأسباب والوسائل فمن وجدنا هذه الصفة فيه التي نص عليها الكتاب ونص الله عليها في كتابه فإننا نقول: إنه متعجل، ومن وجدناه بمنى داخل منى برحله ولو كان على سيارته ولو كان عليها متاعه ولو كان معه الركب فإنه لم يتعجل حقيقة.
قال رحمه الله: [فإن غربت الشمس وهو بمنى لزمه المبيت بمنى]: هذا نصوص العلماء لزمه المبيت لم يفرقوا بين المعذور وغير المعذور، لم يفرقوا بين كونه جمع رحله ولم يجمع رحله، إنما قالوا إذا غربت عليه الشمس ولم يخرج من منى وجب عليه أن يبيت، وعلى هذا لا مجال للاجتهاد مع ظاهر النص الذي ذكرناه، أنه لابد أن يتعجل حقيقة، فإذا خرج وحصل منه التعجل حقيقة سقط عنه أمران: الأمر الأول مبيت ليلة الثالث عشر، والثاني الرمي لذلك اليوم، وهو رمي الثلاث الجمرات، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يتعجل وإنما تأخر، ولذلك قالوا أخذ في منسكه بالأكمل، واختلف العلماء على وجهين: هل الأخذ بالرخصة أفضل أو أنه يأخذ بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ وإذا تبين هذا فالتعجل رخصة من الله عز وجل إذا تحقق فيه الشرط الأول وهو التعجل فلا إشكال، يبقى الشرط الثاني وهو قوله تعالى: {لمن اتقى} والتقوى قالوا: أن يخرج من منى متعجلا لا يقصد السآمة ولا يقصد الكراهية للمبيت أي متقيا لله عز وجل باتباع الرخصة والسماحة واليسر وليس نفورا من الطاعة -والعياذ بالله - وكراهية لها كما يفعله البعض نسأل الله السلامة والعافية فإنه يتعجل؛ لأنه ضائق ومتضائق من حاله في الحج، والمحروم من حرم، فالحج لاشك أنه عبادة تنشرح فيها الصدور وتطمئن فيها القلوب والمؤمن ولي الله المتقي يسعد وهو بين إخوانه في ذكر الله وشكره، ويسعد حينما يكون بين وفود الله والضيوف على الله عز وجل كما بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن الغازي والحاج والمعتمر وفد الله، فإذا خرج بالنية الصالحة وهي أنه يريد رخصة الله عز وجل وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((عليكم برخص الله التي رخص لكم)) ويريد السعة والتيسير من الله ويريد سماحة الإسلام ويسر الإسلام فلا إشكال، أما أن يخرج كارها -والعياذ بالله- للمبيت، كارها للرمي به الملل والسآمة فهذا لم يتق الله عز وجل إذا لابد من الأمرين: أن يتعجل وأن يكون تعجله على التقوى لا على غيرها.
قال رحمه الله: [فإن غربت الشمس وهو بمنى لزمه المبيت بمنى والرمي من غد]: فإن غربت الشمس وهو بمنى هذا اليوم يقع الرمي فيه والتعجل قبل غروب الشمس، والرمي لابد فيه من بعد الزوال، وهذا مذهب جمهور العلماء -رحمهم الله- أن الرمي لا يصح قبل الزوال حتى في يوم النفر، وجاء حديث ضعيف وأثر عن ابن عباس –رضي الله عنهما - أيضا وفيه كلام أنه قال: ((إذا كان يوم النفر وانتفخ النهار فارم وامض)) فقوله: ((إذا كان انتفخ النهار)) أخذ منه بعض الفقهاء أن يوم التعجل يجوز الرمي فيه قبل الزوال، وهذا مذهب ضعيف:
أولا: لأن السنة الصحيحة في حديث جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- أثبتت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ما رمى الجمرات كلها إلا بعد زوال الشمس.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/240)
وأما ثانيا: فإن سند الحديث الذي احتجوا به ضعيف، ولا يقوى على معارضة ما هو صحيح ولا يثبت بمثله الحكم، فإن قيل بتحسينه فإن الجواب عنه بأن هذا الذي استدلوا به حجة لنا لا علينا؛ لأن قوله: ((انتفخ النهار)) العرب تقول: انتفخ الشيء إذا قارب الأكثر؛ لأن الشيء فيه نصفه الذي يفصل يعني إذا كان ما دون النصف فهو قليل، وما كان فوق النصف فهو كثير، وما كان نصفا تساوى فيه الأمران، فمتى يكون الترجح يكون عند مجاوزة النصف، والعرب تستخدم أساليب كثيرة، فإذا جاءت في شيء تريد أكمله وأكثره جاءت بصفة تقتضي الزيادة. فقوله ((انتفخ النهار)) لم يقل إذا طلع النهار فلو كان المراد منه بداية النهار لقال إذا طلع النهار لكن قال إذا انتفخ ولا ينتفخ إلا إذا كان امتلاؤه بحجم معتبر، والحجم المعتبر أن يستتم أو يكون قريبا من التمام بمجاوزة النصف؛ وعلى هذا يكون انتفاخ النهار حينما يجاوز شطره وهو منتصف اليوم، وهذا هو الذي جاءت به السنة، وحينئذ ما جاء من الآثار محتملة للوجهين: الوجه الذي يعارض السنة المرفوعة، والوجه الذي لا يعارض، وجب صرفه على الوجه الذي لا يعارض؛ وعليه فقد صحت السنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بأنه رمى بعد زوال الشمس فلا وجه لمعارضتها بما هو أضعف.
ثانيا: النظر الصحيح، فإن رمي جمرة العقبة عبادة مؤقتة، ولذلك كل العلماء حتى بعض السلف الذين يقول بجواز الرمي قبل الزوال لو سألناهم عن الرمي رمي الجمرة قبل طلوع النهار؟ قالوا: ما يجوز. نقول لماذا؟ قالوا لأنها عبادة مؤقتة، نقول: إذا تسلمون أنها عبادة مؤقتة. يقولون: نعم نقول هذه العبادة المؤقتة لا يجوز فعلها قبل الزوال كما لا يجوز فعل صلاة الظهر قبل الزوال، كما أُقتت صلاة الظهر بالزوال أقت رمي الجمار من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالزوال؛ لأنه لا معنى أن يعطل مائة ألف نفس معه عليه الصلاة والسلام ويحبسهم نصف يوم كامل لكي يزدحموا في نصف نهار وهم مائة ألف أحوج ما يكونون أن يرموا من قبل الزوال لا معنى لذلك إلا أن نصف النهار معتبر، ثم إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في اليوم الثاني عشر وهو يعلم أن الناس تتعجل، وأن لهم رخصة في التعجل لم يرم في ذلك اليوم إلا بعد منتصف النهار، ما معنى هذا كله؟ ! أما مسألة موت الناس في الزحام فهذه مسألة أعطيت أكبر من حجمها أولا أن هذه الملايين التي تحضر وهي في حفظ الله ورحمته وتيسيره ومنه وكرمه تعيش هذه الأيام والأجواء الروحانية فتجدهم في نعمة وفي رخاء وفي ذكر وفي شكر، يتوب المذنبون ويصلح الفاسدون ويقبل المدبرون، فتتغير أحوالهم، حتى إن العصاة المذنبين الذين أتعبوا مجتمعاتهم وأقلقوا أهليهم وذويهم وأقلقوا الناس تصلح أحوالهم في هذه المنازل الشريفة وفي هذه العبادة العظيمة كل مآثر الإسلام في هذه لا يلتفت إليها، بمجرد ما يموت حاج أو حاجين تجد أعداء الإسلام يصيحون في الشرق والغرب، أمن شفقتهم على حجاج بيت الله؟! كذبوا. هل هم من رحمتهم لحجاج بيت الله؟! إنما المراد التشويه والمراد الحسد على هذه النعمة التي أنعم الله - U- بها على المسلمين وأنعم بها على هذا البلد المبارك في رعاية حجاج بيت الله والقيام عليهم، لا يلتفتون إلا للشيء الذي يجدون فيه مطعنا في الإسلام والمسلمين، فتجدهم كالذباب لا يسقطون إلا على القذر، ثم أمر عجيب تجدهم يفعلون في مواسمهم كما نقول في مبارياتهم ومشاهدهم يموت مئات الأنفس من السكارى ومن غيرهم لا أحد يتكلم ولا أحد يشوش ولا أحد يرجف، لكن إذا جاء هؤلاء العباد وجاءوا في طاعتهم وفي قربتهم لله عز وجل التي يتمنى الإنسان أن تحسن خاتمته يقول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا)). قال العلماء: موت الإنسان في الحج من علامة حسن الخاتمة. فالشاهد من هذا هذا كله لا يلتفت إليه فهم يموتون في السحيق وفي البلاء وفي الأمور التي تُشين -والعياذ بالله- هذه لا يشوه لكن أن يؤتى بعشرة بعشرين بمائة من بين مليونين نسبة لا يلتفت إليه، وإذا بالدنيا تقوم وتقعد، على الأعداء أن يقوموا ويقعدوا لكن أن يأتي من طلبة العلم، وأن يأتي من يتتبع الرخص لكي يقول إن هذا سببه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/241)
كذا وكذا ويذهب يتتبع الرخص، لا. اتركوا الرمي دعونا نكون نجعل للناس توسعة، لماذا نضيق على الناس؟! لماذا نأمر الناس بالرمي؟! يقول إن موت الناس عند الجمرات سببه أن نفتي الناس بالرمي بعد الزوال. يا سبحان الله! أكانت السنة سببا في قتل الناس. لماذا ماتوا الآن وما ماتوا من قبل؟! ولماذا حصل هذا في هذه السنة ولم يحصل في السنوات قبلها؟! العبادة لا تضر ولا تؤذي ولم تكن سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهديه شرا على الناس أبدا، ونعتقد اعتقاداً جازماً لا شك فيه ولا مرية أن الله بعث نبيه عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين، وأنه لم يبعثه عذابا على العباد، زهناك فرق بين العبادة التي سنتها الشريعة وبين أفعال الناس وتصرفات الناس، ولذلك ما يحصل حقيقته ليس في توقيت الفقهاء ولا في فتاوى العلماء ولا في مسائل فقهية حقيقته في سلوكيات الناس وتصرفات الناس وحينئذ ينبغي أن تعالج هذه السلوكيات، وأن تعالج هذه التصرفات، حتى إني في العام الماضي وجدت الناس يجلسون عند الجمرات، منهم من ينام، ومنهم من يفترش الأرض، مع كل ما بذل من الوسائل، وهذا لا نقول إنه في تقصير نرجو من الله أنه فيه خير كثير، بذلته الدولة وبذله من يقوم على الحج، كنا نعاني الأمرين حينما كان الرجل يذهب إلى رمي الجمرات فيجد الناس نائما تحت الجسر، وكلكم رأى هذا من ذهب إلى الحج، فلا يجد طريقا إلا للواحد والاثنين، وهذا موضع رمي، فتجدهم يقتتلون ويدعس بعضهم بعضا ولربما يكون من النساء والفتن في طريق الإنسان لعباده، حتى أراد الله وأزيلت هذه البلية، فجاؤوا وافترشوا جوار الجمرات قبل الجمرات ويمين الجمرات ويسار الجمرات، حتى إلى عهد قريب في العام الماضي مكثت ما بين جمرة العقبة إلى أن أصل إلى أول الجمرات لغرض من بعد المغرب إلى بعد العشاء بنصف ساعة، قرابة الساعتين من آخر الجمرات؛ لأن الطريق لا يمكن أن يسير فيه إلا واحد أو اثنين، وهؤلاء نائمون ويدفعون الناس. تصرفات الناس هي المؤذية، ويتركون خيامهم ومنازلهم التي يسرت لهم وسهلت لهم وفيها وسائل الراحة وفيها وسائل الاستجمام لكي لا يجدوا إلا هذا المكان، ولا يجدوا إلا هذا المجلس؛ إذا تصرفات الناس، علينا أن نعي الأمور بحقيقتها، ثم يأتي من يقول لا هذا سببه ضيق الحوض نوسع الحوض، سببه ضيق الوقت نوسع الوقت، سببه فتاوى العلماء إذا نبحث عمن يرخص، هذا ليس بعلاج المشكلة، المشكلة جاءت من تصرفات الناس، فرق بين الخطأ بسبب العبادة وحاشا أن تجد في دين الله وشرع الله الذي وسع الله به على عباده خللا أبدا {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا} ما أوحى إلى نبيه عليه الصلاة والسلام ولا سن له إلا الصدق والعدل ولا بعثه إلا رحمة للعالمين؛ فإذاً معالجة هذه المشاكل توجيه الحجاج الذين يأتون إلى الحج، يوجهون من ديارهم حتى إن بعض الجنسيات تعتني بهذه المسألة فتجدهم من أسلم الناس في الحج، كذلك أيضا من الأسباب حينما يرتبط الناس بعضهم ببعض عند رمي الجمرات، فتجد الثلاثمائة والأربعمائة يأتون مع بعضهم، ويتماسكون مع بعض فيأتي هذا الكم الهائل لكي يزحف كل من أمامه، وكأن المسألة قتال، وكأنها معركة وكأنهم قادمون إلى معركة ولاشك أن هذا سيضر بالناس، سيسقط الضعيف، بل وسيسقط القوي، لأن القوي إذا واجهه اثنان أو ثلاثة أو أربعة الله أمر بمصابرة اثنين ما بالك إذا جاء ثلاثمائة مع بعضهم! فإذا لا بد أن ننظر إلى تصرفات الناس وأعمال الناس. الخلل ليس في العبادة، الخلل من هذه السلوكيات، حينما يأتي العشرون والثلاثون ويحاطون بأناس أقوياء في بنيتهم كأنهم جاءوا من أجل طرد الناس عن هذه الرفقة هذا لا يجوز، هذه السلوكيات هي التي تُعالج، وهذه التصرفات من الناس هي التي ينبغي النظر فيها، وعلى هؤلاء الذين يأتون إلى الحج أن تعتني بلدانهم بتوجيههم، وأن تعتني بتربيتهم بآداب الإسلام، وأن تعرفهم حقوق المسلمين قبل أن يأتوا، ولاشك أنه أحسنت بعض الدول حينما تصنع بعض الدورات لحجّاجها قبل أن يأتوا إلى الحج حتى إنه في بعض الأحيان يعلموهم كيف يطوفون كيف يسعون، ويثقفون روحيا، فلو أن كل بلد إسلامي يكون فيه نخبة من أهل العلم ويعتني كل بلد إسلامي وينبه على البلدان أنها تثقف شعوبها وحجاجها لتلافى الناس كثيرا من هذا الخلل، ثم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/242)
إذا قمنا بذلك قمنا بما فرض الله علينا؛ لأن هذا هو الواجب في المسلم، وإذا كان الحاج بهذه الطريقة فقلّ أن تجد سلوكا خاطئا، وقل أن تجد العبادة فيها ضرر على الناس.
الأمر الأخير: أن هذا أمر معروف؛ لأن من طبيعة وسنة الله عز وجل أن مثل هذه الاجتماعات لا تخلو من وجود ضرر، ولذلك ينبغي أن لا نتخذ من هذا الضرر السني الكوني طريقة لتغيير شرع الله، والعبث بالعبادات التوقيفية، والعبث بالأماكن المحددة، والعبادات المؤقتة، بل ينبغي لنا لزوم الأصل، هذا ما أردنا بيانه لعموم البلوى به؛ خاصة بعد أن وجدنا بعض طلاب العلم من يثرّب على أهل العلم وعلى كبار العلماء وبعضهم ينتقصهم وبعض الكتاب يحاول أن يجعل أخطاء الناس سببها الفتاوى، وهذا خلط بين القضايا، وهو صنيع من لا ينصف، بل علينا أن نتأمل الأخطاء بأسبابها، ونعالج هذه الأسباب، وأن نفرق بين شرع الله وبين تطبيق شرع الله، وهذا هو الذي أردنا أن ننبه عليه لعموم البلوى به.
قال رحمه الله: [لزمه المبيت بمنى والرمي من غد]: إذا لم يتعجل لزمه المبيت ليلة الثالث عشر والرمي الأمران؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يتعجل فبات ثم رمى الجمار ثم نفر صلوات الله وسلامه عليه النفر الثاني في اليوم الثالث عشر.
لزمه المبيت: المبيت يطلق في لسان العرب على مرور الليل على الإنسان ولو كان مستيقظا. يقال: بات إذا مر عليه الليل بغض النظر عن كونه نائما أو مستيقظا؛ ومنه قوله تعالى: {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} فقوله: {والذين يبيتون} وصفهم بكونهم يبيتون سجدا وقياما وهذا استيقاظ في حال اليقظة وليس في حال النوم؛ فدل على أن البيتوتة لا تستلزم النوم، فلو أنه بقي في منى ولم ينم فقد بات؛ إذًا المراد أن يكون بجرمه وبجسده بمنى بغض النظر عن كونه نائما أو مستيقظا، ولكن السنة أن ينام إذا حصّل وقتا ينام فيه، فإن جلس في منى هل يتحقق المبيت بجزء من الليل أم لابد من أكثر الليل؟
والصحيح أنه لابد من أكثر الليل، وإذا قيل أنه لابد من أكثر الليل فإنه يحتسب من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر، ثم يعتد بأكثر النصف بما زاد على النصف، فلو كانت الشمس تغيب مثلا في الساعة السادسة وأذان الفجر لو فرضنا الساعة الرابعة أصبح الليل عشر ساعات، فأكثر الليل أن يبيت أكثر من خمس ساعات، وهل العبرة بآخره أو بأوله؟ فالآخر لا إشكال فيه وعليه أن يتحراه، فيجعل الخمس ساعات من قبل فأكثر من قبل الفجر ما أمكنه.
قال رحمه الله: [والرمي من غد]: والرمي من غد كما ذكرنا.
قال رحمه الله: [فإن كان متمتعا أو قارنا فقد انقضى حجه وعمرته]: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مع الصحابة تمتعوا وبيّن لعائشة رضي الله عنها أنها في قرانها حصلت الحج والعمرة.
قال رحمه الله: [وإن كان مفردا خرج إلى التنعيم فأحرم بالعمرة منه]: وإن كان مفردا فإنه يرجع إلى بلده كما يرجع القارن والمتمتع، ومسألة أن يلزم بعمرة بعد الانتهاء من الحج أو يقال إنه ينبغي له أن يذهب إلى التنعيم ويأتي بعمرة هذا لا دليل عليه ليس هناك دليل على الإلزام، وأنه يجب له أن يأتي بالعمرة بعد حجه؛ فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يلزم عروة بن مضرس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وقد جاء بالحج وحده، ومع ذلك لم يأمره عليه الصلاة والسلام أن يأتي بالعمرة بعد حجه، فدل على أن العبرة أن يأتي بالحج سواء جاء به مفردا أو قارنا أو متمتعا فلا يلزمه أن يذهب إلى التنعيم ولا إلى أدنى الحل يأتي بعمرة، لكن لو أراد أن يأتي بهذه العمرة لا ينكر عليه. من اختياره وطواعيته؛ خاصة من يأتي من بلاد بعيدة فإنه لا يتيسر له أن يأتي مرة ثانية ويتكفّل بكلفة السفر وعناء السفر ومشقته المادية والجسدية، فلو قال: أنا أتيت بحجي وعلي العمرة فأريد أن أبرئ ذمتي وأؤدي ما علي فلابأس أن يأتي بعمرة، ولابأس أيضا إذا أراد أن يعتمر عن أبيه الذي لم يعتمر أو عن أمه أو عن قريبه له لم يعتمر إذا وجدت الحاجة. أما أن يقال إنه لابد أن يذهب فلا، أما إذا وجدت حاجة أن يذهب إلى التنعيم فإنه لابأس بذلك ولا حرج فيه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/243)
قال رحمه الله: [ثم يأتي مكة ويطوف ويسعى ويحلق أو يقصر]: ثم يأتي مكة فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر هذا إذا كان اعتمر عمرته من التنعيم يعني يأتي بالعمرة بعد الحج إذا وجد لها موجب كما ذكرنا. أما إذا كان قد اعتمر قبل حجه في رمضان أو في الأيام الماضية يؤدي حجه ثم يمكث في مكة للعبادة؛ لأن المكث في مكة للعبادة أفضل من الإتيان بالعمرة؛ ولذلك قال هذه الخطوات التي يخرج بها إلى التنعيم أو إلى الحل من أجل أن يأتي بها للعمرة الأفضل أن يستنفذها بالطواف بالبيت؛ لأن العمرة شرعت لزيارة البيت، فحينئذ لا يترك الأفضل للمفضول، ولا يترك المقصد للوسيلة؛ وعليه أن يبقى بمكة ويتعبد الله عز وجل وأن يصيب فضل الصلوات بها وفضل الطواف حتى شدد بعض السلف في خروج المكي للعمرة وقال عطاء وغيره: هؤلاء الذين يذهبون إلى التنعيم لا أدري أيؤجرون أم لا يؤجرون، حتى ذكر قال إذا ذهب إلى التنعيم فأكثر من ثلاثة أميال وهذه فيها ما لا يقل عن كذا طوفة بالبيت يعني هذه الخطوات التي يمشيها إلى التنعيم لو أنه طاف لحصل بها الدرجات العلى؛ وعلى هذا فإنه يقتصر على بقائه بمكة، ويستكثر من الطواف إن كان جالسا بعد حجه.
أما النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فإنه لما أتم حجه ونزل بالمحصّب وهو البطحاء والأبطح عند الخيف خيف بني كنانة وخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر، وهذا الموضع هو الذي اجتمعت فيه قريش على أذية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأذية بني عبد المطلب، وحوصروا حصار الشعب المعروف، فلما قيل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أين تنزل غدا؟ قال: وهل ترك لنا عقيل من رباع، سننزل بالخيف خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر، وهذا الموضع من طرف قبور المعلاة والأبطح والبطحاء والمحصِّب الأبطح هو المسيل مسيل الوادي؛ لأن هذا مجرى الوادي الذي ينصبّ على جهة الحرم بين الصفا والمروة؛ لأن الحرم في مجرى وادي {إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع} فالحرم في مجرى الوادي، وهذا الوادي ينصب من أعلى مكة من جهة القبور حتى ينزل على جهة الأسواق الموجودة فوق الصفا، ثم ينزل بين الصفا والمروة على البيت، فهذا المسيل من جهة قبور المعلاة كان في القديم طبعا مجرى وادي عليه الحصباء فيقال المحصِّب ويقال له البطحاء؛ لأنها أرض منبطحة ومستوية والعرب تسمي مثل هذا بالأبطح والبطحاء. قال الشاعر:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأتَه والبيت يعرفه والحل والحرم.
فالبطحاء هو هذا الموضع وهو منزل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من جهة القصور القديمة نزل عليه الصلاة والسلام في هذا الموضع، فبعد أن انتهى من رمي جمرة العقبة نزل هناك، وهذا النزول ليس من النسك وليس من تمام الحج، وهي المسألة التي يعبر عنها العلماء بالتحصيب، فيقولون التحصيب ليس بلازم وليس بشعيرة وليس بمنسك أي أن فعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعل رفق، نزل فيه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أرفق له، وهذا هو منزله وليس من تمام الحج ولا من نسكه ولا من شعائره. فالمقصود أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نزل بالمحصب، واختلفت الرواية قيل إنه في هزيع الليل، وقيل بعد منتصف الليل على الفجر نزل فطاف طواف الوداع، ثم صدر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام قبل أذان الفجر، وهذا هو المحفوظ عنه عليه الصلاة والسلام في السير والذي ذكره العلماء والأئمة.
قال رحمه الله: [فإن لم يكن له شعر استحب أن يُمِرّ الموسى على رأسه وقد تم حجه وعمرته]: طبعا هو إذا تحلل بالحج وأراد أن يأتي بالعمرة بعد الحج على ما ذكر المصنف فإذا كان حلق في حجه ففي هذه الحالة ما يجد شعراً لأن ثلاثة أيام الفاصل وقد تقل إذا تعجل فما يجد شعرا إلا قليلا على قرب منبته فقال: إنه يمر الموس، فهذا راجع إلى مسألة: إذا لم يكن هناك شعر فهل يعتد بالفعل أو لا يعتد؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/244)
فقال بعض العلماء: لابد من الفعل، والواقع في الحقيقة أنه يبقى شيء من أصول الشعر، ويستقيم جزّه، وفي زماننا أرفق من الزمان القديم ويتيسر إزالته في هذا الزمان أكثر من غيره هذا ليس خاصة بمسألة العمرة لكنه هنا في العمرة لضيق الوقت وإلا قد يتأتى في الشخص إذا فعل أكثر من عمرة.
قال رحمه الله: [وقد تم حجه وعمرته]: قد تم حجه وعمرته.
قال رحمه الله: [وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد]: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طاف لقرانه طواف الركن وسعى سعي الركن ولم يزد بسعيين فلم يجعل لعمرته سعيا مستقلا ولم يجعل لعمرته مع حجه طوافا مستقلا؛ فدل على أن القارن فعله كفعل المفرد؛ والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيح ((عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن عائشة رضي الله عنها لما نفست بكت. قال: مالك أنفست؟! - يعني حضت لأن النفاس اسم من أسماء الحيض؛ لأن النفس يطلق على الدم -. فقال: أنفست؟! ذاك شيء كتبه الله على بنات آدم اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)) عائشة رضي الله عنها جاءت بعمرة فجاءت متمتعة، فلما كانت بِسَرِف، حاضت فلما حاضت معناه أنها ستجلس أيام عادتها فمستحيل أن تدرك قبل الحج عمرة؛ لأنها ستطهر بعد الوقوف بعرفة، ولذلك إذا كان طهرها بعد الوقوف بعرفة قد تعذر عليها أن تأتي بعمرة، ومن هنا أمرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن ترفض العمرة وأن تصبح قارنة، فطافت وسعت لما تحللت لما طهرت فقالت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أيرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج؟ فقال لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والعمرة كافيك لحجك وعمرتك)) فجعلها في القران لأنها قارنة جعلها في القران تسعى سعي الحج ويجزئ عن سعي العمرة فيندرج الأصغر تحت الأكبر، وتطوف طواف الحج فيندرج تحته طواف العمرة فيندرج الأصغر تحت الأكبر، فدل على أن القارن لا يخالف المفرد على ما ذكره المصنف فيفعل أفعال المفرد ويجزيه.
قال رحمه الله: [لكن عليه وعلى المتمتع دم] لكن عليه على القارن دم؛ لقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} يختلف القارن عن المفرد بوجوب الدم عليه، فيجب عليه دم والمفرد لا يجب عليه دم، وهذا الدم جبر الله به نقص الواجب؛ لأنه كان المفروض أن يأتي بعمرة أولا، ثم يرجع إلى الميقات ويأتي بالحج من ميقاته فترفه بسقوط السفر الثاني عنه وجمع بين النسكين في نسك واحد فوجب عليه ضمان هذا النقص؛ والدليل على ذلك أن المكي لما قرن بين الحج والعمرة لا يجب عليه دم؛ لأنه أهل من ميقاته وجمع بين الحل والحرم فأجزأه لعمرته، وعلى هذا فإنه يخالف القارن المفرد من جهة وجوب الدم عليه.
قال رحمه الله: [لقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم}]: هذه الآية اشتملت على مسائل:
المسألة الأولى: في قوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} أنها دلت على مشروعية التمتع، وهذا محل إجماع على أنه يشرع التمتع، والتمتع في الحج يكون على صورتين:
صورة العمرة في أشهر الحج ثم يحج من عامه بالشروط المعتبرة.
أو يأتي بالحج مع العمرة في نسك واحد؛ كما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
الأول: يسمى بالتمتع.
والثاني: يسمى بالقران. كلاهما تمتع. الآية شملت الاثنين؛ ودلت على مشروعية الاثنين من حيث الأصل فقال الله: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} فدل على أن الحج يكون تمتعا.
المسألة الثانية: أن الله لما أجاز التمتع وشرعه لم يفرق بين طائفة وطائفة، بل قال: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} فشمل أهل مكة وغيرهم، فأخذ جمهور العلماء من هذه الآية الكريمة أن أهل مكة يتمتعون وأنهم إن تمتعوا لا دم عليهم.
وخالف الحنفية رحمهم الله فقالوا: أهل مكة لا يتمتعون، وإن تمتعوا فعليهم دم.
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور لأن قوله تعالى: {فمن تمتع} عام شامل لأهل مكة وغيرهم فدل على مشروعية التمتع للجميع.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/245)
والمسألة الثالثة: في قوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} فدل على أن العمرة تقع في زمان الحج في أشهر الحج، وعليه فلا تمتع في عمرة سبقت أشهر الحج على التفصيل الذي ذكرناه، فيشترط في التمتع أن تكون العمرة في أشهر الحج، وأن يوقع عمرته في أشهر الحج؛ فدل على أنه إذا لم يوقعها في أشهر الحج أنه غير متمتع، فلو جاء بعمرة في رمضان وانتهى منها فهلّ هلال شوال فبقي بمكة ثم حج فهو مفرد؛ لأنه لم يتمتع بعمرته إلى الحج حيث إن العمرة لم تقع في أشهر الحج.
إذًا يشترط أن تكون في أشهر الحج {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} المقطع الأول يتعلق بمن يتمتّع مشروعية التمتع ومن يتمتع في قوله: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} المقطع الثاني في قوله: {فما استيسر من الهدي} أي عليه الذي استيسر من الهدي فدل على وجوب الدم على المتمتع، وهذا محل إجماع: أن المتمتع يجب عليه دم سواء كان قارنا أو جاء بعمرة في أشهر الحج ثم حج من عامه واستوفى الشروط، هذا المقطع الثاني {فما استيسر من الهدي} هذا الإجمال في قوله {الهدي} فصلته السنة أن الهدي لا يكون إلا من بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم، فلا يصح أن يهدي غير ذلك.
وثانيا: أن هذا الهدي ينبغي أن يكون مستوفيا للشروط، فسيبينه المصنف رحمه الله في باب الهدي والأضحية وسنتكلم عليها في شروط الهدي، من كونه: سالما من العيوب، وقد بلغ السن المعتبرة؛ {فما استيسر من الهدي} هذا الهدي السنة فيه في القارن أن يأتي به من بلده أن يسوقه معه من بلده طبعا من ميقات بلده أو من ميقات الموضع الذي أحرم منه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لولا أني قلدت هديي ولبدت شعري لحللت ولجعلتها عمرة)) وقال: ((إني قلدت هديي ولبدت شعري فلا أحل حتى أنحر)) فدل على أنه يسوق الهدي معه كما ساق علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - الهدي؛ ولذلك أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أصحابه من لم يسق الهدي أن يتحلل ويجعلها عمرة؛ فهذا المقطع {فما استيسر من الهدي} {فما استيسر} ليس على إطلاقه؛ قد يقول قائل: لو وجدت جذعة من الغنم دون السن المعتبرة هي مما استيسر نقول: لا، هذا مقيد بما جاء في السنة.
{فما استيسر من الهدي} الهدي يكون من الإبل والبقر والغنم، الإبل والبقر عن سبع كما جاء في السنة من حديث جابر وغيره يجوز الاشتراك فيها، والشاة أو الغنم بنوعيه المعز والضأن عن شخص واحد.
{فما استيسر من الهدي فمن لم يجد} هذا المقطع الثالث، وهو البدل عن الهدي، وشرطه عدم الوجدان؛ فدل على أن من كان قادرا على الهدي لا يجوز له أن يصوم {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} فدلت الآية الكريمة على حكم من لم يجد الهدي للعلماء في قوله تعالى {من لم يجد} وجهان:
الوجه الأول: اعتبار الحال.
والوجه الثاني: اعتبار الصفة، فهو إذا لم يجد لفقر فلا إشكال أنه يصوم لكن لو كان فقيرا في سفره غنيا في بلده أو فقيرا في يوم ولكن يمكنه غداً أن يحول له المبلغ قالوا إنه في حكم الواجد، فله أن يتسلف وأن يذبح، فإذا لم يجد فإنه يكون في حكم غير الواجد كما في الماء إذا وجده الإنسان وعجز عن استعماله.
فالشاهد من هذا أن الذي لم يجد الهدي بين الله أن حكمه الصيام، ثم بين أن هذا الصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيام إذا رجع، هذا هو الأصل أن صيام الهدي في الحج هدي التمتع والقران من عجز عنه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج، فله أن يصوم الخامس والسادس والسابع، وله أن يصوم السادس والسابع والثامن، وله أن يصوم أيام التشريق يؤخر الصيام إلى أيام التشريق، فيصوم الثلاثة الأيام إذا لم يتيسر له صيامها قبل؛ لأنه قال: {في الحج وسبعة إذا رجعتم} أي يصوم سبعة أيام إذا رجع إلى بلده.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/246)
{ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} طيب إذا عجز عن الثلاثة الأيام في الحج ما استطاع فإنه يصوم العشرة كاملة إذا رجع إلى بلده. طيب لو كان آفاقيا ثم جلس في مكة بعد الحج واستقر فيها عنده مثلا مهمة جلس فيها ثلاثة أشهر شهرين يصوم بمكة؛ لأن قوله: {وسبعة إذا رجعتم} بني على الغالب؛ لأن الغالب أن الإنسان بعد الحج يرجع، والنص إذا خرج مخرج الغالب لم يعتبر مفهومه، فلو سألك شخص وقال: صمت ثلاثة أيام في الحج وأنا بلدي مثلا في الرياض ولكن عندي مهمة في جدة بعد الحج عشرة أيام وأريد أن أصوم الأيام الباقية أو عندي مهمة شهرين أو ثلاثة أيام أو أربعة أشهر أريد أن أصوم؟ تقول له: صمها؛ لأن قوله: {إذا رجعتم} خرج مخرج الغالب، والنص إذا خرج مخرج الغالب لم يعتبر مفهومه.
{ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} هذا المقطع الأخير {ذلك لمن لم يكن} ذلك اسم إشارة للبعيد، فالأصل فيه ذلك، لكن المراد هنا أنه استخدم اسم الإشارة للبعيد لوجود البدل الذي فصل بين الأصل وبين اسم الإشارة، فالحنفية أخذوه اسم إشارة للبعيد؛ فقالوا {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} معناه صدر الآية {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} فقال: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} هو لمن لم يكن حاضري المسجد الحرام، فقالوا: إن المكي لا يتمتع، هذا معنى قولهم في الأول إن المكي لا يتمتع.
والجمهور قالوا نعم ذلك اسم الإشارة للبعيد، لكنه ليس على ظاهره هنا من أن المراد به صدر الآية، وإنما الآية جاءت بمشروعية التمتع، ثم بوجوب الدم، فلما أوجبت الدم أدخلت بعد وجوبه البدل عن الدم، فلو أنه قال: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} فلو قال: وهذا لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام أو لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام لفهم أن البدل وهو صيام الثلاثة الأيام والسبعة إذا رجع خاص بالآفاقي وأنه لا يكون لأهل مكة؛ فجاء باسم إشارة للبعيد لكي ينتقل عن البدل إلى الأصل لا أنه ينتقل إلى صدر الآية.
الحنفية قالوا عندنا قرينة تدل على أنه أول الآية؛ لأنه قال: {ذلك لمن} ولم يقل: ذلك على من وهو يقول: {فمن تمتع} والهدي قال: {فما استيسر} فأنت عندك فمن تمتع يعني لك أن تتمتع فيستقيم قوله {ذلك لمن} مع صدر الآية.
فرد الجمهور أن لمن اللام بمعنى على، وهذا معروف في لسان العرب ومنه قوله تعالى: {ومن أساء فلها} وقوله تعالى: {ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} أي عليها عاكفون فيكون قوله {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} أي ذلك على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام فاستقام ردها إلى الدم وليس إلى صدر الآية الكريمة. وهذا هو الأرجح هذا حاصل ما ذكر في استشهاده رحمه الله بالآية الكريمة.
قال رحمه الله: [وإذا أراد القفول لم يخرج حتى يودع البيت بطواف عند فراغه من جميع أموره]: هذا النوع من الطواف يقال له: طواف الوداع، وهو يكون عند الصدر والخروج؛ والأصل فيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمر به الصحابة.
كانت العرب إذا انتهت من مناسكها تخرج من فجاج منى وعرفات إلى بلدانها ومنازلها، فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بزيارة البيت، وذلك أن الحاج نزل إلى البيت وطاف طواف الإفاضة وبقي اليوم الثاني عشر الحادي عشر والثاني عشر، فاستقبح منه أن يخرج إلى بلده دون أن يزور البيت، فشرع الله لعباده أن يكون آخر عهدهم بالبيت طوافا.
وأشارت أم المؤمنين رضي الله عنها إلى ذلك بقولها: ((كان الناس يصدرون -يعني يسافرون- من فجاج منى وعرفات. فأمروا أن يجعلوا آخر عهدهم بالبيت طوافا)).
فقالت رضي الله عنها: فأُمِروا أن يجعلوا آخر عهدهم بالبيت طوافاً وجاء هذا صريحا من قوله عليه الصلاة والسلام: ((اجعلوا آخر عهدكم بالبيت طوافا)).
قوله: ((اجعلوا)): أولا: دل على مشروعية طواف الوداع.
ثانيا: أنه واجب؛ لقوله: ((اجعلوا)) والأمر للوجوب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/247)
ثالثا: قول أم المؤمنين إلا أنه خفف فيه عن الحائض والنفساء؛ فدل على أنه واجب، وهذا مذهب جمهور العلماء رحمهم الله. فلا يخرج إلا بعد أن يطوف طواف الوداع، هذا بالنسبة لهذا النوع من الطواف أنه واجب، ويكون وجوبه عند الخروج عند السفر والذهاب إلى البلد والقفول فقال: إذا أراد القفول.
قال رحمه الله: [وإذا أراد القفول لم يخرج حتى يودع البيت بطواف عند فراغه من جميع أموره حتى يكون آخر عهده بالبيت]: فقال عند فراغه من جميع أموره؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((اجعلوا آخر عهدكم)) فلما قال: ((اجعلوا آخر عهدكم)) دل على أنه لا يكون إلا عند الصدر وعند العزم على السفر، فيرتب أغراضه وشؤونه ثم ينزل ويطوف طواف الوداع، وعلى هذا لا يأتي بطواف الوداع بمجرد انتهائه من المناسك ثم يرجع ويجلس في منزله ثم يسافر بل عليه أن يجعله عند الخروج حتى يكون آخر العهد بالبيت.
قال رحمه الله: [فإن اشتغل بعده بتجارة أعاده]: اشتغل بعده بتجارة وبيع وشراء أعاده هذا فيه تفصيل، إذا كانت تجارة المراد بالتجارة طبعا أن يشتغل بالبيع لكن لو فرضنا أنه اشتغل بالشراء فإن اشترى أغراضا للسفر وهي ما تكون في حكم الخروج لم يؤثر، مثال ذلك: لو أنه أراد أن يخرج طاف طواف الوداع ثم ركب سيارته ثم وقف في محطة مثلا يغير للسيارة زيتها كما هو موجود في زماننا وقف في المحطة حتى يأخذ مثلا أغراضه إما للرفقة أو وقف عند مطعم حتى يشتري طعاما غداء أو يأخذ زاد من الطعام له ولأولاده ورفقته لا يؤثر؛ لأن هذا أصلا في حكم الخروج والتابع تابع، والمراد به الاستعانة على الخروج فهذا لا يؤثر، وهكذا لو أنه غيّر في السيارة شيء يستعين به على الخروج كأن يغير إطارها أو نحو ذلك فهذا لا يقطع الوداع ولا يؤثر فيه.
قال رحمه الله: [ويستحب له إذا طاف أن يقف في الملتزم بين الركن والباب]: الملتزم بين الركن والباب وصف بذلك لأن الإنسان يلتزمه بصدره؛ وفيه حديث مرفوع عن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ((أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - التزمه، وقال: هاهنا يا عمر تسكب العبرات)) والالتزام بالملتزم لا حرج فيه ولا بأس به ولم ينكره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وما يفعله البعض من تبديع الناس وأذيتهم في هذه الأمور التي تعظم بها شعائر الله ليس بصحيح؛ فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم ينكره، وكان معروفا وتناقله العلماء والأئمة رحمهم الله، فإذا ألصق صدره بالبيت فلا بأس عليه ولا حرج؛ وقد جاءت السنة حتى قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((يعوذ عائذ بالبيت)) والحديث صحيح في المهدي لما قال: ((يعوذ عائذ بالبيت)) فالإنسان إذا جاء واستجار بالله عز وجل وألصق صدره بالبيت تعظيما لحرمة الله عز وجل فهذا من توحيد الله وليس من عبادة البيت وليس من عبادة الحجارة كما يظن بعض الجهلة إنما ينكر الشيء الذي فيه وثنية وفي جاهلية، أما الشيء الذي يعظم حرمات الله عز وجل ويقصد به تعظيم حرمات الله فلا ينكر؛ وفي الحديث الصحيح في الصحيحين أنهم قالوا: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة. فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((اقتلوه)) فدل على أنهم كانوا يعرفون التعلق بالأستار والعياذ بالبيت فلم يقل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أيها الناس لا تفعلوا كذا وكذا كان معروفا وموجودا وكونه صدر من ابن خطل لا نقصد أنه فعل الجاهلي حجة لا إنما نقصد أن هذا الفعل كان معروفا وعلمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فلم ينهَ عنه المسلمين ولم يجعله محرّما. فالمقصود أن الحاج والمعتمر إذا فعل ذلك تعظيما لشعائر الله فإنه لا ينكر عليه ولابأس به ولا حرج.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/248)
قال رحمه الله: [فيلتزم البيت ويقول اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا، وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري، فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي، غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم اصحبني العافية في بدني والصحة في جسمي، والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك على ما أبقيتني واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير]: هذا الدعاء دعاء مخصوص ذكره المصنف رحمه الله لكن بينّا أنه لا تكون هناك أدعية مخصوصة إلا إذا كانت ثابتة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فالدعاء المخصوص في الزمان المخصوص أو في العبادة المخصوصة توقيفي، لا يؤمر الناس بدعاء مخصوص إلا إذا كان مما شُرع، وهذا الدعاء الحقيقة ليس فيه أثر صحيح، أُثر عن بعض الصحابة بعض الأدعية لكن المنبغي أن يترك الناس يسألون الله عز وجل بما يتيسر، وإذا سأل بالسنة والوارد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من جوامع الدعاء كما بينّا غير مرة فهو أفضل وأكمل، وليس لأحد أن يضع للناس دعاء خاصا في طواف الوداع، ولا دعاء خاصا في أي طواف من الأطوفة إلا إذا كان هذا الدعاء ثابتا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؛ وعلى هذا فإنه لا حاجة إلى مثل هذا.
قال رحمه الله: [ويدعو بما أحب ثم يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -]: يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الدعاء؛ لأن لها فضيلة عموما أن الدعاء الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أسباب قبول الدعاء واستجابته الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأحاديث في هذا واضحة؛ ولهذا شرع للمصلي في التشهد أن يبدأ أولا بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ثم يتخير من المسألة ما شاء كما صح بذلك الأثر عنه عليه الصلاة والسلام.
قال رحمه الله: [فمن خرج قبل الوداع رجع إليه إن كان قريبا]: فمن خرج قبل أن يطوف طواف الوداع: طواف الوداع واجب على غير مكي، فأما المكي فلا طواف عليه. أما بالنسبة لغير المكي فمن كان فوق مسافة القصر يعني مسافة خمس وسبعين فأكثر إلى ثمانين كيلو فلا إشكال أنه يودع، لكن من كان دون مسافة القصر وهو في حكم حاضري المسجد الحرام: هل يودع أو لا؟ الأشبه أنه يودع؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعل النص عاما فقال: ((اجعلوا آخر عهدكم بالبيت طوافاً)) فهو خارج، ومن هنا مادام أنه خارج الحرم الأشبه فيه أنه يودع لعموم النص، واستثني المكي للإجماع، وبقي ما عداه للأصل. ولذلك من كان بين المواقيت وبين مكة سواء بلغ مسافة القصر أو لم يبلغ كأهل الجموم ومر الظهران وأهل حَدّه ونحوهم كأهل الكُرّ دون الطائف ونحوهم كلهم يودعون؛ لأن النص عام واستثني المكي للإجماع.
قال رحمه الله: [وإن بعد بعث بدم]: وإن بعد بمعنى أنه خرج وتباعد عن مكة؛ فعليه دم. هذا فيه تفصيل: إن خرج ولم يودع وكان على مسافة القصر فأكثر فالعبرة بمسافة القصر، وإن كان دون ذلك فالعبرة بالابتعاد لكن الأشبه أنه يستقيم رجوعه مادام أنه دون مسافة القصر، فمن كان دون مسافة القصر وخرج ثم تذكّر فله أن يرجع مادام أنه لم يبعد عن مكة ولم يصدر منها صدور المسافر فيرجع ويتدارك هذه المسألة تعرف بمسألة التدارك: ما يمكن تداركه وما لا يمكن تداركه، فمادام أنه على مسافة القصر فأكثر ولم يبلغ مسافة القصر فيمكنه أن يتدارك أما لو خرج ووصل إلى بيته ووصل إلى أهله ثم أراد أن يرجع نقول: لزمك الدم رجعت أو لم ترجع؛ لأن المراد أن يكون آخر عهدك بالبيت طوافه وقد وصلت إلى أهلك فلست بمودع وحينئذ يجب عليه الدم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/249)
قال رحمه الله: [إلا الحائض والنفساء فلا وداع عليهما]: لا يجب طواف الوداع على الحائض والنفساء لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال في أم المؤمنين لما حاضت قال عليه الصلاة والسلام: ((عقرى حلقى أحابستنا هي؟ ثم قال ألم تكن طافت يوم النحر قالوا نعم قال فلا إذا)) فدل على أنها لا تحبس لأنها طافت طواف الإفاضة، وقال لها: ((انفري)) يعني اخرجي ولا يلزم عليك طواف الوداع، ومن هنا دل الحديث على سقوط طواف الوداع عن الحائض، وكذلك أيضا قالت عائشة رضي الله عنها إلا أنه ((خفّف عن الحائض والنفساء))، كذلك عن ابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وأفتى به الصحابة رضوان الله عليهم أن الحائض والنفساء يسقط عنها طواف الوداع، لكن ما يسقط عنها طواف الركن وهو الإفاضة، ويجب عليها أن تبقى حتى تطوف طواف الإفاضة؛ وذلك لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - منع أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- من طواف الركن وهي حائض وقال: ((اصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) منع الحائض من الطواف بالبيت فلا يستطيع أحد أن يجتهد ويقول عليها أن تطوف بالبيت ولو كانت حائضاً، هذا مخالف للنص، ثم جاء النص الذي يؤكد ذلك ويقول: ((عقرى حلقى أحابستنا هي؟!)) فيقول البعض: والله هي حتى سافر ورحلتها ستأخذها يا سبحان الله! لو حصل لها أقل خلل في أمورها الدنيوية وحصل أن ضاع لها أي شيء وثيقتها أو شيء لأُخّرت ولبقيت ولو بقيت حتى شهورا، أما في الركن الذي هو من الركن عبادتها والركن ركن الإسلام هذه ما تؤخّر بل يجب عليها أن تبقى حتى تطهر وتطوف بالبيت؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حرم على الحائض أن تطوف بالبيت، فلا يصح منها أن تطوف ولو طافت وهي حائض أثمت ولم يجزها، وقد تكلم شيخ الإسلام على هذا الأصل في شرط الطهارة والطواف بالبيت، وبيّن أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - منع الحائض، وأنه لا وجه لامرأة حائض أن تطوف، ولا يعتد بهذا الطواف في إجزائها بهذا الركن كما في شرحه على العمدة.
قال رحمه الله: [ويستحب لهما الوقوف عند باب المسجد والدعاء]: الاستحباب حكم شرعي، ولا يستطيع أحد أن يقول: إن هذا مستحب إلا إذا كان ثمَّ دليل يدل عليه، ولذلك لم يرد دليل بأن من أراد أن يودع أن يقف عند باب مكة ويدعو؛ لكان ما استطاع أحد أن يدخل؛ كان مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مائة ألف لو وقفوا على أبواب الحرم ما استطاع أحد أن يجد بابا يدخل منه. هذه أمور يجب أن يتوقف فيها للوارد. أمر الناس بالوقوف وتخصيص العمل المعين دون نص ويقال: إنه مستحب هذا لا إشكال في عدم قبوله، بل ينبغي أن يؤمر الناس بالاستحباب بما ثبتت السنة وثبت النص باستحبابه، وأما هذا فليس هناك دليل يدل على الوقوف عند أبواب المسجد الحرام ومزاحمة الداخلين. أبواب المسجد وطرقات ومنافذ لدخول المصلين والعابدين فوقوفهم يؤذي الناس ويضيّق على الناس بل لو قيل بحرمته لكان قويا خاصة في الزحام، وقد تقف المرأة فتفتن الناس وقد يقف الرجل فيؤذي النساء، وعلى كل حال لا يوقف على أبواب المسجد في طواف الوداع.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[29 - 10 - 07, 11:55 ص]ـ
قال الإمام المصنف رحمه الله: [باب أركان الحج والعمرة] بعد بيّن رحمه الله صفة الكمال شرع في الإجزاء ببيان الأركان والواجبات في الحج والعمرة، فقال: أركان الحج وأتبعها بالواجبات.
الركن ركن الشيء الذي تتوقف عليه في اللغة الركن هو الدِّعامة دعامة الشي ء، فركن البيت دعامته التي يكون عليها، والبيت يقوم على الأركان إذا زالت زال البيت، ومن هنا العبادات تقوم على الأركان إذا لم توجد لم يحكم بوجود العبادة.
وهذا المصطلح وضعه العلماء؛ لأن الشريعة فرّقت بين قول وقول. وفرّقت بين فعل وفعل، فهناك أفعال جعلتها مؤثرة في العبادة، وهناك أفعال لم تجعلها مؤثرة في العبادة. وهناك أقوال جعلتها مؤثرة في العبادة وأقوال لم تجعلها مؤثرة في العبادة، وقد بيّنا هذا في أركان الصلاة وواجباتها، وكذلك الحج له أركان وواجبات ومستحبات وسنن.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/250)
قال رحمه الله: [باب أركان الحج والعمرة]: الركن تتوقّف عليه الماهية، بخلاف الشرط والواجب، وعلى هذا فإن أركان الحج لا يمكن أن يحكم بالحج إلا بها، وجمعها لتعددها، وكذلك العمرة لها أركان وجمعها لتعددها واختلافها.
قال رحمه الله: [أركان الحج: الوقوف بعرفة]: الوقوف بعرفة وهو ركن الحج الأعظم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((الحج عرفة))، وفي الحديث الصحيح عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن أناسا من نجد أتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقالوا: يا رسول الله، كيف الحج؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((الحج عرفة من أدرك عرفة ليلة جمع قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج)) هذا الحديث حديث صحيح رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة بسند ثابت، وفيه دليل أن الحج عرفة، أي ركن الحج الأعظم عرفة، وقد عبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بأسلوب التعظيم، ولذلك هذا الركن هو الذي أجمع العلماء على أن الحج يفوت بفواته، ولذلك يقول العلماء: أنه هو الركن الأعظم؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عظمه حتى جعله الحج كله، وليس المراد أن الحج كله في عرفة، كما يعتقد بعض الجهلة أنه إذا جاء إلى عرفة فالباقي ليس بالواجب، وإنما خرج منه مخرج التعظيم كقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا ربا إلا في النسيئة)). وهي أساليب معروفة في لسان العرب.
هذا الوقوف ليس المراد به الوقوف على القدمين، فإذا دخل عرفات في وقتها المعتبر أي ساعة من ليل أو نهار دخل فيها واقفا أو جالسا أو محمولا أو كان في هذا الموضع ولو مضطجعا ولو منسدحا فإنه يعتد به ويعتبر وقوفا، لكن أن يكون عاقلا ساعة الوقت المعتبر، وعلى هذا فإنه يصح وقوف من جلس بعرفة في الزمان المعتبر سواء كان نائما أو مستيقظا، واشترطنا أن يكون عاقلا فلو كان مجنونا أو سكرانا أو مخدرا لم يصح وقوفه، وعلى هذا فلو فقد عقله أو أغمي عليه. المغمى عليه فيه قولان، لكن إذا فقد عقله بالجنون أو بالسكر لم يصح وقوفه، سواء كان سكره على وجه يعذر به أو على وجه لا يعذر به، لكن في زماننا مسألة لو أن شخصا سأل: هذا الرجل جاء للحج وقبل يوم عرفة احتيج لعملية جراحية فخدر، فوضع المخدر وجاء يوم عرفة أو وضع المخدر لعلاج أمر ضروري وهو بعرفة لم يكن في الوقت المعتبر وجاء الوقت المعتبر كيف نصحح حج هذا؟، نقول: إن أفاق قبل انتهاء الوقت المعتبر ولو بلحظة من مخدّره صح وقوفه، وأما لو بقي في مخدره حتى طلع الفجر من يوم النحر فإنه لا يصح، وحصل بعض المسائل مرت علينا فإنه ينقل حتى يفيق من مخدّره إذا كان قدر الأطباء أنه يأخذ ساعة ساعتين وبقي على الفجر ثلاث ساعات أو أربع ساعات يمكنه أن يدرك الحج؛ فحينئذ ينقل ولو بالإسعاف ولو بالسيارة ولو للحظة واحدة يقع بها الوقوف. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((من صلى من صلاتنا هذه ووقف وقوفنا هذا أي ساعة من ليل أو نهار وكان قد أتى عرفات من أي ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه)) هذا بالنسبة لاشتراط العقل.
أما إذا كان الشخص نائما فالنائم لا إشكال فيه؛ لأن النائم إذا أيقظته يستيقظ، والمجنون إذا أيقظته لا يستيقظ، وإذا نبهت النائم ينتبه، والمجنون والمغمى عليه والسكران والمخدّر لا يمكن أن يرجع إلى عقله و صوابه، ومن هنا اختلف عن النائم، ولذلك النائم كما ذكر العلماء وبين العلماء والفقهاء في كتب في قواعد الفقه: يستصحب فيه الأصل ولذلك إذا نام وهو عاقل فهو في حكم العاقل، ولذلك يطالب بقضاء العبادة في مسألة التكليف، ولكن يؤمر بالفعل بعد القدرة والتمكن.
الشاهد إذا كان مغمى عليه أغمي عليه إذا صدمته السيارة قبل الزوال، وقلنا الوقوف يبدأ بالزوال. فلما صدمته السيارة قبل الزوال أغمي عليه وبقي مغمى عليه اختلف العلماء فيه على قولين:
قال بعض العلماء: المغمى عليه يصح وقوفه. وهو مذهب الحنفية و المالكية.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/251)
وقيل: لا يصح وقوفه كما هو مذهب الشافعية والحنابلة، وقد بينا في مسائل العبادات المتقدمة أن المغمى عليه في حكم المجنون، والسبب في الخلاف هنا هل يلتحق بحكم النائم أو بحكم المجنون؟ والصحيح أنه في حكم المجنون؛ لأن المغمى عليه إذا نُبه لا يتنبه، وإذا أوقظ من غيبوبته لا يستيقظ، فلا يصح قياسه على النائم.
وعلى هذا لابد وأن يكون عاقلا. لا يشترط للوقوف الطهارة، فيصح الوقوف من الحائض ومن الجنب ومن النفساء؛ والدليل على ذلك قول عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها: ((اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت))؛ ولأن عائشة رضي الله عنها وقفت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهي حائض، فدل على أنه يصح الوقوف من غير المتطهر، والأفضل أن يكون متطهرا.
كذلك لا يشترط في هذا الوقوف الطهارة في الثوب والبدن الذي يقف فيه على الأصل الذي ذكرناه في الطهارة من الحدث كما لا تشترط طهارة الحدث لا تشترط طهارة الخبث.
وأما بنسبة لوقت الوقوف فأولا أجمع العلماء على أنّ من وقف بعد زوال الشمس إلى أن تغيب الشمس ودفع مع الإمام أن وقوفه صحيح مجزئ معتبر؛ لأنّه وقوف النّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأصحابه في حجّة الوداع من زوال الشمس بعد الزوال إلى مغيب الشمس وذهاب الصفرة هذا موقف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وبالإجماع معتبر.
ثانيا: أجمع العلماء على أنه لو وقف بعرفة قبل طلوع الفجر من يوم عرفة أو بعد طلوع الفجر من يوم العيد -عيد النحر- يعني تقدّم على الوقت أو تأخر أنه غير معتد بهذا الوقوف، فلو أنّ شخصا ليلة عرفة ذهب قبل الفجر بنصف ساعة فوقف بعرفة ثم دفع، فليس له حج ووقوفه غير معتد به، ولو أن شخصا ذهب إلى عرفات ولم يصل إلى عرفات إلا بعد أذان الفجر من يوم العيد لم يعتد بوقوفه إجماعا؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((فمن أدرك عرفات قبل الفجر فقد أدرك الحج)) وكذلك قال عبدالله بن عمر: ((من أدرك عرفة من ليلة جمع قبل الفجر فقد أدرك الحج)) فإذا كان أدرك ما بعد طلوع الفجر أو أدرك قبل طلوع الفجر من صبيحة يوم عرفة؛ فإنه لا يجزيه.
ثالثا: مما أجمعوا عليه إذا وقف بعد غروب الشمس وقبل طلوع الفجر من يوم النحر أي ساعة ولو للحظة واحدة بعرفة صح ذلك وأجزأه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صحّح وقوف عروة بن مضرس حينما وقف بالليل، وقال: ((وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار)) فوقوف الليل قليله وكثيره سواء حتى ولو للحظة، بل حتى لو ركب سيارته وهو لا يعرف عرفات ثم ذهب السائق ومرّ بداخل عرفة بعد غروب الشمس ولو للحظة؛ فإنه يجزيه، فالقصد غير مؤثر؛ لأن المراد أن يكون جرمه وجسمه داخل حدود عرفات في هذا الوقت المعتبر.
إذًا ما كان بعد الزوال إلى غروب الشمس موقف بإجماع، وما كان بعد مغيب الشمس أي ساعة قليلا كان أو كثيرا إلى أن يطلع الفجر موقف بإجماع، فهذان الموضعان محلّ إجماع، وما كان قبل طلوع الفجر من صبيحة عرفة ليس بموقف إجماعا، وما كان بعد طلوع الفجر من صبيحة يوم النحر ليس بموقف إجماعا. بقي السؤال: إذا وقف بعد طلوع الفجر من يوم عرفة وقبل الزوال؟
فللعلماء في هذه المسألة قولان، وكذلك أيضا إذا وقف بعد الزوال ودفع قبل غروب الشمس، ففيه أيضا قولان.
أما بالنسبة لوقوفه بعد طلوع الفجر إلى زوال الشمس وخروجه قبل زوال الشمس فالجمهور على أن وقوفه غير صحيح، وأنه لم يحج، والواجب عليه أن يرجع ويدرك أي ساعة معتدّ بها على التفصيل الذي ذكرناه، وإلا كان غير حاجّ ولزمه أن يتحلّل بعمرة شأنه شأن من فاته الحج. من وقف بعد طلوع الفجر وقبل زوال الشمس من يوم عرفة لم يعتد بموقفه، وهذا هو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في إحدى الروايتين عن الإمام أحمد وانتصر لها شيخ الإسلام في الشرح.
القول الثاني: أنه يجزيه، وهي رواية ثانية عن الإمام أحمد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/252)
واحتجّ الذين قالوا بعدم الإجزاء بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أتى من منى ونزل بنمرة، ولما نزل بنمرة نزل قبل الزوال، وانتظر حتى إذا زالت الشمس خطب الناس ثم بعد ذلك دخل بالعشي، فدلّ على أن الموقف لا يبدأ إلا عشيته، دل على أن الموقف لا يبدأ إلا عشية. قلنا إذا وقف قبل الزوال فللعلماء قولان:
قول للجمهور أنه لا يصحّ موقفه ولا يقع حجه.
وقول إنه يصحّ حجه ويعتد به؛ وعليه دم إذا لم يرجع قبل المغيب على التفصيل في المذهب.
القول الأول: للجمهور قالوا لم يصح حجه لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نزل بنمرة، ونمرة ليست من عرفة إجماعا، وقالوا لا يمكن أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يترك فضل النزول في المشعر والمنسك وهو عرفات وينزل قبل حدوده ويتكلف هذا النزول إلا لأن الوقت لم يحن بعد للعبادة، ولذلك السنة واضحة في الدلالة على أنه لا موقف إلا بعد الزوال.
ثانيا: أن النصّ دلّ على أنّ عرفة لعشيتها، وقد جاء النص صريحا أن المباهاة في عشية عرفة، ومعنى ذلك أن عرفة معتدّ بها بالعشيّ، والعشيّ من بعد منتصف النهار؛ لأن الغَدْوة من أول النهار، والعشي من آخر النهار، ويبدأ العشي من بعد الزوال، فقالوا إن هذا يدل على أنه لا يكون الموقف إلا بعد الزوال، هذا من جهة النص. ومن جهة النظر قالوا إنها عبادة مؤقتة لا تصح إلا بعد الزوال كالرمي، ولذلك لا يبعد أن يكون الوقوف بعد الزوال، وأن يكون الرمي بعد ذلك بعد الزوال، وكأن الزوال حدّ بهذه العبادات، فقالوا لا يصح الوقوف قبل الزوال كما لا يصح الرمي قبل الزوال، كذلك أيضا قالوا قياس ثان هذا من قياس شعيرة على شعيرة في العبادة نفسها وهي الحج، وقاسوا نظيرا على نظيره من خارج، فقالوا لا يصح الوقوف قبل الزوال كما لا تصح صلاة الظهر قبل الزوال، هذه حاصل حجج الجمهور النقلية والعقلية، ولذلك قال الأئمة كل من تأمل النقل والعقل ظهر له بجلاء أنه لا موقف في عرفة إلا بعد زوال الشمس وهذا هو القول المعتد به والمعتبر. هذا حاصل ما يقال بالنسبة للوقوف ولزمانه المعتبر.
قال رحمه الله: [وطواف الزيارة]: الركن الثاني طواف الزيارة. الطواف بالشيء الدوران، والمراد هنا دوران مخصوص بشيء مخصوص بنية مخصوصة.
والدوران المخصوص هنا: دوران بالبيت الحرام.
على صفة مخصوصة: من الشرائط المعتبرة للطواف بالبيت.
الدوران بشيء مخصوص هو البيت، والمراد به البيت العتيق، وهو البيت الذي بناه الخليل عليه السلام وعليه فلابد في الطواف أن يدخل الحجر وسيأتي بيانه في الشروط.
بنية مخصوصة: وهي نية التقرب إلى الله عز وجل كما سيأتي في الشروط.
هذا الطواف وهو طواف الزيارة أجمع العلماء على أنه ركن من أركان الحج؛ والدليل عليه قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق} فأجمع العلماء على أن قوله: {وليطّوّفوا بالبيت العتيق} المراد به طواف الركن وهو طواف الإفاضة، وكلهم متفقون على أنه ركن من أركان الحج، وهذا الطواف هو طواف الركن بالنسبة لمسائله طبعا أول شيء يشترط لكل طواف خاصة إذا كان واجبا النية، والنية أن يقصد الطواف ويقصد التقرب لله عز وجل. فالنية فيها: أمران أن يقصد العبادة، فلو أنه دخل وطاف بالبيت يبحث عن صديق فأتم سبعة أشواط، أو دخل وضاع ابنه فجلس يطوف يبحث عنه ثم نواه عن الإفاضة لم يجزه؛ لأنه لابد أن ينويه عبادته: القصد؛ قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله} وهذا لم يقصد عبادة الله إنما قصد أمرا دنيويا، يشترط النية، ويشترط النية لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) فدل على أنه إذا نوى الإفاضة فهي إفاضة، وإذا لم ينو إفاضة فليست بإفاضة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/253)
الشرط الثاني: أن يكون الطواف داخل المسجد الحرام، فلا يصح الطواف من خارج المسجد الحرام؛ والدليل على ذلك قوله تعالى: {وطهرا بيتي للطائفين والعاكفين} فقال: {وطهرا بيتي} والمراد المسجد فدل على أنه لا يصح الطواف في غير المسجد، ويستوي في المسجد بطن المطاف والرُّواق ولو حال بينه وبين البيت حائل مثل أن يحول زمزم وأبنية زمزم في القديم ومقام إبراهيم فهذه حوائل لا تؤثر في الطواف، ولكن الذي يؤثر الخروج عن المسجد، يستوي أن يكون طائفا في الدور الأول أو في الدور الثاني أو الثالث؛ لأنه طائف بالبيت ودار بالبيت، وسطح المسجد كأرضه؛ ولذلك أجمع العلماء على أنه لو صعد إلى سطح المسجد وهو معتكف فإنه لا يبطل اعتكافه؛ وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((من ظَلَم قِيْد شبر من الأرض طوّقه يوم القيامة من سبع أرضين)) فجعل أسفل الشيء كأعلاه؛ فدل على أن أعلاه كأسفله؛ ولأن من ملك دارا ملك هواها، ولذلك له أن يبني في أدوارها وهذا ملك له، فهذا يدل على أن السقف يأخذ حكم الأرض ويجوز الطواف فيه والأفضل أن يطوف في الأسفل لقوله تعالى: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه}.
الشرط الرابع: أن يبتدئ بطوافه من الحَجَر، وعلى هذا فلو ابتدأ من دون الحجر لم يصح كأن يبتدئ من عند الباب أو بعد الحجر ولو بخطوة واحدة فإنه يجب عليه أن يرجع ويبتدئ من الحجر؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابتدأ من الحجر وأمر بالطواف سبعة أشواط، وفعل ذلك وفعله بيان لواجب فهو واجب.
الشرط الخامس: أن يستتم هذه الأشواط السبعة، فلو أنقص منها خطوة واحدة كأن يطوف وقبل الحجر بخطوة يخرج فإنه يجب عليه أن يتم الشوط الذي انتقصه ولا يصح منه إلا إذا كان تاما.
الشرط السادس: الطهارة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((الطواف بالبيت صلاة)) وهذا الحديث صححه غير واحد وقووا رفعه، ونص فيه على أنه صلاة فيأخذ حكم الصلاة؛ والصلاة لا تصح بدون وضوء؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور))؛ كذلك أيضا من الأدلة على اشتراط الطهارة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طاف متوضئا كما في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة عنها -رضي الله عنها- أنه ابتدأ أول شيء بالوضوء ثم استلم الحجر، فما طاف إلا وهو متوضئ؛ ومن الأدلة أيضا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى الحائض أن تطوف بالبيت؛ لأنها غير متطهرة، فدل على اشتراط الطهارة.
الشرط السابع: ستر العورة، فلا يصح الطواف من العريان؛ وفي الصحيحين عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه بعث إلى مكة أبابكر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - في الحج الذي سبق حجة الوداع ينادي: ((أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان)) فدل على أنه لا يصح الطواف من العاري، ويعتبر في ستر العورة ما يعتبر في الصلاة وقد تقدم، فلو طاف وانكشفت عورته أثناء الطواف بطل شوطه أو بطل طوافه وجهان للعلماء على افتراق الأشواط أو استتمام الطواف في كله.
ومما أكد ستر العورة أن ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} أنها نزلت في عراة المشركين، كانت المرأة تطوف عارية إذا كانت من الحُمُس، وتطلب الثوب من غير الحُمُس. وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
فنزل قوله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} فأمر بالستر للطواف، فدل على لزومه ولكن قدمنا دلالة الحديث؛ لأنها أقوى.
الشرط الثامن: الموالاة، فلا يفصل بين الأشواط السبعة بفاصل مؤثر، فإذا أقيمت الصلاة وهو يطوف قطع فصلى ثم رجع إلى المكان الذي قطع منه والأفضل أن يرجع من أول الشوط، فلو أقيمت الصلاة وهو في الشوط السادس وقف في مكانه فصلى ثم اعتد من المكان، والأفضل أن يرجع إلى الحجر ويلغي ما مشاه ويأتي بالشوط السادس من أوله، ولكن لو بدأ من موضعه أجزأه، فهذه كلها شروط ينبغي اعتبارها في الطواف، وينبغي كذلك أيضا من الشروط أن يكون الطواف بالبيت كله، فلو أنه اقتطع من الطواف جزءاً مثل أن يدخل بين الحجر وبين الكعبة لم يجزه؛ لأن في الحجر عدداً من الأذرع تعتبر من البيت؛ والدليل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/254)
على اشتراط أن يدخل الحجر قوله تعالى: {وليطّوّفوا بالبيت العتيق} والعتيق هو القديم، فأمر بأن يستتم البيت بالطواف. هنا مسألة وهي: أن الشاذروان ومعاقد أزر البيت من المعروف أن فيه الحَجر في الأرض تقاصر منه البناء فانسحب إلى داخل البيت وإلا هو استتمامه الشاذروان هذا من البيت، ولذلك إذا جاء يطوف البعض يرقى على هذا الحجر من أجل أن يقبّل، فإذا احتسب هذا من البيت فحينئذ يكون قد أخل بطوافه ولذلك ينصح هؤلاء أن لا يرقوا على الحجر؛ لأن هذا الجزء أصله من البيت، وكان المفروض أن يكون طوافه من قبل الحجر لا على الحجر، وهذا قد مشى المسافة هذه كلها فتجده على وزرة سترة الكعبة يزاحم الناس ليصل إلى الحَجَر، فتجده قد اقتطع من البيت، ولذلك ينبغي أن يكون طوافه بالبيت تاما كاملا، وهكذا إذا جاء عند الحِجْر بعضهم يضع يده على الحِجْر طبعا آخر الحجر لا إشكال في ذلك أنه ليس من البيت لكن إذا جاء من أول الحِجْر فإن هذا القدر من البيت، ولذلك يجب أن يستتم البيت بطوافه كما نبه عليها الأئمة -رحمهم الله- هذه كلها شروط معتبرة لصحة الطواف.وطواف الإفاضة ركن من أركان الحج كما ذكرنا.
على هذا السعي ليس بركن؛ والصحيح أنه ركن وسيأتي، والنية لم يعتبرها المصنف ركناً ولكنها ركن وفصّل بعض العلماء فيها، بأن بعض العلماء أغفلها في الأركان لشبهيتها بالشرطية، ومنهم من أغفل الشرطية لشبهيتّها بالأركان، وتوضيح ذلك: أن النية تارة تعامل معاملة الشرط، وتارة تعامل معاملة الركن، ومن هنا لو أن شخصًا جاء إلى الميقات ولم ينو لم نقل إنه قد حج ولم نقل إنه قد دخل في نسك العمرة فليس بمعتمر ولا حاج بلا إشكال، فهذا في نفي الدخول، ولو أن شخصاً أحرم بالعمرة في غير رمضان ثم دخل وابتدأ طواف العمرة في شوال لكان متمتعا مع أن النية قد وقعت في غير أشهر الحج قالوا الأول لشبهية الركن، والثاني لشبهية الشرطية، ومن هنا مسألتها دقيقة، والتفريق في الموضعين يحتاج إلى فقه، وهي في شبهيتها بالركنية قوية جدا، لكن النية يتنازعها أمران: أولها الشبهية بالركنية من ناحية الدخول في النسك، وشبهيتها بالشرطية من جهة الاعتداد بالدخول في النسك كما ذكرنا من جهة الاعتداد، وعلى هذا فإن النية في مذهب طائفة من العلماء أنها ركن حتى في المذهب منهم من نص واعتبرها ركنا.
قال رحمه الله: [وواجباته الإحرام من الميقات]: الإحرام من الميقات يعني الاعتداد بالميقات وليس مراد الإحرام الدخول؛ لأن الدخول هو النية، وإنما مراده أن يحرم من الميقات بمعنى أن يعتد بالميقات المكاني؛ وهذا واجب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((هن لهن)) ومن أحرم من دون الميقات فعليه دم في قول جماهير العلماء -رحمهم الله- وقد بيّنّا دليل وجوب الإحرام من المواقيت في باب المواقيت.
قال رحمه الله: [والوقوف بعرفة إلى الليل]: والوقوف بعرفة إلى الليل وهي المسألة التي أخرناها في مسألة الوقوف أن من وقف من بعد الزوال ينتظر إلى غروب الشمس بعبارة أخرى أنّ من وقف في جزء النهار عليه أن يمسك جزءاً من الليل، وأن من وقف من الليل لم يعتد له بالنهار، وعلى هذا فلو أنه جاء قبل غروب الشمس بوقت طويل أو قصير أو بعد الزوال في الوقت المعتبر لابد أن ينتظر إلى الغروب ويمسك جزءاً من الليل؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انتظر حتى سقط قرص الشمس وذهبت الصفرة كما في حديث جابر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - في الصحيح، فلو أنه خرج من عرفات قبل دفع الإمام يعني خرج قبل الغروب ولو بلحظة، إذا خرج قبل الغروب فعلى حالتين:
إما أن يرجع وينتظر إلى الغروب، أو يرجع بعد الغروب ويجلس ولو للحظة ثم يصدر؛ فحينئذ يسقط عنه الدم؛ لأنه تدارك، وأما إذا لم يرجع وبقي على ما هو عليه فإنه يجب عليه دم؛ ما الدليل على اشتراط أن ينتظر إلى الغروب؟ الدليل: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال في حديث عروة بن مضرّس: ((وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار)) فجعل النهار مطلقا ثم قيّده بالسنة، فقيّده بالسنة ابتداء وقيده بالسنة انتهاء في وقوف النهار، فدل على أنه لا يصح أن يقف قبل الابتداء ولا يدفع قبل الانتهاء، فإذا دفع قبل الانتهاء لزمه الدم؛ لأنه قد وقف في الوقت المعتبر،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/255)
فنقول: من وقف قبل غروب الشمس ولو للحظة صح حجه؛ لقوله: ((وكان قد أتى عرفات أي ساعة من ليل أو نهار)) ويجب عليه الدم؛ لأنه خالف فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الذي جاء بيانا لواجب فحينئذ يجب عليه الدم جبرانا لهذا النقص الواجب. لكنه إذا خرج ورجع قبل الغروب فلا إشكال إن رجع بعد الغروب ففيه إشكال، والأوجه أنه يجب عليه الدم إذا رجع بعد الغروب؛ لأن الاعتداد إلى أن تغرب الشمس.
قال رحمه الله: [والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل]: والمبيت بمزدلفة فهو واجب من واجبات الحج؛ لأن الله عز وجل قال: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين} فأمر سبحانه وتعالى بالوقوف عند المشعر، وفسّرت السنة ذلك بالمبيت تمهيدا للوقوف، وبات عليه الصلاة والسلام بالمشعر وهو مزدلفة، وقال: ((خذوا عنيّ مناسككم)) فدل على وجوبه، وهذا المبيت من العلماء من قال: يجب أن يبيت الليل كله إن أدركه تاما ولا يجوز له أن يخرج قبل الفجر حتىّ يقف بالمشعر.
ومنهم من قال: إذا جاء إلى مزدلفة العبرة أن يبقى ولو للحظة حتى ولو حطّ رحله ثم مشى أجزأه كما يقول المالكية، ومنهم من يقول إنه ينتظر إلى منتصف الليل كما يقول الشافعية وفي المذهب أيضا هذا القول.
والصحيح أنه إذا جاء قبل الفجر لا يجوز له أن يخرج حتى يقف بالمشعر؛ لأن الله عز وجل أمر بذكره في المشعر، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعل ذلك وألزم به الصحابة، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أذن للضعفة من أهله، فإذا تأمّلت الحديث الصحيح عن أسماء -رضي الله عنها- قالت: ((أي هنتاه ما أرانا إلا غلّسنا. قالت رضي الله عنها إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أذن للضعن)) يعني النساء والضعفة فقولها: ((أذن)) والإذن استباحة لمحظور، ومن هنا قالوا إنه رخّص للضعفة والعجزة من أهله، والرخصة استباحة للمحظور، فدل على أن الأصل الوجوب، ولا يرخص إلا للضعفة ومن في حكمهم من الصبيان والنساء وكبار السن والمرضى ومن يقوم عليهم ممن لا يمكن أن يصبر عنه أو يحتاجون إليه من أجل نقلتهم.
المبيت بمزدلفة ثم إذا قلنا إنه يرخص فيه للضعفة، فهل يخرج الضعفة بعد منتصف الليل أو يخرجوا بعد سقوط القمر؟ قال جمهور القائلين بالمبيت: الشافعيّة والحنابلة قال الجمهور إن العبرة بمنتصف الليل. وقال بعض العلماء -وهو رواية عن الإمام أحمد-: إن العبرة بسقوط القمر، وإذا تؤملت النصوص أن الإذن للضعفة ليس فيه نص يدل على منتصف الليل تحديداً، ولكن حديث أسماء -رضي الله عنها- أنها قامت تصلي وهو في الصحيح قالت لابنها عبدالله: هل غاب القمر؟ قال: لا فقامت تصلي، ثم قالت: هل غاب القمر؟ قال: لا. ثم قالت في الثالثة: هل غاب القمر؟ قال: نعم. فدفعت. قالوا إن هذا تفسير للرخصة، وأنها امتنعت من الدفع حتى غاب القمر، ومغيب القمر يكون لبقاء منزلتين من منازل القمر قبل الفجر، وهذا أقل من ساعتين بالتقدير عند أهل الحساب والفلك لأقل من ساعتين يغيب القمر قبل الفجر، وهو يعادل سبع الليل أو الثلث إذا كان الليل من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر فهو السبع للكل والثلث للقدر الذي ذكرناه، هذا القدر بعض العلماء يقول تبتدئ منه الرخصة، واعتدوا بمنتصف الليل؛ لأنه ثبت أنه أذن للضعفة ولم يأت ما يفسر، والإذن يكون بعد الدخول في أكثر الليل، وأكثر الليل يبدأ بعد منتصف الليل، ومن هنا قالوا إنه بعد منتصف الليل يجوز له أن يدفع، والحقيقة أن فعل أسماء فيه تحوط أكثر أن ينتظر للضعفة إلى سقوط القمر.
قال رحمه الله: [والسعي]: والسعي بين الصفا والمروة: الصحيح أنه ركن من أركان الحج؛ وقد بيّنا ذلك في قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} فهي من شعائر الله الواجبة كالوقوف بعرفة، كما أن الوقوف بعرفة من شعائر الحج وهو ركن كذلك أيضا السعي بين الصفا والمروة يعتبر لازما من هذا الوجه. أكدت هذا السنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في حديث حبيبة بنت أبي تجرات -رضي الله عنها- وفيها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سعى بين الصفا والمروة وقال: ((أيها الناس إن الله كتب عليكم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/256)
السعي فاسعوا)) فقوله: كتب بمعنى فرض، فدل على لزومه، وكذلك أيضا قالت أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها-: ((لعمري لا أتم الله حج من لم يسعَ بين الصفا والمروة))؛ ولأن الله عز وجل قال: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} فجعل تعظيم الشعائر من تقوى القلوب وجعل الصفا والمروة من الشعائر، والتقوى فعل الفرائض وترك المحارم، فدل على أنها فريضة. فالشاهد أن النصوص قوية؛ وفي الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه أمر من كان من لم يسق معه الهدي أن يطوف ويسعى بين الصفا والمروة أن يجعلها عمرة، فالسعي في الحج وفي العمرة ركن من أركانهما وهو الصحيح.
قال رحمه الله: [والمبيت بمنى]: والمبيت بمنى؛ وقد قدّمنا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخّص للعباس أن يبيت بمكة ليالي التشريق من أجل السقاية، والرخصة استباحة المحظور فدل على وجوب المبيت هذا الدليل الأول.
الدليل الثاني أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بات بمنى ليالي التشريق ووقع فعله بياناً لواجب فهو واجب.
قال رحمه الله: [والرمي]: والرمي رمي الجمرات؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رمى جمرة العقبة ورمى الجمرات أيام التشريق، ووقع فعله بيانا للواجب وهو واجب.
قال رحمه الله: [والحلق]: والحلق أو التقصير عبر بالحلق للتنبيه على مثله الحلق والتقصير؛ لأنه من النسك وهو أصحّ قولي العلماء.
قال رحمه الله: [وطواف الوداع]: وطواف الوداع؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((اجعلوا آخر عهدكم بالبيت طوافا)) وهو أمر، والأمر يدل على الوجوب.
قال رحمه الله: [وأركان العمرة الطواف]: الطواف والسعي والنية على التفصيل الذي ذكرناه.
قال رحمه الله: [وواجباتها الإحرام]: الإحرام كما ذكرنا الإحرام من الميقات، وأما الإحرام بمعنى نية الدخول في النسك فقد قدمنا فيه التفصيل لأن فيه خلافاً بين كونه ركنا أو شرطا.
قال رحمه الله: [والسعي]: والسعي بين الصفا والمروة، وقد قدمنا ذلك.
العمرة لابد فيها من الطواف والسعي، والسعي ركن فيها، وقد قدمنا الدليل على ذلك.
قال رحمه الله: [والحلق]: والحلق والتقصير وهذا يعتبر جعله من الواجبات؛ والصحيح أن الحلق يعتبر من الواجبات ولا يعتبر من أركان العمرة كما ذكر المصنف رحمه الله.
قال رحمه الله: [فمن ترك ركنا لم يتم نسكه إلا به]: فمن ترك ركنا فإنه لا يتم نسكه إلا به: فلو ترك الوقوف بعرفة بطل حجه؛ هكذا لو فاته الوقوف بعرفة؛ لأن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أمر هبار بن الأسود حينما فاته الوقوف بعرفة أن يتحلل بعمرة وأن يأتي بحج بدل، وهكذا بالنسبة لمن تركه قصدا، وهكذا لو ترك طواف الإفاضة فإنه يبقى في ذمته إلى الأبد، فلو خرج في الحج ولم يطف طواف الإفاضة يرجع إلى طواف الإفاضة ولو بعد عشر سنوات؛ لأن الله أمر به، وهو في ذمته، فإذا جامع فإنه يأتي بعمرة ثم يأتي بالطواف قبل العمرة ثم يتم عمرته وعليه دم.
قال رحمه الله: [من ترك واجبا جبره بدم]: لأن الواجبات تجبر بالدم؛ وفي الحديث: ((من ترك شيئا من نسكه فليرق دما)) اختلف في رفعه ووقفه وقد انتزعه ابن عباس -رضي الله عنهما- من آية التمتع وهو انتزاع صحيح وفصلناه في المذكّرة، فدل على أنه يجب عليه جبره بدم؛ ولذلك وجب الدم على الآفاقي دون المكي جبرانا للنقص وهو الإحرام من الميقات فدل على وجوب الضمان.
قال رحمه الله: [ومن ترك سنة فلا شيء عليه]: ومن ترك سنة فلا شيء عليه: فلو أنه ترك الدعاء بعد رمي جمرة الصغرى أو الوسطى فلا شيء عليه.
قال رحمه الله: [ومن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج]: نعم هذا الفوات ومن فاته الحج فإنه يتحلل بعمرة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/257)
قال رحمه الله: [فيتحلل بطواف وسعي وينحر هديا إن كان معه وعليه القضاء]: أما فوات الحج فقد نص عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في حديث عروة بن مضرس وحديث عبدالرحمن الديلي رضي الله عن الجميع وأما كونه يتحلل بعمرة كما أمر عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - هبار بن الأسود وعليه دم من قابل؛ لأنه قضاء سنة راشدة أمر بها عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - إن تيسر له وإلا فعليه الصوم.
قال رحمه الله: [وإن أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك]: لأن العبرة بالناس كلهم، فلو أخطئوا فإن العبرة بجماعة المسلمين فحجهم صحيح.
قال رحمه الله: [وإن فعل ذلك نفر منهم فقد فاتهم الحج]: كما حصل لهبار بن الأسود ظن أن يوم العيد هو يوم عرفة ففاته الحج وحكم بفوات الحج.
قال رحمه الله: [ويستحب لمن حج زيارة قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقبري صاحبيه رضي الله عنهما]: الاستحباب حكم شرعي، وقد اختلف في هذه المسألة. فالأصل يقتضي أنه لا يشد الرحل لزيارة القبر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تُشَدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)).
وذهب الجمهور إلى الجواز، ونصوا على ذلك في كتبهم كما هو موجود في المناسك، وقالوا إن زيارة القبر ليست للموضع والمكان حتى يلزم فيها ما ذكر.
والصحيح أنه لا تشد الرحال إلا للمسجد، فيقصد المسجد، ثم بعد ذلك يزور النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حتى لو وقع فيها خلاف وقال به بعض العلماء، فمادام الحمد لله أن هناك زيارة للمسجد، فتقصد بها زيارة المسجد وتخرج بها من خلاف العلماء فلاشك أن هذا السبيل أبين وأحوط لدين الإنسان، فيبدأ بزيارة المسجد ثم بعد ذلك يسلم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وصاحبيه.
والأصل الشرعي يقتضي أن المسلم يأخذ بالاحتياط في دينه حتى يستبرئ، فالنص بيّن أنه لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، والمسجد الأقصى. فيقصد المدينة ويزور مسجدها لفضل الصلاة فيه فالصلاة فيه بألف صلاة، وعلى من زار المدينة أن يراعي الحرمة والحرمات، وأن يحرص على الخير والذكر وطاعة الله عز وجل، فيبدأ بالمسجد فيصلي التحية، ثم بعد ذلك يقف يسلم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السلام الشرعي، ثمّ على أبي بكر وعمر وهما صاحبا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهذا هو فعل السلف والخلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن من أتى المدينة ابتدأ بتحية المسجد ثم سلم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السلام الشرعي، وما يفعله بعض الجفاة وبعض الجهلة الذين يزهّدون بعض طلبة العلم حينما يأتون لأول مرة إلى المدينة حتى إن بعضهم يقول لا داعي أن تزور النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -والعياذ بالله- يخالف السلف ويزعم أنه يتبع السلف وهو مخالف لهم، فنحن نقول: زر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الزيارة الشرعية فينبغي للمسلم أن يكون بين الإفراط والتفريط، ولا ينبغي له أن يمنع من شيء مشروع؛ لأن الأئمة والسلف على ذلك حتى ذكر شيخ الإسلام أن من أتى المدينة يعني من غير أهلها ولم يسلم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولم يزره فقد جاء ببدعة وحدث؛ لأن المعروف من فعل السلف أنه يحيّي المسجد ثم يسلم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعلى صاحبيه، فما يفعله بعض الشذاذ الذين يخالفون جماعة المسلمين وإجماع السلف من زيارة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والسلام عليه بعد الوصول إلى المدينة أمر منكر مردود خاصة إذا عُلّم، ولقد قال بعضهم يتباهى بذلك يقول: إنه من فضل الله علَيّ أن لي بالمدينة خمسة وعشرين عاما ما وقفت يوما على القبر! -والعياذ بالله- فالمحروم من حرم فلا ينبغي لبس الحق بالباطل، بل نقول سلم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السلام الشرعي، ومتى كان السلام على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - منكرا، ومتى كان السلام على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شيئا يتبرأ منه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/258)
، علينا أن نكون وسطا بين الإفراط والتفريط، فالسلام على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قربة ولاشك أنه طاعة إذا كان سلاما شرعيا راعى فيه المسلم الآداب الشرعية، وليتأمل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ما من مسلم يسلم عليّ إلا ردّ الله علي روحي فأرد عليه)) فمن هو السعيد الذي يرد عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سلامه يرد عليه بالسلام والرحمة والبركة، ولاشك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يرد بالأكمل والأفضل لأنه مأمور أن يحيّي بأحسن، فالمنبغي أن نتبّع النص الوارد وأن لا يبالغ الإنسان في تزهيد الناس من السلام على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وأيضا هذه المبالغة التي يفعلها بعض أهل البدع والحدث خاصة إذا كانوا من سكّان المدينة كل يوم يذهب وهو يسلم ذاهبا آتيا للسلام على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هذا خلاف ما كان عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- ولا ينبغي الغلو في هذه المسائل وأخذ الأبناء وأخذ القرابة كل يوم يذهب ويسلم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هذا ما فعله السلف وفيه غلو والمسلم وسط بين الإفراط والتفريط، وعليه أن يأخذ بالقصد، ثم إذا سلم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عليه أن يأخذ بالسنة والعدل وأن يتبع الوارد وأن لا يحدث من الكلمات التي لا أصل لها والأسماء التي لم ترد للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيبالغ في سلامه وإطرائه بل عليه أن يتأسى بالسلف الصالح بالسلام الشرعي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويجزّيه عن الإسلام والمسلمين خيرا على ما قام به من أداء الرسالة وتبليغها -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه- وجزاه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته وصاحب رسالة عن رسالته.
سنتوقف إلى بداية الدراسة إن شاء الله. نسأل الله أن يتقبل ويجعله علما نافعا وعملا صالحا.
وأوصي طلاب العلم بضبط المسائل، وأوصي بتفريغ الأشرطة إن أمكن، ثم اختصار هذه الدروس بذكر المسألة وحكمها ودليلها ويصبح هذا ملخصا خاصا للطالب.
وليعلم كل طالب علم أنه مسؤول عن ضبط هذا العلم، والاستكثار من العلم دون ضبطه مسؤولية عظيمة على طالب العلم؛ عليه أن يضبط هذه المسائل وأن يراجعها وأن يجد ويجتهد في شغل وقته في هذا العلم النافع ويحرص في أثناء مراجعته على ترتيب المسائل؛ لأن ترتيب المسائل في المذاكرة يعين على الضبط أكثر.
وأهم شيء الإخلاص والجد والاجتهاد مع صدق العزيمة.
نسأل الله بعزه وجلالته وعظمته وكماله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح وأن يتقبل منا هذا العلم خالصا لوجهه الكريم موجبا لرضوانه العظيم وأن يغفر لنا ما كان من الزلل والخطأ.
الأسئلة:
فضيلة الشيخ: هل للعمرة طواف وداع. وجزاكم الله خيرا؟
الجواب:
بسم الله. الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فللعلماء قولان: هل تلتحق العمرة بالحج في طواف الوداع أو لا تلتحق؟
أصحهما أنها لا تلتحق؛ وذلك لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمر بطواف الوداع للحاج ولم يأمر به المعتمر، ولم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- في عُمَرِه أنه أمر بوداع.
ثانيا أن الذين قالوا بإيجاب طواف الوداع على المعتمر قالوه من باب القياس؛ قالوا لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال للمعتمر: ((واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك)) وهذا الحديث حديث صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه في الصحيح: ((واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك)) المراد به: ترك المحظورات وليس المراد باب المأمورات؛ لأنه رأى الرجل وعليه جبة عليها صُفْرة أو أثر الطيب، فقال له: ((انزع عنك جبّتك واغسل عنك أثر الطيب واصنع في عمرتك)) فلو كان هذا اصنع المراد به الأفعال والواجبات لكان يجب عليه في العمرة أن يقف بعرفة وأن يبيت بمزدلفة وأن يبيت بمنى وأن يرمي الجمار! فدل على أنه ليس في الأفعال، فكما خرج الوقوف بعرفة وهو من الأفعال والمبيت بمزدلفة وطواف الإفاضة ورمي الجمار وهي من الأفعال خرج طواف الوداع، وعلى هذا يكون قوله عليه الصلاة والسلام: ((اصنع)) أي اتق المحظورات- كما في عمرتك كما تتّقيها في حجّك لأن السياق والسّباق محكمّ، فسياق الحديث وسباقه إنما هما في التروكات وليس في الأفعال، فالاستناد إلى هذا الحديث ضعيف من هذا الوجه وقد ردّه الجمهور لما ذكرنا.
الأمر الثاني: مما يدل على ضعف هذا القول الذين قالوا بوجوب طواف الوداع على المعتمر اختلطت عليهم الأقوال، فقال بعضهم إذا صلّى فرضا، وقال بعضهم إذا صلى ثلاثة فروض، وقال بعضهم إذا صلى خمسة فروض، وقال بعضهم إذا بات، فهذا الاضطراب يدل على أنه ليس بواجب، لو كان واجبا لجعل له الشرع أصلا ينتهى إليه في تقدير الوقت الذي يجب على المعتمر أن يطوف به طواف الوداع، ولذلك نقول إن طواف الوداع خاص بالحاج؛ لأن عائشة أشارت إلى ذلك بقولها: ((كان الناس يصدرون من فجاج منى وعرفات))، فلما طال العهد عن البيت في الحج بيومين كاملين ابتعد فيهما عن البيت هذا المعنى لا يوجد في المعتمر والعبرة بالغالب أن المعتمر إذا انتهى من عمرته يرجع؛ ولذلك أمر بطواف الوداع في الحج ولم يؤمر به في العمرة، فهذا هو الصحيح أن المعتمر لا يطوف لطواف الوداع. والله تعالى أعلم.
نسأل الله بعزته وجلاله العلم النافع والعمل الصالح وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/259)
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[01 - 11 - 07, 10:08 ص]ـ
قال المصنف رحمه الله: [باب الهدي والأضحية]:
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فيقول المصنف -رحمه الله-: [باب الهدي والأضحية]: هذا الباب يتعلق بمسائل الهدي والأضحية. أما الهدي فإنه راجع إلى مناسك الحج والعمرة، وهو يكون واجبا وغير واجب، فيكون الهدي واجبا كما في هدي التمتع والقران، وكذلك جزاء الصيد وفي الإحصار، فهذه أحوال يجب فيها الهدي.
وأما بالنسبة للأحوال التي لا يجب فيها كأن يبعث إلى البيت الحرام هديا منه تطوعا، أو يسوقه معه هدية إلى البيت؛ كما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عام حجة الوداع فقد أهدى بأبي وأمي -صلوات الله وسلامه عليه- الهدي الواجب فساق معه هديه؛ ففي الصحيحين عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((لولا أني قلدت هديي ولبدت شعري لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)) وكذلك أيضا صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يبعث بالهدي في الحِجَج التي لم يحجها عليه الصلاة والسلام هدية إلى البيت، وهذه من السنن التي أضاعها كثير من الناس إلا من رحم الله، وفيها فضل عظيم وثواب كريم أن يهدي الإنسان إلى بيت الله عز وجل تقرباً لله سبحانه وتعالى، وقد فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كلا الأمرين: الواجب، والمستحب.
ويكون الهدي واجبا بالنذر فلو نذر أن يُهدي إلى البيت أصبح الهدي واجبا في حقه.
وأما الأضحية فإنها تكون في وقت الضُّحى ولذلك سميت بهذا الاسم، والضُّحى أول النهار، فإذا أشرقت الشمس فإنه من بعد إشراقها إلى اشتداد النهار يسمى ضحى، ثم إذا اشتد النهار قبل الزوال يقال له الضَّحى بالفتح، ثم يكون انتصاف النهار، والهاجر، والقيلولة، فلما كان هذا النوع من القربان يذبح في هذا الوقت المستحب وهو أول النهار وصف بذلك، ولذلك استحب العلماء للأئمة والخطباء في عيد النحر أن يعجّلوا وأن يخففوا على الناس حتى يتمكن الناس من ذبح ونحر أضاحيهم في الوقت المستحب؛ ففي الحديث الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه كان من سنته أن يعجل بالَأضْحى ويؤخر في الفطر والتعجيل بالأضحى لهذا المعنى فسميت الأضحية أضحية لأنها تذبح في هذا الوقت.
وجعل المصنف -رحمه الله- أحكام الأضحية تابعة للهدي؛ لأن الهدي هو المتصل بمناسك الحج والعمرة، ومن عادة العلماء والأئمة والفقهاء أن يذكروا النظير مع نظيره والشبيه مع شبيهه؛ والأصل أن الكتاب كتاب أنه للحج والعمرة، فناسب أن يبين سنية الهدي والإهداء إلى البيت، ثم لما يبين الهدي يتكلم على أحكام الأضحية؛ لأنها تكون في يوم النحر وهو من أيام الحج كما هو معلوم.
يقول رحمه الله: [باب الهدي والأضحية]: أي في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بالهدي والأضحية، والمسلم مطالب أن يعرف أحكام أضحيته؛ لأن هذه الأحكام يتلبّس بها ولربما يسأل عنها، وحينئذ يتعلمها ليعمل بها، ويعلمها الناس.
قال رحمه الله: [والهدي والأضحية سنة لا تجب إلا بالنذر]: والهدي والأضحية سنة لا تجب إلا بالنذر بيّن رحمه الله أن الهدي سنة من سنن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهديه، وهذا في غير هدي القِران، وهدي التمتع، وجزاء الصيد، والإحصار، وهذا لأنها واجبة ولازمة. وأما بالنسبة للمراد هنا فهو ما خرج عن اللزوم، ولذلك قال: لا تجب إلا بالنذر؛ واختلف في الأضحية على قولين: أصحهما وأقواهما أن الأضحية واجبة لمن استطاع وقدر على شرائها بوجود قيمة الأضحية فاضلة عن قوته وقوت من تلزمه نفقته؛ فهي واجبة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((من ذبح قبل الصلاة فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله)) وأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذلك، ولو كانت غير واجبة لخيّر عليه الصلاة والسلام؛ ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال في حديث السنن وحسنه بعض العلماء: ((من وجد سَعة فلم يضح فلا يقربنّ مصلانا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/260)
)).
وذهب طائفة من العلماء إلى عدم الوجوب وقالوا إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال في الحديث الصحيح: ((إنما ضحى بكبشين أملحين قال في أحدهما: ((اللهم هذا عن محمد وآل محمد، وقال في الثانية: عمن لم يضح من أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)) فقالوا إن هذا يدل على أن الأضحية ليست بواجبة.
وقد أجيب عن هذا الاستدلال بأن قوله: ((عمن لم يضح ... )) يحتمل أن يكون المراد به من عجز ولم يقدر فجبر الله له ذلك العجز وبلغه بفضله سبحانه وتعالى وكرمه على أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بهذا الفضل، فالحديث محتمل، ومن هنا لا يقوى على صرف الأمر عن ظاهره، وهذا لاشك أنه أقوى القولين وأحوطهما. ولما سئل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما وأرضاهما- فسأله رجل عن الأضحية. وقال: يا أبا عبد الرحمن أواجبة هي؟ فقال له رضي الله عنه وأرضاه: ((ضحى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأبوبكر وعمر وعثمان)). فرد عليه وقال: يا أبا عبد الرحمن الأضحية واجبة؟ فرد عليه وقال: ((ضحى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأبوبكر وعمر وعثمان)). فلما كانت الثالثة وسأله قال له أتعقل؟! ضحى رسول الله يعني من يترك هذا الشيء الذي فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وفعله الخلفاء الراشدون المهديون من بعده، وهذا والله هو الفقه في حمل الناس على السنة، وترغيبهم فيها وحثهم عليها رضي الله عنه وأرضاه.
وبيّن رحمه الله أن الأضحية تجب بالنذر فإن قيل بعدم وجوبها في أصل الشرع فإنها تجب بالنذر. وصورة ذلك: أن يقول: لله علي أن أضحي هذا العام؛ فحينئذ إذا قلنا إن الأضحية ليست بواجبة فإنه يجب عليه أن يفي بنذره إذا كان مستطيعا.
كونه يقول: سنة: السنة من هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وقد أهدى عليه الصلاة والسلام كما ذكرنا إلى البيت، وتطوع في هديه، فجمع بين الهدي الواجب والهدي المسنون، ولذلك نحر بأبي وأمي -صلوات الله وسلامه عليه- ثلاثا وستين بدنة في حجة الوداع، وأمر عليا 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن ينحر ما بقي من الإبل تمام المائة، وهذا يدل على أنه يجوز ويشرع أن يهدي الإنسان للبيت. فالواجب عليه -عليه الصلاة والسلام- الدم الذي ساقه معه، وأما ما زاد على ذلك فإنه سنة، ومن هنا قالوا إن الهدي سنة.
وأما الأضحية سنة بقوله -عليه الصلاة والسلام- وفعله أما قوله فأحاديث منها قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من ذبح قبل الصلاة فليذبح أخرى مكانها)) وقوله -عليه الصلاة والسلام- حينما سأله أبو بردة -رضي الله عنه وأرضاه- قال له عليه الصلاة والسلام: ((تجَزيك ولا تَجزي غيرك)) وكذلك أيضا الفعل حيث إنه عليه الصلاة والسلام فعل الأضحية، فضحى عليه الصلاة والسلام بنفسه، وتولى الأضحية بنفسه -صلوات الله وسلامه عليه-.
قال رحمه الله: [والتضحية أفضل من الصدقة بثمنها]: إذا كان عند الإنسان مال يكفيه لشراء أضحية سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم فهل الأفضل أن يتصدق بهذا المال أو الأفضل أن يضحي؟ هذا مبني على أن الأضحية غير واجبة. أما إذا قلنا إنها واجبة فلا إشكال؛ لأن التصدق نافلة والتضحية واجبة، والواجب أفضل من غير الواجب بإجماع العلماء؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((يقول الله تعالى في الحديث القدسي ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه))، وأجمع العلماء على أن الواجبات أفضل من غير الواجب، فلو صلى ركعتي الفجر فإنها بالإجماع أفضل من كل ركعتين من النوافل، إذا ثبت هذا الكلام عند المصنف -رحمه الله- والخلاف في هذه المسألة مبني على القول بعدم وجوب الأضحية، فهل الأفضل أن يتصدق بالثمن أو يضحي؟ هذا راجع إلى مسألة المفاضلة والمفاضلات بابها ينبغي ضبطه بالكتاب والسنة؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يفضل قولا ولا عملا إلا بنص شرعي؛ لأن التفضيل راجع إلى حكم الشرع، فلا يستطيع أحد أن يقول إن هذا أفضل إلا إذا كان أكثر ثوابا وأعظم منزلة وقربة لله عز وجل، وهذا أمر غيبي يفتقر إلى ورود النص، ومن هنا تكلم العلماء على قواعد المفاضلة في الأقوال والأعمال، ثم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/261)
المفاضلة تكون بين الأركان وتكون بين الواجبات وتكون بين المستحبات والمسنونات، ثم تكون بين المؤقت وغير المؤقت إلى غير ذلك مما هو معلوم في قواعد الفقه وما بحثه العلماء في هذا الباب. فمسألة التصدق بالمال قال بعض العلماء: التضحية أفضل من الصدقة بالمال بمعنى أنه إذا اشترى الأضحية وذبحها أو نحرها فهذا أفضل من أن يأخذ المال كله ويتصدق به.
وقال بعض العلماء: الأفضل أن يتصدق بالمال. أما الذين فضلوا أن يضحي فقالوا: إن هذه سنة مخصوصة بزمان مخصوص ووقت مخصوص، ففعلها في هذا الزمان المخصوص والوقت المخصوص يقتضي تفضيلها على أي شيء مطلق؛ ولذلك من قواعد العلماء: ((أن المقيد فيما قيد به أفضل من غير المقيد)) فمثلا أنت إذا كنت في عمل صالح وجاء عن الشرع النص بالقول والعمل يفضل قولا أو فعلا في هذا الوقت، وجاء نص يفضل قولا وفعلا في عموم الأوقات قُدّم المقيد ومن ذلك الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يوم الجمعة، حينما قال طائفة من العلماء الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والإكثار منها يوم الجمعة أفضل من غيرها من النوافل، وهذا مبني على النص؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((فأكثروا علي من الصلاة فيه)) فجاء مقيدا بالزمان حتى اختلفوا وقالوا: الأفضل أن يكثر من الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لا وقالوا إنه أفضل من أن يكثر من تلاوة القرآن ليس معنى ذلك أن جنس الصلاة أفضل من جنس القرآن أبدا بإجماع العلماء على أن قراءة القرآن هي أفضل وأعظم أجرًا عند الله عز وجل لكنه لما ورد النص عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالتخصيص فُضّل، ومن ذلك: مسألة الاستغفار في الأسحار هل الأفضل أن يكثر من الاستغفار أو يقرأ القرآن في السحر في آخر السحر؟ قالوا إن الله أثنى على المستغفرين بالأسحار، فهذا ذكر مخصوص في وقت مخصوص يفضل للوارد هذا راجع إلى قاعدة تقول: ((الوارد أفضل من غير الوارد)) هذا أمر بديهي لكن مراد العلماء أن الفضائل والمستحبات إذا وردت بخصوص زمان أو بخصوص مكان فإنها مفضلة للورود.
وجه هذا التفضيل: قالوا إنه إذا ضحى في يومه فإنه يصيب أجرين: الأجر الأول في كونه ضحى فإنه مال أنفقه وخرج عنه لله وفي الله وفي طاعة الله صدقة وقربة ثم يثاب من جهة المتابعة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وهذا مثل مسألة الصلاة بمكة ظهر اليوم الثامن وهو يوم التروية، فإن الحاج في اليوم الثامن السنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه يصعد إلى منى، صعد وصلى اليوم الثامن الظهر بمنى، فعلى القول بأن التفضيل خاص بالمسجد نفسه وأن الصلاة بمائة ألف صلاة خاصة بالمسجد نفسه قالوا إنه لو كان بمكة وأمكنه أن يصلي الظهر في المسجد الحرام وأن يصليه في مسجد الخيف أو في مسجد منى فالأفضل أن يصلي في ذلك اليوم الظهر بمنى أو بخيفها؛ لماذا؟ لأنه وارد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والاتباع يقتضي زيادة المرتبة وعلو الدرجة؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل في متابعة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعظم شيء منحه وأعطاه لعباده هو الهداية، الهداية التي المسلم ولا يصلي صلاته ولا تقبل له الصلاة على الصحيح من أقوال العلماء أن الصلاة إلا بالفاتحة بعينها وهي مذهب الجمهور في كل صلاة وهو يقول: {اهدنا الصراط المستقيم} يسأل الله الهداية. جعل الله أعز شيء وأعظم نعمة وأفضل نعمة وهي نعمة الهداية في متابعة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال: {واتبعوه لعلكم تهتدون} فقالوا إن هذه المتابعة تقتضي المفاضلة، وعلى هذا فالأفضل أن يضحي، ولاشك أن التضحية متابعة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفضل من الصدقة؛ لأن الصدقة عامة، والأضحية خاصة، لكن كل هذا كما ذكرنا على القول بعدم الوجوب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/262)
أما مسألة الصدقات في عمومها بعض العلماء يقول قلنا بتفضيل الصدقة؛ لأن المسكين حينما يأخذ المال يملكه، وإذا ملكه صرفه في منافعه فكان أعظم رفقاً به حينما يأخذ اللحم؛ لأنه إذا ضحى وأعطاه اللحم فإنه قد جعل الانتفاع خاصا بالأكل، لكن حينما يعطيه المال جعل انتفاعه أكثر من الأكل، يستطيع أن يستخدم المال في طعامه وفي شرابه وفي قضاء دينه إلى غير ذلك فقالوا إنه لا يخصه بعمل معين، ومن هنا فضلوا إعطاء المال على التضحية، وهذا كله كما ذكرنا محله أن لا يكون هناك وارد.
قال رحمه الله: [والأفضل فيهما الإبل]: والأفضل في الهدي والأضحية الإبل؛ وذلك لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن)) فجعل مرتبة الإبل أفضل من مرتبة البقر، ومرتبة البقر أفضل من مرتبة الغنم، ومن هنا قالوا إن الإبل أفضل ما يهدى، وأفضل ما يضحى به؛ ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعل البعير مجزئا عن سبعة، فالجزور الواحد يجزئ عن سبعة، فلو أن سبعة أشخاص اشتركوا في شراء بعير وضحوا به أجزأهم، والشاة تجزي عن الرجل وأهل بيته؛ كما صح في حديث أبي أيوب -رضي الله عنه وأرضاه-، وعلى هذا لاشك أن الإبل أفضل، ولأن الإبل أكبر جسما، وكذلك أغلى ثمنا، ومن هنا كانت أفضل من البقر وأفضل من الغنم.
قال رحمه الله: [ثم البقر]: ثم البقر؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعل الرواح في الساعة الثانية من الجمعة كمن ذبح بقرة وهذا فيه رد على من يقول من العلماء إن الإبل والبقر بمنزلة واحدة وهناك من يقول إن ا لإبل والبقر لا تفضيل بينهما إلا من جهة الصفات: أن تكون إحداهما أسمن أو أطيب لحما أو أحسن حالا وصفة في الكمال فحينئذ تفضل أما جنس الإبل والبقر فيجعلهما في مرتبة واحدة؛ ودليلهم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعل الإبل عن سبعة وجعل البقر عن سبعة فدل على أنهما بمرتبة واحدة.
ونقول: إن السنة دلت على أن البقر دون الإبل على ظاهر قوله: ((من راح في الساعة الثانية فكان كأنما قرب بقرة)) وكون الشرع يجعل الإبل عن سبعة والبقر عن سبعة لا يقتضي أنهما بمنزلة واحدة، فقد يكون المنزلة واحدة والتفضيل بالصفات كما لو كان أحد البعيرين أسمن وأوفر لحما والثاني دونه ويجزي فإننا نقول: إن كلا منهما يجزئ عن سبعة ولكن التضحية بهذا أفضل من التضحية بهذا، ولاشك أن الإبل أكبر وأوفر لحما من الغنم، وعلى هذا فيقدم الإبل على البقر.
قال رحمه الله: [ثم الغنم]: ثم الغنم والإبل بنوعيها: العراب، والبختية، والبقر بنوعيه: البقر، والجواميس، والغنم بنوعيه: الضأن، والمعز، فجعل الله عز وجل في الإبل زوجين ونوعين. فالإبل بالنوعين: العراب، والبختية، وأفضلها العراب، والعراب هي التي لها سنام واحد، والإبل البختية هي التي لها سنامان، وفضلت العراب؛ لأنها هي التي أهدى بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، والبقر يفضل على الجاموس؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضحى عن نسائه بالبقر، وعلى هذا فإن البقر أفضل من التضحية بالجاموس؛ والجاموس يدخل في هذا بنوعيه، وكذلك بالنسبة للغنم فالضأن أفضل من المعز؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضحى بكبشين أملحين أقرنين، ولأنه أطيب لحما، وأكثر نفعا، ومن هنا قدم وفضل على المعز، ولذلك يجزي منه الجذع ويوفي مما يوفي منه الثني من المعز، وهذا يدل على أن شأن الضأن أفضل من شأن المعز وإن كان كل منهما يجزئ عن الرجل وأهل بيته.
قال رحمه الله: [ويستحب استحسانها واستسمانها]: ويستحب للمسلم إذا أراد أن يضحي أن يستسمن الأضحية وأن يستحسن. أما الاستسمان فهذا راجع إلى حال الكمال في صفة البهيمة إبلا كانت أو بقرا أو غنما، فالسمين منها أفضل وأعظم أجرا، ولذلك لما سئل عليه الصلاة والسلام عن أعظم البهائم أجرا عند الله عز وجل وهذا شامل للأضاحي والهدي قال: ((أنفسها وأغلاها ثمنا عند أهلها)).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/263)
أنفسها: والنفيس من كل شيء أفضله، والذي يعز وجوده، ولذلك السمين أنفس وأحب إلى أهله، وعلى هذا يعتبر من كرام المال، وقد تقدم معنا في الزكاة أن الساعي و الجابي لا يأخذ السمينة؛ لأنها كريمة مال، فمن كرام المال السمان، فأحسن وأفضل ما تكون الأضحية إذا كانت سمينة، وسمنها يزيد في لحمها، وزيادة في طيبها، وحينئذ يكون أعظم أجرا إذا تصدق بها؛ ولأن السمين أغلى ثمنا، وإذا كان أغلى ثمنا فهو أغلى كلفة ومشقة، فيكون أكثر ثوابا عند الله عز وجل ولذلك قال: ((أنفسها وأغلاها ثمنا عند أهلها)) ولاشك أن السمين كذلك.
والاستحسان: الاستحسان يكون في الصفات فإذا كانت حسنة الحال في شكلها وصفاتها فبعض البهائم تكون لها صفات محمودة من الإبل والبقر والغنم إلا أن هذا الاستحسان راجع إلى طيب اللحم، البهائم يستحسنها أهلها ويستطيبونها وتكون عزيزة عندهم على حسب المقاصد، فالبهمية إما مركوبة وإما محلوبة وإما مأكولة، فهذه مصالح الناس في البهائم: مركوبة فيما يركب كالإبل، فإنها تكون عزيزة في الرَّكوب إذا كانت على صفات معينة، وتكون كذلك حلوبا، فإذا أرادها للحليب فإنها تكون عزيزة وغالية عند أهلها بصفات معينة يعرفها أهل الخبرة، كذلك إذا كانت للأكل، فالاستحسان هنا من جهة الأكل أن تكون حسنة في حالها وصفاتها ومن جهة الأكل ومن جهة الصفة، فبين من جهة الأكل بقوله: سمينة بصفة السمن، والاستحسان في الشكل.
قال رحمه الله: [ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثني مما سواه]: بعد أن بين رحمه الله حكم الأضحية والمفاضلة بين أنواعها يتبع هذا أن التضحية والهدي لا يكون إلا من هذه الثلاثة الأنواع: الإبل، والبقر، والغنم، فلا يضحي بغير هذه الثلاث، وهذا مذهب الجماهير من السلف والخلف رحمهم الله ومنهم الأئمة الأربعة فلا يضحي بدجاجة، ولا يضحي بمثلا غزال ولا يضحي بتيثل ولا وعل، فهذه كلها ليست بأضحية وليست محلا للأضحية؛ ولذلك خص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - المسن من بهيمة الأنعام، وهذا يخص الإبل والبقر والغنم، ونص الله U على اعتبار البهيمة يدل على أنه لا يكون إلا من هذا النوع، فإذا ثبت هذا فإنه لابد وأن يراعى في هذه البهائم سنا معتبرا يراعي سنا معتبرا فلا يجزئ ما نقص عن هذه السن، وهذا يعتبر من شروط صحة ا لأضحية.
فالشرط الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام، فلا يجزئ من غيرها.
والشرط الثاني: أن تكون قد بلغت السن المعتبر، والسن المعتبر الثني من المعز، والإبل والبقر، فالثني من الإبل هو الذي بلغ الرابعة وطعن في الخامسة، أتم الرابعة وطعن في الخامسة.
وأما بالنسبة للغنم فإن الماعز يكون ثنيا إذا أتم السنة ودخل في الثانية.
ومن ا لبقر إذا أتم السنتين ودخل في الثالثة.
قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الحديث الصحيح: ((إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني)) فعندنا الأصل وما يستثنى، فالأصل أن الثني من الإبل والبقر والغنم واستثنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من هذا الشرط - أن يكون ثنيا - الضأن فقط وهو الذي يسمى في عرف العامة اليوم: الطلي الذي له ألية، فهذا النوع من الغنم يجزئ منه ما أتم ستة أشهر إذا كان جيد المرعى، قالوا إنه يكون جذعا من الضأن إذا أتم ستة أشهر. وبعض العلماء يقول: إنه لا يكون جذعا إلا إذا بلغ ثلاثة أرباع الحول، ومنهم من يقول إذا قارب تمام الحول.
والصحيح الذي ذكره بعض الأئمة أنه يختلف بحسب اختلاف المراعي، ولذلك قد يجذع بإتمام الستة الأشهر إذا كان طيب المرعى، وقد يجذع في أكثر الحول أو إذا قارب تمام الحول على حسب اختلاف المرعى.
إذًا لا يكون جذعا دون ستة أشهر وهذا هو بيت القصيد أنه أتم ستة أشهر، ودخل في أكثر الحول. هذا بالنسبة للشرط المعتبر؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رد على أبي بردة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - حينما ضحى بالعناق وقال له: ((تجزيك ولا تجزي غيرك)).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/264)
فيشترط في الأضحية أن تكون بعد الصلاة لا قبل الصلاة، فجاء أبو بردة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وضحى قبل صلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لعيد الأضحى، وقال كما في الصحيحين: ((فأحببت أن يكون أول شيء يصيب أهلي من طعامها)) فقصد بالتعجيل المبادرة بهذه السنة، فلما أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمره أن يذبح أخرى مكانها فقال: ((ليس عندي إلا عناقا)) وهي أصغر فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - له: ((تجزيك ولا تجزي غيرك)) وهذا يدل على أن الأضحية لابد أن تبلغ سنا معتبرة. ولذلك قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((لا تذبحوا إلا مسنة)) فجعل السن شرطا، وعلى هذا جماهير السلف والخلف وهو كالإجماع على أن الأضحية لا تجزي والهدي لا يجزي إلا إذا كان قد بلغ السن المعتبرة.
قال رحمه الله: [وثني المعز ما له سنة]: ثني المعز ما أتم السنة ودخل في الثانية وعلى هذا إذا أتم السنة ودخل في الثانية جاز أن تُضَحّي بها، وأيضا لو أن شخصا سألك وقال: علي دم إما في حج مثل أن يكون مثلا فدية حج فأصاب محظورا من محظورات الإحرام فقال: أريد أن أذبح دما فماذا أفعل؟ تقول له ينبغي أن يكون قد بلغ السن المعتبرة فكل دم واجب على الشرع سواء بالعبادة أو أوجبه على نفسه بالنذر فإنه لابد أن يبلغ السن المعتبر هذه على التفصيل الذي يذكره المصنف في الغنم أتم السنة ودخل الثانية، ولذلك يقال له الثني.
إذًا يستثنى من الغنم في إتمام السنة الضأن فإنه يمكن أن يضحي به إذا كان دون السنة كما ذكرنا إذا كان جذعا من الضأن.
قال رحمه الله: [وثني الإبل ما كمل له خمس سنين]: وثني البقر ما أتم السنتين فإذا أتم السنتين فإنه ثني وحينئذ يجزئ أن يذبحه، وأن يتقرب به في هدي أو أضحية، وأما الإبل فما أتم.
قال رحمه الله: [وثني الإبل ما كمل له خمس سنين]: ما كمل له خمس سنين: هذا راجع إلى مسألة فقهية: هل العبرة في الحد بأوله أو بتمامه؟
فكلهم متفقون على أنه لا يكون إلا بعد تمام أربع سنوات، ثم اختلفوا فقال بعضهم: طعن في الخامسة، وإذا قيل طعن في الخامسة كما ذكرنا في أول الحديث فهو أن يكون في أكثر الحول من الخامسة يعني أتم ستة أشهر وقارب التمام، وهذا ذكره بعض أهل الخبرة، ولذلك نجد بعض الفقهاء رحمهم الله اعتمدوا على هذا القول. قالوا طعن في الخامسة.
ومنهم من يقول أتم الخامسة كما قال المصنف -رحمه الله- وهذا كما ذكرنا راجع إلى التفصيل الذي ذكرناه باختلاف المرعى والأحوال.
قال رحمه الله: [ومن البقر ما له سنتان]: ومن البقر ما له سنتان كما ذكرنا.
قال رحمه الله: [وتجزئ الشاة عن واحد]: وتجزئ الشاة عن واحد؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعلها عن الرجل وأهل بيته كما في الحديث الصحيح أن الشاة كانت تجزئ عن الرجل وأهل بيته فهي في الأصل مجزئة عن المضحي نفسه. وأما بالنسبة لأهل بيته فهم تبع.
وأجمع العلماء -رحمهم الله- على أن الشاة لا تجزئ عن أكثر من واحد، ولو اشترك اثنان في شاة لم تقع عنهما. وعندهم خلاف في مسألة لو أنهما ذبحا على هذه الصفة على من تجزي؟ هل لأول مُسَمٍّ منهما أو للمالك الحقيقي على تفصيل عند العلماء؛ لأن هناك أحوالا أن يكون مشتركين استحقاقا كما في الشريكين أن يكونا مشتركين هدية يقول له: أشركك معي تبعا هذا كله فيه تفصيل لكن من حيث الأصل لو اشترك اثنان في شاة أو اشترك أكثر من واحد في شاة لا تجزي إلا عن الرجل نفسه، ولا تجزي عن أكثر من رجل إلا عن أهل بيته تبعا، وعلى هذا الأصل فيها عن الشخص نفسه، وهذا منصوص العلماء رحمهم الله في كتبهم أن الشاة لا تجزي إلا عن الرجل وحده. تجزي عن أهل بيته كزوجته وأولاده، فإذا كانت له أسرة ولو كانت كثيرة العدد فلو كان عنده أكثر من عشرة أولاد وكلهم في رعايته وهو الذي يقوم عليهم وهو الذي ينفق عليهم وهم تبع له وفي بيت واحد فإنه يضحي بشاة واحدة عنه وعن آله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/265)
وأما بالنسبة للبقر والإبل فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعلهما عن سبعة، ولذلك ثبت في الحديث الصحيح أن الصحابة رضوان الله عليهم اشتركوا في الإبل عن سبعة، وكانت السبعة منهم ينحرون الجزور ويجزيهم.
قال رحمه الله: [والبدنة والبقرة عن سبعة]: كما ثبت في حديث جابر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وغيره وفي حديث أم المؤمنين عائشة في المسند وغيره عنها رضي الله عنها ((أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضحى عن نسائه بالبقر)) فالبقر يحصل فيه التشريك بنوعيه، وهكذا الإبل.
قال رحمه الله: [ولا تجزئ العوراء البين عورها]: الاشتراك في التضحية وفي الهدي، فلو مثلا فرضنا أن سبعة أشخاص كل واحد منهم عليه دم فدية في الحج أو ذهبوا في عمرة ولزمتهم الفدية في حلق أو تقصير أو نتف شعر أو تغطية أو طيب أو نحو ذلك من الفدية فلزم كل واحد منهم دم أو أحرموا دون الميقات وهم سبعة فنقول لهم: اشتركوا في بعير على الصفة المعتبرة وانحروه عنكم، فحينئذ يجزئ عن السبعة، ولو أن سبع أسر أرادوا أن يشتركوا في أضحية فاجتمعوا واشتروا جزورا أجزأ هذا الجزور عن سبعة بيوت، وهكذا لو استطابوا البقر فأرادوا أن يأكلوا لحم البقر والحال يصعب أن أحدهم يشتري بقرة فقال نريد أن نشترك في سبعة في هذه البقرة فدفعوا ثمنها أجزأت أضحية عنهم.
إذًا الاشتراك سواء كان من الشخص في واجب أو في غير واجب.
كذلك أيضا ذكر بعض العلماء أن من وجبت عليه الفدية في سبعة أخطاء، أو مثلا تكررت على وجه لا تتداخل فيه في الأنواع، فقالوا لو أنه جاء بعمرة سبع مرات وهو يتخطى الميقات، ولا يحرم من الميقات عالما متعمدا؛ فلزمه الدم قالوا صح أن ينحر الجزور بمكة صدقة على أهل مكة؛ لأن الدم الواجب في جبران الواجبات في الحج يكون بمكة، فنحر بمكة جزورا أجزأه عن الإخلالات السبعة، فيحصل التشريك سواء عن الشخص نفسه فيما وجب عليه. شخص قال: والله أنا صعب علي أن أذبح سبع شياه أو وجد أن قيمة سبعة الشياه مثلا بثلاثة آلاف وخمسمائة أمكنه أن يشتري بقرة بألف ريال وهي بنفس الصفات المعتبرة أجزأته عن هذه الإخلالات.
هذا فيما يحصل فيه التداخل، ويحصل فيه التشريك. فالتشريك في الجزور سائغ على هذا الوجه، لكن لو أن أربعة أشخاص أرادوا عقيقة فكل واحد من الثلاثة مثلا ولد له ذكر والرابع منهم ولدت له أنثى فأرادوا أن ينحروا جزورا نقول: لا؛ لأن مقصود الشرع هنا بالعقيقة كما ذكر بعض الأئمة -رحمهم الله- بالدم نفسه شاتان متكافئتان عن الذكر وشاة عن الأنثى، وحينئذ لا يحصل التداخل ولا الاجتماع؛ لأنه يخالف مقصود الشرع، فيحصل التداخل والتشريك في الدماء الواجبة، ويحصل التداخل والتشريك في الأضحية، ويحصل التداخل والتشريك في اجتماع الاستحقاقات حتى ولو كان من شخص واحد أو أشخاص، فلو كان على أحدهم ثلاث فديات واجبة والآخر عليه أربعة، فدفع الأول الذي عليه ثلاث ثلاثة أسباع قيمة الجزور، ودفع الآخر أربعة أسباع القيمة مثلا كانت قيمة الجزور سبعمائة ريال فإنه يدفع الأول ثلاثة الأسباع ثلاثمائة والثاني يدفع أربعة أسباع أربعمائة، وينحران جزورا ويجزي عما يجب عليهما.
************************************************** ***************
الأسئلة:
السؤال الأول: فضيلة الشيخ: من استدان المال لشراء الأضحية لأنه لا يملك النقد وهو مقتدر، وكذلك من أخذها بالدين هل تجوز له ذلك. وجزاك الله خيراً؟
الجواب:
بسم الله. الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فيشتمل هذا السؤال على جانبين:
الجانب الأول: أن يكون الشخص مقتدرا وليست عنده سيولة، مثلا شخص عنده مال لكن ليس من النقدين، وعنده قدرة على أن يشتري الأضحية، فهل يتسلف السيولة أو أنه يترك الأضحية؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/266)
الجواب: نعم يلزمه أن يضحي، وعنده قدرة، وعلى هذا يستوي أن يأخذ المال من الغير ثم يقضيه من ماله بعد ذلك، أو إذا جاءته سيولة. ومثلا لو أن شخصا عنده بقالة أو عنده سوبر ماركت ويوم الأضحية ما عنده سيولة لكن المال عنده وعنده قدرة وعنده شيء فاضل عن قوته وقوت ولده بحيث لو باعه استطاع أن يشتري به أضحية فنقول له بالخيار: إما أن تبيعه أو تصرف هذه البضاعة على قدر ما تشتري به الأضحية أو تأخذ السيولة من غيرك ثم تضحي فأنت قادر ومستطيع، فهو بالخيار.
وأما إذا كان عاجزا وأراد أن يستدين من أجل أن يضحي فهذا فيه تفصيل:
أولاً: وقبل التفصيل الذي يذكره العلماء لا يجب عليه أن يفعل هذا إذا كان ما عنده مال أو فقيرا أو معدما فقال: أريد أن أتسلف من أجل أن أضحي كلهم متفقون على أنه لا يجب عليه أن يتسلّف؛ لأن التكليف شرطه الإمكان، وهذا ليس عنده {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} وقال في الآية الأخرى: {لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} فهذا ليس عنده قدرة وليس عنده مال، فلا يجب على العاجز عن الأضحية أن يتسلف ويستدين هذا بلا خلاف بين العلماء -رحمهم الله- إنما الخلاف هل يشرع أو لا يشرع؟ وهل الأفضل أن يستدين ويصيب فضل هذه السنة أو الأفضل أن لا يستدين؟
أما من حيث يشرع له أو لا يشرع كان بعض مشايخنا -رحمهم الله -يفصل في مسألة وجود الاستحقاق، فبعض الناس يكون مثلا قد مضت عليه العشرة الأيام وهي ثلث الشهر وراتبه ثلاثة آلاف ريال، فمعنى ذلك أنه في حكم من له ألف ريال بيده لكن الثلاثة الآلاف ما تأتيه إلا في آخر الشهر، وحينئذ عنده استحقاق، فيسوغ له أن يستدين وأن يضحي، وفي هذه الحالة كانوا يقولون: إن هذا أشبه بالوجوب وأقرب إلى الوجوب؛ لأنه عنده الاستحقاق وهذا على مسألة الدين هل هو في حكم ما في اليد أو لا؟ وهو راجع إلى مسألة الزكاة فإن كان غالب ظنه حصوله على هذا المال فلا إشكال.
الوجه الثاني: عند بعض العلماء يقول: إنه لا يجب عليه والأشبه أنه لا يلزمه أن يستدين؛ لأن العبرة بالوقت، ولذلك قالوا لو أن شخصا حج ولم يجد الدم الواجب عليه في حال حجه ولكنه إذا رجع إلى بلده عنده مال قالوا العبرة بحاله في الحج وليست العبرة بحاله في بلده هذا خلاف بين العلماء رحمهم الله والمسألة مشهورة وسبق أن أشرنا إليها في المناسك.
تبقى قضية هل الأفضل أن يستدين أو لا يستدين؟ فبعض العلماء يفضل أنه إذا استدان كان أعظم لأجره؛ لأنه يصيب السنة، ويتأسى بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في كونه يضحي في ذلك العام، فقالوا إنه أفضل من هذا الوجه.
ومن أهل العلم من قال إنه ليس بأفضل؛ لأن الأفضل أن لا يهين الإنسان نفسه، ولا يذل نفسه بالدين، ونصوص الشرع تدل على أن المسلم ينبغي أن يصون وجهه عن سؤال الناس، فقالوا إذا استدان سأل، ووقع فيما هو مكروه شرعا، فجعلوه في مرتبة المفضول لا الأفضل.
والحقيقة كلا القولين له وجه، وهذا راجع إلى مسألة: هل يستدين ليتصدق؟
والقولان لهما وجه الذي منع له وجه والذي أجاز له وجه. والله تعالى أعلم.
السؤال الثاني: فضيلة الشيخ رجل عنده زوجتان كل واحدة في بيت مستقل هل تجزئه أضحية واحدة وجزاك الله خيرا؟
الجواب:
آل الرجل في البيتين كالبيت الواحد؛ لأن قوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح في حكاية الهدي أيام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تجزئ عن الرجل وأهل بيته. أهل البيت المراد بهم من تبع الإنسان ولو كان عنده أربع نسوة، فإنه في حكم البيت الواحد. فالعبرة بالتبعية وليست العبرة بكون هذه الزوجة عندها عيالها والأخرى عندها عيال فكلهم في حكم البيت الواحد. والله تعالى أعلم.
السؤال الثالث: فضيلة الشيخ إذا كان الابن متزوجاً ولكن يسكن مع والديه في نفس البيت هل تجب أضحية على الأب وأضحية على الابن المتزوج. وجزاك الله خيرا؟
الجواب:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/267)
الابن المستقل بزواج وأسرة فهذا خارج عن والده في نفقته، فالوالد ليس بقائم عليه في نفقته لا يعتبر تابعا لوالده وحينئذ تكون أسرتان، وأهل بيتين لا أهل بيت واحد؛ لأن الابن قائم على زوجه، والأب قائم على أولاده، وهذا الابن المتزوج لا يعتبر تابعا للأب إلا في السكن والشكل لكن في الحقيقة وحكم الشرع هذا بيت وهذا بيت، ولذلك يجب على الابن أن يضحي والأب يجب عليه أن يضحي، فهنا أضحيتان وليست بأضحية واحدة. والله تعالى أعلم.
السؤال الرابع: فضيلة الشيخ شخص يرغب في الاعتكاف وفي نفس المسجد حلقة علم طيلة أيام الاعتكاف فهل يمكن أن يدخل نية الاعتكاف تحت نية طلب العلم أو لا يصح. وجزاك الله خيرا؟
الجواب:
الأفضل في المعتكف أن يشتغل بذكر الله عز وجل؛ ولذلك الاعتكاف: حبس المسلم نفسه في المسجد لذكر الله وطاعة الله عز وجل. وطلب العلم لاشك أنه من طاعة الله، ولكن هناك فرق بين العبادة وبين طلب العلم، وقد بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هذا وقال: ((إن فضل العالم على العابد)) ففرق بين الجنسين. العبادة لها وقت مخصوص وزمان مخصوص، ولذلك لما دخل عليه الصلاة والسلام للاعتكاف دخل في القبة لم يكفه أن يدخل في المسجد، ولم يكتف بدخوله المسجد حتى بنيت له القبة حتى يتفرغ أكمل ما يكون عليه التفرغ.
طلب العلم له وقت، والاعتكاف له وقت، والأفضل للمعتكف أن يشتغل بقراءة القرآن والذكر وطلب أكمل الأحوال في ذكره لله عز وجل من الخشوع والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى والتضرع إليه حتى يؤثر فيه اعتكافه، فهذه عبادة خاصة؛ ولذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل إلى القبة ولما تلاحى الرجلان: أبو حدرة الأسلمي رضي الله عنه مع أبي رفع سَجَفة الخباء وقال: يا أبا حذرة هكذا يعني ضع نصف الدين، ثم قال لأبي: قم فاقضه. فاشتغل بذلك للصلح فلما كان اليوم الثاني قال: أريت ليلتكم هذه. فتلاحى رجلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا، فبسبب هذه الخصومة وما وقع من هذه الخصومة رفعت ليلة القدر. قال بعض العلماء: ما أعظم بلاء الخلاف والخصومة بين الناس إذا لم يكن على وجه يرضي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فإنه بلاء حتى إن الأمة حرمت ليلة القدر بسبب الخلاف في الدنيا، وهذا بسبب دَيْن كان لأحدهما على الآخر. فالشاهد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعل انشغاله بالصلح والقربة أشار إلى أنه كان سببا في فوات حال الأكمل والأفضل وهو معرفة ليلة القدر، فإذا كان هذا لنبي الأمة صلوات الله وسلامه عليه ورفعت ليلة القدر عنه بالانشغال بصلح وعمل خير فهذا يدل على أن الذهن ينبغي أن يفرغ لذكر الله عز وجل. ولذلك كان بعض السلف كالإمام مالك –رحمه الله – وهو من أئمة السلف كان يرى أنه إذا دخلت العشر لا يشتغل بشيء غير الذكر والعبادة.
ومن أهل العلم وهو القول الثاني من يقول إن المعتكف يطلب العلم ويقرأ ويراجع ويستدل بحديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيح: ((كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون إذا كان في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن)) قالوا مع هذا لن يشغله مدارسة القرآن عن حصول الخير والفضل ومدارسة القرآن من طلب العلم.
وأجيب عن هذا بأن مدارسة القرآن من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وحيا ليست داخلة في هذا المعنى الذي ذكر في طلب العلم، ولاشك أن المعتكف من حيث الأصل الأفضل له والأكمل أن ينشغل بما انشغل به -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك الأفضل أن ينشغل بالذكر عن طلبه للعلم. والله تعالى أعلم.
السؤال الخامس: فضيلة الشيخ: أرجو من فضيلتكم في بداية هذا العام الدراسي أن تذكّروا طلاب العلم بوصية خاصة. وجزاكم الله خيرا؟
الجواب:
بسم الله. الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن أجمع الوصايا للخير تقوى الله عز وجل، ومن اتقى الله جعل له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية، ومن اتقى الله؛ وقاه، وسدده ووفّقه في أمر دينه ودنياه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/268)
أوصي طالب العلم في بداية دراسته وطلبه للعلم أن يبدأ أول ما يبدأ بحق الله سبحانه وتعالى، ومن أدى حق الله على الوجه الذي يرضي الله أحبه الله، ومن أحبه وفقه وسدده، ومن وفقه الله وسدده يسر له سبيل القبول، وإذا يسر له سبيل القبول فقد أفلح ونجح وفاز فوزا عظيما - جعلنا الله وإياكم بمنه وكرمه كذلك-.
فأوصي بتقوى الله عز وجل وأداء حق الله في العلم: وأول حق لله عز وجل الإخلاص لوجهه، فمن يقرأ القرآن ويقرأ أحاديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومن يقرأ في العلوم الشرعية عليه أن يعلم أنها يبتغى بها وجه الله ولا يبتغى بها شيء سواه، وأن من طلب علما مما يراد به وجه الله لينال بها عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة، وأن طالب العلم إذا طلب العلم لوجه الله ووقف بين يدي الله -جل في علاه- في آخرته وسأله الله عن قوله وعمله وكان مخلصا لوجهه نجاه الله بفضله وكرمه، فإذا قال: طلبت العلم لوجهك، وتعلمت لوجهك، وابتغيت ما عندك. قال الله: صدقت. وقالت الملائكة: صدقت. وعندها يقول الله: اذهبوا به إلى الجنة - فنسأل الله بعزته وجلاله أن يجعلنا من الصادقين-.
الأمر الثاني أن هذه الوصية يستصحبها في جميع أموره، ومن الليلة من الساعة هذه لا يكتب في العلم حرفا ولا يسمع حرفا فضلا عن كلمة عن عبارة إلا وهو يريد وجه الله، وليعلم علم اليقين أنه ليس له من هذا العلم ولو تبحّر فيه فأصاب منه ما أصاب ليس له منه إلا ما أراد به وجه ربه، وأن الله سيحاسبه في ذلك، ولم يخرج من بيته إلى كليته إلى ثانويته إلى دراسته إلا وهو يريد ما عند الله سبحانه وتعالى.
الأمر الثاني من حق الله U من تقواه: أن يحرص كل الحرص على أن يتعلم ليعمل، وأن يجعل هذا العلم في قوله وعمله وظاهره وباطنه وسره وعلانيته حتى يزكيه الله بالعلم فيهتدي، فإذا اهتدى في نفسه جعله الله هاديا مهديا؛ قال تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}. فجعلهم أئمة هداة لما اهتدوا في أنفسهم، فبدأ الله أول ما بدأ: آمنوا وعملوا الصالحات فهذه هداية في النفس، ثم قال وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. يبدأ بنفسه ويبدأ بداية صادقة حينما يحس أنه ناقص يرجو الكمال من الله أن يكمل الله نقصه، وأنه مكسور وأن الله يجبر كسره. يبدأ بنفسه فيحاسبها في القول والعمل والظاهر والباطن، ألا وإن من أعظم ما يصلح الإنسان من نفسه قلبه، فلا يصلح في هذا العلم إلا من زكى الله قلبه، زكاه بسلامة الصدر، وحب الخير للمسلمين، ولن يكون طالب العلم كما ينبغي أن يكون طالب العلم إلا إذا نقى قلبه من: الحسد، والشحناء، والبغضاء، واحتقار الناس، وانتقاصهم، وسوء الظن بهم، والتهم، ونحو ذلك من جرائم القلوب، بل من أسقامها وأمراضها، فلن يفلح طالب علم مريض القلب، ولن ينجح طالب العلم حقود أو حسود أو يحتقر الناس أو ينتقصهم أو فيه كبر أو عجب ظن أنه قد أخذ مقاليد الجنة يدخل فيها من يشاء ويخرج منها من يشاء.
ظن أنه مسلط على عباد الله بعلمه بمجرد أن يتعلم الكلمة أو الكلمتين وكأن الناس أسفل منه، فيحتقرهم وينتقصهم، ولا يستشعر الرحمة التي بعث بها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيكون كما ينبغي أن يكون عليه طالب العلم من التواضع والرفق بالمسلمين، لن يفلح ولن يصيب الكمال في هذا العلم إلا إذا زكى الله سريرته.
وانظر رحمك الله إلى طالب علم أو عالم أو داعية ربى الناس على أن يخافوا الله في إخوانهم المسلمين، فيبدأ بصلاح قلوبهم كيف يخرج للناس هاديا مهديا، وكيف يخرّج للناس أمناء رحماء يترسمون هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/269)
لن يفلح في هذا العلم من يحتقر الناس لألوانهم أو يحتقر الناس لأمصارهم وأقاليمهم. أمة مصطفاة بعد الأنبياء وهم ورثة الرسل وهم العلماء وطلاب العلم هم المؤهلون من بعدهم بإذن الله. فالذي يخرج إلى الأمة وعنده هذه الخلفيات وهذه الأمراض والأدران كيف سيكون هاديا مهديا، وكيف سينتفع بعلمه وهو يحتقر إخوانه وينتقصهم. تبدأ بنفسك وتحاسبها حسابا عسيرا لكي تهتدي، وليكون طلبك للعلم بداية لصلاح ما بينك وبين الله قبل أن يكون صلاح ما بينك وبين الناس، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، وعندها يكون العلم نافعا.
من الناس من تعلم من العلم القليل فهدي إلى صراط العظيم الجليل جل جلاله ومن الناس من حمل العلم أحمالا لكي يلقى الله جل جلاله وقد غضب الله عليه في قلبه وقالبه.
إياك أن تطلب العلم قبل أن تهذب نفسك. ابدأ بنفسك فارعها عن غيها، وكل طالب علم بدأ بالكمالات وتطبيق العلم وإصلاح نفسه لطلب العلم وأن يكون أمينا صادقا لهذه الأمة المرحومة فيخرج إليها بقلب وقالب وجهه مثل قلبه من شيم الإسلام وأخلاق الإسلام، من التواضع والمحبة والبشاشة واللين والرفق هذا يؤهل طالب العلم للكمال، فإذا جئت إلى الدراسة وإلى مقاعد العلم فانطلق بهذه الأسس، لا تنطلق انطلاق الهمج الرعاة الذين لا يفقهون ولا يعلمون ولا يطبقون هذا العلم، فأنىّ يصيب الفلاح أمثال هؤلاء؟ ! ولذلك تجد بعض الناس يبلغ أعلى درجة في العلم وينال أعلى الدرجات وهو يفرّط في أبسط حقوق الإسلام، فيمر على أخيه لا يسلم عليه، فلم يزده العلم إلا حرمانا من الخير، حتى إنه يقول: أنا الدكتور أسلم على أمثال هؤلاء! يا سبحان الله! لماذا؟ لأنه لم يزك نفسه قبل طلبه للعلم، فكيف سيزكي نفسه بعد أن نال الشهادات وارتفع.
عليك أن تتواضع عليك أن تعد أنك هالك إلا أن ينجيك الله، وأنك تحت رحمة الله سبحانه وتعالى هذه الأساسيات هي التي يفتح الله عز وجل بها على طالب العلم.
الأمر الثاني في إصلاح ما بينه وبين الله عز وجل: أن يشوب هذا العلم العبادة. عيب على طالب العلم يريد أن يتأهل للأمة عالما هاديا وهو لا يقوم الليل ولا يصوم الأيام المفضلة من الاثنين والخميس، ولا يحرص على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ويفرّط في السنن الرواتب، بل ربما حتى تمر عليه الليلة ولا يوتر. عيب على طالب العلم هذا ما يليق بطالب العلم.كيف غدا سينصح الناس ويؤهلهم، يظن بعض الناس أن العلم أن يتحمل المعلومات ثم يتكلم، يظن بعض الناس أن العلم هو تلميق العبارات، وإحسان الخطب وتجميل الكلمات، لا والله، العلم ما وقر في القلب وصدقه العمل، ولو تكلم الإنسان منذ أن ولدته أمه إلى أن يغيّب عن هذه الدنيا بشيء لن يطبقه ولن يعمل منه فلن يضع الله له البركة في قوله.
ومن بدأ في طلب العلم بهذه الأساسيات تجده إذا خرج إلى الناس خطيبا أو واعظا أو معلما أو مدرسا لن يتكلم بالكلمة إلا وأذن صاغية وقلوب واعية وجوارح تطبق ما يقول؛ لأنه صدق مع الله في طلبه للعلم؛ ولذلك الله عدل، فمن بدأ طلبه العلم بالعمل والتطبيق زكاه الله علانية كما زكى نفسه لله سره. عليك أن تجتهد وأن تعلم أن الله لا يخادع، عليك أن توطن نفسك بالصدق والإخلاص والجد في سبيل العلم صعب، ثم بعد ذلك يحرص على الكمال في العلم، يبحث عن أعلم ومن يضبط هذا العلم، وإذا كان في دراسة نظامية يحرص على أن يكون مستمعا مستفيدا أكثر من أن يكون مشاغبا متعاليا متكبرا، فكم من طلاب علم هم في الفصول رحمة، وكم من طلاب علم هم في الفصول نقمة وبلاء، تجده يكثر الجدل حتى يقال إنه مناقش حتى يقال إنه ما شاء الله ضابط تجده يناقش قبل أن يفهم الكلام الذي يقال له، وتجده يجادل قبل أن يعي الكلام الذي يناقش فيه ويجادل فيه، وعندها يحرم العلم، ومن معه يحرم العلم، وعليك أن تكون حريصا على السماع قال بعض الصالحين لابنه: يا بني كن على السماع أحرص منك على الكلام؛ لأن الله جعل لك أذنين ولسانا واحدا. الحكيم وطالب العلم له قلب يعي به:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/270)
أولا افهم ما يقال لك، ثم بعد ذلك اسأل واستشكل. تحرص على آداب العلم مع مشائخك وأساتذتك وتحرص على أن تتذلل لهم، ولذلك يقول موسى بن عمران -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا؟ المتكبر لا ينال العلم، والذي يدخل الفصل وهو ابن فلان وعلان ما ينال العلم، إنما يناله المتذلل لله عز وجل ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ومدعو له بالفتح ينام على عتبة زيد بن ثابت 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ويأتي إلى بيته ويأخذ بخطام دابته وإذا بالنهاية لن يقف في مقام إلا فتح الله عليه، وكما ذل للعلم طالبا أعزه الله مطلوبا، تقدم الثمن وتضحي. علي زين العابدين شرفا ونسبا سقطت عمامته على أبواب العلماء الذين كان يتلقى عنهم، وكانوا يزدحمون على أبواب العلماء، ومثل ما ترى الآن بعض الجهلة إذا رأى طلاب العلم يسألون العلماء يقولون: ما هؤلاء! يا سبحان الله! يزدحمون على الأسواق ويتقاتلون فيها ما يقولون ما يفعل هؤلاء؟! ويزدحمون على سلعة الله الغالية وتجدهم يجدون ويجتهدون يقولون ما فعل هؤلاء! المعروف منكر والمنكر معروف! تجدّ وتجتهد وليس معنى ذلك أن يتضارب طلاب العلم لا إنما المراد الحرص والشغف، وكيف كان السلف لا يمنعهم الجد والاجتهاد في الطلب مع علو النسب.
الأمر المهم في العلم أن تضبط تقرأ العلم وتراجع و تكتحل السهر والتعب والنصب في مراجعة العلم حتى تكون أمينا على دين الله وشرعه. تحرص على أن تكون في أفضل الأحوال، وتسأل ربك أنك لا تجلس مجلساً إلا وجعلك الله أفضل من جلس، ولن تصحب أيّ مدّرس يقف أمامك سيأخذ عنك الانطباع، فإن استطعت أن تكون كأفضل ما يكون طالب العلم مع شيخه ومع معلمه فاحرص. احرص على ذلك فمن أرضى حملة كتاب الله وخاصة حملة القرآن وحملة العلم أرضاهم في أدبه وسمته وأسئلته ومناقشته واستفادته فإن الله يرضيه حيا وميتا. إذا لم يكن أهل العلم أولياء الله يقول الإمام أحمد فلست أدري من هم أولياؤه. تعين هؤلاء على رسالتهم فكم من علماء وكم من أساتذة أحبوا نفعاً للناس لما وجدوا طلاب علم صادقين، وكم من طلاب علم حببوا في العلم بأخلاقهم وشمائلهم وآدابهم وزكاة نفوسهم وأعمالهم، والعكس بالعكس.
فنسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وكماله أن يلطف بنا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[01 - 11 - 07, 10:35 ص]ـ
قال المصنف – رحمه الله -: [ولا تجزئ العوراء البين عورها]:
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فقد شرع المصنف -رحمه الله- في بيان العيوب التي تؤثر في الأضحية، وكذلك تؤثر في الهدي، وكل ما أوجب الله من الدماء كأن يكون في فدية، أو تركٍ لواجب في مناسك الحج والعمرة، أو نذر شاة ولم يعينها؛ فإنه ينبغي أن تكون هذه كلها سالمة من العيوب، وهي الدماء الواجبة؛ وقد جاءت السنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تبيّن ما لا يجزئ في الأضحية، وجعل العلماء -رحمهم الله- ذلك أصلاً شرعياً في كل دم واجب أن يكون سالماً من هذه العيوب، وقد اشتمل حديث البراء بن عازب وحديث علي -رضي الله عن الجميع- وغيرهما على بيان جملة من العيوب، ومنها ما ذكر المصنف -رحمه الله- من عيب العور. وأصل العور في لغة العرب: النقص، فإذا كانت عين الإنسان سليمة أبصر بها، وأما إذا حصل النقص فعَوِرت إحداهما فحينئذ يكون هذا النقص مؤثراً فلا يجزئ أن يضحي بالعوراء البيّن عورها؛ والأصل في ذلك حديث البراء بن عازب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((أربع لا تجوز في الضحايا: العوراء البيّن عورها)) فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((العوراء البيّن عورها)) سواء كانت العين قائمة موجودة أو استلت العين فأخرجت كل ذلك لا يجزي، ومحل ذلك أن لا تنظر بإحدى العينين، فتفقد الإبصار بها، ويعرف هذا عند أهل الخبرة بجنوحها عند مشيها إلى العين التي تبصر بها، وبرفعها
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/271)
لصفحة رأسها وميلها إلى العين المبصرة، وكذلك إذا رعت فإنها ترعى الجهة التي تبصر بها دون الجهة التي لا تبصر منها، وعلى كل حال فإذا ثبت العور؛ فإنه موجب لعدم جواز التضحية بالبهيمة سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نص على ذلك قال: ((البيّن عورها)) سواء كانت العين موجودة قائمة أو كانت مستلّة كما ذكرنا أو طمست أو جرحت حتى ذهب النظر والإبصار بها. بقي السؤال: إذا كانت العوراء لا تجزي فهل هذا من باب التخصيص أو المراد به التنبيه على غيرها؟ قالوا إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بيّن أن العوراء البيّن عورها لا تجزي فمن باب أولى إذا كانت عمياء، وأما إذا كان بصرها وإبصارها ضعيفاً كالعمَش والعشا فإذا كانت لا تبصر بالليل وتبصر بالنهار فإن مذهب جمهور العلماء أنها تجزيء وأنه يجوز التضحية بها، وكذلك أيضا إذا كان بها ضعف في الإبصار وتبصر بالعينين ولكن إبصارها ضعيف فإنه يجزئ أن يضحى بها، وإذا كان بها بياض العينين المؤثر في الإبصار ففيها ضعف إبصار إلا أنه لم يكتسح غالب العين أو لم يجاوز نصف العين؛ فإنه يجزئ التضحية بها في منصوص كلام أهل العلم -رحمهم الله-.
إذاً لا يجزئ أن يضحي بالعمياء ولا أن يهدي العمياء ولا أن يكون هذا النوع من البهائم في الفدية كل ذلك؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نصّ على أن العوراء لا تجزي فمن باب أولى إذا فقدت الإبصار فإنها لا تجزي.
قال رحمه الله: [ولا العجفاء التي لا تنقي]: ولا العجفاء: وهي الكبيرة التي لا مخّ فيها، والمخ هو الدهن الذي بين العظام وهو معروف يكون في النخاع، ويكون أيضا في عظام الظهر - الورك-كذلك عضد الكتف، فإذا كانت كبيرة لا مخّ فيها فإن هذا النقص يؤثّر في اللحم، والنقص المؤثر في اللحم موجب لعدم الإجزاء في البهيمة. هذا أصل؛ وعلى هذا قالوا إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نصّ على هذا العيب لكي ينبه على هذا الضابط قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((أربع لا تجوز في الضحايا: العوراء البيّن عورها، والعرجاء البيّن ضلعها، والكسيرة)) وفي لفظ النسائي وغيره: ((والعجفاء التي لا تَنْقي)) يعني لا مخّ فيها، فإذا كانت عجفاء أو كبيرة هرمة فإنها لا تجزيء في الأضحية ولا تجزئ في الهدي.
قال رحمه الله: [ولا العرجاء البيّن ضلعها]: ولا العرجاء إذا كانت عرجاء فإنها لا تجزي؛ لأن هذا العيب مؤثر ويؤثر في لحمها؛ لأن العرجاء تَضْعف في المرعى، وتَضْعف في الأكل، وتتأخر عن القطيع فيضعف يؤثر هذا على أكلها وعلى موردها، فإذا كانت عرجاء وقد بان عرجها فإنه حينئذ لا يجزئ أن يضحي بها ولا أن يهدي ولا أن يفتدي؛ والأصل في ذلك نصّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عليها بقوله: ((والعرجاء البَيّن ظَلْعها)) العرجاء البيّن ظَلْعها. ظَلْعها: الشاة إذا كانت عرجاء والبهيمة من الإبل والبقر إذا كانت عرجاء وعرجها بيّن يستوي فيه أن يكون لكسر أو يكون لشلل، ونبه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالعرجاء فمن باب أولى إذا كانت مقطوعة اليد أو مقطوعة الرجل، فهذا من باب التنبيه بالأدنى على ما هو أعلى منه، وهذا عيب مؤثر، وعليه الإجماع.
قال رحمه الله: [ولا المريضة البيّن مرضها]: ولا يجزئ أن يضحّي بمريضة قد بان مرضها، والمرض يعرفها أهل الخبرة، فإذا كان بها مرض فإنه لا يجزئ لا تجزئ في الضّحية ولا الدماء الواجبة.
المرض سواء كان بالجوف أو ظهرت أماراته على ظاهر البدن فإنه مؤثّر ولذلك يؤثّر في اللحم، ولربما كان المرض في البهيمة موجباً للضرر لمن يأكل لحمها، فلا يجوز أن يضحّي بمريضة قد بان مرضها؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولا المريضة البيّن مرضها)) ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة.
أخذ بعض العلماء من هذا دليلاً على أن الجرباء لا يضحى بها، وهو مذهب جمهور العلماء على أن الشاة أو الناقة أو البقرة إذا أراد أن يضحّي بها وبها جرب أنه لا يجزئ أن يضحّي بها؛ لأن الجرب نوع من أنواع المرض.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/272)
وقال بعض العلماء كما هو مذهب الحنفية وغيرهم: إن الجرباء يجوز أن يضحّي بها؛ لأن الجرب في الجلد وليس في البدن.
وظاهر السنة من جهة المرض أن الجرب نوع من أنواع المرض؛ ولذلك تدخل في هذا العموم، والمرض تارة يكون خفيفاً يسيرا وعارضاً يزول، وتارة يكون مستحكماً في البهيمة، ولا إشكال لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نص على أن المرض يكون مؤثرا وذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: ((المريضة البيّن مرضها)).
المرض طبعا يؤثّر في أكل البهيمة، وإذا أثر في أكلها أثر في لحمها، ولذلك اجتمع دليل الأثر والنظر، وبنى عليه بعض العلماء أن المجنونة من البهائم لا يضحّى بها، والمجنونة تعرف بإدبارها إذا وضع الأكل يقبل القطيع فهي تدبر، فهذه غالبا المرض الذي معها مؤثّر في لحمها وجمهور العلماء على أنه لا يضحَّى بها.
قال رحمه الله: [ولا العضباء التي ذهب أكثر قرنها أو أذنها]: لحديث علي -رضي الله عنه وأرضاه- وقد فسّر راوي الحديث في السنن عند أبي داود والنسائي وابن ماجه وأحمد في مسنده بسند صححه غير واحد أن النبي أمرهم أن يستشرفوا. قال رضي الله عنه وأرضاه: ((أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن نستشرف العين والأذن)) فإذا كانت مقطوعة الأذن فإنه لا يجزئ أن يضحي بها؛ سواء كانت مقطوعة من الأمام وهي المقبلة، أو من الخلف وهي المدبرة، أو كان قطعها بالطول وهي الشرقاء أو كان ثقباً فيها كلها لا تجوز في الأضاحي.
قال رحمه الله: [ولا العضباء التي ذهب أكثر قرنها أو أذنها]: العضباء مكسورة القرن، فإذا كسر أكثر القرن فإنه لا يجزئ أن يضحي بها.
وأما إذا كان القرن غير موجود خلقة وهي الجماء فإنه يجوز أن يضحَّى بها، وهكذا إذا كان قرنها قصيرًا خِلْقة فإنه يجوز أن يضحى بها، إنما الذي يؤثر إذا كان الكسر لأكثر القرن.
وذهب بعض العلماء إلى أن كسر القرن ليس بمؤثّر في اللحم فيجوز أن يضحى بها، وهو نقصان في الخلقة.
قال رحمه الله: [وتجزئ الجماء]: وتجزئ الجماء كما ذكرنا؛ إذًا هناك فرق بالنسبة للقرناء إذا كسر أكثر قرنها أو كانت عضباء وبين التي لا يكون لها قرن أصلا مثل أن تكون خلقة جماء فإنه يجوز أن يضحًّى بالتي ليس لها قرن ولا يجوز أن يضحى بالمعيبة التي كسر قرنها. والضابط عند من يقول بالتأثير أن يكون الكسر أو القطع قد بلغ الأكثر وهو مجاوزة النصف.
قال رحمه الله: [والبتراء]: والبتراء وهي مقطوعة الذنب فيجوز أن يضحي بها.
والصحيح ما اختاره المصنف أنه يجوز أن يضحي بالجماء التي لا قرن لها وبالبتراء، والبتراء مقطوعة الذنب؛ لأن قطع الذنب ليس له تأثير في اللحم، ولذلك يجوز أن يضحي بها سواء كان البتر لأقل الذنب أو لأكثره فإنه يجوز أن يضحي بها.
قال رحمه الله: [والخَصِيّ]: والخَصِيّ: الخصي يجوز أن يضحى به؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضحى بكبشين أملحين أقرنين موجوءين. والموجوء هو الخصي. قال العلماء - رحمهم الله -: إن الخصي نقصان في الخِلقة، ولكن النقصان في الخلقة منه ما هو كمال ومعين على طيْب اللحم فحينئذ يجوز أن يضحى به كما في الخصي، فقالوا إن الذكر من الغنم إذا كان موجوءاً وهكذا بالنسبة للإبل والبقر يجوز أن يضحى به لأن هذا يطيب لحمه بل قال بعض العلماء إنه الأفضل؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضحى به، وأخذ بعض العلماء - رحمهم الله- من تضحية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالكبشين الخصيين جواز خصْي البهائم؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أقر ذلك ولم ينكره، ولم يمنع الصحابة -رضي الله عنهم- منه، وقالوا إنه وإن كان فيه تعذيب للحيوان لكنه لمصلحة الآدمي العظمى باستطابة اللحم قالوا فإنه جائز، ومن هنا نص طائفة من العلماء -رحمهم الله- على جواز خصي البهائم لطيب لحمها لا بقصد التعذيب. أما إذا قصد به تعذيب الحيوان فلا إشكال في تحريمه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عن تعذيب الحيوان.
قال رحمه الله: [وما شقت أُذُنهُا]: وما شقت أذنها: إذا شقت الأذن فللعلماء قولان:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/273)
قال بعض العلماء: إنه لا يجوز أن يضحى بمشقوقة الأذن إذا كان الشق مؤثرًا وهو أن يكون موجباً لسقوط الأذن إذا كان من أعلاها فتسقط على أمامها مقدمها فهي المقابلة، أو تسقط على إذا كان القطع من وراء الأذن فتسقط على خلفها التي هي مقابلة ومدابرة وأيضا الخرقاء هذا كله يقع بسبب الوسم، فكانوا يحتاجون إليه لوسم البهائم، فإذا قطعت الأذن قال بعض العلماء مشقوقة الأذن تختلف عن مقطوعة الأذن، وفرقوا بين المشقوق والمقطوع، ومنهم من لم يفرق، فجعل حديث النهي عن المقابلة والمدابرة والشرقاء والخرقاء أصلا في المنع من هذا النوع من الأضاحي.
ومنهم من قال إن الأصل جواز التضحية بها، وتكلم على سند الحديث، وأجاز أن يضحي بها، وفرّق بين القطع وبين الشق. وهنا إذا قطع الأذن وكان القطع لكل الأذن فلا إشكال في عدم جواز التضحية بالبهيمة.
وأما إذا قطع أكثر الأذن فقالوا إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمر عليا 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - كما في حديث السنن وعند أحمد في مسنده قال: ((أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن نستشرف العين والأذن)) فدل على أن القطع والشق في الأذن مؤثر، إذْ لا معنى لأمره -عليه الصلاة والسلام- أن يستشرفوا وأن ينظروا العين والأذن إلا بتأثير ذلك في الأضحية وهذا هو الصحيح.
قال رحمه الله: [أو خَرِقة]: أو كانت مخروقة الأذن وهي الخرقاء، فكانوا يخرقون الأذن وسما للقبيلة أو وسما للجماعة أو وسما للبيت حتى تعرف البهائم إذا ضاعت فيحتاجون إلى ذلك، فيخرقون الأذن فالخرقاء لا يجوز أن يضحي بها على ظاهر حديث علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - كما ذكرنا.
قال رحمه الله: [أو قطع أقل من نصفها]: أو قطع أقل من نصفها أما بالنسبة للقطع فإن كان لأقل من النصف فلا إشكال فإنها تجزي كما اختار المصنف - رحمه الله- وإذا كان للأكثر وهو ما جاوز النصف فإنها لا تجزي.
أما إذا كانت أذنها صغيرة خِلْقة فإنها تجزئ قولا واحد عند العلماء - رحمهم الله -. وأما إذا كانت سكاء خِلْقة ليس لها أذن فمذهب الجمهور على أنه لا يجوز أن يضحى بها لوجود هذا العيب والنقص.
قال رحمه الله: [والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى]: والسنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نحر الإبل: من الحيوان والبهائم ما يذبح، ومنه ما ينحر، ومنه ما فيه موضع للنحر والذبح.
فأما الذي ينحر فهو الإبل، والسنة فيها أن تنحر قائمة لا قاعدة، وأن تكون مقيدة اليد اليسرى؛ لأن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- لما مر على الرجل وهو يريد أن ينحر بعيره باركا. قال له رضي الله عنه وأرضاه: ((ابعثها قياماً مقيدةً سنة نبيك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)) والصحابي إذا قال سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لا إشكال أنه في حكم المرفوع، وعلى هذا فإن ابن عمر - رضي الله عنهما- أنكر على الرجل أن ينحر الإبل قاعدة باركة إلا إذا وجدت حاجة وضرورة لبروكها؛ فإنه يجوز أن ينحرها باركة ولابأس في ذلك ولا حرج. أما الأصل فإنها تنحر قياما معقولة يد اليسرى فيطعنها في الوهدة وهي أسفل العنق عند مجمعها في البدن فيطعنها ويحرك السّكين، وبهذا تكون تذكيتها. الأصل في ذلك ما ذكرنا من السنة، فلو نحرها وهي باركة صح النحر إذا كان على الصفة الشرعية. فالمصنف رحمه الله بعد أن بيّن صفات الأضحية شرع في بيان هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في نحرها.
أما بالنسبة لما يذبح فلا إشكال في الغنم فإنه سيبيّن رحمه الله الصفة الواردة عن النبي r في ذبحه.
وأما ما يجمع ما بين النحر والذبح فهو البقر، ففيه موضع للذبح، وفيه موضع للنحر، يصح نحره ويصح ذبحه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/274)
قال رحمه الله: [وذبح البقر والغنم على صفاحها]: وذبح البقر والغنم على صفاحها: فالسنة أن يضجعها؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أضجع الكبش، وجعل قدمها على صفحته، ثم سمّى اللهعز وجل. يضجعه على شقه الأيسر، ويسمي الله عز وجل، فيحد شفرته ويريح ذبيحته؛ قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لعائشة -رضي الله عنها-: ((هلمي المدية، ثم قال لها: اشحذيها بحجر)) ثم ذبح عليه الصلاة والسلام أضحيته. فالسنة في الذبح أن يضجع البهيمة على شقه الأيسر، مقبّلة إلى القبلة، ثم بعد ذلك يسمي الله عز وجل ويتحرى السنة في الرفق بها؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام-: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) فبيّن عليه الصلاة والسلام أن السنة الرفق بالحيوان المذبوح، وهذه هي الحقوق التي نادى بها رسول الهدى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والعالم أجمع في دياجير الظلم والظلمات لم يستفق من غفلة، ولم ينتبه من منام حتى بعث الله عز وجل هذا النور، فبين عليه الصلاة والسلام كيف تكون الحقوق حتى للبهائم، بل إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعل الحق حتى للشجر والأخضر في عدم الإفساد في الأرض، فلا تحتاج هذه الأمة لأحد أن يعلمها، وليس فيها نقص تحتاج لأحد أن يكمّله {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم}.
عرف المسلمون حقوق الإنسان، وعرفوا حقوق الحيوان، وعرفوا حقوق الجماد، وعرفوا حقوق كل شيء؛ لأن الله عز وجل أوحى إليهم بهذا الكتاب الذي ما فرط فيه من شيء؛ كما قال سبحانه: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} وقال سبحانه: {وكل شيء فصلناه تفصيلا} فهنيئا ثم هنيئا لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر يعيش على هذه العقيدة أنه مسلم لا يحتاج لأحد مادام عنده كتاب ربه وسنة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يستنير بهما بالعلماء العاملين الأئمة المهديين من السلف الصالح والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين -جعلنا الله وإياكم ممن تمسك بهما ورزق الثبات عليهما وحبهما والإخلاص في الولاء لهما إنه ولي ذلك والقادر عليه -.
قال رحمه الله: [ويقول عند ذلك: بسم الله والله أكبر اللهم هذا منك ولك]: السنة في الذبح والنحر جامعة بين الأقوال والأفعال، وهناك ما يتعلق بالذابح، وهناك ما يتعلق بالمذبوح والمنحور، وقد بينّا بعض الأفعال، فشرع في بيان السنة القولية أنه إذا أضجع البهيمة وقبّلها فإنه يسمي الله عز وجل ويكبره؛ كما ثبت في الصحيح: ((عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: بسم الله والله أكبر)) وأمر الله عز وجل بالتسمية عند الذبح، وحرّم كل مذبوح لا يذكر اسم الله عليه؛ كما قال تعالى: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} وقال سبحانه: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق}.
فالسنة أن يسمي الله عز وجل، وأن يذكر الله عز وجل عند ذبحه، ويكبره جل جلاله؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سمى وكبر، ثم يبين إذا كانت أضحية. يقول: اللهم هذه عني وعن أهل بيتي، وإذا كانت عن صدقة واجبة أو غير ذلك يبيّنه يعينه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في النسك مضت سنته على التعيين، وإلا الأصل في النية أنها في القلب؛ ولذلك تلفظ عليه الصلاة والسلام بمكنون النفس وما يقصده عليه الصلاة والسلام في النحر وفي النسك، ففي النسك قال: ((لبيك عمرة وحجة)) كما في الصحيح حتى ثبت عن أكثر من خمسة وعشرين من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال في حجته: ((لبيك حجة وعمرة)) فتلفّظ بنيته وبين المكنون من صدره.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/275)
وكذلك أيضا عند النحر، وقالوا هذا تأكيد للأصل من توحيد لله عز وجل؛ لأن الناس كانت في جاهلية، وكانوا يذبحون للأصنام والأنصاب والأزلام؛ فجاء بها عليه الصلاة والسلام حنيفية سمحة {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له} وقال الله يعلّمه: {فصل لربك وانحر} فجعل النحر له جل جلاله، فيبدي ذلك ويقول: اللهم هذا منك ولك؛ كما صح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اللهم هذا منك: لأنك ملك الملوك، ومالك كل شيء، وبيدك ملكوت كل شيء، وأنت الذي أغنيت، وأنت الذي يسرت وسخرت البعير على عظم خلقته، وما جعل الله في كمال في صورته، يقوده الصبي بتسخير الله عز وجل، ولو هاج البعير كما كان يعرف في القديم على قرية بكاملها قد تفر هذه القرية من صولته وجولته، ولكن الله سخره، وذلله وجعل الصبي يقوده، ولربما يقوده لكي ينحر، وهذا كله من الله سبحانه وتعالى
اللهم هذا منك: فهو الذي خلق، ووهب، ورزق، وأعطى سبحانه وتعالى وتقدست أسماؤه.
فقال اللهم هذا منك ولك: أي خالصا لك؛ لأنه لا ذبح إلا لله، فلا يذبح المسلم إلا لربه؛ قال {قل إن صلاتي ونسكي} والنسك هو الذبح؛ لأن من معاني النسك الذبح؛ كما في الصحيح من حديث كعب بن عجرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال له: ((انسك نسيكة)) أي اذبح ذبيحة، فيقول هذا اللفظ: عني وعن أهل بيتي، وإذا كانت الأضحية وصية من ميت كأن يكون ميت وصى بالثلث أن يضحى عنه، فيقول: هذه عن فلان ويسميه، وللأسف أن كثيراً إلا من رحم الله ضيعوا السنة، ولربما في بعض الأحيان يذبح الذابح ولا يعرف لأي شيء، ولربما التزمت بعض الشركات وبعض المؤسسات بالذبح عن الناس وللأسف أنهم لا يعرفون إلا أن هذه الشاة هدي أو أن هذه الشاة أضحية ثم لا يبيّن أنها لفلان كما ثبتت السنة أن هذه عن فلان وفلان ولم يسم وإنما تذبح هكذا؛ وهذا كله خلاف السنة. السنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: ((اللهم هذه عن محمد وآل محمد)) -صلوات الله وسلامه عليه- وقال في الثانية: اللهم هذه عمن لم يضحِّ من أمة محمد -صلوات الله وسلامه عليه- فهذا يدل على أنها سنة تعبدية لابد من التأسي بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيها، وبيان النية، وهذان هما الموضعان اللذان استثناهما الشرع.
قال رحمه الله: [ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم]: ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم: الأصل في الذبح فيه صفة الكمال، وصفة الإجزاء. أما التذكية فإنها تصح من المسلم البالغ العاقل على خلاف في الصبي المميز، والكتابي تصح منه لكن هذا على صفة الكمال إذا كان مسلما بالغا عاقلا. أما إذا كان مجنونا فإنه لا تصح تذكيته، وإذا كان كافرا؛ فإنه لا تصح تذكيته إلا إذا كان كتابيا من اليهود والنصارى وهم الذين استثنى الله U تذكيتهم بشرط أن لا يسمعه يهلّ لغير الله فإذا ذبحها وقال باسم المسيح أو باسم العزير فإنها لا تجزي، في قول جماهير أئمة السلف والخلف - رحمهم الله- إنما يجزئ ما كان في دينهم وشريعتهم مجزئا، وهو ما أهل لله عز وجل. أما إذا أهل لغير الله به فإنه لا يجوز.
إذًا تذكية المسلم وتذكية الكتابي مجزئة، وإذا كان تصح التذكية من المسلم والكتابي فلا تصح من المرتد ولا تصح من المجوسي؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال في المجوس: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم)) وكذلك لا تجوز من أن لا ديني -والعياذ بالله- الملحد فإنه لا تجزئ تذكيته، فإذا كانت من الكتابي والمسلم تصح التذكية؛ فإنه ينظر إلى الأكمل والإجزاء، فالأكمل أن ينحرها ويذبحها مسلم، والإجزاء أن يذبحها الكتابي، فالأفضل والمستحب أن يتولاها المسلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/276)
قال رحمه الله: [وإن ذبحها صاحبها فهو أفضل]: وإذن ذبح الأضحية أو نحرها أو ذبح الهدي أو نحره صاحبه فهو أفضل؛ لأنه سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ففيه تأسي بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؛ ولأنه يؤجر على هذا الفعل بخلاف ما إذا وكّل غيره أو استأجر من يذبح عنه. فالأفضل أن يتولى الذبح بنفسه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تولى الذبح بنفسه، وإذا تولاه بنفسه فقد تقرب إلى الله أكثر، ووحد الله بالذبح له وذكر اسم الله U وأبرأ لذمته وأخلص في عبوديته سبحانه وتعالى، وإذا كان إماما وصلى بالناس العيد فاستحب طائفة من أهل العلم أن يذبح أضحيته بالمصلى يعني بجوار المصلى في المكان الذي يذبح فيه حتى يبادر ويتبعه الغير، لفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وهذا أكمل في الهدي وترجم له بعض أئمة الحديث -رحمهم الله- باستحباب أن يخرج ضحيته وأن يبدأ بها بعد انتهاء الصلاة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تحرى ذلك وهو أفضل وأكمل أن يتولى الإنسان الذبح بنفسه، فإن ضاق عليه الوقت أو خشي أنه لا يتمكن أو كان لا يعرف طريقة الذبح فله أن يوكّل غيره ولا بأس بذلك ولا حرج؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نحر ثلاثا وستين بدنة في حجة الوداع، وكان قد أهدى مائة بدنة، فأمر عليا 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن ينحر ما غبر وما بقي، وهذا يدل على مشروعية التوكيل في الذبح، والتوكيل في التضحية والتوكيل في الهدي، وأنه لا بأس بذلك ولا حرج، فلو أن شخصاً أخل بواجب من واجبات الحج مثل أن ترك الإحرام من الميقات ووجب عليه دم، أو كان عليه هدي تمتع أو قران حج قارنا أو متمتعا، أو كانت عليه أضحية، فنقول له الأفضل أن تتولى بنفسك، فإذا لم يتول بنفسه أو صعب عليه وأراد أن يوكل فينبغي له أن يوكل من يثق بدينه وأمانته، وأن يوكل من يستطيع أن يقف بين يدي الله عز وجل ويرضاه وكيلا له في عبادته وطاعته لله سبحانه وتعالى في نحره وذبحه. أما أن تعطى الوكالة لكل أحد دون نظر دون تروي ودون وجود تزكية ممن يوثق به فهذا لاشك أنه من الإهمال، وإذا قصر هذا الشخص فإنه سيتحمل الموكل المسؤولية؛ لأن الوكيل ينزل منزلة الأصيل، فينبغي أن لا تختار إلا الأمين. البعض يعطي كل شخص، لو قيل له هذا عليه دم ذهب وبحث عن أي شخص قال: أنت من أهل مكة؟ قال: نعم. قال: خذ واذبح عني! هذا لا يجزيك ينبغي لك أن تبحث عمن تثق بدينه وأمانته، وإذا كنت لا تعرف تسأل من تثق به حتى يدلك عمن تعرف، ولو كان أمرا من أمور الدنيا لتحرى، ولذلك كثير من الفتاوى والأسئلة تأتينا عن أناس يعترف البعض فيقول: أخذت مائة رأس ولم أذبح منها رأسا واحدا -والعياذ بالله- وبعضهم يقول: أخذت كذا مال من النقود وبعضهم حتى من طلبة العلم للأسف يقول: على أنني أذبح الهدي عن حجاج بلدي أو عن جماعتي فذبحت ربعها ولم أذبح ثلاثة أرباعها! ذبحت نصفها ولم أتمكن من النصف! ذبحتها كلها إلا كذا! وتأتي تبحث وإذا به قد تقبل من الناس الوكالة دون أن يكون أهلاً دون أن تكون عنده خبرة، دون أن تكون أن يرتّب أمره، ولا شك أن مثل هؤلاء مسؤولون أمام الله عز وجل خاصة إذا نظر إليهم كطلاب علم فهؤلاء عليهم أن يتقوا الله عز وجل وأن لا يتوكّلوا في شيء إلا وهم ناصحون لأمة محمد عز وجل، وأن لا يغشّوا الناس، وعلى من يوكل أيضا أن يتحرى. كذلك الشركات حينما تأتي الشركات وتأخذ مليون رأس وهي تعلم أنها لا تتمكن إلا من ذبح مثلا نصف مليون ثم تأتي تبحث عن الفتاوى حتى يرخص لها في الذبح في غير الوقت المعتبر هذا لاشك أنه خلاف النصيحة. على كل مؤسسة وعلى كل شركة وعلى كل جماعة وعلى كل فرد أراد أن يتوكّل عن الغير في أمر لا يستطيعه أن يقول لا أستطيع، وإذا توكل في أمر يستطيع عن بعض ولا يستطيع عن كله فإنه يأخذ بقدر استطاعته، وعليه أن يلتزم الورع، وأن يعلم أن الآخرة خير وأبقى، وأنه ليس هناك أحد عنده مَسَكَة من عقل ودين وورع يرضى أن يبيع آخرته بعرض من الدنيا، وأن هذا الذي يؤخذ من الدنيا إذا كان كثيراً على وجه لا يرضي الله فإنه قليل، وإن الله يمحق به البركة؛ فعليه أن يصدق قال - صَلَّى اللَّهُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/277)
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما)) فبين أن البركة بالصدق والبيان والنصيحة، فدل على أن الله لا يبارك للكذابين، وأن الله لا يبارك للغشاشين، فعلى من يريد أن يتوكل في النحر والذبح أن يكون غالباً على ظنه أو مستيقناً أنه يستطيع أن يؤدي هذه الأمانة؛ ولذلك قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الحديث الصحيح: ((أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)) فأمر بأداء الأمانة هذه أمانة وواجب، وعلى أهل العلم أن لا يعين أمثال هؤلاء من الشركات والمؤسسات أن يأخذوا فوق طاقتهم، بل عليهم أن يأخذوا في حدود الطاقة، وإذا أعطيت الفتاوى لهؤلاء أن تتقيد. نحن نقول هذا لأنه تواجهنا أسئلة الناس ومشاكل الناس، وواجب النصح للأمة أن يقال هذا. لا يجوز العبث بهذه الدماء الواجبة، وتضييع أوقاتها، وخاصة إذا كانت مقيدة بزمان أومقيدة بمكان، بل ينبغي لمن يتوكّل في هذا الأمر أن يتقي الله وأن ينصح، وأن يؤدي الأمانة على الوجه الذي يرضي الله؛ وفي الحديث الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((أن الأمانة تصور لصاحبها يوم القيامة ويقال له: أد أمانتك فتهوي في نار جهنم، فينزل يلتمسها ثم إذا صعد بها حتى إذا بلغ شفير جهنم ردت عليه فيرجع ثانية - والعياذ بالله - يعذب على قدر ما خان من الأمانة)) - نسأل الله السلامة والعافية - فإذا كان هذا في الأمانات العامة فكيف إذا كان الأمانة في عبادة وفي دين وفي شرط. وعلى طلاب العلم أن ينتبهوا لذلك، وأن لا يحملوا أنفسهم ما لا يطيقون، وعليهم إذا أرادوا أن يقوموا بأمر أن يسألوا أهل الخبرة، وأن يتحروا حدود طاقتهم؛ نصيحة للأمة، وبعدا عن تحمل المسؤولية أمام الله عز وجل.
قال رحمه الله: [ووقت الذبح يوم العيد بعد صلاة العيد إلى آخر يومين من أيام التشريق]: ووقت الذبح بعد صلاة العيد لا تذبح الأضحية قبل الصلاة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((من نسك قبل الصلاة فشاته شاة لحم)) وقال لأبي بردة لما نسك قبل الصلاة قال: ((اذبح أخرى مكانها)) فدل على أن الذبح لا يصح قبل الصلاة - صلاة عيد الأضحى - وعلى هذا ظاهر السنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فإذا ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم، فإذا كان مثلا أشرقت الشمس على السابعة وتحرى الإمام ثم صلى وانتهى من الصلاة على السابعة وعشر، ثم ذبح قبل هذا الوقت فإنه لا يجزيه وعليه أن يعيد، وأما إذا وقع ذبحه بعد سلام الإمام وانتهاء الصلاة؛ فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((ومن لم يذبح فليذبح باسم الله)) فأجاز الذبح من بعد صلاة العيد.
قال رحمه الله: [وتتعين الأضحية بقوله: هذه أضحية]: وتتعين الأضحية بقوله هذه أضحية: إذا أخذ الشاة من السوق يريد أن يضحيها فقال: هذه أضحية، فلما أخذها وعينها بهذا اللفظ أصبحت معينة، فإذا عيبت أو أصابها ضرر بعد التعيين صح أن يضحي بها؛ لأنها قد تعينّت، وهذه من فوائد أو من المسائل المستفادة من التعيين، والمعيّن لا يخرج عن غيره؛ لأنها إذا كانت معينة لا تنصرف إلى نذر، ولا تنصرف إلى هدي؛ لأنها معينة أضحية، وهذا من منصوص جمهور العلماء -رحمهم الله-.
قال رحمه الله: [والهدي بقوله هذا هدي وإشعاره وتقليده مع النية]: والهدي بقوله هذا هدي مثل الأضحية يعيّن والإشعار والتقليد فيأخذ صفحة عنق البعير ويضربه بالسكين أو الموس حتى ينسلت الدم على صفحته هذا إشعار، والتقليد أن يضع القلادة يكون الإشعار للإبل، ويكون التقليد للغنم كما صح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ((كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيبعثه إلى الحرم)) فكان يوضع قلادة. فائدة هذا الإشعار والتقليد أن الناس كانوا إذا خرجوا للنسك وضاعت هذه البهائم علم من يجدها أن هذا هدي، وعلم أنه من الهدي للبيت، وكانت العرب حتى في جاهليتها الجهلاء تتحامى مثل هذا النوع من الأموال، فإذا وجدتها تحاشته، فالأصل أن الإشعار والتقليد يقتضي التعيين، وإذا قال: هذا هدي، وأشعره من
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/278)
الإبل وقلده إذا كان من الغنم وقيل في البقر أنها تقلد، وقيل إن فيها الموضعين يجوز إشعارها ويجوز تقليدها، فإذا فعل ذلك فقد تعين، فلا ينصرف إلى غيره.
أما لو أنه اشترى أضحية، وكانت تحدثه نفسه اشترى شاة تحدثته نفسه على أنها تكون عن دم واجب في الحج أو في العمرة، ثم قال: لو أني ضحيت بها وأراد أن يصرفها إلى أضحية صح بخلاف الأول؛ لأنها لم تتعين أضحية، ولم تتعين هديا.
قال رحمه الله: [ولا يعطي الجزار بأجرته شيئا منها]: ولا يعطي الجزار شيئا من الأضحية على أنه من الأجرة؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن علي -رضي الله عنه وأرضاه- أنه قال: ((أمرني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن أقوم على بُدُنِه، وأن أتصدق بلحومها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها شيئا)) فلا يجوز أن يعطي الجزار من الأضحية، ولا يجوز أن يعطي الجزار من الهدي شيئا على أنه من الأجرة، وعلى هذا لو أن الجزار كان مسكيناً أو كان فقيراً وأراد أن يتصدق عليه بنية الصدقة لا بنية الأجرة صح.
الممنوع أن يعطيه على أنه أجرة، لكن مثلا لو جاء وذبح أضحيته وهو جاري وأنا أعلم أنه محتاج أو قريب وأعلم أنه محتاج، وهذا الدم عليّ واجب للمساكين فأعطيته إياه على أنه صدقة صح ذلك وجاز. فيجوز أن يعطي الجزار على سبيل الصدقة، وعلى سبيل الهدية والهبة والصلة كما في الأضحية؛ لأن الأضحية تكون فيها شيء منها للإنسان، وشيء منها للمساكين، وشيء منها هدية، فإذا أعطى الجزار على سبيل الهدية وعلى سبيل الصدقة صح، فقيد المصنف - رحمه الله - أن يعطيه من الأجرة، وهذا مبني على الأصل الذي ذكرناه من نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لعلي أن يعطي الجزار منها شيئا على أنه من الأجرة، أما بالنسبة للتصرف بها فسيبين المصنف -رحمه الله- الأصل في التصرف في الأضاحي وفي الهدي، وما ورد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من إعطاء الناس وتقسيمها، فقصد من هذا أنه لا يجوز أن يعطي الجزار من البهيمة شيئا.
وهنا مسألة وهي: أن بعض العلماء يمنع أن تستأجر شخصا ليعمل عملاً وتكون أجرته من نفس العمل الذي ينتجه، وهذه المسألة تعرف عند العلماء في باب الإجارة بقفيز الطحان، وفيها حديث تكلم العلماء على سنده: ((نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن قفيز الطحان)) قالوا: قفيز الطحان المراد بها أن يقول له: اطحن لي هذا الصاع وخذ ربعه، أو خذ نصفه، فقالوا: إنه استأجره فقال له: اطحن وخذ نصفه، فسيأخذ نصف ما يطحن، فجعل أجرته من جزء عمله. قالوا هذا نوع من الغرر وهذا يدخل فيه مسائل منها: لو أعطاه السيارة، وقال له: اعمل بها والكسب بيني وبينك فهذا جزء من العمل. قالوا هذا نوع من التغرير عند من يمنع، منها مسألة الجزار أن يقول له: اذبح الشاة وخذ جلدها، أو أجرتك الجلد. فمن العلماء من يمنع هذه الإجارة، ومنهم من يفصل. فالذين يمنعون يبنون على حديث: ((نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن قفيز الطحان)) وهذا الحديث ضعيف سندا ومتنا. أما سنده فلا إشكال سنده ليس بقائم وضعيف، لكن من جهة المتن تكلم فيه بعض العلماء كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية إن من دلائل ضعف هذا الحديث وهو ما يستدل به على ضعف الحديث من متنه أن القفيز لم يكن معروفا في المدينة، إنما كان عندهم المد والصاع، والقفيز كان معروفا في المشرق، فلا يعقل أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يترك هذه كلها ويأتي بشيء لا يعرفه الناس وليس من عرفهم في المكيلات، فقالوا هذا يدل على ضعف متن هذا الحديث مع سنده، وعلى كل حال هذا يدل على ضعف سند الحديث بدلالة من متنه. على كل حال المسألة تعرف عند العلماء بمسألة قفيز الطحان؛ إلا أن من فصّل وقال يجوز أن يستأجر في حال، ولا يجوز أن يستأجر في حال.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/279)
فأما الحال الذي يجوز أن يستأجر إذا لم يكن فيه غرر، والحال الذي لا يجوز أن يستأجر إذا كان فيه غرر. قالوا ومن الغرر: أن يقول له: اذبح الشاة ولك جلدها؛ لأنه لا يدري هل يخرج الجلد سليما أو معيبا؟ لأنه ربما أثناء السلخ يخطئ فيقدّ الجلد وهذا يضعف قيمة الجلد؛ ولذلك هو يقدّر أن الجلد في السوق قيمته مثلا عشرون ريالا، فهو إذا قدّه وقطعه نقصت قيمة الجلد؛ لأن الجلد إذا قطع سيمنع من الانتفاع به في السقاء بعد دبغه يعني سيؤثر على المنافع المترتبة عليه، فإذا كان سليما ليس كما لو كان معيبا؛ وحينئذ إذا قدُّ قد تنزل قيمته إلى عشرة ريالات، قالوا كأنه قال له: أستأجرك بعشرين أو عشرة أو خمسة عشر على قدر سلامة هذا الجلد، وهذا نوع من عقود الغرر، وهو أن يردده بين قيم محتملة لا يدرى هل يصيب أعلاها أو أدناها أو أوسطها، فسيأتي إن شاء تفصيل ذلك في باب البيوع.
وعلى كل حال أن الجزار لا يأخذ من البهيمة شيئا على أنه أجرة.
المسألة الأخيرة: أن التساهل في أخذ جلود البهائم في المسالخ دون إذن من الناس، وإلزامهم بذلك لاشك أن هذا أمر في محظور شرعي، وبخاصة إن بعضها صدقات، فتؤخذ ثم يتاجر بها. فالواجب استئذان أهلها، والتفريق بين الذبائح التي تكون عبادة، ولا يجوز بيع أجزاءها، وبين الذبائح التي هي من أملاك الناس إن شاءوا يتركونها فيملكها آخذها، وإن شاءوا يبيعونها أو يأخذوا العوض عليها كما هو معروف في الحقوق المالية.
قال رحمه الله: [والسنة أن يأكل ثلث أضحيته]: والسنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن يأكل ثلث أضحيته؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((كلوا وتصدقوا واهدوا)) فقوله: ((كلوا وتصدقوا واهدوا)) منقسم على ثلاثة، فجعل للأكل ثلثا، وللصدقة ثلثا، وللهدية ثلثا. وقال بعض العلماء: إنها تقسم على نصفين: نصف له يأكله ويهديه ويتصرف فيه، ونصف للمحتاجين؛ لقوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} فجعلها على قسمين.
والتقسيم ثلاثة أقوى من جهة الكتاب والسنة؛ لأن الله تعالى يقول: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} وظاهر السنة يدل على التقسيم ثلاثا، واختار المصنف - رحمه الله - ذلك وهو أقوى.
قال رحمه الله: [ويهدي ثلثها]: ويهدي ثلثها: الهدية تكون لغير المحتاج، وتكون لآل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فيهدي أصدقاءه، ويهدي جيرانه إذا كانوا غير محتاجين ويتصدق للمحتاج.
قال رحمه الله: [ويتصدق بثلثها]: ويتصدق بالثلث كما ذكرنا؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((وتصدقوا)) وقال الله تعالى: {وأطعموا البائس الفقير} فالسنة أنها لا تخلو من صدقة، لابد وأن يتصدق بشيء منها.
قال علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: ((وأن أتصدق بجلودها وأجلتها)) أمره عليه الصلاة والسلام أن يقوم على البدن وأن يتصدق بجلودها وأجلتها.
قال رحمه الله: [وإن أكل أكثر جاز]: وإن أكل أكثر جاز: يدل على الاستحباب، لكن لا تخلو الذبيحة من صدقة، ولا يخلو المسكين من حق فيها، يبقى القدر المستحب والأفضل، والذي استحبه بعض العلماء النصف؛ لأنه أكثر أجرا وأعظم. وظاهر الكتاب فيما يدل على استحباب النصف ومنهم من استحب الثلث على ما ذكرناه في الحديث.
قال رحمه الله: [وله أن ينتفع بجلدها ولا يبيعه ولا شيئا منها]: وله أن ينتفع بجلدها أن يأخذ هذا الجلد ويدبغه، ثم يجعله بساطا، أو مثلا يأخذ الجلد وينتفع بشعره ويغزل، أو بالوبر الذي على جلد الناقة وينتفع به يغزل خباءا أو يغزل كساء، فجعل الله عز وجل في جلود الأنعام منافع عظيمة، وجعلها دِفئا في الشتاء، وسِترا في القيظ، ولو أن الإنسان رجع إلى طبائع الناس حينما كانوا يعيشون على هذه الأشياء لوجد العجب العجاب من حكمة الله عز وجل وتعليمه لعباده، وإلهامه سبحانه لهم ما فيه مصالح دينهم ودنياهم وآخرتهم. فالجلود ينتفع بها، فلو أخذ الجلد ودبغه سقاء فجعله شنا وقربة يستقي بها أو يضع فيها العسل أو السمن أو غير ذلك فلا بأس ولا حرج، وهكذا لو أنه أخذ الشعر فغزله وانتفع به لنفسه لكن لو أنه جعله فراشا وغطاء في البيت ثم جاء شخص وقال له: بعني
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/280)
هذا الفراش. نقول: لا يجوز؛ لأنه لا يباع من الأضحية شيء؛ لما ذكرناه من الأصل الذي ذكرناه ولم يجعلها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عوضا، ولذلك لم يجز أن تكون ثمنا في الأجرة أجرة للعامل لسعيه وعمله.
قال رحمه الله: [ولا يبيعه]: ولا يبيعه لو أنه أخذ جلد الأضحية وجاءه شخص وقال له: بعني جلد أضحيتك هذه، أو أهدى إلى البيت وأخذ جلود الهدي فقال له شخص: هذه الجلود أشتريها منك بمائة أو بألف لم يجز أن يبيعه لا يجوز بيعه بيع الجلود والأجلة لما ذكرنا.
قال رحمه الله: [ولا شيئا منها]: ولا شيئا منها: لما ذكرناه؛ لأنها ليست محلا للمعاوضة، والأصل في ذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - منع عليا 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن يعطي الجزار شيئا من الهدي، وقال: نحن نعطيه من عندنا، فدل على إسقاط المعاوضة والبيع نوع من أنواع المعاوضة؛ لأن البيع مبادلة المال بالمال، والإجارة مبادلة المال بالمنفعة، فلما حرم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن يعطي من الهدي الجزار شيئا عوضا عن عمله كأجرة دل على أنها ليست محلا للمعاوضة، فشمل ذلك الإجارة وشمل البيع، كأنه لا يستحق مالكها أن يبذلها عوضا عن عمل، فإذا كان هذا في العمل الذي يتعلق بمصلحة الهدي وهو النحر فمن باب أولى إذا لم تكن ثَمّ مصلحة.
قال رحمه الله: [فأما الهدي إن كان تطوعا استحب له الأكل منه]: فأما الهدي فإن كان تطوعا استحب أن يأكل منه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أكل من هديه في حجة الوداع، وشرب من المرق، وأمر من كل ناقة أن يؤخذ له منها، ثم طبخت واحتسى من مرقها - صلوات الله وسلامه عليه -، وأكل منها فدل على أن السنة أن يأكل من الهدي الجائز.
وأما إذا كان الهدي واجبا كجزاء الصيد ودم الجبران ودم الفدية فإنه لا يأكل منه، وإنما يكون طعمة للمساكين، فلو أن شخصا أحرم من دون الميقات فوجب عليه أو ترك طواف الوداع ووجب عليه دم الجبران؛ فإنه لا يأخذ من هذا الدم الواجب عليه شيئاً ولا يأكل منه.
قال رحمه الله: [لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمر من كل جزور ببَضْعَة فطبخت]: أمر من كل جزور ببضعة. البَضْعَة: القطعة من الشيء قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((إنما فاطمة بضعة مني)) البَضْعة من الشيء القطعة فأمر عليه الصلاة والسلام أن يؤخذ من هذه الجزر من كل جزور ببضعة قطعة ثم وضعت وطبخت كلها وشرب من مرقها - صلوات الله وسلامه عليه- واحتسى منها فدل على أن السنة أن يأكل ويصيب من هديه.
قال رحمه الله: [فأكل من لحمها وحسى من مرقها]: وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((أيام منى أيام أكل وشرب وبعال)) وكانوا يأكلون، وسميت أيام التشريق لتشريق اللحم، فكانوا يأكلون من هديهم، وهذا كله كما ذكرنا في غير الواجب.
قال رحمه الله: [ولا يأكل من واجب إلا من هدي المتعة والقران]: لأنه ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أكله من الهدي.
************************************************** ***************
الأسئلة:
السؤال الأول: فضيلة الشيخ: هل تجزئ الأضحية إذا ذبحت في اليوم الثالث من أيام التشريق. وجزاك الله خيرا؟
الجواب:
بسم الله. الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأصح قولي العلماء في هذه المسألة أن اليوم الرابع وهو الثالث من أيام التشريق أنه يجزئ الذبح فيه إلى غروب شمسه؛ وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((أيام منى - وهي أيام التشريق- أيام منى أيام أكل وشرب وبعال)).
وذهب بعض العلماء إلى أن الذبح لا يكون إلا يوم العيد ويومان بعده أي المجموع ثلاثة أيام.
والصحيح الأول؛ لما ذكرنا والله تعالى أعلم.
السؤال الثاني: فضيلة الشيخ: في بعض المناطق يذبحون أضحية يوم العيد عن فقراء المسلمين اقتداءً بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فهل هذا جائز أو هو خاص به - عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان خاصاً فما النية الفاضلة حينئذ. وجزاكم الله خيرا؟
الجواب:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/281)
المحفوظ من هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه ضحى عن أمته، ولذلك قال في الثاني: ((اللهم هذا عمن لم يضح من أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)) وأضحيته كافية منه - عليه الصلاة والسلام - والأفضل أن يصرفها لنفسه أو يصرفها لقرابته؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه سأله الرجل وقال: ((يا رسول الله عندي دينار ماذا أفعل به؟ قال: اجعله لنفسك. قال: عندي آخر. قال: اجعله لأهلك. قال: عندي آخر. قال: اجعله في قرابتك. قال: عندي غيره. قال: شأنك به)) فيبدأ الإنسان بنفسه، ثم يثني بقرابته؛ لأن القريب أولى، والأجر في حقه أعظم، ولو كانت عندك أضحية وأنت تعلم أن ابن عمك أو ابن أخيك أو ذي عَصَبة أو ذي رحم منك ليس عنده قدرة يشتري أضحية فالأفضل بدل أن تتصدق بها أن تذهب بها إليه وتعطيه إياها وتقول له: ضحي بها لكي يصيب السنة، ولكي لا يخلو بيته من هذه الفضيلة، بل بعض الناس كما قيل في المثل: [يبرّ خالته ويعق أمّه]، فينظر للبعيد، ويغفل عن أقرب الناس منه، وهم أعظم أجرا، وأعظم ذخرا؛ ولذلك دل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - المتصدق أن يبدأ بالأقربين، وأن يعتني بذلك؛ لأنه هو الأفضل والأعظم أجرا، وإذا أعطى لذي الرحم منه أعطي الأجر من جهتين: أجر الإعانة على الأضحية، وأجر الصلة والبر، وقد بيّن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كما في حديث زينب امرأة عبدالله بن مسعود الصحيح أن لها أجرين: ((أجرالصلة وأجر الصدقة)) ولاشك أن الصدقة صدقة، والصدقة خير وبركة ولكن الأهم التوفيق في الصدقة، فليس المهم أن الإنسان يتصدق، كثير من تصدق وقليل من وفق في صدقته، فيبحث عن التوفيق، ويبحث عن السنة وهدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويتحرى هذا الهدي الكامل.
أما إذا قصد أن يسقط عن فقراء المسلمين بهذه الأضحية؛ فحينئذ نقول له: لا يجوز ذلك؛ لأنه ليس بوكيل عنهم ولا يصح أن يقوم إنسان عن غيره إلا بوكالة أو بولاية؛ والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - له ولاية على الأمة وله وصاية عليهم -صلوات الله وسلامه عليه- كما قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} فهو عليه الصلاة والسلام وليهم من بعد الله مولاهم، إذا ثبت هذا فهذا معنى خاص بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وليس بغيره.
وأما بالنسبة إذا قصد الصدقة فعلى الوجه الذي ذكرناه أن يبدأ بأقرب الناس منه. والله تعالى أعلم.
السؤال الثالث: فضيلة الشيخ: هل التسمية والتكبير تكفي لمرة واحدة عند نحر مجموعة إبل أو ذبح مجموعة شياه أو لكل نحر وذبح تكبيرة وتسمية. وجزاكم الله خيرا؟
الجواب:
نعم لكل شاة ولكل بهيمة تسميتها، ولا يجزئ أن يسمي تسمية واحدة عن أكثر من بهيمة؛ لأن الأصل أنه يجب عليه أن يسمي على كل بهيمة بعينها كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الكبشين، حيث سمى عليه الصلاة والسلام عليهما.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[01 - 11 - 07, 11:09 ص]ـ
قال المصنف رحمه الله: [باب العقيقة]:
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن سار على سبيله ونهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فقد ترجم الإمام المصنف - رحمه الله - بهذه الترجمة والتي تتعلق بالعقيقة، والعقيقة هي: ما يذبح شكرا لله عز وجل على المولود ذكرا كان أو أنثى، وهذا الباب له مناسبة بما تقدم من باب الهدي والأضاحي؛ لأن الهدي والأضاحي دماء شرعها الله عز وجل لأسباب وموجبات، والعقيقة دم يتقرب به إلى الله عز وجل لسبب وموجب، وهو شكر الله عز وجل على نعمة الولد، وهذه العقيقة حق من الحقوق التي تتعلق بالمولود على والده، فتذبح عن المولود ذكرا كان أو أنثى من الوالد شكرا لله عز وجل على هبته للولد، ولاشك أن الله - I- هو المتفضل على عباده، وهو الرزاق ذو القوة المتين يهب لمن يشاء إناثا، ويهب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/282)
لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا، ويجعل من يشاء عقيما سبحانه وتعالى فإذا أكرم الله عز وجل عبده ببقاء نسله وخروج ولده؛ فإنه يشكر الله عز وجل ويتقرب إليه بهذا الدم؛ وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((كل غلام مرهون بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه)) وقد فُعلت هذه العقيقة من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كما ثبت عنه أنه عقّ عن الحسن والحسين، وثبتت مشروعيتها في السنة وبإجماع أهل العلم -رحمهم الله- وهناك قول ضعيف اعتبره بعض العلماء شذوذا أن العقيقة مكروهة، ولكن أئمة السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن العقيقة سنة مشروعة.
يقول رحمه الله: [باب العقيقة]: أي في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بالعقيقة عن المولود.
قال رحمه الله: [وهي سنة]: وهي سنة: أي العقيقة، وهذه السنة من العلماء من قال بوجوبها لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كل غلام مرهون بعقيقته)).
والجمهور على أنها سنة مؤكدة، والسنة المؤكدة عند الجمهور تقارب الوجوب؛ وعلى هذا فإن الأصل يقتضي أن المسلم لا يفرِّط في اتباع هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خاصة وأن تعبير الحديث في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((مرهون بعقيقته)) يدل على تأكد هذا الأمر ولزومه، ومن هنا قال جمهور العلماء بكونها سنة مؤكدة تقارب الوجوب لتأكيد السنة عليها بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقوله.
قال رحمه الله: [عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة]: هذه العقيقة تختلف من الذكر والأنثى في أصح قولي العلماء: فعن الذكر شاتان، وعن الأنثى شاة واحدة، وهو مذهب جمهور العلماء على أنه يعق عن الذكر بضعف ما يعق به عن الأنثى؛ والسنة أن تكون من الغنم، وقد أجمع العلماء - رحمهم الله - على أنه لا عقيقة من غير بهيمة الأنعام، ومن أهل العلم من قال: تختص بالغنم ولا يقع التشريك في العقيقة في الإبل والبقر.
ومن أهل العلم من رخص في التشريك في الإبل والبقر؛ كما هو مذهب الشافعية وخالفهم غيرهم. والذين منعوا قالوا: إن مقصود الشرع أن يُذْبح على هذا الوجه، ويتقرب إلى الله عز وجل بالشاتين عن الذكر والشاة عن الأنثى، وعلى هذا إذا كان المولود ذكرا فإنه يعق عنه شاتين، وإذا كان أنثى يعق عنها شاة واحدة.
تكون العقيقة في سابع المولود، وسابع المولود أن يحتسب يوم ولادته، ثم يضيف عليه من بعد ذلك ستة أيام، والعبرة بمغيب الشمس على أصح قولي العلماء. فإن كان قد ولد بعد مغيب شمس يوم احتسب للذي بعده خلافا لمن قال إن العبرة بالفجر، فإن كان قبل طلوع الفجر احتسب للذي قبله، وإن كان بعد طلوع الفجر احتسب للذي بعده.
والأصح والأقوى مذهب الجمهور على الأصل المعتبر أن اليوم تبدأ ليلته بمغيب شمس ما قبله، وعلى هذا إذا وقعت الولادة بعد مغيب شمس يوم الجمعة أي في ليلة السبت يحتسب سبعة أيام بيوم السبت ويكون يوم الولادة محسوبا فيها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((تذبح عنه يوم سابعه)). ونسب السابع إلى المولود، وهذا هو مذهب جمهور العلماء -رحمهم الله- أنه يحتسب يوم الولادة، ويضيف ستة أيام إليه، ثم بعد ذلك يعق في اليوم السابع.
واختلف العلماء - رحمهم الله - في هذا التسبيع هل السبعة الأيام محددة بمعنى أن العقيقة لا تكون قبلها أم أن السبعة الأيام فضيلة واستحباب، وأن العبرة بولود المولود، وأنه إذا ولد المولود فإنه يعق عنه ثم لو توفي - فائدة الخلاف أنه لو توفي هذا المولود قبل بلوغ السبعة الأيام فتوفي في اليوم الثاني أو الثالث أو الرابع فعلى القول بأنه يشترط التسبيع في هذه الحالة لا يعق عنه، وإن قيل بعدم اشتراطه؛ فإنه يعق عنه. والأصل في هذا أننا إذا قلنا إن العقيقة شكر لله سبحانه وتعالى على نعمة الولد فإنها تكون بولادة الولد، وعلى هذا لو توفي الولد قبل السابع؛ فإنه يعق عنه على هذا الوجه، وإن قلنا إنها محددة بقوله - عليه الصلاة والسلام-: ((تذبح عنه يوم سابعه)) على التحديد تكون كالأضحية تفوت بفوات وقتها ولا يعتد بها قبل الوقت المعتبر؛ ولذلك لو ذبح الأضحية قبل الصلاة كما تقدم معنا لم تجزئه الأضحية؛ لأن الشرع حدد وقت
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/283)
الابتداء، فإن قيل إن العقيقة مبنية على هذا التحديد، وأن هذا التحديد معتبر، فلا إشكال في أنه لو توفي قبل السابع فإنه لا يعق عنه، والأشبه أنه يحتاط الإنسان فيعق عنه إذا ولد له المولود شكرا لله عز وجل على نعمة الولد، ونعمة الولد حاصلة بمجرد ولادته.
قال رحمه الله: [تذبح يوم سابعه]: تذبح هذه العقيقة يوم سابعه: إذا كان الوالد قادرا على أن يجد العقيقة. أما إذا كان عاجزاً عن القيمة أو ليست عنده قدرة فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
واختلف العلماء - رحمهم الله - لو كان عاجزا عن العقيقة ثم بعد ذلك قدر قبل بلوغ الغلام أو بعد مدة قبل بلوغ الغلام فهل يعق عنه؟
قال بعض العلماء: العقيقة متعلقة بالمولود شكرا للنعمة سواء وقعت في السابع أو بعده، وعلى هذا قالوا إذا قدر بعد ذلك يشتريها ويعق عنه، وهذا لاشك أنه أفضل وأكمل حتى قالوا: إن الولد نفسه فإنه لو لم يعق عنه شرع أن يعق عن نفسه، وهذا فيه نظر خاصة وأن من الصحابة من أسلم ولم يأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن يعق عن نفسه، وعلى كل حال ظاهر قوله: ((مرهون بعقيقته)) يقوي مذهب من قال بالقضاء إن عجز في السابع وتيسر له بعد السابع.
الأفضل في ذبح العقيقة أن تكون في السابع، ثم جاء في الحديث تثليث السابع، فإن لم يتيسر السابع في الرابع عشر، وإن لم يتيسر الرابع عشر ففي يوم الحادي والعشرين. قالوا إن هذا على فضيلة التسبيع؛ والأصل في ذلك هذا الخبر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعلها في السابع، ثم إذا لم يتيسر ففي الرابع عشر، ثم إذا لم يتيسر ففي يوم الحادي والعشرين؛ وعلى هذا فضلت هذه الأوقات الثلاثة.
قال رحمه الله: [ويُحلق رأسه ويُتصدق بوزنه ورقا]: [يحلق رأسه]: يحلق رأس المولود ويتصدق بزنته من الورق يعني من الفضة؛ وهذه سنة عند جمهور العلماء رحمهم الله؛ وفيها حديث مرفوع عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
والشعر حلقه فيه فوائد، منها: ذكر بعض الأطباء أن حِلاقة رأس المولود تقوي خصلة الشعر، ودلك الموس أثناء الحلاقة ينمي ويقوي بصيلات الشعر، وقالوا إن هذا من أنفع وأنجع ما يكون، ثم إن هذه الحلاقة تزيل الوسخ والقذر أو ما علق برأسه أثناء ولادته، وهي أبلغ نظافة ونقاء وطهارة؛ ولذلك اجتمع فيها الشرع والطبع، فهي عادة مستحسنة شرعا وطبعا. وقد نص الأئمة - رحمهم الله - على استحباب ذلك.
يتصدق بزنته من الورق وفيها حديث مرفوع عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وقالوا إن الأنثى آكد من الذكر، ولكن الحلق للذكر والأنثى.
قال رحمه الله: [فإن فات يوم سابعه ففي أربعة عشر]: إن فات اليوم السابع ففي يوم الرابع عشر كما ذكرنا، وإن فات ففي الحادي والعشرين، هذا على الاستحباب، وإلا لو أنه وقع في غير السابع كالثامن والتاسع والعاشر فالإجزاء معتبر، ولكن الأفضل والأكمل في اتباع السنة على تحسين الحديث الوارد في ذلك.
قال رحمه الله: [فإن فات ففي إحدى وعشرين].
قال رحمه الله: [وينزعها أعضاء ولا يكسر لها عظما]: هذه العقيقة تنزع بمعنى أنه لا تكسر عظامها، فتنزع من المفاصل، وهذا مبني على الفأل، وقد ثبتت السنة بأن الشرع يحب الفأل، والتفاؤل ضد التشاؤم، والتفاؤل ينبني على حسن الظن بالله عز وجل، ولذلك بيّن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وثبت من سنته أنه كان يحب الفأل. فالإنسان إذا كان في سفر وسمع رجلا ينادي ويقول: يا سالم، تفاءل أن الله يسلمه، وإذا كان في أمر فسمع رجلا ينادي يا صالح فسمع باسم صالح فتفاءل أن الله يصلح له الأمر، هذا مستحسن شرعا؛ لأنه هو الأصل في المسلم أن يحسن الظن بالله؛ وقد ثبت في السنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال يقول الله تعالى: ((أنا عند حسن ظن عبدي بي فمن ظن بي خيرا كان له ومن ظن بي شرا كان له)) فالتفاؤل سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؛ ولذلك لما كان صلح الحديبية، وبعثت قريشا من يفاوض إلى أن بعثت سهيلا. سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن الرجل الذي بعثته. فقالوا: سهيل. فقال عليه الصلاة والسلام: ((سُهّل لكم)) فسهل الأمر
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/284)
بإذن الله فهذا من الفأل، حتى ذكر الإمام ابن القيم أنه فقد إحدى الصبية من الرفقة معه في الحج. قال: حتى عجزت عن وجوده، فلما كنت في الطواف سمعت صائحا يصيح بكلمة وذكرها طيبة قال: وأنا أدعو الله أن أجده فسمعته يصيح بكلمة طيبة فتفاءلت فلم أدر أيهما أسبق أنهاية فألي أم صوت الصبي وهو بجواري، فحسن الظن بالله عز وجل من الإيمان بالله والتوكل على الله - U- على خلاف التشاؤم المبني على -والعياذ بالله- سوء الظن بالله عز وجل والرجم بالغيب، ولاشك أنه من المحرمات لا يجوز للمسلم أن يتشاءم، بل عليه أن يتفاءل وأن يحسن ظنه بالله سبحانه وتعالى وهو أرحم الراحمين، فإذا ذبح العقيقة نزعت الأعضاء جُدُولا كما جاء في الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولا تكسر العظام تفاؤلا بالسلامة وهذا مبني على الفأل كماذكرنا أنه يتفاءل بسلامته وحسن حاله.
قال رحمه الله: [وحكمها حكم الأضحية فيما سوى ذلك]: وحكم العقيقة حكم الأضحية فلا يجزئ إلا ما بلغ السن المعتبرة، وقد تقدم معنا السن المعتبر في الأضحية، وما ورد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أنه لا يجزئ إلا الثني من المعز، والجذع من الضأن، فإن شاء ضحى بالضأن، وإن شاء ضحى بالمعز من الغنم، والأفضل أن يكون من الضأن؛ لما ذكرنا من سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهديه، وأن تكون العقيقة سالمة من العيوب، فلا تجزئ المعيبة كالمريضة البيّن مرضها، وكذلك العرجاء البيّن عرجها، ولا الكبيرة التي لا مخ فيها، وقد بيّنا حديث البراء بن عازب -رضي الله عنهما- عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في النهي عن التضحية بالمعيبة، وذكرنا حديث علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أيضا في السنن. فهذا يدل على أنه ينبغي أن تكون العقيقة وما يذبح سالما من العيوب، يستحب في العقيقة ما يستحب في الأضحية، أن يكون ثمنها غاليا، وأن تكون نفيسة محبوبة عند أهلها، ثم هو بالخيار إن شاء ذبح هذه العقيقة وتصدق بها على الفقراء، وإن شاء ذبحها وطبخها وقسمها على الفقراء، وعلى أحبابه وأقربائه وجيرانه، فليست بمتعينة صدقة للفقراء؛ لأن المقصود من العقيقة شكر نعمة الله عز وجل، وثانياً: أن من فوائد العقيقة ثبوت الأنساب للناس؛ لأن النسب يعرف بالاشتهار، وإذا عَق الإنسان عن ولده عرف أن له ولدا، ومن هنا تحفظ أنساب الناس، فإذا أراد أن يدعو أحدا للعقيقة فإنه يبدأ بالأقربين وبالأرحام، وهذا أدعى أن يعرف القرابة بعضهم بعضا، وبعد ذلك يثني بغيرهم، فإذا أراد أن يتصدق بشيء منها فلا بأس، وإن أراد أن يدعو الفقراء والضعفاء إلى العقيقة فلا بأس؛ إلا أن بعض العلماء كره صنع الطعام وصنع الوليمة في العقيقة.
والجمهور على جواز ذلك، وأنه لا بأس به ولا حرج، وهو بالخيار، إن شاء ذبح وقسم اللحم وإن شاء ذبح وطبخ اللحم وقَسَمه، وإن شاء ذبح وطبخ اللحم ودعا إليه، وجمع في دعوته بين الغني والفقير والقريب والجار وذي الرحم ونحو ذلك.
والسنة أن يسمي المولود كما تقدم عن المصنف - رحمه الله -، وتسمية المولود تكون في سابعه، وله أن يسميه قبل السابع؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((ولد لي الليلة غلام سميته باسم أبي إبراهيم)) وجعل التسمية قبل السابع، ولكن فرق العلماء بين التسمية المشهورة، وإذاعة الاسم لأن السابع إذاعة وإشاعة وبين التسمية في الأصل. فقالوا يجوز أن يسمي في أول يوم أو من حين ولادته، وله أن يؤخر التسمية إلى السابع.
والمنبغي للأب أن يختار أفضل الأسماء وأحب الأسماء إلى الله عز وجل، وهو اسم عبد الله وعبد الرحمن، فإذا سماه بهذه الأسماء؛ فإنها أسماء مستحبة، ويحبها الله عز وجل كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويبتعد عن الأسماء المستبشعة والمنهي عنها شرعا، فالأسماء المذمومة تؤذي أهلها، وقد تكون سببا لكلام الناس فيهم، وطعن الناس فيهم، فيختار الاسم الطيب المحبوب الذي ترتاح إليه الناس وأفضلها وأتمها ما ورد الشرع بمدحه من أسماء التعبيد: كعبد الله، وعبد الرحمن، وعبد العزيز، ونحوها من الأسماء المستحبة، وثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/285)
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - استحباب هذا النوع من الأسماء، وإذا سمى بغيرها من الأسماء ولو كانت شديدة؛ فإنه لا يمنع منه إلا إذا اشتمل على شيء مذموم شرعا، فكان من عادة العرب أنهم يسمون بالأسماء الغليظة الشديدة، فإذا سموا الرجل يسمونه باسم غليظ شديد، وكانوا إذا سموا مواليهم وجواريهم سموهم بالأسماء الرقيقة، حتى قيل لبعضهم: أسماؤكم مستبشعة، وأسماء مواليكم حسنة فلم ذلك؟! يعني لماذا تسمون أنفسكم بالأسماء الغليظة الشديدة، وتكون لمواليكم الأسماء الرقيقة؟ فقال: أسماؤنا لأعدائنا، وأسماء موالينا لنا. يعني أن العدو إذا سمع أن فلان اسمه ذئب أو صقر هابه وفزع منه، ولذلك قال: أسماؤنا لأعدائنا، وأسماء موالينا لنا، فإذا لم تكن هذه الأسماء يعني فيها ما يستبشع فإنه لا ينكر إلا ما دل الشرع على إنكاره، مثل ما كان فيه تعظيما، ولذلك ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((إن أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى بملك الملوك)) فلا مالك إلا الله سبحانه وتعالى ملك الملوك، وجبار السماوات والأرض جل جلاله وتقدست أسماؤه، وقالوا أيضا: إن أسماء التزكية ومنها تغيير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لاسم الجارية من برة، وهذا فيه خلاف بين العلماء - رحمهم الله -، والأقوى أن النبي صص منع منه في الجواري لأجل إذا سئل: هل عندكم برة؟ قالوا لا. فيكون فيه معنى مستبشع لا أنه تزكية؛ لأنه لو كان نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لسبب التزكية لحرم التسمية باسم صالح؛ لأن صالح فيه تزكية، ولكن المراد به أنه كما جاء في النهي؛ والحديث صحيح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى أن يسمي المولى بأفلح ونَجِيح ونحو ذلك؛ لأنه ربما جاء الرجل وقال هل عندكم أفلح؟ فيقول: لا ما عندنا أفلح، فيكون المعنى مستبشعا، ومن هنا منع منه، وهكذا إذا كان فيه التزكية العظيمة بما لا يليق إلا بالله - U- ولذلك لما تكنىّ الرجل بأبي الحكم نهاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقال له: أعندك ولد؟ قال: نعم. قال ((أيهم أكبر؟)) قال: شريح. قال: ((فأنت أبو شريح)) صلوات الله وسلامه عليه، فكناه بأبي شريح، ومنعه من التسمية من أبي الحكم، وقال: ((إن الله هو الحَكَم وإليه الحُكْم)) I التعظيم لله Y وتكون الأسماء التي لا تليق إلا بالله سبحانه وتعالى خاصة به عز وجل ولا يجوز لأحد أن يتسمى، ولا أن يتصف بها لأنها له وحده لا شريك له، فيختار أفضل الأسماء وأحسن الأسماء، وعلى الآباء والأمهات أن يتقوا الله عز وجل في أسماء أبنائهم وبناتهم، وأن يبتعدوا عن تقليد غير المسلمين في استحداث الأسماء المستعارة من غير المسلمين للمسلمين، والتباهي بذلك والتفاخر، فعلى المسلم أن يعتز بدينه، وأن يعتز بنعمة الله عز وجل، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، فيعتز المسلم بإسلامه، فيسمي بالأسماء المحمودة في الشريعة، فعنده من أسماء التعبيد كما ذكرنا بل وأسماء الأنبياء؛ ولذلك لما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((فسميته باسم أبي إبراهيم)) ترجم له بعض أئمة الحديث بتراجم متعددة، فمنهم من جعله دليلا على جواز التسمية بأسماء الأنبياء، وأن السنة أن يختار أسماء الأنبياء، ومنهم من قال: وأسماء الصالحين، الأخيار الصالحين؛ لأن الولد إذا نشأ، وقد سمي باسم على رجل صالح، فإن هذا يؤثر في نفسه، وإذا تذكر أن جده فلان، وأنه سمي على جده فلان؛ كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((سميته على اسم أبي إبراهيم)) فإن هذا يدعوه إلى الائتساء والاقتداء بالصالحين من آبائه؛ ولذلك وصف الله الأخيار؛ فقال: {ذرية بعضها من بعض}
إن الأصول الطيبات لها فروع زاكية
فإذا زكت الأصول وطابت طابت فروعها إذا سارت الفروع على نهج الأصول، فإذا كان الإنسان مسمى على اسم جده، وكان جده معروفا بالخير معروفا بالاستقامة معروفا بالصلاح حرك فيه باعث الخير، وحرك فيه أن يأتسي به، وأن يسير على نهجه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/286)
وكذلك أيضا لتنظر إلى المرأة الصالحة والرجل الصالح إذا سمى بنته بأسماء أمهات المؤمنين، ونشأت تلك البنت، وعلمت أن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - الصديقة بنت الصديق كانت تقول، وكانت تفعل، وأن أم المؤمنين جويرية وغيرها من أمهات المؤمنين: خديجة - رضي الله عنهن وأرضاهن أجمعين- كانت تقول وكانت تفعل فإن هذا يدعوها إلى حسن الائتساء والاقتداء، ولاشك أن في ذلك الخير الكثير، وإن من أعظم ما يكون انهزاما وخذلانا وحرمانا من الخير أن الإنسان ينسى سلفه الصالح ويلتفت المسلم يمينا وشمالا لكي يتلقّف الأسماء الغريبة، والأسماء التي ربما يتسمى بها غير المسلمين، ولربما بلغ ببعضهم - والعياذ بالله - أن لا يبالي أن يتتبع أهل المجون والخنا لكي يسمي ابنه بهذه الأسماء الساقطة الهابطة، فهذا عار وشنار، وإن المسلم عليه أن يعتز بدينه، وأن يعتز بنعمة الله عز وجل التي أنعم بها عليه، ولذلك كم تجد من صلاح وخير وفلاح فيما من ارتبط بسلفه الصالح، وسار على نهجهم قولا وعملا ظاهرا وباطنا، وكم تجد من الخذلان والخيبة والحرمان فيمن - والعياذ بالله - تنكب عن هذا السبيل، وأصبح منقطعا فلا حجة ولا دليل، وليس له سلف يهتدي به كأنه - والعياذ بالله - قد قطع عن الخير وحرم منه لكي يلتفت إلى السُّقّاط والمُجَّان سواء من الرجال أو من النساء، فعلى المرأة أن تتقي الله عز وجل وعلى الرجل أن يتقي الله، وقد يكون الأب عنده قناعة أن يسمي بأسماء أمهات المؤمنين، فإذا بالأم تتهكم وتسخر وتتعجب كيف تسمى بنتها في هذا الزمان بخديجة، وكيف تسمى بنتها في هذا الزمان بعائشة، وكيف تسمى ببنت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فاطمة. يا لله العجب كان المسلمون يتسابقون إلى ذلك، ويتفاخرون ويعتزون، وإذا بهم اليوم ينهزمون، سلط الله عليكم ذلا كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((سلط الله عليكم ذلا لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم)) فهذا من الذل للمسلمين أن ينقطعوا عن مراجعة هذا الدين، وأن يرجع الإنسان إلى أصوله وسلفه الصالح، فإن الله عز وجل لما ذكر الصالحين من أنبيائه وصفوته من عباده قال: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}، فالاقتداء بالأخيار لاشك أنه خير كثير، ومن فواتح الاقتداء: أن يسمى بأسمائهم، وأن تحيى أسماؤهم كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((كانوا يسمون -أي من كان قبلكم - بأسماء أنبيائهم)).
والحديث صحيح فهذا يدل على أن الاسم له تأثير، وأن الإنسان يتأثر، وقد ذكر بعض العلماء - رحمهم الله - أن من حق الولد على والده والولد - يشمل الذكر والأنثى- من حق الولد على والده أن يختار له أحسن الأسماء وأفضل الأسماء، حتى يحرك فيه هذا الخير الذي ذكرنا، ويدعوه إلى أن يعمل الأعمال الطيبة، ويبحث عن القدوة الفاضلة في قوله وعمله خاصة إذا كان من سماه من أهله وبيته وأسرته، وكان من أسرة محمودة، قد طابت أصولها بما أثر عن آبائه وأجداده من الأعمال الطيبة والأخلاق الكريمة.
الأسئلة:
السؤال الأول: يوجد حديث في المتن لم يقرأ قبل باب العقيقة من أراد أن يضحي فدخل في العشر، هل من نوى الحج يجوز له في العشر أن يأخذ من شعره وظفره. وبارك الله فيكم؟
الجواب:
بسم الله. الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فهذا الحديث صحيح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وفيه يقول: ((إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمسنّ شيئا من شعره)).
فيه دليل على أنه إذا أراد أن يضحي وهلّ هلال ذي الحجة فإنه يمسك عن الشعر والظفر، فلا يقص ولا يحلق الشعر ولا ينتف الشعر، ويبقى كذلك حتى يضحي، فإذا أراد الحج وجاء لأجل أن يحرم، فالسنة أن يغتسل، وأن يزيل التفث، يقلم أظفاره ويأخذ شعره إلا إذا كان عنده نية أن يضحي؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تجرد لإهلاله واغتسل؛ كما ثبت في حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه وأرضاه - فالسنة أن يتطيّب وأن يطيب بدنه بإزالة التفث وإزالة الأوساخ والقذر ونتف الإبطين ونحو ذلك، لكن إذا كان عنده نية أن يضحي فحينئذ يتعارض النهي مع السنة، وإذا تعارض النهي مع غيره
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/287)
قدم النهي، والنهي مقامه أقوى؛ ولذلك يمسك عن شعره، ولا يقلم أظفاره، ولا يقص شعره ولا يحلقه إذا أراد أن يضحي، وكذلك لو أحرم بالإحرام فإنه لا يفعل هذه الأشياء؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عنها المحرم وغير المحرم، وهذا يدل على أن المنبغي عليه أن يترك شعره وظفره.
قال بعض العلماء: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - منع من أخذ الشعر والظفر حتى إذا عتق يعتق كاملا هذا من بعض العلل التي علل بها الحديث، ولكنها سنة محفوظة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ونحن نمتثل ما جاء في هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وسنته سواء علمنا العلة أو لم نعلمها. والله تعالى أعلم.
السؤال الثاني: أيهما أولى بالصدقة ابن العم أو الخالة أو الجدة من جهة الأم. وجزاكم الله خيرا؟
الجواب:
ابن العم لاشك أنه عاصب، والعصبة لهم حق حتى في النفقة، فإذا كان ابن عمك وقريبك محتاجا إلى النفقة وليس هناك أحد أقرب إليه منك فيجب عليك أن تنفق عليه، وتقوم عليه وتحسن إليه؛ ولذلك ابن العم العاصب له حق عليك واجب وهو آكد من غيره، وأما ما كان من القرابة من جهة الأم فهم من ذوي الأرحام، وليسوا في القوة كقوة العصبة، ولذلك ابن العم ترثه ويرثك، فهو من العصبة. يأخذ الباقي بعد أصحاب الفروض إذا لم يكن عاصب أولى منه كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر)).
وابن عمك العاصب أحق بالقيام عليك، وأحق بتغسيلك، وتكفينك، والصلاة عليك، والقيام على أمورك، وهذا يجعل منزلته مقدمة على غيره. فالعاصب مقدم على غير العاصب.
وأما بالنسبة للخالة؛ فبرها مستمد من بر الأم؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((الخالة بمنزلة الأم)) كما في الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وبر الأم مؤكد حتى قُدم على بر الأب بثلاثة أضعاف؛ كما في حديث الصحيح: ((من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أبوك)).
فهذا يدل على تأكد حق الأم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((الخالة بمنزلة الأم)) فلها حق عظيم في صلتها وبرها.
وأما ابن الخالة فهو دون ذلك؛ ولذلك لا مانع أنك تقسم بينهم، وتحرص على أن تصل ابن عمك، وتبر خالتك. والله تعالى أعلم.
السؤال الثالث: فضيلة الشيخ: ماذا يحل للرجل من مخطوبته من كلام ونظر. أفتونا مأجورين؟
الجواب:
المخطوبة السنة إذا كان الإنسان يعلم أنه إذا تقدم لهذا البيت أنه لا يُرد، فإن له الحق أن ينظر إلى مخطوبته، وأن يختبئ لها، فثبت في الحديث الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه أمر عبد الرحمن بن عوف - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن ينظر إلى مخطوبته، وقال: ((انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا)) فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((إذا خطب الرجل المرأة واستطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)) وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للرجل: ((انظر إليها فإنه أحرى أن يودم بينكما)).
ومن هنا أجمع العلماء - رحمهم الله – والأئمة على مشروعية نظر الخاطب إلى المخطوبة، وهذا النظر على حالتين: هناك نظر مرتب وهو الذي يكون ما بين الرجل وأهل المرأة، وهناك نظر غير مرتب. فالنظر غير المرتب أنه يريد أن ينظر إلى شكل المرأة في طولها وقصرها ونحفها وامتلائها إذا خرجت مثلا إلى السوق أو خرجت إلى عملها أو نحو ذلك فيتخبأ وينظر إليها، فإن كان النظر غير مرتب؛ لأن البعض يقول: ما أستطيع أن أتقدم حتى أجد الصفات التي أريدها مبدئيا، ثم بعد ذلك أتقدم، فهذا حمل عليه حديث جابر في تخبئه لها. قال: كنت أتخبأ لها. قالوا لأن هناك صفات في المرأة قد لا تظهر في حال دخولها عليه، فإذا إذا نظر إليها وهي في حال الغفلة ومشى في مشيها وطريقة خروجها يكون أبلغ في معرفة حقيقة المرأة، فهذا النظر غير المرتب حملوا عليه حديث جابر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: ((كنت أتخبأ لها)) فهذا التخبؤ اشترط فيه بعض العلماء وهذا شرط صحيح أنه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/288)
لا يختبئ للمرأة وينظر إليها إلا إذا غلب على ظنه أنه لا يرد هذا الشرط الأول.
وثانيا: أن تكون المرأة خِلْوًا، يعني ما هي مخطوبة، ويعلم أنها غير مخطوبة؛ لأنها ربما تكون مخطوبة لغيره، ففي طبائع النساء قد يستطيع أن يعرف عجلة المرأة من هدوئها، كمالها في التحفظ من عدم التفاتها في مشيها، وعدم احتكاكها بالرجال، وهذا يعرف في أخذ نظرة الغفلة، بخلاف النظرة المرتبة التي يريد أن يعرف جمالها وصفاتها الخاصة.
أما بالنسبة للنظر غير المرتب فشرطه ما ذكرنا. فإذا تقدم لخطبة امرأة أرسل أمه وأخته، فنظروا إلى المرأة وأعجبتهم، وجاءه من أرسله من قرابته بما يحب، فتقدم خاطبا للمرأة؛ فإنه يرتب لقاؤه بها بحضور محرمها فلا يختلي بها، وتكون هذه النظرة نظرة شرعية بمعنى أن لا تكون بخلوة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((ألا ليخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)) وهذا يدل على حرمة اختلاء الرجل بالمرأة الأجنبية، والمخطوبة أجنبية؛ ولذلك لا يجوز له أن يختلي بها.
أن يكون مثلا والدها موجودا أو أخوها فتأتي مثلا وتحضر شيئا كالشراب أو ضيافة ضيف، حتى لو جلست قليلا ثم انصرفت فلا بأس، فهذه النظرة المرتبة ينبغي أن تكون في الحدود الشرعية وبالضوابط الشرعية.
واختلف العلماء - رحمهم الله - في القدر الذي ينظره من المرأة:
منهم من قال إنه ينظر إلى وجهها وكفيها؛ لأن الوجه يستدل به على الجمال، ويستدل به على طبيعة بشرة المرأة، والكفان يستدل بهما على حالها من الخشونة والرقة ونحو ذلك، وفيهما الغناء، وهذا مذهب الجمهور.
وذهب بعض العلماء كما هو مذهب الحنفية - رحمهم الله - أنه ينظر إلى وجهها وكفيها وقدميها، وعلى هذا نقول: إن الأصل عدم جواز النظر، وأجمع على الوجه والكفين، فيبقى على الأصل المجمع عليه، ويترك ما عداه. فالوجه والكفان فيهما الغناء، وما جاز للحاجة يقدر بقدرها، والحاجة تحصل بالوجه والكفين، فإذا جلست واستنطقها كأن يسألها مثلا عن شيء بالمعروف سؤالا مقبولا فلا بأس بذلك ولا حرج لكي يعرف عقلها أو يعرف نطقها أو يعرف تمييزها وأراد أن يستجلي أمرا فيها فلا بأس بذلك، لكن في الحدود التي يراعى فيها الحشمة، ويراعى فيها الأدب، ولا يزاد على ذلك.
هذا بالنسبة للنظر إلى المخطوبة، وتوسع البعض فأصبحت المرأة إذا خُطبت تخرج مع خطيبها، وتختلي مع خطيبها، ولربما تصافحه وتلمسه، ولربما يقبلها - والعياذ بالله - وكأنها زوجته، هذا كله من المنكرات، وكله من المحرمات، ومن حدود الله عز وجل التي لا تجوز، وعلى الناس أن يتقوا الله عز وجل وعلى ذي المحرم أن يغار على محرمه، وأن يقف عند الحدود الشرعية والضوابط الشرعية؛ ولذلك كم من المصائب والكوارث حصلت في مثل هذا الانفلات والتسيب، وعندها يندم من يفعل ذلك في ساعة لا ينفع فيها الندم، وعلى المسلم أن يتق الله ويتبع سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دون إفراط أو تفريط.
كذلك في المقابل تجد من يحرم ما أحل الله، ويقول: أبدا ما ينظر إلى بنتي، ولا ينظر إلى أختي، ولا ينظر إلى قريبتي، كيف هذا رجل أجنبي! وكيف يدخل عليها وهو ينظر إليها! لا ما يمكن؛ لماذا؟ هذا شرع الله عز وجل، وهذه سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والله تعالى يقول: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}، فعلينا الرجوع إلى السنة والاحتكام إلى هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وسنته في هذا الأمر، مادام أنها ثبتت السنة فعلينا أن نرضى وأن نسلم {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/289)
فعلينا التسليم بالسنة، وما يشدد فيه البعض من أن الخاطب لا ينظر إلى مخطوبته فهذا خلاف الشرع، وتحريم لما أحل الله؛ ولذلك قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((انظر إليها فإنه أحرى أن يودم بينكما)) وكم من بيوت هدمت، ونساء طلقت ورملت بسبب هذا الصلف والتعنت والمخالفة للسنة، فيأتي الرجل ويدخل على امرأة لم يرها، ولم يُرغَّب في نكاحها، ولم يعط حق الرؤية فيها، فإذا به لا يحبها، ثم يضيق عليها حتى تخالعه، أو لربما ينكد عليها ويؤذيها انتقاما من أهلها وأذية لهم، وكل ذلك بسبب مخالفة السنة، وفيه ظلم للمرأة؛ لأن الضرر سيحصل على المرأة، ولربما دخل بها، وافتضها وأصبحت غير مرغوبة بعد ذلك إذا طلقها، ولربما دخل بها واستمتع بها الأيام ثم طلقها، وسبب الطلاق أنها غير جميلة، ثم إذا طلقت بعد نكاحها بأيام قليلة ساءت الظنون فيها، فمن الذي يتحمل هذه المصائب؟! ومن الذي يتحمل هذه البلايا؟! هن النساء؛ والسبب في ذلك مخالفة السنة. على الأولياء أن يكونوا وسطا بين الإفراط والتفريط، وأن يرضوا بشرع الله عز وجل، يُمكّن الخاطب من رؤية مخطوبته، ويمكّن من الرؤية الشرعية التي ليس فيها إفراط ولا تفريط، وفي الحدود المعتبرة على التفصيل الذي ذكرناه، ولاشك أن في ذلك الخير للخاطب وللمخطوبة، والخير كله في اتباع هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وسنته.
جعلنا الله وإياكم من المتمسكين بها، وثبتنا على ذلك إلى لقائه. والله تعالى أعلم.
السؤال الثالث: فضيلة الشيخ: أنا أعمل في مكان بعيد عن أهلي فهل يجوز لي القصر إذا قضيت الصلاة الرباعية وأدركتني الصلاة، فهل يجوز لي أن أقصر الصلاة ولو صليت وحدي. وجزاكم الله خيرا؟
الجواب:
هذا فيه تفصيل إذا كان مكان العمل يبعد عن أهلك مسافة القصر، ومسافة القصر عند جمهور العلماء ثمانية وأربعين ميلا بالهاشمي، والميل واحد وستة من عشرة كيلو متر، أي ما يقرب ستة وسبعين كيلو متر فهو مسافة القصر، وما نقص عن ذلك فليس بمحل للقصر؛ والدليل على ذلك قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الصحيح من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: ((لا يحل لامرأة بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة)). فجعلها مسافرة مسيرة اليوم والليلة، فدل على أن ما دون مسيرة اليوم والليلة ليس بسفر، وأكد هذا أنه خرج إلى أحد، وخرج إلى بني قريظة، وهي تبعد عن المدينة الأميال، وخرج إلى الخندق، فوجدنا أقل ما سماه الشرع سفرا هو مسيرة اليوم والليلة، والإبل تسير يوما وليلة وتسير نهارين وتسير يومين قاصدين نهارين وليلتين ويوم وليلة كله بمعنى واحد وهو الأربع والعشرين ساعة، مسير الإبل يوما وليلة -الأربع والعشرين ساعة- ثمانية وأربعين ميلا والثمانية والأربعين ميل تعادل ماذكرناه من الكيلو متر، هذا تحديد من الشرع؛ لأن الشرع سماه سفرا، لو نقص عن مسيرة اليوم والليلة لنهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - المرأة أن تخرج عن ما دون اليوم والليلة، فلما كان مقصود الشرع أن ينهاها عن السفر لوحدها ذكر مسيرة اليوم والليلة ولم يذكر ما دون ذلك، ومنه بدون محرم، وهذا يدل على أن مسافة القصر على هذا الوجه، وأكد هذا فعل السلف، فإن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما صح عنه أنه سأله السائل وقال: أأقصر إلى مر الظهران - ومر الظهران الجموم ووادي فاطمة الذي يسمى الآن؟ - فقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: لا، ولكن إلى جدة وعسفان والطائف، وكانت جدة تبعد عن مكة مسافة القصر؛ لأنها قبل اتساع العمران كانت أكثر من ستة وسبعين كيلو، وعسفان تقارب المائة من مكة في القديم، وأيضا الطائف تزيد على مسافة القصر. فقال حبر الأمة وترجمان القرآن -رضي الله عنهما - قال: لا. أي لا تقصر بمجرد خروجك إلى مر الظهران، ولكن إلى جدة وعسفان والطائف، فاعتبر مسافة القصر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/290)
وأما القول كل ما سماه العرف سفرا فالأصل عند العلماء أنه لا يصار إلى التحديد بالعرف إلا عند عدم وجود النص، فالعرف يصار بالتقدير به إذا لم يوجد نصاً. أما إذا وجد النص فالواجب الالتزام بالنص، ولا يرد إلى العرف إلا بعد عدم وجود النص، والنص هنا موجود بتسمية هذه المسافة سفراً دون ما دونها فنقول إن من مشى مسيرة اليوم والليلة بهذا القدر الذي عليه جمهور العلماء فإنه يقصر، وأما إذا ولو كان يسافر يوميا لو كان ذهابه إلى ذلك المكان يوميا فإنه يقصر ويأخذ حكم المسافر، وأما إذا كان دون ذلك فليس بمسافر وحينئذ لا تقصر الصلاة. والله تعالى أعلم.
السؤال الرابع: فضيلة الشيخ: إذا لم يكن الأب له القدرة على ذبح العقيقة عن الغلام فهل له أن يذبح في السابع واحدة ثم في اليوم الرابع عشر واحدة أم لابد أن تكون مجتمعة وجزاكم الله خيرا؟
الجواب: هو الأفضل كما ذكر العلماء أن تكون الشاتان مع بعضها، ولكن إذا لم يتيسر له ذبح الشاتين وذكر على هذا الوجه فلابأس ولا حرج أن تذبح في يوم وتذبح الثانية في اليوم الثاني، ولكن الأفضل والأكمل أن يعقهما معا. والله تعالى أعلم.
السؤال الخامس: فضيلة الشيخ: سمعت من بعض الناس أنه ينبغي لمن ذبح أضحيته أن يبدأ بأكل الكبد منها، أهناك ما يدل على ذلك من السنة. وجزاكم الله خيرا؟
الجواب:
هم استحبوا البداءة بالكبد لما ذكر من أن أول نعيم أهل الجنة ما يصيبون من طعامها زيادة الكبد، وهذا ذكر بعض العلماء فيه. والحديث صحيح في مسائل بني إسرائيل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، واستحبوا البداءة بالكبد ويحمد بعض الأطباء الكبد لما فيها من الفوائد، فإن كان هذا المعنى لمعنى طبي فليس هناك من بأس، وليس هناك من حرج، والأمر في هذا واسع ما لم يدخل عن اعتقاد فحينئذ يمنع منه. أما من حيث الأصل فلا بأس أن يبدأ بالكبد أو يبدأ بغيرها. والله تعالى أعلم.
السؤال السادس: فضيلة الشيخ: تركت ذنبا ما قرابة أربعة أشهر ثم عدت إليه فما السبيل للنجاة من الذنوب وجزاكم الله خيرا؟
الجواب:
لا حول ولا قوة إلا بالله! لا سبيل إلى النجاة من الذنوب إلا بالله جل جلاله مقلب القلوب، وهو وحده سبحانه يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، يحكم ولا معقب لحكمه، يقص الحق وهو خير الفاصلين.
أخي في الله العود إلى الذنوب له أسباب، منها: ما يكون بين العبد وربه، ومنها ما يكون بين العبد والعباد.
فعليك أن تراجع نفسك، وأن تنظر في السبب الذي دعاك للرجوع والعَوْد، فإن الله عز وجل إذا أحب عبده صرف قلبه إلى ما يحب، وجعله إلى الخيرات سباقا، ولرحمته تواقا ومشتاقا، فجعلنا الله وإياكم كذلك.
فالعبد الموفق السعيد هو الذي يوفق للخير، فإذا حرم هذا التوفيق تنكّب عن صراط الله، وساءت أحواله مع الله ومع عباد الله، وهذا لا يكون ولن يكون إلا إذا غيّر ما بينه وبين الله. {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وقال تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}.
فعليك أخي في الله أن تبحث عن الأسباب التي دعتك إلى الرجوع إلى الذنب والمعصية، فتارة يتساهل الإنسان في قرناء السوء، وتارة يتساهل في النظر إلى المحرمات، وتارة يتساهل في سماع المحرمات، وتارة يتساهل في غشيان أماكن الريبة حتى تزل قدمه - والعياذ بالله - بعد ثبوته.
فالذي أوصيك ونفسي بتقوى الله عز وجل وأن تبحث عن الأسباب التي تثبتك على التوبة، وتقوي صلتك مع الله عز وجل في بقاء الرجوع والإنابة إلى الله - U- وعدم الرجوع إلى الذنب، ولاشك أن الذنوب يقود بعضها إلى بعض، ومن أعظم الأسباب التي تضعف التوبة بل ولربما تكون سببا في حرمان الإنسان من التوبة من أعظمها: عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وظلم الضعفاء، وغيبة الصالحين وأذيتهم والنميمة، نقل الكلام عنهم للأذية والوشاية، فمظالم الناس غالبا ما تحرم العبد التوفيق في الطاعة، وربما تكون سببا في طمس البصيرة - والعياذ بالله -؛ وقد صح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن الله تعالى يقول: ((من عادى لي وليا فقد آذنته بحرب)) إن العبد يكون محافظا على صلاته وطاعته واستقامته في طاعة ربه حتى يعق والده أو يعق والدته ولربما بكلمة واحدة؛ فالله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/291)
يقول له: {فلا تقل لهما أف} فيدخل على أمه فيراها على حال لا يرضيه فيقول: أف، فيغضب الله عليه بهذه الكلمة؛ لأنه نهاه ربه فلم ينته، وحرم عليه فلم يحرم، وعندها يتأذن الله بعقوبته، ولربما يعق أباه، ولربما يقطع الرحم فيؤذيهم ويظلمهم، ولربما يكون مع الصالحين والأخيار فيؤذيهم ويظلمهم، أو يؤذي جاره، فمظالم الناس من أعظم الأسباب التي - والعياذ بالله - تنقص الإنسان من حال الخير، وتكون سببا في وقوعه في المعاصي. أيضا من أسباب الرحمة: بر الوالدين، وصلة الرحم، والإحسان إلى الناس من أسباب رحمة الله بالعبد، وكم من مذنب خطاء كثير الذنوب والعيوب سترها الله عز وجل بستره، وتولاه برحمته، وشمله ببره وغفر له ما كان من زلله وخطئه بفضله سبحانه وتعالى ثم بإحسان العبد فيما بينه وبين الناس.
((مر رجل على غصن شوك فرآه في الطريق فقال والله لأنحينه عن طريق المسلمين لا يؤذيهم فزحزحه عن الطريق فغفر الله له ذنوبه)) لأنه نوى للمسلمين الخير، ولذلك انظر كيف غصن شوك قال بعض العلماء: ليس الأمر في غصن الشوك، ولكن الأمر بدأ من قوله: ((لأنحينه عن طريق المسلمين)) رجل قلبه متفطر رحمة بالمسلمين ولا يريد الشر لهم ولا يريد الضر بهم، ويريد أن يرحمهم فرحمه الله عز وجل، فإذا نوى أن يحسن لهذه الأمة كلها وأن يزيل هذا الغصن عن طريقهم فزحزحه عن الطريق فغفر الله له ذنوبه.
وفي بعض الروايات: ((فزحزحه الله به عن نار جهنم)) فالعبد إذا ستر الناس ستره الله، وإذا أحسن إلى الناس أحسن الله إليه، فالأخذ بأسباب الرحمة. من أسباب الثبات على التوبة؛ ولذلك تجد بعض الأخيار والصالحين إذا استقام في طاعته لربه فإن الله يثبته؛ لأنه بمجرد أن يستقيم يبحث كيف يرضي الله سبحانه وتعالى، ويستقيم بصدق وحق.
الأمر الثالث - كذلك وهو من أسباب الرجوع إلى الذنوب-: احتقار الطاعة، فالبعض - والعياذ بالله- إذا أطاع ربه حنّ إلى جاهليته، وأصبح يظن أنه في هدايته قد ضيق على نفسه، فلربما جاءه إبليس بالشهوة والنزوة فحن إليها، وكأنه في حال نقص، ولكن ولي الله المؤمن الصالح. يقول: يا رب عوضتني خيراً، وإذا جاءه عدو الله يذكره بالشهوات والملهيات استعاذ بالله عز وجل ورجع إلى ربه، وقال: اللهم إني أعوذ بك من النقص بعد الزيادة، ومن الحور بعد الكور، ومن الضلال بعد الهدى ومن العمى بعد البصيرة، رب تداركني برحمتك، فيصدق مع الله أنه يريد الهداية؛ لأنه يحس أنه عثر على ما كان يبحث عنه، وأنه قد وجد الضال التي طال ما تمناها، وأنه وجد الراحة النفسية والطمأنينة وانشراح الصدر وثبات القلب، وأنه ليس هناك أحد أسعد من حاله مادام أنه مُرض لربه سبحانه وتعالى المهتدي لا يشعر بالنقص، والشيطان يأتي من الشعور بالنقص، فإذا أحس أن هناك شهوة ومتعة ولذة ناقصة، وأن نفسه إلى الآن تحن إليها، أو شعر أن الهداية منعته من هذه الأشياء رجع إلى ما كان إليه؛ ولذلك إذا أراد الله بعبده خيرا فتح في وجهه أبواب الرحمة، وشغله بطاعته عن معصيته، وبمحبته عن ما يسخطه - جعلنا الله وإياكم -كذلك.
فعليك أن تأخذ بهذه الأسباب، ومن أعظم الأسباب التي تحول بينك وبين الذنب الرجوع إليه: الدعاء. فقل: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
ومن أعظم الأسباب التي تثبت الإنسان على الطاعة بترك المعاصي والثبات على الخير والزيادة من الخير: كثرة ذكر الله عز وجل، فمن ذكر الله ذكره الله عز وجل، فهو في حرز وحصن حصين من الشيطان الرجيم، فأهل الهداية والاستقامة الذاكرون لله كثيرا والذاكرات المطمئنون بتلاوة القرآن وبالتسبيح والتحميد والاستغفار قل أن تجد إنسانا لسانه رطب بذكر الله يقع في معصية، وليس معنى ذلك أنه معصوم، لكن الله يحفظه من كثير من الشرور والمعاصي {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}، فهذا بالتوكيد {إن عبادي} من هم عباد الرحمن الذين يذكرون الله، فيتلون القرآن ويسمعون القرآن ويحضرون مجالس الذكر وينتفعون بالذكر، الخاشعون المخبتون المنيبون.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/292)
كذلك مما يحول بين العبد والرجوع إلى المعصية الخوف من الله جل جلاله، واستدامة هذا الخوف، فإن العبد يخاف من ذنب يرجع إليه أن يكون سببا في انتكاسته، ويخاف من ذنب يذنبه بينه وبين الله يكون سببا في سوء الخاتمة. الخوف من الله؛ ولذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مع علو منزلته ودرجته كان يسأل الله عز وجل الثبات على الطاعة ويقول: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) في أعز المواطن وأشرفها وهي لحظة السجود بين يدي الله، فإذا اهتديت لا تغتر بهدايتك، ولا تغتر بصلاتك ولا طاعتك، بل تستديم الخوف من ربك، كلما ارتفعت درجة العبد في طاعته ازداد خوفه من الله وخشيته من الله، ووجله من سوء الخاتمة، ومن تقلب قلبه ومن زيغ القلب، وهذا هو الذي حمل همه الصالحون فقالوا وهم ضارعون مستغيثون منيبون إلى الله جل جلاله {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} فذكر الله أنهم تذللوا وتبذلوا وتضرعوا وسألوه سبحانه أن يثبتوهم على طاعته لم يتكلوا على هدايتهم مع أن الله زكاهم بالاستقامة والخير، فلا تغتر بهداية ولا طاعة، وعليك أن تخاف من الذنب ولو كان يسيرا، وعليك أن ترجع إلى الله جل جلاله.
أما الوصية الأخيرة فإذا عاد إبليس عليك بالذنب فهزمت النفس وانكسرت أمام دواعي الشهوات والملهيات فارجع إلى ربك، وأرغم أنف عدوك اللدود إبليس، وقل: اللهم إني تائب إليك، راجع إليك ولو عاد بك مليون مرة، إذا أذنبت فلا تيأس من رحمة الله، ولا تقنط من روح الله، ولا تيأس من روح الله ولا تقنط من رحمة الله، واستدم صدق الرجوع إلى الله، بهذا تقتل عدوك، وينصرك الله جل جلاله على هذا الكيد من الشيطان الرجيم، أنك إذا أذنبت رجعت مباشرة، وصدقت في الرجوع إلى الله عز وجل وعندها تبدل السيئات حسنات، ويتولى عدو الله بالحسرات، ويحثو على رأسه التراب من الغيظ مما رأى من تنزل رحمة الله بك.
نسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وكماله أن يثبتنا على طاعته وأن يتولانا برحمته. والله تعالى أعلم.
السؤال السابع: فضيلة الشيخ: بعض المسالخ يأخذون الجلود ويبيعونها فهل يجوز لهم هذا البيع وجزاكم الله خيرا؟
الجواب:
بسم الله. الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
هذه الجلود ملك لأصحاب الذبائح، ولا يجوز لأحد أن يأخذ هذه الجلود إلا بإذن منهم، فإذا أذنوا بها أخذت، وإذا لم يؤذنوا فإنها ملك لهم، ولا يجوز أخذها بدون أن يكون منهم إعطاء على صفة شرعية معتبرة. والله تعالى أعلم.
السؤال الثامن: فضيلة الشيخ: هل يجوز أن يعق عن الجارية بشاتين وجزاكم الله خيرا؟
الجواب:
السنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الشاة، فيأتسي بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وكذلك بالنسبة للذكر شاتين، لكن لو أنه دعا قرابته وزاد عددهم فأراد أن يصنع ثلاث شياه أو أربعة شياه أو خمسة شياه على قصد إكرام الضيف وليس على أنها عقيقة فلا بأس بذلك ولا حرج. والله تعالى أعلم.
السؤال التاسع: فضيلة الشيخ: امرأة عليها قضاء ثمانية أيام وقرب شهر رمضان حيث أنها تأخذ علاج، مستمرة على هذا العلاج في الصباح والمساء، فماذا يجب عليها حيث أنها تقول عند الصيام يؤثر على صحتها، وهل يكفي الإطعام. وجزاكم الله خيرا؟
الجواب:
إذا كان على المرأة قضاء من رمضان فإنه يكون مؤخرا إلى شعبان؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - قالت كما في الصحيح: ((إن كان يكون علي صوم من رمضان فلا أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مني)) فيصبح واجبا موسعا حتى إذا بقي على قدر الأيام من شعبان التي لم تصمها باستثناء يوم الشك فإنه يصبح واجبا مضيقا وحينئذ يجب عليها أن تصوم، فإذا وافق في هذه الأيام أن حصل عندها عذر ولم تستطع الصوم لوجود العذر، أو لم يستطع الرجل قضاء الصوم لوجود العذر فلا شيء عليه ولا عليها، وتنتظر حتى تصوم رمضان الثاني ثم تقضي بعد رمضان الثاني ولا شيء عليها وهو قول جمهور العلماء - رحمهم الله-
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/293)
إنما الخلاف بين أهل العلم إذا أخرت المرأة وأخر الرجل القضاء إلى أن دخل رمضان الثاني بدون عذر، فمنهم من أوجب الإطعام عن كل يوم ربع صاع، وألحقه بعض الفقهاء بقول عن ابن عمر - رضي الله عنهما - وبعض أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
ومنهم من قال إنه يأثم وليس عليه إطعام. والله تعالى أعلم.
السؤال العاشر: فضيلة الشيخ: إني كثيرا عندما أصلي أسرح في صلاتي مع أني أستعيذ بالله وأنفث عن يساري ثلاثا ولكني أستمر في سرحاني. فانصحني يا شيخ. وجزاك الله خيرا؟
الجواب:
لا حول ولا قوة إلا بالله! نسأل الله بعزته وجلاله أن يجعلنا وإياكم من الخاشعين، من أعظم نعم الله على العبد أن يكون من الخاشعين، فهم المفلحون، وهم الرابحون، إن العبد يصلي الصلاة وهو بجوار أخيه، كتفه إلى كتفه، بينهما كما بين السماء والأرض من الأجر والمثوبة على قدر الخشوع.
الخشوع هو سر الصلاة، وهو أساسها وروحها؛ ولذلك قال نبي الأمة - صلوات الله وسلامه عليه-: ((وجعلت قرة عيني في الصلاة)) جعلت قرة عينه في الصلاة؛ لأنها أعظم المقامات وأشرف المقامات، حينما يقف العبد بين يدي ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، يا هذا من الذي تناجيه؟! ومن الذي تصلي بين يديه وتناديه؟! من هذا الملك الذي تقول بين يديه: الله أكبر؟! فهو أكبر من كل شيء، ومن الذي هذا الذي وجهت إليه قلبك وقالبك متخشعا متذللا ومتبذلا؟! تذكر وتفكر أنه ليس لك من صلاتك إلا ما عَقَلت، وأنه ليس لك من أجرك إلا ما خشعت، وأنها صلاة إذا سلّمت منها لن تعود إليها أبدا، وأنها مكتوبة محسوبة خاصة إذا كانت مفروضة.
العبد الصالح الموفّق يأتي بهموم الدنيا، فإذا وطئت قدمه بيت الله جل جلاله ودخل المسجد دخله بخشوع وخضوع، حتى إذا استقبل القبلة فقال: الله أكبر رمى بالدنيا وراء ظهره، فزال عنه همه، وزال عنه غمه، إنها الصلاة التي جعلها الله قرة عين الصالحين، وسلوة المهمومين والمغمومين.
العبد يعيش مهموما مغموما مكروبا لكن لا يصيبه في الصلاة هم ولا كرب، والدنيا بأشجانها وأحزانها لا يمكن أن تكون إذا وقف العبد بين يدي الله في صلاته صادقاً في موقفه. قف بين يدي الله، واستشعر عظمة الله جل جلاله، وأن الله يسمعك ويراك، فإذا قلت: الله أكبر واستشعرت أنه ليس هناك أحد أكبر من الله جل جلاله، فهو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء سبحانه وتعالى فإذا قلت: الله أكبر؛ فقد دخلت في حرمات الصلاة، ولذلك قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((تحريمها التكبير)) فإذا قال الإنسان هذه الكلمة ينبغي أن يقولها بعقيدة وإيمان واستشعار، لو أن بجوارك إنسان عظيم من ملوك الدنيا أو من عظماء الدنيا وأردت أن تصلي لأصابتك الرِّعدة من الهيبة والخشية، وأخذت تفكر كيف تقف، ولله المثل الأعلى، فكيف بملك الملوك وجبار السماوات والأرض، ومن بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه. تقول: الله أكبر بقلبك وبلسانك معتقدا معناها، مستشعرا عظمة مدلولها، فمن قال الله أكبر لم يعظم عليه شيء أمام الله سبحانه وتعالى، فلو كانت عليه هموم الدنيا كلها وقال هذه الكلمة صادقا من قلبه لزالت عنه همومها، ولو قالها مكروبا منكوبا مفجوعا وهو معتقدا لمعناها لتبددت عنه أحزانها وأشجانها. يقول: الله أكبر، ثم يقول دعاء الاستفتاح فأثر عنه - عليه الصلاة والسلام- أنه أقر الصحابي ولذلك الصحابي قال لما كبر: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا؛ قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((والذي نفسي بيده لقد رأيت بِضْعا وثلاثين مَلَكا يصعدون بها إلى السماء أيهم يبتدرونها)) كلمات خفيفة في اللسان، ثقيلة في الميزان، حبيبة إلى الرحمن، تخشع حينما تعرف ما الذي تقول، وتستشعر من الذي تقف بين يديه ومن الذي تناجيه، حتى إذا قرأت فاتحة الكتاب، وتلوت كلام الله جل جلاله: {الحمد لله رب العالمين} استفتحت بحمده الذي هو بداية الأمور كما قال تعالى: {وله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون} فله الحمد أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وسرا وعلنا، وله الحمد على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل النار، وله الحمد في السراء والضراء جل جلاله تقول
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/294)
: الحمد لله رب العالمين، ما بقي شيء إلا وهو ربه ومليكه سبحانه وتعالى.
{رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين} هذه الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لو نزلت على الجبال لانهدت، ولو نزلت هذه الآيات على الرواسي لاندكت، أفلا تستشعر بها هيبة المقام بين يدي الله عز وجل وتقولها بإيمان وعقيدة: {إياك نعبد وإياك نستعين} تستشعر وأنت تقول: {الحمد لله رب العالمين} أن الله يقول: حمدني عبدي، وإذا قلت: {الرحمن الرحيم} قال: أثنى علي عبدي، وإذا قلت: {مالك يوم الدين} قال: مجدني عبدي، فأين تنصرف عن هذا الملك، ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، فتكون مستشعرا لهذه المعاني، فإذا قلت: {مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين} قال: ((هذا بيني وبين عيدي ولعبدي ما سأل)).
فإذا جعلت هذه الآيات تؤثر وتقولها بعقيدة وتستشعر معناها تخشع في صلاتك وتخضع بين يدي ربك، ومما يعين على الخشوع والخضوع الخوف من الله عز وجل واستشعار الهيبة بين يدي الله عز وجل.
مما يعين على الخشوع: سؤال الله عز وجل القلب الخاشع؛ ولذلك كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع)).
مما يعين على الخشوع في الصلاة: كثرة ذكر الآخرة؛ ولذلك قال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون} فوصف الخاشعين في الصلاة أنهم موقنون بلقاء يوم القيامة، فمن وقف بين يدي الله واستشعر أنه ستمر عليه مثل هذه اللحظة وهو ضجيع اللحد والبلى، مرهونا في قبره، تحت رحمة الله جل وعلا؛ هانت عليه الدنيا وما فيها، وأحس بقيمة هذه الصلاة، واستشعر أنها نور له في قلبه ونور له في حشره، ونور له بين يدي ربه.كثرة ذكر الآخرة. وأسباب الخشوع في الصلاة كثيرة، ولكن نسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وكماله أن يجعلنا من الخاشعين، اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع، اللهم إنا نعوذ بك من دعاء لا يسمع، ومن عين لا تدمع، ومن علم لا ينفع، ونعوذ بك من هؤلاء الأربع، واجعلنا من الخاشعين، واجعل خشوعنا لوجهك خالصا يا رب العالمين، ثقل موازيننا، ويسر أمورنا، واشرح صدورنا، واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[01 - 11 - 07, 11:30 ص]ـ
بهذا الدرس ينتهي شرح فضيلة الشيخ الدكتور/محمد بن محمد المختار بن أحمد مزيد الجكني الشنقيطي -المدرس بالحرم النبوي الشريف وبجامع الملك سعود بجدة- وهو ضمن شرحه لمتن عمدة الفقه للإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى, وأنبِّه إلى ثلاث أمور مهمة جداً:
1 - هذا الشرح والتفريغ لدروس شيخنا حفظه الله لم يراجعه الشيخ ويعتمدْ إخراجه ولكنَّه في الوقت ذاته لا يمانع من نشره والإفادة به, ولذا فإن جميع ما هو منشور بالكتابة من دروس الشيخ حفظه الله لم يراجعِ الشيخُ ويعتمد منه إلا كتاب الطهارة من زاد المستقنع , والذي راجعه الشيخ وحققه واعتمد إخراجه نهائياً, وقال حفظه الله في خاتمة هذه النسخة المراجعة:
{تمت إعادة صياغة الجمل، والعبارات بما يتناسب مع الشرح الكتابي، وعليه فإن هذا التصحيح يختلف كثيراً عن الأصل المسجَّل، وقد أضيفت فيه بعض المسائل، وحذفت مسائل أخرى كما أضيفت بعض الأدلة، والفوائد التي يقتضيها الحال}
قلتُ: قد يوجد في هذا الشرح وغيره تقديمٌ او تأخيرٌ أو حذف أو نقص , وذلك كما أشار الشيخ حفظه الله في تصحيحه لنسخة الزاد {وبعد قراءة المذكرات تبين وجود الحاجة إلى تصحيحها نظراً إلى أن الشرح كان إلقاءاً، ولم يكن كتابة}
قلتُ: ولا يخفاكم الفرق الكائن بين حاليْ الإلقاء والتأليف.
2 - حبذا لو سعى كلٌ منا حسب استطاعته إلى إفادة الغير في الملتقيات العلمية والطلابية وغيرها بهذا الشرح لتعم به الفائدة والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً والدال على الخير كفاعله, وليست تلكم الدعوة تعصباً أو تحزباً ولكن:
أ/ لأن هذا متنٌ مختصرٌ في الفقه وشرحه يفهمه كثير من الناس ويسهل عليهم استيعابه.
ب/لأنَّ شارحه حفظه الله جعله للمبتدئين في طلب العلم وحرص على أن لا يشوش أذهانهم بالخلافيات والمذاهب ومن سمع للشيخ شرح البلوغ والزاد أيقن بذلك.
ج/أن حاضري هذا الشرح لم يكونوا من مدينة واحدة أو مدرسة أو جامعة , بل كانوا من شتى أقطار العالم في حرم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومن طلبة الجامعة أيضاً فيحرص الشيخ على تبيين أحكام تكثر الأسئلة عنها في بلدانهم ويحرصون هم على سؤال الشيخ عن مسائلَ تهمُّهم ولا تقع في المملكة, ومن ذلك مثلاً ثناؤه حفظه الله على تدريب الحجاج على الانتظام في الرمي وهم في بلدانهم وإشادته بالجالية التي يشهد لها كل العالم بالانضباط في الحج ولولا مخافة التقدم بين يدي الشيخ لسميتها ولكنَّ الأغلب يعرفها.
3 - أرجو من كل من أفاد أو استفاد أو قرأ أو دلَّ على هذه المادة العلمية ان لا ينسى شيخنا حفظه الله من الدعاء له ولوالديه وأن يبارك الله له في علمه وينفعه بما علمه ويزيده علماً ويحميه من ظاهر الفتن وباطنها وأن لا يحرمه اجر ما قدَّم وأن يزينه بزينة الإخلاص.
كما أرجو الدعاء لي بالهداية إلى الصراط المستقيم الموجب لرضى الله ورحمته, والدعاء بالعلم النافع المورث للعمل الصالح وصلاح النية والذرية والعافية في الدارين ,وللداعي بالمثل إن شاء الله, والله أعلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/295)
ـ[سلطان بن عاطف]ــــــــ[01 - 11 - 07, 02:27 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي وكيع
لعلك تجد ما سألت عنه من شروحات الشيخ في بعض دور تصوير الأوراق , ففي جدة مثلا تجدها في مكتبة خدمة الطالب المقابلة لجامعة الملك عبدالعزيز
مع العلم أن الشيخ حفظه الله لم يراجع منها إلا كتاب الطهارة من زاد المستقنع , أما بقية الشروحات الموجودة فهي من تفريغ بعض تلاميذه لدروسه
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[01 - 11 - 07, 03:05 م]ـ
htt:\\www.alhadeeth.com\vb\showthread.ph?p=691798
هذا رابط الموضوع فيما أحسب وإن أخطأت فأرجو التعديل
ـ[مشتاق حجازي]ــــــــ[03 - 11 - 07, 02:31 ص]ـ
للتعديل أخي المبارك ابا زيد هذا هو الرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=114413
وأسأل الله أن يجزيك عنا وعن الشيخ خير الجزاء وأن يعظم أجركم ويثبت ثوابكم
الله يسعدك ووالديك في الدارين
بوركت أخي الفاضل وزاد الله من أمثالك
ـ[مشتاق حجازي]ــــــــ[06 - 11 - 07, 10:25 م]ـ
هذا الملف كاملا سوى باب العقيقة، وبالله التوفيق
ـ[مشتاق حجازي]ــــــــ[06 - 11 - 07, 10:27 م]ـ
يتبع ...
ـ[محبة لطيبه]ــــــــ[06 - 11 - 07, 11:57 م]ـ
جزاكم الله خيراً على جهودكم ونفع بكم
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[07 - 11 - 07, 06:50 ص]ـ
الله يرحم والديك ويرفع مقدارك أخي الحبيب مشتاق
فكما عرفتك للخير سباق , ولمراضي الله توَّاق , ذا وُدٍّ وتواضع وإشفاق , فكساك الله حلة الكرامة يوم التلاق , وجزاك عني وعن الشيخ مسابقة الأفاضل الحذاق .. !!
ـ[مشتاق حجازي]ــــــــ[26 - 11 - 07, 05:17 ص]ـ
للفائدة
ـ[أبو الحسن النووي]ــــــــ[02 - 12 - 07, 10:56 ص]ـ
^^^^^^^
ـ[أخوكم عماد]ــــــــ[07 - 11 - 08, 10:56 م]ـ
باركالله فبك و جعل هذا العملفي ميزان حسناتك
ـ[أحمد محمد بسيوني]ــــــــ[08 - 11 - 08, 12:40 ص]ـ
جزاكم الله خيرا، ونفع الله بكم
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[10 - 11 - 08, 09:12 ص]ـ
للرفع والنفع مع قرب الحاجة للشرح.
ـ[المغربي أبو عمر]ــــــــ[10 - 11 - 08, 09:28 م]ـ
جزيتم خيرا
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[03 - 11 - 10, 06:52 م]ـ
يُرفع(86/296)
دعوة لمناقشة ما ورد في مقالة الشيخ ابن منيع - حفظه الله-عن الرؤية
ـ[محمد أبا الخيل]ــــــــ[21 - 10 - 07, 10:35 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أضع بين يدي الأخوة الفضلاء - بعد إذنهم - هذه المقالة - في الصفحة التالية - رجاء التعليق عليها من الجهة العلمية - دون غيرها - ومناقشة ما فيها، ومن ذلك أمران:
الأول: ما ذكر في شرطي اعتبار الرؤية، ومدى تحقق ذلك في الرؤية الشرعية.
الثاني: ما جاء في المقال من اعتبار الحساب في النفي لا الإثبات.
أليس يلزم من اعتباره في النفي اعتباره في الإثبات لأنه إذا نفي طلوع الهلال في هذا اليوم - مثلاً - لم يبق إلا الغد، فهو إثبات بالحساب من طريق آخر.
# تنبيه: إذا لم ترى الإدارة وضع مثل ذلك فلتحذفه.
ـ[محمد أبا الخيل]ــــــــ[21 - 10 - 07, 10:38 م]ـ
عضو هيئة كبار العلماء الشيخ ابن منيع يرد على رئيس المجلس الأعلى للقضاء حول رؤية الهلال فلكياً:
التسليم بعدم قبول خبر علماء الفلك يعني أن الجميع في ذمة مجلس القضاء!
عبدالله بن سليمان المنيع
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فقد قرأت ما نقل عن سماحة الشيخ صالح اللحيدان رئيس المجلس الاعلى للقضاء ونشرته صحيفة الرياض بتاريخ 1428/ 10/2ه تعليقاً على ثبوت دخول شهر شوال بيوم الجمعة واعتبار يوم الجمعة عيد الفطر ومن ذلك ما قيل عن فضيلته من وصفه المتحدثين عن الفلك ونتائج حسابه بإرجاف المرجفين وتخرص المتخرصين وقد جاء فيما نقل عنه - حفظه الله - أمور. ولاشك أنها نتيجة غيرته الدينية وتمسكه بإيمانه وعقيدته مع ان ما قاله فضيلته محل نظر. ولاشك ايضاً ان ما كان من اخوانه المنادين بالانتفاع بالعلم ونتائجه ومستجداته هو نتيجة اعتقادهم ان العلم يدعو للايمان ويضيء المسالك ويهدي الى أقوم السبل واوضح المعالم قال تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وقال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) فلقد استفادت الامة الاسلامية من العلم في عباداتها من صلاة وصيام وزكاة وحج وفي معاملاتها الاقتصادية وفي حل مشاكل الاسر والمجتمع والأمن ووسائل الإصلاح للبلاد والعباد. فالعلم نور والجهل ضلال، والعلم علوم في الشرع والكون والطب والهندسة والفلك وعلوم التقنية والطاقة. هذه العلوم قد اخذ بها المسلمون في مشارق الارض ومغاربها واشاد بها الرحمن في كتابه الكريم فقال تعالى في ختام لفت النظر الى آياته وعجائب مخلوقاته: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" وقد انتقلت امة الاسلام من صفة الامية الى مصافة العالم المتحضر في النهل من العلوم المختلفة. فنتمنى من شيخنا الفاضل ألا يتجاهل هذا الوضع العلمي للمسلمين ونحن منهم كما نتمنى من فضيلته ان يستفيد في تحقيق ما وُكل اليه من ولاية شرعية من العلوم المتعلقة بولايته.
أما بعد فلعل سماحته يسمح لنا في المداخلة مع قوله في التعليق على ثبوت رؤية الهلال مساء الخميس ليلة الجمعة الموافق 1428/ 9/30ه حسب تقويم أم القرى بالرغم من غروبه قبل غروب الشمس بدقيقة حسب موقع مكة المكرمة. فلقد جاء في تعليقه ما يحتاج الى المداخلة معه لا سيما في اربع مسائل اذكرها واذكر تعليقي على كل واحدة منها:
أولى هذه المسائل قول فضيلته بأن المملكة لم تتغير بإرجاف المرجفين وتخرصات المتخرصين. والظاهر ان فضيلته يقصد بعدم التغير انها لم تأخذ بحسابات الفلك وانما تمسكت على سبيل الاطلاق بالرؤية للهلال دون النظر الى ولادة الهلال وغروبه بعد غروب الشمس او قبل غروبها.
فقول فضيلته بأن المملكة لم تتغير عما كانت عليه ولم تأخذ بالمعايير العلمية من قطعيات علم الفلك فهذا صحيح. لكن هل يعتبر هذا منقبة للمملكة او ظاهرة تخلف؟ لعل الرأي العام من ذوي العلم والفكر والنظر يجيب عن هذا التساؤل.
وأما التوجيه من قبل ذوي العلم والفكر بالاستفادة من علم الفلك في موضوع الهلال وإثباته ووصف ذلك بالارجاف والتخرص فياليت سماحة الشيخ يعيد النظر في معنى الارجاف ثم في معنى التخرص. وياليته يرجع الى آخر سورة الاحزاب ليتأكد من معنى الارجاف وانه صفة من صفات المنافقين فهل يسمح فضيلته لنفسه ان يصف اخوانه بصفات النفاق؟ انها كلمة مستغربة من فضيلته لاخوانه سامحه الله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/297)
وأما التخرص فهو وصف لا يجوز لعاقل ان يصف به غيره إلا اذا كان لديه علم يقيني فيما يرى تخرص غيره فيه. ولاشك ان فضيلته من الأميين في علم الفلك فكيف يجيز لنفسه الحكم على أهل علم بتخرصهم فيما يقولونه عن علمهم والحال انه لا يعرف شيئاً من ذلك العلم؟ وياليته يأخذ بتوجيه رب العالمين حيث يقول: "فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون" والذكر هو العلم او هو من معانيه. والله أعلم.
ومن قبيل التنزل مع فضيلته في ان احكام علم الفلك محل تخرص وشك وارتياب لا سيما اذا جاءت هذه الانباء عن هذه الاحكام ممن ليس معروفاً بالعدالة والتقى والصلاح فالله سبحانه وتعالى وجهنا في كتابه الكريم الى التثبت والتحقق عن صدق هذه الانباء من كذبها اذا جاءت من فاسق ولم يأمرنا بردها مطلقاً قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا". ولقد كثرت المشورة على فضيلته بالتوجه الى ولي الامر بالموافقة على عقد مؤتمر يجمع بين علماء الشرع وعلماء الفلك للنظر في المسائل الفلكية المتعلقة بحسبان منازل الشمس والقمر وما يتعلق بذلك من نتائج تفيدنا في تحديد أوقات الصلاة والصيام والحج وهذا طريق من طرق التثبت والتحقق.
المسألة الثانية: قول فضيلته بأن الحُسَّاب لا يشترطون فيمن يقدم نتائج هذا الحساب تقى ولا صلاحاً ولا عدالة بخلاف من يتقدم بشهادة رؤية الهلال فلابد من ثبوت صلاحه وتقاه. هذا القول من فضيلته محل استغراب. فالنتائج العلمية لكل علم من العلوم لاسيما إذا كانت هذه النتائج قطعية لتحديد ولادة الهلال هذه النتائج العلمية لا يتقدم به عالم أو اثنان أو أكثر حتى نشترط لقبولها العدالة والتقوى والصلاح. وإنما هي نتائج علمية قطعية يعترف بها البر والفاجر والصالح والفاسق والمسلم وغير المسلم فليست نتائج شخصية حتى نطلب من مقدمها ما يدل على ثقته وأمانته. فمثلاً النظريات الرياضية من معدلات وغيرها مما هي محل اعتبار واعتراف وتسليم هل نطلب ممن يقدمها بأي وسيلة من وسائل النشر والبيان العدالة والثقة والصلاح؟ وحينما يقول لفضيلته مثلاً أحد الناس: 15+ 10= 25أو 7*9= 63هل يتردد فضيلته في قبول هذه النتائج حتى تثبت عدالة من يتقدم إليه بها. لعل الأمور قد اختلطت على شيخنا - حفظه الله.
ولاشك بوجود الفرق بين من يتقدم بشهادة رؤية الهلال وبين من يذكر بحقيقة علمية معروفة لدى علماء ذلك العلم. فالأول يأتي بخبر يختص هو بمصدره - وهي الرؤية - والثاني يأتي بخبر علمي يشترك في معرفته جميع علماء ذلك العلم، فالأول في حاجة إلى تعديل وإنصاف بالثقة والأمانة والتقوى والصلاح لكون مصدر علمه بذلك الخبر - وهو الشهادة بالرؤية - ذاتياً في نفسه والثاني لا يلزم اشتراط تقواه وصلاحه لكون خبره معلوماً لجميع علماء ذلك الخبر.
المسألة الثالثة: احتجاج فضيلته بأن الهلال رآه عشرة في أماكن مختلفة وقد يكون رآه أكثر من ذلك إلا انهم اكتفوا بمن تقدم بالشهادة بالرؤية. ولا يخفى على فضيلته ان الشهادة مهما بلغ الشاهدون بها عدداً مشروط لصحتها وقبولها انفكاكها عما يكذبها وعلماء الفلك يؤكدون ان الهلال قد غاب يوم الخميس الموافق 1428/ 9/29ه قبل غروب الشمس بدقيقة وذلك في آخر موقع في المملكة وهو مكة المكرمة فكيف يرى بعد غروب الشمس والحال انه غرب قبل غروبها بدقيقة؟
ولاشك ان رد فضيلته على هذا القول هو عدم التسليم بقبول خبر علماء الفلك. ونحن نقول لفضيلته سمعنا وأطعنا لقراركم المؤيد من قبل ولي أمرنا فالفطر يوم يفطر الناس ونحن في ذمة مجلس القضاء ومن اعتمد عليه المجلس. ولكننا نقول لفضيلته نفترض بأن علماء الفلك فسقة ولا يصح قبول خبر الفاسق إلا بتثبت وتحقق كما لا يصح رد خبره مطلقاً وذلك حسبما وجهنا الله سبحانه به في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) فأين التحقق والتثبت عن صحة هذه الأخبار؟
وسماحة شيخنا يعرف ويعلم أن الشهادة يحتاج قبولها أمرين احدهما ان تكون الشهادة منفكة عما يكذبها حساً وعقلاً. والثاني ثبوت عدالة الشاهد. ونحن لا نشك ان القضاء قد استكمل تعديل الشهود ولكن عدم انفكاك الشهادة عما يكذبها لايزال ثغرة نقص في صحة الشهادة والله المستعان.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/298)
المسألة الرابعة: رغبته ورجاؤه من الذين يتدخلون في الحساب ان يخضعوا الحساب لما قال الله تعالى وقال رسوله صلى الله عليه وسلم وألا يخضعوا قول الله وقول رسوله لحسابهم حيث انهم يقولون بالرؤية الا ان تكون الرؤية مختلفة مع الحس فيجب ردها - وقال فضيلته - بأن هذا القول لا يؤيد أوله آخره.
نقول لفضيلته: نعوذ بالله ان نخضع قول الله وقول رسوله لقول كائن من كان. فنحن عباد الله وتحت السمع والطاعة لله امتثالا لقوله تعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم".
فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج" ويقول تعالى في شأن مسار الشمس والقمر: "ولتعلموا عدد السنين والحساب" ويقول صلى الله عليه وسلم في شأن الصوم "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا إلى آخر الحديث). فالصوم لا يثبت إلا بالرؤية والفطر لا يثبت الا بالرؤية. ولكن الرؤية لا تثبت الا بشهادة والشهادة يشترط لصحتها انفكاكها عما يكذبها وأن تكون من عدل فإذا كان موضوع الشهادة متعذراً فكيف تقبل الشهادة؟ فلو شهد عشرة رجال عدول بأن سعيداً قتل سعداً يوم الجمعة والحال ان سعيداً قد ثبت موته قبل الجمعة بأسبوع او اكثر فهل تقبل شهادة هؤلاء العشرة العدول؟
ما ذكره سماحته يمكن ان يتجه لمن يقول بإثبات دخول الشهر بالحساب وأما المعتدلون من علماء الفلك والمحققون من علماء الشريعة فهم يقولون باعتبار الشهادة بالرؤية اذا كان الهلال قد غرب بعد غروب الشمس فإذا لم ير وعلماء الفلك يقولون بأن الشمس غربت قبل غروبه فلا عبرة بذلك وإنما الاعتبار بالرؤية الشرعية المنفكة عما يكذبها. وخلاصة هذا القول ان الحساب الفلكي يعتد به في حال النفي دون حال الإثبات وبناء على هذا فقد اخضع المحققون من اهل العلم الشرعي نتائج علم الفلك لقول الله تعالى وقول رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم. ولم يكن الأمر كما ذكر فضيلته - حفظه الله - بأن أول هذا القول لا يؤيد آخره.
وقد تقدم فضيلته بإبداء رغبته من اخوانه علماء الفلك ومن اخوانه علماء الشرع المؤيدين لنتائج علم الفلك ان يكتفوا بالوقوف عند قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم. ونقول لفضيلته من هذا الضال المنحرف المؤثر حساب الفلك على قول الله تعالى وقول رسوله؟ سبحانك اللهم نستغفرك ونعوذ بك من ذلك ونبرأ من مثل هذا القول المنكر.
وكما ان فضيلته يرغب من اخوانه بما ذكر ونشكره على هذه الرغبة المبنية على خالص النصح والمودة فإننا نرغب الى فضيلته ان يدرك ان عصر معرفة الحق بالرجال قد ولى وحل محله عصر معرفة الرجال بالحق فالحق احق ان يتبع مهما كان جالب الحق حيث ان الحق حكمة والحكمة ضالة المؤمن.
وبعد فأرجو من سماحة شيخنا وحبيبنا وزميلنا معالي الشيخ صالح الا يكون ما كتبته مؤثراً على ما بيننا من محبة وأخوة وصداقة وزمالة قديمة وأتمنى ان اقدر على كشف ما في قلبي لسماحته من التقدير والمحبة والاحترام نتيجة ما اعرفه عن سماحته من صدق في النصح للبلاد وقيادة البلاد وأهل البلاد وما يتمتع به سماحته من التقى والصلاح والقوة في الصدع بالحق والنزاهة في اداء العمل ولكنه التناصح بيننا والتواصي بالحق وتصحيح المفاهيم.
والله المستعان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. @ عضو هيئة كبار العلماء
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[22 - 10 - 07, 02:25 ص]ـ
والله ان قلبى انشرح لمقال الشيخ ابن منيع - حفظه الله، وحفظ علمائنا الكرام،، ومما زاد هذا المقال قوة فى قلبى، هو السؤال الذى طالما استهلك من فكرى طاقات، وهو هل نحن مؤاخذون شرعا" اذا لم نستعن بما يفتح الله علينا من علوم الدنيا فى امور ديننا؟؟، كحال المرتحل فى الصحراء لايعلم لنفسه قبلة للصلاة ويحمل بين يديه بوصلة، هل اذا اجتهد برأيه دون اعتبار البوصلة، هل سيكون اعذر لنفسه عند الله؟ ّ!
،، وأيضا من فى البلدان التى لاتطلع عليهم شمس معظم أوقات السنة، هل اذا اكتفوا بغلبة ظنهم فى تعيين أوقات الشروق والغروب، وبالتالى أوقات الصلوات الخمس، هل سيعتبرون قد وفوا ماعليهم، ام سيؤاخذون وفى ايديهم الساعات وبين ايديهم التقاويم المحسوبة فلكيا"؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/299)
فبرأيى القاصر ارى أن هذين المثالين مشابهان لموضوع المقال، فلماذا لا نتخذ من علوم الدنيا مايعيننا فى امور ديننا مع اعتبار تقديم الأصول الشرعية لتكون هى الأصل وماسواها خادم لها ونبذ ما يتعارض معها؟؟
فى انتظار الإستينار (إن صحت) بأراء الأخوة الأعزاء والشيوخ الكرام
نسأل الله التوفيق والسداد
ـ[محب احمد بن حنبل]ــــــــ[22 - 10 - 07, 03:43 ص]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد:
في يوم الأحد العاشر من شوال نشرت جريدة الرياض مقالاً لمعالي الشيخ عبدالله بن منيع يستدرك فيه على سماحة الشيخ/ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى ماذكره في نفس الجريدة أول الشهر المذكور.
ومما هالني في رد الشيخ هو مجموعة من المغالطات التي استغربت أن تصدر من مثله، وحيث أن الشيخ ابن منيع يعتبر فارس ميدان القائلين باعتبار الحساب في دخول الشهر وهو الأكثر حظا عند الناس في تشكيكه بالرؤية البصرية للهلال وقد كثرت كتاباته حول هذا الموضوع كثرة بلغت حد الخروج عن المألوف في المسائل العلمية وتعقيبي على الشيخ ابن منيع كالتالي:
1. لا يخفى على كل صغير أننا في ذمة مجلس القضاء الأعلى في مسألة الصيام والحج وذمة المجلس بريئة لأخذها بالأمور المعتبرة شرعاً وهي الشهادة الشرعية التي كان يطبقها الشيخ ابن منيع في قضائه طول فترة عمله فقطع بها رقاب وأيدي وعزر بها أناس وحكم بها في أموال وأثبت بها حجج استحاكم ونسب بها أولاد وبها نفى أولاد وغير ذلك فاتسعت ذمته بهذه الشهادة في الحكم على ماسبق ومنها ولابد أن يكون مر عليه أو على محكمته شهادة شهود برؤية الهلال فأثبتها أو أثبتوها ثم هو اليوم يتبرأ منها.
2. لقد شنع الشيخ ابن منيع على علماء سابقين كان في عصرهم يظهر لهم الاحترام وبعد دفنهم قال عنهم عصر معرفة الحق بالرجل ولى وحل محله عصر معرفة الرجال بالحق وهنا أسأل عصر من هذا الذي ولى عصر ابن إبراهيم وابن حميد وابن باز رحمهم الله الذين علموا الناس أن الرجال تعرف بالحق لا الحق يعرف بالرجال أهل الأثر والدليل وقوة التمسك بالشريعة والأخذ بدين الناس على أحسنه وأي عصر يتحدث عنه الشيخ اليوم ونحن نرى الشريعة تضرب في مقاتلها عبر الفضاء والصحف وفتاوى لا تسمع فيها نص ولا إجماع وإنما تسمع فيها الذي يظهر لي هو كذا وكذا، تجلس أمام البرنامج ساعة أو يزيد ويحصي العاد على الضيف استشهاده بالأدلة على فتواه برؤوس عدد الأصابع وحجته الذي يظهر لي، هذا هو عصر معرفة الرجال بالحق فإنا لله وإنا إليه راجعون.
3. ليسمح لي الشيخ ابن منيع أن اسأله عن الحواس الخمس ما هي وأظنه لا يشك أن البصر إحداها وقد ذكر في معرض رده أن قبول الشهادة مبني على العدالة والانفكاك عما يكذبها فإذا شهد الشهود في مناطق متعددة وهم عدول أنهم رأوا الهلال وبعضهم شهد أن مدة بقاءه تجاوزت الخمس دقائق فيا معاشر القراء أليس هذا حس واضح فأين مايكذبه عند الشيخ ابن منيع إنه حساب الفلكي الذي ينفي بقاء القمر بعد غياب الشمس فأيهما الحس وأيهما الظن إنها سقطه من قاض رئس رئاسة محكمة تمييز سنين طوال وهو عين الإرجاف الذي لم يفهم من معناه الشيخ ابن منيع سوى النفاق وهو لفظ معناه أوسع من ذلك فالشيخ وأمثاله يرجفون في قضية الهلال و ويأبون التسليم لمن من فوضهم ولي الأمر بذلك أما التشويش على الناس والتلبيس عليهم وخداعهم بقبول الحساب في النفي لا بالإثبات فهذا لا يعد إرجافا فلا حول ولا قوة إلا بالله.
4. الجميع يتساءل عن استنكار الشيخ ابن منيع في مفهوم كلامه كيف تسع ذمة مجلس القضاء الأعلى تفطير الناس ونسي الشيخ كيف وسعت ذمته كثيراً من المتشابه الذي هو أقرب للحرام ومن أعظمه تلك المنتجات البنكية المسماة بالإسلامية وعليها توقيع عبد الله بن منيع اتصل بأحد البنوك واسألهم عن كيفية بيعهم للبيوت والأراضي لترى العجب ثم اسألهم من أفتاكم يقولون لدينا فتوى من الهيئة الشرعية في البنك برئاسة الشيخ ابن منيع وكل صغير في العلم يرى أن هذه المنتجات توردك إلى الربا من أوسع أبوابه.
من الذي وسعت ذمته أن يروج لقناة الرسالة التي تهدم عقيدة أهل السنة والجماعة وتروج للباطل وتميع الشريعة ويجعلها العدو مثالاً للإعلام الإسلامي الذي يجب أن يحتذى به، وهي التي تروج لمشروع راند الدعاة الجدد وكلها تحت مظلة الشيخ ابن منيع وغيرها وغيرها.
يرى القارئ في أسطري شيئاً من القسوة على الشيخ ابن منيع وحتى يعذرني ليرى قسوة الشيخ ابن منيع علينا فيما سبق ذكره والشيخ عضو في هيئة كبار العلماء ويستطيع طرح موضوعه في الهيئة إذا كان لا يحب الإرجاف لتخرج الهيئة برأي موحد ولو بالأكثرية لا أن يكون طريقة الصحف والتشغيب على العامة.
أسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يقينا شر أنفسنا وأن يهدينا صراطه المستقيم والحمد لله رب العالمين.
وكتبه
د. وليد بن عثمان الرشودي
منقول.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/300)
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[22 - 10 - 07, 09:20 ص]ـ
عرض الموضوع بهذه الطريقة خطأ -رعاك الله - لأننا - للأسف الشديد - لا نستطيع أن نخرج من دائرة الأشخاص وصفاتهم ... فمهما حاولت ابقاءه في الدائرة العلمية النظرية المجردة فلا بدّ أنك واجد من يحشرك في دائرة الأشخاص أو المدن ... وبذاك تضيع الفائدة ... وتستعر الفتن بين الشيوخ ... وكلٌ صاحب فضل ... وكلٌ على ثغرة من ثغور الإسلام ... والداخل بينهم لا بدّ أنه ظالم لنفسه ... منتصر لواحد على حساب الحق والعلم.
فاطرح المسألة - هديت رشدك - طرحًا مجردًا بعيدًا عن رأي فلان أو فلان ... واعلم أن أمر الحكم ليس لنا ... بل إلى من تولى ذلك من ولاة الأمر ... هذا من الناحية العملية التطبيقية والناس لهم تبع ... فرب حاكم ذهب إلى كذا اليوم ... فإذا جاء آخر رأى خلافه غدًا ... وليس للناس إلا الإتباع والإنصياع ... بغير ذلك تحدث فوضى ضررها أعظم من تصحيح رؤية فلان أو تخطئة رؤية علان ... وإن غدًا لناظره قريب.
ـ[علي موجان الشامي الشافعي]ــــــــ[22 - 10 - 07, 10:11 م]ـ
والله ... لقد سآني مقال الشيخ ابن منيع جداً ..
وما كنت أظن أن فضيلة الشيخ حفظه الله يصدر منه مثل هذا المقال!!
والمناقشة ليست للناحية العلمية، وإنما لطريقة عرض الموضوع، والأشياء التي بناها عليه
ـ[محمد أبا الخيل]ــــــــ[22 - 10 - 07, 11:34 م]ـ
أخي الكريم ... مصطفى رضوان
يجيبك على تساؤلك القرافي في فروقه في الفرق الثاني والمئة حيث قال:الفرق بين قاعدة أوقات الصلوات يجوز إثباتها بالحساب والآلات وكل ما دل عليها وبين قاعدة الأهلة في الرمضانات لا يجوز إثباتها بالحساب.
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[23 - 10 - 07, 01:18 ص]ـ
أخي الكريم ... مصطفى رضوان
يجيبك على تساؤلك القرافي في فروقه في الفرق الثاني والمئة حيث قال:الفرق بين قاعدة أوقات الصلوات يجوز إثباتها بالحساب والآلات وكل ما دل عليها وبين قاعدة الأهلة في الرمضانات لا يجوز إثباتها بالحساب.
إخوتى الكرام الفضلاء، ليس محل البحث والتحرير هو (اثبات دخول الرؤية بالحسابات الفلكية)، ليس هذا هو، فلا يستطيع أحد ان يرد أحاديث اثبات الرؤية العينية ويعدل عنها لما سواها، فاقل مايقال عنه انه مضيع لسنة المعصوم صلى الله عليه وسلم،، ويعمل بغير هديه، فنعوذ بالله من ذلك.
،، يا إخوتاه، مافهمته من الشيخ - حفظه الله هو حرصه على ان يكون اثبات دخول الشهر بالرؤية العينية
،، الإشكال الذى فهمته من كلام الشيخ، والذى يعتمل فى قلبى هو:
هل اذا تراءى لفئام من الناس، تبعد بينهم المسافات (يستحيل تواطؤهم)، هلال أول الشهر، ولو كان لجمع منهم باع طويل فى العلوم الشرعية دون ادنى معرفة بالعلوم الفلكية،،، ثم جاء عدة اشخاص أخر قضوا اعمارهم فى معرفة الكواكب من النجوم والتفريق بين النجم الساطع والخافت، والقمر والكوكب الدرى، فقالوا ان ماتراءاه الناس هو كوكب كذا وليس القمر،، فالقول قول من؟
وأي الفريقين يملك قرينة لقبول شهادته واعتبارها؟، وبشهادة من ستطمأن نفس القاضى الشرعى او المفتى الذى سيعلن للناس بدء يوم صومهم أو فطرهم؟
الشاهد من طرحى، هو ان اصحاب المراصد الفلكية ودارسى هذه العلوم، معهم فضل علم على عوام الناس، وهذا العلم ثبت انه قطعى مبنى على حسابات دقيقة، يقول ان القمر فى اليوم الفلانى سيولد وسيغرب قبل غروب الشمس، ولن تستطيع عين ذات بصر ثاقب، او باستخدام التلسكوبات العملاقة رؤيته بالعين أو بدونها، ثم بدا للناس كوكب عطارد أو الزهرة
، او نجم مضئ على هيئة الهلال
،، هل سنعتمد على الرؤية العينية ونثبت دخول الشهر، بالضبط كالمثال الذى ذكرته آنفا من حال المرتحل فى الصحراء، هل سيكون قد أعذر الى ربه فى اجتهاده فى تحرير ناحية القبلة، وهو يملك بوصلة يستطيع تحرير اتجاه القبلة بيقين؟؟،، بمعنى آخر هل سنعذر اذا ما اعتمدنا شهادة الشهود الذين تراؤوا الكوكب المضيئ على شكل الهلال، وقد فتح الله علينا بفضل علم دنيوى يحرر لنا هل هذا الكوكب المضئ هو القمر أم غيره؟!!!!
،، هذا هو محل التباحث إخوتى الكرام، وهذا مايعنيه الشيخ " بالشهادة المنفكة عما يكذبها ".
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/301)
فلامحل لمزايدة بعض إخوانى - اعزهم الله - على عقيدتنا المسلم بها فى اثبات دخول الأشهر بالرؤية العينية، إنما هو أى رؤية هى المعتبرة شرعا"، رؤية العوام أم اهل الإختصاص؟
وجزاكم الله خيرا"
ـ[أبو أحمد الهمام]ــــــــ[25 - 10 - 07, 09:34 ص]ـ
لقد اعجبني رد الشيخ الرشودي-جزاه الله خيرا- وليته زاد في القسوة التي اعتذر منها في اخر الرد!!
ومن اعجب ماقال
والشيخ عضو في هيئة كبار العلماء ويستطيع طرح موضوعه في الهيئة إذا كان لا يحب الإرجاف لتخرج الهيئة برأي موحد ولو بالأكثرية لا أن يكون طريقة الصحف والتشغيب على العامة.
.
ووالله لو قرأت المقال دون ان اعلم كاتبه لقلت انه من احد الصحفيين ذوي القلوب المريضة لمافي المقال من المغالطات وتمجيد للعلوم الطبيعية والاستهزاء بمن لا يعرفها والطعن في الرؤية الشريعة _والعبرة بالحقائق لا بالدعاوي_
وهذه وقفات: (ولا ادعي اني من العلماء لكن مافي المقال ظاهر البطلان لكل من شم رائحة العلم)
الاولى: قال صاحب المقال (ولاشك ايضاً ان ما كان من اخوانه المنادين بالانتفاع بالعلم ونتائجه ومستجداته هو نتيجة اعتقادهم ان العلم يدعو للايمان ويضيء المسالك ويهدي الى أقوم السبل واوضح المعالم قال تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وقال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)
العلوم الطبيعية لا تدخل في هذه الايات باتفاق الجهال فضلا عن العلماء
والعلم المراد هنا ماجاء في اول الاية (أمن هو قانت اناء الليل ساجدا وقائما يحذر الاخرة ويرجوا رحمة ربه) وهذا غير موجود فيمن يقدسهم من اصحاب الفلك
الثانية: وقال (وقد انتقلت امة الاسلام من صفة الامية الى مصافة العالم المتحضر)
هذه مصادمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (نحن امة امية) متفق عليه ونحن نعتز هذه الامية والحمد لله
الثالثة:وقال (هل يعتبر هذا منقبة للمملكة او ظاهرة تخلف؟ لعل الرأي العام من ذوي العلم والفكر والنظر يجيب عن هذا التساؤل.)
هذه مسألة شرعية لا دخل لاهل الفكر فيها ويرجع فيها الى العلماء، والاحكام اشرعية ليست خاضعة للرأي العام واهوائه
الرابعة: (ولم تأخذ بالمعايير العلمية من قطعيات علم الفلك)
فال ابن تيمية رحمه الله "اتفق اهل الحساب انهم يخطئون"
فسبحان الله! انظر الى من نبذ الرؤية الشرعية وانتقصها كيف يعظم العلم الذي اتفق اهله على خطئهم فيه وهذه سنة كونية ان من ترك الحق ابتلي بالباطل
وهل صاحب المقال لا يدري ان علم الفلك هذا ومجود من قديم الزمان وليس من نتاج هذا العصر؟؟
ـ[أبو أحمد الهمام]ــــــــ[25 - 10 - 07, 09:37 ص]ـ
لقد اعجبني رد الشيخ الرشودي-جزاه الله خيرا- وليته زاد في القسوة التي اعتذر منها في اخر الرد!!
ومن اعجب ماقال
والشيخ عضو في هيئة كبار العلماء ويستطيع طرح موضوعه في الهيئة إذا كان لا يحب الإرجاف لتخرج الهيئة برأي موحد ولو بالأكثرية لا أن يكون طريقة الصحف والتشغيب على العامة.
.
ووالله لو قرأت المقال دون ان اعلم كاتبه لقلت انه من احد الصحفيين ذوي القلوب المريضة لمافي المقال من المغالطات وتمجيد للعلوم الطبيعية والاستهزاء بمن لا يعرفها والطعن في الرؤية الشريعة _والعبرة بالحقائق لا بالدعاوي_
وهذه وقفات: (ولا ادعي اني من العلماء لكن مافي المقال ظاهر البطلان لكل من شم رائحة العلم)
الاولى: قال صاحب المقال (ولاشك ايضاً ان ما كان من اخوانه المنادين بالانتفاع بالعلم ونتائجه ومستجداته هو نتيجة اعتقادهم ان العلم يدعو للايمان ويضيء المسالك ويهدي الى أقوم السبل واوضح المعالم قال تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وقال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)
العلوم الطبيعية لا تدخل في هذه الايات باتفاق الجهال فضلا عن العلماء
والعلم المراد هنا ماجاء في اول الاية (أمن هو قانت اناء الليل ساجدا وقائما يحذر الاخرة ويرجوا رحمة ربه) وهذا غير موجود فيمن يقدسهم من اصحاب الفلك
الثانية: وقال (وقد انتقلت امة الاسلام من صفة الامية الى مصافة العالم المتحضر)
هذه مصادمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (نحن امة امية) متفق عليه ونحن نعتز هذه الامية والحمد لله
الثالثة:وقال (هل يعتبر هذا منقبة للمملكة او ظاهرة تخلف؟ لعل الرأي العام من ذوي العلم والفكر والنظر يجيب عن هذا التساؤل.)
هذه مسألة شرعية لا دخل لاهل الفكر فيها ويرجع فيها الى العلماء، والاحكام اشرعية ليست خاضعة للرأي العام واهوائه
الرابعة: (ولم تأخذ بالمعايير العلمية من قطعيات علم الفلك)
فال ابن تيمية رحمه الله "اتفق اهل الحساب انهم يخطئون"
فسبحان الله! انظر الى من نبذ الرؤية الشرعية وانتقصها كيف يعظم العلم الذي اتفق اهله على خطئهم فيه وهذه سنة كونية ان من ترك الحق ابتلي بالباطل
وهل صاحب المقال لا يدري ان علم الفلك هذا موجود من قديم الزمان وليس من نتاج هذا العصر؟؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/302)
ـ[ابن وهب]ــــــــ[25 - 10 - 07, 10:47 ص]ـ
الاجماع سابق على الخلاف
والأصل العمل بالاجماع
وقد بين غير واحد من أهل العلم الخلل الذي وقع لمن زعم أن لا اجماع
ومتى ثبت الاجماع فأي خلاف بعده فلا عبرة به
وأما كلام الشيخ ابن منيع - وفقه الله - فيستغرب صدور مثل الكلام من مثل الشيخ ابن منيع
الصواب أن المسألة فيها اجماع
وأنا أختلف مع الأخ الكريم الفهم الصحيح في قوله
(اعلم أن أمر الحكم ليس لنا ... بل إلى من تولى ذلك من ولاة الأمر ... هذا من الناحية العملية التطبيقية والناس لهم تبع ... فرب حاكم ذهب إلى كذا اليوم ... فإذا جاء آخر رأى خلافه غدًا ... وليس للناس إلا الإتباع والإنصياع)
فأقول لو أن الولاة اعتمدوا على غير الرؤية أو اعتمدوا الحساب نفيا أو اثباتا
فلا عبرة بقولهم
لأن الأخذ بالحساب مخالف للنص والاجماع
فإن قيل هي من مسائل الاجتهاد
فالجواب هذا عند من ظن وجود الخلاف والصواب ان المسألة ليس فيها خلاف
وإنما الخلاف محدث فهو من هذه الحيثية غير معتبر أصلا
ونسأل الله أن يديم على بلاد الإسلام اعتماد الرؤية وأن لايعتمدوا على أقوال المحدثين من المعاصرين
الصيام بالرؤية وفقط بالرؤية
وصدق الشيخ اللحيدان
نقول بصراحة نرد شهادة الثقات العدول من أجل ماذا
سبحان الله
ونبشر الشيخ االلحيدان بأن هناك من رأى وما أدلى بشهادته
ونحن نقول للشيخ اللحيدان
بارك الله فيك ونفع بك ونصر بك السنة
وأصلا بحسب الحساب المعتمد في دولة مثل تركيا
العيد كان يوم الجمعة
فسبحان الله
ويظن المحدثون أو بعضهم أن علم الحساب علم جديد
وهو علم قديم من أقدم العلوم
ونتائج حساباتهم جيدة جدا ودقيقة
وكانوا يحدودن وقت الكسوف والخسوف بدقة متناهية
وهو علم كان يدرس في كثير من المدارس الإسلامية القديمة
ويقول بعض هولاء أن علم الحساب قديما كان تنجيم أما الآن فلا
وأن كلام العلماء في الحساب لأنهم ظنوا أنه من التنجيم
ولكن الأمر مختلف الآن في العالم المتحضر
وهذا الظن خطأ من اساسه فعلم الحساب قديم ويعرفه أهل العلم ويفرقون بين التنجيم وعلم الحساب
وقد بينت أنهم كانوا يحدوون وقت الكسوف والخسوف بدقة متناهية
وهذا من قديم
فما يقوله أهل هذا العلم من المعاصرين من التقدم في هذا العلم لا علاقة له
بالمسألة الشرعية وبكلام العلماء
فالعلماء مع علمهم بدقة الحساب ذكروا ما ذكروا
وكما قلت الاجماع حجة
ـ[عادل أبو الفتوح]ــــــــ[25 - 10 - 07, 11:40 ص]ـ
بارك الله فيك
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[25 - 10 - 07, 04:51 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإخوة الكرام الفضلاء
للمرة الألف أقول لكم ليس محل المناقشة هو اثبات الأخذ بالرؤية دون الحساب فى إثبات او نفى دخول الأشهر،، فللمرة المائة ألف بل للمرة الألف ألف، أقول لكم ان اثبات أو نفى دخول الشهور بالرؤية العينية هى الأصل وهذا مسلم به مفروغ منه لكل صاحب علم وبصيرة، وهذا ثابت بالنصوص الشرعية عن الرسول صلى الله عليه وسلم التى لا يسع احد العمل بغيرها، فضلا عن شيوخ كرام اجلاء قد انعم الله تعالى عليهم واكرمهم بوضعهم فى نخبة كبار علماء المسلمين،
،، وللمرة الألف الف اقول لإخوانى الكرام، لامعنى لما تأتون به وتحاولون فيه فى اثبات اعتماد الرؤية لمرات ومرات واتيان وايراد أدلة وبراهين لتدعيم ذلك دون ادنى حاجة، فقد قضى الأمر فى هذا، ولعل الشيخ ابن منيع حفظه الله يعلم من تلك الأدلة والبراهين ما لانعلمه، فليس مطلوب منا ان نتقارع مع الشيخ بالأدلة وهو يعلمها ويقول وينادى بها
،، وليس محل البحث مناقشة سلوك الشيخ فى الرد على الشيخ الجليل اللحيدان حفظه الله، او مناقشة مازلت به قدمه من حيث ترون
،، دعونا نحرر المسألة بهدوء، وأقترح عليكم خطوات خمس لمناقشة الأمر وهى:-
أولا": الأصل فى إثبات دخول الأشهر العربية هو الرؤية العينية، الثابتة بنصوص الأحاديث الواردة عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ولا أقول بالإجماع كما قال أخى الكريم / ابن وهب، حيث انه لم يذكر لنا من نقل هذا الإجماع، وممن كان الإجماع، واين ذكر؟!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/303)
،، فعلى المتقدم فى هذه الخطوة نكون فى محل إتفاق جميعنا، وأرجو ان نكون قد فرغنا من هذه الخطوة، وأرجو ان نكون قد ان لا تثار هذه النقطة فى تباحثنا فى هذا المقال، ونتعداها الى الخطوة الثانية، وهى
ثانيا": إثبات هذه الرؤية لابد ان يكون بشهادة العدول، على الخلاف المذكور فى كتب الفقه فى العدد المعتبر، مع الإتفاق على إطمئنان النفس كلما زاد عدد هؤلاء، وكلما ثبت عدم تواظئهم على الكذب، وهذه الخطوة، ايضا مسلم بها، وليست محل نقاش، وأرجو ان نتعداها الى الخطوة التالية، وهى:
ثالثا: شهادة أهل الإختصاص، وشهادة العوام، والمقصود هنا باهل الإختصاص، ليسوا اصحاب العلوم الشرعية، ولكنهم أهل الصنعة والتخصص فى دراسة الكواكب والنجوم والشموس والأقمار، الذين يعرفون التفرقة بين النجم الساطع والكوكب المضئ وشتان بين هذا وذاك، ويعلمون لكل جرم سماوى اسما، ويدرسون نواميس حركة ودوران تلك الأجرام، وبستطيعون تحديد بدقة متناهية اين سيقع هذا النجم بعد وهلة من الزمن، ليس رجما بالغيب، ولكنه اعتمادا على دراسة قوانين الحركة لهذا النجم والتى قد افاء الله عليهم بعلمها وتعلمها، وهى مما يفتح الله على البشر من علم مكنون لاستخدامه فى حياتهم، وهى فى ذلك كقوانين الطب والهندسة وغيرها
،، الشاهد المرجو من هذه الخطوة، اذا تراءى اهل بلد مترامية الأطراف لكوكب مضئ فى السماء، وشهدوا لدى قاضى البلاد بان هذا هو الهلال، وشهد اهل المراصد الفلكية لهذ البلاد بان ماتراءه الناس هو كوكب وليس قمرا"، ومع افتراض عدالة هؤلاء وهؤلاء، فبأى الفريقين يأخذ القاضى؟
،، اليس مطلوبا منه التحرى والتماس الدقة اذا ماكان يقضى فى فى خصومة دنيوية، ويأخذ بالشهادة التى تترجح لديه بالقرائن الدالة على صدق الشاهد؟؟، فما بالنا فى الأخذ بهذه الشهادة المحتفة بقرينة ترجيح اثبات او نفى دخول ركن من اركان الإسلام وهو الصوم، او يوم العيد، ومن بعدهم شهر الحج؟؟ او ليس ذلك ادعى واولى؟
فهل ستطمئن نفس القاضى لشهادة عوام الناس اذا ماقال له اهل الإختصاص ان ماتراءاه الناس ليس هو القمر، وان القمر يستحيل رؤيته بالعين او بالمراصد؟؟
،، اذا كان الجواب " نعم" فقد انتهى بحثنا وهذا ماأظنه أراده الشيخ ابن منيع حفظه الله، وإن كان " بلا "، فلا أخال الاختلاف الا ان يكون فى مصداقية اهل الفلك ومشروعية هذا العلم، فقد كان ولازال بعض اهل العلم يظنونه ضرب من ضروب التنجيم ومعرفة الغيب، وهو ابعد من ذلك، ففرق بين من يتكهن وفرق بين من يدرس، وفرق بين من يتفكر ويتعلم ويتدبر نواميس الله فى جريان الشمس فى فلكها وحركتها وحركة النجوم والأقمار ويتعلمها، وفرق بين من يتكهن ويدعى الغيب ويربطه بحركة النجموم والكواكب، وسنضرب مثلا" حيا واقعيا" على صدق هذا العلم، وهى النقطة الرابعة:
رابعا": هنا فى مصر يوجد مثلا واقعيا" على مدى صدق ودقة علم الفلك، وانه علم قديم، قد من الله به على عباده، فمنهم من تعلمه واستخدمه لهواه، ومنهم من نبذه، ومنهم من اعتبره ضرب من الكهانة، ولكن هذا المثل يرد على هذا كله ويبقى لكم الحكم
،، فى مقابر الفراعين الطواغيت، يوجد مايسمى بتعامد الشمس على احد قبور هؤلاء
،، فى كل عام، فى نفس اليوم، وفى نفس الساعة وفى نفس الثانية، وبدقة متناهية، تدخل الشمس من خلال فتحة فى أحد الاهرامات على صنم بداخل هذا الهرم فتنيره وتستمر فى انارته بوقت ثابت حتى غروبها عنه
الشاهد من ذلك ان هؤلاء الفراعين، قد استقرؤا وعلموا وحسبوا حركة الشمس فى هذه البقعة من الأرض، وعلموا انها لاتغطى هذه البقعة الا فى هذا اليوم وفى هذه الساعة من كل عام، فشيدوا لانفسهم شاهد على أخذهم وتفننهم وبراعتهم فيما علموا من علم الفلك والهندسة والبناء،
ومنذ آلاف السنين تتكرر هذه الظاهرة، لا تنخرم او تميل قيد ذرة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/304)
،، فهذا شاهد معاصر على صدق هذا العلم، فعندما يذكر اهله ان القمر سيكون فى الموضع الفلانى بحيث يغرب قبل غروب الشمس ولن يستطيع أحد رؤيته فى هذه الليلة، وان الذى رأه الناس ساطعا"، هو الكوكب الفلانى، فهم اهل صدق، باستقرائهم لحركة القمر من كل عام ومعرفتهم قانون حركته، استطاعوا تحرير موعد ظهوره من عدمه، واستطاعوا معرفة الكوكب الذى سيضئ فى السماء واستطاعوا تسميته.
فهم مع ذلك يملكون القرينة التى ترجح الأخذ بشهادتهم وتقديمها عمن سواهم، كما انهم يعملون فى مراصد عملاقة (تليسكوبات)، تستطيع تمييز القمر من الكوكب، فعلى هذا هم يشهدون بما يرون، فضلا" عما يعلمون، فاجتمعت لهة شهادة الرؤية العينية واليقين العلمى بما يشهدون به
، فعلى كل ماتقدم تكون شهادة العاملين بالمراصد الفلكية مبنية على رؤية عينية ويزيد عليها قضل علم يرجحها على ماسواها، فاذا تم الاتفاق، فقد تم المراد، وان كان ثمة اختلاف،فتكون هى النقطة الخامسة والأخيرة
خامسا ": و لا اخال هذا الإختلاف الا ان يكون فى معنى النصوص الواردة التى تجزم بالرؤية العينية التى لا تستلزم وجود علم آخر بخلاف الرؤية العينية من اى ممن قد ثبتت عدالته، وليس بالأحاديث مايدل على وجوب التحرى بأكثر من المشاهدة بالعين المجردة، وان اكثر من ذلك سيعد تكلفا وايجاب ما لم يوجبه الله عز وجل على عباده، وكيف بالقرون الأولى من السلف الصالح وقد كان هذا العلم معروفا وليس مجهولا"، ولم يعملوا به؟؟
فيكون الجواب هو عين المثال الذى ضربناه آنفا"، وهو هب ان مرتحلا" فى الصحراء لا يعرف قبلة الصلاة، فهل يكتفى بمجرد اجتهاده فى تحرى اتجاه القبلة، ويصلى اليها مطمئن النفس، وهو يملك بين يديه بوصلة تدله بيقين على الإتجاه الأصلى؟؟ أيكون قد وفى ماعليه وأعذر نفسه الى الله عز وجل؟ فجواب هذا السؤال هو ان شاء الله جواب للسؤال الأول،
فإن قيل ان البوصلة لم تكن معلومة للسلف الصالح رضوان الله عليهم، وعلم الفلك كان معلوما"، وإن لم يكن مشهورا"، ولم يأخذوا به،،
قلنا كان معلوما حينئذ بصفة على غير حقيقته، فكان الذي يتكهن او او يرجم بالغيب، يقال عنه مُنجٍم، وممن يعمل بالتنجيم، فكان بختلط على الناس انه عمل صالح خلط باعمال سيئة، وكانوا يتورعون عنه، فلما تبين لنا ألأمر وانكشفت الغمة فى عصرنا هذا، وتميز الخبيث من الطيب، وأصبح هذا العلم ذو قواعد ومنهج واسس بعيدة كل البعد عن الإصطدام بالمحظور الشرعى،
فكان لزاما علينا استخدامه فى دنيانا كعلم الطب والهندسة وغيرها من العلوم الدنيوية التى تعين الإنسان على معيشته، وهو فى ذلك لديننا ادعى واولى، هذا ما أدين به الله عز وجل، وان كان غير صواب فالله المستعان،
وانتظر من مشايخنا الأعزاء واخواننا الكرام التصويب والتصحيح
،، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.
ـ[ابن وهب]ــــــــ[25 - 10 - 07, 09:35 م]ـ
(أولا": الأصل فى إثبات دخول الأشهر العربية هو الرؤية العينية، الثابتة بنصوص الأحاديث الواردة عن الرسول، ولا أقول بالإجماع كما قال أخى الكريم / ابن وهب، حيث انه لم يذكر لنا من نقل هذا الإجماع، وممن كان الإجماع، واين ذكر؟!)
أخي الكريم
هذا يدل على أنكم لم تبحثوا المسألة جيدا
ويمنكم البحث في الملتقى لمعرفة من نقل الاجماع
وبعد أن تبحثوا في المسألة تعرفوا من نقل الاجماع
وايضا ذكر من خالف وهل صح عنه الخلاف
أم هو مجرد توهم وخطأ من بعض الأصحاب
الخ ذلك من الفوائد
وراجع رسالة الشيخ بكر أبو زيد - حفظه الله
ـ[خالد عبدالكريم]ــــــــ[25 - 10 - 07, 10:47 م]ـ
منقول من احدى المواقع
نائب رئيس الجمعية الفلكية البحرينية
ليس من المنطق ان تعجز المراصد العالمية
عن رؤية هلال العيد ويراه 4 عيون في السعودية
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/305)
قال أ. د. وهيب الناصر نائب رئيس الجمعية الفلكية البحرينية إن معظم الدول الإسلامية التي أعلنت العيد يوم الجمعة - بحسب متابعتي الشخصية - اتخذت قرارها بناء على ثبوت رؤية الهلال في المملكة العربية السعودية فقط وذلك لمكانتها في قلوب المسلمين وخدماتها للإسلام والمسلمين وكونها كُرمت بوجود مكة المكرمة على أراضيها وهي مهد النبوة وانبثقت منها رسالة الإسلام. فقد تقدم 4 شهود، 2 من منطقة سدير و1 من منطقة شقرا (المنطقتان حوالي 120 كم من الرياض) و1 من شمال حائل (حوالي 400 كم شمال الرياض)؛ هذا ما علمته من وزارة العدل السعودية.
أما موقع جمعية القطيف - نقلا عن لقاء جريدة الوطن مع رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح بن محمد اللحيدان فإن هلال شوال رآه (10) أشخاص في أربع مناطق من المملكة العربية السعودية، وإذا كان تعداد المملكة العربية السعودية هو حوالي 20 مليون وبافتراض أن سكان أهل الرياض هم 4 مليون وعدد المهتمين برصد الهلال فيها ربع مليون فإن هذا العدد يبعث على الظن وليس القطع، وخصوصا أن العالم العربي (250 مليون) - لم يشاهد فيه أحد الهلال في ذلك اليوم، علما بأن كل الحسابات الفلكية - سواء من قبل المختصين في العالم الإسلامي أو وكالة الفضاء الأمريكية أو الأوروبية وبرامج الحاسوب مثل برنامج رد شفت وبرنامج سكاي وبرنامج ستاري نايت (الذي فاز مؤخرا بأفضل برنامج علمي للمرة الثالثة على التوالي) والجمعيات الفلكية - تشير إلى أن الهلال في العالم الإسلامي إما يغرب تزامنا مع غروب الشمس أو قبل غروب الشمس. وأضاف حقيقة، لا يدري المرء كم المدة التي رأى هؤلاء الشهود فيها الهلال في يوم الخميس في السعودية، فمثلا أهي دقيقة أم دقيقتان أم 10 دقائق أم ساعة!؟ وكيف كان شكل الهلال عند رؤيته، أكان رأسيا أم مائلا أم مستويا.
وهل رأى أحدهم الهلال بوجود الشمس في الأفق - وهذه تحدث أحيانا في حالات معينة من وجود الهباء باقطار مختلفة - أم أن الرؤية قد تمت بعد غروب الشمس. فإن كان الاختلاف بين الحساب والرؤية دقيقة أو دقيقتان فهذا ممكن نظرا لإن في الحسابات الفلكية يتم اعتبار قيمة معينة لمعامل انكسار للهواء، علما بأنها تختلف باختلاف فارق درجات الحرارة بين الأفق وطبقات الجو العليا.
كما أن هناك أحيانا ظروف جوية تجعل الراصد يرى شمسا أصلية وعلى يمينها وعلى يسارها شمس ظاهرية (أي يرى ثلاث شموس، وتسمى ظاهرة الشمس الكاذبة).
واحيانا يرى الراصد الهلال فوق الافق - رغم أنه اسفل الأفق - بسبب السراب القطبي أو بسبب أحد أنواع الانقلاب الحراري. كما أن الوهم لا يمكن استثناؤه؛ فقد أجريت شخصيا العديد من المحاضرات العامة (في البحرين والسعودية) وعرضت عليهم شاشة بها أهلة بشدة إضاءة مختلفة، فيتقدم أحيانا أشخاص يجزمون بأنهم رأوا 6 أهلة وعندما أكشف تلك الأهلة على الشاشة يتبين لهم عدم وجودها، وأحيانا يحدث العكس، إذ يعلن الجمهور بأنهم يرون هلالا أو هلالين ثم يتقدم أحد برؤية 5 أهلة، ويكون هو على الصواب - نظرا للقدرات الفردية والاختلاف الفسيولوجي للعين (وجود خلايا اسطوانية مسئولة عن التميز بين شدتي اضاءة مختلفتين للون واحد تفوق ملايين المرات الخلايا المخروطية المسئولة عن التمييز بين الألوان). لذلك، ونظرا لاقتداء معظم الدول بالمملكة العربية السعودية، فإنني ألتمس - ويشاركني الكثيرون من دول العالم الإسلامي عامة والخليجي خاصة - أن يتم بث جلسة الاستماع إلى الشهود في الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية على الهواء مباشرة على القناة الفضائية السعودية ليتعرف الناس على نوع الأسئلة والاجوبة التي أقنعت السادة الأفاضل أعضاء هيئة الرؤية؛ فقد عودنا التلفزيون السعودي على بث لقاءات القمة مباشرة وبث الحفلات والاحتفالات ومسابقات تحفيظ القرآن ومباريات كرة القدم وسحوبات مسابقات رمضان ومناقشات رسائل الماجستير والدكتوراه (في الإذاعة) فلماذا لا يتم بث جلسة الاستماع لشهادة شهود رصد الهلال؟ إنه ليس من المنطق ومن المقبول اطلاقا أن تعجز مراصد مصر العالمية (مرصد القطامية العالمي الذي يؤمه الباحثون العالميون المحترفون من دول العالم لرصد النجوم والقمر والشمس والاجرام السماوية) ومراصد المغرب والأردن والـ 11 مرصدا التابعة لمدينة الملك عبدالعزيز
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/306)
ومناظير الهواة في العالم الإسلامي بينما ترصده 4 أو 10 عيون في المملكة العربية السعودية فقط! ولو كان الحديث الذي استدل به الدكتور اللحيدان - وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمد واحداً كما في حديث عبدالله بن عمر تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم إني «رأيته «فأمر صلى الله عليه وسلم بالصيام -فلماذا إذن لم يؤخذ بشاهدة الشهود الثلاثة من مناطق مختلفة عند استهلال شهر رمضان 1428 هـ، هل لأن السيد عبدالله الخضيري (معلم التربية البدنية في الرياض) ليس من بينهم - كما يتساءل البعض؟ وبحسب الجرائد السعودية، يميل الشيخ اللحيدان لشهادة الخضيري، وكان ذلك واضحا من خلال لقائه في جريدة الوطن عندما قال مجيبا على سؤال الصحفي قائلا «الأخ عبدالله الخضيري أحد المشتهرين برصد الهلال وترصد كثيراً من حالاته ولو في غير وقت الهلال وذهب إليه بعض الفلكيين «.
كيف يقبل معاليه حسابات الخضيري وهو لم يدرس الفلك أو الفيزياء أو حتى العلوم؟ إذ أن حساباته تشير إلى مكث الهلال في الرياض 7 دقائق وعزز حساباته حسابات زميله الأستاذ محمد الروضان الشايعي، الموجه التربوي، تخصص شريعة، وهي مخالفة تماما لحسابات المختصين في علم الفلك ممن حصلوا على البكالوريوس والماجستير والدكتواره في الفلك - ورتبهم الأكاديمية الأستاذية والاستاذية المشاركة (والدكتور اللحيدان يعي كيفية الحصول على الرتبة الأكاديمية لكونه اكاديمي) ويديرون أقساما في جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك فهد ومدينة الملك عبدالعزيز!
فهل يقبل معاليه أن يناظره في قضية فقهية متخصص في الفنون أو الموسيقى أو في التمثيل أو العاب القوى؟.
والسؤال هو، لماذا الرؤية متمركزة في وسط المملكة تقريبا ولم يتقدم أحد من الجنوب أو الشرق أو الغرب من المملكة. لقد أخبرني بعض الزملاء أن الراصدين بالقرب من السيد الخضيري (في نفس الموقع) لم يروا الهلال بالمناظير عندما قال أنه رآى الهلال، فلماذا لم يؤخذ رأيهم؟
أليس ذلك يعني أن الرؤية ظنية وأن الحساب الفلكي - من قبل المختصيين المؤهلين علميا - هو قطعي! علما بأن مساء أمس (الجمعة) لم يتمكن أي مرصد في السعودية من رصد الهلال رغم أن مكوثه كان حوالي نصف ساعة (وبحسب الخضيري والشايعي قرابة الساعة!) نظرا لصعوبة ذلك، رغم أن عمر القمر حينها حوالي 30 ساعة. أما يوم الخميس فكان عمرالهلال 9 ساعات، حيث حدد العالم الإسلامي الفلكي البتاني ضرورة أن يمكث القمر ما بين 36 إلى 40 دقيقة ليراه أغلبية الناس.
كما أن الراصدين من الإحساء (في موقع جمعية القطيف) قالوا عن مساء أمس الجمعة 12 اكتوبر «خرجنا اليوم لترائي الهلال ونحن عشرة أشخاص وذلك بالابتعاد عن أضواء المدينة 100 كيلومتر تقريبا غرب الأحساء وكانت الأجواء صافية وصحوة ودخلنا البر في منطقة مظلمة تماما (حتى أننا استطعنا رؤية مجرة درب التبانة بعد إظلام الجو) إلا أننا لم نستطع رؤية الهلال ولا حتى بالدرابيل «. كلمة أخيرة أحب أن أؤكدها أن الحساب الفلكي دقيق جدا، فلولاه لما استطاع العالم أن يستخدم الهاتف النقال أو التلفاز، فبالحساب الدقيق تم اختيار الموقع المناسب للقمر الصناعي بعد حساب سرعة الدوران المطلوبة حول الأرض وارتفاعه المناسب بعد حساب دقيق لكل القوى المؤثرة عليه من الأرض والقمر وغيرها من المعاملات التي يجهلها الكثيرون، فالحساب الفلكي هو القطعي (يؤكده بث العالم للكسوفات والخسوفات وعبور الزهرة وعطارد أمام قرص الشمس وتفتت مذنب شوميكار بالقرب من المشتري وتصادم المركبة جيوتو بذيل مذنب هالي) .. إن الفلكيين هم الذين يضعون مواقيت الصلاة لكل دولة ويضعون مواعيد صلوات الكسوف والخسوف، وهم الذين يسترشد بهم لتحديد الفجر الصادق من الفجر الكاذب؛ فاحترام التخصص منهج اسلامي، استنادا لقوله تعالى «فاسألوا اهل الذكر إن كنتم لا تعلمون «، فرجل الشريعة لا يستطيع ايجازة مريض من الإفطار إلا بالرجوع إلى الطبيب؛ فالأولى أن يرجع مجلس القضاء إلى أبنائه العلماء السعوديين الفلكيين المتخصصين- وليس الهواة؛ فالهاوي الفلكي هو الذي يرصد النجوم والكواكب والقمر ولكن لا يوثق في حساباته إلا بعد أن يجيزه المختصون الاحترافيون. أود أن أذكر أنه قبل 4 سنوات اتصلت بأحد أساتذة رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح بن محمد اللحيدان (ربما فضيلة الشيخ بن جبرين) حول موقف الشرع من ادعاء أحدهم رؤية الهلال رغم أن الحاسبين الثقات ينفون امكانية ذلك لغروب الهلال قبل غروب الشمس فذكر بأن على المعنيين عدم قبول الشهادة.
كما أود ان أذكّر بأن التقويم الإسلامي الموحد (مؤتمر جدة 1998م) يشترط الرؤية، فلو أشارت الحسابات الى أن الهلال موجود في الأفق ولم يتسن لأحد رؤيته فيعتبر أنه قد غم علينا، والعكس صحيح أي لا رؤية لمخالفة الحساب الفلكي من الثقات. وليتقبل رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، وهو الأكاديمي والعالم المحترم وعلمي جيداً بطيب اخلاقه وسجاياه، ملاحظاتي واقتراحي ببث جلسة الاستماع إلى الشهود في الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية على الهواء مباشرة الى القناة الفضائية السعودية ليتعرف الناس الى نوع الأسئلة والإجوبة التي أقنعت السادة الأفاضل أعضاء هيئة الرؤية.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/arc_Articles.asp?Article=206829&Sn=BNEW&IssueID=10796
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/307)
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[26 - 10 - 07, 12:11 ص]ـ
(أولا": الأصل فى إثبات دخول الأشهر العربية هو الرؤية العينية، الثابتة بنصوص الأحاديث الواردة عن الرسول، ولا أقول بالإجماع كما قال أخى الكريم / ابن وهب، حيث انه لم يذكر لنا من نقل هذا الإجماع، وممن كان الإجماع، واين ذكر؟!)
أخي الكريم
هذا يدل على أنكم لم تبحثوا المسألة جيدا
ويمنكم البحث في الملتقى لمعرفة من نقل الاجماع
وبعد أن تبحثوا في المسألة تعرفوا من نقل الاجماع
وايضا ذكر من خالف وهل صح عنه الخلاف
أم هو مجرد توهم وخطأ من بعض الأصحاب
الخ ذلك من الفوائد
وراجع رسالة الشيخ بكر أبو زيد - حفظه الله
أعزكم الله وجزاكم خيرا على ردكم هذا وعلى التنبيه
،، اخى الفاضل، اما قولكم اننا لم نبحث المسألة، فهذا لأن المسألة قد قتلت بحثا" لدينا، وقد من الله علينا باعتقاد قول من قال ان إثبات أو نفى دخول الأشهر، يكون بالرؤية العينية، ولا يتعداها الى ماسواها كما أشرت الى ذلك فى مقدمة ردى السابق، اعتمادا واكتفاءا" بنصوص الاحاديث الشريفة الواردة فى الباب، وماكان لنا الا ان نقول سمعا" وطاعة والتسليم لقول رسولنا الكريم عليه افضل الصلوات واتم التسليم، وان كان فى المسألة اجماع، فذاك فضل نستأنس به، وعدم العلم به لا يقدح فى ما استقر فى قلوبنا، فالإجماع يكون مبنيا على السنة أو الكتاب ومرده اليهما.
، واما ايرادكم للاجماع فى مقالكم، دون ايراد ما تعارف عليه علميا" من معلومات عن هذا الإجماع، واعتمادا" على ان كل من قرأ مقالكم سيسلم لكم بمعرفته بهذا الإجماع، ففى رأيى انه يخالف اعراف التناقش والتباحث فى المسائل الشرعية
،، فهل نكتفى بايراد الحكم التكليفى للمسائل الشرعية، ثم على القارئ أن يبحث عن مستند هذا الحكم فى المنتدى، وإن لم يفعل يتهم بانه لم يبحث المسألة؟؟
،، ففى رايى من مسوغات التباحث العلمى بين طلاب العلم الشرعى عند ايراد المسألة وحكمها، لابد من إيراد ادلتها ومستنداتها، من نصوص الكتاب والسنة، وعزو الأحاديث الى مخرجيها، والتصحيح الى مصححها، وايراد ما للمسألة من أقوال للعلماء مع عزو القول الى الكتاب الحاوى له، والى ذلك من متطلبات التناقش والتباحث العلمى
،، كما ان الأمر ليس مجادلة ومداولة بين طرفين خصمين حتى نترك المضمون والمعنى المتباحث فيهما، وننحى الى ما يهون ويزهد ويزهق جملة البحث والأفكار المطروحة
،، وكما ذكرت فى اخر مقالى انتظر تصويب او تقويم لما جاء من أفكار طرحناها بأصل افترضته على نفسى، وهى انها خطأ يحتمل الصواب، وإن كانت على صواب فننتظر تأييد ولو على استحياء
،، اخى الكريم، لا ابحث فى الحكم الشرعى التكليفي وأدلته فى اثبات ونفى دخول الأشهر،،
ولا يلزم ذلك لطرحى الذى طرحته فى ردى السابق،، فما طرحته واتناقش فيه قد تعدى ذلك بمرحلتين بالتسليم القطعى لما تراه وما يراه شيوخنا الكرام،، أدعوك لقراءة مقالى المتقدم مرة أخرى ابتداء من الفقرة ثالثا" لتعرف ذلك جيدا "،، وانتظر الإسترشاد بعلمك الوفير فيه،،
وأسأل الله لى ولك ولجميع إخوتى ان يهدينا للحق ويرزقنا إتباعه،، ويعرفنا الباطل ويرزقنا إجتنابه.
ـ[ابن وهب]ــــــــ[26 - 10 - 07, 01:44 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=467428#post467428
الى غير ذلك من الموضوعات في الملتقى
ـ[المقرئ]ــــــــ[26 - 10 - 07, 04:55 م]ـ
، وإذا كان تعداد المملكة العربية السعودية هو حوالي 20 مليون وبافتراض أن سكان أهل الرياض هم 4 مليون وعدد المهتمين برصد الهلال فيها ربع مليون فإن هذا العدد يبعث على الظن وليس القطع، وخصوصا أن العالم العربي (250 مليون) - http://www.akhbar-alkhaleej.com/arc_Articles.asp?Article=206829&Sn=BNEW&IssueID=10796
كلام فارغ جدا
سم لي 400 شخص في المملكة يهتم برصد الهلال في كل شهر لنعلم أن هذا الكلام من التهويل الذي لا ينفع في النقاش
بل في دولتك سم لي نصفهم!!
الخلاف في إمكانية الرؤية لم يحسمه أهل الفلك أنفسهم، وفي بعض الحالات تكون الرؤية البصرية أقوى من الرؤية بمراصدهم وهذا من كلامهم أيضا
فماذا يريدون؟
وجزى الله فضيلة الشيخ صالح اللحيدان وصالح الفوزان على وقوفهم ونصرهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم
ـ[المقرئ]ــــــــ[26 - 10 - 07, 05:06 م]ـ
فأقول لو أن الولاة اعتمدوا على غير الرؤية أو اعتمدوا الحساب نفيا أو اثباتا
فلا عبرة بقولهم
لأن الأخذ بالحساب مخالف للنص والاجماع
شيخنا ابن وهب حرسه الله
المشكلة أن الولاة وفقهم الله مؤيدون للرؤية ولا يرون الحساب وأوكلوا الأمر إلى أهله فكيف بالصحفيين والمنجمين الذين ليسوا من أهل الاختصاص الشرعي فلا لكلام أهل العلم وجماعتهم أذعنوا ولا وسعهم ما وسع ولاتهم فهم أحق
وذكرتني بقول ابن تيمية رحمه الله لما أنكر عليه بعض المخالفين فقال في الرد الباهر: كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه ج27/ص296
والولاية لا يجعل من ليس عالما مجتهدا عالما مجتهدا ولو كان الكلام فى العلم والدين بالولايه والمنصب لكان الخليفة والسلطان أحق بالكلام فى العلم والدين وبأن يستفتيه الناس ويرجعوا إليه فيما أشكل عليهم فى العلم والدين فإذا كان الخليفة والسلطان لا يدعى ذلك لنفسه ولا يلزم الرعية حكمه فى ذلك بقول دون قول إلا بكتاب الله وسنة رسوله فمن هو دون السلطان فى الولاية أولى بأن لا يتعدى طوره ولا يقيم نفسه فى منصب لا يستحق القيام فيه ابوبكر وعمر وعثمان وعلى وهم الخلفاء الراشدون فضلا عمن هو دونهم فإنهم رضى الله عنهم إنما كانوا يلزمون الناس بإتباع كتاب ربهم وسنة نبيهم وكان عمر رضى الله عنه يقول إنما بعثت عمالى أى نوابى إليكم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم ويقسموا بينكم فيئكم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/308)
ـ[الحارثي أبو معاذ]ــــــــ[26 - 10 - 07, 11:42 م]ـ
كثير من الدول لم تصم الجمعة، وهي تعتمدعلى الحساب المتقدم علمياً وتقنياً، كماليزيا زتركيا والبوسنة!! بل بعض الدول صامت السبت وكان عيدها الأحد كباكستان، فماالمخرج ياأهل الحساب؟؟!!
للمزيد هذا الرابط https://il.packet.me.uk/dmirror/http/alsaha.fares.net/sahat?128@246.l
قال الشيخ الألباني :
W8izdPgYr.1@.3baa75b8
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[27 - 10 - 07, 01:51 ص]ـ
الإخوة الكرام والشيوخ الأجلاء
جزاكم الله خيرا" على أطروحاتكم،،
ولكن ها أنتم أولاء قد تنحيتم عن أصل الموضوع المطروح، وحدتم عنه جانبا"، ولم نسترشد بأرائكم السديدة، و أفكاركم الرشيدة فيه،
،، وانى رائى الإشكال فى الأسماء والمسميات التى تمت بصلة لعلم الفلك وأهله، وارتباط ذلك فى الأذهان بالمحظور الشرعى، حتى اكاد أجزم بان أهل العلم ما إن ترد على مسامعهم وابصارهم اى من هذه الأسماء والمسميات، الا وارتبط ذلك عندهم بمخالفة سنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، واحيانا غير قليلة بالبدعة، دون تثبت وتحرير اعتمادا" عن تاريخ سابق كان مبهما مظلما وظل كما هو حتى مع انتشار واشتهار هذا العلم واتضاح معالمه وثبوت عدم تعارضه من قريب أو بعيد مع الشريعة الغراء.
،،، حسنا" حسنا"
الآن دعونا نعيد طرح المسألة من جديد بصورة أرجو ان تكون مرضية للإخوانى الكرام ومشايخى الأعزاء
أولا" نطرح موضوع الحسابات الفلكية جانبا، ونطرح كل مايتعلق بها فى الإستدلال فى هذا المقال، فكم عانيت منها وانا لا انادى بها ويصر اخواننا الكرام على الصاقها فى معرض ردهم علينا وكأن الرد على المقال لا يصح الا بذكرها، فلندعها جانبا" إذن.
ثانيا": فى ليلة تحرى رؤية هلال دخول الشهر العربى، تراءى للناس الهلال بالعين المجردة لمدة زمنية كافية للرؤية الحقيقة، واعتقد الناس ان هذا هو الهلال وشهدوا بذلك.
ثالثا": استطلع العاملون بالمراصد الفلكية وبتليسكوباتهم العملاقة وبأجهزتهم ذات التقنية العالية، فى نفس التوقيت الهلال ولم يروه، وشهدوا بذلك، واجابوا بأن الهلال الذى تراءاه الناس، هو كوكب عطارد كان مضيئا" فى سماء هذه الليلة لوقوعه فى مسار اشعة الشمس بالنسبة للأرض.
رابعا": أتت من جميع المراصد الفلكية فى نفس البلد، وفى بلدان مسلمة مجاورة، نفس الشهادة، وهى شهادة رؤية عينية بصرية وهى ذاتها التى يدور عليها إثبات أو نفى دخول الشهر شرعا".
خامسا: هنا تعارضت الشهادتان ولابد من ترجيح لشهادة قوم من دون الأخريين، فالمعتبر شرعا"، إما البينة، وإما القول مع اليمين، والثانية لن تفيد لأن كل الفريقين صادق فى ما رءاه فتبقى البينة.
سادسا": لن يستطيع العوام الإتيان بمزيد علم عن الذى تراءى لهم الا الاوصاف العادية التى لا تسمن ولا تغنى من جوع فى دحض شهادة اصحاب المراصد بأن هذا الذى رأوه هو كوكب عطارد، فتطلب البينة من أصحاب المراصد.
سابعا": إذا أثبت هؤلاء ان الكوكب المنير هو عطارد، بمقارنة صوره الفوتوغرافية (على سبيل المثال فقط) السابقة وهو فى عدة مواضع فى مداره على مدار السنة، بصورته الحالية، كما اثبتوا ان شكل الهلال الذى يرى فى بداية الشهور مغاير تماما وكليا عن صورة الكوكب المتراءى للناس فى هذه الليلة، بمعرفة حجم استدارته وشدة سطوعه وخواصه، حتى لان بعض المراصد العملاقة تستطيع تصوير سطح القمر والكواكب الأخرى، بنفس الدقة التى يصور بها سطح الأرض، حتى إن بعض الصور لتوضح أماكن الجبال والحفر والبراكين وشتى التضاريس السطحية للقمر، مما يعد حجة قوية لهولاء القوم فى معرفة هيئة القمر وتمييزه عن غيره!!
ثامنا " اذا كنتم إخوانى طلبة العلم، وشيوخى أهل العلم الأجلاء فى موقع القاضى الشرعى الموكل بإعلان يوم صوم الناس ويوم فطرهم، والتى تقع على عاتقه هذه المسئولية العظيمة والجسيمة أمام الله عز وجل،
- فبأى الشهادتان تأخذون؟
- وبأى الشهادتين تطمئن قلوبكم؟
- وبأى القولين إذا أخذتم ستعذرون الى ربكم وتستبرأوا لدينكم ودين المسلمين فى بذلكم منتهى جهدكم فى التحرى والتثبت؟
- وما هى مستنداتكم الشرعية وحيثيات قبولكم لأى من الشهادتين؟؟
هذا هو المطلوب، ونرجو ان لا يتفرع الموضوع الى افرع جانبية تقوضه، وتضيع علينا فرصة المعرفة
والإستفادة.
ـ[أبو محمد الفرحي]ــــــــ[27 - 10 - 07, 02:05 ص]ـ
كثير من الدول لم تصم الجمعة، وهي تعتمدعلى الحساب المتقدم علمياً وتقنياً، كماليزيا زتركيا والبوسنة!! بل بعض الدول صامت السبت وكان عيدها الأحد كباكستان، فماالمخرج ياأهل الحساب؟؟!!
للمزيد هذا الرابط https://il.packet.me.uk/dmirror/http/alsaha.fares.net/sahat?128@246.l
قال الشيخ الألباني :
W8izdPgYr.1@.3baa75b8
الأمر لايتعلق بالحساب بقدر ما يتعلق بالمعايير المعتمدة لبداية الشهر الجديد بعض الدول يعتبر عبور القمر امام الشمس كافيا وبعضها يعتبر غروب القمر بعد الشمس وبعضها يعتبر الرؤية بالمراصد وبعضها يعتمد على الشهود مما يعطي نتائج مختلفة ومتضاربة ..
الحل للخروج من هذه الفوضى التي تتكرر كل عام هو اعتماد الرؤية الشرعية على المستوى الرسمي وبشكل منظم وذلك لسائر الشهور القمرية لأن من شأن هذا أن يصحح بدايات الشهور ونهاياتها فتكون مراقبة الهلال في الوقت الصحيح ويكون إكمال العدة على أساس صحيح.
والله تعالى أعلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/309)
ـ[ابن وهب]ــــــــ[27 - 10 - 07, 05:33 م]ـ
الأخ الكريم مصطفى رضوان - وفقه الله
هل راجعت الرابط
ستجد أنكم لم تقتلوا المسألة بحثا
لأن أغلب من تكلم على هذه المسألة ناقش الاجماع تكلم عليه سلبا أو ايجابا اقرارا أو نفيا
فهذا يدل على أنكم لم تقتلوا المسألة بحثا وأنكم فاتكم أشياء
ثم ذكرتم - وفقكم الله
(،، وانى رائى الإشكال فى الأسماء والمسميات التى تمت بصلة لعلم الفلك وأهله، وارتباط ذلك فى الأذهان بالمحظور الشرعى، حتى اكاد أجزم بان أهل العلم ما إن ترد على مسامعهم وابصارهم اى من هذه الأسماء والمسميات، الا وارتبط ذلك عندهم بمخالفة سنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، واحيانا غير قليلة بالبدعة، دون تثبت وتحرير اعتمادا" عن تاريخ سابق كان مبهما مظلما وظل كما هو حتى مع انتشار واشتهار هذا العلم واتضاح معالمه وثبوت عدم تعارضه من قريب أو بعيد مع الشريعة الغراء.)
هذا الكلام باطل جملة وإن وجد من بعض من ينسب إلى العلم أو نسبه الناس إلى العلم أو حتى بعض العلماء فهو خطأ محض
ولكن العلماء أعرف منا بحقيقة هذا العلم وهذا معروف
وسبحان الله
هذا الأمر مذكور في مشاركات الإخوة هنا وأيضا ذكره أغلب من تكلم في المسألة
فلا أدري كيف تكونوا قتلتم المسألة بحثا
العلماء ذكروا هذا العلم وفرقوا بينه وبين علم التنجيم
وهم أعرف الناس بالفرق بين الصحيح والسقيم
وراجع كلام أبي العباس النميري (أعني شيخ الإسلام ابن تيمية) لتعرف
أن العلماء يفرقون
وكذا غيرهم
وقد أسلفت أن هذا العلم قديم جدا
وأنا أستغرب أنكم قتلتم المسألة بحثا ثم تقولوا مثل هذا الكلام
فلا أدري هل حملكم على ذلك الانتصار لرأيكم أو أنكم ما قرأتم إلا لمن يرون رأيكم
وعليه اخترتم هذا المذهب
فإن الثاني فعليكم أن تراجعوا أقوال المخالفين لقولكم وحججهم وردودهم
حتى تعلموا أن عبارتكم السابقة لا أساس لها من الصحة
ـ[ابن وهب]ــــــــ[27 - 10 - 07, 05:39 م]ـ
(الأمر لايتعلق بالحساب بقدر ما يتعلق بالمعايير المعتمدة لبداية الشهر الجديد بعض الدول يعتبر عبور القمر امام الشمس كافيا وبعضها يعتبر غروب القمر بعد الشمس وبعضها يعتبر الرؤية بالمراصد وبعضها يعتمد على الشهود مما يعطي نتائج مختلفة ومتضاربة .. )
ومن هذا وغيره يعرف الحكم الشرعية في عدم
الاعتماد على قول أهل الحساب في هذه المسألة
وإذا ذهب هذا الأمر لأهل هذا العلم لوجدت تناقضات تفوق ما هو حاصل اليوم
ولعل هذا سيكون جزاء من يخالف السنة
ومهما كان السبب
لا يهمنا معرفة السبب لأن الشرع ما ربط هذا الأمر بأهل هذا العلم وقال اذهبوا واجمعوا اهل هذا العلم
وانظروا على ماذا يتفقون
ـ[ابن وهب]ــــــــ[27 - 10 - 07, 05:49 م]ـ
ثم نقول للأخ الكريم مصطفى رضوان - وفقه الله
نحن نهينا عن التكلف
وهذا من التكلف المذموم وديننا دين يسر لا تعقيد فيه
سبحان الله الذين رأوا الهلال ليلة الجمعة هل شاهدوا عطارد مثلا
بالعامية (ارحموا عقولنا)
ولو تأملت أمر الرؤية في الإسلام لوجدت أن الأمر بعيد عن التعقيدات
وعن التكلف المذموم
رجل أعرابي شهد
أعرابي يا اخوان
المسألة يسيرة ما فيها تعقيد ولا تكلف
سبحان الله
ما هذا التكلف المذموم
وقد جاء في الخبر
(نهينا عن التكلف)
ـ[ابن وهب]ــــــــ[27 - 10 - 07, 05:58 م]ـ
شيخنا الفاضل الكريم المقرىء - وفقه الله
بارك الله فيكم
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[27 - 10 - 07, 10:53 م]ـ
أخي الكريم ابن وهب وفقه الله ...
حقيقة أنا ما أدري من يحتاج إلى اراحة عقول الناس ... أَمَن يجعل خلفًا بين شرع الله المنزل ... وبين خلقه الكوني السوي ... أم مَن يثبت سيرهما سويًا على صراط مستقيم؟
يا شيخنا الفاضل هنا علم صحيح نتائجه يقينية يقول أهله الهلال لا يرى الليلة لأنه تحت الأفق ... والذي ينبغي أن يرى يجب أن يكون فوق الأفق ... ويأتي شاهد واثنان وثلاثة ... وعشرة يقولون رأينا الهلال ... العلم والعقل يقولان من شهد بمستحيل تردّ شهادته ... من شهد بوجود ما ليس بموجود لا يقبل قوله ... ويحمل على الخطأ والوهم أوالتوهم ... وفي هذا الباب يكثر هذا الأمر جدًا ... جربنا هذا كثيرًا فصح ... لأسباب بيئية وصحية - عين المترائي - ونفسية ... والآن دخلت أسباب سياسية ... نعم سياسية ... تعلمها في آية النسيئ ... وأسباب مذهبية ...
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/310)
وأخيرًا دخلت مهاترات شخصية ... صراع ظاهر ومبطن بين علماء فضاء فيزائيين ... هذا اسمهم العلمي ... وليسوا منجمين ... اليوم لا يحسن اطلاق اسم المنجمين عليهم ... فقد انفرد باسم المنجمين أقوام سفهاء لا علاقة لهم بهؤلاء ... = وبين بعض طلبة العلم ... كلٌ ينتصر لرأيه .. أحدهما يستعمل السنة والبدعة ... والآخر يستعمل العلوم الكونية التقنية وانجازاتها الباهرة ... وليبرالي علماني بينهم يضرب ذا بذا مناديًا بانتصار العقل والعلم على الدين وأهله ... وضاع الهلال بين السياسي والفقيه والفلكي ...
اطرح - هديت رشدك - قول الفلكيين جانبًا واسأل الرائين - وهم كُثر هواة ومحترفون - وقد جلسوا يرصدون الهلال في مغرب الأرض وعلى نفس سمت أهل المشرق ... فما رأوا الهلال ... على ماذا يدل هذا وفقك الله ...
شيخنا الفاضل تقول - صادقًا -: (الاجماع سابق على الخلاف، والأصل العمل بالاجماع ... ).
وسأتجاوز النقاش في هذا مكتفيًا بما أوردتُه منذ زمن: قال الإمام السبكي الكبير - رحمه الله -: (قال سند من المالكية " تـ 541 ": لو كان الإمام يرى الحساب في الهلال فأثبت به لم يتبع لاجماع السلف على خلافه، واعترض السروجي: بأنه يمكن أن السلف لم يعملوا به، واكتفوا بالرؤية، ولم يجمعوا على منع العمل به).
علق السبكي على هذا التوجيه، بأنه اعتراض جيد، وقال:
(ومن قال من أصحابنا وغيرهم بجواز الصوم أو وجوبه على من قلد الحاسب كيف يسلم ذلك؟).
وأقول: أنا مع الأخ مصطفى نتجاوز مسألة الإجماع ... لسبب قريب وهو أننا مع الإجماع ... ومع السنة حيث دارت ... هذا أمر لا خلاف فيه ... وحول تحقيقه ندندن ... الخلاف منحصر في رؤية معينة خالفت العلم ... يزعم أصحابها أنهم رأوا هلالا ... أهل الاختصاص قالوا مجمعين لم يروا هلالا ... لأنه غير موجود في الأفق الذي ادعوا رؤيته فيه أصلا ... فكيف يرى ... ؟
الفقهاء أو كثير منهم يعترفون بيقينية نتائج علماء الفضاء أو علماء الهيئة ... أو حسب قولكم: (ونتائج حساباتهم جيدة جدا ودقيقة
وكانوا يحدودن وقت الكسوف والخسوف بدقة متناهية).
الآن على كثير من فقهاء الإسلام ممن يرى إلغاء الشريعة للحساب أن يجيبوا عن التعارض المفروض بين ما دلتهم علىه الشريعة حسب فهمهم لها ... وبين نتائج هؤلاء الفلكيين.
الجواب بأن المشرع ألغى مسألة الحسابات أصلا لا يستقيم ... ولا يسلم ... هذا أمر واقع مفروض ... لا يجدي الهروب منه لا بد من جواب يقنع الناس في الشوارع ... وقبلهم طلبة العلم في زواياهم وجامعاتهم ...
انظر هنا وفقك الله:
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2006/10/180745.htm
والقول بأن اعتبار الحساب نفيا أواثباتا مخالف للنص لا يستقيم ... لأننا ما وجدنا هذا النص الذي خالفه الحساب ... ومثله القول بمخالفته الإجماع ... وقد تقدمت إشارة السبكي الكبير لعدم التسليم بصحة دعوى الإجماع هنا.
الرؤية ولا شئ غير الرؤية الصحيحة ... نحن مع أهل الإسلام في هذا ... ولكن أعطونا رؤية صحيحة سليمة من المعارض ... فإننا ما وجدنا في كتاب ربنا ولا سنة نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن رؤية فلان أو علان وحي السماء يجب قبولها ...
ألا تجدون شيخنا الكريم في كتب الفقه العملي أن قضاة الوقت يردون الشهادة لأسباب كثيرة ... فهل يعني ذلك أنهم منابذون للشرع داعون للعلمانية كما زعم بعض الأغمار؟ اجعلوا هذا من ذاك الباب ... وتحولوا من ثبوت دخول الشهر برؤية لم تكن إلى دخوله بإتمام العدة ... إذا أثبت لكم أهل الاختصاص أن تلك الشهادة فيها خطأ أو وهمٌ ... بذا نحترم العلم والعقل ... وقبله نكون قد وقرنا الشرع حق توقيره ... ونفخر بانتصارنا للسنة حقا وصدقًا ... أليس الإتمام طريقًا شرعيًا آخر لمعرفة دخول الشهر؟
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[28 - 10 - 07, 01:05 ص]ـ
أخى الفاضل الكريم المبجل / ابن وهب
فلا أدري هل حملكم على ذلك الانتصار لرأيكم أو أنكم ما قرأتم إلا لمن يرون رأيكم
وعليه اخترتم هذا المذهب
سامحك الله وعفا عنك وغفر لنا ولكم، وما كنت اخالكم وانتم اهل العلم والفضل - نحسبكم كذلك ولا نزكيكم على الله - ما كنت احسبكم تقذفون بها فى وجهى هكذا، فهل هذا حالى مع ماوردته فى المقال مثل هذه العبارات:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/311)
فى انتظار الإستينار (إن صحت) بأراء الأخوة الأعزاء والشيوخ الكرام
وانتظر من مشايخنا الأعزاء واخواننا الكرام التصويب والتصحيح
وكما ذكرت فى اخر مقالى انتظر تصويب او تقويم لما جاء من أفكار طرحناها بأصل افترضته على نفسى، وهى انها خطأ يحتمل الصواب
وانتظر الإسترشاد بعلمك الوفير فيه
هذا هو المطلوب، ونرجو ان لا يتفرع الموضوع الى افرع جانبية تقوضه، وتضيع علينا فرصة المعرفة
والإستفادة.
،، إن كان هذا مارأيته فينا أخى الكريم، فهذه كلماتى من قبل تشهد لى بعكس مارأيتموه،، كما انها تدل على ان طرحى ليس مسلم به وأريد ان احمل الناس عليه، ولكننى ذكرت لكم ان هذا ما وقر فى قلبى، وانتظر من اصحاب العلم والفضل أمثالكم التصويب والتصحيح بالمستند العلمى، وان كنت على صواب فانتظر منكم وفاق وائتلاف ولو كان بإشارة خفية
،، وما وجدت ذلك حتى الآن، وما وجدت الا محاولات لتسفيه وتخطيء وانحياد عن أصل طرحى الى ما يستدل به على عدم أهليتى لهذا الطرح
،، ولا أدرى هل انا السبب فى عدم توضيح طرحى وعدم تيسير ما اردت قوله بسبب عجز فى قلمى، ام هناك اسباب أخر عند غيرى ممن قرأ ولم يعى ويرقب قولى
أخى الكريم أرى اننى لم أصل بك فى توضيح ما اريد ودليل ذلك، قولكم
ستجد أنكم لم تقتلوا المسألة بحثا
لأن أغلب من تكلم على هذه المسألة ناقش الاجماع تكلم عليه سلبا أو ايجابا اقرارا أو نفيا
فهذا يدل على أنكم لم تقتلوا المسألة بحثا وأنكم فاتكم أشياء
وقولكم
فعليكم أن تراجعوا أقوال المخالفين لقولكم وحججهم وردودهم
حتى تعلموا أن عبارتكم السابقة لا أساس لها من الصحة
ومن هذا وغيره يعرف الحكم الشرعية في عدم
الاعتماد على قول أهل الحساب في هذه المسألة
فيجاب عليه ببعض من كلماتى:
فلامحل لمزايدة بعض إخوانى - اعزهم الله - على عقيدتنا المسلم بها فى اثبات دخول الأشهر بالرؤية العينية، إنما هو أى رؤية هى المعتبرة شرعا"، رؤية العوام أم اهل الإختصاص؟
للمرة الألف أقول لكم ليس محل المناقشة هو اثبات الأخذ بالرؤية دون الحساب فى إثبات او نفى دخول الأشهر
وللمرة الألف الف اقول لإخوانى الكرام، لامعنى لما تأتون به وتحاولون فيه فى اثبات اعتماد الرؤية لمرات ومرات واتيان وايراد أدلة وبراهين لتدعيم ذلك دون ادنى حاجة، فقد قضى الأمر فى هذا
وان كان فى المسألة اجماع، فذاك فضل نستأنس به، وعدم العلم به لا يقدح فى ما استقر فى قلوبنا، فالإجماع يكون مبنيا على السنة أو الكتاب ومرده اليهما
اخى الكريم، لا ابحث فى الحكم الشرعى التكليفي وأدلته فى اثبات ونفى دخول الأشهر،،
ولا يلزم ذلك لطرحى الذى طرحته فى ردى السابق
،، هذه العبارات تدل وتؤكد على ان ماطرحته بعيد كل البعد عن مناقشة أدلة اثبات دخول الأشهر بالرؤية وبطلان قول من قال بالأخذ بالحساب بديلا، سواء ثبت ذلك بنص أو إجماع، وسواء ناقش ذلك الأولون والآخرون والمعاصرون أم لا،،
فكما ذكرت بعدما أضنانى التعب،، قمت باستبعاد كلمتى " الحسابات الفلكية " من طرحى، بكل ماتحويه الكلمة من مبنى ومعنى ودلالة، وليس هذا ما عبرت عنه بأنه قد قتل بحثا" منا، وكان سببا" ومدخلا" لطعن أخينا الفاضل / ابن وهب،، علينا، وسببا" لرفضه طرحنا وعدم التفاعل معنا فيه، وكشفه لنا عن مكنون علمه حتى نستأنس به ونسترشد على يديه ونصحح ماشاب فكرنا من خظأ،، ودليل ذلك عبارتى السابقة:
نطرح موضوع الحسابات الفلكية جانبا، ونطرح كل مايتعلق بها فى الإستدلال فى هذا المقال، فكم عانيت منها وانا لا انادى بها ويصر اخواننا الكرام على الصاقها فى معرض ردهم علينا وكأن الرد على المقال لا يصح الا بذكرها، فلندعها جانبا" إذن
،، فليس الطرح يتباحث فى أدلة اثبات دخول الشهر بالرؤية، ولا من أجمع على ذلك، ومن المخالف ومن الموافق، وانما كان طلب ذلك من اخينا الكريم سابقا"، على سبيل المطالبة باتباع عرف ايراد مقال البحث العلمى، واقول لكم، اننى لم اعرف بان من أدلة ثبوت دخول الشهر الإجماع الا حينما ذكرتها، ولم تشغلنى لاستغنائى بثبوتها بالنصوص الصحيحة، ولم اتعمق فى دراستها، لانها تقع فى خارج نطاق بحثى وطرحى هذا،، وانما بحثى هو
[أى رؤية هى المعتبرة شرعا"، رؤية العوام أم اهل الإختصاص؟
[/ QUOTE]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/312)
،،، واما عن قولكم
وإذا ذهب هذا الأمر لأهل هذا العلم لوجدت تناقضات تفوق ما هو حاصل اليوم
ولعل هذا سيكون جزاء من يخالف السنة
فهل يعنى قبول شهادتهم هو ذهاب الأمر من ايدى القاضى الشرعى والفقيه؟؟، فعلى هذا المفهوم فان الأمر الآن بيد عوام الناس، اذا ارادوا صوما" فلهم، واذا ارادوا فطرا" فاليهم يرجع الأمر كله، وما على القاضى الا التسليم دون بحث وفحص وتثبيت وتأكيد، فهل يعنى هذا ذاك؟؟
،،، ثم عن قولكم - حفظكم الله
ومهما كان السبب
لا يهمنا معرفة السبب لأن الشرع ما ربط هذا الأمر بأهل هذا العلم وقال اذهبوا واجمعوا اهل هذا العلم
وانظروا على ماذا يتفقون
،، وهل ربط الشرع أمر الفتوى الشرعية فى احكام الصيام واباحة الصيام للمرض، بأهل التخصص من الأطباء، حتى يقال ان الشارع سبحانه وتعالى لم يأمر بأخذ رأيهم فى اباحة الصوم لمن لم يستطيعه؟؟ لماذا إذن يستعين بهم الفقيه فى اصدار فتواه اذا كان يعلم من هذا المريض استطاعته الصوم من عدمه؟؟
،، وهل استعانة أهل المجامع الفقهية بأهل العلوم الدنيوية فى استبيان واستيضاح حوادث الأمور المطلوب فيها حكما" شرعيا"، كان على أمر من الشارع، ام هو أمانة الإفتاء وأدواته والإستبراء للدين والأخذ بمبدأ الفهم الصحيح نحو فتوى تحفظ للناس دينهم وترفع عنهم الحرج وتجلب لهم التيسير؟؟؟
و أما عن قولكم - أعزكم الله
ثم نقول للأخ الكريم مصطفى رضوان - وفقه الله
نحن نهينا عن التكلف
وهذا من التكلف المذموم وديننا دين يسر لا تعقيد فيه
سبحان الله الذين رأوا الهلال ليلة الجمعة هل شاهدوا عطارد مثلا
بالعامية (ارحموا عقولنا)
لا أدرى ان هذه المسألة وبحثها وتداولها وتدارسها فى منتدى جمع من العلماء وطلبة العلم الأجلاء ما يشفى غليل العيي فى ادراك مبتغاه بحثا" واستفسارا"، يعد تكلفا"
،، وهل حملت أحدا" على ما أقول أو اجبرته قسرا" على قولى؟، انما هى مسألة علمية رأيتها كما رأها من قبلى عالم جليل، فطرحتها عليكم وما يعتمل فى عقلى منها، فمن له علم بها أجاب علينا تصويبا" او تصديقا"، ومن ليس له، فما حملته على الجواب،، اليس الفيصل فى ذلك هو الحجة والاستدلال؟
ومن جانب آخر
هل يعد الحرص على سلامة العبادة وتحرى الصحة يعد تكلفا"؟؟
هل اذا غمت عليك الشمس طوال اليوم، ولم تعرف وقت الزوال، ولم يكن ثمة جوامع أو آذان، وخشيت ان يدخل عليك وقت العصر، هل ستستعين بساعتك لمعرفة الوقت ام سيعد هذا تكلفا" وتكتفى بغلبة ظنك؟؟، واذا لم تكن تملك ساعة، اليس واجبا" عليك ان تسأل من يملكها لتتحرى وقت الصلاة من الأخرى؟، او لست ترى اذا نزلت بساحة قوم لا تعرف اتجاه القبلة فيه، أو ليست ترى انه يجب عليك سؤال هؤلاء حتى تصح عبادتك؟!
هل هذا يعد تكلفا"، ويقال انك قد غاليت فى التحرى، وان هذا غير مطلوب شرعا" والأمور ايسر من ذلك؟
،،، ثم إن قولكم:
هذا الكلام باطل جملة وإن وجد من بعض من ينسب إلى العلم أو نسبه الناس إلى العلم أو حتى بعض العلماء فهو خطأ محض
لهو دليل واقعى على جملتى المتقدمة التى وصفتها بالبطلان،
،، فليس هذا ما عنيته، ولكن ما أعنيه هو ذات قولكم:
لا يهمنا معرفة السبب لأن الشرع ما ربط هذا الأمر بأهل هذا العلم وقال اذهبوا واجمعوا اهل هذا العلم
وانظروا على ماذا يتفقون
هذا هو المقصود، انظر أخى الكريم يرحمكم الله، لماذا استبعدت أهل هذا العلم من قبول حتى شهادتهم فى الرؤية، لماذا لا يؤخذ برؤيتهم العينية كمثل الاعرابى الذى استشهدت له؟؟
هل لانهم غير أكفاء أم بهم بأس أم مجروحة عدالتهم أو منخرمة مرؤتهم، فيقدم عليهم قول الأعرابى؟؟
،، اوليسوا بأولى من الأعرابى فى الشهادة لان فضل علمهم وخبراتهم ترجح قولهم عما رآه الناس؟
هذا الذى أعنيه وأبطلته وليس ما ذهبت اليه.
يا قومى إنما هى اسئلة بسيطة سهلة، وليست والله بمعجزة و لا بمشكلة، أريد التجرد لله وابتغاء مرضاته فى الإجابة عنها وهى:
فلماذا لا نتخذ من علوم الدنيا مايعيننا فى امور ديننا مع اعتبار تقديم الأصول الشرعية لتكون هى الأصل وماسواها خادم لها ونبذ ما يتعارض معها؟؟
هل سنعذر اذا ما اعتمدنا شهادة الشهود الذين تراؤوا الكوكب المضيئ على شكل الهلال، وقد فتح الله علينا بفضل علم دنيوى يحرر لنا هل هذا الكوكب المضئ هو القمر أم غيره؟!!!!
الشاهد المرجو من هذه الخطوة، اذا تراءى اهل بلد مترامية الأطراف لكوكب مضئ فى السماء، وشهدوا لدى قاضى البلاد بان هذا هو الهلال، وشهد اهل المراصد الفلكية لهذ البلاد بان ماتراءه الناس هو كوكب وليس قمرا"، ومع افتراض عدالة هؤلاء وهؤلاء، فبأى الفريقين يأخذ القاضى؟
اذا كنتم إخوانى طلبة العلم، وشيوخى أهل العلم الأجلاء فى موقع القاضى الشرعى الموكل بإعلان يوم صوم الناس ويوم فطرهم، والتى تقع على عاتقه هذه المسئولية العظيمة والجسيمة أمام الله عز وجل،
- فبأى الشهادتان تأخذون؟
- وبأى الشهادتين تطمئن قلوبكم؟
- وبأى القولين إذا أخذتم ستعذرون الى ربكم وتستبرأوا لدينكم ودين المسلمين فى بذلكم منتهى جهدكم فى التحرى والتثبت؟
- وما هى مستنداتكم الشرعية وحيثيات قبولكم لأى من الشهادتين؟؟
،،، أنتظر منكم أخى الكريم إجابة على هذه الأسئلة
{بلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَة - َلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَه}
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/313)
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[28 - 10 - 07, 02:22 ص]ـ
أخونا الكريم الفاضل / الفهم الصحيح
أرى اننا تزامنا فى الرد سويا"، والله الذى لا أله الا هو فكرت ان انهى مقالى بهذه الآية الكريمة، ولم ادرك انكم جعلتموها فى توقيعكم،
لعلها أختُزنت فى ذهنى بعد قراءة مشاركتكم من قبل، وفتح الله علىّ بها
بارك الله فيكم ونفع بكم وعلمكم
،، وانتظر رأيكم الكريم فى ردى الأخير، والاخ الكريم / ابن وهب
لعلنا نقتبس من نور علمكم و نستفيد
ـ[ابن وهب]ــــــــ[28 - 10 - 07, 02:03 م]ـ
بارك الله فيكم ووفقكم الله
ونفع بكم ومنكم نستفيد
وسامحونا على أي خطأ قد يقع منا في الحوار
فوالله إنا لنحبكم
وسترون أن من بعض أنصار هذا القول بل بعض أعلام هذا الفن من هم
أولا
أعتذر للأخ الكريم مصطفى رضوان إن كنت قد أسأت إليه
والله ما قصدت إساءة ولكن قصدي أن يبحث الأخ الكريم في أدلة المخالفين
لقوله
ثانيا
مسألة الإجماع
ثالثا:
مسألة الأخذ بشهادة علماء الفلك
رابعا:
قبول قولهم في النفي
خامسا:
لا نخشى المنافقين والكفار من خلفهم
سادسا:
الأصل الشرعي في الرؤية المعتبرة
سابعا:
اختلاف تركيا في الحساب عن غيرها من الديار
وللفائدة تركيا ليس لها قضية سياسية أو مذهبية في الموضوع فهي أصلا دولة علمانية
وبالذات هذا الموضوع هو مقرر عندهم من زمن والتقويم عندهم يحددونه من زمن
فإن قيل ولكن السبب في اختلافهم في تحديد مواعيد دخول الشهر
فنرجو التفصيل في المسألة وبيان أسباب الاختلاف
بطريقة علمية ويحسن أن يقوم به بعض أهل الشأن
ثامنا:
الشروط المعتبرة في الشهادة
تاسعا:
عدم الأخذ بقول أهل هذا العلم في هذه المسألة لا يعني أبدا أن نقول بأنهم = أهل التنجيم
فهذا ما لم نقله بل نحن نعتبرهم أهل علم صحيح
وفيهم أهل صلاح وديانة وعلم
وهو علم كغيره من العلوم
وأنا لما ذكرت أنهم يحددون وقت الكسوف والخسوف لهذا السبب
عاشرا:
ما الذي تغيرفي هذا العلم؟
وهل هذا التغير مؤثر في الأخذ بأقوال أهل هذا العلم (في مسألة الرؤية)؟
يعني ابن تيمية ما رأى الركون إليهم في أمر الرؤية؟
فهل كان هذا العلم في عصر ابن تيمية لا يعتمد عليه وأصبح يعتد عليه في عصرنا
من الذي ألزمنا بقول علماء الفلك في مسألة الرؤية
تفسير خاطى من بعض العلماء السابقين وانتصر له من المتأخرين السبكي
وتبعه بعض الفقهاء المتأخرين
وانتصر لهذا القول بعض الفقهاء المعاصرين – رحمهم الله جميعا
وإلا فدعوى اعتماد قولهم في النفي هو قول السبكي
ونجد في عصره ابن تيمية لا يرى أن نعتمد عليهم
(تنبيه كلامنا عن مسألة الرؤية)
وإن حققنا وجدنا أن كلام ابن تيمية هو الموافق للإجماع ورد من رد هذا الإجماع فيه شيء
وأهم شيء عندي الآن
مسألة توضيح مسألة تركيا
ثانيا: ما هو الاختلاف المؤثر بين عصر ابن تيمية والسبكي – رحمهما الله – وبين عصرنا
ـ[ابن وهب]ــــــــ[28 - 10 - 07, 02:48 م]ـ
(ماذا استبعدت أهل هذا العلم من قبول حتى شهادتهم فى الرؤية، لماذا لا يؤخذ برؤيتهم العينية كمثل الاعرابى الذى استشهدت له؟؟
هل لانهم غير أكفاء أم بهم بأس أم مجروحة عدالتهم أو منخرمة مرؤتهم، فيقدم عليهم قول الأعرابى؟؟
،، اوليسوا بأولى من الأعرابى فى الشهادة لان فضل علمهم وخبراتهم ترجح قولهم عما رآه الناس؟)
انتهى
العدل شهادته مقبولة في هذه المسألة
أعرابيا كان أو فقيها أو فلكيا
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[28 - 10 - 07, 09:48 م]ـ
أحسن الله إليكم ... وزادكم بسطة في الخلق الحسن والعلم النافع ... ففوائدكم لا تنقطع ... وأدبكم رفيع كما عهدناكم ... ونسأل الله حسن الأدب معكم ومع بقية إخواننا ...
قلت - سلمك الله -:
... ...
ثانيا
مسألة الإجماع
قد سبق بعض القول في هذا ... وأضيف على احتمال أن اجماعهم على العمل بالرؤية فقط، وليس على المنع من العمل بالحسابات الصحيحة كما أفاده أقضى قضاة شافعية زمانه ... أننا نحتاج معرفة من نقل الإجماع من القدماء قبل الباجي ... وما هي صيغته ... والجواب عن مخالفة مطرف وابن سريج وغيرهم من المتأخرين له - الإجماع إذا تحقق - مثل القفال وأبي الطيب من الشافعية وغيرهم من الحنفية في العمل بالحساب في حال الغيم للحاسب ومن قلده ... و ابن دقيق العيد والسبكي الكبير وغيرهم ممن ذكر في هذه المسألة ...
ثالثا:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/314)
مسألة الأخذ بشهادة علماء الفلك
ما أظن أحدًا يمانع في الأخذ بشهادتهم إذا كانوا مسلمين عدولا ... بل هم أولى بذلك لتوفر كثير من الشروط فيهم.
رابعا:
قبول قولهم في النفي
هنا محل النزاع ... وقد أدى السبكي اجتهاده إلى اعتماد قولهم ... وتبعه عليه جماعة من الأعلام ... ولم يجد السبكي نصًا للمتقدمين في هذا الأمر ... ويمكن للباحثين أن يفسروا ذلك بعدة تفسيرات مقنعة.
خامسا:
لا نخشى المنافقين والكفار من خلفهم
وكذلك إخوانك ... ولكن لا نجعل من أنفسنا أداة لهم للطعن في ديننا ... والتهكم علينا بأننا نعادي العلم ... ونتمسك بالمتناقضات ... فبينما نحن نرفل في هذه الإنجازات العلمية الكونية ونتمتع بفوائدها ... نخالفها من ناحية أخرى ... ونهمل أقوال أهلها ونهمش اجتهاداتهم وعلمهم ... بحجة تمسكنا بالرؤية المخالفة للعلم الصحيح الذي اتفق كافة ذوي البصائر أنه علم صحيح يقيني النتائج في مجمله.
سادسا:
الأصل الشرعي في الرؤية المعتبرة
ونحن معك ... فأين هي الرؤية المعتبرة؟!!
سابعا:
اختلاف تركيا في الحساب عن غيرها من الديار
وللفائدة تركيا ليس لها قضية سياسية أو مذهبية في الموضوع فهي أصلا دولة علمانية
وبالذات هذا الموضوع هو مقرر عندهم من زمن والتقويم عندهم يحددونه من زمن
فإن قيل ولكن السبب في اختلافهم في تحديد مواعيد دخول الشهر
فنرجو التفصيل في المسألة وبيان أسباب الاختلاف
بطريقة علمية ويحسن أن يقوم به بعض أهل الشأن
تركيا كانت في الماضي القريب تسير على قرارات اسطنبول - 1978 افرنجي - الذي اعتمد حد دانجون طريقة لمعرفة دخول الشهر القمري ... لماذا خالفت هذه السنة ... وهل اعتمدت الحسابات الفلكية ... أم خالفتها ... أم غيرت المعايير؟ كل ذلك يحتاج لجواب من خلال ما يفكر فيه صناع القرار هناك ...
ثامنا:
الشروط المعتبرة في الشهادة
هذه معلومة في كتب الفقه ... على خلاف في بعضها ... ولكن أذكر لك بعض موانع قبولها كما عددها العلامة ابن فرحون في تبصرة الحكام: (الْقِسْمُ الثَّانِي: مِنْ مَوَانِعِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ مَا يَمْنَعُ عَلَى جِهَةٍ , وَهُوَ رَدُّ الشَّهَادَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَدَالَةِ وَلَهُ سَبْعَةُ أَسْبَابٍ: السَّبَبُ الْأَوَّلُ: التَّغَفُّلُ وَقَدْ ذَكَرْنَا التَّغْفِيلَ فِي صِفَاتِ الشَّاهِدِ , وَأَنَّهُ اُشْتُرِطَ فِي الْمُشَاهَدِ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرِزًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّحَيُّلُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَدْ يَكُونُ الْخَيِّرُ الْفَاضِلُ ضَعِيفًا لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْغَفْلَةُ وَأَنْ يُلَبَّسَ عَلَيْهِ , فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ قَبُولُ شَهَادَتِهِ.
السَّبَبُ الثَّانِي:أَنْ يَجُرَّ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعَ عَنْهَا مَضَرَّةً .... ...
السَّبَبُ السَّابِعُ: الِاسْتِبْعَادُ لِصِحَّةِ وُقُوعِ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ ... ).
تاسعا:
عدم الأخذ بقول أهل هذا العلم في هذه المسألة لا يعني أبدا أن نقول بأنهم = أهل التنجيم
فهذا ما لم نقله بل نحن نعتبرهم أهل علم صحيح
وفيهم أهل صلاح وديانة وعلم
وهو علم كغيره من العلوم
وأنا لما ذكرت أنهم يحددون وقت الكسوف والخسوف لهذا السبب
هذا جيد منكم وفقكم الله وهو مؤيد لما عهدناه من انصافكم وتحريكم الحق ... وإن كان غيركم من بعض القدماء والمعاصرين من جنحت به السبل ورام نقض هذا العلم والازدراء بأهله ...
عاشرا:
ما الذي تغيرفي هذا العلم؟
الكثير الكثير ... بل قفز قفزات يصعب تصديقها ... ولكنه فضل الله على بني البشر ... ( ... وما كان عطاء ربك محظورا) ولو رآه شيوخ الإسلام لكان لهم رأي وأي رأي في هذا.
وهل هذا التغير مؤثر في الأخذ بأقوال أهل هذا العلم (في مسألة الرؤية)؟
نعم في مسألة الرؤية تحديدا ... وأعني جانب النفي والإثبات ... فقد انتقل من الظن إلى ما يشبه اليقين بصواب رأيهم ... ولا أقول اليقين كله .. في كل الشهور ... هذا في الإثبات ... أما في النفي ... فعلى القطع ... وشأن النفي غير شأن الإثبات في كثير من العلوم والفنون كما لا يخفى على دقيق فهمكم.
وربما جاء متخصص فزاد الأمر توضيحًا.
يعني ابن تيمية ما رأى الركون إليهم في أمر الرؤية؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/315)
فهل كان هذا العلم في عصر ابن تيمية لا يعتمد عليه وأصبح يعتد عليه في عصرنا
عند من لم يعتن به ... نعم ... ومن كان له به اعتناء وعلم صحته ... فمنهم من تجرأ على الإفصاح ... ومنهم من آثر السلامة ... وكذلك الحال اليوم.
من الذي ألزمنا بقول علماء الفلك في مسألة الرؤية
تفسير خاطى من بعض العلماء السابقين وانتصر له من المتأخرين السبكي
وتبعه بعض الفقهاء المتأخرين
وانتصر لهذا القول بعض الفقهاء المعاصرين – رحمهم الله جميعا
وإلا فدعوى اعتماد قولهم في النفي هو قول السبكي
ونجد في عصره ابن تيمية لا يرى أن نعتمد عليهم
(تنبيه كلامنا عن مسألة الرؤية)
الذي يلزمنا عمومات النصوص الشرعية ... الداعية لإعمال العقل ... والنظر والتفكر ... والأخذ بالعلم الصحيح ... والداعية للتثبت في قبول الشهادات والأخبار ... والتأمل الصحيح في النصوص الخاصة بهذه المسألة ... واعتبار أنها معللة بعدم اشتهار هذا العلم عند سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين ... فلم يكلفوا ما لا يعرفون ... أما اليوم فهذا العلم مشاع مشهور ... ونتائج علمائه ودراساتهم في متناول الجميع ... ومسألة أمية الأمة أو الشريعة؛ أجاب عنها أئمة كبار ... خلاصة قولهم: إننا خرجنا من طور الأمية بجميع معانيها ... و بعض كلام الإمام الشاطبي في هذا الأمر أجاب عنه العلامة ابن عاشور - رحم الله الجميع - في المقدمة الرابعة من تفسيره التحرير والتنوير.
وإن حققنا وجدنا أن كلام ابن تيمية هو الموافق للإجماع ورد من رد هذا الإجماع فيه شيء
لا أحد يرد الإجماع إلا من أنكر حجيته أصلا ... ولكن الأمر كما أسلفت على ماذا أجمعوا ... ومن نقله - وليس من ذكره - ... وما صيغته ... ثم ما الذي ينكره ابن تيمية - رحمه الله - على الفلكيين ... هذا يحتاج لتحرير وتأمل ... الخ
والسؤال الذي يطرح نفسه ويحتاج جواب أهل الشريعة وهذا مهم عندي ... سلمنا بأنهم أجمعوا أنه لا عبرة بالحسابات أو أن المشرع ألغى مسألة الحساب كما يعبر بعض الفقهاء ... والرؤية مقدمة وإن خالفت حساباتهم ... كيف نوفق بين هذا وبين اقرارنا بصحة علومهم ودقتها؟
وأهم شيء عندي الآن
مسألة توضيح مسألة تركيا
قد أجبتك ... وإن كان الاختلاف ليس حجة كما تعلمون ... وليس فيه ما ينقض هذا العلم أو يشوش عليه ... لاختلاف معايير ثبوت الشهر عند أهل الفلك ... كما اختلف الفقهاء في صفة الشهداء الرائين ... وفي عددهم ... وفي اختلاف ذلك في حال الصحو وحال الغيم والمصر الكبير والمصر الصغير ...
ثانيا: ما هو الاختلاف المؤثر بين عصر ابن تيمية والسبكي – رحمهما الله – وبين عصرنا
الاختلاف كبير ... ولكن هب أنه لا اختلاف مؤثرًا = فرأي السبكي مقدم على اجتهاد شيخ الإسلام عند من اتبعه ... ولكل منهما مقام معلوم رحمهما الله ... وحفظك من كل سوء ...
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[29 - 10 - 07, 09:08 ص]ـ
الأخ الكريم الفاضل الشيخ / ابن وهب
جزاكم الله خيرا"، فمشاركتكم اثراء وأرائكم محل تقدير واستفادة
الأخ الكريم الفاضل الشيخ / الفهم الصحيح (أسم على مسمى)
جزاكم الله خيرا"، فقد كفيتنى والله ووفيت وافضت، واتيت بما لا استطيعه وما لا أملكه، زادك الله علما" نافعا"، و نفعنا بعلمكم الغزير والوفير.
،،، للإصرار الشديد من أخى الكريم / ابن وهب، على بحث الإجماع فى مسألة الرؤية، اسمح لى أخى الكريم / الفهم الصحيح، ببعض الإضافات على ايرادكم فى مسألة الإجماع، شريطة أن تتكرموا علينا أنتم وأخينا الكريم / ابن وهب، بالرد والتصويب اذا جانبنا الصواب
،، فى بحث على عجالة عمن نقل الإجماع فى هذه المسألة من المتقدمين، قبل الباجى - كما ذكر أخى الفهم الصحيح _، وأظنه: أبو الوليد الباجى المالكى القرطبى،
،، فلم يعزو أحدا" ممن ذكر الإجماع، سواء النووى، او القرطبى، أو شيخ الإسلام رحمهم الله تعالى، عمن نقل الإجماع، الا الحافظ رحمه الله فى الفتح، حيث ذكر أن ابن المنذر هو ناقل الإجماع، وهو متقدم عن الباجى، وذكر مانصه - رحمه الله:
وَقَالَ اِبْن الصَّبَّاغِ أَمَّا بِالْحِسَابِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنِ أَصْحَابِنَا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/316)
قُلْت: (الحافظ ابن حجر): وَنَقَلَ اِبْن الْمُنْذِر قَبْلَهُ الْإِجْمَاع عَلَى ذَلِكَ. فَقَالَ فِي الْإِشْرَافِ: صَوْمُ يَوْم الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِذَا لَمْ يُرَ الْهِلَالُ مَعَ الصَّحْوِ لَا يَجِبُ بِإِجْمَاع الْأُمَّةَ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ كَرَاهَته، هَكَذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ حَاسِبٍ وَغَيْرِهِ، فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ كَانَ مَحْجُوجًا بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ
قلت (مصطفى): فلو كان هذا هو الإجماع الخاص بهذه المسألة، فان موضوعه مغاير لما نحن بصدده
فعلى هذا يكون موضوع الإجماع هو: عدم وجوب صوم يوم الثلاثين من شعبان فى حالة عدم رؤية الهلال اذا كانت السماء صافية
فإن قيل: يستدل من هذا الإجماع عدم وجوب الصوم فى هذا اليوم اذا دلت الحسابات على وجود الهلال فى هذه الليلة
فيجاب على هذا بالآتى:
1 - كيف تدل الحسابات على وجود القمر وظهوره فى السماء للعيان ولا يراه الناس فى جو صحو خال من موانع الرؤية، ومعلوم دقة الحسابات فى هذا، ولا يعتبر ثبوت الهلال فلكيا" اذا غرب قبل غروب الشمس أو اذا كان فى موقع فى السماء يصعب رؤيته بالعين المجردة والمراصد التلسكوبية؟؟
2 - الإجماع المذكور فى عدم الوجوب،، حينما تم الرجوع للمصدر المذكور فيه فى كتاب الإشراف - لابن المنذر ج:3، ص: 110 - طبعة: مكتبة مكة الثقافية - بالإمارات، ذكر مايلى بتصرف: تحت باب: [باب هلال رمضان إذا حال دون منظره غيم أو قتر]
وذكر ان أكثر أهل العلم أوجوبوا صوم الثلاثين إذا حال غيم أو قتر بعد التاسع والعشرين، وممن روى عنه ذلك: عمر بن الخطاب وحذيفة وعلى وابن مسعود، وبه قال ابن عباس وأبو هريرة وأنس وأبو وائل وعكرمة وابن المسيب والشعبى والنخعى وابن جريج والأوزاعى
،، كما ذكر عن عائشة وعلى رضى الله عنهما انهما قالا: لئن اصوم يوما" من شعبان، خيرٌ لى من ان أصوم يوما" من رمضان
،، هذا ماوجدته فى هذا الباب، ولم أجد إجماعا" فيه، ولكن قد يستفاد منه الآتى:
،،، أن فعل الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم التابعين، فعلوا الحيطة لدينهم إذا كان هناك غيم ولم يُر الهلال ولم يتيقنوا دخول الشهر، على الرغم من انه قد يكون يوم الشك
،، أفلا نقتدى بهم إذا فتح الله علينا بيقين دخول الشهر بالأجهزة الإكترونية الحديثة، والتى تستطيع رصد القمر وأشكاله وأماكن تواجده على مدار الثانية من شتى الأماكن والأطراف والمراصد، بل ومن خارج نطاق الكرة الأرضية، وباستخام الأقمار الصناعية، .......... الخ؟؟!!
3 - وجه الخلاف هو عكس حالة الإجماع التى ذكرها الحافظ، وهو اذا تراءى للعيان مايظنونه قمرا" فى ليلة الثلاثين من رمضان (وأخص رمضان هنا، لانه غالبا ماتتقدم وما تتسرع بلاغات الرؤية العينية عن دخول شهر رمضان، فلو كان صوم الناس قبل دخول الشهر بيوم، فلا ضير، وإن كان فطر الناس قبل انقضاء شهر الصوم، وهى حالة الخلاف التى بين ايدينا، فهذا هو الإشكال)،، فلو تراءى للناس ذلك، وجائك علم يقينى بانه ليس هلال شوال، ولكنه كوكب آخر يعكس ضوء الشمس، وان الهلال يستحيل رؤيته بالعين أو بالأجهزة من هذه الناحية من الكرة الأرضية، فما العمل، وما الحل؟؟، فحالة الإجماع لن تفيد
4 - موضوع الإجماع على إثبات الرؤية بالعين، وموضوعنا تضارب وتضاد رؤى العوام ورؤى أهل العلم والفن والصنعة، من الذى يقدم؟، ام هناك سبيل للجمع بين هؤلاء وهؤلاء؟؟
_ هذا ما تيسر لى الآن وقد والله اجهدنى البحث، وقلة النوم، فاستسمحكم التواصل فى وقت لاحق
ـ[أبو محمد الفرحي]ــــــــ[29 - 10 - 07, 12:43 م]ـ
(الأمر لايتعلق بالحساب بقدر ما يتعلق بالمعايير المعتمدة لبداية الشهر الجديد بعض الدول يعتبر عبور القمر امام الشمس كافيا وبعضها يعتبر غروب القمر بعد الشمس وبعضها يعتبر الرؤية بالمراصد وبعضها يعتمد على الشهود مما يعطي نتائج مختلفة ومتضاربة .. )
ومن هذا وغيره يعرف الحكم الشرعية في عدم
الاعتماد على قول أهل الحساب في هذه المسألة
وإذا ذهب هذا الأمر لأهل هذا العلم لوجدت تناقضات تفوق ما هو حاصل اليوم
ولعل هذا سيكون جزاء من يخالف السنة
ومهما كان السبب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/317)
لا يهمنا معرفة السبب لأن الشرع ما ربط هذا الأمر بأهل هذا العلم وقال اذهبوا واجمعوا اهل هذا العلم
وانظروا على ماذا يتفقون
السلام عليكم
على كل حال لا ينبغي اعتماد مثل هذه المعايير المخالفة للسنة وإن وافقت نتائجها أحيانا الرؤية الشرعية ..
الأهم في نظري هو النظر في مدى صحة الطريقة المتبعة في بلاد الحرمين لأنها محط أنظار المسلمين وأي خطأ فيها يربك المسلمين بشكل كبير.
فغالبا ما تأتي النتائج المعلنة في السعودية مخالفة لما يتوقعه الفلكيون حول إمكانية الرؤية ومخالفة لدولة أخرى تعتمد الرؤية الشرعية على المستوى الرسمي وهي المغرب. ففي كل عام تصوم السعودية قبل المغرب بيوم واحد رغم أن المغرب يقع غربي السعودية (تغرب الشمس في المغرب بعد حوالي 3ساعات من غروبها في السعودية) ويشترك معها في دوائر العرض من 21 إلى 31 (كل المواقع من مكة إلى الشمال لها ما يقابلها من المواقع في المغرب)
والذي يظهر (حسب ما قرأت في الانتقاذات الموجهة للسعودية في هذا الأمر) فإن السبب وراء هذا هو اعتماد السعودية لتقويم أم القرى الذي يعتمد غروب القمر بعد غروب الشمس (وإن بوقت وجيز) معيارا لدخول الشهر الجديد مما يؤدي إلى استباق الشهر بيوم أو يومين ومثل هذا التقويم لايصح أن يكون أساسا لإكمال العدة إن لم ير الهلال. فإذا دخل رمضان بهذه الطريقة فالمتوقع أن لا يرى الهلال في يوم 29 رمضان ولكن قد يشهد أناس قليلون بالرؤية مما سيزيد الأمور إرباكا وحيرة مثلما وقع هذا العام ..
في نظري الرؤية الموفقة الموافقة للشريعة السمحة هي التي تكون عامة يتفق فيها عامة الناس من مختلف المواقع من دون الحاجة إلى الاتصالات والإذاعة. فمثلا هذا العام لولا الاتصالات المتطورة لكان عدد القرىالتي ستفطر يوم الجمعة بضع قرى ولأفطر أغلب الناس في السعودية يوم السبت وربما يوم الأحد ..
في هذا الزمان الذي أصبح فيه العالم كقرية واحدة يجب أن تؤخذ الأمور بمزيد من الجد وذلك - باتباع الرؤية الشرعية للتقويم القمري لسائر الشهور والأولى أن يكون تقويم الشهور التي لا تلزم فيها عبادة على التراخي لأن المراقبة يوم 29 ستمكن من تدارك أي خطأ - والاستعانة بالمعطيات العلمية لتمحيص الشهادات بالرؤية ..
والله تعالى أعلم
ـ[ابن وهب]ــــــــ[29 - 10 - 07, 02:38 م]ـ
بارك الله فيكم ونفعنا بعلمكم
إذا وقع الخلاف في مسألة في أي فن من الفنون فلا يمكن أن تكون المسألة قطعية
فمتى ثبت الخلاف ولو كان خلاف يسير
فالمسألة غير قطعية
فالذي يقول أن المسألة غير قطعية لو أتى بخلاف يسير ولو كان شاذا ولو فيه نسبة احتمال
فالمسألة غير قطعية
فمتى ما ثبت الخلاف فالمسألة غير قطعية
وبالتالي
لا يصح أن نقول هذا القول = يقين
وتركيا ما أظنها غيرت
فالتقويم عندهم من زمن
ولكن يراجع في الموضوع
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[29 - 10 - 07, 07:38 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
الأخ الكريم / أبو محمد
قد وضعت يدك على الجرح الغائر وأصبت كبد الحقيقة
الأهم في نظري هو النظر في مدى صحة الطريقة المتبعة في بلاد الحرمين لأنها محط أنظار المسلمين وأي خطأ فيها يربك المسلمين بشكل كبير.
وذلك لأن بلاد الحرمين هى الأصل المقدم، وماسواها تبع لها فى هذا الأمر، لانها مقصد الحجيج وقبلة المسلمين، ومهد الاسلام ومبعث نبى الرحمة عليه الصلاة والسلام، ولا يضرها من خالفها اذا اخذت بجميع الأسباب الممكنة فى التحقيق والحيطة لهذا الأمر
الأخ الكريم الفاضل الشيخ الجليل / ابن وهب
كنا ننتظر منكم تعليقا وتصحيحا عما فتح الله علينا به فى مسألة الإجماع، وكذلك من
الأخ الكريم والشيخ الجليل / الفهم الصحيح
،، وقولكم - بارك الله فيكم
إذا وقع الخلاف في مسألة في أي فن من الفنون فلا يمكن أن تكون المسألة قطعية
فمتى ثبت الخلاف ولو كان خلاف يسير
فالمسألة غير قطعية
الخلاف ليس منشأه تضارب او تضاد أو تعارض، فالخلاف منشأه معايير غير موحدة
، وبالمثال يتضح المقال
،، هناك من الدول من تثبت دخول الأشهر العربية بمجرد وقوع إقتران الشمس والقمر، وهو مايسمى بالمحاق (مثل ليبيا).
،، وهناك من يطبق معيار مخالف وهو عدم الإعتداد بالإقتران والإعتداد بولادة الهلال واستمراره لمدة معينة بزاوية ارتفاع معينة وزاوية ميل معينة بعد غروب الشمس ولا تشترط رؤيا الهلال، وأظن ان تركيا تتبع هذا
،، وهناك من الدول من تأخذ فى الاعتبار رؤية الهلال بالإضافة الى الشرط السابق، سواء تمت رؤيته بالعين ام بالأجهزة، وهى معظم بلاد المسلمين
،،، والأصل ثابت فى الحالات الثلاثة ,هو أن الإقتران يحدث فى نفس الوقت الذى حددته الحسابات بدقة متناهية، وموعد غروبه،سواء قبل غروب الشمس، وفترة مكوثه،، فالحسابات موحدة فى كل البلاد، ولكن معيار ثبوت دخول الشهر عند كل دولة هو المتغير،، فلو اصطلحت هذه الأمم على معيار لدخول الشهر، لا يتنافى أو يصطدم بالنصوص الشرعية،، لكان خيرا" لنا وأقوم، وأهدى سبيلا"
وإليكم هذا الرابط الذى يوضح بدقة مادور هذا العلم،، ولكم الحكم بعد ذلك، فى الإعتداد به، او نبذه
http://www.icoproject.org/article/2004_crescent.html
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/318)
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[30 - 10 - 07, 12:47 ص]ـ
وهذا موقع أخر يسمى [جمعية الفلكى بالقطيف]، وكيفية استطلاع شهر شوال الفائت بالصور، واى المناطق التى يمكن رؤية الهلال بها فى يوم الجمعة واين كان موقعه أيام الخميس والجمعة والسبت، فى كل من القطيف والمدينة المنورة، مع ملاحظة ان الأظهر لللأعين فى المدينة المنورة كان كوكب عطارد
http://qasweb.org/qasforum/index.php?showtopic=7843
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[30 - 10 - 07, 01:12 ص]ـ
وهذا مقال للشيخ ابن منيع حفظه الله منذ ثلاثة أعوام يرد فيه على أقوال المعترض، ويشرح ما للحسابات الفلكية وماعليها، وايها يؤخذ بها وايها يرد وايها موافق للشرع وايها مخالف، كما شرح حفظه الله أطوار ولادة الهلال وشرح اى الحالات هو الموافق شرعا"
التحديد الفلكي لأوائل الشهور القمرية (رجب، شعبان، رمضان، شوال) لعام 1425 هـ
الشيخ/ عبد الله بن سليمان بن منيع 2/ 8/1425
16/ 09/2004
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، والشكر لله الذي ميزنا بعقول نستطيع بها التفكر في آيات الله ومخلوقاته وأشهد ألا إله إلا الله القائل (والشمس والقمر بحسبان) والقائل (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله القائل (إن هذا الدين متين ولن يشاده أحد إلا غلبه ولكن يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فلقد كان مني المساهمة في تنوير إخواني المسلمين في بلادي خاصة وفي البلدان الإسلامية عامة بمواعيد ولادة أهلة الشهور القمرية القريبة من شهر رمضان المبارك ـ رجب، وشعبان، وشوال ـ؛ خدمة لتحديد دخول شهر رمضان وخروجه، ونشر ذلك في بعض الوسائل الإعلامية كالصحافة والمواقع الإسلامية على الشبكة العالمية (الانترنت)، وكان لهذه المساهمة أثرها في انضباط الفتوى بثبوت رؤية هلال رمضان وهلال شوال. حيث مضى لنا أكثر من خمس سنوات وأمر الفتوى في ذلك مستقيم لدى الجهة المختصة بالإثبات بالرغم من تضايق تلك الجهة بتلك المساهمة.
(انظر: العدد 27 من مجلة البحوث الإسلامية: ص: 91 ـ 118).
ومع ذلك فقد عذرتهم لشعورهم الصادق بمسئوليتهم ووجوب بذل الجهد في تحقيق مقتضاها.
ولكن ما كل مجتهد مصيب والبحث عن الحق يقتضي البعد عن التعصب واتهام الإنسان لرأيه طالما أن الرأي مبني على الاجتهاد والتحري واحترام آراء الآخرين.
وإيمانا مني بجدوى هذه المساهمة التبصيرية وأثرها في الأخذ بالقيود والضوابط ومضاعفة التحقق والتحري في قبول شهادات رؤية هلال شهر رمضان وهلال شهر شوال لا سيما إذا كانت المعلومات تؤكد أن ولادة الهلال ستكون بعد غروب شمس اليوم الذي ادعيت فيه الرؤية.
إيمانا مني بذلك فسأختم هذا البحث ببيان مواعيد ولادة أهلة الشهور الأربعة ـ رجب وشعبان ورمضان وشوال ـ والبيان الفلكي لبدء أوائل هذه الشهور الأربعة بما فيها أول يوم من شهر رمضان وأول يوم من شهر شوال ـ يوم عيد الفطر ـ وكذلك بيان الفوارق الزمنية بين غروب الشمس وغروب القمر.
وقبل ذلك فلي في هذا البحث عدة وقفات أوردها فيما يلي:
الوقفة الأولى:
مع العتب من هذا الاتجاه عليّ وعلى بعض إخواني الذين شعروا بواجبهم نحو التعاون مع إخوانهم جهات مثبتي أوائل الشهور القمرية بما في ذلك شهر رمضان وشهر شوال.
العتب على هذا الاتجاه منّا بتدخلنا فيما لا يعنينا وبجهلنا فيما تدخلنا فيه مما سمعنا وقرأنا.
هذا العتب في غير محله لا سيما وقد صدر ممن هم أهل للتقوى والصلاح والإمامة، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين عامة بالنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، فحينما يكون منا هذا الإسهام في التوضيح والبيان فنحن نتعاون مع ولاة أمورنا ومنهم الجهة المختصة بالإثبات وذلك فيما نراه محققا للصواب، لا سيما ونحن نرى أن الأمر منهم يحتاج إلى مزيد من التحري والتحقيق وصيانة سمعة بلادنا وقادتها من القيل والقال والهمز واللمز، وقد كانت مساهمتنا في هذا السبيل مصدر ارتياح وتقدير من أهل العلم والفكر والنظر داخل بلادنا وخارجها والحمد لله رب العالمين.
الوقفة الثانية:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/319)
مع القول بأن الأخذ بالحساب مطلقا منافٍ للنصوص الشرعية من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا القول فيه حق وباطل. أما الحق فهو أن القول بالأخذ بالحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر وخروجه دون النظر إلى الرؤية الشرعية للهلال في الإثبات قول باطل ويظهر لنا بطلانه ومنافاته للنصوص الشرعية من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم إذ لا شك أن علماء الأمة الإسلامية إلا من شذ مجمعون على أن دخول شهر رمضان وخروجه لا يتم إلا برؤية الهلال لا بالحساب الفلكي، قال تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) [البقرة: 185] وقال صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته .. )). الحديث، أخرجه البخاري (1909)، ومسلم (1081). وأما الباطل من هذا القول فهو الأخذ بشهادة من يدعي الرؤية - بعد إجراءات تعديله – وذلك قبل ولادة الهلال؛ إذ هي شهادة لم تنفك عما يكذبها، إذ كيف يُرى الهلال متخلفا عن الشمس بحيث تغيب قبل غيابه والحال أنه لم يولد بعدُ، فهو لا يزال متقدما على الشمس فهو غربها وهي شرقه، فهي شهادة باطلة لا يجوز سماعها فضلا عن قبولها، فنحن حينما نقول بالأخذ بالحساب الفلكي نحصر هذا القول في النفي دون الإثبات، فإذا قال علماء الفلك بأن الهلال لا يولد إلا بعد غروب الشمس وجاء من يشهد برؤيته بعد غروب الشمس والحال أنه لم يولد فهذه الشهادة غير صحيحه وباطلة وإن كانت من جملة شهود. فهذا وجه الأخذ بالحساب فيما يتعلق بالنفي.
أما إذا كان الهلال مولوداً قبل غروب الشمس ولم يتقدم بالشهادة على رؤيته شاهد أو أكثر فلا يجوز أن نثبت دخول الشهر بالحساب والحال أنه لم يتقدم شاهد برؤيته، وقد أحسن مجلس القضاء الأعلى في قراره عدم ثبوت دخول شهر رمضان يوم الأحد الموافق 26/ 10/2003م فقد كانت ولادة الهلال حاصلة قبل غروب شمس يوم السبت الموافق 29/ 8/1424هـ إلا أن الهلال لم ير ذلك اليوم بعد غروب الشمس في بلادنا السعودية فأصدر المجلس قرارا بأن يوم الاثنين هو اليوم الثلاثين من شهر شعبان.
وهذا التصرف من المجلس عين الحق حيث إن المعتمد في الإثبات الرؤية فقط دون الحساب.
والقول برد شهادة من يشهد برؤية الهلال بعد غروب الشمس والحال أن الشمس غربت قبل ولادة الهلال قول صحيح لا يتنافى مع النصوص الشرعية من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك أن الشهادة معتبرة إذا سلمت عما يؤثر على اعتمادها، ومعلوم أن للشهادة موانع قبول واعتماد ومن أهم ذلك أن تنفك عما يكذبها، ولا شك أن غروب الشمس قبل ولادة الهلال يُعَدٌّ أقوى مانع لرد شهادة من يشهد برؤية الهلال بعد غروب الشمس والحال أنها غربت قبل الولادة، فنحن بهذا لم نرد قول الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ولا قول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) وإنما رفضنا شهادة باطلة ممن شهد بشهادة لم تنفك عما يكذبها، فالشاهد هو الواهم أو الكاذب في شهادته. فليس في الأمر رؤية صحيحة للهلال لكونه لم يولد بعدُ. وبهذا يتضح الأمر بأن الأخذ بالحساب فيما يتعلق بالنفي ليس فيه مصادمة لكتاب الله ولا لسنة رسوله محمد صلى الله عيه وسلم.
الوقفة الثالثة:
مع قول بعضهم في معرض الرد على القول بالأخذ بمقتضى ولادة الهلال ما نصه: ما الذي نجنيه من الكتابة عن الصيام وتكذيب شهود رؤية الهلال لأن الحساب قد دلنا على أن الشهر لن يهل أو أنه لم يولد؟ هل عندنا بذلك أثارة من علم ممن لا يرد قوله. إلى آخر ما قال.
وأتمنى من قائل هذا القول أن يتهم رأيه وعلمه، فرحم الله امرأًً عرف قدر نفسه فيما يتكلم فيه، فعلم الفلك علم له قواعده وأصوله ونتائجه، وله علماؤه المختصون به، وعلى نظرياته الدقيقة تبنى أدق التطبيقات العلمية في عالم الفضاء والكون، وليس الأمر فيه محصورا في أثارة من علم تنتظر ممن لا يرد قوله فالأمر في ذلك قطعي لا يحتاج إلى أثارة من علم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/320)
ومن المسائل الفلكية التي لا تقبل جدلاً من أهل الدراية والنظر والاختصاص مسألة ولادة الهلال فهي مسألة قطعية لا يختلف فيها ولا في تحديد وقتها بالدقيقة لا بل بالثانية أحد من علماء الفلك من مسلمين وغير مسلمين ولا يشك في قطعيتها إلا من يشك في نتيجة جمع الخمسة مع الثمانية أو ضرب الستة في الأربعة أو طرح الثلاثة من التسعة أو قسمة الثمانية على الاثنين.
وإذا كان المنازع لا يزال في منازعته في أن ولادة الهلال ظنية لا قطعية فعليه أن يأتي بقول واحد من علماء الفلك يقول بظنية الولادة لا قطعيتها. أما أن تُحشر لنا نصوص من أقوال فقهائنا من المذاهب الأربعة فهم علماء شريعة وليسوا علماء فلك. فهل يصح أن ننتقد مسألة طبية في الجراحة مثلا أو مسألة هندسية من النظريات الهندسية ثم نأتي بأقوال
الفقهاء على انتقاد هذه المسائل العلمية من طب أو هندسة أو فلك أو نحو ذلك؟
الوقفة الرابعة:
مع الاحتجاج لرد العمل بالحساب بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب)) إلى آخر الحديث أخرجه الخاري (1913)، ومسلم (1080) وتوجيه الاحتجاج لذلك أن وصف أمة الإسلام بالأمية وصف مدح لا وصف ذم. هذا القول بالرغم من صدوره ممن هو في مستوى رفيع من العلم ودقة النظر وعمق التفكير إلا أنه قول فيه نظر، فرسول الله صلى الله عليه وسلم وصف هذه الأمة من واقعها في عهده فليس الغرض من وصفها بالأمية مدحها أو ذمها وإنما الغرض من ذلك تقرير أن الأمة لا تكلف بما لا تستطيع (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) [البقرة:286]، (وما جعل عليكم في الدين من حرج) [الحج:78] ولكن بعد أن تيسر لهذه الأمة الدخول في ميادين العلم ومن ذلك علم الفلك فقد زالت عن هذه الأمة الأمية فصارت تحسب وتكتب وتعلم وتقرأ وتخترع وتدرك ما أدركه الآخرون من آيات الله وعجائب مخلوقاته وأسرار مكنوناته ودقائق صنعه وإتقان إبداعه، وبزوال هذه الأمية يقوم التكليف، وتسقط الأعذار، ويتعين الأخذ بالأسباب ونتائج المعرفة، وطرح التعلل بالجهل بعد زواله وحلول العلم محله.
الوقفة الخامسة:
مع حاشيةٍ لبحثٍ لبعض إخواننا في مجلة البحوث الإسلامية (العدد 27) من أنه اطلع على أكثر من عشرة كتب فلكية وليس في واحد منها ما يشير إلى قطعية الحساب.
ونحن نتساءل هل في هذه الكتب ما ينفي قطعية الحساب؟ وإذا كان كذلك فليت الباحث أتى بنصوص من هذه الكتب تدل على ما ذكر وبشرط أن تكون هذه الكتب من أهل الاختصاص في الفلك.
وقد جاء في هذه الحاشية ذكر قرار مؤتمر الكويت عام 1409هـ وهو قرار لا يتفق مع موضوع البحث، فهو قرار يؤيد القول باعتبار الحساب الفلكي في حال النفي وقد جاء في القرار الفقرة (1) النص على ذلك وأن هذا القول هو قول عدد من فقهاء المسلمين كابن تيمية والقرافي وابن القيم وابن رشد، وفي الفقرة الثالثة من القرار ما يدل على أن الإثبات يجب أن يعتمد على الشهادة.
وللشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - هو أحد علماء مصر والمختصين في علم الحديث ورجاله رسالة بعنوان (أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعا إثباتها بالحساب الفلكي) وقد ذكر في رسالته ما نصه:
" لقد كان للأستاذ الأكبر الشيخ المراغي منذ أكثر من عشر سنين حين كان رئيس المحكمة العليا الشرعية رأي في رد شهادة الشهود إذا كان الحساب يقطع بعدم إمكان الرؤية كالرأي الذي نقلته هنا عن تقي الدين السبكي. وأثار رأيه هذا جدلا شديدا وكان والدي وكنت أنا وبعض إخواني ممن خالف الأستاذ الأكبر في رأيه ولكني أصرح الآن بأنه كان على صواب وأزيد عليه وجوب إثبات الأهلة بالحساب في كل الأحوال إلا لمن استعصى عليه العلم به. وما كان قولي هذا بدعا من الأقوال أن يختلف الحكم باختلاف أحوال المكلفين فإن هذا في الشريعة كثير يعرفه أهل العلم وغيرهم ". ا.هـ
(ص: 15 من الرسالة نشر مكتبة ابن تيمية لطباعة ونشر الكتب السلفية).
ما ذكره فضيلة الشيخ أحمد شاكر وما جاء في قرار مؤتمر الكويت عام 1409 هـ يتضح منه أن القول باعتبار الحساب الفلكي لا سيما فيما يتعلق برد شهادة رؤية الهلال قبل ولادته قول مجموعة من علماء المسلمين قديما وحديثا، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والقرافي وابن رشد والسبكي والمراغي وأحمد شاكر والشيخ مصطفى الزرقاء رحمهم الله.
الوقفة السادسة:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/321)
هذه الوقفة مختصة بحوار قصير مع الجهة المختصة بإثبات الأهلة في بلادنا فهذه الجهة جهة علمية مشهود لرئيسها وأعضائها بالنصح الخالص للبلاد وأهلها خاصة وللمسلمين عامة وهم أهل لذلك من حيث التقوى والصلاح وبذل الجهد في استبراء الذمة مع ما يتمتعون به من كفاءة علمية تؤهلهم لممارسة اختصاصهم، وهم يدركون ما قاله مجموعة من فقهاء المسلمين ومحققيهم قديما وحديثا من أن الفتوى تتغير بتغير الأحوال والأزمان والأمكنة والظروف بشرط أن لا يكون هذا التغير مصادما لنص شرعي أو أصل من أصول الدين. فعلوم التقنية بمختلف أجناسها وأنواعها قد تطورت تطوراً خدم البشرية خدمة أثرت على أنماط حياتها، ونقلتها من عالم محدود الإدراك والتفكير والتحرك إلى عالم يسابق زمنه في الإبداع والعطاء والقدرة على الانتفاع بعوامل الانفتاح الفكري والنظري والتطبيقي. أفلا يجد إخواننا أن واجب عملهم واختصاصهم بإثبات الرؤية يقتضي الأخذ بكل جديد يساعدهم على الدقة في تحقيق ما اختصوا به؟ ومن ذلك إعادتهم النظر في آرائهم السلبية نحو النتائج الفلكية لا سيما وهم في علوم الفلك في صفٍ لا يؤهلهم لهذا الموقف السلبي نحو النتائج الفلكية، فلو عملوا على عقد مؤتمر دولي يُدعى إليه علماء فلكيون من أجناس فلكية مختلفة ويحضر معهم علماء شرعيون من بلدان إسلامية مختلفة يُبحث في هذا المؤتمر موضوع الاقتران والولادة وإمكان الرؤية وهل النتائج الفلكية في علم هذه المسائل قطعية أو ظنية؟ وهل في ذلك خلاف بين علماء الفلك؟ حتى لا يكون منّا رد لقضايا قطعية نقول عنها على سبيل التشكيك والارتياب: هل لدى أحد أثارة من علم بها ممن لا يرد قوله!!.
فإنكارنا النتائج العلمية القطعية مما هو محل إجماع علماء الاختصاص يرجع علينا بالنقص والزراية وضيق الأفق والنظر وسوء السمعة، وقد سمعنا الكثير من ذلك وتألمنا مما سمعنا. والله حسبنا ونعم الحسيب.
الوقفة السابعة:
مع قول بعضهم إن علماء الفلك مختلفون فيما بينهم في إمكان الرؤية وفي تحديد أول الشهر وآخره وهذا يعني أن النتائج الفلكية ظنية وما دامت ظنية والرؤية ظنية وقد اعتبر الشارع الرؤية وأمرنا باعتمادها فلا حاجة لنا بالفلك وعلومه.
والإجابة على هذا الإيراد تقتضي التمهيد لها بتعريف الاقتران والولادة وإمكان الرؤية وهذا تعريفها:
الاقتران: هو اجتماع الشمس والقمر في خط طولي واحد بحيث لا ينعكس ضوء الشمس على القمر ولا على جزء منه.
الولادة: هي انفصال القمر عن الشمس بحيث تكون الشمس أمامه من جهة الغرب، والقمر خلفها من جهة الشرق، فيظهر بالولادة نور الشمس على جزء من القمر.
إمكان الرؤية: هو حصولها بالقدرة البصرية على رؤية الهلال بعد ولادته.
وقد أجمع علماء الفلك على أن ولادة الهلال تتم في وقت محدد بالدقيقة إن لم يكن بالثانية وأن علماء الفلك قاطبة لا يختلفون في ذلك التحديد إلا إذا اختلف علماء الرياضيات في نتيجة جمع عشرين مع خمسة عشر أو نحو ذلك من النتائج القطعية.
وإنما الاختلاف بين الفلكيين في مسألة إمكان رؤية الهلال بعد اتفاقهم على وقت ولادته. فبعضهم يقول بولادته قبل غروب الشمس. ولكن لا يمكن رؤيته إلا إذا كان على زاوية أفقية محددة بدرجة معينة وعلى ارتفاع درجات محددة أيضا بعدد كخمس درجات أو ست أو أقل من ذلك أو أكثر فهذه المسألة محل اختلاف بينهم مع اتفاقهم جميعا على تحديد وقت الولادة. وهذا الاختلاف هو الذي أوجد خلطا بين علماء الشريعة وفقهائها قديما وحديثا فلم يفرقوا بين الولادة وبين إمكان الرؤية من عدمه؛ فظنوا أن الاختلاف في إمكان الرؤية هو اختلاف في تحديد الولادة والذي ندين الله به جمعا بين النصوص الشرعية والنتائج القطعية للفلك أن الرؤية تثبت بالشهادة عليها وأن دخول الشهر أو خروجه يجب أن ينحصر إثباته فيها ولو قال الفلكيون بولادة الهلال قبل غروب الشمس ولم يُرَ الهلال فلا يجوز الأخذ بالإثبات الفلكي، كما لا يجوز تقييد رؤية الهلال بعد ولادته بإمكان الرؤية وتقييد الإمكان بزاوية معينة أو درجة معينة، فمتى ولد الهلال وجاءت الشهادة بالرؤية تعين اعتبار الرؤية من غير اعتبارٍ للإمكان.وأما إذا غربت الشمس قبل الولادة وجاء من يشهد برؤية الهلال بعد غروب الشمس فيجب رد هذه الرؤية حيث إن رؤية الهلال منتفية قطعا في هذه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/322)
الحال وعليه فيجب اعتبار الحساب الفلكي في حال النفي دون حال الإثبات.
ولمزيد من توضيح معنى أن الحساب الفلكي وأنه يجب أن يُستند عليه في النفي دون الإثبات نذكر الحالات الآتية والحكم على كل حال منها:
الحال الأولى: أن يولد الهلال قبل غروب الشمس ويأتي من يشهد برؤيته بعد غروب الشمس فهذه الرؤية معتبرة ويثبت بها بعد تعديلها دخول الشهر، فإن كان شهر رمضان فيكفي لها شاهد عدل، وإن كان شهرا غير شهر رمضان فيجب أن تكون الشهادة بالرؤية من شاهدي عدل فأكثر، وفي هذه الحال فقد اتفق النظر الشرعي مع الواقع الفلكي على إثبات دخول الشهر.
الحال الثانية: أن يولد الهلال بعد غروب الشمس ولم يتقدم أحد بدعوى رؤيته الهلال بعد غروب الشمس ففي هذه الحال اتفق النظر الشرعي مع الواقع الفلكي على نفي الرؤية واعتبار هذه الليلة ليلة آخر يوم من الشهر الحالي.
الحال الثالثة: أن يولد الهلال قبل غروب الشمس ولكن لم يتقدم أي شاهد برؤيته الهلال فهذه الحال اختلف النظر الشرعي مع الواقع الفلكي حيث إن الواقع الفلكي يثبت دخول الشهر والنظر الشرعي ينفي ذلك حيث لم يشهد أحد برؤية الهلال ففي هذه الحال يجب علينا الأخذ بالنظر الشرعي في نفي دخول الشهر استجابة للنصوص الشرعية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه). ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)).كما يجب علينا عدم الأخذ بالثبوت الفلكي لانحصار الإثبات الشرعي في الرؤية فقط.
الحال الرابعة:أن يولد الهلال بعد غروب الشمس ويأتي من يشهد برؤية الهلال بعد غروب الشمس فهذه الحال اختلف الواقع الفلكي مع دعوى الرؤية قبل الولادة حيث إن دعوى الرؤية يثبت دخول الشهر والواقع الفلكي ينفي دخول الشهر ففي هذه الحال يجب الأخذ بالواقع الفلكي حيث إن الهلال لم يولد إلا بعد غروب الشمس فكيف يُرى بعد غروبها والحال أن الشمس غربت والهلال متقدم عليها نحو الغرب وهي متخلفة عنه نحو الشرق فالرؤية التي تقدم بها أصحابها شهادة، ومن شروط قبول الشهادة أن تنفك عما يكذبها، وهذه الشهادة لم تنفك عما يكذبها حيث إن ما يكذبها ملازم لها فيجب رد هذه الشهادة مهما كان الشاهد بها ومهما تعدد شهودها، وهذا معنى قولنا يجب الأخذ بالحساب الفلكي فيما يتعلق بالنفي لا بالإثبات.
وهناك إيراد آخر ملخصه إن علماء الفلك قاطبة مجمعون على أن ولادة الهلال لها وقت محدد بلحظة واحدة ومع ذلك يوجد خلاف بينهم في تحديد أول كل شهر والمثال على ذلك اختلاف العجيري وهو أحد علماء الفلك مع تقويم أم القرى في تحديد أول شهر رمضان عام 1421 هـ، والسؤال عن وجه هذا الاختلاف والحال أن علماء الفلك مجمعون على تحديد ولادة هلال كل شهر بلحظة معينة.
والجواب عن هذا الإشكال أن غالب علماء الفلك من مسلمين وغير مسلمين أخذوا بتوقيت جرينتش واتفقوا على الأخذ باصطلاح مقتضاه:
إن وُلد الهلال قبل الثانية عشرة بتوقيت جرينتش فالليلة ليلة أول يوم من الشهر. وإن ولد بعد الثانية عشرة فالليلة آخر يوم من الشهر. والأستاذ العجيري أحد هؤلاء العلماء الذين يأخذون بتوقيت جرينتش وباعتبار هذا الاصطلاح المذكور في أول الشهر وآخره، وأما لجنة تقويم أم القرى فهي تأخذ بقرار مجلس الوزراء السعودي رقم (143) وتاريخ 22/ 8 / 1418 هـ المقتضي الأخذَ بغروب الشمس في مكة المكرمة فإن كان غروبها قبل ولادة الهلال فتعتبر هذه الليلة ليلة آخر يوم من الشهر، وإن كان غروبها بعد ولادة الهلال فتعتبر هذه الليلة أول يوم من الشهر، ومستند هذا القول هو المقتضى الشرعي في اعتبار دخول الشهر وخروجه الرؤية الشرعية المعتمدة على الشهادة الصحيحة برؤية الهلال بعد غروب الشمس، وبهذا يظهر وجه الاختلاف والجواب عنه , وأن هذا الاختلاف ليس اختلافا في وقت ولادة الهلال وإنما هو اختلاف في الاصطلاح.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/323)
فلو فرضنا أن الهلال ولد بعد غروب الشمس من مكة المكرمة الساعة الحادية عشرة مساء بتوقيت المملكة والساعة الثامنة مساء بتوقيت جرينتش فعلى حساب الأستاذ العجيري ومن اخذ بهذا الاصطلاح تكون هذه الليلة هي ليلة أول يوم من الشهر , وعلى حساب تقويم أم القرى تكون هذه الليلة هي ليلة آخر يوم من الشهر. ولاشك أن حساب تقويم أم القرى هو المتفق مع المقتضى الشرعي لأن العبرة في دخول الشهر وخروجه بغروب الشمس آخر الشهر قبل غروب القمر , فإن غربت الشمس قبل غروب القمر كانت الليلة ليلة أول يوم من الشهر , وإن غرب القمر قبل الشمس كانت الليلة آخر الشهر ولا عبرة بولادة الهلال بعد غروب الشمس سواءً أكان ذلك أول الليلة أو آخرها. وهذا هو المقتضى الشرعي المستند على قوله صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته))، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((إنما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه)) أخرجه مسلم (1080).
والحمد لله الذي هدانا لهذا فقد صار للجهة المختصة عندنا في إثبات دخول شهر رمضان وخروجه مزيد من التأني والتحري، والاستئناس بتقويم أم القرى في مدى الأخذ بشهادة شهود يشهدون برؤية الهلال قبل ولادته. وهذه مرحلة أولى من الجهة المختصة في الأخذ بمقتضى ولادة الهلال. ونأمل أن تتلوها مرحلة الاعتراف بولادة الهلال حتى ننفي عنا وعن بلادنا وعن ولاة أمورنا سمعة القيل والقال والهمز واللمز.
الوقفة الثامنة:
مع مدعي رؤية الهلال قبل ولادته.
يمكن تعليل رؤية الهلال قبل ولادته ممن يدعيها بما يلي:
(1) يحتمل أن يكون المرئي نجما أو كوكباً قريباً من الشمس في حجم نقطة تُظن هلالاً. وأذكر أن أخوين من جماعتي من أسرة الهدلق تقدما إلى قاضي البلد بدعوى رؤية هلال شوال، وحينما ناقشهما القاضي عن الهلال وصفته قال: لعلكما رأيتما نجمةً؟ فقالا: نعم لعلها نجمة، فسميت نجمة الهدلق.
(2) يحتمل أن تكون الرؤية لطائرة أو مركبة فضائية أو قمرٍ صناعي أرى جسم في الفضاء قريب أو بعيد من ذلك ما روي عن إياس بن معاوية وقصته مع أنس بن مالك.
(3) يحتمل أن تكون حالة جوية كعاصفة أو سحابة أو سراب.
(4) يحتمل أن تكون حالة نفسية حيث إن المتحري يُخَيَّل إليه شيء فيعتقده حقيقة.
(5) يحتمل الكذب في ذلك وهذا أبعد الاحتمالات إلا أنه قد يقع.
وهناك احتمال آخر يتعلق بحالةٍ للهلال في شهر واحد من شهور العام حيث يُرى الهلال قبل ولادته إلا أن هذه الرؤية ليست رؤية حقيقية للهلال وإنما هي رؤية لانعكاسه في الأفق خلف الشمس والحال أنه أمام الشمس لم يولد بعدُ وهذه الحال قد يظن بها مخالفة للقول بأن ولادة الهلال قطعية.
وبتفسير هذه الحالة يظهر الرد على القول بالمخالفة وتأكيد القول بقطعية الولادة وعليه فتفسير هذه الحال ما يلي:
من المعلوم للجميع بالمشاهدة أن الهلال يكون ناقص الاستدارة ومقوساً حتى ليلة تمام القمر يوم خمسة عشر وفي ليالي هذه الأيام أي في النصف الأول من الشهر يكون نقص الاستدارة – فتحة القوس - من الشرق ويكون التقويس من الغرب وذلك بهذا الشكل:
وفي النصف الثاني من الشهر ينعكس الأمر فتكون فتحة التقويس إلى الغرب ويكون التقويس إلى الشرق وذلك بهذا الشكل:
ويمكن استخدام هذه الظاهرة الكونية في معرفة الغرب والشرق إذا كان الإنسان في البر في الليل واختلف عليه تعيين القبلة للصلاة. فبمعرفته الجهة يستطيع معرفة القبلة.
فمتى وجدت حالة رؤية الهلال قبل ولادته فهذه حالة انعكاس أفقي للهلال وهو متقدم على الشمس ولهذا سيكون وضع الهلال بالنسبة للتقويس وفتحة التقويس هو وضعه في النصف الأخير من الشهر ويكون بهذا الشكل:
ولو لم يكن هذا الهلال انعكاساً لوضعه قبل ولادته وكانت رؤيته حقيقية لا انعكاساً لكان شكله هكذا:
وتعليل هذه الظاهرة أن تقويس القمر دائما يكون إلى قربه من الشمس سواءً أكان أول الشهر أو آخره، ولو وجدت مناقشة لمدعي الرؤية ومنها أين قرنا الهلال؟ هل هما إلى الشرق أم إلى الغرب؟ لظهرت حقيقة هذه الرؤية هل هي انعكاس أو حقيقة؟ فإن كان قرناه إلى الشرق فهي رؤية حقيقية، وإن كان قرناه إلى الغرب فهي رؤية انعكاسية.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/324)
وهذا جواب عن هذا الإيراد وتفسير لهذه الظاهرة من أن الهلال قد يُرى بعد غروب الشمس والحال أنه لم يولد بعدُ فهذه رؤية سرابية لا رؤية حقيقية. والله أعلم.
الولادة الفلكية للأشهر القمرية لعام 1425 هـ
(رجب، شعبان، رمضان، شوال).
(1) ولادة شهر رجب:
يولد هلال شهر رجب صباح يوم الاثنين الموافق 30/ 6 / 1425 هـ الساعة (4) و (25) دقيقة صباحا، ويغرب الهلال مساء هذا اليوم الاثنين بعد غروب الشمس بمقدار اثنتين وثلاثين دقيقة أي يغرب الساعة (7) و (23) دقيقة مساء وبهذا يكون يوم الثلاثاء الموافق 17/ 8/2004 م هو أول يوم لشهر رجب سنة 1425 هـ، ويكون الترائي الصحيح للهلال هو مساء يوم الاثنين الموافق 30/ 6/1425 هـ بعد غروب الشمس.
ولا يصح ترائي الهلال مساء يوم الأحد الموافق 29/ 6/1425 هـ حيث إن الشمس تغرب هذا اليوم قبل ولادة الهلال بأكثر من ثمان ساعات.
(2) ولادة شهر شعبان:
يولد هلال شهر شعبان مساء يوم الثلاثاء الموافق 29/ 7/1425 هـ الساعة (5) و (30) دقيقة مساء، ويغرب الهلال في هذا اليوم الثلاثاء بعد غروب الشمس بسبع دقائق أي في الساعة (6) و (32) دقيقة مساء، وبهذا يكون يوم الأربعاء الموافق 15/ 9/2004م هو أول يوم من أيام شهر شعبان.
ويكون الترائي الصحيح للهلال (هلال شهر شعبان) هو مساء يوم الثلاثاء بعد غروب شمس هذا اليوم 29/ 7/1425هـ ولا يصح ترائي الهلال مساء يوم الاثنين 28/ 7/1425هـ لكون الهلال لم يولد حيث تغرب الشمس في هذا اليوم قبل ولادته بما لا يقل عن ثلاث وعشرين ساعة.
(3) ولادة شهر رمضان:
يولد هلال شهر رمضان المبارك يوم الخميس صباحا الساعة (5) و (49) دقيقة الموافق 30/ 8/1425هـ، ويغرب الهلال في هذا اليوم الخميس بعد غروب الشمس بمقدار ثمان عشرة دقيقة أي يغرب الساعة (6) و (15) دقيقة وبهذا يكون يوم الجمعة الموافق 15/ 10/2004م هو أول يوم من شهر رمضان المبارك.
ويكون الترائي الصحيح لشهر رمضان هو مساء يوم الخميس الموافق 30/ 8/1425هـ بعد غروب شمس هذا اليوم. ولا يصح ترائي الهلال مساء يوم الأربعاء 29/ 8/1425هـ حيث إن الشمس غربت ذلك اليوم قبل ولادة الهلال بما لا يقل عن إحدى عشرة ساعة.
(4) ولادة شهر شوال:
يولد هلال شهر شوال مساء يوم الجمعة الموافق 29/ 9/1425هـ الساعة (5,28) مساء أي قبل غروب الشمس باثنتي عشرة دقيقة حيث تغرب شمس هذا اليوم يوم الجمعة الساعة (5,40) مساء، ونظرا إلى أن بين ولادة الهلال وغروب الشمس زمنا قصيرا جدا قدره اثنتا عشرة دقيقة فالاحتمال قوي جدا قد تتجاوز نسبته 99% ألا يرى الهلال حيث إن غروبه مع الشمس.
ونظرا إلى أن الهلال مولود قبل غروب الشمس باثنتي عشرة دقيقة فلو جاء شاهدان أو أكثر وشهدوا برؤية الهلال وتم تعديلهم شرعا فقد اتفقت الرؤية الشرعية مع الحساب الفلكي على ثبوت دخول شهر شوال وبذلك يكون يوم السبت الموافق 13/ 11/2004م هو أول يوم من شهر شوال ويكون ذلك اليوم هو يوم العيد. ولكن نظرا لتعسر رؤيته بعد غروب شمس يوم الجمعة الموافق 29/ 9/1425هـ إن لم تتعذر الرؤية فالاحتمال القوي الغالب أن يوم السبت هو آخر يوم لشهر رمضان وأن يوم العيد هو يوم الأحد الموافق 14/ 11/2004م.
هذا ما تيسر إيراده وأرجو الله تعالى أن يحسن قصدي وأن يجعل الإصلاح هدفي ومرامي فما أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنبت وهو رب العرش العظيم. والله المستعان
ـ[أبو محمد الفرحي]ــــــــ[30 - 10 - 07, 12:05 م]ـ
وهذا موقع أخر يسمى [جمعية الفلكى بالقطيف]، وكيفية استطلاع شهر شوال الفائت بالصور، واى المناطق التى يمكن رؤية الهلال بها فى يوم الجمعة واين كان موقعه أيام الخميس والجمعة والسبت، فى كل من القطيف والمدينة المنورة، مع ملاحظة ان الأظهر لللأعين فى المدينة المنورة كان كوكب عطارد
http://qasweb.org/qasforum/index.php?showtopic=7843
يمكن أيضا النظر إلى الأيام البيض 13, 14, 15 ومدى توافقها مع الواقع حيث أن البدر حسب المعطيات العلمية يكتمل يوم الجمعة الساعة 07:52 بتوقيت مكة المكرمة وهو يوافق 15 شوال بالسعودية مما يعني أن معظم الأيام البيض قد مضى قبل اكتمال البدر (مضت 62 ساعة وبقي 10ساعات فقط) بينما سيكون الحال أحسن باعتبار يوم السبت 13 أكتوبر هو فاتح شوال في هذه الحالة الإبدار يتوسط الأيام البيض بشكل أفضل (38 ساعة قبل وقت الإبدار و34 ساعة بعد) والله أعلم
Full Moon on 26 October 2007 at 07:52 (Universal Time + 3h).
ـ[خالد بن عمر]ــــــــ[30 - 10 - 07, 06:18 م]ـ
لإثراء الموضوع
هذا سؤال وجهه الشيخ أحمد القاضي وفقه الله للشيخ محمد بن عثيمين
مسألة (252) (16/ 10/1420هـ)
سألت شيخنا رحمه الله: ذكرتم فيما مضى ضابطاً في مسألة الهلال: أنه يؤخذ بكلام الفلكيين في النفي لا في الإثبات، فما المراد: حسابات الفلكيين أم مراصدهم؟
فأجاب: المقصود المراصد، بمعنى أنهم يتابعون القمر طوال الشهر بالمراصد، فإذا حكموا بأن الهلال لا يمكن أن يولد في ليلة معينة أُخِذَ بقولهم.
لكن لو قالوا إنهم رأوه أو أنه يولد تلك الليلة فيغيب قبل مغيب الشمس، لم نعتمد قولهم، لأن الله إنما تعبدنا برؤيته بالعين المجردة
http://www.al-aqidah.com/?aid=show&uid=q8re0y20
.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/325)
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[30 - 10 - 07, 08:41 م]ـ
السلام عليكم
هذا قرار هيئة كبار العلماء والشيخ منهم وموقع معهم
· * قرار رقم (108) وتاريخ 2\ 11\1403هـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وبعد:
ففي الدورة الثانية والعشرين لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الطائف، ابتداء من العشرين من شهر شوال حتى الثاني من شهر ذي القعدة عام 1403هـ بحث المجلس موضوع إنشاء مراصد فلكية يستعان بها عند تحري رؤية الهلال، بناء على الأمر السامي الموجه إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد برقم (4\ص\19524) وتاريخ 18\ 8\1403هـ، والمحال من سماحته إلى الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (2652\ 1\د)، وتاريخ 1\ 9\1403هـ واطلع على قرار اللجنة المشكلة بناء على الأمر السامي رقم (6\ 2) وتاريخ 2\ 1\1403هـ، والمكونة من أصحاب الفضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي عضو هيئة كبار العلماء وأعضاء الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى، والشيخ محمد بن عبد الرحيم الخالد، ومندوب جامعة الملك سعود الدكتور فضل أحمد نور محمد، والتي درست موضوع الاستعانة بالمراصد على تحري رؤية الهلال، وأصدرت في ذلك قرارها المؤرخ في 16\ 5\1403هـ المتضمن:
أنه اتفق رأي الجميع على النقاط الست التالية:
1 - إنشاء المراصد كعامل مساعد على تحري رؤية الهلال لا مانع منه شرعا.
2 - إذا رئي الهلال بالعين المجردة، فالعمل بهذه الرؤية، وإن لم ير بالمرصد.
3 - إذا رئي الهلال بالمرصد رؤية حقيقية بواسطة المنظار تعين العمل بهذه الرؤية، ولو لم ير بالعين المجردة؛ وذلك لقول الله تعالى: سورة البقرة الآية 185فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ولعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: صحيح البخاري الصوم (1907)، صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2122)، سنن ابن ماجه الصيام (1654)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 5)، موطأ مالك الصيام (634)، سنن الدارمي الصوم (1690).لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما، ولقوله عليه الصلاة والسلام: سنن النسائي الصيام (2117).صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم. . . الحديث يصدق أنه رئي الهلال، سواء كانت الرؤية بالعين المجردة أم بها عن طريق المنظار، ولأن المثبت مقدم على النافي.
4 - يطلب من المراصد من قبل الجهة المختصة عن إثبات الهلال تحري رؤية الهلال في ليلة مظنته، بغض النظر عن احتمال وجود الهلال بالحساب من عدمه.
5 - يحسن إنشاء مراصد متكاملة الأجهزة للاستفادة منها في جهات المملكة الأربع، تعين مواقعها وتكاليفها بواسطة المختصين في هذا المجال.
6 - تعميم مراصد متنقلة؛ لتحري رؤية الهلال في الأماكن التي تكون مظنة رؤية الهلال، مع الاستعانة بالأشخاص المشهورين بحدة البصر، وخاصة الذين سبق لهم رؤية الهلال. ا هـ.
وبعد أن قام المجلس بدراسة الموضوع ومناقشته ورجع إلى قراره رقم (2) الذي أصدره في دورته الثانية المنعقدة في شهر شعبان من عام 1394هـ في موضوع الأهلة قرر بالإجماع: الموافقة على النقاط الست التي توصلت إليها اللجنة المذكورة أعلاه، بشرط أن تكون الرؤية بالمرصد أو غيره ممن تثبت عدالته شرعا لدى القضاء كالمتبع، وأن لا يعتمد على الحساب في إثبات دخول الشهر أو خروجه.
وبالله التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
·هيئة كبار العلماء
· عبد الرزاق عفيفي
· عبد الله خياط
· عبد العزيز بن صالح
· عبد العزيز بن عبد الله بن باز
· عبد المجيد حسن
· إبراهيم بن محمد آل الشيخ
· سليمان بن عبيد
· صالح بن غصون
· راشد بن خنين
· عبد الله بن منيع
· صالح اللحيدان
· عبد الله بن غديان
· محمد بن جبير
· عبد الله بن قعود
المصدر ( https://w8.info.tm/dmirror/http/www.alifta.com/Search/ResultDetails.aspx?view=result&fatwaNum=&FatwaNumID=&ID=261&searchScope=1&SearchScopeLevels1=&SearchScopeLevels2=&highLight=1&SearchType=EXACT&bookID=&LeftVal=556&RightVal=557&simple=&SearchCriteria=Allwords&siteSection=1&searchkeyword=216177216164217138216169#first
قال الشيخ الألباني :
eyWor dFound)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/326)
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[30 - 10 - 07, 08:46 م]ـ
·الصوم والإفطار برؤية الهلال أو إكمال العدة لا بالحساب
·صالح بن فوزان الفوزان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
ففي كل سنة يحصل عند دخول شهر رمضان وخروجه لغطٌ من بعض الكتَّاب في الصحف حول دخول الشهر وخروجه، ويقدمون هذا اللغط قبل دخول الشهر أو خروجه بأن الهلال يُرى أو لا يُرى، اعتماداً على اختلاف أهل الحساب، لأن الحساب عمل بشري يخطئ ويصيب ولا يمكن أن يتفق الحاسبون فيما بينهم ولو اتفقوا، فعملهم عمل بشري يخطئ ويصيب ويدخله الجهل، وقد لا يوجد حاسبون في بعض الأوقات أو بعض الجهات، فلذلك لم يكلنا الله إلى أنفسنا بل ربط الحكم بعلامة ظاهرة يراها العالم والجاهل والحاسب وغيره، وهي في كل وقت وفي كل زمان، وهي رؤية الهلال فقال صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له)، وفي رواية: فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً)، فعلق صلى الله عليه وسلم الصوم والإفطار بعلامتين واضحتين لا ثالثة لهما: الرؤية أو إكمال العدة.
وقد قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} فالأمر واضح والحمد لله والدين يسر.
ولكن هناك جماعة من الإخوة - هداهم الله - ممن يتعاطون الحساب الفلكي يريدون أن يحولوا المسلمين عما تركهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصاهم به في أمر الصيام والإفطار إلى العمل بالحساب الفلكي وترك العمل بالرؤية الشرعية.
وهذا إحداث في دين الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وفي رواية (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إني رأيت الناس في شهر صومهم وفي غيره أيضاً منهم من يصغى إلى ما يقوله بعض جهال أهل الحساب: من أن الهلال يُرى أو لا يُرى ويبني على ذلك إما في باطنه، وإما في باطنه وظاهره، حتى بلغني أن من القضاة من كان يرد شهادة العدد من العدول لقول الحاسب الجاهل الكاذب: إنه يُرى أو لا يُرى فيكون ممن كذب بالحق لما جاءه ..
إلى أن قال رحمه الله: فإننا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى لا يجوز.
والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً ولا خلاف حديث.
إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا.
وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصاً بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه. فأما إتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم. انتهى كلامه -رحمه الله- (مجموع الفتاوى 25 - 131 - 132).
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين).
ومن هذا يتبين أن المعول عليه في إثبات الصوم والفطر وسائر الشهور هو الرؤية أو إكمال العدة، ولا عبرة شرعاً بمجرد ولادة القمر في إثبات الشهر القمري بدءاً وانتهاءً بإجماع أهل العلم المعتد بهم ما لم تثبت رؤيته شرعاً. وهذا بالنسبة لتوقيت العبادات. ومن خالف في ذلك من المعاصرين فمسبوق بإجماع من قبله وقوله مردود لأنه لا كلام لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مع إجماع السلف). انتهى. (من مجمع فتاوى ومقالات 15 - 110).
ثم لو فرضنا أنه لو حصل خلاف بالعمل بالحساب أو برؤية الهلال بين العلماء وصدر الأمر من ولي الأمر باعتماد الرؤية وجب العمل بذلك والسمع والطاعة جمعاً للكلمة.
ولأن حكم الحاكم يرفع الخلاف كما هي القاعدة عند العلماء، فكيف والأمر مقصور على الرؤية الشرعية دون الحساب.
فعلى الإخوة الذين يتحمسون للعمل بالحساب في دخول شهر رمضان وخروجه وفي بداية شهر ذي الحجة أن يتقوا الله ولا يشوشوا على الناس ويسيئوا الظن بالقضاة ويجهلوهم ويسيئوا الظن بالذين رأوا الهلال وقد قيل: ما راء كمن سمعا.
قد يقول قائل لماذا الناس يعتمدون على الحساب في مواقيت الصلاة ولا يعتمدونه في دخول الشهر وخروجه؟
والجواب عن ذلك أن نقول الاعتماد في مواقيت الصلوات الخمس على العلامات التي ذكرها الله بقوله: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة الفجر يدخل وقتها بطلوع الفجر، وصلاة الظهر يدخل وقتها بزوال الشمس، وصلاة العصر يدخل وقتها بمساواة ظل الشاخص له، وصلاة المغرب يدخل وقتها بغروب الشمس، وصلاة العشاء يدخل وقتها بمغيب الشفق الأحمر، وهي علامات بارزة يراها الناس بأعينهم لا بالحساب فقط.
هذا ما أردت التنبيه عليه وأرجو من إخواني الفلكيين أن لا يشوشوا على الناس ويجعلوا أنفسهم عرضة لكلام الناس فيهم إذا رأوا اختلاف قولهم عن الواقع. والله الهادي إلى سبيل الحق
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآل وصحبه.
·عضو هيئة كبار العلماء
المصدر - جريدة الجزيرة ( https://w8.info.tm/dmirror/http/www.al-jazirah.com.sa/100793/ln3d.htm)
المصدر - جريدة الوطن ( https://w8.info.tm/dmirror/http/alwatan.com.sa/news/ad2.asp?issueno=2583&id=1236)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/327)
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[30 - 10 - 07, 09:21 م]ـ
أحب أن أنبه الإخوة إلى أمور عدة:
أولها: أنه على فرض مرجوحية الرأي الذي اعتمده الشيخ ابن منيع -حفظه الله وسدده- في المقال الذي نناقشه .. فإنه لا يجوز بحال من الأحوال التعرض لشخص الشيخ بلمز أو جرح كما فعل الدكتور الرشودي، وعلى أقل تقدير فالشيخ أكبر سناً وله خدماته الجليلة لدين الله عز وجل منذ زمن بعيد. وعلينا أن نعرف أنه لا ينبغي للصغار الدخول بين الأقران من أهل العلم.
ثانيها: أنه ينبغي أن يُحترَم هذا الرأي الذي له وجهه وأن لا يُقصَى صاحبه ويتهَم إن كان من أهل العلم.
ثالثها: أن الذي نقله الأخ أبو أحمد الهذلي من قرار للهيئة وفيه توقيع الشيخ لا يعني أنه لم يكن يقول بهذا من قبل، إذ الذي في القرار لا يتعلق بصلب رأيه في المقال. وأظنه لا زال يقول بما وقع عليه في القرار إلى الآن.
رابعها: إن لم تكن المشاركة علميةً فليتها تمحى حتى يكون الموضوع مفيداً والحوار سديداً. وجزاكم الله خيراً.
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[31 - 10 - 07, 12:12 ص]ـ
اقتباس
" ثالثها: أن الذي نقله الأخ أبو أحمد الهذلي من قرار للهيئة وفيه توقيع الشيخ لا يعني أنه لم يكن يقول بهذا من قبل، إذ الذي في القرار لا يتعلق بصلب رأيه في المقال. وأظنه لا زال يقول بما وقع عليه في القرار إلى الآن."
أخي الفاضل: ما نقلته سابقا
بناء على الأمر السامي رقم (6\ 2) وتاريخ 2\ 1\1403هـ
ولا يخفى عليك أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، ولا يجوز الافتيات عليه ولا تشكيك الناس في عبادتهم، هب أن الحق معه ورأي مجلس القضاء مرجوح فاختار الوالي ذلك فإنه يرفع الخلاف. ولو كان مرجوحا، فكيف ولو كان هو الراجح فاختار الحاكم ذلك فإنه يزيد الراجح رجحانا وقوة 0
ولعل ذلك هو الذي جعل في رد الرشود قوة ونصرة للحق وابراء لذمة المجلس ولذمة الحاكم 0
ـ[محمد البيلى]ــــــــ[31 - 10 - 07, 12:45 ص]ـ
آسف للتطفل على موائد الكرام،و لكن سؤال أرجو إجابته من فضلكم:
لو شهد عدول على عمرو مقطوع اليد أنه قتل زيدا بيده، هل تقبل شهادته؟
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[31 - 10 - 07, 06:41 ص]ـ
أخي أحمد بارك الله فيك
قصدتُ أن مقال الشيخ ابن منيع في وادٍ، والقرار في وادٍ آخر.
الشيخ يقول باعتبار الرؤية واعتمادها ولا يرى العبرة بخبر الحساب، ولكنه يعتمد كلامهم في النفي لا الإثبات.
وأنا لست في صدد ترجيح كلامه، ولكني أحببت أن أبيّن كيفية التعامل مع مثل هذا الأمر ..
ثم إن مثل الشيخ ابن منيع لا ينبغي أن يتصدى للرد عليه مثل الدكتور الرشودي ولا أنظاره، بل الرد لا يكون مناسباً إلا من أحد أقرانه. وللرشودي أن يعلق على القول دون أن يتعرض للشخص ويلمزه ببعض فتاواه أو آرائه الفقهية الاجتهادية ويطعن فيه. وبالله التوفيق.
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[31 - 10 - 07, 10:16 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخوة الكرام الفضلاء
أسعدنى كثيرا" مشاركتكم و الإستئناس بأرائكم
،، ومرحبا" بالأخ الكريم والشيخ الجليل / أبو يوسف، وكنا ننتظر منكم ومن إخواننا الكرام أصحاب العلم والفضل، أرائكم العلمية للمزيد من إثراء الموضوع، لما لمسناه من جهودكم الوفيرة وأرائكم السديدة (نحسبكم كذلك) أنتم وبعض الأخوة الكرام فى المنتدى، وهذا ليس بالموضوع الذى يزهد فيه صاحب علم ومن يملك فضل منه، وما ذاك الا للإنتفاع والإسترشاد برؤى وأفكار قد تخفى وتندر عمن هو على شاكلتى
الأخ الكريم / أبو أحمد الهزلى - وفقه الله
ولا يجوز الافتيات عليه ولا تشكيك الناس في عبادتهم
أُمرنا ان نحسن الظن بالعلماء الأجلاء أمثال الشيخ حفظهم الله، ومن حسن ظننا بهم الا نعتقد ان هذا مايفعلونه، وأن نعتقد أنهم إذا أتوا بمخالف لم يجد له صدى أو رأيا" معضدا"، فلن يكون الهوى مبناه أو مبتغاه،،وإنهم إنما اتوا به على سبيل النصح فى دين الله عز وجل لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وحتى لو قضى الأمر فى ما أتوا به ونفد واستقر، فلا يقال عنه تشكيكا" للناس فى عبادتهم، ولكنه علم يقينى ثبت لدى احدهم ويخاف كتمانه، واما عن اسلوب طرح الشيخ ابن منيع حفظه الله فى صفحات الجرائد، فهو وحده يعلم لماذا أتخذ الى ذلك سبيلا ولابد ان له فيه مبرر قوى لانعلمه ولا نطالب به، وحسبنا منه ان كان لنا مجالا للتدارس والتباحث على صفحات هذا المنتدى الكريم.
،، وعودة الى الطرح العلمى للموضع - يرحمنى الله وإياكم
،، فبعد كثير مطالعة فى هذه المسألة، وجدت ان الخلاف والإشكال ينحصر فى ثلاث حالات، الا ان يرى غيرذلك من إخوانى أصحاب النظر الثاقب
أولها: وهو شهادة الشهود على رؤية الهلال، وقد ثبت بالحساب مدعما" بالرؤية العينية المجردة بالإضافة الى استخدام المراصيد والتليسكوبات الآلية والإلكترونية المحوسبة، انه قد غرب قبل غروب الشمس، وهى الحالة الشائعة التى عليها مدار الخلاف بين علماء الشريعة والفلك.
ثانيها: شهادة الشهود برؤية الهلال فى مكان، يقول عنه الفلكيون، باستحالة الرؤية من هذا المكان بسبب خصائص الهلال التى لا يمكن معها رؤيته بالعين المجردة وهناك احتمال غير كبير فى رؤيته بالمراصد ذات قوة تقريب للصورة بعدة الآلاف من الأميال، مع إقرارهم بولادته، واستمراره فى السماء بعد غروب الشمس، و إقرارهم بإمكان رؤيته من مكان آخر من العالم بالعين المجردة.
ثالثها: شهادة الشهود برؤية الهلال فى السماء، والحال انه لم يولد بعد، او وُلد بليل.
،،، هذه هى أهم حالات الخلاف التى رأيتها، وسنتواصل إن شاء الله تعالى فى تفنيد هذه الحالات وحل تلك الإشكالات بحلول تجعل المقدمة شرعية، واليد العليا لشرع الله عز وجل، وبتوفيق الأقوال بين الأمر الشرعى والمستحيل العقلى.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/328)
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[31 - 10 - 07, 11:24 ص]ـ
وفقكم الله وأحسن إليكم.
شيخنا الكريم ابن وهب نفع الله بك:
إذا كان الحديث عن مسألة " الرؤية الأولى " فليس هناك يقين إلى ساعتنا - فيما أحسب - ... وإن كانت هناك وقفة حول اعتبار قول المخالف مهما كان قوله شاذًا ... أو ضعف نسبة الاحتمال ...
وقد كنت قلتُ في مشاركة سابقة في غير هذا الرابط: هم في بعض الحالات يقرون بأنهم لم يصلوا إلى القطع بـ " إمكانية رؤية الهلال " وأؤكد على قولي: في بعض الحالات ... وهذا من انصافهم ... ومراعاتهم للمنهجية العلمية والدقة في تقديم المعلومات.
وقد ذكروا عن علماء الفلك من قديم أن للقمر الموجود ثلاث حالات ... أشار إليها الإمام السبكي ... وبعده الشهاب الرملي:
حالة يقطع فيها بوجوده وامتناع رؤيته.
حالة يقطع فيها بوجوده ورؤيته.
حالة يقطع فيها بوجوده ويجوزون رؤيته.
والملاحظ أن ادعاء الرؤية في حالة الاقتران أو قبله غير داخلة هنا.
وقد أضاف بعض المعاصرين زيادة تقسيم على هذه الحالات الغرض منها التدقيق في الأمر ...
وإن كانت الإشارة في مسألة اليقين لغير ذلك فقد رأيت أحد من له اهتمام بهذه المسألة يقول بعد حكايته حوصلة حول النماذج والمعايير المعدة قديمًا وحديثًا حول التنبؤ برؤية الهلال أو استحالة ذلك في يوم مّا أو مكان مّا: ( ... ولكن هناك أمرًا مهما جدًا يجب علينا توضيحه فورا؛ فالقارئ لا بدّ أن يكون قد انتبه إلى أن كل هذه الأعمال والبحوث العلمية كانت تهدف إلى ايجاد شروط التنبؤ برؤية الهلال الجديد - أي بعد بعد الاقتران - وليس فقط حساب موقع القمر، ومعرفة ما إذا كان الشهر القمري قد ابتدأ < فلكيا > أم لا، إذ إن هذه المسألة الأخيرة تتعلق بعلم حركة الأجرام السماوية فقط، وهي مشكلة محلولة منذ زمن طويل، منذ أن وضع " كبلر " و" نيوتن " قوانين الحركة للأجسام، بما فيها الكواكب والأقمار، إن حساب مسار الكواكب والأقمار، وتقدير مواقع الهلال ومنازله؛ صار اليوم أمرًا بسيطًا وبديهيًا، حتى إن علم الفلك يستطيع اليوم معرفة زمن الاقتران - تراصف الشمس والقمر والأرض - وهو الزمن الذي يعرف بداية الشهر القمري فلكيا، هذا الزمن يمكن ضبطه بأقل من دقيقة على فترات طويلة جدًا ... ).
أقول: ولا يخفى عليكم - وفقكم الله - أن اليقين في مثل هذه النتائج أتى من تتابع التجربة ... والاستقراء ... والبرهان الحسي.
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[31 - 10 - 07, 03:48 م]ـ
شكر الله لأخينا مصطفى توضيحه وبيانه.
وأقول الخلاف أبعد من هذا - أعزك الله - فهو يرجع إلى عدم اعتبار الحسابات الفلكية أصلا في هذه المسألة ... وربما تعدى هذا عند بعضهم إلى التشنيع على علماء الفلك والتشكيك في علمهم ... وعده ضربًا من التنجيم أو التخمين.
والإشكال الآخر ... عدم تحرير بعض نقط الخلاف بين الفقهاء و كثير من علماء الفلك ... فمتكلم يتهمهم بالدعوة للعلمانية الزائفة ... وآخر يتهمهم بتغيير شرع الله والدعوة للبدعة ... وكل بدعة ضلالة ... وربما أضاف وصاحبها ... وآخر يجعل من الرؤية البصرية والحسابات ضدين لا يجتمعان ... وخصمين لا يلتقيان .. الخ سلاسل التهم التى مرّ عليك بعضها حتى في هذا الرابط. ... وجلّ القوم أبرياء من هذا كله .. بل إلى تصحيح العبادة يسعون ليس غير ... وفي سبيل تحقيق غرض الشارع يعملون ... والأمر أقرب من ذلك بكثير ... وقد رفع الله قدر الفقهاء وطلبة العلم أن يعطوا فرصة لأحمق فيرميهم بمعادة العلم النافع الموافق لما ينادي به كتابهم وسنة نبيهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ... بل الذي عهدناه من طلبة العلم وشيوخهم الغر الميامين أن يواكبوا العلم أنى حلت ركائبه ... ويظهروا لكل متحذلق أنهم متقدمون عليه بخطوة ... بل خطوات في طريق العلم اللاحب الذي ما وقف أمامه واقف إلا بطحه إلى قفاه ...
وأما مسألة الشيوخ فالأحسن الإعراض عن الخوض في ذلك لأنه طريق مسدود ... وشيوخنا هم شيوخنا وساداتنا ... نعمل بما تعلمناه منهم من البحث عن الحق ... وتحري مسالكه ودروبه ... مع معرفة الفضل لأهله عن علم وبصيرة ... لا عن تقليد وعاطفة في غير محلها ... فكل من رام المزايدة على هذا فقد باء بالخسران ... ونادى على نفسه بما يزري عليها.
أما دعاوى الرؤية المغلوطة فهي كما ذكرت ... نفع الله بك ... وهي المحرك الكبير ... لكلام من تكلم من بعض القدماء وجلّ المعاصرين ... مع ما تبعها من اختلاف بلدان الإسلام إلى أربعة أقسام في صومهم وفطرهم أحيانًا ... في وقت ما كان ينبغي أن يحدث فيه هذا ... والعالم أضحى قرية واحدة ... والاختلاف في مثل هذا ... ولمثل هذا السبب شرٌ مستطير ... وجهل فاضح لا يليق بأمةٍ القرآن دستورها ... ومنبع علمها وسبب هدايتها ... وسنة النبي محمد خاتم الرسل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - منارة اهتدائها ... وطريق عصمتها من الشقاق والاختلاف ... فما بال قومنا إلى هذا الحال قد وصلوا؟
وقد وفق الله عباده لكثير من الطرق والوسائل لتصحيح ذلك ... منها .. بل من أنفعها الحسابات الفلكية العلمية المضبوطة الصادرة من أهل الفنّ الذين عرفوا به وتحققوا به ... فلمَ لا نستفيد مما سخره الله لتحقيق مراده؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/329)
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[01 - 11 - 07, 12:14 ص]ـ
شيخنا الجليل / الفهم الصحيح
أحسنتم وأحسن الله اليكم وزادكم بسطة فى العلم والحلم، ونفعنا بعلمكم، وأسأله تعالى ان يجعل لى حظا" من معرفكم، بارك الله فيكم
،، قبل ان اتواصل معكم وأخوانى الكرام فى الناحية العلمية للموضوع، وددت أن أشير الى نعمة الله علينا فى مشاركتكم لنا ودعمكم ايانا فى بسط شئ من مصداقية هذا العلم بين يدى مشاخينا الكرام وإخواننا الأحباب فى هذا المنتدى المبارك، واحسب ان كثيرا منهم قد شرح الله صدورهم لتحريه والبحث فيه، وقبول قول المخالف فيه ولو كانوا لا يقدّرونه بما يكفى للاعتداد به،
،، ولا نزال وإياكم نذكّرهم بقول الفاروق رضى الله عنه [[هو والله خير]]، حتى يهدى الله عز وجل اليه من يشاء
،، وأود أن أعرج سريعا" - بارك الله فيكم - على قطعية ودقة حسابات هذا العلم
- فمن دقة هذه الحسابات، بخلاف تحديد مواعيد الخسوف والكسوف، هو انه سببا" بإذن الله تعالى فى تيسير حياتنا المعيشية، فالهواتف الجوالة والأرضية والإتصالات بين الدول شرقا" وغربا"، قائمة على حسابات علم الفلك، و كذلك البث الإذاعى والمرئى، وأيضا الصعود الى القمر، وإطلاق المسبارات الفضائية التى تكتشف الكواكب الأخرى ورصدها، كل ذلك بإجراء عملية حسابية واحدة فقط وهى:
حساب بعد المدار الفلكى الذى يوضع فيه الأقمار الصناعية التى تستخدم فى جل ماسبق من خدمات للانسان، مجرد حساب المسافة بين الأرض وبين هذا المدار
فمعلوم بعد التقدم العلمى الهائل، إكتشاف ان الأرض لها حركة دائرية كل 24 ساعة حول نفسها، ومعلوم أن الهوائيات الطبقية (الأصحن الفضائية)، او (الديش فى بعض البلدان)، يتم تثبيتها على سطح الأرض ليلتقط إشارة الأقمار الصناعية، فمع حركة الأرض هذه فالبديهى ان هذه الصحون لن تلتقط الإشارات الا اذا كانت فى نفس موقع و اتجاه القمر الصناعى، ولن تلتقطه الا فى مدة مروره فى هذا الإتجاه وبقية اليوم لن تلتقطه،، فكان هنا دور الفلك بالإشتراك مع علم الفيزياء فى تحديد المدار الذى عنده تتساوى كل من قوة الجاذبية الأرضية المؤثرة على الأقمار الصناعية، والقوة الطاردة المركزية التى تعادل هذه القوة اذا ما سار القمر الصناعى بسرعة مناظرة لسرعة دوران الأرض،والذى عنده يستقر القمر الصناعى فى الموقع الذى يوضع فيه بالنسبة الى الأرض، وهذا المدار يسمى علميا" بحزام كلارك نسبة الى من إكتشفه،، وبذلك أمكن تثبيت القمر الصناعى فوق منطقة معينة من الأرض، لا يتزحزح عنها حتى ينتهى العمر الأفتراضى لمحركه
،، وهناك أيضا الرحلات الى سطح القمر، فهذه لا شك انها تستلزم حسابات مكان القمر فى وقت وصول المكوك الفضائى اليه والحط على سطحه، وتستلزم حساب الأماكن المؤهلة على سطح القمر لحط المكوك، وتستلزم حساب سرعة الصواريخ الحاملة للمكوك وحساب الوقت الذى تقطعه لتلاقى سطح القمر فى نقطة التلاقى المحددة سلفا"،، الى ذلك من حسابات معقدة لإتمام عملية الصعود الى سطح القمر والعودة منه، فلو كانت هذه الحسابات فيها نسبة خطأ ولو دقيقة جدا"، لذهب كل ذلك أدراج الرياح ولكان مصير أولئك الذين صعدوا الى سطح القمر الموت المحقق، وهذا واقيعا" لم يتحقق، دلالة على الدقة المتناهية لهذه الحسابات.
،، وأيضا أسترشد ببعض التجارب التى أجراها المهندس / محمد عودة - رئيس المشروع الإسلامى لرصد الأهلة، من المقال المشار اليه فى الرابط الموضوع آنفا:
ونورد أدناه بعض الأمثلة التي تبين دقة الحسابات الفلكية:
أولا: تقوم لجنة رصد الاحتجابات الفلكية في الجمعية الفلكية الأردنية برصد الاحتجابات القمرية باستمرار، والاحتجاب القمري هو اختفاء أحد الأجرام السماوية خلف قرص القمر نتيجة لدوران القمر حول الأرض، و في يوم 22/ 3/1999 دلت الحسابات الفلكية المسبقة على أن نجم الدبران سيختفي خلف قرص القمر في تمام الساعة 09 مساءً و 35 دقيقة و 41 ثانية، وتم التجهيز للرصد والاستماع إلى إذاعة إشارات الوقت المبثوثة من موسكو والتي يمكن التقاطها على الموجة 2.5 أو 5 أو 10 أو 15 أو 20 MHz، وتقوم الإذاعة ببث رنة كل ثانية، وهي تستخدم من قبل الفلكيين والمساحين والملاحين، وبقي نجم الدبران ظاهرا حتى الثانية 40 وما أن رنت
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/330)
الثانية 41 حتى اختفى نجم الدبران خلف قرص القمر! بالطبع لقد قامت الجمعية برصد العديد من الاحتجابات الأخرى وجميعها حدثت في نفس الثانية التي دلت عليها الحسابات الفلكية المسبقة.
ثانيا: يوم كسوف 11/ 8/1999 دلت الحسابات الفلكية أن الكسوف سيبدأ من منطقة الرصد (مبنى أمانة عمّان الكبرى) في مدينة عمان في تمام الساعة 01 ظهراً و 16 دقيقة و17 ثانية وسينتهي في تمام الساعة 04 عصراً و 01 دقيقة و21 ثانية، وقد جرت عملية توقيت لبداية ونهاية الكسوف، كلتاهما حدثت في نفس الثانية التي دلت عليها الحسابات الفلكية، بل و شهد عملية توقيت انتهاء الكسوف عدد من المواطنين، وبقي قرص القمر مشاهداً أمام قرص الشمس حتى الثانية 20 وغادرها تماماً عندما سمعت رنة الثانية 21! لاحظ أن المثالين السابقين يدلان على الدقة المتناهية للحسابات الفلكية، خاصة فيما يتعلق بمدار القمر، بل إن المثال الثاني دليلٌ قاطع على دقة الحسابات فيما يتعلق بموعد الاقتران، حيث إن الكسوف هو اقتران مرئي.
ثالثا: تمتلك الجمعية الفلكية الأردنية مرقباً متطوراً محوسبا يمكنه التوجه نحو أي إحداثيات سماوية مدخلة، وتم استخدامه لرصد هلال شهر جمادى الثانية 1420 هـ يوم 10 أيلول 1999، حيث تم أولاً الحصول على إحداثيات الهلال من برنامج حاسوبي، ومن ثم تم إدخال هذه الإحداثيات إلى المرقب، وعندها توجه المرقب أوتوماتيكياً نحو تلك الإحداثيات، وما أن نظرنا في المرقب حتى رأينا الهلال! إن هذا دليل واضح على دقة الحسابات الفلكية، فلولا هذه الدقة المتناهية في الإحداثيات التي تم الحصول عليها من برنامج الحاسوب لتوجه المرقب نحو موقع آخر.
قلت: فهذه شواهد حسية على دقة هذا العلم والقطع بحساباته
،، ولكن من جهة أخرى أقول كما قال الشيوخ الأفاضل، فلا يوجد فى هذه العلوم الدنيوية ما هو قطعى بنسبة مائة بالمائة، ولكن جميعها يشترك فى ما يعرف بنسبة خطأ غير محسوسة بمدارك الإنسان وحواسه، فعل سبيل المثال، الموازين المتناهية فى الدقة والتى تستخدم لوزن الذهب والمعادن النفيسة، يكون فيها نسبة خطأ ضئيلة جدا" لا تتعدى نستها 1/ 100000 من الجرام، فاذا طلبنا كمال الدقة واليقين التام فى علم عملت فيه أيدى الإنسان وعقله، فهيهات هيهات، ثم هيهات، فهذا ليس من سلطة البشر أو اى من الخلائق، ولكن الأمر يكون قطعى نسبى بالنسبة لحواس الإنسان، لأن نسبة الخطأ هذه لا يدركها الا باستخدام أدق الآلات التى توصل اليها، فهنا يحصل له اليقين الذى يوصف بأنه تام نسبة الى الإنسان، أما إذا كان على إطلاقه فهذا للخالق وحده سبحانه الذى خلق الإنسان وعلمه مالم يعلم
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[01 - 11 - 07, 01:52 م]ـ
الأخ الفاضل الكريم/ مصطفى رضوان
رضي الله عنه وأرضاه
أود أن أناقش -فقط- في قضية عدم تجويز حصول الخطأ من الحُسّاب .. (ولا بد من التفريق بين الرؤية البصرية عن طريق المراصد وبين نتائج الحساب الفلكي)
* قد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أنهم متفقون على أنهم يخطئون. //قد يقال إن هذا كان في زمانهم قبل تطور العلم الفلكي وحساباته.
* قد ذكروا أنه ربما حدث كونياً ما يخالف حساباتهم، كقولهم: لا خسوف إلا مع إبدار، ولا كسوف إلا مع إسرار.
وقد نقل بعض الأئمة كأبي شامة رحمه الله تعالى حصول حادثة تخالف هذا. وانظر المبدِع لابن مفلح.
* أنه قد حدث من تحديد بعض الحُسّاب لأوقات دخول بعض الصلوات أخطاء .. لا تخفى في عدد من بلدان الأرض وأقطار العالَم. فما القول في ذلك بارك الله فيك؟
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[01 - 11 - 07, 10:14 م]ـ
شيخنا الكريم / أبو يوسف التواب
أعزكم الله وأحسن اليكم وبارك فيكم وعليكم
* قد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أنهم متفقون على أنهم يخطئون. //قد يقال إن هذا كان في زمانهم قبل تطور العلم الفلكي وحساباته.
،، نعم أصبت شيخنا الكريم فى أخر التعليق، فلا يخفى عليكم التطور الهائل على مدار الخمسين سنة الفائتة فى العلوم والتقنية، فقبل هذا التاريخ، كان تصور أن تُعرف الأحداث حية فى نفس وقت وقوعها فى الطرف الآخر من العالم، يعد ضربا" من ضروب المستحيل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/331)
، ولا يخفى عليكم مذ أيام شيخ الإسلام وحتى عصرنا هذا، القفزة الهائلة فى علوم الرياضيات وحساب المثلثات والمعادلات الرياضية المعقدة و علوم الجبر والإستاتيكا والديناميكا والفيزياء والى ذلك والحواسيب والآلات الحاسبة،، فاصبح الإنسان لا يعتمد على ذاته فى الحساب، لان الأخطاء البشرية فى حساب الأرقام الفلكية والتى تتعدى ثلاثين رقما فى حساب المسافات بين الأرض والشمس والقمر والكواكب الأخرى فى المجموعة الشمسية، كبيرة وغير منضبطة، وهى ما كانت تسبب انعدام مصداقية هذا العلم فى هذا العصر، و قد استعيض عنها الآن بما يسمى بالثوانى والدقائق والساعات بل وبالسنين الضوئية، والتى تعتمد على سرعة الضوء (300000000 م/ث) كوحدة لها،،
الآن يستطيع الشخص الذى يعمل بهذا المجال، استخدام برامج محوسبة، يضع فيها الإحداثيات والمعلومات المطلوبة عن أى جرم سماوى، كالقمر مثلا"، وبضغطة (ماوس)، يتحدد له مكان وزمان وموقع وصفات وخصائص الجرم السماوى المطلوبة، وهذا من فتح الله ومنه على الناس
،، واليكم رابط يحكى تطور هذا العلم من منشأه، وحتى هذه اللحظة، وماهى ماهياته وفروعه وخدماته
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%85_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D9%83
قد ذكروا أنه ربما حدث كونياً ما يخالف حساباتهم، كقولهم: لا خسوف إلا مع إبدار، ولا كسوف إلا مع إسرار.
وقد نقل بعض الأئمة كأبي شامة رحمه الله تعالى حصول حادثة تخالف هذا. وانظر المبدِع لابن مفلح.
لا علم بى بهذا شيخنا الكريم، فعلمى يقف عند هذا، ولعل أحد المتخصصين فى هذا العلم يجيبكم عليه
،، ولكن ما أعلمه من الظواهر الكونية، على حد علمى لا يؤثر على الحساب، ولكن يؤثر على أدوات الحساب، بل يؤثر على المعيشة بأكملها، فهناك مايعرف بالرياح الشمسية التى تصيب الأرض، وهذه الرياح ذات طبيعة تجعل جميع الأجهزة التى تعمل بالكهرباء أو الطاقة الكهربية، او تعتمد على السيلان الإلكترونى بصفة عامه، تجعلها تتوقف عن العمل تماما"، كالميتة بلا حراك، ويعيش أهل هذه البقعة من الأرض عيشة بدائية خالية تماما من مظاهر الحياة الحديثة، كالبدو فى الصحراء، حتى السيارات تتوقف عن العمل، هذا ما أعرفه، وإن لم يكن له علاقة بما نحن بصدده، فلعلكم تخاطبون المتخصصين فى هذا العلم للإجابة عن هذا
أنه قد حدث من تحديد بعض الحُسّاب لأوقات دخول بعض الصلوات أخطاء .. لا تخفى في عدد من بلدان الأرض وأقطار العالَم.
نعم قد حدث ذلك بالفعل، ولكن الخطأ فى تحديد أوقات الصلاة ليس مرجعه خطأ فى الحساب، ولكن مرجعه جهل الحُسّاب بالأوقات الشرعية المستدل عليها بالآثار
قال فى المغنى:
أَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إجْمَاعًا، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ أَخْبَارُ الْمَوَاقِيتِ، وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُسْتَطِيرُ الْمُنْتَشِرُ فِي الْأُفُقِ، وَيُسَمَّى الْفَجْرَ الصَّادِقَ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَك عَنْ الصُّبْحِ وَبَيَّنَهُ لَك، وَالصُّبْحُ مَا جَمَعَ بَيَاضًا وَحُمْرَةً، وَمِنْهُ سُمِّيَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي لَوْنِهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ أَصْبَحَ، وَأَمَّا الْفَجْرُ الْأَوَّلُ، فَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُسْتَدَقُّ صَعِدًا مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، وَيُسَمَّى الْفَجْرَ الْكَاذِبَ.
فكما عرفه الموفق رحمه الله، فهو أول خط أبيض يظهر فى الأفق ويستعرض معه حتى يملأه، وقد قام الباحثون الذين يجمعون بين العلم الشرعى والفلكى ببحث هذا الأمر ووجدوا، ان العلامة الشرعية للفجر الصادق بعد بحث لسنتين، تتحقق عندما تكون زاوية ميل الشمس تحت الأفق بمقدار 30: 16 درجة، ولكن أهل الفلك كانو ا يحسبونها، ولا زالوا يحسبونها عند زاوية ميل الشمس 00: 18 درجة، وفى بعض البلدان مثل مصر عند 33: 19 درجة، وهذا الوقت هو ما يرونه أنه أول ضوء يشق ظلام الليل، ولكنه ضوء غير محسوس لايُدرك الا بالمنظار، لذا قام الباحثون المحققون بإصدار فرق لتوقيت صلاة الفجر لكل البلدان التى تقع بين خطى عرض 10، 40 درجة، لحساب وقت الفجر الصادق من التقاويم الحالية، وقد بُحّت أصواتهم لدى المسئولين لتعديل تلك الأوقات، او على الأقل تشكيل لجان تحرى رسمية، ولكن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/332)
لا حياة لمن تنادى، فالخطأ فى رأيى سياسى لا حسابى.
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[02 - 11 - 07, 06:10 م]ـ
أحسن الله إليكم ونفع بكم.
هنا ملحوظتان:
... ...
* قد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أنهم متفقون على أنهم يخطئون. //قد يقال إن هذا كان في زمانهم قبل تطور العلم الفلكي وحساباته.
الخطأ في كلامه يتنزل على أمرين: خطأ الواحد منهم ... وليس اجتماعهم ... كما يخطئ الواحد من الفقهاء المجتهدين في تحرير مناط أو تنقيحه ... أو معرفة علة قياس ... ...
أو المراد خطاؤهم في مسألة " إمكانية الرؤية الأولى " ... وهذا محور حديث شيخ الإسلام في رسالته الهلالية.
* قد ذكروا أنه ربما حدث كونياً ما يخالف حساباتهم، كقولهم: لا خسوف إلا مع إبدار، ولا كسوف إلا مع إسرار.
وقد نقل بعض الأئمة كأبي شامة رحمه الله تعالى حصول حادثة تخالف هذا. وانظر المبدِع لابن مفلح ...
جوابه من وجهين: الأول في قول شيخ الإسلام هنا ... أنقله على طوله لتضمنه فوائد ... قال في مجموع الفتاوى:
(بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ قَوْلِ أَهْلِ التَّقَاوِيمِ: فِي أَنَّ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ يَخْسِفُ الْقَمَرُ وَفِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ تَكْسِفُ الشَّمْسُ فَهَلْ يُصَدَّقُونَ فِي ذَلِكَ؟ وَإِذَا خَسَفَا هَلْ يُصَلَّى لَهُمَا؟ أَمْ يُسَبَّحُ؟ وَإِذَا صَلَّى كَيْفَ صِفَةُ الصَّلَاةِ؟ وَيَذْكُرُ لَنَا أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ.
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. الْخُسُوفُ وَالْكُسُوفُ لَهُمَا أَوْقَاتٌ مُقَدَّرَةٌ كَمَا لِطُلُوعِ الْهِلَالِ وَقْتٌ مُقَدَّرٌ وَذَلِكَ مَا أَجْرَى اللَّهُ عَادَتَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ , وَالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَسَائِرِ مَا يَتْبَعُ جَرَيَانَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. وَذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إلَّا بِالْحَقِّ} وَقَالَ تَعَالَى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}. وَكَمَا أَنَّ الْعَادَةَ الَّتِي أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْهِلَالَ لَا يَسْتَهِلُّ إلَّا لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ لَيْلَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ وَأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَكُونُ إلَّا ثَلَاثِينَ أَوْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ. فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ فَهُوَ غالط. فَكَذَلِكَ أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ أَنَّ الشَّمْسَ لَا تَكْسِفُ إلَّا وَقْتَ الِاسْتِسْرَارِ وَأَنَّ الْقَمَرَ لَا يَخْسِفُ إلَّا وَقْتَ الْإِبْدَارِ وَوَقْتُ إبْدَارِهِ هِيَ اللَّيَالِي الْبِيضُ الَّتِي يُسْتَحَبُّ صِيَامُ أَيَّامِهَا: لَيْلَةُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ. فَالْقَمَرُ لَا يَخْسِفُ إلَّا فِي هَذِهِ اللَّيَالِي. وَالْهِلَالُ يَسْتَسِرُّ آخِرَ الشَّهْرِ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/333)
إمَّا لَيْلَةً وَإِمَّا لَيْلَتَيْنِ. كَمَا يَسْتَسِرُّ لَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ وَالشَّمْسُ لَا تَكْسِفُ إلَّا وَقْتَ اسْتِسْرَارِهِ وَلِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَيَالِي مُعْتَادَةٌ مَنْ عَرَفَهَا عَرَفَ الْكُسُوفَ وَالْخُسُوفَ. كَمَا أَنَّ مَنْ عَلِمَ كَمْ مَضَى مِنْ الشَّهْرِ يَعْلَمُ أَنَّ الْهِلَالَ يَطْلُعُ فِي اللَّيْلَةِ الْفُلَانِيَّةِ أَوْ الَّتِي قَبْلَهَا. لَكِنَّ الْعِلْمَ بِالْعَادَةِ فِي الْهِلَالِ عِلْمٌ عَامٌّ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ وَأَمَّا الْعِلْمُ بِالْعَادَةِ فِي الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ فَإِنَّمَا يَعْرِفُهُ مَنْ يَعْرِفُ حِسَابَ جَرَيَانِهِمَا وَلَيْسَ خَبَرُ الْحَاسِبِ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ عِلْمِ الْغَيْبِ وَلَا مِنْ بَابِ مَا يُخْبِرُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَكُونُ كَذِبُهُ فِيهَا أَعْظَمَ مِنْ صِدْقِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ ثَابِتٍ وَبِنَاءً عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ صَحِيحٍ. وَفِي سُنَنِ أَبِي داود عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ النُّجُومِ فَقَدْ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ}. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ صَلَاتَهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا}. وَالْكُهَّانُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَهُ مِنْ الْمُنَجِّمِينَ فِي الْأَحْكَامِ وَمَعَ هَذَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ إتْيَانِهِمْ وَمَسْأَلَتِهِمْ فَكَيْفَ بِالْمُنَجِّمِ؟ وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ. وَأَمَّا مَا يُعْلَمُ بِالْحِسَابِ فَهُوَ مِثْلُ الْعِلْمِ بِأَوْقَاتِ الْفُصُولِ كَأَوَّلِ الرَّبِيعِ وَالصَّيْفِ وَالْخَرِيفِ وَالشِّتَاءِ لِمُحَاذَاةِ الشَّمْسِ أَوَائِلَ الْبُرُوجِ الَّتِي يَقُولُونَ فِيهَا إنَّ الشَّمْسَ نَزَلَتْ فِي بُرْجِ كَذَا: أَيْ حَاذَتْهُ. وَمَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ إنَّ الشَّمْسَ تَكْسِفُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الِاسْتِسْرَارِ فَقَدْ غَلِطَ وَقَالَ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ. وَمَا يُرْوَى عَنْ الواقدي مِنْ ذِكْرِهِ: أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَاتَ يَوْمَ الْعَاشِرِ مِنْ الشَّهْرِ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْكُسُوفِ: غَلَطٌ. والواقدي لَا يُحْتَجُّ بِمَسَانِيدِهِ فَكَيْفَ بِمَا أَرْسَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْنِدَهُ إلَى أَحَدٍ وَهَذَا فِيمَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ خَطَأٌ فَأَمَّا هَذَا فَيُعْلَمُ أَنَّهُ خَطَأٌ. وَمَنْ جَوَّزَ هَذَا فَقَدْ قَفَا مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ وَمَنْ حَاجَّ فِي ذَلِكَ فَقَدْ حَاجَّ فِي مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ اجْتِمَاعِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ فَهَذَا ذَكَرُوهُ فِي ضِمْنِ كَلَامِهِمْ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَغَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَقَدْ رَأَوْا اجْتِمَاعَهَا مَعَ الْوِتْرِ وَالظُّهْرِ وَذَكَرُوا صَلَاةَ الْعِيدِ مَعَ عَدَمِ اسْتِحْضَارِهِمْ هَلْ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْعَادَةِ أَوْ لَا يُمْكِنُ فَلَا يُوجَدُ فِي تَقْدِيرِهِمْ ذَلِكَ الْعِلْمُ بِوُجُودِ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ لَكِنْ اُسْتُفِيدَ مِنْ ذَلِكَ الْعِلْمِ عِلْمُ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ كَمَا يُقَدِّرُونَ مَسَائِلَ يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَقَعُ لِتَحْرِيرِ الْقَوَاعِدِ وَتَمْرِينِ الْأَذْهَانِ عَلَى ضَبْطِهَا. وَأَمَّا تَصْدِيقُ الْمُخْبِرِ بِذَلِكَ وَتَكْذِيبُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ صِدْقُهُ وَلَا يُكَذَّبَ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ كَذِبُهُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {إذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ فَإِمَّا أَنْ يُحَدِّثُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوهُمْ وَإِمَّا أَنْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/334)
يُحَدِّثُوكُمْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوهُمْ}. وَالْعِلْمُ بِوَقْتِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا لَكِنَّ هَذَا الْمُخْبِرَ الْمُعَيَّنَ قَدْ يَكُونُ عَالِمًا بِذَلِكَ وَقَدْ لَا يَكُونُ وَقَدْ يَكُونُ ثِقَةً فِي خَبَرِهِ وَقَدْ لَا يَكُونُ. وَخَبَرُ الْمَجْهُولِ الَّذِي لَا يُوثَقُ بِعِلْمِهِ وَصِدْقِهِ وَلَا يُعْرَفُ كَذِبُهُ مَوْقُوفٌ. وَلَوْ أَخْبَرَ مُخْبِرٌ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ وَلَكِنْ إذَا تَوَاطَأَ خَبَرُ أَهْلِ الْحِسَابِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ وَمَعَ هَذَا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى خَبَرِهِمْ عِلْمٌ شَرْعِيٌّ فَإِنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ لَا تُصَلَّى إلَّا إذَا شَاهَدْنَا ذَلِكَ وَإِذَا جَوَّزَ الْإِنْسَانُ صِدْقَ الْمُخْبِرِ بِذَلِكَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ فَنَوَى أَنْ يُصَلِّيَ الْكُسُوفَ وَالْخُسُوفَ عِنْدَ ذَلِكَ وَاسْتَعَدَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ لِرُؤْيَةِ ذَلِكَ كَانَ هَذَا حَثًّا مِنْ بَابِ الْمُسَارَعَةِ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادَتِهِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ الْكُسُوفِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ تَوَاتَرَتْ بِهَا السُّنَنُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَوَاهَا أَهْلُ الصَّحِيحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. وَاسْتَفَاضَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ يَوْمَ مَاتَ ابْنُهُ إبْرَاهِيمُ. وَكَأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ ظَنَّ أَنَّ كُسُوفَهَا كَانَ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ مَاتَ فَخَطَبَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: {إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ}. وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ {وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ}. وَهَذَا بَيَانٌ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمَا سَبَبٌ لِنُزُولِ عَذَابٍ بِالنَّاسِ فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا يُخَوِّفُ عِبَادَهُ بِمَا يَخَافُونَهُ إذَا عَصَوْهُ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَإِنَّمَا يَخَافُ النَّاسُ مِمَّا يَضُرُّهُمْ فَلَوْلَا إمْكَانُ حُصُولِ الضَّرَرِ بِالنَّاسِ عِنْدَ الْخُسُوفِ مَا كَانَ ذَلِكَ تَخْوِيفًا قَالَ تَعَالَى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إلَّا تَخْوِيفًا} وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَا يُزِيلُ الْخَوْفَ , أَمَرَ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِالنَّاسِ وَصَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ فِي الْكُسُوفِ صَلَاةً طَوِيلَةً).
والجواب الثاني يعلم من تأمل ما جاء في هذا الرابط:
http://www.salafi.net/articles/article27d.html
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[02 - 11 - 07, 07:05 م]ـ
الأخ الشيخ الفهم الصحيح
ليس فيما ذكرتَ -أخي الكريم- جواب عما ذكره أبو شامة رحمه الله تعالى وغيره، فقد نقلوا حادثةً باليوم والشهر والسنة تخالف ما قعده الفلكيون. فانظر "المبدع" مشكوراً.
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[03 - 11 - 07, 01:39 ص]ـ
الشيخ الكريم أبو يوسف التواب
،، وددت لو أن لى سبق جوابكم لما رأيت من شغفكم به ووقوعه منكم من الأهمية بمكان، وكان أن منّ الله علىّ به
فهاك هو
أولا": نورد ماجاء به ابن مفلح فى المبدع، وأيضا" فى الفروع بنفس النص
وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ كُسُوفٌ إلَّا فِي ثَامِنٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ تَاسِعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَا خُسُوفٌ إلَّا فِي إبْدَارِ الْقَمَرِ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَرُدَّ بِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِهِ، فَذَكَرَ أَبُو شَامَةَ الشَّافِعِيُّ فِي تَارِيخِهِ: أَنَّ الْقَمَرَ خَسَفَ لَيْلَةَ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَكَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي غَدِهِ، وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - الفروع
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/335)
وقيل: لا يتصور كسوف إلا في ثامن أو تاسع وعشرين، ولا خسوف إلا في إبدار القمر، واختاره الشيخ تقي الدين، ورده في «الفروع» بما ذكره أبو شامة في «تاريخه» أن القمر خسف ليلة السادس عشر من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكسفت الشمس في غده، والله على كل شيء قدير، - المبدع
،، وبالبحث عن أحداث هذه السنة، للاسترشاد، فكان الجواب كالتالى:
جاء فى النجوم الزاهرة:-
وأما أمر النار التي ظهرت بالحجاز قال قاضي المدينة سنان الحسيني: لما كان ليلة الأربعاء ثالث خمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، ظهر بالمدينة الشريفة دوي عظيم ثم زلزلة عظيمة رجفت منها المدينة والحيطان والسقوف ساعة بعد ساعة إلى يوم الجمعة خامس الشهر المذكور ظهرت نار عظيمة، وقد سالت أودية منها بالنار إلى وادي شظا حيث يسيل الماء، وقد سدت مسيل شظا وما عاد يسيل. ثم قال: والله لقد طلعنا جماعة نبصرها فإذا الجبال تسيل نيرانا، وقد سدت الحرة طريق الحاج العرافي، وسارت إلى أن وصلت إلى الحرة فوقفت بعد ما أشفقنا أن تجيء إلينا، ورجعت تسير في الشرق، يخرج من وسطها مهود وجبال نيران تأكل الحجارة، كما أخبر الله في كتابه العزيز فقال عز من قائل: " إنها ترمي بشرر كالقصر، كأنه جمالات صفر ". قال: وقد كتبت هذا الكتاب يوم خامس رجب سنة أربع وخمسين والنار في زيادة ما تغيرت، وقد عادت إلى الحرة وفي قريظة طريق الحاج العراقي.
وأما أمر النار الكبيرة فهي جبال نيران حمر، والأم الكبيرة النار التي سالت النيران منها من عند قريظة وقد زادت، وما عاد الناس يدرون أي شيء يتم بعد ذلك، والله يجعل العاقبة إلى خير، وما أقدر أصف هذه النار. انتهى كلام القاضي في كتابه
ثم قال بعد كلام معترض:
ثم قال قطب الدين في الذيل: ومن كتاب شمس الدين سنان بن نميلة الحسيني قاضي المدينة إلى بعض أصحابه يصف الزلزلة إلى أن ذكر قصة النار وحكى منها شيئاً إلى أن قال: وأشفقنا منها وخفنا خوفاً عظيماً، وطلعت إلى الأمير وكلمته وقلت: قد أحاط بنا العذاب، ارجع إلى الله! فأعتق كل مماليكه، ورد على جماعة أموالهم، فلما فعل هذا قلت له: اهبط الساعة معنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فهبط، وبتنا ليلة السبت والناس جميعهم والنسوان وأولادهم، وما بقي أحد لا في النخيل ولا في المدينة إلا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشفقنا منها وظهر ضوءها إلى أن أبصرت من مكة، ومن الفلاة جميعها. ثم سال من ذلك نهر من نار وأخذ في وادي أحيلين وسد الطريق ثم طلع إلى بحرة الحاج، وهو بحر نار يجري وفوقه جمر يسير إلى أن قطعت الوادي: وادي الشظا، وما عاد يجري سيل قط لأنها حفرته نحو قامتين. والمدينة قد تاب جميع أهلها ولا بقي يسمع فيها رباب ولا دف. ثم ذكر أشياء مهولة من هذا الجنس إلى أن قال: والشمس والقمر من يوم طلعت النار ما يطلعان إلا كاسفين! قال: وأقامت هذه النار أكثر من شهرين.
،، وجاء فى عقد الجمان:
قال أبو شامة: ومن كتاب شمس الدين بن سنان بن عبد الوهاب بن نميلة الحسنين قاضى المدينة إلى بعض أصحابه: لما كان ليلة الربعاء ثالث شهر جمادى الآخرة حدث بالمدينة في الثلث الأخير من الليل زلزلة عظيمة أشفقنا منها، وباتت باقى تلك الليلة تُزلزل كل يوم وليلةٍ قدر عشر نوبات، والله لقد زلزلت مرةً ونحن حول حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب لها المنبر إلى أن سمعنا منه صوتاً للحديد الذى فيه، واضطربت قناديل الحرم الشريف النبوى ودامت الزلزلة إلى يوم الجمعة صحىً، ولها دوِىَّ مثل دوى الرعد القاصف، ثم بين فيه صفة النار، ثم قال: وكتب الكتاب يوم خامس رجب وهى على حالها، والناس منها خائفون، و الشمس والقمر يوم يطلعان ما يطلعان إلا كاسفين، فنسأل الله العافية.
قال أبو شامة: وبان عندنا بدمشق أثر الكسوف من ضعف نورها على الحيطان، وكنا حيارى من ذلك إش هو إلى أن جاءنا هذا الخبر عن هذه النار.
وذكر الذهبى فى التاريخ نقلا" عن أبى شامة:
ومن كتاب آخر من بعض بني الفاشانيّ يقول: جرى عندنا أمرٌعظيم .. إلى أن قال: من النّار ظهر للنّاس ألسُنٌ تصَّعَّد في الهواء حمراء كأنّها العَلَقة، وعظُمت ففزع النّاس إلى المسجد، وابتهلوا إلى الله عزَّ وجل، وغطَّت حُمرةُ النّار السّماء كلَّها حتى بقي النّاس في مثل ضوء القمر، وأيقنّا بالعذاب. وصعِد القاضي والفقيه إلى الأمير يعِظُونه فطرح المكس، وأعتق رقيقه كلَّهم، وردّ علينا كلَّ ما لنا تحت يده، وعلى غيرنا. وبقيت كذلك أيّاماً، ثمّ سالت في وادي أُخَيْلين تنحدر مع الوادي إلى الشَّظاه، حتىّ لحق سَيَلانُها ببَحْرة الحاجّ، والحجارة معها تتحرَّك وتسير حتىّ كادت تقارب حرَّة العِراض. ثمَّ سَكَنتْ ووقفت أياماً، ثم عادت ترمي بحجارة من خلفها وأمامها حتىّ بَنَتْ جبلين خلفَها وأًمامها، وما بقي يخرج منها من بين الجبلين، لسانٌ لها أيّاماً. ثمّ إنّها عظُمت الآن وسَنَاها إلى الآن، وهي تتّقد كأعظم ما يكون. ولها كلّ يوم صوت عظيمٌ من آخر الليل إلى ضَحْوِه، والشمس والقمر كأنّهما منكسفان إلى الآن. وكتب هذا ولها شهر
،، قلت، فلو أن هناك حوادث كونية تبعث على مارآه أبو شامة - رحمه الله -، فلن يكون الا طلوع الشمس من مغربها و العلم عند الله، لان من سنن الله تعالى جريان الشمس لمستقر لها، وان اى تغيير فى هذه السنن، لن يترك الأرض بحالها
،، فالمتصور ان الشمس اذا تركت فلكها التى تسبح فيه واقتربت من الأرض ولو بقيد ذراع او شبر، لارتفعت حرارتها واحترقت أقواتها وجفت مياؤها، ولعسرت ان لم تكن انتهت الحياة من على سطحهها.
نسأل الله السلامة والعافية
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/336)
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[03 - 11 - 07, 02:02 ص]ـ
أخي الكريم أبا يوسف وفقك الله.
قد وقفت على هذا منذ زمن في كتاب الصلاة باب صلاة الكسوف فصل ما يقدم على الكسوف وما يتقدم علي من فروع العلامة المفلح رحمه الله ... وقد ذكره غير واحد من إخواننا يظن أن فيه تشكيكًا أو إبطالا لنتائج الفلكيين ...
أقول أخي العزيز: أولا من نقل هذا غير أبي شامة لو تكرمتَ؟
ثانيًا تأمل وفقك الله في هذا المقطع وتعليق من علق عليه مشكورًا:
(قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: ومن كتاب شمس الدين بن سنان بن عبدالوهاب بن نميلة الحسينس قاضي المدينة إلى بعض أصحابه: لما كانت ليلة الأربعاء ثالث جمادي الآخرة حدث بالمدينة بالثلث الأخير من الليل زلزلة عظيمة أشفقنا منها، وباتت باقي تلك الليلة تزلزل كل يوم وليلة قدر عشر نوبات، والله لقد زلزلت مرة ونحن حول حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب لها المنبر إلى أن أوجسنا منه إذ سمعنا صوتاً للحديد الذي فيه واضطربت قناديل الحرم الشريف، وتمت الزلزلة إلى يوم الجمعة ضحى، ولها دوي مثل دوي الرعد القاصف، ثم طلع يوم الجمعة في طريق الحرة في رأس أجيلين نار عظيمة مثل المدينة العظيمة، وما بانت لنا إلا ليلة السبت وأشفقنا منها وخفنا خوفاً عظيماً، وطلعت إلى الأمير كلمته وقلت له: قد أحاط بنا العذاب، ارجع إلى الله تعالى، فأعتق كل مماليكه ورد على جماعة أموالهم، فلما فعل ذلك قلت اهبط الساعة معنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهبط وبتنا ليلة السبت والناس جميعهم والنسوان وأولادهم، وما بقي أحد لا في النخيل ولا في المدينة إلا عند صلى الله عليه وسلم، ثم سال منها نهر من نار، وأخذ في وادي أجيلين وسد الطريق ثم طلع إلى بحرة الحاج وهو بحر نار يجري، وفوقه جمر يسير إلى أن قطعت الوادي الشظا، وما عاد يجيء في الوادي سيل قط لأنها حضرته نحو قامتين وثلث علوها، والله يا أخي إن عيشتنا اليوم مكدرة والمدينة قد تاب جميع أهلها، ولا بقي يسمع فيها رباب، ولا دف ولا شرب وتمت النار تسيل إلى أن سدت بعض طريق الحاج وبعض بحرة الحاج، وجاء في الوادي إلينا منها يسير وخفنا أن يجيئنا فاجتمع الناس ودخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وتابوا عنده جميعهم ليلة الجمعة، وأما قتيرها الذي مما يلينا فقد طفيء بقدرة الله وأنها إلى الساعة وما نقصت إلا ترى مثل الجمال حجارة ولها دوي ما يدعنا نرقد ولا نأكل ولا نشرب، وما أقدر أصف عظمها ولا ما منها من الأهوال، وأبصرها أهل ينبع، وندبوا قاضيهم ابن أسعد وجاء وعد إليها، وما صبح يقدر يصفها من عظمها، وكتب الكتاب يوم خامس رجب وهي على حالها والناس منها خائفون، والشمس والقمر من يوم ما طلعت ما يطلعان إلا كاسفين فنسأل الله العافية.
قال أبو شامة: وبان عندنا بدمشق أثر الكسوف من ضعف نورها على الحيطان، وكنا حيارى من ذلك إيش هو؟ إلى أن جاءنا هذا الخبر عن هذه النار.
قلت: وقد كان أبو شامة قد أرخ قبل مجيء الكتب بأمر هذه النار فقال: وفيها في ليلة الاثنين السادس عشر من جمادي الآخرة خسف القمر أول الليل، وكان شديد الحمرة ثم انجلى، وكسف الشمس، وفي غده احمرت وقت طلوعها وغروبها وبقيت كذلك أياماً متغيرة الليل اللون ضعيفة النور، والله على كل شيء قدير، ثم قال: واتضح بذلك ما صوره الشافعي من اجتماع الكشوف والعيد، واستبعده أهل النجامة).
فالظاهر - والله أعلم - أن ذلك ليس الكسوف المعروف ولا الخسوف المعروف ... وإنما حجبت الشمس والقمر وخف ضؤهما بسبب الدخان المنبعث من النار العظيمة ... وربما كان بركانًا حدث بقرب المدينة ... ودخانه كبريتي كثيف يحجب ضوء الشمس بشدة ... والله أعلم.
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[03 - 11 - 07, 02:24 ص]ـ
شيخنا الكريم الفهم الصحيح
أرانا قد تواطأنا فى الرد غير مرة، بل وزادت هذه المرة قربا" فى فكرنا ورؤانا
فلله الحمد والمنة أن دار بخلدى، مادار بخلدكم على سعة علمكم وبحثكم
وربما كان بركانًا حدث بقرب المدينة
بل هو كذلك وكان فى عمق المدينة، فجائت الأخبار بأنه بركان عظيم ظل نشيطا من أول جمادى الآخر، وحتى أول رجب، وجائت الأخبار ان الغيم الذى تسبب فيه وصل الى بلدان الشام وحجب شمسها وقمرها أيضا"،، وقد فسره معظم المفسرين والمؤرخين، بأنه النار التى تضئ لا اعناق الإبل ببصرى من عظمه وحره وكثرة حممه
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[03 - 11 - 07, 02:29 ص]ـ
قلت، فلو أن هناك حوادث كونية تبعث على مارآه أبو شامة - رحمه الله -، فلن يكون الا طلوع الشمس من مغربها و العلم عند الله، لان من سنن الله تعالى جريان الشمس لمستقر لها، وان اى تغيير فى هذه السنن، لن يترك الأرض بحالها
أعنى فى الوصف الذى نقله عنه ابن مفلح من ذكره أن الشمس انكسفت صبيحة ليلة خسوف القمر
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[06 - 11 - 07, 12:57 م]ـ
جزاك الله خيرًا أخي الكريم مصطفى.
وما رأيت مشاركتك إلا بعد أن وضعت مشاركتي ... وكنت أحيانًا أبدأ في المشاركة فيحدث عارض فأنصرف عنها ... وأتمها بعد حين ... وأحيانًا يأخذ مني التصحيح والمراجعة وقتًا ... وهكذا ... عمومًا رأيان خير من رأي ... وبانتظار تعليق أخينا أبي يوسف رعاه الله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/337)
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[06 - 11 - 07, 08:52 م]ـ
الحمد لله.
فهذه وقفات وتتمات مختصرات:
- مباحثتنا هنا كاسمها ... لا تعني أنها فتوى شرعية ... أو حكمًا قضائيا باتًا .. فلا مكان فيها للزعل ... ولا لأن يحمل بعضنا على بعض ... فاللهم طهر قلوبنا ... وما جئنا هنا إلا لنتعلم ... ونصحح بعض ما أخطأنا فيه ... أو يوافق بعضنا بعضًا فيما أصبنا فيه من خير ... ... وهذه مهمة مشايخنا الكرام ... فحيثما وجدوا نقصًا أتموه مشكورين ... أو خللاً أصلحوه مأجورين ... أو جهلا دفعوه متلطفين ... فإن لم يفعلوا فما جدوى وجودنا في مثل هذا المنتدى ... أوَ أُنشئ الملتقى لغير هذا رعاكم الله؟
يتبع إن شاء الله.
ـ[ابن وهب]ــــــــ[06 - 11 - 07, 09:42 م]ـ
جزاكم الله خيرا
(
فالظاهر - والله أعلم - أن ذلك ليس الكسوف المعروف ولا الخسوف المعروف ... وإنما حجبت الشمس والقمر وخف ضؤهما بسبب الدخان المنبعث من النار العظيمة ... وربما كان بركانًا حدث بقرب المدينة ... ودخانه كبريتي كثيف يحجب ضوء الشمس بشدة ... والله أعلم.
)
الأمر كما ذكرتم
والله أعلم
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[06 - 11 - 07, 09:51 م]ـ
- يقول قائل: ما جدوى البحث مثل هذا وقد أبرم الأمر منذ أزمان؟ فالناس بظاهر الشرع عاملون ... وعلى رؤية العدول يصومون ويحجون ... والخطأ عنهم - إن وجد - مرفوع يقينًا.
أقول: من الناحية العملية كل ذلك صحيح في كثير من ديار الإسلام ... ولكن أظهر لنا كثير من أهل الاختصاص في علوم الفلك خطأً في كثير من دعاوى الرؤية ... وفي أماكن متعددة ... وهذا علم أقرّ بيقينية نتائجه وحساباته كثير ممن أهمله .. ولم يراعه ... قبل أهله المتمرسين به ... فلماذا لا نستفيد منه في تصحيح مواقيت عباداتنا ... والحال أن حركة الشمس والقمر حوادث كونية لا اختصاص لها بعلماء الشريعة ... أليس من المبادئ المسلمة التي لا يفتأ علماء الشريعة يكررونها: يرجع في كل علم وفنّ لأهله المختصين به.
ثم أقول: إن البحث في مثل هذا قد ظهر منذ زمن بعيد أيضًا ... ولكن لم يلق تنبيه من نبّه من أهل العلم على وجوب مراعاة ما يقوله أهل الفلك العالمين به قبولاً عامًا ... مثلما لم يلق كثير من كلام المجددين قبولا عامًا في كثير من قضايا العقيدة والتشريع ... وغيرها من المجالات العلمية ... فليبق رَكْبُ التنبيه والتوجيه مستمرًا في طريقه إلى أن يأتي يوم يتنبه فيه قومنا لضرورة تصحيح ما هم عليه من خطأ ... وإنه لقريب - بإذن الله - والله مع الصابرين.
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[06 - 11 - 07, 09:56 م]ـ
مرحى بالعزيز الغالي.
جزاكم الله خيرا
(
)
الأمر كما ذكرتم
والله أعلم
وإياكم ... وفقك الله.
والله إن هذا لمما تأنس به النفس وتُسر ... فمثل رأي أخينا وشيخنا ابن وهب عندي بمكان وثيق ... فالحمد لله على توفيقه.
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[07 - 11 - 07, 04:24 ص]ـ
- يقول قائل: ما جدوى البحث مثل هذا وقد أبرم الأمر منذ أزمان؟ فالناس بظاهر الشرع عاملون ... وعلى رؤية العدول يصومون ويحجون ... والخطأ عنهم - إن وجد - مرفوع يقينًا.
أقول: من الناحية العملية كل ذلك صحيح في كثير من ديار الإسلام ... ولكن أظهر لنا كثير من أهل الاختصاص في علوم الفلك خطأً في كثير من دعاوى الرؤية ... وفي أماكن متعددة ... وهذا علم أقرّ بيقينية نتائجه وحساباته كثير ممن أهمله .. ولم يراعه ... قبل أهله المتمرسين به ... فلماذا لا نستفيد منه في تصحيح مواقيت عباداتنا ... والحال أن حركة الشمس والقمر حوادث كونية لا اختصاص لها بعلماء الشريعة ... أليس من المبادئ المسلمة التي لا يفتأ علماء الشريعة يكررونها: يرجع في كل علم وفنّ لأهله المختصين به.
ثم أقول: إن البحث في مثل هذا قد ظهر منذ زمن بعيد أيضًا ... ولكن لم يلق تنبيه من نبّه من أهل العلم على وجوب مراعاة ما يقوله أهل الفلك العالمين به قبولاً عامًا ... مثلما لم يلق كثير من كلام المجددين قبولا عامًا في كثير من قضايا العقيدة والتشريع ... وغيرها من المجالات العلمية ... فليبق رَكْبُ التنبيه والتوجيه مستمرًا في طريقه إلى أن يأتي يوم يتنبه فيه قومنا لضرورة تصحيح ما هم عليه من خطأ ... وإنه لقريب - بإذن الله - والله مع الصابرين.
ما رأيكم شيوخنا الكرام
الشيخ الفاضل / الفهم الصحيح
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/338)
الشيخ المبجل / ابن وهب
الشيخ الموقر / أبو يوسف
الإخوة الأعزاء والكرام بالمنتدى المبارك
،، فى إقتراح مخرجا" وحلا"، لا لشئ الا لمجرد التذاكر والتناصح وإحقاق الحق فيما بيننا، وعسى الله عز وجل ان يوصله الى من بيده الأمر، فنفوز بهذا الثواب العظيم، ونرجو ثواب الدال على الخير، وحسبنا إطمئنان النفوس الى صحة عبادة عظيمة تعتبر من الاسلام ركنا" ركينا
،، وأبدأ بنفسى فى الإقتراح على شرط التصحيح والتقويم والتوجيه فيما تذل به قدمى والله المستعان
،، فأقول ان السبيل الى الجمع بين رؤية شرعية بشهادة صحيحة تكتمل فيها كل أركان الصحة، ومن أهمها موافقتها لما يمكن حدوثه عقلا" و تسقط بما إذا كانت تتعارض مع المستحيل عقلا"، هو عدة خطوات، أخنزلها فيما يلى:
أولا": تقع هذه المسئولية على علماء الفلك فى البلاد التى يأنف مفتيها أو قاضيها الشرعى من هذا العلم، وبيده اعلان يوما صوم الناس وفطرهم،، فعليهم الإقتراب من هذه الهيئات الشرعية لعرض علومهم وإزالة كل لبس وغامض و آثار سيئة من قلوبهم نحوه، عن طريق ضرب الأمثلة فى مدى جدية وصدق هذا العلم والمساعدة فى اجراء تجارب عملية كمثل حساب أوقات شروق وغروب القمر على مدار أوقات متتالية، والدفع به الى من تنتخبه هذه الهيئات الشرعية لمتابعة صحة هذه الحسابات، وكذلك بتقديم أمثلة سابقة، وافق فيها الحساب الرؤية، وتقديم مبررات عدم موافقة الحساب الرؤى، كما يقع العامل الأكبر على كهولهم، فى إثبات أن هذا العلم كغيره من باقى علوم الدنيا كالطب والإقتصاد وغيرها التى يستعين بأهلها الفقيه فى بناء فتواه،،، وعليهم نشر ثقافة عدم الإلزام والوجوب فى الأخذ بالحساب فى اعتماد دخول الأشهر وإنما هو الإستعانة بالحساب المدعم بالرؤية العينية والتقنية فى تصحيح أو فساد شهادات الرؤى التى ترد من كل حدب وصوب من عوام الناس، حتى لا يظن الظانّ ان الأمر فى الرؤية الشرعية بيد الفلكى وليس بيد الفقيه، وإنما هو رأى استشارى اذا أراد الأخذ به القاضى أو المفتى، أخذ به، وإن لم يرد، فقد اعذروا لأنفسهم وأبرؤا ذممهم من الله عز وجل، ويتحمل التبعة المفتى أو القاضى.
ثانيا": إن لم يمكن كل أو جل ما تقدم، لا ينتهى ويقف دور علماء الفلك بالبلد الواحد، ولكن عليهم قبل اليوم المحدد لرؤية هلال الشهر، أن يتقدموا بما توصلوا اليه من حسابات، وأهمها، غروب أو مكوث القمر بعد غروب الشمس، وماهى مدة مكوثه، وهل يمكن رؤيته لأهل هذه البلاد أم لا، وحالة رؤيته، فى اى جهة ومكان يمكن رؤيته، وهل يمكن رؤيته بالعين المجردة أم بالمنظار، وماهى خواصة التى بها يمكن الإستدلال عليه كاتجاه قرنيه وما الى ذلك، وفى حالة عدم رؤيته هل سيوجد جسم مضئ آخر يمكن ان ترصده العين الغير خبيرة على أنه الهلال، وماهى خواص هذا الجسم من استدارة وشدة الضوء واتجاهه والأماكن التى من الممكن رؤيته فيها، واتجهاته بالنسبة للموقع المفروض لظهور الهلال، ........ الى غير ذلك من المعلومات التى من الممكن للقاضى أو المفتى التأكد من صحة شهادة الشهود والتى تعتبر قرائن لللإستدلال على هذه الصحة،، فإن لم يأخذ بها المفتى أو القاضى، فما لهم عليهما من سبيل، وهما الحاملان للتبعة.
ثالثا": لا ينتهى دور علماء الفلك، بل يزداد فى هذا الوقت بالذات، فعليهم ليلة الرؤية أن يتأكدوا من صحة حساباتهم بالرؤية العينية وبالمناظير وبجميع الوسائل التقنية التى تحت أيديهم، حتى إذا ما تيقنوا من صحة ماحسبوه، عليهم جميعا" (جميع المراصد بالبلد الواحد)، التقدم بشهاداتهم الى القاضى العام حتى ولو هاتفيا"، بأنهم لم يروا الهلال بالعين المجردة أو بوسائل الرؤية المتقدمة، وعليهم الشهادة بان عوام الناس سيروا جسما" مضيئا" يظنونه الهلال (إن كان ذلك)، وان هذا الجسم ماهو إلا الكوكب الفلانى، وأنهم مستعدون لتقديم مايثبت صحة كلامهم، وأنهم مستعدون لمعارضة شهادة الشهود الذين يقولون برؤية الهلال وتفنيدها ونفيها بالعلم الصحيح والأدلة والبراهين التى لا يشوبها شك وإثبات أن هذا الكوكب الفلانى، .......... وهكذا، فعندئذ، يكونون قد وفّوْا ما عليهم، ويكون الأمر بيد المفتى أو القاضى، وعليه ماحُمل وعليهم ماحُملوا
،، وبها تقع صحة دخول الأشهر أو عدمها على القاضى أو المفتى، ولا يستطيع أحد أن يقول أنه لم يأخذ بما أتت به النصوص، ولن يقدر أحد على القول بان النصوص لم تجعل للفلكيين فى هذا الأمر يدا"، فالأمر كله بيد الله عز وجل، ثم للقضاة والمفتين فى هذا الأمر.
هذا ما أراه، وأرجو أن يكون صوابا، ولله الأمر من قبل ومن بعد
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[07 - 11 - 07, 12:06 م]ـ
وفقك الله.
كل ما تذكره وأكثر نهض به أقوام ... ولا فائدة إلى الآن إلا في أماكن محددة ... المشكلة أن أغلبهم لا ينكرون صحة هذا العلم ... بل هم يرفلون في نتائج بحوثه التي توصل إليها أهله بفضل الله وتوفيقه ... ومع هذا عندما يأتي الأمر إلى الأخذ بتائجه في هذه الجزئية لا تجد إلا الرفض والصدّ والتهمة بالحسيكة والبدعة ... وإذا قلتَ انقضوا نتائجه بالعلم والحجة لم يجدوا إلا اختلاف أهله - وما هو بموجود حقيقة - أو دعاوى من يزعم رؤية النجوم في القيلولة ليردوا بها نتائج علماء الفلك ... فإذا حاججتهم بأن الناس لم يروا الهلال في مغرب الأرض وهم على نفس السمت ... تعللوا بأن لكل قوم مطلعهم ... وهم هنا يستعملون الفلك ونتائجه من حيث يشعرون ... نعم من حيث يشعرون ... وكأن لسان حالهم يقول: الهلال خاص بناحية من الأرض يراه بعض أهلها ثم يختفي إلى غد أو بعده ليراه آخرون ... وكأنهم لم يجدوا في السنة أن الله مدّ الهلال للرؤية ... ثم هم يتركون مذهبهم الفقهي الذي يذهب إلى وجوب الصوم على كل من في الأرض إذا ثبتت رؤية الهلال في بقعة منها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/339)
ـ[أبو محمد الفرحي]ــــــــ[08 - 11 - 07, 02:13 ص]ـ
أود أن أضيف أن حساب حركة القمر والاقتران المركزي والإبدار والمنازل دقيق بما يكفي والدليل هو الدقة الكبيرة في تحديد وقت الكسوف والخسوف واحتجاب النجوم التي تقع على مسار القمر أما فيما يخص الرؤية فالأمر يختلف لأنه ينبغي محاكاة ما سيراه المراقب من على سطح الأرض ويدخل في ذلك الخصائص المحلية لموقع المراقبة والنتائج قد لا تكون في منتهى الدقة خاصة في الوقت الذي يكون فيه غروب القمر وغروب الشمس متقاربين وفي رأيي فإن مداومة الرؤية الشرعية بدل المعايير الاستباقية ستمكن شهرا بعد شهر من تصحيح بدايات الشهور ونهاياتها واستقرارها على الأحوال المعروفة: الاقتران في ال28 أو ال29 والرؤية في ليلة ال31 مؤكدة ...
كما هو معلوم فإن شهر شوال الحالي دخل في السعودية في وقت مبكر مما يؤثر على نهاية الشهر حيث الاقتران المركزي حسب المعطيات العلمية سيكون ليلة 30 شوال الساعة 02:04 بتوقيت مكة مما يعني أن عمر الهلال عند غروب الشمس حوالي 16 ساعة وهو زمن لا تتأتى معه الرؤية بسهولة مما يعني أن الهلال قد لايرى ليلة ال31.
وبناء على أرشيف رصد الأهلة، و الذي يضم أرصاد للهلال ما بين العام 1859م و حتى العام 2005م] 19 [لم تثبت رؤية هلال يقل عن القيم التالية:
*عمر الهلال: أصغرعمر هلال تمت رؤيته بالعين المجردة كان 15 ساعة و 33 دقيقة، و ذلك من قبل الراصد بيرس ( Pierce) يوم 25/ 02/1990م، أما بالمرقب فقد كان أصغر عمر هلال تمت رؤيته هو 13 ساعة و14 دقيقة، و ذلك من قبل الراصد ستام ( Stamm) يوم 20/ 01/1996م.
* مكث الهلال: أقل مكث هلال تمت رؤيته بالعين المجردة كان 29 دقيقة، و ذلك من فلسطين يوم 20/ 09/1990م، أما بالمرقب فقد كان أقل مكث هلال تمت رؤيته هو 21 دقيقة، و ذلك من قبل الراصد ستام ( Stamm) يوم 02/ 11/2005م.
*الاستطالة: أقل استطالة لهلال تمت رؤيته بالعين المجردة كانت 7.7 درجة، و ذلك من قبل الراصد بيرس ( Pierce) يوم 25/ 02/1990م، أما بالمرقب فإن أقل استطالة لهلال تمت رؤيته كانت 6.4 درجة و ذلك صباح يوم 13/ 10/2004م من قبل الراصد ستام ( Stamm).
U.S. Naval Observatory
Astronomical Applications Department
Sun and Moon Data for One Day
The following information is provided for Makka (longitude E39.8, latitude N21.4):
Saturday 10 November 2007 Universal Time + 3h
SUN Begin civil twilight 06:05
Sunrise 06:28
Sun transit 12:05
Sunset 17:41
End civil twilight 18:04
MOON Moonset 17:09 on preceding day
Moonrise 06:45
Moon transit 12:18
Moonset 17:48
Moonrise 07:39 on following day
New Moon on 10 November 2007 at 02:04 (Universal Time + 3h).
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[08 - 11 - 07, 07:01 م]ـ
جزاكم الله خيراً إخوتنا الأكارم، وبارك فيكم.
فهمت من كلام الأخ الفاضل/ الفهم الصحيح .. أن المعتبر في قضية لزوم الأخذ بقول الفلكيين في النفي أن يجتمعوا على ذلك.
أهو كذلك؟
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[09 - 11 - 07, 12:59 م]ـ
وإياك ... وأحسن الله إليك.
لا شك أن في اجتماعهم خيرا كثيرا ... ولكن إذا تكلم الواحد والإثنان منهم ممن نثق به و لامعارض يعتمد قوله = فكلامه معتبر ... وذلك أن مسألة النفي تعتمد على فقدان شرط أو أكثر مما يجب توفرهما في رؤية الهلال ... مثل حدوث الاقتران ... أو وجود الهلال في الأفق بعد غروب الشمس ... ومعرفة هذين الأمرين وتحققهما أمر يحسنه علماء الفلك جيدا ... ونتائجهم فيهما صحيحة قطعية ... فإذا انتفيا أو أحدهما فمن بداهة العقول الجزم بخطأ من ادعى رؤية الهلال آنذاك ... وما أكثر الدعاوى في مثل هذه الحالة على تطاول السنين الغابرة ...
ـ[عبداللطيف السعيد]ــــــــ[14 - 12 - 07, 09:33 ص]ـ
ربما سيحفظ التاريخ هذه المناقشة من ضمن أروع مناقشات العصر ففيها من العلم والأدب والتواضع والاعتراف بالحق من الطرفين الكثير والكثير
وما يمكن معه أن تكون مرجعا حتى لكبار العلماء
فجزاكم الله جميعا كل خير(86/340)
دعاء ... ختم القرآن
ـ[أبو بكر البيلى]ــــــــ[21 - 10 - 07, 10:46 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد
فقد فُوجئت بليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان ونحن بمكة - حفظها الله - وكنا نُصلي التراويح في المسجد الحرام وكان هناك زحام شديد , وعرفت أنه من أجل ختم القرآن في هذه الليلة؛
ولكن الذي فاجأني في هذه الليلة هو " دعاء ختم القرآن " الذي قام به إمام الحرم حينئذ , مع العلم أن هذا الإمام كان لا يُصلي التراويح في الأيام العشر الأواخر؛
وقد حاك في نفسي هذا الدعاء الذي لا أعلم له أصل من السنة ولا من فعل أحدٍ من الصحابة - اللهم ماكان من أنس بن مالك1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عندما كان يختم القرآن فكان يجمع أهله ومن في الدار ثم يدعو بما فتح الله له - لكن هذا الفعل من أنس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - لم يكن في صلاة ولم يُذكر أنه كان طويييلاً مثل ما فعله إمام المسجد الحرام.
وأنا مازلت في حيرة من هذا الأمر , فهناك الكثير مِن الناس مَن يحتج بما يحدث في الحرم , فإذا فعل هذا الأمر في بلده وبدأنا ننكر عليه , يقول: نفعل كما يفعل الإمام في الحرم.
فما هو الحل؟
أجيبونا مأجورين ...
ـ[أبو خباب المكى]ــــــــ[21 - 10 - 07, 11:46 م]ـ
قال ابن قدامه في المغنى (فصل: في ختم القرآن: قال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد الله فقلت: أختم القرآن، أجعله في الوتر أو في التراويح؟ قال: اجعله في التراويح، حتى يكون لنا دعاء بين اثنين.
قلت كيف أصنع.
؟ قال إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع، وادع بنا ونحن في الصلاة، وأطل القيام.
قلت: بم أدعو؟ قال: بما شئت.
قال: ففعلت بما أمرني، وهو خلفي يدعو قائما، ويرفع يديه، وقال حنبل: سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءة {قل أعوذ برب الناس} فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع.
قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة.
قال العباس بن عبد العظيم: وكذلك أدركنا الناس بالبصرة وبمكة.
ويروي أهل المدينة في هذا شيئا، وذكر عن عثمان بن عفان.)
ـ[أبو بكر البيلى]ــــــــ[22 - 10 - 07, 12:03 ص]ـ
جزاك الله خيرا .. أخي/ أبا خباب .. على ما ذكرت .... ولكن
ليس فيه دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرتُ في المشاركة السابقة ...
فهلا آتيتني بدليل من السنة على هذا الدعاء , حتى يطمئن قلبي ...
وهل فعل (عبادة) أهل بلد معين حجة للعاملين لهذه العبادة؟ مع ثبوت عدم ثبوت هذه العبادة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم
و أما ما ذكره عن عثمان رضي الله عنه فهو بصيغة التمريض , وكذلك عن أهل المدينة فيرجى التحقيق عن الأثر ..
أرجو أن أجد رداً مقنعا حتى يطمئن قلبي ...
خاصة وقد علمت أن هناك عالم من الحجاز قال ببدعية هذا الدعاء وصنف فيه كراس ..
أفيدونا مأجورين ... وجزاكم الله خيراً
ـ[أيمن بن خالد]ــــــــ[23 - 10 - 07, 06:18 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على قائد الغر المحجلين أما بعد:
شيخي الفاضل أبو بكر البيلى:
زادك الله حرصا و غيرة و لكن القول ببدعية دعاء ختم القران مجانب للصواب لثبوت الفعل من أنس رضي الله عنه. و لعل اختيار صلاة التراويح أو الوتر للدعاء لفضل المناسبة و الترغيب في طول الدعاء هو كونه في القيام فيصبح جزءاّ من القيام فمن المعلوم سنية الإطالة في القيام و فضل ذلك. و الله أعلم.
لا ريب أنَ دعاء ختم القران و إن كان ليس له دليل من فعل الرسول صلى الله عليه و سلم فإنه ثابت من فعل أنس رضي الله عنه. و لكن في وقتنا الراهن لا بد من ضبط المسألة مع ظهور بعض المخالفات في الدعاء نفسه. لذا أضع بين يديكم بعض ملاحاظاتي على بعط المخالفات:
أولاّ: رفع الصوت في الدعاء إلى حد الصراخ لدرجة أنه أصبح مؤذياَ في بعض الأحيان, مع العلم أن الهدي النبوي في الدعاء هو خفض الصوت و التذلل.
ثانياّ: نرى بعض الأئمة - عفر الله لهم - يدعون بدعاء ختم القران بالرغم أنهم لم يختموه بأنفسهم قراءةّ و ذلك لتناوب الائمة في القراءة!!!
ثالثاّ: المبالغة في السجع و الحرص عليه و ما يرافقه من تفصيلات لا ضرورة لها و أذكر أني قرأت أثراّ عن ابن مسعود رضي الله عنه انه أنكر تفصيل الناس بالدعاء حينما دعوا الله أن يحميهم من نار جهنم و لهيب جهنم و عذاب جهنم و و ما يكون في جهنم و وجههم بأنه يكفيهم أن يستعيذوا بالله من جهنم و عذابها فذلك أجمع. و لعل أحد من الإخوة يسعفنا بهذا الأثر فإني لا استحضره الان.
و الله أعلم
ـ[ابو محمد الطائفي]ــــــــ[24 - 10 - 07, 02:01 م]ـ
انا اقول هذا الفعل لم يحدث من النبي صلى الله عليه وسلم على حد علمي والله اعلم وحديث انس ليس نصا في صلاة التراويح
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/341)
ـ[عادل أبو الفتوح]ــــــــ[25 - 10 - 07, 11:42 ص]ـ
بارك الله فيك
ـ[أبو بكر البيلى]ــــــــ[26 - 10 - 07, 03:46 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد
الأخ الكريم / أيمن بن خالد ... بارك الله فيك
أولاً: لست شيخا لأحدٍ -بارك الله فيك-, إنما أنا طالب حق.
ثانيا: قلت: لكن القول ببدعية دعاء ختم القران مجانب للصواب لثبوت الفعل من أنس رضي الله عنه
أما قصدك بأن دعاء ختم القرآن في غير صلاة ليس ببدعة فقد يكون ....
أما إذا كان قصدك بأن دعاء ختم القرآن في الصلاة ليس ببدعة - وهذا ظاهر كلامك - ففيه نظر وذلك لأن هذا الفعل لم يحدث قط - في حد علمي الضيق- لا من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولا من الصحابة رضوان الله عليهم , ولو كان فيه خير لفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولفعله الصحابة بعده , ولمَّا لم يفعله أحد منهم لم يسع لنا أن نفعله نحن!!!!
ومعلوم حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد}
ثالثا: قلتَ: و لعل اختيار صلاة التراويح أو الوتر للدعاء لفضل المناسبة و الترغيب في طول الدعاء هو كونه في القيام فيصبح جزءاّ من القيام
فهل هذا الكلام من عندك أم من كلام عالم سبقك به ونقلته عنه؟ وعلى كلٍ؛ لو كان كما قلت لفعله الذي كان يُرغب في طول القيام - صلى الله عليه وسلم -.
وأظن أن المسألة تكاد مضبوطة الآن إلى حد ما ..
مع العلم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان يُرغب أيضا في تخفيف الصلاة , وليس حديث {أفتان أنت يا معاذ} عنكم ببعيد ...
ومع ذلك يُطيل الأئمة في الصلاة بهذا الدعاء ..
وإن كان عند أحد منكم-بارك الله في الجميع - ما يجعلني أن أتراجع عنه فليخبرني به مشكورا مأجورا ..
والله أعلم وهو حسبي ونِعم الوكيل ...
ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[26 - 10 - 07, 04:25 م]ـ
أخي الفاضل المسألة واضحة فعليك بكتاب الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله
وفتوى العلامة الشيخ العثيمين رحمه الله
وفتوى العالم الأصولي الحنفي الكمال ابن الهمام رحمه الله (من أعيان القرن الثامن)
وكذالك الكتب المؤلفة في بدع الحرمين فقد ذكروا هذا الفعل منها
وأخيرا وليس آخرا: مخالفة الإمام الحالي للإمام السابق (الخليفي رحمه الله) فقد كان يجعل دعاء الختمة في الوتر الركعة الواحدة والعشرون. وليست العشرون كما يفعل الآن.
وإن احتج محتج بعمل الناس سفيان أو غيره فإن من شروط قبول عمل الناس اتصاله بعصر التشريع.
لاحظ أخي أن ما كان خارج الصلاة من الأفعال لا يجوز فعله داخل الصلاة بعتبارها أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم 0
ومن ذلك مسح الوجه باليدين بعد الدعاء فقد ورد مع ضعف فيه خارج الصلاة فلا يصح جعله داخل الصلاة
والله أعلم.
alma.trfi@hotmail.com
ـ[أبو خباب المكى]ــــــــ[26 - 10 - 07, 08:12 م]ـ
على كل حال هذه من المسائل الاجتهادية فاذا علم هذا فلا انكار في مسائل الاجتهاد ولا شك ان الامام احمد رحمه الله من الائمة المجتهدين الذين تبرا الذمه بتقليدهم.
اما القول بانه بدعة فهو قول ثقيل على النفس وان كان ممن قاله علماء اجلاء كالشيخ بكر ابو زيد -شفاه الله- اما الشيخ بن عثيمين كان لايراه داخل الصلاه لكنه لم ينص على انه بدعة.
واما الشيخ ابن باز رحمه الله فكان يرى استحبابه.
حكم دعاء ختم القرآن في الصلاة
القسم: فتاوى > أخرى
السؤال:
ما حكم دعاء ختم القرآن، وهل يكون خارج الصلاة أم داخلها؟ [1]
الجواب:
الأولى للإمام أن يقرأ دعاء ختم القرآن في الصلاة ولكن لا يطيل على الناس فيتحرى الدعوات المفيدة الجامعة مثل ما قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب جوامع الدعاء ويدع ما سوى ذلك)، فالأفضل للإمام في ختم القرآن وفي القنوت تحري الكلمات الجامعة وعدم الإطالة على الناس، فيقرأ بالدعاء اللهم اهدنا فيمن هديت الذي ورد في حديث الحسن رضي الله عنه في القنوت، ويزيد ما تيسر معه من الدعوات الطيبة كما زاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بدون تكلف أو مشقة على الناس، وهكذا في دعاء ختم القرآن، فيدعو ما تيسر من الدعوات الجامعة، ويبدأ ذلك بحمد الله والصلاة على رسول الله صلى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(86/342)