ـ[ابو العابد]ــــــــ[11 - 09 - 07, 07:47 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[15 - 09 - 07, 03:58 م]ـ
وإياك أخي
[الحديث التاسع عشر]
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ, فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ, فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ, فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اَللَّهُ وَسَقَاهُ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ()
وَلِلْحَاكِمِ: ((مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلا كَفَّارَةَ)) وَهُوَ صَحِيحٌ.
[الفوائد]
يؤخذ من هـ?ذا الحديث فوائد كثيرة:
أولا جريان النسيان على بني آدم لقوله: (مَنْ نَسِيَ).
وثانيا أن النسيان لا يقدح في الإنسان؛ لأنه من طبيعة الإنسان، ولو كان سببا للقدح لما عُذر به الإنسان.
ثالثا أن ما ترتب على النسيان فلا إثم فيه، يؤخذ من (فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ)، ويتفرع من هـ?ذه القاعدة أن من نسي آية من القرآن فلا إثم عليه، وما ورد في التشديد في من نسي من قرآن إن صح فهو محمول على من نسيه بسبب إعراضه وعدم مبالاته، وأما من نسيه أو شيئا منه لأمر لابد له منه في معاشه ومعاده فإنه لا إثم عليه، وثبت عن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أنه نسي بعض آيات القرآن وذُكِّر بها.
فصلى ذات ليلة وأسقط آية من القرآن فلما انصرف ذكّره بها أبي بن كعب قال: ((هلا كنت ذكرتنيها))، () ومر ذات يوم ورجل في بيته يصلي يتهجّد، فسمعه يقرأ النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فقال: ((رحم الله فلانا لقد ذكرني آية كنت أنسيتها))، () وعلى هـ?ذا فلا لوم على الإنسان فيما نسي من كتاب الله بشرط أن لا يكون ذلك على سبيل الإعراض وعدم المبالاة.
وليس كل خلاف جاء معتبرا ... إلا خلافا له حظ من النظر
فيه خلاف لا نلتفت عليه؛ لكن الخلاف المبني على أدلة تكاد تكون متكافئة حينئذ يحتاط الإنسان، أما إذا تبيّن الحق فإن الاحتياط في اتباع الحق لا في التشديد ولا في التيسير.
كلام الشيخ رحمه الله ليس يعني كل ما وصل إلى? المعدة لا يفطّر لأن ما سمي أكلا وشربا مطلقا حتى ولو كان لا يموع، أو كان لا يغذي هـ?ذا هو الصحيح، وإلا بعض العلماء يقول: إذا ابتلع ما لا يموع أو لا يغذي فإنه لا يفطر، ومثلوا لذلك بأن يبتلع خرزا.
ورأينا حديثا انفرد به ابن ماجه يجب أن نفتش عنه؛ لأن مثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حجة في هـ?ذه الأمور فإنه يعتبر فقيه ومحدث.
القول بالعدم ليست مطردة في كل شيء؛ بل ما توفرت الدواعي على نقله ولم يُنقل فإن عدم نقله كنقل العدم، لأنه يقال: كيف هي تذكر أنها فعلت ثم لا تذكر أنه يأمر بالقضاء مع أن الحاجة تدعو إلى? ذلك، الأمر مهم.
من أفطر ناسيا أو جاهلا بالوقت أو بالحكم فلا قضاء عليه ولا كفارة.
ما تقولون في رجل اشترى عنبا لأهله في رمضان، وخرج بالعنب في منديل، ونسي أنه صائم فجعل يأكل هـ?ذا العنب حبة حبة، فلما وصل إلى البيت وإذا لم يبق إلا حبة واحدة في العنقود، قال أهله: كيف تأكل اليوم صيام. قال: ما فيه شيء؛ لكن آكل هـ?ذه وتعمد أكلها، وقال: إن كان هـ?ذه تفطر فهـ?ذا من باب أولى، وإن كان هـ?ذا لا يفطر، فهـ?ذه لا تفطر؟
الآن عالم بأن العنب يفطر، لكن لم يعلم أن هـ?ذه بذاتها في هذه الحال تفطر؛ يعني هو الآن -إلا أن يكون مستهترا- قد يكون مستهترا لكن على حسن الظن به، نقول في الحقيقة: هو متجاوز كان عليه أن يصبر، إذن الذكر موجود الآن هو يعرف أن العنب في الأصل مفطر، إذن فهو عارف.
الفائدة الأولى: أن النّسيان من طبيعة البشر وهـ?ذا معروف.
ثانيا: بيان رحمة الله عز وجل بترك المؤاخذة على النّسيان، فإنّ هـ?ذا من رحمة الله؛ لأنه لما كان النّسيان من طبيعة البشر عفا الله عنه.
ثالثا من فوائد الحديث: أن فعل المحظور مع النسيان لا يترتب عليه شيء؛ وذلك لأن مفسدة المحظور بفعله، فإذا انتفت المفسدة بالنسيان لم يبق هناك أثر لهذا المحظور، بخلاف المأمور فإن ترك المأمور ناسيا لا يُسقطه، ولهذا قال النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فيمن نسي الصلاة: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)) () لأن فعل المأمور لا تزول مفسدة تركه بالنسيان، إذْ يمكن تداركه وإزالة هـ?ذه المفسدة بقضائه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/128)
ولهذا القاعدة المقررة عند عامة الفقهاء أن ترك المأمور لا يُعذر فيه بالنسيان والجهل؛ بل لابد من قضائه، وإن كان الإثم يسقط وأن فعل المحظور يعذر فيه بالجهل والنسيان.
إلا أنه يرد علينا أن هناك أشياء من المأمورات أسقطها الشارع بالجهل:
مثاله المرأة التي قالت للنبي -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: إني اُستحاض فلا أطهر. ومعنى ذلك أنها لا تصلي، والمستحاضة تجب عليها الصلاة أو لا؟ نعم تجب عليها الصلاة، ولم يأمرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقضائها مع أنها تركت المأمور؛ لكن تركته جهلا.
مثال آخر عمار بن ياسر بعثه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حاجة فأجنب وليس عنده ماء، فجاء يتمرّغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم جاء للنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وأخبره فقال: ((إنّما كان يكفيك أن تقول كذا)) وذكر التيمم، () ولم يأمره بإعادة ما سبق.
ثالثا الرجل الذي رآه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أحد أسفاره لم يصلّ معتزلا القوم، فسأله، قال: أصابتني جنابة ولا ماء. فقال: ((عليك بالصعيد فإنه يكفيك))، () فهـ?ذا أيضا يدل على أن الجاهل بالمأمور لا يؤمر بالإعادة، مع أن النسيان -نسيان المأمور- أمر الشارع فيه بالإعادة، قال: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)).
فظاهر السنة التفريق في باب المأمور بين الجهل وبين النسيان.
فما هو الجواب عن هـ?ذا الظاهر؟
الجواب: أن يقال أن في مسألة المستحاضة التي كانت تترك الصلاة وهي مستحاضة، والمستحاضة تجب عليها الصلاة، فلأنها معذورة لأنها تأولت، كيف التأول؟ بَنَت على أصل؛ أن كل دم فهو حيض، فهي بَنَت على أصل، فتكون كما لو أخطأ المجتهد في تأويله، ما نقول: إن اجتهادك الثاني ينقض الاجتهاد، أو علمك بالدليل بعد اجتهادك ينقض اجتهادك.
وكذلك نقول في قضية عمار بن ياسر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لأن عمار بن ياسر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ استعمل القياس الذي يغتسل من الجنابة ماذا يطهِّر؟ جميع بدنه هـ?ذا الرجل اجتهد وقام يتمرّغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة حتى وصل التراب إلى? جميع البدن هـ?ذا قياس إذن هو متأول أو غير متأول؟ متأول.
قصة الرجل الذي قال: أصابتني جنابة ولا ماء، نقول: من الذي قال: إن هـ?ذا الرجل كان عليه صلوات سابقة؟ قد يكون لم يفته إلا هـ?ذه الصلاة، ولما قال له عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((عليك بالصعيد فإنه يكفيك))، () فإنه سوف يتيمم ويصلي، هـ?ذا هو المعروف. ثم نقول: أيضا علم بعد أن جاء الماء إلى? الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستقى الناس وشربوا وسقوا الإبل وبقي بقية قال للرجل: ((خذ هـ?ذا فأفرغه على نفسك))؛ () يعني اغتسل به، لأن التيمم ما يرفع الحدث إلا رفعا مؤقتا، مادام الإنسان لم يجد الماء فإذا وجده عاد عليه الحدث.
فهـ?ذا هو الجواب عما ذكر، وإلا فإن الأصل أن فعل المأمور لابد منه؛ لكن بعض أهل العلم رحمهم الله قال: إنه إذا كان ذلك المأمور أشياء كثيرة شاقة على الإنسان، وأنه بانٍ على أصل، حديث عهد بالإسلام، ولم يعلم أن الصلاة واجبة، فترك الصلاة مدة طويلة، فإن هـ?ذا لا يؤمر بقضاء الصلاة.
وكذلك المسيء في صلاته يقولون: المسيء في صلاته لأنه كان لا يقيم في المدينة ولا يعلم والصلوات كثيرة.
القاعدة أن كل عبادة مؤقتة إذا أخرجها الإنسان عن وقتها فهي لا تقبل منه، وهـ?ذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حزم وجماعة من أهل العلم، قالوا: الصلاة المؤقتة إذا تعمدت أنك تتركها ثم أردت أن تقضيها ما تصح؛ لأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))، () وكما أنّها لا تقبل قبل الوقت فلا تقبل أيضا بعد الوقت.
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[15 - 09 - 07, 05:06 م]ـ
[الحديث العشرون]
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ ذَرَعَهُ اَلْقَيْءُ فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ, وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ اَلْقَضَاءُ)) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ. () وَأَعَلَّهُ أَحْمَدُ. وَقَوَّاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ.
[الفوائد]
فيستفاد من هـ?ذا الحديث عدة فوائد:
أولا أن الاستقاء مفسد للصوم لقوله: (وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ اَلْقَضَاءُ).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/129)
ثانيا في حكمة الشارع في أنه ينبغي للإنسان أن يكون مع نفسه عدلا في معاملتها؛ لأنه إذا صام ثم استقاء بقي بطنه خاليا من الطعام والشراب والشارع أمرنا أن نتسحر ليكون في بطوننا ما يعيننا على الصوم، فإذا أخرجنا ما في البطن، هـ?ذا لا يكون عدلا.
فمن ثَمّ صار هـ?ذا سببا مفطِّرا فيفطر به الإنسان، وهو نظير الحجامة من بعض الوجوه، ونظير الجماع أيضا من بعض الوجوه؛ لأن الجماع يخرج من الإنسان الماء وهو موجب لفتور الإنسان وضعف البدن، فكان من الحكمة أنه مفطر.
أنظر الآن حكمة الشرع:
إن تناول الإنسان ما يغذي بدنه وهو صائم أفطر؛ لأن ذلك يفقده حكمة الصوم.
وإن أخرج ما عليه اعتماد بدنه كذلك أفطر وهـ?ذا من الحكمة.
فلا تؤخر على بدنك شيئا، ولا تخرج منه شيئا، أترك كل شيء على طبيعته.
ومن فوائد الحديث أيضا أنّ ما غلب الإنسان من المحظورات فلا أثر له، كل المحظورات إذا كانت بالغلبة فليس عليك شيء.
مثاله في الصلاة رجل تكلم بالغلبة، غلبه الكلام حتى تكلم، مثل سقط عليه الشيء وقال: أح. هـ?ذا غصبا عليه، كلمة (أح) مثل إغماض العين إذا أقبل عليها الشيء.
كذلك أيضا الظاهر أن الموسوس من هـ?ذا النوع، فيه ناس -نسأل الله العافية- موسوسون يغلبهم الكلام يتكلمون غصبا عليهم الظاهر أن هـ?ذا من هـ?ذا النوع، ويدل لهذا قوله تعالى?: ?لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا? [البقرة:286]، لو قال قائل: هل من الغلبة الضحك؟ الغريب أن الضحك يقول العلماء: إنه مبطل للصلاة مطلقا؛ لأنه ينافي الصلاة؛ لأن الإنسان لو كان بين يدي شخص مهيب من بني آدم لا يمكن أن يضحك أمامه إلا بسبب مباشر عند بني آدم، يرى أن هـ?ذا ما يجوز.
التبسم بدون صوت هـ?ذا لا يبطل الصلاة، غاية ما هنالك أنه فعل، قد يغلب عليه وقد لا يغلب، إنما هـ?ذا نص العلماء على أن التبسم لا يبطل الصلاة وأن الضحك يبطلها مطلقا، وعللوا ذلك أنه نوع استخفاف بالله عز وجل الذي وقف بين يديه.
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[17 - 09 - 07, 04:03 ص]ـ
[الحديث الحادي والعشرون]
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا; أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ اَلْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ, فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ, فَصَامَ اَلنَّاسُ, ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ, حَتَّى نَظَرَ اَلنَّاسُ إِلَيْهِ, فَشَرِبَ, ثُمّ قِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ اَلنَّاسِ قَدْ صَامَ. فقَالَ: ((أُولَئِكَ اَلْعُصَاةُ, أُولَئِكَ اَلْعُصَاةُ)).
وَفِي لَفْظٍ: فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ اَلنَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ اَلصِّيَامُ, وَإِنَّمَا يَنْتَظِرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ اَلْعَصْرِ، فَشَرِبَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. ()
[الفوائد]
ففي هـ?ذا الحديث فوائد كثيرة:
هل منها جواز قتال أهل مكة؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج لقتالهم؟ لا نوافق على هـ?ذا؛ لأن هـ?ذا الحكم نسخه النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ في اليوم الثاني من الفتح، فإنه قام خطيبا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ في الناس وأخبر بأن مكة حرام بحرمة الله منذ خلق السم?وات والأرض. وأنّها لن تحل لأحد قبل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنها لم تُحل للرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ دائما وإنما أحلت له ساعة من نهار للضرورة، وأخبر عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أنها عادت حرمتها ذاك اليوم الذي يخطب فيه كحرمتها بالأمس؛ يعني كانت حراما ثم أحلت ثم حرمت، فيكون النسخ وقع عليها مرتين.
ويستفاد من هـ?ذا الحديث جواز الفطر في أثناء النهار للمسافر، يؤخذ من أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد العصر، زد على ذلك أنه يستفاد منه جواز الفطر لمن رخص له فيه ولو في آخر النهار؛ يعني ما نقول تصبر وتحمل ما بقي إلا ساعة ما بقي نصف ساعة لا له أن يفطر ولو لم يبق من النهار إلا جزء يسير.
ومن فوائد الحديث أنه ينبغي للإمام يعني للإمام المتبوع والمسؤول أن يراعي أحوال الناس ويعدل عن الأفضل إلى? المفضول مراعاة لأحول الناس، يؤخذ من إفطار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مراعاة لأحوال الناس.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/130)
ويدل على أنه أفطر مراعاة لأحوالهم ما سبق في حديث أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ويدل لذلك أيضا أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة العشاء كان يستحب أن يؤخر من العشاء؛ ولكن إذا اجتمع الناس عجل لئلا يشق عليهم في الانتظار، فيدع الفاضل إلى? المفضول مراعاة لأحوال الناس.
بل يدل ذلك أيضا أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ترك بنيان الكعبة على قواعد إبراهيم خوفا على تغير الناس ونفورهم. قال لعائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: ((لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم وجعلت لها بابين بابا يدخل منه الناس وباب يخرجون منه))؛ () ولكنه ترك خوفا من نفور الناس، والحكمة فيما قدر الله عز وجل، لما تولى عبد الله بن الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الخلافة في الحجاز هدمها وبناها على قواعد إبراهيم، وجعل لها بابين بابا يدخل منه الناس وبابا يخرجون منه، ولما قضي عليه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أعيدت الكعبة على ما هي عليه في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولكن الحكمة فيما أراده الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، الآن ما أراده النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ من انتفاع الناس بدخول الكعبة وجعل بابين لها حصل، أين البابان؟ الحِجْر من الكعبة، له باب يدخل منه الناس وباب يخرجون، مع أن في هـ?ذا من راحة الناس أكثر مما لو كانت قد سقفت، لو سقفت والناس على جهلهم اليوم من الزحام قتل بعضهم بعضا؛ لكن من نعمة الله عز وجل أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعادها على ما كانت عليه، والذي قدره النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وأراده حصل باب يدخل منه الناس وباب يخرجون مع الانشراح والهواء وعدم المشقة.
ومن فوائد هـ?ذا الحديث أنه ينبغي للإنسان أن يؤكد قوله بفعله ليطمئنّ الناس إليه؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا بقدح فشرب والناس ينظرون.
ومنها أن نقل بعض المخالفات للناس للمصلحة لا يعد من الغيبة أو النميمة، والدليل (إِنَّ بَعْضَ اَلنَّاسِ قَدْ صَامَ) ووجهه أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ لم ينكر على الذين بلّغوا إنما أنكر على الذين خالفوا.
ومن فوائد الحديث أيضا أنه يجوز وصف الإنسان بما يكرهه على سبيل العموم، إذا كان واقعا فيه، لقوله: (أُولَئِكَ اَلْعُصَاةُ) هـ?ذا على سبيل العموم واضح، ولاشك أن المعصية وصف ذميم مكروه للنفوس؛ ولكن إذا كان الإنسان مستحقا له فلا بأس أن يوصف به؛ لأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وصف ه?ؤلاء بالعصاة.
أما أن تقول لشخص معين: أنت عاص، فهـ?ذا محل تفصيل:
إن اقتضت المصلحة ذلك بأن فيه ردع له ولغيره، فلنقل له هـ?ذا.
وإلا فإن الأولى ألا نقول ذلك له مواجهة ومباشرة؛ لأن هـ?ذا ربما يثيره فتأخذه العزة بالإثم، فيزداد تعنتا في معصيته، وربما ازداد معصية أخرى.
ومنها أيضا أن النفوس مجبولة على تقليد الكبير لقوله: (وَإِنَّمَا يَنْتَظِرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ) ولاشك في هـ?ذا أن الناس مجبولون بفطرهم على تقليد الكبير.
ومن فوائد الحديث أيضا جواز الإخبار عما يحصل في العبادات من المشقة لقولهم: (إِنَّ اَلنَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ اَلصِّيَامُ) لا يقال: إن هـ?ذه شكوى من مشقة العبادة؛ بل يقال: إن هـ?ذا خبر وفرق بين الخبر المجرد وبين الخبر الذي يراد به الشكوى.
ولهذا يجوز للمريض أن يخبر بما يجد؛ لكن من غير شكوى، مثلا يقال: كيف أنت؟ فيقول: والله البارحة سهرت وتعبت، وآلمني كذا، وآلمني كذا، إخبارا لا شكوى، ولهذا بعض المرضى يقول: إخبارا لا شكوى. وهناك فرق بين الإنسان الذي يشتكي والإنسان الذي يخبر.
فإذا أخبرت بأن العبادة شقت عليك لا تشكيا منها، فهـ?ذا لا بأس به.
ومن فوائد الحديث أيضا حسن تعليم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحسن خُلُقه مع أصحابه؛ لأنه شرِبَ هـ?ذا بعد العصر والنّاس ينظرون كل هـ?ذا من أجل التسهيل والتيسير عليهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/131)
ومنها أيضا جواز سؤال الغير حيث لا يكون في ذلك مِنَّة على السّائل، تؤخذ من قوله: (فَدَعَا بِقَدَحٍ) فإنّ الإنسان لا حرج عليه إذا كان لا يرى مِنّة عليه في السؤال أن يسأل، ومثل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سأل أحدا قال: هات القدح، يعتبر المسؤول هذا منة من الرسول عليه، فهناك فرق؛ لكن لو تدعو إنسانا مساويا لك وتقول: أعطني قدحا لكنه يتكاسل، هـ?ذا الأحسن تسأله أو لا تسأله؟ لا تسأله؛ لأن فيه منة وفيه إحراجا لهذا الرجل، أما بعض الناس مثلا تسأله قبل أن ينتهي الكلام وهو قائم وساعٍ بشدة يأتي لك بما تريد، هـ?ذا ما يقال: إن سؤاله من الذل أمام الناس؛ بل هـ?ذا من الأمر المباح الذي سنّه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته.
ومنها جواز الإخبار بالكل عن البعض، من قولهم: (إِنَّ اَلنَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ اَلصِّيَامُ) لأن الظاهر -والله أعلم- أنه ليس كل الناس يشق عليهم ذلك، فإنّ الناس يختلفون في التحمل، ويختلفون أيضا في الجوع وفي العطش، بعض الناس يجوع سريعا ويعطش سريعا، وهـ?ذا فرد من أفراد كثيرة، وهي جواز إخبار الإنسان بما يغلب على ظنه؛ بل جواز إقسامه على ذلك كما سيأتينا إن شاء الله.
يدلّ على أنه ليس كل مجتهد مصيبا. لا أدري هل هـ?ذه من مسائل الاجتهاد؛ لأن الناس يعني يصومون ويفطرون، على سبيل أن هـ?ذا شرع، لا على سبيل أنه اجتهاد؛ لأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرهم على هـ?ذا. تؤخذ من (إِنَّ بَعْضَ اَلنَّاسِ قَدْ صَامَ) ه?ؤلاء اجتهدوا بلا شك لكن اجتهادهم صار خطأ.
إذن نأخذ منه أنه ليس كل مجتهد مصيب من جهة، ومن جهة أخرى أن من أخطأ في اجتهاده فيجب الإنكار عليه، وبيان خطئه، وحينئذ نقول: إن العبارة المشهورة عند العلماء (لا إنكار في مسائل الاجتهاد) مقيدة بما إذا لم يكن ذلك الاجتهاد مخالفا للنّص، فإن كان مخالفا للنص فإنه ينكر عليه؛ لكن ما دامت المسألة محتملة للاجتهاد فإنه لا ينكر إذْ ليس اجتهادك أولى بالقبول من اجتهاد الآخر، أو أولى بالصواب من اجتهاد الآخر.
النساء اللاتي يأكل حبوب منع الحيض في رمضان يدخلن في هـ?ذا، لأنهن تركن الرخصة؛ ولكن هل نقول: إن عدم صوم المرأة وهي حائض من باب الرخصة، أو من باب أنها ليست أهلا لهذه العبادة؟
الظاهر الأخير كما أنها ليست أهلا للصلاة، هي لم يسقط عنها الصوم من أجل الرخصة وإلا لقلنا: لو صامت لصح صومها، وليس الأمر كذلك.
وتأتي مسألة ثانية: مسألة الضرر وفيه ضرر ولقد أخبرنا الأخ رشاد كتب لنا مرة ورقة في أضرار هـ?ذه الحبوب، فيها أربعة عشر ضررا، يكفي منها واحد. ومع ذلك فإن النساء منهمكات في هـ?ذه الحبوب؛ لأجل أن تصوم مع الناس أو لأجل أن لا يفوتها عشر رمضان أو ما أشبه ذلك.
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[17 - 09 - 07, 04:06 ص]ـ
[الحديث الثاني والعشرون]
وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ () رِضَى اَللَّهُ عَنْهُ; أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! إني أَجِدُ فيَّ قُوَّةً عَلَى اَلصِّيَامِ فِي اَلسَّفَرِ, فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ? فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اَللَّهِ, فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ, وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. ()
وَأَصْلُهُ فِي "اَلْمُتَّفَقِِ عليه" مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ; أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو سَأَلَ. ()
[الفوائد]
يستفاد من هـ?ذا الحديث عدة فوائد:
منها حرص الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم على التفقه في الدين، يؤخذ من سؤال حمزة بن عمرو للنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.
ومنها أن بعض الناس يظن أن الترخيص من أجل المشقة، وأنه لو وجدت القوة فلا رخصة، لقول حمزة: (إني أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى اَلصِّيَامِ فِي اَلسَّفَرِ, فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ?) وهـ?ذا على احتمال أن تكون (فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ) في الفطر.
ومنها إثبات الرخص في الشريعة الإسلامية لقوله: (هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اَللَّهِ)؛ ولكن هـ?ذه الرخص لا يمكن أن ترد إلا لسبب، وإلا كان الشرع متناقضا فكل رخصة رخصها الله فإنها لسبب، وإلا كان الشرع متناقضا أو كان الشرع غير حزم.
ومن فوائده أيضا -من فوائد الحديث- أن الأخذ بالرخصة ليس بواجب، لقوله: (فَحَسَنٌ) ولم يقل: فحق أو فواجب، وإنما قال: (فَحَسَنٌ).
وزيادة على ذلك قال: (وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ)، وهو يؤكد أن الأخذ بالرخصة ليس بواجب.
ومن فوائد الحديث الرد على الجبرية (أَخَذَ بِهَا)، (وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ).
ومن فوائد الحديث أيضا الرد على من يقول: إنه لا يجوز صوم رمضان في السفر، وهم الظاهرية لقوله: (وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ) وهـ?ذا صريح.
ومنها أنه يجوز إضمار ما دلّ السياق عليه ولا يعد ذلك إلغازا في الكلام.
أي جواز الإضمار في الشيء إذا دلت عليه القرينة سواء كانت متصلة أو منفصلة، ولا يعد هـ?ذا من باب التّعمية.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/132)
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[17 - 09 - 07, 04:13 ص]ـ
[الحديث الثالث والعشرون]
وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: رُخِّصَ لِلشَّيْخِ اَلْكَبِيرِ أَنْ يُفْطِرَ, وَيُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا, وَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ, وَالْحَاكِمُ, وَصَحَّحَاهُ.
[الفوائد]
الفوائد هي:
أولا أن الشيخ الكبير إذا لم يستطع الصوم سقط عنه ووجب عليه بدله وهو أن يطعم عن كل يوم مسكينا.
ثانيا يقاس عليه من يشبهه من ذوي الأعذار التي لا يرجى زوالها؛ لأن العلة واحدة، وهي العجز عن الصوم عجزا مستمرا، مثل أصحاب الضعف المنهك الذي لا يُرجى قوتهم فيما بعد، وكأصحاب داء السكري الذين يحتاجون إلى? الشرب دائما، وكذلك أصحاب أمراض الكلى الذين يحتاجون إلى? الشرب دائما، وكذلك من به مرض يحتاج إلى? تناول الدواء كل يوم كل ست ساعات مثلا، وكذلك أصحاب أمراض السرطان وشبهها مما لا يرجى زواله، فحكمهم كالشيخ الكبير.
ومن فوائد الحديث أنه يجب أن يطعم عن كل يوم مسكينا، لا أن يطعم طعام ثلاثين مسكينا، الواجب أن يطعم عن كل يوم مسكينا لا أن يطعم طعام ثلاثين مسكينا، والفرق بينهما واضح، وعلى هـ?ذا لابد أن يطعم بعدد الأيام.
فلو يقال: أنا سأخرج طعاما يكفي ثلاثين مسكينا لستة فقراء أطعمهم خمسة أيام، فالجواب: لا يجزي، لابد عن كل يوم مسكينا.
ومن فوائد الحديث أنه لا يجمع بين البدل والمبدل منه، لقوله: (وَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ)، وقد يقول قائل: إن هذا ليس بفائدة؛ لأن هـ?ذا رجل لا يستطيع القضاء؛ بل يقال: بل له فائدة، وهو ما إذا شفي هـ?ذا الرجل من مرضه، أما الكبير فالكبير ما يزول كبره، لكن لو كان لمرض لا يرجى برؤه ثم شفاه الله، فإنه في هـ?ذه الحال لا يلزمه القضاء لأن ذمته برئت، ولم يبق مطالبا بشيء.
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[23 - 09 - 07, 02:14 م]ـ
[الحديث الرابع والعشرون]
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ. قَالَ: ((وَمَا أَهْلَكَكَ ?)) قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى اِمْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: ((هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً?)) قَالَ: لا. قَالَ: ((فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ?)) قَالَ: لا. قَالَ: ((فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا?)) قَالَ: لا, ثُمَّ جَلَسَ, فَأُتِي اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. فَقَالَ: ((تَصَدَّقْ بِهَذَا)) , فَقَالَ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا? فَمَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا, فَضَحِكَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: ((اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ)) رَوَاهُ اَلسَّبْعَةُ, وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
[الفوائد]
ففي هذا الحديث فوائد كثيرة، حتى إن بعضهم جمع فيه ألف فائدة وفائدة:
أولا حسن خلق النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودعوته إلى? شرع الله، وجه ذلك أنه لم يعنف هـ?ذا الرجل ولم يوبخه على ما صنع، مع أن الذي صنعه من كبائر الذنوب؛ لأنه انتهاك لحرمة رمضان، وفرضية الصوم؛ ولكن لم ينتهره النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ لماذا؟ لأن الرجل جاء تائبا، وفرق بين من يجيء تائبا يريد الخلاص، وبين إنسان غير مبالٍ بما يصنع من الذنوب.
ومن فوائد هـ?ذا الحديث أنه يجوز للرجل أن يخبر عن ذنبه عند الاستفتاء، ولا يقال: إن هـ?ذا من باب كشف ستر الله عز وجل. لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينكر عليه لم يقل اجعل هـ?ذا بيني وبينك، ما أنكر عليه.
ومن فوائد هـ?ذا الحديث أن الرجل إذا أفطر بالجماع وجبت عليه الكفارة وإن لم يعلم أنها واجبة عليه، لأن هـ?ذا الرجل لم يدر ما يجب عليه؛ لكن يدري أن الجماع حرام، نعلم ذلك من قوله: (هَلَكْتُ)، وإن كان فيه احتمال أنه أُخبر أنه فعل بأن ذلك حرام؛ لكن هـ?ذا الاحتمال وارد وقد مر علينا أن الأصل عدم الوارد؛ بمعنى أن هـ?ذا الاحتمال يرد على القضية ورودا، يعني ليس هو من لوازم القضية؛ بل هو وارد عليه، والأصل عدم الورود.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/133)
فإذا قال قائل: يحتمل أنه أُخبر بعد أن فعل. قلنا: أين الدليل؟ الأصل عدم ذلك.
وحينئذ يبقى الاستدلال بهذا الحديث واضحا بأن الرجل كان عالما بأنه حرام؛ ولكنه جاهل بما يجب عليه.
هل يقاس على ذلك ما لو زنا رجل وهو يعلم أن الزنا حرام لكنه يجهل الحد الواجب فيه؟ يقاس عليه لا شك؛ لأن العلم العقوبة ليس بشرط، الشرط العلم بالحكم الشرعي، فإذا علم الإنسان الحكم الشرعي وأقدم على انتهاكه عوقب بما يقتضيه ذلك الانتهاك، والعلم بالحد ليس بشرط، وقد مرّ علينا في كتاب الحدود أن الشّرط أن يكون عالما بالتعريف.
ومن فوائد هـ?ذا الحديث وجوب الكفارة المغلظة في الجماع في نهار رمضان؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوجب عليه الكفارة.
فإن قلت: هل يقاس على ذلك إذا كان صائما في قضاء رمضان أو لا يقاس؟ يقال: لا يقاس، والفرق بينهما حرمة الزّمن.
وعليه فلو أنّ الرجل جامع زوجته وهو يصوم رمضان قضاء فلا كفارة عليه، وذلك لأن وجوب الكفارة من أجل انتهاك الصوم في زمن محترم؛ وهو نهار رمضان.
ولذلك الآن يدلكم على هـ?ذا لو أن رجلا أفطر في قضاء رمضان عامدا، فالفطر حرام؛ لكن هل يلزمه الإمساك للغروب؟ لا، ولو أفطر في نهار رمضان عامدا فالفطر حرام ويلزمه الإمساك.
وإذا كان الجماع في نهار رمضان يمتاز عن غيره بهذه العلة، فإنه لا يمكن إلحاق غيره به.
من جامع زوجته في كفارة، ليس عليه كفارة؛ لكن صومه يبطل بلا شك لكنه ليس عليه كفارة ككفارة المجامع في نهار رمضان.
ويستفاد من هـ?ذا الحديث أن الرّجل لو جامع غير زوجته في نهار رمضان من باب أولى.
قد يقول قائل: إن هـ?ذا سيُحد ويكتفى بحده عن الكفارة، فلا يجمع عليه بين كفارتين.
فالجواب عن ذلك: أن يقال: أما قوله: (عَلَى اِمْرَأَتِي) فهـ?ذا وصف فردي لا أثر له.
الوصف الفردي الذي يسميه بعض الأصوليين مفهوم اللقب، هـ?ذا لا أثر له، والأثر الحقيقي للمعنى وهو الفعل الذي هو الجماع، هـ?ذا وجه.
ووجه آخر لا يمكن أن نقول هـ?ذا؛ لأنه الأغلب، لأنك لو قلت: إنه الأغلب كان معناه في غير الأغلب يطأ غير زوجته، لكن هـ?ذا وصف فردي ليس قيدا فلا يؤثر في الحكم.
إذن نقول: إذا جامع غير امرأته في نهار رمضان، فإن انطبقت عليه شروط الحد وجب عليه شيئان:
• كفارة الجماع.
• والثاني الحد.
وإن وقع على غير امرأته على وجه يعذر فيه كالوطء بشبهة فعليه الكفارة فقط.
يستفاد من هـ?ذا الحديث أنه لو جامع زوجته في رمضان وهو صائم، والصوم غير واجب عليه فلا كفارة عليه.
وعلى هـ?ذا فلو أن رجلا كان مع امرأته في نهار رمضان صائمين وهما مسافران فجامعها فلا شيء عليه.
ويستفاد من هـ?ذا الحديث جواز الفتوى بدون السؤال عن الموانع، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يسأله: هل أنت مسافر؟ ولأن قوله: (هَلَكْتُ) يدل على أن الصوم واجب عليه.
وحينئذ لا يستقيم هـ?ذا الاستدلال؛ ولكن المسألة من حيث هي صحيحة؛ يعني أنه يجوز للمفتي أن يفتي ولا يسأل عن الموانع.
فلو جاءه رجل وقال: إني طلقت زوجتي طلقة، فهل لي أن أراجعها؟ هل يلزم أن يقول: طلقتها في الحيض؟ طلقتها في طهر لم تجامعها فيه؟ طلقتها حاملا؟ طلقتها في طهر جامعتها فيه؟ لا.
لو جاءه يسأل: هلك هالك عن ابن وعم، هل يلزمه أن يسأل: هل الابن قاتل؟ هل هو رقيق؟ هل هو مخالف لدين أبيه؟ لا.
فذكر الموانع لا تتوقف عليه الفتوى.
أما التفصيل في أمر وجودي فلابد منه، كما لو قال السائل: هلك هالك عن أخ وبنت وعم، فهنا البنت ما يحتاج يستفصل فيها، وعن أخ، وعم شقيق يحتاج يستفصل، يقول: ما الأخ؟ إن كان أخا لأم فالباقي بعد فرض البنت للعم، وإن كان أخا لغير أم فالباقي بعد فرض البنت للأخ، وحينئذ يحتاج إلى? استفصال، بخلاف ذكر الموانع فليس بشرط، إنما لو ذُكر المانع في الاستفتاء يجب أن يفتي على حسب هـ?ذا المانع.
الحدود، قد يقال: تدرأ بالشبهات فلابد من الاستثبات.
قد يقال: إذا كثر الجهل، وقد يقال: إنه لا يلزم لأن الصحابة في عهد الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كانوا يطلقون ويفتون ويأخذون بالعدة، ويدل لذلك أنهم ليسوا كلهم يعلمون هـ?ذا فابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فقد يقال: إذا غلب الجهل، وقد يقال: أن الأصل السلامة، غلب عليهم الجهل وغلب عليهم نقص الإيمان.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/134)
من فوائد هـ?ذا الحديث السؤال عن المجمل، سؤال المفتي عن المجمل، يؤخذ من قوله: (وَمَا أَهْلَكَكَ؟) لما قال: (هَلَكْتُ).
ومن فوائده أيضا إثبات رسالة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لقوله: (يَا رَسُولَ اَللَّهِ) فأقرّه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومن فوائده أيضا أنه تنبغي الكناية عما يستحيا منه، لقوله: (وَقَعْتُ عَلَى اِمْرَأَتِي) ولم يقل: جامعت.
من فوائد الحديث الاستفهام عن الشيء مَرتبة مرتبة إذا كان له مراتب؛ لأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال: هل تجد كذا؟ هل تجد كذا؟ هل تجد كذا؟ دل هـ?ذا على أن المفتي ينبغي أن يسأل عن مراتب الشيء أولا بأول إذا كان له مراتب.
ومن فوائده أيضا أنه لا يجزئ الجمع بين خصلتين من خصال الكفارة، كما لو أعتق نصف عبد، وأطعم ثلاثين مسكينا، أو صام شهرا، لقوله: (رَقَبَةً)، وقوله: (شَهْرَيْنِ)، وقوله: (سِتِّينَ مِسْكِينًا).
ومن فوائد الحديث أنّ كفارة الجماع في نهار رمضان على الترتيب؛ لأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينتقل عن خصلة إلا حين قال الرجل: إنه لا يستطيع أو لا يجد.
ومنها فضيلة العتق؛ لأنه بدأ به أولا، ولأنه كفارة عن هـ?ذا الذنب العظيم.
ومنها إثبات الرّق شرعا، لقوله: (هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً)، فإذن الرق ثابت.
ومنها جواز قول الإنسان لذي الشرف والمنزلة العظيمة لا، دون أن يلجأ إلى? قوله: سلامتك. فلا بأس أن تقول للإنسان ولو كان كبيرا في المرتبة أن تقول: لا.
ومنها أيضا صحة الاكتفاء بالجواب بما يدل عليه، لقوله: (لا)، فإن كلمة (لا) تتضمن جملة السؤال، ولهذا يقال: إنّ السّؤال معاد في الجواب.
ومن فوائد الحديث أن الإنسان مؤتمن على عباداته، يؤخذ من اكتفاء الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ بجواب هـ?ذا الرجل، بقوله: (لا)، لم يقل: هات بينة أنك لا تجد، ولما قال: لا أستطيع الصوم. قال إنك امرئ شاب أو ما أشبه ذلك تطيق، فالإنسان مؤتمن على عباداته.
ولهذا قال العلماء: إن الرجل يصدق إذا قال: إني صليت. أو قال: إني أديت الزكاة. أو قال: إني صمت. أو قال: إني كَفَّرت .. أو ما أشبه ذلك، ويصدق بلا يمين؛ لأنه مؤتمن على عباداته.
اللهم إلا فيما كان فيه حق للآدمي كالزكاة، فإنه قد يتوجب إلزامه بدليل أحيانا إذا اتهمه قاضي أو اشتبه في أمره. أما الحق الخاص لله المحض فهـ?ذا لا يحلف عليه الإنسان؛ لأنه مؤتمن على دينه فيما بينه وبين ربه.
ومن فوائد الحديث اشتراط التتابع في صيام الشهرين، لقوله: (مُتَتَابِعَيْنِ) فلو أفطر بينهما يوما واحدا أعاد من جديد، حتى وإن لم يبق إلا آخر يوم فإنه يعيد من جديد.
ولكن لو أفطر لعذر كمرض وسفر وما أشبهه، فهل يقطع التتابع؟ لا، لماذا؟ لعموم قوله تعالى?: ?فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ? [التغابن:16]، وهـ?ذا ملتزم بتقوى الله عز وجل وأن يصوم شهرين متتابعين لكن حصل له مانع.
ماذا تقولون، لو سافر ليفطر؟ ينقطع التتابع أو لا؟ نعم ينقطع التتابع، إذا أفطر ينقطع التتابع؛ لأن هـ?ذا حيلة على إسقاط ما أوجب الله عليه.
ومن فوائد الحديث أن المعتبر الشهور لا الأيام، لقوله: (شَهْرَيْنِ)، والشهر كما قال النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((يكون هكذا وهكذا وهكذا، ويكون هكذا وهكذا وهكذا)) وقبض الإبهام يعني أن يكون تسعة وعشرين، () ولهذا فإذا ابتدأ الصوم في اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول ينتهي في اليوم السادس عشر من شهر جمادى الأولى، حتى وإن شهر ربيع الأول ناقصا وشهر ربيع الثاني ناقصا فيصوم ثمانية وخمسين يوما.
ومن فوائد الحديث أنه لابد من إطعام ستين مسكينا، لا إطعام طعام ستين مسكينا، بينهما فرق. إذا قلنا: إطعام طعام ستين مسكينا. صار معناه أن يجمع ما يكفي ستين مسكينا ويعطيه ولو مسكينا واحدا، وهـ?ذا لا يجوز بل لابد من إطعام ستين مسكينا لقوله هنا: (فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا).
ومنها أننا إذا رجعنا إلى? البدل أخذنا بكمال المبدل منه، يؤخذ من (سِتِّينَ مِسْكِينًا) ولم نقل: إطعام ما يقابل شهرين متتابعين؛ لأنه في الصيام نقول: أنت وما يكون الشهران؛ لكن في الإطعام تطعم ستين مسكينا عن ستين يوما؛ لأن الله جعل على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/135)
من فوائد الحديث عظم الجماع في نهار رمضان، لقوله: (هَلَكْتُ) ولإيجاب الكفارة المغلظة؛ لأن أغلظ الكفارات هـ?ذه كفارة الظهار وكفارة القتل، فهـ?ذا يدل على أن الجماع في نهار رمضان من أعظم الذنوب.
فإن قلت: هل تجب الكفارة في غير الجماع، كما لو أكل أو شرب أو أنزل بتقبيل .. أو ما أشبه ذلك؟
فالجواب: لا؛ لأنّ الإنسان لا ينال من الشهوة بهـ?ذه الأمور كما ينال بشهوة الجماع؛ ولأن شهوة الجماع شهوة تمتّع وتلذذ، وشهوة الأكل في الغالب شهوة حاجة، فلهذا خففت، يعني فلو أن الإنسان أكل أو شرب عامدا فلا كفارة عليه بخلاف الجماع.
من فوائد الحديث أن الإنسان قد يرزق من حيث لا يحتسب؛ لأن الله ساق صاحب هـ?ذا التمر إلى? أن جاء به إلى? مجلس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي كان فيه هـ?ذا الفقير، لقوله: (ثُمَّ جَلَسَ, فَأُتِي اَلنَّبِيُّ .. ) إلى? آخره.
ومن فوائد الحديث سقوط كفارة الوطء في نهار رمضان عند العجز عنها، تؤخذ لأنه لما قال: لا أستطيع إطعام ستين مسكنا. ما قال: تبقى في ذمتك.
لكن يعكر على هـ?ذه الفائدة أنه لما جيء بالتمر قال له: خذ هـ?ذا وتصدق به، فإن هـ?ذا يدل على أنها لم تسقط، وسيأتي إن شاء الله البحث فيه قريبا.
ومن فوائد الحديث أيضا أن الإنسان ينبغي إذا استفتى مفتيا في حلقة علم أن يجلس فيها ليطلب العلم، لقوله: (ثُمَّ جَلَسَ).
من فوائد الحديث أيضا أنه يجوز دفع الصدقات للإمام ليقوم بدفعها لأهلها، (فَأُتِي اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ) لأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ هو الإمام والناس يأتون إليه أحيانا بمثل هـ?ذا ليصرفه في أهله.
ومن فوائد الحديث أن الإمام مخيّر في صرف ما يأتيه من الأموال؛ بمعنى أن له أن يخصّ به من شاء، فلا يقال: يجب أن يوزعه على الناس بالسوية، نقول: هو مخير في أن يدفعه لمن شاء. من أين يؤخذ؟ من قوله للرجل: (تَصَدَّقْ بِهَذَا)، مع أن هـ?ذا الرجل في الواقع لم يأخذه إلا لدفعه كفارة لا لحاجته الخاصة.
إذن لو أن أحدا من الناس أرسل إليك دراهم من الزكاة لتدفعها، ورأيت رجلا طالب علم صاحب دين محتاجا للزِّواج، يحتاج إلى? عشرين ألف للزواج والدراهم التي أتتك عشرون ألفا، هل يجوز أن تعطيها لهذا الرجل وحده؟ هو من الزكاة، وعلى هـ?ذا فيجوز أن تعطيها لهذا الرجل وحده لأنه من أهل الزكاة، ولا أحد يستطيع أن يحتج عليك؛ لأن الإنسان مؤتمن في هـ?ذا الشيء.
ومن فوائد الحديث جواز مساعدة الإنسان في الكفارة، من قوله: (تَصَدَّقْ بِهَذَا).
ومن الفوائد أيضا أن الكفارة تسمى صدقة لقوله: (تَصَدَّقْ) والجامع بينهما أن الصّدقة كما قال النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار))، () والكفارة أيضا تُذهب خطيئة هـ?ذه المعصية التي كفّر عنها.
من فوائد الحديث أيضا جواز ذكر الإنسان حاله من غنى أو فقر أو مرض أو حاجة لا على وجه الشكاية إلى? الخلق، لقول الرجل: (أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟)، فيجوز لك أن تخبر عن إنسان وتقول: إنه فقير. لا على سبيل الشكاية.
وهل يجوز على سبيل السؤال؟ تأتي لشخص أمين تخبره بأنك في حاجة لعله يعطيك؛ () لأنه حين قال: (أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟) فإن لسان حاله يقول: أعطيني إياه. وعلى هـ?ذا فيجوز للإنسان أن يذكر حاله للشخص تعريضا لإعطائه، وإن كان هـ?ذا الرجل جاء ليستفتي؛ لكن نقول: إذا جاز لهـ?ذا وهو إنما جاء ليستفتي، فالذي جاء للغرض نفسه من باب أولى، ما دام الشرع أباح له، وإلا كنا نقول: أنت ما جئت لهذا، أنت جئت لتنقذ نفسك مما وقعت فيه، ولا ينبغي لك إذا جئت لهذا الغرض أن تدخل أمور الدنيا في هـ?ذا.
ومن فوائد الحديث جواز إخبار الإنسان عن ما لا يحيط به علما بحسب ظنّه، (فَمَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا)؛ لأن هـ?ذا لو أردنا أن نصل إلى? العلم اليقيني فيه لكان لابد أن نبحث كل بيت وحده، وهـ?ذا الرجل ما بحث كل بيت وحده قطعا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/136)
إذن يجوز أن تخبر عن ما يغلب عل ظنك، ولا يعد هـ?ذا رجما بالغيب. ولهذا قال الله تعالى?: ?إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ? [الحجرات:12]، ولم يقل: إن الظن إثم. لأن الظن المبني على القرائن ليس بإثم، كذلك الظن الذي لا يُحقق فيه؛ بمعنى أن الإنسان إذا اتهم أحدا بشيء ذهب يبحث ويستفسر، هـ?ذا لا يجوز.
ومن فوائد الحديث جواز ضحك الإمام بحضور رعيته، من قوله: (فَضَحِكَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، والنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ إمام الأئمة عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، وهو أشد الناس حياء، لو كان هـ?ذا مما يستحيا منه ما فعله الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، بل هـ?ذا يدل على طيب النفس وسعة الخلق.
بعض الناس إذا كان له منزلة أو جاه يأنف أن يضحك، حتى ولو ضحك الناس يأنف أن يضحك، يقول: أضحك وأنا كبير، أضحك وأنا غني، أضحك وأنا عالم، أضحك وأنا الوزير، أضحك وأنا الأمير، أضحك وأنا الملك، ما يصلح الضحك للصغار، ماذا نقول؟ نقول: ضحك من هو خير منا؛ الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.
وفيه أيضا أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كما أنه يتبسم كثيرا، فإنه يضحك أحيانا ليس كثيرا، ضحكه قليل لكن تبسمه كثير عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.
هل يستفاد منه جواز الضحك على ما يتعجب منه؟ نعم، حتى ولو للإمام، لأنه إذا جاز للإمام الذي هو محلّ الوقار فجوازه لغيره من باب أولى؛ لكن لابدّ أن يكون لها سبب، أما أن يضحك على غير سبب فهـ?ذا يعتبر من قلة الأدب؛ لكن إذا كان لسبب فهـ?ذا يعتبر الإنسان على فطرته وأنه ما عنده تزمت، ولا عنده انزواء، ولا عنده كبرياء، لأن ما تدعو الفطرة إلى? الضحك منه هـ?ذا فلا بأس به.
ومن فوائد هـ?ذا الحديث أن الأمر قد يراد به الإباحة، الشاهد: (فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ)؛ هـ?ذا أمر لكنه يراد به الإباحة.
وهكذا نأخذ قاعدة أن الأمر بعد الاستئذان للإباحة؛ لأن الاستئذان يفيد المنع، فإذا جاء الأمر بعد المنع فهو للإباحة، كما قال العلماء رحمهم الله: إن الأمر بعد النهي للإباحة، واستدلوا بقوله تعالى?: ?وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ? [المائدة:02]
ومن فوائد الحديث جواز كون الإنسان مصرفا لكفارته.
قال: (فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ).هل هو على سبيل الكفارة؟ أو على سبيل أنك في حاجة، والكفارة ما تجب إلا لغني قادر عليها؟ ستقولون: يحتمل.
الرجل يقول: أن أهل بيته في حاجة، ويقول: أنهم محتاجين، وكل من في المدينة أغنى منه، ما فيه أهل بيت أحوج منه. الذين ليس في البلد أحوج منه، معناه هو المسكين. وحينئذ لا تجب عليه الكفارة.
بعض العلماء استنبط الفائدة التي أشرنا إليها؛ أنه يجوز أن يكون الإنسان مصرفا لكفارته بشرط أن يقوم بها غيره، أما أن يقوم بها هو، ليس بصحيح.
واحد عليه إطعام ستين مسكينا، يذهب يشتري ما يكفي ستين مسكينا ويعطيها لأهله يأكلوها، هـ?ذا لا، لكن إذا أعطاها إياه غيره قالوا: فهـ?ذا دليل يدل على جواز ذلك.
لكن علماء آخرين قالوا: هـ?ذا ليس بصحيح، ولا يستفاد هـ?ذا من الحديث؛ لأن قول الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: (فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) إنما أعطاه إياه، لا على أنه كفارة؛ ولكن على أنه لدفع حاجته، بدليل أنه لابد من إطعام ستين مسكينا. ولم يقل: إن أهل هـ?ذا الرجل ستون نفرا.
فإن قلت: يمكن ذلك. هو يمكن؛ لكن نقول: حتى وإن كان ممكنا، كان على الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أن يقول: هل أهلك يبلغون ستين مسكينا؟ حتى يتبين أن ذلك من أجل الكفارة.
ولهذا الصواب في هذه المسألة أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) من باب دفع الحاجة لا من باب الكفارة.
وحينئذ يبقى النظر في الفائدة التي أشرنا إليها سابقا وهي: هل تسقط الكفارة عن الفقير أو تبقى دينا في ذمته؟
فيه خلاف بين العلماء:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/137)
بعضهم قال: إنها لا تسقط؛ لأن هـ?ذا دين والدين لا يسقط بالإعسار؛ بل يبقى في ذمة المدين إلى? أن يغنيه الله. ويدل لذلك أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ بعد أن قال الرجل: إنه لا يستطيع. قال له: خذ هـ?ذا فتصدق به. ولو كانت ساقطة بعدم الاستطاعة لكان الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ما يقول: خذ هـ?ذا تصدق به. إذن قد سقطت عنه ويعطيه هـ?ذا إما لدفع حاجته، وإما يعطيه غيره من الناس.
وهـ?ذا في الحقيقة إيراد جيد، هـ?ذا القول بأنها تسقط بالعجز.
ولكن الصحيح أنها تسقط بالعجز، ويدلّ لذلك:
أولا عموم قوله تعالى?: ?فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ? [التغابن:16]، وقوله: ?لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا? [البقرة:286]، هـ?ذا واحد.
ثانيا تدبرنا جميع موارد الشريعة ومصادر الشريعة وجدنا أنها لا توجب على الإنسان ما لا يستطيع، فالزكاة لا تجب على الفقير، والحج لا يجب على الفقير، والصوم لا يجب على العاجز عنه، وهكذا أيضا هـ?ذه الكفارة لا تجب على العاجز عنها.
ثالثا أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هـ?ذا الحديث لما قال: (أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ)، لم يقل: وإذا اغتنيت فكفّر. وهـ?ذا يدل على سقوطها.
وأما قول الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: خذ هـ?ذا فتصدق به. فيمكن أن يجاب عنه: بأن الرجل إذا اغتنى في الحال فإنه تلزمه الكفارة.
مثل لو كان حين الجماع في نهار رمضان فقيرا وفي ذلك اليوم أو بعده بيوم أو يومين مات له مورّث غني فاغتنى، حينئذ نقول: تجب عليه الكفارة؛ لأن الوقت قريب، فيمكن أن يفرق بين شخص اغتنى قريبا وشخص آخر لم يغتنِ، فإن هـ?ذا لا تلحقه، وهـ?ذا أقرب شيء أنها تسقط بالعجز؛ لأن الأدلة تشهد لذلك.
في هـ?ذا الحديث اختلاف في الألفاظ، فهل هـ?ذا الاختلاف يقتضي أن يكون الحديث مضطربا؟ وإذا اقتضى أن يكون مضطربا صار الحديث ضعيفا؛ لأن المضطرب -كما سيأتينا إن شاء الله تعالى?- من قسم الضعيف؟
فالجواب: لا، لأن الاختلاف في الألفاظ إذا كان لا يعود إلى? أصل الحديث فإنه لا يضر؛ لأن الأصل المقصود من الحديث هو وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان، والروايات كلها متفقة في ذلك، أما اختلاف الألفاظ في كونه أقسم على أن ما بين لابيتها أفقر منه، وفي قوله: (أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ)، وفي قوله: ما بين لابيتها أهل بيت أفقر منا .. وما أشبه ذلك، فإن هـ?ذا لا يضر.
وهـ?ذه القاعدة ذكرها المحدثون رحمهم الله، وممن ذكرها ابن حجر عند اختلاف الرواة في حديث فضالة بن عبيد حين اشترى قلادة من ذهب باثني عشر دينارا، ففصلها فوجد فيها أكثر من اثني عشر دينارا، فإن الرواة اختلفوا في عدد الثمن، هل هو اثنا عشر دينارا أو أقل أو أكثر، فقال ابن حجر: إن هـ?ذا لا يضر لأن هـ?ذا ليس في أصل الحديث. واختلاف الرواة في مقدار الثمن هـ?ذا أمر يقع إذْ أن الإنسان قد ينسى كم عدد الثمن.
هـ?ذه أيضا اختلاف الألفاظ لكنها لا تعود إلى? أصل الحديث، وعلى هـ?ذا فالحديث سالم من الاضطراب وهو صحيح.
فيه أيضا هل المرأة -زوجة الرجل- عليها كفارة، الحديث ليس فيه شيء.
ومن ثم اختلف العلماء هل على المرأة المجامعة كفارة أو لا؟
منهم من قال: إنه لا شيء عليها؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل له: مر أهلك بالكفارة. والسكوت عن الشيء مع دعاء الحاجة إلى? ذكره دليل على عدم وجوبه، فسكوت الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ من الحاجة الداعية إلى? الذكر يدل على أنه ليس بواجب.
ومنهم من قال: بل المرأة المختارة كالرجل؛ لأن الأصل تساوي الرِّجال والنساء في الأحكام إلا بدليل.
وأجاب عن هـ?ذا الحديث بعدة أوجه:
الوجه الأول: أن هـ?ذا الرجل جاء يستفتي عن نفسه، والاستفتاء عن النفس في أمر يتعلق بالغير يجاب الإنسان فيه على قدر استفتائه ولا يبحث عن الغير، واستدلوا لذلك بأن هند بنت عتبة جاءت إلى? النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني. فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خذي من ماله ما يكفيك وولد بالمعروف)) () ولم يطلب أبا سفيان يسأله هل كلام المرأة صحيح أو لا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/138)
ثانيا: أن الرجل يقول: هلكت، وفي بعض الألفاظ: وأهلكت. وهـ?ذا يشعر بأنه قد أكره الزوجة، ولم يقل: هلك معي أهلي. ومعلوم أن الزوجة إذا كانت مكرهة فليس عليها شيء، فيكون هنا: لم تذكر الكفارة على المرأة لوجود ما يشعر بأنها مكرهة، والمكرهة ليس عليها شيء.
ثالثا: ربما كانت هـ?ذه المرأة غير صائمة:
فقد تكون مريضة ما تستطيع الصوم.
أو طهرت من الحيض بعد طلوع الفجر -والصحيح أن من طهرت من الحيض بعد طلوع الفجر لا يلزمها الإمساك، فتكون تأكل وتشرب-، ولو أن زوجها قدم من سفر وهي طهرت بعد الفجر وهو قدم بعد الفجر جاز له أن يجامعها؛ لأن كلا منهما لا يلزمه الصوم.
ربما تكون حائضا، الرّجل يقول: هلكت وأهلكت. لكن هـ?ذا بعيد بالنسبة لحال الصحابة، لكن فيه احتمال عقلا ليس ممتنعا.
قد تكون حاملا جاز لها الفطر. كل هـ?ذا ممكن.
قد تكون مرضعا جاز لها الفطر.
إذن المرأة فيها احتمالات كثيرة.
وعندنا قاعدة أصيلة مؤصلة في الشريعة الإسلامية وهي: تساوي الرجال والنساء في العبادات إلا ما قام عليه الدليل.
وحينئذ فنقول: المرأة المطاوعة كالرجل، فإذا طاوعت المرأة زوجها في الجماع في نهار رمضان، فإن عليها من الكفارة ما على زوجها، إعتاق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطيع فإطعام ستين مسكينا.
إذا كانت هي تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين وزوجها لا يستطيع فماذا يكون؟ تصوم وزوجها يطعم.
فإذا قال زوجها: تبطئ علي شهرين متتابعين صائمة، لك الليل يكفيك، أتركها تصوم.
إذن فيه أيضا بحث في الحديث، لم يذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذا الرجل قضاء ذلك اليوم، فهل نقول: إنه لا قضاء عليه لأنه قد تعمد الفطر؟ فهل نقول: إن من تعمد الفطر لا قضاء عليه؟
نقول: ذهب إلى? هـ?ذا بعض العلماء ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: من تعمد الفطر في نهار رمضان فلا قضاء عليه.
ومعنى (لا قضاء عليه) يعني لا يقبل منه القضاء، فعليه أن يتوب عن الفطر وعن الصوم.
ولكن هو قال رحمه الله -شيخ الإسلام- إن أمر المجامع -يعني هـ?ذا الرجل- بالقضاء ضعيف، لأنه ورد أن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال: ((صم يوما مكانه))، () لكن هـ?ذا الحديث كما قال شيخ الإسلام: إنه ضعيف. ()
نحن نقول: عدم ذكر الصوم هنا:
إما أن يُخَرّج على ما خرجه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أن المتعمد لا يقضي؛ لأنه غير معذور، وهـ?ذا واحد.
وهـ?ذا فيه نظر، لأن القول الراجح أن الإنسان إذا شرع في الصوم لزمه، وصار في حقه كالنذر؛ لأنه يبتدئ به معتقدا لزومه ووجوبه عليه، فهو كالناذر، والنذر يجب الوفاء به ولو أفسده صاحبه.
وعلى هـ?ذا فنقول: إذا شرع في الصوم ثم أفطر متعمدا فهو آثم وعليه القضاء، أما إذا لم يشرع في الصوم أصلا، الرجل تعمّد أن يفطر هـ?ذا اليوم من قبل الفجر، فالصحيح أنه لا قضاء؛ بمعنى لا ينفعه القضاء؛ لأنه تعمّد تأجيل العبادة عن وقتها بدون عذر، وكل عبادة مؤقتة إذا تعمّد الإنسان تأجيلها أو تأخيرها عن وقتها فإنها لا تقبل منه.
إذن هل هناك وجه آخر؟ نعم قال بعض العلماء: لم يوجب عليه قضاء الصوم؛ لأنه أوجب الكفارة، فكانت الكفارة كفارة عن هـ?ذا اليوم وعن الجماع، فهما ذنبان دخل أحدهما في الآخر، وصارت الكفارة لهما جميعا؛ لأن الكفارة كفارة للأمرين للوطي والفطر، وعلى هـ?ذا فيكتفى بها عن الصوم، هـ?ذا جواب ثان.
جواب ثالث قالوا: لم يذكر وجوب الصيام عليه؛ لأن هـ?ذا أمر معلوم أن من أفطر يوما فعليه قضاؤه، وما كان أمرا معلوما فإنه حاجة إلى الاستفصال عنه، أو التنصيص عليه؛ لأن هـ?ذا الرجل هو نفسه قد أقر بأنه هلك، فكان مقتضى الحال أن يكون ملتزما بقضاء هـ?ذا اليوم.
هل في الحديث دليل على أن الجماع مفسد للصوم موجب للكفارة سواء كان الإنسان عالما أو جاهلا أو ذاكرا أو ناسيا؟
قال بعض العلماء فيه دليل.
نقول: إن ظاهر الحديث وهو قوله: (هَلَكْتُ) يدل على أن الرجل كان عالما بذلك؛ لأنه لا هلاك إلا مع علم.
ولكن قد يقول قائل: ربما أن هـ?ذا الرجل أخبر بعد أن فعل بأنّ هـ?ذا حرام فقال: (هَلَكْتُ).
نقول: نعم، هـ?ذا الاحتمال وارد؛ ولكن الأصل أصل الكلام على ظاهره، وأن الرجل علم أنه هالك قبل أن يُخبر؛ لأن الإخبار وارد على حال المخبر، والأصل عدمه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/139)
وعلى هـ?ذا فنقول: ليس فيه دليل على أن من جامع وهو جاهل فعليه الكفارة؛ بل الجماع مع الجهل كالأكل مع الجهل، وكسائر المحظورات مع الجهل فإنه يُعذر فيها.
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[23 - 09 - 07, 02:20 م]ـ
[الحديث الخامس والعشرون]
وَعَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ, ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
زَادَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: وَلا يَقْضِي.
[الفوائد]
في هـ?ذا الحديث دليل على أنه يجوز للإنسان أن يصبح جنبا وهو صائم ولا حرج عليه في ذلك، مثل أن يجامع زوجته قبيل الفجر أو قبل الفجر ثم لا يغتسل إلا بعد طلوع الفجر وهو صائم، فلا بأس بذلك، وهـ?ذا الحكم دل عليه قوله تعالى?: ?فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ? [البقرة:187]، ووجه الدلالة من هـ?ذه الآية أن الله أباح لنا مباشرة النساء والأكل والشرب إلى? طلوع الفجر، وهـ?ذا يستلزم أن يكون الإنسان مجامعا إلى? آخر لحظة من الليل، وإذا كان كذلك فلابد أن يطلع عليه الفجر وهو لم يغتسل، وهـ?ذا يسميه العلماء من باب دلالة الإشارة.
ويستفاد من الحديث جواز التصريح بما يستحيا منه للحاجة والمصلحة، كقول أمهات المؤمنين رضي الله عنهما: (كانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ) لكن إذا دعت الحاجة إلى? ذكر ما يستحيا منه فلا بأس؛ لأن الله لا يستحي من الحق.
وفيه دليل أيضا على جواز صوم الحائض إذا طهرت قبل أن تغتسل، من باب القياس؛ لأن كلا من الحائض الطاهر قبل أن تغتسل والجنب كلا منهما يجب عليه الغسل، فإذا صح صوم الجنب صح صوم الحائض.
وفيه أيضا دليل على أن هـ?ذا شامل للفرض والنفل وجهه عدم التفصيل هـ?ذا من وجه، وجه آخر قولها: (وَلا يَقْضِي) لأن القضاء من خصائص الواجب.
وفيه دليل على جواز مجامعة الرجل زوجته قُبيل الفجر؛ بل كل الليل لقوله: ?حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ? [البقرة:187].
فإن طلع الفجر عليه وهو يجامع؟
المذهب أنه إن بقي وجبت عليه الكفارة، وإن نزع وجبت عليه الكفارة.
إن بقي واضح أنه وجبت عليه الكفارة لأنه عصى الله عز وجل، في قوله: ?فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ ? إلى? قوله: ?حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ?.
وإن نزع، فالنزع عندهم جماع، لأن الإنسان يتلذذ به، فيكون هـ?ذا واقعا في الإثم، وتلزمه الكفارة.
والصحيح أنه لا يلزمه شيء إذا نزع فورا، وأن هـ?ذا النزع ليس بحرام بل هو واجب، وما كان واجبا فإنه لا يؤَثم به الإنسان، وإذا لم يؤَثم فلا كفارة. ()
ولكن يجب عليه من حين أن يعلم أن الفجر طلع يجب عليه أن ينزع.
هل علم الفجر يكون بالأذان؟
ينظر بعض المؤذنين يؤذن قبل الفجر؛ لكن إذا علمت أن هـ?ذا المؤذن لا يؤذن حتى الفجر أو يخبره عنه ثقة، وجب عليك أن تعمل به؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر)) () هكذا قال النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.
وبناء على ذلك، فإن الإنسان إذا سمع المؤذن وكان يعرف أن هـ?ذا المؤذن مؤذن ثقة لا يؤذن إلا إذا رأى الفجر أو أخبره به ثقة، فإنه يجب عليه العمل بالسماع.
فإن شك، فالأصل بقاء الليل؛ لكن ينبغي للإنسان أن لا يُعَرِّض صومه للخطر.
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[23 - 09 - 07, 02:29 م]ـ
[الحديث السادس والعشرون]
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا; أَنَّ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
[الفوائد]
هـ?ذا الحديث فيه فوائد:
أولا مشروعية الصيام للولي إذا مات مورثه قبل أن يصوم الواجب عليه، يؤخذ ذلك من قوله: (صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) ولو لا هـ?ذا لكان الصيام عنه بدعة وكل بدعة ضلالة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/140)
ويستفاد أيضا من هـ?ذا الحديث أن من مات وعليه صيام من رمضان فإنه يصام عنه، لعموم قوله: (وَعَلَيْهِ صِيَامٌ)، وهـ?ذا هو القول الراجح في هـ?ذا الحديث.
وذهب بعض أهل العلم إلى? أنه لا يصوم أحد عن أحد.
وذهب آخرون إلى? أنّه يصام النذر، ولا يصام قضاء رمضان.
فالأقوال إذن ثلاثة.
حجة القائلين بأنه لا يصام عن أحد حديث روي عن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أنه قال: ((لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد))، () وهـ?ذا عام، فيكون هـ?ذا الحديث على رأيهم منسوخا؛ لأنهم لا يقولون به.
ويقولون أيضا: لو قلنا أنه يصوم عنه، فإن أثمناه بعدم الصوم خالفنا قوله تعالى?: ?وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى? [الأنعام:164]، وإن لم نؤثمه فقد يكون مخالفا لظاهر الحديث؛ لأن ظاهر الحديث (صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) هـ?ذا أمر والأصل في الأمر الوجوب.
أما الذين قالوا: إنه في النذر خاصة، أن هـ?ذا في النذر دون الفريضة الواجبة في أصل الشرع، فقالوا: لأن الواجب في أصل الشرع أوكد من حيث الفرض من الواجب بالنذر؛ لأن:
الواجب في أصل الشرع أوجبه الله على عباده عينا.
والواجب بأصل النذر أوجبه الإنسان على نفسه، فدخلته النيابة دون الواجب بأصل الشرع. فهو كما لو التزم الإنسان بديْن عليه ثم مات فإنه يقضى عنه.
ولكن نقول: هـ?ذا التعليل عليل.
الأول: الحديث ضعيف.
والثاني: لو فرضت صحته، لكان عامّا يخصص بهذا الحديث، ويكون معنى ((لا يصوم أحد عن أحد))، يعني لو كنا أحياء وقال شخص: والله أنا أعرف أن الصوم يكلفك؛ لكن أريد أن أصوم عنك، هـ?ذا ما يجوز، وأما إذا مات فهي مسألة خاصة فيكون مخصصا للعموم على تقدير صحة الحديث.
أما على قرينة أنه خاص بالنذر فنقول لهم: هـ?ذا ضعيف أيضا؛ لأنّا لو نظرنا إلى? الواجب بأصل الشرع والواجب بأصل النذر من الصيام لوجدنا أن الواجب بالنذر قليل بالنسبة إلى? الواجب بأصل الشرع.
متى يأتي رجل لينذر أن يصوم؛ لكن متى يكون عن رجل قضاء من رمضان؟ كثير، فكيف نحمل الحمل الحديث على الشيء النادر القليل، وندع الشيء الكثير، هـ?ذا بعيد، إذا حملنا كلام الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ على الشيء النادر وألغينا الشيء الكثير، فهـ?ذا صرف للكلام على ظاهره.
وعلى هـ?ذا فنقول: الصواب بلا شك أنه يجوز أن يصام عن الميت ما كان واجبا بأصل الشرع وما كان واجبا بالنذر.
رجل مرّ به رمضان وهو مريض مرضا معتادا يرجى برؤه -كالزكام مثلا- استمرّ به المرض حتى مات في آخر شوال يعفى عنه أو لا؟ يعفى عنه، لماذا؟ لأنه لم يتمكن، والمريض عليه عدة من أيام أخر.
رجل آخر عليه قضاء من رمضان، كان مسافرا لمدة خمسة أيام، وقدم من سفره، وبعد مدة مُرض ومات، يصام عنه، لأن هـ?ذا قد وجب عليه الصوم وتمكن منه وفرط فيه فيصام عنه.
هل يصام عنه متتابعا أو متفرقا؟
نقول: ظاهر الحديث (صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) أنه يجوز متتابعا ويجوز متفرقا. كما أن الأصل أن الميت الذي عليه الصوم لو صام متتابعا أو متفرقا جاز، فكذلك من صام عنه يجوز أن يصوم متتابعا ومتفرقا.
ففي الحديث دليل على أنه لو اجتمع عدد من الأولياء، وصام كل واحد منهم جزءا مما عليه فهو جائز، يؤخذ من عموم قوله: (صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ)، إلا إن كان الصوم مما يشترط فيه التتابع فلا يجزئ مثل الكفارة فإنه لا يجزئ؛ لأنه من ضرورة التتابع أن لا يصوم جماعة عن واحد.
فمثلا إذا قدّرنا أنهم عشرون نفرا، وواجب عليه صيام شهرين متتابعين كم يصوم كل واحد؟ ثلاثة أيام. لو صام واحد ثلاثة أيام، والآخر ثلاثة أيام، والثالث ثلاثة أيام، ما صام كل واحد شهرين متتابعين، حتى لو فُرض أن كلما فرغ واحد من ثلاثة شرع الثاني ثم الثالث إلى? آخره، فإنه لا يصح لأنه لم يصم كل واحد شهرين متتابعين.
أما في رمضان فيمكن لأن الله قال: ?فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ? [البقرة:185]، مطلقا، ولهـ?ذا لو كان عليه عشرة أيام من رمضان وكان أولياؤه عشرة كل واحد يصوم يوما واحدا، وصاموا في يوم واحد، يجزئ؛ لأن هـ?ذه عدة من أيام أخر، كلمة من أيام قد نقول: مبنية على الغالب، وإلا فإن ه?ؤلاء عدة ولكن في يوم واحد إلا أن يقال: هـ?ذا بناء على الغالب على أن الذي سيصوم الرجل وحده.
لهذا يكون قد تم الكلام عن الحديث الأخير.
انتهت مقدمة الكتاب، ويليه إن شاء الله تعالى
بَابُ صَوْمُ اَلتَّطَوُّعِ وَمَا نُهِيَ عَنْ صَوْمِهِ
ـ[منصور أبوعبدالله]ــــــــ[25 - 09 - 07, 11:04 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[16 - 10 - 07, 02:37 ص]ـ
سلام عليكم
نكمل إن شاء الله
قال: (بَابُ صَوْمُ اَلتَّطَوُّعِ) صوم التطوّع من باب إضافة الشيء إلى? نوعه، فالصوم قد يكون واجبا كرمضان والكفارة والفدية، وقد يكون تطوعا.
ثم قال: (وَمَا نُهِيَ عَنْ صَوْمِهِ) من الأيام، والنهي عن الصوم قد يكون لأمر يتعلق بالشخص، وقد يكون لأمر يتعلق بالزمن، كما سيأتي إن شاء الله تعالى?.
صوم التطوع من محاسن الدين الإسلامي ومن رحمة الله تعالى? بعباده؛ لأن صوم التطوع:
أولا: يُكَمَّل به الخلل الحاصل في صوم الفرض.
ثانيا: يزداد به إيمان الإنسان وثوابه عند الله عز وجل، ولولا أن الله ما شرع صوم التطوع لكان صوم التطوع بدعة يأثم بها الإنسان، على هـ?ذا نقول صوم التطوع فيه فائدتان:
الفائدة الأولى: تكميل الخلل الحاصل في الفرائض.
الفائدة الثانية: زيادة الأجر والثواب.
وقوله: (وَمَا نُهِيَ عَنْ صَوْمِهِ) النهي معناه طلب الكف على وجه الاستعلاء، ويشملهما المنهيَّ عنه تحريما والمنهيَّ عنه تنزيها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/141)
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[16 - 10 - 07, 03:03 ص]ـ
[الحديث السابع والعشرون]
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ اَلْأَنْصَارِيِّ () رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ. فَقَالَ: ((يُكَفِّرُ اَلسَّنَةَ اَلْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ)) , وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: ((يُكَفِّرُ اَلسَّنَةَ اَلْمَاضِيَةَ))، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ اَلِاثْنَيْنِ, فَقَالَ: ((ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ, وَبُعِثْتُ فِيهِ, أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. ()
[الشرح]
فيستفاد من هـ?ذا الحديث عدة فوائد:
1 - حرص الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم عن العلم، يؤخذ من سؤالهم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هل سؤال الصحابة عن هـ?ذا للعلم أو للعلم والعمل؟ للعلم والعمل، أما أسئلتنا هـ?ذه فأكثرها للعلم. العلم كثير لكن العمل قليل.
2 - ومن فوائد الحديث أن صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية وباقية، وظاهر الحديث أنه يكفر الصغائر والكبائر؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أطلق ولم يفصّل، وما أطلقه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه يكون مطلقا.
وقد أخذ بهـ?ذا بعض العلماء وقال: إنه يكفر السنة الماضية والباقية، سواء كانت هـ?ذه الذنوب صغائر أم كبائر.
ولكن الجمهور على أنه لا يكفر إلا الصغائر أما الكبائر فلابد لها من توبة، وأيدوا رأيهم قالوا: لأن صوم يوم عرفة ليس أوكد ولا أفضل من الصلوات الخمس أو الجمعة أو رمضان، وقد قال النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى? رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)). () فقالوا: إن كانت هـ?ذه العبادات العظيمة الجليلة التي من أركان الإسلام لا تقوى على تكفير الكبائر، فصوم هـ?ذا اليوم من باب أولى.
الراجح أنه يقيد ما قيدت الصلوات الخمس ورمضان إلى? رمضان.
3 - وظاهر الحديث أنه يسن أو يشرع صوم يوم عرفة لمن كان واقفا بها ولغيره، ظاهر الحديث هـ?ذا؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يفصل، سئل عن يوم عرفة بدون أن يقال بعرفة أو خارج عرفة، وهـ?ذه المسألة مختلف فيها:
فقال بعض العلماء فيمن كان واقفا بعرفة ومن لم يكن واقفا بها.
ولكن الصحيح الذي عليه الجمهور أنّه لمن لم يقف بعرفة، فأما من كان واقفا بها فالمشروع له أن يفطر، واستدل ه?ؤلاء بأنه يُروى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة))، () وهـ?ذا الحديث وإن كان ضعيفا؛ لكن يشهد له فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثابت في الصحيح أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتي يوم عرف بقدح من لبن فشربه والناس ينظرون إليه، () وهـ?ذا يدل على أنّ المشهور هو الفطر، ولهذا أعلنه النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.
وأيضا فإن الذين في عرفة مسافرون، إن كانوا من غير أهل مكة فالأمر ظاهر، وإن كانوا من أهل مكة فالصحيح أنهم مسافرون؛ لأن أهل مكة كانوا يقصرون مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عرفة وفي مزدلفة وفي منى، وهـ?ذا يدل على أنه مسافرون.
وإذا قُدِّر أن الرجل حج وهو من أهل عرفة فإن الأفضل له أن يفطر ليتقوّى بذلك على الدعاء الذي هو مخصوص بهـ?ذا اليوم، وهو من أعظم ما يكون خير الدعاء دعاء يوم عرفة، والإنسان الصائم -كما نعلم- يكون في آخر النهار الذي هو أرجى الأوقات إجابة يكون عنده كسل وتعب فلا يكون قويا على الدعاء.
ويروى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، والحكمة من هـ?ذا اليوم لمن كان حاجا ليتقوى على الدعاء؛ لأنّ الدعاء خاص بهذا الزمن، وفي هـ?ذا المكان، بخلاف صوم يوم عرفة فلذلك أولى من المحافظة على صوم ذلك اليوم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/142)
4 - ومن فوائد الحديث أن التكفير يكون في الماضي والمستقبل لقوله: (اَلسَّنَةَ اَلْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ)، ولكن المستقبل على سبيل الدوام مدى الحياة لم يرد إلا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأهل بدر، أما في حق الرسول فقوله تعالى?: ?لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ? [الفتح:02]، وأما لأهل بدر فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اطلع إلى? أهل بدر وقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. () وسبب ذلك أن ه?ؤلاء القوم أتوا حسنى عظيمة أعز الله بها الإسلام وأهله وأذل الشرك وأهله، ولهذا سماه الله تعالى? يوم الفرقان، فكان من شكر الله عز وجل لهؤلاء السّادة أن قال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
ولهذا قال بعض العلماء: كلما رأيت حديثا فيه غفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فإنه ضعيف، كلمة (ما تأخر) تكون ضعيفة؛ لأن هـ?ذا خاص بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما مؤقتا فكما رأيت بصوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية.
5 - ومن فوائد الحديث فضيلة صوم يوم عاشوراء.
6 - ومن فوائده أن فضل صوم يوم عاشوراء أدنى من فضل صوم عرفة؛ لأن صوم يوم عرفة يكفر سنتين وهـ?ذا يكفر سنة واحدة.
7 - ومن فوائده أن نعمة الله على المسلمين في الأمم السابقة هي نعمة على جنسهم إلى? يوم القيامة.
فانتصار المسلمين في الأمم السابقة هو من نعمة الله علينا، ولهذا صام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هـ?ذا اليوم شكرا لله على ما أنعم على موسى? وقومه حيث أنجاهم من الغرق ونصرهم على فرعون وأغرق فرعون وقومه.
8 - ومن فوائد الحديث فضيلة صوم يوم الاثنين، قال (ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ, وَبُعِثْتُ فِيهِ, أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ) فهـ?ذا يدل على أن صومه مستحب، وفيه فضل؛ لأن ذكر هـ?ذه الأشياء التي فيها منفعة لعباد الله تدل على أنّ الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ يرغب في أن يصام ذلك اليوم.
ولهذا قال الله تعالى?: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُ? إلى? قوله: ? شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ? [البقرة:183 - 185]، فخصّ الله هـ?ذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن، فدل ذلك على أن مزية هـ?ذا الشهر بسبب نزول القرآن فيه.
واستدل بهـ?ذا الحديث من قال: إنه يسن الاحتفال بمولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ جعل هـ?ذه المناسبة لها مزية، وهي صوم ذلك اليوم الذي ولد فيه، ولكن هل هـ?ذا الاستدلال صحيح؟
ليس بصحيح، وهم لا يعملون به أيضا.
أما كونه غير صحيح فلأن:
أولا: الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قيّد الذي يشرع في هـ?ذا اليوم، وهو الصوم، فدل ذلك أن ما عداه ليس بمشروع، فحينئذ يكون دليلا عليهم وليس دليلا لهم.
ثانيا: أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عيّن اليوم ولم يعيّن الشهر، وعلى هـ?ذا فلو يصادف أن ولادة الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -إن صح تعيين يوم ولادته- في غير يوم الاثنين فإنه لا يصام؛ لأن العلة هو صوم يوم الاثنين، التعيين في يوم الاثنين، فقط.
ثالثا: أن نقول أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال: (ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ, وَبُعِثْتُ فِيهِ, أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ) وهم لا يعتبرون الإنزال فيه، إنما يعتبرون الولادة، دون إنزال القرآن فيه، مع أن فضل الله علينا بإنزال على الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أكمل من فضله بالولادة؛ لأن الذي حصل فيه الشرف وتمت به النبوة للرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ هو إنزال القرآن، أما قبل ذلك فإنه بشر من البشر، الذين ليسوا بأنبياء ولا رسل، ولم يكن نبيا إلا بعد أن أنزل عليه، ولم يكن هناك دين إلا بعد أن أنزل إليه.
ثم نقول: من قال لكم: إن ميلاده في شهر ربيع، وإن ولادته في الثاني عشر منه؟ كل هـ?ذا غير متيقن، ومن المعلوم أن هـ?ذه البدعة لم تحدث في عهد الصحابة ولا التابعين ولا تابعي التابعين، وأن القرون المفضلة انقرضت ولم يتكلم أحد منهم بكلمة، ولم يفعل أحد منهم فعلا من هـ?ذا النوع، وعليه فيكون محدثا، وكل محدث يتقرّب به الإنسان إلى? الله فهو بدعة وضلالة.
ثم نقول أيضا: هـ?ذه الذكرى التي تقيمونها كان عليكم أن تصبحوا يومها صائمين؛ لأن هـ?ذه المناسبة التي عيّنها الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، أما أن تبقوا في تلك الذكرى كثير منكم يقدمون الحلوى والفرح وكذلك الأغاني التي كلها غلو لا يرضاها الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، فليس هـ?ذا من إقامة ذكراه؛ بل هـ?ذه من محادّة الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.
9 - نأخذ من هـ?ذه الحديث مشروعية صيام ثلاثة أيام يومان سنويان ويوم أسبوعي.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/143)
ـ[أبو ليا النجدي]ــــــــ[01 - 11 - 07, 01:16 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[د. خالد الدعيجي]ــــــــ[09 - 11 - 07, 10:00 ص]ـ
بارك الله فيك
ـ[ابو محمد مطيع الرحمن]ــــــــ[09 - 11 - 07, 08:55 م]ـ
جزاكم الله خير الجزاء وبارك فيكم وأورثكم الفردوس الأعلي
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[06 - 09 - 08, 04:45 ص]ـ
وإن أردت تحمل التفريغ كاملا/
شرح بلوغ المرام- الملف (1) من كتاب الصيام-المقدمة، العثيمين رحمه الله
http://www.ajurry.com/vb/attachment.php?attachmentid=356&d=1208022021
شرح بلوغ المرام- الملف (2) من كتاب الصيام-باب صوم التطوع وما نهي عن صومه، العثيمين رحمه الله
http://www.ajurry.com/vb/attachment.php?attachmentid=577&d=1219772909
شرح بلوغ المرام- كتاب الصيام-باب (3 والأخير) الاعتكاف وقيام الليل، العثيمين رحمه الله
http://www.ajurry.com/vb/attachment.php?attachmentid=613&d=1220546031(84/144)
من يدلني على كتاب: شرح الخرقي للزركشي الحنبلي
ـ[الأفغاني السلفي]ــــــــ[27 - 08 - 07, 09:31 م]ـ
إخواني:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- أرجو مساعدتي فيما يلي:-
1 - أرجو من يدلني على كتاب: (شرح الخرقي) لمحمدبن عبدالله الزركشي الحنبلي, بتحقيق: عبدالملك بن محمد الدهيش.
2 - أرجو منكم من يعرف ترجمة وافية عن محمد بن عبدالله الزركشي الحنبلي أن يخبرني بها.
--- أنا بحاجة ماسة الى هذا, ونسأل الله التوفيق والسداد للجميع
ـ[آل زاهر]ــــــــ[28 - 08 - 07, 02:59 م]ـ
أخي السلام عليكم ورحمة الله خذ هذا الرابط وحمل الكتاب
http://www.bin-dehish.com/modules.php?name=Downloads
وتجد الترجمة في الكتب التالية الدررللعليمي 2/ 548 ,المنهج الأحمد 5/ 137 , السحب 3/ 966،رفع النقاب (327) ,الدررلإبن حميد 47 ’معجم الؤلفين 3/ 454 ,التسهيل رقم (1883)
ـ[الأفغاني السلفي]ــــــــ[29 - 08 - 07, 01:08 ص]ـ
جزاك الله خيرا , وجدت الكتاب في موقع الشيخ عبدالمللك الدهيش لكنه لم يوضع للتحميل للأسف
ـ[آل زاهر]ــــــــ[30 - 08 - 07, 10:46 م]ـ
تجد بغيتك فهذا الموقع
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=41&book=2585
ـ[محمدالقصبي]ــــــــ[01 - 09 - 07, 03:10 ص]ـ
تحقيق الدكتور ابن دهيش تجده في مكتبة الأسدي في مكة بجوار جامعة أم القرى فهم الموزعون له(84/145)
أرجو من يدلني على كتاب: شرح الخرقي, للزركشي الحنبلي
ـ[الأفغاني السلفي]ــــــــ[27 - 08 - 07, 09:40 م]ـ
إخواني:
-- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
1 - أنا بحاجة ماسة لكتاب: (شرح الخرقي) لمحمد بن عبدالله الزركشي الحنبلي, تحقيق: عبدالملك بن عبدالله الدهيش ,من يعرف شيئا عن هذا الكتاب فالرجاء أن يخبرني به.
2 - من يعرف ترجمة وافية عن محمد بن عبدالله الزركشي الحنبلي فليخبرني بها.
ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد(84/146)
دعوة للمشاركة ...... ماذا بعد منار السبيل؟
ـ[محمد بن أبي عامر]ــــــــ[27 - 08 - 07, 11:48 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما الكتاب الذي يدرس بعد الانتهاء من كتاب منار السبيل فى الفقه الحنبلي بارك الله فيكم .......... ؟
ـ[أبو معتصم الأندلسى]ــــــــ[28 - 08 - 07, 09:00 م]ـ
كتاب الروض المربع أو شرح الشيخ ابن عثيمين على المقنع وكذلك شرحه وشرح الشيخ محمد المختار الشنقيطى على زاد المستنقع
ـ[ابو انس المكي]ــــــــ[28 - 08 - 07, 09:31 م]ـ
المبدع لابن مفلح كتاب نفيس جدا
ـ[أبو مصعب القصيمي]ــــــــ[28 - 08 - 07, 09:54 م]ـ
عليك بالزاد أي زاد المستقنع وبلوغ المرام وقال بعض العلماء:
متنُ زاد ٍ وبلوغ كافيانِ في نبوغْ(84/147)
# دور المراقب الشرعي (بالنسبة للشركات)
ـ[عبدالعزيز أفندي]ــــــــ[28 - 08 - 07, 01:30 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
قد يتساءل كثير من خريجي الكليات الشرعية عن ما هو دور المراقب الشرعي في البنوك والشركات التي تحرص على أن لاتخالف معاملاتها أحكام الشريعة
وحيث أنه لا يوجد من كتب عن دور المراقب الشرعي في الشركات
لأن كل المكتوب في النت وغيره متعلق بالبنوك
فقد بحثت واستخلصت دوره الذي لا يختلف كثيرا عن المراقب في البنك
وهي مهمة كبداية لمن أراد أن يأخذ صورة عامة عن طبيعة العمل
ومهمة أيضا لمديري الشركات ونحوهم ممن يريدوا أن يتعرفوا أكثر على هذا الدور الذي لاغنى عنه لأي قطاع يريد سلامة أعماله شرعا
فإليكموها:
1 - حلقة وصل ما بين الهيئة الشرعية والشركة.
2 - التحقق من سلامة تطبيق الجهات التنفيذية لقرارات الهيئة الشرعية.
3 - استقبال الأسئلة والاستفسارات من الموظفين أو العملاء المتعلقة بالفتاوى الصادرة وتبيينها وتوضيحها عند الحاجة أو رفعها للهيئة للإجابة عليها.
4 - حضور اجتماعات الهيئة الشرعية والمشاركة في صياغة المحاضر مع أمين الهيئة.
5 - المشاركة في إعداد الدراسات والبحوث الفقهية التي تتعلق ببعض أعمال الشركة لتكييفها وبيانها من الناحية الشرعية.
6 - التحقق من عرض جميع أعمال الشركة على الهيئة الشرعية وإقرارها.
7 - المراجعة المنتظمة للخطوات العملية وتدقيق المستندات من وجهة نظر شرعية في مواعيد دورية، ورفع تقارير للهيئة تتضمن نتائج المراجعة والتدقيق الدوري لأعمال الشركة.
وغير ذلك مما تكلف به الهيئة أو الشركة عند الحاجة مما يدخل تحت تخصص المراقب الشرعي. . .
وجزاكم الله خيرا(84/148)
فهل هذه النسبة تكون صحيحة؟؟
ـ[أبويوسف الحنبلى]ــــــــ[28 - 08 - 07, 02:14 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نجد أن بعض طلاب العلم يدرس الفقه من خلال كتب الحنابلة أو الشافعية أو غيرهم وهو يخالف المذهب على حسب ما يعلمه شيخه وإذا به ينسب نفسه إلى المذهب قائلا أنا حنبلى أو شافعى أو غيره لأنه يدرس من خلال كتب هذا المذهب فهل هذه النسبة تكون صحيحة؟
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[28 - 08 - 07, 08:27 ص]ـ
ألا ترى أن الحافظ ابن حجر رحمه الله يُنسَب للشافعية مع أنه يخالفهم في عدة مسائل،
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يُنسَب للحنابلة مع كثرة اختياراته المخالفة لمعتمد المذهب في مسائل كثيرة؟.(84/149)
هل وافق المالكيه احد فى القول بطهارة الكلب؟
ـ[ابن عبد الغنى]ــــــــ[28 - 08 - 07, 02:34 ص]ـ
السلام عليكم
اعلم ان المالكيه خالفوا الجمهور وقالوا بطهارة الكلب
فهل وافقهم احد من السلف فى هذا القول
وهل من لوازم القول بطهارته عندهم جواز أكله فان كانوا يجيزون اكله اين ذهبوا من تحريم كل ذى ناب وان كانوا لايجيزون اكله فلما مادام طاهرا
هل نجد من يفتينا؟
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[28 - 08 - 07, 08:20 ص]ـ
ليس كل طاهر يجوز أكله يا أخي الكريم
فالصقر مثلاً والهر طاهران حال الحياة ولكنه لا يجوز أكلهما فتنبه بارك الله فيك.
وقيل إن القول بطهارة سؤر الكلب مذهب الإمام البخاري لأنه ساق أربعة أحاديث يفهم من مجموعها عدم نجاسة سؤر الكلب، مع أنه لم يصرح بذلك.
قال ابن عبدالبر في "الاستذكار": (وقال داود سؤر الكلب طاهر).
وغسل الإناء من ولوغه سبع مرات تعبدي غير معقول المعنى عندهم.
وقال الماوردي في "الحاوي الكبير": (وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُدُ: الْكَلْبُ طَاهِرٌ فَإِذَا وَلَغَ فِي الْإِنَاءِ كَانَ وَمَا فِيهِ طَاهِرًا، وَوَجَبَ غَسْلُهُ تَعَبُّدًا، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ والْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الِاصْطِيَادَ بِهِ فَقَالَ: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ [الْمَائِدَةِ:] وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَأَفْسَدَ مَا صَادَهُ بِفَمِهِ، وَلَمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ، وَبِرِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ {صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} سُئِلَ عَنِ الْحِيَاضِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَقِيلَ إِنَّ الْكِلَابَ وَالسِّبَاعَ تَلِغُ فِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَهِ {صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ}: " لَهَا مَا فِي بُطُونِهَا وَلَنَا مَا بَقِيَ شَرَابٌ وَطَهُورٌ ")
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[28 - 08 - 07, 09:29 ص]ـ
وفي الموسوعة الفقهية: (وللمالكيّة في أكل لحم الكلب قولان: الحرمة , والكراهة , وصحّح ابن عبد البرّ التّحريم , قال الحطّاب ولم أر في المذهب من نقل إباحة أكل الكلاب).
ـ[ابن صادق المصري]ــــــــ[28 - 08 - 07, 05:09 م]ـ
لكن روى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال (طهور إناء أحدكم إذا و لغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرار) , فكيف يكون الطهور من شىء طاهر؟
ـ[عبدالوهاب مهية]ــــــــ[29 - 08 - 07, 01:47 ص]ـ
وفي الموسوعة الفقهية: (وللمالكيّة في أكل لحم الكلب قولان: الحرمة , والكراهة , وصحّح ابن عبد البرّ التّحريم , قال الحطّاب ولم أر في المذهب من نقل إباحة أكل الكلاب).
المذهب في أكل لحم الكلب، غير المائي، الكراهة.
و عندنا في مناطق من الجنوب يأكلونه من غير نكير.
ـ[ابن عبد الغنى]ــــــــ[29 - 08 - 07, 01:51 ص]ـ
الاخ الفاضل ابو يوسف زادك الله علما وفضلا هلا تفضلت علينا برد الجمهور على ادلة المالكيه ومن وافقهم حتى تكتمل الافاده بالموضوع لا اكتمك حديثا امامى بعض الردود لكن احب مشاركتك لثقتى من خلال متابعتك انك الافضل والاعلم والافقه وربما غابت عنا اشياء فظنى انك تعلم مالانعلم
الاخ بن صادق شكرا لمروركم الكريم وربما يتم الرد على ماذكرت من خلال ادلة الجمهور
ـ[ابن عبد الغنى]ــــــــ[29 - 08 - 07, 01:54 ص]ـ
المذهب في أكل لحم الكلب، غير المائي، الكراهة.
و عندنا في مناطق من الجنوب يأكلونه من غير نكير.
اخى عبد الوهاب
هل تقصد اكل لحم الكلاب؟ ومن اى البلاد انت ايها الاخ الكريم
ـ[سالم عدود]ــــــــ[29 - 08 - 07, 05:43 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[06 - 09 - 07, 05:06 ص]ـ
عذراً أخي الحبيب ابن عبدالغني
فقد لا أجد متسعاً من الوقت لكتابة المناظرات الفقهية والردود بين الفريقين.
فهات ما عندك لنستفيد جميعاً .. وجزاك الله خيراً على حسن ظنك.
ـ[محمد لعويني]ــــــــ[24 - 10 - 07, 07:26 م]ـ
المذهب في أكل لحم الكلب، غير المائي، الكراهة.
و عندنا في مناطق من الجنوب يأكلونه من غير نكير.
يا أخي هذه دعوة باطلة عن أهل الجنوب الجزائري - وأنا منهم- منتشرة عند أهل الشمال، سألني عنها كثير منهم عند لقائي بهم في الجامعة بباتنة، وفي معهد تكوين الأئمة ببسكرة، وأجبتهم بأن هذا الأمر لا يوجد إلا عند بعض الشباب الطائش الذي لا يعرف حلالا أو حراما، وعند من يشربون الخمر، أما غيرهم فلا، فنرجو أن ترفع هذه الدعاية ويقطع دابرها، وفقنا الله وإياكم لاتباع الحق.
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[24 - 10 - 07, 09:06 م]ـ
يا أخي هذه دعوة باطلة عن أهل الجنوب الجزائري - وأنا منهم- منتشرة عند أهل الشمال، سألني عنها كثير منهم عند لقائي بهم في الجامعة بباتنة، وفي معهد تكوين الأئمة ببسكرة، وأجبتهم بأن هذا الأمر لا يوجد إلا عند بعض الشباب الطائش الذي لا يعرف حلالا أو حراما، وعند من يشربون الخمر، أما غيرهم فلا، فنرجو أن ترفع هذه الدعاية ويقطع دابرها، وفقنا الله وإياكم لاتباع الحق.
لعل بعض مناطق الجنوب يأكلون الكلاب وبعضهم لا يأكلها، وقد سبق في مشاركة أحد الإخوة في هذا الموضوع أنه يُأكل الكلاب عندهم من دون نكير!!! عملا بقولٍ في المذهب يقول بكراهيتها!!!
وهذا أمر متواتر أو مستفيض عن أهل الجنوب الجزائري، وأخص منطقة: " واد سوف " ويوجد عائلة عندنا لهم أقارب هناك يؤكدون هذا الكلام!!!
فلعل يا أخي محمد تتحدث بما يحصل في منطقتك، وآخرون حدثوا بما علموه في مناطق أخرى.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/150)
ـ[ابن عبد الغنى]ــــــــ[24 - 10 - 07, 10:11 م]ـ
الم يبلغهم تحريم كل ذى ناب من السباع؟
ـ[عادل أبو الفتوح]ــــــــ[25 - 10 - 07, 11:42 ص]ـ
بارك الله فيك
ـ[مصطفى الفاسي]ــــــــ[31 - 10 - 07, 10:48 م]ـ
يسم الله الرحمن الرحيم
وكذلك ينبغي أن نذكر في هذه المقام قياسهم على طهارة الهرة، لأنها من الطوافين علينا والطوافات، فقال المالكية وكذلك الكلاب فإنهم من الطوافين على ابن آدم والطوافات
قال ابن العربي في أحكام القرآن:
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: إذَا كَانَ الْمَاءُ طَاهِرًا مُطَهَّرًا عَلَى أَصْلِهِ فَوَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ فَسَدَ عِنْدَ جُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ}.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ، وَلَا أَدْرِي مَا حَقِيقَتُهُ.
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ حَقِيقَتَهُ، وَأَنَّ الْإِنَاءَ يُغْسَلُ عِبَادَةً، لَا لِنَجَاسَةٍ بِدَلِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْغَسْلَ مَعْدُودٌ بِسَبْعٍ.
الثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ لِلتُّرَابِ فِيهَا مَدْخَلًا، وَلَوْ كَانَ لِنَجَاسَةٍ لَمَا كَانَ لِلتُّرَابِ فِيهَا مَدْخَلٌ، كَالْبَوْلِ، عَكْسُهُ الْوُضُوءُ لَمَّا كَانَ عِبَادَةً دَخَلَ التُّرَابُ مَعَ الْمَاءِ.
وَرَأَى مَالِكٌ طَرْحَ الْمَاءِ تَقَذُّرًا لَا تَنَجُّسًا، أَوْ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْخِلَافِ؛ أَوْ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَأْكُلُ الْأَقْذَارَ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، فَيَكُونُ مِنْ الطَّوَّافِينَ أَوْ الطَّوَّافَاتِ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْقَوْلَ عَلَيْهِ فِي الْفِقْهِ.(84/151)
أين يقوم المأموم في هذه الحالة؟
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[28 - 08 - 07, 02:48 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
شخص دخل للصلاة، فوجد جماعة مكونة من شخصين، لكنهما في التشهد الأخير، فأين يجلس؟
هل يجلس خلفهما، ويكون منفردا خلف الصف؟
أم يجلس عن يمين الإمام [مذهب أبي حنيفة والكوفيين جواز القيام عن يمين الإمام مطلقا، وهو ثابت عن ابن مسعود من فعله، ورفعه للنبي صلى الله عليه وسلم].
بقي حل أخير: أن يحمل المأموم ويجلسه خلف الصف ويجلس بجانبه (ابتسامة).
فماذا يقول الفضلاء في هذه المسألة؟
ـ[يحيى صالح]ــــــــ[28 - 08 - 07, 04:55 م]ـ
ولماذا لا يجلس عن يساره، خاصة وأن هذا هو الأصل أنه متى دخل الشخص الثالث وبالمكان إمام ومأموم فيقف عن يسار الإمام، إلا أن الإمام إذا كان واقفا تقدم قليلا.
لكن، والحالة هذه، إذا استطاع الإمام التقدم - وهو جالس - وإلا بقي في مكانه.
ـ[ابن صادق المصري]ــــــــ[28 - 08 - 07, 05:31 م]ـ
في حدبث جابر الطويل , بينما كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يصلي , قال جابر (جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ثم جاء جبار بن صخر فتوضأ ثم جاء فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدينا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقني وأنا لا أشعر ثم فطنت به فقال هكذا بيده يعني شد وسطك فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا جابر قلت لبيك يا رسول الله قال إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك)
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[28 - 08 - 07, 11:22 م]ـ
تصحيح:
....................
أم يجلس عن يسار الإمام [مذهب أبي حنيفة والكوفيين جواز القيام عن يسار الإمام مطلقا، وهو ثابت عن ابن مسعود من فعله، ورفعه للنبي صلى الله عليه وسلم].
أرجو من المشرف التصحيح.
ـ[عبدالوهاب مهية]ــــــــ[29 - 08 - 07, 01:20 ص]ـ
ولماذا لا يجلس عن يساره، خاصة وأن هذا هو الأصل أنه متى دخل الشخص الثالث وبالمكان إمام ومأموم فيقف عن يسار الإمام، إلا أن الإمام إذا كان واقفا تقدم قليلا.
لكن، والحالة هذه، إذا استطاع الإمام التقدم - وهو جالس - وإلا بقي في مكانه.
السنة - و الله أعلم - أن يتأخر المأمومان، و ليس الإمام من يتقدم، لحديث جابر آنف الذكر.
ـ[يحيى صالح]ــــــــ[29 - 08 - 07, 06:08 م]ـ
جزاكم الله خيرا عن هذا التصحيح، والصواب ما ذكرتَه أنت.(84/152)
أرجو منكم المشاركة
ـ[أبويسلم]ــــــــ[28 - 08 - 07, 04:18 م]ـ
أرجو منكم المشاركة، فقد تقدمت بهذه السؤال من قبل، ولم أجد ما يشفي غليل.
(تعلمون أن بعض العلماء فضّل قراءة القرآن على الترتيب الموجود الآن في المصاحف، ولكن ألم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة والنساء وآل عمران، وكذلك الصحابي الذي كان يختم كل ركعة بسورة الإخلاص فإنه سيقرأ في الركعة الأولى الإخلاص ثم يقرأ في الركعة الثانية بسورة هي تسبقها من ناحية الترتيب، أرجو ممن عنده علم أن يجيبني على تساؤلي ولكم جزيل الشكر).(84/153)
أرجو منكم المشاركة بعض العلماء فضّل قراءة القرآن على الترتيب الموجود الآن في المصاحف،
ـ[أبويسلم]ــــــــ[28 - 08 - 07, 04:23 م]ـ
أرجو منكم المشاركة، فقد تقدمت بهذه السؤال من قبل، ولم أجد ما يشفي غليل.
(تعلمون أن بعض العلماء فضّل قراءة القرآن على الترتيب الموجود الآن في المصاحف، ولكن ألم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة والنساء وآل عمران، وكذلك الصحابي الذي كان يختم كل ركعة بسورة الإخلاص فإنه سيقرأ في الركعة الأولى الإخلاص ثم يقرأ في الركعة الثانية بسورة هي تسبقها من ناحية الترتيب، أرجو ممن عنده علم أن يجيبني على تساؤلي ولكم جزيل الشكر).(84/154)
أحكام العقيقة
ـ[أبو مصعب القصيمي]ــــــــ[28 - 08 - 07, 06:20 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
أما بعد فهذا بحث مختصر عن أحكام العقيقة ويسرني إستقبال ملاحظات الأخوة من طلاب العلم والله أعلم وصل وسلم على نبينا محمد.
ـ[أبو صفوان العوفي]ــــــــ[29 - 08 - 07, 04:18 ص]ـ
السلام عليكم
لم أجد المقدمة أخي أبا مصعب
ـ[أبو مصعب القصيمي]ــــــــ[29 - 08 - 07, 07:53 ص]ـ
وسبب حذفي للمقدمة أني أردت الأختصار على القاري فقط ... لكي يكون
الأطلاع عليه أسرع كما يفعل كثيراً من الأخوة في هذا المنتدى المبارك وجزاك
الله خيراً ...
ـ[أبو صفوان العوفي]ــــــــ[30 - 08 - 07, 09:01 م]ـ
المرجو وضع المقدمة اتماما للفائدة وبارك الله فيك
ـ[أحمد العقلاء]ــــــــ[02 - 09 - 07, 03:00 ص]ـ
أخي الكريم أبو مصعب القصيمي
جزاك الله كل خيرا على هذا البحث المفيد جدا حقيقة الذي اتضح لي من خلال قرائتي له الجهد
المبذول من خلال الرجوع الى المراجع الاصلية, وأسأل الله لك التوفيق.(84/155)
أرجو منكم المشاركة
ـ[أبويسلم]ــــــــ[28 - 08 - 07, 10:22 م]ـ
قد تقدمت بهذا الموضوع من قبل ولم أجد ما يشفي غليلي:
(تعلمون أن بعض العلماء فضّل قراءة القرآن على الترتيب الموجود الآن في المصاحف، ولكن ألم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة والنساء وآل عمران، وكذلك الصحابي الذي كان يختم كل ركعة بسورة الإخلاص فإنه سيقرأ في الركعة الأولى الإخلاص ثم يقرأ في الركعة الثانية بسورة هي تسبقها من ناحية الترتيب، أرجو ممن عنده علم أن يجيبني على تساؤلي ولكم جزيل الشكر).(84/156)
سؤال حيرني!! فهل من مجيب أحبتي
ـ[عبدالله محمود الأحمد]ــــــــ[28 - 08 - 07, 11:49 م]ـ
السلام عليكم أحبتي. . . أخواني الأفاضل ..
سؤال سألني إياه بعض الإخوة وحيرني .. فهل من مجيب يعين ..
السؤال هو: شخص ينوي العمل في شركة في إصلاح أجهزة الكمبيوتر .. ومن ضمن الأجهزة التي يصلحها سيصلح أجهزة بعض البنوك .. ولكن راتبه من الشركة وليس من البنك .. فهل من حرج عليه أو اثم شرعي في هذا العمل كونه أصلح أجهزة البنوك .. وهو أمر لابد منه عليه؟؟
أتمنى أن أجد من يعينني على الإجابة على هذا السؤال .. بوركتم
ـ[أبي يحيى المكاوي]ــــــــ[31 - 08 - 07, 08:51 ص]ـ
سمعت الشيخ ابو اسحق يفتي لرجل يعمل بامن البنك ويتقاضى اجره من شركه الامن بالجواز
ـ[أحمد بن شبيب]ــــــــ[31 - 08 - 07, 04:27 م]ـ
بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ...
وجزاك الله خيراً على التحري والبحث عن الحلال
وبعد فإن هناك أخي الكريم نوعان من التعاون في ديننا الإسلامي ..
أولاً: التعاون على البر والتقوى ((وهو النوع المحمود الواجب المأمورين فيه))
ثانياً: التعاون على الإثم والعدوان ((وهو النوع المذموم والمنهي عنه والمحرم شرعاً))
واعلم أخي رحمك الله أن معاونة من يقترف المنكر والإثم إثم،وقد جعل الشارع للوسائل أحكام المقاصد، فإذا كان المقصد واجباً جعل أسبابه الموصلة إليه واجبة، وإن كان المقصد حراماً جعل أسبابه الموصلة إليه محرمة،
ومعاونة أهل المنكر على منكرهم منكر، كما أن معاونة أهل المعروف على المعروف معروف،
هل يرضى صاحبك أن يقوم بصيانة أجهزة الكمبيوتر لدى مصنع للخمر؟؟
وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر شاربها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها، كما ورد في الحديث، فشملت اللعنة: الشارب، ومن تسبب في معاونته عليها.
وكذلك في الربا لُعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه، وما ذاك إلا لأنهم متعاونون على الإثم والمنكر ..
وضربت لك مثل مصنع الخمر لأنه لا فرق بينه وبين البنك .. فكلاهما حرام ..
والفتاوى التي تحرم ذلك كثيرة ...
سمعت الشيخ ابو اسحق يفتي لرجل يعمل بامن البنك ويتقاضى اجره من شركه الامن بالجواز
فأظلب منك أخي الكريم ذكر المصدر ..
لأن لكل فتوى حالة ... لعله أباح له ذلك مؤقتاً حتى يبحث عن عمل آخر ..
أو لأسباب أخرى ليست للتعميم ..
ـ[أحمد بن شبيب]ــــــــ[31 - 08 - 07, 04:31 م]ـ
حكم صيانة أجهزة البنوك
السؤال
أنا شاب عاطل عن العمل والداي أراد البحث لي عن عمل فتيسر لهما الالتقاء بشخص ساعداه في قضاء حاجته سابقا (في مسألة إدارية) حيث عرض هذا الشخص مساعدته لهما لإيجاد عمل لي في البنك المركزي القومي كتقني في صيانة آلات الكمبيوتر، فتعبيرا عن امتنان والدي له، أراد إعطاءه هدية لبذله مجهود تنقله وسفره، هل عملي كتقني في البنك القومي حلال شرعا، وهل إعطاء هذا الشخص الهدية يعتبر رشوة شرعاً؟ وشكراً ..
======================
الجواب
فإعطاء الهدية في مثل ما ذكرت جائز وليس من الرشوة، وقد سبق لنا فتوى في التفريق بين الهدية والرشوة برقم: 8043 ( http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFatwa.php?lang=A&Option=FatwaId&Id=8043)>
أما بخصوص العمل في البنك المذكور فإنه ينظر فيه .. فإن كان من البنوك الإسلامية التي تعمل وفق الضوابط الشرعية فلا حرج على السائل في العمل فيه.
أما إن كان من البنوك الربوية فيحرم العمل فيه لما في ذلك من المساعدة على هذه الكبيرة التي وردت الأدلة الصحيحة الصريحة بمنعها، وقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
ولا شك أن صيانة أجهزة البنك هي من أكبر وسائل التعاون معه.
وعليه فإننا ننصح السائل الكريم بالابتعاد عن هذا البنك وما شابهه من البنوك، وليبحث عن عمل آخر مباح، وقد وعد الله سبحانه من اتقاه بالرزق: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3].
((مركز الفتوى))
ـ[أحمد بن شبيب]ــــــــ[31 - 08 - 07, 04:35 م]ـ
ينوي العمل في شركة تنشيء برامج لبنوك ربوية
سؤال:
أنا مهندس اتصالات وقد عرض علي عمل في إحدى شركات الاتصالات وهي تتعلق بمجال أمن الشبكات وهو مجال أستطيع من خلاله أن أخدم الدين، وبما أنه متعلق بأمان الشبكات لابد وأن تتخلله مشاريع لمصارف ربوية وهذه الشركة تعمل مشاريع لعدة مصارف وغير المصارف فهل يجوز لي العمل فيها؟
الجواب
الحمد لله
لا يجوز الإعانة على الربا بأي وجه من الوجوه، كتابة، أو شهادة، أو حراسة، أو برمجة، أو صيانة أجهزة أو غير ذلك من صور الإعانة، لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة / 2
فإن استطعت أن تتجنب ذلك، كان عملك مباحا، وإلا فابحث عن عمل آخر مباح، وأيقن بأن الرزق من عند الله، وأنه يُنال بطاعته سبحانه، كما قال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق / 2، 3
ومعلوم أن كثيرا من الشركات تتعامل بالربا، وأن من يحمل تخصصا كتخصصك قد يواجه شيئا من المصاعب في البحث عن العمل المباح، إلا أن ذلك لا يقارن بالإثم الكبير الذي يتحمله من يعين على ذنب توعد الله أهله بالحرب.
فاتق الله، واحذر عقابه، وأطب مطعمك، فإن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به. [حديث رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 4519].
والله أعلم.
((الإسلام سؤال وجواب))
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/157)
ـ[أبي يحيى المكاوي]ــــــــ[01 - 09 - 07, 01:04 ص]ـ
جزاك الله على حرصك وفهمك
أخي سمعت ذلك من الشيخ في احدى دروسه الصوتيه المتواجده على موقعه وسأبحث عن اسمها وأوافيك بها لاحقا ولكن لم تكن في الفتوى اي ملابسات اخرى.(84/158)
مسألة: حكم من أتى ذات محرم.
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[29 - 08 - 07, 05:27 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة: حكم من أتى ذات محرمٍ.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فهذه مسألة من المسائل التي وقع فيها خلاف بين أهل العلم – رحمهم الله – وتحتاج إلى تحرير وبسط للأدلة والاعتراضات حتى يتضح وجه الحق فيها؛ فأقول مستعيناً بالله:
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أربعة أقوال:
القول الأول: أن من أتى ذات محرم فإنه يعامل معاملة الزاني مطلقاً سواءً بسواء. وهذا هو قول الحسن البصري [1] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn1) ، ومذهب المالكية [2] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn2) ، ورواية في مذهب الإمام أحمد [3] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn3) ، وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية [4] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn4) ، واختيار سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز [5] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn5) .
أدلتهم:
الدليل الأول: قوله تعالى: " الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ... ".
وجه الاستدلال: أن الآية عامة في كل زانٍ، ولم يخص به من زنى بغير ذات محرم له.
يرد عليه:
1 – أن السنة ثبتت في قتل من أتى ذات محرم، فلا يجوز العدول عن هذا النص.
2 – أن استدلالكم بالعموم غير صحيح، وذلك لأنكم توافقونا بأن الحكم في هذه الآية خاص بالبكر دون الثيب، وهذا عُلِمَ من السنة = فكذلك تخصيص ذوات المحارم ثبت بالسنة، فوجب العمل به.
الدليل الثاني: قوله تعالى: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشةً ومقتاً وساء سبيلاً " [6] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn6) .
وجه الاستدلال: أنَّ الله – سبحانه وتعالى – سمَّى نكاح امرأة الأب فاحشة، وقد سمَّى الزنا فاحشةً – أيضاً – فقال: " ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً " فدل ذلك على مساواته في الحكم.
يرد عليه:
1 – أنَّ الله – سبحانه وتعالى – يطلق اسم الفاحشة على غير الزنا من المعاصي؛ كقوله تعالى: " ولا يخرجن من بيوتهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قيل: أن خروجها من بيته فاحشة، وقيل: أن الفاحشة في ذلك أن تستطيل بلسانها على أهل زوجها، وقيل: أنها الزنا = فصار لفظ (الفاحشة) من الألفاظ المشتركة يتناول كل محظور.
2 – في هذه الآية التي فيها النهي عن نكاح ما نكح الآباء لفظ زائد، وهو ذكر المَقْت مما يؤكد أن إتيان امرأة الأب – ويقاس بقية المحارم – أشد من الزنا بغيرهن من الأجنبيات الذي ورد في وصفه بأنه " فاحشة " فقط.
الدليل الثالث: أنَّ هذا وطءٌ في فرجِ امرأة، مجمعٌ على تحريمه من غير مِلْك ولا شُبْهَة ملك، والواطئ من أهل الحد، عالم بالتحريم = فيلزمه الحد، كما لو لم يوجد العقد، وصورة المبيح إنما تكون شبهةً إذا كانت صحيحة، والعقد هاهنا باطلٌ محرم.
يرد عليه:
أنَّ قياسكم هذا صحيح لو لم يَرِدْ هنا نصٌّ خاصٌ في المسألة، وحيث ورد هنا نصٌ خاص = وجبَ الحكم به، والعمل بمقتضاه.
القول الثاني: أن من أتى ذات محرم فإنه يقتل مطلقاً، وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد [7] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn7) ، وهو قول إسحاق وأبو أيوب وابن أبي خيثمة [8] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn8)، وقولُ جماعةٍ من السلف والخلف سيأتي ذكرهم.
أدلتهم:
الدليل الأول: عن ابن عباس – رضي الله عنهما –، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " من وقع على ذات محرم فاقتلوه " [9] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn9) .
يرد عليه: بأن الحديث ضعيف لا يصح،
فقد قال عنه أبو حاتم في العلل (4/ 204): هذا حديث منكر، لم يروه غير ابن أبي حبيبة.
وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإبراهيم بن إسماعيل يضعف في الحديث.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/159)
وقال ابن عدي: وهذا لا يرويه إلا عبد العزيز بن عمران بهذا الإسناد، وهو منكر.
وقال ابن حبان: وهذا باطلٌ لا صل له.
وقال البيهقي: تفرد به إبراهيم بن الأشهلي، وليس بالقوي، وهو إن صح محمول على التعزير.
الدليل الثاني: عن البراء بن عازب – رضي الله عنه – أنه قال: لقيت خالي – وفي بعض الروايات: عمي – ومعه راية، فقلت له؟. فقال: بعثني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أقتله أو أضرب عنقه [10] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn10) .
وجه الاستدلال: قياس ذوات المحارم على امرأة الأب بجامع كونهن من ذوات المحارم.
يرد عليه:
ستأتي مناقشة هذا الاستدلال عند ذكر أدلة القول الثالث – إن شاء الله –.
الدليل الثالث: ما جاء من أنَّ الحجاج أُتِيَ برجل قد اغتصب أخته نفسها. فقال: احبسوه، وسلوا من هاهنا من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم –، فسألوا عبد الله بن أبي مطرف، فقال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: " من تَخَطَّى الحرمتين؛ فَخُطَّوا وسطه بالسيف ". وكتبوا إلى ابن عباس، فكتب إليهم بمثل قول عبد الله بن أبي مطرف [11] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn11) .
يرد عليه:
أنَّ الحديث لا يصح؛ ولا تثبت الأحكام الشرعية إلا بعد ثبوت النص الوارد فيها.
الدليل الرابع: عن معاوية بن قرة، عن أبيه، عن جده أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعثه إلى رجلٍ أعرس بامرأة أبيه، فضرب عنقه، وخَمَّسَ ماله [12] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn12) .
الدليل الخامس: عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبيه قال: لقيت عمي ومعه الراية، فقلت: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى رجل أعرس بامرأة أبيه، فأمرني أن أقتله وآخذ ماله [13] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn13) .
يرد عليه:
أنَّ الحديث لا يصح، ولا تثبت الأحكام الشرعية إلا بعد ثبوت النص الوارد فيها.
الدليل السادس: عن أبي بن كعب أنَّ رجلاً جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: إنَّ فلاناً يدخل على امرأة أبيه. فقال أبي: لو أنا لضربته بالسيف؛ فضحك النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال: " ما أغيرك يا أبي! إني لأغير منك، والله أغير مني " [14] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn14) .
يرد عليه:
أنَّ الحديث لا يصح، ولا تثبت الأحكام الشرعية إلا بعد ثبوت النص الوارد فيها.
الدليل السابع: عن المغيرة بن شعبةَ – رضي الله عنه – قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأة أبيه لضربته بالسيف غير مصفح؛ فبلغ ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: " أتعجبون من غيرة سعد! فو الله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرةِ الله: حرَّم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، ولا شخصَ أغير من الله، ولا شخصَ أحبُّ إليه العذر من أجل ذلك وعد الجنة " [15] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn15) .
الدليل الثامن: أنَّ هذا القول هو اختيار جماعةٍ من الصحابة لم يعلم لهم مخالف؛ فهو قول:
1 – ابن عباس، فقد جاء عنه أنه قال: اقتلوا كل من أتى ذات محرم [16] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn16) ،
2 ، 3 – وعبد الله بن مطرف، وأبو بردة؛ فقد جاء عنهما أنهما حكما في رجل زنا بانته بقتله [17] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn17) .
وجه الاستدلال به من جهتين:
الأولى: أنَّ ابن عباس – رضي الله عنهما – وهو ترجمان القرآن لا يقول هذا الحكم العام إلا بتوقيف من النبي – صلى الله عليه وسلم –.
الثاني: أن هؤلاء الصحابة لا يعلم لهم مخالف من الصحابة.
الدليل التاسع: أنَّ هذا القول هو اختيار جماعة من التابعين والسلف من أهل العلم والتحقيق:
1 – فعن سعيد بن المسيب أنه قال فيمن زنا بذات محرم: يرجم على كل حال [18] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn18) .
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/160)
2 – وعن جابر بن زيد – وهو أبو الشعثاء؛ كما بين ذلك ابن حجر في الفتح – فيمن أتى ذات محرم منه. قال: ضربة عنقه [19] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn19) .
3 – وقال إسحاق بن راهويه: من وقع على ذات محرم قُتِلَ [20] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn20) .
4 – قال الإمام أحمد – كما في مسائل ابنه صالح وإسماعيل بن محمد –: يقتل ويؤخذ ماله إلى بيت المال. وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (14/ 246): وهي الصحيحة – أي عن الإمام أحمد –.
5 – وبوَّب أبو داود في سننه على حديث البراء: بابٌ في الرجل يزني بحريمه.
6 – قال الترمذي في سننه (ح 1462): والعمل على هذا عند أصحابنا، قالوا: من أتى ذات محرم – وهو يعلم – فعليه القتل.
7 – وبوَّب النسائي في سننه الكبرى على حديث البراء: باب عقوبة من أتى بذات محرم.
8 – وسئل شيخ الإسلام – رحمه الله – كما في الفتاوى (34/ 177) عمن زنا بأخته؟ فأجاب: وأما من زنى بأخته مع علمه بتحريم ذلك وجب قتله.
9 – وابن القيم اختار هذا القول في زاد المعاد (5/ 14)، وروضة المحبين (ص 374).
10 – وهو ما جزم به (ناظم المفردات) من أنَّ حدَّه الرجم مطلقاً؛ كما نقل ذلك المرداوي في الإنصاف (26/ 274).
11 – وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين كما في الشرح الممتع (14/ 246).
12 – وهو ما رجحه الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله – في كتابه الحدود والتعزيرات عند ابن القيم (ص 148).
الدليل العاشر: أنَّ هذا القول هو محض القياس الصحيح، حيث إنَّ:
المقيس عليه (الأصل) هو: نكاح امرأة الأب.
المقيس (الفرع) هو: إتيان ذوات المحارم.
الجامع بينهما (العلة) هو: أنَّ هؤلاء كلهن من ذوات المحارم.
الحكم هو: القتل لكل من أتى ذات محرمٍ منه، محصناً كان أم غير محصن، بعقد أو بغير عقد.
الدليل الحادي عشر: أنَّ العقوبة على قدر الجُرْم؛ فعندما غَلُظَ الزنا في هذه المسألة لكونه في ذات محرم = زادت العقوبة عليه، ويدل على تغليظ هذه الجريمة الشنعاء:
أ – ما ورد في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " لا يدخل الجنة من أتى ذات محرم " [21] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn21) .
ب – أنَّ الزنا معدودٌ في الكبائر، ومعلومٌ أن المعصية تتغلظ بالمكان والزمان؛ فكيف إذا كانت هذه المعصية – في الأصل – من الكبائر = لا شك أنها تكون من أعظم الموبقات إذا انظم إليها كون المزني بها من ذوات المحارم، قال الهيتمي في الزواجر عن الكبائر (2/ 226): وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الزِّنَا لَهُ مَرَاتِبُ: فَهُوَ بِأَجْنَبِيَّةٍ لَا زَوْجَ لَهَا عَظِيمٌ , وَأَعْظَمُ مِنْهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ لَهَا زَوْجٌ , وَأَعْظَمُ مِنْهُ بِمَحْرَمٍ , وَزِنَا الثَّيِّبِ أَقْبَحُ مِنْ الْبِكْرِ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ حَدَّيْهِمَا , وَزِنَا الشَّيْخِ لِكَمَالِ عَقْلِهِ أَقْبَحُ مِنْ زِنَا الشَّابِّ , وَالْحُرِّ وَالْعَالِمِ لِكَمَالِهِمَا أَقْبَحُ مِنْ الْقِنِّ وَالْجَاهِلِ.
القول الثالث: أن من أتى ذات محرم فإنه يجب فيه التعزير والعقوبة البليغة إذا كان بعقد بما يراه ولي الأمر، أما إذا كان بغير عقد فحده حد الزاني، وهذا قول سفيان الثوري وأبي حنيفة [22] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn22) .
واستدلوا:
بأن حديث البراء محمول على المستحل، ويدل على ذلك الأوجه التالية:
الوجه الأول: أنَّه ليس في الحديث ذكر الرجم؛ بل القتل، والقتل ليس بحدِّ الزنا، فثبت بهذا أنَّ الخدَّ هنا لمعنًى خلاف ذلك وهو الاستحلال.
يرد عليه:
1 – أنَّ تأويلكم لو كان صحيحاً لقال الراوي: بعثنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى رجلٍ قد ارتدَّ فاستحلَّ امرأة أبيه، فقتلناه على الردة؛ فلمَّا لم يقل ذلك دلَّ على أن ما تأولتموه غير صحيح.
2 – أنَّ الراوي قال: تزوج امرأة أبيه، فدلَّ ذلك على أنًّ الحكم معلقٌ بهذه الفاحشة، ويقاس عليها كل المحارم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/161)
3 – أنَّ قولكم: أنَّ هذا ليس بحدِّ الزنا. فنقول: نعم، لكنه حدٌّ مستقل عن حدِّ الزنا العام، لِمَا فيه من البشاعة، فجريمة الزنا كبيرةٌ من الكبائر، وهو بذات المحرم أشدُّ جُرْمَاً، فناسب مغايرة الحُكْمِ بينهما.
الوجه الثاني: إذا لم يكن في الحديث ما ينفي قول أبي حنيفة والثوري لم يكن حجةً عليهما، لأنَّ مخالفهما ليس بالتأويل أولى منهما.
يرد عليه:
1 – على التسليم بأنه ليس هناك ما ينفي قول أبي حنيفة والثوري: هل يتوقف في المسألة؟! أم يبحث عن أدلةٍ ومرجحات أخرى؟! وإذا بحثنا وجدنا أنَّ الأدلة دالةٌ على وجوب قتل من أتى ذات محرم منه.
الوجه الثالث: أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – عقدَ رايةً لقتل هذا الرجل، ولم تكن الرايات تعقد إلا لمن أمر بالمحاربة، والمبعوث لإقامة حدِّ الزنا غير مأمور بالمحاربة.
يرد عليه:
1 – عدم العلم ليس دليل العدم؛ فعندما لا نعلم أنَّ هناك رايةً عُقِدَت في غير الجهاد لا يلزم منه عدم وجودها.
2 – أنَّ هناك توجيهاً لعقد الراية أحسن مما ذكرتموه، وهو: أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – عقد هذه الراية لقتل هذا الرجل، لئلا يعترض معترضٌ على قتله، لعلمه بأنًّ هذه الراية قد عقدها النبي – صلى الله عليه وسلم –.
3 – لو كان قتله ردةً لما بعث معه راية؛ لأن الراية لا تكون إلا في الحرب، فهذا دليل على كون ذلك حداً؛ كما بعث النبي – صلى الله عليه وسلم – أنيساً إلى المرأة الزانية دون أن يعقد له راية.
الوجه الرابع: في الحديث أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – بعثه إلى رجلٍ تزوج امرأة أبيه، وليس فيه أنه دخل بها؛ فإذا كانت العقوبة وهي القتل مقصوداً بها إلى المتزوج لتزوجه = دلَّ ذلك على أنها عقوبة وجبت بنفس العقد لا بالدخول، ولا يكون ذلك إلا والعاقد مستحلٌ لذلك.
يرد عليه:
1 – أنه لا يلزم من ارتكاب المعصية أن يكون العاصي مستحلاً لها؛ وإلا لكفر كل من عصى الله!.
2 – أنه إذا كانت هذه هي عقوبة العاقد فقط؛ فالداخل والزاني بدون عقد ولو كان باطلاً = أولى بهذه العقوبة.
3 – أنَّ هذا من الحيل الباطلة! فإذا أراد إنسانٌ غير محصن أن يعاشر أحد محارمه ويتخذها زوجةً له ولا يريد أن يقتل، فليس عليه إلا معاشرتها بدون عقد!
4 – أنَّ مصطلح (الزواج) من المصطلحات الشرعية الواردة في النصوص، وأما كل عقد أو وطءٍ لم يأمر الله به ولا أباحه؛ بل نهى عنه = فهو باطل، ومن سمى ذلك زواجاً فهو متعدٍّ، والأسماء الشرعية تتلقى من الشارع.
5 – أنَّ من سمى كل عقدٍ باطل ووطءٍ فاسدٍ – وهو الزنا المحض – زواجاً ليتوصل به إلى إباحة ما حَرَّمَ الله، أو إسقاط حدود الله = كمن سمَّى الخنزير كبشاً ليستحله ونحو ذلك؛ فهذا انسلاخٌ من الإِسلام، ونقض عقد الشريعة!
الوجه الخامس: أنَّ في الحديث زيادة على القتل، وهي " أخذ المال "، وفي رواية " ويخمس ماله "؛ فدل ذلك على أنَّ المتزوج كان بتزوجه مرتداً محارباً، فوجب أن يقتل لردته، وماله مال الحربيين.
يرد عليه:
1 – أنَّ هذه الزيادة غير صحيحة؛ كما يتضح ذلك في الملحق الخاص بتخريج حديث البراء.
2 – أنَّ القتل ليس لردته؛ فهذا محلُّ النزاع بيننا = فلا يستدل به.
3 – أنَّ أخذَ المال عقوبة زائدة على القتل – على التسليم بثبوتها –، ولها نظائر؛ كما في آحاد الناس الذين يمنعون الزكاة، فإنها تؤخذ منهم وشطر أموالهم ...
القول الرابع: التفريق بين من تزوج بامرأة أبيه بعقد أو بغير عقد، سواء كانت أمه أو غير أمه، دخل بها أبوه أم لم يدخل، وبين غيرها من المحارم، وهذا هو اختيار ابن حزم [23] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn23) .
واستدلوا:
بأن حديث البراء بن عازب فيمن تزوج امرأة أبيه، والباقي يبقى على الأصل وهو معاملته معاملة الزاني بكراً كان أو ثيباً عقد عليها أو زنا بها بدون عقد.
يرد عليه:
1 – أنَّ هذا الاستدلال غير مستقيم؛ فإما أن يتوقف مع حرفية النص – فيقال: أنَّ هذا الحكم خاص بمن عقد بامرأة أبيه فقط دون من لم يعقد عليها – أو يبطل استدلالكم.
2 – أنَّ الأدلة الأخرى توضح أنَّ الحكم مطرد في كل ذوات المحارم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/162)
3 – أنَّ التفريق بين ذوات المحارم تأباه روح الشريعة التي لا تفرق بين متماثلات ولا تجمع بين متفرقات؛ فزنا الأب بابنته أو الابن بأمه أشد شناعة من نكاح الابن زوجة أبيه.
الترجيح: الذي يظهر – والله أعلم – قوة القول الثاني القائلين بأنه يقتل مطلقاً لقوة أدلتهم وإمكانية مناقشة الأقوال الأخرى.
وقد تم تحرير هذا البحث في يوم الأربعاء 9/ 3 / 1428هـ
والحمد لله أولاً وآخراً.
[1] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref1) المصنف لابن أبي شيبة (28869).
[2] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref2) المدونة (4/ 483)، وتبصرة الحكام (2 /) وقال: فعليه الحد مع الأدب الشديد لما انتهك من الحُرْمَة وهذا مذهب ابن عبد الحكم، وأَبَاهُ ابن القاسم وأشهب وقالا: لا يزاد على الحد.
[3] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref3) الكافي (5/ 383)، والفروع (6 /) وقال: ونقل جماعةٌ: ويؤخذ المال لخبر البراء، وأَوَّلَهُ الأكثر على عدم وارث، واَوَّلَهُ جماعةٌ: ضَرْبَ العنق على ظنِّ الراوي. وقد قال أحمد: يقتل ويؤخذ ماله على خبر البراء إلا رجلاً يراه مباحاً فيجلد، قلت: فالمرأة؟! قال: كلاهما في معنًى واحدٍ تُقْتَل. وعند أبي بكر: إن خبر البراء عند الإمام أحمد يُحمل على المستحل، وإنَّ غير المستحل كزانٍ. نَقَلَ صالح وعبد الله أنَّه على المستحل. اهـ وهذا هو الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب؛ كما في الإنصاف (26/ 274).
[4] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref4) شرح معاني الآثار (3/ 149).
[5] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref5) الحلل الإبريزية من التعليقات البازية (4/ 315).
[6] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref6) أحكام القرآن للجصاص (3/ 64).
[7] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref7) الكافي (5/ 383)، والإنصاف (26/ 274)، وقال ابن القيم في زاد المعاد (5/ 14 ط. الرسالة الجديدة): وقد نصَّ أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد، في رجل تزوَّج امرأة أبيه أو بذات محرم، فقال: يُقْتَل، ويُدْخَل ماله في بيت المال. وهذا الفول هو الصحيح، وهو مقتضى حكم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اهـ.
[8] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref8) المغني (10/ 184).
[9] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref9) أخرجه الترمذي (1462)، وابن ماجه (2568)، والطبري في تهذيب الآثار (1/ 554 وَ 555 / مسند ابن عباس)، والطبراني في المعجم الكبير (11/ 183)، وابن حبان في المجروحين (1/ 110)، والدارقطني في السنن (3/ 126)، والبيهقي في السنن الكبير (8/ 252). مطولاً ومختصراً.
ورواه ابن أبي سيبة في المصنف (28510) من طريق عبيد الله بن موسى، وأحمد في مسنده (1/ 300 رقم 2727) من طريق أبي القاسم بن أبي الزناد، والطبري في تهذيب الآثار (1/ 556 / مسند ابن عباس) من طريق إسحاق بن محمد الفروي، وابن عدي في الكامل (1/ 234) وَ (5/ 286) من طريق عبد العزيز بن عمران = جميعهم عن إبراهيم بن إسماعيل – وهو ابن أبي حبيبة – به مطولاً ومختصراً.
* مستفاد هذا التخريج من العلل لابن أبي حاتم بتحقيق جماعة من الباحثين، بإشراف الشيخ سعد الحميد – وفقه الله – (4/ 204).
[10] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref10) صححه الحاكم، وابن الجارود، وابن القيم، والألباني، وجماعة غيرهم؛ وقد وضعت ملحقاً بتخريج ودراسة هذا الحديث.
[11] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref11) أخرجه العقيلي في الضعفاء (2/ 201 – 202) – ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 187) –، وابن عدي في الكامل (3/ 175) وَ (4/ 221) – ومن طريقه البيهقي في الشعب (5090) –.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/163)
قال العقيلي: ولا يحفظ هذا اللفظ إلا به. أي: صالح بن راشد.
قال ابن عدي: ورفدة بن قضاعة هذا لم أر له إلا حديثاً يسيراً، وعند هشام بن عمار عنه مقدار خمسة أو ستة أحاديث، وهذا الحديث حديث عبد الله بن أبي مطرف لا أعرفه إلا من حديث رفدة.
وقال أيضاً: وهذا الحديث هو الحديث الذي أشار إليه البخاري أنه لا يصح عنه.
* مستفاد هذا التخريج من العلل لابن أبي حاتم بتحقيق جماعة من الباحثين، بإشراف الشيخ سعد الحميد – وفقه الله – (4/ 205)، ويراجع تعليق المحقق عليه، وينظر تعليق ابن القيم - رحمه الله - على القتل بالتوسيط في الجواب الكافي (ص 123).
[12] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref12) أخرجه النسائي في الكبرى (7224)، وابن ماجه في سننه (2608)، والطبراني في معجمه الكبير (48)، والدارقطني في سننه (350)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4523)، والبيهقي في الكبرى (12502) وَ (16671). وقال في الزوائد: إسناده صحيح. وقال ابن منده – كما في أسد الغابة (1/ 97) –: هذا غريب من هذا الوجه. قال: وقال يحيى بن معين: هذا صحيح، كان ابن إدريس أسنده لقوم، وأرسله لآخرين. ونقل ابن القيم – أيضاً – تصحيح ابن معين لهذا الحديث في زاد المعاد (5/ 13 ط.الرسالة الصف الجديد)، وقال الألباني: حسن صحيح.
[13] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref13) أخرجه الطبراني في الأوسط (6645)، وإسناده ضعيف؛ ففيه إسحاق بن راشد تكلم في روايته عن الزهري، وهو هنا يروي عنه.
[14] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref14) تاريخ دمشق (7/ 366)، وإسناده ضعيف لجهالة الراوي عن أبي بن كعب – رضي الله عنه –.
[15] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref15) أخرجه الحاكم في المستدرك (8060 وَ 8061) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، فإنَّ أبا عوانة سمَّى مولى المغيرة هذا في روايته، وأتى بالمتن على وجهه. ولم يتعقبه الذهبي. والحديث في الصحيحين وغيرهما بلفظ: أرأيت إن وجدت رجلاً مع امرأتي.
[16] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref16) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 549).
[17] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref17) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 549).
[18] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref18) أخرجه ابن حزم في المحلى (12/ 201).
[19] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref19) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 549).
[20] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref20) نقل ذلك عنه الترمذي في سننه (ح 1462).
[21] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref21) أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (11/ 57 رقم 11031)، وفي سنده هشام بن سليمان متكلم فيه، قال ابن أبي حاتم (9/ 26): مضطرب الحديث، ومحله الصدق، ما أرى به بأساً. وقال العقيلي في الضعفاء (4/ 338): في حديثه عن غير ابن جريج وهم – وهو هنا يروي عن الزهري –.
[22] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref22) شرح معاني الآثار (3/ 149).
[23] ( http://www.alukah.net/majles/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftnref23) المحلى (12 / مسألة رقم 2220).
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[29 - 08 - 07, 05:33 ص]ـ
وهذا البحث في ملف مرفق.
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[24 - 05 - 08, 06:19 م]ـ
قال الطبري في تهذيب الآثار (1/ 571): ... قالوا: وأما حديث البراء: فإنه رواه أشعث النقاش، عن عدي بن ثابت، وأشعث وعدي ممن لا يحتج في الدين بنقالهما.
وأما أبو الجهم: الذي روى عنه مطرف، فإنه شيخ مجهول.
قالوا: وحديث معاوية بن قرة أوهى وأضعف، لأنه خبر لا يعرف له مخرج إلا من حديث خالد بن أبي كريمة / ومثل خالد بن أبي كريمة لا يحبج به في الدين.
قالوا: ويزيد حديث خالد وهاءً ما فيه من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يخمس مال من عرَّس بامرأة أبيه بعد قتله ....
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[25 - 05 - 08, 09:46 ص]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
ـ[أبو البراء القصيمي]ــــــــ[25 - 05 - 08, 06:37 م]ـ
جزاك الله خير أخي ونفع بك .. لله درك .. كثر الله من أمثالك.
أخي عبدالله بالنسبة لترجحيك (أن من أتى ذات محرم يقتل محصن أو غير محصن) هو الأقرب في نظري إذ إن هذا الإتيان زائد على غيره من حيث القبح ..
ألا ترى أن الفاعل والمفعول به يقتلان وإن لم يكونا محصنين! والله أعلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/164)
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[25 - 05 - 08, 07:18 م]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
وجزاك خيراً، وبارك فيك
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[25 - 05 - 08, 07:21 م]ـ
جزاك الله خير أخي ونفع بك .. لله درك .. كثر الله من أمثالك.
أخي عبدالله بالنسبة لترجحيك (أن من أتى ذات محرم يقتل محصن أو غير محصن) هو الأقرب في نظري إذ إن هذا الإتيان زائد على غيره من حيث القبح ..
ألا ترى أن الفاعل والمفعول به يقتلان وإن لم يكونا محصنين! والله أعلم
وجزاك خيراً، ونفع بك
ـ[عبدالحميد بن صالح الكراني]ــــــــ[26 - 05 - 08, 09:56 ص]ـ
ما أجمل تحريرك لهذه المسألة .. وفقك الله لكل خير
ـ[محمد بن عبد الجليل الإدريسي]ــــــــ[26 - 05 - 08, 05:59 م]ـ
جزاكم الله خيرا على بحثكم بوركتم.
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[26 - 05 - 08, 11:48 م]ـ
ما أجمل تحريرك لهذه المسألة .. وفقك الله لكل خير
حياك الله، وبانتظار تعقيبكم
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[26 - 05 - 08, 11:52 م]ـ
جزاكم الله خيرا على بحثكم بوركتم.
وجزاك خيراً ...
ـ[ابراهيم]ــــــــ[29 - 05 - 08, 11:31 ص]ـ
أمتعتنا أحسن الله اليك.(84/165)
بين الرملي وابن حجر
ـ[أبو زكريا الشافعي]ــــــــ[29 - 08 - 07, 03:19 م]ـ
دار في ذهي وشغلي منهج الامامين، فالحمد لله أني وجدت كلام لأهل العمل في ذلك، والحمد لله أني وفقت في القول بمثل ما قالوا قبل أن أطلع عليه، فلله الحمد والمنة
أنقله للفائدة:
جاء في المدخل إلى مذهب الإمام الشافعي للشيخ فهد عبد الله الحبيشي (الترقيم بناء على الطبعة الالكترونية)
ص 69:
بيد أن مما يؤخذ على التحفة ما ذكره الكردي في الفوائد المدنية حيث قال:" رأيت في كتاب الصلاة من فتاوى السيد عمر البصري ما نصه: الشيخ ابن حجر بالغ في اختصار هذا الكتاب -يعني التحفة- إيثاراً للحرص على إفادة الطلبة بجميع الشوارد، وتكثير الفوائد والفرائد إلا أنه بلغ من الاختصار إلى حالة بحيث لايمكن الخروج عن عهدة مطالعته إلا بعد تقدم الإحاطة بمنقول المتقدمين ومناقشات المتأخرين" ().
وقارن بعضهم بين الشرحين فقال: "الشيخ ابن حجر كثيراً ما يرتبك في عبارته في الأبحاث التي تختلف فيها أنظار من قبله؛ لقوة نظره، وتجد عبارة النهاية غالباً -كالإمداد وفتح الجواد- رشيقة سهلة قريبة التناول" ().
ص 74
وعلم من ذلك أن تأليف النهاية متأخر عن تأليف التحفة والمغني كما نص عليه ع ش وأن تأليف المغني متأخر عن تأليف التحفة ().
وعلم أيضا أن فترة تصنيف التحفة كانت أقل الفترات إذ كتبت فيما يزيد على العشرة أشهر، ويليها المغني إذ استمر تأليفة لأزيد من أربع سنوات، ثم النهاية والتي كانت فترة تأليفها طويلة وصلت إلى حوالي عشر سنوات.
ومن هنا ندرك أمرين:
الأول: سببا آخر لاعتماد المصريين على النهاية كونها ألفت في فترة طويلة مكنت مؤلفها من التأني والتروي في التأليف ومراجعة ما يكتب إذ دام هذا عشر سنوات، في حين نجد أن التحفة لم تأخذ من مؤلفها سوى عشرة أشهر.
والثاني: نعلم سببا آخر من أسباب تعقيد ألفاظ التحفة إذ كتبها حج بسيلان ذهنه الفقهي، دون مراعاة كبيرة لمن بعده، إضافة إلى وقوعه في بعض الأوهام والأخطاء، واعتماده لبعض المسائل التي حقها التضعيف، سواءا مما في المنهاج أم خارجه، كما نبه على بعضها الكردي في الفوائد، إضافة إلى أنه بسبب سرعة التصنيف يبدوا أنه لم يراجعه مراجعة دقيقة –وإن ذكروا قراءة المحققين عليه، وإن مراجعة لحواشي التحفة تظهر ذلك بجلاء- مما أربك القارئ بمن فيهم أصحاب الحواشي في مواضع ألتبس فيها عود الضمائر، ومعنى بعض الجمل التي اختل التركيب فيها نوعا ما، ومع هذا كله يبقى للتحفة قيمتها وقدرها.
فائدة
ص 73
قال في الفوائد المدنية:
وقال: "وقد رزق الخطيب –رحمه الله تعالى –في كتبه الحلاوة في التعبير وإيضاح العبارة كما هو مشاهد محسوس في كلامه في كتبه"
وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا
وأخر دعوانا: أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
ـ[علي موجان الشامي الشافعي]ــــــــ[29 - 08 - 07, 09:04 م]ـ
هناك مَن عُني بالفرق بين هذين الكتابين مثل صاحب (إثمد العينين)، والقره داغي وقد طبع هذا الكتاب حديثاً عن دار البشائر.
لكن يؤخذ على كلامكم أنه دخل فيه حديثٌ عن (مغني المحتاج) للخطيب الشربيني وهذا ما لم يكن في العنوان الأساسي
ـ[محمد بن عبدالله العبدالله]ــــــــ[09 - 05 - 08, 06:37 م]ـ
الإمام الرملي لم يكن يخصص للنهاية إلا يوم الجمعة فقط؛ فلذا استمر في تأليفها عشر سنين، أما ابن حجر فقد تفرغ لها، فلذا فرغ منها في أقل من سنة، وليس هذا هو اعتماد المصريين للرملي، بل كانوا يدرسون أولا التحفة، كما ترى حاشية ابن قاسم عليها.
وأول من علمته أشغل الناس بالنهاية الشخ علي شبراملّسي الذي كان يطالع التحفة فأتاه الرملي في المنام وقال: يا شيخ علي أحي كتابي يُحْيِ الله قلبك فاشتغل بمطالعتها من ذلك الحين وتقيد به، ونشره في مصر وهو إمام الشافعية آنذاك.
وأما القول بأن ابن حجر لم يحرر التحفة فبعيد جدا عن الصواب، وإنما الصعوبة فيه لاختصاره الشديد، قال السيد عمر بن عبدالرحيم الأحسائي تلميذ الرملي، وأخذ عن ابن حجر كما في ترجمته، قال في فتاويه: (إن الشيخ -يريد ابن حجر- تغمده الله برحمته بالغ في اختصار هذا الكتاب -يريد التحفة-، إيثاراً للحرص على إفادة الطلاب: بجمع الشوارد، وتكثير الفوائد والفرائد، إلا أنه بلغ من الاختصار إلى حالة بحيث لا يمكن الخروج عن عهدة مطالعته إلا بعد تقدم الإحاطة بمنقول المتقدمين، ومناقشات المتأخرين).
ومن سبر التحفة والنهاية والمغني علم أن الرملي جارى المغني في الربع الأول من كتابه، أعنى العبادات، وجارى ابن حجر في بقية الكتاب.
والمسألة تحتاج إلى بحث مطول ليس هذا أوانه ولا مكانه
والله أعلم بالصواب
ـ[أبو زكريا الشافعي]ــــــــ[10 - 10 - 09, 08:16 م]ـ
يقول العلامة عبدالرحمن ابن عبيدالله السقاف (1375هـ) في (صوب الركام):
(ومازلنا نتلقى من أفواه الرجال عن الشيخ عبدالله بن عمر بامخرمة، أنه يحرم الإفتاء من كتب ابن حجر فنحسب أنه غَيْرانُ، حمله على ذلك تنافس الأقران، ثم ظهر بعد التفكير، أن قد أصاب فلا نكير ..
وذلك أن الشيخ مع قوة إدراكه، وكثرة مراسه للفقه وعراكه، كان ضعيف الحفظ فيما أتخيل، فتراه يذكر المسألة الواحدة في المواضع الكثيرة بالألوان المختلفة، وربما ترك القضية مجملة، وأرسلها مهملة، ثم يجيء في موضع بقيد .. وكثيراً ما يختلف حكمه، ويتناقض فهمه، كما ستعرفه بالاستقراء، مما لا نستطيع له حصرا، وهو في باب القضاء أكثر وأضرّ، وفي اختلاف المتداعيين أدهى وأمرّ .. )
ويقول السيد عمر البصري (ت1037هـ):
(الشيخ ابن حجر بالغ في اختصار هذا الكتاب -يعني ((التحفة)) - إيثاراً للحرص على إفادة الطلبة بجميع الشوارد وتكثير الفوائد والفرائد، إلا أنه بلغ من الاختصار إلى حالة بحيث لا يمكن الخروج عن عهدة مطالعته إلا بعد تقدم الإحاطة بمنقول المتقدمين ومناقشات المتأخرين)
http://www.mmf-4.com/vb/t3377.html(84/166)
أرجو الإفاده إن الاعتكاف لبث مخصوص فيُشترط وجود الصوم كالوقوف بعرفه
ـ[أبو معتصم الأندلسى]ــــــــ[29 - 08 - 07, 08:56 م]ـ
قال الدكتور عبد الكريم زيدان فى الوجيز فى أصول الفقه (قال الحنفيه إن الاعتكاف لبث مخصوص فيُشترط وجود الصوم كالوقوف بعرفه وقال الشافعيه إن الاعتكاف لبث مخصوص فلا يشترط وجود الصوم كالوقوف بعرفه) فكلا الفريقين استدل بنفس الأمر ولكنى لا أفهم مقصودهما؟
ـ[أبو معتصم الأندلسى]ــــــــ[06 - 09 - 07, 12:47 ص]ـ
ألا من مجيب؟؟؟؟؟؟؟(84/167)
لطلبة العلم الشافعية في ضبط أسماء الفقهاء
ـ[علي موجان الشامي الشافعي]ــــــــ[29 - 08 - 07, 09:17 م]ـ
كثيراً ما يأتي في أسماء الفقهاء (وخصوصاً المتأخرين منهم) استشكالٌ من حيث الضبط، وكيفية النطق، وخصوصاً أن الشيء الذي نسبوا إليه قد لا يكون واضحاً إما بسبب أنها قرية صغيرة، أو مهنة باللغة الدارجة ..
وها هنا دعوة لضبط أسماء فقهاء الشافعية ابتداءً .. وأرجو من الإخوة المصريين بالخصوص المشاركة في هذه المدارسة لأن أغلب المصنفين الشافعية المتأخرين هم مصريون وينتسبون إلى بلدان وأقاليم هذا البلد الطيب، فأرجو منهم المساعدة في هذا الموضوع
بارك الله في جهود الجميع
ـ[علي موجان الشامي الشافعي]ــــــــ[29 - 08 - 07, 09:18 م]ـ
سأبدأ أولاً بالسؤال عن ضبط (الشبرملسي) صاحب الحاشية على نهاية المحتاج للرملي ..
كيف يُضبط، ولِمَ يُنسب؟
ـ[ابن وهب]ــــــــ[29 - 08 - 07, 10:11 م]ـ
http://ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=522018
ـ[مهنَّد المعتبي]ــــــــ[01 - 09 - 07, 02:58 م]ـ
لعلك أخي الفاضل تشاركنا على هذا الرابط.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=111035(84/168)
اختلاف قولي الامام النووي في مسألة واحده
ـ[الرباب بنت عبدالله]ــــــــ[29 - 08 - 07, 10:39 م]ـ
بارك الله فيكم اجد اشكالا عند اختلاف قولي الامام النووي في مسألة واحده بحكمين مختلفين اذ يقول في الروضه او المجموع ان الحكم على الكراهه ثم ينص في شرحه على مسلم انها خلاف الأولى فهل يعتبر الحكم المذكور في المصنف الفقهي مقدم على المذكور في المصنف الحديثي ليس من ناحية صحة الحكم او خطاه وانما من حيث النسبه للامام اعان الله الجميع
ـ[أبو عبدالله الحضرمي]ــــــــ[30 - 08 - 07, 03:43 ص]ـ
اذكر مثالا على ذلك حتى يتم الجواب عليه
ـ[أبو زكريا الشافعي]ــــــــ[30 - 08 - 07, 04:00 م]ـ
المصدر:
المدخل إلى مذهب الإمام الشافعي للشيخ فهد عبد الله الحبيشي
قال:
- مراتب كتب النووي:
سبق أن ذكرنا كتب الإمام النووي ونحن وإن قلنا بأن قول النووي هو المعتمد إلا أنه تواجهنا مشكلة تعارض كتبه قال العلماء: هذه الكتب إذا اختلف بعضها عن بعض قدم:
1.كلام التحقيق.
2.ثم المجموع.
3.ثم التنقيح، وهذا الثلاثة لم يكملها الإمام النووي.
4.ثم يليها ما هو مختصر من كلام غيره كالروضة.
5.ثم المنهاج.
6.ثم فتاواه.
7.ثم شرح مسلم.
8.ثم تصحيح التنبيه.
9.ثم نكته (1).
قال في التحفة:"الغالب تقديم ما هو متتبع فيه كالتحقيق، فالمجموع فالتنقيح، ثم ما هو مختصر فيه كالروضة، فالمنهاج، ونحو فتاواه، فشرح مسلم، فتصحيح التنبيه، ونكته من أوائل تأليفه فهي مؤخرة عما ذكر" (2).
ولا يظن بأن هذا الترتيب قاعدة كلية فيسعى لتطبيقها دوما في حكاية المذهب، بل هي قاعدة أغلبية ومع هذا فلا يصح اعتمادها بهذه الصورة، بل لا بد من الرجوع إلى كلام معتمدي المتأخرين، قال في التحفة: "وهذا –أي الترتيب السابق- تقريب وإلا فالواجب في الحقيقة عند تعارض هذه الكتب مراجعة كلام معتمدي المتأخرين واتباع ما رجحوه منها" (3).
وفي حاشية الإيضاح لحج "الحق أنه لا بد من نوع تفتيش فإن كتب المصنف نفسه كثيرة الاختلاف فيما بينها، فلا يجوز لأحد أن يعتمد ما يراه في بعضها حتى ينظر في بقية كتبه أو أكثرها أو يعلم أن ذلك المحل قد أقره عليه شارحه أو المتكلم عليه الذي عادته حكاية الاختلاف بين كتبه وبيان المعتمد من غيره" (4).
وزاد في حاشية الإيضاح:" ... وما اتفق عليه الأكثر من كتبه مقدم على ما اتفق عليه الأقل منها غالباً، وما كان في بابه مقدم على ما في غيره غالباً أيضاً" (5).
وإن مما ينبغي أن يعلم أن ما سبق إنما هو للعالم من مثل أصحاب الشروح والحواشي أما الآن فالمقدم ما في المنهاج إلا ما نص المتأخرون على ضعفه، فليس معنى ما سبق أن يقرأ الطالب كتاب التحقيق ثم المجموع وهكذا فهذا مما قد تجاوزته السنون؛ إذ قد استقر المذهب على تقديم المنهاج على سائر كتبه ويستثنى من هذا ضعاف المسائل ثم إذا لم توجد مسألة ما في المنهاج فينظر كلام المتأخرين من أصحاب الشروح والحواشي فإذا كان لهم كلام فهو المعتمد حسب ما سنبينه لاحقا لأنهم قد قاموا باستقراء هذه المسائل من كتب النووي وغيره. اهـ
فائدة متعلقة بالموضوع
اختيارات الإمام النووي:
سبق وأن قلنا بأن النووي يعتبر مجتهدا في الفتوى أي يصحح ما هو المذهب وهو في تصحيحه لا يذكر رأيه الخاص بل قد يرجح للمذهب خلاف ما يعتقد رجحانه، والسبب أن المذهب نقل، بمعنى أنه عندما يرجح للمذهب أنه يخبر عن المعتمد فيه وهذا بخلاف النظر في الأقوال والترجيح بالدليل.
قال العلماء: اختيارات الإمام النووي رحمه الله كلها ضعيفة من حيث المذهب وإن كانت قوية من حيث الدليل إلا اختياراته في الروضة، فإنها بمعنى الصحيح أو الراجح (6) إلا في اختياره عدم كراهة المشمس في الروضة، فهو ضعيف من جهة المذهب (7).
وللإمام النووي اختيارات كثيرة منها:
1.الوضوء من لحم الجزور كما هو مذهب أحمد.
2.وعدم كراهة الاستياك في رمضان مطلقاً كما هو مذهب المزني وأكثر العلماء.
3.وأن ابتداء مدة مسح الخف من حين يمسح بعد الحدث وهو رواية عن أحمد وداود قال النووي: وهو المختار الراجح دليلاً.
4.وذهب فيمن خلع خفيه أو انقضت مدته وهو على طهارة المسح أنه لا شيء عليه، لا غسل القدمين ولا غيره بل طهارته صحيحة يصلي بها ما لم يحدث كما لو لم يخلع وهذا المذهب محكي عن الحسن البصري وقتادة وسليمان بن حرب واختاره ابن المنذر قال النووي: وهو المختار الأقوى.
5.جواز الجمع بين الصلاتين بعذر المرض.
6.وحرمة الوطء للحائض فقط دون المباشرة لما تحت السرة وأعلى من الركبة.
7.الاكتفاء بالمقارن العرفية للنية في الصلاة تبعا للغزالي.
8.جواز تطويل الاعتدال بذكر غير ركن.
9.وجواز بيع المعاطاة في كل ما يعده الناس بيعا.
10.صحة المساقاة على الأشجار المثمرة وهو قديم قول الشافعي.
11.حرمة النظر للأمرد.
وغيرها من الاختيارات بيد أنه ينبغي التنبيه هنا على مسألة مهمة يخطئ فيها بعض الطلبة وهي أن اختيارات بعض علماء المذهب لأقوال خارجة عن المذهب لا يعني بالضرورة خروجهم أو عدم انتسابهم للمذهب بل هم مع اختيارهم لتلك الأقوال باقون ضمن إطاره يقلدون أو يرجحون أو يخرجون –كأصحاب الوجوه- وفق قواعد وأصول المذهب، وهم إذا خالفوا المذهب في مسائل فقد اعتمدوا عليه في غيرها من الأصول والفروع ولا شك أن الأخيرة هي الكثيرة الغالبة، فاختيارات القفال الشاشي والقاضي الحسين والبغوي وابن خزيمة والنووي وغيرهم لا تخرجهم عن المذهب البتة، وتكون اختياراتهم أو من هو دونهم سببه قوة دليل أو طلب للتيسير على العامة والمستفتين، خاصة عندما يكون في المذهب تشديد ليس عليه دليل يصح، والمسألة طويلة أكتفي منها بهذه الإلماحة. اهـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/169)
ـ[الرباب بنت عبدالله]ــــــــ[30 - 08 - 07, 06:29 م]ـ
شكر الله سعيكم غير أني أردت السؤال عن المبدأ هل نعتبر ذكر الحكم في المصنف الفقهي قرينه لتقديمه على الحكم المذكور في مصنفات شروح الاحاديث خاصة ان الفقهاء يقعدون قاعده ان الحكم المذكور في مضانه مقدم على الحكم الذي يذكره الفقيه عرضا اثناء كلامه عن مسألةاخرى وفق الله الجميع.
ـ[أبو زكريا الشافعي]ــــــــ[30 - 08 - 07, 09:45 م]ـ
قولك:
هل نعتبر ذكر الحكم في المصنف الفقهي قرينه لتقديمه على الحكم المذكور في مصنفات شروح الاحاديث خاصة ان الفقهاء يقعدون قاعده ان الحكم المذكور في مضانه مقدم على الحكم الذي يذكره الفقيه عرضا اثناء كلامه عن مسألةاخرى
مما نقلت:
تقديم ما هو متتبع فيه كالتحقيق، فالمجموع فالتنقيح، ثم ما هو مختصر فيه كالروضة، فالمنهاج،
وكذلك:
وزاد في حاشية الإيضاح:" ... وما اتفق عليه الأكثر من كتبه مقدم على ما اتفق عليه الأقل منها غالباً، وما كان في بابه مقدم على ما في غيره غالباً أيضاً
ـ[الرباب بنت عبدالله]ــــــــ[31 - 08 - 07, 02:10 ص]ـ
اثابك الله أخي الفاضل(84/170)
مالفرق بين الركاز والمعادن عند الحنابلة
ـ[حسين ابراهيم]ــــــــ[30 - 08 - 07, 12:13 م]ـ
مالفرق بين الركاز والمعادن عند الحنابلة؟
ـ[ابو انس المكي]ــــــــ[30 - 08 - 07, 12:28 م]ـ
الركاز ماكان من دفن الجاهلية ويعرف بوجود اسمائهم او صورهم (اي ملوكهم) على الموجود
والمعدن الخارج من الأرض والله اعلم
ـ[محمد جان التركماني]ــــــــ[30 - 08 - 07, 12:55 م]ـ
الاحناف لم يفرقوا بين الركاز والمعادن ,بينما عند الجمهور هناك فرق بين الركاز والمعادن.والركاز دفن الجاهلية الذي يستخرج بدون كلفة ولاتعب.(84/171)
سؤال في المواريث
ـ[ابو عمر الشافعي]ــــــــ[30 - 08 - 07, 12:17 م]ـ
السلام عليكم احبتي في الله رجل توفي وترك زوجتان وام واخ وثلاث اخوات شقيقات وترك مبلغ 300 دولار اجنبي فما نصيب كل فرد افيدونا ولكم الاجر والثواب
ـ[نايف ابو معاذ]ــــــــ[30 - 08 - 07, 11:35 م]ـ
الزوجتان لهما الربع يقسم بينهما لكل واحدة سبعة وثلاثون دولارا ونصف الدولار
والام لها السدس لوجود الجمع من الاخوة وهو خمسون دولارا
والاخ ان كان شقيقا للاخوات فللجميع الباقي للذكر مثل حظ الانثيين ويحصل الاخ على ثمانية وعشرين دولارا والاخوات لكل واحدة اربعة عشر دولارا.
اما ان كان الاخ للميت من جهة الاب فقط
فان المسألة تختلف حيث ان الزوجتين يأخذان الربع ولكنه يكون ناقصا بسبب العول فلكل واحدة منهن مبلغ اربعة وثلاثون دولارا ونصف الدولار تقريبا لوجود الكسور واما الام فلها السدس ولكنه ينقص عنه بسبب العول فلها ستة واربعون دولارا وعشر الدولار تقريبا واما الاخوات فلهن الثلثان وينقص بسبب العول فلكل واحدة منهن واحد وستون دولارا ونصف الدولار تقريبا
واما الاخ فليس له شيء لاستغراق الفروض كامل التركة. والله اعلم(84/172)
سؤال عن الوضوء
ـ[ابو عمر الشافعي]ــــــــ[30 - 08 - 07, 12:43 م]ـ
السلام عليكم احبتي في الله هنالك شخص مريض مرض لايرجى شفاؤه وهو مشلول وشلله نصفي واليد الاخرى ايضا عاجزه بسبب حادث قديم ولا يستطيع الوضوء بمفرده هل يحق له التيمم ولكم جزيل الشكر
ـ[أبو مصعب القصيمي]ــــــــ[30 - 08 - 07, 01:51 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
أما بعد أخي الكريم: نعم يجوز له التيمم لأنه عاجز ,والتيمم شرع لمن عدم الماء أو لمن عجز عن
إستخدامه فهذا الشخص عاجز فيجوز له التيمم والله تعالى أعلم.
ـ[توبة]ــــــــ[30 - 08 - 07, 02:13 م]ـ
و إن وجد من يوضئه -أو حتى يُيَمِّمه إذا تضرربالماء -أفضل لأنه قد يجد صعوبة كبيرة في فعل ذلك لوحده.
وهذه رسالة في طهارة المريض،للشيخ العثيمين،نفع الله بها.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=105528
نسأل الله له العافية و أن يجعل مصابه هذا تكفيرا لحسناته وطهورا.(84/173)
ارشدوني فقد ذكر أن الشيخ الألبانى رحمه الله أشار على المقلد بتقليد المذهب الشافعى
ـ[أبويوسف الحنبلى]ــــــــ[30 - 08 - 07, 08:55 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا ما يشبه الإستفتاء عن أفضل المذاهب الفقهية على الإطلاق ولماذا؟ فقد ذكر أن الشيخ الألبانى رحمه الله أشار على المقلد بتقليد المذهب الشافعى وبعض العلماء يقول الحنبلى فما قولكم؟؟
دعوة للحوار ..
ـ[أبو فرحان]ــــــــ[01 - 09 - 07, 09:29 م]ـ
فقد ذكر أن الشيخ الألبانى رحمه الله أشار على المقلد بتقليد المذهب الشافعى
أين ذَكَرَ ذلك؟
ـ[أبويوسف الحنبلى]ــــــــ[01 - 09 - 07, 09:44 م]ـ
فى أحد حوارات الشيخ الحوينى معه والشيخ الحوينى يذكر ذلك ولكنى لا أذكر أى شريط بالضبط
ـ[عصام البشير]ــــــــ[01 - 09 - 07, 10:29 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا ما يشبه الإستفتاء عن أفضل المذاهب الفقهية على الإطلاق ولماذا؟ فقد ذكر أن الشيخ الألبانى رحمه الله أشار على المقلد بتقليد المذهب الشافعى وبعض العلماء يقول الحنبلى فما قولكم؟؟
دعوة للحوار ..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
المفاضلة بين المذاهب تحتاج إلى معرفة تامة بها جميعها، أصولا وفروعا. وهذا لا أظنه يوجد في عصرنا هذا، بل لعله لم يوجد في الأعصار السابقة إلا على سبيل الندرة النادرة.
ولذلك فأحكام بعض المعاصرين التي فيها مفاضلة بين المذاهب، تستند في الغالب إلى ما يذكر من أقوال في كتب الخلاف العالي، مع مقارنتها بما تقرر عندهم أنه موافق للسنة.
ولا ينبغي أن يعزب عن طالب العلم، أن المذهب ليس إلا مطية توصله - بإذن الله - إلى التفقه الصحيح في دين الله.
فاختيار المذهب الذي ينبغي السير عليه في التفقه، يخضع لأمور متعددة: من أهمها توفر الكتب، ووجود العلماء.
والكلام هنا على طالب العلم، المتدرج في مراقي الفقه.
أما العامي المقلد فمذهبه مذهب من يستفتيه من العلماء الموثوقين، ولا عليه أن يكون المفتي شافعيا أو حنبليا أو غيرهما.
والله أعلم
ـ[أبو فرحان]ــــــــ[01 - 09 - 07, 11:55 م]ـ
جزاكم الله خيرا
فاختيار المذهب الذي ينبغي السير عليه في التفقه، يخضع لأمور متعددة: من أهمها توفر الكتب، ووجود العلماء.
يقدّم على هذين الأمرين: طبيعة المذهب نفسه، فكما لا يخفى أن هناك مذاهب اعتنت بالحديث مثل المذهب الحنبلي، و أخرى ركّزت على المقاصد الشرعية مثل المذهب المالكي، و ثالثة على الرأي مثل المذهب الحنفي و رابعة على الظاهر كمذهب الظاهرية و هكذا
اما الكتب و وجود العلماء فهذان الأمران متوفران و بكثرة في أيامنا و الحمد لله مقارنة بالسابق و إن كان لا يزال هناك بعض الاماكن يقل فيها وجود هذين الأمرين لكنها أماكن قليلة جدا، خصوصا بعد انتشار الكتب و الأشرطة السمعية التي تحتوي على شروحات لأمهات الكتب الفقهية، و كذلك الإنترنت التي تمكّن طالب العلم من حضور درس الشيخ و لو كان في أقصى الدنيا.
و المذهب الشافعي هو الذي جمع بين أهم مميزات مذهب مالك و مذهب أحمد أي بين الاعتناء بالمقاصد الشرعية و كذلك الأحاديث و الآثار، فأما أخذه لمميزات مذهب مالك فلا يستغرب لأن الشافعي قد تتلمذ على مالك، و أما أخذه لمميزات مذهب أحمد فلأنه كان يقول لأحمد: إذا صح الخبر فأعلمنا حتى نأخذ به، و لعل هذا السبب في ما نُقِلَ عن الشيخ الألباني رحمه الله (و إن كان الأولى نقل نص كلام الألباني حتى لا يُفهم على غير مراده)
هذا رأيي في الموضوع و إلا فإني لست شافعي المذهب:)
ـ[أبو محمد الشنقيطي]ــــــــ[02 - 09 - 07, 01:16 ص]ـ
في سؤالات الحويني للألباني أشار الشيخ الألباني للحويني ناصحا له بالتتلمذ على مذهب الشافعية أو الحنابلة .... ولم يقتصر على الشافعية
وعلل ذلك بأن أحمد إمام في الحديث
وأن الشافعي إمام في فقه الحديث ...
رحم الله شيخنا
ـ[عَدي محمد]ــــــــ[04 - 09 - 07, 02:09 ص]ـ
السلام عليكم
إن المذاهب خيرها وأجلها ..... ما قاله الحبر الإمام الشافعي
أخي عليك بفقه الشافعي فهي نصيحة مجرب
كنت في بدء الطلب أعتني بفقه الدليل ولكن لم أحصل شيئا
فشرعت في الفقه الشافعي ويسر الله لي دراسة بعض الكتب
والذي وجدته أن المذهب الشافعي قد ضبط أكثر من أي مذهب
فمن درس أصوله يسر الله له دراسة المذهب
قال العمريطي:
وبعد ذا: فالعلم خير رافع ... لا سيما فقه الإمام الشافعي
فهو ابن عم المصطفى .... ولم نجد له نظيرا من قريش مجتهد
مطبقا بعلمه الطباقا .... مطابقا للوارد اتفاقا
قال تاج الدين السبكي في الطبقات:
(يا أيها الرجل المريد نجاته % دع ذا التعصب والمراء وقلد)
(هذا ابن عم المصطفى وسميه % والعالم المبعوث خير مجدد)
(وضح الهدى بكلامه وبهديه % يا أيها المسكين لم لا تهتدي)
ومن جرب تجربتي عرف معرفتي!!
والسلام عليكم
ـ[ابو انس المكي]ــــــــ[04 - 09 - 07, 04:36 ص]ـ
الذي سمعته بنفسي من الشيخ انه حث على المذهب الشافعي دراسة فقط لا تقليدا وعلل ذلك بأنه أكثر مذهب خدم وحقق ونقح من بين المذاهب ولعل ابا محمد الشنقيطي سمعه في شريط أخر فذكر غير ما ذكر هنا والله أعلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/174)
ـ[أبو زكريا الشافعي]ــــــــ[04 - 09 - 07, 08:01 ص]ـ
وعلل ذلك بأنه أكثر مذهب خدم وحقق ونقح من بين المذاهب
وكذلك كثرة كتبه فهو يفيد جدا في الدراسة
لا تفهم مسئلة مثلا، تراجعها في خمسة مصادر أخرى، تجدها بألفاظ شبه واحدة، فتتضح المسئلة بفضل الله
وكثرة الفروع المذكورة في الكتب، خلافا للحنابلة فيما اطلعت عليه، تقوي ملكة فهم المسائل، والتخريج، وتعطي العقلية الفارقة بين المسائل.
ومن أهم المرجحات لدراسة مذهب على آخر، وجود من يعطيك مفاح فهم كتبه من أهل العلم، فمن كان في المغرب الأولى له درسة مذهب إمام دار الهجرة، وهكذا
ـ[ابن أبي عبدالتسميني]ــــــــ[05 - 09 - 07, 10:07 ص]ـ
للرفع
ـ[أبو عبدالعزيز الشثري]ــــــــ[09 - 09 - 07, 12:42 م]ـ
على طالب العلم أن يتفقه ابتداءا على المذهب السائد في بلده ..
وإلى هذا اتجهت كلمة العلماء ..
ـ[عبد العزيز بن سعد]ــــــــ[09 - 09 - 07, 03:32 م]ـ
الصواب والله أعلم أن طالب العلم يقرأ على فقهاء بلده لغة الفقه في المذهب الذي يحسنونه
سواء أكان مذهب الشافعي أم مذهب غيره
ـ[أبويوسف الحنبلى]ــــــــ[09 - 09 - 07, 08:02 م]ـ
جزاكم الله خيرا مشائخى الأكارم على مروركم الطيب
ولكن إذا ما قلدت مذهبا معينا لا أخالفه وألتزم بما عليه أئمته أم أننى أدرس الفقه من خلال كتب مذهب معين مع اتباع الدليل بحسب ما يرجحه شيخى حتى ولو كان خارج المذهب وهل أنسب نفسى للمذهب فى هذه الحالة؟؟
ـ[أبو زكريا الشافعي]ــــــــ[12 - 09 - 07, 11:18 ص]ـ
مع اتباع الدليل بحسب ما يرجحه شيخى
لماذا افترضت أن ارجيح شيخك أولى من ترجيح البجيرمي بين كلام الرملى والخطيب، ورده على اعتراض القليوبي عليهما، مثلا
ففي الحالتين أنت مقلد لهما
ـ[شاهين]ــــــــ[16 - 10 - 10, 09:15 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[محمد بن لحسن ابو اسحاق]ــــــــ[18 - 10 - 10, 03:14 ص]ـ
الشيخ الالباني اشار في مقمة كتابه صفة ااصلاة الى ضروة اتباع الدليل واذا كان الاخ قد سمع الالباني يشير الى تقليد المذهب الشافعي فربما يقصد دراسة اصةل المذهب كما قال احد الاخوة نظرا لما حواه الشافعي من اصول فانه يستبعد من الالباني ان يامر بتقليد اي مذهب فهو رحمه الله معروف بنبذ التقليد واثار اتباع الدليل والله اعلم
ـ[ابوسفيان المقدشى]ــــــــ[18 - 10 - 10, 05:02 م]ـ
كل الائمة يرون ضرورة اتباع الدليل والعلامة الالبانى رحمه الله نقل عنهم رحمهم الله جميعا
واما الامام محمد بن ادريس الشافعى استحق لقب ناصر السنة لشدة اتباعه وتحريه لاتباع السنة ولعل الامام الالبانى ادرك ان الامام الشافعى سبق منه الى صفة صلاة النبى صلى الله عليه وسلم
فالامام الشافعى عنون فى الام باب صفة الصلاة كما ان هذا الباب اورده المزنى فى المختصر
ولم ينفرد العلامة الالبانى عن الامام الشافعى الامسائل قليلة ربما يوافق اويرد
والله اعلم
ـ[بالحارث]ــــــــ[18 - 10 - 10, 11:05 م]ـ
الشيخ الحويني قال بأن أسعد الناس بالدليل هم الحنابلة
والشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله قال بأن المذهب الشافعي من أشد المذاهب
وقد كان رحمه الله يفتي وكثيرا ما كان يقول توثيقا لفتياه إرجع إلى المغني لابن قدامة
في المجلد الفلاني الصفحة الفلانية وكان ذلك في مكتبته رحمه الله
أما الشيخ الألباني فلا أعرف مفاضلته بين ا لمذاهب إلا خدمته للمذهب الحنبلي بتخريج أحاديث منار السبيل في كتابه ا لماتع إرواء الغليل فرحمة الله عليه
وقد كان يقول في بعض المسائل أن أقرب المذاهب في هذه المسألة مثلا المذهب الشافعية
وذلك على سبيل المثال في تمام المنة في مسائل الترجيع في الأذان وتحريك الإصبع في التشهد والصلاة الابراهيمية في التشهد الأول
وكان يفضل كتاب الامام النووي رحمه الله المجموع شرح المهذب و يقول بانه من افضل كتب الفقه المقارن
والله اعلم
ـ[بالحارث]ــــــــ[18 - 10 - 10, 11:11 م]ـ
الشيخ الحويني قال بأن أسعد الناس بالدليل هم الحنابلة
والشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله قال بأن المذهب الشافعي من أشد المذاهب
أشد المذاهب أخذا بالعزائم وتقديمهاعلى الرخص كما لا يخفى وليس اتهاما معاذالله
وقد خدم الشيخ رحمه الله المذهب الشافعي بعدة تحقيقات منها ما شارك فيه بالمكتب الاسلامي روضة الطالبين وعمدة المفتين للامام النووي ولعل من اخرها شرح كفاية الاخيار للحصني على متن غاية الاختصار(84/175)
سؤال هام بارك الله فيكم أن رجلا معه شيك على رجل قد اقترض منه مال ثم ماطل المقترض كثير
ـ[أبو وسام الأزهرى]ــــــــ[30 - 08 - 07, 11:33 م]ـ
الحمد لله وبعد
فالسؤال
أن رجلا معه شيك على رجل قد اقترض منه مال ثم ماطل المقترض كثيرا كثيرا
فقال محامى لصاحب الشيك وهو بـ 15 ألف جنيه
قال المحامى آخذه أنا منك بـ 13 ألاف وخلى بينى وبين المقترض
وخل أنت سبيلك
فما حكم هذا العمل بارك الله فيكم
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[31 - 08 - 07, 12:25 ص]ـ
جزاك الله خيرا إذا كان من باب ضع وتعجل فلا بأس بها
وقد ذهب إلى ذلك ابن عباس و الإمام أحمد ورجحه شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم
قال ابن القيم رحمه الله: إذا كان له على رجل دين مؤجل وأراد رب الدين السفر وخاف أن يتوى ماله أو احتاج إليه ولا يمكنه المطالبة قبل الحلول فأراد ان يضع عن الغريم البعض ويعجل له باقيه فقد اختلف السلف والخلف في هذه المسألة
فأجازها ابن عباس وحرمها ابن عمر وعن أحمد فيها روايتان أشهرهما عنه: المنع وهي اختيار جمهور أصحابه
والثانية: الجواز حكاها ابن أبي موسى وهي اختيار شيخنا.
ثم بعد أن نقل أدلة المانعين ..
قال المبيحون: صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان لا يرى بأسا أن يقول: أعجل لك وتضع عني وهو الذي روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج بني النضير من المدينة جاءه ناس منهم فقالوا: يا رسول الله إنك أمرت بإخراجهم ولهم على الناس ديون لم تحل فقال النبيصلى الله عليه وسلم: ضعوا وتعجلوا.
قال أبو عبدالله الحاكم: هو صحيح الإسناد
قلت: هو على شرط السنن وقد ضعفه البيهقي وإسناده ثقات: وإنما ضعف بمسلم بن خالد الزنجي وهو ثقة فقيه روى عنه الشافعي واحتج به.
وقال البيهقي: باب من عجل له أدنى من حقه قبل محله فوضع عنه طيبةبه أنفسهما وكأن مراده أن هذا وقع بغير شرط بل هذا عجل وهذا وضع ولا محذور في ذلك.
قالوا: وهذا ضد الربا فإن ذلك يتضمن الزيادة في الأجل والدين وذلك إضرار محض بالغريم ومسألتنا تتضمن براءة ذمة الغريم من الدين وانتفاع صاحبه بما يتعجله فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر بخلاف الربا المجمع عليه فإن ضرره لاحق بالمدين ونفعه مختص برب الدين فهذا ضد الربا صورة ومعنى
قالوا: ولأن مقابلة الأجل بالزيادة في الربا ذريعة إلى أعظم الضرر وهو أن يصير الدرهم الواحد ألوفا مؤلفة فتشتغل الذمة بغير فائدة وفي الوضع والتعجيل تتخلص ذمة هذا من الدين وينتفع ذاك بالتعجيل له
قالوا: والشارع له تطلع إلى براءة الذمم من الديون وسمى الغريم المدين: أسيرا ففي براءة ذمته تخليص له من الأسر وهذا ضد شغلها بالزيادة مع الصبر وهذا لازم لمن قال: يجوز ذلك في دين الكتابة وهو قول أحمد وأبي حنيفة فإن المكاتب مع سيده كالأجنبي في باب المعاملات ولهذا لا يجوز أن يبيعه درهما بدرهمين ولا يبايعه بالربا فإذا جاز له أن يتعجل بعض كتابته ويضع عنه باقيها لما له في ذلك من مصلحة تعجيل العتق وبراءة ذمته من الدين لم يمنع ذلك في غيره من الديون ولو ذهب ذاهب إلى التفصيل في المسألة وقال: لا يجوز في دين القرض إذا قلنا بلزوم تأجيله ويجوز في ثمن المبيع والأجرة وعوض الخلع والصداق لكان له وجه فإنه في القرض يجب رد المثل فإذا عجل له وأسقط اقيه خرج عن موجب العقد وكان قد أقرضه مائة فوفاه تسعين بلا منفعة حصلت للمقرض بل اختص المقترض بالمنفعة فهو كالمربي سواء في اختصاصه بالمنفعة دون الآخر وأما في البيع والإجارة فإنهما يملكان فسخ العقد وجعل العوض حالا أنقص مما كان وهذا هو حقيقة الوضع والتعجيل لكن تحيلا عليه والعبرة في العقود بمقاصدها لا بصورها فإن كان الوضع والتعجيل مفسدة فالاحتيال عليه لا يزيل مفسدته وإن لم يكن مفسدة لم يحتج إلى الاحتيال عليه
فتلخص في المسألة أربعة مذاهب:
المنع مطلقا بشرط وبدونه في دين الكتابة وغيره كقول مالك
وجوازه في دين الكتابة دون غيره كالمشهور من مذهب أحمد وأبي حنيفة
وجوازه في الموضعين كقول ابن عباس وأحمد في الرواية الأخرى
وجوازه بلا شرط وامتناعه مع الشرط المقارن كقول أصحاب الشافعي والله أعلم.
إغاثة اللهفان (2|14)
حديث:ضعوا وتعجلوا. مداره على مسلم بن خالد الزنجي وهو صدوق كثير الأوهام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/176)
ـ[أبو وسام الأزهرى]ــــــــ[31 - 08 - 07, 02:30 ص]ـ
الأخ الفاضل عبد الباسط حفظه الله ليس هذا موضع سؤالى
وإنما السؤال أن المحامى يشترى الشيك من صاحبه بأقل من ثمنه 13 ألف والشيك بـ15 ألف
ويقاضى هو به المقترض أمام المحكمة بـ15 ألف كما هو
ولا علاقة لصاحب الشيك بعد ذلك بالموضوع
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[31 - 08 - 07, 03:22 ص]ـ
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه:
وبعد
،،
الأخوة الكرام
هذه المسألة والعلم عند الله ليست من قبيل ضع وتعجل على الاطلاق، اذ ان الذى يضع من قيمة الدين شخص ثالث غير المدين فى مقابل شراء هذا الدين
اى ان المسألة من قبيل شراء الدين، ولها بعض من احكام بيع الكالئ بالكالئ، غير ان الدين هنا يباع نقدا" وليس اجلا"،،
وهذه المسألة والعلم عند الله تنطوى على مايلى:
1 - بيع مبلغ خمسة عشر الفا وان كان دينا "، بنقد قيمته ثلاث عشر الف جنيه، وهذا يعد من ربا الفضل لا تحاد الجنس فى سلعة ربوية (لان النقد يقوم مقام الذهب والفضة ويأخذ خصائصهما كونه ثمنا للاشياء).
2 - الشيك عبارة عن دين فى الذمة اى انه آجلا " وان كان غير المقدور تحصيله، فتحقق هنا ربا النسيئة، بدفع 13 الفا" نقدا فى مقابل 15 الف آجلة.
3 - البيع يشتمل على الغرر وعرضة لعدم القدرة على تسلم المبيع، اذ ان هذا المحامى بعد رفعه القضية امام المحاكم، فلا يخلوا نتيجة هذا التقاضى من حالاتين:
- اولهما ان يكون المدين معسرا" فعلا" لا يستطيع أداء هذا الدين، فيتعرض للسجن، ويتعرض المحامى لضياع المبلغ الذى اداه للدائن انفا،، فهو فضلا عن عدم استطاعته قبض المبلغ،، اضاع على الدائن فرصة المعاملة بالاحسان التى وصى بها المولى عز وجل فى كتابه العزيز:
{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة280
- ثانيهما، ان يتعرض المدين للبيع القسرى لبعض متاعه الذى يعينه فى معاشه، لسداد دينه، او يكون هذا المدين بالفعل يمتلك المبلغ ويماطل، فيتعرض لدفع المبلغ كاملا" بالاضافة الى مصاريف التقاضى، وقد يلجأ المحامى لطلب تعويض، وهنا يتحقق ويتوثق الوقوع فى الربا والمضى فيه.
،، وعلى ذلك لن اقول ان هذه الصورة محرمة شرعا" لانى لست من أهل الافتاء، ولا ارتقى لذلك، ولكنى فقط أشير الى ما أعلمه عنها، وما أراه لا يلزم احد غيرى بالضرورة، فإن واطء قولى هذا قول الأجلاء اصحاب العلم فى هذه المسائل المعاصرة، فالحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات، وان كان غير ذلك فانا فى حل منه واتوب الى الله عز وجل،
والله تعالى اسأل لى ولكم العفو والعافية فى الدنيا والآخرة.
ـ[أبو وسام الأزهرى]ــــــــ[01 - 09 - 07, 02:48 ص]ـ
الأخ الفاضل مصطفى رضوان
جزاك الله خيرا وبارك فيك
فقد شفيت غليلى
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[01 - 09 - 07, 04:45 ص]ـ
وإياك أخى الكريم، ونسأل الله عز وجل لنا ولكم عافيته ومغفرته ورضوانه(84/177)
أنا أبحث عن ترجمة: للشيخ نورالدين أبي طالب عبدالرحمن بن عمر بن أبي قاسم بن علي
ـ[الأفغاني السلفي]ــــــــ[31 - 08 - 07, 12:47 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
- أنا أبحث عن ترجمة: للشيخ نورالدين أبي طالب عبدالرحمن بن عمر بن أبي قاسم بن علي بن عثمان البصري الضرير من علماء الحنابلة, وجدت له ترجمه فقيرة المعلومات. من يعرف ترجمة وافية عن هذا الشيخ فاليخبرني بها
وجزاكم الله خيرا
ـ[ابو الريم]ــــــــ[31 - 08 - 07, 12:58 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد ترجم له الشيخ الدهيش في اول تحقيقه لكتاب الواضح
واحال لعدة مصادر
1 - ذيل الطبقات لابن رجب
2 - شذرات الذهب
3 - نكت الهميان
ارجع لها لعلها تفيدك
اما هو فترجم له بثلاث صفحات فقط(84/178)
أحكام المسابقات سعد الخثلان بواسطة أبو حزم
ـ[أبو حزم الشاوي]ــــــــ[31 - 08 - 07, 03:54 ص]ـ
أنواع المسابقات وأحكامها في الشريعة
للشيخ الدكتور: سعيد الختلان
اعتنى بها: أحمد ذيب
تأصيل أحكام المسابقات في الشريعة
الأصل في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم:" لا سبق إلا في خف أو نصلٍ أو حافرٍ" رواه الأربعة وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
وهو من جوامع الكلم، فمن هذا الحديث ينطلق الفقهاء للحديث عن أحكام السبق
وقد رُوي هذا الحديث بلفظ:"لا سَبْقَ" ورُوِي بلفظ:" لا سَبَقَ"
قال الخطابي رحمه الله في معالم السنن: (الرواية الصحيحة هي"لا سَبَقَ" – بفتح الباء -)
والمراد بالسبق هنا: العِوض. و (سبَق) نكرة في سياق النفي فتعم كل سبق
(لا): نافية للجنس والنفي أبلغ في النهي من صيغة النهي
(خفٍ) المراد بالخف هنا: الإبل
(نصل): السهام
(حافر): الخيل
فيكون معنى الحديث: لا يجوز بذل العِوض من المتسابقين إلا في الإبل والسهام والخيل والذي يجمع هذه الثلاثة هو أنها آلات للجهاد في سبيل الله
فيكون معنى الحديث: أنه لا يجوز بذل العِوض إلا في آلات الجهاد ووسائله
أقسام المسابقات والمغالبات:
قسّم أهل العلم المسابقات إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يجوز بعِوض وبدون عوض
وتجوز في الإبل والسهام والخيل وغيرها من آلات الجهاد، فهذه تجوز مطلقاً بالعِوض وبدونه وما كان فيه إعلاء الدين وبراهينه
قال ابن القيم رحمه الله: (اتفق العلماء على جواز الرهان في المسابقة على الإبل والخيل والسهام في الجملة)
القسم الثاني: ما لا تجوز فيه المسابقة مطلقاً بعوض أو بدون عوض
وهو كل ما ألهى عن واجب أو أدخل في محرم
القسم الثالث: ما تجوز المسابقة فيه بدون عوض ولا تجوز بعوض
وهو كل ما كان فيه منفعة مباحة وليس فيه مضرة راجحة كالمسابقة على الأقدام
وأضاف شيخ الإسلام وابن القيم إلى القسم الأول: ما كان فيه إظهارا لأعلام الإسلام وأدلته وبراهينه واستدلا لذلك بقصة مراهنة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لقريش على غلبة الروم للفرس، فإنه لما نزل قول الله تعالى: (الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون) وكان المسلمون يُحبون انتصار الروم على فارس لأن الروم أهل كتاب وكان مشركو قريش يحبون انتصار الفرس وكانت فارس آنذاك أقوى من الروم. فلما قرأ أبو بكر هذه الآيات وسمعته قريش رهنته فقبل لقوة يقينه بما جاء في القرآن فقالت قريش: نجعل البضع (وهو ما بين الثلاثة والتسعة) ست سنين وسطا بيننا وبينك، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: هلا أحطت وجعلت البضع تسع سنين، فمرت ست سنين ولم تغلب الروم فارسا فأخذوا من أبي بكر الرهان ولكن أبا بكر كان عنده يقين بوعد الله فطالب منهم أن يُراهنوه مرة أخرى إلى التسع فردوا إليه رهانه، وفي السنة السابعة تحقق وعد الله بغلبة الروم فأسترجع أبو بكر رهانه. والقصة رواها الترمذي وقال ابن القيم: إنها على شرط الصحيح
قال ابن القيّم رحمه الله: الرهان في هذه الحال أولى بالجواز من الرهان في النضال والخيل وأثره في الدين أقوى لأن الدين قام بالحجة والبرهان والسيف والسنان والمقصد الأول إنما إقامته بالحجة والسيف إنما هو منفذ ...
فيكون هذا الحالة رابعة تُضاف إلى القسم الأول
2 - الميسر:
القاعدة في الميسر هي: التردد بين الغنم والغرم
الميسر لغةً: اللعب بالقِداح
واصطلاحاً: هو جميع المغالبات التي فيها عوض من الجانبيْن كالمراهنة ونحوها
الفرق بين الميسر والقمار:
بعض العلماء لا يُفرق بينهما
ومن العلماء من جعل القمار خاصا لما فيه عوض والميسر عاما لما فيه عوض وما ليس فيه عوض
وقد روي عن الإمام مالك: الميسر ميسران: ميسر لهو وميسر قمار
وبناءً على هذا نقول: كل قمار ميسر ولا عكس.
علة الميسر:
لماذا نهى الله عز وجل عن الميسر هل العلة لأجل ما فيه من المخاطرة المتضمّنة لأكل المال بالباطل أو هي اشتماله على المفسدة المذكورة في الآية (إنما الخمر والميسر رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه أن يوقع بينكم ويصدكم .. ).؟ الصحيح عند المحققين من أهل العلم كابن القيم أن العلة هي ما اشتمل عليه من المفاسد المذكورة في الآيات.
وبناءً عليه لو وجدت إحدى هذه المفاسد في معاملة ما وليس فيها مخاطرة بالمال فهي محرمة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/179)
قال ابن القيم: هذا المأخذ الأخير – التعليل بالمفسدة- أصح نصاً وقياسا وأصول الشريعة تشهد لها بالاعتبار
وجه اقتران الخمر بالميسر:
قال العلماء: الميسر فيه شبه بالخمر من جهة أن من يدخل الخمر يورث له إدمان وهكذا الميسر
وأيضا الخمر قليله يدعو إلى كثيره
إيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله
قال ابن تيمية رحمه الله: الميسر مشتمل على مفسدتين:
مفسدة في المال وهي أكله بالباطل
ومفسدة في العمل وهي ما فيه فساد القلب والعقل وذات البين
وكل من المفسدتين مستقلة بالنهي أي: إذا وُجد أكل المال بالباطل وجد الحكم وإذا وجد أحد المفاسد أو كلها كان منهياً عنه، فإذا اجتمعت هاتان العلتان عظم التحريم
قاعدة الميسر:
فضابط المسابقات المحرمة: كل مسابقة أو مغالبة أو لعبة دخل فيها الإنسان فيها –غير الثلاثة المذكورات في الحديث- وهو متردد بين الغنم والغرم فهي ميسر
فلو دخلها وهو إما غنم أو سالم فليس من الميسر
تطبيقات معاصرة للقاعدة:
1 - المسابقات التجارية: إذا بذل المتسابق فيها عوض ولو يسيرا كانت من الميسر مثل: شراء قسيمة المسابقة بريال أو رياليْن
ويدخل في هذا أيضاً ما لو اشترطت المحلات التجارية فاتورة تجارية فالدخول فيها في الحقيقة ليس مجانا إنما هو بعوض متضمن في الفاتورة
2 - المسابقات الهاتفية: يكون الاشتراك فيها عن طريق رقم معين مثل:700 والاتصال به مكلف فهي من الميسر
وقد يقول قائل: إن قيمة ليست مكلفة؟
نقول: هي ليست مكلفة بالنسبة للفرد لكن هي مكلفة بالنسب\ة للمجموع، ونسبة الفوز فيها قليلة. فكل مسابقة تتم عن طريق هاتف مسعر فهي من الميسر وقد أحسنت شركة الاتصالات السعودية عندما منعت المسابقات عن طريق هذا الرقم بناءً على فتوى أهل العلم
3 - المسابقات عن طريق رسائل الهاتف الجوال: ترسل الجواب عبر رسالة الهاتف ةتربح سيارة .. وهذه من الميسر، والمنظمون لهذه المسابقات يجنون أموال كبيرة
4 - مسابقات الصحف: إذا قصد المتسابق من شراء الصحيفة الدخول في المسابقة. أما إذا لم يقصد الدخول في المسابقة أو أعطيت له مجاناً فليست من الميسر، وبه أفتى شيخنا ابن عثيمين رحمه الله. وقد ذكر أحد أعضاء الهيئة أن أحد رؤساء تحرير الصحف أنه حدثه فقال: إن الصحيفة التي يرأس تحريرها كان يُطبع منها 40.000 نسخة ويُسترجع منها 1000 نسخة يومياً، فلما وضعنا المسابقة أصبح يُطبع منها 300.000 نسخة ولا يُسترجع منها شيء. ومعناه أن أكثر المشترين غرضه الفوز بالمسابقة
5 - المسابقات الثقافية التي يشترط في الدخول فيهل العوض فهي من الميسر حتى الدينية على الصحيح، لقوله صلى الله عليه وسلم:" لا سبق"
نكرة في سياق النفي فتعم كل المسابقات إلا ما استثناه النص.
6 - بطاقات الفنادق والطيران والشركات إذا كان المتسابق يبذل فيها عوض فلا تجوز، فبعض شركات الطيران مثلاً تحتسب لمن يقطع التذاكر عن طريقها نقاط فإذا جمع عدد من النقاط أعطوه تحفيزات فهذه من الميسر كما قرره المجمع لبفقهي.
7 - ألعاب الأطفال التي يُشترط للدخول فيها العوض فهي من الميسر أما إذا يبذلت جهة خارجية عوض فهي من الجَعَالة وهي جائزة
ـ[عبدالرحمن السعد]ــــــــ[31 - 08 - 07, 04:14 م]ـ
جزاك الله خيراً
ـ[أبوخالد النجدي]ــــــــ[05 - 09 - 07, 02:57 ص]ـ
جزاك الله خيراً وبارك فيك.
ـ[الغُندر]ــــــــ[06 - 09 - 07, 07:19 ص]ـ
إذا كانت العلة في (الخف والحافر والنصل) هي الآت الجهاد فلماذا لا ندخل الاقدام فيها قياساً لانها تقوي على الجهاد؟
ـ[أبو محمد الموحد]ــــــــ[29 - 09 - 07, 04:58 م]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
ـ[أمجد فلاح]ــــــــ[06 - 04 - 09, 02:04 ص]ـ
66035
- من الناس من لفظه لؤلؤ ... يبادره اللقط إذا يلفظ
- وبعضهم قوله كالحصا ... يقال فيلغى ولا يحفظ(84/180)
الفوائد المنتقاة من المعلم جزء2 بواسطة أبو حزم
ـ[أبو حزم الشاوي]ــــــــ[31 - 08 - 07, 04:08 ص]ـ
الفوائد المنتقاة
من
المجلدة الثانية.
كتاب الزكاة
قال الشيخ رحمه الله: أصل الزكاة في اللغة النماء. فإن قيل: كيف يستقيم هذا الاشتقاق ومعلوم انتقاص المال بالإنفاق؟
قيل: وإن كان نقصا في الحال، فقد يفيد النمو في المآل، ويزيد في صلاح الأموال. (2/ 5)
* ... وأما تعلق الزكاة بما سواها من العروض ففيه للفقهاء ثلاثة أقوال:
فأبو حنيفة يوجبها على الإطلاق، وداود يُسقطها، ومالك يُوجبها على المدير على شروط معلومة من مذهبه. (2/ 6)
* .. وأما ما دون النصاب في الحب فأبو حنيفة يُوجب فيه الزكاة، ونحن نخالف. ويُحتج له بعموم قوله تعالى (ووما أخرجنا لكم من الأرض) [البقرة:267]. ولنا في مقابلة العموم حديث الأوسق. وفي تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد خلاف بين الأصوليين. (2/ 7)
* إن كان المالك صبيا فالزكاة عندنا واجبة في ماله. وأبو حنيفة لا يُوجب في مال الصبي زكاة. وتناقض أبو حنيفة بايجابه الأخذ من مال الصبي في الحرث.
ووجه الخلاف بيننا وبينه من جهة المعنى أن هذا فرع بين أصلين:
أحدهما: نفقة الوالدين وهي واجبة في ماله باتفاق.
والثاني: الجزية وهي ساقطة عن الصغير الذميّ باتفاق، فيردّ ذلك أبو حنيفة إلى الجزية من جهة أنها شبيهة بما يُؤخذ من الزكاة، ونرده نحن إلى نفقة الوالدين. والشبه بينهما أنهما جميعا من باب المساواة، فرد المساواة إلى المساواة أولى من ردها إلى ما هو علم على الذلة والصغار، وهي تطهير وتزكية الأموال. وينقض عليه رده إلى ذلك الاتفاق منا ومنه على وجوب الزكاة على النساء وسقوط الجزية عنهن. وهذا دليل على أنهما ليسا بأصل واحدٍ. (2/ 10)
* ... وأما زمن وجوبها فاختلف فيه عندنا فقيل: بغروب الشمس من آخر رمضان. وقيل: بطلوع الفجر من يوم الفطر. وقد قيل: ينبني الخلاف على ما وقع في هذا الحديث من قوله: " فرض زكاة الفطر من رمضان" هل المراد هاهنا الفطر المعتاد في سائر الشهر فيكون الوجوب من الغروب؟ أو أراد الفطر الطارئ بعد ذلك الذي هو بطلوع الفجر من شوال فيكون الوجوب من حينئذٍ. (2/ 13)
* قال الإمام رحمه الله: وحجتنا على من لم يُوجبها في مال الصبيّ ما وقع في بعض الأحاديث من قوله صلى الله عليه وسلم. " على كل حر أو عبد صغير أو كبير". وكأنه وإن كان وجه التعبد بها التطهير من الآثام فإن التعليل للغالب وإن وجد في بعض الأحاديث ما ليس فيه تلك العلة كما أن القصر في السفر للمشقة وإن وجد من لا يشق عليه ذلك فإنه لا يخرج من جملة من أُرخص له. (2/ 13)
قلتُ: لعل محمل الحديث عند القائلين بعدم وجوبها على الصبي على أن (على) بمعنى (عن)، أي: يُخرجها عن صغيره.
* قال الشيخ رحمه الله: واختلف عندنا فيما اتخذت النساء من الحلي للكراء هل فيه زكاة؟
وسبب الخلاف أنه فرع بين هذين الأصلين؛ فمن شبهه بحلي اللباس من جهة أنه لم يكتسب لتباع عينه لم يُوجب فيه الزكاة. ومن شبهه بحلي التجارة من جهة أنه تجتنى منه منفعة أوجب فيه الزكاة. (2/ 21)
* قال الشيخ رحمه الله: اتفقوا على أن الصدقة بالمال عن الميت نافعة. واختلف في عمل الأبدان فمن قاسه على المال جعله نافعا ومن أخذ بقوله تعالى: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) [النجم:39] جعله غير نافع. (2/ 22)
*قال الشيخ رحمه الله: ذهب الكعبي إلى أنه ليس في الشريعة مباحٌ. قال لأن كل فعل يفعله العبد من مشي وأكل وشبهه ينقطع به عن معصية فقد صار مأجورا فيه من جهة كونه قاطعا له عن المعصية. وأقل ما نُبطل عليه به هذا المذهب أن نقول: ينبغي أن يكون الانسان مأجورا في الزنا إذا تشاغل به عن معصية أخرى. (2/ 23)
* قال محمد بن سلام: قلت ليونس: ما الفرق بين الفقير والمسكين؟ فقال: الفقير الذي يجد القوت والمسكين الذي لا شيء له ... (2/ 27)
* قوله صلى الله عليه وسلم: " قلب الشيخ شابٌ على حب اثنتين: العيش والمال"
قال الشيخ رحمه الله: فيه إشارة إلى أن الإرادة في القلب خلافا لمن رأى أنها في غيره من الأعضاء. (2/ 29)
* قال أبو سعيد الخدري: " سمعتُ رسول اتلله صلى الله عليه وسلم يقول: " يخرج في هذه الأمة (ولم يقل: منها) قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم .. " الحديث.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/181)
قال الشيخ رحمه الله: هذا من أدل الشواهد على سعة فقه الصحابة رضي الله عنهم وتحريرهم الألفاظ
* وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم: " وجد تمرة في الطريق، فقال: لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها".
قال الشيخ رحمه الله: هذا فيه دليل على أن المال وإن كان الأقل منه حراما يجتنب؛لأنّ الزكاة في جنب الأموال يسيرة، فإذا امتنع من الأكل مع تجويز التحريم فأحرى مع ثبوته وتحققه. (2/ 40)
وفيه دليل أن اللقطة اليسيرة من الطعام وغيره مما لا يلتفت الناس إليه ولا ينتهون إلى طلبه تُستباح؛ لأنه علل في امتناعه من الأكل بالخشية من أن تكون صدقة ةالصدقة لا تحل له عليه السلام ولا لبني هاشم عندنا. (2/ 40)
كتاب الصيام
* ... فأما الفطر (في رمضان) فمالك وأبو حنيفة والشافعي يقولون: لا يقبل الواحد. وقبله أبو ثور. وأما الصوم فاتفق هؤلاء على قبول الواحد فيه إلا مالكا خاصة. وأجاز أبو حنيفة فيه شهادة المرأة والعبد. وسبب الخلاف هل ذلك من باب الشهادة أم من باب الإخبار؟ وكأنّ ما طريقه الشياع يُقبل فيه الواحد كالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بحكم من الأحكام، وما كان يختص به بعض الأشخاص كالقول لهذا عند هذا. وشبه ذلك فيطلب فيه اثنان. (2/ 46)
* قال الشيخ رحمه الله: اختلف الناس في جواز القبلة للصائم. ومن بديع ما ورد في جواز ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " لما سُئل عن القبلة للصائم: أرأيت لو تمضمضت؟ " فأشار بذلك إلى فقه بديع، وذلك أن المضمضة قد تقرر عندهم أنها لا تنقض الصوم لأنهم كانوا يتوضئون وهم صيام، والمضمضة أوائل الشرب ومفتاحه كما أن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه، والشرب يُفسد الصوم كما يُفسده الجماع، فكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب الذي هو المضمضة لا يفسد الصوم فكذلك أوائل الجماع الذي هو القبلة لا تفسد الصوم. وفي هذا إثبات القياس في الشريعة واستعمال الأشباه (2/ 49)
* وأما المجامع ناسيا في رمضان فقد اختلف أصحابنا في إيجاب الكفارة عليه. فقال بعضهم: تجب الكفارة لأنه لم يستفسر السائل هل جامع عامدا أم ناسيا؟ فدل على أن الحكم لا يفترق. وقال بعضهم: لا كفارة على الناسي؛ لأن الكفارة تمحيص للذنوب والناسي غير مذنب ولا آثم. (2/ 53)
* واختلف الناس في المفطر بالأكل عامدا هل يكفر أم لا؟ فمن رأى أن الحدود والكفارات لا يُقاس عليها، أو رأى في الجماع معنى يختص به دون الأكل قصر الكفارة على ما ورد به الخبر. ومن رأى إثبات القياس في الحدود والكفارات ورأى أن الأكل مساوٍ للجماع لاشتراكهما في كونهما انتهاكين لحرمة الشهر وتعلّق المأثم بهما أوجب الكفارة فيه. (2/ 53)
* قال الشيخ رحمه الله: جل الفقهاء على أن من أصبح صائما في الحضر ثم سافر أنه لا يُفطر في يومه.
وذهب بعضهم إلى أن ذلك له وكأن هذا فرع بين أصلين:
أحدهما: أن من أصبح صائما ثم عرض له مرض فإنه يُباح له الفطر.
والثاني: أن من افتتح الصلاة في السفينة حضرية ثم انبعثتْ به السفينة في أثناء الصلاة متوجهة إلى السفر أن يتم صلاة حضر، فيرد المخالف الفطر إذا حدث السفر إلى الفطر إذا حدث المرض.
ويرده الآخرون إلى الصلاة المذكورة. والفرق عندنا بين طروّ المرض على الصائم وطرو السفر: أنّ طروّ السفر أمر مكتسب فخوطب فيه بحالة الابتداء والمرض أمرٌ غالب. وقد يكون أيضا مرض لا يمكن معه الصوم على حال. (2/ 55)
* قال الشيخ رحمه الله: عندنا أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم. وعند المخالف أنه التاسع، فمن قال: إنه العاشر تعلق بأن مقتضى هذا اللفظ كونه يوم العاشر وهو مأخوذ من العشر. ومن قال: إنه التاسع تعلق بهذا الحديث (حديث ابن عباس م440)، وبما ورد عن العرب في تسميتها اليوم الثالث من أيام الوِرد رِبعا، وكذلك على هذا الحساب يحسبون أيام الأظماء والأوراد فيكون التاسع عشرا على هذا. (2/ 57)
قال مالك في موطئه: لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسنٌ. وقد رأيتُ بعض أهل العلم يصومه وأُراه كان يتحراه.
قال الشيخ رحمه الله: وقد ذُكر بعض الناس أن الذي كان يصومه ويتحراه محمد ابن المنكدر.
وقال الداودي: لم يبلغ مالكا هذا الحديث (لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ... مسلم) ولو بلغه لم يُخالفه. (2/ 60)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/182)
* قال الشيخ رحمه الله: تخصيصه الصوم هاهنا بقوله"لي" وإن كانت أعمال البر المخلصة كلها له تعالى لأجل أن الصوم لا يمكن فيه الرياء كما يمكن في غيره من الأعمال لأنه كف وإمساك وحال الممسك شِبعا أو لفاقة كحال الممسك تقربا، وانما القصد وما يبطنه القلب هو المؤثر في ذلك، والصلوات والحج والزكاة أعمال بدنية ظاهرة يمكن فيها الرياء والسمعة فلذلك خُص الصوم بما ذكره دونها. (2/ 61)
* قال الشيخ رحمه الله: اتفق مالك والشافعي على أن من دخل في حج تطوعا فإنه لا يقطعه. واختلفا في صلاة التطوع فمنع مالك قطعها وأجازه الشافعي لهذا الحديث ( .. قد كنت أصبحت صائما). وتعلق مالك بالظواهر المانعة من قطع العمل وإبطاله وقياسا على الحج. (2/ 62)
* قال الشيخ رحمه الله: الصوم على خمسة أقسام:
- واجب بإيجاب الله تعالى معيّن كرمضان.
- وواجب بإيجاب الله تعالى مضمون في الذمة كصيام الكفارات.
- وواجب بإيجاب الإنسان معين كنذر صوم شهر معين.
- وواجب بإيجاب الانسان مضمون غير معين كنذر ص2وم شهر بغير عينه.
- والخامس: التطوع.
فمن أفطر في جميعها عمدا فإنه يقضي ولا يكفر إلا رمضان فإنه يكفر. ومن أفطر سهوا فإنه يقضي ولا يكفر إلا في التطوع فإنه لا يقضي ولا يكفر. (2/ 64)
* قال الشيخ رحمه الله: الاعتكاف جائز عندنا على الجملة في سائر المساجد. وذكر عن حذيفة أنه لا يراه إلا في ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الني صلى الله عليه وسلم، ومسجد إيليا بالشام. وقال الزهري: لا يكون الاعتكاف لا في الجامع. والحجة لنا قوله تعالى: (وأنتم عاكفون في المساجد) [البقرة:187] فعمّ. ومن شرطه الصوم. وأجازه الشافعي من غير صوم. (2/ 66)
كتاب الحج
* قال الشيخ رحمه الله: اختلف الناس في جواز استعمال الطيب قبل الإحرام واستدامته بعده. فمنع من ذلك مالك تعلقا بهذا الحديث. وفيه أنه أمره بغسل ما عليه منه، وأجاز ذلك الشافعي وتأول هذا الحديث (أنزع عنك الجبة واغسل عنك الصُفرة) على أن الطيب كان من زعفران وقد نُهي الرجل أن يتزعفر. .. (2/ 68)
* قال الشيخ رحمه الله: للحج ميقاتان: ميقات زمان، وابتداؤه شوال، وميقات مكان وهي المواضع المذكورة في هذا الحديث .... وتقدمة الحج على ميقات الزمان مكروه عندنا. وتقدمته على ميقات المكان مكروه أيضا عندنا إذا قدمه بمكان قريب لما في ذلك من التلبيس والتضليل عن المواقيت. وإن قدمه بمكان بعيد لا يلتبس الميقات به فظاهر المدونة كراهية ذلك وظاهر المختصر إجازته. (2/ 69)
* قال الشيخ رحمه الله: واختلف في معنى لبيك:
1 - فقيل: معنى لبيك: اتجاهي وقصدي إليك.
2 - وقيل: معناها محبتي لك، مأخوذ من قولهم: امرأة لَبَّة، إذا كانت محبة لولدها.
3 - وقيل: معناها إخلاصي لك.
4 - وقيل: معناها: أنا مقيم على طاعتك وإجابتك ... (2/ 71)
* قال الشيخ رحمه الله: وقد اختلف مالك والشافعي فيمن أحرم وفي بيته صيد هل يُرسله أم لا؟
وسبب الخلاف بينهما قوله تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) [المائدة: 96]، هل المراد بالصيد هاهنا الاصطياد فلا يجب أن يرسل ما في البيت من الصيد، أو المصيد نفسه الذي هو الصيد فيرسله وإن كان تقدم اصطياده له قبل الإحرام؟ (2/ 75)
* قوله صلى الله عليه وسلم: " خمس من الدواب كلها فواسق يُقتلن في الحرم" الحديث
قال الشيخ رحمه الله: مالك والشافعي يريان أن التحريم متعلق بمعاني هذه الخمس دون أسمائها، وأنها إنما ذُكرت ليُنبه بها على ما شركها في العلة؛ لكنهما اختلفا في العلة ما هي؟ فقال الشافعي: العلة أن لحومها لا تُؤكل وكذلك كل ما لا يُؤكل لحمه من الصيد مثلها. ورأى مالك أن العلة كونها مضرة وأنه إنما ذكر الكلب العقور لينبه به على ما يضر بالأبدان على جهة المواجهة والمغالبة. وذكر العقرب لينبه بها على ما يضر بالأجسام على جهة الاختلاس. وكذلك ذ كر الحدأة والغراب للتنبيه على ما يضر بالأموال مجاهرة، وذكر الفأرة للتنبيه على ما يضر بالأموال اختفاء. (2/ 77)
* قال الشيخ رحمه الله: في الحج ثلاثة أغسال: أحدها للإحرام، والثاني لدخول مكة، والثالث للوقوف بعرفة. وآكدها غسل الإحرام، والحائض والنفساء يغتسلان للإحرام والوقوف ولا يغتسلان لدخول مكة لأنه لأجل الطواف وهما لا يدخلان المسجد. (2/ 78)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/183)
* قال الشيخ رحمه الله: واختلف الرواة فيما فعله النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان إفرادا أم قرانا أم تمتعا؟
وقد اعترض بعض الملحدة على هذا الاختلاف وقالوا: هي فعلة واحدة فكيف اختلفوا فيها هذا الاختلاف المتضاد؟ وهذا يؤدي إلى الخلف في خبرهم وقلة الثقة بنقلهم. وعن هذا الذي قالوه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أن الكذب إنما يدخل فيما طريقه النقل ولم يقولوا: إنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: إني فعلتُ كذا، بل إنما استدلوا على معتقده بما ظهر من أفعاله-عليه السلام- وهو موضع تأويل، والتأويل يقع فيه الغلط، فإنما وقع لهم فيما طريقه الاستدلال لا النقل.
والجواب الثاني: أنه يصح أن يكون صلى الله عليه وسلم لما أمر بعض أصحابه بالإفراد وبعضهم بالقران وبعضهم بالتمتع أضاف النقلة إليه ذلك فعلاً وإن كان إنما وقع ذلك منه –عليه السلام- قولا فقالوا: فعل صلى الله عليه وسلم كذا، كما يقال: رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا، وقتل السلطان اللص أي: أمر صلى الله عليه وسلم برجمهز
والجواب الثالث: أنه يصح أن يكون عليه السلام قارنا وفرّق بين زمان إحرامه بالعمرة وإحرامه بالحج فسمعت طائفة قوله الأول: " لبيك بعمرة" فقالوا: كان معتمرا، وسمعت طائفة قوله آخرا:"لبيك بحج" فقالوا: كان مفردا، وسمعت طائفة القولين جميعا فقالوا: كان قارنا. (2/ 80)
* قول عائشة –رضي الله عنها-: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أهلّ بحج"
قال الشيخ رحمه الله: وفيه حجة لمالك على أن الإفراد أفضل؛لأن عائشة تعلم من حال النبي صلى الله عليه وسلم في حله وحرمه ما تعرف من زوجها فكانت روايتها أرجح ولمالك أيضا حديث جابر رضي الله عنه وهو قد استقصى فيه ما جرى في حجته عليه السلام، وذكرَ فيه الإفراد
ووما يُرجح به الإفراد أن الخلفاء بعده صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أفردوا ولو لم يكن –عليه السلام- مفردا لم يواضبوا على ذلك ويتفقوا على اختيار الإفراد؛ إذ لا يتركون فعله عليه السلام ويفعلون خلافه، ولأن الإفراد لا جبران فيه فكان أفضل مما يجبر بالدم. (2/ 82)
* قال الشيخ رحمه الله: جمهور الفقهاء على أن فسخ الحج في عمرة إنما كان خاصا بالصحابة وأنه –عليه السلام- إنما أمرهم بذلك ليخالفوا ما كانت الجاهلية عليه من أنها لا تستبيح العمرة في أشهر الحج وتقول: إذا برأ الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر.
وقال بعض أصحاب أهل الظاهر: بل ذلك جائز إلى الآن. (2/ 83)
* قال الشيخ رحمه الله: والتمتع عندنا له ستة شروط: أن يعتمر ويحج في عام واحد في سفر واحد، ويقدم العمرة على الحج، ويفرغ منها ثم ينشئ الحج ويُوقع العمرة أو بعضها في أشهر الحج، ويكون غير مكي. فإن اختل من هذه الشروط الستة شرط واحد لم يكن عليه دمٌ. (2/ 88)
* قال الشيخ رحمه الله: وقد ذكر بعض أصحاب أنه –عليه السلام- إنما اقتصر على نحر ثلاث وستين بدنة بيده ووكل لعليّ ما سوى ذلك ليشير بذلك إلى منتهى عمره وليكون قد نحر عن كل عام من عمره بدنة بيده. (2/ 86)
* قال الشيخ رحمه الله: ذهب بعض الناس إلى أن الإشعار يكون في الجانب الأيمن أخذا بهذا الحديث: " فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن". والمشهور من مذهب مالك أن الإشعار في الجانب الأيسر. (2/ 89)
* قال الشيخ رحمه الله: الرمل عندنا مشروع ... واختلف عندنا في وجوب الدم على من تركه. واختلف في إعادة الطواف لمن تركه إذا كان بالقرب. وقال بعض الشيوخ: هذا ينبني على الخلاف في جواز رفضه. (2/ 91)
* قال الشيخ رحمه الله: واختلف الناس في السعي بين الصفا والمروة فقال بعض الصحابة: هو تطوع. وأوجبه مالك ورأى أن الدم لا يجبره. وقال أبو حنيفة: هو واجب و لكن الدم يجبره. (2/ 93)
* ... مذهب مالك انّ الرمي يحل بطلوع الفجر ويتعلق بما ذكر من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (2/ 95)
* قال الشيخ رحمه الله: ذهب بعض الفقهاء إلى جواز استظلال المُحرم راكباً وتعلق بهذا الخبر. ومالك يكره ذلك. وأجاب بعض أصحابه عن هذا القدر الذي وقع في هذا الخبر لا يكاد يدوم. وقد أجاز مالك للُحرم أن يستظل بيده وقال: ما أيسر ما يثبت ذلك. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون هذا الاستظلال المذكور في الحديث إنما كان عند مقاربة الإحلال لأن برمي الجمرة يُباح ذلك، فلعله تسهل فيه كما يتسهل في الطيب عند طواف الإفاضة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/184)
وقد روي أن ابن عمر رأى رجلا جعل ظلالا علىة محمله فقال: اضح لمن أحرمتَ له، يعني: ابرز إلى الضحاء.
قال الرياشي: رأيتُ أحمد بن أبي المعذل في يوم شديد الحر فقلتُ: يا أبا الفضل هلاّ استظللتَ فإن ذلك توسعة للخلاف فيه، فأنشد:
ضحيتُ له كي استظلَّ بظله إذِ الظلُّ أضحى في القيامة قالصاً
فواسفي إن كان سعيك باطلاً وواحسرتي إن كان حجك ناقصاً (2/ 97)
* قال الشيخ رحمه الله: الذي يفعله الحاج في منى ثلاثة أشياء:
رميٌ، ونحر، وحلق، فإن قدم من ذلك واحدا على صاحبه فلا فدية عليه؛ إلا في تقديم الحلاقة على الرمي فإن عليه الفدية عندنا؛ لأنه حلق قبل حصول شيء من التحلل فأشبه من تحلق عقب الإحرام. وعند المخالف لا فدية عليه لما وقع في بعض الطرق أنه قال: " أرم ولا حرج". ومحمل هذا عندنا على نفي الإثم لا الفدية. وحمله المخالف على نفيهما جميعا. (299)
* قال الشيخ رحمه الله في سبب الاختلاف في الإستنابة في الحج: ... وكأنّ الحج فرعٌ متردد بين أصليْن:
أحدهما: عمل البدن مجرد كالصلاة والصوم فلا يستناب في ذلك.
والثاني: المال كالصدقة وشبه ذلك فهذا يُستناب فيه، والحج فيه عمل بدن ونفقة مال فمن غلّب حكم عمل البدن رده إلى الصلاة والصوم، ومن غلب حكم المال ردّه إلى الصدقات والكفارات. (2/ 108)
* قال الشيخ رحمه الله: اختلف الناس في الأمر المطلق. فقال بعضهم: يُحمل على فعل مرة واحدة، وقال بعضهم: على التكرار، ومال بعضهم إلى الوقف فيما زاد على مرة. (2/ 109)
* قال الشيخ رحمه الله: أبو حنيفة يشترط في وجوب الحج على المرأة وجود ذي محرم، والشافعي يشترط ذلك أو امرأة واحدة تحج معها. ومالك لا يشترط شيئا من ذلك.
وسبب الخلاف: معارضة عموم الآية بهذا الخبر (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم). فعموم الآية قوله تعالى: (من استطاع) يقتضي الوجوب وإن لم يكن ذو محرم. والحديث يخصص ذلك فمن خصص الآية به اشترط المَحرم ومن لم يخصصها لم يشترط. وقد يحمل مالك الحديث على سفر التطوع، ويؤيد مذهبه أيضا أن يقول: اتفق أن عليها أن تُهاجر من دار الكفر وإن لم يكن ذو محرم لمّا كان سفرا واجبا فكذلك الحج. وقد يُنفصل عن هذا بأن يُقال: إقامتها في دار الكفر لا تحل ويخشى على دينها ونفسها وليس كذلك التأخر عن الحج. وأيضا فإن الحج مختلف فيه: هل هو على الفور أو التراخي؟. (2/ 110)
* قال الشيخ رحمه الله: اختلف الناس في قطع شجر الحرم هل فيه جزاء أم لا؟
فعند مالك لا جزاء فيه، وعند أبي حنيفة والشافعي فيه الجزاء. ويُحتج لمالك أن الجزاء لا يجب إلا بشرع والأصل براءة الذمة ولم يرد شرع بذلك. (2/ 114)
* قال الشيخ رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم. " اكتبوا لأبي شاةٍ" فيه دليل على جواز تدوين العلم والسنن وكتبه في الصحائف. ويحكى عن بعض السلف كراهية ذلك. (2/ 116)
* قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً"
قال الشيخ رحمه الله: اختلف في تفسير ذلك:
1 - فقيل: الصرف الفريضة والعدل التطوع.
2 - وقال الحسن: الصرف النافلة والعدل الفريضة.
3 - وقال الأصمعي: الصّرف التوبة والعدل الفدية.
4 - وقال يونس: الصرف الاكتساب والعدل الفدية.
5 - وقال أبو عبيدة: الصرف الحيلة.
6 - وقال قوم: العدل المثل لقوله تعالى: (أو عدل ذلك صياما). (2/ 118)
كتاب النكاح
* قال الشيخ رحمه الله: إن المشهور من قول فقهاء الأمصار أن النكاح مستحب على الجملة. وذهب داود إلى وجوبه.
وسبب الخلاف تعارض الظواهر؛ فلداود قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) والأمر على الوجوب، وله الحديث المذكور، وله قوله عليه السلام بعد هذا في حديث ذكر فيه التزويج. وقال فيه: " من رغب عن سنتي فليس مني"
ولفقهاء الأمصار أن الله تعالى خيّر في الآية بين النكاح وملك اليمين، والتسرر غير واجب باتفاق، فلو كان النكاح واجبا ما صح التخيير بينه وبين ملك اليمين؛ إذْ لا يصح على مذهب أهل الأصول التخيير بين واجب وما ليس بواجب؛ لأن ذلك مُؤد إلى ابطال حقيقة الواجب، وأن يكون تاركه غير آثم ....
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/185)
قال الشيخ: والذي يطلق من مذهب مالك أن النكاح مندوب إليه. وقد يختلف حكمه بحسب اختلاف الأحوال؛ فيجب تارة عندنا في حق من لا ينكف عن الزنا. ويكون مندوبا إليه في حق من يكون مشتهيا له ولا يخشى على نفسه الوقوع في المحرم ولا يقطع به عن أفعال الخير. ويكون مكروها لمن لا يشتهيه وينقطع به عن عبادته وقرباته. (2/ 129)
* قال الشيخ رحمه الله: ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام ثم ثبت أنه نسخ وتقرر الإجماع على منعه ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة. (2/ 130)
* قال الشيخ رحمه الله: الفروج تستباح في الشريعة بالنكاح وملك اليمين ما لم يمنع من ذلك مانع. والمانع على قسمين: مانع يتأبد معه التحريم، ومانع لا يتأبد، فالذي يتأبد تحريمه على تفصيل نذكره وهو خمسة أقسام:
أحدها: يرجع التحريم فيه إلى العين كالأم والأخت وشبههما، ولا خلاف في تأبيد تحريم ذلك، وباقيها يرجع التحريم فيها لعلة طرأت كالرضاع المشبه بالنسب، ولا خلاف في التأبيد به أيضا، والصهر، ونكاح الملاعنة لمن لاعنها، والمتزوجة في العدة.
فأما الصهر فهو أربعة أقسام: تزويج الرجل امرأة ابنه، والإبن امرأة أبيه فهذان القسمان يحرمان جميعا بالعقد.
والقسم الثالث: تزويج الربيبة فإنها لا تحرم بالعقد ولا خلاف في ذلك.
والرابع: أم الزوجة، فمذهب الفقهاء وجمهور الصحابة أنها تحرم بالعقد على البنت. وذكر عن علي ومجاهد أنها لا تحرم إلا بالدخول على البنت
وسبب الخلاف في ذلك قوله تعالى: (وأمهات نسائكم وربائبكم الائي في حجوركم من نسائكم الاتي دخلتم بهنّ)
هل هذا النعت والتقييد راجع إلى النساء المذكورات آخرا أم عائد على المذكورات أولا وآخرا؟
والأرجح ما ذهب إليه الجمهور لوجوه:
منها: أن الاستثناءات والشروط عند جماعة من أهل الأصول تعود إلى أقرب المذكورات إليها وكذلك أصل النحاة أيضا؛ ولأن العامل إذا اختلف لا يصح الجمع معه بين المنعوتات في نعت واحد وإن اتفق اعرابها، وهذا من ذلك لأن النساء المذكورات أولا مخفوظات بالإضافة والمذكورات آخرا مخفوظات بحرف الجر.
وأما الملاعنة فيتأبد تحريمها عندنا على من لاعنها وخالف فيه غيرنا.
وكذلك المتزوجة في العدة مختلف في تأبيد تحريمها أيضا.
وأما الذي لا يتأبد معه التحريم ويرتفع بارتفاعه ويعود بعودته. فمنه ما يرجع إلى العدد كنكاح الخامسة. ومنه ما يرجع إلى الجمع كالجمع بين الأختين والجمع بين المرأة وعمتها. ومنه ما يرجع إلى غير ذلك كالمجوسية والمرتدة وذات الزوج وشبه ذلك.
فأما ما يُحرم الجمع بينهن من النساء بالنكاح فيعقد على وجهين:
أحدهما: أن يُقال " كل امرأتين بينهما نسب لو كانت إحداهما ذكرا حرمت عليه الأخرى فإنه لا يجمع بينهما"
وأما العقد بملك اليمين بين من ذكرنا تحريم الجمع بينهما بالنكاح ففيه اختلاف: فقيل: لا يجمع بين الأختين بملك اليمين، وهو جل أقوال الناس لقوله تعالى: (وأن تجمعوا بين الأختين) وقيل: ذلك بخلاف النكاح لقوله تعالى: (أو ما ملكت ايمانكم) فعمّ فصار سبب الخلاف أيّ العموميْن أولى أن يُقدم وأيّ الآيتين أولى أن تخص بها الأخرى؟ والأصح تقديم آية النساء والتخصيص بها وردت في نفس المحرمات وتفصيلهن أولى من الآية التي وردت في مدح قوم حفظوا فروجهم إلا عما أُبيح لهم، وأيضا فإن آية ملك اليمين دخلها التخصيص بالتفاق إذْ لا يُباح له بملك اليمين ذوات المحارم الائي يصح ملكه لهن وما دخله التخصيص من العموم ضَعُف. (2/ 136)
* قال الشيخ رحمه الله: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يبع حاضر لباد" فإن مالكا يمنع من ذلك. ومحمله عنده على أهل العمود ممن لا يعرف الأسعار. وأما من يقرُب من المدينة ويعرف السعر فلا يدخل في ذلك. (2/ 139)
* قال أبو بكر: أصل النجش: مدح الشيء وإطراؤه. فمعناه لا يمدح أحدكم السلعة ويزيد في ثمنها وهو لا يُريد شراءها ليسمعه غيره فيزيد.
قال الشيخ رحمه الله: ... فإن وقع ذلك وعلم أن الناجش من قبل البائع كان المشتري بالخيار بين أن يمضي البيع أو يرده. وحكى القرويون عن مالك أن بيع النجش مفسوخ واعتلّ بأنه منهيّ عنه. (2/ 140)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/186)
* قال الشيخ رحمه الله: علّل بعض العلماء النهي عن نكاح الشغار بأنه يصير المعقود به معقودا عليه؛ لأن الفرجيْن كل واحد منهما معقود به ومعقود عليه. على هذه الطريقة يكون فساده يرجع إلى عقده ويفسخ على هذا بعد الدخول وقبله. وزعم بعضهم أن ذلك راجع لفساد الصداق ولأنه كمن تزوج بغير صداق وعلى هذا يمضي بالدخول (على إحدى الطريقتين عندنا في هذا الأصل. وقد روى علي بن زياد عن مالك أنه يفوت بالدخول. (2/ 141)
* قال الشيخ رحمه الله: قال بعض أهل العلم: إن لفظ النفي للذات الواقعة إذا ورد في الشرع فإنه وإن حُمل على نفي الكمال أو تردد بينه وبين الجواز فإن ذلك إنما يكون في العبادات التي لها موقعان موقع إجزاء وموقع كمال، وأما النكاح والمعاملات فليس لها إلا موقع واحد، وهو نفي الصحة. (2/ 142)
* قال الشيخ رحمه الله: والولاية على قسمين: عامة وخاصة؛ فالعامة ولاية الإسلام، والخاصة ولاية النسب أو ما حل محله كالوصي أو ما يُشبَّه به كمن أقامه الشرع نائبا عنه كالسلطان. فولاية النسب أولى بالتقدمة من هذه الولايات المذكورات إلا أن يكون وصي من قبل الأب. (2/ 145)
* قال الشيخ رحمه الله: والمشهور عندنا أن الكفاءة معتبرة بالدين دون النسب، وفي اعتبار اليسار من الزوج في المؤسرة، واعتبار الحرية الأصلية في متزوج العربية اضطراب في المذهب. وحديث فاطمة بنت قيس في تزويجها أسامة، وضباعة في تزويجها المقداد بن الأسود رد على من يقول: إن النكاح يفسخ. وقد حكى أبو حامد عن ابن الماجشون من أصحابنا أنها إذا تزوجت غير كفؤ فسخ النكاح وإن رضوا أجمعون.
ولعله يريد إذا تزوجتْ فاسد الدين ممن يغلب على الظن أنه يُفسد دينها فيصير ذلك حقا لله سبحانه فيفسخ
حينئذٍ. (2/ 145)
* قال الشيخ رحمه الله: وكره له (الخاطب) أن يستغفلها. ومعناه: أن ينظر إليها على غفلة وغرة من حيث لا تشعر مخافة أن يطلع على عورتها. (2/ 148)
* قال الشيخ رحمه الله: ... وعندنا في النكاح بالإجارة قولان: الجواز والكراهة. (2/ 149)
* قال الشيخ رحمه الله: اختلف الناس في وطء النساء في أدبارهن هل ذلك حرام أم لا؟
وقد تعلق من قال بالتحليل بظاهر هذه الآية (نساؤكم حرث لكم ... )، وانفصل عنها من يحرم بأن المراد بها ما نزلت عليه من السبب والرد على اليهود فيما قالت، والعموم إذا خرج على سبب قصر عليه عند بعض أهل الأصول، ومن قال بتعديه وحمله على مقتضى اللفظ من التعميم كانت الآية حجة له في التحريم، لكن وردت أحاديث كثيرة بالمنع منه فيكون ذلك تخصيصا لعموم الآية بأخبار الآحاد، وفي ذلك خلاف بين الأصوليين.
وقال بعض الناس منتصرا للتحريم: أجمعتْ الأمة على تحريم المرأة قبل عقد النكاح، واختلفتْ بعد العقد هل حلّ هذا العضو أم لا؟ فيستصحب الإجماع على التحريم حتى ينقل عنه ناقل. وعكسه الآخرون وزعموا أن النكاح في الشرع يُبيح المنكوحة على الإطلاق، فنحن مستصحبون لهذا حتى يأتي دليل يدل على استثناء الأعضاء. (2/ 156)
كتاب الرضاع
* قال الشيخ رحمه الله: اختلف الناس في القدر الواقع به الحرمة من الرضاع، فمذهب مالك أنه يقع بما قلّ أو كثر مما وصل إلى الجوف لقوله سبحانه: (وأمهاتكم اللائي أرضعنكم) والمصة توجب تسمية المرضعة أُمًا من الرضاعة
وذهب داود إلى اعتبار ثلاث رضعات لأجل هذا الحديث:"لا تحرم المصة والمصتان"
وعند الشافعي: لا تقع الحرمة بأقل من خمس رضعات. وحجته في ذلك ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها. (2/ 164)
* قال الشيخ رحمه الله: اختلف الناس في رضاع الكبير، فجمهور العلماء على أنه لا ي ؤثر. وذهب داود إلى أنه يؤثر لأجل هذا الحديث (أي حديث سالم) وقد قال فيه: " أرضعيه تحرمي عليه". وحمله الجمهور على أن ذلك من خصائص سهلة. وقد ثبت أن أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم منعنَ أن يُدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد وقلنَ لعائشة إنه خاص في رضاعة سالم وحده. ولنا على داود قول الله سبحانه: (والوالدات يُرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يُتم الرضاعة) [البقرة:233]، وتمامها بالحولين على ظاهر القرآن يمنع أن يكون حكم ما بعد الحولين كحكم الحولين. وهذا ينفي رضاعة الكبير وقد قال صلى الله عليه وسلم في كتاب مسلم: " إنما الرضاعة من المجاعة" لمّا وجد رجلا عند عائشة فقالت: يا رسول الله إنه أخي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/187)
من الرضاعة. فقال: انظرن إخوتكن من الرضاعة فإن الرضاعة من المجاعة". وفي بعض الأحاديث في غير كتاب مسلم: " لا يخرم من الرضاعة إلا ما فتق والثدي وكان قبل الفطام". وهذا ينفي رضاعة الكبير. (2/ 167)
* قال الشيخ رحمه الله: وعندنا في الرضاع بعد الحولين اضطراب في المذهب هل الأيام اليسيرة حكمها حكم الحولين أو الشهر؟ وقيل غير ذلك في المذهب.
وهذا كله راجع عندي إلى خلاف في الحال وهو القدْر الذي جرتْ العادة فيه باستغنائه بالطعام عن الرضاع. (2/ 167)
* قال الشيخ رحمه الله: واختلف الناس أيضا في الأمة إذا بيعت وهي تحت زوج: هل يكون بيعها فسخا لنكاحها؟ فأبى من ذلك مالك وجمهور الفقهاء. وذهب بعض الصحابة إلى ذلك فسخ للنكاح أخذا بعموم هذه الآية، وهو قوله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) [النساء:24] ولم يفرق بين ما ملكت أيماننا بسبي أو شراء، وهذا عمومه عندهم.
وتحقيق القول في هذه المسألة أن هذا عموم خرج على سبب، فمن رأى قصر العموم إذا خرج على سبب لم يكن فيه حجة للجمهور لأنه كأنه قال: إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي، وإن قلنا: إن العموم إذا خرج على سبب يجب حمله على مقتضى اللفظ في التعميم اقتضى ذلك فسخ نكاح الأمة بالشراء كما يفسخ بالسبي.
لكن حديث بريرة في شراء عائشة لها ثم لم يفسخ ذلك نكاحها بل خيرها عليه السلام لما عتقت في فسخ النكاح دلالة على أن البيع لا يفسخ نكاح الأمة ذات الزوج. ولكن هذا خبر واحد في تخصيص عموم القرآن فهل يخص به أم لا؟ فيه خلاف بين أهل الأصول فعلى هذا يخرج اختلاف العلماء في ذلك. (2/ 169)
* قال الشيخ رحمه الله: وقد اختلف الناس في القول بالقافة، فنفاه أبو حنيفة، وأثبته الشافعي، ونفاه مالك في المشهور عنه في الحرائر وأثبته في الإماء. وقد روي عنه أنه أثبته في الحرائر والإماء جميعا.
والحجة في إثباته حديث مُجزِّر هذا ولم يك صلى الله عليه وسلم ليُسر بقول باطل.
وحجة التفرقة أن الحرائر لهن فراش ثابت يرجع إليه ويعوَّل في إثبات النسب عليه فلم يلتفت إلى تطلب معنى آخر سواه أخفض منه رتبة، والأمة لا فراش لها فافتقر إلى مراعاة الشبه. (2/ 177)
* قال الشيخ رحمه الله: ... هذا (الإقامة عند البكر سبعة أيام) مما اختلف فيه عندنا، فمذهب مالك فيما ذكره ابن المواز عنه أنه ليس له أن يسبّع عند الثيب، ويمكن عندي أن يكون مالك رأى ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم لأنه خص في النكاح بأمور لم تجزْ لأمته.
واختلف المذهب عندنا: هل ذلك حقٌ للمرأة أو حق للزوج؟ فقيل: هو حق للمرأة بقوله: " للبكر سبعة" وهذه لام التمليك. وقيل: هو حق للزوج على بقية نسائه لحاجته إلى اللذة بهذه الجديدة فيجعل له في الشرع زيادة في الاستمتاع. (2/ 179)
كتاب الطلاق
* قال الشيخ رحمه الله تعالى: ومما يُسأل عنه في هذا الحديث أنْ يُقال: لم أمره صلى الله عليه وسلم أن يؤخر الطلاق إلى طهر آخر بعد هذا الطهر الذي يلي حيضة الطلاق؟
وأجاب الناس عن هذا بأجوبة كثيرة:
أحدها: الطهر الذي يلي الحيض والحيضة التي قبله الموقع فيها الطلاق كالقرء الواحد فلو طلق فيه لصار كموقع طلقتين في قرء واحد، وهذا ليس هو طلاق السنة.
والجواب الثاني: أنه عاقبه بتأخير الطلاق تغليطا عليه جزاءً كما فعله من المحرم عليه، وهو الطلاق في الحيض. وهذا معترض؛ لأن ابن عمر لم يكن يعلم الحكم ولا تحقق التحريم فتعمد ركوبه، وحاشاه من ذلك فلا وجه لعقوبته.
والجواب الثالث: أنه إنما أمره بالتأخير لأن الطهر الذي يلي الحيضة الموقع الطلاق فيها ينبغي أن ينهى عن الطلاق فيه حتى يطأ فيه فتتحقق الرجعة لئلا يكون إذا طلق فيه قبل أن يمس كمن ارتجع للطلاق لا للنكاح. واعترض هذا بأنه يوجب أن ينهى عن الطلاق قبل الدخول لئلا يكون نكح أيضا للطلاق لا للنكاج.
والجواب الرابع: أنه لما إنما نُهي عن الطلاق في هذا الطهر ليطول مُقامه معها، والظن بابن عمر أنه لا يمنعها حقها من الوطء فلعله إذا وطئها ذهب ما في نفسه منها من الكراهة وأمسكها ويكون ذلك حرصا على ارتفاع الطلاق وحضا على استبقاء الزوجية. (2/ 185)
* بحث في المراد بالقرء (2/ 185 - 187)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[31 - 08 - 07, 04:19 م]ـ
جزاكم الله خيرا، وبارك في جهودكم.
ـ[مهنَّد المعتبي]ــــــــ[01 - 09 - 07, 02:47 م]ـ
جزاكم الله خيرا، وبارك في جهودكم.(84/188)
هل البنج الان هو المذكور في كتب الفقهاء قديما وهل هو نجس
ـ[فارس الهميلاني]ــــــــ[31 - 08 - 07, 02:21 م]ـ
هل البنج الان هو المذكور في كتب الفقهاء قديما وهل هو نجس
ـ[أبو معاذ اليمني]ــــــــ[31 - 08 - 07, 02:40 م]ـ
البنج: نبات مغيّب للعقل، مسكن للأوجاع، وهو غير الحشيشة، فإنها مسكنة، ولها لذّة عند تناولها بخلاف البنج، انظر: مجموع الفتاوى، 34/ 198.
ـ[فارس الهميلاني]ــــــــ[31 - 08 - 07, 02:50 م]ـ
هل مايستخدم الان هو النبات وهل هو نجس
ـ[نايف ابو معاذ]ــــــــ[01 - 09 - 07, 07:07 ص]ـ
اهل مصر يطلقون على الحشيشة البنجو وهذا يدل على الصلة الوثيقة بينهما
ـ[أبوسلمان المصري]ــــــــ[01 - 09 - 07, 07:24 ص]ـ
لو تقصد بالبنج المواد التي تستخدم للتخدير الكلي الآن ...
فالإجابة: لا!
بل هي غازات مخدرة ... مثل الهالوثين Halothane والديسفلورين Desflurane والايزو فلورين Isoflurane .
وكلها تصنع من مواد طاهرة.(84/189)
من نزل به أمر أهمه وأخذ فكره فيجوز له أن يؤخر الصلاة حتى يصفى ذهنه ويستجمع قلبه
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[01 - 09 - 07, 02:15 ص]ـ
أجاب على السؤال الشيخ الدكتور/محمد بن محمد المختار الشنقيطي - المدرس بالحرم النبوي الشريف وجامع الملك سعود
علمنا أنه يقاس على من وجد الخلاء من كان بحضرة طعام لأن ذلك كله يصرف عن الصلاة فهل يقاس عليها أيضاً من نزل به أمر أهمه وأخذ فكره فيجوز له أن يؤخر الصلاة حتى يصفى ذهنه ويستجمع قلبه للصلاة .. ؟؟
الجواب:
هذا فيه تفصيل بالنسبة لمن نزل به الأمر وألم به الأمر بحيث لا يستطيع أن يصلي فبعض العلماء يقول: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كما في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما -لمّا خطب بالناس بالكوفة وأخر صلاة الظهر إلى آخر وقتها وقام له الرجل وقال له:"الصلاة فسكت عنه ابن عباس، فقام المرة الثانية وقال الصلاة فسكت عنه، فلما قام في المرة الثالثة قال له ابن عباس: أتعلمنا بالصلاة لا أم لك "وهذا ثابت في صحيح مسلم وقد عنف الرجل ووبخه؛ لأن الأصل أن الأئمة والعلماء أنه لا ينكر عليهم أمام الناس؛ لأنه لما أنكر المرة الأولى نبهه فلما لم يأخذ ابن عباس بقوله دل على أن عنده حجة، وكان المنبغي له مادام جاهلاً أن يسكت، فالظن بالعلماء وأهل الفضل أنهم إذا نبههم أحد ولم يلتفتوا للتنبيه أن تكون عندهم شبهة أوتكون عندهم سنة أودليل، وكذلك كان الحال لابن عباس فقال له:" أتعلمنا بالصلاة لا أم لك جمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من غير سفر ولا مطر "هذا الحديث يقولون إذا نزل الأمر يهم الناس فيجتمعون من أجل تقرير هذا الأمر حتى يكون آخر وقت صلاة الظهر فيقيمونها ثم يقيمون للعصر ويصلونه وهذا ما يسمونه بالجمع الصوري، فشيخ الإسلام-رحمه الله- يقول يقاس على هذا جميع الأمور التي فيها مصالح عامة الناس، فإذا نزل بالإنسان أمر مثل ما يحدث الآن مثلاً ما يكون الإنسان في إدارته وعنده أمر عظيم نزل به قد تتوقف عليه أنفس الناس أو أرواحهم أو أعراضهم فلو تفرغ للصلاة لا يستطيع أن يصليها حاضر القلب، ويحتاج لضبط هذا الأمر إلى وقت قد يذهب به أول وقت الصلاة فيجوز له حينئذ أن يتفرغ لهذا الأمر وأن يقوم بهذا الأمر حتى يتمه، ثم بعد ذلك يصلي وهذا قرره شيخ الإسلام-رحمه الله- في الفتاوى واختاره غيره أيضاً أن حديث ابن عباس محمول على هذا الوجه، فابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - كان يخطب في الكوفة أبان فتنة علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - مع الخوارج وقضيته مع معاوية 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - كان يخطب في أمر عظيم، فمثل هذه الأحوال التي تتعلق فيها مصالح الجماعة أو تتعلق بها نفس كأطباء يجتمعون لتقرير حياة مريض هل يقدم على عملية؟ أو يقدم على شيء؟ فيحتاجون إلى وقت كالنصف ساعة كالساعة ويصادف ذلك وقت الصلاة، فحينئذ لا يستطيعون أن يصلوا وأفكارهم مشوشة بهذا الأمر الذي دهمهم ولا يستطيعون أن يستفرغوا الفكر مالم يقضوا منه، و ينتهوا منه فقالوا في هذه الحالة يجوز لهم أن يؤخروا الصلاة عن أول وقتها وأن يصلوها شريطة أن لا يؤدي ذلك إلى الخروج عن الوقت وهذا كما ذكرنا من باب دفع أهون الشرين وارتكاب أخف الضررين.
أما لو كان الإنسان وحده فالأصل أنه يصلي مع الجماعة، فإن نزل به شيء يشوش فكره فإن هناك أسباباً يتعاطاها من ذكر الله عز وجل واستشعار عظمة الله سبحانه وتعالى وهيبة الموقف بين يديه ونحو ذلك، لكن الذي نتكلم عنه تعلق الأمر بمصالح المسلمين كما ذكرنا في الصور التي استثنيناها، أما بالنسبة للشخص نفسه فإن عليه أن يأخذ بالعلاج الشرعي من ذكر الله عز وجل وتعظيم الله سبحانه وتعالى فإذا استشعر المسلم عظمة الله سبحانه وتعالى وكان عنده قوة إيمان بحيث علم أن الله عز وجل سيكفيه هذا الأمر، وأنه إن فرَّغ نفسه لله سبحانه وتعالى في مثل هذه اللحظة الحرجة والساعة الحاسمة العصيبة أن الله يكفيه ما أهمه من دنياه وآخرته فإنه إذا فعل ذلك كان الله معه؛ لأن الله إذا صدقه العبد صدقه قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((إن يصدق الله يصدقه)) ومن المجرب والمشاهد وذكر بعض العلماء ذلك أن الإنسان تأتيه أمور فيقدم ما عند الله عز وجل فيكفيه الله ذلك الأمر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/190)
وعجبت من أحد مشائخنا -رحمه الله عليه- كنا نحضر عنده في مادة الفقه فذكر أنه كان في بلد ما وكان هذا البلد معروفاً من البلاد الإسلامية كانت فيه حروب وكانت فيه فتن فكان يدرس في الجامعة وهذه القصة وقعت في التسعينات الهجرية يقول-رحمه الله- إنه لما كان الضحى وكانت عنده محاضرة أراد أن يخرج إلى محاضرته بالجامعة، وكان من عادته أنه لا يخرج إلا متطهراً ومتوضئاً ويصلي ما تيسر له ثم يمضي، فيقول بعظمة لسانه والله شهيد على ما يقول وقد سمعته بأذني يقول -رحمه الله-: فلما نظرت فإذا بالوقت ضيق جداً بحيث لا يكفي إلا بقدر ما يصل إلى الجامعة، لكني تذكرت هذا الفضل العظيم من الصلاة وسؤال الله المعونة والتوفيق يقول فانصرفت تارةً أقول أذهب وتارةً أقول أصلي، يقول: حتى شرح الله قلبي أن أتوضأ فوالله الذي لا إله إلا هو هذا ما ذكره وما قص يقول ذهبت إلى دورة المياه -أكرمكم الله- فقضيت حاجتي، فلما توضأت إذا بهجوم يقع على المنطقة والحي الذي هو فيه وإذا بالثياب كانت معلقة على الشماعة، يقول الغرفة التي تلي الواجهة رشت وجاءها الطلق الناري حتى رشت يقول فلما جئت لثيابي بعد ما انتهت الحادثة وجدتها ممزقة يعني الثوب الذي كان يريد أن يلبسه في تلك الساعة لو لبسه لكان ميتاً في مكانه، يقول فإذا به ممزق من الرصاص أي أن الطلق أصاب الغرفة التي في واجهة العمارة فأصابت الثياب وأصابت المكان الذي فيه الثياب يقول لو أنني آثرت الذهاب لكانت الساعة نفسها التي يلبس فيها ثيابه ويكون عند الشماعة معنى ذلك أنه سيقضى عليه، يقول فكدت أن أجن مما رأيت فخررت ساجداً لله عز وجل ووجدت بركة الطاعة وفضل الوضوء وفضل الصلاة كيف أن الله حقن دمي وأراني بعيني لطفه سبحانه وتعالى.
العبد إذا توكل على الله عز وجل وفوض أمره لله جاءه الفرج من حيث لا يحتسب قل من بيده ملكوت كل شيء سبحان من بيده ملكوت كل شيء ومن ألذ ما يكون للمؤمن وأحلى ما يكون من مراتب الإيمان حينما يؤثر ما عند الله على الهوى، فإن النفس تهوى شيئاً وتميل إليه إما بدافع فطري أو رغبة في شهوة دنيوية فإذا انصرف عنها لله عز وجل وجد حلاوة الإيمان، الإنسان تأتيه مثل هذه المشاغل وتأتيه هذه الدنيا لكي تصرفه عن أن يصلي مع الجماعة؛ لكنه إذا تذكر في تلك الساعة أن الله يحب أن يراه في المسجد وتذكر أن الله يحب أن يراه في الصفوف الأول، وتذكر أن الله عز وجل يحب أن يراه بين الراكعين والساجدين لوجدته ربما في بعض الأحيان قبل الاذان لكي يصل إلى هذا الخير؛ لأنه يشتري رحمة الله ومرضاة الله بأعز ما يملك حتى نفسه التي بين جنبيه، هذا إذا كان القلب حياً وكان المؤمن كامل الإيمان، لكن بقدر ما ينصرف من شعب القلب إلى الدنيا تكون التضحية يسيرة حتى إن الرجل-والعياذ بالله- تجده يستخصر الدقائق يصلي فيها بين يدي لله عز وجلربما يستخصرها وهو يصلي في مكتبه تاركاً الصلاة مع الجماعة-نسأل الله السلامة والعافية- لماذا .. ؟؟ لأن الإيمان إذا ضعف في القلب آثر الدنيا على الآخرة {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا@ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (1) فما عند الله خير أي أخير للعبد وما عند الله أبقى، فعلى هذا ينبغي للمسلم إذا جاءت مثل هذه الشواغل يستشعر أن قلبه بيد الله سبحانه وتعالى، وأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء فيقول يارب ويقبل على الله عز وجل صادقاً بعزيمة أن الله يحضر له قلبه، وسيجد ذلك سيجد من معونة الله وتوفيق الله عز وجل ما يربط به قلبه ويصرف به عنه الهم والغم –نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا ذلك الرجل -، وخاصةً في أمور الصلوات فإنه إذا حزم بك الأمر فإنك لن تجد غير الله سبحانه وتعالى ولياً ولا نصيراً وكفى بالله وليوكفى بالله نصيراً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/191)
حدَّث بعض الفضلاء يقول ذات يوم أصابني هم عظيم ومرض عندي بعض الأهل حتى رأيت أنهم كادوا يشفقوا على الموت فذهب هذا يحضر الطبيب فتذكرت رجلاً كان من أبرع الناس في علاج هذا المرض، والرجل من المدينة يقول شاء الله - U- وأنا خارج فلما ركبت سيارتي سمعت قول الله عز وجل يقول فتحت المسجل فإذا به يقول: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً} (2) وهذا من الفأل فعظم الله في قلبه ويقول سبحان الله أذهب إلى مخلوق والله كفى به ولياً وكفى به نصيراً فذهب من ساعته إلى الحرم، قال فدخلت فصليت ركعتين وسألت الله أن يدفع عن والدتي وأن يشفيها وأن يعافيها، يقول والله دخلت المسجد وأنا في هم وغم وكرب لا يعلمه إلى الله ووالله ما انفتلت من ركعتي وقمت من مصلاي إلا وأنا مجبور القلب مجبور الكسر مطمئن النفس مرتاحاً واثقاً بالله سبحانه وتعالى، قال فلما رجعت البيت وإذا بالوالدة من أحسن ما يكون والله لم أحضر لها طبيب ولا جاءها مسعف وإنما شيء من الله، ما الذي جرى؟ قال الله أعلم كانت مريضة وتعبت وجاءها الحالة التي تأتيها وحتى كادوا يخافون عليها أنها تموت؛ ولكن الله عز وجل تدراكها بلطفه ما الذي جرى قالوا لاندري.
من يصدق مع الله يصدق الله معه، وليس معنى هذا أن نترك الأسباب، ولكن نأخذ بالأسباب ولكن لا نجعلها أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ومن توكل على الله كان الله، له فالواجب على المسلم إذا جاءته المشاغل والشواغل أن يتوكل على الله عز وجل ونحن نذكر هذه القصص والعبر؛ لأن الله عز وجل جعلها أمثلة تزيد من إيمان العبد حتى ولو كان الإنسان في شواغل الدنيا هذا مريض انظروا كيف يفرج الله عنه، وهذا رجل مستعجل بجامعته ودراسته فإذا بالله سبحانه وتعالى ينقذه من الموت فلو أنه في مكانه ما أدرك جامعته ولا أدرك دراسته، لكن الله عز وجل يهيئ أسبابه يولي العبد فيها بركة الطاعة وحسن عاقبته، حتى ولو جاءتك المشاغل من الدنيا.
ومن عجيب ما ذكره بعض المشائخ يقول ذات مرة دعيت إلى رجل في قضية شبهة في المال، وكان رجلاً ثرياً غنياً -يعني من أكثر الناس مالاً- قال فحضرت قبل صلاة العصر وكان الرجل يشتبه في بعض معاونيه أنه اختلس من ماله، قال فجلسنا نتابع حساباته وكشوفاته والأمر خطير ودقيق فيه أموال كثيرة فيحتاج إلى شيء من الضبط والتحري والإتقان، قال فجلست معه من بعد صلاة العصر حتى أذن المغرب فلما أذن المغرب وإذا به رجل ثري وفي نعمة وفي عز من حال الدنيا قال فقلت له الصلاة، قال أي صلاة -نسأل الله السلامة والعافية-هذا أهم قال له يا أخي اتق الله الصلاة التي هي ركن دينك اتق الله عز وجل، قال يا أخي اعذرني أنا في هم وغم وذكر له المشكلة التي يعيشها، قال له بإذن الله إذا صليت فالله عز وجل يفرج عنك ما أنت فيه، قال فشاء الله عز وجل أن يشرح صدره والله الذي لا إله إلا هو يقول قام معي إلى مكان الوضوء لا يعرف كيف يتوضأ وإذا به رجل غني ثري لا يعرف كيف يتوضأ للصلاة -نسأل الله السلامة والعافية-قال فعلمته الوضوء -نسأل الله العظيم أن لا يبتلينا ولايبتلي ذراياتنا- أعطاه الله الدنيا فصرف عنه الدين حينما كان على هذه الحالة وبئس الحال، قال فتوضأ قلت له ماتعرف كيف تتوضأ؟ ؟ قال نعم قال له يا أخي أنت اغتسلت من الجنابة ضحك وقال نعم اغتسلت لكن وضوء ما أعرف، قال فأمرته أن يتوضأ وبعد أن توضأ دخل معه المسجد فلما صلى المغرب صلينا المغرب وجلسنا نذكر الله عز وجل، قال قلت له الآن نمضي قال لا قال الآن نريد نمضي قال انتظر قليلاً يقول انتظرت قليلاً ثم بعد قليل قلت بسم الله قال لا انتظر قليلاً يقول مازال يقول انتظر قليلاً كأني وجدت الرجل وإذا بوجه غير الوجه الذي دخل به وحاله غير الحال الذي كان به دخل به أي والله الذي لا إله إلا هو، وهو شيخ من مشائخ، أحد أئمة المساجد ومن طلاب العلم الفضلاء، يقول وإذا بالرجل انقلب على حالة غير الحالة التي كان عليها فقلت له ما بك، قال يا شيخ أجد حلاوة ولذة ما وجدتها في عمري كله هذه الطمأنينة التي وجدها بعد الصلاة يقول ما وجدها في حياته كلها، الرجل غني ثري في نعمة من الدنيا لكنه لم يجد ما يملأ قلبه من الإيمان بالله سبحانه وتعالى وطاعته وعبادته، قال فلما رأيته في هذه الحالة والله ما خرج من المسجد حتى أذن العشاء فصلى العشاء ولمّا صلى العشاء مكث حتى لما جاء الرجل يريد أن يطفئ المسجد استحيا منه من هيبته ومكانته، قال فانصرف الرجل فلما انصرف الرجل قال اتركني، قال أردت أن أتم الحساب قال اتركني قال ففوجئت في اليوم الثاني في الصباح وإذا بزوجته تتصل علي، قالت ياشيخ أنتم فعلتم بزوجي شيئاً -يعني ذهب ظنها بعيداً- قال ما به، قالت من الأمس وهو يصلي ويبكي ويذكر الله عز وجل تغير الرجل تماماً، وإذا بي أقول سبحان الله العظيم ولما جئته في الضحى في اليوم التالي ما أخذنا إلا نصف ساعة وانتهى كل شيء وإذا بتلك الأخطاء التي يريدها تنكشف وينحل الموضوع، وإذا بالرجل في سعادة يقول أنا لا يهمني هذه الملايين التي اكتشفتها والخطأ لا يهمني الذي يهمني أنني وجدت الشيء الذي كنت أفقده وجدت السعادة التي كنت أبحث عنها.
والله سبحانه وتعالى إذا تكفل المنبغي للإنسان أن يعلم أن الله عز وجل خلقه لطاعته وذكره وشكره وحسن عبادته فإذا كانت الآخرة أكبر همة ومبلغ علمه وغاية رغبته وسؤله صرف الله قلبه عن الدنيا ومما جاءه من مشاغلها وشواغلها فإن الله يكفيه همه- نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل الآخرة أكبر همنا ومبلغ علمنا وغاية رغبتنا وسؤلنا-، والله تعالى أعلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/192)
ـ[ابن عبد الغنى]ــــــــ[01 - 09 - 07, 03:39 ص]ـ
نعم نعم صدق الله تعالى
الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب
ـ[طالبة العلم سارة]ــــــــ[01 - 09 - 07, 03:46 ص]ـ
جزاكم الله خيرا ..
لاحرمكم أجر نقلكم لفتاوى الشيخ
لحاجتنا لها(84/193)
مساعدة في فقه العقود المالية
ـ[عدنان الجزائري]ــــــــ[01 - 09 - 07, 03:18 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من منكم يستطيع مساعدتي في فقه العقود المالية
من تعريف وأركان وضوابط
{والله لا يضيع اجر المحسنين}
ـ[أبو حاتم يوسف حميتو المالكي]ــــــــ[01 - 09 - 07, 04:26 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من منكم يستطيع مساعدتي في فقه العقود المالية
من تعريف وأركان وضوابط
{والله لا يضيع اجر المحسنين}
لو تصبر أخي الى أن أعود الى بيتي فلعل الله يمن بفتح من عنده، وموعدنا الاثنين بمشيئة الباري تعالى، لكن اذا حان حمامي فقد أعذرت الى الله ثم اليك.
ـ[عدنان الجزائري]ــــــــ[01 - 09 - 07, 07:53 م]ـ
وخلال ذلك الحين دعواتي لك بالاسلامة
اخوكم
{عدنان الجزائري}
ـ[أبو حاتم يوسف حميتو المالكي]ــــــــ[05 - 09 - 07, 12:02 م]ـ
هات ما عندك أخي الكريم ننظر فيه لعل الله يمن بفتح من عنده.
ـ[عدنان الجزائري]ــــــــ[07 - 09 - 07, 12:25 ص]ـ
سؤالي:
ماهي ضوابط العقد الصحيح والفاسد
وذلك من أجل دراسة عقود الاسواق المالية المستقبلية
وأرى ما مدى صحتها ...(84/194)
لقد هزلت هل يجوز التأمين على الحياة
ـ[فارس الهميلاني]ــــــــ[01 - 09 - 07, 04:28 م]ـ
اتصل بي أحد البنوك وقال عندنا تأمين حتى على الحياة أجازه ابن منيع ومحمد المطلق و بن قري على ماسمعت
وصلنا لهذا الحد
هل يجوز التأمين على الحياة
ـ[ابوعبدالله المغربي]ــــــــ[01 - 09 - 07, 05:44 م]ـ
الحمد لله
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن التأمين على الحياة فقال:
التأمين على الحياة والمُمْتَلَكَات مُحَرَّم، لا يجوز، لِمَا فيه من الغَرَر والرِّبا، وقد حَرَّم الله عز وجل جميع المعاملات الربوية، والمُعَامَلاتِ التِي فيها الغَرَر، رَحْمَةً للأمّة، وحِمَايَةً لها مِمّا يَضُرها، قال الله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الغرر. وبالله التوفيق
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال
مكتبة الفتاوى: فتاوى نور على الدرب (نصية): البيوع
السؤال: هذه رسالة وردتنا من الأخت أ م ع العنوان الأردن شمال مدينة اربد تقول في رسالتها ما هو التأمين على الحياة وهل هو حرام أو حلال؟
الجواب
الشيخ: التأمين على الحياة ما أعرف معناه تماماً ولكن ما أظن أحداً يؤمن على الحياة لأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ولا ينفع فيه التأمين وإذا كان التأمين يراد به أن الإنسان يدفع دراهم في مقابل أنه إذا مات يُضمُن لورثته شيء معين من المال فهذا حرام لأنه من الميسر إذ أن الدافع مغامر فلا يدري أيكسب أكثر مما دفع أو أقل وكل معاملة تكون دائرة بين الغنم والغرم فإنها من الميسر المحرم الذي لا يجوز إلا ما استثناه الشرع في مسألة الرهان على الخف والنصل والحافر.
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_5434.shtml(84/195)
التكييف الفقهي (تأصيلي)
ـ[الموسى]ــــــــ[01 - 09 - 07, 05:10 م]ـ
التكييف الفقهي للعقود المالية المستجدة وتطبيقاتها على نماذج التمويل الإسلامية المعاصرة
إعداد
أحمد محمد محمود نصار
ماجستير الاقتصاد والمصارف الإسلامية
البنك الإسلامي الأردني
2004/ 2005
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
يعتبر البحث في فقه المعاملات المالية من الأولويات البحثية في علم الاقتصاد الإسلامي، وذلك بسبب البلوى التي عمت بلاد المسلمين بكثير من المعاملات المحرمة مثل الربا والغش والغرر، وتعطيل كثير من العقود التي تمثل روح الاقتصاد الإسلامي مثل المشاركات والمضاربات، والمناداة في نفس الوقت بإيجاد البديل الشرعي في واقع الحياة العملية، كل ذلك أحوجنا إلى أسلوب منهجي علمي يجمع بين مقاصد الشريعة الإسلامية في الحياة الاقتصادية وبين القابلية للتطبيق في الواقع، وبين يدينا في هذا المقال احد هذه الأساليب وهو التكييف الفقهي، الذي يعتبر نشاطاً فكرياً اجتهادياً يوفر للفقه الإسلامي المرونة والحضور القوى في ساحة ميدان المعاملات المالية المتطورة عبر الزمن، فما هو التكييف الفقهي وما هي عناصره وآلياته وتطبيقاته على المعاملات المالية المعاصرة.
أولاً: تعريف التكييف الفقهي ومشروعيته
يعرف التكييف الفقهي بأنه تحديد لحقيقة الواقعة المستجدة لإلحاقها بأصل فقهي، خصه الفقه الإسلامي باوصاف فقهية، بقصد إعطاء تلك الأوصاف للواقعة المستجدة عند التحقق من المجانسة والمشابهة بين الأصل والواقعة المستجدة في الحقيقة.
من التعريف السابق يتضح أن عناصر التكييف الفقهي تتكون من: الواقعة المستجدة، والأصل، وأوصاف الأصل الفقهية، والحقيقة، والإلحاق.
وهناك الكثير من الأدلة والوقائع التي تثبت مشروعية التكييف الفقهي، وهي كما يلي:
1 – قول الله تعالى في محكم كتابه "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعو به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً"، والاستنباط في الآية الكريمة يعني الإستخراج للأحكام الشرعية، وهو يدل على الإجتهاد إذا عدم النص والإجماع.
2 – قوله صلى الله عليه وسلم "لايجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" , وقد وضع الإمام البخاري هذا الحديث تحت عنوان لايجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع ليدلل على انها قاعدة عامة، أي إذا إجتمعت الفروع الفقهية في طبيعتها وحقيقتها أعطيت الحكم نفسه، ولا يفرق في الاحكام إلا عند الإختلاف في الحقيقة والطبيعة، وهذا هو بحد ذاته جوهر عملية التكييف.
3 – وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه الذي بعثه إلى أبي موسى الأشعري "اعرف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عندك، فأعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى"، يقول السيوطي وهذه العبارة صريحة بتتبع النظائر وحفظها ليقاس عليها ما ليس بمنقول، وإن فيها إشارة إلى ان من النظائر ما يخالف نظائره في الحكم لمدرك خاص به، وهو الفن المسمى بالفروق الذي يذكر فيه الفرق بين النظائر المتحدة تصويراً ومعنى، المختلفة حكماً وعلة.
ومما تقدم من أدلة وشروح لها يتبين أن عملية التكييف الفقهي عملية مشروعة وتعتبر نشاطاً فكرياً إجتهاديا للفقيه، ولكن ما يجب التنبيه إليه هنا توضيح الفرق بين التكييف الفقهي والقياس الفقهي حتى لا يحدث الخلط بينهما، حيث أن القياس الأصل فيه أن يكون منصوصاً عليه في القرآن أو السنة، أم الأصل في التكييف الفقهي أن لا يشترط ذلك فقد يكون نصاً لفقيه أو قاعدة كلية عامة، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن العلة في القياس هي الركن الاعظم التي تقوم عليها عملية القياس، في حين ان عملية التكييف الفقهي نحتاج فيها بالإضافة إلى معرفة العلة تحليل حقيقة القضية المعروضة، ومعرفة قصد أطراف القضية، ومعرفة معنى القاعدة الكلية.
ثانياً: خطوات التكييف الفقهي.
لابد للتكييف الفقهي من خطوات منهجية ليتم لنا البناء المعرفي بهذه العملية الفكرية الاجتهادية، لتتضح الصورة أكثر لدى المتصدي لها، وهي كما يلي:
1 – التعرف على الواقعة المستجدة: وهي المسألة المستحدثة التي تعرض على المجتهد ليحكم فيها وتحليلها إلى عناصرها الأولية وهي تشمل كل من:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/196)
أ – المسائل التي إستحدثها الناس ولم تكن معروفة في عصور التشريع أو الإجتهاد مثل النقود الورقية، وسند الملكية.
ب- المسائل التي تغيرت علة الحكم فيها نتيجة التطور وتغير الظروف والاحوال مثل التقابض الحقيقي في صرف العملات التي تجريها البنوك عند شراء العميل عمله أجنبية من خلال حسابه ليقوم بتحويلها إلى الخارج، فعملية القيد بالحساب التي يجريها موظف البنك أصبحت في مقابل التقابض الحقيقي والتي تعارف على تسميتها بالتقابض الحكمي.
ج – العقود المركبة، والتي تتكون من أكثر من صورة من صور العقود القديمة، مثل بيع المرابحة للآمر بالشراء، فإنها تتكون من بيع عادي، ووعد من العميل بالشراء، وبيع مرابحة.
2 – التعرف على الأصل الذي تكيف عليه الواقعة: وهو محل الحكم الذي يريد المجتهد التسوية فيه بينه وبين الواقعة المعروضة وقد يكون الأصل نص من القرآن أو السنة او إجماع أو على قاعدة كلية أو على نص لفقيه، ويجب هنا على المجتهد أن يتحقق من ثبوت الأصل الذي تكيف عليه الواقعة وأن يفهمه فهماً جيداً مقرونة بظروفها وشروطها.
3 - المطابقة بين الواقعة المستجدة والأصل: وهي جوهر عملية التكييف الفقهي وهو ان يجمع بين الواقعة المستجدة والأصل في الحكم لإتحادهما في العلة، وهذا يتطلب مجانسة بينهما في العناصر الأساسية من أركان وشروط وعلاقات بين اطراف الواقعة فالخراج مثلاً لا يعتبر عقد إجارة لان الخراج وضع على أهل الذمة دون رضاهم وهو غير متحقق في الإجارة، والخراج لا يحتاج إلى صيغة عقد لكن الإجارة من أركانها أن تكون هناك صيغة عقد، والخراج أيضاً مؤبد، وتأبيد الإجارة باطل عند جمهور الفقهاء، لذلك يجب لإلحاق الواقعة المستجدة بالأصل أن تكون هناك مجانسة ومطابقة بينهما في العناصر الأساسية من أركان وشروط وعلاقات بين أطراف الواقعة المستجدة.
ثالثاً: الأهمية العلمية والعملية لتكييف العقود المالية المستجدة.
إن تكييف العقود المالية المستجدة له أهمية علمية وعملية، ونحتاج لتحديدها، لكي يطمئن الباحث بأن ما يقوم به له أهمية على المستوى العلمي والعملي, أما بالنسبة للأهمية العلمية فيمكن إيجازها فيما يلي:
1 – أن الأصل في المعاملات الإباحة، فلا يجوز المسارعة إلى تحريم صورة من صور المعاملات المستحدثة حتى يتبين أن الشريعة قد حرمتها.
2 – أن العبرة في المعاملات المالية للعلل والمقاصد حيث ان أحكام فقه المعاملات معللة وعللها مرتبطة بالحكم الشرعي وجوداً وعدماً بعكس فقه العبادات التي يجب التوقف فيها عند حدود النص، لذلك فعملية إلحاق العقود المالية المستجدة بأصول لها في الفقه الإسلامي مسترشدين بالعلة، هو ما يقدمه لنا التكييف الفقهي.
3 – أن الإسلام لم ينشئ العقود المالية، وإنما وجهها الوجهة الصحيحة عن طريق تنقييتها من المحرمات وتشريع الأحكام العامة وتقرير القواعد الكلية المنظمة لها.
أما بالنسبة للأهمية العملية فهي:
1 – رفع الحرج والمشقة عن جمهور المتعاملين من المسلمين الذين يتعاملون بالعقود المالية بمستجداتها الحديثة، ولكي يكون للفقه الإسلامي حضور قوى على الساحة الاقتصادية بدلاً من تعطيله.
2 – التكييف الفقهي قد يكون أساساً لتطوير كثير من العقود المالية، فتكيف الأموال التي يودعها آلاف المودعين في حسابات إستثمارية لهم في المصارف الإسلامية، والتعامل مع هذه الاموال كوحدة واحدة في عمليات المضاربة، مع العلم أنه لا يجوز خلط مال المضاربة بعد بدء عمليات المضاربة، أدى بنا إلى إستحداث ما يسمى بالمضاربة المشتركة وتطوير عقد المضاربة الثنائية التقليدي المعروف في الفقه، وذلك للابتعاد عن ما لايجوز في عقد المضاربة.
3 – طبيعة عمل المؤسسات التي تقوم بإجراء العقود المالية: وخاصة العمل المصرفي الذي يعمل وفق نموذج الوساطة المالية بآلياتها المختلفة، فكثير من العقود المالية التقليدية لا يمكن للمصارف التعامل معها إلا بإستحداث مستجدات ملحقة بها او افكار جديدة تمكنها من أن تكون عملية قابلة للتطبيق، وهذا بالطبع يتيح للتكييف الفقهي مجالاً خصباً لبحث هذه المستجدات وتكييفها فقهياً.
رابعاً: تطبيقات التكييف الفقهي للعقود المالية المستجدة في نماذج التمويل الإسلامية المعاصرة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/197)
في هذه الفقرة سوف نأخذ نماذج لعقود مالية مستحدثة وتكيفها فقهياً ليكتمل لدينا التصور النظري والعملي للتكييف الفقهي، والنماذج المختارة هي نموذج بيع المرابحة للآمر بالشراء ونموذج المشاركة المتناقصة ونموذج الإجارة المنتهية بالتمليك.
1 - نموذج بيع المرابحة للآمر بالشراء:
أولاً: التعرف على الواقعة المستجدة وتحليلها إلى عناصرها الأساسية: هو بيع المرابحة للآمر بالشراء المكون من بيع عادي مؤجل ووعد ووبيع مرابحة.
ثانياً: التعرف على الأصول التي تكيف عليها العناصر الأساسية: مشروعية البيع بنص القرآن الكريم "وأحل الله البيع وحرم الربا" , ومشروعية الوعد الملزم بترجيح مجمع الفقه الإسلامي له ومشروعية المرابحة على أساس أنه نوع من أنواع بيوع الأمانة المشروعة الذي نص عليه الفقهاء.
ثالثاً: التعرف على أوصاف الأصول الفقهية:
أ – البيع: مبادلة مال بمال بالتراضي، وأركانه هي العاقدين (البائع والمشتري) والمعقود عليه (المبيع) والصيغة (الإيجاب والقبول)، ويشترط في العاقدين الأهلية، وفي المعقود عليه أن يكون موجوداً ومعلوماً ومقدوراً على تسليمه وان يكون مالاً متقوماً وان يكون مملوكاً للبائع، والصيغة وشرطه وجوب صدور ما يدل على الإيجاب والقبول من البائع والمشتري، ويجوز أن يزيد السعر الحالّ عن السعر الآجل عند جمهور الفقهاء في عقود المعاوضات المالية.
ب- الوعد الملزم: وهو تعهد من الآمر بالشراء (المشتري) بشراء السلعة التي طلبها حال تملك البنك لها، وقد رجح مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة المنعقدة في الكويت (1988م) بأن الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الإنفراد يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقاً على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد، ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بتعويض عن الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر، وذلك استنادا إلى أن الوعد ملزم قضاء عند ابن شبرمة وإسحاق بن راهويه والحسن البصري وهو قول عند المالكية، لقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً ان تقولوا ما لا تفعلون"، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد اخلف، وإذا أؤتمن خان".
ج – بيع المرابحة: وهو أحد أقسام بيوع الأمانة الأربعة، التولية وهو البيع برأس المال أو التكلفة دون زيادة (ربح) أو نقصان (خسارة)، فيقول وليتك إياها، والوضيعة البيع بأقل من رأس المال أو ثمن التكلفة (أي خسارة)، والمرابحة البيع برأس المال أو التكلفة بزيادة ربح معلوم، وبيع الإشراك أي أشرك غيره في البيع جعله شريكاً له ببيع جزءاً من المبيع.
رابعاً: التحقق من مطابقة العقود المستجدة لأوصاف الأصول الفقهية:
بالنسبة للوعد الملزم، تحققه في الواقع عن طريق طلب شراء البضاعة الذي يقوم العميل بتقديمه للمصرف، حيث يعتبر هذا الطلب وعد ملزم للعميل مقدم الطلب لأنه تحقق عرفاً وقانوناً بذلك، أما بالنسبة للبيع فهو متحقق في بيع المرابحة للآمر بالشراء عن طريق تملك البنك للسلعة بناءاً على الوعد المسبق، وتحمله لتبعة الهلاك، وتنفيذه لآثار عقد البيع من تسليم المبيع حسب الأوصاف المحددة في نموذج طلب الشراء، وتحديده للأقساط المستحقة (ثمن المبيع) دون زيادة مشروطة لاحقة، وأما بالنسبة لتحقق بيع المرابحة فهو من ناحية أن المصرف يعلم العميل بتكلفة السلعة ومقدار ربحه، ويقوم بتملك السلعة قبل إبرام عقد البيع، وهي من الشروط الأساسية والخاصة ببيع المرابحة.
2 – نموذج المشاركة المتناقصة:
أولاً: التعرف على الواقعة المستجدة وتحليلها إلى عناصرها الأساسية: المشاركة المتناقصة، إحدى صيغ عقود المشاركة المستحدثة، والتي تتكون من شركة عنان بين المصرف الإسلامي والعميل، ووعد من المصرف ببيع حصته للعميل، وبيع المصرف حصته للعميل تدريجياً إلى ان تصبح ملكية المشروع خالصة للعميل.
ثانياً: التعرف على الأصول التي تكيف على أساسها العناصر الأساسية:
أ – شركة العنان: وهي جائزة بالإجماع.
ب – الوعد الملزم: سبق تعريفة في نموذج بيع المرابحة الآمر بالشراء.
ج – بيع المصرف حصته للعميل تدريجياً: بيع عادي مشروع بالكتاب والسنة (سبق تخريجه).
ثالثاً: التعرف على أوصاف الأصول الفقهية:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/198)
أ – شركة العنان: وهي أن يشترك اثنان في مال لهما على ان يتجرا فيه، والربح بينهما، وأركانها أربعة: العاقدان ويشترط ان يكونا جائزا التصرف، والمحل المعقود عليه الشركة ويشترط فيه ان يكون عملاً ممكناً وجائزاً شرعاً وقانوناً، والصيغة أي الإيجاب والقبول وكل ما يدل على الرضا من الطرفين، هذا بالنسبة للشروط العامة لشركات العقود، أما الشروط الخاصة:
* بالنسبة للربح: أن يكون الربح معلوم القدر بجزء محدد، بان تكون حصة كل شريك من الربح نسبة معلومة منه كالخمس أو السدس او الثلث، وان يكون الربح جزءاً شائعاً في الجملة لا معيناً.
* وبالنسبة لرأس المال: يشترط أن يكون من النقود الرائجة في التعامل أو ما في حكمهما مما يجري به التعامل، وإذا كان عيناً فيجب أن يتم تقدير قيمته بما يعادله من النقود.
ب – بالنسبة للوعد الملزم وبيع حصة البنك للعميل، سبق التعرف عليهما.
رابعاً: التحقق من مطابقة عناصر العقد المستجدة الأساسية لأوصاف أصولها الفقهية: بالنسبة لشركة العنان فهي متحققة من جهة أن المصرف يقوم بالاتفاق مع العميل على حصة نسبية من صافي الدخل المحقق من نشاط الشركة، مع حق المصرف الاحتفاظ بالجزء المتبقي من الإيراد أو أي قدر منه يتفق عليه، وليكون ذلك الجزء مخصص لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل، وهو متحقق أيضاً إذا كان الاتفاق بين البنك والعميل على صورة أسهم أو حصص شائعة، ويمكن للعميل أن يشترى الأسهم المملوكة للبنك على دفعات سنوية إلى أن يتم تملك الشركة بالكامل، فإذا كان العميل يرغب في دفع الثمن على مدى عشر سنوات مثلاً، جعلت حصة المصرف عشر شرائح كل شريحة تمثل 10 %، ويتفق الطرفان على شراء العميل لشريحة واحدة كل سنة، وفي كلا الصورتين رأس المال يكون معلوماً والنسبة الشائعة للأرباح معلومة والشروط العامة والخاصة للشركة متحققة، إذا هي مطابقة للأصول الفقهية التي كيفت على أساسها.
3 – نموذج الإجارة المنتهية بالتمليك (التأجير التمويلي):
أولاً: التعرف على العقد المالي المستجد وتحليله إلى عناصره الأساسية: وهو عقد يقوم بموجبه المصرف بتأجير عين كسيارة إلى شخص مدة معينة باجرة معلومة قد تزيد عن اجرة المثل، على أن يملكه إياها بعد إنتهاء المدة ودفع جميع أقساط الاجرة بعقد جديد , وهي بذلك مكونة من عقد إجارة وعقد بيع ووعد ملزم.
ثانيا: التعرف على الأصول الفقهية التي تكيف على أساسها العناصر الأساسية:
أ – الإجارة: وهي مشروعة بدليل قوله تعالى "قالت إحداهما يا أبت إستاجره إن خير من استأجرت القوي الأمين"، وقال صلى الله عليه وسلم: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فاكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره.
ب- البيع والوعد الملزم: سبق التعريف بهما (راجع نموذج بيع المرابحة للآمر بالشراء).
ثالثاً: التعرف على أوصاف الأصول الفقهية:
بالنسبة للإجارة: فهي تمليك منفعة بعوض، وشروطها الخاصة، أن يكون محل العقد (المنفعة) مباحة مشروعة ومملوكة للمؤجر ملكية تامة وان لا تكون مما تستهلك باستيفاء المنفعة منها مثل النقود التي لا تجوز إجارتها، وأن تكون الأجرة محددة معلومة للطرفين غير قابلة للزيادة بعد ثبوتها بالذمة بسبب التأخير في التسديد.
رابعاً: التحقق من مطابقة عناصر العقد المستجدة الأساسية لأوصاف أصولها الفقهية: أما البيع والوعد فقد سبق التعريف بهما وما يهمنا هنا هو عملية التأجير التمويلي، فبالنسبة لشروط أصولها الخاصة فهي متحققة، حيث يقوم المصرف بناء على طلب العميل بشراء الأصل المطلوب تأجيره ويتفق مع العميل (المستأجر) على أن يملكه منفعتها دون أصلها على أن تبقى الأصل في ملك المصرف، وعلى أن يتعهد أيضاً بتسديد أقساط الأجرة المحددة والمعلومة للطرفين عند استحقاقها.
وهذا ما وفقني الله تعالى إلى كتابته بصدد هذا الموضوع، فما كان صواباً فمن الله وما كان خطأ فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله من كل زلل.
ـ[الموسى]ــــــــ[01 - 09 - 07, 05:13 م]ـ
كم اتمنى ان ينضج هذا الموضوع " التكييف الفقهي " في هذا الملتقى فقد لامست حاجة كثير من طلبة العلم له ..
فوا فقهاه
ـ[الموسى]ــــــــ[04 - 09 - 07, 02:12 م]ـ
هل توجد نسخة الكترونية لكتاب التكييف الفقهي _ عثمان شبير؟
ـ[الموسى]ــــــــ[08 - 09 - 07, 12:00 م]ـ
خلاص الشكوى على الله للرفع
ـ[محمد الحمدان]ــــــــ[20 - 09 - 07, 03:19 م]ـ
بحثتُ فلم أجد، والكتاب موجود عندي ولا أعرف كيف أخدمك بحصولك عليه.
ـ[الموسى]ــــــــ[20 - 09 - 07, 03:44 م]ـ
يا لتواضعك ونبلك شيخي العزيز محمد .. اشكرك على جهدك وادع الله ان يرفع قدرك والكتاب شيخي العزيز موجود عندي ولكن حرصت ان نعثر على نسخة الكترونية حتى يحصل عليها الغير ..
خالص الود(84/199)
ماهو افضل كتاب يتحدث عن الصيام
ـ[ابو محمد الطائفي]ــــــــ[01 - 09 - 07, 10:26 م]ـ
ماهو افضل كتاب يتحدث عن الصيام افتونا ماجورييييييين
ـ[أبو عبدالرحمن السبيعي]ــــــــ[02 - 09 - 07, 12:55 ص]ـ
في نظري
كتاب / الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة
د/ سعيد بن علي بن وهف القحطاني
فالكتاب يعتبر شامل لإحكام الصيام بالدليل وعبارة سهله وواضحة
ـ[الطاعني]ــــــــ[04 - 09 - 07, 02:16 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من الكتب النافعة في فقه الصيام
كتاب فقه الصيام للقرضاوي
فهو يذكر المسائل مقرونة بالدليل الشرعي من غير تعصب لإمام أو مذهب
كما أنه يجمع معظم أحكام الصوم
وهو متوسط الحجم
يمكن مطالعته في يوم واحد للمتفرغ
أنصح بقراءته
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[04 - 09 - 07, 08:50 م]ـ
السلام عليكم
كتاب الجامع لأحكام الصيام - للشيخ احمد حطيبة
من فوائده الجليلة، انه يذكر المسألة واقوال اهل العلم فيها مع الدليل، والرأى الراجح فيها مع الدليل والتعليل باسلوب يسير وسلس، فهو نفيس لكل من العوام وطلبة العلم، والله اعلم
ـ[ابن هادي]ــــــــ[08 - 09 - 07, 10:21 م]ـ
كتاب / صفة صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان.
تأليف / سليم بن عيد الهلالي.
و / علي بن حسن بن عبد الحميد
ـ[الداعية إلى الخير]ــــــــ[11 - 09 - 07, 10:27 ص]ـ
الصوم و الصيام للشيخ سيد بن حسين العفاني (4 مجلدات)
فقد جمع بين الأحكام الشرعية و المواعظة التي تحي القلب و تشوق النفس، و قد اختصره بعض الاخوة باسم نداء الريان
ـ[أيمن أبو عبد الله]ــــــــ[11 - 09 - 07, 10:40 ص]ـ
كتاب جامع في الصيام وأحكامه
{نداء الريان في أحكام الصيام}
د. سيد بن حسين العفاني(84/200)
طلب مساعدة
ـ[بومعالي نذير]ــــــــ[01 - 09 - 07, 10:27 م]ـ
أريد المساعدة من إخواني في الملتقى لأجل تخريج بعص الاحاديث النبوية الشريفة، فمن يجد القدرة في نفسه على هذا يراسلني على الملتقى و شكرا.(84/201)
هل سبق الإمامَ ابنَ حزم رحمه الله أد لهذا القول, وهل في تقليده والعمل بفتواه حرج؟
ـ[مصطفى المدني]ــــــــ[01 - 09 - 07, 11:30 م]ـ
في المحلى لابن حزم رحمه الله:
1966 – مسألة: من قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق , أو ذكر وقتا ما؟
فلا تكون طالقا بذلك , لا الآن , ولا إذا جاء رأس الشهر.
برهان ذلك -: أنه لم يأت قرآن ولا سنة بوقوع الطلاق بذلك , وقد علمنا الله الطلاق على المدخول بها , وفي غير المدخول بها , وليس هذا فيما علمنا {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه}.
وأيضا - فإن كان كل طلاق لا يقع حين إيقاعه فمن المحال أن يقع بعد ذلك في حين لم يوقعه فيه -
وقد اختلف الناس في هذا -: فقالت طائفة: من طلق إلى أجل لم يقع [بذلك] الطلاق إلا إلى ذلك الأجل - كما روينا من طريق أبي عبيد نا يزيد بن هارون عن الجراح بن المنهال نا الحكم - هو ابن عتيبة - أن ابن عباس كان يقول: من قال لامرأته: أنت طالق إلى رأس السنة -: أنه يطؤها ما بينه وبين رأس السنة.
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء من قال لامرأته: أنت طالق إذا ولدت؟ فله أن يصيبها ما لم تلد - ولا يطلق حتى يأتي الأجل.
وكذلك من قال: أنت طالق إلى سنة
ومن طريق أبي عبيد نا يزيد بن هارون عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد أبي الشعثاء قال: هي طالق إلى الأجل الذي سمي , وتحل له ما دون ذلك. [ص: 480]
ومن طريق أبي عبيد نا هشيم أنا مغيرة عن إبراهيم النخعي فيمن وقت في الطلاق وقتا , قال: إذا جاء ذلك الوقت وقع.
ورويناه أيضا عن الشعبي.
ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية عن عبيدة عن الشعبي مثل قول إبراهيم - وروي أيضا: عن عبد الله بن محمد بن الحنفية.
وروينا عن سفيان الثوري قال: من قال لامرأته: إذا حضت فأنت طالق؟ فإنها إذا دخلت في الدم طلقت عليه. قال: فإن قال لها: متى حضت حيضة فأنت طالق؟ فلا تطلق حتى تغتسل من آخر حيضتها , لأنه يراجعها حتى تغتسل. وبأن: لا يقع الطلاق المؤجل إلا إلى أجله
-: يقول أبو عبيد , وإسحاق بن راهويه , والشافعي , وأحمد , وأبو سليمان , وأصحابهم. وقول آخر - وهو أن الطلاق يقع في ذلك ساعة يلفظ به -: روينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب فيمن طلق امرأته إلى أجل؟ قال: يقع الطلاق ساعتئذ ولا يقربها.
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا منصور , ويونس عن الحسن: أنه كان لا يؤجل في الطلاق -.
وروينا عن الزهري من طلق إلى سنة؟ فهي طالق حينئذ.
ومن طريق أبي عبيد عن هشيم عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه كان لا يؤجل في الطلاق أجلا.
وروي عن ربيعة - وهو قول الليث , وأحد قولي أبي حنيفة - وهو قول زفر.
وقول ثالث - كما روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن قتادة عن الحسن أنه قال: إذا قال: أنت طالق إذا كان كذا - لأمر لا يدري أيكون أم لا؟ - فليس بطلاق حتى [ص: 481] يكون ذلك ويطؤها , فإن ماتا قبل ذلك توارثا. فإن قال: أنت طالق إلى سنة فهي طالق حين يقول ذلك - وهو قول مالك.
وقول رابع - روي عن ابن أبي ليلى فيمن قال لامرأته: أنت طالق إلى رأس الهلال؟ قال: أتخوف أن يكون قد طلقها؟ فوجدنا من حجة من قال: بأنه وقع عليه الطلاق الآن -: أن قالوا: هذا الطلاق إلى أجل , فهو باطل كالنكاح إلى أجل؟ فقلنا لهم: فلم قلتم: إنه إن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق؟ أنها لا تطلق إلا بدخول الدار , فإنه طلاق إلى أجل , فأوقعتموه حين لفظ به.
وبهذا نعارضهم في قولهم: إن ظاهر أمره أنه ندم إذ قال: أنت طالق , فأتبع ذلك بالأجل؟ فيلزمهم ذلك فيمن قال: أنت طالق إن دخلت الدار.
وهو قول صح عن شريح ألزمه الطلاق - دخلت الدار أو لم تدخله.
وقالوا: إذا قال: أنت طالق , فالطلاق مباح , فإن أتبعه أجلا فهو شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل؟ فقلنا: بل ما طلاقه إلا فاسد لا مباح؟ إذ علقه بوقت , ولا يجوز إلزامه بعض ما التزم دون سائره - فظهر فساد هذا القول , ويكفي من هذا أنه تحريم فرج بالظن على من أباحه الله تعالى له باليقين - ونعوذ بالله من هذا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/202)
ولم نجد لمن فرق بين الأجل الآتي والآبد , وبين الأجل الذي لا يأتي حجة أصلا , غير دعواه؟ لا سيما وهم يفسدون النكاح إذا أجل الصداق إلى أجل قد يكون وقد لا يكون , بعكس قولهم في الطلاق؟ وكلا الأمرين أجل ولا فرق.
وأيضا - فقد يأتي الأجل الذي قالوا فيه: إنه يجيء - وهو ميت أو وهي ميتة , أو كلاهما , أو قد طلقها ثلاثا -: فظهر فساد هذا القول جملة - وبالله تعالى التوفيق.
وهم يشنعون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف؟ وقد خالفوا هاهنا ابن عباس , وأيضا - فإنهم يوقعون عليه طلاقا لم يلتزمه قط؟ وهذا باطل. [ص: 482]
ثم لو عكس عليهم قولهم , فقيل: بل تطلق عليه إذا أجل أجلا - قد يكون وقد لا يكون - ساعة لفظه بالطلاق , ولا تطلق عليه إذا أجل أجلا يأتي ولا بد , لما كان بينهم فرق أصلا - وبالله تعالى التوفيق.
ثم نظرنا فيما يحتج به من أجاز ذلك وجعل الطلاق يقع إذا جاء الأجل - لا قبل ذلك - بأن قال: قال الله تعالى: {أوفوا بالعقود}؟ فقلنا: إنما هذا في كل عقد أمر الله تعالى بالوفاء به , أو ندب إليه - لا في كل عقد جملة , ولا في معصية , ومن المعاصي أن يطلق بخلاف ما أمر الله تعالى به , فلا يحل الوفاء به.
وقالوا: " المسلمون عند شروطهم ".
وهذا كالذي قبله , لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل}.
والطلاق إلى أجل مشترط بشرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل.
وقالوا: نقيس ذلك على المداينة إلى أجل , والعتق إلى أجل؟ فقلنا: القياس باطل , ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا , لأن المداينة والعتق قد جاء في جوازهما إلى أجل النص , ولم يأت ذلك في الطلاق.
ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا , لأنكم مجمعون على أن النكاح إلى أجل لا يجوز , وأن ذلك النكاح باطل , فهلا قستم الطلاق إلى أجل على ذلك.
وقالوا: قد أجمعوا على وقوع الطلاق عند الأجل , لأن من أوقعه حين نطق به فقد أجازه , فالواجب المصير إلى ما اتفقوا عليه؟ فقلنا: هذا باطل , وما أجمعوا قط على ذلك , لأن من أوقع الطلاق - حين لفظ به المطلق - لم يجز قط أن يؤخر إيقاعه إلى أجل والذين أوقعوه عند الأجل لم يجيزوا إيقاعه حين نطق به.
وقالوا: هذا قول صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف؟
[ص: 483] فقلنا: هذا من رواية أبي العطوف الجراح بن المنهال الجزري - وهو كذاب مشهور بوضع الحديث - فبطل هذا القول أيضا -.
والحمد لله رب العالمين.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[02 - 09 - 07, 06:15 ص]ـ
مقصود من حكى الإجماع أن أهل العلم اتفقوا على وقوع الطلاق في الجملة، سواء كان ذلك حالا أو حين الأجل، وليس كما فهم ابن حزم أن من أوقعه في الحال يخالف من أوقعه في الأجل.
فهذه هي نكتة الإجماع في المسألة؛ لأن أهل الإجماع قد يختلفون في الحكم ويتفقون على جزئية معينة فيه، فإن جاز مخالفتهم فيما اختلفوا فيه لم يجز ذلك فيما اتفقوا عليه.
وقد اتفقوا على أن الطلاق واقع، ولا يضر هنا خلافهم في زمن وقوعه.
فالإجماع ثابت في هذه المسألة، وبالله التوفيق.
ومن أصول الظاهرية أن الشروط التي لم يرد فيها نص باطلة، وهذا أيضا مخالف لما عليه جماهير أهل العلم قديما وحديثا، إذ بينوا أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله) أي كل شرط مخالف لكتاب الله، وليس المقصود ورود الشرط بنصه في القرآن والسنة؛ لأنه لا يعقل أصلا أن يرد في كتاب الله كل شرط يشترطه الناس في بياعاتهم وإجاراتهم وتجاراتهم، هذا مما لا يخالف فيه أحد يعقل ما يقول، وما زال الناس يتبايعون ويشترون في الجاهلية والإسلام ولا يلتزم أحد منهم أن يكون كل شرط اشترط في البيع مذكورا بنصه في القرآن أو السنة، ولا أدري كيف خفي هذا على أبي محمد رحمه الله.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[02 - 09 - 07, 02:41 م]ـ
أحسن الله إليك أبا مالك والأخ مصطفى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/203)
أراكما جعلتما هذا القول خاصا بابن حزم رحمه الله , وقد شاركه فيه جماعة من أهل العلم رحم الله الجميع, إذ ذكر ابن القيم رحمة الله عليه في إعلام الموقعين كلاماً يتعلق بالمخارج من التحليل في الطلاق, ومنها فعل ما حلف عليه الزوج ذهولاً أو نسياناً أو إكراهاً أو تأوُّلاً ,ورجح رحمه الله أن الصواب عدم حنث المتأول, وأخوكم الفقير لربه يظنُّ والعلم عند الله أن مسألةً لم يرد فيها نص شرعي وحدث الخلاف فيها بعد عصر الصحابة لا حرج في تقليد من يرتضي قوله من العلماء السابقين كأئمة المذاهب وغيرهم أنه يعذر في تقليده لمن قلده ما لم يخالف صريح الكتاب والسنة والإجماع المنعقد عن أئمة الإسلام , سيما إذا ظهر له في قول أحدهم يسر يتناسب مع حاله, والعلم عند الله تعالى, قال ابن القيم:
{أما المتأول فالصواب أنه لا يحنث كما لم يأثم في الأمر والنهي , وقد صرح به الأصحاب فيما لو حلف أنه لا يفارق غريمه حتى يقبض حقه فأحاله به ففارقه يظن أن ذلك قبض , وأنه بر في يمينه , فحكوا فيه الروايات الثلاث , وطرد هذا كل متأول ظن أنه لا يحنث بما فعله ; فإن غايته أن يكون جاهلا بالحنث , وفي الجاهل الروايات الثلاث
وإذا ثبت هذا في حق المتأول فكذلك في حق المقلد أولى , فإذا حلف بالطلاق ألا يكلم فلانا أو لا يدخل داره فأفتاه مفت بعدم وقوع الطلاق في هذه اليمين , اعتقادا لقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وطاوس وشريح , أو اعتقادا لقول أبي حنيفة والقفال في صيغة الالتزام دون صيغة الشرط , أو اعتقادا لقول أشهب - , وهو أجل أصحاب مالك - أنه إذا علق الطلاق بفعل الزوجة أنه لم يحنث بفعلها , أو اعتقادا لقول أبي عبد الرحمن الشافعي أجل أصحاب الشافعي إن الطلاق المعلق لا يصح كما لا يصح النكاح والبيع والوقف المعلق , وهو مذهب جماعة من أهل الظاهر , لم يحنث في ذلك كله , ولم يقع الطلاق , ولو فرض فساد هذه الأقوال كلها فإنه إنما فعل المحلوف عليه متأولا مقلدا ظانا أنه لا يحنث به , فهو أولى بعدم الحنث من الجاهل والناسي , وغاية ما يقال في الجاهل إنه مفرط حيث لم يستقص , ولم يسأل غير من أفتاه , وهذا بعينه يقال في الجاهل إنه مفرط حيث لم يبحث , ولم يسأل عن المحلوف عليه , فلو صح هذا الفرق لبطل عذر الجاهل ألبتة , فكيف والمتأول مطيع لله مأجور إما أجرا واحدا أو أجرين؟ والنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ خالدا في تأويله حين قتل بني جذيمة بعد إسلامهم , ولم يؤاخذ أسامة حين قتل من قال لا إله إلا الله لأجل التأويل , ولم يؤاخذ من أكل نهارا في الصوم عمدا لأجل التأويل , ولم يؤاخذ أصحابه حين قتلوا من سلم عليهم , وأخذوا غنيمته لأجل التأويل , ولم يؤاخذ المستحاضة بتركها الصوم والصلاة لأجل التأويل , ولم يؤاخذ عمر رضي الله عنه حين ترك الصلاة لما أجنب في السفر , ولم يجد ماء , ولم يؤاخذ من تمعك في التراب كتمعك الدابة وصلى لأجل التأويل , وهذا أكثر من أن يستقصى}
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[02 - 09 - 07, 03:23 م]ـ
وقال بعض الحنابلة: إن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله. وذلك بالتخريج على رواية جواز فسخ العتق المعلق على شرط قال ابن مفلح في الفروع (5/ 103):" ولا يبطل التدبير برجوعه فيه, وإبطاله وبيعه ثم شراؤه كعتق معلق بصفة. وفيه رواية في الانتصار والواضح: له فسخه, كبيعه, ويتوجه في طلاق". وقد نقل عن شيخ الإسلام رحمه الله القول بأن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله في الشرط المحض قال في الفروع نقلاً عنه (5/ 356):" ووافق على شرط محض, كإن قدم زيد".
ـ[ابن وهب]ــــــــ[02 - 09 - 07, 04:01 م]ـ
بارك الله فيكم
قول الإمام الجليل الزري -رحمه الله
(, أو اعتقادا لقول أبي عبد الرحمن الشافعي أجل أصحاب الشافعي إن الطلاق المعلق لا يصح كما لا يصح النكاح والبيع والوقف المعلق)
أبو عبد الرحمن المتكلم ليس أجل أصحاب الإمام الشافعي
ولو قال من أجل لكان موضع تأمل فهو من جملة تلامذته وإن كان أصح من قول أجل هكذا
وقد ذكر الزري - رحمه الله في موضع آخر
(وأبي عبد الرحمن الشافعي وهو أجل أصحابه على الإطلاق)
ثم هو متكلم لحق بالفئة الضالة - نسأل الله السلامة والعافية -
فالأولى عدم الاعتماد على شذوذاته
قال شيخنا العلامة ابن جبرين - حفظه الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/204)
(وابن القيم - رحمه الله - ولو كان معه أسلوب قوي، ولكن إذا مال إلى قول فإنه يتحامل على ذلك القول، ........ ) الخ ما ذكر شيخنا العلامة
وليس الغرض مناقشة هذه المسألة
ولكن لا ينبغي تقليد أبي عبد الرحمن الشافعي المتكلم هذا و لا يبرأ الشخص بتقليده
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[02 - 09 - 07, 04:15 م]ـ
بارك الله فيكم
قول الإمام الجليل الزري -رحمه الله
(, أو اعتقادا لقول أبي عبد الرحمن الشافعي أجل أصحاب الشافعي إن الطلاق المعلق لا يصح كما لا يصح النكاح والبيع والوقف المعلق)
أبو عبد الرحمن المتكلم ليس أجل أصحاب الإمام الشافعي
ولو قال من أجل لكان موضع تأمل فهو من جملة تلامذته وإن كان أصح من قول أجل هكذا
وقد ذكر الزري - رحمه الله في موضع آخر
(وأبي عبد الرحمن الشافعي وهو أجل أصحابه على الإطلاق)
ثم هو متكلم لحق بالفئة الضالة - نسأل الله السلامة والعافية -
فالأولى عدم الاعتماد على شذوذاته
قال شيخنا العلامة ابن جبرين - حفظه الله
(وابن القيم - رحمه الله - ولو كان معه أسلوب قوي، ولكن إذا مال إلى قول فإنه يتحامل على ذلك القول، ........ ) الخ ما ذكر شيخنا العلامة
وليس الغرض مناقشة هذه المسألة
ولكن لا ينبغي تقليد أبي عبد الرحمن الشافعي المتكلم هذا و لا يبرأ الشخص بتقليده
سبحانك هذا بهتان عظيم, يا أخي نحن لم نورد قول هذا الرجل في مسألة من مسائل الصفات أو كلام الله أو غير ذلك ,وإنما في مسألة فقهية, لا داعي معها إلى هذا الهجوم منك عليه وعلى الإمام ابن القيم رحم الله وتخطأته في جعله أبا عبد الرحمن أجل تلاميذ الشافعي, وأنت تعلم بارك الله فيك أن تركنا لنص ابن القيم عليه أنه أجلهم بناءاً على قولك أنت المجرد عن الأدلة والبراهين عين الغبن, فأثبت م نفيته لتستقيم لك الحجة, والمسألة اجتهادية يسع الخلاف فيها الجميعَ بارك الله فيكم, ثم إن كلام الشيخ ابن جبرين حفظه الله إن صحَّ نقله عنه في ابن القيم محلُّ نظر , إذ لا يتصوَّر من عالمِ ميلهُ إلى قول دون نصرته له ومحاولة إبراز جوانب قوته فما الحرجُ في ذلك .. ؟؟
وما دمتَ حكمت بعدم براءة الذمة بتقليد أبي عبد الرحن رحمه الله, فحبذا لو ذكرتم لنا شرط من تبرأ الذمة بتقليده عند العلماء لا عندك أنت أحسن الله إليك وألهمني وإياك الصواب في الظن والقول والعمل
ـ[أبو معاذ الحسن]ــــــــ[02 - 09 - 07, 04:39 م]ـ
انصر أخاك ظالما أو مظلوما ..
أبا زيد ... زادك الله هدى وتقى
الشيخ ابن وهب من مشايخ الملتقى - نحسبه كذلك -
ومشاركاته برهان ذلك , وليس لك أخي أن تطعن
في مصداقيته بقولك (ان صح النقل عنه) ..
ثم اني لا أرى في مشاركة الشيخ أي هجوم على ابن القيم!!!
وأخيرا .. ليتنا نعمل جميعا بما تنقله عن ابن عباس في توقيعك ...
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[02 - 09 - 07, 04:47 م]ـ
جزاك الله خيراً أبا معاذ وبارك فيك وكتب لك ما نويت ..
أنا لم أطعن في أخي الشيخ ابن وهب كما تزعم, ولكن ألا ترى أن تكذيب ابن القيم رحمه الله أشد فظاعةً من قولي (إن صح النقل) فما بال العبارة الأولى كانت طعناً في حق أخينا والثانية نغمض عنها أعيننا ونصم عنها آذاننا هي في حق إمام لا يجهل أحد قدره وعلو منزلته, وأنا لا أعني عصمته رحمه الله وإصابته للحق في كل ما يقول بقدر ما أعني أن نحسن رد كلام أهل العل إذا تيقنا مخالفته للصواب بأسلوب غير أسلوب أخينا ابن وهب, وأنا أعتذر لك وله عما لمستموه في كلامي من خطإ وأستغفر الله تعالى منه ,والله أسأل أن يتولاني وإياكم بعنايته, وأخيراً شكر الله لك تنبيهي على التوقيع وأسأل الله أن يعينني على التزام ما فيه وتطبيقه
ـ[ابن وهب]ــــــــ[02 - 09 - 07, 06:17 م]ـ
بارك الله فيكم
توثيق النص
انظر آخر 3 أسطر
http://www.taimiah.org/Display.asp?t=book09&f=mnhg00035.htm&pid=1
من شرح شيخنا ابن جبرين - نفع الله به - على منهج السالكين للعلامة السعدي - رحمه الله
ـ[ابن وهب]ــــــــ[02 - 09 - 07, 06:29 م]ـ
وأما الاعتداد بخلاف المبتدع
ففي البحر المحيط
(وَأَمَّا إذَا اعْتَقَدَ مَا لَا يَقْتَضِي التَّكْفِيرَ، بَلْ التَّبْدِيعَ وَالتَّضْلِيلَ، فَاخْتَلَفُوا عَلَى مَذَاهِبَ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/205)
أَحَدُهَا: اعْتِبَارُ قَوْلِهِ، لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَإِخْبَارُهُ عَنْ نَفْسِهِ مَقْبُولٌ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْكَذِبِ، وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَكَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِنَصِّهِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْهَوَى.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: لَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِجْمَاعِ وِفَاقُ الْقَدَرِيَّةِ، وَالْخَوَارِجِ، وَالرَّافِضَةِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي الْفِقْهِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي الْكَلَامِ، هَكَذَا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَذَكَرَ أَبُو ثَوْرٍ فِي مَنْثُورَاتِهِ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
ا هـ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ: هَلْ يَقْدَحُ خِلَافُ الْخَوَارِجِ فِي الْإِجْمَاعِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ.
قَالَ: وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِجْمَاعِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِهِمْ الْأَهْوَاءُ كَمَنْ قَالَ بِالْقَدَرِ مِنْ حَمَلَةِ الْآثَارِ، وَمَنْ رَأَى الْإِرْجَاءَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَافِ آرَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ.
فَإِذَا قِيلَ: قَالَتْ الْخَطَّابِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ كَذَا، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى هَؤُلَاءِ فِي الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: الْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ.
قَالَ: قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْخَوَارِجِ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَصْلٌ يَنْقُلُونَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ سَلَفَنَا
الَّذِينَ أَخَذْنَا عَنْهُمْ أَصْلَ الدِّينِ.
انْتَهَى.
وَمِمَّنْ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ، وَمِنْ الْحَنَابِلَةِ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَاسْتَقْرَأَهُ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ لِقَوْلِهِ: لَا يَشْهَدُ رَجُلٌ عِنْدِي لَيْسَ هُوَ عِنْدِي بِعَدْلٍ، وَكَيْفَ أُجَوِّزُ حُكْمَهُ قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي الْجَهْمِيَّ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ، وَيَنْعَقِدُ عَلَى غَيْرِهِ، أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ مَنْ عَدَاهُ إلَى مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَهُ، حَكَاهُ الْآمِدِيُّ وَتَابَعَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: أَرَى حِكَايَتَهُ لِغَيْرِهِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَمَنَعَ مِنْ بَقَائِهِمَا عَلَى إطْلَاقِهِمَا؛ لِوُقُوعِ مَسْأَلَتَيْنِ فِي بَابَيْ الِاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ، تَنْفِي ذَلِكَ.
إحْدَاهُمَا: اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّقْلِيدِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، فَالْقَوْلُ هُنَا بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ خَالَفَهُ مُعَارِضٌ لِذَلِكَ الِاتِّفَاقِ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/206)
وَثَانِيهِمَا: اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ عُرِفَ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ مَنْ عُرِفَ بِضِدِّ ذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا اسْتَحَالَ بَقَاءُ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى إطْلَاقِهِمَا، وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِدُونِهِ، يَعْنِي فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: فَيَنْعَقِدُ، يَعْنِي عَلَى غَيْرِهِ، وَيَصِيرُ النِّزَاعُ لَفْظًا، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَأْوِيلُ هَذَا الْقَوْلِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ.
وَالرَّابِعُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ الدَّاعِيَةِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَيُعْتَدُّ بِهِ، حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ الْإِحْكَامِ "، وَنَقَلَهُ عَنْ جَمَاهِيرِ سَلَفِهِمْ
مِنْ الْمُحَدِّثِينَ، وَقَالَ: وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَاعَى الْعَقِيدَةُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَثُرَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِينَ خُصُوصًا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولُوا عَنْ الرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ: خِلَافًا لِمَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ، وَهَذَا لَا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّنَاقُضِ مِنْ حَيْثُ ذِكْرُهُ.
وَقَالَ: لَا يُعْتَدُّ بِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُمْ التَّشْنِيعُ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ.
فَرْعَانِ.
أَحَدُهُمَا: إذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِ مَنْ كَفَّرْنَاهُ.
فَلَوْ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا حَالَ تَكْفِيرِهِ، ثُمَّ تَابَ وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ، فَهَلْ يُعْتَبَرُ خِلَافُهُ الْآنَ؟ فَلْيُبْنَ عَلَى انْقِرَاضِ الْعَصْرِ.
وَسَنَذْكُرُهُ.
الثَّانِي: أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَوْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ الَّذِي خَالَفَ فِيهِ الْمُبْتَدِعَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِبِدْعَتِهِ، أَوْ عَلِمَهَا لَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا تُوجِبُ الْكُفْرَ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِدُونِهِ، هَلْ يَكُونُ مَعْذُورًا أَمْ لَا؟ وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِدْعَتَهُ فَمَعْذُورٌ، إنْ كَانَ مُخْطِئًا فِيهِ حَيْثُ تَكُونُ مُوجِبَةً لِلتَّكْفِيرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ، وَإِنْ عَلِمَهَا لَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ اقْتِضَاءَهَا التَّكْفِيرَ، فَغَيْرُ مَعْذُورٍ، بَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ مُرَاجَعَةُ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ، وَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الِاعْتِقَادِ هَلْ يُكَفِّرُ أَمْ لَا؟)
ـ[ابن وهب]ــــــــ[02 - 09 - 07, 06:31 م]ـ
ما قيل في أبي عبد الرحمن الشافعي
(قال الدارقطنى كان من كبار أصحاب الشافعى الملازمين له ببغداد ثم صار من أصحاب ابن أبى دؤاد واتبعه على رأيه وكذلك قال الشيخ أبو إسحاق
)
ـ[ابن وهب]ــــــــ[02 - 09 - 07, 06:38 م]ـ
فائدة
من شذوذات أبي عبد الرحمن الشافعي
القول بقطع يد السارق في القليل والكثير
وهو مذهب رديء شاذ
والله المستعان
ـ[ابن وهب]ــــــــ[02 - 09 - 07, 06:43 م]ـ
فائدة
الزري وقبله النميري - رحمها الله -استدلا بأدلة كثيرة فلم يعتمدا على شذوذ أبي عبد الرحمن الشافعي
ووجه تعقبي هو أن أبا عبد الرحمن الشافعي لا يصح الاعتماد على شذوذه
فلو لم يكن في المسألة إلا خلاف أبي عبد الرحمن الشافعي فلا ينبغي أن يلتفت إليه
أما إذا قال به بعض التابعين وغيرهم من فقهاء الأمصار فتلك مسألة أخرى
فالتعقب على عبارة معينة
والله أعلم
ـ[ابن وهب]ــــــــ[02 - 09 - 07, 06:50 م]ـ
فائدة
الزري نسبة إلى زرع التي ينتسب إليها الحافظ الشمس
في معجم البلدان
(زرا قال الحافظ أبو القاسم الدمشقي علي بن الحسين ابن ثابت بن جميل أبو الحسن الجهني الزري الإمام من أهل زرا التي تدعى اليوم زرع من حوران هذا لفظه بعينه روى عن هشام بن عمار وهشام بن خالد وأحمد بن أبي الحواري روى عنه أبو هاشم عبد الجبار بن عبد الصمد المؤدب وأبو بكر محمد بن سليمان الربعي وأبو يعلى عبد الله بن محمد بن حمزة ابن أبي كثير الصيداوي ومحمد بن حميد بن معيوف وجمح بن القاسم المؤذن)
انتهى
وهو في تاريخ دمشق
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/207)
(قرأت (5) على أبي الحسن الفقيه الشافعي وأبي الفضل بن ناصر قلت لهما أجاز لكم أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال قال سنة خمس وثمانين القاضي أبو الحسن علي بن الحسين بن بندار الأذني زاد ابن ناصر قاضي أذنة وقالا يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من ربيع الأول يعني مات 4869 علي (6) بن الحسين (6) بن ثابت بن جميل أبو الحسن الجهني (7) الزرائي (8) الإمام (9) (10) من أهل زرا التي تدعى اليوم زرع من حوران (11)
)
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[11 - 09 - 07, 12:22 م]ـ
في بحث هية كبار العلماء بالسعودية عام 1393ه , ذهب بعضهم إلى وقوعه بمجرد حصول المعلق به سواءاً قصد الزوج الطلاق أم التهديد وزعمو إجماع السلف على ذلك واستدلوا بعدة أدلة منها آية النور (إن كان من الكذبين) وحديث (المسلمون على شروطهم) وغير ذلك , وذهبت طائفة أخرى إلى التفريق بين ما قصد منه المنع والحث وما قصد به التعليق المحض وعلى رأس أولئك الإمام ابن باز عليه رحمة الله, حيث قالوا ما نصه:
و
جهه نظر:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي لعده، محمد وعلى آله وصحبه، وبعد: فبناء على دراسة موضوع تعليق الطلاق من قبل مجلس هيئة كبار العلماء، واختيار أكثرية الأعضاء وقوع الطلاق عند حصول المعلق عليه ـ سواء قصد الزواج الحث أو المنع أو تصديق خبر أو تكذيبه أو قصد إيقاع الطلاق وقد وجه مختارو هذا القول اختيارهم، وذكروا مستندهم من كلام أهل العلم, إذا لا نعلم وجود نص من كتاب ولا سنة في الموضوع، ولذلك حصل الاختلاف في وقوع الطلاق من عدمه.
ورأينا نحن الموقعين أدناه:
أن الطلاق لمعلق إن قصد الزوج بتعليقه على شيء وقوع الطلاق عند حصول المعلق عليه _ اعتبر طلاقا، كقوله: إن طلعت الشمس فأنت طالق. وإن قصد الطلاق الحث أو المنع أو تصديق خبر أو تكذيبه ـ لم يقع الطلاق عند حصول المعلق عليه، وإنما بكون يميناً تجب فيها الكفارة للأمور الآتية:
الأول: إنه لم يقصد الطلاق، وإنما قصد الحث أو المنع مثلاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)).
الثاني: الطلاق المعلق لقصد المنع أو الحث يسمى يميناً في اللغة وفي عرف الفقهاء، ولذا دخل في أيمان البيعة ـ وفي عموم اليمين في حديث الاستثناء في اليمين، وفي عموم اليمين في الحديث التحذير من اقتطاع مال امرئ مسلم بيمين فاجرة، وفي عموم الإيلاء، وفي عموم حديث: (يمينك على ما يصدك به صاحبك) وفي عموم حديث: (إياكم والحلف في البيع) كما ذكر ذلك العلامة: شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وغيرهما من المحققين، وإذا كان يميناً دخل في عموم قوله تعالى: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) (التحريم: الآية2) وقوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) (المائدة: الآية89) الآية ... فتجب فيها الكفارة.
الثالث: قياس الطلاق المعلق لقصد الحث أو المنع على ما ورد في قصة ليلى بنت العجماء، وهي ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني قال: أخبرني أبو رافع قال: قالت مولاتي ليلى بنت العجماء: كل مملوك لها حر، وكل ما لها هدي، وهي يهودية أو نصرانية إن لم تطلق زوجتك أو تفرق بينك وبين امرأتك، قال: فأتيت زينب بنت أم سلمة. إلخ – ثم ذكر أنه أتى حفصة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وكلهم أفتاها بأن تكفر عن يمينها، وتخلي بين الرجل وامرأته، مع أن الهدي والصدقة والعتق أمور محبوبة لله تعالى يثيب عليها، ولم يأمرها إن أولئك بإنفاذ مقتضى حلفها، بل اكتفوا منها بالكفارة، فكيف يقال: إن الطلاق الذي هو مكروه عند الله تعالى، ولا يحبه من عباده – يقع عند التعليق للحث والمنع ... إلخ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/208)
ولا يقع العتق والصدقة والهدي المحبوبة لله تعالى يكون ذلك يمناً مكفرة، وقد اختار عدم وقوع الطلاق المعلق إذا أريد به الحث أو المنع مثلاً جماعات من المحققين من السلف والخلف، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وهما هما في العلم والمعرفة والبصيرة.
الرابع: ما قيل عن تفرد سليمان التيمي بزيادة العتق في يمين ليلى بنت العجماء مردود برواية هذه الزيادة من طريقين غير طريق سليمان التيمي، ولو فرضنا تفرد سليمان التيمي بهذه الزيادة لم يضره ذلك؛ لأن زيادة الثقة مقبولة كما هو معلوم في مصطلح أهل الأثر، كيف وهو لم ينفرد بها؟
ومع ذلك فهو من أجل من روى أثر ليلى بنت العجماء عن بكر بن عبد الله وأفقههم.
وما قيل من التعارض بين رواية عثمان بن حاضر للقصة دون هذه الزيادة وبين رواية سليمان التيمي التي فيها الزيادة – فمردود بأن هذا لا يسمى تعارضاً؛ لأن الزيادة التي ثبتت في رواية سليمان التيمي لا تتنافي مع أصل الأثر، ولو فرض وجود التعارض، فإن رواية سليمان أرجح من رواية عثمان.
وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم البحث في هذا المقام بحيث لم يبق لباحث محال، وقد ذكر بعضه في إعداد البحث.
الخامس: ما ورد من الآثار عن الصحابة من الفتوى بوقوع الطلاق المعلق عند حصول المعلق عليه، فإنه إما غير صحيح نقلاً، وإما صحيح معارض بمثله، وإما صحيح لكنه فيما قصد به إيقاع الطلاق لا الحث على الفعل أو المنع منه، فهو في غير محل النزاع، فلا يكون فيه حجة على ما نحن بصدده، والصواب التفصيل كما ذكرنا.
وعلى هذا لا يصح دعوى الإجماع على وقوع الطلاق المعلق.
وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1 - عبد الله خياط.
2 - عبد الرزاق عفيف.
3 - عبد العزيز بن باز.
4 - عبد الله بن حميد.
5 - صالح بن لحيدان.
6 - محمد بن جبير.
7 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ
رحمهم الله فقد تُوُفُّوا جميعاً , وأسكنهم الله فسيح جنانه
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الحلف بالطلاق هو التعليق الذي يراد به حث الحالف على شيء، أو منعه من شيء، أو حث المستمعين المخاطَبين على تصديقه أو تكذيبه، هذا هو اليمين بالطلاق، فهو تعليق، ومقصوده حث أو منع، أو تصديق أو تكذيب، فهذا يسمى يمينا بالطلاق. بخلاف التعليق المحض، فهذا لا يسمى يمينا، كما لو قال: إذا طلعت الشمس فزوجته طالق، أو قال: إذا دخل رمضان فزوجته طالق، فهذا لا يسمى يمينا، بل تعليق محض وشرط محض، متى وجد الشرط وقع الطلاق، فإذا قال مثلا: إذا دخل رمضان فامرأته طالق، طلقت بدخول رمضان، وإذا قال مثلا: إذا طلعت الشمس فزوجته طالق، طلقت بطلوع الشمس ".
وقال: " أما إذا كان ليس هناك حث ولا منع، بل هو شرط محض، فهذا تعليق محض يقع به الطلاق كما تقدم، مثل لو قال: إذا دخل شهر رمضان فامرأته طالق، فهذا شرط محض، وهذا إذا وقع وقع الطلاق؛ لأن المعلق على الشرط يقع بوقوع الشروط، وهذا هو الأصل ". انتهى من "فتاوى الطلاق" (ص 129 - 131)
قال شيخ الإسلام رحمه الله (الفتاوى الكبرى) 4/ 120:
فصل:
فأما اليمين بالطلاق والعتاق في اللجاج والغضب مثل أن يقصد بها حضا أو منعا أو تصديقا أو تكذيبا كقوله بالطلاق يلزمني لأفعلن كذا أو إلا فعلت كذا أو إن فعلت كذا فعبيدي أحرار أو إن لم أفعله فعبيدي أحرار فمن قال من الفقهاء المتقدمين إن نذر اللجاج والغضب يجب فيه الوفاء فإنه يقول هنا يقع الطلاق والعتاق أيضا
وأما الجمهور الذين قالوا في نذر اللجاج والغضب تجزئه الكفارة فاختلفوا هنا مع أنه لم يبلغني عن أحد من الصحابة في الحلف بالطلاق كلام وإنما بلغنا الكلام فيه عن التابعين ومن بعدهم لأن اليمين به محدثة لم يكن يعرف في عصرهم
ولكن بلغنا الكلام في الحلف بالعتق كما سنذكره إن شاء الله فاختلف التابعون ومن بعدهم في اليمين بالطلاق والعتاق فمنهم من فرق بينهم وبين اليمين بالنذر وقالوا: إنه يقع الطلاق والعتاق بالحنث ولا تجزئه الكفارة بخلاف اليمين بالنذر هذا رواية عن عوف عن الحسن وهو قول الشافعي وأحمد في الصريح المنصوص عنه واسحق بن راهوية وأبو عبيد وغيرهم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/209)
فروى حرب الكرماني عن معمر بن سليمان عن عوف عن الحسن قال: كل يمين وإن عظمت ولو حلف بالحج والعمرة وإن جعل ماله في المساكين ما لم يكن طلاق امرأة في ملكه يوم حلف أو عتق غلام في ملكه يوم حلف فإنما هي يمين
وقال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يقول لأبيه إن كلمتك فامرأتي طالق وعبدي حر قال: لا يقوم هذا مقام اليمين ويلزمه ذلك في الغضب والرضاء
وقال سليمان بن داود: يلزمه الحنث في الطلاق والعتاق
وبه قال أبو خيثمة قال إسماعيل: وأخبرنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن عثمان بن أبي حازم أن امرأة حلفت بمالها في سبيل الله أو في المساكين وجاريتها حرة إن لم تفعل كذا وكذا فسألت ابن عمر وابن عباس فقالا أما الجارية فتعتق وأما قولها في المال فإنها تزكي المال قال أبو إسحق الجوزجاني الطلاق والعتق لا يحلان في هذا محل الإيمان ولو كان المجرى فيها مجرى الإيمان لوجب على الحالف بها إذا حنث كفارة وهذا مما لا يختلف الناس فيه أن لا كفارة فيها قلت أخبر أبو إسحق بما بلغه من العلم في ذلك فإن أكثر مفتي الناس في ذلك الزمان من أهل المدينة وأهل العراق وأصحاب أبي حنيفة ومالك كانوا لا يفتون في نذر اللجاج والغضب إلا بوجوب الوفاء لا بالكفارة وإن كان أكثر التابعين مذهبهم فيها الكفارة حتى أن الشافعي لما أفتى بمصر بالكفارة كان غريبا بين أصحابه المالكية وقال له السائل يا أبا عبد الله هذا قولك فقال قول من هو خير مني عطاء بن أبي رباح فلما أفتى فقهاء الحديث كالشافعي وأحمد وإسحق وأبي عبيد وسليمان بن داود وابن أبي شيبة وعلي بن المديني ونحوهم في الحلف بالنذر بالكفارة وفرق من فرق بين ذلك وبين الطلاق والعتاق لما سنذكره صار الذي يعرف قول هؤلاء وقول أولئك لا يعلم خلافا في الطلاق والعتاق وإلا فسنذكر الخلاف إن شاء الله تعالى عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم
وقد اعتذر الإمام عما ذكرناه عن الصحابة في كفارة العتق بعذرين أحمدهما إنفراد سليمان التيمي بذلك والثاني معاوضته بما رواه عن ابن عمر وابن عباس بأن العتق يقع من غير تكفير وما وجدت أحدا من العلماء المشاهير بلغه في هذه المسألة من العلم المأثور عن الصحابة ما بلغ أحمد
قال المروزي: قال أبو عبد الله: إذا قال كل مملوك له حر يعتق عليه إذا حنث لأن الطلاق والعتق ليس فيهما كفارة وقال ليس كل مملوك لها حر في حديث ليلى بنت العجماء حديث أبي رافع سألت ابن عمر وحفصة وزينب وذكرت العمق فأمروها بكفارة إلا التيمي وأما حميد وغيره فلم يذكروا العتق
قال: وسألت أبا عبد الله عن حديث أبي رافع قصة امرأته وأنها سألت ابن عمر وحفصة فأمروها بكفارة يمين قلت فيها المشي قال نعم إذهب إلى أن فيه كفارة يمين
وقال أبو عبد الله: ليس يقول فيه كل مملوك إلا التيمي قلت فإذا حلف بعتق مملوكه فحيث قال يعتق كذا يروي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا الجارية تعتق ثم قال: ما سمعناه إلا من عبد الرزاق عن معمر قلت فأيش إسناده قال: معمر عن إسماعيل عن عثمان بن حاصر عن ابن عمر وابن عباس
وقال إسماعيل أمية وأيوب بن موسى وهما مكيان: فقد فرق بين الحلف بالطلاق والعتق
والحلف بالنذر وبأنهما لا يكفران واتبع ما بلغه في ذلك عن ابن عمر وابن عباس وبه عارض ما روى من الكفارة عن ابن عمر وحفصة وزينب مع انفراد التيمي بهذه الزيادة وقال صالح بن أحمد قال أبي وإذا قال جاريتي حرة إن لم أصنع كذا وكذا قال: قال ابن عمر وابن عباس: يعتق وإذا قال بل مالي في المساكين فيه كفارة فإن ذا لا يشبه ذا ألا ترى أن ابن عمر فرق بينهما العتق والطلاق لا يكفران وأصحاب أبي حنفية يقولون إذا قال الرجل مالي في المساكين أنه يتصدق به على المساكين وإذا قال مالي على فلان صدقة
وفرقوا بين قوله إن فعلت كذا فمالي صدقة أو فعلي الحج وبين قوله فامرأتي طالق أو فعبدي حر بأنه هناك موجب القول وجوب الصدقة والحج لا وجود الصدقة والحج فإذا اقتضى الشرط وجوب ذلك كانت الكفارة بدلا عن هذا الواجب كما يكون بدلا عن غيره من الواجبات كما كانت في أول الإسلام بدلا عن الصوم الواجب وبقيت بدلا عن الصوم على العاجز عنه وكما يكون بدلا عن الصوم الواجب في ذمة الميت فإن الواجب إذا كان في المذمة أمكن أن يخير بين أدائه وبين أداء غيره
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/210)
وأما العتق والطلاق فإن موجب الكلام وجودهما فإذا وجد الشرط وجد العتق والطلاق وإذا وقعا لم يرتفعا بعد وقوعهما لأنهما لا يقبلان الفسخ بخلاف ما لو قال: إن فعلت كذا فوالله على أن أعتق فإنه هنا لم يعلق العتق وإنما علق وجوبه بالشرط فيخير بين فعل هذا الإعتاق الذي أوجبه على نفسه وبين الكفارة التي هي بدل عنه ولهذا لو قال: إذا مت فعبدي حر عتق بموته من غير حاجة إلى الإعتاق ولم يلزمه فسخ هذا التدبير عند الجمهور إلا قولا للشافعي ورواية عن أحمد وفي بيعه الخلاف المشهور ولو وصى بعتقه فقال: إذا مت فاعتقوه كان له الرجوع في ذلك كسائر الوصايا وكان له بيعه هنا وإن لم يجز بيع المدبر
وذكر أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن محمد بن عرفه في تاريخه أن المهدي لما روى ما أجمع عليه رأي أهل بيته من العهد إلى أنه وزع عيسى بن موسى الذي كان ولي العهد عزمه على خلع عيسى ودعاهم إلى البيعة لموسى فامتنع عيسى من الخلع وزعم أنه عليه إيمانا تخرجه من أملاكه ويطلق نساءه فأحضر له المهدي ابن غلامة ومسلم بن خالد وجماعة من الفقهاء فافتوه بما يخرجه عن يمينه واعتاض عما يلزمه في يمينه بمال كثير ذكره ولم يزل إلى أن خلع وبيع للمهدي ولموسى الهادي بعده
وأما أبو ثور فقال في العتق المعلق على وجه اليمين يجزئه كفارة يمين كنذر اللجاج والغضب لأجل ما تقدم من حديث ليلى بنت العجماء التي أفتاها عبد الله بن عمر وحفصة أم المؤمنين وزينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قولها إن لم أفرق بينك وبين امرأتك فكل لي محرر وهذه القصة هي مما اعتمدها الفقهاء المستدلون في مسألة نذر اللجاج والغضب لكن توقف أحمد وأبو عبيد عن العتق فيها لما ذكرته من الفرق وعارض أحمد ذلك وأما الطلاق فلم يبلغ أبا ثور فيه أثر فتوقف عنه مع أن القياس عنده مساواته للعتق لكن خاف أن يكون مخالفا للإجماع والصواب أن الخلاف في الجميع الطلاق وغيره لما سنذكره
ولو لم ينقل في الطلاق نفسه خلاف معين لكان فتيا من أفتى من الصحابة في الحلف بالعتاق بكفارة يمين من باب التنبيه على الحلف بالطلاق فإنه إذا كان نذر العتق الذي هو قربة لما خرج مخرج اليمين أجزأت فيه الكفارة فالحلف بالطلاق الذي ليس بقربة أما أن تجزي فيه الكفارة أولا يجب فيه شيء قول على قول من يقول نذر غير الطاعة لا شيء فيه ويكون قوله: إن فعلت كذا فأنت طالق بمنزلة قوله: فعلى أن أطلقك كما كان عند أولئك الصحابة ومن وافقهم قوله: فعبيدي أحرار بمنزلة قوله فعلى أن أعتقهم على أني إلى الساعة لم يبلغني عن أحد من الصحابة كلام في الحلف بالطلاق
وذلك والله أعلم لأن الحلف بالطلاق لم يكن قد حدث في زمانهم وإنما ابتدعه الناس في زمن التابعين ومن بعدهم فاختلف فيه التابعون ومن بعدهم فأحد القولين أنه يقع به كما تقدم والقول الثاني أنه لا يلزم الوقوع ذكر عبد الرزاق عن طاووس عن أبيه أنه كان يقول الحلف بالطلاق ليس شيئا قلت: أكان يراه يمينا قال لا أدري فقد أخبر ابن طاووس عن أبيه أنه كان لا يراه موقعا للطلاق وتوقف في كونه يمينا يوجب الكفارة لأنه من باب نذر ما لا قربة فيه
وفي كون مثل هذا يمينا خلاف مشهور وهذا قول أهل الظاهر وكذا أبي محمد بن حزم لكن بناء على أنه لا يقع طلاق معلق ولا عتق معلق
واختلفوا في المؤجل وهو بناء على ما تقدم من أن العقود لا يصح منها إلا ما دل نص أو إجماع على وجوبه أو جوازه وهو مبني على ثلاث مقدمات يخالفون فيها:
أحدها: كون الأصل تحريم العقود
الثاني: أنه لا يباح ما كان في معنى النصوص
الثالث: أن الطلاق المؤجل والمعلق لم يتدرج في عموم النصوص) انتهى.
ـ[يحيى صالح]ــــــــ[14 - 09 - 07, 08:10 م]ـ
قال في " البحر الرائق شرح كنوز الدقائق " ما نصه:
وَمِنْ مَسَائِلِ التَّعْلِيقِ اللَّطِيفَةِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا مَاتَ وَالِدِي فَأَنْت حُرَّةٌ، ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ وَالِدِهِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ مَاتَ وَالِدِي فَأَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَمَاتَ الْوَالِدُ كَانَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ أَوَّلًا تَعْتِقُ وَلَا تَطْلُقُ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ.
هذا ما تيسر، وإن كنت أميل إلى العمل بفتوى من يقول إنها تطلق عند وقوع السبب، وهذا قول من يقول بالطلاق المعلق.
أما الإمام ابن حزم عليه رحمة الله تعالى فلا يقول بتعليق الطلاق بل الكل عنده منجز، وما تم تعليقه فلا يقع بحالٍ.
ـ[علي موجان الشامي الشافعي]ــــــــ[15 - 09 - 07, 01:22 م]ـ
رأيت تعليقات بعض الإخوة ويبدو أن هناك عدم وضوح في المسألة. وتفرع لمسائل أخرى كمسألة النية من تعليق الطلاق وغير ذلن
فإن ابن حزم يرى أن تعليق الطلاق على شرطٍ أو زمان لا يصحُّ به الطلاق. وأن الطلاق لا يصحُّ إلا حالاً مجزوماً به. ويرى رحمه الله أن هذا من الإحداث في الدين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) لذا فإنه ألغى التعليق، وألغى الطلاق أيضاً.
وهذا القول ولا شك لم يتابع عليه ابن حزم ..
أما ما ذكره الأخ ابو زيد الشنقيطي فهو يتعلق بمسألة أخرى بل بمسائل أخرى غير هذه المسألة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/211)
ـ[يحيى صالح]ــــــــ[15 - 09 - 07, 06:17 م]ـ
رأيت تعليقات بعض الإخوة ويبدو أن هناك عدم وضوح في المسألة. وتفرع لمسائل أخرى كمسألة النية من تعليق الطلاق وغير ذلن
فإن ابن حزم يرى أن تعليق الطلاق على شرطٍ أو زمان لا يصحُّ به الطلاق. وأن الطلاق لا يصحُّ إلا حالاً مجزوماً به. ويرى رحمه الله أن هذا من الإحداث في الدين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) لذا فإنه ألغى التعليق، وألغى الطلاق أيضاً.
وهذا القول ولا شك لم يتابع عليه ابن حزم ..
أما ما ذكره الأخ ابو زيد الشنقيطي فهو يتعلق بمسألة أخرى بل بمسائل أخرى غير هذه المسألة
كما نقول في مصر: نبدأ من جديد!!!
أخي الفاضل
إن ماتذكره لنا - الآن - هو ماذكره صاحب المشاركة الأصلية بقوله:
في المحلى لابن حزم رحمه الله:
1966 – مسألة: من قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق , أو ذكر وقتا ما؟
فلا تكون طالقا بذلك , لا الآن , ولا إذا جاء رأس الشهر.
برهان ذلك -: أنه لم يأت قرآن ولا سنة بوقوع الطلاق بذلك , وقد علمنا الله الطلاق على المدخول بها , وفي غير المدخول بها , وليس هذا فيما علمنا {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه}.
وأيضا - فإن كان كل طلاق لا يقع حين إيقاعه فمن المحال أن يقع بعد ذلك في حين لم يوقعه فيه -
فأين الجديد في كلامك؟
ربما لم أفهمك أنا، فلو أوضحت لي كان خيرا بإذن الله تعالى، وكذلك لو فهم إخواني من كلامك جديدا.
ثم لعلك توضح لنا جميعا ما الذي يقصده أخونا أبو زيد!
وجزاكم الله خيرا
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[22 - 10 - 07, 05:12 م]ـ
وهذا بحث للدكتور عبد الرحمن العمراني حول مسألتنا نفسها, تم نشره في مجلة الوعي الإسلامي
الحلف بالطلاق من الصيغ التي يتداولها الناس في خطابهم، وصورته كما بيَّنها ابن تيمية <أن يحلف بذلك فيقول: الطلاق يلزمني لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا، أو يحلف على غيره كعبده وصديقه الذي يرى أنه يبر قسمه ليفعلن كذا أو لا يفعل كذا (1) فهذه صيغ قسم، وهو حالف لهذه الأمور لا موقع له>· ظاهر هذه الصورة للحلف بالطلاق أنه لا يكون فقط في خطاب الرجل زوجته، ولكن يتلفظ به أيضاً في خطابه الناس في عمله وبيعه وشرائه وهي لا تعلم· ويضيف المالكية والحنفية إلى هذه الصورة تعليق الرجل طلاق امرأته على شرط فهو عندهم من صور الحلف بالطلاق· جاء في المدونة الكبرى: <قلت: أرأيت إن قال رجل لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق، وإن أكلت أو شربت أو لبست أو ركبت أو قمت أو قعدت فأنت طالق، ونحو هذه الأشياء أتكون هذه أيماناً كلها؟ قال: نعم> (2) ·
وقد تنازع الفقهاء في حكم الحنث في الحلف بالطلاق على ثلاثة أقوال يمكن بسطها والأدلة التي بنيت عليها فيما يلي:
أولاً: آراء وأدلة الفقهاء في المسألة:
القول الأول: إن من حلف بطلاق زوجته إذا حنث يلزمه ما حلف به· وهذا قول جمهور الفقهاء وفيهم الحنفية والمالكية والحنابلة، فبالنسبة للمذهب الحنفي، حكى الكاساني عن أبي حنيفة أن <قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، يمين تامة لوجود الشرط والجزاء، وإنها منعقدة لحصولها بالملك> (3) · وبالنسبة للمذهب المالكي جاء في المدونة الكبرى: >قلت: أرأيت الرجلين يقول أحدهما لصاحبه: <امرأته طالق إن كنت قلت لك كذا وكذا؟ قال: قال مالك: يدينان جميعاً> (4) · وبالنسبة للمذهب الحنبلي ذكر ابن قدامة أن أحداً: <لوقال: <الطلاق يلزمنيد>، أو <الطلاق لي لازم> فهو صريح، فإنه يقال لمن وقع طلاقه: لزمه الطلاق (···) · وإن قال: <عليَّ الطلاق>، فهو بمثابة قوله: <الطلاق يلزمني>، لأن من لزمه شيء فهو كالدين> (5) ·
وإلى هذا القول ذهب من الفقهاء المعاصرين الشيخ أبوالشتاء الصنهاجي فإنه قال عند قول الزقاق (6) في لاميته <كذاك حرام>: <لا مفهوم للحرام، بل اليمين كذلك على ما به العمل من لزوم طلقة فيهد> (7)، وأوضح أنه كان الواجب قديماً في الحلف بلفظ اليمين إذا حنث صاحبه هو الكفارة، وهي إطعام عشرة مساكين إلخ، ثم صار أهل مدينة فاس منذ ما يزيد على أربعة قرون سلفت يقصدون باليمين فك عصمة الزوجة (···) ·
وفي اليمين طلقة للعرف
إذا هي كالصريح دون خلف
في بلدة عرفهم بما جرى
لا غيرها فيه الكفار ترى> (8)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/212)
وليس للموقعين للطلاق عند الحنث في يمينه دليل من الكتاب أو السنة يثبت ما قالوا، لأن الحكم بوقوعه ـ كما قال ابن القيم ـ <حدث الإفتاء به بعد انقراض عصر الصحابة، فلا يحفظ عن صحابي في صنيعة القسم إلزام الطلاق به أبداً> (9) · وقد ذكر ابن تيمية
أن حجتهم عليه ضعيفة جداً، وهي أنه التزم أمراً عند وجود شرط فيلزمه ما التزمه، وهذا منقوض بصور كثيرة وبعضها مجمع عليه كنذر الطلاق والمعصية (10) والمباح (11)، وكالتزام الكفر على وجه اليمين< (12) ·
والقول الثاني: إن من حلف بالطلاق فحنث فيه لا يقع طلاقه ولا تلزمه كفَّارة· وهو قول ابن حزم، فعنده أن <اليمين بالطلاق لا يلزم سواء بَرَّ به أو حنث> (13) · وذكر ابن القيم أن هذا <مذهب خلق من السلف والحلف، وصح ذلك عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه> (14) ·
وبهذا القول أخذت أغلب قوانين الأحوال الشخصية العربية وكذلك أغلب الفقهاء المعاصرين· جاء في المادة الثانية من القانون المصري المعدل رقم 100 لسنة 1985م أنه <لايقع الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شيء أو تركه لا غير>· وورد في مذكرته الإيضاحية أن <المشرِّع أخذ في إلغاء اليمين بالطلاق برأي بعض علماء الحنفية، والمالكية، والشافعية، وأنه أخذ في إلغاء المعلق الذي في معنى اليمين برأي علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وشريح القاضي، وداود الظاهري وأصحابه> (15) · وورد في الفصل الخمسين من مدونة الأحوال الشخصية المغربية أن <الحلف باليمين أو الحرام لا يقع به طلاق>· وجاء في المادة الثالثة والثلاثين من قانون الزواج والطلاق الليبي رقم 10 لسنة 1985م أنه <لا يقع الطلاق في الحنث بيمين الطلاق أو الحرام>· هذه النصوص تتفق على أن الحنث في الحلف بالطلاق لا يقع به شيء·
ولقد رد الشيخ محمد عبده القول بوقوع الطلاق عند الحنث فيه لانعدام قصده (16) · وقال الشيخ محمود شلتوت: <والذي نراه في المسألة من جهة الوقوع وعدمه ونفتي به، هو الرأي الذي اختاره قانون المحاكم الشرعية الصادر سنة 1929م وهو (···) أن الحلف بالطلاق كقول الرجل: <عليَّ الطلاق>، أو <يلزمني الطلاق>، لغو من الكلام لا يقع به شيء> (17) · وقال الأستاذ علي حسب الله: <ونحن نرجح بأن الحلف بالطلاق لا يقع به شيء> (18) · وعدَّ الأستاذ علال الفاسي الحلف بالطلاق من المسائل التي يجب فيها إعادة النظر، ووصف <استعمال الأيمان في تحريم الزوجات من أخطر الأمراض الاجتماعية الموجودة في المغرب، لأنها تخرب كثيراً من العائلات التي تعيش في غاية الانسجام ولا تحس بأدنى ميل للافتراق· فكثيراً ما يكون الزوج مثلاً في لعب الورق، أو نقاش تجاري مع بعض أصدقائه، ثم يصل به الغضب على غير زوجته إلى الحلف بتطليقها هي (···) فما أشده مرضاً اجتماعياً خطيراً> (19) · وأوضح الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي أنه <لا يجوز للمسلم أن يجعل من الطلاق يمينا يحلف به على فعل هذا أو ترك ذاك أو يهدد به زوجته، إن فعلت كذا فهي طالق> (20) ·
واحتج أصحاب هذا القول بما يلي:
1 ـ قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقَّدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) (المائدة: 89) احتج به ابن حزم للدلالة على أن <لا طلاق إلا كما أمر الله عزَّ وجلَّ، ولا يمين إلا كما أمر الله عزَّ وجلَّ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم> (21) · يعني أنه لا يعتبر من الحلف إلا ما سماه الله تعالى يميناً، وليس منه اليمين بالطلاق·
2 ـ قوله صلى الله عليه وسلم: <من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله> (22) · فإن فيه إرشاد من دعاه أمر إلى الحلف أن لا يحلف إلا بالله· وبه <ارتفع الإشكال في أن كل حلف بغير الله فهو معصية وليس بيمين> (23) · قال الأستاذ علال الفاسي: وقد حدد حديث <من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت> (24)، وآية الظهار (25)، والإيلاء (26) وأحكام النذر (27)، مجموع الأيمان الشرعية· وكل من خرج عن ذلك أو أتى بصيغة غير معترف بها شرعاً فقد جاء بهراء لا أثر له في طلاق ولا غيره> (28) · وهو قول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي (29) ·
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/213)
والقول الثالث: إن الحنث في اليمين بالطلاق لا يقع به طلاق وتلزم صاحبه كفارة اليمين وهو قول ابن تيمية، وابن القيم· واحتجا له بالقياس على الحلف بالعتق (30) · ذلك أنه ثبت عن عدد من الصحابة أنهم أفتوا في الحلف بالعتق أنه لا يلزم الحالف به، ويجزيه كفارة يمين· ونفى ابن القيم أن يكون أُثر عن أحد منهم التصريح بالوقوع إلا فيما هو محتمل لإرادة الوقوع عند الشرط (31) · ونسب ابن تيمية الإفتاء بهذا الحكم إلى <ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وعائشة وأم سلمة وحفصة وزينب ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم> (32) · ومنه أخذ ابن القيم أنه <إذا كان العتق الذي هو أحب الأشياء إلى الله، ويسري في ملك الغير، وله من القوة وسرعة النفوذ ما ليس لغيره، ويحصل بالملك والفعل، قد منع قصد اليمين من وقوعه كما أفتى به الصحابة، فالطلاق أولى وأحرى بعدم الوقوع· وإذا كانت اليمين قد دخلت (···) في قول الحالف: (إن حلفت يمينا فعبدي حر)، فدخولها في قول النبي صلى الله عليه وسلم: <من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفِّر عن يمينه وليأت الذي هو خير> (33) (···) فإن كانت يمين الطلاق يميناً شرعية اعتبرها، وجب أن تعطى حكم الأيمان، وإن لم تكن يميناً شرعية كانت باطلة في الشرع فلا يلزم الحالف بها شيء> (34) ·
ثانياً: سبب الاختلاف
يرجع سبب اختلاف الفقهاء في المسألة إلى اختلافهم في حكم صيغة الحلف بالطلاق، هل هي يمين كالحلف بالله أم لا؟ فمن عدها يميناً كما سمى الله من الأيمان، ألزم بها عند الحنث فيها، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في هذه المسألة· ومن لم يرها يميناً لم يوقع الطلاق عند الحنث فيها، وهو قول ابن حزم، ومن عدّها في حكم اليمين قال: لا يقع بها طلاق وتلزم بها الكفارة وهو ابن تيمية وابن القيم·
ثالثاً: الترجيح
يبدو من خلال عرض آراء وأدلة الفقهاء في المسألة أن الرأي الراجح فيها هو قول ابن تيمية، وابن القيم: إن الحلف بالطلاق لا يقع به شيء وتجب فيه كفارة اليمين فإن الأدلة تقويه، ثم لأن <القائل بوقوع الطلاق ليس معه من الحجة ما يقاوم قول من نفى وقوع الطلاق> (35) · ويتأيد ترجيح قولهما بما يلي:
1 ـ كون الإلزام باليمين بالطلاق بدعة محدثة في الأمة أحدثها الحجاج بن يوسف الثقفي، وهي التي يطلق عليها أيمان البيعة <تتضمن اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال والحج> (36) · فليس من الحق ـ كما قال الأستاذ علال الفاسي (37) ـ أن يجري على مذهبه أو يعمل وفق مقصده· ثم إن الحالف بالطلاق يعظم في نفسه طلاق امرأته أكثر مما يعظم الله في نفسه، فيحلف على شيء يخبر به، أو على شيء يفعله أو لا يفعله أو يفعله غيره أو لا يفعله، بما يعظم في نفسه سلطانه من دون الله· وبهذا يكون قد شرع لنفسه ما لم يشرع الله، لأن صيغة القسم التي يعتبرها الشرع هي التي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: <من كان حالفاً فليحلف بالله> (38) · وقد سبق الذكر أن القول بعدم وقوعه مروي عن عدد من الصحابة وبعض علماء السلف· روى عبدالرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول: <الحلف بالطلاق باطل ليس بشيء، قلت: أكان يراه يميناً؟ قال: لا أدري> (39) ·
ولا يطعن في هذا الحكم إقرار الكفارة عند الحنث مع أن الحلف بالطلاق ليست من صيغ اليمين التي ورد بها الشرع، وذلك لأن من يحلف بالطلاق يقصد به ما يقصد باليمين فكانت فيه الكفارة إذا حنث فيه· وأيضاً لا يطعن فيه أنه ورد النهي عن الحلف بغير الله في قوله صلى الله عليه وسلم: <من حلف بغير الله فقد أشرك> (40)، وقوله أيضاً: <لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله> (41)، لأن المنهي عنه في هذين الحديثين هو الحلف بالذوات فإن فيه إشراكاً بالله، بخلاف الحلف بالطلاق فإنه حلف بمعنى قائم في الذهن لا يتصور أن يعبد من دون الله ومن ثمَّ كان القول بعدم وقوعه·
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/214)
2 ـ كون الشريعة الإسلامية وضعت طرقاً لمعالجة الخلافات التي تقع بين الزوجين، وأرشدت المسلمين إلى التدخل من أجل الصلح بينهما في قوله سبحانه: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) النساء:35· وجعلت لحل عقدة الزوجية ـ عندما لا تؤثر في حل نزاع الزوجين إرشادات النصح ـ ألفاظاً خاصة صريحة في الدلالة على الفرقة· فهل يعقل أن تضرب كل هذه الوسائل عرض الحائط ويحكم بوقوع طلاق لمجرد نطق الزوج بألفاظ جرت عادة الناس أن يحسبوها أيماناً فيوقعون بها الطلاق مع أنه تلفظ بها لبيان صدقه في خبر، أو لتأكيد حاجته عند غيره، أو لترويج سلعة يبيعها؟ ·
هذا ما انتقده غير واحد من الفقهاء المعاصرين منهم الشيخ محمد عبده بقوله: <نحن في زمان أَلِفَ رجال فيه الهذر بألفاظ الطلاق، فجعلوا عصم نسائهم كأنها لعب في أيديهم يتصرفون فيها كيف يشاؤون، ولا يرعون للشرع حرمة ولا للعشرة حقاً، فنرى الرجل منهم يناقش آخر فيقول له: إن لم تفعل كذا فزوجتي طالق، فيخالفه فيقال وقع الطلاق وانفصمت العصمة بين الحالف وزوجته، وهي لا تعلم بشيء ما، ولا تبغض زوجها، ولا تود فراقه، بل ربما كان الفراق ضربة قاضية عليها· وكذلك الرجل ربما كان يحب زوجته ويألم لفراقها، فإذا افترق منها بتلك الكلمة التي صدرت منه لا يقصد الانفصال من زوجته، وإنما يقصد إلزام شخص آخر بالعمل الذي كان يريده، كان الطلاق على غير نية> (42) · وأوضح الشيخ محمود شلتوت أنه <قد شذ قوم فشرعوا ما جرى الناس عليه من هذه الأيمان وقالوا: <إن العرف جرى بها والأيمان مبنية على العرف>· وإذا صح هذا فقد فتحنا باسم العرف باب العودة إلى أيام الجاهلية التي كانت متعارفة بينهم (···) · ومرة أخرى لو فتحنا هذا الباب لضاع بالعرف كثير من أحكام الشريعة التي ثبتت بالأحاديث الصحيحة وانعقد عليها إجماع الصدر الأول· ومن هذا الأصل أيضاً كان الحلف بالطلاق ـ كقول الرجل: على الطلاق أو يلزمني الطلاق ـ منكراً من القول لم يشرعه الله فلا يقع به الطلاق، ويكون الحلف به متجاوزاً حدود الله فيما تحل به عقدة الزواج وفيما يحلف بهد> (43) ·
3 ـ ثم إن الذي شرعه الله في باب الأيمان هو تخفيفها بالكفارة لا تثقيلها بالإلزام بها، وذلك في قوله سبحانه: (لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة· فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) المائدة:89· فإن فيه بيان العلاج لمن حنث في يمينه· وهو تخفيف من الله تعالى ورحمة منه عزَّ وجلَّ· ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر جواز ترك عمل يحلف المرء أن يقوم به إذا رأى غيره خيراً منه فقال صلى الله عليه وسلم: <من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفِّر عن يمينه وليأت الذي هو خير> (44) · وأي شيء أضر بالمرء أكثر من إلزامه بطلاق زوجته إذا حنث وهو لا يقصده؟ مع أن العلاج عند الحنث هو الكفارة التي بيَّنها الله تعالى في كتابه؟ ·
4 ـ إن الحكم بلزوم الطلاق بأيمان الطلاق جعل الناس يقعون في مخالفات شرعية يعود ضررها عليهم وعلى المجتمع ككل باحتيالهم في نقضها بأنواع من الحيل يبتغون بها أن تعود المرأة إلى زوجها· وقد ذكر ابن تيمية في فتاواه خمسة أنواع من المفاسد يقع فيها الناس بسبب إلزامهم بالطلاق عند الحنث ترمي بمجموعها إلى إبطال حكمة الشريعة من تشريع الطلاق وإبطال حقائق الأيمان المودعة في آيات الله تعالى· ومن هذه الحيل مما لم يذكره ابن تيمية ما ورد في <نوازل الديلمي>: <وسئل عمن حلف لزوجته بالأيمان اللازمة إن فعلت فعلاً ففعلته فماذا يلزمه؟ فأجاب: قال الإمام ابن زرب (45): من قال لزوجته: الأيمان لازمة إن دخلت دار فلان لا كنت زوجة، يطلقها طلاقاً خلعياً ويبرأ يمينه وله ردها بعد ذلك والله تعالى أعلم> (46) ·
الهوامش
1 ـ انظر الفتاوى الكبرى لابن تيمية: ج3/ 324· وانظر مصنف عبدالرزاق: ج6/ 379 ـ 382، فإن فيه مزيد بيان لأمثلتها·
2 ـ انظر المدونة الكبرى: ج3/ 2، وقال نحو هذا الكاساني·
3 ـ بدائع الصنائع للكاساني: ج3/ 4·
4 ـ المدونة الكبرى للإمام مالك برواية سحنون: ج3/ 4·
5 ـ المغني لابن قدامة: ج7/ 410·
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/215)
6 ـ هو أبوالحسن علي بن قاسم بن محمد التجيبي، اشتهر بالزقاق، له النظم المعروف بالزقاقية، توفي سنة 912هـ، ترجمته في شجرة النور الزكية لابن مخلوف: 247 رقم 1020·
7 ـ مواهب الخلاق شرح لامية الزقاق: ج2/ 383·
8 ـ التدريب على الوثائق العدلية: 65·
9 ـ إعلام الموقعين لابن القيم: ج3/ 46·
10 ـ نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نذر المعصية فيما أخرجه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها: <ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه<· رقم الحديث 6700· ولمسلم من حديث عمران: <لا وفاء لنذر في معصية< ينظر صحيح مسلم بشرح النووي كتاب النذر، رقم الحديث 1641·
11 ـ حكى النووي أن جمهور العلماء على أن النذر إذا كان مباحاً كدخول السوق لم ينعقد النذر ولا كفارة عليه· ينظر صحيح مسلم بشرح النووي، شرح الحديث رقم 1641·
12 ـ الفتاوى الكبرى لابن تيمية: ج3/ 142·
13 ـ المحلى لابن حزم: ج9/ 476 رقم 1965·
14 ـ أعلام الموقعين: ج3/ 50·
15 ـ انظر كتاب تشريعات الأحوال الشخصية للمسلمين: 29·
16 ـ انظر الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده: ج2/ 124·
17 ـ الفتاوى للشيخ محمود شلتوت: 305·
18 ـ الفرقة بين الزوجين لعلي حسب الله: 55·
19 ـ النقد الذاتي للأستاذ علال الفاسي: 298·
20 ـ الحلال والحرام في الإسلام للدكتور القرضاوي: 203·
21 ـ المحلى لابن حزم: ج9/ 476رقم المسألة: 1965·
22 ـ صحيح البخاري: كتاب المناقب، رقم الحديث 3836، وصحيح مسلم بشرح النووي: كتاب الأيمان رقم الحديث 1646·
32 ـ المحلى: ج9/ 477 رقم المسألة: 1965·
24 ـ صحيح البخاري كتاب الأيمان والنذور رقم الحديث 6646، وصحيح مسلم بشرح النووي: كتاب الأيمان، رقم الحديث 1646·
25 ـ هي قوله تعالى: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير) المجادلة: 3·
26 ـ هي قوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم· وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) البقرة: 226 ـ 227·
27 ـ منها ما يجوز من النذور وما لا يجوز، وحكم قضاء النذر عن الميت· (ينظر الموطأ للإمام مالك: كتاب النذور والأيمان ج2/ 376·
28 ـ التقريب شرح مدونة الأحوال الشخصية: 241·
29 ـ الحلال والحرام في الإسلام للقرضاوي: 203·
30 ـ صورة الحلف بالعتق أن يقول السيد: <إن لم أفعل كذا فكل مملوك لي حر< ينظر أعلام الموقعين: ج4/ 92·
31 ـ انظر أعلام الموقعين: ج4/ 82·
32 ـ الفتاوى الكبرى: ج3/ 308 ـ 309·
33 ـ صحيح مسلم بشرح النووي: كتاب الأيمان رقم الحديث 1650· وسنن الترمذي كتاب النذور والأيمان رقم الحديث 1530، وقال أبوعيسى: <حديث حسن صحيح<·
34 ـ أعلام الموقعين: ج3/ 50 ـ 51·
35 ـ الفتاوى الكبرى: ج3/ 310·
36 ـ أعلام الموقعين: ج3/ 63·
37 ـ انظر التقريب شرح مدونة الأحوال الشخصية: 242·
38 ـ سبق تخريجه·
39 ـ مصنف عبدالرزاق: ج6/ 406·
40 ـ سنن أبي داود: كتاب الأيمان والنذور، رقم الحديث: 3251· وسنن الترمذي كتاب النذور والأيمان رقم الحديث: 1535· وقال الترمذي: هذا حديث حسن<·
41 ـ صحيح البخاري: كتاب التوحيد، رقم الحديث 7410·
42 ـ الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده: ج2/ 124·
43 ـ الفتاوى للشيخ شلتوت: 234·
44 ـ سبق تخريجه·
45 ـ هو أبوبكر محمد بن بقي بن زرب القرطبي قاضي الجماعة بها توفي سنة 183هـ، ترجمته شجرة النور الزكية لابن مخلوف: 100 رقم 249·
46 ـ نوازل الديلمي:
ـ[خادم أهل الحديث]ــــــــ[23 - 10 - 07, 08:37 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال ابن حزم رحمه الله تعالى فى"مراتب الاجماع ص72":
وأتفقوا أن الطلاق إلى أجل أو بصفة واقع إن وافق وقت طلاق ثم اختلفوا فى وقت وقوعه فمن قائل الآن، ومن قائل هو إلى أجله.أهـ
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فى"نقد مراتب الاجماع ص73"و"جامع المسائل المجموعة الثالثة-عزير شمس-ص334":
..... قلت فقد ذكر فيما إذا كان قصده الحلف بالطلاق أيلزم أم لا؟ قولان وذكر أن المؤجل والمعلق نصفه_لعلها بصفه_ يعنى إذا لم يكن فى معنى اليمين أنه يقع بالاتفاق، وقد إختار فى كتابه الكبير فى الفقه شرح المجلى خلاف هذا وأنكر على من ادعى الاجماع فى ذلك وكذلك اختار أن الطلاق بالكناية لايقع ولايقع إلا بلفظ الطلاق وهذان قول الرافضة، وكذلك قولهم ان الطلاق لايقع إلا بالاشهاد وقد أنكر فى كتابه من ادعى إجماعا فى هذا وهذا وهذا كما هو عادته فى أمثال ذلك مع أنه قد ذكر هنا فيه الاجماع الذى اشترط فيه الشروط المتقدمة ومعلوم ان الاجماع على هذا من أظهر مايدعى فيه الاجماع لكن هو فى غير موضع يخالف ماهو إجماع عند عامة العلماء وينكر انه إجماع كدعواه ....... أهـ
قال الحلى ت676هـ-الرافضى- فى"المختصر النافع فى فقه الامامية ص221و222":
كتاب الطلاق والنظر فى أركانه وأقسامه ولواحقه الركن الاول ..... الركن الثانى .... الركن الثالث فى الصيغة .... ويشترط تجريده عن الشرط والصفة .... الركن الرابع فى الاشهاد ولابد من شاهدين يسمعانه ...... أهـ
وجزيتم خيرا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/216)
ـ[خادم أهل الحديث]ــــــــ[23 - 10 - 07, 09:12 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فى"نظرية العقد ص124و125و126":
وأما اذا علق الطلاق بصيغة يقصد إيقاع الطلاق عندها فإنه يقع عند عامة السلف والطوائف إلا ابن حزم والامامية فإنه لايقع عندهم لاطلاق محلوف به ولاطلاق معلق بحال وداود وأصحابه يفرقون بين التعليق الذى يقصد به الايقاع والتعليق الذى يقصد به اليمين ...... أهـ يراجع الموضع من أراد الزيادة
وجزيتم خيرا
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[06 - 11 - 07, 11:53 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال ابن حزم رحمه الله تعالى فى"مراتب الاجماع ص72":
واتفقوا أن الطلاق إلى أجل أو بصفة واقع إن وافق وقت طلاق ثم اختلفوا فى وقت وقوعه فمن قائل الآن، ومن قائل هو إلى أجله.أهـ
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فى"نقد مراتب الاجماع ص73"و"جامع المسائل المجموعة الثالثة-عزير شمس-ص334":
..... قلت فقد ذكر فيما إذا كان قصده الحلف بالطلاق أيلزم أم لا؟ قولان وذكر أن المؤجل والمعلق نصفه_لعلها بصفه_ يعنى إذا لم يكن فى معنى اليمين أنه يقع بالاتفاق، وقد إختار فى كتابه الكبير فى الفقه شرح المجلى خلاف هذا وأنكر على من ادعى الاجماع فى ذلك وكذلك اختار أن الطلاق بالكناية لايقع ولايقع إلا بلفظ الطلاق وهذان قول الرافضة، وكذلك قولهم ان الطلاق لايقع إلا بالاشهاد وقد أنكر فى كتابه من ادعى إجماعا فى هذا وهذا وهذا كما هو عادته فى أمثال ذلك مع أنه قد ذكر هنا فيه الاجماع الذى اشترط فيه الشروط المتقدمة ومعلوم ان الاجماع على هذا من أظهر مايدعى فيه الاجماع لكن هو فى غير موضع يخالف ماهو إجماع عند عامة العلماء وينكر انه إجماع كدعواه ....... أهـ
قال الحلى ت676هـ-الرافضى- فى"المختصر النافع فى فقه الامامية ص221و222":
كتاب الطلاق والنظر فى أركانه وأقسامه ولواحقه الركن الاول ..... الركن الثانى .... الركن الثالث فى الصيغة .... ويشترط تجريده عن الشرط والصفة .... الركن الرابع فى الاشهاد ولابد من شاهدين يسمعانه ...... أهـ
وجزيتم خيرا
قال ابن تميم الظاهري مدير دارة أهل الظاهر معلقاً على هذه المسألة:
بسم الله الرحمن الرحيم ..
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
فقد ذكرت مرة مسألة تعليق الطلاق ورأي الإمام ابن حزم الظاهري، وذلك حين سأل الأخ الفاضل (أبو محمد الحربي) العضو معنا في الدارة ضمن موضوع (هل خرق الإمام ابن حزم الإجماع في هاتين المسألتين) وكان هذا منذ مدة طويلة.
ثم رأيت في موقع من المواقع ذكر المسألة ذاتها، وسؤال الكاتب عن جواز اتباع رأيه، وذكروا خلال ذلك مخالفة الإمام ابن حزم للإجماع، فأحببت التنبيه على مسائل مذكورة في هذه المسألة، فسأعيد ما ذكرته في الموضوع القديم، ثم أزيد بعض ما ليس فيه لغموضه بالنسبة لمن كتب في ذلك الموقع، والله المستعان.
قلت قبل مدة: الطلاق المعلق بوقت أو مؤجل ..
قيل أنه فيه إجماع على جوازه، ولا يصح فيه إجماع أصلاً، وإنما هو إجماع تأليفي وهذا لا يصح الاحتجاج به على أنه إجماع صحيح يقيني يحتج به، فالمسألة فيها أقوال:
القول الأول: لا يقع الطلاق المؤجل، وهو قول الإمام ابن حزم، وقول لداود في رواية ثانية، وأبي عبد الرحمن الشافعي من أصحاب الشافعي.
القول الثاني: يقع الطلاق المؤجل إذا جاء وقته، وهو قول أبو عبيد وإسحاق بن راهويه والشافعي وأحمد، وقول لداود الظاهري وأصحابهم، وروي بسند ضعيف عن ابن عباس، وعطاء، وجابر بن زيد، والنخعي، والشعبي، وعبد الله بن محمد بن الحنفية، والثوري.
القول الثالث: يقع الطلاق المؤجل من ساعة النطق به وإن لم يأت أجله، وهو قول ابن المسيب، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة، والليث، وقول لأبي حنيفة، وزفر.
القول الرابع: يحتمل أن يكون طلاقاً في ساعة النطق به، وهو ما نقله الإمام عن ابن أبي ليلى.
القول الخامس: إن علق الأجل على أمر لا يدري أيحصل أو لا فلا يقع حتى يحصل هذا الأمر، وإن كان التعليق على سنة أو شيء محدود معين فيقع ساعة النطق به، وهو قول الحسن على اختلاف عنه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/217)
وقولي أن الإمام داود الظاهري نقل عنه قول كقول الإمام ابن حزم، هو ما ذكره الشاشي في كتابه (حلية العلماء) وأنه حكي عن داود عدم تصحيح الطلاق المعلق بشرط، وهي رواية بخلاف ما رواه ابن حزم عنه، ويبدو أن ابن حزم إما أنه لم يعلم هذا القول لذلك لم يتعرض للرواية الثانية، وإما أنه وقف عليها ولم يصححها، فالله أعلم بذلك.
فإن صح النقل عن داود: فيضاف إلى قول من قال بعدم وقوع الطلاق المعلق بشرط.
أما قولي إن هذا الإجماع تأليفي، وعليه فلا يصح كذلك: فالذين قالوا هو إجماع هم من قال بوقوع الطلاق المؤجل بوقت أو زمان إذا جاء زمنه، فكل هذه الأقوال تنفي حصول هذا الإجماع.
بل قال من يدعي الإجماع ما يلي: قد حصل الإجماع على وقوع الطلاق عند الأجل، لأن من يوقعه حين نطق به فقد أجازه، فالواجب المصير إلى ما اتفقوا عليه، أي أنهم اتفقوا على جواز التعليق هذا فكان إجماعاً، وهذا تأليف إجماع لا يصح الاستدلال به.
فقد رد الإمام هذا الإجماع المزعوم فقال: هذا الإجماع باطل، وما أجمعوا قط على ذلك، لأن من أوقع الطلاق حين لفظ به المطلق لم يجز قط أن يؤخر إيقاعه إلى أجل، والذين أوقعوه عند الأجل لم يجيزوا إيقاعه حين نطق به.
أي كلام كل فريق بضد الآخر فكيف يكون إجماعاً .. !
وقد نقل الإمام ابن حزم الاتفاق في كتابه مراتب الإجماع على أن الطلاق المعلق بشرط أو بصفة بأنه واقع، ولكنهم اختلفوا في وقت وقوعه، أيقع الآن، أم إذا جاء وقته.
وإذا وقفت على هذا النقل تجده لم يذكر قوله في هذا الاتفاق، ولم يذكر (الإجماع) أو لفظ (أجمعوا) لأنه يعلم أنه ليس بإجماع، وهذا كما تقرر من خلال مقدمة كتاب مراتب الإجماع حين قال ابن حزم ما معناه: أنه سيدخل في كتابه مراتب الإجماع من حفظ قوله من أهل العلم، أي سيدخل ما وقف عليه من أقوال أهل العلم من الصحابة والتابعين وبعدهم، ولم يلتزم أن يذكر الإجماع المتيقن الصحيح عنده، وهذا ذكره في مقدمة كتابه وليس من استنباطي كما يدعي بعضهم حين نصحح لهم ما ينسبونه إلى ابن حزم ونذكر لهم خلاف قولهم عن ابن حزم من كتبه.
فالذين قالوا في المحلى (أجمعوا) إلى آخر العبارة إنما أرادوا التمويه بذكر لفظ الإجماع، وهو ليس بإجماع أصلاً، وإنما هو مما لا يعلم فيه خلاف، بمعنى أنه لم يصلنا قول السلف من الصحابة والتابعين غير هؤلاء، ولا يعني ذلك الذي لم يصلنا موافق أو مخالف للذي وصلنا قوله، وهذا ما قال عنه الإمام أحمد بن حنبل من ادعى فيه الإجماع فقد كذب.
وقد زعم ابن تيمية أن الإمام ابن حزم نقل الإجماع على وقوع الطلاق المعلق في كتابه مراتب الإجماع، ورغم ذلك خالفه في المحلى، وهذا وهم من ابن تيمية؛ لأن الإمام ابن حزم لم يذكر الإجماع في مراتب الإجماع، وإنما الاتفاق فقط، وبينهما فرق عنده كما في مقدمته، وكما في خاتمة كتابه حين نبه على الفرق بينهما في كتابه.
واستدل الإمام لقوله أن التعليق للطلاق لم يأت به شرع، فإن لم نوقعه حين التلفظ بالطلاق فمن المحال أن نوقعه في حين لم يوقعه فيه، وطلاقه ههنا معلق بشرط ولا يجوز اشتراط هذا الشرط لعدم ورود الشرع به، ولا يحل تحريم فرج بالظن أباحه الله تعالى لنا، والطلاق على هذه الصورة من المعاصي، فلا يحل لنا الوفاء بهذا الشرط وبهذه الصورة، وهذا كلامه في نفس المسألة.
ولو ادعى الإجماع ههنا وقال: أن العلماء أجمعوا على جوازه لأنهم إذا أوقعوه مباشرة دون انتظار حلول أجله فهذا اعتبار في إيقاع الطلاق المؤجل، لكن على هذا أيضاً لا يصح، فالخلاف بينهم محله هل يصح التعليق بوقت أو لا، وليس في وقوعه بعد أن يتلفظ به.
أما خلافهم مع الإمام فهو في وقوعه وصحة التعليق، فهو يقول أن الطلاق يقع بمجرد القصد وهو النية مع التلفظ بألفاظ الطلاق، وعلى كل حال فقد رأيت الخلاف في المسألة، فلا يصح فيها إجماع متيقن يحرم خلافه أصلاً، وإنما هو اتفاق بين من وصلنا فقههم وقولهم في هذه المسألة، ولعل للصحابة والتابعين الذين لم يصلنا قولهم ما يخالفون به هؤلاء جميعاً، فلا يجوز التمويه بذكر الإجماع للإلزام به، وهو ليس بإجماع
ـ[ابن وهب]ــــــــ[22 - 12 - 08, 09:42 ص]ـ
(القول الأول: لا يقع الطلاق المؤجل، وهو قول الإمام ابن حزم، وقول لداود في رواية ثانية، وأبي عبد الرحمن الشافعي من أصحاب الشافعي)
وقولي أن الإمام داود الظاهري نقل عنه قول كقول الإمام ابن حزم، هو ما ذكره الشاشي في كتابه (حلية العلماء) وأنه حكي عن داود عدم تصحيح الطلاق المعلق بشرط، وهي رواية بخلاف ما رواه ابن حزم عنه، ويبدو أن ابن حزم إما أنه لم يعلم هذا القول لذلك لم يتعرض للرواية الثانية، وإما أنه وقف عليها ولم يصححها، فالله أعلم بذلك
ابن حزم أعلم من الشاشي بمذهب داود فلا عبرة بهذه الرواية
وأبو عبد الرحمن الشافعي له شذوذ حتى أنه نقل عنه القول بالقطع في القليل والكثير ثم هو متأخر
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/218)
ـ[ابن وهب]ــــــــ[23 - 12 - 08, 12:53 م]ـ
(وقد زعم ابن تيمية أن الإمام ابن حزم نقل الإجماع على وقوع الطلاق المعلق في كتابه مراتب الإجماع، ورغم ذلك خالفه في المحلى، وهذا وهم من ابن تيمية؛ لأن الإمام ابن حزم لم يذكر الإجماع في مراتب الإجماع، وإنما الاتفاق فقط، وبينهما فرق عنده كما في مقدمته، وكما في خاتمة كتابه حين نبه على الفرق بينهما في كتابه.
)
انتهى
ثم ذكر الأخ الظاهري - وفقه الله
(وقد نقل الإمام ابن حزم الاتفاق في كتابه مراتب الإجماع على أن الطلاق المعلق بشرط أو بصفة بأنه واقع، ولكنهم اختلفوا في وقت وقوعه، أيقع الآن، أم إذا جاء وقته.
وإذا وقفت على هذا النقل تجده لم يذكر قوله في هذا الاتفاق، ولم يذكر (الإجماع
أو لفظ (أجمعوا) لأنه يعلم أنه ليس بإجماع،))
انتهى
بينما نجد ابن حزم يذكر في مقدمة كتابه
(وانما ندخل في هذا الكتاب الاجماع التام الذي لا مخالف فيه البتة الذي يعلم كما يعلم أن الصبح في الأمن والخوف ركعتان وأن شهر رمضان هو الذي بين شوال وشعبان وأن الذي في المصاحف هو الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وأخبر أنه وحي من الله وأن في خمس من الابل شاة ونحو ذلك وهي ضرورة تقع في نفس الباحث عن الخبر المشرف على وجوه نقله اذا تتبعها المرء من نفسه في كل ما يمر به من أحوال دنياه وأهل زمانه وجده ثابتا مستقرا في نفسه وما توفيقنا الا بالله.
)
مثال أن لا فرق بين قول ابن حزم اتفقوا وقوله أجمعوا
قال ابن حزم
(واتفقوا على أن بول ابن آدم اذا كان كثيرا ولم يكن كوؤس الإبر وغائطه نجس)
انتهى
وهذه مسألة من المسائل التي الإجماع فيها قطعي
فانظر قال اتفقوا فهل هو أيضا مما لا يعرف فيه خلاف
بل أعظم من ذلك
قول الإمام ابن حزم - رحمه الله -
(اتفقوا على أن الصلوات الخمس فرائض)
انتهى
وعلى هذا قس
بل الكتاب كله ينقض هذا الكلام
فكلام الأخ الكريم الشيخ بن تيميم الظاهري غير صحيح بتاتا فليعلم
وذكر الإجماع محل الاتفاق والعكس
وقد انتقد ابن تيمية ابن حزم فقال
(وقال:
إنما ندخل في هذا الكتاب الإجماع التام الذي لا مخالف فيه البتة، الذي يُعلم كما يُعلم أن صلاة الصبح في الأمن والخوف ركعتان، وأن شهر رمضان هو الذي بين شوال وشعبان، وأن هذا الذي في المصاحف هو الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وأخبر أنه وحي من الله إليه، وأن في خمسٍ من الابل شاةً، ونحو ذلك، وهي ضرورة تقع في نفس الباحث عن الخبر المشرف على وجوه نقله - إذا تتبعها المرء في نفسه في كل ما جرَّبه من أحوال دنياه - وَجَدَهُ ثابتا مستقرا في نفسه. (3)
وقال أيضا في آخر كتابه – كتاب الإجماع -:
هذا كل ما كتبنا، فهو يقين لا شك فيه، مُتَيَقَّنٌ لا يَحِلُّ لِأَحدٍ خلافُه البتة. (4)
قلت:
فقد اشترط في الإجماع ما يشترطه كثير من أهل الكلام والفقه كما تقدم:
وهو العلم بنفي الخلاف، وأن يكون العلم بالإجماع تواترا.
التي حكاها ليست قريبةً من هذا الوصف، فضلا عن أن تكون منه، فكيف وفيها ما فيه خلاف معروف! وفيها ما هو نفسه ينكر الإجماع فيه ويختار خلافَه من غير ظهورِ مخالف!.
وقد قال:
إنما نعني بقولنا العلماء من حُفظ عنه الفتيا. (1))
(4) لم أقف على هذه الجملة لا في طبعة كتاب "مراتب الإجماع" لدار ابن حزم، ولا طبعة دار زاهد القدسي المصرية.
انتهى من النسخة الالكترونية
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[08 - 01 - 09, 09:40 م]ـ
هل كتاب "مراتب الإجماع" ألفه ابن حزم في أول الطلب؟
أظن ذلك فالمحلى هو من آخر كتبه، وقد نقل فيه الخلاف في هذه المسألة. لكن كان على ابن حزم أن ينبه على أنه أخطأ في "مراتب الإجماع".
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[08 - 01 - 09, 10:16 م]ـ
ومن أصول الظاهرية أن الشروط التي لم يرد فيها نص باطلة، وهذا أيضا مخالف لما عليه جماهير أهل العلم قديما وحديثا، إذ بينوا أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله) أي كل شرط مخالف لكتاب الله، وليس المقصود ورود الشرط بنصه في القرآن والسنة؛ لأنه لا يعقل أصلا أن يرد في كتاب الله كل شرط يشترطه الناس في بياعاتهم وإجاراتهم وتجاراتهم، هذا مما لا يخالف فيه أحد يعقل ما يقول، وما زال الناس يتبايعون ويشترون في الجاهلية والإسلام ولا يلتزم أحد منهم أن يكون كل شرط اشترط في البيع مذكورا بنصه في القرآن أو السنة، ولا أدري كيف خفي هذا على أبي محمد رحمه الله.
هذا خطأ ..
وليس أهل العلم جميعاً على تمام المجافاة لقاعدة الظاهرية تلك ... كما يوهم سياق الفاضل أبي مالك ..
فما من مذهب من المذاهب إلا وقد أخذ منها بنصيب وأقلهم في ذلك مذهب أحمد ..
ولم يقل بالقاعدة على عمومها سوى الظاهرية ..
أما الباقين فلهم مواضع -كل بحسبه-يشترطون فيها ما اشترط الظاهرية في الشروط ..
وليراجع في ذلك القواعد النورانية لشيخ الإسلام ..
ـ[ابن وهب]ــــــــ[09 - 01 - 09, 02:05 ص]ـ
بارك الله فيكم
وقد نقل فيه الخلاف في هذه المسألة.
ابن حزم لم ينقل في المحلى عن أحد عدم الوقوع (مطلقا)
والتوضيح في مشاركة شيخنا أبي مالك العوضي - نفع الله به -
وذكرتم - وفقكم الله
هل كتاب "مراتب الإجماع" ألفه ابن حزم في أول الطلب؟
أظن ذلك فالمحلى هو من آخر كتبه،.
بارك الله فيكم لايخفى عليكم أن لا أحد يؤلف في الإجماع أول الطلب
والله أعلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/219)
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[09 - 01 - 09, 06:05 ص]ـ
بارك الله فيكم
ابن حزم لم ينقل في المحلى عن أحد عدم الوقوع (مطلقا)
والتوضيح في مشاركة شيخنا أبي مالك العوضي - نفع الله به -
بارك الله بكم
أبو مالك يقول: "مقصود من حكى الإجماع أن أهل العلم اتفقوا على وقوع الطلاق في الجملة، سواء كان ذلك حالا أو حين الأجل، وليس كما فهم ابن حزم أن من أوقعه في الحال يخالف من أوقعه في الأجل."
لكن نقل ابن حزم ثلاث آثار فيها عدم وقوع الطلاق المعلق مطلقاً، لا حالاً ولا حين الأجل، ونص على أن هذا هو عين قوله.
قال: "وممن رُويَ عنه مثل قولنا"
ثم ذكر:
الرواية الأولى: أن رجلا تزوج امرأة وأراد سفرا، فأخذه أهل امرأته فجعلها طالقا إن لم يبعث بنفقتها إلى شهر، فجاء الأجل ولم يبعث إليها بشيء. فلما قدم خاصموه إلى علي، فقال علي «اضطهدتموه حتى جعلها طالقا؟!»، فردها عليه.
الرواية الثانية: عن شريح أنه خوصم إليه في رجل طلق امرأته إن أحدث في الإسلام حدثا فاكترى بغلا إلى "حمّام أعين" فتعدى به إلى أصبهان فباعه واشترى به خمرا فقال شريح «إن شئتم شهدتم عليه أنه طلقها». فجعلوا يرددون عليه القصة، ويردد عليهم.
الرواية الثالثة: عن طاووس قوله: «الحلف بالطلاق ليس شيئا».
ثم قال ابن حزم: فهؤلاء علي بن أبي طالب وشريح وطاوس لا يقضون بالطلاق على من حلف به فحنث، ولا يعرف لعلي في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم. انتهى.
فلعلكم تراجعون قولكم السابق. وأبو مالك وفقه الله، مع براعته في العربية، لكن عنده حساسية من الظاهرية، فلا يُسلّم بقوله فيهم. والله أعلم.
ـ[عبدالرزاق العنزي]ــــــــ[09 - 01 - 09, 10:59 ص]ـ
السلام عليكم
يبدو لي والعلم عند علام الغيوب ان في عبارة ابي محمد التي في المحلى تحريفا
هنا:
ان كان كل طلاق لا يقع حين إيقاعه فمن المحال أن يقع بعد ذلك في حين لم يوقعه فيه
ملاحظة: الشيخ صالح امد الله في عمره على طاعته ونفع به(84/220)
حكم قيء الطفل الرضيع؟ نجس ام طاهر؟
ـ[الميساوية]ــــــــ[02 - 09 - 07, 12:39 ص]ـ
السلام عليكم
هل قيء الطفل الرضيع (الحليب) نجس؟
وهل هناك فرق بين قيء الطفل الذي لم يأكل الطعام بعد والذي بدأ في أكل الطعام؟
وهل هناك فرق بين الحليب الذي يخرج مباشرة بعد الرضاعة (لم يمكث في المعدة، خرج دقيقة أو اثنتين بعد الرضاعة) وبين الحليب الذي مكث في المعدة (نصف ساعة او ساعة بعد الرضاعة)؟
ارجو الإجابة بارك الله فيكم
ـ[سيد النجدي]ــــــــ[02 - 09 - 07, 01:15 ص]ـ
هل قيء الرضيع على أمه نجس؟
سؤال:
يحدث باستمرار أن يتقيأ ولدي على كتفي أو صدري وأنا أرضعه وأحمله، وشق علي غسل القيء كلما حدث على ثيابي فهل يجوز لي تركه والصلاة بهذه الثياب أم لا بد أن أغسله دائماً؟.
الجواب:
الحمد لله
قال ابن القيم: ريق المولود ولعابه من المسائل التي تعم بها البلوى، وقد علم الشارع أن الطفل يقيء كثيراً، ولا يمكن غسل فمه، ولا يزال ريقه يسيل على من يربيه، ولم يأمر الشارع بغسل الثياب من ذلك، ولا منع من الصلاة فيها، ولا أمر بالتحرز من ريق الطفل، فقالت طائفة من الفقهاء: هذا من النجاسة التي يعفى عنها للمشقة والحاجة كطين الشوارع، والنجاسة بعد الاستجمار، ونجاسة أسفل الخف والحذاء بعد دلكهما بالأرض ... بل ريق الطفل يطهر فمه للحاجة، كما كان ريق الهرة مطهراً لفمها، ويستدل لذلك بما ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصغي الإناء إلى الهر حتى يشرب، ثم يتوضأ بفضله).
الموسوعة الفقهية - ج/39، ص 350.
www.islamqa.com/special/index.php?ref=10520&ln=ara&subsite=14 - 23k
ـ[أبو مصعب القصيمي]ــــــــ[02 - 09 - 07, 09:15 ص]ـ
السؤال: ما تقولون في نجاسة القيء؟
الجواب: ذهب أكثر أهل العلم إلى أن القيء نجس مطلقاً.
وذهب فقهاء المالكية إلى أن القيء النجس هو ما شابه أحد أوصاف العذرة.
وأما ما كان على هيئة الطعام لم يتغير فإنه طاهر.
والصحيح أنه طاهر مطلقاً والاستقذار والاستحالة إلى روائح كريهة لا يعني النجاسة.
والأصل الجامع في هذا الباب طهارة كل الأعيان حتى يثبت الدليل على النجاسة والقيء لم يثبت دليل على نجاسته فهو طاهر.
وحديث ((العائد في هبته كالعائد في قيئه)) متفق عليه من حديث ابن عباس.
ليس صريحاً في نجاسة القيء فإن العود في القيء منهي عنه للضرر وشبهه وليس للنجاسة.
وقد تقرر في القواعد الأصولية أنه ليس كل محرم نجساً والله أعلم
الفتوى للشيخ سليمان العلوان.
ـ[زوجة وأم]ــــــــ[02 - 09 - 07, 10:42 ص]ـ
جزاكما الله خيرا
ـ[ابو العابد]ــــــــ[06 - 09 - 07, 03:10 م]ـ
إذا طاهر
ـ[زوجة وأم]ــــــــ[15 - 05 - 10, 11:44 م]ـ
ما أدلة القائلين بنجاسة القيء؟
ـ[غالب الساقي]ــــــــ[16 - 05 - 10, 12:28 ص]ـ
وقد رجح الشيخ الألباني رحمه الله طهارة القيء في تمام المنة لعدم وجود دليل على نجاسته(84/221)
جامع من نوى الصوم في سفره افطر ولاكفارة
ـ[محمد جان التركماني]ــــــــ[02 - 09 - 07, 09:45 ص]ـ
هل على المسافر الصائم في رمضان ان جامع زوجته كفارة؟
قوله (جامع من نوى الصوم في سفره افطر ولاكفارة)
أي جامع من نوى الصوم في سفره أي:من صام في سفره ,وهذا هو مراده.
مثاله:انسان مسافر سفر يبيح الفطر فصام ,ثم في اثناء النهار جامع زوجته فهذا يفطر وليس عليه كفارة ويلزمه القضاء ,المسافر يباح له الفطر فيباح له الجماع والاكل. (شرح الممتع).(84/222)
جامع من نوى الصوم في سفره افطر ولاكفارة
ـ[محمد جان التركماني]ــــــــ[02 - 09 - 07, 09:48 ص]ـ
هل على المسافر الصائم في رمضان ان جامع زوجته كفارة؟
قوله (جامع من نوى الصوم في سفره افطر ولاكفارة)
أي جامع من نوى الصوم في سفره أي:من صام في سفره ,وهذا هو مراده.
مثاله:انسان مسافر سفر يبيح الفطر فصام ,ثم في اثناء النهار جامع زوجته فهذا يفطر وليس عليه كفارة ويلزمه القضاء ,المسافر يباح له الفطر فيباح له الجماع والاكل. (شرح الممتع).
ـ[محمد جان التركماني]ــــــــ[02 - 09 - 07, 12:43 م]ـ
وإن نوى المسافر الصوم في سفره ثم بدا له أن يفطر , فله ذلك واختلف قول الشافعي فيه فقال مرة: لا يجوز له الفطر وقال مرة أخرى: إن صح حديث الكديد لم أر به بأسا أن يفطر وقال مالك: إن أفطر فعليه القضاء والكفارة لأنه أفطر فيصوم رمضان , فلزمه ذلك كما لو كان حاضرا ولنا حديث ابن عباس , وهو حديث صحيح متفق عليه وروى جابر (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه , فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن الناس ينظرون ما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر , فشرب والناس ينظرون فأفطر بعضهم وصام بعضهم , فبلغه أن ناسا صاموا فقال: أولئك العصاة) رواه مسلم وهذا نص صريح لايعرج على من خالفه إذا ثبت هذا فإن له أن يفطر بما شاء من أكل وشرب وغيرهما إلاالجماع , هل له أن يفطر به أم لا؟ فإن أفطر بالجماع ففي الكفارة روايتان الصحيح منهما أنه لا كفارة عليه وهو مذهب الشافعي والثانية يلزمه كفارة لأنه أفطر بجماع فلزمته كفارة كالحاضر ولنا أنه صوم لا يجب المضي فيه فلم تجب الكفارة بالجماع فيه , كالتطوع وفارق الحاضر الصحيح فإنه يجب عليه المضي في الصوم , وإن كان مريضا يباح له الفطر فهو كالمسافر ولأنه يفطر بنية الفطر فيقع الجماع بعد حصول الفطر , فأشبه ما لو أكل ثم جامع ومتى أفطر المسافر فله فعل جميع ما ينافي الصوم من الأكل والشرب والجماع وغيره لأن حرمتها بالصوم فتزول بزواله , كما لو زال بمجيء الليل.(84/223)
الموت مفطر من مفطرات الصوم!! اللهم أحسن لنا
ـ[تلميذة الأصول]ــــــــ[04 - 09 - 07, 02:54 ص]ـ
الموت مفطر من مفطرات الصوم!! اللهم أحسن لنا الختاااااااااام
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،
وبعد،، أيها الأكارم،،
ذكر الشيخ الجليل عبد العزيز المحمد السلمان في كتابه
((الأسئلة والأجوبة الفقهية المقرونة بالأدلة الشرعي)) الجزء 2
بعد ماذكر بعض مايفطر
مانصه ..
ومما يفطر الموت لحديث: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله) ص150مارأي الأخوة في هذا القول؟
أنا أراه قوي،لكن ألا يخالفه أن كلاً يبعث على ما مات عليه؟
أم لايتنافى كونه يبعث صائماً مع كون صومه توقف لعدم استدامة النية ونحوها؟
أفتونا مأجورين ....
ختاماً:
أوصيكم بتقوى الله ثم بقراءة هذا الكتاب (الأسئلة والأجوبة الفقهية المقرونة بالأدلة الشرعي) خاصة كتاب الصوم منه فهو ثري في توارد الأحكام على المؤلف رحمه الله،، لاتنسوا وصيتي،،
والكتاب موجود على الشبكة،،
وان كان الكتاب (على حسب علمي) لم يحقق، لذلك تجد حرج في عدم التوثق من ثبوت بعض الأحاديث من عدمه ....
والسلام،،
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[06 - 09 - 07, 04:38 م]ـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده، وبعد
الأخت الكريمة
رزقنا الله وإياك علما نافغا وعملا صالحا متقبلا"
- أود اولا ان الفت انتباهك اننا - كطلاب علم - لا نرقى الى ان نستدرك على عالم او شيخ، او حتى نرى فى رأيه رأيا"، فأحببت ان اشير الى هذا اولا"، واحببت ان اشير الى كيفية طرح المسألة التى قال بها عالم جليل او شيخ ذا علم ووزن، فعندما تطرح مثل هذه المسألة، تطرح من قبيل الإستشكال او الاستفسار او زيادة التفصيل، والله اعلى واعلم، الا ان يكون لأحد من الفضلاء رأى يصوب ماقلت.
- ثانيا، مافهمته من طرحك لهذه المسألة والعلم عند الله مايلى:-
قولك:
أم لايتنافى كونه يبعث صائماً مع كون صومه توقف لعدم استدامة النية ونحوها؟
فالأمر لا بد له من تفصيل، يجليه إجابة لهذا السؤال: هل الموت موجب لانقطاع الأحكام التكليفية عن العبد؟، فبإجابة السؤال يتضح - إن شاء الله - المجال
- فالجواب بحول الملك الوهاب - والعلم عند الله - بالإيجاب،، الا ماورد النص فى الأحكام التكليفية التى تجوز فيها (واحيانا تجب) الإنابة،،
وذلك مثل تأدية حقوق الله عز وجل - البدنية والمالية، او الاثنين معا" - التى وجبت عليه قبل موته وفرط فيها حتى أدركه الموت مثل الزكاة والصيام والنذر و الحج والعمرة والكفارات (مع تفصيل فى المذاهب وأقوال العلماء)، و كذلك تأدية حقوق العباد التى وجبت عليه قبل موته ولما يؤديها بعد، مثل الديون.
- وبخلاف ذلك، تنقطع الأحكام التكليفية عن العبد بموته، و يختم على عمله، فلا يزاد فيه ولا ينقص الا ماثبت بالدليل واورده النص، كالحديث التالى:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَجْرَى عَلَيْهِ أَجْرَ عَمَلِهِ الصَّالِحِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ وَأَجْرَى عَلَيْهِ رِزْقَهُ وَأَمِنَ مِنْ الْفَتَّانِ وَبَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا مِنْ الْفَزَعِ.
- الحديث أخرجه أبن ماجة فى سننه، والترمذى وأبو داود، واورده الألبانى فى الصحيحة.
،،وأيضا فى الحديث التى ذكرتيه
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ - أخرجه مسلم
،، وايضا"، أخرج مسلم: عن أبى هُرَيْرَةَ 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلَّا خَيْرًا
،، فالاحاديث نصوص قاطعة فى انقطاع العمل، وليس فى استمرار جريان الأجر،،
وعلى ذلك يمكن استخلاص القول،، بأن الموت موجب لانقطاع العمل الا ما صلح فيه الانابة ودل عليه النص، و غير موجب لانقطاع الأجر والانتفاع بسابق العمل الدال عليه النص.
،، واما ماورد فى الحديث عن بعث العبد على مامات عليه وكان أخر عهده من الدنيا،، فليس فيه ان هذا الذى مات على فضيلة وعمل صالح، ان أجره مستمر معه فى البرزخ لحين البعث، وان كان يدل على المقام العظيم والأمن والأمان والشعور بالسعادة والإطمئنان حين بعثه، لتميزه عن باقى الخلائق فى بعثه على عمل، ربح فيه رضى ربه جل وعلا، فأى مقام عظيم حين يبعث المرء وهو يلبى، او وهو صائم أو وهو ينزف دما بريح المسك، وهو آمن من أهوال يوم مقداره خمسين الف سنة،، نسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة وندعوه عز وجل ان يستعملنا ويرزقنا عملا صالحا متقبلا تزداد به حسناتنا الى يوم ننادى فيه نداء ربنا.
هذا ما تبادر الى ذهنى، والقى فى مداركى، وانشرح له صدرى فى هذه المسألة، ودائما وأبدا العلم لله العلى العليم، فان كان صوابا فله الحمد والمنة، وان كان غير ذلك، فأستغفره سبحانه وأتوب اليه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/224)
ـ[تلميذة الأصول]ــــــــ[08 - 09 - 07, 02:34 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
ان كان سبب تعديل العنوان ظناً بأنه كان من قبيل التقليل من شأن الشيخ صاحب الفتوى،فالأمر خلاف ماظننتم،،،
فإني كتبت العنوان بتلك الصيغة والأسلوب لأغراض،،
أولاً: التنبيه على الحكم.
ثانياً: لطلب المناقشة.
ثالثاً: للتذكير بأن الموت قريب، لذلك أشرت إلى سؤال الله حسن الختاااااااااام بهذا الشكل لأثره العميق في نفسي،،وأن الموت أمام كل حي،وليس له لصرف هذا المفطر المفسد للصوم من سبيل،، فليس عندنا إلا سؤال الله التخفيف وحسن الختام،،،،
،،،،،،،،،،،،،،،،،
ولن أذكر من جديد أنني لاأقصد التقليل من شأن المسألة ولاالشيخ، لأني لاأريد أن أتصور أن هذا ظُن بي،،
والسلام،،
ـ[تلميذة الأصول]ــــــــ[08 - 09 - 07, 02:37 ص]ـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده، وبعدالأخت الكريمةرزقنا الله وإياك علما نافغا وعملا صالحامتقبلا"
وإياكم أخي رزق الله،،
- أود اولا ان الفت انتباهك اننا - كطلاب علم - لا نرقى الى اننستدرك على عالم او شيخ، او حتى نرى فى رأيه رأيا"، فأحببت ان اشير الى هذا اولا
لكن طالب العلم، قد يتوسع في مسألة واحدة مالايتوسعه العالم،،فيكون حقيقاً في خوضها من ذلك الجانب،،
وقد يفتح الله على قلب الطالب خواطر وتأملات يدرسها ويتأكد منها وهذا مشاهد بارك الله فيك،،
، واحببت ان اشير الى كيفية طرح المسألة التى قال بها عالم جليل او شيخ ذا علم ووزن، فعندما تطرح مثل هذه المسألة، تطرح من قبيل الإستشكال او الاستفسار او زيادةالتفصيل، والله اعلى واعلم، الا ان يكون لأحد من الفضلاء رأى يصوب ماقلت.
احترم رأيك،، ولكن لي أسوة في قول الإمام مالك –امام دار الهجرة رحمه الله- عندما قال:
كلاً يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب ذلك القبر (وأشار إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام)
-
ثانيا، مافهمته من طرحك لهذه المسألة والعلم عند الله مايلى:-
قولك:
اقتباس:
أملايتنافى كونه يبعث صائماً مع كون صومه توقف لعدم استدامة النية ونحوها؟
فالأمر لا بدله من تفصيل، يجليه إجابة لهذا السؤال: هل الموت موجب لانقطاع الأحكام التكليفيةعن العبد؟، فبإجابة السؤال يتضح - إن شاء الله - المجال
- فالجواب بحولالملك الوهاب - والعلم عند الله - بالإيجاب،، الا ماورد النص فى الأحكام التكليفيةالتى تجوز فيها (واحيانا تجب) الإنابة،،وذلك مثل تأدية حقوق الله عزوجل - البدنية والمالية، او الاثنين معا" - التى وجبت عليه قبل موته وفرط فيها حتىأدركه الموت مثل الزكاة والصيام والنذر و الحج والعمرة والكفارات (مع تفصيل فىالمذاهب وأقوال العلماء)، و كذلك تأدية حقوق العباد التى وجبت عليه قبل موته ولمايؤديها بعد، مثل الديون.
- وبخلاف ذلك، تنقطع الأحكام التكليفية عن العبدبموته، و يختم على عمله، فلا يزاد فيه ولا ينقص الا ماثبت بالدليل واورده النص،كالحديث التالى:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِأَجْرَى عَلَيْهِ أَجْرَ عَمَلِهِ الصَّالِحِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ وَأَجْرَىعَلَيْهِ رِزْقَهُ وَأَمِنَ مِنْ الْفَتَّانِ وَبَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَالْقِيَامَةِ آمِنًا مِنْ الْفَزَعِ.
- الحديث أخرجه أبن ماجة فى سننه،والترمذى وأبو داود، واورده الألبانى فى الصحيحة.
،،وأيضا فى الحديث التىذكرتيهعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُانْقَطَعَعَنْهُ عَمَلُهُإِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ - أخرجه مسلم،،وايضا"، أخرج مسلم: عن أبى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ وَلَا يَدْعُ بِهِمِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْانْقَطَعَ عَمَلُهُوَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُإِلَّا خَيْرًا،، فالاحاديث نصوص قاطعة فى انقطاع العمل، وليس فى استمرارجريان الأجر،،وعلى ذلك يمكن استخلاص القول،، بأن الموت موجب لانقطاع العملالا ما صلح فيه الانابة ودل عليه النص، و غير موجب لانقطاع الأجر والانتفاع بسابقالعمل الدال عليه النص.
،، واما ماورد فى الحديث عن بعث العبد على ماماتعليه وكان أخر عهده من الدنيا،، فليس فيه ان هذا الذى مات على فضيلة وعمل صالح،ان أجره مستمر معه فى البرزخ لحين البعث، وان كان يدل على المقام العظيم والأمنوالأمان والشعور بالسعادة والإطمئنان حين بعثه، لتميزه عن باقى الخلائق فى بعثهعلى عمل، ربح فيه رضى ربه جل وعلا، فأى مقام عظيم حين يبعث المرء وهو يلبى، اووهو صائم أو وهو ينزف دما بريح المسك، وهو آمن من أهوال يوم مقداره خمسين الف سنة،، نسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة وندعوه عز وجل ان يستعملنا ويرزقنا عملا صالحامتقبلا تزداد به حسناتنا الى يوم ننادى فيه نداء ربنا.
هذا ما تبادر الىذهنى، والقى فى مداركى، وانشرح له صدرى فى هذه المسألة، ودائما وأبدا العلم للهالعلى العليم، فان كان صوابا فله الحمد والمنة، وان كان غير ذلك، فأستغفرهسبحانه وأتوب اليه.
بارك الله فيك،،كلام جميل،،وان كانت المسألة مازالت تحتاج مزيد تحرير،،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/225)
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[12 - 09 - 07, 02:18 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
الأخت الفاضلة - وفقها الله
اختلف معك فى ردك هذا، ولم المس منه كثير حرص على الإنتفاع بفائدة وردت او كلمة ذكرت، او رأى معارض او مؤيد، واحسست ان طرحك لهذا الموضوع يعد من قبيل اللغو الفكرى، وآثرت الا ارد عليه مرة أخرى مكتفيا" بأن يقرأ الأخوان رأى، ولما لم الق تعقيبا، ذكرت فى نفسى موافقتهم لى سكوتا وحمدت الله كثيرا"، ولكن ماجعلنى أرد مرة أخرى، هو حق النصيحة لى أولا"، ولك كأخت فاضلة حريصة على ارضاء ربها، وتبتغى بعملها الطاعة والإخلاص له سبحانه، ومن باب الدين النصيحة،
انصح نفسى واياكى فى قولك:
لكن طالب العلم، قد يتوسع في مسألة واحدة مالايتوسعه العالم،،فيكون حقيقاً في خوضها من ذلك الجانب،،
وقد يفتح الله على قلب الطالب خواطر وتأملات يدرسها ويتأكد منها وهذا مشاهد بارك الله فيك،،
احسنت فى قولك هذا، ولكن هل يعد هذا مسوغا لطرح أقوال العلماء وأرائهم للطرح والوزن بميزان وأراء طلبة العلم؟، وغير خفى مدى تحصيل اولاء من تحصيل العلماء وبلوغ مراتبهم واجتهادهم؟،، فالبون شاسع بين هؤلاء وهؤلاء، فالعلماء ببلوغهم مرتبة الإجتهاد رفعت عنهم المؤاخذة الشرعية فيما رأوه واستنبطوه باجتهادهم، فاصبح أمرهم يجرى بين الأجر لمن أخطأ، والأجرين لمن أصاب،، أما طالب العلم فمهما بلغ بعلمه ولما يصل بعد الى مرتبة الإجتهاد، كان عليه وزر الخطأ وثواب الصواب، واليك هذه القاعدة النفيسة التى تعلمناها من شيوخنا الكرام، احببت ان ينتفع بها إخوانى
فالعالم ان قعدت به قلة علمه فى فرع من الفروع، قامت به وفرة علمه فى باقى الفروع،، وبالضد يفهم المعنى لطالب العلم.
،،، واما قولك
احترم رأيك،، ولكن لي أسوة في قول الإمام مالك –امام دار الهجرة رحمه الله- عندما قال:
كلاً يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب ذلك القبر (وأشار إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام)
وانا بالمثل احترم رأيك ولكنى أختلف معك، فهل ملكت موجبات التأسى بقول الإمام مالك رحمه الله، حتى تتأسى بقوله رحمه الله؟،، فهذا القول ضربه الامام حين افتتن الناس بموطأه، واراد ان يعلمهم ان ليس قول احد حجة على الدين الا قول الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس فى قول الإمام انك تستطيعين رد أقوال العلماء متى كانت معتمدة على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وعلم منها انها بعينها هى المقصودة من تشريعها، فلا يسع احدا ان يردها لمجرد فهمه لقول الامام انه بالخيار فى رد وقبول من شاء من العلماء، دونما الأعتماد على قاعدة علمية، او استنباط من الأدلة، او غير ذلك من أدوات الإجتهاد،، والا برد هذا القول التى تكون هذه صفته، سيكون ردا" لتشريعا شرعه النبى عليه الصلاة والسلام، فليس القبول والرد خاضعا" للاهواء أو لمجرد الإختيار،
فالناس الى العلم الشرعى يتفاضلوا بين مجتهد ومتبع ومقلد،، فالمتبع يلزمه اتباع المجتهد فى مذهبه، والمقلد يلزمه تقليد من وثق به واستأمنه على دينه من العلماء،، فانظرى يرحمك الله من اى الثلاثة انت، ثم تأسى بقول الإمام - رحمه الله.
،، وعن قولك:
بارك الله فيك،،كلام جميل،،وان كانت المسألة مازالت تحتاج مزيد تحرير،،
وبارك فيك اختنا الكريمة، ولكن السؤال الملح والذى يطرح نفسه بقوة،، كيف عرفت وعلام استندت أن المسألة تحتاج مزيد تحرير؟؟!!!،، فاما انك تعرفين لهذه المسألة حدا وسقفا واحطت بها علما، فعلى ذلك يبقى طرحك للمسألة برمتها عبثا"، فلا افديتنا بسابق علمك فيما طرحتيه، ولا ابديت تجاوبا او تعقيبا مفيدا أو حتى تصحيحا لما اوردناه،،، وإما ان بضاعتك مزجاة فى هذه المسألة، فيبقى قولك ان المسألة تحتاج لمزيد تحرير، محل نظر
وادعوا الله لى ولك بان يجعل اعمالنا خالصة لوجهه الكريم، كما أدعوه جل وعلا ان يعيننا فى رمضان على حسن طاعته وعبادته وان يتقبله منا، إنه ولى ذلك وهو القادر عليه.
،،(84/226)
كتاب: فتح الوهاب فى بيان أحكام الصيام سؤال وجواب
ـ[السيد العربي]ــــــــ[04 - 09 - 07, 05:01 ص]ـ
اللأخوة الآفاضل سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته
فهذا كتاب جمعت فيه أحام الصيام فى صورة سؤال وجواب
والكتاب مطبوع اصدار حديث ... الناشر مكتبة اولاد الشيخ للتراث
الجيزة - مصر
وها هو الكتاب نفعنى الله واياكم ... اخوكم .... د / سيد العربي
نحو تصور إسلامى صحيح: (12)
فتح الوهاب
فى بيان أحكام الصيام
سؤال وجواب
جمع وترتيب
د / السيد العربي بن كمال
غفر الله له ووالديه وأهله أجمعين
الناشر
دار أولاد الشيخ للتراث
الجيزة – مصر
?
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَسْتَعِينهُ وَنَسْتَغِفُرهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِل فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدهُ وَرَسُولهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدي السَّاعَةِ، وَمَن يُطِع الله وَرَسُولَه فَقَد رَشَد، و مَنْ يَعْصِ الله ورَسُولَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُر إِلَّا نَفْسَه وَلَا يَضُر الله شَيْئًا.
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ? [آل عمران: 102].
?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا? [النساء: 1].
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ? يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ? [الأحزاب: 70 - 71].
أمَّا بَعْدُ:
فهذه بعض احكام الصيام اجتهدت فى جمعها على وجه من الدقة بغير إطالة ولا إسهاب فى عرض الخلافات - الا ما دعت الحاجة اليه – وقد حاولت تغطية معظم احكام الصيام , وقد نظمتها فى صورة سؤال وجواب ليسهل تعلمها والعمل بها , وقد جمعت المادة من مظانها كل بحسب مذهبه فضلا عن الكتب الجامعة للمذاهب على اختلاف طرقها، وقد احيل الى المصدر الذى اورد منه النقل وقد اُخّلِّط بين النقولات من مصادر مختلفه للتتألف العبارات وتأتلف، وقد حاولت الاختصار والاقتصار على ما يغلب على الظن انه الراجح بذكر، وذلك بذكر الحكم وما يدل عليه من دليل مع نسبة القول الى صاحبه أو أصحابه , وقد تذكر الأقوال الاخرى للعلم والتعلم والتنبيه على انه قول معتبر ثابت موجود فى مذاهب اهل العلم , وانه من جملة أقوال السلف فى تلك المسائل المذكوره، وحرصت على تتبع كلام اهل العلم - على اختلاف مذاهبهم – فى مظانها ومجامع أقوالهم ومذاهبهم، بحيث اجيب على كل سؤال على السنتهم يعنى بإيراد نص كلامهم او نحوه، حتى اربط المتعلم والقارئ بكلام اهل العلم وكلام السلف وبعبارتهم، لانها اجمع واحسن وابين من كلامى , وقد اهتممت بتتبع الادله الصحيحه وخرجتها ما استطعت الى ذلك سبيلا، اذكر للحديث موضع واحد فى المصدر الواحد كالبخاري مثلا وان كان للحديث فى هذا المصدر عدة مواضع، أو مخرج فى مصادر شتى , هذا وقد أسميته " فتح الوهاب فى بيان احكام الصيام سؤال وجواب " .... وبالله تعالى السداد والتوفيق.
?فصل فى تعريف الصيام وبيان حكمته?
س: ما هو تعريف الصيام؟
الجواب:
قال ابو حيان:
الصيام والصوم مصدران لصامَ، والعرب تسمي كل ممسك صائماً، ومنه الصوم في الكلام " إني نذرت للرحمن صوماً " أي سكوتاً في الكلام، وصامت الريح: أمسكت عن الهبوب، والدابة: أمسكت عن الأكل والجري.
[تفسير البحر المحيط - (آية البقرة - 183)]
قال الصنعانى: [سبل السلام - (ج 3 / ص 292)]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/227)
الصِّيَامُ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَفِي الشَّرْعِ إمْسَاكٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَغَيْرِهِمَا – على وجه التعبد - مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ فِي النَّهَارِ - من طلوع الفجر إلى غروب الشمس - عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَيَتْبَعُ ذَلِكَ الْإِمْسَاكُ عَنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكَلَامِ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ لِوُرُودِ الْأَحَادِيثِ بِالنَّهْيِ عَنْهَا فِي الصَّوْمِ زِيَادَةً عَلَى غَيْرِهِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ بِشُرُوطٍ مَخْصُوصَةٍ.
قال ابن قدامة: [المغني - (ج 6 / ص 31)]
والصوم المشروع هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس .... ... ويدل على ذلك قول الله تعالى:" ????????? ????????????? ?????? ??•??????? ?????? ?????????? ?????????? ???? ?????????? ?????????? ???? ?????????? ? ???? ????????? ??????????? ????? ???????? ? ???? ?????????????? ????????? ?????????? ??? ????????????? ? ?????? ??????? ???? ???? ???????????? ? ????????? ????????? ???? ??????????? ?•?•???? ?????????? ????????? " [????? البقرة] يعني بياض النهار من سواد الليل وهذا يحصل بطلوع الفجر قال ابن عبد البر في قول النبي صلى الله عليه و سلم:" إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " دليل على أن الخيط الأبيض هو الصباح وأن السحور لا يكون إلا قبل الفجر وهذا إجماع لم يخالف فيه الا الأعمش وحده فشذ ولم يعرج أحد على قوله والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس قال: هذا قول جماعة علماء المسلمين. أ.هـ
س: ما هى حكمة الصيام؟
الجواب:
قال العلماء تتجلّى حكمة الصّوم فيما يلي:
أ - أنّ الصّوم وسيلة إلى شكر النّعمة، إذ هو كفّ النّفس عن الأكل والشّرب والجماع، وإنّها من أجلّ النّعم وأعلاها، والامتناع عنها زماناً معتبراً يعرّف قدرها، إذ النّعم مجهولة، فإذا فقدت عرفت، فيحمله ذلك على قضاء حقّها بالشّكر، وشكر النّعم فرضٌ عقلاً وشرعاً، وإليه أشار الرّبّ سبحانه وتعالى بقوله في آية الصّيام: «وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» ????? البقرة.
ب - أنّ الصّوم وسيلة إلى التّقوى، لأنّه إذا انقادت نفس للامتناع عن الحلال طمعاً في مرضاة اللّه تعالى، وخوفاً من أليم عقابه، فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصّوم سبباً لاتّقاء محارم اللّه تعالى، وإنّه فرض، وإليه وقعت الإشارة بقوله تعالى في آخر آية الصّوم «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» ????? البقرة.
ج - أنّ في الصّوم قهر الطّبع وكسر الشّهوة، لأنّ النّفس إذا شبعت تمنّت الشّهوات، وإذا جاعت امتنعت عمّا تهوى، ولذا قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشّباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوّج، فإنّه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم، فإنّه له وجاء» [البخاري - كتاب الصوم - باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبه] فكان الصّوم ذريعةً إلى الامتناع عن المعاصي.
د - أنّ الصّوم موجب للرّحمة والعطف على المساكين، فإنّ الصّائم إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات، ذكر مَن هذا حاله في جميع الأوقات، فتسارع إليه الرّقّة عليه، والرّحمة به، بالإحسان إليه، فينال بذلك ما عند اللّه تعالى من حسن الجزاء.
هـ - في الصّوم موافقة الفقراء، بتحمّل ما يتحمّلون أحياناً، وفي ذلك رفع حاله عند اللّه تعالى.
و - في الصّوم قهر للشّيطان، فإنّ وسيلته إلى الإضلال والإغواء: الشّهوات، وإنّما تقوى الشّهوات بالأكل والشّرب، ولذلك جاء في حديث صفيّة رضي الله عنها قوله - عليه الصلاة والسلام -: «إنّ الشّيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدّم، فضيّقوا مجاريه بالجوع» [متفق عليه من حديث صفية دون قوله " فضيقوا مجاريه بالجوع]
?فصل فى بيان فضل الصيام وحكمه?
س: ما هو فضل الصيام؟
الجواب:
وردت احاديث كثيرة تبين فضل الصيام منها:
ما اخرجه النسائى عن أبى أمامة قال: قلت يارسول الله: مرنى بأمر آخذه عنك , قال: " عليك بالصوم فإنه لا مثل له ". و فى رواية:" لا عدل له" [قال الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 4044 في صحيح الجامع].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/228)
ومنها ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا" [البخاري - كتاب الصوم - باب فضل الصوم]
وعنه ايضا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ قَالَ:" لِكُلِّ عَمَلٍ كَفَّارَةٌ وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ" [البخاري – كتاب التوحيد - باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته]
قال صاحب طرح التثريب: [(ج 5 / ص 44)]
ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى {قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى:" الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ" مَعَ كَوْنِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا لَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجْزِي بِهَا أَقْوَالًا:
أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الرِّيَاءُ كَمَا يُمْكِنُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ كَفٌّ وَإِمْسَاكٌ وَحَالُ الْمُمْسِكِ شِبَعًا أَوْ فَاقَةً كَحَالِ الْمُمْسِكِ تَقَرُّبًا وَإِنَّمَا الْقَصْدُ وَمَا يُبْطِنُهُ الْقَلْبُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ وَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ وَالزَّكَاةُ أَعْمَالٌ بَدَنِيَّةٌ ظَاهِرَةٌ يُمْكِنُ فِيهَا الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ فَلِذَلِكَ خَصَّ الصَّوْمَ بِمَا ذَكَرَهُ دُونَهَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ.
ثَانِيهَا: قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ حِكَايَتِهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَازِرِيِّ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنَا أَتَوَلَّى جَزَاءَهُ إذْ لَا يَظْهَرُ فَتَكْتُبُهُ الْحَفَظَةُ إذْ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ نِيَّةٌ وَإِمْسَاكٌ فَأَنَا أُجَازِي بِهِ مِنْ التَّضْعِيفِ فِي جَزَائِهِ عَلَى مَا أُحِبُّ ........ وَقَال الْقَاضِي بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ وَقِيلَ:" لِي" أَيُّ الْمُنْفَرِدِ يَعْلَمُ مِقْدَارَ ثَوَابِهِ وَتَضْعِيفَ حَسَنَاتِهِ كَمَا قَالَ {وَأَنَا أَجْزِي بِهِ} قَالَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ اطَّلَعْت عَلَى مَقَادِيرِ أُجُورِهَا كَمَا قَالَ:" كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا" .... الْحَدِيثَ، وَالصَّوْمُ مَوْكُولٌ إلَى سَعَةِ جُودِهِ وَغَيْبِ عِلْمِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:" إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ".
ثَالِثُهَا: قَالَ الْقَاضِي أَيْضًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ (لِي) أَيْ لَيْسَ لِلصَّائِمِ فِيهِ حَظٌّ ...... وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:" كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ "، فَاسْتَثْنَى الصِّيَامَ مِنْ كَوْنِ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ.
رابعها: ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي مَعْنَى إضَافَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الصَّائِمَ عَلَى صِفَةِ مَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَرْكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالشَّهَوَاتِ. أ.هـ
قال ابن حجر فى فتح الباري ما ملخصه:
قَوْله: (الصِّيَام جُنَّة) وفى روايه " جُنَّة مِنْ النَّار "
وَمِنْ حَدِيث عُثْمَان بْن أَبِي الْعَاص " الصِّيَام جُنَّة كَجُنَّةِ أَحَدكُمْ مِنْ الْقِتَال " وَلِأَحْمَد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " جُنَّة وَحِصْن حَصِين مِنْ النَّار "
وَمِنْ حَدِيث أَبِي عُبَيْدَة بْنِ الْجَرَّاح " الصِّيَام جُنَّة مَا لَمْ يَخْرِقهَا "
وَالْجُنَّة: بِضَمِّ الْجِيم الْوِقَايَة وَالسَّتْر. وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذِهِ الرِّوَايَات مُتَعَلَّق هَذَا السَّتْر وَأَنَّهُ مِنْ النَّار , وَبِهَذَا جَزَمَ اِبْن عَبْد الْبَرّ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/229)
وَأَمَّا صَاحِب " النِّهَايَة " فَقَالَ: مَعْنَى كَوْنه جُنَّة أَيْ يَقِي صَاحِبه مَا يُؤْذِيه مِنْ الشَّهَوَات.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: جُنَّة أَيْ سُتْرَة , يَعْنِي بِحَسَبِ مَشْرُوعِيَّته , فَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَصُونَهُ مِمَّا يُفْسِدهُ وَيَنْقُص ثَوَابه , وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ " فَإِذَا كَانَ يَوْم صَوْم أَحَدكُمْ فَلَا يَرْفُث إِلَخْ ".
وَيَصِحّ أَنْ يُرَاد أَنَّهُ سُتْرَة بِحَسَبِ فَائِدَته وَهُوَ إِضْعَاف شَهَوَات النَّفْس , وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ " يَدَع شَهْوَته إِلَخْ ".
وَيَصِحّ أَنْ يُرَاد أَنَّهُ سُتْرَة بِحَسَبِ مَا يَحْصُل مِنْ الثَّوَاب وَتَضْعِيف الْحَسَنَات.
وَقَالَ عِيَاض فِي " الْإِكْمَال ": مَعْنَاهُ سُتْرَة مِنْ الْآثَام أَوْ مِنْ النَّار أَوْ مِنْ جَمِيع ذَلِكَ , وَبِالْأَخِيرِ جَزَمَ النَّوَوِيّ.
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: إِنَّمَا كَانَ الصَّوْم جُنَّة مِنْ النَّار لِأَنَّهُ إِمْسَاك عَنْ الشَّهَوَات , وَالنَّار مَحْفُوفَة بِالشَّهَوَاتِ. فَالْحَاصِل أَنَّهُ إِذَا كَفّ نَفْسه عَنْ الشَّهَوَات فِي الدُّنْيَا كَانَ ذَلِكَ سَاتِرًا لَهُ مِنْ النَّار فِي الْآخِرَة.
وَأَشَارَ اِبْن عَبْد الْبَرّ إِلَى تَرْجِيح الصِّيَام عَلَى غَيْره مِنْ الْعِبَادَات فَقَالَ: حَسْبك بِكَوْنِ الصِّيَام جُنَّة مِنْ النَّار فَضْلًا. أ.هـ
س: ما هو حكم الصيام؟
الجواب:
الصيام ركن من اركان الاسلام وأحد مبانيه الخمس , قال تعالى:" ??????????? ????????? ?????????? ?????? ?????????? ??????????? ????? ?????? ????? ????????? ??? ?????????? ?????????? ????????? ????? البقرة .... وفى الحديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ" [اخرجه البخاري كتاب الايمان باب بنى الاسلام على خمس] وقد اجمع العلماء على ركنية الصيام وفرضية صوم شهر رمضان.
والصيام منه فرض ومنه تطوع ... فمن الفرض صيام شهر رمضان، الذى بين شعبان وشوال، والتطوع له تفصيل يأتى إن شاء الله تعالى.
?فصل فى بيان مراحل الصيام فى التشريع ومتى فرض?
س: كيف كانت مراحل الصيام مع رسول الله ? حتى فرض؟
الجواب:
قال الطحاوى: [مشكل الآثار - (ج 1 / ص 275وما بعدها)]
وَأَمَّا أَحْوَالُ الصِّيَامِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَصَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَصَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَصَامَهَا كَذَا سِتَّةَ عَشْرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ " إلَى قَوْلِهِ:" فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ " وَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَأَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ " إلَى قَوْلِهِ:" فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ " وَإِلَى قَوْلِهِ:" يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ " فَفَرَضَهُ اللَّهُ وَأَثْبَتَ صِيَامَهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ وَرَخَّصَ فِيهِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ ثَبَتَ الْإِطْعَامُ لِلشَّيْخِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ صِيَامَهُ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ فَإِذَا نَامُوا امْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ فَجَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ صِرْمَةُ قَدْ ظَلَّ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَجَاءَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ وَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَطْعَمَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ وَقَدْ أَجْهَدَ فَقَالَ:" إنِّي أَرَاك قَدْ أُجْهِدْت فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ظَلِلْتُ يَوْمِي أَعْمَلُ فَجِئْت
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/230)
صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَنِمْت قَبْلَ أَنْ أَطْعَمَ وَجَاءَ عُمَرُ وَقَدْ أَصَابَ مِنْ النِّسَاءِ فَنَزَلَتْ هَذَا الْآيَةُ " أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ " إلَى قَوْلِهِ:" مِنْ الْفَجْرِ " فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إلَى آخِرِهِ.
وَجَاءَ عُمَرُ فَأَتَى أَهْلَهُ فَقَالَتْ إنَّهَا نَامَتْ فَظَنَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا اعْتَلَّتْ عَلَيْهِ فَوَاقَعَهَا فَأُخْبِرَ أَنَّهَا كَانَتْ نَامَتْ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ فِيهِ "عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ .... الْآيَةَ ". ا. هـ
قيل: كان في ابتداء الإسلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر واجبا، وصوم يوم عاشوراء فصاموا كذلك من الربيع إلى شهر رمضان سبعة عشر شهرا، ثم نسخ بصوم رمضان قال ابن عباس: أول ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة والصوم، ويقال: نزل صوم شهر رمضان قبل بدر بشهر وأيام، قال محمد بن إسحاق كانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشر ليلة خلت من شهر رمضان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة. [تفسير البغوى - دار طيبه - (البقرة - 184)]
ملحوظه:
كان صيام عاشوراء هو الصيام الواجب قبل نزول فرضية صوم شهر رمضان يدل على ذلك ما اخرجه البخاري من حديث خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ:" أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ قَالَتْ فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ". [البخاري - كتاب الصوم - باب صوم الصبيان]
قال ابن حجر فى فتح الباري: وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ عَاشُورَاء كَانَ فَرْضًا قَبْل أَنْ يُفْرَض رَمَضَانُ. أ.هـ
س: متى فرض الصيام؟
الجواب:
فرض صوم رمضان في السنة الثانية إجماعا فصام رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام تسع رمضانات إجماعا.
?فصل فى بيان انواع الصيام?
س: ما هى أنواع الصيام؟
الجواب:
ينقسم الصيام من حيث الوقت والزمن الى صيام له وقت معَّين (صوم عين) وصيام ليس له وقت وزمن معين (صوم دَيْن)
وصوم العين إمّا بتعيين اللّه تعالى، كصوم رمضان، وصوم التّطوّع خارج رمضان، لأنّ خارج رمضان متعيّن للنّفل شرعاً , وإمّا بتعيين العبد، كالصّوم المنذور به في وقت بعينه.
وأمّا صوم الدّين، كصوم قضاء رمضان، وصوم كفّارة القتل والظّهار واليمين , والإفطار في رمضان، وصوم متعة الحجّ، وصوم فدية الحلق، وصوم جزاء الصّيد، وصوم النّذر المطلق عن الوقت، وصوم اليمين، كمن قال: واللّه لأصومنّ شهراً.
وينقسم من حيث حكمه وانشغال الذمة به الى واجب وغير واجب ومختلف فى وجوبه.
فأما الواجب: مثل صوم رمضان , صوم كفّارة القتل الخطأ، وصوم كفّارة الظّهار، والصّوم المنذور به، وصوم كفّارة الجماع في نهار رمضان , صوم قضاء رمضان , الصّوم في كفّارة اليمين، وصوم النّذر المطلق، وصوم اليمين المطلقة , وصوم المتعة في الحجّ، وصوم كفّارة الحلق، وصوم جزاء الصّيد على المحرم، قال اللّه - عزّ وجلّ - في صوم المتعة: «????? ???????? ?????????????? ????? ????????? ????? ???????????? ???? ?????????? ? ????? ???? ?????? ????????? ????????? ??????? ??? ????????? ?????????? ????? ?????????? ? ????? البقرة».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/231)
وقال في كفّارة الحلق: «??????????? ???????? ?????????????? ?? ? ?????? ???????????? ????? ???????????? ???? ?????????? ? ???? ??????????? ??????????? ?????? ???????? ?????????? ????????? ? ????? ????? ?????? ???????? ???? ?????? ????? ???? ????????? ?????????? ???? ??????? ???? ???????? ???? ?????? ? ????? البقرة» وقال في جزاء الصّيد: «???? ?????? ??????? ???????? ?????????? ??????? ????????? ? ???? " [المائدة – 95].
وغير الواجب (صوم التطوع) ومنه:
صوم يوم عاشوراء , صوم يوم عرفة , صوم يوم الاثنين والخميس من كلّ أسبوع , صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وهي الأيّام البيض , صيام ستّة أيّام من شوّال , صوم شهر شعبان , صوم شهر المحرّم , صيام ما ثبت طلبه والوعد عليه في السّنّة الشّريفة.
والمختلف فى وجوبه مثل:
قضاء ما أفسده من صوم النّفل , صوم الاعتكاف.
وينقسم من جهة اشتراط التتابع فى الاداء من عدمه الى:
صوم يشترط فيه التتابع ومنه:
صوم رمضان، فقد أمر اللّه تعالى بصوم الشّهر بقوله سبحانه: «فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» والشّهر متتابع، لتتابع أيّامه، فيكون صومه متتابعا ضرورةً.
صوم كفّارة القتل الخطأ، وصوم كفّارة الظّهار، والصّوم المنذور به في وقت بعينه، وصوم كفّارة الجماع في نهار رمضان.
صوم لا يجب فيه التّتابع ومنه:
قضاء رمضان، فمذهب الجمهور عدم اشتراط التّتابع فيه، لقوله تعالى: «فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» فإنّه ذكر الصّوم مطلقاً عن التّتابع.
ويروى عن جماعة من الصّحابة، منهم: عليّ، وابن عبّاس، وأبو سعيد، وعائشة، رضي الله تعالى عنهم أنّهم قالوا: إن شاء تابع، وإن شاء فرّق ..... ومذهب الجمهور هو: ندب التّتابع أو استحبابه للمسارعة إلى إسقاط الفرض.
الصّوم في كفّارة اليمين، وفي اشتراط تتابعه خلاف.
صوم المتعة في الحجّ، وصوم كفّارة الحلق، وصوم جزاء الصّيد، وصوم النّذر المطلق، وصوم اليمين المطلقة.
س: هل من الصوم ما هو محرم؟
الجواب:
1 - يوم الفطر ويوم الاضحى:
ذهب الجمهور إلى تحريم صوم يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى.
وذلك لأنّ هذه الأيّام منع صومها كما فى حديث أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ " نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ النَّحْر"ِ [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ:
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ صَامَهُمَا عَنْ نَذْرٍ؟ أَوْ تَطَوُّعٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهُمَا مُتَعَمِّدًا لِعَيْنِهِمَا.أ. هـ
2 - صوم الحائض والنفساء:
ومما يحرم من الصوم صيام الحائض والنّفساء، وصيام من يخاف على نفسه الهلاك بصومه.
ففى الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا" [البخارى - كتاب الصوم - بَاب الْحَائِضِ تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ]
وفى الحدبث عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ قُلْتُ لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ قَالَتْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ" [مسلم – كتاب الحيض - بَاب وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ دُونَ الصَّلَاةِ]
قال النووى فى الشرح:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/232)
هَذَا الْحُكْم مُتَّفَق عَلَيْهِ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْحَائِض وَالنُّفَسَاء لَا تَجِب عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَلَا الصَّوْم فِي الْحَال , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّلَاة , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّوْم. قَالَ الْعُلَمَاء وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الصَّلَاة كَثِيرَة مُتَكَرِّرَة فَيَشُقّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْم , فَإِنَّهُ يَجِب فِي السَّنَة مَرَّة وَاحِدَة , وَرُبَّمَا كَانَ الْحَيْض يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ. أ.هـ
وقال ابن حجر فى فتح الباري:
وَمِمَّا يُفَرَّق فِيهِ بَيْن الصَّوْم وَالصَّلَاة فِي حَقّ الْحَائِض أَنَّهَا لَوْ طَهُرَتْ قَبْل الْفَجْر وَنَوَتْ صَحَّ صَوْمهَا فِي قَوْل الْجُمْهُور وَلَا يُتَوَقَّف عَلَى الْغُسْل.
والحائض والنّفساء إذا طهرتا في أثناء النّهار، فالراجح أنّه لا يلزمهما الإمساك، ونقل الغزالى الاتّفاق عليه ..... (قلت فيه خلاف لكن المذكور هو الاصح لكن عليها ان تستتر بالافطار) .... ومما اتفقوا عليه ان صيام الحائض والنفساء - حال حيضهم – محرم وانهم ان صاموا لم يجزئهم وعليهم الاعادة وجوبا.
3 - أيام التشريق:
وأيّام التّشريق لحديث نبيشة الهذليّ - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «أيّام التّشريق أيّام أكل وشرب، وذكر اللّه - عزّ وجلّ». [ابو داود والنسائى - تحقيق الألباني: صحيح]
وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَيَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا مُؤْمِنٌ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ].
وحديث أبي هريرة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن حذافة أن يطوف في أيام منى: ألا لا تصوموا هذه الأيام , فإنها أيام أكل و شرب و ذكر الله ". [أخرجه الطحاوي و أحمد، واورده الالبانى فى الصحيحة]
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى تَحْرِيمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ.
قَالَ فِي ْفَتْحِ الباري: وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَأَبِي طَلْحَةَ مِنْ الصَّحَابَةِ الْجَوَازَ مُطْلَقًا.
وَعَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمَنْعَ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
واستثنى المالكيّة والحنابلة في رواية: صوم أيّام التّشريق عن دم المتعة والقران
وَعَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
وَلَهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا: الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى ".
4 - يوم الشّكّ:
وهو يوم الثّلاثين من شعبان إذا غمّ على النّاس فلم يروا الهلال اختصّ تحريم صيامه، لما رواه صلة بن زفر قال: كنّا عند عمّار في اليوم الّذي يشكّ فيه فأتى بشاة مصليّة، فتنحّى بعض القوم، فقال عمّار: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم.
قال فى كتاب الصوم من الشرح الممتع: [(ج 1 / ص 6)]
يحرم صومه لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: " لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه " وإن لم يكن يصوم صوماً فصام هذا اليوم الذي فيه شك فقد تقدم رمضان بيوم.
ولحديث عمار بن ياسر - رضي الله عنهما - الذي علقه البخاري، ووصله أصحاب السنن: " من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم "
وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: " الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " فقوله: " أكملوا العدة ثلاثين " أمر، والأصل في الأمر الوجوب، فإذا وجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً حرم صوم يوم الشك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/233)
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: " هلك المتنطعون " فإن هذا من باب التنطع في العبادة، والاحتياط لها في غير محله. أ.هـ
س: هل من الصيام ما هو مكروه؟
الجواب:
واما الصّوم المكروه، فيشمل ما يلي:
أ - إفراد يوم الجمعة بالصّوم:
نصّ على كراهته الجمهور، ويدل على ذلك الحديث المتفق عليه من حديث مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا: " أَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ ".
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ" [البخاري -كتاب الصوم - صَوْمُ يَوْمِ الْجُمْعَةِ، إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا يَوْم الْجُمْعَة فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ]
وَلِمُسْلِمٍ: " وَلَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ " [مسلم (1930)]
وعَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ أَصُمْتِ أَمْسِ قَالَتْ لَا قَالَ تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا قَالَتْ لَا قَالَ فَأَفْطِرِي" [البخارى (1850)]
قال ابن حجر فى فتح الباري:
قَوْله (لَا يَصُوم أَحَدكُمْ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ بِلَفْظِ النَّفْي وَالْمُرَاد بِهِ النَّهْي , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " لَا يَصُومَن " بِلَفْظِ النَّهْي الْمُؤَكَّدِ.
قَوْله: (إِلَّا يَوْمًا قَبْله أَوْ بَعْده) تَقْدِيره إِلَّا أَنْ يَصُوم يَوْمًا قَبْله ...... وَلِمُسْلِمٍ عَنْ الْأَعْمَش " لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَة إِلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْله أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ " ...... وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " لَا تَخُصُّوا لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَامٍ مِنْ بَيْن اللَّيَالِي , وَلَا تَخُصُّوا يَوْم الْجُمُعَة بِصِيَامٍ مِنْ بَيْن الْأَيَّام , إِلَّا أَنْ يَكُون فِي صَوْمٍ يَصُومهُ أَحَدُكُمْ " وَرَوَاهُ أَحْمَد عَنْ اِبْن سِيرِينَ بِلَفْظِ " نَهَى أَنْ يُفْرَدَ يَوْم الْجُمُعَة بِصَوْمٍ " ........ ثم قال:
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُقَيِّد النَّهْيَ الْمُطْلَق فِي حَدِيث جَابِر وَتُؤَيِّدُ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنْ تَقْيِيد الْإِطْلَاق بِالْإِفْرَادِ , وَيُؤْخَذ مِنْ الِاسْتِثْنَاء جَوَازُهُ لِمَنْ صَامَ قَبْله أَوْ بَعْده أَوْ اِتَّفَقَ وُقُوعُهُ فِي أَيَّامٍ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِهَا كَمَنْ يَصُوم أَيَّام الْبِيضِ أَوْ مَنْ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ عَرَفَةَ فَوَافَقَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ , وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ صَوْمِهِ لِمَنْ نَذَرَ يَوْم قُدُوم زَيْدٍ مَثَلًا أَوْ يَوْم شِفَاء فُلَانٍ. أ. هـ
ب - صوم يوم السّبت وحده خصوصاً:
وقد ورد فيه حديث عبد اللّه بن بسر، عن أخته، واسمها الصّمّاء رضي الله تعالى عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يوم السّبت إلاّ فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلاّ لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه» (اللِّحَاءُ: قِشْرُ الشَّجَرِ).
[والحديث أخرجه أخرجه أبو داود وقال هذا حديث منسوخ و الترمذى و الدارمى وابن ماجه وغيرهم ... وقال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 118: صحيح].
قال أبو عيسى هذا حديث حسن ومعنى كراهته في هذا أن يخص الرجل يوم السبت بصيام لأن اليهود تعظم يوم السبت.
قال الحافظ فى " بلوغ المرام " 1/ 139: رجاله ثقات , إلا أنه مضطرب , و قد أنكره مالك. و قال أبو داود: هو منسوخ.
قال الشوكانى:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/234)
وَقَدْ جَمَعَ صَاحِبُ الْبَدْرِ الْمُنِيرِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ: النَّهْيُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْإِفْرَادِ وَالصَّوْمِ بِاعْتِبَارِ انْضِمَامِ مَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ إلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ إذْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ صَامَ الْجُمُعَةَ أَنْ يَصُومَ السَّبْتَ بَعْدَهَا وَالْجَمْعُ مَهْمَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ.أ. هـ[نيل الأوطار - (ج 7 / ص 163)]
قال الالبانى: [الصحيحه: [5/ 522]
و اعلم أنه قد صح النهي عن صوم يوم السبت إلا في الفرض , و لم يستثن عليه الصلاة والسلام غيره , و هذا بظاهره مخالف لما تقدم من إباحة صيامه مع صيام يوم الجمعة , فإما أن يقال بتقديم الإباحة على النهي , و إما بتقديم النهي على الإباحة , و هذا هو الأرجح عندي
ووجه الكراهة أنّه يوم تعظّمه اليهود، ففي إفراده بالصّوم تشبّه بهم، إلاّ أن يوافق صومه بخصوصه يوماً اعتاد صومه، كيوم عرفة أو عاشوراء. أ.هـ
ج - صوم يوم الأحد بخصوصه:
ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ تعمّد صوم يوم الأحد بخصوصه مكروه، إلاّ إذا وافق يوماً كان يصومه، واستظهر ابن عابدين أنّ صوم السّبت والأحد معاً ليس فيه تشبّه باليهود والنّصارى، لأنّه لم تتّفق طائفة منهم على تعظيمهما، كما لو صام الأحد مع الاثنين، فإنّه تزول الكراهة، ويستظهر من نصّ الحنابلة أنّه يكره صيام كلّ عيد لليهود والنّصارى أو يوم يفردونه بالتّعظيم إلاّ أن يوافق عادةً للصّائم.
د - إفراد يوم النّيروز بالصّوم:
يكره إفراد يوم النّيروز، ويوم المهرجان بالصّوم، وذلك لأنّهما يومان يعظّمهما الكفّار، وهما عيدان للفرس، فيكون تخصيصهما بالصّوم - دون غيرهما - موافقةً لهم في تعظيمهما، فكره، كيوم السّبت.
وعلى قياس هذا كلّ عيد للكفّار، أو يوم يفردونه بالتّعظيم ونصّ ابن عابدين على أنّ الصّائم إذا قصد بصومه التّشبّه، كانت الكراهة تحريميّةً.
لكن أخرج الترمذى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم:" كان يصوم من الشهر السبت و الأحد و الاثنين و من الشهر الآخر الثلاثاء و الأربعاء والخميس" [قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 4971 في صحيح الجامع]
وفى الحديث عن أم سلمة: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصوم من الأيام السبت و الأحد و كان يقول: " إنهما يوما عيد المشركين فأحب أن أخالفهم ".
[قال الحافظ فى " الفتح " 4/ 235: صححه ابن حبان.]
هـ - صوم الوصال:
ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في قول - إلى كراهة صوم الوصال، وهو: أن لا يفطر بعد الغروب أصلاً، حتّى يتّصل صوم الغد بالأمس، فلا يفطر بين يومين .... وذلك لما جاء فى الحديث عن أَبَى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَيُّكُمْ مِثْلِي إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا". [البخاري - كتاب الصوم - باب التنكيل لمن اكثر الوصال]
والنّهي وقع رفقاً ورحمةً بالصائمين، ولهذا واصل النّبيّ صلى الله عليه وسلم , وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها، وكذا بمجرّد الشّرب لانتفاء الوصال , ولا يكره الوصال إلى السّحر عند الحنابلة، لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ" ... [البخارى - كتاب الصوم - باب الوصال الى السحر]
ولكنّه لو واصل فقد ترك سنّةً، وهي: تعجيل الفطر، فترك الوصال أولى محافظةً على السّنّة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/235)
وعند الشّافعيّة قولان - الأوّل وهو الصّحيح - بأنّ الوصال مكروه كراهة تحريم، وهو ظاهر نصّ الشّافعيّ رحمه الله، والثّاني: يكره كراهة تنزيه.
و - صوم الدّهر - صوم العمر:
جاءت النصوص الكثيرة بما يدل على كراهة صوم الدّهر، وعلّلت الكراهة بأنّه يضعف الصّائم عن الفرائص والواجبات والكسب الّذي لا بدّ منه، أو بأنّه يصير الصّوم طبعاً له، ومبنى العبادة على مخالفة العادة, واستدلّ للكراهة، بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ " [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: " قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ صَامَ الدَّهْرَ؟ قَالَ: لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ، أَوْ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ " [اخرجه ابو داود والنسائى والترمذى قال الالبانى: صحيح].
قوله:" لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ " قَالَ فِي ْفَتْحِ الباري: أَيْ لَمْ يَحْصُلْ أَجْرَ الصَّوْمِ لِمُخَالَفَتِهِ وَلَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ وَإِلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ مُطْلَقًا ذَهَبَ إِسْحَاقُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ , وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: يَحْرُمُ، وَيَدُلُّ لِلتَّحْرِيمِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ , وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ كَمَا فِي الْفَتْحِ إلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِهِ!!!.
ى- يكره تخصيص رجب بالصوم:
قال أحمد وإن صامه رجل أفطر فيه يوما أو أياما بقدر ما لا يصومه كله ووجه ذلك ما روى عن أحمد عن خرشة بن الحر قال: " رأيت عمر يضرب أكف المترجبين (الذين يخصون رجب بصيام) حتى يضعوها فى الطعام و يقول: كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية " [قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 113:صحيح].
وبإسناده عن ابن عمر أنه كان إذا رأى الناس وما يعدون لرجب كرهه وقال: صوموا منه وأفطروا وعن ابن عباس نحوه وبإسناده عن أبي بكرة أنه دخل على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان فقال ما هذا فقالوا رجب نصومه قال أجعلتم رجب رمضان فأكفأ السلال وكسر الكيزان قال أحمد: من كان يصوم السنة صامه وإلا فلا يصومه متواليا يفطر فيه ولا يشبه برمضان. أ.هـ[المغنى – ج6 ص181]
وَحَكَى ابْنُ السُّبْكِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَرِدْ فِي اسْتِحْبَابِ صَوْمِ رَجَبٍ عَلَى الْخُصُوصِ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تُرْوَى فِيهِ وَاهِيَةٌ لَا يَفْرَحُ بِهَا عَالِمٌ.
قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 114:
وفى الحديث عن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ أَرْسَلَتْنِي أَسْمَاءُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَتْ:" بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةً الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ وَمِيثَرَةَ الْأُرْجُوَانِ وَصَوْمَ رَجَبٍ كُلِّهِ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ رَجَبٍ فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الْأَبَدَ .......... " [المِيثَرَةَ: الفراش الوطئ] [الْأُرْجُوَانِ: صبغ احمر شديد الحمرة] [أخرجه مسلم (3855)].
و عليه يشكل قوله فى هذه الرواية: " فكيف بمن يصوم الأبد " , فقد فسروه بأنه
إنكار منه لما بلغ أسماء من تحريمه , و أخبار منه أنه يصوم رجبا كله , و أنه
يصوم الأبد. كما فى شرح مسلم للنووى , و " السراج الوهاج " لصديق حسن خان (2/ 285).
فلعل التوفيق بين صومه لرجب , و كراهته لذلك , أن تحمل الكراهة على إفراد رجب بالصوم كما يفرد رمضان به , فأما صيامه فى جملة ما يصوم فليس مكروها عنده و الله أعلم.أ. هـ
?فصل فى بيان الفرق بين صوم الفرض وصوم التطوع?
س: ما الفرق بين صوم الفرض وصوم التطوع؟
الجواب:
صوم الفرض هو ما كتبه الله على عباده أوكتبه العبد على نفسه على وجه الالزام الحتمى كالنذر , وتنشغل الذمة التكليفية به فلا يسقط الا بالاداء او العذر واداء البدل ان كان هناك بدل دل عليه الشرع كالفدية فى صيام رمضان.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/236)
أما التطوع عموما فهو التّقرّب إلى اللّه تعالى بما ليس بفرض من العبادات , وصوم التّطوّع هو التّقرّب إلى اللّه تعالى بما ليس بفرض من الصّوم , كصوم يوم عاشوراء , وصوم يوم عرفة , وصوم يوم الاثنين والخميس من كلّ أسبوع ,
وللصيام فرضا كان او تطوعا فضلٌ عظيم ويُجزى عليه العبد بالاجر الوفير وقد جاءت النصوص تبين ذلك منها:
ما أخرجه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ
[البخاري - كتاب الصوم - باب قول الله تعالى يريدون ان يبدلوا كلام الله]
وفى الحديث عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" من صام يوما في سبيل الله باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام ". [اخرجه النسائى والطبرانى فى الكبير وصححه اللبانى فى الصحيحه]
س: هل هناك انواع لصيام التطوع؟
الجواب:
قسّم الحنفيّة صوم التّطوّع إلى مسنون، ومندوب، ونفل.
فالمسنون: عاشوراء مع تاسوعاء.
والمندوب: صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وصوم يوم الاثنين والخميس، وصوم ستّ من شوّال، وكلّ صوم ثبت طلبه والوعد عليه: كصوم داود عليه السلام، ونحوه ,
والنّفل: ما سوى ذلك ممّا لم تثبت كراهته.
وقسّم المالكيّة - أيضاً - صوم التّطوّع إلى ثلاثة أقسام:
سنّة، ومستحبّ، ونافلة.
فالسّنّة: صيام يوم عاشوراء.
والمستحبّ: صيام الأشهر الحرم، وشعبان، والعشر الأول من ذي الحجّة، ويوم عرفة، وستّة أيّام من شوّال، وثلاثة أيّام من كلّ شهر، ويوم الاثنين والخميس.
والنّافلة: كلّ صوم لغير وقت ولا سبب، في غير الأيّام الّتي يجب صومها أو يمنع.
وعند الشّافعيّة والحنابلة: صوم التّطوّع والصّوم المسنون بمرتبة واحدة.
?فصل فى بيان معنى اسم شهر الصوم وفضائله?
س: لماذا سُمى شهر فريضة الصيام برمضان وما هى فضائل وخصائص هذا الشهر؟
الجواب:
قال ابو حيان
رمضان علم على شهر الصوم، وهو علم جنس، ويجمع على: رمضانات وأرمضة، وعلاقة هذا الاسم من مدة كان فيها في الرمضى، وهو: شدة الحر، كما سمي الشهر ربيعاً من مدّة الربيع، وجمادى من مدّة الجمود، ويقال: رمض الصائم يرمض: احترق جوفه من شدة العطش، ورمضت الفِصال: أحرق الرمضاء أخفافها فبركت من شدّة الحر، وانزوت إلى ظلّ أمهاتها، ويقال: أرمضته الرمضاء: أحرقته، وأرمضني الأمر.
وقيل: سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب، أي: يحرقها بالأعمال الصالحة، وقيل: لأن القلوب تحترمَنَّ الموعظة فيه والفكرة في أمر الآخرة، وقيل: من رمضت النصل: رققته بين حجرين ليرق، ومنه: نصل رميض ومرموض، عن ابن السكيت. وكانوا يرمضون أسلحتهم في هذا الشهر ليحاربوا بها في شوّال قبل دخول الأشهر الحرام، وكان هذا الشهر في الجاهلية يسمى: ناتقاً
وإنما سموه بذلك؛ لأنه كان ينتقهم لشدّته عليهم. [تفسير البحر المحيط – (البقرة – 185)]
ويختصّ شهر رمضان عن غيره من الشّهور بجملةٍ من الخصائص والفضائل والاحكام منها: [راجع رسالة: رمضان كيف نستقبله وكيف نغتنمه للمؤلف]
نزول القرآن وكل الكتب المنزله والصحف فيه:
نزل القرآن جملةً واحدةً من اللّوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السّماء الدّنيا، وذلك في شهر رمضان، وفي ليلة القدر منه على التّعيين.
ثمّ نزل مفصّلًا بحسب الوقائع في ثلاثٍ وعشرين سنةً.
قال تعالى?????? ": ????????? ???????? ??????? ????? ????????????? ????? ?•?•????? ???????????? ????? ?????????? ??????????????? ? ...... [????? البقرة] وقوله سبحانه تعالى: ??????" ???????????? ??? ???????? ?????????? ???" ... عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، في قوله (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر، إلى السماء الدنيا، فكان بموقع النجوم، فكان الله ينزله على رسوله، بعضه في أثر بعض. [تفسير الطبري – طبعة الرساله - (سورة القدر)]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/237)
وروي عن واثلة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في ثلاث ليال مضين من رمضان، ويروى في أول ليلة من رمضان، وأنزلت توراة موسى عليه السلام في ست ليال مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام في ثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان، وأنزل زبور داود في ثمان عشرة مضت من رمضان وأنزل الفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم في الرابعة والعشرين من شهر رمضان لست بقين بعدها"
[رواه أحمد والطبرانى - قال الألباني: (حسن) انظر حديث رقم: 1497 في صحيح الجامع].
اشتماله على هذه الليلة المباركة التى هى خير من الف شهر:
قال تعالى: "???????? ?????????? ?????? ????? ?????? ?????? ???" ... عن مجاهد قال: عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر ..... وقال آخرون منهم قتاده: معنى ذلك أن ليلة القدر خير من ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر.
وعن مجاهد (ليلة القدر): ليلة الحكم ...... وقال رجل للحسن: رأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال: نعم، والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي كلّ رمضان، وإنها لليلة القدر، (فيها يُفرق كلّ أمر حكيم) ... فيها يقضي الله كلّ أجل وعمل ورزق، إلى مثلها.
وجوب صومه:
صوم رمضان أحد أركان الإسلام الخمسة كما جاء في حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ " [البخاري – كتاب الايمان - باب بنى الاسلام على خمس]
ودلّ الكتاب الكريم على وجوب صومه، كما في قوله تعالى: ??????????? ????????? ?????????? ?????? ?????????? ??????????? ????? ?????? ????? ????????? ??? ?????????? ?????????? ????????? ????? [البقرة – 183]
وقوله تعالى: ?????? ????????? ???????? ??????? ????? ????????????? ????? ?•?•????? ???????????? ????? ?????????? ??????????????? ? ????? ?????? ??????? ????????? ???????????? ? ????? ????? ???????? ???? ?????? ?????? ???????? ????? ??????? ?????? ? ??????? ???? ?????? ?????????? ???? ??????? ?????? ?????????? ??????????????? ?????????? ???????????????? ???? ?????? ??? ????????? ???????????? ??????????? ????? [البقرة – 185] ...... وفرضيّة صومه ممّا أجمعت عليه الأمّة.
فضل الصّدقة فيه:
دلّت السّنّة على أنّ الصّدقة في رمضان أفضل من غيره من الشّهور، من ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ." [البخارى - كتاب بدء الوحي - باب بدء الوحى]
قال ابن حجرٍ فى فتح الباري:
وَمَعْنَى أَجْوَد النَّاس: أَكْثَر النَّاس جُودًا , وَالْجُود الْكَرَم , وَهُوَ مِنْ الصِّفَات الْمَحْمُودَة .... وَالتَّقْدِير: كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّة كَوْنه فِي رَمَضَان أَجْوَد مِنْهُ فِي غَيْره ..... وَالْجُود فِي الشَّرْع إِعْطَاء مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي , وَهُوَ أَعَمّ مِنْ الصَّدَقَة. وَأَيْضًا فَرَمَضَان مَوْسِم الْخَيْرَات ; لِأَنَّ نِعَم اللَّه عَلَى عِبَاده فِيهِ زَائِدَة عَلَى غَيْره , .... وَالريح الْمُرْسَلَة أَيْ: الْمُطْلَقَة يَعْنِي أَنَّهُ فِي الْإِسْرَاع بِالْجُودِ أَسْرَع مِنْ الرِّيح , وَعَبَّرَ بِالْمُرْسَلَةِ إِشَارَة إِلَى دَوَام هُبُوبهَا بِالرَّحْمَةِ , وَإِلَى عُمُوم النَّفْع بِجُودِهِ كَمَا تَعُمّ الرِّيح الْمُرْسَلَة جَمِيع مَا تَهُبّ عَلَيْهِ.
صلاة التّراويح فيه:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/238)
أجمع المسلمون على سنّيّة قيام ليالي رمضان، وقد ذكر النّوويّ أنّ المراد بقيام رمضان صلاة التّراويح يعني أنّه يحصل المقصود من القيام بصلاة التّراويح , وقد جاء في فضل قيام ليالي رمضان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" [البخاري – كتاب الايمان - باب قيام رمضان من الايمان]
الاعتكاف فيه:
ذهب الفقهاء إلى أنّ الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان سنّة مؤكّدة لمواظبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليه، كما جاء في الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ" [البخاري – كتاب - الاعتكاف - باب الاعتكاف فى العشر الاواخر]
وفي حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ قَالَ مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ" [البخاري – كتاب - الاعتكاف - باب الاعتكاف فى العشر الاواخر]
قراءة القرآن الكريم في رمضان والذّكر فيه:
يستحبّ في رمضان استحبابًا مؤكّدًا مدارسة القرآن وكثرة تلاوته، وتكون مدارسة القرآن بأن يقرأ على غيره ويقرأ غيره عليه، ودليل الاستحباب «أنّ جبريل كان يلقى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في كلّ ليلةٍ من رمضان فيدارسه القرآن» وقراءة القرآن مستحبّة مطلقًا، ولكنّها في رمضان آكد.
قال ابن القيم: [زاد المعاد: طبعة الرساله - جـ2 صـ32]
وكان من هدية في شهر رمضان الإكثار من انواع العبادات فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن في رمضان وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور حتى إنه كان ليواصل فيه احيانا ليوفر ساعات ليلة ونهاره على العبادة
مضاعفة ثواب الأعمال الصّالحة في رمضان:
تتأكّد الصّدقة في شهر رمضان، لحديث ابن عبّاسٍ المتقدّم ; لأنّه أفضل الشّهور ; ولأنّ النّاس فيه مشغولون بالطّاعة فلا يتفرّغون لمكاسبهم، فتكون الحاجة فيه أشدّ، ولتضاعف الحسنات به.
قال إبراهيم النخعى: تسبيحة في رمضان خير من ألف تسبيحةٍ فيما سواه.
تفطير الصّائم:
من فطر صائما كان له من الاجر الكثير يبين ذلك حديث زيد ابن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا " [اخرجه الترمذى وابن ماجه -
قال الألباني: صحيح]
فضل العمرة في رمضان:
العمرة في رمضان أفضل من غيره من الشّهور بل تعدل فى الاجر حجه
لحديث ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ ..... فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً" [مسلم - كتاب الحج - باب فضل العمرة فى رمضان]
قال النووى فى شرح مسلم:
(تَعْدِل حَجَّة) , وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (تَقْضِي حَجَّة) أَيْ تَقُوم مَقَامهَا فِي الثَّوَاب , لَا أَنَّهَا تَعْدِلهَا فِي كُلّ شَيْء , فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّة فَاعْتَمَرَ فِي رَمَضَان لَا تُجْزِئهُ عَنْ الْحَجَّة.
بل تعدل فى الاجر حجه مع النبي ? لحديث ابن عباس يرفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أقرئها السلام ورحمة الله وبركاته وأخبرها أنها تعدل حجة معي يعني عمرة في رمضان" [اخرجه ابو داود – وقال الالبانى حسن صحيح]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/239)
?فصل فى بيان ما يثبت به دخول شهر رمضان وما على المسلمين فى ذلك?
س: بما يثبت بدء شهر رمضان؟
الجواب:
يثبت بدء شهر رمضان بإكمال شعبان ثلاثين يوماً اتّفاقاً، أو رؤية الهلال ليلة الثّلاثين، وفي كيفية ثبوت الرّؤية خلاف بين الفقهاء.
ويعتمد في اثبات شّهر رمضان على امور:
الأوّل: رؤية الهلال.
والثّاني: إكمال عدّة شّهر شعبان ثلاثين يوما، إن غمّ الهلال في ليلة الثّلاثين من رمضان.
ويغمّ الهلال بأن تكون السّماء مغيّمة في آخر الشّهر، أو حال دون رؤيته قتر أو غبار، فأمّا إذا كانت السّماء مصحية فلا يتوقّف ثبوته على إكمال ثلاثين، بل تارة يثبت بإكمال العدّة إذا لم ير الهلال، وتارة يثبت برؤية الهلال ليلة الثّلاثين.
وتثبت الرّؤية لدى الحاكم بشهادة عدلين في غير رمضان، أمّا في رمضان فإنّ الفقهاء اختلفوا فيه، فذهب بعضهم إلى اشتراط عدلين، واكتفى البعض بشهادة عدل واحد.
واختلاف الفقهاء في قبول خبر الواحد عن رؤية هلال شهر رمضان بسبب اختلافهم في كون هذه الرّؤية من باب الأخبار، أو من باب الشّهادة.
فذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو حنيفة في رواية عنه إلى قبول خبر ثقة واحد عن رؤية هلال شهر رمضان بشرط أن يكون مسلماً، عاقلاً، بالغاً، عدلاً، سواء أكانت السّماء مصحيةً أم لا.
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال «تراءى النّاس الهلال فأخبرت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّي رأيته فصامه وأمر النّاس بصيامه» [اخرجه ابو داود و الدارمى و ابن حبان – قال الالبانى فى ارواء الغليل - 4/ 16: صحيح].
ولأنه خبر دينيّ يشترك فيه المخبِر والمخبَر فقبل من واحد، ولا فرق عند هؤلاء بين الرّجل والمرأة , وعند الشّافعيّة وفي قول مرجوح لدى الحنابلة لا يثبت برؤية امرأة.
وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن كانت السّماء مصحيةً، فيشترط لثبوت هلال رمضان رؤية عدد من الشّهود يقع العلم القطعيّ للقاضي بشهادتهم لتساوي النّاس في الأسباب الموصلة إلى الرّؤية، وتفرّد واحد بالرّؤية مع مساواة غيره دليل الكذب أو الغلط في الرّؤية، أمّا إذا كانت السّماء غير مصحية أو بها علّة، فيقبل خبر الواحد العدل في رؤية هلال رمضان، سواء كان رجلاً أم امرأةً غير محدود في قذف أو محدودًا تائبًا بشرط أن يكون مسلماً، عاقلاً، بالغاً، عدلاً، لحديث ابن عبّاس الّذي سبق ذكره، ولأنّ هذه العلّة تمنع التّساوي في الرّؤية لجواز أنّ قطعةً من الغيم انشقّت فظهر الهلال فرآه واحد فاستتر بالغيم من ساعته قبل أن يراه غيره.
أمّا المالكيّة فيرون أنّه لا بدّ لثبوت هلال رمضان من إتمام شعبان ثلاثين يوماً، أو رؤية عدلين أو أكثر، وهو قول لدى الشّافعيّة، ورواية عن أحمد، لحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب و فيه: " فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا " [رواه أحمد و النسائى – قال الالبانى (صحيح) انظر حديث رقم: 3811 في صحيح الجامع].
اما فى ثبوت هلال شوال:
اتّفق جمهور الفقهاء على اشتراط رؤية عدلين في هلال شوّالٍ، ولأنّها شهادة على هلالٍ لا يدخل بها في العبادة، فلم تقبل فيها إلاّ شهادة اثنين كسائر الشّهود.
واختلف الفقهاء في بعض التّفصيلات.
فاشترط الحنفيّة لإثبات هلال شوّالٍ في حالة الصّحو أن يكون الشّهود جماعةً يحصل العلم للقاضي بخبرهم كما في هلال رمضان، ولم يقبلوا في حال الغيم إلاّ شهادة رجلين،
واشترط المالكيّة في هلال شوّالٍ الرّؤية المستفيضة أو شهادة عدلين ممّن يشهدون في الحقوق العامّة.
واشترط الشّافعيّة والحنابلة في ثبوت هلال شوّالٍ شهادة رجلين حرّين عدلين احتياطاً للفرض
وسوّى الحنابلة بين شوّالٍ وغيره من الشّهور فاشترطوا رؤية رجلين عدلين لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا»
س: هل يثبت بدء شهر رمضان بالحساب الفلكى؟
الجواب:
وقع الخلاف فى هذه المسأله منذ أواخر القرن الهجريّ الأوّل،
ومن أسباب الاختلاف وجود لفظةٍ في حديث عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: «لا تصوموا حتّى تروا الهلال، ولا تفطروا حتّى تروه فإن غمّ عليكم فاقدروا له» [متفق عليه].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/240)
ففى هذا الحديث علّق النبي ? بداية صيام رمضان والشّروع في الإفطار برؤية الهلال، وأمر عند تعذّرها في حالة الغيم بالتّقدير، فقال صلى الله عليه وسلم: «فإن غمّ عليكم فاقدروا له»، وقد اختلفوا في المراد من هذه العبارة على قولين:
الاول: بتقدير الهلال بالحساب الفلكيّ
ونسب هذا القول إلى مطرّف بن عبد اللّه بن الشّخّير من التّابعين وأبي العبّاس بن سريجٍ من الشّافعيّة وابن قتيبة من المحدّثين.
وقال ابن عبد البرّ: لا يصحّ عن مطرّفٍ، ونفى نسبة ما عرف عن ابن سريجٍ إلى الشّافعيّ لأنّ المعروف عنه ما عليه الجمهور.
ونقل ابن رشدٍ عن مطرّفٍ قوله: يعتبر الهلال إذا غمّ بالنّجوم ومنازل القمر وطريق الحساب، قال: وروي مثل ذلك عن الشّافعيّ في روايةٍ، والمعروف له المشهور عنه أنّه لا يصام إلاّ برؤيةٍ فاشيةٍ أو شهادةٍ عادلةٍ كالّذي عليه الجمهور.
وعن مطرّفٍ أيضًا أنّ العارف بالحساب يعمل به في نفسه.
أمّا ابن سريجٍ فاعتبر قوله صلى الله عليه وسلم: «فاقدروا له»: خطاباً لمن خصّه اللّه تعالى بعلم الحساب، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: «فأكملوا العدّة» خطاباً للعامّة.
وبيّن ابن الصّلاح ما قصده ابن سريجٍ من المعرفة بالحساب فقال: معرفة منازل القمر هي معرفة سير الأهلّة، وأمّا معرفة الحساب فأمر دقيق يختصّ بمعرفته الآحاد.
فمعرفة منازل القمر تدرك بأمرٍ محسوسٍ يدركه من يراقب النّجوم، وهذا هو الّذي أراده ابن سريجٍ، وقال به في حقّ العارف بها فيما يخصّه.
وقد اختلف النّقل عن ابن سريجٍ في حكم صيام العارف بالحساب عند ثبوت الهلال عنده، ففي روايةٍ عنه أنّه لم يقل بوجوب ذلك عليه، وإنّما قال بجوازه، وفي روايةٍ أخرى عنه لزوم الصّيام في هذه الصّورة.
وقال القشيريّ: إذا دلّ الحساب على أنّ الهلال قد طلع من الأفق على وجهٍ يرى لولا وجود المانع كالغيم مثلاً، فهذا يقتضي الوجوب لوجود السّبب الشّرعيّ، وليس حقيقة الرّؤية مشروطةً في اللّزوم.
والمعتمد في المذهب الحنفيّ أنّ شرط وجوب الصّوم والإفطار رؤية الهلال، وأنّه لا عبرة بقول المؤقّتين ولو عدولاً، ومن رجع إلى قولهم فقد خالف الشّرع، وذهب قوم منهم إلى أنّه يجوز أن يجتهد في ذلك، ويعمل بقول أهل الحساب.
ومنع مالك من اعتماد الحساب في إثبات الهلال، فقال: إنّ الإمام الّذي يعتمد على الحساب لا يقتدى به، ولا يتبع.
وبيّن أبو الوليد الباجيّ حكم صيام من اعتمد الحساب فقال: فإن فعل ذلك أحد فالّذي عندي أنّه لا يعتدّ بما صام منه على الحساب ويرجع إلى الرّؤية وإكمال العدد، فإن اقتضى ذلك قضاء شيءٍ من صومه قضاه.
وذكر القرافيّ قولاً آخر للمالكيّة بجواز اعتماد الحساب في إثبات الأهلة.
أمّا الشّافعيّة فقال النّوويّ: قال أصحابنا وغيرهم: لا يجب صوم رمضان إلاّ بدخوله، ويعلم دخوله برؤية الهلال، فإن غمّ وجب استكمال شعبان ثلاثين، ثمّ يصومون سواء كانت السّماء مصحيةً أو مغيّمةً غيماً قليلاً أو كثيراً.
وفي هذا حصر طرق إثبات هلال رمضان في الرّؤية وإكمال شعبان ثلاثين، وفي هذا الحصر نفي لاعتماد الحساب، وقد صرّح في موضعٍ آخر برفضه، لأنّه حدس وتخمين ورأى اعتباره في القبلة والوقت.
ولا يعتمد الحنابلة الحساب الفلكيّ في إثبات هلال رمضان، ولو كثرت إصابته.
والقول الثانى: بالمنع من اعتبار الحساب.
وقد فسّر أصحاب هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم: «فاقدروا له» بتفسيرين
الأوّل: حمل التّقدير على إتمامهم الشّهر ثلاثين.
الثّاني: تفسير بمعنى تضييق عدد أيّام الشّهر.
التّفسير الأوّل: جاء عن عبد اللّه بن عمر أنّه يصبح مفطراً إذا كانت السّماء صاحيةً وصائماً إذا كانت مغيّمةً لأنّه يتأوّل قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم على أنّ المراد منه إتمام الشّهر ثلاثين.
وإلى هذا المعنى ذهب أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ وجمهور السّلف والخلف،فحملوا عبارة: «فاقدروا له» على تمام العدد ثلاثين يوماً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/241)
وها هو البخاريّ قد أتبع حديث عبد اللّه بن عمر فى كتاب الصوم من صحيحه – باب قول النبي اذا رايتم الهلال فصوموا - بروايةٍ أخرى عنه جاء فيها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «الشّهر تسع وعشرون ليلةً فلا تصوموا حتّى تروه، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين».
وأتبعه في نفس الباب بحديث أبي هريرة، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين».
وقال ابن حجرٍ: قصد البخاريّ بذلك بيان المراد من قوله «فاقدروا له»
وأيّد ابن رشدٍ تفسير البخاريّ وعلّله بأنّ التّقدير يكون بمعنى التّمام،
ودعم رأيه بقوله تعالى: ???? ?????? ???? ??????? ?????? ??????? "??? [الطلاق - 3] أي تماماً.
التّفسير الثّاني: بمعنى تضييق عدد أيّام الشّهر: فسّر القائلون به «اقدروا له» بمعنى ضيّقوا له العدد من قوله تعالى: "????? ?????? ???????? ????????? ..... ??? [الطلاق - 7]، والتّضييق له أن يجعل شعبان تسعةً وعشرين يوماً.
وممّن قال بهذا الرّأي أحمد بن حنبلٍ وغيره ممّن يجوّز صوم يوم الشّكّ إن كانت السّماء مغيّمةً.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إنّا أمّة أمّيّة لا نكتب ولا نحسب، الشّهر هكذا وهكذا» "يعني مرّةً تسعةً وعشرين ومرّةً ثلاثين" [البخاري - كتاب الصوم - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لانكتب ولانحسب]
قال ابن حجر فى فتح الباري:
قوله:"لانحسب"
وَالْمُرَاد بِالْحِسَابِ هُنَا حِسَاب النُّجُومِ وَتَسْيِيرهَا , وَلَمْ يَكُونُوا يُعْرَفُونَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا إِلَّا النَّزْر الْيَسِير , فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِالصَّوْمِ وَغَيْره بِالرُّؤْيَةِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي مُعَانَاةِ حِسَاب التَّسْيِير وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ , بَلْ ظَاهِر السِّيَاقِ يُشْعِرُ بِنَفْيِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْحِسَابِ أَصْلًا وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " وَلَمْ يَقُلْ فَسَلُوا أَهْل الْحِسَاب , وَالْحِكْمَة فِيهِ كَوْنُ الْعَدَدَ عِنْدَ الْإِغْمَاءِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُكَلَّفُونَ فَيَرْتَفِعُ الِاخْتِلَاف وَالنِّزَاع عَنْهُمْ , وَقَدْ ذَهَبَ قَوْم إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى أَهْل التَّسْيِير فِي ذَلِكَ وَهُمْ الرَّوَافِضُ , وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مُوَافَقَتُهُمْ. قَالَ الْبَاجِي: وَإِجْمَاع السَّلَف الصَّالِح حُجَّة عَلَيْهِمْ. وَقَالَ اِبْن بَزِيزَةَ: وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ فَقَدْ نَهَتْ الشَّرِيعَةُ عَنْ الْخَوْضِ فِي عِلْمِ النُّجُومِ لِأَنَّهَا حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ لَيْسَ فِيهَا قَطْعَ وَلَا ظَنٌّ غَالِب , مَعَ أَنَّهُ لَوْ اِرْتَبَطَ الْأَمْر بِهَا لَضَاقَ إِذْ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْقَلِيل. أ.هـ
وجمهور الفقهاء على عدم اعتبار الحساب في إثبات شهر رمضان، بناءً على أنّنا لم نتعبّد إلاّ بالرّؤية.
قال ابن القيم: [زاد المعاد – طبعة الرساله (ج 2 / ص 36)]
وكان من هديه صلى الله عليه و سلم أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد كما صام بشهادة ابن عمر وصام مرة بشهادة أعرابي واعتمد على خبرهما ولم يكلفهما لفظ الشهادة فإن كان ذلك إخبارا فقد اكتفى في رمضان بخبر الواحد وإن كان شهادة فلم يكلف الشاهد لفظ الشهادة فإن لم تكن رؤية ولا شهادة أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما.
وكان إذا حال ليلة الثلاثين دون منظره غيم أو سحاب أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صامه ولم يكن يصوم يوم الإغمام ولا أمر به بل أمر بأن تكمل عدة شعبان ثلاثين إذا غم وكان يفعل كذلك فهذا فعله وهذا أمره ولا يناقض هذا قوله: " فإن غم عليكم فاقدروا له " فإن القدر: هو الحساب المقدر والمراد به الإكمال. أ.هـ
س: هل على المسلمين الاعتناء برؤية هلال شهر رمضان؟
الجواب:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/242)
رؤية الهلال أمر يقتضيه ارتباط توقيت بعض العبادات بها، فيشرع للمسلمين أن يجدّوا في طلبها ويتأكّد ذلك في ليلة الثّلاثين من شعبان لمعرفة دخول رمضان، وليلة الثّلاثين من رمضان لمعرفة نهايته ودخول شوّالٍ، وليلة الثّلاثين من ذي القعدة لمعرفة ابتداء ذي الحجّة , فهذه الأشهر الثّلاثة يتعلّق بها ركنان من أركان الإسلام هما الصّيام والحجّ، ولتحديد عيد الفطر وعيد الأضحى.
والمقصود برؤية الهلال: مشاهدته بالعين بعد غروب شمس اليوم التّاسع والعشرين من الشّهر السّابق ممّن يعتمد خبره وتقبل شهادته فيثبت دخول الشّهر برؤيته.
وللهلال عدّة معانٍ منها: القمر في أوّل استقباله الشّمس كلّ شهرٍ قمريٍّ في اللّيلة الأولى والثّانية، وقيل الثّالثة، وقيل يسمّى هلالاً إلى أن يبهر ضوؤه سواد اللّيل، وهذا لا يكون إلاّ في اللّيلة السّابعة.
ويطلق أيضاً على القمر ليلة ستٍّ وعشرين وسبعٍ وعشرين لأنّه في قدر الهلال في أوّل الشّهر.
وقد حثّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم على طلب الرّؤية لهلال رمضان، فعن أبي هريرة قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمّي عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين" [البخاري – كتاب - الصوم باب قول النبي ? اذا ريتم الهلال فصوموا ... ]
وعن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «الشّهر تسع وعشرون ليلةً، فلا تصوموا حتّى تروه فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين" [البخارى و مسلم (3/ 123)]
وهناك حديث يبيّن اعتناءه ? بشهر شعبان لضبط دخول رمضان، فعن عائشة رضي الله عنها تقول:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام" [اخرجه ابو داود (2325) وقال الالبانى: صحيح]
قال الشّرّاح: أي يتكلّف في عدّ أيّام شعبان للمحافظة على صوم رمضان.
وقد اهتمّ الصّحابة رضي الله عنهم في حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم برؤية هلال رمضان فكانوا يتراءونه.
عن عبد اللّه بن عمر، قال: «تراءى النّاس الهلال فأخبرت به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فصام وأمر النّاس بصيامه».
ويؤيد ذلك ما جاء من حديث ابى هريرة ان النبي ? قال:"أحصوا هلال شعبان لرمضان و لا تخلطوا برمضان إلا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم و صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما فإنها ليست تغمى عليكم العدة " [اخرجه الدرقطنى والبيهقى - وقال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 199 في صحيح الجامع].
وقد أوجب الحنفيّة كفاية التماس رؤية هلال رمضان ليلة الثّلاثين من شعبان فإن رأوه صاموا، وإلاّ أكملوا العدّة ثمّ صاموا، لأنّ ما لا يحصل الواجب إلاّ به فهو واجب.
وقال الحنابلة: يستحبّ ترائي الهلال احتياطاً للصّوم وحذاراً من الاختلاف.
وبالجملة فهذه المسآله محلّ خلافٍ بين الفقهاء، فبعضهم يقول: يستحبّ للنّاس ترائي الهلال ليلة الثّلاثين من شعبان وتطلّبه، ليحتاطوا بذلك لصيامهم، وليسلموا من الاختلاف، والبعض يرى أنّ التماس هلال رمضان يجب على الكفاية، لأنّه يتوصّل به إلى الفرض.
ويستحبّ التّثبّت من رؤية هلال شهر رمضان ليلة الثّلاثين من شعبان لتحديد بدئه، ويكون ذلك بأحد أمرين
الأوّل: رؤية هلاله، إذا كانت السّماء خاليةً ممّا يمنع الرّؤية من غيم أو غبار ونحوهما.
الثّاني: إكمال شعبان ثلاثين يوماً، إذا كانت السّماء غير خالية.
س: ماذا يجب على من رأى هلال رمضان أو هلال شوال وحده؟
الجواب:
أكثر الفقهاء على أنّ من رأى هلال رمضان وحده لزمه الصّوم، وتجب عليه الكفّارة لو جامع فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته».
قال العلماء من رأى هلال رمضان وحده، ورُدّت شهادته، لزمه الصّوم وجوباً، عند جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - وهو مشهور مذهب أحمد، وذلك: للآية الكريمة، وهي قوله تعالى: «فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» ...... ولحديث: «صوموا لرؤيته».
ولأنّه تيقّن أنّه من رمضان، فلزمه صومه، كما لو حكم به الحاكم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/243)
وقال أبو حنيفة: يلزمه الصّوم، ولكن إن جامع فيه فلا كفّارة وقال عطاء والحسن وابن سيرين وأبو ثورٍ وإسحاق بن راهويه: لا يلزمه الصّوم.
والمالكيّة ألزموا من رأى الهلال وحده بإعلام الإمام برؤيته لاحتمال أن يكون غيره قد رأى أو علم فتجوز شهادتهما، وأوجبوا على الرّائي المنفرد الصّيام، ولو ردّ الإمام شهادته فإن أفطر فعليه القضاء والكفّارة.
قال الحنابلة إذا رأى الهلال وحده صام فإن كان عدلا صام الناس بقوله
وروي عن أحمد: أنّه لا يصوم إلاّ في جماعة من النّاس.
ومن رأى هلال شوّالٍ وحده لزمه الفطر كذلك عند أغلب الفقهاء، لحديث " صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته "، وقال مالك واللّيث وأحمد: لا يجوز له الأكل فيه.
وعند الجمهور لايفطر، خوف التّهمة وسدّاً للذّريعة، وقيل: يفطر إن خفي له ذلك، وقال أشهب: ينوي الفطر بقلبه، وقول الجمهور الّذين منهم المالكيّة - إن أفطر فليس عليه شيء فيما بينه وبين اللّه تعالى، فإن عثر عليه عوقب إن اتّهم، ولا كفّارة، كما نصّ عليه الحنفيّة، لشبهة الرّدّ.
وقال الشّافعيّ: له أن يفطر، لأنّه تيقّن من شوّال، فجاز له الأكل كما لو قامت بيّنة لكن يفطر سرّاً، بحيث لا يراه أحد، لأنّه إذا أظهر الفطر عرّض نفسه للتّهمة، وعقوبة السّلطان.
س: هل يجب على من رأى هلال شهر رمضان او نحوه الابلاغ عن رؤية الهلال؟
الجواب:
إذا ثبت الهلال عند الجهة المختصّة الموثوق بها وجب إعلام النّاس للشّروع في الصّوم، أو الإفطار وصلاة عيد الفطر، أو صلاة عيد الأضحى وذبح الأضحيّة بالخبر كما قال القرافيّ: ثلاثة أقسامٍ رواية محضة كالأحاديث النّبويّة وشهادة محضة كإخبار الشّهود عن الحقوق على المعيّنين عند الحاكم ومركّب من شهادةٍ وروايةٍ، وله صور أحدها الإخبار عن رؤية هلال رمضان من جهة أنّ الصّوم لا يختصّ بشخصٍ معيّنٍ بل عامّ على جميع المصر أو أهل الآفاق فهو من هذا الوجه رواية لعدم الاختصاص بمعيّنٍ ولعموم الحكم، ومن جهة أنّه حكم يختصّ بهذا العامّ دون ما قبله وما بعده.
وإذا كانت الرّؤية في حدّ ذاتها تشبه الشّهادة والرّواية، فإنّ الإعلام بها بعد ثبوتها لا خلاف في كونه رواية، لذلك فإنّه يعتمد في نقلها وسائل نقل الخبر، ويشترط في المخبر بها شروط الرّاوي المقبول الرّواية المتعارف عليها عند المحدّثين والفقهاء، وهي: العدالة والضّبط.
والمالكيّة ألزموا من رأى الهلال وحده بإعلام الإمام برؤيته لاحتمال أن يكون غيره قد رأى أو علم فتجوز شهادتهما.
وقت الإعلام:
ثم إنّ وقت الإعلام بالنّسبة لرمضان هو ما قبل فجر اليوم الأوّل منه فإن حصل بعد ذلك وجب الإمساك وعقد نيّة الصّيام وقضاء ذلك اليوم حتّى بالنّسبة لمن بيّت الصّيام على غير جزمٍ بدخول رمضان.
س: ماذا على من رأي الهلال نهارا؟
الجواب:
ظهور الهلال في النّهار يعتدّ به عند بعض الفقهاء للّيلة التّالية، ويفرّق آخرون بين ظهوره قبل الزّوال فيكون للّيلة الماضية، وبعده فيكون للّيلة التّالية.
قال ابن حزم: [المحلى – [ج 6 / ص 239وما بعدها]
مسألة وإذا رؤى الهلال قبل الزوال فهو من البارحة ويصوم الناس من حينئذ باقى يومهم ان كان أول رمضان ويفطرون ان كان آخره، فان رؤى بعد الزوال فهو لليلة المقبلة ........ وعن ابراهيم النخعي ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب إلى الناس:"إذا رأيتموه قبل زوال الشمس فأفطروا وإذا رأيتموه بعد زوالها فلا تفطروا" .... وعن على بن ابى طالب قال رضى الله عنه قال:" إذا رأيتم الهلال من أول النهار فأفطروا وإذا رأيتموه في آخر النهار فلا تفطروا فان الشمس تزيغ عنه أو تميل عنه. أ. هـ
س: هل يمسك من علم بالهلال نهارا بقية يومه وهل يعد ذلك صياما ام ماذا عليه؟
الجواب:
قال ابن حزم: [المحلى – [ج 6 / ص 166وما بعده]
وكل من ذكرنا من ناس، أو جاهل، أو نائم فلم يعلموا بوجوب الصوم عليهم، فحكمهم كلهم هو الحكم الذى جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، من استدراك النية في اليوم المذكور متى ما علموا بوجوب صومه عليهم، وسمى عليه السلام من فعل ذلك صائما، وجعل فعله صوما,
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/244)
(قلت: وهذا يعنى ان صيامه تام ولا قضاء عليه ولعل ذلك هو القول الصواب والله تعالى اعلم) وبالله تعالى التوفيق , وبه قال جماعة من السلف , كما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الكريم الجزرى:"ان قوما شهدوا على الهلال بعد ما أصبحوا، فقال عمر بن عبد العزيز: من أكل فليمسك عن الطعام، ومن لم يأكل فليصم بقية يومه"
وعن عطاء: "إذا صبح رجل مفطرا ولم يذق شيئا ثم علم برؤية الهلال أول النهار أو آخره فليصم ما بقى ولا يبدله"
ومن طريق وكيع عن ابى ميمونة عن أبى بشير عن على بن ابى طالب انه قال يوم عاشوراء: " من لم يأكل فليصم، ومن أكل فليتم بقية يومه"
وروينا من طريق وكيع عن ابن عون عن ابن سيرين: "ان ابن مسعود قال: من أكل اول النهار فليأكل آخره "
قال على: اختلف الناس فيمن اصبح مفطرا في أول يوم من رمضان ثم علم ان الهلال رؤى البارحة على اقوال:
منهم من قال: ينوى صوم يومه ويجزئه، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وبه نأخذ، وبه جاء النص الذى قدمنا.
ومنهم من قال: لا يصوم، لانه لم ينو الصيام من الليل، ولم يروا فيه قضاء، وهو قول ابن مسعود كما ذكرنا، وبه يقول داود واصحابنا.
ومنهم من قال: يأكل بقيته ويقضيه، وهو قول رويناه عن عطاء.
ومنهم من قال: يمسك فيه عما يمسك الصائم، ولا يجزئه، وعليه قضاؤه، وهو قول مالك، والشافعي وقال به أبو حنيفة فيمن أكل خاصة، دون من لم يأكل، وفيمن علم الخبر بعد الزوال فقط، اكل ولم يأكل.
وهذا أسقط الاقوال!!! لانه لا نص فيه ولا قياس، ولا نعلمه من قول صاحب، ولا يخلو هذا الامساك الذى امروه به من ان يكون صوما يجزئه، وهم لا يقولون بهذا، اولا يكون صوما ولا يجزئه، فمن اين وقع لهم ان يأمروه بعمل يتعب فيه ويتكلفه ولا يجزئه؟! وأيضا فانه لا يخلو من ان يكون مفطرا أو صائما: فان كان صائما فلم يقضيه اذن؟! فيصوم يومين وليس عليه الا واحد؟! وان كان مفطرا فلم امروه بعمل الصوم؟! وهذا عجب جدا! وحسبنا الله ونعم الوكيل .... أ. هـ
(قلت: ويجري مجراهم من بلغ الحلم ومن اسلم فى نهار رمضان).
قال الشوكانى: [نيل الأوطار - (ج 7 / ص 39)]
وَأَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ نَوْمِهِ لَزِمَهُ إمْسَاكُهُ وَقَضَاؤُهُ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى سُقُوطِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ لِأَنَّ صَوْمَهُ إنَّمَا لَزِمَهُمْ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ انْتَهَى.
وقال: قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَثْبُتَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْيَوْمَ بِكَمَالِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، كَمَنْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ. أ.هـ
(قلت: للمزيد من البيان راجع كلام الالبانى فى سؤال ما هى صفة نيه الصوم)
?فصل فى بيان ان الرؤية اذا ظهرت فى مصر هل تلزم بقية الامصار؟ ??
س: هل اذا رأى اهل بلد الهلال تلزمهم الرؤيه وحدهم أم تلزم جميع الناس؟
الجواب:
اختلاف مطالع الهلال أمر واقعٌ بين البلاد البعيدة كاختلاف مطالع الشّمس، لكن هل يعتبر ذلك في بدء صيام المسلمين وتوقيت عيدي الفطر والأضحى وسائر الشّهور فتختلف بينهم بدءاً ونهايةً أم لا يعتبر بذلك، ويتوحّد المسلمون في صومهم وفي عيديهم؟
ذهب الجمهور إلى أنّه لا عبرة باختلاف المطالع، ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو قول عند الشّافعيّة: إلى عدم اعتبار اختلاف المطالع في إثبات شهر رمضان، فإذا ثبت رؤية هلال رمضان في بلدٍ لزم الصّوم جميع المسلمين في جميع البلاد، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته» وهو خطاب للأمّة كافّةً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/245)
وهناك من قال باعتبارها، وخاصّةً بين الأقطار البعيدة، فقد قال الحنفيّة في هذه الحالة , بأنّه لكلّ بلدٍ رؤيتهم، وأوجبوا على الأمصار القريبة اتّباع بعضها بعضاً، وألزموا أهل المصر القريب في حالة اختلافهم مع مصرٍ قريبٍ منهم بصيامهم تسعةً وعشرين، وصيام الآخرين ثلاثين اعتماداً على الرّؤية أو إتمام شعبان ثلاثين أن يقضوا اليوم الّذي أفطروه لأنّه من رمضان حسب ما ثبت عند المصر الآخر، والمعتمد الرّاجح عند الحنفيّة أنّه لا اعتبار باختلاف المطالع , فإذا ثبت الهلال في مصرٍ لزم سائر النّاس فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب في ظاهر المذهب (قلت: وهو بعيد ان يصوم اهل المشرق والمغرب برؤية واحدة لان اختلاف المطالع أمر واقعٌ بين البلاد البعيدة كاختلاف مطالع الشّمس)
وقال المالكيّة بوجوب الصّوم على جميع أقطار المسلمين إذا رئي الهلال في أحدها ... وقيّد بعضهم هذا التّعميم فاستثنى البلاد البعيدة كثيراً كالأندلس وخراسان.
وقال الحنابلة بعدم اعتبار اختلاف المطالع، وألزموا جميع البلاد بالصّوم إذا رئي الهلال في بلدٍ.
واستدلّ القائلون بعدم اعتبار اختلاف المطالع بحديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، فقد أوجب هذا الحديث الصّوم بمطلق الرّؤية لجميع المسلمين دون تقييدها بمكانٍ، واعتبروا ما ورد في حديث ابن عبّاسٍ من اجتهاده، وليس نقلاً عن الرّسول صلى الله عليه وسلم.
وعمل الشّافعيّة باختلاف المطالع فقالوا: إنّ لكلّ بلدٍ رؤيتهم وإنّ رؤية الهلال ببلدٍ لا يثبت بها حكمه لما بعد عنهم , كما صرّح بذلك النّوويّ.
ودليلهم الذى استدلوا به ما جاء فى الحديث عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَقُلْتُ رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْتُ أَوَ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" [مسلم – كتاب الصيام - باب بيان ان لكل بلد رؤيتهم ... ]
قال النووى فى الشرح الشرح
وَالصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا أَنَّ الرُّؤْيَة لَا تَعُمّ النَّاس , بَلْ تَخْتَصُّ بِمَنْ قَرُبَ عَلَى مَسَافَة لَا تُقْصَر فِيهَا الصَّلَاة , وَقِيلَ: إِنْ اِتَّفَقَ الْمَطْلَع لَزِمَهُمْ , وَقِيلَ: إِنْ اِتَّفَقَ الْإِقْلِيم وَإِلَّا فَلَا , وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: تَعُمّ الرُّؤْيَة فِي مَوْضِع جَمِيع أَهْل الْأَرْض فَعَلَى هَذَا نَقُول: إِنَّمَا لَمْ يَعْمَل اِبْن عَبَّاس بِخَبَرِ كُرَيْب ; لِأَنَّهُ شَهَادَة فَلَا تَثْبُت بِوَاحِدٍ لَكِنَّ ظَاهِر حَدِيثه أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ لِهَذَا , وَإِنَّمَا رَدَّهُ لِأَنَّ الرُّؤْيَة لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهَا فِي حَقِّ الْبَعِيدِ ... (قلت وهذا ايضا بعيد كما سبق ذكره).
واستدلّ القائلون بعدم اعتبار اختلاف المطالع بحديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، فقد أوجب هذا الحديث الصّوم بمطلق الرّؤية لجميع المسلمين دون تقييدها بمكانٍ، واعتبروا ما ورد في حديث ابن عبّاسٍ من اجتهاده، وليس نقلاً عن الرّسول صلى الله عليه وسلم.
?فصل فى بيان الموقف عند حدوث خطأ فى الرؤية أو اشتباه?
س: ماذا لو حدث خطأ فى رؤية الهلال؟
الجواب:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/246)
نعم قد ينتج عن تواصل الغيم أكثر من شهرٍ قبل رمضان أو شوّالٍ أو ذي الحجّة أو عن عدم التّحرّي في رؤية الهلال خطأ في بداية رمضان، ويترتّب عليه إفطار يومٍ منه، أو خطأ في بداية شوّالٍ، ويترتّب عليه إفطار يومٍ من رمضان أو صيام يوم العيد، أو خطأ في ذي الحجّة، ويترتّب عليه وقوف بعرفة في غير وقته، وهذا أخطرها
وقد استند القائلون بصحّة الوقوف في غير يومه وصحة الصيام وغيره إلى الحديث الذى اخرجه البخارى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " شَهْرَانِ لَا يَنْقُصَانِ شَهْرَا عِيدٍ رَمَضَانُ وَذُو الْحَجَّةِ " [البخارى – كتاب الصوم - بَاب شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ]
قال ابن حجر فى الشرح:
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ: فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ , فَقَالَ لَا يَكُونُ رَمَضَان وَلَا ذُو الْحِجَّةِ أَبَدًا إِلَّا ثَلَاثِينَ , وَهَذَا قَوْل مَرْدُود مُعَانِد لِلْمَوْجُودِ الْمُشَاهَدِ , وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ قَوْله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ " فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ رَمَضَان أَبَدًا ثَلَاثِينَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذَا ..... وَقَالَ أَبُو الْحَسَن كَانَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ يَقُولُ: لَا يَنْقُصَانِ فِي الْفَضِيلَةِ إِنْ كَانَا تِسْعَة وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ ..... وَقِيلَ لَا يَنْقُصَانِ مَعًا , إِنَّ جَاءَ أَحَدهمَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ جَاءَ الْآخَر ثَلَاثِينَ وَلَا بُدَّ. وَقِيلَ لَا يَنْقُصَانِ فِي ثَوَابِ الْعَمَلِ فِيهِمَا .... وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل إِنْ نَقَصَ رَمَضَان تَمَّ ذُو الْحِجَّةِ , وَإِنَّ نَقَصَ ذُو الْحِجَّةِ تَمَّ رَمَضَان ...... وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا يَنْقُصَانِ فِي الْأَحْكَامِ ..... وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنْ رُبَّمَا حَالَ دُونَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَانِع ..... وَأَقْرَبهَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّقْصَ الْحِسِّيَّ بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ يَنْجَبِرُ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَهْرُ عِيدٍ عَظِيم فَلَا يَنْبَغِي وَصْفُهُمَا بِالنُّقْصَانِ ........ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي " الْمَعْرِفَةِ " إِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِتَعَلُّقِ حُكْمِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ بِهِمَا , وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيّ وَقَالَ: إِنَّهُ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ. وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَا وَرَدَ عَنْهُمَا مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْأَحْكَام حَاصِل سَوَاء كَانَ رَمَضَان ثَلَاثِينَ أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ , سَوَاء صَادَفَ الْوُقُوف الْيَوْم التَّاسِع أَوْ غَيْره. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلّ ذَلِكَ مَا إِذَا لَمْ يَحْصُلُ تَقْصِيرٌ فِي اِبْتِغَاء الْهِلَال , وَفَائِدَة الْحَدِيثِ رَفْع مَا يَقَعُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ شَكٍّ لِمَنْ صَامَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَوْ وَقَفَ فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ بَعْض الْعُلَمَاءِ إِمْكَان الْوُقُوفِ فِي الثَّامِنِ اِجْتِهَادًا , وَلَيْسَ مُشْكِلًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا ثَبَتَتْ الرُّؤْيَةُ بِشَاهِدَيْنِ أَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ الْخَمِيس مَثَلًا فَوَقَفُوا يَوْم الْجُمْعَةَ , ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا شَهِدَا زُورًا. وَقَالَ الطِّيبِيّ: ظَاهِر سِيَاق الْحَدِيثِ بَيَان اِخْتِصَاص الشَّهْرَيْنِ بِمَزِيَّةٍ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الشُّهُورِ , وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ ثَوَاب الطَّاعَة فِي غَيْرِهِمَا يَنْقُصُ , وَإِنَّمَا الْمُرَادُ رَفْعُ الْحَرَجِ عَمَّا عَسَى أَنْ يَقَعَ فِيهِ خَطَأ فِي الْحُكْمِ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِالْعِيدَيْنِ وَجَوَاز اِحْتِمَال وُقُوعِ الْخَطَأِ فِيهِمَا , وَمِنْ ثَمَّ قَالَ " شَهْرَا عِيدٍ " بَعْدَ قَوْلِهِ " شَهْرَانِ لَا يَنْقُصَانِ " وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ رَمَضَان وَذِي الْحِجَّةِ اِنْتَهَى.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/247)
قال ابن بطّالٍ فيما نقله عنه العينيّ: قالت طائفة من وقف بعرفة بخطأٍ شاملٍ لجميع أهل الموقف في يومٍ قبل يوم عرفة أو بعده أنّه يجزئ عنه، وهو قول عطاء بن أبي رباحٍ والحسن البصريّ وأبي حنيفة والشّافعيّ، واحتجّ أصحابه على جواز ذلك بصيام من التبست عليه الشّهور، وأنّه جائز أن يقع صيامه قبل رمضان أو بعده.
وإلى نفس هذا الرّأي ذهب النّوويّ فقال: إنّ كلّ ما ورد في رمضان وذي الحجّة من الفضائل والأحكام حاصل سواء كان رمضان ثلاثين أو تسعاً وعشرين، سواء صادف الوقوف اليوم التّاسع أو غيره بشرط انتفاء التّقصير في ابتغاء الهلال.
وقال ابن حجرٍ: الحديث يطمئن من صام رمضان تسعاً وعشرين أو وقف بعرفاتٍ في غير يومها اجتهاداً.
ونظراً إلى أنّ حصول النّقص في رمضان واضح، وفي ذي الحجّة غير واضحٍ لوقوع المناسك في أوّله فقد بيّن ذلك العينيّ بقوله: قد تكون أيّام الحجّ من الإغماء والنّقصان مثل ما يكون في آخر رمضان بأن يغمّى هلال ذي القعدة ويقع فيه الغلط بزيادة يومٍ أو نقصانه فيقع عرفة في اليوم الثّامن أو العاشر منه، فمعناه أنّ أجر الواقفين بعرفة في مثله لا ينقص عمّا لا غلط فيه.
وعن ابن القاسم أنّهم إن أخطأوا ووقفوا بعد يوم عرفة يوم النّحر يجزيهم، وإن قدّموا الوقوف يوم التّروية أعادوا الوقوف من الغد ولم يجزهم.
س: ماذا على من اشتبه عليه شهر رمضان بغيره من الشهور كالمحبوس ونحوه؟
الجواب:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من اشتبهت عليه الشّهور لا يسقط عنه صوم رمضان، بل يجب لبقاء التّكليف وتوجّه الخطاب.
فإذا أخبره الثّقات بدخول شهر الصّوم عن مشاهدة أو علم وجب عليه العمل بخبرهم، وإن أخبروه عن اجتهاد منهم فلا يجب عليه العمل بذلك، بل يجتهد بنفسه في معرفة الشّهر بما يغلب على ظنّه، ويصوم مع النّيّة ولا يقلّد مجتهداً مثله.
وإن اجتهد وصام فلا يخلو الأمر من خمسة أحوال:
الحال الأولى: استمرار الإشكال وعدم انكشافه له، بحيث لا يعلم أنّ صومه صادف رمضان أو تقدّم أو تأخّر، فهذا يجزئه صومه ولا إعادة عليه في قول الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، والمعتمد عند المالكيّة، لأنّه بذل وسعه ولا يكلّف بغير ذلك، كما لو صلّى في يوم الغيم بالاجتهاد.
الحال الثّانية: أن يوافق صوم المحبوس شهر رمضان فيجزيه ذلك عند جمهور الفقهاء، قياساً على من اجتهد في القبلة، ووافقها.
الحال الثّالثة: إذا وافق صوم المحبوس ما بعد رمضان فيجزيه عند جماهير الفقهاء.
الحال الرّابعة: وهي وجهان:
الوجه الأوّل: إذا وافق صومه ما قبل رمضان وتبيّن له ذلك ولمّا يأت رمضان لزمه صومه إذا جاء بلا خلاف، لتمكّنه منه في وقته.
الوجه الثّاني: إذا وافق صومه ما قبل رمضان ولم يتبيّن له ذلك إلاّ بعد انقضائه فمنهم من قال لايجزيه ومنهم من قال يجزئه عن رمضان، كما لو اشتبه على الحجّاج يوم عرفة فوقفوا قبله، وهو قول بعض الشّافعيّة.
الحال الخامسة: أن يوافق صوم المحبوس بعض رمضان دون بعض، فما وافق رمضان أو بعده أجزأه، وما وافق قبله لم يجزئه ..... والمحبوس إذا صام تطوّعاً أو نذراً فوافق رمضان لم يسقط عنه صومه في تلك السّنة، لانعدام نيّة صوم الفريضة، وهو مذهب الحنابلة والشّافعيّة والمالكيّة.
صوم المحبوس إذا اشتبه عليه نهار رمضان بليله:
إذا لم يعرف الأسير أو المحبوس في رمضان النّهار من اللّيل، واستمرّت عليه الظّلمة، فقد قال النّوويّ: هذه مسألة مهمّة قلّ من ذكرها، وفيها ثلاثة أوجه للصّواب:
أحدها: يصوم ويقضي لأنّه عذر نادر.
الثّاني: لا يصوم، لأنّ الجزم بالنّيّة لا يتحقّق مع جهالة الوقت.
الثّالث: يتحرّى ويصوم ولا يقضي إذا لم يظهر خطؤه فيما بعد، وهذا هو الرّاجح.
ونقل النّوويّ وجوب القضاء على المحبوس الصّائم بالاجتهاد إذا صادف صومه اللّيل ثمّ عرف ذلك فيما بعد، وقال: إنّ هذا ليس موضع خلاف بين العلماء، لأنّ اللّيل ليس وقتاً للصّوم كيوم العيد.
?فصل فى بيان من يجب عليهم صيام رمضان وما يشترط لصحته?
س: على من يجب صيام شهر رمضان؟
الجواب:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/248)
يجب الصوم على كل مسلم بالغ عاقل حرا كان او عبد , ذكرا كان او انثى بشرط ان تكون الانثي غير حائض او نفساء - وهذا شرط لصحة صيام الانثي - وان يكون قادرا على الصوم , فمن عجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى زواله أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا , وان يكون مقيم غير مسافر لان المسافر يباح له الفطر رخصة , ومن ابيح له الفطر لايكون الصوم عليه واجب , لكن ان صام صح منه واجزأه.
ويشترط ان يكون عالما بحكم وجوب الصيام فى رمضان، فالجمهور من الحنفيّة والشّافعيّة، وهو مشهور مذهب المالكيّة، على إعذار حديث العهد بالإسلام، إذا جهل الصّوم في رمضان.
قال الحنفيّة: يعذر من أسلم بدار الحرب فلم يصم، ولم يصلّ، ولم يزكّ بجهله بالشّرائع، مدّة جهله، لأنّ الخطاب إنّما يلزم بالعلم به أو بدليله، ولم يوجد، إذ لا دليل عنده على فرض الصّلاة والصّوم.
وقال الشّافعيّة: لو جهل تحريم الطّعام أو الوطء، بأن كان قريب عهد بالإسلام، أو نشأ بعيداً عن العلماء، لم يفطر، كما لو غلب عليه القيء.
والمعتمد عند المالكيّة: أنّ الجاهل بأحكام الصّيام لا كفّارة عليه، وليس هو كالعامد.
ويحصل العلم - الموجب للصيام وغيره - لمن أسلم في دار الحرب بإخبار رجلين عدلين، أو رجل مستور وامرأتين مستورتين، أو واحد عدل، ومن كان مقيماً في دار الإسلام، يحصل له العلم بنشأته في دار الإسلام، ولا عذر له بالجهل فى ذلك، لانه من المعلوم من الدين بالضرورة.
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 160)]
فهو فرض على كل مسلم عاقل بالغ صحيح مقيم، حرا كان أوعبدا، ذكرا أو أنثى، إلا الحائض والنفساء، فلا يصومان أيام حيضهما البتة، ولا أيام نفاسهما، ويقضيان صيام تلك الايام وهذا كله فرض متيقن من جميع أهل الاسلام.ا. هـ
س: هل يجب على الصبيان غير البالغين صوم رمضان؟
الجواب:
فى الحديث عن خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ (الصوف) فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ" وعند مُسْلِم فِي رِّوَايَة ْأُخْرَى: (فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ أَعْطَيْنَاهُمْ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ) [اخرجه البخاري ومسلم - واللفظ له - فى كتاب الصوم - باب من اكل فى عاشوراء فليكف بقية يومه]
قال ابن حجر فى فتح الباري:
وَفِي الْحَدِيث حُجَّة عَلَى مَشْرُوعِيَّة تَمْرِين الصِّبْيَان عَلَى الصِّيَام كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ مَنْ كَانَ فِي مِثْل السِّنّ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ غَيْر مُكَلَّف , وَإِنَّمَا صَنَعَ لَهُمْ ذَلِكَ لِلتَّمْرِينِ. أ.هـ
قال النووى في شرح مسلم:
وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَمْرِينُ الصِّبْيَان عَلَى الطَّاعَات , وَتَعْوِيدُهُمْ الْعِبَادَاتِ , وَلَكِنَّهُمْ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ. قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَة أَنَّهُمْ مَتَى أَطَاقُوا الصَّوْم وَجَبَ عَلَيْهِمْ , وَهَذَا غَلَطٌ مَرْدُودٌ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح: " رُفِعَ الْقَلَم عَنْ ثَلَاثَة: عَنْ الصَّبِيّ حَتَّى يَحْتَلِمَ " , وَفِي رِوَايَة: " يَبْلُغَ ". وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.أ. هـ
قال الشوكانى: [نيل الأوطار - (ج 7 / ص 35 وما بعدها)]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/249)
الْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ كَانَ فَرْضًا قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَعَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَمْرُ الصِّبْيَانِ بِالصَّوْمِ لِلتَّمْرِينِ عَلَيْهِ إذَا أَطَاقُوهُ وَقَدْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ ابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ ...... وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي تَحْدِيدِ السِّنِّ الَّتِي يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ عِنْدَهَا بِالصِّيَامِ، فَقِيلَ: سَبْعُ سِنِينَ، وَقِيلَ: عَشْرٌ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقِيلَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ , وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إذَا أَطَاقَ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تِبَاعًا لَا يَضْعَفُ فِيهِنَّ حُمِلَ عَلَى الصَّوْمِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّ الصَّبِيَّانِ , وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ لَا يَطَّلِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ أ. هـ
س: ما الذى يشترط لصحة أداء الصوم؟
الجواب:
يشترط لصحة أداء الصوم ان يكون الصائم مسلما فلا يصح من كافر , وان يكون عاقلا فلا يصح من مجنون ولا من مغمى عليه كل وقت الصيام , وان يكون بالغا، لانه لا تكليف إلاّ مع البلوغ، لأنّ الغرض من التّكليف هو الامتثال، وذلك بالإدراك والقدرة على الفعل - كما هو معلوم في الأصول - والصّبا والطّفولة عجز.
ويشترط خلوّه عمّا يفسد الصّوم كالجماع، وتعمد استدعاء الشهوة مع انزال المنى.
ويشترط ايضا النّيّة وذلك لأنّ صوم رمضان عبادة، فلا يجوز إلاّ بالنّيّة، كسائرالعبادات , ولحديث «إنّما الأعمال بالنّيّات»، والإمساك قد يكون للعادة، أو لعدم الاشتهاء، أو للمرض، أو للرّياضة، فلا يتعيّن إلاّ بالنّيّة.
قال النّوويّ:
لا يصحّ الصّوم إلاّ بنيّة، ومحلّها القلب، ولا يشترط النّطق بها، بلا خلاف , وعقد النية من الليل لكل يوم واجب فمن خطر بقلبه ليلا أنه صائم فقد نوى وكذا الأكل والشرب قبل الفجر بنية الصوم , ولا يضر إن أتى بعد النية بمناف للصوم. أ.هـ
ولو صام الصبي فيشترط ان يكون مميزا لانه لايصح من طفل لايميز اما المميز فيصح منه ولو كان لايجب عليه قبل البلوغ , ولذلك يجب على ولي المميز المطيق للصوم أمره به ليعتاده , ويشترط على المرأة ان تكون طاهرة من الحيض والنفاس , لكن لايشترط على الرجل طهارة فى الصيام فيصح صيام من اصبح جنبا , أو اصابته جنابة فى الصيام من احتلام , ويشترط تجنب الصائم لما يفسد الصوم كالجماع.
?فصل فى بيان صفة نية الصوم وهل هناك فرق فى ذلك بين الفرض والنفل?
س: ما هى صفة نيه الصوم وهل الفرض والنفل فى ذلك سواء؟
الجواب:
لابد فى الصوم من النّيّة , وذلك لأنّ صوم رمضان عبادة، فلا يجوز إلاّ بالنّيّة، كسائر العبادات , ولحديث: «إنّما الأعمال بالنّيّات».
والإمساك قد يكون للعادة، أو لعدم الاشتهاء، أو للمرض، أو للرّياضة، فلا يتعيّن إلاّ بالنّيّة، كالقيام إلى الصّلاة والحجّ.
قال النّوويّ: لا يصحّ الصّوم إلاّ بنيّة، ومحلّها القلب، ولا يشترط النّطق بها، بلا خلاف.
ومعنى النية: القصد وهو اعتقاد القلب فعل شيء وعزمه عليه من غير تردد، فمتى خطر بقلبه في الليل أن غدا من رمضان وأنه صائم فيه فقد نوى.
صفة النّيّة:
لابد فى النية من تحقق عدة امور لتصح ويصح بها الصوم وهى:
أوّلاً: الجزم:
أن تكون جازمةً وقد اشترط الجزم في نيّة الصّوم قطعاً للتّردّد، حتّى لو نوى ليلة الشّكّ، صيام غد، إن كان من رمضان لم يجزه، ولا يصير صائماً لعدم الجزم، فصار كما إذا نوى أنّه إن وجد غداءً غداً يفطر، وإن لم يجد يصوم , ونصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه إن قال: إن كان غداً من رمضان فهو فرضي، وإلاّ فهو نفل، أو فأنا مفطر، لم يصحّ صومه، إن ظهر أنّه من رمضان، لعدم جزمه بالنّيّة.
قال ابن قدامه: إن قال: إن كان غدا من رمضان فأنا صائم وإن كان من شوال فأنا مفطر قال ابن عقيل: لا يصح صومه لأنه لم يجزم بنية الصيام والنية اعتقاد جازم ويحتمل أن يصح لأن هذا شرط واقع والأصل بقاء رمضان. أ. هـ
ثانياً: التّعيين:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/250)
والجمهور من الفقهاء ذهبوا إلى أنّه لا بدّ من تعيين النّيّة في صوم رمضان، وصوم الفرض والواجب، ولا يكفي تعيين مطلق الصّوم، ولا تعيين صوم معيّن غير رمضان , وكمال النّيّة - كما قال النّوويّ - أن ينوي صوم غد، عن أداء فرض رمضان هذه السّنة للّه تعالى , وإنّما اشترط التّعيين في ذلك، لأنّ الصّوم عبادة مضافة إلى وقت، فيجب التّعيين في نيّتها، كالصّلوات الخمس، ولأنّ التّعيين مقصود في نفسه، فيجزئ التّعيين عن نيّة الفريضة في الفرض، والوجوب في الواجب.
ثالثاً: التّبييت:
وهو شرط في صوم الفرض عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة
والتّبييت هو: إيقاع النّيّة في اللّيل، ما بين غروب الشّمس إلى طلوع الفجر، فلو قارن الغروب أو الفجر أو شكّ، لم يصحّ , وفي قول للمالكيّة، يصحّ لو قارنت الفجر، كما في تكبيرة الإحرام، لأنّ الأصل في النّيّة المقارنة للمنويّ , ويجوز أن تقدّم من أوّل اللّيل، ولا تجوز قبل اللّيل ,
قال ابن قدامه: وإن نوى من النهار صوم الغد لم تجزئه تلك النية إلا أن يستصحبها إلى جزء من الليل وهذا لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل " ولأنه لم ينو عند ابتداء العبادة ولا قريبا منها فلم يصح كما لو نوى من الليل صوم بعد غد.
وذلك لحديث ابن عمر، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" [سنن أبي داود (2454) – قال الالبانى: صحيح - وفى صحيح الجامع برقم: 6538]
واخرجه الترمذى وقال وإنما معنى هذا عند أهل العلم لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر في رمضان أو في قضاء رمضان أو في صيام نذر إذا لم ينوه من الليل لم يجزه وأما صيام التطوع فمباح له أن ينويه بعد ما أصبح وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق. أ.هـ
(قلت: وسيأتى لذلك تفصيل وان الفرض والنفل فى التبييت من الليل سواء)
ولا تجزئ النيه بعد الفجر وتجزئ مع طلوع الفجر إن اتّفق ذلك، وكلام القرافيّ وآخرين يفيد أنّ الأصل كونها مقارنةً للفجر، ورخّص تقدّمها عليه للمشقّة في مقارنتها له , والصّحيح عند الشّافعيّة والحنابلة: أنّه لا يشترط في التّبييت النّصف الآخر من اللّيل، لإطلاقه في الحديث، ولأنّ تخصيص النّيّة بالنّصف الأخير يفضي إلى تفويت الصّوم، لأنّه وقت النّوم، وكثير من النّاس لا ينتبه فيه، ولا يذكر الصّوم، والشّارع إنّما رخّص في تقديم النّيّة على ابتدائه، لحرج اعتبارها عنده، فلا يخصّها بمحلّ لا تندفع المشقّة بتخصيصها به، ولأنّ تخصيصها بالنّصف الأخير تحكّم من غير دليل، بل تقرّب النّيّة من العبادة، لمّا تعذّر اقترانها بها.
ولا يضرّ الأكل والجماع بعد النّيّة ما دام في اللّيل، لأنّه لم يلتبس بالعبادة
والصّحيح أيضاً: أنّه لا يجب التّجديد لها إذا نام بعدها، ثمّ تنبّه قبل الفجر
وتبييت النية من الليل لازم فى صيام الفرض.
قال ابن قدامه: ويجب تعيين النية في كل صوم واجب وهو أن يعتقد أنه يصوم غدا من رمضان أو من قضائه أو من كفارته أو نذره نص عليه أحمد في رواية الاثرم. أ.هـ
لكن الحنفيّة لم يشترطوا التّبييت في رمضان , ولم يشترطوا تبييت النّيّة في ليل رمضان ...... ودليل الحنفيّة على ما ذهبوا إليه.
ما ورد في الحديث عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ:" مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ قَالَتْ فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا .... " [البخاري - كتاب الصوم - باب صوم الصبيان]
وكان صوم عاشوراء واجباً، ثمّ نسخ بفرض رمضان , واشترط الحنفيّة تبييت النّيّة في صوم الكفّارات والنّذور المطلقة وقضاء رمضان ... وهذا من العجب!!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/251)
أمّا النّفل فيجوز صومه عند جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة خلافاً للمالكيّة - بنيّة قبل الزّوال، للحديث عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ" [مسلم - كتاب الصوم - بَاب جَوَازِ صَوْمِ النَّافِلَةِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ ... ]
ولأنّ النّفل أخفّ من الفرض، والدّليل عليه: أنّه يجوز ترك القيام في نّفل الصلاة مع القدرة، ولا يجوز في الفرض.
ومذهب الحنابلة جواز النّيّة في النّفل، قبل الزّوال وبعده، واستدلّوا بحديث عائشة، وحديث صوم يوم عاشوراء، وأنّه قول معاذ وابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهم وأنّه لم ينقل عن أحد من الصّحابة ما يخالفه صريحاً، والنّيّة وجدت في جزء من النّهار، فأشبه وجودها قبل الزّوال بلحظه.
وذهب المالكيّة إلى أنّه يشترط في نيّة صوم التّطوّع التّبييت كالفرض.
لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «من لم يبيّت الصّيام من اللّيل فلا صيام له» فلا تكفي النّيّة بعد الفجر، لأنّ النّيّة: القصد، وقصد الماضي محال عقلاً.
(قلت: وهو اعدل الاقوال واصحها واوفقها للدليل الشرعى الصريح بلا تأويل)
وقد بوب البخاري فى كتاب الصوم بَاب إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا وَقَالَتْ أُمَّ الدَّرْدَاءِ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ فَإِنْ قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي هَذَا وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ".
قال ابن حجر فى الشرح:
وَقَالَ اِبْنُ عُمَرَ" لَا يَصُومُ تَطَوُّعًا حَتَّى يُجْمِعَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ يَتَسَحَّرَ " وَقَالَ مَالِكٌ فِي النَّافِلَةِ " لَا يَصُومُ إِلَّا أَنْ يُبَيِّتَ , إِلَّا إِنْ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّبْيِيتِ " وَقَالَ أَهْلُ الرَّأْيِ: مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ مُنْتَصَفِ النَّهَارِ أَجْزَأَهُ , وَإِنْ بَدَا لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يُجْزِهِ. قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ , وَاَلَّذِي نَقَلَهُ اِبْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْجَوَازِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ , وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ التَّفْرِقَةُ , وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صِيَامُ التَّطَوُّعِ إِلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ. أ.هـ
قلت: وهذه المسأله قد يظنها البعض مشكله، وان حديث صوم عاشوراء فيه دليل على ان الصائم له ان ينوى نهارا كيف شاء، وهذا كلام بعيد جدا فضلا عن معارضته للنصوص الصحيحه المبينه للزوم تبييت النيه من الليل، ووجدت كلاما نفيسا للشيخ الالبانى – رحمه الله – يبين هذه المسأله اسوقه هنا بتمامه مع ما فيه من الاطالة وذلك لزوم الحاجه ولزوم فك الاشكال المتصور فى هذه المسألة:
قال الألباني: [السلسلة الصحيحة (6/ 246) وما بعدها]:
من وجب عليه الصوم نهارا , كالمجنون يفيق , و الصبي يحتلم , و الكافر يسلم , و كمن بلغه الخبر بأن هلال رمضان رؤي البارحة , فهؤلاء يجزيهم النية من النهار حين الوجوب , و لو بعد أن أكلوا أو شربوا , فتكون هذه الحالة مستثناة من عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " , و هو حديث صحيح كما حققته في " صحيح أبي داود " (2118) و إلى هذا الذي أفاده حديث الترجمة ذهب ابن حزم و ابن تيمية و الشوكاني و غيرهم من المحققين. فإن قيل: الحديث ورد في صوم عاشوراء و الدعوى أعم. قلت: نعم , و ذلك بجامع الاشتراك في الفريضة , ألست ترى أن الحنفية استدلوا به على جواز صوم رمضان بنية من النهار , مع إمكان النية في الليل طبقا لحديث أبي داود , فالاستدلال به لما قلنا أولى كما لا يخفى على أولي النهى. و لذلك قال المحقق أبو
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/252)
الحسن السندي في حاشيته على " ابن ماجه " (1/ 528 - 529) ما مختصره: " الأحاديث دالة على أن صوم يوم عاشوراء كان فرضا , من جملتها هذا الحديث , فإن هذا الاهتمام يقتضي الافتراض. نعم الافتراض منسوخ بالاتفاق و شهادة الأحاديث على النسخ. و استدل به على جواز صوم الفرض بنية من النهار , لا يقال صوم عاشوراء منسوخ فلا يصح الاستدلال به.
لأنا نقول: دل الحديث على شيئين:
أحدهما: وجوب صوم عاشوراء.
و الثاني: أن الصوم واجب في يوم بنية من نهار , و المنسوخ هو الأول , و لا يلزم من نسخه نسخ الثاني , و لا دليل على نسخه أيضا. بقي فيه بحث: و هو أن الحديث يقتضي أن وجوب الصوم عليهم ما كان معلوما من الليل , و إنما علم من النهار , و حينئذ صار اعتبار النية من النهار في حقهم ضروريا , كما إذا شهد الشهود بالهلال يوم الشك , فلا يلزم جواز الصوم بنية من النهار بلا ضرورة ".أ. هـ
قلت: و هذا هو الحق الذي به تجتمع النصوص , و هو خلاصة ما قال ابن حزم رحمه الله في " المحلى " (6/ 166) و قال عقبه: " و به قال جماعة من السلف كما روينا من طريق ... عبد الكريم الجزري أن قوما شهدوا على الهلال بعد ما أصبح الناس , فقال عمر بن عبد العزيز: من أكل فليمسك عن الطعام , و من لم يأكل فليصم بقية يومه ". قلت: و أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (3/ 69) وسنده صحيح على شرط الشيخين. و هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية , فقال في "
الاختيارات العلمية " (4/ 63 - الكردي): " و يصح صوم الفرض بنية النهار إذا لم يعلم وجوبه بالليل , كما إذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار , فإنه يتم بقية يومه و لا يلزمه قضاء و إن كان أكل " و تبعه على ذلك المحقق ابن القيم , و الشوكاني , فمن شاء زيادة بيان و تفصيل فليراجع " مجموع الفتاوى " لابن تيمية (25/ 109 و 117 - 118) و " زاد المعاد " لابن القيم (1/ 235) و " تهذيب السنن " له (3/ 328) و " نيل الأوطار " للشوكاني (4/ 167). و إذا تبين ما ذكرنا , فإنه تزول مشكلة كبرى من مشاكل المسلمين اليوم , ألا و هي اختلافهم في إثبات هلال رمضان بسبب اختلاف المطالع , فإن من المعلوم أن الهلال
حين يرى في مكان فليس من الممكن أن يرى في كل مكان , كما إذا رؤي في المغرب فإنه لا يمكن أن يرى في المشرق , و إذا كان الراجح عند العلماء أن حديث " صوموا لرؤيته ... " إنما هو على عمومه , و أنه لا يصح تقييده باختلاف المطالع , لأن هذه المطالع غير محدودة و لا معينة , لا شرعا و لا قدرا , فالتقييد بمثله لا يصح , و بناء على ذلك فمن الممكن اليوم تبليغ الرؤية إلى كل البلاد الإسلامية بواسطة الإذاعة و نحوها , و حينئذ فعلى كل من بلغته الرؤية أن يصوم , و لو بلغته قبل غروب الشمس بقليل , و لا قضاء عليه , لأنه قد قام بالواجب في حدود
استطاعته , و لا يكلف الله نفسا إلا وسعها , و الأمر بالقضاء لم يثبت كما سبقت الإشارة إليه , و نرى أن من الواجب على الحكومات الإسلامية أن يوحدوا يوم صيامهم و يوم فطرهم , كما يوحدون يوم حجهم , و لريثما يتفقون على ذلك , فلا نرى لشعوبهم أن يتفرقوا بينهم , فبعضهم يصوم مع دولته , و بعضهم مع الدولة الأخرى , و ذلك من باب درء المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى كما هو مقرر في علم الأصول , و الله تعالى ولي التوفيق.أ. هـ
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 161)]
عن ابن عمر قال: "لا يصوم الا من أجمع الصيام قبل الفجر" , وعن مالك عن الزهري: أن عائشة أم المؤمنين قالت: "لا يصوم الا من أجمع الصيام قبل الفجر" , وعن ابن شهاب: أخبرني حمزة بن عبد الله ابن عمر عن أبيه قال: قالت حفصة أم المؤمنين: "لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر" , فهؤلاء ثلاثة من الصحابة رضى الله عنهم لايعرف لهم منهم مخالف أصلا، والحنيفيون والمالكيون يعظمون مثل هذا إذا خالف أهواءهم، وقد خالفهوهم ههنا، وما نعلم أحدا قبل أبى حنيفة، ومالك قال بقولهما في هذه المسألة. أ.هـ
(قلت ومما سبق يتضح ان تبييت النيه فى الفرض والنفل سواء , ولابد من عقد النيه من الليل قبل الفجر والا فلاصيام والله تعالى اعلى واعلم)
رابعاً: تجديد النّيّة:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/253)
وتعتبر النية لكل يوم وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي و ابن المنذر وعن أحمد أنه تجزئه نية واحدة لجميع الشهر إذا نوى صوم جميعه وهذا مذهب مالك و إسحاق، وقالوا هو كصلاة واحده .......... والصحيح أنه صوم واجب فوجب أن ينوي كل يوم من ليلته.
قال ابن عبد الحكم - من المالكيّة -: لا بدّ في الصّوم الواجب المتتابع من النّيّة كلّ يوم، نظراً إلى أنّه كالعبادات المتعدّدة، من حيث عدم فساد ما مضى منه بفساد ما بعده.
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 163)]
أنهم قالوا: رمضان كصلاة واحدة , قال أبو محمد: وهذه مكابرة بالباطل، لان الصلاة الواحدة لا يحول بين أعمالها بعمد ما ليس منها أصلا، وصيام رمضان يحول بين كل يومين منه ليل يبطل فيه الصوم جملة ويحل فيه الاكل والشرب والجماع، فكل يوم له حكم غير حكم اليوم , الذى قبله واليوم الذى بعده، وقد يمرض فيه أو يسافر أو تحيض، فيبطل الصوم، وكان بالامس صائما ويكون غدا صائما، وانما شهر رمضان كصلوات اليوم والليلة، يحول بين كل صلاتين ما ليس صلاة، فلابد لكل صلاة من نية، فكذلك لا بد لكل يوم في صومه من نية أ. هـ
وذهب الجمهور إلى تجديد النّيّة في كلّ يوم من رمضان، من اللّيل أو قبل الزّوال - على الخلاف السّابق - وذلك: لكي يتميّز الإمساك عبادةً، عن الإمساك عادةً أو حميةً.
ولأنّ كلّ يوم عبادة مستقلّة، لا يرتبط بعضه ببعض، ولا يفسد بفساد بعض، ويتخلّلها ما ينافيها، وهو اللّيالي الّتي يحلّ فيها ما يحرّم في النّهار، فأشبهت القضاء، بخلاف الحجّ وركعات الصّلاة.
خامسا: استمرار النّيّة:
اشترط الفقهاء الدّوام على النّيّة، فلو نوى الصّيام من اللّيل ثمّ رجع عن نيّته قبل طلوع الفجر لا يصير صائماً.
قال الطّحاويّ: ويشترط الدّوام عليها.
فلو نوى من اللّيل، ثمّ رجع عن نيّته قبل طلوع الفجر، صحّ رجوعه ولا يصير صائماً، ولو أفطر لا شيء عليه إلاّ القضاء، بانقطاع النّيّة بالرّجوع، فلا كفّارة عليه في رمضان، لشبهة خلاف من اشترط التّبييت، إلاّ إذا جدّد النّيّة، بأن ينوي الصّوم في وقت النّيّة، تحصيلاً لها، لأنّ الأولى غير معتبرة، بسبب الرّجوع عنها.
ولا تبطل النّيّة بقوله: أصوم غداً إن شاء اللّه، لأنّه بمعنى الاستعانة، وطلب التّوفيق والتّيسير.
قال البهوتيّ: وكذا سائر العبادات، لا تبطل بذكر المشيئة في نيّتها.
ولو نوى الإفطار في أثناء النّهار فمذهب الحنفيّة والشّافعيّة أنّه لا يفطر، كما لو نوى التّكلّم في صلاته ولم يتكلّم.
وقال المالكيّة والحنابلة: يفطر، لأنّه قطع نيّة الصّوم بنيّة الإفطار، فكأنّه لم يأت بها ابتداءً.
س: ماذا على من نسي النية؟
الجواب:
قال ابن حزم المحلى: [(ج 6 / ص 164وما بعدها)]
مسألة: ومن نسى ان ينوى من الليل في رمضان فأى وقت ذكر من النهار التالى لتلك الليلة سواء أكل وشرب ووطئ أولم يفعل شيئا من ذلك فانه ينوى للصوم من وقته إذا ذكر، ويمسك عما يمسك عنه الصائم، ويجزئه صومه ذلك تاما، ولا قضا عليه، ولو لم يبق عليه من النهار الا مقدار النية فقط، فان لم ينو كذلك فلا صوم له، وهو عاص لله تعالى متعمد لابطال صومه ولا يقدر على القضاء , وكذلك من جاءه الخبر بأن هلال رمضان رؤى البارحة فسواء أكل وشرب ووطئ , أولم يفعل شيئا من ذلك في أي وقت جاء الخبر من ذلك اليوم ولو في آخره كما ذكرنا , فانه ينوى الصوم ساعة صح الخبر عنده، ويمسك عما يمسك عنه الصائم، ويجزئه صومه ولاقضاء عليه، فان لم يفعل فصومه باطل، كما قلنا في التى قبلها سواء سواء , وكذلك ايضا من عليه صوم نذر معين في يوم بعينه فنسى النية وذكر بالنهار فكما قلنا ولا فرق , وكذلك من نسى النية في ليلة من ليالى الشهرين المتتابعين الواجبين ثم ذكر بالنهار، ولافرق , وكذلك من نام قبل غروب الشمس في رمضان، أو في الشهرين المتتابعين، أو في نذر معين فلم ينتبه إلا بعد طلوع الفجر أو في شئ من نهار ذلك اليوم، ولو في آخره، فكما قلنا أيضا آنفا سواء سواء، ولا فرق في شئ اصلا , فلو لم يذكر فى شئ من الوجوه التى ذكرنا، ولا استيقظ حتى غابت الشمس: فلا اثم عليه، ولم يصم ذلك اليوم، برهان قولنا: قول الله تعالى: "???????? ?????????? ??????? ??????? ??????????? ????? ???????? ?•? ??????????
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/254)
??????????? ? ??????? ???? ???????? ???????? ??? [الاحزاب: 5] وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). [قال الألباني: (صحيح) بلفظ: وضع انظر حديث رقم: 3515 في صحيح الجامع].
وكل من ذكرنا ناس أو مخطئ غير عامد، فلا جناح عليه.أ. هـ
س: ماذا على من نوى الصّيام من اللّيل ثم اصابه جنون او اغماء او تعاطى ما يغيب معه الوعى كالمسكر ونحوه؟
الجواب:
اختلف الفقهاء فيما إذا نوى الصّيام من اللّيل، ثمّ طرأ عليه إغماء او تعاطى ما يغيب معه العقل كالسكر ونحوه، فإن لم يفق إلاّ بعد غروب الشّمس، فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم صحّة صومه، لأنّ الصّوم هو الإمساك مع النّيّة، وفى الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي " [مسلم - كتاب الصيام - باب فضل الصيام]
فأضاف ترك الطعام والشراب إليه فإذا كان مغمى عليه فلا يضاف الإمساك إليه فلم يجزئه، ولأن النية أحد ركني الصوم فلا تجزئ وحدها كالإمساك وحده، أما النوم عادة ولا يزيل الإحساس بالكلية ومتى نبه انتبه والإغماء عارض يزيل العقل فأشبه الجنون.
قال ابن قدامه: ومن نوى من الليل فأغمي عليه قبل طلوع الفجر فلم يفق حتى غربت الشمس لم يجزه صيام ذلك اليوم، وجملة ذلك أنه متى أغمي عليه جميع النهار فلم يفق في شيء منه لم يصح صومه. أ. هـ
(قلت: وهذا هو الراجح والله تعالى اعلم)
وذهب الحنفيّة إلى صحّة صومه، لأنّ نيّته قد صحّت، وزوال الاستشعار بعد ذلك لا يمنع صحّة الصّوم، كالنّوم.
وهذا التفصيل المذكور إنما هو فيمن لم يذهب عقله , أما من ذهب عقله، فإن كان بسبب إغماء، فإنه يجب عليه القضاء.
قال ابن قدامة: وعلى المغمى القضاء بغير خلاف علمناه، لأن مدته لا تتطاول غالباً. انتهى.
وإن كان زواله لجنون، فلا قضاء عليه عند الجمهور، ومنهم: أبو حنيفة والشافعي وأحمد، لأنه فاقد لشرط التكليف وهو العقل.
وقال مالك: يجب عليه القضاء متى ما عاد إليه عقله، لأنه مرض فيندرج في قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) ... !!!
إلا أن الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور: من أن المجنون لا قضاء عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاثة:عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ و عن النائم حتى يستيقظ و عن الصبي حتى يحتلم " [رواه احمد وأبو داود – قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 3512 في صحيح الجامع].
قال ابن حزم: [المحلى (ج 6 / ص 226وما بعدها)]
وإذا رفع القلم عنه فهو غير مخاطب بصوم ولا بصلاة وهوغير مخاطب في حال جنونه حتى يعقل، وليس في ذلك بطلان صومه الذى لزمه قبل
جنونه، ولا عودته عليه بعد افاقته، وكذلك المغمى، فوجب أن من جن بعد أن نوى الصوم من الليل فلا يكون مفطرا بجنونه، لكنه فيه غير مخاطب، وقد كان مخاطبا به، فان أفاق في ذلك اليوم أو في يوم بعده من أيام رمضان فانه ينوى الصوم من حينه ويكون صائما، لانه حينئذ علم بوجوب الصوم عليه، وهكذا من جاءه الخبر برؤية الهلال ......... وأما من بلغ مجنونا مطبقا فهذا لم يكن قط مخاطبا، ولا لزمته الشرائع، ولا الاحكام، ولم يزل مرفوعا عنه القلم، فلا يجب عليه قضاء صوم أصلا. أ.هـ
والفرق بين الجنون والإغماء: أن الجنون يطول، والإغماء لا يطول غالباً.
ولا خلاف بين العلماء في عدم لزوم الفدية لفاقد العقل: مغمى كان أو مجنوناً.
ملحوظه:
فاقد العقل بالإغماء فقداناً مستمراً لا قضاء عليه، ولا كفارة لشبهه بالمجنون،
أما من فقده باغماء يفيق بعده فعليه القضاء متى افاق , ومن المتقرر أن المغمى عليه يقضي الصوم على المذاهب الأربعة إلا قولاً في مذهب الحنابلة والشافعية.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل له مدة شهرين لم يشعر بشيء ولم يصلِّ ولم يصم رمضان فماذا يجب عليه؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/255)
فأجاب: لا يجب عليه شيء لفقد شعوره، ولكن إن قدر الله أن يفيق لزمه قضاء رمضان، وإن قضى الله عليه بالموت فلا شيء عليه، إلا أن يكون من ذوي الأعذار المستمرة كالكبير ونحوه، ففرضه أن يطعم وليه عنه عن كل يوم مسكيناً. أ.هـ
س: ماذا على الصبى اذا بلغ فى نهار رمضان وكذالك الكافر يسلم فى نهار رمضان؟
الجواب:
قال صاحب الجامع لأحكام الصيام: [لأبي إياس محمود بن عبد اللطيف بن محمود (عويضة) - الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 120)]:
الصبي إذا بلغ في نهار رمضان، والكافر إذا أسلم في نهار رمضان، فقد دخلا في دائرة المكلَّفِين، فوجب عليهما عندئذٍ الإمساكُ بقيةَ النهار وقضاءُ يوم بدله، وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح والعنبري، وليس في هذه المسألة نصٌّ خاص ولذلك نلجأ إلى النصوص العامة، وهذه النصوص العامة تفرض التكاليف الشرعية على الصبي إذا بلغ، وعلى الكافر إذا أسلم، وكون الصيام من هذه التكاليف فإن الصبي والكافر يتوجب عليهما الصيام لحظة البلوغ والإسلام، وحيث أن التكاليف بدأت في جزء من نهار رمضان، وأن الصبي والمجنون لم ينويا الصيام من الليل، والنيةُ شرط لا بد منه لقبول الصيام، فقد صار من المتوجَّبِ عليهما أن يصوما يوماً بدل. أ.هـ
قال ابن قدامة:
إذا نوى الصبي الصوم من الليل فبلغ في أثناء النهار بالاحتلام أو السن فقال القاضي يتم صومه ولا قضاء عليه لأن نية صوم رمضان حصلت ليلا فيجزئه كالبالغ .......... فأما ما مضى من الشهر قبل بلوغه فلا قضاء عليه وسواء كان قد صامه أو أفطره هذا قول عامة أهل العلم ...... لأنه زمن مضى في حال صباه فلم يلزمه قضاء الصوم فيه كما لو بلغ بعد انسلاخ رمضان ........... فأما اليوم الذي أسلم فيه الكافر فإنه يلزمه امساكه ويقضيه هذا المنصوص عن أحمد وبه قال الماجشون و إسحاق وقال مالك و أبو ثور و ابن المنذر لا قضاء عليه لأنه لم يدرك من زمن العبادة ما يمكنه التلبس بها فيه فأشبه ما لو أسلم بعد خروج اليوم وقد روي ذلك عن أحمد أ. هـ[المغنى – ج6 ص161]
(قلت: ولعل الراجح ان امثال هؤلاء ليس عليهم قضاء، وللمزيد من البيان راجع كلام الالبانى فى سؤال: ما هى صفة نيه الصوم؟)
س: ما حكم صيام من ينام طيلة وقت الصيام؟
الجواب:
النائم طيلة وقت الصيام على حالين:
الحال الأولى: رجل ينام طوال النهار ولا يستيقظ ولا شك أن هذا جانٍ على نفسه، وعاصٍ لله عز وجل بتركه الصلاة في أوقاتها، ومنقص لصومه , وما مثله إلا مثل من يبني قصراً ويهدم مصراً، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يقوم ويؤدي الصلاة في أوقاتها حسبما أمر به.
وهناك فرق بين النوم والاغماء، فأما النوم عادة، ولا يزيل الإحساس بالكلية ومتى نبه انتبه، والإغماء عارض يزيل العقل فأشبه الجنون.
أما الحال الثانية: وهي حال من يقوم ويصلي الصلاة المفروضة في وقتها ومع الجماعة فهذا ليس بآثم، لكنه فوَّت على نفسه خيراً كثيراً، لأنه ينبغي للصائم أن يشتغل بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم حتى يجمع في صيامه عبادات شتى، والإنسان إذا عوَّد نفسه ومرنها على أعمال العبادة في حال الصيام سهل عليه ذلك، وإذا عوَّد نفسه الكسل والخمول والراحة صار لا يألف إلا ذلك وصعبت عليه العبادات والأعمال في حال الصيام، فلا ينبغى للصائم ان يستوعب وقت صيامه في نومه، فليحرص على العبادة من باب حسن التجاره مع الله وحتى يكون صيامه ايمانا واحتسابا.
?فصل فى بيان سنن الصيام ومستحباته ومكروهاته?
س: ما هى سنن الصيام ومستحباته؟
الجواب:
سنن الصّوم ومستحبّاته كثيرة، أهمّها:
1 – السّحور وتأخيره:
قال ابن قدامة:
والكلام في السحور على ثلاثة أشياء:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/256)
أحدها: في استحبابه ولا نعلم فيه بين العلماء خلافا وقد روى أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:" تسحروا فإن في السحور بركة " متفق عليه، وعن عمرو بن العاص قال: " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكله السحر" أخرجه مسلم و أبي داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح ورو الإمام أحمد بإسناده عن أبي سعيد قال: " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين" [قال الألباني: (حسن) انظر حديث رقم: 3683 في صحيح الجامع].
الثاني في وقته: قال أحمد يعجبني تأخير السحور لما روى زيد بن ثابت قال: " تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قمنا إلى الصلاة قلت كم كان قدر ذلك؟ قال خمسين آية " متفق عليه، و روى العرباض بن سارية قال دعاني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى السحور فقال: "هلم إلى الغداء المبارك" رواه أبو داود و النسائي. [قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 7043 في صحيح الجامع]. ... سماه غداء لقرب وقته منه، ولأن المقصود بالسحور التقوي على الصوم وما كان أقرب إلى الفجر كان أعون على الصوم قال أبو داود قال أبو عبد الله إذا شك في الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه وهذا قول ابن عباس و عطاء و الأوزاعي ....... فأما الجماع فلا يستحب تأخيره لأنه ليس مما يتقوى به وفيه خطر وجوب الكفارة وحصول الفطر به.
الثالث: فيما يستحر به وكل ما حصل من أكل أو شرب حصل به فضيلة السحور لقوله عليه السلام: " ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء" وروى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " نعم سحور المؤمن التمر ".أ. هـ[رواه أبو داود قال الألباني: صحيح] [المغنى – ج6 ص186]
2 - تعجيل الفطر:
فى الحديث عن ابي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر لأن اليهود و النصارى يؤخرون " [قال الألباني: (حسن) انظر حديث رقم: 7689 في صحيح الجامع].
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَحَادِيثُ تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ صِحَاحٌ مُتَوَاتِرَةٌ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ قَالَ الْحَافِظُ: صَحِيحٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ الْأَوْدِيِّ قَالَ: " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَ النَّاسِ إفْطَارًا وَأَبْطَأَهُمْ سُحُورًا "
قال ابن قدامه:
تعجيل الفطر وفيه أمور ثلاثة:
احدها: في استحبابه وهو قول اكثر أهل العلم لما روى سهل بن سعد الساعدي " أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر" متفق عليه و قال أنس ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي حتى يفطر ولو على شربة من ماء " [قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 4858 في صحيح الجامع].
وأخرج الطبرانى في الكبير عن أم حكيم بنت وداع قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " عجلوا الإفطار وأخروا السحور ". [قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 3989 في صحيح الجامع]
الثاني فيما يفطر عليه ويستحبّ أن يكون الإفطار على رطبات:
فإن لم تكن فعلى تمرات، وفي هذا ورد حديث عن أنس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات , فإن لم تكن رطبات فتمرات , فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء " [رواه أبو داود و الترمذي و حسنه. و هو في " صحيح أبي داود " برقم (2040)].
وورد فيه حديث عن سلمان بن عامر الضّبّيّ رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإن الماء طهور" [ابو داود والبيهقى - قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 746 في صحيح الجامع].
قال الشوكانى:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/257)
وَحَدِيثَا أَنَسٍ وَسَلْمَانَ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْإِفْطَارِ بِالتَّمْرِ، فَإِنْ عُدِمَ فَبِالْمَاءِ وَلَكِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ مِنْ التَّمْرِ أَوْلَى مِنْ الْيَابِسِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ إنْ وُجِدَ، وَإِنَّمَا شُرِعَ الْإِفْطَارُ بِالتَّمْرِ لِأَنَّهُ حُلْوٌ، وَكُلُّ حُلْوٍ يُقَوِّي الْبَصَرَ الَّذِي يَضْعَفُ بِالصَّوْمِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْمُنَاسِبَةِ وَبَيَانِ وَجْهِ الْحِكْمَةِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّ الْحُلْوَ يُوَافِقُ الْإِيمَانَ وَيَرِقُ الْقَلْبَ، وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ كَوْنَهُ حُلْوًا، وَالْحُلْو لَهُ ذَلِكَ التَّأْثِيرُ فَيُلْحَقُ بِهِ الْحَلَوِيَّاتُ كُلُّهَا. أ.هـ[نيل الأوطار - (ج 7 / ص 91)]
والثالث الوصال: وهو أن لا يفطر بين اليومين بأكل ولا شرب وهو مكروه في قول أكثر أهل العلم لما روى ابن عمر قال: " واصل رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان فواصل الناس فنهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الوصال فقالوا إنك تواصل قال: إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى " (متفق عليه) وهذا يقتضي اختصاصه بذلك ومنع إلحاق غيره به وقوله: "إني أطعم وأسقى" يحتمل أنه يريد أنه يعان على الصيام ويغنيه الله تعالى عن الشراب والطعام بمنزلة من طعم وشرب ويحتمل أنه أراد إني أطعم حقيقة وأسقى حملا للفظ على حقيقته ............... وقال أبو هريرة: " نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الوصال فلما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوما ويوما ثم رأوا الهلال فقال: لو تأخر لزدتكم كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا" (متفق عليه) فإن واصل من سحر إلى سحر جاز لما روى أبو سعيد أنه " سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر " (أخرجه البخاري) وتعجيل الفطر أفضل لما قدمناه.أ. هـ[المغنى – ج6 ص188]
3 - ويستحب استعمال السواك:
قال ابن القيم: [زاد المعاد - (ج 4 / ص 293وما بعدها)]
وفي السواك عدة منافع: يطيب الفم ويشد اللثة ويقطع البلغم ويجلو البصر ويذهب بالحفر ويصح المعدة ويصفي الصوت ويعين على هضم الطعام ويسهل مجاري الكلام وينشط للقراءة والذكر والصلاة ويطرد النوم ويرضي الرب ويعجب الملائكة ويكثر الحسنات.
ويستحب كل وقت ويتأكد عند الصلاة والوضوء والإنتباه من النوم وتغيير رائحة الفم , ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه ولحاجة الصائم إليه , ولأنه مرضاة للرب ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر , ولأنه مطهرة للفم والطهور للصائم من أفضل أعماله.
وفي السنن: عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لا أحصي يستاك وهو صائم وقال البخاري: قال ابن عمر: يستاك أول النهار وآخره , وأجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوبا واستحبابا والمضمضة أبلغ من السواك , وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة , ولا هي من جنس ما شرع التعبد به , وإنما ذكر طيب الخلوف عند الله يوم القيامة حثا منه على الصوم لا حثا على إبقاء الرائحة , بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر , وأيضا فإن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم
, وأيضا فإن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم
, وأيضا فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف الذي يزيله السواك عند الله يوم القيامة , بل يأتي الصائم يوم القيامة وخلوف فمه أطيب من المسك علامة على صيامه , ولو أزاله بالسواك كما أن الجريح يأتي يوم القيامة ولون دم جرحه لون الدم وريحه ريح المسك وهو مأمور بإزالته في الدنيا
, وأيضا فإن الخلوف لا يزول بالسواك فإن سببه قائم وهو خلو المعدة عن الطعام , وإنما يزول أثره وهو المنعقد على الأسنان واللثة , وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم علم أمته ما يستحب لهم في الصيام وما يكره لهم , ولم يجعل السواك من القسم المكروه وهو يعلم أنهم يفعلونه , وقد حضهم عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول , وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مرارا كثيرة تفوت الإحصاء , ويعلم أنهم يقتدون به ولم يقل لهم يوما من الدهر: لا تستاكوا بعد الزوال , وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع والله أعلم. أ.هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/258)
وقال الألباني: [سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/ 578)]:
ومما جاء في مشروعية السواك للصائم في أي وقت شاء أول النهار أو آخره عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " [متفق عليه]
و في " مسند الشاميين " (2250) بإسناد يحتمل التحسين عن عبد
الرحمن بن غنم قال:سألت معاذ بن جبل أأتسوك و أنا صائم ? قال: نعم , قلت: أي النهار أتسوك ? قال: أي النهار شئت غدوة أو عشية , قلت: إن الناس يكرهونه عشية و يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لخلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ? "
فقال: سبحان الله لقد أمرهم بالسواك و هو يعلم أنه لا بد أن يكون بفي الصائم خلوف و إن استاك , و ما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمدا , ما في ذلك من الخير شيء , بل فيه شر , إلا من ابتلي ببلاء لا يجد منه بدا , قلت: و الغبار في سبيل الله أيضا كذلك إنما يؤجر من اضطر إليه و لا يجد عنه محيصا ? قال: نعم , فأما من ألقى نفسه في البلاء عمدا فما له في ذلك من أجر ". أ. هـ[و قال الحافظ في " التلخيص " (ص 193): إسناده جيد]
واورد أَبِو شَيْبَة مِنْ طَرِيق أَبِي حَمْزَة الْمَازِنِيِّ قَالَ " أَتَى اِبْنَ سِيرِينَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا تَرَى فِي السِّوَاك لِلصَّائِمِ؟ قَالَ لَا بَأْس بِهِ. قَالَ: إِنَّهُ جَرِيدٌ وَلَهُ طَعْمٌ " قَالَ: وَالْمَاء لَهُ طَعْم وَأَنْتَ تُمَضْمِضُ بِهِ. أ.هـ[أخرجه البخاري معلقا]
4 - ويستحب ان سابه احد او شاتمه ان يقول انى صائم مرتين وان كان قائما يجلس:
ففى الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا". [البخاري - كتاب الصوم - باب فضل الصوم]
قال ابن حجر فى الشرح:
وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيق عَجْلَان مَوْلَى الْمُشْمَعِلّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " فَإِنْ سَابَّك أَحَد فَقُلْ إِنِّي صَائِم وَإِنْ كُنْت قَائِمًا فَاجْلِسْ " .... وَلِأَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيق اِبْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " فَإِنْ جَهِلَ عَلَى أَحَدكُمْ جَاهِل وَهُوَ صَائِم " وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيث عَائِشَة " وَإِنْ اِمْرُؤٌ جَهِلَ عَلَيْهِ فَلَا يَشْتُمهُ وَلَا يَسُبّهُ " وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَات كُلّهَا عَلَى أَنَّهُ يَقُول " إِنِّي صَائِم " فَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا مَرَّتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ اِقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدَة. أ.هـ
قال ابن تيميه: [الفتاوى الكبرى - (ج 5 / ص 376)]
وإذا شتم الصائم استحب أن يجيب بقوله إني صائم وسواء كان الصوم فرضا أو نفلا.أ. هـ
قال ابن القيم: [زاد المعاد - (ج 2 / ص 48)]
ونهى الصائم عن الرفث والصخب والسباب وجواب السباب فأمره أن يقول لمن سابه: إني صائم فقيل: يقوله بلسانه وهو أظهر وقيل: بقلبه تذكيرا لنفسه بالصوم وقيل: يقوله في الفرض بلسانه وفي التطوع في نفسه لأنه أبعد عن الرياء. أ.هـ
5 - ويستحب الاكثار من تلاوة القرآن:
فى الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ". [البخاري - كتاب بدء الوحي - باب بدء الوحى]
قال ابن حجر فى الشرح:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/259)
قَوْله: (فَيُدَارِسهُ الْقُرْآن) قِيلَ الْحِكْمَة فِيهِ أَنَّ مُدَارَسَة الْقُرْآن تُجَدِّد لَهُ الْعَهْد بِمَزِيدِ غِنَى النَّفْس ........ وَفيه اسْتِحْبَاب الْإِكْثَار مِنْ الْقِرَاءَة فِي رَمَضَان وَكَوْنهَا أَفْضَل مِنْ سَائِر الْأَذْكَار , إِذْ لَوْ كَانَ الذِّكْر أَفْضَل أَوْ مُسَاوِيًا لَفَعَلَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَقْصُود تَجْوِيد الْحِفْظ , قُلْنَا الْحِفْظ كَانَ حَاصِلًا , وَالزِّيَادَة فِيهِ تَحْصُل بِبَعْضِ الْمَجَالِس. أ.هـ
6 - ويستحب كثرة الجود بالخير من القول والفعل والعطاء:
فى الحديث عند البخاري " فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ".
قال ابن حجر:
وَالْجُود فِي الشَّرْع إِعْطَاء مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي , وَهُوَ أَعَمّ مِنْ الصَّدَقَة. وَأَيْضًا فَرَمَضَان مَوْسِم الْخَيْرَات ; لِأَنَّ نِعَم اللَّه عَلَى عِبَاده فِيهِ زَائِدَة عَلَى غَيْره , فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْثِر مُتَابَعَة سُنَّة اللَّه فِي عِبَاده. فَبِمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْوَقْت وَالْمَنْزُول بِهِ وَالنَّازِل وَالْمُذَاكَرَة حَصَلَ الْمَزِيد فِي الْجُود .....
وَالْمُرْسَلَة أَيْ: الْمُطْلَقَة يَعْنِي أَنَّهُ فِي الْإِسْرَاع بِالْجُودِ أَسْرَع مِنْ الرِّيح , وَعَبَّرَ بِالْمُرْسَلَةِ إِشَارَة إِلَى دَوَام هُبُوبهَا بِالرَّحْمَةِ , وَإِلَى عُمُوم النَّفْع بِجُودِهِ كَمَا تَعُمّ الرِّيح الْمُرْسَلَة جَمِيع مَا تَهُبّ عَلَيْهِ. وَوَقَعَ عِنْد أَحْمَد فِي آخِر هَذَا الْحَدِيث " لَا يُسْأَل شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ " وَثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَة فِي الصَّحِيح مِنْ حَدِيث جَابِر " مَا سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَالَ لَا ". وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِي الْحَدِيث فَوَائِد: مِنْهَا الْحَثّ عَلَى الْجُود فِي كُلّ وَقْت , وَمِنْهَا الزِّيَادَة فِي رَمَضَان وَعِنْد الِاجْتِمَاع بِأَهْلِ الصَّلَاح. أ.هـ
7 - ويستحبّ أن يدعو عند الإفطار:
فقد ورد عن عبد اللّه بن عمرو رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً: «إنّ للصّائم دعوةً لا تردّ» وهذا الحديث وكل ما فى معناه مثل حديث " ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر , و الإمام العادل , و دعوة المظلوم" كلها احاديث لايصح منها شئ ولكن الصيام عبادة عظيمة والسنة الدعاء بين يدي الاعمال الصالحة، أى بعد تمام أدائها , فمن اتم حجه امُر بقول الله تعالى:" ??????? ????????? ???????????•? ????????????? ???? ???????????? ????????????? ???? ?????? ??????? ? ... ????? " [البقرة - 200] , والسنة الدعاء دبر الصلوات اى فى اخرها قبل التسليم , فكان من الخير الدعاء عند الفطر بين يدى الصيام والله الموفق للخير.
وليس هناك دعاء موقوف مأثور عن النبي , وما عرف من دعاء" اللهم لك صمت و على رزقك أفطرت ... " فلا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم
لكن ما جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: «ذهب الظّمأ، وابتلّت العروق، وثبت الأجر إن شاء اللّه تعالى» [قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 39:حسن]
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا أَفْطَرَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي. [اورده الشوكانى فى نيل الاوطار]
9 - يستحب إفطار الصائمين:
فى الحديث:" من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا" [(صحيح) انظر حديث رقم: 6415 في صحيح الجامع].
س: ما هى مكروهات الصوم؟
الجواب:
يكره للصّائم بوجه عامّ - مع الخلاف - ما يلي:
1 - ذوق شيء بلا عذر:
لما فيه من تعريض الصّوم للفساد، ومن العذر مضغ الطّعام للولد، إذا لم تجد الأمّ منه بدّاً، فلا بأس به، ويكره إذا كان لها منه بدّ، وكذا ذوق الطّعام، لينظر اعتداله، لصانع الطّعام، والمرأة حال طهوها للطعام خاصة لمن تعلم من زوجها اساءة عند عدم اعتدال الطعام.!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/260)
وليس من العذر، ذوق اللّبن والعسل لمعرفة الجيّد منه والرّديء عند الشّراء، فيكره ذلك، ولابد التحرز من وصول الطعم المذاق الى الحلق فإن وجد طعم المذوق في حلقه أفطر.
2 - تكره القبلة والمباشرة والمعانقة ودواعي الوطء:
كاللّمس وتكرار النّظر إن لم يأمن على نفسه وقوع مفسد، من الإنزال أو الجماع .... (تقدم الكلام على القبلة والمباشرة)
3 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق:
وذلك لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال له: " بالغ في الاستنشاق إلاّ أن تكون صائماً"، وذلك خشية فساد صومه.
ومن المكروهات الّتي عدّدها المالكيّة: فضول القول والعمل، وإدخال كلّ رطب له طعم - في فمه - وإن مجّه، والإكثار من النّوم في النّهار.
واخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ" ....... وفى رواية اخري:" وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ" [تقدم تخريجه]
قال ابن حجر:
قَوْله: (وَلَا يَجْهَل): أَيْ لَا يَفْعَل شَيْئًا مِنْ أَفْعَال أَهْل الْجَهْل كَالصِّيَاحِ وَالسَّفَه وَنَحْو ذَلِكَ ...... قَالَ الْقُرْطُبِيّ: لَا يُفْهَم مِنْ هَذَا أَنَّ غَيْر الصَّوْم يُبَاح فِيهِ مَا ذُكِرَ , وَإِنَّمَا الْمُرَاد أَنَّ الْمَنْع مِنْ ذَلِكَ يَتَأَكَّد بِالصَّوْمِ.
قَوْله فِيهِ (وَلَا يَصْخَبُ): وَالصَّخَب الْخِصَام وَالصِّيَاح , وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْي عَنْ ذَلِكَ تَأْكِيده حَالَة الصَّوْمِ , وَإِلَّا فَغَيْرُ الصَّائِم مَنْهِيّ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا. أ.هـ
4 - تأخير الفطر:
وذلك لما تقرر من فضيلة تعجيل الفطر، وَأَيْضًا فِي تَأْخِيرِهِ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ عِنْدَ ظُهُورِ النُّجُومِ، وَقَدْ كَانَ الشَّارِعُ يَأْمُرُ بِمُخَالَفَتِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ.
5 - ترك أكلة السحور:
فى الحديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ بِلَفْظِ: " إن الله و ملائكته يصلون على المتسحرين ". [صححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4/ 212]
وَفِي رِوَايَةٍ عن انس يرفعه: " تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ ". [انظر حديث رقم: 2945 في صحيح الجامع.]
قال الشوكانى:
وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَدْبِيَّةِ السُّحُورِ انْتَهَى.
وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ وَاصَلُوا، وَمِنْ مُقَوِّيَاتِ مَشْرُوعِيَّةِ السُّحُورِ مَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لَأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَسَحَّرُونَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّسَحُّرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْمُؤْمِنُ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ وَلَوْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ.أ. هـ[نيل الأوطار - (ج 7 / ص 93)]
قال ابن قدامة:
ويجب على الصائم أن ينزه صومه عن الكذب والغيبة والشتم قال أحمد: ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه ولا يماري ويصون صومه كانوا إذا صاموا قعدوا في المساجد وقالوا نحفظ صومنا ولا يغتاب أحدا ولا يعمل عملا يجرح به صومه. أ.هـ[المغنى - ج6 ص201]
?فصل فى بيان مبطلات الصيام ومفسداته?
س: ما هى مفسدات ومبطلات الصيام؟
الجواب:
يفسد الصّوم ويبطل - بوجه عامّ - كلّما انتفى شرط من شروطه، أو اختلّ أحد أركانه، كالرّدّة، وكطروء الحيض والنّفاس، وفعل كلّ ما ينافيه من أكل وشرب وجماع ونحوهما، ودخول شيء من خارج البدن إلى جوف الصّائم.
والجوف هو: الباطن، سواء أكان ممّا يحيل الغذاء والدّواء، أي يغيّرهما كالبطن والأمعاء، أم كان ممّا يحيل الدّواء فقط كباطن الرّأس أو الأذن، أم كان ممّا لا يحيل شيئاً كباطن الحلق.
قال النّوويّ: جعلوا الحلق كالجوف، في بطلان الصّوم بوصول الواصل إليه، وقال غيره: إذا جاوز الشّيء الحلقوم أفطر.
قال: وعلى الوجهين جميعاً: باطن الدّماغ والأمعاء والمثانة ممّا يفطر الوصول إليه. أ.هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/261)
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 175وما بعدها)]
ويُبطل الصوم تعمُد الاكل، أو تعمد الشرب، أو تعمد الوطئ في الفرج، أو تعمد القئ، وهو في كل ذلك ذاكرا لصومه، سواء قل ما أكل أو كثر، أخرجه من بين أسنانه , أو أخذه من خارج فمه فأكله، وهذا كله مجمع عليه إجماعا متيقنا .......... وأما الريق فقل أو كثر فلا خلاف في أن تعمد ابتلاعه لا ينقض الصوم وبالله تعالى التوفيق. أ.هـ
فالذى يفسد الصوم بفعل الصائم منها أمور متفق عليها وأخرى مختلف فيها:
فأما المتفق على انه يفسد الصيام:
اولا:الاكل والشرب عمدا أو ما يدخل الجوف:
قال ابن قدامه: [المغني –- (ج 3 / ص 36)]
يفطر بالأكل والشرب بالإجماع وبدلالة الكتاب والسنة أما الكتاب فقول الله تعالى ?????????" ????????????? ?????? ??•??????? ?????? ?????????? ?????????? ???? ?????????? ?????????? ???? ?????????? ? ???? ????????? ??????????? ????? ???????? ? .... "????? [البقرة - 187] مد الأكل والشرب إلى تبين الفجر ثم أمر بالصيام عنهما وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه و سلم: " والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ". [البخاري - كتاب الصوم - باب فضل الصوم]
واجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب بما يتغذى به فأما مالا يتغذى به فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل به. أ.هـ
ولذلك عبر العلماء على هذا الامر من مفسدات الصيام بما يدخل الجوف:
ويشترط في فساد الصّوم وابطاله بما يدخل إلى الجوف ما يلي:
1 - أن يكون الدّاخل إلى الجوف، من المنافذ الواسعة - كما قيّده بذلك المالكيّة - والمفتوحة - كما قال الشّافعيّة - أي المخارق الطّبيعيّة الأصليّة في الجسم، والّتي تعتبر موصّلةً للمادّة من الخارج إلى الدّاخل، كالفم والأنف.
وقد استدلّ لذلك، بالاتّفاق على أنّ من اغتسل في ماء، فوجد برده في باطنه لا يفطر، ومن طلى بطنه بدهن لا يضرّ، لأنّ وصوله إلى الجوف بتشرّب لايضر.
2 - أن يكون الدّاخل إلى الجوف ممّا يمكن الاحتراز عنه، كدخول المطر والثّلج بنفسه حلق الصّائم إذا لم يبتلعه بصُنعه، فإن لم يمكن الاحترازعنه , كالذّباب يطير إلى الحلق، وغبار الطّريق , لم يفطر إجماعاً، ومن رفع راسه لاعلى فسقط الى حلقه قطرة ماء او نحوها.
3 - والجمهور على أنّه لا يشترط أن يكون الدّاخل إلى الجوف مغذّياً، فيفسد الصّوم بالدّاخل إلى الجوف، ممّا يغذّي أو لا يغذّي، وذلك بتناول ما لا يؤكل عادةً كالتّراب والحصى، والحبوب النّيئة، كالقمح والشّعير والحمّص والعدس، والثّمار الفجّة الّتي لا تؤكل قبل النّضج، كالسّفرجل والجوز، وكذا تناول ملح كثير دفعةً واحدةً، أوعلى دفعات، بتناول دفعة قليلة، في كلّ مرّة، أمّا في أكل نواة أو قطن أو ورق، أو حديد أو ذهب أو فضّة، وكذا شرب ما لا يشرب من السّوائل كالبترول، وذلك كله سواء أكان ممّا يتغذّى به أم يتداوى به، ولأنّ هذه المذكورات ليست غذائيّةً، ولا في معنى الغذاء.
4 - ويشترط أن يكون الصّائم قاصداً ذاكراً لصومه، أمّا لو كان ناسياً أنّه صائم، فلا يفسد صومه عند الجمهور، وذلك لما جاء فى الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ". [البخاري - كتاب الايمان والنذور - باب اذا حنث ناسيا فى الايمان].
وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: "مَنْ أَكَلَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ و لا كفارة ". [قال الألبانى فى "إرواء الغليل" (4/ 86): وإسناده حسن].
ويستوي في ذلك الفرض والنّفل لعموم الأدلّة ... (وهو الصواب الراجح)
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْجُمْهُورُ فَقَالُوا: مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فَلَا يُفْسَدُ صَوْمُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ.
وخالف مالك في صوم رمضان فذهب إلى أنّ من نسي في رمضان، فأكل أو شرب، عليه القضاء، أمّا لو نسي في غير رمضان، فأكل أو شرب، فإنّه يتمّ صومه، ولا قضاء عليه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/262)
5 - وشرط الشّافعيّة والحنابلة وزفر من الحنفيّة، أن يكون الصّائم مختاراً - غير مكره - فيما يتناوله، من طعام أو شراب أو دواء، فلو صبّ الماء أو الدّواء في حلقه مكرهاً، لم يفسد صومه عندهم، لأنّه لم يفعل ولم يقصد.
ولو أكره على الإفطار، فأكل أو شرب، فللشّافعيّة قولان مشهوران في الفطر وعدمه , أصحّهما عدم الفطر، وعلّلوا عدم الإفطار بأنّ الحكم الّذي ينبني على اختياره ساقط، لعدم وجود الاختيار.
ومذهب الحنابلة: أنّه لا يفسد صومه قولاً واحداً، وذلك لحديث ابن عباس يرفعه: «إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه» [قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 1836 في صحيح الجامع]. .. فإنّه عامّ.
الثانى: الجماع فى نهار رمضان:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ جماع الصّائم في نهار رمضان عامداً مختاراً بأن يلتقي الختانان وتغيب الحشفة في أحد السّبيلين مفطر يوجب القضاء والكفّارة، أنزل أو لم ينزل، وفي قول ثان للشّافعيّة لا يجب القضاء، لأنّ الخلل انجبر بالكفّارة.
وعند الحنابلة: إذا جامع في نهار رمضان - بلا عذر - آدميّاً أو غيره حيّاً أو ميّتاً أنزل أم لا فعليه القضاء والكفّارة، عامداً كان أو ساهياً، أو جاهلاً أو مخطئاً، مختاراً أو مكرهاً، وهذا لحديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ مَا لَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ أَنَا قَالَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ" ... [البخاري - كتاب الصوم - باب اذا جامع فى رمضان ولم يكن له شئ يتصدق به]
الشرح نقلا من كلام ابن حجر فى فتح الباري (بتصرف يسير):
قَوْله: (هَلَكْت):اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَامِدًا لِأَنَّ الْهَلَاك وَالِاحْتِرَاقَ مَجَازٌ عَنْ الْعِصْيَانِ الْمُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ , فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْمُتَوَقَّعَ كَالْوَاقِعِ , وَبَالَغَ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي , وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى وُجُوب الْكَفَّارَة عَلَى النَّاسِي وَهُوَ مَشْهُور قَوْل مَالِك وَالْجُمْهُور , وَعَنْ أَحْمَد وَبَعْض الْمَالِكِيَّة يَجِب عَلَى النَّاسِي , وَتَمَسَّكُوا بِتَرْكِ اِسْتِفْسَاره هَلْ كَانَ عَنْ عَمْد أَوْ نِسْيَان ..... وَالْجَوَاب أَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ حَالُهُ بِقَوْلِهِ هَلَكْت وَاحْتَرَقْت فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَامِدًا عَارِفًا بِالتَّحْرِيمِ , وَأَيْضًا فَدُخُول النِّسْيَان فِي الْجِمَاع فِي نَهَار رَمَضَان فِي غَايَة الْبُعْدِ.
وفى روايه " أَصَبْت اِمْرَأَتِي ظُهْرًا فِي رَمَضَان " وَتَعْيِينُ رَمَضَان مَعْمُولٌ بِمَفْهُومِهِ , وَلِلْفَرْقِ فِي وُجُوب كَفَّارَة الْمُجَامِعِ فِي الصَّوْم بَيْن رَمَضَان وَغَيْره مِنْ الْوَاجِبَات كَالنَّذْرِ (قلت: وهذا يعنى ان هذا الحكم متعلق بمن فعل ذلك فى نهار رمضان حال صيامه لا فى غيره).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/263)
وَفِي الْحَدِيث أَيْضًا أَنَّ الْكَفَّارَة بِالْخِصَالِ الثَّلَاث عَلَى التَّرْتِيب الْمَذْكُور. قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقَلَهُ مِنْ أَمْرٍ بَعْدَ عَدَمِهِ لِأَمْرٍ آخَرَ وَلَيْسَ هَذَا شَأْنَ التَّخْيِير.
قَوْلُهُ: (فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِعْسَارِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا لَا تُصْرَفُ فِي النَّفْسِ وَالْعِيَالِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِقْرَارَهَا فِي ذِمَّتِهِ إلَى حِينِ يَسَارِهِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا تَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ، قَالُوا: وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهَا عَنْ الْمُعْسِرِ، بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْرَارِهَا عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ عَاجِزًا عَنْ نَفَقَةِ أَهْلِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ الْكَفَّارَةَ فِيهِمْ.
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 197)]:
وصفة الكفارة الواجبة هي كما ذكرنا في رواية جمهور أصحاب الزهري: من عتق رقبة لا يجزئه غيرها مادام يقدر عليها، فان لم يقدر عليها لزمه صوم شهرين متتابعين، فان لم يقدر عليها لزمه حينئذ اطعام ستين مسكينا ...... وبقولنا يقول أبو حنيفة، والشافعي، وأبو سليمان، وأحمد وجمهور الناس.أ. هـ
وَذُكِرَ فِي حِكْمَةِ هَذِهِ الْخِصَال مِنْ الْمُنَاسَبَة أَنَّ مَنْ اِنْتَهَكَ حُرْمَةَ الصَّوْم بِالْجِمَاعِ فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ بِالْمَعْصِيَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً فَيَفْدِي نَفْسَهُ , وَقَدْ صَحَّ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَة أَعْتَقَ اللَّه بِكُلِّ عُضْو مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّار. وَأَمَّا الصِّيَام فَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ كَالْمُقَاصَّةِ بِجِنْسِ الْجِنَايَة , وَأَمَّا كَوْنُهُ شَهْرَيْنِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِمُصَابَرَةِ النَّفْس فِي حِفْظِ كُلّ يَوْم مِنْ شَهْر رَمَضَان عَلَى الْوَلَاء فَلَمَّا أَفْسَدَ مِنْهُ يَوْمًا كَانَ كَمَنْ أَفْسَدَ الشَّهْر كُلّه مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ بِالنَّوْعِ فَكُلِّفَ بِشَهْرَيْنِ مُضَاعَفَة عَلَى سَبِيل الْمُقَابَلَة لِنَقِيضِ قَصْده. وَأَمَّا الْإِطْعَام فَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ مُقَابَلَة كُلّ يَوْم بِإِطْعَامِ مِسْكَيْنِ. ثُمَّ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ جَامِعَة لِاشْتِمَالِهَا عَلَى حَقّ اللَّه وَهُوَ الصَّوْم , وَحَقّ الْأَحْرَار بِالْإِطْعَامِ , وَحَقّ الْأَرِقَّاء بِالْإِعْتَاقِ , وَحَقّ الْجَانِي بِثَوَابِ الِامْتِثَال. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِيجَاب الْكَفَّارَة بِالْجِمَاعِ.
وَالْمُرَاد بِالْإِطْعَامِ الْإِعْطَاء لَا اِشْتِرَاط حَقِيقَة الْإِطْعَام مِنْ وَضْعِ الْمَطْعُوم فِي الْفَم بَلْ يَكْفِي الْوَضْع بَيْن يَدَيْهِ بِلَا خِلَاف , وَفِي إِطْلَاق الْإِطْعَام مَا يَدُلّ عَلَى الِاكْتِفَاء بِوُجُودِ الْإِطْعَام مِنْ غَيْر اِشْتِرَاط مُنَاوَلَة , بِخِلَافِ زَكَاة الْفَرْض فَإِنَّ فِيهَا النَّصَّ عَلَى الْإِيتَاء وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ فِيهَا النَّصَّ عَلَى الْأَدَاء , وَفِي ذِكْرِ الْإِطْعَام مَا يَدُلّ عَلَى وُجُودِ طَاعِمِينِ فَيُخْرِجُ الطِّفْل الَّذِي لَمْ يَطْعَمْ كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّة , وَنَظَرَ الشَّافِعِيّ إِلَى النَّوْع فَقَالَ: يُسَلَّمُ لِوَلِيِّهِ , وَذَكَرَ السِّتِّينَ لِيُفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَا زَادَ عَلَيْهَا , وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْمَفْهُومِ تَمَسَّكَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ.
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 201وما بعدها)]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/264)
ومن كان فرضه الاطعام فانه لابد له من أن يطعمهم شبعهم، من أي شئ أطعمهم، وان اختلف، مثل أن يطعم بعضهم خبزا، وبعضهم تمرا، وبعضهم ثريدا، وبعضهم زبيبا، ونحو ذلك، ويجزئ في ذلك مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، إن أعطاهم حبا أو دقيقا أو تمرا أو زبيبا أو غير ذلك مما يؤكل ويكال، فان أطعمهم طعاما معمولا فيجزئه ما أشبعهم أكلة واحدة، أقل أو أكثر ....... ولا يجوز تحديد إطعام دون إطعام بغير نص ولا إجماع ....... ولا يجزئ إطعام رضيع لا يأكل الطعام، ولا إعطاؤه من ذلك، لانه لا يسمى إطعاما، فان كان يأكل كما تأكل الصبيان أجزأ إطعامه وإشباعه، وإن أكل قليلا، لانه أطعم كما أمر ....... ولا يجزئ اطعام أقل من ستين، ولا صيام أقل من شهرين، لانه خلاف ما أمر به وبالله تعالى التوفيق. أ.هـ
قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد: أَضَافَ الْإِطْعَام الَّذِي هُوَ مَصْدَر أَطْعِمْ إِلَى سِتِّينَ فَلَا يَكُون ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي حَقّ مَنْ أَطْعَمَ سِتَّة مَسَاكِينَ عَشْرَة أَيَّام مَثَلًا.
قَوْله: (خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ) وَزَادَ اِبْن إِسْحَاق " فَتَصَدَّقْ بِهِ عَنْ نَفْسِك "
وَاسْتُدِلَّ بِإِفْرَادِهِ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَة عَلَيْهِ وَحْده دُون الْمَوْطُوءَة , وَكَذَا قَوْله فِي الْمُرَاجَعَة " هَلْ تَسْتَطِيع " وَ " هَلْ تَجِد " وَغَيْر ذَلِكَ , وَهُوَ الْأَصَحّ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيَّة وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيِّ , وَقَالَ الْجُمْهُورُ وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْمُنْذِر تَجِبُ الْكَفَّارَة عَلَى الْمَرْأَة أَيْضًا عَلَى اِخْتِلَافٍ وَتَفَاصِيلَ لَهُمْ فِي الْحُرَّة وَالْأَمَة وَالْمُطَاوِعَةِ وَالْمُكْرَهَةِ وَهَلْ هِيَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الرَّجُل عَنْهَا , وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّة بِسُكُوتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنْ إِعْلَام الْمَرْأَة بِوُجُوبِ الْكَفَّارَة مَعَ الْحَاجَة (قلت: هوالاصح والموافق للدليل والله تعالى اعلم)
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ اِخْتَلَفُوا فِي الْكَفَّارَة هَلْ هِيَ عَلَى الرَّجُل وَحْدَهُ عَلَى نَفْسه فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ عَنْهُ وَعَنْهَا أَوْ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسه وَعَلَيْهَا عَنْهَا , وَلَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَاكِت عَنْ الْمَرْأَة
سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ رَجُل جَامَعَ اِمْرَأَته فِي رَمَضَان قَالَ: عَلَيْهِمَا كَفَّارَة وَاحِدَة إِلَّا الصِّيَام , قِيلَ لَهُ فَإِنْ اِسْتَكْرَهَهَا؟ قَالَ عَلَيْهِ الصِّيَام وَحْده
و لَا رَيْب فِي حُصُول الْإِثْم عَلَى الْمُطَاوِعَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إِثْبَات الْكَفَّارَة. أ.هـ (انتهى كلام ابن حجر)
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 196)]
وأما المرأة فموطوءة، والموطوءة غير الواطئ فالامر في سقوط الكفارة عنها على كل حال أوضح من كل واضح .. أ. هـ
قال ابن قدامه:
قال أبو داود: سئل أحمد من أتى أهله في رمضان أعليها كفارة؟ قال: ما سمعنا أن على امرأة كفارة وهذا قول الحسن وقول الشافعي، ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة ولم يأمر في المرأة بشيء مع علمه بوجود ذلك منها ولأنه حق مال يتعلق بالوطء.
[المغنى – ج6 ص105]
ملحوظة:
ذهب بعض العلماء الى انه لايجب على المجامع الا الكفارة المذكوره , وليس عليه قضاء , ويبطل هذا الكلام ما جاء فى رواية َلِابْنِ مَاجَهْ وَأَبِي دَاوُد: " وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ " [قال الألباني فىالإرواء (939): صحيح]
الثالث: تعمد القئ:
قال ابن قدامه: [المغني - (ج 6 / ص 93)]
من استقاء فعليه القضاء لأن صومه يفسد به ومن ذرعه فلا شيء عليه , وهذا قول عامة أهل العلم قال الخطابي: لا أعلم بين أهل العلم فيه اختلافا , وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على إبطال صوم من استقاء عامدا .... ومَعْنَى اسْتَقَاءَ: تَقَيَّأَ مُسْتَدْعِيًا لِلْقَيْءِ. أ.هـ
وَقَلِيلُ الْقَيْءِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَيْءِ طَعَامًا، أَوْ مُرَارًا، أَوْ دَمًا، فإن كان الخارج بلغماً فغير مفسد للصّوم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/265)
فإذا ذرعه القيء:أي غلب القيء الصّائم، فلا خلاف بين الفقهاء في عدم الإفطار به، قلّ القيء أم كثر، ويدل على ذلك ما جاء فى الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء" [رواه الترمذى وابوداود وابن ماجه قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 65: صحيح].
قال الشوكانى: [نيل الأوطار - (ج 7 / ص 49)]
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ صَوْمُ مَنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَيَبْطُلُ صَوْمُ مَنْ تَعَمَّدَ إخْرَاجَهُ وَلَمْ يَغْلِبْهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. أ.هـ
وَنَقَلَ اِبْن الْمُنْذِر أَيْضًا الْإِجْمَاع عَلَى تَرْكِ الْقَضَاء عَلَى مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَلَمْ يَتَعَمَّدْهُ.
الرابع: رفع النّيّة:
لأن الصوم عبادة، فيحتاج إلى نية من بدئه إلى انتهائه، فإن قُطعت النية قُطع الصوم ..... وعند الحنابلة - وفي وجه عند الشّافعيّة - يجب القضاء بترك النّيّة دون الكفّارة، وذلك بتعمّد رفع النّيّة نهارًا، كأن يقول وهو صائم: رفعت نيّة صومي، أو يقول رفعت نيّتي، وأولى من ذلك، رفع النّيّة في اللّيل، كأن يكون غير ناو للصّوم، لأنّه رفعها في محلّها فلم تقع النّيّة في محلّها.
الخامس: الردة عن الاسلام:
قال ابن قدامه:
وَمَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَقَدْ أَفْطَرَ، لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ مِنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ، أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ، أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ رِدَّتُهُ بِاعْتِقَادِهِ مَا يَكْفُرُ بِهِ، أَوْ شَكِّهِ فِيمَا يَكْفُرُ بِالشَّكِّ فِيهِ، أَوْ بِالنُّطْقِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، مُسْتَهْزِئًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَهْزِئٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " ??????? ???????????? ??????????? ??????? ?•??? ??????? ?????????? ? ???? ???????? ????????????? ???????????? ??????? ??????????????? ???? ?? ????????????? ???? ????????? ?????? ????????????." [التوبة - 65،66]
وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ، فَأَبْطَلَتْهَا الرِّدَّةُ، كَالصَّلَاةِ وَالْحَجَّ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، فَنَافَاهَا الْكُفْرُ، كَالصَّلَاةِ. أ.هـ[المغني - (ج 6 / ص 95)]
أما المختلف فى انه يفسد الصوم فمنه:
1 - الحجامة:
تعريفها: الحجامة لغة: مأخوذة من الحجم أي المصّ ...
والحجامة هي شق الجلد بآلة تسمى المِحْجَم أو المِحْجَمة، وقيام الحاجم بمصِّ الدم الخارج من الشق، وذلك عند وفرة الدم في البدن وفَوَرانه. والغالب في الحجامة أن تكون في الرأس، فعن عبد الرحمن الأعرج عن ابن بُحَيْنةَ " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم بطريق مكة وهو مُحْرِمٌ وَسَطَ رأسه" [رواه مسلم (2886)].
وقد اختلف الفقهاء، ومِن قبلهم الصحابةُ، في الحجامة هل تفطِّر أم لا تفطِّر؟
والْجُمْهُور عَلَى عَدَم الْفِطْر بِهَا مُطْلَقًا، ومن الصحابة عن أم سلمة وعبد الله بن عباس وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وعبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص وأبي سعيد الخدري.
وذهب محمد بن سيرين والحسن البصري وعطاء وأحمد بن حنبل وإسحق بن راهُويه وأبو ثور والأوزاعي والداودي من المالكية، ومحمد بن المنذر وابن خُزيمة وابن حِبَّان من الشافعية إلى أن الحجامة تفطِّر الصائمَ الحاجمَ والمحتجمَ، وأوجبوا عليهما القضاء، ورُوي ذلك عن علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وعائشة من الصحابة رضي الله عنهم.
وقد جاء بهذا المعنى حديث رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " [قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 65: صحيح - رواه عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أحد عشر نفسا].
قال الشوكانى: [نيل الأوطار - (ج 7 / ص 42)]:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/266)
وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ الْقَائِلُونَ بِفِطْرِ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَهُمْ: عَلِيٌّ وَعَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ، حَكَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ صَاحِبُ الْفَتْحِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ يُفْطِرُ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ لَهُ، وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يُفْطِرُ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ.
قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: إنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَبِذَلِكَ قَالَ الدَّاوُدِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ.أ. هـ
وسبب الخلاف الواسع فى هذا الامر ما جاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ].
وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ أَنَّهُ قَالَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: " أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ " [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]
قال الشوكانى: [نيل الأوطار - (ج 7 / ص 46وما بعدها)]
وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفْطِرُ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَصْلُحُ لِنَسْخِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ:
أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ تَأَخُّرَهُ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ عَدَمِ انْتِهَاضِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ، أَعْنِي قَوْلَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
وَإمَا ثَانِيًا: فَغَايَةُ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاقِعُ بَعْدَ عُمُومٍ يَشْمَلُهُ أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا لَهُ مِنْ الْعُمُومِ لَا رَافِعًا لِحُكْمِ الْعَامِّ.
فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ مَكْرُوهَةٌ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ يَضْعُفُ بِهَا وَتَزْدَادُ الْكَرَاهَةُ إذَا كَانَ الضَّعْفُ يَبْلُغُ إلَى حَدٍّ يَكُونُ سَبَبًا لِلْإِفْطَارِ، وَلَا تُكْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ لَا يَضْعَفُ بِهَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ تَجَنُّبُ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ أَوْلَى، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ: " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " عَلَى الْمَجَازِ لِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ الصَّارِفَةِ لَهُ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ.أ. هـ
ملحوظه:
الحاجم الان – فى الغالب - لايتنزل عليه حكم الفطر حال العمل بالحجامه لانه لايمص بل يستخدم آلات للحجامه بدون مص.!!!
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 203)]
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق ثوبان، وشداد ابن أوس، ومعقل بن سنان، وأبى هريرة، ورافع بن خديج وغيرهم: أنه قال: (افطر الحاجم والمحجوم) فوجب الاخذ به، الا أن يصح نسخه، وقد ظن قوم أن الرواية عن ابن عباس: (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم) ناسخة للخبر المذكور، وظنهم في ذلك باطل، لانه قد يحتجم عليه السلام وهو مسافر فيفطر، وذلك مباح، أو في صيام تطوع فيفطر، وذلك مباح. أ.هـ
2 - تعمّد إنزال الْمَنِيُّ بلا جماع:
الاستمناء أواستخراج المني، هل يُفطِّر الصائم؟ فذهب جمهور العلماء إلى أن الاستمناء وإنزال المني بفعلٍ مقصودٍ من الرجل يُفطِّر الصائم، أما إن كان نزول المني بفعل غير مقصود، كأن نظر الرجل إلى جسد امرأته فأنزل بغير تعمد، أو تفكَّر فأنزل فلا يفطِّر الصائم، ولا يفطِّر الصائمَ عندهم الاحتلامُ ولو نزل المني.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/267)
قال النووي: من قبَّل فأنزل بطل صومه، وقال ابن قدامة في كتاب المغني: إن قبَّل فأنزل بطل صومه بلا خلاف، وقال مالك: من باشر أو قبَّل فأَنْعَظَ (انتصب) ولم يُمْذِ ولا أنزل بطل صومه وقضى، بل إن عدداً من الفقهاء قالوا إن الرجل إذا أمذى، أي أنزل المذي بطل صومه!! وهو قول مالك وابن قدامة وإسحق، وفي المقابل ذهب ابن حزم إلى أن الاستمناء وإِنزال المني بفعلٍ مقصودٍ وغيرِ مقصود لا يفطِّر الصائم.
ولو أمذى بتكرار النّظر، فظاهر كلام أحمد لا يفطر به، لأنّه لا نصّ في الفطر به، ولا يمكن قياسه على إنزال المنيّ، لمخالفته إيّاه في الأحكام، فيبقى على الأصل .... (قلت:وهو الصواب والله تعالى اعلم)
أمّا الفكر، فإنّ الإنزال به لا يفسد الصّوم عند الحنابلة، لأنّ الفكر يدخل تحت الاختيار، لكن جمهورالحنابلة استدلّوا بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ". [البخاري - كتاب العتق - باب الخطأ والنسيان فى العتاقة والطلاق ونحوه]
ولأنّه لا نصّ في الفطر به ولا إجماع، ولا يمكن قياسه على المباشرة ولا تكرار النّظر، لأنّه دونهما في استدعاء الشّهوة، وإفضائه إلى الإنزال.
قلت: وهذا هو الصحيح بشرط الا يصاحب الفكر اى عمل من لمس او تفخيذ ونحو ذلك والله تعالى اعلى واعلم.
واتّفق الفقهاء على أنّه إذا حصل إنزال بالسّحاق (استمتاع المرأة بالمرأة) فإنّه يفسد الصّوم ويجب القضاء على من أنزلت، إذ أنّ خروج المنيّ عن شهوة بالمباشرة مفسد للصّوم، وعمل المرأتين أيضاً كعمل الرّجال جماع فيما دون الفرج لا قضاء على واحدة منهما إلاّ إذا أنزلت ولا كفّارة مع الإنزال بلا جماع فى الفرج.
ويدل على ذلك كله ما جاء فى الحديث " يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي" [البخاري - كتاب التوحيد - باب قوله تعالى يريدون ان يبدلوا كلام الله ... ]
قال ابن حجر فى الفتح:
وَالْمُرَاد بِالشَّهْوَةِ فِي الْحَدِيث شَهْوَة الْجِمَاع لِعَطْفِهَا عَلَى الطَّعَام وَالشَّرَاب , ....... وَفِي رِوَايَة اِبْن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيق سُهَيْل عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِيهِ " يَدَع الطَّعَام وَالشَّرَاب مِنْ أَجْلِي , وَيَدَع لَذَّته مِنْ أَجْلِي " وَفِي رِوَايَة أَبِي قُرَّة مِنْ هَذَا الْوَجْه " يَدَع اِمْرَأَته وَشَهْوَته وَطَعَامه وَشَرَابه مِنْ أَجْلِي ".أ. هـ
وفى الحديث:"الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ". [سبق تخريجه]
قال ابن حجر فى الفتح:
قَوْله: (فَلَا يَرْفُث) أَيْ الصَّائِم , وَيَرْفُث بِالضَّمِّ وَالْكَسْر وَيَجُوز فِي مَاضِيه التَّثْلِيث , وَالْمُرَاد بِالرَّفَثِ هُنَا وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاء وَالْفَاء ثُمَّ الْمُثَلَّثَة الْكَلَام الْفَاحِش , وَهُوَ يُطْلَق عَلَى هَذَا وَعَلَى الْجِمَاع وَعَلَى مُقَدِّمَاته وَعَلَى ذِكْره مَعَ النِّسَاء أَوْ مُطْلَقًا , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون لِمَا هُوَ أَعَمّ مِنْهَا. أ.هـ
قال ابو حيان: [تفسير البحر المحيط - (البقرة - 184)]
وقال ابن عباس، والزجاج، وغيرهما: الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة.أ. هـ
قلت: فهذا يبين ان استدعاء الشهوة يؤثر على الصيام بالسلب لا بالايجاب، بمعنى انه ينقصه او يبطله كلٌ بحسبه، فالانتشار والمذى وما شابه ينقصه، بينما نزول المنى بشهوة يبطل الصيام لانه تمام الشهوة، واما ما ينزل من هذه الاشياء بغير شهوة لمرض ونحوه فلا يؤثر فى الصيام.!!!
قال ابن قدامه:
ولو استمنى بيده فقد فعل محرما ولا يفسد صومه به إلا أن يُنزل، فإن أنزل فسد صومه، فأما إن انزل لغير شهوة كالذي يخرج منه المني أو المذي لمرض فلا شيء عليه لم يفسد صومه لأنه عن غير اختيار منه، فأشبه ما لو دخل حلقه شيء وهو نائم، ولو جامع في الليل فأنزل بعدما أصبح لم يفطر لأنه لم يتسبب إليه في النهار، فأشبه ما لو أكل شيئا في الليل فذرعه القيء في النهار. أ.هـ[المغنى – جـ6 صـ84]
3 - القُبلةُ والمباشرةُ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/268)
وَمَعْنَى الْمُبَاشَرَة هَهُنَا اللَّمْس بِالْيَدِ وَهُوَ مِنْ اِلْتِقَاء الْبَشَرَتَيْنِ، دون جماع ...... والقبلة معروفه.
فى الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُنِي وَهُوَ صَائِمٌ وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَه ُ" .. [مسلم - كتاب الصيام - باب بيان ان القبلة فى الصوم ليست محرمه]
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:" كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ " [البخاري - كتاب الصوم - باب المباشرة للصائم]
وَفِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بَلَاغًا " وَأَيُّكُمْ أُمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
و"إِرْبه": مَعْنَاهُ بِالْكَسْرِ الْوَطَر وَحاجة النفس، وَبِالْفَتْحِ "الْعُضْو"!!
قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَى كَلَام عَائِشَة أَنَّهُ يَنْبَغِي لَكُمْ الِاحْتِرَاز عَنْ الْقُبْلَة وَلَا تَتَوَهَّمُوا مِنْ أَنْفُسكُمْ أَنَّكُمْ مِثْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اِسْتِبَاحَتهَا لِأَنَّهُ يَمْلِك نَفْسه وَيَأْمَن مِنْ الْوُقُوع فِي قُبْلَة يَتَوَلَّد مِنْهَا إِنْزَال أَوْ شَهْوَة أَوْ هَيَجَان نَفْس وَنَحْو ذَلِكَ وَأَنْتُمْ لَا تَأْمَنُونَ ذَلِكَ , فَطَرِيقكُمْ الِانْكِفَاف عَنْهَا.
وَنَقَلَ اِبْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْره عَنْ قَوْم تَحْرِيم المباشرة , وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) الْآيَةَ. فَمَنَعَ الْمُبَاشَرَة فِي هَذِهِ الْآيَة نَهَارًا.
وَقَالَ اِبْن قُدَامَةَ: إِنْ قَبَّلَ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ بِلَا خِلَاف.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال:" كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم , فجاء شاب فقال: يا رسول الله أقبل و أنا صائم؟ قال: " لا ". فجاء شيخ فقال: أقبل و أنا صائم؟ قال: " نعم ". قال: فنظر بعضنا إلى بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشيخ يملك نفسه ". [أورده الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4/ 138]
وعن أبي هريرة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم:"عن المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب". [أخرجه أبو داود وَسَكَتَ عَنْهُ هو وَالْمُنْذِرِيُّ. وَقَالَ اِبْنُ الْهُمَامِ: سَنَدُهُ جَيِّدٌ , كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ - قال الألباني: حسن صحيح].
وعن عمر بن الخطاب هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم قال أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم". [أخرجه أبو داود – قال الألباني: صحيح].
قال الترمذي: واختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في القُبلة للصائم فرخص بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في القُبلة للشيخ ولم يُرَخِّصوا للشاب مخافةَ أن لا يَسْلَمَ له صومُه والمباشرةُ عندهم أشدُّ. وقد قال بعض أهل العلم: القُبلة تُنقِصُ الأَجر ولا تفطِّر الصائم، ورأوا أن للصائم إذا ملك نفسه أن يُقبِّل، وإذا لم يأمن على نفسه تَرَك القُبلة ليَسْلَمَ له صومُه وهو قول سفيان الثوري والشافعي. أ.هـ.
قال النووى فى شرح مسلم
(بَاب بَيَان أَنَّ الْقُبْلَةَ فِي الصَّوْم لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ لَمْ تُحَرِّك شَهْوَتَهُ) قَالَ الشَّافِعِيّ وَالْأَصْحَاب: الْقُبْلَة فِي الصَّوْم لَيْسَتْ مُحَرَّمَة عَلَى مَنْ لَمْ تُحَرِّك شَهْوَتَهُ , لَكِنْ الْأَوْلَى لَهُ تَرْكُهَا , وَلَا يُقَال: إِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ لَهُ , وَإِنَّمَا قَالُوا: إِنَّهَا خِلَاف الْأَوْلَى فِي حَقّه , مَعَ ثُبُوت أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلهَا ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْمَنُ فِي حَقّه مُجَاوَزَةُ حَدِّ الْقُبْلَة , وَيُخَاف عَلَى غَيْره مُجَاوَزَتُهَا , كَمَا قَالَتْ عَائِشَة: (كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ) وَأَمَّا مَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ فَهِيَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/269)
حَرَام فِي حَقّه عَلَى الْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا , وَقِيلَ: مَكْرُوهَة كَرَاهَة تَنْزِيه. قَالَ الْقَاضِي: قَدْ قَالَ بِإِبَاحَتِهَا لِلصَّائِمِ مُطْلَقًا جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَدَاوُد , وَكَرِهَهَا عَلَى الْإِطْلَاق مَالِك , وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو حَنِيفَة وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيّ: تُكْرَهُ لِلشَّابِّ دُون الشَّيْخ الْكَبِير , وَلَا خِلَاف أَنَّهَا لَا تُبْطِل الصَّوْم إِلَّا أَنْ يَنْزِل الْمَنِيّ بِالْقُبْلَةِ , وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُور فِي السُّنَن , وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضْت " وَمَعْنَى الْحَدِيث: أَنَّ الْمَضْمَضَة مُقَدِّمَة الشُّرْب , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهَا لَا تُفْطِر , وَكَذَا الْقُبْلَة مُقَدِّمَة لِلْجِمَاعِ , فَلَا تُفْطِر. أ.هـ
وقال ابن حجر: من حرَّكت القُبلةُ شهوَته فهي حرام في حقِّه على الأصح
وقال عبد الله بن شُبْرُمة أحدُ فقهاء الكوفة إِنَّ القُبلةَ تُفطِّر، فيما ذهب ابن حزم بَلْ بَالَغَ إلى استحباب القُبلة للصائم، وأباح القُبلةَ والمباشرةَ مطلقاً!!
قال المباركفوري فى تحفة الاحوذى:
أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا مَلَكَ نَفْسَهُ جَازَ لَهُ التَّقْبِيلُ وَإِذَا لَمْ يَأْمَنْ تَرَكَهُ , وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْمُوَطَّأِ: لَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ إِذَا مَلَكَ نَفْسَهُ بِالْجِمَاعِ , فَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَمْلِكَ نَفْسَهُ فَالْكَفُّ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعَامَّةُ قَبْلَنَا اِنْتَهَى. أ.هـ
قال أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَاَلَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ جَوَازُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ مُفْسِدٍ فَلَا يَلُمْ الشَّرِيعَةَ وَلَكِنْ لِيَلُمْ نَفْسَهُ الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ الْمُسْتَرْسِلَةَ عَلَى الْمَخَاوِفِ. أ.هـ
قلت: المتقرر هو ان الصيام عن الطعام والشراب والشهوة، وبالتالى فيلزم الصائم الاَّ يفعل ما يجر الشهوة التى هو مطالب بتركها كما فى الحديث " يَدَع شَهْوَته .... إِلَخْ "، وبالتالى فالقبلة والمباشرة جائزة مالم تستدعى الشهوة، كما سبق بيانه بالنصوص وكلام العلماء، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا الصَّوْمُ مِنْ الشَّهْوَةِ وَالْقُبْلَةُ مِنْ الشَّهْوَةِ، هذا والله تعالى اعلى واعلم.
ولخص ابن قدامة المسألة فقال:
ولا يخلو المقبل من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن لا ينزل فلا يفسد صومه بذلك لا نعلم فيه خلافا لما روي عن عائشة: " أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقبل وهو صائم وكان أملككم لِإِرْبِهِ " رواه البخاري و مسلم - ويروي (لِإِرْبِهِ) بتحريك الراء وسكونها قال الخطابي: معناها واحد وهو حاجة النفس ووطرها وقيل بالتسكين العضو وبالفتح الحاجة وروي [عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله: صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم فقال: أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم قلت: لا بأس به قال فمه] رواه أبو داود شبه كان بالمضمضة من حيث أنها من مقدمات الشهوة وإن المضمضة إذا لم يكن معها نزول الماء لم يفطر وإن كان معها نزوله أفطر.
الحال الثاني: أن يمني فيفطر بغير خلاف نعلمه لما ذكرناه من إيماء الخبرين ولأنه إنزال بمباشرة فأشبه الإنزال بالجماع دون الفرج. (وان لم يأخذ حكمه)
الحال الثالث: أن يمذي، قال أبو حنيفة والشافعي لا يفطر، وروي ذلك عن الحسن والشعبي والأوزاعي لأنه خارج لا يوجب الغسل أشبه البول.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/270)
إذا ثبت هذا فإن المقبل إذ كان ذا شهوة مفرطة بحيث يغلب على ظنه أنه إذا قبل (جامع) أوأنزل لم تحل له القبلة لأنها مفسدة لصومه فحرمت كالأكل وإن كان ذا شهوة لكنه لا يغلب على ظنه ذلك كره له التقبيل لأنه يعرض صومه للفطر ولا يأمن عليه الفساد. أ.هـ[المغنى - جـ6 صـ81]
4 - الإكتحال:
اختلف الفقهاء في حكم الاكتحال هل هو جائز للصائم لا يُفطِّر أم هو مكروه أم هو حرام مُبْطِلٌ للصوم؟ فذهب إلى أن الاكتحال يُبطل الصيام ابن شُبرُمة وابن أبي ليلى، وذهب أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور والأوزاعي وداود بن علي وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي وابن شهاب الزهري إلى حكم الجواز وأنه لا يفطِّر بحالٍ، وروى ذلك عن عبد الله بن عمر وأنس ابن مالك وابن أبي أوفى من الصحابة رضوان الله عليهم.
والحق أن هذه المسألة هي من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى وقفة طويلة لبيانِ أن الاكتحال جائز للصائم وللصائمة وأنه لا يفطِّر بحالٍ من الأحوال إذ لم يُرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته حديثٌ واحدٌ صحيحٌ أو حسنٌ ينهى الصائم عن الاكتحال، لا نهياً جازماً ولا نهياً غير جازم، بل ورد حديث - وان اختلفوا فى صحته - يبين انه جائز وهو ما رواه ابن ماجه عن عائشة قالت:" اكتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم". [قال الألباني: صحيح، الروض النضير (759)]
واخرج البخاري – تعليقا – " وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ وَالْحَسَن وَإِبْرَاهِيم بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا ".
قال ابن حجر فى الفتح:
َرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَن عَنْ أَنَس أَنَّهُ كَانَ يَكْتَحِل وَهُوَ صَائِم , وَعن الْحَسَن قَالَ " لَا بَأْس بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ ".
وعَنْ الْقَعْقَاعِ بْن يَزِيدَ " سَأَلْت إِبْرَاهِيمَ أَيَكْتَحِلُ الصَّائِمُ؟ قَالَ نَعَمْ. قُلْت أَجِدُ طَعْمَ الصَّبْرِ فِي حَلْقِي. قَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ ".
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ الْأَعْمَش قَالَ " مَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ أَصْحَابنَا يَكْرَهُ الْكُحْلَ لِلصَّائِمِ , وَكَانَ إِبْرَاهِيم يُرَخِّصُ أَنْ يَكْتَحِل الصَّائِم بِالصَّبْرِ".أ. هـ
وما يقال بخصوص الكُحل يقال بخصوص قطرة العين، فالتّقطير في العين، ودهن الأجفان، أو وضع دواء مع الدّهن في العين لا يفسد الصّوم، لأنّه لا ينافيه وإن وجد طعمه في حلقه، فإنه لا دليل من الشرع على أن ذلك يفطِّر الصائم، بل الدليل قائم على جوازها، لأن واقعها كواقع الماء في الأغسال والوضوء، فما يدخل العين من ماء أو دواء لا يفطِّر الصائم مطلقاً، وما قاله بعض الفقهاء من أن قطرة العين تصل إلى الحلق هو قول متهافت لا يُؤْبَهُ به ولا يُلتفَت إليه، ومثل قطرة العين قطرة الأذن فإنها لا تفطِّر، لأن واقعها كواقع الماء الداخل إليها في الأغسال والوضوء، وهو لا يفطِّر مطلقاً.
5 - الاستعاط واستعمال البخور والتدخين:
الاستعاط: افتعال من السّعوط: دواء يصبّ في الأنف، والاستعاط
وهو أن تُوضَعَ مادةٌ في الأنف وتُستنشَق، ويسمى الدواء الذي يُستنشق السَّعوط بفتح السين.
وهو عند الفقهاء: إيصال الشّيء إلى الدّماغ أو الرئتين من الأنف.
وإنّما يفسد الاستعاط الصّوم، بشرط أن يصل الدّواء إلى الدّماغ، والأنف منفذ إلى الجوف، فلو لم يصل إلى الدّماغ لم يضرّ، بأن لم يجاوز الخيشوم، فلو وضع دواءً في أنفه ليلاً، وهبط نهاراً، فلا شيء عليه.
ولو وضعه في النّهار، ووصل إلى جوفه أفطر، لأنّه واصل إلى جوف الصّائم باختياره فيفطّره كالواصل إلى الحلق.
وهذا كقطرة الأنف فيُنظَر، فإن هي وصلت إلى الحلق وشربها الصائم فقد أفطر، إما إن وصلت الفم فبصقها الصائم فلا تفطِّر، فالأنف يختلف عن العين والأذن بكونه نافذاً إلى الفم كما هو معلوم ومعروف، ومثله بخاخ الربو ان وجد طعمه وبلعه يفطر والا فلا، والله تعالى اعلى واعلم.
واستعمال البخور: يكون بإيصال الدّخان إلى الحلق، فيفطر، أمّا شمّ رائحة البخور ونحوه بلا وصول دخانه إلى الحلق فلا يفطر ولو جاءته الرّائحة واستنشقها، لأنّ الرّائحة لا جسم لها.
وهذا بخلاف دخان الحطب، فإنّه لا قضاء في وصوله للحلق، ولو تعمّد استنشاقه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/271)
فمن أدخل بصُنعه دخاناً حلقه، بأيّة صورة كان الإدخال، فسد صومه، سواء أكان دخان عنبر أم عود أم غيرهما، ودخان التبغ (السجائر)، حتّى من تبخّر بعود، فآواه إلى نفسه، واشتمّ دخانه، ذاكراً لصومه، أفطر، لإمكان التّحرّز من إدخال المفطر جوفه ودماغه.
قال بعض أهل العلم: هذا ممّا يغفل عنه كثير من النّاس، فلينبّه له، ولا يتوهّم أنّه كشمّ الورد والمسك، لوضوح الفرق بين هواء تطيّب بريح المسك وشبهه، وبين جوهر دخان وصل إلى جوفه بفعله.
وفى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 246وما بعدها)]
إنه لمن المتفق عليه عند المسلمين قديماً وحديثاً أن دخول جسم في الحلق ومن ثم بلعه، أي نزوله إلى البلعوم يفطِّر الصائم، دون اشتراط أن يصل إلى المعدة أو إلى الرئة فنزول أي جسم إلى البلعوم يفطِّر الصائم، وهذا هو مقتضى اللغة، فاللغة تُطلِق على من بلع جسماً صلباً أنه أكله، أو سائلاً أنه شربه، فنزول الشيء إلى البلعوم يعتبر أكلاً له أو شرباً له، وحيث أن الأكل والشرب يفطِّران، فإن بلع أي شيء يفطِّر الصائم. وإنه لمن المتفق عليه عند المسلمين قديماً وحديثاً، إلا من شذَّ، أن نزول أي جسم إلى البلعوم يفطِّر الصائم، سواء كان مغذياً، أو غير مغذٍّ كحصاةٍ أو حفنة تراب.
بقي أن نعرف مواصفات هذا الجسم، فأقول إن الجسم إن دخل كلُّه دفعةً واحدة فإنه لا خلاف في أنه يفطِّر، كاللقمة أو كحبة الحمص أو كجرعة ماء أو دواء وهو مُجْمَعٌ عليه عند المسلمين قديماً وحديثاً، فإذا جاء أحدهم ليحتال على الصيام، فسحق حبةَ الحمص أو حبة الدواء، ثم أدخل المسحوق بالتدريج في جوفه إما ببلعه مع الريق، أو باستنشاقه مع الهواء فإنه يكون قد أفطر، ولا تنفعه حيلته هذه، لأن النتيجة واحدة في الحالتين، وهي إن جسماً قد نزل إلى البلعوم ومن ثمَّ إلى الرئتين في الصدر، أو إلى المعدة في البطن، ولا يختلف الحال إن كان قد دخل جسماً على حاله، أو دخل مسحوقاً فبلعه مع الريق فوصل إلى المعدة، أو استنشقه مع الهواء، فوصل إلى الرئتين، وإذن فإن دخول أي جسم عن طريق البلعوم يفطِّر على أيةِ حالةٍ دخل، لأنه في واقعه فعلٌ واحد ...........
وبالتالى فما يدخل الصدر أو البطن من طريق الحلق والبلعوم يفطِّر، لا فرق بين أن يدخل على شكل جسم محسوس أو على شكل مسحوقٍ مُذاب في الريق، أو على شكل مادة تطير في الهواء ثم تنعقد في الداخل مادةً محسوسة، أما الحالتان الأُوْليان فإنه لا خفاء فيهما، ولا يحتاجان منا إلى ضرب أمثلة عليهما.
وأما الحالة الثالثة فهي ما تحتاج إلى ضرب أمثلة عليها فمنها:
أ - السَّعوط، وهو نوع من التبغ يُسحَق ويستنشقه الشخص فيدخل في الرئتين أو كأعشاب تطحن وتستنشق للعلاج كالسعوط الهندي وما شابه
ب - دخان التبغ، ودخان البخُّور.
ج - بخار الماء وبخار الدواء.
د - بخَّاخ الرَّبْو.
هذه الأنواع الأربعة يدخل منها من طريق الحلق والبلعوم في الرئتين في الصدر ما ينعقد أَجْراماً وأجساماً.
أما بالنسبة للسَّعوط فإنه يدخل كلُّه في الرئتين مروراً بالبلعوم حاله كحال حبة حمص أو حبة دواء تُسحَق فتدخل مع الريق الى المعدة.
وأما دخان التبغ من السجاير والغليون والنرجيلة فإنه يتشكَّل في الصدر أَجْراماً وأجساماً من القَطِران والنيكوتين وغيرهما وهي ما تشاهد بوضوح تام في ما يسميه الناس بـ (الشيشه) لدى مرور الدخان من خلالها، وهي ما تشاهد بوضوح على الثياب إذا جرى تبخيرها بكثرة.
واتّفق الفقهاء على أنّ شرب الدّخان المعروف أثناء الصّوم يفسد الصّيام، لأنّه من المفطرات.
وأما بخار الماء وبخار الدواء، فإن حقيقته وواقعه أنه ماء ودواء، فلا يصح استنشاقه وإدخاله في الداخل بحالٍ من الأحوال.
وأما بخَّاخ الربو فإن حقيقته وواقعه أنه دواء ينبعث من الإناء الموضوع فيه كرذاذ يدخل في الفم ومن ثم ينزل إلى البلعوم، قسمٌ منه يختلط باللعاب فيدخل في المعدة، والقسم الأكبر يدخل مع الهواء في الرئتين. فالقاعدة هي أن أي جسم إذا دخل في البلعوم فطَّر الصائم سواء دخل على حاله، أو دخل على شكل دخان أو رذاذ أو بخار، ثم انعقد جسماً ومادة في الداخل.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/272)
وهذا كله إن حصل بفعلٍ إراديٍّ من الإنسان، أي قام بالاستعاط، أو قام بالتدخين، أو استنشق عامداً الدخان المتصاعد من البخور المشتعِل، أو ترك الماء، أو الدواء يغليان على النار وقام باستنشاق بخارهما للعلاج أو لغيره، أو رشَّ بخَّاخ الربو في فمه ليدخل منه في جوفه فكل ذلك في واقعه إِدخال أجرامٍ وأجسامٍ في البلعوم، فيُفْطِر الصائم بأي منها.
أما إن حصل كل ذلك بغير إرادةٍ من الإنسان فإنه لا يُفْطِر، لأن الله سبحانه وتعالى لا يحاسب على فعلٍ لا إرادة للإنسان فيه فمن جلس إلى جوار مدخِّن أو قربَ عودِ بخُّورٍ مشتعلٍ في غرفة، ودخل في صدره شيءٌ منه دون قصد ولا إرادة فإنه يظلُّ صائماً ولا يفطر، وإذا كان الجو رطباً مُشْبَعاً ببخار الماء، أو كان الحمَّام مشبعاً ببخار الماء المتصاعد من الماء الحار، واستنشق الصائم بخار الماء هذا أو ذاك رغماً عنه، دون إرادة ولا قصد، فإنه لا يفطر. وقل مثل ذلك بخصوص الغبار في الجو، وخاصةً في أيام الزوابع والعواصف الخماسينية، فإن استنشاق الغبار آنذاك لا يفطر الصائم، ولا يفطر إلا إذا أدخل هو بإرادةٍ منه وقصدٍ أشياءَ مما سبق. أ.هـ
س:هل المعاصى تفسد الصيام وهل من يقع فيها وهو صائم يعد مفطرا؟
الجواب:
من أهمّ ما ينبغي أن يترفّع عنه الصّائم ويحذره: ما يحبط معه أجر صومه من المعاصي الظّاهرة والباطنة ونحوها، فيصون لسانه عن اللّغو والهذيان والكذب، والغيبة والنّميمة، والفحش والجفاء، والخصومة والمراء، ويكفّ جوارحه عن جميع الشّهوات والمحرّمات، ويشتغل بالعبادة، وذكر اللّه، وتلاوة القرآن وهذا كما يقول الغزاليّ: هو سرّ الصّوم.
وقد ذهب ابن حزم الى ان المعاصى القوليه والعمليه تجعل الصوم فاسد ويصبح الصائم بالمعاصى مفطر , وجمهور العلماء على انها تنقصه لاتبطله ولايصبح العاصى بمعصيته مفطرا , وقد وردت نصوص كثيرة صحيحة تحذر من مغبة المعاصى واثرها السئ على الصيام من ذلك:
اخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ". [كتاب الصوم - بَاب مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فِي الصَّوْمِ]
قال ابن حجر فى الشرح:
قَوْلُهُ: (قَوْل الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ) .... وَلِابْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ اِبْن الْمُبَارَك " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْل الزُّورِ وَالْجَهْلَ وَالْعَمَلَ بِهِ ".
وَالْمُرَاد بِقَوْلِ الزُّورِ: الْكَذِبُ , وَالْجَهْلِ: السَّفَهُ , وَالْعَمَلِ بِهِ أَيْ بِمُقْتَضَاهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَالْعَمَلُ بِهِ " فَيَعُودُ عَلَى الزُّورِ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ أَيْضًا عَلَى الْجَهْلِ أَيْ وَالْعَمَل بِكُلٍّ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) قَالَ اِبْن بَطَّال: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُؤْمَرَ بِأَنْ يَدَعَ صِيَامَهُ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّحْذِير مِنْ قَوْلِ الزُّورِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ , وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ " مَنْ بَاع الْخَمْر فَلْيُشَقِّصْ الْخَنَازِير " أَيْ يَذْبَحْهَا , وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِذَبْحِهَا وَلَكِنَّهُ عَلَى التَّحْذِيرِ وَالتَّعْظِيمِ لِإِثْم بَائِع الْخَمْر. وَأَمَّا قَوْلُهُ " فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَة " فَلَا مَفْهُومَ لَهُ , فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْء ..... فَالْمُرَاد رَدّ الصَّوْم الْمُتَلَبِّس بِالزُّورِ وَقَبُول السَّالِم مِنْهُ , وَقَرِيب مِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى:" لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ " [الحج – 37] فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَنْ يُصِيبَ رِضَاهُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ الْقَبُول. وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ: مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا ذُكِرَ لَا يُثَابُ عَلَى صِيَامِهِ , وَمَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَاب الصِّيَام لَا يَقُومُ فِي الْمُوَازَنَةِ بِإِثْم الزُّور وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: لَيْسَ الْمَقْصُود مِنْ شَرْعِيَّةِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/273)
الصَّوْمِ نَفْس الْجُوعِ وَالْعَطَشِ , بَلْ مَا يَتْبَعُهُ مِنْ كَسْرِ الشَّهَوَات وَتَطْوِيعِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ لِلنَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ , فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لَا يَنْظُرُ اللَّه إِلَيْهِ نَظَر الْقَبُولِ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تَنْقُصُ الصَّوْم , , لِأَنَّ الرَّفَثَ وَالصَّخَبَ وَقَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ مِمَّا عَلِمَ النَّهْيُ عَنْهُ مُطْلَقًا وَالصَّوْم مَأْمُور بِهِ مُطْلَقًا , فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُور إِذَا حَصَلَتْ فِيهِ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِهَا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهَا فِيهِ مَشْرُوطَة فِيهِ مَعْنًى يَفْهَمُهُ , فَلَمَّا ذَكَرَتْ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ نَبَّهَتْنَا عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا زِيَادَة قُبْحِهَا فِي الصَّوْمِ عَلَى غَيْرِهَا , وَالثَّانِي الْبَحْث عَلَى سَلَامَةِ الصَّوْمِ عَنْهَا , وَأَنَّ سَلَامَتَهُ مِنْهَا صِفَة كَمَالِ فِيهِ , وَقُوَّة الْكَلَامِ تَقْتَضِي أَنْ يُقَبَّحَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الصَّوْمِ , فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ يَكْمُلُ بِالسَّلَامَةِ عَنْهَا. قَالَ: فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ عَنْهَا نَقَصَ ..... فَيَكُونُ اِجْتِنَاب الْمُفْطِرَاتِ وَاجِبًا وَاجْتِنَابُ مَا عَدَاهَا مِنْ الْمُخَالَفَاتِ مِنْ الْمُكَمِّلَاتِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ.أ. هـ
قال المباركفوري فى شرح الترمذى:
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الزُّورُ الْكَذِبُ وَالْبُهْتَانُ , أَيْ مَنْ لَمْ يَتْرُكْ الْقَوْلَ الْبَاطِلَ مِنْ قَوْلِ الْكُفْرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالِافْتِرَاءِ وَالْغِيبَةِ وَالْبُهْتَانِ وَالْقَذْفِ وَالشَّتْمِ وَاللَّعْنِ وَأَمْثَالِهَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ اِجْتِنَابُهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اِرْتِكَابُهَا. أ.هـ
قلت: وبالجملة فالمعاصى لاتزال بالصوم حتى تميته فيصبح جوعا وعطشا فحسب , وان كان من تلبس بالمعاصي حال صيامه لايطالب بالقضاء حكما , وكل عاقل يحافظ على عبادته وليذكر دائما ما جاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" رب قائم حظه من قيامه السهر و رب صائم حظه من صيامه الجوع و العطش" [قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 3490 في صحيح الجامع].
قال جابر ابن عبد الله: إذا صمت فليصم سمعك، وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار، وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء.
وفى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 282)]
والصواب الرأي الذي نُسب للجمهور، وهو أن الغِيبة وما ذُكر معها لا تفطِّر الصائم، وأُضيف أنا إلى هذا القولِ القولَ إن الغِيبة وما ذُكر معها تُنقِص أجر الصائم وثوابَه، ولا تُحْبِطه كلَّه كما يقول الشافعي، وإِنَّ الصائمَ ليخسرُ من أجر الصيام وثوابه بقدر ما يرتكب من معاصٍ
أما لماذا جاءت هذه الأحاديث بعبارة (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)؟ فالجواب عليه هو أن القصد منها، والله أعلم، نهيُ الصائم نهياً شديداً، وتحذيرُه تحذيراً قوياً من ارتكاب معاصي الغِيبة وما ذُكر معها في أثناء الصوم.
وهنا نكتة لطيفة وجليلة ينبغي لكل مسلم أن يقف عليها ويدركها.
أما هذه النكتة فهي أن الشرع عندما يأمر بعبادة من العبادات فإنه إنما يأمر بها المسلم من أجل أن يجني منها الثوابَ والأجرَ، فإن قام المسلمٌ بارتكاب معصيةٍ في أثناء هذه العبادة، فإنه بذلك يكون قد خرق القصد من عبادته، ولم يتنبه للغايةِ منها، وهو بدلاً من أن يَجْني ثواب العبادة وأجرَها يقوم بجني الآثام والسيئات، فيلغي بفعله هذا القصد من العبادة، ولذا جاء النص الشرعي يحذر المسلم من أن يحصد إثماً ومعصية في موسم حصاد الأجر والثواب، ليبقى موسمُ الأجرِ والثوابِ موسمَ أجرٍ وثوابٍ فحسب. أ.هـ
س: هل يفسد الصيام ان يغتسل الصائم او يدخل الحمام؟
الجواب:
اغتسال الصّائم، لا يكره، ولا بأس به حتّى للتّبرّد، عند الحنفيّة وذلك لما روي عن عائشة وأمّ سلمة رضي الله تعالى عنهما قالتا: «نشهد على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنباً، من غير احتلام، ثمّ يغتسل ثمّ يصوم». [(أخرجه أبو داود - قال الألباني: صحيح]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/274)
وعن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أنّه دخل الحمّام وهو صائم هو وأصحاب له في شهر رمضان.
وبوب البخاري فى كتاب الصوم
بَاب اغْتِسَالِ الصَّائِمِ وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثَوْبًا فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الْحَمَّامَ وَهُوَ صَائِمٌ .... الخ
قال أَنَسَ بْن مَالِك " إِنْ لِي أَبْزَن إِذَا وَجَدْت الْحَرَّ تَقَحَّمْت فِيهِ وَأَنَا صَائِم " وَكَأَنَّ الْأَبْزَنَ كَانَ مَلْآنَ مَاء فَكَانَ أَنَس إِذَا وَجَدَ الْحَرَّ دَخَلَ فِيهِ يَتَبَرَّدُ بِذَلِكَ.
الْأَبْزَنُ: حَجَرٌ مَنْقُور شَبَه الْحَوْض. (يشبه البانيو فى زماننا)
قال ابن حجر فى الشرح:
َقوْلُهُ: (بَابٌ اِغْتِسَالُ الصَّائِمِ) أَيْ بَيَانُ جَوَازِهِ. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ: أَطْلَقَ الِاغْتِسَالَ لِيَشْمَل الْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ وَالْوَاجِبَة وَالْمُبَاحَة , وَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى ضَعْف مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ النَّهْي عَنْ دُخُول الصَّائِمِ الْحَمَّامَ أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ , وَاعْتَمَدَهُ الْحَنَفِيَّة فَكَرِهُوا الِاغْتِسَال لِلصَّائِمِ.
قَوْله: (وَبَلَّ اِبْن عُمَر ثَوْبًا فألقاه عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِم) ..... وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَة أَنَّ بَلَلَ الثَّوْب إِذَا طَالَتْ إِقَامَتُهُ عَلَى الْجَسَدِ حَتَّى جَفَّ يَنَزَّلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الدَّلْك بِالْمَاءِ , وَأَرَادَ الْبُخَارِيّ بِأَثَرِ اِبْن عُمَر هَذَا مُعَارَضَةَ مَا جَاءَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ بِأَقْوَى مِنْهُ , فَإِنَّ وَكِيعًا رَوَى عَنْ الْحَسَن بْن صَالِح عَنْ مُغِيرَةَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه لِلصَّائِمِ بَلَّ الثِّيَابِ. قَوْله: (وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الْحَمَّامَ وَهُوَ صَائِم) ..... وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ.أ. هـ
ولا بأس أن يصبّ الصائم الماء على رأسه من الحرّ والعطش، لما روي عن بعض أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «لقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالعرج، يصبّ الماء على رأسه وهو صائم، من العطش، أو من الحرّ». [أخرجه ابو داود – قال الالبانى: صحيح]
س: هل يفسد صيام من أصبح جنبا من جماع قبل الفجر أو من احتلم فى نهار رمضان؟
الجواب:
فى الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِيهِ وَهِيَ تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ أَفَأَصُومُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ فَقَالَ لَسْتَ مِثْلَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي" [مسلم - كتاب الصيام - بَاب صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ]
أخرج الترمذي عن عائشة وأم سلمة زوجا النبي صلى الله عليه وسلم:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل فيصوم" [قال الألباني: صحيح، ابن ماجة (1703)]
قال أبو عيسى حديث عائشة وأم سلمة حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو قول سفيان والشافعي وأحمد وإسحق وقد قال قوم من التابعين إذا أصبح جنبا يقضي ذلك اليوم والقول الأول أصح.
قال الشّوكانيّ: وإليه ذهب الجمهور، وجزم النّوويّ بأنّه استقرّ الإجماع على ذلك، وقال ابن دقيق العيد: إنّه صار إجماعاً أو كالإجماع.
وقد أخرج الشّيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّه صلى الله عليه وسلم قال: «من أصبح جنباً فلا صوم له» وحمل على النّسخ أو الإرشاد إلى الأفضل، وهو: أنّه يستحبّ أن يغتسل قبل الفجر، ليكون على طهارة من أوّل الصّوم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/275)
وإذا نام الصّائم فاحتلم لا يفسد صومه، بل يتمّه إجماعاً، إذا لم يفعل شيئاً يحرم عليه ويجب عليه الاغتسال.
قال ابن حزم - المحلى - (ج 6 / ص 205)
وأما الاحتلام فلا خلاف في أنه لا ينقض الصوم، إلا ممن لا يعتد به. أ.هـ
س: ماذا على من أكره على الفطر؟
الجواب:
اكره من الاكراه والإكراه: حمل الإنسان غيره على فعل أو ترك ما لا يرضاه بالوعيد.
مذهب الحنفيّة والمالكيّة، أنّ من أكره على الفطر فأفطر قضى.
قالوا: إذا أكره الصّائم بالقتل على الفطر، بتناول الطّعام في شهر رمضان، وهو صحيح مقيم، فمرخّص له به، والصّوم أفضل، حتّى لو امتنع من الإفطار حتّى قتل، يثاب عليه، لأنّ الوجوب ثابت حالة الإكراه، وأثر الرّخصة في الإكراه هو سقوط المأثم بالتّرك، لا في سقوط الوجوب، بل بقي الوجوب ثابتاً، والتّرك حراماً، وإذا كان الوجوب ثابتاً، والتّرك حراماً، كان حقّ اللّه تعالى قائماً، فهو بالامتناع بذل نفسه لإقامة حقّ اللّه تعالى، طلباً لمرضاته، فكان مجاهداً في دينه، فيثاب عليه.
وفرّق الشّافعيّة بين الإكراه على الأكل أو الشّرب، وبين الإكراه على الوطء: فقالوا في الإكراه على الأكل: لو أكره حتّى أكل أو شرب لم يفطر، كما لو أوجر في حلقه مكرهاً، لأنّ الحكم الّذي ينبني على اختياره ساقط لعدم وجود الاختيار.
أمّا لو أكره على الوطء زناً، فإنّه لا يباح بالإكراه، فيفطر به، بخلاف وطء زوجته ..... فعلى هذا يكون الإكراه على الإفطار مطلقاً بالوطء والأكل والشّرب، إذا فعله المكره لا يفطر به، ولا يجب عليه القضاء إلاّ في الإكراه على الإفطار بالزّنى، فإنّ فيه وجهاً بالإفطار والقضاء عندهم، وهذا الإطلاق عند الشّافعيّة، هو مذهب الحنابلة أيضاً: فلو أكره على الفعل، أو فعل به ما أكره عليه، بأن صبّ في حلقه، مكرهاً أو نائماً، كما لو أوجر المغمى عليه معالجةً، لا يفطر، ولا يجب عليه القضاء، لحديث: «وما استكرهوا عليه».
قال ابن حزم - المحلى - (ج 6 / ص 224وما بعدها):
وأما من أكره على الفطر، أو وطئت امرأة نائمة، أو مكرهة أو مجنونة أو مغمى عليها، أو صب في حلقه ماء وهو نائم: فصوم النائم والنائمة والمكره والمكرهة تام صحيح لا داخلة فيه، ولا شئ عليهم، ولا شئ على المجنونة، والمغمى عليها، ولا على المجنون والمغمى عليه، لما ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:: «إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه» [سبق تخريجه] والنائم والنائمة مكرهان بلا شك غير مختارين لما فعل بهما، وقال زفر: لا شئ على النائم، والنائمة ولا قضاء كما قلنا، سواء سواء، وصومهما تام وهو قول الحسن بن زياد.
قال ابن قدامه:
أن المفسد للصوم من هذا كله ما كان عن عمد وقصد، فأما ما حصل منه عن غير قصد كالغبار الذي يدخل حلقه من الطريق، ونخل الدقيق، والذبابة التي تدخل حلقه، أو يرش عليه الماء فيدخل مسامعه أو أنفه أو حلقه، أو يلقي في ماء فيصل إلى جوفه، أو يسبق إلى حلقه من ماء المضمضة، أو يصب في حلقه أو أنفه شيء كرها، أو تداوى مأمومته أو جائفته بغي اختياره، أو يحجم كرها أو تقبله امرأة بغير اختياره فينزل، أو ما أشبه هذا فلا يفسد صومه لا نعلم فيه خلافا لأنه لا فعل له، فلا يفطر كالاحتلام، وأما إن اكره على شيء من ذلك بالوعيد ففعله فقال ابن عقيل: قال أصحابنا لا يفطر به أيضا لقول النبي صلى الله عليه و سلم [عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه].أ. هـ[المغنى – جـ 6 صـ 87]
?فصل فى بيان ما لايفسد به الصيام?
س: ما هى الاشياء التى لاتفسد الصيام مما يفعله الصائم أو تحدث له فى عاداته او أحواله؟
الجواب:
من المتقرر أن العباده التى تؤدى بشروطها، كاملة الاركان، فلا تفسد الا بما يدل الشرع على انها تَفسد به، وبناءً عليه فالاصل عدم فساد الصيام الا بما دل الشرع على انه يُفسده كما سبق الاعلام بمفسدات الصيام سواء المتفق عليها او المختلف فيها، لكن هناك أمور اختلط على كثير من الناس أنها من المفسدات للصيام، مع انها ليست كذلك لا من قريب ولا من بعيد من ذلك:
1 - دخول الغبار ونحوه حلق الصّائم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/276)
إذا دخل حلق الصّائم غبار أو ذباب أو دخان بنفسه، بلا صنعه، ولو كان الصّائم ذاكراً لصومه، لم يفطر إجماعاً - كما قال ابن جزيّ - لعدم قدرته على الامتناع عنه، ولا يمكن الاحتراز منه، وكذلك إذا دخل الدّمع حلقه وكان قليلاً نحو القطرة أو القطرتين فإنّه لا يفسد صومه، لأنّ التّحرّز منه غير ممكن، وإن كان كثيراً حتّى وجد ملوحته في جميع فمه وابتلعه فسد صومه.
2 - : الادّهان:
لو دهن الصّائم رأسه، أو شاربه لا يضرّه ذلك، وكذا لو اختضب بحنّاء، فوجد الطّعم في حلقه لم يفسد صومه، ولا يجب عليه القضاء، إذ لا عبرة بما يكون من المسامّ، وهذا قول الجمهور.
وأخرج البخارى - تعليقا - وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلْيُصْبِحْ دَهِينًا مُتَرَجِّلًا.
قال ابن حجر:أَنَّ الْإِدْهَانَ مِنْ اللَّيْل يَقْتَضِي اِسْتِصْحَابَ أَثَرِهِ فِي النَّهارِ , وَهُوَ مِمَّا يُرَطِّبُ الدِّمَاغ وَيُقَوِّي النَّفْسَ فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ الِاسْتِعَانَة بِبَرْدِ الِاغْتِسَال لَحْظَةً مِنْ النَّهَار ثُمَّ يَذْهَب أَثَرُهُ. أ.هـ
3 - البلل في الفم:
قال ابن قدامه:
روى عن جابر بن عبد الله قال قال عمر بن الخطاب هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم قال أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم قلت لا بأس به قال فمه " [رواه ابو داود - قال الألباني: صحيح]
ولأن الفم في حكم الظاهر لا يبطل الصوم بالواصل إليه كالأنف والعين وإن تمضمض أو استنشق في الطهارة فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف فلا شيء عليه، وبه قال الأوزاعي و إسحاق و الشافعي في أحد قوليه وروي ذلك عن ابن عباس .......... ولأنه وصل إلى حلقه من غير إسراف ولا قصد ما لو طارت ذبابة إلى حلقه وبهذا فارق المتعمد فأما إن أسرف فزاد أو بالغ في الاستنشاق فقد فعل مكروها لقول النبي صلى الله عليه و سلم:" للقيط بن صبرة: " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما"، [انظر حديث رقم: 927 في صحيح الجامع] ولأنه يتعرض بذلك لإيصال الماء إلى حلقه فإن وصل إلى حلقه فقال أحمد: يعجبني أن يعيد الصوم. أ.هـ[المغني - (ج 3 / ص 36 وما بعدها)]
وهذا معناه أن البلل الّذي يبقى في الفم بعد المضمضة، إذا ابتلعه الصّائم مع الرّيق - بشرط أن يبصق بعد مجّ الماء لاختلاط الماء بالبصاق – لايفسد الصوم، ولا تشترط المبالغة في البصق، لأنّ الباقي بعده مجرّد بلل ورطوبة، لا يمكن التّحرّز عنه.
4 - ابتلاع ما بين الأسنان:
ولا يفسد الصوم ابتلاع ما بين الأسنان، إذا كان قليلاً، لا يفسد ولا يفطر، لأنّه تبع لريقه، ولأنّه لا يمكن الاحتراز عنه، بخلاف الكثير فإنّه لا يبقى بين الأسنان، والاحتراز عنه ممكن، والحد بين القليل والكثير هو ان الكثير هو ما يشعر به ويقدر على اخراجه.
وشرط الشّافعيّة والحنابلة، لعدم الإفطار بابتلاع ما بين الأسنان شرطين:
أوّلهما: أن لا يقصد ابتلاعه.
والآخر: أن يعجز عن تمييزه ومجّه، لأنّه معذور فيه غير مفرّط، فإن قدر عليهما أفطر، ولو كان دون الحمّصة، لأنّه لا مشقّة في لفظه، والتّحرّز عنه ممكن.
وهنا يلزم التنبيه على مسألة علاج الاسنان فى نهار رمضان، كالحشو، والتبييض ونحو ذلك، فإذا استطاع الا يبلع شئ لم يضر ذلك صيامه، اما اذا ابتلع من ذلك شئ، فسد بذلك صومه .... فليتنبه لذلك.
وفى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 278)]
أما بقايا الأكل بين الأسنان، فإنها إن بقيت في مكانها، فلا خلاف في أنها لا تفطِّر، ولا تفطِّر كذلك إن ازدرد الصائم شيئاً منها وكان يسيراً، لأن الشرع عفا عن اليسير مما لا يمكن التحرُّز منه. وأما إن تجمع في فمه منها كمية وشكلت جسماً يُبلع، أي جسماً يحتاج إدخاله في الجوف إلى عملية بلع وليس بجريانه مع الريق دون إحساس به، فإن الواجب طرحه ولفظه، فإن بلعه أفطر، حاله كحال بلع حبة عدس مثلاً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/277)
قال محمد بن المنذر: أجمعوا - يقصد علماء المسلمين - على أنه لا شيء على الصائم فيما يبتلعه مما يجري مع الريق مما بين أسنانه، مما لا يقدر على إخراجه. وكان أبو حنيفة يقول: إذا كان بين أسنانه لحمٌ فأكله متعمِّداً فلا قضاء عليه. وقد خالفه الجمهور لأنه معدود من الأكل. والصحيح هو ما ذهب إليه الجمهور، فإنَّ تعمُّدَ أكلِ اللحمِ العالقِ بين الأسنان، وقد أمكن لفظُهُ، يفطِّر الصائم. أ.هـ
5 - مضغ العلك (اللبان):
اختلفوا هل يجوز للصائم أن يمضغ العلك، فقال فريق يجوز للصائم ان يمضغ العلك بشرط أن تكون مادة العلك غير متحلِّلة ولا يتحلَّب منها شيءٌ، وممن رُوي عنهم القول بجواز مضغ العلك: عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وعطاء ابن أبي رباح، [ابن أبي شيبة (2/ 453)] [البيهقي (4/ 269)] وعن أم حبيبة زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: لا يمضغ العلكَ الصائمُ. وروى ابن أبي شيبة (2/ 454) وعبد الرزاق عن عدد من التابعين أنهم كرهوا مضغ العلك
فمضغ العلك رخَّص فيه أكثر العلماء إن كان لا يَتَحلَّبُ منه شيء، فإن تحلَّب منه شيء فازدرده (بلعه)، فالجمهور على أنه يفطِّر، وهو الرأي الصحيح.
وحيث أن الفم لا يفطِّر دخولُ أيِّ شيء فيه، وحيث أن إدخال الماء في الفم في المضمضة والتَّسوك في الفم جائزان، فيدعمان هذا القول، فإن القاعدة العامة تقول: إن إدخال أية مادة في الفم لا يفطِّر الصائم إلا إن بلع ما تحلَّل منها مما يمكن التحرُّزُ منه، وذلك مثل وضع حصاة نظيفة فى الفم من شدة العطش دون ان يبلعها فليس فى ذلك شئ البته.
قال ابن قدامه:
قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد: الصائم يمضغ العلك قال: لا قال أصحابنا: العلك ضربان: أحدهما ما يتحلل منه أجزاء وهو الرديء الذي إذا مضغه يتحلل فلا يجوز مضغه إلا إن لا يبلغ ريقه فإن فعل فنزل إلى حلقه منه شيء أفطر به كما لو تعمد أكله والثاني العلك القوي الذي كلما مضغه صلب وقوي فهذا يكره مضغه ولا يحرم وممن كرهه الشعبي و النخعي و محمد بن علي و قتادة و الشافعي وأصحاب الرأي وذلك لأنه يحلب الفم ويجمع الريق ويورث العطش ورخصت عائشة عن مضغه وبه قال عطاء لأنه لا يصل إلى الجوف فهو كالحصاة يضعها في فيه ومتى مضغه ولم يجد طعمه في حلقه لم يفطر. أ.هـ[المغني - (ج 3 / ص 39)]
6 - دم اللّثة والبصاق:
قال ابن قدامه: فإن سال فمه دما أو خرج إليه قلس أو قيء فازدرده (بلعه) أفطر وإن كان يسيرا، لأن الفم في حكم الظاهر والأصل حصول الفطر بكل واصل منه لكن عفي عن الريق لعدم إمكان التحرز منه.
ولو دميت لثة الصائم، أو خلع بعض اسنانه فى نهار رمضان، فدخل ريقُه حلقَه مخلوطاً بالدّم، ولم يصل إلى جوفه، لا يفطر عند الحنفيّة، وإن كان الدّم غالباً على الرّيق، لأنّه لا يمكن الاحتراز منه، فصار بمنزلة ما بين أسنانه أو ما يبقى من أثر المضمضة، أمّا لو وصل إلى جوفه، فإن غلب الدّم فسد صومه، وعليه القضاء ولا كفّارة، وإن غلب البصاق فلا شيء عليه، لان اليسير معفو عنه.
ولا يفطِّر الصائم ولا الصائمة خروجُ الدم من أي عضوٍ أو جزء من البدن.
أما ابتلاع البصاق (ليونه الريق) وان جمعه فى الفم، فلا شئ فى ذلك بشرط خلوه من مخالط محسوس.
7 - ابتلاع النّخامة:
النّخامة هي: النّخاعة، والنخامة تنزل من الرأس وهي ما يخرجه الإنسان من حلقه، من مخرج الخاء المعجمة.
ومذهب الحنفيّة، والمعتمد عند المالكيّة: أنّ النّخامة سواء أكانت مخاطاً نازلاً من الرّأس، أم بلغماً صاعداً من الباطن، بالسّعال أو التّنحنح - ما لم يفحش البلغم - لا يفطر مطلقاً.
ونصّ الحنابلة على أنّه يحرم على الصّائم بلع نخامة، إذا حصلت في فمه، ويفطر بها إذا بلعها، سواء أكانت في جوفه أم صدره، بعد أن تصل إلى فمه، لأنّها من غير الفم، فأشبه القيء، ولأنّه أمكن التّحرّز منها فأشبه الدّم.
قال ابن قدامه: وإن ابتلع النخامة ففيها روايتان: إحداهما يفطر قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول إذا تنخم ثم ازدرده فقد أفطر لأن النخامة من الرأس تنزل والريق من الفم ولو تنخع من جوفه ثم ازدراه أفطر وهذا مذهب الشافعي لأنه أمكن التحرز منها أشبه الدم ولأنها من غير الفم أشبه القيء. أ.هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/278)
وعند الشّافعيّة هذا التّفصيل:
إن اقتلع النّخامة من الباطن، ولفظها فلا بأس بذلك في الأصحّ،
ولو صعدت بنفسها، أو بسعاله، ولفظها لم يفطر جزماً.
ولو ابتلعها بعد وصولها إلى ظاهر الفم، أفطر جزماً.
وإذا حصلت في ظاهر الفم، يجب قطع مجراها إلى الحلق، ومجّها، فإن تركها مع القدرة على ذلك، فوصلت إلى الجوف، أفطر في الأصحّ، لتقصيره ....
(قلت: هذا التفصيل هو الاقرب للصحة والصواب والله تعالى اعلى واعلم)
من أجل هذا الخلاف، نبّه بعض أهل العلم على أنّه ينبغي إلقاء النّخامة، حتّى لا يفسد صومه على قول الإمام الشّافعيّ، وليكون صومه صحيحاً بالاتّفاق لقدرته على مجّها.
8 - طلوع الفجر في حالة الأكل أو الجماع:
اتّفق الفقهاء على أنّه إذا طلع الفجر وفي فيه طعام أو شراب فليلفظه، ويصحّ صومه. فإن ابتلعه أفطر، وكذا الحكم عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة فيمن أكل أو شرب ناسياً ثمّ تذكّر الصّوم، صحّ صومه إن بادر إلى لفظه، وإن سبق شيء إلى جوفه بغير اختياره، فلا يفطر عند الحنابلة، وهو الصّحيح عند الشّافعيّة.
وإذا نزع، وقطع الجماع عند طلوع الفجر في الحال فمذهب الحنفيّة والشّافعيّة - وأحد قولين للمالكيّة - لا يفسد صومه، حتّى لو أمنى بعد النّزع، لا شيء عليه، وصومه صحيح، لأنّه كالاحتلام، كما يقول الحنفيّة، ولتولّده من مباشرة مباحة، كما يقول الشّافعيّة.
ومشهور مذهب المالكيّة: أنّه لو نزع عند طلوع الفجر، وأمنى حال الطّلوع - لا قبله ولا بعده - فلا قضاء، لأنّ الّذي بعده من النّهار والّذي قبله من اللّيل، والنّزع ليس وطئاً.
ولو مكث بعد طلوع الفجر مجامعاً، بطل صومه، ولو لم يعلم بطلوعه.
ملحوظة:
أخرج أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ "
[أبو داود - كتاب الصيام - بَاب فِي الرَّجُلِ يَسْمَعُ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ - انظر حديث رقم: 607 في صحيح الجامع]
قال فى عون المعبود:
(النِّدَاء): أَيْ أَذَان الصُّبْح (وَالْإِنَاء): أَيْ الَّذِي يَأْكُل مِنْهُ أَوْ يَشْرَب مِنْهُ (عَلَى يَده فَلَا يَضَعهُ): أَيْ الْإِنَاء (حَتَّى يَقْضِي حَاجَته مِنْهُ): أَيْ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْب
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا عَلَى قَوْله إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّن بِلَيْلِ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن اِبْن أُمّ مَكْتُوم أَوْ يَكُون مَعْنَاهُ إِنْ سَمِعَ الْأَذَان وَهُوَ يَشُكّ فِي الصُّبْح مِثْل أَنْ يَكُون السَّمَاء مُتَغَيِّمَة فَلَا يَقَع لَهُ الْعِلْم بِأَذَانِهِ أَنَّ الْفَجْر قَدْ طَلَعَ لِعِلْمِهِ أَنَّ دَلَائِل الْفَجْر مَعْدُومَة وَلَوْ ظَهَرَتْ لِلْمُؤَذِّنِ لَظَهَرَتْ لَهُ أَيْضًا , فَإِذَا عَلِمَ اِنْفِجَار الصُّبْح فأَنَّهُ مَأْمُور بِأَنْ يُمْسِك عَنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر اِنْتَهَى
وَقَالَ عَلِيّ الْقَارِي: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حَتَّى يَقْضِي حَاجَته مِنْهُ " هَذَا إِذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ عَدَم الطُّلُوع. وَقَالَ اِبْن الْمَلِك: هَذَا إِذَا لَمْ يَعْلَم طُلُوع الصُّبْح , أَمَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ طَلَعَ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَلَا .... وَقَالَ الْقَارِي أَيْضًا: إِنَّ إِمْكَان سُرْعَة أَكْله وَشُرْبه لِتَقَارُبِ وَقْته وَاسْتِدْرَاك حَاجَته وَاسْتِشْرَاف نَفْسه وَقُوَّة نَهِمَته وَتَوَجُّه شَهْوَته بِجَمِيعِ هِمَّته مِمَّا يَكَاد يُخَاف عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ مُنِعَ مِنْهُ لَمَا اِمْتَنَعَ فَأَجَازَهُ الشَّارِع رَحْمَة عَلَيْهِ وَتَدْرِيجًا لَهُ بِالسُّلُوكِ وَالسَّيْر إِلَيْهِ , وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّل الْأَمْر اِنْتَهَى
9 - تَطَعَّمَ الْقِدْرَ أَوْ الشَّيْءَ:
قال البخاري وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ الْقِدْرَ أَوْ الشَّيْءَ وَقَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ. [البخاري - كتاب الصوم - بَاب اغْتِسَالِ الصَّائِمِ].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/279)
قال ابن حجر: (أَنْ يَتَطَعَّم الْقِدْرَ) أَيْ طَعَامَ الْقَدْر أَوْ الشَّيْء , وبِلَفْظِ " لا بَأْس أَنْ يَتَطَاعَمَ الصَّائِمُ بِالشَّيْءِ " يَعْنِي الْمَرَقَةَ وَنَحْوهَا. أ.هـ
وهذا معناه:لا يُنَافِ الصَّوْمَ إِدْخَالُ الطَّعَام فِي الْفَم وَتَقْرِيبُهُ مِنْ الِازْدِرَادِ.
وفى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 277وما بعدها)]
إن القاعدة العامة تقول: إن إدخال أية مادة في الفم لا يفطِّر الصائم إلا إن بلع ما تحلَّل منها مما يمكن التحرُّزُ منه، أما إن لم يمكن التحرُّز منه كالقليل القليل فلا شيء فيه.
وبإقرار هذه القاعدة نقول إن تذوُّق الطعام جائز، وإن إدخال ميزان الحرارة في الفم لقياس درجة الحرارة جائز وإن حفر الأسنان وتلبيسها جائز ولا يفطِّر الصائمَ، ولا يُفْطِرُ الصائمُ إلا إن تسرَّب إلى حلقه شيءٌ من المواد الداخلة في فمه وبَلَعَهُ ......
أما ما يضعه المريض بالقلب والجلطات من حبَةٍ تحت اللسان، لتذوب تدريجياً كعلاجٍ للحالة عند اشتدادها، فإن ذلك يفطِّر الصائم قولاً واحداً، إذ لا فرق بين بلع الحبة دفعةً واحدة وبين بلعها تدريجياً. ومثلها القطرة في الفم لتُشرب كعلاج كما هو الحال في التطعيم ضد الامراض، فإنها تفطِّر الصائم.
فما يدخل الفم لا يفطِّر الصائم، إلا إن هو نزل إلى البلعوم، أي تمَّ بلعُه، فلْيحرص الصائم على صومه، وليحذر من أن يُفْطِر وهو لا يقصد. أ.هـ
10 - استعمال الطيب والعطور وشم الروائح عموما:
إن دخل في البلعومَ ما ليس له جسمٌ محسوس، أو ما لا يتشكل منه جسمٌ محسوس فإنه لا يفطِّر وذلك كالعطور والروائح بأنواعها الزكية والكريهة فهذه العطور والروائح لا شيء في تعمُّد شمِّها
وفى فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
فى جواب السؤال الثاني من الفتوى رقم (7845)
الروائح مطلقًا عطرية وغير عطرية لا تفسد الصوم في رمضان وغيره فرضًا أو نفلًا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وفى جواب السؤال الأول من الفتوى رقم (2691):
ثالثًا: من تطيب بأي نوع من أنواع الطيب في نهار رمضان وهو صائم لم يفسد صومه، لكنه لا يستنشق البخور والطيب المسحوق كسحوق المسك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وفى جواب السؤال السادس من الفتوى رقم (6401)
ثالثًا: أما البخور فلا حرج فيه للصائم إذا لم يتسعط به وهكذا بقية الأطياب كدهن العود والورد ونحوها لا حرج فيها كما سبق وإنما يمنع من ذلك مطلقًا المحرم بحج أو عمرة إلى أن يحل من إحرامه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
11 - تعاطى الحقن الشرجية والعلاجية أوالغذائية:
قال فى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 250وما بعدها)]
الحُقْنةُ الشرجية والتحاميل (اللبوس) الطبية الخافضة للحرارة مثلاً تفطِّر الصائم لأن التحاميل والحُقَن تصل إلى المستقيم، ومنه تنفذ إلى الأمعاء الغليظة، والمستقيم والأمعاء الغليظة هي من الجهاز الهضمي كما هو معلوم، وعليه فإن رأي الإمام أحمد القائل بأن الحقنة الشرجية تفطِّر الصائم هو الرأي الصحيح.
عملية التنظيفات للمرأة ومثلها إجراء الفحص الطبي الداخلي للمرأة وما يستلزمه ذلك من إدخال أدوات وموادَّ كل ذلك لا يفطِّر الصائمة، لأن الرحم ليس من الجهاز الهضمي ولا من الجهاز التنفسي ..... والإِفرازات الناتجة عن التهابات الجهاز التناسلي الأنثوي فإنها كلَّها لا تفطِّر.
إبرةُ الطبيب لا تفطِّر بحالٍ سواءٌ منها ما كان للعلاج بالأدوية أو ما كان للتغذية بالمواد المغذية وبالدم، أو ما كان للتخدير، وسواءٌ منها ما كان في الأوردة، أو ما كان في العضل ما دامت هذه الأدوية وهذه المواد المغذية والدم بجميع مشتقاته لا تصلُ مباشرةً إلى داخل الجهاز التنفسي، ولا إلى داخل الجهاز الهضمي.
وهنا قد تثور شبهة، هي أن الصيام إنما هو امتناع عن الأكل والشرب، أي امتناع عن تناول الغذاء، فلماذا نجيز إدخال المواد المغذية في بدن الصائم بواسطة إبرة الطبيب، ولا نعتبرها مُبْطِلة للصوم؟ أليست هذه كتلك؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/280)
وللرد على هذه الشبهة أقول إن الصائم يُحْظَر عليه الأكل والشرب أي يُحظَر عليه أن يفعل ما يصح إطلاقُ اسم الأكل والشرب عليه، فهذا هو ما جاء في النصوص ولم يأت نصٌّ واحد يأمر الصائم بالامتناع عن المُغَذِّيات أو عن التغذية، ولذا فإن بلع حفنةِ تراب أو حباتٍ صغيرةٍ من الحصى يُفطِّر الصائم رغم أنها لا غذاء فيها، فالعبرة هي بعملية الأكل والشرب وليس بالتغذية والغذاء، ولا شك في أن التغذية بالمواد المغذية أو بالدم عن طريق الجلد ليست أكلاً ولا شرباً قطعاً، فلا تفطِّر الصائم إذن.…وعليه فإني أقول إن تغذية الصائم جائزة ولا تفطِّر الصائم إن هي تمَّت بغير أكل وشرب،أو بغير إدخال المواد المغذية في الجهاز الهضمي، كأن تتم التغذية بهذه المواد أو بالدم بواسطة إبرة الطبيب تُغْرَزُ في الجلد مثلاً. أ. هـ
قال ابن تيمية: [(المنتقي - ص 47)]:
فى كلامه على اختلاف اهل العلم فى الحقنة و نحوها , قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك , فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص و العام , فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله و رسوله في الصيام و يفسد الصوم بها , لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه , و لو ذكر ذلك لعلمه الصحابة و بلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه , فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حديثا صحيحا مسندا و لا مرسلا , علم أنه لم يذكر شيئا من ذلك.
و الذين قالوا: إن هذه الأمور تفطر , لم يكن معهم حجة عن النبي صلى الله عليه
وسلم و إنما ذكروا ذلك بما رأوه من القياس , و أقوى ما احتجوا به قوله
صلى الله عليه وسلم: " و بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما , قالوا: فدل
ذلك على أن ما وصل إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان بفعله , و على القياس: كل ما وصل إلى جوفه بفعله من حقنة و غيرها سواء كان ذلك في موضع الطعام و الغذاء أو غيره من حشو جوفه ......... و نحن نعلم أنه ليس في الكتاب و السنة ما يدل على الإفطار بهذه الأشياء فعلمنا أنها ليست مفطرة.أ. هـ
12 - مداواة الجائفة والآمَّة - أو المأمومة:
قال فى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 250وما بعدها)]
الجائفة والآمَّة - أو المأمومة -: ونعني بالجائفة الجرحَ الواصلَ إلى الجوف، والآمَّة الجرحَ الواصلَ إلى أُمِّ الدماغ، وهي جلدة رقيقة تحيط به. أما الآمة فإنها لا تفطِّر، فدخول أي جسم في تجويف الجمجمة لا شيء فيه، ولا يفطِّر الصائم بحالٍ. وأما الجائفة فيُنظر فيها: فإن هي وصلت إلى داخل الرئتين أو إلى داخل الجهاز الهضمي فإنها تفطِّر، وأما إن هي لم تصل إلى أيٍّ من ذلك، فإنها لا تفطِّر، كأن تصل إلى القلب أو إلى الكبد أو إلى المثانة مثلاً.
ويجري مجراه شقُّ الصدر أو البطن وما يتبعه من إدخال الأدوات المستعملة في الجراحة يُنظَر فيه فإن كان الشقُّ يصل إلى داخل الرئتين أو إلى داخل الجهاز الهضمي فإنه يفطِّر، وأما إن كان الشق لا يصل إلى داخل الرئتين، ولا إلى داخل الجهاز الهضمي وبقي خارجهما، كإجراء عملية الفتق أو زرع الكلى أو زرع بطارية في القفص الصدري لتنظيم ضربات القلب فإن كل ذلك لا يفطِّر بحال، اللهم إلا أن يصاحب هذه العملياتِ دخولُ موادَّ أو أدواتٍ إلى الرئتين، أو إلى الجهاز الهضمي .... وإجراء عمليات في الركبتين، أو في الوَرِكَين، وزرعُ أجسامٍ صلبة فيهما بدل الأعضاء التالفة وتثبيتها بالمسامير، كل ذلك لا يفطِّر الصائم.
وباختصار أقول: إِن إدخال أيةِ مادة صلبة أو سائلة، أو أداةٍ أو أيِّ شيء في داخل الجسم إن كان الإدخال في الجهاز التنفسي أو في الجهاز الهضمي فإنه يفطِّر، وما عداه لا يفطِّر. أ.هـ
س: هل يصح صيام من أصبح جنبا والحائض التي طهرت ليلا؟
الجواب:
قال ابن قدامة:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/281)
الجنب له أن يؤخر الغسل حتى يصبح ثم يغتسل ويتم صومه في قول عامة أهل العلم منهم علي و ابن مسعود و زيد و أبو الدرداء و أبو ذر و ابن عمر و ابن عباس وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم وبه قال مالك والشافعي في أهل الحجاز وأبو حنيفة والثوري في أهل العراق والأوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصر وإسحاق وأبو عبيد في أهل الحديث وأهل الظاهر وكان أبو هريرة يقول لا صوم له ويروي ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم رجع عنه قال سعيد بن المسيب: رجع أبو هريرة عن فتياه ............. وفى الحديث عن أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ " [متفق عليه]
قال الخطابي أحسن ما سمعت في خبر أبي هريرة أنه منسوخ لأن الجماع كان محرما على الصائم بعد النوم فلما أباح الله الجماع إلى طلوع الفجر جاز للجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل أن يصوم.
وكذلك المرأة إذا انقطع حيضها من الليل فهي صائمة إذا نوت الصوم قبل طلوع الفجر وتغتسل إذا أصبحت، وجملة ذلك أن الحكم في المرأة إذا انقطع حيضها من الليل كالحكم في الجنب سواء، ويشترط أن ينقطع حيضها قبل طلوع الفجر لأنه إن وجد جزء منه في النهار أفسد الصوم ويشترط أن تنوي الصوم أيضا من الليل بعد انقطاعه لأنه لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل، فتأخير الغسل منه إلى أن تصبح لا يمنع صحة الصوم كالجنابة.أ. هـ[المغني - (ج 3 / ص 78 وما بعدها)].
?فصل فى بيان ماذا على من شك فى طلوع الفجر او دخول الليل?
س: ماذا على من شك فى طلوع الفجر او دخول الغروب فأكل او جامع؟
الجواب:
فى حال الشك فى غروب الشمس:
الحكم فيمن أفطر بظنّ الغروب، والحال أنّ الشّمس لم تغرب، عليه القضاء ولا كفّارة عليه، لأنّ الأصل بقاء النّهار، وابن نجيم فرّع هذين الحكمين على قاعدة: اليقين لا يزول بالشّكّ، فإن شكّ في الغروب، لم يأكل اتّفاقاً، فإن أكل فعليه القضاء.
ويدل على ذلك ما اخرجه البخاري عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ قِيلَ لِهِشَامٍ فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ وَقَالَ مَعْمَرٌ سَمِعْتُ هِشَامًا لَا أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لَا". [البخاري - كتاب الصوم - بَاب إِذَا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ]
قال ابن حجر فى فتح الباري:
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى إِيجَاب الْقَضَاء، " قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة وَالْمَالِكِيَّة وَالْحَنَابِلَة وَعَلَيْهِ أَنْ يُمْسِك بَقِيَّة النَّهَار لِحُرْمَةِ الْوَقْت وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ". [نقلا من عون المعبود]
وَاخْتُلِفَ عَنْ عُمَر فَرَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة وَغَيْره عَنْهُ " تَرْكَ الْقَضَاء" وروي عَبْد الرَّزَّاق " نَقْضِي يَوْمًا " وَرَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور وَفِيهِ " فَقَالَ مَنْ أَفْطَرَ مِنْكُمْ فَلْيَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ ".
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة وَالْمَالِكِيَّة وَالْحَنَابِلَة وَعَلَيْهِ أَنْ يُمْسِك بَقِيَّة النَّهَار لِحُرْمَةِ الْوَقْت وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ.
وَجَاءَ تَرْكُ الْقَضَاء عَنْ مُجَاهِد وَالْحَسَن وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق وَأَحْمَد فِي رِوَايَة، وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ أَنَّهُ لَوْ غُمَّ هِلَال رَمَضَان فَأَصْبَحُوا مُفْطِرِينَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْم مِنْ رَمَضَان فَالْقَضَاء وَاجِب بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ هَذَا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/282)
وقَوْله (بُدٌّ مِنْ قَضَاء) هُوَ اِسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ مَحْذُوفُ الْأَدَاةِ وَالْمَعْنَى لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي ذَرٍّ " لَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ " ...... وَفِي آخِري " فَقَالَ إِنْسَان لِهِشَامٍ أَقَضَوْا أَمْ لَا "؟ فَقَالَ " لَا أَدْرِي " وَظَاهِر هَذِهِ الرِّوَايَة تُعَارِضُ الَّتِي قَبْلَهَا , لَكِنْ يُجْمَعُ بِأَنَّ جَزْمَهُ بِالْقَضَاءِ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ اِسْتَنَدَ فِيهِ إِلَى دَلِيل آخَر.أ. هـ
أما فى حال الشك فى طلوع الفجر:
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 229وما بعدها)]
مسألة ولا يلزم صوم في رمضان ولا في غيره الا بتبين طلوع الفجر الثاني، وأما ما لم يتبين فالاكل والشرب والجماع، مباح كل ذلك، كان على شك من طلوع الفجر أو على يقين من أنه لم يطلع، فمن رأى الفجر وهو يأكل فليقذف ما في فمه من طعام وشراب، وليصم، ولا قضاء عليه، ومن رأى الفجر وهو يجامع فليترك من وقته، وليصم، ولاقضاء عليه، سواء في كل ذلك كان طلوع الفجر بعد مدة طويلة أو قريبة، وصومه تام، ولو أقام عامدا فعليه الكفارة.
ومن أكل شاكا في غروب الشمس أو شرب فهو عاص لله تعالى، مفسد لصومه، ولا يقدر على القضاء، فان جامع شاكا في غروب الشمس فعليه الكفارة.
برهان ذلك قول الله عزوجل:" ??????????? ???????????? ????????????? ??? ?????? ???? ?????? ? ????????? ????????????? ?????? ??•??????? ?????? ?????????? ?????????? ???? ?????????? ?????????? ???? ?????????? ? ???? ????????? ??????????? ????? ???????? ? [????? البقرة]، وهذا نص ما قلنا، لان الله تعالى أباح الوطئ والاكل والشرب إلى أن يتبين لنا الفجر، ولم يقل تعالى: حتى يطلع الفجر، ولا قال: حتى تشكوا في الفجر، فلا يحل لاحد أن يقوله، ولا أن يوجب صوما بطلوعه ما لم يتبين للمرء، ثم أوجب الله تعالى التزام الصوم إلى الليل.
وقال نافع: عن ابن عمر، قالت عائشة وابن عمر كان (بلا يؤذن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان بلا لا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فانه لا يؤذن حتى يطلع الفجر" [متفق عليه]
عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ان بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، قال: وكان رجلا أعمى لا ينادى حتى يقال له: أصبحت أصبحت". [رواه البخارى (1/ 163) و مسلم (3/ 129)]
سمرة بن جندب يقول: قال رسول الله عليه السلام: (لا يغرن أحدكم نداء بلال من السحور، ولا هذا البياض حتى يستطير". [رواه مسلم (3/ 130)]
وكذلك حديث عدى بن حاتم، وسهل بن سعد في الخيطين الاسود، والابيض، فقال عليه السلام: " انما ذلك سواد الليل وبياض النهار". [انظر حديث رقم: 2275 في صحيح الجامع].
قال أبو محمد: فنص عليه السلام على أن ابن أم مكتوم يؤذن حتى يطلع
الفجر، وأباح الاكل إلى أذانه، فقد صح أن الاكل مباح ما لم يتبين لمريد الصوم طلوعه.
عن أنس عن أبى بكر الصديق أنه قال: إذا نظر الرجلان إلى الفجر فشك أحدهما فليأكلا حتى يتبين لهما.
ومن طريق الحسن: أن عمر بن الخطاب كان يقول: إذا شك الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا.
عن عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس قال: أحل الله الشراب ما شككت، يعنى في الفجر.
عن مكحول الازدي قال: رأيت ابن عمر أخذ دلوا من زمزم وقال لرجلين: أطلع الفجر؟ قال أحدهما: قد طلع، وقال الآخر: لا، فشرب ابن عمر.
وعن محمد بن على بن الحسين: كل حتى يتبين لك الفجر .... وعن الحسن: كل ما امتريت
فان ذكروا رواية هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فيمن أفطر وهو يرى أنه ليل فطلعت الشمس: أنه عليه القضاء وبالرواية عن عمر بمثل ذلك: فانما هذا في الافطار عند الليل، لا في الاكل شاكا في الفجر، وبين الامرين فرق، ولا يحل الاكل الا بعد يقين غروب الشمس، لان الله تعالى قال (إلى الليل) فمن أكل شاكا في مجئ الليل فقد عصى الله تعالى، وصيامه باطل، فان جامع فعليه الكفارة، لانه في فرض الصيام، ما لم يوقن الليل، بخلاف قوله: (حتى يتبين لكم الخيط الابيض) لان هذا في فرض الافطار حتى يوقن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/283)
بالنهار. أ.هـ
(قلت: لاحظ التفريق ولعل هذا أعدل الاقوال، وهو محمول على من اراد التثبت من طلوع الفجر أو غروب الشمس فشك ولم يتيقن، فقبل الفجر الاصل حل الأكل والشرب والجماع، وقبل الغروب الاصل الصوم والامتناع عن الاكل والشرب والجماع: فليتنبه وليحتاط كل لعبادته، وذلك كله مبنى على من شك ولم يجد طريقا لليقين الدافع للشك!!!)
قال ابن قدامه:
وإن أكل شاكا في طلوع الفجر ولم يتبين الأمر فليس عليه قضاء وله الأكل حتى يتيقن طلوع الفجر نص عليه أحمد وهذا قول ابن عباس و عطاء و الأوزاعي و الشافعي وأصحاب الرأي وروي معنى ذلك عن أبي بكر الصديق وابن عمر رضي الله عنهم .......... لأن الأصل بقاء الليل.
وإن أكل شاكا في غروب الشمس ولم يتبين فعليه القضاء لأن الأصل بقاء النهار وإن كان حين الأكل ظانا أن الشمس قد غربت أو أن الفجر لم يطلع ثم شك بعد الأكل ولم يتبين فلا قضاء عليه لأنه لم يوجد يقين أزال ذلك الظن الذي بنى عليه فأشبه ما لو صلى بالاجتهاد ثم شك في الإصابة بعد صلاته.أ. هـ[المغني - (ج 3 / ص 77)]
ملحوظه:
اشتهر عند كثير من المسلمين ان موعد آذان الفجر - فى تقاويم اوقات الصلاة فى بعض البلدان الاسلاميه او غيرها - غير دقيق وبناءً عليه فان كثير من هؤلاء لايمسك مع هذا الاذان ويظل يأكل ويشرب عدة دقائق بعده على ان ذلك شك فى طلوع الفجر، لكن ليعلم هؤلاء ان هذا التقويم هو الاقرب لليقين لطلوع الفجر وان العبد عليه الاحتياط للصيام حتى لايفطر وهو يظن انه صائم ... والله المستعان.
?فصل فى بيان الاحوال التى يباح فيها الفطر?
س: ما هى الاحوال التى يباح فيها الفطر (عدم الصيام)؟
الجواب:
يباح الفطر (عدم الصّوم) لكل من:
1 - المرض:
المرض هو: كلّ ما خرج به الإنسان عن حدّ الصّحّة من علّة ونحوها، ولاشك ان المرض حال مخرجة للمرء عن حال الاعتدال، وصحة الجوارح والقوة إلى الاضطراب وضعف الجوارح واعتلالها.
قال ابن قدامة: أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة.
والأصل فيه قول اللّه تعالى: "????? ????? ???????? ???? ?????? ?????? ???????? ????? ??????? ?????? ? ??????? ???? ?????? ?????????? ???? ??????? ?????? ?????????? ... "????? [البقرة - 185]
قال ابن عاشور:
والمريض من قام به المرض وهو انحراف المزاج عن حد الاعتدال الطبيعي بحيث تثور في الجسد حمى أو وجع أو فشل.
وقد اختلف الفقهاء في تحديد المرض الموجب للفطر، فأما المرض الغالب الذي لا يستطيع المريض معه الصوم بحال بحيث يخشى الهلاك أو مقاربته فلا خلاف بينهم في أنه مبيح للفطر بل يوجب الفطر، وأما المرض الذي دون ذلك فقد اختلفوا في مقداره فذهب محققو الفقهاء إلى أنه المرض الذي تحصل به مع الصيام مشقة زائدة على مشقة الصوم للصحيح من الجوع والعطش المعتادين، بحيث يسبب له أوجاعاً أو ضعفاً منهكاً أو تعاوده به أمراض ساكنة أو يزيد في انحرافه إلى حد المرض أو يخاف تمادي المرض بسببه. وهذا قول مالك وأبي حنيفة والشافعي على تفاوت بينهم في التعبير، وأعدل العبارات ما نقل عن مالك؛ لأن الله أطلق المرض ولم يقيده، وقد علمنا أنه ما أباح للمريض الفطر إلاّ لأن لذلك المرض تأثيراً في الصائم.
ويكشف ضابط ذلك قول القرافي (فى الفروق) في الفرق الرابع عشر إذ قال: «إن المشاق قسمان: قسم ضعيف لا تنفك عنه تلك العبادة كالوضوء والغسل في زمن البرد وكالصوم، وكالمخاطرة بالنفس في الجهاد، وقسم هو ما تنفك عنه العبادة وهذا أنواع: نوع لا تأثير له في العبادة كوجع أصبع، فإن الصوم لا يزيد وجع الأصبع وهذا لا التفات إليه، ونوع له تأثير شديد مع العبادة كالخوف على النفس والأعضاء والمنافع وهذا يوجب سقوط تلك العبادة، ونوع يقرب من هذا فيوجب ما يوجبه».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/284)
وذهب ابن سيرين وعطاء والبخاري إلى أن المرض وهو الوجع والاعتلال يسوغ الفطر ولو لم يكن الصوم مؤثراً فيه شدة أو زيادة؛ لأن الله تعالى جعل المرض سبب الفطر كما جعل السفر سبب الفطر من غير أن تدعو إلى الفطر ضرورة كما في السفر، يريدون أن العلة هي مظنة المشقة الزائدة غالباً، قيل دخل بعضهم على ابن سيرين في نهار رمضان وهو يأكل فلما فرغ قال: إنه وجعتني أصبعي هذه فأفطرت، وعن البخاري قال: اعتللت بنيسابور علة خفيفة في رمضان فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه فقال لي: أفطرت يا أبا عبد الله قلت: نعم أخبرنا عبدان عن ابن المبارك عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: من أي المرض أفطر؟ قال: من أي مرض كان كما قال الله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً} وقيل: إذا لم يقدر المريض على الصلاة قائماً أفطر، وإنما هذه حالة خاصة تصلح مثالاً ولا تكون شرطاً، وعزي إلى الحسن والنخعي ولا يخفى ضعفه؛ إذ أين القيام في الصلاة من الإفطار في الصيام، وفي هذا الخلاف مجال للنظر في تحديد مدى الانحراف والمرض المسوغين إفطار الصائم.أ. هـ[التحرير والتنوير – (البقرة – 185)]
قال الشوكانى:
قوله: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا) قيل: للمريض حالتان: إن كان لا يطيق الصوم كان الإفطار عزيمة، وإن كان يطيقه مع تضرّر، ومشقة كان رخصتة. وبهذا قال الجمهور. أ.هـ[تفسير فتح القدير - (البقرة - 184)]
قال النّوويّ: ولا يشترط أن ينتهي إلى حالة لا يمكنه فيها الصّوم، بل قال أصحابنا: شرط إباحة الفطر أن يلحقه بالصّوم مشقّة يشقّ احتمالها، وأمّا المرض اليسير الّذي لا يلحق به مشقّة ظاهره فلم يجز له الفطر، بلا خلاف عندنا، خلافاً لأهل الظّاهر.
2 - السفر:
قال ابن قدامه:
للمسافر أن يفطر في رمضان وغيره بدلالة الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله وضع عن المسافر الصيام و شطر الصلاة ". [رواه أصحاب السنن – قال الألباني: (حسن) انظر حديث رقم: 1835 في صحيح الجامع].
وأجمع المسلمون على إباحة الفطر للمسافر في الجملة ..........
وليس للمسافر أن يصوم – حال سفره - في رمضان غيره، كالنذر والقضاء لأن الفطر أبيح رخصة وتخفيفا عنه، فإذا لم يرد التخفيف عن نفسه لزمه أن يأتي بالأصل، فإن نوى صوما غير رمضان لم يصح صومه لا عن رمضان ولا عما نواه، هذا هو الصحيح في المذهب وهو قول أكثر العلماء. أ.هـ[المغني - (ج 3 / ص 33 وما بعدها)]
قال ابو حيان:
وقد اختلفوا في المسافة التي تبيح الفطر، فقال ابن عمر، وابن عباس، والثوري وأبو حنيفة: ثلاثة أيام. وروى البخاري أن ابن عمر، وابن عباس كانا يفطران ويقصران في أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخاً، وقال مالك: مسافة الفطر مسافة القصر.
(قلت: وهو أعدل الاقوال ويجمع كل المذاهب تقريبا، وقوله تعالى:" فمنْ كان منكم مريضاً أو على سفرٍ" هذا السفر مطلق لم يُقيَّد بمسافة قصيرة ولا طويلة، فما يطلق عليه اسم السفر فهو عُذر يجيز للصائم أن يفطر).
وأجمعوا على أن سفر الطاعة من جهاد وحج وصلة رحم وطلب معاش ضروري مبيح للفطر، فأما سفر التجارة والمباح ففيه خلاف.
وقال ابن عطية: والقول بالإجازة أظهر، وكذلك سفر المعاصي مختلف فيه أيضاً، والقول بالمنع أرجح. انتهى كلامه.أ. هـ[تفسير البحر المحيط - (البقرة - 185)]
قال فى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 112)]:
بقي أن نعرف متى يكون الخروج سفراً ومتى لا يكون؟ فأقول ما يلي: إن الخروج حتى يكون سفراً يُباح معه الفطرُ، هو أن يغادر الشخص بلده والأراضي التابعة له، ويدخل في أراضي بلد آخر، مهما كان طول أراضي بلده أو قصرها، فالشخص في بلده غير مسافر، والفلاح في أرضه التابعة لبلده غير مسافر ولو كانت أرضه تبعد عن بلده عدة أميال، ولا يكون مسافراً إلا إذا غادر بلده وأراضي بلده، وعندها فقط يجوز له أن يفطر، سواء كان بالأكل أو بالشرب أو بالجماع.أ. هـ
واختلفوا هل الصوم افضل للمسافر ام الفطر ام على التخيير؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/285)
أخرج البخاري عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:"خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ رَوَاحَةَ". [البخاري – كتاب الصوم - (1809)]
وأخرج البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَقَالَ إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ". [البخاري - كتاب الصوم - بَاب الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَالْإِفْطَارِ]
واخرج مسلم عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ". [مسلم - كتاب الصوم - بَاب التَّخْيِيرِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ]
وفى روايه عند ابى داود " فَقَالَ: أَيَّ ذَلِكَ شِئْت يَا حَمْزَة ".
واخرج عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَالْكَدِيدُ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ". [البخاري - كتاب الصوم - بَاب إِذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ]
وفى رواية عند الطحاوى:" فَلَمَّا بَلَغَ الْكَدِيدَ بَلَغَهُ أَنَّ النَّاس يَشُقّ عَلَيْهِمْ الصِّيَام , فَدَعَا بِقَدَحِ مِنْ لَبَنٍ فَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاس وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته فشَرِبَ فَأَفْطَرَ , فَنَاوَلَهُ رَجُلًا إِلَى جَنْبِهِ فَشَرِبَ ".
قَوْلُهُ: (فَشَرِبَ ... إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَضِيلَةَ الْفِطْرِ لَا تَخْتَصُّ بِمَنْ أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ أَوْ خَشِيَ الْعُجْبَ وَالرِّيَاءَ أَوْ ظَنَّ بِهِ الرَّغْبَةَ عَنْ الرُّخْصَةِ بَلْ يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ، لِيُتَابِعَهُ مَنْ وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَيَكُونُ الْفِطْرُ فِي تِلْكَ الْحَالِ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ لِفَضِيلَةِ الْبَيَانِ.
واخرج مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَا تَعِبْ عَلَى مَنْ صَامَ وَلَا عَلَى مَنْ أَفْطَرَ قَدْ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ". [مسلم - كتاب الصوم - بَاب جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ ... ]
وأخرج عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سُئِلَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ فَقَالَ:" سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ". [مسلم - كتاب الصوم - بَاب جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ .... ]
واخرج البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا صَائِمٌ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ". [البخاري - كتاب الصوم - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ]
وبوب البخاري بَابٌ الصَّوْم فِي السَّفَر وَالْإِفْطَار:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/286)
قال ابن حجر: أَيْ إِبَاحَة ذَلِكَ وَتَخْيِير الْمُكَلَّف فِيهِ سَوَاء كَانَ فى رَمَضَان أَوْ غَيْره
وبوب مسلم - كتاب الصوم - بَاب جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ إِذَا كَانَ سَفَرُهُ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ أَطَاقَهُ بِلَا ضَرَرٍ أَنْ يَصُومَ وَلِمَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ
وبوب مسلم - كتاب الصوم - بَاب التَّخْيِيرِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ
وبوب البخاري - كتاب الصوم - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ
قال ابن حجر: أشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَنَّ سَبَب قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ " مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ , وَأَنَّ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ مُجَرَّدًا فَقَدْ اِخْتَصَرَ الْقِصَّةَ , فَالْحَاصِل أَنَّ الصَّوْم لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْر , وَالْفِطْرُ لِمَنْ شَقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ أَوْ أَعْرَضَ عَنْ قَبُولِ الرُّخْصَة أَفْضَلُ مِنْ الصَّوْم , وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَشَقَّةُ يُخَيَّرُ بَيْن الصَّوْم وَالْفِطْرِ.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فَقَالَتْ طَائِفَة: لَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ فِي السَّفَر عَنْ الْفَرْض , بَلْ مَنْ صَامَ فِي السَّفَر وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فِي الْحَضَرِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ " وَمُقَابَلَةُ الْبِرِّ الْإِثْمُ , وَإِذَا كَانَ آثِمًا بِصَوْمِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَهَذَا قَوْل بَعْض أَهْل الظَّاهِر , وَحُكِيَ عَنْ عُمَر وَابْن عُمَر وَأَبِي هُرَيْرَة وَالزُّهْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ , وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) قَالُوا ظَاهِره فَعَلَيْهِ عِدَّةٌ أَوْ فَالْوَاجِب عِدَّة.
وَمُقَابِل هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الصَّوْم فِي السَّفَر لَا يَجُوز إِلَّا لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسه الْهَلَاك أَوْ الْمَشَقَّة الشَّدِيدَة حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَوْم.
وَذَهَبَ أَكْثَر الْعُلَمَاء وَمِنْهُمْ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة إِلَى أَنَّ الصَّوْم أَفْضَل لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ كَثِير مِنْهُمْ الْفِطْر أَفْضَل عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق , وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ مُخَيَّر مُطْلَقًا.
وَقَالَ آخَرُونَ أَفْضَلهمَا أَيْسَرهمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ) فَإِنْ كَانَ الْفِطْر أَيْسَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَفْضَل فِي حَقِّهِ , وَإِنْ كَانَ الصِّيَام أَيْسَرَ كَمَنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ بَعْد ذَلِكَ فَالصَّوْم فِي حَقّه أَفْضَل وَهُوَ قَوْل عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر.
وَلَكِنْ قَدْ يَكُون الْفِطْر أَفْضَلَ لِمَنْ اِشْتَدَّ عَلَيْهِ الصَّوْم وَتَضَرَّرَ بِهِ , وَكَذَلِكَ مَنْ ظُنَّ بِهِ الْإِعْرَاض عَنْ قَبُول الرُّخْصَة ... رَوَى أَحْمَد مِنْ طَرِيق أَبِي طُعْمَةَ قَالَ: قَالَ رَجُل لِابْنِ عُمَر: إِنَى أَقْوَى عَلَى الصَّوْم فِي السَّفَر , فَقَالَ لَهُ اِبْن عُمَر: مَنْ لَمْ يَقْبَلْ رُخْصَةَ اللَّهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْم مِثْلُ جِبَالِ عَرَفَةَ , وَهَذَا مَحْمُول عَلَى مَنْ رَغِبَ عَنْ الرُّخْصَة لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي".
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/287)
وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد: أُخِذَ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّة أَنَّ كَرَاهَةَ الصَّوْم فِي السَّفَر مُخْتَصَّة بِمَنْ هُوَ فِي مِثْل هَذِهِ الْحَالَة مِمَّنْ يُجْهِدهُ الصَّوْم وَيَشُقّ عَلَيْهِ أَوْ يُؤَدِّي بِهِ إِلَى تَرْكِ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْ الصَّوْم مِنْ وُجُوه الْقُرَب , فَيُنَزَّلُ قَوْله " لَيْسَ مِنْ الْبِرّ الصَّوْم فِي السَّفَر " عَلَى مِثْل هَذِهِ الْحَالَة.
وَفِي الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب التَّمَسُّكِ بِالرُّخْصَةِ عِنْد الْحَاجَة إِلَيْهَا , وَكَرَاهَةُ تَرْكِهَا عَلَى وَجْه التَّشْدِيد وَالتَّنَطُّع. أ. هـ[فتح الباري - كتاب الصوم - بَابٌ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَر - ومسلم: في الصيام - باب جواز الصوم والفطر في رمضان للمسافر].
قال ابن قدامه:
ثم لا يخلو المسافر من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يدخل عليه شهر رمضان في السفر فلا نعلم بين أهل العلم خلافا في إباحة الفطر له.
الثاني: أن يسافر في أثناء الشهر ليلا فله الفطر في صبيحة الليلة التي يخرج فيها وما بعدها في قول عامة أهل العلم.
الثالث: أن يسافر في أثناء يوم من رمضان فحكمه في اليوم الثاني كمن سافر ليلا وفي إباحة فطر اليوم الذي سافر فيه خلاف - والصحيح أن له أن يفطر وهو قول عمرو بن شرحبيل والشعبي وإسحاق وداود وابن المنذر لما روى عن جعفر ابن جبر قال:" كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع ثم قرب غداه قال جعفر في حديثه فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة قال اقترب قلت ألست ترى البيوت قال أبو بصرة أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جعفر في حديثه فأكل" [رواه أبو داود - قال الألباني: صحيح]
وهذا يعنى أنه لا يباح له الفطر حتى يخلف البيوت وراء ظهره يعني أنه يجاوزها ويخرج من بين بنيانها. أ.هـ[المغني - (ج 3 / ص 33وما بعدها)]
وذهب الأئمّة الأربعة، وجماهير الصّحابة والتّابعين إلى أنّ الصّوم في السّفر جائز صحيح منعقد، وإذا صام وقع صيامه وأجزأه.
تنبيه:
من المعلوم كما قال اهل العلم أنّ السّفر لا يبيح قصراً ولا فطراً إلاّ بالنّيّة والفعل، بخلاف الإقامة، فإنّها توجب الصّوم والإتمام بالنّيّة دون الفعل.
وإذا لم ينو الإقامة لكنّه أقام لقضاء حاجة له، بلا نيّة إقامة، ولا يدري متى تنقضي، أو كان يتوقّع انقضاءها في كلّ وقت، فإنّه يجوز له أن يفطر، كما يقصر الصّلاة .... والخلاف عند العلماء فى المدد كالخلاف فى مدد قصر الصلاه .... قال بعض الصحابة: ولو بقي على ذلك سنين.
ودليل هذا: «أنّه - صلى الله عليه وسلم - أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصّلاة» ويلاحظ أنّ الفطر كالقصر الّذي نصّوا عليه في صلاة المسافر، من حيث التّرخّص فى الفطر وغيره، فإنّ المسافر له سائر رخص السّفر.!!!
3 - الحمل والرضاع:
قال الشوكانى:
قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ يُفْطِرَانِ وَيَقْضِيَانِ وَيُطْعِمَانِ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُفْطِرَانِ وَيُطْعِمَانِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ شَاءَتَا قَضَتَا وَلَا طَعَامَ عَلَيْهِمَا، وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ
وَقَدْ قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْقَضَاءِ الْأَوْزَاعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ.أ. هـ[نيل الأوطار - (ج 7 / ص 114)]
وعن أنس بن مالك القشيرى أن رجل من بني عبد الله بن كعب قال أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يتغدى فقال:" ادن فكل فقلت إني صائم فقال ادن أحدثك عن الصوم أو الصيام إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام والله لقد قالهما النبي صلى الله عليه وسلم كلتيهما أو إحداهما فيا لهف نفسي أن لا أكون طعمت من طعام النبي صلى الله عليه وسلم". [اخرجه الترمذى وابو داود وابن ماجه – قال الالبانى:حسن صحيح، ابن ماجة (1667)]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/288)
و أخرج أبو داود عن ابن عباس قال: " (و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) قال: كانت رخصه للشيخ الكبير , و المرأة الكبيرة , و هما يطيقان الصيام أن يفطرا و يطعما مكان كل يوم مسكينا , و الحبلى و المرضع إذا خافتا أفطرتا و أطعمتا " - قال أبو داود: يعنى على أولادهما. [قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 17: صحيح]. وهذا يبين أن الحبلى إذا خشيت بسبب الحَبَل على نفسها فإن لها أن تفطر، وأن المرضع إذا خشيت بسبب الإِرضاع على ولدها فإن لها أن تفطر، وأما إن عدمت الخشيةُ من الحبلى والمرضع فلا يصح لهما الإفطار، فالعام يُحمل دائماً على الخاص.
واذا افطرت فلها ان تقضى ان استطاعت، ولها ان تفدى كالذين يطيقونه كما فى أثر ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال:" لأم ولدٍ له حُبلى أو مُرضع: أنتِ من الذين لا يطيقون الصيام، عليكِ الجزاء، وليس عليكِ القضاء" [رواه الدارقطنى]
وعن ابن عباس قال:" إذا خافت الحامل على نفسها , و المرضع على ولدها فى رمضان قال: يفطران و يطعمان مكان كل يوم مسكينا , و لا يقضيان صوما ". [قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 17: و إسناده صحيح على شرط مسلم].
قال أبو عيسى الترمذى:
والعمل على هذا عند أهل العلم و قال بعض أهل العلم الحامل والمرضع تفطران وتقضيان وتطعمان وبه يقول سفيان ومالك والشافعي وأحمد و قال بعضهم تفطران وتطعمان ولا قضاء عليهما وإن شاءتا قضتا ولا إطعام عليهما وبه يقول إسحق.أ. هـ
وقد ذهب الحسن البصري وعطاء والضحاك وإبراهيم النخعي والأوزاعي وعكرمة وأصحاب الرأي وربيعة إلى أن الحامل إذا خافت على نفسها، والمرضع إذا خافت على ولدها، أن تفطرا ولا إطعام عليهما، فهما بمنزلة المريض يفطر ويقضي، وبه قال أبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر.
(قلت: وهو الصحيح الذى دل عليه الدليل والله تعالى اعلى واعلم)
وسواء أكانت المرضع أمّاً للرّضيع، أم كانت مستأجرةً لإرضاع غير ولدها، في رمضان أو قبله، فإنّ فطرها جائز، على الظّاهر عند الحنفيّة، وعلى المعتمد عند الشّافعيّة، بل لو كانت متبرّعةً ولو مع وجود غيرها.
4 - الشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ (الهَرَم) ومن كان مشابهاً لهم:
الهرم: كالشّيخ الفاني، وهو الّذي فنيت قوّته، أو أشرف على الفناء، وأصبح كلّ يوم في نقص إلى أن يموت، والمريض الّذي لا يرجى برؤه، وتحقّق اليأس من صحّته، والعجوز، وهي المرأة المسنّة.
فهؤلاء إن لم يقدروا على الصّوم فلا خلاف بين الفقهاء في أنّه لا يلزمهم الصّوم، ونقل ابن المنذر الإجماع عليه، وأنّ لهم أن يفطروا، إذا كان الصّوم يجهدهم ويشقّ عليهم مشقّةً شديدةً.
قال تعالى:" وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" [البقرة – 184]
وَعَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ:" وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ"
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا" .. [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
قال ابن عاشور:
والمطيق: هو الذي أطاق الفعل أي كان في طوقه أن يفعله، والطاقة أقرب درجات القدرة إلى مرتبة العجز، ولذلك يقولون فيما فوق الطاقة: هذا ما لا يطاق، وفسرها الفراء بالجَهد بفتح الجيم وهو المشقة، وفي بعض روايات «صحيح البخاري» عن ابن عباس قرأ: (وعلى الذين يُطَوَّقونه فلا يطيقونه). وهي تفسير فيما أحسب، وقد صدر منه نظائر من هذه القراءة، وقيل الطاقة القدرة مطلقاً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/289)
فعلى تفسير الإطاقة بالجَهد فالآية مراد منها الرخصة على من تشتد به مشقة الصوم في الإفطار والفِدْية، وقد سمَّوا من هؤلاء الشيخَ الهرم والمرأةَ المرضعَ والحاملَ فهؤلاء يفطرون ويطعمون عن كل يوم يفطرونه وهذا قول ابن عباس وأنس بن مالك والحسن البصري وإبراهيم النخعي وهو مذهب مالك والشافعي، ثم من استطاع منهم القضاء قضى ومن لم يستطعه لم يقض مثل الهرم، ويؤيد ذلك فعل السلف، فقد كان أنس بن مالك حين هرم وبلغ عَشْراً بعد المائة يفطر ويطعم لكل يوم مسكيناً خبزاً ولحماً.
ونلحق بالهرم والمرضع والحامل كلَّ من تلحقه مشقة أو توقُّع ضرر مثلهم وذلك يختلف باختلاف الأحوال واختلاف أزمان الصوم من اعتدال أو شدة برد أو حَر، وباختلاف أعمال الصائم التي يعملها لاكتسابه من الصنائع كالصائغ والحدَّاد والحمامي وخدمة الأرض وسير البريد وحَمْل الأمتعة وتعبيد الطرقات. أ.هـ[التحرير والتنوير - (البقرة -184)]
قال الحنفيّة: المحترف المحتاج إلى نفقته كالخبّاز والحصّاد، إذا علم أنّه لو اشتغل بحرفته يلحقه ضرر مبيح للفطر، يحرم عليه الفطر قبل أن تلحقه مشقّة.
وقال أبو بكر الآجرّيّ من الحنابلة: من صنعته شاقّة، فإن خاف بالصّوم تلفاً، أفطر وقضى، إن ضرّه ترك الصّنعة، فإن لم يضرّه تركها أثم بالفطر وبتركها، وإن لم ينتف الضّرر بتركها، فلا إثم عليه بالفطر للعذر.
قلت: يلحق بهم من أرهقه جوع مفرط، أو عطش شديد، فخاف على نفسه الهلاك، بغلبة الظّنّ، لا بمجرّد الوهم، أو يخاف نقصان العقل، أو ذهاب بعض الحواسّ، فإنّه يفطر ويقضي.
قال الشوكانى:
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: رُخِّصَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ أَنْ.يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ، قال الْجُمْهُورُ: وَحُكْمُ الْإِطْعَامِ بَاقٍ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَطُقْ الصِّيَامَ. [نيل الاوطار – 7/ 116 - 117].
?فصل فى بيان حكم من أفطر فى نهار رمضان خطأً أو نسياناً?
س: ماذا على من من نسى أنه صائم في رمضان أو غيره؟
الجواب:
من نسى أنه صائم في صوم فرض، أو تطوع فأكل وشرب ووطئ، ومن ظن انه ليل - ناسيا - ففعل شيئا من ذلك فإذا به قد أصبح، أو ظن انه قد غابت الشمس ففعل شيئا من ذلك فإذا بها لم تغرب، فان صوم كل من ذكرنا تام، لقول الله تعالى: " ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم"، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رفع عن امتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"
وبوب البخاري فى كتاب الصوم:
بَاب الصَّائِمِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا ........ وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَوْ وَطِئَ رَجُلٌ اِمْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِم نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ " ,
وَعَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَن قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا "
قلت: هنا مسألة هامه وهى هل يمكن ان ينسي الصائم انه صائم حتى يجامع، الاكل والشرب نعم، وهو يقع كثير لان الاكل والشرب لايستغرق الا برهة، أما الجماع فكيف، وعَنْ اِبْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ اِمْرَأَتَهُ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ , قَالَ لَا يَنْسَى ...... فهل هذا ممكن؟ الحقيقة انه ممكن خاصة لمن لم يتعود على احوال رمضان فى الايام الاول ولمن كان له عادة فى الجماع نهارا، وهو وقت الصيام والله المستعان.
وفى حديث الباب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ "
قال ابن حجر فى الشرح:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/290)
قَوْله: (فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ) فِي رِوَايَة " فَلَا يُفْطِرْ ". قَوْله: (فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ) فِي رِوَايَة " فَإِنَّمَا هُوَ رِزْق رَزَقَهُ اللَّهُ " وعَنْ هِشَامٍ " فَإِنَّمَا هُوَ رِزْق سَاقَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ " قَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ: تَمَسَّكَ جَمِيعُ فُقَهَاء الْأَمْصَارِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَوْله " فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّه وَسَقَاهُ " مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صِحَّة الصَّوْم لِإِشْعَارِهِ بِأَنَّ الْفِعْلَ الصَّادِرَ مِنْهُ مَسْلُوبُ الْإِضَافَةِ إِلَيْهِ فَلَوْ كَانَ أَفْطَرَ لَأُضِيفَ الْحُكْمُ إِلَيْهِ , قَالَ: وَتَعْلِيق الْحُكْمِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْب لِلْغَالِبِ لِأَنَّ نِسْيَان الْجِمَاع نَادِرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا ........ وَمَدَار كُلِّ ذَلِكَ عَلَى قُصُورِ حَالَةِ الْمَجَامِعِ نَاسِيًا عَنْ حَالَةِ الْآكِلِ ......... فِي بَعْض طُرُقِ الْحَدِيثِ " مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْر رَمَضَان " لِأَنَّ الْفِطْر أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ , وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَكْل وَالشُّرْب بِالذِّكْرِ فِي الطَّرِيق الْأُخْرَى لِكَوْنِهِمَا أَغْلَبَ وُقُوعًا وَلِعَدَمِ الِاسْتِغْنَاء عَنْهُمَا غَالِبًا.
قَالَ اِبْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: ذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى إِيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا وَهُوَ الْقِيَاسُ , فَإِنَّ الصَّوْمَ قَدْ فَاتَ رُكْنُهُ وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَأْمُورَات , وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَأْمُورَاتِ، قَالَ: وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُوجِبْ الْقَضَاءَ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِتْمَامِ , وَسَمَّى الَّذِي يُتِمُّ صَوْمًا , وَظَاهِرُهُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّة فَيُتَمَسَّكُ بِهِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالصَّوْمِ هُنَا حَقِيقَتُهُ اللُّغَوِيَّةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ لُطْفُ اللَّهِ بِعِبَادِهِ وَالتَّيْسِير عَلَيْهِمْ وَرَفْعُ الْمَشَقَّةِ وَالْحَرَجِ عَنْهُمَا , وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ لِهَذَا الْحَدِيثِ سَبَبًا فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ دِينَارٍ عَنْ مَوْلَاتِهَا أُمِّ إِسْحَاقَ أَنَّهَا " كَانَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيد فَأَكَلْت مَعَهُ , ثُمَّ تَذَكَّرَتْ أَنَّهَا كَانَتْ صَائِمَةً , فَقَالَ لَهَا ذُو الْيَدَيْنِ: الْآنَ بَعْدَمَا شَبِعْت؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتِمِّي صَوْمَك فَإِنَّمَا هُوَ رِزْق سَاقَهُ اللَّه إِلَيْك " وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْأَكْلِ وَكَثِيرِهِ. وَمِنْ الْمُسْتَظْرَفَاتِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ إِنْسَانًا جَاءَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَة فَقَالَ أَصْبَحْت صَائِمًا فَنَسِيت فَطَعِمْت , قَالَ لَا بَأْسَ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلْت عَلَى إِنْسَانٍ فَنَسِيت وَطَعِمْت وَشَرِبْت , قَالَ. لَا بَأْسَ اللَّهُ أَطْعَمَك وَسَقَاك. ثُمَّ قَالَ: دَخَلْت عَلَى آخَرَ فَنَسِيت فَطَعِمْت , فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنْتَ إِنْسَانٌ لَمْ تَتَعَوَّدْ الصِّيَامَ.أ. هـ
وعن عبد الله بن دينار قال: "استسقى ابن عمر وهو صائم، فقال: ألست صائما؟ فقال: أراد الله أن يسقينى فمنعتني".
س: ماذا على من أفطر خطأً أو كان ممن يجوز له الفطر فى بقية نهار رمضان؟
الجواب:
قال ابن قدامه:
إذا أصبح مفطرا يعتقد أنه من شعبان فقامت البينة بالرؤية لزمه الإمساك والقضاء في قول عامة الفقهاء ....... أشبه من أكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع فإذا تقرر هذا فإن جامع فيه فعليه القضاء والكفارة كالذي أصبح لا ينوي الصيام أو أكل ثم جامع وإن كان جماعة قبل قيام البينة فحكمه حكم من جامع يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع على ما مضى فيه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/291)
وكل من أفطر والصوم لازم له كالمفطر يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب أو الناسي لنية الصوم ونحوهم يلزمهم الإمساك لا نعلم بينهم فيه اختلافا.
فأما من يباح له الفطر في أول النهار ظاهرا كالحائض والنفساء والمسافر والصبي والمجنون والكافر والمريض إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار فطهرت الحائض والنفساء وأقام المسافر وبلع الصبي وأفاق المجنون وأسلم الكافر وصح المريض المفطر ففيهم روايتان
إحداهما: يلزمهم الإمساك في بقية اليوم وهو قول أبي حنيفة و الثوري و الأوزاعي و الحسن بن صالح و العنبري لأنه معنى لو وجد قبل الفجر أوجب الصيام فإذا طرأ بعد الفجر أوجب الإمساك كقيام البينة بالرؤية
والثانية: لا يلزمهم الإمساك وهو قول مالك والشافعي وروي ذلك عن جابر بن زيد وروي عن ابن مسعود أنه قال: من أكل أول النهار فليأكل آخره ولأنه أبيح له فى أول النهار ظاهرا وباطنا فإذا أفطر كان له أن يستديمه إلى آخر النهار كما لو دام العذر ............. .... فأما إن نوى الصوم في سفره أو مرضه أو صغره ثم زال عذره في أثناء النهار لم يجز له الفطر رواية واحدة وعليه الكفارة إن وطئ.
ولو علم الصبي أنه يبلغ في أثناء النهار بالسن أو علم المسافر أنه يقدم لم يلزمها الصيام قبل زوال عذرهما لأن سبب الرخصة موجود فيثبت حكمها كما لو لم يعلما ذلك.
?فصل فى بيان الاحوال التى يحرم فيها الصوم?
س: ما هى الاحوال التى يحرم فيها الصوم؟
الجواب:
1 - الحيض والنفاس:
بوب البخاري فى كتاب الحيض - بَاب تَرْكِ الْحَائِضِ الصَّوْمَ:
قال ابن حجر:
قَوْله: (بَاب تَرْك الْحَائِض الصَّوْم)
وَذَلِكَ أَنَّ تَرْكهَا الصَّلَاة وَاضِح مِنْ أَجْل أَنَّ الطَّهَارَة مُشْتَرَطَة فِي صِحَّة الصَّلَاة وَهِيَ غَيْر طَاهِرة , وَأَمَّا الصَّوْم فَلَا يُشْتَرَط لَهُ الطَّهَارَة فَكَانَ تَرْكهَا لَهُ تَعَبُّدًا مَحْضًا فَاحْتَاجَ إِلَى التَّنْصِيص عَلَيْهِ بِخِلَافِ الصَّلَاة.أ. هـ
قال ابن قدامه
أجمع أهل العلم على أن الحائض والنفساء لا يحل لهما الصوم وإنهما يفطران رمضان ويقضيان وإنهما إذا صامتا لم يجزئهما الصوم وقد قالت عائشة: كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة متفق عليه والأمر إنما هو للنبي صلى الله عليه و سلم وقال أبو سعيد: " قال النبي صلى الله عليه و سلم: أليس إحداكن إذا حاضت لم تصل ولم تصم فذلك من نقصان دينها " رواه البخاري والحائض والنفساء سواء لان دم النفاس هو دم الحيض وحكمه حكمه ومتى وجد الحيض في جزء فسد صوم ذلك اليوم سواء وجد في أوله أو في آخره. أ.هـ[المغني - (ج 3 / ص 83)]
مسألة هامه:
تقضى الحائض الصيام ولاتقضى الصلاة:
أخرج مسلم عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَقَالَتْ:" أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ قُلْتُ لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ قَالَتْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ". [مسلم - كتاب الصوم - بَاب وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ دُونَ الصَّلَاةِ]
قال النووى:
قَوْلهَا (فَنُؤْمَر بِقَضَاءِ الصَّوْم وَلَا نُؤْمَر بِقَضَاءِ الصَّلَاة) هَذَا الْحُكْم مُتَّفَق عَلَيْهِ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْحَائِض وَالنُّفَسَاء لَا تَجِب عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَلَا الصَّوْم فِي الْحَال , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّلَاة , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّوْم. قَالَ الْعُلَمَاء وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الصَّلَاة كَثِيرَة مُتَكَرِّرَة فَيَشُقّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْم , فَإِنَّهُ يَجِب فِي السَّنَة مَرَّة وَاحِدَة , وَرُبَّمَا كَانَ الْحَيْض يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَ أَصْحَابنَا: كُلّ صَلَاة تَفُوت فِي زَمَن الْحَيْض لَا تُقْضَى إِلَّا رَكْعَتَيْ الطَّوَاف. أ.هـ
2 - من كان الصيام مهلك له:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/292)
وهو كل كبير زمِن هَرَم يمكن ان يموت اذا صام لضعفه الشديد، وكذلك المريض الذى يهلك بترك الدواء ساعات معينة أو يشتد عليه مرضه فيدخل فى نوبات مرضية اشد مما هو فيها او يشرف على الموت وكل ذلك وما شابهه لايحل لهم الصوم لانهم يعسروا على انفسهم ظنا منهم ان الله كتب عليهم ذلك او ان الصيام منهم افضل وهو خالف لما جاء به الشرع من الترخيص والتخفيف والله تعالى يقول:" ??????? ???? ?????? ?????????? ???? ??????? ?????? ?????????? " [185 - البقرة] وقال تعالى: "????? ?????? ?????????? ??? ????????? ???? ??????" وقال تعالى:" ???????? ???????? ?????????? ????????????? ??????? ??????? ??????????" [الأعراف -157]
وفي الحديث. " إن هذا الدين يسر , و لن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه , فسددوا و قاربوا و أبشروا ... " [أخرجه البخاري] وما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما.
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 229)]:
ومن جهده الجوع أو العطش حتى غلبه الامر ففرض عليه أن يفطر، لقول الله تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم" [النساء – 29] ولقول الله تعالى: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" [البقرة – 185] وقول الله تعالى: " ما جعل عليكم في الدين من حرج" [الحج – 78] ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" [رواه البخاري].أ. هـ
?فصل فى بيان متى يفطر الصائم?
س: متى يفطر الصائم؟
الجواب:
أخرج البخاري عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ" [البخاري - كتاب الصوم]
وأخرج عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ لِبَعْضِ الْقَوْمِ يَا فُلَانُ قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَوْ أَمْسَيْتَ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ فَشَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ" [البخاري - كتاب الصوم]
وبوب علي الاحاديث - باب متى يحل فطر الصائم؟
قال ابن حجر فى الشرح:
قَوْله: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْل مِنْ هَاهُنَا) أَيْ مِنْ جِهَة الْمَشْرِقِ كَمَا فِي الْحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ , وَالْمُرَادُ بِهِ وُجُودُ الظُّلْمَةِ حِسًّا ,
وَذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةَ أُمُور , لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُتَلَازِمَةً فِي الْأَصْل لَكِنَّهَا قَدْ تَكُون فِي الظَّاهِر غَيْرَ مُتَلَازِمَة , فَقَدْ يُظَنُّ إِقْبَالُ اللَّيْل مِنْ جِهَة الْمَشْرِق وَلَا يَكُون إِقْبَاله حَقِيقَةً بَلْ لِوُجُودِ أَمْرٍ يُغَطِّي ضَوْءَ الشَّمْس وَكَذَلِكَ إِدْبَار النَّهَار فَمِنْ ثَمَّ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ " وَغَرَبَتْ الشَّمْس " إِشَارَةً إِلَى اِشْتِرَاط تَحَقُّق الْإِقْبَال وَالْإِدْبَار , وَأَنَّهُمَا بِوَاسِطَةِ غُرُوب الشَّمْس لَا بِسَبَبٍ آخَرَ .......... وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْإِقْبَال وَالْإِدْبَار مَعًا لِإِمْكَانِ وُجُود أَحَدهمَا مَعَ عَدَم تَحَقُّقِ الْغُرُوب قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاض
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/293)
قَوْله: (فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِم) أَيْ دَخَلَ فِي وَقْت الْفِطْر ...... وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ فَقَدْ صَارَ مُفْطِرًا فِي الْحُكْم لِكَوْنِ اللَّيْلِ لَيْسَ طَرَفًا لِلصِّيَامِ الشَّرْعِيّ ......... وَقَدْ رَدَّ اِبْن خُزَيْمَةَ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَأَوْمَأَ إِلَى تَرْجِيح الْأَوَّل فَقَالَ: قَوْله " فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِم " لَفْظُ خَبَرٍ وَمَعْنَاهُ الْأَمْر أَيْ فَلْيُفْطِرْ الصَّائِم , وَلَوْ كَانَ الْمُرَاد فَقَدْ صَارَ مُفْطِرًا كَانَ فِطْرُ جَمِيعِ الصُّوَّامِ وَاحِدًا وَلَمْ يَكُنْ لِلتَّرْغِيبِ فِي تَعْجِيل الْإِفْطَار مَعْنًى ا هـ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّل أَرْجَحُ (انه أمر بالتعجيل بالفطر) , وَلَوْ كَانَ الثَّانِي مُعْتَمِدًا لَكَانَ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُفْطِرَ فَصَامَ فَدَخَلَ اللَّيْل حَنِثَ بِمُجَرَّدِ دُخُوله وَلَوْ لَمْ يَتَنَاوَل شَيْئًا ..... وَيُرَجِّح الْأَوَّلَ أَيْضًا رِوَايَة شُعْبَة أَيْضًا بِلَفْظِ " فَقَدْ حَلَّ الْإِفْطَار "
قَوْله: (فَاجْدَحْ): الْجَدْح تَحْرِيك السَّوِيق وَنَحْوه بِالْمَاءِ بِعُودٍ يُقَال لَهُ الْمِجْدَحُ
(المراد تجهيز واعداد ما يفطرون عليه بتقليبه)
وَفِي الْحَدِيث أَيْضًا اِسْتِحْبَاب تَعْجِيل الْفِطْر , وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ إِمْسَاك جُزْء مِنْ اللَّيْل مُطْلَقًا , بَلْ مَتَى تَحَقَّقَ غُرُوب الشَّمْس حَلَّ الْفِطْر. أ. هـ
وسئل ابن تيمية - رحمه الله تعالى - عن غروب الشمس: هل يجوز للصائم أن يفطر بمجرد غروبها؟
فأجاب: إذا غاب جميع القرص أفطر الصائم ولا عبرة بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق، وإذا غاب جميع القرص ظهر السواد من المشرق كما قال النبي صلى الله عليه و سلم: [إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم]. أ. هـ[الفتاوى الكبرى - (ج 2 / ص 469)]
قال الشوكانى:
قَالَ الْمُهَلِّبُ: وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يُزَادَ فِي النَّهَارِ مِنْ اللَّيْلِ وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالصَّائِمِ وَأَقْوَى لَهُ عَلَى الْعِبَادَةِ ا هـ.
وَأَيْضًا فِي تَأْخِيرِهِ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ عِنْدَ ظُهُورِ النُّجُومِ، وَقَدْ كَانَ الشَّارِعُ يَأْمُرُ بِمُخَالَفَتِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ بِأَنَّ مُعَجِّلَ الْإِفْطَارِ أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إلَيْهِ، فَلَا يَرْغَبُ عَنْ الِاتِّصَافِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا مَنْ كَانَ حَظُّهُ مِنْ الدِّينِ قَلِيلًا كَمَا تَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ. أ.هـ
[نيل الأوطار - (ج 7 / ص 89)]
س: ماذا على من سافر من مكان قُبيل الغروب الى مكان لاتزال الشمس تشاهد فيه؟
الجواب:
فى فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
المسافر في الطائرة متى يفطر؟
س: شخصان من سكان الدمام أقلعت بهما الطائرة من مطار الظهران ضمن ركابها قبل غروب الشمس بعشر دقائق في شهر رمضان متجهة إلى جازان، وارتفعت الطائرة بنحو تسعة وعشرين ألف قدم عن سطح الأرض، وبعد مضي خمس وثلاثين دقيقة والطائرة تحلق في سماء الرياض وبهذا التوقيت أهل الرياض يفطرون وركاب الطائرة لا يزالون يشاهدون الشمس وربما يمضي أكثر من ربع ساعة وهم لا يزالون يشاهدونها، فهل يحل لركاب الطائرة الإفطار وأمثالهم؟ أفتونا أثابكم الله.
ج: الأصل أن لكل شخص في إمساكه في الصيام وإفطاره وأوقات صلاته حكم الأرض التي هو عليها أو الجو الذي يسير فيه، فمن غربت عليه الشمس في مطار الظهران مثلًا أفطر أو صلى المغرب وأقلعت به الطائرة متجهة إلى الغرب ورأى الشمس بعد باقية فلا يلزمه الإمساك، ولا إعادة صلاة المغرب؛ لأنه وقت الإفطار أو الصلاة له حكم الأرض التي هو عليها، وإن أقلعت به الطائرة قبل غروب الشمس بدقائق واستمر معه النهار فلا يجوز له أن يفطر ولا أن يصلي المغرب حتى تغرب شمس الجو الذي يسير فيه حتى ولو مر بسماء بلد أهلها قد أفطروا وصلوا المغرب وهو في سمائها يرى الشمس، كما ورد في السؤال
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/294)
من حال الشخصين اللذين مرا صائمين بسماء الرياض وقت الإفطار وركاب الطائرة لا يزالون يشاهدون الشمس، وهذا هو مقتضى الأدلة الشرعية، قال تعالى: " وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ " [البقرة – 187] وقال: " أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا " [الإسراء – 78] وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس؛ فقد أفطر الصائم»، ولكن لو نزلوا في مكان قد غربت فيه الشمس صار لهم حكم أهل ذلك المكان في الصوم والصلاة مدة وجودهم فيه .......... وعلى أن لكل صائم حكم المكان الذي هو فيه، سواء كان على سطح الأرض أم كان على طائرة في الجو. وعليه فمن أفطر وهو في الطائرة بتوقيت بلد ما وهو يعلم أن الشمس لم تغرب فصيامه فاسد؛ لأنه أفطر قبل غروب الشمس بالنسبة له وعليه قضاء ذلك اليوم ....... وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. أ.هـ[الفتوى رقم: (2254) والفتوى رقم (1402)]
?فصل فى بيان احكام قضاء رمضان لمن افطر فيه?
س: ما الذى يجب على من أفطر يوما من رمضان أو أكثر؟
الجواب:
المفطرون فى رمضان على أقسام كما سبق بيانه:
القسم الاول من اباح الشرع لهم الفطر:
وهم المريض ومن اشتد عليه الصوم لشدة حر أو فرط جوع وعطش ونحوهم، والمسافر، والمغمى عليه، والشيخ والشيخه والهرم، والحامل والمرضع.
وهؤلاء على حالين:
الاول: من لايستطيع الصوم فى رمضان ولاغيره لدوام الحال المانع من الصيام فى حقهم كالهرم (كبير السن الذى ضعف ووهنت قوته للكبر) والمريض الذى لايرجى برؤه، فهؤلاء عليهم الفدية ولا صيام عليهم.
الثانى: من لايستطيع الصوم فى رمضان ويستطيع فى غيره كالمريض الذى مرض فى رمضان وشفى بعده، وكالمسافر فى رمضان ويرجع مقيم فى رمضان أو بعده، والشيخ والشيخة الذين لايطيقو صوما فى حر ويطيقوه فى برد، ومثلهم الحامل والمرضع فى رمضان أو حوله، ثم تصبح على غير هذا الحال بعد رمضان وتقدر على الصوم، ومن أفطر لشدة جوع أو عطش، فهؤلاء على ضربين:
الضرب الاول من يلزمهم الصوم اياما أخر غير التى أفطروها فى رمضان وهولاء المسافر، والمريض الذى شفى بعد رمضان، ومن أفطر لشدة جوع أو عطش، ولاتصح منهم الفدية ولو دفعوا فدية لايسقط عنهم الصوم بحال وتعد فديتهم صدقة عامه، لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة:184].
الضرب الثانى من لهم ان يقضوا الصيام ان استطاعوا مع تغير حالهم المُرخِص لفطرهم فى رمضان ولهم ان يفدوا ان شاءوا او أن يصوموا - بغير مشقة شديدة - وإن صاموا فهو خير لهم، ولو أفدوا اجزأت الفدية عنهم، وهؤلاء كالحامل والمرضع، والشيخ والشيخه يجدوا فى انفسهم طاقة للصيام فى غير وقت رمضان
قال تعالى:" وأن تصوموا خير لكم " والخطاب للمقيمين المطيقين الصوم، أي: خير لكم من الفطر والفدية، أو للمريض والمسافر، أي: خير لكم من الفطر والقضاء، أو: لمن أبيح له الفطر من الجميع. [قاله أبو حيان]
وقيل: هذا في الشيخ الكبير لو تكلف الصوم وإن شق عليه فهو خير له من أن يفطر ويفدي [قاله البغوى]
القسم الثانى من وجب عليهم الفطر:
وهؤلاء كالحائض والنفساء، فإنه يجب عليهم قضاء الصوم، ولا تجزء عنهم فدية بحال ماداموا قد أفطروا للحيض أو النفاس فقط (يعنى لم يدخلوا فى اى من الاقسام السابقة)
القسم الثالث من يحرم عليه الفطر:
وهم من أفطروا عمدا بغير عذر أو رخصة، وهؤلاء على ضربين:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/295)
الضرب الاول من أفطر عمدا بالاكل والشرب ونحوه، فهؤلاء يقضوا يوما ولا كفارة ولا فدية عليهم، لعظيم جرمهم وفظيع صنيعهم، لان المعلوم مما تقرر فى الشريعة أن ما له كفارة من الذنوب أهون مما ليس له كفارة مما هو من جنسه، فمثلا القتل العمد لاكفارة له والقتل الخطأ له كفارة مما يشعر بأن القتل الخطأ أقل جرما من القتل العمد، وهكذا هنا فالفطر العمد بالاكل والشرب لاكفارة له وعليه القضاء وذلك هو الراجح مع وجود الخلاف عند اهل المذاهب فى اثبات الكفارة على المفطر عامدا بالاكل والشرب ونحوه كما بينت انفا فى المسائل المتقدمه.
وفى الاثر عن على بن أبى طالب قال: "من أفطر يوما من رمضان متعمدا لم يقضه أبدا طول الدهر"
وعن ابن مسعود: " من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة لم يجزه صيام الدهر وان صامه"
وعن على بن الحسين عن أبى هريرة: أن رجلا أفطر في رمضان، فقال أبو هريرة: "لا يقبل منه صوم سنة". [اورد هذه الاثار ابن حزم فى المحلى]
الضرب الثانى من أفطر عامدا بالجماع - ليس الا – فهؤلاء عليهم القضاء والكفارة على الرجل دون المرأة – كما سبق بيانه – وهذا بحسب ما دل عليه الدليل.
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 185)]
ولا كفارة على من تعمد فطرا في رمضان بما لم يبح له، إلا من وطئ في الفرج من امرأته أو أمته المباح له وطوهما إذا لم يكن صائما فقط فان هذا عليه الكفارة .... برهان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوجب الكفارة إلا على واطئ امرأته عامدا.أ. هـ (كما فى حديث من واقع امرأته فى نهار رمضان وهو صائم)
القسم الرابع من أفطر خطأً أو نسياناً أو بغير الاكل والشرب والجماع:
وهؤلاء مثل من قاء عامدا، ومن دخل حلقه ماء أو شئ من طعام بغير نية الاكل أو الشرب، كمن يتذوق طعاما فبالغ حتى تسرب الى حلقه، أو تداوى بغير نية افطار بدواء من الحلق او الانف فبلغ الجوف، ومن استنشق او تمضمض بمبالغة فتسرب الماء الى الحلق، ونحو ذلك، فهؤلاء ليس عليهم الا القضاء، والفرق بين هؤلاء وبين من افطر عامدا، ان هؤلاء لاإثم عليهم لأنهم أخطأوا، والخطأ عذر رافع للمؤخذة وموجب – بفضل الله – للعفوا كما جاء فى الحديث:" إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه " [انظر حديث رقم: 1731 في صحيح الجامع].
س: متى وكيف يقضى قضاء رمضان؟
الجواب:
بوب البخاري فى كتاب الصوم بَاب مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:" فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي صَوْمِ الْعَشْرِ لَا يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ ... وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ الْإِطْعَامَ إِنَّمَا قَالَ:" فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر".أ. هَ
وأورد حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ:" كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ قَالَ يَحْيَى الشُّغْلُ مِنْ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَابْن خُزَيْمَةَ عَنْ عَائِشَة رضى الله عنها:" مَا قَضَيْت شَيْئًا مِمَّا يَكُون عَلَيَّ مِنْ رَمَضَان إِلَّا فِي شَعْبَان حَتَّى قُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
قال ابن حجر فى الشرح:
قَوْله: (بَابٌ مَتَى يَقْضِي قَضَاء رَمَضَان؟) أَيْ مَتَى تُصَام الْأَيَّام الَّتِي تُقْضَى عَنْ فَوَات رَمَضَان؟ , وَمُرَاد الِاسْتِفْهَام هَلْ يَتَعَيَّن قَضَاؤُهُ مُتَتَابِعًا أَوْ يَجُوز مُتَفَرِّقًا؟ وَهَلْ يَتَعَيَّن عَلَى الْفَوْر أَوْ يَجُوز عَلَى التَّرَاخِي؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/296)
لِأَنَّ ظَاهِر قَوْله تَعَالَى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ لِصِدْقِ " أَيَّامٍ أُخَرَ " سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَتَابِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَة , وَالْقِيَاس يَقْتَضِي التَّتَابُع إِلْحَاقًا لِصِفَةِ الْقَضَاء بِصِفَةِ الْأَدَاء , وَظَاهِر صَنِيع عَائِشَة يَقْتَضِي إِيثَار الْمُبَادَرَة إِلَى الْقَضَاء لَوْلَا مَا مَنَعَهَا مِنْ الشُّغْلِ , فَيُشْعِر بِأَنَّ مَنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَنْبَغِي لَهُ التَّأْخِيرُ.
وَنَقَلَ اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْره عَنْ عَلِيّ وَعَائِشَة وُجُوبَ التَّتَابُع , وَلَا يَخْتَلِف الْمُجِيزُونَ لِلتَّفْرِيقِ أَنَّ التَّتَابُعَ أَوْلَى.
قَوْله: وَقَالَ اِبْن عَبَّاس: (لَا بَأْس أَنْ يُفَرَّق لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: " فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ") ....... وعَنْ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ: لَا يَضُرُّك كَيْف قَضَيْتهَا إِنَّمَا هِيَ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر فَأُحْصِهِ ........ وعن مُعَاذ بْن جَبَل: إِذَا أَحْصَى الْعِدَّة فَلْيَصُمْ كَيْف شَاءَ.
قَوْله: (وَقَالَ إِبْرَاهِيم إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا , وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ إِطْعَامًا)، وَفِي رِوَايَة " حَتَّى جَازَ "، وَفِي نُسْخَة " حَانَ "، وَمِنْ طَرِيق الْحَارِث الْعُكْلِىّ عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ: إِذَا تَتَابَعَ عَلَيْهِ رَمَضَانَانِ صَامَهُمَا فَإِنْ صَحَّ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَقْضِ الْأَوَّل فَبِئْسَمَا صَنَعَ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلْيَصُمْ.
قَوْله: (وَلَمْ يَذْكُر اللَّه تَعَالَى الْإِطْعَام , إِنَّمَا قَالَ: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) هَذَا مِنْ كَلَام البخاري قَالَهُ تَفَقُّهًا ...... لَكِنْ إِنَّمَا يَقْوَى مَا اِحْتَجَّ بِهِ إِذَا لَمْ يَصِحّ فِي السُّنَّة دَلِيل الْإِطْعَام إِذْ لَا يَلْزَم مِنْ عَدَم ذِكْرِهِ فِي الْكِتَاب أَنْ لَا يَثْبُتَ بِالسُّنَّةِ , وَلَمْ يَثْبُت فِيهِ شَيْء مَرْفُوع وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهِ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة
وَفِي الْحَدِيث دَلَالَة عَلَى جَوَاز تَأْخِير قَضَاء رَمَضَان مُطْلَقًا سَوَاء كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْر لِأَنَّ الزِّيَادَة كَمَا بَيَّنَّاهُ مُدْرَجَةٌ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَرْفُوعَة لَكَانَ الْجَوَاز مُقَيَّدًا بِالضَّرُورَةِ لِأَنَّ لِلْحَدِيثِ حُكْمَ الرَّفْع لِأَنَّ الظَّاهِر اِطِّلَاع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ تَوَفُّر دَوَاعِي أَزْوَاجه عَلَى السُّؤَال مِنْهُ عَنْ أَمْر الشَّرْع فَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا لَمْ تُوَاظِبْ عَائِشَة عَلَيْهِ , وَيُؤْخَذ مِنْ حِرْصهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَان أَنَّهُ لَا يَجُوز تَأْخِير الْقَضَاء حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَان آخَرُ. أ.هـ
قلت: خلاصة القول مما تقدم أن قضاء رمضان فى أى وقت شاء المكلف الا الايام التى يحرم صومها، وعليه الاسراع لحسن العبودية وخشية الموت، ولو اخر القضاء حتى دخل عليه رمضان آخر فعليه القضاء ولا اطعام عليه وان قال به بعض الصحابة لكن ليس على ما قالوه دليل والله المستعان.
أما عن كيفية اداء القضاء فقد قال ابن قدامة:
وقضاء شهر رمضان متفرقا يجزئ والمتتابع أحسن، هذا قول ابن عباس وأنس بن مالك وأبي هريرة والحسن و سعيد بن المسيب، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق وحكي وجوب التتابع عن علي و ابن عمر و النخعي والشعبي وقال داود: يجب ولا يشترط.
وإطلاق قول الله تعالى: "فعدة من أيام أخر" غير مقيد بالتتابع، وأيضا قول الصحابة قال ابن عمر: إن سافر فإن شاء فرق وإن شاء تابع وروي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم وقال أبو عبيدة بن الجراح في قضاء رمضان: إن الله لم يرخص لكم في فطره وهو يريد أن يشق عليكم في قضائه ولأنه صوم لا يتعلق بزمان بعينه فلم يجب فيه التتابع كالنذر المطلق، والمتتابع أحسن لما فيه من موافقة الخبر والخروج من الخلاف وشبهه بالأداء والله أعلم أ. هـ[المغني - (ج 6 / ص 155)]
س: ما هو مقدار قضاء الصوم لمن يلزمه القضاء عما أفطر فى رمضان؟
الجواب:
قال ابن قدامه:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/297)
والواجب في القضاء عن كل يوم يوم في قول عامة الفقهاء (يدل على ذلك) قول الله تعالى: " فعدة من أيام أخر " و " قال النبي صلى الله عليه و سلم في قصة المجامع " صم يوما مكانه " (رواه أبو داود)، ولأن القضاء يكون على حسب الأداء بدليل سائر العبادات، ولأن القضاء لا يختلف بالعذر وعدمه بدليل الصلاة والحج. أ.هـ[المغنى - ج6 ص90]
وبالتالى فمن أفطر أيّاماً من رمضان - كالمريض والمسافر - قضى بعدّة ما فاته، لأنّ القضاء يجب أن يكون بعدّة ما فاته ...... ومن فاته صوم رمضان كلّه، قضى الشّهر كلّه، سواء ابتدأه من أوّل الشّهر أو من أثنائه، كأعداد الصّلوات الفائتة ........ فالقضاء لما فات من رمضان بالعدد: فمن أفطر رمضان كلّه، وكان ثلاثين، وقضاه في شهر بالهلال، وكان تسعةً وعشرين يوماً، صام يوماً آخر. وإن فاته صوم رمضان وهو تسعة وعشرون يوماً، وقضاه في شهر - وكان ثلاثين يوماً - فلا يلزمه صوم اليوم الأخير، لقوله تعالى: «فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ».
ويجوز أن يقضي يوم شتاء عن يوم صيف، ويجوز عكسه، بأن يقضي يوم صيف عن يوم شتاء، وهذا لعموم الآية المذكورة وإطلاقها.
وقضاء رمضان يكون على التّراخي (لايشترط فيه الفور ولاالتتابع)، لكن الجمهور قيّدوه بما إذا لم يفت وقت قضائه، بأن يهلّ رمضان آخر، لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: " كان يكون عليّ الصّوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلاّ في شعبان، لمكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم ". [أخرجه البخارى (4/ 166 ـ فتح) و مسلم (3/ 154)].
ولا يجوز عند الجمهور تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر، من غير عذر، لحديث عائشة هذا، فإن أخّر فعليه الفدية: إطعام مسكين لكلّ يوم، لما روي عن ابن عبّاس وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتّى أدركه رمضان آخر: عليه القضاء وإطعام مسكين لكلّ يوم، وهذه الفدية للتّأخير.
ومذهب الحنفيّة، وهو وجه محتمل عند الحنابلة: إطلاق التّراخي بلا قيد، فلو جاء رمضان آخر، ولم يقض الفائت، قدّم صوم الأداء على القضاء، حتّى لو نوى الصّوم عن القضاء لم يقع إلاّ عن الأداء، ولا فدية عليه بالتّأخير إليه، لإطلاق النّصّ، وظاهر قوله تعالى " فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ".
والحق أن ما ذهب إليه الأحناف هو الصحيح، وذلك أن فرض الفدية على من تأخَّر في القضاء حتى جاء رمضان آخر يحتاج إلى نصٍّ من الشرع، ولا نصَّ هنا، فلا يصح تشريع هذا الحكم.
وعند غير الحنفيّة يحرم التّطوّع بالصّوم قبل قضاء رمضان، ولا يصحّ تطوّعه بالصّوم قبل قضاء ما عليه من رمضان، بل يبدأ بالفرض حتّى يقضيه، وإن كان عليه نذر صامه بعد الفرض، لأنّ الصّوم عبادة متكرّرة، فلم يجز تأخير الأولى عن الثّانية، كالصّلوات المفروضة.
س: ماذا على من كان عليه قضاء فلم يقض حتى مات؟
الجواب:
قال ابن قدامة:
من مات وعليه صيام من رمضان لم يخل من حالين:
أحدهما: أن يموت قبل إمكان الصيام أما لضيق الوقت أو لعذر من مرض أو سفر أو عجز عن الصوم فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم وحكي عن طاوس و قتادة إنهما قالا: يجب الإطعام عنه لأنه صوم واجب سقط بالعجز عنه فوجب الإطعام عنه كالشيخ الهرم إذا ترك الصيام لعجزه عنه
الحال الثاني: أن يموت بعد إمكان القضاء فالواجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين وهذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن عائشة و ابن عباس وبه قال مالك و الليث و الأوزاعي و الثوري و الشافعي و الخزرجي و ابن علية و أبو عبيد في الصحيح عنهم وقال أبو ثور: يصام عنه وهو قول الشافعي لما روت عائشة " أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: من مات وعليه صيام صام عنه وليه " (متفق عليه) وروي عن ابن عباس نحوه. ا.هـ[المغني - (ج 6 / ص 141)]
بوب البخاري فى كتاب الصوم من جامعه - بَاب مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ.
قال ابن حجر فى الشرح:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/298)
قَوْله: (بَابٌ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ) أَيْ هَلْ يُشْرَعُ قَضَاؤُهُ عَنْهُ أَمْ لَا؟ وَإِذَا شُرِعَ هَلْ يَخْتَصُّ بِصِيَامٍ دُونَ صِيَامٍ أَوْ يَعُمُّ كُلّ صِيَام؟ وَهَلْ يَتَعَيَّن الصَّوْم أَوْ يُجْزِئُ الْإِطْعَام؟ وَهَلْ يَخْتَصّ الْوَلِيّ بِذَلِكَ أَوْ يَصِحّ مِنْهُ وَمِنْ غَيْره؟ وَالْخِلَاف فِي ذَلِكَ مَشْهُور لِلْعُلَمَاءِ.
وعَنْ الْحَسَن فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَجُمِعَ لَهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا فَصَامُوا عَنْهُ يَوْمًا وَاحِدًا أَجْزَأَ عَنْهُ , قَالَ النَّوَوِيّ فِي " شَرْح الْمُهَذَّبِ ": هَذِهِ الْمَسْأَلَة لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا فِي الْمَذْهَبِ , وَقِيَاس الْمَذْهَبِ الْإِجْزَاءُ. قُلْت: لَكِنَّ الْجَوَاز مُقَيَّد بِصَوْمٍ لَمْ يَجِب فِيهِ التَّتَابُع لِفَقْدِ التَّتَابُع فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة.
وَقَوْله " صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْر تَقْدِيره فَلْيَصُمْ عَنْهُ وَلِيّه , وَلَيْسَ هَذَا الْأَمْر لِلْوُجُوبِ عِنْد الْجُمْهُور
وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة: فَأَجَازَ الصِّيَام عَنْ الْمَيِّت أَصْحَابُ الْحَدِيث .... وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَة ثَابِتَة لَا أَعْلَم خِلَافًا بَيْن أَهْل الْحَدِيث فِي صِحَّتهَا فَوَجَبَ الْعَمَل بِهَا ........ وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد وَمَالِك وَأَبُو حَنِيفَة لَا يُصَام عَنْ الْمَيِّت. وَقَالَ اللَّيْث وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو عُبَيْد: لَا يُصَام عَنْهُ إِلَّا النَّذْرُ.
وَاخْتَلَفَ الْمُجِيزُونَ فِي الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " وَلِيُّهُ " فَقِيلَ كُلّ قَرِيب , وَقِيلَ الْوَارِث خَاصَّة , وَقِيلَ عَصَبَتُهُ , وَالْأَوَّل أَرْجَح , وَالثَّانِي قَرِيب , وَيَرُدُّ الثَّالِثَ قِصَّة الْمَرْأَة الَّتِي سَأَلَتْ عَنْ نَذْرِ أُمِّهَا. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يَخْتَصّ ذَلِكَ بِالْوَلِيِّ؟
َقِيلَ يَخْتَصّ بِالْوَلِيِّ فَلَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ يَصُوم عَنْهُ أَجْزَأَ كَمَا فِي الْحَجِّ , وَقِيلَ يَصِحُّ اِسْتِقْلَال الْأَجْنَبِيّ بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْوَلِيّ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ , وَظَاهِر صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ اِخْتِيَارُ هَذَا الْأَخِير , وَبِهِ جَزَمَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَقَوَّاهُ بِتَشْبِيهِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِالدَّيْنِ وَالدَّيْنُ لَا يَخْتَصّ بِالْقَرِيبِ. أ.هـ
قال النووى فى شرح مسلم:
وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهُ لَا يُصَام عَنْ مَيِّت لَا نَذْر وَلَا غَيْره , حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة , وَرِوَايَة عَنْ الْحَسَن وَالزُّهْرِيّ , وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة , قَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره: هُوَ قَوْل جُمْهُور الْعُلَمَاء , وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ , وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ , بَلْ بَاطِلٌ , وَأَيُّ ضَرُورَةٍ إِلَيْهِ وَأَيُّ مَانِع يَمْنَع مِنْ الْعَمَل بِظَاهِرِهِ مَعَ تَظَاهُرِ الْأَحَادِيثِ , مَعَ عَدَم الْمُعَارِض لَهَا , قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابنَا: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَنْهُ صَلَاةٌ فَائِتَة , وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُصَام عَنْ أَحَد فِي حَيَاته , وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِي الْمَيِّت. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَالْمُرَاد بِالْوَلِيِّ الْقَرِيب , سَوَاء كَانَ عَصَبَةً أَوْ وَارِثًا أَوْ غَيْرَهُمَا , وَلَوْ صَامَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ إِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيّ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحّ , وَلَا يَجِب عَلَى الْوَلِيّ الصَّوْم عَنْهُ , لَكِنْ يُسْتَحَبّ.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث جَوَاز صَوْم الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّت كَمَا ذَكَرْنَا , وَفِيهَا: قَضَاءُ الدَّيْن عَنْ الْمَيِّت , وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَيْهِ , وَلَا فَرْق بَيْن أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهُ وَارِثٌ أَوْ غَيْره فَيَبْرَأُ بِهِ بِلَا خِلَاف. أ.هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/299)
(قلت: الصحيح ما شهد له الدليل وهو الصوم عن الولى بنص الحديث، الا ان يكون من مات كان على حال قبل الموت يجوز الاطعام عنه ... والله تعالى اعلى واعلم.)
?فصل فى بيان احكام الكفارة والفدية?
س: ما الفارق بين الكفارة والفدية وما مقدار كل منهم؟
الجواب:
الفدية:
لغة من فدى، وفداه: استنقذه بمال، أو غيره، فخلصه مما كان فيه.
افتدى فلان: قدم الفدية عن نفسه .... والفِدْية والفَدَى والفِداءُ كله بمعنى.
والفدية معناها الجزاء والبدل.
وقوله عز وجل: "وفَدَيناه بذِبْح عظِيم" أَي جعلنا الذِّبح فِداء له وخَلَّصناه به من الذَّبح.
وشرعا: ما يقدم لله تعالى جزاء لتقصير في عبادة، مثل فدية الصوم، والحلق، ولبس المخيط في الاحرام .... قال تعالى: " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ". [راجع لسان العرب]
مقدار الفدية:
قال صاحب الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 235وما بعدها)]:
لقد اختلف صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تحديد مقدار الفدية ورُويت عنهم روايات متباينة تذكر أن الفِدية مُدٌّ واحد، وأنها مُدَّان اثنان، أي نصف صاع، وأنها أربعة أمداد، أي صاع، وقال الشافعي فيما حكاه عنه المزني. يطعم عن كل يوم مداً، وقال الثوري: نصف صاع من بر، وصاع من تمر أو زبيب، وقال قوم: عشاء وسحور، وقال قوم: قوت يوم، وقال أبو حنيفة وجماعة، يطعم عن كل يوم نصف صاع، من بر.
وهذه الأقوال كلها اجتهادات وليست نصوصاً شرعية، فالشرع لم يحدِّد مقدار الفدية، أي لم يحدد مقدار ما يُطعَمُ المسكينُ، وإنما هي اجتهادات في تحقيق مناطِ النصوص الشرعية أي مناط حكم إطعامِ مسكينٍ واحد، فجاءت آراؤهم مختلفة متباينة ولو أن هؤلاء الصحابة والتابعين والفقهاء أدركوا عصرنا هذا لربما تغيَّرت تقديراتهُم، فالعُرفُ وأحوالُ الناس والعصرُ الذي يُعاش فيه لها مدخل وأثر في تحديد مقدار ما يُقدَّم للمسكين الواحد من القوت، وبالجملة فما علينا الا أن نقف عند قوله سبحانه وتعالى {فديةٌ طعامُ مسكين} وندع تحديد الفدية وما يُقدَّم للمسكين إلى الناس، بحيث يبذلون ما يرونه كافياً لإطعام المسكين، لا سيما وأَن تقديم المدِّ الواحدِ والمدين والأربعة أمداد من القمح أو من التمر لم يعد ينفع المسكين وإنما أصبح المقبول والمتَّبع في عصرنا الراهن تقديمُ وجباتٍ من الطعام المطبوخ التى تطعم وتشبع.أ. هـ
وظاهر الآية: أنه يجب مطلق طعام، ويحتاج التقييد إلى دليل.
قال ابن قدامه:
ويجزئ في الكفارة ما يجزئ في الفطرة من البر والشعير ودقيقها والتمر والزبيب وفي الاقط والخبز روايتان وكذلك يخرج في السويق فإن كان قوته غير ذلك من الحبوب كال الدُّخن [الدخن: نبات عشبى حبه صغير أملس كحب السمسم] والذرة والأرز ......... لقول الله تعالى:" من أوسط ما تطعمون أهليكم" ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالإطعام مطلقا ولم يرد تقييده بشيء من الأجناس فوجب ابقاؤه على إطلاقه ولأنه أطعم المسكين من طعامه فأجزأه كما لو كان طعامه برا فأطعمه منه وهذا أظهر. أ.هـ[المغنى – جـ 6 صـ 121]
قال ابن حزم: [المحلى (ج 6 / ص 201)]:
ومن كان فرضه الاطعام فانه لابد له من أن يطعمهم شبعهم، من أي شئ أطعمهم، وان اختلف، مثل أن يطعم بعضهم خبزا، وبعضهم تمرا، وبعضهم ثريدا، وبعضهم زبيبا، ونحو ذلك، ويجزئ في ذلك مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، إن أعطاهم حبا أو دقيقا أو تمرا أو زبيبا أو غير ذلك مما يؤكل ويكال، فان أطعمهم طعاما معمولا فيجزئه ما أشبعهم أكلة واحدة، أقل أو أكثر ......... ولا يجوز تحديد إطعام دون إطعام بغير نص ولا إجماع، ولم يُختلف فيما دون الشبع في الاكل ولا فيما دون المد في الاعطاء أنه لا يجزئ .............. ولا يجزئ إطعام رضيع لا يأكل الطعام، ولا إعطاؤه من ذلك، لانه لا يسمى إطعاما، فان كان يأكل كما تأكل الصبيان أجزأ إطعامه وإشباعه، وإن أكل قليلا، لانه أطعم كما أمر، وبالله تعالى التوفيق.أ. هـ
ملحوظه:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/300)
قال أبو عبيد في كتاب الأموال: وأما أهل الحجاز فلا اختلاف بينهم فيه أَعلمه أن الصاعَ عندهم خمسةُ أرطال وثلثٌ يعرفه عالِمُهم وجاهِلُهم، ويباع في أسواقهم. وقال أبو يوسف القاضي: فقد فسَّرنا ما في الصاع من السنن وهو كما أعلمتُك خمسةُ أرطالٍ وثلثٌ، والمُدُّ رُبُعُه، وهو رطل وثلث، وذلك برطلنا هذا الذي وزنه مائة درهم وثمانية وعشرون درهماً.
وبتقدير ما سبق بالأوزان الحديثة نقول ما يلي: إن المد يساوي 543 غراماً، فيكون الصاع 2175غراماً، أي كيلو غرامين ومائةً وخمسة وسبعين غراماً.أ. هـ[الجامع لأحكام الصيام - الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 237)]
ملحوظة:
تصح الفدية عمن يُفدى عنه مع بداية رمضان، او وسطه، او آخره، او بعده، وتصح جملة واحدة بان يجمع ثلاثين مسكين ويطعمهم جميعا، ويصح ان يطعم مسكينا واحدا كل يوم من رمضان فدية عن كل يوم، خلاف الكفارة.
اما الكفارة:
فمعناها: الكفارة: ما يستغفر به الآثم من صدقة، وصوم، ونحو ذلك، وقيل ما كُفِّرَ به من صدقة أَو صوم أَو نحو ذلك قال بعضهم كأَنه غُطِّيَ عليه بالكَفَّارة وهذا لأنّ الغاية من الكفّارة الزّجر.
وسميت الكَفَّاراتُ كفَّاراتٍ لأَنها تُكَفِّرُ الذنوبَ أَي تسترها مثل كَفَّارة الأَيْمان وكَفَّارة الظِّهارِ والقَتْل الخطإِ وقد بينها الله تعالى في كتابه وأَمر بها عباده
وقد حددت الشريعة أنواعا من الكفارات، منها كفارة اليمين، وكفارة الصوم وكفارة ترك بعض مناسك الحج.
والكفارة فى الصيام عقوبة وزجر، بخلاف الفدية كما سبق بيان معنى الفدية فى الصيام، فالكفارة عقوبة لمن أفطر عمدا فى رمضان، واختلف الفقهاء هل يلزم من افطر عامدا الكفارة سواءٌ افطر بالاكل والشرب ونحوه أم الجماع، أم بالجماع فقط ولهم فى ذلك خلاف واسع، لكن الدليل الشرعى دل على ان الالزام بالكفارة يلزم من افطر عامدا بالجماع فقط - كما بينت ذلك عند الكلام على الافطار بالجماع - وصفة الكفارة الواجبة هي عتق رقبة لا يجزئه غيرها مادام يقدر عليها، فان لم يقدر عليها لزمه صوم شهرين متتابعين، فان لم يقدر علي الصوم لزمه حينئذ اطعام ستين مسكينا، ولا يصح اطعام مسكينا واحدا ستين مرة، بل لابد من عدد ستين، ومقدار ما يطعم به كل مسكين كمقدار الفدية السابق بيانه ........ ولا يجزئ اطعام أقل من ستين، ولا صيام أقل من شهرين، لانه خلاف ما أمر به.
قال ابن قدامه:
ولا تجب الكفارة بالفطر في غير رمضان في قول أهل العلم وجمهور الفقهاء
لأنه جامع في غير رمضان فلم تلزمه كفارة كما لو جامع في صيام الكفارة ويفارق القضاء الأداء لأنه متعين بزمان محترم فالجماع فيه هتك له بخلاف القضاء. أ.هـ
وإن جامع فلم يكفر حتى جامع ثانية قبل التكفير عن الأول لم يخل من أن يكون في يوم واحد أو في يومين فإن كان في يوم واحد فكفارة واحدة تجزئه بغير خلاف بين أهل العلم وإن كان في يومين من رمضان لا تجزئ واحدة ويلزمه كفارتان اختاره القاضي وهو قول مالك و الليث و الشافعي وابن المنذر وروي ذلك عن عطاء ومكحول لأن كل يوم عبادة منفردة فإذا وجبت الكفارة بإفساده لم تتداخل كرمضانين وكالحجتين. أ. هـ[المغني - (ج 6 / ص 123 وما بعدها)]
س: ما معنى قوله تعالى " فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ "؟ [البقرة – 184]
الجواب:
التطوع: السعي في أن يكون طائعاً غير مكره أي طاع طوعاً من تلقاء نفسه.
ولا شك أن الخير هنا متطوع به فهو الزيادة من الأمر الذي الكلام بصدده وهو الإطعام لا محالة، وذلك إطعام غير واجب فيحتمل أن يكون المراد: فمن زاد على إطعام مسكيننٍ واحد فهو خير، وهذا قول ابن عباس، أو أن يكون: مَن أراد الإطعام مع الصيام، قاله ابن شهاب، وعن مجاهد: مَن زاد في الإطعام على المُدّ وهو بعيد؛ إذ ليس المُدّ مصرحاً به في الآية، وقد أطعم أنس بن مالك خبزاً ولحماً عن كل يوم أفطره حين شاخ.
وظاهر هذه الآية العموم في كل تطوع بخير، وإن كانت وردت في أمر الفدية في الصوم، وظاهر التطوع: التخيير في أمر الجواز بين الفعل والترك، وأن الفعل أفضل. ولا خلاف في ذلك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/301)
" وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ " معناه الصوم خير له من الفدية، وقيل: هذا في الشيخ الكبير لو تكلف الصوم وإن شق عليه فهو خير له من أن يفطر ويفدي
فقوله: " وأن تصوموا " ترغيب في الصوم وتأنيس به، وإن كان نازلاً في إباحته لصاحب المشقة كالهَرِم، ويحتمل أن يرجع إلى قوله: " ومن كان مريضاً " وما بعده، فيكون تفضيلاً للصوم على الفطر إلاّ أن هذا في السفر مختلف فيه بين الأئمة. [راجع تفسير- البغوى – البحر المحيط – التحرير والتنوير].
?فصل بيان بعض الاحكام المتعلقة بصيام التطوع?
س: ما معنى " لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ "؟
الجواب:
أخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ". [مسلم كتاب الصوم بَاب لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ]
وفى رواية عند الدارقطنى:" و لا تخلطوا برمضان إلا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم"
و فى أخري عند البغوي: " و لا تصلوا رمضان بشيء إلا أن يوافق ... "
[أوردهم الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2/ 103]
قال النووى فى شرح مسلم:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْم وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُل كَانَ يَصُوم صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ) , فِيهِ التَّصْرِيح بِالنَّهْيِ عَنْ اِسْتِقْبَال رَمَضَان بِصَوْمِ يَوْم وَيَوْمَيْنِ , لِمَنْ لَمْ يُصَادِف عَادَة لَهُ أَوْ يَصِلهُ بِمَا قَبْله , فَإِنْ لَمْ يَصِلهُ وَلَا صَادَفَ عَادَة فَهُوَ حَرَام , هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي مَذْهَبنَا ; لِهَذَا الْحَدِيث وَلِلْحَدِيثِ الْآخَر فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره (إِذَا اِنْتَصَفَ شَعْبَان فَلَا صِيَام حَتَّى يَكُون رَمَضَان) فَإِنْ وَصَلَهُ بِمَا قَبْله أَوْ صَادَفَ عَادَة لَهُ ; فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ صَوْمَ يَوْمٍ الِاثْنَيْنِ وَنَحْوه , فَصَادَفَهُ فَصَامَهُ تَطَوُّعًا بِنِيَّةِ ذَلِكَ جَازَ , لِهَذَا الْحَدِيث , وَسَوَاء فِي النَّهْي عِنْدنَا لِمَنْ لَمْ يُصَادِف عَادَتَهُ وَلَا وَصَلَهُ يَوْم الشَّكّ وَغَيْره , فَيَوْم الشَّكّ دَاخِلٌ فِي النَّهْي ..... وَاَللَّه أَعْلَم.
س: هل من تطوع بصوم ثم لم يتمه هل يأثم وهل عليه قضاؤه؟
الجواب:
اختلف العلماء فى ذلك فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ قضاء نفل الصّوم إذا أفسده واجب، واستدلوا بادلة لايصح منها شيئ الا ما جاء من قولهم أنّ ما أتى به قربةً، فيجب صيانته وحفظه عن البطلان، وقضاؤه عند الإفساد، لقوله تعالى: «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ» [محمد - 33] ولا يمكن ذلك إلاّ بإتيان الباقي، فيجب إتمامه وقضاؤه عند الإفساد ضرورةً، فصار كالحجّ والعمرة المتطوّعين.
والشّافعيّة والحنابلة، لا يوجبون إتمام نافلة الصّوم، ولا يوجبون قضاءها إن فسدت، وذلك لقول عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال:"هل عندكم شيء فقلت لا قال فإني صائم" ثم مر بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي حيس فخبأت له منه وكان يحب الحيس قالت يا رسول الله إنه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه قال:" أدنيه أما إني قد أصبحت وأنا صائم " فأكل منه ثم قال:" إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها". [والحديث اخرجه مسلم والزيادة الاخيرة اخرجها النسائى - تحقيق الألباني: حسن، الإرواء (4/ 135 - 136)]
قال النووى فى شرح مسلم:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/302)
فى الحديث التَّصْرِيحُ بِالدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّ صَوْم النَّافِلَة يَجُوز قَطْعُهُ , وَالْأَكْل فِي أَثْنَاء النَّهَار , وَيَبْطُلُ الصَّوْمُ , لِأَنَّهُ نَفْلٌ , فَهُوَ إِلَى خِيَرَة الْإِنْسَان فِي الِابْتِدَاء , وَكَذَا فِي الدَّوَام , وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَآخَرُونَ , وَلَكِنَّهُمْ كُلّهمْ وَالشَّافِعِيّ مَعَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى اِسْتِحْبَاب إِتْمَامه , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك: لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَيَأْثَم بِذَلِكَ , وَبِهِ قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَمَكْحُول وَالنَّخَعِيّ , وَأَوْجَبُوا قَضَاءَهُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ , قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَلَّا قَضَاءَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَهُ بِعُذْرٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ا.هـ
ولحديث أمّ هانئ رضي الله تعالى عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فدعا بشراب فشرب، ثمّ ناولها فشربت، فقالت: يا رسول اللّه، أما إنّي كنت صائمةً، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «الصّائم المتطوّع أمين نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر» وفي رواية: «أمير نفسه». [تحقيق الألباني: صحيح تخريج المشكاة (2079)، صحيح أبي داود (2120)]
ولحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه قال: صنعت لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم طعاماً، فأتاني هو وأصحابه، فلمّا وضع الطّعام قال رجل من القوم: إنّي صائم، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «دعاكم أخوكم، وتكلّف لكم. ثمّ قال له: أفطر، وصم مكانه يوماً إن شئت». [أخرجه البيهقى قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 7/ 12:حسن].
ولأنّ القضاء يتبع المقضيّ عنه، فإذا لم يكن واجباً، لم يكن القضاء واجباً، بل يستحبّ. ونصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّ من شرع في نافلة صوم لم يلزمه الإتمام، لكن يستحبّ، ولا كراهة ولا قضاء في قطع صوم التّطوّع مع العذر, أمّا مع عدم العذر فيكره، لقوله تعالى: «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ».
ومن العذر أن يعزّ على من ضيّفه امتناعه من الأكل , وإذا أفطر فإنّه لا يثاب على ما مضى إن أفطر بغير عذر، وإلاّ أثيب.
أما الواجب فقال ابن قدامة:
ومن دخل في واجب كقضاء رمضان أو نذر معين أو مطلق أو صيام كفارة لم يجز له الخروج منه لأن المتعين وجب عليه الدخول فيه وغير المتعين تعين بدخوله فيه فصار بمنزلة الفرض المتعين وليس في هذا خلاف بحمد الله. أ.هـ
[المغني - (ج 6 / ص 159)]
س: هل يصح التطوع بالصيام قبل صيام قضاء رمضان؟
الجواب:
بوب البخاري فى كتاب الصوم بَاب مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ .............. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي صَوْمِ الْعَشْرِ لَا يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ.
قال ابن حجر فى الشرح:
قَوْله: (وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِي صَوْم الْعَشْر لَا يَصْلُح حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ) وَفى رواية اِبْن أَبِي شَيْبَة " لَا بَأْس أَنْ يَقْضِي رَمَضَان فِي الْعَشْر " وَظَاهِر قَوْله جَوَاز التَّطَوُّع بِالصَّوْمِ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ رَمَضَان , إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَصُوم الدَّيْنَ أَوَّلًا لِقَوْلِهِ " لَا يَصْلُح " فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِرْشَاد إِلَى الْبُدَاءَة بِالْأَهَمِّ وَالْآكَد , وَقَدْ رَوَى عَبْد الرَّزَّاق عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ إِنَّ عَلَيَّ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَان أَفَأَصُوم الْعَشْرَ تَطَوُّعًا؟ قَالَ: لَا , اِبْدَأْ بِحَقِّ اللَّه ثُمَّ تَطَوَّعْ مَا شِئْت. وَعَنْ عَائِشَة نَحْوه، قَالَ وَرَوَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ نَحْوُهُ عَنْ الْحَسَن وَالزُّهْرِيِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ حُجَّةٌ عَلَى ذَلِكَ , وَرَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبّ ذَلِكَ.أ. هـ
وفى فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/303)
س: هل من صام ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان إلا أنه لم يكمل صوم رمضان، حيث قد أفطر من شهر رمضان عشرة أيام بعذر شرعي، هل يثبت له ثواب من أكمل صيام رمضان وأتبعه ستًا من شوال، وكان كمن صام الدهر كله؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
ج: والذي ينبغي لمن كان عليه شيء من أيام رمضان أن يصومها أولا ثم يصوم ستة أيام من شوال؛ لأنه لا يتحقق له اتباع صيام رمضان لست من شوال إلا إذا كان قد أكمل صيامه. [الفتوى رقم (2264)]
وفى فتوي اخري: وأما القضاء للصوم الواجب فيكون قبل صيام الست من شوال.
وفى مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: [(ج 20 / ص 6 وما بعدها)]
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: هل يحصل ثواب الست من شوال لمن عليه قضاء من رمضان قبل أن يصوم القضاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: صيام ستة أيام من شوال لا يحصل ثوابها إلا إذا كان الإنسان قد استكمل صيام شهر رمضان، فمن عليه قضاء من رمضان فإنه لا يصوم ستة أيام من شوال إلا بعد قضاء رمضان، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال ... » وعلى هذا نقول لمن عليه قضاء: صم القضاء أولاً، ثم صم ستة أيام من شوال، فإن انتهى شوال قبل أن يصوم الأيام الستة لم يحصل له أجرها إلا أن يكون التأخير لعذر .... وعلى هذا فلا يثبت أجر صيام ستة من شوال لمن صامها وعليه قضاء من رمضان إلا إذا قضى رمضان ثم صامها.
وسئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: إذا كان على المرأة دين من رمضان فهل يجوز أن تقدم الست على الدين أم الدين على الست؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان على المرأة قضاء من رمضان فإنها لا تصوم الستة أيام من شوال إلا بعد القضاء، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال» ومن عليها قضاء من رمضان لم تكن صامت رمضان فلا يحصل لها ثواب الأيام الست إلا بعد أن تنتهي من القضاء، فلو فرض أن القضاء استوعب جميع شوال، مثل أن تكون امرأة نفساء ولم تصم يوماً من رمضان، ثم شرعت في قضاء الصوم في شوال ولم تنته إلا بعد دخول شهر ذي القعدة، فيحصل الاجر للعذر. أ. هـ
س: ما المقصود بإستئذان المرأة زوجها فى صيام التطوع؟
الجواب:
اتّفق الفقهاء على أنّه ليس للمرأة أن تصوم تطوّعاً إلاّ بإذن زوجها، لما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ" [البخاري - كتاب الصوم - بَاب صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا تَطَوُّعًا]
قال ابن حجر فى الشرح:
قَوْله (لَا يَحِلّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُوم وَزَوْجهَا) يَلْتَحِق بِهِ السَّيِّد بِالنِّسْبَةِ لِأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلّ لَهُ وَطْؤُهَا
قَوْله (شَاهِد) أَيْ حَاضِر. قَوْله (إِلَّا بِإِذْنِهِ) يَعْنِي فِي غَيْر صِيَام أَيَّام رَمَضَان , وَكَذَا فِي غَيْر رَمَضَان مِنْ الْوَاجِب إِذَا تَضَيّقَ الْوَقْت ..... قال الشّافعيّة: وعلمها برضاه كإذنه ...... ولا تحتاج المرأة إلى إذن الزّوج إذا كان غائباً، لمفهوم الحديث ولزوال معنى النّهي ...... ومثل الغائب عند الحنفيّة: المريض، والصّائم والمحرم بحجّ أو عمرة، قالوا: وإذا كان الزّوج مريضاً أو صائماً أو محرماً لم يكن له منع الزّوجة من ذلك، ولها أن تصوم وإن نهاها.
وَدَلَّتْ رِوَايَة الْبَاب عَلَى تَحْرِيم الصَّوْم الْمَذْكُور عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور ,
وَيُؤَكِّد التَّحْرِيم ثُبُوت الْخَبَر بِلَفْظِ النَّهْي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/304)
قَالَ النَّوَوِيّ فِي " شَرْح مُسْلِم ": وَسَبَب هَذَا التَّحْرِيم أَنَّ لِلزَّوْجِ حَقّ الِاسْتِمْتَاع بِهَا فِي كُلّ وَقْت , وَحَقّه وَاجِب عَلَى الْفَوْر فَلَا يَفُوتهُ بِالتَّطَوُّعِ وَلَا بِوَاجِبٍ عَلَى التَّرَاخِي , وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لَهَا الصَّوْم بِغَيْرِ إِذْنه وَإِذَا أَرَادَ الِاسْتِمْتَاع بِهَا جَازَ وَيُفْسِد صَوْمهَا لِأَنَّ الْعَادَة أَنَّ الْمُسْلِم يَهَاب اِنْتَهَاك الصَّوْم بِالْإِفْسَادِ , وَلَا شَكّ أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ خِلَاف ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَثْبُت دَلِيل كَرَاهَته , نَعَمْ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَمَفْهُوم الْحَدِيث فِي تَقْيِيده بِالشَّاهِدِ يَقْتَضِي جَوَاز التَّطَوُّع لَهَا إِذَا كَانَ زَوْجهَا مُسَافِرًا , فَلَوْ صَامَتْ وَقَدِمَ فِي أَثْنَاء الصِّيَام فَلَهُ إِفْسَاد صَوْمهَا ذَلِكَ مِنْ غَيْر كَرَاهَة , وَفِي مَعْنَى الْغَيْبَة أَنْ يَكُون مَرِيضًا بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيع الْجِمَاع ...... وَفِي الْحَدِيث أَنَّ حَقّ الزَّوْج آكَد عَلَى الْمَرْأَة مِنْ التَّطَوُّع بِالْخَيْرِ , لِأَنَّ حَقّه وَاجِب وَالْقِيَام بِالْوَاجِبِ مُقَدَّم عَلَى الْقِيَام بِالتَّطَوُّعِ.أ. هـ
ولو صامت المرأة بغير إذن زوجها صحّ مع الحرمة عند جمهور الفقهاء،
لأنّ حقّ الزّوج فرض، فلا يجوز تركه لنفل.
وإذا صامت الزّوجة تطوّعاً بغير إذن زوجها فله أن يفطّرها، وخصّ المالكيّة جواز تفطيرها بالجماع فقط، أمّا بالأكل والشّرب فليس له ذلك، لأنّ احتياجه إليها الموجب لتفطيرها إنّما هو من جهة الوطء.
س: ماذا على من دُعى الى طعام وهو صائم؟
الجواب:
أخرج البخاري عَنْ نَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ لَهَا قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ وَهُوَ صَائِمٌ ". [البخاري - كتاب النكاح - باب إجابة الداعى فى العرس وغيره]
قال ابن حجر فى الشرح:
قوله:" إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى وَلِيمَة عُرْس فَلْيُجِبْ " وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم بِلَفْظِ " إِذَا دَعَا أَحَدكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوه " وَلِمُسْلِمٍ أيضا بِلَفْظِ " مَنْ دُعِيَ إِلَى عُرْس أَوْ نَحْوه فَلْيُجِبْ " ...... وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيث بَعْض الشَّافِعِيَّة فَقَالَ بِوُجُوبِ الْإِجَابَة إِلَى الدَّعْوَة مُطْلَقًا عُرْسًا كَانَ أَوْ غَيْره بِشَرْطِهِ ; وَزَعَمَ اِبْن حَزْم أَنَّهُ قَوْل جُمْهُور الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ , وَيُعَكِّر عَلَيْهِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي الْعَاصِ وَهُوَ مِنْ مَشَاهِير الصَّحَابَة أَنَّهُ قَالَ فِي وَلِيمَة الْخِتَان لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهَا ,
وَجَزَمَ بِعَدَمِ الْوُجُوب فِي غَيْر وَلِيمَة النِّكَاح الْمَالِكِيَّة وَالْحَنَفِيَّة وَالْحَنَابِلَة وَجُمْهُور الشَّافِعِيَّة ; وَلَفْظ الشَّافِعِيّ: إِتْيَان دَعْوَة الْوَلِيمَة حَقّ , وَالْوَلِيمَة الَّتِي تُعْرَف وَلِيمَة الْعُرْس , وَكُلّ دَعْوَة دُعِيَ إِلَيْهَا رَجُل وَلِيمَة فَلَا أُرَخِّص لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهَا , وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَتَبَيَّن أَنَّهُ عَاصٍ فِي تَرْكهَا كَمَا تَبَيَّنَ لِي فِي وَلِيمَة الْعُرْس.
وَوَقَعَ عِنْد أَبِي دَاوُدَ " فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ , وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ " ...... وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " بَاب حَقّ إِجَابَة الْوَلِيمَة " أَنَّ أُبَيّ بْن كَعْب لَمَّا حَضَرَ الْوَلِيمَة وَهُوَ صَائِم أَثْنَى وَدَعَا " ........ وَعِنْد أَبِي عَوَانَة: " كَانَ اِبْن عُمَر إِذَا دُعِيَ آجَابَ , فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا أَكَلَ , وَإِنْ كَانَ صَائِمًا دَعَا لَهُمْ وَبَرَّكَ ثُمَّ اِنْصَرَفَ ".
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/305)
وَهَلْ يُسْتَحَبّ لَهُ أَنْ يُفْطِر إِنْ كَانَ صَوْمه تَطَوُّعًا؟ قَالَ أَكْثَر الشَّافِعِيَّة وَبَعْض الْحَنَابِلَة: إِنْ كَانَ يَشُقّ عَلَى صَاحِب الدَّعْوَة صَوْمه فَالْأَفْضَل الْفِطْر وَإِلَّا فَالصَّوْم , وَأَطْلَقَ الرُّويَانِيّ وَابْن الْفَرَّاء اِسْتِحْبَاب الْفِطْر , وَيَبْعُد إِطْلَاق اِسْتِحْبَاب الْفِطْر مَعَ وُجُود الْخِلَاف وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ وَقْت الْإِفْطَار قَدْ قَرُبَ، وَيُؤْخَذ مِنْ فِعْل اِبْن عُمَر أَنَّ الصَّوْم لَيْسَ عُذْرًا فِي تَرْك الْإِجَابَة وَلَا سِيَّمَا مَعَ وُرُود الْأَمْر لِلصَّائِمِ بِالْحُضُورِ وَالدُّعَاء , نَعَمْ لَوْ اِعْتَذَرَ بِهِ الْمَدْعُوّ فَقَبِلَ الدَّاعِي عُذْره لِكَوْنِهِ يَشُقّ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَأْكُل إِذَا حَضَرَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي التَّأَخُّر.
وَوَقَعَ فِي حَدِيث جَابِر عِنْد مُسْلِم " إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى طَعَام فَلْيُجِبْ , فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَك " ................ قَالَ النَّوَوِيّ: وَتُحْمَل رِوَايَة جَابِر عَلَى مَنْ كَانَ صَائِمًا , وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة اِبْن مَاجَهْ فِيهِ بِلَفْظِ " مَنْ دُعِيَ إِلَى طَعَام وَهُوَ صَائِم فَلْيُجِبْ , فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ " وَيَتَعَيَّن حَمْله عَلَى مَنْ كَانَ صَائِمًا نَفْلًا , وَيَكُون فِيهِ حُجَّة لِمَنْ اِسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَخْرُج مِنْ صِيَامه لِذَلِكَ , وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَط " عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ " دَعَا رَجُل إِلَى طَعَام , فَقَالَ رَجُل: إِنِّي صَائِم , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعَاكُمْ أَخَاكُمْ وَتَكَلَّفَ لَكُمْ , أَفْطِرْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانه إِنْ شِئْت " [سبق تخريجه] .... وَاللَّهُ أَعْلَم.أ. هـ
وأخرج البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ قَالَ:" أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ فَإِنِّي صَائِمٌ ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ فَدَعَا لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا .. "
[البخاري - كتاب الصوم - باب من زار قوما فلم يفطر عندهم]
ومما يستفاد من الحديث أن للصائم المتطوع إذا زار قوما , و قدموا له طعاما أن لا يفطر , و لكن يدعو لهم بخير. (ذكره الالبانى فى الصحيحة)
?فصل فى بيان ما يستحب صومه من الايام?
س: ما الذى يستحب صومه من الأيام؟
الجواب:
1 - إتباع رمضان بصيام ست من شوال:
بوب مسلم فى كتاب الصيام - بَاب اسْتِحْبَابِ صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ إِتْبَاعًا لِرَمَضَانَ
واور فيه عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ"
قال النووى فى الشرح:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَان ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْر) فِيهِ دَلَالَة صَرِيحَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد وَمُوَافِقَيْهِمْ فِي اِسْتِحْبَاب صَوْم هَذِهِ السِّتَّة , وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة: يُكْرَه ذَلِكَ , قَالَ مَالِك فِي الْمُوَطَّإِ: مَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْم يَصُومهَا , قَالُوا: فَيُكْرَهُ ; لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ. وَدَلِيل الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح الصَّرِيح , وَإِذَا ثَبَتَتْ السُّنَّة لَا تُتْرَكُ لِتَرْكِ بَعْضِ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ أَوْ كُلِّهِمْ لَهَا , وَقَوْلهمْ: قَدْ يُظَنّ وُجُوبهَا , يُنْتَقَض بِصَوْمِ عَرَفَة وَعَاشُورَاء وَغَيْرهمَا مِنْ الصَّوْم الْمَنْدُوب. قَالَ أَصْحَابنَا: وَالْأَفْضَل أَنْ تُصَامَ السِّتَّةُ مُتَوَالِيَةً عَقِبَ يَوْم الْفِطْرِ , فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/306)
أَخَّرَهَا عَنْ أَوَائِل شَوَّال إِلَى أَوَاخِره حَصَلَتْ فَضِيلَة الْمُتَابَعَةُ ; لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال , قَالَ الْعُلَمَاء: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَصِيَامِ الدَّهْر ; لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا , فَرَمَضَانُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ , وَالسِّتَّة بِشَهْرَيْنِ. أ.هـ
قَالَ أَبُو عِيسَى - الترمذى - حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ اسْتَحَبَّ قَوْمٌ صِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ هُوَ حَسَنٌ هُوَ مِثْلُ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَيُرْوَى فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ وَيُلْحَقُ هَذَا الصِّيَامُ بِرَمَضَانَ وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنْ تَكُونَ سِتَّةَ أَيَّامٍ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ إِنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ مُتَفَرِّقًا فَهُوَ جَائِزٌ. [الترمذى - كتاب الصوم - باب ما جاء فى صيام ستة ايام من شوال]
قال المباركفوري فى تحفة الاحوذى:
قُلْت: قَوْلُ مَنْ قَالَ بِكَرَاهَةِ صَوْمِ هَذِهِ السِّتَّةِ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ , وَلِذَلِكَ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ: بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ اِبْنُ الْهُمَامِ: صَوْمُ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهُ , وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا اِنْتَهَى. أ.هـ
2 - صيام عاشوراء كفارة سنة ويوم عرفة كفارة سنتين:
عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم وهذا قول وسعيد ابن المسيب والحسن، وأما يوم عرفة فهو اليوم التاسع من ذي الحجة سمي بذلك لأن الوقوف بعرفة فيه ........... وهو يوم شريف عظيم وعيد كريم وفضلة كبير وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أن صيامه يكفر سنتين.
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ". [مسلم - كتاب الصيام - باب استحباب صيام ثلاثة ايام من كل شهر]
قال النووى فى الشرح:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صِيَام يَوْم عَرَفَة أَحْتُسِبَ عَلَى اللَّه أَنْ يُكَفِّر السَّنَة الَّتِي قَبْلَهُ , وَالسَّنَة الَّتِي بَعْده) مَعْنَاهُ: يُكَفِّر ذُنُوب صَائِمه فِي السَّنَتَيْنِ , قَالُوا: وَالْمُرَاد بِهَا الصَّغَائِر، وإِنْ لَمْ تَكُنْ صَغَائِرُ يُرْجَى التَّخْفِيف مِنْ الْكَبَائِر , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُفِعَتْ دَرَجَات.أ. هـ
وعن ابن عباس قال حين صام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمرنا بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم". [أخرجه أبو داود (2445) قال الألباني: صحيح]
ولذلك يستحب صوم التاسع والعاشر نص عليه أحمد وهو قول إسحاق قال أحمد: فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر.
ولا يستحب لمن كان بعرفة أن يصومه ليتقوى على الدعاء، وأكثر أهل العلم يستحبون الفطر يوم عرفة بعرفة، ولأن الصوم يضعفه ويمنعه الدعاء في هذا اليوم المعظم الذي يستجاب فيه الدعاء في ذلك الموقف الشريف الذي يُقصد من كل فج عميق رجاء فضل الله فيه وإجابة دعائه به، فكان تركه أفضل ...... و قال ابن عمر:" حججت مع النبي صلى الله عليه و سلم فلم يصمه يعني يوم عرفة ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه". [قال الألباني: صحيح، أنظر صحيح أبي داود (2109)]
3 - صيام شهر الله المحرم:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/307)
فى الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ". [مسلم - كتاب الصيام - بَاب فَضْلِ صَوْمِ الْمُحَرَّمِ]
قال النووى فى الشرح:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفْضَل الصِّيَام بَعْد رَمَضَان شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم) تَصْرِيح بِأَنَّهُ أَفْضَل الشُّهُور لِلصَّوْمِ , وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَاب عَنْ إِكْثَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَوْم شَعْبَان دُون الْمُحْرِم , وَذَكَرنَا فِيهِ جَوَابَيْنِ: أَحَدهمَا: لَعَلَّهُ إِنَّمَا عَلِمَ فَضْلَهُ فِي آخِر حَيَاته , وَالثَّانِي: لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِض فِيهِ أَعْذَار , مَنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. أ.هـ
4 - صيام شعبان:
فى الحديث عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إلَّا شَعْبَانَ يَصِلُ بِهِ رَمَضَانَ". [أبو داود (2336) قال الألباني: صحيح]
واخرج النسائى عن عائشة:" قالت لقد كانت إحدانا تفطر في رمضان فما تقدر على أن تقضي حتى يدخل شعبان وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في شهر ما يصوم في شعبان كان يصومه كله إلا قليلا بل كان يصومه كله".
[قال الألباني: صحيح، التعليق الرغيب (2/ 80)]
وعن عائشة أنها قالت:" ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان كان يصومه إلا قليلا بل كان يصومه كله ". [قال الألباني: صحيح، ابن ماجة (1648)]
وفى الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ ". [البخاري - كتاب الصوم - باب صوم شعبان]
ويبين تعليل اكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام فى شعبان ما أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ عَنْ أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ " قُلْت يَا رَسُول اللَّه لَمْ أَرَك تَصُومُ مِنْ شَهْر مِنْ الشُّهُور مَا تَصُوم مِنْ شَعْبَان , قَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَان , وَهُوَ شَهْر تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَال إِلَى رَبّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ " وَنَحْوُهُ مِنْ حَدِيث عَائِشَة عِنْد أَبِي يَعْلَى لَكِنْ قَالَ فِيهِ " إِنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ كُلَّ نَفْسٍ مَيِّتَةٍ تِلْكَ السَّنَةَ , فَأُحِبُّ أَنْ يَأْتِيَنِي أَجَلِي وَأَنَا صَائِم " وَلَا تَعَارُضَ بَيْن هَذَا وَبَيْن مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيث فِي النَّهْي عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْم أَوْ يَوْمَيْنِ , وَكَذَا مَا جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْ صَوْم نِصْف شَعْبَانَ الثَّانِي , فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ بِأَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى مَنْ لَمْ يَدْخُلْ تِلْكَ الْأَيَّام فِي صِيَامٍ اِعْتَادَهُ. أ.هـ[ذكره ابن حجر فى شرح البخاري]
قال الشوكانى:
أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ تَارَةً، وَيَصُومُ مُعْظَمَهُ أُخْرَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ وَاجِبٌ كُلَّهُ كَرَمَضَانَ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهَا: " كُلَّهُ " أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ مِنْ أَوَّلِهِ تَارَةً وَمِنْ آخِرِهِ أُخْرَى، وَمِنْ أَثْنَائِهِ طَوْرًا فَلَا يُخَلِّي شَيْئًا مِنْهُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا يَخُصُّ بَعْضًا مِنْهُ بِصِيَامٍ دُونَ بَعْضٍ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/308)
وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: إمَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ عَائِشَةَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَالْمُرَادُ الْأَكْثَرُ، وَإِمَّا أَنْ يُجْمَعَ بِأَنَّ قَوْلَهَا: " إنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ " مُتَأَخِّرٌ عَنْ قَوْلِهَا: " إنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَكْثَرَهُ " وَأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ أَخْبَرَتْ عَنْ آخِرِهِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهَا: " وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ غَيْرَ رَمَضَانَ " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.أ. هـ[نيل الأوطار - (ج 7 / ص 149)]
ملحوظة:
أخرج ابو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا". [قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 397 في صحيح الجامع].
قال فى عون المعبود:
قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح: قَالَ الْقُرْطُبِيّ لَا تَعَارُض بَيْن حَدِيث النَّهْي عَنْ صَوْم نِصْف شَعْبَان الثَّانِي وَالنَّهْي عَنْ تُقَدَّم رَمَضَان بِصَوْمِ يَوْم أَوْ يَوْمَيْنِ وَبَيْن وِصَال شَعْبَان بِرَمَضَان وَالْجَمْع مُمْكِن بِأَنْ يُحْمَل النَّهْي عَلَى مَنْ لَيْسَتْ لَهُ عَادَة بِذَلِكَ وَيُحْمَل الْأَمْر عَلَى مَنْ لَهُ عَادَة حَمْلًا لِلْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ عَلَى مُلَازَمَة عَادَة الْخَيْر حَتَّى لَا يَقْطَع اِنْتَهَى مُلَخَّصًا. أ.هـ
قال ابن القيم فى تعليقاته على ابى داود:
وَأَمَّا ظَنُّ مُعَارَضَته بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى صِيَام شَعْبَان , فَلَا مُعَارَضَة بَيْنهمَا , وَإِنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيث تَدُلّ عَلَى صَوْم نِصْفه مَعَ مَا قَبْله , وَعَلَى الصَّوْم الْمُعْتَاد فِي النِّصْف الثَّانِي , وَحَدِيث الْعَلَاء يَدُلّ عَلَى الْمَنْع مِنْ تَعَمُّد الصَّوْم بَعْد النِّصْف , لَا لِعَادَةٍ , وَلَا مُضَافًا إِلَى مَا قَبْله , وَيَشْهَد لَهُ حَدِيث التَّقَدُّم. أ.هـ
(قلت: حديث التقدم " لاتقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين ")
5 - صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع:
أخرج الترمذى عن عائشة قالت:" كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم الاثنين والخميس". [قال الألباني: صحيح، ابن ماجة (1739)]
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم". [قال الألباني: صحيح، الإرواء (949)]
وأخرج الترمذى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر فيهما لمن لا يشرك بالله شيئا إلا المهتجرين يقال ردوا هذين حتى يصطلحا" (وفى لفظ " ذروا"). [قال الألباني: صحيح، الإرواء (3/ 105)]
وعند ابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين والخميس فقيل يا رسول الله إنك تصوم الاثنين والخميس فقال:" إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا مهتجرين يقول دعهما حتى يصطلحا". [قال الألباني: صحيح، التعليق على الترغيب (2/ 84 - 85)]
6 - صوم الايام البيض:
بوب البخاري فى كتاب الصوم - باب صيام أيام البيض ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ .....
وأورد فيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" بِثَلَاثٍ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ"
وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ فَقُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَلَا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَإِنَّ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/309)
ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ ... ". [البخارى - كتاب الصوم - باب حق الجسم فى الصوم]
وعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَال سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا صُمْتَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ ". [الترمذى كتاب - الصوم - باب ما جاء فى صيام ثلاثة ايام من كل شهر - قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 102: حسن].
وفى الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:" صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر و هي أيام البيض: صبيحة ثلاث عشرة و أربع عشرة و خمس عشرة ". [قال الألباني (حسن) انظر حديث رقم: 3849 في صحيح الجامع].
وأخرج أبو داود عن ابن ملحان القيسي عن أبيه قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة قال وقال هن كهيئة الدهر". [قال الألباني: صحيح (2449)]
وفى الحديث عن أبي ذر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن كنت صائما فعليك بالغر البيض: ثلاث عشرة و أربع عشرة و خمس عشرة ". [قال الألباني (حسن) انظر حديث رقم: 1435 في صحيح الجامع].
وعن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم:" كان لا يدع صوم أيام البيض في سفر و لا حضر". [قال الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 4848 في صحيح الجامع].
7 - العشر من ذى الحجة:
ذهب بعض أهل العلم الى أن صيام التسع الاولى من ذى الحجة مستحب وذلك لما رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: " أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِيَامُ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرِ، وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَالرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ ". [هذا الحديث ضعيف لايصح قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 111: ضعيف].
وقال أخرون مع هؤلاء َقَدْ وردت أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعَمَلِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى الْعُمُومِ، وَالصَّوْمُ مُنْدَرِجٌ تَحْتِهَا.
ولكن أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:" مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ ". [مسلم - كتاب الصيام - باب صيام العشر من ذى الحجة]
قال النووى فى الشرح:
(بَاب صَوْم عَشْر ذِي الْحِجَّة) فِيهِ قَوْل عَائِشَة: (مَا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْر قَطُّ) وَفِي رِوَايَة: (لَمْ يَصُمْ الْعَشْر) قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا الْحَدِيث مِمَّا يُوهِم كَرَاهَة صَوْم الْعَشَرَة , وَالْمُرَاد بِالْعَشْرِ هُنَا: الْأَيَّام التِّسْعَة مِنْ أَوَّل ذِي الْحِجَّة , قَالُوا: وَهَذَا مِمَّا يُتَأَوَّل فَلَيْسَ فِي صَوْم هَذِهِ التِّسْعَة كَرَاهَة , بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّة اِسْتِحْبَابًا شَدِيدًا لَا سِيَّمَا التَّاسِع مِنْهَا , وَهُوَ يَوْم عَرَفَة , وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيث فِي فَضْله , وَثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ: أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ أَيَّام الْعَمَل الصَّالِح فِيهَا أَفْضَل مِنْهُ فِي هَذِهِ " - يَعْنِي: الْعَشْر الْأَوَائِل مِنْ ذِي الْحِجَّة -. فَيَتَأَوَّل قَوْلهَا: لَمْ يَصُمْ الْعَشْر , أَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ لِعَارِضِ مَرَض أَوْ سَفَر أَوْ غَيْرهمَا , أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ صَائِمًا فِيهِ , وَلَا يَلْزَم عَنْ ذَلِكَ عَدَم صِيَامه فِي نَفْس الْأَمْر. وَيَدُلّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل حَدِيث هُنَيْدَة بْن خَالِد عَنْ اِمْرَأَته عَنْ بَعْض أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم تِسْع ذِي الْحِجَّة , وَيَوْم عَاشُورَاء , وَثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر: الِاثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْر وَالْخَمِيس وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أ. هـ
قلت: حديث هنيده بن خالد (قال الالبانى: ضعيف). [انظر حديث رقم: 4570 في ضعيف الجامع].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/310)
?فصل فى بيان علاقة الاعتكاف بالصيام?
س: هل يصح الاعتكاف بلا صيام ام يلزم ان يكون المعتكف صائما؟
الجواب:
بوب البخاري فى كتاب الاعتكاف - باب من لم ير عليه صوم اذا اعتكف:
واخرج فيه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ:" لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ نَذْرَكَ فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً"
وأخرجه مسلم فى كتاب الايمان وقال النووى فى الشرح:
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: دَلَالَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ فِي صِحَّة الِاعْتِكَاف بِغَيْرِ صَوْم , وَفِي صِحَّته بِاللَّيْلِ كَمَا يَصِحّ بِالنَّهَارِ. سَوَاء كَانَتْ لَيْلَة وَاحِدَة أَوْ بَعْضهَا , أَوْ أَكْثَر , وَدَلِيله حَدِيث عُمَر هَذَا.
هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذِر , وَهُوَ أَصَحّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر: وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود , وَقَالَ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَالزُّهْرِيّ وَمَالِك وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق فِي رِوَايَة عَنْهُمَا: لَا يَصِحّ إِلَّا بِصَوْمٍ , وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْعُلَمَاء. أ.هـ
وأخرج البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً فَأَذِنَتْ لَهَا فَضَرَبَتْ خِبَاءً فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الْأَخْبِيَةَ فَقَالَ مَا هَذَا فَأُخْبِرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ
[البخاري - كتاب الاعتكاف - باب اعتكاف النساء]
قال ابن حجر فى الشرح:
قَوْله: (فَتَرَكَ الِاعْتِكَاف ذَلِكَ الشَّهْر , ثُمَّ اِعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّال) فِي رِوَايَة " فَرَجَعَ فَلَمَّا أَنْ اِعْتَكَفَ " وَفِي رِوَايَة " فَلَمْ يَعْتَكِف فِي رَمَضَان حَتَّى اِعْتَكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْر مِنْ شَوَّال " وَفِي رِوَايَة " فَلَمْ يَعْتَكِف فِي رَمَضَان حَتَّى اِعْتَكَفَ فِي الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال " , قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: فِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز الِاعْتِكَاف بِغَيْرِ صَوْم , لِأَنَّ أَوَّل شَوَّال هُوَ يَوْم الْفِطْر وَصَوْمه حَرَام. أ. هـ
قلت: فالأدلة تدل ان الاعتكاف لايشترط له الصيام بالرغم من ان اشتراط الصيام قول كثير من اهل العلم فتنبه!!!
***********
خاتمة
هذا وبالله تعالى السداد والتوفيق، وهو الهادى الى الرشاد والى الحق المبين، فهذا الذى بين يديك أخى القارئ الكريم جهد المقل، ومن لابضاعة له الا الاخذ عن السابقين - ان استطاع - فإن وجدت خيرا فمن الله وحده وبتوفيقه وهدايته وارشاده، وما وجدت غير ذلك فمنى ومن هوى نفسى وجهلها ومن الشيطان - عياذا بالله منه - وبعد أخى الحبيب أينما كنت وأياً كنت، ان وجدت خيرا فاحمد وادعوالله بالقبول والاجر الوفير، وإن وجدت غير ذلك فأستر وانصح وسل الله العفو والمغفرة والهداية للخير والبعد عن الغى والضلال، أعاذنا الله من الغى والضلال فى الدنيا والأحرة .... آمين
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد الا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
الفقير الى رحمة الله تعالى
وكتبه راجى عفو ربه الغفور
د / السيد العربى بن كمال
(أبو محمد وابراهيم)
دكتور بمركز البحوث الزراعية
ـ[حامد الحنبلي]ــــــــ[28 - 10 - 07, 12:29 ص]ـ
جزاكم الله خيراً يا شيخنا ونفع بكم في المشارق والمغارب(84/311)
كتاب: فتح الوهاب فى بيان أحكام الصيام سؤال وجواب .. نسخة معدلة
ـ[السيد العربي]ــــــــ[04 - 09 - 07, 06:03 ص]ـ
نحو تصور إسلامى صحيح: (12)
فتح الوهاب
فى بيان أحكام الصيام
سؤال وجواب
جمع وترتيب
د / السيد العربي بن كمال
غفر الله له ووالديه وأهله أجمعين
الناشر
دار أولاد الشيخ للتراث
الجيزة – مصر
?
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَسْتَعِينهُ وَنَسْتَغِفُرهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِل فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدهُ وَرَسُولهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدي السَّاعَةِ، وَمَن يُطِع الله وَرَسُولَه فَقَد رَشَد، و مَنْ يَعْصِ الله ورَسُولَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُر إِلَّا نَفْسَه وَلَا يَضُر الله شَيْئًا.
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ? [آل عمران: 102].
?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا? [النساء: 1].
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ? يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ? [الأحزاب: 70 - 71].
أمَّا بَعْدُ:
فهذه بعض احكام الصيام اجتهدت فى جمعها على وجه من الدقة بغير إطالة ولا إسهاب فى عرض الخلافات - الا ما دعت الحاجة اليه – وقد حاولت تغطية معظم احكام الصيام , وقد نظمتها فى صورة سؤال وجواب ليسهل تعلمها والعمل بها , وقد جمعت المادة من مظانها كل بحسب مذهبه فضلا عن الكتب الجامعة للمذاهب على اختلاف طرقها، وقد احيل الى المصدر الذى اورد منه النقل وقد اُخّلِّط بين النقولات من مصادر مختلفه للتتألف العبارات وتأتلف، وقد حاولت الاختصار والاقتصار على ما يغلب على الظن انه الراجح بذكر، وذلك بذكر الحكم وما يدل عليه من دليل مع نسبة القول الى صاحبه أو أصحابه , وقد تذكر الأقوال الاخرى للعلم والتعلم والتنبيه على انه قول معتبر ثابت موجود فى مذاهب اهل العلم , وانه من جملة أقوال السلف فى تلك المسائل المذكوره، وحرصت على تتبع كلام اهل العلم - على اختلاف مذاهبهم – فى مظانها ومجامع أقوالهم ومذاهبهم، بحيث اجيب على كل سؤال على السنتهم يعنى بإيراد نص كلامهم او نحوه، حتى اربط المتعلم والقارئ بكلام اهل العلم وكلام السلف وبعبارتهم، لانها اجمع واحسن وابين من كلامى , وقد اهتممت بتتبع الادله الصحيحه وخرجتها ما استطعت الى ذلك سبيلا، اذكر للحديث موضع واحد فى المصدر الواحد كالبخاري مثلا وان كان للحديث فى هذا المصدر عدة مواضع، أو مخرج فى مصادر شتى , هذا وقد أسميته " فتح الوهاب فى بيان احكام الصيام سؤال وجواب " .... وبالله تعالى السداد والتوفيق.
?فصل فى تعريف الصيام وبيان حكمته?
س: ما هو تعريف الصيام؟
الجواب:
قال ابو حيان:
الصيام والصوم مصدران لصامَ، والعرب تسمي كل ممسك صائماً، ومنه الصوم في الكلام " إني نذرت للرحمن صوماً " أي سكوتاً في الكلام، وصامت الريح: أمسكت عن الهبوب، والدابة: أمسكت عن الأكل والجري.
[تفسير البحر المحيط - (آية البقرة - 183)]
قال الصنعانى: [سبل السلام - (ج 3 / ص 292)]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/312)
الصِّيَامُ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَفِي الشَّرْعِ إمْسَاكٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَغَيْرِهِمَا – على وجه التعبد - مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ فِي النَّهَارِ - من طلوع الفجر إلى غروب الشمس - عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَيَتْبَعُ ذَلِكَ الْإِمْسَاكُ عَنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكَلَامِ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ لِوُرُودِ الْأَحَادِيثِ بِالنَّهْيِ عَنْهَا فِي الصَّوْمِ زِيَادَةً عَلَى غَيْرِهِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ بِشُرُوطٍ مَخْصُوصَةٍ.
قال ابن قدامة: [المغني - (ج 6 / ص 31)]
والصوم المشروع هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس .... ... ويدل على ذلك قول الله تعالى:" وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) [البقرة/187] يعني بياض النهار من سواد الليل وهذا يحصل بطلوع الفجر قال ابن عبد البر في قول النبي صلى الله عليه و سلم:" إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " دليل على أن الخيط الأبيض هو الصباح وأن السحور لا يكون إلا قبل الفجر وهذا إجماع لم يخالف فيه الا الأعمش وحده فشذ ولم يعرج أحد على قوله والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس قال: هذا قول جماعة علماء المسلمين. أ.هـ
س: ما هى حكمة الصيام؟
الجواب:
قال العلماء تتجلّى حكمة الصّوم فيما يلي:
أ - أنّ الصّوم وسيلة إلى شكر النّعمة، إذ هو كفّ النّفس عن الأكل والشّرب والجماع، وإنّها من أجلّ النّعم وأعلاها، والامتناع عنها زماناً معتبراً يعرّف قدرها، إذ النّعم مجهولة، فإذا فقدت عرفت، فيحمله ذلك على قضاء حقّها بالشّكر، وشكر النّعم فرضٌ عقلاً وشرعاً، وإليه أشار الرّبّ سبحانه وتعالى بقوله في آية الصّيام: «وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» 185 البقرة.
ب - أنّ الصّوم وسيلة إلى التّقوى، لأنّه إذا انقادت نفس للامتناع عن الحلال طمعاً في مرضاة اللّه تعالى، وخوفاً من أليم عقابه، فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصّوم سبباً لاتّقاء محارم اللّه تعالى، وإنّه فرض، وإليه وقعت الإشارة بقوله تعالى في آخر آية الصّوم «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» 183 البقرة.
ج - أنّ في الصّوم قهر الطّبع وكسر الشّهوة، لأنّ النّفس إذا شبعت تمنّت الشّهوات، وإذا جاعت امتنعت عمّا تهوى، ولذا قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشّباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوّج، فإنّه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم، فإنّه له وجاء» [البخاري - كتاب الصوم - باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبه] فكان الصّوم ذريعةً إلى الامتناع عن المعاصي.
د - أنّ الصّوم موجب للرّحمة والعطف على المساكين، فإنّ الصّائم إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات، ذكر مَن هذا حاله في جميع الأوقات، فتسارع إليه الرّقّة عليه، والرّحمة به، بالإحسان إليه، فينال بذلك ما عند اللّه تعالى من حسن الجزاء.
هـ - في الصّوم موافقة الفقراء، بتحمّل ما يتحمّلون أحياناً، وفي ذلك رفع حاله عند اللّه تعالى.
و - في الصّوم قهر للشّيطان، فإنّ وسيلته إلى الإضلال والإغواء: الشّهوات، وإنّما تقوى الشّهوات بالأكل والشّرب، ولذلك جاء في حديث صفيّة رضي الله عنها قوله - عليه الصلاة والسلام -: «إنّ الشّيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدّم، فضيّقوا مجاريه بالجوع» [متفق عليه من حديث صفية دون قوله " فضيقوا مجاريه بالجوع]
?فصل فى بيان فضل الصيام وحكمه?
س: ما هو فضل الصيام؟
الجواب:
وردت احاديث كثيرة تبين فضل الصيام منها:
ما اخرجه النسائى عن أبى أمامة قال: قلت يارسول الله: مرنى بأمر آخذه عنك , قال: " عليك بالصوم فإنه لا مثل له ". و فى رواية:" لا عدل له" [قال الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 4044 في صحيح الجامع].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/313)
ومنها ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا" [البخاري - كتاب الصوم - باب فضل الصوم]
وعنه ايضا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ قَالَ:" لِكُلِّ عَمَلٍ كَفَّارَةٌ وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ" [البخاري – كتاب التوحيد - باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته]
قال صاحب طرح التثريب: [(ج 5 / ص 44)]
ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى {قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى:" الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ" مَعَ كَوْنِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا لَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجْزِي بِهَا أَقْوَالًا:
أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الرِّيَاءُ كَمَا يُمْكِنُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ كَفٌّ وَإِمْسَاكٌ وَحَالُ الْمُمْسِكِ شِبَعًا أَوْ فَاقَةً كَحَالِ الْمُمْسِكِ تَقَرُّبًا وَإِنَّمَا الْقَصْدُ وَمَا يُبْطِنُهُ الْقَلْبُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ وَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ وَالزَّكَاةُ أَعْمَالٌ بَدَنِيَّةٌ ظَاهِرَةٌ يُمْكِنُ فِيهَا الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ فَلِذَلِكَ خَصَّ الصَّوْمَ بِمَا ذَكَرَهُ دُونَهَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ.
ثَانِيهَا: قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ حِكَايَتِهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَازِرِيِّ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنَا أَتَوَلَّى جَزَاءَهُ إذْ لَا يَظْهَرُ فَتَكْتُبُهُ الْحَفَظَةُ إذْ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ نِيَّةٌ وَإِمْسَاكٌ فَأَنَا أُجَازِي بِهِ مِنْ التَّضْعِيفِ فِي جَزَائِهِ عَلَى مَا أُحِبُّ ........ وَقَال الْقَاضِي بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ وَقِيلَ:" لِي" أَيُّ الْمُنْفَرِدِ يَعْلَمُ مِقْدَارَ ثَوَابِهِ وَتَضْعِيفَ حَسَنَاتِهِ كَمَا قَالَ {وَأَنَا أَجْزِي بِهِ} قَالَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ اطَّلَعْت عَلَى مَقَادِيرِ أُجُورِهَا كَمَا قَالَ:" كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا" .... الْحَدِيثَ، وَالصَّوْمُ مَوْكُولٌ إلَى سَعَةِ جُودِهِ وَغَيْبِ عِلْمِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:" إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ".
ثَالِثُهَا: قَالَ الْقَاضِي أَيْضًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ (لِي) أَيْ لَيْسَ لِلصَّائِمِ فِيهِ حَظٌّ ...... وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:" كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ "، فَاسْتَثْنَى الصِّيَامَ مِنْ كَوْنِ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ.
رابعها: ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي مَعْنَى إضَافَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الصَّائِمَ عَلَى صِفَةِ مَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَرْكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالشَّهَوَاتِ. أ.هـ
قال ابن حجر فى فتح الباري ما ملخصه:
قَوْله: (الصِّيَام جُنَّة) وفى روايه " جُنَّة مِنْ النَّار "
وَمِنْ حَدِيث عُثْمَان بْن أَبِي الْعَاص " الصِّيَام جُنَّة كَجُنَّةِ أَحَدكُمْ مِنْ الْقِتَال " وَلِأَحْمَد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " جُنَّة وَحِصْن حَصِين مِنْ النَّار "
وَمِنْ حَدِيث أَبِي عُبَيْدَة بْنِ الْجَرَّاح " الصِّيَام جُنَّة مَا لَمْ يَخْرِقهَا "
وَالْجُنَّة: بِضَمِّ الْجِيم الْوِقَايَة وَالسَّتْر. وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذِهِ الرِّوَايَات مُتَعَلَّق هَذَا السَّتْر وَأَنَّهُ مِنْ النَّار , وَبِهَذَا جَزَمَ اِبْن عَبْد الْبَرّ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/314)
وَأَمَّا صَاحِب " النِّهَايَة " فَقَالَ: مَعْنَى كَوْنه جُنَّة أَيْ يَقِي صَاحِبه مَا يُؤْذِيه مِنْ الشَّهَوَات.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: جُنَّة أَيْ سُتْرَة , يَعْنِي بِحَسَبِ مَشْرُوعِيَّته , فَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَصُونَهُ مِمَّا يُفْسِدهُ وَيَنْقُص ثَوَابه , وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ " فَإِذَا كَانَ يَوْم صَوْم أَحَدكُمْ فَلَا يَرْفُث إِلَخْ ".
وَيَصِحّ أَنْ يُرَاد أَنَّهُ سُتْرَة بِحَسَبِ فَائِدَته وَهُوَ إِضْعَاف شَهَوَات النَّفْس , وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ " يَدَع شَهْوَته إِلَخْ ".
وَيَصِحّ أَنْ يُرَاد أَنَّهُ سُتْرَة بِحَسَبِ مَا يَحْصُل مِنْ الثَّوَاب وَتَضْعِيف الْحَسَنَات.
وَقَالَ عِيَاض فِي " الْإِكْمَال ": مَعْنَاهُ سُتْرَة مِنْ الْآثَام أَوْ مِنْ النَّار أَوْ مِنْ جَمِيع ذَلِكَ , وَبِالْأَخِيرِ جَزَمَ النَّوَوِيّ.
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: إِنَّمَا كَانَ الصَّوْم جُنَّة مِنْ النَّار لِأَنَّهُ إِمْسَاك عَنْ الشَّهَوَات , وَالنَّار مَحْفُوفَة بِالشَّهَوَاتِ. فَالْحَاصِل أَنَّهُ إِذَا كَفّ نَفْسه عَنْ الشَّهَوَات فِي الدُّنْيَا كَانَ ذَلِكَ سَاتِرًا لَهُ مِنْ النَّار فِي الْآخِرَة.
وَأَشَارَ اِبْن عَبْد الْبَرّ إِلَى تَرْجِيح الصِّيَام عَلَى غَيْره مِنْ الْعِبَادَات فَقَالَ: حَسْبك بِكَوْنِ الصِّيَام جُنَّة مِنْ النَّار فَضْلًا. أ.هـ
س: ما هو حكم الصيام؟
الجواب:
الصيام ركن من اركان الاسلام وأحد مبانيه الخمس , قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) [البقرة/183] .... وفى الحديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ" [اخرجه البخاري كتاب الايمان باب بنى الاسلام على خمس] وقد اجمع العلماء على ركنية الصيام وفرضية صوم شهر رمضان.
والصيام منه فرض ومنه تطوع ... فمن الفرض صيام شهر رمضان، الذى بين شعبان وشوال، والتطوع له تفصيل يأتى إن شاء الله تعالى.
?فصل فى بيان مراحل الصيام فى التشريع ومتى فرض?
س: كيف كانت مراحل الصيام مع رسول الله ? حتى فرض؟
الجواب:
قال الطحاوى: [مشكل الآثار - (ج 1 / ص 275وما بعدها)]
وَأَمَّا أَحْوَالُ الصِّيَامِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَصَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَصَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَصَامَهَا كَذَا سِتَّةَ عَشْرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ " إلَى قَوْلِهِ:" فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ " وَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَأَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ " إلَى قَوْلِهِ:" فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ " وَإِلَى قَوْلِهِ:" يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ " فَفَرَضَهُ اللَّهُ وَأَثْبَتَ صِيَامَهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ وَرَخَّصَ فِيهِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ ثَبَتَ الْإِطْعَامُ لِلشَّيْخِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ صِيَامَهُ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ فَإِذَا نَامُوا امْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ فَجَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ صِرْمَةُ قَدْ ظَلَّ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَجَاءَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ وَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَطْعَمَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ وَقَدْ أَجْهَدَ فَقَالَ:" إنِّي أَرَاك قَدْ أُجْهِدْت فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ظَلِلْتُ يَوْمِي أَعْمَلُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/315)
فَجِئْت صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَنِمْت قَبْلَ أَنْ أَطْعَمَ وَجَاءَ عُمَرُ وَقَدْ أَصَابَ مِنْ النِّسَاءِ فَنَزَلَتْ هَذَا الْآيَةُ " أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ " إلَى قَوْلِهِ:" مِنْ الْفَجْرِ " فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إلَى آخِرِهِ.
وَجَاءَ عُمَرُ فَأَتَى أَهْلَهُ فَقَالَتْ إنَّهَا نَامَتْ فَظَنَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا اعْتَلَّتْ عَلَيْهِ فَوَاقَعَهَا فَأُخْبِرَ أَنَّهَا كَانَتْ نَامَتْ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ فِيهِ "عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ .... الْآيَةَ ". ا. هـ
قيل: كان في ابتداء الإسلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر واجبا، وصوم يوم عاشوراء فصاموا كذلك من الربيع إلى شهر رمضان سبعة عشر شهرا، ثم نسخ بصوم رمضان قال ابن عباس: أول ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة والصوم، ويقال: نزل صوم شهر رمضان قبل بدر بشهر وأيام، قال محمد بن إسحاق كانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشر ليلة خلت من شهر رمضان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة. [تفسير البغوى - دار طيبه - (البقرة - 184)]
ملحوظه:
كان صيام عاشوراء هو الصيام الواجب قبل نزول فرضية صوم شهر رمضان يدل على ذلك ما اخرجه البخاري من حديث خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ:" أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ قَالَتْ فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ". [البخاري - كتاب الصوم - باب صوم الصبيان]
قال ابن حجر فى فتح الباري: وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ عَاشُورَاء كَانَ فَرْضًا قَبْل أَنْ يُفْرَض رَمَضَانُ. أ.هـ
س: متى فرض الصيام؟
الجواب:
فرض صوم رمضان في السنة الثانية إجماعا فصام رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام تسع رمضانات إجماعا.
?فصل فى بيان انواع الصيام?
س: ما هى أنواع الصيام؟
الجواب:
ينقسم الصيام من حيث الوقت والزمن الى صيام له وقت معَّين (صوم عين) وصيام ليس له وقت وزمن معين (صوم دَيْن)
وصوم العين إمّا بتعيين اللّه تعالى، كصوم رمضان، وصوم التّطوّع خارج رمضان، لأنّ خارج رمضان متعيّن للنّفل شرعاً , وإمّا بتعيين العبد، كالصّوم المنذور به في وقت بعينه.
وأمّا صوم الدّين، كصوم قضاء رمضان، وصوم كفّارة القتل والظّهار واليمين , والإفطار في رمضان، وصوم متعة الحجّ، وصوم فدية الحلق، وصوم جزاء الصّيد، وصوم النّذر المطلق عن الوقت، وصوم اليمين، كمن قال: واللّه لأصومنّ شهراً.
وينقسم من حيث حكمه وانشغال الذمة به الى واجب وغير واجب ومختلف فى وجوبه.
فأما الواجب: مثل صوم رمضان , صوم كفّارة القتل الخطأ، وصوم كفّارة الظّهار، والصّوم المنذور به، وصوم كفّارة الجماع في نهار رمضان , صوم قضاء رمضان , الصّوم في كفّارة اليمين، وصوم النّذر المطلق، وصوم اليمين المطلقة , وصوم المتعة في الحجّ، وصوم كفّارة الحلق، وصوم جزاء الصّيد على المحرم، قال اللّه - عزّ وجلّ - في صوم المتعة: «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة/196]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/316)
وقال في كفّارة الحلق: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة/196]» وقال في جزاء الصّيد: «أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ " [المائدة – 95].
وغير الواجب (صوم التطوع) ومنه:
صوم يوم عاشوراء , صوم يوم عرفة , صوم يوم الاثنين والخميس من كلّ أسبوع , صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وهي الأيّام البيض , صيام ستّة أيّام من شوّال , صوم شهر شعبان , صوم شهر المحرّم , صيام ما ثبت طلبه والوعد عليه في السّنّة الشّريفة.
والمختلف فى وجوبه مثل:
قضاء ما أفسده من صوم النّفل , صوم الاعتكاف.
وينقسم من جهة اشتراط التتابع فى الاداء من عدمه الى:
صوم يشترط فيه التتابع ومنه:
صوم رمضان، فقد أمر اللّه تعالى بصوم الشّهر بقوله سبحانه: «فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» والشّهر متتابع، لتتابع أيّامه، فيكون صومه متتابعا ضرورةً.
صوم كفّارة القتل الخطأ، وصوم كفّارة الظّهار، والصّوم المنذور به في وقت بعينه، وصوم كفّارة الجماع في نهار رمضان.
صوم لا يجب فيه التّتابع ومنه:
قضاء رمضان، فمذهب الجمهور عدم اشتراط التّتابع فيه، لقوله تعالى: «فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» فإنّه ذكر الصّوم مطلقاً عن التّتابع.
ويروى عن جماعة من الصّحابة، منهم: عليّ، وابن عبّاس، وأبو سعيد، وعائشة، رضي الله تعالى عنهم أنّهم قالوا: إن شاء تابع، وإن شاء فرّق ..... ومذهب الجمهور هو: ندب التّتابع أو استحبابه للمسارعة إلى إسقاط الفرض.
الصّوم في كفّارة اليمين، وفي اشتراط تتابعه خلاف.
صوم المتعة في الحجّ، وصوم كفّارة الحلق، وصوم جزاء الصّيد، وصوم النّذر المطلق، وصوم اليمين المطلقة.
س: هل من الصوم ما هو محرم؟
الجواب:
1 - يوم الفطر ويوم الاضحى:
ذهب الجمهور إلى تحريم صوم يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى.
وذلك لأنّ هذه الأيّام منع صومها كما فى حديث أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ " نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ النَّحْر"ِ [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ:
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ صَامَهُمَا عَنْ نَذْرٍ؟ أَوْ تَطَوُّعٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهُمَا مُتَعَمِّدًا لِعَيْنِهِمَا.أ. هـ
2 - صوم الحائض والنفساء:
ومما يحرم من الصوم صيام الحائض والنّفساء، وصيام من يخاف على نفسه الهلاك بصومه.
ففى الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا" [البخارى - كتاب الصوم - بَاب الْحَائِضِ تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ]
وفى الحدبث عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ قُلْتُ لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ قَالَتْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ" [مسلم – كتاب الحيض - بَاب وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ دُونَ الصَّلَاةِ]
قال النووى فى الشرح:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/317)
هَذَا الْحُكْم مُتَّفَق عَلَيْهِ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْحَائِض وَالنُّفَسَاء لَا تَجِب عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَلَا الصَّوْم فِي الْحَال , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّلَاة , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّوْم. قَالَ الْعُلَمَاء وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الصَّلَاة كَثِيرَة مُتَكَرِّرَة فَيَشُقّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْم , فَإِنَّهُ يَجِب فِي السَّنَة مَرَّة وَاحِدَة , وَرُبَّمَا كَانَ الْحَيْض يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ. أ.هـ
وقال ابن حجر فى فتح الباري:
وَمِمَّا يُفَرَّق فِيهِ بَيْن الصَّوْم وَالصَّلَاة فِي حَقّ الْحَائِض أَنَّهَا لَوْ طَهُرَتْ قَبْل الْفَجْر وَنَوَتْ صَحَّ صَوْمهَا فِي قَوْل الْجُمْهُور وَلَا يُتَوَقَّف عَلَى الْغُسْل.
والحائض والنّفساء إذا طهرتا في أثناء النّهار، فالراجح أنّه لا يلزمهما الإمساك، ونقل الغزالى الاتّفاق عليه ..... (قلت فيه خلاف لكن المذكور هو الاصح لكن عليها ان تستتر بالافطار) .... ومما اتفقوا عليه ان صيام الحائض والنفساء - حال حيضهم – محرم وانهم ان صاموا لم يجزئهم وعليهم الاعادة وجوبا.
3 - أيام التشريق:
وأيّام التّشريق لحديث نبيشة الهذليّ - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «أيّام التّشريق أيّام أكل وشرب، وذكر اللّه - عزّ وجلّ». [ابو داود والنسائى - تحقيق الألباني: صحيح]
وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَيَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا مُؤْمِنٌ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ].
وحديث أبي هريرة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن حذافة أن يطوف في أيام منى: ألا لا تصوموا هذه الأيام , فإنها أيام أكل و شرب و ذكر الله ". [أخرجه الطحاوي و أحمد، واورده الالبانى فى الصحيحة]
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى تَحْرِيمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ.
قَالَ فِي ْفَتْحِ الباري: وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَأَبِي طَلْحَةَ مِنْ الصَّحَابَةِ الْجَوَازَ مُطْلَقًا.
وَعَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمَنْعَ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
واستثنى المالكيّة والحنابلة في رواية: صوم أيّام التّشريق عن دم المتعة والقران
وَعَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
وَلَهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا: الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى ".
4 - يوم الشّكّ:
وهو يوم الثّلاثين من شعبان إذا غمّ على النّاس فلم يروا الهلال اختصّ تحريم صيامه، لما رواه صلة بن زفر قال: كنّا عند عمّار في اليوم الّذي يشكّ فيه فأتى بشاة مصليّة، فتنحّى بعض القوم، فقال عمّار: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم.
قال فى كتاب الصوم من الشرح الممتع: [(ج 1 / ص 6)]
يحرم صومه لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: " لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه " وإن لم يكن يصوم صوماً فصام هذا اليوم الذي فيه شك فقد تقدم رمضان بيوم.
ولحديث عمار بن ياسر - رضي الله عنهما - الذي علقه البخاري، ووصله أصحاب السنن: " من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم "
وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: " الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " فقوله: " أكملوا العدة ثلاثين " أمر، والأصل في الأمر الوجوب، فإذا وجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً حرم صوم يوم الشك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/318)
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: " هلك المتنطعون " فإن هذا من باب التنطع في العبادة، والاحتياط لها في غير محله. أ.هـ
س: هل من الصيام ما هو مكروه؟
الجواب:
واما الصّوم المكروه، فيشمل ما يلي:
أ - إفراد يوم الجمعة بالصّوم:
نصّ على كراهته الجمهور، ويدل على ذلك الحديث المتفق عليه من حديث مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا: " أَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ ".
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ" [البخاري -كتاب الصوم - صَوْمُ يَوْمِ الْجُمْعَةِ، إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا يَوْم الْجُمْعَة فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ]
وَلِمُسْلِمٍ: " وَلَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ " [مسلم (1930)]
وعَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ أَصُمْتِ أَمْسِ قَالَتْ لَا قَالَ تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا قَالَتْ لَا قَالَ فَأَفْطِرِي" [البخارى (1850)]
قال ابن حجر فى فتح الباري:
قَوْله (لَا يَصُوم أَحَدكُمْ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ بِلَفْظِ النَّفْي وَالْمُرَاد بِهِ النَّهْي , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " لَا يَصُومَن " بِلَفْظِ النَّهْي الْمُؤَكَّدِ.
قَوْله: (إِلَّا يَوْمًا قَبْله أَوْ بَعْده) تَقْدِيره إِلَّا أَنْ يَصُوم يَوْمًا قَبْله ...... وَلِمُسْلِمٍ عَنْ الْأَعْمَش " لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَة إِلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْله أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ " ...... وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " لَا تَخُصُّوا لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَامٍ مِنْ بَيْن اللَّيَالِي , وَلَا تَخُصُّوا يَوْم الْجُمُعَة بِصِيَامٍ مِنْ بَيْن الْأَيَّام , إِلَّا أَنْ يَكُون فِي صَوْمٍ يَصُومهُ أَحَدُكُمْ " وَرَوَاهُ أَحْمَد عَنْ اِبْن سِيرِينَ بِلَفْظِ " نَهَى أَنْ يُفْرَدَ يَوْم الْجُمُعَة بِصَوْمٍ " ........ ثم قال:
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُقَيِّد النَّهْيَ الْمُطْلَق فِي حَدِيث جَابِر وَتُؤَيِّدُ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنْ تَقْيِيد الْإِطْلَاق بِالْإِفْرَادِ , وَيُؤْخَذ مِنْ الِاسْتِثْنَاء جَوَازُهُ لِمَنْ صَامَ قَبْله أَوْ بَعْده أَوْ اِتَّفَقَ وُقُوعُهُ فِي أَيَّامٍ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِهَا كَمَنْ يَصُوم أَيَّام الْبِيضِ أَوْ مَنْ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ عَرَفَةَ فَوَافَقَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ , وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ صَوْمِهِ لِمَنْ نَذَرَ يَوْم قُدُوم زَيْدٍ مَثَلًا أَوْ يَوْم شِفَاء فُلَانٍ. أ. هـ
ب - صوم يوم السّبت وحده خصوصاً:
وقد ورد فيه حديث عبد اللّه بن بسر، عن أخته، واسمها الصّمّاء رضي الله تعالى عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يوم السّبت إلاّ فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلاّ لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه» (اللِّحَاءُ: قِشْرُ الشَّجَرِ).
[والحديث أخرجه أخرجه أبو داود وقال هذا حديث منسوخ و الترمذى و الدارمى وابن ماجه وغيرهم ... وقال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 118: صحيح].
قال أبو عيسى هذا حديث حسن ومعنى كراهته في هذا أن يخص الرجل يوم السبت بصيام لأن اليهود تعظم يوم السبت.
قال الحافظ فى " بلوغ المرام " 1/ 139: رجاله ثقات , إلا أنه مضطرب , و قد أنكره مالك. و قال أبو داود: هو منسوخ.
قال الشوكانى:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/319)
وَقَدْ جَمَعَ صَاحِبُ الْبَدْرِ الْمُنِيرِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ: النَّهْيُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْإِفْرَادِ وَالصَّوْمِ بِاعْتِبَارِ انْضِمَامِ مَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ إلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ إذْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ صَامَ الْجُمُعَةَ أَنْ يَصُومَ السَّبْتَ بَعْدَهَا وَالْجَمْعُ مَهْمَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ.أ. هـ[نيل الأوطار - (ج 7 / ص 163)]
قال الالبانى: [الصحيحه: [5/ 522]
و اعلم أنه قد صح النهي عن صوم يوم السبت إلا في الفرض , و لم يستثن عليه الصلاة والسلام غيره , و هذا بظاهره مخالف لما تقدم من إباحة صيامه مع صيام يوم الجمعة , فإما أن يقال بتقديم الإباحة على النهي , و إما بتقديم النهي على الإباحة , و هذا هو الأرجح عندي
ووجه الكراهة أنّه يوم تعظّمه اليهود، ففي إفراده بالصّوم تشبّه بهم، إلاّ أن يوافق صومه بخصوصه يوماً اعتاد صومه، كيوم عرفة أو عاشوراء. أ.هـ
ج - صوم يوم الأحد بخصوصه:
ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ تعمّد صوم يوم الأحد بخصوصه مكروه، إلاّ إذا وافق يوماً كان يصومه، واستظهر ابن عابدين أنّ صوم السّبت والأحد معاً ليس فيه تشبّه باليهود والنّصارى، لأنّه لم تتّفق طائفة منهم على تعظيمهما، كما لو صام الأحد مع الاثنين، فإنّه تزول الكراهة، ويستظهر من نصّ الحنابلة أنّه يكره صيام كلّ عيد لليهود والنّصارى أو يوم يفردونه بالتّعظيم إلاّ أن يوافق عادةً للصّائم.
د - إفراد يوم النّيروز بالصّوم:
يكره إفراد يوم النّيروز، ويوم المهرجان بالصّوم، وذلك لأنّهما يومان يعظّمهما الكفّار، وهما عيدان للفرس، فيكون تخصيصهما بالصّوم - دون غيرهما - موافقةً لهم في تعظيمهما، فكره، كيوم السّبت.
وعلى قياس هذا كلّ عيد للكفّار، أو يوم يفردونه بالتّعظيم ونصّ ابن عابدين على أنّ الصّائم إذا قصد بصومه التّشبّه، كانت الكراهة تحريميّةً.
لكن أخرج الترمذى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم:" كان يصوم من الشهر السبت و الأحد و الاثنين و من الشهر الآخر الثلاثاء و الأربعاء والخميس" [قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 4971 في صحيح الجامع]
وفى الحديث عن أم سلمة: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصوم من الأيام السبت و الأحد و كان يقول: " إنهما يوما عيد المشركين فأحب أن أخالفهم ".
[قال الحافظ فى " الفتح " 4/ 235: صححه ابن حبان.]
هـ - صوم الوصال:
ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في قول - إلى كراهة صوم الوصال، وهو: أن لا يفطر بعد الغروب أصلاً، حتّى يتّصل صوم الغد بالأمس، فلا يفطر بين يومين .... وذلك لما جاء فى الحديث عن أَبَى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَيُّكُمْ مِثْلِي إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا". [البخاري - كتاب الصوم - باب التنكيل لمن اكثر الوصال]
والنّهي وقع رفقاً ورحمةً بالصائمين، ولهذا واصل النّبيّ صلى الله عليه وسلم , وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها، وكذا بمجرّد الشّرب لانتفاء الوصال , ولا يكره الوصال إلى السّحر عند الحنابلة، لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ" ... [البخارى - كتاب الصوم - باب الوصال الى السحر]
ولكنّه لو واصل فقد ترك سنّةً، وهي: تعجيل الفطر، فترك الوصال أولى محافظةً على السّنّة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/320)
وعند الشّافعيّة قولان - الأوّل وهو الصّحيح - بأنّ الوصال مكروه كراهة تحريم، وهو ظاهر نصّ الشّافعيّ رحمه الله، والثّاني: يكره كراهة تنزيه.
و - صوم الدّهر - صوم العمر:
جاءت النصوص الكثيرة بما يدل على كراهة صوم الدّهر، وعلّلت الكراهة بأنّه يضعف الصّائم عن الفرائص والواجبات والكسب الّذي لا بدّ منه، أو بأنّه يصير الصّوم طبعاً له، ومبنى العبادة على مخالفة العادة, واستدلّ للكراهة، بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ " [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: " قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ صَامَ الدَّهْرَ؟ قَالَ: لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ، أَوْ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ " [اخرجه ابو داود والنسائى والترمذى قال الالبانى: صحيح].
قوله:" لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ " قَالَ فِي ْفَتْحِ الباري: أَيْ لَمْ يَحْصُلْ أَجْرَ الصَّوْمِ لِمُخَالَفَتِهِ وَلَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ وَإِلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ مُطْلَقًا ذَهَبَ إِسْحَاقُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ , وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: يَحْرُمُ، وَيَدُلُّ لِلتَّحْرِيمِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ , وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ كَمَا فِي الْفَتْحِ إلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِهِ!!!.
ى- يكره تخصيص رجب بالصوم:
قال أحمد وإن صامه رجل أفطر فيه يوما أو أياما بقدر ما لا يصومه كله ووجه ذلك ما روى عن أحمد عن خرشة بن الحر قال: " رأيت عمر يضرب أكف المترجبين (الذين يخصون رجب بصيام) حتى يضعوها فى الطعام و يقول: كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية " [قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 113:صحيح].
وبإسناده عن ابن عمر أنه كان إذا رأى الناس وما يعدون لرجب كرهه وقال: صوموا منه وأفطروا وعن ابن عباس نحوه وبإسناده عن أبي بكرة أنه دخل على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان فقال ما هذا فقالوا رجب نصومه قال أجعلتم رجب رمضان فأكفأ السلال وكسر الكيزان قال أحمد: من كان يصوم السنة صامه وإلا فلا يصومه متواليا يفطر فيه ولا يشبه برمضان. أ.هـ[المغنى – ج6 ص181]
وَحَكَى ابْنُ السُّبْكِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَرِدْ فِي اسْتِحْبَابِ صَوْمِ رَجَبٍ عَلَى الْخُصُوصِ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تُرْوَى فِيهِ وَاهِيَةٌ لَا يَفْرَحُ بِهَا عَالِمٌ.
قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 114:
وفى الحديث عن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ أَرْسَلَتْنِي أَسْمَاءُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَتْ:" بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةً الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ وَمِيثَرَةَ الْأُرْجُوَانِ وَصَوْمَ رَجَبٍ كُلِّهِ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ رَجَبٍ فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الْأَبَدَ .......... " [المِيثَرَةَ: الفراش الوطئ] [الْأُرْجُوَانِ: صبغ احمر شديد الحمرة] [أخرجه مسلم (3855)].
و عليه يشكل قوله فى هذه الرواية: " فكيف بمن يصوم الأبد " , فقد فسروه بأنه
إنكار منه لما بلغ أسماء من تحريمه , و أخبار منه أنه يصوم رجبا كله , و أنه
يصوم الأبد. كما فى شرح مسلم للنووى , و " السراج الوهاج " لصديق حسن خان (2/ 285).
فلعل التوفيق بين صومه لرجب , و كراهته لذلك , أن تحمل الكراهة على إفراد رجب بالصوم كما يفرد رمضان به , فأما صيامه فى جملة ما يصوم فليس مكروها عنده و الله أعلم.أ. هـ
?فصل فى بيان الفرق بين صوم الفرض وصوم التطوع?
س: ما الفرق بين صوم الفرض وصوم التطوع؟
الجواب:
صوم الفرض هو ما كتبه الله على عباده أوكتبه العبد على نفسه على وجه الالزام الحتمى كالنذر , وتنشغل الذمة التكليفية به فلا يسقط الا بالاداء او العذر واداء البدل ان كان هناك بدل دل عليه الشرع كالفدية فى صيام رمضان.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/321)
أما التطوع عموما فهو التّقرّب إلى اللّه تعالى بما ليس بفرض من العبادات , وصوم التّطوّع هو التّقرّب إلى اللّه تعالى بما ليس بفرض من الصّوم , كصوم يوم عاشوراء , وصوم يوم عرفة , وصوم يوم الاثنين والخميس من كلّ أسبوع ,
وللصيام فرضا كان او تطوعا فضلٌ عظيم ويُجزى عليه العبد بالاجر الوفير وقد جاءت النصوص تبين ذلك منها:
ما أخرجه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ
[البخاري - كتاب الصوم - باب قول الله تعالى يريدون ان يبدلوا كلام الله]
وفى الحديث عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" من صام يوما في سبيل الله باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام ". [اخرجه النسائى والطبرانى فى الكبير وصححه اللبانى فى الصحيحه]
س: هل هناك انواع لصيام التطوع؟
الجواب:
قسّم الحنفيّة صوم التّطوّع إلى مسنون، ومندوب، ونفل.
فالمسنون: عاشوراء مع تاسوعاء.
والمندوب: صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وصوم يوم الاثنين والخميس، وصوم ستّ من شوّال، وكلّ صوم ثبت طلبه والوعد عليه: كصوم داود عليه السلام، ونحوه ,
والنّفل: ما سوى ذلك ممّا لم تثبت كراهته.
وقسّم المالكيّة - أيضاً - صوم التّطوّع إلى ثلاثة أقسام:
سنّة، ومستحبّ، ونافلة.
فالسّنّة: صيام يوم عاشوراء.
والمستحبّ: صيام الأشهر الحرم، وشعبان، والعشر الأول من ذي الحجّة، ويوم عرفة، وستّة أيّام من شوّال، وثلاثة أيّام من كلّ شهر، ويوم الاثنين والخميس.
والنّافلة: كلّ صوم لغير وقت ولا سبب، في غير الأيّام الّتي يجب صومها أو يمنع.
وعند الشّافعيّة والحنابلة: صوم التّطوّع والصّوم المسنون بمرتبة واحدة.
?فصل فى بيان معنى اسم شهر الصوم وفضائله?
س: لماذا سُمى شهر فريضة الصيام برمضان وما هى فضائل وخصائص هذا الشهر؟
الجواب:
قال ابو حيان
رمضان علم على شهر الصوم، وهو علم جنس، ويجمع على: رمضانات وأرمضة، وعلاقة هذا الاسم من مدة كان فيها في الرمضى، وهو: شدة الحر، كما سمي الشهر ربيعاً من مدّة الربيع، وجمادى من مدّة الجمود، ويقال: رمض الصائم يرمض: احترق جوفه من شدة العطش، ورمضت الفِصال: أحرق الرمضاء أخفافها فبركت من شدّة الحر، وانزوت إلى ظلّ أمهاتها، ويقال: أرمضته الرمضاء: أحرقته، وأرمضني الأمر.
وقيل: سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب، أي: يحرقها بالأعمال الصالحة، وقيل: لأن القلوب تحترمَنَّ الموعظة فيه والفكرة في أمر الآخرة، وقيل: من رمضت النصل: رققته بين حجرين ليرق، ومنه: نصل رميض ومرموض، عن ابن السكيت. وكانوا يرمضون أسلحتهم في هذا الشهر ليحاربوا بها في شوّال قبل دخول الأشهر الحرام، وكان هذا الشهر في الجاهلية يسمى: ناتقاً
وإنما سموه بذلك؛ لأنه كان ينتقهم لشدّته عليهم. [تفسير البحر المحيط – (البقرة – 185)]
ويختصّ شهر رمضان عن غيره من الشّهور بجملةٍ من الخصائص والفضائل والاحكام منها: [راجع رسالة: رمضان كيف نستقبله وكيف نغتنمه للمؤلف]
نزول القرآن وكل الكتب المنزله والصحف فيه:
نزل القرآن جملةً واحدةً من اللّوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السّماء الدّنيا، وذلك في شهر رمضان، وفي ليلة القدر منه على التّعيين.
ثمّ نزل مفصّلًا بحسب الوقائع في ثلاثٍ وعشرين سنةً.
قال تعالى:"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" [البقرة/185] وقوله سبحانه تعالى: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) " [القدر/1] ... عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، في قوله (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر، إلى السماء الدنيا، فكان بموقع النجوم، فكان الله ينزله على رسوله، بعضه في أثر بعض. [تفسير الطبري – طبعة الرساله - (سورة القدر)]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/322)
وروي عن واثلة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في ثلاث ليال مضين من رمضان، ويروى في أول ليلة من رمضان، وأنزلت توراة موسى عليه السلام في ست ليال مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام في ثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان، وأنزل زبور داود في ثمان عشرة مضت من رمضان وأنزل الفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم في الرابعة والعشرين من شهر رمضان لست بقين بعدها"
[رواه أحمد والطبرانى - قال الألباني: (حسن) انظر حديث رقم: 1497 في صحيح الجامع].
اشتماله على هذه الليلة المباركة التى هى خير من الف شهر:
قال تعالى: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) " [القدر/3] ... عن مجاهد قال: عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر ..... وقال آخرون منهم قتاده: معنى ذلك أن ليلة القدر خير من ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر.
وعن مجاهد (ليلة القدر): ليلة الحكم ...... وقال رجل للحسن: رأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال: نعم، والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي كلّ رمضان، وإنها لليلة القدر، (فيها يُفرق كلّ أمر حكيم) ... فيها يقضي الله كلّ أجل وعمل ورزق، إلى مثلها.
وجوب صومه:
صوم رمضان أحد أركان الإسلام الخمسة كما جاء في حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ " [البخاري – كتاب الايمان - باب بنى الاسلام على خمس]
ودلّ الكتاب الكريم على وجوب صومه، كما في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (183) [البقرة/183، 184]
وقوله تعالى: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " (185) [البقرة/185] ...... وفرضيّة صومه ممّا أجمعت عليه الأمّة.
فضل الصّدقة فيه:
دلّت السّنّة على أنّ الصّدقة في رمضان أفضل من غيره من الشّهور، من ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ." [البخارى - كتاب بدء الوحي - باب بدء الوحى]
قال ابن حجرٍ فى فتح الباري:
وَمَعْنَى أَجْوَد النَّاس: أَكْثَر النَّاس جُودًا , وَالْجُود الْكَرَم , وَهُوَ مِنْ الصِّفَات الْمَحْمُودَة .... وَالتَّقْدِير: كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّة كَوْنه فِي رَمَضَان أَجْوَد مِنْهُ فِي غَيْره ..... وَالْجُود فِي الشَّرْع إِعْطَاء مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي , وَهُوَ أَعَمّ مِنْ الصَّدَقَة. وَأَيْضًا فَرَمَضَان مَوْسِم الْخَيْرَات ; لِأَنَّ نِعَم اللَّه عَلَى عِبَاده فِيهِ زَائِدَة عَلَى غَيْره , .... وَالريح الْمُرْسَلَة أَيْ: الْمُطْلَقَة يَعْنِي أَنَّهُ فِي الْإِسْرَاع بِالْجُودِ أَسْرَع مِنْ الرِّيح , وَعَبَّرَ بِالْمُرْسَلَةِ إِشَارَة إِلَى دَوَام هُبُوبهَا بِالرَّحْمَةِ , وَإِلَى عُمُوم النَّفْع بِجُودِهِ كَمَا تَعُمّ الرِّيح الْمُرْسَلَة جَمِيع مَا تَهُبّ عَلَيْهِ.
صلاة التّراويح فيه:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/323)
أجمع المسلمون على سنّيّة قيام ليالي رمضان، وقد ذكر النّوويّ أنّ المراد بقيام رمضان صلاة التّراويح يعني أنّه يحصل المقصود من القيام بصلاة التّراويح , وقد جاء في فضل قيام ليالي رمضان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" [البخاري – كتاب الايمان - باب قيام رمضان من الايمان]
الاعتكاف فيه:
ذهب الفقهاء إلى أنّ الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان سنّة مؤكّدة لمواظبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليه، كما جاء في الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ" [البخاري – كتاب - الاعتكاف - باب الاعتكاف فى العشر الاواخر]
وفي حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ قَالَ مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ" [البخاري – كتاب - الاعتكاف - باب الاعتكاف فى العشر الاواخر]
قراءة القرآن الكريم في رمضان والذّكر فيه:
يستحبّ في رمضان استحبابًا مؤكّدًا مدارسة القرآن وكثرة تلاوته، وتكون مدارسة القرآن بأن يقرأ على غيره ويقرأ غيره عليه، ودليل الاستحباب «أنّ جبريل كان يلقى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في كلّ ليلةٍ من رمضان فيدارسه القرآن» وقراءة القرآن مستحبّة مطلقًا، ولكنّها في رمضان آكد.
قال ابن القيم: [زاد المعاد: طبعة الرساله - جـ2 صـ32]
وكان من هدية في شهر رمضان الإكثار من انواع العبادات فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن في رمضان وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور حتى إنه كان ليواصل فيه احيانا ليوفر ساعات ليلة ونهاره على العبادة
مضاعفة ثواب الأعمال الصّالحة في رمضان:
تتأكّد الصّدقة في شهر رمضان، لحديث ابن عبّاسٍ المتقدّم ; لأنّه أفضل الشّهور ; ولأنّ النّاس فيه مشغولون بالطّاعة فلا يتفرّغون لمكاسبهم، فتكون الحاجة فيه أشدّ، ولتضاعف الحسنات به.
قال إبراهيم النخعى: تسبيحة في رمضان خير من ألف تسبيحةٍ فيما سواه.
تفطير الصّائم:
من فطر صائما كان له من الاجر الكثير يبين ذلك حديث زيد ابن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا " [اخرجه الترمذى وابن ماجه -
قال الألباني: صحيح]
فضل العمرة في رمضان:
العمرة في رمضان أفضل من غيره من الشّهور بل تعدل فى الاجر حجه
لحديث ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ ..... فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً" [مسلم - كتاب الحج - باب فضل العمرة فى رمضان]
قال النووى فى شرح مسلم:
(تَعْدِل حَجَّة) , وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (تَقْضِي حَجَّة) أَيْ تَقُوم مَقَامهَا فِي الثَّوَاب , لَا أَنَّهَا تَعْدِلهَا فِي كُلّ شَيْء , فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّة فَاعْتَمَرَ فِي رَمَضَان لَا تُجْزِئهُ عَنْ الْحَجَّة.
بل تعدل فى الاجر حجه مع النبي ? لحديث ابن عباس يرفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أقرئها السلام ورحمة الله وبركاته وأخبرها أنها تعدل حجة معي يعني عمرة في رمضان" [اخرجه ابو داود – وقال الالبانى حسن صحيح]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/324)
?فصل فى بيان ما يثبت به دخول شهر رمضان وما على المسلمين فى ذلك?
س: بما يثبت بدء شهر رمضان؟
الجواب:
يثبت بدء شهر رمضان بإكمال شعبان ثلاثين يوماً اتّفاقاً، أو رؤية الهلال ليلة الثّلاثين، وفي كيفية ثبوت الرّؤية خلاف بين الفقهاء.
ويعتمد في اثبات شّهر رمضان على امور:
الأوّل: رؤية الهلال.
والثّاني: إكمال عدّة شّهر شعبان ثلاثين يوما، إن غمّ الهلال في ليلة الثّلاثين من رمضان.
ويغمّ الهلال بأن تكون السّماء مغيّمة في آخر الشّهر، أو حال دون رؤيته قتر أو غبار، فأمّا إذا كانت السّماء مصحية فلا يتوقّف ثبوته على إكمال ثلاثين، بل تارة يثبت بإكمال العدّة إذا لم ير الهلال، وتارة يثبت برؤية الهلال ليلة الثّلاثين.
وتثبت الرّؤية لدى الحاكم بشهادة عدلين في غير رمضان، أمّا في رمضان فإنّ الفقهاء اختلفوا فيه، فذهب بعضهم إلى اشتراط عدلين، واكتفى البعض بشهادة عدل واحد.
واختلاف الفقهاء في قبول خبر الواحد عن رؤية هلال شهر رمضان بسبب اختلافهم في كون هذه الرّؤية من باب الأخبار، أو من باب الشّهادة.
فذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو حنيفة في رواية عنه إلى قبول خبر ثقة واحد عن رؤية هلال شهر رمضان بشرط أن يكون مسلماً، عاقلاً، بالغاً، عدلاً، سواء أكانت السّماء مصحيةً أم لا.
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال «تراءى النّاس الهلال فأخبرت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّي رأيته فصامه وأمر النّاس بصيامه» [اخرجه ابو داود و الدارمى و ابن حبان – قال الالبانى فى ارواء الغليل - 4/ 16: صحيح].
ولأنه خبر دينيّ يشترك فيه المخبِر والمخبَر فقبل من واحد، ولا فرق عند هؤلاء بين الرّجل والمرأة , وعند الشّافعيّة وفي قول مرجوح لدى الحنابلة لا يثبت برؤية امرأة.
وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن كانت السّماء مصحيةً، فيشترط لثبوت هلال رمضان رؤية عدد من الشّهود يقع العلم القطعيّ للقاضي بشهادتهم لتساوي النّاس في الأسباب الموصلة إلى الرّؤية، وتفرّد واحد بالرّؤية مع مساواة غيره دليل الكذب أو الغلط في الرّؤية، أمّا إذا كانت السّماء غير مصحية أو بها علّة، فيقبل خبر الواحد العدل في رؤية هلال رمضان، سواء كان رجلاً أم امرأةً غير محدود في قذف أو محدودًا تائبًا بشرط أن يكون مسلماً، عاقلاً، بالغاً، عدلاً، لحديث ابن عبّاس الّذي سبق ذكره، ولأنّ هذه العلّة تمنع التّساوي في الرّؤية لجواز أنّ قطعةً من الغيم انشقّت فظهر الهلال فرآه واحد فاستتر بالغيم من ساعته قبل أن يراه غيره.
أمّا المالكيّة فيرون أنّه لا بدّ لثبوت هلال رمضان من إتمام شعبان ثلاثين يوماً، أو رؤية عدلين أو أكثر، وهو قول لدى الشّافعيّة، ورواية عن أحمد، لحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب و فيه: " فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا " [رواه أحمد و النسائى – قال الالبانى (صحيح) انظر حديث رقم: 3811 في صحيح الجامع].
اما فى ثبوت هلال شوال:
اتّفق جمهور الفقهاء على اشتراط رؤية عدلين في هلال شوّالٍ، ولأنّها شهادة على هلالٍ لا يدخل بها في العبادة، فلم تقبل فيها إلاّ شهادة اثنين كسائر الشّهود.
واختلف الفقهاء في بعض التّفصيلات.
فاشترط الحنفيّة لإثبات هلال شوّالٍ في حالة الصّحو أن يكون الشّهود جماعةً يحصل العلم للقاضي بخبرهم كما في هلال رمضان، ولم يقبلوا في حال الغيم إلاّ شهادة رجلين،
واشترط المالكيّة في هلال شوّالٍ الرّؤية المستفيضة أو شهادة عدلين ممّن يشهدون في الحقوق العامّة.
واشترط الشّافعيّة والحنابلة في ثبوت هلال شوّالٍ شهادة رجلين حرّين عدلين احتياطاً للفرض
وسوّى الحنابلة بين شوّالٍ وغيره من الشّهور فاشترطوا رؤية رجلين عدلين لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا»
س: هل يثبت بدء شهر رمضان بالحساب الفلكى؟
الجواب:
وقع الخلاف فى هذه المسأله منذ أواخر القرن الهجريّ الأوّل،
ومن أسباب الاختلاف وجود لفظةٍ في حديث عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: «لا تصوموا حتّى تروا الهلال، ولا تفطروا حتّى تروه فإن غمّ عليكم فاقدروا له» [متفق عليه].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/325)
ففى هذا الحديث علّق النبي ? بداية صيام رمضان والشّروع في الإفطار برؤية الهلال، وأمر عند تعذّرها في حالة الغيم بالتّقدير، فقال صلى الله عليه وسلم: «فإن غمّ عليكم فاقدروا له»، وقد اختلفوا في المراد من هذه العبارة على قولين:
الاول: بتقدير الهلال بالحساب الفلكيّ
ونسب هذا القول إلى مطرّف بن عبد اللّه بن الشّخّير من التّابعين وأبي العبّاس بن سريجٍ من الشّافعيّة وابن قتيبة من المحدّثين.
وقال ابن عبد البرّ: لا يصحّ عن مطرّفٍ، ونفى نسبة ما عرف عن ابن سريجٍ إلى الشّافعيّ لأنّ المعروف عنه ما عليه الجمهور.
ونقل ابن رشدٍ عن مطرّفٍ قوله: يعتبر الهلال إذا غمّ بالنّجوم ومنازل القمر وطريق الحساب، قال: وروي مثل ذلك عن الشّافعيّ في روايةٍ، والمعروف له المشهور عنه أنّه لا يصام إلاّ برؤيةٍ فاشيةٍ أو شهادةٍ عادلةٍ كالّذي عليه الجمهور.
وعن مطرّفٍ أيضًا أنّ العارف بالحساب يعمل به في نفسه.
أمّا ابن سريجٍ فاعتبر قوله صلى الله عليه وسلم: «فاقدروا له»: خطاباً لمن خصّه اللّه تعالى بعلم الحساب، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: «فأكملوا العدّة» خطاباً للعامّة.
وبيّن ابن الصّلاح ما قصده ابن سريجٍ من المعرفة بالحساب فقال: معرفة منازل القمر هي معرفة سير الأهلّة، وأمّا معرفة الحساب فأمر دقيق يختصّ بمعرفته الآحاد.
فمعرفة منازل القمر تدرك بأمرٍ محسوسٍ يدركه من يراقب النّجوم، وهذا هو الّذي أراده ابن سريجٍ، وقال به في حقّ العارف بها فيما يخصّه.
وقد اختلف النّقل عن ابن سريجٍ في حكم صيام العارف بالحساب عند ثبوت الهلال عنده، ففي روايةٍ عنه أنّه لم يقل بوجوب ذلك عليه، وإنّما قال بجوازه، وفي روايةٍ أخرى عنه لزوم الصّيام في هذه الصّورة.
وقال القشيريّ: إذا دلّ الحساب على أنّ الهلال قد طلع من الأفق على وجهٍ يرى لولا وجود المانع كالغيم مثلاً، فهذا يقتضي الوجوب لوجود السّبب الشّرعيّ، وليس حقيقة الرّؤية مشروطةً في اللّزوم.
والمعتمد في المذهب الحنفيّ أنّ شرط وجوب الصّوم والإفطار رؤية الهلال، وأنّه لا عبرة بقول المؤقّتين ولو عدولاً، ومن رجع إلى قولهم فقد خالف الشّرع، وذهب قوم منهم إلى أنّه يجوز أن يجتهد في ذلك، ويعمل بقول أهل الحساب.
ومنع مالك من اعتماد الحساب في إثبات الهلال، فقال: إنّ الإمام الّذي يعتمد على الحساب لا يقتدى به، ولا يتبع.
وبيّن أبو الوليد الباجيّ حكم صيام من اعتمد الحساب فقال: فإن فعل ذلك أحد فالّذي عندي أنّه لا يعتدّ بما صام منه على الحساب ويرجع إلى الرّؤية وإكمال العدد، فإن اقتضى ذلك قضاء شيءٍ من صومه قضاه.
وذكر القرافيّ قولاً آخر للمالكيّة بجواز اعتماد الحساب في إثبات الأهلة.
أمّا الشّافعيّة فقال النّوويّ: قال أصحابنا وغيرهم: لا يجب صوم رمضان إلاّ بدخوله، ويعلم دخوله برؤية الهلال، فإن غمّ وجب استكمال شعبان ثلاثين، ثمّ يصومون سواء كانت السّماء مصحيةً أو مغيّمةً غيماً قليلاً أو كثيراً.
وفي هذا حصر طرق إثبات هلال رمضان في الرّؤية وإكمال شعبان ثلاثين، وفي هذا الحصر نفي لاعتماد الحساب، وقد صرّح في موضعٍ آخر برفضه، لأنّه حدس وتخمين ورأى اعتباره في القبلة والوقت.
ولا يعتمد الحنابلة الحساب الفلكيّ في إثبات هلال رمضان، ولو كثرت إصابته.
والقول الثانى: بالمنع من اعتبار الحساب.
وقد فسّر أصحاب هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم: «فاقدروا له» بتفسيرين
الأوّل: حمل التّقدير على إتمامهم الشّهر ثلاثين.
الثّاني: تفسير بمعنى تضييق عدد أيّام الشّهر.
التّفسير الأوّل: جاء عن عبد اللّه بن عمر أنّه يصبح مفطراً إذا كانت السّماء صاحيةً وصائماً إذا كانت مغيّمةً لأنّه يتأوّل قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم على أنّ المراد منه إتمام الشّهر ثلاثين.
وإلى هذا المعنى ذهب أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ وجمهور السّلف والخلف،فحملوا عبارة: «فاقدروا له» على تمام العدد ثلاثين يوماً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/326)
وها هو البخاريّ قد أتبع حديث عبد اللّه بن عمر فى كتاب الصوم من صحيحه – باب قول النبي اذا رايتم الهلال فصوموا - بروايةٍ أخرى عنه جاء فيها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «الشّهر تسع وعشرون ليلةً فلا تصوموا حتّى تروه، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين».
وأتبعه في نفس الباب بحديث أبي هريرة، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين».
وقال ابن حجرٍ: قصد البخاريّ بذلك بيان المراد من قوله «فاقدروا له»
وأيّد ابن رشدٍ تفسير البخاريّ وعلّله بأنّ التّقدير يكون بمعنى التّمام،
ودعم رأيه بقوله تعالى: "قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا " [الطلاق/3، 4] أي تماماً.
التّفسير الثّاني: بمعنى تضييق عدد أيّام الشّهر: فسّر القائلون به «اقدروا له» بمعنى ضيّقوا له العدد من قوله تعالى: "وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ" [الطلاق/7]، والتّضييق له أن يجعل شعبان تسعةً وعشرين يوماً.
وممّن قال بهذا الرّأي أحمد بن حنبلٍ وغيره ممّن يجوّز صوم يوم الشّكّ إن كانت السّماء مغيّمةً.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إنّا أمّة أمّيّة لا نكتب ولا نحسب، الشّهر هكذا وهكذا» "يعني مرّةً تسعةً وعشرين ومرّةً ثلاثين" [البخاري - كتاب الصوم - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لانكتب ولانحسب]
قال ابن حجر فى فتح الباري:
قوله:"لانحسب"
وَالْمُرَاد بِالْحِسَابِ هُنَا حِسَاب النُّجُومِ وَتَسْيِيرهَا , وَلَمْ يَكُونُوا يُعْرَفُونَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا إِلَّا النَّزْر الْيَسِير , فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِالصَّوْمِ وَغَيْره بِالرُّؤْيَةِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي مُعَانَاةِ حِسَاب التَّسْيِير وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ , بَلْ ظَاهِر السِّيَاقِ يُشْعِرُ بِنَفْيِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْحِسَابِ أَصْلًا وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " وَلَمْ يَقُلْ فَسَلُوا أَهْل الْحِسَاب , وَالْحِكْمَة فِيهِ كَوْنُ الْعَدَدَ عِنْدَ الْإِغْمَاءِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُكَلَّفُونَ فَيَرْتَفِعُ الِاخْتِلَاف وَالنِّزَاع عَنْهُمْ , وَقَدْ ذَهَبَ قَوْم إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى أَهْل التَّسْيِير فِي ذَلِكَ وَهُمْ الرَّوَافِضُ , وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مُوَافَقَتُهُمْ. قَالَ الْبَاجِي: وَإِجْمَاع السَّلَف الصَّالِح حُجَّة عَلَيْهِمْ. وَقَالَ اِبْن بَزِيزَةَ: وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ فَقَدْ نَهَتْ الشَّرِيعَةُ عَنْ الْخَوْضِ فِي عِلْمِ النُّجُومِ لِأَنَّهَا حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ لَيْسَ فِيهَا قَطْعَ وَلَا ظَنٌّ غَالِب , مَعَ أَنَّهُ لَوْ اِرْتَبَطَ الْأَمْر بِهَا لَضَاقَ إِذْ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْقَلِيل. أ.هـ
وجمهور الفقهاء على عدم اعتبار الحساب في إثبات شهر رمضان، بناءً على أنّنا لم نتعبّد إلاّ بالرّؤية.
قال ابن القيم: [زاد المعاد – طبعة الرساله (ج 2 / ص 36)]
وكان من هديه صلى الله عليه و سلم أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد كما صام بشهادة ابن عمر وصام مرة بشهادة أعرابي واعتمد على خبرهما ولم يكلفهما لفظ الشهادة فإن كان ذلك إخبارا فقد اكتفى في رمضان بخبر الواحد وإن كان شهادة فلم يكلف الشاهد لفظ الشهادة فإن لم تكن رؤية ولا شهادة أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما.
وكان إذا حال ليلة الثلاثين دون منظره غيم أو سحاب أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صامه ولم يكن يصوم يوم الإغمام ولا أمر به بل أمر بأن تكمل عدة شعبان ثلاثين إذا غم وكان يفعل كذلك فهذا فعله وهذا أمره ولا يناقض هذا قوله: " فإن غم عليكم فاقدروا له " فإن القدر: هو الحساب المقدر والمراد به الإكمال. أ.هـ
س: هل على المسلمين الاعتناء برؤية هلال شهر رمضان؟
الجواب:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/327)
رؤية الهلال أمر يقتضيه ارتباط توقيت بعض العبادات بها، فيشرع للمسلمين أن يجدّوا في طلبها ويتأكّد ذلك في ليلة الثّلاثين من شعبان لمعرفة دخول رمضان، وليلة الثّلاثين من رمضان لمعرفة نهايته ودخول شوّالٍ، وليلة الثّلاثين من ذي القعدة لمعرفة ابتداء ذي الحجّة , فهذه الأشهر الثّلاثة يتعلّق بها ركنان من أركان الإسلام هما الصّيام والحجّ، ولتحديد عيد الفطر وعيد الأضحى.
والمقصود برؤية الهلال: مشاهدته بالعين بعد غروب شمس اليوم التّاسع والعشرين من الشّهر السّابق ممّن يعتمد خبره وتقبل شهادته فيثبت دخول الشّهر برؤيته.
وللهلال عدّة معانٍ منها: القمر في أوّل استقباله الشّمس كلّ شهرٍ قمريٍّ في اللّيلة الأولى والثّانية، وقيل الثّالثة، وقيل يسمّى هلالاً إلى أن يبهر ضوؤه سواد اللّيل، وهذا لا يكون إلاّ في اللّيلة السّابعة.
ويطلق أيضاً على القمر ليلة ستٍّ وعشرين وسبعٍ وعشرين لأنّه في قدر الهلال في أوّل الشّهر.
وقد حثّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم على طلب الرّؤية لهلال رمضان، فعن أبي هريرة قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمّي عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين" [البخاري – كتاب - الصوم باب قول النبي ? اذا ريتم الهلال فصوموا ... ]
وعن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «الشّهر تسع وعشرون ليلةً، فلا تصوموا حتّى تروه فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين" [البخارى و مسلم (3/ 123)]
وهناك حديث يبيّن اعتناءه ? بشهر شعبان لضبط دخول رمضان، فعن عائشة رضي الله عنها تقول:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام" [اخرجه ابو داود (2325) وقال الالبانى: صحيح]
قال الشّرّاح: أي يتكلّف في عدّ أيّام شعبان للمحافظة على صوم رمضان.
وقد اهتمّ الصّحابة رضي الله عنهم في حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم برؤية هلال رمضان فكانوا يتراءونه.
عن عبد اللّه بن عمر، قال: «تراءى النّاس الهلال فأخبرت به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فصام وأمر النّاس بصيامه».
ويؤيد ذلك ما جاء من حديث ابى هريرة ان النبي ? قال:"أحصوا هلال شعبان لرمضان و لا تخلطوا برمضان إلا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم و صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما فإنها ليست تغمى عليكم العدة " [اخرجه الدرقطنى والبيهقى - وقال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 199 في صحيح الجامع].
وقد أوجب الحنفيّة كفاية التماس رؤية هلال رمضان ليلة الثّلاثين من شعبان فإن رأوه صاموا، وإلاّ أكملوا العدّة ثمّ صاموا، لأنّ ما لا يحصل الواجب إلاّ به فهو واجب.
وقال الحنابلة: يستحبّ ترائي الهلال احتياطاً للصّوم وحذاراً من الاختلاف.
وبالجملة فهذه المسآله محلّ خلافٍ بين الفقهاء، فبعضهم يقول: يستحبّ للنّاس ترائي الهلال ليلة الثّلاثين من شعبان وتطلّبه، ليحتاطوا بذلك لصيامهم، وليسلموا من الاختلاف، والبعض يرى أنّ التماس هلال رمضان يجب على الكفاية، لأنّه يتوصّل به إلى الفرض.
ويستحبّ التّثبّت من رؤية هلال شهر رمضان ليلة الثّلاثين من شعبان لتحديد بدئه، ويكون ذلك بأحد أمرين
الأوّل: رؤية هلاله، إذا كانت السّماء خاليةً ممّا يمنع الرّؤية من غيم أو غبار ونحوهما.
الثّاني: إكمال شعبان ثلاثين يوماً، إذا كانت السّماء غير خالية.
س: ماذا يجب على من رأى هلال رمضان أو هلال شوال وحده؟
الجواب:
أكثر الفقهاء على أنّ من رأى هلال رمضان وحده لزمه الصّوم، وتجب عليه الكفّارة لو جامع فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته».
قال العلماء من رأى هلال رمضان وحده، ورُدّت شهادته، لزمه الصّوم وجوباً، عند جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - وهو مشهور مذهب أحمد، وذلك: للآية الكريمة، وهي قوله تعالى: «فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» ...... ولحديث: «صوموا لرؤيته».
ولأنّه تيقّن أنّه من رمضان، فلزمه صومه، كما لو حكم به الحاكم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/328)
وقال أبو حنيفة: يلزمه الصّوم، ولكن إن جامع فيه فلا كفّارة وقال عطاء والحسن وابن سيرين وأبو ثورٍ وإسحاق بن راهويه: لا يلزمه الصّوم.
والمالكيّة ألزموا من رأى الهلال وحده بإعلام الإمام برؤيته لاحتمال أن يكون غيره قد رأى أو علم فتجوز شهادتهما، وأوجبوا على الرّائي المنفرد الصّيام، ولو ردّ الإمام شهادته فإن أفطر فعليه القضاء والكفّارة.
قال الحنابلة إذا رأى الهلال وحده صام فإن كان عدلا صام الناس بقوله
وروي عن أحمد: أنّه لا يصوم إلاّ في جماعة من النّاس.
ومن رأى هلال شوّالٍ وحده لزمه الفطر كذلك عند أغلب الفقهاء، لحديث " صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته "، وقال مالك واللّيث وأحمد: لا يجوز له الأكل فيه.
وعند الجمهور لايفطر، خوف التّهمة وسدّاً للذّريعة، وقيل: يفطر إن خفي له ذلك، وقال أشهب: ينوي الفطر بقلبه، وقول الجمهور الّذين منهم المالكيّة - إن أفطر فليس عليه شيء فيما بينه وبين اللّه تعالى، فإن عثر عليه عوقب إن اتّهم، ولا كفّارة، كما نصّ عليه الحنفيّة، لشبهة الرّدّ.
وقال الشّافعيّ: له أن يفطر، لأنّه تيقّن من شوّال، فجاز له الأكل كما لو قامت بيّنة لكن يفطر سرّاً، بحيث لا يراه أحد، لأنّه إذا أظهر الفطر عرّض نفسه للتّهمة، وعقوبة السّلطان.
س: هل يجب على من رأى هلال شهر رمضان او نحوه الابلاغ عن رؤية الهلال؟
الجواب:
إذا ثبت الهلال عند الجهة المختصّة الموثوق بها وجب إعلام النّاس للشّروع في الصّوم، أو الإفطار وصلاة عيد الفطر، أو صلاة عيد الأضحى وذبح الأضحيّة بالخبر كما قال القرافيّ: ثلاثة أقسامٍ رواية محضة كالأحاديث النّبويّة وشهادة محضة كإخبار الشّهود عن الحقوق على المعيّنين عند الحاكم ومركّب من شهادةٍ وروايةٍ، وله صور أحدها الإخبار عن رؤية هلال رمضان من جهة أنّ الصّوم لا يختصّ بشخصٍ معيّنٍ بل عامّ على جميع المصر أو أهل الآفاق فهو من هذا الوجه رواية لعدم الاختصاص بمعيّنٍ ولعموم الحكم، ومن جهة أنّه حكم يختصّ بهذا العامّ دون ما قبله وما بعده.
وإذا كانت الرّؤية في حدّ ذاتها تشبه الشّهادة والرّواية، فإنّ الإعلام بها بعد ثبوتها لا خلاف في كونه رواية، لذلك فإنّه يعتمد في نقلها وسائل نقل الخبر، ويشترط في المخبر بها شروط الرّاوي المقبول الرّواية المتعارف عليها عند المحدّثين والفقهاء، وهي: العدالة والضّبط.
والمالكيّة ألزموا من رأى الهلال وحده بإعلام الإمام برؤيته لاحتمال أن يكون غيره قد رأى أو علم فتجوز شهادتهما.
وقت الإعلام:
ثم إنّ وقت الإعلام بالنّسبة لرمضان هو ما قبل فجر اليوم الأوّل منه فإن حصل بعد ذلك وجب الإمساك وعقد نيّة الصّيام وقضاء ذلك اليوم حتّى بالنّسبة لمن بيّت الصّيام على غير جزمٍ بدخول رمضان.
س: ماذا على من رأي الهلال نهارا؟
الجواب:
ظهور الهلال في النّهار يعتدّ به عند بعض الفقهاء للّيلة التّالية، ويفرّق آخرون بين ظهوره قبل الزّوال فيكون للّيلة الماضية، وبعده فيكون للّيلة التّالية.
قال ابن حزم: [المحلى – [ج 6 / ص 239وما بعدها]
مسألة وإذا رؤى الهلال قبل الزوال فهو من البارحة ويصوم الناس من حينئذ باقى يومهم ان كان أول رمضان ويفطرون ان كان آخره، فان رؤى بعد الزوال فهو لليلة المقبلة ........ وعن ابراهيم النخعي ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب إلى الناس:"إذا رأيتموه قبل زوال الشمس فأفطروا وإذا رأيتموه بعد زوالها فلا تفطروا" .... وعن على بن ابى طالب قال رضى الله عنه قال:" إذا رأيتم الهلال من أول النهار فأفطروا وإذا رأيتموه في آخر النهار فلا تفطروا فان الشمس تزيغ عنه أو تميل عنه. أ. هـ
س: هل يمسك من علم بالهلال نهارا بقية يومه وهل يعد ذلك صياما ام ماذا عليه؟
الجواب:
قال ابن حزم: [المحلى – [ج 6 / ص 166وما بعده]
وكل من ذكرنا من ناس، أو جاهل، أو نائم فلم يعلموا بوجوب الصوم عليهم، فحكمهم كلهم هو الحكم الذى جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، من استدراك النية في اليوم المذكور متى ما علموا بوجوب صومه عليهم، وسمى عليه السلام من فعل ذلك صائما، وجعل فعله صوما,
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/329)
(قلت: وهذا يعنى ان صيامه تام ولا قضاء عليه ولعل ذلك هو القول الصواب والله تعالى اعلم) وبالله تعالى التوفيق , وبه قال جماعة من السلف , كما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الكريم الجزرى:"ان قوما شهدوا على الهلال بعد ما أصبحوا، فقال عمر بن عبد العزيز: من أكل فليمسك عن الطعام، ومن لم يأكل فليصم بقية يومه"
وعن عطاء: "إذا صبح رجل مفطرا ولم يذق شيئا ثم علم برؤية الهلال أول النهار أو آخره فليصم ما بقى ولا يبدله"
ومن طريق وكيع عن ابى ميمونة عن أبى بشير عن على بن ابى طالب انه قال يوم عاشوراء: " من لم يأكل فليصم، ومن أكل فليتم بقية يومه"
وروينا من طريق وكيع عن ابن عون عن ابن سيرين: "ان ابن مسعود قال: من أكل اول النهار فليأكل آخره "
قال على: اختلف الناس فيمن اصبح مفطرا في أول يوم من رمضان ثم علم ان الهلال رؤى البارحة على اقوال:
منهم من قال: ينوى صوم يومه ويجزئه، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وبه نأخذ، وبه جاء النص الذى قدمنا.
ومنهم من قال: لا يصوم، لانه لم ينو الصيام من الليل، ولم يروا فيه قضاء، وهو قول ابن مسعود كما ذكرنا، وبه يقول داود واصحابنا.
ومنهم من قال: يأكل بقيته ويقضيه، وهو قول رويناه عن عطاء.
ومنهم من قال: يمسك فيه عما يمسك الصائم، ولا يجزئه، وعليه قضاؤه، وهو قول مالك، والشافعي وقال به أبو حنيفة فيمن أكل خاصة، دون من لم يأكل، وفيمن علم الخبر بعد الزوال فقط، اكل ولم يأكل.
وهذا أسقط الاقوال!!! لانه لا نص فيه ولا قياس، ولا نعلمه من قول صاحب، ولا يخلو هذا الامساك الذى امروه به من ان يكون صوما يجزئه، وهم لا يقولون بهذا، اولا يكون صوما ولا يجزئه، فمن اين وقع لهم ان يأمروه بعمل يتعب فيه ويتكلفه ولا يجزئه؟! وأيضا فانه لا يخلو من ان يكون مفطرا أو صائما: فان كان صائما فلم يقضيه اذن؟! فيصوم يومين وليس عليه الا واحد؟! وان كان مفطرا فلم امروه بعمل الصوم؟! وهذا عجب جدا! وحسبنا الله ونعم الوكيل .... أ. هـ
(قلت: ويجري مجراهم من بلغ الحلم ومن اسلم فى نهار رمضان).
قال الشوكانى: [نيل الأوطار - (ج 7 / ص 39)]
وَأَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ نَوْمِهِ لَزِمَهُ إمْسَاكُهُ وَقَضَاؤُهُ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى سُقُوطِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ لِأَنَّ صَوْمَهُ إنَّمَا لَزِمَهُمْ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ انْتَهَى.
وقال: قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَثْبُتَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْيَوْمَ بِكَمَالِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، كَمَنْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ. أ.هـ
(قلت: للمزيد من البيان راجع كلام الالبانى فى سؤال ما هى صفة نيه الصوم)
?فصل فى بيان ان الرؤية اذا ظهرت فى مصر هل تلزم بقية الامصار؟ ??
س: هل اذا رأى اهل بلد الهلال تلزمهم الرؤيه وحدهم أم تلزم جميع الناس؟
الجواب:
اختلاف مطالع الهلال أمر واقعٌ بين البلاد البعيدة كاختلاف مطالع الشّمس، لكن هل يعتبر ذلك في بدء صيام المسلمين وتوقيت عيدي الفطر والأضحى وسائر الشّهور فتختلف بينهم بدءاً ونهايةً أم لا يعتبر بذلك، ويتوحّد المسلمون في صومهم وفي عيديهم؟
ذهب الجمهور إلى أنّه لا عبرة باختلاف المطالع، ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو قول عند الشّافعيّة: إلى عدم اعتبار اختلاف المطالع في إثبات شهر رمضان، فإذا ثبت رؤية هلال رمضان في بلدٍ لزم الصّوم جميع المسلمين في جميع البلاد، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته» وهو خطاب للأمّة كافّةً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/330)
وهناك من قال باعتبارها، وخاصّةً بين الأقطار البعيدة، فقد قال الحنفيّة في هذه الحالة , بأنّه لكلّ بلدٍ رؤيتهم، وأوجبوا على الأمصار القريبة اتّباع بعضها بعضاً، وألزموا أهل المصر القريب في حالة اختلافهم مع مصرٍ قريبٍ منهم بصيامهم تسعةً وعشرين، وصيام الآخرين ثلاثين اعتماداً على الرّؤية أو إتمام شعبان ثلاثين أن يقضوا اليوم الّذي أفطروه لأنّه من رمضان حسب ما ثبت عند المصر الآخر، والمعتمد الرّاجح عند الحنفيّة أنّه لا اعتبار باختلاف المطالع , فإذا ثبت الهلال في مصرٍ لزم سائر النّاس فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب في ظاهر المذهب (قلت: وهو بعيد ان يصوم اهل المشرق والمغرب برؤية واحدة لان اختلاف المطالع أمر واقعٌ بين البلاد البعيدة كاختلاف مطالع الشّمس)
وقال المالكيّة بوجوب الصّوم على جميع أقطار المسلمين إذا رئي الهلال في أحدها ... وقيّد بعضهم هذا التّعميم فاستثنى البلاد البعيدة كثيراً كالأندلس وخراسان.
وقال الحنابلة بعدم اعتبار اختلاف المطالع، وألزموا جميع البلاد بالصّوم إذا رئي الهلال في بلدٍ.
واستدلّ القائلون بعدم اعتبار اختلاف المطالع بحديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، فقد أوجب هذا الحديث الصّوم بمطلق الرّؤية لجميع المسلمين دون تقييدها بمكانٍ، واعتبروا ما ورد في حديث ابن عبّاسٍ من اجتهاده، وليس نقلاً عن الرّسول صلى الله عليه وسلم.
وعمل الشّافعيّة باختلاف المطالع فقالوا: إنّ لكلّ بلدٍ رؤيتهم وإنّ رؤية الهلال ببلدٍ لا يثبت بها حكمه لما بعد عنهم , كما صرّح بذلك النّوويّ.
ودليلهم الذى استدلوا به ما جاء فى الحديث عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَقُلْتُ رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْتُ أَوَ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" [مسلم – كتاب الصيام - باب بيان ان لكل بلد رؤيتهم ... ]
قال النووى فى الشرح الشرح
وَالصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا أَنَّ الرُّؤْيَة لَا تَعُمّ النَّاس , بَلْ تَخْتَصُّ بِمَنْ قَرُبَ عَلَى مَسَافَة لَا تُقْصَر فِيهَا الصَّلَاة , وَقِيلَ: إِنْ اِتَّفَقَ الْمَطْلَع لَزِمَهُمْ , وَقِيلَ: إِنْ اِتَّفَقَ الْإِقْلِيم وَإِلَّا فَلَا , وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: تَعُمّ الرُّؤْيَة فِي مَوْضِع جَمِيع أَهْل الْأَرْض فَعَلَى هَذَا نَقُول: إِنَّمَا لَمْ يَعْمَل اِبْن عَبَّاس بِخَبَرِ كُرَيْب ; لِأَنَّهُ شَهَادَة فَلَا تَثْبُت بِوَاحِدٍ لَكِنَّ ظَاهِر حَدِيثه أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ لِهَذَا , وَإِنَّمَا رَدَّهُ لِأَنَّ الرُّؤْيَة لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهَا فِي حَقِّ الْبَعِيدِ ... (قلت وهذا ايضا بعيد كما سبق ذكره).
واستدلّ القائلون بعدم اعتبار اختلاف المطالع بحديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، فقد أوجب هذا الحديث الصّوم بمطلق الرّؤية لجميع المسلمين دون تقييدها بمكانٍ، واعتبروا ما ورد في حديث ابن عبّاسٍ من اجتهاده، وليس نقلاً عن الرّسول صلى الله عليه وسلم.
?فصل فى بيان الموقف عند حدوث خطأ فى الرؤية أو اشتباه?
س: ماذا لو حدث خطأ فى رؤية الهلال؟
الجواب:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/331)
نعم قد ينتج عن تواصل الغيم أكثر من شهرٍ قبل رمضان أو شوّالٍ أو ذي الحجّة أو عن عدم التّحرّي في رؤية الهلال خطأ في بداية رمضان، ويترتّب عليه إفطار يومٍ منه، أو خطأ في بداية شوّالٍ، ويترتّب عليه إفطار يومٍ من رمضان أو صيام يوم العيد، أو خطأ في ذي الحجّة، ويترتّب عليه وقوف بعرفة في غير وقته، وهذا أخطرها
وقد استند القائلون بصحّة الوقوف في غير يومه وصحة الصيام وغيره إلى الحديث الذى اخرجه البخارى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " شَهْرَانِ لَا يَنْقُصَانِ شَهْرَا عِيدٍ رَمَضَانُ وَذُو الْحَجَّةِ " [البخارى – كتاب الصوم - بَاب شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ]
قال ابن حجر فى الشرح:
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ: فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ , فَقَالَ لَا يَكُونُ رَمَضَان وَلَا ذُو الْحِجَّةِ أَبَدًا إِلَّا ثَلَاثِينَ , وَهَذَا قَوْل مَرْدُود مُعَانِد لِلْمَوْجُودِ الْمُشَاهَدِ , وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ قَوْله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ " فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ رَمَضَان أَبَدًا ثَلَاثِينَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذَا ..... وَقَالَ أَبُو الْحَسَن كَانَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ يَقُولُ: لَا يَنْقُصَانِ فِي الْفَضِيلَةِ إِنْ كَانَا تِسْعَة وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ ..... وَقِيلَ لَا يَنْقُصَانِ مَعًا , إِنَّ جَاءَ أَحَدهمَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ جَاءَ الْآخَر ثَلَاثِينَ وَلَا بُدَّ. وَقِيلَ لَا يَنْقُصَانِ فِي ثَوَابِ الْعَمَلِ فِيهِمَا .... وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل إِنْ نَقَصَ رَمَضَان تَمَّ ذُو الْحِجَّةِ , وَإِنَّ نَقَصَ ذُو الْحِجَّةِ تَمَّ رَمَضَان ...... وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا يَنْقُصَانِ فِي الْأَحْكَامِ ..... وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنْ رُبَّمَا حَالَ دُونَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَانِع ..... وَأَقْرَبهَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّقْصَ الْحِسِّيَّ بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ يَنْجَبِرُ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَهْرُ عِيدٍ عَظِيم فَلَا يَنْبَغِي وَصْفُهُمَا بِالنُّقْصَانِ ........ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي " الْمَعْرِفَةِ " إِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِتَعَلُّقِ حُكْمِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ بِهِمَا , وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيّ وَقَالَ: إِنَّهُ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ. وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَا وَرَدَ عَنْهُمَا مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْأَحْكَام حَاصِل سَوَاء كَانَ رَمَضَان ثَلَاثِينَ أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ , سَوَاء صَادَفَ الْوُقُوف الْيَوْم التَّاسِع أَوْ غَيْره. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلّ ذَلِكَ مَا إِذَا لَمْ يَحْصُلُ تَقْصِيرٌ فِي اِبْتِغَاء الْهِلَال , وَفَائِدَة الْحَدِيثِ رَفْع مَا يَقَعُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ شَكٍّ لِمَنْ صَامَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَوْ وَقَفَ فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ بَعْض الْعُلَمَاءِ إِمْكَان الْوُقُوفِ فِي الثَّامِنِ اِجْتِهَادًا , وَلَيْسَ مُشْكِلًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا ثَبَتَتْ الرُّؤْيَةُ بِشَاهِدَيْنِ أَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ الْخَمِيس مَثَلًا فَوَقَفُوا يَوْم الْجُمْعَةَ , ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا شَهِدَا زُورًا. وَقَالَ الطِّيبِيّ: ظَاهِر سِيَاق الْحَدِيثِ بَيَان اِخْتِصَاص الشَّهْرَيْنِ بِمَزِيَّةٍ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الشُّهُورِ , وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ ثَوَاب الطَّاعَة فِي غَيْرِهِمَا يَنْقُصُ , وَإِنَّمَا الْمُرَادُ رَفْعُ الْحَرَجِ عَمَّا عَسَى أَنْ يَقَعَ فِيهِ خَطَأ فِي الْحُكْمِ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِالْعِيدَيْنِ وَجَوَاز اِحْتِمَال وُقُوعِ الْخَطَأِ فِيهِمَا , وَمِنْ ثَمَّ قَالَ " شَهْرَا عِيدٍ " بَعْدَ قَوْلِهِ " شَهْرَانِ لَا يَنْقُصَانِ " وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ رَمَضَان وَذِي الْحِجَّةِ اِنْتَهَى.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/332)
قال ابن بطّالٍ فيما نقله عنه العينيّ: قالت طائفة من وقف بعرفة بخطأٍ شاملٍ لجميع أهل الموقف في يومٍ قبل يوم عرفة أو بعده أنّه يجزئ عنه، وهو قول عطاء بن أبي رباحٍ والحسن البصريّ وأبي حنيفة والشّافعيّ، واحتجّ أصحابه على جواز ذلك بصيام من التبست عليه الشّهور، وأنّه جائز أن يقع صيامه قبل رمضان أو بعده.
وإلى نفس هذا الرّأي ذهب النّوويّ فقال: إنّ كلّ ما ورد في رمضان وذي الحجّة من الفضائل والأحكام حاصل سواء كان رمضان ثلاثين أو تسعاً وعشرين، سواء صادف الوقوف اليوم التّاسع أو غيره بشرط انتفاء التّقصير في ابتغاء الهلال.
وقال ابن حجرٍ: الحديث يطمئن من صام رمضان تسعاً وعشرين أو وقف بعرفاتٍ في غير يومها اجتهاداً.
ونظراً إلى أنّ حصول النّقص في رمضان واضح، وفي ذي الحجّة غير واضحٍ لوقوع المناسك في أوّله فقد بيّن ذلك العينيّ بقوله: قد تكون أيّام الحجّ من الإغماء والنّقصان مثل ما يكون في آخر رمضان بأن يغمّى هلال ذي القعدة ويقع فيه الغلط بزيادة يومٍ أو نقصانه فيقع عرفة في اليوم الثّامن أو العاشر منه، فمعناه أنّ أجر الواقفين بعرفة في مثله لا ينقص عمّا لا غلط فيه.
وعن ابن القاسم أنّهم إن أخطأوا ووقفوا بعد يوم عرفة يوم النّحر يجزيهم، وإن قدّموا الوقوف يوم التّروية أعادوا الوقوف من الغد ولم يجزهم.
س: ماذا على من اشتبه عليه شهر رمضان بغيره من الشهور كالمحبوس ونحوه؟
الجواب:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من اشتبهت عليه الشّهور لا يسقط عنه صوم رمضان، بل يجب لبقاء التّكليف وتوجّه الخطاب.
فإذا أخبره الثّقات بدخول شهر الصّوم عن مشاهدة أو علم وجب عليه العمل بخبرهم، وإن أخبروه عن اجتهاد منهم فلا يجب عليه العمل بذلك، بل يجتهد بنفسه في معرفة الشّهر بما يغلب على ظنّه، ويصوم مع النّيّة ولا يقلّد مجتهداً مثله.
وإن اجتهد وصام فلا يخلو الأمر من خمسة أحوال:
الحال الأولى: استمرار الإشكال وعدم انكشافه له، بحيث لا يعلم أنّ صومه صادف رمضان أو تقدّم أو تأخّر، فهذا يجزئه صومه ولا إعادة عليه في قول الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، والمعتمد عند المالكيّة، لأنّه بذل وسعه ولا يكلّف بغير ذلك، كما لو صلّى في يوم الغيم بالاجتهاد.
الحال الثّانية: أن يوافق صوم المحبوس شهر رمضان فيجزيه ذلك عند جمهور الفقهاء، قياساً على من اجتهد في القبلة، ووافقها.
الحال الثّالثة: إذا وافق صوم المحبوس ما بعد رمضان فيجزيه عند جماهير الفقهاء.
الحال الرّابعة: وهي وجهان:
الوجه الأوّل: إذا وافق صومه ما قبل رمضان وتبيّن له ذلك ولمّا يأت رمضان لزمه صومه إذا جاء بلا خلاف، لتمكّنه منه في وقته.
الوجه الثّاني: إذا وافق صومه ما قبل رمضان ولم يتبيّن له ذلك إلاّ بعد انقضائه فمنهم من قال لايجزيه ومنهم من قال يجزئه عن رمضان، كما لو اشتبه على الحجّاج يوم عرفة فوقفوا قبله، وهو قول بعض الشّافعيّة.
الحال الخامسة: أن يوافق صوم المحبوس بعض رمضان دون بعض، فما وافق رمضان أو بعده أجزأه، وما وافق قبله لم يجزئه ..... والمحبوس إذا صام تطوّعاً أو نذراً فوافق رمضان لم يسقط عنه صومه في تلك السّنة، لانعدام نيّة صوم الفريضة، وهو مذهب الحنابلة والشّافعيّة والمالكيّة.
صوم المحبوس إذا اشتبه عليه نهار رمضان بليله:
إذا لم يعرف الأسير أو المحبوس في رمضان النّهار من اللّيل، واستمرّت عليه الظّلمة، فقد قال النّوويّ: هذه مسألة مهمّة قلّ من ذكرها، وفيها ثلاثة أوجه للصّواب:
أحدها: يصوم ويقضي لأنّه عذر نادر.
الثّاني: لا يصوم، لأنّ الجزم بالنّيّة لا يتحقّق مع جهالة الوقت.
الثّالث: يتحرّى ويصوم ولا يقضي إذا لم يظهر خطؤه فيما بعد، وهذا هو الرّاجح.
ونقل النّوويّ وجوب القضاء على المحبوس الصّائم بالاجتهاد إذا صادف صومه اللّيل ثمّ عرف ذلك فيما بعد، وقال: إنّ هذا ليس موضع خلاف بين العلماء، لأنّ اللّيل ليس وقتاً للصّوم كيوم العيد.
?فصل فى بيان من يجب عليهم صيام رمضان وما يشترط لصحته?
س: على من يجب صيام شهر رمضان؟
الجواب:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/333)
يجب الصوم على كل مسلم بالغ عاقل حرا كان او عبد , ذكرا كان او انثى بشرط ان تكون الانثي غير حائض او نفساء - وهذا شرط لصحة صيام الانثي - وان يكون قادرا على الصوم , فمن عجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى زواله أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا , وان يكون مقيم غير مسافر لان المسافر يباح له الفطر رخصة , ومن ابيح له الفطر لايكون الصوم عليه واجب , لكن ان صام صح منه واجزأه.
ويشترط ان يكون عالما بحكم وجوب الصيام فى رمضان، فالجمهور من الحنفيّة والشّافعيّة، وهو مشهور مذهب المالكيّة، على إعذار حديث العهد بالإسلام، إذا جهل الصّوم في رمضان.
قال الحنفيّة: يعذر من أسلم بدار الحرب فلم يصم، ولم يصلّ، ولم يزكّ بجهله بالشّرائع، مدّة جهله، لأنّ الخطاب إنّما يلزم بالعلم به أو بدليله، ولم يوجد، إذ لا دليل عنده على فرض الصّلاة والصّوم.
وقال الشّافعيّة: لو جهل تحريم الطّعام أو الوطء، بأن كان قريب عهد بالإسلام، أو نشأ بعيداً عن العلماء، لم يفطر، كما لو غلب عليه القيء.
والمعتمد عند المالكيّة: أنّ الجاهل بأحكام الصّيام لا كفّارة عليه، وليس هو كالعامد.
ويحصل العلم - الموجب للصيام وغيره - لمن أسلم في دار الحرب بإخبار رجلين عدلين، أو رجل مستور وامرأتين مستورتين، أو واحد عدل، ومن كان مقيماً في دار الإسلام، يحصل له العلم بنشأته في دار الإسلام، ولا عذر له بالجهل فى ذلك، لانه من المعلوم من الدين بالضرورة.
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 160)]
فهو فرض على كل مسلم عاقل بالغ صحيح مقيم، حرا كان أوعبدا، ذكرا أو أنثى، إلا الحائض والنفساء، فلا يصومان أيام حيضهما البتة، ولا أيام نفاسهما، ويقضيان صيام تلك الايام وهذا كله فرض متيقن من جميع أهل الاسلام.ا. هـ
س: هل يجب على الصبيان غير البالغين صوم رمضان؟
الجواب:
فى الحديث عن خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ (الصوف) فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ" وعند مُسْلِم فِي رِّوَايَة ْأُخْرَى: (فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ أَعْطَيْنَاهُمْ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ) [اخرجه البخاري ومسلم - واللفظ له - فى كتاب الصوم - باب من اكل فى عاشوراء فليكف بقية يومه]
قال ابن حجر فى فتح الباري:
وَفِي الْحَدِيث حُجَّة عَلَى مَشْرُوعِيَّة تَمْرِين الصِّبْيَان عَلَى الصِّيَام كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ مَنْ كَانَ فِي مِثْل السِّنّ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ غَيْر مُكَلَّف , وَإِنَّمَا صَنَعَ لَهُمْ ذَلِكَ لِلتَّمْرِينِ. أ.هـ
قال النووى في شرح مسلم:
وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَمْرِينُ الصِّبْيَان عَلَى الطَّاعَات , وَتَعْوِيدُهُمْ الْعِبَادَاتِ , وَلَكِنَّهُمْ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ. قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَة أَنَّهُمْ مَتَى أَطَاقُوا الصَّوْم وَجَبَ عَلَيْهِمْ , وَهَذَا غَلَطٌ مَرْدُودٌ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح: " رُفِعَ الْقَلَم عَنْ ثَلَاثَة: عَنْ الصَّبِيّ حَتَّى يَحْتَلِمَ " , وَفِي رِوَايَة: " يَبْلُغَ ". وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.أ. هـ
قال الشوكانى: [نيل الأوطار - (ج 7 / ص 35 وما بعدها)]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/334)
الْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ كَانَ فَرْضًا قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَعَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَمْرُ الصِّبْيَانِ بِالصَّوْمِ لِلتَّمْرِينِ عَلَيْهِ إذَا أَطَاقُوهُ وَقَدْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ ابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ ...... وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي تَحْدِيدِ السِّنِّ الَّتِي يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ عِنْدَهَا بِالصِّيَامِ، فَقِيلَ: سَبْعُ سِنِينَ، وَقِيلَ: عَشْرٌ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقِيلَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ , وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إذَا أَطَاقَ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تِبَاعًا لَا يَضْعَفُ فِيهِنَّ حُمِلَ عَلَى الصَّوْمِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّ الصَّبِيَّانِ , وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ لَا يَطَّلِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ أ. هـ
س: ما الذى يشترط لصحة أداء الصوم؟
الجواب:
يشترط لصحة أداء الصوم ان يكون الصائم مسلما فلا يصح من كافر , وان يكون عاقلا فلا يصح من مجنون ولا من مغمى عليه كل وقت الصيام , وان يكون بالغا، لانه لا تكليف إلاّ مع البلوغ، لأنّ الغرض من التّكليف هو الامتثال، وذلك بالإدراك والقدرة على الفعل - كما هو معلوم في الأصول - والصّبا والطّفولة عجز.
ويشترط خلوّه عمّا يفسد الصّوم كالجماع، وتعمد استدعاء الشهوة مع انزال المنى.
ويشترط ايضا النّيّة وذلك لأنّ صوم رمضان عبادة، فلا يجوز إلاّ بالنّيّة، كسائرالعبادات , ولحديث «إنّما الأعمال بالنّيّات»، والإمساك قد يكون للعادة، أو لعدم الاشتهاء، أو للمرض، أو للرّياضة، فلا يتعيّن إلاّ بالنّيّة.
قال النّوويّ:
لا يصحّ الصّوم إلاّ بنيّة، ومحلّها القلب، ولا يشترط النّطق بها، بلا خلاف , وعقد النية من الليل لكل يوم واجب فمن خطر بقلبه ليلا أنه صائم فقد نوى وكذا الأكل والشرب قبل الفجر بنية الصوم , ولا يضر إن أتى بعد النية بمناف للصوم. أ.هـ
ولو صام الصبي فيشترط ان يكون مميزا لانه لايصح من طفل لايميز اما المميز فيصح منه ولو كان لايجب عليه قبل البلوغ , ولذلك يجب على ولي المميز المطيق للصوم أمره به ليعتاده , ويشترط على المرأة ان تكون طاهرة من الحيض والنفاس , لكن لايشترط على الرجل طهارة فى الصيام فيصح صيام من اصبح جنبا , أو اصابته جنابة فى الصيام من احتلام , ويشترط تجنب الصائم لما يفسد الصوم كالجماع.
?فصل فى بيان صفة نية الصوم وهل هناك فرق فى ذلك بين الفرض والنفل?
س: ما هى صفة نيه الصوم وهل الفرض والنفل فى ذلك سواء؟
الجواب:
لابد فى الصوم من النّيّة , وذلك لأنّ صوم رمضان عبادة، فلا يجوز إلاّ بالنّيّة، كسائر العبادات , ولحديث: «إنّما الأعمال بالنّيّات».
والإمساك قد يكون للعادة، أو لعدم الاشتهاء، أو للمرض، أو للرّياضة، فلا يتعيّن إلاّ بالنّيّة، كالقيام إلى الصّلاة والحجّ.
قال النّوويّ: لا يصحّ الصّوم إلاّ بنيّة، ومحلّها القلب، ولا يشترط النّطق بها، بلا خلاف.
ومعنى النية: القصد وهو اعتقاد القلب فعل شيء وعزمه عليه من غير تردد، فمتى خطر بقلبه في الليل أن غدا من رمضان وأنه صائم فيه فقد نوى.
صفة النّيّة:
لابد فى النية من تحقق عدة امور لتصح ويصح بها الصوم وهى:
أوّلاً: الجزم:
أن تكون جازمةً وقد اشترط الجزم في نيّة الصّوم قطعاً للتّردّد، حتّى لو نوى ليلة الشّكّ، صيام غد، إن كان من رمضان لم يجزه، ولا يصير صائماً لعدم الجزم، فصار كما إذا نوى أنّه إن وجد غداءً غداً يفطر، وإن لم يجد يصوم , ونصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه إن قال: إن كان غداً من رمضان فهو فرضي، وإلاّ فهو نفل، أو فأنا مفطر، لم يصحّ صومه، إن ظهر أنّه من رمضان، لعدم جزمه بالنّيّة.
قال ابن قدامه: إن قال: إن كان غدا من رمضان فأنا صائم وإن كان من شوال فأنا مفطر قال ابن عقيل: لا يصح صومه لأنه لم يجزم بنية الصيام والنية اعتقاد جازم ويحتمل أن يصح لأن هذا شرط واقع والأصل بقاء رمضان. أ. هـ
ثانياً: التّعيين:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/335)
والجمهور من الفقهاء ذهبوا إلى أنّه لا بدّ من تعيين النّيّة في صوم رمضان، وصوم الفرض والواجب، ولا يكفي تعيين مطلق الصّوم، ولا تعيين صوم معيّن غير رمضان , وكمال النّيّة - كما قال النّوويّ - أن ينوي صوم غد، عن أداء فرض رمضان هذه السّنة للّه تعالى , وإنّما اشترط التّعيين في ذلك، لأنّ الصّوم عبادة مضافة إلى وقت، فيجب التّعيين في نيّتها، كالصّلوات الخمس، ولأنّ التّعيين مقصود في نفسه، فيجزئ التّعيين عن نيّة الفريضة في الفرض، والوجوب في الواجب.
ثالثاً: التّبييت:
وهو شرط في صوم الفرض عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة
والتّبييت هو: إيقاع النّيّة في اللّيل، ما بين غروب الشّمس إلى طلوع الفجر، فلو قارن الغروب أو الفجر أو شكّ، لم يصحّ , وفي قول للمالكيّة، يصحّ لو قارنت الفجر، كما في تكبيرة الإحرام، لأنّ الأصل في النّيّة المقارنة للمنويّ , ويجوز أن تقدّم من أوّل اللّيل، ولا تجوز قبل اللّيل ,
قال ابن قدامه: وإن نوى من النهار صوم الغد لم تجزئه تلك النية إلا أن يستصحبها إلى جزء من الليل وهذا لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل " ولأنه لم ينو عند ابتداء العبادة ولا قريبا منها فلم يصح كما لو نوى من الليل صوم بعد غد.
وذلك لحديث ابن عمر، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" [سنن أبي داود (2454) – قال الالبانى: صحيح - وفى صحيح الجامع برقم: 6538]
واخرجه الترمذى وقال وإنما معنى هذا عند أهل العلم لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر في رمضان أو في قضاء رمضان أو في صيام نذر إذا لم ينوه من الليل لم يجزه وأما صيام التطوع فمباح له أن ينويه بعد ما أصبح وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق. أ.هـ
(قلت: وسيأتى لذلك تفصيل وان الفرض والنفل فى التبييت من الليل سواء)
ولا تجزئ النيه بعد الفجر وتجزئ مع طلوع الفجر إن اتّفق ذلك، وكلام القرافيّ وآخرين يفيد أنّ الأصل كونها مقارنةً للفجر، ورخّص تقدّمها عليه للمشقّة في مقارنتها له , والصّحيح عند الشّافعيّة والحنابلة: أنّه لا يشترط في التّبييت النّصف الآخر من اللّيل، لإطلاقه في الحديث، ولأنّ تخصيص النّيّة بالنّصف الأخير يفضي إلى تفويت الصّوم، لأنّه وقت النّوم، وكثير من النّاس لا ينتبه فيه، ولا يذكر الصّوم، والشّارع إنّما رخّص في تقديم النّيّة على ابتدائه، لحرج اعتبارها عنده، فلا يخصّها بمحلّ لا تندفع المشقّة بتخصيصها به، ولأنّ تخصيصها بالنّصف الأخير تحكّم من غير دليل، بل تقرّب النّيّة من العبادة، لمّا تعذّر اقترانها بها.
ولا يضرّ الأكل والجماع بعد النّيّة ما دام في اللّيل، لأنّه لم يلتبس بالعبادة
والصّحيح أيضاً: أنّه لا يجب التّجديد لها إذا نام بعدها، ثمّ تنبّه قبل الفجر
وتبييت النية من الليل لازم فى صيام الفرض.
قال ابن قدامه: ويجب تعيين النية في كل صوم واجب وهو أن يعتقد أنه يصوم غدا من رمضان أو من قضائه أو من كفارته أو نذره نص عليه أحمد في رواية الاثرم. أ.هـ
لكن الحنفيّة لم يشترطوا التّبييت في رمضان , ولم يشترطوا تبييت النّيّة في ليل رمضان ...... ودليل الحنفيّة على ما ذهبوا إليه.
ما ورد في الحديث عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ:" مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ قَالَتْ فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا .... " [البخاري - كتاب الصوم - باب صوم الصبيان]
وكان صوم عاشوراء واجباً، ثمّ نسخ بفرض رمضان , واشترط الحنفيّة تبييت النّيّة في صوم الكفّارات والنّذور المطلقة وقضاء رمضان ... وهذا من العجب!!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/336)
أمّا النّفل فيجوز صومه عند جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة خلافاً للمالكيّة - بنيّة قبل الزّوال، للحديث عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ" [مسلم - كتاب الصوم - بَاب جَوَازِ صَوْمِ النَّافِلَةِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ ... ]
ولأنّ النّفل أخفّ من الفرض، والدّليل عليه: أنّه يجوز ترك القيام في نّفل الصلاة مع القدرة، ولا يجوز في الفرض.
ومذهب الحنابلة جواز النّيّة في النّفل، قبل الزّوال وبعده، واستدلّوا بحديث عائشة، وحديث صوم يوم عاشوراء، وأنّه قول معاذ وابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهم وأنّه لم ينقل عن أحد من الصّحابة ما يخالفه صريحاً، والنّيّة وجدت في جزء من النّهار، فأشبه وجودها قبل الزّوال بلحظه.
وذهب المالكيّة إلى أنّه يشترط في نيّة صوم التّطوّع التّبييت كالفرض.
لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «من لم يبيّت الصّيام من اللّيل فلا صيام له» فلا تكفي النّيّة بعد الفجر، لأنّ النّيّة: القصد، وقصد الماضي محال عقلاً.
(قلت: وهو اعدل الاقوال واصحها واوفقها للدليل الشرعى الصريح بلا تأويل)
وقد بوب البخاري فى كتاب الصوم بَاب إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا وَقَالَتْ أُمَّ الدَّرْدَاءِ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ فَإِنْ قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي هَذَا وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ".
قال ابن حجر فى الشرح:
وَقَالَ اِبْنُ عُمَرَ" لَا يَصُومُ تَطَوُّعًا حَتَّى يُجْمِعَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ يَتَسَحَّرَ " وَقَالَ مَالِكٌ فِي النَّافِلَةِ " لَا يَصُومُ إِلَّا أَنْ يُبَيِّتَ , إِلَّا إِنْ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّبْيِيتِ " وَقَالَ أَهْلُ الرَّأْيِ: مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ مُنْتَصَفِ النَّهَارِ أَجْزَأَهُ , وَإِنْ بَدَا لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يُجْزِهِ. قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ , وَاَلَّذِي نَقَلَهُ اِبْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْجَوَازِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ , وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ التَّفْرِقَةُ , وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صِيَامُ التَّطَوُّعِ إِلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ. أ.هـ
قلت: وهذه المسأله قد يظنها البعض مشكله، وان حديث صوم عاشوراء فيه دليل على ان الصائم له ان ينوى نهارا كيف شاء، وهذا كلام بعيد جدا فضلا عن معارضته للنصوص الصحيحه المبينه للزوم تبييت النيه من الليل، ووجدت كلاما نفيسا للشيخ الالبانى – رحمه الله – يبين هذه المسأله اسوقه هنا بتمامه مع ما فيه من الاطالة وذلك لزوم الحاجه ولزوم فك الاشكال المتصور فى هذه المسألة:
قال الألباني: [السلسلة الصحيحة (6/ 246) وما بعدها]:
من وجب عليه الصوم نهارا , كالمجنون يفيق , و الصبي يحتلم , و الكافر يسلم , و كمن بلغه الخبر بأن هلال رمضان رؤي البارحة , فهؤلاء يجزيهم النية من النهار حين الوجوب , و لو بعد أن أكلوا أو شربوا , فتكون هذه الحالة مستثناة من عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " , و هو حديث صحيح كما حققته في " صحيح أبي داود " (2118) و إلى هذا الذي أفاده حديث الترجمة ذهب ابن حزم و ابن تيمية و الشوكاني و غيرهم من المحققين. فإن قيل: الحديث ورد في صوم عاشوراء و الدعوى أعم. قلت: نعم , و ذلك بجامع الاشتراك في الفريضة , ألست ترى أن الحنفية استدلوا به على جواز صوم رمضان بنية من النهار , مع إمكان النية في الليل طبقا لحديث أبي داود , فالاستدلال به لما قلنا أولى كما لا يخفى على أولي النهى. و لذلك قال المحقق أبو
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/337)
الحسن السندي في حاشيته على " ابن ماجه " (1/ 528 - 529) ما مختصره: " الأحاديث دالة على أن صوم يوم عاشوراء كان فرضا , من جملتها هذا الحديث , فإن هذا الاهتمام يقتضي الافتراض. نعم الافتراض منسوخ بالاتفاق و شهادة الأحاديث على النسخ. و استدل به على جواز صوم الفرض بنية من النهار , لا يقال صوم عاشوراء منسوخ فلا يصح الاستدلال به.
لأنا نقول: دل الحديث على شيئين:
أحدهما: وجوب صوم عاشوراء.
و الثاني: أن الصوم واجب في يوم بنية من نهار , و المنسوخ هو الأول , و لا يلزم من نسخه نسخ الثاني , و لا دليل على نسخه أيضا. بقي فيه بحث: و هو أن الحديث يقتضي أن وجوب الصوم عليهم ما كان معلوما من الليل , و إنما علم من النهار , و حينئذ صار اعتبار النية من النهار في حقهم ضروريا , كما إذا شهد الشهود بالهلال يوم الشك , فلا يلزم جواز الصوم بنية من النهار بلا ضرورة ".أ. هـ
قلت: و هذا هو الحق الذي به تجتمع النصوص , و هو خلاصة ما قال ابن حزم رحمه الله في " المحلى " (6/ 166) و قال عقبه: " و به قال جماعة من السلف كما روينا من طريق ... عبد الكريم الجزري أن قوما شهدوا على الهلال بعد ما أصبح الناس , فقال عمر بن عبد العزيز: من أكل فليمسك عن الطعام , و من لم يأكل فليصم بقية يومه ". قلت: و أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (3/ 69) وسنده صحيح على شرط الشيخين. و هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية , فقال في "
الاختيارات العلمية " (4/ 63 - الكردي): " و يصح صوم الفرض بنية النهار إذا لم يعلم وجوبه بالليل , كما إذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار , فإنه يتم بقية يومه و لا يلزمه قضاء و إن كان أكل " و تبعه على ذلك المحقق ابن القيم , و الشوكاني , فمن شاء زيادة بيان و تفصيل فليراجع " مجموع الفتاوى " لابن تيمية (25/ 109 و 117 - 118) و " زاد المعاد " لابن القيم (1/ 235) و " تهذيب السنن " له (3/ 328) و " نيل الأوطار " للشوكاني (4/ 167). و إذا تبين ما ذكرنا , فإنه تزول مشكلة كبرى من مشاكل المسلمين اليوم , ألا و هي اختلافهم في إثبات هلال رمضان بسبب اختلاف المطالع , فإن من المعلوم أن الهلال
حين يرى في مكان فليس من الممكن أن يرى في كل مكان , كما إذا رؤي في المغرب فإنه لا يمكن أن يرى في المشرق , و إذا كان الراجح عند العلماء أن حديث " صوموا لرؤيته ... " إنما هو على عمومه , و أنه لا يصح تقييده باختلاف المطالع , لأن هذه المطالع غير محدودة و لا معينة , لا شرعا و لا قدرا , فالتقييد بمثله لا يصح , و بناء على ذلك فمن الممكن اليوم تبليغ الرؤية إلى كل البلاد الإسلامية بواسطة الإذاعة و نحوها , و حينئذ فعلى كل من بلغته الرؤية أن يصوم , و لو بلغته قبل غروب الشمس بقليل , و لا قضاء عليه , لأنه قد قام بالواجب في حدود
استطاعته , و لا يكلف الله نفسا إلا وسعها , و الأمر بالقضاء لم يثبت كما سبقت الإشارة إليه , و نرى أن من الواجب على الحكومات الإسلامية أن يوحدوا يوم صيامهم و يوم فطرهم , كما يوحدون يوم حجهم , و لريثما يتفقون على ذلك , فلا نرى لشعوبهم أن يتفرقوا بينهم , فبعضهم يصوم مع دولته , و بعضهم مع الدولة الأخرى , و ذلك من باب درء المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى كما هو مقرر في علم الأصول , و الله تعالى ولي التوفيق.أ. هـ
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 161)]
عن ابن عمر قال: "لا يصوم الا من أجمع الصيام قبل الفجر" , وعن مالك عن الزهري: أن عائشة أم المؤمنين قالت: "لا يصوم الا من أجمع الصيام قبل الفجر" , وعن ابن شهاب: أخبرني حمزة بن عبد الله ابن عمر عن أبيه قال: قالت حفصة أم المؤمنين: "لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر" , فهؤلاء ثلاثة من الصحابة رضى الله عنهم لايعرف لهم منهم مخالف أصلا، والحنيفيون والمالكيون يعظمون مثل هذا إذا خالف أهواءهم، وقد خالفهوهم ههنا، وما نعلم أحدا قبل أبى حنيفة، ومالك قال بقولهما في هذه المسألة. أ.هـ
(قلت ومما سبق يتضح ان تبييت النيه فى الفرض والنفل سواء , ولابد من عقد النيه من الليل قبل الفجر والا فلاصيام والله تعالى اعلى واعلم)
رابعاً: تجديد النّيّة:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/338)
وتعتبر النية لكل يوم وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي و ابن المنذر وعن أحمد أنه تجزئه نية واحدة لجميع الشهر إذا نوى صوم جميعه وهذا مذهب مالك و إسحاق، وقالوا هو كصلاة واحده .......... والصحيح أنه صوم واجب فوجب أن ينوي كل يوم من ليلته.
قال ابن عبد الحكم - من المالكيّة -: لا بدّ في الصّوم الواجب المتتابع من النّيّة كلّ يوم، نظراً إلى أنّه كالعبادات المتعدّدة، من حيث عدم فساد ما مضى منه بفساد ما بعده.
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 163)]
أنهم قالوا: رمضان كصلاة واحدة , قال أبو محمد: وهذه مكابرة بالباطل، لان الصلاة الواحدة لا يحول بين أعمالها بعمد ما ليس منها أصلا، وصيام رمضان يحول بين كل يومين منه ليل يبطل فيه الصوم جملة ويحل فيه الاكل والشرب والجماع، فكل يوم له حكم غير حكم اليوم , الذى قبله واليوم الذى بعده، وقد يمرض فيه أو يسافر أو تحيض، فيبطل الصوم، وكان بالامس صائما ويكون غدا صائما، وانما شهر رمضان كصلوات اليوم والليلة، يحول بين كل صلاتين ما ليس صلاة، فلابد لكل صلاة من نية، فكذلك لا بد لكل يوم في صومه من نية أ. هـ
وذهب الجمهور إلى تجديد النّيّة في كلّ يوم من رمضان، من اللّيل أو قبل الزّوال - على الخلاف السّابق - وذلك: لكي يتميّز الإمساك عبادةً، عن الإمساك عادةً أو حميةً.
ولأنّ كلّ يوم عبادة مستقلّة، لا يرتبط بعضه ببعض، ولا يفسد بفساد بعض، ويتخلّلها ما ينافيها، وهو اللّيالي الّتي يحلّ فيها ما يحرّم في النّهار، فأشبهت القضاء، بخلاف الحجّ وركعات الصّلاة.
خامسا: استمرار النّيّة:
اشترط الفقهاء الدّوام على النّيّة، فلو نوى الصّيام من اللّيل ثمّ رجع عن نيّته قبل طلوع الفجر لا يصير صائماً.
قال الطّحاويّ: ويشترط الدّوام عليها.
فلو نوى من اللّيل، ثمّ رجع عن نيّته قبل طلوع الفجر، صحّ رجوعه ولا يصير صائماً، ولو أفطر لا شيء عليه إلاّ القضاء، بانقطاع النّيّة بالرّجوع، فلا كفّارة عليه في رمضان، لشبهة خلاف من اشترط التّبييت، إلاّ إذا جدّد النّيّة، بأن ينوي الصّوم في وقت النّيّة، تحصيلاً لها، لأنّ الأولى غير معتبرة، بسبب الرّجوع عنها.
ولا تبطل النّيّة بقوله: أصوم غداً إن شاء اللّه، لأنّه بمعنى الاستعانة، وطلب التّوفيق والتّيسير.
قال البهوتيّ: وكذا سائر العبادات، لا تبطل بذكر المشيئة في نيّتها.
ولو نوى الإفطار في أثناء النّهار فمذهب الحنفيّة والشّافعيّة أنّه لا يفطر، كما لو نوى التّكلّم في صلاته ولم يتكلّم.
وقال المالكيّة والحنابلة: يفطر، لأنّه قطع نيّة الصّوم بنيّة الإفطار، فكأنّه لم يأت بها ابتداءً.
س: ماذا على من نسي النية؟
الجواب:
قال ابن حزم المحلى: [(ج 6 / ص 164وما بعدها)]
مسألة: ومن نسى ان ينوى من الليل في رمضان فأى وقت ذكر من النهار التالى لتلك الليلة سواء أكل وشرب ووطئ أولم يفعل شيئا من ذلك فانه ينوى للصوم من وقته إذا ذكر، ويمسك عما يمسك عنه الصائم، ويجزئه صومه ذلك تاما، ولا قضا عليه، ولو لم يبق عليه من النهار الا مقدار النية فقط، فان لم ينو كذلك فلا صوم له، وهو عاص لله تعالى متعمد لابطال صومه ولا يقدر على القضاء , وكذلك من جاءه الخبر بأن هلال رمضان رؤى البارحة فسواء أكل وشرب ووطئ , أولم يفعل شيئا من ذلك في أي وقت جاء الخبر من ذلك اليوم ولو في آخره كما ذكرنا , فانه ينوى الصوم ساعة صح الخبر عنده، ويمسك عما يمسك عنه الصائم، ويجزئه صومه ولاقضاء عليه، فان لم يفعل فصومه باطل، كما قلنا في التى قبلها سواء سواء , وكذلك ايضا من عليه صوم نذر معين في يوم بعينه فنسى النية وذكر بالنهار فكما قلنا ولا فرق , وكذلك من نسى النية في ليلة من ليالى الشهرين المتتابعين الواجبين ثم ذكر بالنهار، ولافرق , وكذلك من نام قبل غروب الشمس في رمضان، أو في الشهرين المتتابعين، أو في نذر معين فلم ينتبه إلا بعد طلوع الفجر أو في شئ من نهار ذلك اليوم، ولو في آخره، فكما قلنا أيضا آنفا سواء سواء، ولا فرق في شئ اصلا , فلو لم يذكر فى شئ من الوجوه التى ذكرنا، ولا استيقظ حتى غابت الشمس: فلا اثم عليه، ولم يصم ذلك اليوم، برهان قولنا: قول الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/339)
قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا" [الأحزاب/5] ... وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). [قال الألباني: (صحيح) بلفظ: وضع انظر حديث رقم: 3515 في صحيح الجامع].
وكل من ذكرنا ناس أو مخطئ غير عامد، فلا جناح عليه.أ. هـ
س: ماذا على من نوى الصّيام من اللّيل ثم اصابه جنون او اغماء او تعاطى ما يغيب معه الوعى كالمسكر ونحوه؟
الجواب:
اختلف الفقهاء فيما إذا نوى الصّيام من اللّيل، ثمّ طرأ عليه إغماء او تعاطى ما يغيب معه العقل كالسكر ونحوه، فإن لم يفق إلاّ بعد غروب الشّمس، فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم صحّة صومه، لأنّ الصّوم هو الإمساك مع النّيّة، وفى الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي " [مسلم - كتاب الصيام - باب فضل الصيام]
فأضاف ترك الطعام والشراب إليه فإذا كان مغمى عليه فلا يضاف الإمساك إليه فلم يجزئه، ولأن النية أحد ركني الصوم فلا تجزئ وحدها كالإمساك وحده، أما النوم عادة ولا يزيل الإحساس بالكلية ومتى نبه انتبه والإغماء عارض يزيل العقل فأشبه الجنون.
قال ابن قدامه: ومن نوى من الليل فأغمي عليه قبل طلوع الفجر فلم يفق حتى غربت الشمس لم يجزه صيام ذلك اليوم، وجملة ذلك أنه متى أغمي عليه جميع النهار فلم يفق في شيء منه لم يصح صومه. أ. هـ
(قلت: وهذا هو الراجح والله تعالى اعلم)
وذهب الحنفيّة إلى صحّة صومه، لأنّ نيّته قد صحّت، وزوال الاستشعار بعد ذلك لا يمنع صحّة الصّوم، كالنّوم.
وهذا التفصيل المذكور إنما هو فيمن لم يذهب عقله , أما من ذهب عقله، فإن كان بسبب إغماء، فإنه يجب عليه القضاء.
قال ابن قدامة: وعلى المغمى القضاء بغير خلاف علمناه، لأن مدته لا تتطاول غالباً. انتهى.
وإن كان زواله لجنون، فلا قضاء عليه عند الجمهور، ومنهم: أبو حنيفة والشافعي وأحمد، لأنه فاقد لشرط التكليف وهو العقل.
وقال مالك: يجب عليه القضاء متى ما عاد إليه عقله، لأنه مرض فيندرج في قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) ... !!!
إلا أن الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور: من أن المجنون لا قضاء عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاثة:عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ و عن النائم حتى يستيقظ و عن الصبي حتى يحتلم " [رواه احمد وأبو داود – قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 3512 في صحيح الجامع].
قال ابن حزم: [المحلى (ج 6 / ص 226وما بعدها)]
وإذا رفع القلم عنه فهو غير مخاطب بصوم ولا بصلاة وهوغير مخاطب في حال جنونه حتى يعقل، وليس في ذلك بطلان صومه الذى لزمه قبل
جنونه، ولا عودته عليه بعد افاقته، وكذلك المغمى، فوجب أن من جن بعد أن نوى الصوم من الليل فلا يكون مفطرا بجنونه، لكنه فيه غير مخاطب، وقد كان مخاطبا به، فان أفاق في ذلك اليوم أو في يوم بعده من أيام رمضان فانه ينوى الصوم من حينه ويكون صائما، لانه حينئذ علم بوجوب الصوم عليه، وهكذا من جاءه الخبر برؤية الهلال ......... وأما من بلغ مجنونا مطبقا فهذا لم يكن قط مخاطبا، ولا لزمته الشرائع، ولا الاحكام، ولم يزل مرفوعا عنه القلم، فلا يجب عليه قضاء صوم أصلا. أ.هـ
والفرق بين الجنون والإغماء: أن الجنون يطول، والإغماء لا يطول غالباً.
ولا خلاف بين العلماء في عدم لزوم الفدية لفاقد العقل: مغمى كان أو مجنوناً.
ملحوظه:
فاقد العقل بالإغماء فقداناً مستمراً لا قضاء عليه، ولا كفارة لشبهه بالمجنون،
أما من فقده باغماء يفيق بعده فعليه القضاء متى افاق , ومن المتقرر أن المغمى عليه يقضي الصوم على المذاهب الأربعة إلا قولاً في مذهب الحنابلة والشافعية.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل له مدة شهرين لم يشعر بشيء ولم يصلِّ ولم يصم رمضان فماذا يجب عليه؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/340)
فأجاب: لا يجب عليه شيء لفقد شعوره، ولكن إن قدر الله أن يفيق لزمه قضاء رمضان، وإن قضى الله عليه بالموت فلا شيء عليه، إلا أن يكون من ذوي الأعذار المستمرة كالكبير ونحوه، ففرضه أن يطعم وليه عنه عن كل يوم مسكيناً. أ.هـ
س: ماذا على الصبى اذا بلغ فى نهار رمضان وكذالك الكافر يسلم فى نهار رمضان؟
الجواب:
قال صاحب الجامع لأحكام الصيام: [لأبي إياس محمود بن عبد اللطيف بن محمود (عويضة) - الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 120)]:
الصبي إذا بلغ في نهار رمضان، والكافر إذا أسلم في نهار رمضان، فقد دخلا في دائرة المكلَّفِين، فوجب عليهما عندئذٍ الإمساكُ بقيةَ النهار وقضاءُ يوم بدله، وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح والعنبري، وليس في هذه المسألة نصٌّ خاص ولذلك نلجأ إلى النصوص العامة، وهذه النصوص العامة تفرض التكاليف الشرعية على الصبي إذا بلغ، وعلى الكافر إذا أسلم، وكون الصيام من هذه التكاليف فإن الصبي والكافر يتوجب عليهما الصيام لحظة البلوغ والإسلام، وحيث أن التكاليف بدأت في جزء من نهار رمضان، وأن الصبي والمجنون لم ينويا الصيام من الليل، والنيةُ شرط لا بد منه لقبول الصيام، فقد صار من المتوجَّبِ عليهما أن يصوما يوماً بدل. أ.هـ
قال ابن قدامة:
إذا نوى الصبي الصوم من الليل فبلغ في أثناء النهار بالاحتلام أو السن فقال القاضي يتم صومه ولا قضاء عليه لأن نية صوم رمضان حصلت ليلا فيجزئه كالبالغ .......... فأما ما مضى من الشهر قبل بلوغه فلا قضاء عليه وسواء كان قد صامه أو أفطره هذا قول عامة أهل العلم ...... لأنه زمن مضى في حال صباه فلم يلزمه قضاء الصوم فيه كما لو بلغ بعد انسلاخ رمضان ........... فأما اليوم الذي أسلم فيه الكافر فإنه يلزمه امساكه ويقضيه هذا المنصوص عن أحمد وبه قال الماجشون و إسحاق وقال مالك و أبو ثور و ابن المنذر لا قضاء عليه لأنه لم يدرك من زمن العبادة ما يمكنه التلبس بها فيه فأشبه ما لو أسلم بعد خروج اليوم وقد روي ذلك عن أحمد أ. هـ[المغنى – ج6 ص161]
(قلت: ولعل الراجح ان امثال هؤلاء ليس عليهم قضاء، وللمزيد من البيان راجع كلام الالبانى فى سؤال: ما هى صفة نيه الصوم؟)
س: ما حكم صيام من ينام طيلة وقت الصيام؟
الجواب:
النائم طيلة وقت الصيام على حالين:
الحال الأولى: رجل ينام طوال النهار ولا يستيقظ ولا شك أن هذا جانٍ على نفسه، وعاصٍ لله عز وجل بتركه الصلاة في أوقاتها، ومنقص لصومه , وما مثله إلا مثل من يبني قصراً ويهدم مصراً، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يقوم ويؤدي الصلاة في أوقاتها حسبما أمر به.
وهناك فرق بين النوم والاغماء، فأما النوم عادة، ولا يزيل الإحساس بالكلية ومتى نبه انتبه، والإغماء عارض يزيل العقل فأشبه الجنون.
أما الحال الثانية: وهي حال من يقوم ويصلي الصلاة المفروضة في وقتها ومع الجماعة فهذا ليس بآثم، لكنه فوَّت على نفسه خيراً كثيراً، لأنه ينبغي للصائم أن يشتغل بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم حتى يجمع في صيامه عبادات شتى، والإنسان إذا عوَّد نفسه ومرنها على أعمال العبادة في حال الصيام سهل عليه ذلك، وإذا عوَّد نفسه الكسل والخمول والراحة صار لا يألف إلا ذلك وصعبت عليه العبادات والأعمال في حال الصيام، فلا ينبغى للصائم ان يستوعب وقت صيامه في نومه، فليحرص على العبادة من باب حسن التجاره مع الله وحتى يكون صيامه ايمانا واحتسابا.
?فصل فى بيان سنن الصيام ومستحباته ومكروهاته?
س: ما هى سنن الصيام ومستحباته؟
الجواب:
سنن الصّوم ومستحبّاته كثيرة، أهمّها:
1 – السّحور وتأخيره:
قال ابن قدامة:
والكلام في السحور على ثلاثة أشياء:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/341)
أحدها: في استحبابه ولا نعلم فيه بين العلماء خلافا وقد روى أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:" تسحروا فإن في السحور بركة " متفق عليه، وعن عمرو بن العاص قال: " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكله السحر" أخرجه مسلم و أبي داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح ورو الإمام أحمد بإسناده عن أبي سعيد قال: " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين" [قال الألباني: (حسن) انظر حديث رقم: 3683 في صحيح الجامع].
الثاني في وقته: قال أحمد يعجبني تأخير السحور لما روى زيد بن ثابت قال: " تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قمنا إلى الصلاة قلت كم كان قدر ذلك؟ قال خمسين آية " متفق عليه، و روى العرباض بن سارية قال دعاني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى السحور فقال: "هلم إلى الغداء المبارك" رواه أبو داود و النسائي. [قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 7043 في صحيح الجامع]. ... سماه غداء لقرب وقته منه، ولأن المقصود بالسحور التقوي على الصوم وما كان أقرب إلى الفجر كان أعون على الصوم قال أبو داود قال أبو عبد الله إذا شك في الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه وهذا قول ابن عباس و عطاء و الأوزاعي ....... فأما الجماع فلا يستحب تأخيره لأنه ليس مما يتقوى به وفيه خطر وجوب الكفارة وحصول الفطر به.
الثالث: فيما يستحر به وكل ما حصل من أكل أو شرب حصل به فضيلة السحور لقوله عليه السلام: " ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء" وروى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " نعم سحور المؤمن التمر ".أ. هـ[رواه أبو داود قال الألباني: صحيح] [المغنى – ج6 ص186]
2 - تعجيل الفطر:
فى الحديث عن ابي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر لأن اليهود و النصارى يؤخرون " [قال الألباني: (حسن) انظر حديث رقم: 7689 في صحيح الجامع].
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَحَادِيثُ تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ صِحَاحٌ مُتَوَاتِرَةٌ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ قَالَ الْحَافِظُ: صَحِيحٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ الْأَوْدِيِّ قَالَ: " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَ النَّاسِ إفْطَارًا وَأَبْطَأَهُمْ سُحُورًا "
قال ابن قدامه:
تعجيل الفطر وفيه أمور ثلاثة:
احدها: في استحبابه وهو قول اكثر أهل العلم لما روى سهل بن سعد الساعدي " أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر" متفق عليه و قال أنس ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي حتى يفطر ولو على شربة من ماء " [قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 4858 في صحيح الجامع].
وأخرج الطبرانى في الكبير عن أم حكيم بنت وداع قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " عجلوا الإفطار وأخروا السحور ". [قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 3989 في صحيح الجامع]
الثاني فيما يفطر عليه ويستحبّ أن يكون الإفطار على رطبات:
فإن لم تكن فعلى تمرات، وفي هذا ورد حديث عن أنس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات , فإن لم تكن رطبات فتمرات , فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء " [رواه أبو داود و الترمذي و حسنه. و هو في " صحيح أبي داود " برقم (2040)].
وورد فيه حديث عن سلمان بن عامر الضّبّيّ رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإن الماء طهور" [ابو داود والبيهقى - قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 746 في صحيح الجامع].
قال الشوكانى:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/342)
وَحَدِيثَا أَنَسٍ وَسَلْمَانَ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْإِفْطَارِ بِالتَّمْرِ، فَإِنْ عُدِمَ فَبِالْمَاءِ وَلَكِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ مِنْ التَّمْرِ أَوْلَى مِنْ الْيَابِسِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ إنْ وُجِدَ، وَإِنَّمَا شُرِعَ الْإِفْطَارُ بِالتَّمْرِ لِأَنَّهُ حُلْوٌ، وَكُلُّ حُلْوٍ يُقَوِّي الْبَصَرَ الَّذِي يَضْعَفُ بِالصَّوْمِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْمُنَاسِبَةِ وَبَيَانِ وَجْهِ الْحِكْمَةِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّ الْحُلْوَ يُوَافِقُ الْإِيمَانَ وَيَرِقُ الْقَلْبَ، وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ كَوْنَهُ حُلْوًا، وَالْحُلْو لَهُ ذَلِكَ التَّأْثِيرُ فَيُلْحَقُ بِهِ الْحَلَوِيَّاتُ كُلُّهَا. أ.هـ[نيل الأوطار - (ج 7 / ص 91)]
والثالث الوصال: وهو أن لا يفطر بين اليومين بأكل ولا شرب وهو مكروه في قول أكثر أهل العلم لما روى ابن عمر قال: " واصل رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان فواصل الناس فنهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الوصال فقالوا إنك تواصل قال: إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى " (متفق عليه) وهذا يقتضي اختصاصه بذلك ومنع إلحاق غيره به وقوله: "إني أطعم وأسقى" يحتمل أنه يريد أنه يعان على الصيام ويغنيه الله تعالى عن الشراب والطعام بمنزلة من طعم وشرب ويحتمل أنه أراد إني أطعم حقيقة وأسقى حملا للفظ على حقيقته ............... وقال أبو هريرة: " نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الوصال فلما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوما ويوما ثم رأوا الهلال فقال: لو تأخر لزدتكم كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا" (متفق عليه) فإن واصل من سحر إلى سحر جاز لما روى أبو سعيد أنه " سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر " (أخرجه البخاري) وتعجيل الفطر أفضل لما قدمناه.أ. هـ[المغنى – ج6 ص188]
3 - ويستحب استعمال السواك:
قال ابن القيم: [زاد المعاد - (ج 4 / ص 293وما بعدها)]
وفي السواك عدة منافع: يطيب الفم ويشد اللثة ويقطع البلغم ويجلو البصر ويذهب بالحفر ويصح المعدة ويصفي الصوت ويعين على هضم الطعام ويسهل مجاري الكلام وينشط للقراءة والذكر والصلاة ويطرد النوم ويرضي الرب ويعجب الملائكة ويكثر الحسنات.
ويستحب كل وقت ويتأكد عند الصلاة والوضوء والإنتباه من النوم وتغيير رائحة الفم , ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه ولحاجة الصائم إليه , ولأنه مرضاة للرب ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر , ولأنه مطهرة للفم والطهور للصائم من أفضل أعماله.
وفي السنن: عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لا أحصي يستاك وهو صائم وقال البخاري: قال ابن عمر: يستاك أول النهار وآخره , وأجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوبا واستحبابا والمضمضة أبلغ من السواك , وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة , ولا هي من جنس ما شرع التعبد به , وإنما ذكر طيب الخلوف عند الله يوم القيامة حثا منه على الصوم لا حثا على إبقاء الرائحة , بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر , وأيضا فإن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم
, وأيضا فإن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم
, وأيضا فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف الذي يزيله السواك عند الله يوم القيامة , بل يأتي الصائم يوم القيامة وخلوف فمه أطيب من المسك علامة على صيامه , ولو أزاله بالسواك كما أن الجريح يأتي يوم القيامة ولون دم جرحه لون الدم وريحه ريح المسك وهو مأمور بإزالته في الدنيا
, وأيضا فإن الخلوف لا يزول بالسواك فإن سببه قائم وهو خلو المعدة عن الطعام , وإنما يزول أثره وهو المنعقد على الأسنان واللثة , وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم علم أمته ما يستحب لهم في الصيام وما يكره لهم , ولم يجعل السواك من القسم المكروه وهو يعلم أنهم يفعلونه , وقد حضهم عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول , وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مرارا كثيرة تفوت الإحصاء , ويعلم أنهم يقتدون به ولم يقل لهم يوما من الدهر: لا تستاكوا بعد الزوال , وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع والله أعلم. أ.هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/343)
وقال الألباني: [سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/ 578)]:
ومما جاء في مشروعية السواك للصائم في أي وقت شاء أول النهار أو آخره عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " [متفق عليه]
و في " مسند الشاميين " (2250) بإسناد يحتمل التحسين عن عبد
الرحمن بن غنم قال:سألت معاذ بن جبل أأتسوك و أنا صائم ? قال: نعم , قلت: أي النهار أتسوك ? قال: أي النهار شئت غدوة أو عشية , قلت: إن الناس يكرهونه عشية و يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لخلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ? "
فقال: سبحان الله لقد أمرهم بالسواك و هو يعلم أنه لا بد أن يكون بفي الصائم خلوف و إن استاك , و ما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمدا , ما في ذلك من الخير شيء , بل فيه شر , إلا من ابتلي ببلاء لا يجد منه بدا , قلت: و الغبار في سبيل الله أيضا كذلك إنما يؤجر من اضطر إليه و لا يجد عنه محيصا ? قال: نعم , فأما من ألقى نفسه في البلاء عمدا فما له في ذلك من أجر ". أ. هـ[و قال الحافظ في " التلخيص " (ص 193): إسناده جيد]
واورد أَبِو شَيْبَة مِنْ طَرِيق أَبِي حَمْزَة الْمَازِنِيِّ قَالَ " أَتَى اِبْنَ سِيرِينَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا تَرَى فِي السِّوَاك لِلصَّائِمِ؟ قَالَ لَا بَأْس بِهِ. قَالَ: إِنَّهُ جَرِيدٌ وَلَهُ طَعْمٌ " قَالَ: وَالْمَاء لَهُ طَعْم وَأَنْتَ تُمَضْمِضُ بِهِ. أ.هـ[أخرجه البخاري معلقا]
4 - ويستحب ان سابه احد او شاتمه ان يقول انى صائم مرتين وان كان قائما يجلس:
ففى الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا". [البخاري - كتاب الصوم - باب فضل الصوم]
قال ابن حجر فى الشرح:
وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيق عَجْلَان مَوْلَى الْمُشْمَعِلّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " فَإِنْ سَابَّك أَحَد فَقُلْ إِنِّي صَائِم وَإِنْ كُنْت قَائِمًا فَاجْلِسْ " .... وَلِأَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيق اِبْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " فَإِنْ جَهِلَ عَلَى أَحَدكُمْ جَاهِل وَهُوَ صَائِم " وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيث عَائِشَة " وَإِنْ اِمْرُؤٌ جَهِلَ عَلَيْهِ فَلَا يَشْتُمهُ وَلَا يَسُبّهُ " وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَات كُلّهَا عَلَى أَنَّهُ يَقُول " إِنِّي صَائِم " فَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا مَرَّتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ اِقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدَة. أ.هـ
قال ابن تيميه: [الفتاوى الكبرى - (ج 5 / ص 376)]
وإذا شتم الصائم استحب أن يجيب بقوله إني صائم وسواء كان الصوم فرضا أو نفلا.أ. هـ
قال ابن القيم: [زاد المعاد - (ج 2 / ص 48)]
ونهى الصائم عن الرفث والصخب والسباب وجواب السباب فأمره أن يقول لمن سابه: إني صائم فقيل: يقوله بلسانه وهو أظهر وقيل: بقلبه تذكيرا لنفسه بالصوم وقيل: يقوله في الفرض بلسانه وفي التطوع في نفسه لأنه أبعد عن الرياء. أ.هـ
5 - ويستحب الاكثار من تلاوة القرآن:
فى الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ". [البخاري - كتاب بدء الوحي - باب بدء الوحى]
قال ابن حجر فى الشرح:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/344)
قَوْله: (فَيُدَارِسهُ الْقُرْآن) قِيلَ الْحِكْمَة فِيهِ أَنَّ مُدَارَسَة الْقُرْآن تُجَدِّد لَهُ الْعَهْد بِمَزِيدِ غِنَى النَّفْس ........ وَفيه اسْتِحْبَاب الْإِكْثَار مِنْ الْقِرَاءَة فِي رَمَضَان وَكَوْنهَا أَفْضَل مِنْ سَائِر الْأَذْكَار , إِذْ لَوْ كَانَ الذِّكْر أَفْضَل أَوْ مُسَاوِيًا لَفَعَلَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَقْصُود تَجْوِيد الْحِفْظ , قُلْنَا الْحِفْظ كَانَ حَاصِلًا , وَالزِّيَادَة فِيهِ تَحْصُل بِبَعْضِ الْمَجَالِس. أ.هـ
6 - ويستحب كثرة الجود بالخير من القول والفعل والعطاء:
فى الحديث عند البخاري " فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ".
قال ابن حجر:
وَالْجُود فِي الشَّرْع إِعْطَاء مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي , وَهُوَ أَعَمّ مِنْ الصَّدَقَة. وَأَيْضًا فَرَمَضَان مَوْسِم الْخَيْرَات ; لِأَنَّ نِعَم اللَّه عَلَى عِبَاده فِيهِ زَائِدَة عَلَى غَيْره , فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْثِر مُتَابَعَة سُنَّة اللَّه فِي عِبَاده. فَبِمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْوَقْت وَالْمَنْزُول بِهِ وَالنَّازِل وَالْمُذَاكَرَة حَصَلَ الْمَزِيد فِي الْجُود .....
وَالْمُرْسَلَة أَيْ: الْمُطْلَقَة يَعْنِي أَنَّهُ فِي الْإِسْرَاع بِالْجُودِ أَسْرَع مِنْ الرِّيح , وَعَبَّرَ بِالْمُرْسَلَةِ إِشَارَة إِلَى دَوَام هُبُوبهَا بِالرَّحْمَةِ , وَإِلَى عُمُوم النَّفْع بِجُودِهِ كَمَا تَعُمّ الرِّيح الْمُرْسَلَة جَمِيع مَا تَهُبّ عَلَيْهِ. وَوَقَعَ عِنْد أَحْمَد فِي آخِر هَذَا الْحَدِيث " لَا يُسْأَل شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ " وَثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَة فِي الصَّحِيح مِنْ حَدِيث جَابِر " مَا سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَالَ لَا ". وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِي الْحَدِيث فَوَائِد: مِنْهَا الْحَثّ عَلَى الْجُود فِي كُلّ وَقْت , وَمِنْهَا الزِّيَادَة فِي رَمَضَان وَعِنْد الِاجْتِمَاع بِأَهْلِ الصَّلَاح. أ.هـ
7 - ويستحبّ أن يدعو عند الإفطار:
فقد ورد عن عبد اللّه بن عمرو رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً: «إنّ للصّائم دعوةً لا تردّ» وهذا الحديث وكل ما فى معناه مثل حديث " ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر , و الإمام العادل , و دعوة المظلوم" كلها احاديث لايصح منها شئ ولكن الصيام عبادة عظيمة والسنة الدعاء بين يدي الاعمال الصالحة، أى بعد تمام أدائها , فمن اتم حجه امُر بقول الله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا " [البقرة - 200] , والسنة الدعاء دبر الصلوات اى فى اخرها قبل التسليم , فكان من الخير الدعاء عند الفطر بين يدى الصيام والله الموفق للخير.
وليس هناك دعاء موقوف مأثور عن النبي , وما عرف من دعاء" اللهم لك صمت و على رزقك أفطرت ... " فلا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم
لكن ما جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: «ذهب الظّمأ، وابتلّت العروق، وثبت الأجر إن شاء اللّه تعالى» [قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 39:حسن]
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا أَفْطَرَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي. [اورده الشوكانى فى نيل الاوطار]
9 - يستحب إفطار الصائمين:
فى الحديث:" من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا" [(صحيح) انظر حديث رقم: 6415 في صحيح الجامع].
س: ما هى مكروهات الصوم؟
الجواب:
يكره للصّائم بوجه عامّ - مع الخلاف - ما يلي:
1 - ذوق شيء بلا عذر:
لما فيه من تعريض الصّوم للفساد، ومن العذر مضغ الطّعام للولد، إذا لم تجد الأمّ منه بدّاً، فلا بأس به، ويكره إذا كان لها منه بدّ، وكذا ذوق الطّعام، لينظر اعتداله، لصانع الطّعام، والمرأة حال طهوها للطعام خاصة لمن تعلم من زوجها اساءة عند عدم اعتدال الطعام.!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/345)
وليس من العذر، ذوق اللّبن والعسل لمعرفة الجيّد منه والرّديء عند الشّراء، فيكره ذلك، ولابد التحرز من وصول الطعم المذاق الى الحلق فإن وجد طعم المذوق في حلقه أفطر.
2 - تكره القبلة والمباشرة والمعانقة ودواعي الوطء:
كاللّمس وتكرار النّظر إن لم يأمن على نفسه وقوع مفسد، من الإنزال أو الجماع .... (تقدم الكلام على القبلة والمباشرة)
3 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق:
وذلك لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال له: " بالغ في الاستنشاق إلاّ أن تكون صائماً"، وذلك خشية فساد صومه.
ومن المكروهات الّتي عدّدها المالكيّة: فضول القول والعمل، وإدخال كلّ رطب له طعم - في فمه - وإن مجّه، والإكثار من النّوم في النّهار.
واخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ" ....... وفى رواية اخري:" وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ" [تقدم تخريجه]
قال ابن حجر:
قَوْله: (وَلَا يَجْهَل): أَيْ لَا يَفْعَل شَيْئًا مِنْ أَفْعَال أَهْل الْجَهْل كَالصِّيَاحِ وَالسَّفَه وَنَحْو ذَلِكَ ...... قَالَ الْقُرْطُبِيّ: لَا يُفْهَم مِنْ هَذَا أَنَّ غَيْر الصَّوْم يُبَاح فِيهِ مَا ذُكِرَ , وَإِنَّمَا الْمُرَاد أَنَّ الْمَنْع مِنْ ذَلِكَ يَتَأَكَّد بِالصَّوْمِ.
قَوْله فِيهِ (وَلَا يَصْخَبُ): وَالصَّخَب الْخِصَام وَالصِّيَاح , وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْي عَنْ ذَلِكَ تَأْكِيده حَالَة الصَّوْمِ , وَإِلَّا فَغَيْرُ الصَّائِم مَنْهِيّ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا. أ.هـ
4 - تأخير الفطر:
وذلك لما تقرر من فضيلة تعجيل الفطر، وَأَيْضًا فِي تَأْخِيرِهِ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ عِنْدَ ظُهُورِ النُّجُومِ، وَقَدْ كَانَ الشَّارِعُ يَأْمُرُ بِمُخَالَفَتِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ.
5 - ترك أكلة السحور:
فى الحديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ بِلَفْظِ: " إن الله و ملائكته يصلون على المتسحرين ". [صححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4/ 212]
وَفِي رِوَايَةٍ عن انس يرفعه: " تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ ". [انظر حديث رقم: 2945 في صحيح الجامع.]
قال الشوكانى:
وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَدْبِيَّةِ السُّحُورِ انْتَهَى.
وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ وَاصَلُوا، وَمِنْ مُقَوِّيَاتِ مَشْرُوعِيَّةِ السُّحُورِ مَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لَأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَسَحَّرُونَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّسَحُّرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْمُؤْمِنُ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ وَلَوْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ.أ. هـ[نيل الأوطار - (ج 7 / ص 93)]
قال ابن قدامة:
ويجب على الصائم أن ينزه صومه عن الكذب والغيبة والشتم قال أحمد: ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه ولا يماري ويصون صومه كانوا إذا صاموا قعدوا في المساجد وقالوا نحفظ صومنا ولا يغتاب أحدا ولا يعمل عملا يجرح به صومه. أ.هـ[المغنى - ج6 ص201]
?فصل فى بيان مبطلات الصيام ومفسداته?
س: ما هى مفسدات ومبطلات الصيام؟
الجواب:
يفسد الصّوم ويبطل - بوجه عامّ - كلّما انتفى شرط من شروطه، أو اختلّ أحد أركانه، كالرّدّة، وكطروء الحيض والنّفاس، وفعل كلّ ما ينافيه من أكل وشرب وجماع ونحوهما، ودخول شيء من خارج البدن إلى جوف الصّائم.
والجوف هو: الباطن، سواء أكان ممّا يحيل الغذاء والدّواء، أي يغيّرهما كالبطن والأمعاء، أم كان ممّا يحيل الدّواء فقط كباطن الرّأس أو الأذن، أم كان ممّا لا يحيل شيئاً كباطن الحلق.
قال النّوويّ: جعلوا الحلق كالجوف، في بطلان الصّوم بوصول الواصل إليه، وقال غيره: إذا جاوز الشّيء الحلقوم أفطر.
قال: وعلى الوجهين جميعاً: باطن الدّماغ والأمعاء والمثانة ممّا يفطر الوصول إليه. أ.هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/346)
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 175وما بعدها)]
ويُبطل الصوم تعمُد الاكل، أو تعمد الشرب، أو تعمد الوطئ في الفرج، أو تعمد القئ، وهو في كل ذلك ذاكرا لصومه، سواء قل ما أكل أو كثر، أخرجه من بين أسنانه , أو أخذه من خارج فمه فأكله، وهذا كله مجمع عليه إجماعا متيقنا .......... وأما الريق فقل أو كثر فلا خلاف في أن تعمد ابتلاعه لا ينقض الصوم وبالله تعالى التوفيق. أ.هـ
فالذى يفسد الصوم بفعل الصائم منها أمور متفق عليها وأخرى مختلف فيها:
فأما المتفق على انه يفسد الصيام:
اولا:الاكل والشرب عمدا أو ما يدخل الجوف:
قال ابن قدامه: [المغني –- (ج 3 / ص 36)]
يفطر بالأكل والشرب بالإجماع وبدلالة الكتاب والسنة أما الكتاب فقول الله تعالى:" وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ " [البقرة - 187] مد الأكل والشرب إلى تبين الفجر ثم أمر بالصيام عنهما وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه و سلم: " والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ". [البخاري - كتاب الصوم - باب فضل الصوم]
واجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب بما يتغذى به فأما مالا يتغذى به فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل به. أ.هـ
ولذلك عبر العلماء على هذا الامر من مفسدات الصيام بما يدخل الجوف:
ويشترط في فساد الصّوم وابطاله بما يدخل إلى الجوف ما يلي:
1 - أن يكون الدّاخل إلى الجوف، من المنافذ الواسعة - كما قيّده بذلك المالكيّة - والمفتوحة - كما قال الشّافعيّة - أي المخارق الطّبيعيّة الأصليّة في الجسم، والّتي تعتبر موصّلةً للمادّة من الخارج إلى الدّاخل، كالفم والأنف.
وقد استدلّ لذلك، بالاتّفاق على أنّ من اغتسل في ماء، فوجد برده في باطنه لا يفطر، ومن طلى بطنه بدهن لا يضرّ، لأنّ وصوله إلى الجوف بتشرّب لايضر.
2 - أن يكون الدّاخل إلى الجوف ممّا يمكن الاحتراز عنه، كدخول المطر والثّلج بنفسه حلق الصّائم إذا لم يبتلعه بصُنعه، فإن لم يمكن الاحترازعنه , كالذّباب يطير إلى الحلق، وغبار الطّريق , لم يفطر إجماعاً، ومن رفع راسه لاعلى فسقط الى حلقه قطرة ماء او نحوها.
3 - والجمهور على أنّه لا يشترط أن يكون الدّاخل إلى الجوف مغذّياً، فيفسد الصّوم بالدّاخل إلى الجوف، ممّا يغذّي أو لا يغذّي، وذلك بتناول ما لا يؤكل عادةً كالتّراب والحصى، والحبوب النّيئة، كالقمح والشّعير والحمّص والعدس، والثّمار الفجّة الّتي لا تؤكل قبل النّضج، كالسّفرجل والجوز، وكذا تناول ملح كثير دفعةً واحدةً، أوعلى دفعات، بتناول دفعة قليلة، في كلّ مرّة، أمّا في أكل نواة أو قطن أو ورق، أو حديد أو ذهب أو فضّة، وكذا شرب ما لا يشرب من السّوائل كالبترول، وذلك كله سواء أكان ممّا يتغذّى به أم يتداوى به، ولأنّ هذه المذكورات ليست غذائيّةً، ولا في معنى الغذاء.
4 - ويشترط أن يكون الصّائم قاصداً ذاكراً لصومه، أمّا لو كان ناسياً أنّه صائم، فلا يفسد صومه عند الجمهور، وذلك لما جاء فى الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ". [البخاري - كتاب الايمان والنذور - باب اذا حنث ناسيا فى الايمان].
وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: "مَنْ أَكَلَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ و لا كفارة ". [قال الألبانى فى "إرواء الغليل" (4/ 86): وإسناده حسن].
ويستوي في ذلك الفرض والنّفل لعموم الأدلّة ... (وهو الصواب الراجح)
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْجُمْهُورُ فَقَالُوا: مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فَلَا يُفْسَدُ صَوْمُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ.
وخالف مالك في صوم رمضان فذهب إلى أنّ من نسي في رمضان، فأكل أو شرب، عليه القضاء، أمّا لو نسي في غير رمضان، فأكل أو شرب، فإنّه يتمّ صومه، ولا قضاء عليه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/347)
5 - وشرط الشّافعيّة والحنابلة وزفر من الحنفيّة، أن يكون الصّائم مختاراً - غير مكره - فيما يتناوله، من طعام أو شراب أو دواء، فلو صبّ الماء أو الدّواء في حلقه مكرهاً، لم يفسد صومه عندهم، لأنّه لم يفعل ولم يقصد.
ولو أكره على الإفطار، فأكل أو شرب، فللشّافعيّة قولان مشهوران في الفطر وعدمه , أصحّهما عدم الفطر، وعلّلوا عدم الإفطار بأنّ الحكم الّذي ينبني على اختياره ساقط، لعدم وجود الاختيار.
ومذهب الحنابلة: أنّه لا يفسد صومه قولاً واحداً، وذلك لحديث ابن عباس يرفعه: «إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه» [قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 1836 في صحيح الجامع]. .. فإنّه عامّ.
الثانى: الجماع فى نهار رمضان:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ جماع الصّائم في نهار رمضان عامداً مختاراً بأن يلتقي الختانان وتغيب الحشفة في أحد السّبيلين مفطر يوجب القضاء والكفّارة، أنزل أو لم ينزل، وفي قول ثان للشّافعيّة لا يجب القضاء، لأنّ الخلل انجبر بالكفّارة.
وعند الحنابلة: إذا جامع في نهار رمضان - بلا عذر - آدميّاً أو غيره حيّاً أو ميّتاً أنزل أم لا فعليه القضاء والكفّارة، عامداً كان أو ساهياً، أو جاهلاً أو مخطئاً، مختاراً أو مكرهاً، وهذا لحديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ مَا لَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ أَنَا قَالَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ" ... [البخاري - كتاب الصوم - باب اذا جامع فى رمضان ولم يكن له شئ يتصدق به]
الشرح نقلا من كلام ابن حجر فى فتح الباري (بتصرف يسير):
قَوْله: (هَلَكْت):اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَامِدًا لِأَنَّ الْهَلَاك وَالِاحْتِرَاقَ مَجَازٌ عَنْ الْعِصْيَانِ الْمُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ , فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْمُتَوَقَّعَ كَالْوَاقِعِ , وَبَالَغَ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي , وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى وُجُوب الْكَفَّارَة عَلَى النَّاسِي وَهُوَ مَشْهُور قَوْل مَالِك وَالْجُمْهُور , وَعَنْ أَحْمَد وَبَعْض الْمَالِكِيَّة يَجِب عَلَى النَّاسِي , وَتَمَسَّكُوا بِتَرْكِ اِسْتِفْسَاره هَلْ كَانَ عَنْ عَمْد أَوْ نِسْيَان ..... وَالْجَوَاب أَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ حَالُهُ بِقَوْلِهِ هَلَكْت وَاحْتَرَقْت فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَامِدًا عَارِفًا بِالتَّحْرِيمِ , وَأَيْضًا فَدُخُول النِّسْيَان فِي الْجِمَاع فِي نَهَار رَمَضَان فِي غَايَة الْبُعْدِ.
وفى روايه " أَصَبْت اِمْرَأَتِي ظُهْرًا فِي رَمَضَان " وَتَعْيِينُ رَمَضَان مَعْمُولٌ بِمَفْهُومِهِ , وَلِلْفَرْقِ فِي وُجُوب كَفَّارَة الْمُجَامِعِ فِي الصَّوْم بَيْن رَمَضَان وَغَيْره مِنْ الْوَاجِبَات كَالنَّذْرِ (قلت: وهذا يعنى ان هذا الحكم متعلق بمن فعل ذلك فى نهار رمضان حال صيامه لا فى غيره).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/348)
وَفِي الْحَدِيث أَيْضًا أَنَّ الْكَفَّارَة بِالْخِصَالِ الثَّلَاث عَلَى التَّرْتِيب الْمَذْكُور. قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقَلَهُ مِنْ أَمْرٍ بَعْدَ عَدَمِهِ لِأَمْرٍ آخَرَ وَلَيْسَ هَذَا شَأْنَ التَّخْيِير.
قَوْلُهُ: (فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِعْسَارِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا لَا تُصْرَفُ فِي النَّفْسِ وَالْعِيَالِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِقْرَارَهَا فِي ذِمَّتِهِ إلَى حِينِ يَسَارِهِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا تَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ، قَالُوا: وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهَا عَنْ الْمُعْسِرِ، بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْرَارِهَا عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ عَاجِزًا عَنْ نَفَقَةِ أَهْلِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ الْكَفَّارَةَ فِيهِمْ.
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 197)]:
وصفة الكفارة الواجبة هي كما ذكرنا في رواية جمهور أصحاب الزهري: من عتق رقبة لا يجزئه غيرها مادام يقدر عليها، فان لم يقدر عليها لزمه صوم شهرين متتابعين، فان لم يقدر عليها لزمه حينئذ اطعام ستين مسكينا ...... وبقولنا يقول أبو حنيفة، والشافعي، وأبو سليمان، وأحمد وجمهور الناس.أ. هـ
وَذُكِرَ فِي حِكْمَةِ هَذِهِ الْخِصَال مِنْ الْمُنَاسَبَة أَنَّ مَنْ اِنْتَهَكَ حُرْمَةَ الصَّوْم بِالْجِمَاعِ فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ بِالْمَعْصِيَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً فَيَفْدِي نَفْسَهُ , وَقَدْ صَحَّ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَة أَعْتَقَ اللَّه بِكُلِّ عُضْو مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّار. وَأَمَّا الصِّيَام فَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ كَالْمُقَاصَّةِ بِجِنْسِ الْجِنَايَة , وَأَمَّا كَوْنُهُ شَهْرَيْنِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِمُصَابَرَةِ النَّفْس فِي حِفْظِ كُلّ يَوْم مِنْ شَهْر رَمَضَان عَلَى الْوَلَاء فَلَمَّا أَفْسَدَ مِنْهُ يَوْمًا كَانَ كَمَنْ أَفْسَدَ الشَّهْر كُلّه مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ بِالنَّوْعِ فَكُلِّفَ بِشَهْرَيْنِ مُضَاعَفَة عَلَى سَبِيل الْمُقَابَلَة لِنَقِيضِ قَصْده. وَأَمَّا الْإِطْعَام فَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ مُقَابَلَة كُلّ يَوْم بِإِطْعَامِ مِسْكَيْنِ. ثُمَّ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ جَامِعَة لِاشْتِمَالِهَا عَلَى حَقّ اللَّه وَهُوَ الصَّوْم , وَحَقّ الْأَحْرَار بِالْإِطْعَامِ , وَحَقّ الْأَرِقَّاء بِالْإِعْتَاقِ , وَحَقّ الْجَانِي بِثَوَابِ الِامْتِثَال. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِيجَاب الْكَفَّارَة بِالْجِمَاعِ.
وَالْمُرَاد بِالْإِطْعَامِ الْإِعْطَاء لَا اِشْتِرَاط حَقِيقَة الْإِطْعَام مِنْ وَضْعِ الْمَطْعُوم فِي الْفَم بَلْ يَكْفِي الْوَضْع بَيْن يَدَيْهِ بِلَا خِلَاف , وَفِي إِطْلَاق الْإِطْعَام مَا يَدُلّ عَلَى الِاكْتِفَاء بِوُجُودِ الْإِطْعَام مِنْ غَيْر اِشْتِرَاط مُنَاوَلَة , بِخِلَافِ زَكَاة الْفَرْض فَإِنَّ فِيهَا النَّصَّ عَلَى الْإِيتَاء وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ فِيهَا النَّصَّ عَلَى الْأَدَاء , وَفِي ذِكْرِ الْإِطْعَام مَا يَدُلّ عَلَى وُجُودِ طَاعِمِينِ فَيُخْرِجُ الطِّفْل الَّذِي لَمْ يَطْعَمْ كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّة , وَنَظَرَ الشَّافِعِيّ إِلَى النَّوْع فَقَالَ: يُسَلَّمُ لِوَلِيِّهِ , وَذَكَرَ السِّتِّينَ لِيُفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَا زَادَ عَلَيْهَا , وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْمَفْهُومِ تَمَسَّكَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ.
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 201وما بعدها)]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/349)
ومن كان فرضه الاطعام فانه لابد له من أن يطعمهم شبعهم، من أي شئ أطعمهم، وان اختلف، مثل أن يطعم بعضهم خبزا، وبعضهم تمرا، وبعضهم ثريدا، وبعضهم زبيبا، ونحو ذلك، ويجزئ في ذلك مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، إن أعطاهم حبا أو دقيقا أو تمرا أو زبيبا أو غير ذلك مما يؤكل ويكال، فان أطعمهم طعاما معمولا فيجزئه ما أشبعهم أكلة واحدة، أقل أو أكثر ....... ولا يجوز تحديد إطعام دون إطعام بغير نص ولا إجماع ....... ولا يجزئ إطعام رضيع لا يأكل الطعام، ولا إعطاؤه من ذلك، لانه لا يسمى إطعاما، فان كان يأكل كما تأكل الصبيان أجزأ إطعامه وإشباعه، وإن أكل قليلا، لانه أطعم كما أمر ....... ولا يجزئ اطعام أقل من ستين، ولا صيام أقل من شهرين، لانه خلاف ما أمر به وبالله تعالى التوفيق. أ.هـ
قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد: أَضَافَ الْإِطْعَام الَّذِي هُوَ مَصْدَر أَطْعِمْ إِلَى سِتِّينَ فَلَا يَكُون ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي حَقّ مَنْ أَطْعَمَ سِتَّة مَسَاكِينَ عَشْرَة أَيَّام مَثَلًا.
قَوْله: (خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ) وَزَادَ اِبْن إِسْحَاق " فَتَصَدَّقْ بِهِ عَنْ نَفْسِك "
وَاسْتُدِلَّ بِإِفْرَادِهِ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَة عَلَيْهِ وَحْده دُون الْمَوْطُوءَة , وَكَذَا قَوْله فِي الْمُرَاجَعَة " هَلْ تَسْتَطِيع " وَ " هَلْ تَجِد " وَغَيْر ذَلِكَ , وَهُوَ الْأَصَحّ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيَّة وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيِّ , وَقَالَ الْجُمْهُورُ وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْمُنْذِر تَجِبُ الْكَفَّارَة عَلَى الْمَرْأَة أَيْضًا عَلَى اِخْتِلَافٍ وَتَفَاصِيلَ لَهُمْ فِي الْحُرَّة وَالْأَمَة وَالْمُطَاوِعَةِ وَالْمُكْرَهَةِ وَهَلْ هِيَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الرَّجُل عَنْهَا , وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّة بِسُكُوتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنْ إِعْلَام الْمَرْأَة بِوُجُوبِ الْكَفَّارَة مَعَ الْحَاجَة (قلت: هوالاصح والموافق للدليل والله تعالى اعلم)
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ اِخْتَلَفُوا فِي الْكَفَّارَة هَلْ هِيَ عَلَى الرَّجُل وَحْدَهُ عَلَى نَفْسه فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ عَنْهُ وَعَنْهَا أَوْ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسه وَعَلَيْهَا عَنْهَا , وَلَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَاكِت عَنْ الْمَرْأَة
سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ رَجُل جَامَعَ اِمْرَأَته فِي رَمَضَان قَالَ: عَلَيْهِمَا كَفَّارَة وَاحِدَة إِلَّا الصِّيَام , قِيلَ لَهُ فَإِنْ اِسْتَكْرَهَهَا؟ قَالَ عَلَيْهِ الصِّيَام وَحْده
و لَا رَيْب فِي حُصُول الْإِثْم عَلَى الْمُطَاوِعَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إِثْبَات الْكَفَّارَة. أ.هـ (انتهى كلام ابن حجر)
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 196)]
وأما المرأة فموطوءة، والموطوءة غير الواطئ فالامر في سقوط الكفارة عنها على كل حال أوضح من كل واضح .. أ. هـ
قال ابن قدامه:
قال أبو داود: سئل أحمد من أتى أهله في رمضان أعليها كفارة؟ قال: ما سمعنا أن على امرأة كفارة وهذا قول الحسن وقول الشافعي، ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة ولم يأمر في المرأة بشيء مع علمه بوجود ذلك منها ولأنه حق مال يتعلق بالوطء.
[المغنى – ج6 ص105]
ملحوظة:
ذهب بعض العلماء الى انه لايجب على المجامع الا الكفارة المذكوره , وليس عليه قضاء , ويبطل هذا الكلام ما جاء فى رواية َلِابْنِ مَاجَهْ وَأَبِي دَاوُد: " وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ " [قال الألباني فىالإرواء (939): صحيح]
الثالث: تعمد القئ:
قال ابن قدامه: [المغني - (ج 6 / ص 93)]
من استقاء فعليه القضاء لأن صومه يفسد به ومن ذرعه فلا شيء عليه , وهذا قول عامة أهل العلم قال الخطابي: لا أعلم بين أهل العلم فيه اختلافا , وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على إبطال صوم من استقاء عامدا .... ومَعْنَى اسْتَقَاءَ: تَقَيَّأَ مُسْتَدْعِيًا لِلْقَيْءِ. أ.هـ
وَقَلِيلُ الْقَيْءِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَيْءِ طَعَامًا، أَوْ مُرَارًا، أَوْ دَمًا، فإن كان الخارج بلغماً فغير مفسد للصّوم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/350)
فإذا ذرعه القيء:أي غلب القيء الصّائم، فلا خلاف بين الفقهاء في عدم الإفطار به، قلّ القيء أم كثر، ويدل على ذلك ما جاء فى الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء" [رواه الترمذى وابوداود وابن ماجه قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 65: صحيح].
قال الشوكانى: [نيل الأوطار - (ج 7 / ص 49)]
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ صَوْمُ مَنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَيَبْطُلُ صَوْمُ مَنْ تَعَمَّدَ إخْرَاجَهُ وَلَمْ يَغْلِبْهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. أ.هـ
وَنَقَلَ اِبْن الْمُنْذِر أَيْضًا الْإِجْمَاع عَلَى تَرْكِ الْقَضَاء عَلَى مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَلَمْ يَتَعَمَّدْهُ.
الرابع: رفع النّيّة:
لأن الصوم عبادة، فيحتاج إلى نية من بدئه إلى انتهائه، فإن قُطعت النية قُطع الصوم ..... وعند الحنابلة - وفي وجه عند الشّافعيّة - يجب القضاء بترك النّيّة دون الكفّارة، وذلك بتعمّد رفع النّيّة نهارًا، كأن يقول وهو صائم: رفعت نيّة صومي، أو يقول رفعت نيّتي، وأولى من ذلك، رفع النّيّة في اللّيل، كأن يكون غير ناو للصّوم، لأنّه رفعها في محلّها فلم تقع النّيّة في محلّها.
الخامس: الردة عن الاسلام:
قال ابن قدامه:
وَمَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَقَدْ أَفْطَرَ، لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ مِنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ، أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ، أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ رِدَّتُهُ بِاعْتِقَادِهِ مَا يَكْفُرُ بِهِ، أَوْ شَكِّهِ فِيمَا يَكْفُرُ بِالشَّكِّ فِيهِ، أَوْ بِالنُّطْقِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، مُسْتَهْزِئًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَهْزِئٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ " [التوبة/65، 66] .... وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ، فَأَبْطَلَتْهَا الرِّدَّةُ، كَالصَّلَاةِ وَالْحَجَّ، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، فَنَافَاهَا الْكُفْرُ، كَالصَّلَاةِ. أ.هـ[المغني - (ج 6 / ص 95)]
أما المختلف فى انه يفسد الصوم فمنه:
1 - الحجامة:
تعريفها: الحجامة لغة: مأخوذة من الحجم أي المصّ ...
والحجامة هي شق الجلد بآلة تسمى المِحْجَم أو المِحْجَمة، وقيام الحاجم بمصِّ الدم الخارج من الشق، وذلك عند وفرة الدم في البدن وفَوَرانه. والغالب في الحجامة أن تكون في الرأس، فعن عبد الرحمن الأعرج عن ابن بُحَيْنةَ " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم بطريق مكة وهو مُحْرِمٌ وَسَطَ رأسه" [رواه مسلم (2886)].
وقد اختلف الفقهاء، ومِن قبلهم الصحابةُ، في الحجامة هل تفطِّر أم لا تفطِّر؟
والْجُمْهُور عَلَى عَدَم الْفِطْر بِهَا مُطْلَقًا، ومن الصحابة عن أم سلمة وعبد الله بن عباس وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وعبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص وأبي سعيد الخدري.
وذهب محمد بن سيرين والحسن البصري وعطاء وأحمد بن حنبل وإسحق بن راهُويه وأبو ثور والأوزاعي والداودي من المالكية، ومحمد بن المنذر وابن خُزيمة وابن حِبَّان من الشافعية إلى أن الحجامة تفطِّر الصائمَ الحاجمَ والمحتجمَ، وأوجبوا عليهما القضاء، ورُوي ذلك عن علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وعائشة من الصحابة رضي الله عنهم.
وقد جاء بهذا المعنى حديث رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " [قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 65: صحيح - رواه عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أحد عشر نفسا].
قال الشوكانى: [نيل الأوطار - (ج 7 / ص 42)]:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/351)
وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ الْقَائِلُونَ بِفِطْرِ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَهُمْ: عَلِيٌّ وَعَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ، حَكَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ صَاحِبُ الْفَتْحِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ يُفْطِرُ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ لَهُ، وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يُفْطِرُ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ.
قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: إنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَبِذَلِكَ قَالَ الدَّاوُدِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ.أ. هـ
وسبب الخلاف الواسع فى هذا الامر ما جاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ].
وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ أَنَّهُ قَالَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: " أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ " [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]
قال الشوكانى: [نيل الأوطار - (ج 7 / ص 46وما بعدها)]
وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفْطِرُ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَصْلُحُ لِنَسْخِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ:
أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ تَأَخُّرَهُ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ عَدَمِ انْتِهَاضِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ، أَعْنِي قَوْلَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
وَإمَا ثَانِيًا: فَغَايَةُ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاقِعُ بَعْدَ عُمُومٍ يَشْمَلُهُ أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا لَهُ مِنْ الْعُمُومِ لَا رَافِعًا لِحُكْمِ الْعَامِّ.
فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ مَكْرُوهَةٌ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ يَضْعُفُ بِهَا وَتَزْدَادُ الْكَرَاهَةُ إذَا كَانَ الضَّعْفُ يَبْلُغُ إلَى حَدٍّ يَكُونُ سَبَبًا لِلْإِفْطَارِ، وَلَا تُكْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ لَا يَضْعَفُ بِهَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ تَجَنُّبُ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ أَوْلَى، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ: " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " عَلَى الْمَجَازِ لِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ الصَّارِفَةِ لَهُ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ.أ. هـ
ملحوظه:
الحاجم الان – فى الغالب - لايتنزل عليه حكم الفطر حال العمل بالحجامه لانه لايمص بل يستخدم آلات للحجامه بدون مص.!!!
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 203)]
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق ثوبان، وشداد ابن أوس، ومعقل بن سنان، وأبى هريرة، ورافع بن خديج وغيرهم: أنه قال: (افطر الحاجم والمحجوم) فوجب الاخذ به، الا أن يصح نسخه، وقد ظن قوم أن الرواية عن ابن عباس: (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم) ناسخة للخبر المذكور، وظنهم في ذلك باطل، لانه قد يحتجم عليه السلام وهو مسافر فيفطر، وذلك مباح، أو في صيام تطوع فيفطر، وذلك مباح. أ.هـ
2 - تعمّد إنزال الْمَنِيُّ بلا جماع:
الاستمناء أواستخراج المني، هل يُفطِّر الصائم؟ فذهب جمهور العلماء إلى أن الاستمناء وإنزال المني بفعلٍ مقصودٍ من الرجل يُفطِّر الصائم، أما إن كان نزول المني بفعل غير مقصود، كأن نظر الرجل إلى جسد امرأته فأنزل بغير تعمد، أو تفكَّر فأنزل فلا يفطِّر الصائم، ولا يفطِّر الصائمَ عندهم الاحتلامُ ولو نزل المني.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/352)
قال النووي: من قبَّل فأنزل بطل صومه، وقال ابن قدامة في كتاب المغني: إن قبَّل فأنزل بطل صومه بلا خلاف، وقال مالك: من باشر أو قبَّل فأَنْعَظَ (انتصب) ولم يُمْذِ ولا أنزل بطل صومه وقضى، بل إن عدداً من الفقهاء قالوا إن الرجل إذا أمذى، أي أنزل المذي بطل صومه!! وهو قول مالك وابن قدامة وإسحق، وفي المقابل ذهب ابن حزم إلى أن الاستمناء وإِنزال المني بفعلٍ مقصودٍ وغيرِ مقصود لا يفطِّر الصائم.
ولو أمذى بتكرار النّظر، فظاهر كلام أحمد لا يفطر به، لأنّه لا نصّ في الفطر به، ولا يمكن قياسه على إنزال المنيّ، لمخالفته إيّاه في الأحكام، فيبقى على الأصل .... (قلت:وهو الصواب والله تعالى اعلم)
أمّا الفكر، فإنّ الإنزال به لا يفسد الصّوم عند الحنابلة، لأنّ الفكر يدخل تحت الاختيار، لكن جمهورالحنابلة استدلّوا بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ". [البخاري - كتاب العتق - باب الخطأ والنسيان فى العتاقة والطلاق ونحوه]
ولأنّه لا نصّ في الفطر به ولا إجماع، ولا يمكن قياسه على المباشرة ولا تكرار النّظر، لأنّه دونهما في استدعاء الشّهوة، وإفضائه إلى الإنزال.
قلت: وهذا هو الصحيح بشرط الا يصاحب الفكر اى عمل من لمس او تفخيذ ونحو ذلك والله تعالى اعلى واعلم.
واتّفق الفقهاء على أنّه إذا حصل إنزال بالسّحاق (استمتاع المرأة بالمرأة) فإنّه يفسد الصّوم ويجب القضاء على من أنزلت، إذ أنّ خروج المنيّ عن شهوة بالمباشرة مفسد للصّوم، وعمل المرأتين أيضاً كعمل الرّجال جماع فيما دون الفرج لا قضاء على واحدة منهما إلاّ إذا أنزلت ولا كفّارة مع الإنزال بلا جماع فى الفرج.
ويدل على ذلك كله ما جاء فى الحديث " يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي" [البخاري - كتاب التوحيد - باب قوله تعالى يريدون ان يبدلوا كلام الله ... ]
قال ابن حجر فى الفتح:
وَالْمُرَاد بِالشَّهْوَةِ فِي الْحَدِيث شَهْوَة الْجِمَاع لِعَطْفِهَا عَلَى الطَّعَام وَالشَّرَاب , ....... وَفِي رِوَايَة اِبْن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيق سُهَيْل عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِيهِ " يَدَع الطَّعَام وَالشَّرَاب مِنْ أَجْلِي , وَيَدَع لَذَّته مِنْ أَجْلِي " وَفِي رِوَايَة أَبِي قُرَّة مِنْ هَذَا الْوَجْه " يَدَع اِمْرَأَته وَشَهْوَته وَطَعَامه وَشَرَابه مِنْ أَجْلِي ".أ. هـ
وفى الحديث:"الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ". [سبق تخريجه]
قال ابن حجر فى الفتح:
قَوْله: (فَلَا يَرْفُث) أَيْ الصَّائِم , وَيَرْفُث بِالضَّمِّ وَالْكَسْر وَيَجُوز فِي مَاضِيه التَّثْلِيث , وَالْمُرَاد بِالرَّفَثِ هُنَا وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاء وَالْفَاء ثُمَّ الْمُثَلَّثَة الْكَلَام الْفَاحِش , وَهُوَ يُطْلَق عَلَى هَذَا وَعَلَى الْجِمَاع وَعَلَى مُقَدِّمَاته وَعَلَى ذِكْره مَعَ النِّسَاء أَوْ مُطْلَقًا , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون لِمَا هُوَ أَعَمّ مِنْهَا. أ.هـ
قال ابو حيان: [تفسير البحر المحيط - (البقرة - 184)]
وقال ابن عباس، والزجاج، وغيرهما: الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة.أ. هـ
قلت: فهذا يبين ان استدعاء الشهوة يؤثر على الصيام بالسلب لا بالايجاب، بمعنى انه ينقصه او يبطله كلٌ بحسبه، فالانتشار والمذى وما شابه ينقصه، بينما نزول المنى بشهوة يبطل الصيام لانه تمام الشهوة، واما ما ينزل من هذه الاشياء بغير شهوة لمرض ونحوه فلا يؤثر فى الصيام.!!!
قال ابن قدامه:
ولو استمنى بيده فقد فعل محرما ولا يفسد صومه به إلا أن يُنزل، فإن أنزل فسد صومه، فأما إن انزل لغير شهوة كالذي يخرج منه المني أو المذي لمرض فلا شيء عليه لم يفسد صومه لأنه عن غير اختيار منه، فأشبه ما لو دخل حلقه شيء وهو نائم، ولو جامع في الليل فأنزل بعدما أصبح لم يفطر لأنه لم يتسبب إليه في النهار، فأشبه ما لو أكل شيئا في الليل فذرعه القيء في النهار. أ.هـ[المغنى – جـ6 صـ84]
3 - القُبلةُ والمباشرةُ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/353)
وَمَعْنَى الْمُبَاشَرَة هَهُنَا اللَّمْس بِالْيَدِ وَهُوَ مِنْ اِلْتِقَاء الْبَشَرَتَيْنِ، دون جماع ...... والقبلة معروفه.
فى الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُنِي وَهُوَ صَائِمٌ وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَه ُ" .. [مسلم - كتاب الصيام - باب بيان ان القبلة فى الصوم ليست محرمه]
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:" كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ " [البخاري - كتاب الصوم - باب المباشرة للصائم]
وَفِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بَلَاغًا " وَأَيُّكُمْ أُمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
و"إِرْبه": مَعْنَاهُ بِالْكَسْرِ الْوَطَر وَحاجة النفس، وَبِالْفَتْحِ "الْعُضْو"!!
قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَى كَلَام عَائِشَة أَنَّهُ يَنْبَغِي لَكُمْ الِاحْتِرَاز عَنْ الْقُبْلَة وَلَا تَتَوَهَّمُوا مِنْ أَنْفُسكُمْ أَنَّكُمْ مِثْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اِسْتِبَاحَتهَا لِأَنَّهُ يَمْلِك نَفْسه وَيَأْمَن مِنْ الْوُقُوع فِي قُبْلَة يَتَوَلَّد مِنْهَا إِنْزَال أَوْ شَهْوَة أَوْ هَيَجَان نَفْس وَنَحْو ذَلِكَ وَأَنْتُمْ لَا تَأْمَنُونَ ذَلِكَ , فَطَرِيقكُمْ الِانْكِفَاف عَنْهَا.
وَنَقَلَ اِبْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْره عَنْ قَوْم تَحْرِيم المباشرة , وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) الْآيَةَ. فَمَنَعَ الْمُبَاشَرَة فِي هَذِهِ الْآيَة نَهَارًا.
وَقَالَ اِبْن قُدَامَةَ: إِنْ قَبَّلَ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ بِلَا خِلَاف.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال:" كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم , فجاء شاب فقال: يا رسول الله أقبل و أنا صائم؟ قال: " لا ". فجاء شيخ فقال: أقبل و أنا صائم؟ قال: " نعم ". قال: فنظر بعضنا إلى بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشيخ يملك نفسه ". [أورده الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4/ 138]
وعن أبي هريرة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم:"عن المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب". [أخرجه أبو داود وَسَكَتَ عَنْهُ هو وَالْمُنْذِرِيُّ. وَقَالَ اِبْنُ الْهُمَامِ: سَنَدُهُ جَيِّدٌ , كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ - قال الألباني: حسن صحيح].
وعن عمر بن الخطاب هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم قال أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم". [أخرجه أبو داود – قال الألباني: صحيح].
قال الترمذي: واختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في القُبلة للصائم فرخص بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في القُبلة للشيخ ولم يُرَخِّصوا للشاب مخافةَ أن لا يَسْلَمَ له صومُه والمباشرةُ عندهم أشدُّ. وقد قال بعض أهل العلم: القُبلة تُنقِصُ الأَجر ولا تفطِّر الصائم، ورأوا أن للصائم إذا ملك نفسه أن يُقبِّل، وإذا لم يأمن على نفسه تَرَك القُبلة ليَسْلَمَ له صومُه وهو قول سفيان الثوري والشافعي. أ.هـ.
قال النووى فى شرح مسلم
(بَاب بَيَان أَنَّ الْقُبْلَةَ فِي الصَّوْم لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ لَمْ تُحَرِّك شَهْوَتَهُ) قَالَ الشَّافِعِيّ وَالْأَصْحَاب: الْقُبْلَة فِي الصَّوْم لَيْسَتْ مُحَرَّمَة عَلَى مَنْ لَمْ تُحَرِّك شَهْوَتَهُ , لَكِنْ الْأَوْلَى لَهُ تَرْكُهَا , وَلَا يُقَال: إِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ لَهُ , وَإِنَّمَا قَالُوا: إِنَّهَا خِلَاف الْأَوْلَى فِي حَقّه , مَعَ ثُبُوت أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلهَا ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْمَنُ فِي حَقّه مُجَاوَزَةُ حَدِّ الْقُبْلَة , وَيُخَاف عَلَى غَيْره مُجَاوَزَتُهَا , كَمَا قَالَتْ عَائِشَة: (كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ) وَأَمَّا مَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ فَهِيَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/354)
حَرَام فِي حَقّه عَلَى الْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا , وَقِيلَ: مَكْرُوهَة كَرَاهَة تَنْزِيه. قَالَ الْقَاضِي: قَدْ قَالَ بِإِبَاحَتِهَا لِلصَّائِمِ مُطْلَقًا جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَدَاوُد , وَكَرِهَهَا عَلَى الْإِطْلَاق مَالِك , وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو حَنِيفَة وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيّ: تُكْرَهُ لِلشَّابِّ دُون الشَّيْخ الْكَبِير , وَلَا خِلَاف أَنَّهَا لَا تُبْطِل الصَّوْم إِلَّا أَنْ يَنْزِل الْمَنِيّ بِالْقُبْلَةِ , وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُور فِي السُّنَن , وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضْت " وَمَعْنَى الْحَدِيث: أَنَّ الْمَضْمَضَة مُقَدِّمَة الشُّرْب , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهَا لَا تُفْطِر , وَكَذَا الْقُبْلَة مُقَدِّمَة لِلْجِمَاعِ , فَلَا تُفْطِر. أ.هـ
وقال ابن حجر: من حرَّكت القُبلةُ شهوَته فهي حرام في حقِّه على الأصح
وقال عبد الله بن شُبْرُمة أحدُ فقهاء الكوفة إِنَّ القُبلةَ تُفطِّر، فيما ذهب ابن حزم بَلْ بَالَغَ إلى استحباب القُبلة للصائم، وأباح القُبلةَ والمباشرةَ مطلقاً!!
قال المباركفوري فى تحفة الاحوذى:
أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا مَلَكَ نَفْسَهُ جَازَ لَهُ التَّقْبِيلُ وَإِذَا لَمْ يَأْمَنْ تَرَكَهُ , وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْمُوَطَّأِ: لَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ إِذَا مَلَكَ نَفْسَهُ بِالْجِمَاعِ , فَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَمْلِكَ نَفْسَهُ فَالْكَفُّ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعَامَّةُ قَبْلَنَا اِنْتَهَى. أ.هـ
قال أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَاَلَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ جَوَازُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ مُفْسِدٍ فَلَا يَلُمْ الشَّرِيعَةَ وَلَكِنْ لِيَلُمْ نَفْسَهُ الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ الْمُسْتَرْسِلَةَ عَلَى الْمَخَاوِفِ. أ.هـ
قلت: المتقرر هو ان الصيام عن الطعام والشراب والشهوة، وبالتالى فيلزم الصائم الاَّ يفعل ما يجر الشهوة التى هو مطالب بتركها كما فى الحديث " يَدَع شَهْوَته .... إِلَخْ "، وبالتالى فالقبلة والمباشرة جائزة مالم تستدعى الشهوة، كما سبق بيانه بالنصوص وكلام العلماء، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا الصَّوْمُ مِنْ الشَّهْوَةِ وَالْقُبْلَةُ مِنْ الشَّهْوَةِ، هذا والله تعالى اعلى واعلم.
ولخص ابن قدامة المسألة فقال:
ولا يخلو المقبل من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن لا ينزل فلا يفسد صومه بذلك لا نعلم فيه خلافا لما روي عن عائشة: " أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقبل وهو صائم وكان أملككم لِإِرْبِهِ " رواه البخاري و مسلم - ويروي (لِإِرْبِهِ) بتحريك الراء وسكونها قال الخطابي: معناها واحد وهو حاجة النفس ووطرها وقيل بالتسكين العضو وبالفتح الحاجة وروي [عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله: صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم فقال: أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم قلت: لا بأس به قال فمه] رواه أبو داود شبه كان بالمضمضة من حيث أنها من مقدمات الشهوة وإن المضمضة إذا لم يكن معها نزول الماء لم يفطر وإن كان معها نزوله أفطر.
الحال الثاني: أن يمني فيفطر بغير خلاف نعلمه لما ذكرناه من إيماء الخبرين ولأنه إنزال بمباشرة فأشبه الإنزال بالجماع دون الفرج. (وان لم يأخذ حكمه)
الحال الثالث: أن يمذي، قال أبو حنيفة والشافعي لا يفطر، وروي ذلك عن الحسن والشعبي والأوزاعي لأنه خارج لا يوجب الغسل أشبه البول.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/355)
إذا ثبت هذا فإن المقبل إذ كان ذا شهوة مفرطة بحيث يغلب على ظنه أنه إذا قبل (جامع) أوأنزل لم تحل له القبلة لأنها مفسدة لصومه فحرمت كالأكل وإن كان ذا شهوة لكنه لا يغلب على ظنه ذلك كره له التقبيل لأنه يعرض صومه للفطر ولا يأمن عليه الفساد. أ.هـ[المغنى - جـ6 صـ81]
4 - الإكتحال:
اختلف الفقهاء في حكم الاكتحال هل هو جائز للصائم لا يُفطِّر أم هو مكروه أم هو حرام مُبْطِلٌ للصوم؟ فذهب إلى أن الاكتحال يُبطل الصيام ابن شُبرُمة وابن أبي ليلى، وذهب أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور والأوزاعي وداود بن علي وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي وابن شهاب الزهري إلى حكم الجواز وأنه لا يفطِّر بحالٍ، وروى ذلك عن عبد الله بن عمر وأنس ابن مالك وابن أبي أوفى من الصحابة رضوان الله عليهم.
والحق أن هذه المسألة هي من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى وقفة طويلة لبيانِ أن الاكتحال جائز للصائم وللصائمة وأنه لا يفطِّر بحالٍ من الأحوال إذ لم يُرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته حديثٌ واحدٌ صحيحٌ أو حسنٌ ينهى الصائم عن الاكتحال، لا نهياً جازماً ولا نهياً غير جازم، بل ورد حديث - وان اختلفوا فى صحته - يبين انه جائز وهو ما رواه ابن ماجه عن عائشة قالت:" اكتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم". [قال الألباني: صحيح، الروض النضير (759)]
واخرج البخاري – تعليقا – " وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ وَالْحَسَن وَإِبْرَاهِيم بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا ".
قال ابن حجر فى الفتح:
َرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَن عَنْ أَنَس أَنَّهُ كَانَ يَكْتَحِل وَهُوَ صَائِم , وَعن الْحَسَن قَالَ " لَا بَأْس بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ ".
وعَنْ الْقَعْقَاعِ بْن يَزِيدَ " سَأَلْت إِبْرَاهِيمَ أَيَكْتَحِلُ الصَّائِمُ؟ قَالَ نَعَمْ. قُلْت أَجِدُ طَعْمَ الصَّبْرِ فِي حَلْقِي. قَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ ".
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ الْأَعْمَش قَالَ " مَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ أَصْحَابنَا يَكْرَهُ الْكُحْلَ لِلصَّائِمِ , وَكَانَ إِبْرَاهِيم يُرَخِّصُ أَنْ يَكْتَحِل الصَّائِم بِالصَّبْرِ".أ. هـ
وما يقال بخصوص الكُحل يقال بخصوص قطرة العين، فالتّقطير في العين، ودهن الأجفان، أو وضع دواء مع الدّهن في العين لا يفسد الصّوم، لأنّه لا ينافيه وإن وجد طعمه في حلقه، فإنه لا دليل من الشرع على أن ذلك يفطِّر الصائم، بل الدليل قائم على جوازها، لأن واقعها كواقع الماء في الأغسال والوضوء، فما يدخل العين من ماء أو دواء لا يفطِّر الصائم مطلقاً، وما قاله بعض الفقهاء من أن قطرة العين تصل إلى الحلق هو قول متهافت لا يُؤْبَهُ به ولا يُلتفَت إليه، ومثل قطرة العين قطرة الأذن فإنها لا تفطِّر، لأن واقعها كواقع الماء الداخل إليها في الأغسال والوضوء، وهو لا يفطِّر مطلقاً.
5 - الاستعاط واستعمال البخور والتدخين:
الاستعاط: افتعال من السّعوط: دواء يصبّ في الأنف، والاستعاط
وهو أن تُوضَعَ مادةٌ في الأنف وتُستنشَق، ويسمى الدواء الذي يُستنشق السَّعوط بفتح السين.
وهو عند الفقهاء: إيصال الشّيء إلى الدّماغ أو الرئتين من الأنف.
وإنّما يفسد الاستعاط الصّوم، بشرط أن يصل الدّواء إلى الدّماغ، والأنف منفذ إلى الجوف، فلو لم يصل إلى الدّماغ لم يضرّ، بأن لم يجاوز الخيشوم، فلو وضع دواءً في أنفه ليلاً، وهبط نهاراً، فلا شيء عليه.
ولو وضعه في النّهار، ووصل إلى جوفه أفطر، لأنّه واصل إلى جوف الصّائم باختياره فيفطّره كالواصل إلى الحلق.
وهذا كقطرة الأنف فيُنظَر، فإن هي وصلت إلى الحلق وشربها الصائم فقد أفطر، إما إن وصلت الفم فبصقها الصائم فلا تفطِّر، فالأنف يختلف عن العين والأذن بكونه نافذاً إلى الفم كما هو معلوم ومعروف، ومثله بخاخ الربو ان وجد طعمه وبلعه يفطر والا فلا، والله تعالى اعلى واعلم.
واستعمال البخور: يكون بإيصال الدّخان إلى الحلق، فيفطر، أمّا شمّ رائحة البخور ونحوه بلا وصول دخانه إلى الحلق فلا يفطر ولو جاءته الرّائحة واستنشقها، لأنّ الرّائحة لا جسم لها.
وهذا بخلاف دخان الحطب، فإنّه لا قضاء في وصوله للحلق، ولو تعمّد استنشاقه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/356)
فمن أدخل بصُنعه دخاناً حلقه، بأيّة صورة كان الإدخال، فسد صومه، سواء أكان دخان عنبر أم عود أم غيرهما، ودخان التبغ (السجائر)، حتّى من تبخّر بعود، فآواه إلى نفسه، واشتمّ دخانه، ذاكراً لصومه، أفطر، لإمكان التّحرّز من إدخال المفطر جوفه ودماغه.
قال بعض أهل العلم: هذا ممّا يغفل عنه كثير من النّاس، فلينبّه له، ولا يتوهّم أنّه كشمّ الورد والمسك، لوضوح الفرق بين هواء تطيّب بريح المسك وشبهه، وبين جوهر دخان وصل إلى جوفه بفعله.
وفى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 246وما بعدها)]
إنه لمن المتفق عليه عند المسلمين قديماً وحديثاً أن دخول جسم في الحلق ومن ثم بلعه، أي نزوله إلى البلعوم يفطِّر الصائم، دون اشتراط أن يصل إلى المعدة أو إلى الرئة فنزول أي جسم إلى البلعوم يفطِّر الصائم، وهذا هو مقتضى اللغة، فاللغة تُطلِق على من بلع جسماً صلباً أنه أكله، أو سائلاً أنه شربه، فنزول الشيء إلى البلعوم يعتبر أكلاً له أو شرباً له، وحيث أن الأكل والشرب يفطِّران، فإن بلع أي شيء يفطِّر الصائم. وإنه لمن المتفق عليه عند المسلمين قديماً وحديثاً، إلا من شذَّ، أن نزول أي جسم إلى البلعوم يفطِّر الصائم، سواء كان مغذياً، أو غير مغذٍّ كحصاةٍ أو حفنة تراب.
بقي أن نعرف مواصفات هذا الجسم، فأقول إن الجسم إن دخل كلُّه دفعةً واحدة فإنه لا خلاف في أنه يفطِّر، كاللقمة أو كحبة الحمص أو كجرعة ماء أو دواء وهو مُجْمَعٌ عليه عند المسلمين قديماً وحديثاً، فإذا جاء أحدهم ليحتال على الصيام، فسحق حبةَ الحمص أو حبة الدواء، ثم أدخل المسحوق بالتدريج في جوفه إما ببلعه مع الريق، أو باستنشاقه مع الهواء فإنه يكون قد أفطر، ولا تنفعه حيلته هذه، لأن النتيجة واحدة في الحالتين، وهي إن جسماً قد نزل إلى البلعوم ومن ثمَّ إلى الرئتين في الصدر، أو إلى المعدة في البطن، ولا يختلف الحال إن كان قد دخل جسماً على حاله، أو دخل مسحوقاً فبلعه مع الريق فوصل إلى المعدة، أو استنشقه مع الهواء، فوصل إلى الرئتين، وإذن فإن دخول أي جسم عن طريق البلعوم يفطِّر على أيةِ حالةٍ دخل، لأنه في واقعه فعلٌ واحد ...........
وبالتالى فما يدخل الصدر أو البطن من طريق الحلق والبلعوم يفطِّر، لا فرق بين أن يدخل على شكل جسم محسوس أو على شكل مسحوقٍ مُذاب في الريق، أو على شكل مادة تطير في الهواء ثم تنعقد في الداخل مادةً محسوسة، أما الحالتان الأُوْليان فإنه لا خفاء فيهما، ولا يحتاجان منا إلى ضرب أمثلة عليهما.
وأما الحالة الثالثة فهي ما تحتاج إلى ضرب أمثلة عليها فمنها:
أ - السَّعوط، وهو نوع من التبغ يُسحَق ويستنشقه الشخص فيدخل في الرئتين أو كأعشاب تطحن وتستنشق للعلاج كالسعوط الهندي وما شابه
ب - دخان التبغ، ودخان البخُّور.
ج - بخار الماء وبخار الدواء.
د - بخَّاخ الرَّبْو.
هذه الأنواع الأربعة يدخل منها من طريق الحلق والبلعوم في الرئتين في الصدر ما ينعقد أَجْراماً وأجساماً.
أما بالنسبة للسَّعوط فإنه يدخل كلُّه في الرئتين مروراً بالبلعوم حاله كحال حبة حمص أو حبة دواء تُسحَق فتدخل مع الريق الى المعدة.
وأما دخان التبغ من السجاير والغليون والنرجيلة فإنه يتشكَّل في الصدر أَجْراماً وأجساماً من القَطِران والنيكوتين وغيرهما وهي ما تشاهد بوضوح تام في ما يسميه الناس بـ (الشيشه) لدى مرور الدخان من خلالها، وهي ما تشاهد بوضوح على الثياب إذا جرى تبخيرها بكثرة.
واتّفق الفقهاء على أنّ شرب الدّخان المعروف أثناء الصّوم يفسد الصّيام، لأنّه من المفطرات.
وأما بخار الماء وبخار الدواء، فإن حقيقته وواقعه أنه ماء ودواء، فلا يصح استنشاقه وإدخاله في الداخل بحالٍ من الأحوال.
وأما بخَّاخ الربو فإن حقيقته وواقعه أنه دواء ينبعث من الإناء الموضوع فيه كرذاذ يدخل في الفم ومن ثم ينزل إلى البلعوم، قسمٌ منه يختلط باللعاب فيدخل في المعدة، والقسم الأكبر يدخل مع الهواء في الرئتين. فالقاعدة هي أن أي جسم إذا دخل في البلعوم فطَّر الصائم سواء دخل على حاله، أو دخل على شكل دخان أو رذاذ أو بخار، ثم انعقد جسماً ومادة في الداخل.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/357)
وهذا كله إن حصل بفعلٍ إراديٍّ من الإنسان، أي قام بالاستعاط، أو قام بالتدخين، أو استنشق عامداً الدخان المتصاعد من البخور المشتعِل، أو ترك الماء، أو الدواء يغليان على النار وقام باستنشاق بخارهما للعلاج أو لغيره، أو رشَّ بخَّاخ الربو في فمه ليدخل منه في جوفه فكل ذلك في واقعه إِدخال أجرامٍ وأجسامٍ في البلعوم، فيُفْطِر الصائم بأي منها.
أما إن حصل كل ذلك بغير إرادةٍ من الإنسان فإنه لا يُفْطِر، لأن الله سبحانه وتعالى لا يحاسب على فعلٍ لا إرادة للإنسان فيه فمن جلس إلى جوار مدخِّن أو قربَ عودِ بخُّورٍ مشتعلٍ في غرفة، ودخل في صدره شيءٌ منه دون قصد ولا إرادة فإنه يظلُّ صائماً ولا يفطر، وإذا كان الجو رطباً مُشْبَعاً ببخار الماء، أو كان الحمَّام مشبعاً ببخار الماء المتصاعد من الماء الحار، واستنشق الصائم بخار الماء هذا أو ذاك رغماً عنه، دون إرادة ولا قصد، فإنه لا يفطر. وقل مثل ذلك بخصوص الغبار في الجو، وخاصةً في أيام الزوابع والعواصف الخماسينية، فإن استنشاق الغبار آنذاك لا يفطر الصائم، ولا يفطر إلا إذا أدخل هو بإرادةٍ منه وقصدٍ أشياءَ مما سبق. أ.هـ
س:هل المعاصى تفسد الصيام وهل من يقع فيها وهو صائم يعد مفطرا؟
الجواب:
من أهمّ ما ينبغي أن يترفّع عنه الصّائم ويحذره: ما يحبط معه أجر صومه من المعاصي الظّاهرة والباطنة ونحوها، فيصون لسانه عن اللّغو والهذيان والكذب، والغيبة والنّميمة، والفحش والجفاء، والخصومة والمراء، ويكفّ جوارحه عن جميع الشّهوات والمحرّمات، ويشتغل بالعبادة، وذكر اللّه، وتلاوة القرآن وهذا كما يقول الغزاليّ: هو سرّ الصّوم.
وقد ذهب ابن حزم الى ان المعاصى القوليه والعمليه تجعل الصوم فاسد ويصبح الصائم بالمعاصى مفطر , وجمهور العلماء على انها تنقصه لاتبطله ولايصبح العاصى بمعصيته مفطرا , وقد وردت نصوص كثيرة صحيحة تحذر من مغبة المعاصى واثرها السئ على الصيام من ذلك:
اخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ". [كتاب الصوم - بَاب مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فِي الصَّوْمِ]
قال ابن حجر فى الشرح:
قَوْلُهُ: (قَوْل الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ) .... وَلِابْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ اِبْن الْمُبَارَك " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْل الزُّورِ وَالْجَهْلَ وَالْعَمَلَ بِهِ ".
وَالْمُرَاد بِقَوْلِ الزُّورِ: الْكَذِبُ , وَالْجَهْلِ: السَّفَهُ , وَالْعَمَلِ بِهِ أَيْ بِمُقْتَضَاهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَالْعَمَلُ بِهِ " فَيَعُودُ عَلَى الزُّورِ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ أَيْضًا عَلَى الْجَهْلِ أَيْ وَالْعَمَل بِكُلٍّ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) قَالَ اِبْن بَطَّال: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُؤْمَرَ بِأَنْ يَدَعَ صِيَامَهُ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّحْذِير مِنْ قَوْلِ الزُّورِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ , وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ " مَنْ بَاع الْخَمْر فَلْيُشَقِّصْ الْخَنَازِير " أَيْ يَذْبَحْهَا , وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِذَبْحِهَا وَلَكِنَّهُ عَلَى التَّحْذِيرِ وَالتَّعْظِيمِ لِإِثْم بَائِع الْخَمْر. وَأَمَّا قَوْلُهُ " فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَة " فَلَا مَفْهُومَ لَهُ , فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْء ..... فَالْمُرَاد رَدّ الصَّوْم الْمُتَلَبِّس بِالزُّورِ وَقَبُول السَّالِم مِنْهُ , وَقَرِيب مِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى:" لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ " [الحج – 37] فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَنْ يُصِيبَ رِضَاهُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ الْقَبُول. وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ: مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا ذُكِرَ لَا يُثَابُ عَلَى صِيَامِهِ , وَمَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَاب الصِّيَام لَا يَقُومُ فِي الْمُوَازَنَةِ بِإِثْم الزُّور وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: لَيْسَ الْمَقْصُود مِنْ شَرْعِيَّةِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/358)
الصَّوْمِ نَفْس الْجُوعِ وَالْعَطَشِ , بَلْ مَا يَتْبَعُهُ مِنْ كَسْرِ الشَّهَوَات وَتَطْوِيعِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ لِلنَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ , فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لَا يَنْظُرُ اللَّه إِلَيْهِ نَظَر الْقَبُولِ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تَنْقُصُ الصَّوْم , , لِأَنَّ الرَّفَثَ وَالصَّخَبَ وَقَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ مِمَّا عَلِمَ النَّهْيُ عَنْهُ مُطْلَقًا وَالصَّوْم مَأْمُور بِهِ مُطْلَقًا , فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُور إِذَا حَصَلَتْ فِيهِ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِهَا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهَا فِيهِ مَشْرُوطَة فِيهِ مَعْنًى يَفْهَمُهُ , فَلَمَّا ذَكَرَتْ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ نَبَّهَتْنَا عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا زِيَادَة قُبْحِهَا فِي الصَّوْمِ عَلَى غَيْرِهَا , وَالثَّانِي الْبَحْث عَلَى سَلَامَةِ الصَّوْمِ عَنْهَا , وَأَنَّ سَلَامَتَهُ مِنْهَا صِفَة كَمَالِ فِيهِ , وَقُوَّة الْكَلَامِ تَقْتَضِي أَنْ يُقَبَّحَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الصَّوْمِ , فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ يَكْمُلُ بِالسَّلَامَةِ عَنْهَا. قَالَ: فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ عَنْهَا نَقَصَ ..... فَيَكُونُ اِجْتِنَاب الْمُفْطِرَاتِ وَاجِبًا وَاجْتِنَابُ مَا عَدَاهَا مِنْ الْمُخَالَفَاتِ مِنْ الْمُكَمِّلَاتِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ.أ. هـ
قال المباركفوري فى شرح الترمذى:
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الزُّورُ الْكَذِبُ وَالْبُهْتَانُ , أَيْ مَنْ لَمْ يَتْرُكْ الْقَوْلَ الْبَاطِلَ مِنْ قَوْلِ الْكُفْرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالِافْتِرَاءِ وَالْغِيبَةِ وَالْبُهْتَانِ وَالْقَذْفِ وَالشَّتْمِ وَاللَّعْنِ وَأَمْثَالِهَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ اِجْتِنَابُهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اِرْتِكَابُهَا. أ.هـ
قلت: وبالجملة فالمعاصى لاتزال بالصوم حتى تميته فيصبح جوعا وعطشا فحسب , وان كان من تلبس بالمعاصي حال صيامه لايطالب بالقضاء حكما , وكل عاقل يحافظ على عبادته وليذكر دائما ما جاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" رب قائم حظه من قيامه السهر و رب صائم حظه من صيامه الجوع و العطش" [قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 3490 في صحيح الجامع].
قال جابر ابن عبد الله: إذا صمت فليصم سمعك، وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار، وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء.
وفى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 282)]
والصواب الرأي الذي نُسب للجمهور، وهو أن الغِيبة وما ذُكر معها لا تفطِّر الصائم، وأُضيف أنا إلى هذا القولِ القولَ إن الغِيبة وما ذُكر معها تُنقِص أجر الصائم وثوابَه، ولا تُحْبِطه كلَّه كما يقول الشافعي، وإِنَّ الصائمَ ليخسرُ من أجر الصيام وثوابه بقدر ما يرتكب من معاصٍ
أما لماذا جاءت هذه الأحاديث بعبارة (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)؟ فالجواب عليه هو أن القصد منها، والله أعلم، نهيُ الصائم نهياً شديداً، وتحذيرُه تحذيراً قوياً من ارتكاب معاصي الغِيبة وما ذُكر معها في أثناء الصوم.
وهنا نكتة لطيفة وجليلة ينبغي لكل مسلم أن يقف عليها ويدركها.
أما هذه النكتة فهي أن الشرع عندما يأمر بعبادة من العبادات فإنه إنما يأمر بها المسلم من أجل أن يجني منها الثوابَ والأجرَ، فإن قام المسلمٌ بارتكاب معصيةٍ في أثناء هذه العبادة، فإنه بذلك يكون قد خرق القصد من عبادته، ولم يتنبه للغايةِ منها، وهو بدلاً من أن يَجْني ثواب العبادة وأجرَها يقوم بجني الآثام والسيئات، فيلغي بفعله هذا القصد من العبادة، ولذا جاء النص الشرعي يحذر المسلم من أن يحصد إثماً ومعصية في موسم حصاد الأجر والثواب، ليبقى موسمُ الأجرِ والثوابِ موسمَ أجرٍ وثوابٍ فحسب. أ.هـ
س: هل يفسد الصيام ان يغتسل الصائم او يدخل الحمام؟
الجواب:
اغتسال الصّائم، لا يكره، ولا بأس به حتّى للتّبرّد، عند الحنفيّة وذلك لما روي عن عائشة وأمّ سلمة رضي الله تعالى عنهما قالتا: «نشهد على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنباً، من غير احتلام، ثمّ يغتسل ثمّ يصوم». [(أخرجه أبو داود - قال الألباني: صحيح]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/359)
وعن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أنّه دخل الحمّام وهو صائم هو وأصحاب له في شهر رمضان.
وبوب البخاري فى كتاب الصوم
بَاب اغْتِسَالِ الصَّائِمِ وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثَوْبًا فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الْحَمَّامَ وَهُوَ صَائِمٌ .... الخ
قال أَنَسَ بْن مَالِك " إِنْ لِي أَبْزَن إِذَا وَجَدْت الْحَرَّ تَقَحَّمْت فِيهِ وَأَنَا صَائِم " وَكَأَنَّ الْأَبْزَنَ كَانَ مَلْآنَ مَاء فَكَانَ أَنَس إِذَا وَجَدَ الْحَرَّ دَخَلَ فِيهِ يَتَبَرَّدُ بِذَلِكَ.
الْأَبْزَنُ: حَجَرٌ مَنْقُور شَبَه الْحَوْض. (يشبه البانيو فى زماننا)
قال ابن حجر فى الشرح:
َقوْلُهُ: (بَابٌ اِغْتِسَالُ الصَّائِمِ) أَيْ بَيَانُ جَوَازِهِ. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ: أَطْلَقَ الِاغْتِسَالَ لِيَشْمَل الْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ وَالْوَاجِبَة وَالْمُبَاحَة , وَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى ضَعْف مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ النَّهْي عَنْ دُخُول الصَّائِمِ الْحَمَّامَ أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ , وَاعْتَمَدَهُ الْحَنَفِيَّة فَكَرِهُوا الِاغْتِسَال لِلصَّائِمِ.
قَوْله: (وَبَلَّ اِبْن عُمَر ثَوْبًا فألقاه عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِم) ..... وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَة أَنَّ بَلَلَ الثَّوْب إِذَا طَالَتْ إِقَامَتُهُ عَلَى الْجَسَدِ حَتَّى جَفَّ يَنَزَّلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الدَّلْك بِالْمَاءِ , وَأَرَادَ الْبُخَارِيّ بِأَثَرِ اِبْن عُمَر هَذَا مُعَارَضَةَ مَا جَاءَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ بِأَقْوَى مِنْهُ , فَإِنَّ وَكِيعًا رَوَى عَنْ الْحَسَن بْن صَالِح عَنْ مُغِيرَةَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه لِلصَّائِمِ بَلَّ الثِّيَابِ. قَوْله: (وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الْحَمَّامَ وَهُوَ صَائِم) ..... وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ.أ. هـ
ولا بأس أن يصبّ الصائم الماء على رأسه من الحرّ والعطش، لما روي عن بعض أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «لقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالعرج، يصبّ الماء على رأسه وهو صائم، من العطش، أو من الحرّ». [أخرجه ابو داود – قال الالبانى: صحيح]
س: هل يفسد صيام من أصبح جنبا من جماع قبل الفجر أو من احتلم فى نهار رمضان؟
الجواب:
فى الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِيهِ وَهِيَ تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ أَفَأَصُومُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ فَقَالَ لَسْتَ مِثْلَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي" [مسلم - كتاب الصيام - بَاب صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ]
أخرج الترمذي عن عائشة وأم سلمة زوجا النبي صلى الله عليه وسلم:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل فيصوم" [قال الألباني: صحيح، ابن ماجة (1703)]
قال أبو عيسى حديث عائشة وأم سلمة حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو قول سفيان والشافعي وأحمد وإسحق وقد قال قوم من التابعين إذا أصبح جنبا يقضي ذلك اليوم والقول الأول أصح.
قال الشّوكانيّ: وإليه ذهب الجمهور، وجزم النّوويّ بأنّه استقرّ الإجماع على ذلك، وقال ابن دقيق العيد: إنّه صار إجماعاً أو كالإجماع.
وقد أخرج الشّيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّه صلى الله عليه وسلم قال: «من أصبح جنباً فلا صوم له» وحمل على النّسخ أو الإرشاد إلى الأفضل، وهو: أنّه يستحبّ أن يغتسل قبل الفجر، ليكون على طهارة من أوّل الصّوم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/360)
وإذا نام الصّائم فاحتلم لا يفسد صومه، بل يتمّه إجماعاً، إذا لم يفعل شيئاً يحرم عليه ويجب عليه الاغتسال.
قال ابن حزم - المحلى - (ج 6 / ص 205)
وأما الاحتلام فلا خلاف في أنه لا ينقض الصوم، إلا ممن لا يعتد به. أ.هـ
س: ماذا على من أكره على الفطر؟
الجواب:
اكره من الاكراه والإكراه: حمل الإنسان غيره على فعل أو ترك ما لا يرضاه بالوعيد.
مذهب الحنفيّة والمالكيّة، أنّ من أكره على الفطر فأفطر قضى.
قالوا: إذا أكره الصّائم بالقتل على الفطر، بتناول الطّعام في شهر رمضان، وهو صحيح مقيم، فمرخّص له به، والصّوم أفضل، حتّى لو امتنع من الإفطار حتّى قتل، يثاب عليه، لأنّ الوجوب ثابت حالة الإكراه، وأثر الرّخصة في الإكراه هو سقوط المأثم بالتّرك، لا في سقوط الوجوب، بل بقي الوجوب ثابتاً، والتّرك حراماً، وإذا كان الوجوب ثابتاً، والتّرك حراماً، كان حقّ اللّه تعالى قائماً، فهو بالامتناع بذل نفسه لإقامة حقّ اللّه تعالى، طلباً لمرضاته، فكان مجاهداً في دينه، فيثاب عليه.
وفرّق الشّافعيّة بين الإكراه على الأكل أو الشّرب، وبين الإكراه على الوطء: فقالوا في الإكراه على الأكل: لو أكره حتّى أكل أو شرب لم يفطر، كما لو أوجر في حلقه مكرهاً، لأنّ الحكم الّذي ينبني على اختياره ساقط لعدم وجود الاختيار.
أمّا لو أكره على الوطء زناً، فإنّه لا يباح بالإكراه، فيفطر به، بخلاف وطء زوجته ..... فعلى هذا يكون الإكراه على الإفطار مطلقاً بالوطء والأكل والشّرب، إذا فعله المكره لا يفطر به، ولا يجب عليه القضاء إلاّ في الإكراه على الإفطار بالزّنى، فإنّ فيه وجهاً بالإفطار والقضاء عندهم، وهذا الإطلاق عند الشّافعيّة، هو مذهب الحنابلة أيضاً: فلو أكره على الفعل، أو فعل به ما أكره عليه، بأن صبّ في حلقه، مكرهاً أو نائماً، كما لو أوجر المغمى عليه معالجةً، لا يفطر، ولا يجب عليه القضاء، لحديث: «وما استكرهوا عليه».
قال ابن حزم - المحلى - (ج 6 / ص 224وما بعدها):
وأما من أكره على الفطر، أو وطئت امرأة نائمة، أو مكرهة أو مجنونة أو مغمى عليها، أو صب في حلقه ماء وهو نائم: فصوم النائم والنائمة والمكره والمكرهة تام صحيح لا داخلة فيه، ولا شئ عليهم، ولا شئ على المجنونة، والمغمى عليها، ولا على المجنون والمغمى عليه، لما ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:: «إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه» [سبق تخريجه] والنائم والنائمة مكرهان بلا شك غير مختارين لما فعل بهما، وقال زفر: لا شئ على النائم، والنائمة ولا قضاء كما قلنا، سواء سواء، وصومهما تام وهو قول الحسن بن زياد.
قال ابن قدامه:
أن المفسد للصوم من هذا كله ما كان عن عمد وقصد، فأما ما حصل منه عن غير قصد كالغبار الذي يدخل حلقه من الطريق، ونخل الدقيق، والذبابة التي تدخل حلقه، أو يرش عليه الماء فيدخل مسامعه أو أنفه أو حلقه، أو يلقي في ماء فيصل إلى جوفه، أو يسبق إلى حلقه من ماء المضمضة، أو يصب في حلقه أو أنفه شيء كرها، أو تداوى مأمومته أو جائفته بغي اختياره، أو يحجم كرها أو تقبله امرأة بغير اختياره فينزل، أو ما أشبه هذا فلا يفسد صومه لا نعلم فيه خلافا لأنه لا فعل له، فلا يفطر كالاحتلام، وأما إن اكره على شيء من ذلك بالوعيد ففعله فقال ابن عقيل: قال أصحابنا لا يفطر به أيضا لقول النبي صلى الله عليه و سلم [عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه].أ. هـ[المغنى – جـ 6 صـ 87]
?فصل فى بيان ما لايفسد به الصيام?
س: ما هى الاشياء التى لاتفسد الصيام مما يفعله الصائم أو تحدث له فى عاداته او أحواله؟
الجواب:
من المتقرر أن العباده التى تؤدى بشروطها، كاملة الاركان، فلا تفسد الا بما يدل الشرع على انها تَفسد به، وبناءً عليه فالاصل عدم فساد الصيام الا بما دل الشرع على انه يُفسده كما سبق الاعلام بمفسدات الصيام سواء المتفق عليها او المختلف فيها، لكن هناك أمور اختلط على كثير من الناس أنها من المفسدات للصيام، مع انها ليست كذلك لا من قريب ولا من بعيد من ذلك:
1 - دخول الغبار ونحوه حلق الصّائم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/361)
إذا دخل حلق الصّائم غبار أو ذباب أو دخان بنفسه، بلا صنعه، ولو كان الصّائم ذاكراً لصومه، لم يفطر إجماعاً - كما قال ابن جزيّ - لعدم قدرته على الامتناع عنه، ولا يمكن الاحتراز منه، وكذلك إذا دخل الدّمع حلقه وكان قليلاً نحو القطرة أو القطرتين فإنّه لا يفسد صومه، لأنّ التّحرّز منه غير ممكن، وإن كان كثيراً حتّى وجد ملوحته في جميع فمه وابتلعه فسد صومه.
2 - : الادّهان:
لو دهن الصّائم رأسه، أو شاربه لا يضرّه ذلك، وكذا لو اختضب بحنّاء، فوجد الطّعم في حلقه لم يفسد صومه، ولا يجب عليه القضاء، إذ لا عبرة بما يكون من المسامّ، وهذا قول الجمهور.
وأخرج البخارى - تعليقا - وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلْيُصْبِحْ دَهِينًا مُتَرَجِّلًا.
قال ابن حجر:أَنَّ الْإِدْهَانَ مِنْ اللَّيْل يَقْتَضِي اِسْتِصْحَابَ أَثَرِهِ فِي النَّهارِ , وَهُوَ مِمَّا يُرَطِّبُ الدِّمَاغ وَيُقَوِّي النَّفْسَ فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ الِاسْتِعَانَة بِبَرْدِ الِاغْتِسَال لَحْظَةً مِنْ النَّهَار ثُمَّ يَذْهَب أَثَرُهُ. أ.هـ
3 - البلل في الفم:
قال ابن قدامه:
روى عن جابر بن عبد الله قال قال عمر بن الخطاب هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم قال أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم قلت لا بأس به قال فمه " [رواه ابو داود - قال الألباني: صحيح]
ولأن الفم في حكم الظاهر لا يبطل الصوم بالواصل إليه كالأنف والعين وإن تمضمض أو استنشق في الطهارة فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف فلا شيء عليه، وبه قال الأوزاعي و إسحاق و الشافعي في أحد قوليه وروي ذلك عن ابن عباس .......... ولأنه وصل إلى حلقه من غير إسراف ولا قصد ما لو طارت ذبابة إلى حلقه وبهذا فارق المتعمد فأما إن أسرف فزاد أو بالغ في الاستنشاق فقد فعل مكروها لقول النبي صلى الله عليه و سلم:" للقيط بن صبرة: " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما"، [انظر حديث رقم: 927 في صحيح الجامع] ولأنه يتعرض بذلك لإيصال الماء إلى حلقه فإن وصل إلى حلقه فقال أحمد: يعجبني أن يعيد الصوم. أ.هـ[المغني - (ج 3 / ص 36 وما بعدها)]
وهذا معناه أن البلل الّذي يبقى في الفم بعد المضمضة، إذا ابتلعه الصّائم مع الرّيق - بشرط أن يبصق بعد مجّ الماء لاختلاط الماء بالبصاق – لايفسد الصوم، ولا تشترط المبالغة في البصق، لأنّ الباقي بعده مجرّد بلل ورطوبة، لا يمكن التّحرّز عنه.
4 - ابتلاع ما بين الأسنان:
ولا يفسد الصوم ابتلاع ما بين الأسنان، إذا كان قليلاً، لا يفسد ولا يفطر، لأنّه تبع لريقه، ولأنّه لا يمكن الاحتراز عنه، بخلاف الكثير فإنّه لا يبقى بين الأسنان، والاحتراز عنه ممكن، والحد بين القليل والكثير هو ان الكثير هو ما يشعر به ويقدر على اخراجه.
وشرط الشّافعيّة والحنابلة، لعدم الإفطار بابتلاع ما بين الأسنان شرطين:
أوّلهما: أن لا يقصد ابتلاعه.
والآخر: أن يعجز عن تمييزه ومجّه، لأنّه معذور فيه غير مفرّط، فإن قدر عليهما أفطر، ولو كان دون الحمّصة، لأنّه لا مشقّة في لفظه، والتّحرّز عنه ممكن.
وهنا يلزم التنبيه على مسألة علاج الاسنان فى نهار رمضان، كالحشو، والتبييض ونحو ذلك، فإذا استطاع الا يبلع شئ لم يضر ذلك صيامه، اما اذا ابتلع من ذلك شئ، فسد بذلك صومه .... فليتنبه لذلك.
وفى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 278)]
أما بقايا الأكل بين الأسنان، فإنها إن بقيت في مكانها، فلا خلاف في أنها لا تفطِّر، ولا تفطِّر كذلك إن ازدرد الصائم شيئاً منها وكان يسيراً، لأن الشرع عفا عن اليسير مما لا يمكن التحرُّز منه. وأما إن تجمع في فمه منها كمية وشكلت جسماً يُبلع، أي جسماً يحتاج إدخاله في الجوف إلى عملية بلع وليس بجريانه مع الريق دون إحساس به، فإن الواجب طرحه ولفظه، فإن بلعه أفطر، حاله كحال بلع حبة عدس مثلاً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/362)
قال محمد بن المنذر: أجمعوا - يقصد علماء المسلمين - على أنه لا شيء على الصائم فيما يبتلعه مما يجري مع الريق مما بين أسنانه، مما لا يقدر على إخراجه. وكان أبو حنيفة يقول: إذا كان بين أسنانه لحمٌ فأكله متعمِّداً فلا قضاء عليه. وقد خالفه الجمهور لأنه معدود من الأكل. والصحيح هو ما ذهب إليه الجمهور، فإنَّ تعمُّدَ أكلِ اللحمِ العالقِ بين الأسنان، وقد أمكن لفظُهُ، يفطِّر الصائم. أ.هـ
5 - مضغ العلك (اللبان):
اختلفوا هل يجوز للصائم أن يمضغ العلك، فقال فريق يجوز للصائم ان يمضغ العلك بشرط أن تكون مادة العلك غير متحلِّلة ولا يتحلَّب منها شيءٌ، وممن رُوي عنهم القول بجواز مضغ العلك: عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وعطاء ابن أبي رباح، [ابن أبي شيبة (2/ 453)] [البيهقي (4/ 269)] وعن أم حبيبة زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: لا يمضغ العلكَ الصائمُ. وروى ابن أبي شيبة (2/ 454) وعبد الرزاق عن عدد من التابعين أنهم كرهوا مضغ العلك
فمضغ العلك رخَّص فيه أكثر العلماء إن كان لا يَتَحلَّبُ منه شيء، فإن تحلَّب منه شيء فازدرده (بلعه)، فالجمهور على أنه يفطِّر، وهو الرأي الصحيح.
وحيث أن الفم لا يفطِّر دخولُ أيِّ شيء فيه، وحيث أن إدخال الماء في الفم في المضمضة والتَّسوك في الفم جائزان، فيدعمان هذا القول، فإن القاعدة العامة تقول: إن إدخال أية مادة في الفم لا يفطِّر الصائم إلا إن بلع ما تحلَّل منها مما يمكن التحرُّزُ منه، وذلك مثل وضع حصاة نظيفة فى الفم من شدة العطش دون ان يبلعها فليس فى ذلك شئ البته.
قال ابن قدامه:
قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد: الصائم يمضغ العلك قال: لا قال أصحابنا: العلك ضربان: أحدهما ما يتحلل منه أجزاء وهو الرديء الذي إذا مضغه يتحلل فلا يجوز مضغه إلا إن لا يبلغ ريقه فإن فعل فنزل إلى حلقه منه شيء أفطر به كما لو تعمد أكله والثاني العلك القوي الذي كلما مضغه صلب وقوي فهذا يكره مضغه ولا يحرم وممن كرهه الشعبي و النخعي و محمد بن علي و قتادة و الشافعي وأصحاب الرأي وذلك لأنه يحلب الفم ويجمع الريق ويورث العطش ورخصت عائشة عن مضغه وبه قال عطاء لأنه لا يصل إلى الجوف فهو كالحصاة يضعها في فيه ومتى مضغه ولم يجد طعمه في حلقه لم يفطر. أ.هـ[المغني - (ج 3 / ص 39)]
6 - دم اللّثة والبصاق:
قال ابن قدامه: فإن سال فمه دما أو خرج إليه قلس أو قيء فازدرده (بلعه) أفطر وإن كان يسيرا، لأن الفم في حكم الظاهر والأصل حصول الفطر بكل واصل منه لكن عفي عن الريق لعدم إمكان التحرز منه.
ولو دميت لثة الصائم، أو خلع بعض اسنانه فى نهار رمضان، فدخل ريقُه حلقَه مخلوطاً بالدّم، ولم يصل إلى جوفه، لا يفطر عند الحنفيّة، وإن كان الدّم غالباً على الرّيق، لأنّه لا يمكن الاحتراز منه، فصار بمنزلة ما بين أسنانه أو ما يبقى من أثر المضمضة، أمّا لو وصل إلى جوفه، فإن غلب الدّم فسد صومه، وعليه القضاء ولا كفّارة، وإن غلب البصاق فلا شيء عليه، لان اليسير معفو عنه.
ولا يفطِّر الصائم ولا الصائمة خروجُ الدم من أي عضوٍ أو جزء من البدن.
أما ابتلاع البصاق (ليونه الريق) وان جمعه فى الفم، فلا شئ فى ذلك بشرط خلوه من مخالط محسوس.
7 - ابتلاع النّخامة:
النّخامة هي: النّخاعة، والنخامة تنزل من الرأس وهي ما يخرجه الإنسان من حلقه، من مخرج الخاء المعجمة.
ومذهب الحنفيّة، والمعتمد عند المالكيّة: أنّ النّخامة سواء أكانت مخاطاً نازلاً من الرّأس، أم بلغماً صاعداً من الباطن، بالسّعال أو التّنحنح - ما لم يفحش البلغم - لا يفطر مطلقاً.
ونصّ الحنابلة على أنّه يحرم على الصّائم بلع نخامة، إذا حصلت في فمه، ويفطر بها إذا بلعها، سواء أكانت في جوفه أم صدره، بعد أن تصل إلى فمه، لأنّها من غير الفم، فأشبه القيء، ولأنّه أمكن التّحرّز منها فأشبه الدّم.
قال ابن قدامه: وإن ابتلع النخامة ففيها روايتان: إحداهما يفطر قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول إذا تنخم ثم ازدرده فقد أفطر لأن النخامة من الرأس تنزل والريق من الفم ولو تنخع من جوفه ثم ازدراه أفطر وهذا مذهب الشافعي لأنه أمكن التحرز منها أشبه الدم ولأنها من غير الفم أشبه القيء. أ.هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/363)
وعند الشّافعيّة هذا التّفصيل:
إن اقتلع النّخامة من الباطن، ولفظها فلا بأس بذلك في الأصحّ،
ولو صعدت بنفسها، أو بسعاله، ولفظها لم يفطر جزماً.
ولو ابتلعها بعد وصولها إلى ظاهر الفم، أفطر جزماً.
وإذا حصلت في ظاهر الفم، يجب قطع مجراها إلى الحلق، ومجّها، فإن تركها مع القدرة على ذلك، فوصلت إلى الجوف، أفطر في الأصحّ، لتقصيره ....
(قلت: هذا التفصيل هو الاقرب للصحة والصواب والله تعالى اعلى واعلم)
من أجل هذا الخلاف، نبّه بعض أهل العلم على أنّه ينبغي إلقاء النّخامة، حتّى لا يفسد صومه على قول الإمام الشّافعيّ، وليكون صومه صحيحاً بالاتّفاق لقدرته على مجّها.
8 - طلوع الفجر في حالة الأكل أو الجماع:
اتّفق الفقهاء على أنّه إذا طلع الفجر وفي فيه طعام أو شراب فليلفظه، ويصحّ صومه. فإن ابتلعه أفطر، وكذا الحكم عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة فيمن أكل أو شرب ناسياً ثمّ تذكّر الصّوم، صحّ صومه إن بادر إلى لفظه، وإن سبق شيء إلى جوفه بغير اختياره، فلا يفطر عند الحنابلة، وهو الصّحيح عند الشّافعيّة.
وإذا نزع، وقطع الجماع عند طلوع الفجر في الحال فمذهب الحنفيّة والشّافعيّة - وأحد قولين للمالكيّة - لا يفسد صومه، حتّى لو أمنى بعد النّزع، لا شيء عليه، وصومه صحيح، لأنّه كالاحتلام، كما يقول الحنفيّة، ولتولّده من مباشرة مباحة، كما يقول الشّافعيّة.
ومشهور مذهب المالكيّة: أنّه لو نزع عند طلوع الفجر، وأمنى حال الطّلوع - لا قبله ولا بعده - فلا قضاء، لأنّ الّذي بعده من النّهار والّذي قبله من اللّيل، والنّزع ليس وطئاً.
ولو مكث بعد طلوع الفجر مجامعاً، بطل صومه، ولو لم يعلم بطلوعه.
ملحوظة:
أخرج أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ "
[أبو داود - كتاب الصيام - بَاب فِي الرَّجُلِ يَسْمَعُ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ - انظر حديث رقم: 607 في صحيح الجامع]
قال فى عون المعبود:
(النِّدَاء): أَيْ أَذَان الصُّبْح (وَالْإِنَاء): أَيْ الَّذِي يَأْكُل مِنْهُ أَوْ يَشْرَب مِنْهُ (عَلَى يَده فَلَا يَضَعهُ): أَيْ الْإِنَاء (حَتَّى يَقْضِي حَاجَته مِنْهُ): أَيْ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْب
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا عَلَى قَوْله إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّن بِلَيْلِ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن اِبْن أُمّ مَكْتُوم أَوْ يَكُون مَعْنَاهُ إِنْ سَمِعَ الْأَذَان وَهُوَ يَشُكّ فِي الصُّبْح مِثْل أَنْ يَكُون السَّمَاء مُتَغَيِّمَة فَلَا يَقَع لَهُ الْعِلْم بِأَذَانِهِ أَنَّ الْفَجْر قَدْ طَلَعَ لِعِلْمِهِ أَنَّ دَلَائِل الْفَجْر مَعْدُومَة وَلَوْ ظَهَرَتْ لِلْمُؤَذِّنِ لَظَهَرَتْ لَهُ أَيْضًا , فَإِذَا عَلِمَ اِنْفِجَار الصُّبْح فأَنَّهُ مَأْمُور بِأَنْ يُمْسِك عَنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر اِنْتَهَى
وَقَالَ عَلِيّ الْقَارِي: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حَتَّى يَقْضِي حَاجَته مِنْهُ " هَذَا إِذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ عَدَم الطُّلُوع. وَقَالَ اِبْن الْمَلِك: هَذَا إِذَا لَمْ يَعْلَم طُلُوع الصُّبْح , أَمَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ طَلَعَ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَلَا .... وَقَالَ الْقَارِي أَيْضًا: إِنَّ إِمْكَان سُرْعَة أَكْله وَشُرْبه لِتَقَارُبِ وَقْته وَاسْتِدْرَاك حَاجَته وَاسْتِشْرَاف نَفْسه وَقُوَّة نَهِمَته وَتَوَجُّه شَهْوَته بِجَمِيعِ هِمَّته مِمَّا يَكَاد يُخَاف عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ مُنِعَ مِنْهُ لَمَا اِمْتَنَعَ فَأَجَازَهُ الشَّارِع رَحْمَة عَلَيْهِ وَتَدْرِيجًا لَهُ بِالسُّلُوكِ وَالسَّيْر إِلَيْهِ , وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّل الْأَمْر اِنْتَهَى
9 - تَطَعَّمَ الْقِدْرَ أَوْ الشَّيْءَ:
قال البخاري وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ الْقِدْرَ أَوْ الشَّيْءَ وَقَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ. [البخاري - كتاب الصوم - بَاب اغْتِسَالِ الصَّائِمِ].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/364)
قال ابن حجر: (أَنْ يَتَطَعَّم الْقِدْرَ) أَيْ طَعَامَ الْقَدْر أَوْ الشَّيْء , وبِلَفْظِ " لا بَأْس أَنْ يَتَطَاعَمَ الصَّائِمُ بِالشَّيْءِ " يَعْنِي الْمَرَقَةَ وَنَحْوهَا. أ.هـ
وهذا معناه:لا يُنَافِ الصَّوْمَ إِدْخَالُ الطَّعَام فِي الْفَم وَتَقْرِيبُهُ مِنْ الِازْدِرَادِ.
وفى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 277وما بعدها)]
إن القاعدة العامة تقول: إن إدخال أية مادة في الفم لا يفطِّر الصائم إلا إن بلع ما تحلَّل منها مما يمكن التحرُّزُ منه، أما إن لم يمكن التحرُّز منه كالقليل القليل فلا شيء فيه.
وبإقرار هذه القاعدة نقول إن تذوُّق الطعام جائز، وإن إدخال ميزان الحرارة في الفم لقياس درجة الحرارة جائز وإن حفر الأسنان وتلبيسها جائز ولا يفطِّر الصائمَ، ولا يُفْطِرُ الصائمُ إلا إن تسرَّب إلى حلقه شيءٌ من المواد الداخلة في فمه وبَلَعَهُ ......
أما ما يضعه المريض بالقلب والجلطات من حبَةٍ تحت اللسان، لتذوب تدريجياً كعلاجٍ للحالة عند اشتدادها، فإن ذلك يفطِّر الصائم قولاً واحداً، إذ لا فرق بين بلع الحبة دفعةً واحدة وبين بلعها تدريجياً. ومثلها القطرة في الفم لتُشرب كعلاج كما هو الحال في التطعيم ضد الامراض، فإنها تفطِّر الصائم.
فما يدخل الفم لا يفطِّر الصائم، إلا إن هو نزل إلى البلعوم، أي تمَّ بلعُه، فلْيحرص الصائم على صومه، وليحذر من أن يُفْطِر وهو لا يقصد. أ.هـ
10 - استعمال الطيب والعطور وشم الروائح عموما:
إن دخل في البلعومَ ما ليس له جسمٌ محسوس، أو ما لا يتشكل منه جسمٌ محسوس فإنه لا يفطِّر وذلك كالعطور والروائح بأنواعها الزكية والكريهة فهذه العطور والروائح لا شيء في تعمُّد شمِّها
وفى فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
فى جواب السؤال الثاني من الفتوى رقم (7845)
الروائح مطلقًا عطرية وغير عطرية لا تفسد الصوم في رمضان وغيره فرضًا أو نفلًا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وفى جواب السؤال الأول من الفتوى رقم (2691):
ثالثًا: من تطيب بأي نوع من أنواع الطيب في نهار رمضان وهو صائم لم يفسد صومه، لكنه لا يستنشق البخور والطيب المسحوق كسحوق المسك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وفى جواب السؤال السادس من الفتوى رقم (6401)
ثالثًا: أما البخور فلا حرج فيه للصائم إذا لم يتسعط به وهكذا بقية الأطياب كدهن العود والورد ونحوها لا حرج فيها كما سبق وإنما يمنع من ذلك مطلقًا المحرم بحج أو عمرة إلى أن يحل من إحرامه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
11 - تعاطى الحقن الشرجية والعلاجية أوالغذائية:
قال فى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 250وما بعدها)]
الحُقْنةُ الشرجية والتحاميل (اللبوس) الطبية الخافضة للحرارة مثلاً تفطِّر الصائم لأن التحاميل والحُقَن تصل إلى المستقيم، ومنه تنفذ إلى الأمعاء الغليظة، والمستقيم والأمعاء الغليظة هي من الجهاز الهضمي كما هو معلوم، وعليه فإن رأي الإمام أحمد القائل بأن الحقنة الشرجية تفطِّر الصائم هو الرأي الصحيح.
عملية التنظيفات للمرأة ومثلها إجراء الفحص الطبي الداخلي للمرأة وما يستلزمه ذلك من إدخال أدوات وموادَّ كل ذلك لا يفطِّر الصائمة، لأن الرحم ليس من الجهاز الهضمي ولا من الجهاز التنفسي ..... والإِفرازات الناتجة عن التهابات الجهاز التناسلي الأنثوي فإنها كلَّها لا تفطِّر.
إبرةُ الطبيب لا تفطِّر بحالٍ سواءٌ منها ما كان للعلاج بالأدوية أو ما كان للتغذية بالمواد المغذية وبالدم، أو ما كان للتخدير، وسواءٌ منها ما كان في الأوردة، أو ما كان في العضل ما دامت هذه الأدوية وهذه المواد المغذية والدم بجميع مشتقاته لا تصلُ مباشرةً إلى داخل الجهاز التنفسي، ولا إلى داخل الجهاز الهضمي.
وهنا قد تثور شبهة، هي أن الصيام إنما هو امتناع عن الأكل والشرب، أي امتناع عن تناول الغذاء، فلماذا نجيز إدخال المواد المغذية في بدن الصائم بواسطة إبرة الطبيب، ولا نعتبرها مُبْطِلة للصوم؟ أليست هذه كتلك؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/365)
وللرد على هذه الشبهة أقول إن الصائم يُحْظَر عليه الأكل والشرب أي يُحظَر عليه أن يفعل ما يصح إطلاقُ اسم الأكل والشرب عليه، فهذا هو ما جاء في النصوص ولم يأت نصٌّ واحد يأمر الصائم بالامتناع عن المُغَذِّيات أو عن التغذية، ولذا فإن بلع حفنةِ تراب أو حباتٍ صغيرةٍ من الحصى يُفطِّر الصائم رغم أنها لا غذاء فيها، فالعبرة هي بعملية الأكل والشرب وليس بالتغذية والغذاء، ولا شك في أن التغذية بالمواد المغذية أو بالدم عن طريق الجلد ليست أكلاً ولا شرباً قطعاً، فلا تفطِّر الصائم إذن.…وعليه فإني أقول إن تغذية الصائم جائزة ولا تفطِّر الصائم إن هي تمَّت بغير أكل وشرب،أو بغير إدخال المواد المغذية في الجهاز الهضمي، كأن تتم التغذية بهذه المواد أو بالدم بواسطة إبرة الطبيب تُغْرَزُ في الجلد مثلاً. أ. هـ
قال ابن تيمية: [(المنتقي - ص 47)]:
فى كلامه على اختلاف اهل العلم فى الحقنة و نحوها , قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك , فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص و العام , فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله و رسوله في الصيام و يفسد الصوم بها , لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه , و لو ذكر ذلك لعلمه الصحابة و بلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه , فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حديثا صحيحا مسندا و لا مرسلا , علم أنه لم يذكر شيئا من ذلك.
و الذين قالوا: إن هذه الأمور تفطر , لم يكن معهم حجة عن النبي صلى الله عليه
وسلم و إنما ذكروا ذلك بما رأوه من القياس , و أقوى ما احتجوا به قوله
صلى الله عليه وسلم: " و بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما , قالوا: فدل
ذلك على أن ما وصل إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان بفعله , و على القياس: كل ما وصل إلى جوفه بفعله من حقنة و غيرها سواء كان ذلك في موضع الطعام و الغذاء أو غيره من حشو جوفه ......... و نحن نعلم أنه ليس في الكتاب و السنة ما يدل على الإفطار بهذه الأشياء فعلمنا أنها ليست مفطرة.أ. هـ
12 - مداواة الجائفة والآمَّة - أو المأمومة:
قال فى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 250وما بعدها)]
الجائفة والآمَّة - أو المأمومة -: ونعني بالجائفة الجرحَ الواصلَ إلى الجوف، والآمَّة الجرحَ الواصلَ إلى أُمِّ الدماغ، وهي جلدة رقيقة تحيط به. أما الآمة فإنها لا تفطِّر، فدخول أي جسم في تجويف الجمجمة لا شيء فيه، ولا يفطِّر الصائم بحالٍ. وأما الجائفة فيُنظر فيها: فإن هي وصلت إلى داخل الرئتين أو إلى داخل الجهاز الهضمي فإنها تفطِّر، وأما إن هي لم تصل إلى أيٍّ من ذلك، فإنها لا تفطِّر، كأن تصل إلى القلب أو إلى الكبد أو إلى المثانة مثلاً.
ويجري مجراه شقُّ الصدر أو البطن وما يتبعه من إدخال الأدوات المستعملة في الجراحة يُنظَر فيه فإن كان الشقُّ يصل إلى داخل الرئتين أو إلى داخل الجهاز الهضمي فإنه يفطِّر، وأما إن كان الشق لا يصل إلى داخل الرئتين، ولا إلى داخل الجهاز الهضمي وبقي خارجهما، كإجراء عملية الفتق أو زرع الكلى أو زرع بطارية في القفص الصدري لتنظيم ضربات القلب فإن كل ذلك لا يفطِّر بحال، اللهم إلا أن يصاحب هذه العملياتِ دخولُ موادَّ أو أدواتٍ إلى الرئتين، أو إلى الجهاز الهضمي .... وإجراء عمليات في الركبتين، أو في الوَرِكَين، وزرعُ أجسامٍ صلبة فيهما بدل الأعضاء التالفة وتثبيتها بالمسامير، كل ذلك لا يفطِّر الصائم.
وباختصار أقول: إِن إدخال أيةِ مادة صلبة أو سائلة، أو أداةٍ أو أيِّ شيء في داخل الجسم إن كان الإدخال في الجهاز التنفسي أو في الجهاز الهضمي فإنه يفطِّر، وما عداه لا يفطِّر. أ.هـ
س: هل يصح صيام من أصبح جنبا والحائض التي طهرت ليلا؟
الجواب:
قال ابن قدامة:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/366)
الجنب له أن يؤخر الغسل حتى يصبح ثم يغتسل ويتم صومه في قول عامة أهل العلم منهم علي و ابن مسعود و زيد و أبو الدرداء و أبو ذر و ابن عمر و ابن عباس وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم وبه قال مالك والشافعي في أهل الحجاز وأبو حنيفة والثوري في أهل العراق والأوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصر وإسحاق وأبو عبيد في أهل الحديث وأهل الظاهر وكان أبو هريرة يقول لا صوم له ويروي ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم رجع عنه قال سعيد بن المسيب: رجع أبو هريرة عن فتياه ............. وفى الحديث عن أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ " [متفق عليه]
قال الخطابي أحسن ما سمعت في خبر أبي هريرة أنه منسوخ لأن الجماع كان محرما على الصائم بعد النوم فلما أباح الله الجماع إلى طلوع الفجر جاز للجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل أن يصوم.
وكذلك المرأة إذا انقطع حيضها من الليل فهي صائمة إذا نوت الصوم قبل طلوع الفجر وتغتسل إذا أصبحت، وجملة ذلك أن الحكم في المرأة إذا انقطع حيضها من الليل كالحكم في الجنب سواء، ويشترط أن ينقطع حيضها قبل طلوع الفجر لأنه إن وجد جزء منه في النهار أفسد الصوم ويشترط أن تنوي الصوم أيضا من الليل بعد انقطاعه لأنه لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل، فتأخير الغسل منه إلى أن تصبح لا يمنع صحة الصوم كالجنابة.أ. هـ[المغني - (ج 3 / ص 78 وما بعدها)].
?فصل فى بيان ماذا على من شك فى طلوع الفجر او دخول الليل?
س: ماذا على من شك فى طلوع الفجر او دخول الغروب فأكل او جامع؟
الجواب:
فى حال الشك فى غروب الشمس:
الحكم فيمن أفطر بظنّ الغروب، والحال أنّ الشّمس لم تغرب، عليه القضاء ولا كفّارة عليه، لأنّ الأصل بقاء النّهار، وابن نجيم فرّع هذين الحكمين على قاعدة: اليقين لا يزول بالشّكّ، فإن شكّ في الغروب، لم يأكل اتّفاقاً، فإن أكل فعليه القضاء.
ويدل على ذلك ما اخرجه البخاري عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ قِيلَ لِهِشَامٍ فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ وَقَالَ مَعْمَرٌ سَمِعْتُ هِشَامًا لَا أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لَا". [البخاري - كتاب الصوم - بَاب إِذَا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ]
قال ابن حجر فى فتح الباري:
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى إِيجَاب الْقَضَاء، " قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة وَالْمَالِكِيَّة وَالْحَنَابِلَة وَعَلَيْهِ أَنْ يُمْسِك بَقِيَّة النَّهَار لِحُرْمَةِ الْوَقْت وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ". [نقلا من عون المعبود]
وَاخْتُلِفَ عَنْ عُمَر فَرَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة وَغَيْره عَنْهُ " تَرْكَ الْقَضَاء" وروي عَبْد الرَّزَّاق " نَقْضِي يَوْمًا " وَرَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور وَفِيهِ " فَقَالَ مَنْ أَفْطَرَ مِنْكُمْ فَلْيَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ ".
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة وَالْمَالِكِيَّة وَالْحَنَابِلَة وَعَلَيْهِ أَنْ يُمْسِك بَقِيَّة النَّهَار لِحُرْمَةِ الْوَقْت وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ.
وَجَاءَ تَرْكُ الْقَضَاء عَنْ مُجَاهِد وَالْحَسَن وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق وَأَحْمَد فِي رِوَايَة، وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ أَنَّهُ لَوْ غُمَّ هِلَال رَمَضَان فَأَصْبَحُوا مُفْطِرِينَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْم مِنْ رَمَضَان فَالْقَضَاء وَاجِب بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ هَذَا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/367)
وقَوْله (بُدٌّ مِنْ قَضَاء) هُوَ اِسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ مَحْذُوفُ الْأَدَاةِ وَالْمَعْنَى لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي ذَرٍّ " لَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ " ...... وَفِي آخِري " فَقَالَ إِنْسَان لِهِشَامٍ أَقَضَوْا أَمْ لَا "؟ فَقَالَ " لَا أَدْرِي " وَظَاهِر هَذِهِ الرِّوَايَة تُعَارِضُ الَّتِي قَبْلَهَا , لَكِنْ يُجْمَعُ بِأَنَّ جَزْمَهُ بِالْقَضَاءِ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ اِسْتَنَدَ فِيهِ إِلَى دَلِيل آخَر.أ. هـ
أما فى حال الشك فى طلوع الفجر:
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 229وما بعدها)]
مسألة ولا يلزم صوم في رمضان ولا في غيره الا بتبين طلوع الفجر الثاني، وأما ما لم يتبين فالاكل والشرب والجماع، مباح كل ذلك، كان على شك من طلوع الفجر أو على يقين من أنه لم يطلع، فمن رأى الفجر وهو يأكل فليقذف ما في فمه من طعام وشراب، وليصم، ولا قضاء عليه، ومن رأى الفجر وهو يجامع فليترك من وقته، وليصم، ولاقضاء عليه، سواء في كل ذلك كان طلوع الفجر بعد مدة طويلة أو قريبة، وصومه تام، ولو أقام عامدا فعليه الكفارة.
ومن أكل شاكا في غروب الشمس أو شرب فهو عاص لله تعالى، مفسد لصومه، ولا يقدر على القضاء، فان جامع شاكا في غروب الشمس فعليه الكفارة.
برهان ذلك قول الله عزوجل:" فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة/187]، وهذا نص ما قلنا، لان الله تعالى أباح الوطئ والاكل والشرب إلى أن يتبين لنا الفجر، ولم يقل تعالى: حتى يطلع الفجر، ولا قال: حتى تشكوا في الفجر، فلا يحل لاحد أن يقوله، ولا أن يوجب صوما بطلوعه ما لم يتبين للمرء، ثم أوجب الله تعالى التزام الصوم إلى الليل.
وقال نافع: عن ابن عمر، قالت عائشة وابن عمر كان (بلا يؤذن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان بلا لا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فانه لا يؤذن حتى يطلع الفجر" [متفق عليه]
عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ان بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، قال: وكان رجلا أعمى لا ينادى حتى يقال له: أصبحت أصبحت". [رواه البخارى (1/ 163) و مسلم (3/ 129)]
سمرة بن جندب يقول: قال رسول الله عليه السلام: (لا يغرن أحدكم نداء بلال من السحور، ولا هذا البياض حتى يستطير". [رواه مسلم (3/ 130)]
وكذلك حديث عدى بن حاتم، وسهل بن سعد في الخيطين الاسود، والابيض، فقال عليه السلام: " انما ذلك سواد الليل وبياض النهار". [انظر حديث رقم: 2275 في صحيح الجامع].
قال أبو محمد: فنص عليه السلام على أن ابن أم مكتوم يؤذن حتى يطلع
الفجر، وأباح الاكل إلى أذانه، فقد صح أن الاكل مباح ما لم يتبين لمريد الصوم طلوعه.
عن أنس عن أبى بكر الصديق أنه قال: إذا نظر الرجلان إلى الفجر فشك أحدهما فليأكلا حتى يتبين لهما.
ومن طريق الحسن: أن عمر بن الخطاب كان يقول: إذا شك الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا.
عن عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس قال: أحل الله الشراب ما شككت، يعنى في الفجر.
عن مكحول الازدي قال: رأيت ابن عمر أخذ دلوا من زمزم وقال لرجلين: أطلع الفجر؟ قال أحدهما: قد طلع، وقال الآخر: لا، فشرب ابن عمر.
وعن محمد بن على بن الحسين: كل حتى يتبين لك الفجر .... وعن الحسن: كل ما امتريت
فان ذكروا رواية هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فيمن أفطر وهو يرى أنه ليل فطلعت الشمس: أنه عليه القضاء وبالرواية عن عمر بمثل ذلك: فانما هذا في الافطار عند الليل، لا في الاكل شاكا في الفجر، وبين الامرين فرق، ولا يحل الاكل الا بعد يقين غروب الشمس، لان الله تعالى قال (إلى الليل) فمن أكل شاكا في مجئ الليل فقد عصى الله تعالى، وصيامه باطل، فان جامع فعليه الكفارة، لانه في فرض الصيام، ما لم يوقن الليل، بخلاف قوله: (حتى يتبين لكم الخيط الابيض) لان هذا في فرض الافطار حتى يوقن بالنهار. أ.هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/368)
(قلت: لاحظ التفريق ولعل هذا أعدل الاقوال، وهو محمول على من اراد التثبت من طلوع الفجر أو غروب الشمس فشك ولم يتيقن، فقبل الفجر الاصل حل الأكل والشرب والجماع، وقبل الغروب الاصل الصوم والامتناع عن الاكل والشرب والجماع: فليتنبه وليحتاط كل لعبادته، وذلك كله مبنى على من شك ولم يجد طريقا لليقين الدافع للشك!!!)
قال ابن قدامه:
وإن أكل شاكا في طلوع الفجر ولم يتبين الأمر فليس عليه قضاء وله الأكل حتى يتيقن طلوع الفجر نص عليه أحمد وهذا قول ابن عباس و عطاء و الأوزاعي و الشافعي وأصحاب الرأي وروي معنى ذلك عن أبي بكر الصديق وابن عمر رضي الله عنهم .......... لأن الأصل بقاء الليل.
وإن أكل شاكا في غروب الشمس ولم يتبين فعليه القضاء لأن الأصل بقاء النهار وإن كان حين الأكل ظانا أن الشمس قد غربت أو أن الفجر لم يطلع ثم شك بعد الأكل ولم يتبين فلا قضاء عليه لأنه لم يوجد يقين أزال ذلك الظن الذي بنى عليه فأشبه ما لو صلى بالاجتهاد ثم شك في الإصابة بعد صلاته.أ. هـ[المغني - (ج 3 / ص 77)]
ملحوظه:
اشتهر عند كثير من المسلمين ان موعد آذان الفجر - فى تقاويم اوقات الصلاة فى بعض البلدان الاسلاميه او غيرها - غير دقيق وبناءً عليه فان كثير من هؤلاء لايمسك مع هذا الاذان ويظل يأكل ويشرب عدة دقائق بعده على ان ذلك شك فى طلوع الفجر، لكن ليعلم هؤلاء ان هذا التقويم هو الاقرب لليقين لطلوع الفجر وان العبد عليه الاحتياط للصيام حتى لايفطر وهو يظن انه صائم ... والله المستعان.
?فصل فى بيان الاحوال التى يباح فيها الفطر?
س: ما هى الاحوال التى يباح فيها الفطر (عدم الصيام)؟
الجواب:
يباح الفطر (عدم الصّوم) لكل من:
1 - المرض:
المرض هو: كلّ ما خرج به الإنسان عن حدّ الصّحّة من علّة ونحوها، ولاشك ان المرض حال مخرجة للمرء عن حال الاعتدال، وصحة الجوارح والقوة إلى الاضطراب وضعف الجوارح واعتلالها.
قال ابن قدامة: أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة.
والأصل فيه قول اللّه تعالى: "وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " [البقرة/185]
قال ابن عاشور:
والمريض من قام به المرض وهو انحراف المزاج عن حد الاعتدال الطبيعي بحيث تثور في الجسد حمى أو وجع أو فشل.
وقد اختلف الفقهاء في تحديد المرض الموجب للفطر، فأما المرض الغالب الذي لا يستطيع المريض معه الصوم بحال بحيث يخشى الهلاك أو مقاربته فلا خلاف بينهم في أنه مبيح للفطر بل يوجب الفطر، وأما المرض الذي دون ذلك فقد اختلفوا في مقداره فذهب محققو الفقهاء إلى أنه المرض الذي تحصل به مع الصيام مشقة زائدة على مشقة الصوم للصحيح من الجوع والعطش المعتادين، بحيث يسبب له أوجاعاً أو ضعفاً منهكاً أو تعاوده به أمراض ساكنة أو يزيد في انحرافه إلى حد المرض أو يخاف تمادي المرض بسببه. وهذا قول مالك وأبي حنيفة والشافعي على تفاوت بينهم في التعبير، وأعدل العبارات ما نقل عن مالك؛ لأن الله أطلق المرض ولم يقيده، وقد علمنا أنه ما أباح للمريض الفطر إلاّ لأن لذلك المرض تأثيراً في الصائم.
ويكشف ضابط ذلك قول القرافي (فى الفروق) في الفرق الرابع عشر إذ قال: «إن المشاق قسمان: قسم ضعيف لا تنفك عنه تلك العبادة كالوضوء والغسل في زمن البرد وكالصوم، وكالمخاطرة بالنفس في الجهاد، وقسم هو ما تنفك عنه العبادة وهذا أنواع: نوع لا تأثير له في العبادة كوجع أصبع، فإن الصوم لا يزيد وجع الأصبع وهذا لا التفات إليه، ونوع له تأثير شديد مع العبادة كالخوف على النفس والأعضاء والمنافع وهذا يوجب سقوط تلك العبادة، ونوع يقرب من هذا فيوجب ما يوجبه».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/369)
وذهب ابن سيرين وعطاء والبخاري إلى أن المرض وهو الوجع والاعتلال يسوغ الفطر ولو لم يكن الصوم مؤثراً فيه شدة أو زيادة؛ لأن الله تعالى جعل المرض سبب الفطر كما جعل السفر سبب الفطر من غير أن تدعو إلى الفطر ضرورة كما في السفر، يريدون أن العلة هي مظنة المشقة الزائدة غالباً، قيل دخل بعضهم على ابن سيرين في نهار رمضان وهو يأكل فلما فرغ قال: إنه وجعتني أصبعي هذه فأفطرت، وعن البخاري قال: اعتللت بنيسابور علة خفيفة في رمضان فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه فقال لي: أفطرت يا أبا عبد الله قلت: نعم أخبرنا عبدان عن ابن المبارك عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: من أي المرض أفطر؟ قال: من أي مرض كان كما قال الله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً} وقيل: إذا لم يقدر المريض على الصلاة قائماً أفطر، وإنما هذه حالة خاصة تصلح مثالاً ولا تكون شرطاً، وعزي إلى الحسن والنخعي ولا يخفى ضعفه؛ إذ أين القيام في الصلاة من الإفطار في الصيام، وفي هذا الخلاف مجال للنظر في تحديد مدى الانحراف والمرض المسوغين إفطار الصائم.أ. هـ[التحرير والتنوير – (البقرة – 185)]
قال الشوكانى:
قوله: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا) قيل: للمريض حالتان: إن كان لا يطيق الصوم كان الإفطار عزيمة، وإن كان يطيقه مع تضرّر، ومشقة كان رخصتة. وبهذا قال الجمهور. أ.هـ[تفسير فتح القدير - (البقرة - 184)]
قال النّوويّ: ولا يشترط أن ينتهي إلى حالة لا يمكنه فيها الصّوم، بل قال أصحابنا: شرط إباحة الفطر أن يلحقه بالصّوم مشقّة يشقّ احتمالها، وأمّا المرض اليسير الّذي لا يلحق به مشقّة ظاهره فلم يجز له الفطر، بلا خلاف عندنا، خلافاً لأهل الظّاهر.
2 - السفر:
قال ابن قدامه:
للمسافر أن يفطر في رمضان وغيره بدلالة الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله وضع عن المسافر الصيام و شطر الصلاة ". [رواه أصحاب السنن – قال الألباني: (حسن) انظر حديث رقم: 1835 في صحيح الجامع].
وأجمع المسلمون على إباحة الفطر للمسافر في الجملة ..........
وليس للمسافر أن يصوم – حال سفره - في رمضان غيره، كالنذر والقضاء لأن الفطر أبيح رخصة وتخفيفا عنه، فإذا لم يرد التخفيف عن نفسه لزمه أن يأتي بالأصل، فإن نوى صوما غير رمضان لم يصح صومه لا عن رمضان ولا عما نواه، هذا هو الصحيح في المذهب وهو قول أكثر العلماء. أ.هـ[المغني - (ج 3 / ص 33 وما بعدها)]
قال ابو حيان:
وقد اختلفوا في المسافة التي تبيح الفطر، فقال ابن عمر، وابن عباس، والثوري وأبو حنيفة: ثلاثة أيام. وروى البخاري أن ابن عمر، وابن عباس كانا يفطران ويقصران في أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخاً، وقال مالك: مسافة الفطر مسافة القصر.
(قلت: وهو أعدل الاقوال ويجمع كل المذاهب تقريبا، وقوله تعالى:" فمنْ كان منكم مريضاً أو على سفرٍ" هذا السفر مطلق لم يُقيَّد بمسافة قصيرة ولا طويلة، فما يطلق عليه اسم السفر فهو عُذر يجيز للصائم أن يفطر).
وأجمعوا على أن سفر الطاعة من جهاد وحج وصلة رحم وطلب معاش ضروري مبيح للفطر، فأما سفر التجارة والمباح ففيه خلاف.
وقال ابن عطية: والقول بالإجازة أظهر، وكذلك سفر المعاصي مختلف فيه أيضاً، والقول بالمنع أرجح. انتهى كلامه.أ. هـ[تفسير البحر المحيط - (البقرة - 185)]
قال فى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 112)]:
بقي أن نعرف متى يكون الخروج سفراً ومتى لا يكون؟ فأقول ما يلي: إن الخروج حتى يكون سفراً يُباح معه الفطرُ، هو أن يغادر الشخص بلده والأراضي التابعة له، ويدخل في أراضي بلد آخر، مهما كان طول أراضي بلده أو قصرها، فالشخص في بلده غير مسافر، والفلاح في أرضه التابعة لبلده غير مسافر ولو كانت أرضه تبعد عن بلده عدة أميال، ولا يكون مسافراً إلا إذا غادر بلده وأراضي بلده، وعندها فقط يجوز له أن يفطر، سواء كان بالأكل أو بالشرب أو بالجماع.أ. هـ
واختلفوا هل الصوم افضل للمسافر ام الفطر ام على التخيير؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/370)
أخرج البخاري عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:"خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ رَوَاحَةَ". [البخاري – كتاب الصوم - (1809)]
وأخرج البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَقَالَ إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ". [البخاري - كتاب الصوم - بَاب الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَالْإِفْطَارِ]
واخرج مسلم عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ". [مسلم - كتاب الصوم - بَاب التَّخْيِيرِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ]
وفى روايه عند ابى داود " فَقَالَ: أَيَّ ذَلِكَ شِئْت يَا حَمْزَة ".
واخرج عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَالْكَدِيدُ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ". [البخاري - كتاب الصوم - بَاب إِذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ]
وفى رواية عند الطحاوى:" فَلَمَّا بَلَغَ الْكَدِيدَ بَلَغَهُ أَنَّ النَّاس يَشُقّ عَلَيْهِمْ الصِّيَام , فَدَعَا بِقَدَحِ مِنْ لَبَنٍ فَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاس وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته فشَرِبَ فَأَفْطَرَ , فَنَاوَلَهُ رَجُلًا إِلَى جَنْبِهِ فَشَرِبَ ".
قَوْلُهُ: (فَشَرِبَ ... إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَضِيلَةَ الْفِطْرِ لَا تَخْتَصُّ بِمَنْ أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ أَوْ خَشِيَ الْعُجْبَ وَالرِّيَاءَ أَوْ ظَنَّ بِهِ الرَّغْبَةَ عَنْ الرُّخْصَةِ بَلْ يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ، لِيُتَابِعَهُ مَنْ وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَيَكُونُ الْفِطْرُ فِي تِلْكَ الْحَالِ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ لِفَضِيلَةِ الْبَيَانِ.
واخرج مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَا تَعِبْ عَلَى مَنْ صَامَ وَلَا عَلَى مَنْ أَفْطَرَ قَدْ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ". [مسلم - كتاب الصوم - بَاب جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ ... ]
وأخرج عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سُئِلَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ فَقَالَ:" سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ". [مسلم - كتاب الصوم - بَاب جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ .... ]
واخرج البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا صَائِمٌ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ". [البخاري - كتاب الصوم - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ]
وبوب البخاري بَابٌ الصَّوْم فِي السَّفَر وَالْإِفْطَار:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/371)
قال ابن حجر: أَيْ إِبَاحَة ذَلِكَ وَتَخْيِير الْمُكَلَّف فِيهِ سَوَاء كَانَ فى رَمَضَان أَوْ غَيْره
وبوب مسلم - كتاب الصوم - بَاب جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ إِذَا كَانَ سَفَرُهُ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ أَطَاقَهُ بِلَا ضَرَرٍ أَنْ يَصُومَ وَلِمَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ
وبوب مسلم - كتاب الصوم - بَاب التَّخْيِيرِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ
وبوب البخاري - كتاب الصوم - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ
قال ابن حجر: أشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَنَّ سَبَب قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ " مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ , وَأَنَّ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ مُجَرَّدًا فَقَدْ اِخْتَصَرَ الْقِصَّةَ , فَالْحَاصِل أَنَّ الصَّوْم لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْر , وَالْفِطْرُ لِمَنْ شَقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ أَوْ أَعْرَضَ عَنْ قَبُولِ الرُّخْصَة أَفْضَلُ مِنْ الصَّوْم , وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَشَقَّةُ يُخَيَّرُ بَيْن الصَّوْم وَالْفِطْرِ.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فَقَالَتْ طَائِفَة: لَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ فِي السَّفَر عَنْ الْفَرْض , بَلْ مَنْ صَامَ فِي السَّفَر وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فِي الْحَضَرِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ " وَمُقَابَلَةُ الْبِرِّ الْإِثْمُ , وَإِذَا كَانَ آثِمًا بِصَوْمِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَهَذَا قَوْل بَعْض أَهْل الظَّاهِر , وَحُكِيَ عَنْ عُمَر وَابْن عُمَر وَأَبِي هُرَيْرَة وَالزُّهْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ , وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) قَالُوا ظَاهِره فَعَلَيْهِ عِدَّةٌ أَوْ فَالْوَاجِب عِدَّة.
وَمُقَابِل هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الصَّوْم فِي السَّفَر لَا يَجُوز إِلَّا لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسه الْهَلَاك أَوْ الْمَشَقَّة الشَّدِيدَة حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَوْم.
وَذَهَبَ أَكْثَر الْعُلَمَاء وَمِنْهُمْ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة إِلَى أَنَّ الصَّوْم أَفْضَل لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ كَثِير مِنْهُمْ الْفِطْر أَفْضَل عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق , وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ مُخَيَّر مُطْلَقًا.
وَقَالَ آخَرُونَ أَفْضَلهمَا أَيْسَرهمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ) فَإِنْ كَانَ الْفِطْر أَيْسَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَفْضَل فِي حَقِّهِ , وَإِنْ كَانَ الصِّيَام أَيْسَرَ كَمَنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ بَعْد ذَلِكَ فَالصَّوْم فِي حَقّه أَفْضَل وَهُوَ قَوْل عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر.
وَلَكِنْ قَدْ يَكُون الْفِطْر أَفْضَلَ لِمَنْ اِشْتَدَّ عَلَيْهِ الصَّوْم وَتَضَرَّرَ بِهِ , وَكَذَلِكَ مَنْ ظُنَّ بِهِ الْإِعْرَاض عَنْ قَبُول الرُّخْصَة ... رَوَى أَحْمَد مِنْ طَرِيق أَبِي طُعْمَةَ قَالَ: قَالَ رَجُل لِابْنِ عُمَر: إِنَى أَقْوَى عَلَى الصَّوْم فِي السَّفَر , فَقَالَ لَهُ اِبْن عُمَر: مَنْ لَمْ يَقْبَلْ رُخْصَةَ اللَّهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْم مِثْلُ جِبَالِ عَرَفَةَ , وَهَذَا مَحْمُول عَلَى مَنْ رَغِبَ عَنْ الرُّخْصَة لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي".
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/372)
وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد: أُخِذَ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّة أَنَّ كَرَاهَةَ الصَّوْم فِي السَّفَر مُخْتَصَّة بِمَنْ هُوَ فِي مِثْل هَذِهِ الْحَالَة مِمَّنْ يُجْهِدهُ الصَّوْم وَيَشُقّ عَلَيْهِ أَوْ يُؤَدِّي بِهِ إِلَى تَرْكِ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْ الصَّوْم مِنْ وُجُوه الْقُرَب , فَيُنَزَّلُ قَوْله " لَيْسَ مِنْ الْبِرّ الصَّوْم فِي السَّفَر " عَلَى مِثْل هَذِهِ الْحَالَة.
وَفِي الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب التَّمَسُّكِ بِالرُّخْصَةِ عِنْد الْحَاجَة إِلَيْهَا , وَكَرَاهَةُ تَرْكِهَا عَلَى وَجْه التَّشْدِيد وَالتَّنَطُّع. أ. هـ[فتح الباري - كتاب الصوم - بَابٌ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَر - ومسلم: في الصيام - باب جواز الصوم والفطر في رمضان للمسافر].
قال ابن قدامه:
ثم لا يخلو المسافر من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يدخل عليه شهر رمضان في السفر فلا نعلم بين أهل العلم خلافا في إباحة الفطر له.
الثاني: أن يسافر في أثناء الشهر ليلا فله الفطر في صبيحة الليلة التي يخرج فيها وما بعدها في قول عامة أهل العلم.
الثالث: أن يسافر في أثناء يوم من رمضان فحكمه في اليوم الثاني كمن سافر ليلا وفي إباحة فطر اليوم الذي سافر فيه خلاف - والصحيح أن له أن يفطر وهو قول عمرو بن شرحبيل والشعبي وإسحاق وداود وابن المنذر لما روى عن جعفر ابن جبر قال:" كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع ثم قرب غداه قال جعفر في حديثه فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة قال اقترب قلت ألست ترى البيوت قال أبو بصرة أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جعفر في حديثه فأكل" [رواه أبو داود - قال الألباني: صحيح]
وهذا يعنى أنه لا يباح له الفطر حتى يخلف البيوت وراء ظهره يعني أنه يجاوزها ويخرج من بين بنيانها. أ.هـ[المغني - (ج 3 / ص 33وما بعدها)]
وذهب الأئمّة الأربعة، وجماهير الصّحابة والتّابعين إلى أنّ الصّوم في السّفر جائز صحيح منعقد، وإذا صام وقع صيامه وأجزأه.
تنبيه:
من المعلوم كما قال اهل العلم أنّ السّفر لا يبيح قصراً ولا فطراً إلاّ بالنّيّة والفعل، بخلاف الإقامة، فإنّها توجب الصّوم والإتمام بالنّيّة دون الفعل.
وإذا لم ينو الإقامة لكنّه أقام لقضاء حاجة له، بلا نيّة إقامة، ولا يدري متى تنقضي، أو كان يتوقّع انقضاءها في كلّ وقت، فإنّه يجوز له أن يفطر، كما يقصر الصّلاة .... والخلاف عند العلماء فى المدد كالخلاف فى مدد قصر الصلاه .... قال بعض الصحابة: ولو بقي على ذلك سنين.
ودليل هذا: «أنّه - صلى الله عليه وسلم - أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصّلاة» ويلاحظ أنّ الفطر كالقصر الّذي نصّوا عليه في صلاة المسافر، من حيث التّرخّص فى الفطر وغيره، فإنّ المسافر له سائر رخص السّفر.!!!
3 - الحمل والرضاع:
قال الشوكانى:
قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ يُفْطِرَانِ وَيَقْضِيَانِ وَيُطْعِمَانِ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُفْطِرَانِ وَيُطْعِمَانِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ شَاءَتَا قَضَتَا وَلَا طَعَامَ عَلَيْهِمَا، وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ
وَقَدْ قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْقَضَاءِ الْأَوْزَاعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ.أ. هـ[نيل الأوطار - (ج 7 / ص 114)]
وعن أنس بن مالك القشيرى أن رجل من بني عبد الله بن كعب قال أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يتغدى فقال:" ادن فكل فقلت إني صائم فقال ادن أحدثك عن الصوم أو الصيام إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام والله لقد قالهما النبي صلى الله عليه وسلم كلتيهما أو إحداهما فيا لهف نفسي أن لا أكون طعمت من طعام النبي صلى الله عليه وسلم". [اخرجه الترمذى وابو داود وابن ماجه – قال الالبانى:حسن صحيح، ابن ماجة (1667)]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/373)
و أخرج أبو داود عن ابن عباس قال: " (و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) قال: كانت رخصه للشيخ الكبير , و المرأة الكبيرة , و هما يطيقان الصيام أن يفطرا و يطعما مكان كل يوم مسكينا , و الحبلى و المرضع إذا خافتا أفطرتا و أطعمتا " - قال أبو داود: يعنى على أولادهما. [قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 17: صحيح]. وهذا يبين أن الحبلى إذا خشيت بسبب الحَبَل على نفسها فإن لها أن تفطر، وأن المرضع إذا خشيت بسبب الإِرضاع على ولدها فإن لها أن تفطر، وأما إن عدمت الخشيةُ من الحبلى والمرضع فلا يصح لهما الإفطار، فالعام يُحمل دائماً على الخاص.
واذا افطرت فلها ان تقضى ان استطاعت، ولها ان تفدى كالذين يطيقونه كما فى أثر ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال:" لأم ولدٍ له حُبلى أو مُرضع: أنتِ من الذين لا يطيقون الصيام، عليكِ الجزاء، وليس عليكِ القضاء" [رواه الدارقطنى]
وعن ابن عباس قال:" إذا خافت الحامل على نفسها , و المرضع على ولدها فى رمضان قال: يفطران و يطعمان مكان كل يوم مسكينا , و لا يقضيان صوما ". [قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 17: و إسناده صحيح على شرط مسلم].
قال أبو عيسى الترمذى:
والعمل على هذا عند أهل العلم و قال بعض أهل العلم الحامل والمرضع تفطران وتقضيان وتطعمان وبه يقول سفيان ومالك والشافعي وأحمد و قال بعضهم تفطران وتطعمان ولا قضاء عليهما وإن شاءتا قضتا ولا إطعام عليهما وبه يقول إسحق.أ. هـ
وقد ذهب الحسن البصري وعطاء والضحاك وإبراهيم النخعي والأوزاعي وعكرمة وأصحاب الرأي وربيعة إلى أن الحامل إذا خافت على نفسها، والمرضع إذا خافت على ولدها، أن تفطرا ولا إطعام عليهما، فهما بمنزلة المريض يفطر ويقضي، وبه قال أبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر.
(قلت: وهو الصحيح الذى دل عليه الدليل والله تعالى اعلى واعلم)
وسواء أكانت المرضع أمّاً للرّضيع، أم كانت مستأجرةً لإرضاع غير ولدها، في رمضان أو قبله، فإنّ فطرها جائز، على الظّاهر عند الحنفيّة، وعلى المعتمد عند الشّافعيّة، بل لو كانت متبرّعةً ولو مع وجود غيرها.
4 - الشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ (الهَرَم) ومن كان مشابهاً لهم:
الهرم: كالشّيخ الفاني، وهو الّذي فنيت قوّته، أو أشرف على الفناء، وأصبح كلّ يوم في نقص إلى أن يموت، والمريض الّذي لا يرجى برؤه، وتحقّق اليأس من صحّته، والعجوز، وهي المرأة المسنّة.
فهؤلاء إن لم يقدروا على الصّوم فلا خلاف بين الفقهاء في أنّه لا يلزمهم الصّوم، ونقل ابن المنذر الإجماع عليه، وأنّ لهم أن يفطروا، إذا كان الصّوم يجهدهم ويشقّ عليهم مشقّةً شديدةً.
قال تعالى:" وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" [البقرة – 184]
وَعَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ:" وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ"
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا" .. [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
قال ابن عاشور:
والمطيق: هو الذي أطاق الفعل أي كان في طوقه أن يفعله، والطاقة أقرب درجات القدرة إلى مرتبة العجز، ولذلك يقولون فيما فوق الطاقة: هذا ما لا يطاق، وفسرها الفراء بالجَهد بفتح الجيم وهو المشقة، وفي بعض روايات «صحيح البخاري» عن ابن عباس قرأ: (وعلى الذين يُطَوَّقونه فلا يطيقونه). وهي تفسير فيما أحسب، وقد صدر منه نظائر من هذه القراءة، وقيل الطاقة القدرة مطلقاً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/374)
فعلى تفسير الإطاقة بالجَهد فالآية مراد منها الرخصة على من تشتد به مشقة الصوم في الإفطار والفِدْية، وقد سمَّوا من هؤلاء الشيخَ الهرم والمرأةَ المرضعَ والحاملَ فهؤلاء يفطرون ويطعمون عن كل يوم يفطرونه وهذا قول ابن عباس وأنس بن مالك والحسن البصري وإبراهيم النخعي وهو مذهب مالك والشافعي، ثم من استطاع منهم القضاء قضى ومن لم يستطعه لم يقض مثل الهرم، ويؤيد ذلك فعل السلف، فقد كان أنس بن مالك حين هرم وبلغ عَشْراً بعد المائة يفطر ويطعم لكل يوم مسكيناً خبزاً ولحماً.
ونلحق بالهرم والمرضع والحامل كلَّ من تلحقه مشقة أو توقُّع ضرر مثلهم وذلك يختلف باختلاف الأحوال واختلاف أزمان الصوم من اعتدال أو شدة برد أو حَر، وباختلاف أعمال الصائم التي يعملها لاكتسابه من الصنائع كالصائغ والحدَّاد والحمامي وخدمة الأرض وسير البريد وحَمْل الأمتعة وتعبيد الطرقات. أ.هـ[التحرير والتنوير - (البقرة -184)]
قال الحنفيّة: المحترف المحتاج إلى نفقته كالخبّاز والحصّاد، إذا علم أنّه لو اشتغل بحرفته يلحقه ضرر مبيح للفطر، يحرم عليه الفطر قبل أن تلحقه مشقّة.
وقال أبو بكر الآجرّيّ من الحنابلة: من صنعته شاقّة، فإن خاف بالصّوم تلفاً، أفطر وقضى، إن ضرّه ترك الصّنعة، فإن لم يضرّه تركها أثم بالفطر وبتركها، وإن لم ينتف الضّرر بتركها، فلا إثم عليه بالفطر للعذر.
قلت: يلحق بهم من أرهقه جوع مفرط، أو عطش شديد، فخاف على نفسه الهلاك، بغلبة الظّنّ، لا بمجرّد الوهم، أو يخاف نقصان العقل، أو ذهاب بعض الحواسّ، فإنّه يفطر ويقضي.
قال الشوكانى:
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: رُخِّصَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ أَنْ.يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ، قال الْجُمْهُورُ: وَحُكْمُ الْإِطْعَامِ بَاقٍ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَطُقْ الصِّيَامَ. [نيل الاوطار – 7/ 116 - 117].
?فصل فى بيان حكم من أفطر فى نهار رمضان خطأً أو نسياناً?
س: ماذا على من من نسى أنه صائم في رمضان أو غيره؟
الجواب:
من نسى أنه صائم في صوم فرض، أو تطوع فأكل وشرب ووطئ، ومن ظن انه ليل - ناسيا - ففعل شيئا من ذلك فإذا به قد أصبح، أو ظن انه قد غابت الشمس ففعل شيئا من ذلك فإذا بها لم تغرب، فان صوم كل من ذكرنا تام، لقول الله تعالى: " ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم"، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رفع عن امتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"
وبوب البخاري فى كتاب الصوم:
بَاب الصَّائِمِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا ........ وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَوْ وَطِئَ رَجُلٌ اِمْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِم نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ " ,
وَعَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَن قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا "
قلت: هنا مسألة هامه وهى هل يمكن ان ينسي الصائم انه صائم حتى يجامع، الاكل والشرب نعم، وهو يقع كثير لان الاكل والشرب لايستغرق الا برهة، أما الجماع فكيف، وعَنْ اِبْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ اِمْرَأَتَهُ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ , قَالَ لَا يَنْسَى ...... فهل هذا ممكن؟ الحقيقة انه ممكن خاصة لمن لم يتعود على احوال رمضان فى الايام الاول ولمن كان له عادة فى الجماع نهارا، وهو وقت الصيام والله المستعان.
وفى حديث الباب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ "
قال ابن حجر فى الشرح:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/375)
قَوْله: (فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ) فِي رِوَايَة " فَلَا يُفْطِرْ ". قَوْله: (فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ) فِي رِوَايَة " فَإِنَّمَا هُوَ رِزْق رَزَقَهُ اللَّهُ " وعَنْ هِشَامٍ " فَإِنَّمَا هُوَ رِزْق سَاقَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ " قَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ: تَمَسَّكَ جَمِيعُ فُقَهَاء الْأَمْصَارِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَوْله " فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّه وَسَقَاهُ " مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صِحَّة الصَّوْم لِإِشْعَارِهِ بِأَنَّ الْفِعْلَ الصَّادِرَ مِنْهُ مَسْلُوبُ الْإِضَافَةِ إِلَيْهِ فَلَوْ كَانَ أَفْطَرَ لَأُضِيفَ الْحُكْمُ إِلَيْهِ , قَالَ: وَتَعْلِيق الْحُكْمِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْب لِلْغَالِبِ لِأَنَّ نِسْيَان الْجِمَاع نَادِرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا ........ وَمَدَار كُلِّ ذَلِكَ عَلَى قُصُورِ حَالَةِ الْمَجَامِعِ نَاسِيًا عَنْ حَالَةِ الْآكِلِ ......... فِي بَعْض طُرُقِ الْحَدِيثِ " مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْر رَمَضَان " لِأَنَّ الْفِطْر أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ , وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَكْل وَالشُّرْب بِالذِّكْرِ فِي الطَّرِيق الْأُخْرَى لِكَوْنِهِمَا أَغْلَبَ وُقُوعًا وَلِعَدَمِ الِاسْتِغْنَاء عَنْهُمَا غَالِبًا.
قَالَ اِبْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: ذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى إِيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا وَهُوَ الْقِيَاسُ , فَإِنَّ الصَّوْمَ قَدْ فَاتَ رُكْنُهُ وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَأْمُورَات , وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَأْمُورَاتِ، قَالَ: وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُوجِبْ الْقَضَاءَ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِتْمَامِ , وَسَمَّى الَّذِي يُتِمُّ صَوْمًا , وَظَاهِرُهُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّة فَيُتَمَسَّكُ بِهِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالصَّوْمِ هُنَا حَقِيقَتُهُ اللُّغَوِيَّةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ لُطْفُ اللَّهِ بِعِبَادِهِ وَالتَّيْسِير عَلَيْهِمْ وَرَفْعُ الْمَشَقَّةِ وَالْحَرَجِ عَنْهُمَا , وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ لِهَذَا الْحَدِيثِ سَبَبًا فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ دِينَارٍ عَنْ مَوْلَاتِهَا أُمِّ إِسْحَاقَ أَنَّهَا " كَانَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيد فَأَكَلْت مَعَهُ , ثُمَّ تَذَكَّرَتْ أَنَّهَا كَانَتْ صَائِمَةً , فَقَالَ لَهَا ذُو الْيَدَيْنِ: الْآنَ بَعْدَمَا شَبِعْت؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتِمِّي صَوْمَك فَإِنَّمَا هُوَ رِزْق سَاقَهُ اللَّه إِلَيْك " وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْأَكْلِ وَكَثِيرِهِ. وَمِنْ الْمُسْتَظْرَفَاتِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ إِنْسَانًا جَاءَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَة فَقَالَ أَصْبَحْت صَائِمًا فَنَسِيت فَطَعِمْت , قَالَ لَا بَأْسَ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلْت عَلَى إِنْسَانٍ فَنَسِيت وَطَعِمْت وَشَرِبْت , قَالَ. لَا بَأْسَ اللَّهُ أَطْعَمَك وَسَقَاك. ثُمَّ قَالَ: دَخَلْت عَلَى آخَرَ فَنَسِيت فَطَعِمْت , فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنْتَ إِنْسَانٌ لَمْ تَتَعَوَّدْ الصِّيَامَ.أ. هـ
وعن عبد الله بن دينار قال: "استسقى ابن عمر وهو صائم، فقال: ألست صائما؟ فقال: أراد الله أن يسقينى فمنعتني".
س: ماذا على من أفطر خطأً أو كان ممن يجوز له الفطر فى بقية نهار رمضان؟
الجواب:
قال ابن قدامه:
إذا أصبح مفطرا يعتقد أنه من شعبان فقامت البينة بالرؤية لزمه الإمساك والقضاء في قول عامة الفقهاء ....... أشبه من أكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع فإذا تقرر هذا فإن جامع فيه فعليه القضاء والكفارة كالذي أصبح لا ينوي الصيام أو أكل ثم جامع وإن كان جماعة قبل قيام البينة فحكمه حكم من جامع يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع على ما مضى فيه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/376)
وكل من أفطر والصوم لازم له كالمفطر يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب أو الناسي لنية الصوم ونحوهم يلزمهم الإمساك لا نعلم بينهم فيه اختلافا.
فأما من يباح له الفطر في أول النهار ظاهرا كالحائض والنفساء والمسافر والصبي والمجنون والكافر والمريض إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار فطهرت الحائض والنفساء وأقام المسافر وبلع الصبي وأفاق المجنون وأسلم الكافر وصح المريض المفطر ففيهم روايتان
إحداهما: يلزمهم الإمساك في بقية اليوم وهو قول أبي حنيفة و الثوري و الأوزاعي و الحسن بن صالح و العنبري لأنه معنى لو وجد قبل الفجر أوجب الصيام فإذا طرأ بعد الفجر أوجب الإمساك كقيام البينة بالرؤية
والثانية: لا يلزمهم الإمساك وهو قول مالك والشافعي وروي ذلك عن جابر بن زيد وروي عن ابن مسعود أنه قال: من أكل أول النهار فليأكل آخره ولأنه أبيح له فى أول النهار ظاهرا وباطنا فإذا أفطر كان له أن يستديمه إلى آخر النهار كما لو دام العذر ............. .... فأما إن نوى الصوم في سفره أو مرضه أو صغره ثم زال عذره في أثناء النهار لم يجز له الفطر رواية واحدة وعليه الكفارة إن وطئ.
ولو علم الصبي أنه يبلغ في أثناء النهار بالسن أو علم المسافر أنه يقدم لم يلزمها الصيام قبل زوال عذرهما لأن سبب الرخصة موجود فيثبت حكمها كما لو لم يعلما ذلك.
?فصل فى بيان الاحوال التى يحرم فيها الصوم?
س: ما هى الاحوال التى يحرم فيها الصوم؟
الجواب:
1 - الحيض والنفاس:
بوب البخاري فى كتاب الحيض - بَاب تَرْكِ الْحَائِضِ الصَّوْمَ:
قال ابن حجر:
قَوْله: (بَاب تَرْك الْحَائِض الصَّوْم)
وَذَلِكَ أَنَّ تَرْكهَا الصَّلَاة وَاضِح مِنْ أَجْل أَنَّ الطَّهَارَة مُشْتَرَطَة فِي صِحَّة الصَّلَاة وَهِيَ غَيْر طَاهِرة , وَأَمَّا الصَّوْم فَلَا يُشْتَرَط لَهُ الطَّهَارَة فَكَانَ تَرْكهَا لَهُ تَعَبُّدًا مَحْضًا فَاحْتَاجَ إِلَى التَّنْصِيص عَلَيْهِ بِخِلَافِ الصَّلَاة.أ. هـ
قال ابن قدامه
أجمع أهل العلم على أن الحائض والنفساء لا يحل لهما الصوم وإنهما يفطران رمضان ويقضيان وإنهما إذا صامتا لم يجزئهما الصوم وقد قالت عائشة: كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة متفق عليه والأمر إنما هو للنبي صلى الله عليه و سلم وقال أبو سعيد: " قال النبي صلى الله عليه و سلم: أليس إحداكن إذا حاضت لم تصل ولم تصم فذلك من نقصان دينها " رواه البخاري والحائض والنفساء سواء لان دم النفاس هو دم الحيض وحكمه حكمه ومتى وجد الحيض في جزء فسد صوم ذلك اليوم سواء وجد في أوله أو في آخره. أ.هـ[المغني - (ج 3 / ص 83)]
مسألة هامه:
تقضى الحائض الصيام ولاتقضى الصلاة:
أخرج مسلم عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَقَالَتْ:" أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ قُلْتُ لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ قَالَتْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ". [مسلم - كتاب الصوم - بَاب وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ دُونَ الصَّلَاةِ]
قال النووى:
قَوْلهَا (فَنُؤْمَر بِقَضَاءِ الصَّوْم وَلَا نُؤْمَر بِقَضَاءِ الصَّلَاة) هَذَا الْحُكْم مُتَّفَق عَلَيْهِ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْحَائِض وَالنُّفَسَاء لَا تَجِب عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَلَا الصَّوْم فِي الْحَال , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّلَاة , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّوْم. قَالَ الْعُلَمَاء وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الصَّلَاة كَثِيرَة مُتَكَرِّرَة فَيَشُقّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْم , فَإِنَّهُ يَجِب فِي السَّنَة مَرَّة وَاحِدَة , وَرُبَّمَا كَانَ الْحَيْض يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَ أَصْحَابنَا: كُلّ صَلَاة تَفُوت فِي زَمَن الْحَيْض لَا تُقْضَى إِلَّا رَكْعَتَيْ الطَّوَاف. أ.هـ
2 - من كان الصيام مهلك له:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/377)
وهو كل كبير زمِن هَرَم يمكن ان يموت اذا صام لضعفه الشديد، وكذلك المريض الذى يهلك بترك الدواء ساعات معينة أو يشتد عليه مرضه فيدخل فى نوبات مرضية اشد مما هو فيها او يشرف على الموت وكل ذلك وما شابهه لايحل لهم الصوم لانهم يعسروا على انفسهم ظنا منهم ان الله كتب عليهم ذلك او ان الصيام منهم افضل وهو خالف لما جاء به الشرع من الترخيص والتخفيف والله تعالى يقول:" يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " [البقرة/185].
وقال تعالى: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" [الحج/78].
وقال تعالى:" وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ " [الأعراف/157] .... وفي الحديث. " إن هذا الدين يسر , و لن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه , فسددوا و قاربوا و أبشروا ... " [أخرجه البخاري] وما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما.
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 229)]:
ومن جهده الجوع أو العطش حتى غلبه الامر ففرض عليه أن يفطر، لقول الله تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم" [النساء – 29] ولقول الله تعالى: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" [البقرة – 185] وقول الله تعالى: " ما جعل عليكم في الدين من حرج" [الحج – 78] ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" [رواه البخاري].أ. هـ
?فصل فى بيان متى يفطر الصائم?
س: متى يفطر الصائم؟
الجواب:
أخرج البخاري عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ" [البخاري - كتاب الصوم]
وأخرج عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ لِبَعْضِ الْقَوْمِ يَا فُلَانُ قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَوْ أَمْسَيْتَ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ فَشَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ" [البخاري - كتاب الصوم]
وبوب علي الاحاديث - باب متى يحل فطر الصائم؟
قال ابن حجر فى الشرح:
قَوْله: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْل مِنْ هَاهُنَا) أَيْ مِنْ جِهَة الْمَشْرِقِ كَمَا فِي الْحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ , وَالْمُرَادُ بِهِ وُجُودُ الظُّلْمَةِ حِسًّا ,
وَذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةَ أُمُور , لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُتَلَازِمَةً فِي الْأَصْل لَكِنَّهَا قَدْ تَكُون فِي الظَّاهِر غَيْرَ مُتَلَازِمَة , فَقَدْ يُظَنُّ إِقْبَالُ اللَّيْل مِنْ جِهَة الْمَشْرِق وَلَا يَكُون إِقْبَاله حَقِيقَةً بَلْ لِوُجُودِ أَمْرٍ يُغَطِّي ضَوْءَ الشَّمْس وَكَذَلِكَ إِدْبَار النَّهَار فَمِنْ ثَمَّ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ " وَغَرَبَتْ الشَّمْس " إِشَارَةً إِلَى اِشْتِرَاط تَحَقُّق الْإِقْبَال وَالْإِدْبَار , وَأَنَّهُمَا بِوَاسِطَةِ غُرُوب الشَّمْس لَا بِسَبَبٍ آخَرَ .......... وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْإِقْبَال وَالْإِدْبَار مَعًا لِإِمْكَانِ وُجُود أَحَدهمَا مَعَ عَدَم تَحَقُّقِ الْغُرُوب قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاض
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/378)
قَوْله: (فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِم) أَيْ دَخَلَ فِي وَقْت الْفِطْر ...... وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ فَقَدْ صَارَ مُفْطِرًا فِي الْحُكْم لِكَوْنِ اللَّيْلِ لَيْسَ طَرَفًا لِلصِّيَامِ الشَّرْعِيّ ......... وَقَدْ رَدَّ اِبْن خُزَيْمَةَ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَأَوْمَأَ إِلَى تَرْجِيح الْأَوَّل فَقَالَ: قَوْله " فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِم " لَفْظُ خَبَرٍ وَمَعْنَاهُ الْأَمْر أَيْ فَلْيُفْطِرْ الصَّائِم , وَلَوْ كَانَ الْمُرَاد فَقَدْ صَارَ مُفْطِرًا كَانَ فِطْرُ جَمِيعِ الصُّوَّامِ وَاحِدًا وَلَمْ يَكُنْ لِلتَّرْغِيبِ فِي تَعْجِيل الْإِفْطَار مَعْنًى ا هـ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّل أَرْجَحُ (انه أمر بالتعجيل بالفطر) , وَلَوْ كَانَ الثَّانِي مُعْتَمِدًا لَكَانَ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُفْطِرَ فَصَامَ فَدَخَلَ اللَّيْل حَنِثَ بِمُجَرَّدِ دُخُوله وَلَوْ لَمْ يَتَنَاوَل شَيْئًا ..... وَيُرَجِّح الْأَوَّلَ أَيْضًا رِوَايَة شُعْبَة أَيْضًا بِلَفْظِ " فَقَدْ حَلَّ الْإِفْطَار "
قَوْله: (فَاجْدَحْ): الْجَدْح تَحْرِيك السَّوِيق وَنَحْوه بِالْمَاءِ بِعُودٍ يُقَال لَهُ الْمِجْدَحُ
(المراد تجهيز واعداد ما يفطرون عليه بتقليبه)
وَفِي الْحَدِيث أَيْضًا اِسْتِحْبَاب تَعْجِيل الْفِطْر , وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ إِمْسَاك جُزْء مِنْ اللَّيْل مُطْلَقًا , بَلْ مَتَى تَحَقَّقَ غُرُوب الشَّمْس حَلَّ الْفِطْر. أ. هـ
وسئل ابن تيمية - رحمه الله تعالى - عن غروب الشمس: هل يجوز للصائم أن يفطر بمجرد غروبها؟
فأجاب: إذا غاب جميع القرص أفطر الصائم ولا عبرة بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق، وإذا غاب جميع القرص ظهر السواد من المشرق كما قال النبي صلى الله عليه و سلم: [إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم]. أ. هـ[الفتاوى الكبرى - (ج 2 / ص 469)]
قال الشوكانى:
قَالَ الْمُهَلِّبُ: وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يُزَادَ فِي النَّهَارِ مِنْ اللَّيْلِ وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالصَّائِمِ وَأَقْوَى لَهُ عَلَى الْعِبَادَةِ ا هـ.
وَأَيْضًا فِي تَأْخِيرِهِ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ عِنْدَ ظُهُورِ النُّجُومِ، وَقَدْ كَانَ الشَّارِعُ يَأْمُرُ بِمُخَالَفَتِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ بِأَنَّ مُعَجِّلَ الْإِفْطَارِ أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إلَيْهِ، فَلَا يَرْغَبُ عَنْ الِاتِّصَافِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا مَنْ كَانَ حَظُّهُ مِنْ الدِّينِ قَلِيلًا كَمَا تَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ. أ.هـ
[نيل الأوطار - (ج 7 / ص 89)]
س: ماذا على من سافر من مكان قُبيل الغروب الى مكان لاتزال الشمس تشاهد فيه؟
الجواب:
فى فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
المسافر في الطائرة متى يفطر؟
س: شخصان من سكان الدمام أقلعت بهما الطائرة من مطار الظهران ضمن ركابها قبل غروب الشمس بعشر دقائق في شهر رمضان متجهة إلى جازان، وارتفعت الطائرة بنحو تسعة وعشرين ألف قدم عن سطح الأرض، وبعد مضي خمس وثلاثين دقيقة والطائرة تحلق في سماء الرياض وبهذا التوقيت أهل الرياض يفطرون وركاب الطائرة لا يزالون يشاهدون الشمس وربما يمضي أكثر من ربع ساعة وهم لا يزالون يشاهدونها، فهل يحل لركاب الطائرة الإفطار وأمثالهم؟ أفتونا أثابكم الله.
ج: الأصل أن لكل شخص في إمساكه في الصيام وإفطاره وأوقات صلاته حكم الأرض التي هو عليها أو الجو الذي يسير فيه، فمن غربت عليه الشمس في مطار الظهران مثلًا أفطر أو صلى المغرب وأقلعت به الطائرة متجهة إلى الغرب ورأى الشمس بعد باقية فلا يلزمه الإمساك، ولا إعادة صلاة المغرب؛ لأنه وقت الإفطار أو الصلاة له حكم الأرض التي هو عليها، وإن أقلعت به الطائرة قبل غروب الشمس بدقائق واستمر معه النهار فلا يجوز له أن يفطر ولا أن يصلي المغرب حتى تغرب شمس الجو الذي يسير فيه حتى ولو مر بسماء بلد أهلها قد أفطروا وصلوا المغرب وهو في سمائها يرى الشمس، كما ورد في السؤال
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/379)
من حال الشخصين اللذين مرا صائمين بسماء الرياض وقت الإفطار وركاب الطائرة لا يزالون يشاهدون الشمس، وهذا هو مقتضى الأدلة الشرعية، قال تعالى: " وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ " [البقرة – 187] وقال: " أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا " [الإسراء – 78] وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس؛ فقد أفطر الصائم»، ولكن لو نزلوا في مكان قد غربت فيه الشمس صار لهم حكم أهل ذلك المكان في الصوم والصلاة مدة وجودهم فيه .......... وعلى أن لكل صائم حكم المكان الذي هو فيه، سواء كان على سطح الأرض أم كان على طائرة في الجو. وعليه فمن أفطر وهو في الطائرة بتوقيت بلد ما وهو يعلم أن الشمس لم تغرب فصيامه فاسد؛ لأنه أفطر قبل غروب الشمس بالنسبة له وعليه قضاء ذلك اليوم ....... وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. أ.هـ[الفتوى رقم: (2254) والفتوى رقم (1402)]
?فصل فى بيان احكام قضاء رمضان لمن افطر فيه?
س: ما الذى يجب على من أفطر يوما من رمضان أو أكثر؟
الجواب:
المفطرون فى رمضان على أقسام كما سبق بيانه:
القسم الاول من اباح الشرع لهم الفطر:
وهم المريض ومن اشتد عليه الصوم لشدة حر أو فرط جوع وعطش ونحوهم، والمسافر، والمغمى عليه، والشيخ والشيخه والهرم، والحامل والمرضع.
وهؤلاء على حالين:
الاول: من لايستطيع الصوم فى رمضان ولاغيره لدوام الحال المانع من الصيام فى حقهم كالهرم (كبير السن الذى ضعف ووهنت قوته للكبر) والمريض الذى لايرجى برؤه، فهؤلاء عليهم الفدية ولا صيام عليهم.
الثانى: من لايستطيع الصوم فى رمضان ويستطيع فى غيره كالمريض الذى مرض فى رمضان وشفى بعده، وكالمسافر فى رمضان ويرجع مقيم فى رمضان أو بعده، والشيخ والشيخة الذين لايطيقو صوما فى حر ويطيقوه فى برد، ومثلهم الحامل والمرضع فى رمضان أو حوله، ثم تصبح على غير هذا الحال بعد رمضان وتقدر على الصوم، ومن أفطر لشدة جوع أو عطش، فهؤلاء على ضربين:
الضرب الاول من يلزمهم الصوم اياما أخر غير التى أفطروها فى رمضان وهولاء المسافر، والمريض الذى شفى بعد رمضان، ومن أفطر لشدة جوع أو عطش، ولاتصح منهم الفدية ولو دفعوا فدية لايسقط عنهم الصوم بحال وتعد فديتهم صدقة عامه، لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة:184].
الضرب الثانى من لهم ان يقضوا الصيام ان استطاعوا مع تغير حالهم المُرخِص لفطرهم فى رمضان ولهم ان يفدوا ان شاءوا او أن يصوموا - بغير مشقة شديدة - وإن صاموا فهو خير لهم، ولو أفدوا اجزأت الفدية عنهم، وهؤلاء كالحامل والمرضع، والشيخ والشيخه يجدوا فى انفسهم طاقة للصيام فى غير وقت رمضان
قال تعالى:" وأن تصوموا خير لكم " والخطاب للمقيمين المطيقين الصوم، أي: خير لكم من الفطر والفدية، أو للمريض والمسافر، أي: خير لكم من الفطر والقضاء، أو: لمن أبيح له الفطر من الجميع. [قاله أبو حيان]
وقيل: هذا في الشيخ الكبير لو تكلف الصوم وإن شق عليه فهو خير له من أن يفطر ويفدي [قاله البغوى]
القسم الثانى من وجب عليهم الفطر:
وهؤلاء كالحائض والنفساء، فإنه يجب عليهم قضاء الصوم، ولا تجزء عنهم فدية بحال ماداموا قد أفطروا للحيض أو النفاس فقط (يعنى لم يدخلوا فى اى من الاقسام السابقة)
القسم الثالث من يحرم عليه الفطر:
وهم من أفطروا عمدا بغير عذر أو رخصة، وهؤلاء على ضربين:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/380)
الضرب الاول من أفطر عمدا بالاكل والشرب ونحوه، فهؤلاء يقضوا يوما ولا كفارة ولا فدية عليهم، لعظيم جرمهم وفظيع صنيعهم، لان المعلوم مما تقرر فى الشريعة أن ما له كفارة من الذنوب أهون مما ليس له كفارة مما هو من جنسه، فمثلا القتل العمد لاكفارة له والقتل الخطأ له كفارة مما يشعر بأن القتل الخطأ أقل جرما من القتل العمد، وهكذا هنا فالفطر العمد بالاكل والشرب لاكفارة له وعليه القضاء وذلك هو الراجح مع وجود الخلاف عند اهل المذاهب فى اثبات الكفارة على المفطر عامدا بالاكل والشرب ونحوه كما بينت انفا فى المسائل المتقدمه.
وفى الاثر عن على بن أبى طالب قال: "من أفطر يوما من رمضان متعمدا لم يقضه أبدا طول الدهر"
وعن ابن مسعود: " من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة لم يجزه صيام الدهر وان صامه"
وعن على بن الحسين عن أبى هريرة: أن رجلا أفطر في رمضان، فقال أبو هريرة: "لا يقبل منه صوم سنة". [اورد هذه الاثار ابن حزم فى المحلى]
الضرب الثانى من أفطر عامدا بالجماع - ليس الا – فهؤلاء عليهم القضاء والكفارة على الرجل دون المرأة – كما سبق بيانه – وهذا بحسب ما دل عليه الدليل.
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 185)]
ولا كفارة على من تعمد فطرا في رمضان بما لم يبح له، إلا من وطئ في الفرج من امرأته أو أمته المباح له وطوهما إذا لم يكن صائما فقط فان هذا عليه الكفارة .... برهان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوجب الكفارة إلا على واطئ امرأته عامدا.أ. هـ (كما فى حديث من واقع امرأته فى نهار رمضان وهو صائم)
القسم الرابع من أفطر خطأً أو نسياناً أو بغير الاكل والشرب والجماع:
وهؤلاء مثل من قاء عامدا، ومن دخل حلقه ماء أو شئ من طعام بغير نية الاكل أو الشرب، كمن يتذوق طعاما فبالغ حتى تسرب الى حلقه، أو تداوى بغير نية افطار بدواء من الحلق او الانف فبلغ الجوف، ومن استنشق او تمضمض بمبالغة فتسرب الماء الى الحلق، ونحو ذلك، فهؤلاء ليس عليهم الا القضاء، والفرق بين هؤلاء وبين من افطر عامدا، ان هؤلاء لاإثم عليهم لأنهم أخطأوا، والخطأ عذر رافع للمؤخذة وموجب – بفضل الله – للعفوا كما جاء فى الحديث:" إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه " [انظر حديث رقم: 1731 في صحيح الجامع].
س: متى وكيف يقضى قضاء رمضان؟
الجواب:
بوب البخاري فى كتاب الصوم بَاب مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:" فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي صَوْمِ الْعَشْرِ لَا يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ ... وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ الْإِطْعَامَ إِنَّمَا قَالَ:" فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر".أ. هَ
وأورد حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ:" كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ قَالَ يَحْيَى الشُّغْلُ مِنْ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَابْن خُزَيْمَةَ عَنْ عَائِشَة رضى الله عنها:" مَا قَضَيْت شَيْئًا مِمَّا يَكُون عَلَيَّ مِنْ رَمَضَان إِلَّا فِي شَعْبَان حَتَّى قُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
قال ابن حجر فى الشرح:
قَوْله: (بَابٌ مَتَى يَقْضِي قَضَاء رَمَضَان؟) أَيْ مَتَى تُصَام الْأَيَّام الَّتِي تُقْضَى عَنْ فَوَات رَمَضَان؟ , وَمُرَاد الِاسْتِفْهَام هَلْ يَتَعَيَّن قَضَاؤُهُ مُتَتَابِعًا أَوْ يَجُوز مُتَفَرِّقًا؟ وَهَلْ يَتَعَيَّن عَلَى الْفَوْر أَوْ يَجُوز عَلَى التَّرَاخِي؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/381)
لِأَنَّ ظَاهِر قَوْله تَعَالَى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ لِصِدْقِ " أَيَّامٍ أُخَرَ " سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَتَابِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَة , وَالْقِيَاس يَقْتَضِي التَّتَابُع إِلْحَاقًا لِصِفَةِ الْقَضَاء بِصِفَةِ الْأَدَاء , وَظَاهِر صَنِيع عَائِشَة يَقْتَضِي إِيثَار الْمُبَادَرَة إِلَى الْقَضَاء لَوْلَا مَا مَنَعَهَا مِنْ الشُّغْلِ , فَيُشْعِر بِأَنَّ مَنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَنْبَغِي لَهُ التَّأْخِيرُ.
وَنَقَلَ اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْره عَنْ عَلِيّ وَعَائِشَة وُجُوبَ التَّتَابُع , وَلَا يَخْتَلِف الْمُجِيزُونَ لِلتَّفْرِيقِ أَنَّ التَّتَابُعَ أَوْلَى.
قَوْله: وَقَالَ اِبْن عَبَّاس: (لَا بَأْس أَنْ يُفَرَّق لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: " فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ") ....... وعَنْ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ: لَا يَضُرُّك كَيْف قَضَيْتهَا إِنَّمَا هِيَ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر فَأُحْصِهِ ........ وعن مُعَاذ بْن جَبَل: إِذَا أَحْصَى الْعِدَّة فَلْيَصُمْ كَيْف شَاءَ.
قَوْله: (وَقَالَ إِبْرَاهِيم إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا , وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ إِطْعَامًا)، وَفِي رِوَايَة " حَتَّى جَازَ "، وَفِي نُسْخَة " حَانَ "، وَمِنْ طَرِيق الْحَارِث الْعُكْلِىّ عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ: إِذَا تَتَابَعَ عَلَيْهِ رَمَضَانَانِ صَامَهُمَا فَإِنْ صَحَّ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَقْضِ الْأَوَّل فَبِئْسَمَا صَنَعَ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلْيَصُمْ.
قَوْله: (وَلَمْ يَذْكُر اللَّه تَعَالَى الْإِطْعَام , إِنَّمَا قَالَ: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) هَذَا مِنْ كَلَام البخاري قَالَهُ تَفَقُّهًا ...... لَكِنْ إِنَّمَا يَقْوَى مَا اِحْتَجَّ بِهِ إِذَا لَمْ يَصِحّ فِي السُّنَّة دَلِيل الْإِطْعَام إِذْ لَا يَلْزَم مِنْ عَدَم ذِكْرِهِ فِي الْكِتَاب أَنْ لَا يَثْبُتَ بِالسُّنَّةِ , وَلَمْ يَثْبُت فِيهِ شَيْء مَرْفُوع وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهِ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة
وَفِي الْحَدِيث دَلَالَة عَلَى جَوَاز تَأْخِير قَضَاء رَمَضَان مُطْلَقًا سَوَاء كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْر لِأَنَّ الزِّيَادَة كَمَا بَيَّنَّاهُ مُدْرَجَةٌ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَرْفُوعَة لَكَانَ الْجَوَاز مُقَيَّدًا بِالضَّرُورَةِ لِأَنَّ لِلْحَدِيثِ حُكْمَ الرَّفْع لِأَنَّ الظَّاهِر اِطِّلَاع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ تَوَفُّر دَوَاعِي أَزْوَاجه عَلَى السُّؤَال مِنْهُ عَنْ أَمْر الشَّرْع فَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا لَمْ تُوَاظِبْ عَائِشَة عَلَيْهِ , وَيُؤْخَذ مِنْ حِرْصهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَان أَنَّهُ لَا يَجُوز تَأْخِير الْقَضَاء حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَان آخَرُ. أ.هـ
قلت: خلاصة القول مما تقدم أن قضاء رمضان فى أى وقت شاء المكلف الا الايام التى يحرم صومها، وعليه الاسراع لحسن العبودية وخشية الموت، ولو اخر القضاء حتى دخل عليه رمضان آخر فعليه القضاء ولا اطعام عليه وان قال به بعض الصحابة لكن ليس على ما قالوه دليل والله المستعان.
أما عن كيفية اداء القضاء فقد قال ابن قدامة:
وقضاء شهر رمضان متفرقا يجزئ والمتتابع أحسن، هذا قول ابن عباس وأنس بن مالك وأبي هريرة والحسن و سعيد بن المسيب، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق وحكي وجوب التتابع عن علي و ابن عمر و النخعي والشعبي وقال داود: يجب ولا يشترط.
وإطلاق قول الله تعالى: "فعدة من أيام أخر" غير مقيد بالتتابع، وأيضا قول الصحابة قال ابن عمر: إن سافر فإن شاء فرق وإن شاء تابع وروي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم وقال أبو عبيدة بن الجراح في قضاء رمضان: إن الله لم يرخص لكم في فطره وهو يريد أن يشق عليكم في قضائه ولأنه صوم لا يتعلق بزمان بعينه فلم يجب فيه التتابع كالنذر المطلق، والمتتابع أحسن لما فيه من موافقة الخبر والخروج من الخلاف وشبهه بالأداء والله أعلم أ. هـ[المغني - (ج 6 / ص 155)]
س: ما هو مقدار قضاء الصوم لمن يلزمه القضاء عما أفطر فى رمضان؟
الجواب:
قال ابن قدامه:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/382)
والواجب في القضاء عن كل يوم يوم في قول عامة الفقهاء (يدل على ذلك) قول الله تعالى: " فعدة من أيام أخر " و " قال النبي صلى الله عليه و سلم في قصة المجامع " صم يوما مكانه " (رواه أبو داود)، ولأن القضاء يكون على حسب الأداء بدليل سائر العبادات، ولأن القضاء لا يختلف بالعذر وعدمه بدليل الصلاة والحج. أ.هـ[المغنى - ج6 ص90]
وبالتالى فمن أفطر أيّاماً من رمضان - كالمريض والمسافر - قضى بعدّة ما فاته، لأنّ القضاء يجب أن يكون بعدّة ما فاته ...... ومن فاته صوم رمضان كلّه، قضى الشّهر كلّه، سواء ابتدأه من أوّل الشّهر أو من أثنائه، كأعداد الصّلوات الفائتة ........ فالقضاء لما فات من رمضان بالعدد: فمن أفطر رمضان كلّه، وكان ثلاثين، وقضاه في شهر بالهلال، وكان تسعةً وعشرين يوماً، صام يوماً آخر. وإن فاته صوم رمضان وهو تسعة وعشرون يوماً، وقضاه في شهر - وكان ثلاثين يوماً - فلا يلزمه صوم اليوم الأخير، لقوله تعالى: «فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ».
ويجوز أن يقضي يوم شتاء عن يوم صيف، ويجوز عكسه، بأن يقضي يوم صيف عن يوم شتاء، وهذا لعموم الآية المذكورة وإطلاقها.
وقضاء رمضان يكون على التّراخي (لايشترط فيه الفور ولاالتتابع)، لكن الجمهور قيّدوه بما إذا لم يفت وقت قضائه، بأن يهلّ رمضان آخر، لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: " كان يكون عليّ الصّوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلاّ في شعبان، لمكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم ". [أخرجه البخارى (4/ 166 ـ فتح) و مسلم (3/ 154)].
ولا يجوز عند الجمهور تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر، من غير عذر، لحديث عائشة هذا، فإن أخّر فعليه الفدية: إطعام مسكين لكلّ يوم، لما روي عن ابن عبّاس وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتّى أدركه رمضان آخر: عليه القضاء وإطعام مسكين لكلّ يوم، وهذه الفدية للتّأخير.
ومذهب الحنفيّة، وهو وجه محتمل عند الحنابلة: إطلاق التّراخي بلا قيد، فلو جاء رمضان آخر، ولم يقض الفائت، قدّم صوم الأداء على القضاء، حتّى لو نوى الصّوم عن القضاء لم يقع إلاّ عن الأداء، ولا فدية عليه بالتّأخير إليه، لإطلاق النّصّ، وظاهر قوله تعالى " فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ".
والحق أن ما ذهب إليه الأحناف هو الصحيح، وذلك أن فرض الفدية على من تأخَّر في القضاء حتى جاء رمضان آخر يحتاج إلى نصٍّ من الشرع، ولا نصَّ هنا، فلا يصح تشريع هذا الحكم.
وعند غير الحنفيّة يحرم التّطوّع بالصّوم قبل قضاء رمضان، ولا يصحّ تطوّعه بالصّوم قبل قضاء ما عليه من رمضان، بل يبدأ بالفرض حتّى يقضيه، وإن كان عليه نذر صامه بعد الفرض، لأنّ الصّوم عبادة متكرّرة، فلم يجز تأخير الأولى عن الثّانية، كالصّلوات المفروضة.
س: ماذا على من كان عليه قضاء فلم يقض حتى مات؟
الجواب:
قال ابن قدامة:
من مات وعليه صيام من رمضان لم يخل من حالين:
أحدهما: أن يموت قبل إمكان الصيام أما لضيق الوقت أو لعذر من مرض أو سفر أو عجز عن الصوم فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم وحكي عن طاوس و قتادة إنهما قالا: يجب الإطعام عنه لأنه صوم واجب سقط بالعجز عنه فوجب الإطعام عنه كالشيخ الهرم إذا ترك الصيام لعجزه عنه
الحال الثاني: أن يموت بعد إمكان القضاء فالواجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين وهذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن عائشة و ابن عباس وبه قال مالك و الليث و الأوزاعي و الثوري و الشافعي و الخزرجي و ابن علية و أبو عبيد في الصحيح عنهم وقال أبو ثور: يصام عنه وهو قول الشافعي لما روت عائشة " أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: من مات وعليه صيام صام عنه وليه " (متفق عليه) وروي عن ابن عباس نحوه. ا.هـ[المغني - (ج 6 / ص 141)]
بوب البخاري فى كتاب الصوم من جامعه - بَاب مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ.
قال ابن حجر فى الشرح:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/383)
قَوْله: (بَابٌ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ) أَيْ هَلْ يُشْرَعُ قَضَاؤُهُ عَنْهُ أَمْ لَا؟ وَإِذَا شُرِعَ هَلْ يَخْتَصُّ بِصِيَامٍ دُونَ صِيَامٍ أَوْ يَعُمُّ كُلّ صِيَام؟ وَهَلْ يَتَعَيَّن الصَّوْم أَوْ يُجْزِئُ الْإِطْعَام؟ وَهَلْ يَخْتَصّ الْوَلِيّ بِذَلِكَ أَوْ يَصِحّ مِنْهُ وَمِنْ غَيْره؟ وَالْخِلَاف فِي ذَلِكَ مَشْهُور لِلْعُلَمَاءِ.
وعَنْ الْحَسَن فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَجُمِعَ لَهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا فَصَامُوا عَنْهُ يَوْمًا وَاحِدًا أَجْزَأَ عَنْهُ , قَالَ النَّوَوِيّ فِي " شَرْح الْمُهَذَّبِ ": هَذِهِ الْمَسْأَلَة لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا فِي الْمَذْهَبِ , وَقِيَاس الْمَذْهَبِ الْإِجْزَاءُ. قُلْت: لَكِنَّ الْجَوَاز مُقَيَّد بِصَوْمٍ لَمْ يَجِب فِيهِ التَّتَابُع لِفَقْدِ التَّتَابُع فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة.
وَقَوْله " صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْر تَقْدِيره فَلْيَصُمْ عَنْهُ وَلِيّه , وَلَيْسَ هَذَا الْأَمْر لِلْوُجُوبِ عِنْد الْجُمْهُور
وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة: فَأَجَازَ الصِّيَام عَنْ الْمَيِّت أَصْحَابُ الْحَدِيث .... وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَة ثَابِتَة لَا أَعْلَم خِلَافًا بَيْن أَهْل الْحَدِيث فِي صِحَّتهَا فَوَجَبَ الْعَمَل بِهَا ........ وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد وَمَالِك وَأَبُو حَنِيفَة لَا يُصَام عَنْ الْمَيِّت. وَقَالَ اللَّيْث وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو عُبَيْد: لَا يُصَام عَنْهُ إِلَّا النَّذْرُ.
وَاخْتَلَفَ الْمُجِيزُونَ فِي الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " وَلِيُّهُ " فَقِيلَ كُلّ قَرِيب , وَقِيلَ الْوَارِث خَاصَّة , وَقِيلَ عَصَبَتُهُ , وَالْأَوَّل أَرْجَح , وَالثَّانِي قَرِيب , وَيَرُدُّ الثَّالِثَ قِصَّة الْمَرْأَة الَّتِي سَأَلَتْ عَنْ نَذْرِ أُمِّهَا. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يَخْتَصّ ذَلِكَ بِالْوَلِيِّ؟
َقِيلَ يَخْتَصّ بِالْوَلِيِّ فَلَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ يَصُوم عَنْهُ أَجْزَأَ كَمَا فِي الْحَجِّ , وَقِيلَ يَصِحُّ اِسْتِقْلَال الْأَجْنَبِيّ بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْوَلِيّ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ , وَظَاهِر صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ اِخْتِيَارُ هَذَا الْأَخِير , وَبِهِ جَزَمَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَقَوَّاهُ بِتَشْبِيهِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِالدَّيْنِ وَالدَّيْنُ لَا يَخْتَصّ بِالْقَرِيبِ. أ.هـ
قال النووى فى شرح مسلم:
وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهُ لَا يُصَام عَنْ مَيِّت لَا نَذْر وَلَا غَيْره , حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة , وَرِوَايَة عَنْ الْحَسَن وَالزُّهْرِيّ , وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة , قَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره: هُوَ قَوْل جُمْهُور الْعُلَمَاء , وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ , وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ , بَلْ بَاطِلٌ , وَأَيُّ ضَرُورَةٍ إِلَيْهِ وَأَيُّ مَانِع يَمْنَع مِنْ الْعَمَل بِظَاهِرِهِ مَعَ تَظَاهُرِ الْأَحَادِيثِ , مَعَ عَدَم الْمُعَارِض لَهَا , قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابنَا: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَنْهُ صَلَاةٌ فَائِتَة , وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُصَام عَنْ أَحَد فِي حَيَاته , وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِي الْمَيِّت. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَالْمُرَاد بِالْوَلِيِّ الْقَرِيب , سَوَاء كَانَ عَصَبَةً أَوْ وَارِثًا أَوْ غَيْرَهُمَا , وَلَوْ صَامَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ إِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيّ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحّ , وَلَا يَجِب عَلَى الْوَلِيّ الصَّوْم عَنْهُ , لَكِنْ يُسْتَحَبّ.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث جَوَاز صَوْم الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّت كَمَا ذَكَرْنَا , وَفِيهَا: قَضَاءُ الدَّيْن عَنْ الْمَيِّت , وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَيْهِ , وَلَا فَرْق بَيْن أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهُ وَارِثٌ أَوْ غَيْره فَيَبْرَأُ بِهِ بِلَا خِلَاف. أ.هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/384)
(قلت: الصحيح ما شهد له الدليل وهو الصوم عن الولى بنص الحديث، الا ان يكون من مات كان على حال قبل الموت يجوز الاطعام عنه ... والله تعالى اعلى واعلم.)
?فصل فى بيان احكام الكفارة والفدية?
س: ما الفارق بين الكفارة والفدية وما مقدار كل منهم؟
الجواب:
الفدية:
لغة من فدى، وفداه: استنقذه بمال، أو غيره، فخلصه مما كان فيه.
افتدى فلان: قدم الفدية عن نفسه .... والفِدْية والفَدَى والفِداءُ كله بمعنى.
والفدية معناها الجزاء والبدل.
وقوله عز وجل: "وفَدَيناه بذِبْح عظِيم" أَي جعلنا الذِّبح فِداء له وخَلَّصناه به من الذَّبح.
وشرعا: ما يقدم لله تعالى جزاء لتقصير في عبادة، مثل فدية الصوم، والحلق، ولبس المخيط في الاحرام .... قال تعالى: " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ". [راجع لسان العرب]
مقدار الفدية:
قال صاحب الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 235وما بعدها)]:
لقد اختلف صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تحديد مقدار الفدية ورُويت عنهم روايات متباينة تذكر أن الفِدية مُدٌّ واحد، وأنها مُدَّان اثنان، أي نصف صاع، وأنها أربعة أمداد، أي صاع، وقال الشافعي فيما حكاه عنه المزني. يطعم عن كل يوم مداً، وقال الثوري: نصف صاع من بر، وصاع من تمر أو زبيب، وقال قوم: عشاء وسحور، وقال قوم: قوت يوم، وقال أبو حنيفة وجماعة، يطعم عن كل يوم نصف صاع، من بر.
وهذه الأقوال كلها اجتهادات وليست نصوصاً شرعية، فالشرع لم يحدِّد مقدار الفدية، أي لم يحدد مقدار ما يُطعَمُ المسكينُ، وإنما هي اجتهادات في تحقيق مناطِ النصوص الشرعية أي مناط حكم إطعامِ مسكينٍ واحد، فجاءت آراؤهم مختلفة متباينة ولو أن هؤلاء الصحابة والتابعين والفقهاء أدركوا عصرنا هذا لربما تغيَّرت تقديراتهُم، فالعُرفُ وأحوالُ الناس والعصرُ الذي يُعاش فيه لها مدخل وأثر في تحديد مقدار ما يُقدَّم للمسكين الواحد من القوت، وبالجملة فما علينا الا أن نقف عند قوله سبحانه وتعالى {فديةٌ طعامُ مسكين} وندع تحديد الفدية وما يُقدَّم للمسكين إلى الناس، بحيث يبذلون ما يرونه كافياً لإطعام المسكين، لا سيما وأَن تقديم المدِّ الواحدِ والمدين والأربعة أمداد من القمح أو من التمر لم يعد ينفع المسكين وإنما أصبح المقبول والمتَّبع في عصرنا الراهن تقديمُ وجباتٍ من الطعام المطبوخ التى تطعم وتشبع.أ. هـ
وظاهر الآية: أنه يجب مطلق طعام، ويحتاج التقييد إلى دليل.
قال ابن قدامه:
ويجزئ في الكفارة ما يجزئ في الفطرة من البر والشعير ودقيقها والتمر والزبيب وفي الاقط والخبز روايتان وكذلك يخرج في السويق فإن كان قوته غير ذلك من الحبوب كال الدُّخن [الدخن: نبات عشبى حبه صغير أملس كحب السمسم] والذرة والأرز ......... لقول الله تعالى:" من أوسط ما تطعمون أهليكم" ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالإطعام مطلقا ولم يرد تقييده بشيء من الأجناس فوجب ابقاؤه على إطلاقه ولأنه أطعم المسكين من طعامه فأجزأه كما لو كان طعامه برا فأطعمه منه وهذا أظهر. أ.هـ[المغنى – جـ 6 صـ 121]
قال ابن حزم: [المحلى (ج 6 / ص 201)]:
ومن كان فرضه الاطعام فانه لابد له من أن يطعمهم شبعهم، من أي شئ أطعمهم، وان اختلف، مثل أن يطعم بعضهم خبزا، وبعضهم تمرا، وبعضهم ثريدا، وبعضهم زبيبا، ونحو ذلك، ويجزئ في ذلك مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، إن أعطاهم حبا أو دقيقا أو تمرا أو زبيبا أو غير ذلك مما يؤكل ويكال، فان أطعمهم طعاما معمولا فيجزئه ما أشبعهم أكلة واحدة، أقل أو أكثر ......... ولا يجوز تحديد إطعام دون إطعام بغير نص ولا إجماع، ولم يُختلف فيما دون الشبع في الاكل ولا فيما دون المد في الاعطاء أنه لا يجزئ .............. ولا يجزئ إطعام رضيع لا يأكل الطعام، ولا إعطاؤه من ذلك، لانه لا يسمى إطعاما، فان كان يأكل كما تأكل الصبيان أجزأ إطعامه وإشباعه، وإن أكل قليلا، لانه أطعم كما أمر، وبالله تعالى التوفيق.أ. هـ
ملحوظه:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/385)
قال أبو عبيد في كتاب الأموال: وأما أهل الحجاز فلا اختلاف بينهم فيه أَعلمه أن الصاعَ عندهم خمسةُ أرطال وثلثٌ يعرفه عالِمُهم وجاهِلُهم، ويباع في أسواقهم. وقال أبو يوسف القاضي: فقد فسَّرنا ما في الصاع من السنن وهو كما أعلمتُك خمسةُ أرطالٍ وثلثٌ، والمُدُّ رُبُعُه، وهو رطل وثلث، وذلك برطلنا هذا الذي وزنه مائة درهم وثمانية وعشرون درهماً.
وبتقدير ما سبق بالأوزان الحديثة نقول ما يلي: إن المد يساوي 543 غراماً، فيكون الصاع 2175غراماً، أي كيلو غرامين ومائةً وخمسة وسبعين غراماً.أ. هـ[الجامع لأحكام الصيام - الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 237)]
ملحوظة:
تصح الفدية عمن يُفدى عنه مع بداية رمضان، او وسطه، او آخره، او بعده، وتصح جملة واحدة بان يجمع ثلاثين مسكين ويطعمهم جميعا، ويصح ان يطعم مسكينا واحدا كل يوم من رمضان فدية عن كل يوم، خلاف الكفارة.
اما الكفارة:
فمعناها: الكفارة: ما يستغفر به الآثم من صدقة، وصوم، ونحو ذلك، وقيل ما كُفِّرَ به من صدقة أَو صوم أَو نحو ذلك قال بعضهم كأَنه غُطِّيَ عليه بالكَفَّارة وهذا لأنّ الغاية من الكفّارة الزّجر.
وسميت الكَفَّاراتُ كفَّاراتٍ لأَنها تُكَفِّرُ الذنوبَ أَي تسترها مثل كَفَّارة الأَيْمان وكَفَّارة الظِّهارِ والقَتْل الخطإِ وقد بينها الله تعالى في كتابه وأَمر بها عباده
وقد حددت الشريعة أنواعا من الكفارات، منها كفارة اليمين، وكفارة الصوم وكفارة ترك بعض مناسك الحج.
والكفارة فى الصيام عقوبة وزجر، بخلاف الفدية كما سبق بيان معنى الفدية فى الصيام، فالكفارة عقوبة لمن أفطر عمدا فى رمضان، واختلف الفقهاء هل يلزم من افطر عامدا الكفارة سواءٌ افطر بالاكل والشرب ونحوه أم الجماع، أم بالجماع فقط ولهم فى ذلك خلاف واسع، لكن الدليل الشرعى دل على ان الالزام بالكفارة يلزم من افطر عامدا بالجماع فقط - كما بينت ذلك عند الكلام على الافطار بالجماع - وصفة الكفارة الواجبة هي عتق رقبة لا يجزئه غيرها مادام يقدر عليها، فان لم يقدر عليها لزمه صوم شهرين متتابعين، فان لم يقدر علي الصوم لزمه حينئذ اطعام ستين مسكينا، ولا يصح اطعام مسكينا واحدا ستين مرة، بل لابد من عدد ستين، ومقدار ما يطعم به كل مسكين كمقدار الفدية السابق بيانه ........ ولا يجزئ اطعام أقل من ستين، ولا صيام أقل من شهرين، لانه خلاف ما أمر به.
قال ابن قدامه:
ولا تجب الكفارة بالفطر في غير رمضان في قول أهل العلم وجمهور الفقهاء
لأنه جامع في غير رمضان فلم تلزمه كفارة كما لو جامع في صيام الكفارة ويفارق القضاء الأداء لأنه متعين بزمان محترم فالجماع فيه هتك له بخلاف القضاء. أ.هـ
وإن جامع فلم يكفر حتى جامع ثانية قبل التكفير عن الأول لم يخل من أن يكون في يوم واحد أو في يومين فإن كان في يوم واحد فكفارة واحدة تجزئه بغير خلاف بين أهل العلم وإن كان في يومين من رمضان لا تجزئ واحدة ويلزمه كفارتان اختاره القاضي وهو قول مالك و الليث و الشافعي وابن المنذر وروي ذلك عن عطاء ومكحول لأن كل يوم عبادة منفردة فإذا وجبت الكفارة بإفساده لم تتداخل كرمضانين وكالحجتين. أ. هـ[المغني - (ج 6 / ص 123 وما بعدها)]
س: ما معنى قوله تعالى " فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " [البقرة/184]
الجواب:
التطوع: السعي في أن يكون طائعاً غير مكره أي طاع طوعاً من تلقاء نفسه.
ولا شك أن الخير هنا متطوع به فهو الزيادة من الأمر الذي الكلام بصدده وهو الإطعام لا محالة، وذلك إطعام غير واجب فيحتمل أن يكون المراد: فمن زاد على إطعام مسكيننٍ واحد فهو خير، وهذا قول ابن عباس، أو أن يكون: مَن أراد الإطعام مع الصيام، قاله ابن شهاب، وعن مجاهد: مَن زاد في الإطعام على المُدّ وهو بعيد؛ إذ ليس المُدّ مصرحاً به في الآية، وقد أطعم أنس بن مالك خبزاً ولحماً عن كل يوم أفطره حين شاخ.
وظاهر هذه الآية العموم في كل تطوع بخير، وإن كانت وردت في أمر الفدية في الصوم، وظاهر التطوع: التخيير في أمر الجواز بين الفعل والترك، وأن الفعل أفضل. ولا خلاف في ذلك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/386)
" وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ " معناه الصوم خير له من الفدية، وقيل: هذا في الشيخ الكبير لو تكلف الصوم وإن شق عليه فهو خير له من أن يفطر ويفدي
فقوله: " وأن تصوموا " ترغيب في الصوم وتأنيس به، وإن كان نازلاً في إباحته لصاحب المشقة كالهَرِم، ويحتمل أن يرجع إلى قوله: " ومن كان مريضاً " وما بعده، فيكون تفضيلاً للصوم على الفطر إلاّ أن هذا في السفر مختلف فيه بين الأئمة. [راجع تفسير- البغوى – البحر المحيط – التحرير والتنوير].
?فصل بيان بعض الاحكام المتعلقة بصيام التطوع?
س: ما معنى " لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ "؟
الجواب:
أخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ". [مسلم كتاب الصوم بَاب لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ]
وفى رواية عند الدارقطنى:" و لا تخلطوا برمضان إلا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم"
و فى أخري عند البغوي: " و لا تصلوا رمضان بشيء إلا أن يوافق ... "
[أوردهم الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2/ 103]
قال النووى فى شرح مسلم:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْم وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُل كَانَ يَصُوم صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ) , فِيهِ التَّصْرِيح بِالنَّهْيِ عَنْ اِسْتِقْبَال رَمَضَان بِصَوْمِ يَوْم وَيَوْمَيْنِ , لِمَنْ لَمْ يُصَادِف عَادَة لَهُ أَوْ يَصِلهُ بِمَا قَبْله , فَإِنْ لَمْ يَصِلهُ وَلَا صَادَفَ عَادَة فَهُوَ حَرَام , هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي مَذْهَبنَا ; لِهَذَا الْحَدِيث وَلِلْحَدِيثِ الْآخَر فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره (إِذَا اِنْتَصَفَ شَعْبَان فَلَا صِيَام حَتَّى يَكُون رَمَضَان) فَإِنْ وَصَلَهُ بِمَا قَبْله أَوْ صَادَفَ عَادَة لَهُ ; فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ صَوْمَ يَوْمٍ الِاثْنَيْنِ وَنَحْوه , فَصَادَفَهُ فَصَامَهُ تَطَوُّعًا بِنِيَّةِ ذَلِكَ جَازَ , لِهَذَا الْحَدِيث , وَسَوَاء فِي النَّهْي عِنْدنَا لِمَنْ لَمْ يُصَادِف عَادَتَهُ وَلَا وَصَلَهُ يَوْم الشَّكّ وَغَيْره , فَيَوْم الشَّكّ دَاخِلٌ فِي النَّهْي ..... وَاَللَّه أَعْلَم.
س: هل من تطوع بصوم ثم لم يتمه هل يأثم وهل عليه قضاؤه؟
الجواب:
اختلف العلماء فى ذلك فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ قضاء نفل الصّوم إذا أفسده واجب، واستدلوا بادلة لايصح منها شيئ الا ما جاء من قولهم أنّ ما أتى به قربةً، فيجب صيانته وحفظه عن البطلان، وقضاؤه عند الإفساد، لقوله تعالى: «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ» [محمد - 33] ولا يمكن ذلك إلاّ بإتيان الباقي، فيجب إتمامه وقضاؤه عند الإفساد ضرورةً، فصار كالحجّ والعمرة المتطوّعين.
والشّافعيّة والحنابلة، لا يوجبون إتمام نافلة الصّوم، ولا يوجبون قضاءها إن فسدت، وذلك لقول عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال:"هل عندكم شيء فقلت لا قال فإني صائم" ثم مر بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي حيس فخبأت له منه وكان يحب الحيس قالت يا رسول الله إنه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه قال:" أدنيه أما إني قد أصبحت وأنا صائم " فأكل منه ثم قال:" إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها". [والحديث اخرجه مسلم والزيادة الاخيرة اخرجها النسائى - تحقيق الألباني: حسن، الإرواء (4/ 135 - 136)]
قال النووى فى شرح مسلم:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/387)
فى الحديث التَّصْرِيحُ بِالدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّ صَوْم النَّافِلَة يَجُوز قَطْعُهُ , وَالْأَكْل فِي أَثْنَاء النَّهَار , وَيَبْطُلُ الصَّوْمُ , لِأَنَّهُ نَفْلٌ , فَهُوَ إِلَى خِيَرَة الْإِنْسَان فِي الِابْتِدَاء , وَكَذَا فِي الدَّوَام , وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَآخَرُونَ , وَلَكِنَّهُمْ كُلّهمْ وَالشَّافِعِيّ مَعَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى اِسْتِحْبَاب إِتْمَامه , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك: لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَيَأْثَم بِذَلِكَ , وَبِهِ قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَمَكْحُول وَالنَّخَعِيّ , وَأَوْجَبُوا قَضَاءَهُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ , قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَلَّا قَضَاءَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَهُ بِعُذْرٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ا.هـ
ولحديث أمّ هانئ رضي الله تعالى عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فدعا بشراب فشرب، ثمّ ناولها فشربت، فقالت: يا رسول اللّه، أما إنّي كنت صائمةً، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «الصّائم المتطوّع أمين نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر» وفي رواية: «أمير نفسه». [تحقيق الألباني: صحيح تخريج المشكاة (2079)، صحيح أبي داود (2120)]
ولحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه قال: صنعت لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم طعاماً، فأتاني هو وأصحابه، فلمّا وضع الطّعام قال رجل من القوم: إنّي صائم، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «دعاكم أخوكم، وتكلّف لكم. ثمّ قال له: أفطر، وصم مكانه يوماً إن شئت». [أخرجه البيهقى قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 7/ 12:حسن].
ولأنّ القضاء يتبع المقضيّ عنه، فإذا لم يكن واجباً، لم يكن القضاء واجباً، بل يستحبّ. ونصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّ من شرع في نافلة صوم لم يلزمه الإتمام، لكن يستحبّ، ولا كراهة ولا قضاء في قطع صوم التّطوّع مع العذر, أمّا مع عدم العذر فيكره، لقوله تعالى: «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ».
ومن العذر أن يعزّ على من ضيّفه امتناعه من الأكل , وإذا أفطر فإنّه لا يثاب على ما مضى إن أفطر بغير عذر، وإلاّ أثيب.
أما الواجب فقال ابن قدامة:
ومن دخل في واجب كقضاء رمضان أو نذر معين أو مطلق أو صيام كفارة لم يجز له الخروج منه لأن المتعين وجب عليه الدخول فيه وغير المتعين تعين بدخوله فيه فصار بمنزلة الفرض المتعين وليس في هذا خلاف بحمد الله. أ.هـ
[المغني - (ج 6 / ص 159)]
س: هل يصح التطوع بالصيام قبل صيام قضاء رمضان؟
الجواب:
بوب البخاري فى كتاب الصوم بَاب مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ .............. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي صَوْمِ الْعَشْرِ لَا يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ.
قال ابن حجر فى الشرح:
قَوْله: (وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِي صَوْم الْعَشْر لَا يَصْلُح حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ) وَفى رواية اِبْن أَبِي شَيْبَة " لَا بَأْس أَنْ يَقْضِي رَمَضَان فِي الْعَشْر " وَظَاهِر قَوْله جَوَاز التَّطَوُّع بِالصَّوْمِ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ رَمَضَان , إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَصُوم الدَّيْنَ أَوَّلًا لِقَوْلِهِ " لَا يَصْلُح " فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِرْشَاد إِلَى الْبُدَاءَة بِالْأَهَمِّ وَالْآكَد , وَقَدْ رَوَى عَبْد الرَّزَّاق عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ إِنَّ عَلَيَّ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَان أَفَأَصُوم الْعَشْرَ تَطَوُّعًا؟ قَالَ: لَا , اِبْدَأْ بِحَقِّ اللَّه ثُمَّ تَطَوَّعْ مَا شِئْت. وَعَنْ عَائِشَة نَحْوه، قَالَ وَرَوَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ نَحْوُهُ عَنْ الْحَسَن وَالزُّهْرِيِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ حُجَّةٌ عَلَى ذَلِكَ , وَرَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبّ ذَلِكَ.أ. هـ
وفى فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/388)
س: هل من صام ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان إلا أنه لم يكمل صوم رمضان، حيث قد أفطر من شهر رمضان عشرة أيام بعذر شرعي، هل يثبت له ثواب من أكمل صيام رمضان وأتبعه ستًا من شوال، وكان كمن صام الدهر كله؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
ج: والذي ينبغي لمن كان عليه شيء من أيام رمضان أن يصومها أولا ثم يصوم ستة أيام من شوال؛ لأنه لا يتحقق له اتباع صيام رمضان لست من شوال إلا إذا كان قد أكمل صيامه. [الفتوى رقم (2264)]
وفى فتوي اخري: وأما القضاء للصوم الواجب فيكون قبل صيام الست من شوال.
وفى مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: [(ج 20 / ص 6 وما بعدها)]
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: هل يحصل ثواب الست من شوال لمن عليه قضاء من رمضان قبل أن يصوم القضاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: صيام ستة أيام من شوال لا يحصل ثوابها إلا إذا كان الإنسان قد استكمل صيام شهر رمضان، فمن عليه قضاء من رمضان فإنه لا يصوم ستة أيام من شوال إلا بعد قضاء رمضان، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال ... » وعلى هذا نقول لمن عليه قضاء: صم القضاء أولاً، ثم صم ستة أيام من شوال، فإن انتهى شوال قبل أن يصوم الأيام الستة لم يحصل له أجرها إلا أن يكون التأخير لعذر .... وعلى هذا فلا يثبت أجر صيام ستة من شوال لمن صامها وعليه قضاء من رمضان إلا إذا قضى رمضان ثم صامها.
وسئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ: إذا كان على المرأة دين من رمضان فهل يجوز أن تقدم الست على الدين أم الدين على الست؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان على المرأة قضاء من رمضان فإنها لا تصوم الستة أيام من شوال إلا بعد القضاء، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال» ومن عليها قضاء من رمضان لم تكن صامت رمضان فلا يحصل لها ثواب الأيام الست إلا بعد أن تنتهي من القضاء، فلو فرض أن القضاء استوعب جميع شوال، مثل أن تكون امرأة نفساء ولم تصم يوماً من رمضان، ثم شرعت في قضاء الصوم في شوال ولم تنته إلا بعد دخول شهر ذي القعدة، فيحصل الاجر للعذر. أ. هـ
س: ما المقصود بإستئذان المرأة زوجها فى صيام التطوع؟
الجواب:
اتّفق الفقهاء على أنّه ليس للمرأة أن تصوم تطوّعاً إلاّ بإذن زوجها، لما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ" [البخاري - كتاب الصوم - بَاب صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا تَطَوُّعًا]
قال ابن حجر فى الشرح:
قَوْله (لَا يَحِلّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُوم وَزَوْجهَا) يَلْتَحِق بِهِ السَّيِّد بِالنِّسْبَةِ لِأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلّ لَهُ وَطْؤُهَا
قَوْله (شَاهِد) أَيْ حَاضِر. قَوْله (إِلَّا بِإِذْنِهِ) يَعْنِي فِي غَيْر صِيَام أَيَّام رَمَضَان , وَكَذَا فِي غَيْر رَمَضَان مِنْ الْوَاجِب إِذَا تَضَيّقَ الْوَقْت ..... قال الشّافعيّة: وعلمها برضاه كإذنه ...... ولا تحتاج المرأة إلى إذن الزّوج إذا كان غائباً، لمفهوم الحديث ولزوال معنى النّهي ...... ومثل الغائب عند الحنفيّة: المريض، والصّائم والمحرم بحجّ أو عمرة، قالوا: وإذا كان الزّوج مريضاً أو صائماً أو محرماً لم يكن له منع الزّوجة من ذلك، ولها أن تصوم وإن نهاها.
وَدَلَّتْ رِوَايَة الْبَاب عَلَى تَحْرِيم الصَّوْم الْمَذْكُور عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور ,
وَيُؤَكِّد التَّحْرِيم ثُبُوت الْخَبَر بِلَفْظِ النَّهْي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/389)
قَالَ النَّوَوِيّ فِي " شَرْح مُسْلِم ": وَسَبَب هَذَا التَّحْرِيم أَنَّ لِلزَّوْجِ حَقّ الِاسْتِمْتَاع بِهَا فِي كُلّ وَقْت , وَحَقّه وَاجِب عَلَى الْفَوْر فَلَا يَفُوتهُ بِالتَّطَوُّعِ وَلَا بِوَاجِبٍ عَلَى التَّرَاخِي , وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لَهَا الصَّوْم بِغَيْرِ إِذْنه وَإِذَا أَرَادَ الِاسْتِمْتَاع بِهَا جَازَ وَيُفْسِد صَوْمهَا لِأَنَّ الْعَادَة أَنَّ الْمُسْلِم يَهَاب اِنْتَهَاك الصَّوْم بِالْإِفْسَادِ , وَلَا شَكّ أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ خِلَاف ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَثْبُت دَلِيل كَرَاهَته , نَعَمْ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَمَفْهُوم الْحَدِيث فِي تَقْيِيده بِالشَّاهِدِ يَقْتَضِي جَوَاز التَّطَوُّع لَهَا إِذَا كَانَ زَوْجهَا مُسَافِرًا , فَلَوْ صَامَتْ وَقَدِمَ فِي أَثْنَاء الصِّيَام فَلَهُ إِفْسَاد صَوْمهَا ذَلِكَ مِنْ غَيْر كَرَاهَة , وَفِي مَعْنَى الْغَيْبَة أَنْ يَكُون مَرِيضًا بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيع الْجِمَاع ...... وَفِي الْحَدِيث أَنَّ حَقّ الزَّوْج آكَد عَلَى الْمَرْأَة مِنْ التَّطَوُّع بِالْخَيْرِ , لِأَنَّ حَقّه وَاجِب وَالْقِيَام بِالْوَاجِبِ مُقَدَّم عَلَى الْقِيَام بِالتَّطَوُّعِ.أ. هـ
ولو صامت المرأة بغير إذن زوجها صحّ مع الحرمة عند جمهور الفقهاء،
لأنّ حقّ الزّوج فرض، فلا يجوز تركه لنفل.
وإذا صامت الزّوجة تطوّعاً بغير إذن زوجها فله أن يفطّرها، وخصّ المالكيّة جواز تفطيرها بالجماع فقط، أمّا بالأكل والشّرب فليس له ذلك، لأنّ احتياجه إليها الموجب لتفطيرها إنّما هو من جهة الوطء.
س: ماذا على من دُعى الى طعام وهو صائم؟
الجواب:
أخرج البخاري عَنْ نَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ لَهَا قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ وَهُوَ صَائِمٌ ". [البخاري - كتاب النكاح - باب إجابة الداعى فى العرس وغيره]
قال ابن حجر فى الشرح:
قوله:" إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى وَلِيمَة عُرْس فَلْيُجِبْ " وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم بِلَفْظِ " إِذَا دَعَا أَحَدكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوه " وَلِمُسْلِمٍ أيضا بِلَفْظِ " مَنْ دُعِيَ إِلَى عُرْس أَوْ نَحْوه فَلْيُجِبْ " ...... وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيث بَعْض الشَّافِعِيَّة فَقَالَ بِوُجُوبِ الْإِجَابَة إِلَى الدَّعْوَة مُطْلَقًا عُرْسًا كَانَ أَوْ غَيْره بِشَرْطِهِ ; وَزَعَمَ اِبْن حَزْم أَنَّهُ قَوْل جُمْهُور الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ , وَيُعَكِّر عَلَيْهِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي الْعَاصِ وَهُوَ مِنْ مَشَاهِير الصَّحَابَة أَنَّهُ قَالَ فِي وَلِيمَة الْخِتَان لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهَا ,
وَجَزَمَ بِعَدَمِ الْوُجُوب فِي غَيْر وَلِيمَة النِّكَاح الْمَالِكِيَّة وَالْحَنَفِيَّة وَالْحَنَابِلَة وَجُمْهُور الشَّافِعِيَّة ; وَلَفْظ الشَّافِعِيّ: إِتْيَان دَعْوَة الْوَلِيمَة حَقّ , وَالْوَلِيمَة الَّتِي تُعْرَف وَلِيمَة الْعُرْس , وَكُلّ دَعْوَة دُعِيَ إِلَيْهَا رَجُل وَلِيمَة فَلَا أُرَخِّص لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهَا , وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَتَبَيَّن أَنَّهُ عَاصٍ فِي تَرْكهَا كَمَا تَبَيَّنَ لِي فِي وَلِيمَة الْعُرْس.
وَوَقَعَ عِنْد أَبِي دَاوُدَ " فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ , وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ " ...... وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " بَاب حَقّ إِجَابَة الْوَلِيمَة " أَنَّ أُبَيّ بْن كَعْب لَمَّا حَضَرَ الْوَلِيمَة وَهُوَ صَائِم أَثْنَى وَدَعَا " ........ وَعِنْد أَبِي عَوَانَة: " كَانَ اِبْن عُمَر إِذَا دُعِيَ آجَابَ , فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا أَكَلَ , وَإِنْ كَانَ صَائِمًا دَعَا لَهُمْ وَبَرَّكَ ثُمَّ اِنْصَرَفَ ".
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/390)
وَهَلْ يُسْتَحَبّ لَهُ أَنْ يُفْطِر إِنْ كَانَ صَوْمه تَطَوُّعًا؟ قَالَ أَكْثَر الشَّافِعِيَّة وَبَعْض الْحَنَابِلَة: إِنْ كَانَ يَشُقّ عَلَى صَاحِب الدَّعْوَة صَوْمه فَالْأَفْضَل الْفِطْر وَإِلَّا فَالصَّوْم , وَأَطْلَقَ الرُّويَانِيّ وَابْن الْفَرَّاء اِسْتِحْبَاب الْفِطْر , وَيَبْعُد إِطْلَاق اِسْتِحْبَاب الْفِطْر مَعَ وُجُود الْخِلَاف وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ وَقْت الْإِفْطَار قَدْ قَرُبَ، وَيُؤْخَذ مِنْ فِعْل اِبْن عُمَر أَنَّ الصَّوْم لَيْسَ عُذْرًا فِي تَرْك الْإِجَابَة وَلَا سِيَّمَا مَعَ وُرُود الْأَمْر لِلصَّائِمِ بِالْحُضُورِ وَالدُّعَاء , نَعَمْ لَوْ اِعْتَذَرَ بِهِ الْمَدْعُوّ فَقَبِلَ الدَّاعِي عُذْره لِكَوْنِهِ يَشُقّ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَأْكُل إِذَا حَضَرَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي التَّأَخُّر.
وَوَقَعَ فِي حَدِيث جَابِر عِنْد مُسْلِم " إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى طَعَام فَلْيُجِبْ , فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَك " ................ قَالَ النَّوَوِيّ: وَتُحْمَل رِوَايَة جَابِر عَلَى مَنْ كَانَ صَائِمًا , وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة اِبْن مَاجَهْ فِيهِ بِلَفْظِ " مَنْ دُعِيَ إِلَى طَعَام وَهُوَ صَائِم فَلْيُجِبْ , فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ " وَيَتَعَيَّن حَمْله عَلَى مَنْ كَانَ صَائِمًا نَفْلًا , وَيَكُون فِيهِ حُجَّة لِمَنْ اِسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَخْرُج مِنْ صِيَامه لِذَلِكَ , وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَط " عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ " دَعَا رَجُل إِلَى طَعَام , فَقَالَ رَجُل: إِنِّي صَائِم , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعَاكُمْ أَخَاكُمْ وَتَكَلَّفَ لَكُمْ , أَفْطِرْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانه إِنْ شِئْت " [سبق تخريجه] .... وَاللَّهُ أَعْلَم.أ. هـ
وأخرج البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ قَالَ:" أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ فَإِنِّي صَائِمٌ ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ فَدَعَا لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا .. "
[البخاري - كتاب الصوم - باب من زار قوما فلم يفطر عندهم]
ومما يستفاد من الحديث أن للصائم المتطوع إذا زار قوما , و قدموا له طعاما أن لا يفطر , و لكن يدعو لهم بخير. (ذكره الالبانى فى الصحيحة)
?فصل فى بيان ما يستحب صومه من الايام?
س: ما الذى يستحب صومه من الأيام؟
الجواب:
1 - إتباع رمضان بصيام ست من شوال:
بوب مسلم فى كتاب الصيام - بَاب اسْتِحْبَابِ صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ إِتْبَاعًا لِرَمَضَانَ
واور فيه عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ"
قال النووى فى الشرح:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَان ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْر) فِيهِ دَلَالَة صَرِيحَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد وَمُوَافِقَيْهِمْ فِي اِسْتِحْبَاب صَوْم هَذِهِ السِّتَّة , وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة: يُكْرَه ذَلِكَ , قَالَ مَالِك فِي الْمُوَطَّإِ: مَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْم يَصُومهَا , قَالُوا: فَيُكْرَهُ ; لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ. وَدَلِيل الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح الصَّرِيح , وَإِذَا ثَبَتَتْ السُّنَّة لَا تُتْرَكُ لِتَرْكِ بَعْضِ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ أَوْ كُلِّهِمْ لَهَا , وَقَوْلهمْ: قَدْ يُظَنّ وُجُوبهَا , يُنْتَقَض بِصَوْمِ عَرَفَة وَعَاشُورَاء وَغَيْرهمَا مِنْ الصَّوْم الْمَنْدُوب. قَالَ أَصْحَابنَا: وَالْأَفْضَل أَنْ تُصَامَ السِّتَّةُ مُتَوَالِيَةً عَقِبَ يَوْم الْفِطْرِ , فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/391)
أَخَّرَهَا عَنْ أَوَائِل شَوَّال إِلَى أَوَاخِره حَصَلَتْ فَضِيلَة الْمُتَابَعَةُ ; لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال , قَالَ الْعُلَمَاء: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَصِيَامِ الدَّهْر ; لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا , فَرَمَضَانُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ , وَالسِّتَّة بِشَهْرَيْنِ. أ.هـ
قَالَ أَبُو عِيسَى - الترمذى - حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ اسْتَحَبَّ قَوْمٌ صِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ هُوَ حَسَنٌ هُوَ مِثْلُ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَيُرْوَى فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ وَيُلْحَقُ هَذَا الصِّيَامُ بِرَمَضَانَ وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنْ تَكُونَ سِتَّةَ أَيَّامٍ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ إِنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ مُتَفَرِّقًا فَهُوَ جَائِزٌ. [الترمذى - كتاب الصوم - باب ما جاء فى صيام ستة ايام من شوال]
قال المباركفوري فى تحفة الاحوذى:
قُلْت: قَوْلُ مَنْ قَالَ بِكَرَاهَةِ صَوْمِ هَذِهِ السِّتَّةِ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ , وَلِذَلِكَ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ: بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ اِبْنُ الْهُمَامِ: صَوْمُ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهُ , وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا اِنْتَهَى. أ.هـ
2 - صيام عاشوراء كفارة سنة ويوم عرفة كفارة سنتين:
عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم وهذا قول وسعيد ابن المسيب والحسن، وأما يوم عرفة فهو اليوم التاسع من ذي الحجة سمي بذلك لأن الوقوف بعرفة فيه ........... وهو يوم شريف عظيم وعيد كريم وفضلة كبير وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أن صيامه يكفر سنتين.
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ". [مسلم - كتاب الصيام - باب استحباب صيام ثلاثة ايام من كل شهر]
قال النووى فى الشرح:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صِيَام يَوْم عَرَفَة أَحْتُسِبَ عَلَى اللَّه أَنْ يُكَفِّر السَّنَة الَّتِي قَبْلَهُ , وَالسَّنَة الَّتِي بَعْده) مَعْنَاهُ: يُكَفِّر ذُنُوب صَائِمه فِي السَّنَتَيْنِ , قَالُوا: وَالْمُرَاد بِهَا الصَّغَائِر، وإِنْ لَمْ تَكُنْ صَغَائِرُ يُرْجَى التَّخْفِيف مِنْ الْكَبَائِر , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُفِعَتْ دَرَجَات.أ. هـ
وعن ابن عباس قال حين صام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمرنا بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم". [أخرجه أبو داود (2445) قال الألباني: صحيح]
ولذلك يستحب صوم التاسع والعاشر نص عليه أحمد وهو قول إسحاق قال أحمد: فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر.
ولا يستحب لمن كان بعرفة أن يصومه ليتقوى على الدعاء، وأكثر أهل العلم يستحبون الفطر يوم عرفة بعرفة، ولأن الصوم يضعفه ويمنعه الدعاء في هذا اليوم المعظم الذي يستجاب فيه الدعاء في ذلك الموقف الشريف الذي يُقصد من كل فج عميق رجاء فضل الله فيه وإجابة دعائه به، فكان تركه أفضل ...... و قال ابن عمر:" حججت مع النبي صلى الله عليه و سلم فلم يصمه يعني يوم عرفة ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه". [قال الألباني: صحيح، أنظر صحيح أبي داود (2109)]
3 - صيام شهر الله المحرم:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/392)
فى الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ". [مسلم - كتاب الصيام - بَاب فَضْلِ صَوْمِ الْمُحَرَّمِ]
قال النووى فى الشرح:
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفْضَل الصِّيَام بَعْد رَمَضَان شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم) تَصْرِيح بِأَنَّهُ أَفْضَل الشُّهُور لِلصَّوْمِ , وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَاب عَنْ إِكْثَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَوْم شَعْبَان دُون الْمُحْرِم , وَذَكَرنَا فِيهِ جَوَابَيْنِ: أَحَدهمَا: لَعَلَّهُ إِنَّمَا عَلِمَ فَضْلَهُ فِي آخِر حَيَاته , وَالثَّانِي: لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِض فِيهِ أَعْذَار , مَنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. أ.هـ
4 - صيام شعبان:
فى الحديث عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إلَّا شَعْبَانَ يَصِلُ بِهِ رَمَضَانَ". [أبو داود (2336) قال الألباني: صحيح]
واخرج النسائى عن عائشة:" قالت لقد كانت إحدانا تفطر في رمضان فما تقدر على أن تقضي حتى يدخل شعبان وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في شهر ما يصوم في شعبان كان يصومه كله إلا قليلا بل كان يصومه كله".
[قال الألباني: صحيح، التعليق الرغيب (2/ 80)]
وعن عائشة أنها قالت:" ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان كان يصومه إلا قليلا بل كان يصومه كله ". [قال الألباني: صحيح، ابن ماجة (1648)]
وفى الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ ". [البخاري - كتاب الصوم - باب صوم شعبان]
ويبين تعليل اكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام فى شعبان ما أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ عَنْ أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ " قُلْت يَا رَسُول اللَّه لَمْ أَرَك تَصُومُ مِنْ شَهْر مِنْ الشُّهُور مَا تَصُوم مِنْ شَعْبَان , قَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَان , وَهُوَ شَهْر تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَال إِلَى رَبّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ " وَنَحْوُهُ مِنْ حَدِيث عَائِشَة عِنْد أَبِي يَعْلَى لَكِنْ قَالَ فِيهِ " إِنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ كُلَّ نَفْسٍ مَيِّتَةٍ تِلْكَ السَّنَةَ , فَأُحِبُّ أَنْ يَأْتِيَنِي أَجَلِي وَأَنَا صَائِم " وَلَا تَعَارُضَ بَيْن هَذَا وَبَيْن مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيث فِي النَّهْي عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْم أَوْ يَوْمَيْنِ , وَكَذَا مَا جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْ صَوْم نِصْف شَعْبَانَ الثَّانِي , فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ بِأَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى مَنْ لَمْ يَدْخُلْ تِلْكَ الْأَيَّام فِي صِيَامٍ اِعْتَادَهُ. أ.هـ[ذكره ابن حجر فى شرح البخاري]
قال الشوكانى:
أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ تَارَةً، وَيَصُومُ مُعْظَمَهُ أُخْرَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ وَاجِبٌ كُلَّهُ كَرَمَضَانَ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهَا: " كُلَّهُ " أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ مِنْ أَوَّلِهِ تَارَةً وَمِنْ آخِرِهِ أُخْرَى، وَمِنْ أَثْنَائِهِ طَوْرًا فَلَا يُخَلِّي شَيْئًا مِنْهُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا يَخُصُّ بَعْضًا مِنْهُ بِصِيَامٍ دُونَ بَعْضٍ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/393)
وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: إمَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ عَائِشَةَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَالْمُرَادُ الْأَكْثَرُ، وَإِمَّا أَنْ يُجْمَعَ بِأَنَّ قَوْلَهَا: " إنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ " مُتَأَخِّرٌ عَنْ قَوْلِهَا: " إنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَكْثَرَهُ " وَأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ أَخْبَرَتْ عَنْ آخِرِهِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهَا: " وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ غَيْرَ رَمَضَانَ " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.أ. هـ[نيل الأوطار - (ج 7 / ص 149)]
ملحوظة:
أخرج ابو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا". [قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 397 في صحيح الجامع].
قال فى عون المعبود:
قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح: قَالَ الْقُرْطُبِيّ لَا تَعَارُض بَيْن حَدِيث النَّهْي عَنْ صَوْم نِصْف شَعْبَان الثَّانِي وَالنَّهْي عَنْ تُقَدَّم رَمَضَان بِصَوْمِ يَوْم أَوْ يَوْمَيْنِ وَبَيْن وِصَال شَعْبَان بِرَمَضَان وَالْجَمْع مُمْكِن بِأَنْ يُحْمَل النَّهْي عَلَى مَنْ لَيْسَتْ لَهُ عَادَة بِذَلِكَ وَيُحْمَل الْأَمْر عَلَى مَنْ لَهُ عَادَة حَمْلًا لِلْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ عَلَى مُلَازَمَة عَادَة الْخَيْر حَتَّى لَا يَقْطَع اِنْتَهَى مُلَخَّصًا. أ.هـ
قال ابن القيم فى تعليقاته على ابى داود:
وَأَمَّا ظَنُّ مُعَارَضَته بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى صِيَام شَعْبَان , فَلَا مُعَارَضَة بَيْنهمَا , وَإِنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيث تَدُلّ عَلَى صَوْم نِصْفه مَعَ مَا قَبْله , وَعَلَى الصَّوْم الْمُعْتَاد فِي النِّصْف الثَّانِي , وَحَدِيث الْعَلَاء يَدُلّ عَلَى الْمَنْع مِنْ تَعَمُّد الصَّوْم بَعْد النِّصْف , لَا لِعَادَةٍ , وَلَا مُضَافًا إِلَى مَا قَبْله , وَيَشْهَد لَهُ حَدِيث التَّقَدُّم. أ.هـ
(قلت: حديث التقدم " لاتقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين ")
5 - صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع:
أخرج الترمذى عن عائشة قالت:" كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم الاثنين والخميس". [قال الألباني: صحيح، ابن ماجة (1739)]
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم". [قال الألباني: صحيح، الإرواء (949)]
وأخرج الترمذى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر فيهما لمن لا يشرك بالله شيئا إلا المهتجرين يقال ردوا هذين حتى يصطلحا" (وفى لفظ " ذروا"). [قال الألباني: صحيح، الإرواء (3/ 105)]
وعند ابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين والخميس فقيل يا رسول الله إنك تصوم الاثنين والخميس فقال:" إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا مهتجرين يقول دعهما حتى يصطلحا". [قال الألباني: صحيح، التعليق على الترغيب (2/ 84 - 85)]
6 - صوم الايام البيض:
بوب البخاري فى كتاب الصوم - باب صيام أيام البيض ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ .....
وأورد فيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" بِثَلَاثٍ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ"
وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ فَقُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَلَا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَإِنَّ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/394)
ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ ... ". [البخارى - كتاب الصوم - باب حق الجسم فى الصوم]
وعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَال سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا صُمْتَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ ". [الترمذى كتاب - الصوم - باب ما جاء فى صيام ثلاثة ايام من كل شهر - قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 102: حسن].
وفى الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:" صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر و هي أيام البيض: صبيحة ثلاث عشرة و أربع عشرة و خمس عشرة ". [قال الألباني (حسن) انظر حديث رقم: 3849 في صحيح الجامع].
وأخرج أبو داود عن ابن ملحان القيسي عن أبيه قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة قال وقال هن كهيئة الدهر". [قال الألباني: صحيح (2449)]
وفى الحديث عن أبي ذر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن كنت صائما فعليك بالغر البيض: ثلاث عشرة و أربع عشرة و خمس عشرة ". [قال الألباني (حسن) انظر حديث رقم: 1435 في صحيح الجامع].
وعن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم:" كان لا يدع صوم أيام البيض في سفر و لا حضر". [قال الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 4848 في صحيح الجامع].
7 - العشر من ذى الحجة:
ذهب بعض أهل العلم الى أن صيام التسع الاولى من ذى الحجة مستحب وذلك لما رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: " أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِيَامُ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرِ، وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَالرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ ". [هذا الحديث ضعيف لايصح قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/ 111: ضعيف].
وقال أخرون مع هؤلاء َقَدْ وردت أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعَمَلِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى الْعُمُومِ، وَالصَّوْمُ مُنْدَرِجٌ تَحْتِهَا.
ولكن أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:" مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ ". [مسلم - كتاب الصيام - باب صيام العشر من ذى الحجة]
قال النووى فى الشرح:
(بَاب صَوْم عَشْر ذِي الْحِجَّة) فِيهِ قَوْل عَائِشَة: (مَا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْر قَطُّ) وَفِي رِوَايَة: (لَمْ يَصُمْ الْعَشْر) قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا الْحَدِيث مِمَّا يُوهِم كَرَاهَة صَوْم الْعَشَرَة , وَالْمُرَاد بِالْعَشْرِ هُنَا: الْأَيَّام التِّسْعَة مِنْ أَوَّل ذِي الْحِجَّة , قَالُوا: وَهَذَا مِمَّا يُتَأَوَّل فَلَيْسَ فِي صَوْم هَذِهِ التِّسْعَة كَرَاهَة , بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّة اِسْتِحْبَابًا شَدِيدًا لَا سِيَّمَا التَّاسِع مِنْهَا , وَهُوَ يَوْم عَرَفَة , وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيث فِي فَضْله , وَثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ: أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ أَيَّام الْعَمَل الصَّالِح فِيهَا أَفْضَل مِنْهُ فِي هَذِهِ " - يَعْنِي: الْعَشْر الْأَوَائِل مِنْ ذِي الْحِجَّة -. فَيَتَأَوَّل قَوْلهَا: لَمْ يَصُمْ الْعَشْر , أَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ لِعَارِضِ مَرَض أَوْ سَفَر أَوْ غَيْرهمَا , أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ صَائِمًا فِيهِ , وَلَا يَلْزَم عَنْ ذَلِكَ عَدَم صِيَامه فِي نَفْس الْأَمْر. وَيَدُلّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل حَدِيث هُنَيْدَة بْن خَالِد عَنْ اِمْرَأَته عَنْ بَعْض أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم تِسْع ذِي الْحِجَّة , وَيَوْم عَاشُورَاء , وَثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر: الِاثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْر وَالْخَمِيس وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أ. هـ
قلت: حديث هنيده بن خالد (قال الالبانى: ضعيف). [انظر حديث رقم: 4570 في ضعيف الجامع].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/395)
?فصل فى بيان علاقة الاعتكاف بالصيام?
س: هل يصح الاعتكاف بلا صيام ام يلزم ان يكون المعتكف صائما؟
الجواب:
بوب البخاري فى كتاب الاعتكاف - باب من لم ير عليه صوم اذا اعتكف:
واخرج فيه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ:" لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ نَذْرَكَ فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً"
وأخرجه مسلم فى كتاب الايمان وقال النووى فى الشرح:
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: دَلَالَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ فِي صِحَّة الِاعْتِكَاف بِغَيْرِ صَوْم , وَفِي صِحَّته بِاللَّيْلِ كَمَا يَصِحّ بِالنَّهَارِ. سَوَاء كَانَتْ لَيْلَة وَاحِدَة أَوْ بَعْضهَا , أَوْ أَكْثَر , وَدَلِيله حَدِيث عُمَر هَذَا.
هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذِر , وَهُوَ أَصَحّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر: وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود , وَقَالَ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَالزُّهْرِيّ وَمَالِك وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق فِي رِوَايَة عَنْهُمَا: لَا يَصِحّ إِلَّا بِصَوْمٍ , وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْعُلَمَاء. أ.هـ
وأخرج البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً فَأَذِنَتْ لَهَا فَضَرَبَتْ خِبَاءً فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الْأَخْبِيَةَ فَقَالَ مَا هَذَا فَأُخْبِرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ
[البخاري - كتاب الاعتكاف - باب اعتكاف النساء]
قال ابن حجر فى الشرح:
قَوْله: (فَتَرَكَ الِاعْتِكَاف ذَلِكَ الشَّهْر , ثُمَّ اِعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّال) فِي رِوَايَة " فَرَجَعَ فَلَمَّا أَنْ اِعْتَكَفَ " وَفِي رِوَايَة " فَلَمْ يَعْتَكِف فِي رَمَضَان حَتَّى اِعْتَكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْر مِنْ شَوَّال " وَفِي رِوَايَة " فَلَمْ يَعْتَكِف فِي رَمَضَان حَتَّى اِعْتَكَفَ فِي الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال " , قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: فِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز الِاعْتِكَاف بِغَيْرِ صَوْم , لِأَنَّ أَوَّل شَوَّال هُوَ يَوْم الْفِطْر وَصَوْمه حَرَام. أ. هـ
قلت: فالأدلة تدل ان الاعتكاف لايشترط له الصيام بالرغم من ان اشتراط الصيام قول كثير من اهل العلم فتنبه!!!
***********
خاتمة
هذا وبالله تعالى السداد والتوفيق، وهو الهادى الى الرشاد والى الحق المبين، فهذا الذى بين يديك أخى القارئ الكريم جهد المقل، ومن لابضاعة له الا الاخذ عن السابقين - ان استطاع - فإن وجدت خيرا فمن الله وحده وبتوفيقه وهدايته وارشاده، وما وجدت غير ذلك فمنى ومن هوى نفسى وجهلها ومن الشيطان - عياذا بالله منه - وبعد أخى الحبيب أينما كنت وأياً كنت، ان وجدت خيرا فاحمد وادعوالله بالقبول والاجر الوفير، وإن وجدت غير ذلك فأستر وانصح وسل الله العفو والمغفرة والهداية للخير والبعد عن الغى والضلال، أعاذنا الله من الغى والضلال فى الدنيا والأحرة .... آمين
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد الا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
وكتبه راجى عفو ربه الغفور
الفقير الى رحمة الله تعالى
(أبو محمد وابراهيم)
د / السيد العربى بن كمال
دكتور بمركز البحوث الزراعية
ـ[ابو محمد الطائفي]ــــــــ[04 - 09 - 07, 02:20 م]ـ
ضع البحث على ملف وورد تكفى يا العربي
ـ[أبو يوسف السلفى]ــــــــ[04 - 09 - 07, 04:32 م]ـ
جزاك الله خيراً شيخنا الجليل على كتابك النافع
ونرجو منك أن تتكرم علينا بمشاركاتك المفيدة في قسم: (منتدى أهل السنة والجماعة)
بارك الله فيك وحفظك من كل سوء
ـ[أبو يوسف السلفى]ــــــــ[04 - 09 - 07, 04:44 م]ـ
هذا هو الكتاب في ملف وورد مضغوط
ـ[عمر رحال]ــــــــ[09 - 09 - 07, 06:57 م]ـ
جزاكم الله خيرًا.
ـ[مهنَّد المعتبي]ــــــــ[20 - 09 - 07, 07:31 م]ـ
جهد مبارك ...
نفع الله بك ..
ـ[أبو يزيد المدني]ــــــــ[27 - 02 - 09, 11:38 م]ـ
بارك الله فيك(84/396)
سؤال: ما هي الحكمة من تحريم ربا الفضل؟
ـ[عمر عبدالتواب]ــــــــ[04 - 09 - 07, 03:42 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحكمة من تحريم ربا النسيئة معلومة معقولة
فهل الحكمة من تحريم ربا الفضل معلومة معقولة أيضا أم أنه على وجه التعبد و الامتثال
و هل تكلم أهل العلم عن هذا و أين أجده؟
و جزاكم الله خيرا
ـ[أحمد بن شبيب]ــــــــ[04 - 09 - 07, 04:15 م]ـ
السؤال:
أتمنى الإجابة على السؤال بأسرع وقت لتوضيح الأمر، في حديث رواه البخاري جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (من أين هذا)، قال بلال: كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع لنطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: أوه أوه عين الربا عين الربا لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به. هذا يعني أنه محرم أن نستبدل الذهب القديم بذهب جديد مثلا بدفع الفرق، فما الفرق إذا بعنا الذهب ثم قبضنا المال واشترينا به ذهبا جديدا مع زيادة في المبلغ، أليس الذهب هو نفسه والمال هو نفسه، فلم حرمه رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، أتمنى توضيح الحكمة من هذا الأمر
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي أشار إليه السائل دليل على تحريم ربا الفضل، وهو بيع شيء من الأموال الربوية بجنسه متفاضلاً كالذهب بالذهب متفاضلاً أو متساوياً مع دفع مبلغ من المال مع الذهب القديم فإن ذلك ربا أيضاً، أما السؤال عن الحكمة من رواء هذا المنع، فالجواب عنه هو أن العلماء اختلفت أراؤهم فيها، وقد نقل الشيخ الدكتور عمر المترك رحمه الله في كتابه الربا والمعاملات المصرفية شيئاً من أقوالهم فيقول: فمن قائل إن الحكمة وضع حد لنظام المقايضة والانتقال إلى نظام البيع واستخدام النقود عاملاً وسيطاً في التعامل، كما قال عليه الصلاة والسلام لبلال (بع الجمع (التمر الرديء) بالدراهم واشتر بالدراهم جنيباً (التمر الجيد). وفي هذا تنظيم اقتصادي، وذلك أن مصالح العباد لا تنظم إلا بالتجارات والحرف وترويج التجارة وتسويق السلع وتشغيل الأموال وتقليبها.
ومن قائل إن الحكمة من التحريم من باب سد الذرائع لأن الوسائل لها أحكام الغايات، وذلك أن ربا الفضل قد يجر إلى ربا النسيئة وينشئ في الناس عقلية من نتائجها اللازمة شيوع المراباة، فإن من باع جنساً بجنسه حالاً متفاضلاً قد يجره الطمع إلى أن يبيعه إياه نسيئة بأكثر وأعلى ثمناً، وهذا هو حقيقة الربا. انتهى. بتصرف.
هذا وسواء ظهرت لنا الحكمة من تحريم ربا الفضل أو لم تظهر فإن من شأن المسلم التسليم لأمر الله والانقياد له ولو لم تظهر له الحكمة من أمره ونهيه، يقول عمر رضي الله عنه: إلا أن آخر القرآن كان تنزيلاً آية الربا، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبين لنا، فدعوا الربا والريبة. انتهى، أي دعو ما تعلمون أنه ربا وما تستريبون فيه.
والله أعلم.
مركزالفتوى(84/397)
ما حكم التهنئة بدخول شهر رمضان الكريم
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[04 - 09 - 07, 05:50 م]ـ
ما حكم التهنئة بدخول شهر رمضان الكريم
وكذلك بحلول العيد المبارك.
أرجو الافادة بارك الله فيكم.
ـ[محمد بن عبد الجليل الإدريسي]ــــــــ[04 - 09 - 07, 06:12 م]ـ
أما حلول العيد المبارك ففيه نصان:
عن محمد بن زياد قال:"كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك" ذكره الإمام أحمد في المغني و حسنه الشيخ الألباني في تمام المنة.
و قال جبير بن نفير (و هو تابعي): "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك" حسنه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري و صححه الألباني في تمام المنة.
أما رمضان فننتظر المشايخ لعلهم يفيدوننا.
ـ[أحمد بن شبيب]ــــــــ[04 - 09 - 07, 06:19 م]ـ
بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ...
بالنسبة للتهنئة بقدوم رمضان فلا أعلم ما حكمها ولم أسمع بحديث يتعلق بالموضوع .. فلعل أحد الأخوة أن يفيدنا ...
واما بالنسبة للتهنئة بالعيد فهي مشروعة عند الجمهور بدليل حديث محمد بن زياد قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم. قال ابن عقيل الحنبلي قال أحمد: إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد. ولا مانع من قول غيرها: كمبارك عليكم العيد، وجعلكم الله من عواده وغيرها مما جرت به عادة الناس بالتهنئة بالعيد، إذ المقصود التودد وإظهارالسرور ..
ويقال أيضاً: تقبل منا ومنك. وذلك لما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل منا ومنك
ـ[أحمد بن شبيب]ــــــــ[04 - 09 - 07, 06:21 م]ـ
الظاهر اننا تزامنا مع الشيخ الإدريسي ....
كيف حالك يا شيخ؟؟؟
ـ[أحمد بن شبيب]ــــــــ[04 - 09 - 07, 06:23 م]ـ
هذا اقتباس من كتاب ((تحفة المحتاج في شرح المنهاج))
قال القمولي لم أر لأحد من أصحابنا كلاما في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله الناس لكن نقل الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي أنه أجاب عن ذلك بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه والذي أراه مباح لا سنة فيه ولا بدعة وأجاب الشهاب ابن حجر بعد اطلاعه على ذلك بأنها مشروعة واحتج له بأن البيهقي عقد لذلك بابا فقال باب ما روي في قول الناس بعضهم لبعض في العيد تقبل الله منا ومنكم وساق ما ذكره من أخبار وآثار ضعيفة لكن مجموعها يحتج به في مثل ذلك ثم قال ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة بمشروعية سجود الشكر والتعزية وبما في الصحيحين عن كعب بن مالك في قصة توبته لما تخلف عن غزوة تبوك أنه لما بشر بقبول توبته ومضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قام إليه طلحة بن عبيد الله فهنأه أي وأقره صلى الله عليه وسلم مغني ونهاية قال ع ش قوله مر تقبل الله إلخ أي ونحو ذلك مما جرت به العادة في التهنئة ومنه المصافحة ويؤخذ من قوله في يوم العيد أنها لا تطلب في أيام التشريق وما بعد يوم عيد الفطر لكن جرت عادة الناس بالتهنئة في هذه الأيام ولا مانع منه ; لأن المقصود منه التودد وإظهار السرور ويؤخذ من قوله يوم العيد أيضا أن وقت التهنئة يدخل بالفجر لا بليلة العيد خلافا لما في بعض الهوامش ا هـ وقد يقال لا مانع منه أيضا إذا جرت العادة بذلك لما ذكره من أن المقصود منه التودد وإظهار السرور ويؤيده ندب التكبير في ليلة العيد وعبارة شيخنا وتسن التهنئة بالعيد ونحوه من العام والشهر على المعتمد مع المصافحة إن اتحد الجنس فلا يصافح الرجل المرأة ولا عكسه ومثلها الأمرد الجميل وتسن إجابتها بنحو تقبل الله منكم أحياكم الله لأمثاله كل عام وأنتم بخير ا هـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في جواب سؤال عن حكم التهنئة بالعيد ما نصه: قال أحمد: أنا لا أبتدئ أحداً، فإن ابتدأني أحد أجبته، وذلك لأن جواب التحية واجب، وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأموراً بها، ولا هو أيضاً مما نهي عنه، فمن فعله فله قدوة، ومن تركه فله قدوة. والله أعلم.
ـ[ابو عاصم النبيل]ــــــــ[04 - 09 - 07, 06:48 م]ـ
لعل هذا الرابط يفيد
http://www.ibnalislam.com/vb/showthread.php?t=496
او هذا سلمكم الله
http://saaid.net/mktarat/ramadan/2.htm
ـ[أحمد بن شبيب]ــــــــ[04 - 09 - 07, 07:07 م]ـ
جزاك الله خيراً أخي أبا عاصم ...
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[04 - 09 - 07, 08:22 م]ـ
للسيوطي رحمه الله رسالة في المسألة، و في أنواع و حالات التهنئة بعنوان "وصول الأماني بأصول التهاني".
طبعت مفردة، وضمن الحاوي للفتاوي له رحمه الله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/398)
ـ[عادل البيضاوي]ــــــــ[04 - 09 - 07, 10:12 م]ـ
لعل هذا الرابط يفيدك يا أخي الكريم
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=45727&highlight=%C7%E1%CA%E5%E4%C6%C9+%C8%D1%E3%D6%C7%E4
ـ[أحمد بن شبيب]ــــــــ[04 - 09 - 07, 10:16 م]ـ
فيه نقاط مهمة ..
جزاك الله خيراً
ـ[عادل البيضاوي]ــــــــ[04 - 09 - 07, 10:19 م]ـ
وإياك أخي الكريم
ـ[محمد بن عبد الجليل الإدريسي]ــــــــ[05 - 09 - 07, 01:32 ص]ـ
الظاهر اننا تزامنا مع الشيخ الإدريسي ....
كيف حالك يا شيخ؟؟؟
بخير و الحمد لله أخي الكريم و غفر الله لي و لك فأنا لست شيخا و لا أستحق مرتبة طالب علم (أو بالأحرى طويلب علم) و أسأل الله تعالى أن يسترنا في الدنيا و الآخرة و أن يفتح علينا بالخيرات و أن يفقهنا في ديننا و بارك الله فيك أخي الفاضل و جزاك الله الجنة.
ـ[هيام المصريه]ــــــــ[05 - 09 - 07, 03:49 م]ـ
مشايخنا الكرام ان اخذت بالاباحه فهل توصون بعبارة معينه ام ان الامر فيه سعه جزاكم الله خيرا
ـ[أبو أميمة السلفي]ــــــــ[05 - 09 - 07, 09:11 م]ـ
يرفع ........
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[06 - 09 - 07, 08:25 ص]ـ
الحمد لله
انظروا -بارك الله فيكم- لطائف المعارف للحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى.
وطالعوا جزءاً مطبوعا ً للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في التهنئة في الأعياد.
والظاهر إباحة ذلك، ولا لفظ فيه يخصه بل الأمر واسع.
ـ[ابو العابد]ــــــــ[06 - 09 - 07, 02:45 م]ـ
ألا تكون من قبيل العادة؟
ـ[الموسى]ــــــــ[11 - 09 - 07, 11:27 ص]ـ
السؤال
ما حكم التهنئة بقدوم شهر رمضان المبارك، حيث سمعنا من ينكر ذلك، ويرى أنه من البدع؟ نرجو الإفادة مشكورين.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذا بحث مختصر حول: حكم التهنئة بدخول شهر رمضان، حاولت أن أجمع فيه أطرافه، راجياً من الله تعالى التوفيق والسداد.
وقبل البدء بذكر حكم المسألة لا بد من تأصيل موضوع التهنئة
فيقال: التهاني -من حيث الأصل- من باب العادات، والتي الأصل فيها الإباحة، حتى يأتي دليل يخصها، فينقل حكمها من الإباحة إلى حكم آخر.
ويدل لذلك -ما سيأتي- من تهنئة بعض الصحابة بعضاً في الأعياد، وأنهم كانوا يعتادون هذا في مثل تلك المناسبات.
يقول العلامة السعدي -رحمه الله- مبيناً هذا الأصل في جواب له عن حكم التهاني في المناسبات.؟ -كما في "الفتاوى" في المجموعة الكاملة لمؤلفاته (348) -:
"هذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع، وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز، فلا يحرم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع، أو تضمن مفسدة شرعية، وهذا الأصل الكبير قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.
فهذه الصور المسؤول عنها وما أشبهها من هذا القبيل، فإن الناس لم يقصدوا التعبد بها، وإنما هي عوائد وخطابات وجوابات جرت بينهم في مناسبات لا محذور فيها، بل فيها مصلحة دعاء المؤمنين بعضهم لبعض بدعاء مناسب، وتآلف القلوب كما هو مشاهد.
أما الإجابة في هذه الأمور لمن ابتدأ بشيء من ذلك، فالذي نرى أنه يجب عليه أن يجيبه بالجواب المناسب مثل الأجوبة بينهم، لأنها من العدل، ولأن ترك الإجابة يوغر الصدور ويشوش الخواطر.
ثم اعلم أن هاهنا قاعدة حسنة، وهي: أن العادات والمباحات قد يقترن بها من المصالح والمنافع ما يلحقها بالأمور المحبوبة لله، بحسب ما ينتج عنها وما تثمره، كما أنه قد يقترن ببعض العادات من المفاسد والمضار ما يلحقها بالأمور الممنوعة، وأمثلة هذه القاعدة كثيرة جداً " ا هـ كلامه.
وقد طبق الشيخ -رحمه الله- هذا عملياً حينما أرسل تلميذه الشيخ عبد الله بن عقيل خطاباً له في أوائل شهر رمضان من عام 1370هـ، وضمنه التهنئة بالشهر الكريم، فرد الشيخ عبد الرحمن -رحمه الله- بهذا الجواب في أول رده على رسالة تلميذه: "في أسر الساعات وصلني كتابك رقم (19/ 9) فتلوته مسروراً، بما فيه من التهنئة بهذا الشهر، نرجو الله أن يجعل لنا ولكم من خيره أوفر الحظ والنصيب، وأن يعيده عليكم أعواماً عديدة مصحوبة بكل خير من الله وصلاح " اهـ. كما في الأجوبة النافعة (ص:280)، وفي صفحة (284) ضمن الشيخ رسالته المباركة في العشر الآواخر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/399)
وللشيخ -رحمه الله- كلام في منظومة القواعد -كما في المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي (1/ 143) - يقرر فيه هذا المعنى، وللمزيد ينظر (الموافقات) للشاطبي (2/ 212 - 246) ففيه بحوث موسعة حول العادات وحكمها في الشريعة.
فإذا تقرر أن التهاني من باب العادات، فلا ينكر منها إلاّ ما أنكره الشرع، ولذا: مرّر الإسلام جملة من العادات التي كانت عند العرب، بل رغَّب في بعضها، وحرّم بعضها، كالسجود للتحية.
وبعد هذه التوطئة يمكن أن يقال عن التهنئة بدخول الشهر الكريم:
قد ورد في التهنئة بقدومه بعض الأحاديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أذكرها جملة منها، وهي أقوى ما وقفت عليه، وكلها لا تخلو من ضعف، وبعضها أشد ضعفا من الآخر:
1 - حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم". أخرجه النسائي (4/ 129) ح (2106)، وأحمد (2/ 230،385،425) من طرق عن أيوب، عن أبي قلابة -واسمه عبد الله بن زيد الجرمي- عن أبي هريرة –رضي الله عنه-.
والحديث رجاله رجال الشيخين، إلا أن رواية أبي قلابة عن أبي هريرة مرسلة، أي أن في الإسناد انقطاعاً ينظر: تحفة التحصيل لأبي زرعة العراقي (176).
والحديث أصله في الصحيحين -البخاري (2/ 30) ح (1899)، ومسلم (2/ 758) ح (1079) - ولفظ البخاري: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين "ولفظ مسلم: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة -وفي لفظ (الرحمة) - وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين".
قال ابن رجب (رحمه الله) في "اللطائف" (279): "وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان، .... ثم ساق هذا الحديث، ثم قال: قال العلماء: هذا الحديث أصلٌ في تهنئة الناس بعضهم بعضاً في شهر رمضان".
2 - حديث أنس –رضي الله عنه- قال: دخل رمضان، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم".
أخرجه ابن ماجه ح (1644) من طريق محمد بن بلال، عن عمران القطان، عن قتادة، عن أنس –رضي الله عنه-.
وهذا الإسناد ضعيف لوجهين:
الوجه الأول: أن فيه محمد بن بلال البصري، التمار.
قال أبو داود: ما سمعت إلاَّ خيراً، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العقيلي -في "الضعفاء" (4/ 37) ترجمة (1584) -: "بصري يهم في حديثه كثيراً"، وقال ابن عدي -في "الكامل" (6/ 134) -: "له غير ما ذكرت من الحديث، وهو يغرب عن عمران القطان، له عن غير عمران أحاديث غرائب، وليس حديثه بالكثير، وأرجو أنه لا بأس به".
وحديث الباب من روايته عن عمران، فلعله مما أغرب به على عمران.
وقد لخص الحافظ ابن حجر حاله بقوله في "التقريب" (5766): "صدوق يغرب".
الوجه الثاني: أن في سنده عمران بن داوَر، أبو العوام القطان، كان يحيى القطان لا يحدث عنه، وقد ذكره يوماً فأحسن الثناء عليه -ولعل ثناءه عليه كان بسبب صلاحه وديانته، جمعاً بين قوله وأقوال الأئمة الآتية-، لكن قال أحمد (أرجو أن يكون صالح الحديث)، وقال مرةً (ليس بذاك)، وضعفه ابن معين، وأبو داود، والنسائي، وقال الدار قطني: كثير الوهم والمخالفة، وقد ذكره ابن حبان في الثقات. ينظر:
"سؤالات الحاكم للدار قطني" (261رقم445)، "تهذيب الكمال" (22/ 329)، "الميزان" (3/ 236)، "موسوعة أقوال الإمام أحمد في الرجال" (3/ 121).
وقال الحافظ ابن حجر ملخصاً أقوال من سبق: "صدوق يهم، ورمي برأي الخوارج" كما في "التقريب": (5150).
وعمران هذا روى الحديث عن قتادة، ولم أقف له على متابع، فهذا مظنة الضعف والغرابة.
وذكر الإمام البرديجي كلاماً قوياً يبين فيه حكم الأحاديث التي يتفرد فيها أمثال هؤلاء الرواة عن الأئمة الحفاظ، فيمكن أن ينظر: "شرح العلل" (2/ 654،697) لابن رجب، ونحوه عن الإمام مسلم في مقدمة صحيحه (1/ 7).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/400)
وقتادة -بلا ريب- من كبار الحفاظ في زمانه، روى عنه جمعٌ كبير من الأئمة، كما قال الذهبي في "السير" (5/ 270): "روى عنه أئمة الإسلام، أيوب السختياني، وابن أبي عروبة، ومعمر بن راشد، والأوزاعي، ومسعر بن كدام، وعمرو بن الحارث المصري وشعبة، ..... " ثم ذكر جملة منهم، فأين هؤلاء من هذا الحديث؟
3 - حديث سلمان –رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في آخر يومٍ من شعبان، فقال: "أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء".
قالوا ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم؟! فقال: "يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة، أو شربة ماء، أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لاغنى بكم عنها: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة".
أخرجه الحاكم في صحيحه (3/ 191) ح (1887)، وهو حديث لا يصح، فقد سئل أبو حاتم عنه -"العلل" لابنه (1/ 249) - فقال: "هذا حديث منكر"، وقال ابن خزيمة -في الموضع السابق-: "إن صح الخبر"، وقال ابن حجر في إتحاف المهرة 5/ 561: "ومداره على علي بن زيد، وهو ضعيف".
وخلاصة تضعيف هؤلاء الأئمة لهذا الخبر تعود إلى أمرين:
- ضعف علي بن زيد.
- ومع ضعفه فقد تفرد به، كما قال الحافظ ابن حجر.
وبهاتين العلتين يتضح وجه استنكار أبي حاتم -رحمه الله-.
وقد ذهب الجمهور من الفقهاء إلى أن التهنئة بالعيد لا بأس بها، بل ذهب بعضهم إلى مشروعيتها، وفيها أربع روايات عن الإمام أحمد (رحمه الله)، ذكرها ابن مفلح (رحمه الله) في (الآداب الشرعية 3/ 219)، وذكر أن ما روي عنه من أنها لا بأس بها هي أشهر الروايات عنه.
وقال ابن قدامة في "المغني" (3/ 294): "قال الإمام أحمد (رحمه الله) قوله: ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبّل الله منا ومنك، وقال حرب: سئل أحمد عن قول الناس: تقبل الله منا ومنكم؟ قال: لا بأس، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة، قيل: وواثلة بن الأسقع؟، قال: نعم، قيل: فلا تكره أن يقال: (هذا يوم العيد)؟، قال: لا .... ".
فيقال: إذا كانت التهنئة بالعيد هذا حكمها، فإن جوازها في دخول شهر رمضان الذي هو موسمٌ من أعظم مواسم الطاعات، وتنزل الرحمات، ومضاعفة الحسنات، والتجارة مع الله .. من باب أولى. والله أعلم.
ومما يُستدَل به على جواز ذلك أيضاً: قصة كعب بن مالك –رضي الله عنه- الثابتة في الصحيحين من البشارة له ولصاحبه بتوبة الله عليهما، وقيام طلحة (رضي الله تعالى عنه) إليه.
قال ابن القيم -رحمه الله- ضمن سياقه لفوائد تلك القصة في "زاد المعاد" (3/ 585):
"وفيه دليل على استحباب تهنئة من تجددت له نعمة دينية، والقيام إليه إذا أقبل، ومصافحته، فهذه سنة مستحبة، وهو جائز لمن تجددت له نعمة دنيوية، وأن الأَوْلى أن يقال: يهنك بما أعطاك الله، وما منّ الله به عليك، ونحو هذا الكلام، فإن فيه تولية النعمة ربّها، والدعاء لمن نالها بالتهني بها".
ولا ريب أن بلوغ شهر رمضان وإدراكَه نعمةٌ دينية، فهي أولى وأحرى بأن يُهنّأ المسلم على بلوغها، كيف وقد أثر عن السلف أنهم كانوا يسألون الله عز وجل ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، وفي الستة الأخرى يسألونه القبول؟، ونحن نرى العشرات ونسمع عن أضعافهم ممن يموتون قبل بلوغهم الشهر.
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة، أو يندفع من نقمة: بمشروعية سجود الشكر، والتعزية -كذا في الموسوعة الفقهية التي نقلت عنها-، وبما في الصحيحين عن كعب بن مالك ... ) نقلاً عن الموسوعة الفقهية الكويتية، (14/ 99ـ100)، وينظر: وصول الأماني، للسيوطي، وقد بحثت عن كلام الحافظ في مظنته ولم اهتد إليه، وينظر: وصول الأماني، (1/ 83) (ضمن الحاوي للفتاوى).
خلاصة المسألة:
وبعد هذا العرض الموجز يظهر أن الأمر واسع في التهنئة بدخول الشهر، لا يُمنع منها، ولا ينكر على من تركها. والله أعلم.
هذا، وقد سألت شيخنا الإمام عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عنها فقال: "طيبة"، وكذلك سألت شيخنا العلامة (محمد بن صالح العثيمين) رحمه الله عن التهنئة بدخول شهر رمضان، فقال: (طيبة جدّاً)، وذلك في يوم الأحد 8/ 9/1416هـ، حال بحثي في هذه المسألة.
وقد سئل العلامة محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- (صاحب الأضواء) عن الصفة الشرعية للتهنئة برمضان والمناسبات الأخرى كالعيدين؟ فأجاب رحمه الله بجواب مطول، خلاصته: أنه لا يعلم صفة معينة في هذا الشأن إلا ما ورد في العيدين -كما سبق نقله- وأن الإنسان إذا اقتصر على الوارد كان أفضل، لكن لو ابتدأه غيره فلا حرج أن يجيبه من باب رد التحية بخير منها، فلو اتصل الإنسان على أخيه، أو زاره وقال له: نسأل الله أن يجعل هذا الشهر عونا على طاعته، أو يعيننا وإياكم على صيامه وقيامه، فلا حرج إن شاء الله، لأن الدعاء كله خير وبركة، لكن لا يلتزم بذلك لفظاً مخصوصاً، ولا تهنئة مخصوصة. نقلاً من شريط: (آداب الاستئذان).
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا البحث، وما كان فيه من صواب، فإن كان كذلك فمن الله وحده، وإن أخطأت فأنا أهلٌ لذلك، وأستغفر الله وأتوب إليه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتب أصله في شهر شعبان عام 1417هـ، وأعيدت كتابته وصياغته بإضافات كثيرة في 27/ 8/1422هـ.
فضيلة الشيخ / عمر المقبل حفظه الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/401)
ـ[الموسى]ــــــــ[11 - 09 - 07, 11:28 ص]ـ
البحث منشور في موقع الاسلام اليوم
ـ[مشتاق حجازي]ــــــــ[12 - 09 - 07, 03:32 ص]ـ
تهنئة الناس بعضهم بعضاً في رمضان]
روى ابن خزيمة في صحيحه (3/ 191) عن سلمان – رضي الله عنه – قال: خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في آخر يوم من شعبان، فقال: أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة ……الحديث.
قال ابن رجب – رحمه الله – في لطائف المعارف (ص279): هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا في شهر رمضان
ـ[طالبة العلم سارة]ــــــــ[12 - 09 - 07, 03:47 ص]ـ
ولفظ البخاري: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين "ولفظ مسلم: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة -وفي لفظ (الرحمة) - وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين".
قال ابن رجب (رحمه الله) في "اللطائف" (279): "وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان، .... ثم ساق هذا الحديث، ثم قال: قال العلماء: هذا الحديث أصلٌ في تهنئة الناس بعضهم بعضاً في شهر رمضان".
ـ[أبو عامر الصقر]ــــــــ[22 - 09 - 07, 11:58 م]ـ
كنت أسمع من أخواننا الدعاة وغيرهم أن الصحابة كانوا يهنئون بعضهم البعض أن بلغهم الله رمضان لما فيه من الخير والمغفرة، لكني لا أعلام إسناد ذلك .... فالله أعلم
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[08 - 08 - 08, 02:54 ص]ـ
بارك الله فيكم
ـ[ابو عاصم النبيل]ــــــــ[31 - 08 - 08, 12:28 م]ـ
ما حكم قول: (كل عام وانتم بخير)؟
العلامة المحدث محمد بن نوح الألباني
الجواب الأول (سلسلة الهدى والنور: 52)
( http://www.alalbany.name/audio/052/052_15.rm)
الجواب الثاني (سلسلة الهدى والنور 323) ( http://www.alalbany.name/audio/323/323_26.rm)
ـ[الأفغاني السلفي]ــــــــ[31 - 08 - 08, 05:07 م]ـ
السؤال: حكم التهنئة برمضان
سماحة الشيخ عبدالله بن جبرين
ما حكم التهاني والتبريكات التي يتبادلها الناس بمقدم شهر رمضان؛ سواء بالزيارات أو المراسلات أو المكالمات أو عبر رسائل الجوال؟ وهل لذلك أساس من الشرع؟
الجواب:
جائزة هذه التهاني ونحوها؛ فإنها دعاء يرجى إجابته، وفيها إظهار فرح وسرور بالمواسم الفاضلة، وفيها أيضاً تذكير بفضل تلك المواسم كالأعياد وشهر رمضان وعشر ذي الحجة، وقد استدل عليها ابن رجب في «لطائف المعارف» [1] بما ذكره: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان. فيدل ذلك على أن هذه التهاني كانت مستعملة قديماً، فعلى هذا لا يستغرب استعمال الناس لهذه التهاني والتبريكات؛ سواءً كانت بالزيارات أو المراسلات أو المكالمات الهاتفية، ففي ذلك كله دعاء وخير كثير، ويراجع ما ذكره ابن رجب في أول فضائل شهر رمضان. والله أعلم.
ـ[حسن البركاتي]ــــــــ[31 - 08 - 08, 06:24 م]ـ
مبروك عليكم الشهر
ـ[أبو عبد الوهاب السلفي]ــــــــ[07 - 09 - 08, 06:37 م]ـ
بل مبارك
(ابتسامة)
ـ[عمر الدراوى]ــــــــ[07 - 09 - 08, 07:42 م]ـ
بارك الله فى الجميع ونفع الله بكم(84/402)
مسائل تتعلق ببعض أحكام الصفوف في الصلاة , للشيخ محمد الشنقيطي حفظه الله
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[05 - 09 - 07, 06:13 م]ـ
*المجيب هو العلامة الشيخ: محمد بن محمد المختار الشنقيطي - المدرس بالحرم النبوي الشريف وجامع الملك سعود بجدة*
وهذه الأسئلة من باب ما جاء في فضل الصف الأول من شرح سنن الترمذي, وفيها بعض التنبيهات على ما يشيع عتدنا في رمضان خصوصا في الحرمين والمساجد الكبيرة.
السؤال الأول:
هل الأفضل الصلاة في الروضة الشريفة أو في الصف الأول من المسجد النبوي؟
الجواب:
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء-رحمهم الله-:
فقال بعض العلماء: الأفضل أن يصلي في الروضة وذلك لدليلين:
أما الدليل الأول فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صح عنه في الخبر أنه قال: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) وهذا الحديث نص العلماء على أن المراد به إكثار الفضيلة والخير في الروضة في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وأن الأفضل والأكمل للمسلم إذا كان في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن يحرص على الجلوس في الروضة لأنها روضة من رياض الجنة. قالوا: ويشمل هذا الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة لأنها روضة من رياض الجنة، وكأن المعنى أنها طريق للجنة وأن إكثار الخير فيها سبيل للجنة، وقيل: عظم الثواب وكثرة الأجر الذي جعله الله لمن جلس في هذه الروضة يذكر الله سبحانه وتعالى كما قال-عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: ((من عاد مريضاً فهو في خرفة الجنة حتى يعود)) قالوا: - يا رسول الله - وما خرفة الجنة؟ قال: ((جناها)) وهذا يدل على عظيم ثوابه كأنه يجني الثمر في الجنة إشارة إلى عظيم ما أعد الله له من الثواب والأجر.
قالوا أما الدليل الثاني على تفضيل الروضة مطلقاً فقوله سبحانه وتعالى: {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} قالوا فالروضة أقدم ما في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والصف الأول قد زاده عمر بن عبدالعزيز-رحمه الله- فتقدم على الروضة، وعلى هذا قالوا: إن الروضة هي من قديم المسجد الذي هو أحق أن يقام فيه، ومن هنا أخذ طائفة من العلماء أن المسجد القديم أفضل من المسجد الجديد.
وأن ما كان من الزيادة يكون مفضولاً بالنسبة للمزيد فيه، وعلى هذا قالوا: إن الأفضل أن يصلي في الروضة سواء كان في فريضة أو نافلة.
وقال بعض العلماء: الصف الأول أفضل في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وغيره؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فضل الصفوف الأول بإطلاق ولم يفرق بين كونها مزيدة أو كونها من أصل المسجد.
وهناك قول ثالث اختاره جمع من المحققين وهو أولى الأقوال - إن شاء الله - بالصواب، حيث قالوا: إن الصلاة صلاة النوافل في غير الفريضة والجماعة الأفضل أن تكون في الروضة، فالأفضل للمسلم إذا كان في غير وقت الفريضة أن يحرص على الجلوس في الروضة، وعلى ذكر الله سبحانه وتعالى فيها والاستكثار من الخير.
وأما بالنسبة للصف الأول بالنسبة للصلاة الفريضة فالأفضل أن يصلي في الصف الأول، ففرقوا بين صلاة الفريضة وبين الفضيلة المطلقة، والقاعدة أن ثبوت الفضائل والمناقب ونحوها من الأمور التي وردت على سبيل الخصوص لا تقتضي التفضيل من كل وجه، ومن أمثلة ذلك أن أبا بكر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أفضل الصحابة على الإطلاق؛ ولكن ورد لبعض الصحابة من الفضائل الخاصة ما لا يقتضي تفضيله على أبي بكر كما ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه فضل بعض الصحابة ببعض الأمور وخصهم بها كتفضيل عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - بكونه محدثاً ملهما وكتفضيل أبي ذر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - - بالأمانه وكتفضيل حذيفة بالسر ونحو ذلك من الفضائل والمناقب الخاصة، والتفضيل الخاص من الوجه الخاص لا يقتضي التفضيل على سبيل العموم فيقال: إن الصف الأول إذا كانت الجماعة مع الإمام في الفريضة فإنه أفضل؛ وذلك لأنه الصف الأول والنصوص دالة على فضله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/403)
وتميزه وتفديمه على غيره.
وأما بالنسبة للروضة فيبقى لها الفضل المطلق في غير هذا الخاص، واختار هذا القول جمع من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- وغيره من أئمة العلم، والله - تعالى - أعلم.
السؤال الثاني:
ما صحة الحديث القائل: ((إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف))؟
الجواب:
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذا الحديث تكلم العلماء على سنده فقد ذكر ه الإمام المنذري-رحمه الله- في الترغيب، وقال بعض العلماء: إنه حديث ضعيف وإن كان له بعض الشواهد التي حسنه به بعض العلماء؛ ولكن الأقوى والأشبه كلام العلماء في سنده، والله - تعالى - أعلم.
السؤال الثالث:
إذا تعارضت فضيلتان فضيلة الصف الأول وفضيلة الدنو من الإمام في يوم الجمعة علماً بأن الصف الأول طويل فيكون بعيداً من الإمام فأيهما يقدم؟
الجواب:
اختلف العلماء-رحمهم الله- في هذه المسألة وأمثالها، ففي صلاة الفجر مثلاً في حال الصلاة في البر أو في مسجد ليست فيه هذه السماعات المعروفة في زماننا ربما طال الصف الأول بحيث لا يسمع قراءة الإمام فقال بعض العلماء: الأفضل أن يصلي في الصف الثاني قريباً من الإمام لأن ذلك يحقق فضيلة قرآن الفجر، وقد قال الله-تعالى-: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}.
وقال بعض العلماء: بل الأفضل أن يصلي في الصف الأول لعموم الأحاديث وهذا هو الصحيح؛ لأن النبي- r - جعل فضيلة الصف الأول فضيلة مكان ونص على كونه أفضل على سبيل العموم دون تفريق بين كونه تسمع القراءة أو لا تسمع ولأنه لو كان الأمر كما ذكروا لكان الصف يختلف - أعني الصف الأول - يختلف في الفضيلة بين الصلاة الجهرية والصلاة السرية، وبناءً على هذا الاختلاف قالوا: إذا كان يسمع خطبة الإمام فهل الأفضل أن يتأخر فيسمع خطبة الإمام وهذا هو المقصود من صلاة الجمعة؛ ولأن خطبة الإمام من العلم وفي زماننا مثلاً حلق العلم إذا لم تكن فيها سماعات فهل الأفضل أن يصلي في الصف الثاني والثالث لكي يحجز مكانه في حلق العلم لكون العلم أفضل من العبادة أم الأفضل أن يصلي في الصف الأول؟ هذا فيه تفصيل؛ فإن كان يريد أن يصلي عند المنبر ويفوته الصف الأول فإن كان جلوسه بجوار المنبر أو جلوسه وراء الإمام في صلاة الفجر يجعل الصف الأول معطلاً حتى بعد الإقامة فلا يجوز لأنه مأمور بإتمام الصف الأول هذا في حال الصلاة إذا كان جلوسه على هذا الوجه يضيع به الصف الاول أو يجلس قريباً من العالم وعن يمينه الصف وعن يساره الصف متقدماً عليه فيصلي في الصف الثالث مع وجود الفراغ في الصف الثاني أو يصلي في الرابع مع وجود الفراغ في الثالث أثناء الإقامة فإنه لا يجوز، وأما إذا كان يغلب على ظنه أنه تقام الصلاة وقد سدت الصفوف المتقدمة على موضعه فهذا فيه خلاف فبعض العلماء يقول قربه من العالم وقربه من الخطيب تحصيل لفضيلة العلم وفضيلة العلم أفضل من فضيلة العبادة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال في الحديث الصحيح: ((فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة البدر)) وهذا يدل على أن أخذ العلم أفضل من فضائل العبادات المطلقة، وعلى هذا قالوا: إنه أفضل.
لكن أجاب بعض العلماء بأن هناك فرقاً بين الواجب وغير الواجب فقالوا: إن إتمام الصفوف الأول واجب فيكون تفضيل سده للصف الأول أفضل من جهة كونه متصلاً بالواجب ومتصلاً بالفريضة فيكون مقدماً على العلم الذي يكون من باب الفضائل والرغائب لا من باب الفروض؛ ولكن الذي يظهر- والله أعلم - أنه لو صلى في الصف الأول وأتم الصفوف الأول وحرص على أن يأتي في الصفوف الأول - لا شك أنه أفضل - بشرط أن يضمن سماعه للمحاضرة أو سماعه للعلم النافع.
وأما إذا كان لا يضمن سماعه فهذا أمر فيه وجه أن يقال بتفضيل سماع العلم خاصة إذا كان من العلم اللازم الواجب عليه كأن يكون في قرية لا يتيسر فيها وجود العلماء فيأتي عالم لإلقاء درس أو علم يحتاج إليه ومضطر إلى علمه وضبطه ولا يتيسر نقل علمه - كما هو موجود في زماننا - فإنه لا شك حينئذٍ يكون العلم فرضاً عليه ولازماً عليه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/404)
أما أن يتأخر عن الصفوف الأول - خاصة في زماننا - أو يحجز مكاناً بالقرب من الشيخ مع وجود الصف الثاني والثالث الذي هو أقرب دون أن يشغل ودون أن يملأ ففي النفس من ذلك شيء والذي أستحبه لنفسي ولطالب العلم أن يحرص على الصفوف الأول، وأن يحرص على سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خاصة وأن الله يسر لنا في هذا الزمان نقل العلم بوجود هذه الوسائل وإن كنت لا أشك أن القرب من العلماء حتى مع تيسر هذه الوسائل - لخاصة طلاب العلم - أفضل لأنهم إذا ولو العلماء والمشايخ فإن ذلك أفضل من أن يليهم هشاة الناس والأسواق والرعاع الذين ربما شوشوا ولربما قاموا أثناء الدروس فشوشوا على السامعين وشوشوا على الحاضرين لكن من حيث الأصل، فالأفضل الحرص على السنة والحرص على الصفوف الأول.
وأنبه على مسألة كثر العمل بها خاصة في بعض الدروس وهي حجز الأماكن فإنني أوصي كل مسلم يخاف الله ويتقيه ويعلم أنه ملاقيه أنه لا يجوز له أن يحجز في بيوت الله إلا إذا قام إلى الخلاء وأنه لا يجوز مضارة طلاب العلم في مجالس العلم والتضييق عليهم والتأخر وحضور الإنسان متأخراً وتقحمه في الصفوف وأذيته للمصلين، أوصي إخواني بتقوى الله سبحانه وتعالى، وأن يعلم المسلم علم اليقين أن الله لا يطاع من حيث يعصى، وأن الله سبحانه وتعالى حرم على المسلم أن يحضر إلى المسجد إذا أكل الثوم والبصل حتى لا يؤذي إخوانه المسلمين، وأن الله-تعالى- لا يأذن للمسلم أن يستبيح عرض أخيه المسلم وأن يشوش عليه في عبادته وموقفه بين يدي ربه حتى لا يستطيع أن يركع ويسجد فمثل هذه الأمور ينبغي الكف عنها وينبغي البعد عن الازدحام والتشويش والأذية ولو كان ذلك بحجة الحضور لمجالس الذكر ولو كان ذلك على سبيل الحرص على العالم، فإن الحرص على العلماء له موازين وله ثوابت وله أصول شرعية لا ينبغي للمسلم أن يفرط فيها وأن لا يكون ذلك على حساب الناس وعلى حساب أذية إخوانه المسلمين فينبغي على المسلم أن يستشعر - وهو في طلب العلم - أنه في بيت الله تعالى، وأنه مع صفوة من عباد الله الذين هم صفوة هذه الأمة، فصفوة الأمة بعد أنبيائها العلماء، ثم بعد العلماء طلاب العلم فعليه أن يتقي الله سبحانه وتعالى خاصة إذا رأى من سبقه من إخوانه من طلاب العلم عليه أن يتقي الله، وأن يكون بين طلاب العلم من الحب والود وأن يحب طالب العلم لإخوانه ما يحبه لنفسه، وأن يكره لهم ما يكره لنفسه، فإنه لو كان في الصف الأول وبكر وابتكر وجاء من ساعات متقدمة من أجل أن ينال فضيلة الصف الأول ومن أجل أن يصلي في الصف الأول فيأتي غيره فيزاحمه إلى درجة لا يستطيع أن يخشع فيها في صلاته، ولا يستطيع أن يتمكن فيها من ركوعه ولا من سجوده، ولربما كان الذي في الصف الأول كبير السن، أو كان شيخاً ضعيفاً فيأتي فيزاحمه ويضايقه كل هذا مما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، والواجب التناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى المسلم أن يتقي الله ما استطاع إلى ذلك سبيلا حتى يكون أرجى لقبول طاعته وثوابه من ربه، والله - تعالى -أعلم.
السؤال الرابع:
هل الصلاة في الدور الثاني أو سطح المسجد تعتبر من الصفوف الأخيرة؟
الجواب:
بالنسبة لأهل الدور الثاني فإن فضيلة صفهم موقوفة على الصف الأخير في الدور الأول لأنه لا يجوز الانتقال إلى الدور الثاني إلا بعد إتمام الصفوف في الدور الأول وهو الأصل، وبناءً على ذلك ففضيلة الصف الأول في الدور الثاني مرتبة على آخر صف من الدور الأول، وعلى هذا فإنه يحرص على الصفوف المتأخرة في الدور الأول أفضل من الدور الثاني.
وقال بعض العلماء: يسامت الدور الثاني على الأول فلو كان الدور الثاني مركباً على الدور الأول على وجه يُرى فيه الإمام بحيث يتقاصر؛ ولأن المنبغي في الدور الثاني أن يكون على وجه يرى فيه الإمام أو من يقتدي بالإمام ولا يصح أن يكون منغلقاً من كل وجه بحيث تخفى صلاة الإمام خاصة إذا انقطع الكهرباء أو نحو ذلك فإذا كان الدور الاول منبياً على الدور الثاني فإنه سيتقاصر عن الصف الأول والثاني وإلى الثالث تقريباً فحينئذ قالوا: تكون فضيلة الصف الأول في الدور الثاني مسامته للصف الذي يليه من الدور الأول وهذا مبني على أن ما علا يأخذ حكم ما سفل والأصل فيه أن الأعلى والأدنى يأخذ حكم الأصل لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة)) فجعل أسفل الأرض كأعلاها، ولذلك قالوا يجوز في الاعتكاف أن تنزل إلى أسفل المسجد بشرط عدم الخروج ويجوز أن تصعد إلى سطح المسجد بشرط عدم الخروج؛ لأن أعلى الشيء يأخذ حكمه ـ وأسفله يأخذ حكمه بناءً على هذا الأصل.
ـ[حاج]ــــــــ[17 - 09 - 07, 05:27 م]ـ
جميل
أرجو أن يضيف الإخوة أحكام تختص بالجماعة والصفوف هنا!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/405)
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[06 - 12 - 07, 04:37 ص]ـ
أحبك الله يا ابا زيد قل آمين
ـ[المغربي أبو عمر]ــــــــ[21 - 01 - 10, 02:20 ص]ـ
جزاك الله خيراً
ـ[محمد سالم صالح]ــــــــ[21 - 01 - 10, 03:27 م]ـ
جزاك الله خيراً(84/406)
مسائل تتعلق ببعض أحكام الصفوف في الصلاة , للشيخ محمد الشنقيطي حفظه الله
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[05 - 09 - 07, 06:14 م]ـ
*المجيب هو العلامة الشيخ: محمد بن محمد المختار الشنقيطي - المدرس بالحرم النبوي الشريف وجامع الملك سعود بجدة*
وهذه الأسئلة من باب ما جاء في فضل الصف الأول من شرح سنن الترمذي, وفيها بعض التنبيهات على ما يشيع عتدنا في رمضان خصوصا في الحرمين والمساجد الكبيرة.
السؤال الأول:
هل الأفضل الصلاة في الروضة الشريفة أو في الصف الأول من المسجد النبوي؟
الجواب:
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء-رحمهم الله-:
فقال بعض العلماء: الأفضل أن يصلي في الروضة وذلك لدليلين:
أما الدليل الأول فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صح عنه في الخبر أنه قال: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) وهذا الحديث نص العلماء على أن المراد به إكثار الفضيلة والخير في الروضة في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وأن الأفضل والأكمل للمسلم إذا كان في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن يحرص على الجلوس في الروضة لأنها روضة من رياض الجنة. قالوا: ويشمل هذا الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة لأنها روضة من رياض الجنة، وكأن المعنى أنها طريق للجنة وأن إكثار الخير فيها سبيل للجنة، وقيل: عظم الثواب وكثرة الأجر الذي جعله الله لمن جلس في هذه الروضة يذكر الله سبحانه وتعالى كما قال-عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: ((من عاد مريضاً فهو في خرفة الجنة حتى يعود)) قالوا: - يا رسول الله - وما خرفة الجنة؟ قال: ((جناها)) وهذا يدل على عظيم ثوابه كأنه يجني الثمر في الجنة إشارة إلى عظيم ما أعد الله له من الثواب والأجر.
قالوا أما الدليل الثاني على تفضيل الروضة مطلقاً فقوله سبحانه وتعالى: {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} قالوا فالروضة أقدم ما في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والصف الأول قد زاده عمر بن عبدالعزيز-رحمه الله- فتقدم على الروضة، وعلى هذا قالوا: إن الروضة هي من قديم المسجد الذي هو أحق أن يقام فيه، ومن هنا أخذ طائفة من العلماء أن المسجد القديم أفضل من المسجد الجديد.
وأن ما كان من الزيادة يكون مفضولاً بالنسبة للمزيد فيه، وعلى هذا قالوا: إن الأفضل أن يصلي في الروضة سواء كان في فريضة أو نافلة.
وقال بعض العلماء: الصف الأول أفضل في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وغيره؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فضل الصفوف الأول بإطلاق ولم يفرق بين كونها مزيدة أو كونها من أصل المسجد.
وهناك قول ثالث اختاره جمع من المحققين وهو أولى الأقوال - إن شاء الله - بالصواب، حيث قالوا: إن الصلاة صلاة النوافل في غير الفريضة والجماعة الأفضل أن تكون في الروضة، فالأفضل للمسلم إذا كان في غير وقت الفريضة أن يحرص على الجلوس في الروضة، وعلى ذكر الله سبحانه وتعالى فيها والاستكثار من الخير.
وأما بالنسبة للصف الأول بالنسبة للصلاة الفريضة فالأفضل أن يصلي في الصف الأول، ففرقوا بين صلاة الفريضة وبين الفضيلة المطلقة، والقاعدة أن ثبوت الفضائل والمناقب ونحوها من الأمور التي وردت على سبيل الخصوص لا تقتضي التفضيل من كل وجه، ومن أمثلة ذلك أن أبا بكر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أفضل الصحابة على الإطلاق؛ ولكن ورد لبعض الصحابة من الفضائل الخاصة ما لا يقتضي تفضيله على أبي بكر كما ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه فضل بعض الصحابة ببعض الأمور وخصهم بها كتفضيل عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - بكونه محدثاً ملهما وكتفضيل أبي ذر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - - بالأمانه وكتفضيل حذيفة بالسر ونحو ذلك من الفضائل والمناقب الخاصة، والتفضيل الخاص من الوجه الخاص لا يقتضي التفضيل على سبيل العموم فيقال: إن الصف الأول إذا كانت الجماعة مع الإمام في الفريضة فإنه أفضل؛ وذلك لأنه الصف الأول والنصوص دالة على فضله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/407)
وتميزه وتفديمه على غيره.
وأما بالنسبة للروضة فيبقى لها الفضل المطلق في غير هذا الخاص، واختار هذا القول جمع من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- وغيره من أئمة العلم، والله - تعالى - أعلم.
السؤال الثاني:
ما صحة الحديث القائل: ((إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف))؟
الجواب:
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذا الحديث تكلم العلماء على سنده فقد ذكر ه الإمام المنذري-رحمه الله- في الترغيب، وقال بعض العلماء: إنه حديث ضعيف وإن كان له بعض الشواهد التي حسنه به بعض العلماء؛ ولكن الأقوى والأشبه كلام العلماء في سنده، والله - تعالى - أعلم.
السؤال الثالث:
إذا تعارضت فضيلتان فضيلة الصف الأول وفضيلة الدنو من الإمام في يوم الجمعة علماً بأن الصف الأول طويل فيكون بعيداً من الإمام فأيهما يقدم؟
الجواب:
اختلف العلماء-رحمهم الله- في هذه المسألة وأمثالها، ففي صلاة الفجر مثلاً في حال الصلاة في البر أو في مسجد ليست فيه هذه السماعات المعروفة في زماننا ربما طال الصف الأول بحيث لا يسمع قراءة الإمام فقال بعض العلماء: الأفضل أن يصلي في الصف الثاني قريباً من الإمام لأن ذلك يحقق فضيلة قرآن الفجر، وقد قال الله-تعالى-: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}.
وقال بعض العلماء: بل الأفضل أن يصلي في الصف الأول لعموم الأحاديث وهذا هو الصحيح؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعل فضيلة الصف الأول فضيلة مكان ونص على كونه أفضل على سبيل العموم دون تفريق بين كونه تسمع القراءة أو لا تسمع ولأنه لو كان الأمر كما ذكروا لكان الصف يختلف - أعني الصف الأول - يختلف في الفضيلة بين الصلاة الجهرية والصلاة السرية، وبناءً على هذا الاختلاف قالوا: إذا كان يسمع خطبة الإمام فهل الأفضل أن يتأخر فيسمع خطبة الإمام وهذا هو المقصود من صلاة الجمعة؛ ولأن خطبة الإمام من العلم وفي زماننا مثلاً حلق العلم إذا لم تكن فيها سماعات فهل الأفضل أن يصلي في الصف الثاني والثالث لكي يحجز مكانه في حلق العلم لكون العلم أفضل من العبادة أم الأفضل أن يصلي في الصف الأول؟ هذا فيه تفصيل؛ فإن كان يريد أن يصلي عند المنبر ويفوته الصف الأول فإن كان جلوسه بجوار المنبر أو جلوسه وراء الإمام في صلاة الفجر يجعل الصف الأول معطلاً حتى بعد الإقامة فلا يجوز لأنه مأمور بإتمام الصف الأول هذا في حال الصلاة إذا كان جلوسه على هذا الوجه يضيع به الصف الاول أو يجلس قريباً من العالم وعن يمينه الصف وعن يساره الصف متقدماً عليه فيصلي في الصف الثالث مع وجود الفراغ في الصف الثاني أو يصلي في الرابع مع وجود الفراغ في الثالث أثناء الإقامة فإنه لا يجوز، وأما إذا كان يغلب على ظنه أنه تقام الصلاة وقد سدت الصفوف المتقدمة على موضعه فهذا فيه خلاف فبعض العلماء يقول قربه من العالم وقربه من الخطيب تحصيل لفضيلة العلم وفضيلة العلم أفضل من فضيلة العبادة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال في الحديث الصحيح: ((فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة البدر)) وهذا يدل على أن أخذ العلم أفضل من فضائل العبادات المطلقة، وعلى هذا قالوا: إنه أفضل.
لكن أجاب بعض العلماء بأن هناك فرقاً بين الواجب وغير الواجب فقالوا: إن إتمام الصفوف الأول واجب فيكون تفضيل سده للصف الأول أفضل من جهة كونه متصلاً بالواجب ومتصلاً بالفريضة فيكون مقدماً على العلم الذي يكون من باب الفضائل والرغائب لا من باب الفروض؛ ولكن الذي يظهر- والله أعلم - أنه لو صلى في الصف الأول وأتم الصفوف الأول وحرص على أن يأتي في الصفوف الأول - لا شك أنه أفضل - بشرط أن يضمن سماعه للمحاضرة أو سماعه للعلم النافع.
وأما إذا كان لا يضمن سماعه فهذا أمر فيه وجه أن يقال بتفضيل سماع العلم خاصة إذا كان من العلم اللازم الواجب عليه كأن يكون في قرية لا يتيسر فيها وجود العلماء فيأتي عالم لإلقاء درس أو علم يحتاج إليه ومضطر إلى علمه وضبطه ولا يتيسر نقل علمه - كما هو موجود في زماننا - فإنه لا شك حينئذٍ يكون العلم فرضاً عليه ولازماً عليه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/408)
أما أن يتأخر عن الصفوف الأول - خاصة في زماننا - أو يحجز مكاناً بالقرب من الشيخ مع وجود الصف الثاني والثالث الذي هو أقرب دون أن يشغل ودون أن يملأ ففي النفس من ذلك شيء والذي أستحبه لنفسي ولطالب العلم أن يحرص على الصفوف الأول، وأن يحرص على سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خاصة وأن الله يسر لنا في هذا الزمان نقل العلم بوجود هذه الوسائل وإن كنت لا أشك أن القرب من العلماء حتى مع تيسر هذه الوسائل - لخاصة طلاب العلم - أفضل لأنهم إذا ولو العلماء والمشايخ فإن ذلك أفضل من أن يليهم هشاة الناس والأسواق والرعاع الذين ربما شوشوا ولربما قاموا أثناء الدروس فشوشوا على السامعين وشوشوا على الحاضرين لكن من حيث الأصل، فالأفضل الحرص على السنة والحرص على الصفوف الأول.
وأنبه على مسألة كثر العمل بها خاصة في بعض الدروس وهي حجز الأماكن فإنني أوصي كل مسلم يخاف الله ويتقيه ويعلم أنه ملاقيه أنه لا يجوز له أن يحجز في بيوت الله إلا إذا قام إلى الخلاء وأنه لا يجوز مضارة طلاب العلم في مجالس العلم والتضييق عليهم والتأخر وحضور الإنسان متأخراً وتقحمه في الصفوف وأذيته للمصلين، أوصي إخواني بتقوى الله سبحانه وتعالى، وأن يعلم المسلم علم اليقين أن الله لا يطاع من حيث يعصى، وأن الله سبحانه وتعالى حرم على المسلم أن يحضر إلى المسجد إذا أكل الثوم والبصل حتى لا يؤذي إخوانه المسلمين، وأن الله تعالى لا يأذن للمسلم أن يستبيح عرض أخيه المسلم وأن يشوش عليه في عبادته وموقفه بين يدي ربه حتى لا يستطيع أن يركع ويسجد فمثل هذه الأمور ينبغي الكف عنها وينبغي البعد عن الازدحام والتشويش والأذية ولو كان ذلك بحجة الحضور لمجالس الذكر ولو كان ذلك على سبيل الحرص على العالم، فإن الحرص على العلماء له موازين وله ثوابت وله أصول شرعية لا ينبغي للمسلم أن يفرط فيها وأن لا يكون ذلك على حساب الناس وعلى حساب أذية إخوانه المسلمين فينبغي على المسلم أن يستشعر - وهو في طلب العلم - أنه في بيت الله تعالى، وأنه مع صفوة من عباد الله الذين هم صفوة هذه الأمة، فصفوة الأمة بعد أنبيائها العلماء، ثم بعد العلماء طلاب العلم فعليه أن يتقي الله سبحانه وتعالى خاصة إذا رأى من سبقه من إخوانه من طلاب العلم عليه أن يتقي الله، وأن يكون بين طلاب العلم من الحب والود وأن يحب طالب العلم لإخوانه ما يحبه لنفسه، وأن يكره لهم ما يكره لنفسه، فإنه لو كان في الصف الأول وبكر وابتكر وجاء من ساعات متقدمة من أجل أن ينال فضيلة الصف الأول ومن أجل أن يصلي في الصف الأول فيأتي غيره فيزاحمه إلى درجة لا يستطيع أن يخشع فيها في صلاته، ولا يستطيع أن يتمكن فيها من ركوعه ولا من سجوده، ولربما كان الذي في الصف الأول كبير السن، أو كان شيخاً ضعيفاً فيأتي فيزاحمه ويضايقه كل هذا مما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، والواجب التناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى المسلم أن يتقي الله ما استطاع إلى ذلك سبيلا حتى يكون أرجى لقبول طاعته وثوابه من ربه، والله - تعالى -أعلم.
السؤال الرابع:
هل الصلاة في الدور الثاني أو سطح المسجد تعتبر من الصفوف الأخيرة؟
الجواب:
بالنسبة لأهل الدور الثاني فإن فضيلة صفهم موقوفة على الصف الأخير في الدور الأول لأنه لا يجوز الانتقال إلى الدور الثاني إلا بعد إتمام الصفوف في الدور الأول وهو الأصل، وبناءً على ذلك ففضيلة الصف الأول في الدور الثاني مرتبة على آخر صف من الدور الأول، وعلى هذا فإنه يحرص على الصفوف المتأخرة في الدور الأول أفضل من الدور الثاني.
وقال بعض العلماء: يسامت الدور الثاني على الأول فلو كان الدور الثاني مركباً على الدور الأول على وجه يُرى فيه الإمام بحيث يتقاصر؛ ولأن المنبغي في الدور الثاني أن يكون على وجه يرى فيه الإمام أو من يقتدي بالإمام ولا يصح أن يكون منغلقاً من كل وجه بحيث تخفى صلاة الإمام خاصة إذا انقطع الكهرباء أو نحو ذلك فإذا كان الدور الاول منبياً على الدور الثاني فإنه سيتقاصر عن الصف الأول والثاني وإلى الثالث تقريباً فحينئذ قالوا: تكون فضيلة الصف الأول في الدور الثاني مسامته للصف الذي يليه من الدور الأول وهذا مبني على أن ما علا يأخذ حكم ما سفل والأصل فيه أن الأعلى والأدنى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/409)
يأخذ حكم الأصل لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة)) فجعل أسفل الأرض كأعلاها، ولذلك قالوا يجوز في الاعتكاف أن تنزل إلى أسفل المسجد بشرط عدم الخروج ويجوز أن تصعد إلى سطح المسجد بشرط عدم الخروج؛ لأن أعلى الشيء يأخذ حكمه ـ وأسفله يأخذ حكمه بناءً على هذا الأصل.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[05 - 09 - 07, 06:28 م]ـ
وفي باب كراهية البزاق في المسجد, من سنن الترمذي, سئل الشيخ هذا السؤال:
هل يجوز للمصلي إذا حضر مبكراً أن يجلس في منتصف الصفوف وترك تكملة الصف الأول فالأول؟
الجواب:
السُّنة أنه يتم الصف الأول فالأول؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال - كما في الصحيح -: ((ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها)) قالوا: - يا رسول الله - وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: ((يتمون الصف الأول فالأول))، وأما التأخر إذا جاء مبكراً وتأخر عن الصف الأول مع إمكانه أن يصلي فيه، فهذا من الحرمان، فمن حرمان الأجر وعلو المرتبة وعلو المنزلة في الصلاة أن الرجل يتأخر عن الصفوف الأول، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كما في الحديث الصحيح: ((ولا يزال الرجل يتأخر حتى يؤخره الله)) فإذا كان يتأخر في الحضور يؤخره الله، فما بالك إذا جاء مبكراً وبإمكانه أن يصل، والخير بين يديه ثم-نسأل الله السلامة والعافية- يحرم نفسه هذا الفضل العظيم، ينبغي على المسلم أن ينافس الناس، وأن يتسابق إلى الصفوف الأول، وأن يتسابق إلى رحمة الله ورضوان الله فلا يعلم قولاً ولا عملاً يقرب إلى الله وهو أبلغ في محبة الله ومرضاة الله إلا كان أسبق الناس إليه، وعندها يكون من السابقين السابقين، والسابقون السابقون هم المقربون وهم أصحاب النعيم المقيم ودرجاتهم في أعلى الدرجات في جنات النعيم-جعلنا الله وإياكم بمنه وكرمه وهو أرحم الراحمين-، فمن التسابق في الخير أن المسلم لا يرضى لنفسه أن يكون متأخراً، بل عليه أن يسابق وأن ينافس وهذا حتى إن العلماء-رحمهم الله- قرروا: " أنه لا إيثار في القُرَب "، فبعض الناس إذا أقيمت الصلاة وأمامه فجوه ورأى كبير سن يريد أن يتقدم أو مثلاً إنسان له مكانة أو وجاهة أشر له وقال له: تقدم، لا أبداً ما فيه إثار، لا تزهد في الخير، بل تنافس وتسبق إلى هذه الفجوة ولا تؤثر بها غيرك، حتى اختلف العلماء في الوالدين، وعلى هذا لا ينبغي للمسلم أن يؤخر نفسه عن الصفوف الأول خاصةً إذا قدم مبكراً إلى المسجد، والله - تعالى - أعلم
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[05 - 09 - 07, 06:39 م]ـ
وفي شرحه حفظه الله لباب ما جاء في ((ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى)) في سنن الترمذي , أجاب عن هذه الأسئلة:
السؤال الأول:
إذا اخطأ الإمام في التلاوة فمن أولى الناس برده هل هم من خلفه مباشرة في الصف الأول حتى لا تعلو الأصوات في المسجد فما رأيكم في ذلك؟
الجواب:
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإذا كان وراء الامام من يفتح عليه إذا نسي ويصوبه إذا أخطأ فإنه ينبغي أن يترك الأمر إليه خاصة في صلاة التراويح لأن الغالب أن الأئمة يحتاطون بمن يرد عليهم، وأما من كان بعيداً فإنه سيحتاج إلى رفع صوته ولربما شوش على غيره فينظر فيه وإن لم يرد من وراء الإمام فإنه يرد الأبعد؛ لكن الذي وراء الإمام وهذا مسلك يعرفه القراء وحفظة كتاب الله سبحانه وتعالى أنهم يتركون المجال للأئمة في بعض الأحيان إذا اخطأوا حتى يراجعوا أنفسهم فلربما مر بالآية خطأ، ثم أراد أن يصححها فيرجع مرة ثانية من أجل تصحيحها، فالواجب سكوت الجميع ولا يتكلم أحد إلا إذا وقف الإمام من أجل أن يفتح عليه الغير، أما إذا رجع من أجل أن يرد نفسه إلى الصواب؛ لأن لسانه قد انعقد على هذا اللفظ فهو إذا أخطأ سيرجع لكي يقرأ بقراءته المعتادة فإذا شوش عليه الغير ودخل عليه أثناء تركيزه وأثناء اختلاج الأمر عنده زاده التباساً، ولذلك ينبغي السكوت فيفصل في هذا الأمر.
إذا قرأ الإمام عنده خطأن:
الخطأ الأول: ترك بعض الآية أو ترك آية كاملة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/410)
والخطأ الثاني: الزيادة في الآية فأما إذا أخطأ وترك بعض الآية أو ترك الآية وانتهي من الآية ثم رجع مرة ثانية فإنه يسكت حتى يرى هل يستطيع أن يصوب لنفسه أو لا؟
فإن صوَّب لنفسه فهو غير محتاج، وإنما يفتح على الإمام المحتاج، وأما إذا أخطأ في آية وانطلق إلى ما بعدها وأراد أن ينتقل للتي ما بعدها فتفتح عليه وترد عليه خطأه؛ لأنك قد تحققت أنه ذاهل أو مخطئ في قراءته لم يستبن الخطأ هذا في حال النقص أما في حال الزيادة فالأمر كذلك فإن زاد في الآية حرفاً أو زاد فيها كلمة ومشى بعد زيادته ثم وجدت اختلاج لفظه ورجع مرة ثانية يُقَوِّم نفسه فإنه يسكت الجميع ولا يفتح أحد؛ لأن الفتح عند الحاجة، وهذا إمام يراجعه نفسه يضبط تلاوته، والأصل أنه لا يباح الفتح إلا عند وجود الحاجة فينتظر المأموم حتى يستطعمه الإمام ويستفتحه فإذا مضى وصحح الآية على الوجه السليم فالمأموم ساكت معتبر للأصل الذي أمر به شرعاً: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} وعامل بالأصل النبوي: ((وإذا قرأ فأنصتوا))، فالواجب عليه الإنصات والسكوت، وليس هناك حاجة لكي يتكلم لأن الإمام صحح لنفسه وضبط قرأته وحينئذا لا إشكال أما بمجرد أن يخطئ الإمام يصيح هذا ويصيح هذا ويلغط الجميع على وجه لا يستطيع الإمام أن يميز بين الأصوات ولا يستطيع أن يعرف الحروف والكلمات فهذا يصيح عليه من جانب وهذا يصيح عليه من جانب فهذا أدعى لحصول اللبس أكثر من حصول الصواب والحق في قراءته، فالواجب على المأمومين أن يترفقوا بالأئمة وإذا وجد وراء الإمام من كلف بالفتح عليه أو وجد من يحمل المصحف لكي يرده إذا أخطأ فإنه يسكت الجميع ومن تكلم فشوش على من يرد على الإمام فإنه يخشى عليه الإثم، وقال بعض مشايخنا: " أخشى أن تكون صلاته باطلة " لأنه تكلم دون أن يوجد مستند شرعي لكلامه إنما يتكلم بالفتح إن وجدت الحاجة هذا المستند الشرعي فإن وجد من يقوم بالحاجة صار كلامه خارجاً من الصلاة كما لو تلا الآية بنفسه فإن كان على الكلام المؤثر في الصلاة أوجبت بطلان صلاته عند من ذكرنا من العلماء-رحمهم الله-.
هناك أمر آخر ينبغي التنبيه عليه خاصة في صلاة التروايح فإنك ترى الرجل بعيداً عن الإمام ولربما في موضع لا يسمعه الإمام قد يكون حافظا للقرآن، وقد يكون حاملا للقرآن، فأما بالنسبة لحمل القرآن في حال البعد عن الأئمة فلا يشك في منعه؛ لأنها حركات زائدة لا يحتاج إليها، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((اسكنوا في الصلاة)) فهذا سيرفع المصحف ثم يضعه ثم يقلب أوراقه وكل ذلك حركات زائدة لا حاجة إليها، والواجب على المأموم أن يستمع وينصت وليس في كتاب الله وسنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إلزام للمأموم أن يتابع وراء إمامه بالنظر لا في الفريضة ولا في النافلة فأصبح فعلا أشبه يكون خارجاً عن الصلاة لأن هذا ليس من مقتضيات الصلاة ولا من لوازمها ولا مصلحة في فتحه للمصحف فيبقى السؤال حينما يخطئ الإمام ويتكلم مثل هذا فتجده يرفع صوته من آخر المسجد وقد وجد من يرد على الإمام في مقدمة المسجد فمثل هذا يشوش على نفسه ويشوش على الناس ولو كان حافظا للقرآن؛ لكن لو أن الذي وراء الإمام لم يحسن الفتح فصحت بأعلى صوتك حتى يتبين الصواب في قراءته وتلاوته فأنت مأجور غير مأزور لأنه إذا قصر الأقرب فإن الحق ينتقل إلى الأبعد-نسأل الله العظيم أن يلهمنا الصواب إنه ولي ذلك والقادر عليه -، والله - تعالى - أعلم.
السؤال الثاني:
هل يستثنى من القاعدة: " لا إيثار في القرب " أن يتأخر الإبن عن الصف الأول ويقدم والده؟
الجواب:
بعض العلماء يقول: أولاً القاعدة: " لا إيثار في القرب " مبنية على أن الأصل لا يجوز للمسلم أن يزهد في الخير فأنت إذا قدمت غيرك وآثرت غيرك بالطاعة فإن هذا زهد في الخير والله-تعالى- يقول: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ}، فكان الواجب من تسابقه فإذا حباك الله منزلة ويسر لك طاعة وقربة وهيأ لك أن تكون في الصف الأول فلا يجوز أن تتأخر عن هذا الفضل العظيم وأن تؤثر غيرك به؛ لكن بعض العلماء قال: يجوز أن يقدم الوالد لأنه إذا قدم الوالد حاز فضيلة بر الوالدين، وبر الوالدين أفضل الطاعات وأشرف القربات بعد الإيمان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/411)
بالله سبحانه وتعالى ففي الحديث الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه سأله عبد الله بن مسعود: " أي العمل أحب إلى الله؟ " قال: ((الصلاة على وقتها)) قلت: " ثم أي؟ " قال: ((برالوالدين)). قالوا: فإذا قدم والده فقد بره، وبره بأعظم الأشياء وأحبها إلى الله بعد الإيمان في صلاته وموقفه بين يدي ربه فذلك أعظم لأجره، فمن هنا رخصوا للولد أن يتنازل عن والده من باب الخير وهذا اجتهاد من بعض العلماء وله وجهه من السنة ومن تأخر لوالده فلا بأس ومن حرص على الصفوف الأول فلا بأس فكل له وجهه، والله - تعالى - أعلم.
السؤال الثالث:
أيهما أفضل الوقوف عن يمين الصف أم خلف الإمام؟
الجواب:
ميمنة الصف لا شك أنها أفضل؛ لأن اليمين مفضل عن الشمال، ولذلك قال-تعالى-: {عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ} فأفرد اليمين وجمع الشمال والعرب تفرد الأفضل وتجمع ضده مادونه فقال: {عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ} فضل اليمين بالذكر، ثم كذلك كان هديه-عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين من حديث عائشة-رضي الله عنها- قالت: " كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله "، فدل على فضل التيمن وهذا محل إجماع أن الأيمن أفضل من الأيسر.
وأما بالنسبة لكونه وراء الإمام فإذا كان مراد السائل أنه يتأخر إلى الصف الثاني والثالث فالصحيح أن الصف الأول أفضل ولو كان أبعد عن الإمام ولو كان لا يسمع قراءة الإمام إلا أن بعض العلماء قالوا إذا كان في صلاة الفجر فالأفضل أن يكون وراء الإمام يسمع القراءة ولا يبتعد في الصفوف الأول فعلى هذا المذهب يصلي خاصة في القديم حيث لا يوجد ما هو موجود في زماننا من الآلات التي توصل الصوت وتبلغه يقولون: يصلي وراء الإمام في الصف الثاني حتى يسمع تلاوته أفضل من أن يصلي في الصف الأول الطويل الذي لا يسمع فيه قراءة الإمام، واستدلوا بقوله-تعالى-: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}؛ ولكن الذي يظهر والعلم عند الله أن الصف الأول أفضل وذلك بتفضيل الشرع له، والله - تعالى - أعلم.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[05 - 09 - 07, 06:52 م]ـ
وفي باب إقامة الصفوف في السنن للترمذي, سئل الشيخ هذه الأسئلة:
إذا كان المصلي يصلي جالساً في الجماعة فكيف يسوي الصف مع من هو بجانبه؟
الجواب:
إذا صلى المصلي وهو جالس على كرسيه أو جالس على الأرض فإن جلس على كرسيه جعل صدره مسامتاً للقوم، فالعبرة باستواء صدره وجذعه، وأما إذا كان جالساً على الأرض فإنه يجلس جلسة التشهد أو التربع فإن جلس جلسة التشهد جعل صدره بجذاء رِجْلِ من جاوره عن اليمين والشمال، وكذلك إذا تربع فإنه يتأخر قليلاً بحيث يكون مسامتاً للصف تماماً من جهة الصدر فإذا جلس القوم جلس معهم في وتيرة واحدة فالعبرة بصدره وعقبه وكعبه، والله - تعالى - أعلم.
ما المقصود من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((أو ليخالفن الله بين وجوهكم))؟
الجواب:
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذه الجملة تكررت في موضعين في الحديث الماضي في الباب السابق، وستأتي في حديثنا وهو حديث الأمر أن يليه أولوا الأحلام والنهى - وسيأتي إن شاء الله بيانها -؛ لكن حاصل ما ذكر في مخالفة الوجه قولان:
1 - القول الأول: أن يخالف الله بين وجوهكم عقوبة حقيقية، وأن الله-تعالى- يقلب هذه الوجوه مخالفة لحقيقتها ولذلك قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار))، قال بعض العلماء: إنه يبعث يوم القيامة ورأسه رأس حمار -والعياذ بالله-، وإذا كان هذا في الآخرة ووعيد في الآخرة فحينئذ يخالف بين الوجه فيبعث يوم القيامة على وجه غير وجهه-نسأل الله السلامة والعافية-.
وقال بعض العلماء: إن المخالفة في الوجه مخالفة في الوجهة يقال: إن وجهة فلان تخالف وجهة فلان، وأصل الوجهة وجهة النظر والرأي فوصفت بذلك لأن الإنسان إذا ذهب إلى قوم أو اختار شيئاً من الرأي فإنه يجعل هذا الرأي قبلته ويتجه إلى هذا القول وهذا الرأي كاتجاه المحسوس للمحسوس كما يتجه إليه بوجهه فشبه المعنوي بالمحسوس ونزل منزلته، ولذلك قالوا: ولى وجهه هذا القول وجه فلان أو للعلماء وجهان كل ذلك المراد به الرأي؛ لأن من اختار رأياً واختار قولاً فإنه وجهه أي يجعله وجهته وقبلته التي يؤمها ويقصدها وكلا القولين له وجهه فيحتمل على هذا.
2 - الوجه الثاني: ((أو ليخالفن الله بين وجوهكم)) أن الاختلاف في تسوية الصفوف والتساهل في ذلك سبب لوقوع الفتن-والعياذ بالله- والمحن التي يمزق بها شمل الأمة فتصبح شذر مذر لكثرة الأهواء والطوائف، ولذلك قالوا: فيه دليل على أن مخالفة السنة توجب وقوع الفرقة ووقوع الاختلاف والشر والبلاء على الأمة جماعة وأفراداً وهذا ليس بغريب، ولذلك تأذن الله لمن خالف هدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالوعيد كما قال-تعالى-: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وكان ابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - يقول: الفتنة الشرك، وهذا يدل على أن مخالفة السنة تجر إلى البدعة، والبدعة تجر-والعياذ بالله- إلى الكفر، ولذلك قالوا: إن البدع قد تفضي بصاحبها إلى الخروج من الملة فيبدأ بالبدع في أمور العبادات ثم ينتقل من بعد ذلك إلى أمور الاعتقاد حتى لربما غلا غلواً يخرجه من الإسلام بالكلية-والعياذ بالله- فلا يبالي الله به في أي أودية الدنيا هلك، فالواجب على المسلم أن يتحرى السنة، وأن يحرص عليها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأن يجعل من علمه بها طريقاً للحرص عليها والعض بناجذه على ما فيها، وكل ذلك من خير المؤمن وسعادته في دينه ودنياه وآخرته، والله - تعالى - أعلم.(84/412)
مسألة مهمة في رؤية الهلال
ـ[أبو عمر النفيعي]ــــــــ[05 - 09 - 07, 09:51 م]ـ
السلام عليكم ..
من المعلوم أن الهلال إذا رؤي ليلاً فهذه رؤية معتبرة ولا إشكال
ولكن إذا رؤي الهلال نهاراً متأخراً عن الشمس فهل يثبت دخول الشهر بهذه الرؤية Question أرجو الإجابة والمشاركة , جزيتم خيراً ...
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[05 - 09 - 07, 11:11 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
انظر هنا رعاك الله:
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?pagename=IslamOnline-Arabic-Ask_Scholar/FatwaA/FatwaA&cid=1127885887498
ـ[أبو عمر النفيعي]ــــــــ[05 - 09 - 07, 11:44 م]ـ
جزيت خيراً أيها الشيخ الكريم
ـ[ابو العابد]ــــــــ[06 - 09 - 07, 02:46 م]ـ
سؤال جيد(84/413)
بحث في مسألة فقهية ..
ـ[النعيمية]ــــــــ[05 - 09 - 07, 10:30 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
اخوة الهدى وسراج الأمة .. قصدتكم فلا تردوني ..
أريد عنوان موضوع لمسألة فقهية تصلح أن أعملها بحثا وأريد أن أقارن في هذه المسألة بين المذاهب وآرآئهم فيها ولا سيما الحنبلي والمالكي والحنفي .. فهلا أرشدتموني على عناوين أو مسائل أستطيع أن أجد فيها مرادي أو أسماء الكتب التي يمكنني أن أجد هذه المسائل فيها .. فأنا أعلم أن لديكم خبرة في هذا المجال وإلا لما سألتكم .. ولا أريد مسألة قد قتلت بحثا فيردني الدكتور بها .. ولابأس من أكثر من مسألة لكي أعرضها على دكتوري فيختار أفضلها .. وأتمنى لو تكون في الغسل لأن الموضوع مفيد جدا ..
أريدها في هذه المواضيع اخوتي وجزيتم خير ما يجزى المحسنين ..
الطهارة وأقسامها .. الماء الطاهر والطهور .....
لأعيان الطاهرة والنجسة.
إزالة الخبث
آداب قضاء الحاجة
الوضوء
الغسل
التيمم
الحيض والنفاسو الاستحاضة
الصلاة (وقت الصلاة، حكم تاركها،الاوقات المسقطة للصلاة عن المكلف. الاوقات التي تحرم فيها الصلاة ... وغيرهامما تعرفون
الأذان و الاقامة
شروط الصلاة.
صفة الصلاة (النية،تكبيرة الاحرام، قراءة الفاتحة، الركوع، الطمأنينة .... مكروهاتها ....
سجود السهو .. سقوطه وحكم تاركه .. اسبابهسجود التلاوة والشكر
صلاة التطوع
صلاة الجماعة إعادة صلاة الجمعة, شروط الامامة, أولى الناس بالامامة, حكم المسبوق, اولى الناس بالامامة
صلاة المسافر, شروط صحة القصر , ما يمنع القصر في السفر ...
صلاة الجمعة .. شروط وجوبه وشروط صحنها ما يكره للحاضرين وما يجوز وما يجب وما يحرم وما يندب يوم الجمعة, اعذار ترك الجمعة والجماعة في المسجد.
صلاة الخوف.
الجنائز .. ما يندب للمحتضر وما يندب فعله للميت وما يكره, غسل الميت
الزكاةأنواع الحرث الواجب فيها الزكاة. نصاب الحرث. حكم التهرب من الزكاة, الخلطة في المواشي.،زكاة النقد, الأموال المغتصبة والضائعة ......
صدقة الفطر ,مقدارها وما هيتها ووقت وجوبها ووقت اخراجها
الصوم .. شروط صحة الصوم شروط الوجوب أركان الصوم ...
الاعتكاف. مايندب للمعتكف وما يكره وما يجوز له مبطلات الاعتكاف ...
أركان الحج والعمرة ...
بداية كل سطر هو الموضوع الأساسي وتندرج تحته الامور الفرعية التي كتبت بعضها علها تفيد ...
أنا في انتظار العناوين وأسماء الكتب ...(84/414)
الدرس الأول في الصيام
ـ[ابو عبدالله الرشيدي]ــــــــ[06 - 09 - 07, 02:52 م]ـ
تعريف الصيام:
الصيام في اللغة معناه: الإمساك، ومنه قوله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً فقولي" إني نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً}. أي نذرت إمساكاً عن الكلام، فلن أكلم اليوم إنسياً. ومنه قول الشاعر:
خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعرك اللجما.
أما في الشرع: فهو التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
ومرتبته في الدين الإسلامي: أنه أحد أركانه، فهو ذو أهمية عظيمة في مرتبته في الدين الإسلامي.
مشروعية الصيام:
صيام رمضان فريضة ثابتة في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين، قال الله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى" أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان» متفق عليه، وفي رواية لمسلم: «وصوم رمضان وحج البيت».
وأجمع المسلمون على فرضية صوم رمضان، فمن أنكر فرضية صوم رمضان فهو مرتد كافر، يستتاب فإن تاب وأقر بفرضيته فذاك وإلا قتل كافراً.
وقد فرض الله الصيام في السنة الثانية إجماعاً، فصام النبي صلّى الله عليه وسلّم تسع رمضانات إجماعاً،
وكان فرض الصيام على مراحل:
المرحلة الأولى: التخيير بين الصيام والإطعام مع تفضيل الصيام قال الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (184)
والحكمة من فرضه على التخيير التدرج في التشريع؛ ليكون أسهل في القبول؛ كما في تحريم الخمر.
المرحلة الثانية: إيجاب الصيام مع تضييق وقت الفطر، فبعد غروب الشمس من نام لزمه الإمساك، والدليل ما جاء في صحيح البخاري عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا أَعِنْدَكِ طَعَامٌ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ خَيْبَةً لَكَ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}
فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/415)
المرحلة الثالثة: إيجاب الصيام بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس قال الله تعالى: {فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}
وصارت الفدية على من لا يستطيع الصوم إطلاقاً.
للصيام فوائد وحكم عظيمة منها:
1 - بلوغ مرتبة الإحسان لأن الانسان لا يعلم حقيقة صيامه الا الله فالصيام عبادة خفية بين العبد وربه ولهذا قال الله في الحديث القدسي " كل عمل ابن ادم له الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فانه لي وأنا أجزيء به
2 - أكمال مراتب الصبر لأن الصبر صبر على طاعة الله و صبر عن معصية الله و صبر على أقدار الله المؤلمة، بل من أعظم ما يحققه الصيام للصايم تربيته على الصبر، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من صام شهر الصبر واتبعه ثلاثة أيام من كل شهر فكأنما صام الدهر".
3 - أكمال العبودية لله لان العبودية تشمل بذل محبوب أو كف عن محبوب وفي الصيام الكف عن المحبوب طلباً لرضى الله سبحانه وتعالى.
4 - تنبيه الأغنياء إلى حاجة الفقراء فمن ذاق مرارة الجوع والالممه لساعات تذكر من يذوق ذلك طيلة الأوقات. الى غير ذلك من الحكم.
5 - أنه سبب للتقوى إذا قام الصائم بواجب صيامه، قال الله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فالصائم مأمور بتقوى الله عز وجل، وهي امتثال أمره واجتناب نهيه، وذلك هو المقصود الأعظم بالصيام، وليس المقصود تعذيب الصائم بترك الأكل والشرب والنكاح. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري، وقول الزور: كل قول محرم من الكذب والغيبة والشتم وغيرها من الأقوال المحرمة. والعمل بالزور: العمل بكل فعل محرم من العدوان على الناس بخيانة، وغش، وضرب الأبدان، وأخذ الأموال ونحوها، ويدخل فيه الاستماع إلى ما يحرم الاستماع إليه من الأغاني والمعازف وهي آلات اللهو. والجهل: هو السفه، وهو مجانبة الرشد في القول والعمل، فإذا تمشى الصائم بمقتضى هذه الآية والحديث كان الصيام تربية نفسه، وتهذيب أخلاقه، واستقامة سلوكه، ولم يخرج شهر رمضان إلا وقد تأثر تأثراً بالغاً يظهر في نفسه وأخلاقه وسلوكه.
6 - ما يحصل من الفوائد الصحية الناتجة عن تقليل الطعام وإراحة الجهاز الهضمي فترة معينة، وترسب بعض الفضلات والرطوبات الضارة بالجسم وغير ذلك.
ان شهر رمضان شهر مبارك وفيه من فضايل عظيمة،
فمن فضايله أن القران نزل فيه قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.
ومن فضايله أن صيامه وقيامه سبب لمغفرة الذنوب والعتق من النار والفوز بالجنة
ومن فضايله أن فيه ليلة خير من إلف شهر.
ومن فضايله، أنه من أسباب تكفير الذنوب، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»
ومن فضايله، أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة، لما روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة. يقول الصيام: أي ربِّ؛ منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال: فيشفعان»
ومن فضائل الصيام، أن الله اختص أهله بابا من أبواب الجنة لا يدخل منه سواهم، فينادون منه يوم القيامة إكراما لهم، وإظهارا لشرفهم، كما في الصحيحين عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؛ فيقومون فيدخلون، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد»
وانظر كيف يقابل عطش الصُّوام في الدنيا باب الريان، في يوم يكثر فيه العطشى؟ جعلنا الله ممن يشرب يوم القيامة شربة لا يظمأ بعدها أبدا بمنِّه وكرمه وجوده وفضله ورحمته، فإنه لطيف بعباده وهو أرحم الراحمين.(84/416)
شهد رمضان في بلد ثم سافر، فبماذا يأخذ؟
ـ[ابن جبير]ــــــــ[06 - 09 - 07, 04:45 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
- أهل عليه شهر رمضان في بلد (او بلده) وصام وفي أثناءه (اي الشهر) سافر لبلد آخر - تأخر عن بلده في إثبات دخول شهر رمضان فماذا يصنع؟
- قيل يصوم مع اهل هذا البلد (يعني الذي سافر إليه) ولو زاد عن ثلاثين يوماً وحجتهم القياس على فطره بغروب الشمس على ذلك البلد - وهذا متعقب بأن غروب الشمس كما نه حكم وضعي بحصوله يثبت الفطر من ذالك اليوم فكذلك تثبت الصلاة لان غروب الشمس حكم وضعي علق الشارع عليه ثبوت صلاة المغرب في ذمة المكلف، وأوقات الصلاة تختلف من بلد لبلد وهذا مشاهد معروف
فالذي يثبت في ذمة المكلف من الصيام ثلاثين يوم او تسعة وعشرين لا اقل والا اكثر فمتى اتم اطول الاجلين (كحد اقصى) ثلاثين يوماً كان له الفطر - لان الصيام معلق بالرؤية أو إتمام الشهر، فإما أن يقال يتم على أصل الرؤية في البلد التي شهد رمضان فيها فيعتد برؤيتهم إذا رؤي ليلة الثلاثين فيكون اخذ بالرؤية وهو الأصل أو يتم ثلاثين يوماً عند عدم الرؤية
وإنا إذا قلنا يتم مع اهل البلد التي سافر إليها فذلك فيه أنه اذا تكرر له السفر حتى بلغ بلد تأخر في إثبات دخول رمضان يومين فيكون صيامه اثنان وثلاثون يوماً؟ وذلك إذا امضى في البلد الأخير إلى إنسلاخ رمضان
وإذا قيل لماذا تثبتون له اوقات الصلوات في البلد الذي سافر إليه دون اثبات خروج شهر رمضان؟
قلنا: إنه استقبل رمضان في بلده وحقه البناء عليه لانه لم ينتهى فرضه بالجملة فأصل الرؤية اثبتت له الصيام وهي مستمرة لما يستقبل من رمضان بخلاف اوقات الصلوات فهي ذات اوقات قصيرة تبدأ وتنتهى في اليوم الواحد خمس مرات وقد انتهى الوقت وبدأ آخر ولكن رمضان مازال فرضه مستمر وغاية القياس على اوقات الصلوات إلزامه بأداء الصلاة التي حل عليه وقتها في البلد التي سافر إليه وهذا ساقط لانه أدى تلك الصلاة ولا إلزام له بتكرارها كمن جمع بين صلاتين في سفر وأقام وصار حاضراً في وقت الثانية لم يلزمه ادائها فرضاً وإن كان ذلك وقتها 0
- وإذا قيل لماذا تجعلونه يعتد بسقوط قرص الشمس في ذلك البلد في استباحة الفطر دون الاخذ بنهاية الشهر؟
قلنا: هذا اشبه اوقات الصلوات وان كان اكثر بقليل وهو الامر الذي علق عليه حكم الفطر وحكم صلاة المغرب،
ثم إن الَّذين يقولون بالتزامه مع البلد الذي حل فيه، لم يضبطوا حد اقصى للأيام التي يصومها زيادتاً على الشهر 0
وكذلك هم يلزمون انفسهم بالزام وهو إذا سافر لبلد تقدم عن بلده في إثبات دخول شهر رمضان بيوميين يكون بناءاً على ما قالوا - يصوم ثمانية وعشرين يوماً؟
لكن القول بإعتداده بأصل البلد الذي شهد رمضان فيه سواء كان بلده الأصلي أو حاضراً فيه لتجارة او حاجة وأهل عليه الشهر فيه اعتد في إتمامه بذلك البلد
- وإذا قيل كيف تقولون هذا وهو إن حضره رمضان في بلد بعيد عن بلده ثم سافر لبلده فكيف يعلم بحال تلك البلد التي سافر إليها من رؤية الهلال من عدمها؟
قلنا: هذا سهل في زماننا هذا مع كثرة وسائل الإتصال والمعرفة فيستطيع معرفة ذلك وإلا فيعتبر في حقه مثل فاقد الرؤية فيتم ثلاثين يوماً على اصل الرؤية ثم يفطر والحمد لله
- واذا قيل حضره رمضان في بلد لا يعتد بالشهور القمرية ولا في اثباتها؟
قلنا: يطبق السنة في ترائي الهلال بنفسه وهذا لازم في حقه كطلبه معرفة اوقات الصلاة بدلائلها،
- وإذا قيل سلمنا بقبول شهادة الوحد في اثبات دخول شهر رمضان لكن في خروجه تعلم أن العلماء لم يثبتو ذلك للواحد ولو كان عدلاً إلا ما جاء عن ابي ثور ويطلبون عدلين؟
قلنا: هذا معلوم في تحري رؤية هلال شوال بطلب عدلين لاثباته وهذا فيما إذا كان الشهر تسعة وعشرين يوماً، لكن هناك أمر ثاني وهو إتمام رمضان ثلاثين يوماً والحمد لله(84/417)
هل يجوز للمسلم أن يصلي الجمعة في العراء؟
ـ[يوسف رمضان يوسف شراب]ــــــــ[07 - 09 - 07, 01:27 ص]ـ
هل يجوز للمسلم أن يصلي الجمعة في العراء؟ مع أن المساجد متوفرة وبكثرة علما بأني من سكان قطاع غزة الرجاء الإجابة وبالدليل بارك الله فيكم
وإن كان من نصوص لفقهائنا في ذلك فأمدونا بها أمدكم الله بفضله
وتقبلوا احتراماتي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[07 - 09 - 07, 01:53 ص]ـ
الحمد لله
إذا كان هناك مسجد قريب فينبغي أداؤها فيه، وكلما كان العدد أكثر فهو أفضل.
أما إذا كانوا ثلاثة فأكثر ويشق عليهم الحضور للمسجد فليصلوها في العراء ولا بأس ..
جاء في الزاد: (وتستحب صلاة أهل الثغر في مسجد واحد) ..
عنوان الفتوى: إذا توفرت شروط الجمعة صليت في أي مكان داخل القرية
تاريخ الفتوى: 28 جمادي الأولى 1424
السؤال
في حالة منع التجول من قبل الاحتلال في يوم الجمعة، هل تجوز إقامة صلاة الجمعة في الحي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإذا تعذرت على أهل الحي إقامة الجمعة في المسجد جازت لهم الصلاة في أي مكان آخر، ذلك لأن الراجح من أقوال أهل العلم أنه إذا توفرت شروط وجوبها صليت في أي مكان داخل القرية. كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 13870 والفتوى رقم: 7637. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د. عبدالله الفقيه
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[07 - 09 - 07, 02:17 ص]ـ
وفيما يخص عدم جواز تعدد الجُمَع دون حاجة تستدعي ذلك اقرأ الآتي:
عنوان الفتوى: الصلاة إلى الصور تخل بالخشوع
تاريخ الفتوى: 14 شعبان 1424
السؤال
أنا مدرس في مدرسة إبتدائية ونقيم الصلاة والجمعة فيها، فهل يجوز تعليق صور ورسومات من عمل الأطفال على الجدران لهدف التعليم وعرض العمل والمسابقات ولفترة وجيزة أفيدونا بأي نصيحة مشكورين.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإذا كنتم في مكان تقام فيه الجمعة، فلا تجوز لكم إقامة جمعة في المدرسة، بل تصلون مع المسلمين في جوامعهم، لأنه لا يجوز تعدد الجمعات لغير ضرورة أو حاجة، وانظر في حكم تعدد الجمعة الفتوى رقم: 30037 وأما تعليق الصور فإذا كانت لذات روح (حيوان أو إنسان ونحو ذلك) فالأحوط تركه، وراجع الفتوى رقم: 680 هذا، وإذا جازت لكم صلاة الجمعة في المسجد فلا تصلوا إلى صور لأنها تشغل المصلي وتلهيه عن صلاته وهو مطالب بالابتعاد عن كل ما يشغله عنها. وانظر الفتوى رقم: 9403 والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د. عبدالله الفقيه
ـ[يوسف رمضان يوسف شراب]ــــــــ[07 - 09 - 07, 07:01 م]ـ
بارك الله فيك أخي أبا يوسف وأجزل لك المثوبة في الدنيا والآخرة
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[08 - 09 - 07, 01:26 ص]ـ
وإياك أخي الحبيب
ـ[الشريف الحسيني الحنبلي]ــــــــ[08 - 09 - 07, 02:00 ص]ـ
الجمهور على الجواز
لقوله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً).رواه البخاري واخرجه مسلم
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون "
أخرج الترمذي بسند صحيح
عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي ذَرٍّ قَالُوا إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا "
وأخرج ابن ماجة في سننه بسند صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا.
وأخرج احمد في المسندعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي وَلَا أَقُولُهُ فَخْرًا بُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ فَلَيْسَ مِنْ أَحْمَرَ وَلَا أَسْوَدَ يَدْخُلُ فِي أُمَّتِي إِلَّا كَانَ مِنْهُمْ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا"
أخرجه الدارمي وأحمد بإسناد صحيح
فالأصل في الأشياء الإباحة إلا ما ورد الدليل بحرمته.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/418)
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[08 - 09 - 07, 02:19 ص]ـ
أي المسألتين تقصد أخي الشريف:
صلاتها في العراء؟ أم تعدد الجُمَع دون حاجة؟
ثم لتنظر في السؤال مرة أخرى مشكوراً. وفقك الله وسددك.
ـ[الشريف الحسيني الحنبلي]ــــــــ[08 - 09 - 07, 02:33 ص]ـ
أخي الكريم قصدت الصلاة في الفضاء لا وجه لمن شذ على عدم الجواز.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[08 - 09 - 07, 02:42 ص]ـ
جزاك الله خيراً
وقول السائل: (مع أن المساجد متوفرة وبكثرة)؟!
أم أنك أردت إثراء الموضوع من إحدى جوانبه بارك الله فيك؟
ـ[الشريف الحسيني الحنبلي]ــــــــ[08 - 09 - 07, 02:48 ص]ـ
أخي الكريم وهل كثرة المساجد تحرم صلاة الجمعة في العراء إذا توفرت الشروط؟ والفتوى التي أنزلت أجازت التعدد للضرورة والحاجة, ودار الإفتاء في فلسطين أدركت هذا الأمر فأجازته.
ـ[نضال دويكات]ــــــــ[08 - 09 - 07, 11:31 ص]ـ
أخي الكريم وهل كثرة المساجد تحرم صلاة الجمعة في العراء إذا توفرت الشروط؟ والفتوى التي أنزلت أجازت التعدد للضرورة والحاجة, ودار الإفتاء في فلسطين أدركت هذا الأمر فأجازته.
دار الإفتاء العامة ام دار فتاوى الحكام الخاصة!!!!
ـ[الشريف الحسيني الحنبلي]ــــــــ[08 - 09 - 07, 06:05 م]ـ
غفر الله لنا ولك من وافق الحق قبلنا منه أولا , ثم الطعن على العلماء وفيهم لمجرد أنهم ليسوا من رابطة علماء تتبع فريقنا هو عين الهوى. أين دليل عدم الجواز؟
وحتى الأفاضل الذين أفتوا بعدم الجواز لم يضعوا دليلا أن من خالفوهم أتباع السلطان وعلماءه بل عللوا الفتوى بسد الذرائع وهذا نقاش أخر ...
ـ[نضال دويكات]ــــــــ[08 - 09 - 07, 10:37 م]ـ
أخي الكريم انا لم اتكلم عن الحكم هنا ولكن الاشارة في كلامي كانت الى الهدف فقط المقصود من خلال الصلاة في العراء
ـ[يوسف رمضان يوسف شراب]ــــــــ[09 - 09 - 07, 05:10 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شكري موصول لجميع من شارك وأحب أن أقول اننا نتعبد إلى ربنا بالدليل الشرعي وليس بفتوى فلان أو بفتوى علان
ثم أقول هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أو صحبه الكرام صلوا الجمعة في العراء؟ مع أنهم صلوا في غير جمعة
وهل كون الأرض جعلت لنا مسجدا وطهورا فيه دلالة على جواز صلاة الجمعة في العراء؟
مع العلم أن مساجد السلفيين منتشرة في القطاع وهذه الصلاة فرغت المساجد إذ إنها تعقد بجوار المسجد
وينتج عنها من الفتن ما الله به عليم ويدخن المصلون ويشربون البرد وهم جالسون
ـ[الشريف الحسيني الحنبلي]ــــــــ[09 - 09 - 07, 11:03 م]ـ
------
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[10 - 09 - 07, 12:43 ص]ـ
لا يجوز تعدد الجمعات لغير ضرورة أو حاجة.
هذا هو كلام أئمة الإسلام، والعلماء بالحلال والحرام.(84/419)
سؤال أريد اجابة شافية بارك الله فيكم
ـ[أبوصهيب المغربي]ــــــــ[07 - 09 - 07, 10:36 ص]ـ
هل يجوز الصلاة في مسجد في تماثيل وجزاكم الله خيرا.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[07 - 09 - 07, 12:37 م]ـ
في بدائع الصنائع (1/ 473): (وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَمَّا إنْ كَانَتْ التَّمَاثِيلُ مَقْطُوعَةَ الرُّءُوسِ أَوْ لَمْ تَكُنْ مَقْطُوعَةَ الرُّءُوسِ، فَإِنْ كَانَتْ مَقْطُوعَةَ الرُّءُوسِ فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا بِالْقَطْعِ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ تَمَاثِيلَ وَالْتَحَقَتْ بِالنُّقُوشِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أُهْدِيَ إلَيْهِ تُرْسٌ فِيهِ تِمْثَالُ طَيْرٍ فَأَصْبَحُوا وَقَدْ مُحِيَ وَجْهُهُ} وَرُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لَهُ فَقَالَ كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ تَمَاثِيلُ خُيُولٍ وَرِجَالٍ؟ فَإِمَّا أَنْ تُقْطَعَ رُءُوسُهَا أَوْ تُتَّخَذُ وَسَائِدَ فَتُوطَأُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْطُوعَةَ الرُّءُوسِ فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ فِي السَّقْفِ أَوْ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَنْ يَسَارِهَا، فَأَشَدُّ ذَلِكَ كَرَاهَةً أَنْ تَكُونَ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي مُؤْخِرِ الْقِبْلَةِ، أَوْ تَحْتَ الْقَدَمِ لَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ التَّشَبُّهِ فِي الصَّلَاةِ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَكَذَا يُكْرَهُ الدُّخُولُ إلَى بَيْتٍ فِيهِ صُوَرٌ عَلَى سَقْفِهِ أَوْ حِيطَانِهِ أَوْ عَلَى السُّتُورِ وَالْأُزُرِ وَالْوَسَائِدِ الْعِظَامِ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ، وَلَا خَيْرَ فِي بَيْتٍ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَكَذَا نَفْسُ التَّعْلِيقِ لِتِلْكَ السُّتُورِ وَالْأُزُرِ عَلَى الْجِدَارِ، وَوَضْعُ الْوَسَائِدِ الْعِظَامِ عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ لِمَا فِي هَذَا الصَّنِيعِ مِنْ التَّشْبِيهِ بِعُبَّادِ الصُّوَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهَا.
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: {دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي وَأَنَا مُسْتَتِرَةٌ بِسِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَتَغَيَّرَ لَوْنُ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عَرَفْتُ الْكَرَاهَةَ فِي وَجْهِهِ، فَأَخَذَهُ مِنِّي وَهَتَكَهُ بِيَدِهِ فَجَعَلْنَاهُ نُمْرُقَةً أَوْ نُمْرُقَتَيْنِ} وَإِنْ كَانَتْ الصُّوَرُ عَلَى الْبُسُطِ وَالْوَسَائِدِ الصِّغَارِ وَهِيَ تُدَاسُ بِالْأَرْجُلِ لَا تُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إهَانَتِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا حَدِيثُ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
وَلَوْ صَلَّى عَلَى هَذَا الْبِسَاطِ فَإِنْ كَانَتْ الصُّورَةُ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِعِبَادَةِ الصُّوَرِ وَالْأَصْنَامِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ أَمَامَهُ فِي مَوْضِعٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعْظِيمِ يَحْصُلُ بِتَقْرِيبِ الْوَجْهِ مِنْ الصُّورَةِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِهَانَةِ دُونَ التَّعْظِيمِ، هَذَا إذَا كَانَتْ الصُّورَةُ كَبِيرَةً، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَعْبُدُ الصَّنَمَ لَا يَعْبُدُ الصَّغِيرَ مِنْهَا جِدًّا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى خَاتَمِ أَبِي مُوسَى ذُبَابَتَانِ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/420)
وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا وُجِدَ خَاتَمُ دَانْيَالَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ عَلَى فَصِّهِ أَسَدَانِ بَيْنَهُمَا رَجُلٌ يَلْحَسَانِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ حَالِهِ، أَوْ لِأَنَّ التِّمْثَالَ فِي شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَنَا كَانَ حَلَالًا، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي قِصَّةِ سُلَيْمَانَ: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ}، ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْكَرَاهَةِ فِي صُورَةِ الْحَيَوَانِ.
فَأَمَّا صُورَةُ مَا لَا حَيَاةَ لَهُ كَالشَّجَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يُوجِبُ الْكَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ عَبَدَةَ الصُّوَرِ لَا يَعْبُدُونَ تِمْثَالَ مَا لَيْسَ بِذِي رُوحٍ، فَلَا يَحْصُلُ التَّشَبُّهُ بِهِمْ، وَكَذَا النَّهْيُ إنَّمَا جَاءَ عَنْ تَصْوِيرِ ذِي الرُّوحِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَوَّرَ تِمْثَالَ ذِي الرُّوحِ كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فَأَمَّا لَا نَهْيَ عَنْ تَصْوِيرِ مَا لَا رُوحَ لَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ نَهَى مُصَوِّرًا عَنْ التَّصْوِيرِ؛ فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ وَهُوَ كَسْبِي؟ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ فَعَلَيْكَ بِتِمْثَالِ الْأَشْجَارِ وَيُكْرَهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَةُ الْمَسْجِدِ إلَى حَمَّامٍ أَوْ قَبْرٍ أَوْ مَخْرَجٍ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ يَجِبُ تَعْظِيمُهَا، وَالْمَسَاجِدُ كَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، وَمَعْنَى التَّعْظِيمِ لَا يَحْصُلُ إذَا كَانَتْ قِبْلَةُ الْمَسْجِدِ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ الْأَقْذَارِ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ، فَأَمَّا مَسْجِدُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ قِبْلَتُهُ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةُ الْمَسَاجِدِ، حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ، وَكَذَا لِلنَّاسِ فِيهِ بَلْوَى بِخِلَافِ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ.
وَلَوْ صَلَّى فِي مِثْلِ هَذَا الْمَسْجِدِ جَازَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَعَلَى قَوْلِ بِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ الْمَرِيسِيِّ: لَا تَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا، الْمُصَلِّي فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ صَلَّى وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ مَغْصُوبٌ لَا تَجُوزُ عِنْدَهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَتَأَدَّى بِمَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) الخ.
وفي شرح العمدة لابن تيمية: (فان كانت الصورة قد مثلت في بيوت العبادة فالصلاة هناك اقبح و أشد كراهة حتى قد قال احمد فيمن صلى و في كمه منديل حرير فيه صور اكرهه قال القاضي لأن التصاوير في الثوب المحرم فكأنه حامل لشيء محرم فجرى مجرى جلوسه في بيت فيه صور و ذلك مكروه و هذا هو الصواب الذي لا ريب فيه و لا ينبغي ان يشك فيه لظهوره في دين الاسلام؛ فان الذين نقل عنهم الرخصة في الصلاة في الكنائس من الصحابة شرطوا ذلك بأن لا تكون بها تماثيل و قد ذكرناه عن ابن عباس و ذكر ابن المنذر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لنصراني انا لا ندخل بيعكم من اجل الصور التي فيها و عن مقسم قال كان ابن عباس لا يصلي في بيت فيه تماثيل و عنه عن ابن عباس أنه قال لا يصلي فى كنيسة فيها تماثيل و ان صار ان يخرج فيصلي في المطر رواهما سعيد و لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما ذكرت له الكنيسة التي بارض الحبشة و ما فيها من التصاوير قال اولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا و صوروا فيه تلك التصاوير اولئك شرار الخلق عند الله و كل واحد من اتخاذ القبور مساجد و من التصاوير فيها محرم فالصلاة فيها تشبه الصلاة في
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/421)
المسجد على القبر و لانه بعث عليا رضي الله عنه على ان لا يدع تمثالا الا طمسه و لا قبرا مشرفا الا سواه فاذا كان طمسها واجبا لانها بمنزلة الاوثان فالصلاة في المكان الذي فيه الصور كالصلاة في بيوت الأوثان فهل يقول أحد ان هذا جائز بلا كراهة من غير ضرورة و قد قال صلى الله عليه و سلم لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة فكيف لا تكره الصلاة في مكان تمنع الملائكة من الدخول اليه دائما و لأن الصور قد تعبد من دون الله و فيها مضاهاة لخلق الله فالصلاة عندها تشبه بمن يعبدها و يعظمها لا سيما ان كانت الصورة في جهة القبلة فان السجود إلى جهتها يشبه السجود لغير الله و اما صلاة النبي صلى الله عليه و سلم في الكعبة فهو حجة ايضا قوية لما روى عن ابن عباس قال دخل النبي صلى الله عليه و سلم البيت فوجد فيه صورة ابراهيم و صورة مريم فقال اما هم فقد سمعوا ان الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة هذا ابراهيم مصور فما له يستقسم و في رواية لما راى الصور في البيت لم يدخل حتى امر بها فمحيت و راى ابراهيم و اسماعيل بايديهما الازلام فقال قاتلهم الله و الله ان استقسما بالازلام قط و في رواية لما قدم أبى ان يدخل البيت و فيه الآلهة فامر بها فاخرجت و اخرجوا صورة ابراهيم و اسماعيل في ايديهما الازلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قاتلهم الله و الله قد علموا انهما لم يستقسما بها قط فدخل البيت فكبر في نواحيه و لم يصل رواه البخاري فهذا نص في أنه امتنع من الدخول حتى محيت الصور فكيف يقال أنه صلى الله عليه و سلم صلى في الكعبة و التماثيل فيها و قد روى الازرقي أنه صلى الله عليه و سلم لما دخل البيت ارسل الفضل بن عباس فجاء بماء زمزم ثم امر بثوب فبل بالماء و امر بطمس تلك الصور فطمست و روي من غير وجه أنه لم يدخل حتى محيت الصور ثم لو قدر أنه قد دخل قبل الطمس فانه لم يدخل حتى طمست أو شرع في طمسها كما يدل عليه ظاهر بعض الروايات و لو كان قد صلى بعد الامر بطمسها فهو قد شرع في إزالة المنكر فلا يشبه هذا من صلى في موضع الصور فيه مستقرة و لهذا جاز للرجل ان يحضر الوليمة التي فيها منكر إذا قصد ان ينكر و ان كان الحضور قبل الانكار) الخ.
وفي الموسوعة الفقهية: (ينبغي تنزيه أماكن العبادة عن وجود الصّور فيها، لئلا يئول الأمر إلى عبادتها، كما تقدّم من قول ابن عبّاس: أنّ أصل عبادة قوم نوح لأصنامهم، أنّهم كانوا رجالاً صالحين، فلمّا ماتوا صوّروهم ثمّ عبدوهم.
وأيضاً فقد تقدّم أنّ من الفقهاء من يقول بكراهة الصّلاة مع وجود الصّورة، ولو كانت إلى جانب المصلّي أو خلفه أو في مكان سجوده.
والمساجد تجنّب المكروهات كما تجنّب المحرّمات).
ـ[أبوصهيب المغربي]ــــــــ[07 - 09 - 07, 07:01 م]ـ
بارك الله فيكة اخي الحبيب هل اعلم من هذه المسألة انها لا تصل الى درجة التحريم الكراهة فقط يعني ام ان مصطلح الكراهة عند بعض أهل العلم قد يقصد به التحريم ام ماذا وجزاك الله خيرا.(84/422)
طلب مساعدة عاجلة من الإخوة في ليبيا أو ممن عنده علم بالأمر.
ـ[أبو يوسف المالكي]ــــــــ[07 - 09 - 07, 03:19 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يرغب أحد الإخوة بالمملكة المغربية بإنجاز بحث الدكتوراه في موضوع: تحقيق مخطوطة (الإعلام بنوازل الأحكام) المسمى أيضا بالأحكام الكبرى، تأليف: الإمام أبي الأصبغ عيسى بن سهل الأسدي القرطبي (486هـ).
وقد كنا - جماعة من الطلبة - قد حققنا قطعا منه قدمناها بحوثا لنيل شهادة الإجازة في الدراسات الإسلامية سنة 2000م. ثم بلغني بعد أنه حقق كاملا في الجماهيرية الليبية، انتدب له أحد الباحثين، ولست أدري هل ذلك صحيح أم لا؟ وإن كان كذلك هل طبع أم قدم بحثا لنيل شهادة جامعية؟
أسعفونا بالجواب عاجلا أكرمكم الله. والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[15 - 11 - 07, 08:03 ص]ـ
الكتاب حقق قديمًا وطبع أيضا طبعتين أما الأولى فبعنوان:
الإعلام بنوازل الأحكام المعروف بالأحكام الكبرى لأبي الأصبغ عيسى بن سهل: السفر الأول والثاني / تحقيق ودراسة نورة محمد عبد العزيز التويجري - جامعة الملك سعود - الآداب - التاريخ 1401هـ.
والثانية تحت عنوان:
ديوان الأحكام الكبرى " النوازل والاعلام لابن سهل " ... تحق: المحامي رشيد النعيمي .. وطبعت في مجلدين سنة 1417.(84/423)
ـ هل يُستفاد إثبات الخلاف بقولهم: وبه قال بعض أهل العلم.؟
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[07 - 09 - 07, 05:58 م]ـ
ـ هل يُستفاد إثبات الخلاف من قول العالم المتبحِّر في مسألة: وبه قال بعض أهل العلم.؟ فيُقال مثلا: تعبيره بالبعض مفهومه أنّ هناك بعضاً آخر مخالفاً. وهذا موجود في كلام الإمام ابن المنذر والترمذي وغيرهما فمن يشفي الغليل مُدعِّما جوابه بالدَّليل.
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[20 - 04 - 08, 06:57 م]ـ
أفيدونا بارك الله فيكم.
ـ[أبو عبد الله بن أبي بكر]ــــــــ[22 - 05 - 08, 06:21 ص]ـ
قال شيخ الإسلام رحم الله في مجموع الفتاوى - (ج 19 / ص 271)
وإذا نقل عالم الاجماع ونقل آخر النزاع إما نقلا سمى قائله وإما نقلا بخلاف مطلقا ولم يسم قائله فليس لقائل أن يقول نقلا لخلاف لم يثبت فانه مقابل بأن يقال ولا يثبت نقل الاجماع بل ناقل الاجماع ناف للخلاف وهذا مثبت له والمثبت مقدم على النافى
وإذا قيل يجوز فى ناقل النزاع أن يكون قد غلط فيما أثبته من الخلاف إما لضعف الاسناد أو لعدم الدلالة قيل له ونافى النزاع غلطه أجوز فانه قد يكون فى المسألة أقوال لم تبلغه أو بلغته وظن ضعف اسنادها وكانت صحيحة عند غيره أو ظن عدم الدلالة وكانت دالة فكلما يجوز على المثبت من الغلط يجوز على النافى مع زيادة عدم العلم بالخلاف
وهذا يشترك فيه عامة الخلاف فان عدم العلم ليس علما بالعدم لا سيما فى أقوال علماء أمة محمد التى لا يحصيها الا رب العالمين ولهذا قال أحمد وغيره من العلماء من ادعى الاجماع فقد كذب هذه دعوى المريسى والأصم ولكن يقول لا أعلم نزاعا والذين كانوا يذكرون الاجماع كالشافعى وأبى ثور وغيرهما يفسرون مرادهم بأنا لا نعلم نزاعا ويقولون هذا هو الاجماع الذى ندعيه
فتبين أن مثل هذا الاجماع الذى قوبل بنقل نزاع ولم يثبت واحد منهما لا يجوز أن يحتج به ومن لم يترجح عنده نقل مثبت النزاع على نافيه ولا نافيه على مثبته فليس له أيضا أن يقدمه على النص ولا يقدم النص عليه بل يقف لعدم رحجان أحدهما عنده فان ترجح عنده المثبت غلب على ظنه ان النص لم يعارضه إجماع يعمل به وينظر فى ذلك الى مثبت الاجماع والنزاع فمن عرف منه كثرة ما يدعيه من الاجماع والأمر بخلافه ليس بمنزله من لم يعلم منه اثبات اجماع علم انتفاؤه وكذلك من علم منه فى نقل النزاع أنه لا يغلط الا نادرا ليس بمنزلة من علم منه كثرة الغلط
واذا تظافرعلى نقل النزاع اثنان لم يأخذ احدهما عن صاحبه فهذا يثبت به النزاع بخلاف دعوى الاجماع فانه لو تظافر عليه عدد لم يستفد بذلك إلا عدم علمهم بالنزاع وهذا لمن أثبت النزاع فى جمع الثلاث ومن نفى النزاع مع أن عامة من أثبت النزاع يذكر نقلا صحيحا لا يمكن دفعه وليس مع النافى ما يبطله
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[21 - 03 - 09, 04:52 م]ـ
للفائدة.(84/424)
ـ لماذا إذا ذُكِر مذهب أهل الرأي قالوا: مذهب أهل العراق؟
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[07 - 09 - 07, 06:02 م]ـ
ـ لماذا إذا ذُكِر مذهب أهل الرأي قالوا: مذهب أهل العراق؟
ـ[يحيى صالح]ــــــــ[07 - 09 - 07, 08:46 م]ـ
لأنه - والله أعلم - كانت نشأة مدرسة الرأي على يد الإمام أبي حنيفة عليه رحمة الله تعالى، وهو من أهل الكوفة.
والإمام كان يعتمد في فقهه على القرآن وما وصله من الحديث، وكان الحديث الذي وصله قليلا بالنسبة لحديث غيره كأهل المدينة مثلا.
ولذلك لما فارق أبو يوسف الكوفة بعد وفاة أبي حنيفة - عليهما رحمة الله تعالى - وذهب للمدينة وناظر مالكا، رجع أبو يوسف عن بعض ما كان عنده من فقه أبي حنيفة إلى رأي مالك.
بل قال له ما معناه: لو كان صاحبي قابلك لصنع مثل ماصنعتُ.(84/425)
بحث للمالكية في كلام للحافظ رحمه الله تعالى
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[07 - 09 - 07, 06:06 م]ـ
ـ قال الحافظ في الفتح1/ 472 شرح حديث رقم [249]:ولم يقع في شيء من طرق هذا الحديث التَّنصيص على مسح الرأس في هذا الوضوء وتمسّك به المالكيّة لقولهم: إنّ وضوء الغسل لا يُمسح فيه الرّأس بل يُكتفى عنه بغسله. اهـ.
ـ المطلوب: هل ما نقله الحافظ عن المالكية صحيح عنهم موجود في كتبهم ثمّّ هل هو قول كلّهم أم بعضهم؟ وجزاكم الله خيراً.
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[20 - 04 - 08, 06:56 م]ـ
أين أخواننا المالكية؟
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[20 - 04 - 08, 08:48 م]ـ
ظاهر ما في مختصر خليل وغيره خلاف هذا وفقك الله ... قال في المختصر وهو يعدد سنن الغسل: < ثم بأعضاء وضوءه كاملة مرة > وفي الرسالة عند بيان كيفية العمل في الغسل: (ثم يتوضأ وضوء الصلاة) ... فلعل ما حكاه الحافظ ونقله عنه بعضهم قول لبعض المالكيين ... ولهم خلاف شهير في تقديم غسل الرجلين أو تأخير ذلك ... وربما رتب بعض المالكيين على مسألة تأخير غسل القدمين مسألة تأخير مسح الرأس ورأى غسله حين الشروع في تعميم الماء بدل مسحه ابتداءا مع أعضاء الوضوء ... ولكن الصحيح من المذهب ما جاء في المختصر والرسالة ... والله أعلم.(84/426)
هل يُركن إلى نقولات الحافظ عن المالكية وغيرهم من أهل المذاهب؟
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[07 - 09 - 07, 06:13 م]ـ
ـ هل يُركنُ إلى نقولات الحافظ ابن حجر عن المالكية وغيرهم من المذاهب الأربعة أم ينبغي الرّجوع إلى الأصول لتحقيق النّقل.
ـ فهل الرجوع لتحقيق ما ينقله الحافظ من باب زيادة اليقين بحيث أنّه لا حرج في عدم التحقيق أم أن الرجوع إلى الأصول واجب على من توفّرت فيه الشّروط؟
ـ[حمد بن صالح المري]ــــــــ[26 - 11 - 07, 01:38 م]ـ
أخي الكريم الفاضل أبا عبد الله الزاوي حفظك الله تعالى ...
لا يُعتمَد على نقولات النووي و ابن قدامة و القرطبي والحافظ ابن حجر رحمةُ الله تعالى عليهم أجمعين؛ فما يذكرونه قد يكون قولاً مرجوحاً في المذهب، وعموما ما ينقلونه لا يخرج عن كونه قولا في المذهب؛ سواء كان راجحا أو مرجوحاً، ولا أعلم -حسب علمي القاصر- أنهم نسبوا إلى مذهبٍ ماليس فيه، وقد يكون.
وأذكر من المسائل المنقولة في كتب الخلاف: مسألة لمس الرجل للمرأة الأجنبية، فقد نسب ابن قدامة والنووي والحافظ قولَ من قال بنقض وضوء من لمس المرأة الأجنبية بشهوة للمالكية!، وهذا قول مرجوح عند المالكية، والمعتمد عندهم النقض لمن وجد اللذّة أو قصدها.
وكذلك ما نقله القرطبي رحمه الله في تفسيره عن الإمام أحمد رحمه الله في مسألة وجوب قراءة الفاتحة على المأموم مطلقاً؛ وفاقاً للشافعية، والمشهور عند الحنابلة وجوبها على المأموم في السرية فقط دون الجهرية.
والذي أره -والعلم عند الله تعالى- ألا يعتمد الباحث على هذه النقولات، بل عليه الرجوع إلى كتب كل مذهب، والله تعالى أعلم.
ـ[أبو فاطمة الحسني]ــــــــ[26 - 11 - 07, 01:56 م]ـ
راجع للفائدة:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=116101
وقد وهم ابن حجر فيما يظهر لي ونسب لمالك والأوزاعي ما لم يقولا به
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[27 - 11 - 07, 10:53 ص]ـ
والذي أراه -والعلم عند الله تعالى- ألا يعتمد الباحث على هذه النقولات، بل عليه الرجوع إلى كتب كل مذهب، والله تعالى أعلم.
هذا هو الصواب إن شاء الله .. وقد رأيت عزواً كثيراً ليس هو مشهور المذهب المحكي.
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[28 - 11 - 07, 01:20 م]ـ
الخطأ وادر
والأصل عدم العزو
كتب المذهب الواحد ليست على درجة واحدة من ناحية الاعتماد
فما بالنا بكتب الشروح
كتب الشروح بالذات تحتاج إلى تدقيق وتمحيص حال اتخاذها واسطة في عزو مسألة فقهية .. لأنه قد يكون الشارح يعرض اختياره أو ينقل ما وقف عليه، ولا يقصد به العزو إلى المذهب، اللهم إلا إذا صرح بأن هذا القول هو قول في المذهب أو قال به الإمام أو رآه أو غير ذلك .. لذا فكتب الشروح أنا أضعها في الرتبة الأخيرة .. وكل كلامي حول اتخاذ شرح المالكي مثلا واسطة لعزو فرع من فروع المالكية .. أما اتخاذ شرح الشافعي مثلا واسطة في نقل مذهب آخر فغير دقيق علميا .. والله تعالى أعلم.
ـ[الحراني]ــــــــ[04 - 12 - 07, 09:42 م]ـ
السلام عليكم
غالب شروح السنة لا ينبغي الاعتماد عليها في نسبة الاقوال الى امذاهب وضرب مثالا لذلك بسبل السلام وهو مختصؤ لبدر التمام المغربي وقال انه لا يعتمد عليه في نقل اقوال المذاهب خاصة مذهب المالكية والحنابلة فانه لا يتتبع اصول هذين المذهبين كتتبعه لمذهب الحنفية والشافعية.
و الحافظ في الفتح الشوكاني في نيل الاوطارلا يتثبتان في نقل اقوال بعض المذاهب.
لذا فلابد من الرجوع الى كتب المذاهب للنظر في الاقوال المشهورة والراجحة.
والله اعلم. وهذا ملخص ماذكره الشيخ صالح ال الشيخ في رسالة له موجهة لطالب العلم.
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[28 - 03 - 09, 11:58 ص]ـ
هل من إفاضة بارك الله فيكم.(84/427)
ـ ما هو منشأ غلط من غلط في عزو أقوال للإمام مالك رحمه الله وهي لم تثبت عنه؟
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[07 - 09 - 07, 06:25 م]ـ
ـ ما هو منشأ غلط من غلط في عزو أقوال للإمام مالك رحمه الله وهي لم تثبت عنه؟
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[20 - 04 - 08, 06:55 م]ـ
أين الأخوة المالكية؟
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[21 - 04 - 08, 01:23 م]ـ
وفقك الله.
تحريف النقل - رعاك الله - والولوع بالاختصار ... وهذان كانا محل نقد أبي محمد الصقلي لتهذيب البرادعي ...
ثم تداخل بعض أقوال تلاميذ الإمام مع أقوال الإمام نفسه ...
ثم الخطأ في نسبة بعض التخاريج الفقهية لأعلام المذهب على أنها فتاوى للإمام ...
ثم الخطأ في فهم بعض مراد الإمام ... ونسبة ذلك الفهم له على أنه قول له.
إلى غير ذلك من الأسباب ...
والحق أن ذلك في مذهب مالك قليل ... فقد بكر المالكية الأُوَل إلى حفظ السماعات وتصحيح الروايات وخاصة أهل القيروان منهم الذين جعلوا ديدنهم: < البحث عن ألفاظ الكتاب، وتحقيق ما احتوت عليه بواطن الأبواب، وتصحيح الروايات، وبيان وجوه الاحتمالات، والتنبيه على ما في الكلام من اضطراب الجواب، واختلاف المقالات، مع ما انضاف إلى ذلك من تتبع الآثار، وترتيب أساليب الأخبار، وضبط الحروف على حسب ما وقع في السماع، وافق ذلك عوامل الإعراب أو خالفها >.
ـ[أبو إسحاق المالكي]ــــــــ[21 - 04 - 08, 02:18 م]ـ
والحق أن ذلك في مذهب مالك قليل ... فقد بكر المالكية الأُوَل إلى حفظ السماعات وتصحيح الروايات وخاصة أهل القيروان منهم الذين جعلوا ديدنهم: < البحث عن ألفاظ الكتاب، وتحقيق ما احتوت عليه بواطن الأبواب، وتصحيح الروايات، وبيان وجوه الاحتمالات، والتنبيه على ما في الكلام من اضطراب الجواب، واختلاف المقالات، مع ما انضاف إلى ذلك من تتبع الآثار، وترتيب أساليب الأخبار، وضبط الحروف على حسب ما وقع في السماع، وافق ذلك عوامل الإعراب أو خالفها >.
أحسن الله إليك أستاذنا،،،
وهذا النصُّ نَقَلَه المقريُّ في كتابه "أزهار الرياض"، عن بعض المتأخرين. وغلط غيرُ واحد فنسب النصَّ وتتمتَه للمقري نفسه! ثم وجدتُ النصَّ في كتاب الرجراجي "مناهج التحصيل"، فالظَّاهِرُ أنه هو الذي أراده المقري في قوله: بعض المتأخرين ..
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[21 - 04 - 08, 05:06 م]ـ
جزاك الله خيرًا.
أحسنت التنبيه ... ولعلك تنظر هنا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=439587&postcount=117
ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[21 - 04 - 08, 11:29 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يخفى أنه من العسير جداً أن يضبط المنحى الاجتهادي للعالم في بعض الأدلة الأصول كالمصالح المرسلة وسد الذرائع , والقياس والعرف , والاستحسان , حتى ولو افترضنا ما هو عسير المنال , ألا وهو استقراء ماله من أقوال , وعدم وجود الدليل الخاص الذي يمكن أن يكون قد اعتمده , فيقال مثلاً إنه أخذ بمبدإ سد الذرائع , في مسالة كذا , وكذا فإذا لم يوجد له قول في حكم , قيل به , بناء على ذلك الأصل ونسب إليه , وهكذا إذا قيل بأنه يتخير من أقوال الصحابة إذا نقل عنهم الخلاف في مسألة , فإن المجتهد حتى وإن دون قواعد اجتهاده قبل شروعه في العمل , وهذا غير متأت غالباً , وغير واقع كذلك , إلا مع القليل , فإنه قد لا يقيم تلك القواعد في الواقع من فتاويه , فإننا لم نعلم أن واحداً من الأئمة الأربعة قد ترك شيئاً من ذلك مفصلاً غير الشافعي - رحمه الله- في كتابه الرسالة , وقد ينقل عن أحدهم الشيئ القليل كما نقل عن أبي حنيفة في تعامله مع أقوال الصحابة فمن دونهم.
ومن العجب أن مسالة التخريج هذه تجاوز بعض الناس بها كل الحدود , ,
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/428)
والذي أريد أن أقوله هو أن بعض الناس لا يفرقون بين ما هو قول لإمام المذهب , وبين ما هو منسوب إليه بالتخريج , أو بغيره , وهذا أمر ليس بالجديد , فقد قال الدهلوي:" ووجدت بعضهم يزعم أن جميع ما يوجد في هذه الشروح الطويلة , وكتب الفتاوى الضخمة , هو قول أبي حنيفة وصاحبيه , ولا يفرق بين القول المخرج , وما هو قول في الحقيقة , ولا يحصل معنى قولهم: على تخريج الكرخي كذا , وعلى تخريج الطحاوي كذا , ولا يميز بين قولهم قال أبو حنيفة كذا , وبين قولهم جواب المسألة على قول أبي حنيفة , وعلى اصل أبي حنيفة كذا " (الانصاف في بيان اسباب الخلاف 92).
قال المقري:" لا تجوز نسبة التخريج والإلزام بطريق المفهوم أو غيره إلى غير المعصوم عند المحققين , لإمكان الغفلة , أو الفارق , أو الرجوع عن الاصل عند الإلزام , أو التقييد بما ينفيه , أو إبداء معارض في المسكوت أقوى , أو عدم اعتقاده العكس إلى غير ذلك , فلا يعتمد في التقليد , ولا يعد في الخلاف " (قواعد المقري: القاعدة العشرون بعد المائة).
ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[22 - 04 - 08, 12:07 ص]ـ
وقد يكون للتلاميذ أقوال مستقلة عن الإمام فيختلفون عنه , وقد يختلفون فيما بينهم , وقد يكون سبب اختلافهم مبنياً على توجيه الواحد منهم كلام الإمام , وينزل هذا غلى أقوال من دون تلاميذ الإمام من الطبقات , , كاختلافهم في معنى الكراهة إذا أطلقها مالك - رحمه الله- فيحملها بعضهم على الكراهة التنزيهية , متأثراً بالمصطلحات الحادثة , ويحملها آخرون على الحرمة , أي الكراهة التحريمية , التي هي الأصل , ولا يضع الأول في الحسبان أن الائمة الأقدمين كانوا يتحرجون من التصريح بالحرمة , بل إنه يندر ان تعثر على التصريح بها في الموطأ , ويمكن أن يمثل لذلك بما في المختصر للشيخ خليل - رحمه الله- من كراهة البناء على القبر , إلا أذا بوهي به فيحرم , وهذا بعيد جداً , فإن المبهاة أمر محرم لذاته , , لا يحتاج غلى نهي نهي آخر , إلا فيما استثناه الشرع , كالتباهي على الكفار , وعليه يكون التباهي مع البناء شر على شر , كالختيال مع جر الثوب , فلا ينبغي تقييد حرمة البناء بالتباهي , ولا حرمة جرّ الثوب بالاختيال , لكن لعلهم أخذوها من قول مالك في المدونة:" أكره تجصيص القبور , والبناء عليها , وهذه الحجارة التي تبنى عليها " , ومن النادر عند مالك التصريح بالحرمة , وقد يكون التلاميذ علموا قول الامام وخالفوه , وقد لا يكونون علموه , وقد يجتهد بعض المشتغلين بالفقه في التوفيق بين قول الإمام وقول تلميذه المخالف , بحثاً منهم عن الوفاق , كقولهم أحياناً هذا خلاف لفظي , ومثاله: أن الرواية عن مالك جاءت بأن من صلى الفجر في داره وأتى المسجد فلا يركع , وجاءت الرواية عن ابن القاسم بالركوع , فافترق المتأخرون في حكم من ركع في داره ثم أتى المسجد , ماذا ينوي بالركعتين؟ على قولين , فقال بعضهم: ينوي بذلك تحية المسجد , وقال آخرون: يصلي مرة ثانية بنية الفجر , ويظهر أن الحامل على هذا القول هو استبعاد مخالفة ابن القاسم للإمام , فكان القول بإعادة الفجر أهون من القول بصلاة تحية المسجد في وقت لا تسوغ فيه , ومعنى ذلك أننا ننسب إلى ابن القاسم القول بإعادة الفجر , ,
والله أعلم
ـ[يوسف الخطيب]ــــــــ[02 - 10 - 08, 04:42 م]ـ
فكيف الوصول الى قول الامام مالك،وما هي الكتب التي تحقق وتنقح للوصول الى ما الصحيح من أقوال مالك وليس تلامذته أفيدونا جزاكم الله خيرا
ـ[أبو عبد البر المالكي]ــــــــ[02 - 10 - 08, 08:13 م]ـ
جزاكم الله خيرا كثيرا وبارك فيكم على الفوائد الجمة ......
فكيف الوصول الى قول الامام مالك،وما هي الكتب التي تحقق وتنقح للوصول الى ما الصحيح من أقوال مالك وليس تلامذته أفيدونا جزاكم الله خيرا
؟؟؟
ـ[ابن عبد السلام الجزائري]ــــــــ[02 - 10 - 08, 09:04 م]ـ
قد حقق الحافظ ابن عبد البر كثيرا من أقوال مالك المختلفة عليه في كتابه الكافي (فإنما ألفه لذلك) وبين الراجح من أقوال أصحابه في النقل عنه عندالاختلاف ,وكذلك فعل الامام ابن رشد في البيان والتحصيل عند التطرق لبيان وجوه بعض السماعات , إن كان في كثير من الاحيان يكتفي بالنقل دون الترجيح.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/429)
ومما يحسن التنبيه عليه في هذا الباب معرفة الطبقة الاولى من أصحاب مالك الذين يعتمد على قولهم في النقل وذلك لطول صحبتهم للامام ومعرفة آخر أقواله.
ـ[يوسف الخطيب]ــــــــ[04 - 10 - 08, 02:15 م]ـ
جزاك الله خيرا يا ابن عبد السلام الجزائري،وإن كان عندكم تفصيلا أكثر فافيدونا بارك الله فيكم
الله الله كم أتمنى أن يكون عندي صديقا مالكيا،فانا في الأردن، ولا يوجد هنا عالم مالكي أو طالب علم مالكي المذهب،وأنا مولع بمذهب مالك رضي الله عنه.
ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[04 - 10 - 08, 10:32 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في مقدمة المختصر الفقهي لابن عبد البر – رحمه الله – بين أن معتمده فيما يثبت من الفقه على سبعة قوانين , دون ما سواها وهي الموطأ والمدونة , وكتاب ابن عبد الحكم , والمبسوطة لإسماعيل القاضي , والحاوي لأبي الفرج , ومختصر أبي مصعب , وموطأ ابن وهب " (الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر: 10).
وقد كان ابن عبد البر لا ينظر بعين الرضا إلى الواضحة لابن حبيب , مع مالها من مزايا " (انظر الديباج 255 , ترجمة عبدالملك بن حبيب).
لكن هذا الذي رآه هؤلاء من تقديم الموطأ على المدونة , ليس عليه الأمر فيما بعد , إذ لا يخفى أن المتأخرين من العلماء المالكيين على تقديم المدونة على الموطأ , ومعنى ذلك أن الأمر قد استفحل أكثر مما كان عليه على عهد ابن عبدالبر.
وقد سار المالكية المغاربة على تقديم رواية ابن القاسم على غيره , ولعل الأصل في ذلك ما نقل عن القاضي أبي محمد عبدالوهاب من ترجيح " مسائل المدونة لرواية سحنون لها عن ابن القاسم , وانفراد ابن القاسم بمالك وطول صحبته له , وأنه لم يخلط به غيره إلا في شيئ يسير.
وابن القاسم أهل لهذا الترجيح من حيث المبدأ , فقد أثنى النسائي عليه ثناء عطراً , فقال: " ابن القاسم ثقة , رجل صالح , سبحان الله , ما أحسن حديثه وأصحه عن مالك , ليس يختلف في كلمة , ولم يرو أحد الموطأ عن مالك أثبت من ابن القاسم , وليس أحد من أصحاب مالك عندي مثله , قيل له: فأشهب؟ قال: ولا أشهب ولا غيره , هو عجب من العجب , الفضل والزهد وصحة الرواية , وحسن الدراية وحسن الحديث , حديثه يشهد له , وقال ابن وهب لأبي ثابت: إن أردت هذا الشأن – يعني فقه مالك – فعليك بابن القاسم , فإنه انفرد به , وانشغلنا بغيره ". (الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: 239).
لكن هذا الترجيح منصب على التثبت في الرواية عن مالك , ومعرفته بفقهه , ولا يلزم منه الترجيح في الأعلمية مطلقاً , بحيث ترجح آراء ابن القاسم على غيره , وهذا ما يبينه أن ابن وهب الذي تقدم قوله في الثناء على ابن القاسم , قال لبعض أصحابه من كان يتردد على ابن القاسم: إن معظم ما عنده رأي.
على أن تطريد هذا الأمر حتى وإن كان صحيحاً من حيث قواعد الترجيح بين أصحاب مالك بحسب الملازمة وطول الصحبة , إلا أن ترجيح رواية ابن القاسم على ما أثبته مالك في الموطأ فيه إشكال كبير , فإن ابن القاسم نفسه من رواة الموطأ ,ثم كيف يعتبر القول الآخر ضعيفاً إذا كان ظاهر الدليل معه؟.
وقد كان بعض أصحاب مالك ينكرون رواية ابن القاسم أحياناً , كما في القضاء على الغائب , وفي مسألة سقوط الجمعة إذا وافقت العيد عمن صلاه , فإن مالكاً – رحمه الله – قد روى عن أبي عبيد مولى بني أزهر أنه شهد العيد مع عثمان بن عفان – رضي الله عنه – فجاء فصلى ثم انصرف فخطب , وقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان: فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها , ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له " , فقد قال مالك بما في هذا الأثر , أعني سقوط الجمعة إذا أذن الإمام , وذلك في رواية ابن وهب ومطرف وابن الماجشون , وأنكروا رواية ابن القاسم عنه المخالفة لهذه.
يقول القياض عياض – رحمه الله -:" وهي (أي المدونة) أصل المذهب المرجح روايتها على غيرها عند المغاربة , وإياها اختصر مختصروهم , وشرح شارحوهم , وبها مناظرتهم ومذاكرتهم " (ترتيب المدارك 1/ 472).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/430)
وكونها مرجحة عن المغاربة لا يلزم منه دائما أن ما فيها هو الراجح في نفس الأمر , لا سيما وأن مسألة الترجيح بين المصادر والروايات قد توسع فيها بعضهم , حتى قال الشيخ علي العدوي ملخصاً لما قيل , ونقلا عن شيخه علي الأجهوري:" إن رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة , مقدمة على رواية غيره فيها , ورواية غير ابن القاسم في المدونة , مقدمة على قول ابن القاسم في المدونة , وأولى في غيرها , وقول مالك الذي رواه عنه ابن القاسم , ولو في غير المدونة , مقدم على قول ابن القاسم في غيرها , وأما قوله فيها , فهو مقدم على روايته عن الإمام في غيرها , (حاشية الشيخ علي العدوي على شرح الشيخ الخرشي لمختصر خليل:1/ 36).
وهذا يلزم منه تقديم قول ابن القاسم في المدونة على ما رواه عن الإمام في غير المدونة.
فيقال إن من أصحاب مالك – رحمه الله – من لا يقل علماً عن ابن القاسم , فالقول بتقديم قول هذا العالم على الآخر مطلقاً , في الرواية والدراية , ودون نظر خاص في المسألة موضوع التقديم , ليس كما ينبغي , قال الإمام ابن القيم – رحمه الله – عن أشهب:" أنه أفقه أصحاب مالك على الإطلاق , (إعلام الموقعين:4/ 97).
ولعل قول ابن القيم لا يخالف قول من جعل ابن القاسم أفقه , لا ختلاف الجهة , كأن يكون أشهب أعرف بالحديث , والظاهر أن اختيار أقوال الإمام ابن القاسم إنما كان لغلبة اتباعه لمالك إلا في الأقل , بخلاف أشهب , وابن وهب , وابن كنانة. (إعلام الموقعين عن رب العالمين:1/ 27).
وقد كان كثير من المالكية الذين هم على صلة بفقه النصوص , ينكرون هذا التقديم ولا يلتزمونه , ومنهم الإمام ابن العربي , فقد قال في أحكام القرآن مرجحاً قول مالك في الموطأ بأن الذبيحة تؤكل إذا أدركت فيها الحياة , على قوله الآخر المشهور في المذهب:" والذي في الموطأ عنه أنه إن كان ذبحها ونفسها يجري , وهي تطرف أنه يؤكلها , وهذا هو الصحيح من قوله الذي كتبه بيده , وقرأه على الناس , من كل بلد عمرَه , فهو أولى من الروايات الغابرة , لا سيما والذكاة عبادة كلفها الله سبحانه عباده للحكمة التي يأتي بيانها ".
ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[04 - 10 - 08, 10:34 م]ـ
,,, فالحاصل أنه إذا تعددت أقوال الإمام في مسألة , فإن أولاهما بالحق ما وافق الدليل , أو الاحتمال الراجح فيه إن كانت له احتمالات , ولا ينبغي أن يكون المعيار هو شهرة القول , وذيوعه وهذه مسألة ضاع بسببها كثير من الحق عن أتباع المذاهب , وهي قطب الرحا لمن أبى إلا أن يخدم مذهباً ما.
والله أعلم
(كيف نخدم الفقه المالكي للشيخ عابدين)
ـ[أبو عبد البر المالكي]ــــــــ[05 - 10 - 08, 06:05 م]ـ
جزاكم الله خيرا و ألح على الاخ عبد القادر بن محي الدين أن يرفع لنا كتاب " كيف نخدم الفقه المالكي " للشيخ عابدين بن حنفية -حفظه المولى عز وجل - ففوائده جمة ...
ـ[يوسف الخطيب]ــــــــ[27 - 10 - 08, 04:52 م]ـ
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا على هذه الإفادة، ومن عنده زيادة في موضوع الترجيح والوصول الى القول الصحيح للإمام مالك 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - في المسألة فلا يبخل علينا.
محب المذهب
يوسف الخطيب المالكي
ـ[بلال اسباع الجزائري]ــــــــ[27 - 10 - 08, 04:58 م]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[27 - 10 - 08, 09:02 م]ـ
نسبة الأقوال الخاطئة له بدأ للأسف في مرحلة مبكرة جداً. قال الإمام أحمد في رواية المروذي: «كان مالك يُسأل عن الشيء، فيقدم، ويؤخر يبهت. وهؤلاء يقيسون على قوله ويقولون: "قال مالك"». قال شيخ الإسلام في مجموع فتاواه: «ومعلومٌ أن مدوّنة ابن القاسم، أصلها مسائل أسد بن الفرات التي فرعها أهل العراق. ثم سأل عنها أسد ابن القاسم، فأجابه بالنقل عن مالك، وتارة بالقياس على قوله. ثم أصَّلَها في رواية سحنون. فلهذا يقع في كلام ابن القاسم طائفة من الميل إلى أقوال أهل العراق، وإن لم يكن ذلك من أصول أهل المدينة. ثم اتفق أنه لما انتشر مذهب مالك بالأندلس، وكان يحيى بن يحيى عامل الأندلس والولاة يستشيرونه، فكانوا يأمرون القضاة أن لا يقضوا إلا بروايته عن مالك، ثم رواية غيره. فانتشرت رواية ابن القاسم عن مالك لأجل من عمل بها. وقد تكون مرجوحة في المذهب وعمل أهل المدينة والسنة، حتى صاروا يتركون
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/431)
رواية الموطأ –الذي هو متواتر عن مالك وما زال يحدث به إلى أن مات– لرواية ابن القاسم».
قال البرذعي في "سؤالاته" (2|533): وذكرت لأبي زرعة (الرازي) مسائل عبد الرحمن بن القاسم عن مالك، فقال: «عنده ثلاثمئة جلدة أو نحوه عن مالك مسائل أسدية». قلت: «وما الأسدية»؟ فقال: «كان رجل من أهل المغرب يقال له أسد، رحل إلى محمد بن الحسن (صاحب أبي حنيفة) فسأله عن هذه المسائل. ثم قدم مصر، فأتى عبد الله بن وهب فسأله أن يسأله عن تلك المسائل: مما كان عنده فيها عن مالك أجابه، وما لم يكن عنده عن مالك قاس على قول مالك. فأتى عبد الرحمن بن القاسم، فتوسع له، فأجابه على هذا. فالناس يتكلمون في هذه المسائل». فما اكتفى المالكية بجمع آراء إمامهم التي ندم عليها، بل نسبوا إليه آراء أخرى ما قالها. وقاموا بتقديم المدوّنة على نصوص الإمام مالك في الموطأ!! ثم تم تدوين كتب أصول مذهب المالكية في العراق، من قبل المتكلمين. مما زاد في الهوة بين مذهب المالكية المتأخرين، وبين مذهب أهل المدينة الأوائل. والله يبدل الليل النهار، وهو على كل شيء قدير.
وقد اختلف المالكية عن ابن القاسم أيضاً! فنقل عنه عبد الملك بن حبيب القرطبي (ت238هـ) كتاب "الواضحة"، ثم دوّن محمد العتبي القرطبي (ت254هـ) من تلامذته كتاب "المستخرجة العتبية". ورحل من إفريقية أسد بن الفرات (145 - 204هـ) فكتب عن أصحاب أبي حنيفة أولاً، ثم انتقل إلى مذهب مالك، وكتب على ابن القاسم المصري في سائر أبواب الفقه. وقد حدث خلط بين المذهبين كما سبق بيانه. وجاء إلى القيروان بكتابه "الأسدية". فأخذ هذا الكتاب القاضي سحنون، وعارض مسائله على ابن القاسم، فتغيرت عدة أجوبة. وهذا شيء متوقع إن كان الجواب معتمداً على الرأي. فكتب سحنون كتاب "المدونة"، وقد اختلطت فيها الكثير من المسائل، فسماها الناس "المختلطة". وعكف أهل الأندلس على "الواضحة" و"العتبية"، ثم هجروا "الواضحة". أما أهل القيروان فاعتمدوا على "المدونة المختلطة"، واعتنوا بها أشد من عنايتهم بالقرآن.
فهل كان المالكيةُ دقيقين في نقلهم لآراء إمامهم؟ أما رواية يحيى للموطأ، ورواية سحنون للمدونة المختلطة، فقط سبق الحديث عن الأخطاء التي وقعت فيهما. وأما عبد الملك بن حبيب القرطبي (صاحب يحيى الليثي) فهو مختلف في عدالته. كان ابن حزم يقول: «ليس بثقة». ويقول: «روايته ساقطة مطرحة». وقال الحافظ أبو بكر بن سيد الناس: «وبعضهم اتهمه بالكذب». وعليه بالأساس اعتمد تلميذه محمد العتبي في كتابه "المستخرجة العَتْبية". قال فيها ابن حزم (كما في بستان المحدثين ص12): «لها عند أهل العلم بإفريقيا القدر العالي والطيران الحثيث». فهذه مكانتها في إفريقيا في ذلك الوقت، فما بالك بمكانتها بالأندلس وقد اعتبرت هناك المصدر الرئيسي للمذهب المالكي؟ ومع ذلك يقول عنها محمد بن عبد الحكم: «رأيت جلّها مكذوباً ومسائل لا أصول لها، ولما قد أسقط وطرح، وشواذ من مسائل المجالس لم يوقف عليها أصحابها». انظر "ترتيب المدارك" (3|145)، و "الديباج المذهب" (2|177). وقال ابن الفرضي عن العتبي: «جمع المستخرجة، وأكثر فيها من الروايات المطروحة، والمسائل الشاذة». وقال ابن وضاح: «وفي "المستخرجة" خطأ كثير». وتعقب صاحب "نفح الطيب" (2|215) ذلك فقال: «كذا قال، ولكن الكتاب وقع عليه الاعتماد من أعلام المالكية كابن رشد وغيره». أقول: كون هذا الكتاب هو عمدة مالكية الأندلس وبعض مالكية إفريقيا لا يعني صحته بالضرورة. هذا والله أعلم.
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[28 - 10 - 08, 08:34 ص]ـ
لو سكت من لا يعلم انقطع الخلاف.
ـ[أبو إسحاق المالكي]ــــــــ[28 - 10 - 08, 01:10 م]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=67622&highlight=%E1%E3%C7+%E4%CD%D3%E4
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[28 - 10 - 08, 08:56 م]ـ
جزاك الله خيرًا.
وحتى لا يتشعب بنا الحديث ... أكتفي بنقل هذه الشهادة من الدكتور موراني ضمن بحث له بعنوان " مصادر جديدة حول رواية الكتب المدونة لسحنون بالقيروان " المطبوع ضمن < محاضرات ملتقى الإمام سحنون > عن مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان 1991 ... قال في صـ 136: ( ... إن هذه الملاحظات الهامة، ونصها في آخر أبواب الكتاب من نوادر الملاحظات، لم أجدها أنا - فلعل ذلك يرجع لقلة معرفتي، أو عدم حظي في البحث - لم أجدها على هذه الصيغة إلا في القطع القيروانية النفيسة التي ليس لها مثيل في المخطوطات عند المشارقة، وبعد أن راجعت كثيرًا من المخطوطات في الظاهرية بدمشق، وفي دار الكتب في القاهرة، وفي اسطنبول = انتهيت إلى أن هذه الصيغة للسماعات وللمقابلات خاصة بالحضارة الفقهية وبالتعليم بالقيروان فقط ... ).
و كلام الدكتور هذا مصداق ما جاء في المشاركة 3 من هذا الرابط ...
وأما مسألة نسبة الأقوال المقيسة أو المخرجة ... فتعرف من تفهم كلمة < مذهب > وما تطورت إليها عندهم وعند غيرهم من أتباع بقية الأئمة الفقهاء الكبار.
ولعل ما هنا يوضح الأمر:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=62700&page=2&highlight=%C7%E1%E3%DA%CA%E3%CF%C9
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/432)
ـ[أبو محمد الجعفري]ــــــــ[28 - 10 - 08, 09:20 م]ـ
أحسنت يا أبا إسحاق وبارك الله فيك وجزي الله خيرا شيخنا الكريم الفهم الصحيح وليت أخانا سكت أو أنه اذا تكلم أنصف(84/433)
سؤال حول تعدد الزوجات وملك الاماء
ـ[ابو عمر الشافعي]ــــــــ[07 - 09 - 07, 06:30 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته احبتي في الله اذا كان هنالك رجل متزوج اربع زوجات حرائر هل يحق له ان يملك اماء وكم عدد الاماء المسموح بهن له وهل يحق له ان يتعامل معهن كما يتعامل مع الزوجات من جماع وغيره من امور الاستمتاع وما حكم الاولاد اذا انجبن ارجو ان تفيدونني بالادله الشرعيه ولكم جزيل الشكر(84/434)
انتساب ولد الزّنى لأَبيه أمرٌ يحتاجُ إلى منْ يجلّيه
ـ[محمود العماري]ــــــــ[07 - 09 - 07, 11:49 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أولا: عاتبني أحد الأخوة من قبل لأنني قمت بمشاركة في موضوع وقال بأنني لست أهلا لمثل هذه النقاشات ومعه حق ولكنني لم أكتب ردي آنذاك مناقشا وإنما مستفسرا
ولهذا أريد أن أنبّه الأخوة أنني أكتب هذا الموضوع في هذا المنتدى الذي يزخر بطلبة العلم استفسارا وبحثا عن الحق لا مناقشا أومتعصّبا
________________________________
منذ فترة وجيزة كنا في ملتقى علمي وقد قام الشيخ سفيان أبو رقعة إمام المسجد السعودي بكوالالمبور عاصمة ماليزيا بإلقاء محاضرة عن إنتساب ولد الزنى إلى أبيه
وقد قال إن الإجماع رُوِيَ في هذه المسألة على أنه لا ينسب اليه مطلقا ولكن الإجماع فيه نظر
ثم قال قول ابن القيم رحمه الله: لو استلحق الزاني ولدا لا فراش هناك يعارضه فهل يلحقه نسبه
ورجّح الشيخ أن الولد ينتسب إلى أبوه الزاني في حال عدم وجود فراش يعارضه
وقال بأن حديث: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) كان في محل نزاع بين صاحب الفراش والزاني
______________________________________
قال ابن القيّم رحمه الله في زاد المعاد:"فكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى أن المولود من الزنى إذا لم يكن مولودا على فراش يدعيه صاحبه وادعاه الزاني ألحق به وأول قول النبي صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش) على أنه حكم بذلك عند تنازع الزاني وصاحب الفراش كما تقدم وهذا مذهب الحسن البصري رواه عنه إسحاق بإسناده في رجل زنى بامرأة فولدت ولدا فادعى ولدها فقال يجلد ويلزمه الولد وهذا مذهب عروة بن الزبير وسليمان بن يسار ذكر عنهما أنهما قالا: (أيما رجل أتى إلى غلام يزعم أنه ابن له وأنه زنى بأمه ولم يدع ذلك الغلام أحد فهو ابنه) "
وقد نقل وقال ابن قدامة رحمه الله:" وروى علي بن عاصم، عن أبي حنيفة، أنه قال: لا أرى بأسا إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه، أن يتزوجها مع حملها، ويستر عليها، والولد ولد له وأجمعوا على أنه إذا ولد على فراش رجل، فادعاه آخر، أنه لا يلحقه، وإنما الخلاف فيما إذا ولد على غير فراش "
وابن تيمية رحمه الله أيضا قال بهذا كما في الفتاوي الكبرى
فأرجوا التوضيح ....
أخوكم في الله محمود العماري
ـ[سعودالعامري]ــــــــ[08 - 09 - 07, 01:36 ص]ـ
قال ابن سيرين بقول الحسن البصري وهو يلحقه اذا جلد الحد
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[08 - 09 - 07, 03:29 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أخي الكريم محمود العماري وفقني الله وإياك.
1 - ذهب أكثر أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية إلى أن ولد الزنا لا ينسب لأبيه بل وصف بعضهم القول بخلافه بالشذوذ.
2 - وذهب النخعي وابن سيرين والحسن البصري وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار وإسحاق بن راهويه إلى أنه ينسب لأبيه وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم ولبعض من ذكر قيود:
فالنخعي والحسن وابن سيرين قيدوه بالحد زاد النخعي: أو ملك الموطوءة، وقيده عروة وسليمان بن يسار بأن لا يدعيه أحد غيره.
وقيده ابن تيمية بان يكون لا فراش يلحق به.
وأقوى حجج الجمهور حديث " الولد للفراش وللعاهر الحجر " وقد رواه جمع من الصحابة نحو بضعة وعشرين صحابيا حتى عده بعضهم من المتواتر.
ووجه الدلالة منه أنه قصر النسب على الفراش فلا نسب لمن لا فراش له والزاني لا فراش له.
لكن أجيب عن هذا بان معنى الحديث أنه إذا تنازع رب الفراش والعاهر فالولد لرب الفراش وليس المقصود منه الحصر والحديث مخصوص بالمرة التي تكون فراشا اما من لا تكون فراشا فلا يندرج تحت الحديث كما قال ابن تيمية وابن القيم وهو أحد المعنيين الذين ذكرهما الشافعي ونسبه ابن تيمية لأحمد.
وأما حجة القول الثاني فأمران:
أحدهما: ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كان رجل من بين إسرائيل يقال له جريح يصلي فجاءته أمه فدعته فأبى أن يجيبها فقال: أجيبها أو أصلي؟ ثم أتته فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه المومسات وكان جريح في صومعته فقالت امرأة: لأفتنن جريجا فتعرضت له فكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها فولدت غلاما فقالت: هو من جريح فأتوه وكسروا صومعته فأنزلوه وسبوه فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي قالوا: نبني صومعتك من ذهب قال لا من طين "
قالوا فهنا نسب ابن الزنا للزاني وصدق الله نسبته بان أنطق الصبي بذلك وأخبر بذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في معرض المدح وغظهار الكرامة فالنسبة صحيحة شرعا وهو من شرع من قبلنا وهو حجة في شرعنا ما لم يرد ما يخالفه.
الثاني: قياس نسبة ولد الزنا لأبيه على نسبته لأمه فهو ينسب لأمه باتفاق أهل العلم فكذا ينسب لأبيه فهما مشتركان في الزنا ولا فرق.
وينبغي أن يعلم أنه إن كانت المراة فراشاً فالولد ينسب لصاحب الفراش بالإجماع إلا أن ينفيه بلعان لحديث: " الولد للفراش " وكذا ما كان من أولاد الزنا قبل الإسلام ينسبون لآبائهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/435)
ـ[محمود العماري]ــــــــ[08 - 09 - 07, 11:22 ص]ـ
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
ـ[فهد الأحمد]ــــــــ[28 - 09 - 07, 04:49 ص]ـ
للفائدة هناك بحث قيم جدا ومحكَّم نشر في مجلة العدل العدد الثلاثون لفضيلة الشيخ الدكتور: عبد العزيز الفوزان
فهو مفيد جدا في هذا الوضوع.(84/436)
الوقوف والدعاء في المسجد آخر ساعة يوم الجمعة هل هو بدعة؟
ـ[سعودالعامري]ــــــــ[08 - 09 - 07, 12:40 ص]ـ
وهل يثبت أثر عن ابي هريرة انه قيل كيف تكون اخر ساعة من يوم الجمعة هي ساعة الاجابة ووقتها وقت نهي والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال عن ساعة الاجابة مامن عبد يوافقها قائما يصلي) فقال اليس النبي صلى الله عليه وسلم يقو ل ما يزال العبد في صلاة ما انتظر الصلاة.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[08 - 09 - 07, 01:33 ص]ـ
يصلي: أي يدعو
ولماذا يبدَّع من دعا آخر ساعة من يوم الجمعة بالمسجد قائماً؟!!
ـ[سعودالعامري]ــــــــ[08 - 09 - 07, 06:05 ص]ـ
يصلي: أي يدعو
ولماذا يبدَّع من دعا آخر ساعة من يوم الجمعة بالمسجد قائماً؟!!
الدوام على ذلك اعني
ـ[ابو عاصم النبيل]ــــــــ[25 - 01 - 08, 01:15 م]ـ
واين هو مورد البدعة هنا
الساعة متفق عليها فاين هو داعي التبديع سلمك الله(84/437)
سؤال عاجل جماعة من النساء يجمعن مبالغ من المال الى إحدى النساء
ـ[أبو أنس العواضي]ــــــــ[08 - 09 - 07, 11:56 ص]ـ
جماعة من النساء يجمعن مبالغ من المال الى إحدى النساء ويكون لكل واحدة منهن المبلغ المجموع في أخر الشهر هل يجوز لمن يكون عندها المبلغ محفوظا أن تأخذ شيئا معين مشروط عليه أول العقد أم هذا من الرباء علما انها من ضمن اللاتي يشاركن في هذه الجمعية(84/438)
من يقول بأن العطور الكحولية حلال؟
ـ[يحيى صالح]ــــــــ[08 - 09 - 07, 05:04 م]ـ
من يقول بأن العطور الكحولية حلال؟
ـ[أبي يحيى المكاوي]ــــــــ[12 - 09 - 07, 02:08 ص]ـ
سمعت احدى شرائط الشيخ الألباني رحمه الله يسأل عن هذا الأمر فقيده بأن لاتكون العطور مسكره ولعل ما فهمته ان تكون من كحولات سامه كمزيلات العرق او غير ذلك و بل وقرأت للشيخ ابو اسحق في كتاب الفتاوى الخاص به والذي تجده على موقعه بالجواز ذلك والله اعلم بالحق.
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[12 - 09 - 07, 03:14 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
جمهور العلماء المعاصرين يحرم هذه العطور - اعنى التى يدخل فى تركيبها الكحول، اعتمادا" على قول جمهور العلماء بنجاسة عين الخمر، ويلحق به الكحول اذا تعدت نسبته حد الإسكار،،
وكان من اشدهم فى هذا الأمر من العلماء المعاصرين، هو العلامة محمد الأمين الشنقيطى - رحمه الله تعالى فى أضواء البيان، فذكر مانصه:-
وجماهير العلماء على أن الخمر نجسة العين لما ذكرنا، وخالف في ذلك ربيعة واللَّيث، والمزني صاحب الشافعي، وبعض المتأخِّرين من البغدادِيِّين والقرويِّين، كما نقله عنهم القرطبي في تفسيره.
واستدلُّوا لطهارة عينها بأن المذكورات معها في الآية من مال ميسر، ومال قِمار وأنصاب وأَزلام ليست نجسة العين، وإن كانت محرَّمة الاستعمال.
وأُجيب من جهة الجمهور بأن قوله {رِجسٌ} يقتضي نجاسة العين في الكل، فما أخْرجه إجماع، أو نصّ خرج بذلك، وما لم يخْرجه نصّ ولا إجماع، لزم الحكم بنجاسته، لأن خروج بعض ما تناوله العام بمخصّص من المخصصات، لا يسقط الاحتجاج به في الباقي، كما هو مقرر في الأصول، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود:
وهو حجّة لدى الأكثر إن ... مخصّص له معيناً يبِن
وعلى هذا، فالمسكر الذي عمت البلوى اليوم بالتطيُّب به المعروف في اللِّسان الدارجي بالكولانيا نجس لا تجوز الصلاة به، ويؤيده أن قوله تعالى في المسكر {فاجتنبوه} يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء من المُسكر، وما معه في الآية بوجه من الوجوه، كما قاله القرطبي وغيره.
قال مُقيِّده عفا الله عنه: لا يخفَى على منصف أن التضمخ بالطِّيب المذكور والتلذذ بريحه واستطابته. واستحسانه مع أنه مسكر، والله يصرح في كتابه بأن الخمر رجس فيه ما فيه، فليس للمسلم أن يتطيب بما يسمع ربَّه يقول فيه: إنه {رِجْسٌ} كما هو واضح، ويؤيده «أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإراقة الخمر» فلو كانت فيها منفعة أخرى لبينها، كما بين جواز الانتفاع بجلود الميتة، ولما أراقها.
واعلم أن ما استدل به سعيد بن الحداد القروي على طهارة عَين الخمر بأن الصحابة أراقوها في طرق المدينة، ولو ك انت نجسة، لما فعلوا ذلك ولَنهاهم النَّبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، كما نهاهم عن التخلي في الطرق، لا دليل له فيه، فإنها لا تعم الطرق، بل يمكن التحرز منها، لأن المدينة كانت واسِعة، ولم تكُن الخمر كثيرة جِداً بحيث تكون نَهراً أو سيلاً في الطرق يَعمُّها كلها، وإنما أُرِيقت في مواضع يسيرة يمكن التحرز منها، قاله القرطبي، وهو ظاهر.
،، وايضا من العلماء المعاصرين الذين حققوا هذه المسألة، وذهبوا الى رأى مخالف مع التقييد، هو العلامة / محمد بن صالح العيثمين - رحمه الله تعالى، اذ ذكر فى فتوى له بهذا الشأن مانصه:-
مكتبة الفتاوى: فتاوى نور على الدرب (نصية): الطهارة
السؤال: ع. م. ص. من الزلفي يقول هل الخمر نجسة كسائر النجاسات وإذا كانت كذلك هل يحلق بها الكولونيا بمعنى لو أصابت البدن أو الثوب يجب غسل الجزء الذي أصابته أو لا؟
الجواب
الشيخ: هذه المسألة وهي نجاسة الخمر إن أريد بالنجاسة النجاسة المعنوية فإن العلماء مجمعون على ذلك فإن الخمر نجس وخبيث ومن أعمال الشيطان وإن أريد به النجاسة الحسية فإن المذاهب الأربعة وعامة الأمة على النجاسة وأنها نجسةٌ يجب التنزه منها وغسل ما أصابته من ثوبٍ أو بدن وذهب بعض أهل العلم إلى أنها ليست نجسة نجاسة حسية وأن نجاستها معنوية عملية فالذين قالوا إنها نجسةً نجاسةً حسية ومعنوية استدلوا بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/439)
يوقع بينكم العداوة والبغضاء). . . والرجس هو النجس لقوله تعالى (قل لا أجد فما أوحي إلي محرماً على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزيرٍ فإنه رجس) ولحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة أن ينادي (إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس) فالرجس بالآية والحديث بمعنى النجس نجاسةً حسية فكذلك هي في آية الخمر بمعنى نجس نجاسةً حسية وأما الذين قالوا بطهارة الخمر طهارةً حسية أي أن الخمر نجسٌ نجاسةً معنوية لا حسية فقالوا إن الله سبحانه وتعالى قيد في سورة المائدة ذلك الرجس (رجسٌ من عمل الشيطان) فهو رجسٌ عملي وليس رجساً عينياً ذاتياً بدليل أنه قال (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام) ومن المعلوم أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسةً نجاسةً حسية فقرن هذه الأربعة الخمر والميسر والأنصاب والأزلام في وصفٍ واحد الأصل أن تتفق فيه فإذا كانت الثلاثة نجاستها معنوية فكذلك الخمر نجاسته معنوية لأنه من عمل الشيطان وقالوا أيضاً إنه ثبت لما نزل تحريم الخمر أراقها المسلمون في الأسواق ولو كانت نجسةً ما جازت إراقتها في الأسواق لأن تلويث الأسواق بالنجاسات محرم لا يجوز وقالوا أيضاً إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حرمت الخمر لم يأمر بغسل الأواني منها ولو كانت نجسة لأمر بغسل الأواني منها كما أمر بغسلها حين حرمت الحمر قالوا وقد ثبت في صحيح مسلم أن رجلاً أتى براوية من خمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأهداها إليه فقال الرسول عليه الصلاة والسلام أما علمت أنها قد حرمت ثم ساره رجل أي كلم صاحب الراية رجلٌ بكلامٍ سر فقال ماذا قلت؟ قال قلت يبيعها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه فأخذ الرجل بفم الراوية فأراق الخمر ولم يأمره النبي عليه الصلاة والسلام بغسلها منه ولا منعه من إراقتها هناك قالوا: فهذا دليل على أنه أي الخمر ليس نجساً نجاسةً حسية وقالوا أيضاً الأصل في الأشياء الطهارة حتى يوجد دليلٌ بين يدل على النجاسة وحيث لم يوجد دليل بين يدل على النجاسة فإن الأصل أنه طاهر لكنه خبيثٌ من الناحية العملية المعنوية وبناءً على ذلك نقول في الكولونيا وشبهها إنها ليست بنجسة لأن الخمر ذاته ليس بنجس على هذا القول الذي ذكرنا أدلته فيكون هذا الكولونيا وشبهها ليس بنجسٍ أيضاً وإذا لم يكن نجساً فإنه لا يجب تطهير الثياب منه ولكن يبقى النظر هل يحرم استعمال هذا الكولونيا كطيبٍ يتطيب به الإنسان أو لا يحرم؟ لننظر، يقول الله تعالى في الخمر (فاجتنبوه) وهذا الاجتناب مطلق لم يقل اجتنبوه شرباً أو استعمالاً أو ما أشبه ذلك أمر أمراً مطلق بالاجتناب فهل يشمل ذلك ما لو استعمله الإنسان كطيب أو نقول إن الاجتناب المأمور به هو ما علل به الحكم وهو اجتناب شربه لقوله (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) وهذه العلة لا تثبت فيما إذا استعمله الإنسان لغير الشرب ولكننا نقول إن الأحوط للإنسان أن يتجنبه حتى للتطيب وأن يبتعد عنه لأن هذا أحوط وأبرأ للذمة إلا أننا نرجع مرةً ثانية إلى هذه الأطياب هل النسبة التي فيها نسبةٌ تؤدي إلى الإسكار أو أنها نسبة قليلة لا تؤدي إلى الإسكار لأنه إذا اختلط الخمر بشيء ثم لم يظهر له أثر ولو أكثر الإنسان منه فإنه لا يوجب تحريم ذلك المخلوط به لأنه لما لم يظهر له أثر لم يكن له حكم إذ أن العلة علة الحكم هي الموجبة له فإذا فقدت العلة فقد الحكم فإذا كان هذا الخلط لا يؤثر في المخلوط فإنه لا أثر لهذا الخلط ويكون الشيء مباحاً فالنسبة القليلة في الكولونيا وغيرها إذا كانت لا تؤدي إلى الإسكار ولو أكثر الإنسان مثلاً من شربه فإنه ليس بخمر ولا يثبت له حكم الخمر كما أنه لو سقطت قطرةٌ من بول في ماءٍ ولم يتغير بها فإنه يكون طاهراً فكذلك إذا سقطت قطرةٌ من خمر في شيء لم يتأثر بها فإنه لا يكون خمراً وقد نص على ذلك أهل العلم في باب حد المسكر ثم إنني أنبه هنا على مسألةٍ تشتبه على بعض الطلبة وهو أنهم يظنون أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم ما أسكر كثيره فقليله حرام يظنون أن معنى الحديث أنه إذا اختلط القليل من الخمر بالكثير من غير الخمر فإنه يكون حراماً وليس هذا معنى الحديث بل معنى الحديث أن الشيء إذا كان لا يسكر إلا الكثير منه فإن القليل الذي لا يسكر منه يكون حراماً مثل لو فرضنا أن هذا الشراب إن شربت منه عشرة قارورات سكرت إن شربت قارورة لم تسكر فإن هذه القارورة وإن لم تسكرك تكون حراماً هذا معنى ما أسكر كثيره فقليله حرام وليس المعنى ما اختلط به شيءٌ من المسكر فهو حرام لأنه إذا اختلط المسكر بشيء ولم يظهر له أثر فإنه يكون حلالاً لعدم وجود العلة التي هي مناط الحكم فينبغي أن يتنبه لذلك ولكني مع هذا لا استعمل هذه الأطياب الكولونيا ولا أنهى عنها إلا أنه إذا أصابنا شيءٌ من الجروح أو شبهها واحتجنا إلى ذلك فإننا نستعمله لأنه عند الاشتباه يزول الحكم مع الحاجة إلى هذا الشيء المشتبه فإن الحاجة أمرٌ داعٍ إلى الفعل والاشتباه إنما يدعو إلى الترك على سبيل التورع والاحتياط ولا ينبغي للإنسان أن لا يحرم نفسه شيئاً احتاج إليه وهو لم يجزم بمنعه وتحريمه وقد ذكر أهل العلم هذه القاعدة بأن المشتبه إذا احتيج إليه فإنه يزول حكم الاشتباه.
والله ولى التوفيق
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/440)
ـ[يحيى صالح]ــــــــ[12 - 09 - 07, 05:49 م]ـ
الأخ / مصطفى مكاوي: جزاكم الله خيرا على مشاركتكم ومروركم وسأستوضح بيان ما ذكرتموه من كلام الشيخ الحويني.
الأخ / مصطفى رضوان: جزاكم الله خيرا على بيانكم وأثابكم كل خير
ـ[الموسى]ــــــــ[15 - 09 - 07, 01:08 م]ـ
الفتوى رقم (3426)
س2: هل العطور المستوردة من أوربا. التي فيها نسبة من الكحول نجسة لذاتها كالخمر بمعنى أنه يحرم التعطر بها؟
ج2: العطور المشتملة على نسبة من الكحول يسكر كثيرها في نجاستها خلاف بين العلماء مبني على نجاسة الخمر وطهارتها، فمن حكم على الخمر بالنجاسة أثبت لهذه العطور النجاسة، ومن قال بطهارة الخمر، قال: إن هذه العطور طاهرة، وبكل حال فلا يجوز استعمال العطور التي فيها كحول، سواء قلنا بنجاسة الخمر أو طهارتها؛ لوجوب إتلاف الخمر وعدم الاستفادة منها، والعطور التي فيها كحول يسكر كثيرها حكمها حكم الخمر.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العليمة والإفتاء
عضو ... عضو ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـ[يحيى صالح]ــــــــ[15 - 09 - 07, 06:22 م]ـ
حفظك الله تعالى وجزاك عنا خيرا
ـ[جعفر محمد]ــــــــ[14 - 10 - 07, 10:39 م]ـ
و لكن ماذا عن قاعدة: الشيئ مع غيره غيره لا هو مع؟؟؟
ـ[ابو هبة]ــــــــ[15 - 10 - 07, 02:32 ص]ـ
و ما القول في استعمال الكحول كمطهرات طبية
(على فرض القول بعدم نجاستها)؟
ـ[أبو عبد الأعلى]ــــــــ[15 - 10 - 07, 03:54 ص]ـ
أرجوا الرد على السؤال الأخير
و ما القول في استعمال الكحول كمطهرات طبية
(على فرض القول بعدم نجاستها)؟
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[15 - 10 - 07, 02:14 م]ـ
أرجوا الرد على السؤال الأخير
و ما القول في استعمال الكحول كمطهرات طبية
(على فرض القول بعدم نجاستها)؟
مكتبة الفتاوى: فتاوى نور على الدرب (نصية): الطهارة
(من موقع الشيخ العلامه ابن عثيمين رحمه الله تعالى)
مكتبة الفتاوى: فتاوى نور على الدرب (نصية): الطهارة
السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم السائلة تقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ هل الكحول الطبي من مفسدات الوضوء وهل أيضا العطر أو الطيب من مفسدات الصوم ما حكم ذلك مأجورين؟
الجواب
الشيخ: الكحول الطبية ليست تفسد الوضوء بل جميع النجاسات إذا أصابت البدن فإنها لا توجب الوضوء لأن نواقض الوضوء تتعلق بالبدن من بول أو غائط أو ريح أو ما أشبه ذلك من النواقض المعلومة وأما إصابة النجاسة للبدن فإنها لا تنقض الوضوء ولكن يبقى النظر هل الكحول الطبية نجسة أو لا هذا مبني على القول بنجاسة الخمر فإن أكثر أهل العلم يرون أن الخمر نجس نجاسة حسية كنجاسة البول والغائط يجب أن يتخلى الإنسان منها ولكن القول الراجح أن الخمر ليس نجسا نجاسة حسية لعدم الدليل على ذلك وهو وإن كان محرما بلا شك فإنه لا يلزم من التحريم النجاسة فالسموم مثلا حرام وليست بنجسة التدخين حرام وليس التتن نجسا فلا يلزم من التحريم النجاسة ولكن يلزم من النجاسة التحريم ويدل على عدم نجاسة الخمر أمور أولا أنه لا دليل على نجاسته والأصل في الأشياء الطهارة ثانيا بل قد دل الدليل على أنه طاهر وذلك من وجوه فإنه لما نزل تحريم الخمر خرج المسلمون بدنانها أي أوانيها وأراقوها في أسواق المدينة والنجس لا تجوز إراقته في طرقات المسلمين ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بغسلها حين نزل تحريمها أي لم يأمرهم بغسل الأواني منها مع أنه أمر بغسل الأواني من لحوم الحمر حينما حرمت الحمر يعني الحمير ولأنه ثبت في صحيح مسلم أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم براوية خمر يهديها إليه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنها حرمت فساره رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم بم ساررته قال قلت بعها فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ثم فتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يأمره أن يغسل الراوية ولو كان الخمر نجسا لأمره بغسل الراوية منه وإذا كان الخمر ليس بنجس نجاسة حسية فإن الكحول ليست نجسة نجاسة حسية فإذا أًصابت الثوب أو البدن لم يجب غسلها يبقى النظر في استعمال ما فيه مادة الكحول هل هذا جائز أو لا فنقول إن كانت النسبة كبيرة أي نسبة الكحول في هذا المستعمل كبيرة أي إنه كالكحول الخالصة وإن كانت يسيرة لا تأثر فيه فلا بأس بها ولا تؤثر منعا في استعماله فإن قال قائل أليس النبي صلى الله عليه وسلم (قال ما أسكر كثيرة فقليله حرام) قلنا بلى لكن معنى الحديث إن الشراب إذا كان يسكر إذا أكثر منه ولا يسكر إذا كان قليلا فإن قليله يكون حراما لئلا يتورع به الإنسان إلى شرب الكثير ولكن لا شك أن الاحتياط والورع تجنب استعماله لعموم قوله (فاجتنبوه) فنحن نشير على إخواننا ألا يستعملوا ما فيه مادة الكحول إذا كانت النسبة كبيرة إلا لحاجة كتعقيم الجروح وما أشبهها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/441)
ـ[ابو هبة]ــــــــ[15 - 10 - 07, 06:25 م]ـ
مكتبة الفتاوى: فتاوى نور على الدرب (نصية): الطهارة
(من موقع الشيخ العلامه ابن عثيمين رحمه الله تعالى)
.......................
فنحن نشير على إخواننا ألا يستعملوا ما فيه مادة الكحول إذا كانت النسبة كبيرة إلا لحاجة كتعقيم الجروح وما أشبهها.
جزاك الله خيراً ورحم الله الشيخ ابن عثيمين.
ـ[مصطفى رضوان]ــــــــ[15 - 10 - 07, 08:49 م]ـ
جزاك الله خيراً ورحم الله الشيخ ابن عثيمين.
وإياك اخى الكريم، آمين
ـ[توبة]ــــــــ[14 - 03 - 09, 07:30 ص]ـ
ومن أهل العلم المعاصرين الشيخ محمد الحسن الددو،حيث كان نص جوابه على نفس المسألة:
(الكحول مادة أساسية في الخمر لكن ليست هي الخمر،فلا تنطبق عليها أحكام الخمر بل هي طاهرة اتفاقا مع حرمة شربها كالمخدرات.
و يمكن الرجوع إلى كتب القواعد الفقهية في الفرق بين المسكر و المرقد و المخدر) اهـ
ـ[ابو معاذ المصرى السلفي]ــــــــ[17 - 03 - 09, 07:24 ص]ـ
ومن أهل العلم المعاصرين الشيخ محمد الحسن الددو،حيث كان نص جوابه على نفس المسألة:
(الكحول مادة أساسية في الخمر لكن ليست هي الخمر،فلا تنطبق عليها أحكام الخمر بل هي طاهرة اتفاقا مع حرمة شربها كالمخدرات.
و يمكن الرجوع إلى كتب القواعد الفقهية في الفرق بين المسكر و المرقد و المخدر) اهـ
اين المصدر اختى الفاضلة فأنا بصدد بحث فى هذا الموضوع وسوف اذكر فى خاتمته المراجع ان شاء الله
ـ[نزيه حرفوش]ــــــــ[20 - 03 - 09, 04:15 م]ـ
هذا رأي الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته:
مادة الكحول غير نجسة شرعاً، بناء على ماسبق تقريره من أن الأصل في الأشياء الطهارة، سواء كان الكحول صرفاً أم مخففاً بالماء ترجيحاً للقول بأن نجاسة الخمر وسائر المسكرات معنوية غير حسية، لاعتبارها رجساً من عمل الشيطان.
وعليه، فلا حرج شرعاً من استخدام الكحول طبياً كمطهر للجلد والجروح والأدوات وقاتل للجراثيم، أو استعمال الروائح العطرية (ماء الكولونيا) التي يستخدم الكحول فيها كمذيب للمواد العطرية الطيارة، أو استخدام الكريمات التي يدخل الكحول فيها. ولا ينطبق ذلك على الخمر لحرمة الانتفاع به.7/ 210
ـ[سلمان بن عبدالقادر أبو زيد]ــــــــ[20 - 03 - 09, 06:11 م]ـ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُئلَ سَمَاحَةُ شَيْخِنَا الزَّاهِدُ العَلاَّمَةُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جِبْرِيْنٍ ـ حفظهُ اللَّه تعالى،ورعاهُ ـ:
ما حكم العطورات التي يخالطها شيء من الكحول، أفتونا مأجورين؟
فأجاب: الأصل أن هذه العطورات أطياب تستعمل لتطييب الرائحة ونحوها، ثم تحتاج إلى أن يجعل معها شيء من الكحول المادة المعروفة تحفظها من التعفن وانقلاب الروائح، ثم ـ أيضًاـ الأصل أنها نسبة قليلة الذي فيها من الكحول، فعلى هذا لا بأس باستعمالها مع أن في استعمال الكحول خلاف بين العلماء هل هو نجس أم لا؟،
وأكثرهم على أنه ليس بنجس، وأنه لا يطلق عليه خمر، ولو كان مسكرًا؛ لأنه ليس من المشروبات، وليس مما يُتلذَّذ به، وبكل حال العطورات التي صنعت للطيب لا بأس بها، ولكن هناك أنواع من الأطياب الكمية التي فيها كثيرة مثل أنواع من الكولونيا، الكمية التي فيها من الكحول أكثر من الحاجة فننصح بتجنبها.
المصدر: شَرْحُ " اعتقادِ أَهْلِ السُّنَّةِ "، للحافظ أبي بَكرٍ الإسماعيليّ.
ـ[محمود أحمد السلفي]ــــــــ[21 - 03 - 09, 01:58 ص]ـ
أود أن أشير لفائدة متعلقة بالموضوع:
أن الكحول الذي يدور حوله النقاش اسمه العلمي (إيثانول أو إيثيل، أو كحول إيثيلي)، ويطلق عليه التجار وغيرهم (كحول طبي)، وهو الذي فيه الخلاف المشهور بين أهل العلم، رحم الله الجميع، فهذا الكحول ظهر له بديل آخر منذ فترة وتم تحسينها تدريجيا إلى أن وصلت لكفاءة النوع الأول تقريبا وهو ما يعرف عند تجار العطور، والكيماويات، بـ (الكحول المستورد، أو الكحول الفرنساوي)، واسمه العلمي (ميثانول، أو ميثيل، أو كحول ميثيلي)، والفرق بينه وبين (الكحول الطبي، الإيثيلي)، أن الأول مسكر، والثاني سام - أي إذا شربه الإنسان - شأنه شأن كثير من المواد الكيمائية، وكثير من الناس يستخدمونه عندنا في مصر كبديل للنوع الأول، وهذا النوع الثاني لا يدخل في الخلاف الدائر حول النوع الأول فأنصح به من يريد أن يخرج من الخلاف حول هذه المسألة.
وقد سألت عنه -أي النوع الثاني (الميثيلي) - فضيلة الشيخ محمد عبد المقصود فقال لي ما نصه:
"يجوز استخدامه ولكن احذر فإنه سام" انتهى كلامه حفظه الله.
وإذا علم أحدنا أنه سام فهذا لا يزعجه، لأننا لن نشربه، واستخدامه للتطيب لا يضر إن شاء الله، أنا أستخدمه وأصدقائي منذ عدة سنوات ولم ألحظ له ضررًا، ولكن شأنه شأن الأدوية وما يقاربها
"يحفظ بعيدًا عن متناول الأطفال" هذا ما أعلم، والله تعالى أعلى وأعلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/442)
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[21 - 03 - 09, 01:20 م]ـ
سبق تدارس هاتين المسألتين مراراً بهذا الملتقى المبارك:
من قال بنجاسة الخمر العينية: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=120607&highlight=%C7%E1%DF%E6%E1%E6%E4%ED%C7
حكم العطورات الكحولية:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=69234&highlight=%C7%E1%DF%E6%E1%E6%E4%ED%C7
بالنسبة للعطور التي تحوي مواداً كحوليّة:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=5186&highlight=%C7%E1%DF%E6%E1%E6%E4%ED%C7
وهنا:
ـ[محمد بن عمران]ــــــــ[10 - 04 - 09, 12:39 ص]ـ
أود أن أشير لفائدة متعلقة بالموضوع:
أن الكحول الذي يدور حوله النقاش اسمه العلمي (إيثانول أو إيثيل، أو كحول إيثيلي)، ويطلق عليه التجار وغيرهم (كحول طبي)، وهو الذي فيه الخلاف المشهور بين أهل العلم، رحم الله الجميع، فهذا الكحول ظهر له بديل آخر منذ فترة وتم تحسينها تدريجيا إلى أن وصلت لكفاءة النوع الأول تقريبا وهو ما يعرف عند تجار العطور، والكيماويات، بـ (الكحول المستورد، أو الكحول الفرنساوي)، واسمه العلمي (ميثانول، أو ميثيل، أو كحول ميثيلي)، والفرق بينه وبين (الكحول الطبي، الإيثيلي)، أن الأول مسكر، والثاني سام - أي إذا شربه الإنسان - شأنه شأن كثير من المواد الكيمائية، وكثير من الناس يستخدمونه عندنا في مصر كبديل للنوع الأول، وهذا النوع الثاني لا يدخل في الخلاف الدائر حول النوع الأول فأنصح به من يريد أن يخرج من الخلاف حول هذه المسألة.
وقد سألت عنه -أي النوع الثاني (الميثيلي) - فضيلة الشيخ محمد عبد المقصود فقال لي ما نصه:
"يجوز استخدامه ولكن احذر فإنه سام" انتهى كلامه حفظه الله.
وإذا علم أحدنا أنه سام فهذا لا يزعجه، لأننا لن نشربه، واستخدامه للتطيب لا يضر إن شاء الله، أنا أستخدمه وأصدقائي منذ عدة سنوات ولم ألحظ له ضررًا، ولكن شأنه شأن الأدوية وما يقاربها
"يحفظ بعيدًا عن متناول الأطفال" هذا ما أعلم، والله تعالى أعلى وأعلم.
هذا ما كنت سأكتب نحوًا منه وقد كفانى أخى جزاه الله خيرا .... وطبعا كنت سأنقل كلام الدكتور محمد عبد المقصود فهو دكتور كيميائى مع ما تعلمونه من غزارة علمه
ـ[محمد الجعبة]ــــــــ[10 - 04 - 09, 12:59 ص]ـ
يعجبني هذا القول،، وقد شارك به عبدالله القاضي في الملتقى،، وكان من ضمن تعليقه،، على موضوع يشبه هذا على هذا الرابط
من هنااا ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=726283&postcount=14)
وهو ممن يقول بنجاسة الخمر،،
المهم كان مما ادرجه في تعليقه،،
استدل القائلون بطهارتها بأدلة منها:
ما استدل به سعيد بن الحداد القروي أنه قال: إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- علم أن الصحابة لما بلغهم تحريم هذه الخمر أراقوها في سكك المدينة فجرت في سكك المدينة، ولو كانت نجسة لما جاز لهم أن يلوثوا الطرق بالنجاسة، ولنهاهم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عن هذا الفعل كما نهاهم عن التخلي في الطرقات.
الأمر الثاني: أنهم قالوا لا شك إن الخمر محرمة لكنه فرق بين التحريم وبيت التنجيس، والأدلة المسوقة تفيد حرمة الخمر لكنها لا تدل على نجاسة الخمر نجاسة حسية وإنما تدل على النجاسة المعنوية والنجاسة المعنوية موجودة في الميسر الأنصاب والأزلام وهي موجودة أيضا في الخمر فالخمر كالميسر والأنصاب والأزلام، النجاسة فيها نجاسة معنوية وليست نجاسة عينية أو نجاسة حسية.
ـ[أبو نظيفة]ــــــــ[10 - 04 - 09, 07:52 ص]ـ
هناك رسالة ماجستير تعدّ عن أحكام العطور في كلية الشريعة بجامعة الإمام وستنتهي قريباً
ـ[أبو وائل غندر]ــــــــ[10 - 04 - 09, 04:01 م]ـ
فائدة من أخيكم الصغير أرجو أن تتقبلوها منّي:
اعلموا أنّ مستند المانعين للعطور الكحولية أمران:
الأول: نجاسة الخمر وقالوا الكحول خمر فالعطور التي احتوت عليها تنجست بها ولا يجوز التطيب بالنجس، وعلى هذا القول فمن يرى طهارة الخمر لا يرى بأسا من استعمال هذه العطور لانتفاء علة التحريم وهي القول بنجاسة الخمر، والحمد لله رب العالمين.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر تسعا كما في حديث ابن عباس ((أتاني جبريل فقال: يا محمد! إن الله عز و جل لعن الخمر و عاصرها و معتصرها و شاربها و حاملها و المحمولة إليه و بائعها و مبتاعها و ساقيها و مسقيها)) (طب ك هب الضياء) عن ابن عباس صحيح الجامع (1/ 75/72)، فقالوا إن الله لعن ضمن هؤلاء حاملها، ويدخل من باب أولى من تطيب بها ولا مست بشرته، وهؤلاء يحرمون هذا النوع من العطور لهذا الحديث وهذا المأخذ مع عدم قولهم بنجاسة الخمر، وعلى رأسهم الشيخ الإمام الألباني رحمه الله.
والذي يظهر أن هذه العطور مباحة لا حرج في استعمالها البتة كما ذكره الإخوة عمن تقدم من العلماء، وبيان وجه ذلك:
* أن من حرمها لأجل نجاستها، فالقول بطهارة الخمر يقضي على هذا الحكم لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فإذا قلنا بطهارة الخمر زال حكم التحريم عن هذه العطور.
* أما من حرمها لدخولها في عموم لعن حاملها، فالجواب عنه أن إيقاع مسمى الخمر على هذه العطور خطأ محض، فإنها لم تصنع أساسا للشرب، ومن تعاطى شرب مثل هذه العطور يحكم عليه بانتكاس فطرته فليست هي من باب الأغذية والمشروبات حتى يلحق بها حكم الخمر حتى ولو فعلت ما تفعله الخمر من الإسكار، بدليل أن البنزين وغير من أنواع الوقود يتعاطاه بعض من انتكست فطرته للسكر ولم يقل أحد بتحريم استعمال هذه الأنواع أو حملها أو المتاجرة فيها لأجل استعمال هؤلاء لها فليتأمل.
فلا تحرموا إخواني أنفسكم هذا النوع من العطور فإنه من أجمل العطور وأسلمها على الجسد لأنها تخضع لمراقبة صحية عالية في تلك الدول ودمتم ساليمن أخوكم أبو وائل غندر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/443)
ـ[محمد الجعبة]ــــــــ[10 - 04 - 09, 04:19 م]ـ
فائدة من أخيكم الصغير أرجو أن تتقبلوها منّي:
اعلموا أنّ مستند المانعين للعطور الكحولية أمران:
الأول: نجاسة الخمر وقالوا الكحول خمر فالعطور التي احتوت عليها تنجست بها ولا يجوز التطيب بالنجس، وعلى هذا القول فمن يرى طهارة الخمر لا يرى بأسا من استعمال هذه العطور لانتفاء علة التحريم وهي القول بنجاسة الخمر، والحمد لله رب العالمين.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر تسعا كما في حديث ابن عباس ((أتاني جبريل فقال: يا محمد! إن الله عز و جل لعن الخمر و عاصرها و معتصرها و شاربها و حاملها و المحمولة إليه و بائعها و مبتاعها و ساقيها و مسقيها)) (طب ك هب الضياء) عن ابن عباس صحيح الجامع (1/ 75/72)، فقالوا إن الله لعن ضمن هؤلاء حاملها، ويدخل من باب أولى من تطيب بها ولا مست بشرته، وهؤلاء يحرمون هذا النوع من العطور لهذا الحديث وهذا المأخذ مع عدم قولهم بنجاسة الخمر، وعلى رأسهم الشيخ الإمام الألباني رحمه الله.
والذي يظهر أن هذه العطور مباحة لا حرج في استعمالها البتة كما ذكره الإخوة عمن تقدم من العلماء، وبيان وجه ذلك:
* أن من حرمها لأجل نجاستها، فالقول بطهارة الخمر يقضي على هذا الحكم لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فإذا قلنا بطهارة الخمر زال حكم التحريم عن هذه العطور.
* أما من حرمها لدخولها في عموم لعن حاملها، فالجواب عنه أن إيقاع مسمى الخمر على هذه العطور خطأ محض، فإنها لم تصنع أساسا للشرب، ومن تعاطى شرب مثل هذه العطور يحكم عليه بانتكاس فطرته فليست هي من باب الأغذية والمشروبات حتى يلحق بها حكم الخمر حتى ولو فعلت ما تفعله الخمر من الإسكار، بدليل أن البنزين وغير من أنواع الوقود يتعاطاه بعض من انتكست فطرته للسكر ولم يقل أحد بتحريم استعمال هذه الأنواع أو حملها أو المتاجرة فيها لأجل استعمال هؤلاء لها فليتأمل.
فلا تحرموا إخواني أنفسكم هذا النوع من العطور فإنه من أجمل العطور وأسلمها على الجسد لأنها تخضع لمراقبة صحية عالية في تلك الدول ودمتم ساليمن أخوكم أبو وائل غندر.
بارك الله فيك،، ووفقك،،
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[10 - 04 - 09, 07:49 م]ـ
الأمر الثاني: أنهم قالوا لا شك إن الخمر محرمة لكنه فرق بين التحريم وبيت التنجيس، والأدلة المسوقة تفيد حرمة الخمر لكنها لا تدل على نجاسة الخمر نجاسة حسية وإنما تدل على النجاسة المعنوية والنجاسة المعنوية موجودة في الميسر الأنصاب والأزلام وهي موجودة أيضا في الخمر فالخمر كالميسر والأنصاب والأزلام، النجاسة فيها نجاسة معنوية وليست نجاسة عينية أو نجاسة حسية.
الجواب عن هذا الوجه هنا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=92226
ـ[أبو وائل غندر]ــــــــ[19 - 04 - 09, 02:13 ص]ـ
وفقك الله أخي الشيخ محمد الجعبة لما يحبه ويرضاه وفتح عليك أبواب فضله في الدنيا والآخرة
وأما ماذ كرته أخي الشيخ أبا يوسف رفع الله قدرك من الجواب على الوجه الذي ذكره أخي الشيخ محمد،
فقد ذكرت في مداخلتي أنّ حتى من قال بتحريم هذه العطور لأنها احتوت على الخمر (الكحول) ولو كانوا يقولون بطهارة الخمر أن الجواب عن هذا المسلك أن يقال: إنّ تسمية هذه العطور لأجل ما فيها من كحول خمرا خطأ محض وبينت وجه ذلك، فارجع إليه ودمتم سالمين
ـ[مؤسسة ابن جبرين الخيرية]ــــــــ[19 - 04 - 09, 11:13 ص]ـ
(15035)
سؤال: أنا طالبة علم وقرأت لفضيلتكم الفتوى الخاصة بجواز استخدام العطور التي بها نسبة كحول وأرغب في معرفة دليل فضيلتكم في ذلك لأن هناك من يقول إنه غير جائز استخدامها بالمرة واستندوا للآية:] إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [ويقولوا أن الاجتناب هنا على وجه العموم فيكون الاجتناب بالكلية؟ كما يستندوا لما حدث في عهد النبي صلي الله عليه وسلم عندما نزل تحريم الخمر فأراقوه ولم يستخدموه في أي شيء آخر، فكيف أرد على ذلك؟
الجواب: الذي يظهر أن هذه العطور وهذا الطيب يجوز استعماله واستخدامه، وذلك لأن نسبة الكحول فيه قليلة لا يظهر لها أثر، ولا طعم ولا لون، وإنما يقصد منها حفظ هذا الطيب عن التعفن وعن تلويث اللباس، مع أنها قليلة مستهلكة في ذلك الطيب، ومع أن الطيب لا يشرب، ولا يحصل منه إسكار، وذلك المقدار من الكحول لا يصدق عليه أنه خمر مسكر، والخمر إنما حرمت لما فيها من الآثار السيئة، ولقوله تعالى:] إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [، فهذه الآثار لا تحصل من استعمال هذه العطورات، والأصل الإباحة، والتحريم يحتاج إلى دليل، وهذه الكحول لا تسمى خمرًا، ولو كان يحصل في أكلها أو شربها تخدير أو إذهاب للقوة العقلية، كما يحصل باستعمال البنج ونحوه. والله أعلم.
قاله وأملاه
عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين
25/ 5/1427هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(84/444)