نحن نؤمن أن الله تعالى على العرش استوى كيف شاء وكما يشاء، بلا حد ولا صفة يبلغها واصفون، أو يحدها أحد، وصفات الله له ومنه، وهو كما وصف نفسه لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة وعلام الغيوب.
فالكيف ثابت في نفس الصفة ولكننا نجهله وهو في الصفات الفعلية الاختيارية راجع للمشيئة.
وقال أبو بكر الخلال في كتاب السنة (أخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - قيل له: أهل الجنة ينظرون إلى ربهم عز و جل ويكلمونه ويكلمهم؟ قال: نعم ينظر وينظرون إليه ويكلمهم ويكلمونه كيف شاء وإذا شاء)
قال: (وأخبرني عبد الله بن حنبل قال: أخبرني أبي حنبل بن إسحاق قال: قال عمي: نحن نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد فصفات الله له ومنه وهو كما وصف نفسه.
قلت لأبي عبد الله: (الله عز و جل يكلم عبد ه يوم القيامة؟ قال: نعم فمن يقضي بين الخلائق إلا الله عز و جل؟ يكلم عبده ويسأله الله متكلم لم يزل الله يأمر بما يشاء ويحكم وليس به عدل ولا مثل كيف شاء وأنى شاء)
وقال الصابوني:
حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم العدل، حدثنا محبوب بن عبد الرحمن القاضي، حدثني أبو بكر بن أحمد بن محبوب، حدثنا أحمد بن حمويه حدثنا أبو عبد الرحمن العباسي، حدثنا محمد بن سلام، سألت عبدالله بن المبارك عن نزول ليلة النصف من شعبان، فقال عبدالله: يا ضعيف ليلة النصف! ينزل في كل ليلة، فقال الرجل يا أبا عبدالله! كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبدالله: ينزل كيف يشاء " ا. هـ
هناك كيفية لنزوله لا يعلمها إلا هو تعالى.
وقال الشيخ الإمام أبو بكر أحمد بن هارون الخلال في كتاب "السنة" حدثنا أبو بكر الأثرم حدثنا إبراهيم بن الحارث -يعني العبادي- حدثنا الليث بن يحيى قال سمعت إبراهيم بن الأشعث قال أبو بكر -هو صاحب الفضيل- قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ليس لنا أن نتوهم في الله كيف هو، لأن الله تعالى وصف نفسه فأبلغ فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} فلا صفة أبلغ مما وصف به نفسه، وكل هذا النزول والضحك، وهذه المباهاة، وهذا الاطلاع كما يشاء أن ينزل، وكما يشاء أن يباهي، وكما يشاء أن يضحك، وكما يشاء أن يطلع، فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف، فإذا قال الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه فقل: بل أؤمن برب يفعل ما يشاء " ا. هـ
ونقل هذا عن الفضيل جماعة منهم البخاري في كتابه خلق أفعال العباد.
فأثبت للنزول والضحك والمباهاة كيفيات لكن نحن لا نعلمها ولا ينبغي لنا أن نتوهمها
وقال الإمام البخاري في كتابه خلق أفعال العباد:
" ومن الدليل على أن الله يتكلم كيف شاء ... " ا. هـ
فأثبت لتكلم الله كيفية لكنه لم يتعرض لبيان الكيفية لأنه محظور
وقال الإمام الصابوني:
" وقرأت لأبي عبد الله ابن أبي البخاري وكان شيخ بخاري في عصره بلا مدافعة وأبو حفص كان من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني قال أبو عبد الله أعني ابن أبي حفص هذا سمعت عبد الله بن عثمان وهو عبدان شيخ مرو يقول سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول قال حماد بن أبي حنيفة قلنا لهؤلاء أرأيتم قول الله عز و جل وجاء ربك والملك صفا صفا قالوا أما الملائكة فيجيئون صفا صفا وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذلك ولا ندري كيفية مجيئه فقلت لهم إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه أرأيتم إن أنكر أن الملائكة تجيء صفاً صفاً ماهو عندكم؟
قالوا: كافر مكذب.
قلت: فكذلك من أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب
راوه أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف وإسناده صحيح
فالكيف ثابت في حقيقة الأمر لكنه مجهول عندنا
وقال الإمام ابن أبي زمنين في كتابه في السنة:
"ومن قول أهل السنة: أن الله عز وجل خلق العرش | واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف | شاء، كما أخبر عن نفسه " ا. هـ
فأثبت للاستواء كيفية وعَزا هذا لأهل السنة.
وقال الإمام زكريا بن يحي الساجي رحمه الله (307هـ)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/126)
قال: "القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث، إن الله تعالى على عرشه، في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء" ا. هـ
فهنا أيضا نقل الساجي إثبات الكيف للقرب نقله عن أهل الحديث
وقال الإمام الأشعري كما نقله ابن عساكر في تبيين كذب المفتري نقلا من الإبانة:
" ونقول أن الله تعالى يجيء يوم القيامة كما قال وجاء ربك والملك صفا صفا وأن الله تعالى يقرب من عباده كيف يشاء كما قال ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وكما قال ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى " ا. هـ
وقال أبو الحسن الأشعري في كتابه المقالات لما ذكر مقالة أهل السنة وأهل الحديث فقال:
(ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه و سلم [إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر؟] كما جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} (النساء: 59) ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين وأن لا يحدثوا في دينهم ما لم يأذن الله ويقرون بأن الله يجيء يوم القيامة كما قال: {وجاء ربك والملك صفا صفا} (الفجر: 22) وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء كما قال: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} (ق: 16)
قال الأشعري: (وبكل ما ذكرنا من أقوالهم نقول وإليه نذهب)
فأثبت للقرب كيفية
وهذا الإمام الأشعري أيضا قد أثبت لقربه كيفية راجعة لمشيئته لكنا لا نعلمها.
وقال الإمام أبو عثمان الصابوني في رسالته في الاعتقاد:
" قرأت فى رسالة أبى بكر الإسماعيلى الى أهل جيلان:
إن الله ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن النبى، وقد قال عز وجل: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله فى ظلل من الغمام) وقال: (وجاء ربك والملك صفا صفا)
نؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف، فلو شاء سبحانه أن يبين كيف ذلك فَعَلَ، فانتهينا إلى ما أحكمه وكففنا عن الذى يتشابه إذ كنا قد أمرنا به فى قوله: (هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات، هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه، ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب) " ا. هـ
كيف نزل وكيف جاء وكيف يأتي؟ لو شاء الله لبين كل هذا الكيف الذي هو قائم بهذه الصفات ويعلمه الله وحده
فهؤلاء أئمة الإسلام المتفق عليهم يثبتون أن هناك كيفا لكن الله لم يبينه لنا
وقال الإمام أبو بكر الإسماعيلي في رسالته في الاعتقاد:
" ويعتقدون أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسني وموصوف بصفاته التي سمي ووصف بها نفسه ووصفه بها نبيه صلى الله عليه و سلم خلق آدم بيده ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بلا اعتقاد كيف وأنه عز و جل استوى على العرش بلا كيف فإن الله تعالى انتهى من ذلك إلى أنه استوى على العرش ولم يذكر كيف كان استواؤه " ا. هـ
" بلا اعتقاد كيف " و " بلا كيف " نعلمه ونتعرض له
ثم قرر أن الله تعالى لم يذكر كيف كان استواؤه، إذًا هو قائم به لكنه لم يذكره.
وسئل أبو علي الحسين بن الفضل البجلي عن الاستواء وقيل له:
كيف استوى على عرشه؟، فقال:
" أنا لا أعرف من أنباء الغيب إلاَّ مقدار ما كُشف لنا، وقد أعلمنا جلّ ذكره انَّه استوى على عرشه ولم يخبرنا كيف استوى "
رواه الصابوني في عقيدة السلف ص:40
وظاهر عدم التكييف راجع لعدم العلم به لا لانعدامه
قال الحافظ أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي:
" أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله {وهو معكم أينما كنتم}، ونحو ذلك من القرآن أنه علمه وأن الله فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء " ا. هـ
وقال العلامة أبو أحمد الكرجي، في عقيدته التي ألفها فكتبها الخليفة القادر بالله، وجمع الناس عليها وأمر، وذلك في صدر المائة الخامسة وفي آخر أيام الإمام أبي حامد الإسفرائيني شيخ الشافعية ببغداد، وأمر بإستتابة من خرج عنها من معتزلي ورافضي وخارجي، فمما قال في تلك العقيدة:
" كان ربنا عزوجل وحده لا شيء معه ولا مكان يحويه فخلق كل شيء بقدرته وخلق العرش لا لحاجة إليه فاستوى عليه إستواء إستقرار كيف شاء وأراد لا إستقرار راحة " ا. هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/127)
وقرأت لبعض أهل العلم أنه عد ما في هذا المعتقد إجماعا
وقال الإمام معمر بن زياد الأصبهاني:
" وأن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل والإستواء معقول والكيف مجهول وأنه بائن من خلقه والخلق بائنون منه فلا حلول ولا ممازجة ولا ملاصقة وأنه سميع بصير عليم خبير يتكلم ويرضى ويسخط ويعجب ويضحك ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكا وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا بلا كيف ولا تأويل كيف شاء فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال " ا. هـ
فأثبت للنزول وللاستواء كيفا لكنه مجهول لدينا.
وتأمل نفيه للكيف في الأول ثم إثباته للكيف فهو يبين لك ما أردت إيصاله إليك
ـ " بلا كيف " أي نعلمه أو نتعرض له
ـ و " كيف شاء " مما هو عليه تعالى ويعلمه
وقال الإمام عبدالباقي المواهبي الحنبلي في كتابه العين والأثر:
" والكلام حقيقة الأصوات والحروف وإن سمي به المعنى النفسي وهو نسبة بين مفردين قائمة بالمتكلم فمجاز
... فلم يزل الله متكلما كيف شاء إذا شاء بلا كيف "
وقال العلامة الملطي الشافعي في كتابه التنبيه والرد:
" ومما يدل على أن الله تبارك وتعالى ينزل كيف يشاء إذا شاء صعوده إلى السماء واستواؤه على العرش " ا. هـ
قال الشوكاني:
" ولم يحط بفائدة هذه الآية ويقف عندها ويقتطف من ثمراتها إلا الممرون الصفات على ظاهرها المريحون أنفسهم من التكلفات والتعسفات والتأويلات والتحريفات وهم السلف الصالح كما عرفت فهم الذين اعترفوا بالإحاطة وأوقفوا أنفسهم حيث أوقفها الله وقالوا الله أعلم بكيفية ذاته وما هية صفاته " ا. هـ
فيه إثبات الكيف مع تفويض العلم بهذا الكيف
ومما اشتهر وكان كلمة اتفاق قول العلماء عن كثير من الصفات: " والكيف مجهول "
ولو كان الكيف عدما لما كان مناسبا وصفه في هذا المقام الدقيق بما يفهم منه أنه ليس بعدم بل موجود لكنه مجهول لدينا فقط
كل هذه الأقوال وغيرها دالة على المراد من أن لصفات الله كيفيات ما لكن لا نعلمها فلذلك لانكيفها ولا ننفيها
وهذا شيء ينبغي أن يكون مسلّما ولا يحتاج منا إلى كل هذه النقول فالصفات باعتبارها صفات قائمة حقيقية فلا بد أن يكون لها كنه وحقيقة ولا يمكن أن يكون هناك كنه وحقيقة دون كيفية فما لا كيفية له فليس له كنه ولا حقيقة، وما كان كذلك فليس بشيء وليس بموجود
وبهذا نكون قد دللنا على الفقرة (أ) و (ب) بكلام السلف وغيرهم من أهل السنة كما وعدنا
وبقيت الفقرة الثالثة (ج) وهي في التفريق بين إثبات المعنى الظاهر وبين التكييف، فقد سبق أن صفة السمع والبصر ثابتتان بمعناهما المعروف و مع اعتقادنا لمعناهما لا نكيفهما
وهذا الموقف منا في صفة السمع والبصر ونحوهما لم يستشكله المخالفون لنا من أهل التعطيل وقبلوا تفريقنا بين إثبات المعنى ونفي التكييف
لكنهم أو كثير منهم نصبوا لنا الإشكال في هذا التفريق عند إثباتنا للصفات الخبرية كاليدين والنزول ونحوهما وهذا منهم تناقض يكشف ما لديهم من خلط في هذه المسائل
فإليك تطبيقات العلماء وأقوالهم لتنكشف لك الرؤية أكثر
قال الإمام أبو الحسن الأشعري:
" وأن له عينين بلا كيف "
ذكر هذا في كتابه مقالات الإسلاميين وفي الإبانة
وتثنية العينين لم تثبت في لفظ فهذا دليل على إثباته المعنى وأنه عنده غير الكيف
قال الإمام ابن خزيمة:
" باب أخبار ثابتة السند صحيحة القوام
رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب من غير أن نصف الكيفية لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفيه نزول خالقنا إلى سماء الدنيا وأعلمنا أنه ينزل. والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم.
فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الاخبار من ذكر النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفيه النزول.
وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا أنه ينزل إليه إذ محال في لغة العرب أن يقول نزل من أسفل إلى أعلى ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل " ا. هـ
فأثبت معنى النزول وفرق بينه وبين الكيفية ففوض هذا الكيف.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/128)
قال العلامة أبو بكر بن موهب المالكي:
" قال الشيخ أبو محمد: إنه فوق عرشه المجيد بذاته، ثم بيّن أن علوه على عرشه إِنما هو بذاته لأنه بائن عن جميع خلقه بلا كيف " ا. هـ
وكذا الإمام أبو نصر السجزى فقد قال في رسالته المشهورة إلى أهل زبيد:
" واعتقاد أهل الحق أن الله سبحانه فوق العرش بذاته من غير مماسة وأن الكرامية ومن تابعهم على قول المماسة ضلال، وقد أقر الأشعري بحديث النزول ثم قال: [النزول فعل له يحدثه في السماء] وقال بعض أصحابه [المراد به نزول أمره] ونزول الأمر عندهم لا يصح وعند أهل الحق الذات بلا كيفية
…وعند أهل الحق أن الله سبحانه مباين لخلقه بذاته فوق العرش بلا كيفية بحيث لا مكان وقد أثبت الذي في موطأ مالك بن أنس رحمه الله وفي غيره من كتب العلماء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية التي أراد عتقها من عليه رقبة مؤمنة: (أين الله؟ قالت: في السماء فقال: من أنا؟ قالت: رسول الله، قال: اعتقها فإنها مؤمنة " ا. هـ
فأثبت فوقية الذات ونزول الذات وهذا إثبات للمعنى، ونفى في نفس الوقت الكيف.
فإثبات المعنى غير التكييف
وقال الإمام الزنجاني:
" ولكنه مستو بذاته على عرشه بلا كيف كما أخبر عن نفسه " ا. هـ
هنا أيضا إثبات المعنى ونفي الكيف
الشهرزوري
فصل
من صفاته تبارك وتعالى
فوقيته واستواؤه على عرشه بذاته، كما وصف نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله لله صلى الله عليه وسلم بلا كيف.
فانظر إلى إثبات معنى الاستواء وأنه استواء الذات وفي نفس الوقت نفي الكيف أي نفي التعرض له والعلم به
ويقول الإمام أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي في قصيدته في السنة:
وأن استواء الرب يعقل كونه ويجهل فيه الكيف جهل الشهارب
وقد سبق أنه نقل قصيدته الإمام ابن الصلاح ونقلها من خط ابن الصلاح غير واحد منهم الإمام الذهبي.
ومن تطبيقات العلماء للأخذ بمعاني النصوص والتفريق بينها وبين الكيف قول الإمام عبد القادر الجيلاني:
" وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش، ثم. قال:
وكونه عز وجل على العرش مذكور في كل كتاب انزل على كل نبي أرسل بلا كيف، فالاستواء من صفات الذات بعد ما أخبرنا به وأكده في سبع آيات من كتابه والسنة الماثورة به، وهو صفة لازمة له ولائقة به كاليد والوجه والعين والسمع والبصر والحياة والقدرة، وكونه خالقاً ورازقاً ومحيياً ومميتاً، موصوف بها، ولا نخرج من الكتاب والسنة، نقرأ الآية والخبر ونؤمن بما فيهما، ونكل الكيفية في الصفات إلى علم الله عز وجل " ا. هـ
فتأمل إثبات كيفيات موكول علمها إلى الله وقبلها أثبت معنى الاستواء والفوقية ونفى الكيف.
وقال شمس الأئمة أبو العباس السرخسي الحنفي: (وأهل السنة والجماعة، أثبتوا ماهو الأصل، معلوم المعنى بالنص _أي بالآيات القطعية والدلالات اليقينية وتوقفوا فيما هو متشابه وهو الكيفية، ولم يجوزوا الاشتغال في طلب ذلك)
(شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري ص 93)
فالمعنى شيء مثبت أما الكيف فهو شيء آخر مفوض.
قال الإمام أحمد بن إبراهيم الواسطي ت 711 هـ:
" فكذلك نقول نحن حياته معلومة وليست مكيفة وعلمه معلوم وليس مكيفا وكذلك سمعه وبصره معلومان وليس جميع ذلك أعراضا بل هو كما يليق به ومثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله ففوقيته معلومة أعني ثابتة كثبوت حقيقة السمع وحقيقة البصر فإنهما معلومان ولا يكيفان كذلك فوقيته معلومة ثابتة غير مكيفة كما يليق به واستواؤه على عرشه معلوم ثابت كثبوت السمع والبصر غير مكيف " ا. هـ
وقال الإمام المفسر القرطبي:
" وَقَدْ كَانَ السَّلَف الْأَوَّل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَة وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ , بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّة بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابه وَأَخْبَرَتْ رُسُله. وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ السَّلَف الصَّالِح أَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَى عَرْشه حَقِيقَة. وَخُصَّ الْعَرْش بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَم مَخْلُوقَاته , وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّة الِاسْتِوَاء فَإِنَّهُ لَا تُعْلَم حَقِيقَته. قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه: الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْفَ مَجْهُول , وَالسُّؤَال عَنْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/129)
هَذَا بِدْعَة. وَكَذَا قَالَتْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا.
فأثبت المعنى بالصريح ونسبه للسلف وللإمام مالك وفرق بينه وبين الكيف وجعله مجهولا مفوضا وهذا اعتراف هام وما أصرحه:
" الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْفَ مَجْهُول "
فهناك فرق بينهما
وفيه دلالة على أن الكيف غير منفي في علم الله
وقال الملاَّ علىُّ القاري بعد ذكره قول الإمام مالك:
"الاستواء معلوم والكيف مجهول…" قال:
" اختاره إمامنا الأعظم - أي أبو حنيفة - وكذا كل ما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهات من ذكر اليد والعين والوجه ونحوها من الصفات. فمعاني الصفات كلها معلومة وأما كيفيتها فغير معقولة؛ إذْ تَعقُّل الكيف فرع العلم لكيفية الذات وكنهها. فإذا كان ذلك غير معلوم؛ فكيف يعقل لهم كيفية الصفات " ا. هـ
تأمل أخي الكريم كلامه: المعاني معلومة وأما كيفيتها فغير معقولة
وقال العلامة محمد أنور الكشميري في العرف الشذي:
" واعلم أن المشابهات مثل نُزول الله إلى السماء الدنيا، واستواءه على العرش، فرأى السلف فيها الإيمان على ظاهره ما ورد إمهاله على ظاهره بلا تأويل وتكييف، ويفوض أمر الكيفية إلى الله تعالى " ا. هـ
فالمعنى الظاهر عند السلف شيء وهو مثبت، والتكييف شيء آخر وهو مفوض، وهذا يقوله الكشميري معترفا لأنه أشعري ماتريدي
وقال الكشميري:
" ودل ماروينا على رغم أنف من قال بأن أبا حنيفة جهمي عياذاً بالله، فإن أبا حنيفة قائل بما قال السلف الصالحون، فالحاصل أن نزول الباري إلى سماء الدنيا نزول حقيقة يحمل على ظاهره ويفوض تفصيله وتكييفه إلى الباري عز برهانه، وهو مذهب الأئمة الأربعة والسلف الصالحين " ا. هـ
تأمل فالتكييف عنده هو تفصيل المعنى
وفيه أن إثبات النزول على حقيقته كما هو ظاهر معناه شيء والتكييف شيء آخر ومع هذا فالكيف يعلمه الله وليس هو بعدم
ـــ ماذا نسمي هذا الذي نقله هذا العالم الأشعري الماتريدي معترفا وعزاه للسلف بما فيهم الأئمة الأربعة؟
هل هو تأويل؟ أم تفويض؟ وإن لم يكن، فما هو وماذا نسميه؟!
وهابية أم تيمية وعليه فالأئمة الأربعة وهابيون تيميون!!
ماذا يريد المخالف أكثر من هذه الاعترافات!!
وقال الإمام الذهبي معقبا على أثر مالك في الاستواء:
" وهو قول أهل السنة قاطبة، أن كيفية الاستواء لا نعقلها بل نجهلها، وأن استواءه معلوم، كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به، لا نتعمق ولا نتحذلق، لا نخوض في لوازم ذلك نفياً ولا إثباتاً، بل نسكت ونقف، كما وقف السلف " ا. هـ
فالكيفية تجهل لا تنفى مع أن المعنى معلوم، فالمعنى غير الكيف.
وعلّق الإمام الذهبيُّ على أثر الإمام أبي جعفر الترمذي في إثباته النزول بقوله:
" صدق فقيهُ بغداد وعالمُها في زمانه؛ إذ السؤال عن النزول ما هو؟ عيٌّ؛ لأنَّه إنما يكون السؤال عن كلمة غريبة في اللغة، وإلاّ فالنزول والكلام والسمع والبصر والعلم والاستواء عباراتٌ جليّةٌ واضحةٌ للسامع، فإذا اتّصف بها من ليس كمثله شيء، فالصفة تابعةٌ للموصوف، وكيفية ذلك مجهولة عند البشر، وكان هذا الترمذي من بحور العلم ومن العباد الورعين " ا. هـ
ففرق بين المعنى المثبت وبين الكيف المجهول عندنا نحن البشر لا عند الله صاحب هذه الصفات
وقال الإمام الشوكاني:
" ومن جملة الصفات التي أمرها السلف على ظاهرها وأجروها على ما جاء به القرآن والسنة من دون تكلف ولا تأويل صفة الاستواء التي ذكرها السائل، يقولون: نحن نثبت ما أثبته الله لنفسه من استوائه على عرشه على هيئة لا يعلمها إلا هو وكيفية لا يدري بها سواه، ولا نكلف أنفسنا غير هذا فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا تحيط عباده به علما، وهكذا يقولون في مسألة الجهة التي ذكرها السائل وأشار إلى بعض ما فيه دليل عليها والأدلة في ذلك طويلة كثيرة في الكتاب والسنة وقد جمع أهل العلم منها لا سيما أهل الحديث مباحث طولوها بذكر آيات قرآنية وأحاديث صحيحة.
وقد وقفت من ذلك على مؤلف بسيط في مجلد جمعه مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي رحمه الله، استوفى فيه كل ما فيه دلالة على الجهة من كتاب أو سنة أو قول صاحب مذهب والمسألة أوضح من أن تلتبس على عارف وأبين من أن يحتاج فيها إلى التطويل " ا. هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/130)
فأثبت بالصريح معنى الاستواء وفوض كيفيته مثبتا أنها معلومة عند الله
وهذا تفريق منه صريح بين المعنى والكيف.
إذا علمت كل ما تقدم تبين لك أن الخلط وعدم التفريق بين إثبات أصل الكيف وبين تفويض العلم بكنهه وحقيقته هو الذي ورط المخالفين وأوقعهم في الاضطراب والخلط في التعامل مع نصوص السلف
وسبق أن ذكرت المعطلين لصفات الله من المؤولة والمفوضة بأنهم يوافقوننا في نفي التكييف نظريا ولفظيا بينما هم يكيفون الصفات تحت مسمى التنزيه
عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: كنت أنا وأبي عابرين في المسجد، فسمع قاصاً يقص بحديث النزول، فقال: إذا كان ليلة النصف من شعبان ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا، بلا زوال ولا انتقال ولا تغير حال. فارتعد أبي ـ رحمه الله ـ، واصفر لونه، ولزم يدي، وأمسكته حتى سكن، ثم قال: قف بنا على هذا المتخوض، فلما حاذاه قال: يا هذا، رسول الله صلى الله عليه وسلم أغير على ربه عز وجل منك، قل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانصرف "
فالتفصيل في النفي نوع من الخوض في الكيفية
والتكييف غير قاصر على المتجاوزين في الإثبات من المشبهة بل التفصيل في النفي والذي يلهج به طوائف التعطيل هو في أكثره من الخوض في الكيف
قال الإمام الآجري في كتابه الشريعة:
" باب: الإيمان والتصديق بأن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة
قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله: الإيمان بهذا واجب، ولا يسع المسلم العاقل أن يقول: كيف ينزل؟ ولا يردد هذا إلا المعتزلة.
وأما أهل الحق فيقولون: الإيمان به واجب بلا كيف، لأن الأخبار قد صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الله عز وجل، ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة، والذين نقلوا إلينا هذه الأخبار هم الذين نقلوا إلينا الأحكام من الحلال والحرام، وعلم الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد وكما قبل العلماء منهم ذلك، كذلك قبلوا منهم هذه السنن، وقالوا: من ردها فهو ضال خبيث، يحذرونه ويحذرون منه " ا. هـ
فطلب الكيف عزاه هنا الإمام الآجري للمعتزلة أحد أبرز طوائف التعطيل
طبعا المعتزلة لا يقولون كيف إثباتا وإنما نفيا تماما كما تفعل طوائف التعطيل
وإن كان مراده هنا طلبهم الكيف تعجيزا لأهل الإثبات كما يفعله اليوم معنا كثير من الأشاعرة عندما نجيبهم بمعاني الصفات فيطلبون منا التفصيل في إثبات المعاني تعجيزا
ونقل الإمام الذهبي عن محمد بن الحسن المصري القيرواني قوله في الاستواء:
" وهذا هو الصحيح الذي أقول به من غير تحديد ولا تمكن في مكان ولا كون فيه ولا مماسة
قال الذهبي:
" قلت سلب هذه الأشياء وإثباتها مداره على النقل فلو ورد شيء بذلك نطقنا به وإلا فالسكوت والكف أشبه بشمائل السلف إذ التعرض لذلك نوع من الكيف وهو مجهول وكذلك نعوذ بالله أن نثبت إستواءه بمماسة أو تمكن بلا توقيف ولا أثر بل نعلم من حيث الجملة أنه فوق عرشه كما ورد النص " ا. هـ
والعاقل يعلم صحة هذا الكلام فكل أحد يفصل في وصف شيء لم يره سواء بالنفي أو الإثبات ويغرق في هذا التفصيل دون مستند خاص في هذه الأوصاف فهو خائض فيما لا ينبغي له سواء نفى أم أثبت
ومن هذا تعلم انحراف أهل التعطيل الذين فتحوا باب الخوض بالنفي على مصراعيه فجوزا نفي ما لم ينفه الله عن نفسه ولا نفاه عنه رسوله ولا سلفنا الصالح
ولو كانوا صادقين في حرصهم على كمال الله وتنزيهه لما فتحوا الباب على مصراعيه للنفاة ولو من غير دليل وأغلقوه على المثبتين ولو بالدليل
أو على الأقل لو كانوا صادقين لأغلقوا الباب على الفريقين من باب أن القوم قد احتاطوا بزيادة
أما أن يفتح الباب للنفي والتعطيل دون التقيد بالنصوص ويغلق باب الإثبات ولو مع توافر الأدلة فهذه هي ثالثة الأثافي
وهذا وحده يكشف لك أن غرضهم هو التعطيل ليس إلا
والناظر في كتب من أسرفوا في التعطيل يعلم أن النفي الغير منضبط بالدليل قد ملأ طروحاتهم في هذا الباب فعلى سبيل المثال تجدهم يلهجون بوصف الله سبحانه وتعالى بقولهم:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/131)
ليس بجسم مصور ولا جوهر محدود مقدر ولا عرض ولا طويل ولا عريض ولا مركب ولا مؤلف ولا يقبل الانقسام ولا يشغل الأمكنة ولا يصح عليه الحركة ولا السكون ولا الانتقال ولا الحالية ولا المحلية وأنه لا يحده المقدار ولا تحويه الأقطار ولا تحويه جهة من الجهات الست وليس في جهة ولا حيز ولا هو متصل بالعالم ولا هو منفصل عنه ولا هو داخل فيه ولا خارج عنه وأن سائر الجهات فارغة منه وليس شاغلا لواحد منها فلا داخل العالم به مشغول ولا خارج العالم عنه مشغول تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدس عن أن يحده زمان ولا يدركه الإحساس
ويوجد عنهم ما هو أشنع من هذا
ما ورد في الحد ومعناه وعلاقته بالكيف
قال العلامة ابن منظور:
" الحد الفصل بين الشيئين لئلا يختلط أحدهما بالآخر أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر وجمعه حدود وفصل ما بين كل شيئين حد بينهما ومنتهى كل شيء حده ... وحد الشيء من غيره يحده حدا وحدده ميزه ... وأصل الحد المنع والفصل بين الشيئين "
وذكر اشتقاقا قال عنه:
" من الحد الذي هو الحيز والناحية "
[والحد الكف عن الشيء]
والحد الصرف عن الشيء
وفي المعجم الوسيط: " والشيء من غيره مازه منه "
وقال الجرجاني في التعريفات:
" الحد قول دال على ماهية الشيء "
قال السيوطي في معجم المقاليد:
" الحد: هو القول الدال على ماهية الشيء، وقيل: إنه قول دال على ما به الشيء هو هو، وقيل: هو قول يقوم مقام الاسم في الدلالة على الماهية ".
ومع تحفظي على لفظ الحد فلا إشكال في الإخبار عن الله بأنه منفصل عن الخلق ومتميز عنهم وأنه في جهة العلو وأن له تعالى في حق ذاته وصفاته ماهيةً وحقيقةً وكنهًا.
وكل هذه المعاني ثابتة لله وكلها يطلق عليها لفظ الحد وأنا لا أطلقه في حق الله تحفظا واقتصارا على المنصوص عليه، لكن جماعة من أهل العلم يطلقونه يريدون به بعض هذه المعاني.
كما أنه ينفى عنه عندما يكون بمعنى ممنوع في حق الله كالتكييف والتشبيه.
وإليك بعض التطبيقات عن أهل العلم في هذا:
أ ـ الحد بمعنى التكييف وربما التشبيه:
روى الخلال من طريق حنبل عن أحمد قوله:
" وهو خالق كل شئ وهو كما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير قول إبراهيم لأبيه لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا فثبت أن الله سميع بصير صفاته منه لا نتعدى القرآن والحديث "
وبقريب من هذا اللفظ رواه ابن قدامة في تحريم النظر بمحل الشاهد وكذا ابن بطة
فالحد المنفي ليس هو مجرد معنى الصفة بدليل تمثيله بالسمع والبصر اللذين لا خلاف بيننا وبين مخالفينا في إثبات معانيهما وإنما الحد هنا بمعنى التحديد الذي هو التكييف
وجاء في رواية حنبل كما في السنة للخلال:
قلت له أحمد: والمشبهة ما يقولون؟ قال: من قال بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي فقد شبه الله بخلقه وهذا يحده وهذا كلام سوء "
وهنا أيضا نفي الحد وتفسيره هنا بمعنى التشبيه والتكييف
وقال الخلال في كتاب السنة:
أخبرني عبيد اللّه بن حنبل، أخبرني أبي حنبل ابن أبي إسحق قال: قال عمي يعني أحمد بن حنبل:
نحن نؤمن أن الله تعالى على العرش استوى كيف شاء وكما يشاء، بلا حد ولا صفة يبلغها واصفون، أو يحدها أحد، وصفات الله له ومنه، وهو كما وصف نفسه لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة وعلام الغيوب " ا. هـ
ونقل الخلال (كما في اجتماع الجيوش):
عن حنبل عن أحمد:
" وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه
قال: فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير " ا. هـ
ولا فرق بين الحد المنفي في صفة السمع والبصر والمنفي في صفة اليد والنزول فكلاهما المراد به نفي التكييف
فكما لا يلزم من نفي الحد في السمع نفي المعنى ولا يعتبر من أثبت معنى السمع قد حدد فكذلك لا يلزم من نفي الحد في اليد والنزول نفي المعنى ولا يعتبر من أثبت معنى اليد أو النزول قد حدد
أما دعوى المخالف فلا مستند لها إلا المزاج!!
فتراه يثبت معنى السمع والبصر والقدرة ولا يعتبر نفسه قد حدد
وإنما يسوغ لنفسه عندها التفريق بين الحد وبين إثبات المعنى
والويل لك ثم الويل إن أثبتَّ معنى لأي صفة لا يرى هو إثباتها فأنت عندها محدد للصفات وواقع في هذا المحذور ويصبح هنا إثبات المعنى هو التحديد بعدما كان بينهما فرق هناك!!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/132)
وقال أبو عبد الله محمد بن عبدالله ابن أبي زمنين الإمام المشهور من أئمة المالكية في كتابه الذي صنفه في أصول السنة في باب الإيمان بالنزول قال:
ومن قول أهل السنة أن الله ينزل إلى سماء الدنيا، ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا فيه حداً، وذكر الحديث من طريق مالك وغيره -إلى أن قال-: وأخبرني وهب عن ابن وضاح عن الزهري عن ابن عباد قال: وممن أدركت من المشايخ مالك وسفيان وفضيل بن عياض، وعيسى بن المبارك، ووكيع كانوا يقولون: إن النزول حق.
قال ابن وضاح: وسألت يوسف بن عدي عن النزول قال: نعم أومن به ولا أحد فيه حداً. وسألت عنه ابن معين فقال: نعم أؤمن به ولا أحد فيه حداً اهـ.
وذكر ابن أبي زمنين آيات الصفات وأحاديثها ثم قال بعدها:
" فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لم تره العيون فتحده كيف هو ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان " ا. هـ
" لم تره العيون فتحده كيف هو " فيه أن الكيف ثابت في نفسه لكن المنفي هو إدراكنا له والتعليل واضح في إثبات هذا
وقال الإمام ابن شاهين:
" وأن الله ينزل | إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه بلا حد ولا صفة " ا. هـ
المعنى لا يحتاج إلى شرح، أيْ ولا صفة تفصيلية لأن ابن شاهين جرى في كتابه على الإثبات وليس بجهمي معتزلي حتى ينفي جنس الصفة وهذا يقرب لك معنى الحد هنا وأنه الكيف فهو المعنى التفصيلي والمقام مقام إنكار التوسع والتفصيل في الإثبات
وقال ابن شاهين:
" وأشهد أن جميع الصفات التي وصفها الله عز وجل في القرآن حق سميع | بصير بلا حد محدود ولا مثال مضروب عز جل أن يضرب له الأمثال " ا. هـ
ونفي التحديد في السمع يفيد أن إثبات المعنى ليس بتحديد
قال الأزهري اللغوي
" والسَمِيعُ من صفات الله وأسمائه. وهو الذي وسِعَ سَمْعُهُ كلّ شيء؛ كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) قال الله تبارك وتعالى: () (المجادلة: 1) وقال في موضع آخر: (مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ) (الزخرف: 80) قلت: والعَجَب من قوم فسَّروا السَمِيع بمعنى المُسْمِع، فراراً من وصف الله بأن له سَمْعاً. وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه. فهو سَمِيعٌ: ذو سَمْعٍ بلا تكييف ولا تشبيه بالسميع من خَلْقه، ولا سَمْعُه كسمع خَلْقه، ونحن نَصِفُهُ بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف. ولست أنكر في كلام العرب أن يكون السَّمِيعُ سَامِعاً، ويكون مُسمِعاً. وقد قال عمرو بن مَعْدِي كَرِبَ:
أمِنْ ريحانة الداعي السَّمِيعُ
يؤرِّقني وأصحابي هجوعُ
وهو في هذا البيت بمعنى المُسْمِع، وهو شاذّ؛ والظاهر الأكثر من كلام العرب أن يكون السميع بمعنى السامع، مثل عليم وعالم وقدير وقادر " ا. هـ
قال الإمام أبو بكر محمد بن الحسن المصري القيرواني المتكلم صاحب رسالة الإيماء إلى مسألة الإستواء فساق فيها قول أبي جعفر محمد بن جرير وأبي محمد بن أبي زيد والقاضي عبد الوهاب وجماعة من شيوخ الفقه والحديث أن الله سبحانه مستو على العرش بذاته
قال: وأطلقوا في بعض الأماكن أنه فوق عرشه
ثم قال: " وهذا هو الصحيح الذي أقول به من غير تحديد ولا تمكن في مكان ولا كون فيه ولا مماسة " ا. هـ
قال الذهبي معلقا:
" قلت سلب هذه الأشياء وإثباتها مداره على النقل فلو ورد شيء بذلك نطقنا به وإلا فالسكوت والكف أشبه بشمائل السلف إذ التعرض لذلك نوع من الكيف وهو مجهول وكذلك نعوذ بالله أن نثبت إستواءه بمماسة أو تمكن بلا توقيف ولا أثر بل نعلم من حيث الجملة أنه فوق عرشه كما ورد النص " ا. هـ
وإذا كان الحد هنا بمعنى الكيف والتحديد بمعنى التكييف فإنه يأخذ أحكام الكيف السابقة
فالتكييف منفي عن الله مطلقا أما الكيف فالمنفي هو علمنا به وأما أصله فهو ثابت في كل صفة فكل صفة لها كيفية لكن لا نعلمها نحن قال القاضي أبو يعلى:
" رأيت بخط أبي إسحاق حدثنا أبو بكر أحمد بن نصر الرفاء سمعت أبا بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول جاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال لله تعالى حد فقال نعم لا يعلمه إلا هو قال الله تبارك وتعالى وترى الملائكة حافين من حول العرش يقول محدقين " ا. هـ
وسبق قول الإمام ابن أبي زمنين:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/133)
" فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لم تره العيون فتحده كيف هو ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان " ا. هـ
" لم تره العيون فتحده كيف هو " فيه أن أصل الحد عنده والذي بمعنى الكيف ثابت في نفسه لكن المنفي هو إدراكنا له والتعليل واضح في إثبات هذا
وإن كنت لا أرى التعبير بالحد مطلقا لإجماله ولعدم ثبوته في النصوص المرفوعة ولعدم اشتهاره بين السلف ولاستخدام المتكلمين له استخدامات مشتبهة ولكني بينت المراد منه لدى أصحابه
وعبارة الحد بمعنى التكييف والتشبيه قد يساء استعمالها في غير محلها كما هو الحال اليوم فإن المعطلة يتهمون كل مثبت للصفات بأنه قد حدد وشبه وهم إنما ينظرون بحدقة التعطيل التي تُصوّر لهم الأمور بناء على ذاك المبدإ.
كمن يلبس نظارة سوداء وينظر بها إلى أرض خضراء مفروشة بالعشب ثم إذا قيل له هذه خضراء، عارضَ وأنكر وزعم أنها يباب فأنى له أن يعترف بخضارها والسواد يغطي عينيه
قال المروذي
سمعت أبا عبد الله قيل له أي شيء أنكر على بشر بن السري، وأي شيء كانت قصته بمكة؟
قال: تكلم بشيء من كلام الجهمية فقال إن قوما يحدون، قيل له التشبيه؟ فأومأ برأسه نعم
قال: فقام به مؤمل حتى جلس فتكلم ابن عيينة في أمره حتى أخرج، وأراه كان صاحب كلام
نقله الثقة النبيل والمؤتمن الصدوق الإمام العدل الورع بقية السلف أحمد ابن تيمية في كتابه نقض التأسيس
ب ـ الحد بمعنى الإثبات البيِّن.
وقال الخلال:
" وقال حنبل في موضع آخر، عن أحمد:
ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف نفسه. قد أجمل الله الصفة فحدَّ لنفسه صفة ليس يشبهه شيء " ا. هـ
نقلا عن اجتماع الجيوش لابن القيم
وهذا التعبير بالحد على هذا المعنى غير مشتهر في استعمال العلماء وهو هنا مثبت عند الإمام أحمد وليس بمنفي
ج ـ الحد بمعنى البينونة.
روى الخلال في كتاب السنة: أخبرنا أبوبكر المروذي قال:
سمعت أبا عبدالله قيل له:
روي عن علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك أنه قيل له: كيف نعرف الله عز و جل؟ قال على العرش بحد.
قال [أحمد]: " قد بلغني ذلك عنه " وأعجبه،
ثم قال أبو عبدالله: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) ثم قال: (وجاء ربك والملك صفا صفا)
وقال الخلال:
وأنبأنا محمد بن علي الوراق حدثنا أبو بكر الأثرم حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال: قلت لأحمد بن حنبل:
يحكى عن ابن المبارك - وقيل له: كيف تعرف ربنا؟ - قال: في السماء السابعة على عرشه بحد.
فقال أحمد: هكذا هو عندنا
وأخبرني حرب بن إسماعيل قال: قلت لإسحاق - يعني ابن راهويه -: هو على العرش بحد؟ قال: نعم بحد
وقال الدارمي:
وسئل عبدالله بن المبارك بم نعرف ربنا؟
قال: بأنه على عرشه بائن من خلقه
قيل: بحد؟ قال: بحد
حدثناه الحسن بن الصباح البزار عن على بن الحسين بن شقيق عن ابن المبارك به
وانظر العلو للذهبي
وقال ابن بطة:
حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شهاب قال ثنا أبي أحمد بن عبد الله قال ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم قال حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال قلت لأحمد بن حنبل ...
قال وحدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء قال ثنا أبو جعفر محمد بن داود البصروي قال ثنا أبو بكر المروذي قال سمعت أبا عبد الله وقيل له روى علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك ...
وفيه إقرار أحمد وإسحاق لقوله بحد
وهو في السنة لعبد الله أيضا
وفي التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (7/ 142)
" قال أبو داود وحدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا يحيى بن موسى وعلي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قال الرب تبارك وتعالى على السماء السابعة على العرش قيل له بحد ذلك قال نعم هو على العرش فوق سبع سموات "
ورواه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق علي بن الحسن
فقول ابن المبارك: " على عرشه بحد " نص على أنه أثبت علو الذات فإن معنى قوله هذا أنه تعالى مباين بهذه الفوقية ومنفصل عن كل خلقه وهذا يعني أن هناك حدا فاصلا بينه وبين خلقه وهذا يستحيل حمله على غير الذات
قال الدارمي:
" ومما يبين ذلك قوله تعالى: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون}.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/134)
ففي هذه الآية بيان لتحقيق ما ادعينا للحد، فإنه فوق العرش بائن من خلقه، ولإبطال دعوى الذين ادعوا أن الله في كل مكان ... " ا. هـ
وقال أيضاً:
" لأن الكلمة قد اتفقت من الخلق كلهم أن الشيء لا يكون إلا بحد وصفة " ا. هـ انظر الرد على الجهمية
وهو قول أحمد وإسحاق كما في هذه الآثار
د ـ الحد بمعنى الجهة.
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الحد الذي أثبته الأئمة ابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه هو بمعنى الجهة وسياق الآثار يحتمله بل منها ما يجعله وجيها حسب عبارة صاحبها والله أعلم
والحد كمصطلح لم يرد لفظه في النصوص وإنما جاء في اصطلاحات أهل العلم وله عدة معاني فمن عبر به وأراد معنى جاء به النص قبلنا منه مراده ولا تلزمنا عبارته ولا مشاحة في الاصطلاح ومن أراد به معنى باطلا رددنا لفظه ومعناه وأنكرنا عليه.
أبرز ما تعلق به المفوضة في إلصاق مذهبهم بمذهب السلف
لقد أثبتنا لك أخي الكريم تقرير السلف الصالح وأئمة السنة إثباتَ الصفات الخبرية بمعانيها الظاهرة دون تفويض لمعانيها ولا تأويل، وذلك من خلال صريح عباراتهم وتطبيقاتهم الثابتة المتضافرة عبر آثارهم وأقوالهم بصورة لا تدع مجالا للشك بما اجتمعت عليه من إثباتٍ لهذا الأصل.
وأظن أن هذا كاف لحسم هذه القضية وتبرئة السلف مما نسب إليهم من مذهب التفويض الذي هو مذهب نفاة الصفات من متكلمي الأشاعرة.
كيف لا والسلف الصالح بشحومهم ولحومهم قد نقضوا هذه الدعوى ونفوها عن أنفسهم عندما أثبتوا معاني الصفات.
وإذا علمنا أن إلصاق مذهب التفويض بالسلف مع كونه مجرد دعوى عارية عن أي دليل فهي إضافة إلى هذا إنما صدرت من جهة مشبوهة لم تُعرف يوما ما باتباع السلف ولا بتقيُّدها بما كانوا عليه لا في هذا الباب ولا غيره من أبواب العقيدة، بل هي جهة معروفة باتباع النقيض لمذهب السلف ألا وهو مذهب أهل الكلام الذي كان عامة السلف يحذرون منه وينفرون الناس عنه وعن أهله
وهذه الجهة التي أعنيها هي الأشاعرة.
وقارن على سبيل المثال مذهبهم في باب الإيمان ومسائله، وخبر الآحاد، وباب القدر ومسائله، وقضية خلق القرآن، والأفعال الاختيارية، ومعنى الإله، ومسألة أول واجب على العبد، والتشكيك في إيمان عامة الأمة بدعوى إبطال إيمان المقلد.
قارنه بمذهب السلف لتعرف قدر السلف عند هؤلاء ومقدار تقيدهم بهم وكيف أنهم في واد والسلف رحمهم الله في واد آخر، بل يفصل بين الواديين جبال عظيمة ومفازات مهلكة!
فكيف يقبل بعد هذا أن يكون خصوم مذهب السلف هم أولى الناس به وأتبع الناس له؟!!
ومما يؤكد أن هؤلاء المشبوهين الذين هم من أتباع المتكلمين ليسوا محل ثقة في النقل عن السلف أنهم لا يعرضون التفويض على أنه مذهب للسلف إلا على طاولة واحدة مع التأويل الذي لهج السلف بالنكير عليه وعلى أهله!! يعرضونهما على أنهما خطان متقاربان بل يصبان في مكان واحد!!
بل في كثير من الأحيان ينقل هؤلاء المشبوهون في الصفة الواحدة نفس التأويل الذي أنكره السلف بعينه كتأويل اليد بالقدرة أو الاستواء بالاستيلاء أو الوجه بالذات فينقله المشبوهون مقررين لذلك ويرفقون به الوجه الآخر وهو التفويض وينسبونه للسلف ويدعون أن القولين لا يتعارضان فالأول تأويل مفصل والثاني تأويل مجمل
أنا والله وبالله وتالله لم أر استخفافا بالعقول كهذا!
كيف يزعم هؤلاء بكل هذه الجرأة أن الذي كان ينكره السلف من تأويلات الجهمية هو مذهب يسير بمحاذاة مذهب السلف وأنه لا خلاف حقيقي بينه وبين مذهب السلف
هذا استخفاف له قرنان
إذًا دعوى أن السلف كانوا يفوضون الصفات بمعنى أنهم كانوا ينفون معانيها الظاهرة ويعتقدون أن ظاهرها غير مراد ولا يثبتون في المقابل معنى آخر لها معينا!
هذه الدعوى مع عدم قيام أي دليل على صحتها عنهم فهي إنما صدرت من مشبوه فلا يمكن أن يقبلها منصف!
وإضافة إلى هذا فهي دعوى تصادم واقع السلف مع النصوص مما يؤكد أنها ملفقة ضدهم.
فهاهي نصوص الصفات الخبرية قد بلغت مبلغا عظيما في العدد حتى اعترف بهذا هؤلاء المشبوهون أنفسهم فأين في موطن واحد عن واحد من السلف أنه ينكر هذه الظواهر أو ينادي بإلغائها؟!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/135)
مع أن هذا لو كان قولهم لاشتهر عنهم للحاجة الملحة إليه أمام كثرة النصوص ووفرتها فلما لم يؤثر عنهم شيء من هذا علم أنهم يقرون بهذه الظواهر ولا يرفضونها
وهذا نقوله تنزلا وإلا فقد ورد عنهم مما لا يحصى الحث على الأخذ بهذه الظواهر والتصريح بأنهم لا ينكرون شيئا منها.
وسأنقل لك نماذج من كلامهم تبين لك أنهم لم يكونوا يستنكرون ظواهر الصفات وأنهم كانوا يقرون النصوص دون أدنى اعتراض على ما اشتملت عليه من ظواهر للصفات وهي والله غيض من فيض
قال الإمام أحمد:
أدركت الناس وما ينكرون من هذه الأحاديث أحاديث الرؤية وكانوا يحدثون بها على الجملة، يمرونها على حالها غير منكرين لذلك ولا مرتابين " ا. هـ
وعن أبي بكر المروذي قال:
" سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والأسماء والرؤية وقصة العرش؟ فصححها وقال: تلقتها العلماء بالقبول، تسلم الأخبار كما جاءت "ا. هـ
وفي رواية أبي طالب للمسائل عن أحمد:
" قلب العبد بين أصبعين، وخلق أدم بيده، وكل ما جاء الحديث مثل هذا قلنا به " ا. هـ
وإليك على سبيل المثال طرفا من موقفهم من صفتين بشكل خاص
روى الطبري في تفسيره:
حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: هو غير السحاب (1) لم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتاده:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: يأتيهم الله وتأتيهم الملائكة عند الموت.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عكرمة في قوله:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: طاقات من الغمام، والملائكة حوله= قال ابن جريج، وقال غيره: والملائكةُ بالموت
وقال الطبري في تفسير قوله (بأعيننا ووحينا)
" يقول: بعين الله ووحيه كما يأمرك "
ثم ذكر من ذلك
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا)، قال: بعين الله،
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله: (بأعيننا ووحينا)، قال: بعين الله ووحيه.
وروى ابن أبي حاتم قال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا " قَالَ:"بِعَيْنِ اللَّهِ وَوَحْيِهِ".
وعند عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: (بأعيننا ووحينا (1))، قال: «بعين الله تعالى ووحيه»
وعن معتمر بن سليمان عن ابيه عن ابي عمران الجوني ولتصنع على عيني قال يربى بعين الله
فلم يذكروا في هاتين الصفتين أمام النصوص إلا ما يدل على إقرار الظاهر
قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه حدثنا وكيع عن إسرائيل بحديث إذا جلس الرب جل جلاله على الكرسي فاقشعر رجل عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها نقله الذهبي وقال رواها أبو حاتم عن أحمد
ونقله عن أحمد ابن قدامة في تحريم النظر
وقال عبد الله بن أحمد:
حدثني أبي نا وكيع بحديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه قال إذا جلس الرب عز و جل على الكرسي فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الاعمش وسفيان يحدثون بهذه الاحاديث لا ينكرونها
وعن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة قال:
حديث عبدالله: إن الله عز و جل يجعل السماء على أصبع وحديث إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن، وإن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق، وأنه عز و جل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث؟
فقال: هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف
تأمل: " نقر بها "
وروى محمد بن المثنى قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: أما سمعت ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/136)
وقال صلى الله عليه وسلم: قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الله عز وجل.
ثم قال بشر بن الحارث: هؤلاء الجهمية يتعاظمون هذا " ا. هـ
تأمل فالذين ينفرون من ظاهرها هم المعطلة وليس السلف
وعن حديث الصورة قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله:
" هذه من السنن التي يجب على المسلمين الإيمان بها، ولا يقال فيها: كيف؟ ولم؟ بل تستقبل بالتسليم والتصديق، وترك النظر، كما قال من تقدم من أئمة المسلمين " ا. هـ
تأمل قوله: " ترك النظر " ويعني به الرأي والعقل الذي يتستر به المعطلة.
وعن إسحاق بن منصور الكوسج قال:
" قلت لأحمد- يعني ابن حنبل - ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا أليس تقول بهذه الأحاديث؟ ويراه أهل الجنة، يعني ربهم عز وجل؟ ولا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته و اشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه و إن موسى لطلم ملك الموت، قال أحمد: كل هذا صحيح، قال إسحاق: هذا صحيح، ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي " ا. هـ
وقال ابن الماجشون:
" وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تمتليء النار حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط قط وينزوي بعضها الى بعض وقال لثابت بن قيس بن شماس لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة وقال فيما بلغنا ان الله ليضحك من ازلكم وقنوطكم وسرعة اجابتكم فقال له رجل من العرب ان ربنا ليضحك قال نعم قال لا نعدم من رب يضحك خيرا في اشباه لهذا مما لم نحصيه
وقال الله تعالى وهو السميع البصير واصبر لحكم ربك فانك بأعيننا وقال ولتصنع على عيني وقال ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي وقال والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون فوالله ما دلهم على عظم ما وصف به نفسه وما تحيط به قبضته الا صغر نظيرها منهم عندهم ان ذلك الذي القى في روعهم وخلق على معرفته قلوبهم فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه ولم نتكلف منه صفة ما سواه لا هذا ولا هذا لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف " ا. هـ
وعن أحمد بن الحسين الخفاف يقول: سمعت الشيخ الجليل أبا محمد المزني يقول: حديث النزول قد صح، والايمان به واجب، ولكن ينبغي أن يعرف أنه كما لا كيف لذاته لا كيف لصفاته.
نقله السمعاني
وعن أبي زرعة الرازي أنه لما سئل عن تفسير قوله: {الرحمن على العرش استوى} فقال: تفسيره كما يقرأ هو على العرش وعلمه في كل مكان ; ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله.
وقال أحمد كما عند اللالكائي وفي الطبقات:
والحديث عندنا على ظاهره كماجاء عن النبي صلى الله عليه و سلم والكلام فيه بدعة ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره ولا تناظر فيه أحدا
وبوب أبو عوانة فقال:
بَيَانُ ضَحِكِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ عَبْدِهِ وَإِلَى عَبِيْدِهِ
وقال الحافظ الإمام قاضي أصبهان وصاحب التصانيف أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني:
" جميع ما في كتابنا كتاب السنة الكبير الذي فيه الأبواب من الأخبار التي ذكرنا أنها توجب العلم فنحن نؤمن بها لصحتها وعدالة ناقليها ويجب التسليم لها على ظاهرها وترك تكلف الكلام في كيفيتها "
فذكر من ذلك النزول إلى السماء الدنيا والإستواء على العرش
ومما قال:
باب ما ذكر أن الله تعالى في سمائه دون أرضه عاصم
باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يضع السموات على أصبع ويطوي السموات والأرض بيده
باب ذكر نزول ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان ومطلعه إلى خلقه عاصم
باب ذكر الكلام والصوت والشخص وغير ذلك
باب ذكر قول جهنم هل من مزيد حتى يضع ربنا تبارك وتعالى قدمه فيها
باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يضع السموات على أصبع ويطوي السموات والأرض بيده
باب ما ذكر من ضحك ربنا عز وجل
باب في تعجب ربنا من بعض ما يصنع عباده مما يتقرب به إليه
وقَالَ أَبُو بَكْرٍ ابن أبي عاصم: قُلْتُ لأَبِي الرَّبِيعِ فَضَحِكَ تَصْدِيقًا قَالَ نَعَمْ " ا. هـ
وقال اللالكائي:
سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في نزول الرب تبارك وتعالى "
وروى أبو بكرالمروذي رحمه الله قال سألت أبا عبدالله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والأسراء وقصة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/137)
العرش فصححها أبو عبدالله وقال قد تلقتها العلماء بالقبول نسلم الأخبار كما جاءت قال فقلت له إن رجلا اعترض في بعض هذه الأخبار كما جاءت فقال يجفا وقال ما اعتراضه في هذا الموضع يسلم الأخبار كما جاءت
وجاء في رسالة مسدد:
قال:
" لما أشكل على مسدد بن مسرهد أمر الفتنة يعني في القول بخلق القرآن وما وقع فيه الناس من الاختلاف في القدر والرفض والاعتزال وخلق القرآن والإرجاء كتب إلى أحمد بن حنبل أن أكتب إلي سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
وأوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم ولزوم السنة والجماعة فقد علمتم ما حل بمن خالفها وما جاء فيمن اتبعها فإنه بلغنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال إن الله ليدخل العبد الجنة بالسنة يتمسك بها ...
ثم من بعد كتاب الله سنة نبيه صلى الله عليه و سلم والحديث عنه وعن المهديين من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم والتابعين من بعدهم والتصديق بما جاءت به الرسل وابتاع السنة نجاة وهي التي نقلها أهل العلم كابرا عن كابر
واحذروا رأي جهم فإنه صاحب رأي وكلام وخصومات ... وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ...
وصفوا الله بما وصف به نفسه وانفوا عن الله ما نفاه عن نفسه واحذروا الجدال مع أصحاب الأهواء " ا. هـ
فتأمل حثه على لزوم ما اشتملت عليه النصوص من صفات حتى في مقام ورود الشبهات التي يتذرع بها عادة المعطلة على أنها سبب تأويلهم
وأيضا مما يؤكد ما ذكرت من عدم رفض السلف للظواهر تبويبات الأئمة للصفات من خلال ظواهر النصوص
وقد سبقت تبويبات الإمام ابن أبي عاصم
يقول الإمام الآجري:
باب الإيمان بأن قلوب الخلائق بين إصبعين من أصابع الرب عز وجل بلا كيف
باب الإيمان بأن الله عز وجل يمسك السموات على إصبع والأرضين على إصبع، والجبال والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والخلائق كلها على إصبع آجري
باب ما روي أن الله عز وجل يقبض الأرض بيده، ويطوي السموات بيمينه
باب الإيمان بأن الله عز وجل يأخذ الصدقات بيمينه، فيربيها للمؤمن
باب الإيمان بأن لله عز وجل يدين، وكلتا يديه يمين
باب الإيمان بأن الله عز وجل خلق آدم عليه السلام بيده، وخط التوراة لموسى عليه السلام بيده، وخلق جنة عدن بيده، وقد قيل: العرش والقلم، وقال لسائر الخلق: كن فكان، فسبحانه ا. هـ
وقال الإمام أبو الشيخ في العظمة مبوبا
" ذكر عرش الرب تبارك وتعالى وكرسيه وعظم خلقهما وعلو الرب تبارك وتعالى فوق عرشه ا. هـ
وقال محمد بن عبد الله بن أبي زمنين في كتابه "أصول السنة":
واعلم بأن أهل العلم بالله وبما جاءت به أنبياؤه ورسله يرون الجهل بما لم يخبر به عن نفسه علماً، والعجز عن ما لم يدع إليه إيماناً، وأنهم ينتهون من وصفه بصفاته وأسمائه إلى حيث انتهى في كتابه على لسان نبيه، انتهى.
وقال الأشعري:
فإن قال قائل: إذا ذكر الله عز و جل الأيدي وأراد يدين فما أنكرتم أن يذكر الأيدي ويريد يدا واحدة؟
قيل له: ذكر تعالى أيدي وأراد يدين لأنهم أجمعوا على بطلان قول من قال أيدي كثيرة وقول من قال يدا واحدة فقلنا يدان لأن القرآن على ظاهره إلا أن تقوم حجة بأن يكون على خلاف الظاهر.
وقال الإمام الإسماعيلي
" وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا بلا كيف ولا تأويل كيف شاء فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال "
كل هذا وغيره كثير مما يعسر حصره قد ورد عن السلف دالا دلالة قاطعة على الإقرار بظواهر هذه النصوص، تارة بالمنطوق وتارة بالمفهوم.
وكل هذا غير ما تقدم عنهم من تقريرهم لإثبات المعنى
ومجرد عرض السلف لنصوص الصفات في مقام الحث على لزوم ما دلت عليه، والحرص على زرع الثقة والطمائنينة بظواهرها، والتحذير من جحد ما دلت عليه، والاكتفاء في المقابل بالحض على ترك مالم تأت به هذه النصوص، وترك التجاوز لدلالاتها، كل هذا يبين لك أن واقعهم يرفض رفضا تاما دعوى: " أنهم ينفون ظاهرها ويرفضونه وينكرون كونه مرادا " كما يزعم المفوضة فهذا والله كذب صراح سنخاصمهم عليه عند رب العالمين يوم لن يجد المتدثرون بعلم الكلام شيئا مما نسجوه سوى أوهام متلاشية تورث لهم الندم والحسرة على ما لفقوه في حق السلف وسيتبين عندها من هو الحشوي ومن هم النوابت ومن هم المجسمة وسيلقى كل أحد ربه بما قدم وبما قال ويقول
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/138)
ستعلم يا خَصوم إذا التقينا وعند الله تجتمع الخصوم
إذا علمت كل ما تقدم من استحالة أن يكون السلف على ما عليه المتكلمون من رفض ظواهر نصوص الصفات وذلك بناء على المعطيات المذكورة الثابتة والواضحة بقي الجواب عن جملة من العبارات حاول دعاة التفويض من خلالها إلصاق هذا المذهب بالسلف زورا
ويمكن أن نقسم العبارات المستغلة لإلصاق التفويض بالسلف إلى قسمين:
1 ـ قسم يتكلم عن إعراض السلف عن الاشتغال بتفسير الصفات كتلك التي تنقل عن جماعة من الأئمة بأنهم كانوا يُحَدِّثُونَ بِأحاديث الصفات وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا
وكقول الإمام أبي عبيد:
" هذِهِ الأَحَادِيثُ فِي الرِّوَايَةِ هِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ، حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، غَيْرَ أَنَّا إِذَا سُئِلْنَا عَنْ تَفْسِيرِهَا لا نُفَسِّرُهَا وَمَا أَدْرَكْنَا أَحَدًا يُفَسِّرُهَا
ونحو هذه العبارات التي بهذا المعنى، وسيأتي ذكر ما ورد منها على وجه التفصيل.
فاستدل بهذه العبارات مَن نَسَب التفويض إلى السلف وزعم أن قوله: " وما أدركنا أحدا يفسرها " ونحوها إنما يدل على أن السلف كانوا لا يثبتون أي معنى للصفات، وأنهم إنما يثبتون ألفاظ الصفات فقط ويفوضون معانيها، وعليه فمئات النصوص التي اشتملت على ذكر الصفات الخبرية كلها مجهولة المعنى لا يُدرَى ما المراد منها ومن اعتقد بما دلت عليه النصوص فهو ضال مشبه فلا يجوز إثبات شيء من معاني تلك النصوص!!
طبعا هذا المفوض الذي ينسب تفويضه للسلف من خلال هذه العبارات قد فهم ما فهمه بناء على أن لفظ التفسير عنده يراد به مجرد ذكر أي معنى للكلمة فمن ذكر أي معنى للصفة فقد فسرها ولو كان هذا المعنى مجرد المعنى الظاهر وعليه فنفي تفسير الصفات يساوي عنده نفي أي معنى لها سواء المعنى الظاهر المجمل أو المعنى المفصل، وهو أيضا فهِم ما فهمه دون أن يجمع ألفاظ وروايات تلك الآثار التي تُبيّن له مرادهم من خلال الألفاظ كاملة.
بالإضافة إلى أن هذه الآثار ليس فيها ما يدل لا من قريب ولا بعيد على أن السلف كانوا يؤولون الظاهر تأويلا مجملا كما تزعم المفوضة
مع أن هذا معنى أساسي للتفويض عندهم، وللشروع في الجواب أذكر ما يلي:
أمثال هذه العبارات هي كغيرها من عبارات أهل العلم في المسائل العلمية لا تخرج في فهمها عن أصول العلم ولا عن ضوابطه فهناك منهجية ثابتة لا يمكن العدول عنها.
من أهمها عدم حمل أي جملة على مفهوم ما مع الجهل بمعانى بعض ألفاظها وخاصة إن كان اللفظ المجهول هو المقصود بتلك الجملة
ولا فرق بين الجهل بمعنى اللفظ من أصله وبين جهل استعمالاته التي يختلف معنى اللفظ فيها بحسب الاستعمال
فلفظة: " التفسير " استعملها أهل العلم في هذا الباب نفسه استعمالات عدة سأذكرها لأبين من خلالها المراد في تلك العبارات ولكن قبل هذا أذكّر بالمعنى اللغوي لهذه اللفظة لشدة ارتباطه بجل هذه الاستعمالات ولا أقول كلها.
جاء في المعجم الوسيط:
" (فسر) الشيء فسرا وضحه ...
و (التفسير): الشرح والبيان، وتفسير القرآن يقصد منه توضيح معاني القرآن الكريم، وما انطوت عليه آياته من عقائد وأسرار وحكم وأحكام " ا. هـ
وقال الخليل:
الفَسْرُ التفسير وهو بيان وتفصيل للكِتاب وفَسَره يفسره فَسْراً وفَسَّرَه تفسيراً ا. هـ
وقال الصاحب بن عباد:
التَفْسِيْرُ؛ وهو بَيَانٌ؛ وتَفْصِيْلُ الكُتُبِ ا. هـ
إذًا هو المعنى التفصيلي والمفصّل وأيضا المعنى العميق الذي يغوص في الأسرار.
وفي اللسان: الفسر كشف المغطى والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل.
وهو قول ثعلب وابن الأعرابي والفيروز آبادي
وهذا تأكيد للعمق في المعنى والتفصيل فيه
قال المناوي في كتابه التوقيف:
" بيان التفسير ما فيه خفاء من المشترك أو المشكل أو المجمل أو الخفي "
فهو تفصيل للمجمل وشرح وإبانة للمشكل والمشترك
وقال ابن الجوزي: التفسير إخراج الشيء من معلوم الخفاء إلى مقام التجلي " ا. هـ
وهذا يؤكد معنى العمق في تلك الكلمة.
إذًا ليس مجرد ذكر المعنى الظاهر للكلمة الذي هو أشبه بالترجمة الظاهرة يسمى تفسيرا في اللغة، ليس هذا هو التفسير لغة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/139)
وعندما نظرنا في استعمالات العلماء في هذا الباب للفظة التفسير وجدنا كثيرا من منها قد استُعمل بالمعنى اللغوي ولا أقول كلها، فمن تقيد منهم بالمعنى اللغوي ولم يستعمل التفسير إلا فيما كان فيه تفصيل لم يستعمل لفظ التفسير إلا منفيا سواء كان التفصيل بالإثبات كالتكييف أو التفصيل بالنفي كالتأويل فكلاهما تركه السلف وكلاهما نفاه السلف وكلاهما تفسير محظور.
ومن تجوّز في استعمال لفظ التفسير ولم يتقيد بمعناه اللغوي نجده يفرق بين التفسير القائم على التفصيل إثباتا ونفيا فينفيه وينهى عنه، وبين التفسير الغير مشتمل على تفصيل فيثبته، وكلامنا كله هنا عن الصفات الثبوتية.
وعليه فنجد التفسير في استعمالهم منه ما هو منفي ومنه ما هو مثبت
وعلى ضوء هذا المعنى لو نظرنا في تلك الأقوال التي تَنقُل عن جمع من السلف عُدولَهم عن تفسير الصفات وتركَهم تفسيرَها لوجدنا أن المعنى الذي يفهم من تلك العبارات منسجم جدا مع بقية ما ورد عن السلف في الصفات بل نجد هذه العبارات التي تنفي التفسير تشابه الكثير من عبارات الأئمة في نفس هذه المسائل
وعليه فقوله:
كانوا يُحَدِّثُونَ بِأحاديث الصفات وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا
المراد: لا يُفصّلون في معاني الصفات وأنهم يتركون المعنى التفصيلي للصفة أوْ بعبارة أخرى لا يتعمّقون في معاني الصفات لأن التفصيل أو التعمق هو من الولوج في التكييف إن كان إثباتا وهو محظور أو في التأويل إن كان نفيا وهو محظور أيضا
وكلاهما هو المعنى اللغوي للفظ التفسير (التعمق والتفصيل)
إذًا السلف لا يفصّلون في إثبات المعاني حتى لا يقعوا في التكييف
وأما مجرد المعنى الظاهر المتبادر من الصفات فلم تنفه هذه العبارت التي تنفي التفسير ولا يدل شيء منها على نفيه، ولم ينفه السلف قط في أي عبارة عنهم
وإن كان مسمى الإجمال والتفصيل أمر نسبي غير أن من المعنى ما هو مجمل لا خلاف في إجماله كالمعنى الذي هو من قبيل الترجمة ومنه ما هو مفصل لا خلاف في تفصيله كالتكييف، وما بينهما من معاني فما قارب المجمل فله حكمه وما قارب المفصل أخذ حكمه وما اشتبه فترك التعرض له هو الواجب
ومما تقدم تعلم أنه يمكن تقسيم التفسير إلى تفسير منفي وهو التكييف والتأويل وتفسير مثبت وهو المعنى الظاهر المتبادر من اللفظ
وعندما تتبعنا استعمالات العلماء وجدنا عين ما ذكرناه، فإليك ما وقفت عليه منها:
أـ استعمال التفسير بمعنى التفصيل في الإثبات وهو التكييف أو التشبيه
فقد جاء عن أبي عبيد نفسه الذي يتعلق به المفوض ما رواه الدارقطني بعلو ومن طريقه ابن البنا في كتابه المختار في أصول الدين:
قال: أخبرنا عُبَيْدُ الله بن أحمد الأزهري, قال: أخبرنا الدارقطني, قال: حدثنا محمد بن مَخْلَد, قال: حدثنا عباس بن محمد الدوري, قال: سمعت أبا عُبَيْدٍ القاسم بن سَلَّام، وذكر الباب الذي يُرْوَى في الرؤيا, والكرسي, وموضع القدمين, وضحك ربنا من قنوط عباده, وقربه من عبده, وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء؟ وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك - عز وجل - قدمه فيها, فتقول: قط قط, وأشباه هذه الأحاديث؛ فقال:
" هذه الأحاديث صِحَاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض , وهي عندنا حق لا نَشُكُّ فيها , ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه؟ وكيف ضَحِكَ؟ قلنا: لا نفسر هذا , ولا سمعنا أحدًا يُفَسِّرُهُ ".
فظهر أن مراده بنص كلامه هو تفسير الكيفية: " كيف وضع قدمه، وكيف ضحك؟ قلنا: لا يفسر هذا "
فالتكييف هو التفسير المنفي هنا وعليه فأبو عبيد لم ينف عن الصفات معناها الظاهر ومما يؤكد هذا ما ذكره الإمام الأزهري تلميذ تلاميذ الشافعي فهو قد روى أثر أبي عبيدة فقال:
وأخبرني محمد بن إسحاق السعديّ عن العباس الدُّورِيّ أنه سأل أبا عبيدٍ عن تفسيره وتفسير غيره من حديث النزول والرؤية فقال: هذه أحاديثُ رواها لنا الثِّقاتُ عن الثّقات حتى رفعوها إلى النبي عليه السلام؛ وما رأينا أحداً يفسِّرها، فنحن نؤمن بها على ما جاءت ولا نفسِّرها.
تأمل قوله: " على ما جاءت "
قال الأزهري: أراد أنها تُترك على ظاهرها كما جاءت.
كذا في كتابه تهذيب اللغة
إذًا المعنى الظاهر لا ينفيه أبو عبيد ولم يُرِده بقوله: " ما رأينا أحدا يفسرها "
فأين ما يشغب به المخالف وأين التفويض؟!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/140)
ومما يؤكد أنهم يستعملون التفسير ويريدون بذلك الكيف ما ذكره الإمام إسماعيل الأصبهاني في " الحجة " له حيث قال:
" ولا نكيف صفات الله عز وجل، ولا نفسرها تفسير أهل التكييف والتشبيه، ولا نضرب لها الأمثال، بل نتلقاها بحسن القبول تصديقاً "
وكلامه واضح يصيح بالمراد
وروى البيهقي في الاعتقاد قال:
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن يزيد سمعت أبا يحيى البزار يقول سمعت العباس بن حمزة يقول سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول سمعت سفيان بن عيينة يقول كل ما وصف الله من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه ".
قال البيهقي: " وإنما أراد به والله أعلم فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف وتكييفه يقتضي تشبيهه له بخلقه في أوصاف الحدوث " ا. هـ
فانظر إلى معنى التفسير عند البيهقي وكيف هو في الأصل عنده بمعنى التفصيل الذي يؤدي إلى التكييف مع أن سفيان إنما عبر بالتفسير إثباتا لا نفيا ولكن البيهقي نبه على أصل التفسير عندهم ونبه إلى أن مراد سفيان هو دعوة من يَتُوق إلى التفسير الذي هو بمعنى التفصيل المؤدي إلى التكييف دعوة هؤلاء إلى الاكتفاء بما يفهم من القراءة فقط (وهو المعنى الظاهر) فكأنه يقول لهم ـ محاكاة ـ: هذا هو تفسيرنا.
كمن يطلب منك حلوى فتعطيه تمرة وتقول له هذه حلوانا تريد صرفه مثلا عن السكريات الغير طبيعية أو لأي سبب آخر
وعلى كل حال فكلام البيهقي نص في أن الأصل في لفظ التفسير هو التفصيل المؤدي إلى الكيف
بل ما فهمه الإمام البيهقي هو مقتضى إحدى روايات سفيان:
فقد روى اللالكائي فقال:
أخبرنا محمد بن رزق الله قال أخبرنا بن عثمان قال نا عيسى بن موسى بن إسحاق الأنصاري قال سمعت أبي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول:
" كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولا مثل " ا. هـ
فتأمل: " لا كيف ولا مثل " أي ولا التفسير الذي يؤدي إلى الكيف والمثل.
ومن أمثلة هذا أيضا أنه في بعض الروايات لبعض مرويات السلف جاءت كلمة (الكيف) مكان كلمة (التفسير) فمن ذلك:
قال الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي ومالك والثوري والليث عن الأحاديث التي فيها الصفات فكلهم قالوا:
" أمروها كما جاءت بلا تفسير " وفي رواية: " بلا كيف "
لتعلم أن نفي التفسير يأتي بمعنى نفي الكيف
وقال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن ابي سلمة الماجشون احد ائمة المدينة المشاهير قال في كلامه المشهور عنه وقد سئل فيما جحدته الجهمية:
" أما بعد فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت فيه الجهمية ومن خالفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير وكلّت الألسن عن تفسير صفته وانحسرت العقول دون معرفة قدره، وردت عظمتَه العقولُ فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسيرة فانما امروا بالنظر والتفكير فيما خلق بالتقدير وانما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان فأما الذي يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فانه لا يعلم كيف هو الا هو وكيف يعرف قدر من لم يبدأ ولا يموت ولا يبلى وكيف يكون لصفة شيء منه حد او منتهى يعرفه عارف او يحد قدره واصف " ا. هـ
فهنا نفى التفسير بقوله: كلت الألسن عن تفسير صفته
ثم علل قائلا: " وانما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان " فدل على مراده بالتفسير وأنه التكييف والسياق واضح في هذا
وقال الإمام الترمذي في سننه:
" وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم " ا. هـ
فقرن التفسير بالكيف
وانظر كيف بيّن معنى الحديث ومعنى تعريفه بنفسه وأنه تعريف حقيقي عن طريق التجلي مع أنه نفى تفسيره! لتعلم أن مجرد المعنى الظاهر هو مثبت عندهم وغير منفي.
قال إمام الشافعية وكبيرهم الإمام ابن سريج في جوابه في الاعتقاد عن صفات الله:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/141)
" ... ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها، ولا نفسرها ولا نكيفها ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية، ولا نشير إليها بخواطر القلوب ولا بحركات الجوارح، بل نطلق ما أطلقه الله عز وجل ونفسّر ما فسّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون والأئمة المرضيون من السلف المعروفين بالدين والأمانة، ونجمع على ما أجمعوا عليه، ونمسك عن ما أمسكوا عنه، ونسلم الخبر الظاهر والآية الظاهرة تنزيلها، لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة، بل نقبلها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل، ونقول: الإيمان بها واجب، والقول بها سنة، وابتغاء تأويلها بدعة ..
فنفى رحمه الله تفسير الصفات وقرنه بالكيف مبينا مراده من التفسير هنا، وأثبت الترجمة عن معاني الصفات بلغة العرب وأقرها، ففرّق بين تفسير الكيف وبين الترجمة عن معاني الصفات.
فترجمة الصفة ترجمةً قائمةً على مجرد أصل المعنى هو غير تفسيرها المنفي الذي بمعنى التكييف
ثم قرر أن تفسير الصفات على ضوء تفسير الصحابة والتابعين وأئمة السلف هو السنة المتبعة، وبين بما أعقبه أنه تفسير مقيد بالمعنى الظاهر للنصوص
وهذا النوع من التفسير المثبت مقابل للنوع الأول من التفسير المنفي.
ثم نزهه من تأويلات المعتزلة والأشاعرة والجهمية
فتبين من كلامه هذا معنى التفسير المنفي والتفسير المثبت حتى لا يخلط مخلّط بينهما.
وبنحو هذا المعنى الذي دندنا عليه هنا بعيدا عن مصطلح التفسير ما نقله العلامة محمد أنور الكشميري، في كتابه: " العرف الشذي " حيث قال:
" واعلم أن المشابهات مثل نُزول الله إلى السماء الدنيا، واستواءه على العرش، فرأى السلف فيها الإيمان على ظاهره، ما ورد إمهاله على ظاهره بلا تأويل وتكييف، ويفوض أمر الكيفية إلى الله تعالى،ويتوهم من جامع الفصولين وهو من معتبراتنا النهي عن الترجمة اللغوية أيضاً للمتشابهات، لكنّ (قريحتي) يحكم أن النهيَ عنه تفسيرُها لا ترجمتها تحت الألفاظ من الحقوق واليد والوجه وغيرهما " ا. هـ
فنقل التفريق بين التفسير [الذي هو تفصيل مقارب للتكييف]
وبين الترجمة المراعية للألفاظ وهو عين ما ذكره الإمام ابن سريج لكنه عند ابن سريج بصورة أوضح
ثم أعقب العلامة الكشميري هذا الكلام بشرحه لتفويض السلف ومرجحا أنه مرادهم بالتفويض قائلا عنه:
" تفويض التفصيل والتكييف إلى الله تعالى والإنكار على من تأول برأيه وعقله " ا. هـ
فأثبت بهذا ما ذكرناه من التفريق بين التفصيل في المعنى وهو نوع من التفسير فهو المنفي والمفوض في عبارات السلف، وبين المعنى المجمل الذي يمثل المعنى الظاهر الذي هو من قبيل الترجمة وهو نوع من التفسير فهو المثبت
ب ـ استعمال التفسير بمعنى التفصيل في النفي وهو التأويل
فعن الأثرم قال:
قلت لأبي عبد الله: حدث محدث وأنا عنده بحديث: " يضع الرحمن فيها قدمه " وعنده غلام، فأقبل عليَّ الغلام فقال: إن لهذا تفسيرا فقال أبو عبد الله: انظر كما تقول الجهمية سواء.
نقله الإمام الذهبي في العلو عن الأثرم، ورواه ابن بطة قال: حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء ثنا أحمد بن عبد الله بن شهاب ثنا الأثرم فذكره
فالأثر صريح في أن الإمام أحمد سمى تأويل الجهمية تفسيرا وهو موافق للمعنى اللغوي لأن التأويل في حقيقته تفصيل في النفي وهذا باعتراف المفوضة، والتفصيل هو معنى التفسير.
وكذا قال الإمام الحميدي في رسالته:
" وما نطق به القرآن والحديث مثل قوله تعالى: " وقالَتِ اليَهُودُ يدُ اللَّه مَغْلُولةً غلّت أيْديهم ولُعِنُوا بما قَالُوا بَلْ يَدَاه مَبْسُوطتان " سورة المائدة آية 64. ومثل قوله تعالى: " والسّمواتُ مَطْوياتٌ بيَمينه " سورة الزمر آية 67. وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسّره، ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة ونقول: " الرحمنُ على العرش استوى "، ومن زعم غير هذا فهوِ مُبْطِلٌ جهميٌّ.
تأمل يريد تفسير الجهمية الذي هو التأويل بدليل قوله:
" ولا نفسره ... ومن زعم غير هذا فهو مبطل جهمي " ا. هـ
والتفسير الذي عليه الجهمية هو التأويل بلا خلاف، ولا شك أن عامة تأويلات الجهمية قائمة على التفصيل في النفي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/142)
وروى الإمام اللالكائي فقال
أخبرنا أحمد بن محمد بن حفص قال ثنا محمد بن أحمد بن سلمة قال ثنا أبو محمد سهل بن عثمان بن سعيد بن حكيم السلمي قال سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن المهدي بن يونس يقول سمعت أبا سليمان داود بن طلحة سمعت عبد الله بن أبي حنيفة الدوسي يقول:
سمعت محمد بن الحسن يقول:
" اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في صفة الرب عز و جل من غير تغيير ولا وصف ولا تشبيه فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم وفارق الجماعة فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنه قد وصفه بصفة لا شيء " ا. هـ
تأمل قوله: " فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا .. فمن قال بقول جهم ... لأنه قد وصفه بصفة لاشيء " ا. هـ
فقول جهم والوصف بلا شيء هو من التفصيل في النفي الذي هو التأويل فالتفسير هنا هو التأويل
ثم ما بال المفوض تمسك بقوله " لم يفسروا " ولم يلتفت إلى قوله " لم يصفوا " فعلى مبدإ استدلاله ينبغي أن يتهم محمد بن الحسن بأنه ينسب مذهب الجهمية إلى السلف فالجهمية هم الذين لم يصفوا ولم يثبتوا الصفات!!
ونحن نعلم مراد محمد بن الحسن منها لكننا نطالب المخالف بأن يكون مرنا في فهم بقية الأثر كما كان مرنا في فهم هذه العبارة
وهذا لتعلم أن المخالف لا يتعامل مع كلام الأئمة بعدل، فكما أنه لم يفهم من قوله في الأثر " لم يصفوا " نفي الصفات كما هي عقيدة الجهمية فكذلك ينبغي أن يفهم نفي التفسير على وجهه وكما دل عليه سياق الأثر نفسه
وقد كان مشتهرا بين أهل العلم إطلاق لفظ التفسير على تأويل الصفات بناء على أنها قائمة على التفصيل في النفي
وقد ملأ الإمام عثمان بن سعيد الدارمي كتابيه بوصف تأويلات الجهمية على أنها تفسيرات ضالة حتى لهج بوصف كل تأويل للمريسي على أنه تفسير باطل
ومن أمثلة ذلك قوله في باب النزول:
" ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبي الرحمة ورسول رب العزة إذ فسر نزوله مشروحاً منصوصاً ... "
وهي أكثر من أن تحصى في هذا المقام
فالتأويل تفسير ممنوع ومنفي.
وقال الإمام ابن قدامة في كتابه: " تحريم النظر " وهو يرد على كلام لابن عقيل ينعى فيه التأويل:
" فإن قال: تركتم تأويل الآيات والأخبار الواردة في الصفات، وادّعى أن السلف تأولوها وفسروها فقد أفِك وافترى وجاء بالطامة الكبرى.
فإنه لا خلاف في أن مذهب السلف الإقرار والتسليم وترك التعرض للتأويل والتمثيل
ثم إن الأصل عدم تأويلهم فمن ادعى أنهم تأولوها فليأت ببرهان على قوله، وهذا لا سبيل إلى معرفته إلا بالنقل والرواية
فلينقل لنا ذلك عن رسول الله أو عن صحابته أو عن أحد من التابعين أو الأئمة المرضيين.
ثم المدعي لذلك من أهل الكلام وهم أجهل الناس بالآثار وأقلهم علما بالأخبار وأتركهم للنقل فمن أين لهم علم بهذه " ا. هـ
هذا كلام صريح صراح.
وتأمل قوله عن المؤول ابن عقيل: " وادّعى أن السلف تأولوها وفسروها " ا. هـ
فالتفسير بمعنى التأويل مشهور عند أهل العلم
ونفي التفسير في عبارات كثير من السلف يراد به في مواطن منها كثيرة نفي التأويل لأنه تفصيل في النفي.
وسئل أبو عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة وهو ثعلب عن قول النبي ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره
فقال الحديث معروف وروايته سنة والاعتراض بالطعن عليه بدعة وتفسير الضحك تكلف وإلحاد أما قوله وقرب غيره فسرعة رحمته لكم وتغيير ما بكم من ضر " ا. هـ
فالسياق واضح، فقد شرع بوصف صاحب تفسير الضحك بأنه يعترض ويطعن في الرواية بذلك التفسير ووصف تفسيره بالإلحاد والتكلف وهذا ما دل على أنه أراد تفسير التأويل لأن من يفسر تكييفا وتشبيها يبالغ في قبول الروايات مستغلا لها في حملها على التكييف بينما الاعتراض والطعن في الروايات هو من صنيع المؤولة
وقوله: " إلحاد " ظاهر في أن التفسير قائم على الجحد وهو لا يصدق إلا على تفسير التأويل
وإليك في الختام نموذجا لتأويل من تأويلات المعطلة والذي يتضح فيه معنى التفسير الذي عناه السلف في قولهم دون تفسير
ذكر البيهقي حديث رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/143)
" الْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَضَعُ آخَرِينَ، وَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ "
ثم قال:
" فَقَدْ قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي حَاتِمٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْخَبَرِ، قِيلَ: مَعْنَاهُ تَحْتَ قَدْرَتِهِ وَمُلْكِهِ، وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِهَا بِالذِّكْرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْقُلُوبَ مَحِلا لِلْخَوَاطِرِ وَالإِيرَادَاتِ وَالْعُزُومِ وَالنِّيَّاتِ، وَهِيَ مُقَدِّمَاتُ الأَفْعَالِ، ثُمَّ جَعَلَ سَائِرَ الْجَوَارِحِ تَابَعَةٌ لَهَا فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ، وَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَفْعَالا مَقْدُورَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقَةٌ، لا يَقَعُ شَيْءٌ دُونَ إِرَادَتِهِ، وَمَثَّلَ لأَصْحَابِهِ قُدْرَتَهُ الْقَدِيمَةَ بِأَوْضَحِ مَا يَعْقِلُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، لأَنَّ الْمَرْءَ لا يَكُونُ أَقْدَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا بَيْنَ نِعْمَتَيِ النَّفْعِ وَالدَّفْعِ، أَوْ بَيْنَ أَثَرَيْهِ فِي الْفَضْلِ وَالْعَدْلِ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ هَذِهِ الأَخْبَارِ: إِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي وَإِنَّمَا ثَنَّى لَفْظَ الإِصْبَعَيْنِ وَالْقُدْرَةُ وَاحِدَةٌ لأَنَّهُ جَرَى عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ لَفْظِ الْمَثَلِ وَزَادَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فِي تَأْكِيدِ التَّأْوِيلِ الأَوَّلِ بِقَوْلِهِمْ: مَا فُلانٌ إِلاَّ فِي يَدِي، وَمَا فُلانٌ إِلاَّ فِي كَفِّي، وَمَا فُلانٌ إِلاَّ فِي خِنْصَرِي، يُرِيدُ بِذَلِكَ إِثْبَاتَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، لا أَنَّ خِنْصَرَهُ يَحْوِي فُلانًا، وَكَيْفَ يَحْوِيهِ وَهِيَ بَعْضٌ مِنْ جَسَدِهِ؟ وَقَدْ يَكُونُ فُلانٌ أَشَدَّ بَطْشًا وَأَعْظَمَ مِنْهُ جِسْمًا "
فبالله تأمل هذا التفصيل في النفي ثم احكم.
ج ـ التفسير المثبت وهو كل معنى لا يقوم على تفصيل وإنما يقتصر على ظاهر الصفة
قد جاء في عبارات السلف إثبات نوع من التفسير للصفات
قال محمد بن إبراهيم الأصفهاني سمعت أبا زرعة الرازي وسئل عن تفسير {الرحمن على العرش استوى} فغضب، وقال تفسيرها كما تقرأ هو على عرشه وعلمه في كل مكان "
رواه ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية كما نقل ابن القيم
ورواه الحافظ الهروي في ذم الكلام بإسناد ثابت،فيه جد الحافظ القراب قد روى عنه جمع من الحفاظ وكان معروفا وباقي رجاله أئمة حفاظ
فهنا أثبت أبو زرعة المعنى الظاهر للآية فقال مقرا للظاهر " هو على عرشه " وسماه تفسيرا، وواضح من سياقه ومن غضبه أنه سمى هذا المعنى تفسيرا تجوّزا، وأن التفسير في الأصل هو للتفصيل الذي أغضب أبا زرعة.
وقال الإمام الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الطلحي الأصبهاني مصنف الترغيب والترهيب، وقد سئل عن صفات الرب فقال:
" مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحماد ابن سلمة وحماد بن زيد وأحمد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع والبصر والوجه واليدين وسائر أوصافه إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور من غير كيف يتوهم فيها ولا تشبيه ولا تأويل قال ابن عيينة كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره
قال الأصبهاني: أي هو هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل " ا. هـ
فبين الإمام الأصبهاني مراد ابن عيينة، وأن المعنى الظاهر للصفة هو تفسيرها عند السلف لا تفسير أكثر من هذا الظاهر، وهذا هو التفسير المثبت.
وواضح من السياق أنه إنما سُمّي تفسيرا تجوزا
وقال الإمام الذهبي:
" وكما قال سفيان وغيره قراءتها تفسيرها
يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف
وهذا هو مذهب السلف مع إتفاقهم أيضا أنها لا تشبه صفات البشر بوجه، إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته " ا. هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/144)
هذه استعمالات العلماء لمسمى التفسير في الصفات قد شرحتها لك مع بيان المعنى اللغوي للفظ التفسير وقد تبين من خلال كل هذا أن من نسب تفويض الصفات إلى السلف من خلال بعض العبارات عنهم والتي تنفي تفسير الصفات قد أبعد بذلك أيما إبعاد وأنه إنما سلك مبدأ منافيا للعلم في ذلك فلا هو راعى معنى التفسير لغة ولا هو راعى استعمالات العلماء ولا هو تتبع عباراتهم وأعمل كل ألفاظهم ولا راعي الثابت عنهم في باب الصفات عموما والله حسيبه في كل هذا وستكتب شهادتهم ويسألون
وإليك الآن أخي الكريم تلك الروايات عن السلف بأسانيدها وألفاظها والتي قد تناولناها بالشرح لعلك تقارن لتتأكد مما ذكرنا والله الموفق
1ـ أثر أبي عبيد القاسم بن سلام
قال ابن بطة:
قال أبو عبيد القاسم بن سلام وذكر عنده هذه الأحاديث التي في الرؤيا فقال:
هذه عندنا حق رواها الثقات عند الثقات إلى أن صارت إلينا إلا أنا إذا قيل لنا فسروها قلنا لا نفسر منها شيئا ولكن نمضها كما جاءت
وقال الآجري في الشريعة:
حدثنا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان حدثنا العباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول وذكر عنده هذه الأحاديث في الرؤية فقال هذه عندنا حق نقلها الناس بعضهم عن بعض // إسناده صحيح
قال الإمام الأزهري
وأخبرني محمد بن إسحاق السعديّ عن العباس الدُّورِيّ أنه سأل أبا عبيدٍ عن تفسيره وتفسير غيره من حديث النزول والرؤية فقال: هذه أحاديثُ رواها لنا الثِّقاتُ عن الثّقات حتى رفعوها إلى النبي عليه السلام؛ وما رأينا أحداً يفسِّرها، فنحن نؤمن بها على ما جاءت ولا نفسِّرها. قال الأزهري: أراد أنها تُترك على ظاهرها كما جاءت. تهذيب اللغة
وفي السنة للخلال
حدثنا أبو بكرقال ثنا أبو الفضل عباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول هذه الأحاديث حق لا يشك فيها نقلها الثقات بعضهم عن بعض حتى صارت إلينا نصدق بها ونؤمن بها على ما جاءت
قال الدارقطني في كتاب الصفات:
حدثنا محمد بن مخلد حدثنا العباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام وذكر الباب الذى يروى فيه حديث الرؤية والكرسى وموضع القدمين وضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء وأن جهنم لا تمتلىء حتى يضع ربك عز و جل قدمه فيها فتقول قط قط وأشباه هذه الأحاديث فقال هذه أحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض وهى عندنا حق لا شك فيها ولكن إذا قيل كيف وضع قدمه وكيف ضحك قلنا لا يفسر هذا ولا سمعنا أحدا يفسره
وأخبرنا عُبَيْدُ الله بن أحمد الأزهري, قال: أخبرنا الدارقطني, قال: حدثنا محمد بن مَخْلَد, قال: حدثنا عباس بن محمد الدوري, قال: سمعت أبا عُبَيْدٍ القاسم بن سَلَّام، وذكر الباب الذي يُرْوَى في الرؤيا, والكرسي, وموضع القدمين, وضحك ربنا من قنوط عباده, وقربه من عبده, وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء؟ وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك - عز وجل - قدمه فيها, فتقول: قط قط, وأشباه هذه الأحاديث؛ فقال: هذه الأحاديث صِحَاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض, وهي عندنا حق لا نَشُكُّ فيها, ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه؟ وكيف ضَحِكَ؟ قلنا: لا نفسر هذا, ولا سمعنا أحدًا يُفَسِّرُهُ.
قال الإمام اللالكائي:
أخبرنا أحمد بن محمد بن الجراح ومحمد بن مخلد قالا ثنا عباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام وذكر عنده هذه الأحاديث ضحك ربنا عز و جل من قنوط عباده وقرب غيره
والكرسي موضع القدمين وأن جهنم لتمتلىء فيضع ربك قدمه فيها وأشباه هذه الأحاديث
فقال أبو عبيد: هذه الأحاديث عندنا حق يرويها الثقات بعضهم عن بعض إلا أنا إذا سئلنا عن تفسيرها قلنا ما أدركنا أحدا يفسر منها شيئا ونحن لا نفسر منها شيئا نصدق بها ونسكت
وقال البيهقي:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/145)
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ الأَصْبَهَانِيُّ، فِيمَا أَجَازَ لَهُ جَدُّهُ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ، يَقُولُ: هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا: ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غَيْرِهِ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رَبُّكَ قَدَمَهُ فِيهَا، وَالْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ فِي الرِّوَايَةِ هِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ، حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، غَيْرَ أَنَّا إِذَا سُئِلْنَا عَنْ تَفْسِيرِهَا لا نُفَسِّرُهَا وَمَا أَدْرَكْنَا أَحَدًا يُفَسِّرُهَا
وقال الإمام الذهبي في السير:
أخبرنا أبو محمد بن علوان، أخبرنا عبدالرحمن بن إبراهيم، أخبرنا عبدالمغيث بن زهير، حدثنا أحمد بن عبيدالله، حدثنا محمد بن علي العشاري، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني، أخبرنا محمد بن مخلد، أخبرنا العباس الدوري، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام - وذكر الباب الذي يروى فيه الرؤية، والكرسي موضع القدمين (2)، وضحك ربنا، وأين كان ربنا (3) - فقال: هذه أحاديث صحاح (4)، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل: كيف يضحك؟ وكيف وضع قدمه؟ قلنا: لا نفسر هذا، ولا سمعنا أحدا يفسره "
وهذا إسناد جيد في الشواهد فابن كادش الذي اعتمد بعض المتأخرين اتهامه بالوضع هو بريء من هذا وغايته أنه اعترف بوضع حديث وتاب منه وليس هذا محل البيان
وأما العشاري فهو إمام ثقة ومن اتهمه بالوضع فقد كذب على هذا الإمام وسأبين في فرصة مناسبة تزوير الجهمية لحقائق العلم فيما يخص هذين الراويين
2ــ قول جماعة من السلف: " أمروها كما جاءت بلا تفسير "
قال الإمام الآجري:
حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد قال: حدثنا أبو حفص عمر بن مدرك القاضي قال: حدثنا الهيثم بن خارجة قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي و الثوري و مالك بن أنس، و الليث بن سعد: عن الأحاديث التي فيها الصفات؟ فكلهم قال:
" أمروها كما جاءت بلا تفسير ".
وقال الإمام اللالكائي:
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد القزويني قال ثنا محمد بن أحمد بن منصور القطان قال ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال ثنا إسماعيل بن أبي الحارث قال ثنا الهيثم بن خارجة قال سمعت الوليد بن مسلم يقول
سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا:
" أمروها بلا كيف "
وفي السنة للخلال:
حدثنا أبو بكر قال ثنا الفضل بن سليمان قال ثنا الهيثم بن خارجة قال ثنا الوليد بن مسلم قال سألت سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا نمرها كما جاءت
وقال الإمام ابن بطة:
حدثنا القافلائي قال ثنا محمد بن إسحاق قال ثنا الهيثم بن خارجة قال ثنا الوليد بن مسلم قال سألت الأوزاعي والثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن الأحاديث التي في الصفات وكلهم قال:
" أمروها كما جاءت بلا تفسير "
3 ـ أثر محمد بن الحسن الشيباني.
قال الإمام اللالكائي:
أخبرنا أحمد أخبرنا محمد بن أحمد بن سليمان قال ثنا أبو علي الحسن بن يوسف بن يعقوب قال ثنا أبو محمد أحمد بن علي بن زيد الغجدواني قال ثنا أبو عبد الله محمد بن أبي عمرو الطواويسي قال ثنا عمرو بن وهب يقول سمعت شداد بن حكيم
يذكر عن محمد بن الحسن في الأحاديث التي جاءت أن الله يهبط إلى سماء الدنيا ونحو هذا من الأحاديث إن هذه الأحاديث قد روتها الثقات فنحن نرويها ونؤمن بها ولا نفسرها
وروى اللالكائي قال
أخبرنا أحمد بن محمد بن حفص قال ثنا محمد بن أحمد بن سلمة قال ثنا أبو محمد سهل بن عثمان بن سعيد بن حكيم السلمي قال سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن المهدي بن يونس يقول سمعت أبا سليمان داود بن طلحة سمعت عبد الله بن أبي حنيفة الدوسي يقول
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/146)
سمعت محمد بن الحسن يقول اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في صفة الرب عز و جل من غير تغيير ولا وصف ولا تشبيه فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم وفارق الجماعة فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنه قد وصفه بصفة لا شيء
4 ــ أثر سفيان بن عيينة " قراءته تفسيره "
قال الإمام البيهقي:
وأخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبور الدهان، حَدَّثَنَا أبو العباس أحمد بن هارون الفقيه، حَدَّثَنَا أبو يحيى زكريا بن يحيى البزاز، حَدَّثَنَا أبو عبد الله محمد بن الموفق، حَدَّثَنَا إسحاق بن موسى الأنصاري، قال: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: ما وصف الله تبارك وتعالى به نفسه في كتابه فقراءته تفسيره، ليس لأحد أن يفسره بالعربية ولا بالفارسية
وفي إسناده من لم يوثق
وقال البيهقي:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن حمش، سمعت أبا العباس الأزهري، سمعت سعيد بن يعقوب الطالقاني، سمعت سفيان بن عيينة، يقول: كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني محمد بن يزيد، سمعت أبا يحيى البزاز، يقول: سمعت العباس بن حمزة، يقول: سمعت أحمد بن أبي الحواري، يقول: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته، والسكوت عليه.
ثم قال البيهقي:
" وإنما أراد به والله أعلم فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف وتكييفه يقتضي تشبيهه له بخلقه في أوصاف الحدوث "
وقال البيهقي:
أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أَخْبَرَنَا أبو محمد بن حيان، حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن يعقوب، حَدَّثَنَا أبو حاتم، حَدَّثَنَا إسحاق بن موسى، قال: سمعت ابن عيينة، يقول: ما وصف الله تعالى به نفسه فتفسيره قراءته، ليس لأحد أن يفسره إلا الله تبارك وتعالى، أو رسله صلوات الله عليهم
وروى اللالكائي فقال:
أخبرنا محمد بن رزق الله قال أخبرنا بن عثمان قال نا عيسى بن موسى بن إسحاق الأنصاري قال سمعت أبي يقول
سمعت سفيان بن عيينة يقول كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولا مثل
وقال ابن عبد البر في التمهيد:
أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا عبدالله بن جعفر بن الورد قال حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن إبراهيم عن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة قال:
حديث عبدالله إن الله عز و جل يجعل السماء على أصبع وحديث إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن وإن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق وأنه عز و جل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث؟
فقال:
" هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف "
تأمل " نقر بها كما جاءت "
وقال الإمام ابن بطة:
حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسعدة الأصبهاني قال سمعت محمد بن أيوب الرازي يقول: أخبرنا إسحاق بن موسى قال: قال سفيان بن عيينة:
" ما وصف الله نفسه فقراءته تفسيره ليس لأحد أن يفسره إلا الله عز و جل "
وعن حديث الصورة
حدثني أبي سمعت الحميدي وحدثنا سفيان بهذا الحديث ويقول هذا حق ويتكلم وابن عيينة ساكت قال أبي رحمه الله ما ينكر ابن عيينة قوله
سنة ع
حدثنا محمد بن سليمان بن حبيب لوين سمعت ابن عيينة غير مرة يقول الايمان قول وعمل قال ابن عيينة اخذناه ممن قبلنا قول وعمل وأنه لايكون قول إلا بعمل قيل لابن عيينة يزيد وينقص قال فأيش إذًا
قيل لابن عيينة: هذه الاحاديث التي ترويها في الرؤية قال حق على ما سمعناها // إسناده صحيح
جواب عمن يستدل بابن عيينة
حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي حدثنا محمد بن سليمان لوين قال
قيل لسفيان بن عينية هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية فقال حق على ما سمعناها مما نثق به // رجاله ثقات
5 ـ أثر وكيع بن الجراح.
وقال الدارقطني في الصفات:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/147)
حدثنا محمد بن مخلد حدثنا العباس بن محمد الدورى قال سمعت يحيى بن معين يقول شهدت زكريا بن عدى يسأل وكيعا فقال يا أبا سفيان هذه الأحاديث يعنى مثل الكرسى موضع القدمين ونحو هذا فقال وكيع أدركنا اسماعيل بن أبى خالد وسفيان وسليمان يحدثون بهذه الأحاديث ولا يفسرون شيئا
وقال البيهقي:
قال أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، يَقُولُ: شَهِدْتُ زَكَرِيَّا بْنَ عَدِيٍّ، سَأَلَ وَكِيعًا، فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، هَذِهِ الأَحَادِيثُ يَعْنِي مِثْلَ: الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَنَحْوَ هَذَا؟ فَقَالَ وَكِيعٌ: أَدْرَكْنَا إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ، وَسُفْيَانَ، وَمِسْعَرًا يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا
لكن روى الدولابي في الكنى عن الدوري قال:
قال: سمعت يحيى يقول:
» شهدت زكريا بن عدي سأل وكيعا، فقال: يا أبا سفيان هذه الأحاديث، يعني مثل: حديث الكرسي، موضع القدمين، ونحوها فقال وكيع: «أدركنا إسماعيل بن أبي خالد، وسفيان، ومسعرا يحدثون بهذه الأحاديث، ولا يفسرون بشيء».
وهو في تاريخ الدوري كما روى الدولابي
والعبد لله يفهم من لفظ الدوري الذي في تاريخه أن التفسير هنا يراد به التأويل لأنه عداه بحرف الباء
وهو على هذا موافق لاستعمالات السلف السابقة والتي عبرت عن التأويل بالتفسير
ويؤيد هذا التوجيه ما روي عن وكيع نفسه وبسياق مقارب
قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه حدثنا وكيع عن إسرائيل بحديث إذا جلس الرب جل جلاله على الكرسي فاقشعر رجل عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها نقله الذهبي وقال رواها أبو حاتم عن أحمد
ونقله عن أحمد ابن قدامة في تحريم النظر
وقال عبد الله بن أحمد:
حدثني أبي نا وكيع بحديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه قال إذا جلس الرب عز و جل على الكرسي فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الاحاديث لا ينكرونها
فهذا قاض للنزاع ودال بصراحة على أن المنقول عنهم هو ترك التفسير الذي هو التأويل فهم لا ينكرون الأحاديث لا يؤولونها لا يفسرونها بالتأويل لأن التأويل هو إنكار لظاهر الأحاديث وهم لا ينكرون شيئا من أحاديث الصفات
وهذا آخر ما تيسر من هذا المبحث والله الموفق
وكتبه العبد الفقير إلى توفيق الله ومرضاته محمد بن خليفة الرباح
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[13 - 12 - 09, 04:24 ص]ـ
وعلى ما يتبادر منها من فهمٍ في لغة العرب
وهذا الذي قرره الشيخ محمد هو أحد الأخطاء الكبيرة في صياغة مذهب أهل السنة في هذا الباب .. وهو أحد مداخل أهل البدع الكبيرة ..
فأولاً: التبادر عند من؟
فما يتبادر عندنا قد يكون غير ما كان يتبادر عند الصحابة وقد يكون هو هو؛فتلك قضية تحتاج لإثبات ..
وإن قلت: عند العالم بالعربية قلما: حتى هذا العالم تؤثر لديه في هذا التبادر وضبطه عدد من المعطيات والمدركات ..
والذي يُغفل عنه هنا خاصة من دعاة المتناقضة الشهيرة (نثبت المجاز ونثبت الصفات) أن نظرية المجاز قائمة على جعل اللغة موضوعة للحسيات ..
ولما كان العامل المؤثر الأكبر عندهم في التبادر هو أصل الوضع ولما كان الوضع الاستعمالي نفسه ينزع أيضاً للحسيات = فهم يزعمون أن المتبادر من تلك الألفاظ عند العرب هو الحسيات المشاهدة ..
وان محاولة إخراج اللفظ عن الحس المشاهد ذلك هي نفسها ضرب من ضروب المجاز ..
وهذا التبادر نفسه قد يُخالف مراد المتكلم أحياناً فيتبادر لفهم السامع ما هو بخلاف مراد المتكلم. وهذا قد وقع للصحابة ولا يزال يزيد كلما بعدت الشُقة بين السامع والمتكلم زماناً وبياناً ..
وعليه: فضبط مذهب أهل السنة بالتبادر يفتح لهم الباب لقولهم بأن ظاهر النصوص والمتبادر منها هو التشبيه بالحسيات ..
أما الحق في هذا الباب: فهو إن أهل السنة يؤمنون بما ثبت من كلام الله على مراد الله وبما ثبت من كلام رسول الله على مراد رسول الله،وأن طريق درك الحق في هذا المراد من النص هو الفقه بالعربية والفقه بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ..
فمراد الله من النص لا يُدرك بالتبادر وإنما يُدرك بعد جمع الباب وفقهه بهذين الآليتين: العربية والسنن ..
ومعنى العربية: أي فقه منهاج العرب في كلامها وما يُحعل مع النص المبحوث في باب واحد تفقه به دلالته ..
ومعنى السنن: النظر في سنة النبي المفسرة والدالة على مراد الله ..
ولذلك فالتعبير المختصر فيشه ما ذكره الشيخ محمد التميمي نفسه: الإيمان بما ثبت من صفات الله في الوحي على ظاهره ..
وهذا الظاهر إنما يدرك بعد النظر المتقدم بيانه ..
أما الظاهر المرادف للتبادر أي النظر الأول وما يُحدثه في القلب: فهو نظر موهم لا يُركن عليه وإنما كان ينفع غالباً = قلوب العرب الأولى لا قلوب من بعدهم ..
فإن قلت: فلفظ الظاهر نفسه يساوي التبادر أحياناً فيكون باب الفساد واحد ..
قلنا: صدقت ولكنا سنعنى ببيان المعنى الحق للفظ الظاهر كما فعل الأئمة أما التبادر فمعنى واحد فاسد لا سبيل لبيانه بوجه صحيح ..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/148)
ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[13 - 12 - 09, 04:39 ص]ـ
بارك الله فيكم ونفع بكم ...
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=162523
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=183399
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=183221
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[18 - 12 - 09, 06:32 ص]ـ
بارك الله فيكم أخي الشيخ محمد ..
ننتظر الجزء الثاني من بحثكم. وحبذا لو ضمّنتموه:
1 - نبذة عن بداية القول بالتفويض المبتدع.
2 - لماذا لجأوا له.
3 - لوازمه الشنيعة، وخطورته على عقيدة المسلم.
4 - رد شبهات المروجين له. " لا سيما الكتاب المردود عليه ".
5 - أبرز المراجع المفيدة في هذا الباب.
رعاكم الله ..
ـ[أبو العباس ياسين علوين المالكي]ــــــــ[18 - 12 - 09, 07:17 م]ـ
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي وحده و على آله الطاهرين.
عندي سؤال للأخ الكريم محمد معطي الله بارك الله فيه.
لدينا مثلا صفة اليد لله تعالى، فعندما نفتح القواميس اللغوية و استعمالات العرب للفظة اليد نجد أن عندها 25 معنى و من معنيها الحقيقية الجارحة، فهل أنت تثبت لله تعالى اليد بهذا المعنى لأن كل المعاني الأخرى معاني لا تدل على الصفة حقيقة بل من لوازمها كالقوة و النعمة و القدرة ... فإن كان جوابك بلا .. فما المعنى الحقيقي الذي تثبته؟ فاذكره لنا بارك الله فيك.
وفقكم الله لما فيه خير الجميع ...
ـ[محمد معطى الله]ــــــــ[19 - 12 - 09, 03:26 م]ـ
الأخ أبو فهر حفظه الله ووفقه لكل خير
أولا: أسأل الله أن تكون بخير
وثانيا: عهدناك أخي الفاضل فهرا على البدع وأهلها فأتمنى ألا تخدم أغراضهم من حيث لا تشعر، فالبحث يقع في أكثر من ثلاثمائة وثمانين صفحة، وكلها نُقول صادقة عن السلف والأئمة، فأرجو ألا تصرف القراء عن الاستفادة منها بنقدك الشديد في لفظ واحد، وخاصة عندما تعلم أنه لنا فيه من القول والجواب ما يبين أنه ليس من الغلط فضلا عن أن يكون كبيرا.
فإني بفضل الله لم أقتصر في بيان مذهب السلف على ذلك اللفظ، فقد حففتُه بما يجلّي المراد، وبما لا تعترضه بنفسك، فقد قلتُ بالحرف الواحد:
" فهم يثبتون كل صفة بمعناها الظاهر من النص وعلى ما يتبادر منها من فهمٍ في لغة العرب
فالمعنى لغة هو المفهوم من ظاهرِ اللفظِ والذي تصِلُ إليه بغيرِ واسِطَة
كما عرفه المتخصصون من أهل العلم، ولتتضح هذه الخلاصة أقول:
الإثبات هو:
ـ اعتقاد أن ظاهرها مراد
ـ اعتقاد أن الصفة المذكورة في ظاهر اللفظ هي على حقيقتها وهذا توضيح للفقرة السابقة
ـ اعتقاد أن معناها الظاهر معلوم لنا.
ـ اعتقاد أن لها كيفية وإن جهلناها " ا. هـ.
هذا كلامي بتمامه
فهل في مجموع هذا الكلام غلط على السلف حتى على رأيك أخي أبا فهر؟!
أرجو أن تنصفني فإنك حبيب إلى قلبي
ثم هاهم السلف قد صح عنهم ما هو بمعنى هذا اللفظ الذي أنكرتَه عليَّ:
قال الإمام يزيد بن هارون شيخ أحمد بن حنبل:
" من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي "
وبنحوه قال القعنبي تلميذ مالك
ولقائل أن يعترض على يزيد والقعنبي بمثل اعتراضك عليّ فيزعم أن ما يقر في قلب رجل غير ما يقر في قلب من هو أعلم منه وغير ما يقر في قلب من هو أجهل منه، فجوابك عنه هو جوابي عن اعتراضك
بل عين ما أنكرتَه عليَّ هو لفظ المحققين من أهل العلم:
قال العلامة ابن القيم في المدارج:
" فصل قال صاحب المنازل:
الدرجة الثانية: إجراء الخبر على ظاهره وهو أن تبقى أعلام توحيد العامة الخبرية على ظواهرها ولا يتحمل البحث عنها تعسفا ولا يتكلف لها تأويلا ولا يتجاوز ظواهرها تمثيلا ولا يدعي عليها إدراكا أو توهما.
[قال ابن القيم:] يشير الشيخ رحمه الله وقدس روحه بذلك إلى أن حفظ حرمة نصوص الأسماء والصفات بإجراء أخبارها على ظواهرها وهو اعتقاد مفهومها المتبادر إلى أذهان العامة ولا يعني بالعامة الجهال بل عامة الأمة كما قال مالك رحمه الله وقد سئل عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى " ا. هـ
وقال العلامة الشنقيطي صاحب الأضواء في رسالته في الصفات:
" والقاعدة المعروفة عند علماء السلف أنه لا يجوز صرف شيء من كتاب الله ولا سنة رسوله عن ظاهره المتبادر منه إلا بدليل يجب الرجوع إليه " ا. هـ
وهو [أي المتبادر] لفظ العلامة ابن قدامة في آية المعية
وهو لفظ الشيخ العلامة ابن عثيمين والعلامة الغنيمان والعلامة صالح آل الشيخ وهو لفظ جماعة من المعاصرين من المشتغلين بأبواب العقيدة
بل كثير من أهل العلم عرّفوا الظاهر بالمتبادر مما يبين تقارب معناهما:
فقد عرف السرخسي الظاهر بقوله:
"وهو ما يعرف المراد منه بنفس السماع من غير تأمل، وهو الذي يسبق إلى العقول والأوهام لظهوره موضوعاً فيما هو المراد"
وقوله يسبق ... ويتبادر واحد
فهل معك أخي أحدٌ فيما قررتَه من تغليط هذا اللفظ تغليطا كبيرا؟
وإياك أن تحتج علي بما ذكره ابن تيمية من قوله:
" وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْحَقِيقَةَ مَا يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ فَمِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ "
فهذه مسألة أخرى وهي مسألة: (اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ مِنْ جَمِيعِ الْقُيُودِ؛ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَدَّرًا فِي الْأَذْهَانِ)
لأن ابن تيمية أثبت التبادر عندما قال:
" فَإِنَّهُ يُقَالُ: إذَا كَانَ اللَّفْظُ لَمْ يُنْطَقْ بِهِ إلَّا مُقَيَّدًا؛ فَإِنَّهُ يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ "
فأرجوك أخي أبافهر لا تعلق بما يضيّع بالفائدة على القارئ للمبحث فرأيك فهمناه، إن كان لديك جديد فاذكره وإلا اترك القراء يستفيدون فأنت ممن اعتدنا منهم الفوائد جزاك الله عني خيرا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/149)
ـ[محمد معطى الله]ــــــــ[19 - 12 - 09, 05:03 م]ـ
أما الأخ علوين وفقه الله: فإني قد ذكرت في مقدمتي المستعجلة أن هناك مبحثا حول ضابط المعنى شرحتُ فيه ما سألتَ عنه بما يكفي وذكرتُ أنه شبه جاهز وأنني تأخرتُ في ضمه للمبحث للسبب المشروح في المقدمة أعلاه فلا داعي للإعادة
ثم إني أنزهك من هذه الشنشنة التي نعرفها من العجزة الذين لا يستطيعون أن ينقلوا عن السلف ما يدل على مذهبهم سواء من المفوضة أو المؤولة فلجؤوا إلى إلصاق العجز بغيرهم ولهجوا بما لا يدركون عواقبه وأخشى أن تكون نموذجا منهم بل يبدو ذلك
وهذه حالة نفسية تعتري كل صاحب باطل أرهقته شهب الحق وأذهلته فصار همه إيجاد حالة من العجز يشترك فيها خصمُه معه
ثم هذه السياسة مكشوفةٌ أخي الكريم، وهي (موضة) بدعية قديمة، كلما دُمغ أهل البدع بالحجج لجؤوا للخروج من المأزق بالسؤال عن نقطةٍ ما يظنون أنها محل اشتباه، وأنها قد تُخرجهم من حرج الإفحام فيسألون عن جزئية قد ورد في أمثالها أجوبة قاطعة كافية لنقض مذهبهم متجاهلين تلك الأجوبة!!
تماما كما يفعل النصارى عندما يُفحمون بالحجج من المسلمين على أن ديانتهم محرفة وعقيدتهم ملفقة فينقطعون عن الجواب ويشتغلون بفتح باب آخر يظنون أنه يهوّن عليهم من دعوى أن الإسلام دين وثنية بناء على شعيرة الطواف او بنحوها من الشبهات البالية
فانت أخي علوين لماذا لم تُجِب عن عشرات النصوص التي تقطع دابر التفويض بما يدل على أنه ليس من مذهب السلف في شيء وأنه مذهب محدث مخترع؟!
لماذا لا تجيب عن إثبات معنى الحنان من الله وأنه تعطّفه على خلقه وعطفه عليهم كما أثبتناه لك من كلام السلف كابن عباس ومجاهد؟!
لماذا لا تجيب عن إثبات معنى الاستواء وأنه الارتفاع والاعتلاء كما تواتر عن السلف؟!
أو لا تجيب عن إثباتهم معنى الاستواء تماما كما يقر في قلوب العامة؟
أو لا تجيب عن إثبات عشرات الأئمة لاستواء الذات وقد نقلنا كلامهم؟
أو لا تجيب عن إثبات معنى الاستواء وأنه الذي يعقبه أطيط للمستوَى عليه كما ذكره الشعبي
أو لا تجيب عن إثبات أن فوقية الله بحد كما صح عن عدد منهم
أو لا تجيب عن إثبات معنى المجيء من بعضهم وأنه الاقبال
أو لا تجيب عن معنى الكفاح في كلامه وأنه المشافهة والمواجهة
أو عن معنى الصمدية وأنها انتفاء الجوفية عنه وأنه لاجوف له
أو عن معنى الكنف وأنه الناحية كما جاء عن بعضهم
أو عن دنو الرب وقربه وأنه يُحَس كما ثبت عن بعضهم
أو عن ودّه وأنه محبته
أو عن رحمته وأنها من الحنان والتحنن والتعطف
أو عن مجيئه في الظلل وأنه مجيء بحيث تكون الملائكة حوله فيه
أو عن النور وأنه يُرى وأنه يضيء.
أو عن نزوله وأنه فعل قائم على المشيئة يقترب به الرب إلى المنزول إليه من أعلى إلى أدنى
أو عن سبحات وجهه وأنها جلال الوجه ونوره
أو عن كونه كان في عماء وأنه كان في سحاب
أو عن تسويغهم السؤال عن الله بأين
أو عن جمال وجهه وأنه الحسن والبهاء
أو عن تجليه وأنه بروزه وظهوره
أو عن عجبه وأنه إعظامه للشيء
أو عن استهزائه وأنه إظهار المستهزِيء للمستَهْزَأ به من القول والفعل ما يرضيه ظاهراً، وهو بذلك من قِيلِه وفعلِه به مورثه مساءة باطناً، وكذلك معنى الخداع والسخرية والمكر
إلى غيرها من المعاني المثبتة في البحث من قِبل السلف أنفسهم؟
أجب عن هذه وأشباهها مما ورد في البحث فأنا الذي سبقتك بإيرادها وأنت الملزم بالجواب فعليك الجواب قبل الفرار إلى طرح الأسئلة
ولو كان علوين طالبا للحق لما قصَر السؤال عن اليد ولسأل عن النزول والرحمة ونحوها لكنه الحرص على تغطية العجز والظن منه بأنه سأل عما يصعب التعبير عن معناه.
ومن المعلوم أن الصفات التي ينكر عوين إثباتها لله كما يدل عليه سؤاله ومَن على طريقتهم كالنزول والعلو والمجيء والرحمة والغضب والفرح والرضى والضحك ونحوها كصفات بغَضّ النظر عن الموصوف بها هي معلومة المعاني في أصلها لدى كافة الناس عالمهم وجاهلهم، ولذلك نجد أصحاب المعاجم اللغوية والقواميس عندما يتعرضون لها في كتبهم يقولون معروفة ويكتفون بهذا أو يقولون هي ضد كذا ويكتفون وهكذا.
ولا يَسأل عن معانيها إلا مُسفسط ممخرق.
فانظر إلى ما قاله الإمام الذهبيُّ معلقا على أثر أبي جعفر الترمذي في صفة النزول عندما قال:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/150)
" صدق فقيهُ بغداد وعالمُها في زمانه؛ إذ السؤال عن النزول ما هو؟ عيٌّ؛ لأنَّه إنما يكون السؤال عن كلمة غريبة في اللغة، وإلاّ فالنزول والكلام والسمع والبصر والعلم والاستواء عباراتٌ جليّةٌ واضحةٌ للسامع، فإذا اتّصف بها من ليس كمثله شيء، فالصفة تابعةٌ للموصوف، وكيفية ذلك مجهولة عند البشر، وكان هذا الترمذي من بحور العلم ومن العباد الورعين " ا. هـ
ومثله ما جاء عن ثعلب فقد سئل عن قول النبي ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره.
فقال ثعلب:
" الحديث معروف وروايته سنة والاعتراض بالطعن عليه بدعة وتفسير الضحك تكلف وإلحاد أما قوله وقرب غِيَره فسرعة رحمته لكم وتغيير ما بكم من ضر " ا. هـ
والتكلف هو السفسطة التي نعنيها
ومن معاني الصفات ما يفهم من خلال أحكام الصفة التي يصح تعلقها بها ومن خلال لوازمها وآثارها ومن خلال ما يقارب لفظها من مرادف أو ما يعكسه من مضاد
وفي قواميس اللغة يقولون كذا معروف أو هو ضد كذا من باب بيان معناه وهي طريقة معتبرة في بيان المعنى
فإذا لجأ المعظم لربه لمثل هذا في بيان معاني الصفات حتى لا يخطئ في التعبير ولا يفتح باب الخلاف أكثر مما هو مفتوح و .. و ..
اعترضه بعض شياطين الإنس يؤزونه إلى الخوض في المعاني أزًّا
وهذه سياسة يفتشون بها عن ثغرة لنقد المثبت بعد عجزهم عن الكلام في السليم
لو جاء أحد وقال أنا أثبت كل صفة بالمعنى المشهور المعروف على ما يليق بالله فيقول أثبت الغضب والفرح والوجه النزول على المعنى المعروف لكني أترك شرح ذلك خوفا من الخطإ في التعبير أو سدا لباب الخلاف أو اكتفاء بتعبير الكتاب والسنة
فالعاقل يعلم أن مثل هذا مقبول ولا فيه ما يعيب
مثل هذا كيف يسبه المعطل لو كان صادقا ويستفزه ليعبر بالطريقة التي يمليها ذلك المعطل بما يظن أنها تلزم المثبت
فهذا تصرف من أعيته الحجج والبراهين ولم يجد ما يعيب فلم يجد إلا التعجيز فهو المهرب الوحيد
فتلك الصفات كالنزول والضحك والرضى والغضب والمجيء ونحوها عندما نضيفها نحن إلى الله ننفي عنها كل ما يختص بالمخلوق فمالذي صيرها مجهولة بعد أن كانت قبل الإضافة معلومة؟!
والأخ عوين هداه الله ينطلق في هذا السؤال ـ شعر أم لم يشعر ـ من منطلق أهل السفسطة والكلام الذين يُقدّمون ما يقوله أرسطو على ما يقوله رب العالمين!!
فهو ينطلق من القاعدة الكلامية التي تقول:
(التَّصَوُّرَ لَا يُنَالُ إلَّا بِالْحَدِّ)
وهو على ضوء تطبيقه يزعم أن التصور لا يحصل عند صاحبه إلا بحدّه لما يدّعي تصوّرَه، وهذه مناقضة للعقل الذي لطالما لفقوا باسمه كل باطل.
فباتفاق العقلاء أن الناس على اختلافهم بين عالم وجاهل وناطق وأبكم يتصورون ويدركون معاني كثير من المسميات، كمسمى الإنسان والحيوان والوجود والعدم ونحوها من المسميات، مع عجز الكثير عن حدها والتعبير بدقة عنها وهذا لاينفي قيام التصور للمراد في أنفسهم بل خاصة أولئك الناس الذين يزعمون اشتغالهم بحدود الأشياء لا يكاد يتفقون على حدّ منها ولا يكاد يسلم حدّ منها من الاستدراك.
وكما يقول الإمام الفحل شيخ الإسلام:
" إلَى السَّاعَةِ لَا يُعْلَمُ لِلنَّاسِ حَدٌّ مُسْتَقِيمٌ عَلَى أَصْلِهِمْ بَلْ أَظْهَرُ الْأَشْيَاءِ الْإِنْسَانُ وَحَدُّهُ بِالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضَاتُ الْمَشْهُورَةُ. وَكَذَا حَدُّ الشَّمْسِ وَأَمْثَالُهُ حَتَّى إنَّ النُّحَاةَ لَمَّا دَخَلَ مُتَأَخِّرُوهُمْ فِي الْحُدُودِ ذَكَرُوا لِلِاسْمِ بِضْعَةً وَعِشْرِينَ حَدًّا وَكُلُّهَا مُعْتَرَضَةٌ عَلَى أَصْلِهِمْ. وَالْأُصُولِيُّونَ ذَكَرُوا لِلْقِيَاسِ بِضْعَةً وَعِشْرِينَ حَدًّا وَكُلُّهَا أَيْضًا مُعْتَرَضَةٌ. وَعَامَّةُ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْأَطِبَّاءِ وَالنُّحَاةِ وَأَهْلِ الْأُصُولِ وَالْكَلَامِ مُعْتَرَضَةٌ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا إلَّا الْقَلِيلُ فَلَوْ كَانَ تَصَوُّرُ الْأَشْيَاءِ مَوْقُوفًا عَلَى الْحُدُودِ وَلَمْ يَكُنْ إلَى السَّاعَةِ قَدْ تَصَوَّرَ النَّاسُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وَالتَّصْدِيقُ مَوْقُوفٌ عَلَى التَّصَوُّرِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ تَصَوُّرٌ لَمْ يَحْصُلْ تَصْدِيقٌ فَلَا يَكُونُ عِنْدَ بَنِي آدَمَ عِلْمٌ مِنْ عَامَّةِ عُلُومِهِمْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/151)
وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ السَّفْسَطَةِ ... "
إلى أن قال عن أولئك المسفسطين:
" وَصَارُوا يُعَظِّمُونَ أَمْرَ الْحُدُودِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ هُمْ الْمُحَقِّقُونَ لِذَلِكَ. وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُمْ مِنْ الْحُدُودِ إنَّمَا هِيَ لَفْظِيَّةٌ لَا تُفِيدُ تَعْرِيفَ الْمَاهِيَّةِ وَالْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ حُدُودِهِمْ. وَيَسْلُكُونَ الطُّرُقَ الصَّعْبَةَ الطَّوِيلَةَ وَالْعِبَارَاتِ الْمُتَكَلَّفَةَ الْهَائِلَةَ وَلَيْسَ لِذَلِكَ فَائِدَةٌ إلَّا تَضْيِيعُ الزَّمَانِ وَإِتْعَابُ الْأَذْهَانِ وَكَثْرَةُ الْهَذَيَانِ. وَدَعْوَى التَّحْقِيقِ بِالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ وَشَغْلُ النُّفُوسِ بِمَا لَا يَنْفَعُهَا بَلْ قَدْ يَصُدُّهَا عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ " ا. هـ
وصدق في حقكم هذا الإمام الفحل الذي جعلكم أضحوكة الطوائف فها هو شيخكم الغزالي في المنخول بعد أن زيّف جميع تعاريف من سبقه لـ"العلم" قال:
" والمختار أن العلم لا حد له إذ العلم صريح في وصفه مفصح عن معناه ولا عبارة أبين منه، وعجْزُنا عن التحديد لا يدل على جهلنا بنفس العلم " ا. هـ
فمع أن هذا الكلام منه قائم على أصول المتكلمين لكنه اعترف أن عدم التحديد للمعنى لا يعنى عدم العلم بالمحدَّد.
فعاد المجادِل في هذه الحدود ومن يهتم بطرحها متسفسطا مغرضا
وقد اعتاد هذا وأمثاله على السهل من الطرح في مناقشة المسائل فيوجهون أسئلةً كالبشوات!! ويكتفون بهذا لعجزهم، وهي في الحقيقة ترِد عليهم وتَلزمُهم من جنس مايُلزِمون به خصومهم
فنقول له:
اذكر معنى الوجود بحيث يصدق على كل موجود
اذكر معنى الحياة بحيث يصدق على كل حي
أنا أعرف أنه الآن ببلوغه هذا السؤال يتتعتع
يقال له عرّف العلم والقدرة والسمع والبصر بنفس الطريقة التي تطالب بها المخالف حيث أنك لا تكتفي بما يذكره لك من معاني وتتكلف معه في تصعيب المهمة
أيها الإخوة ألم يتخبط الكثير من الأشاعرة في معنى السمع والبصر حتى حملها جماعة منهم على نوع من العلم
فمن كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة
وإذا نظرنا إلى تعريفات علمائهم لبعض الصفات وجدناها على الطريقة التي يستنكرها علينا المتسفسطة
يقول الإمام البيهقي في كتابه الأسماء والصفات:
"السميع من له سمع يدرك به المسموعات، والبصير من له بصر يدرك به المرئيات، والكل منهما في حق الباري صفة قائمة بذاته – تعالى "
ويقول الخطابي عن صفة البصر:
" الْبَصِيرُ هُوَ الْمُبْصِرُ "
وقَالَ ايضا عن السمع:
" السَّمِيعُ بِمَعْنَى السَّامِعُ "
وقال محمد عبده وهو أشعري غال في رسالة التوحيد:
" ومما ثبت له بالنقل صفة البصر وهى ما به تنكشف المبصرات وصفة السمع وهى ما به تنكشف المسموعات فهو السميع البصير "
فالأشاعرة من أكثر من يتتعتع في بيان معاني الصفات
فانظر كتب الغزالي والآمدي والإيجي ترى العجب
وبالله انظروا ما سطره الآمدي في غاية المرام عن صفتي السمع والبصر
فلماذا لا تتسفسطون على أئمتكم كما تتسفسطون علينا؟!
والوجود كصفة مع وضوحه وضوحا تاما لكل عاقل فإنه ليس من السهل استحضار معنى له يُتَّفقُ عليه ويُذكر في جملة فضلا عن كلمة كما يطالبنا بعضهم بذكر معاني الصفات عن طريق لفظ واحد مرادف
وآخر لا يعتبر اللفظ المرادف من قبيل ذِكر المعنى حتى تشرح له المعنى
ومع تجاوبنا بذكر المعاني مرادَفة وشرحا يتسفسط علينا هؤلاء المسفسطة ليستمر لهم تغطية العجز فما أعجز أهل البدع
فالنزول كصفة
لو قلنا للمُسفسِط هو الهبوط لاعترضَ وزعم أن هذا قصور وأنه لا يشتمل على أي معنى وهذا كذب منه
فلو قلنا له: هو فعل يقوم بالذات يقترب به الرب إلى المنزول إليه قربا حقيقيا ويكون من أعلى إلى أدنى
لو قلنا له هذا لأصر على سفسطته وهوسه القائم على محاولة تغطية العجز بإلصاقه بالغير
فنحن لا نملك أن نشفي هؤلاء المرضى لحالتهم النفسية المتردية
إن لم تكن هذه معاني فماذا تسمونها؟
وعلى كلٍّ فنحن نثبت هذا ونسميه معنى فسموه أنتم ما شئتم
يا إخواننا عندما يقول عالم كأحمد أو غيره عن الله يتكلم بصوت وأنه ينادي بصوت مسموع
يأتينا المفوض ويقول لا نثبت معنى الصوت
الصوت الذي يُسمع عند الكلام عن نداء ماذا سيكون؟
ما هذا التفويض البارد؟!
إنها السفسطة!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/152)
ثم نحن بينا أننا نقتصر على المعنى الظاهر والأقرب إلى المعنى المجمل إغلاقا لباب التوسع الذي قد يفضي إلى التكييف
وبينا أننا نثبت معاني للصفات (بعضها) قد لا يمثل المعنى التام للصفة
ونقول للمخالف: هذه المعاني المذكورة هي التي نثبتها للصفات المذكورة فإن أنكر أنها معاني لها! فهو مكابر، وإن سلم بأنها معاني لكنها ليست التي طلب منا بيانها، قلنا له نحن أثبتنا ما علمنا أنه ثابت لله وما نعتقد أنه المطلوب منا ولسنا بمطالبين أن نثبت ما تطلبه أنت فإن أردت منا الخوض فهو طلب في غير محله
وجوابا على سؤال عوين:
اليد هي كف حقيقية ولها أصابع وهي صفة ذاتية (ذاتية يعني ضد المعنوية فهي تُرى) يقبض بها ويبسط ويمسك ويكتب ويغرس وهي صفة تأثيرية كما يقول الشنقيطي
قال في القاموس المحيط
اليَدُ: الكَفُّ أو ... "
قال ابن سيدة:
" والكف: اليد "
وكذا قال ابن منظور والزبيدي
وقال الخليل والأزهري " الكف: كف اليد "
وقول المخالف أن اليد إن كانت حقيقية فلا تكون إلا جارحة لا يصح إلا في حق المخلوق.
ومنه تعلم أنه لم يعطل إلا بعد تلطخ قلبه بالتشبيه
فيَد المخلوق حقيقة لا تكون إلا جارحة أما يد الخالق فتكون حقيقية ولا تكون جارحة.
قال ابن منظور في اللسان:
" وفي التنزيل (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار)
والاستجراح النقصان والعيب والفساد وهو منه حكاه أبو عبيد
وجوارح الإنسان أعضاؤه وعوامل جسده كيديه ورجليه واحدتها جارحة لأنهن يجرحن الخير والشر أي يكسبنه " ا. هـ
فيد الإنسان وصفت بالجارحة لما تقوم به لا لذات اليد فكفى تلبيسا يا مسفسطة
وهذه أيضا بعض معاني الصفات اتعجل ذكرها إتماما للفائدة:
ـ جماله هو الحسن التام في وجهه وذاته الجمال الذاتي (لا المعنوي فقط)
قال ابن سيدة الجمال الحسن
وقال ابن فارس الجمال وهو ضد القبح
فرحه هو من نوع البهج و السرور على وجه يليق به
وقال ابن منظور في الفرح: (فرح) الفرح نقيض الحزن
وذكر ابن فارس مقتصرا (خلاف الحزن)
وتبشبشه هو ظهور أشد الفرح والبهج
والغضب هو صفة معنوية بمعنى الأسَف والسخط، وهو ضد الرضى ومتفاوت ليس بمرتبة واحدة، يشتد ويخف، وهو طارئ يحصل عند مخالفة أمره ويوجب الخوف منه.
وفسر الفيروز آبادي الغضب بقوله ضد الرضا
وكذا ابن منظور
وابن فارس لم يذكر في تفسيره إلا لفظ السخط
وقال الأزهري مقتصرا في تعريف السخط قائلا: قال الليث: يقال: سَخَطٌ وسُخْطٌ مثل عُدْمٍ وعَدَم، وهو نَقِيض الرِّضا
الضحك
هو فعل معروف أصله، يقوم بالذات وراجع للمشيئة والاختيار ويحصل غالبا عند الإعجاب الشديد بالشيء تعبيرا عن الرضى أو عند حصول فرج للعبد غير مظنون لصاحبه أو نحوها من الأسباب
قال الأزهري:
ضحك: قال الليث: الضَّحِك: معروفٌ،
ولم يفسره بغير هذا وكذا ابن منظور قال الضحك معروف
وقال ابن منظور: (وجه) الوجه معروف
وأقول: هو المقصود بالنظر في الذات ابتداء والأخص بتمييزها ومعرفتها وبالجمال.
الحلم معنى قائم بالذات يحمل على ترك المؤاخذة عند الغضب وعند عدم الرضى
الحكمة معنى قائم بالذات يقوم على العلم يحمل على وضع الشيء موضعه
جاء أي أتى مقتربا حقيقة إلى حيث أراد بفعل حقيقي بعد أن لم يكن جائيا
القدم هي الرجل
ونزوله هو النزول الحقيقي المعروف لكن كيفيته تليق بكمال الله
أو قلت هو ضد الصعود والارتفاع لكن كيفيته تليق بكمال الله
فإن تجاهلتَ وزعمت أنني لم أثبت شيئا وادعيت عنادا أنه لا معنى معلوم للنزول من كلامي، وهذه منك مجرد سفسطة
كمن يقول في تعريف الحياة مثلا يقول هي معروفة لماذا نتجاهل كونها معروفة
أو قال هي ضد الموت لماذا نتسفسط على الناس
لماذا عندما نقول لكم ينزل حقيقة لا مجازا تعتبروننا قد شبهنا وجسمنا ولا تعتبروننا أننا لم نثبت معنى؟!!
ولكن مع كل هذا فخذها أيها المفوض
نزوله هو هبوطه
فإن أصررت على التجاهل مع أنه جاء في بعض الروايات بالمعنى
فنقول هو قرب ذاته بفعله إلى المنزول إليه من خلقه قربا حقيقيا
هو فعل حقيقي ضد الارتفاع يقوم على الاختيار والمشيئة يقترب به تعالى إلى المنزول إليه من خلقه قربا حقيقيا
أو هو قربه من أعلى إلى أدنى
أو هو هبوطه إلى الأدنى.
وقد جاء في بعض روايات حديث النزول ذكر الهبوط
والنزول والاتيان والمجيء أفعال حقيقية تقوم بالذات وبمشيئة
واستهزاؤه سخريته
ورحمته هي حنانه وتحننه وزاد بعض أهل العلم فقال وعطفه
فهي العطف والحن
والرأفة قيل أحن من الرحمة ولهذا لا تكون مع كراهة بخلاف الرحمة
وبغضه هو كراهيته
واخيرا من ادلة التدليس عند علوين وأمثاله أنه ذكر أن لليد أكثر من عشرين معنى في اللغة بينما موضوعنا اليد في النصوص الشرعية التي جاءت في سياقات معينة تنفي بقية المعاني اللغوية فلماذا التدليس؟
هل يقول من شم رائحة العلم إن قوله تعالى: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) بأن اليد هنا في هذا السياق تحتمل العشرين معنى؟!
هذا هو كذب اهل البدع الذي لا ينتبه له العامة
وللحديث بقية
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/153)
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[19 - 12 - 09, 05:39 م]ـ
فإني بفضل الله لم أقتصر في بيان مذهب السلف على ذلك اللفظ، فقد حففتُه بما يجلّي المراد، وبما لا تعترضه بنفسك
بارك الله فيك يا شيخ محمد ..
أنا نفسي أشرتُ في ردي إلى أنك ذكرتَ ما هو عندي الحق في هذا الباب ولكن لعله اشتبه عليك سبق قلمي حينما قلت: ((ولذلك فالتعبير المختصر فيشبه ما ذكره الشيخ محمد التميمي نفسه: الإيمان بما ثبت من صفات الله في الوحي على ظاهره.)).
فأنت المراد هاهنا ..
وإنما بحثي في ضبط مذهب السلف بلفظة: ((المتبادر)) وأنا لا أرى صوابها بل أراها مدخلاً من مداخل الاعتراض فوق أنها خطأ في نفسها ..
ولعلي أخطأت حينما أثرتُ هذا الموضوع هاهنا؛فأعتذر لك ولعله تكون لنا فسحة أخرى للنظر فيه،وأنت رجل مبارك وأنا أنتفع بكتاباتك ..
بوركتَ ونفع الله بك ..
ـ[محمد براء]ــــــــ[19 - 12 - 09, 08:38 م]ـ
سؤال حول التبادر ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=197973)
ـ[محمد معطى الله]ــــــــ[20 - 12 - 09, 03:14 م]ـ
إلى أخي الشيخ أبي فهر حفظه الله
جزاك الله شيخنا الفاضل خيرا، ورأيك محل احترام عندي، وإني والله أنتفع بمشاركاتك المتميزة لا أقول هذا الآن فقط في هذا المقام، بل انا أُسر جدا كلما وجدت أمثالك يذبون عن عقيدة السلف فلا حرمنا الله جهودك وكذلك عامة إخواننا كالشيخ الخراشي وفيصل والمقدادي والفقيه والسديس والمنتفجي وبقية الركب الذين اتقرب إلى الله بمحبتهم.
اللهم وفق أخي ابا فهر لما تحب وترضى وأسكنه في جنتك في الفردوس الأعلى يوم لا ينفع مال ولا بنون. اللهم آمين
ـ[محمد معطى الله]ــــــــ[22 - 12 - 09, 10:00 م]ـ
الشيخ سليمان الخراشي
أعتذر على تأخري بالجواب وجزاك الله خيرا على اقتراحك وجل ما طلبتَه هو ضمن ملف جمتعه كمقدمة، وأنا الآن مشتغل بترتيبه وسأحرص على طرح ما يفيد في كل ما ذكرت
وكما ذكرتُ في المقدمة فما نشرتُه هنا هو عبارة عن مسودة البحث وهي جزء من كامل الكتاب وبحاجة إلى مراجعة وترتيب أسأل الله التوفيق
ونتمنى من إخواننا أهل السنة المشاركة بتعليقاتهم ففيها البركة التي قد لا تكون في أصل المبحث
ـ[محمد معطى الله]ــــــــ[22 - 12 - 09, 10:01 م]ـ
الشيخ سليمان الخراشي
أعتذر على تأخري بالجواب وجزاك الله خيرا على اقتراحك وجل ما طلبتَه هو ضمن ملف جمتعه كمقدمة، وأنا الآن مشتغل بترتيبه وسأحرص على طرح ما يفيد في كل ما ذكرت
وكما ذكرتُ في المقدمة فما نشرتُه هنا هو عبارة عن مسودة البحث وهي جزء من كامل الكتاب وبحاجة إلى مراجعة وترتيب أسأل الله التوفيق
ونتمنى من إخواننا أهل السنة المشاركة بتعليقاتهم ففيها البركة التي قد لا تكون في أصل المبحث
ـ[عبد الله أبو إسلام المصري]ــــــــ[09 - 01 - 10, 10:45 ص]ـ
وفي صحيح البخاري تحت الحديث رقم 6981 قال البخاري:
" قال أبو العالية: (استوى ... ) ارتفع .. علقه البخاري ووصله ابن حجر في تغليق التعليق (3/ 498 من نسخة الشاملة) قال:
"أما قول أبي العالية فقال أبو جعفر الطبري في تفسيره حدثنا محمد ثنا أبوبكر بن عياش عن حصين عن أبي العالية،
وأنبأنا محمد بن أحمد بن علي عن يونس بن أبي إسحاق عن علي بن الحسين أن محمد بن ناصر كتب إليهم أنا عبدالرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى أنا عبدالعزيز بن عبدالواحد الشيباني ثنا أبو بكر الشافعي ثنا يعقوب بن إسحاق القزويني ثنا محمد بن سعيد بن سابق ثنا أبو جعفر بن عيسى بن ماهان الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى استوى إلى السماء قال ارتفع "
ـ[عبد الله أبو إسلام المصري]ــــــــ[09 - 01 - 10, 11:12 ص]ـ
إضافة:من العلماء الذين أخذوا بمنهج السلف الصالح في إثبات معاني الصفات وتفويض الكيف:
شاه ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي (1110 - 1176 هـ) قال في كتابه الفوز الكبير في أصول التفسير (ص 37 وما بعدها) مطبوع بصدر معجم أيات القرآن الكريم ـ دار الجيل ـ مكتبة التراث الإسلامي،
"وما يفعله المتكلمون من الغلو في تأويل المتشابهات وبيان حقيقة الصفات فهو بعيد عن مذهبي فإن مذهبي مذهب مالك و الثوري وابن المبارك وسائر القدماء وذلك الأمر من المتشابهات علي الظواهر، وترك الخوض في التأويل والنزاع في الأحكام المستنبطة، و أحكام مذهب مخصوص وطرح غير ذلك من الأوضاع، والإحتيال لدفع الدلائل القرآنية غير صحيح عندي. وأخاف أن يكون ذلك من قبيل التدارؤ بالقرآن، وإنما اللازم أن يطلب مدلول الآيات و يتخذ مدلول الأية مذهباً أي ذاهب ذهب إليه موافقًا أو مخالفًا وأما لغة القرآن فينبغي أخذها من استعمال العرب، الأول، و ليكن الاعتماد الكلي علي آثار الصحابة و التابعين."
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[12 - 01 - 10, 08:49 م]ـ
شكر الله لكم ونفع بكم
وهذا موضوع نافع في الباب للعلامة البراك:
لقاء مع فضيلة الشيخ عبدالرحمن البراك -حفظه الله- حول شبهات للمفوضة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=104183
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/154)
ـ[وراق لبنان]ــــــــ[12 - 02 - 10, 07:17 م]ـ
جزاكم الله خيرا إخواني الكرام على هذه المباحث المهمة التي تقمع عقائد أهل البدع والزيغ وتنير قلوب كل متبع للحق محب للسلف ونحن بانتظار الجزء الثاني بفارغ الصبر وحبذا لو يشتغل من لديه همة في محاربة أهل البدع والاهواء بتأصيل المسائل التي ذكرها الشيخ ويدرسها وينتصر لأهل السنة ومن أهم تلك المسائل بدعة الإحتفال بالمولد النبوي فقد أصدر أحد المدرسين في الجامعة في طرابلس منشوراً يستدل فيه بثلاثين دليلاً لجواز ذلك وكل أدلته أوهى من بيت العنكبوت ولكن أهل الجهل يغرهم الكلام الفارغ والسفسطة وطول الأوراق وعرضها
ومنها التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم ميتاً ومنها مسائل تقسيم العقيدة إلى ثلاثة أقسام ومنها مسائل التعليل في أفعال الله ومنها قدم العالم والتي حار بها كثير من السلفية في زماننا وأنكروا على شيخ الاسلام فيها ومنها مسائل قيام الحوادث في أفعال الله ومنها الرد على من يجيز التقيدبذكر معين خاص بطريقة معينة بوقت معين - كما يفعل أصحاب الطرق الصوفية - ومنها مسائل القدر ومنها الجهر بالذكر الذي جل ما يستدل به المبتدعة بكلام السيوطي - رحمه الله - وأدلته ومنها ومنها
وعذراً على الإطالة ولكن جراح القلب تنزف على أحوالنا في لبنان يتخرج الشاب سلفياً يدخل الجامعات يخرج أشعرياً متعصبا منافحا عن أهل البدع والاهواء ولا حول ولا قوة إلا بالله
أكرر شكري لكم إخواني أعضاء هذا الصرح المبارك جزاكم الله عن الأمة كل الامة خيرا.
ـ[أبو عبد الرحمن النجدي السلفي]ــــــــ[17 - 02 - 10, 06:29 م]ـ
جزاكم الله خيرا(60/155)
أحتاج شخص فاهم في العقيدة يجيب مأجورا
ـ[أبو محمد المزيني]ــــــــ[12 - 12 - 09, 10:54 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
أحد الأشاعرة كتب في أحد المنتديات كلاما كثيرا من ضمنه:
(في البداية هناك أمر شائع في هذا العصر و هو أن أول من قال أن كلام الله قائم بذاته و ليس حرف و لا صوت هو عبد الله بن سعيد بن كلاب رحمه الله و أن أبا الحسن الأشعري و الأشاعرة أخذوا هذه العقيدة منه و يكفي في دحض هذا الكذب و البهتان قول الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه في كتاب الفقه الأكبر حيث يقول:
أن صفات الله بخلاف صفات المخلوقين يعلم لا كعلمنا ويقدر لا كقدرتنا ويرى لا كرؤيتنا ويسمع لا كسمعنا ويتكلم لا ككلامنا. ونحن نتكلم بالآلات والحروف والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف والحروف مخلوقة وكلام الله غير مخلوق. اهـ
فسألته عن مرجعها ..
فرد:
(من كتاب شرح الفقه الأكبر للإمام أبو حنيفة لملا علي قاري صفحة 50
و هناك عدة شروحات منها شرح للإمام الماتريدي و شرح لملا علي قاري و هما الأشهر بين الشروح
وأيضا يقول الإمام أبو حنيفة:
والرابعة، نقر بأن القرآن الكريم كلام الله تعالى غير مخلوق، ووحيه، وتنزيله، لا هو ولا غيره، بل هو صفته على التحقيق، مكتوب في المصاحف، مقروء بالألسنة، محفوظ في الصدور،
غير حال فيها، والحبر والكاغد والكتابة مخلوق، لأنها أفعال العباد، لأن الكتابة والحروف والكلمات والآيات دلالة القرآن، لحاجة العباد إليها.
وكلام الله تعالى قائم بذاته، ومعناه مفهوم بهذه الأشياء، فمن قال بأن كلام الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم، والله تعالى معبود لا يزال عما كان، وكلامه مقروء،
ومكتوب، ومحفوظ في الصدور من غير مزايلة عنه. اهـ الطبقات السنية في تراجم الحنفية)
فهل من أحد يجيب على هذه المسألة والإشكال فهل كلامه عن أبي حنيفة صحيح؟
انتظر ..
ـ[أبو محمد المزيني]ــــــــ[14 - 12 - 09, 10:47 م]ـ
ألا من شخص يجيب ..
فهل أخذ ابن كلاب مقالته من الإمام أبوحنيفة؟
فإما أن أبوحنيفة قال بذالك أو نرد على هؤلاء المزيفين قبل أن ينشروا هذا الشيء
ـ[حسن بن الشيخ علي وَرْسمه]ــــــــ[17 - 12 - 09, 10:59 م]ـ
أخي الفاضل: أقف مع هذا الكلام وقفات يسيرة على عجل لضيق الوقت:
أولاً: يقال: اثبت العرش ثم انقش، هذه العقيدة لا تصح نسبتها إلى الإمام أبي حنيفة والسند إليه في هذا الكتاب فيه ثلاثة ضعفاء، وقد بين غير واحد من أهل العلم والباحثين عدم صحته.
ثانياً: على فرض صحته فإن قول أبي حنيفة لا يتوافق مع قول ابن كلاب إطلاقاً: فابن كلاب يرى أن الكلام هي المعاني القائمة بالنفس فقط، والقرآن الموجود بين أيدينا هو عبارة عن كلام الله وليس كلام الله حقيقة، عبر عنه جبريل أو الرسول على أقوال عند الأشاعرة، أما أبو حنيفة فقد نص على خلاف ذلك - إن ثبت - فقال:" • و القرآنُ كلامُ اللهِ تعالى في المصاحِفِ مكتوبٌ، وفي القلوبِ محفوظٌ، وعلى الألسُنِ مقروءٌ، وعلى النبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ مُنزَّلٌ، ولفظُنا بالقرءانِ مخلوقٌ، وكتابتُنا لهُ مخلوقةٌ، وقراءتُنا لهُ مخلوقةٌ، والقرءانُ غيرُ مخلوقٍ. وما ذكرَهُ اللهُ في القرءانِ حكايةً عن موسى وغيرِهِ منَ الأنبياءِ، وعن فِرْعَوْنَ وإبليسَ، فإنَّ ذلك كلَه كلامُ اللهِ تعالى إخباراً عنهم، وكلامُ اللهِ تعالى غيرُ مخلوقٍ وكلامُ موسى وغيرِهِ منَ المخلوقينَ مخلوقٌ، والقرءانُ كلامُ اللهِ تعالى فهوَ قديمٌ، لا كلامُهُم. وسمِعَ موسى كلامَ اللهِ تعالى: {وكلَّمَ اللهُ موسى تكليماً} وقدْ كانَ اللهُ تعالى متكلماً، ولم يكنْ كلمَ موسى، اهـ.
ثالثاً: أن المراد من الكلام المذكور هو نفي التشبيه وليس غيره، حيث قال: " • وصفاتُهُ كلُها بخلافِ صفاتِ المخلوقينَ، يعلمُ لا كعلمِنا، يَقْدِرُ لا كقدرَتِنا، يَرَى لا كرؤيَتِنا، يتكلمُ لا ككلامِنا، ويسمعُ لا كسمعِنا. نحنُ نتكلمُ بالآلاتِ والحروفِ، واللهُ تعالى يتكلمُ بلا حروفٍ ولا آلةٍ. والحروفُ مخلوقةٌ، وكلامُ اللهِ تعالى غيرُ مخلوقٍ،
ويوضح هذا قوله أيضاً:" • ولهُ يدٌ ووجهٌ ونفسٌ كما ذكرَهُ اللهُ تعالى في القرءانِ، فما ذكرَهُ اللهُ تعالى في القرءانِ، منْ ذكرِ الوجهِ واليدِ والنفسِ فهو لهُ صفةٌ بلا كيفٍ، ولا يقالُ إنّ يدَهُ قدرتُهُ أو نعمتُهُ، لأنَّ فيهِ إبطالُ الصفةِ، وهوَ قولُ أهلِ القَدَرِ والإعتزالِ، ولكنْ يدُهُ صفتُهُ بلا كيفٍ، وغضبُهُ ورضاهُ صفتانِ من صفاتِهِ بلا كيف"
ـ[ناصر بن منصور]ــــــــ[17 - 12 - 09, 11:32 م]ـ
ألا من شخص يجيب ..
فهل أخذ ابن كلاب مقالته من الإمام أبوحنيفة؟
فإما أن أبوحنيفة قال بذالك أو نرد على هؤلاء المزيفين قبل أن ينشروا هذا الشيء
أخي .........
بارك الله فيك ونفع بك ......
هذه مسألة يطو ل النقاش فيها ............ وهي أشياء يثيرها الشيعة في الغالب ... لأنهم يقولون بخلق القرآن ...
ومعرفة منهج ومذهب مناقشك مهم ..
والكتاب لايصح نسبته للأمام ابو حنيفة ....
وهذا القول الذي نسب له مع التسليم بصحته جدلا ..
فهو قد رجع عنه كما جاء عن ابي يوسف انه ناقش ابو حنيفة ستة اشهر في المسألة .. حتى اتفق رايهما على أن من قال القرآن مخلوق فقد كفر ...
ويعزز هذا القول النقل الثاني الموافق لمذهب اهل السنة .....
وليكن في ذهنك ان الرجل سيأتيك اذا كان له شيء من أطلاع ببعض الاقوال لبعض الأئمة يرمي فيها ابو حنيفة بهذا القول .. وهي اما روايات ضعيفة لاتصح أو معارضة بمثلها من اقوال الأئمة او تحمل على اول أمره ...
فتدرج مع الرجل في النقاش اولا باثبات صحة الكتاب .....
وهذا رابط لكتاب قد استفاض في بحث المسالة أتمنى ان يكون فيه مايكفي ويشفي لمن يطلع على هذه المسالة .....
http://www.4shared.com/file/67039953/83351e56/ebu_hanife.html?err=no-sess
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/156)
ـ[ناصر بن منصور]ــــــــ[18 - 12 - 09, 03:38 م]ـ
أولاً: اعتذر عن الخطأ في الرد السابق حيث كلامي عن مسألة خلق القرآن والتي يقول بها المعتزلة ونسبت للأمام ..
ثانياً: سأجمل طريقة الرد على مخالفك في نقاط ..
أولا: اثبات صحة النقل ..
ثانياً: التزل جدلاً لقبول صحته .. وهنا .. تثبت:
أولاً: عدم فقهه وفهمه لما ينقل ... فليس في الكلام الذي نسبه للأمام مايوافق عقيدة الأشاعرة أو الكلابية ...
فالرجل ناقل غبي فالشبهة في قول المام لم ينقلها وهي قوله: فلما كلم موسى كلمه بكلامه الذي هو له صفة في الأزل .... فترجمها متأخري الأحناف الماتريدية بما يوافق قولهم .............
فالرجل لم يحدد موضع الموافقة الذي ادعاه في النص الذي استشهد به ....
ثانياً: تبيين عدم الأمانة في النقل: حيث أول كلام الإمام يبين معتقد ه الصحيح الموافق لكلام أهل السنة ... وهو قوله كما جاء في شرح الطحاوية: ((والقرآن كلام الله في المصاحف مكتوب، وفي القلوب محفوظ، وعلى الألسن مقروء، وعلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزل، ولفظنا بالقرآن مخلوق، وكتابتنا له مخلوقه، وقراءتنا له مخلوقة، والقرآن غير مخلوق، وما ذكره الله في القُرْآن حكاية عن موسى وغيره من الأَنْبِيَاء صلوات الله وسلامه عليهم وعن فرعون وإبليس فإن ذلك كله كلام الله تعالى، إخباراً عنهم.
وكلام الله غير مخلوق وكلام موسى وغيره من المخلوقين مخلوق، والقرآن كلام الله لا كلامهم، وسمع موسى عَلَيْهِ السَّلام كلام الله تَعَالَى فلما كلم موسى كلمه بكلامه الذي هو له صفة في الأزل، وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين يعلم لا كعلمنا ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا ويتكلم لا ككلامنا))
ثالثاً: الرد على الشبهة:
الشبهة هي قوله: فلما كلم موسى كلمه بكلامه الذي هو له صفة في الأزل.
فحرفوا مقصد الإمامبقولهم: إن كلامه الذي هو له صفة في الأزل هو الكلام النفسي.
والكلام الذي هو حروف وأصوات ليس هو الذي في الأزل .....
والرد عليهم من أوجه:
1 / تأكيد الأمام أكثر من مرة على أن القرآن كلام الله ليس مخلوق .. وهم يقولون كلام الله هو الكلام النفسي فقط والحروف مخلوقة
2/ قوله في الأزل مقصود به أتصاف الذات الإلهية بهذه الصفة وأنه لم يسمى متكلماً حتى كلم موسى .. بل هو متصف بهذه الصفة منذ الأزل ل ...
3 / قوله الإمام في الجملة التي سبقت هذه الكلمة: وسمع موسى عَلَيْهِ السَّلام كلام الله تَعَالَى ...
فهو دليل على خصوصية موسى .. وهم يرون ان الكلام يخلق في شيء أخر ...
فعلى هذا لا يكون هناك مزية لسماع موسى من الله عز وجل ..
فالله قد خلق الكلام في بني ادم .. فالكلام الذي نسمعه من الآخرين هو مخلوق لله ...
فمع الجمع بين الجملة التي حرفوها من كلام الأمام وماسبقها يتضح .. مخالفته لمنهجهم وموافقته لأهل السنة ..
فكلامه رد على أمثالهم الذين يقولون أن الله خلق كلام في الهواء فسمعه موسى ....
فهو هنا يؤكد ان موسى سمع كلام الله عز وجل ...
ـ[هشام أبو يزيد]ــــــــ[19 - 12 - 09, 08:24 ص]ـ
أحسنت أخانا ناصر بن منصور في ردك
الأشاعرة يقولون كلام الله بلا حرف ولا صوت، وفي النص المنقول عن أبي حنيفة: "وسمِعَ موسى كلامَ اللهِ تعالى: {وكلَّمَ اللهُ موسى تكليماً} " وهم يقولون إن الله خلق الكلام في الشجرة فسمعه موسى، لكنَّ أبا حنيفة يقرر أن موسى سمع كلام الله، وكلام الله ليس بمخلوق كما قال، فعلى هذا موسى سمع كلام الله بصوته وحروفه.
ومن عجيب ما تقرأ أن القرافي -وهو أشعري- يورد شبهة في كتابه (الأجوبة الفاخرة) فيقول إن النصارى يقولون عن المسلمين بأنهم يوافقونهم في بدعة حلول اللاهوت في الناسوت؛ لأن كلام الله خلقه في الشجرة التي سمع موسى الكلام منها، فأطال الكلام على الرد في أربع صفحات بما لا طائل تحته.
فانظر كيف جرَّءوا أهل الكفر على رميهم بموافقتهم في الزندقة جراء قولهم المبتدع هذا في كلام الله.
ثم إن القائل لهذا الكلام يتعامى عن كلامه الآخر "ولهُ يدٌ ووجهٌ ونفسٌ كما ذكرَهُ اللهُ تعالى في القرءانِ، فما ذكرَهُ اللهُ تعالى في القرءانِ، منْ ذكرِ الوجهِ واليدِ والنفسِ فهو لهُ صفةٌ بلا كيفٍ، ولا يقالُ إنّ يدَهُ قدرتُهُ أو نعمتُهُ، لأنَّ فيهِ إبطالُ الصفةِ، وهوَ قولُ أهلِ القَدَرِ والإعتزالِ، ولكنْ يدُهُ صفتُهُ بلا كيفٍ، وغضبُهُ ورضاهُ صفتانِ من صفاتِهِ بلا كيف"
فهل تجد أشعريا اليوم يثبت لله يدا ووجها ويمنع إطلاق النعمة والقدرة على اليد، بل حكمهم في قائل هذا بأنه مجسم حشوي وربما كفروه، ولكن الهوى يعمي ويصم.
ـ[أبو محمد المزيني]ــــــــ[30 - 12 - 09, 09:24 م]ـ
أشكر الإخوة شكر جم على هذا الرد ...
وقد أفدتم .. زادكم الله ..
وبالمناسبة أحب أن أضع رابط الموقع الصوفي .. ليس من باب نشر روابط المبتدعة
بل من باب أن يرد عليه أهل العلم
وهذا الموقع يغلب عليه أهل العلم
والموقع أتوقع يعرفه كثير منكم وهو مليء بالشبه ..
http://www.soufia.org/vb/index.php
ودمتم على خير(60/157)
الفرق الاسلامية (الجزء السابع) ........
ـ[مشاري بن خالد الاصقه]ــــــــ[13 - 12 - 09, 08:12 ص]ـ
الباب التاسعالقاديانيةتمهيد: التحذير من ظهور دجالين يدعون النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم:قال تعالى: ? مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ?.وقال:? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ?وجاء في السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام: ((وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء)). قال أبو الدرداء: ((صدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء)).فقد جمعت هذه النصوص بيان ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبيان إكمال الدين من عند الله ومن قبل المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبيان كمال النصح والشفقة من الرسول ?.وفي إثبات ختم النبوة وردت نصوص كثيرة ومنها: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي)).إذا لا نبي بعده عليه الصلاة والسلام، ولكن هناك جريئون لا يبالون بالكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، يدعون النبوة بكل صلافة. وفي هؤلاء يقول المصطفى ?:عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن بين يدي الساعة كذابين))).وتوجد أحاديث كثيرة كلها تكذيب لمن ادعى النبوة بعد النبي ?، مهما زخرف صاحبها القول وتفنن في الخداع والاحتيال. ولقد أجمعت الأمة وصار معلوماً من الدين بالضرورة أن الرسول? هو خاتم الأنبياء واتفق المسلمون على أن كل من يدعي النبوة، فإما أن يكون ملحداً كذَّاباً أو مجنوناً مهوساً، ومن المعلوم أن أعداء الإسلام والمستعمرين أصحاب المطامع في بلاد المسلمين لم يرضهم هذا المنهج الإلهي، وكذلك لم يرض هذا المنهج أصحاب النفوس المريضةفقام كذَّابون يدعون النبوة معرضين عن ما ذكر الله في كتابه وما ذكره رسوله محمد ? من انقطاع النبوة، وتظاهروا بالإسلام لتحقيق مطامعهموقد ذهب هؤلاء المغرمون بدعوى النبوة إلى تأويل النصوص الواردة في ختم النبوة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم تأويلاً شنيعاً باطنياً، سواء كانت تلك النصوص من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: ? مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ?.أو كانت من السنة النبوية، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((وحتى يبعث دجالون كذَّابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله)).أو قوله صلى الله عليه وسلم لعلي: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)). متلاعبين بمعانيها على حسب ما يخدم عقائدهم الإلحادية واثاروا البلبة في العالم الاسلام وساعدهم الاعداء على ذلك.* * * * * * * * * * * * * * * * **الفصل الأولكيف نشأت القاديانية؟ القاديانية وهي إحدى الفرق الباطنية الخبيثة، ظهرت في آخر القرن التاسع عشر المسيحي في الهند، وتسمى في الهند وباكستان بالقاديانية، وسموا أنفسهم في أفريقيا وغيرها من البلاد التي غزوها بالأحمدية؛ تمويهاً على المسلمين أنهم ينتسبون إلى الرسول ?.والقاديانية ثورة على النبوة المحمدية وعلى الإسلام ومؤامرة دينية وسياسية. احتضنها الإنجليز حين كانوا مستعمرين للهند، وتبنوها، وبذلوا لنصرتها ما في وسعهم من الإمكانيات المادية والمعنوية؛ وذلك لما رأوه فيها من تحقيق مآربهم والتمكين لهم واحتضنتها كذلك اليهودية العالمية، ولهم مراكز في أنحاء العالم وفي إسرائيل لنشر الإسلام بزعمهم وبدأت تظهر في العراق وسوريا وتنتشر في أندونيسيا وبعض بلدان أفريقيا. وصارت قاديان ثم الربوة عاصمة للقاديانية ومركز دعوة ودعاية لها. وقد قيض الله للتصدي لهم علماء أجلاء بينوا للمسلمين خطر هؤلاء القاديانيين وارتدادهم عن الإسلام، ومن هؤلاء كثير من علماء الهند وباكستان، وغيرهم من علماء البلدان الإسلامية، وبُذِلَت محاولات عديدة لجعل القاديانية أقلية غير مسلمة في باكستان.* * * * * * * * * * * * * * * * **الفصل الثانيمن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/158)
هو زعيم القاديانية؟ هو غلام أحمد القادياني، وفي نسبة أسرته يتضارب قوله؛ فهو يزعم أنه ينتمي إلى أسرة أصلها من المغول ومرة إن أسرته فارسية، ومرة أن أسرته صينية الأصل، ومرة أنه من بني فاطمة بنت الرسول ?، وأخرى قال بأنها جاءت من سمرقند، وزعم مرة أنه يرجع إلى بني إسحاق. وبعد كل هذا الخلط والاضطراب زعم أن الله أوحى إليه أن نسبه يرجع إلى فارس.ولقد ولد غلام أحمد في عام 1256هـ على أحد الأقوال في قرية قاديان إحدى قرى البنجاب بالهند. ولقد قرأ مبادئ العلوم وقرأ في المنطق والعلوم الدينية والأدبية في وكما قرأ الطب القديم على والده الذي كان طبيباً ماهراً وعرافاً حاذقاً، وقد كان يكثر القراءة والطلب وأجهد نفسه في ذلك، إلا أن جميع معلوماته عن الإسلام وعن النبي ? كانت مشوشة ومملوءة بالأخطاء والخلط الشنيع، كما ذكر عنه. ولقد بدأ حياته في تقشف وحاجة شديدة عبر عنها في كتابه: ضميمة الوحي بعدة أساليب.ولكن حينما تبوأ الزعامة الدينية وأقبلت الدنيا والهدايا الكثيرة التي تمدح بها، زاعماً أنها فضل من الله، ودليل على نبوته.مما يذكر عنه أنه كان قليل الفطنة مستغرقاً تبدو عليه البساطة والغرارة ومما يذكر في ترجمته أن الله قد عاجله بكثير من الأمراض وذكر عنه العلماء من المسلمين ومن كتَّاب القاديانيين من الأمراض ما لو جمعت على حجر لفلقته .. ويعتقد أنه كان يتظاهر بهذه الغفلة والسذاجة لأشياء في نفسه ومما يتصور أن هذه المبالغه في ذكر أمراض الغلام يراد من ورائها مكسب هام تمهيداً للإيحاء إلى الناس بأنه في تلك القوة من الاحتجاج والمناظرة والخطابة وكثرة تأليف لكتب التي بثَّها في العالم- إنما كانت بقوة ربانية وإلهام منه؛ أي ولولا ذلك لما استطاع أن يحفظ اسمه أو يكتب كلمة. وهذا من دهائه ومكره لإثبات النبوة؛ لأن أقل هذه الأمراض تمنع الشخص أن يملأ الخزائن بمؤلفاته، ولا تسمح له بالتفكير السليم فتكون النتيجة أن كل ما قاله الغلام وكتبه إنما كان إلهاماً جاهزاً من الله لا دور للغلام فيه إلا مجرد التبليغ، خصوصاً أن الغلام وأسرته كانوا يحبون أن تشيع هذه الأمراض عنه. وقد وصف الغلام بالبذاءة وسوء الأخلاق وطول اللسان هجاءاً مقذعاً للمخالفين والعلماء المعاصرين وعباد الله الصالحين، وكان مصداق صفة المنافقين التي جاءت في الأحاديث الصحاح: ((وإذا خاصم فجر))، وكان يكثر من سَبِّ مخالفيه. ولم يقتصر في سبه على المخالفين له حين تطاول فسب أنبياء الله الأطهار دون أن يكون له أي مبرر-إلا تغطية ضعف جانبه وبطلان أفكاره وسقوطها. وربما تصور الغلام أن نقضه لبناء الآخرين يشيِّد بنيانه، وأن ترفُّعه على الأنبياء يجعل منه نبياً أعلى منهم. كما عرف عنه التناقض في القضية الواحدة؛ ولقد كذب علي الله ورسوله،كما عرف عنه الاحتيال لأخذ أموال الناس وعدم الوفاء بالتزاماته لهم، وتعليل ذلك بما لا مقنع فيه لأحد. ولقد كان وهو عائلته من اكبر العملاء لبريطانيا ونصرتها ومن المفتخرين بذلك ولقد بادله البريطانين هذا الاهتمام والنصره.* * * * * * * * * * * * * * * * **الفصل الثالثما موقف القادياني من ختم النبوة؟ وقد حاول القادياني التلاعب بعقول المسلمين وإيهامهم أن نبوته لا تتعارض مع القول بختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، مستعملاً في ذلك شتى أنواع التأويلات الباطنية للتمويه والتعميم على نبوته الجديدة، وقد رصد العلماء كل تلك المفاهيم والتأويلات الباطلة، وكانت هذه المواقف تمثل البدايات الأولى لظهور الغلام، ولكن بعد مدة من الزمن، وبعد أن اشتد طمعه في إثبات النبوة له تمرد وعتا وادعى هو وجماعته بكل وضوح أن النبوة لا تزال ولن تزال أبداً تحل بأشخاص وتنتهي عن أشخاص دون انقطاع، وأن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وركبوا لذلك كل صعب وذلول، ولم يكترثوا بأن هذا كفر صريح بما جاء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، وبدلاً من أن يرجعوا إلى الحق أخذوا يتفننون في بيان مفهوم ختم النبوة على معان مختلفة وتأويلات ملفقة، منها:1. أذا وصل الانسان إلى درجة الوحي والإلهام والنبوة فإنه-ومع تسميته نبياً- لا يتعارض هذا المفهوم-مع مفهوم ختم النبوة لا اذا ادعاه شخص من غير امة محمد ?.ما المغالطة في هذا الكلام:• أن النبوة لا تأتي من فيض أحد؛ بل هي تَفَضُّلٌ من
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/159)
الله تعالى على من يشاء من خلقه.• لماذا لا يكون النموذج الذي يدعيه الغلام عاماً؛ بحيث يحق لكل شخص أن يتصف به، فكيف احتكره القادياني بدون أن يذكر أي مبرر له.2. أن معنى القول بختم النبوة بمحمد ? أنه قد تمت عليه كمالات النبوة وأنه لا يأتي بعده رسول ذو شريعة جديدة، ولا نبي من غير أمته.3. أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم هو صاحب الفيوضات الكمالية التي لم يعطها أحد غيره؛ ولذلك سمي بخاتم النبيين ((أي أن إطاعته تمنح كمالات النبوة، وأن التفاته الروحي يصنع الأنبياء)).أن معنى الختم هنا هو تأخير النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر قرناً لتظهر عظمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي بعد ذلك ما يقتضي إظهار عظمة الإسلام بظهور من تطلق عليه كلمة النبي، لتبقى سلسلة النبوة متصلة الحلقات، ومن هنا أجريت على لسانه صلى الله عليه وسلم كلمة النبي للمسيح الموعود في آخر الزمان.4. أن الغلام هو ظل للرسول صلى الله عليه وسلم لبقاء النبوة في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الآن، وانعكاس ظلية الكمالات المحمدية في الغلام، ومن هنا فلا تأثير في نبوة الغلام على القول بختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعلى الناس أن يتركوا عقولهم ويصدقوا هذا الهراء.5. أن القول بانقطاع النبوة وختمها بمحمد صلى الله عليه وسلم ينافي حاجة الناس إلى الرسل والأنبياء التي هي دائمة الوجود بين الناس، وشهادة الله بإكمال الدين الإسلامي يجب التغاضي عنها لتصدق مزاعم القادياني.6. كما أن القول بختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم فيه اتهام لله بأنه نفذت خزائنه، وأنه لم يعد قادراً على إرسال الرسلولكي لا نصف الله بالعجز يجب أن نثبت أن والده نبي ورسول!! * * * * * * * * * * * * * * * * **الفصل الرابعكيف وصل القادياني إلى دعوى النبوة؟ لقد تدرج غلام أحمد لدعواه النبوة وسلك مسالك عديدة، وقطع مراحل متفاوتة بينها اختلاف واضطراب، كل مرحلة بنت وقتها. لقد كان الميرزا في بدء حياته خامل الذكر، لا يُعبأ به ولا يُذكر بخير أو شر. ثم اتجه إلى التأليف والمناظرات بين شتى الأفكار والفرق، وقد بدأ مناظراً جلداً عن الإسلام والمسلمينومن هنا بدأت الأنظار تلتفت نحوه وذاع صيته وأعجبته نفسه ومواهبه، فبدأ يحتطب في حبله وطلب من الناس أن يبايعوه، ولم يبخل على نفسه بلقب مجدد العصر. وأعلن أنه بدأ في تأليف كتاب كبير في إثبات فضل الإسلام وإعجاز القرآن وإثبات نبوة محمد?، والرد على الديانات السائدة في الهند، وسمى هذا الكتاب ((براهين أحمدية)) وتكفل المؤلف القادياني في أن يجمع في هذا الكتاب ثلاثمائة دليل على صدق الإسلام في خمسين مجلداً، يدفع فيه كل الاعتراضات والإيرادات التي يعترض بها الكفار عامة على الإسلامثم جاءت سنة 1900م وبدأ الخواص من أتباعه يلقبونه بالنبي صراحة وكان موقفه التوقف في ذلك، ولم تدم هذه الفترة طويلا، فبعد سنة 1901م أسفر عن وجهه الحقيقي بأنه نبي كامل، وأن كل ما قاله أو كتبه من أنه نبي غير كامل صار منسوخاً بثبوت نبوته. ثم أدركه بعد ذلك عرق السوء في سنة 1904م، فاحتقر النبوة ورآها غير كافية في شخصه فادعى أنه ((كرشن))، وهو معبود من معبودي الهنادك. وإلهامات الغلام كلها من الشياطين، وقد ظهر الكذب فيها والتكلف الممقوت رغم أنه يصوغها على غرار الآيات القرآنية، يريد أن يوحى به إلى الناس على أنه إلهام من الله له ووحي مباشر إليه، يتبين ذلك من خلال صيغته وإنشائه. لقد كثرت إلهامات الغلام التي جعلها بمثابة وحي من الله تعالى، وهي أفكار زخرفها، وتقوَّلَ فيها على الله تعالى وتنطع، وخرج عن الإيمان بالإسلام وبختم النبوة المحمدية. وبعد أن أعاد القادياني وأبدى في دعوى الإلهام انتقل إلى الدعوى الثانية وهي أنه المسيح الموعود. وقد وجهه صديقه الحكيم إلى دعوى أنه مثيل للمسيح ولقد ألف عدة كتب في إثبات هذا المفهوم الجديد، وله نصوص كثيرة فيه. ولقد كان لنور الدين اليد العليا على الغلام؛ حيث كان يمهد له الصعاب ويشاركه في إبراز القضايا الخطيرة وطريقة حلها وتوجيهها. وحينما وصل إلى الدرجة النهائية لتدرجه إلى مقام النبوة صرح بآخر تفاصيل الخطة، وأزاح الضباب الذي جعله سابقاً غطاء للوصول إلى هذه الدرجة التي أعلن فيها نبوته، وصال وجال وتحدى الناس وراهن على
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/160)
صدق نبوته وصدق نفسه أنه نبي، ومن هنا انطلق آخذاً في اعتباره أن يغطي الإسلام برداء نبوته الجديدة.* * * * * * * * * * * * * * * * **الفصل الخامسما نبوءات الغلام المتنبئ؟ وبعد أن أثبت لنفسه النبوة كان حتماً عليه أن يخبر بالمغيبات على طريقة الرسل الذين يطلعهم الله على غيبه لمصلحة يعلمها عز وجل. فكان الغلام إذاً على نفس المسلك، ولكن كان بينه وبين المسلك النبوي كما بين السماء والأرض. لقد ظن الغلام أنه بمجرد الإخبار بالمغيبات تثبت نبوته، وتناسى مصداق ما يخبر به النبي ووقوعه على وفق ما أخبر، ولقد خانه الحظ السعيد في أغلب أخباره فكانت تأتي النتائج سلبية وبعكس ما يخبر به تماماً مرة بعد مرة، ولقد عانى هموماً شديدة من ذلك، إلا أنه كان يحاول إخفاء ذلك بشتى الأجوبة والحيل لتغطية الفشل الذريع الذي كان يمنى به، ولكنه كان من الثبات بمكان؛ فلا يفشل في خبر إلا وقد جاء بغيره على طريقة الكهان الذين يصدقون في كل مائة كذبة مرة واحدة، لتكون منطلقاً لنشرها بين الناس. وتنبؤاته كثيرة ومتنوعة، بعضها يعود إلى حياته الشخصية وبعضها إلى غيره من الناس، وبعضها إلى الأحوال الطبيعية والتغيرات المستمرة في الكون وقد صارت أخبار نبوءاته وفشله فيها من الحكايات التي يتسلى بها الناس. ورغم وقوع القادياني في أكثر من موقع حرج يبطل ما يتنبأ به، فإنه لم يتعظ من كل حادثة يكذب فيها، بل يشفع الكذبة بأخرى، ولعله كان يأمل أن يصيب مرة ويخطئ مرة أخرى، وقد بدأ القاديانيون يفسرون تلك النبوءات تفسيرات وتأويلات متكلفة؛ ليوهموا الناس بصدق غلامهم، كما أن الغلام نفسه وبعد أن ذاق الأمرين من تنبؤاته الكاذبة سلك مسلكاً آخر لتنبؤاته؛ وهو أنه إذا سمع بحادثة ما زعم على الفور أنه كان قد تنبأ بها، وأخبر بها قبل وقوعها وكل كاذب يجد من يصدقه، ولكل صوت صدى.* * * * * * * * * * * * * * * * **الفصل السادسهل فضل نفسه على الأنبياء وغيرهم وغلا في ذلك؟ لم يقتصر الميرزا على التنبؤ، بل حمله غروره على أن فضّل نفسه على أكثر الأنبياء والمرسلين، وأنه جُمع فيه ما تفرق في أنبياء كثيرين؛ فما من نبي إلا وقد أخذ منه قسطاً. وله نصوص كثيرة في تفضيله نفسه على سائر البشر، مع أنه كان في أول أمره يصف نفسه بالمسكين والضعيف. ولقد زاد على جهله بحق الأنبياء الجهل بحق الله عز وجل؛ فها هو يثبت أن الله قال له: ((أنت مني بمنزلة أولادي)).* * * * * * * * * * * * * * * * **الفصل السابعما أهم عقائد القاديانية؟ لقد تخبط القادياني وأتباعه في متاهات عديدة وجاءوا بأفكار شاذة غريبة، وتناقضوا في أقوالهم وأفعالهم. ومن الأمور التي تظهر في معتقدات زعيمهم القادياني مبادئ كثيرة ننبه إليها:1. التناسخ والحلول:اعتقاد التناسخ والحلول، وأن الأنبياء تتناسخ أرواحهم وتتقمص روح بعضِهِم وحقيقَتُه جَسَد وحقيقَةَ آخرين، وتظهر في مظهر الجسد الآخر تماماً، وقد قال ليثبيت بعثته ونبوته. بين البشر، بل الأدهى والأمرُّ من ذلك أنه ادعى حلول الله عز وجل فيه.2. التشبيه:كما أن للقادياني أقوالاً كفرية في وصف الله تعالى؛ فهو يزعم أن الله قال عن نفسه جل وعلا: بأنه يصلي ويصوم ويصحو وينام، وأنه يخطئ ويصيب. ويبلغ منتهى التشبيه والتجسيم حين زعم على الله مالا يليق ولاينبغي. لقد وصل في تشبيه رب العالمين إلى مثل ما وصل عتاة التجسيم والتشبيه؛ مثله مثل هشام بن الحكم الرافضي وغيره، ممن ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يظن أنه يحسن صنعاً. وأغلب الظن أنه متأكد من انه لم يحسن في حركته صنعاً، ولكن غلبته شهوته وحبه الزعامة.* * * * * * * * * * * * * * * الفصل الثامنما علاقة القاديانية بالإسلام وبالمسلمين وبغير المسلمين؟ وما موقف علماء الهند وباكستان من القاديانيين؟ لقد ابتعد القادياني وعن الإسلام والمسلمين، وزاحمت القاديانية الإسلام، وأرادت أن تحل محله في العقيدة والفكر والعاطفة، وقطعت أقوى صلة للقاديانية بالإسلام، وجعلت كل من يدخل هذه الديانة الجديدة أو الإسلام الجديد بعيداً عن الإسلام الذي ارتضاه رب العالمين لخلقه. ومن هنا نراهم يقارنون بين أصحاب الرسول ? وبين أتباع الغلام، دون أن يجدوا في ذلك أي حرج. وعاملوا المسلمين على الأسس الآتية:1. أن المسلمين كفار ما لم يدخلوا في القاديانية؛ لأنهم يفرقون بين
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/161)
الرسل،2. إنه لو مات مسلم، فإنه لا يجوز للقادياني الصلاة عليه ولا دفنه في مقابرهم؛ لأنه كافر لعدم إيمانه بنبوة الغلام، فلا تجوز الصلاة عليه ولو كان طفلاً أيضاً.3. لا يجوز نكاح المسلم بالقاديانية، ويجوز ذلك للقادياني كما هو الحال بالنسبة لأهل الكتاب.4. لا تصح الصلاة خلف غير القادياني مهما كانت منزلته، وإذا فعل ذلك تقية أو لمصلحة، فعليه أن يعيد تلك الصلاة حتماً، حتى وإن كان صلاها في أحد الحرمين الشريفين، وهذه التقية أو النفاق هو الأساس الذي قام عليه مذهب الشيعة والباطنية والقاديانية.5. لا يجوز حضور اجتماعات المسلمين سواء كانت في أفراحهم أو في مصائبهم، بل ولا يجوز أن يذكر المخالف للقاديانية من المسلمين أو يترحم عليه أو يستغفر له.6. بل و أبعد من هذا أنهم لا يجوزون الصلاة على من يصلي من القاديانيين خلف المسلمين أو يتعامل معهم أو يوادهم.ما علاقتهم بغير المسلمين؟ وأما علاقتهم بغير المسلمين فنوجزها فيما يلي:لقد قامت بين القاديانيين وبين كثير من الملل المخالفة للإسلام علاقات قوية، خصوصاً بينهم وبين الدول المعادية للمسلمين، مثل بريطانيا وإسرائيل اليهودية الحاقدة. ورحب القوميون الهنود بالقاديانية وفرحوا بها وتحمسوا لها كثيراً، لأن هؤلاء الهنادك يحقدون على الإسلام حقداً لا يقل عن حقد اليهود والنصارى، وضايقهم جداً توجه المسلمين الهنود بقلوبهم إلى نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وكتاب ربهم.* * * * * * * * * * * * * * * * **الفصل التاسعما أسباب انتشار القاديانية؟ الأسباب التي ساعدت على انتشار وباء القاديانية:1. جهل كثير من الناس بحقيقة الدين الذي ارتضاه الله.2. وقوف الاستعمار إلى جانب هذه الدعوة الخبيثة وتأييده لها مادياً ومعنويا.3. استغلال القاديانيين لفقراء بعض المسلمين، بمساعدتهم المادية.4. نشاط القاديانيين وذهابهم إلى الأماكن النائية من بلدان المسلمين التي يكثر فيها الجهل.5. تمويه القاديانيين على السذج من المسلمين، بأن القاديانية والإسلام شيء واحد، وأن القاديانية ما قامت إلا لخدمة الإسلام.6. عدم قيام علماء الإسلام بالتوعية الكافية ضد القاديانية وغيرها من الطوائف الضالة التي بدأت تنتشر في هذا الزمن أكثر من أي وقت مضى. هذه هي أهم الأسباب وربما توجد أسباب أخرى كثيرة ساعدت في نشر القاديانية في أماكن كثيرة من بلدان المسلمين. ولقد عزى الشيخ إحسان إلهي-رحمه الله- سبب انتشار القاديانية في بلدان المسلمين وخصوصاً أفريقيا وأوروبا إلى أهم الأسباب الآتية:1. مساعدة الاستعمار بشتى أشكاله لهم؛ حيث يمدونهم بكل أنوع المساعدات.2. قلة وجود العلماء المسلمين الحقيقيين وشغور مناصبهم في تلك البلاد.3. جهل أكثر المسلمين لحقيقة القاديانية الأصلية وأهدافهم.4. غفلة العالم الإسلامي عن أفريقيا، في الوقت الذي تنشر فيها القاديانية.5. وجود مئات المبلغين القاديانيين الذي يتجولون من أدنى أفريقيا إلى أقصاها.6. أقاموا فيها 47 سبعاً وأربعين مدرسة وبنوا 260 مائتين وستين مسجداً.7. كما فتحوا في الآونة الأخيرة مستشفيات ودوراً اجتماعية في مختلف أنحائها.* * * * * * * * * * * * * * * * **الفصل العاشرمتي كانت وفاة القادياني وكيف؟ وقعت في عام 1907م بين القادياني وبين العلامة ثناء الله الأمر تسري مناظرات خرج الغلام منها مدحوراً مغضباً، ثم تحدى القادياني الشيخ ثناء الله بأن الله سيميت الكاذب منهما في حياة الآخر، ودعا الله تعالى أن يقبض المبطل في حياة صاحبه، ويسلط عليه داء مثل الهيضة والطاعون يكون فيه حتفه. وفي شهر مايو 1908م أجيبت دعوته فأصيب بالهيضة الوبائية الكوليرا في لاهور، فمات في بيت الخلاء وكان جالساً لقضاء حاجته: ?وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ?.ونقلت جثته إلى قاديان حيث دفن في المقبرة التي سماها بمقبرة الجنة بهشتي مقبرة، وعاش ثناء الله بعده أربعين سنة في نضال القاديانيين والرد عليهم.* * * * * * * * * * * * * * * * **الفصل الحادي عشراذكر بعض زعماء القاديانية؟ برز كثير من زعماء القاديانية وكبرائهم متخذين من حيل القادياني وضلالاته منهجاً لهم.وطمع بعضهم في نفس المكانة التي احتلها زعيمهم إلا أن بريطانيا لم تشأ أن تقويهم إلى حد نصرتهم على ادعاء النبوة، كما فعلت مع الغلام؛ لئلا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/162)
يذهب تأثير القاديانية من نفوس أتباع القادياني بحيث تصبح النبوءة متعددة في عصر واحد، مما يستدعي فتور الناس عن التصديق، أو الشك في نبوة الغلام، فتخسر ما بنته في أعوام عديدة، وكانوا أذكى من أولئك الذين تشوقوا للنبوة. وفيما يلي نذكر بعض أولئك الزعماء بصورة موجزة؛ إتماماً للتعريف بالقاديانيين وهم بالإضافة إلى الغلام أحمد القادياني المؤسس الأول للقاديانية:1 - الحكيم نور الدين البهيروي.2 - محمود أحمد.وهناك شخصيات أخرى قاديانية – مثل:محمد أحسن أمر ومنهم: محمد صادق ومنهم: يار محمد، ومنهم نور أحمد ومنهم عبد الله تيمابوري. ولقد هان أمر النبوة في نظر صحابة الغلام، فادعى كل واحد أنه هو النبي المبعوث بعد الغلام، وكوّنوا جماعة قاديانية أخرى حصل بينهم نزاعات كثيرة إلا أنه كان يجمعهم تقريباً انتسابهم إلى الغلام، وأن الغلام القادياني نبي الله ورسوله كما أنهم أنبياء الله ورسله ولا نجاة لمن لم يؤمن بنبوة الغلام أحمد ونبوتهم. والفرق بينهم وبين المتنبي الغلام القادياني-بزعمهم- أن الغلام اكتسب النبوة بلا واسطة، وهم اكتسبوها بواسطته، وكانوا خلفاً جيداً للغلام وجيداً للاستعمار البريطاني.* * * * * * * * * * * * * * * * **الفصل الثاني عشرماهو الفرع اللاهوري القادياني؟ أمير هذا الفرع هو محمد علي من أوائل المنشئين صرح القاديانية، وممن كان له يد ومنّة عظيمة في توجيه الغلام المتنبي ومساعدته بالفكر والقلم أيضاً، وكان هو الآخر من أشد المخلصين للإنجليز والمحرضين على بذل الطاعة التامة لهم، وقد كانت لهم مواقف مع الغلام وأسرته؛ إذ كان أحياناً يتبرم من استبداد المتنبي بالأموال التي تصل إليه من أتباعه، فيصرح للمتنبي بهذا ويرد عليه المتنبي هذه التهمة. وبعد وفاة الغلام استفحل الخلاف بين أسرة المتنبي ومحمد علي، حول اقتسام الأموال التي جاءتهم حيث استغلها ورثة المتنبي مع علمهم ((بأن هذه النبوة شركة تجارية وهم كلهم شركاء فيها)) ولعل هذه الخلافات الشخصية لم يكن لها تأثير على إتمام الخطة وإحلال القاديانية محل الإسلام، خصوصاً والقوة التي أنشأت الغلام وفكرته لا تزال هي القوة، والمتآمرون لا يزالون في إتمام حبكها وتنفيذها. أما بالنسبة لحقيقة معتقد هذا الرجل في غلام أحمد، وهل كان متلوناً أو كان له مبدأ أُمليَ عليه، أو كان مقتنعاً به دون تدخل أحد، فإن الذي اتضح لي من كلام العلماء الذين نقلوا عنه آراءه أنهم مختلفون على النحو الآتي:1. منهم من يرى أن (محمد علي) اختير من قبل الساسة الإنجليز لإتمام مخطط القاديانية بطريقة يتحاشى بها المواجهة مع مختلف طوائف المسلمين في الهند والباكستان وغيرهما، ويتحاشى بها كذلك مصادمة علماء الإسلام الذين نشطوا في فضح القاديانية وإخراجها عن الدين الإسلامي.2. ومنهم من يرى أن (محمد علي) وفرعه كانوا يعتقدون أن الميرزا غلام أحمد لم يدَّعِ النبوة، وكل ما جاء عنه في ذلك إنما هي تعبيرات ومجازات، وكابروا في ذلك اللغة وكابروا الواقع.3. وذهب الأستاذ مرزا محمد سليم أختر في كتابه: ((لماذا تركت القاديانية؟)) إلى رأي آخر حيث قال بعد أن ذكر ما وقع بين محمد علي وجماعة الربوة من خلاف على منصب الخلافة بعد نور الدين-قال: ((وأنكر نبوة الميرزا ليكسب العزة عند المسلمين))، ثم قال: ((ولم ينكر أحد هذه الحقيقة: أن (محمد علي) أقر بنبوة الميرزا، وإنكاره لنبوته يعتبر كالعقدة في الهواء)).* * * * * * * * * * * * * * * * **(60/163)
اجتماع هرقل بكبار علماء النصارى .. هل هو مذكور في كتب النصارى؟؟
ـ[عبدالله البدري]ــــــــ[13 - 12 - 09, 11:14 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
قرأ جميعنا حديث أبو سفيان رضي الله عنه عندما كان بالشام فدعاه هرقل عظيم الروم لكي يسأله عن علامات نبوة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام .. ثم حكاية إجتماعه مع كبار علماء النصرانية في ذلك الوقت .. فهل من ذكر لهذا الاجتماع في كتب النصارى الآن وما تمخض عنه من قرارات .. حتى نستدل به عليهم وعلى إضمارهم الكفر ببشارة عيسى عليه السلام .. وأن محمد -عليه الصلاة والسلام- هو النبي الخاتم وبشارة عيسى عليه السلام.(60/164)
منتدى عقيدةِ أهل السنة والجماعة بملتقى أهل الحديث .. (قاعةُ بحثٍ مُتخصِّصة)
ـ[سلطان بن عبيد العَرَابي]ــــــــ[13 - 12 - 09, 05:05 م]ـ
السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
الحمدُ لله والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ الله وبعدُ
رُغمَ حداثة اشتراكي في هذا الملتقى المُبارك إلاَّ أنني لمستُ فيهِ فائدةً علميَّةً عجيبةً
فمع وجود المشايخ وطلبة العلم المتخصِّصين وإثرائهم للمسائل العلميَّة
إلاَّ أنَّه ثمةَ أمرٌ آخر لا يقِلُّ أهميَّة عنه وهو طرحُ المسائلِ العقديةِ المُهمَّة
والتي من شأنها إعمالُ الهِمَمِ للبحث في بطون كتب أهل العلم واستخراج المسائل
وهذا الذي أعنيه بكون هذا الصرح الشامخ منارةً من منارات العلم وقاعةَ بحثٍ مُتخصِّصة
وحتى يكتمِلَ عِقدُ الفائدةِ فلا بُدَّ من مُراعاة أمورٍ في نظري أنها مُهمَّة؛ وهي:
1 - الحرصُ على التوثيق العلمي بقدر الإمكان؛ لأنَّ التوثيقَ يُفيدُ القارئ والباحث في إحالاتِ المصادرِ والمراجع.
2 - الأمانةُ في النَّقلِ ولو كان من موقعٍ الكتروني.
3 - مُحاولةُ بحثِ المسألةِ المطروحةُ للنقاش في بطون كتب أهل العلم، ولو جاء الردُّ مُتأخِّراً فقد يكون أقوى الردود لما اشتملَ عليه من مزيدِ بحثٍ وتنقيب.
4 - قد نستفيدُ من المكتبةِ الشاملة للإجابة عن بعض الأسئلة أو الإشكالات؛ لكنَّها غير كافية؛ إذ قد يكون هناك بحثٌ أو كتابٌ لم تشتمل عليه الشاملة ضمن كتبها.
هذه بعض الأمور ومن أراد أن يُتحِفنا بالمزيد فليتفضل ..
أخيراً شكري ودعائي للقائمين على هذا الملتقى لعظيمِ الفائدة التي حصَّلتها بين هذه الكوكبة المباركة من طُلاَّب العلم.
وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبة أجمعين.
ـ[أبو الهمام البرقاوي]ــــــــ[13 - 12 - 09, 05:15 م]ـ
جزاك َ الله خيرا ً .. أخي العَرَابي ...
وكثيرا ما كتَبَ في ذلك الإخوان .. - التثبتُ في النقل -
بارك اللهُ فيكم
ـ[سلطان بن عبيد العَرَابي]ــــــــ[13 - 12 - 09, 07:52 م]ـ
السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
وهذه إضافةٌ من أحدِ مشايخنا الفضلاء أُضيفها إلى ما سبق ..
5 - فهْمُ الكلام والمسألةِ والسؤال قبل الردِّ عليه.
6 - عدمُ الانحراف بالموضوع الأصلي والمشاركة الأساسية عن مسارها.(60/165)
فَتَرْضَّ عَنْهُمْ يَا شِيعِيُّ تفلحْ ..
ـ[ضيدان بن عبد الرحمن اليامي]ــــــــ[13 - 12 - 09, 11:53 م]ـ
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/ 400، 401) في خاتمة ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ:
" أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنَ الْفِتَنِ، وَرَضِيَ عَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، فَتَرْضَّ عَنْهُمْ يَا شِيعِيُّ تفلحْ، وَلا تَدْخُلْ بَيْنَهُمْ، فَاللَّهُ حَكَمٌ عَدَلٌ، يَفْعَلُ فِيهِمْ سَابِقَ عِلْمِه ِ، وَرَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَهُوَ الْقَائِلُ: (إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي) وَ (لا يسأل عمّا يفعل و هم يسألون) فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَعْفُوَ عَنَّا، وَأَنْ يُثَبِّتَنَا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ، آمِينَ ".(60/166)
نزول ربنا تعالى
ـ[حسن القحطاني]ــــــــ[14 - 12 - 09, 10:40 ص]ـ
كيف الجمع بين حديثين صحيحين عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في مسألة نزول ربنا تعالى:
الأول: {ينزل ربنا في ثلث الليل الآخر ....... }
الثاني: {ينزلربنا عشية عرفة ... }
أرجو الإفادة
ـ[أبو قتادة وليد الأموي]ــــــــ[21 - 01 - 10, 12:55 ص]ـ
وما وجه التعارض أصلًا؟!(60/167)
الرد على الأشاعرة في الصفات (قواعد مهمة)
ـ[أبو ناصر المكي]ــــــــ[14 - 12 - 09, 11:50 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى لآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد وردني سؤالٌ على الخاص مفاده:
ما هي أهم النقاط العامة التي يمكن كتابتها في الرد على الأشاعرة المعاصرين في باب الأسماء و الصفات، مع المحافظة على الأصالة في الاستدلال؟
وقد وودت أن يكون جوابه مشتركاً حتى يفيد سائله من رواد الملتقى وننتفع جميعاً بإضافات الإخوة واستدراكاتهم، -وأبدأ بما كتبته ونقلت أكثره- في ذلك فأقول:
يرد على هؤلاء الأشاعرة المعاصرين بمثل ما ردّ به علماؤنا السابقون على أضرابهم المتقدمين، ومنهم شيخ الإسلام في كتابه العظيم التدمرية، حيث ذكر جملة من القواعد المهمة في هذا الباب، ومنها:
القول في بعض الصفات كالقول في بعض:
فالأشاعرة الذين يثبتون بعض الصفات وينفون بعضها، كالحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة، ويجعلونها صفات حقيقية، ثم ينازعون في محبة الله ورضاه، وغضبه وكراهيته، ويجعلون ذلك مجازاً، أو يفسرونه بالإرادة، أو يفسرونه بالنعم والعقوبات.
فيقال لهؤلاء: لا فرق بين ما أثبتموه وما نفيتموه، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر، فإن كنتم تقولون: حياته وعلمه كحياة المخلوقين وعلمهم، فيلزمكم أن تقولوا في رضاه ومحبته كذلك.
وإن قلتم له حياة وعلم وإرادة تليق به ولا تشبه حياة المخلوقين وعلمهم وإرادتهم، فيلزمكم أن تقولوا في رضاه ومحبته وغضبه كذلك.
وإن قلتم: إن الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، فكذلك يقال: الإرادة ميل النفس إلى جلب مصلحة أو دفع مضرة، فإن قلتم: هذه إرادة مخلوق، قلنا: هذا غضب مخلوق.
ومن القواعد المهمة في هذا الباب أن يقال لهم:
الصفات التي وردت في الكتاب والسنة حق يجب الإيمان بها كما جاءت من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تأويل.
أما ما يطلقه الناس على الله – سبحانه – مما لم يرد في الكتاب والسنة مما يتنازع فيه الناس فلا نثبته ولا ننفيه حتى نتبين مراد قائله منه.
فمثلاً يقال لمن نفى الجهة: ماذا تعني بالجهة؟ إن كنت تعني أن الله في داخل جرم السماء، وأن السماء تحويه، فلا يجوز أن نقول: إن الله في جهة، وإن كنت تريد أن الله فوق مخلوقاته فوق السماوات فهذا حق.
وكذلك التحيز، إن كان المراد أن الله تحوزه المخلوقات فهذا باطل قطعاً، وإن أراد أنه منحاز عن المخلوقات، أي: مباين لها فهذا حق.
ومن القواعد أيضاً أن يقال بأن التعطيل سببه اعتقاد التشبيه:
وقد وضح هذه القاعدة العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى، وبين أن أصل البلاء وأسه هو تنجس القلب وتلطخه وتدنسه بأقذار التشبيه، فإذا سمع ذو القلب المتنجس بأقذار التشبيه صفة من صفات الكمال، التي أثنى الله بها على نفسه، كنزوله إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الأخير، وكاستوائه على عرشه، وكمجيئه يوم القيامة، وغير ذلك من صفات الجلال والكمال، فإن أول ما يخطر في ذهنه أن هذه الصفة تشبه صفة الخلق، فيكون قلبه متنجساً بأقذار التشبيه، لا يقدّر الله حق قدره، ولا يعظم الله حق عظمته، حيث يسبق إلى ذهنه أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق، فيكون أولا نجس القلب متقذراً بأقذار التشبيه، فيدعوه شؤم هذا التشبيه إلى أن ينفي صفة الخالق – جلّ وعلا – عنه، بادعاء أنها تشبه صفات المخلوق، فيكون أولاً مشبهاً، وثانياً معطلاً، فصار ابتداء وانتهاءً متهجماً على رب العالمين، ينفي صفاته عنه بادعاء أن تلك الصفة لا تليق به.
وذكر الشيخ – رحمه الله تعالى – قاعدة أصولية أطبق عليها من يعتد به من أهل العلم، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا سيما في العقائد، ولو مشينا على فرضهم الباطل، أن ظاهر آيات الصفات الكفر، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤول الاستواء (بالاستيلاء)، ولم يؤول شيئاً من هذه التأويلات، ولو كان المراد بها هذه التأويلات لبادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيانها؛ لأنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/168)
وبين الشيخ – رحمه الله تعالى – أن الواجب على المسلم إذا سمع وصفاً وصف به خالق السماوات والأرض نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم أن يملأ صدره من التعظيم، ويجزم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والجلال والشرف والعلو ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون القلب منزّها معظما له جلّ وعلا، غير متنجس بأقذار التشبيه، فتكون أرض قلبه قابلة للإيمان والتصديق بصفات الله التي تمدّح بها، وأثنى عليه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، على غرار قوله: (ليس كمثله شيءٌ وهو السَّميع البصير) [الشورى: 11]، والشر كل الشر في عدم تعظيم الله، وأن يسبق في ذهن الإنسان أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق، فيضطر المسكين أن ينفي صفة الخالق بهذه الدعوى الكاذبة الخائنة.
ومن القواعد أيضاً أن يقال: آيات الصفات ليست من المتشابه:
وقد ذكر الشيخ الشنقيطي – رحمه الله – أن كثيراً من الناس يطلق على آيات الصفات اسم المتشابه، وهذا من جهة غلط، ومن جهة قد يَسُوغ كما بينه الإمام مالك بن أنس بقوله: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب ".
كذلك يقال في النزول: النزول غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب، واطرده في جميع الصفات؛ لأن هذه الصفات معروفة عند العرب، إلا أن ما وصف به خالق السماوات والأرض منها أكمل وأجل وأعظم من أن يشبه شيئاً من صفات المخلوقين، كما أن ذات الخالق – جلّ وعلا – حق، والمخلوقون لهم ذوات، وذات الخالق – جلّ وعلا – أكمل وأنزه وأجل من أن تشبه شيئاً من ذوات المخلوقين.
ومن القواعد أيضاً أن يقال: ليس ظاهر الصفات التشبيه حتى تحتاج إلى تأويل:
المقرر في الأصول أن الكلام إن دل على معنى لا يحتمل غيره فهو المسمى (نصاً) كقوله تعالى: (تلك عشرةٌ كاملةٌ) [البقرة: 196]، فإذا كان يحتمل معنيين أو أكثر فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون أظهر في أحد الاحتمالين من الآخر، وإما أن يتساوى بينهما.
فإن كان الاحتمال يتساوى بينهما فهذا الذي يسمى في الاصطلاح: (المجمل) كما لو قلت: (عدا اللصوص البارحة على عين زيد) فإنه يحتمل أن تكون عينه الباصرة عوروها، أو عينه الجارية غوروها، أو عينه ذهباً وفضة سرقوها، فهذا مجمل، وحكم المجمل أن يتوقف عنه إلا بدليل يدل على التفصيل.
أما إذا كان نصا صريحاً، فالنص يعمل به، ولا يعدل عنه إلا بثبوت النسخ.
فإذا كان أظهر في أحد الاحتمالين فهو المسمى بـ (الظاهر)، ومقابله يسمى (محتملاً مرجوحاً)، والظاهر يجب الحمل عليه إلا لدليل صارف عنه، كما لو قلت: " رأيت أسداً " فهذا ظاهر في الحيوان المفترس، محتمل للرجل الشجاع.
وعلى ذلك فهل المتبادر من آيات الصفات من نحو قوله: (يد الله فوق أيديهم) [الفتح: 10] وما جرى مجرى ذلك هو مشابهة الخلق، حتى يجب علينا أن نؤول ونصرف اللفظ عن ظاهره؟ أو ظاهرها المتبادر منها تنزيه رب السماوات حتى يجب علينا أن نقره على الظاهر من التنزيه، والجواب: أن كل وصف أسند إلى رب السماوات والأرض، فظاهره المتبادر منه عند كل مسلم هو التنزيه الكامل عن مشابهة الخلق.
فإقراره على ظاهره هو الحق، وهو تنزيه رب السماوات والأرض عن مشابهة الخلق في شيء من صفاته. فهل ينكر عاقل أن المتبادر للأذهان السليمة أن الخالق ينافي المخلوق في ذاته وسائر صفاته. لا والله لا يعارض في هذا إلا مكابر.
ومن القواعد أيضاً في الرد عليهم بيان حقيقة التأويل:
التأويل الذي فتن به الخلق، وضل به الآلاف من هذه الأمة يطلق في الاصطلاح مشتركاً بين ثلاثة معان:
1 - يطلق على ما تؤول إليه حقيقة الأمر في ثاني حال، وهذا هو معناه في القرآن نحو قوله تعالى: (ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً) [النساء: 59]، (ولمَّا يأتهم تأويله) [يونس: 39]، (يوم يأتي تأويله يقول الَّذين نسوه من قبل) [الأعراف: 53]؛ أي ما تؤول إليه حقيقة الأمر في ثاني حال.
2 - ويطلق التأويل بمعنى التفسير، وهذا قول معروف كقول ابن جرير: القول في تأويل قوله تعالى كذا، أي تفسيره.
3 - أما في اصطلاح الأصوليين فالتأويل: هو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه لدليل.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/169)
وصرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه له عند علماء الأصول ثلاث حالات:
أ- إما أن يصرفه عن ظاهره المتبادر منه لدليل صحيح من كتاب أو سنة، وهذا النوع من التأويل صحيح مقبول لا نزاع فيه. ومثال هذا النوع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجار أحق بصقبه) فظاهر هذا الحديث ثبوت الشفعة للجار.
وحمل هذا الحديث على الشريك المقاسم حمل للفظ على محتمل مرجوح غير ظاهر متبادر، إلا أن حديث جابر الصحيح (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) دل على أن المراد بالجار الذي هو أحق بصقبه خصوص الشريك المقاسم. فهذا النوع من صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه لدليل واضح من كتاب وسنة يجب الرجوع إليه، وهذا تأويل يسمى تأويلاً صحيحاً وتأويلاً قريباً.
ب- الثانية هو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه لشيء يعتقده المجتهد دليلاً، وهو في نفس الأمر ليس دليلاً، فهذا يسمى تأويلاً بعيداً، ويقال له: فاسد. ومثل له بتأويل أبي حنيفة لفظ: (امرأة) في قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) قالوا: حمل هذا على خصوص المكاتبة تأويل بعيد، لأنه صرف للفظ عن ظاهره المتبادر منه، لأن (أي) في قوله (أي امرأة) صيغة عموم.
وأكدت صيغة العموم بما المزيدة للتوكيد، فحمل هذا على صورة نادرة هي المكاتبة حمل للفظ على غير ظاهره من غير دليل.
ج- أما حمل اللفظ على غير ظاهره لا لدليل: فهذا لا يسمى تأويلاً في الاصطلاح بل يسمى لعباً، لأنه تلاعب بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. ومن هذا تفسير غلاة الروافض قوله تعالى: (إنَّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرةً) [البقرة: 67] قالوا: عائشة.
ومن هذا النوع صرف آيات الصفات عن ظواهرها إلى محتملات ما أنزل الله بها من سلطان، كقولهم: (استوى) بمعنى: استولى. فهذا لا يدخل في اسم التأويل، لأنه لا دليل عليه ألبتة. وإنما يسمى في اصطلاح أهل الأصول: لعباً، لأنه تلاعب بكتاب الله – جلّ وعلا – من غير دليل ولا مستند. فهذا النوع لا يجوز؛ لأنه تهجّم على كلام رب العالمين، والقاعدة المعروفة عند علماء السلف أنه لا يجوز صرف شيء من كتاب الله ولا سنة رسوله عن ظاهره المتبادر منه، إلا بدليل يجب الرجوع إليه.
المصدر ( http://www.alagidah.com/vb/showthread.php?t=2238)(60/170)
هل التحذير من المخالف من أصول الدين عند أهل السنة و الجماعة؟
ـ[رودريقو البرازيلي]ــــــــ[14 - 12 - 09, 02:10 م]ـ
هل التحذير من المخالف من أصول الدين عند أهل السنة و الجماعة؟
ـ[هشام مشالي]ــــــــ[14 - 12 - 09, 10:02 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
إسداءً للنصيحة، ولكن لضيق الوقت أضع هذه الجمل بين يديك أخي الكريم:
1 - المخالف أعم من المبتدع، فليس كل خلاف يعد بدعة.
2 - ليس كل من شابه المبتدعة في قول يعد مبتدعًا.
3 - الرد على المخالف يختلف عن التحذير منه، فالأول يجوز مع كل مخالف في الجملة، أما الثاني فينصب بالأساس على أهل البدع.
4 - التحذير من المبتدع مشروع في الجملة.
5 - مطلوبية التحذير مرتبطة بالمصالح والمفاسد المترتبة على هذا التحذير؛ فهناك أصل حفظ اللسان، وصيانة الأعراض، وجمع كلمة المسلمين، وهناك أصل حفظ الدين، والذود عن حياضه، ولذلك قد يختلف التعامل -مثلًا-بحسب حال المبتدع، فلا يسوى بين الداعي إلى بدعته والخامل.
6 - ولكن يشترط تحقق المصلحة لا مجرد توهمها.
7 - ومع ذلك بحسب علمي فلم أجد أحدًا قال أن التحذير من المخالف -بهذا العموم- من أصول الدين عند أهل السنة والجماعة.
والله أعلم.
ـ[أبو سليمان الجسمي]ــــــــ[14 - 12 - 09, 11:02 م]ـ
جزاكم الله خيرا.
ـ[رودريقو البرازيلي]ــــــــ[16 - 12 - 09, 12:56 ص]ـ
احسنت يا اخي هشام
يا ليت قومي يعلمون ....(60/171)
طلب كتاب في العقيدة
ـ[سيف الدين السلفي]ــــــــ[14 - 12 - 09, 03:57 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
من يستطيع رفع كتاب:موقف أهل السنة و الجماعة من أهل الأهواء و البدع لفضيلة الشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي بصيغة Pdf .
كون هذا الأخير غير متوفر في السوق هنا عندنا في الجزائر.
جزاكم الله خيرا
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[14 - 12 - 09, 04:08 م]ـ
جرب هذا الرابط [وكأن التحميل به موقف مؤقتا ... لكن جربه فيما بعد فلعله يشتغل]
www.alghourabaa.free.fr/web/Mawqif_Ahl_Asuna_Ruhayli.pdf (http://www.alghourabaa.free.fr/web/Mawqif_Ahl_Asuna_Ruhayli.pdf)
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[14 - 12 - 09, 04:16 م]ـ
وهذه مادة صوتية بعنوان الموقف الشرعي من أهل الأهواء والبدع ( http://www.islamancient.com/ressources/audios/155.rm) للشيخ ابراهيم الرحيلي
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[14 - 12 - 09, 04:26 م]ـ
تنبيه لكل نبيه:
هناك فريق للأسف .. انتسب لأهل السنة .. وادعى السلفية .. وتظاهر بحمل لوائها .. والدفاع عنها .. ومحاجة خصومها ..
جعلوا من السنتهم .. ومجالسهم .. ومنتداياتهم .. مجازر ومشارح .. للطعن في أعراض أخوانهم من أهل السنة ومن هم مثلهم أو أعلى منهم تمسكا بالسنة واتباع هدي السلف في العقيدة والمنهج
ما تركوا شاردة ولا واردة إلا انتقصوها ..
ولا سمعوا محاضرة لأحدهم إلا نقبوا عن مثالبها وعثراتها يتصيدون الأخطاء كما تتصيد الذباب خبث الطعام لتقع عليه
تركوا منهج أهل السنة في التعامل مع المخالف من غيرهم
فما بالك بمن هو منهم وفيهم والتفتوا لأخوانهم سبا وشتما وقدحا وطعنا واتهاما للنيات كأنهم وقعوا في الكفر البواح والبدعة الضلالة ورفعوا شعارها
نعوذ بالله من طريقة من لا يحسن غير القدح والطعن وذكر المساوئ
ونعوذ بالله من طريقة من لا يجيد إلا النقد والسب
وتعجز لسانه عن الفضائل واطايب الكلام.
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[14 - 12 - 09, 04:29 م]ـ
نعم صحيح أن الأصل في معاملة أهل البدع هو الشدة والهجر:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ويشمل كل مبتدع كما ذكر الشيخ بكر ابوزيد:
«ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظّم كتبهم، أو عُرف بمساعدتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن: هذا الكلام لا يدري ما هو، أو من قال: إنه صنف هذا الكتاب، وأمثال هذه المعاذير، التي لا يقولها إلا جاهلٌ أو منافقٌ. بل تجب عقوبة كل من عَرَف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم. فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات، لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء، والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فساداً ويصدون عن سبيل الله…». "الفتاوى" (2\ 132).
وتجده
رحمه الله يقول:" فَإِذَا عَجَزُوا عَنْ إظْهَارِ الْعَدَاوَةِ لَهُمْ سَقَطَ الْأَمْرُ بِفِعْلِ هَذِهِ الْحَسَنَةِ وَكَانَ مُدَارَاتُهُمْ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَأْلِيفُ الْفَاجِرِ الْقَوِيِّ. وَكَذَلِكَ لَمَّا كَثُرَ الْقَدَرُ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَلَوْ تُرِكَ رِوَايَةُ الْحَدِيثِ عَنْهُمْ لَا نَدْرُسُ الْعِلْمَ وَالسُّنَنَ وَالْآثَارَ الْمَحْفُوظَةَ فِيهِمْ. فَإِذَا تَعَذَّرَ إقَامَةُ الْوَاجِبَاتِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا بِمَنْ فِيهِ بِدْعَةٌ مَضَرَّتُهَا دُونَ مَضَرَّةِ تَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ "6/ 353 مجموع فتاوى ابن تيمية
فهنا شيخ الإسلام - رحمه الله - يجعل الأصل هجرهم وإظهار العداوة لهم إلا إن كان هناك مصلحة وذلك من قوله:"فإذا عجزوا (أي أهل السنة) عن إظار العداوة لهم (أي المبتدعة) سقط الأمربفعل هذه الحسنة (أي إظهارالعداوة)، ثم أكد ذلك بأن أجاز الاستعانة بأهل البدع في حالة إذا تعذر إقامة الواجب بغيرهم، وبشرط كون ضرر الاستعانة أقل من ضرر الترك للواجب
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[14 - 12 - 09, 04:37 م]ـ
ولا ننسى أمراً مهماً في التعامل مع المخالفين
ألا وهو
العدل والإنصاف في التعامل مع المخالف، والاحتكام للكتاب والسنة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/172)
- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في مجموع الفتاوى (3/ 245):" هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني فإنه وإنْ تعدّى حدود الله في بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية فأنْا لا أتعدى حدود الله فيه؛ بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه بميزان العدل وأجعله مؤتماً بالكتاب الذي أنزله الله وجعله هدى للناس حاكماً فيما اختلفوا فيه".
- ويقول أيضاً (28/ 209): "وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة ومعصية، وُسنّة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعادات والعقاب بحسب ما فيه من الشر؛ فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة فيجتمع له من هذا وهذا".
* * *
ومن الأمثلة على إنصاف ابن تيمية رحمه الله لأهل البدع والأهواء:
أ- ذكره بعض محامد أهل البدع والأهواء، وبيانه أن أهل السنة يتبعون معهم العدل والإنصاف، يقول رحمه الله:
"والرافضة فيهم من هو متعبد متورع زاهد، لكن ليسوا في ذلك مثل غيرهم من أهل الأ÷واء، فالمعتزلة أعقل منهم وأ‘لم وأدين، والكذب والفجور فيهم أقل منه في الرافضة والزيدية من الشيعة خير منهم، وأقرب إلى الصدق والعدل والعلم، وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعبد من الخوارج، ومع هذا فأهل السنة يستعملون معهم العدل والإنصاف ولا يظلمونهم، فإن الظلم حرام مطلقاً، بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض، بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض، وهذا مما يعترفون هم به، ويقولون: أنتم تنصفوننا ما لاينصف بعضنا بعضاً، وهذا لأن الأصل الذي اشتركوا فيه أصل فاسدمبني على جهل وظلم، وهم مشتركون في ظلم سائر المسلمين،فصاروا بمنزلة قطاع الطريق المشتركين في ظلم الناس، ولا ريب أن المسلم العالم العادل أعدل عليهم وعلى بعضهم من بعض ..
والخوارج تكفر أهل الجماعة، وكذلك أكثر المعتزلة يكفرون من خالفهم، وكذلك أكثر الرافضة، ومن لم يكفر فسق، وكذلك أكثر أهل الأهواء، يبتدعون رأياً ويكفرون من خالفهم فيه،و أهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول، ولا يكفرون من خالفهم فيه، بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق، كما وصف الله به المسلمين بقوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) [آل عمران/110]، قال أ [, هريرة رضي الله عنه: كنتم خير الناس للناس.
وأهل السنة نقاوة المسلمين، فهم خير الناس للناس " [منهاج السنة/339]
.
ويقول رحمه الله في موضع آخر:
" وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين؛ من الرافضة والجهمية وغيرهم، إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير، وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين، وهو خير من أن يكونوا كفاراً " [مجموع الفتاوى 13/ 96، وينظر 35/ 201]
ب - تفصيله الحكم على الصوفية والتصوف، بما يظهر الإنصاف: فقد بين رحمه الله تعالى، أنه وقع الاجتهاد والتنازع في طريق الصوفية: "فطائفة ذمت الصوفية والتصوف،و قالوا: إنهم مبتدعون خارجون عن السنة، ونُقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتنبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام، وطائفة غلت فيهم، وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء، وكلا طرفي هذه الأمور ذميم، والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطىء، وفيهم من يذنب فيتوبأو لا يتوب، ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه، عاص لربه، وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم، كالحلاج مثلاً، فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه وأخرجوه من الطريق، مثل الجنيد بن محمد، سيد الطائفة وغيره، كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي، في طبقات الصوفية، وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد " [مجموع الفتاوى 11/ 17 - 18].
.
ج - دفاع ابن تيمية عن اعتقاد بعض مشايخ الصوفية، فقد ناقش أبا القاسم القشيري، في دعواه أن اعتقاد أكابر مشايخ الصوفية مثل: الفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، ويوسف بن أسباط، ووحذيفة المرعشي، ومعروف الكرخي، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبدالله التستري،موافق لا عتقاد كثير من المتكلمين الأشعرية بما يطول نقله، لذل أقتصر منه على مقدمته: " فصل فيما ذكر الشيخ أبو القاسم القشيري في رسالته المشهورة، من اعتقاد مشايخ الصوفية، فإنه ذكر من متفرقات كلامهم، ما يستدل به على أنهم كانوا يوافقون اعتقاد كثير من المتكلمين الأشعرية، وذلك هو اعتقاد أبي القاسم الذي تلقاه عن أبي بكر بن فورك، وأبي إسحاق الإسفراييني. وهذا الاعتقاد غالبه موافق لأصول السلف أهل السنة والجماعة، لكنه مقصر عن ذلك ومتضمن ترك بعض ما كانوا عليه، وزيادة تخالف ما كانوا عليه، والثابت الصحيح عن أكابر المشايخ، يوافق ما كان عليه السلف، وهذا هو الذي كان يجب أن يذكر، فإن في الصحيح الصريح المحفوظ عن أكابر المشايخ مثل: الفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، ويوسف بن أسباط، وحذيفة المرعشي، ومعروف الكرخي، وأبي الجنيد بن محمد، وسهلبن عبد الله التستري، وأمثال هؤلاء، ما يبين حقيقة مقالات المشايخ " [الاستقامة 1/ 81]
وفي موضع آخر قال مفصلاً حال أهل الصوف بما يدل على الإنصاف والعدل:
" والشيوخ الأكابر الذين ذكرهم أبو عبدالرحمن السلمي في طبقات الصوفية، وأبو القاسم القشيري في الرسالة، كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة، ومذهب أهل الحديث، كالفضيل بن عياض، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبدالله التستري، وعمرو بن عثمان، وكلامهم موجود في السنة، وصنفوا فيها الكتب، لكن بعض المتأخرين منهم كان على طريقة بعض أهل الكلام في بعض فروع العقائد، ولم يكن فيهم أحد على مذهب الفلاسفة، وإنما ظهر التفلسف في المصوفة المتأخرين، فصارت المصوفة تارة على طريقة صوفية أهل الكلام فهؤلاء دونهم، وتارة على اعتقاد صوفية الفلاسفة كهؤلاء الملاحدة " [الصفدية 1/ 267]
منقول
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/173)
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[14 - 12 - 09, 04:39 م]ـ
والكلام في هذا يطووووول
ـ[سيف الدين السلفي]ــــــــ[14 - 12 - 09, 05:04 م]ـ
السلام عليكم.
الرابط أخي لا يعمل ليتك تحاول رفعه على موقف آخر.
ـ[سيف الدين السلفي]ــــــــ[14 - 12 - 09, 05:06 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
الرابط لا يعمل أخي أبو سلمى رشيد،ليتك ترفع الكتاب على موقع أخر مأجور
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[14 - 12 - 09, 06:32 م]ـ
الرابط ليس من عندي
ـ[سيف الدين السلفي]ــــــــ[15 - 12 - 09, 11:01 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
أشكر الله العلي القدير أولا ثم أشكرك أخي الكريم على ردك الطيب إنشاء الله.
الشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي من العلماء الربانيين العاملين المجاهدين في سبيل نشر العقيدة السلفية و الرد على أهل العقائد الفاسدة، و كان من بين مؤلفاته التى أبدع فيها كتابه الذي نحن بصدده موقف أهل السنة و الجماعة من أهل الأهواء و البدع و أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه بحيث نجد فيها من التأصيلات مالا نجده في الكتب الأخرى.
لذلك أخي بارك الله فيك لو تجد الكتاب أو تعرف من يملكه بصيغة بي دي آف أن ترفع لي على هذا العنوان، و الدال على الخير كفاعله(60/174)
أليس الدعاء سر من أسرار النجاة عظيم؟
ـ[أم عبدالله الجزائرية]ــــــــ[14 - 12 - 09, 06:55 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
أخرج البخاري في صحيحه بإسناده عَنْ عَلِيٍّ –رضي الله عنه – قَالَ:
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ إِلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَنْزِلُهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلِمَ نَعْمَلُ أَفَلَا نَتَّكِلُ قَالَ لَا اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ:
{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى إِلَى قَوْلِهِ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} "
قال ابن بطال:
وهذا الحديث أصل لأهل السُّنَّة فى أن السعادة والشقاء خلق لله، بخلاف قول القدرية الذين يقولون: إن الشر ليس بخلق لله، وفيه رد على أهل الجبر، لأن المجبر لا يأتى الشئ إلا وهو يكرهه، والتيسير ضد الجبر، ألا ترى قول الرسول: «إن الله تجاوز لى عن أمتى ما استكرهوا عليه» والتيسير هو أن يأتى الإنسان الشىء وهو يحبه"
وقال:
" وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من يستعفف يعفه الله ومن يتصبر يصبره الله، ومن يستغن يغنه الله» معناه من يعفه الله يستعفف، ومن يصبره الله يتصبر، ومن يغنه الله يستغن، وهذا مثل قوله تعالى: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 5، 6] الآية "
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم:
" وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ في دعائه: ((واهدني ويسِّر الهُدى لي))، وأخبر الله عن نبيه موسى - عليه السلام - أنَّه قال في دعائه: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}، وكان ابنُ عمر يدعو: اللهمَّ يسرني لليُسرى، وجنِبني العُسرى" أهـ
قلت:
دلني كل ما سبق أن الدعاء سر من أسرار النجاة عظيم، ألس كذلك يا أيها الإخوة الكرام؟(60/175)
هل هناك فرق في المعنى بين على الجماعة و مع الجماعة؟؟
ـ[عمر بن الشريف]ــــــــ[14 - 12 - 09, 07:12 م]ـ
(يد الله مع الجماعة)
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2166
خلاصة الدرجة: حسن غريب
(طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، ويد الله على الجماعة) الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 2131
خلاصة الدرجة: صحيح لغيره
هل هناك فرق في المعنى بين على الجماعة و مع الجماعة، ارجوا توضيح المعنى؟
ـ[عمر بن الشريف]ــــــــ[16 - 12 - 09, 06:15 م]ـ
لا تبخلوا علي بعلمكم يا طلبة العلم وزكاة العلم بذله
ارجوا توضيح المعنى
ـ[عبد الرحمن بن شيخنا]ــــــــ[16 - 12 - 09, 07:29 م]ـ
سوف تجد بغيتك وزيادة في هذا الرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=41446
ـ[عمر بن الشريف]ــــــــ[20 - 12 - 09, 07:36 م]ـ
جزاك الله خبرا فعلا هذا الرابط رائع(60/176)
هل صحيح أن شيخ الإسلام ابن تيمية نقل الإجماع على أن المسيح رفع بجسده إلى السماء؟
ـ[عبد الرحمن بن شيخنا]ــــــــ[14 - 12 - 09, 07:20 م]ـ
هل صحيح أن شيخ الإسلام ابن تيمية نقل الإجماع على أن المسيح عيسى عليه السلام رفع بجسده إلى السماء؟
وهل إذا ثبت يقينا أنه في السماء بجسده حي حياة غير برزخيه أم أن الله سوف يحييه قبل نزوله آخر الزمان؟؟؟
وهل التوقف في مثل هذه الأمور هو الأحوط؟
ما هي أقوال أهل العلم في الموضوع بارك الله فيكم؟؟
.
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[14 - 12 - 09, 07:53 م]ـ
عبارة الشيخ: ((وأجمعت الأمة على أن الله عز وجل رفع عيسى إليه إلى السماء)).
ـ[أبو تراب السلفى الاثري]ــــــــ[14 - 12 - 09, 08:01 م]ـ
وهذا مما لاخلاف فيه أخى
ولما لا وقد قال المولى سبحانه "بل رفعه الله اليه"
وقال المصطفى " ينزل فيكم بن مريم حكما مقسطا" فتأمل كلمة "ينزل "
بارك الله فيك
ـ[عبد الرحمن بن شيخنا]ــــــــ[14 - 12 - 09, 08:12 م]ـ
جزاك الله خيرا يا أبا فهر
ليت ذكرت الكتاب والصفحه بارك الله فيك
ثم أنا أسأل بالتحديد هل صرح بقوله برفع جسده عليه السلام
ووجدت في هذا الملتقى مانصه
وممن نقل الإجماع على ذلك ابن عطية رحمه الله (ت542هـ) إذ قال في تفسيره المحرر الوجيز3/ 143: (أجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى في السماء حي، وأنه سينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويقتل الدجال ويفيض العدل وتظهر به الملة – ملة محمد صلى الله عليه وسلم – ويحج البيت ويبقى في الأرض أربعا وعشرين سنة وقيل أربعين سنة).
وهنا لم يصرح بالجسد
ولكن ماهو الدليل القطعي أم أن الدليل فقط هو الإجماع؟؟؟؟
.
ـ[عبد الرحمن بن شيخنا]ــــــــ[14 - 12 - 09, 08:18 م]ـ
وهذا مما لاخلاف فيه أخى
ولما لا وقد قال المولى سبحانه "بل رفعه الله اليه"
وقال المصطفى " ينزل فيكم بن مريم حكما مقسطا" فتأمل كلمة "ينزل "
بارك الله فيك
ماهي أقول المتقدمين في الموضوع بارك الله فيك؟؟؟
ـ[أبو تراب السلفى الاثري]ــــــــ[14 - 12 - 09, 08:24 م]ـ
يكفيك كلام الله ورسوله ولا يشغلك قول احد مادام القول واضح لا يحتاج إلى شىء
ـ[عبد الرحمن بن شيخنا]ــــــــ[14 - 12 - 09, 08:39 م]ـ
يكفيك كلام الله ورسوله ولا يشغلك قول احد مادام القول واضح لا يحتاج إلى شىء
ومن قال لك أخي الكريم أن الأمر واضح لايحتاج لشيء؟
إن كان ثمت إجماع فنعم.
أما إذا لم يكن إجماع فلادليل قطعي -لمن تأمل النصوص الوارده- والله أعلم
.
ـ[عبد الرحمن بن شيخنا]ــــــــ[14 - 12 - 09, 08:51 م]ـ
وبالمناسبة لايصح
ما ورد من تفسير ابن عباس للتوفي بالإماتة
إنظر هذا الربط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=624596
ـ[عبد الرحمن بن شيخنا]ــــــــ[14 - 12 - 09, 09:13 م]ـ
وفي هذا الرابط كلام حول الموضوع
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=194346
ولاننسى أن الرافضة يستدلون بحياته على حياة خرافتهم المسردب
والقاداينة الكافره ترى أنه مات ولم يرفع بجسده
.
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[14 - 12 - 09, 09:24 م]ـ
لا أذكر الموضع ولكن هو في المجلد الثاني من بيان التلبيس ..
ـ[ابو العز النجدي]ــــــــ[14 - 12 - 09, 09:52 م]ـ
ظاهر كلام أهل العلم أن رفع عيسى عليه السلام إلى السماء بجسده هو مذهب المسلمين قاطبة خلافاً للنصارى
في الفتاوى لابن تيمية
سُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي أَمْرِ نَبِيِّ اللَّهِ " عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ " - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ رَفَعَهُ إلَيْهِ؛ وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ رَفَعَهُ إلَيْهِ حَيًّا. فَمَا الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ. وَهَلْ رَفَعَهُ بِجَسَدِهِ أَوْ رُوحِهِ أَمْ لَا؟ وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى هَذَا وَهَذَا؟ وَمَا تَفْسِيرُ قَوْله تَعَالَى {إنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إلَيَّ}؟
الْجَوَابُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/177)
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيٌّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " {يَنْزِلُ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا وَإِمَامًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ} " وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ " {أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيِّ دِمَشْقَ وَأَنَّهُ يَقْتُلُ الدَّجَّالَ} ". وَمَنْ فَارَقَتْ رُوحُهُ جَسَدَهُ لَمْ يَنْزِلْ جَسَدُهُ مِنْ السَّمَاءِ وَإِذَا أُحْيِيَ فَإِنَّهُ يَقُومُ مِنْ قَبْرِهِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ الْمَوْتَ؛ إذْ لَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْمَوْتَ لَكَانَ عِيسَى فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ وَيَعْرُجُ بِهَا إلَى السَّمَاءِ فَعُلِمَ أَنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ خَاصِّيَّةٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وَلَوْ كَانَ قَدْ فَارَقَتْ رُوحُهُ جَسَدَهُ لَكَانَ بَدَنُهُ فِي الْأَرْضِ كَبَدَنِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ} فَقَوْلُهُ هُنَا: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ} يُبَيِّنُ أَنَّهُ رَفَعَ بَدَنَهُ وَرُوحَهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَنْزِلُ بَدَنُهُ وَرُوحُهُ؛ إذْ لَوْ أُرِيدَ مَوْتُهُ لَقَالَ: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ؛ بَلْ مَاتَ. فَقَوْلُهُ: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ} يُبَيِّنُ أَنَّهُ رَفَعَ بَدَنَهُ وَرُوحَهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَنْزِلُ بَدَنُهُ وَرُوحُهُ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ: {إنِّي مُتَوَفِّيكَ} أَيْ قَابِضُك أَيْ قَابِضُ رُوحِك وَبَدَنِك يُقَالُ: تَوَفَّيْت الْحِسَابَ وَاسْتَوْفَيْته وَلَفْظُ التَّوَفِّي لَا يَقْتَضِي نَفْسُهُ تَوَفِّيَ الرُّوحِ دُونَ الْبَدَنِ وَلَا تَوَفِّيَهُمَا جَمِيعًا إلَّا بِقَرِينَةٍ مُنْفَصِلَةٍ. وَقَدْ يُرَادُ بِهِ تَوَفِّي النَّوْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} وَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} وَقَوْلِهِ: {حَتَّى إذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} وَقَدْ ذَكَرُوا فِي صِفَةِ تَوَفِّي الْمَسِيحِ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وقال في الفتاوى أيضاً
وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَبْدَانَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْقُبُورِ إلَّا عِيسَى وَإِدْرِيسَ. وَإِذَا كَانَ مُوسَى قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ ثُمَّ رَآهُ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ مَعَ قُرْبِ الزَّمَانِ؛ فَهَذَا أَمْرٌ لَا يَحْصُلُ لِلْجَسَدِ.
وقال في الجواب الصحيح
عيسى بن مريم عليه السلام فإنه صعد إلى السماء وسوف ينزل إلى الأرض وهذا مما يوافق النصارى عليه المسلمين فإنهم يقولون إن المسيح صعد إلى السماء ببدنه وروحه كما يقوله المسلمون ويقولون إنه سوف ينزل إلى الأرض أيضا كما يقوله المسلمون وكما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم في الأحاديث الصحيحة لكن كثيرا من النصارى يقولون إنه صعد بعد أن صلب وأنه قام من القبر وكثير من اليهود يقولون إنه صلب ولم يصعد ولم يقم من قبره وأما المسلمون وكثير من النصارى فيقولون إنه لم يصلب ولكن صعد إلى السماء بلا صلب والمسلمون ومن وافقهم من النصارى يقولون إنه ينزل إلى الأرض قبل القيامة وأن نزوله من أشراط الساعة كما دل على ذلك الكتاب والسنة وكثير من النصارى يقولون إن نزوله هو يوم القيامة وإنه هو الله الذي يحاسب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/178)
الخلق وكذلك إدريس صعد إلى السماء ببدنه وكذلك عند أهل الكتاب أن إلياس صعد إلى السماء ببدنه ومن أنكر صعود بدنه إلى السماء من المتفلسفة فعمدته
أحدهما أن الجسم الثقيل لا يصعد وهذا في غاية الضعف فإن صعود الأجسام الثقيلة إلى الهواء مما تواترت به الأخبار في أمور متعددة مثل عرش بلقيس الذي حمل من اليمن إلى الشام في لحظة ولما قال سليمان يأيها الملؤا أيكم يأتيني بعرشها 0000الخ
قال الحافظ في الفتح
قَالَ عِيَاض يَحْتَمِل أَنْ يَكُون صَلَّى بِالْأَنْبِيَاءِ جَمِيعًا فِي بَيْت الْمَقْدِسِ، ثُمَّ صَعِدَ مِنْهُمْ إِلَى السَّمَاوَات مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ، وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون صَلَاته بِهِمْ بَعْد أَنْ هَبَطَ مِنْ السَّمَاء فَهَبَطُوا أَيْضًا. وَقَالَ غَيْره: رُؤْيَته إِيَّاهُمْ فِي السَّمَاء مَحْمُولَة عَلَى رُؤْيَة أَرْوَاحهمْ إِلَّا عِيسَى لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ رُفِعَ بِجَسَدِهِ، وَقَدْ قِيلَ فِي إِدْرِيس أَيْضًا ذَلِكَ
وقال الخازن
الوجه السادس: أن معنى التوفي أخذ الشيء وافياً ولما علم الله تعالى أن من الناس من يخطر بباله أن الذي رفعه الله إليه هو روحه دون جسده كما زعمت النصارى أن المسيح رفع لاهوته يعني روحه وبقي في الأرض ناسوته يعني جسده فرد الله عليهم بقوله إني متوفيك ورافعك إلي فأخبر الله تعالى أنه رفع بتمامه إلى السماء بروحه وجسده جميعاً
وقال ابن رجب في الفتح
والذي رآه في السماء من الأنبياء عليهم السلام إنما هو أرواحهم، إلا عيسى- عليه السلام - فإنه رفع بجسده إلى السماء.
وقد قال طائفة من السلف: أن جميع الرسل لا يتركون بعد موتهم في الأرض أكثر من أربعين يوما، ثم ترفع جثثهم إلى السماء، روي ذلك عن ابن المسيب، وعن عمر بن عبد العزيز، وأنه قال: وأخبرني بذلك غير واحد ممن أدركته، فعلى هذا يكون المرئي في السماء أشخاصهم كما كانوا في الأرض.
والله أعلم وأحكم
ـ[أبو سليمان الجسمي]ــــــــ[14 - 12 - 09, 11:10 م]ـ
جزاكم الله خيرا.
ـ[ابن مسعود العتيبي]ــــــــ[14 - 12 - 09, 11:10 م]ـ
حكى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الإجماع على ذلم كما يلي
(وأجمعت الأمة على أن الله عز وجل رفع عيسى إليه في السماء) انظر: بيان تلبيس الجهمية 2/ 419
وأنصحك بمراجعة كتاب: المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع - جمعا ودراسة.
وهو كتاب مطبوع طبعته دار الهدي النبو في مصر ودار الفضيلة في السعودية وهو عبارة عن ثلاث رسائل جامعية للإخوة: خالد الجعيد وعلي العلياني وناصر الجهني
ـ[عبد الرحمن بن شيخنا]ــــــــ[15 - 12 - 09, 10:55 ص]ـ
أقول:
الذي ظهر لي بعد النظر في الأدلة
أن موته ورفع جسده عليه السلام إلى السماء من الأمور المتشابهة وأن الأحوط لدين المرأء هو التوقف فيها وعدم الحكم الجازم بما لادليل قطعي عليه والله أعلم
وأنهامن الأمور الغيبية التي لامجال فيها للقياس أو الإجتهادوالحكم في مثلها لايكون إلا بنص صحيح صريح.
إما رأي عامة علماء المسلمين -حسب علمي- والذين بلغنا رأيهم هو أنهم يرون أنه رفع بجسده إلى السماء
ورأي الغالبية على الأقل-حسب علمي- أنه حي حياة طبيعية.
أما من حيث الأدلة فالأدلة تحتمل .. والقرآن الكريم كما يقال حمال أوجه.
صحيح أن الأصل هو الموت ما لم يأتي صارف يصرفه عن ذلك
ولكن الأصل أيضا أن من رفعه الله أن يكون الرفع له كله جسده وروحه إلى إن أتى صارف يصرفه عن ذلك إلا إن قيل أن ذلك من باب رفع الله لنبيه ادريس عليه السلام وقد أخلتف في كيفية رفعه وهل رفع جسده إلى السماء أم لا
قال ابن كثير وقال الحسن، وغيره، في قوله: (ورفعناه مكانا عليا) قال: الجنة.
وقال البغوي
((ورفعناه مكانا عليا) قيل: يعني الجنة. وقيل: هي الرفعة بعلو الرتبة في الدنيا.
وقيل: هو أنه رفع إلى السماء الرابعة.
وقال: الشوكاني
وقد اختلف في معنى قوله: ورفعناه مكانا عليا فقيل: إن الله رفعه إلى السماء الرابعة، وقيل: إلى السادسة، وقيل: إلى الثانية.
وقد روى البخاري في صحيحه من حديث الإسراء وفيه: ومنهم إدريس في الثانية، وهو غلط من رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر.
والصحيح أنه في السماء الرابعة كما رواه مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقيل: إن المراد برفعه مكانا عليا: ما أعطيه من شرف النبوة، وقيل: إنه رفع إلى الجنة.
أقول:
وثمت نظرفي استدلالهم بأحاديث الإسرء والمعراج على رفع أجسادهم إلى السماء
فقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم غيرهم من الأنبياء في السماء ولم يقل أحد أن الرفع كان لجسدهم
أما قضية موته عليه السلام فالذي يظهر أنه لم يحصل إجماع من السلف على ذلك
قال الطبري وابن كثير وغيرهم
وقال آخرون: معنى ذلك: إني متوفيك وفاة موت.
قال الشوكاني في تفسيره
وإنما احتاج المفسرون إلى تأويل الوفاة بما ذكر؛ لأن الصحيح أن الله رفعه إلى السماء من غير وفاة، كما رجحه كثير من المفسرين، واختاره ابن جرير الطبري، ووجه ذلك أنه قد صح في الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزوله وقتله الدجال، وقيل: إن الله سبحانه توفاه ثلاث ساعات من نهار ثم رفعه إلى السماء، وفيه ضعف، وقيل: المراد بالوفاة هنا النوم ومثله وهو الذي يتوفاكم بالليل [الأنعام: 60] أي ينيمكم، وبه قال كثيرون.
أما قول ابن جرير الطبري
ومعلوم أنه لو كان قد أماته الله - عز وجل -، لم يكن بالذي يميته ميتة أخرى، فيجمع عليه ميتتين، لأن الله - عز وجل - إنما أخبر عباده أنه يخلقهم ثم يميتهم ثم يحييهم، كما قال - جل ثناؤه -: (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء) [سورة الروم: 40]. [ص: 461]
أقول:
وفي هذا أيضانظر فقد خلق الله قوما ثم أماتهم ثم أحياهم ثم أماتهم كما هو معلوم في القرآن الكريم
والله تعلى أعلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/179)
ـ[هشام أبو يزيد]ــــــــ[16 - 12 - 09, 04:36 ص]ـ
أخانا الكريم عبد الرحمن
قد نصَّت الآيات البينات على أن عيسى عليه السلام لم يقتل ولم يصلب وأن الله تعالى رفعه إليه بجسده وروحه، وأنه سينزل إلى الأرض آخر الزمان، والأحاديث المتواترة في ذلك كثيرة.
وقوله تعالى: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبه لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه} دليل واضح على أنه عليه السلام رُفع بجسده وروحه، ولو أريد غير ذلك لقيل: وما قتلوه وما صلبوه بل مات. والأحاديث التي تخير عن نزوله دليل واضح على أنه رُفع بجسده، ولم يُقل سيعود من موته، وهذه الأحاديث المصرِّحة بنزول عيسى عليه السلام قد حكم عليها العلماء بالتواتر.
وقد أجمعت الأمة قاطبة على أن عيسى عليه السلام رفع بجسده وروحه إلى السماء وأنه نجا من القتل والصلب خلافا للنصارى، وحكى هذا الإجماع غير واحد. قال ابن عطية: "أجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى في السماء حي، وأنه سينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويقتل الدجال ويفيض العدل وتظهر به الملة ملة محمد صلى الله عليه وسلم ويحج البيت ويبقى في الأرض أربعا وعشرين سنة وقيل أربعين سنة" [المحرر الوجيز 3/ 143]
وقال السفاريني: "فقد أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافه، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة المحمدية، وليس ينزل بشريعة مستقلة عند نزوله من السماء". [لوامع الأنوار 2/ 94]
فإذا كان الأمر ثابتا بالكتاب والسنة والإجماع، فأي حجة قطعية تريدها بعد ذلك؟ إن ما تقوله يا عبد الرحمن هو من المسائل الاعتقادية التي لا خلاف فيها، ونعلم جميعا أنه لو كانت المسألة في باب العقائد وأجمع عليها أهل السنة وخالفهم المبتدعة فلا عبرة بخلافهم، فكيف إذا كانت المسألة مما أجمع عليها المسلمون قاطبة ولم يخالفهم إلا أهل الكفر كالنصارى والقاديانية!!
وحتى لا يلتبس الأمر عليك فالخلاف إنما وقع في تفسير لفظة التوفي ليس غيرُ، فمن قائل معنى النوم أو معنى القبض، لكنهم جميعا متفقون على نفي الموت عن المسيح عليه السلام. واعلم أنه لم يصح عن أحد من السلف أو الخلف القول بهذا القول الخبيث، بل أول من ابتكره هو الغلام القادياني الكذَّاب وحاولوا بالكذب والإضلال نسبة هذا القول إلى بعض العلماء وتبيَّن كذبهم الواضح. وقولك هذا هو دعاية لأفكارهم الكفرية من حيث لا تدري.
وبهذا تعلم أن قولك: الذي ظهر لي بعد النظر في الأدلة أن موته ورفع جسده عليه السلام إلى السماء من الأمور المتشابهة وأن الأحوط لدين المرأء هو التوقف فيها وعدم الحكم الجازم بما لادليل قطعي عليه والله أعلم
كلام لا ينبغي لك أن تقوله، بل الأحوط لدين المسلم أن يجزم بنفي الموت عن المسيح ورفعه حيا إلى السماء وأنه سينزل آخر الزمان، موافقة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين.
وأما أنك تريد نفي ذلك حتى لا يستدل عليه الرافضة بحياة مهديهم في السرداب، فما هكذا تورد الإبل يا عبد الرحمن، فحياة عيسى يشهد لها الكتاب والسنة والإجماع كما مرَّ، أما هذا العسكري فإنه لا وجود له فضلا عن وجوده حيا، وليس وراء ذلك إلا الخرافات والأساطير، ولا يصح أن نشكك في عقائدنا من أجل نسف عقائد الآخرين.
وأما كلامك عن رفع إدريس فهو مما وقع الخلاف فيه حقا، لكن الكلام هنا عن عيسى وليس إدريس وهو مما لم يقع خلاف فيه ألبتة. والله الموفق
ـ[محمد البيلى]ــــــــ[16 - 12 - 09, 09:12 ص]ـ
تم مناقشة الموضوع على منتدى الجامع لمقارنة الأديان ومحاورة النصارى.
http://aljame3.net/ib/index.php?showtopic=8082&st=0&p=37358entry37358
ـ[عبد الرحمن بن شيخنا]ــــــــ[16 - 12 - 09, 10:24 ص]ـ
سلمك الله أخي الفاضل
قلت حفظك الله ورعاك
أخانا الكريم عبد الرحمن
قد نصَّت الآيات البينات على أن عيسى عليه السلام لم يقتل ولم يصلب وأن الله تعالى رفعه إليه بجسده وروحه،
ليتك دللتنا على التصريح برفع الجسد في تلك الآيات
ولوكانت الآيات واضحة وصريحة في الأمر لما ستدل شيخ الإسلام وغيره بنزوله آخر الزمان على رفعه بجسده
ولما قال الشوكاني
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/180)
وإنما احتاج المفسرون إلى تأويل الوفاة بما ذكر؛ لأن الصحيح أن الله رفعه إلى السماء من غير وفاة
فتجدهم استدلو بالنزول على عدم الوفاة وعلى الرفع بالجسد
وفي ذلك الإستلال نظر لمن تدبر
وقوله تعالى: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبه لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه} دليل واضح على أنه عليه السلام رُفع بجسده وروحه، ولو أريد غير ذلك لقيل: وما قتلوه وما صلبوه بل مات.
الله صرح بعدم قتلهم وصلبهم له أما موته من عدمها فليس الخطاب متجه له ولهذا نقل عن السلف موته ولو لمدة وجيزة
وقد أجمعت الأمة قاطبة على أن عيسى عليه السلام رفع بجسده وروحه إلى السماء وأنه نجا من القتل والصلب خلافا للنصارى، وحكى هذا الإجماع غير واحد. قال ابن عطية: "أجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى في السماء حي، وأنه سينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويقتل الدجال ويفيض العدل وتظهر به الملة ملة محمد صلى الله عليه وسلم ويحج البيت ويبقى في الأرض أربعا وعشرين سنة وقيل أربعين سنة" [المحرر الوجيز 3/ 143]
أين التصريح برفع الجسد هنا أيضا
وقال السفاريني: "فقد أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافه، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة المحمدية، وليس ينزل بشريعة مستقلة عند نزوله من السماء". [لوامع الأنوار 2/ 94]
هذا لانختلف فيه ولله الحمد فالأحاديث بذلك صحيحة صريحة معروفة
وحتى لا يلتبس الأمر عليك فالخلاف إنما وقع في تفسير لفظة التوفي ليس غيرُ، فمن قائل معنى النوم أو معنى القبض، لكنهم جميعا متفقون على نفي الموت عن المسيح عليه السلام.
بل ثمت قول ثالث نُسب للسلف بموته وبعضهم قال مات لفترة ولو راجت التفاسير فسوف تجد لك الأقوال
بل أول من ابتكره هو الغلام القادياني الكذَّاب وحاولوا بالكذب والإضلال نسبة هذا القول إلى بعض العلماء وتبيَّن كذبهم الواضح. وقولك هذا هو دعاية لأفكارهم الكفرية من حيث لا تدري.
لعنة الله على القادياني الزنديق الكاذب.
ولايضرنا أن كان القادياني وغيره قال بشيء من ذلك كما لاينفعنا استدلال الرافضة بحياةجسده عليه السلام على شيئ لم يخلق أصلا.
كما لاينفعناولايضرنا أيضا قول النصارى أنه رفع بجسده إلى السماء.
أما نحن أهل السنة والجماعة فالحكمة ضالتنا أنا وجدنا ها فنحن أحق بها
والله تعالى يقول (ياايها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولايجرمنكم شنان قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون)
كلام لا ينبغي لك أن تقوله، بل الأحوط لدين المسلم أن يجزم بنفي الموت عن المسيح ورفعه حيا إلى السماء وأنه سينزل آخر الزمان، موافقة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين.
أما رفعه ونزوله آخر الزمان فالأدلة صريحة صحيحة أما الموت فقد ورد وهو الأصل في بني آدم
ومع ذلك فأنا لاأثبت الموت في حق المسيح ولكن أتوقف عندعن حدود النص
لأن ن ذلك من الأمور الغيبية.
أقول والله شهيد على ماأقول:
ما داعني لأفتح هذا الموضوع والله إلا محبة أن أعثر على علم أو دليل فاتني في الموضوع
وثمت نقطة هامة جدا ينبغيي التنبه لها وهي
في الحورات مع النصارى وغيرهم من الفرق الضالة لايسمح لهم أن يلزمونا سوى بالصحيح الصريح عن الله ورسوله.
أوبالإجماع الصحيح الصريح.
وبارك الله فيك يا هشام وأحسن الله إليك.
وبارك الله فيك يامحمد البيلي
ففي رابطك رأي شيخ الإسلام في القضية وأنه يرى الرفع للجسد والروح ودليله على ذلك.
.
ـ[هشام أبو يزيد]ــــــــ[17 - 12 - 09, 01:18 م]ـ
أخي الكريم عبد الرحمن
لا زلتَ تصرّ على أن الآيات لا تدل على رفع المسيح بجسده ضاربا بإجماع علماء الأمة عرض الحائط، إن الاستدلال بالنزول هو من زيادة الأدلة على رفع المسيح عليه السلام بجسده، وإلا فكيف تؤمن أن المسيح ينزل من السماء وهو قد مات ولم يُرفع جسده!!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/181)
وطلبك لدليل آخر مع كل هذه الأدلة لا يستقيم، وذلك لأمرين: أولهما لأن الأدلة دلالتها ظاهرة وواضحة على نفي الموت عن المسيح وبقائه حيًّا في السماء، وثانيهما أن الأمة قد أجمعت على صحة هذا المعنى المستنبط من النصوص فليس لنا أن نطلب دليلا أقوى من الإجماع.
وأؤكد لك تكرارا هذا إجماع الأمة كافة، ولم يقل أحد من المسلمين إن المسيح وقع عليه الموت، وأن الرفع كان بالروح فقط إلا النحلة الكافرة أتباع القادياني.
والذين فسروا الوفاة بالموت في قوله تعالى {متوفيك ورافعك إليَّ} رأوا أنها من المقدم والمؤخر، فالمعنى عندهم الوفاة التي تكون آخر الزمان بعد نزول المسيح ومكثه في الأرض، لا أنه مات في الدنيا فتنبَّه ..
أما تفسير الوفاة بأن الله تعالى أماته حين رفعه برهة من الزمن، ثم أحياه في السماء، فهذا لا يُنسب لأحد من المسلمين إلا ما رُوي عن وهب بن منبه بروايات واهية، وحتى لو صحَّت فمعلوم عن وهب نقله عن أهل الكتاب كثيرا في مثل هذه الأمور، فهو غير معتمد في هذا، ولم يقل بقوله هذا أحد من أهل العلم، وهو تارة يقول: توفاه الله ثلاث ساعات من النهار، وتارة سبع ساعات تبعا لما يجده في كتبهم، وهو يعني أن الله أماته ثم أحياه فهو حي الآن في السماء، بل والأعجب أن الحاكم أخرج له قولا بأنه يقول بما يعتقده النصارى الآن، وهو أنه مات ثلاثة أيام ثم بعثه الله ورفعه إليه. وذلك يدلك على أن كلامه هذا ليس من كلام المسلمين، وهذا كله إذا سلمنا بصحة الرويات المنقولة.
وبهذا نخلص أنه لا يوجد أحد من السلف أو الخلف قال بموت المسيح قبل نزوله، أو أنه مات حين رفع، أو أنه ليس حيا في السماء بجسده وروحه. فتأمل
ولا أدري أين إشكالك هنا؟ هل تريد أن تقول إن المسيح مات ثم أحياه الله ورفعه كما يُنقل عن وهب، أم تقول إن المسيح مات كسائر البشر كما تقول القاديانية؟
فإن كانت الأولى فهو كلام ساقط لم يقل به أحد من علماء المسلمين سوى الروايات الواهية المنقولة عن وهب، وإن كانت الثانية فهو مخالف لإجماع المسلمين كما مرَّ، وإنما قال بذلك القادياني ليثبت أنه هو المسيح، ولا مسيح بعده وفي كتبه السابقة كان يؤمن بما يؤمن به عامة المسلمين.
أما قولك الموت هو الأصل في بني آدم فصحيح، والله تعالى قادر على أن يستثني ما يشاء من هذا الأصل، فإن الله تعالى جعل الأصل في بني آدم ولادته من أم وأب، واستثنى عيسى فجعله من أم بلا أب.
والخلاصة أن المسلمين يؤمنون بأن عيسى عليه السلام قد نجا من الصلب والقتل ورفعه الله حيًّا إلى السماء، وهو حي فيها إلى أن يشاء الله نزوله آخر الزمان فيكون علامة على قرب الساعة، فيمكث في الأرض ما شاء الله ثم يتوفاه الله تعالى كسائر البشر.
أما القول بأنه ميت ومدفون تحت الأرض فهو قول اليهود والقاديانية، حيث لا يؤمن اليهود بنبوته وأنه كاذب، ويؤمن القاديانية بأنه صُلب وأغمي عليه فظنه الناس قد مات وخرج من القبر وشفي ثم هاجر إلى الهند ومات هناك.
والقول بأنه حي الآن في السماء، فهو قول المسلمين والنصارى، أما النصارى فيقولون قد صُلب حتى مات، ودُفن في القبر ثلاثة أيام وفي اليوم الثالث قام ورُفع إلى السماء وجلس عن يمين الله، أما المسلمون فيقولون قد نجا المسيح من القتل والصلب ورفعه الله حيا فهو الآن حي في السماء.
أرجو أن يكون قد وصلك المراد .. ويمكنك الاستعانة بهذا الرابط ( http://www.saaid.net/Minute/20.htm)
وفقك الله إلى ما يحب ويرضى
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[17 - 12 - 09, 02:26 م]ـ
الرفع هو بالجسد والروح معاً. قال الرازي: "إن التوفي أخذ الشيء وافياً. ولما علم الله إن من الناس من يخطر بباله أن الذي رفعه الله هو روحه لا جسده ذكر هذا الكلام ليدل على أنه عليه الصلاة والسلام رفع بتمامه إلى السماء بروحه وبجسده". وعلى هذا اتفقت أقوال السلف. وقد روي عن الحسن البصري من أكثر من وجه. واختاره الفراء وابن قتيبة وغيرهما من اللغويين، واختاره ابن جرير الطبري. قال ابن زيد: "متوفيك: قابضك. قال ابن جريج: "فرفعه إياه إِلَيْهِ توفيه إياه، وتطهيره من الذين كفروا".
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/182)
أما تفسير الوفاة بالموت، فلم يصح عن أحد من السلف. وقد جاء في صحيفة الوالبي عن ابن عباس، وهذا إسنادٌ ضعيف. وقال به وهب بن منبه، وليس ممن يُعتد به لأن عامة علمه من الإسرائيليات. والعجيب هو قول ابن كثير: "وقال الأكثرون: المراد بالوفاة هاهنا: النوم". مع أن هذا لم يصح عن أحد من السلف. والإسناد إلى الحسن ضعيف.
ـ[عبد الرحمن بن شيخنا]ــــــــ[17 - 12 - 09, 03:58 م]ـ
ياهشام حفظك الله
لو قلت أن الدليل على رفعه للسماء بحسده و أنه حي لم يمت
هو فهم المفسرين وعامة العلماء الذين نعرفهم لنصوص الشرع لسلمت لك تمام التسليم
أما أن تقول أن العلماء صرحوا بأنه أُجمع على رفع الجسد وعدم الموت فلم أطلع عليه بعد
ولاحظ الفرق بين الأمرين إلا إن قلت أنت أنهم أجمعوا إجماعا سكوتيا
وبحثي عن هذا الإجماع هو سبب فتح الموضوع
صحيح قد ورد التصريح بالرفع للسماء فقط بدون ذكر الجسد في مانص عليه من إجماع
مع أن النصوص لم تذكر حتى لفظ السماء فيما أعلم
وأما أن تقول أنه لم يقل بموته غير رجل واحد وهو وهب
فما تقول في قول ابن جرير الطبري
وقال آخرون: معنى ذلك: إني متوفيك وفاة موت. وأقره على ذلك ابن كثير وغيره
فهل هؤ لاء الآخرون هم فقط وهب وما نسب لبن عباس.
نعم قد يكون ذلك.
أما أن تقول أن نصوص الشرع صرحت بعدم موته أو برفع بجسده أوحتى رفعه إلى السماء بالتحديد ولو مع روحه-حسب علمي-
فلا أعلم نصا قطيعا في ذلك وكل ماورد فيه يحتمل لمن تدبر النصوص.
وليتبن لك ذلك أكثر هب أنه لم يثبت في نزوله آخر الزمان أي حديث هل لاتزال الآيات تنص صراحة على رفعه بحسده وعدم موته
الشيخ محمد الأمين حفظك الله
والله إني إشتقت لك كثيرا كثيرا
أسأل الله أن تكون على أفضل حال
ولك أقول حفظك الله
لاشك أن الله أخذه بجسده وروحه عن قومه
قال تعالى (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم).
ولتوضيح الأمر أكثر
يكون في الجواب على هذه الأسئلة الأربعة
هل قال أحد من العلماء أجمع العلماء على أن الله رفع المسيح بجسده إلى السماء؟
هل قال أحد من العلماء أجمع العلماء أن المسيح حي الآن حياة غير برزخيه؟
هل نصت نصوص الشرع صراحة بعدم موت المسيح؟
هل نصت نصوص الشرع صراحة على رفع جسده إلى السماء؟
.
.
ـ[عبد الرحمن بن شيخنا]ــــــــ[17 - 12 - 09, 10:04 م]ـ
مع أن النصوص لم تذكر حتى لفظ السماء فيما أعلم
ذكرني أحد الأخوة جزاه الله خيرا بحديث أين الله؟ وهو مع آية (إني رفعك إلي)
يكون ذكرالسماء في حكم التصريح الصريح
فجزاه الله خيرا
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[17 - 12 - 09, 10:33 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي عبد الرحمن
سؤال: من قال من علمائنا انه - عليه السلام - لم يرفع بجسده؟
ـ[عبد الرحمن بن شيخنا]ــــــــ[17 - 12 - 09, 10:44 م]ـ
سؤال: من قال من علمائنا انه - عليه السلام - لم يرفع بجسده؟
لا أعلم أحدا من المسلمين قال بذلك
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[17 - 12 - 09, 11:58 م]ـ
لا أعلم أحدا من المسلمين قال بذلك
1 - قد علمتُ أنا وأنت من قال أنه رفع بجسده
2 - ولا مخالف من علمائنا أنه رفع بجسده
--------------------------
النتيجة =؟
ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[18 - 12 - 09, 01:49 ص]ـ
وطلبك لدليل آخر مع كل هذه الأدلة لا يستقيم، وذلك لأمرين: أولهما لأن الأدلة دلالتها ظاهرة وواضحة على نفي الموت عن المسيح وبقائه حيًّا في السماء، وثانيهما أن الأمة قد أجمعت على صحة هذا المعنى المستنبط من النصوص فليس لنا أن نطلب دليلا أقوى من الإجماع. بارك الله فيك .. نحن نتعلم مِن هذه المناقشات، ولذلك نطرح التساؤلات طمعاً في تحصيل المزيد. وقبل أن أطرح تساؤلي أقول إنَّ هنا قضيتين:
(1) هل رُفع المسيحُ بجسده أم بروحه؟
(2) هل هو الآن حيٌّ أم ميِتٌ؟
أما بالنسبة للقضية الأولى، فيقول تعالى {ورافعكَ إليَّ} ويقول {بل رفعهُ الله إليه}. فهذا نصٌّ صريحٌ على أنَّ الله رفعَ المسيحَ بذاته إليه، تماماً كما قال تعالى {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً} فالنصُّ يتحدث عن النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذاته جسداً وروحاً. وهذا هو الأصل الذي يُعوَّل عليه، لأن الحديثَ عن الأشخاصِ يكون بذواتهم الحقيقية لا أرواحهم. ولهذا فقول شيخ الإسلام: إن الأمة أجمعت على أن الله رفع عيسى إليه، هو تحصيل حاصل لأنه صريح القرآن ولا يُحتاج إلى الإجماع في مِثل هذه المواضِع.
وأما بالنسبة للقضية الثانية، فهي التي وقع فيها الخلاف لا القضية الأولى. فالقرآن نفى "قتل" المسيح بقوله {وما قتلوه}، ونفى "صلبه" بقوله {وما صلبوه}. وأما قولك أيها الأخ الكريم إن الأدلة ظاهرة على "نفي الموت عن المسيح"، فأين ورد النصُّ على ذلك؟ وما "استنبطه" بعضُ العلماء مِن النصوص ليس بلازمٍ، لأنه لا إشكالَ في إماتةِ اللهِ للمسيحِ ثم رَفْعِه إليه، ثم إنزاله في آخِر الزمان بعد إحيائه.
وإنما استشكلَ العلماءُ هذا الأمرَ لأنهم رأوا فيه مَيْتَين للمسيح! فقال الطبري: ((ومعلومٌ أنه لو كان قد أماته الله عز وجل، لم يكن بالذي يُميته ميتة أخرى فيجمع عليه ميتتين!)). اهـ قلتُ: فلماذا لم يستشكل مَيْتَتَيْ الذي مرَّ على القرية، وقد أماته الله مائة عامٍ ثم بعثه؟ ولماذا لم يستشكل مَيْتَتَيْ الذين خرجوا مِن ديارهم وهم ألوفٌ حذَر الموت؟ ولماذا لم يستشكل مَيْتَتَيْ قتيلِ بني إسرائيل المذكورِ في سورة البقرة؟ بل لماذا لم يستشكل مَيْتَتَيْ الذين أحياهم المسيحُ بإذن الله؟ فإذا تحقَّقَتْ الميتتان مع هؤلاء، فما الذي منعَ تحقَّقهما مع المسيح؟!
وسؤالي هو: هل القول بأن المسيحَ الآن حيٌّ ورد فيه نصّ صريح؟ أم هو مجرّد استنباط؟ إن كانت الأولى، فأين هو النص؟ وإن كانت الثانية، فمَن الذي جعلَ هذا الاستنباط مُلزِماً؟
وجزاكم الله خيراً
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/183)
ـ[هشام أبو يزيد]ــــــــ[18 - 12 - 09, 07:05 م]ـ
قد أتعبتني يا عبد الرحمن
وأما أن تقول أنه لم يقل بموته غير رجل واحد وهو وهب
فما تقول في قول ابن جرير الطبري
وقال آخرون: معنى ذلك: إني متوفيك وفاة موت. وأقره على ذلك ابن كثير وغيره
فهل هؤ لاء الآخرون هم فقط وهب وما نسب لبن عباس
هذا يدل على أنك تقحم نفسك بما لا تحسنه، فأين قال الطبري هذا وأين أقره ابن كثير؟ راجع إجابتي لك: والذين فسروا الوفاة بالموت في قوله تعالى {متوفيك ورافعك إليَّ} رأوا أنها من المقدم والمؤخر، فالمعنى عندهم الوفاة التي تكون آخر الزمان بعد نزول المسيح ومكثه في الأرض، لا أنه مات في الدنيا فتنبَّه
ولم يبق أحد يقول بموته ساعة رفعه إلا وهب برويات ضعيفة فيها ابن حميد الرازي الكذاب ومجهول آخر لا يُعرف، وإذا صحَّ فكلامه مأخوذ من الإسرائليات كما هو معروف عنه. وبيَّن لك الأخ محمد أمين ضعف الرواية عن ابن عباس، ولكنك لا زلت تطحن في الهواء.
لا أعلم أحدا من المسلمين قال بذلك
إذا كنت لا تعلم أحدا قال بذلك فلمَ هذا الجدال الطويل الذي لا طائل تحته؟؟
الإجماع بما قلت لك مقرر عند أهل العلم كما ذكرت لك، وعدم فهمك للنصوص هو مشكلتك أنت وقد أجمعت الأمة على هذا الفهم، وكلامك يفتح باب الزندقة على مصراعيه، فما دمتَ لا تعرف أحدًا من علماء المسلمين يقول بذلك كيف تجترئ أنت بهذا الكلام في العقائد؟
ابحث عن كتب التفاسير والعقائد بما كتبه المسلمون من أهل السنة وأهل البدعة على السواء وانظر هل تجد من يقول بقولك هذا إلا زنادقة القاديانية؟
واسأل مشايخك الذين أهلوك للكلام، هل يجوز التشكيك في عقائد المسلمين ومخالفة ما أجمعوا عليه بهذا، واكتب لهم سؤالك لتعرف منهم الجواب. أو أرسل إلى أي دار للإفتاء لأي دولة مسلمة ليجيبوك على هذا بدلا من الاستمرار في السفسطة الفارغة.
وقد جاء سؤال إلى لجنة الإفتاء بالمملكة السعودية، وأجاب عنها الشيخ ابن باز رحمه الله كالتالي:
ما قول السادة العلماء الكرام في حياة سيدنا عيسى عليه السلام ورفعه إلى السماء بجسده العنصري الشريف ثم نزوله من السماء إلى الأرض قرب يوم القيامة، وأن ذلك النزول من أشراط الساعة، وما حكم من أنكر نزوله قرب يوم القيامة، وادعى أنه صلب وأنه لم يمت بذلك بل هاجر إلى كشمير (الهند) وعاش فيها طويلا ومات فيها بموت طبيعي وأنه لا ينزل قبل الساعة بل يأتي مثيله، أفتونا مأجورين؟
الجواب: وبالله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة على أن عيسى بن مريم عبد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام رفع إلى السماء بجسده الشريف وروحه، وأنه لم يمت ولم يقتل ولم يصلب، وأنه ينزل آخر الزمان فيقتل الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، وثبت أن ذلك النزول من أشراط الساعة. وقد أجمع علماء الإسلام الذين يعتمد على أقوالهم على ماذكرناه. إلى آخر الفتوى [فتاوى ابن باز 1/ 450]
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[18 - 12 - 09, 07:18 م]ـ
إذا كنت لا تعلم أحدا قال بذلك فلمَ هذا الجدال الطويل الذي لا طائل تحته؟؟
بارك الله فيك أخي هشام
هذا هو مقصودي من مشاركتيّ رقم 23 و24
- وإن شاء الله مشاركة الأخ أحمد الأقطش التي برقم 25 تكفي أخي عبد الرحمن
- وإذا نظرنا إلى مشاركة أخينا عبد الرحمن التي برقم 21 نتأكد أنه قد زال عنده الإشكال
والله ولي التوفيق
ـ[عبد الرحمن بن شيخنا]ــــــــ[20 - 12 - 09, 10:22 ص]ـ
لقد فهم الأخ أحمد الأقطش حفظه الله مرادي
وله أقول زادك الله فطنة وعلما
أما قولك
. وهذا هو الأصل الذي يُعوَّل عليه، لأن الحديثَ عن الأشخاصِ يكون بذواتهم الحقيقية لا أرواحهم.
أقول: قد أشرت إلى ذلك بقولي
ولكن الأصل أيضا أن من رفعه الله أن يكون الرفع له كله جسده وروحه إلى إن أتى صارف يصرفه عن ذلك
أقول والصارف هو أن الأصل في رفع من توفى أن ترفع روحه فقط
وكما أن الأصل في وفات من قيل أنه توفى هو الموت
وفي الموضوع كلام طويل ودقيق ..... ولهذا رأيت أن التوقف في هذه المسألة أحوط ..... للمجتهد
واعتذر عن تكملة النقاش والحوار في هذا الموضوع
لأني اتعبت الأخ الفاضل هشام أبو زيد جزاه الله عني خيرا
وحفظه الله وبارك فيه وفي علمه
أسأل الله أن يجعلنا أنصارا لدين الله و من من رضي الله عنهم ورضوا عنه.
فأعتذر لكم جميعا جعل الله تعبكم في موازين حسناتكم.
.
ـ[ابو العز النجدي]ــــــــ[20 - 12 - 09, 10:52 ص]ـ
أقول والصارف هو أن الأصل في رفع من توفى أن ترفع روحه فقط
إذن لا ميزةَ لعيسى عليه السلام في قوله تعالى (رافعك إليَّ)
لإن جميع المسلمين ترفع أرواحهم بعد الموت ثم تنزل إلى قبرها كما دلت عليه الأدلة!
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[20 - 12 - 09, 02:48 م]ـ
أقول والصارف هو أن الأصل في رفع من توفى أن ترفع روحه فقط
إذن لا ميزةَ لعيسى عليه السلام في قوله تعالى (رافعك إليَّ)
لإن جميع المسلمين ترفع أرواحهم بعد الموت ثم تنزل إلى قبرها كما دلت عليه الأدلة!
لفتة ممتازة جدا جدا جدا يا أبا العز .. جزاك الله خيراً
إذن فلا صارف .... أحسنتَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/184)
ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[20 - 12 - 09, 05:51 م]ـ
- وإن شاء الله مشاركة الأخ أحمد الأقطش التي برقم 25 تكفي أخي عبد الرحمن حفظك الله وبارك عليك ..
ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[20 - 12 - 09, 06:26 م]ـ
لقد فهم الأخ أحمد الأقطش حفظه الله مرادي
وله أقول زادك الله فطنة وعلما زادنا وإياك مِن فضله وعلَّمنا ما جهلنا .. ونسأله سبحانه ألاَّ يَكِلَنا إلى أنفسنا طرفةَ عين، وأن يقيل عثراتنا بمَنِّه وكرمه.
تقول حفظك الله:
((أقول والصارف هو أن الأصل في رفع من توفى أن ترفع روحه فقط)). اهـ
قلتُ: رَدُّ الفاضلِ أبي العزّ النجدي في محلِّه، وأزيدُ قولَه تعالى {يا أيتها النفسُ المطمئنةُ ارجعي إلى ربّكِ راضيةً مرضيةً}. فهذا عامٌّ في كلِّ مؤمنٍ، ولا ميزة فيه لعيسى عليه السلام لو كانت رُوحُه فقط هي التي رُفعت! وإذن لصار قوله {ورافعك إليَّ} حشواً في الكلام، تعالى الله عن ذلك وتقدَّس كلامُه عن أن يكون فيه حشو.
تقول حفظك الله:
((ولهذا رأيت أن التوقف في هذه المسألة أحوط ..... للمجتهد)). اهـ
قلتُ: نحن نقف عند كلامِ الله تعالى وما صحَّ عن رسوله صلى الله عليه وسلّم. فإذا أخبَرَنا القرآنُ أن اللهَ رفعَ المسيحَ إليهِ ولم يُقتَل ولم يُصلَب، فهو كما أخبرَ سبحانَه. ولا حاجة لذِكْرِ أنَّ الرفع كان حقيقياً بالجسد، لأن الكلامَ هو عن شَخْصِ المسيحِ لا روحِه، مثله مثل قولِه تعالى {أسرى بعبده} ولم يَقُل "بجسده" لأنَّ ذلك معلومٌ مِن الكلام ولا حاجة لِذِكْره.
ثم انظر أيها الأخ الكريم، أنَّ الله عندما كذَّبَ اليهودَ في دعواهم بأنهم قتلوا المسيح، أخبرَ سبحانه أنه نجَّاه مِنهم فلم يعثروا عليه أصلاً لأن الله رَفَعَه إليه، وبالتالي لم يكن هو الشخصَ الذي صلَبوه وزعموا أنه المسيح، بل شُبِّه لهم. ولو كان جسدُه موجوداً، لما وقع الاشتباه!
والله أعلى وأعلم
ـ[عبد الله بن سالم]ــــــــ[21 - 12 - 09, 02:06 م]ـ
أسأل الله عز وجل أن يزيدكم من العلم النافع والعمل الصالح ..
أجدتم والله، وبالصبر تظهر مثل هذه الفوائد ..(60/185)
تتبع الرخص في المذاهب الأربعة
ـ[الدرة المصون]ــــــــ[15 - 12 - 09, 12:30 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ما حكم تتبع الرخص في المذاهب الأربعة؟؟
كأن يكون الشخص ليس متبعا أي مذهب بعينه و لكنه عندما يستفتي عن أمر معين و يجد الإختلاف بين المذاهب الأربعة فيميل دائما إلى الرأي الأسهل و الأنسب له ..
و هل يمكن للشخص أن لا يكون متبعا مذهبا بعينه؟ هناك بعض الآراء حول وجزب اتباع كل مسلم سني لأحد المذاهب الأربعة. ما رأي أهل العلم في ذلك؟
ـ[الدرة المصون]ــــــــ[13 - 02 - 10, 03:45 م]ـ
للرفع ......
ـ[أبو محمدالنجدي]ــــــــ[13 - 02 - 10, 04:34 م]ـ
اتفق الفقهاء على أن الانتقال إذا كان للتلهي فهو حرام قطعاً؛ لأن التلهي حرام بالنصوص القاطعة، وذلك كأن يعمل الحنفي بالشطرنج على رأي الشافعي قصداً للهوى. انظر فواتح الرحموت (2/ 406)
2 - نصّ الإمام أحمد وغيره أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجباً أو حراماً ثم يعتقده غير واجب أو غير حرام بمجرّد هواه، مثل أن يكون طالباً لشفعة الجوار فيعتقدها أنها حق له، ثم إذا طُلب
منه شفعة الجوار اعتقد أنها ليست ثابتة اتباعاً لقول عالم آخر، فهذا ممنوع من غير خلاف.
3 - كما ينبغي أن يخرج من محل النزاع أن المجتهد إذا أوصله اجتهاده إلى رأي في مسألة أنه لا يترك ما توصل إليه، بل عليه المصير إلى ما أدّاه إليه اجتهاده.
4 - ما عدا ما سبق؛ فقد اختلفوا فيه على أقوال، أشهرها ثلاثة:
القول الأول:
منع تتبع الرخص مطلقاً.
وإليه ذهب ابن حزم، والغزالي، والنووي، والسبكي، وابن القيم، والشاطبي،
ونقل ابن حزم وابن عبد البر والباجي الإجماع على ذلك.
القول الثاني:
جواز تتبع الرخص،
وقال به من الحنفية السرخسي وابن الهمام وابن عبد الشكور وأمير باد شاه.
القول الثالث:
جواز الأخذ بالرخص بشروط، واختلف المشترطون:
1 - فقيّد العز بن عبد السلام الجواز بألا يترتب عليه ما يُنقَض به حكم الحاكم؛ وهو ما خالف النص الذي لا يحتمل التأويل، أو الإجماع، أو القواعد الكلية، أو القياس الجلي.
2 - وتبعه القرافي وزاد: شرط ألاّ يجمع بين المذاهب على وجهٍ يخرق به الإجماع.
3 - وزاد العطار على شرط القرافي شرطين،هما:
أ- أن يكون التتبع في المسائل المدونة للمجتهدين الذين استقرّ الإجماع عليهم، دون من انقرضت مذاهبهم.
ب- ألا يترك العزائم رأساً بحيث يخرج عن ربقة التكليف الذي هو إلزام ما فيه كلفة.
4 - وقيد شيخ الاسلام ابن تيمية الجواز بأن يكون على سبيل اتباع الأرجح بدليله، وفي ذلك يقول:
" من التزم مذهباً معيناً ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك، ومن غير عذر شرعي يبيح له
ما فعله، فإنه يكون متبعاً لهواه، وعاملاً بغير اجتهاد ولا تقليد، فاعلاً للمحرم بغير عذر شرعي، فهذا منكر.
وأما إذا تبين له ما يوجب رجحان قول على قول، إما بالأدلة المفصلة إن كان يعرفها ويفهمها، وإما بأن يرى أحد رجلين أعلم بتلك المسألة من الآخر وهو أتقى لله فيما يقوله فيرجع عن قول إلى قول لمثل هذا، فهذا يجوز بل يجب وقد
نص الإمام أحمد على ذلك".
5 - أما مجمع الفقه الإسلامي، فقد نصّ على أن الرخص في القضايا العامة تُعامل معاملة المسائل الفقهية الأصلية إذا كانت محقّقة لمصلحة معتبرة شرعاً، وصادرة عن اجتهاد جماعي ممن تتوافر فيهم أهلية الاختيار، ويتصفون بالتقوى والأمانة العلمية.
ونصّوا على أنه لا يجوز الأخذ برخص الفقهاء لمجرد الهوى؛ لأن ذلك يؤدي إلى التحلّل من التكليف، وإنما يجوز الأخذ بالرخص وفق الضوابط الآتية:
• أن تكون أقوال الفقهاء التي يُترخّص بها معتبرة شرعاً، ولم توصف بأنها من شواذ الأقوال.
• أن تقوم الحاجة إلى الأخذ بالرخصة دفعاً للمشقة، سواء أكانت حاجة عامة للمجتمع أم خاصة أم فردية.
• أن يكون الآخذ بالرخص ذا قدرة على الاختيار، أو أن يعتمد على من هو أهل لذلك.
ألا يترتب على الأخذ بالرخص الوقوع في التلفيق الممنوع.
• ألا يكون الأخذ بذلك القول ذريعة للوصول إلى غرض غير مشروع.
• أن تطمئن نفس المترخّص للأخذ بالرخصة.
أدلة اصحاب القول الأول:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/186)
1_ أن الله سبحانه وتعالى أمر بالرد إليه وإلى رسوله , فقال تعالى} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) {
واختيار المقلّد بالهوى والتشهي مضاد لذلك. إذ أن موضوع الخلاف موضوع تنازع، فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس، وإنما يرد إلى الشريعة.
2_ أن تتبع الرخص ميل مع أهواء النفس , والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى.
3_ الانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، ثم إنه لا يوجد محرّم إلا وهناك من قال بإباحته إلا ما ندر من المسائل المجمع عليها، وهي نادرة جداً.
4_ كلام الأئمة في التحذير من تتبع الرخص:
قال الإمام أحمد: لو أن رجلاً عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في السماع وأهل مكة في المتعة كان فاسقاً.
وقال الأوزاعيُّ: مَن أَخَذَ بِنَوَادِرِ الْعُلَمَاءِ خَرَجَ مِنَ الإِسْلاَمِ.
وقَالَ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِيَ: دَخَلْت عَلَى الْمُعْتَضِدِ فَدَفَعَ إلَيَّ كِتَابًا نَظَرْت فِيهِ وَقَدْ جَمَعَ فِيهِ الرُّخَصَ مِن زَلَلِ الْعُلَمَاءِ وَمَا احْتَجَّ بِهِ كُلٌّ مِنهُمْ، فَقُلْت: مُصَنِّفُ هَذَا زِنْدِيقٌ، فَقَالَ: لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ؟ قُلْت: الْأَحَادِيثُ عَلَى مَا رَوَيْت وَلَكِنْ مَن أَبَاحَ الْمُسْكِرَ لَمْ يُبِحْ الْمُتْعَةَ، وَمَن أَبَاحَ الْمُتْعَةَ لَمْ يُبِحْ الْمُسْكِرَ، وَمَا مِن عَالِمٍ إلَّا وَلَهُ زَلَّةٌ، وَمَن جَمَعَ زَلَلَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ أَخَذَ بِهَا ذَهَبَ دِينُهُ، فَأَمَرَ الْمُعْتَضِدُ بِإِحْرَاقِ ذَلِكَ الْكِتَابِ.
والنقول في هذا الباب كثيرة جداً لا تكاد تحصى، والعلماء متفقون على مضمونها وإن اختلفت عباراتهم، وعلة ذلك عندهم أنه ما من عالم إلا وله زلةٌ في مسألة لم يبلغه فيها الدليل أو أخطأ فهمه فيها الصواب. فمن تبعَ ذلك وأخذ به تملَّص من التكاليف الشرعية وزاغ عن جادة الحق وهو لا يدري.
أدلة القول الثاني:
1_ 1 - الأدلة الدالة على يسر الشريعة وسماحتها؛ كقوله تعالى:} يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ {, وقوله تعالى} وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {وغير ذلك من النصوص الواردة في التوسعة، والشريعة لم تَرِد لمقصد إلزام العباد المشاق، بل بتحصيل المصالح الخاصة، أو الراجحة وإن شقّت عليهم.
ونوقش/ بأن السماح واليسر في الشريعة مقيّد بما هو جارٍ على أصولها، وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها، بل هو مما نُهي عنه في الشريعة؛ لأنه ميلٌ مع أهواء النفوس، والشرع قد نهى عن اتباع الهوى.
الذي يظهر والله تعالى أعلم رجحان القول الأول وهو عدم تتبع الرخص لما سبق من أدلة القول الأول , ولإجماع أهل العلم على ذلك قبل نشوء النزاع. ولكن قد يسمح للمضطر إليها لكن لابد من الضوابط والقيود التي ذكرها الأئمة عليهم رحمة الله العز بن عبدالسلام والقرافي والعطار وشيخ الاسلام ابن تيمية.
ـ[ناصر المسماري]ــــــــ[14 - 02 - 10, 11:22 م]ـ
قال الإمام الذهبي: فمن وضح له الحق في مسألة وثبت فيها النص وعمل بها أحد الأئمة الأعلام كأبي حنيفة مثلا أو كمالك أو الثوري أو الأوزاعي أو الشافعي وأبي عبيد وأحمد وإسحاق فليتبع فيها الحق ولا يسلك الرخص، وليتورع ولا يَسَعَهُ فيها بعد قيامِ الحجةِ عليه تقليد.
وقال أيضا: ومن تتبع رخص المذاهب وزلات المجتهدين فقد رَقّ دينه.
ـ[الدرة المصون]ــــــــ[15 - 02 - 10, 04:12 م]ـ
جزاكم الله خير على الإفادة.
و لكن هل هناك فرق بين تتبع الرخصة و تتبع الزلة؟ أم هما وصفان لأمر واحد
ـ[عبد الحكيم بن عبد القادر]ــــــــ[15 - 02 - 10, 04:21 م]ـ
قال الدكتور وهيبة الزحيلي:
آراء الأصوليين في مسألة اختيار الأيسر (أو تتبع الرخص)، وفي التلفيق بين المذاهب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/187)
(يتفرع على مابيناه من أنه لم يوجد في الشرع مايوجب على الإنسان اتباع ما التزمه من المذاهب: القول بجواز تتبع الرخص والتلفيق. أما تتبع الرخص أو اختيار الأيسر: فهو أن يأخذ الشخص من كل مذهب ماهو أهون عليه وأيسر فيما يطرأ عليه من المسائل.
وقد حكى الأصوليون في هذه المسألة ثمانية أقوال أذكرها بإجمال ثم أبين أقوى النظريات المقولة فيها.
1 - قال أكثر أصحاب الشافعي وصححه الشيرازي والخطيب البغدادي وابن الصباغ والباقلاني والآمدي: يخير الإنسان بأخذ ماشاء من الأقوال، لإجماع الصحابة على عدم إنكار العمل بقول المفضول مع وجود الأفضل.
2 - أهل الظاهر والحنابلة: يأخذ بالأشد الأغلظ.
4 - يبحث عن الأعم من المجتهدين، فيأخذ بقوله.
5 - يأخذ بقول الأول، حكاه الرُّوياني.
6 - يأخذ بقول من يعمل على الرواية دون الرأي، حكاه الرافعي.
7 - يجب عليه أن يجتهد فيما يأخذ مما اختلفوا فيه، حكاه ابن السَّمعاني، ومشى عليه الشاطبي في الموافقات.،وهذا القول قريب من رأي الكعبي.
8 - إن كان الأمر في حق الله أخذ بالأخف، وإن كان في حق العباد أخذ بالأغلظ، حكاه الأستاذ أبو منصور الماتريدي.
ويمكن القول بوجود آراء ثلاثة في الموضوع هي الأشهر وهي التي نعتمدها بحثاً.
1 - قال الحنابلة، والمالكية في الأصح عندهم، والغزالي: يمتنع تتبع الرخص في المذاهب، لأنه ميل مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى، قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء:59/ 4]، فلا يصح رد المتنازع فيه إلى أهواء النفوس، وإنما يرد إلى الشريعة.
ونقل عن ابن عبد البر: أنه لايجوز للعامي تتبع الرخص إجماعاً. وعبارة الحنابلة في ذلك: إن استوى المجتهدان عند المستفتي في الفضيلة واختلفا عليه في الجواب اختار الأشد منهما، لما روى الترمذي من حديث عائشة قالت: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ماخير عمار بين أمرين إلا اختار أشدهما» وفي لفظ «أرشدهما» قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ورواه أيضاً النسائي وابن ماجه. فثبت بهذين اللفظين للحديث أن الرشد في الأخذ بالأشد، والأولى أن يعتبر ـ أي المستفتي ـ القولين ساقطين، لتعارضهما، ويرجع إلى استفتاء آخر.
وعبارة المالكية: الأصح أنه يمتنع تتبع الرخص في المذاهب، بأن يأخذ منها ماهو الأهون فيما يقع من المسائل. وقيل: لايمتنع. وصرح بعضهم بتفسيق متتبع الرخص. والأولى الاحتياط بالخروج من الخلاف بالتزام الأشد الأقوى، فإن من عز عليه دينه تورع، ومن هان عليه دينه تبدع.
وعبارة الغزالي: ليس للعامي أن ينتقي من المذاهب في كل مسألة أطيبها عنده، فيتوسع، بل هذا الترجيح عنده كترجيح الدليلين المتعارضين عند المفتي، فإنه يتبع ظنه في الترجيح، فكذلك ههنا.
2 - قال القرافي المالكي، وأكثر أصحاب الشافعي، والراجح عند الحنفية منهم ابن الهمام وصاحب مسلم الثبوت: يجوز تتبع رخص المذاهب، لأنه لم يوجد في الشرع مايمنع من ذلك، إذ للإنسان أن يسلك الأخف عليه إذا كان له إليه سبيل، بأن لم يكن عمل بآخر، بدليل أن سنة الرسول صلّى الله عليه وسلم الفعلية والقولية تقتضي جوازه، فإنه عليه الصلاة والسلام «ماخير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما مالم يكن مأثماً» وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يحب ماخفف عن أمته».
وقال صلّى الله عليه وسلم: «بعثت بالحنيفية السمحة» وقال أيضاً: «إن هذا الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه». وقال عليه السلام أيضاً: «إن الله قد فرض فرائض وسن سننًا وحد حدوداً وأحل حراماً وحرم حلالاً، وشرع الدين فجعله سهلاً سمحاً واسعاً ولم يجعله ضيقاً».
وقال الشعبي: «ماخير رجل بين أمرين، فاختار أيسرهما إلا كان ذلك أحبهما إلى الله تعالى».
وقال القرافي في هذه المسألة: يجوز تتبع الرخص بشرط ألا يترتب عليه العمل بما هو باطل عند جميع من قلدهم، أي أن شرط جواز تقليد مذهب الغير ألا يؤدي إلى التلفيق أي ألا يكون موقعاً في أمر يجتمع على إبطاله الإمام الذي كان على مذهبه، والإمام الذي انتقل إليه، كما إذا قلد الإمام مالك في عدم نقض الوضوء بلمس المرأة بغير شهوة، وقلد الإمام الشافعي في عدم وجوب ذلك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/188)
ويلاحظ أن هذا القيد الذي ذكره القرافي وهو: (ألا يترتب على تتبع الرخص العمل بما هو باطل لدى جميع من قلدهم) لادليل عليه من نص أو إجماع، وإنما هو قيد متأخر، كما قرر الكمال بن الهمام في (التحرير). فإذا جاز للشخص مخالفة بعض المجتهدين في كل ماذهب إليه، كما بينا، جازت مخالفته في بعض ماذهب إليه من باب أولى، كما قال صاحب تيسير التحرير. ثم قال: وليس هناك دليل من نص أو إجماع يدل على أن الفعل إذا كانت له شروط، فإنه يجب على المقلد أن يتبع مجتهداً واحداً في هذه الشروط التي يتوقف عليها هذا الفعل، ومن ادعى دليلاً على ذلك فعليه الإتيان به.
وأما مانقل عن ابن عبد البر، من أنه «لايجوز للعامي تتبع الرخص إجماعاً، فلا نسلم صحة هذا النقل عنه، ولو سلم فلا يسلم صحة الإجماع، إذ في تفسيق متتبع الرخص عن أحمد روايتان. وحمل القاضي أبو يعلى الرواية المفسقة على غير متأول ولامقلد. وقال ابن أمير الحاج في التقرير على التحرير: وذكر بعض الحنابلة: أنه إنْ قوي الدليل، أو كان عامياً، لايفسق. وفي روضة النووي حكاية عن ابن أبي هريرة: لايفسق. والخلاصة: أن مبدأ الأخذ بالرخص أمر محبوب، ودين الله يسر، وماجعل عليكم في الدين من حرج، والمفروض أن المقلد لم يقصد تتبع الرخص في كل الوقائع وإنما في بعض المسائل، وكثيراً ماقال العلماء: «من قلد عالماً فقد برئ مع الله» «اختلاف العلماء رحمة» وربما قال بعضهم: «حجَّرت واسعاً» إذا التزم العمل بالقول المشهور في جميع تصرفاته.
3 - رأي الشاطبي:
يرى الشاطبي رأي ابن السمعاني: وهو أنه يجب على المقلد الترجيح بين أقوال المذاهب بالأعلمية وغيرها، واتباع الدليل الأقوى، لأن أقوال المجتهدين بالنسبة للمقلدين كالأدلة المتعارضة بالنسبة إلى المجتهد، فكما يجب على المجتهد الترجيح أو التوقف عند تعادل الأدلة، كذلك المقلد. ولأن الشريعة ترجع في الواقع إلى قول واحد، فليس للمقلد أن يتخير بين الأقوال. وإلا كان متبعاً غرضه وشهوته، والله تعالى يمنع اتباع الهوى جملة وهو قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء:59/ 4].
ثم أبان الشاطبي في كلام مسهب مايترتب على مبدأ الأخذ بالأيسر من مفاسد:
أولها ـ الضلال في الفتوى بمحاباة القريب أو الصديق في تتبع رخص المذاهب اتباعاً للغرض والشهوة.
ثانيها ـ الادعاء بأن الاختلاف حجة على الجواز أو الإباحة، حتى شاع بين الناس الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفاً فيه بين أهل العلم.
ثالثها ـ اتباع رخص المذاهب اعتماداً على مبدأ جواز الانتقال الكلي من مذهب إلى مذهب، وأخذاً بمبدأ اليسر الذي قامت عليه الشريعة مع (أن الحنيفية السمحة أتى فيها السماح مقيداً بما هو جار على أصولها، وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها). ثم ذكر بعض مفاسد اتباع رخص المذاهب كالانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، وكالاستهانة بالدين إذ يصير سيَّالاً لاينضبط، وكترك ماهو معلوم إلى ماليس بمعلوم، للجهل بأحكام المذاهب الأخرى، وكانخرام قانون السياسة الشرعية بترك انضباط معيار العدالة بين الناس وشيوع الفوضى والمظالم وضياع الحقوق وتعطيل الحدود واجتراء أهل الفساد، وكإفضاء ذلك إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم، وغير ذلك من المفاسد التي يكثر تعدادها.
رابعها ـ التخلص من الأحكام الشرعية وإسقاطها جملة، عملاً بمبدأ الأخذ بأخف القولين، لابأثقلهما، مع أن التكاليف كلها شاقة ثقيلة.
ثم رد الشاطبي على القائل بجواز تتبع الرخص في حالات للضرورة أو الحاجة عملاً بالقاعدة الشرعية (الضرورات تبيح المحظورات) بأن حاصل فعله هو الأخذ بما يوافق الهوى، أو تجاوز حدود الضرورة أو الحاجة المقررة في الشرع. كما أنه رد على المتمسك بمبدأ (مراعاة الخلاف بين الأقوال) لتسويغ الأخذ بالأيسر بأن مراعاة الخلاف لايترتب عليه الجمع بين قولين متنافيين أو القول بهما معاً، وإنما هما لمسألتين مختلفتين. وفي تقديري أن السبب الذي حمل الشاطبي على منع تتبع الرخص والتلفيق هو غيرته على نظام الأحكام الشرعية حتى لايتخطاها أحد عملاً بمبدأ التيسير على الناس،،ولكنه ـ كما يلاحظ من كلامه ـ متأثر بالعصبية المذهبية، ويخشى ـ رغم تحرره الفكري ـ مخالفة مذهب الإمام مالك،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/189)
ويحرص على التقليد ومنع الاجتهاد.
ونحن معه في هذه الغيرة على أحكام الشريعة، لكن التقليد أو التلفيق الجائز مجاله محصور فيما لم يتضمن الإعراض عما أنزل الله، أو الذي لم يتضح فيه رجحان الحق والدليل على صحة قول المجتهد المقلَّد، وحينئذ ينهدم رأي الشاطبي من أساسه، لأنه يطالب بضرورة العمل بالدليل الراجح، والتزام أصول الشريعة، وهذا أمر مفترض في كل تقليد محمود أو أخذ بأيسر المذاهب.) انتهى
ثم قال:
التلفيق:
هو الإتيان بكيفية لا يقول بها المجتهد. ومعناه أن يترتب على العمل بتقليد المذاهب، والأخذ في مسألة واحدة بقولين أو أكثر: الوصول إلى حقيقة مركبة لايقرها أحد، سواء الإمام الذي كان على مذهبه، والإمام الذي انتقل إليه، فكل واحد منهم يقرر بطلان تلك الحقيقة الملفقة. ويتحقق ذلك إذا عمل المقلد في قضية واحدة بالقولين معاً، أو بأحدهما مع بقاء أثر الثاني.
فالتلفيق إذاً: هو الجمع بين تقليد إمامين أو أكثر في فعل له أركان أو جزئيات لها ارتباط ببعضها، لكل منها حكم خاص، كان موضع اجتهادهم وتباين آرائهم، فيقلد أحدهم في حكم، ويقلد آخر في حكم آخر، فيتم الفعل ملفقاً من مذهبين أو أكثر.
مثل أن يقلد شخص في الوضوء مذهب الشافعي في الاكتفاء بمسح بعض الرأس، ثم يقلد أبا حنيفة أو مالكاً في عدم نقض الوضوء بلمس المرأة خالياً عن قصد الشهوة ووجودها، ثم يصلي، فإن هذا الوضوء الذي صلى به لم يقل به كل واحد من هؤلاء الأئمة، فالشافعي يعتبره باطلاً لنقضه باللمس، وأبو حنيفة لايجيزه لعدم مسح ربع الرأس، ومالك لايقره لعدم مسح جميع الرأس أو لعدم دلك أعضاء الوضوء ونحو ذلك. أو أن يقلد مالكاً في عدم نقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة، وأبا حنيفة في عدم النقض بمس الذكر، وصلى. فهذه صلاة مجمع منهما على فسادها.
ومثل أن يستأجر شخص مكاناً موقوفاً تسعين سنة فأكثر، من غير أن يراه، مقلداً في المدة الطويلة للشافعي وأحمد، وفي عدم الرؤية لأبي حنيفة، فيجوز.
ومجال التلفيق كمجال التقليد محصور في المسائل الاجتهادية الظنية. أما كل ما علم من الدين بالضرورة ـ أي بالبداهة ـ من متعلَّقات الحكم الشرعي، وهو ماأجمع عليه المسلمون ويكفر جاحده، فلا يصح فيه التقليد والتلفيق، وعلى هذا فلا يجوز التلفيق المؤدي إلى إباحة المحرمات كالنبيذ والزنا مثلاً. هذا وإن قضية التلفيق بين المذاهب اشترط عدمها لجواز تقليد مذاهب الغير أكثر المتأخرين من العلماء بعد انتهاء القرن العاشر الهجري، ولم يتكلم فيها قبل القرن السابع.
وجواز التلفيق مبني على ما قررناه من أنه لا يجب التزام مذهب معين في جميع المسائل، فمن لم يكن ملتزماً مذهباً معيناً، جاز له التلفيق، وإلا أدى الأمر إلى بطلان عبادات العوام، لأن العامي لا مذهب له ولو تمذهب به، ومذهبه في كل قضية هو مذهب من أفتاه بها. كما أن القول بجواز التلفيق يعتبر من باب التيسير على الناس.
وتقليد إمام في جزئية أو مسألة لايمنع من تقليد إمام آخر في مسألة أخرى، ولايقال: إن المقلد وصل إلى حقيقة لم يقل بها كلا الإمامين، وإنما يعد ذلك من قبيل تداخل أقوال المفتين (أي المجتهدين) بعضها في بعض في عمل المستفتي تداخلاً غير مقصود، كتداخل اللغات بعضها ببعض في لسان العرب. فالمقلد لم يقلد كل إمام في مجموع عمله، وإنما قلد كلا من الإمامين في مسألة معينة غير التي قلد فيها غيره، ومجموع العمل لم يوجب أحد النظر إليه لا في اجتهاد ولا في تقليد.
وأما اشتراط بعض العلماء لجواز التلفيق ضرورة مراعاة الخلاف بين المذاهب، فهو أمر عسير، سواء في العبادات أو في المعاملات، وذلك يتنافى مع سماحة الشريعة ويسرها ومسايرتها لمصالح الناس.
وأما ادعاء وجود الإجماع (من قِبَل ابن حجر وغيره من بعض علماء الحنفية) على عدم جواز التلفيق، فيحتاج إلى دليل، وليس أدل على عدم قيام مثل هذا الإجماع من وجود اختلاف واضح بين العلماء في مسألة التلفيق. قال الشفشاوني في تركيب مسألة من مذهبين أو أكثر: «إن الأصوليين اختلفوا في هذه المسألة، والصحيح من جهة النظر جوازه» وحكى الثقات الخلاف أيضاً كالفهامة الأمير والفاضل البيجوري. هذا وإن مثل هذا الإجماع المدعى المنقول بطريق الآحاد لايوجب العمل عند جمهور العلماء، ولعل المراد بهذا الإجماع هو اتفاق الأكثر أو أهل مذهب ما.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/190)
وسأذكر هنا بإيجاز أقوال علماء المذاهب في إباحة التلفيق:
1 - الحنفية: قال الكمال بن الهمام وتلميذه ابن أمير الحاج في التحرير وشرحه: إن المقلد له أن يقلد من شاء، وإن أخذ العامي في كل مسألة بقول مجتهد أخف عليه لا أدري ما يمنعه من النقل أو العقل، وكون الإنسان يتتبع ما هو الأخف عليه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد، ما علمت من الشرائع ذمه عليه، وكان صلّى الله عليه وسلم يحب ما خفف عن أمته.
وجاء في تنقيح الفتاوى الحامدية لابن عابدين ما يفيد أن في منية المفتي ما يفيد جواز الحكم المركب، وأن القاضي الطرسوسي (المتوفى سنة 758 هـ) مشى على الجواز. وأفتى مفتي الروم أبو السعود العمادي (المتوفى سنة 983 هـ) في فتاويه بالجواز. وجزم ابن نجيم المصري (المتوفى سنة 970 هـ) في رسالته (في بيع الوقف بغبن فاحش) بأن المذهب جواز التلفيق، ونقل الجواز عن الفتاوى البزازية. وذهب أمير باد شاه (المتوفى سنة 972 هـ) إلى جواز التلفيق بكل قوته. وألف مفتي نابلس منيب أفندي الهاشمي رسالة في التقليد عام (1307 هـ) أيد فيها التقليد مطلقاً، وقال عنها فقيه عصره الشيخ عبد الرحمن البحراوي: «أن المؤلف قد بين الحق على الوجه الصحيح». والخلاصة: أن الشائع المشهور أن التلفيق باطل، لكن العلماء خلاف ذلك وأنه جائز بأدلة كثيرة ناطقة على صحته.
2 ـ المالكية: الأصح والمرجح عند المتأخرين من فقهاء المالكية هو جواز التلفيق، فقد صحح الجواز ابن عرفة المالكي في حاشيته على الشرح الكبير للدردير، وأفتى العلامة العدوي بالجواز، ورجح الدسوقي الجواز، ونقل الأمير الكبير عن شيوخه أن الصحيح جواز التلفيق وهو فسحة.
3 ـ الشافعية: منع بعضهم كل صور التلفيق، واقتصر بعضهم الآخر على حظر حالات التلفيق الممنوع الآتي بيانها، وأجاز آخرون التلفيق إذا جمعت في المسألة شروط المذاهب المقلدة.
4 ـ الحنابلة: نقل الطرسوسي أن القضاة الحنابلة نفذوا الأحكام الصادرة بالتلفيق.
هذا ولم أذكر أقوال المخالفين من علماء هذه المذاهب، سواء في قضية الأخذ بأيسر المذاهب أو في تتبع الرخص، ولأن أقوال المخالفين لا تلزمنا، لعدم وجود دليل شرعي راجح لها.
التلفيق الممنوع:
ليس القول بجواز التلفيق مطلقاً، وإنما هو مقيد في حدود معينة، فمنه ما هو باطل لذاته، كما إذا أدى إلى إحلال المحرمات كالخمر والزنا ونحوهما. ومنه ما هو محظور لا لذاته، بل لما يعرض له من العوارض، وهو ثلاثة أنواع:
أولها ـ تتبع الرخص عمداً: بأن يأخذ الإنسان من كل مذهب ما هو الأخف عليه بدون ضرورة ولاعذر. وهذا محظور سداً لذرائع الفساد بالانحلال من التكاليف الشرعية.
الثاني ـ التلفيق الذي يستلزم نقض حكم الحاكم، لأن حكمه يرفع الخلاف درءاً للفوضى.
الثالث ـ التلفيق الذي يستلزم الرجوع عما عمل به تقليداً أو عن أمر مجمع عليه لازم لأمر قلده. وهذا الشرط في غير العبادات، أما فيها فيجوز التلفيق ولو استلزم الرجوع عما عمل به أو عن أمر لازم لآخر إجماعاً، مالم يفض إلى الانحلال من ربقة التكاليف الشرعية أو إلى الذهاب بالحكمة الشرعية باقتراف الحيل المغايرة للشريعة أو المضيعة لمقاصدها.
مثال الأول أي الرجوع عن العمل: ما نقل عن الفتاوى الهندية: لو أن فقيهاً قال لامرأته: (أنت طالق البتة) وهو يرى أن الطلاق يقع ثلاثاً، فأمضى فيما بينه وبينها، وعزم على أنها حرمت عليه. ثم رأى بعدئذ أنها تطليقة رجعية، أمضى رأيه الأول الذي كان عزم عليه، ولايردها إلى أن تكون زوجته برأي حدث من بعد.
وكذلك لوكان في الابتداء يراها تطليقة رجعية، فعزم على أنها امرأته، ثم رأى بعد أنها ثلاث، لم تحرم عليه. هذا ويلاحظ أن بطلان التلفيق بعد العمل مقيد بقيدين:
أولهما ـ أن يبقى من آثار الفعل السابق أثر يؤدي إلى تلفيق العمل بشيء لايقول به كل من المذهبين كتقليد الشافعي في مسح بعض الرأس، ومالك في طهارة الكلب في صلاة واحدة. وكما لو أفتى مفت ببينونة زوجته بطلاقها مكرهاً، ثم نكح أختها مقلداً للحنفي بوقوع طلاق المكره. ثم أفتاه شافعي بعدم الحنث، فيمتنع عليه أن يطأ الأولى، مقلداً للشافعي والثانية مقلداً للحنفي، لأن إمضاء الفعل كإمضاء القاضي لا ينقض.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/191)
ثانيهما ـ أن يكون ذلك في حادثة واحدة بعينها لا في مثلها، كما لو صلى ظهراً بمسح ربع الرأس مقلداً للحنفي، فليس له إبطال طهارته باعتقاده لزوم مسح الكل مقلداً للمالكي. وأما لوصلى يوماً على مذهب، وأراد أن يصلي يوماً آخر فلا يمنع منه.
مثال الثاني أي الرجوع عن أمر مجمع عليه: لو قلد رجل أبا حنيفة في عقد النكاح بلا ولي، فيستلزم العقد صحة إيقاع الطلاق، لأنها أمر لازم لصحة النكاح إجماعا , فلو طلقها ثلاثا , ثم أراد تقليد الشافعي في عدم وقوع الطلاق لكون النكاح بلا ولي، فليس له ذلك لكونه رجوعاً عن التقليد في أمر لازم إجماعاً. وهذا أمر معقول حتى لا تصبح العلاقة الزوجية السابقة علاقة محرمة، وأن الأولاد أولاد زنا. فيمنع ذلك كما يمنع كل ما يؤدي إلى العبث بالدين أو الإضرار بالبشر أو الفساد في الأرض.
ومن صور التلفيق الممنوع لمخالفته الإجماع: أن يتزوج رجل امرأة بغير صداق ولا ولي ولا شهود، مقلداً كل مذهب فيما لا يقول به الآخر، فهذا من التلفيق المؤدي إلى محظور، لأنه يخالف الإجماع، فلم يقل به أحد.
ومن صور التلفيق الممنوع أيضاً: أن يطلق شخص زوجته ثلاثاً، ثم تتزوج بابن تسع سنين بقصد التحليل، مقلدا ً زوجها في صحة الزواج للشافعي، فأصابها، ثم طلقها مقلداً في صحة الطلاق، وعدم الحاجة إلى العدة للإمام أحمد، فيجوز لزوجها الأول العقد عليها فوراً. فهذا التلفيق ممنوع لأنه يؤدي إلى التلاعب بقضايا الزواج، لذا قال الشيخ الاجهوري من الشافعية: هذا ممنوع في زماننا ولا يجوز ولايصح العمل بهذه المسألة، لأنه يشترط عند الشافعي أن يكون المزوج للصبي أباً له، أو جداً، وأن يكون عدلاً، وأن يكون في تزويجه مصلحة للصبي، وأن يكون المزوج للمرأة وليها العدل بحضرة عدلين، فإذا اختل شرط لم يصح التحليل لفساد النكاح.
حكم التلفيق في التكاليف الشرعية:
تنقسم الفروع الشرعية إلى ثلاثة أنواع:
الأول ـ ما بني في الشريعة على اليسر والتسامح مع اختلافه باختلاف أحوال المكلفين.
الثاني ـ ما بني على الورع والاحتياط.
الثالث ـ ما يكون مناطه مصلحة العباد وسعادتهم.
أما النوع الأول ـ فهو العبادات المحضة، وهذه يجوز فيها التلفيق، لأن مناطها امتثال أمر الله تعالى والخضوع له مع عدم الحرج، فينبغي عدم الغلو بها؛ لأن التنطع يؤدي إلى الهلاك.
أما العبادات المالية: فإنها مما يجب التشديد بها احتياطاً خشية ضياع حقوق الفقراء، فلا يؤخذ بالقول الضعيف أو يلفق من كل مذهب ماهو أقرب لمصلحة المزكي لإضاعة حق الفقير، وإنما يجب الإفتاء بالأحوط والأنسب لمصلحة الفقراء.
وأما النوع الثاني ـ فهو المحظورات: وهي مبنية على مراعاة الاحتياط والأخذ بالورع مهما أمكن (3)، لأن الله تعالى لا ينهى عن شيء إلا لمضرته، فلا يجوز فيها التسامح أو التلفيق إلا عند الضرورات الشرعية، لأن (الضرورات تبيح المحظورات).
وعليه لايجوز التلفيق في المحظورات المتعلقة بحقوق الله (أو حقوق المجتمع) حفاظاً على النظام العام في الشريعة، واهتماماً برعاية المصالح العامة. كما لا يجوز التلفيق في المحظورات المتعلقة بحقوق العباد (حقوق الأشخاص الخاصة) منعاً من الاحتيال على حقوق الناس وإلحاق الضرر بهم والاعتداء عليهم.
وأما النوع الثالث ـ فهو المعاملات المدنية: والعقوبات الشرعية (الحدود والتعزيرات)، وأداء الأموال الواجبة شرعاً من عشر المزروعات، وخراج الأراضي، وخمس المعادن المكتشفة، والمناكحات (أو الأحوال الشخصية). فعقود الزواج (المناكحات) وما يتبعها من أنواع الفرقة الزوجية: مبناها سعادة الزوجين وأولادهما. ويتحقق ذلك بالحفاظ على الرابطة الزوجية، وتوفر الحياة الطيبة فيها، كما قرر القرآن الكريم: {فإمساك بمعروف،أو تسريح بإحسان} [البقرة:229/ 2]. فكل ما يؤيد هذا الأصل يعمل به، ولو أدى في بعض الوقائع إلى التلفيق الجائز، أما إذا اتخذ التلفيق ذريعة لتلاعب الناس بأقضية الزواج والطلاق، فيكون تلفيقاً قادحاً ممنوعاً، مراعاة للقاعدة الشرعية: وهي (أن الأصل في الأبضاع التحريم) صيانة لحقوق النساء والأنساب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/192)
وأما المعاملات، وأداء الأموال، والعقوبات المقررة في الشرع والقصاص لصيانة الدماء ونحوها من التكاليف المراعى فيها مصالح البشرية والمرافق الحيوية، فيجب الأخذ فيها من كل مذهب ما هو أقرب لمصلحة الناس وسعادتهم، ولو لزم منه التلفيق، لما فيه من السعي وراء تأييد المصلحة التي يقصدها الشرع، ولأن مصالح الناس تتغير بتغير الزمان والعرف وتطور الحضارة والعمران. ومعيار المصلحة أو تحديد المراد منها: هو كل ما يضمن صيانة الأصول الكلية الخمسة:
وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وصيانة كل مصلحة مقصودة شرعاً من الكتاب أو السنة أو الإجماع. وهي المصالح المرسلة المقبولة.
قال الشرنبلالي الحنفي في العقد الفريد بعد أن ذكر فروعاً من أصل المذهب صريحة بجواز التلفيق: فتحصل مما ذكرناه أنه ليس على الإنسان التزام مذهب معين، وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهبه، مقلداً فيه غير إمامه، مستجمعاً شروطه، ويعمل بأمرين متضادين في حادثتين لا تعلق لواحدة منهما بالأخرى. وليس له إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر، لأن إمضاء الفعل كإمضاء القاضي لا ينقض. وقال أيضاً: إن له التقليد بعد العمل، كما إذا صلى ظاناً صحة الصلاة على مذهبه، ثم تبين بطلانها في مذهبه، وصحتها على مذهب غيره فله تقليده، ويجتزئ بتلك الصلاة، على ما قال في البزازية: أنه روي عن أبي يوسف: أنه صلى الجمعة مغتسلاً من الحمام، ثم أخبر بفأرة ميتة في بئر الحمام، فقال: نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً.
والخلاصة: إن ضابط جواز التلفيق وعدم جوازه: هو أن كل ما أفضى إلى تقويض دعائم الشريعة والقضاء على سياستها وحكمتها، فهو محظور، وخصوصاً الحيل الشرعية الممنوعة.وأن كل ما يؤيد دعائم الشريعة، وما ترمي إليه حكمتها وسياستها لإسعاد الناس في الدارين بتيسير العبادات عليهم، وصيانة مصالحهم في المعاملات، فهو جائز مطلوب.
اختيار الأيسر في التقنين:
لا مانع شرعاً من اختيار الحاكم ولي الأمر أيسر الأقوال في المذاهب الشرعية المختلفة، إذ إن ذلك ليس من قبيل التلفيق الممنوع، لأن الأحكام المختارة من المذاهب هي أحكام كلية لأمور متغايرة لا تجمع بينها رابطة، كما بينا. وإذا حدث فيها تلفيق أثناء التطبيق الفعلي فهو غير مقصود، فلا حرج فيه، كالقول بصحة الزواج بغير ولي وبعبارة النساء، والتفريع عليه بجواز استدامة الزوجية بعد مراجعتها إثر صدور طلاق ثلاث بلفظة واحد اكتفاء بإيقاعه طلقة واحدة رجعية. فهو تلفيق غير ممنوع لأنه لم يقصد إليه.
والقول بجواز التلفيق في الجملة أقوى دليلاً من القول بمنعه، فضلاً عما فيه من تحقيق مصالح الأفراد والجماعات، ولا يترتب عليه أي مفسدة من مفاسد التلفيق المحظور. ولو افترضنا أن التلفيق كله غير جائز فإن تخير الحاكم لرأي وجعله قانوناً نافذاً: يقوي الحكم ولو كان قولاً ضعيفاً، كما قرر العلماء، بل ويوجب الطاعة إذا لم يكن أمراً بمعصية متيقنة شرعاً. وقد بدأ التخير من أحكام المذاهب في مجال التقنين فعلاً منذ أكثر من خمسين عاماً في مطلع هذا القرن، وذلك حينما شعرت الحكومة العثمانية بالحاجة إلى التوسع في حرية التعاقد، والشروط العقدية، وقابلية المحل المعقود عليه، بسبب ازدياد حاجة التعامل التجاري والصناعي، وتطور أساليب التجارة الداخلية والخارجية وظهور أنواع جديدة من الحقوق هي الحقوق الأدبية كحق المؤلف والمخترع، والاحتياج إلى عقود التأمين على البضائع المستوردة، واتساع مجال عقود الاستصناع مع المصانع الكبرى، وعقود التوريد لتقديم اللوازم والمواد الأولية إلى المؤسسات الحكومية والشركات والمعامل والمدارس.
فاستبدلت السلطة العثمانية بالمادة (64 سنة 1332 هـ/1914م) من قانون أصول المحاكمات مادة أخذت مبادئها من غير المذهب الحنفي كالمذهب الحنبلي ومذهب ابن شبرمة اللذين يوسعان من دائرة حرية الشروط العقدية ويقتربان من مبدأ سلطان الإرادة القانوني أي أن (العقد شريعة المتعاقدين) ويجيزان هذه المبادئ الثلاثة التي تضمنتها المادة الجديدة وهي:
1 - توسيع قابلية المحل للتعاقد عليه ليشمل كل ما جرى به العرف، أو سيوجد بعد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/193)
2 - جواز كل اتفاق أو اشتراط لا يخالف النظام العام والآداب والقوانين الخاصة، وقوانين العقارات والأحوال الشخصية والأوقاف. وبذلك تقلصت نظرية الفساد عند الحنفية، وأصبح جائزاً ما يعرف بالشرط الجزائي أي التعهد بالضمان المالي جزاء النكول أو التأخر عن تنفيذ الالتزام، عملاً بمذهب القاضي شريح.
3 - اعتبار العقد تاماً بمجرد الاتفاق على النواحي الأساسية فيه، ولو لم تذكر الأمور الفرعية. وبه أصبحت الجهالة غير ضارة في تكوين العقد، فيصح العقد بسعر السوق أو بما سيستقر عليه في يوم ما (1). هذا وقد أصدرت الحكومة العثمانية سنة (1336 هـ) قرار حقوق العائلة المعمول به اليوم، أخذت فيه بطائفة من أحكام المذاهب الثلاثة غير الحنفية واختارت بعض أقوال ضعيفة في المذهب الحنفي، وصدرت في مصر قوانين متخيرة من أحكام المذاهب بدءاً من سنة (1920 م) إلى سنة (1929) ثم سنة (1936 م) وحتى الآن اتبعت فيها أسلوب قانون العائلة العثماني، وذلك بحضور صفوة مختارة من كبار العلماء ورجال القضاء الشرعي من مختلف المذاهب، مراعاة لتغير الزمان، وتطور الحياة الاجتماعية، وتجدد المصالح والحاجات، وتبدل الأوضاع والتنظيمات. انتهى من مقدمة كتاب (الفقه الإسلامي و أدلته)
و جاء في موسوعة الفتاوي: فالأصل أن يتبع المسلم الدليل من الكتاب والسنة فيما علم دليله، وأن يقلد من ترجح عنده صحة اجتهاده فيما لا دليل عليه، ولا يجب عليه اتباع مذهب معين أو تقليد شخص بعينه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين، وكل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ
ولا عذر لأحد عند الله تعالى في اتباع قول يعلم أن الدليل ثابت بخلافه، وهذا ما نص عليه أهل العلم وأوصى به الأئمة الأربعة وغيرهم.
والتلفيق بين مذهبين من المذاهب الأربعة أو غيرهم في مسائل الاجتهاد لا مانع منه إذا لم يكن في مسألة واحدة في حادثة واحدة، أو لم يقصد منه تتبع الرخص بدون دليل شرعي، فقد نص أهل العلم على أن من تتبع رخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله. اهـ
ـ[فهد الخالدي]ــــــــ[15 - 02 - 10, 09:25 م]ـ
" ... وكثير من النَّاس يسأل أكثر من عالم، نعم، بعض النَّاس؛ لِيَطمئنَّ قلبُهُ استفتَى فقيل لهُ ما عليك شيء، فما ارتاح ذهب ليطمئنّ، يسأل ثاني ثالث ليطمئن لكنْ إذا قيل لهُ عليكَ كفَّارة، ثُم ذهب ليسأل عَلُّهُ أنْ يجد من أهل التَّسامُح والتَّساهل من يُعْفِيهِ من هذهِ الكَفَّارة هذا هو الإثم! حتَّى لو قيل لهُ فعلتَ كذا وسألت الشيخ الفُلاني فقال عليك كفَّارة فقيل لك إن في مذهب أبي حنيفة أو الشَّافعي ما عليك كفَّارة، فتقول أبو حنيفة إمام من أئِمَّة المُسلمين تبرأ الذِّمَّة بِتقلِيدِهِ، ثُمَّ في مسألةٍ أخرى تُلزم بشيء، تُلزم بقضاء، ثم يُقال لك مالك ما يُلزمك بالقضاء، تقول: مالك إمام في أئمَّة المُسلمين، ثُمَّ في مسألة ثالثة تسأل، فيُقال: عليك كذا، ثُمَّ يُقال لك: مذهب الشَّافعي ما عليك شيء، تقول: الشَّافعي إمام من أئِمَّة المُسلمين تبرأ الذِّمَّة بتقليده!، هذا تَتَبُّع الرُّخَصْ، الذِّي قال أهلُ العلم فيهِ مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصْ فَقَدْ تَزَنْدَقْ، كيف يتزندق؟! مُسلم يقتدي بإمام من أئِمَّة المُسلمين! نقول: نعم، يخرُج من الدِّين بالكُلِّيَّة وهو لا يَشْعُر! لأنَّ هذه المذاهب فيها المُلزم وفيها المُعفي؛ لكنْ في مسألةٍ أخرى العكس، هذا الذِّي أعفاك يُلزمُك والذِّي ألْزَمَك هنا يُعْفِيكْ هُناك؛ لكن كونك تبحث عن الذِّي يُعفِيك في جميع المسائل!!! معناه أنَّك تخرج من الدِّين بالكُلِّيَّة، تبحث عمَّا يُعْفِيك في جميع مسائل الدِّينْ؛ إذنْ ما تَدَيَّنْتْ بدين!!! ولم تَتَّبِعْ ما جاء عن الله وعن رسُولِهِ، ولم يَكُنْ هواك تَبَعاً لما جاء بِهِ النبي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-؛ إنَّما الذِّي يَسُوقُك ويُشَرِّعُ لك هواك! هذا وجهُ قولهم: (مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصْ فَقَدْ تَزَنْدَقْ) ... "
لقراءة المقال كاملاً تجده تحت هذا الرابط
http://www.khudheir.com/text/1357
أتمنى أن يكون في هذا الإقتباس جواباً شافياً
ـ[الدرة المصون]ــــــــ[16 - 02 - 10, 12:32 م]ـ
جزاكم الله خيرا على الشرح الأكثر من وافي
اتضحت لي الأمور الآن
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ـ[طالبة في الجامعة]ــــــــ[03 - 04 - 10, 11:25 م]ـ
السلام عليكم
هل من الامكان ذكر المصادر التي أخذت منها المعلومات .. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ـ[طالبة في الجامعة]ــــــــ[04 - 04 - 10, 12:31 ص]ـ
للرفع
ـ[طالبة في الجامعة]ــــــــ[04 - 04 - 10, 12:32 ص]ـ
ارجو المساعدة ..
واطلب من الاعضاء الذي وضعوا المشاركات ان يحددوا الكتب
ارجوكم .. لان هذا يساعدني في بحثي ..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/194)
ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[04 - 04 - 10, 02:04 ص]ـ
الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي: الفرع الرابع: آراء الأصوليين في مسألة اختيار الأيسر (أو تتبع الرخص)، وفي التلفيق بين المذاهب.
وقد أشار في الهامش إلى جملة صالحة من المراجع.(60/195)
هذا العالم الزيدي تحول للسنة وانتصر للصحابة رضي الله عنهم فحاول الزيود تجاهل تراثه!
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[15 - 12 - 09, 07:13 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هو يحيى بن الحسين بن القاسم، المتوفى (عام 1099هـ)، الذي ينتهي نسبه إلى إمام الزيود المسمى " الهادي "، وأول من لفت الأنظار إليه في هذا العصر: الشيخ إسماعيل الأكوع - رحمه الله – في كتابه الفذ " هِجَر العلم ومعاقله "، في ترجمته (ص 1086 – 1088)، وفيما ينقله عنه من ردود على الزيود الجارودية المترفضين. قال عنه: (وقع بينه وبين بعض علماء عصره منافرة وخصومة؛ لميله للعمل بالكتاب وصحيح السنة النبوية، وهذا هو السبب في تجاهل مؤرخي علماء الزيدية المقلدين لذكره والإشادة به، وذلك لأنه كان نصيرًا للسنة وأهلها، وسوطَ عذابٍ على الجارودية).
وقال الشيخ إسماعيل رحمه الله - أيضًا - في تقديمه لكتاب يحيى بن الحسين " الإيضاح لما خفا من الاتفاق على تعظيم صحابة المصطفى " - الذي حققه مؤخرًا الأستاذ عبدالرحمن بن عبدالقادر المعلمي عام 1426هـ (ص 3): (قليلٌ من العلماء من يعرف يحيى بن الحُسين ابن الإمام المنصور القاسم بن محمد، أحد فطاحل علماء اليمن، الذي يُعد بصدق أعلم علماء أسرته " آل القاسم "، على كثرة من ظهر في هذه الأسرة الكبيرة من العلماء والمؤرخين، ومن الأئمة أيضًا على مدى أربعة قرون، وذلك لتجاهل مؤرخي عصره له، وإذا ترجم له أحد، فعلى استحياء، إذ لا يذكر مكانته العلمية، ومناقبه الحميدة، ومؤلفاته الفريدة؛ نكايةً به؛ لعزوفه عن المذهب الهادوي الزيدي، وتحوله إلى ما كان عليه السلف الصالح، من العمل بأحكام الكتاب وصحيح السنة، والتصدي للدفاع عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيم شأنهم، ورفع مكانتهم؛ مما أغضب عليه كبار أسرته، من أئمة وولاة، وقادة وغيرهم، ممن أنكر عليهم ظلمهم، وسيئات أعمالهم، وقسوة أحكامهم لغير أهل مذهبهم .. ).
قلت: لقد مال يحيى بن الحسين – رحمه الله – إلى السنة، ولعله تأثر بابن الوزير – رحمه الله – كما سيأتي، فتبين له أن مَن يُسمون أنفسهم بالزيود، وينتسبون لزيد بن علي – رضي الله عنه -، من بني قومه، إنما هم هادوية جارودية رافضة، وأن زيد بن علي براء من عقائدهم. والجارودية – كما هو معلوم – فرقة من الزيدية توافقت مع الرافضة في مسألة الطعن في الخلفاء الراشدين الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم)، ولهذا تراه يُشنع عليهم، ويُلح على انحرافهم في هذا الباب.
وأنقل هنا من كتابه " بهجة الزمن في تاريخ اليمن " الذي حققته الدكتورة أمة الغفور الأمير قريبًا (عام 1429هـ) شذراتٍ من حملته على الزيود الجارودية، ومواقفه المشرفة مع الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين -:
قال - رحمه الله - (1/ 372) عن شاه إيران: (أخبرني السيد حسين بن محمد التهامي عن شريف من أشراف مكة قال: إنه أخبره لما سار إلى حضرة الشاه، وجده حال وصوله إليه في النزهة بخيامه، ووطاقه وأجناده وأتباعه. قال: وتلك المحطة في الطول فوق الميل، ثم دخل ديوانه، وولج إيوانه، فإذا هو مفروش بأنواع الحرير، وجميع الآلات من الصحون المرصعة بالجواهر، والغالي الثمين، وآلات الصحون فضة، يأكلون في صحافها مخالفة لما ورد النهي من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنها، وشدة الوعيد فيها، قال: والبغايا في المحطة ساهرون، ولعساكره مخالطون ظاهرون، لأجل ما يرونه في المتعة، فانجر إله هذه البدعة، وتستقر البغية عند أحدهم بدرهم ليلة، ثم تنتقل إلى آخر بدرهم مرة، ثم كذلك. اختلط عليهم الأمر، فنعوذ بالله من ذلك الجهل. قال: وفي كل عام يُسلطون الأنعام من البقر، والخيل والحمير، والجمال بعضها على بعض، ويغرونها بالانتطاح، والتراكب بعضها على بعض والنكاح، ويتفرجون عليها، ويرسمون الضعيف منها بفلان من الصحابة، فإذا غُلب تضاحكوا وفرحوا، واستراحوا، وعجائب من هذه البدع والأفعال، ويرقمون مشايخ الصحابة رضي الله عنهم في النعال، ويرفعون أصواتهم باللعن لهم على كل حال، فلا قوة إلا بالله العلي العظيم كيف قد صار آخر هذه الأمة يلعن أولها).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/196)
وقال مُلمحًا إلى تأثره بابن الوزير (1/ 406): (وكان يرى رأي السيد محمد بن إبراهيم الوزير صاحب (العواصم والقواصم) ويميل إلى رأي أهل السنة في كثير من أصولهم، ولا يكفر بالإلزام، كما عليه أكثر المحققين من علماء الإسلام، وصنف في أصول الدين كتاباً سماه (الدراري) وشرحه شرح لطيف، وجمع فيه مناقضات كلامات المعتزلة، ومن تابعهم من الهدوية).
وقال (2/ 512 - 513): (وفيها خرج السيد محمد بن علي الحيداني من بيته إلى بلاد برط، ثم نزل منه إلى الجوف، ثم إلى بلاد خولان في صنعاء، ثم جاوز عنه إلى بلاد المَصْعَبَين بلاد قايفة. وأظهر في سفره هذا أنه المهدي المنتظر الذي يؤم آخر الزمان. وذكر أن عنده صحة إمامين في عصر واحد. وأنشأ عقيدته، وذكر من جملتها تكفير جميع المسلمين من المعتزلة والأشاعرة، وتكفير الصحابة الكرام. وذكر أن النص في علي جلي، يَكْفر مخالفه، فكفَّر صحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كالخلفاء الثلاثة ومن قال بقولهم، وبايعهم، واعتقد إمامهم، وعجائب يقشعر به الجلد. نعوذ بالله من الضلال والغلو في الدين والخروج عن طريقة العُقَّال، وعلى الجملة إنه كفَّر أكثر المسلمين. وفي الحديث الصحيح: " من قال لأخيه يا كافر حار عليه " أي رجع، ولقد تحجر السيد واسعاً، كالأعرابي الذي بال بالمسجد، فنهره الناس، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "دعوه وصبوا عليه ذَنُوباً من ماء"، فقال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً. فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " لقد تحجرت واسعاً" وهذه بلية عظيمة، فإن كثيراً من الشيعة يعتقدون أن النص جلي، من الجارودية، على مثل قول الرافضة الإمامية، فتراهم يكفِّرون المسلمين لكنهم لا يُظهرون ما أظهر هذا السيد من التكفير، وإن كان ذلك مذهبهم. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وزيد بن علي من اعتقادهم بريء، حاشاه من ذلك).
وقال (2/ 512 - 513): (وفيها طافت رسالة من الشيخ أحمد بن علي بن مطير الحكمي الشافعي يذكر فيها أن الزيدية صاروا يخالفون كثيراً من أقوال الإمام زيد بن علي، ولا يذهبون إلى أقواله، مع انتسابهم في المذاهب إلى اجتهاده، فكيف هذه النسبة مع المخالفة! وفي التحقيق أنهم هدويَّه؛ لاتِّباعهم مذاهب الهادي في الأصول والفروع، فالنسبة إليه أولى).
وقال (2/ 563 – 564): (والسلف يرون أحاديث الصفات والآيات على ظاهرها من غير تأويل مع اعتقاد أن الله ليس كمثله شيء، وهو مذهب كثير من السلف .. فسلف الزيدية يوافقون السلف وأهل السنة، والمتأخرون وهم الهادوِّية يوافقون المعتزلة).
وقال مستنكرًا على إمام الزيود في عصره تآخيه مع الرافضة (2/ 626 – 628): (وفي شهر الحجة من هذه السنة ترجح للمتوكل أن يكتب إلى الشاه عباس بن شاه صفي بن شاه عباس، صاحب العجم وسلطانها الاثني عشري الإمامي بما هذا لفظه ... – ثم ذكر رسالته وقال - وأجاب عليه الشاه في ذلك معاهدة كما هو مقتضى هذا الابتداء. وما كان للمكاتبة هذه معنى؛ لأن الشاه في طرفٍ نقيض هو والمذكور؛ لأن ذلك اثنا عشري، يقول: بأن الأئمة إنما هم اثنا عشر لا غير، فعنده أن المتوكل سلطان، وكذلك هو في جهاته، وكان جوابه كما قيل: جوابٌ يابس ليس فيه هدية ولا صلة، بخلاف سلطان الهند فإنه لما كتب المتوكل إليه مع السيد أحمد سعيد الذي كان مفتي المخا، كان جواب سلطان الهند بهدية عظيمة، وحالة فخيمة).
وقال (2/ 654): (واعلم أن الخسوفات هذه كثرت في بلاد العجم هذا الزمان، وسببه ـ والله أعلم ـ ما يصدر من الإمامية والعجم من السب واللعن للصحابة في السر والعلن، وجعلوه لهم بضاعة وعبادة. وقد جاء في الحديث الذي أخرج الترمذي وغيره عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: " إذا لعن آخر هذه الأمة ألها فليرتقبوا ريحاً حمراء" الحديث إلى آخره).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/197)
وقال (2/ 694 - 702): (وفي هذه السنة والتي قبلها ظهر مع جماعات الأخذ في جانب الصحابة رضي الله عنهم، ولم يُعرف لأحد في الزمان المتقدم، وكان سبب ذلك أبيات قالها الفقيه صالح المقبلي الثلائي، فحصل هذا الأخذ في الصحابة، والتّجاري في السِبابة، وحصل مع ذلك أيضاً الأخذ في الأئمة كالهادي والإمام المهدي، وقالوا: خالفوا زيد بن علي، ومن تأخر منهم معتزلي .. إلى غير ذلك. وكان السيد أحمد الآنسي خبيث العقيدة رافضيًا فقال:
إذا غضبت أمنا فاطمة
فكيف نرضي عن المغضيين
وفيم التحرج من لعن من
ومن كان خصماً لبنت الرسول
وماتت بغُصَّتها الدائمة
لها كالإبل السائمة
على لعنه حجة قائمة
فهي له في غد خاصمة
فأجبت عليه:
لقد رضيت أمنا فاطمة
فرضينا لرضاها عن المغضبين لها
فكيف التحرج عند الترضي بمن
ومن كان خَلفاً لبنت الرسول
وماتت ولم تك باللائمة
لا كالإبل السائمة
في اللعن له حجة قائمة
فهي له في غدٍ خاصمة
وقال أحمد الآنسي المذكور في قصيدة أخرى:
وترى النواصب كل نص
فحديث يوم غدير خم
لم يختلف فيه الأُلى
ولوى الذي قد غا
واللفظ مشترك لديك
أنَسِيْت تخصيص المقا
في أبي حسن خفيَّا
لم يزل أبداً جليَّا
شهدوه نقلاً أوليا
ب عنه لسانه للنصب ليَّا
كنا نظنك ألمعيَّا
م أراك يا لغوي نسيا
فأجبت عليه بشعر ضعيف:
قد رميتَ أئمة بالنصب
هم بأجمعهم يرون
ابحث كتبْهم إن كنت تعرفها
قد صرح المنصور بالله وغيره
انسيت تخصيص المقام بأنه
هذي المعاني والأصول
في الفِرَق ثابت الدلالة
يا من نظنك ألمعيَّا
ذاك النص نصاً خفيا
تجدْ ما قلتهُ جليا
في كتبهم راجعها أوَّليا
للدليل أي كان خفيا
إليك راجعها مَليَّا
والدليل وما ذاك الجَليَّا
وكل هذا السب والقصائد من هؤلاء في هذا العصر نشأ من بيتين أنشأهما الفقيه صالح بن مهدي المقبلي، أصله من جبل تيس، ثم استقر بمدينة ثلا المحروسة، فقال فيها:
قَبَح الإلَه مُفرقاً
من كان هذا دينه
بين الصحابة والقرابة
فهو الشقي بلا استرابة
فلما وقف عليها السيد أحمد الآنسي أنشأ هذه القصائد، وخص الجواب على هذين البيتين بقصيدة قال فيها:
تُربٌ بفيك وجندل
ماذا خصصت أبا تُراب
ماذا وفَرتَ على الذُّؤَابة
به إذا سَاوى تُرابَه
وقال فيها:
أما الذي آذى النبي فيهم
ورقى منابرهم وقال أنا
قد جادبهم ثيابه
الولي وذو الحجابة
إلى آخرها، وفيه سب تحاشيت عن ذكره.
وجوابها ما أجبت به:
لا جهل أعظم من جهل ذا
أفك الصحابة بالفِرا فحسبُه
جحد الذي أتى عن النبي
وخصوصه بالرفع عن الخطأ
إجماع آل محمد خالفته
لا شك أن مخالف الإجماع
المُستراب بما أرابه
أخذاً بظاهر ما أصابه
وكذا القرابة
ولا خلابة
فيما أتيت من السبابة
هو الشقي بلا استرابة
وقال السيد أحمد الآنسي أيضاً:
أتحرق عم المصطفى ووصيه
فأين بحبل الله أو بنييه
وماذا الذي أبقى لأم جميل أو
وما الفرق في بين فعلين مستويين يا
وما فاعل إلا تراه كفاعل
وفاطمة وابناها كما جاء في النقل
تمسك من يخطب لأهليه بالحبل
أبي لهب أو ما بقى لأبي جهل
أخا العلم والإنصاف عن نظر قل لي
إذا اتحد الفعلان والمثلان كالمثل
جوابه هو ما أجبت به:
لا حريق صح لعم المصطفى ووصيه
به قال شراح البلاغة والأُلى
فما فاعل إذا صح كفاعل
فذا الفرق في الفعلين يا
وفاطمة وابنيها كما جاء في النقل
ومن كان في العلم كامل في العقل
ولا اتحاد ولا مثل كالمثل
أخا العلم والإنصاف في النقل
انتهى والله الموفق للصواب.
وزاد على السيد أحمد الآنسي حسن بن علي بن جابر الهَبَل بما هو أعظم وأكبر من قوله أخزاه الله، وعاد لعنه عليه فيما لعنه:
العن أبا بكر الطاغي وثانيه
ثلاثة لهم في النار منزلة
يا رب فالعنهم والعن مُحبَّهم
تقدموا صِنْو الرسولِ واغتصبوا
والثالث الرجس عثمان عفان
من تحت منزل فرعون وهامان
ولا تُقِمْ لهم في الخير ميزانا
ما أحلَّ ابنته ظلماً وعدوانا
وقد أجاب عليه السيد لطف الله بن علي بن لطف الله بن مطهر بن شرف الدين والفقيه حسن الفضلي الآنسي. فمن جواب السيد لطف الله قوله:
تَبَّتْ يدا حسنِ ثاني أبي لَهَب
أضحى مع الكافرين الطُّغم في سَقَرٍ
يا ميتة السوء مات الرجس فاضحة
قد خالف الله ثم المصطفى سَفَهاً
قد أُصْليَا لَهَباً مُحْمى ونيرانا
مأواه من تحت فرعون وهامانا
ولًَّى مصراً على العصيان خوانا
والمؤمنين معاً ظُلماً وطُغيانا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/198)
إلى آخرها. ولهذا الرافضي ديوان يتضمن الشتم للصحابة عليهم الرضوان، قد أضل به كثيراً من إخوانه الرافضة والطغيان والجهال، الذي قد ثبت أن أجهل الناس مَنْ سب الصحابة، وزاد هذا الرافضي بما لم يتفوّه به رافضي قبله في قوله (والعن محبهم) لأن الله تعالى يقول: (فَسَوْفَ يَأتي اللهُ بِقومٍ يُحبُّهمْ ويُُحبُّونَهُ) وبالإجماع من المفسرين أنها نزلت في أبي بكر لمّا قاتل أهل الردة من بني حنيفة وغيرهم، لأن الآية في المائدة في سياق قوله تعالى: (مَن يَرْتَدَّ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأتي اللهُ بِقَومٍ يُحبُّهم ويُحِبُّونَهُ)، وهو خطاب للمؤمنين، وحصلت الردة بعد موته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ممّن كان أسلم في حياته، وهم مثل: بني حنيفة، وجماعة باليمن وعُمان ارتدوا، فقاتلهم أبوبكر بسبب ذلك، لم يقاتلهم غيره رضي الله عنه. فالله تعالى حكم بأنه يحبهم، أعني الذين قاتلوا أهل الرِّدّة، الذين منهم أبوبكر وقومه كأبي موسى الأشعري وأصحابه وغيرهم، فقد أتى هذا الرافضي شططاً عظيماً وقولاً جسيما ما قال به أحد من الرافضة قبله، ولكن ما عصي بشيء أعظم من الجهل، فإن الرجل كان شاباً، ورأى بعض المتشابهات من أقوال الرافضة، فقال من حيث لا يدري بالمقيدات، وبالمرويات الصحيحات، ولم يخالط العلماء، ويسأل ويأخذ الحقيقة، ويستكشف المُشكل، بل وقع فيما وقع فيه، فلا قوة إلا بالله، نعوذ بالله من الجهل، ونسأله الثبات الذي وعد به تعالى بقوله تعالى: (يُثَبِّتُ الله الذينَ ءَامَنوا بالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخِرة)، ونعوذ بالله من الضلال، ومما بلغ بهذا الرافضي من المزال، ونستغفر الله من حكاية لفظه وكَتْبِه، لكن ذلك كله لأجل لا يغتر به من يغتر من الجُهَّال، لأن قد صار ديوانه وأقواله منقولة مع الجهال من إخوانه الرافضة والله أعلم.
والرافضة هذا الزمان الذين من الزيدية كثير، إلا أن منهم من يتستر بمذهبه، ولا يُظهره عن سائر الزيدية غير الرافضة، ولم يُظْهِر الرفض إلا هذا حسن بن علي الرافضي والسيد أحمد الآنسي والسيد صلاح بن محمد العبالي والفقيه أحمد بن عبدالحق الحيمي ويحيى بن المؤيد، فهؤلاء الذين أظهروا الرفض والشتم للصحابة رضي الله عنهم، وباؤوا بآثامهم، وكبيرهم الذي أفظع حسن بن علي بن جابر الهبل لا رحمه الله. وعندما جرى هذا ترجَّح للفقيه صالح المقبلي الثُّلائي اليمني أن باع أملاكه، ورحل بأولاده إلى مكة، واستقر بها ودخل في مذهب الشافعي رحمه الله.
وللفقيه الفاضل حسن بن علي الفضلي في الرد على حسن بن علي بن جابر:
امدح أبا بكر السّامي وثانيه
والثالث الحَبر عثمان بن عفانا
ثلاثة لهم في الخُلدِ منزلةٌ
يا رب فلتجزِهم ولتجزِ مادحهم
قد آثروا صنو خير الرسُل واعترفوا
حُفَّت بمنزل موسى ابن عِمرانا
يومَ القيامة فوق الناس بُنْيَانَا
بِكُلّ حَقٍ له سِراً وإعلانا
وقد جرى مع كثير ممن ولع بسبب الصحابة رضي الله عنهم سوء الخاتمة، نعوذ بالله من سوء الخاتمة، ونسأله أن يرحمنا بصلاح الخاتمة والرضا والتوفيق. أخبرني الثقة أن هذا حسن بن علي بن جابر لما ذُكر له في مرض موته التوبة، فقال: ذاك هو الذي يلقى الله به، وأن ذاك سببه على علي بن أبي طالب، هو الذي ترك حقه، وأنه قد عَصى بترك حقه، وربما سبه، فاعجبْ وانظر كيف خُتِم له سب الصحابة من أجل علي، ثم طغى إلى سب علي رضي الله عنه.
وكان رجلاً يقال له الفقيه صلاح القاعي، من رافضة الهدوية، لما حضرته الوفاة قال لزوجته: إنها تنادي أن الفقيه صلاح القاعي مات كافراً، هكذا روى لي هذا السيد لطف الله بن علي عنها. وروى هذه الرواية الأخرى عن صهره محمد بن حسن الحيمي وهو ممن حَضَرَ مَوْتَ خاله صلاح القاعي المذكور. ولما مات محمد صالح العجمي الرافضي من الاثني عشرية قال الراوي: أنه ظهر في لسانه سواد عظيم، قال الراوي: وكثير من الرافضة وغالبهم أو جميعهم تكون خواتمهم خواتم سوء، فنسأل الله السلامة والأمان من العذاب. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/199)
وكان منهم السيد صلاح بن محمد العبالي، فأمر محمد بن المتوكل بحبسه لأجل تعصبه وامتناعه عن ترك ذلك، وأمر بإخراجه من القصر إلى حصن ثُلاء، فاجتمع كثير من عامة صنعاء وصبيانهم يقولون عند خروجه: هذا جزاء من سب صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، مع أن زيد بن علي رضي الله عنه ممن حرّم سبَّ الصحابة، وغلَّظ في النهي عنه، كما عُلم عنه بالتواتر ضرورة، حتى أن بعض جهلتهم قال لبعض من راجعه فيهم، واحتج عليه بأنه يجب القدوة بالإمام علي، فإنه قعد وسكن وحضر جماعاتهم وجُمَعِهم، ولم ينكر أحوالهم، فقال عند ذلك: تركُ عَلي خطأ وغلط، وإلاَّ فكان عليه القيام عليهم!!
وهؤلاء الذين أخذوا في جانب الصحابة رضي الله عنهم كلهم أحداث صبيان، ما قد عرفوا العلم بالحقيقة، ولا أخذوا بالطريقة، فيعملون بالظواهر والإطلاقات، ولا يضمون الكلامات بعضها إلى بعض، ويجمعون بينها ويوافقونها، فبسببه حصل هذا الأمر العظيم، نسأل الله التوفيق. ثم انجرَّ ذلك إلى كتابة اللَّعن في كل ما وقفوا عليه من الكتب في ذكر أحد من الصحابة، ويخالفون مقصد المصنفين: " والمؤمن ليس بلعَّان"، وتلعبوا بكثير من هذه الكتب، وزادوا ونقَّصوا فيها فلا حول ولا قوة إلا بالله. ثم انجر إلى طمس بعض شيء من نصوص زيد بن علي رضي الله عنه في مجموعه مما ظاهره موافقة أهل السنة في المشيئة والقَدَر وإمامة قريش، وقص ورقه بالمقاريض. فلا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم نقلوا على هذه النسخة المُغَيّرة المنقَّصة المُحَرَّفة نسخاً، فيتوهم المتوهم ممن رأى اختلاف النسخ ـ والعياذ بالله ـ الدس بالزيادة، وليس كذلك، فإن التحريف حصل بالنقص كما هو في النسخ القديمة ثابت، والنقص باطل، فليُعلم ذلك إن شاء الله، وقد أحسن من قال في هذا الوقت والفعال، وهو السيد إسماعيل بن محمد بن صلاح جحاف الحبوري:
رأيٌ طري عن سبيل الحق معدول
من خالف الناس طراً في مذاهبهم
ومذهبٌ حادثٌ لا شك مجهول
فإنه بسيوف العدل مخذول)
وقال (3/ 1029 - 1030): (وكان المذكور محترقاً جارودياً، يتحامل على صحابة المصطفى، ويأكل لحومهم بالأهوى، فلا قوة إلا بالله، استعار مني كتاب (الاستيعاب) للحافظ بن عبدالبر، وضع في بعض هوامش الكتاب من الشتم ما يقشعر الجلد عنه، فطمسته وأزلته؛ لأنه كتبه من غير معرفة ولا احترام لكتب غيره وهو أعظم معصية، ثم طلب بعد ذلك عارية فلم أعره، لمحقه للكتب وتغيير مقاصد المصنفين، وما لا يحل ذكره من السب، وذكرت عند ذلك قول إسماعيل المقري في الروض في باب الوصايا: أن أجهل الناس من تعرض للصحابة بالسب. مع أنه لم يكن له من المعرفة بدقائق العلم وحقائقه، كان إذا اتفقت شيء من المسائل موجهاً على غيره عارضها بالوهم الباطل، والغلط العاطل، والخروج عن مقصد السائل، وكان عاطلاً عن غير معرفة المثالب والمناقب كما هو حال الإمامية وغلاة الشيعة، فإنهم يجتهدن في تقول ما وجدوه من المثالب والمناقب، وما شجر بين الأوائل، هذا غاية مرماة، وصيده الذي كان يهواه ..
ومرة قلت له: ما ينبغي سب الصحابة، فأجاب علي بقوله تعالى: (ولا تَسُبُّوا الَّذينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّوا الله عَدْوا بِغَيْرِ عِلمٍ)! فتجارى على تحريف القرآن كما ترى، وجعل الصحابة رضي الله عنهم ممن يدعون من دون الله بمثابة الكفار، فاستوحشت من عقيدته هذه، ونَفَرَتْ نفسي عنه، فلم أكالمه بعد ذلك إلا جواباً ..
ومن العجائب أنه استعار مني نسخة سنن أبي داود وقال: يريد السماع فيها، فبقيت عاجباً ورجوت أن إسعافه إلى ذلك فيه: إما رجوع عن قوله، أو مزيد حجة تقرر عليه في نظره، فسمعها على الفقيه علي بن محمد بن سلامة عن الفقيه هادي بن عبدالله القويعي الحضرمي الشافعي عن مشائخه إلى آخرها، ولم يتعرض لمحق شيء فيها، فكانت حجة عليه قائمة، وسنة على بدعته قاهرة، والله أعلم).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/200)
وقال (3/ 1091): (وفي العشر الآخرة من هذا الشهر توفي يحيى بن حسين بن المؤيد بالله محمد بن القاسم بعد عوده من الحج بجهة شهارة، وكان المذكور له بعض معرفة بعلم النحو، وكان جارودياً في عقيدته، متحاملاً على الصحابة رضي الله عنهم، غالياً في الرفض لهم، محترقاً داعية، وكان جماعاً لكتب المثالب فيهم، مطرحاً لكتب المناقب، مبالغاً في إحصاء عثراتهم، معرضاً عن فضائلهم، آخذاً للمثالب من كتب الرافضة والكذابين، مثل كتاب المناقب والمثالب لأبي حنيفة محمد بن النعمان الرافضي الإسماعيلي العبيدي قاضي العبيدية الذي كان بمصر أيام العبيدية، وهو من الرافضة الباطنة، ومن كتب غيره من الرافضة، وكان يطعن في مذهب الهدوية والمعتزلة وأهل السنة وينتصر للإمامية، ويدَّعي أن زيد بن علي رحمه الله كان رافضياً سباباً للصحابة، وحاشاه من ذلك، فإنه متواتر عنه خلافه، بل كان بسببه رفض الرافضة له وترك بيعته؛ لأنهم كانوا طالبوه بالكوفة لما وصل إليها أن يتبرأ من المشايخ، فامتنع، وأملى فيهم حديث الرافضة المشهور، وهذا ظاهر عنه في جميع كتبه ـ رحمه الله ـ، وفي التواريخ لا يمكن رده، وطُمس من مجموع الفقه الكبير له بعض مسائله، مثل: مسألة إمامة قريش، وما ذكره في الأصول، وذمه للقدرية، وإثبات المشيئة لله، وغير ذلك، فلا قوة إلا بالله).
تنبيهات
1 - أفادني أخي الشيخ محمد الغانم – وهو يعمل على رسالة جامعية عن " الزيدية " وعقائدهم - بقول إمامهم المنصور بالله عبدالله بن حمزة – كما نقله ابن حابس الصعدي في كتابه " الإيضاح شرح المصباح المشهور بشرح الثلاثين مسألة " (ص 336 – 337) -:
(إن الزيدية على الحقيقة هم الجارودية، ولا نعلم في الأئمة عليهم السلام بعد زيد بن علي عليه السلام من ليس بجارودي، وأشياعهم كذلك). وهذا اعتراف منه يشهد لما ذكره يحيى بن الحسين – رحمه الله – عنهم - كما سبق -.
2 - أجاد الأستاذ عبدالرحمن المعلمي محقق كتاب " الإيضاح لما خفا .. " في رده (ص 83 – 84) على الزيدي المعاصر المتعصب: عبدالسلام الوجيه، الذي اتهم يحيى ابن الحسين بأنه غير ثقة في تواريخه!! " كما في كتابه " أعلام المؤلفين الزيدية " (ص 1111 - 1118) ".
3 - يُستغرب طباعة الدكتورة أمة الغفور تحقيقها لتاريخ يحيى بن الحسين السابق " بهجة الزمن .. " لدى مؤسسة الإمام زيد بن علي! وهي مؤسسة أخذت على عاتقها نشر كتب الزيود الجارودية، رغم مافيها من انحرافات عن السنة، ونيل من الصحابة رضي الله عنهم. ولهذا حاولوا – هداهم الله - التشغيب على يحيى بن الحسين، بقولهم في مقدمة الكتاب: (1/ 9): (ورغم إشارة الباحثة إلى موضوعيته ودقته في نقد بعض علماء عصره، إلا أنا نخالفها الرأي في بعض ما استشهدت به على موضوعيته في نقده لمعاصريه، ففي بعض ما أورده الكثير من التحامل والتجني، يتضح ذلك في نقده لبعض الشخصيات، كالحافظ أحمد بن سعد الدين، وعشرات ممن ترجم لهم)!
وقولهم (1/ 10 – 11): (ونقول: لقد كان ميل يحيى بن الحسين عن مذهبه واضحاً، وكان سنياً أكثر من كونه زيدياً، وبالتالي لم يهتم علماء الزيدية بمؤلفاته في غير التاريخ والتراجم، وبقيت في معظمها مسودات بقلمه، أما الباحثة فتسرد إهمال المؤرخين لترجمته قائلة: "ولعل ذلك يعود إلى ما ذهب إليه الشوكاني وهو: ميله إلى العمل بما في أمهات الحديث ورده على من خالف النصوص الصريحة". وفي كلام الشوكاني من التصريح ما فيه، وقد أوردناه في هذه العجالة للتنبيه فقط،، وكي لا تؤخذ آرائه وأحكامه واجتهاداته في بعض القضايا الأصولية والفرعية ونظرته إلى الزيدية على أنها آراء جماهير علماء الزيدية ومذهبها، مع التأكيد على أن المؤرخ يحيى بن الحسين اعتمد في بعض ما أورده على أسانيد وروايات ضعيفة لا يغني عن الحق والصواب أوردها كمسلمات وحكم على بعضهم بموجبها)!!
فلعل الدكتورة – وفقها الله – تُعيد النظر في نشر الطبعات التالية من تحقيقها القيّم لدى هذه المؤسسة المتعصبة، وتحيله إلى دار نشر سنية. ولعل أصحاب مؤسسة زيد ينتهون عن نشر ما يخالف السنة، ويعودون إلى مذهب زيد بن علي – رحمه الله – الحقيقي.والله الهادي.
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[15 - 12 - 09, 09:27 ص]ـ
غلاف كتاب يحيى بن الحسين - رحمه الله -
http://img195.imageshack.us/i/72253399.jpg/
http://img46.imageshack.us/i/43591154.jpg/
ـ[أبوصفوان السيناوي]ــــــــ[17 - 12 - 09, 12:40 ص]ـ
جزاك الله خيراً على هذا الإيجاز يا أخ سليمان
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[09 - 01 - 10, 12:36 ص]ـ
الأخ الكريم: أبا صفوان: وجزاك ربي خيرًا وبارك فيك ..
ـ[أبو عبدالله السعيدي]ــــــــ[13 - 01 - 10, 06:31 م]ـ
جُزيت خيراً يا شيخ سليمان
واذكر سليمان الخراشي إنه ... كالسيف في وجه الضلال مهند
أنا-يا شيخ - أرى الترفق بالزيدية لكسبهم لصفنا خصوصاً في هذه المرحلة التي يكاد مذهب الإثني عشرية أن يخترقهم، وحتى أيضاً لا يتخذوا شدة أهل السنة معهم مبررا لجنوحهم إلى الإثني عشرية الذين يهشون ويبشون لهم ليستعملوهم خنجراً في ظهر أهل السنة في الجزيرة العربية ..
مع أن كتب الإمامية الإثني عشرية تطفح بتكفير الزيدية وحتى تكفير زيد إن كان دعى لنفسه الإمامة، والزيدية يعتقدون أنه دعى لنفسه بالإمامة ..(60/201)
أريد نظم الألفية السنية في ذم البدع
ـ[أبو محيي الدين]ــــــــ[16 - 12 - 09, 07:05 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي الكرام لطفا منكم من لديه الألفية السنية في ذم البدع للإمام الهبطي -غير صاحب الوقف- أو من يمكنه إرشادي إليها أحتاجها في أقرب وقت ممكن وجزاكم الله خير الجزاء.
ـ[أبو المنذر أحمد]ــــــــ[16 - 12 - 09, 08:26 م]ـ
حياك الله اخي الكريم
أبشر بالذي يسرك فعندي منها مخطوطة يوشك أن أضعها على النت
وقد قمنا بتحقيقها مع بعض الاخوة الافاضل وهي تتكون من ست عشرة بابا
وقد سماها:كتاب الألفية السنية في تنبيه العامة و الخاصة على ما أوقعوا من التغيير في الملة الإسلامية
نظم الشيخ الولي الرباني سيدي عبد الله بن محمد الهبطي رضي الله عنه و نفعنا به أمين
قال في اولها:
الحمد لله الذي أجرى القلم *******في لوحه المحفوظ من بعد العدم
ـ[أبو محيي الدين]ــــــــ[17 - 12 - 09, 11:47 ص]ـ
الله يبارك فيك أخي وجعل عملك خالصا لوجهه الكريم ويجزيك خير الجزاء
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[22 - 12 - 09, 01:16 ص]ـ
اخي ابو المنذر عندي اشكال في اطلاقك لفظ الولي الرباني على الشيخ.
هل يجوز ان يشهد لمعين بالولاية. وشكرا بارك الله فيكم.
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[22 - 12 - 09, 01:17 ص]ـ
اخي ابو المنذر عندي اشكال في اطلاقك لفظ الولي الرباني على الشيخ.
هل يجوز ان يشهد بهذا. وشكرا بارك الله فيكم.
ـ[أبو المنذر أحمد]ــــــــ[10 - 06 - 10, 04:22 ص]ـ
جزاك الله خيرا على ما ذكرت وانا انما نقلت لك كلام الناظم:وقد تعلم ان ناقل الكفر ليس بكافر فكيف بناقل الخطأ؟ وهي وان كانت على ما ذكره الناظم من انها في ذم البدعة الا ان فيها هفوات وشطحات صوفية واصطلاحات مخالفة للسنة
ـ[أبو نسيبة السلفي]ــــــــ[10 - 06 - 10, 06:13 ص]ـ
من الغريب أن تجد صوفيا يذم البدع!!!!(60/202)
مختصر لكتاب فرق معاصرة لغالب العواجي (الجزء الثامن) الصوفية
ـ[أحمد الكندري]ــــــــ[17 - 12 - 09, 06:53 ص]ـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا هو الجزء الثامن من مختصر كتاب (فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها) للدكتور غالب العواجي حفظه الله تعالى، وهذا المختصر هو على هيئة سؤال وجواب، وإن الغالب في هذا التلخيص أن اللفظ هو لفظ المؤلف نفسه، إلا ما دعت الحاجة لتغييره كصيغة السؤال وربط الجمل، علما بأن هذا الكتاب قد طلب مني تلخيصه في مقرر الفرق الإسلامية في كلية الشريعة، وهذا الجزء هو تلخيص للباب العاشر.
الباب العاشر: الصوفية
الفصل الأول
تمهيد في بيان انحراف الصوفية بصفة عامة
س: ما العوامل التي أدت إلى انتشار الصوفية؟
ج: 1 - جهل كثير من المسلمين بحقيقة دينهم ثم الجهل بحقيقة الصوفية.
2 - مساعدة أعداء الإسلام على نشر الصوفية، وأعداء الإسلام هنا فريقان، فريق عداوته ظاهرة: وهم المستعمرون ومن يبيتون النية لهدم الإسلام، وفريق آخر متلبسون باسم الدين ويحكمون كثيراً من ديار المسلمين؛ وهؤلاء يساعدون الصوفية خوفاً من عودة الوعي الإسلامي السلفي.
الفصل الثاني: التعريف بالصوفية لغة واصطلاحاً
س: ما هو تعريف الصوفية لغة واصطلاحا؟
ج: يطلق علماء اللغة كلمة (صوف) على عدة معان، منها الصوف المعروف من شعر الحيوانات، ومنها صوفان وصوفانة وتطلق على بقلة زغباء قصيرة، وقد أطلقت كلمة "صوف" في بعض دلالتها بمعنى الميل.
وفي الاصطلاح: وقع كثير من الجدل بين العلماء في التعريف بالصوفية:
1 - التصوف هو تجريد العمل لله تعالى، والزهد في الدنيا وترك دواعي الشهرة، والميل إلى التواضع والخمول، وإماتة الشهوات في النفس، وهذا التعريف قد لا يصدق في الواقع إلا على التصوف في عهده الأول.
2 - نسبة إلى لبسهم الصوف الذي عبر عن الزهد والتقشف.
3 - وبعض العلماء يرى أن التصوف مأخوذ عن الصفاء؛ أي صفاء أسرارهم أو صفاء قلوبهم أو صفاء معاملتهم لله تعالى، وهو ما يحب الصوفيون التسمي به.
4 - وبعضهم يرى أنه نسبة إلى الصفة التي كان يجلس فيها فقراء الصحابة رضوان الله عليهم في المسجد.
5 - وبعضهم يرى أنه نسبة إلى الصف الأول.
6 - وبعضهم يرى أنه نسبة إلى قبيلة بني صوفة، وهى تنتسب إلى رجل يقال له صوفة كان قد انقطع للعبادة في المسجد الحرام.
7 - وبعضهم يرى أنها نسبة إلى الصفوة من خلق الله تعالى.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ردود على بعض تلك التعريفات، فقد ذكر أنه إذا كانت النسبة إلى أهل الصفة فإنه يقال صُفِّي، وأما إذا كانت إلى الصف المقدم بين يدي الله تعالى فإنه يقال صَفِّي، وأما إذا كانت نسبة إلى الصفوة من خلق الله فإنه يقال صَفوِيٌّ، وأما إذا كانت النسبة إلى ذلك الرجل الجاهلي فإنه لا أحد من المتصوفة يرضى أن ينسب إلى قبيلة جاهلية قبل الإسلام، إضافة إلى أنه لم تعرف هذه التسمية بين الصحابة ولا كانت هذه القبيلة مشهورة أيضا.
الفصل الثالث: هل توجد علاقة بين المتصوفة وأهل الصفة
س: هل توجد علاقة بين المتصوفة وأهل الصفة؟
ج: الحقيقة أن المتصوفة لم يستطيعوا أن يأتوا برباط واحد، أو بوجه شبه يعتبر قاسماً مشتركاً صحيحاً مقبولاً بين حال أهل الصفة رضوان الله عليهم وبين المتصوفة، مع محاولة بعضهم كذلك ربط حركة التصوف وما تحمل من حب العزلة والانفراد والخلوة بما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم، من تحبيب الخلوة إليه في غار حراء، وقد فاتهم أن هذا لا يصلح أن يكون دليلاً لهم على ذلك؛ فإن أقل ما ينقصه هو أن تلك الخلوة إنما كانت بعناية من الله له؛ وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بمجرد أن اختاره الله لتبليغ الدعوة كان محط أنظار الناس في كل لحظة من لحظات عمره المبارك.
الفصل الرابع: أسماء الصوفية وسبب تسميتهم بها
س: ما هي أسماء الصوفية وما سبب تسميتهم بها؟
ج: 1 - الصوفية: وهو الاسم المشهور الذي يشمل كل فرقهم، وهم يرضون به ويتمدحون بالانتساب إليه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/203)
2 - أرباب الحقائق: لزعمهم أنهم وصلوا إلي حقائق الأمور وخفاياها بخلاف غيرهم من الناس الذين أطلقوا عليهم اسم "أهل الظاهر"و"أهل الرسوم.
3 - الفقراء: وهو اسم زعم السهروردي أن الله هو الذي سماهم به في قوله تعالى: (لِلفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ).
4 - ويسمون شكفتية في خراسان نسبة إلي الغار.
5 - جوعية.
6 - الملامية أو الملامتية: والملامتية هي إحدى تطور المذهب الصوفي، وهذه الملامة التي يعتنقها بعض الصوفية ويتظاهر بها هي في أحد مفاهيمها النفاق بعينه , حيث يأتي الصوفي بما يلام عليه لأجل أغراض سامية فيما يزعمون، والملامتي حسب المفهوم الصوفي عرفه السهروردي بقوله عن بعضهم: "الملامتي هو الذي لا يظهر خيراً ولا يضمر شراً"، ويعللون لهذا بأنه مع الناس في الظاهر، وهو مع الله في الباطن، ويرى ابن عربي في فتوحاته المكية أن هذا الاسم أطلق عليهم؛ لأنهم أخفوا مكانتهم الشريفة في العامة، فكأن المكانة تلومهم حيث لم يظهروا عزتها وسلطانها، وقد قسم شيخ الإسلام الملامية إلي قسمين:
1 - ملامية يفعلون ما يحبه الله ورسوله ولا يخافون لومة لائم في ذلك، وهؤلاء هم أهل الملام المحمود.
2 - وملامية يفعلون ما يبغضه الله ورسوله ويصرون على الملام في ذلك والصبر عليه، وهؤلاء هم أهل الملام المذموم.
الفصل الخامس: متى ظهر المذهب الصوفي
س: متى ظهر المذهب الصوفي؟
ج: لقد تضاربت أقوال العلماء وتعددت مفاهيمهم حول الوقت الذي ظهرت فيه الصوفية، والواقع أنه لا يعرف بالتحديد الدقيق متى بدأ التصوف في المسلمين ولا من هو أول متصوف، وفيما يلي ذكر تلك التحديدات من أقوال العلماء:
1 - أن هذه التسمية عرفت قبل الإسلام مراداً بها أصحاب الفضل والشرف.
2 - أن المذهب الصوفي ظهر 150 هـ.
3 - أن المذهب الصوفي ظهر 189هـ.
4 - أن المذهب الصوفي ظهر بعد المائتين من الهجرة.
5 - أن المذهب الصوفي ظهر قبل المائتين من الهجرة.
6 - أن المذهب الصوفي ظهر بعد القرون الثلاثة الأولي أي في القرن الرابع الهجري.
7 - أنه اشتد بعد النصف الثاني من القرن الثامن والتاسع والعاشر حين ظهرت آلاف الطرق الصوفية.
8 - أن التصوف كان معروفاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الهجويري من علماء الصوفية، وهذا من أبطل الأقوال، إذ من المحال أن يتشرف أحد من الصحابة بالانتساب إلي غير صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يظهر لي من بين هذه الاختلافات أن التصوف ظهر بعد الإسلام في شكل زهد ورغبة في الدار الآخرة، ثم صارت الأمور على هذا المفهوم، ثم لحقه ما يلحق غيره من سائر المبادئ والأفكار من حب التطوير وإدخال شتى المفاهيم بقصد تهذيب الفكرة وتقديمها في شكل متكامل.
الفصل السادس: حقيقة التصوف
س: ما هي حقيقة التصوف؟
ج: إن العلماء لم يتفقوا علي بيان محدد لمفهوم التصوف عند الصوفيين؛ ذلك لإطلاق هؤلاء الصوفية عبارات شتى حسب ذوق كل فريق، وتخيلاته لمفهوم التصوف، إلا أن الحصيلة العامة لأقوالهم تلتقي حول أن التصوف هو: القرب من الله، وترك الاكتساب، والتمسك بالخلق الرفيع، والجود، ورفع التكاليف عن بعض فضلائهم حين يتصلون بالله عز وجل علي حد زعمهم، ويصلون إلي درجة اليقين.
وأما حقيقة التصوف وأصله عند غير الصوفية فقد اختلفت وجهة نظر العلماء في الحكم عليه، وأهم ما قيل في ذلك:
1 - أن التصوف علي الإطلاق أساسه الإسلام وأن أصوله العقدية وسلوكهم فيه مستمدة من نصوص الكتاب والسنة، وما أدي إليه الاجتهاد في فهمها، وهذا القول قريب من وجهة نظر الصوفية
2 - أن التصوف علي الإطلاق ليس إسلامي النشأة، وإنما وفد علي البيئة الإسلامية مع ما وفد من عادات وتقاليد الأجناس الأخرى بعدما امتزجت واختلطت عقب الفتح الإسلامي، وأهل هذا القول يرجعون نشأة التصوف إلي أنه فارسي أو هندي أو يوناني أو مسيحي أو أنه مزيج من هذا كله.
الفصل السابع: أقسام المتصوفة وذكر طرقهم واختيار الطريقة التجانية نموذجاً ودراستها شاملة من واقع كتبهم
س: ما هي أقسام المتصوفة وطرقهم؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/204)
ج: اختلف العلماء في عدهم لأقسام وطرق التصوف اختلافاً واسعاً، وهذا الاختلاف سببه تنوع مصادر الصوفية وتنوع أفكارهم، فبعض الصوفية تابعون للمذهب الإشراقي، الذي يدعي أن المعرفة والعلم تقذف في النفس بسبب طول المجاهدة الروحية، إذ يحصل لها بذلك فيض وإشراق إلهي، ومذهبهم أشبه ما يكون بالمذهب البوذي، وقسم آخر بعض العلماء يعبر عنهم بصوفية الحقائق، وهم من صفوا من الكدر وامتلئوا من الفكر كما يدعون، على طريقة الفلسفة الهندية، وقسم آخر من الصوفية قائلون بالحلول، وصوفية وحدة الوجود هم القائلون بأن الموجودات كلها تمثل الباري عز وجل، وفى أولهم ابن عربي وهو من المؤسسين لمذهب وحدة الوجود، وقد قسم شيخ الإسلام الصوفية إلى ثلاثة أقسام هم:
1 - صوفية الحقائق
2 - صوفية الأرزاق: هم الذين وقفت عليهم الوقوف كالخوانك، فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق فإن هذا عزيز، وأكبر أهل الحقائق لا يتصدون بلوازم الخوانك ولكن يشترط فيهم ثلاثة شروط, وهي: وجود العدالة الشرعية فيهم , والتأدب بآداب الشرع , وألا يكون متمسكاً بفضول الدنيا.
3 - صوفية الرسم: هم المقتصرون على النسبة، فهمُّم في اللباس والآداب الوصفية ونحو ذلك، أي أنهم يتشبهون بالصوفية في الظاهر ويعرفون أقوالهم، ولكنهم خارجون عن طريقهم همهم جمع الأموال والاحتيال على الجهال بأمرهم.
والطرق الصوفية لم تقف عند حد أو مفهوم، فهي دائماً في ازدياد وتجدد؛ إذ كل من ابتدع طريقاً، وجد له أتباعاً يتسمون باسمه أو باسم طريقته، وزعماء الصوفية في مجموعهم يحرصون حرصاً شديداً على هذه الزعامة الروحية، ووصل بهم الحرص عليها أن جعلوها وراثية.
س: ما هي الطريقة التجانية؟
ج: هذه الطريقة التي لها الأمر والنهى في أقطار كثيرة من بلاد أفريقيا بخصوصها، وهى نسبة إلى شخص يسمى أحمد بن محمد بن مختار التجاني. ولد سنة 1150هـ، بقرية عين ماضي، وينسب إلى بلدة تسمى "بني تجين" من قرى البربر، ولقد ادعى أموراً كثيرة منها:
1 - ادعى أنه خاتم الأولياء جميعاً، وزعم أن الولاية لها ختم كختم النبوة.
2 - أنه الغوث الأكبر في حياته وبعد مماته.
3 - أن أرواح الأولياء منذ آدم إلى وقت ظهوره، لا يأتيها الفتح والعلم الرباني إلا بواسطته هو.
4 - زعم متطاولاً أن قدمه على رقبة كل ولي لله تعالى منذ أن خلق آدم إلى النفخ في الصور.
5 - أنه هو أول من يدخل الجنة هو وأصحابه وأتباعهم.
6 - أن الله شفعة في جميع الناس الذين يعيشون في قرنه الذي عاش فيه.
7 - أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه ذكراً يسمى "صلاة الفاتح" يفضل كل ذكر قرئ في الأرض ستين ألف مرة بما في ذلك القرآن الكريم.
ثم لم يقف التجاني عند هذا الحد بل زعم أيضاً أن أتباعه لا تكتب عليهم سيئات ما عملوا، بل يدخلون الجنة مهما عصوا وبغير حساب ولا عقاب، ثم جاء من بني على هذا الواقع الفاسد وزعم أنه صاحب الفيض التجاني الذي بشر به التجاني، ومن هؤلاء الذين ادعوا هذا الفيض المزعوم الحاج إبراهيم السنغالي، والذي كان له شأن عظيم وحركة قوية، وبسط دعوته تلك في أصقاع واسعة من القارة الأفريقية.
س: ما هي ادعاءات التجاني؟
ج: ادعى التجاني أنه يرى الأنبياء كلهم، وأنه يعلم الغيب لكل أمر مهما كانت دقته ويعلم ما في قلوب أصحابه، وأن الشيخ الواصل يرى الله علانية في كل وقت مع انتفاء الغير والغيرية بينهم، ومن ادعاءاته أيضا الحلول والاتحاد، وأن معرفة الولي أصعب من معرفة الله، ولو كشف عن حقيقة الولي لعُبد، والتوحيد عند التجانية يقتضي شعور الشخص أنه هو الله لا فارق بين ذاته وذات المولى عز وجل وأن ينسى جسمية نفسه تماماً، أن نزول الوحي على القطب من الله لكن بواسطة الحقيقة المحمدية وإن رآه من الله فقد خدع ولبس عليه، واعتبارهم التوحيد الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إلحاداً، وأن القطب الصوفي لا يستطيع أن يسمع كلام الناس بعد أن يسمع كلام الله له إلا بعد فترة نقاهة وسماعه لكلام الله أعلى من سماع الأنبياء له، والجنة في نظر الصوفية لا قيمة لها، وأن الملائكة والشياطين والجنة والنار – بل والكون كله – مخلوق من روح محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك تطاول التجاني على الصحابة وكل من جاء بعدهم، وأن الصوفي له قوة الخلاق العظيم كما يرى التجاني، وأن كل من داوم على أذكارهم إلى الممات،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/205)
فإنه يدخل الجنة بغير حساب ولا عقاب هو ووالداه وأزواجه وذريته، وكذلك من حصل له النظر في التجاني يوم الجمعة أو الاثنين يدخل الجنة بغير، حساب ولا عقاب، والسبب في تخصيص يوم الجمعة والاثنين بحصول هذا الفضل العظيم، هو اعتقاده أن الجمعة خلق آدم والاثنين خلق فيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا كذلك بالتثليث، وهو الشيخ، الله، الرسول، وادعوا كذلك أن الأولياء يرون النبي يقظة لا مناما، والصوفية باطنية ويفضلون العلوم الباطنية على العلوم الإسلامية، وقد شرح وصف التجاني للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه اللوح المحفوظ، وأن أحوال يوم القيامة وأحوال الشؤون والأمور والاعتبارات واللوازم والمقتضيات كلها ليس في اللوح المحفوظ منه شيء إلا أمور قليلة، وأما هو صلى الله عليه وسلم فإنه جمع في حقيقته المحمدية كل ما أحاط به علم الله تعالى من الأزل إلى الأبد.
س: ما هي المراتب الصوفية؟
ج: المرتبة الأولى: مرتبة الاستهتار بذكر الله تعالى حتى يقع صاحبها في الذهول عن الأكوان، والطمأنينة بذكر الله تعالى مستغرقاً جميع أوقات دهره، وهم الأولياء.
المرتبة الثانية: لباس الحلة الملكية، وهي فوق هذه المرتبة؛ وهي أن يتصف صاحبها بأحوال الملائكة.
المرتبة الثالثة: وهى فوق هذه، وهى لباس الحلة الإلهية؛ لا تذكر ولا يعلمها إلى من ذاقها، وصاحبها هو الذي يطلق عليه اسم الصديق فهي ضرب من النبوة، أو هي النبوة بعينها، وهم العارفون والصديقون.
س: ما هي جوهرة الكمال عند التجانيون؟
ج: يسميها التجانيون صلاة جوهرة الكمال، وزعموا أن لهذه الصلاة أو الدعاء خواص لا يقدر لها قدر، فقراءتها مرة واحدة تعادل تسبيح العالم ثلاث مرات، أن من قرأها سبعاً فأكثر، يحضره روح النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة، وأن من لازمها أزيد من سبع مرات يحبه النبي محبة خاصة، ولا يموت حتى يكون من الأولياء.
الفصل الثامن: الخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانية
س: ما الدليل على الخلوات الصوفية حسب زعمهم؟ وما الرد عليهم؟
ج: يستدلون بما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: " .... ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه".
والجواب على هذا أن خلوة الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كانت لتحبيب الله عز وجل له ليهيئه لحمل الأمانة العظمى، وهذه الخلوة كانت قبل أن يؤمر بتبليغ الناس الدين الإسلامي، ولم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أشار إليها ولا استحسنها لأمته على الطريقة الصوفية، ولم يفعلها أحد من الصحابة ولا من بعدهم من التابعين لهم بإحسان، والخلوة الصوفية تنافي ما هو ظاهر من الشريعة الإسلامية، بالاكتساب وبدعوة الناس ومخالطتهم.
س: ما هي مدة الخلوة الصوفية؟
ج: يقول الفوتي: "وأكثرها عند القوم لا حد له، لكن السنة تشير للأربعين بمواعدة موسى صلى الله عليه وسلم، والقصد في الحقيقة الثلاثون.
س: ما هي شروط الخلوة الصوفية؟
ج: أن يعود نفسه قبل دخولها السهر والذكر وخفة الأكل والعزلة، وأن يكون دخول الخلوة بحضور الشيخ، وأن يعتقد في نفسه أن دخوله الخلوة إنما هو بقصد أن يستريح الناس من شره، وأن يدخلها كما يدخل المسجد، وأن يدخل الشيخ الخلوة ويركع فيها ركعتين، وأن يعتقد عند دخوله الخلوة أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وألا يتلهف كثيراً على كثرة ظهور الكرامات، وأن يكون غير مستند إلى جدار الخلوة ولا متكئاً على شيء، وأن يشغل قلبه بمعنى الذكر على قدر مقامه، وأن يداوم الصوم؛ لأنه يؤثر في تقليل الأجزاء الترابية والمائية فيصفو القلب، وأن تكون الخلوة مظلمة، وعليه بدوام الضوء والسكوت إلا عن ذكر الله تعالى، أن تكون الخلوة بعيدة عن حس الكلام وتشويش الناس عليه، وكونه إذا خرج للوضوء والصلاة يخرج مطرقاً رأسه إلى الأرض غير ناظر إلى أحد، وأن يحافظ على صلاة الجمعة والجماعة، والمحافظة على الأمر الوسط في الطعام، وألا ينام إلا إذا غلبه النوم، وعليه أن ينفي الخواطر عن نفسه، دوام ربط القلب بالشيخ وترك الاعتراض عليه، وأنهم في أثناء خلوتهم لا يفتحون أبواب خلوتهم لمجيء الناس وزيارتهم والتبرك بهم، وأنه إذا شاهدوا أشياء تقع لهم في اليقظة أو بين النوم واليقظة فلا يستقبحون ذلك ولا يستحسنونه، بل يعرضون ذلك على الشيخ، وعليه دوام الذكر والأذكار والإخلاص وألا يعين مدة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/206)
يخرج بعد كمالها.
س: ما هي أقسام الخلوات الصوفية؟
ج:1 - خلوة الأربعين يوماً.
2 - خلوة فاتحة الكتاب.
3 - خلوة البسملة ومدتها تسعة عشر يوماً.
4 - خلوة الفاتحة أيضاً وهي أن يلازم بقراءتها بالخلوة أربعين يوماً.
5 - خلوة الياقوتة الفريدة، وخلوتها عشرون يوماً.
س: ما أدلة الصوفية في جعل جهاد الكفار جهادا أصغر وجهاد النفس جهاد أكبر؟
ج: 1 - أن جهاد النفس والهجرة عن مألوفاتها السيئة فرض عين وجهاد الكفار فرض كفاية.
2 - أن المجاهد جهاد الكفار إن قتل الكافر دخل الجنة، وإن قتله الكافر كان شهيداً، بخلاف النفس فإن غلبها صاحبها استولى عليها، وإن غلبت وتسلطت على الروح تسلط عليه الكفر والمعاصي فيهلك.
3 - إن ضرر الكفار مقصور في الدنيا وهي فانية.
4 - أن جهاد الكفار قد لا يكون فرضاً في بعض السنين، وجهاد النفس واجب عين على كل مسلم ومسلمة في كل لحظة.
5 - أن بعض فروض الكفاية أفضل من جهاد الكفار.
6 - أن فرض جهاد الكفار يسقط بمنع الأمر والنهي من الوالدين، لوجوب طاعتهما، ويحرم طاعتهما في مجاهدة نفسه.
7 - أن جهاد الكفار يقدر عليه كل أحد وجهاد النفس لا يقدر عليه إلا الموفقين.
8 - أن شهيد جهاد النفس شهيد قطعاً في الآخرة، وأكثر شهداء الكفار شهداء الدنيا فقط دون الآخرة.
9 - أن القائم بجهاد نفسه قائم لإصلاح نفسه وساع في تخليصها من الدنيا وعذاب الآخرة، والقائم بجهاد الكفار قائم لإصلاح غيره.
10 - أن شهيد جهاد النفس أفضل من شهيد جهاد الكفار بدرجات.
الفصل التاسع: مغالطات لجنة جماعة الصوفية في مدينة "ألورن" في نيجيريا
س: ما هي مغالطات لجنة جماعة الصوفية في مدينة "ألورن" في نيجيريا؟
ج: أرادوا تحسين الوجه الكالح للتجانية والقادرية أيضاً؛ حيث أخرجوا كتيباً باسم "رفع الشبهات عما في القادرية والتجانية من الشطحات"، دافعوا به عن التجانية وحذروا من دعوة المصلحين من المسلمين إلى رجوع التجانيين إلى الحق، وقد وصف هذه الدعوة الإصلاحية أنها نصرة للشياطين وللإلحاد، لمجرد انتقادها منهج التجانية وجرائمه، ويقصد بهم جماعة نصرة الإسلام في مدينة كادونا.
س: كيف استدل التجانيون على حضور النبي صلى الله عليه وسلم في كل مكان عند قراءة جوهرة الكمال؟
ج: استدلوا على حضوره في كل مكان بدليل أحب أن تحكم عليه أنت بنفسك أيها القارئ، هذا الدليل هو محطة (التليفزيون) حيث تبث الصور في كل مكان وهي ثابتة في مكانها.
س: زعمت جماعة "ألورن" أن صلاة الفاتح خالصة جامعة شاملة للمعاني العالية، ولو كان مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته لفرح بها. فما الرد عليهم؟
ج: 1 - كيف يقولون: أن صلاة الفاتح لو مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته لفرح بها، وهم يعتقدون ويقررون في كتبهم المعتمدة، أن الرسول يحضر أماكنهم ويجالسهم ويحضر الديوان العام لهم بجسده وروحه، ومعنى هذا أنه سمع بهذه الصلاة مرات عديدة؟!.
2 - أنهم يقررون أنها وحي من الرسول صلى الله عليه وسلم للتجاني فكيف بعد ذلك سيقولون: إنه لو سمع بها لفرح؟!.
3 - أنه ليس فيها ما يفرح.
4 - كيف يقررون فرح النبي صلى الله عليه وسلم بها لو سمعها، مع أن فيها إثبات أجور لا يعلم عددها إلا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بوحي.
الفصل العاشر: كيفية الدخول في المذهب الصوفي
س: ما هي الطرق في الدخول في المذهب الصوفي؟
ج: للصوفية قواعد خاصة للتربية وهي:
1 - أن يلتزم الشخص أمام شيخه بالمحافظة على الطريقة التي يحددها له الشيخ.
2 - أن يكون المريد – أي الداخل في المذهب – على صلة بشيخه المأذون له هو أو من ينيبه الشيخ عنه ليتولى تعليم المريد.
3 - أن يجتاز المريد عهداً يعاهد الشيخ ويده في يده مغمضاً عينيه على الالتزام والوفاء الدائم لشيخه ولطريقته لا يحيد عنها أبدا.
4 - أن يكون المريد دائم الاشتغال بالأوراد والأدعية التي يقررها عليه الشيخ سواء عرف معانيها أم لا.
5 - أن يكمل مدة الخلوة التي يقررها الشيخ على المريد مدة لا تزيد عن أربعين ليلة ولا تقل عن عشر ليال.
6 - أن يصبح المريد من أهل الكشف، وأن يترقى في ذلك إلى أن يتعلم ما وراء العقل ويصبح من أهل التجلي، بحيث تدرك ذات المريد ذات الله في كل وقت.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/207)
7 - أن يفنى المريد عن كل شيء غير الله تعالى، فلا يحس بأي وجود غير وجود ربه وشيخه، وبذا يصبح الشخص من أهل الحلول والاتحاد ووحدة الوجود.
8 - أن يطلب المريد علم الباطن.
س: ما هي منازل الطرق الصوفية؟
ج: أول المنازل في الطرق الصوفية يسمى فيها الداخل مريداً، أي يريد السير في الطريقة، وتسمى منزلة الإرادة يقبلة الشيخ ويأخذ عليه العهود بالتوبة من الذنوب وصدق النية وترداد الأوراد المقررة عليه من الشيخ، وألا يعتقد أي معتقد لم يقره الشيخ، ولا يحق له الاعتراض على الشيخ حتى إن رآه مخطئاً، ويسمى بعد توجهه وإرادته المذهب الصوفي سالكاً، فإذا أتقنها انتقل إلى مرتبة أخرى تسمى مرتبة العبودية، ثم ينتقل المريد إلى مقام آخر حيث تقبل عليه العناية الإلهية وينتقل قلبه إلى مقام العشق لله، وعلى المريد هنا أن يكثر من الرياضة التي توصله إلى ربه فيما يزعمون، وهنا يصل السالك فيما يزعمون إلى الحقيقة وتسمى هذه المرحلة - مقام الحقيقة – التي يعرفها المنوفي بأنها "مشاهدة الربوبية" وهي في الحقيقة الوصول إلى أعماق الوثنية والحلول، فإذا وصل بزعمهم إلى مقام الحقيقة يمكنه أن يظل يرتقي إلى أن يحقق منازل ثلاثاً هي: "الفناء"، و "اللقاء"، و "البقاء"، والفناء يقصدون به أن يفنى العبد عن كل شيء في الله تعالى، فالوجود عنده كله يمثل الله – تعالى عن قولهم، وأما اللقاء والبقاء فإن الصوفية يقصدون بذلك أن العبد من خلال تلك المنازل تتجلى عظمة الخالق سبحانه على قلب السالك فلا يرى أمامه إلا الله، ولا يجد في الوجود جميعاً إلا واجب الوجود سبحانه.
الفصل الحادي عشر: أصول الصوفية
س: ما هي أصول الصوفية؟
ج: يزعم المتصوفة أنهم على حق وأن ما يدينون به من أفكار وخرافات إنما هي نابعة من تمسكهم بالكتاب والسنة وفهم حقائق الإسلام، وأن مستمدهم هم أهل الصفة، ويذكر الغزالي أن مستندات الصوفية وأصولهم مشاهدة الملائكة وأرواح الأنبياء، والخضر بخصوصه ومخاطبتهم، وكذلك من مزاعمهم وأصولهم علم الباطن الذي أفضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي رضي الله عنه، وعلي أفضى به إلى الأئمة المذكورين في كتبهم، وقد سرد المنوفي أسماء السلسلة التي تداولتها الصوفية ابتداءً بالإمام علي إلى أحمد بن عطا الله السكندري صاحب لطائف المنن، والصوفية ينفرون أشد النفور من العلم عن طريق التعلم، ويفضلون ما يسمونه علم الكشف بلا واسطة.
الفصل الثاني عشر: إيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للصوفية
س: اذكر بعض الآراء الاعتقادية للصوفية.
ج: 1 - عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل: إن المتتبع لعقائد زعماء الصوفية يجد أنهم يعتقدون بوجود معبود لا حقيقة له قائمة بذاته، معبود لم يذكر في الشريعة الإسلامية، يظهر في صورة الصوفي العابد الذي وصل إلى مرتبة النيابة عن الله قي تصريف أمور هذا الكون والتحكم فيه بحكم نيابته عن الله وعلمه بكل المغيبات ورؤيته لله في كل وقت لارتفاع الإنية بينه وبين الله عز وجل.
2 - الحلول: أصبح الحلول من لوازم الصوفية الغلاة ومن المبادئ الأساسية عندهم، وقد اختلف العلماء في تعريف الحلول: فمنهم من قال: هو اتحاد جسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر كحلول ماء الورد في الورد، ومنهم من قال: هو اختصاص شيء بشيء، بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما عين الإشارة إلى الآخر، والحلول مبدأ نصراني وأول من أعلنه من الصوفية الحسين بن منصور الحلاج، والقائلون بالحلول منهم من قصر الحلول وخصه ببعض الناس، كقول النصارى بالحلول في عيسى عليه السلام، وكقول بعض غلاة الشيعة كالخطابية الذين اعتقدوا أن الله حل في جعفر الصادق، والسبئية الذين قالوا بحلول الله في عليّ، ومثله قول النصيرية فيه، وقول الدروز بحلوله عز وجل في شخص الحاكم.
وفريق آخر قال بالحلول العام، وأن الله حال في كل شيء، وأنه في كل مكان، وهؤلاء تأثروا بالفلسفة الطبيعية عند اليونان – وهم الجهمية ومن قال بقولهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/208)
3 - وحدة الوجود: وحدة الوجود عقيدة إلحادية تأتي بعد التشبع بفكرة الحلول في بعض الموجودات، ومفادها لا شيء إلا الله وكل ما في الوجود يمثل الله عز وجل لا انفصال بين الخالق والمخلوق، وأن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى ليس وجودها غيره ولا شيء سواه البتة، وهي فكرة هندية بوذية مجوسية، وهذا هو المبدأ الذي قام عليه مذهب ابن عربي، وقد انقسم أصحاب هذه المبادئ الإلحادية إلى فريقين:
1 - الفريق الأول: يرى الله سبحانه وتعالى روحاً وأن العالم جسماً لذلك الروح، فإذا سما الإنسان وتطهر التصق بالروح أي الله.
2 - الفريق الثاني: هؤلاء يزعمون أن جميع الموجودات لا حقيقة لوجودها غير وجود الله، فكل شيء في زعمهم هو الله تجلى فيه.
ولابن عربي في كتابه "فصوص الحكم"، وكتابه الآخر "الفتوحات المكية" من الأقوال في وحدة الوجود ما لا تكاد تحصر نثراً ونظماً، وأما ابن الفارض فإذا أراد الشخص أن يعرف عقيدته فليقرأ تائيته التي باح فيها بكل صراحة وتحد أن الله متحد بكل موجود، وأن ابن الفارض نفسه هو المثل الكبير لله تعالى في صفاته وأفعاله، ومن عتاة دعاة وحدة الوجود الجيلي صاحب كتاب "الإنسان الكامل"، ومن القائلين بوحدة الوجود ووحدة الشهود هو أبو حامد الغزالي، وخفي أمره على كثير من الناس فلم يفطنوا إلى تعلقه بوحدة الوجود، وإن كان قد صرح بها كثيراً في كتبه، وخصوصاً إحياء علوم الدين، وفي كتاب مشكاة الأنوار للغزالي تصريح بوحدة الوجود في أكثر من موضع.
4 - وحدة الشهود أو الفناء: وحدة الشهود هو ما يسمونه في بدء أمره مطالعة الحقائق من وراء ستر رقيق، أي لا يصل إلى درجة الحلول ولاتحاد في أول الأمر إلا بعد أن يترقى درجات، ويرى بعض العلماء أن بين وحدة الوجود ووحدة الشهود فارقاً بعيداً، وذلك أن وحدة الوجود هي الحلول والاتحاد وعدم التفرقة بين الله وبين غيره من الموجودات، بينما وحدة الشهود عند بعضهم هي بمعنى شدة مراقبة الله تعالى بحيث يعبده كأنه يراه، والواقع أن التفريق بين وحدة الشهود ووحدة الوجود ليس له أساس ثابت بل هو قائم على غير دليل إلا دليلاً واحداً هو الذوق الصوفي، وذلك أن خير البشر لم يستعمل هذه الحالة ولا نطق باسمها في عبادته لربه، ولا كان أصحابه أيضاً يقولون بها.
5 - وأما اعتقادهم في الرسول صلى الله عليه وسلم:
أ- أن الله كان في عماء دون تعيين فأراد أن يتعين في صورة فتعين في صورة محمد صلى الله عليه وسلم.
ب- أن الذي هاجر من مكة إلى المدينة هو الذات الإلهية متجلية في صورة هو محمد صلى الله عليه وسلم.
ج- أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يحضر كل مجلس أو مكان أراد بجسده وروحه.
د- كل هذه الموجودات إنما وجدت من نور محمد صلى الله عليه وسلم ثم تفرقت في الكون.
ه- يعتقدون كما قرره ابن عربي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرف القرآن قبل نزوله بل إنه على حسب زعمهم هو الذي يعلم جبريل الذي بدوره يوحيه إلى محمد صلى الله عليه وسلم ثانية.
6 - الولاية وبيان بعض المصطلحات الصوفية: تطلق كلمة ولاية في اللغة العربية على عدة معان منها التابع والمحب والصديق والناصر، أما معناها في مفهوم الصوفية فهي تنتهي أخيراً في مصب وحدة الوجود، وقد جاءت الولاية في القرآن الكريم مراداً بها المدح، وأحياناً مراداً بها الذم، لأن صاحبها إما أن يكون ولياً لله تعالى أو ولياً للشيطان، وجاءت في السنة النبوية مراداً بها وصف من ساروا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتزموا طريق الخير ونصروا الدين ووالوه، ثم توسع الصوفية والشيعة في إطلاقها، فأطلقت على الرجل المتصوف أو من ينتسب إلى آل البيت، ثم أخذها الصوفيين بعد ذلك وأخرجوها في مذاهب الحلول والاتحاد وحدة الوجود، وهناك صفة ثانية أضيفت إلى مفهوم الولاية عند الشيعة والصوفي، وهي صفة العلم اللدني الذي أخذه علي بن أبي طالب عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما زعموا، ثم ورثة إياهم ببركة تلك الولاية، ثم اخترعوا مفهوماً كاذباً للولاية، فهي عندهم مجرد هبة من الله عز وجل لبعض خلقه دون أن يكون لها سبب، وقد قسموا الولاية والأولياء إلى أقسام:
أ- الملامتية: وهم الذين لا يظهرون للخلق أعمالاً وأسراراً، بل يخفون أسرارهم لكمال ذوقهم وقوة شهودهم لربهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/209)
2 - الغوث الأكبر: وهو أكبر الأولياء والأقطاب، وهو ذات الحق باعتبار تجريدها من الاسم والصفة.
3 - الأوتاد الأربعة: وهم حفظة العلم كل واحد منهم في ركن من أركان العالم، وهم على قدم بدل من الأبدال، أي أقل رتبة من الأبدال، لأن الأبدال يكونون على قدم قطب من الأقطاب.
4 - الأقطاب السبعة: لحفظ القارات السبع، والقطب هو الواحد الذي هو موضع نظر الله من العالم في كل زمان. والقطبانية الكبرى هي مرتبة قطب الأقطاب، وهو باطن النبوة للرسول صلى الله عليه وسلم، والأبدال زعموا أنهم أربعون وهم مكلفون بحفظ العالم والكون.
5 - النجباء: وهم الأربعون القائمون بإصلاح شئون السالكين.
6 - الأفراد: وهم المفردون والغرباء لتفردهم عن الخلق بشهود الحق، وغربتهم في أهل زمانهم، وهم غير منحصرين في رتبة أو منزلة.
وأخيراً وصلوا بالولاية إلى أنها مثل النبوة تماماً فلها ختم كما للنبوة ختم، وأول من ادعى ختم الولاية به هو محمد بن علي بن الحسين، ويسمونه "الحكيم الترمذي"، وهو غير الترمذي صاحب السنن، وحين صنف الحكيم الترمذي كتابه"ختم الولاية" مضاهياً بذلك القول بختم النبوة شهدوا عليه الكفر ثم نفي من ترمذ، ثم جاء ابن عربي المتوفى سنة 638 هـ فادعى أنه خاتم الأولياء، ثم جاء محمد بن عثمان الميرغني السوداني المتوفي سنة 1268 هـ فادعى أنه هو خاتم الأولياء، ثم جاء أحمد التجاني من فاس بالمغرب المتوفي سنة 1230 هـ فادعى أنه هو خاتم الأولياء.
الفصل الثالث عشر: الكشف الصوفي
س: ما هو الكشف الصوفي؟
ج: يعني عندهم رفع الحجب من أمام قلب الصوفي وبصره ليعلم بعد ذلك كل ما يجرى في هذا الكون، ويبدوا أنهم ترقوا في هذه الدعوى على النحو التالي:
1 - ادعوا أن الصوفي يكشف له عن معان جديدة في القرآن والسنة والآثار والرسوم لا يعلمها علماء الشريعة، الذين سموهم علماء الظاهر والقراطيس.
2 - ثم ترقوا فقالوا: إن لهم علوماً لا توجد في الكتاب ولا في السنة يأخذونها جديدة عن الخضر.
3 - أنهم يتلقون علومهم عن ملك الإلهام.
4 - وآخرون منهم يزعمون أنهم يتلقون علومهم عن الله رأساً وبلا واسطة.
5 - وآخرون منهم يدَّعون أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يخبرهم بأذكارهم وعبادتهم يقظة لا مناماً.
6 - ثم زعموا أنهم يعلمون أسرار الحروف المقطعة من القرآن وقصص الأنبياء على حقيقتها.
ولقد كانت دعوى الكشف هي المقدمة الأولى في نظري إلى الادعاء بوحدة الوجود والحلول.
الفصل الرابع عشر: الشطحات الصوفية
س: إلى أي حد وصلت الشطحات الصوفية؟
ج: لقد وصل الصوفية في شطحاتهم إلى حد لا يقدم عليه إلا من تزندق وألحد وخرج عن الدين، وهناك آلاف الشطحات في حال سكرهم بالله كما يزعمون، والحقيقة أنها صادرة عن أناس يدعون الحلول والاتحاد وهم في كامل وعيهم وشيطنتهم، وعندهم تمام الجرأة على الكذب على الله لجهلهم به عز وجل وهوانهم عليه.
الفصل الخامس عشر: التكاليف في نظر الصوفية
س: ما هي التكاليف في نظر الصوفية؟
ج: يعتقد غلاة الصوفية أن الصلاة والصوم والحج والزكاة هي عبادات العوام، وأما هم فيسمون أنفسهم الخاصة أو خاصة الخاصة، ولذلك فإن لهم عبادات خاصة، خصوصاً بعد وصول أحدهم درجة اليقين – كما يزعمون – وقد شرع كل قوم منهم شرائع خاصة بهم، وأما بالنسبة للتحريم والتحليل فأهل وحده الوجود منهم لا شيء يحرم عندهم؛ لأن الكل عين واحدة وفعل الخير وفعل الشر والقبيح والحسن إنما هي أفعال لا فروق بينها لاحتواء الذات لها كلها، وما دام الشيخ الصوفي قد وصل إلى حد التلقي عن الله مباشرة وعرف الكثير من المغيبات فإنه والحال هذه ليس عنده طمع في جنة ولا خوف من النار، ومن هنا تنشأ الاستهانة التامة بجميع التكاليف الشرعية، كما تبجح البسطامي بقوله:" ما النار؟ لأستندن إليها غداً وأقول اجعلني لأهلها فداء أو لأبلعنها، ما الجنة؟ لعبة صبيان"، وقول الشبلي: "إن لله عباداً لو بزقوا على جهنم لأطفئوها".
الفصل السادس عشر: الأذكار الصوفية
س: ما هي الأذكار الصوفية؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/210)
ج: لقد اخترع الصوفية أذكاراً وشرعوا أوراداً ما أنزل الله بها من سلطان، بل اشتملت على الكفر والزندقة في كثير منها والكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، كما اشتملت على كلمات سريانية غير معروفة المعنى وعلى رموز وحروف مقطعة لا يعرف المراد منها، وكل صاحب طريقة له أذكار هي أفضل من كل ذكر، وأجرها أعظم من كل أجر، وما عداه باطل حسب تخرصاتهم في كل ذلك، ومن غريب أمر الصوفية أنهم جعلوا لكل اسم من أسماء الله تعالى ذكراً خاصاً به، ولطبقة خاصة به، فمن ذلك زعمهم أن اسم الله العفو يليق بأذكار العوام، أما اسمه تعالى الباعث فإنه يذكره أهل الغفلة ولا يذكره أهل طلب الفناء، وأما اسمه الغافر فيلقن لعوام التلاميذ وهم الخائفون من عقوبة الذنب، وأما من يصلح للحضرة الإلهية فذكره مغفرة الذنب عندهم يورث الوحشة، وأما اسمه تعالى المتين فإن ذكره يضر أرباب الخلوة وينفع أهل الاستهزاء بالدين، وثبت أن طريقة الصوفية في الدعاء أخذت بتمامها عن اليهود.
الفصل السابع عشر: الوجد والرقص عند الصوفية
س: ما مكانة الرقص عند الصوفية؟
ج: لقد كان للغرام العارم والرقص والتمايل عند الصوفية مكانه ثابتة بل هذا النوع صار من أقوى الشبكات التي يصطادون بها من قلت معرفتهم بالدين الإسلامي الحنيف، فهم يعبدون الله بالرقص والحركات التي لا تمت إلى عبادة الله بأية صلة إلا كما تمت إليها عبادة اليهود من قبل حين حثتهم التوراة _ المحرفة _ العهد القديم _ المزامير على وجوب التسبيح لله بالدف والمزمار والعود والربابة، وقد أصبح الرقص الصوفي الحديث عند معظم الطرق الصوفية في مناسبات الاحتفال بمولد بعض كبارهم أو في أية مناسبة من مناسباتهم الكثيرة.
الفصل الثامن عشر: الكرامات وخوارق العادات عند الصوفية
س: اذكر بعض الكرامات التي تبجح بها بعض غلاة الصوفية.
ج: إحياء الموتى، وقدرة الأولياء من الصوفية على المشي على الماء وكلام البهائم وطي الأرض وظهور الشيء في غير موضعه والمشي على السحاب وتحويل التراب إلى خبز وإبراء الأكمه والأبرص، وأن الولي يملك كلمة التكوين فإذا أراد شيئاً فإنه يقول له كن فيكون، وكذلك سماع نطق الجمادات كما يزعم ابن عربي، وضمانة الجنة لمن أطعم صوفياً أو قضى له حاجة.
الفصل التاسع عشر: تراجم زعماء الصوفية
س: ما هي أهم كتب الصوفية؟
ج: 1 - الرسالة القشيرية: لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة القشيري النيسابوري الشافعي.
2 - الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار لعبد الوهاب ابن أحمد بن علي الأنصاري الشافعي المصري المعروف بالشعراني.
3 - جمهرة الأولياء أعلام أهل التصوف، تأليف محمود أبو الفيض المنوفي الحسيني.
4 - عوارف المعارف لأبي حفص عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد عموية الصديقي القرشي التميمي البكري الشافعي الملقب بشهاب الدين السهروردي.
5 - لطائف المنن لابن عطاء الله السكندري.
6 - جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التجاني- تأليف/علي حرازم ابن العربي برادة المغربي.
7 - كتاب رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم - تأليف/عمر بن سعيد الفوتي الطوري الكدوي.
من أراد الأجزاء السابقة:
الجزءالأول http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=188385 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=188385)
الجزء الثاني http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=189017 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=189017)
الجزء الثالث http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=190080 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=190080)
الجزء الرابع http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=1153689#post1153689 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=1153689#post1153689)
الجزء الخامس
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=1160282#post1160282 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=1160282#post1160282)
الجزء السادس http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=193389 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=193389)
الجزء السابع
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=1182184#post1182184 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=1182184#post1182184)
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وسأضع الجزء التاسع إن شاء الله تعالى بعد أسبوع إن يسر الله ذلك، والحمد لله رب العالمين.
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[22 - 12 - 09, 01:05 ص]ـ
بارك الله فيك اخي احمد وعلى مجهودك الطيب.
اخي احمد ذكرتم ان ...
من القائلين بوحدة الوجود ووحدة الشهود هو أبو حامد الغزالي، وخفي أمره على كثير من الناس فلم يفطنوا إلى تعلقه بوحدة الوجود، وإن كان قد صرح بها كثيراً في كتبه، وخصوصاً إحياء علوم الدين، وفي كتاب مشكاة الأنوار للغزالي تصريح بوحدة الوجود في أكثر من موضع.
ممكن اخي احمد ان تنقل لنا العبارات التي صرح فيها ابوحامد بهذه العقيدة الكفرية لان الامر جد خطير.
وشكرا بارك الله فيك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/211)
ـ[أحمد الكندري]ــــــــ[25 - 12 - 09, 03:53 م]ـ
حياك الله أخي الكريم وآسف على الرد المتأخر
أما بالنسبة لطلبك، فإنني أنقل لك عبارة المؤلف في هذا حيث قال: (وأما بالنسبة لرجوعه عن غلوه في التصوف - يعني الغزالي-، أو عدم رجوعه فقد قرر بعض العلماء أن الغزالي رجع عن تلك الأقوال الصوفية، إلا أن بعضهم شكك في رجوعه وتوبته، ومن هنا يقول عبد الرحمن الوكيل:
"يحاول السبكي في كتابه طبقات الشفاعية تبرئة ساحة الغزالي بزعمه أنه اشتغل في أخريات أيامه بالكتاب والسنة ونحن نسأل الله أن يكون ذلك حقاً، ولكن لا بد من تحذير المسلمين جميعاً من تراث الغزالي، فكل ما له من كتب في أيديهم تراث صوفي ولم يترك لنا في أخريات أيامه كتاباً يدل على أنه اشتغل بالكتاب وبالسنة").
وقال المؤلف أيضا: (من أقوال الغزالي في وحدة الوجود كما جاءت في كتابه إحياء علوم الدين قوله في ثنايا بيانه لما سماه مراتب التوحيد ……
"والثانية: أن يصدق بمعنى اللفظ قلبه كما صدق عموم المسلمين، وهو اعتقاد العوام.
والثالثة: أن يشاهد ذلك بطريق الكشف بواسطة نور الحق، وهو مقام المقربين، وذلك بأن يرى أشياء كثيرة ولكن يراها على كثرتها صادرة عن الواحد القهار.
والرابعة: ألا يرى في الوجود إلا واحداً، وهي مشاهدة الصديقين وتسمية الصوفية الفناء في التوحيد؛ لأنه من حيث لا يرى إلا وحداً فلا يرى نفسه أيضاً، وإذا لم ير نفسه لكونه مستغرقاً بالتوحيد كان فانياً عن نفسه في توحيده بمعنى أنه فنى عن رؤية نفسه والحق".
وفي هذا التعبير أمور تدل على وحدة الوجود، وذلك فيما يلي:
1 - وصفه لعموم المسلمين بأنهم عوام في الاعتقاد، ويقصد به العقيدة السهلة الواضحة التي جاء بها الإسلام.
2 - في تقريره أن الذي يشاهد تلك الأمور عن طريق الكشف يراها كلها صادرة عن فاعل واحد هو الله تعالى، وأنها عبارة عنه على ما فيها من خير وشر.
3 - قوله: لا يرى في الوجود إلا واحداً، هذا هو عين القول بوحدة الوجود.
وعندما أورد استشكالاً قد يرد في الذهن، وهو قوله: "فإن قلت كيف يتصور ألا يشاهد إلا واحداً، وهو يشاهد السماء والأرض وسائر الأجسام المحسوسة وهي كثيرة فكيف يكون الكثير واحداً؟
ولا شك أن هذا الاستشكال وارد، وهو استشكال قوي جداً ويحتاج إلى جواب شاف، فبماذا أجاب الغزالي عن هذا؟ أجاب عن إيراد هذا السؤال بقوله:
"فاعلم أن هذه غاية علوم المكاشفات وأسرار هذا العلم، لا يجوز أن تسطر في كتاب، فقد قال العارفون: إفشاء الربوبية كفر".
وهذا الجواب فيه اتهام لله بالتقصير في بيان أمر التوحيد؛ حيث لم يبينه الله تمام البيان، ولا بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يعرفه أحد إلا أرباب الكشف الصوفي الذين يعرفون كل تفاصيل التوحيد إلا أنهم لا يحبون إفشاء سر الربوبية؛ لأنه يؤدي إلى الكفر حسب هذا الزعم، والواقع أنه قد صدق، فإن هذا التوحيد الذي لا يعرفه إلا أصحاب الكشف هو نفسه التوحيد الذي لا يفرق بين الخالق والمخلوق وهو أمر لا يقر به أحد من المسلمين.
أما الجواب الثاني فهو مثل ضربه يفيد أنه قد يحصل تعدد أشياء في شيء واحد دون فارق بينهما؛ وذلك كالإنسان وأعضائه فهو إنسان واحد ولكن له أعضاء كثيرة؛ روحه وجسده وأطرافه وعروقه وعظامه وأحشاؤه، وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد أي إنسان.
وهذا الجواب أردأ من الذي قبله، يريد أن يثبت لنا القول بوحدة الوجود قياساً على الوحدة المتكاملة بين الإنسان وأعضائه، وأراد من هذا أيضاً جعله هذه الأوصاف هي نفسها الفناء في التوحيد حسب ما أورده عن موقف جرى بين الحلاج والخواص.
حيث رأى الخواص يدور في الأسفار فقال: في ماذا أنت؟ فقال: أدور في الأسفار لأصحح حالتي في التوكل، فقال الحسين – الحلاج-: قد أفنيت عمرك في عمران باطنك فأين الفناء في التوحيد؟ فكأن الخواص كان في تصحيح المقام الثالث فطالبه بالمقام الرابع.
أي أن الحلاج كان في المقام الثالث أو الرتبة الثالثة في التوحيد، وهي أنه يرى الأشياء هي نفسها "الله"، ولكن بطريق الواسطة والكشف فطالبه الخواص – والغزالي لإقراره كلام الخواص – بأن يرتقي إلى الدرجة الرابعة في تحقيق التوحيد، وهي أن لا يرى في الوجود إلا واحداً وهي (الفناء في التوحيد) بدون واسطة ولا كشف وبها يتحقق التوحيد). انتهى كلام المؤلف.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/212)
وإذا أردت يا أخي الكريم المزيد فارجع إلى كتاب "هذه هي الصوفية" للشيخ عبد الرحمن الوكيل، كما أشار إلى ذلك المؤلف حفظه الله تعالى.
وجزاك الله خيرا
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[25 - 12 - 09, 06:55 م]ـ
اخي احمد بارك الله فيك وزادك فضلا وعلما.
مما لا شك فيه ان عقيدة وحدة الوجود عقيدة كفرية شركية لا يختلف في هذا عوام الناس فضلا عن علمائهم.
حتى ان المرء يستحي ان ينقل عبارات اصحابها لما فيها من الكفر الصراح والشرك البين الممزوج بسوء الادب مع رب العالمين.
بناءا على هذا حكم العلماء على كفر كل من اعتقد هذه العقيدة بلا تردد ولا شك.
ومع مطالعتي لموضوعك الطيب لفت انتباهي قول صاحب الكتاب في الامام ابو حامد الغزالي انه كان يتبى هذه العقيدة وبانه ذكرها في عدة مواطن من كتبه.
وهذه دعوة عريضة لا بد لها من الادلة الواضحة البينة. لانها على حسب علمي القاصر مسالة كفر وايمان.
فطالبتك ان تنقل لي المواطن التي صرح فيها الامام بهذه العقيدة.
فنقلت ما نقله الكاتب. لكن للاسف على حسب علمي القاصر عبارات الامام لا تصل الى ما رماه به الكاتب.
تصوف الامام ابو حامد الغزالي وشطحاته المذكورة في الاحياء وغيره مما لا شك فيه قد بين جملة منه الامام ابن الجوزي وابن قدامة في مختصرهما على كتابه. وهذا غاية ما يستفاد من نقلك المبارك اخي.
اما في تعليق الكاتب على قول ابي حامد /
لا يرى في الوجود إلا واحداً، هذا هو عين القول بوحدة الوجود.
اظنه خطا. فالامام يتكلم هنا على المرتبة الثانية من مراتب الفناء عندهم وهي مرتبة الفناء في شهود السوى.
وفرق بينها وبين الفناء في وجود السوى.
فالاولى بدعة صوفية. والثانية عقيدة كفرية شركية.
وهاك كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتابه تقريب التدمرية يوضح فيه اقسام الفناء عند الصوفية.
في الفناء وأقسامه
الفناء لغة: الزوال. قال الله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والإكرام) (الرحمن: 26 - 27).
وفي الاصطلاح ثلاثة أقسام:
الأول: ديني شرعي وهو الفناء عن إرادة السوى، أي عن إرادة ما سوى الله عز وجل بحيث يفنى بالإخلاص لله عن الشرك، وبشريعته عن البدعة، وبطاعته عن معصيته، وبالتوكل عليه عن التعلق بغيره، وبمراد ربه عن مراد نفسه إلى غير ذلك مما يشتغل به من مرضاة الله عما سواه.
وحقيقته: انشغال العبد بما يقربه إلى الله عز وجل عما لا يقربه إليه وإن سمي فناء في اصطلاحهم.
وهذا فناء شرعي به جاءت الرسل، ونزلت الكتب، وبه قيام الدين والدنيا، وصلاح الآخرة والدنيا، قال الله تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الإسراء: 19). وقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97). وقال: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً ويدرؤون بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد: 22). وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون: 9).
وهذا هو الذوق الإيماني الحقيقي الذي لا يعادله ذوق، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" (66). وفي صحيح مسلم عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً" (67).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/213)
القسم الثاني: صوفي بدعي وهو: الفناء عن شهود السوى، أي عن شهود ما سوى الله تعالى، وذلك أنه بما ورد على قلبه من التعلق بالله عز وجل وضعفه عن تحمل هذا الوارد ومقاومته غاب عن قلبه كل ما سوى الله عز وجل، ففني بهذه الغيبوبة عن شهود ما سواه، ففني بالمعبود عن العبادة وبالمذكور عن الذكر، حتى صار لا يدري أهو في عبادة وذكر أم لا، لأنه غائب عن ذلك بالمعبود والمذكور لقوة سيطرة الوارد على قلبه.
وهذا فناء يحصل لبعض أرباب السلوك، وهو فناء ناقص من وجوه:
الأول: أنه دليل على ضعف قلب الفاني، وأنه لم يستطع الجمع بين شهود المعبود والعبادة، والآمر والمأمور به، واعتقد أنه إذا شاهد العبادة والأمر اشتغل به عن المعبود والآمر، بل إذا ذكر العبادة والذكر كان ذلك اشتغالاً عن المعبود والمذكور.
الثاني: أنه يصل بصاحبه إلى حال تشبه حال المجانين والسكارى، حتى إنه ليصدر عنه من الشطحات القولية والفعلية المخالفة للشرع ما يعلم هو وغيره غلطه فيها كقول بعضهم في هذه الحال: "سبحاني .. سبحاني أنا الله. ما في الجبة إلا الله، أنصب خيمتي على جهنم" ونحو ذلك من الهذيان والشطح.
الثالث: أن هذا الفناء لم يقع من المخلصين الكمل من عباد الله؛ فلم يحصل للرسل ولا للأنبياء ولا للصديقين والشهداء، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ليلة المعراج من آيات الله اليقينية ما لم يقع لأحد من البشر وفي هذه الحال كان صلى الله عليه وسلم على غاية من الثبات في قواه الظاهرة والباطنة كما قال الله تعالى عن قواه الظاهرة: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) (النجم: 17) وقال عن قواه الباطنة: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) (لنجم: 11). وهاهم الخلفاء الراشدون أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم أفضل البشر بعد الأنبياء، وسادات أوليائهم، لم يقع لهم مثل هذا الفناء، وهاهم سائر الصحابة مع علو مقامهم وكمال أحوالهم لم يقع لهم مثل هذا الفناء.
وإنما حدث هذا في عصر التابعين، فوقع منه من بعض العباد والنساك ما وقع، فكان منهم من يصرخ، ومنهم من يصعق، ومنهم من يموت، وعرف هذا كثيراً في بعض مشايخ الصوفية.
ومن جعل هذا نهاية السالكين فقد ضل ضلالاً مبيناً، ومن جعله من لوازم السير إلى الله فقد أخطأ.
وحقيقته: أنه من العوارض التي تعرض لبعض السالكين لقوة الوارد على قلوبهم وضعفها عن مقاومته، وعن الجمع بين شهود العبادة والمعبود ونحو ذلك.
القسم الثالث: فناء إلحادي كفري وهو: الفناء عن وجود السوى. أي: عن وجود ما سوى الله عز وجل بحيث يرى أن الخالق عين المخلوق، وأن الموجود عين الموجد، وليس ثمة رب ومربوب، وخالق ومخلوق، وعابد ومعبود، وآمر ومأمور، بل الكل شيء واحد وعين واحدة.
وهذا فناء أهل الإلحاد القائلين بوحدة الوجود كابن عربي، والتلمساني وابن سبعين، والقونوي ونحوهم .. وهؤلاء أكفر من النصارى من وجهين:
أحدهما: أن هؤلاء جعلوا الرب الخالق عين المربوب المخلوق، وأولئك النصارى جعلوا الرب متحداً بعبده الذي اصطفاه بعد أن كانا غير متحدين.
الثاني: أن هؤلاء جعلوا اتحاد الرب سارياً في كل شيء في الكلاب والخنازير، والأقذار، والأوساخ، وأولئك النصارى خصوه بمن عظموه كالمسيح (68).
وتصور هذا القول كاف في رده، إذ مقتضاه: أن الرب والعبد شيء واحد، والآكل والمأكول شيء واحد، والناكح والمنكوح شيء واحد، والخصم والقاضي شيء واحد، والمشهود له وعليه والشاهد شيء واحد، وهذا غاية ما يكون من السفه والضلال.
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[25 - 12 - 09, 07:09 م]ـ
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية في الفتاوى الجلد العاشر /
فصل في تفسير الفناء الصوفي
الفناء الذي يوجد في كلام الصوفية يفسر بثلاثة أمور:
أحدها: فناء القلب عن إرادة ما سوى الرب، والتوكل عليه وعبادته، وما يتبع ذلك، فهذا حق صحيح وهو محض التوحيد والإخلاص، وهو في الحقيقة عبادة القلب، وتوكله، واستعانته، وتألهه وإنابته، وتوجهه إلى الله وحده لا شريك له، وما يتبع ذلك من المعارف والأحوال. وليس لأحد خروج عن هذا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/214)
وهذا هو القلب السليم الذي قال الله فيه: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [1] ( http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D9%81% D8%AA%D8%A7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%AF_%D8%A7%D9%84% D8%B9%D8%A7%D8%B4%D8%B1/%D9%81%D8%B5%D9%84_%D9%81%D9%8A_%D8%AA%D9%81%D8%B3 %D9%8A%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D8%A7%D8%A1_ %D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%81%D9%8A#cite_note-0) وهو سلامة القلب عن الاعتقادات الفاسدة، والإرادات الفاسدة، وما يتبع ذلك.
وهذا الفناء لا ينافيه البقاء، بل يجتمع هو والبقاء فيكون العبد فانيًا عن إرادة ما سواه، وإن كان شاعرًا بالله وبالسوى، وترجمته قول: لا إله إلا الله، وكان النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يقول:» لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن» وهذا في الجملة هو أول الدين وآخره.
الأمر الثاني: فناء القلب عن شهود ما سوى الرب، فذاك فناء عن الإرادة، وهذا فناء عن الشهادة، ذاك فناء عن عبادة الغير والتوكل عليه، وهذا فناء عن العلم بالغير والنظر إليه، فهذا الفناء فيه نقص، فإن شهود الحقائق على ما هي عليه، وهو شهود الرب مدبرًا العبادة، آمرًا بشرائعه، أكمل من شهود وجوده، أو صفة من صفاته، أو اسم من أسمائه، والفناء بذلك عن شهود ما سوى ذلك.
ولهذا كان الصحابة أكمل شهودًا من أن ينقصهم شهود للحق مجملًا عن شهوده مفصلًا، ولكن عرض كثير من هذا لكثير من المتأخرين من هذه الأمة. كما عرض لهم عند تجلي بعض الحقائق؛ الموت والغشي والصياح والاضطراب، وذلك لضعف القلب عن شهود الحقائق على ما هي عليه، وعن شهود التفرقة في الجمع، والكثرة في الوحدة، حتى اختلفوا في إمكان ذلك، وكثير منهم يرى أنه لا يمكن سوى ذلك لما رأى أنه إذا ذكر الخلق أو الأمر اشتغل عن الخالق الآمر. وإذا عورض بالنبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) وخلفائه ادعى الاختصاص، أو أعرض عن الجواب أو تحير في الأمر.
وسبب ذلك أنه قاس جميع الخلق على ما وجده من نفسه؛ ولهذا يقول بعض هؤلاء: إنه لا يمكن حين تجلى الحق سماع كلامه، ويحكى عن ابن عربي أنه لما ذكر له عن الشيخ شهاب الدين السهروردي أنه جوز اجتماع الأمرين. قال: نحن نقول له عن شهود الذات وهو يخبرنا عن شهود الصفات، والصواب مع شهاب الدين. فإنه كان صحيح الاعتقاد في امتياز الرب عن العبد. وإنما بنى ابن عربي على أصله الكفري في أن الحق هو الوجود الفائض على الممكنات، ومعلوم أن شهود هذا لا يقع فيه خطاب، وإنما الخطاب في مقام العقل.
وفي هذا الفناء قد يقول: أنا الحق، أو سبحاني، أو ما في الجبة إلا الله، إذا فنى بمشهوده عن شهوده، وبموجوده عن وجوده، وبمذكوره عن ذكره، وبمعروفه عن عرفانه. كما يحكون أن رجلًا كان مستغرقًا في محبة آخر، فوقع المحبوب في اليم فألقى الآخر نفسه خلفه، فقال ما الذي أوقعك خلفي؟ فقال: غبت بك عني فظننت أنك أني.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/215)
وفي مثل هذا المقام يقع السكر الذي يسقط التمييز مع وجود حلاوة الإيمان، كما يحصل بسكر الخمر، وسكر عشيق الصور. وكذلك قد يحصل الفناء بحال خوف أو رجاء، كما يحصل بحال حب فيغيب القلب عن شهود بعض الحقائق ويصدر منه قول أو عمل من جنس أمور السكارى وهي شطحات بعض المشائخ، كقول بعضهم: أنصب خيمتي على جهنم، ونحو ذلك من الأقوال والأعمال المخالفة للشرع، وقد يكون صاحبها غير مأثوم، وإن لم يكن فيشبه هذا الباب أمر خفراء العدو ومن يعين كافرًا أو ظالمًا بحال ويزعم أنه مغلوب عليه. ويحكم على هؤلاء أن أحدهم إذا زال عقله بسبب غير محرم فلا جناح عليهم فيما يصدر عنهم من الأقوال والأفعال المحرمة بخلاف ما إذا كان سبب زوال العقل والغلبة أمرًا محرمًا.
وهذا كما قلنا في عقلاء المجانين والمولهين، الذين صار ذلك لهم مقامًا دائمًا، كما أنه يعرض لهؤلاء في بعض الأوقات، كما قال بعض العلماء ذلك فيمن زال عقله حتى ترك شيئًا من الواجبات: إن كان زواله بسبب غير محرم مثل الإغماء بالمرض أو أسقى مكرها شيئًا يزيل عقله فلا إثم عليه، وإن زال بشرب الخمر ونحو ذلك من الأحوال المحرمة أثم بترك الواجب، وكذلك الأمر في فعل المحرم.
وكما أنه لا جناح عليهم فلا يجوز الاقتداء بهم ولا حمل كلامهم وفعالهم على الصحة بل هم في الخاصة مثل الغافل والمجنون في التكاليف الظاهرة، وقال فيهم بعض العلماء: هؤلاء قوم أعطاهم الله عقولًا وأحوالًا فسلب عقولهم وترك أحوالهم وأسقط ما فرض بما سلب.
ولهذا اتفق العارفون على أن حال البقاء أفضل من ذلك، وهو شهود الحقائق بإشهاد الحق، كما قال الله تعالى فيما روى عنه رسوله: «ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه. فبي يسمع وبي يبصر، وبي يبطش وبي يمشي" وفي رواية: "وبي ينطق، وبي يعقل». فإذا سمع بالحق ورأى به سمع الأمر على ما هو عليه وشهد الحق على ما هو عليه.
وعامة ما تجده في كتب أصحاء الصوفية مثل شيخ الإسلام ومن قبله من الفناء هو هذا، مع أنه قد يغلط بعضهم في بعض أحكامه كما تكلمت عليه في غير هذا الموضع.
وفي الجملة، فهذا الفناء صحيح وهو في عيسوية المحمدية، وهو شبيه بالصعق والصياح الذي حدث في التابعين؛ ولهذا يقع كثير من هؤلاء في نوع ضلال؛ لأن الفناء عن شهود الحقائق مرجعه إلى عدم العلم والشهود. وهو وصف نقص لا وصف كمال، وإنما يمدح من جهة عدم إرادة ما سواه؛ لأن ذكر المخلوق قد يدعو إلى إرادته والفتنة به.
ولهذا غالب عباد العيسوية في عدم العلم بالسوي، وإرادته والفتنة به، ويوصفون بسلامة القلوب. وغالب علماء الموسوية في العلم بالسوي وإرادته والفتنة به، ويوصفون بالعلم، لكن الأولون موصوفون بالجهل والعدل. والآخرون موصوفون بالظلم ... وكلاهما صحيح.
فأما العلم بالحق والخلق، وإرادة الله وحده لا شريك له فهذا نعت المحمدية الكاملون في العلم والإرادة، وسلامة القلب المحمودة، هي سلامة ... إذ الجهل لا يكون بنفسه صفة مدح. إلا أنه قد يمدح لسلامته به عن الشرور، فإن أكثر النفوس إذا عرفت الشر الذي تهواه اتبعته أو فزعت منه أو فتنها.
الثالث: فناء عن وجود السوى: بمعنى أنه يرى أن الله هو الوجود، وأنه لا وجود لسواه، لا به ولا بغيره، وهذا القول والحال للاتحادية الزنادقة من المتأخرين كالبلياني والتلمساني والقونوني ونحوهم الذين يجعلون الحقيقة أنه عين الموجودات وحقيقة الكائنات، وأنه لا وجود لغيره، لا بمعنى أن قيام الأشياء به ووجودها به، كما قال النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg): " أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل**
وكما قيل في قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [2] ( http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D9%81% D8%AA%D8%A7%D9%88%D9%89/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%AF_%D8%A7%D9%84% D8%B9%D8%A7%D8%B4%D8%B1/%D9%81%D8%B5%D9%84_%D9%81%D9%8A_%D8%AA%D9%81%D8%B3 %D9%8A%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D8%A7%D8%A1_ %D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%81%D9%8A#cite_note-1) فإنهم لو أرادوا ذلك لكان ذلك هو الشهود الصحيح، لكنهم يريدون أنه هو عين الموجودات، فهذا كفر وضلال. ربما تمسك أصحابه بألفاظ متشابهة توجد في كلام بعض المشايخ، كما تمسك النصارى بألفاظ متشابهة تروى عن المسيح، ويرجعون إلى وجد فاسد أو قياس فاسد. فتدبر هذا التقسيم فإنه بيان الصراط المستقيم. انتهى المقصود.
سؤالي الان هل يوجد من العلماء من قال في الامام ابوحامد الغزالي انه على عقيدة وحدة الوجود.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/216)
ـ[أحمد الكندري]ــــــــ[26 - 12 - 09, 07:26 ص]ـ
أخي الكريم
لا أعلم من من العلماء قال إن الإمام الغزالي على عقيدة وحدة الوجود، وذلك لقصر علمي.
أما بالنسبة لعبارات الغزالي في كتبه الدالة على هذه العقيدة، فإني أنصحك بأن تقرأ كتاب "هذه هي الصوفية" للشيخ عبد الرحمن الوكيل، صفحة 51 إلى 56
وتستطيع تحميل الكتاب من هذا الرابط
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=89&book=2436 (http://www.saaid.net/book/open.php?cat=89&book=2436)
علما بأني لم أستطع نقل كلام الشيخ عبد الرحمن الوكيل وذلك لأن الكتاب بصيغة pdf
وتستطيع كذلك الرجوع إلى هذا المقال
http://www.alsoufia.com/articles.aspx?id=1616&page_id=0&page_size=15&links=False (http://www.alsoufia.com/articles.aspx?id=1616&page_id=0&page_size=15&links=False)
وحياك الله
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[27 - 12 - 09, 01:01 ص]ـ
انا لله وانا اليه راجعون.(60/217)
رؤية الله تعالى (والرد على الشيخ الإباضي أحمد الخليلي هداه الله) = للشيخ عبد الرحيم الطحان
ـ[أبو المنذر بن أحمد]ــــــــ[17 - 12 - 09, 11:16 ص]ـ
رؤية الله تعالى (والرد على الشيخ الإباضي أحمد الخليلي هداه الله) = للشيخ عبد الرحيم الطحان حفظه الله
الدرس الأول
http://www.al-tahaan.com/SOUND%20LIBRARY%20%20DOWNLOAD/
قال الشيخ الألباني :
%20DROSE/J28.html
الدرس الثاني
http://www.al-tahaan.com/SOUND%20LIBRARY%20%20DOWNLOAD/
قال الشيخ الألباني :
%20DROSE/J29.html
الدرس الثالث
http://www.al-tahaan.com/SOUND%20LIBRARY%20%20DOWNLOAD/
قال الشيخ الألباني :
%20DROSE/J30.html
الدرس الرابع
http://www.al-tahaan.com/SOUND%20LIBRARY%20%20DOWNLOAD/
قال الشيخ الألباني :
%20DROSE/J31.html
ـ[محمد عبدالكريم محمد]ــــــــ[17 - 12 - 09, 01:08 م]ـ
جزاك الله خيراً
ـ[عبدالسميع]ــــــــ[29 - 05 - 10, 10:55 م]ـ
جزاك الله خيراً(60/218)
ما هو أول واجب على المكلف
ـ[أبو اسحاق الصبحي]ــــــــ[17 - 12 - 09, 12:16 م]ـ
البعض يقول أنه الشهادتين وهذا هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
والبعض يقول هو معرفة الله مثل قول أبو قاسم التيمي الاصبهاني.
ومن المعلوم ان هذا القول قال به الأشاعرة والمعتزلة
ولكنني أريد ان أعرف
هل أول واجب يختلف بإختلاف الاشخاص؟
فمثلا لوكان الانسان كافرا ويريد أن يسلم فأول واجب عليه هو الشهادتين.
ولوكان الشخص ولد مسلما فأول واجب عليه هو معرفة الله المؤدي إلى العبادة من حيث معرفة الاسماء والصفات.
فأيهما أصح
بارك الله فيكم ودمتم بخير.
ـ[أبو اسحاق الصبحي]ــــــــ[18 - 12 - 09, 03:20 م]ـ
بارك الله فيك ألا تجيبوني
ـ[أبو إبراهيم الحائلي]ــــــــ[18 - 12 - 09, 06:34 م]ـ
أول واجب على المكلف هو شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
والدليل على هذا حديث بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن.
وهذا هو قول أهل السنة وهو الذي دلت عليه الأدلة.
أما المعرفة أو النظر أو القصد إلى النظر فهذا من ابتداع أهل الكلام.
وقول قوام السنة الأصبهاني يحتاج إلى مراجعة لأنه من أهل السنة.
ـ[أبو اسحاق الصبحي]ــــــــ[18 - 12 - 09, 08:12 م]ـ
وقول قوام السنة الأصبهاني يحتاج إلى مراجعة لأنه من أهل السنة.
بارك الله فيك اخي الكريم وهذه ملحوظة جيده بحيث أنني وجدت بعض من كتب أهل السنة تقول أن أول واجب هو المعرفة
وماذا تقول في إختلاف حال المكلف هل يؤدي إلى إختلاف أول واجب؟
وهل يمكن ان يكون وجها للجمع بين القولين
ـ[محمد براء]ــــــــ[18 - 12 - 09, 09:09 م]ـ
أخي السائل:
الكلام في " أول واجب على المكلف "، طرحه أصالة المعتزلة والجهمية - كما يفهم من كلام شيخ الإسلام في العقل والنقل (8/ 3) -، ثم تلقاه عنهم الأشعرية، وتلقاه عنهم بعض المتأخرين من أهل السنة كالسفاريني والحكمي، وأطلقا القول بأن أول واجب هو معرفة الله بالتوحيد. وهذا الإطلاق غلط.
أول واجب على المكلف هو شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
وهذا الإطلاق غلط أيضاً.
وحديث معاذ رضي الله عنه في حالة معينة، وهم أهل الكتاب ومثلهم المشركون، فلا يصح الاستدلال به في كل حالة.
والجواب الصحيح عن هذا السؤال هو ما بينه شيخ الإسلام في العقل والنقل (8/ 16 - 17) بقوله: " وأول الواجبات الشرعية يختلف باختلاف أحوال الناس فقد يجب على هذا ابتداء ما لا يجب على هذا ابتداء، فيخاطب الكافر عند بلوغه بالشهادتين، وذلك أول الواجبات الشرعية التي يؤمر بها.
وأما المسلم فيخاطب بالطهارة إذا لم يكن متطهراً، وبالصلاة وغير ذلك من الواجبات الشرعية التي لم يفعلها.
وفي الجملة: فينبغي أن يعلم أن ترتيب الواجبات في الشرع واحداً بعد واحد ليس هو أمراً يستوي فيه جميع الناس، بل هم متنوعون في ذلك، فكما أنه قد يجب على هذا ما لا يجب على هذا فكذلك قد يؤمر هذا ابتداء بما لا يؤمر به هذا، فكما إن الزكاة يؤمر بها بعض الناس دون بعض وكلهم يؤمر بالصلاة، فهم مختلفون فيما يؤمرون به ابتداء من واجبات الصلاة فمن كان يحسن الوضوء وقراءة الفاتحة ونحو ذلك من واجباتها أمر بفعل ذلك، ومن لم يحسن ذلك أمر بتعلمه ابتداء ولا يكون أول ما يؤمر به هذا من أمور الصلاة هو أول ما يؤمر به هذا ".
ـ[أبو اسحاق الصبحي]ــــــــ[18 - 12 - 09, 11:48 م]ـ
أخي محمد براء بارك الله فيك عل التوضيح
ونستخلص من كلامك أن أول واجب يختلف بإختلاف الشخوص
وهذا ماذكرته في المشاركة الاولى
هل أول واجب يختلف بإختلاف الاشخاص؟
فمثلا لوكان الانسان كافرا ويريد أن يسلم فأول واجب عليه هو الشهادتين.
ولوكان الشخص ولد مسلما فأول واجب عليه هو معرفة الله المؤدي إلى العبادة من حيث معرفة الاسماء والصفات.
ـ[أبو إبراهيم الجنوبي]ــــــــ[19 - 12 - 09, 03:03 ص]ـ
الزواج (ابتسامة)
ـ[أبو عبد الرحمن الطائفي]ــــــــ[19 - 12 - 09, 08:38 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم اجمعين الى يوم الدين
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/219)
لاشك ان اول واجب على المكلف هو توحيد الله تعالى كما جاء صريحا في حديث معاذ رضي الله تعالى عنه (فليكن اول ماتدعوهم اليه توحيد الله) وفي رواية (عبادة الله) وفي رواية (شهادة ان لا اله الا الله واني رسول الله)
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
وقد علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقت عليه الامة ان اصل دين الاسلام واول مايؤمر به الخلق شهادة ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله
قال الامام ابن دقيق العيد في احكام الاحكام رحمه الله تعالى:
والبداءة هي المطالبة بالشهادتين لان ذلك اصل الدين الذي لايصح شيء من فروع الدين الابه فمن كان غير موحد فالمطالبة متوجة اليه بكل واحدة من الشهادتين عينا.
قال الامام البيهقي رحمه الله تعالى -في الاعتقاد والهداية الى سبيل الرشاد باب اول مايجب على العبد معرفته والاقرار به قال تعالى لنبيه (فاعلم انه لا اله الا الله) وقوله تعالى (واعلموا ان الله هو مولاكم) ومثله قال الالكائي في كتابه شرح اصول اعتقاد اهل السنة والجماعة
اما اعتقاد ان الله تعالى خالق الكون ومسالة جود الله تعالى فهو امر فطري ضروري مركوز في النفوس.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى معرفة الخالق فطريه ضروريه والقلوب مفطورة على الاقرار به سبحانه أعظم من كونها مفطورة على الاقرار بغيره.
اما الاشاعرة فلما كان اساس دينهم ومرجع اقوالهم ان العقل مقدم على النقل واخذوا دينهم من العقل هذا هو السرطان الذي انتشر في كل مسائلهم التي خالفوا فيها اهل السنة والجماعة واجماع سلف الامة فاختلفوا فيما بينهم ما هو اول واجب على المكلف على اقوال عدة كلها بدع من القول
فقال بعضهم اول واجب النظر وقال اخر القصد الى النظر وقال اخر ارادة النظر وقال بعضهم اعتقاد وجوب النظر حتى جاء بعضهم وقال اول واجب هو الشك في النظر
قال شيخ الاسلام ان الخلاف الواقع بين الاشاعرة حول اول واجب هو خلاف لفظي
ويكفى في بيان ضلا الاشاعرة في اقوالهم هذه:
1 - هو تصريح كبار علمائم هو ان هذا القول بدعه قال ابو جعفر السمناني وهو من كبارهم ان هذه المسالة بقيت في مقالة الاشعري من مسائل المعتزله وكذلك الغزالي في ا الاحياء قال بخطا منهج اصحابه في هذه القضية وابو المظفر السمعاني انكر ذلك
2 - - اين الدليل الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتصريح بهذا القول فلن يجدوا لذلك سبيلا لان اساس دينهم تقديم العقل على كلام الله وكلا رسوله صلى الله عليه وسلم والاستدلال بالاحاديث الموضوعه على مذهبهم
3 - ثم اين اقوال الصحابة في هذا القول فلن يجدوا. بل نقل ابن تيمية الاجماع على قول السلف على وجوب التوحيد وانه اول واجب بل يلزم من قولهم اول واجب هو النظر ان جميع الخلق لايعرفون الله تعالى.
5 - قال تعالى (اقراء باسم ربك الذي خلقك) قال ابن تيمية هذه الاية تدل على انه ليس النظر اول واجب فلم يقل الله انظر واستدل باسم ربك الذي خلق
كذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ هذه الاية فكان المخاطبون مخاطبين بهذه الاية قبل كل شيء. انتهىا
واصل خطهم هو انكارهم لمعرفة الله تعالى الضروريه الفطريه فقالوا ان وجود الله تعالى غير معلوم بالا ضطرار
وقال الامام ابن القيم رحمه الله تعالى عن بعض الفضلاء انه قال - كيف يطلب الدليل على من هو دليل على كل شيء وكان كثير ما يقول
وكيف يصح في الاذهان شيء
اذا احتاج النهار الى دليل
اما قول الاصبهاني رحمه الله تعالى فاقول:
1 - ان الله امرنا باتباع نبيه صلى الله عليه وسلمفكل من خالف قوله الوحي من الكتاب والسنة فقوله مردود لاعبرة به وليس هو دينا يدان به. حتى لو كان الف عالم
2 - لو ثبت هذا الكلام عنه وفهم على مراد المؤلف واصوله- فليس لاحد ان يفسر قول عالم بما يفهمه هو بل يفسر قول العالم على اصوله واقواله الاخرى - لكان قوله خطاء مردود لمخالفته الاجماع والكتاب والسنة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/220)
والمسائل التي اخطاء فيها الائمة العلماء الذين بينوا الحق للناس من اهل السنة والجماعة ليس الا هو قولا لهم اجتهدوا رحمهم لله تعالى فاخطأوا فيه لهم اجر عل اجتهادهم ولا يوافقون على خطاهم بل يقال اخطأ رحمه الله تعالى فليس احد معصوم من الخطأ في الدين الا النبي صلى الله عليه وسلم فمالمشكله لو أخطأ قوام السنة او ابن عبدالبر او ابن خزيمة او الدارمي او ابن القيم اوغبره من العلماء
لا اشكال أئمة اجتهدوا وأخطأوا رحمهم الله تعالى
4 - كلام الامام قوام السنة رحمه الله تعالى في كتابه الحجه في بيان المحجة وشرح عقيدة اهل السنة قال:
فصل في تفسير اسماء الله عز وجل من قول علماء السلف
قال بعض العلماء: اول وفرض فرضه الله تعالى على خلقه معرفته فاذا عرفه الناس عبدوه قال تعالى (فاعلم انه لا اله الا الله) فينبغي للمسلمين ان يعرفوا اسماء الله وتفسيرها فيعظموا الله حق عظمته. انتهى كلامه
فاين هذا من قول الاخ الفاضل انع يقول ان اول واجب هو المعرفه
بل قال اول فرض فرضه الله تعالى هو معرفة اسماءه وصفاته حتى يعظموه
لان من توحيد الله تعالى توحيد الاسماء والصفات والايمان بها كما عليه السلف والصالح من الصحابة والتابعين من غير تكيف ولاتاويل ولا تعطيل كما يفعله الاشاعره في هذا الباب
لذلك ذكر في نفس الفصل ايات من الاسماء والصفات واثباتها على حقيقتها من غير تاويل
قال الاصبهاني رحمه الله تعالى في الكتاب نفسه
فصل في بيان الامور التي يكون بها الرجل اماما في الدين وان اهل الكلام ليسوا من العلماء
وسئل عن اناس كالجبائي وابن كلاب وابي هاشم فقال: هم من اهل القول بالعقول فمن نظر بعين النصاف علم انه لايكون احدا اسوأ مذهبا ممن يدع قول الله وقول رسوله وقول الصحابة. انتهى
فابن هذا القول من قول اهل البدع اول واجب هو النظر
فالمعرفة عند الاشاعرة هي غير المعرفة عند اهل السنة فالمعرفة عند الاشاعره المبتدعه هو ان يعرف بالنظر العقلي مايجب له سبحانه وتعالى ومايستحيل ومايجوز وما يمتنع عنه
والمراجع في ذلك كثير بحمد الله تعالى
فخذ مثلا كتاب القول المفيد في اول واجب على العبيد- منهج الاشاعرة في العقيده- موقف ابن تيمية من الاشاعرة
فمن كان عنده تعليق او فائده او استدراك فلايبخل علينا والحمد لله رب العالمين والله هو الهادي الى سواء السبيل
ـ[محمد براء]ــــــــ[19 - 12 - 09, 01:26 م]ـ
لاشك ان اول واجب على المكلف هو توحيد الله تعالى كما جاء صريحا في حديث معاذ رضي الله تعالى عنه (فليكن اول ماتدعوهم اليه توحيد الله) وفي رواية (عبادة الله) وفي رواية (شهادة ان لا اله الا الله واني رسول الله)
هذا الإطلاق غلط، والحديث المذكور لا يدل عليه كما بينت أعلاه.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
وقد علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقت عليه الامة ان اصل دين الاسلام واول مايؤمر به الخلق شهادة ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله)
هلا وثقت كلامه؟!.
ـ[أبو عبد الرحمن الطائفي]ــــــــ[20 - 12 - 09, 08:43 ص]ـ
محمد براء قولك (هذا الإطلاق غلط، والحديث المذكور لا يدل عليه كما بينت أعلاه)
قال الشيخ عبدالله الغنيمان حفظه الله تعالى في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري عند شرح حديث معاذ 1/ 37 الذي انت تزعم انه لايدل على اول واجب هو التوحيد
وهذا الحديث ظاهر على ان التوحيد هو اخلاص العبادة لله وحده والبعد عن عبادة ماسواه وهو أول واجب على العبيد
وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن ال الشيخ رحمه الله تعالى في قرة عيون الموحدين عند حديث معاذ هذا
وفيه دليل على ان توحيد العبادة هو أول واجب لانه اساس الملة واصل دين الاسلام
وقال الشيخ العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى في القول السديد- كون التوحيد أول واجب على العبيد-
واضف على هذا كلام ابن دقيق العيد وابن تيمية وغيرهم من اهل العلم
فان لم يدل على انه اول واجب على العباد بهذه النقول وتصريح اهل العلم بها
فعلام يدل؟ أخبرني انت .. ؟
الا اذا كنت تقول ان اول واجب هو النظر فهو لايدل عندك على التوحيد قطعا ..
فهات نقلا من اهل العلم من اهل السنة والجماعة على ان الحديث لايدل على انه اول واجب هو التوحيد
وهات النص منهم على دلالة الحديث على ماذا .. ؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/221)
اما نقلك من كلام شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الدرء ففهمك فيه غلط
لان شيخ الاسلام يقصد اول واجب هو التوحيد على كل الخلق وهذا القول هو الذي ارسلت به الرسل ونزلت به الكتب واستقر عليه الاجماع قاطبة على ان الاسلام وهو شهادة ان لا اله الا الله تعالى هو واول مايجب على المكلف لانه لايقبل منه زكاة ولاصيام ولاذكر ولاحج ولااي عمل الا بعد ان يدخل في دين الاسلام
اما بعد التوحيد وبعد ان يصير الرجل موحدا بالنطق بالشهادتين ياتي الواجب على كل شخص بحسب حاله
بل من تامل كلام ابن تيمية في الدرء رحمه الله تعالى وجده ينص على هذا القول
وأول الواجبات الشرعية يختلف باختلاف أحوال الناس فقد يجب على هذا ابتداء ما لا يجب على هذا ابتداء، فيخاطب الكافر عند بلوغه بالشهادتين، وذلك أول الواجبات الشرعية التي يؤمر به
قلت يعنى اول الواجبات الشرعيه على الاطلاق هو التوحيد ثم اذا كانوا كلهم موحدين ناتي بعدها
بالنظر في احوال الناس الموحدين فيتفاوتون في الوجوب باختلاف امورهم
فيجب عليه فمن بلغ عشر سنين الصلاة اولا
ويجب على الجنب اولا هو الغسل وليس الصلاة على جناية فبعد ان يرفع الحدث وهو واجب في حقه دون غيره نوجب عليه الصلاة
واذا بلغ وجب عليه الصيام والحج
واذا كان صاحب مال وجب عليه الزكاة
فيجب على القدار مالا يجب على العاجز ويجب على الغني مالايجب على الفقير وهكذا
ويؤيد كلامي قول ابن تيمية مابعده وهو
وأما المسلم فيخاطب بالطهارة إذا لم يكن متطهراً، وبالصلاة وغير ذلك من الواجبات الشرعية التي لم يفعلها
فتامل العباره هنا قال المسلم في اول الكلام يعني الواجب هنا يتفاوت بين المسلمين الموحدين
فيعلم ان اول واجب على الخلق اجمعين هو التوحيد
فهات انت الدليل على ماتدعي نصا من قول اهل العلم ولا تاتيني بفهمك لان .....
فلا يجوز لك ان تنسب لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى او لغيره قولا لمجرد انك فهمت منه ماتريد
بل ينقل كلامه المتوافق مع اصوله المعروفه واقواله المشهوره الموافقه لجمهور اهل العلم ثم يحمل هذا القول ويوجه من قبل اهل العلم على المعنى الصحيح الذي لايختلف ولايضارب اصوله
ثم كلام شيخ الاسلام ابن تيمية الذي اردت توثيقه ذكره الشيخ الغنيمان في نفس الكتاب عنه
وذكره صاحب تيسير العزيز الحميد عن شيخ الاسلام ابن تيمية في صفحه109
فاخبرني انت على ماذا يدل الحديث؟ وماهو أول واجب على المكلف
ـ[ابو عبد الرحمن الفلازوني]ــــــــ[20 - 12 - 09, 09:31 ص]ـ
محمد براء قولك (هذا الإطلاق غلط، والحديث المذكور لا يدل عليه كما بينت أعلاه)
قال الشيخ عبدالله الغنيمان حفظه الله تعالى في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري عند شرح حديث معاذ 1/ 37 الذي انت تزعم انه لايدل على اول واجب هو التوحيد
وهذا الحديث ظاهر على ان التوحيد هو اخلاص العبادة لله وحده والبعد عن عبادة ماسواه وهو أول واجب على العبيد
وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن ال الشيخ رحمه الله تعالى في قرة عيون الموحدين عند حديث معاذ هذا
وفيه دليل على ان توحيد العبادة هو أول واجب لانه اساس الملة واصل دين الاسلام
وقال الشيخ العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى في القول السديد- كون التوحيد أول واجب على العبيد-
واضف على هذا كلام ابن دقيق العيد وابن تيمية وغيرهم من اهل العلم
فان لم يدل على انه اول واجب على العباد بهذه النقول وتصريح اهل العلم بها
فعلام يدل؟ أخبرني انت .. ؟
الا اذا كنت تقول ان اول واجب هو النظر فهو لايدل عندك على التوحيد قطعا ..
فهات نقلا من اهل العلم من اهل السنة والجماعة على ان الحديث لايدل على انه اول واجب هو التوحيد
وهات النص منهم على دلالة الحديث على ماذا .. ؟
اما نقلك من كلام شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الدرء ففهمك فيه غلط
لان شيخ الاسلام يقصد اول واجب هو التوحيد على كل الخلق وهذا القول هو الذي ارسلت به الرسل ونزلت به الكتب واستقر عليه الاجماع قاطبة على ان الاسلام وهو شهادة ان لا اله الا الله تعالى هو واول مايجب على المكلف لانه لايقبل منه زكاة ولاصيام ولاذكر ولاحج ولااي عمل الا بعد ان يدخل في دين الاسلام
اما بعد التوحيد وبعد ان يصير الرجل موحدا بالنطق بالشهادتين ياتي الواجب على كل شخص بحسب حاله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/222)
بل من تامل كلام ابن تيمية في الدرء رحمه الله تعالى وجده ينص على هذا القول
وأول الواجبات الشرعية يختلف باختلاف أحوال الناس فقد يجب على هذا ابتداء ما لا يجب على هذا ابتداء، فيخاطب الكافر عند بلوغه بالشهادتين، وذلك أول الواجبات الشرعية التي يؤمر به
قلت يعنى اول الواجبات الشرعيه على الاطلاق هو التوحيد ثم اذا كانوا كلهم موحدين ناتي بعدها
بالنظر في احوال الناس الموحدين فيتفاوتون في الوجوب باختلاف امورهم
فيجب عليه فمن بلغ عشر سنين الصلاة اولا
ويجب على الجنب اولا هو الغسل وليس الصلاة على جناية فبعد ان يرفع الحدث وهو واجب في حقه دون غيره نوجب عليه الصلاة
واذا بلغ وجب عليه الصيام والحج
واذا كان صاحب مال وجب عليه الزكاة
فيجب على القدار مالا يجب على العاجز ويجب على الغني مالايجب على الفقير وهكذا
ويؤيد كلامي قول ابن تيمية مابعده وهو
وأما المسلم فيخاطب بالطهارة إذا لم يكن متطهراً، وبالصلاة وغير ذلك من الواجبات الشرعية التي لم يفعلها
فتامل العباره هنا قال المسلم في اول الكلام يعني الواجب هنا يتفاوت بين المسلمين الموحدين
فيعلم ان اول واجب على الخلق اجمعين هو التوحيد
فهات انت الدليل على ماتدعي نصا من قول اهل العلم ولا تاتيني بفهمك لان .....
فلا يجوز لك ان تنسب لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى او لغيره قولا لمجرد انك فهمت منه ماتريد
بل ينقل كلامه المتوافق مع اصوله المعروفه واقواله المشهوره الموافقه لجمهور اهل العلم ثم يحمل هذا القول ويوجه من قبل اهل العلم على المعنى الصحيح الذي لايختلف ولايضارب اصوله
ثم كلام شيخ الاسلام ابن تيمية الذي اردت توثيقه ذكره الشيخ الغنيمان في نفس الكتاب عنه
وذكره صاحب تيسير العزيز الحميد عن شيخ الاسلام ابن تيمية في صفحه109
فاخبرني انت على ماذا يدل الحديث؟ وماهو أول واجب على المكلف
بوركت اخى ابو عبد الرحمن على النقل وجزاكم الله خيرا" ..
يقول الحافظ الحكمى في سلم الوصول
أول واجب على العبيد
معرفة الرحمن بالتوحيد
إذ هو من كل الأوامر أعظم
وهو نوعان أيا من يفهم
يقول الشيخ ابن جبرين رحمه الله:
وإذا قيل: لماذا كان التوحيد له هذه الأهمية؟ الجواب: لأنه شرط لصحة العبادات، فلا تصلح عبادة إلا بعد التوحيد.
جعل العلماء التوحيد شرطا لصحة العبادات قالوا:
شروط الطهارة عشرة: أولها: الإسلام. يعني: التوحيد الصحيح.
وكذلك شروط الاغتسال: منها التوحيد.
وكذلك من شروط التيمم: التوحيد. يعني: إخلاص العبادة لله.
وكذلك من شروط الصلاة: التوحيد.
وكذلك من شروط الأذان. المؤذن يقول في أول أذانه: أشهد أن لا إله إلا الله، وفي آخره: لا إله إلا الله؛ وهذا هو دليل التوحيد.
وكذلك من شروط تجهيز الميت: أن يكون من أهل التوحيد، إذا لم يكن من أهل التوحيد فإنه لا يتولاه المسلمون.
وكذلك الزكاة من شروطها: التوحيد. أن يكون المخرج للزكاة من أهل التوحيد، ومن أهل الإخلاص، ومن أهل الدين -دين الإسلام-.
وكذا الصيام: لا يقبل إلا من أهل التوحيد.
وكذلك الحج، والعمرة، والجهاد في سبيل الله: لا يقبل إلا من أهل التوحيد.
وهكذا .. ذكروا أن ضد التوحيد يحبط الأعمال، فالشرك يحبط كل عمل اقترن معه، فلا تقبل صلاة المشرك، ولا صيامه، ولا صدقاته، ولا جهاده، ولا حجه، أو عمرته، ولا طهارته بأي نوع من أنواع الطهارة، لا يقبل الله شيئا من ذلك؛ بل إن الشرك يحبط الأعمال؛ حتى قالوا: لو أن إنسانا حج واعتمر حجا كاملا وهو مسلم، ثم ارتد وكفر وأشرك حبط عمله، وبطلت حَجته، وبطلت عباداته، إذا رجع إلى الإسلام والتوحيد مرة ثانية يجدد الحج، يجدد حجة الإسلام، الشرك حبط به عمله، قال الله تعالى: http://ibn-jebreen.com/images/b2.gif وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?l=arb&nType=1&nSora=39 &nAya=65)http://ibn-jebreen.com/images/b1.gif أوحي إليك وإلى الأنبياء قبلك. وقال تعالى في صفة الأنبياء الذين ذكرهم في قوله تعالى: http://ibn-jebreen.com/images/b2.gif وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?l=arb&nType=1&nSora=6 &nAya=87)http://ibn-jebreen.com/images/b1.gif مع أنهم أنبياء لو أشركوا لحبطت أعمالهم.
فالإسلام والتوحيد الذي دعا إليه نبينا -صلى الله عليه وسلم- هو: حقيقة الإخلاص؛ إخلاص العبادة لله تعالى، والذي قد كرر الله -تعالى- الأمر به، قال تعالى: http://ibn-jebreen.com/images/b2.gif فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ( http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?l=arb&nType=1&nSora=39 &nAya=2)http://ibn-jebreen.com/images/b1.gif وقال تعالى: http://ibn-jebreen.com/images/b2.gif قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ( http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?l=arb&nType=1&nSora=39 &nAya=11)http://ibn-jebreen.com/images/b1.gif وكذلك قال تعالى: http://ibn-jebreen.com/images/b2.gif فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ( http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?l=arb&nType=1&nSora=40 &nAya=14)http://ibn-jebreen.com/images/b1.gif .
ويسن بعد كل صلاة أن يدعو بذلك، بعد الانصراف من الصلاة تدعو الله وتقول: لا إله إلا الله، مخلصين له الدين؛ ولو كره الكافرون؛ لتؤكد أن صلاتك لله وحده.
المصدر موقع الشيخ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/223)
ـ[محمد براء]ــــــــ[20 - 12 - 09, 04:43 م]ـ
أخي أبا عبد الرحمن: الأمر يسير، والمسألة صارت لفظية .. أجبني عن هذا السؤال:
أنا ولدت من والدين مسلمين، فما هو أول واجب علي عقب بلوغي سن التكليف؟.
إن قلت: النطق بالشهادتين، خالفت الإجماع.
وإن قلت: الوضوء أو الصلاة أو غير ذلك مما سوى التوحيد، كنت متفقاً معي على الغلط في عبارة: " أول واجب على المكلف (أيا كان) هو التوحيد ".
وإذا كان كذلك، لم يبق إلا أن أول واجب يختلف باختلاف المكلفين، وحديث معاذ في حالة معينة وهي حالة الكافر، ولا يصح الاستدلال به في غير محله.
فإن قلت: أول واجب على المكلف هو التوحيد، لكن هذا لأنه أتى به قبل البلوغ وجب عليه غيره، قلت: قبل البلوغ لم يكن مكلفاً، ونحن نتكلم عن أول واجب على المكلف (البالغ)، لا على العبد مكلفاً كان أو غير مكلف.
فإن قلتَ: أول واجب على العبد (لا على المكلف) هو التوحيد، لم يكن في هذا إشكال، وكل كلام العلماء الذين نقلت كلامهم في هذا المعنى ولم أجد أحداً قال: أول واجب على المكلف هو التوحيد.
وقد وهمتُ أنا حينما غلَّطتُ السفاريني والحكمي في إطلاقهما، بل إطلاقهما صواب، لأنهما لم يقولا: أول واجب على المكلف هو التوحيد وإنما قالا: على العبيد.
فالحاصل أن عبارة: أول واجب على المكلف هو التوحيد. غلط.
وعبارة: أول واجب على العباد أو على العبد هو التوحيد صحيحة، وعليها نص العلماء الذين نقلتَ عنهم.
فهل تتفق معي في هذا؟
ـ[أبو إبراهيم الحائلي]ــــــــ[20 - 12 - 09, 06:33 م]ـ
أولاً: عند القول بأن أول واجب على المكلف هو شهادة ألا إله إلا الله أو التوحيد لا يوجد اختلاف، لأن المراد بها ليس نطقًا فقط بل عملاً واعتقادًا.
ثانيًا: قول من يقول بأن أول واجب على المكلف هو التوحيد صحيح من ناحية وجوب وجوده عند التكليف ولو كان قد حصل قبل التكليف لأننا إذا أطلقنا التكليف أردنا به جميع مراد الشرع وأول ذلك هو التوحيد، وهو أمر حاصل. ولا ننظر بذلك إلى الفعل الذي فعله عند التكليف فقط.
بمعنى: الولد المسلم الذي بلغ؛ وُجد عنده التوحيد والنطق بالشهادتين فهذا هو الواجب الأول عليه عند هذا السن وجوده، وعليه يكون الوجوب هنا ليس محصورًا على الفعل.
ـ[أبوالوليد السلفي]ــــــــ[20 - 12 - 09, 06:50 م]ـ
سؤال:
كلام ابن تيمية أن معرفة الله أمر فطري, وندرة خلاف ذلك.
فإذا وُجد هذا الإنسان الذي ينكر وجود الله عز وجل - وقد كثروا في هذه الأزمان لانتكاس الفطر - هل يظل أول واجب عليه التوحيد أم المعرفة؟
ـ[أبو اسحاق الصبحي]ــــــــ[20 - 12 - 09, 11:30 م]ـ
أعتقد والله أعلم من النظر في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن يفرق بين حال الشخص المكلف
الأول
فمثلاً نجده يقول في درء التعارض (6،7/ 8)
"" والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يدع أحداً من الخلق إلى النظر ابتداء، ولا إلى مجرد إثبات الصانع، بل أول ما دعاهم إليه الشهادتان وبذلم أمر أصحابه، كما قال في الحديث المتفق على صحته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن: أنك تأتي قوماً أهل كتاب ....... ""
والشاهد من الكلام قول شيخ الإسلام ((دعاهم إلى الشهادتان)) ومن المعلوم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان يدعو قوماً كفار
ثانيا
إستدلال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بإجماع المسلمين فيقول
"" فإن أئمة الدين وعلماء المسلمين مجمعون على ماعلم بالاضطرار من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن كل كافر فإنه يدعى إلى الشهادتين سواء كان معطلا أو مشركاً أو كتابيا، وبذلك يصير الكافر مسلما ,ولا يصير مسلما بدون ذلك "" درء التعارض (7/ 8)
ويستشهد بكلام ابن المنذر في نقله للإجماع على ذلك
والشاهد قول شيخ الإسلام ((أن كل كافر فإنه يدعى إلى الشهادتين)) نرى أنه خصص الكافر فقط بالذكر
ويوضح ذلك الكلام الذي نقله الأخ الكريم محمد براء حفظه الله
والجواب الصحيح عن هذا السؤال هو ما بينه شيخ الإسلام في العقل والنقل (8/ 16 - 17) بقوله: " وأول الواجبات الشرعية يختلف باختلاف أحوال الناس فقد يجب على هذا ابتداء ما لا يجب على هذا ابتداء، فيخاطب الكافر عند بلوغه بالشهادتين، وذلك أول الواجبات الشرعية التي يؤمر بها.
وأما المسلم فيخاطب بالطهارة إذا لم يكن متطهراً، وبالصلاة وغير ذلك من الواجبات الشرعية التي لم يفعلها.
وفي الجملة: فينبغي أن يعلم أن ترتيب الواجبات في الشرع واحداً بعد واحد ليس هو أمراً يستوي فيه جميع الناس، بل هم متنوعون في ذلك، فكما أنه قد يجب على هذا ما لا يجب على هذا فكذلك قد يؤمر هذا ابتداء بما لا يؤمر به هذا، فكما إن الزكاة يؤمر بها بعض الناس دون بعض وكلهم يؤمر بالصلاة، فهم مختلفون فيما يؤمرون به ابتداء من واجبات الصلاة فمن كان يحسن الوضوء وقراءة الفاتحة ونحو ذلك من واجباتها أمر بفعل ذلك، ومن لم يحسن ذلك أمر بتعلمه ابتداء ولا يكون أول ما يؤمر به هذا من أمور الصلاة هو أول ما يؤمر به هذا ".
وجوابا على سؤال الأخ أبو الوليد السلفي حفظه الله
فإذا وُجد هذا الإنسان الذي ينكر وجود الله عز وجل - وقد كثروا في هذه الأزمان لانتكاس الفطر - هل يظل أول واجب عليه التوحيد أم المعرفة؟ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (328/ 16)
((إن الإقرار والإعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس، وإن كان كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى نظر تحصل له به المعرفة وهذا قول جمهور الناس، وعليه حذاق النظار، أن المعرفة تحصل بالضرورة تارة وتارة بالنظر))
هذا إيضا يعطي دليل على أن أول واجب على المكلف يختلف بإختلاف حال المكلف والله أعلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/224)
ـ[أبو العباس أحمد الأحمد]ــــــــ[21 - 12 - 09, 01:34 م]ـ
هذا مقال وجدته على الشبكة يتعلق بالموضوع:
بين معرفة الله ومعرفة وجود اللهكتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فإن المعرفة تمثل القدر الذي اتفقت عليه الطوائف الإسلامية سنيها وبدعيها أنه من الإيمان، ثم إن منهم من قصره عليها، وهم غلاة المرجئة من الجهمية ومن وافقهم.
وأما الأشاعرة فهم وإن عدلوا عن لفظ المعرفة إلى التصديق وأضافوا إليه الإقرار، فإنه عند سبر كلامهم، وقدح مناظرتهم وجدت أن حقيقة قولهم يؤول إلى قول جهم في الإيمان، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتاب الإيمان.
وأما أهل السنة فلم يحصروا الإيمان في المعرفة ولا في التصديق والإقرار، وإنما قالوا: إن الإيمان بضع وسبعون شعبة كما في الحديث: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان) رواه مسلم، أو كما عبروا عن ذلك بقولهم: إنه قول وعمل، كما هو معلوم من عقائد أهل السنة.
بيد أن ذلك لم يكن هو الاختلاف الوحيد بين أهل السنة وخصومهم في قضية المعرفة هل هي الإيمان أم أنها جزء منه؟ بل امتد ذلك ليشمل موضوع المعرفة ذاتها فغاية ما يروم المتكلمون إثباته هو إثبات وجود الرب -جل وعلا- وهم يسلكون في سبيل ذلك طرقا وعرة صعبة، ولذلك كان من أدق ما وصف به شيخ الإسلام -رحمه الله- علم الكلام بأنه: "فيه حق وباطل والحق الذي فيه يستغني عنه الذكي ولا يفهمه الغبي"، وهذا ينطبق على علم الكلام كأداة للفهم والاستنباط، وينطبق أيضاً على النتائج التي أدى إليها تطبيق هذه القواعد في أبواب الاعتقاد.
ولم يكن المتكلمون في الحلبة وحدهم، فقد خاض تلك المعركة وبشراسة أكبر الصوفية الذين يروجون لأنواع شتى من الانحرافات والشركيات في أبواب العبادة، فأراد هؤلاء أن يسدلوا الستار على أي مناقشة لبيان شرك العبادة بادعاء أن من عرف وجود الله فقد سلم من الشرك.
وكان هذا من أكبر الدوافع التي دفعت شيخ الإسلام -رحمه الله- إلى وضع الاصطلاح القائل بتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام:
1 - توحيد الربوبية وهو إثبات وجود الرب -جل وعلا-، وتوحيده بأفعاله واعتقاد أن الله وحده الخالق الرازق المدبر.
2 - توحيد الألوهية وهو توحيد الله بأفعالنا، وهو أن لا نتوجه بالعبادة إلا إلى الله.
3 - توحيد الأسماء والصفات وهو أن نصفَ الله -تعالى- بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وهذا التقسيم تقسيم اصطلاحي غرضه بيان أن دعوة الرسل قد شملت هذه المعاني، وأن من قَصَرَ التوحيد الذي جاءت به الرسل على بعض هذه المعاني دون بعض فقد أخلَّ بمقصود دعوة الرسل إخلالاً عظيماً؛ لاسيما إذا قصره على المعنى الذي كان موجوداً عند معظم أعداء الرسل فلم ينفعهم، كما حكى الله -عز وجل- ذلك عنهم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (لقمان:25)، وأن المشركين لم ينازعوا في أن الله ربهم وخالقهم. وإنما قالوا: (أَجَعَلَ الآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) (ص:5).
واعتذروا عن عبادتهم لغير الله قائلين: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) (الزمر:3)، وقائلين: (هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) (يونس:18)، مما يدل أنهم كانوا يرون الأمور كلها بيد الله؛ بيد أنهم عبدوا معه غيره.
ومن أوضح الأدلة على ذلك قوله -تعالى- واصفا حالهم: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (يوسف:106)، بيد أن الصوفية ومن وافقهم شغبوا على ما قرره شيخ الإسلام، بأمور منها:
1 - أن التفريق بين لفظ الرب ولفظ الإله أمر محدث من اختراع شيخ الإسلام ابن تيمية.
2 - أن القرآن جاء ليقرر وجود الله خلافاً لما ادعاه ابن تيمية، واستدلوا على ذلك بمواضع من القرآن منها قوله -تعالى-: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (الطور:35).
3 - أن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام هو بدعة من اختراع ابن تيمية، حتى وصف ذلك بعضهم بأنه: "تثليث ابن تيمية" (1).
وهذه شبهات ساقطة لمن تأملها -بفضل الله تعالى- وإليك جوابها:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/225)
1 - أما ادعاء أن الفرق بين لفظ الرب والإله هو من اختراع ابن تيمية فهو كلام لا يصدر إلا من جاهل بلغة العرب؛ فإن العرب تقول: رب الإبل، ورب الدار ونحوه .. لكل من كان له نوع تربية أو ملك أو تعاهد، ويطلقون لفظ العبادة على من توجه إلى غيره بالقصد والطلب والحب.
ثم إننا لو سلمنا لهم جدلا أن لفظ الرب والإله مترادفين؛ فسيبقى أن هناك من المشركين من أقر بوجود الله، وبأنه المتصرف في الكون ومع ذلك جاءتهم رسلهم بقولهم: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف:59).
2 - أما الشبهة الثانية فقائلها قد سلك المسلك المعتاد لكل مخالف للكتاب والسنة حينما يستدل ببعض نصوص الكتاب والسنة معرضاً تمام الإعراض عن البعض الآخر، فالآيات التي تدل على أن المشركين أتوا ببعض معاني توحيد الربوبية فلم ينفعهم في غاية الوضوح، والجمع بينها وبين ما استدلوا به من الآيات سهل ويسير، وهو أنه كان من المشركين من يجحد وجود الله أصلاً، ومنهم من كان يقر بوجوده، ولكنه يشرك معه غيره كحال مشركي العرب، ومنهم من أقر بوجوده وادعى أنه لا يعبد إلا الله ثم جعل الله ثالث ثلاثة فصار يعبد ثلاثة وهو يسميهم واحداً، وكل هؤلاء كفار بالكتاب والسنة والإجماع مع أن الأكثرية منهم يقرون بوجود الله -تعالى-.
وهذا يدل على أن الكافر المقر بوجود الله وإن كان أقل شراً ممن جحد وجوده إلا أنه ما زال كافراً، ومن هنا بشَّرَ الله المؤمنين بقرب نصر الروم على الفرس لكونهم نصارى وهم على كفرهم أهون شراً من الفرس المجوس.
ثم إن المتأمل لمعظم المواطن التي تعرض فيها القرآن لقضية الخلق، وجده يعرض لها عرض المقرر للخصم بما هو متفق عليه قبل الانتقال إلى غيره، بل إن أول أمر في سياق المصحف قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21).
ولتوضيح هذه الشبهة والتي قبلها نقول:
الرب بمعنى المصلح لشأن غيره والسيد والمالك، وورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- رباً: أي سيداً وإلها، فالإله أحد معاني الرب، وبينهما تلازم عقلي، وهو أن من أقر بأن الله هو الخالق الرازق المدبر فيلزمه عقلا أن يقر بأنه وحده المستحق للعبادة.
وأن القرآن في خطابه مع من أقر بالأول دون الثاني -وهم معظم المشركين كما بينا- قد نعى عليهم تناقضهم واضطرابهم، وإقرارهم بالشيء مع جحودهم للازمه.
وبعبارة أخرى، فإن القرآن قد قرر قاعدة: "من خَلَق يُعبَد"، وإن المشركين أصروا على عبادة غير الخالق لكي يقربهم إلى الخالق.
3 - وإذا تبين هذا تبين أن تقسيم التوحيد إلى الأقسام الثلاثة تقسيم اصطلاحي لم يزد على الحقائق الشرعية أو ينقص منها شيئا، وإنما كشف عوار من أرادوا النقص عن المعاني الشرعية للتوحيد الذي هو أصل دعوة جميع الرسل، ومثل هذا مما يقال فيه: "لا مشاح في الاصطلاح".
وفرق بين المصطلح الذي يخفي تحته معنى من اختراع صاحبه، وبين المصطلح الذي يمثل نوعا من اختصار الكلام والإيجاز فيه على النحو الذي عهدته العرب من الفصاحة والاختصار في كلامها، وما عهده أصحاب كل العلوم من وضع المصطلحات التي تغنيهم عن إعادة الكلام.
وإذا أردت أن تعرف الفرق بين الحالين فقم باستبدال مصطلحات: "توحيد الربوبية" و"توحيد الألوهية" في سياق الكلام السابق، وضع مكان كل منهما جملة أو جملتين تشرح معناهما؛ فإذا وجدت أن المعنى ما زال مستقيما موافقا للكتاب والسنة -وهو كذلك بإذن الله- فاعلم أن هذا من المصطلحات التي يقال فيها: "لا مشاح في الاصطلاح".
وإنه في مقام المناظرة بوسعنا أن نتجنب هذه المصطلحات، والاستعاضة عنها بتلك الجمل الطويلة قطعاً لسبل الحيدة والعلل التي يتعلل بها المتعللون (2).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/226)
وللتأكيد على أن الاصطلاح لا يكون مقصودا لذاته عند السلفيين، وفي هذه القضية بالذات، نقول: إن من علماء المنهج السلفي ممن تربى على تراث شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من وجد أن ضم توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات في قسم واحد سوف يعين على وضوح الفكرة لما بينهما من المشاكلة في أنهما يدوران حول المعرفة الصحيحة بالله -تعالى-، وسماه "توحيد المعرف والإثبات" في مقابلة توحيد الألوهية الذي سماه بتوحيد "القصد والطلب"، وسار هذا التقسيم في كتب من أكثر الكتب تداولا وتدارساً بين أتباع المنهج السلفي وهو أرجوزة "سلم الوصول" وشرحها "معارج القبول" للشيخ حافظ حكمي -رحمه الله-.
بيد أن هذا التقسيم لا يعني أن توحيد الألوهية خارج عن "معرفة الله"، فإن معرفة الله تكون بمعرفته بربوبيته، وتكون بأسمائه وصفاته، وتكون بمعرفة حقه علينا، وهو أن نعبده ولا نشرك به شيئاً، وهو توحيد الألوهية كما في حديث معاذ -رضي الله عنه- قال: (كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير فقال: يا معاذ هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا. فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر به الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا) متفق عليه.
وتكون بمعرفة شرعه وأحكامه، وتكون بمعرفة مآل أهل طاعته، ومآل أهل معصيته كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله -تعالى-: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) (النساء:17)، قال: "كل من عصى الله فقد عصاه بجهالة".
وعلى هذا فمصطلح "معرفة الله" عند السلفيين أعم بكثير من معناه عند المتكلمين والصوفية، رغم أن الصوفية قد يستخدمونه في حق من يصل عندهم إلى الكشف -في زعمهم- فيسمونه "عارفاً بالله"، وإن كان هذا خارجا عن موضوع بحثنا الآن.
وإن كان أهم جوانب معرفة الله -عز وجل- هو التوحيد بجميع أقسامه كما قال الشيخ حافظ حكمي -رحمه الله- في أرجوزته:
أول واجب على العبيد معرفة الرحمن بالتوحيد
إذ هو من كل الأوامر أعظم وهو نوعان أيا من يفهم
ولعله انتزع هذه الأبيات من حديث معاذ لما أرسله النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل اليمن فقال: (إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم فترد على فقرائهم فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس) متفق عليه (3).
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في مسائله على هذا الباب: "وفيه أن من لم يوحد الله لم يعرفه"، مع أن الكلام على أهل الكتاب الذين معهم قدر من المعرفة، ولكنها معرفة لا تنجيهم طالما لم يعرفوا الله بالتوحيد.
وبهذا يتضح -بحمد الله تبارك وتعالى- سلامة منهج شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله-، وعامة السلفيين في مسألة التوحيد والمعرفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي دراسة لجريدة الأهرام بعنوان: "السلفية بين الماضي والحاضر"، نُشر منها حلقتان في عددي الجمعة 24/ 10/2008، والجمعة 31/ 10/2008، وهي أشبه بتحقيق صحفي حول السلفية، استطلعت فيه آراء بعض العلماء والمفكرين فمن مؤيد ومن معارض، ومن هو بين بين، ومن جملة ما أوردته على لسان أحد المعترضين الاعتراض على هذه الجزئية بالاعتراض الأول والثاني. ونسأل الله أن ييسر تناول كل ما تناولته هذه الدراسة من اعتراضات.
(2) وطالما أن الكلام يتعلق بالسلفية، فمن المناسب أن نذكر أن الشيخ الألباني -رحمه الله- قد استخدم تلك الحجة في مواجهة من أنكر عليه التسمي باسم "السلفية"، فقرره بلزوم الرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وإنه بدون هذا القيد الأخير فسوف لا يتميز منهجنا عن كل المذاهب البدعية أو جلها على الأقل.
ثم بعد هذا التقرير سأله: هل يوجد مانع شرعي من اختصار هذه الجملة الطويلة: "أنا مسلم أتبع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة" بكلمة واحدة هي: "أنا سلفي"؟؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/227)
(3) ومن عجائب هذا الزمان أن تجد من ينتسب إلى السنة ولا هَمَّ له إلا انتقاد أهلها تحت مسمى النصيحة، والناصح هو الذي تسوؤه أخطاء المسلمين لاسيما دعاة السنة منهم، فيسعى إلى إزالتها وتخليصها، وأما من يفرح بالسقطات فهو من أبعد من يكون عن النصيحة، ولكن الفرح بالسقطات وإن بدا في لحن قول صاحبه، فحسبك أن هيأ الله لك من أهدى إليك سقطاتك!
وأما من يتعسف في اختلاق سقطات لا وجود لها إلا في ذهنه، وربما لا وجود لها إلا في مداد قلمه! فهذا من جملة البلاء الذي علاجه الصبر على الأذى (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) (يوسف:18).
ومن ذلك كتاب ألفه "أحدهم" في نقد كتاب "شرح منة الرحمن" لشيخنا "ياسر برهامي" -حفظه الله-، نظرنا فيه لعلنا نجد فيه ما يستحق الإجابة، فإذا به "يظهر من عنوانه" -كما يقولون- حيث افتتح تصويباته وانتقاداته بنقد قول الشيخ: "ومعرفة الله أول الواجبات"، فأخذها وطار بها زاعماً أن هذا هو قول الأشاعرة، وأخذ ينعي على من درس هذا الكتاب، وكيف تربوا على منهج الأشاعرة دون أن يدروا!!
ولم يشر أو لم ينتبه أن الشيخ ذكر ذلك في معرض بيان أهمية التوحيد لاسيما توحيد الأسماء والصفات، وأن الشيخ قد استدل على ذلك بحديث معاذ -رضي الله عنه-، وهو نص في المسألة ولكنه لم ينتبه!
وإن هذه الغفلة المفرطة من رجل زعم أنه رصد هذه الأخطاء منذ سنوات، ولكنه انتظر لعل أحد من أهل العلم يرد هذه الأخطاء فلم يفعل ذلك أحد -طبعا لأنه لم يؤت أحد مثل حاسته الثاقبة في استخلاص آثار الأشعرية وإن كانت بين آيات وأحاديث نبوية وآثار سلفية-، إذن فالأمر لا يحتمل غفلة طارئة وإن احتمل غيرها!!
فقلنا: لعل الرجل لديه نفور خاص من كلمة المعرفة ظنا منه أنها كلمة لم تعرف في تاريخ العرب إلا على يد الأشاعرة مثلا، وأنه لا يرى الرجل سلفياً -وإن كان شعاره: "التوحيد أولاً لو كانوا يعلمون"- إلا إذا حذف كلمة المعرفة من كلامه؛ بيد أن هذا الاحتمال سرعان ما يتبدد عندما أخذ صاحبنا يحشد النقول السلفية التي فيها أن السلف قالوا: بأن أول واجب هو التوحيد لا المعرفة. فذكر منها أبيات الشيخ حافظ حكمي:
أول واجب على العبيد معرفة الرحمن بالتوحيد
فأخذت أقلب الكلام ظهرا لبطن، وبطنا لظهر، علَّني أجد فرقا بين ما انتقده من نثر كلام شيخنا الذي فيه عنوان جانبي يوضح الكلام على أهمية توحيد المعرفة والإثبات وفيه حديث نبوي يبين المعرفة التي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذا -رضي الله عنه- أن يبدأ بها، وبين أبيات الشعر التي استشهد بها على نقض الكلام السابق.
فأردت أن أتسلى بما أصاب أئمة السلف من جراء هذه النوعية من النقاد، فحضرني محنة البخاري عندما تكلم بمحضر بعض هؤلاء النقاد عن خلق أفعال العباد، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأما قراءة القارئ للقرآن فهي من عمله الذي يدخل في عموم قوله -تعالى-: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96).
فوجدت أن المحنة في كتاب صاحبنا أشد حيث ذكر من الأخطاء الفادحة التي لم ينتبه إليها غيره عده أن أعمال العباد مخلوقة، وصاحبنا يريده أن يستثني من ذلك الإيمان، فهو على حد زعم ذلك الزاعم غير مخلوق، مع أنه في نفس الوقت يرى أن الإيمان قول وعمل.
وفي نهاية المطاف أجد نفسي مضطراً إلى الاعتذار للقارئ الكريم على أن شغبت عليه بذكر مثل ذلك الكلام، وإنما اضطرني إلى ذلك أن هناك بعض المحبين يرغبون في الرد، ونحن نقول لهم: لو وجدنا كلاما -حقا كان أو باطلا- له خطام وزمام لقبلنا الحق ولفندنا الباطل، وأما والأمر على ما ترون (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ). www.salafvoice.com (http://www.salafvoice.com/)
موقع صوت السلف ( http://www.salafvoice.com/)
ـ[أبو اسحاق الصبحي]ــــــــ[22 - 12 - 09, 09:20 ص]ـ
الأخ أبو العباس بارك الله فيك على هذا النقل الطيب المفيد
ـ[أبو الفداء الأردني]ــــــــ[22 - 12 - 09, 10:49 ص]ـ
هل أول واجب يختلف بإختلاف الاشخاص؟
فمثلا لوكان الانسان كافرا ويريد أن يسلم فأول واجب عليه هو الشهادتين.
ولوكان الشخص ولد مسلما فأول واجب عليه هو معرفة الله المؤدي إلى العبادة من حيث معرفة الاسماء والصفات.
فأيهما أصح
أعذروني يا أحبة لكن السؤال شقين شق أفهمه و آخر لا أفهمه
لوكان الانسان كافرا ويريد أن يسلم فأول واجب عليه هو الشهادتين
. .هذه اعتقد أننا متفقون عليها
ولوكان الشخص ولد مسلما فأول واجب عليه هو معرفة الله المؤدي إلى العبادة من حيث معرفة الاسماء والصفات.
أما هذه فقولك ولد مسلما فيكون بالضرورة يشهد بالشهادتين.و هو ملازم لها لم يتركها فأين الاشكال؟ و معرفة الاسماء و الصفات من العقيدة التي يجب على المسلمين تعلمها و الجهل بها لا يخرج المرء من الملة لانه معذور بجهله و انما الاشكال يقع عند سوء الاعتقاد والله أعلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/228)
ـ[أبو عبد الرحمن الطائفي]ــــــــ[22 - 12 - 09, 10:51 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين
جزاكم الله خيراً
ـ[محمد عبد المنعم السلفي]ــــــــ[23 - 12 - 09, 05:56 م]ـ
هل أحد عنده تفصيل اكثر ونقد لكلام الاشاعرة والمعتزلة في ذلك
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[24 - 12 - 09, 12:49 ص]ـ
يقول الامام ابن ابي العز رحمه الله في شرحه على الطحاوية/
ولهذا كان الصحيح ان اول واجب على المكلف شهادة ان لا اله الا الله. لا النظر.ولا القصد الى النظر. ولا الشك. كما هي اقوال ارباب الكلام المذموم. بل ائمة السلف كلهم متفقون على ان اول ما يؤمر به العبد الشهادتان. ومتفقون على ان من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقب بلوغه. بل يؤمر بالطهارة والصلاة اذا بلغ او ميز عند من يرى ذلك. ولم يوجب احد منهم على وليه ان يخاطبه حينئذ بتجديد الشهادتين. وان كان الاقرار بالشهادتين واجبا باتفاق المسلمين. ووجوبه يسبق وجوب الصلاة. لكن هو ادى هذا الواجب قبل ذلك. انتهى المقصود.
خلاصة ما فهمته من نقولات الاخوة وكلامهم حفظهم الله ورعاهم -
ان اول واجب على العبيد والناس اجمعين هو التوحيد.
والخلاف يبقى مطروحا فيمن تغيرت فطرته وفي الصبي المسلم حين بلوغه.
اما الاول فيشهد عليه نقل الاخ ابو اسحاق عن شيخ الاسلام انه قال -
((إن الإقرار والإعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى نظر تحصل له به المعرفة وهذا قول جمهور الناس، وعليه حذاق النظار، أن المعرفة تحصل بالضرورة تارة وتارة بالنظر)).
فمن تغيرت فطرته وفسدت وجب عليه النظر في ايات الله الكونية والفطرية ليعود الى ما كان عليه قبل ذلك.
اما الثاني وهو الصبي المسلم حين يبلغ فيصير مكلفا هل يجب عليه في هذه الحال ان ياتي بالشهادة والتوحيد.
لاجل هذه الجزئية غلط الاخ ابو البراء من اطلق القول في المكلف والله اعلم.
وحق له ذلك. لان الصبي المسلم لا يزال مسلما موحدا قبل البلوغ وبعده.
مع ان كلام ابن ابي العز رحمه الله يظهر فيه اطلاق ذلك. لكن بربط اول الكلام مع اخره يظهر انه لم ينظر الى هذه الجزئية التي نحن بصددها. دليل ذلك من قوله
- ومتفقون على ان من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقب بلوغه. بل يؤمر بالطهارة والصلاة اذا بلغ او ميز عند من يرى ذلك. ولم يوجب احد منهم على وليه ان يخاطبه حينئذ بتجديد الشهادتين. وان كان الاقرار بالشهادتين واجبا باتفاق المسلمين -
فعدم امره بتجديد الشهادة حينما صار مكلفا دليل على ان هذا المكلف ليس واجبا عليه الاتيان بالشهادة. لان المقصد الشرعي من وراء هذا ان يدخل الناس في الاسلام فياتوا بالتوحيد والشهادة. فمن قام به ذلك فقد اتى بالواجب ..
فبان بهذا ان الخلاف بين الاخوة لفظيا ليس الا. والله اعلم.
ـ[أبو اسحاق الصبحي]ــــــــ[24 - 12 - 09, 01:51 ص]ـ
بارك الله فيك ابا سعد جزاك الله خيرا
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[24 - 12 - 09, 07:15 م]ـ
وفيك بارك الله اخي ابو اسحاق -
تصحيح عبارة - وجب عليه النظر في ايات الله الكونية والفطرية - الى - الكونية والشرعية -
بالنسبة لكلام قوام السنة الذي وجهه الاخ ابو عبد الرحمن وذكر ان لفظ المعرفة عند اهل السنة يطلق ويراد به خلاف ما تريده الاشاعرة. يحسن ان يرجع الى شروح العلماء على الاصول الثلاثة لمحمد بن عبد الوهاب وكلامهم على قول الامام /
الاولى العلم وهو معرفة الله .................................................. ...
بقي لي استفسار عن بعض النقاط التي وردت في كلام عبد المنعم الذي نقله الاخ ابو العباس.
في كون تقسيم التوحيد الى ثلاثة انواع تقسيم اصطلاحي وكذا انه بوضع شيخ الاسلام ابن تيمية.
ـ[أبو هر النابلسي]ــــــــ[25 - 12 - 09, 02:43 ص]ـ
البعض يقول أنه الشهادتين وهذا هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
والبعض يقول هو معرفة الله مثل قول أبو قاسم التيمي الاصبهاني.
ومن المعلوم ان هذا القول قال به الأشاعرة والمعتزلة
ولكنني أريد ان أعرف
هل أول واجب يختلف بإختلاف الاشخاص؟
فمثلا لوكان الانسان كافرا ويريد أن يسلم فأول واجب عليه هو الشهادتين.
ولوكان الشخص ولد مسلما فأول واجب عليه هو معرفة الله المؤدي إلى العبادة من حيث معرفة الاسماء والصفات.
فأيهما أصح
بارك الله فيكم ودمتم بخير.
قال شيخنا -أمتعنا الله ببقائه، ونفعنا بعلمه-: ((ولقد وجد في عصرنا من طُمِس على سمعه، وبصره، وقلبه فأنكر وجود الخالق ـ من أمثال الشيوعيين والملاحدة ـ، فهؤلاء في حقهم أول واجب النظر في بديع خلق السماوات والأرض حتى ينزع من قلوبهم الرَّان الذي غطى مدارك الفطرة السوية، ثم بعد ذلك يطلب منهم الشهادة، يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: "إن الإقرار بالخالق فطري ضروري في جبلات الناس، لكن من الناس من فسدت فطرته فاحتاج إلى دواء، بمنزلة السفسطة التي تعرض لكثير من الناس في كثير من المعارف الضرورية، كما قد بسط في غير هذا الموضع، وهؤلاء يحتاجون إلى النظر، وهذا الذي عليه جمهور الناس: أن أصل المعرفة قد يقع ضرورياً فطرياً، وقد يحتاج فيه إلى النظر والاستدلال" (جامع المسائل لابن تيمية).))
فهو يختلف في هذه الحالة فقط، والله أعلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/229)
ـ[أبو عبد الرحمن الطائفي]ــــــــ[26 - 12 - 09, 11:27 ص]ـ
ابا سعيد الجزائري قولك يحسن ان يرجع الى شروح العلماء على الاصول الثلاثة لمحمد بن عبد الوهاب وكلامهم على قول الامام /
الاولى العلم وهو معرفة الله .................................................. ...
الاصول الثلاثة للامام محمد رحمه الله تعالى واضح بفضل الله تعالى
لكن ماادري ماتقصد وماهو وجه ذكره
فياليت توضح ماعندك من علم اوتوجه ماقرات لا ان تحيل فإنه لايعلم مافي النفوس الا الله تعالى
فارجع الى ماقاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في المعرفه وانها معرفة القلب المستلزمة للإذعان والاتقياد
بل معرفة الله تعالى هي معرفة الالوهية والربوبيه والاسماء والصفات
نقل الشيخ سفر الحوالي حفظه الله تعالى ان المعرفه عند اهل السنة غير المعرفه عند الاشاعرة
فياليت توضح ماتريد ودع الاحالة لمن فهم
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[26 - 12 - 09, 03:56 م]ـ
انا قصدت ان اطلاق لفظ المعرفة وارد في كلام بعض علماء اهل السنة. وضربت مثالا بالاصول الثلاثة وانه لا يقصد من هذا الاطلاق ما يريده اهل الكلام. واحلت الى اقرب المراجع في ذلك موافقا لما ذكرت انت غير مخالف.
فرويدا رويدا ابا عبد الرحمن.
ـ[أبو عبد الرحمن الطائفي]ــــــــ[29 - 12 - 09, 10:05 ص]ـ
بارك الله فيك اخي الحبيب
وجزاك الله خيرا
ـ[محمد عبد المنعم السلفي]ــــــــ[30 - 12 - 09, 02:27 ص]ـ
قال الزركشي في البحر المحيط: (1/ 37 - 38 - 39)
مسألة النظر واجب شرعا النَّظَرُ وَاجِبٌ شَرْعًا قال ابن الْقُشَيْرِيّ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قام على وُجُوبِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَلَا تَحْصُلُ إلَّا بِالنَّظَرِ وما لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وقال الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بن عبد السَّلَامِ الْأَصَحُّ أَنَّ النَّظَرَ لَا يَجِبُ على الْمُكَلَّفِينَ إلَّا ان يَكُونُوا شَاكِّينَ فِيمَا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ فَيَلْزَمُهُمْ الْبَحْثُ عنه وَالنَّظَرُ فيه إلَى أَنْ يَعْتَقِدُوهُ أو يَعْرِفُوهُ قال وَمَعْرِفَةُ ذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وما يَمْتَنِعُ عليه يَتَعَلَّقُ بِالْخَاصَّةِ وَهُمْ قَائِمُونَ بِهِ عن الْعَامَّةِ لَا في تَعْرِيفِ ذلك لهم وَمِنْ الْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ وَإِنَّمَا هُمْ مُكَلَّفُونَ بِاعْتِقَادِهِ وقال بَعْضُ نُبَلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ هذا الذي قَالُوهُ من وُجُوبِ النَّظَرِ مَبْنِيٌّ على ان كُلَّ إنْسَانٍ ابْتِدَاءً غَيْرُ عَارِفٍ بِاَللَّهِ حتى يَنْظُرَ وَيَسْتَدِلَّ فَيَكُونُ النَّظَرُ أَوَّلَ الطَّاعَاتِ وَهَذَا خِلَافُ ما عليه السَّلَفُ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فإنه لَا يُوجَدُ قَطُّ إنْسَانٌ إلَّا وهو يَعْرِفُ رَبَّهُ عز وجل وَلَا يُعْرَفُ له حَالٌ لم يَكُنْ فيها مُقِرًّا حتى يَنْظُرَ وَيَسْتَدِلَّ اللَّهُمَّ إلَّا من عَرَضَ له ما أَفْسَدَ فِطْرَتَهُ ابْتِدَاءً فَيَحْتَاجُ معه إلَى النَّظَرِ نعم النَّظَرُ الصَّحِيحُ يُقَوِّي الْمَعْرِفَةَ وَيُثَبِّتُهَا فإن الْمَعَارِفَ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ على الْأَصَحِّ قلت وَهَذَا جُمُوحٌ إلَى أَنَّ الْمَعْرِفَةَ ضَرُورِيَّةٌ لَا نَظَرِيَّةٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ إذْ لو كانت ضَرُورِيَّةً لَكَانَ التَّكْلِيفُ بها مُحَالًا وَنَحْنُ مُكَلَّفُونَ بِمَعْرِفَتِهِ قال تَعَالَى! (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)! محمد 19
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا في الْوَاجِبِ الْأَوَّلِ تَفْرِيقًا على الْقَوْلِ بِوُجُوبِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى على بِضْعَةَ عَشَرَ قَوْلًا أَحَدُهَا أَنَّ أَوَّلَ الْوَاجِبَاتِ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ وهو الْمَنْقُولُ عن الشَّيْخِ أبي الْحَسَنِ وَالثَّانِي أَنَّهُ النَّظَرُ الْمُؤَدِّي إلَى الْعِلْمِ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ وَمَعْرِفَةِ الصَّانِعِ وهو الْمَنْسُوبُ إلَى الْأُسْتَاذِ أبي إِسْحَاقَ وَالثَّالِثُ الْقَصْدُ إلَى النَّظَرِ الصَّحِيحِ وهو اخْتِيَارُ الْإِمَامِ في الْإِرْشَادِ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ النَّظَرُ وَالِاسْتِدْلَالُ الْمُؤَدَّيَانِ إلَى ذلك وهو اخْتِيَارُ أَصْحَابِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/230)
الحديث وَالْخَامِسُ قَوْلُ أبي هَاشِمٍ الشَّكُّ وَنُقِلَ عن ابْنِ فُورَكٍ لِامْتِنَاعِ النَّظَرِ من الْعَالِمِ فإن الْحَاصِلَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ طَلَبٌ وَلَا يَمْتَنِعُ من الشَّاكِّ وَزَيَّفَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ في الْعَقْلِ الْهُجُومُ على النَّظَرِ من غَيْرِ سَبْقِ تَرَدُّدٍ وَالسَّادِسُ الْإِقْرَارُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالسَّابِعُ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالثَّامِنُ قَبُولُ الْإِسْلَامِ وَالْعَزْمُ على الْعَمَلِ ثُمَّ النَّظَرُ بَعْدَ الْقَبُولِ وَالتَّاسِعُ اعْتِقَادُ وُجُوبِ التَّقْلِيدِ وَالْعَاشِرُ التَّقْلِيدُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ النَّظَرُ وَلَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ الشَّكِّ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ فَيَلْزَمُ الْبَحْثُ عنه حتى يَعْتَقِدَهُ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ رُبَّمَا تَتَدَاخَلُ وَتَخْتَلِفُ في الْعِبَارَةِ.
وقال الرَّازِيَّ في التَّحْصِيلِ الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْوَاجِبِ الْوَاجِبُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ فَلَا شَكَّ في أَنَّهُ الْمَعْرِفَةُ عِنْدَ من يَجْعَلُهَا مَقْدُورَةً وَالنَّظَرُ عِنْدَ من لَا يَجْعَلُهَا مَقْدُورَةً وَإِنْ أُرِيدَ من الْوَاجِبِ كَيْفَ كان فَلَا شَكَّ أَنَّهُ الْقَصْدُ.
قُلْت بَلْ مَعْنَوِيٌّ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ في التَّعْصِيَةِ بِتَرْكِ النَّظَرِ على من أَوْجَبَهُ دُونَ من لَا يُوجِبُهُ.
وقال صَاحِبُ الْمَوَاقِفِ إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ النَّظَرُ فَمَنْ أَمْكَنَهُ زَمَانٌ يَسَعُ النَّظَرَ التَّامَّ ولم يَنْظُرْ فَهُوَ عَاصٍ وَمَنْ لم يُمْكِنْهُ أَصْلًا فَهُوَ كَالصَّبِيِّ وَمَنْ أَمْكَنَهُ ما يَسَعُ لِبَعْضِ النَّظَرِ دُونَ تَمَامِهِ فَفِيهِ احْتِمَالٌ وَالْأَظْهَرُ عِصْيَانُهُ كَالْمَرْأَةِ تُصْبِحُ طَاهِرَةً فَتُفْطِرُ ثُمَّ تَحِيضُ فَإِنَّهَا عَاصِيَةٌ وَإِنْ ظَهَرَ أنها لم يُمْكِنْهَا إتْمَامُ الصَّوْمِ.
وقال ابن فُورَكٍ بِسَبَبِ هذا الْخِلَافِ اخْتِلَافُهُمْ في الْمَعْرِفَةِ أَهِيَ ضَرُورِيَّةٌ أو كَسْبِيَّةٌ فَمَنْ قال ضَرُورِيَّةٌ قال أَوَّلُ فَرْضٍ الْإِقْرَارُ بِاَللَّهِ وَمَنْ قال كَسْبِيَّةٌ قال أَوَّلُ فَرْضٍ النَّظَرُ وَالِاسْتِدْلَالُ الْمُؤَدَّيَانِ إلَى الْمَعْرِفَةِ وقال ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ في أَوَّلِ الْكَلَامِ على الْقِيَاسِ أَنْكَرَ أَهْلُ الحديث وَكَثِيرٌ من الْفُقَهَاءِ قَوْلَ أَهْلِ الْكَلَامِ إنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ النَّظَرُ وَقَالُوا إنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ مَعْرِفَةُ اللَّهِ على ما وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُوَلَوْ قال الْكَافِرُ أَمْهِلُونِي لِأَنْظُرَ فَأَبْحَثَ فإنه لَا يُمْهَلُ وَلَا يُنْظَرُ وَلَكِنْ يُقَالُ له أَسْلِمْ في الْحَالِ وَإِلَّا فَأَنْتَ مَعْرُوضٌ على السَّيْفِ قال وَلَا أَعْرِفُ في ذلك خِلَافًا بين الْفُقَهَاءِ وقد نَصَّ عليه ابن سُرَيْجٍ انْتَهَى وهو عَجِيبٌ فَقَدْ حَكَوْا في كِتَابِ الرِّدَّةِ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا تَعَيَّنَ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ فقال عَرَضَتْ لي شُبْهَةٌ فَأَزِيلُوهَا لِأَعُودَ إلَى ما كُنْت عليه هل يُنَاظَرُ لِإِزَالَتِهَا فيه وَجْهَانِ وقال الْقَاضِي أبو يَعْلَى في الْمُعْتَمَدِ إذَا تَرَكَ الْمُكَلَّفُ أَوَّلَ النَّظَرِ فإنه يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ عليه وَعَلَى تَرْكِ ما بَعْدَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُعَاقَبَ على تَرْكِ النَّظَرِ الْأَوَّلِ عِقَابًا أَعْظَمَ من عِقَابِ تَرْكِ النَّظَرِ الثَّانِي وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مثله خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ في قَوْلِهِمْ إنَّمَا يُعَاقَبُ على تَرْكِ فِعْلِ الْأَوَّلِ غير أَنَّ عِقَابَهُ عَظِيمٌ يَجْرِي مَجْرَى الْعِقَابِ على تَرْكِ كل النَّظَرِ ...... الخ كلامه رحمه الله(60/231)
(عرض ومناقشة لما طرحه صلاح أبو عرفة في أشرطته)
ـ[محمد الرافعي]ــــــــ[17 - 12 - 09, 05:24 م]ـ
حول إنكار: (صفات الله): لا حجَّة لقول الأدعياء!
(عرض ومناقشة لما طرحه صلاح أبو عرفة في أشرطته)
بقلم: خباب مروان الحمد
قال الشيخ الألباني :
HABAB1403@HOTMAIL.COM
الحمد لله حمداً حمداً، والشكر له شكراً شكراً، وصلَّى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيراً إلى يوم الدين أمَّا بعد:
فقد استمعت إلى كلام تفوَّه به: (صلاح أبو عرفة) حول صفات الله تعالى؛ ومحاولة إنكار هذا اللفظ الذي دَرَجَ عليه علماء الإسلام، ومحاولته إنكار التلفظ بهذه الكلمة، فالرجل مشكلته الكبرى في الكون والحياة في إطلاق لفظ: (صفات الله) عن الله تعالى، وقد استمعت لشريطين من أشرطته المسجَّلة والمنشورة على موقعه المسمَّى: (أهل القرآن) وفهمت ووعيت مراده ومقصده جيداً، وسمعت كلامه مرتين!
فالمرَّة الأولى: للاهتداء إلى الحق والبصيرة فيه إنَّ كان ما قاله صوابا، ولئلاَّ أقوِّل الشخص ما لم يقل!
والمرَّة الثانية: لتأكدي أنَّ ما كان يقوله في هذا الأمر ضرب من الانحراف، وخلل في الاعتقاد والإيمان وملَّة الإسلام، واستكبار على إخوانه من علماء المسلمين ورميهم بأبشع العبارات وأقذع الكلمات!
فوجدته والعياذ بالله على أسوأ ممَّا تصورَّت، فحذلقة في الكلام، وصياح وصراخ لإقناع الخصم، واستخدام لوسائل عاطفيَّة للتأثير والتشويش على المخالف، بل يزيد الطين بلَّة، أقواله السمجة التي سمعتها منه في أشرطته فكانت إضافة على ما ذكرته عنه ضغثاً على إبَّالة، فحسبي الله ونعم الوكيل!
· عرض لكلام صلاح أبو عرفة حول صفات الله:
وسأسوق كلامه بحذافيره بين علامتي تنصيص، وما أسوقه من كلامه مستقى من أشرطته أنَّ إطلاق: (صفات الله) على الله والقول بها فهو على حدِّ قوله: (من أشد البدع والإحداث في دين الله ورسوله).
ويقول كذلك: (الصفات هي البدعة التي ابتدعها علماء الكلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
بل يرى أنَّ قول العلماء بلفظ صفات الله عن الله: (أنكى نكاية في دين الله من الإحداث وذلك لأنَّها ليست من إحداث العوام بل لأنَّ هذا من إحداث العالِم وإحداث العالِم أشد من إحداث العوام).
ويقول: (أنَّ من جاء وعبد الله بالأسماء والصفات فهو مبتدع مبدِّل مُحدِث ولو شفتوها بالكتاب ولو على الفضائيات ولو قالها رجل معه مائة شهادة دكتوراة)!!
ويقول كذلك: (الإشكال في الصفات ولسنا مضطرين للقول في الصفات ويكفي أن نعلم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتكلَّم في الصفات)!!
ويقول: (لقد قال ابن عمر: كل بدعة سيئة ولو رآها الناس حسنة. ثم قال صلاح أبو عرفة: وعلى رأس رأس البدع الصفات).
وكذلك يقول: (مجرَّد أن تقول أنَّ الله وصف المؤمنين أو وصف الجنَّة فأنت شتمت الله)!!
ويرى كذلك أنَّ: (الصفات شتيمة لله ومجرَّد أن تعبد الله بالصفات فهي شتيمة لله)!!
وحينما ساق كلاماً نقله عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهو: (ونؤمن بأسمائه وصفاته، أي بأنَّه له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا) قال (صلاح أبو عرفة) إنَّ ابن عثيمين حينما قال الصفات العليا عن الله فإنَّه شتم الله شعر أم لم يشعر! وأنَّه كَذَبَ على الله! ثمَّ رقَّع كلامه بالترحم على الشيخ ابن عثيمين!!
ولهذا فإنَّ الرجل كما قلت في البداية لديه مشكلة مع لفظ: (صفات الله) وعليه نحاول أن نفهم قوله في ذلك، ومنطقه الذي يدل على جهله وقلَّة أدبه مع الله ومع علماء الإسلام!!
وعلى العموم فلقد ردَّد (صلاح أبو عرفة) أقوال الجهميَّة والمعتزلة من حيث يدري أو لا، كما سنبينه لاحقاً والله المستعان ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.
وإني أستغرب من شخص ينتسب للإسلام بله يدعو إليه، كيف يقحم نفسه، في التحدث بأمور ليس له فيها كبير إنعام؟! بل نراه يتحدَّث بالغرائب ويجمع الناس حوله ليحكي لهم العجائب، والعجب العجاب أن نجد الناس حوله زرافات ووحدانا، عدا التعصب لقوله، والتقليد الأرعن لكلامه، والهوى المقيت من قِبَلِ أغلب طلاَّبه ومريديه!!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/232)
ولقد خرجت عنه عدَّة عبارات، وسمعنا من أقواله ضروباً من المقالات، والأفكار، والمعتقدات الجائرات، فلم أستغرب ما ذكرته عنه من ضلال في الفكر وانحراف في الفهم وخلل في الاعتقاد الذي خالف به جادَّة أهل السنة والجماعة رحمهم الله ورضي عنهم، وسأحاول قدر الإمكان الرد عليه بنوع من التوضيح لكي تنقشع حجَّته، وتطوَّح أدلَّته، ومن الله القصد وهو حسبي ونعم الوكيل.
فإن أصبتُ فلا عجب ولا غرر ... وإن نقصت فإنَّ الناس ما كملوا
والكامل الله في ذات وفي صفة ... وناقص الذات لم يكمل له عمل
· جواباً عن الشبهات التي طرحها (صلاح أبو عرفة):
أمَّا ما ذكره: (بأنَّ الصفات من أشد البلاء الذي ابتلي به المسلمون بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم؟)
فالجواب عن ذلك: إنّ من يزعم أنَّ القول بإثبات صفات الله تعالى من أشدِّ البلاء الذي ابتلي به المسلمون بعد نبيهم صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنَّه قائل على الله بالباطل، ومنتهج سبيل ضلالة وردى، بل أبعد النجعة عن سبل الهدى.
فماذا يقول هذا القائل في وصف الله تعالى لنفسه بصفات كثيرة في الكتاب الكريم؟
وماذا هو قائل بوصف رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ربَّه تبارك وتعالى بالصفات الحميدة اللائقة به سبحانه؟
وماذا يجيب عن وصف الصحابة والتابعين الله تعالى بالصفات اللائقة به؟!
لقد أقرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الصحابي الجليل حينما كان يحب قراءة سورة الإخلاص فحينما سئل عن سبب تكراره لقراءة هذه السورة العظيمة فأجاب: (لأنها صفة الرحمن).
والحديث وارد عن الصحابية الجليلة عائشة رضي الله عنها: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ: (قل هو الله أحد) فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (سلوه لأي شيء صنع ذلك؟) فسألوه. فقال: لأنها صفة الرحمن عز وجل، فأنا أحب أن أقرأ بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبروه: أن الله تعالى يحبه} [1].
وعن هذا الشخص الذي كان يقرأ سورة الإخلاص فقد ذكر الإمام ابن حجر أنَّ اسمه كرم بن زهدم، وقال: (ذكره الحافظ رشيد الدين بن العطار في حاشية المبهمات للخطيب فيما قرأت بخطه وقال: هو الذي كان يصلي بقومه ويقرأ (قل هو الله أحد) الحديث وفيه قوله إنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها وذكر أنه نقل ذلك من صفة التصوف لابن طاهر ذكره عن عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده عن أبيه) [2].
وذكر الإمام ابن حجر رحمه الله نقلاً عن ابن التين قوله: (إنما قال إنها صفة الرحمن ; لأن فيها أسماءه وصفاته , وأسماؤه مشتقة من صفاته , وقال غيره: يحتمل أن يكون الصحابي المذكور قال ذلك مستندا لشيء سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم إما بطريق النصوصية وإما بطريق الاستنباط) [3].
ثمَّ ذكر ابن حجر عن ابن دقيق العيد قوله: (" لأنها صفة الرحمن " يحتمل أن يكون مراده أن فيها ذكر صفة الرحمن كما لو ذكر وصف فعبر عن الذكر بأنه الوصف وإن لم يكن نفس الوصف، ويحتمل غير ذلك إلا أنه لا يختص ذلك بهذه السورة لكن لعل تخصيصها بذلك؛ لأنه ليس فيها إلا صفات الله سبحانه وتعالى فاختصت بذلك دون غيرها) [4] ا. هـ.
وقد احتجَّ ابن تيمية بهذا الحديث فقال: (وفي الصحيح أيضا أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: سأل الذي كان يقرأ بـ {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} سورة الإخلاص في كل ركعة وهو إمام فقال: إني أحبها؛ لأنها صفة الرحمن فقال: «أخبروه أن الله يحبه»، فأقره النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على تسميتها صفة الرحمن. وفي هذا المعنى أيضا آثار متعددة، فثبت بهذه النصوص أن الكلام الذي يخبر به عن الله صفة له، فإن الوصف هو الإظهار والبيان للبصر أو السمع، كما يقول الفقهاء: ثوب يصف البشرة أو لا يصف البشرة، وقال تعالى: {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ}، وقال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}) [5].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/233)
ولو كان قول ذلك الصحابي من البلاء لأجابه صلَّى الله عليه وسلَّم بأنَّ ذلك من البلاء، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة كما يقول علماء الأصول، فكيف إذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقر ذلك الرجل على قوله: (لأنها صفة الرحمن)، فصار هذا اللفظ من قبيل السنَّة التقريريَّة ممَّا صدر عن الصحابة من أقوال أو أفعال؛ بسبب سكوته وعدم إنكاره صلَّى الله عليه وسلَّم، أو بموافقته صلَّى الله عليه وسلَّم واستحسانه قول ذلك الصحابي.
فأي بلاء يدَّعيه هذا الرجل وهو يخالف نهج سلف هذه الأمَّة الأكارم من الصحابة والتابعين ومن تبعهم وسار على دربهم واقتفى أثرهم ونحا نحوهم إلى يوم الدين؟!
بل إنَّ البلاء العظيم بالتطرق في الحديث عن الله تعالى بما لم ينقل من كتاب الله وما صحَّ من سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستحيل أن يجيء شخص بعد عصر الرسالة يهدى لحق لم يهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورحم الله ابن القاسم حينما نقل عن الإمام مالك قوله: (لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها) [6].
إنَّ صفات الله عز وجل وغيرها مِن مسائل الدين لا يمكن أن تأتي للأمة بالبلاء؛ فإِنَّنا نعلم يقيناً وضرورة أنَّ الإسلام إنما جاء لسعادة البشرية لا لشقائها، ولرحمتها لا لعذابها، فكانت الصفات التي هي جزءٌ مِن الدين مشتملة على هذه المعاني أيضًا بشكلٍ أو بآخر، وإنما يأتي البلاء مِن خارج الدين، ممن يحاربون أهله، أو يُلحدون في نصوصه، أو يتأوَّلونه على غير مراده، فبان أن الدين لا بلاء فيه، وأن البلاء مِن صنع البشر الذين يتلقَّون هذا الدين، فمن أخذه بحقِّه، واتَّبع سبيل المؤمنين في فهمه، فاز ونجا وكان الدين له سعادة وهناءة، ومَن حرَّف وبدَّل وغيَّر، فله مِن الشقاء بحسب تبديله وتغييره وتحريفه وعداوته للنصوص. وهذا ظاهرٌ واضحٌ لا يحتاج لبرهان.
على أنَّ: (صلاح أبو عرفة) قد ردَّ الحديث الوارد سابقاً عن عائشة، وقول ذلك الصحابي عن سبب محبته لقراءة سورة الإخلاص لأنَّها: (صفة الرحمن) وادَّعى أنَّ الحديث شاذ، مع أنَّ الحديث ثابت صحيح، ولم يتكلَّم به أحد من علماء الحديث، فهو من رواية الإمام البخاري سمعه من أحمد بن صالح قال أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثنا عمرو عن ابن أبي هلال أنَّ أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدَّثه عن أمِّه عمرة بنت عبد الرحمن وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة .... وذكر الحديث.
وهو من رواية الإمام مسلم يرويه عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب حدَّثه عمه عبد الله بن وهب حدَّثه عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أنَّ أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدَّثه عن أمِّه عمرة بنت عبد الرحمن وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة ... وروى الحديث.
وهو من رواية الإمام النسائي رواية عن سليمان بن داود عن ابن وهب قال حدَّثنا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أنَّ أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدَّثه عن أمِّه عمرة عن عائشة .... وساق الحديث.
والعجب أنَّ هذا الشخص (صلاح أبو عرفة) لم يعلم عنه إطلاقاً وحتَّى طلاَّبه يعلمون قطعاً أنَّه ليس بمحدِّث أو بمشتغل في علم الحديث، فكيف يتجرَّأ على تضعيف حديث ثابت في صحيحي البخاري ومسلم، ويقول عن هذا الحديث بأنَّه شاذ؟
هل سبقه أحد بذلك فقال عن هذا الحديث الذي ادَّعى زوراً وبهتاناً أنَّه شاذ؟
أم لأنَّ الحديث ناقض قوله وخالف رأيه فرمى به وأعرض عنه؟
إنَّ الغريب أنَّه يُشعر الناس وكأنَّه قد وفِّق لهذا القول الباطل، وأنَّه يدور مع الكتاب والسنة حيث دارَا، ولكنَّه وللأسف حينما يتعارض الحديث مع قوله وفكره ورأيه فما أسرع أن يضعِّف الحديث وبكل جرأة، والعجب كذلك أنَّه بعد اكتشافه الخطير لشذوذ هذا الحديث، يدَّعي زوراً وبهتاناً على أهل الحديث فيقولهم كلاماً لا يقولون به مطلقاً حيث يقول: (فواضح أنَّ هذه اللفظة بحكم أهل الحديث أنَّ لفظة: (صفة الرحمن) شاذة!!) كما في الشريط الذي تكلَّم فيه عن هذا الحديث، وإنكار لفظ: (صفات الله).
وهذا كذب على أهل الحديث وتقويل لهم بكلام لم يقولوه ولم يلتزموه، بل إنَّ أهل الحديث يقولون بخلاف ما يدَّعيه هذا الذي يكذب عليهم والذي يقال له: (صلاح أبو عرفة)!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/234)
وإني أقول لـ: (صلاح أبو عرفة) إن قصدت بالشاذ ما ذكره أهل العلم، ومنهم الإمام الشافعي بأنَّه: (أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس)، فليس ما حكمت عليه بالشذوذ يصلح لحجَّتك، فالإمام الشافعي قال عَقِبَ ذلك: (وليس من ذلك أن يروي ما لم يروِ غيره) كما زعمت أنَّ صاحب هذا الحديث روى ما لم يروِ غيره، أو أنَّ هذا الثقة خالف رواية الثقات، فليس الشاذ يتطابق مع ما ذكرته، وإن قصدت أنَّه شاذ بمعنى مطلق التفرد، فلم يعلَّ علماء الإسلام الحديث بمطلق التفرِّد هكذا وبدون أي تفصيل!
وعلى فرض التسليم بتفرِّد سعيد بن أبي هلال، فإنَّنا نعلم أنَّ أهل العلم لا يردون سائر التفردات ولا يقبلونها بإطلاق، وإنَّما الأمر كما قال الإمام ابن رجب رحمه الله: (لهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه) [7].
وتأسيساً على ذلك فلا حجَّة لمن ضعَّف هذا الحديث ولا أعرف أحداً قال بذلك سوى الإمام ابن حزم، حيث قال إن في سنده سعيد بن أبي هلال، وفيه ضعف [8]، فكلامه مردود منقوض وذلك لأمور:
أولاً: أنَّ ابن حزم متأخر عن أهل العلم الذين تكلموا في سعيد بن أبي هلال، فقد توفي ابن حزم في سنة 456هـ أي في القرن الخامس الهجري، وهنالك الكثير من العلماء المتقدِّمين الذين عرفوا حال سعيد بن أبي هلال أكثر من ابن حزم، ولم يقولوا فيه ما قاله ابن حزم!
ثانياً: أنَّ ابن حزم في تضعيفه وتجهيله للرجال لا يغترُّ بكلامه حينما يتحدَّث عنهم فهو متسرِّع في الحكم على الرجال كما هو معلوم، حتَّى إنَّه جهَّل بعض الأئمة، بل قد يجهِّل ويضعِّف كذلك بدون بيِّنة أو حجَّة.
ثالثا: بعد البحث والاستقصاء والتفتيش عن حال سعيد بن أبي هلال وجدناه ثقة ثبتاً، لم نجد من حكم بضعفه، فلقد وثَّقه ابن سعد، وابن خزيمة، والدار قطني، والخطيب البغدادي، وابن عبد البر، وابن حبَّان، وقال عنه الإمام أحمد: مدني لا بأس به، وقال عنه أبو حاتم: لا بأس به، ووثقه ابن رجب، بل حكى ابن حجر الاتفاق على الاحتجاج به وأنَّه لا يلتفت إلى من ضعَّفه [9]، وكأنَّه يعتبر رأي ابن حزم شاذ وخارج عن النسق الصحيح.
رابعاً: حديث عائشة: (لأنَّها صفة الرحمن) لم يتعقبه أحد من علماء الإسلام بل قد تواتروا على تصحيحه، ونحن نعلم أنَّ الإمام البخاري انتقى أحاديث صحيحه انتقاءً، وكان شرطه في قبولها محل تشديد وتريث، حتَّى إنَّه ما كان يضع حديثاً إلاَّ ويستخير الله قبل وضعه في صحيحه، وهذا الحديث المذكور منها، فهو محل قبول الأمَّة، ولم يتعقبه العلماء برد، فقد ذكر ابن رجب هذا الحديث [10]، واحتج به على مسائل عدَّة ولم يتطرق لنقده، وكذلك الذهبي [11] روى هذا الحديث ولم يتعقبه كعادته في تعقب التفردات والتنبيه على بعض الأوهام، ونقله ابن كثير [12] في تفسيره عن البخاري ولم يتعقبه، والبيهقي ألَّف كتاباً في الصفات نصر فيه الأشاعرة في عدَّة مواضع وخالف أهل السنَّة والجماعة؛ لكنَّه ذكر هذا الحديث ولم يتعقبه بشيء، وكذلك المنذري أورد الحديث معزواً للبخاري ومسلم والنسائي ولم يتعقبه بتفرد ولا غيره [13]، ونحوهم النووي ذكره في رياض الصالحين [14]، ولم يتكلَّم فيه، وهذا كله يدل على تلقي أهل العلم للحديث بالقبول.
أفنصدق هؤلاء الأئمة الأثبات وهم أهل التخصص أم نصدق صلاح أبو عرفة الذي لا ناقة له ولا جمل في علم الحديث!!
إنَّ من ردَّ هذا الحديث فهو كما لو جاء شخص وردَّ أحاديث ثابتة في البخاري كحديث: (إنَّما الأعمال بالنيات) وقال إنَّ هذا الحديث شاذ بسبب التفرد، ولأنَّ فيه محمد بن إبراهيم التيمي، وأنَّ الإمام الذهبي نقل عن الإمام أحمد أنَّه قال عن محمد بن إبراهيم التيمي: في حديثه شيء يروي أحاديث مناكير أو منكرة.
ثمَّ زاد البليَّة على كلامه فقال: إنَّ هذا الحديث معلول لأنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قاله على المنبر، ولم يروه غير الصحابي الجليل عمر بن الخطَّاب، فكل هذه قوادح في الحديث، تدل على بطلانه!!
فمن قال هذا الكلام فإنَّ كلامه يعدَّ أضحوكة بين علماء الحديث، فظاهره تأصيل وباطنه خبل يدل على العقل الكليل، والذي فضح صاحبه على رؤوس الأشهاد لأنَّه تحدَّث في غير فنِّه فأضحك الناس على عقله، وأتى بالعجائب!!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/235)
خامسا: أنَّ ابن حزم نفسه والذي تكلم في الحديث المذكور سابقا، أثبت لفظ الصفات في موضعين صريحين في كتبه، وسنأتي على ذكرهما إن شاء الله تعالى في الموضع المناسب لذلك.
وبناء على ذلك، فلقد أطبق علماء الأمَّة على القول بصفات الله؛ ومنهم التابعون والذين وصفهم صلاح أبو عرفة في أشرطته بأنَّهم من خير القرون التي شهد لهم الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك، فلقد قال التابعون كذلك بصفات الله، ولو تجشَّم (صلاح أبو عرفة) شيئاً من العناء لوجد في كتب أهل العلم نقولاً كثيرة في ذلك وبالتصريح كذلك باسم: (صفات الله) أو: (صفة الله) فليذهب لكتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، ولكتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة للالكائي، وكتاب عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني، وكتاب الإبانة عن أصول الديانة لابن بطَّة العكبري، والشريعة للآجري، والعظمة للأصبهاني، وغيرهم من علماء السنَّة.
ولتنظر معي إلى أقوال أئمة المذاهب الأربعة وكيف أنَّهم جميعاً أطبقوا على القول والتلفظ بصفات الله.
أ) فالإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ يقول: (لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين , وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف , وهو قول أهل السنة والجماعة وهو يغضب ويرضى ولا يقال: غضبه عقوبته ورضاه ثوابه , ونصفه كما وصف نفسه أحدٌ لم يلم ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد , حيٌّ قادر سميع بصير عالم , يد الله فوق أيديهم ليست كأيدي خلقه ووجهه ليس كوجوه خلقه) [15].
وكذلك يقول في الفقه الأكبر، عن الله جلَّ وعلا (و له يد ووجه و نفس، فما ذكره الله تعالى في القرآن، من ذكر الوجه و اليد و النفس فهو صفات له بلا كيف، و لا يقال إن يده قدرته أو نعمته لأن فيه إبطال الصفة، و هو قول أهل القدر و الاعتزال، و لكن يده صفته بلا كيف) [16].
ب) والإمام مالك بن أنس، حدَّث عنه أشهب بن عبد العزيز فقال: (سمعت مالكاً يقول: إيّاكم والبدع، قيل يا أبا عبد الله، وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعِلْمه وقدرته ولا يسكتون عمّا سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان) [17]
وقال الوليد بن مسلم: (سألت مالكاً والثوري والأوزاعي والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات فقالوا: أمرِّوها كما جاءت بلا كيف) [18].
ونحن نقول هنا لـ: (صلاح أبو عرفة) فهذا رأي مالك بن أنس يا من استدللت بقوله في شريطك المذكور، وقلت اسمعوا لجواب مالك بن أنس، ولا تسمعوا لكلامي، وها نحن كذلك نطلعك على جواب مالك بن أنس فما أنت قائل عنه؟
فهل ستقول عنه: هو كلب أو حمار؛ لأنَّه يزعم أنَّ لله صفات، كما قلت بعظمة لسانك كلَّ من يقول عن الله أنَّ له صفات فهو كلب أو حمار!!
أم أنَّك سترد كلام الإمام مالك لأنَّك تأخذ من أقوال العلماء ما يوافق هواك، وما لم يوافقه ترميه ولا تأبه له، بناء على فهمك الخاطئ والمغلوط؟
أم أنَّك ستترك ما لديك من بدعة محدثة وتتبرأ إلى الله من ذلك؟ وهو أحبّ إلينا من أن تبقى على قناعتك الخاطئة.
ج) والإمام الشافعي رحمه الله يقول: (لله أسماءٌ وصفاتٌ لا يسع أحدًا ردُّها، ومَن خالف بعد ثبوت الحُجَّة عليه فقد كفر، وأمَّا قبل قيام الحُجَّة فإنه يعذر بالجهل) [19].
وقال في كتابه الرسالة: (والحمد لله ... الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصف به خلقه) [20].
د) والإمام أحمد بن حنبل يقول: (لا يوصف الله إلاَّ بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز القرآن والحديث) [21].
وفي مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي نقل عن الإمام أحمد كتابه لمسدَّد وجاء فيه: (صفوا الله بما وصف به نفسه، وانفوا عن الله ما نفاه عن نفسه) [22].
فقد ذكرت هنا جميع النقول الواردة عن أئمة المذاهب الأربعة في إثباتهم للصفات وتلفظهم بها، فكان ماذا؟ ألم يقولوا هذا القول وهم أئمة الإسلام وفقهاء الملَّة، وأهل اللغة العربيَّة.
وانتقالاً لآراء أئمة الإسلام ومنهم الإمام البخاري رحمه الله، فقد بوَّب في صحيحه باباً فقال: (باب: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ}؛ فسمى الله تعالى نفسه شيئاً، وسمى النبيُّ صلى الله عليه وسلم القرآن شيئاً، وهو صفةٌ من صفاته) ا. هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/236)
ونجد كذلك عن الفضيل بن عياض قوله: (ليس لنا أن نتوهم في الله كيف وكيف لأنَّ الله وصف نفسه فأبلغ فقل: (قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفوا أحد) [23].
وهذا الإمام أبو جعفر الطحاوي يقول: (وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية بترك التأويل ولزوم التسليم. وعليه دين المسلمين، ومن لم يتوقَّ النَّفيَ و التشبيه، زلَّ و لم يُصِب التنزيه. فإن ربنا جل و علا موصوف بصفات الوحدانية) [24]
وقال الإمام البيهقي: (فلله عز اسمه، أسماء وصفات، وأسماؤه صفاته، وصفاته أوصافه) [25]
والعالم أبا القاسم اللالكائي في أصول السنة ينقل عن محمد بن الحسن - صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما -قوله: (اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليم وسلم وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا) [26].
بل قال الحافظ ابن عبد البر: (أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة, والإيمان بها, وحملها على الحقيقة لا على المجاز, إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك, ولا يحدون فيه صفة محصورة, وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج, فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة, ويزعمون أن من أقر بها مشبه, وهم عند من أثبتها نافون للمعبود, والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله) [27].
بل إنَّ ابن حزم نفسه الذي قال: (فلا يجوز القول بلفظ الصفات، ولا اعتقاده بل ذلك بدعة منكرة) [28] نجده رحمه الله قد خالف كلامه السابق في كتبه الأخرى، حيث قال: (وقف العلم عند الجهل بصفات الباري عزَّ وجلَّ) [29].
وقد جاء ذكر ابن حزم للصفات في موضع آخر صريح فقال: (وكلام الله تعالى صفة قديمة من صفاته، ولا توجد صفاته إلا به ولا تبين منه ... وكلام الله لا ينفد ولا ينقطع أبداً؛ لأن كلامه صفة من صفاته تعالى لا تنفد ولا تنقطع ولا تفارق ذاته والله عز وجل لم يزل متكلماً ليس لكلامه أول ولا آخر كما ليس لذاته لا أول ولا آخر وجميع صفاته مثل ذاته وقدرته وعلمه وكلامه ونفسه ووجهه مما وصف به نفسه في كتابه العزيز) [30].
فهذه نصوص متواترة متتابعة قاطعة للسان كلِّ من يتقوَّل على أهل العلم، ويتطاول عليهم، فهم أعلم بالسنَّة منه، وأفقه بدين الله لكلِّ من زعم أنَّه من أهل القرآن، وأهل القرآن يتبرؤون من منطقه وقوله.
والسؤال الآن: هل كلُّ هؤلاء العلماء الكبار، والجهابذة الأخيار، كانوا يشتمون الله تعالى بقولهم وتلفظهم بصفات الله، لأنَّه على حد قول: (صلاح أبو عرفة): (من يثبت لفظ الصفات فإنَّه يعتبر شتيمة لله تعالى) فهل كان علماؤنا يشتمون الله بتلفظهم بلفظ الصفات؟!
فسبحان من شرح صدورهم، وفتح على بصيرتهم، وطبع على قلوب مخالفيهم، فأعماهم الهوى عن نيل الحق كما نالوه، ولله في خلقه شؤون!
وصدق الإمام ابن تيمية وهو يقول: (فلا تعجب من كثرة أدلة الحق وخفاء ذلك على كثيرين فإن دلائل الحق كثيرة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وقل لهذه العقول التي خالفت الرسول في مثل هذه الأصول: كادَها باريها، واتل قوله تعالى: {وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} [الأحقاف: 26]) [31].
...
وأمَّا الجواب عن قوله: (الصفات من أشد البدع والإحداث في الدين).
فأقول وبالله التوفيق: لعلَّ قائل هذا الكلام لا يدري حقيقة الكلام الذي يخرج من رأسه، فإنَّ البدعة تعريفها:ما أحدث في أمور الدين على غير مثال سابق.
وقد أثبتنا بأنَّ كلامه عارٍ عن الصِّحة، وبأنَّ أحاديث رسول الله، وأهل العلم قاطبة شاء أم أبى، جاءت على إثبات لفظ الصفات، فكان ما قاله هذا الشخص تقولاً على الله بالباطل وافتراء عليه سبحانه وتعالى، فصار قول هذا القائل بحد ذاته بدعة وإحداثاً في دين الله بما ليس فيه، فأي بدعة يدَّعيها هذا المسكين بالقول بأنَّ إثبات الصفات بدعة وإحداث في الدين؟!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/237)
ألا يسعه ما وسع سلف هذه الأمَّة الأكارم ـ رحمهم الله ورضي عنهم ـ بإثبات ذلك لله تعالى دون تحريف أو تعطيل أو تأويل أو تكييف أو تمثيل أو تشبيه؟!
لقد خالف هذا الشخص ما اجتمع عليه سلف هذه الأمَّة، أفلا يربأ بنفسه أن يخالف سبيل المؤمنين، وصدق أحسن القائلين إذ قال: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيَّن له الهدى ويتَّبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).
وسأردُّ على هذا الرجل بما كان يطالبنا به فلقد قال إيتونا بخبر أو أثر عن الصحابة يثبت أنَّهم قالوا بلفظ: (الصفات) أو أنَّهم أقرُّوا هذه الكلمة، ولا حرج في ذلك فسنأتيه بذلك.
فلقد روى عبد الرزَّاق: عن معمر بن طاووس عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما: أنَّه رأى رجلاً انتفض لمَّا سمع حديثاً عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الصفات؛ استنكاراً لذلك، فقال ابن عبَّاس: (ما فرق هؤلاء، يجِدُونَ رقَّه عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه) [32].
وقد ذكر الإمام ابن تيمية رحمه الله عن ابن عباس في قوله تعالى: {الصمد} قال: (السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحليم الذي قد كمل في حلمه، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله عز وجل، هذه صفة لا تنبغي إلا له ليس له كفؤ وليس كمثله شيء، سبحانه الواحد القهار) [33]
وفيه ذكر ابن عبَّاس للفظ الصفات، وقال ابن تيمية عَقِبَ ذلك عن هذا الأثر، بأنَّه: (ثابت عن عبد الله بن أبي صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة الوالبي، لكن يقال: إنه لم يسمع التفسير من ابن عباس، ولكن مثل هذا الكلام ثابت عن السلف).
إنَّ حقيقة قول (صلاح أبو عرفة) بنفي إثبات لفظ الصفات لله تعالى، وقولته هذه هي محض البدعة والانحراف والإحداث في هذا الدين، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في البخاري ومسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية لمسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقوله هذا ليس هو أول مبتدع له؛ فإنَّه ما من بدعة معاصرة إلاَّ ولها بذورها من أهل البدع من الفرق السابقة، وإنَّ من مقتضى كلامه في ذلك أنَّ الصحابة رضي الله عنهم أول من أحدثوا في دين الله، إذ إنَّهم كانوا جميعاً على إثبات الصفات لله، فلم يتنازعوا فيها إطلاقا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والمقصود أن الصحابة رضوان الله عليهم ... لم يختلفوا في شيء من قواعد الإسلام أصلاً: لا في الصفات، ولا في القدر، ولا مسائل الأسماء والأحكام، ولا مسائل الإمامة ... بل كانوا مثبتين لصفات الله التي أخبر بها عن نفسه) [34]
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام، وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانا، ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمة واحدة، من أولهم إلى آخرهم، لم يسوموها تأويلا، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلا، ولم يبدوا لشيء منها إبطالا، ولا ضربوا لها أمثالا، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم) [35].
إنَّ حقيقة هذا القول المستشنع، والرأي المستبشع، الذي يقول به (صلاح أبو عرفة)، ليس إلاَّ تجديد لآراء أهل البدع والمخالفين من أهل الكلام، والذين كانوا بالفعل من أعظم البلاء الذي مرَّ على الأمة، وهو الآن يجدد البلاء ويعيده، فقد صار صلاحٌ بلاءً وكان قبلُ يشتكي البلاء!!
...
وأما ما قاله بأنَّ: (أسماء الله تعالى حق وأما الصفات فمن الباطل).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/238)
فإنَّ هذا القول هو عين قول المعتزلة وهي الفرقة الضالة المخالفة لما كان عليه منهج أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمَّة الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم، بل إنَّ من أصولهم الخمسة القول بالتوحيد، والتوحيد عندهم كما يفسره القاضي عبد الجبار المعتزلي بأنَّها نفي الصفات عن الله تعالى، ولهذا نجدهم يقولون بأنَّ الله تعالى سميع بلا سمع وبصير بلا بصر، وقدير بلا قدرة، ومريد بلا إرادة. تعالى الله عمَّا يقولون علوا كبيرا.
وليسأل صلاح أبو عرفة نفسه: هل الله تعالى عليم؟ فسيثبت حتماً أنَّ الله تعالى عليم.
فنسأله قائلين: هل تثبت لله تعالى صفة العلم؟
فإن أثبتها فقد أثبت صفة لله تعالى هي صفة العلم، وعليه فليثبت الصفات الأخرى التي تليق بالله تعالى، فإن القول في الصفات كالقول في الذات، والقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر كما يقول علماء التوحيد، وعليه قرَّروا أصولهم في الرد على المعتزلة الذين ينفون عن الله تعالى الصفات، والرد على الأشاعرة والماتريدية الذين يثبتون لله تعالى الأسماء وبعض الصفات ولكنهم لا يثبتون بعض الصفات الأخرى.
وإن لم يثبت صلاح أبو عرفة صفة العلم فقد كفر بالله العظيم، لأنَّه نزع عن الله تعالى صفة من أعظم صفاته اللائقة به سبحانه وتعالى وهي صفة العلم، وأثبت له شاء أم أبى نقيضها وهي صفة الجهل، ولهذا لما أنكر القدرية الغلاة علم الله تعالى كفَّرهم أهل العلم كالإمام الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل العلم، وقال فيهم الإمام الشافعي وأحمد: (ناظروا القدرية بالعلم؛ فإن أقروا به خصموا، وإن أنكروه كفروا) [36].
إنَّ في كتب المعتزلة أنَّ من كمال الإخلاص لله نفي الصفات عنه، وأنَّ إثبات الصفات لله هي عين ذاته حتَّى لا يستلزم منها الإثنيَّة [37]، وأنَّ القول بتعدد صفات الله كالقول بتعدد الأبعاض لله، تعالى الله عمَّا يقول الظالمون علوا كبيراً.
وهذا الكلام هراء وسخف، بل إنَّ من كمال التوحيد لله والإخلاص له توحيده تعالى بما أخبرنا به عزَّ وجل، فمحال أن يخبرنا الله تعالى عن صفات له كالعلو واليدين والحياة والسمع والبصر والكلام، ويكون كلامه تعالى غير واضح لنا وغير مفهوم، فيكون حالنا كحال أهل الكفر بالله حينما يقرؤون كتبهم وهي عليهم عمى، فلو لم يخبرنا الله تعالى في كتابه عن ذلك لما نطقنا عن الله تعالى بما ليس فيه.
ونقول كذلك إنَّ من الباطل القول بأنَّ إثبات الصفات لله هي عين ذاته، فإثبات الأسماء لله بدون أن تدل عليه تعالى من المعاني التي هي صفات كمالية له، جور وضلال وبهتان في حق الله، وهذا يلزم منه تعطيل ما لله تعالى من أوصاف الكمال والجلال، بل لله تعالى ذات تليق بجلاله، وله صفات تليق به تعالى، دون تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تشبيه، فرب لا يرضى ولا يرحم ولا يحب ولا يتكلم وليس له شيء من الصفات التي أثبتها لنفسه، ليس برب في الحقيقة، ولهذا نجد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قد ناقش والده وقال له: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا) وهذا مما يدل على أنَّ الإله الذي كان يعبده آزر وقومه ليس بإله، ولا يستحق العبادة، ولهذا ذكر إبراهيم عليه السلام شيئا من أوصاف الربوبية اللائقة به عزَّ وجل.
ونرد كذلك على من زعم أن القول بأن تعدد صفات الله كالقول بتعدد الأبعاض لله وأنَّ ذلك يستلزم التركيب والله منزَّه عن التركيب، فالجواب عن هذه الشبهة الضلالية أن نقول: أليس المعتزلة الذين نفوا صفات الله وأثبتوا لله الأسماء، وكذلك أثبتوا أنَّه واجب الوجود وأنَّه موجود، ... إلى غير ذلك؟
أليست هذه صفات متعدد؟ أوليس يكون ذلك تركيباً في الله تعالى؟
فلماذا يبيحون لأنفسهم ذلك التركيب التوحيدي على حدِّ زعمهم ويسمون من أثبت له الصفات تركيبا وتشبيها؟!
ثمَّ إنَّا نقول لهذا الشخص ومن كان على شاكلته: (لقد قال تعالى: (سبحان ربك رب العزَّة عما يصفون* وسلام على المرسلين* والحمد لله رب العالمين) فهنا ذكر تعالى أنَّ أولئك الكفَّار وصفوا الله بما هو ليس بلائق له، أفلا يدل ذلكَّ بدلالة المفهوم أنَّ وصف المؤمنين له ـ عزَّ وجل ـ بما هو لائق به وثابت في كتابه أو بما صحَّ عن سنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ـ محمود؟.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/239)
ثمَّ هنا نرى أنَّ الله تعالى عقَّب بعد قوله: (سبحان ربك رب العزَّة عما يصفون) وقال بعدها: (وسلام على المرسلين) دلَّ ذلك أنَّ المرسلين وصفوا الله تعالى بما يليق به سبحانه وبحمده.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: (وسلَّم على المرسلين؛ لسلامة ما قالوه من النقص والعيب) [38].
وقد وجدت الإمام ابن حجر رحمه الله قد نبَّه على ذلك فقال: (قال الله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) قال بعد أن ذكر منها عدة أسماء في آخر سورة الحشر: (له الأسماء الحسنى) والأسماء المذكورة فيها بلغة العرب صفات ففي إثبات أسمائه إثبات صفاته؛ لأنه إذا ثبت أنه حي مثلا فقد وصف بصفة زائدة على الذات وهي صفة الحياة، ولولا ذلك لوجب الاقتصار على ما ينبئ عن وجود الذات فقط، وقد قاله سبحانه وتعالى: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) فنزه نفسه عما يصفونه به من صفة النقص، ومفهومه أن وصفه بصفة الكمال مشروع).
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: (ولما كان التسبيح يتضمن التنزيه والتبرئة من النقص بدلالة المطابقة، ويستلزم إثبات الكمال، كما أن الحمد يدل على إثبات صفات الكمال مطابقة، ويستلزم التنزيه من النقص - قرن بينهما في هذا الموضع، وفي مواضع كثيرة من القرآن؛ ولهذا قال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}) [39]
لهذا نجد الإمام البخاري رحمه الله في كتاب التوحيد من (صحيحه) يبوِّبُ باباً فيقول: (باب: قول الله تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون} {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ}، ومن حلف بعزة الله وصفاته).
وعليه فإنَّ هذا يكون من باب إضافة الموصوف إلى صفته، فلله تعالى صفات، وكل اسم لله تعالى يتضمَّن صفة من هذه الصفات اللائقة به عزَّ وجل.
وإني أسأل هذا الشخص: حينما تطلب من الله تعالى أن يرحمك لأمر نزل بك؟ هل تقول يا جبار يا ذا الانتقام ارحمني؟ أم تقول: يا رحمن ارحمني؟
فإن قلت: كلاهما سواء فأنت أجهل وأضلُّ من حمار أهلك!!
وإن قلت: بل أقول يا رحمن ارحمني.
فنقول لك: فأنت لحظت الصفة المشتقة من الاسم، وهذا ما يسمَّى بعلم الصرف، فهل علم الصرف عندك بدعة ومحدث في الدين؟!
...
وبالنسبة لما زعمه بأنَّ: (إثبات الصفات يعتبر شتيمة لله تعالى فمجرد أن تعبد الله بالصفات فقد شتمته كما زعم)
فالجواب عنه: أنَّ هذا الكلام لا يخرج من عاقل فضلاً عن متعلم، إذ إنَّ كل شخص لا يثبت هذه الصفات لله إلاَّ لأنَّه تعالى أثبتها لنفسه فهو تعالى الذي قال: (بل يداه مبسوطتان) وهو الذي قال: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلَّمه ربّه) وهو الذي قال: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتَّى يسمع كلام الله) وهو تعالى القائل: (الرحمن على العرش استوى)، وهو القائل: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
ومن السنَّة قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا) [40]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة) [41] وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلاَّ سيكلمه ربه وليس بينه وبينه ترجمان) [42].
فما جواب هذا الرجل عن هذه الآيات والأحاديث التي أوردناها، بل التي نتعبَّد الله تعالى بقراءتها وحفظها، وخصوصاً في كتاب الله تعالى الذي نتلوه في صلواتنا ونتعبَّد الله بقراءة هذه الآيات؟
فهل كل المسلمين يشتمون الله حينما يقرؤون ما أنزله الله عليهم لكي يقرؤوا هذا القرآن ويتعلَّموه؟!
وإذا اعتبر (أبو عرفة) أن المسلمين جميعًا قد أجمعوا على شتيمة الله عز وجل؛ قلنا له: إنما علمهم سبحانه هذا في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ والله لا يُعَلِّم خلقه الشتيمة لنفسه، مع العلم أنَّ شتم الله كفر بالله، فهل من عبد الله بالصفات كفر بالله؟!
...
وأما الجواب عن زعمه: (بأن من يثبت الصفات لله تعالى من العلماء، فهو كلب أو حمار؟).
فلقد ذكَّرني هذا الرجل القائل بهذا القول بأسلافه من المعتزلة الذين رموا أهل السنة والجماعة الذي أثبتوا الصفات لله تعالى بأنَّهم مجسِّمة وحشوية بل قالوا إنَّهم حمير!
نعم لقد قالها شيخهم الزمخشري ـ عفا الله عنا وعنه ـ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/240)
لجماعة سمَّوا هواهم سنَّة ... لجماعة حمر لعمري موكفة
ومقصوده في قوله حمر أي أنَّهم حمير!
ولهذا ردَّ عليه عدد من العلماء ومنهم البليدي قائلاً له ولأمثاله من المعتزلة:
هل نحن من أهل الهوى أو أنتمو ... ومن الذي منَّا حمير موكفة؟!
اعكس تصب فالوصف فيكم ظاهر ... كالشمس فارجع عن مقال الزخرفة
يكفيك في ردي عليك بأنَّنا ... نحتج بالآيات لا بالفلسفة
وعموما فإني لا أريد أن أنزل عن مستوى أخلاق أهل العلم وحملته بما يمكنني الرد عليه به من قواميس الشتائم، وأنواع السباب، فالمؤمن ليس شتَّاما ولا بذيئاً، فمن قال هذا القول ونطق به، فإنَّ هذا يعبِّر عن حقيقة خلقه، وكل إناء بما فيه ينضح، ولقد قال تعالى: (ستكتب شهادتهم ويسألون) ويقول تعالى: (ما يلفظ من قول إلاَّ لديه رقيب عتيد).
وأذكره بأنَّ من تجرأ على علماء المسلمين بدءاً بصحابة رسول الله، ومن تبعهم من أهل العلم الذين ساروا على درب أهل السنة والجماعة، فإنَّ الله تعالى منتقم منه ولو بعد حين، فلحوم أهل العلم مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ومن تتبعهم بالثلب والسب فسيبتليه الله بموت القلب: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
وإني أقول: لقد تتبعت بعض كلام صلاح أبو عرفة في حق أهل العلم فوجدته والله قليل الأدب معهم، سيء الخلق في التعامل مع كلامهم، مستعل عليهم، ومستعجل في تخطئتهم، ويمكنني أن أضرب على ذلك عدَّة أمثلة، فمنها ما تحدَّث به في شريطه عن (آية الناقة التي ضيعها المسلمون ولم يفهمها المفسرون) كما فهم هو طبعاً، حيث قال في شريط له في الدقيقة الرابعة عشرة من الجزء الأول في الشريط، يقول وقد بدأ يقرأ من أحد التفاسير:
((مالها الناقة يا سيدي بدنا نحكي في الخراريف ... ))
ثم ذكر ما ورد من نقل لبعض الإسرائيليات وقال:
((شو هالحكي يا شيخ مالنا ما لنا ليش الكذب .. الله يعين الي كتب على اللي كتبه ..
واللا كيف فكرك ضاع الدين يا شيخ .. شفت يا سيدي وين راح الدين ..
واللا كيف بدي أسحرك يا شيخ وأعميك .. ))
وإني أقول للأخ القارئ:انظر لكلامه وهو يقرأ في تفسير بعض كتب أهل العلم، وكيف يتعامل معهم، حتَّى إنَّ ألفاظه لا تنم ولا تدل على رجل يحترم أهل العلم، ويتحدث بالعامية التي لا تليق برجل يمتثل القرآن منهجاً.
فهو يقول عن ذلك المفسر: (كيف بدي أسحرك يا شيخ وأعميك) ويقول كذلك: (ليش الكذب).
فتأمل طريقة حديثه مع أهل العلم، ولنفترض جدلاً أن أهل العلم زلوا أو أخطؤوا أبمثل هذه الطريقة السوقية يتحدَّث هذا الرجل مع العلماء؟!
وانظر لكلامه في شريط ملخص آية الناقة وفي الدقيقة الثانية حيث يقول:
((وعندما تلونا لكم ما تلونا من الكتب ابن كثير والقرطبي والطبري في ناس بيعبدوها كما يعبدون القرآن يا شيخ ... ثم كفرت بالقرآن لتأتي بالصخرة ... ))
فتأمل كلامه:من الذي يعبد تفاسير العلماء من المعاصرين ومن السابقين؟ وهل من أمثلة على ذلك قديماً وحديثاً؟
وكذلك في الشريط آنف الذكر نجده يتحدث في الدقيقة الثامنة: ((تتمخض عن ناقة جوفاء هيك في التفسير عند ابن كثير وعندهم رحمة الله عليهم جميعاً الله يصلحهم أنا ما معلش بدنا نسامحه، هو يعني أمام الله يتابع شو قال من وين قال ناقة جوفاء وبرآء عشراء حمراء ليش، بتعرف ليش هذا النفاخ، حتى يعمينا .. شو هذا الحكي، حتى تكبر الكذبة ... ))
فتأمل حديث أبو عرفة عن الإمام ابن كثير الذي شهد له بهذه الإمامة القاصي والداني، وهو يتحدث بهذه الطريقة السمجة ويقول عن هذا الإمام: (حتى يعمينا) و (حتى تكبر الكذبة)!
والعجب العجاب أنَّ عنده تلامذة متعصبين له ويفكرون بمثل تفكيره ويؤجّرون عقولهم له، وينتفضون لقيله وقاله إن اعترضه أحد ويسبونه بأنواع من السباب والشتائم، وأما أهل العلم فلا مانع من أن يقوم شيخهم بسبِّهم وشتمهم.
...
وأمَّا الجواب عن كلامه في موضوع الصفة وتعريفه لها حيث قال: (الصفة هي أن تقول في شيء ما لا تتبيَّن منه) و يقول كذلك: (إذا عبد الله بالاسم فقد عبده بالحق؛ وإذا عبده بالوصف فكأنَّه عبده بالتقريب، وذلك لأنَّ الوصف من التقريب والتقريب من الظن والظن لا يغني من الحق شيئا).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/241)
فالجواب عن ذلك أنَّ نقول: إنَّ هذا الشخص حتَّى في تعريفاته للصفة والوصف قد أخطأ خطأ شنيعاً كعادته في كثير ممَّا يقوله ويتخرَّص به، فالصفة عند أهل اللغة هي: (الاسم الدال على بعض أحوال الذات، وهي الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذي يعرف بها) وهي كذلك: (ما وقع الوصف مشتقاً منها، وهو دال عليها، وذلك مثل العلم والقدرة ونحوه) [43] وقال ابن فارس: (الصفة: الأمارة اللازمة للشيء) [44]، وقيل أن الصفة هي: (لفظ ينعت به الموصوف فيبين صفة من صفاته وحالة من حالاته) [45].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ بعد أن ساق حديث: (صفة الرحمن) ـ فقال عقب ذلك: (والصفة: مصدر وصفت الشيء أصفه وصفًا وصفة، مثل وعد وعدًا وعدة، ووزن وزنًا وزنة، وهم يطلقون اسم المصدر على المفعول، كما يسمون المخلوق خلقًا، ويقولون: درهم ضرب الأمير، فإذا وصف الموصوف، بأنه وسع كل شيء رحمة وعلمًا، سمى المعنى الذي وصف به بهذا الكلام صفة. فيقال للرحمة والعلم والقدرة: صفة، بهذا الاعتبار، هذا حقيقة الأمر) [46].
هذه تعريفات اللغويين والعلماء للصفة والتي تخالف بوضوح ما عرَّفه: (صلاح أبو عرفة) للصفة، فهو تعريف عصري جديد!
وعليه فإنَّ الله عزَّ وجل يستحق الوصف اللائق به تعالى، وهو كلام أهل اللغة كذلك والذين فقهوا من حديث رسول الله وفهموا منه ووقفوا عند حدِّه فاللغوي الشهير أبو القاسم السهيلي يقول: (وأما صفات الباري - سبحانه - فلا نرى أن نسميها نعوتا، تحرجا من إطلاق هذا اللفظ، لعدم وجوده في الكتاب والسنة. وقد وجدنا لفظ الصفة في الصحيح، حين قال عليه السلام للرجل الذي كان يقرأ " قل هو الله أحد " في كل ركعة: لم تفعل ذلك؟ فقال: أحبها لأنها صفة الرحمن) [47].
وقال الزبيدي: (قال ابنُ الأَثِير: النَّعْتُ: وَصْفُ الشيءِ بما فيه من حُسْنٍ ولا يُقَال في القَبِيحِ إِلاّ أَنْ يَتَكَلَّف مُتَكَلِّفٌ فيقول: نَعْتَ سَوْءٍ والوَصْفُ يقالُ في الحَسَنِ والقَبِيحِ. قلت: وهذا أَحَدُ الفُروقِ بين النَّعْتِ والوَصْفِ وإِن صَرَّح الجَوْهَرِيُّ والفَيُّومِيُّ وغيرُهما بتَرادُفِهِما. ويقال: النَّعْتُ بالحِلْيَةِ كالطَّوِيلِ والقَصِيرِ والصِّفَةُ بالفِعْلِ كضَارِب وقال ثعلب: النَّعْتُ ما كان خاصّاً بمَحَلٍّ من الجَسَدِ كالأَعْرَج مثلاً والصِّفَةُ للعُمُومِ كالعَظيم والكَرِيم؛ فاللهُ تعالى يُوصَفُ ولا يُنْعَتُ) [48].
فالكلام الذي قاله صلاح أبو عرفه وتخرَّصه من عقله دون بينة أو برهان بل بقذف شبهات ثارت في فكره، فقذفها من لسانه أمام الناس، فإنَّها لا تثبت عند كلام المحققين من أهل العلم، فحينما قال: (النبي يعلم أنَّ الله لا يصف لأنَّ الوصف كذب وعيب) هذا الكلام لا يخرج من عاقل للغة العربيَّة وأساليبها، والعجب العجاب أنَّه حاول أن ينكر صحَّة القول في كلمة الصفة أو الوصف، فهو يرى عدم جواز إطلاقها وحتَّى لو كان ذلك في رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، مع أنَّه قد ثبتت لنا أحاديث صحاح وحسان وجياد تدل على أنَّ الصحابة كذلك وصفوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فلدينا حديث عطاء بن يسار حينما قال: (لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا}. وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا) [49].
كذلك لدينا حديث أبي جحيفة السوائي قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان الحسن بن علي عليهما السلام يشبهه، قلت لأبي جحيفة: صفه لي، قال: كان أبيض قد شمط، وأمر لنا النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث عشرة قلوصا، قال: فقبض النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن نقبضها) [50].
فهذه أدلَّة على جواز وصف الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، وعلى أنَّ لفظ الوصف لا مانع من إطلاقه، لأدنى عاقل يفقه في اللغة العربيَّة شيئاً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/242)
أمَّا أن يقول (صلاح أبو عرفة): (فالوصف في كتاب الله يعني الكذب فكيف تعبد الله بالصفات؟ فهذا يعني أنَّك تعبده بالكذب)، فلا أدري من أين أتى هذا الرجل بهذا اللازم، وحاول أن يلزم به خلق الله على ضلاله الذي وقع فيه، ولنفترض جدلاً أنَّ الوصف ورد في القرآن بمعنى الكذب، فهل يعني هذا أن يكون الوصف لأحد حينما يوصف بشيء فإنَّ هذا الوصف الذي وُصِفَ به كذب؟!
والعجب أنَّه حينما يسأله سائل عن صفات الله يلزمه بضلاله وجوره، فكم من شخص يسأله عن ذلك فيقول له: قل الصفات والعياذ بالله لأنَّه ذكر باطلاً، وهذا مسجَّل بصوته في الشريط المذكور.
فعلاً صدق الشاعر حينما قال:
وكم من فقيه خابط في ضلاله ... وحجَّته فيها الكتاب المنزَّل
وأخيرا:
فإني أقول لصلاح أبو عرفة هداه الله وردَّه إلى الحق .... آمين.
إن كنت معظِّماً لله تعالى ومحباً له عزَّ وجل؛ فإني أدعوك أن تراجع منهجك وطريقتك في التعامل مع كتاب الله تعالى، حاول أن تعتزل الناس قليلاً كي تراجع منهجك لتدرك أنَّك تسير في طريق خطير جد خطير، تتنكب فيه للمنهج القرآني الذي تدعو إليه، وتقع في أخطاء عقائدية ومنهجية وفكرية خطيرة، وبعدها فما الفائدة؟!!
ألا ترى أنَّك لا تثير سوى الغرائب والعجائب؟!!
وهل وسع أهل القرآن أن يحدثوا الناس إلا بمثل هذه الأمور ثمَّ يطلبوا من غيرهم أن يقتنعوا بها، وإن لم يقتنعوا يشنعوا عليهم في ذلك؟!!
ألا تذكر حين كنت تقف أمام الناس وتقسم بالله أنَّ أمريكا ستغرق في تاريخ كذا وكذا وتقسم على ذلك في المساجد؟ وحينما أتى موعد الغرق الذي قلت به ولم يحصل، أجَّلت هذا لتاريخ آخر، ومع هذا فلم يحصل هذا ولا ذاك ... وليتك اعتذرت للناس عمَّا حصل منك في ذلك.
لهذا فإني أقول لك يا صلاح ألا يسعك ما وسع منهج سلفنا الصالح وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ومن تبعهم بإحسان؟!!
أسأل الله تعالى أن يهدينا وإياك لهداه، ويوفقنا وإياك لرضاه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
ونقول ختاماً:
تم الكلام وربنا محمود ... وله المكارم والعلا والجود
ثمَّ الصلاة على النبي وآله ... ما لاح قمري وأورق عود
والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به، وحسبنا الله ونعم الوكيل، سائلاً الله تعالى الهداية لجميع المسلمين، وأن يوفقهم لأحسن الأقوال والأفعال، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
وكتبه
خباب بن مروان الحمد
قال الشيخ الألباني :
HABAB1403@HOTMAIL.COM
حامداً لربه، ومصليِّاً على رسوله
صباح يوم الخميس الموافق
30/ 12/ 1430هـ
17/ 12/2009م
وهذا رابط الموضوع في شبكة أنا مسلم
http://www.muslm.net/vb/showthread.php?p=2396244#post2396244
__
[1] ) صحيح البخاري (7375)، وصحيح مسلم (813).
[2]) الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر،: (5/ 582) وترقيم الصحابي في الإصابة: (7401)
[3]) فتح الباري: (13: 356 ـ 357)
[4]) المرجع السابق.
[5]) مجموع الفتاوى: (6/ 340)
[6]) البيان والتحصيل: (1/ 242)
[7]) شرح علل الترمذي، لابن رجب: (2/ 582)
[8]) الفصل في الملل والنحل، لابن حزم: (2/ 285)
[9]) قد أفدت من توثيقات سعيد بن أبي هلال من بحث كتبه: أبو عبد الله عمر صبحي حسن قاسم، بترجمة وافية قام بها ـ جزاه الله خيرا ـ بعنوان: (ترجمة سعيد بن أبي هلال حافظ مصر) والمنشورة على الشبكة العنكبوتيَّة: (الإنترنت).
[10]) فتح الباري، لابن رجب: (4/ 471)
[11]) سير أعلام النبلاء: (12/ 172)
[12]) تفسير ابن كثير: (14/ 501)
[13]) الترغيب والترهيب للمنذري: (2/ 250)
[14]) رياض الصالحين: (388)
[15]) الفقه الأبسط: ص56.
[16]) منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر للقاري ص121 ـ 123، وللعلم فإنَّ هنالك من شكَّك في نسبة هذا الكتاب للإمام أبي حنيفة، ومنهم الشيخ العلاَّمة سفر الحوالي في شرحه لشرح ابن أبي العز الحنفي على العقيدة الطحاوية، والشيخ الدكتور عبد العزيز بن أحمد الحميدي، مع العلم أنَّ هنالك من نسبه لأبي حنيفة منهم ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية، وابن أبي العز في شرحه للعقيدة الطحاوية، والمظفر الإسفراييني، والعيني في عمدة القاري، وغيرهم من أهل العلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/243)
[17]) الحجَّة في بيان المحجَّة لأبي القاسم الأصبهاني: (1/ 104)، وشرح السنَّة، للبغوي: (1/ 217)
[18]) الشريعة للآجري ص314، والدار قطني في كتابه: (الصفات) ص75
[19]) فتح الباري 13/ 407.
[20]) الرسالة ص7ـ 8.
[21]) مجموع الفتاوى: (5/ 26)
[22]) مناقب الإمام أحمد ص221.
[23]) درء تعارض العقل والنقل:2/ 23.
[24]) متن العقيدة الطحاوية ص15.
[25]) الاعتقاد، ص70.
[26]) شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة، للالكائي: (3/ 432)
[27]) التمهيد، لابن عبد البر: (7/ 145)
[28]) الفصل في الملل والنحل، لابن حزم: (2/ 285 ـ 286)
[29]) الأخلاق والسِّير ويسمَّى كذلك مداواة النفوس، لابن حزم، ص67.
[30]) الأصول والفروع، لابن حزم 197 ـ 198
[31]) درء تعارض العقل والنقل: (7/ 84 ـ 85).
[32]) المصنف، لعبد الرزَّاق الصنعاني: (11/ 423) برقم: (20895، وبنحوه عند ابن أبي عاصم: (485) بسند صحيح.
[33]) مجموع الفتاوى: (8/ 150)، وقد ذكر هذا الأثر غير واحد من أهل العلم ومنهم أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب العظمة: (1/ 102)
[34]) منهاج السنَّة النبويَّة: (6/ 366)
[35]) أعلام الموقعين، لابن القيم: (1/ 49).
[36]) شرح الطحاوية، لابن أبي العز ص354
[37]) محاضرات في الإلهيات للسيحاني ص44
[38]) الدليل الرشيد إلى متون العقيدة والتوحيد، كتاب العقيدة الواسطية، لابن تيمية، ص73.
[39]) تفسير ابن كثير: (7/ 46)
[40]) البخاري (1145) ومسلم: (758)
[41]) البخاري: (2826) ومسلم: (1890)
[42]) البخاري: (6539) ومسلم: (1016)
[43]) الكليات، للكفوي، ص546.
[44]) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس،: (5/ 448)
[45]) التذكرة في قواعد اللغة العربية لخليل باشا ص232.
[46]) مجموع الفتاوى، لابن تيمية:: (6/ 340)
[47]) نتائج الفكر: ص158 ـ 160
[48]) تاج العروس، للزبيدي: (4/ 1193).
[49]) صحيح البخاري برقم: (2125).
[50]) صحيح البخاري برقم: (3544)
ـ[محمدخراص]ــــــــ[31 - 12 - 09, 10:43 ص]ـ
شكرا لك. بس الموضع طويل اشوي. حاول ان تكتب موضوعات قصيره كي يقرأها الجميع. وفقك الله
ـ[هشام مشالي]ــــــــ[04 - 01 - 10, 05:54 م]ـ
إشكال صلاح أبو عرفة يرجع إلى منهجيته في التعامل مع النص، فها هو يقول في موقعه "أهل القرآن":
(وعلى المُغالين بالاستمساك بسَوْط "العربية" وعلومها، وأشعارها وقبائلها، كشرط جامع مُعنِت "للتدبر والبحث"، بما يُثقل على المقبل على الكتاب فيرتد راجعاً. وكأن كل المتدبرين الصالحين من قبل، كانوا على علم بذلك كله!. عليهم هم أن يجيبونا بماذا نفعت عربية أقحاح قريش كفارَها بعد كفرهم؟. وماذا ضرّت الأعاجم عُجمتهم حين آمنوا. وهل كان أبو سفيان في كفره أعجميا، فتعرّب فآمن؟.")
إن تحليل الفقرة السابقة يضع الأيدي على موضع الخلل:
1 - في أول الفقرة يحارب إحدى طواحين الهواء، التى ابتدعها، فهو لم يذكر من هؤلاء المغالين، ومن رموزهم.
2 - عمل على التنفير من تعلم اللسان العربي بقوله: سوط العربية، مما يضع دعوى الوقوف في وجه الغلو محل شك، ويرتفع هذا الشك إلى مرتبة الظن الغالب بعد قراءة نهاية الفقرة، حيث يتمحض الحديث حول العربية لا الغلو في تعلمها. وينضم إلى ذلك حديثه في دروسه بالعامية ليزيد الطين بلة.
3 - عدم العمق في التفكير سمة بارزة إن أحسنا الظن، وإلا كان تعمد الخلط، يتضح ذلك من اضطراب العلاقات بين العبارات، فلا يجد القارئ علاقة بين كفر الكافر العربي، وإيمان الأعاجم، وبين الحديث عن تعلم العربية كشرط للتدبر؛ فالحديث ليس في باب الإيمان والكفر، وإنما في باب التدبر والفهم.
4 - غاب في حديثه الكلام عن المنهج المعتدل الذي أرسى دعائمه علماؤنا من التضلع بعلم العربية بالقدر الذي يفي بحاجة المسلم لفهم الكتاب، ويبقى على المتخصصين ما ليس على غيرهم.
هذا نموذج لمنهجية التعامل مع النص، وإلا فالأمر يحتاج إلى مزيد دراسة.
هذا والله أعلم
ـ[حذيفة السلفي]ــــــــ[08 - 01 - 10, 10:30 م]ـ
اللهم إنا نشكو إليك هذا الغثاء
صلاح هذا،، رجل من بيت المقدس يأتي بالعجائب والنوادر وصار هذا ديدنه
فتارةً ينكر لفظ العقيدة ويشنع على الأئمة
وتارةً يطعن بأئمة التفسير ويتوعد كتبهم بالتطيير
وتارةً أخرى يدعوا لترك كل ما قال السلف فالاجتهاد باب يلجه من شاء كيف شاء
ناهيك عن فتنة وقت صلاة الفجر التي أشعلها
قال ابن حزم - رحمه الله -: لا آفة على العلوم وأهلها، أضر من الدخلاء فيها، وهم من غير أهاها؛ فإنهم يجهلون، ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون
وقال أبو إسحاق الشاطبي - رحمه الله تعالى -: قلما تقع المخالفة لعمل المتقدمين، إلا من أدخل نفسه في أهل الإجتهاد، غلطاً، أو مغالطة
ـ[أبو بكر المكي]ــــــــ[10 - 01 - 10, 02:21 م]ـ
لو سكت من لا يعلم أمثال عرفة، لقل الخلاف.
لكنه من باب: خالف تعرف.
فنسألك اللهم - بأسمائك الحسنى - أن تكف المسلمين شره.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/244)
ـ[هشام مشالي]ــــــــ[11 - 01 - 10, 10:50 ص]ـ
أوجه إلى إخواني طلبة العلم دعوة لمناقشة صلا ح أبو عرفة، لا أقول كلامه حول الصفات، بل منهجية جماعته: أهل القرآن والمسطرة على موقعهم.
وذلك من خلال منهجية التحليل والدراسة، والرد العلمي الموثق.
ـ[حامد تميم]ــــــــ[16 - 01 - 10, 11:00 م]ـ
لعل هذا الرابط يفيدك:-
http://www.soutulhaq.com/index.php?p=mushref_articles
ـ[أبو عبد الرحمن النجدي السلفي]ــــــــ[17 - 02 - 10, 06:35 م]ـ
جزاكم الله خيرا(60/245)
تصحيح خطأ بين دفتي كتاب "التعامل مع المبتدع"
ـ[ابو عبد الملك الجهني]ــــــــ[17 - 12 - 09, 11:25 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على خير المرسلين وعلى آله وصحبة اجمعين،،، وبعد
قال صاحب كتاب "التعامل مع المبتدع ": (بل لا ننسى ان المبتدع يكون مأجوراً في بدعته [لا عليها]، ومن جهتين: من جهة انه اجتهد فأخطأ، ومن جهة انه قد يكون داعيهِ الى البدعة حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية عمن يقيم بدعة المولد، وانه يؤجر على محبته للنبي صلى الله عليه وسلم لا على بدعته) انتهى
علق الشيخ حامد الفقي رحمه الله على كلام شيخ الاسلام السابق فقال (كيف يكون لهم ثواب على هذا، وهم مخالفون لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهدي اصحابة؟ فإن قيل: لأنهم اجتهدوا فأخطأوا، فنقول اي اجتهاد في هذا؟ وهل تركت نصوص العبادات مجالا للاجتهادات؟ والامر فيه واضح كل الوضوح.
وكلام شيخ الاسلام نفسه يدل على خلاف ما يقول من اثابتهم، لأن الرسول وتعظيمة الواجب على كل مسلم انما هو باتباع ماجاء به من عند الله، كما قال الله تعالى (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)
فكيف مع هذا يرجى لهم ثواب او يقبل منهم دعوى حسن القصد؟ وهل الاعمال الظاهرة إلا عناوين للمقاصد والنوايا، واذا كان لهؤلاءثواب على بدعتهم فليكن لليهود والنصارى وكل كافر اذاً ثواب على ما يأتون من الكفر والوثنية، لأنهم يقسمون جهد ايمانهم انهم لا يقصدون الا الاحسان والتوفيق) انتهى
قال محقق كتاب "شفاء الصدور" فالحق انه لا يثاب وان كانت نيته صالحة وقصده الخير والطاعة، ولذا قال ابن مسعود لبعض المبتدعة الذين اجتمعوا للذكر جماعة فقال لهم: (عدوا سيئاتكم فأنا ضامن ان لا يضيع من حسناتكم شيئا) فقالوا: والله يا ابا عبد الرحمن ما اردنا الا الخير فقال: (وكم من مريد للخير لن يصيبه) فحسن القصد وصدق النية ان لم يقترنا بالعمل المشروع فلا قمة لذلك العمل.
وقال الشيخ حمود التويجري رحمه الله: ما ذكره شيخ الاسلام رحمه الله تعالى عن الذين يتخذون المولد ان الله تعالى قد يثيبهم، وقوله ايضا: انه يرجى لهم المثوبة على حسن القصد والاجتهاد وقوله ايضا: ان تعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه اجر عظيم. كل هذا فيه نظر.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، ويقول: " اما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الامور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " وفي النص على ان شر الامور محدثاتها وان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار اوضح دليل انه لا ثواب ولا اجر، بل فيه وعيد شديد.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: امر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته فتوزن الاقوال والاعمال بأقواله واعماله فما وافق ذلك قبل وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائنا من كان، انتهى.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية:
قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى (ليبلوكم ايكم احسن عملا) قال: اخلصه واصوبه، قيل يا ابا علي ما اخلصه واصوبه؟ قال: العمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، واذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص ان يكون لله، والصواب ان يكون على السنة. انتهى
هذا ما يسر الله لي، واعان عليه.
وما اردت إلا الاصلاح، وما توفيقي إلا بالله.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين.
والله اعلم.
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[18 - 12 - 09, 09:01 ص]ـ
يُستحسن أن تقول: ((تصحيح خطأ بين دفتي كتاب اقتضاء الصراط المستقيم)) لشيخ الإسلام ابن تيمية ..
أما التعامل مع المبتدع فلا دخل له هنا إلا إذا كان أخطأ النقل عن شيخ الإسلام وهذا لم يحدث ..
فإذا أردت تخطئة شيخ الإسلام فتفضل لا بأس عليك ما دمت ستذكر حجة وبرهاناً أم حشر كتاب التعامل مع المبتدع وإفراده بالعنوان = فلا معنى له ..
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[18 - 12 - 09, 10:18 ص]ـ
أحسنت أبا فهر
ـ[ابو عبد الملك الجهني]ــــــــ[18 - 12 - 09, 10:33 ص]ـ
* كتيب "التعامل مع المبتدع"
يجمع بين دفتيه فوائد، لا يستغني عنها طالب للحق.
وليس معنى ذلك ان لا نبين للقارئ الخطأ الموجود بين دفتي الكتاب.
* من ألف كتاب فقد وضع عقله على طبق وعرضه على الناس , وهو مسؤول عن كل كلمة بين دفتية ناقلا كلام غيره او ان يكون الكلام من بنيات افكارة.
* والحق احق ان يتبع. ولا اسوة لأحد في خطأ.
* وما زلنا نستفيد من ابحاث الشيخ الفاضل حفظه الله.
والله من وراء القصد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/246)
ـ[أم مشاري]ــــــــ[18 - 12 - 09, 11:43 ص]ـ
بارك الله فيكم
إستفدنا كثيراً .......... جزاكم الله خيراً
ـ[ابو عبد الملك الجهني]ــــــــ[19 - 12 - 09, 09:42 م]ـ
وفيك بارك.
ـ[ضيدان بن عبد الرحمن اليامي]ــــــــ[21 - 12 - 09, 07:37 م]ـ
قال الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ في القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 385، 386): " إن البدعة شر ولو حسن قصد فاعلها , ويأثم إن كان عالما أنها بدعة ولو حسن قصده؛ لأنَّه أقدم على المعصية كمن يجيز الكذب والغش ويدَّعي أنه مصلحة , أما لو كان جاهلاً فإنه لا يأثم؛ لأن جميع المعاصي لا يأثم بها إلا مع العلم , وقد يثاب على حسن قصده , وقد نبَّه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه " اقتضاء الصراط المستقيم "؛ فيثاب على نيَّته دون عمله , فعمله هذا غير صالح ولا مقبول عند الله ولا مرضي , لكن لحسن نيَّته مع الجهل يكون له أجر , ولهذا قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي صلى وأعاد الوضوء بعدما وجد الماء وصلى ثانية: " لك الأجر مرتين "؛ لحسن قصده , ولأن عمله عمل صالح في الأصل , لكن لو أراد أحد أن يعمل العمل مرتين مع علمه أنه غير مشروع , لم يكن له أجر لأن عمله غير مشروع لكونه خلاف السنة؛ فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للذي لم يعد: " أصبت السنة ". أهـ
ـ[ابوعمر الدغيلبي]ــــــــ[21 - 12 - 09, 10:44 م]ـ
ذكر الشيخ عبدالعزيز آل عبداللطيف في مقاله
اللمز الجلي والخفي لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله
وأخيراً كان على الدكتور حاتم أن يتسع صدره لهذه الدعوة السلفية -وهو من أهلها ودعاتها- وأن ينظر إليها بعلم وعدل، كما اتسع صدره لأهل البدع في رسالة "التعامل مع المبتدع"، فأفرط في الرحمة والملاينة، فجزم أن "البدعة وحدها لا تستوجب عقوبة صاحبها مطلقاً" (7)، "وأن أهل البدع مقبولو الشهادة والرواية" (8)، "وأن المبتدع لا يفسّق بمجرد البدعة" (9)، "والبدعة لا تنافي الاتصاف بالإيمان ومتين الديانة وعظم الورع" (10) ... إلى آخر كلامه وما فيه من المغالطة والتخليط.
http://www.alabdulltif.net/index.php?option=*******&task=view&id=10169
ـ[ابوريم]ــــــــ[23 - 12 - 09, 09:03 م]ـ
شكر الله لك أخي الجهني و هذه المسألة تحوك في نفسي منذ سنين
بغض النظر عن الناقل أو المنقول عنه فهي مسألة جديرة بالتداول وإعادة النظر والتأمل
مثلا من قام بالحضرة فيذكر الله على هيئة راقصة هل نقول له: إن نيتك حسنة بالذكر ومأجور عليه والهيئة باطلة تأثم عليها؟
كذا من قام بشق ثيابه أيام عاشوراء حزنا على قتل الحسين نقول له مأجور على نية حب آل البيت وماخلا ذلك فهو باطل
كذا من دعا الله عند القبر نقول له نيتك طيبة ومأجور عليها ولكن تأثم للبدعة
والأمثلة كثيرة والبدع متنوعة والحد الفاصل في المقبول والمردود غير منصوص عليه بل النص بخلافه حيث رُد سائر العمل
وقد رأيت الدكتور عيسى السعدي قد فرع هذه المسألة على كلام ابن رجب -رحمه الله- في النية
الصالحة حينما يدخلها نوع فساد
ولعل هذا مستدرك لقوله صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد " أي مردود فهل بالإمكان أن نستثني بعد هذا النص؟
وهاهنا سؤال
ماهو المقبول من المردود في العبادة التي قارنها نوع ابتداع؟
ولعل الإخوة يفيدوا في هذه المسألة
والله أعلم
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[23 - 12 - 09, 09:29 م]ـ
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=46845
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[24 - 12 - 09, 03:12 م]ـ
حديث يشهد لكلام شيخ الاسلام رحمه الله تعالى/
- اذا اجتهد الحاكم فاخطا ........ - الحديث. رتب اجر على اجتهاده ونيته الخالصة في الوصول الى الحق. ونفي الاجر الثاني الذي يكون مرتبا على الاصابة.
ويلزم من خطا شيخ الاسلام. ان لا يثبت للمجتهد اجرا. لان الاجر على هذا الزعم يكون مرتبا على النية الخالصة واصابة الحق معا.
فاجتهاد المتعبد في التقرب الى الله عز وجل امر مطلوب. واجتهاد الحاكم في طلب الحق في المسالة امر مطلوب.
فالاول اخطا في اجتهاده مع حسن نيته. والثاني كذ لك.
فكيف يثبت للاول اجر دون الثاني.
اسال الله عز وجل ان يرينا الحق في هذه المسالة الدقيقة.
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[24 - 12 - 09, 03:15 م]ـ
لا تغفل اخي فنحن نتكلم على الثواب وهذا من الامور الاخروية.
مع اننا لو تكلمنا على العمل لقلنا انه باطل فاسد لانه مخالف للصواب.
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[24 - 12 - 09, 03:21 م]ـ
فكل من الرجلين اجتهد فيما يجوز له فيه الاجتهاد.
خذ مثلا السبحة.
ولنفرض انها بدعة محدثة.
يجتهد المجتهد فيرى انه لا باس بها فيؤجر على اجتهاده.
وياتي الرجل ويتقرب الى الله بها وهو يرى انها مما يقربه اليه بناءا على قول المجتهد.
فكيف يؤجر الاول على طلبه للحق ويؤثم الثاني على طلبه للحق.
هذا والله سبحانه وتعالى اعلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/247)
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[24 - 12 - 09, 03:56 م]ـ
واليك اخي كلام لابن القيم يتكلم فيه على الكافر المقلد وانه ليس على درجة واحدة.
فمنهم المعذور عند الله لاجل نيته وصدقه في طلب الحق.
ومنهم المعذب الهالك لاجل نيته واعراضه عن طلب الحق.
فبطريق الاولى يكون الواقع في البدعة معذورا ان كان حاله مثل الكافر المقلد المعذور الذي ياتيك كلام ابن القيم رحمه الله فيه /
المقلدون وأقسامهم
نعم لا بد في هذا المقام من تفصيل به يزول الإشكال وهو الفرق بين مقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه، ومقلد لم يتمكن من ذلك بوجه والقسمان واقعان في الوجود فالمتمكن المعرض مفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله وأما العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن من العلم بوجه فهم قسمان أيضًا: أحدهما: مريد للهدى مؤثر له محب له غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم من يرشده فهذا حكمه حكم أرباب الفترات ومن لم تبلغه الدعوة الثاني: معرض لا إرادة له، ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه فالأول يقول: يا رب لو أعلم لك دينا أخيرا مما أنا عليه لدنت به وتركت ما أنا عليه ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه ولا أقدر على غيره فهو غاية جهدي ونهاية معرفتي والثاني: راض بما هو عليه لا يؤثر غيره عليه ولا تطلب نفسه سواه ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته وكلاهما عاجز وهذا لا يجب أن يلحق بالأول لما بينهما من الفرق: فالأول كمن طلب الدين في الفترة ولم يظفر به فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عجزا وجهلا والثاني: كمن لم يطلبه مات على شركه وإن كان لو طلبه لعجز عنه ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض فتأمل هذا الموضع والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل فهذا مقطوع به في جملة الخلق وأما كونه زيد بعينه وعمرو قامت عليه الحجة أم لا فذلك ما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير الإسلام فهو كافر وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول هذا في الجملة والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه هذا في أحكام الثواب والعقاب وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر: فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم وبهذا التفصيل.انتهى المقصود.
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[24 - 12 - 09, 04:13 م]ـ
معذرة ....
ما زال الكلام لابن القيم /
وبهذا التفصيل يزول الإشكال في المسألة وهو مبني على أربعة أصول: (أحدها) أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه كما قال تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" وقال تعالى: "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" وقال تعالى: " كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء " وقال تعالى: " فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير " وقال تعالى: " يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين " وهذا كثير في القرآن، يخبر أنه إنما يعذب من جاءه الرسول وقامت عليه الحجة وهو المذنب الذي يعترف بذنبه وقال تعالى: " وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين " والظالم من عرف ما جاء به الرسول أو تمكن من معرفته بوجه وأما من لم يعرف ما جاء به الرسول وعجز عن ذلك فكيف يقال إنه ظالم؟ (الأصل الثاني) أن العذاب يستحق بسببين أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها الثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها فالأول كفر إعراض والثاني كفر عناد وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله لتعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل (الأصل الثالث) أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان وفي بقعة وناحية دون أخرى كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له فهذا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع شيئا ولا يتمكن من الفهم، وهو أحد الأربعة الذين يدلون على الله بالحجة يوم القيامة كما تقدم في حديث الأسود وأبي هريرة وغيرهما (الأصل الرابع) أن أفعال الله سبحانه وتعالى تابعه لحكمته التي لا يخل بها، مقصودة لغايتها المحمودة وعواقبها الحميدة وهذا الأصل هو الأصل هو أساس الكلام في هذه الطبقات إلا من عرف ما في كتب الناس ووقف على أقوال الطوائف في هذا الباب وانتهى إلى غاية مراتبهم ونهاية إقدامهم والله الموفق للسداد الهادي إلى الرشاد وأما من لم يثبت حكمة ولا تعليلا ورد الأمر إلى محض المشيئة التي ترجح أحد المثلين على الآخر بلا مرجح فقد أراح نفسه من هذا المقام الضنك واقتحام عقبات هذه المسائل العظيمة وأدخلها كلها تحت قوله: " لا يسأل عما يفعل " وهو الفعال لما يريد وصدق الله وهو أصدق القائلين " لا يسأل عما يفعل " لكمال حكمته وعلمه ووضعه الأشياء مواضعها وأنه ليس في أفعاله خلل ولا عبث ولا فساد يسأل عنه كما يسأل المخلوق، وهو الفعال لما يريد ولكن لا يريد أن يفعل إلا ما هو خير ومصلحة ورحمة وحكمة فلا يفعل الشر ولا الفساد ولا الجور ولا خلاف مقتضى حكمته لكمال أسمائه وصفاته وهو الغنى الحميد العليم الحكيم - طريق الهجرتين.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/248)
ـ[سعد الخييلي الدوسري]ــــــــ[01 - 05 - 10, 09:10 م]ـ
ودونكم كتاب رائع لشيخنا وليد بن راشد السعيدان فهو مفيد في بابه، تحت عنوان منهج أهل الاتباع في التعامل مع أهل الابتداع:
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=3966(60/249)
إجابة على: هل يؤاخذ المرأ بما تحدثه به نفسه؟
ـ[بنت خير الأديان]ــــــــ[18 - 12 - 09, 01:08 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
من شرح مختصر خليل للخرشي
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ مَرَاتِبُ:
الْأَوَّلُ الْهَاجِسُ: وَهُوَ مَا يُلْقَى فِي الْقَلْبِ وَلَا يَدُومُ تَرَدُّدُهُ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا هُوَ وَارِدٌ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعُهُ
الثَّانِي الْخَاطِرُ: وَهُوَ جَرَيَانُهُ فِي الْقَلْبِ وَدَوَامُ تَرَدُّدِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ أَيْضًا
وَالثَّالِثُ حَدِيثُ النَّفْسِ: وَهُوَ تَرَدُّدُهُ هَلْ يَفْعَلُ أَوْ لَا، وَهُوَ مَرْفُوعٌ أَيْضًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ}
الرَّابِعُ الْهَمُّ: وَهُوَ تَرْجِيحُ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَهَذَا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ فَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَسَنَاتِ دُونَ السَّيِّئَاتِ.
الْخَامِسَةُ الْعَزْمُ: وَهُوَ قُوَّةِ الْقَصْدِ وَالْجَزْمِ بِهِ بِحَيْثُ يُصَمِّمُ الْقَلْبُ فِيهِ عَلَى الْفِعْلِ وَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ وَهَلْ إذَا عَمِلَ يَكُونُ عَلَيْهِ وِزْرَانِ: وِزْرُ الْعَمَلِ وَوِزْرُ الْعَزْمِ قَطْعًا , أَوْ يَجْرِي الْقَوْلَانِ الْآتِيَانِ فِي حَدِيثِ النَّفْسِ وَالْهَمِّ , وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَحُرِّرَ.
(فَوَائِدُ)
الْأُولَى: هَلْ يَتَنَزَّلُ الْعَزْمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مَنْزِلَةَ الْمَعْصِيَةِ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَالْحَقَارَةِ وَالْعِظَمِ فَالْعَازِمُ عَلَى الزِّنَا مَثَلًا يَأْثَمُ إثْمَ الزَّانِي , أَوْ لَا يَتَنَزَّلُ بَلْ الْعَزْمُ عَلَيْهَا مُطْلَقُ ذَنْبٍ وَسَيِّئَةٍ أُخْرَى وَلَيْسَ هَذَا الذَّنْبُ كَفِعْلِهَا الْمَعْزُومِ عَلَيْهِ
هَكَذَا تَرَدَّدَ الْبَاقِلَّانِيُّ
وَجَزَمَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ فِعْلِ الْمَعْزُومِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُطْلَقُ سَيِّئَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ
(أَقُولُ) وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ صَغِيرَةٌ
(الثَّانِيَةُ): قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ أَيْ: فَإِنْ تَكَلَّمْت بِهِ أَوْ عَمِلْت بِمَا حَدَّثَتْ بِهِ النَّفْسُ فِي الْمَعْصِيَةِ لَمْ يَتَجَاوَزْ عَنْهُ , وَهَلْ يُكْتَبُ عَلَيْهِ وِزْرَانِ وِزْرُ حَدِيثِ النَّفْسِ وَوِزْرُ التَّكَلُّمِ أَوْ الْعَمَلِ وَرُبَّمَا يَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ , أَوْ إنَّمَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ وِزْرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ وِزْرُ الْكَلَامِ أَوْ الْعَمَلِ فَقَطْ قَوْلَانِ وَالثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ.
(الثَّالِثَةُ): قَوْلُنَا إنَّ الْهَمَّ بِالسَّيِّئَةِ لَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ أَيْ: مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِتِلْكَ السَّيِّئَةِ أَوْ يَعْمَلْ، فَإِنْ تَكَلَّمَ بِهَا أَوْ عَمِلَ تُكْتَبُ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى مِنْ الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ وَيَجْرِي فِي ذَلِكَ الْقَوْلَانِ.
(الرَّابِعَةُ): قَوْلُنَا فِي الْمَرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ أَيْضًا إنَّ الْهَمَّ لَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ أَيْ: ثُمَّ يَظْهَرُ إنْ تَرَكَهَا خَوْفَ النَّاسِ أَوْ عَدَمَ شَهْوَةٍ لَمْ تُكْتَبْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَإِنْ تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ
وَمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْهَمَّ لَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي الْحَرَمِ وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} يُرَادُ بِالْإِرَادَةِ الْعَزْمُ الْمُصَمِّمُ أَوَّلًا , وَيُحْمَلُ عَلَى فِعْلِ الظُّلْمِ بِالْفِعْلِ وَمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ هَلْ يَتَنَزَّلُ الْعَزْمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ إلَخْ
وَأَمَّا الْعَزْمُ عَلَى الْحَسَنَةِ فَهُوَ كَفِعْلِهَا , لَكِنْ هَلْ يُسَاوِي حِينَئِذٍ الْعَزْمُ عَلَيْهَا الْهَمَّ بِهَا الْوَارِدَ فِي خَبَرِ {وَمَنْ هَمَّ بِهَا فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ كَامِلَةٌ}
وَفِي الْوَاعِظِ الْفَتْحِ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ كَامِلَةٌ غَيْرُ نَاقِصَةٍ أَيْ فِي عِظَمِ الْقَدْرِ لَا التَّضْعِيفِ إلَى الْعَشْرِ فَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ ذَلِكَ فَرْقٌ بَيْنَ الْعَزْمِ عَلَى الْحَسَنَةِ وَالْهَمِّ بِهَا نَعَمْ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْعَزْمَ عَلَيْهَا يُكْتَبُ عَشْرًا افْتَرَقَ مَعَ الْهَمِّ وَيُسْأَلُ حِينَئِذٍ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَزْمِ عَلَيْهَا وَبَيْنَ فِعْلِهَا الَّذِي فِيهِ عَشْرُ حَسَنَاتٍ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْحَسَنَةِ وَإِنْ كُتِبَ حَسَنَةً وَاحِدَةً سَاوَى الْهَمَّ عَلَى الْحَسَنَةِ، وَإِنْ كُتِبَ عَشْرًا سَاوَى فِعْلَهَا وَانْظُرْ مَا هُوَ الصَّرِيحُ فِي ذَلِكَ نَقْلًا(60/250)
نص للأشعري يناقض مذهبه
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[18 - 12 - 09, 01:41 م]ـ
نص للأشعري يناقض مذهبه
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الأشاعرة في مسألة القدر في الحقيقة على مذهب الجبرية , وقولهم بالكسب إنما هو حيدة وهروب من القول بالجبر الصرف , وعند التحقيق مؤدى الكلام واحد؛ فالجبرية المحضة وهم الجهمية لا يرون للعبد قدرة ولا تأثيرا على الفعل.
والأشاعرة لا يرون للعبد تأثيرا حقيقيا ولكن عند مقارنة الفاعل للفعل , تكون القدرة والإرادة المؤثرة هي قدرة وإرادة الله , والعبد ليس له إلا المقارنة فقط من غير قدرة حقيقية ولا فعل حقيقي.
قال الشهرستاني -وهو من أئمة الأشاعرة-: فالجبرية الخالصة: هي التي لا تثبت للعبد فعلا ولا قدرة على الفعل أصلا.
والجبرية المتوسطة: هي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة أصلا
فأما من أثبت للقدرة الحادثة أثرا ما في الفعل وسمي ذلك كسبا فليس بجبري.
الملل والنحل (1|84)
وقوله أن من أثبت للقدرة الحادثة أثرا ما .. . هو في الحقيقة سفسطة لأن النتيجة واحدة والمؤدى والثمرة واحدة وهي سلب فعل وقدرة العبد على الفعل.
فلو سألت أشعريا هل تثبت للعبد فعلا وقدرة , فيجيب: نعم نثبت للعبد قدرة وفعلا؟ وعند الاستفصال عن حقيقة هذا الفعل والقدرة هل هو حقيقي؟ فتكون الإجابة أنها قدرة غير مؤثرة!
فمادامت قدرة العبد غيرة مؤثرة فلا فرق في الحقيقة بين قول الجبرية وبين قولهم , إلا الخديعة والحيدة والهروب إلى لفظ الكسب أو المقارنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان مذهب الأشعري في أفعال العباد: ولم يقل هي فعلهم في المشهور عنه إلا على وجه المجاز بل قال هي كسبهم وفسر الكسب بأنه ما يحصل في محل القدرة المحدثة مقرونا بها ووافقه على ذلك طائفة من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد.
وأكثر الناس طعنوا في هذا الكلام , وقالوا: عجائب الكلام ثلاثة طفرة النظام وأحوال أبي هاشم وكسب الأشعري.
وأنشد في ذلك:
مما يقال ولا حقيقة تحته = معقولة تدنو إلى الأفهام
الكسب عند الأشعري والحال= عند البهشمي وطفرة النظام.
منهاج السنة (1|459)
سبب قولهم بذلك
قال ابن رشد: وأما الذي قاد المتكلمين من الأشعرية إلى هذا القول [فهو] الهروب من القول بفعل القوي الطبيعية التي ركبها الله تعالى في الموجودات التي ها هنا، كما ركب فيها النفوس وغير ذلك من الأسباب المؤثرة، فهربوا من القول بالأسباب لئلا يدخل عليهم القول بأن ها هنا أسباباً فاعلة غير الله.
الكشف عن مناهج الأدلة (92)
قول الأشعري الذي فيه رد على الأشاعرة
قال الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين (279):" الذى تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان , وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط , والكفر هو الجهل به فقط , وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله وحده , وأنه هو الفاعل وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز كما يقال تحركت الشجرة ودار الفلك وزالت الشمس وإنما فعل ذلك بالشجرة والفلك والشمس الله سبحانه إلا أ نه خلق للإنسان قوة كان بها الفعل , وخلق له ارادة للفعل واختيارا له منفردا له بذلك كما خلق له طولا كان به طويلا ولونا كان به متلونا. انتهى
وهذا القول الذي نسبه الإمام الأشعري إلى تفردات جهم هو بعينه قول الأشاعرة!
ولذلك لم يقبل مذهبهم الإمام الجويني ورد عليهم في مسألة الكسب , وبين أن للعبد قدرة مؤثرة وذلك في كتابه النظامية.
والله أعلم
ـ[أبو الهمام البرقاوي]ــــــــ[18 - 12 - 09, 01:55 م]ـ
جَزَاكَ الله ُ خيرا ً شيخنا عبد َ الباسط بن يوسف الغريّب ..
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[18 - 12 - 09, 08:00 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[أبو نسيبة السلفي]ــــــــ[02 - 06 - 10, 04:41 ص]ـ
قال الشهرستاني -وهو من أئمة الأشاعرة-: فالجبرية الخالصة: هي التي لا تثبت للعبد فعلا ولا قدرة على الفعل أصلا.
والجبرية المتوسطة: هي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة أصلا
فأما من أثبت للقدرة الحادثة أثرا ما في الفعل وسمي ذلك كسبا فليس بجبري.
الملل والنحل (1|84)
وقوله أن من أثبت للقدرة الحادثة أثرا ما .. . هو في الحقيقة سفسطة لأن النتيجة واحدة والمؤدى والثمرة واحدة وهي سلب فعل وقدرة العبد على الفعل.
فلو سألت أشعريا هل تثبت للعبد فعلا وقدرة , فيجيب: نعم نثبت للعبد قدرة وفعلا؟ وعند الاستفصال عن حقيقة هذا الفعل والقدرة هل هو حقيقي؟ فتكون الإجابة أنها قدرة غير مؤثرة!
فمادامت قدرة العبد غيرة مؤثرة فلا فرق في الحقيقة بين قول الجبرية وبين قولهم , إلا الخديعة والحيدة والهروب إلى لفظ الكسب أو المقارنة.
طيب هناك:
1 - قدرة
2 - غير مؤثرة
يعني ليس لها علاقة بالفعل. والسؤال فيما تستخدم هذه القدرة؟ وهل استخدمت هذه القدرة قط؟
جزاك الله خيرا يا شيخ عبد الباسط
منهج قائم على التلبيس والكتمان و الصياح على الغير!!!
على وزن اغلبوهم بالصراخ!!!
قول الأشعري الذي فيه رد على الأشاعرة
قال الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين (279):" الذى تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان , وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط , والكفر هو الجهل به فقط , وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله وحده , وأنه هو الفاعل وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز كما يقال تحركت الشجرة ودار الفلك وزالت الشمس وإنما فعل ذلك بالشجرة والفلك والشمس الله سبحانه إلا أنه خلق للإنسان قوة كان بها الفعل , وخلق له ارادة للفعل واختيارا له منفردا له بذلك كما خلق له طولا كان به طويلا ولونا كان به متلونا. انتهى
وهذا القول الذي نسبه الإمام الأشعري إلى تفردات جهم هو بعينه قول الأشاعرة!
ولذلك لم يقبل مذهبهم الإمام الجويني ورد عليهم في مسألة الكسب , وبين أن للعبد قدرة مؤثرة وذلك في كتابه النظامية.
والله أعلم
إلا هذا النص فغير واضح. ((إلا أنه خلق للإنسان قوة كان بها الفعل , وخلق له ارادة للفعل واختيارا له منفردا له بذلك كما خلق له طولا كان به طويلا ولونا كان به متلونا. انتهى))
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/251)
ـ[أبو قتادة وليد الأموي]ــــــــ[07 - 06 - 10, 04:35 ص]ـ
قلت في موضوع سابق:
قال الفخر الرازي:" صدور الفعل عن العبد يتوقف على داعية يخلقها الله تعالى، ومتى وجدت الداعية كان الفعل واجب الوقوع، وإذا كان كذلك كان الجبر لازمًا" (المحصول: 67 - أ، التفسير 2/ 58).
وقال:" ليس في الوجود إلا الجبر" (المباحث المشرقية2/ 517).
وقال:"الحق إما الجبر، وإما القول بنفي الصانع" (المطالب العالية2/ 170).
انظر للاستزادة: (فخر الدين الرازي آراؤه الفلسفية والكلامية: 529 - 533).
وقلت:
قال الإمام ابن القيم في كتابه الماتع (طريق الهجرتين):"
وأَما ابن خطيب الرى فإِنه سلك فى ذلك طريقة مركبة من طريقة المتكلمين وطريقة الفلاسفة المشائين وهذبها ونقحها واعترف فى آخرها بأَنه لا سبيل إِلى الخلاص من [المطالبات] التى أَوردها على نفسه إلا بالتزام أَنه تعالى موجب بالذات لا فاعل بالقصد والاختيار، فأَقر على نفسه بالعجز عن أَجوبة تلك المطالبات إِلا بإِنكار قدرة الله ومشيئته وفعله الاختيارى، وذلك جحد لربوبيته، فزعم أَنه لا يمكنه تقرير حكمته إلا بجحد ربوبيته، ونحن نذكر كلامه بأَلفاظه. وقال فى ((مباحثه المشرقية)):
الفصل السادس فى كيفية دخول الشر فى القضاءِ الإِلهى، وقبل الخوض فيه لا بد من تقديم مقدمتين:
المقدمة الأُولى- الأُمور التى يقال لها: إِنها شر إِما أن تكون أموراً عدمية، أو أُموراً وجودية. فإِن كانت أموراً عدمية فهى على أقسام ثلاثة: لأنها إما أن تكون عدماً لأمور ضرورية للشيء فى وجوده مثل عدم الحياة، وإما أن تكون عدماً لأُمور نافعة قريبة من الضرورة كالعمى أو أن تكون كذلك كعدم العلم بالفلسفة والهندسة. وأما الأمور الوجودية التى يقال لها شرور فهى كالحرارة المفرقة لاتصال العضو.
واعلم أن الشر بالذات هو عدم ضروريات الشيء وعدم منافعه، مثل عدم الحياة وعدم البصر، فإِن الموت والعمى لا حقيقة لهما إِلا أَنهما عدم الحياة وعدم البصر، وهما من حيث هما كذلك شر، [فإذا] ليس لهما اعتبار آخر بحسبه يكونان شرين. وأما عدم الفضائل المستغنى عنها- مثل عدم العلم بالفلسفة- فظاهر أَن ذلك ليس بشر، وأما الأُمور الوجودية فإِنها ليست شروراً بالذات بل بالعرض، من حيث أنها تتضمن عدم أمور ضرورية أو نافعة، ويدل عليه أنَّا لا نجد شيئاً من الأفعال التى يقال لها شر إِلا وهو كمال بالنسبة إلى الفاعل، وأما شريته فبالقياس إلى شيء آخر، فالظلم مثلاً يصدر عن قوة ظلامة للغلبة وهى القوة الغضبية والغلبة هى كمالها وفائدة خلقتها، فهذا الفعل بالقياس إليها خير، لأنها إن ضعفت عنه فهو بالقياس إليها شر وإنما كان شراً للمظلوم لفوات المال وغيره عنه، والنفس الناطقة كمالها الاستيلاءُ على هذه القوة فعند قهر الغضبية يفوت النفس ذلك الاستيلاءُ ولا جرم كان شراً لها. وكذلك النار إذا أحرقت فإن الإحراق [كمالها] ولكنها شر بالنسبة إلى من زالت [سلامته] بسببها.
وكذلك القتل وهو استعمال الآلة القطاعة فى قطع رقبة إنسان، فإن كون الإنسان قوياً على استعمال الآلة ليس شراً له بل خيراً، وكذلك كون الآلة قطاعة هو خير لها، وكذلك كون الرقبة قابلة للانقطاع كل ذلك خيرات، ولكن القتل شر من حيث أنه متضمن لزوال الحياة، فثبت بما ذكرنا أَن الأُمور الوجودية ليست شرور بالذات بل بالعرض. والله أعلم.
المقدمة الثانية: أن الأشياء إما أن تكون مادية، أو لا تكون، فإن لم تكن مادية لم يكن فيها ما بالقوة فلا يكون فيها شر أصلاً، وإن كانت مادية كانت فى معرض الشر، وعروض الشر لها [إما أن يكون فى ابتداء تكونها أو بعد تكونها] أما الأول فهو أن تكون المادة التى [يتكون] إنساناً أو فرساً يعرض لها من الأسباب ما يجعلها رديئة المزاج رديئة الشكل والخلقة، فرداءة مزاج ذلك الشخص ورداءة خلقه ليس لأن الفاعل حرم بل لأن المنفعل له لم يقبل، وأما الثانى وهو أن يعرض الشر للشيء وطروءُ طاريء عليه بعد تكونه فذلك الطاريء إِما شيء يمنع المكمل من الإكمال مثل تراكم السحب وإظلال الجبال الشاهقات إِذ صار مانعاً من تأْثير الشمس فى [النبات]، وإما شيء يفسد مثل البرد الذى يصل إلى النبات بسبب ذلك استعداده للنشوءِ والنمو.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/252)
وإذا عرفت ذلك فنقول: قد بينا أَن الشرّ بالحقيقة إِما عدم ضروريات الشيء، وإِما عدم منافعه. [فنقول]: [الموجود] إِما أن يكون خيراً من كل الوجوه، وشراً من كل الوجوه أَو خيراً من وجه وشراً من وجه. وهذا على تقدير أقسام: فإِنه إِما أَن يكون خيره غالباً على شره، أو يكون شره غالباً على خيره، أَو متساوياً خيره وشره، فهذه أقسام خمسة.
أما الذى يكون خيراً من كل الوجوه وهو موجود-[أما] الذى يكون كذلك لذاته- فهو الله تبارك وتعالى، وأما الذى يكون [خيره] لغيره فهو العقول والأَفلاك، لأن هذه الأمور ما فاتها شيء من ضروريات ذاتها ولا من [كمالاتها] أما الذى كله شر أو الغالب فيه أَو [المتساوي] فهو غير موجود لأن كلامنا فى الشيء بمعنى عدم الضروريات والمنافع، لا بمعنى عدم الكمال الزائد، [وإذا عنينا بالشر] ذلك فلا شك أن ذلك مغلوب والخير غالب لأَن الأَمراض وإن كثرت إِلا أَن الصحة أَكثر منها، فالحرق والغرق والخسف، وإن كانت قد تكثر إِلا أن السلامة أكثر منها.
فأما الذى يكون خيره غالباً على شره فالأولى فيه أن يكون موجوداً لوجهين: الأَول أَنه إِن لم يوجد فلا بد وأَن يفوت الخير الغالب، وفوت الخير الغالب شر غالب، فإِذا فى عدمه يكون الشر أغلب من الخير، وفى وجوده يكون الخير أَغلب من الشر، ويكون وجود هذا القسم أولى، مثاله النار: فى وجودها منافع [كثيرة وأيضاً مفاسد كثيرة مثل إحراق الحيوانات، ولكننا إذا قابلنا منافعها] بمفاسدها كانت مصالحها أكثر بكثير من مفاسدها، ولو لم توجد لفاتت تلك المصالح، وكانت مفاسد عدمها أَكثر من مصالحها فلا جرم وجب إيجادها وخلقها.
الثانى- وهو الذى يكون خيره ممزوجاً بالشر- ليس إلا الأُمور التى تحت كرة القمر فلا شك، أَنها معلولات العلل العالية، فلو لم يوجد هذا القسم لكان يلزم من عدمها عدم عللها الموجبة لها، وهى خيرات محضة، فيلزم من عدمها عدم الخيرات المحضة وذلك شر محض، فإِذاً لا بد من وجود هذا القسم.
فإِن قيل: فلم لم يخلق الخالق هذه الأشياء عرية عن كل الشرور؟ فنقول: لأَنه لو جعلها كذلك لكان هذا هو القسم الأول، وذلك مما قد فرغ منه.
وبقى فى العقل قسم آخر وهو: الذى يكون خيره غالباً على شره، وقد بينا أن الأولى بهذا القسم أن يكون موجوداً. قال: وهذا الجواب لا يعجبنى لأَن لقائل أَن يقول: إِنّ جميع هذه الخيرات والشرور إِنما توجد باختيار الله وإرادته، مثلاً الاحتراق الحاصل عقيب النار ليس موجباً من النار، بل الله تعالى اختار خلقه عقيب مماسة النار، وإِذا كان حصول الاحتراق عقيب مماسة النار باختيار الله وإِرادته فكان يمكنه أَن يختار خلق الإِحراق عندما يكون خيراً ولا يختار خلقه عندما يكون شراً، ولا خلاص عن هذه المطالبة إِلا ببيان كونه سبحانه فاعلاً بالذات لا بالقصد والاختيار، ويرجع حاصل الكلام فى هذه المسألة إلى مسأَلة القدم والحدوث.
قلت: لمّا لم يكن عند الرازى إِلا مذهب الفلاسفة المشائين، والقائلين [بالموجب بالذات أو مذهب القدرية بالمعتزلة القائلين] بوجوب رعاية الصلاح أَو الإصلاح، أَو مذهب الجبرية نفاة الأَسباب والعلل والحكم، وكان الحق عنده متردداً بين هذه المذاهب الثلاثة، فتارة يرجح مذهب المتكلمين، وتارة مذهب المشائين، وتارة يلقى الحرب بين الطائفتين ويقف فى النظارة، وتارة يتردد بين الطائفتين، وانتهى إِلى هذا المضيق ورأَى أَنه لا خلاص له منه إلا بالتزام طريق الجبرية- وهى غير مرضية عنده، وإِن كان فى كتبه الكلامية يعتمد عليها ويرجع فى مباحثه إليها- أو طريق المعتزلة القائلين برعاية الصلاح وهى متناقضة غير مطردة، لم يجد بداً من تحيزه إِلى أَعداء الملة القائلين بأَن الله تعالى لا قدرة له ولا مشيئة ولا اختيار ولا فعل يقوم به"انتهى.
ـ[ابو سلمان]ــــــــ[07 - 06 - 10, 05:51 م]ـ
ملاحظه مهمة
قال الفخر الرازي:" صدور الفعل عن العبد يتوقف على داعية يخلقها الله تعالى، ومتى وجدت الداعية كان الفعل واجب الوقوع، وإذا كان كذلك كان الجبر لازمًا"
ولرد هذه الشبهة قال ابن القيم في شفاءه ولم اجده لغيره
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/253)
قال القدري: فتلك الإرادة المعينة المستلزمة للفعل المعين إن كانت بإحداث العبد فهو قولنا وإن كانت بإحداث الرب سبحانه فهو قول الجبري وإن كانت بغير محدث لزم المحال، قال السني: لا تفتقر كل إرادة من العبد إلى مشيئة خاصة من الله توجب حدوثها بل يكفي في ذلك المشيئة العامة لجعله مريدا فإن الإرادة هي حركة النفس والله سبحانه شاء أن تكون متحركة وأما أن تكون كل حركة تستدعي مشيئة مفردة فلا وهذا كما أنه سبحانه شاء أن يكون الحي متنفسا ولا يفتقر كل نفس من أنفاسه إلى مشيئة خاصة وكذلك شاء أن يكون هذا الماء بجملته جاريا ولا تفتقر كل قطرة منه إلى مشيئة خاصة يجري بها الماء وكذلك مشيئته لحركات الأفلاك وهبوب الرياح ونزول الغيث وكذلك خطرات القلوب ووساوس النفس وكذلك مشيئته أن يكون العبد متكلما لا يستلزم أن يكون كل حرف بمشيئته غير مشيئة الحرف الآخر وإذا تبين ذلك فهو سبحانه شاء أن يكون عبده شائيا مريدا وتلك الإرادة والمشيئة صالحة للضدين فإذا شاء أن يهدي عبدا صرف داعيه ومشيئته وإرادته إلى معاشه ومعاده وإذا شاء أن يضله تركه ونفسه وتخلى عنه والنفس متحركة بطبعها لا بد لها من مراد محبوب هو مألوهها ومعبودها فإن لم يكن الله وحده هو معبودها ومرادها وإلا كان غيره لها معبودا ومرادا ولا بد فإن حركتها ومحبتها من لوازم ذاتها فإن لم تحب ربها وفاطرها وتعبده أحبت غيره وعبدته وإن لم تتعلق إرادتها بما ينفعها في معادها تعلقت بما يضرها فيه ولا بد فلا تعطيل في طبيعتها وهكذا خلقت فإن قلت فأين مشيئة الله لهداها وضلالها قلت إذا شاء إضلالها تركها ودواعيها وخلى بينها وبين ما تختاره وإذا شاء هداها جذب دواعيها وإرادتها إليه وصرف عنها موانع القبول فيمدها على القدر المشترك بينها وبين سائر النفوس بإمداد وجودي ويصرف عنها الموانع التي خلى بينها وبين غيرها فيها وهذا بمشيئته وقدرته فلم يخرج شيء من الموجودات عن مشيئته وقدرته وتكوينه البتة لكن يكون ما يشاء بأسباب وحكم ولو أن الجبرية أثبتت الأسباب والحكم لانحلت عنها عقد هذه المسألة ولو أن القدرية سحبت ذيل المشيئة والقدر والخلق على جميع الكائنات مع إثبات الحكم والغايات المحمودة في أفعال الرب سبحانه لانحلت عنها عقدها وبالله التوفيق. ا. ه(60/254)
الأستاذ فودة و (لا داخل ولا خارج)
ـ[أبو البراء الكناني]ــــــــ[18 - 12 - 09, 03:09 م]ـ
أيها الأخوة الأعزاء ...
قرأت ### موضوعاً لأحد الإخوة الأشاعرة بعنوان:
تائه ولا أعرف ماذا أفعل!!!
وكان مما قاله صاحب الموضوع:
فلو قلت أن الله ليس داخل العالم وليس خارجه , فهذا رفع للنقيضين بالفعل , ولكنه واجب فى حالة ومستحيل فى حالة أخرى.
فعلق الأستاذ سعيد فودة على هذه العبارة بقوله بالحرف:
إن نقيض الداخل هو: "لا داخل"
وكلمة "لا داخل" تصدق على "الخارج" وعلى "المعدوم".
فإن كان لا داخل العالم وكان جسما موجودا، فإنه لا بدَّ أن يكون خارج العالم، أي موجودا وله حيز، وحيزن وحده ليس جزءا من حيز العالم.
أما إن كان "لا داخل العالم" و "لا خارج العالم" وكان موجودا أيضا فإن وجوده ليس من حقيقة وجود هذا العالم، ولا نسبة بينه وبين هذا العالم من حيث الوجود، فلا هو فوق ولا تحت .... الخ، ومع ذلك فهو موجود.
حاصل الكلام: تنبه إلى أن العلاقة بين "داخل" و "خارج" ليست علاقة التناقض. فإنها إن كانت علاقة التناقض فلا يجوز رفعهما معا مطلقا.
أرجو أن ترجع إلى كتابي نقض التدمرية، فقد وضحت فيها ذلك.
وفقك الله.
أقول:
بين الأستاذ هنا أن نقيض (داخل) ليس هو (خارج) وبالتالي فإن عبارة (لا داخل ولا خارج) ليست رفعاً للنقيضين.
ثم بين أن نقيض (داخل) هو (لا داخل) بمعنى أن رفع النقيضين يكون بقول القائل (لا "داخل" ولا "لا داخل")
ثم بين أن "لا داخل" تصدق على "الخارج" وعلى "المعدوم".
وهنا لسائل أن يسأل:
إذا قيل إن شيئاً "لا داخل العالم" فعلام يصدق هذا الكلام بناء على قول الأستاذ؟
واضح أنه يصدق على واحد من اثنين؛ إما "خارج العالم" وإما "المعدوم".
فإن كان هذا الشيء موجوداً غير معدوم؟
واضح أنه يجب أن يكون خارج العالم.
فإذا تابعنا على نفس طريقة الأستاذ فسوف نقول كذلك:
"لا خارج" تصدق على "الداخل" وعلى "المعدوم".
فإن قيل إن شيئاً "لا خارج العالم" فعلام يصدق هذا الكلام؟
إنه يصدق على واحد من اثنين إما "داخل العالم" وإما "المعدوم".
فإن كان هذا الشيء موجوداً لا غير؟
واضح أنه يجب أن يكون داخل العالم.
فلنرتب الكلام إذاً؛ فعندما يقول الأشاعرة وغيرهم إن الله عز وجل:
لا داخل العالم و لا خارج العالم
فهذا يصدق على ما يلي: (خارج العالم أو معدوم) و (داخل العالم أو معدوم)
فمعنى هذه العبارة لا يخرج عن احتمالات أربعة -بغض النظر عن إمكان وقوعها-:
1 - خارج العالم وداخل العالم.
2 - خارج العالم ومعدوم.
3 - معدوم وداخل العالم.
4 - معدوم ومعدوم.
فإذا قيل إن الموصوف ب (لا داخل العالم ولا خارج العالم) موجود لا معدوم فلا يبقى سوى الاحتمال الأول:
خارج العالم وداخل العالم!!
وحيث إن (خارج) ليس نقيض (داخل) كما بين الأستاذ فليست هذه العبارة السابقة جمعاً للنقيضين فهي مقبولة عقلاً عنده فيلزمه القول بها كي لا يقول بالعدم، على الرغم مما فيها من مخالفة لمقصوده بل ومخالفة للفظ العبارة (لا داخل ولا خارج)!
ومن هنا نستطيع أن نفهم مقالة الجهمية إن الله -تعالى عن قولهم- في كل مكان، على تقدير أنهم يقولون إن خارج العالم مكان، وليس هذا التقدير مستبعداً عنهم لا سيما إن كانوا يوافقون الأستاذ على قوله في بحث (المحاججة):
فيقال لهم [يريد مثبتي علو الله جل وعلا على عرشه]: العرش مكانٌ، فيصبحُ الله على مكان!!
ويقولون: فوق العرش بلا مكان، فيقال لهم: الشيء الموجود فوق مكان لا بدَّ أن يكون له مكان.
لأن هذا القول يجوز أن يكون هناك مكان خارج العالم الذي منتهاه العرش.
على كل حال ...
فنحن نحسن الظن بالأستاذ وأنه ما أراد هذا الذي تقوله الجهمية ولا يقرهم عليه، ولكننا أردنا أن ننبه إلى أن ما أراد الفرار منه؛ وهو القول بما تضافرت عليه أدلة الكتاب والسنة وبما اتفق عليه السلف الصالح من علو الله عز وجل وفوقيته على عرشه لأن ذلك عنده يستلزم التجسيم، لم يتم له إلا بالوقوع فيما هو شر منه، حيث يلزم من وجود الله سبحانه وتعالى لا داخل ولا خارج العالم أن يكون في كل مكان.
وخلاصة الكلام أن عبارة (لا داخل العالم ولا خارج العالم)
1 - إما أن تكون رفعاً للنقيضين، على قول.
2 - أو أن تكون وصفاً للمعدوم، على قول آخر.
3 - أو أن تكون بمعنى داخل العالم وخارج العالم.
وهي بكل الأحوال لا تحقق مراد الأستاذ في التنزيه.
والله أعلم.
ـ[أبو قتادة وليد الأموي]ــــــــ[21 - 01 - 10, 12:30 ص]ـ
وخلاصة الكلام أن عبارة (لا داخل العالم ولا خارج العالم)
1 - إما أن تكون رفعاً للنقيضين، على قول.
سؤال: هذا القول، قول من؟!
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[24 - 01 - 10, 01:31 ص]ـ
معنى كلام سعيد فودة هو أن الله معدوم لكنه موجود ..
فوجوده ليس من جنس وجود العالم، بل هو كالمعدوم .. !
فهو موجود ومعدوم في نفس الوقت .. !
وسبحان خالق العقول والأفهام .. !
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/255)
ـ[ابو الأشبال الدرعمي]ــــــــ[24 - 01 - 10, 02:17 ص]ـ
نقل شيخ الاسلام في مبادئ بيان تليبس الجهمية طبعة المجمع عن كتاب مقالات ابن كلاب لابن فورك ان من قال ان الله ليس داخل العالم ولا خارجه فقد سقط اعتبار كلامه خبرا ونظرا لانه رفع للنقيضين ففي فصل طويل نقله الشيخ من كتاب ابن فورك
ـ[أبو قتادة وليد الأموي]ــــــــ[28 - 01 - 10, 01:33 ص]ـ
الصحيح ان هذا ليس رفعا للنقيضين، وقد فصل ابن تيمية الرد على مسألة النقيضين هذه في شرح الأضفهانية وأهل السنة والجماعة لا يردون الحق إذا ثبت ولكنهم لا يقرون الباطل المشوب بحق بل يفصلون فيبطلون الباطل ويحقون الحق.
ـ[إبن أبي إسحاق الجزائري]ــــــــ[28 - 01 - 10, 09:26 ص]ـ
اللهم ارزقنا الفهم
ـ[أبو قتادة وليد الأموي]ــــــــ[28 - 01 - 10, 09:33 ص]ـ
قال الإمام ابن قيم الجوزية في طريق الهجرتين وباب السعادتين:"واعلم أنه لا ترد شبهة صحيحة قط على ما جاءَ به الرسول، بل الشبهة التى يوردها أهل البدع والضلال على أهل السُّنَّة لا تخلو من قسمين: إما أن يكون القول الذى أُوردت عليه ليس من أقوال الرسول بل تكون نسبته إليه غلطاً، وهذا لا يكون متفقاً عليه بين أهل السنة أبداً، بل يكون قد قاله بعضهم وغلط فيه، فإن العصمة إنما هى لمجموع الأُمة لا لطائفة معينة منها. [وإما أن يكون القول الذى أوردت عليه قولاً صحيحاً لكن لا ترد تلك الشبهة عليه وحينئذ فلابد لها من أحد أمرين].
وإما أن تكون لازمة، وإما أَلا تكون لازمة. فإن كانت لازمة لما جاء بها الرسول فهى حق لا شبهة، إذ لازم الحق حق، ولا ينبغى الفرار منها كما يفعل الضعفاءُ من المنتسبين إلى السنة، بل كل ما لزم من الحق فهو حق يتعين القول به كائناً ما كان، وهل تسلط أهل البدع والضلال على المنتسبين للسنة إلا بهذه الطريق، ألزموهم بلوازم تلزم الحق فلم يلتزموها ودفعوها وأَثبتوا ملزوماتها، فتسلطوا عليهم بما أَنكروه لا بما أثبتوه فلو أَثبتوا لوازم الحق ولم يفروا منها لم يجد أَعداؤهم إليهم سبيلا، وإن لم تكن لازمة لهم فإلزامهم إياها باطل، وعلى النقدين فلا طريق لهم إلى رد أقوالهم، وحينئذ فلهم جوابان مركب مجمل، ومفرد مفصل.
أما الأول فيقولون لهم: هذه اللوازم التى تلزمونا بها إما أن تكون لازمة فى نفس الأمر، وإما أن لا تكون لازمة، فإن كانت لازمة فهى حق إذ قد ثبت أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو الحق الصريح، ولازم الحق حق، وإن لم تكن لازمة فهى مندفعة ولا يجوز إلزامها، وأما الجواب المفصل فيفردون كل إلزام بجواب، ولا يردونه مطلقاً [ولا يقبلونه مطلقاً] بل ينظرون إلى ألفاظ ذلك الإلزام ومعانيه، فإن كان لفظها موافقاً لما جاءَ به الرسول صلى الله عليه وسلم يتضمن إثبات ما أثبته [أو] ونفى ما نفاه فلا يكون المعنى إلا حقاً، فيقبلون ذلك الإلزام.
وإن كان مخالفاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم متضمناً لنفى ما أثبته أو إثبات ما نفاه كان باطلاً لفظاً ومعنى فيقابلونه بالرد.
وإن كان لفظاً مجملاً محتملاً لحق وباطل لم يقبلوه مطلقاً، ولم يردوه مطلقاً حتى يستفسروا قائله ماذا أراد به، فإن أراد معنى صحيحاً مطابقاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قبلوه ولم يطلقوا اللفظ المحتمل إطلاقاً، وإن أراد معنى باطلاً ردوه ولم يطلقوا نفى اللفظ المحتمل أيضاً.
فهذه قاعدتهم التى بها يعتصمون وعليها يعولون.".
فلنجعل هذا منهجًا بارك الله فيكم؟
ـ[ناصر المسماري]ــــــــ[28 - 01 - 10, 02:14 م]ـ
كلمة "لا داخل العالم ولا خارجه" في حق الله عز وجل إنما هي تفصيل في الكيف المجهول بلا علم ولا دليل من الكتاب والسنة وإدعاء بمعرفة ذات الله جل وعلا عن طريق نظريات عقلية ساذجة
كان يكفيهم على الأقل أن يقولوا أن الله موجود بلا مكان من غير تخيل بعقولهم القاصرة او تفسيرها بكيف
ولكن هيهات فما عهدنا من الاشاعرة اهل الفلسفة ان يقفوا عند النصوص و الاحاديث
ـ[المشعل]ــــــــ[29 - 01 - 10, 07:52 ص]ـ
كأني سمعت أن هناك بحث للفخر الرازي حول هذا الموضوع ولعله في التأسيس
ـ[المشعل]ــــــــ[29 - 01 - 10, 07:53 ص]ـ
عفوا
أقصد أساس التقديس
ـ[علاء ابراهيم]ــــــــ[30 - 01 - 10, 03:41 ص]ـ
هؤلاء ممن طارت بهم عقولهم بعيداً عن الكتاب والسنة فتأرجحت تبعاً لذلك أفكارهم السقيمة إلي المستحيلات عقلاً , وهم من قدس العقل وجعله الحاكم والآمر علي نصوص الوحيين وبات كل عالم من علمائهم يتصور المسألة حسب ما يموج به عقله وفهمه القاصرين بل وقد أعترف الكثير منهم بأنهم كانوا يجادلون خصومهم بأمور هي من المسلمات عندهم ولم تكن قلوبهم أصلاً متيقنة مما تقوله ألسنتهم ومما يدلل علي ذلك إختلافهم في تفسير أية من آيات الصفات لغياب المنهج القويم المستمد من نصوص الكتاب والسنة , وسعيد فودة من أكثر هؤلاء تخبطاً ومناقضة ومن يطلع علي كتبه يعرف ذلك بل ومع هذا فعدم الإنصاف خصوصاً مع شيخ الإسلام إبن تيمية هي صفته الغالبة في جل كتاباته.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/256)
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[04 - 02 - 10, 07:53 ص]ـ
الشيخ الدكتور عبد الرحمن الخميس له رسالة بعنوان نقض قول من تبع الفلاسفة في دعواهم ان الله لا داخل العالم ولا خارجه. رد فيها على ما سطره سعيد فودة في رسالته حسن المحاججة.
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[09 - 02 - 10, 04:44 م]ـ
يقول الشيخ الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس/
الوجه السادس/
ان قول صاحب كتاب حسن المحاججة ان الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا متصل به ولا منفصل عنه رفع للنقيضين. ورفع النقيضين باطل باجماع العقلاء.
ولقد صرح كثير من ائمة الاسلام ان قول - ان الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا متصل به ولا منفصل عنه قول برفع النقيضين.
نقض قول من تبع الفلاسفة في دعواهم ص 28
ـ[أبو قتادة وليد الأموي]ــــــــ[10 - 02 - 10, 01:15 ص]ـ
يقول الشيخ الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس/
الوجه السادس/
ان قول صاحب كتاب حسن المحاججة ان الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا متصل به ولا منفصل عنه رفع للنقيضين. ورفع النقيضين باطل باجماع العقلاء.
ولقد صرح كثير من ائمة الاسلام ان قول - ان الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا متصل به ولا منفصل عنه قول برفع النقيضين.
نقض قول من تبع الفلاسفة في دعواهم ص 28
وهذا غلط، ليس هذا رفعًا للنقيضين من الناحية المنطقية ولتسهيل الأمر يقال:
داخل: نقيضها لا داخل. أو ليس بداخل.
وخارج نقيضها: لا خارج. أو ليس بخارج.
وقد تقدم نحو ذلك.
وكون الله فوق العالم معلوم بضورة العقل والنقل والفطرة، وهذا مبسوط في موضعه من كتب الأئمة فليراجع!
داخل ضدها خارج ولكن ليس نقيضها، وهكذا متصل ومنفصل.
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[09 - 03 - 10, 06:30 م]ـ
يقول الشيخ الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس حفظه الله ورعاه في رسالته نقض قول الفلاسفة في دعواهم أن الله لا داخل العالم ولا خارجه /
الشبهة الخامسة عشر
قول صاحب حسن المحاججة – ما حاصله – (إن الداخل والخارج ليسا من النقيضين حتى لا يجوز رفعهما بل هما من المتضادين كالحجر والشجر , المتضادان يجوز فضهما فيجوز لنا أن نقول: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه , فنفى الدخول والخروج عن الله تعالى , كما يجوز أن نقول: الإنسان لا حجر ولا شجر , لجوزا رفع المتضادين لأنه نقيض الداخل هو اللاداخل , وليس نقيض الداخل هو الخارج , وكذا نقيض الخارج هو اللاخارج , وليس نقيض الخارج هو الداخل.
لأن الشرط في النقيضين أن يكون أحدهما وجودياً والآخر عدمياً , نحو الإنسان واللا إنسان وأما إذا كانا وجوديين نحو الحجر والشجر فهما متضادان وليسا نقيضين) هذا هو تقرير هذه الشبهة بعبارة واضحة وإن كان سعيد فودة لم يستطع التعبير الجيد عنها.
الجواب: أن نقول إن هذه الشبهة باطلة من أصلها وذلك من وجهين:
الوجه الأول – وهو - جواب إنكاري: وهو أننا لا نسلم أن المتناقضين هما المتباينان , اللذان يكون أحدهما وجوداً والآخر عدمياً فإن هذا مجرد اصطلاحكم الباطل , لا نوافقكم على هذا لأنه مخالف للواقع بل المتناقضان هما المتخالفان اللذان لا يجوز اجتماعهما ولا رفعهما عند العقول السليمة سواء كانا وجوديين أم يكون أحدهما وجودياً والآخر سلبياً.
بشرط أن لا يمكن جمعهما في محل ولا نفيهما عن محل بل لا بد من إثبات أحدهما وقاعدة ذلك أنه إذا لم يكن بينهما واسطة فحينئذ لا يجوز رفعهما ولا جمعهما نحو الزوج والفرد.
فهما من قبيل المتناقضين لا يجوز رفعهما ولا جمعهما , لعدم الواسطة بينهما فالعدد إما زوج وإما فرد , فلا بد من أحدهما فلا يمكن أن يكون هذا العدد زوجاً وفرداً معاً لأن هذا جمع للنقيضين , وكما أنه لا يمكن أن تقول هذا العدد لا زوج ولا فرد.
لأن هذا رفع للنقيضين , وهكذا للحياة والموت لا واسطة بينهما فالشيء إما أن يكون حياً وإما أن يكون ميتاً حتى الجمادات وهكذا الدخول والخروج. فانه لا واسطة بينهما فهما من المتناقضين لا يجوز جمعهما ولا نفيهما.
فلا نقول - زيد خارج عن هذا البيت وداخل فيه, لأن هذا جمع للمتناقضين كما أنك لا يمكن لك أن تقول: زيد لا خارج عن هذا البيت ولا داخل فيه لأن هذا جمع للنقيضين.
فالنقيضان على هذا الاصطلاح أعم منها على اصطلاحكم أيها المعطلة تبعاً للمتفلسفة المشائية ابتاع أرسطو تتذرعوا باصطلاحكم هذا إلى جواز سلب النقيضين عن خالق الكون ([1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1)) ؟! .
الحاصل: أنه قد تحقق أن النقيضين قد يكونان كلاهما وجوديين إذا لم يكن بينهما واسطة كالدخول والخروج, فالداخل نقيض الخارج وكذا العكس, لعدم الواسطة بينهما.
فالشيء إما داخل وإما خارج, فإذا كان داخلاً فلا يمكن أن يكون خارجاً معاً دفعة واحدة, وإذا كان خارجاً فلا يمكن أن يكون داخلاً في آن واحد في جهة واحدة. انتهى المقصود.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/257)
ـ[أبو قتادة وليد الأموي]ــــــــ[09 - 03 - 10, 11:22 م]ـ
هذا جواب سديد ناهض، ولا تعقب عليه من جهة المعنى وإن كان لي تعقب على بعض أجزائه وهو قوله أنه لا واسطة بين الموت والحياة وهذا يكذبه ظاهر قوله تعالى: (لا يموت فيها ولا يحيا) ....
والتمثيل على ما لا واسطة بين متضاديه يكون كمثال: الوجود والعدم ... هذا أولى.
والله أعلم.
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[09 - 03 - 10, 11:26 م]ـ
يالطيف الطف.
ـ[أبو أويس العمامري]ــــــــ[20 - 06 - 10, 03:18 م]ـ
وهذا غلط، ليس هذا رفعًا للنقيضين من الناحية المنطقية ولتسهيل الأمر يقال:
داخل: نقيضها لا داخل. أو ليس بداخل.
وخارج نقيضها: لا خارج. أو ليس بخارج.
وقد تقدم نحو ذلك.
وكون الله فوق العالم معلوم بضورة العقل والنقل والفطرة، وهذا مبسوط في موضعه من كتب الأئمة فليراجع!
داخل ضدها خارج ولكن ليس نقيضها، وهكذا متصل ومنفصل.
كلامك بارك الله فيك فيه نظر وخطأ محض،،
ولا أدري كيف لبس عليك كلام سعيدة الفودة
فقلت بنحو قوله ونفي أن يكون الداخل ليس نقيض الخارج بل ضده و وحسب
وذلك حسب التقسيم المنطقي الذي اتبعه سعيد وفودة وتابعته عليه ..
والرد على هذا الباطل هو كالتالي
سلمنا أن:
داخل: نقيضها لا داخل
وخارج: نقيضها لا داخل
وكل هذا تحليل ذهني
ثم قال سعيد فودة:
أن لا داخل تحتمل: (الخارج و المعدوم)
وكذلك لا خارج تحتمل: (الداخل و المعدوم)
ولا شك أنك يا أبا قتادة
توافق على كل هذا
فيقال لسعيد ولك:
أن هذا التفريق والتقسيم تقسيم ذهني يفرض فيه ماهو شيء وما ليس بشيء
وأما في الخارج فالعدم ليس بشيء
فيصبح تقسيم سعيد فودة
لا داخل: (الخارج و لا شيء)
لا خارج: (الداخل ولا شيء)
والنتيجة
لا داخل = خارج
لا خارج = داخل
فثبت أن داخل وخارج نقيضين وليس مجرد ضدين ورفعهما رفعٌ للنقيضين ..
وشيخ الإسلام رحمه الله أشار إلى هذا الأمر في الرسالة التدمرية:
"وكذلك من ضاهي هؤلاء، وهم الذين يقولون: ليس بداخل العالم ولا خارجه -إذا قيل لهم هذا ممتنع في ضرورة العقل، كما اذا قيل: ليس بقديم ولا محدث، ولا واجب ولا ممكن، ولا قائم بنفسه ولا قائم بغيره.
قالوا هذا انما يكون إذا كان قابلا لذلك والقبول إنما يكون من المتحيز فإذا انتفى التحيز انتفى قبول هذين المتناقضين.
فيقال لهم علم الخلق بإمتناع الخلو من هذين النقيضين: هو علم مطلق لا يستثنى منه موجود والتحيز المذكور .... "
وإن استغربت حينما نسب الأخ ما يقوله إلى الشيخ الإسلام ابن تيمية في شرح الأصفهانية ولم ينقل لنا كلام شيخ الإسلام ..
فلعله يفعل ذلك حتى نتبين الأمر أكثر لأني لم أجد ما يشير إليه الأخ ..
والله الموفق.
ـ[أبو قتادة وليد الأموي]ــــــــ[26 - 07 - 10, 11:25 م]ـ
أنا لم أوافق سعيدًا هذا يا أخي.
إنما في كلامه شيء من الحق من جهة اللفظ في اصطلاح المنطقيين فافهم كلامي وقيودي:
الحق في كلامه من:
1_ من جهة اللفظ.
2 - وفي اصطلاح المنطققين فحسب.
وليس كلامه من جهة المعنى بحق وكذلك كلامه في اصطلاح غير المنطقيين وفي الواقع ليس بحق.
ولو طالعت كلامي في هذا الموضوع وغيره من مواضيعي لتبين لك أني أبعد الناس عن مثل هذا الجهمي والله أعلم.
ـ[عبدالله الجنوبي]ــــــــ[27 - 07 - 10, 04:48 ص]ـ
أيها الأخوة الأعزاء ...
قرأت في منتدى الأصلين موضوعاً لأحد الإخوة الأشاعرة بعنوان:
تائه ولا أعرف ماذا أفعل!!!
وكان مما قاله صاحب الموضوع:
فلو قلت أن الله ليس داخل العالم وليس خارجه , فهذا رفع للنقيضين بالفعل , ولكنه واجب فى حالة ومستحيل فى حالة أخرى.
فعلق الأستاذ سعيد فودة على هذه العبارة بقوله بالحرف:
إن نقيض الداخل هو: "لا داخل"
وكلمة "لا داخل" تصدق على "الخارج" وعلى "المعدوم".
فإن كان لا داخل العالم وكان جسما موجودا، فإنه لا بدَّ أن يكون خارج العالم، أي موجودا وله حيز، وحيزن وحده ليس جزءا من حيز العالم.
أما إن كان "لا داخل العالم" و "لا خارج العالم" وكان موجودا أيضا فإن وجوده ليس من حقيقة وجود هذا العالم، ولا نسبة بينه وبين هذا العالم من حيث الوجود، فلا هو فوق ولا تحت .... الخ، ومع ذلك فهو موجود.
حاصل الكلام: تنبه إلى أن العلاقة بين "داخل" و "خارج" ليست علاقة التناقض. فإنها إن كانت علاقة التناقض فلا يجوز رفعهما معا مطلقا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/258)
أرجو أن ترجع إلى كتابي نقض التدمرية، فقد وضحت فيها ذلك.
وفقك الله.
أقول:
بين الأستاذ هنا أن نقيض (داخل) ليس هو (خارج) وبالتالي فإن عبارة (لا داخل ولا خارج) ليست رفعاً للنقيضين.
ثم بين أن نقيض (داخل) هو (لا داخل) بمعنى أن رفع النقيضين يكون بقول القائل (لا "داخل" ولا "لا داخل")
ثم بين أن "لا داخل" تصدق على "الخارج" وعلى "المعدوم".
وهنا لسائل أن يسأل:
إذا قيل إن شيئاً "لا داخل العالم" فعلام يصدق هذا الكلام بناء على قول الأستاذ؟
واضح أنه يصدق على واحد من اثنين؛ إما "خارج العالم" وإما "المعدوم".
فإن كان هذا الشيء موجوداً غير معدوم؟
واضح أنه يجب أن يكون خارج العالم.
فإذا تابعنا على نفس طريقة الأستاذ فسوف نقول كذلك:
"لا خارج" تصدق على "الداخل" وعلى "المعدوم".
فإن قيل إن شيئاً "لا خارج العالم" فعلام يصدق هذا الكلام؟
إنه يصدق على واحد من اثنين إما "داخل العالم" وإما "المعدوم".
فإن كان هذا الشيء موجوداً لا غير؟
واضح أنه يجب أن يكون داخل العالم.
فلنرتب الكلام إذاً؛ فعندما يقول الأشاعرة وغيرهم إن الله عز وجل:
لا داخل العالم و لا خارج العالم
فهذا يصدق على ما يلي: (خارج العالم أو معدوم) و (داخل العالم أو معدوم)
فمعنى هذه العبارة لا يخرج عن احتمالات أربعة -بغض النظر عن إمكان وقوعها-:
1 - خارج العالم وداخل العالم.
2 - خارج العالم ومعدوم.
3 - معدوم وداخل العالم.
4 - معدوم ومعدوم.
فإذا قيل إن الموصوف ب (لا داخل العالم ولا خارج العالم) موجود لا معدوم فلا يبقى سوى الاحتمال الأول:
خارج العالم وداخل العالم!!
وحيث إن (خارج) ليس نقيض (داخل) كما بين الأستاذ فليست هذه العبارة السابقة جمعاً للنقيضين فهي مقبولة عقلاً عنده فيلزمه القول بها كي لا يقول بالعدم، على الرغم مما فيها من مخالفة لمقصوده بل ومخالفة للفظ العبارة (لا داخل ولا خارج)!
ومن هنا نستطيع أن نفهم مقالة الجهمية إن الله -تعالى عن قولهم- في كل مكان، على تقدير أنهم يقولون إن خارج العالم مكان، وليس هذا التقدير مستبعداً عنهم لا سيما إن كانوا يوافقون الأستاذ على قوله في بحث (المحاججة):
فيقال لهم [يريد مثبتي علو الله جل وعلا على عرشه]: العرش مكانٌ، فيصبحُ الله على مكان!!
ويقولون: فوق العرش بلا مكان، فيقال لهم: الشيء الموجود فوق مكان لا بدَّ أن يكون له مكان.
لأن هذا القول يجوز أن يكون هناك مكان خارج العالم الذي منتهاه العرش.
على كل حال ...
فنحن نحسن الظن بالأستاذ وأنه ما أراد هذا الذي تقوله الجهمية ولا يقرهم عليه، ولكننا أردنا أن ننبه إلى أن ما أراد الفرار منه؛ وهو القول بما تضافرت عليه أدلة الكتاب والسنة وبما اتفق عليه السلف الصالح من علو الله عز وجل وفوقيته على عرشه لأن ذلك عنده يستلزم التجسيم، لم يتم له إلا بالوقوع فيما هو شر منه، حيث يلزم من وجود الله سبحانه وتعالى لا داخل ولا خارج العالم أن يكون في كل مكان.
وخلاصة الكلام أن عبارة (لا داخل العالم ولا خارج العالم)
1 - إما أن تكون رفعاً للنقيضين، على قول.
2 - أو أن تكون وصفاً للمعدوم، على قول آخر.
3 - أو أن تكون بمعنى داخل العالم وخارج العالم.
وهي بكل الأحوال لا تحقق مراد الأستاذ في التنزيه.
والله أعلم.
دنته استاد في الرياضيات يا رااقل
لا فض فوك
ـ[ابونصرالمازري]ــــــــ[27 - 07 - 10, 10:45 م]ـ
في صحيح البخاري عن علي موقوفا حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله
ونحوه ما في مقدمة صحيح مسلم،عن ابن مسعود قال ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة
ـ[طارق ابراهيم]ــــــــ[28 - 07 - 10, 10:42 ص]ـ
يقال لهذا الجهمي الأحمق وأمثاله, هل العالم داخل الذات الإلهية أم خارجها .. ؟؟
فإن كان جوابه داخل فتلك مصيبة مابعدها مصيبة
وإن كان جوابه خارج فتحل الإشكالية ولله الحمد
والموضوع لا دخل له بالعقيدة واقوال السلف ومناظرات وكتب وردود ....
هو تعصب أعمى وهروب من مسميات ما أنزل الله بها من سلطان ..
ـ[محب البويحياوي]ــــــــ[31 - 07 - 10, 11:37 م]ـ
وإن استغربت حينما نسب الأخ ما يقوله إلى الشيخ الإسلام ابن تيمية في شرح الأصفهانية ولم ينقل لنا كلام شيخ الإسلام ..
فلعله يفعل ذلك حتى نتبين الأمر أكثر لأني لم أجد ما يشير إليه الأخ ..
والله الموفق.
و أنا كذلك .. فهلا اتى الأخ بالنقل من الأصفهانية على كلامه ... أما الاستشهاد بالموت و الحياة فكلام الشيخ الخميس واضح في نفي اصطلاح المتأخرين فيهما و انما على اللسان الأول لا يستثنون من الموت حتى الجماد .. و عليه فسر الأولون الآية بنوع حياة لا مطلق الحياة
ـ[عمرو بسيوني]ــــــــ[01 - 08 - 10, 01:22 ص]ـ
هذا جواب سديد ناهض، ولا تعقب عليه من جهة المعنى وإن كان لي تعقب على بعض أجزائه وهو قوله أنه لا واسطة بين الموت والحياة وهذا يكذبه ظاهر قوله تعالى: (لا يموت فيها ولا يحيا) ....
والتمثيل على ما لا واسطة بين متضاديه يكون كمثال: الوجود والعدم ... هذا أولى. والله أعلم.
الوجود والعدم نقيضان وليسا ضدين حقيقيين.
لأن العدم سلب محض، وحد النقيضين أنه التقابل بالسلب والإيجاب، وكونهم يمثلون بداخل ولا داخل فهذا الشائع، لكن لوقال داخل وعدم داخل لصح، فهذا في الوجود والعدم ـ أو الإيجاب والسلب ـ الإضافي، فكيف بالوجود والعدم المطلق.
يراجع الطوسي في (التجريد) في المسألة الثامنة والتاسعة والعاشرة، قوله (ولا ضد له ـ يعني الوجود ـ، ولا مثل له، فتحققت مخالفته للمعقولات ولا ينافيها)، وينظر كشف المراد بحاشية الآملي.
فالحاصل أن علاقة الوجود بالعدم هي التناقض بلا خلاف، لكون الوجود إيجابيا و العدم سلبيا، وليس التضاد، لكون حد الضد أنه ذات وجودية تقابل ذاتا أخرى وجودية في الوجود، والعدم ليس ذاتا وجودية، والوجود ليس ذاتا أصلا لأنه مفهومي.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/259)
ـ[عمرو بسيوني]ــــــــ[01 - 08 - 10, 06:02 م]ـ
معنى كلام سعيد فودة هو أن الله معدوم لكنه موجود ..
فوجوده ليس من جنس وجود العالم، بل هو كالمعدوم .. !
فهو موجود ومعدوم في نفس الوقت .. !
وسبحان خالق العقول والأفهام .. !
بارك الله فيك، وهذا صحيح.
وهذا مبني أصلا على خلل المتكلمين في فهم (الوجود).
وهي مسألة (اشتراك الوجود) وتعلقه بتغاير ـ أو تعاند ـ الوجود والماهية التي يعنونون عليها ب (هل الوجود قدر زائد على الماهية ?).
وأصل الضلال في تلك المسألة كما حرر سيدنا شيخ الإسلام أن الفلاسفة والمتكلمين يتصورون الوجود الذهني المفهومي وجودا حقيقيا خارجيا، فيتصورون أن الإنسان مثلا له وجود ذهني هو (مطلق الإنسانية) وله وجود خارجي متحقق في الواقع، وانهما متغايران، والشيخ يحقق أن الوجود الذهني موجود لكنه مطلق في الذهن ليس في الخارج مطلقا، ومن ثم لما أطلق الفلاسفة عبارة (الاشتراك في الوجود) وأن الوجود من حيث هو هو واحد، قال الخواجة الطوسي في (التجريد): (وتردد الذهن حال الجزم بمطلق الوجود، واتحاد مفهوم نقيضه وقبوله القسمة يعطي الشركة) يعني إذا اختلف حكم الذهن على موجود بين الإمكان والوجوب لم يؤثر ذلك في كونه موجودا على القولين، واتحاد مفهوم نقيضه يعني عدم كل شيء يستوى مع عدم غيره فيدل على اتحاد نقيض العدم وهو الوجود، وقبوله القسمة يعني بين الماهيات فيدل على اشتراكه، فهذه الأدلة الثلاثة هي عمدة الفلاسفة والمتكلمين القائلين باشتراك الوجود، وسيأتي الكلام عن اشتراك الوجوده ومعناه، ولكن الشاهد أن كل ما يذكرونه مبني على تصورهم الوجود الذهني قسيما للوجود العيني، وهو ضلال.
ثم بعد أن يفرغ هؤلاء من تقرير ذلك، يبحثون علاقة الوجود بالماهية فيقررون أن الوجود قدر زائد على الماهية، فهذا يدل على اعتبارهم الوجود المبحوث وجودا ذهنيا مطلقا، وان هذا الذهني المطلق يغاير الماهية الخارجية المتعينة، وهذا يصفة شيخ الإسلام بالغلط والخطأ والوهم.
قال الشيخ رحمه الله (ومن هنا فرقوا في منطقهم بين الماهية والوجود وهم لو فسروا الماهية بما يكون في الأذهان والوجود بما يكون في الأعيان لكان هذا صحيحا لا ينازع فيه عاقل، وهذا هو الذي تخيلوه في الأصل لكن توهموا أن تلك الماهية التي في الذهن هي بعينها الموجود الذي في الخارج فظنوا أن في هذا الإنسان المعين جواهر عقلية قائمة بأنفسها مغيرة لهذا المعين مثل كونه حيوانا ناطقا وحساسا ومتحركا بالإرادة ونحو ذلك)
وقال: (وإنما أصل الغلط هو توهمهم أنا إذا قلنا: إن الوجود ينقسم إلى واجب وممكن لزم أن يكون في الخارج وجود هو نفسه الواجب وهو نفسه في الممكن وهذا غلط فليس في الخارج بين الموجودين شيء هو نفسه فيهما)
وقال (أصل خطأ هؤلاء توهمهم أن هذه الأسماء العامة الكلية يكون مسماها المطلق الكلى هو بعينه ثابتا في هذا المعين وهذا المعين وليس كذلك فإن ما يوجد في الخارج لا يوجد مطلقا كليا لا يوجد إلا معينا مختصا وهذه الأسماء إذا سمي بها كان مسماها مختصا به وإذا سمى بها العبد كان مسماها مختصا به فوجود الله وحياته لا يشركه فيها غيره بل وجود هذا الموجود المعين لا يشركه فيه غيره فكيف بوجود الخالق)
لذلك بعد تقريرهم اشتراك الوجود ـ وكانوا يعنون به الذهني ـ، فإن الطوسي يقول (وزيادته في التصور) يعني زيادة الوجود على الماهية في الذهن لا الخارج، ولذلك قال في كشف المراد (في أن الوجود ليس هو معنى زائدا على الحصول العيني، قال ـ يعني الطوسي ـ وليس الوجود معنى به تحصل الماهية)، وهذا حق بذلك التقسيم، قد قرره شيخ الإسلام كما مر، أن حصول الشيء في الخارج لا ثم إلا هو.
ثم نظروا في اختلاف الماهيات، قالوا يجب أن نقول الوجود غير الماهية، إذ لو كان هو هي ـ بعد تقريرنا الاشتراك في الوجود ـ للزم اتحاد الماهيات، وهو باطل قطعي مخالف لمجرد الحس، قال الطوسي (فيغاير الماهية، وإلا اتحدت الماهيات أو لم تنحصر أجزاؤها) يعني يغاير الوجود الماهية وإلا اتحدت الماهيات فتكون ماهية النار كماهية الثلج مثلا، أو يلزم عدم انحصار أجزائها ـ أي الماهية ـ ويقصد التسلسل وهو باطل.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/260)
فكل هذا التقرير قام على فهمهم للوجود وأن اشتراكه يعني الذهني، وجعلهم هذا الذهني المطلق الكلي موجودا حقيقيا يخالف الوجود العيني.
لذلك ورد عليهم إشكال خطير، وهو إن قلتم الوجود مشترك، و الماهية غيره، أو الوجود قدر زائد عليها، وطردتم ذلك في القديم والمحدث، لزم تركب القديم، من الوجود والماهية، وتركبه مستحيل عندكم ـ ولابن سينا تقرير طويل في بساطته عز وجل ـ زعم! ـ.
من ثم اضطربوا فقال بعضهم الوجود زائد عن الماهية في الممكن، بخلاف القديم، فوجوده عين ماهيته!!
قال الطوسي مقررا ذلك (ولا يزيد وجوده ونسبته عليه وإلا لكان ممكنا) يعني للزوم التركيب.
يقول الشيخ: (فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة وعامة العقلاء أن الماهيات مجعولة وأن ماهية كل شيء عين وجوده، وأنه ليس وجود الشيء قدراً زائداً على ماهيته، بل ليس في الخارج إلا الشيء الذي هو الشيء وهو عينه ونفسه وماهيته وحقيقته، وليس وجوده وثبوته في الخارج زائداً على ذلك.
وأولئك يقولون الوجود قدر زائد على الماهية ويقولون الماهيات غير مجعولة، ويقولون وجود كل شيء زائد على ماهيته، ومن المتفلسفة من يفرق بين الوجود والواجب والممكن فيقول: الوجود الواجب عين الماهية. وأما الوجود الممكن فهو زائد على الماهية. وشبهة هؤلاء ما تقدم من أن الإنسان قد يعلم ماهية الشيء ولا يعلم وجوده، وأن الوجود مشترك بين الموجودات وماهية كل شيء مختصة به.
ومن تدبر تبين له حقيقة الأمر فإنا قد قدمنا الفرق بين الوجود العلمي والعيني. وهذا الفرق ثابت في الوجود والعين والثبوت والماهية وغير ذلك. فثبوت هذه الأمور في العلم والكتاب والكلام ليس هو ثبوتها في الخارج عن ذلك وهو ثبوت حقيقتها وماهيتها التي هي هي، والإنسان إذا تصور ماهية فقد علم وجودها الذهني، ولا يلزم من ذلك الوجود الحقيقي الخارجي. فقول القائل: قد تصورت حقيقة الشيء وعينه ونفسه وماهيته وما علمت وجوده حصل وجوده العلمي، وما حصل وجوده العيني الحقيقي ولم يعلم ماهيته الحقيقية ولا عينه الحقيقية ولا نفسه الحقيقية الخارجية فلا فرق بين لفظ وجوده ولفظ ماهيته إلا أن اللفظين قد يعبر به عن الذهني والآخر عن الخارجي فجاء الفرق من جهة المحل لا من جهة الماهية والوجود.)
أما الموجود بالمعنى العيني الخارجي فيستحيل أن تقع في مفهومه الشركة، فلا موجود يشبه الآخر في تحققه العيني في الخارج أبدا، لذلك يقول شيخ الإسلام: (وأما قولهم: إن الوجود مشترك والحقيقة لا اشتراك فيا، فالقول فيه كذلك ـ يقصد الشيخ فالقول فيه أن منشأ الوهم تفريقهم بين الحقيقة أي الماهية والوجود جاعلين الوجود الذهني قسيما للخارجي على الحقيقة، وإلا لو أقروا أن الوجود في الخارج لا اشتراك فيه أصلا للزمهم القول إن الوجود ليس مشتركا لكونه عين الماهية الحاصلة في الخارج لأنه ليس في الخارج شيء فوق الماهية ـ فإن الوجود المعين الموجود في الخارج لا اشتراك فيه، كما أن الحقيقة المعينة الموجودة في الخارج لا اشتراك فيها. وإنما العلم يدرك الوجود المشترك كما يدرك الماهية المشتركة، فالمشترك ثبوته في الذهن لا في الخارج، وما في الخارج ليس فيه اشتراك البتة)
ولذلك بحث هؤلاء المتكلمون وجه اشتراك الوجود هل هو بالتواطؤ أم بالتشاكك (يعني بالتمايز بين الموجودات في نفس الوجود كالبياض المشترك الذي تتغير درجته بين القطن وناب الفيل ونحو ذلك) والحق أن الوجود مشترك بالتشاكك (على معنى التفاضل، وإلا فهو اصطلاحي كما سيأتي من كلام الشيخ)، فوجود الباري تقدس واجب، فهو أكمل وأحق وأثبت من وجود غيره.
قال الشيخ (فمن اشتبه عليه وجود الخالق بوجود المخلوقات كلها، حتى ظنوا وجودها وجوده، فهم أعظم الناس ضلالا من جهة الاشتباه.وذلك أن الموجودًات تشترك في مسمى الوجود، فرأوا الوجود واحدًا، ولم يفرقوا بين الواحد بالعين والواحد بالنوع.)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/261)
ويقول في حكاية مناظرة الواسطية: (فلما ذكرت في المجلس أن جميع أسماء الله التي سمي بها المخلوق كلفظ الوجود الذي هو مقول بالحقيقة على الواجب والممكن على الأقوال الثلاثة: تنازع كبيران هل هو مقول بالاشتراك أو بالتواطؤ؟ فقال أحدهما: هو متواطئ وقال الآخر هو مشترك؛ لئلا يلزم التركيب. ـ أقول يعني لو قال هو الوجود متواطئ بينهما للزمه أن يقول ماهية الله غير وجوده، كي يفارق سائر الموجودات في الماهية، فتكون الماهية أو الحقيقة هي التي تخص وجوده تعالى بالوجوب، لكن يلزم من ذلك على طريقتهم تركبه تعالى من الوجود والماهية، والتركيب في حقه محال، فيصار إلى القول بالاشتراك يعني اللفظي ـ وقال هذا: قد ذكر فخر الدين أن هذا النزاع مبني على أن وجوده هل هو عين ماهيته أم لا؟. فمن قال إن وجود كل شيء عين ماهيته قال: إنه مقول بالاشتراك ـ أقول يعني اللفظي لأن الضابط بينهما أن التواطؤ يتحد فيه معنى المفهوم على مصاديقه بخلاف المشترك فتختلف فيه المعاني لأنه على كلام الرازي لو قال الوجود عين الماهية كما هو نص الأشعري وأقر باشتراك الوجود على سبيل التواطؤ للزمه اتحاد الماهيات بين الواجب والممكنات ـ ومن قال إن وجوده قدر زائد على ماهيته قال: إنه مقول بالتواطؤ. فأخذ الأول يرجح قول من يقول: إن الوجود زائد على الماهية؛ لينصر أنه مقول بالتواطؤ. فقال الثاني: ليس مذهب الأشعري وأهل السنة أن وجوده عين ماهيته فأنكر الأول ذلك. فقلت ـ يعني شيخ الإسلام ـ: أما متكلمو أهل السنة فعندهم أن وجود كل شيء عين ماهيته؛ وأما القول الآخر فهو قول المعتزلة أن وجود كل شىء قدر زائد على ماهيته وكل منهما اصاب من وجه فإن الصواب ان هذه الأسماء مقولة بالتواطؤ كما قد قررته فى غير هذا الموضع وأجبت عن شبهة التركيب بالجوابين المعروفين).
ثم قال الشيخ (وأما بناء ذلك على كون وجود الشىء عين ماهيته أو ليس عينه فهو من الغلط المضاف الى ابن الخطيب ـ يعني الفخر الرازي ـ فإنا وإن قلنا أن وجود الشىء عين ماهيته لا يجب ان يكون الإسم مقولا عليه وعلى نظيره بالإشتراك اللفظى فقط كما فى جميع أسماء الأجناس، فإن اسم السواد مقول على هذا السواد وهذا السواد بالتواطىء وليس عين هذا السواد هو عين هذا السواد إذ الاسم دال على القدر المشترك بينهما وهو المطلق الكلى لكنه لا يوجد مطلقا بشرط الإطلاق إلا فى الذهن ولا يلزم من ذلك نفى القدر المشترك بين الاعيان الموجودة فى الخارج فإنه على ذلك تنتفى الأسماء المتواطئة وهى جمهور الأسماء الموجودة فى الغالب وهى اسماء الاجناس اللغوية وهو الاسم المطلق على الشىء وعلى كل ما اشبهه سواء كان اسم عين أو اسم صفة جامدا أو مشتقا وسواء كان جنسا منطقيا أو فقهيا أو لم يكن بل اسم الجنس فى اللغة يدخل فيه الأجناس والأصناف والانواع ونحو ذلك وكلها أسماء متواطئة وأعيان مسمياتها فى الخارج متميزة)
أقول وهذه من دقائق الشيخ، فالمتواطئات التي يدعيها المناطقة أن المعنى فيها يتساوى بين الأفراد، لا يمكن حصول ذلك إلا في الذهن أيضا، فالسواد من حيث هو مفهوم، لا يوجد في الخارج بتحقق واحد، وكذا غيره من أسماء الأجناس كما ذكر الشيخ، لذا يقرر الشيخ أن المتشاكك يدخل في المتواطيء،كما سيأتي.
ويقول: (ولهذا كان الحذاق يختارون أن الأسماء المقولة عليه وعلى غيره مقولة بطريق التشكيك ليست بطريق الاشتراك اللفظي ولا بطريق الاشتراك المعنوي الذي تتماثل أفراده؛ بل بطريق الاشتراك المعنوي الذي تتفاضل أفراده كما يطلق لفظ البياض والسواد على الشديد كبياض الثلج وعلى ما دونه كبياض العاج. فكذلك لفظ الوجود يطلق على الواجب والممكن وهو في الواجب أكمل وأفضل من فضل هذا البياض على هذا البياض؛ لكن هذا التفاضل في الأسماء المشككة لا يمنع أن يكون أصل المعنى مشتركا كليا فلا بد في الأسماء المشككة من معنى كلي مشترك وإن كان ذلك لا يكون إلا في الذهن)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/262)
وتأصيل الشيخ في المتواطئ والمتشاكك (ولا ريب أن المعاني الكلية قد تكون متفاضلة في مواردها بل أكثرها كذلك وتخصيص هذا القسم بلفظ المشكك أمر اصطلاحي ولهذا كان من الناس من قال هو نوع من المتواطئ لأن واضع اللغة لم يضع اللفظ العام بإزاء التفاوت الحاصل لأحدهما بل بإزاء القدر المشترك، وبالجملة فالنزاع في هذا لفظي فالمتواطئة العامة تتناول المشككة وأما المتواطئة التي تتساوى معانيها فهي قسيم المشككة وإذ جعلت المتواطئة نوعين متواطئا عاما وخاصا كما جعل الإمكان نوعين عاما وخاصا زال اللبس.
والمقصود هنا أن يعرف أن قول جمهور الطوائف من الأولين والآخرين أن هذه الأسماء عامة كلية سواء سميت متواطئة أو مشككة ليست ألفاظا مشتركة اشتراكا لفظيا فقط وهذا مذهب المعتزلة والشيعة والأشعرية والكرامية وهو مذهب سائر المسلمين أهل السنة والجماعة والحديث وغيرهم إلا من شذ)
فهذا كله يدل على فهم أهل السنة والجماعة واطراد كلامهم في المسألة كلها، وكلام فودة الذي يتبع فيه المتكلمين، أن وجود الله ليس من (جنس) وجود العالم، هو تعطيل محض،ولا يقول به حتى أصحابه المتكلمون، و لا يمكن تخريجه على اشتراك الوجود بالتواطؤ أو التشاكك، لأن كليهما يفضي إلى التعطيل المحض، وهو مقتضى طريقة المشائين ومن حذا حذوهم من الإسلاميين، لأن الماهيات غير الوجود عندهم، لأن طريقة الأشعري وغالب المثبتين، وهو مذهب أهل السنة والجماعة أن الوجود ليس قدرا زائدا على الماهية، بل هو عين الماهية، فكيف بفودة أن يجمع بين أن الوجود مشترك عند الأشعري وأبي علي الجبائي ثم يقول بأن الوجود عين الماهية ـ خلافا للفلاسفة ـ، ثم يرجع فيقول (وجود الله ليس من جنس وجود العالم)، فكيف الوجود مشترك إذن؟ فهذا تعطيل محض لوجوده، لأنه يجب أن يقول المراد بالوجود الذهني، وقد تقدم إبطال الكلام في عد الوجود الذهني قسيما للخارجي، وهو اصل الضلال كما قال شيخ الإسلام.
وليس لهم من ذلك مخرج إلا أن يقول سلمنا أن الوجود مشترك، لكنه ليس مشتركا بالتواطؤ ولا التشاكك، ولكنه مشترك لفظي، وهذا ليس قول الأشعري، يقول شيخ الإسلام: (وطائفة ظنت أن لفظ الوجود يقال بالإشتراك اللفظي وكابروا عقولهم فإن هذه الأسماء عامة قابلة للتقسيم كما يقال الموجود ينقسم إلى واجب وممكن وقديم وحادث ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام واللفظ المشترك كلفظ المشترى الواقع على المبتاع والكوكب لا ينقسم معناه ولكن يقال لفظ المشترى يقال على وكذا وعلى كذا.
وطائفة ظنت أنها إذا سمت هذا اللفظ ونحوه مشككا لكون الوجود بالواجب أولى منه بالممكن خلصت من هذه الشبهة وليس كذلك فإن تفاضل المعنى المشترك الكلى لا يمنع أن يكون أصل المعنى مشتركا بين اثنين كما أن معنى السواد مشترك بين هذا السواد وهذا السواد وبعضه أشد من بعض)
وقال: (وهذه العبارات بناء على قولهم إن الوجود يعرض للماهية الممكنة فإن للناس ثلاثة أقوال قيل إن الوجود زائد على الماهية في الواجب والممكن كما يقول ذلك أبو هاشم وغيره وهو أحد قولي الرازي وقد يقوله بعض النظار من أصحاب أحمد وغيرهم.
وقيل بل الوجود في الخارج هو الحقيقة الثابتة في الخارج ليس هناك شيئان وهذا قول الجمهور من أهل الإثبات وهذا قول عامة النظار من مثبتة الصفات من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم لكن ظن الشهرستاني والرازي والأمدي ونحوهم أن قائل هذا القول يقول إن لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي ونقلوا ذلك عن الأشعري وغيره وهو غلط عليهم فإن أصحاب هذا القول هم جماهير الخلق من الأولين والآخرين وليس فيهم من يقول بأن لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي إلا طائفة قليلة وليس هذا قول الأشعري وأصحابه بل هم متفقون على أن الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث واسم الوجود يعمهما لكن الأشعري ينفي الأحوال ويقول العموم والخصوص يعود إلى الأقوال ومقصوده أنه ليس في الخارج معنى كلي عام ليس مقصوده أن الذهن لا يقوم به معنى عام كلي)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/263)
وقال (وهؤلاء االذين قالوا إن من قال وجود كل شيء هو نفس حقيقته الموجودة إنما هذا هو قول بالاشتراك اللفظي لأنهم قالوا إذا جعلنا الوجود عاما من الألفاظ المتواطئة المتساوية أو المتفاضلة التي تسمى المشككة وقلنا إن الوجود ينقسم إلى واجب وممكن وقديم ومحدث كان النوعان قد اشتركا في مسمى الوجود وهو كلي مطلق فلا بد أن يتميز أحدهما عن الآخر بما يخصه وهو حقيقة فيلزم أن يكون لكل منهما حقيقة غير الوجود
فمن قال إن الشيء الموجود في الخارج ليس شيئا غير الحقيقة الموجودة في الخارج لم يمكنه أن يقول لفظ الوجود يعمهما بل يقول هو مقول عليهما بالاشتراك اللفظي
وهذا غلط ضلت فيه طوائف كالرازي وأمثاله)
فقول فودة (فوجوده ليس من حقيقة وجود العالم)، إن كان مراده بالحقيقة الماهية فهذا لا نزاع فيه، وليس يلزم منه ما ذكر من كونه (لا داخل العالم ولا خارجه) من وجهين:
الأول: أن اختلاف الماهية مع وجود الاشتراك في أصل الوجود ـ مع التسليم بالتفاضل بين الوجودات ـ لا يلزم منه عدم تعلق النسب بينها، بل لا يجوز ذلك،وهذا بخلاف ما زعم أنه إن كانت حقيقته غير حقيقة الخلق فإنه لا نسبة بينهما، وهذه مغالطة، كما قدمنا في الكلام على المتواطئ والمشترك، ولزوم القدر الذهني المشترك فيهما،ونقلنا كلام شيخ الإسلام، فالحاصل أن وجود القدر المشترك يوجب ـ عقلا ـ حصول النسبة بينهما.
الثاني: أن رفع النقيضين، أو الضدين الحقيقيين يضاد الوجود لا الماهية!، فاختلاف الماهيات غير مؤثر في المسألة، وإلا فإن العقل يتصور ماهية رفع النقيضين واجتماعهما، بل العدم معقول في قول أكثر الحكماء، ومتصور عند بعضهم!، فسواء اتفقت الماهيات أو اختلفت لم يؤثر هذا في جواز جمع النقيضين أو رفعهما من منعه.ـ و إنما الكلام في الوجود الخارجي، فهذا الذي يضاده رفع النقيضين وجمعهما. هذا على قول من يقول الوجود قدر زائد على الماهية.
وعلى قول من يقول الوجود عين الماهية ـوهو مذهب الأشعري ويجب أن يلتزمه فودة ـ فهو أظهر، لأنهم يقولون الوجود مشترك أيضا، وليس له خروج إلا القول بالاشنراك اللفظي، وتقدم غلط ذلك على الأشعري من ناحية وبطلانه في نفسه من ناحية أخرى لوجوب تقسيمه إلى واجب وممكن،والمشترك لا ينقسم اتفاقا، كما حرر الشيخ ونقلته عنه.
وإن كان يريد بعبارة (وجوده ليس من حقيقة وجود العالم) الوجود لا الماهية، فالرد عليه تقدم على قول من يجعل (الماهية عين الوجود).
والله أعلم.
ـ[سهل البطاينة]ــــــــ[07 - 08 - 10, 07:51 م]ـ
وفقكم الله لما يحب ويرضى واحب ان اقول بخصوص هذا سعيد فوده فلقد عرفت بعضا من تلاميذه فوجدهم اشد تعصبا منه واشد كرها لاهل السنه ولا يخفى عليكم ان مشيخة الازهر الحاليه برئاسة احمد الطيب الصوفي الاشعري المتعصب تحاول ان تبرز هذا الرجل وما خبر استضافته في مؤتمر ابو الحسن الاشعري عنكم ببعيد
ـ[عمرو بسيوني]ــــــــ[07 - 08 - 10, 08:48 م]ـ
هذا الرجل مسكين، والفاهمون من الأشاعرة ـ لاسيما الأزاهرة ـ يحطون عليه، ويصفونه بالجهل!
ويكفي أن تسمع له شرحا على السلم المنورق، تجد الكلام الهزيل، والفهم العليل، وقد سمعت منه جله للوقوف على حقيقة الرجل المنطقية!، فوالله كان أحياتا يتتعتع، ويسأله بعض من في المجلس أسئلة بدهية معروفة في مسائل الحدود، فيتلجلج، ويتخبط، ويصلحون له، ولولا أنها ليست مرئية لجزمت أنه كان يتصبب عرقا، أما من أول الكلام في التناقض والعكس المستوي فخلاص أصبح يقرأ قراءة، و أما أبواب أشكال القياس فـ (معرفش يشرحها) فقال لهم أنا عامل لكم جدول واضح جدا اقرأوه! ابتسامة.(60/264)
الشيعة الرافضة وعقدة:"أبو بكر وعمر" رضي الله عنهما
ـ[كاوا محمد ابو عبد البر]ــــــــ[18 - 12 - 09, 03:17 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ما حاول رافضي بغيض حقود الطعن في الشيخين الا فضحه الله.
نحن نعرف أن الرافضة يجهلون ما في كتبهم ويزيدون على ذلك الجهل فيتجرؤون على كتبنا وعلمائنا، وفاقد الشيء لا يعطيه.
سأحاول ان شاء الله جمع شبهات الرافضة التي يرمون بها الشيخين ويظنون أنهم استطاعوا النيل من الشيخين فنصفعهم على وجوههم وندحض شبههم وكذبهم.
1 - زعم الرافضة أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فرا يوم حنين وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الشبهة تجدها متكررة في المنتديات الرافضية.
والصفعة هي هذه:
حدثنا يعقوب ثنا أبي عن بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن جابر بن عبد الله قال: لما استقبلنا وادي حنين قال انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط إنما ننحدر فيه انحدارا قال وفي عماية الصبح وقد كان القوم كمنوا لنا في شعابه وفي أجنابه ومضايقه قد أجمعوا وتهيؤا وأعدوا قال فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدت علينا شدة رجل واحد وانهزم الناس راجعين فاستمروا لا يلوي أحد منهم على أحد وانحاز رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات اليمين ثم قال إلي أيها الناس هلم إلي أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله قال فلا شيء احتملت الإبل بعضها بعضا فانطلق الناس إلا أن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم رهطا من المهاجرين والأنصار وأهل بيته غير كثير وفيمن ثبت معه صلى الله عليه و سلم أبو بكر وعمر ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وابنه الفضل بن عباس وأبو سفيان بن الحرث وربيعة بن الحرث وأيمن بن عبيد وهو بن أم أيمن وأسامة بن زيد قال ورجل من هوازن على جمل له أحمر في يده راية له سوداء في رأس رمح طويل له أمام الناس وهوازن خلفه فإذا أدرك طعن برمحه وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه فاتبعوه قال بن إسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله قال بينا ذلك الرجل من هوازن صاحب الراية على جمله ذلك يصنع ما يصنع إذ هوى له علي بن أبي طالب ورجل من الأنصار يريدانه قال فيأتيه علي من خلفه فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ووثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه فانعجف عن رحله واجتلد الناس فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسرى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه و سلم.
تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن إسحاق فهو صدوق حسن الحديث. [مسند أحمد ج3/ص376]
http://i11.servimg.com/u/f11/13/71/70/71/hgsddd10.gif
ـ[عبد الرحمن بن شيخنا]ــــــــ[18 - 12 - 09, 04:09 م]ـ
.
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
و صدق الشاعر حيث قال:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت** أتاح لها لسان حسودي.
الرافضة لا هم لهم سوى هستريا الغلو في بعض أهل البيت والبحث عن مثالب ضعيفة و مكذوبة على الصحابة الكرام وبقية أهل البيت رضي الله عنهم
أسأل الله أن يهديهم للحق وأن يكف عنا بأسهم
وفي هذ الرابط رد على 200 شبهة من شبههم
http://www.du3at.com/du3at11/alrafedhah/shubohat.htm
.
ـ[كاوا محمد ابو عبد البر]ــــــــ[18 - 12 - 09, 08:00 م]ـ
.
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
و صدق الشاعر حيث قال:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت** أتاح لها لسان حسودي.
الرافضة لا هم لهم سوى هستريا الغلو في بعض أهل البيت والبحث عن مثالب ضعيفة و مكذوبة على الصحابة الكرام وبقية أهل البيت رضي الله عنهم
أسأل الله أن يهديهم للحق وأن يكف عنا بأسهم
وفي هذ الرابط رد على 200 شبهة من شبههم
http://www.du3at.com/du3at11/alrafedhah/shubohat.htm
.
بارك الله فيك أخي الكريم ووفقك للخير، وصدقت في قولك
ـ[كاوا محمد ابو عبد البر]ــــــــ[18 - 12 - 09, 08:07 م]ـ
2 - زعم الرافضة أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما انفضا في صلاة الجمعة الى التجارة وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم قائما يخطب، وهذه الشبهة تجدها متكررة في المنتديات الرافضية.
ودائما أكرر: ما حاول رافضي بغيض حقود الطعن في الشيخين الا فضحه الله.
ويستدل الرافضة بهذه الآية الكريمة:
"وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ".
1 - عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر قال: قَدمَت عيرٌ المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فخرج الناس وبقي اثنا عشر رجلا فنزلت: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}.صحيح البخاري برقم (4899) وصحيح مسلم برقم (863) والمسند (3/ 313).
2 - وأخرجه أبو يعلى بنفس الاسناد وفيه التصريح بأسماء من اثنين من الاثنا عشر الذين ثبتوا وهما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما:
عن سالم بن أبي الجعد وأبي سفيان، عن جابر بن عبد الله قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقدمت عيرٌ إلى المدينة، فابتدرها أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد، لسال بكم الوادي نارًا" ونزلت هذه الآية: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} وقال: كان في الاثني عشر الذين ثَبَتُوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما.مسند أبي يعلى (3/ 468).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/265)
ـ[أبو أيوب العامري]ــــــــ[22 - 12 - 09, 09:06 م]ـ
بارك الله فيك
استمر يا رعاك الله
ـ[صالح عبد الله التميمي]ــــــــ[22 - 12 - 09, 11:25 م]ـ
بارك الله فيك أخي وزميلي / كاوا محمد
ـ[كاوا محمد ابو عبد البر]ــــــــ[25 - 12 - 09, 04:42 م]ـ
بارك الله فيك أخي وزميلي / كاوا محمد
شكرا على مرورك أخي الكريم ووفقك للخير
ـ[كاوا محمد ابو عبد البر]ــــــــ[25 - 12 - 09, 04:45 م]ـ
بارك الله فيك
استمر يا رعاك الله
نعدك ان شاء الله.
ـ[كاوا محمد ابو عبد البر]ــــــــ[25 - 12 - 09, 04:46 م]ـ
قال الامام مسلم في صحيحه:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ أَبِى سُفْيَانَ وَسَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَيْنَا النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَدِمَتْ عِيرٌ إِلَى الْمَدِينَةِ فَابْتَدَرَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - قَالَ - وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا). [صحيح مسلم ج 3ص10]
ـ[كاوا محمد ابو عبد البر]ــــــــ[25 - 12 - 09, 04:48 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم:
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، خصوصا أبي بكر وعمر.
3 - هدية لمبغضي الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ومن كتب الرافضة:
************************
أ-أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يحثان عليّاَ رضي الله عنه على الزواج من فاطمة رضي الله عنها.
قال الطوسي: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (رحمه الله)، قال: حدثنا أبو نصر محمد بن الحسين البصير السهروردي، قال: حدثنا الحسين بن محمد الأسدي، قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن عبد الله بن جعفر العلوي المحمدي، قال: حدثنا يحيى بن هاشم الغساني، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثني جويبر بن سعيد، عن الضحاك بن مزاحم، قال:سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: أتاني أبو بكر وعمر فقالا: لو أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكرت له فاطمة.
قال: فأتيته، فلما رآني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضحك، ثم قال: ما جاء بك يا أبا الحسن وما حاجتك؟
قال: فذكرت له قرابتي وقدمي في الاسلام ونصرتي له وجهادي، فقال: يا علي، صدقت، فأنت أفضل مما تذكر. فقلت: يا رسول الله، فاطمة تزوجنيها؟ ... "
[الأمالي, الشيخ الطوسي, الأولى, 1414, دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع – قم (ص 39).
وبحار الأنوار, المجلسي, محمد الباقر البهبودي, الثانية المصححة, 1403 - 1983 م, مؤسسة الوفاء - بيروت – لبنان, دار إحياء التراث العربي (ج 43 - ص 93).
وبشارة المصطفى, محمد بن علي الطبري, تحقيق جواد القيومي الإصفهاني, الأولى, 1420, مؤسسة النشر الإسلامي, مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة (ص 401).].
************************
ب: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يشهدان على الزواج:
"عن أنس قال: كنت عند النبي (ص) فغشيه الوحي، فلما أفاق قال لي يا أنس أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أمرني أن أزوج فاطمة من علي.
فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير وبعددهم من الأنصار.
قال: فانطلقت فدعوتهم له فلما ان أخذوا مجالسهم قال رسول الله (ص) الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد (ص). ثم إن الله جعل المصاهرة نسبا لاحقا وأمرا مفترضا، وشبح بها الأرحام وألزمها الأنام، فقال تبارك اسمه وتعالى جده: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) فامر الله يجرى إلى قضائه وقضاؤه يجرى إلى قدره، فلكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب، يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.
ثم انى أشهدكم انى قد زوجت فاطمة من على على أربعمائة مثقال فضة ... "
[كشف الغمة, ابن أبي الفتح الإربلي, الثانية, 1405 - 1985 م, دار الأضواء - بيروت – لبنان, (ج 1 - ص 358 – 359). و بحار الأنوار , المجلسي (ج 43 - ص 119)].(60/266)
صلة شروط لا إله إلا الله بحقيقة الإيمان عند أهل السنة
ـ[محمد براء]ــــــــ[18 - 12 - 09, 05:09 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
فهذه كلمات يسيرة في بيان صلة شروط لا إله إلا الله، التي ذكرها العلماء المتأخرون من أئمة الدعوة النجدية بحقيقة الإيمان عند أهل السنة، وبالله التوفيق.
أجمع سلف الأمة على أن الإيمان قول وعمل، والقول عندهم هو قول اللسان بالنطق بالشهادتين، وقول القلب بالتصديق بهما، والعمل هو عمل القلب وعمل الجوارح، فهذه أربعة أركان.
وينبغي للطالب بعد أن يعلم معاني كل ركن من هذه الأركان، والأدلة على ركنيتها في الإيمان، أن يعلم أنه بين كل ركن منها وسائر الأركان تعلق ظاهر، ينبغي التفطن إليه وفهمه، إذ بذلك تزول كثير من شبهات المرجئة وغيرهم.
- فقول القلب وهو تصديقه، له تعلق بعمل القلب، وقد بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى انظر: شرح الأصبهانية ص230، والصَّارم المسلول ص 376.
- وعمل القلب له تعلق بعمل الجوارح، وقد نص على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " أَلاَ وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ ".
وأشار إلى ذلك شيخ الإسلام في أكثر من موطن انظر: مجموع الفتاوى (7/ 581)، (7/ 611)، (7/ 616)، (7/ 621).
- وقول اللسان له تعلق ظاهر بسائر الأركان، ومن أوضح ما يدل على ذلك، الشروط التي ذكرها العلماء لكلمة التوحيد: " لا إله إلا الله ".
وهذه الكلمة دلت على أمرين اثنين:
دلت بمنطوقها على نفي الألوهية عما سوى الله تعالى.
ودلت أيضاً على إثبات الألوهية لله تعالى.
واختلف: هل دلت على ذلك بمنطوقها أو مفهومها؟. وعقد ذلك بعض الفضلاء بقوله:
منطوق لا إله إلا الله=نفي الألوهية عن سواه
كذاك إثبات الألوهية له= وقيل: ذا مفهوم لفظ الهيلله
أقوى المفاهيم بلا استثناء =مفهوم ذي النفي والاستثناء
ورد ما خالف فيه المشركون=آكد من إثبات ما لا ينكرون
فأول ناسبه المنطوق = والثاني مفهوم به يليق
وذاك في حاشية البنّان =على المحِلي خُط بالبنان (1)
وهذان المدلولان من العلماء من يسميهما: ركنا " لا إله إلا الله ".
والقصد هنا: أن تعلم أن " شروط لا إله إلا الله " شروط للنفي والإثبات، وليست للإثبات فحسب كما سيأتي بيانه.
ومعنى: " شروط لا إله إلا الله ": الشروط التي ينبغي تحقيقها لينجو من قال لا إله إلا الله بلسانه في الآخرة.
قالَ وَهْبَ بْنُ مُنَبِّهٍ لِمَنْ سَأَلَهُ: أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ مِفْتَاحُ اَلْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ مَا مِنْ مِفْتَاحٍ إِلَّا وَلَهُ أَسْنَانٌ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ، وَإِلَّا لَمْ يُفْتَحْ لَكَ. رواه البخاري معلقاً.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في رسالته المسماة: الواجبات المتحتمات المعرفة على كل مسلم ومسلمة: " شروط لا إله إلا الله:
الأول: العلم بمعناها نفياً وإثباتاً.
الثاني: اليقين، وهو: كمال العلم بها، المنافي للشك والريب.
الثالث: الإخلاص المنافي للكذب.
الرابع: الصدق المنافي للكذب.
الخامس: المحبة لهذه الكلمة، ولما دلت عليه، والسرور بذلك.
السادس: الانقياد لحقوقها، وهي: الأعمال الواجبة، إخلاصاً لله، وطلباً لمرضاته.
السابع: القبول المنافي للرد ".
وعلى هذا النحو ذكرها حفيده وتلميذه الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد ص64، وعنه أخذها تلميذه الشيخ سليمان بن سحمان ونظمها - مع نواقض الإسلام وزيادات أخرى – في نظم سماه: أشعة الأنوار في ما تضمنته لا إله إلا الله من بعض الأسرار، وكذلك نظمها الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي في سلم الوصول. رحم الله الجميع.
وبالنظر في هذه الشروط، تجد أن الشرط الأول والثاني وهما العلم واليقين، هما قول القلب، - إذ المراد بالتصديق الذي هو قول القلب التصديق الجازم، وهو اليقين، وهو لا يتم إلا بفهم معنى المصدَّق به، وهذا هو العلم -.
أما سائر الشروط فهي داخلة في ضمن أعمال القلب وأعمال الجوارح.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/267)
فيظهر من هذا الصلة التي بين قول اللسان وبين قول القلب وعمله.
وإذا تبين لك ذلك، علمت وهاء احتجاج غلاة المرجئة بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ " خرجه مسلم (29)، على نجاة من أتي بقول اللسان دون عمل القلب والجوارح، إذ أن هذا النص مطلق، وقد جاءت نصوص أخرى تقيده بالشروط المذكورة آنفاً.
1 - فجاءت مقيدة بشرط العلم في حديث عُثْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ". خرجه مسلم (26).
2 - وجاءت مقيدة بشرط اليقين في قوله صلى الله عليه وسلم: " أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لاَ يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وفي رواية: " فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنَّةِ ". خرجه مسلم (27).
3 - وجاءت مقيدة بشرط الصدق في حديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً: " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار ".
4 - وجاءت مقيدة بشرط الإخلاص في حديث عتبان بن مالك وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. يَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ " متفق عليه. قال النووي رحمه الله تعالى في شرحه: " وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَة رَدٌّ عَلَى غُلَاة الْمُرْجِئَة الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْإِيمَان النُّطْق مِنْ غَيْر اِعْتِقَادٍ فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيث، وَهَذِهِ الزِّيَادَة تَدْمَغهُمْ. وَاَللَّه أَعْلَم ".
- وقد أشار الحسن البصري رحمه الله تعالى إلى شرط الانقياد حين سئل: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ دَخَلَ اَلْجَنَّةَ؟ فَقَالَ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ، فَأَدَّى حَقَّهَا وَفَرْضَهَا دَخَلَ اَلْجَنَّةَ.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في كلمة الإخلاص بعد أن ذكر شيئاً من هذه الروايات: " وَهَذَا كُلُّهُ إِشَارَةٌ إِلَى عَمَلِ اَلْقَلْبِ، وَتَحَقُّقِهِ بِمَعْنَى اَلشَّهَادَتَيْنِ، فَتَحَقُّقُهُ بِقَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ أَلَّا يَأْلَهَ اَلْقَلْبُ غَيْرَ اَللَّهِ حُبًّا وَرَجَاءً، وَخَوْفًا، وَتَوَكُّلاً وَاسْتِعَانَةً، وَخُضُوعًا وَإِنَابَةً، وَطَلَبًا. وَتَحَقُّقِهِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اَللَّهِ أَلَّا يُعْبَدَ اَللَّهُ بِغَيْرِ مَا شَرَعَهُ اَللَّهُ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَتَحْقِيقُ هَذَا اَلْمَعْنَى وَإِيضَاحُهُ أَنَّ قَوْلَ اَلْعَبْدِ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا إِلَهَ لَهُ غَيْرُ اَللَّهِ، وَالْإِلَهُ اَلَّذِي يُطَاعُ فَلَا يُعْصَى هَيْبَةً لَهُ وَإِجْلَالاً، وَمَحَبَّةً، وَخَوْفًا، وَرَجَاءً، وَتَوَكُّلاً عَلَيْهِ، وَسُؤَالاً مِنْهُ، وَدُعَاءً لَهُ، وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ كُلُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عز وجل، فَمَنْ أَشْرَكَ مَخْلُوقًا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ اَلْأُمُورِ اَلَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ اَلْإِلَهِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ قَدْحًا فِي إِخْلَاصِهِ فِي قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَنَقْصًا فِي تَوْحِيدِهِ، وَكَانَ فِيهِ مِنْ عُبُودِيَّةِ اَلْمَخْلُوقِ بِحَسْبِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ ".
قوله رحمه الله: " وَهَذَا كُلُّهُ إِشَارَةٌ إِلَى عَمَلِ اَلْقَلْبِ "، يفيد أن شروط النجاة بقول: " لا إله إلا الله " ليست محصورة في الشروط الأربع المنصوص عليها في الأحاديث آنفة الذكر، بل التوكل والاستعانة والخشية وغير ذلك من أعمال القلوب كلها من الشروط أيضاً.
وكذلك الشروط التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن تبعه؛ فإنه لا يفهم حصرها بهذه السبعة إلا من جهة مفهوم العدد، ولا حجة به في مثل هذه المضايق.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/268)
ثم إن الشيخ حافظاً الحكمي أشار إلى شرط آخر غير هذه الشروط السبعة، مع تصريحه بأنها سبعة، حيث قال:
" مَنْ قَالَهَا مُعْتَقِدًا مَعْنَاهَا = وَكَانَ عَامِلًا بِمُقْتَضَاهَا
فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَمَاتَ مُؤْمِنًا = يُبْعَثُ يَوْمَ الْحَشْرِ نَاجٍ آمِنَا "
قال في الشرح: " وَمَاتَ مُؤْمِنًا: أَيْ: عَلَى ذَلِكَ, وَهَذَا شَرْطٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ " (2).
قلت: فهذا تصريح بشرط آخر غير السبعة، مع نصه على أنها سبعة، وهذا يدل أنه لم يقصد مفهوم العدد.
فالحاصل أن هذه الشروط ليست محصورة في سبعة، وقصد من ذكرها من علماء الدعوة النجدية الرد على غلاة المرجئة القائلين بنجاة من نطق بالشهادتين بلسانه وإن لم يعمل بها قلبه وجوارحه، وقديماً نبه إمام من أئمة السنة إلى ضلال المرجئة في ذلك، وهو الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة رحمه الله تعالى فقال بعد أن ذكر الأخبار الدالة على نجاة من قال لا إله إلا الله: " ولا يزال يسمع أهل الجهل والعناد ويحتجون بأخبار مختصرة غير متقصاة وبأخبار مجملة غير مفسرة لا يفهمون اصول العلم يستدلون بالمتقصى من الاخبار على مختصرها وبالمفسر منها على مجملها " (3)
- هل الكفر بالطاغوت من شروط لا إله إلا الله؟.
زاد بعض العلماء شرط الكفر بالطاغوت، كما في قول الناظم:
" علم يقين وإخلاص وصدقك مع = محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما = سوى الإله من الأشياء قد ألها "
والبيت الأول ذكره الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم رحمه الله تعالى في حاشيته على كتاب التوحيد دون الثاني.
وقال الشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان في شرح فتح المجيد عند الموضع الذي ذكر فيه المؤلف الشروط السبعة: " ويضاف شرط ثامن لا بد منه، وهو الكفر بكل ما يعبد من دون الله، فلا بد أن يكفر بكل ما يخالفها، ولذلك يقول الله جل وعلا: " فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ " [البقرة:256]، فيبدأ بالكفر بالطاغوت أولاً ".
قال مقيده عفا الله عنه: الكفر بالطاغوت هو معنى النفي الذي دلت عليه كلمة: " لا إله إلا الله " بمنطوقها، وهو نفي الألوهية عما سوى الله تعالى، فهو شطر كلمة التوحيد - كما تقدم – وليس شرطاً خارجاً عنها.
فالأصح - والله أعلم – أن تُجرى الشروط السابقة على الشطرين لا على شطر الإثبات فحسب، فكما أن لصحة شطر الإثبات شروطاً، فلصحة شطر النفي شروط.
1 - فكما أن الانقياد لله شرط لصحة قول من قال بلسانه: " آمنت بالله "، فإن الإعراض عن عبادة من سواه والترك لها شرط لصحة قول من قال بلسانه: " كفرت بمن يعبد من دون الله "، أو: " كفرت بالطاغوت ".
2 - وكما أن اليقين بما جاء من عند الله شرط لصحة قول من قال بلسانه: " آمنت بالله "، فإن التكذيب بمن يعبد سواه، واليقين ببطلانه شرط لصحة قول من قال بلسانه: " كفرت بمن يعبد من دون الله ".
3 – وكما أن العلم والصدق والإخلاص شروط لصحة قول من قال بلسانه: " آمنت بالله "، فإنها شروط كذلك لصحة قول من قال بلسانه: " كفرت بمن يعبد من دون الله ".
4 – وكما أن محبة الله شرط لصحة قول من قال بلسانه: " آمنت بالله "، فإن بغض من يعبد سواه، شرط لصحة قول من قال بلسانه: " كفرت بمن يعبد من دون الله ".
وإلى بعض هذا أشار الشيخ محمد بن عبد الوهاب بقوله: " فأما صفة الكفر بالطاغوت: فأن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وتتركها، وتبغضها، وتكفر أهلها، وتعاديهم " (4). والله تعالى أعلم.
- ضابط شروط لا إله إلا الله:
لما تقدم أن هذه الشروط المراد بها الشروط التي ينبغي تحقيقها لينجو من قال لا إله إلا الله بلسانه في الآخرة، وأنها ليست مقصورة على السبعة المذكورة، فيمكن أن يقال في ضابط هذه الشروط: كل قول أو عمل أو اعتقاد تركه كفر، فالإتيان به شرط من شروط لا إله إلا الله، و كل قول أو عمل أو اعتقاد الإتيان به كفر، فتركه شرط من شروط لا إله إلا الله، والله تعالى أعلم.
ــــــــــــــــــــــ
(1) انظر حاشية البناني على شرح المحلي على جمع الجوامع (1/ 253)، والأبيات من نظم قصير للشيخ محمد المامي اليعقوبي، أحد المشايخ الشناقطة المعاصرين، بعنوان: المنطوق والمفهوم.
(2) معارج القبول (2/ 415).
(3) التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل ص816.
(4) الدرر السنية (1/ 61)(60/269)
توثيق أسانيد كتب العقيدة الإسلامية أ. د. عبدالله بن صالح البراك
ـ[ابن عبدالباقى السلفى]ــــــــ[19 - 12 - 09, 12:20 ص]ـ
توثيق أسانيد كتب العقيدة الإسلامية (1/ 5)
أ. د. عبدالله بن صالح البراك
المصدر: الدرعية العددان: 39، 40، رمضان - ذو الحجة 1428هـ/ أكتوبر - ديسمبر 2007م
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإنَّ المؤلفات التي تَرَكها علماء المسلمين في جميع العلوم والمعارف تُعدُّ مصدرًا مهمًّا، وتَرِكةً غنية؛ لما حوتْه من نصوص وأقوال، سواء كان النقل عن الصادق المصدوق - عليه الصلاة والسلام - أم عن الذين جاؤوا من بعده، وكذا أقوال المؤلفين وآراؤهم.
هذه الكتب وصلتْ إلينا بأصح طريق، وهو طريق الإسناد، ولهم طُرق في حفْظ الأسانيد، والاهتمام بها، والعناية بضبطها، فصَّلتُ ذلك في "أهمية الموضوع"؛ ولذا قمتُ بمحاولة اجتهادية في تلمُّس وتتبُّع بعض أسانيد كُتُب العقيدة الإسلامية والتعريف بِرُواتها، وزيادة توثيق هذه الكتب عن طريق استقراء النقول عنها، سواء بالإسناد أو غيره من صور التوثيق، وسمَّيته: "توثيق أسانيد كتب العقيدة الإسلامية إلى نهاية القرن الرابع الهجري".
أسباب اختياره:
? التنبيه إلى اهتمام أئمَّة العقيدة بضبْط مروياتهم بالأسانيد المتصلة إلى مؤلِّفي الكتب، كما هو حال أئمة الحديث سواء بسواء.
? الردُّ على مَن يُشكِّك في نسبة بعض الكتب المستفيضة إلى مؤلِّفيها بحُجج غير صحيحة، وإغفالهم ثبوت إسناد الكتاب إلى مؤلفه، وتتابُع العلماء على هذا الإثبات.
? لم أجدْ دراسة مستقلة جمعتْ جملةً من المصنفات - حسب علمي - اهتمَّتْ بتتبُّع أسانيد الكتب العقَدية والتعريف بها.
أهمية موضوع دراسة الأسانيد:
اهتمَّ علماء الإسلام بالإسناد قديمًا، وأَوْلَوْه أهمية كبيرة في توثيق مروياتهم، وجعلوه دِينًا.
قال الإمام محمد بن سيرين - رحمه الله -: "اتقوا الله يا معشر الشباب، انظروا ممَّن تأخذون هذه الأحاديث؛ فإنها مِن دينكم" [1].
وقال أيضًا: "إنَّ هذا العِلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم" [2].
وقال ابن المبارَك - رحمه الله -: "الإسنادُ من الدِّين، ولولا الإسنادُ لقال مَن شاء ما شاء" [3].
وهي خاصية شرَّف الله بها أمَّةَ محمد - صلى الله عليه وسلم - دون غيرها منَ الأمم، وميزة امتاز بها أهل السنة والجماعة عن أهل البِدَع والأهواء والضلالات.
قال أبو نصر بن سلام: "ليس شيءٌ أثقل على أهْل الإلحاد، ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته وإسناده" [4].
وذلك أنَّ أهل الأهواء إن استدلُّوا على بدعهم، إما بما ليس له إسناد، وإن أُسند فهو مما لم يصحَّ، وأما ما صحَّ فليس لهم فيه حُجة في الدلالة على مُعتقداتهم وباطلهم.
وكان من صور التدوين والحفْظ للأحاديث النبوية، وهو ما يُسمَّى "بالتدوين العام"، ما قام به الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز لمَّا تولَّى الخلافة، وخشي أن يَتَحقَّق قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا يقبض العلمَ انتزاعًا ينتزعُهُ من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء))؛ والحديث في الصحيحين [5].
فكتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: "انظر ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتبه؛ فإني خِفْتُ دُروس العلم وذهاب العلماء" [6].
وكان أبو بكر بن محمد بن عمرو واليًا وقاضيًا على المدينة.
وأمر أيضًا الإمامَ الحافظ محمدَ بن شهاب الزهْري بجمع السُّنَّة، قال الزُّهْري: "أَمَرَنا عمر بن عبدالعزيز بجمْع السنن، فكتبناها دفترًا دفترًا، فبعث إلى كلِّ أرض له عليها سلطان دفترًا" [7]، فكان - رحمه الله - أول من دوَّن العلم [8].
قال الذَّهبي واصفًا عملَ عمرَ بنِ عبدالعزيز: "وهو الذي سنَّ للمُحدِّثين التثبُّت في النقل" [9].
وفي عصر التابعين دخل تدوين السنة مرحلةً جديدة، وهو ما يُسمَّى بـ"التصنيف المرتب للسنن والآثار".
قال الذهبي في حوادث (سنة 143هـ): "وفي هذا العصْر شَرَعَ علماءُ الإسلام في تدوين الحديث الشريف والفقه والتفسير، فصنَّف ابن جريج التصانيف في مكة، وصنَّف سعيد بن أبي عروبة ... وصنف مالك "الموطأ" في المدينة، وصنف ابن إسحاق "المغازي"، وكثر تدوين العلم وتبويبه، ودونت العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس" [10].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/270)
ودوَّن أهلُ العلم أيضًا في مسائل الأصول (أصول الدين)، ومن ذلك الكتب الجامعة لمسائل العقيدة، مثل: "السنة"، "الإيمان"، "الشريعة".
وكذلك في مسائل عقدية صُنِّفتْ كتبٌ فيها نزاع الفِرق والمذاهب، مثل: كتاب "الرَّد على الجهمية"، "خَلْق أفعال العباد"، ونحوهما منَ المصنفات.
هذه الكُتُب منذ وقت تأليفها، اهتموا بسماعها على مؤلفيها، وهو ما يُسمَّى في المصطلح: طرق تحمُّل الحديث (إما السماع من لفظ الشيخ، أو القراءة على الشيخ)، كما تجدها مبسوطة في كتب مصطلح الحديث [11].
وقد قال العلماء: "الأسانيد أنساب الكتب" [12].
خذْ مثالاً لذلك: "صحيح الإمام أبي عبدالله البخاري"، فحينما تراجع كتبَ الفهارس، فإنك واجدٌ جملةً من الطُّرُق والمشجرات لرواية هذا الكتاب النافع [13].
ولكل ناحية من بلدان المسلمين روايةٌ لكتاب من كتب السُّنَّة، حسب طرق وصول الكتاب إليهم، واعتبر رواة "الموطأ" (الموطآت) دليلاً على ذلك [14].
أما كتب العقيدة، فكان الإسنادُ يُذكر فيها كما هو سَنَنُ أهل العلم، ويُعد التصنيفُ بطريقة الرواية مما تَمَيَّز به المنصفون من أهل العلم عن غَيْرهم، وتروى أيضًا بإسنادٍ إلى مؤلفها زيادةً في التوثيق والحفْظ، كما قُلنا في عمل علماء الحديث؛ ولكن بعض دراسة وتوثيق أسانيد الكتب إلى مؤلفيها لم يلقَ عناية واهتمامًا من قِبَل الباحثين بعد ظهور الكتب مطبوعة [15]، فاكتُفِي بشهرة الكتاب عن النظر في إسنادِه إلى مؤلفِه.
والسؤال الذي يرد:
ألا يوجد إلا هذا الطريق؟
بل في أحيان يُترك الإسناد جملةً عند طَبْع الكتاب، ويُبقى على أصله المخطوط، ويغفل البعض عن النظر في الموسوعات العقَدية الكبيرة، مثل كتب (الأئمة: ابن منده، واللالكائي) التي تُضمَّن الكتابَ المراد، ويدخل الإسناد ضمنًا [16].
وقد تنبَّه أهلُ العلم قديمًا لأهمية دراسة الأسانيد والاهتمام بها.
ذكر ابن تيميَّة ما نقل عن الإمام أحمد، من رواية حرب بن إسماعيل، ثم علَّق على ما وَرَد فيها: "وليستْ هذه العقيدة ثابتة عن الإمام أحمد بألفاظها؛ فإني تأملْت لها ثلاثة أسانيد مُظْلمة برجال مجاهيل، والألفاظُ هي ألفاظ حرب بن إسماعيل، لا ألفاظ الإمام أحمد" [17]، فهذا نقدٌ للإسناد والمتن.
ومثله الإمام ابن القيم في دفاعه عن كتاب "الرد على الجهمية"، للإمام أحمد، ذَكَر أسانيد الكتاب وتوثيق أهل العلم له [18].
وكذلك اهتمام الحافظ ابن حجر في ذكر أسانيد كتب العقيدة، في الفصل الذي عقده في كتابه "المعجم المفهرس" [19]، وما تفرق منها في كتابه الآخر: "المجمع المؤسس للمعجم المفهرس".
الدراسات السابقة:
لم أجدْ - حسب علمي - دراسةً مستقلَّة تناولتْ أسانيد كتب العقيدة، وربطها بكُتب الرواية والفهارس.
فوائد توثيق أسانيد كتب العقيدة:
1 - معرفة رواة الكتاب من مؤلفه، وقد يكون الإسنادُ مما فُقد، ويمثل لهذا بكتاب "السنة"، لمحمد نصر المروزي، كما سيأتي.
2 - معرفة رواة آخرين للكتاب، عن طريق الوقوف على أسانيد تروي الكتاب من طريق كتب التراجم والمشيخات [20]، أو عن طريق رواية الكتاب ضمن كتاب مَوْسوعي، فيكون هذا حفْظًا للكتاب [21].
3 - أو نتعرَّف على إسناد آخر للكتاب ظَهَر من خلال نقول أهل العلم [22]، وهذا يُعطينا فائدة أخرى:
4 - وهي أن اختلاف بعض النصوص المنقولة عن الكتاب التي نصَّ عليها أهلُ العلم صراحة، ثم لا نجد هذا النقل فيما بين أيدينا من الكتاب الموسوم، يعني هذا - والله أعلم - أن النسخة التي وصلتْ إلينا، وطبع عليها الكتاب إنما هي تُمثِّل روايةً للكتاب، وأن المؤلف - رحمه الله - قد رواه عنه تلاميذه وأسمعه آخرين، ومن ثَمَّ انتقل الإسنادُ إما شرقًا أو غربًا، وسيأتي تطبيق لذلك عند ذِكْر كتاب "الإيمان"، لأبي عبيد القاسم بن سلام.
5 - تصحيح الأغلاط في الأسانيد، مما طُبع من كُتُب العقيدة.
6 - الرد على الطاعنين في كُتُب العقيدة، ونسبتها إلى مؤلِّفيها [23].
منهج البحث:
? رتبت الكتب تاريخيًّا حسب وفاة المؤلف.
? حرصتُ على إيراد الكتب التي تُكلِّم في ثبوتها، أو انقطع إسنادُها، أو لم يُذكَر لها إسناد، وربط هذه الأسانيد بكُتُب الرواية والفهارس المعروفة.
? جمعتُ في الدراسة بين كتب مطبوعة، ومخطوطة، ومفقودة.
? لم أستوعب جميع كتب العقيدة.
? أذكرُ اسم الكتاب كاملاً، موضوعه، طبعاته.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/271)
? إسناد الكتاب وهو:
أ- إما أن يكون مذكورًا على طُرة الكتاب، أو أني أرجع لأصْل المخطوط.
ب- وإما ألاَّ يكون مذكورًا، كأن يكون الكتاب مفقودًا، أشار إليه أهل التصانيف في كُتُبهم وأهل الفهارس، ويروونه بالسند.
التعريف برجال الإسناد:
ويكون بذِكر الرواة عن المؤلف، وعلى وجْه الاختصار، وأنبِّه إلى أمر: وهو أن رجال الأسانيد على قسمَيْن:
? قسم لهم تراجمُ يذكرها أهلُ الحديث والتاريخ في مؤلفاتهم.
? قسم إنما هم رواة كتب، فتجد أنَّ بعضَ الطرق لرواية كتابٍ ما، تلتقي في راوٍ ما، ولا نعرف عنه إلا اسمه ونسبه كاملاً، وروايته عن مؤلف الكتاب، أو دون ذلك، فهو اكتفى بتسميع الكتاب، ولم يرحلْ من بلده؛ ولذا فلا تجد له ترجمة؛ لفَقْد كثير من كتب علماء المشْرق المؤلَّفة في تواريخ البلدان، فلا يمكن أن يقال: إن هذا الإسناد ضعيف، أو منكر، مع ما يُذكر من توثيق نسْبة الكتاب، وتتابع العلماء على النقْل من الكتاب، ما لم يأتِ أمرٌ خارج عن ذلك؛ كأن يكون في الإسناد سقطٌ، أو يُذكَر عن الراوي عبث في الكتاب، ونحو ذلك.
توثيق نسبة الكتاب:
وذلك من جهتَيْن:
? إما بالنقل منَ الكتاب منسوبًا إلى مؤلفه، وتتابع أهل العلم على ذلك.
? وإما بذكره في ثنايا تآليفهم، وفي ترجمتهم له، وفي هذه الفقرة لم أستقرئ النقل عن المؤلف تاريخيًّا، وإنما أكتفي بالمشهور.
كتاب: "في الإيمان ومعالمه وسننه واستكماله ودرجاته"، للحافظ أبي عبيد القاسم بن سلام البغدادي، الأديب.
قال ابن سعد: كان مُؤدِّبًا صاحب نحو وعربية، وقال إسحاق بن راهويه: أبو عبيد أوسعُنا علمًا، وأكثرُنا أدبًا، قال الذهبي: وصنَّف التصانيف الموثَّقة التي سارتْ بها الركبان، ومنها "غريب الحديث"، "الطهور"، وغيرها، مات سنة 224 هـ[24].
موضوعه:
ذَكَر فيه معانيَ الإيمان، وأنه نيةٌ وقول وعمل، وأنه درجات، وذكر الاستثناء في الإيمان، والزيادة والنقْصان منه، ومن جعل الإيمان قولاً بلا عملٍ، ثم ذكر أنواع الذنوب، وختَمَه ببيان الفِرق المخالِفة في الإيمان.
طبعاته:
طُبع بتحقيق الشيخ محمد ناصر الدِّين الألباني عن نسْخة خطية نفيسة في دار الأرقم بالكويت، قال في وصفها: "نسخة ليست بالجيدة، وقع فيها أخطاء كثيرة وسقط في غير ما موضع"، المقدمة ص: و.
إسناد الكتاب:
الإسناد الأول:
طُبع على الورقة الأولى إسناد الكتاب، لكن وقع فيه سقط في أوله، وتداخل في الرواة عن أبي عبيد [25]، أوضحه كالآتي:
أخبرنا الشيخ أبو محمد عبدالرحمن بن عثمان بن معروف، أعني ابن نصر، قال: حدَّثنا أبو يعقوب إسحاق بن أحمد بن يحيى العسكري (صاحب عبيد القاسم بن سلام)، هذه الرسالة وأنا أسمع، قال أبو عبيد ....
وصوابه كما ساقه ابن حجر في "المعجم المفهرس" ص52 رقم 52، والروداني في "صلة الخلف" ص69 - 70.
قال ابن حجر: أخبرنا به الكمال بن عبدالحق إذنًا، عن عبدالرحيم بن إبراهيم بن أبي اليسر إجازةً إن لم يكنْ سماعًا: أنبأنا جدي إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر: أنبأنا أبو طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي: أنبأنا أبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني: أنبأنا عبدالعزيز بن أحمد الكتاني، وعبيد بن إبراهيم بن النجار [26]، قالا: أنبأنا أبو محمد عبدالرحمن بن عثمان بن أبي نصر: أنبأنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الأذرعي: أنبأنا عبدالله بن جعفر بن أحمد العسكري عنه.
تراجم الإسناد:
? عبدالله بن جعفر بن أحمد العسكري: أبو محمد: من أهل الرافقة، هكذا نسبه ابن عساكر في ترجمة إسحاق بن إبراهيم.
? إسحاق بن إبراهيم بن هاشم الأذْرعي: شيخ دمشق، قال أبو الحسين الرازي: كان من جلَّة أهل دمشق وعبَّادها وعلمائها، وقال ابن عساكر: أحد الثقات من عباد الله، وقال الذهبي: الإمام المحدِّث الرباني، مات سنة 344 هـ[27].
? عبدالرحمن بن أبي نصر عثمان بن القاسم التميمي الدمشقي، قال عبدالعزيز الكتاني: "ولم ألقَ شيخًا مثله زهدًا وورعًا، وعبادة ورئاسة"، وقال أبو الوليد الدربندي: "وكان خيرًا من ألف مثله إسنادًا وإتقانًا وزهدًا"، مات سنة 420 هـ[28].
الإسناد الثاني:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/272)
ما ذكره أبو عبدالله محمد بن أحمد الرازي، المعروف بابن الحطَّاب [29]، مات سنة 525هـ، عند ذكر الشيخ الثالث والعشرين، وهو: أبو عبدالله الحسين بن أحمد بن الحسن، وكان من الصالحين، قال: وعندي عنه كتاب "الإيمان"، لأبي عبيد، جزءٌ لطيف، أخبرنا به عن حمزة بن علي بن حمزة البغدادي، عن ابن أبي الموت المكي، عن أبي علي الحسن بن علي البلخي، عن أبي صالح رجاء بن عبدالله الصاغاني، قال: سألت أبا عبيد، فذكره، ص219 - 220.
تراجم الإسناد:
? رجاء بن عبدالله الصاغاني، يروي عن يعلى بن عبيد: روى عنه أهل بلخ، هكذا ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/ 248).
? الحسن بن علي البلخي أبو علي الوخشي، قال أبو سعد السمعاني: كان حافظًا فاضلاً ثقةً، حسن القراءة، رَحَل إلى العراق والشام، وقال عبدالغافر: قدم نيسابور وسمع مرارًا [30].
? أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي الموت المكي، توفِّي بمصر سنة 351 هـ، قال في "السير": الشيخ المحدث، وقال في "الميزان": ضُعف قليلاً، وقال ابن حجر في "اللسان": لم أقف على كلام من صرَّح بتجريحه، وكان من مسندي عصره، مات سنة 351هـ[31].
الإسناد الثالث:
لذِكْر هذا الإسناد سببٌ اجتهدتُ في الوُقُوف عليه، وإليك البيان:
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "الإيمان" نقلاً عن كتاب أبي عبيد "الإيمان"، قال: هذه تسمية من كان يقول: الإيمان قولٌ وعملٌ يزيد وينقص، ثم سرد مَن قال به من أهل مكة، ص293 - 295.
وهذا النقل لا يوجد في المطبوع، وأصل النقل من كتاب "الإبانة"، لابن بطة الذي حفظ لنا إسنادًا للكتاب.
قال ابن بطة: حدثني أبو عبدالله أحمد بن حميد الكفي، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن علي بن عيسى السكين البلدي، قال: حدثنا سنان بن محمد، قال: قال أبو عبيد القاسم بن سلام: هذه تسمية مَن كان يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، (2/ 814 ح1117).
فالذي يظهر أنَّ هذا إسناد لكتاب "الإيمان"؛ لأبي عبيد [32]، مع ما سبق أن النسخة حصل فيها سقط وأخطاء.
توثيق نسبة الكتاب:
? إسناد الكتاب، كما مرَّ معنا.
? ذَكر الكتابَ مَن ترجم له.
? وهو أحد الكتب المروية التي ورد بها الخطيب البغدادي دِمَشق ص284 رقم 44.
? ونقل منه ابن تيميَّة في كتاب الإيمان من الفتاوى (7/ 208، 209، 330)، وابن حجر في "الفتح" (1/ 103).
كتاب الإيمان
لأبي بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، أخي الحافظ عثمان بن أبي شيبة، قال الذهبي: وهو من أقران أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المديني في السن والمولد والحفظ.
قال الخطيب: كان متقنًا حافظًا مكثرًا، صنَّف المسند والأحكام والتفسير.
قال عمرو بن الفلاَّس: ما رأيت أحدًا أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة، مات سنة 235هـ[33].
موضوعه:
تناول الكتاب ما ذُكر في الإيمان: حده، وثمراته، ونواقضه.
والنصوص إما أحاديث نبوية، أو آثار عن السلف، ولم يُعلِّق على أي منها، وبلغ عدد النصوص (139) نصًّا.
طباعته:
طُبع الكتاب بتحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ضمن مجموع في دار الأرقم.
إسناد النسخة كما ورد في طبعة الكتاب:
? أبو بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي.
? رواية أبي العلاء [34] محمد بن أحمد بن جعفر الوكيعي.
? رواية أبي محمد الحسن بن رشيد العسكري.
? رواية أبي القاسم علي بن محمد بن علي الفارسي الفسوي.
? رواية أبي صادق مرشد بن يحيى بن قاسم البزاز المدني.
? رواية أبي (عبدالله) محمد بن علي بن محمد الرحبي [35].
? رواية الزاهد أبي علي حسن بن أحمد بن يوسف الأوقي.
تراجم الإسناد:
? محمد بن أحمد بن جعفر الذهلي، أبو العلاء الكوفي، نزيل مصر، ويعرف بالوكيعي، قال ابن يونس: ولد بالكوفة سنة أربع ومائتين، وقدم مصر قديمًا تاجرًا، وكان ثقةً ثبتًا، وقال الذهبي: الإمام المعمَّر الثقة، توفي سنة 300هـ[36].
? أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري المصري، الإمام المحدِّث الصادق.
قال الطحان: روى عن خلْق عظيم لا أستطيع ذِكْرهم، ما رأيتُ عالمًا أكثر حديثًا منه.
قال الذهبي: طال عمره، وعلا إسناده، وكان ذا فهم ومعرفة، مات سنة 370هـ[37].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/273)
? أبو القاسم علي بن محمد بن علي الفارسي، المصري، قال الرازي في مشيخته: سمَّعت عليه ستين جزءًا أو أزيد، وقد كان من المسنين المسندين، وكان - رحمه الله - كثيرَ الرواية، صحيحَ السماعات، وقال الذهبي: الشيخ الأمين، الجليل، مات سنة 433هـ[38].
? أبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني المصري، قال السِّلفي: كان ثقة صحيح الأصول، وقال الذهبي: المحدث الثقة العالم، مات سنة 517هـ[39].
? محمد بن علي بن محمد الرحبي الفقيه الشافعي، قال ابن الدبيثي: فقيه فاضل، له معرفة حسنة بالأدب، وله شعر جيد، مات سنة 577هـ[40].
توثيق نسبة الكتاب:
? إسناد الكتاب كما ورد في النسخة المخطوطة.
? رواية الحافظ ابن حجر له في "المعجم المفهرس"، رقم 49 ص51.
ووصله لإحدى معلقات البخاري في صحيحه في كتاب "التغليق" 2/ 19، وهو الإسناد نفسه.
سماع العلماء للكتاب:
? ومنها سماع بخط الحافظ محمد بن يوسف بن محمد البرزالي، كتبه سنة 623 هـ، وقرأها الحافظ محمد بن المحب المقدسي على الحافظ الذهبي.
? سماعات أهل العلم للكتاب كما في الورقتين الأولى والأخيرة من النسخة الخطية صفحة (ن، س)، من طبعة الشيخ الألباني، ومنها سماع سنة 635 هـ.
? نقل منه الحافظ الذهبي في "السير" 17/ 614، وابن حجر في "الفتح" 1/ 47، 48، وفي "تغليق التعليق" 2/ 19، 21، والسيوطي في "الدر المنثور" 1/ 215 سورة البقرة، الآية: 88.
ــــــــــــــــــــــــ
[1] "الجرح والتعديل" (2/ 15)، وابن حبان في "المجروحين" (1/ 22).
[2] مسلم في مقدمة صحيحه (1/ 84).
[3] مسلم في مقدمة صحيحه بشرح النووي (1/ 87).
[4] "الخلاصة في أصول الحديث"، للطيبي ص30.
[5] البخاري (1/ 194)، ومسلم (4/ 2058).
[6] مالك في "الموطأ" رقم 936، والبخاري (1/ 194).
[7] "جامع بيان العلم" (1/ 76).
[8] "الحلية" (3/ 363).
[9] "تذكرة الحفاظ" (1/ 6).
[10] "تاريخ الإسلام"، تحقيق عبدالسلام تدمري، ص13، و"صحائف الصحابة"، لأحمد الصويان ص236، و"المنهج المقترح لفهم المصطلح"، لحاتم العوني ص45، و"بحوث في تاريخ السنة"، لأكرم العمري ص232.
[11] "تدريب الراوي" (1/ 418) "النوع الرابع والعشرون".
[12] "الفتح" (1/ 6)، "فهرس الفهارس" (1/ 82).
[13] "تغليق التعليق" (5/ 435)، و"هدي الساري" ص491 كلاهما للحافظ ابن حجر، وكتب الباحث محمد إسحاق رسالة عنوانها "الأصول الستة: رواياتها ونسخها" رسالة ماجستير - قسم الثقافة الإسلامية - جامعة الملك سعود - سنة 1405هـ.
[14] انظر: دراسة نذير حمدان "الموطآت" ص75.
[15] أول من وقفتُ عليه من بحث له صلة بموضوع البحث ما كتبه أخونا الدكتور/ صالح العقيل في مجلة عالم الكتب - العدد السادس (1421هـ) ص487، بعنوان: "كتاب السنة، لعبدالله بن الإمام أحمد - دراسة توثيقية".
[16] مثال ذلك: كتاب "القدر"، لأبي داود السجستاني لم يصلْنا؛ لكن الإمام ابن بطة في كتاب "الإبانة" روى من طريق رواة الكتاب (ابن داسة، والمتوثي) قرابة (241) نصًّا عن أبي داود؛ فهل هذا إلا حفظ للكتاب؟!
[17] "الاستقامة" (1/ 73).
[18] قال: ولم يُسمع من أحد من متقدِّمي أصحابه ولا متأخِّريهم طعن فيه، فإن قيل هذا الكتاب يرويه أبو بكر ... ثم أجاب على الطعون في "اجتماع الجيوش" ص208 - 209 وسيأتي تفصيل ذلك.
[19] ص15.
[20] انظر: تعريفها في "فهرس الفهارس" (1/ 67).
[21] ويمكن التمثيل بنوعين:
أ- كتاب "القدر"، لأبي داود السجستاني (ت سنة 275 هـ)، وقد سبق توضيح ذلك.
ب- مثال آخر في الجانب الحديثي، وهو ما يتعلَّق بالنسخ والصحف الحديثية: "صحيفة أبي هريرة - رضي الله عنه –" واشتهرت بصحيفة همام بن مُنبِّه عن أبي هريرة، وقد طبعت مستقلة، وقد حفظها الإمام أحمد في مسنده كاملة، انظر "المسند" (16/ 27)؛ تحقيق أحمد شاكر، وراجع دراسة "صحائف الصحابة"، لأحمد الصويان ص189.
[22] انظر: طرق كتاب "السنة"، لعبدالله بن أحمد، في هذا البحث ص149، و"الشريعة" ص166.
[23] وهذه الدعْوى قديمة وحديثة، انظر مثال ذلك: دفاع الإمام ابن القيم عن كتاب "الرد على الجهمية".
[24] انظر: "تاريخ بغداد" (12/ 403)، "تهذيب الكمال" (13/ 354)، "السير" (10/ 490).
[25] ص 53 من المقدمة.
[26] في "صلة الخلف": عبيدالله بن إبراهيم النجار.
[27] انظر: "السير" (5/ 478)، "الوافي" (8/ 398)، "تاريخ ابن عساكر" (2/ 736) (خ).
[28] انظر: "الوفيات"، للكتاني ص163، "تاريخ دمشق" (10/ 46) (خ)، "السير" (17/ 366).
[29] انظر: الدراسة المفصلة عنه، التي قام بها محقق المشيخة الشيخ حاتم العوني ص 33.
[30] انظر:" المستفاد" ص214، "المنتخب من السياق" ص182، و"السير" 18/ 365.
[31] انظر: "السير" 16/ 25، "الميزان" (1/ 152)، "اللسان" (1/ 296).
[32] وقد نبَّه على السقط سائد بكداش في كتابه "أبو عبيد القاسم بن سلام" ص93 ضمن سلسلة أعلام المسلمين.
[33] انظر: "تاريخ بغداد" (10/ 66)، "السير" (11/ 122).
[34] في "تغليق التعليق": أبو جعفر.
[35] من هنا ينتقل الإسناد عند الذهبي في "السير"، وابن حجر في "المعجم المفهرس"، و"تغليق التعليق" من طريق عبدالواحد بن عسكر إلى آخر إسناده.
[36] انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 344، "السير" (14/ 138).
[37] انظر: "وفيات المصريين" ص 52 رقم 197، "السير" (16/ 280).
[38] انظر: "مشيخة الرازي" ص 117 الشيخ الرابع، "السير" (17/ 613).
[39] انظر: "تاريخ الإسلام" ص 418، "السير" (19/ 475).
[40] انظر: "معجم البلدان" (3/ 35)، "طبقات الشافعية" (6/ 156)، وهامش "تكملة إكمال الإكمال" ص165.
منقول:
http://www.alukah.net/articles/1/8925.aspx
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/274)
ـ[ابن عبدالباقى السلفى]ــــــــ[19 - 12 - 09, 12:24 ص]ـ
توثيق أسانيد كتب العقيدة الإسلامية (2/ 5)
أ. د. عبدالله بن صالح البراك
المصدر: الدرعية العددان 39/ 40، رمضان - ذو الحجة 1428هـ/ أكتوبر - ديسمبر 2007م
كتاب: الرد على الجهْمية، للإمام أحمد
اسمه:
"الرد على الزنادقة والجهْمية، فيما شكَّتْ فيه من متشابه القرآن، وتأوَّلتْه على غير تأويله"، تأليف الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، أبي عبدالله، أحد الأئمة الأربعة، قال الشافعي: "أحمد إمامٌ في ثماني خصال: إمام في الحديث، إمام في اللغة، إمام في القرآن ... ".
من مؤلفاته:
"المسند"، "فضائل الصحابة"، وغيرهما، توفِّي سنة 241 هـ[1].
موضوعه:
يُعدُّ الكتاب من أوائل الكتب التي صنَّفها السلفُ في الرد على الزنادقة والجهمية، واستخدم الإمامُ أحمدُ في مناقشتهم النقلَ والعقل، وقد قسَّمَه قسمَيْن:
أ- الرد على الزنادقة: الذين يُشكِّكون الناسَ في القرآن.
ب- الرد على الجهمية: وعلى رأسها زعيمها الجهْم بن صَفْوان، ومن سار على منْهجه من معتزلةٍ وغيرهم في مسائل الصفات، وخلْق القرآن.
طباعته:
طبع في مطبعة السنة المحمدية، وطبع بتحقيق/ علي سامي النشار، وعمار الطالبي، ضمن عقائد السلف على نسختَيْن خطيتَيْن، وطبع مصحَّحًا بتعليق الشيخ/ إسماعيل الأنصاري؛ نشر رئاسة إدارات البحوث العلميَّة والإفتاء.
إسناد الكتاب:
الإسناد الأول:
أ- يرويه أبو بكر الخلال، عن الخضر بن مثنى، عن عبدالله بن أحمد، عن أبيه.
وهو الذي طبع عليه الكتاب ص 15 طبعة النشار.
الخضر بن مثنى الكندي: قال ابن أبي يعلى في الطبقة الثانية: "نقل عن عبدالله بن إمامنا أحمد أشياء منها: الرد عن الجهميةحمد منها: الرد عن ال"، وروى عنه الخَلَّال.
قال ابن القيم ردًّا على من قال بجهالة الخضر: "إن الخضر هذا قد عرفه الخلال وروى عنه، كما روى كلام أبي عبدالله عن أصحابه، وأصحاب أصحابه، ولا يضر جَهالة غيره له" [2].
وساق السندَ أبو يعْلى في "إبطال التأويلات" (2/ 299، 444)، وص 245/ب، و"الطبقات" 2/ 48، قال: "فيما قرأته على المبارك بن عبدالجبار [3]، عن إبراهيم [4]، عن عبدالعزيز [5]، (عن) أبي بكر الخلال: أخبرني خضر بن مثنى الكندي، قال: حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال: قال أبي ... ".
ب- يرويه أبو بكر الخلال في كتاب "السنة"، عن عبدالله بن أحمد، عن أبيه.
نص على ذلك ابن القيِّم - رحمه الله - قال: "ذكر هذا الكتابَ كلَّه أبو بكر الخلال في كتاب "السنة" له" ص202.
وقال في موضع آخر: "كتاب "الرد على الجهمية" الذي رواه عنه الخلال من طريق ابنه" ص201.
وقال الخلال: "كتبتُ هذا الكتاب من خط عبدالله، وكتبه عبدالله من خط أبيه" ص208 "الاجتماع"، ونحوه في "الصواعق المرسَلة" (4/ 1298).
ورواية الخلال للكتاب من طريقَيْن:
? بالإسناد عن الخضر.
? وجادة عن عبدالله بن أحمد؛ فالخلال - رحمه الله - كما يقول الإمام ابن القيِّم: "إنما رواه عن الخضر؛ لأنه أحب أن يكون متَّصل السند على طريق أهل النقل، وضم ذلك إلى الوجادة، والخضر كان صغيرًا حين سمعه من عبدالله، ولم يكن من المعمَّرين المشهورين بالعلم، ولا هو من الشيوخ"؛ "اجتماع الجيوش" ص209، مقدمة "الرد على الجهمية" ص5.
الإسناد الثاني:
? رواية صالح بن الإمام أحمد عن أبيه.
ذَكَر هذه الروايةَ ابنُ أبي يعلى في "الطبقات" (2/ 65)، بسنده إلى زهير بن صالح [6]، قال: "قرأت على أبي، صالح بن أحمد بن حنبل هذا الكتابَ، وقال: هذا كتاب عمله أبي في مجلسه" [7].
الإسناد الثالث [8]:
رواية المروذي عن الإمام أحمد، ذكر هذا الخلال في كتاب "السنة"، قال: أخبرنا المروذي [9]، قال: هذا ما جمعه واحتج به أبو عبدالله على الجهميَّة من القرآن، وكتبه بخطِّه، وكتبتُه من كتابه، فذكر المروذي آياتٍ كثيرةً دون ما ذكر الخضر بن [أحمد] [10] عن عبدالله بن أحمد، وقال فيه: سمعت أبا عبدالله يقول".
ذكر هذا النصَّ كاملاً ابنُ تيميَّة في "الدرء" (2/ 115 - 116).
توثيق نسبة الكتاب:
اعتمده العلماء، ونقلوا عنه، وأفادوا منه، ومن هؤلاء:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/275)
? القاضي أبو يعلى في "العدة" (4/ 1274)، وابنه في "الطبقات"، و"إبطال التأويلات" (1/ 233) كما تقدم، وابن عقيل، والبيهقي كما في "الاجتماع" ص 208 - 209، وابن تيميَّة في كتبه؛ مثل: "الدرء" (1/ 18، 44)، و (2/ 291 - 297)، و"التسعينية" (1/ 215، 234، 305)، و"النبوات" (1/ 561)، و"الجواب الصحيح" (2/ 17)، وغيرها [11].
? وابن القيم في كتبه؛ مثل: "مطلع السعد" ص24 - 25، "طريق الهجرتَيْن" ص337 ق/العايد، "الصواعق" 924، 927، 1241، 1298، وما تقدم عن "الاجتماع" له، وغيرها، والذهبي في "السير" (11/ 330)، و"العرش" (2/ 249)، وابن حجر في "الفتح" (13/ 422)، والعليمي في "المنهج الأحمد" (2/ 59 - 60).
إشكال والجواب عليه:
شكَّك الحافظُ الذهبي وهو يُعَدِّد رسائل الإمام أحمد، قائلاً: "كالرد على الجهمية الموضوع على أبي عبدالله، فإن الرجل كان تقيًّا ورعًا لا يتفوَّه بمثْل ذلك، ولعله قاله"، "السير" (11/ 286 - 287).
والجواب:
1 - الذهبي قد أثبت الكتاب قبلُ، حينما عدَّد كتب الإمام أحمد، فقال: "الرد على الزنادقة، ثلاثة أجزاء"؛ "السير" 11/ 330.
2 - يبدو أن ملحوظات الذهبي على بعض ما ورد في الكتاب، ولم يبين لنا الذي أشكل عنده، ثم استدرك، وقال: "ولعله قاله".
3 - أن رواة الكتاب أئمة عدول، تلقَّاه عنهم أئمةُ السنة من عصر ابن الإمام أحمد إلى عصور متأخِّرة، ذكرتُهم عند توثيق الكتاب، فلا وجْه للتشكيك أو التوقُّف في نسبة الكتاب [12].
شجرة إسناد كتاب "الرد على الجهميَّة"
[وينتهي الإسناد عند أبي يعلى في "الطبقات"]
كتاب: الإيمان
تأليف: عبدالرحمن بن عمر بن يزيد الأصْبهاني، ولقبه: رُسْته.
قال أبو الشيخ: "وكان راوية عن يحيى القطان، خرج إلى الري فحضر مجلسه أبو زرعة وأبو حاتم".
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال الذهبي: الإمام المحدِّث المتقن، مات سنة 250هـ[13].
موضوعه:
ما وقفتُ عليه من النصوص المنقولة وجدتُها تتناول مسائلَ الإيمان في الأحاديث النبوية، والنقول عن السلف في هذه المسألة، والكتاب في عداد المفقود.
إسناد الكتاب:
ساق ابن حجر في "المعجم المفهرس" و"المجمع المؤسس"، قال: أخبرني به عبدالله بن عمر بن مبارك بقراءتي عليه، بإجازته من زينب بنت الكمال، عن عجيبة بنت أبي بكر الباقدارية، بإجازتها من مسعود بن الحسن الثقفي، بسماعه من أبي الفضل المطهر بن عبدالواحد البزاني، قال: أخبرنا أبو عمر بن عبدالوهاب، قال: أخبرنا عبدالله بن محمد بن عمر الزهري، قال: أخبرنا عمي عبدالرحمن بن عمر بن يزيد الملقب رسته به، وهو في مجلدة.
هكذا ساقه ابن حجر في "المعجم" ص52 رقم 35، و"المجمع" 2/ 43، و"تغليق التعليق" 4/ 196، وفي "موافقة الخُبر الخبر" 1/ 360، والروداني في "صلة الخلف" ص70.
وأما ابن عساكر، فيروي بالإسناد السابق قُرابة (46) نصًّا من طريق شيخه أبي سعد بن أحمد بن محمد بن الحسن البغدادي: أنا أبو الفضل المطهر بن عبدالواحد بن محمد عنه به [14].
تراجم الإسناد:
? عبدالله بن محمد بن عمر الزهري الأصبهاني ابن أخي رسته، لم أجدْ له ترجمة.
? عبدالله بن محمد بن أحمد بن عبدالوهاب، أبو عمر السلمي الأصبهاني، المقرئ.
روى عن عبدالله بن محمد بن عمر الزهري، وابن الجارود، وأبي الحسن اللنباني، روى عنه أبو بكر بن أبي علي الذكواني، وعبدالوهاب بن منده، مات سنة 394هـ[15].
? أبو الفضل المطهر بن عبدالواحد البزاني الأصبهاني، قال الذهبي: الشيخ الجليل الرئيس، مات سنة 474هـ[16].
? مسعود بن الحسن بن القاسم الثقفي الأصبهاني، قال السمعاني: من بيت الحديث والرئاسة والتقديم، عُمِّر العمر الطويل، حتى تفرَّد بالرواية عن جماعة من الشيوخ، وبالكتب، وبالإجازة، مات سنة 562هـ[17].
? عجيبة بنت أبي بكر الباقدارية الشيخة المسندة، ماتت سنة 647هـ، لها ترجمة في "السير" 23/ 232، و"ذيل التقييد" 2/ 383.
? زينب بنت الكمال المقدسية الصالحية، مسندة الدنيا، ماتت سنة 740 هـ، لها ترجمة في "معجم شيوخ الذهبي" 1/ 248، "الدرر الكامنة" 2/ 117.
توثيق نسبة الكتاب:
الإسناد مروي عن ابن حجر في كتبه كما سبق، ونقله من الكتاب في "موافقة الخُبر الخبر" 1/ 360، وفي "الفتح" 1/ 81، 8/ 252، 13/ 170، وفي "اللسان" 4/ 447، و"تعجيل المنفعة" له كما في المقدمة 1/ 66 رقم 35، والسيوطي في "الدر المنثور" 2/ 564.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/276)
كتاب: الاستقامة والرد على أهل الأهواء [18]
تأليف: خُشيش بن أصرم بن الأسود، أبو عاصم النَّسائي، قال النسائي: ثقة، وقال الذهبي: الإمام الحافظ الحجة، وكان صاحب سنة واتِّباع، مات سنة 352 هـ بمصر [19].
موضوعه:
جاء في حاشية "تهذيب الكمال" نسخة المؤلف نقلاً عن ابن يونس - مؤرخ مصر -: وله كتاب مصنَّف يرد فيه على أهل الأهواء بالحديث المروي؛ "تهذيب الكمال" (85/ 253) في هامش رقم (1).
اختصر الكتاب أبو الحسين الملطي، المتوفَّى سنة (377هـ)، واعتمد عليه في كتابه "التنبيه والرد على أهْل الأهواء والبدع"، كما نص على ذلك في المقدمة ص91.
إسناد الكتاب:
سمع الكتابَ الحافظُ محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي المصري، المعروف بابن الحطاب في مشيخته ص136 الشيخ الخامس، قال: وهو جزء كبير، أخبرنا به محمد بن الحسين النيسابوري [20]، أخبرنا به أبو محمد الحسن ابن رشيق [21]، عن العباس بن محمد بن العباس البصري [22]، عن خُشيش بن أصرم النسوي.
ومن هذا الطريق يروي الحافظ السمعاني في "المنتخب من معجم شيوخه" (3/ 1312)، وفي "التحبير" (2/ 17 - 18)، وابن خير في "الفهرست" ص300، والحافظ الدشتي في كتابه "إثبات الحد" ح74، والحافظ ابن حجر في "المعجم المفهرس" ص56 رقم 72، والروداني في "صلة الخلف" ص112.
توثيق نسبة الكتاب:
سبق ذِكر جمع من العلماء المصنفين الذين روَوُا الكتاب بالإسناد، يضاف ذِكر العلماء المترجمين أمثال:
"المزي في التهذيب" (8/ 251)، و"الذهبي في السير" (12/ 250)، و"التذكرة" (2/ 551)، وغيرهما من كتبه.
ونقل الأئمة أمثال ما قال ابن تيمية في "منهاج السنة" (1/ 28)، قال: ورواه من طريقه أبو عمر الطلمنكي في كتابه "الأصول"، وابن القيم في "اجتماع الجيوش" ص109، والسيوطي في "الدر المنثور" أربعة نصوص كما في بحث د/ عامر صبري عن موارد السيوطي ص215.
كتاب: خلق أفعال العباد، والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل
تأليف: أمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي مولاهم، أبي عبدالله البخاري.
قال نعيم بن حماد: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة، وقال ابن خزيمة: ما رأيتُ تحت أديم السماء أعلمَ بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم- وأحفظ له من محمد بن إسماعيل، وقال أبو الطيب: آية من آيات الله في بصره ونفاذه من العلم، له "الجامع الصحيح" وغيره، مات سنة 256 هـ[23].
موضوعه:
تحدَّث فيه البخاري عن القرآن الكريم، رادًّا على طوائف: الجهمية القائلين بخلق القرآن، والمعتزلة القائلين بنفي خلْق اللهِ أفعالَ العباد، وعلى أصحاب التعطيل؛ مُستدلاًّ بالقرآن والسنة وأقوال السلف في ردِّه واستدلاله - رحمه الله - وهو من آخر كتبه - رحمه الله.
طباعته:
أول طبعة له في الهند سنة 1306 هـ، ثم توالت الطبعات: طبعة أنصار السنة، وطبعة النهْضة عام 1390 هـ، ثم طبعة بتخريج بدر البدر في الكويت سنة 1405هـ.
وجميعُها خالٍ من ذِكر إسناد الكتاب، مع أنه موجود على النسخة الخطية التي طبع عليها أول مرة.
إسناد الكتاب:
الإسناد الأول:
ما ورد على النسخة الخطية الأولى [24] كما قال الناسخ للنسخة، محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدرة [25]: نقلته من نسخته بخط الشيخ أبي بكر بن الخاضبة [26]، عن أبي بكر وجيه بن طاهر الشحامي كتابةً [27] من نيسابور، ومحمد بن عبدالله بن أحمد العامري [28] عنه سماعًا، أخبرني أبو الفتح محمد بن أحمد بن عبدالله الأصبهاني، سمكويه [29] فيما أذن لي أن أرويَه عنه، قال: أخبرنا الإمام أبو سهل [أحمد] بن علي الأبيوردي [30]:
أ- حدثنا إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب الكشاني [31]، حدثنا أبو عبدالله محمد بن يوسف الفربري [32]، حدثنا أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري - رضي الله عنه - سنة ست وخمسين ومائتين.
ب- الفرع الثاني من طريق الفربري، يرويه إسماعيل الكشاني السابق:
? محمد بن أبي الهيثم المطوعي:
وهو محمد بن خالد بن الحسن المطوعي البخاري، من مشايخ بخارى وأولاد المشايخ، وكان حسن الحديث، مات سنة 362هـ[33]، وعنه أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحاكم، ومن طريقه يروي البيهقي كتاب "خلق الأفعال"، في كتابه "الأسماء والصفات" [34].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/277)
وعن أبي عبدالله الحاكم يرويه: محمد بن علي بن أحمد المقرئ أبو العلاء الواسطي، قال الخطيب: وكان قد جمع الكثير من الحديث، وخرَّج أبوابًا وتراجمَ وشيوخًا، كتبت عنه منتخبًا، وكان من أهل العلم بالقرآن، مات سنة 431 هـ[35]، وعنه الخطيب في "تاريخه" (2/ 30).
الإسناد الثاني:
وهو الذي ورد على النسخة التركية المخطوطة [36] لكتاب البخاري، وهي التي رواها الروداني في "صلة الخلف" ص229، ساق بإسناده إلى أبي طاهر السِّلَفي [37]، عن أبي مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي، عن أبيه، عن إبراهيم بن أحمد المستملي، عن محمد بن يوسف الفربري سنة 314هـ، عنه؛ أي: أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري في كتابه "خلْق أفعال العباد".
تراجم الإسناد الثاني:
? إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم البلخي المستملي، سمع البخاري من الفربري سنة 314هـ، سمعه منه أبو ذر عبد بن أحمد الهروي ببلخ في سنة 374 هـ، قال أبو ذر: كان من الثقات المتقنين ببلخ، وقال الذهبي: الإمام المحدِّث الرَّحال الصادق، طوَّف وسمع الكثير [38].
? أبو ذر الهروي: عَبْدُ بن أحمد بن محمد الهَرَوي المالكي، راوي "الصحيح".
قال الخطيب: وكان ثقةً ضابطًا ديِّنًا، وقال الذهبي: الحافظ الإمام المجوِّد، مات سنة 434 هـ[39].
? ابن أبي ذر: عيسى بن الحافظ الكبير أبي ذر الأنصاري الهروي، قال الذهبي: وسمع من أبيه شيئًا كثيرًا، وأجاز لأبي طاهر السِّلَفي [40].
? أبو طاهر السِّلَفي: أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني، قال ابن نقطة: كان السِّلفي جوالاً في الآفاق، حافظًا، ثقة، متقنًا، وقال الذهبي: شيخ الإسلام شرف المُعمَّرين، مات سنة 567 هـ[41].
وهذا الإسناد هو الذي وقع للحافظ المزي كما يُفهم من كلامه في "تهذيب الكمال" [42].
الإسناد الثالث:
يرويه يوسف بن ريحان بن عبدالصمد، أشار لروايته ابنُ حجر في "تغليق التعليق" (5/ 436)، و"الهدي" ص492، ونقله عنه البغدادي في "كشْف الظنون" (1/ 722)، ولم أقفْ على من رواها مِن هذا الطريق، والله أعلم.
والذي يظهر أن ابنه محمدًا أميرٌ ببخارى، وقد ساق له ابن حجر خبرًا عن أبيه، عن محمد بن إسماعيل [43].
وبعد هذه الأسانيد والسماع عن المؤلِّف في سنة وفاته (256)، هل يقبل مَن في رأسه مسكةُ من عقل، قولَ المعلِّق (الكوثري) على كتاب "الاختلاف" ص10: "كتاب "خلق الأفعال" المنسوب لأبي عبدالله البخاري،" ولما احتاج لبعض نصوصه في الرد على مخالفيه احتج به!
انظر ص54 من تعليقه على "الاختلاف في اللفظ"، لابن قُتَيْبَة.
توثيق نسبة الكتاب:
أسانيد الكتاب كما مرَّ معنا، ونقل كتب التراجم.
النقل عن الكتاب:
نقل ابن تيميَّة عنه في كتبه في مواضع كثيرة، منها: "حديث النزول" 159، 401، "التسعينية" في مواضع، منها: (1/ 243، 246)، (2/ 437)، "الدرْء" (1/ 226)، (2/ 24)، "الحموية" (380)، "الرد على المنطقيين" 229.
وابن القيم في كتبه: "الصواعق" 1301، 1395، 1433، قال: "من أجل كتبه الصغار"، "طريق الهجرتين" 435ق/ العقيلي، "اجتماع الجيوش": 216، 217/ 234، 252، "شفاء العليل" 333، 395، 531.
والذهبي في "السير" (12/ 113)، وابن حجر في كتبه كما تقدم، وفي "الفتح" في مواضع، كما في "معجم المصنفات الواردة في فتح الباري" ص189، و"نتائج الأفكار" 1/ 318، والسيوطي في "الدر" (سورة الصافات الآية: 80).
شجرة أسانيد كتاب "خلْق أفعال العباد"
أبو بكر العامري
وجيه بن طاهر
(النسخة الهندية للكتاب)
ــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: "تاريخ بغداد" 4/ 421، "سير أعلام النبلاء" 11/ 177.
[2] انظر: "طبقات الحنابلة" 2/ 47، "المقصد الأرشد" 2/ 372، "اجتماع الجيوش" ص209.
[3] ابن أحمد البغدادي الصيرفي ابن الطيوري، قال ابن السمعاني: "كان محدثًا مكثرًا صالحًا أمينًا صدوقًا، صحيح الأصول، أكثر عنه السلفي، وقال: هو محدث مفيد ورع كبير"، مات سنة 500 هـ عن تسعين سنة.
انظر: "الإكمال"، لابن ماكولا (3/ 287)، "التقييد"، لابن نقطة (2/ 238)، "السير" (19/ 213).
[4] إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي، البغدادي الحنبلي، قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان صدوقًا ديِّنًا فقيهًا على مذهب أحمد بن حنبل، وقال ابن أبي يعْلى: وكان ناسكًا زاهدًا فقيهًا مفتيًا ... وله إجازة من أبي بكر عبدالعزيز، توفِّي سنة 445هـ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/278)
انظر: "تاريخ بغداد" (6/ 139)، "طبقات الحنابلة" (2/ 190)، "السير" (17/ 605).
[5] عبدالعزيز بن جعفر بن أحمد أبو بكر البغدادي، المعروف بغلام الخلال، قال أبو يعلى: وكان أحد أهْل الفَهْم، موثوقًا به في العِلْم، متسع الرِّواية، مشهورًا بالديانة، وقال الذهبي: الشيخ الكبير العلاَّمة، وكان كبير الشأن، من بحور العلم، مات سنة 363 هـ.
انظر: "طبقات الحنابلة" (2/ 119)، "السير" (16/ 243)، "تاريخ بغداد" (10/ 459).
[6] زهير بن صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل، حدَّث عن والده، وأبي بكر النجار، وأبي بكر الخلال، سُئل الدارقطني عن زهير بن صالح، فقال: قد حدَّث وهو ثقة، ما كان به بأس، مات زهير سنة 303هـ.
انظر: "طبقات الحنابلة" (2/ 49)، "تاريخ بغداد" (8/ 486)، "المقصد الأرشد" (1/ 401).
[7] "الطبقات" (2/ 65)، و"اجتماع الجيوش" ص210، 211.
[8] لم يذكر في أسانيد الكتاب، وهذه من لفتات ابن تيميَّة - رحمه الله.
[9] أحمد بن محمد بن الحجاج أبو بكر المروذي، قال ابن أبي يعلى: "وهو المقدم من أصحاب أحمد؛ لورعه وفضله، وكان إمامنا يأنس به وينبسط إليه"، وقال الخطيب: "فقد روى عنه مسائل كثيرة، وأسند عنه أحاديث صالحة"، وقال الذهبي: "كان إمامًا في السنة، شديد الاتِّباع، له جلالة عجيبة ببغداد"، مات سنة 275 هـ.
انظر: "الطبقات" (1/ 56)، "تاريخ بغداد"، (4/ 523)، "السير" (13/ 173).
[10] سبق أن اسمه: الخضر بن مثنى.
[11] أحصيتها كاملة في بحث لي بعنوان: "موارد ابن تيميَّة" ص 26، 27، وسبق ذكْره في المقدِّمة.
[12] سوف أضرب صفحًا عن تعليقَيْن يدلان على حَنَق على أهل السنة، ودعاوى عارية عن الدليل، فأصحابها أدعياء:
أ- الأول: محمد زاهد الكوثري في تعليقه على كتاب ابن قتيبة "الاختلاف في اللفظ" ص55، بدعوى أن نسبته إليه إنما تعزى إليه في القرن (الرابع) الهجري، وأنه أتى بعلل قادحة للمتْن والسند، صرح بأنه ذكرها في موضع آخر! وكرر هذا الكلام كما في "المقالات" ص399، و"السيف الصقيل" ص38.
قال النشار معلِّقًا على هذا الكلام: "ولا ندري ما هي هذه العلل القادحة، التي صرَّح بأنه ذكرها في موضع آخر، ولم نجد لها ذكرًا في تعليقاته التي نعلمها"؛ "مقدمة عقائد السلف" ص13 هامش (3).
ب- وأما الآخر، فهو المعلق على "سير أعلام النبلاء" (11/ 287)، وفي (8/ 402)، وقد جمع جملة منَ المتناقضات، وهي كالآتي:
- قال: "يرى الذهبي أن كتاب "الرد على الجهمية" موضوع على الإمام أحمد".
وهذا لم يقلْه الذهبي؛ بل أثْبته مرَّة، وقال بعد كلام له: "ولعله قاله".
- عوَّل على كلام الكوثري، ثم عقب بالعلماء الذين صححوا نسبة الكتاب، ونقلوا عنه، وأفادوا منه، وهذا حسن.
- ثم تناقض المعلق أو هو تعقيب المشرف، فقال: "ومما يؤكِّد أن هذا الكتاب ليس للإمام أحمد، أننا لا نجد له ذكرًا لدى أقرب الناس إلى الإمام أحمد بن حنبل، ممن عاصروه وجالسوه"، ولا أدري هل قرأ ما سبق في تعليقه من العلماء الذين رووا الكتاب واستفادوا منه؟ وهو إنما صاغ كلام الكوثري، ويا ليت المعلقين يُدْلُون بحجج علمية ليتم الرد عليها.
[13] انظر: "طبقات المحدثين بأصبهان" 2/ 385، "تهذيب الكمال" (17/ 296)، "السير" (12/ 242).
[14] "موارد ابن عساكر" (1/ 332).
[15] انظر: "تاريخ الإسلام" ص302، "العبر" (3/ 59).
[16] انظر: "الأنساب" (1/ 199)، "الإكمال" (1/ 537)، "تكملة الإكمال" (1/ 489)، "السير" (18/ 549).
[17] انظر: "التحبير" 2/ 298، "معجم شيوخ السمعاني" 3/ 1719، "التقييد" 2/ 247.
[18] سماه ابن خير في "الفهرست": "الاستقامة في الرد على أهل الأهواء والبدع" ص 300.
زاد المزي في وصفه: "الاستقامة في السنة والرد على أهل البدع والأهواء"؛ "تهذيب الكمال" (8/ 251).
[19] انظر: "تهذيب الكمال" (8/ 251)، "السير" (12/ 250)، "طبقات علماء الحديث" (2/ 237).
[20] قال الرازي في مشيخته: "وكان بمصر من مشاهير الرواة ومن الثقات الأثبات"، توفي سنة 448هـ، وانظر: "السير" (17/ 664).
[21] الإمام المحدث، مات سنة 370 هـ؛ "السير" (61/ 280).
[22] الحافظ المجود، مات سنة 306 هـ، "السير" (14/ 229).
[23] انظر: "تهذيب الكمال" (24/ 430)، "السير" (12/ 392).
[24] وهي نسخة المكتبة السعيدية بحيدر آباد الدكن (الهند)، والتي طبع عليها الكتابَ عمرو عبدالمنعم سنة 1423هـ، في دار ابن القيم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/279)
[25] له ترجمة في "الدرر الكامنة" 3/ 303، و"ذيل التقييد" 1/ 33، 34.
[26] المحدِّث الحافظ: أبو بكر محمد بن أحمد البغدادي، مقرئ المحدثين ببغداد، كان ورعًا تقيًّا زاهدًا، مات سنة 489هـ؛ "المستفاد" (19/ 5)، و"السير" (19/ 109).
[27] وجيه بن طاهر بن محمد الشحامي النيسابوري، قال السمعاني: كتبتُ عنه الكثير ... وكان كخير الرجال متواضعًا، متوددًا، وكان مولده 455هـ، ووفاته سنة 541هـ، "التقييد" (2/ 287)، و"السير" (20/ 109).
[28] محمد بن عبدالله بن أحمد أبو بكر العامري الصوفي الواعظ، قال ابن الجوزي: وكانت له معرفة بالحديث والفقه، وكان يتدين ويعِظ، ويتكلم على طريقة التصوف والمعرفة، ثم قال: وقرأت عليه كثيرًا من الحديث والتفسير، مات سنة 530 هـ.
انظر: "المنتظم" (17/ 317)، "تاريخ الإسلام" ص186.
[29] قال ابن الجوزي: وكان من الحفاظ المعروفين بالطلب والرحلة، وسمع الكثير، وجمع الكتب، وقال الذهبي: المصنف الثقة، مات سنة 482 هـ؛ "المنتظم" (16/ 288)، و"السير" (19/ 16).
[30] أحمد بن علي الأبيوردي، أبو سهل من أهل بخارى، وكان من أئمة الفقهاء، أحد أئمة الدنيا علمًا وعملاً، وهو أحد رواة الصحيح عن الكشاني، كما في "منتخب شيوخ السمعاني"، ترجم له السبكي ترجمة وافية، مات سنة 385 هـ، وقد عُمِّر طويلاً.
انظر: "المنتخب في معجم شيوخ السمعاني" (1/ 488)، الأنساب (4/ 6)، الحاجبي "طبقات الشافعية" (4/ 43).
[31] إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب الكشاني، وهو آخر من روى صحيح البخاري عاليًا، سمعه من الفربري، قال أبو طاهر: وكان شيخًا فاضلاً، وقال السمعاني: وهو شيخ ثقة صالح مشهور.
انظر: "التقييد" (1/ 243)، "السير" (16/ 481)، "الأنساب" (4/ 6) "الحاجبي".
[32] محمد بن يوسف الفربري، راوي كتاب الجامع الصحيح للبخاري، رحل إليه الناس، وحملوا عنه هذا الكتاب، قال ابن نقطة: وكان ثقة ورعًا، وقال الذهبي: المحدِّث الثقة العالِم، توفِّي سنة 320 هـ، انظر: "التقييد" (1/ 131)، "السير" (15/ 10).
[33] انظر: "الأنساب" (12/ 318).
[34] انظر: مثلاً (1/ 616)، (2/ 6).
[35] انظر: "تاريخ بغداد" (3/ 95).
[36] نسخة "رئيس الكتاب" ضمن المكتبة السليمانية.
[37] ذكر في مقدمة كتابه طرق روايته إلى السِّلفي ص29.
[38] انظر: "التقييد" (1/ 220)، "السير" (16/ 492).
[39] انظر: "تاريخ بغداد" (11/ 141)، "السير" (17/ 554).
[40] انظر: "التقييد" (2/ 173)، "السير" (19/ 171).
[41] انظر: "التقييد" (1/ 244)، "السير" (21/ 5).
[42] (1/ 307)، قال عن راوٍ روى له البخاريُّ في "خلق أفعال العباد"، هكذا وجدته في النسخة التي علقت منها، وهي مكتوبةٌ عن الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد الهروي.
فائدة: حدَّث الحافظ المزي مرة بفصل من كتاب البخاري "أفعال العباد"، فغضب بعض الفقهاء الحاضرين، وشكوه إلى عدوٍّ له فسجنه، فبلغ ذلك شيخَ الإسلام ابن تيميَّة فتألَّم لذلك، وذهب إلى السجن فأخرجه منه بنفسه؛ "البداية" (14/ 37).
[43] انظر: "تهذيب الكمال" (24/ 451)، و"التهذيب" (9/ 43)، وللاستزادة يراجع "تاريخ بغداد" (2/ 17)، ومن طريقه ابن عساكر في "التاريخ" (52/ 76).
منقول:
http://www.alukah.net/articles/1/9045.aspx
ـ[ابن عبدالباقى السلفى]ــــــــ[19 - 12 - 09, 12:36 ص]ـ
توثيق أسانيد كتب العقيدة الإسلامية (3/ 5)
أ. د. عبدالله بن صالح البراك
المصدر: الدرعية العددان 39/ 40، رمضان - ذو الحجة 1428هـ/ أكتوبر - ديسمبر 2007م.
كتاب: السنَّة ومجانبة أهل البدع
تأليف: أبي يوسف يعقوب بن سفيان الفَسَوي، قال عنه النسائي: لا بأس به، وقال ابن حبان: وكان ممَّن جَمَع وصنَّف وأكثر، مع الوَرَع والنسك والصلابة في السُّنة، وقال الذهبي: الإمام الحافظ، الحُجة، الرحال، وقال السمعاني: كان من الأئمة الكبار، مما طبع له كتابه: "المعرفة والتاريخ"، مات سنة 277هـ[1].
موضوعه:
يفهم من عنوانه أنه في ذِكْرِ ما يتعلَّق بمسائل العقيدة، وذمِّ أهْل البدع، ومجانبتهم في صِفاتهم، ونحو ذلك.
إسناده:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/280)
رواه أبو سعد السمعاني في "المنتخب من معجم شيوخه"، إجازة عن أبي عدنان محمد بن أحمد بن المطهَّر الأصبهاني، المتوفَّى سنة 516 هـ[2]، عن جده المطهر بن محمد بن علي، عن عبيدالله بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي علي الحسن بن عثمان الفسوي، عن أبي يوسف يعقوب بن سفيان الفَسَوي [3].
تراجم إسناده:
- أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان الفَسَوي، نزيل البصرة، قال السمعاني: عنده أكثر مصنفات أبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، ثقة نبيل، وهو من شيوخ ابن جميع الصيداوي [4].
- عبدالله بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن جميل الأصبهاني، قال أبو نعيم: لقيتُه ببغداد ثم رجع إلى أصبهان، وتوفِّي بها سنة ست وثمانين وثلاثمائة، سمع الكثير من أصول جده، وروى عن الحسن بن عثمان الفَسَوي كُتُبَ يعقوب بن سفيان، مات سنة 386هـ[5].
- المطهَّر بن أبي نزار أبو عمر، قال يحيى بن منده في "تاريخه": هو محدِّث ابن محدِّث، سمع منه إبراهيم بن محمد الحويزي في سنة 437هـ[6].
توثيق نسبة الكتاب:
كما سبق ذَكَر الكتاب وأسند سمعَهُ الحافظُ السمعاني في كتبه "المعجم"، "والتحبير"، وهو أحد الكتب المروية التي ورد بها الخطيب البغدادي دمشق، كما ذكر المالكي الأندلسي ص285 رقم 71.
ويروي ابن عساكر في "تاريخه" بسنده إلى الخطيب البغدادي، عن أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الفوي، عن أبي الحسن بن محمد بن عثمان، عن المؤلف، فيستأنس بهذا الإسناد [7].
كتاب: الرَّد على بشر العنيد
ويُسمَّى: "نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد، على المريسي الجهمي العنيد، فيما افترى على الله - عز وجل - من التوحيد".
تأليف: عثمان بن سعيد الدارمي السجستاني، قال يعقوب القراب: ما رأينا مثلَ عثمان بن سعيد، ولا رأى مثلَ نفسه، وقال الذهبي: الإمام العلامة الحافظ الناقد، وقال ابن كثير: أحد الحفاظ الأعلام، مات سنة 280هـ[8].
موضوعه:
ذكر الإمام الدارمي إنكارَه على الجهمية الاعتمادَ على تفاسير الضال المريسي بشر بن غياث، وابن الثلجي.
قسمه إلى أجزاء ثلاثة:
أ- جزء عن المعارض الجهمي والمنشئ لكلام المريسي، الإيمان بأسماء الله، باب النزول، الرؤية.
ب- جزء عن العرش، كلام الله، يبدأ من (1/ 399).
ج- جزء في طلب الحديث، والذَّب عن أبي هريرة ومعاوية وعبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم - وغيرها من المسائل، ويبدأ من (2/ 599).
طبعاته:
طبع في مطبعة أنصار السنَّة، بتحقيق الشيخ حامد الفقي، سنة 1358هـ، ثم طبع ضمن "عقائد السلف" من ص359 إلى 565، ثم طبع محققًا مضبوطًا في رسالة علمية، من قبل د/ رشيد الألمعي، في مجلدين، سنة 1418هـ.
إسناد الكتاب:
قال ابن حجر في "المعجم المفهرس" ص55: أخبرنا أبو هريرة ابن الذهبي إجازة، نبأنا محمد بن عبدالمحسن الدواليبي في كتابه بسماعه من عجيبة بنت أبي بكر، بإجازتها من أبي الخير عبدالرحيم بن محمد بن أحمد بن موسى، أنبأنا أبو نصر أحمد بن عمر بن محمد الغازي [9]، أنبأنا أبو سعيد عبدالرحمن بن محمد بن الأحنف، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم القراب، أنبأنا أبو بكر محمد بن أبي الفضل المزكي الهروي، أنبأنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الصرَّام، حدثنا عثمان بن سعيد سماعًا عليه من أوله إلى قوله: "باب الحث على طَلَب الحديث"، وإجازة لسائره فذكره.
تراجم الإسناد:
- محمد بن إبراهيم الصرَّام القرشي، أبو عبدالله، الهروي، روى عن عثمان الدارمي، وعنه القاضي أبو منصور محمد بن محمد الأزدي، ذكره الذهبي في "تاريخ الإسلام" ص307، وفيات سنة 344هـ، وهكذا نُسب في سماعات كتاب الدارمي.
- محمد بن أبي الفضل بن محمد بن الحسين المزكي الهروي، هكذا نسب في سماعات كتاب الدارمي، ولم أجد له ترجمة.
- إسحاق بن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد القرَّاب، أبو يعقوب، قال عبدالغافر: الحافظ العدل، مشهور من الحفاظ بهراة، كتب الكثير، وجمع وسافر، وصنَّف الأبواب والتواريخ، وقال الذهبي: وكان ممن يُرجع إليه في العلل، والجرح والتعديل، مات سنة 429هـ[10].
- عبدالرحمن بن محمد بن أحمد بن الأحنف، أبو سعد، هكذا نُسب في سماعات كتاب الدارمي، ولم أجد له ترجمة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/281)
- أبو نصر أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني، الغازي، قال السِّلفي: كان من أهل المعرفة والحفظ: سمعنا بقراءته كثيرًا، وقال السمعاني: ثقة حافظ ديِّن، واسع الرواية، مات سنة 532هـ[11].
ثم تفرع الإسناد، كما في كتب الذهبي، ومعجم ابن حجر، وسماعات الكتاب، تراه في شجرة الأسانيد.
توثيق نسبة الكتاب:
يحسن عند ذِكر توثيق نسبة كتاب "الرد على بشر المريسي"، تطبيقُ منهج من مناهج أهل فن التوثيق للكتب، وهي سماعات الكتاب، وهي في هذا الكتاب أظهر من غيره، ففي ذيول المخططات إجازاتٌ تنص على أن الكتاب قد سمعه على مصنفه، أو على شيخ ثقة عالِم، وقد تكثر هذه الإجازات أحيانًا فتبلغ العشر والعشرين، وتسمى "إجازات السماع"، وكثرت هذه الإجازات مع كثرة المدارس في القرن الخامس وما بعده، ومن فوائد السماع:
- نموذج من التثبت العلمي الذي يتَّبعه العلماء.
- وهي وثائقُ صحيحةٌ تدل على ثقافة العلماء الماضين، وما قرؤوه أو سمعوه من كتب.
- وهي وسيلة لمعرفة مراكز العلم في البلاد الإسلامية، وحركة تنقل الأفراد من بلدان مختلفة.
والخلاصة: أن السماعات الموجودة على كتابٍ ما، تدل على صحَّته وقدمه، وتاريخه وضبطه [12].
والآن إلى نظرة مختصرة في سماعات كتاب: "الرد على بشر المريسي".
سماعات العلماء للكتاب وتواريخ النسخ:
سُمع الكتاب كله على الحافظ أبي طاهر حمزة بن أحمد بن الحسين، وأبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل سنة 506هـ، وسماع آخر سنة 516هـ و520هـ، وسماعٌ في دمشق سنة 691هـ، وسماعٌ في دار الشيخ بأصبهان سنة 556هـ، وسماعٌ سنة 687هـ بالصالحية - دمشق، كما سمع الكتاب شيخ الإسلام ابن تيميَّة، والحافظ المزي، وابن قيم الجوزية.
ثم توالت تواريخ سماعات بعد ذلك سنة 910هـ، 953هـ.
النقل عن الكتاب:
نقل عن الكتاب الهرويُّ في "ذم الكلام"، انظر مثلاً: ح106، 121، 643، 648، وشيخ الإسلام ابن تيميَّة في كتبه، منها: "الدرء" (2/ 49، 50، 60)، "حديث النزول": 457، "الحموية": 259، "الاستقامة": (1/ 70)، "بغية المرتاد": 295، "الفتاوى": (4/ 344)، (6/ 507)، (8/ 21، 149) وغيرها، وابن القيم في "شفاء العليل": 112، "اجتماع الجيوش": 46، 48، 107، 122، 128، 228، "حادي الأرواح": 403، 145، "الصواعق": 247، "والمختصر": 213، والذهبي في "العلو": (1/ 600، 610)، و"السير" (13/ 326)، وابن حجر في "الفتح" (11/ 215)، (13/ 389)، والسيوطي في "الدر المنثور" 5/ 478، والإشارة لكتابه عند المترجمين له، مثل: السبكي في "الطبقات" (2/ 304)، وابن كثير في "طبقات الشافعية" (1/ 178).
شجرة كتاب "الرد على بشر المريسي"
ابن حجر في "المعجم المفهرس" ص55
أبو هريرة بن الذهبي
محمد بن عبدالمحسن الدواليبي
عجيبة بنت أبي بكر
أبو الخير عبدالرحيم بن محمد
أبو نصر أحمد بن عمر الغازي الأصبهاني
أبو سعد عبدالرحمن بن محمد الأحنف
إسحاق بن إبراهيم القراب
أبو بكر محمد بن أبي الفضل المزكي الهروي أبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام" انظر مثلاً ح106
محمد بن إسحاق بن إبراهيم الصرام أبو عبدالله
حدثنا عثمان بن سعيد سماعًا عليه
كتاب: الرد على الجهمية
موضوعه:
ردٌّ على الجهمية، وعلى دعاة الضلالة، وعلى المعطِّلة، وعقد أبوابًا مهمة قدَّم أولاً بابًا في ذكر المعتقد، وبابًا في الاستواء، والنزول، الرؤية، كلام الله، الرد على الجهمية والحكم فيهم.
ضمَّن هذا الأسلوب القوي، وجزالة الألفاظ، والحجاج العقلي للخصم.
وقد أثنى أهلُ العلم على الكتاب وعلى منهجيته، مع كتابه الآخر: "الرد على بشر" [13].
- عثمان بن سعيد: تقدَّمت ترجمته عند ذكر كتابه: "الرد على بشر".
طبعاته:
طبع طبعات كثيرة، أشهرها: طبعة ضمن "عقائد السلف" ص225 - 356، بتقديم علي النشار والطالبي على نسخة خطية، ثم خرَّج أحاديثه بدر البدر في نشرة مستقلة، نشر الدار السلفية، 1405هـ.
إسناد الكتاب:
قال ابن حجر في "المعجم المفهرس" ص54:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/282)
أخبرنا الشيخ أبو إسحاق التنوخي، إذنًا مشافَهة عن أبي الخير بن سعدالله بن عمر بن نجيح الحرَّاني، أنبأنا محمد بن عبدالمؤمن الصوري، أنبأنا أبو المكارم عبدالعظيم بن عبداللطيف الشرابي في كتابه، بسماعه من ضوء النساء بنت عبدالرزاق بن محمد بن سهل، أنبأنا أبي، أنبأنا محمد بن عبدالله بن محمد المزكي الهروي، أنبأنا أبو روح ثابت بن محمد الأزدي، أنبأنا أبو محمد بن المفضل، حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم المقرئ، المعروف بابن الصرَّام، حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي.
تراجم الإسناد:
- محمد بن إبراهيم الصرَّام، تقدَّم ذكْره.
- محمد بن أحمد بن محمد بن المفضل، أبو محمد، لم أجدْ له ترجمة.
- أبو روح ثابت بن محمد بن أحمد السعدي الهروي الأزدي، قال الذهبي: محدث هراة ونسَّابتها، ذكره الذهبي في وفيات سنة 460هـ[14].
- محمد بن عبدالله المزكي الهروي الخطيب، تقدَّم ولم أجد له ترجمة.
- عبدالرزاق بن محمد بن سهل الشرابي الأصبهاني أبو الفتح، قال السمعاني: مقرئ فاضل، حسن السيرة، حسن الإقراء، وقال مرة: شيخ مستور، رحل في الحديث إلى خراسان وكرمان والبصرة، مات سنة 534هـ[15].
- ضوء النساء بنت عبدالرزاق بن محمد، لم أجد لها ترجمة.
- عبدالعظيم بن عبداللطيف بن أبي نصر أبو المكارم الأصبهاني الشرابي، نزيل بغداد، وحدث بأصبهان وبغداد، مات سنة 617هـ[16]، ثم يتفرَّع الإسناد بعده إلى طريقَيْن:
- من طريق زينب الكندية، وينتهي بالحافظ الذهبي في كُتُبِه.
- ومن طريق محمد بن عبدالمؤمن، وينتهي إلى ابن حجر في "المعجم المفهرس".
توثيق نسبة الكتاب:
ما مرَّ من ذِكْر إسناد الكتاب عند أهل العلم إلى الدارمي.
نقل العلماء من الكتاب:
نقل ابن عساكر نصَّيْن في "تاريخه" (11/ 97)، (21/ 592)، وهما في "الرد على الجهمية"، وانظر شجرة الإسناد، وابن تيمية في "الدرء" (5/ 302)، "نقض التأسيس" ق/ رشيد: 425، ق/ الطيار 228، 230، ق/ حقي: 357، ق/ اليحيى: 329، "بغية المرتاد": 285، 291، والذهبي في "العلو" 1/ 600، 610، و"تاريخ الإسلام" وفيات 533هـ ص352، 617هـ ص 318، وابن القيم في "اجتماع الجيوش": 113، 114، 120، 122، 134، 258، 260، و"مختصر الصواعق": 172، وابن حجر في "المعجم المفهرس" ص54، والسيوطي في "الدر المنثور" نقل منه خمسة نصوص كما في موارد د/ عامر صبري ص215، والثناء على كتابه، وكتابه الآخر "الرد على بشر"، كما عند ابن القيم في "الاجتماع" ص231، وابن عبدالهادي في "رسالة لطيفة" ص75 - 76، حيث قال: "ولا أعلم للمتقدِّمين في هذا الشأن كتابًا أجود منه، ومن كتابه الآخر الرد على عموم الجهمية".
المترجمون له:
السبكي في "الطبقات" (2/ 304)، وابن كثير في "الطبقات" (1/ 178).
كتاب: السُّنة
تأليف: عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل، أبي عبدالرحمن الشيباني، البغدادي، روى عن أبيه شيئًا كثيرًا، قال ابن المنادي: وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث، وقال الخطيب: وكان ثقةً ثبتًا فهمًا، مات سنة 290هـ، له من الكتب: "السنة"، وزيادات على كتب أبيه [17].
موضوعه:
اهتم بالرد على الجهمية [18]، وذكر أقوالهم الشنيعة، وأقوال أهل العلم فيهم، ومسألة الرؤية، والإيمان، والقدرية، ثم بقية مسائل العقيدة، مستندًا على أقوال أئمة السنة، وعلى رأسهم الإمام أحمد - رحمه الله.
طبعاته:
طبع بالمطبعة السلفية سنة 1349هـ، ثم طبع محققًا مضبوطًا على جملة نُسخ، بتحقيق د. محمد بن سعيد القحطاني، نشر دار ابن القيم في مجلدَيْن.
إسناد الكتاب:
روي هذا الكتاب عن مؤلفه بعدة طرق، وهي على النَّحو الآتي:
الإسناد الأول:
الذي طبع عليه الكتاب، وهو في نسخة واحدة (الظاهرية فقط)، ينتهي إلى: أبي الوقت عبدالأول بن عيسى بن شعيب الهروي، عن شيخ الإسلام أبي إسماعيل عبدالله بن محمد الهروي، قال: أنبأنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن محمد القراب، أنبأنا أبو النضر محمد بن الحسن بن سليمان السمسار، حدثنا أبو عبدالله محمد بن إبراهيم بن خالد الهروي، حدثنا أبو عبدالرحمن عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل [19].
تراجم الإسناد:
- أبو عبدالله محمد بن إبراهيم بن خالد الهروي: شيخ لابن حبان في "الثقات" (7/ 33).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/283)
- أبو النضر محمد بن الحسن بن سليمان السمسار: أحد شيوخ أبي يعقوب القراب في كتابه "فضائل الرمي في سبيل الله"، ومكثرٌ عنه في الرواية.
- أبو يعقوب إسحاق بن أبي إسحاق الهروي القراب: محدث هراة، قال عبدالغافر: الحافظ، العدل، من الحفاظ بهراة، كتب الكثير، وجمع وسافر، وصنف الأبواب والتواريخ، وقال الذهبي: الشيخ الإمام، الحافظ الكبير، مات سنة 429هـ[20].
- أبو إسماعيل عبدالله بن محمد بن الهروي: قال إسماعيل الحافظ: إمام حافظ، وقال الذهبي: وقد كان هذا سيفًا مسْلولاً على المتكلِّمين، وسيفًا مسلولاً على المخالفِين، مات سنة 481هـ[21].
- عبدالأول بن عيسى السجزي، الهروي: قال السمعاني: شيخ صالح، حسن السمت والأخلاق، وقال ابن الجوزي: كان صبورًا على القراءة، وكان صالحًا، وقال ابن النجار: وكان شيخًا صدوقًا أمينًا، مات سنة 553هـ[22].
ومن هذا الطريق روى أبو إسماعيل الهروي في كتابه "ذم الكلام وأهله" عن شيخه أبي يعقوب القراب [23].
الإسناد الثاني:
من طريق أحمد بن محمد بن عمر بن أبان اللُّنباني العبدي.
أ- روى من طريقه الحافظ ابن منده في "الرد على الجهمية" [24]، و"الإيمان" [25]، و"التوحيد" [26]، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عمر بن أبان، عن عبدالله، فذكره، ومن طريق ابنه عبدالوهاب يروي الحافظ قوام السنة في "الحجة" [27].
ب- والحافظ أبو الشيخ الأصبهاني، كما نقله قوام السنة عن أبي الشيخ عنه [28].
ج- ومن الطريق نفسه يروي الحافظ الدشتي في كتابه "إثبات الحد" بإسناده إلى أحمد بن محمد بن عمر [29].
الإسناد الثالث:
طريق أبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال، فقد روى عن كتاب عبدالله كتابه "السنة"، ونقل منه نصوصًا كثيرة جدًّا في مسائل متنوعة، وأكثر جدًّا في كتاب "السنة" [30].
الإسناد الرابع:
طريق أحمد بن سلمان النجاد، فقد روى في كتابه: "الرد على من يقول: القرآن مخلوق" ما يزيد على نصف الكتاب عن شيخه الإمام عبدالله بن أحمد، وعنه: الدارقطني في كتاب الرؤية [31]، وابن بطة في "الإبانة" [32]، وابن شاهين في "الكتاب اللطيف" [33].
وبواسطة أحمد بن سلمان يرويه الخطيب في "التاريخ" [34]، واللالكائي في "أصول الاعتقاد" وأكثر عنه [35]، والبيهقي في "الأسماء" [36]، وأبو يعلى في "إبطال التأويلات" [37]، وابن البنا في "المختار في أصول السنة" [38].
الإسناد الخامس:
طريق موسى بن عبيدالله بن يحيى الخاقاني، روى هذا الطريق أبو يعلى في "إبطال التأويلات" [39].
الإسناد السادس:
طريق إسماعيل بن علي بن إسماعيل الخطبي البغدادي، روى هذا الطريق أبو علي بن البنا في كتابه "المختار في أصول السنة" [40].
تراجم الرواة عن عبدالله:
1 - أحمد بن محمد بن عمر الأصبهاني اللُّنباني، قال السمعاني: ثقة معروف مكثر، وقال أبو الشيخ: عنده كتب ابن أبي الدنيا، ومسند أحمد بن حنبل، وقال الذهبي: سمعه من ابن الإمام أحمد، مات سنة 332هـ[41].
2 - أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال: شيخ الحنابلة وعالمهم، قال الخطيب: وكان ممن صرف عنايته إلى جَمْع علوم أحمد بن حنبل وطلبها وسافَرَ لأجْلِها، وقال ابن أبي يعلى: له التصانيف الدائرة، والكُتُب السائرة، مات سنة 311هـ[42].
3 - أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد: قال ابن أبي يعلى: العالم الناسك الورع، وقال الخطيب: وهو ممن اتسعتْ رواياته، وانتشرت أحاديثه، وكان صدوقًا عارفًا، مات سنة 348هـ[43].
4 - موسى بن عبيدالله بن يحيى الخاقاني: قال الخطيب: وكان ثقةً ديِّنًا من أهل السنة، وقال الذهبي: وجمع وصنف، مات سنة 325هـ[44].
5 - إسماعيل بن علي بن إسماعيل الخُطَبي: قال الخطيب: وكان فاضِلاً فهمًا، عارفًا بأيام الناس وأخبار الخلفاء، وقال الذهبي: الإمام العلامة الخطيب الأديب، مات سنة 350هـ[45].
توثيق نسبة الكتاب:
رواية أسانيد الكتاب كما تقدَّم، وبعضها متقدم جدًّا؛ مثل: الخلال، والنجاد، والمحدث اللُّنباني، وغيرهم ممن تقدَّم من المصنفين.
ذكر العلماء المترجمين له:
النقول الصريحة:
النقول الصريحة منه من علماء المسلمين، مثل: نقل قوام السنة في "الحجة" فصولاً منه (2/ 494)، وانظر (1/ 242).
ومن ذلك إشارة أهل العلم للكتاب؛ مثل ما ذكر أبو نصر السجزي (مات سنة 444هـ) في كتابه: "الرد على من أنكر الحرف والصوت" [46].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/284)
وابن قدامة في "الصراط المستقيم" [47]، "والمناظرة" [48]، و"البرهان" [49]، والخطيب في "التاريخ" [50]، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" [51]، وشيخ الإسلام في كتبه [52]، وابن القيم [53]، والذهبي [54]، وابن كثير [55]، وابن حجر [56]، وغيرهم.
ومن شكَّك في نسْبته، أو بدَّل اسمه إلى "الزيغ"، فلم يأتِ بحُجة علمية ليرد عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: "الأنساب" (10/ 222)، "الثقات" (9/ 287)، "السير" (13/ 180).
[2] انظر: "المنتخب من معجم شيوخ السمعاني" (3/ 1389)، و"التحبير" (2/ 83).
[3] له ترجمة في "معجم الشيوخ" (3/ 1386)، و"التحبير" (2/ 81)، "تاريخ الإسلام" وفيات 516هـ، "السير" (13/ 180).
[4] "الأنساب" (10/ 223) الفَسَوي، "معجم الشيوخ"، للصيداوي رقم 202 ص245.
[5] "ذكر أخبار أصبهان" (2/ 106)، و"التقييد" (2/ 121)، "السير" (16/ 535).
[6] انظر: "تكملة الإكمال" (1/ 230)، "تبصير المنتبه" (1/ 123).
[7] انظر: "موارد ابن عساكر في التاريخ" ص 333، 334، ج1.
[8] "تاريخ ابن عساكر" (11/ 96) (خ)، "السير" (13/ 319)، "طبقات الشافعية"، لابن كثير 1/ 178.
[9] الإسناد تفرَّع من أبي نصر أحمد بن عمر؛ فرواية المزِّي والذهبي وسماعات الكتاب روت الكتاب بعلُوٍّ، كما تراه في شَجَرة الأسانيد، وإنما اكتفيتُ بذِكْر إسناد الكتاب من ابن حجر؛ لشُهْرتِه واهتمامه في هذا الفن.
[10] انظر: "المنتخب من السياق" ص157 ت381، "طبقات الشافعية" (4/ 264)، "السير" (17/ 571).
[11] انظر: "الأنساب" (10/ 5)، "السير" (20/ 8).
[12] مستفاد من بحث للدكتور صلاح الدين المنجد، بعنوان: "إجازات السماع في المخطوطات القديمة"، مجلة معهد المخطوطات العربية، المجلد الأول، الجزء الثاني، سنة 1375هـ.
[13] انظر: "اجتماع الجيوش" ص 231، وابن عبدالهادي في "رسالة لطيفة" ص 75، 76.
[14] انظر: "تاريخ الإسلام" ص 482.
[15] انظر: "معجم الشيوخ"، للسمعاني 2/ 1055، و"التحبير" 1/ 440، و"تاريخ الإسلام" ص352.
[16] انظر: "ذيل تاريخ بغداد" (15/ 287)، "تاريخ الإسلام" ص318، وفيات سنة 617.
- تنبيه: ذكر الروداني في "صلة الخلف" ص 250، بإسناده إلى كتاب "الرد على الجهمية"، وساق بسنده إلى المزي عن القواس إلى أبي نصر أحمد بن عمر، وهذا إنما هو إسناد "الرد على بشر" كما تقدم، ولم يذكر في إسناد "الرد على الجهمية" رواية أبي نصر أو القواس، وإنما هذه أسانيد "الرد على بشر" بالإجماع، وأظن ذكر الرد على الجهمية للإسناد إنما هو سبق قلم، والله أعلم.
[17] انظر: "تاريخ بغداد" (9/ 375)، "السير" (13/ 516).
[18] بعض أهل العلم يسميه وينقل منه باسم: "الرد على الجهمية"، وهي تسمية بمضمونه ومحتواه، مثل الخطيب في "التاريخ" (3/ 204)، والسجزي في "الرد على من أنكر الحرف والصوت" ص166، والذهبي في "العلو" (2/ 87)، و"العرش" (2/ 114)، وانظر: مقدمة المحقق (1/ 102)، وما سيأتي في ذكر أسانيد الكتاب وتوثيق نسبته.
[19] "السنة" (1/ 101، 102).
[20] انظر: "المنتخب من السياق" ص157 رقم 381، "السير" (17/ 570).
[21] انظر: "المنتخب من السياق" ص 284، 285، "السير" (81/ 305).
[22] انظر: "المنتظم" (18/ 127)، "السير" (20/ 303).
[23] انظر: ح 651، 1173.
[24] انظر: مثلاً: النصوص رقم (34، 53، 71، 78، 81)، وجميعها في كتاب "السنة"، لعبدالله.
[25] رقم: (790، 803، 810، 1047، 1049)، وجميعها في كتاب "السنة"، لعبدالله.
[26] رقم: (525، 580، 588، 785، 901).
[27] 1/ 179، (1/ 506 - 508)، (2/ 191).
[28] انظر: (2/ 76، 77).
[29] انظر: ح 11، 38، 39، 40، 41، 42، 43.
[30] انظر مثلاً: في الصحابة: رقم 577، 582، وهو في "السنة"، لعبدالله: 1358، 1361، وفي الخلافة: 640، 643، 647، وهو في "السنة": 1348، 1401، 1349، 1407، وفي القدر: 860، وهو في "السنة": 852، 853، وفي الجهمية: 1691، وهو في "السنة": 10، 7، 41، وفي المرجئة: 1127، وهو في "السنة" 614، وغيرها كثير جدًّا، وخاصة في الرد على الجهمية، وما قيل عنهم.
[31] رقم: 282، 283، 284.
[32] رقم: 146، 412، 414، 484.
[33] رقم: 30، 31.
[34] (6/ 271)، (7/ 63)، (12/ 171، 174، 179، 180، 181).
[35] رقم: 388، 497، 501،،505 وغيرها.
[36] ص319.
[37] ق/ 163.
[38] رقم: 69.
[39] رقم 62، 63، 314، 322.
[40] رقم: 52 ص 78، 147، 148، 149.
[41] انظر: "الأنساب" (11/ 223)، "طبقات المحدثين" (4/ 369)، "السير" (15/ 311).
[42] انظر: "تاريخ بغداد" (5/ 112)، و"طبقات الحنابلة" (2/ 12)، "السير" (14/ 297).
[43] انظر: "تاريخ بغداد" (4/ 189)، "طبقات الحنابلة" (2/ 7)، "السير" (15/ 502).
[44] انظر: "تاريخ بغداد" (13/ 59)، "السير" (15/ 94).
[45] انظر: "تاريخ بغداد" (6/ 304)، "السير" (15/ 522).
[46] ص 166، 169.
[47] ص51.
[48] ص 41، 42.
[49] ص 84.
[50] 3/ 204.
[51] 1/ 28.
[52] انظر مثلاً: "حديث النزول": 183، "الحموية": 336، 341، "التسعينية": (1/ 357، 358)، (2/ 589)، "نقض التأسيس" ق/ الغفيص: 458 - 461، ق/ حقي: 326، ق/ هنيدي ص 204، وغيرها كثير.
[53] "اجتماع الجيوش": 123، 214، 224، وغيرها، "حادي الأرواح": 385، 429، "الصواعق": 1495، 1496، 1421، و"المختصر": 172، 212، وغيرها.
[54] في "العلو" (2/ 987)، و"السير" (8/ 101، 402)، و"تاريخ الإسلام" وفيات سنة 181هـ ص 237، 238، و"العرش" (2/ 97).
[55] في "النهاية في الفتن" (1/ 143).
[56] في "الفتح" (13/ 468، 469)، و"اللسان" (2/ 51).
منقول:
http://www.alukah.net/articles/1/9107.aspx
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/285)
ـ[ابن عبدالباقى السلفى]ــــــــ[19 - 12 - 09, 12:43 ص]ـ
توثيق أسانيد كتب العقيدة الإسلامية (4/ 5)
أ. د. عبدالله بن صالح البراك
كتاب: السُّنَّة
مؤلفه:
محمد بن نصر بن الحجاج المروزي، الفقيه أبو عبدالله.
ذَكَره الحاكم فقال: إمام عصره بلا مُدافعة في الحديث، وقال الخطيب: صاحب التصانيف الكثيرة، والكتب الجمَّة، وكان مِن أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام، له من الكتب: "اختلاف الفقهاء"، "تعظيم قدر الصلاة"، "السنة"، وغيرها، مات سنة 294هـ[1].
موضوعه:
ذَكَرَ في أوله التَّحْذير منَ الاختلاف، ووجوب الأخْذ بالسنن، والتحْذير من البِدَع، وذكر السنَّة على كَمْ تَتَصَرَّف، وأنها بيان للقرآن، وذكر سننًا ناسِخة لبعض أحكام القرآن.
طبعاته:
طُبع بدار الفكر بدِمشق، وبدار الثقافة الإسلامية بالرياض بلا تاريخ، وطبع بتخريج أبي محمد سالم بن أحمد السلفي في مؤسسة الكتب الثقافية 1408هـ.
إسناد الكتاب:
جميع الطبعات السابقة خاليةٌ مِن ذكر إسناد الكتاب، ولم أجدْ أحدًا ذَكَرَهُ في كتب الفهارس؛ لكن - بحمد الله - اجتهدتُ ووجدت إسنادًا يُمكن أن يُذكر للكتاب، وبيانه بالآتي:
علَّق البخاري - رحمه الله - في صحيحه أثرًا عن ابن عون في كتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة"، وهو قوله: "ثلاث أحبُّهنَّ لنفسي ولإخواني: هذه السنة أن يتعلَّموها ويسألوا عنها ... " (13/ 248)، باب الاقتداء بسُنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حجر في "الفتح" (13/ 251): "وَصَلَه محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة"، والجوزقي من طريقه ... "، وهو في كتاب "السنة" المطبوع رقم 106 ص33، ووصله ابن حجر في "تغليق التعليق"، وذَكَر لنا إسنادًا لكتاب "السنة"، للمروزي.
قال - رحمه الله -: وأخبرناه أحمد بن أبي بكر في كتابه، عن أبي نصر محمد بن محمد بن محمد بن جميل: أن جده أنبأه: أخبرنا الحافظ أبو القاسم بن عساكر، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا سعيد البحيري، أخبرنا أبو بكر الشيباني، هو محمد بن عبدالله الجوزقي، حدَّثنا أبو العباس الدغولي، حدَّثنا محمد بن نصر المروزي، حدثنا يحيى بن يحيى، فذكره (5/ 319).
تراجم الإسناد:
? أبو العباس محمد بن عبدالرحمن بن محمد السَّرخسي الدغولي.
قال الحاكم: "كان أبو العباس أحدَ أئمة عصره بخراسان في اللغة، والفقه، والرواية ... "، وقال الذهبي: "الإمام العلاَّمة، الحافظ المجود"، مات سنة 325هـ[2].
? محمد بن عبدالله بن محمد الشيباني الخراساني الجوزقي.
قال السمعاني: "الإمام الزاهد الوَرِع العالِم"، وقال الحاكم: "كثير السماع والكتابة والتفقُّه في العلم"، وقال الذهبي: "الإمام الحافظ المجوِّد ... مفيد الجماعة، وصاحب الصحيح المخرج على كتاب مسلم"، مات سنة 388هـ[3].
? سعيد بن محمد بن أبي الحسين البحيري النيسابوري.
قال عبدالغافر في "السياق": "شيخ كبير ثقة، من بيت التزكية والعدالة"، وقال الذهبي: "الشيخ الجليل الثقة"، توفِّي سنة 451هـ[4].
توثيق نسبة الكتاب:
ذَكَرَه ابن حجر كما سبق منسوبًا إلى محمد بن نصر في "الفتح" (13/ 251)، و"تغليق التعليق" (5/ 319)، والعيني في "عُمدة القاري" (25/ 26).
وينقل منه أئمةُ الدعوة النجديَّة منسُوبًا إلى المروزي، كما في "الدرر السنية".
بل بعض مرويَّات السنة إسنادًا ومتنًا في كتابه الآخر "تعظيم قدر الصلاة" [5]، ويكرر عبارات في كتابيه مثل قوله: قال أبو عبدالله.
كتاب: القدر
تأليف:
أبي بكر جعفر بن محمد الفريابي، قال الخطيب: "أحد أوْعية العلم، ومن أهل المعرفة والعلم، كان ثقةً أمينًا حجة"، وقال الذهبي: "الإمام الحافظ الثبْت"، مات سنة 301هـ[6].
موضوعه:
ذكر فيه ما ورد من الأحاديث والآثار في مسائل القَدَر، وما روي في الأهواء وتكذيب أهل القدر، ونحو ذلك، عقد فيه بعض الأبواب: 91، 122،229.
طباعته:
طُبع بتحقيق عبدالله بن حمد المنصور، في مكتبة أضواء السلَف سنة 1418هـ، وحُقق رسالة ماجستير في جامعة الإمام، كلية أصول الدين سنة 1403هـ.
إسناد النسخة المطبوعة من الكتاب:
أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي.
رواية أبي محمد عبيدالله بن محمد بابويه المخرمي عنه.
رواية أبي القاسم عبدالعزيز بن أحمد الفضلي الأزجي عنه.
رواية أبي طالب عبدالقادر بن محمد بن عبدالقادر اليوسفي عنه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/286)
رواية أبي القاسم يحيى بن أسعد بن يحيى بن بوش.
رواية أبي الحجاج يوسف بن خليل الدِّمشقي.
رواية أبي العباس بن محمد بن عبدالله الظاهري عنه.
ما سبق هو إسناد الكتاب إلى مؤلفه كما في النسخة المطبوعة، وهي التي رواها ابنُ حجر في "المعجم المفهرس" ص75، والروداني في "صلة الخلف" ص235.
تراجم الإسناد:
? عبيدالله بن محمد بن سليمان بن بابويه المخرمي.
قال الخطيب: وأحاديثه مستقيمة، مات سنة 376هـ[7].
? عبدالعزيز بن علي بن أحمد بن شكر البغدادي الأزجي.
قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان صدوقًا كثير الكتاب، وقال الذهبي: الشيخ الإمام، المحدِّث المفيد، مات سنة 444هـ[8].
? عبدالقادر بن محمد بن عبدالقادر اليوسفي البغدادي.
وهو آخر من حدَّث عن أبي القاسم الأزجي، قال السمعاني: شيخ صالح ثقة، ديِّن، متحرٍّ في الرواية، وقال ابن نقطة: وكان من الثقات المأمونين المكثرين، وقال الذهبي: الشيخ الأمين، العالم المسند، مات سنة 516هـ[9].
? يحيى بن أسعد بن يحيى البغدادي المتوفَّى سنة 593.
له ترجمة في "ذيل تاريخ بغداد" 15/ 386، و"التقييد" 2/ 305.
? يوسف بن خليل الدمشقي، شيخ المحدِّثين، المتوفَّى سنة 648هـ.
له ترجمة في "السير" 23/ 151.
- أحمد بن محمد بن عبدالله الظاهري، شيخ الذهبي، مات سنة 696هـ[10].
الإسناد الثاني:
رواية تلميذ الفريابي: الحافظ أبي بكر الآجري في كتابه "الشريعة"، فقد حفظ لنا جملةً كبيرة من نصوص الكتاب، رواها عن الفريابي، وخاصة قسم القدر [11] من كتاب "الشريعة" (2/ 713)، يصدِّرها بقوله: أخبرنا الفريابي، وحدثنا الفريابي، ومن طريقه يروي ابن عبدالبر في "التمهيد"، عن شيخه محمد بن خليفة، عن الآجري (6/ 7)، (9/ 248).
? أسانيد يستأنس بها في توثيق كتاب الفريابي، وهي على النحو الآتي:
الإسناد الثالث:
رواية أبي سعيد الحسن بن جعفر بن محمد الحربي المتوفَّى سنة 376هـ، له ترجمة في "تاريخ بغداد" 7/ 292، و"السير" 16/ 369، روايته عند ابن أبي يعلى في "إبطال التأويلات" ح 170، 172.
الإسناد الرابع:
رواية عُبيد بن محمد الدقاق، لم أجد له ترجمة، وروايته عند الهروي في "الأربعين" ح 37.
الإسناد الخامس:
رواية أحمد بن عبيد الصفَّار المتوفَّى سنة 341هـ، له ترجمة في "تاريخ بغداد" 6/ 302، و"السير" 15/ 440، روايته عند البيهقي في "القدر" ح 195.
الإسناد السادس:
رواية محمد بن الحسن بن الحسين بن منصور النيسابوري المتوفَّى سنة 355هـ، له ترجمة في "السير" 16/ 66، روايته عند البيهقي في كتاب "القدر" ح 158.
كتاب: السنة [12]
تأليف:
أحمد بن محمد بن هارون البغدادي المعروف بالخلاَّل.
قال الخطيب: وكان ممن صَرَف عنايته إلى الجمْع لعُلُوم أحمد بن حنبل، وطلبها وسافر لأجلها، وكتبها عالية ونازلة، وصنفها كتبًا، وقال ابن أبي يعْلَى: له التصانيف الدائرة، والكتب السائرة، وقال الذَّهَبي: الإمام العلامة الحافظ الفقيه، شيخ الحنابلة وعالمهم، مات سنة 311هـ[13].
موضوعه:
تناول مسائلَ مهمةً في العقيدة الإسلامية؛ ففي الأجزاء المطبوعة نجد أحكامَ الإمارة، أحكام الخلافة، القَدَرية، المُرْجئة، الرد على الجهمية، وفي القسم الذي لم يُطبَع مما يوجد منقولاً في كتب الأئمة: إثبات الرؤية، إثبات النزول، إثبات الصورة لله، الجنَّة والنار، إثبات عذاب القبْر.
إثبات نسبة الكتاب:
ذَكَر الكتابَ أبو يعلى في "إبطال التأويلات"، وابن أبي يعلى في "الطبقات"، والدشتي في "إثبات الحد"، وقوام السنة في "الحجة"، وابن الجوزي في "تلبيس إبليس"، وابن تيميَّة في كتبه، وابن القيِّم، وابن رجب، وابن حجر، والسبكي، وغيرهم كثير.
أسانيد الكتاب:
ورد على النسخة الخطية إسناد إلى مؤلِّف الكتاب أبي بكر الخلاَّل، وهذا هو الإسناد الأول، ونصه كالآتي:
? أبو الحسن علي بن أبي سعيد بن إبراهيم الخباز.
بروايته عن أبي علي بن المهتدي، وأبي طالب بن يوسف، وأبي الغنائم بن المهتدي، وأبي محمد الطيوري، بإجازة عن أبي إسحاق البرمكي، إجازة عن أبي بكر عبدالعزيز، إجازة عن أبي بكر الخلال.
تراجم الإسناد:
? إبراهيم بن عمر بن أحمد أبو إسحاق البرمكي.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/287)
قال ابن أبي يعلى: وكان ناسكًا زاهدًا فقهيًا مفتيًا، وقال الخطيب: كتبنا عنه، وكان صدوقًا ديِّنًا فقيهًا، قال: حدث عن ابن مالك القطيعي، وابن ماسي، في آخرين، وله إجازة من أبي بكر عبدالعزيز، مات سنة 445هـ[14].
? أبو بكر عبدالعزيز بن جعفر المعروف بغلام الخلال.
قال ابن أبي يعْلَى: وكان أحد أهل الفهم، موثوقًا به في العلم، متَّسع الرواية، مشهورًا بالدِّيانة، له المصنفات في العُلُوم المختلفات، وقال الذهبي: الشيخ الإمام العلامة، شيخ الحنابلة، ما جاء بعد أصحاب أحمدَ مثلُ الخلال، ولا جاء بعد الخلال مثلُ عبدالعزيز إلا أن يكون أبا القاسم الخرقي، مات سنة 363هـ[15].
? أبو القاسم الأزجي.
عبدالعزيز بن علي بن شكر البغدادي الأزجي، قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان صدوقًا كثير الكتاب، وقال الذهبي: الشيخ الإمام، المحدث المفيد، مات سنة 444هـ[16].
? علي بن محمد بن عبدالرحمن البغْدادي.
أبو الحَسَن المعروف بالآمدي، قال ابن السمعاني: أحد الفُقَهاء الفضلاء، والمناظرين الأذكياء، وكان هو المُقدَّم على جميع أصحاب القاضي أبي يعْلَى، مات سنة 467هـ[17].
? أبو الحسن بن الغازي.
محمد بن أحمد بن محمد الغازي، أحد الفقهاء الأعيان، اشتغل قديمًا على أبي الحسن الآمدي بآمد ولازَمَه، وتفقَّه وسمع منه الحديث، وبرع بالفقه، قال ابن رجب: وأظنه قديم الوفاة [18].
? علي بن أبي سعد بن ثابت الخباز أبو الحسن الأزجي.
قال الدبيثي: أحد الطالبين للحديث وجمعه وسماعه؛ حتى عُرف بالمفيد، وهو خال يحيى بن بوش، فلذلك سمعه الكثير، وكان ثقة صدوقًا [19].
? أبو سعد الطيوري.
أحمد بن عبدالجبار بن أحمد الطيوري البغدادي، قال ابن النجار: وأجاز له عبدالعزيز بن علي الأزجي وغيره، وقال الذهبي: كان صالحًا مقرئًا مكثرًا، مات سنة 517هـ[20].
? أبو الغنايم محمد بن محمد بن المهتدي بالله الهاشمي العباسي البغدادي.
سمع أبا إسحاق البرمكي وغيره، قال ابن الجوزي: وكان ذا هيئة جميلة، وصلاح ظاهر، وسماعه صحيح، قال الذهبي: الشيخ الجليل، الصالح العدل الصادق، مات سنة 517هـ[21].
? أبو علي بن المهدي.
محمد بن الشيخ أبي الفضل محمد بن المهدي بالله الهاشمي البغدادي، سمع أباه وأبا إسحاق البرمكي، وكان ثقةً مكثرًا معمَّرًا، وقال ابن النجار: ثقة نبيل من ظِراف البغداديين، مات سنة 515هـ[22].
? عبدالقادر بن محمد بن عبدالقادر البغدادي اليوسفي.
سمع المصنفات الكبار من أبي علي بن المذهب، وأبي إسحاق البرمكي، قال السمعاني: شيخ صالح ثقة ديِّن، مُتحرٍّ في الرواية، كثير السماع مات سنة 516هـ[23].
كتاب: الشريعة [24]
موضوع الكتاب:
يتناول قضايا العقيدة الإسلامية؛ بدءًا بالأمر بلزوم الجماعة والنهي عن الفرقة، والتمسُّك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وسنة الصحابة، ثم تناول مسألة القرآن، ومسائل الإيمان، والقَدَر، والنظر إلى الله – تعالى - ثم الرد على الحلولية، وإثبات الصفات الأخرى، والإيمان بعذاب القبْر، ثم فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضي الله عنهم - وقد قسمه إلى ثلاثة وعشرين جزءًا.
تأليف:
محمد بن الحسين الآجُرِّي البغدادي، قال الخطيب: "كان ثقة صدوقًا ديِّنًا"، وقال الذهبي: "كان عالمًا عاملاً، صاحب سنة واتِّباع"، توفِّي سنة 360هـ[25].
طبعاته:
طبع بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي أول مرة سنة 1369هـ، في مجلد واحد، وهي نسخة ناقصة مخرومة تمثِّل نصف الكتاب، ثم طبع كاملاً محققًا من قبل د. عبدالله بن عمر الدميجي في عدة مجلدات، سنة 1418هـ، والحمد لله.
إسناد الكتاب:
الإسناد الأول:
وهو الموجود على النسخة التي طُبع عليها، وهو كالآتي:
ما ساقه الناسخ عمر بن إبراهيم بن علي بن أحمد الحداد، عن الفقيه الإمام أبي الحسن أحمد بن مقبل، قال: أخبرنا الفقيه أبو الحسن أحمد بن عبدالله بن مسعود البريهي، أخبرني الفقيه الحافظ أبو الحسن علي بن أبي بكر بن حمير بن تبع بن فضيل، أخبرنا الشيخ الفقيه أسعد بن خير بن يحيى بن عيسى، عن أبيه خير بن يحيى، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد البزار المكي، عن محمد بن الحسين الآجري [26].
ومما يظهر أن الإسناد هنا يمني، فقد سمعه تلميذه البزَّار، من ثَمَّ تلقاه عنه خير بن يحيى، ومنه انتقل السماع إلى اليَمَن.
تراجم الإسناد:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/288)
? أبو الحسن أحمد بن مُقبل العدني الشافعي.
قال ابن مخرمة: "وكان فقيهًا محققًا مدققًا"، توفِّي سنة 630هـ[27].
? أحمد بن عبدالله البريهي السكسكي.
سكن إب، وأفضت إليه الإمامة فيها، جمع بين الزهد والورع والعلم والحديث، ارتحل إلى مكة سنة 580هـ، ثم رجع إلى مدينته إب [28].
? أبو الحسن علي بن أبي بكر بن حمير بن تبع بن يوسف الهمداني.
كان إمامًا في الحديث، متقنًا للرواة، عالمًا بصحيحه ومعلوله.
قال يحيى بن أبي الخير: "هو شيخ المحدِّثين"، توفِّي سنة 557هـ[29].
? أسعد بن خير بن يحيى بن ملامس.
تفقَّه على أبيه خير بن يحيى، وروى عنه "صحيح البخاري"، و"سنن أبي داود"، مات سنة 519 أو 518 هـ[30].
? خير بن يحيى بن عيسى بن ملامس.
تفقَّه بأبيه في اليمن، مات سنة 480هـ[31].
? أحمد بن محمد المكي البزار، قال الفاسي.
"روى عن أبي بكر الآجري كتاب "الشريعة"، وأخذ عنه أبو أسعد خير ... " [32].
الإسناد الثاني:
ما ذكره ابن خير في فهرست ما رواه عن شيوخه ص155 من عدة طرق، قال: كتاب "الشريعة"، لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري - رحمه الله -: حدَّثني به الشيخُ الإمام أبو بكر يحيى بن موسى بن عبدالله - رحمه الله - قراءة مني عليه في مسجده، قال: حدثني به الشيخ أبو محمد عبدالله بن إبراهيم بن بشير المعافري - رحمه الله - قراءة مني عليه، قال: حدثني به الشيخ أبو العاصي حكم بن محمد بن حكم الجذامي قراءة منِّي عليه، وحدثني به عن أبي علي الغساني - رحمه الله - قال: حدثني به أبو العاصي حكم بن محمد بن حكم الجذامي سماعًا عليه، وهو أول ما حدَّثني به، قال: حدثنا أبو عبدالله محمد بن خليفة البلوي، وأبو محمد مسلمة بن بتري الإيادي، قالا: حدثنا أبو بكر الآجري.
الإسناد الثالث:
أ- رواية الحافظ عبيدالله بن محمد بن بطة العكبري في كتابه "الإبانة الكبرى"، روى عن الآجري شيخه روايات كثيرة في كتابه، وهو في كتاب "الشريعة" للآجري، قال ذلك محقق "الشريعة" (1/ 129)، ووضحها بجدول مقارنة 1/ 129.
ب- رواية الشيخ أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني الأندلسي، مات سنة 444هـ، عن سلمة بن سعيد [33]، عن محمد بن الحسين الآجرِّي في كتابه "الرسالة الوافية".
وقد روي من هذا الطريق تسعة نصوص، جميعها في "الشريعة" للآجري.
وتُعدُّ الأسانيد الآتية مكملةً وموثقةً للإسناد الصريح لكتاب "الشريعة" السابق، وإن لم تكن بالقوة نفسها؛ ولكن هي استنباط من الباحث.
الإسناد الرابع:
وهو عام في مؤلفات الآجري، ساق ابن خير في "فهرست ما رواه عن شيوخه" بسنده إلى حكم بن محمد الجذامي، عن أبي عبدالله محمد بن خليفة البلوي، وأبي القاسم عبيدالله بن محمد السقطي، وأبي الفرج عبدوس بن محمد الطليطلي، قالوا كلهم: حدَّثنا أبو بكر الآجري ص285، وبسنده إلى أبي القاسم عبدالملك بن محمد بن بشران البغدادي، وساق ابن عطية في الفهرس أيضًا ص68 تحت عنوان: "تواليف أبي بكر الآجري"، بسنده إلى أحمد بن محمد بن جَهْور المرشاني، عن أبي بكر الآجري، وكان سماعه منه سنة 358هـ بمكة.
فهؤلاء خمسة من الرواة عن الآجري، وكما يظهر الإسناد أندلسي، وقد تقدم بعضهم في روايته الصريحة لكتاب "الشريعة"، وتراجمهم مختصرة على النحو الآتي:
ترجمة موجزة للرواة عن الآجري:
1 - أحمد بن محمد البزار، تقدَّم.
2 - عبدالملك بن محمد بن عبدالله بن بشران البغدادي أبو القاسم، قال عنه الذهبي: "الشيخ الإمام المحدِّث الصادق الواعظ"، مات سنة 430هـ[34].
3 - أبو عبدالله محمد بن خليفة بن عبدالجبار البَلَوي، من أهل قرطبة، رحل إلى مكة فسمع غير واحد، واستكثر من محمد بن الحسين الآجرِّي، فسمع منه كتبًا جمة من تواليفه، رواها عنه أبو عمر بن عبدالبر، وأخبرنا بها عنه، توفِّي سنة 392، قاله الحميدي في "جذوة المقتبس" ص54، و"تاريخ العلماء والرواة" 2/ 106 [35].
4 - أبو القاسم عبيدالله بن محمد السقطي، البغدادي، قال ابن النجار: "وكان من الصالحين"، قال الذهبي: "الإمام المحدث الثقة"، مات سنة 406هـ[36].
5 - أبو الفرج عبدوس بن محمد الطليطلي، كان زاهدًا ورعًا فقيرًا متقللاً، قال ابن الفرضي: وكان ثقة خيارًا، حسن الضبط، وقال الذهبي: "سمع منه الناس كثيرًا"، مات سنة 390هـ[37].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/289)
6 - أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر الحمامي البغدادي، قال الخطيب: "كتبنا عنه وكان صادقًا ديِّنًا، فاضلاً حسن الاعتقاد"، وقال الذهبي: "مقرئ بغداد"، مات سنة 417هـ[38].
7 - أحمد بن محمد بن جهور المرشاني أبو عمرو، ذَكَرَه ابن عطية في "الفهرس"، وقال: إنه لقي الآجري بمكة سنة 358هـ، ص68.
8 - أبو محمد مسلمة بن محمد بتري الإيادي من أهل قرطبة محدِّث، رَحَلَ إلى مكة، وقال ابن الفرضي: كان زاهدًا فاضلاً متبتلاً مجتهدًا، ورعًا، كثير الجهاد، مات سنة 391هـ[39].
الإسناد الخامس:
كتاب "التصديق بالنظر إلى الله - تعالى - في الآخرة"، وهو أحد أبواب كتاب "الشريعة"، ويبدأ بحديث 572 إلى 628، ويحتوي على (64) نصًّا مسندًا، والذي يظهر أن أبا الحسين قد حدَّث بالكتاب، وما يتعلَّق بالرؤية في مجالس؛ لأهمية المسألة، ولذا تحمَّل بعضُ العلماء روايةَ الكتاب مستقلةً عن كتاب "الشريعة"، كما ستراه في الأسانيد التالية - أعني: أسانيد "التصديق" - ومما يقوِّي كتابَ "الشريعة" كونُ هذه النصوص رويتْ بالإسناد إلى مؤلِّفها، وهي كما يلي:
ما ذكره ابن حجر في "المعجم المفهرس" ص55؛ بسنده إلى أبي بكر عبدالله بن محمد النقور، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد العلاف، أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر الحمامي، عن أبي الحسين الآجري، كما ذكره أيضًا الروداني في "صلة الخلف"، ص163، بسنده إلى أبي الحسن عبدالرحمن بن عبدالله، عن قاسم بن محمد بن هلال بن عبدوس، عن الآجري.
توثيق نسبة الكتاب:
? ما ورد في النسخة الخطية للكتاب، وقد سبق ذكر الإسناد الوارد فيها.
?إطباق أهل العلم على نسبة الكتاب للحافظ الآجري - وقد مرَّ بعضهم - مثل: ابن خير في "الفهرست" ص285، وابن عبدالبر - ولم يسمه - في "التمهيد" 19/ 231، و"الاستذكار" 2/ 527، 531، وابن تيميَّة في كتبه: "الفتاوى" (1/ 254)، (6/ 417)، "المجموعة العلمية" ص71، وابن القيم في "الصواعق" - المختصر - ص214، والذهبي في: "العلو" (2/ 1235، 1267)، و"العرش" (2/ 291، 309)، والشاطبي في "الاعتصام" (1/ 81، 84)، وفي كتب التراجم والسير (16/ 134)، و"التذكرة" (3/ 936)، وغيرها.
? اختصار الإمام أبي علي الحسن بن البنا الحنبلي المتوفَّى سنة 471هـ، كما ذكر ذلك في عنوانه، وفي مقدمته ص36، قال: "المختار في أصول السنة على سياق كتاب الشريعة".
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: "تاريخ بغداد" (3/ 315)، "السير" (14/ 33)، مقدمة محقق كتاب "تعظيم قدر الصلاة"، للمروزي.
[2] "التقييد" (1/ 66)، "الأنساب" (5/ 322)، "السير" (14/ 557).
[3] انظر: "الأنساب" (3/ 405)، "السير" (16/ 493).
[4] "المنتخب من السياق" ص 232، "السير" (18/ 103).
[5] "السنة" ص 49، رقم 156، و"تعظيم قدر الصلاة" (1/ 95) ح 11.
[6] انظر: "تاريخ بغداد" (7/ 199)، "السير" (14/ 96).
[7] انظر: "تاريخ بغداد" 10/ 363، و"تاريخ الإسلام" ص 592.
[8] انظر: "تاريخ بغداد" 10/ 468، و"السير" 18/ 18.
[9] انظر: "المنتظم" 17/ 211، "التقييد" 2/ 110، و"السير" 19/ 386.
[10] انظر: "معجم الشيوخ" 1/ 93.
[11] أشار محقق كتاب "الشريعة" إلى أنه روى عنه قرابة (394) نصًّا.
[12] كتبت دراسة مفصلة عن الكتاب سميتها: "الجزء المفقود من كتاب السنة لأبي بكر الخلال، القسم الأول" جمعتُ النقول من الأئمة عن الكتاب، وانظر: "مقدمة السنة"، تحقيق الزهراني (1/ 14).
[13] انظر: "تاريخ بغداد" (5/ 112)، و"طبقات الحنابلة" (2/ 12)، "السير" (14/ 398).
[14] انظر: "تاريخ بغداد" (6/ 139)، "طبقات الحنابلة" (2/ 190 - 191).
[15] انظر: "طبقات الحنابلة" (2/ 119)، "السير" (16/ 143).
[16] انظر: "تاريخ بغداد" (10/ 468)، "السير" (81/ 81).
[17] انظر: "طبقات الحنابلة" (2/ 434)، "الذيل" (1/ 8).
[18] انظر: "الذيل على الطبقات" (1/ 171)، و"المقصد الأرشد" (2/ 345).
[19] انظر: "المختصر المحتاج إليه" (15/ 300)، "تاريخ الإسلام" ص 128، وفيات 562.
[20] انظر: "السير" (19/ 467)، "المنتظم" (17/ 221) ز
[21] انظر: "المنتظم" (17/ 222)، "السير" (91/ 469).
[22] انظر: "المنتظم" (17/ 201)، "السير" (19/ 430).
[23] انظر: "المنتظم" (17/ 211)، "السير" (19/ 386).
[24] الشريعة هنا المراد منها المعنى اللُّغوي، وهي: الطريقة المستقيمة الدالة على الحق والموصلة إليه، كما قال – تعالى -: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} [الجاثية: 18]؛ أي: على طريقة وسنَّة ومنهاج، ولفظةُ الشريعة في مدلولها العام تدخل فيها أمورُ العقائد بلا شك.
انظر: مقدمة المحقق (1/ 172 - 173).
[25] انظر: "تاريخ بغداد" (2/ 243)، "تذكرة الحفَّاظ" (3/ 936)، "السير" (16/ 135).
[26] "العقد الثمين" (3/ 178).
[27] انظر: الأعلام (1/ 259)، وأشار إليه صاحب "طبقات فقهاء اليمن" ص 218، وينظر: "العقود اللؤلؤية" (1/ 53)، "تاريخ ثغر عدن" ص 47.
[28] انظر: "طبقات فقهاء اليمن" ص 190.
[29] انظر: "تاريخ ثغر عدن" ص 168، "طبقات فقهاء اليمن" ص171، "الأعلام" (4/ 266).
[30] انظر: "طبقات فقهاء اليمن" ص 110.
[31] انظر: "طبقات فقهاء اليمن" ص 101.
[32] انظر: "العقد الثمين" (3/ 178)، وأشار لروايته "صاحب طبقات فقهاء اليمن" أيضًا ص 101.
[33] سلمة بن سعيد الأنصاري، من أهل أستجة، لقي الآجري، وسمع منه بعض مصنفاته، كان رجلاً فاضلاً ثقة فيما رواه، مات سنة 406هـ.
انظر: "الصلة" (1/ 219).
[34] انظر: "تاريخ بغداد" (10/ 432)، "السير" (17/ 450).
[35] "جذوة المقتبس" ص 54، "تاريخ العلماء والرواة" (2/ 106).
[36] انظر: "ذيل تاريخ بغداد" (17/ 111)، "السير" (17/ 236).
[37] انظر: "تاريخ علماء الأندلس" 1/ 383، "تاريخ الإسلام" ص 201.
[38] انظر: "تاريخ بغداد" (11/ 329)، "السير" (17/ 402).
[39] انظر: "تاريخ العلماء والرواة" 2/ 130، و"جذوة المقتبس" ص 346.
منقول:
http://www.alukah.net/articles/1/9164.aspx
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/290)
ـ[ابن عبدالباقى السلفى]ــــــــ[19 - 12 - 09, 12:57 ص]ـ
توثيق أسانيد كتب العقيدة الإسلامية (5/ 5)
أ. د. عبدالله بن صالح البراك
كتاب: "السنة"
مؤلفه:
أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الشامي الطبراني، قال ابن أبي يعْلَى: "وكان أحد الأئمة والحفَّاظ في علْم الحديث"، وقال ابن عساكر: "وروى عنه النجوم والأكابر والأعلام ما لا يُعَدُّ كثرة"، وقال الذهبي: "الرَّحَّال الجَوَّال، محدِّث الإسلام، عَلَم المعمَّرين"، له من الكتب: "المعجم الكبير على أسماء الصحابة"، "كتاب الدعاء"، "السنة"، مات سنة 360هـ[1].
موضوعه:
يُطلق العلماء - علماء العقيدة - "السُّنَّة"، ويعنون بها معنًى أوسعَ من إطلاق المحدِّثين، أو الأصوليين، أو الفقهاء؛ إذ يعنون بالسنة: موافَقة الكتاب وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ سواء في أمور الاعتقادات أو العبادات، كما قال ابن تيميَّة: "ولفظ السنة في كلام السلَف، يتناول السُّنَّة في العبادات وفي الاعتقادات، وإن كان كثير ممَّن صَنَّف في السُّنَّة يقصرون الكلام في الاعتقادات" [2].
إسناد الكتاب:
كتاب "السنة" - كما سبق - هو في عداد المفقود، وإنما الذي وصَلَنا روايةُ أئمة كُتُب العقيدة بأسانيدهم إلى الطَّبَراني، ورواية كتب الفهارس التي اعتنتْ بحفظ أسانيد الكُتُب، ومن أشهرها كتاب ابن حجر، وأوضِّح ذلك بالآتي:
1 - ذِكْرُ الإسناد الذي وَصَلَنَا للكتاب، وهو عن طريق كتاب ابن حجر "المعجم المفَهرس"، ص63، رقم 53.
2 - ذِكر أسانيد كُتُب العقيدة، التي روتْ وحفظتِ الإسنادَ بشجرة موضحة.
ساق ابن حجر سنده إلى الكتاب [3]، إلى أن قال: أنْبَأَنَا يوسف بن خليل الحافظ سَمَاعًا عليه من أول الكتاب، أَنْبَأَنَا محمد بن أبي زيد الكراني، أَنْبَأَنا محمود بن إسماعيل، أَنْبَأنا أبو الحسين بن فاذشاه، أنبأنا الطَّبَراني به.
تراجم إسناده:
1 - يوسف بن خليل بن عبدالله الأدمي الدمشقي: قال الدمياطي بعد أن ذَكَرَ استيطانَه حلبَ: "وحَدَّث بها بالكثير، على استقامة وحُسن طريقة ومعرفة"، وقال الذهبي: "شيخ الحديث، راوية الإسلام"، مات سنة 648هـ[4].
2 - محمد بن أبي زيد بن حمد الأصبهاني الكراني، الخباز: وُلِد سنة سبع وتسعين وأربعمائة، سمع أبا علي الحداد، ومحمود بن إسماعيل الصيرفي، روى عنه سائر "معجم الطبراني" بسماعه من فاذشاه، عن المؤلف، قال الذهبي: "شيخ معمَّر، عالي الإسناد، كمَّل مائة سنة"، مات سنة 597هـ[5].
3 - محمود بن إسماعيل بن محمد الصيرفي الأصبهاني، أبو منصور الأشقر: قال السَّمْعاني: "شيخ صالح سديد، معمَّر مُكثر من الحديث"، وقال الذهبي: "الشيخ الجليل الثقة، حدَّث عن أبي الحسين أحمد بن محمد بن فاذشاه بـ"معجم الطبراني"، مات سنة 514هـ[6].
4 - أحمد بن محمد فاذشاه أبو الحسين الأصبهاني: قال يحيى بن منده: "كان ابن فاذشاه صاحب ضِياع كثيرة، صحيح السماع، رديء المذهب"، قلت - القائل الذهبي -: "كان يرمى بالاعتزال والتشيُّع، حدَّث بالكثير عن أبي القاسم الطبراني"، مات سنة 433هـ[7].
5 - أبو القاسم، سليمان بن أحمد الطبراني: سبقت ترجمته.
توضيح شجرة الإسناد:
الإسناد يتفرع من بعد محمود بن إسماعيل الصيرفي على النحو الآتي:
يرويه عنه:
أ- أبو العلاء الهمداني في كتابه: "فتيا وجوابها في ذِكْر الاعتقاد".
ب- وأبو جعفر أحمد بن نصر الصيدلاني، وعنه: أبو إسحاق الدرجي، ثم يرويه عنه المزي في رواية له، وأبو عبدالله المقدسي في كتابه: "الأحاديث المختارة" وكتاب "اختصاص القرآن"، وعنه يرويه الدشتي في كتابه: "إثبات الحد" في رواية له.
ج- رواية محمد بن أبي زيد، وهي أشهرها:
1 - يرويه عنه أبو الحسن بن البخاري، ثم يرويه عنه المزي في كتابه: "التهذيب"، وهي الرواية الأخرى له.
2 - ويرويه عنه يوسف بن خليل، وعنه الدشتي في الرواية الأخرى له، ومن طريق يوسف يرويه ابن حجر بإسناده الذي ذكرت.
3 - ويرويه عنه علي بن أحمد، وأحمد بن أبي الخير، وعنهم الذهبي في كتابيه "العلو" و"السير".
توثيق نسبة الكتاب:
كل من ترجم للإمام الطبراني، نسبوا إليه الكتاب، منهم: يحيى بن منده في ترجمة الطبراني ص361، مطبوع ضمن "المعجم الكبير"، و"السير" (20/ 558)، وكتب العقيدة [8]، ومنها:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/291)
? أبو العلاء الهمداني في كتابه "فتيا في ذكر الاعتقاد"، ساق بسنده إلى الطبراني - ولم يسمِّ الكتاب - لكن كل من نقل الآثار المنقولة عزاها إلى "السنة" للطبراني، وتطابق الإسناد مع ما ذكره أهل الفهارس ح18، 19، 21، 22.
? الضياء المقدسي في كتابه "الأحاديث المختارة" (10/ 310)، و"اختصاص القرآن" ح12، 15.
? أبو محمد محمود الدشتي في: "إثبات الحد لله"، برقم ح32، 48، وابن تيميَّة في كتبه: "النقض" (2/ 394، 542) تحقيق: البريدي، "التسعينية" (2/ 390)، ابن القيم في: "شفاء العليل" ص51 - 52، و"الصواعق" (2/ 386)، وغيرهما، وابن كثير في: "التفسير" (2/ 244)، (4/ 570)، و"البداية" (1/ 11)، والزَّرْكشي في "اللآلئ المنثورة" ح219، وابن رجب في "التخويف من النار"، وابن حجر في: "المعجم المفهرس"، و"الفتح" (5/ 183)، و"الإصابة" (7/ 302)، والسيوطي في "الدر المنثور" (1/ 328)، وغيرها.
المصادر والمراجع
1 - "الإبانة عن شريعة الفِرقة الناجية"، لأبي عبيدالله بن بطة، تحقيق: الوليد بن نبيه، طبع دار الراية.
2 - "إبطال التأويلات"، للقاضي أبي يعْلَى، ج1، 2، تحقيق: محمد الحمود، نشر مكتبة الذهبي، وبقيته مخطوط عن مكتبة الغزاوي بالعراق.
3 - "إثبات الحد لله تعالى"، للحافظ الدشتي، مخطوط عن الظاهرية.
4 - "إثبات صفة العلو"، موفق الدين المقدسي، تحقيق: بدر البدر، الكويت، الدار السلفية.
5 - "إجازات السماع"، لصلاح الدين المنجد، بحث منشور في مجلة معهد المخطوطات 1/ج2، عام 1375هـ.
6 - "اجتماع الجيوش الإسلامية"، لابن قيم الجوزية، تحقيق: عواد المعتق، ط1، 1408هـ.
7 - "الأحاديث المختارة"، للحافظ الضياء المقدسي، تحقيق: عبدالملك بن دهيش، مكة المكرمة، مكتبة النهضة.
8 - "الأربعين في صفات الأربعين"، للحافظ الذهبي، تحقيق: عبدالقادر صوفي، المدينة المنورة، مكتبة العلوم والحكم.
9 - "الاستقامة"، لشيخ الإسلام ابن تيميَّة، تحقيق: محمد رشاد، ط1، جامعة الإمام محمد.
10 - "الأسماء والصفات"، لأبي بكر البيهقي، تحقيق: عبدالله الحاشدي، جدة: مكتبة السوادي.
11 - "الإصابة في تمييز الصحابة"، لابن حجر العسقلاني، طبع دار الكتاب العربي.
12 - "أصول السنة"، لابن أبي زمنين، تحقيق: عبدالله البخاري، المدينة المنورة، مكتبة الغرباء.
13 - "الأعلام"، للزركلي، ط6، بيروت، دار العلم للملايين.
14 - "إنباء الغمر بأبناء العمر"، لابن حجر العسقلاني، الهند، دائرة المعارف.
15 - "الأنساب"، لأبي سعد السمعاني، الهند، دائرة المعارف.
16 - "الإيمان"، لمحمد بن إسحاق ابن منده، تحقيق: علي الفقيهي، طبع الجامعة الإسلامية.
17 - "بحوث في تاريخ السنة المشرفة"، تأليف/ أكرم ضياء العمري، ط: مؤسسة الرسالة.
18 - "البداية والنهاية"، للحافظ ابن كثير، بيروت، دار المعارف.
19 - "تاريخ ابن عساكر"، "تاريخ مدينة دمشق"، تحقيق: أبي سعيد العمروي، طبع دار الفكر.
20 - "تاريخ بغداد"، للخطيب البغدادي، طبع دار الكتاب العربي.
21 - "تاريخ ثغر عدن"، لأبي مخرمة، طبع در الجيل.
22 - "تاريخ العلماء والرواة"، لابن الفرضي، نشر مكتبة الخانجي 1373هـ.
23 - "تاريخ الإسلام"، للحافظ الذهبي، تحقيق: عمر تدمري، طبع دار الكتاب العربي.
24 - "تأويل مختلف الحديث"، لابن قتيبة، طبع دار الكتاب العربي.
25 - "التحبير إلى المعجم الكبير"، للسمعاني، تحقيق: منيرة ناجي، طبع العراق 1395هـ.
26 - "تذكرة الحفاظ"، للذهبي، تحقيق: عبدالرحمن المعلمي، طبع الهند 1374هـ.
27 - "التسعينية"، لابن تيميَّة، تحقيق: محمد العجلان، الرياض، طبع دار المعارف.
28 - "تسمية ما ورد به الخطيب دمشق"، مطبوع ضمن كتاب "الحافظ الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث"، لمحمود الطحان.
29 - "تغليق التعليق"، لابن حجر، طبع سعيد القزي مكتبة المكتب الإسلامي، 1405هـ.
30 - "تفسير القرآن العظيم"، لابن كثير، طبع عيسى البابي.
31 - "تقريب التهذيب"، لابن حجر، تحقيق: أبي الأشبال صغير، طبع دار العاصمة.
32 - "التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد"، لابن نقطة الحنبلي، الهند، دائرة المعارف.
33 - "تكملة الإكمال"، لابن نقطة، طبع جامعة أم القرى.
34 - "التمهيد"، لابن عبدالبر، المغرب، وزارة الأوقاف.
35 - "تنزيه الشريعة"، لابن عراق، تحقيق: عبدالوهاب عبداللطيف، طبع دار الباز.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/292)
36 - "تهذيب الكمال"، للمزي، تحقيق: بشار عواد، طبع مؤسسة الرسالة.
37 - "التوحيد"، لابن منده، تحقيق: علي الفقيهي، طبع الجامعة الإسلامية بالمدينة.
38 - "التوحيد"، لابن خزيمة، تحقيق: عبدالعزيز الشهوان، طبع مكتبة الرشد.
39 - "الثقات"، لابن حبان، الهند، دائرة المعارف.
40 - "جامع بيان العلم وفضله"، لابن عبدالبر، تحقيق: أبي الأشبال، طبع دار ابن الجوزي.
41 - "جزء فيه ذكر أبي القاسم سليمان الطبراني"، ليحيى بن منده، طبع ضمن "معجم الطبراني الكبير".
42 - "جامع البيان"، لابن جرير الطبري، الطبعة الأميرية ببولاق، وطبعة أخرى، تحقيق: أحمد شاكر وأخيه.
43 - "الجرح والتعديل"، لابن أبي حاتم، تحقيق: عبدالرحمن المعلمي، الهند، دائرة المعارف.
44 - "جواب الخطيب البغدادي لأهل دمشق في العقيدة"، تحقيق: جمال عزون، طبع الإمارات.
45 - "الحجة في بيان المحجة"، لأبي القاسم الأصبهاني، الرياض، دار الراية.
46 - "حلية الأولياء"، لأبي نعيم الأصبهاني؛ طبع الخانجي، مصورة دار الكتاب العربي.
47 - "خلق أفعال العباد"، للإمام البخاري، تحقيق: بدر البدر، الكويت، الدار السلفية، وطبعة أخرى بتحقيق: عمرو عبدالمنعم، طبع دار ابن عفان.
48 - "درْء تعارُض العقل والنقل"، لابن تيميَّة، طبع جامعة الإمام، تحقيق: محمد رشاد سالم.
49 - "الدر المنثور"، للسيوطي، طبع دار الفكر.
50 - "الدرر الكامنة"، لابن حجر، طبع الهند، تصوير دار الجيل.
51 - "ذكر أخبار أصبهان"، لأبي نعيم الأصبهاني، طبعة ليدن، 1913م.
52 - "ذم التأويل؛ لابن قدامة، تحقيق: بدر البدر، الكويت: الدار السلفية.
53 - "ذم الكلام"، لأبي إسماعيل الهروي، تحقيق: عبدالله الأنصاري، المدينة المنورة: دار الغرباء.
54 - "ذيل تاريخ بغداد"، لابن النجار، طبع دار الكتب العلميَّة.
55 - "ذيل التقييد"، للتقي الفاسي، تحقيق: كمال الحوت، طبع دار الكتب العلمية.
56 - "الرد على من أنكر الحرف والصوت"، للسجزي، تحقيق: محمد باكريم، طبع دار الراية.
57 - "الرد على الجهمية"، لابن منده، تحقيق: الفقيهي، ط2.
58 - "الرد على الجهمية"، للإمام أحمد، تحقيق: علي سامي النشار، طبع منشأة المعارف.
59 - "الرد على الجهمية"، لعثمان الدارمي، تحقيق: بدر البدر، الكويت، الدار السلفية.
60 - "الرد على مَن يقول: القرآن مخلوق"، لأبي بكر النجاد، تحقيق: رضا الله، بيروت، مكتبة الصحابة.
61 - "رسالة لطيفة"، لابن عبدالهادي، تحقيق: محمد عيد، طبع دار الهدى.
62 - "رد عثمان الدارمي على بشر العنيد"، تحقيق: رشيد الألمعي، طبع مكتبة الرشد.
63 - "الرؤية"، للإمام الدارقطني، تحقيق: إبراهيم العلي، طبع مكتبة المنار، 1411هـ.
64 - "سنن أبي داود السجستاني"، تحقيق: عزت الدعاس، سوريا، دار الحديث.
65 - "سنن ابن ماجه"، تحقيق: محمد عبدالباقي، طبع البابي الحلبي.
66 - "سنن الدارمي"، تحقيق: عبدالله اليماني، طبع في باكستان.
67 - "السنة"، لابن أبي عاصم، تحقيق: الألباني، طبع المكتب الإسلامي، وطبعة أخرى بتحقيق: باسم الجوابرة، وطبع دار الصميعي.
68 - "السنة"، لأبي بكر الخلال (1 - 7)، تحقيق: عطية الزهراني، طبع مكتبة الراية، ونسخة خطية من المتحف البريطاني.
69 - "السنة"، لعبدالله بن أحمد، تحقيق: محمد القحطاني، الدَّمَّام: دار ابن القيم.
70 - "السنة"، للمروزي، تحقيق: أبي محمد بن سالم أحمد، طبع مؤسسة الكتب الثقافية.
71 - "سير أعلام النبلاء"، للحافظ الذهبي، ط1، مؤسسة الرسالة.
72 - "شرح الأصول الخمسة"، للقاضي عبدالجبار، تحقيق: عبدالكريم عثمان.
73 - "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"، اللالكائي، تحقيق: أحمد حمدان، طبع دار طيبة.
74 - "شرح صحيح مسلم"، للنووي، طبع دار الفكر.
75 - "شرح العقيدة الطحاوية"، لابن أبي العز، تحقيق: د. التركي، والأرناؤوط، طبع مؤسسة الرسالة.
76 - "الشريعة"، لأبي بكر الآجرِّي، تحقيق: عبدالله الدميجي، طبع دار الوطن.
77 - "شفاء العليل"، لابن القيِّم، طبع مكتبة التراث بمصر.
78 - "صحائف الصحابة"، لأحمد الصويان، طبع 1410هـ.
79 - "صحيح البخاري"، طبع مع شرحه "فتح الباري"، الطبعة السلفية.
80 - "صحيح مسلم"، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، طبع إحياء الكتب العربية.
81 - "الصفات"، للدارقطني، تحقيق: علي الفقيهي، ط 1403هـ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/293)
82 - "صفة الجنة"، لأبي نعيم الأصبهاني، تحقيق: علي رضا، بيروت، دار المأمون.
83 - "صلة الخلف"، للروداني، تحقيق: محمد الحجي، طبع دار الغرب.
84 - "الصواعق المرسلة"، لابن القيم، تحقيق: علي الدخيل الله، طبع دار العاصمة.
85 - "الضوء اللامع"، للسخاوي، طبع دار الحياة.
86 - "طبقات علماء الحديث"، لابن عبدالهادي، تحقيق: أكرم البلوشي، طبع مؤسسة الرسالة.
87 - "طبقات الحنابلة"، لابن أبي يعلى، تحقيق: الفقي، مطبعة السنة المحمدية، 1371هـ.
88 - "طبقات الشافعية"، للسبكي، تحقيق: الطناحي والحلو، طبع عيسى البابي.
89 - "طبقات الشافعية"، لابن كثير، تحقيق: أحمد هاشم، طبع سنة 1413هـ.
90 - "طبقات فُقهاء اليمن"، لعمر الجعدي، تحقيق: فؤاد سيد، طبع دار القلم.
91 - "طريق الهجرتَيْن"، للإمام ابن القيم، رسائل جامعية في جامعة الإمام.
92 - "العرش وما رُوي فيه"، لابن أبي شيبة، تحقيق: محمد الحمود، الكويت، مكتبة المعلا.
93 - "العظمة"، لأبي الشيخ الأصبهاني، تحقيق: رضا بن إدريس، طبع دار العاصمة.
94 - "عقيدة السلف وأصحاب الحديث"، للصابوني، تحقيق: ناصر الجديع، طبع دار العاصمة.
95 - "عمدة القاري شرح صحيح البخاري"، للعيني، طبع المنيرية.
96 - "العلو للعلي العظيم"، للذَّهَبي، تحقيق: عبدالله البراك، ط1، دار الوطن.
97 - "فتح الباري"، لابن حجر، مطبوع مع "الصحيح"، للبخاري، طبع المكتبة السلفية.
98 - "فتيا وجوابها في الاعتقاد"، لأبي العلاء الهمداني، تحقيق: عبدالله الجديع، طبع دار العاصمة.
99 - "الفهرست"، لابن خير الإشبيلي، طبع دار الآفاق.
100 - "فهرس الفهارس"، لعبدالحي الكتاني، طبع دار الغرب.
101 - "القدر"، لأبي بكر البيهقي، تحقيق: محمد آل عامر، طبع دار العبيكان.
102 - "الكتاب اللطيف"، لابن شاهين، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية.
103 - "كشف الظنون"، لحاجي خليفة، بيروت، دار العلوم.
104 - "كيفية التنقيب عن المفقود من كتب التراث"، لحكمت بشير، طبع دار المؤيد.
105 - "اللآلئ المصنوعة"، للسيوطي، طبع دار المعرفة.
106 - "لوامع الأنوار"، للسفاريني، ط2، المكتب الإسلامي، ودار أسامة.
107 - "مجمع البحرين"، للهيثمي، تحقيق: عبدالقدوس نذير، طبع مكتبة الرشد.
108 - "مجمع الزوائد"، للهيثمي، طبع مكتبة القدسي، 1352هـ.
109 - "المجمع المؤسس"، لابن حجر، تحقيق: عبدالرحمن المرعشلي، طبع دار المعرفة.
110 - "مجموع فتاوى ابن تيمية"، جمع الشيخ ابن قاسم، ط1، دار الإفتاء، 1381هـ.
111 - "مسند الإمام أحمد"، تصوير الطبعة الميمنية، طبع المكتب الإسلامي.
112 - "مشيخة الرازي"، تحقيق: حاتم العوني، طبع دار الهجرة.
113 - "المصنف"، لابن أبي شيبة، الهند، الدار السلفية.
114 - "المعجم المختص بالمحدثين"، للذهبي، تحقيق: محمد الهيلة، الطائف، مكتبة الصديق.
115 - "المعجم المفهرس"، لابن حجر، تحقيق: محمود شكور، طبع مؤسسة الرسالة.
116 - "مفتاح دار السعادة"، لابن القيم؛ تصحيح محمود الربيع، طبعة 1392هـ.
117 - "المنتخب من السياق"، لعبدالغافر، طبع دار الكتب العلمية.
118 - "المنتخب من معجم الشيوخ"، للسمعاني، تحقيق: موفق عبدالقادر، طبع جامعة الإمام.
119 - "المنتظم"، لابن الجوزي، تحقيق: محمد عطا، طبع دار الكتب العلمية.
120 - "منهاج السنة"، لابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد، طبع جامعة الإمام.
121 - "المنهج الأحمد"، للعليمي، طبع عالم الكتب.
122 - "المنهج المقترح لفهم المصطلح"، لحاتم العوني، طبع دار الهجرة.
123 - "موارد ابن تيمية"، لعبدالله البراك، منشور في كلية التربية - جامعة الملك سعود.
124 - "موارد ابن عساكر"، رسالة دكتوراه في الجامعة الإسلامية، لطلال الدعجاني.
125 - "الموضوعات"، لابن الجوزي، تصحيح عبدالرحمن محمد، طبع المكتبة السلفية.
126 - "النزول"، للدارقطني، تحقيق: علي الفقيهي، ط1، 1403هـ.
127 - "نقض تأسيس الجهمية"، لابن تيمية، طبع الشيخ ابن قاسم، طبع الحكومة السعودية، ورسائل جامعية محققة في جامعة الإمام من قبل د. البريدي ود. العجلان (غير منشورة).
128 - "وفيات المصريين"، للحبال، تحقيق: محمود الحداد، طبع دار العاصمة.
129 - "الوافي بالوفيات"، لخليل الصفدي، طبع ألمانيا، باعتناء هلموت.
ـــــــــــــــــــــ
[1] انظر: "طبقات الحنابلة" (2/ 49)، "تاريخ ابن عساكر" (22/ 163)، "السير" (16/ 119).
[2] انظر: "فتيا وجوابها في ذكر الاعتقاد" ص 75، "العلو"، للذهبي (2/ 1265)، "الضياء في الأحاديث المختارة" (10/ 310).
[3] "المعجم المفهرس" رقم 60، ص 53.
[4] انظر: "المستفاد من ذيل تاريخ بغداد" (19/ 263)، "السير" (23/ 151).
[5] انظر: "تاريخ بغداد" ص 314، "السير" (21/ 363)، "ذيل التقييد" (1/ 215).
[6] انظر: "التحبير" (2/ 275)، "التقييد" (2/ 245)، "السير" (19/ 428).
[7] انظر: "التقييد" (1/ 198)، "السير" (17/ 515).
[8] سأختار موضعًا لذكر الكتاب بدلاً من تكرار الموضع، وإحصاء كتب المؤلفين المكثرين، مثل: ابن تيميَّة، وابن القيِّم، والذهبي.
منقول:
http://www.alukah.net/articles/1/9309.aspx
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/294)
ـ[ابن عبدالباقى السلفى]ــــــــ[19 - 12 - 09, 01:50 ص]ـ
المرفقات:
1 - شجرة إسانيد كتاب الإيمان لأبى عبيد القاسم بن سلام
2 - شجرة إسناد كتاب الرد على الجهمية للإمام أحمد بن حنبل
3 - شجرة أسانيد كتاب "خلْق أفعال العباد" لأبى عبد الله البخارى
4 - أسانيد السماعات لكتاب الرد على بشر
5 - شجرة كتاب الرد على الجهمية للدارمى
72674
72675
72676
72677
72678
ـ[ابن عبدالباقى السلفى]ــــــــ[19 - 12 - 09, 01:54 ص]ـ
يتبع إن شاء الله.
ـ[ابن عبدالباقى السلفى]ــــــــ[20 - 12 - 09, 12:04 ص]ـ
يتبع إن شاء الله.
للمزيد من الرسم التوضيحى لشجر الإسناد =ادخل على الروابط الأصلية للموضوع.(60/295)
الأدب مع الوالدين وقصة اللهم ارزقنا ... السابعة!!
ـ[إبراهيم أبولوحجي علم اليقين]ــــــــ[19 - 12 - 09, 12:31 م]ـ
الأدب مع الوالدين
البر لغة: بالكسر ضد العقوق، وهو اسم جامع لكل معاني الخير.
و اصطلاحا: التوسع في الإحسان إليهما وضده العقوق.
أما الوالدان: الأب والأم، ويشمل لفظ (الوالدين) الأجداد والجدات.
قال تعالي: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمسكين" (النساء/36).
آداب بر الوالدين
1 - مخاطبة الوالدين بألفاظ الاحترام والتوقير، مع خفض الصوت والاستماع لهم وعدم مقاطعهم.
2 - عدم حد النظر إليهم
3 - عدم المشي أمامهم إلا لنفعهم، أو الاتكاء عليهم، أو تسميتهم بأسمائهم
4 - إلقاء السلام عليهم عند الدخول والخروج
5 - عدم بدء الطعام أو الشراب قبلهم
6 - الدعاء لهما مع إظهار الود، وإكثار الشكر لهما علي ما قاما في حقك
7 - ملازمتهما عند المرض والقيام بحقهما عليك
8 - النفقة عليهما، والحج والاعتمار عنهما إن عجزا عن ذلك
9 - عدم السفر، أو الجهاد قبل استئذان عليهما عند الدخول
11 - الصلاة عليهما بعد موتهما ودفنهما.
متى يسمى الابن بارا؟
يسمى الابن بارا إذا تحققت فيه الشروط التالية:
1 - أن يؤثر رضا والديه علي رضا نفسه وزوجته وأولاده والناس أجمعين.
2 - أن يطيعهما في كل ما يأمرانه به من معروف، وأن ينتهي عن كل ما ينهيانه عنه.
3 - أن يقدم لهما كل ما يلحظ أنهما يرغبان فيه من غير أن يطلباه منه عن طيب نفسه وسرور.
4 - أن يستمر بره لهما، حتى بعد مماتهما، وأن يلهج بالدعاء لهما.
المعاملة الواجبة عند الكبر: الأمور التالية هي المعاملة الواجبة في كبر هم.
المداومة علي زيارتهم، الصبر علي تصرفاتهم، علاجهم عند المرض، والصبر علي ذلك، ملء الفراغ عندهم بما ينفعهم، المساهمة في رفع زيادة الإيمان عندهم، صلة أصدقائهم، وبالأخص بعد وفاتهم.
3 - الأدب مع الأرحام
إن خلال المكارم كثيرة، ومن أحسن هذه الخلال صلة الأرحام، والإحسان إليهم وصلتهم في المقال والفعال، وبذل الأموال. قال تعالي:" واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا" (النساء/1).
ولما كانت صلة الرحم من الأهمية بمكان، فرضها الله في جميع الأديان السماوية السابقة. قال تعالي:" وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلوة واتوا الزكوة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون" (البقرة/83).
صلة الرحم في ظلال القرآن الكريم.
قال تعالي:"واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام" قال الحافظ ابن كثير:" أي: واتقوا الله بطاعتكم إياه"
قال تعالي:" وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم" (الأنفال/75).
معنى صلة الرحم:- الرحم: هم القرابة، ويطلق علي كل من يجمع بينك وبينه نسب.
من هم الأرحام وذوو القربى؟ صلة الرحم علي وجهين: عامة وخاصة، والأرحام علي وجه الخصوص هم الأقارب من جهة الأبوين.
قال العلامة ابن باز رحمه الله:"الأرحام هم الأقارب من النسب من جهة أمك وأبيك. وهم المعنيون بقول الله سبحانه وتعالي:" وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله" صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال لما سأله سائل قائلا: من أبر يا رسول الله؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال (أمك). قال ثم من؟ قال) أمك) قال ثم من؟ قال: (أباك). ثم الأقرب فالأقرب".
أقسام الرحم: تنقسم الرحم إلي ثلاثة أقسام، أصلية وفرعية وعامة.
أولا:- الرحم الأصلية: وهما الأبوان وما يتصل بهما من قرابة مثل الأجداد فما علا، والأخوان والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخلات.
ثانيا:- الرحم الفرعية:- وهم الأبناء والأحفاد، فما نزل، وما ثبت بالرضاع.
ثالثا:- الرحم العامة: وهم عموم المسلمين ممن يجمع بينهم كلمة التوحيد.
قال تعالي:"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" (التوبة/71). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"حق المسلم علي المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فسمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه".
حكم صلة الرحم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/296)
النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية يقطع بوجوب صلة الرحم بلا خلاف بين العلماء وأن قاطعها آثم مرتكب كبيرة من الكبائر. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله".
بم تكون القطيعة؟ قال الزين العراقي: تكون بالإساءة إلي الرحم، وقال غيره: تكون بترك الإحسان، لأن الأحاديث آمرة بالصلة، ناهية عن القطيعة.
كيف تكون صلة الرحم؟ وقد أجمل القول ابن أبي جمرة، فقال:"تكون صلة الرحم بالمال؟ وبالعون علي الحاجة، ويدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء ..... " وقال النووي:" صلة الرحم هي الإحسان إلي الأقارب علي حسب حال الواصل والموصول. فتارة تكون بالمال وتارة بالخدمة، وتارة بالزيارة والسلام وغير ذلك".
آداب صلة الرحم
آداب وضوابط الرحم هي:
1 - أن تستشعر أن أرحامك أولى الناس ببرك ومعروفك وخيرك وعطفك وتوجيهك.
2 - الصبر علي أذاهم، وسعة الصدر معهم.
3 - رحمة صغير هم وتوقير كبيرهم.
4 - الابتداء بالسلام، والبشاشة عند اللقاء.
5 - الإصلاح بين المتخاصمين، وتجنب التقاطع.
6 - قبول أعذارهم، ونسيان عيوبهم.
7 - علي المرأة التزام الحجاب وعدم إظهار الزينة.
8 - عدم دخول البيوت إلا باستئذان.
9 - الفرح بإطعام القريب والتصدق عليه إن كان مسكينا.
10 - تقديم النصيحة لمن يحتاجها منهم وقبولها منهم.
11 - كتم أسرار الأهل والمجالس بالأمانة.
12 - قبول هداياهم.
13 - نصرتهم وعدم خذلانهم، والستر عليهم.
14 - زيارتهم علي الدوام، وبالأخص زيارة مريضهم وتشييع ميتتهم.
15 - عدم الخلوة بغير المحارم كبنات العم والعمة والخال والخالة.
16 - عدم مصافحة غير المحارم.
17 - تجنب الخلطة المحرمة.
الأمر بتعلم الأنساب لصلة الرحم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:" تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال، منسأة في الأثر".
قال الناظم:
لعمرك مالإنسان إلا بدينه ## فلا تترك التقوى اتكالا علي النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارس ## وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب
ليس الواصل بالمكافئ
إن المفاهيم الناس في قولهم: نحن نزور من يزورنا، هذه المفاهيم الخاطئة، بلا شك مخالف للنصوص الشرعية الداعية للتواصل، وعدم التقاطع والتنافر، ولهذا يقول الرسول صلي الله عليه وسلم:"ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".
فالناس درجات: 1 - واصل، 2 - مكافئ، 3 - قاطع. وخيرهم الواصل. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "صل من قطعك، وأحسن إلي من أساء إليك، وقل الحق ولو علي نفسك".
أمثلة تطبيقية من السيرة النبوية لصلة الرحم.
عرف النبي صلي الله عليه وسلم بصلة الرحم قبل البعثة، من قول أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، في قصة بدء الوحي:"كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم".
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"أذكركم الله في أهل بيتي" هذا الحديث غاية في الوصية بهم.
الأدب مع الجار: قال تعالي: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسان وبذي القربى والجار الجنب" (النساء/36). الإحسان إلي الجار وإكرامه أمر مطلوب شرعا، وللجار علي جاره حق عظيم في الأديان كلها والشرائع والأوضاع كافة.
الجار: القريب منك في المنزل له منزلة وحق، سواء كان الجار علوي او سفلي، أو جانبي، ويشمل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصديق والعدو، والغريب وابن البلد، والنافع والضار، والقريب والأجنبي، والأقرب دارا والأبعد.
آداب حسن الجوار
1 - حفظ حقوقه العامة:- وله حق كبير عليك، فإن كان قريبا منك النسب وهو مسلم فله ثلاثة حقوق: حق الجوار، وحق القرابة، وحق الإسلام. وإن كان مسلما وليس بقريب في النسب فله حقان: حق الجوار، وإن كان غير مسلم وليس بقريب فله حق الجوار.
2 - الإهداء له:- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:" يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة".
3 - مواساته عند الحاجة، وتفقد أحواله:- عن ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:" ليس المؤمن بالذي يشبع، وجاره جائع إلي جانبه".
4 - مساعدته ونفعه:- قال رسول الله صلي الله وسلم"لا يمنع جار جاره أن يغرز خشيه في جداره"
5 - الإحسان إليه وإكرامه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/297)
6 - الجار أولي الناس بشراء البيت أو الأرض من جاره.
7 - صنع الطعام للجيران لوفاة ميت عندهم.
8 - تجنب الوقوع في الخطأ معه.
الأدب مع ألأصحاب
إذا رزق المرء بصاحب صادق فتلك نعمة عظيمة من المولي عز وجل، وسعادة كبرى يغبطهم علي ذلك الأنبياء والرسل ويوم القيامة. قال الشاعر:
إن ظفرت بذيل حر ## فإن الحر في الدنيا قليل
أنواع الصحبة:- قال الماوردي " والمؤاخاة في الناس قد يكون علي وجهين:
أحدهما:- أخوة مكتسبة بالاتفاق الجاري مجري الاضطرار.
الثانية:- أخوة مكتسبة بالقصد والاختيار.
وصحبة إما اضطرار أو اختيارا، فصحبة الاضطرار من يضطر إلي صحبته في السفر يدله علي طريق ونحوه. أما صحبة الاختيار من يتخذه المرء خليلا ويصطفيه صاحبا.
آداب الصحبة:- للصحبة آداب كثيرة منها ما يلي علي سبيل المثال:-
1 - المصاحبة علي الدين والوفاء:- لقوله صلي الله عليه وسلم:"ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه" فالمصاحبة علي الدين أساس العلاقة وأعظم أركان الصحبة الحب في الله، والوفاء هو الثبات علي الحب مع من تحب حتى الممات.
قال العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله: الاجتماع بالإخوان قسمان: أحدهما: اجتماع علي مؤانسة الطمع، ويضيع الوقت.
الثاني:- الاجتماع بهم علي التعاون علي أسباب النجاة والتواصي والصبر، فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها.
2 - التعامل بالأخلاق الحسنة:- التحلي بالأخلاق من شيم النفوس الشريفة والخلال الحميدة، فعلي الخليل أن يتصف بالأخلاق الكريمة في قوله وفعله حتى يعظم في عين صاحبه. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقا"
3 - إعلان المحبة لله تعالي:- عن المقداد بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه".
4 - خفض الجناح:- اللين والرفق والبشاشة والطلاقة والسماحة وخفض الجناح أحد وسائل تملك القلوب.
5 - الانبساط والمواساة في مالك:- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم: يقول:"حقت محبتي للمتبادلين في"
المواساة بالمال مع الإخوان علي ثلاث مراتب:-
أ- أن تقوم بحاجة أخيك من فضل مالك.
ب- أو تنزله منزلة نفسك وترضي بمشاركته إياك في مالك.
ج- أو تؤثره علي نفسك وتقدم حاجته علي حاجتك.
6 - الإعانة بالنفس في قضاء المصالح والقيام بها قبل السؤال.
7 - أن تحب لصاحبك ما تحبه لنفسك من الخير. عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
8 - تحسين ما يعاينه من عيوب صاحبه بالنصيحة والرفق واللين والتواصي بالحق.
9 - أن تضع كلام أخيك علي أحسن الوجوه.
10 - الدفاع عن الأصحاب والذي عن عرضهم، والانتصار لهم. قال الشاعر:
إذا صافي حبيبك من تعادي ## فقد عاداك وانقطع الكلام.
11 - العفو عن الزلات والهفوات ومقابلة الإساءة الإحسان. قال تعالي:" وأن تعفو أقرب للتقوى" (البقرة/237).
صورة مشرقة في العفو: قال الشاعر:
سامح صديقك إن زلت به قدم ## فليس يسلم إنسان من الزلل.
تفاوت الهفوات:- الهفوات إما أن تكون في حقكن أو في دينه بارتكاب معصية، فإن كان في حقك فاصبر وتجاوز واحتمل.
12 - اصطناع المعروف بالتودد إلي الأصحاب:- أقرب الناس إليك، وهو الوفاء عندك، فلاتتردد من اصطناع المعروف إليه بقضاء حاجته واعانته بما تملك.
13 - قبول الاعتذار:- وهو تحرى الإنسان محو أثر الذنب مع إظهار ندم وأسف علي ما وقع منه تجاه الغير بأنه لا يعود.
14 - النصيحة في السر:- أجمل النصائح ما كان في السر، وخليلك أحق الناس بنصيحتك وأغلي النصائح عنده ما كان سرا. وإذا أردت نصح الغير فأرفق به و وانصحه سرا.
15 - حفظ الأسرار:- الأخ المحب يكون أمينا علي سر خليله، فلا يفشيه ولو كانت النية صالحة، وفي الحديث:" من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة".
16 - الدعاء له:- عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:" ما من عبد مسلم يدعوا لأخيه بظهر الغيب، إلا قال الملك: ولك بمثل".
17 - حفظ حقوقه:- الحقوق نوعان:
الأول:- حقوق عامة: لكل صاحب منزلة وحق، وحتى تدوم الأخوة، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:" انطلقوا بنا إلي البصير الذي في بني واقف نعوده".
الثاني:- حقوق خاصة: للأخوة حقوق أربعة:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/298)
1 - حق مالي بأن يبذل الصاحب ماله لصاحبه
2 - حق النفس: بأن يعين الصاحب صاحبه بنفسه فيما يستطيع.
3 - حق في اللسان، بأن يذب الصاحب عن صاحبه عن عرضه وأهله وأن يبلغه حبه.
4 - حق الوفاء والثبات علي الصحابة في حياته و بعد مماته.
18 - تفقد أحواله:- من أدب الصحبة تفقد أحوال الأصحاب بالسؤال والاطمئنان عليهم، وإسداء النصيحة لهم، وإعانتهم علي الخير وزيارتهم وحل مشكلاتهم الأسرية.
19 - حفظ أهل صديقك:- من أدب الخلة توقير أهل الأصحاب وعونهم قدر الإمكان.
20 - تعزيته عند المصيبة:- هي تسلية الصاحب وحمله علي الصبر بوعد الأجر والدعاء للميت والمصاب، وهكذا كان هدي النبي صلي الله عليه وسلم.
21 - السلام عليه عند السفر: قال ابن عبد البر:" إذا خرج أحدكم إلي سفر فليودع إخوانه، فإن الله جاعل في دعائهم بركة"
22 - حفظ عرضه:- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"كل المسلم علي المسلم حرام، دمه وماله وعرضه".
23 - حسن الظن به:- قال الله تعالي:"يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثير من الظن إن بعض الظن إثم" (الحجرات/12).
والصاحب الأريب الذي لا يجعل للشكوك في نفسه سبيلا، ولا يوقع في قلبه تهمة دون دليل.
قصة اللهم ارزقنا ... السابعة!!
كان رجل يرزق بالبنات، فكانت عنده ست من البنات وكانت زوجته حاملا فكان يخشي أن تلد بنتا، وهو يرغب بالولد فعزم في نفسه علي طلاقها إن هي جاءت ببنت ... ! ونام تلك الليلة فرأي في نومه كأن القيامة قد قامت وحضرت النار، فكان كلما أخذوا به إلي أحد أبواب النار وجد إحدى بناته تدافع عنه وتمنعه من دخول النار، حتى مر علي ستة أبواب جهنم وفي كل باب تقف إحدى البنات لتحجزه من دخول النار سوى الباب السابع، فانتبه مذعورا، وعرف خطأ ما نواه وما عزم عليه فندم علي ذلك ودعا ربه وقال: اللهم ارزقنا السابعة!!!.
قيم أخلاقية المستخرج من هذه القصة ما يلي:-
1 - الرضا بما رزق الله العبد من الأولاد.
2 - أن الله هو يهب لمن يشاء إناثا ولمن يشاء ذكورا وليس من قدرة الناس.
3 - إثبات حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم:" من كان له ثلث بنات وصبر عليهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار".
ـ[أبوراكان الوضاح]ــــــــ[19 - 12 - 09, 09:38 م]ـ
بارك الله فيك موضوع قيّم ..
ـ[أبو سليمان الجسمي]ــــــــ[19 - 12 - 09, 11:54 م]ـ
جزاكم الله خيرا و وفقكم الله.(60/299)
البشارة ببعثة سيد ولد آدم (أركون العالم) في الكتب الأولى.
ـ[عيسى عبدالله السعدي]ــــــــ[19 - 12 - 09, 02:23 م]ـ
البشارات بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الكتب المقدسة من وسائل الدعوة المهمة، وهي من آيات صدق النبي التي ارشدنا اليها القرآن الكريم، قال تعالى (اولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني اسرائيل)، وقال (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل). وقد عني العلماء قديما وحديثا بتتبع هذه البشارات واظهارها واشهارها، وممن اهتم بذلك من الباحثين المحدثين البرفسور / عبد الأحد داود، فقد كان من علماء اللاهوت وحين رجع الى اللغة الأصلية للكتاب المقدس هاله ماوجد من تحريفات وبخاصة للبشارات بنبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فكان ذلك سبب اسلامه وتأليف كتابه (محمد في الكتاب المقدس). وعلى الرغم من التحريف والتبديل الا ان العلماء والباحثين قديما وحديثاوجدوا وذكروا نماذج من هذه البشارات، اذكر طرفا منها:-
1 - ذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - باسمه الصريح، كما في انجيل لوقا (الحمد لله في الأعالي، وعلى الأرض إسلام، وللناس أحمد)، وفي انجيل برنابا (إن اسمه المبارك أحمد).
2 - ذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالوصف الذي لاينطبق على غيره، كالإخبار والبشارة بمجئ أركون العالم، أي سيده وعظيمه وكبيره، وهو (سيد ولد آدم)، كما قال صلى الله عليه وسلم.
3 - ذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الموعود عن طريق الرمز لموضع خروجه، كما جاء في السفر الخامس من التوراة (أقبل الرب من سيناء وأشرق لهم من سيعير وتلألا من جبال فاران)، فسيناء الموضع الذي نبئ فيه موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وسيعير اسم موضع المسيح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقرية الناصرة، وجبال فاران هي جبال مكة التي نبئ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في أشهرها، وهو حراء. ومن طريف ماقرأت لشيخ الإسلام ابن تيمة في الجواب الصحيح أنه لفت النظرالى التطابق بين قوله تعالى (والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين)، وهذه البشارة في التوراة فالآية الأولى اشارة الى الأرض المقدسة في الشام التى بعث فيها المسيح، والثانية اشارة الى الجبل الذي كلم الله فيه موسى والبلد الأمين موضع بعثة أركون العالم (سيد ولد آدم) صلى الله عليه وسلم ماذكره الذاكرون الأبرار، وصلى الله عليه ماتعاقب الليل والنهار.
ـ[سلطان بن عبيد العَرَابي]ــــــــ[28 - 12 - 09, 09:34 ص]ـ
السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
يُرفع للفائدة(60/300)
حقيقة نعيم المؤمن في البرزخ
ـ[أبوأيوب العرصاوي]ــــــــ[19 - 12 - 09, 08:56 م]ـ
ما موقف أهل السنة من نعيم المؤمنين في البرزخ، هل هو نعيم مطلق، كنعيم أهل الجنة، أم هو مخصص بما ذكر في الحديث أنه يفتح لهم بابا من الجنة فيأتيهم من ريحها وطيبها .... إلى أن تقوم الساعة. أفيدونا جزاكم الله خيرا
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[19 - 12 - 09, 09:00 م]ـ
تفضل .. ربما ينفعك
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=140297(60/301)
مختصر الفرق وعن الصوفية
ـ[أبو زرعة]ــــــــ[20 - 12 - 09, 03:41 م]ـ
الفصل الأول
تمهيد في بيان انحراف الصوفية بصفة عامة
الصوفية التي نبحثها هنا هي الصوفية التي خرجت عن الحق إلي الغلو متأثرة بشتى الأفكار المنحرفة التي هي في الواقع أفكار بدعية طرأت على المسلمين في غياب الوعي الإسلامي وبروز الجهل وعلماء السوء المغرمين بالخرافات وحب الزعامة وهي ذات مفاهيم خاطئة مضطربة تأثرت بمسالك منحرفة وبالغت فيها إلى حد الهوس والاضطراب الفكري الشنيع وكأن حافظ إبراهيم حينما ندب اللغة العربية بقوله:
فجاءت كثوب ضم سبعين رقعة مشكلة الألوان مختلفات
كأنه عنى المذهب الصوفي في انحرافه وتنوع مصادره وتلفيق أفكاره من شتي المذاهب ولقد جرأ أصحاب هذه الطريقة الصوفية على القول على الله بغير علم كما كذبوا وأكثروا على رسوله صلى الله عليه وسلم لتقوية مبادئهم الكثيرة وتأييدها وبالغوا في الكذب وزخرف القول وتفننوا في الطرق والآراء حتى ليخيلوا للشخص أنهم على شيء وهم في فراغ وجهل شديد.
وطرقوا مسائل ليست من الإسلام في شيء ولم يقل بها أحد من المسلمين وأظهروا بزخرفهم أنها من الإسلام بما قدموه من تقليب الأدلة وإثارة الشبهة والتفنن في الاستدلال والجواب، وقالوا بوحدة الوجود والحلول والاتحاد ووحدة الشهود، والكشف والقطب والغوث، وغير ذلك من الأمور التي طرقها كبار دعاتهم، مثل: الحلاج وابن عربي وابن الفارض والبسطامي والجيلي، وغيرهم ممن لبس عليهم إبليس فقالوا بوجود الله تعالى في كل شيء، حتى صار في عرف غلاتهم أن من لا يعتقد اتصاف الخلق بأوصاف الخالق، لا يمكن أن يعد صوفياً وولياً من أولياء الله، كما ذكر الأستاذ إحسان إلهي ذلك عنهم.
وهكذا أصبح المذهب الصوفي بعد أن لبس إبليس على أتباعه خليطاً من شتى الأفكار والآراء المنحرفة، حيث يظهر فيه جلياً غلو الشيعة ومبادئ الباطنية وآراء المسيحية والهندوكية والبوذية، وغير ذلك من الديانات والفلسفيات القديمة كالأفلاطونية والأفلوطينية وسائر ما قال به علماء اليونان.
هل قامت الدعوة للصوفية وإظهار شأنها من جديد في هذا العصر؟
نعم على نطاق واسع بسبب عوامل عدة:
منها: جهل كثير من المسلمين بحقيقة دينهم ثم الجهل بحقيقة الصوفية كذلك.
ومنها: مساعدة أعداء الإسلام على نشر الصوفية، لأنهم يعرفون المكاسب التي سيجنون ثمارها إذا علا سلطان الصوفية. وأعداء الإسلام هنا فريقان:
1 - فريق عداوته ظاهرة: وهم المستعمرون ومن يبيتون النية لهدم الإسلام وتشتيت كلمة المسلمين، وقد استفاد هؤلاء من أفكار الصوفية كثيرا. ً
2 - وفريق آخر متلبسون باسم الدين ويحكمون كثيراً من ديار المسلمين؛ وهؤلاء يساعدون الصوفية خوفاً من عودة الوعي الإسلامي السلفي الذي يصطدم مع ميول ورغبات هؤلاء وشهواتهم.
لأجل هذا ولغيره كان تنبيه طلاب العلم إلي خطر هذا المذهب الرديء واجباً يحتمه النصح لكل مسلم يحب حماية نفسه ودينه، من الانزلاق في خضم الأفكار المبثوثة بين صفوف المسلمين، والتي كان من نتيجتها زيادة الكوارث والخبال الذي حل بديار المسلمين حين ابتعدوا عن المنهج الحق الذي شرعه الله لعباده.
الفصل الثاني
ما التعريف بالصوفية لغة واصطلاحاً؟
اختلفت كلمة العلماء حول التعريف الحقيقي للصوفية وللتصوف اختلافاً كثيراً قلما يوجد له مثيل، وقد ذكر بعض العلماء أن تلك التعريفات قد تصل إلي الألفين, ولكن مهما قيل عن كثرتها واختلاف الناس فيها فإنها كلها لا طائل من ورائها عند التمعن في دراستها، مما يستدعي الحال غض النظر عن تلك التعريفات كلها، وإلقاء الضوء على الأقرب منها، وفيما يلي بيان ذلك.
في اللغة:
يطلق علماء اللغة كلمة (صوف) في معاجم اللغة تحت مادة (صوف) على عدة معان:
1 - منها إطلاق كلمة صوف على الصوف المعروف من شعر الحيوانات.
2 - ومنها صوفان وصوفانة وتطلق على بقلة زغباء قصيرة.
3 - وقد أطلقت كلمة "صوف" في بعض دلالتها بمعنى الميل، فيقال صاف السهم عن الهدف بمعنى مال عنه، وصاف عن الشر أي عدل عنه.
في الاصطلاح:
يجب إدراك أن الصوفية مرت بمراحل وتطورات ومفاهيم مختلفة، ومن هنا وقع كثير من الجدل بين العلماء في التعريف بالصوفية، ومهما قيل عن كثرة التعريفات للتصوف، فإنه يصدق عليه عموماً أنه بدعة محدثة في الدين وطرائق ما أنزل الله بها من سلطان.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/302)
ونذكر فيما يلي بعض التعريفات التي أطلقت على مفهوم التصوف سواء، كانت من الصوفية أو من مخالفيهم، ومن ذلك ما يلي:
1 - التصوف هو تجريد العمل لله تعالى، والزهد في الدنيا وترك دواعي الشهرة، والميل إلى التواضع والخمول، وإماتة الشهوات في النفس.
وهذا التعريف قد لا يصدق في الواقع إلا على التصوف في عهده الأول، الذي كان التصوف فيه عبارة عن الانقطاع لعبادة الله وحده، والزهد في الدنيا والتخفف من متاعها والإقبال على الآخرة، دون أن يلبسوا ذلك بشيء من الأفكار والسلوك المشين الذي وصلت إليه الصوفية بعد ذلك.
2 - وذهب قسم كثير من العلماء إلى أن سبب التسمية للمتصوفة بهذا الاسم - أي "الصوفية" - إنما كان نسبة إلى لبسهم الصوف الذي عبر عن الزهد والتقشف وترك التنعم والملذات المباحة، وقد علق القشيري على هذا بقوله: "فذلك وجه، ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف".
3 - وبعض العلماء يرى أن التصوف مأخوذ عن الصفاء؛ أي صفاء أسرارهم أو صفاء قلوبهم أو صفاء معاملتهم لله تعالى، وهو ما يحب الصوفيون التسمي به ,ومن قال أنه مشتق من الصفاء فاشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة.
4 - وبعضهم يرى أنه نسبة إلى الصفة التي كان يجلس فيها فقراء الصحابة رضوان الله عليهم في المسجد، ويرى القشيري أن النسبة إلى الصفة لا تجيء على نحو الصوفي.
5 - وبعضهم يرى أنه نسبة إلى الصف الأول، قال القشيري:
"فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم، فالمعنى صحيح ولكن اللغة لا تقتضي هذه النسبة إلى الصف.
6 - وبعضهم يرى أنه نسبة إلى قبيلة بني صوفة وهى قبيلة بدوية كانت حول البيت في الجاهلية، وهى تنتسب إلى رجل يقال له صوفة كان قد انقطع للعبادة في المسجد الحرام.
7 - وبعضهم يرى أنها نسبة إلى الصفوة من خلق الله تعالى.
وهناك تعريفات كثيرة خاض فيها العلماء باجتهاداتهم بعضها من وضع أقطاب التصوف وبعضها من غيرهم لا يهمنا سردها هنا بالتفصيل والدراسة الشاملة لها كلها، إذ الغرض إنما هو التنبيه إلى ما وقع من اختلاف في التعريف بهم، ولما كانت تلك التعريفات أموراً اجتهادية واستحسانات وتقريباً لهذا المذهب، فإنك تجد أنه يرد عليها اعتراضات كثيرة، وفى بعضها أخطاء واضحة.
هذا ونسبة التصوف إلى الصوف أقرب إلى الاشتقاق اللغوي كما أنه أقرب كذلك إلى ذوق الصوفية وحالهم في تمسكهم بلباس الصوف، وقد ذهب إلى تقرير هذا القول كثير من العلماء في نسبتهم لهذه الطائفة التي لم توجد في زمن النبى صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان؛ إذ لو وجدت في هذه الأزمنة وعرفها الناس وعرفوا مسالكها لاشتهرت تسميتها ولما حصل لبس أو خلاف في حقيقتها واتجاهاتها بين المتأخرين.
وقد رجح شيخ الإسلام فيما يظهر من كلامه أن التصوف نسبة إلى الصوف حيث قال: "وقيل - وهو المعروف -: أنه نسبة إلى لبس الصوف".
الفصل الثالث
هل توجد علاقة بين المتصوفة وأهل الصفة
والواقع أن هذه القضية تعتبر من القضايا الساخنة خاض غمارها المتصوفة من جانب، وغير المتصوفة من الجانب الآخر حول الصلة بين الفريقين: الصوفية، وأهل الصفة.
فهل توجد فعلاً علاقة بين الصوفية وأهلا الصفة؟
الجواب: إنه بالرغم مما بذله المتصوفة من جدل وبحوث لتقريب التصوف إلى أهل الصفة فإن ذلك لم يجدهم شيئاً.
والحقيقة أن السهروردي وغيره من المتصوفة لم يستطيعوا أن يأتوا برباط واحد، أو بوجه شبه يعتبر قاسماً مشتركاً صحيحاً مقبولاً بين حال أهل الصفة رضوان الله عليهم وبين المتصوفة، مع كثرة ما حاول هو وغيره وبشتى الأساليب أن يوجدوا تلك الصلة المزعومة، وأن يكون أولئك الصحابة الأفاضل هم الأساس لأقطاب التصوف والمثل الأول لهم.
مع محاولة بعضهم كذلك ربط حركة التصوف وما تحمل من حب العزلة والانفراد والخلوة بما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم، من تحبيب الخلوة إليه في غار حراء يتعبد فيه الليالي ذوات العدد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/303)
وقد فاتهم أن هذا لا يصلح أن يكون دليلاً لهم على ذلك؛ فإن أقل ما ينقصه هو أن تلك الخلوة إنما كانت بعناية من الله له؛ ليستعد لحمل أعباء الرسالة فيما بعد، وقبل أن يكلف أيضاً بدعوة الناس وإقامة شعائر الدين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بمجرد أن اختاره الله لتبليغ الدعوة كان محط أنظار الناس في كل لحظة من لحظات عمره المبارك، وإلا فكيف انتشر الإسلام بعد ذلك ودخل الناس في دين الله أفواجاً لو بقى على تلك الخلوة وبمفهوم الصوفية أيضاً؟!.
والحق أن المتصوفة ليس لهم مستند في تعلقهم بأساس تصوفهم سواء كان ذلك التعلق بالصحابة من أهل الصفة، أو بالرسول صلى الله عليه وسلم في خلوته في غار حراء، ومن زعم أن بدايات التصوف كان الرسول صلى الله عليه وسلم أو أهل الصفة فلا شك في خطئه.
وإذا كان المتصوفة فيما يدعون يحبون الفقر والخرقة، والانزواء في الزوايا والأربطة، فإن الثابت المتواتر أن أهل الصفة في مجملهم كانوا كثيراً ما يشكون حالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمل أن يساعدهم على حياة طيبة في الدنيا تكون عوناً لهم إلى الآخرة، وقد أخبر الله عنهم أنهم يتولون وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون.
وقد تحقق لمعظمهم بعد ذلك مال وافر، عملاً منهم بقول الله تعالى (وَلاَ تَنسَ نَصِيِبَكَ مِنَ الدُّنْيَا، واجتمعت لبعضهم ألوان الأطعمة المباحة ولم يزهدوا عن الدنيا نهائياً، لأنهم يعلمون أن ذلك لا ينافي الزهد، بينما معظم المتصوفة إنما يريد بإظهار ذلك الزهد وتلك الرهبانية الوصول إلى ما في أيدي الناس واستعباد أذهانهم وأفكارهم، لا زهداً حقيقياً عن الدنيا في أكثر أحوالهم.
إن تلك الصلة بين الصوفية وأهل الصفة التي يزعمها السهروردي والمنوفي محض خيال؛ ذلك أن أهل الصفة ما كانوا يحبون الفقر ولا يحبون الانفراد والعزلة عن الناس، وكيف يحبون العزلة والانفراد وهم في أكثر أماكن تجمع الناس؟! وأيضاً أكان مكثهم في الصفة بمحض رغبتهم أم كانت حالة طارئة أملتها عليهم الظروف المعيشية؟.
الفصل الرابع
ما أسماء الصوفية وسبب تسميتهم بها؟
من أشهر الأسماء لهذه الطائفة اسم "الصوفية"، ولهم أسماء أخرى غير مشهورة علي ألسنة الناس، ومن تلك الأسماء التي أطلقت عليهم أو أطلقوها هم علي أنفسهم:
1 - الصوفية: وهو الاسم المشهور الذي يشمل كل فرقهم، وهم يرضون به ويتمدحون بالانتساب إليه، وقد سبق تعليل هذه التسمية.
2 - أرباب الحقائق: لزعمهم أنهم وصلوا إلي حقائق الأمور.
3 - الفقراء: وهو اسم زعم السهروردي أن الله هو الذي سماهم به.
4 - ويسمون شكفتية في خرسان نسبة إلي الغار، قال السهروردي عن الصوفية في خرسان: "كان منهم طائفة بخرسان يأوون إلي الكهوف والمغارات، ولا يسكنون القرى والمدن يسمونهم في خرسان شكفتية؛ لأن شكفت اسم الغار؛ ينسبونهم إلي المأوى والمستقر".
5 - جوعية: قال السهروردي: "وأهل الشام يسمونهم جوعية
6 - الملامية أو الملامتية: والملامتية هي إحدي تطور المذهب الصوفي ووساوسه المتشعبة وأمانيه البراقة، وهذه الملامة التي يعتنقها بعض الصوفية ويتظاهر بها هي في أحد مفاهيمها بعينه , يدخل فيه الشخص من حيث يشعر أو لا يشعر , بل وسموه النفاق المحمود.
والملامتي حسب المفهوم الصوفي عرفه "الملامتي هو الذي لا يظهر خيراً ولا يضمر شراً" وشرح هذا هو: أن الملامتي تشربت عروقه طعم الإخلاص وحقق بالصدق , فلا يحب أن يطلع أحد على حاله وأعماله ولا يتم هذا الإخلاص إلا إذا أصبح يستوي عنده المدح والذم له من الناس، وألا يفكر في اقتضاء ثواب العمل في الآخرة".
ويعللون لهذا بأنه مع الناس في الظاهر، وهو مع الله في الباطن مهما كانت أفعاله في الظاهر.
ومهما كان، فإن الملامتية في حقيقتها إنما هي إحدى مصايد الصوفية مهما زخرفوا القول فيها.
وأشار العلامة ابن الجوزي - رحمه الله - إلى مسلك من مسالك هؤلاء الملامية، وهو: ارتكاب المعاصى بحجة عدم لفت الأنظار إلى صلاحهم - كما يتصورون - فقال
"وفى الصوفية قوم يسمون الملامتية اقتحموا الذنوب وقالوا: مقصودنا أن نسقط عن أعين الناس فنسلم من الجاه"، ثم قال معلقاً على هذا الزعم الباطل: "وهؤلاء قد أسقطوا جاههم عند الله لمخالفة الشرع".
الفصل الخامس
متى ظهر المذهب الصوفي؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/304)
لقد تضاربت أقوال العلماء وتعددت مفاهيمهم حول الوقت الذي ظهرت فيه الصوفية، وكل أدلي بدلوه حسبما ترجح لديه، والواقع أنه لا يعرف بالتحديد الدقيق متى بدأ التصوف في المسلمين ولا من هو أول متصوف، وقد تقدم ذكر السبب في عدم اتفاق العلماء على تاريخ ظهور أي فرقة من الفرق بالتحديد الدقيق السالم من الاختلاف.
وفيما يلي ذكر تلك التحديدات من أقوال العلماء:
1 - أن هذه التسمية عرفت قبل الإسلام مراداً بها أصحاب الفضل والشرف.
2 - أن المذهب الصوفي ظهر 150 هـ.
3 - أن المذهب الصوفي ظهر 189هـ.
4 - أن المذهب الصوفي ظهر بعد المائتين من الهجرة.
5 - أن المذهب الصوفي ظهر قبل المائتين من الهجرة.
6 - أن المذهب الصوفي ظهر بعد القرون الثلاثة الأولي أي في القرن الرابع الهجري.
7 - أنه اشتد بعد النصف الثاني من القرن الثامن والتاسع والعاشر حين ظهرت آلاف الطرق الصوفية.
8 - أن التصوف كان معروفاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الهجويري من علماء الصوفية، وهذا من أبطل الأقوال.
والذي يظهر لي من بين هذه الاختلافات أن التصوف ظهر بعد الإسلام في شكل زهد ورغبة في الدار الآخرة، وكبح جماح النفس في حب الدنيا مهما أمكن، ثم صارت الأمور على هذا المفهوم، ثم لحقه ما يلحق غيره من سائر المبادئ والأفكار من حب التطوير وإدخال شتى المفاهيم بقصد تهذيب الفكرة وتقديمها في شكل متكامل، بغض النظر عن مطابقتها للحق أو مجانبتها له.
وعلي كل ما ورد من الأقوال، فإن العلماء متظافرون على أن التصوف ليس له وجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم علي الصحيح من أقوالهم؛ إذ من المحال أن يتشرف أحد من الصحابة بالانتساب إلي غير صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذه التسمية حدثت بعد ذلك حين لبس إبليس على أولئك القوم وصاروا أحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون.
يذكر شيخ الإسلام - رحمة الله - تحديد بدء التكلم به بقوله:
"أما لفظ الصوفية فإنه لم يكن مشهوراً في القرون الثلاثة، وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك"
الفصل السادس
ما حقيقة التصوف؟
لقد مضي زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يعرف عنهم أي سلوك يتميزون به غير اتباع الكتاب والسنة والتشرف بنسبتهم إلي ذلك، غير ملتفتين إلي التنطع في سلوكهم أو مخترعين طرائق ورهبانية مبتدعة.
إلي أن أحدث أناس في الدين بدعة التصوف منحرفين عن المنهج السليم، وراحوا يتخبطون في دوائر وهمية وفرق عديدة وأحزاب متناحرة كل حزب بما لديهم فرحون.
وقد أخذ كل فريق من هؤلاء يعبر عن التصوف حسب ما يراه، ويطول سرد تلك المفاهيم والتعبيرات والأقوال التي صدرت عن أقطاب هؤلاء؛ كالجريري، والجنيد، وعمرو بن عثمان المكي، ومحمد بن علي القصاب، ومعروف الكرخي، والسهروردي، والشبلي، والشاذلي، والتجاني، والبسطامي، وابن عربي، وابن الفارض وغيرهم.
ولهذا فإن العلماء لم يتفقوا علي بيان محدد لمفهوم التصوف عند الصوفيين؛ ذلك لإطلاق هؤلاء الصوفية عبارات شتى حسب ذوق كل فريق، وتخيلاته لمفهوم التصوف، إلا أن الحصيلة العامة لأقوالهم تلتقي حول أن التصوف هو: القرب من الله، وترك الاكتساب، والتمسك بالخلق الرفيع، والجود، ورفع التكاليف عن بعض فضلائهم حين يتصلون بالله عز وجل علي حد زعمهم، ويصلون إلي درجة اليقين وظهور المكاشفات، ثم هم بعد ذلك درجات في تطبيق هذا المفهوم.
ولقد ذكر القشيري في "رسالته" عدداً من الآراء الصوفية في مفهوم التصوف والصوفي، حيث قال:
"وتكلم الناس في التصوف ما معناه، وفي الصوفي من هو؟ فكل عبر بما وقع له، واستقصاء جميعه يخرجنا عن المقصود من الإيجاز.
"الباب الخامس في ماهية التصوف"،
وقد أكد في هذا الباب علي أن أساس التصوف هو الفقر، حيث قال: "فالفقر كائن في ماهية التصوف وهو أساسه وبه قوامه"، ونقل أقوالاً كثيرة عن صفة هذا الفقر الصوفي، منها: ما قاله الشبلي حين سئل عن حقيقة الفقر فقال: "ألا يستغني بشيء دون الحق".
وقال السهروردي:
"وقيل: التصوف ذكر مع اجتماع ووجد مع استماع، وعمل مع اتباع"
إلي آخر ما ذكر مما قدمناه ذكره عن القشيري، وقد أضاف أوصافاً أخري لا ضرورة لذكره.
وأما حقيقة التصوف وأصله عند غير الصوفية فقد اختلفت وجهة نظر العلماء في الحكم عليه.
وأهم ما قيل في ذلك:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/305)
أن التصوف علي الإطلاق أساسه الإسلام وأن أصوله العقدية وسلوكهم فيه مستمدة من نصوص الكتاب والسنة، وما أدي إليه الاجتهاد في فهمها.
وهذا القول قريب من وجهة نظر الصوفية ومفهومهم فيه رغم اعتراف بعضهم بتأثر التصوف ببعض التيارات الفكرية الخارجية عن الإسلام.
أن التصوف علي الإطلاق ليس إسلامي النشأة، وإنما وفد علي البيئة الإسلامية مع ما وفد من عادات وتقاليد الأجناس الأخرى بعدما امتزجت واختلطت عقب الفتح الإسلامي (50).
وعلى هذا الرأي بعض الملاحظات، فقد ينطبق هذا الرأي علي ذلك النوع من التصوف، الذي قام على أساس من الغلو والانحراف الذي جاء به أصحاب وحدة الوجود والحلول والاتحاد، مع تظاهرهم بالانتساب إلى الإسلام.
ومما نكتفي بالإشارة إليه هنا بغض النظر عن ترجيح نشأة التصوف وحقيقته أن الطريقة الصوفية قد تأثرت كثيراً بالآراء والأفكار المخالفة للإسلام، حيث تظهر فيها تلك الأفكار واضحة جلية في جوانب كثيرة في الاعتقاد والسلوك، خصوصاً الأفكار الهندية والفارسية واليونانية والمسيحية، كما سيتضح ذلك من دراستنا لهذه الطائفة، بعد أن كان التصوف في بدء أمره عند بعض المسلمين عبارة عن الزهد عن الدنيا والرغبة في الآخرة، وقتل هوى النفس والاتجاه إلي الله، ولبس الصوف لتعويد النفس علي التحمل والمكابدة، إلي أن أخذ يتطور في الانحدار والبعد عن حقيقة الإسلام في كثير من الأمور التي طرقها التصوف؛ فأصبح مذموماً نفر عنه أهل الحق لخلط المتصوفة بين الزهد والتصوف المغالي.
إذ الزهد المشروع لم يذمه أحد، وتوجه الذم إلي التصوف رغم تظاهر المتصوفة بالزهد، حتى صار أطيب الطعام عندهم ما كان عن ذل السؤال وحمل الزنبيل والتسول والانزواء في أماكن عبادتهم، وانتظار ما يجود به الناس عليهم، ويظنون أنهم يحققون بذلك التوكل الذي يريده الله، وهم في الحقيقة إنما يحققون التواكل والكسل البغيض عن طلب الرزق وإعزاز النفس، إضافة إلي الابتعاد عن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وما يهدف إليه، من إيجاد اليقين بعزة النفس وكرماتها في الدنيا والآخرة.
ومهما قيل عن حقيقة التصوف فإننا سندرس أهم الآراء الصوفية بتفصيل يتضح به الحكم علي الصوفية بصورة جلية من واقع كلامهم وسلوكهم إن شاء الله تعالى.
الفصل السابع
أقسام المتصوفة وذكر طرقهم واختيار الطريقة
التجانية نموذجاً ودراستها شاملة من واقع كتبهم
الصوفيون طوائف عديدة وأهواء متباينة، شأن كل أصحاب البدع حين يتركون المنهج الذي شرعه الله لعباده.
ولقد اختلف العلماء في عدهم لأقسام وطرق التصوف اختلافاً واسعاً؛ إذ تجد بعضهم يعدهم قسمين، وبعضهم يعدهم ثلاثة أقسام، وبعضهم يوصلهم إلى ستة أقسام.
وهذا الاختلاف سببه تنوع مصادر الصوفية وتنوع أفكارهم.
وقسم آخر بعض العلماء يعبر عنهم بصوفية الحقائق.
وقسم آخر من الصوفية قائلون بالحلول؛ أي دعوى أن الله تعالى عن قولهم.
وصوفية وحدة الوجود هم القائلون بأن الموجودات كلها تمثل الباري عز وجل، وفى أولهم ابن عربي [1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn1) وهو من المؤسسين لمذهب وحدة الوجود.
وقد قسم شيخ الإسلام الصوفية إلى ثلاثة أقسام هم:
1 - صوفية الحقائق……2 - صوفية الأرزاق ……3 - صوفية الرسم
وقال عن القسم الأول: "فأما صوفية الحقائق فهم الذين وصفناهم".
ولعله يقصد بذلك ما قدم من ذكر خلاف الناس في الحكم على الصوفية والتصوف حيث قال: "ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد والتنازع فيه، تنازع الناس في طريقهم، فطائفة ذمت الصوفية والتصوف وقالوا: إنهم مبتدعون خارجون عن السنة ... "، قال: وطائفة غلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء ". ثم قال في بيان حكمه عليهم بعد ذكر هذا الخلاف: "وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله تعالى كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله .. " إلى آخر ما ذكره عنهم.
ولعل هذا الحكم منه إنما ينطبق على التصوف في بدء أمره حينما كان بمعنى الزهد والاجتهاد في العبادة.
ثم قال عن القسم الثاني منهم:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/306)
"وأما صوفية الأرزاق فهم الذين وقفت عليهم الوقوف كالخوانك، فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق فإن هذا عزيز، وأكبر أهل الحقائق لا يتصدون بلوازم الخوانك ولكن يشترط فيهم ثلاثة شروط" ثم ذكرها , وهي: وجود العدالة الشرعية فيهم , والتأدب بآداب الشرع , وألا يكون متمسكاً بفضول الدنيا.
ثم قال عن القسم الثالث منهم:
"وأما صوفية الرسم فهمهم المقتصرون على النسبة، فهمُّم في اللباس والآداب الوصفية ونحو ذلك، أي أنهم يتشبهون بالصوفية في الظاهر ويعرفون أقوالهم، ولكنهم خارجون عن طريقهم همهم جمع الأموال والاحتيال على الجهال بأمرهم.
وهذا التقسيم واضح جلي، إلا أنه ليس فيه توضيح وبيان لمدى ما وصلت إليه العقيدة الصوفية فيما بعد، ومدى تأثرها بالينابيع والمصادر الخارجة عن الإسلام.
وكل الطرق الصوفية ناتجة عن الهوى ونابعة منه ومبنية على الرغبة في الزعامة والعلو في الأرض واستعباد الناس، وصار زعماء الصوفية في مجموعهم يحرصون حرصاً شديداً على هذه الزعامة الروحية، ووصل بهم الحرص عليها أن جعلوها وراثية وكأنها جزء من المال الذي يخلفه الميت على حد ما أورده محمود أبو الفيض المنوفي الحسيني، فإنه قال بعد سرده الطويل لطرق الصوفية وأسماء مشائخها قال بعدها:
"وكل هذه الطرق تنسب كل واحدة لولي من الأولياء رضي الله عنهم، وقد يرثها حفيد أو سبط لولي من أولئك الأولياء فيكرمه الله سبحانه وتعالى بكرامة آبائه وأجداده الصالحين، فإن سار على دربهم أكرمه الله مثل ما أكرمهم، وإن فرط أو قصر أكرمه الله لأجلهم".
وهذا جهل شنيع وكذب من أشد أنواع الكذب، فإن هذه المحاباه التي افترضوها على الله تعالى إنما هي من جنس الهوس والأماني الباطلة والقرآن مملوء بالرد على مثل هذه الافتراءات، والسنة كذلك ترد مثل هذه الأفكار الجاهلية، فالقرآن يصرح بأن (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِيِنٌ، وأن كل نفس (لَهَا ما كَسَبَتْ وعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ. وأن صلاح الآباء - إن كانوا صالحين بحق - لا يغني عن الأبناء إن لم يكونوا كذلك.
وقد صرح الرسول صلى الله عليه وسلم لقرابته أنه لا يملك لهم من الله شيئاً، وأن عليهم ألا يتكلوا على الأنساب، بل عليهم أن يحذروا الله عز وجل وأن يتقربوا إليه بالأعمال الصالحة؛ إذ لو كانت الأنساب تغني لما هلك والد إبراهيم وابن نوح على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، وهذا رد صريح على ما يزعمه الصوفيون من التقرب إلى الله بولاية القطب الفلاني أو الغوث الفلاني، وأن الله يفيض حتى على العصاة منهم إكراماً لآبائهم، وإن الذي جرأهم على هذا هو قلة خوفهم من الله تعالى، واستحلالهم الكذب في سبيل مدح أوليائهم بالحق وبالباطل.
ومن طرق الصوفية الكثيرة:
الطريقة التجانية:
وسندرسها بالتفصيل كمثال للطرق الصوفية التي تعتم واجهة الإسلام المشرقة لدى كثير من جهلاء المسلمين الذين جرفهم تيار التجانية وأذلتهم واستعبدتهم وأوصلتهم إلى مآس يندى لها الجبين.
ولقد وقفت بنفسى على بعض ما يتعبد به التجانيون من طاعة مشائخهم، وإحياء خرافاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان وشدة تعصبهم لها، ونفورهم عن كل من يريد أن يسدي لهم النصيحة خروجاً عن كتمان الحق.
وهذه الطريقة التي لها الأمر والنهى في أقطار كثيرة من بلاد أفريقيا بخصوصها، وهى نسبة إلى شخص يسمى أحمد بن محمد بن مختار التجاني. ولد سنة 1150هـ، بقر ية عين ماضى، وينسب إلى بلدة تسمى "بني تجين" من قرى البربر، ولم يترك فضلاً مزعوماً ادعاه شيخ صوفي لنفسه إلا وادعاه هو لنفسه وزاد عليه، ولقد ادعى أموراً كثيرة يطول الحديث لو بسطت، وإنما نشير إليها إجمالاً فيما يأتي:
1 - ادعى أنه خاتم الأولياء جميعاً وهى دعوى كاذبة مبنية على فهم خاطئ وقياس باطل، فزعم أن الولاية لها ختم كختم النبوة ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، والتيجاني خاتم الأولياء فلا ولي بعده.
2 - أنه الغوث الأكبر في حياته وبعد مماته وقد جعل نفسه بهذه الدعوى وثناً يعبد من دون الله.
3 - أن أرواح الأولياء منذ آدم إلى وقت ظهوره، لا يأتيها الفتح والعلم الرباني إلا بواسطته هو، وهذا نهاية الحمق والقول على الله بغير علم، والاستهانة بعقول الناس وخداعهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/307)
4 - زعم متطاولاً أن قدمه على رقبة كل ولي لله تعالى منذ أن خلق آدم إلى النفخ في الصور، وربما يجازى بهذا الكبر أن يحشر في صورة الذرة كما هو جزاء المتكبرين.
5 - أنه هو أول من يدخل الجنة هو وأصحابه وأتباعهم.
6 - أن الله شفعة في جميع الناس الذين يعيشون في قرنه الذي عاش فيه.
7 - أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه ذكراً يسمى "صلاة الفاتح" يفضل كل ذكر قرئ في الأرض ستين ألف مرة بما في ذلك القرآن الكريم، والذكر المزعوم هنا - صلاة الفاتح - ذكر مبتدع سيئ التركيب ركيك العبارة، وهو لا يعدو ثلاثة أسطر وهو:
"اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، الهادي إلى صراطك المستقيم، وعلى آله، حق قدره ومقداره العظيم".
هذا هو الذكر الهائل عنده الذي ألهمه الله حسب زعمه، أو علّمَه، به النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً ثم فضله على كل ذكر.
ولقد رأيت أتباعه وهم يجلسون في يوم الجمعة - من بعد صلاة العصر إلى المغرب - وهم يرددون هذا الكلام بصوت جماعي ومرتفع جداً يسمع من مكان بعيد، ثم ينصرفون وهم لا يشكون في أنهم من أعظم الخلق عبادةً وأجراً عند الله، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
ثم لم يقف التجاني عند هذا الحد في غلوه في تقدير نفسه وفى تقدير ما جاء به من خرافات وأذكار في صلاة الفاتح المزعومة أنها من الله تعالى، وأن لها ذلك الفضل الذي لا يصفه الواصفون وفى غيرها من الأذكار الأخرى، بل زعم أيضاً أن أتباعه لا تكتب عليهم سيئات ما عملوا، بل يدخلون الجنة مهما عصوا وبغير حساب ولا عقاب، ولو عملوا من الذنوب ما عملوا، بضمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم له كما زعم لنفسه.
وهذا الهوس هو من جنس هوس اليهود، الذين زعموا أن الله لا يعذبهم إلا أياماً معدودة إن عذبهم؛ لأنهم شعب الله المختار، كما يعتقدون ويتشدقون بالتمدح بذلك في التلمود وقي غيره من كتبهم المقدسة عندهم.
ولقد انتشرت هذه الطريقة الضالة في شمال ووسط وغرب أفريقيا، وضمت تحت لوائها ملايين كثيرة من أبناء المسلمين، الذين أصبحوا لاهم لأحدهم إلا أن يأخذ بطريقة شيخه، ليضمن دخول الجنة بغض النظر عن العمل وصحبته.
وقد استحسنت هنا ذكر بعض الأمثلة من كتب الصوفية التجانية، تمثل أنواعاً من الآراء والمفاهيم التي يحرصون عليها، دون مبالاة بما فيها من الغلو والانحراف.
وقد وقع اختياري على قراءة وتمحيص ما في جواهر المعاني تأليف علي حرازم، ورماح حزب الرحيم تأليف الفوتي، وكتيب الهداية الربانية في فقه الطريقة التجانية؛ حيث أضع العنوان المناسب ثم أنقل تحته ما يدل عليه من كلام علماء التجانية.
قال علي حرازم في كتابه جواهر المعاني عن السيد أحمد بن محمد بالفتح جد أحمد التيجاني:
" وقد حكي عنه رضي الله عنه أنه كان له بيت في داره لم يدخله أحد غيره، وكان إذا خرج من داره للمسجد يتبرقع ولا يرى أحد وجهه ولا يكشف عن وجهه ألا إذا دخل المسجد، ثم إذا رجع إلى داره عاد إلى ستر وجهه حتى يدخل لخلوته، وقد سألت الشيخ رضي الله عنه عن سبب ستر وجهه عن الناس فأجاب رضي الله عنه قال: لعله بلغ مرتبة في الولاية، فإن من بلغها يصير كل من رأى وجهه لا يقدر على مفارقته طرفة عين، وإن فارقة أو احتجب عنه مات لحينه".
نسب التجاني:
ويقول عن نسب التجاني حين سأل الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً كما يزعم دائماً: " ولم يكتف بما هو مذكور من الآباء والأجداد والرسوم وإخبار الأعيان والآحاد، حتى سأل سيد الوجود وعلم الشهود صلى الله عليه وسلم في كل نفس مشهود، عن نسبه، وهل هو من الأبناء والأولاد ومن الآل والأحفاد، فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله: أنت ولدي حقاً أنت ولدي حقا أنت ولدي حقا، كررها صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، وقال له صلى الله عليه وسلم: نسبك إلى الحسن بن علي صحيح".
ثواب صلاة الفاتح:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/308)
ليس من السهل كتابة كل ما ذكره التجاني لفضل صلاة الفاتح؛ وذلك لكثرة ما أورده التجانيون، غير أننا سنكتفى بمثال واحد من تلك الترهات المفتراه، قال التجاني عن نفسه: "ثم أمرني صلى الله عليه وسلم للرجوع إلى صلاة الفاتح لما أغلق فلما أمرني بالرجوع إليها سألته صلى الله عليه وسلم عن فضلها فأخبرني أولاً بأن المرة الواحدة منها تعدل من القرآن ست مرات، ثم أخبرني ثانياً أن المرة الواحدة منها تعدل كل تسبيح وقع في الكون، ومن كل ذكر من كل دعاء كبيراً أو صغيراً، ومن القرآن ستة آلاف مرة .. " إلى أن يقول:
"قال صلى الله عليه وسلم ما معناه: إن صلاة الفاتح لما أغلق بستمائة ألف صلاة، وكل صلاة من الستمائة ألف صلاة بأربعمائة عزوة، ثم قال بعده صلى الله عليه وسلم: إن من صلى بها أي بالفاتح لما أغلق .. إلخ مرة واحدة حصل له ثواب ما إذا صلى بكل صلاة وقعت في العالم، من كل جن وإنس وملك ستمائة ألف صلاة، من أول العالم إلى وقت تلفظ الذاكر بها، أي كأنه صلى بكل صلاة ستمائة ألف صلاة من جميع المصلين عموماً ملكاً وجناً وإنساً، وكل صلاة من ذلك بأربعمائة غزوة، وكل صلاة من ذلك بزوجة من الحور وعشر حسنات ومحو عشر سيئات ورفع عشر درجات، وأن الله يصلي عليه وملائكته بكل صلاة علي عشر مرات" (69).
خاصية صلاة الفاتح:
قال الشعراني: "وخاصية صلاة الفاتح لما أغلق .. الخ، أمر إلهي لا مدخل للعقول فيه، ولو قدرت مائة ألف أمة، في كل أمة مائة ألف قبيلة، في كل قبيلة مائة ألف رجل، وعاش كل واحد منهم مائة ألف عام يذكر كل واحد منهم في كل يوم ألف صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من غير صلاة الفاتح لما أغلق، وجميع ثواب هذه الأمم كلها في مدة هذه السنين كلها في هذه الأذكار كلها، ما لحقوا كلهم ثواب مرة واحدة من صلاة الفاتح لما أغلق، فلا تلتفت لتكذيب مكذب.
الشيخ الواصل يرى الله علانية في كل وقت مع انتفاء الغير والغيرية بينهم:
أما حقيقة الشيخ الواصل فهو الذي رفعت له جميع الحجب عن كمال النظر إلى الحضرة الإلهية نظراً عينياً وتحقيقاً يقيناً، فإن الأمر أوله محاضرة: وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر كثيف، ثم مكاشفة: وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر رقيق، ثم مشاهدة: وهو تجلي الحقائق بلا حجاب لكن مع خصوصية، ثم معاينة: وهو مطالعة الحقائق بلا حجاب ولا خصوصية ولا بقاء للغير والغيرية عيناً وأثراً، وهو مقام السحق والمحق والدك وفناء الفناء، فليس في هذا إلا معاينة الحق في الحق للحق بالحق فلم يبق إلا الله لا شيء غيره. فلا ثم موصول ولا ثم واصل.
وفعل الأولياء للفواحش علانية إنما هو تخيل من الناظر، أو من باب ستر حال الولي، بعد أن رأوا عامة الناس لا هم لهم إلا قضاء رغباتهم، فأحب الأولياء الصوفية عند ذلك ألا يظهروا أنفسهم للعامة، فاحتجبوا عنهم بارتكاب تلك الفواحش في الظاهر.
قال علي حرازم: "فلما عرف العارفون ما في العامة من هذا الأمر احتجبوا عن العامة وطردوهم بكل وجه وبكل حال ... فخلط العارفون عليهم بوجوه من التخليط استتاراً عن العامة بإظهار أمور من الزنا، والكذب الفاحش، والخمر، وقتل النفس، وغير ذلك من الدواهي التي تحكم على صاحبها أنه في سخط الله وغضبه، والأمور التي يقتحمها العارفون في هذا الميدان إنما يظهرون صوراً من الغيب لا وجود لها في الخارج إنما هي تصورات خيالية، يراها غيرهم حقيقة فيفعلون في تلك الصور أموراً منكرة في الشرع، وهم في الحقيقة لم يفعلوا شيئاً فاستتروا بذلك من العامة حفظاً لمقامهم".
وهكذا فعل الزنا وشرب الخمور وغيرها من الفواحش لا حقيقة لها، حتى وإن ثبت أن الصوفي يفعلها، فإنما ذلك خيال، وما أكثر ما يثبت عن هؤلاء من فعل الفواحش، حتى في البهائم، كما يثبت الشعراني ذلك في طبقاته عن علي وحيش، الذي يترضى عنه الشعراني كما هي عادته في الترضي عن أولئك الفجار؟!
دعاء تجاني في طلب الاتصاف بالألوهية؟!:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/309)
"ومن أدعيته رضي الله عنه، مما أملاه علينا ونصه رضي الله عنه: اللهم حققني بك تحقيقاً يسقط النسب، والرتب، والتعينات، والتعقلات، والاعتبارات، والتوهمات، والتخيلات؛ حيث لا أين، ولا كيف، ولارسم، ولا علم، ولا وصف، ولا مساكنة، ولا ملاحظة، مستغرقاً فيك بمحق الغير والغيرية، بتحقيقي بك من حيث أنت بما أنت وكيف أنت؛ حيث لا حس ولا اعتبار إلا أنت، بك لا عنك منك.
إهانة للقرآن الكريم:
"فإذا عرفت هذه الحيثية، عرفت أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، لمثل أهل هذا الوقت، أفضل لهم من تلاوة القرآن".
الولاية والألوهية وهل يوجد فرق بينهما أولا؟ عند التجاني:
1 - معرفة الولي أصعب من معرفة الله.
2 - لو كشف عن حقيقة الولي لعُبد. قاله المرسي.
3 - وأمري بأمر الله إن قلت: كن، يكن. قاله الجيلاني.
4 - يا ريح اسكني عليهم بإذنى.
قال علي حرازم:
" فأجاب رضي الله عنه بقوله: "وحقيقة الولي أنه يسلب من جميع الصفات البشرية ويتحلى بالأخلاق الإلهية ظاهراً وباطناً ... " إلى أن يقول: " ومعنى قوله: لو كشف عن حقيقة الولي لعبد؛ لأن أوصافه من أوصاف إلهه ونعوته من نعوته؛ لأنه ينسلخ من جميع الأوصاف البشرية كما تنسلخ الشاة من جلدها، ويلبس خلعة الأخلاق الإلهية"".
الصلاحيات للولي أعلى من الصلاحيات للنبي:
قال: "وسألته رضي الله عنه عن قولهم: إن دائرة الولي أوسع من دائرة النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب رضي الله عنه بقوله: المراد بالولي أولياء هذه الأمة فقط ... إلى أن قال:
"الرسول ليس له عموم الأمر والنهي إلا ما سمعه من مرسله سبحانه وتعالى، لا يزيد وراء ذلك شيئاً، وإنما هو في ذلك مبلغ فقط؛ ليس بآمر ولا ناه، إلا أن يكون الرسول خليفة، فله المرتبة الأولى، فالخليفة الولي أوسع دائرة في الأمر والنهي والحكم من الرسول الذي ليس بخليفة".
المراتب الصوفية يبينها خليفة التجاني علي حرازم بقوله:
المرتبة الأولى: مرتبة الاستهتار بذكر الله تعالى حتى يقع صاحبها في الذهول عن الأكوان، والطمأنينة بذكر الله تعالى مستغرقاً جميع أوقات دهره، وهم الأولياء.
المرتبة الثانية: لباس الحلة الملكية، وهي فوق هذه المرتبة؛ وهي أن يتصف صاحبها بأحوال الملائكة.
المرتبة الثالثة: وهى فوق هذه، وهى لباس الحلة الإلهية؛ لا تذكر ولا يعلمها إلى من ذاقها، وصاحبها هو الذي يطلق عليه اسم الصديق فهي ضرب من النبوة، أو هي النبوة بعينها، وهم العارفون والصديقون.
وتفسيره بأنها النبوة خداع وجبن عن إظهار الحقيقة؛ إذ أن هذه المرتبة "لباس الحلة الإلهية التي لا يعرفها إلا من ذاقها" تفيد معنى الألوهية، إلا أنه لم يصرح بهذا لئلا يكشف الحقيقة فتظهر حقيقتهم الإجرامية.
جوهرة الكمال:
يسميها التجانيون صلاة جوهرة الكمال، وهى التي قدمنا منها، وأولها "اللهم صل وسلم علي عين الرحمة الربانية والياقوتة المتحققة ... " الخ.
زعم التجانيون أن لهذه الصلاة أو الدعاء خواص لا يقدر لها قدر، ولا أظن أحداً لم تدنس الصوفية فطرته يصدقها، قال:
"وذكر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خواصاً منها:
1 - أن المرة الواحدة تعادل تسبيح العالم ثلاث مرات.
2 - أن من قرأها سبعاً فأكثر، يحضره روح النبي صلى الله عليه وسلم محبة خاصة، ولا يموت حتى يكون من الأولياء.
وتظهر الطلاسم واضحة في هذا الدعاء التجاني العجيب الغريب المسمى بحزب البحر، قال محمد السيد التجاني:
"مقصد حزب البحر التعوذ والبسملة، وبه نستعين، وبه الحلول والقوة، رب سهل ويسر، ولا تعسر علينا يا ميسر كل عسير أبت خدذ رزط ظكل منص صعغ فقس شهولاي لا إله إلا الله عشراً، ثم صلاة الفاتح عشراً، ويرفع يديه إلى السماء، ويقرأ فاتحة الكتاب مرة بنية ما يريد، ثم البسملة الله الرحمن الرحيم، يا الله يا عليّ .. الخ"
وقد ذكر دعاءً يقوله من أراد أن يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً، وفي آخره يبخر بالعود أو الجاوي على طريقة الشعوذة والسحرة.
ثم ذكر دعاء آخر لجلب الغنى ودفع الفقر.
ثم ذكر دعاء لكيفية خاصة من جوهرة الكمال تقوم مقام اللطيف الكبير، هكذا وبهذا الأسلوب.
إلى أن ذكر الطامة الكبرى وهي في قوله الآتي:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/310)
"كيفية من الصلوات تسمى مهر السر والحور، وعين الفتح والنور، من أكثر من تلاوتها يرى رب العزة في المنام، ولا يفارقه رسول الله وروح القدس أبداً " (2) وأحب ألا أذكر تلك الأدعية، لأنزه سمع وبصر القارئ عن حشو ذهنه بخزعبلات الصوفية وخرافاتهم.
وأما زعمهم رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم، ورؤية المولى عز وجل والاتحاد به، فهي ديدنهم وعليها قام دينهم.
هامش جواهر المعنى:
"اعلم أن المنكر على الأولياء ساقط من عين الله وهالك في الدنيا والآخرة وأنه في لعنة الله ومحاربته"، ويقصد بأولياء الله هنا أقطاب التصوف.
فليعتصم المريد بشيخه وليتمسك به تمسك الأعمى على شاطئ البحر بالقائد، بحيث يفوض أمره إليه بالكلية، ولا يخالفه في ورد ولا صدر، ولا يبقى في متابعته شيئاً ولا يذر، وليعلم أن نفعه في خطأ شيخه لو أخطأ، أكثر من نفعه في صواب نفسه لو أصاب، إلى أن قال: "ولا اعتراض بأن يكون بين يديه كالميت بين يدي غاسله، وقد قال من قال لشيخه: لمَ؟ فإنه لا ينتفع به".
التصدر للمشيخة خطر عظيم إلا بإذن شيخ صوفي:
يقول الفوتي: "قلت التصدر للشيخوخة بغير إذن شيخ كامل الخطر جداً، لأنه يكون سبباً لسوء الخاتمة، وإن لم يتب فاعله فلا يموت إلا كافراً".
الاتصاف بالله وتهوين الفاحشة:
ذكر الفوتي أن أحد المريدين طلب من شيخه أن يدله على الله فقال له: اتصف بصفة من صفات الله تعالى، فاختار الصدق، ثم ارتكب جريمة زنا، وحين سأل أجاب بقوله: نعم، فسجنه الوالي لظنه أنه مجنون، فشفع فيه بعضهم فأخرج من السجن بفضل صدقه كما يزعم.
قد صاغها الفوتي بأسلوب مزخرف مطول يهون الجريمة بدلاً من التنفير عنها، وذكر الفوتي في رماحه قصصاً كثيرة جداً كلها تهدف إلى طاعة المشائخ طاعة عمياء، لا اعتراض ولا جدال، حتى ولو أمر الشيخ المريد بفعل الفواحش وقتل النفوس فعليه التنفيذ، لأنه لا يعرف الحكمة من وراء ذلك إلا الشيخ.
منها: أن بعض المشائخ أمر مريداً له بقتل والده، فجاء المريد بالليل ووالده عند أمه فاحتز رأسه وجاء به إلى الشيخ، فلما عرف صدق إيمان المريد كشف له عن الرأس، فإذا هو ليس والد المريد وإنما كان علجاً في حال غياب أبيه، جاء الشيخ الوحي بذلك.
ثم ذكر قصصاً كثيرة حول هذه الطاعة، ثم عقب بذكر قصص أخرى تفيد أن التلميذ لا ينبغي أن يشك في شيخه حتى ولو رآه يشرب الخمر ويزني ويقتل النفوس، وقد دخلت على أحد المشائخ امرأة ولكنها الدنيا تصورت في صورة امرأة ثم دخلت عليه.
إلى آخر ما ذكر من أمثال هذه الفواحش بأسلوب سافر لم أذكره بنصه، لأولئك الذين سماهم أولياء، والذين قال عنهم بعد ذلك:
لعل في ذكر الآداب التي ينبغي على المريد أن يمتثلها، أقوى تصوير لمدى هيمنة شيوخ الصوفية على أتباعهم، ومدى الغبن والذل اللذين يلحقان بأولئك القطعان من أتباع رهبان الصوفية، وقد ذكر الفوتي منها ما يلي:
1 - تعظيم الشيخ وتوقيره ظاهراً وباطناً، وعدم الاعتراض عليه في شيء فعله، ولو كان ظاهره أنه حرام، وعدم الالتجاء لغيره من الصالحين.
2 - ألا يقعد وشيخه واقف.
3 - ولا ينام بحضرته إلا بإذنه، في محل الضرورات، ككونه معه في مكان واحد.
4 - ألا يكثر الكلام بحضرته ولو باسطه.
5 - وألا يجلس على سجادته.
6 - ولا يسبح بسبحته.
7 - ولا يجلس في المكان المعد له.
8 - ولا يلج عليه في أمر.
9 - ولا يسافر.
10 - ولا يتزوج.
11 - ولا يفعل فعلاً من الأمور المهمة إلا بإذنه.
قارن يا أخي المسلم بين من يدخل الإسلام ومدى ما يشعر به من كرامة لنفسه، حين يقال له: أنت الإنسان المكرم الذي سخر لك الله ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، أنت أكرم على الله من السموات والأرض، أنت خليفة الله في هذه الأرض، إلى غير ذلك من تعاليم الإسلام، وبين تعاليم هؤلاء اللصوص المحترفين، حين يشترطون على الداخل في الإسلام على طريقتهم أن يرمي نفسه أرضا لا حراك به، كالميت بين يدي الغاسل، وإذا قدم لشيخه أكلاً أن يقف وراء الباب، ثم يأكل بعد ذلك ما يبقى بعد شبع شيخه الجشع الذي لا يسال عما يفعل.
…لقد سد كهنة التصوف كل منفذ لعودة عقل الإنسان إلى الصواب وكبلوه بسلاسل وأغلال لا انفكاك له منها إلا إذا تداركته رحمة الله تعالى، ولهذا نجد أن من خرج عن طرقهم الفاسدة يكاد يصعق حين تذكر له.
مستند الصوفية في وجدهم ورقصهم:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/311)
قال الفوتي: "قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى على كل أحيانه، فإذا انضم إلى هذا القيام رقص أو وجد ونحوه، فلا إنكار عليهم، فإن ذلك من لذات الشهود والمواجيد، وقد ورد في بعض طرق الحديث رقص جعفر بن أبي طالب بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال له: أشبهت خلقي وخلقي، من لذة هذا الخطاب، ولم ينكر عليه ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فكان هذا أصلاً في الجملة في رقص الصوفية ووجدهم".
ومما يدركه طلاب العلم أن هذا القول مملوء بالمغالطة والكذب، فأين اهتزاز جعفر وخفته في حال سماعه قول الرسول صلى الله عليه وسلم، من رقص الصوفية وتمايلهم طرباً الذي لا يمت إلى الخشوع بأدنى قرابة، وبذكر لا يورث أيضا أي خضوع ولا ذكر للآخرة، مثل ما يذكره الفوتي بقوله في تعداد أنواع ذكرهم وقال:
"فلا حرج على الذكار ما دام مسلوب الاختيار ويستعمله كيف شاء على أنواع مختلفة كلها محمودة وصاحبها مشكور عليها، فلها أسرار، فربما يجري على لسانه الله الله الله، أو هو هو هو، أو لا لا لا لا لا لا لا، أو آ آ آ آ بالمد، أو أ أ أ أ أ أ بالقصر، أو اهـ اهـ اهـ اهـ اهـ اهـ اهـ، أو ها ها ها ها ها ها ها ها، أو ... عياط بغير حرف أو صراخ وتخبيط، فأدبه في ذلك الوقت أن يسلم نفسه لوارده يتصرف فيه كيف يشاء".
ولك أيها القارئ اللبيب أن تتصور الصوفي وهو يترنح يميناً وشمالاً وهو يصرخ هو هو هو، أو لا لا لا لا لا لا لا، أو أ أ أ أ، أو ها ها ها ها ها ها ها ها ها، أو بغير تلك الصفات الهوجاء، بأن يكون عياطا بغير حرف، أو كان ذكره أن يصرخ، أو تخبط كالذي مسه الشيطان، فكيف تتصور النتيجة، إنها مآس تقشعر لها الجلود، إن هذا عار على الإسلام والمسلمين، بل عار على العقل والإدراك، إنك لو اطلعت عليهم وهم يرددون هو هو هو - ولم تكن تعرف التصوف من قبل - لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً.
الفصل الثامن
ما هي الخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانية؟
أورد الفوتي في رماحه المعوجة، إيضاحات كثيرة لهذه الخلوات الصوفية تحتاج إلى دراسة مستقلة، ولئلا يفوت القارئ بعض أخبارها فإنني سأكتفي بإيجاز بعض ما قرره فيها كهنة الصوفية، الذين أسهموا بجهد كبير في تنويم الأمة الإسلامية وتأخرها، وتخدير كل عرق نابض فيها حتى وصلت إلى ما وصلت عليه، ومما لا يزال أقوى شاهد على تلك الجهود ما هو حاصل بين المسلمين في عصرنا الحاضر.
الدليل على الخلوات الصوفية حسب زعمهم:
يستدلون بما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أول ما بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد - ... " إلخ الحديث.
يقول الفوتي:
فهذا الحديث المنبئ عن بدء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأصل في إثبات المشائخ للخلوة لمريد من الطالبين".
والجواب:
1 - أن هذا الحديث بينه وبين الخلوة الصوفية فراق لا لقاء معه، فإن خلوة الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كانت لتحبيب الله عز وجل له ليهيئه لحمل الأمانة العظمى.
2 - كانت قبل أن يؤمر بتبليغ الناس الدين الإسلامي،
3 - لم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أشار إليها ولا استحسنها لأمته على الطريقة الصوفية.
4 - لم يفعلها أحد من الصحابة ولا من بعدهم من التابعين لهم بإحسان.
5 - أنها تنافي ما هو ظاهر من الشريعة الإسلامية، بالاكتساب وبدعوة الناس ومخالطتهم، إلى غير ذلك من الأجوبة التي يدركها طلاب العلم.
والخلوة الصوفية بدعة مستحدثة، وليس فيها أي نفع لا للشخص ولا للمجتمع، يخرج منها مظلم الفكر محلاً للوساوس نافراً عن الناس.
مدتها:
يقول الفوتي:
"وأكثرها عند القوم لا حد له، لكن السنة تشير للأربعين بمواعدة موسى صلى الله عليه وسلم، والقصد في الحقيقة الثلاثون؛ إذ هي أصل المواعدة وجاور صلى الله عليه وسلم بحراء شهراً".
شروط الخلوة الصوفية:
ذكر الفوتي ستة وعشرين شرطاً لصحتها نذكرها باختصار، وللقارئ أن يلاحظ أثناء عرضها مدى تغلغل الأفكار المخالفة للإسلام فيها، من بوذية وهندوسية ونصرانية وغير ذلك:
1 - أن يعود نفسه قبل دخولها إذا أراد الشروع، السهر والذكر وخفة الأكل والعزلة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/312)
2 - أن يكون دخول الخلوة بحضور الشيخ ومباركته له وللمكان أيضاً.
3 - أن يعتقد في نفسه أن دخوله الخلوة إنما هو بقصد أن يستريح الناس من شره.
4 - أن يدخلها كما يدخل المسجد مبسملاً متعوذاً بالله تعالى من شر نفسه، مستعيناً مستمداً من أرواح مشايخه بواسطة شيخه المباشر.
5 - أن يدخل الشيخ الخلوة ويركع فيها ركعتين قبل دخول المريد ويتوجه إلى الله تعالى في توفيق المريد.
6 - أن يعتقد عند دخوله الخلوة أن الله تعالى ليس كمثله شيء، فكلما يتجلى له في خلوته من الصور، ويقول له: أنا الله، فيقل: سبحان الله! آمنت بالله.
7 - ألا يتلهف كثيراً على كثرة ظهور الكرامات.
8 - أن يكون غير مستند إلى جدار الخلوة ولا متكئاً على شيء، مطرقاً رأسه تعظيما لله تعالى، مغمضاً عينيه، ملاحظاً قوله تعالى: أنا جليس من ذكرني، ثم يجعل خيال شيخه بين عينيه، فإنه معه وإن لم يره المريد.
9 - أن يشغل قلبه بمعنى الذكر على قدر مقامه، مراعياً معنى الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه.
10 - أن يداوم الصوم؛ لأنه يؤثر في تقليل الأجزاء الترابية والمائية فيصفو القلب.
11 - أن تكون الخلوة مظلمة لا يدخل فيها شعاع الشمس وضوء النهار، فيسد على نفسه طرق الحواس الظاهرة، وسد طرق الحواس الظاهرة شرط لفتح حواس القلب.
12 - دوام الضوء لتلألأ الأنوار فيها بعد ذلك.
13 - دوام السكوت إلا عن ذكر الله تعالى إلا عند الضرورة القصوى فيتكلم بحذر شديد أن يزيد.
14 - أن تكون الخلوة بعيدة عن حس الكلام وتشويش الناس عليه.
15 - كونه إذا خرج للوضوء والصلاة يخرج مطرقاً رأسه إلى الأرض غير ناظر إلى أحد، ويحذر كل الحذر نظر الناس إليه، مغطياً رأسه ورقبته بشيء؛ لأنه ربما يحصل له عرق الذكر فيلحقه الهواء فيضره.
16 - أن يحافظ على صلاة الجمعة والجماعة - وإن وجد نفقة فليتخذ له شخصاً يصلى معه في خلوته؛ أي بالإيجار.
وإذا خرج لصلاة الجماعة فليتأخر حتى يكبر الإمام تكبيرة الإحرام فإذا انتهى من الصلاة رجع فوراً إلى خلوته , قال السهروري:"وقد رأينا من يتشوش عقله في خلوته ولعل ذلك لشؤم إصراره على ترك صلاة الجماعة.
17 - المحافظة على الأمر الوسط في الطعام لا فوق الشبع ولا الجوع المفرط.
18 - ألا ينام إلا إذا غلبه النوم بأن تشوش عليه الذكر.
19 - نفي الخواطر عن نفسه خيره كانت أم شريرة.
20 - دوام ربط القلب بالشيخ بالاعتقاد والاستمداد على وصف التسليم والمحبة، والاعتقاد التام بأنه لا يصل إليه أي خير إلا من قبل شيخه المباشر، ومتى غاب فكره عن الشيخ فقد خسر الصفقة.
21 - ترك الاعتراض عن الشيخ؛ لأنه أعلم بمصالحه وأكبر عقلاً وأعظم؛ لأنه بالغ مبلغ الرجال بخلاف المريد.
22 - أنهم في أثناء خلوتهم لا يفتحون أبواب خلوتهم لمجيء الناس وزيارتهم والتبرك بهم، وإياك وتلبيسات النفوس وخداع الشيطان بالإلقاء فيك أن هذا الشخص يهتدي بك وبكلامك وينتفع بملاقاتك في الدين، فإنها من شبكات مكر اللعين.
23 - أنه إذا شاهدوا أشياء تقع لهم في اليقظة أو بين النوم واليقظة فلا يستقبحون ذلك ولا يستحسنونه، بل يعرضون ذلك على الشيخ وهو يتصرف بعد ذلك.
24 - دوام الذكر والأذكار حسب ترتيب الشيخ لها.
25 - الإخلاص وحسم مادة الرياء وطلب السمعة بالكلية.
26 - ألا يعين مدة يخرج بعد كمالها، فإن النفس يصير لها بذلك تطلع إلى انقضاء المدة، بل يدخلها وهو يحدث نفسه بأنه قد انتهى من الحياة ودخل القبر.
هذه أهم الشروط التي لفقها علماء التصوف مثل حرازم الفوتي والسهروردي والشيخ نجم الدين البكري وغيرهم من عتاة التصوف.
ولا شك أن القارئ يدرك تأثير هؤلاء الصوفية بالمبادئ الخارجة عن الإسلام، وكيف حاولوا أن يظهروها ويغطوها بغطاء إسلامي، وإلا فأين مستندهم من القرآن والسنة النبوية على تلك الرهبانية وتلك الخلوة، في ذلك الحفش المظلم، الذي يسد فيه أي شعاع للنور، ويجلس غير مستند على شيء؟ !، هل هو من الإسلام؟ !، وتلك الطاعة العمياء التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي لا ينبغي أن تكون إلا لله ولرسوله فقط، هل هي من الإسلام؟.
إن كل ذلك جناية، على العقل أيما جناية وإذلال للمؤمن أيما إذلال، وإساءة لتعاليم الإسلام الحنيف وتشويه لصورته المشرقة عند من لا يعرفه.
أقسام الخلوات الصوفية:
1 - خلوة الأربعين يوماً التي تقدم ذكرها وشروطها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/313)
2 - خلوة فاتحة الكتاب، وكيفيتها أن تصوم أربعين يوماً وتحترز فيها من أكل الحيوان وما يخرج منه، وتقرأ هذا الدعاء .. إلى آخر ما يذكر، وهنا لا أظن أن الأمر يحتاج إلى اجتهاد في استكشاف نزعة التصوف الوثنية.
3 - خلوة البسملة ومدتها تسعة عشر يوماً، ومن فاته سر بسم الله الرحمن الرحيم فلا يطمع أن يفتح عليه بشيء.
4 - خلوة الفاتحة أيضاً وهي أن يلازم بقراءتها بالخلوة أربعين يوماً.
5 - خلوة الياقوتة الفريدة، وخلوتها عشرون يوماً، تتلى كل يوم في الخلوة ألفي مرة.
ولعل الذي شجع الصوفية على هذا الخبط والاضطراب، ما هو مقرر عندهم في القاعدة الآتية: "أصحاب الفتح الأكبر لا يتقيدون بمذهب من مذاهب المجتهدين، بل يدورون مع الحق عند الله تعالى أينما دار"، ولهذا فكل عمل يعملونه يعتبر من باب التشريع للأمة.
تثبيط الصوفية أتباعهم عن الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار وتسميتهم للجهاد بالجهاد الأصغر وتسميتهم لما يسمونه جهاد النفس بالجهاد الأكبر:
قال الفوتي: "انعقد إجماع الأمة على وجوب جهاد النفس، والهجرة عن مألوفاتها وردها إلى الله تعالى، أكبر من جهاد الكفار بلا ريب، لوجوه:
1 - أحدها: أن جهاد النفس والهجرة عن مألوفاتها السيئة فرض عين وجهاد الكفار فرض كفاية.
2 - أن النفس أعدى من كل عدو لصاحبها؛ لأن المجاهد جهاد الكفار إن قتل الكافر دخل الجنة، وإن قتله الكافر كان شهيداً، بخلاف النفس فإن غلبها صاحبها استولى عليها، وكان الحكم للروح وسعد وسعدت سعادة الأبد، ومن غلبت وتسلطت على الروح تسلط عليه الكفر والمعاصي فيهلك.
3 - إن ضرر الكفار مقصور في الدنيا وهي فانية ولذلك كان جهادهم أصغر.
وهناك أقوال أخرى كثيرة لأقطاب التصوف في تثبيط المسلمين عن جهاد الكفار، وتركهم، والانزواء في الزوايا والأربطة ومجاهدة النفس وإصلاحها دون إصلاح الآخرين.
ومن الواضح أن تلك التعليلات التي ذكرها الفوتي ويذكرها غيره من أقطاب الصوفية تعليلات واهية، تردها النصوص الكثيرة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه، كما في سورة براءة وكما في أحاديث فضل الجهاد والقتل في سبيل الله، وتمني الشهيد الرجوع إلى الدنيا مرة أخرى ليقتل في سبيل الله، ولما يرى من إنعام الله ورضاه عنه.
وأرجو من الله عز وجل أن يهيئ لدراسة الأفكار الصوفية المتقدمة دراسة وافية، ورد كل مزاعمهم التي فرقوا بها دينهم وأمتهم إلى وقتنا الحاضر.
الفصل التاسع
ما مغالطات لجنة جماعة الصوفية في مدينة "ألورن" في نيجيريا؟
أما لجنة جماعة الصوفية في مدينة "ألورن" في نيجيريا فقد أرادوا تحسين الوجه الكالح للتجانية والقادرية أيضاً؛ حيث أخرجوا كتيباً باسم "رفع الشبهات عما في القادرية والتجانية من الشطحات"، وقام بترتيبه الحاج محمد إبراهيم النفاوي القادري، والحاج علي أبو بكر جبتا التجاني.
التي يدافع بها عن التجانية ويحذر من دعوة المصلحين من المسلمين إلى رجوع التجانيين إلى الحق، وقد وصف هذه الدعوة الإصلاحية أنها نصرة للشياطين وللإلحاد، لمجرد انتقادها منهج التجانية وجرائمه، ويقصد بهم جماعة نصرة الإسلام في مدينة كادونا.
وما دامت النصيحة واجبة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فإنني أحذرك أيها القارئ من قارئتها قبل أن تقرأ مبادئ الصوفية والردود عليهم، لا لغزارة علم فيها، وإنما لكثرة المغالطات والتأويلات وإيراد الأدلة على غير معانيها الصحيحة سواء كانت من القرآن الكريم، أو من السنة النبوية، فقد جاءت ردودهم من واقع الانفعال العصبي، ضد من كفرهم من بعض الدعاة وطلبة العلم في نيجيريا وغيرها، كما يذكرون، ولا ريب أن إعلان تكفيرهم وإخراجهم من الملة هم أو سائر الصوفية، حكماً عاماً دون تفصيل، لا ريب في قبح خطئه.
وأما بالنسبة لجواب التجانيين في مدينة "ألورن" عن بعض المبالغات في الطريقة التجانية- ومنها صلاة الفاتح - فقد أجابوا عن تقرير التجانيين، في أن صلاة الفاتح لما أغلق المرة الواحدة منها تعدل آلاف ختمة، بأن هذا من المتشابهات، ولعله أريد بذلك تفضيل الممكن على المستحيل؛ أي من حيث أنه يمكن أن يصلي بصلاة الفاتح في دقيقة واحدة، ويستحيل أن يقرأ ستة آلاف ختمة في دقيقة واحدة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/314)
والغريب في هذا الجواب أن يتكلف له إلى هذا الحد بأن يقال: إنه من المتشابه، وكان الأسهل والأقوى في الجواب أنهم يقولون: هذا خطأ من التجاني وخروج عن الصواب لا أنهم يجعلونه من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، فهو قول بشر، والبشر معرضون للخطأ والصواب، وأي حرج في أن يخطأ التجاني أو غيره.
ويجدر بالذكر هنا أن جماعة "ألورن" تناقضوا في مسألة أصلها خطأ، وبنوا عليها حكماً خاطئاً، وذلك في قولهم: فصلاة الفاتح خالصة جامعة شاملة للمعاني العالية، ولو كان مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته لفرح بها، كما فرح بمدح كعب بن زهير حين مدحه بقوله:
إن الرسول لسيف يستضاء به
مهند من سيوف الله مسلول
وبغض النظر عن صحة ترتيب البيت فإن الذي يهمنا هنا أمور، منها:
1 - كيف يقولون: أن صلاة الفاتح لو مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته لفرح بها، وهم يعتقدون ويقررون في كتبهم المعتمدة، أن الرسول يحضر أماكنهم ويجالسهم ويحضر الديوان العام لهم بجسده وروحه، ومعنى هذا أنه سمع بهذه الصلاة مرات عديدة؟!.
2 - أنهم يقررون أنها وحي من الرسول صلى الله عليه وسلم للتجاني فكيف بعد ذلك سيقولون: إنه لو سمع بها لفرح؟!.
3 - أنه ليس فيها ما يفرح، ففي الأذكار الثابتة والصلوات التي علمها صلى الله عليه وسلم أمته لا تعتبر صلاة الفاتح لما أغلق شيئاً بالنسبة لها.
4 - فكره، فهي من باب إن من البيان لسحراً، بخلاف دعاء الفاتح فليس فيه شيء من هذا.
وعلى هذا فيعتبر قول جماعة "ألورن": إن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان سمعها لفرح بها، كلام من تلقاء أنفسهم واجتهاد خاص بهم، تناقضوا فيه دون أن يشعروا، مع أن هذا القول غير مسلم به؛ فإنه بإمكان كل شخص أن يخترع في الدين ما يشاء، ثم يقول بمثل مقالتهم هذه ويعلل بمثل تعليلاتهم.
تنبيه:
لقد أطلت في النقل عن التجانية فيما تقدم لأمور أبديها فيما يأتي:
1 - أن ذلك النقل كان من أهم كتب التجانية مثل: جواهر المعاني، ورماح الفوتي، وغيرهما من كتب التجانيين.
2 - لأن التجانية لا تزال مستولية على مفاهيم كثير من الناس، ولا تزال لها سلطتها الفولاذية على كثير من بلاد أفريقيا بخصوصها.
3 - لكي يقف القارئ على أفكار التجانية وما تحمله من أخطار من كتبهم؛ لئلا يظن أحد بوقوع التحامل عليهم.
4 - كنت قد جمعت تلك الأقوال في أوراق خاصة للرجوع إليها عند الحاجة، ثم رأيت أن حاجة طلاب العلم إليها أيضاً لدراستها وللرد على التجانية ربما تفوق حاجتي؛ فأحببت أن أقدمها بل أعتبرها هدية لهم؛ حيث قرأت أهم مصادرهم واستخلصت منها ما يحتاج إلى تنبيه ودراسة ونقد؛ لضرره على الإسلام والمسلمين.
الفصل العاشر
ما كيفية الدخول في المذهب الصوفي؟
للصوفية طرق عديدة ومسالك مظلمة وقواعد خاصة للتربية حسب منهجهم، وكيفية ذلك عندهم نوجز الكلام عنه فيما يلي:
1 - أول ما يجب على الداخل هو أن يختار الفرد أو الجماعة من المريدين شيخاً لهم يسلك بهم رياضة خاصة بهم على دعوى وزعم تصفية القلب للوصول بالمريد إلى معرفة الله، هكذا يزعمون وهو في الحقيقة يصل إلى متاهات وضلال بعيد، ولا يتم السير في الطريق الصوفي إلا إذا عطل المريد عقله وفكره.
2 - أن يتبع المريد شيخه أتباعاً مطلقاً حتى وإن كان في تحريم الحلال وإحلال الحرام.
3 - عليه أن يردد ما يردده الشيخ من أذكار.
4 - ثم يكون وجوباً عليه أن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء، فإن الاعتراض وإبداء الرأي من أكبر الأخطار على المريد وطرده عن رحمة الله.
5 - وعليه كذلك أن يعتقد أن جميع ما يفعله الشيخ هو الحق والصواب حتى وإن رآه يشرب الخمر ويزني؛ لأن الشيخ لا يفعل الفواحش بروحة وإنما بصورته البشرية لتربية المريدين، وهذا مخرج للصوفي إذا فعل فاحشة.
فمن لم يرض بهذا ويوطن نفسه عليه فلا يكاد أن يفتح عليه ويجيء منه شيء"، إلى آخر ما ذكر الجيلاني مما يطول نقله.
وأول المنازل في الطرق الصوفية يسمى فيها الداخل مريداً، أي يريد السير في الطريقة، وتسمى منزلة الإرادة يقبلة الشيخ ويأخذ عليه العهود بالتوبة من الذنوب وصدق النية وترداد الأوراد المقررة عليه من الشيخ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/315)
ويسمى بعد توجهه وإرادته المذهب الصوفي سالكاً، وبعد استمراره وسلوكه ومواظبته على الأوراد التي يلقنه الشيخ، فإذا أتقنها انتقل إلى مرتبة أخرى تسمى مرتبة العبودية (154)، وعليه أن يكثر من الضراعة والإلحاح إلى الله بترداد ما يمليه عليه المشائخ من أذكار وأوراد.
ثم ينتقل المريد إلى مقام آخر حيث تقبل عليه العناية الإلهية وينتقل قلبه إلى مقام العشق لله، وعلى المريد هنا أن يكثر من الرياضة التي توصله إلى ربه فيما يزعمون.
وهنا يصل السالك فيما يزعمون إلى الحقيقة وتسمى هذه المرحلة - مقام الحقيقة - التي يعرفها المنوفي بأنها "مشاهدة الربوبية"، وهي في الحقيقة الوصول إلى أعماق الوثنية والحلول فإذا وصل بزعمهم إلى مقام الحقيقة يمكنه أن يظل يرتقي إلى أن يحقق منازل ثلاثاً هي: "الفناء"، و "اللقاء"، و "البقاء"، والفناء يقصدون به أن يفنى العبد عن كل شيء في الله تعالى، ويصير كما قال الحلاج: ما في الجبة إلا الله.
والحاصل أن تلك هي الطرق لدخول المذهب كما أتضح مما سبق، ونجمل أهمها فيما يلي:
1 - أن يلتزم الشخص أمام شيخه بالمحافظة على الطريقة التي يحددها له الشيخ.
2 - أن يكون المريد - أي الدال في المذهب - على صلة بشيخه المأذون له هو أو من ينيبه الشيخ عنه ليتولى تعليم المريد.
3 - أن يجتاز المريد عهداً يعاهد الشيخ ويده في يده مغمضاً عينيه على الالتزام والوفاء الدائم لشيخه ولطريقته لا يحيد عنها ابداً.
4 - أن يكون المريد دائم الاشتغال بالأوراد والأدعية التي يقررها عليه الشيخ سواء عرف معانيها أم لا.
5 - أن يكمل مدة الخلوة التي يقررها الشيخ على المريد في سرداب أو دهليز أو زاوية مدة لا تزيد عن أربعين ليلة ولا تقل عن أربعين ليلة ولا تقل عن عشر ليال، ولهم شروط كثيرة لصحة هذه الخلوة قاسية جداً يخرج الشخص منها وهو في منتهى الحمق والبلادة والغفلة عن كل شيء إلا عن شيخه وأذكاره، وهو الهدف الحقيقي من تلك الفكرة.
الفصل الحادي عشر
ما أصول الصوفية؟
يزعم المتصوفة: كما هو شأن كل الطوائف المفارقة للمنهج الرباني أنهم على حق وأن ما يدينون به من أفكار وخرافات إنما هي نابعة من تمسكهم بالكتاب والسنة وفهم حقائق الإسلام، وهذه الدعوى ينتحلها زعماء الطوائف بغرض ترويج مبادئهم وإظهارها بمظهر الحق مهما كانت بعيدة عنه.
وذلك أن دعوى التمسك بالكتاب والسنة سهلة على اللسان ولكن التطبيق هو الذي يصدق ذلك أو يكذبه.
هذا الكلام لا يلام من احتار في أمر الصوفية ومصادرهم، فبينما هم يحضون على التمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعدم الخروج عنهما إذا بهم يفصحون بالحقيقة في النهاية وهي أن مصادرهم في التشريع إنما هو الكشف والإلهام وهو فعلاً ما سلكوه في كل سلوكهم وتشريعاتهم.
والواقع أن كل منصف له أدنى إلمام بالشريعة الإسلامية لو حكم في دعاوى الصوفية وفي زعمهم شرعيه شطحاتهم، ومستنداتهم في ذلك كله لا تضح له بما لا خفاء به أن المتصوفة قد جانبوا الصواب في كثير من أمور الدين، وأنه لا مستند لهم إلا هواهم الذي يسمونه الكشف والإلهام الصريح، دلك أن قولهم: أن التصوف نبعه القرآن والسنة والفقه في الدين، وفوق ذلك أن له قواعد وقوانين استمدوها من حقائق اليقين دعاوى غير ثابتة.
فليس في القرآن آية واحدة في شريعة غلو التصوف، وليس في السنة النبوية عبارة واحدة جاءت دليلاً يسند شطحات الصوفية وأورادهم وترنيماتهم وحلقات رقصهم، وليس في علوم الفقه الإسلامي وأصوله شيء من هذا القبيل، ثم هم لا يذكروا أيضاً أدلة من القرآن تدل فعلاً على ما يذهبون إليه.
الفصل الثاني عشر
إيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للصوفية
1 - ما عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل:
يظهر في صورة الصوفي العابد الذي وصل إلى مرتبة النيابة عن الله قي تصريف أمور هذا الكون والتحكم فيه بحكم نيابته عن الله وعلمه بكل المغيبات ورؤيته لله في كل وقت لارتفاع الإنية بينه وبين الله عز وجل الذي يظهر أحياناً في صورة شاب وأحياناً في صورة الآكل والشارب، وأحياناً في صورة شخص كأنه محجور عليه تعالى بعد أن فوض الكون وما فيه إلى أقطاب الصوفية يتصرفون فيه بما يشاءون، كما تفيد أقوالهم وتبجحهم بذلك.
2 - الحلول:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/316)
لقد أصبح الحلول من لوازم الصوفية الغلاة ومن المبادئ الأساسية عندهم، وكتبهم مملوءة بذلك نثراً ونظماً، وقد اختلف العلماء في تعريف الحلول:
فمنهم من قال: هو اتحاد جسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر كحلول ماء الورد في الورد.
ومنهم من قال: هو اختصاص شيء بشيء، بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما عين الإشارة إلى الآخر.
3 - وحدة الوجود:
وحدة الوجود عقيدة إلحادية تأتي بعد التشبع بفكرة الحلول في بعض الموجودات، ومفادها لا شيء إلا الله وكل ما في الوجود يمثل الله عز وجل لا انفصال بين الخالق والمخلوق، وأن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى ليس وجودها غيره ولا شيء سواه البتة، وهي فكرة هندية بوذية مجوسية.
وهذا هو المبدأ الذي قام عليه مذهب ابن عربي.
وقد انقسم أصحاب هذه المبادئ الإلحادية إلى فريقين:
1 - الفريق الأول: يرى الله سبحانه وتعالى روحاً وأن العالم جسماً لذلك الروح، فإذا سما الإنسان وتطهر التصق بالروح أي الله.
2 - الفريق الثاني: هؤلاء يزعمون أن جميع الموجودات لا حقيقة لوجودها غير وجود الله، فكل شيء في زعمهم هو الله تجلى فيه.
والإسلام بريء من هذه الأفكار المنحرفة الخرافية كلها.
4 - وحدة الشهود أو الفناء وبيان العلاقة بين وحدة الشهود ووحدة الوجود:
وحدة الشهود هو ما يسمونه في بدء أمره مطالعة الحقائق من وراء ستر رقيق، أي لا يصل إلى درجة الحلول ولاتحاد في أول الأمر إلا بعد أن يترقى درجات ثم يصبح كما يقول على حرازم ناقلاً جواب شيخه التجاني: "اعلم أن سيدنا رضي الله عنه سئل عن حقيقة الشيخ الواصل ما هو؟ فأجاب رضي الله عنه بقوله: أما حقيقة الشيخ الواصل فهو الذي رفعت له جميع الحجب عن كمال النظر إلى الحضرة الإلهية نظراً عينياً وتحقيقاً يقينياً".
وأما العلاقة بين وحدة الوجود ووحدة الشهود:
فإنه يرى بعض العلماء أن بين وحدة الوجود ووحدة الشهود فارقاً بعيداً، وذلك أن وحدة الوجود هي الحلول والاتحاد وعدم التفرقة بين الله وبين غيره من الموجودات، بينما وحدة الشهود عند بعضهم هي بمعنى شدة مراقبة الله تعالى بحيث يعبده كأنه يراه.
وأما اعتقادهم في الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو ضرب من الخيال والإلحاد، فهم يزعمون:
1 - أن الله كان في عماء دون تعيين فأراد أن يتعين في صورة فتعين في صورة محمد صلى الله عليه وسلم، أي أنهم يعتقدون أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الله سبحانه وتعالى ذاتاً وصفةً.
2 - وأن الذي هاجر من مكة إلى المدينة هو الذات الإلهية متجلية في صورة هو محمد صلى الله عليه وسلم كما قرر ابن عربي.
3 - أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يحضر كل مجلس أو مكان أراد بجسده وروحه، وأنه يتصرف ويسير حيث يشاء في أقطار الأرض إلى اليوم لم يتبدل بعد وفاته.
4 - كل هذه الموجودات إنما وجدت من نور محمد صلى الله عليه وسلم ثم تفرقت في الكون.
وهو عليه الصلاة والسلام غني عن مبالغات الصوفية وأكاذيبهم الحمقاء، فكل ما قرره أقطاب الصوفية من أولهم إلى آخرهم حول الحقيقة المحمدية ونشوء الخلق عنها فإنه كلام خارج عن عقيدة المسلمين من دان فلا حظ له في الإسلام بل هو مجوسي وثني.
يعتقدون كما قرره ابن عربي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرف القرآن قبل نزوله بل إنه على حسب زعمهم هو الذي يعلم جبريل الذي بدوره يوحيه إلى محمد صلى الله عليه وسلم ثانية.
- الولاية وبيان بعض المصطلحات الصوفية:
تطلق كلمة ولاية في اللغة العربية، على عدة معان منها التابع، المحب والصديق والناصر.
أما معناها في مفهوم الصوفية فهي تنتهي أخيراً في مصب وحدة الوجود, وقال أيضاً: الولاية: هي قيام العبد بالحق عند الفناء عن نفسه.
وقد جاءت الولاية في القرآن الكريم مراداً بها المدح، وأحياناً مراداً بها الذم، فهي تستعمل في الخير وفي الشر حسب إطلاقها، لأن صاحبها إما أن يكون ولياً لله تعالى أو ولياً للشيطان، وبين الولايتين من البعد والانفصال ما يعرفه كل مسلم سليم الفطرة صافي العقيدة.
وجاءت في السنة النبوية مراداً بها وصف من ساروا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتزموا طريق الخير ونصروا الدين ووالوه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/317)
ثم اخترعوا مفهوماً كاذباً للولاية، فهي عندهم مجرد هبة من الله عز وجل لبعض خلقه دون أن يكون لها سبب، بل وبغض النظر عن صلاح الشخص أو فجوره، واستدلوا بقول الله عز وجل: {يختص برحمته من يشاء}، أي دون سبب حسب مفهومهم.
ومعنى هذا أنهم يجعلون مفهوم للولاية كمفهوم النبوة، الكل بلا سبب ظاهر، وهذا خلاف ما قرره الإسلام بالنسبة لولاية التي تنتج عن طاعة الله تعالى والمتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم.
وقد قسموا الولاية والأولياء إلى أقسام يطول شرحها بدون فائدة فيها.
إلا ما نستثنيه مما ذكره المنوفي حين قسمهم إلى:
1 - الملامتية:
وهم الذين لا يظهرون للخلق أعمالاً وأسراراً، بل يخفون أسرارهم لكمال ذوقهم وقوة شهودهم لربهم.
2 - الغوث الأكبر:
وهو أكبر الأولياء والأقطاب، وهو ذات الحق باعتبار تجريدها من الاسم والصفة".
3 - الأوتاد الأربعة:
وهم حفظة العلم كل واحد منهم في ركن من أركان العالم، وهم على قدم بدل من الأبدال، أي أقل رتبة من الأبدال، لأن الأبدال يكونون على قدم قطب من الأقطاب.
4 - الأقطاب السبعة:
لحفظ القارات السبع، والقطب هو الواحد الذي هو موضع نظر الله من العالم في كل زمان. والقطبانية الكبرى هي مرتبة قطب الأقطاب، وهو باطن النبوة للرسول صلى الله عليه وسلم، والأبدال زعموا أنهم أربعون وهم مكلفون بحفظ العالم والكون.
5 - النجباء:
وهم الأربعون القائمون بإصلاح شئون السالكين.
6 - الأفراد:
وهم المفردون والغرباء لتفردهم عن الخلق بشهود الحق، وغربتهم في أهل زمانهم، وهم غير منحصرين في رتبة أو منزلة، ولهم كشف خاص وعلوم إلهية غريبة على الناس.
وأخيراً وصلوا بالولاية إلى أنها مثل النبوة تماماً فلها ختم كما للنبوة ختم، فختم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وخاتم الأولياء عند الصوفية مجموعة من الكذابين مختلفون فيما بينهم على ادعائها.
وأول من ادعى ختم الولاية به هو محمد بن علي بن الحسين، ويسمونه "الحكيم الترمذي"، وقد ظهر في القرن الثالث الهجري- في آخره- وهو غير الترمذي صاحب السنن.
وحين صنف الحكيم الترمذي كتابه"ختم الولاية" مضاهياً بذلك القول بختم النبوة شهدوا عليه الكفر ثم نفي من ترمذ.
ثم جاء ابن عربي المتوفي سنة 638 هـ فادعى أنه خاتم الأولياء، ثم جاء محمد بن عثمان الميرغني السوداني المتوفي سنة 1268 هـ فادعى أنه هو خاتم الأولياء، ثم جاء أحمد التجاني من فاس بالمغرب المتوفي سنة 1230 هـ فادعى أنه هو خاتم الأولياء، وأن من سبقه أو يلحقه ممن يدعي ختم الولاية فإنه كاذب مفتر.
الفصل الثالث عشر
ما الكشف الصوفي؟
من أصول الدين الإسلامي وقواعد الإيمان في الشريعة الإسلامية أن الله تعالى وحده هو علام الغيوب، وأن الخلق مهما كانت منزلة أحدهم لا يصل إلى معرفة الغيب، إلا من شاء الله أن يطلعه على ما أراد من ذلك، سواء كان ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً.
ولقد تعدى المتصوفة على هذه الصفة لله عز وجل فأقاموا أمراً سموه "الكشف الصوفى"، ويعنى عندهم رفع الحجب من أمام قلب الصوفي وبصره ليعلم بعد ذلك كل ما يجرى في هذا الكون.
وبالغوا في هذا الإدعاء بما لا يجرؤ على القول به إلا عتاة الزنادقة، كما هو مسطر في كتبهم بأقلامهم، وكما تبين ذلك من خلال ما قدمنا من الإشارات الكثيرة إلى حقيقة الكشف من خلال نظرتهم إلى أقطابهم في حالة رفع الحجب عنهم واتحادهم بالله ورفع الأنية بينهم وبين الله، ويبدوا أنهم ترقوا في هذه الدعوى على النحو التالى:
1 - ادعوا أن الصوفي يكشف له عن معان جديدة في القرآن والسنة والآثار والرسوم لا يعلمها علماء الشريعة، الذين سموهم علماء الظاهر والقراطيس؛ لأنهم أي علماء الشريعة إنما يعتمدون في نقل تلك المعاني من القرآن والسنة على موتى، وأما هم فإنهم يأخذونها عن الله تعالى مباشرة.
2 - ثم ترقوا فقالوا: إن لهم علوماً لا توجد في الكتاب ولا في السنة يأخذونها جديدة عن الخضر الذي هو على شريعة الباطن حسب زعمهم.
وهذه الفرية هي التي استباحوا بموجبها كثيراً من الفواحش والمحرمات إذ أن النصوص التي يفيد ظاهرها التحريم قد يفيد باطنها الإباحة، والخضر يؤكد لهم ذلك.
3 - وهناك فرية أيضاً اقترفوها، وهي قولهم: أنهم يتلقون علومهم عن ملك الإلهام كما تلقى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم علومه من ملك الوحي مباشرة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/318)
4 - وآخرون منهم يزعمون أنهم يتلقون علومهم عن الله رأساً وبلا واسطة.
5 - وآخرون منهم يدَّعون أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يخبرهم بأذكارهم وعبادتهم يقظة لا مناماً.
6 - ثم زعموا أنهم يعلمون أسرار الحروف المقطعة من القرآن وقصص الأنبياء على حقيقتها، وأنهم يجتمعون بالأنبياء ويسألونهم عن تفاصيل قصصهم، وخرافات كثيرة ذكرها الجيلي في كتابه "الإنسان الكامل" يمجها السمع وينفر عنها الذوق.
وكذا الغزالي حين دخل التصوف ولم يستطع الخروج منه رغم أنه كان من علماء الشريعة، فقد ذكر أشياء كثيرة عن الكشف الصوفي وخرافاتهم فيه مؤيداً له.
الفصل الرابع عشر
ماهي الشطحات الصوفية؟
لقد وصل الصوفية في شطحاتهم إلى حد لا يقدم عليه إلا من تزندق وألحد وخرج عن الدين، ولقد فاضت كتبهم بذلك وتواتر النقل عنهم، وهو أمر لا يدع مجالاً للشك في إلحاد من يعمل ذلك منهم، وفي إعراضه عن الخلق الفاضل والعقل السليم، فضلاً عن الدين.
مما يدركه طالب العلم أن الشطحات الصوفية كثيرة جداً، لا يمكن حصرها إلا بدراسة وافية (250)، غير أننا سنعرض هنا بعض الامثلة لتكون نموذجاً لبقية شطحهم وغلوهم ومقدار جرأتهم على اقتحام الامور العظيمة في الإلحاد.
ونبدأ ببعض ما ذكر عن أبي يزيد البسطامي: طيفور بن عيسى.
1 - قال أبو يزيد عن الله تعالى: "رفعني مرة فأقامني بين يديه وقال لي: يا أبا يزيد إن خلقي يحبون أن يروك فقلت: زيني بوحدانيتك وألبسني أنانيتك وارفعنى إلى أحديتك حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك، فتكون أنت ذاك ولا أكون أنا هنا".
ومعناه أنه يطلب أن يصوره الله على صورته عز وجل تماماً، فإذا شاهده الناس قالوا: شاهدنا الله.
2 - وقال مرة: "سبحاني سبحاني".
وقال: ضربت خيمتي بإزاء العرش أو عند العرش.
تلك بعض شطحات البسطامي، وهناك الكثير يوردها علماء الصوفية عنه بين مستحسن لها وبين مراوغ في معانيها.
الفصل الخامس عشر
ما التكاليف في نظر الصوفية؟
يعتقد غلاة الصوفية أن الصلاة والصوم والحج والزكاة هي عبادات العوام، وأما هم فيسمون أنفسهم الخاصة أو خاصة الخاصة، ولذلك فإن لهم عبادات خاصة، ومناهج وطرق خاصة، ومفاهيم تختلف تماماً عن مفاهيم العامة، خصوصاً بعد وصول أحدهم درجة اليقين - كما يزعمون - وقد شرع كل قوم منهم شرائع خاصة بهم، في الذكر والخلوة والملابس المخصوصة والحلقات الخاصة.
الفصل السادس عشر
ما الأذكار الصوفية؟
أم الأذكار الصوفية فحدث ولا حرج عن خرافتهم فيها، وقد قدمنا من الأمثلة ما يوضح حال هؤلاء ومدى ما وصلوا إليه من الجهل بربهم والبعد عن هدى خير الأنام، هذا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
الفصل السابع عشر
ما هو الوجد والرقص عند الصوفية؟
لقد كان للغرام العارم والرقص والتمايل عند الصوفية مكانه ثابتة بل هذا النوع صار من أقوى الشبكات التي يصطادون بها من قلت معرفتهم بالدين الإسلامي الحنيف، وحقاً إنه نوع من الخلل في السلوك والاضطراب الذهني حين يعبدون الله بالرقص والحركات التي لا تمت إلى عبادة الله بأية صلة إلا كما تمت إليها عبادة اليهود من قبل حين حثتهم التوراة _ المحرفة _ العهد القديم _ المزامير على وجوب التسبيح لله بالدف والمزمار والعود والربابة.
وعند الصوفية في أوقاتهم الخاصة مجالس يجتمعون فيها على الرقص والغناء والتصفيق والصياح بأصوات منكرة يمزقون فيها ثيابهم ويتمايلون حين يأخذ منهم الطرب مأخذه في حركات بهلوانية لا يفهم منها أي إشارة إلى الخوف من النار أو الرغبة في الجنة.
أدلتهم على جواز ذلك والرد عليها:
وهكذا لم يكتف هؤلاء بتلك المسالك التي غلوا فيها إلى أن أخرجوا بعض عباداتهم في صور غنائية ورقص، بل حاولوا كذلك أن يجدوا لتلك الأفعال أدلة لمشروعيتها، ومن ذلك:
زعمهم أن سلمان رضي الله عنه حين نزل قوله تعالى: (وإن جهنم لموعدهم أجمعين) (275) صاح سلمان الفارسي صيحة ووقع على رأسه ثم خرج هارباً ثلاثة أيام.
ومن ذلك أيضاً احتجاجهم بقول الله تعالى لأيوب عليه السلام: (اركض برجلك.
تلك أهم الحجج التي يتمسك بها الصوفيون في مشروعية لهوهم وتواجدهم، فما مدى صحة استدلالهم، وهل ما ذكروه من تلك الروايات كلها صحيحة، أو هل كان فهمهم لها فهماً صحيحاً؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/319)
والجواب عن هذه الاحتجاجات يحتاج إلى دراسة ووقت، ولكن أكتفى هنا بإيجاز الرد عليهم في دفع حججهم وأدلتهم بأنها احتجاجات واهية وتلفيق غير مقبول ومزاعم لا صحة لها:
*فأما ما رووه عن سلمان فإنه كذب، ومحال كذلك، فقد رويت هذه القصة بلا سند. ثم إن الآية نزلت بمكة بالاتفاق كما قال القرطبي، وسلمان إنما أسلم بالمدينة كما هو معلوم.
ثم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينهي أشد النهي عن مثل هذه الأمور المنافية للوقار والخشوع، فإنه كان صلى الله عليه وسلم يبغض الصياح أو إظهار التخشع عند سماع القرآن أو المواعظ إلا في الحدود المشروعة، ومن ذلك ما رواه أنس قال: "وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فإذا برجل قد صعق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ذا الملبس علينا ديننا إن كان صادقاً فقد شهر نفسه وإن كان كاذباً فمحقه الله".
وقد عرف عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا يخشعون تمام الخشوع، فتذرف عيونهم وتخاف قلوبهم، ولم يصعق أحد منهم وهم أعرف بالله من غيرهم وأتقى له وأكثر انقياداً وقبولاً للحق تمسكاً به، ولو كان ذلك الوجد والهيام والصعق خير لما سبقهم أحد إليه.
واما احتجاجهم بقول الله تعالى لأيوب: (اركض برجلك) فهذا احتجاج يدل على جهل صاحبه بحقيقة حال أيوب المبتلى بما لا يصبر عليه أحد إلا من أعانه الله وقوى يقينه، فإنه يقال لهذا المحتج: إن الله لم يأمر أيوباً بضرب رجله فرحاً وطرباً.
وإنما أمر بضرب رجله من باب فعل الأسباب إكراماً من الله تعالى له، ثم إنه لم يركض برجله ابتداء وإنما تنفيذاً للأمر، وكذلك لإشعاره بتغير الحال، ولحكم أخرى لا يعلمها إلا الله تعالى ليس منها جواز الرقص، ولم يك حاله يستدعي أن يضرب برجله الأرض تواجداً وطرباً إلا عند الجفاة.
الفصل الثامن عشر
ما الكرامات وخوارق العادات عند الصوفية؟
للأولياء الحقيقيين كرامات لا تنكر، وقد كان للصحابة رضي الله عنهم من الكرامات ما هو جدير بهم، وكان لغيرهم من الأولياء والعلماء كرامات كثيرة، وهدفنا هنا من ذكر الكرامات وخوارق العادات هو بيان تلك الكرامات والخوارق التي تتم على أيدي أناس ليسوا من أولياء الله، وليس لهم صلاح يؤهلهم لذلك.
وبيان أن ذلك من مكائد الشيطان وتلبيسه على الناس بأن يظهر لبعضهم أموراً غيبية تبدو كأنها كرامات من الله للشخص فيتخيل أنه بلغ منزلة عالية فاق فيها غيره من الناس، وأنه أصبح يماثل الأنبياء في كراماتهم وقربه من الله. وهذه الحال كثيرة الوقوع لمن يدعون أنهم أولياء لله، وأكثرهم في الحقيقة أعداء له وموالين لشياطينهم.
مثل أنواع الكرامات التي تبجح بها بعض غلاة الصوفية لأنفسهم كما ذكرها المناوي، وهي:
إحياء الموتى. وقد مثل بأبي عبيد اليسري الذي أحيا دابته بعد ما ماتت، ومفرج الدماميني الذي أحيا الفراخ المشوية، والكيلانى وأبو يوسف الدهمانى الذي أحيا لتلميذه ولده بعد ما مات.
ومن الكرامات التي يزعمونها أن الأولياء من الصوفية لهم القدرة على المشي على الماء وكلام البهائم وطي الأرض وظهور الشيء في غير موضعه والمشي على السحاب وتحويل التراب إلى خبز وإبراء الأكمه والأبرص.
وكل تلك الكرامات أشبه ما تكون بأحلام الصبيان أو صراعات المجانين، وتكذيبها والسخرية بها لا تحتاج إلى ضياع الوقت في الاشتغال بالردود عليها وبيان سخافتها ودجل من يدعيها ممن جرؤ على الكذب على الله وعلى الناس وضللوا أتباعهم وأخرجوهم عن الإسلام من حيث لا يشعر أولئك الأتباع، لأنهم أصبحوا كما قال الله تعالى: (أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون).
على أن بعض تلك الكرامات لا تستحق أن تذكر لأحد؛ إذ فيها الاستهانة بالأخلاق والآداب العامة، وفيها التشجيع على اللهو والفسق.
الفصل التاسع عشر
هل لهم تراجم زعماء الصوفية؟
للصوفية زعماء كثيرون ليس من السهل حصرهم وذكر تراجمهم غير أننا نحيل من أراد التوسع في تراجمهم إلى كتب الصوفية أنفسهم.
وقبل إيراد بعض تلك الكتب أحب التنبيه إلى أن بعض علماء الصوفية حينما كتبوا تراجم لمشاهيرهم وأسلافهم ارتكبوا جرماً في حق الصحابة رضوان الله عليهم وفي حق غيرهم من خيار المسلمين وعلمائهم، حيث حشروهم في سلسلة واحدة مع كبار غلاة وفساق الصوفية الذين وصل بهم الاستهتار بأخلاق وبأمور الدين الشرعية وبالآداب الإسلامية، بل والعرفية إلى حد يستحي الإنسان من ذكرها، وأعمال لا يتصور وقوعها من جهال المسلمين، فما الظن بطلاب العلم، بل وما الظن بأولياء الله؟
وكنت قد جمعت عدة أوراق في تراجم أقطاب التصوف، ولكني رأيتها أليق بكتب التاريخ وتطول بها هذه الدراسة فاكتفيت بذكر بعض المراجع التي اهتمت بدراسة شخصيات علماء التصوف ونقل أخبارهم وشطحاتهم وكشوفاتهم ومنزلتهم عند الله وعند الناس، وما آل إليه أمر كل واحد منهم، ومن أهم تلك الكتب:
الرسالة القشيرية: لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة القشيري النيسابوري الشافعي 471 - 465هـ، وهي مجلدان، خصص المجلد الأول من ص61 إلى آخره لتراجم مشائخ التصوف، ابتدأه بهذا العنوان: "فصل في ذكر مشائخ هذه الطريقة وما يدل من سيرهم وأقوالهم على تعظيم الشريعة" (292)، ثم ذكر تراجم لثلاثة وثمانين شخصاً من كبار زعماء التصوف.
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار تأليف عبد الوهاب ابن أحمد بن علي الأنصاري الشافعي المصري المعروف بالشعراني. ظهر في القرن العاشر الهجري.
والطبقات مجلدان خصصهما لتراجم كبار علماء الصوفية من رجال ونساء،
وقد ترجم لأربعمائة وأربعة وعشرين شخصاً، بإضافة مشائخه وعددهم 87 شخصاً، وقد بدأ تراجم هؤلاء بأبي بكر الصديق رضي الله عنه وختمهم بعلي بن شهاب جده الأدنى، ثم ابتدأ بمحمد المغربي الشاذلي وختمهم بالشيخ علي العياشي.
وقد ألف بعض العلماء مؤلفات خاصة عن شخصيات الصوفية مثل ابن عربي والبسطامي والتجاني والنقشبندي وابن سبعين والغزالي وابن الفارض والحلاج والجيلاني.
[1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftnref1) - بن عربي الذكور ليس بن العربي العالم الكبير صاحب العواصم.(60/320)
مختصر الفرق وعن المرجئة
ـ[أبو زرعة]ــــــــ[20 - 12 - 09, 03:59 م]ـ
الباب الحادي عشر
دراسة المرجئة
أولاً: تمهيد:
المرجئة من أوائل الفرق التي تنسب إلى الإسلام في الظهور، وقد احتلت مكاناً واسعاً في أذهان الناس وفي اهتمام العلماء بأخبارهم وبيان معتقداتهم بين مدافع عنهم ومحاج لهم، وبين معجب بأدلتهم وبين داحض لها، ومن هنا نجد أن المقصود بالإرجاء بالذات لم يتفق علماء الفرق والمقالات على تعيينه دون اختلاف، كما أن قضية الإرجاء قد جرّت كثير من علماء الأمة الإسلامية المشهورين إلى الركون إليها على تفاوت في المواقف والمفاهيم حيالها، ووجد بعض علماء السلف طريقاً إلى انتقاد مسالك آخرين، ووجد لهؤلاء مدافعين عنهم ومؤيدين لفكرتهم دفاعاً قد يصل إلى درجة التعصب وليّ أعناق النصوص لتوافق ما يذهبون إليه، كما وجد قسم من المدافعين حاولوا جهدهم لتقريب وجهات النظر بين القائلين بالإرجاء وبين مخالفيهم فيه.
وقبل البدء بتفاصيل فكر المرجئة وبيان نشأته وما آل إليه، قبل أن نذكر على سبيل الإيجاز التعريف بالمرجئة لغة واصطلاحاً.
الفصل الأول
ما التعريف بالإرجاء لغة واصطلاحاً وبيان أقوال العلماء في ذلك؟
الإرجاء في اللغة:
يطلق على عدة معاني منها: الأمل والخوف والتأخير وإعطاء الرجاء، وقد يهمز وقد لا يهمز قال ابن السكيت: يقال: أرجأت الأمر وأرجيته إذا أخرته، قال الله عز وجل {وآخرون مرجون لأمر الله} وقرئ مرجئون، وقرئ أرجه وأخاه، وقرئ أرجئه وأخاه. قال: ويقال هذا رجل مرجئ، وهم المرجئة، وإن شئت قلت: مرج وهم المرجية ... وقال غيره: إنما قيل لهذه العصابة مرجئة، لأنهم قدموا القول وأرجوا العمل، أي أخروه.
تعريف الإرجاء في الاصطلاح:
اختلفت كلمة العلماء في المفهوم الحقيقي للإرجاء، مفاد ذلك نوجزه فيما يلي:
1 - أن الأرجاء في الاصطلاح مأخوذ من معناه اللغوي؛ أي بمعنى التأخير والإمهال - وهو إرجاء العمل عن درجة الإيمان، وجعله في منزلة ثانية بالنسبة للإيمان لا أنه جزء منه، وأن الإيمان يتناول الاعمال على سبيل المجاز، بينما هو حقيقة في مجرد التصديق، كما أنه قد يطلق على أولئك الذين كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة.
كما أنه يشمل أيضاً جميع من أخر العمل عن النية والتصديق.
2 - وذهب آخرون إلى أن الأرجاء يراد به تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، فلا يقضى عليه في الدنيا حكم ما.
وبعضهم ربط الإرجاء بما جرى في شأن علي رضي الله عنه من تأخيره في المفاضلة بين الصحابة إلى الدرجة الرابعة، أو إرجاء أمره هو وعثمان إلى الله ولا يشهدون عليهما بإيمان ولا كفر، وخلص بعضهم من هذا المفهوم إلى وصف الصحابة الذين اعتزلوا الخوض في الفتن التي وقعت بين الصحابة وخصوصاً ما جرى بين علي ومعاوية من فتن ومعارك طاحنة، خلصوا إلى زعم أن هؤلاء هم نواة الإرجاء، حيث توقفوا عن الخوض فيها واعتصموا بالسكوت، وهذا خطأ من قائليه؛ فإن توقف بعض الصحابة إنما كان بغرض ريثما تتجلى الأمور، واستندوا إلى مفهوم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتنة، القاعد فيها خير من الماشي فيها ... إلى أخر الحديث.
وفي كل ما تقدم يقول الشهرستاني: الإرجاء على معنيين: أحدهما بمعنى التأخير كما في قوله تعالى: (قالوا أرجه وأخاه) " أي أمهله وأخره. والثاني: إعطاء الرجاء.
أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد. وأما بالمعنى الثاني فظاهر× فإنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة.
الفصل الثاني
ما الأساس الذي قام عليه مذهب المرجئة؟
الأساس الذي قام عليه مذهب الإرجاء هو الخلاف في حقيقة الإيمان ومم يتألف، وتحديد معناه، وما يتبع ذلك من أبحاث. وهل الإيمان فعل القلب فقط أو هو فعل القلب واللسان معاً؟ أي والعمل غير داخل في حقيقته، وبالتالي لا يزيد الإيمان ولا ينقص؛ إذا التصديق واحد لا يختلف أهله فيه، هذه أهم ميزات بحوث هذه الطوائف المرجئة، وإلى كل قسم من تلك الأقسام ذهب فريق من المرجئة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/321)
إلا أن أكثر فرق المرجئة على أن الإيمان هو مجرد ما في القلب ولا يضر مع ذلك أن يظهر من عمله ما ظهر، حتى وإن كان كفراً وزندقة، وهذا مذهب الجهم بن صفوان، ولا عبرة عنده بالإقرار باللسان ولا الأعمال أيضاً؛ لأنها ليست جزءاً من حقيقة الإيمان.
وذهبت الكرامية إلى أن الإيمان هو القول باللسان، ولا يضر مع ذلك أن يبطن أي معتقد حتى وإن كان الكفر. وذهب أبو حنيفة رحمة الله إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان، لا يغنى إحداهما عن الآخر؛ أي فمن صدق بقلبه و أعلن التكذيب بلسانه لا يسمى مؤمناً. وعلى هذا قام مذهب الحنفية وهو أقرب مذاهب المرجئة إلى أهل السنة لموافقتهم أهل السنة في أن العاصي تحت المشيئة، وأنه لا يخرج عن الإيمان. وخالفوهم في عدم إدخال العمل في الإيمان يزيد وينقص، فلم يقولوا بذلك. هذا هو المشهور عن أهل الفقه و العبادة من المرجئة، وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة ومن قال بقوله من فقهاء الكوفة الذين أخروا العمل عن حقيقة الإيمان وماهيته.
الفصل الثالث
كيف نشأ الإرجاء وكيف تطور إلى مذهب؟
عرفنا مما سبق في التعريف بالمرجئة أن الإرجاء في بدء الأمر كان يراد به في بعض اطلاقاته أولئك الذين أحبو السلامة والبعد عن الخلافات وترك المنازعات في الأمور السياسية والدينية، وخصوصاً ما يتعلق بالأحكام الأخروية من إيمان وكفر وجنة ونار، وما يتعلق كذلك بأمر علي وعثمان وطلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة وغيرهم.
وما جرى بين علي ومعاوية من أحداث- كما مثله الحسن بن محمد بن الحنفية ومن جاء على طريقته- إلا أنه من الملاحظ أنه بعد قتل عثمان رضي الله عنه وبعد ظهور الخوارج والشيعة أخذ الإرجاء يتطور تدريجياً.
فظهر الخلاف في حكم مرتكب الكبيرة ومنزلة العمل من الإيمان، ثم ظهر جماعة دفعوا بالإرجاء إلى الحد المذموم والغلو، فبدأ الإرجاء يتكون على صفة مذهب، فقرر هؤلاء أن مرتكب الكبيرة كامل الأيمان وأنه لا تضر مع الإيمان معصية، ولاتنفع مع الكفر طاعة، وأن الإيمان في القلب. فلا يضر الشخص أي شيء بعد ذلك ولو تلفظ بالكفر والإلحاد، فإنه يبقى إيمانه كاملاً لايتزعزع. وهذا بلا شك غلو وتطرف مذموم.
وأهل هذه المرحلة ممقوتون ومذهبهم يفضي إلى درجة الإباحية والتكاسل والتعويل على عفو الله وحده دون العمل لذلك. وهو أمر تأباه الشريعة الإسلامية.
الفصل الرابع
بين أول من قال بالإرجاء وبيان أهم زعماء المرجئة؟
يذكر العلماء أن الحسن بن محمد بن الحنفية هو أول من ذكر الإرجاء في المدينة بخصوص علىّ وعثمان وطلحة والزبير، حينما خاض الناس فيهم وهو ساكت ثم قال: قد سمعت مقالتكم ولم أر شيئاً أمثل من أن يرجأ علي وعثمان وطلحة والزبير، فلا يتولوا ولا يتبرأ منهم. ولكنه ندم بعد ذلك على هذا الكلام وتمنى أنه مات قبل أن يقوله، فصار كلامه بعد ذلك طريقاً لنشأة القول بالإرجاء، وقد بلغ أباه محمد بن الحنفية كلامُ الحسن فضربه بعصا فشجه، وقال: لاتتولى أباك عليّا؟ ولم يلتفت الذين تبنوا القول بالإرجاء إلى ندم الحسن بعد ذلك، فإن كتابه عن الإرجاء انتشر بين الناس وصادف هوى في نفوس كثيرة فاعتنقوه.
ولكن ينبغى معرفة أن إرجاء الحسن إنما هو في الحكم بالصواب أو الخطأ على من ذكرهم، ولم يتعلق إرجاؤه بالإيمان أم عدمه كما هو حال مذهب المرجئة أخيراً.
وقيل: إن أول من قال بالإرجاء على طريقة الغلو فيه هو رجل يسمى ذر بن عبد الله الهمداني وهو تابعي، وقد ذمه علماء عصره من أهل السنة.
والجمع بين هذا القول والذي قبله يتضح باختلاف حقيقة الإرجاء عند الحسن وعند ذر بن عبد الله؛ إذ الإرجاء عند الحسن ترك الحكم على أولئك الأشخاص. وأما الإرجاء عند ذر فهو إخراج العمل عن مسمى الإيمان.
وهناك أقوال أخرى في أول من دعا إلى الإرجاء فقيل: إن أول من أحدثه رجل بالعراق اسمه قيس بن عمرو الماضري.
وقيل: إن أول من أحدثه حماد بن أبي سليمان وهو شيخ أبي حنيفة وتلميذ إبراهيم النخعى، ثم انتشر في أهل الكوفة، وقد عاصر حماد بن ذر بن عبد الله. ويذكر شيخ الإسلام عن نشأة الإرجاء بالكوفة أن أول من قال فيهم حماد بن أبي سليمان.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/322)
وقيل: إن أول من قال به رجل اسمه سالم الأفطس، ويطلق على إرجاء هؤلاء أنه إرجاء الفقهاء، ويظهر أن تلك الأقوال لاتباعد بينها؛ لأن هؤلاء كانوا في عصر واحد، وكانوا أيضاً على اتفاق في إرجائهم.
ومن كبار المرجئة ومشاهيرهم: الجهم بن صفوان، وأبو الحسين الصالحى، ويونس السمري، وأبو ثوبان، والحسين بن محمد النجار، وغيلان، ومحمد بن شبيب، وأبو معاذ التومني، وبشر المريسي، ومحمد بن كرام، ومقاتل ابن سليمان المشبه لله عز وجل بخلقه ومثله الجواربي وهما من غلاة المشبهة.
الفصل الخامس
ما هي أصول المرجئة؟
تكاد فرق المرجئة تتفق في أصولها على مسائل هامة هي:
تعريف الإيمان بأنه التصديق بالقول أو المعرفة أو الإقرار.
وأن العمل ليس داخلاً في حقيقة الإيمان، ولا هو جزء منه، مع أنهم لا يغفلون منزلة العمل من الإيمان تماماً إلا عند الجهم ومن تبعه في غلوه.
وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأن التصديق بالشيء والجزم به لا يدخله زيادة ولا نقصان.
وأن أصحاب المعاصي مؤمنون كاملوا الإيمان بكمال تصديقهم وأنهم حتماً لا يدخلون النار في الآخرة.
ولهم اعتقادات أخرى: كالقول بأن الإنسان يخلق فعله، وأن الله لا يرى في الآخرة، وغيرها.
وفيما يلي تفصيل واضح لأقسام اتجاهات الناس في حقيقة الإيمان كما رتبها الدكتور/ سفر الحوالي:
أن الإيمان يكون بالقلب واللسان والجوارح:
1 - أهل السنة 2 - الخوارج 3 - المعتزلة
أنه بالقلب واللسان فقط:
مرجئة الفقهاء الحنفية.
ابن كلاب، وكان على عقيدة المرجئة الفقهاء، وقد انقرض مذهبه.
أنه باللسان والجوارح فقط:
الغسانية.
فرقة مجهولة لم يصرح العلماء بتسميتها، ولعلها الغسانية.
أنه بالقلب فقط:
1 - الجهمية 2 - المريسية 3 - الصالحية
4 - الأشعرية 5 - الماتريدية.
أنه باللسان فقط:
الكرّامية: وقد انقرضوا، وقد ذكر عنهم شيخ الإسلام أنهم يقولون:
المنافق مؤمن وهو مخلد في النار؛ لأنه آمن ظاهراً لا باطناً ويدخل الجنة من آمن ظاهراً وباطناً.
أ- الذين قالوا: إنه بالقلب واللسان والجوارح:
1 - الذين قالوا: الإيمان فعل كل واجب وترك كل محرم، ويذهب الإيمان كله بترك الواجب أو فعل الكبيرة:
1 - الخوارج؛ مرتكب الكبيرة عندهم كافر.
2 - المعتزلة؛ مرتكب الكبيرة عندهم في منزلة بين المنزلتين؛ يعني في الدنيا، وأما في الآخرة فقد وافقوا الخوارج في الحكم.
2 - الذين قالوا: الإيمان قول وعمل - أي عمل القلب والجوارح - وكل طاعة هي شعبة من الإيمان أو جزء منه.
والإيمان يكمل باستكمال شعبه وينقص بنقصانها، لكن منها ما يذهب الإيمان كله بذهابه؛ ومنها ما ينقص بذهابه.
فمن شعب الإيمان أصول لا يتحقق إلا بها، ولا يستحق مدعيه مطلق الاسم بدونها، ومنها واجبات لا يستحق الاسم المطلق بدونها، ومنها كمالات يرتقي صاحبها إلى أعلى درجاته. "وتفصيل هذا كله بحسب النصوص". كما هو مذهب أهل السنة والجماعة.
ب- الذين قالوا: إنه يكون بالقلب واللسان فقط:
الذين يدخلون أعمال القلب - يعنى في حقيقة الإيمان - وهم بعض قدماء المرجئة الفقهاء، وبعض محدثي الحنفية المتأخرين.
الذين لا يدخلون أعمال القلب، وقد تطور بهم الأمر إلى إخراج قول اللسان أيضاً من الإيمان وجعلوه علامة فقط، وهم عامة الحنفية "الماتريدية".
ج- الذين قالوا: إنه يكون بالقلب فقط:
الذين يدخلون فيه أعمال القلب جميعاً، وهم سائر فرق المرجئة: كاليونسية والشمرية والتومنية.
الذين يقولون: هو عمل قلبي واحد - المعرفة - الجهم بن صفوان.
الذين يقولون: هو عمل قلبي واحد - التصديق - الأشعرية والماتريدية.
الفصل السادس
ما أقسام المرجئة؟
انقسمت المرجئة في اعتقاداتها إلى أقسام كثيرة وفرق كثيرة وفرق يطول ذكرها، ويمكن الإشارة هنا إلى رؤوس تلك الفرق، وهى كما يذكرها علماء الفرق:
مرجئة السنة: وهم الأحناف: أبو حنيفة وشيخه حماد بن أبى سليمان ومن أتبعهما من مرجئة الكوفة وغيرهم، وهؤلاء أخروا العمل عن حقيقة الإيمان.
مرجئة الجبرية: وهم الجهمية أتباع جهم بن صفوان، وهم الذين اكتفوا بالمعرفة القلبية وأن المعاصي لا أثر لها في الإيمان، وأن الإقرار والعمل ليس من الإيمان.
مرجئة القدرية: الذين تزعمهم غيلان الدمشقي، وهم الغيلانية.
مرجئة خالصة: وهم فرق اختلف العلماء في عدهم لها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/323)
مرجئة الكرامية: أصحاب محمد بن كرام، وهم الذين يزعمون أن الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب.
مرجئة الخوارج: الشبيبية وبعض فرق الصفرية الذين توقفوا في حكم مرتكب الكبيرة.
وعدّ الأشعري في مقالاته المرجئة وأوصالهم في اثنتي عشر فرقة (314).
ولهم فروع كثيرة، وبين العلماء اختلافات كثيرة أيضاً في عدّهم لأقسام وطوائف المرجئة، وفي أي الفرق أصلية وأيها فرعية، وأيها يصدق عليه الإرجاء وأيها لا يصدق عليه.
ولا ضرورة تدعوا إلى تفصيل الكلام هنا في كل طائفة من هذه الفرق الفرعية وذلك لاتحادهم العام في مذهبهم وقيامه على الإرجاء.
ولما حصل أيضاً من رجوع بعض فرقهم إلى الفرق الأخرى واندماجهم بعد ذلك في فرقة واحدة، ولدقة الخلاف في بعض المسائل الفرعية، وموضع استقصاء ذلك كله الكتب المطولة في التاريخ والفرق.
الفصل السابع
ما هي أدلة المرجئة لمذهبهم والرد عليها؟
سنذكر بعض أدلتهم:
فمن القرآن الكريم: استدلوا بقول الله تعالى:
{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (315).
{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقطنوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم} (316).
كما اهتمت الجهمية بجمع النصوص التي تجعل الإيمان أو الكفر محله القلب. كما في قول الله تعالى: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} (317).
{إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} (318).
{ختم الله على قلوبهم} (319).
إلى غير ذلك من الآيات التي يوحي ظاهرها بهذا المفهوم المتكلف للمرجئة.
أما من السنة النبوية: فقد استدلوا بما يلي:
بعض الأحاديث والآثار التي يدل ظاهرها على الاكتفاء بالبعد عن الشرك ووجود الإيمان في القلب للفوز برضى الله، مثل:
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار".قال ابن مسعود: "وقلت أنا من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة" (320).
وقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: "يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة" (321).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم ثبت قلبي على دينك".
ومن أدلة الأحناف على أن الإيمان قول واعتقاد فقط، وأن الأعمال ليست داخلة فيه وإنما هي شرائع الإسلام فإذا عمل معصية نقص من شرائع الإسلام وليس من التصديق بالإسلام - من أدلتهم على ذلك قولهم:
إن الإيمان في اللغة المقصود به التصديق فقط، والعمل بالجوارح لا يسمى تصديقاً فليس من الإيمان.
الرد على أدلة المرجئة:
والواقع أن تلك النصوص التي تقدمت في استدلال المرجئة على إخراج العمل عن حقيقة الإيمان لا يسلم لهم فهمهم لها من أنها على إخراج الأعمال الظاهرة عن أعمال القلب، فإن إيمان القلب وإن كان الأساس وعليه الاعتماد الأول ولكن لا ينفي هذا أثر إيمان القلب يظهر على الجوارح بل هو الحق، والنصوص كما هو الواضح منها لا تدل على تصديق القلب وحده، وإنما تدل على أن الإيمان له دلالات لا تتضح إلا بالأعمال الظاهرة، والذين أحجموا عن إدخال الأعمال الظاهرة في حقيقة الإيمان نتج عن ذلك تساهل عندهم في الحكم حتى على الفجار الذي لا شك في ظهور فجورهم.
فتجد منهم من لا يكفر بالأعمال الظاهرة حتى وإن كانت توحي بكفر صاحبها علانية، فهم لا يجرءون على تكفيره حتى يتأكدوا من مصداقية قلبه بالإيمان، لأنه لو صدق بشعائر الإسلام فلا يكفر مهما عمل إلا إذا ارتفع التصديق عن قلبه فهنا يجرءون على تكفيره.
وهذه نتيجة طبيعية بالنسبة لهم بعد أن أغفلوا ارتباط الأعمال بإيمان القلب.
والحق أن الفعل المكفر يكفر به صاحبه إذا كان الفعل نفسه يوحي الشرع في الكتاب أو السنة أو إجماع علماء الأمة بكفر فاعله، إذ لو لم يكفر قلبه أولاً لما كفرت جوارحه، فمن سبّ الله أو رسوله أو فضل القوانين الوضعية على الشرعية الإسلامية وقدمها عليها أو غير ذلك من الأمور المعلومة من دين الإسلام بالضرورة-فإنه لا يحتاج لتكفيره إلى مساءلته هل هو مصدق بالإيمان أم لا، لأن فعله شاهد عليه بعدم التصديق، أو أن تصديقه مثل تصديق إبليس بربه وباليوم الآخر، فهل نفعه ذلك؟ فكذلك هؤلاء، إلا أن يأتي أحدهم بمخرج له في ذلك معتقداً صحته.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/324)
فظهر أن تلك الآيات لا تدل على نفي دخول الأعمال في حقيقة الإيمان، بل غاية ما فيها التركيز على أهمية الإيمان القلبي الذي بدوره يثمر الإيمان بالقيام بأعمال الشرع الظاهرة، أو أنها أسندت إلى القلوب باعتبار أنها هي المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله.
وأما ما استدل به المرجئة من النصوص التي تدل على أن من اجتنب الشرك دخل الجنة-سواء كانت تلك النصوص من القرآن الكريم أو من السنة النبوية فإن الجواب على ذلك:
"إن هذه النصوص تفيد أن من لم يقع في الشرك مع التوبة والقيام بأمر الله والانتهاء عن نهيه-أن الله يغفر له الذنوب التي هي دون الشرك، فإذا مات على بعض الذنوب يرجى له المغفرة ابتداء، أو يعاقبه الله بذنبه ثم يدخله الجنة، كما هو مذهب السلف في أهل الذنوب حسب ما تفيده النصوص من الكتاب والسنة.
كما أنه لا يقع من شخص عرف التوحيد وأخلص لربه أنه لا يأتي بالأعمال الأخرى التي أوجبها الإسلام، بحيث يكتفي بابتعاده عن الشرك ثم يركن إلى ذلك لدخوله الجنة، فاتضح أن هذه الآيات لا تدل عن إغفال العمل والاقتصار على المعرفة أو التصديق بالقلب أن هذه الآيات لا تدل على إغفال العمل والاقتصار على المعرفة أو القلب كما يرى المرجئة، بل هي واردة في حكم من مات تائباً أو لم تكن عليه معاص، أو كانت عليه معاص ومات على التوحيد، بحيث كان آخر كلامه في الدنيا: لا إله إلا الله".
وما فهموه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"التقوى ها هنا" بأن الإيمان والكفر محلهما القلب، ولا عبرة بعمل جارح- فهو فهم غير سديد من جهة نفي دخول الأعمال الظاهرة إذا لم تثمر القيام بأعمال الإيمان الظاهرة فهي ليست تقوى صحيحة. وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن الإيمان هو مجرد التصديق والإقرار بالقلب فقط دون أن يرى أثر ذلك في الأعمال كلها.
وقد جرهم إلى هذا الفهم أمر لم يتقبلوه وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم مرة يعبر عن الإيمان بأعمال القلب ومرة بأعمال الجوارح ومرة بكليهما، فمن وقف على جانب دون آخر من هذه المراتب فقد قصر ولم يلتزم الحق واختلط الأمر عليه.
وأما احتجاجهم بقولهم: إن الكفر ضد الإيمان فحينما ثبت الكفر انتفى الإيمان والعكس.
فإنه يقال لهم: إطلاق القول بأن كل كفر هو ضد الإيمان ويخرج من الملة مطلقاً ليس صحيحاً على إطلاقه هكذا إلا عند الخوارج في حكمهم على أصحاب المعاصي بالكفر المخرج من الملة، فإن الإيمان درجات، وهو اسم مشترك يقع على معان كثيرة، منها ما يكون الكفر ضداً له، كأن يعتقد الكفر ويعمل به ويدعو إليه فكفره اعتقادي وهو ضد الإيمان ولا نزاع في هذا.
ومنها ما يكون الفسق ضداً له لا الكفر، كترك بعض الأعمال المفروضة مع الاعتراف بوجوبها. ومنها ما يكون الترك ضداً له لا الكفر ولا الفسق، كترك بعض الأعمال التي هي تطوع إذ لا يصح تسمية التارك لها كافراً ولا فاسقاً وإنما يسمى تاركاً ومفرطاً في حق نفسه لعدم قيامه بتلك الأعمال التي تزيد في إيمانه.
وقد يطلق السلف التسمية بالكفر على بعض من يعمل أعملاً جاء الشرع بإطلاق الكفر عليها ولكنهم يسمونه كفراً عملياً لا اعتقادياً حتى تقام الحجة على صاحبه، كالذنوب التي وردت النصوص بإطلاق الكفر على أهلها، كالزنا والسرقة وشرب الخمر في حق من لم يجحد النصوص الواردة في تحريمها قبل إقامة الحجة عليه ببيانها، فإن السلف يطلقون عليه الكفر تمشياً مع النصوص، ثم يفصلون بعد ذلك فإذا استحلها ولم يعترف بوجوبها وردَّ النصوص فهو كافر كفراً اعتقادياً ظاهراً وباطناً.
وأما ما استدلوا به من ورود نصوص كثيرة فيها عطف العمل على الإيمان، وأن المعطوف والمعطوف عليه بينهما مغايرة وفرق وإلا لما عطف عليه، فالواقع أن النصوص كما يتضح منها، أحياناً يرد فيها ذكر الإيمان في حالة العطف بمعنى الدين وذلك في حال إطلاق الإيمان وحده، فإنه يدخل فيه الأعمال، فإذا أطلق لفظ الإيمان فقط تبادر إلى الذهن أن المقصود بذلك الإيمان القلبي وعمل الجوارح والنطق باللسان ولا يفهم منه التصديق فقط أو الإقرار فقط إلا عند المرجئة، حيث تكلفوا دعوى وقوع ذلك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/325)
وأما في حال ذكر الإيمان والعمل معاً فلا مغايرة بينهما في الحكم الذي ذكر لهم، بل يكون ذلك من جنس عطف الخاص على العام مثل قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى (. فإن الصلاة الوسطى من ضمن بقية الصلوات وإنما أفردت بالذكر الخاص بعد الذكر العام لمزيد العناية والاهتمام بها، وأحياناً إذا ذكر العمل الصالح والإيمان معاً يكون المقصود بذلك إظهار وتوكيد حقيقة الإيمان بالعمل الصالح، إذ لا يكون العمل صالحاً مقبولاً إلا بعد إيمان صاحبه، فذكر الإيمان والعمل معاً من باب التوكيد أو عطف الخاص على العام. والحاصل أن الإيمان المطلق يستلزم الأعمال كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية.
وأما ما استدل به الأحناف من أن الإيمان في اللغة المقصود به التصديق، والعمل لا يسمى تصديقاً فيقال لهم: إنه لم يسم التصديق بالقلب دون التصديق باللسان والعمل إيماناً في اللغة، ولم يعرف عن العرب أنهم يحكمون للشخص بالتصديق والإيمان بشيء صدقه بقلبه ثم أعلن التكذيب به بلسانه، كذلك لم يعرف في اللغة أن التصديق باللسان فقط دون التصديق بالقلب يعتبر إيماناً.
إذاً فلا يسمى مؤمناً بالشيء إلا إذا توافق التصديق بالقلب واللسان معاً ونتج عنهما حصول أثر ذلك وهو العمل.
ويرد على من ذهب مذهب الإمام أبى حنيفة في إخراج العمل عن الإيمان، واستدل باللغة على أن الإيمان هو التصديق - يرد عليهم بما ذهبوا إليه هم أيضاً من عدم جواز إطلاق الإيمان على الشخص إلا إذا صدق بالله عز وجل وبرسوله، وبكل ما جاء به القرآن والبعث والجنة والنار والصلاة والزكاة، وغير ذلك.
ومعلوم أن هذا الإيمان قد اشتمل على أعمال، فكيف يحق لهم بعد ذلك عدم اعتبار الأعمال من الإيمان، وهم يشترطون لثبوت إيمان الشخص ما ذكر.
ويقال لهم أيضاً: لو كان ما تقولون صحيحاً من أن الإيمان هو التصديق فقط - لوجب أن يطلق اسم الإيمان على كل من صدق بشيء ثم كذب بلوازمه، فقد أخبر الله بأن قوماً يؤمنون ببعض الرسل ويكفرون ببعض الرسل ومع ذلك سماهم الله كفاراً مع تصديقهم بالله. قال تعالى: (إن الذين يكفرون بالله ورسوله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسوله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً * أولئك هم الكافرون حقاً واعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً.
فهؤلاء مصدقون بالله وبرسوله، لولا أنهم يريدون أن يأخذوا من كل ديانة ما يوافق هواهم.
نعم إن أصل الإيمان في اللغة هو التصديق بالقلب واللسان معاً بأي شيء كان إلا أن الله عز وجل وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أوقع لفظة الإيمان على العقد بالقلب لأشياء محدودة مخصوصة معروفة لا على العقد لكل شيء.
ومعلوم أن التصديق بالشيء حقيقة لا يقع إلا إذا وجد التصديق الكامل بذلك الشيء وازداد فيه رغبة وعملا. فالمصدق بالله تعالى و بأنبيائه و بما جاء عن الله تعالي هو الذي صدق بذلك ظاهرا وباطنا فصح وصفه بالتصديق.
والآية فيها الأخبار بزيادة الإيمان لا بالتصديق فإنه قد حصل في قلوب المؤمنين، والزيادة هنا هي ما يحصل من الزيادة بالأعمال والتقرب بها إلى الله تعالى.
فإن أساس التصديق لا يتبعض في الشيئ الواحد و إن كان الناس يتفاضلون فيه؛ لأنه لو تبعض لكان صاحبه شاكاً.
فلو أن شخصاً صدق بالقرآن كله إلا آية واحدة لما كان مؤمناً بالقرآن ولكان تصديقه مشابهاً لتصديق بعض أهل الكتاب بالنبي صلى الله عليه وسلم في كتبهم وكفرهم بذلك، كالموشكانية والعيسوية من يهود أصفهان الذين صدقوا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو نبي الله حقاً ولكنه إلى العرب خاصة لا إليهم، ولكان أيضاً مشابهاً لتصديق إبليس بربه، وهو مع ذلك كافراً بلا خلاف مخلد في النار لم ينفعه تصديقه ومعرفته بربه دون الإذعان الكامل لما أمر الله واجتناب ما نهي عنه قولاً وعملاً واعتقاداً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/326)
وأما ما ذهب إليه المرجئة من أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، كما أن التصديق لا يزيد ولا ينقص، فهو قول من أبطل الأقوال وهو قياس على أمر غير مسلم، فالتصديق لا يصح لهم ما زعموه فيه من أنه لا يتفاضل الناس فيه، بل يتفاضلون تفاضلاً ظاهراً في التصديق بقضاياً تمر بالناس يومياً في حياتهم، فضلاً عن تصديق بقضايا المغيبات من أخبار اليوم الآخر والجنة والنار وأسماء الله وصفاته، فمن زعم أن تصديق أقل الناس إيماناً بالله مثل تصديق أكمل الناس إيماناً به بتلك الأمور المغيبة - فلا شك في بطلان قوله بما لا يحتاج إلى سرد الأدلة عليهم.
وأما زيادة الإيمان ونقصانه فيكفي في ثبوته إخبار الله عز وجل بذلك في كتابه الكريم وإخبار نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة بما لا يخفى على طلاب العلم معرفته، فإن أدلته واضحة تمام الوضوح، ومعتقد السلف فيه من أوضح الأمور، وهو الاعتقاد الجازم أن الإيمان يزيد وينقص في قلب كل شخص.
وينبغي التنبيه إلى أمر هام، وهو وجود عدة أحاديث كلها موضوعة يذكر فيها أن الإيمان في القلب فقط، وأنه لا يزيد ولا ينقص، ونضيف هنا ما ذكره العلماء من أنه كلما عثرت على حديث من هذا النوع فهو مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ومن هذا يقول ابن القيم رحمه الله:
"وكل حديث فيه أن الإيمام لا يزيد ولا ينقص فكذب مختلق" ومن تلك الأحاديث:
حديث: "من قال: الإيمان يزيد وينقص فقد خرج من أمر الله، ومن قال: أنا مؤمن إن شاء الله، فليس له في الإسلام نصيب"، قال الشوكاني: رواه محمد بن تميم، وهو واضعه.
وكأن الذين وضعوا أمثال هذه الأحاديث كانوا يجهلون أو يتجاهلون أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ قول الله تعالى: (فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون (، وآيات أخرى كثيرة تثبت زيادة الإيمان، فكيف ينفي الرسول صلى الله عليه وسلم ما أثبته الله في القرآن.
لفصل الثامن
ما مذهب أهل السنة في تعريف الإيمان؟
مذهب أهل السنة المتمسكين بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم السائرين علي وفق ما كان عليه المصطفي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم في أسماء الله وصفاته، وفي مجانبة البدع وأهلها - مذهبهم في الإيمان أنه قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي".
هذا هو منهجهم واعتقادهم في الإيمان. أن العمل داخل في حقيقة الإيمان وأنه لا إيمان بدون عمل، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية حسب ما حل بالقلب من ذلك.
وهذا هو الواضح من النصوص الكثيرة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، إلا أنه قد تختلف تعبيرات أهل السنة عن حقيقة الإيمان فيعرفونه بصيغ مختلفة، ولكن القصد واحد، وهو إدخال العمل في حقيقة الإيمان كما يدل عليه كلام الله تعالي وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنه قوله تعالي في بيان جملة من صفات المتقين أهل الإيمان: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال علي حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (.
وقال تعالي مبيناً الخصال التي يكون بها الشخص مؤمناً إذا طبقها على نفسه وعمل بما دلت عليه: (قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون (2) والذين هم عن اللغو معرضون (3) والذين هم للزكاة فاعلون (4) والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون (7) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (8) والذين هم علي صلواتهم يحافظون (9) أولئك هم الوارثون (10) الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ((358)، وقال تعالي: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ((359).
وهذه الآيات واضحة الدلالة علي مذهب أهل السنة في حقيقة الإيمان المكون من القول والعمل والاعتقاد. وهي حجة على من فرق في الإيمان بين الاعتقاد والعمل، أو غالط في بعض تعريفات السلف للإيمان.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/327)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله - في بيان أقوال السلف حقيقة الإيمان:"ومن هذا الباب أقوال السلف وأئمة السنة في تفسير الإيمان، فتارة يقولون: هو قول وعمل، وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية: وتارة يقولون: قول وعمل ونية واتباع السنة، وتارة يقولون: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح. وكل هذا صحيح فإذا قالوا: قول وعمل؛ فإنه يدخل في القول قول القلب واللسان جميعاً، وهذا هو المفهوم من لفظ القول والكلام".
واستدل أهل السنة على ما يذهبون إليه من دخول العمل في مسمى الإيمان بأحاديث كثيرة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"
وقوله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: " آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان، أتدرون ما الإيمان؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا الخمس من المغنم.
وأحاديث أخرى كثيرة جعل فيها العمل من الإيمان.
وعلى هذا مضى السلف الصالح من الصحابة فمن بعدهم.
وعليه أيضاً مضى علماء الإسلام، ومنهم الأئمة مالك والشافعي وأحمد، حيث فسروا الإيمان بأنه التصديق والقول والعمل، وأنه يقبل الزيادة ويقبل النقص، وأن أهله يتفاوتون فيه.
وهذا التفسير هو ما دل عليه الكتاب والسنة واللغة قال تعالي: (وناديناه أن يا إبراهيم (140) قد صدقت الرءيا أي قد امتثلت الأمر وحققته فعلاًُ لو لا أن الله فدى ولدك بذبح غيره، وليس المقصود إنك صدقت الرؤيا كما تصدق سائر الأخبار أو تكذب، بل صدقتها وجزمت بالعمل القلبي الذي يتبعه العمل الظاهر وهو إرادتك ذبح ابنك، ولو كان المقصود بذلك مجرد المدح على تصديق الرؤيا لما كان له فضيلة فيها.
ومن السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب علي ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهى، والفرج يصدف ذلك كله ويكذبه".
وتصديق الفرج وتكذيبه كناية عن الفعل نفسه أو عدمه، وعلي هذا فالتصديق الذي يريده السلف هو ما يتبعه العمل، وبهذا يتبين خطأ من ذهب إلى أن مراد السلف هو التصديق المجرد بالقلب دون الالتفات إلى عمل القلب وإذعانه.
وقال تعالي: (والعصر (1) أن الإنسان لفي خسر (2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (، ومرة يذكر الله في القرآن الكريم العمل ثم يذكر بعده الإيمان.
ومما يدل علي أنه لا فرق بين العمل والإيمان أو الإيمان والعمل في إطلاق كل منها علي الآخر أيضاً قوله تعالي: (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً.
فمن فرق بين الإيمان والعمل بالجوارح فلا شك في مخالفته الصريحة للقرآن والسنة، وأنه ينبغي عليه التوبة والرجوع فلا شك في مخالفته الصريحة للقرآن والسنة، وأنه ينبغي عليه التوبة والرجوع إلي هدي القرآن الكريم، وأن يترك الفلسفيات التي أنتجت هذه الخلافات العقيمة في قضية الإيمان التي كانت في تمام الوضوح عند الصحابة ومن بعدهم، حتى نبغت هذه الفئام من الناس ليشرحوا الإيمان بأغمض مما يتصور العقل كما هي عادة أولئك.
فإنهم يشرحون المسألة الواضحة حتى يجعلوها ألغازاً وطلاسم لا يعرف منها أحياناً إلا الحروف التي كتبت بها فتجد شروحات وكلاماً كثيراً لا فائدة من ورائه.
الفصل التاسع
منزلة مذهب المرجئة عند السلف
مذهب المرجئة المتأخرين منهم مذهب رديء وخطير، يهون المعصية، ويدعو إلي الكسل والخمول، ولذا تجد السلف يحذرون منه كثيراً ويذمونه لما اشتمل عليه من فساد وإخمال لشعلة الإيمان في القلوب، وتمييع لمنزلة العمل في النفوس. وهذا المذهب ومذهب القدرية من المذاهب الرديئة.
نكتفي بهذا الموجز عن الإرجاء ومن أراد التوسع فعليه بكتب الفرق والمقالات؛ إذ لا يخلو كتاب من ذكر هذه الطائفة، ويرجع كذلك إلي ما كتبه الأخ سفر الحوالي في كتابه طوائف المرجئة وموقف أهل السنة منهم، وقبل ذلك كله ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عنهم كما تجد ذلك في كتابه الإيمان الذي أصبح ضمن الجزء السابع من مجموع فتاوى شيخ الإسلام رحمة الله. وغير ذلك من كتب علماء السلف الذين عنوا بدراسة هذه الطائفة.
ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[27 - 12 - 09, 09:16 م]ـ
بارك الله فيك اخي ابو زرعة على نقلك المبارك. لكن اخي اشكلت علي نقطة اود ان تذكر عليها امثلة ان امكن.
عبارة -وقد يطلق السلف التسمية بالكفر على بعض من يعمل أعملاً جاء الشرع بإطلاق الكفر عليها ولكنهم يسمونه كفراً عملياً لا اعتقادياً حتى تقام الحجة على صاحبه، كالذنوب التي وردت النصوص بإطلاق الكفر على أهلها، كالزنا والسرقة وشرب الخمر في حق من لم يجحد النصوص الواردة في تحريمها قبل إقامة الحجة عليه ببيانها، فإن السلف يطلقون عليه الكفر تمشياً مع النصوص، ثم يفصلون بعد ذلك فإذا استحلها ولم يعترف بوجوبها وردَّ النصوص فهو كافر كفراً اعتقادياً ظاهراً وباطناً-
هل يوجد مثالا على هذا. وشكرا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/328)
ـ[أبو زرعة]ــــــــ[28 - 12 - 09, 03:57 م]ـ
وفيك بارك المثال:
وقال ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) متفق عليه
قالوا: ومعنى قوله سباب المسلم فسوق وقتاله كفر أنه ليس بكفر يخرج عن الملة وكذلك كل ما ورد من تكفير من ذكرنا ممن يضرب بعضهم رقاب بعض ونحو ذلك.
وقد جاء عن ابن عباس وهو أحد الذين روى عنهم تكفير تارك الصلاة أنه قال في حكم الحاكم "الجائر": كفر دون كفر:
حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس قال قال ابن عباس ليس بالكفر الذي تذهبون إليه إنه ليس بكفر ينقل عن الملة ثم قرأ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} واحتجوا أيضا بقول عبد الله بن عمر لا يبلغ المرء حقيقة الكفر حتى يدعو مثنى مثنى.
وقالوا: يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن يريد مستكمل الإيمان لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وكذلك السارق وشارب الخمر ومن ذكر معهم.
في هذا الحديث وغيره بلفظ الخبر دون لفظ النهي وهذا موجود في القرآن والسنة ومعروف في لسان العرب.
وفي سماع أشهب سئل مالك عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال لرجل يا كافر فقد باء بها أحدهما" قال أرى ذلك في الحرورية فقلت له أفتراهم بذلك كفارا فقال ما أدري ما هذا ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" قوله صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" وقوله: "لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم" ومثل هذا كثير من الآثار التي وردت بلفظ التغليظ وليست على ظاهرها عند أهل الحق والعلم لأصول تدفعها أقوى منها من الكتاب والسنة المجتمع عليها والآثار الثابتة أيضا من جهة الإسناد وهذا باب يتسع القول فيه ويكثر فنذكر منه ههنا ما فيه كفاية إن شاء الله وقد ضلت جماعة من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب فاحتجوا بهذه الآثار ومثلها في تكفير المذنبين.
واحتجوا من كتاب الله بآيات ليست على ظاهرها مثل قوله عز وجل {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وقوله {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} وقوله {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} وقوله {إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} وقوله: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} ونحو هذا.
وروي عن ابن عباس في قول الله عز وجل {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قال ليس بكفر ينقل عن الملة ولكنه كفر دون كفر وقد أوضحنا معنى الكفر في اللغة في مواضع من هذا الكتاب والحجة عليهم قول الله عز وجل {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ومعلوم أن هذا بعد الموت لمن لم يتب لأن الشرك ممن تاب منه قبل الموت وانتهى عنه غفر له كما تغفر الذنوب كلها بالتوبة جميعا قال الله عز وجل {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}.
وقد وردت آيات في القرآن محكمات تدل أنه لا يكفر أحد إلا بعد العلم والعناد منها قول الله عز وجل {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} وقوله {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وقوله {ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} وقوله {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} إلى قوله {فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ} ثم قال على إثر ذلك {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ فَلَمَّا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/329)
كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} ثم قال {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} ثم ذكر الأمم فقال {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ} ثم ذكر الأمم فقال {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ َتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} ولذلك قال {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} وقال {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} وقال {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} وقال {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وقال {بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} وقال {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} وقال {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} وقال {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ} الآية وقال {وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى} وقال {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} إلى آيات كثيرة في معنى ما ذكرنا كلها تدل على معاندة الكفار وأنهم إنما كفروا بالمعاندة والاستكبار وقال عز وجل {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} وقوله {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} وقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات وهو يشرك بالله شيئا فهو في النار" وجعل الله عز وجل في بعض الكبائر حدودا جعلها طهرة وفرض كفارات في كتابه للذنوب من التقرب إليه بما يرضيه فجعل على القاذف جلد ثمانين إن لم يأت بأربعة شهداء ولم يجعله بقذفه كافرا وجعل على الزاني مائة وذلك طهرة له كما قال صلى الله عليه وسلم في التي رجمها لقد خرجت من ذنوبها كيوم ولدتها أمها وقال صلى الله عليه وسلم: "من أقيم عليه الحد فهو له كفارة ومن لم يقم عليه حده فأمره إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه" وما لم يجعل فيه حدا فرض فيه التوبة منه والخروج عنه إن كان ظلما لعباده وليس في شيء من السنن المجتمع عليها ما يدل على تكفير أحد بذنب وقد أحاط العلم بأن العقوبات على الذنوب كفارات وجاءت بذلك السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاءت بكفارة الأيمان والظهار والفطر في رمضان وأجمع علماء المسلمين أن الكافر لا يرث المسلم وأجمعوا أن المذنب وإن مات مصرا يرثه ورثته ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا ونسك نسكنا فهو المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم" وقال صلى الله عليه وسلم: "الندم توبة" رواه عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس أحد من خلق الله إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة إلا يحيى بن زكرياء" وقال صلى الله عليه وسلم: "لولا أنكم تذنبون وتستغفرون لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم إن الله يحب أن يغفر لعباده".
المرجع التمهيد لما في الموطأ من معاني الحديث التاسع عشر(60/330)
مصادر الفخر الرازي في تفسيره
ـ[أبو معاذ الهلالي]ــــــــ[21 - 12 - 09, 12:05 ص]ـ
فائدة جليلة للعلامة الشاطبي
قال أبو إسحاق الشاطبيّ في الإفادات والإنشادات -:"
(إفادة)
مصادر الرازي في تفسيره
حدثني الأستاذ أبو علي الزواوي عن شيخه الأستاذ الشهير أبي عبد الله المسفر أنه قال:
إنّ تفسير ابن الخطيب احتوى على أربعة علوم نقلها من أربعة كتب، مؤلفوها كلهم معتزلة.
فأصول الدين نقلها من كتاب الدلائل لأبي الحسين.
وأصول الفقه نقلها من كتاب المعتمد لأبي الحسين أيضاً، وهو أحد نظار المعتزلة؛ وهو الذي كان يقول فيه بعض الشيوخ إذا خالف أبو الحسين البصري في مسألة صعب الرد عليه فيها.
قال: والتفسير من كتاب القاضي عبد الجبار.
والعربية والبيان من الكشاف للزمخشري". انتهى
ـ[عزت المصرى]ــــــــ[25 - 12 - 09, 02:04 ص]ـ
جزاكم الله خيرا أرحتنا وأفدتنا(60/331)
سر حيّر العقلاء
ـ[وليد الدلبحي]ــــــــ[21 - 12 - 09, 10:01 ص]ـ
يقول ول ديورَانت: إن السكان الأصليين لبريطانيا الجديدة كانوا يعتقدون أن الموت جاء نتيجة خطأ، وهذا ناتج عن أن القوم وثنيون في الحقيقة، فهم يعتقدون بوجود إله اسمه "كامبيانا"، وله أخ أحمق اسمه "كورفانا" –تعالى الله عما يقول الكافرون-وأن هذا الإله أمر أخاه أن ينزل للبشر بأمر، وهو أن يسلخوا جلودهم؛ حتى يتخلصوا من الموت، ثم أمره أن ينبئ الثعابين أن موتها منذ اليوم أمر محتم، فخلط "كورفانا" فبلغ الثعابين الخلود، وقضاء الموت للإنسان (1).
فهذه حكاية عن قوم جعلوا عقولهم مرتعاً للخرافات والحماقة والدجل، فأي عقل يقبل بمثل هذه الحماقة العقدية، وهذه حكاية ساقطة في الأصل، فلا يمكن أن يكون هذا إلهًا قادرًا متصرفًا في خلقه، فإن المعبود الذي لا يمكن أن يبلّغ ما قضى، وأن يتم ما أمر، لا يستحق أن يكون إلهًا، وهذا هو الاعتقاد الصحيح، وإن كل كمال في المخلوق هو كمال لله من باب أولى، والله جل جلاله متصف بالكمال والعظمة، وهو الآمر الناهي، وهو المتصرف في خلقه جل جلاله.
ولمن أراد أن يعجب، ويحمد الله على سلامة العقل والدين، فليقرأ ما قاله جاك شورون:" ومن الأساطير النموذجية التي توضح أصل الموت أسطورة ناما بين الهوتنتوت التي جاء فيها أن القمر –وكانوا يعتقدون بإلوهية القمر تعالى الله عما يقول الكافرون- أرسل القملة يوما لتعد الإنسان بالخلود، وكانت الرسالة تقول: "كما أموت وفي مماتي أحيا، كذلك أنت ستموت وفي مماتك تحيا" وصادف الأرنب البري القملة في طريقها، ووعد بنقل الرسالة، غير أنه نسيها وأبلغ البديل الخاطئ لها: "كما أني أموت وفي مماتي أفنى ... الخ" فضرب القمر غاضباً الأرنب البري على شفته التي ظلت مشقوقة منذ ذلك الحين. (2)!!
وهذه أسطورة سخيفة قريبة إلى مسلسلات الأطفال الكرتونية، وهي ساقطة عقلاً، فكيف يتم استخدام الحيوانات الضعيفة لتبليغ أمر عظيم من إله، إلى مخلوقات عظيمة هم البشر؟!!. فهكذا تكون العقول وتفكيرها إذا ابتعدت عن الحق المبين، والصراط السوي المستقيم.
فبسبب هذه الشكوك وغيرها اعتنق بعض الناس الإلحاد، ورأوا أن الإلحاد هو أسلم طريقة لهم، وأن الطبيعة هي المتصرفة في نفسها، وكل ما يحدث فيها إنما هو ناتج عن مصادفة أو نتائج لمعادلات رياضية كونية. وهذا كله دجل وابتعاد بالعقل عن مكانه الطبيعي إلى مكان فيه ضرره وقتله؛ فالعقل بهذه السطحية في التفكير يُقتل، فلا يمكن أن يوجد شيء في هذه الحياة إلا وله مدبر وخالق، يستحيل عقلاً أن يوجد شيء يستطيع خلق نفسه، ولا يمكن أن تكون الطبيعة خالقةً لنفسها؛ إذ هي في الأساس مخلوقة، فهل المخلوق يخلق؟!
لا يمكن أن يخلق المخلوق نفسه ولا غيره من العدم، ويستحيل عقلاً وديناً، وهذا كله يدل على أن لهذا الكون خالقًا واحدًا متصرفًا فيه ومدبرًا له، وهو الله جل جلاله الواحد الأحد الفرد الصمد.
ومن عجيب ما نسمع ونشاهد في هذا الزمان، أن متحدثاً يعد من المثقفين المفكرين يقول: "إن العلم لا بد له أن يجد حلاً للموت" (3)!! غريب أن يصدر هذا القول من رجل يقول عن نفسه" إنه مسلم "، فالمسلم مؤمن بأن الموت حق على كل المخلوقات، والعاقل من الناس يجب أن يؤمن أن الموت لا بد منه، فهذا من قانون الحياة الأساسي، الذي أبدعه الخالق جل جلاله، فإن كان الموت قد أخذ من الكاتب أصحابه وأحبابه، فقد أخذ الأنبياء والمرسلين، وهم أكرم عند الله من باقي البشر، فغريب، كيف لعاقل أن يقول مثل هذا القول؛ لأنه إن لم يمت الناس، فقد ضاقت الدنيا بأهلها، وضاقت الأرزاق، وعاش الناس في غم وهم وضيق، ولم يكن للوليد فرحة، ولا للزواج نشوة، ولما كان لهذه الحياة متعة، ولأمن الكافر والظالم على نفسه، وحزن المظلوم؛ لأنه قد انتفى العدل ببقاء الناس دون حكم وقضاء، ولا يتم هذا إلا في الآخرة، ولا يمكن أن تقوم القيامة إلا بعد الموت، فهذا حكم الله الذي لا مفر منه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/332)
ومهما بلغ العلم والطب، فلن يصل إلى أن يخالف إرادة الخالق الواجد سبحانه، ومصير العلم أن يتوقف في مكان لا بد أن يتوقف فيه، فما هو العلم الذي يتحدى قدرة الله جل جلاله؟ ثم إن مثل هذا الأمل الغريب، لهو أمل ضئيل صغير؛ إذ كيف يترك الإنسان العاقل الحياة الأبدية السرمدية في النعيم، بحياة كلها تعب ونكد وهم وغم، مقارنة باطلة، وصفقة خاسرة. فالموت لا بد منه كما قال الله جل جلاله: "كل نفس ذائقة الموت".
ولذا فالموت قد حيَّر خلقاً كثيراً، وشتت أذهانهم، وجعل بعضهم يشك في وجود المصرف الخالق –جل جلاله-، وهو شيءٌ خارج عن محيط تفكير الإنسان؛ لأن التفكير له نطاقه الخاص، وحدوده المعرفية، فلا يمكن أن يتجاوز هذه الحدود مهما كان الأمر، ولا يمكن أن يفسر الحوادث والأقدار على ما بدا له، أو خطر بباله، أو عالجه همه، أوقلَّبه بفكره.
وإن حوادث الحياة كثيرة، والأقدار عظيمة، ومنها الصالح في الظاهر، ومنها الشر فيما يبدو للناس، ولكن الخير والشر بيد الله لا يعلمه إلا هو، والموت من أعظم الأمور التي تُقلق بعض البشر، وتُكثر الأسئلة في أذهانهم، وتجعلهم يعيشون في شك شديد، وحيرة عظيمة، ثم يتطور بهم الحال إلى أن يصلوا إلى طريق مسدود، لا يمكن أن يقتحموه بعقولهم القاصرة عن إدارك كثير من الحقائق.
فالموت أمر عظيم، وخطب جلل جعل كثيراً من الناس في دوامة لا يعرف لها قراراً ولا يجد منها خلاصاً، ينتهي من سؤال فيقع على سؤال آخر، وكلها دائرة في حلقة مفرغة، وسبب الفراغ أنه بلا دين ولا عقيدة تحكم له الأمور، وتزن له المسألة.
وقد يسأل سائل: ما دخل الموت في الدين والعقيدة؟ فنقول: لو كان لدى الإنسان قاعدة ثابتة ينطلق منها، لما وقف في وجهه مثل هذه الإشكالات التي زيَّنها الشيطان لبني الإنسان، ولم يجد عنده شكاً، ولم يلتفت إليها؛ لأن الأصل الذي لا بد أن ينطلق منه الإنسان، وأن يزن به أموره، هو الدين والعقيدة، فمن كان لديه عقيدة ثابتة في أن الحياة مرحلة انتقالية إلى دار يتم فيها القضاء والحساب، لعلم أن الموت أمرٌ محتم لا بد منه؛ لأنه لا يمكن أن تستمر هذه الحياة، فلم يُقدر لهذه الحياة الدنيوية الخلود؛ لأنه من المنتفي عقلاً وديناً أن يبقى الناس في هذه الحياة دون حساب، ومحال بقاء الحياة بظلم الناس فيها، وسرقاتهم، وكذبهم، وقتلهم، واعتدائهم على الناس، وتجبر الجبابرة، وظلم الظلمة، وتسلط الناس على بعضهم، فلا يمكن أن يمر بلا حساب، ولا يمكن أن يستمر هذا إلى الأبد؛ ولذا جُعلت الحياة مرحلة انتقالية إلى دار يتم فيها العدل، ويُرد فيها الحق إلى أهله، ويُقتص من الظلمة والجبابرة وغيرهم، فلا بد من هذا الأمر، وإن طالت الحياة الدنيوية في نظر كثيرٍ من الناس.
فقضاء الله بالموت على خلقه جميعاً، الحر منهم والعبد، والقوي منهم والضعيف، الظالم منهم والمظلوم، والخيّر منهم والشرير، جعل بعض الناس ممن ينتمون إلى العلم والعقل، يشك في هذه الأقدار الإلهية، ويتهمها بالظلم –تعالى الله-وسببه أنهم يرون في مثل هذا القضاء عدم إنصاف وعدل، ففي نظرهم كيف يموت الغني والفقير؟ وكيف يموت الطيب والخبيث؟ فهم يرون هذا تناقضًا، فنقول مجيبين عن هذا الاعتراض: إن من العدل الإلهي التام أن يكون حكم الموت على جميع من خُلق، فلا يُميز ولا يُستثنى أحد، فالجميع يموتون، والجميع ينتقلون من هذه الحياة إلى حياة أخرى؛ ليُفصل بين الناس، ويتم القضاء الحق كما أسلفنا.
الموت أمر لا بد منه، وما لدى الله –جل جلاله-من نعيم خير مما في الدنيا، وما عند الله من عذاب أعظم مما في الدنيا، فمن ظلم وتجبر وطغى في الأرض، فله عذاب عظيم عند رب عزيز لا يظلم، ومن أراد النعيم والسرور في الدنيا فعند الله من النعيم ما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر.
نسأل الله حياة السعداء، وموت الشهداء، وجنة عرضها السماوات والأرض، أعدت للمتقين.
أخوكم/ وليد بن خالد الدلبحي
Al.dalbhee@gmail.com
الحواشي:
(1) - قصة الحضارة الجزء الأول، ص 100.
(2) - الموت في الفكر الغربي، ص 16. عالم المعرفة.
(3) - العربية نت، برنامج إضاءات، رابط الموضوع: http://www.alarabiya.net/programs/2004/09/23/6573.html(60/333)
الفرق الاسلامية (الجزء الثامن) .......
ـ[مشاري بن خالد الاصقه]ــــــــ[21 - 12 - 09, 12:26 م]ـ
الفصل الأولتمهيد في بيان انحراف الصوفية بصفة عامةلقد جرأ أصحاب هذه الطريقة الصوفية على القول على الله بغير علم كما كذبوا وأكثروا على رسوله صلى الله عليه وسلم لتقوية مبادئهم الكثيرة وتأييدها وبالغوا في الكذب وزخرف القول وتفننوا في الطرق والآراء حتى ليخيلوا للشخص أنهم على شيء وهم في فراغ وجهل شديد. وطرقوا مسائل ليست من الإسلام في شيء ولم يقل بها أحد من المسلمين وأظهروا بزخرفهم أنها من الإسلام بما قدموه من تقليب الأدلة وإثارة الشبهة والتفنن في الاستدلال والجواب، وهكذا أصبح المذهب الصوفي بعد أن لبس إبليس على أتباعه خليطاً من شتى الأفكار والآراء المنحرفة. وقد قامت الدعوة للصوفية وإظهار شأنها في هذا العصر على نطاق واسع بسبب عوامل عدة: منها: جهل كثير من المسلمين بحقيقة دينهم ثم الجهل بحقيقة الصوفية كذلك. ومنها: مساعدة أعداء الإسلام على نشر الصوفية، لأنهم يعرفون المكاسب التي سيجنون ثمارها. وأعداء الإسلام هنا فريقان: فريق عداوته ظاهرة: هم المستعمرون ومن يبيتون النية لهدم الإسلام وتشتيت المسلمين، وقد استفاد هؤلاء من أفكار الصوفية كثيراً حين نام المسلمون على دعوى الزهد والإقبال على الآخرة بغير بينة، والتمسح بصور الأولياء وطلب البركة والنصر منهم في حياتهم وبعد موتهم، والعكوف على قبورهم. وفريق آخر متلبسون باسم الدين ويحكمون كثيراً من ديار المسلمين؛ وهؤلاء يساعدون الصوفية خوفاً من عودة الوعي الإسلامي السلفي الذي يصطدم مع ميول ورغبات هؤلاء وشهواتهم.* * * * * * * * * * * * * *الفصل الثانيما تعريف الصوفية لغة واصطلاحاً؟ اختلفت كلمة العلماء حول التعريف الحقيقي للصوفية وللتصوف اختلافاً كثيراً قلما يوجد له مثيل، وقد ذكر بعض العلماء أن تلك التعريفات قد تصل إلي الألفين. في اللغة: يطلق علماء اللغة كلمة (صوف) في معاجم اللغة تحت مادة (صوف) على عدة معان، منها إطلاق كلمة صوف على الصوف المعروف من شعر الحيوانات، ومنها صوفان وصوفانة وتطلق على بقلة زغباء قصيرة. وقد أطلقت كلمة "صوف" في بعض دلالتها بمعنى الميل، فيقال صاف السهم عن الهدف بمعنى مال عنه، وصاف عن الشر أي عدل عنه. في الاصطلاح: يجب إدراك أن الصوفية مرت بمراحل وتطورات ومفاهيم مختلفة، ومن هنا وقع كثير من الجدل بين العلماء في التعريف بالصوفية، ومهما قيل عن كثرة التعريفات للتصوف، فإنه يصدق عليه عموماً أنه بدعة محدثة في الدين وطرائق ما أنزل الله بها من سلطان. ونذكر فيما يلي بعض التعريفات التي أطلقت على مفهوم التصوف سواء، كانت من الصوفية أو من مخالفيهم، ومن ذلك ما يلي:1 - التصوف هو تجريد العمل لله تعالى، والزهد في الدنيا وترك دواعي الشهرة، والميل إلى التواضع والخمول، وإماتة الشهوات في النفس. وهذا التعريف قد لا يصدق في الواقع إلا على التصوف في عهده الأول، دون أن يلبسوا ذلك بشيء من الأفكار والسلوك المشين الذي وصلت إليه الصوفية بعد ذلك.2 - وذهب قسم كثير من العلماء إلى أن سبب التسمية للمتصوفة بهذا الاسم – أي "الصوفية" – إنما كان نسبة إلى لبسهم الصوف الذي عبر عن الزهد والتقشف وترك التنعم والملذات المباحة، وقد علق القشيري على هذا بقوله: "فذلك وجه، ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف".3 - وبعض العلماء يرى أن التصوف مأخوذ عن الصفاء؛ أي صفاء أسرارهم أو صفاء قلوبهم أو صفاء معاملتهم لله تعالى، وهو ما يحب الصوفيون التسمي به، بل إن كل انتساب فيما لاحظ (نيكلسون) إلى الصوف يقابله اثنا عشر تعريفاً تعتمد على الصفاء، الذي حاول الصوفية أن ينتسبوا إليه. إلا أن القشيري قد استبعد هذا المفهوم في اللغة بقوله: "ومن قال أنه مشتق من الصفاء فاشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة".4 - وبعضهم يرى أنه نسبة إلى الصفة التي كان يجلس فيها فقراء الصحابة رضوان الله عليهم في المسجد، ويرى القشيري أن النسبة إلى الصفة لا تجيء على نحو الصوفي.5 - وبعضهم يرى أنه نسبة إلى الصف الأول.6 - وبعضهم يرى أنه نسبة إلى قبيلة بني صوفة وهى قبيلة بدوية كانت حول البيت في الجاهلية، وهى تنتسب إلى رجل يقال له صوفة كان قد انقطع للعبادة في المسجد الحرام.7 - وبعضهم يرى أنها نسبة إلى الصفوة من خلق الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/334)
تعالى. وقد رجح شيخ الإسلام فيما يظهر من كلامه أن التصوف نسبة إلى الصوف حيث قال: "وقيل – وهو المعروف -: أنه نسبة إلى لبس الصوف".وأيد للسهروردي صحة القول بنسبة الصوفية إلى الصوف، وذكر أدلة كثيرة على فضائل لبس الصوف، وبالغ في مدح الصوفية حين اختاروا هذا الاسم بما يطول نقله.* * * * * * * * * * * * * *الفصل الثالثهل توجد علاقة بين المتصوفة وأهل الصفة؟ والواقع أن هذه القضية تعتبر من القضايا الساخنة خاض غمارها المتصوفة من جانب، وغير المتصوفة من الجانب الآخر حول الصلة بين الفريقين: الصوفية، وأهل الصفة. فهل توجد فعلاً علاقة بين الصوفية وأهلا الصفة؟ الجواب: إنه بالرغم مما بذله المتصوفة من جدل وبحوث لتقريب التصوف إلى أهل الصفة فإن ذلك لم يجدهم شيئاً. فهناك من المتصوفة كالمنوفي، والسهروردي، وغيرهما من كبار الصوفية من يزعم وجود تلك الصلة بين الفريقين، وأن أهل الصُفة هم سلف أهل التصوف، فالسهروردي يرى أن العلاقة بين المتصوفة وأهل الصفة تتمثل في حب الانفراد والعزلة عن الناس والشوق إلى الله تعالى، وأن هذه الفكرة هي الجامع بين الصوفية وأهل الصفة فيما يرى. والحقيقة أن السهروردي وغيره من المتصوفة لم يستطيعوا أن يأتوا برباط واحد، أو بوجه شبه يعتبر قاسماً مشتركاً صحيحاً مقبولاً بين حال أهل الصفة رضوان الله عليهم وبين المتصوفة، مع كثرة ما حاول هو وغيره وبشتى الأساليب أن يوجدوا تلك الصلة المزعومة، وأن يكون أولئك الصحابة الأفاضل هم الأساس لأقطاب التصوف والمثل الأول لهم. مع محاولة بعضهم كذلك ربط حركة التصوف وما تحمل من حب العزلة والانفراد والخلوة بما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم، من تحبيب الخلوة إليه في غار حراء يتعبد فيه الليالي ذوات العدد. وقد فاتهم أن هذا لا يصلح أن يكون دليلاً لهم على ذلك؛ فإن أقل ما ينقصه هو أن تلك الخلوة إنما كانت بعناية من الله له؛ ليستعد لحمل أعباء الرسالة فيما بعد، وقبل أن يكلف أيضاً بدعوة الناس وإقامة شعائر الدين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بمجرد أن اختاره الله لتبليغ الدعوة كان محط أنظار الناس في كل لحظة من لحظات عمره المبارك، وإلا فكيف انتشر الإسلام بعد ذلك ودخل الناس في دين الله أفواجاً لو بقى على تلك الخلوة وبمفهوم الصوفية أيضاً؟!. ولا يخفى على طلاب العلم – أن أهل الصفة كانوا من الفقراء الذين لا يجدون مأوى غير المسجد، في الوقت الذي كانوا يبحثون فيه بكل جد من أجل الوصول إلى حال اليسار والغنى، خصوصاً وهم يتلون قول الله تعالى ?وَلاَ تَنسَ نَصِيِبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ?، كما يسمعون قول المصطفى صلى الله عليه وسلم "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير".وقوله أيضاً: "اليد العليا خير من اليد السفلى".* * * * * * * * * * * * * *الفصل الرابعما أسماء الصوفية وما سبب تسميتهم بها؟ اشهرها "الصوفية"، ولهم أسماء أخرى غير مشهورة علي ألسنة الناس، ومن تلك الأسماء التي أطلقت عليهم أو أطلقوها هم علي أنفسهم:1 - الصوفية: وهو الاسم المشهور الذي يشمل كل فرقهم، وهم يرضون به ويتمدحون بالانتساب إليه.2 - أرباب الحقائق: لزعمهم أنهم وصلوا إلي حقائق الأمور وخفاياها بخلاف غيرهم من الناس الذين أطلقوا عليهم اسم "أهل الظاهر"و"أهل الرسوم".3 - الفقراء: وهو اسم زعم السهروردي أن الله هو الذي سماهم به.4 - ويسمون شكفتية في خرسان نسبة إلي الغار، 5 - جوعية: قال السهروردي: "وأهل الشام يسمونهم جوعية".6 - الملامية أو الملامتية: "الملامتي هو الذي لا يظهر خيراً ولا يضمر شراً ويعللون لهذا بأنه مع الناس في الظاهر، وهو مع الله في الباطن مهما كانت أفعاله في الظاهر. وقد قسم شيخ الإسلام الملامية إلي قسمين: ملامية يفعلون ما يحبه الله ورسوله ولا يخافون لومة لائم في ذلك، وهؤلاء هم أهل الملام المحمود. وملامية يفعلون ما يبغضه الله ورسوله ويصرون على الملام في ذلك والصبر عليه، وهؤلاء هم أهل الملام المذموم. ويؤكد الفوتي ظان الواجب في حق المشائخ والأولياء- وهو كثير جداً- منه:1 - عدم الاعتراض علي الشيخ في أي شيء يفعله ولو كان ظاهره حرام.2 - أن يكون المريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي الغاسل.* * * * * * * * * * * * * *الفصل الخامسمتى ظهر المذهب الصوفي؟ الواقع أنه لا يعرف بالتحديد الدقيق متى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/335)
بدأ التصوف في المسلمين ولا من هو أول متصوف بالتحديد الدقيق السالم من الاختلاف و تلك التحديدات من أقوال العلماء:1 - أن هذه التسمية عرفت قبل الإسلام مراداً بها أصحاب الفضل والشرف.2 - أن المذهب الصوفي ظهر 150 هـ.3 - أن المذهب الصوفي ظهر 189هـ.4 - أن المذهب الصوفي ظهر بعد المائتين من الهجرة.5 - أن المذهب الصوفي ظهر قبل المائتين من الهجرة.6 - أن المذهب الصوفي ظهر بعد القرون الثلاثة الأولي أي في القرن الرابع الهجري.7 - أنه اشتد بعد النصف الثاني من القرن الثامن والتاسع والعاشر حين ظهرت آلاف الطرق الصوفية. 8 - أن التصوف كان معروفاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الهجويري من علماء الصوفية، وهذا من أبطل الأقوال. والذي يظهر من بين هذه الاختلافات أن التصوف ظهر بعد الإسلام في شكل زهد ورغبة في الدار الآخرة، وكبح جماح النفس في حب الدنيا مهما أمكن، ثم صارت الأمور على هذا المفهوم، ثم لحقه ما يلحق غيره من سائر المبادئ والأفكار من حب التطوير وإدخال شتى المفاهيم بقصد تهذيب الفكرة وتقديمها في شكل متكامل، بغض النظر عن مطابقتها للحق أو مجانبتها له.* * * * * * * * * * * * * *الفصل السادسما حقيقة التصوف؟ لم يعرف عن المسلمون الحق الاوائل أي سلوك يتميزون به غير اتباع الكتاب والسنة وعدم التنطع في الدين. إلي أن أحدث أناس في الدين بدعة التصوف منحرفين عن المنهج السليم. وقد أخذ كل فريق من هؤلاء يعبر عن التصوف حسب ما يراه. تلتقي اقوال العلماء حول أن التصوف هو: القرب من الله، وترك الاكتساب، والتمسك بالخلق الرفيع، والجود، ورفع التكاليف عن بعض فضلائهم حين يتصلون بالله عز وجل علي حد زعمهم، ويصلون إلي درجة اليقين وظهور المكاشفات، ثم هم بعد ذلك درجات في تطبيق هذا المفهوم. وأما حقيقة التصوف وأصله عند غير الصوفية فقد اختلفت وجهة نظر العلماء في الحكم عليه. وأهم ما قيل في ذلك:1 - أن التصوف علي الإطلاق أساسه الإسلام وأن أصوله العقدية وسلوكهم فيه مستمدة من نصوص الكتاب والسنة، وما أدي إليه الاجتهاد في فهمها. وهذا القول قريب من وجهة نظر الصوفية ومفهومهم فيه رغم اعتراف بعضهم بتأثر التصوف ببعض التيارات الفكرية الخارجية عن الإسلام.2 - أن التصوف علي الاطلاق ليس إسلامي النشأة، وإنما وفد علي البيئة الإسلامية مع ما وفد من عادات وتقاليد الأجناس الأخرى بعدما امتزجت واختلطت عقب الفتح الإسلامي. وعلى هذا الرأي بعض الملاحظات، فقد ينطبق هذا الرأي علي ذلك النوع من التصوف، الذي قام على أساس من الغلو والانحراف الذي جاء به أصحاب وحدة الوجود والحلول والاتحاد، مع تظاهرهم بالانتساب إلى الإسلام وتقديسهم لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، ولعل سبب هذا القول إنما يعود إلي الواقع الذي اشتمل عليه مفهوم التصوف. وقد يبدوا للناظر أنه يوجد لكل من القولين السابقين ما يبررهما في العقائد الصوفية، وأهل هذا القول يرجعون نشأة التصوف إلي أنه فارسي أو هندي أو يوناني أو مسيحي أو أنه مزيج من هذا كله، وعلي رأس هذا الفريق كثير من المستشرقين ومن غيرهم أيضاً.3 - أن الطريقة الصوفية قد تأثرت كثيراً بالآراء والأفكار المخالفة للإسلام، حيث تظهر فيها تلك الأفكار واضحة جلية في جوانب كثيرة في الاعتقاد والسلوك.* * * * * * * * * * * * * *الفصل السابعأقسام المتصوفة وذكر طرقهم واختيار الطريقةالتجانية نموذجاً ودراستها شاملة من واقع كتبهملقد اختلف العلماء في عد الصوفية لأقسام وطرق التصوف اختلافاً واسعاً؛ إذ تجد بعضهم يعدهم قسمين، وبعضهم يعدهم ثلاثة أقسام، وبعضهم يوصلهم إلى ستة أقسام. وهذا الاختلاف سببه تنوع مصادر الصوفية وتنوع أفكارهم. وقد قسم شيخ الإسلام الصوفية إلى ثلاثة أقسام هم:1 - صوفية الحقائق 2 - صوفية الأرزاق 3 - صوفية الرسملقد أصبح من الصعب جداً تمييز طوائف التصوف أو الحكم عليهم بحكم واحد شامل لجميع فرقهم وعقائدهم المتشعبة؛ إذ لا يمكن معرفة كل قسم من أقسام التصوف قائما بنفسه متميزاً عن غيره إلا من خلال "الطرق" الكثيرة، والتي هي تعبير عن التزام مجموعة من الأتباع أو المريدين بشيخ يجعلونه قدوتهم، وينفذون ما يوجبه عليهم من أذكار وسلوك، وقد تتفق طريقته مع بعض الطرق وقد تختلف عنها، والطرق الصوفية لم تقف عند حد أو مفهوم، فهي دائماً في ازدياد
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/336)
وتجدد؛ إذ كل من ابتدع طريقاً، وجد له أتباعاً يتسمون باسمه أو باسم طريقته. ومن طرق الصوفية الكثيرة: الطريقة التجانية: وهذه الطريقة التي لها الأمر والنهى في أقطار كثيرة من بلاد أفريقيا بخصوصها، وهى نسبة إلى شخص يسمى أحمد بن محمد بن مختار التجاني. ولد سنة 1150هـ، بقر ية عين ماضى، وينسب إلى بلدة تسمى "بني تجين" من قرى البربر، ولم يترك فضلاً مزعوماً ادعاه شيخ صوفي لنفسه إلا وادعاه هو لنفسه وزاد عليه،ولقد ادعى أموراً كثيرة يطول الحديث لو بسطت، وإنما نشير إليها إجمالاً فيما يأتي:1 - ادعى أنه خاتم الأولياء جميعا ولا ولي بعدهً، وزعم أن الولاية لها ختم كختام النبوة بالنبي?.2 - أنه الغوث الأكبر في حياته وبعد مماته وقد جعل نفسه بهذه الدعوى وثناً يعبد من دون الله.3 - أن أرواح الأولياء منذ آدم إلى وقت ظهوره، لا يأتيها الفتح والعلم الرباني إلا بواسطته هو.4 - زعم متطاولاً أن قدمه على رقبة كل ولي لله تعالى منذ أن خلق آدم إلى النفخ في الصور.5 - أنه هو أول من يدخل الجنة هو وأصحابه وأتباعهم، وصدق عليهم قول الله:? تِلْكَ أمَانِيِّهُمْ?.6 - أن الله شفعة في جميع الناس الذين يعيشون في قرنه الذي عاش فيه.7 - أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه ذكراً يسمى "صلاة الفاتح" يفضل كل ذكر قرئ في الأرض ستين ألف مرة بما في ذلك القرآن الكريم، والذكر المزعوم هنا – صلاة الفاتح – ذكر مبتدع سيئ التركيب ركيك العبارة. ولقد بالغ في مدح نفسه وانه حصلت له من الامور العظيمة المبالغ فيها. نسب التجاني: ويقول عن نسب التجاني حين سأل الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً كما يزعم دائماً: أنت ولدي حقاً أنت ولدي حقا أنت ولدي حقا، كررها صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، وقال له صلى الله عليه وسلم: نسبك إلى الحسن بن علي صحيح".والتجاني يرى الأنبياء كلهم بزعمه وانه التقي بهم. ولقد شبه التجاني نفسه حال سكره وبين النبي صلى الله عليه وسلم حال تلقيه الوحي وزعم التجاني انه يعلم الغيب لكل أمر مهما كانت دقته ويعلم ما في قلوب أصحابه. وادعي انه أعطي الاسم الأعظم لله بصيغ عديدة ويستخرج منها ما يشاء من تراكيب. اما أوراد التجاني التي زعم انها مما علمه النبي كلها اوراد ركيكة سيئت العبارة. ولقد ادعي انه من رئي التجاني دخل الجنة. ولقد ادعي ان ثواب صلاة الفاتح لها من الاجر العظيم الذي لا يعادله ثواب وانه هناك خاصية لهذه الصلاة. الشيخ الواصل يرى الله علانية في كل وقت مع انتفاء الغير والغيرية بينهم بزعمه وادعاءه. ولقد كان تجاني دعاء في طلب الاتصاف بالألوهية. وإهان للقرآن الكريم بحيث ان هناك اعمال تعادل القران واجره. السر في وجود هذا الكون ومصدره هو النبي ?. ولقد تلاعب بمعاني النصوص تلاعب عجيب. ولقد قال بالحلول والاتحاد. وتملك أقطاب الصوفية للكون بتفويض من الله لهم زعم باطل وكاذب زعموه. والصلاحيات للولي أعلى من الصلاحيات للنبي ? كما يزعمون. وان حقيقة القطبانية تمتد قدرتها بامتداد ما وصلت إليه الألوهية وتحجبها أيضاوللصوفية رغبة في تجهيل الخلق بربهم ونسيانهم لذكره ليصفو لهم وحدهم. ان التوحيد عند التجانية يقتضي شعور الشخص أنه هو الله لا فارق بين ذاته وذات المولى عز وجل وأن ينسى جسمية نفسه تماماً. وان نزول الوحي على القطب من الله لكن بواسطة الحقيقة المحمدية وإن رآه من الله فقد خدع ولبس عليه. ولقد شكوى علماء الصوفية من علماء المسلمين في حجزهم عن الإتيان بما تأت به الأنبياء. وان التجاني يعرف أنفاس الإنسان وخواطره بغض النظر عن طول عمره أو قصره. وان القطب الصوفي لا يستطيع أن يسمع كلام الناس بعد أن يسمع كلام الله له إلا بعد فترة نقاهة وسماعه لكلام الله أعلى من سماع الأنبياء له. والجنة في نظر الصوفية لا قيمة لها. اما كيفية خلق هذا الكون عند الصوفية فهي غريبة عجيبة بدأت بخلق النبي?.ولقد تطاول التجاني على الصحابة وكل من جاء بعدهم. وتعادي الصوفية بعضهم على بعض وطلب كل صاحب طريقة العلو على الآخرين. والصوفي له قوة الخلاق العظيم كما يرى التجاني. ومزايا التجاني لم يصلها أحد من البشر بل ولا ملك مقرب ولا نبي مرسل. وهناك جفاء وعتو ونفور عن الله تعالى وحمق مركب. ولهم أذكار وأدعية بعبارات متكلفة غامضة وأساليب ركيكة مرذولة. ولابد من الخضوع لأقطاب التصوف خضوعا تاما.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/337)
وان التصدر للمشيخة خطر عظيم إلا بإذن شيخ صوفي. ولديهم الاتصاف بالله وتهوين الفاحشةولديهم من الشروط العجيبة والغريبة للطالب تجاه شيخه ومريده. وهناك تثليث صوفي: يقول الفوتي: "فإن المريد لا يجيء منه شيء حتى لا يكون بقلبه غير الشيخ، والله تعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم"، الشيخ، الله، الرسول. تشريع جديد لأقطاب التصوف:"ثم إن العبد إذا دخل طريق القوم وتبحر فيه أعطاه الله هناك قوة الاستنباط نظير الأحكام الظاهرة على حد سواء، فيستنبط في الطريق واجبات ومندوبات ومحرمات ومكروهات وخلاف الأولى".ويريدون تثبيت الفرقة بين المسلمين وإحكام قبضتهم على أتباعهم وحجرهم عليهم. ولديهم تحكم على الله وترهيب للأتباع. ولديهم مبدأ باطني وهو التبني الروحي كما يسمونه. و جزاء المشايخ لا يعادله جزاء. ولديهم من العشق والغرام في المذهب الصوفي وأكاذيبهم فيه كثيرة. ويسقط ذكر الله تعالى عند الصوفية، فلا يعود لذكر الله وجود في حقهم اذا اكثر االعبد من ذكر ربه. ولقد استند الصوفية في وجدهم ورقصهم علي ادلة واهية؟ وذكر الله وصفة طبية محتكرة على أقطاب الصوفية وبرضاهم. و رؤية الثعلبي تدخل الجنة. والاولياء يرون النبي يقضة لا مناما. وهناك أمثلة من مزاعم التجاني ذكرها الفوتي، وفيها من المبالغات تزكية النفس وإطرائها ما لا يليق بمخلوق. ولقد تلاعب التجانية بتفسير القرآن الكريم. والصوفية باطنية ويفضلون العلوم الباطنية على العلوم الإسلامية.* * * * * * * * * * * * * * الفصل الثامنالخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانيةما الدليل على الخلوات الصوفية؟ يستدلون بما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أول ما بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد …" إلخ الحديث. والجواب:1 - أن هذا الحديث بينه وبين الخلوة الصوفية فراق لا لقاء معه، فإن خلوة الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كانت لتحبيب الله عز وجل له ليهيئه لحمل الأمانة العظمى.2 - كانت قبل أن يؤمر بتبليغ الناس الدين الإسلامي،3 - لم يأمر بها النبي ? ولا أشار إليها ولا استحسنها لأمته على الطريقة الصوفية.4 - لم يفعلها أحد من الصحابة ولا من بعدهم من التابعين لهم بإحسان.5 - أنها تنافي ما هو ظاهر من الشريعة الإسلامية، بالاكتساب وبدعوة الناس ومخالطتهم. والخلوة الصوفية بدعة مستحدثة، وليس فيها أي نفع لا للشخص ولا للمجتمع، يخرج منها مظلم الفكر محلاً للوساوس نافراً عن الناس. مدتها: يقول الفوتي:"وأكثرها عند القوم لا حد له، لكن السنة تشير للأربعين بمواعدة موسى ?، والقصد في الحقيقة الثلاثون؛ إذ هي أصل المواعدة وجاور ? بحراء شهراً".شروط الخلوة الصوفية: ذكر الفوتي ستة وعشرين شرطاً لصحتها، ومن الملاحظ مدى تغلغل الأفكار المخالفة للإسلام فيها، من بوذية وهندوسية ونصرانية وغير ذلك ومنها:1 - أن يعود نفسه قبل دخولها إذا أراد الشروع، السهر والذكر وخفة الأكل والعزلة.2 - أن يكون دخول الخلوة بحضور الشيخ ومباركته له وللمكان أيضاً.3 - أن يعتقد في نفسه أن دخوله الخلوة إنما هو بقصد أن يستريح الناس من شره.4 - أن يدخلها كما يدخل المسجد مبسملاً متعوذاً بالله تعالى من شر نفسه، مستعيناً مستمداً من أرواح مشايخه بواسطة شيخه المباشر.5 - أن يدخل الشيخ الخلوة ويركع فيها ركعتين قبل دخول المريد ويتوجه إلى الله تعالى في توفيق المريد. أقسام الخلوات الصوفية:1 - خلوة الأربعين يوماً التي تقدم ذكرها.2 - خلوة فاتحة الكتاب.3 - خلوة البسملة ومدتها تسعة عشر يوماً.4 - خلوة الفاتحة أيضاً وهي أن يلازم بقراءتها بالخلوة أربعين يوماً.5 - خلوة الياقوتة الفريدة، وخلوتها عشرون يوماًتثبيط الصوفية أتباعهم عن الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار وتسميتهم للجهاد بالجهاد الأصغر وتسميتهم لما يسمونه جهاد النفس بالجهاد الأكبر: قال الفوتي: "انعقد إجماع الأمة على وجوب جهاد النفس، والهجرة عن مألوفاتها وردها إلى الله تعالى، أكبر من جهاد الكفار بلا ريب، لوجوه:1 - أحدها: أن جهاد النفس والهجرة عن مألوفاتها السيئة فرض عين وجهاد الكفار فرض كفاية.2 - أن النفس أعدى من كل عدو لصاحبها3 - إن ضرر االكفار مقصور في الدنيا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/338)
وهي فانية ولذلك كان جهادهم أصغر4 - أن جهاد الكفار قد لا يكون فرضاً في بعض السنين، وجهاد النفس وردها عن مقتضى هواها والهجرة عن مألوفاتها الباطلة واجب عين على كل مسلم ومسلمة في كل لحظة.5 - أن بعض فروض الكفاية أفضل من جهاد الكفار.6 - أن فرض جهاد الكفار يسقط بمنع الأمر والنهي من الوالدين، لوجوب طاعتهما، ويحرم طاعتهما في مجاهدة نفسه.7 - أن جهاد الكفار يقدر عليه كل أحد وجهاد النفس والهجرة عن مألوفاتها.8 - أن شهيد جهاد النفس والهجرة عن مألوفاتها المخزية شهيد قطعاً في الآخرة، وأكثر شهداء الكفار شهداء الدنيا فقط دون الآخرة.9 - أن القائم بجهاد نفسه والهجرة عن مألوفاتها المضلة، قائم لإصلاح نفسه وساع في تخليصها من الدنيا وعذاب الآخرة، والقائم بجهاد الكفار قائم لإصلاح غيره 10 - أن شهيد جهاد النفس والهجرة عن مألوفاتها المبعدة عن الله تعالى أفضل من شهيد جهاد الكفار بدرجات. أن جهاد النفس أولى مغالطة؛ فإن جهاد الكفار هو أعلى جهاد للنفس، وفضله أعلى وأشرف، ولو أن المسلمين أطاعوهم وتركوا قتال الكفار واهتموا بجهاد أنفسهم لجاء الكفار للمسلمين وأخذوا بلدانهم وأموالهم وإذلالهم وإهانتهم. إن ما يذهب إليه هؤلاء الصوفية هو تخدير وتنويم للمسلمين.* * * * * * * * * * * * * * الفصل التاسعما مغالطات لجنة جماعة الصوفية في مدينة "ألورن" في نيجيريا؟ وأما لجنة جماعة الصوفية في مدينة "ألورن" في نيجيريا فقد أرادوا تحسين الوجه الكالح للتجانية والقادرية أيضاً؛ حيث أخرجوا كتيباً باسم "رفع الشبهات عما في القادرية والتجانية من الشطحات"، وقام بترتيبه الحاج محمد إبراهيم النفاوي القادري، والحاج علي أبو بكر جبتا التجاني. وهو يدافع بها عن التجانية ويحذر من دعوة المصلحين من المسلمين إلى رجوع التجانيين إلى الحق، وقد وصف هذه الدعوة الإصلاحية أنها نصرة للشياطين وللإلحاد، لمجرد انتقادها منهج التجانية وجرائمه، ويقصد بهم جماعة نصرة الإسلام في مدينة كادونا. وهؤلاء أصحاب الشطح أظهروا كلمات كفرية، وفعلوا أفعالاً باطلة وتمدحوا بذلك كله، ولو جاز هذا المسلك لجاز أن نعتذر لمن لطم شخصاً أو لعنه، بأنه فعل ذلك من فرط حبه وتقديره له.* * * * * * * * * * * * * *الفصل العاشرما كيفية الدخول في المذهب الصوفي؟ للصوفية طرق عديدة ومسالك مظلمة وقواعد خاصة للتربية حسب منهجهم. وهذه القواعد والشروط الصوفية يتمرن عليها الشخص أو الأشخاص الذين يريدون الداخل في متاهات الصوفية، حتى يتقبلها الدخول بقبول حسن، فيموت فكره وذوقه ويصبح في الحقيقة عبداً ذليلاً لمشائخ الصوفية، فيسلكون به طرقاً ملتوية وتعاليم معقدة حتى تثبت في ذهن الداخل أمور عظام أقلها أن لا حلال ولا حرام، ولا علم ولا عمل إلا ما جاء عن شيخ طريقته وإذنه به، وما يتلقاه عن قلبه عن ربه وما يمليه عليه ذوقه أيضاً. ومنها:1 - أن يختار الفرد أو الجماعة من المريدين شيخاً لهم.2 - أن يتبع المريد شيخه أتباعاً مطلقاً حتى وإن كان في تحريم الحلال وإحلال الحرام.3 - عليه أن يردد ما يردده الشيخ من أذكار.4 - يكون واجبا عليه أن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي الغاسل وإلا طرد من رحمة الله.5 - وعليه كذلك أن يعتقد أن جميع ما يفعله الشيخ هو الحق والصواب حتى وإن رآه يشرب الخمر ويزني؛ لأن الشيخ لا يفعل الفواحش بروحة وإنما بصورته البشرية لتربية المريدين.6 - كما أنه يحب عليه أن يجتاز تلك الخلوة المفروضة.7 - وأن يتصور صورة الشيخ ماثلة أمامه في كل حال، وأن يعتقد أن الشيخ يعلم بكل شيء عنه وهو في داخل خلوته، ويعرف كل شؤونه ما دق منها وما جل.8 - وأن لا يغير شيخه بآخر.9 - ولا يزور أحد المشائخ والأولياء ما دام في أول أمره.10 - وأن يمشي في الطريقة منزلة منزلة حتى يصل إلى القطبانية.11 - وألا يخالط المقصرين والبطالين من أهل قيل وقال.12 - وألا يضن بماله ولو طلبه الشيخ كله.13 - وأن يرضى بالذل الدائم وحرمان النصيب، والجوع الدائم والخمول وذم الناس له، وتقديم أضرابه وأشكاله وأقرانه عليه في الإكرام والعطاء والتقريب عند الشيوخ ومجالس العلماء، فيجوع هو والجماعة يشبعون والكل أعزاء ونصيبه الذل، ويعز الجماعة.وقد أوصل المنوفي الدرجات إلى سبعين درجة، يكاشف العبد في آخرها إذا ترقى فيها مقاماً مقاماً، ولا طائل من وراء سرد كل ما
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/339)
قرره أقطاب التصوف كالسهروردي والمنوفي والغزالي والقشيري. فإنه يكفي أن يقال في الجواب عنها: أنها بناء في الهواء وأفكار لم يرشد إليها كتاب ولا سنة ولا أقوال علماء الأمة الإسلامية أصحاب العقول النيرة الذين أعرضوا عن تكليف ما ليس لهم به علم من الأمور الغيبية التي لا يصح فيها الحكم إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.* * * * * * * * * * * * * * الفصل الحادي عشرما أصول الصوفية؟ يزعم المتصوفة: كما هو شأن كل الطوائف المفارقة للمنهج الرباني أنهم على حق وأن ما يدينون به من أفكار وخرافات إنما هي نابعة من تمسكهم بالكتاب والسنة وفهم حقائق الإسلام، وهذه الدعوى ينتحلها زعماء الطوائف بغرض ترويج مبادئهم وإظهارها بمظهر الحق مهما كانت بعيدة عنه. وذلك أن دعوى التمسك بالكتاب والسنة سهلة على اللسان ولكن التطبيق هو الذي يصدق ذلك أو يكذبه. وكذلك من مزاعمهم وأصولهم في مستندهم إلى الطريق إلى الله علم الباطن الذي أفضى به رسول? إلى علي?، وعلي أفضى به إلى الأئمة المذكورين في كتبهم، وذلك فيما يزعمون أن جبريل نزل إلى رسول ? أولا بالشريعة فلما تقررت الشريعة واستقرت نزل إليه بالحقيقة المقصودة والحكمة المرجوة من أعمال الشريعة وهي الأيمان والإحسان، ثم خص الرسول ? بتعليم باطن الشريعة بعض أصحابه كعلي ثم الحسن دون بعض. ومن هنا نجد أن الصوفية ينفرون أشد النفور من العلم عن طريق التعلم، ويفضلون ما يسمونه علم الكشف بلا واسطة.وقد تلمسوا بعض الأدلة من السنة أساءوا الفهم فيها؛ ولهذا جعلوا القواعد والقوانين الصوفية فوق المصادر الثلاثة: القرآن، والسنة، والفقه الإسلامي، كما قال المنوفي: "ولهم فوق ذلك قواعد وقوانين صوفية استمدوها من حقائق اليقين"؛ ولهذا تجد السلسلة عندهم حدثني قلبي عن ربي: "وهذه الحقائق اليقينية التي ذكرها المنوفي في الحقيقة من جنس الهوى والاضطراب الفكري، ثم حرفوا معاني القرآن إلى ما يوافق أهوائهم كما فعلت الباطنية تماماً. وإذا أمعنا النظر في هذا التصوف الذي سار عليه الرسول ? قبل الرسالة حسب رأي المنوفي فلا نجد للمنوفي مستنداً إلا إلى منشأ التصوف الذي كان قبل الإسلام متمثلاً في شتى الديانات المنحرفة. فترجم المسلون كتباً كثيرة من التصوف الهندي واليوناني والفارسي، وطمعت بعض فروع التصوف الإسلامي الخالص بما دخل عليها من النزعات الأفلاطونية الحديثة أو القديمة، وبعض المذاهب الهندية والفارسية في التصوف كنظرية الحلول والاتحاد والتقمص والتناسخ وما إلى ذلك. وإذا كان الرسول ? هو أول المتصوفة فكان ينبغي عليهم أن يقدروا هذا الموقف فيقبلون سنته لا أن يردوها ويعيبون أهل الظاهر كما يسمونهم ممن يخالفهم من أهل الحق حين يقولون لهم: أنتم تأخذون الحديث بسند ميت عن ميت، حدثني فلان وقد مات عن فلان وقد مات. وهذا القول إنما يدل على جهل وبغض للسنة النبوية ولأهلها وللطريقة التي يتداولها أهل الحق في تلقي دينهم من مصدره الفياض. كما أنه من غير الإنصاف أن يقصروا ذلك المسلك عليهم فقط؛ لأنه في استطاعة كل شخص من الناس أن يقول حدثني قلبي عن ربي، وأن يدعي من الزهد والقرب من الله مثل ما يدعون، ثم أنه يلزم على قولهم الأسانيد الثابتة إلى رسول ?؛ لأن أصحابها قد ماتوا فيقال لهم: والنبي? نفسه قد مات أيضاً. وينبغي على قولهم هذا أن نأخذ بالأحاديث التي يرونها عن قلوبهم عن ربهم مباشرةً، وهذا القول منهم وإن كان يبدوا ساذجاً تافهاً إلا أنه يحمل في طياته أخطاراً جسيمة بالنسبة للإسلام وللمسلمين لو تحقق لهم ما يهدفون إليه من التفاف الناس حولهم، والأخذ بمبادئهم وتشريعاتهم وإلهائهم بها عن كتاب الله عز وجل وعن سنة نبيه العظيم صلى الله عليه وسلم. * * * * * * * * * * * * * *الفصل الثاني عشرإيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للصوفية1 - عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل: يعتقدون بوجود معبود لا حقيقة له قائمة بذاته، معبود لهم يذكر في الشريعة الإسلامية ولم تدل عليه العقول ولا الفطر السليمة إنه معبود غير رب العالمين تعالى وتقدس. يظهر في صورة الصوفي العابد الذي وصل إلى مرتبة النيابة عن الله قي تصريف أمور هذا الكون والتحكم فيه بحكم نيابته عن الله وعلمه بكل المغيبات ورؤيته لله في كل وقت لارتفاع الإنية بينه وبين الله عز وجل الذي يظهر أحياناً
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/340)
في صورة شاب وأحياناً في صورة الآكل والشارب، وأحياناً في صورة شخص كأنه محجور عليه تعالى بعد أن فوض الكون وما فيه إلى أقطاب الصوفية يتصرفون فيه بما يشاءون، كما تفيد أقوالهم وتبجحهم بذلك.2 - الحلول: لقد أصبح الحلول من لوازم الصوفية الغلاة ومن المبادئ الأساسية عندهم، وكتبهم مملوءة بذلك نثراً ونظماً، وقد اختلف العلماء في تعريف الحلول: فمنهم من قال: هو اتحاد جسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر كحلول ماء الورد في الورد. ومنهم من قال: هو اختصاص شيء بشيء، بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما عين الإشارة إلى الآخر. واستعمل بعض المتصوفة لفظ الحلول ليشيروا به إلى صلة الرب والعبد واللاهوت والناسوت، بمعنى أن الله تعالى يحل في بعض الأجساد الخاصة، وهو مبدأ نصراني وأول من أعلنه من الصوفية الحسين بن منصور الحلاج، حين عبر عن ذلك في أبياته الشعرية التي يقرر فيها أن الله تعالى حل في كل شيء، وأنه لا فارق بين الخالق والمخلوق. والقائلون بالحلول منهم من قصر الحلول وخصه ببعض الناس، كقول النصارى بالحلول في عيسى عليه السلام، وكقول بعض غلاة الشيعة كالخطابية الذين اعتقدوا أن الله حل في جعفر الصادق، والسبئية الذين قالوا بحلول الله في عليّ، ومثله قول النصيرية فيه، وقول الدروز بحلوله عز وجل في شخص الحاكم.3 - وحدة الوجود: وحدة الوجود عقيدة إلحادية تأتي بعد التشبع بفكرة الحلول في بعض الموجودات، ومفادها لا شيء إلا الله وكل ما في الوجود يمثل الله عز وجل لا انفصال بين الخالق والمخلوق، وأن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى ليس وجودها غيره ولا شيء سواه البتة، وهي فكرة هندية بوذية مجوسية وهذا هو المبدأ الذي قام عليه مذهب ابن عربي العقائد الإلحادية قديمة جداً في العبادات الهندية والديانات البوذية. وقد انقسم أصحاب هذه المبادئ الإلحادية إلى فريقين:1 - الفريق الأول: يرى الله سبحانه وتعالى روحاً وأن العالم جسماً لذلك الروح، فإذا سما الإنسان وتطهر التصق بالروح أي الله.2 - الفريق الثاني: هؤلاء يزعمون أن جميع الموجودات لا حقيقة لوجودها غير وجود الله، فكل شيء في زعمهم هو الله تجلى فيه. والإسلام بريء من هذه الأفكار المنحرفة الخرافية كلها ? هُوَ الأول وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ ? 4 - وحدة الشهود أو الفناء وبيان العلاقة بين وحدة الشهود ووحدة الوجود: وحدة الشهود هو ما يسمونه في بدء أمره مطالعة الحقائق من وراء ستر رقيق، أي لا يصل إلى درجة الحلول ولاتحاد في أول الأمر إلا بعد أن يترقى درجات ثم يصبح كما يقول على حرازم ناقلاً جواب شيخه التجاني: "اعلم أن سيدنا رضي الله عنه سئل عن حقيقة الشيخ الواصل ما هو؟ فأجاب رضي الله عنه بقوله: أما حقيقة الشيخ الواصل فهو الذي رفعت له جميع الحجب عن كمال النظر إلى الحضرة الإلهية نظراً عينياً وتحقيقاً يقينياً". وهذه نهاية الفناء في الله ووحدة الشهود فيه. وأما العلاقة بين وحدة الوجود ووحدة الشهود: فإنه يرى بعض العلماء أن بين وحدة الوجود ووحدة الشهود فارقاً بعيداً، وذلك أن وحدة الوجود هي الحلول والاتحاد وعدم التفرقة بين الله وبين غيره من الموجودات، بينما وحدة الشهود عند بعضهم هي بمعنى شدة مراقبة الله تعالى بحيث يعبده كأنه يراه. ومن هنا ظن هذا البعض أن وحدة الشهود لا غبار على من يقول بها، ومنهم من يؤكد على أن وحدة الشهود هي الدرجة الأولى إلى وحدة الوجود، والواقع أن التفريق بين وحدة الشهود ووحدة الوجود ليس له أساس ثابت بل هو قائم على غير دليل إلا دليلاً واحداً هو الذوق الصوفي، وذلك أن خير البشر لم يستعمل هذه الحالة ولا نطق باسمها في عبادته لربه، ولا كان أصحابه أيضاً يقولون بها. فكان شأنهم أنهم يعبدون الله وهم على أشد ما يكونون من الوجل والخوف أن ترد عليهم أعمالهم مع وجود أشد الطمع في نفوسهم لعفو ربهم وتجاوزه عنهم يعبدونه بالخوف والرجاء، ووحدة الشهود ووحدة الوجود لم تعرف إلا بين الفئات الذين امتلأت نفوسهم إعجاباً وتيهاً بأعمالهم وقلت هيبة الله تعالى في نفوسهم. إن وحدة الشهود تؤدي في النهاية إلى القول بالحلول رغم ما زخرفوه من الكلام والتدليس. وأما اعتقادهم في الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو ضرب من الخيال والإلحاد، فهم يزعمون: 1 - أن الله كان في عماء دون تعيين
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/341)
فأراد أن يتعين في صورة فتعين في صورة محمد?، أي أنهم يعتقدون أنه ? هو الله سبحانه وتعالى ذاتاً وصفةً حيث تعينت فيه الذات الإلهية في صورة مادة.2 - وأن الذي هاجر من مكة إلى المدينة هو الذات الإلهية متجلية في صورة هو محمد ?.3 - أن الرسول محمد ? يحضر كل مجلس أو مكان أراد بجسده وروحه، وأنه يتصرف ويسير حيث يشاء في أقطار الأرض إلى اليوم لم يتبدل بعد وفاته.4 - كل هذه الموجودات إنما وجدت من نور محمد? ثم تفرقت في الكون، وهكذا فقد أصبح من الأمور المسلمة عند الصوفية أن هذا الكون و كل ما يحصل فيه من خير وفيض، إنما يتم عن طريق الرسول ?،،وهذا المعتقد مقرر في كتب الصوفية كلهم من التجانية أو من غيرهم. ومما لا يجهله أي مسلم أن الرسول? عبد بشر مثل سائر البشر كرمه الله تفضلاً ومنة بالرسالة مثل سائر الأنبياء والرسل وهو عليه الصلاة والسلام غني عن مبالغات الصوفية وأكاذيبهم الحمقاء، فكل ما قرره أقطاب الصوفية من أولهم إلى آخرهم حول الحقيقة المحمدية ونشوء الخلق عنها فإنه كلام خارج عن عقيدة المسلمين من دان فلا حظ له في الإسلام بل هو مجوسي وثني. يعتقدون كما قرره ابن عربي أن الرسول? كان يعرف القرآن قبل نزوله بل إنه على حسب زعمهم هو الذي يعلم جبريل الذي بدوره يوحيه إلى محمد صلى الله عليه وسلم ثانية. ومن الصوفية مثل أبي يزيد البسطامي من يزعم أن الرسل كانوا أقل من مرتبتهم حيث قال:"خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله" وهذه الافتراءات كلها إلحاد وزندقة وشبهات مظلمة وإبطالها مما لا يشق على مسلم عرف شيئاً عن تعاليم الإسلام، فإن القرآن منزل من عند الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام وهذه هي عقيدة كل مسلم، من لم يؤمن بها أو شك فيها فلا حظ له من الإسلام ولا صلة بينه وبين المسلمين.6 - الولاية وبيان بعض المصطلحات الصوفية: تطلق كلمة ولاية في اللغة العربية، على عدة معان منها التابع، المحب والصديق والناصر. أما معناها في مفهوم الصوفية فهي تنتهي أخيراً في مصب وحدة الوجود، فقد عرفها المنوفي تحت عنوان "أولياء الله"بقوله: "اعلم أن الولاية عبارة عن تولي الحق عبده بظهور أسمائه وصفاته عليه علماً وعيناً وحالاً وأثر لذة وتصرفاً"، ثم زاد الأمر وضوحاً حينما بين التجليات الإلهية والفيوضات التي تقع على السالك وأفعاله وأفعال كل المخلوقات ثم "لا يرى في نظره غير فعل الفاعل الحقيقي وهو الله".وعرفها الجرجاني بقوله: الولي: هو العارف بالله وصفاته بحسب ما يمكن، المواظب على الطاعات المجتنب عن المعاصي المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات. وقال الولاية: هي قيام العبد بالحق عند الفناء عن نفسه. وخلص السهروردي إلى أن الصلاح المراد به: الذين صلحوا لحضرته بتحقيق الفناء عن خليقته" وأما القطب الكبير عند الصوفية وهو القشيري فقد ذكر تعريفات كثيرة للولاية، ونقل عن أكابر مشائخهم آراءهم في الولاية وأهميتها وعلاماتها وكيفية الحصول عليها ومسائل أخرى وهكذا فإن الولي الصوفي لا حد لصلاحياته في هذا الكون. وقد جاءت الولاية في القرآن الكريم مراداً بها المدح، وأحياناً مراداً بها الذم، فهي تستعمل في الخير وفي الشر حسب إطلاقها، لأن صاحبها إما أن يكون ولياً لله تعالى أو ولياً للشيطان، وبين الولايتين من البعد والانفصال ما يعرفه كل مسلم سليم الفطرة صافي العقيدة. وجاءت في السنة النبوية مراداً بها وصف من ساروا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتزموا طريق الخير ونصروا الدين ووالوه. ثم توسع الصوفية والشيعة في إطلاقها وخرجوا بها عن حقيقتها ومدلولها الصحيح وثم أخذها الصوفيين بعد ذلك وأخرجوها في مذاهب الحلول والاتحاد وحدة الوجود، وهناك صفة ثانية أضيفت إلى مفهوم الولاية، وهي صفة العلم اللدني الذي أخذه علي بن أبي طالب عن الرسول ?كما زعموا، ثم ورثة إياهم ببركة تلك الولاية، وبلغ الغلو بالصوفية في أوليائهم إلى أن اتخذوهم بين الله وبين خلقه وسطاء على طريقة النصارى واليهود والمشركين تماماً. فكما اتخذ هؤلاء المسيح وعزيراً والملائكة أرباباً لهم من دون الله، اتخذ الصوفية وسطاء إلى الله عز وجل أسموهم القطب والغوث والولي ونسبوا إليهم النفع والضر، لأن الله بزعمهم جذبهم إليه واختصهم ثم ساووهم مع الله تعالى في كل صفاته، بل أصبح
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/342)
من شرط الولي أن يكون متصفاً بصفات الله-كما يزعمون- ومن هنا نشأ تنطعهم وتنقصهم للأنبياء على حد ما ورد عن أبي يزيد البسطامي في قوله: "خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله".ثم اخترعوا مفهوماً كاذباً للولاية، فهي عندهم مجرد هبة من الله عز وجل لبعض خلقه دون أن يكون لها سبب، بل وبغض النظر عن صلاح الشخص أو فجوره، واستدلوا بقول الله عز وجل: {يختص برحمته من يشاء}، أي دون سبب حسب مفهومهم. ومعنى هذا أنهم يجعلون مفهوم للولاية كمفهوم النبوة، الكل بلا سبب ظاهر، وهذا خلاف ما قرره الإسلام بالنسبة لولاية التي تنتج عن طاعة الله تعالى والمتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم. وقد قسموا الولاية والأولياء إلى أقسام ومما ذكره المنوفي حين قسمهم إلى:1 - الملامتية: وهم الذين لا يظهرون للخلق أعمالاً وأسراراً، بل يخفون أسرارهم لكمال ذوقهم وقوة شهودهم لربهم.2 - الغوث الأكبر: وهو أكبر الأولياء والأقطاب، وهو ذات الحق باعتبار تجريدها من الاسم والصفة3 - الأوتاد الأربعة: وهم حفظة العلم كل واحد منهم في ركن من أركان العالم.4 - الأقطاب السبعة: لحفظ القارات السبع، والقطب هو الواحد الذي هو موضع نظر الله من العالم في كل زمان. والقطبانية الكبرى هي مرتبة قطب الأقطاب، وهو باطن النبوة للرسول?، والأبدال زعموا أنهم أربعون وهم مكلفون بحفظ العالم والكون، وقد عّرفهم المنوفي بأنهم: "أبدال الأقطاب من الأولياء، فإن مات قطب أحل الله محله بدلاً منه، ومنهم الخلفاء الأربعة".5 - النجباء: وهم الأربعون القائمون بإصلاح شئون السالكين.6 - الأفراد: وهم المفردون والغرباء لتفردهم عن الخلق بشهود الحق، وغربتهم في أهل زمانهم، وهم غير منحصرين في رتبة أو منزلة، ولهم كشف خاص وعلوم إلهية غريبة على الناس وهم على قدم النبي ?.وأخيراً وصلوا بالولاية إلى أنها مثل النبوة تماماً فلها ختم كما للنبوة ختم، فختم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وخاتم الأولياء عند الصوفية مجموعة من الكذابين مختلفون فيما بينهم على ادعائها. وأول من ادعى ختم الولاية به هو محمد بن علي بن الحسين، ويسمونه "الحكيم الترمذي"، وقد ظهر في القرن الثالث الهجري- في آخره- وهو غير الترمذي صاحب السنن. وحين صنف الحكيم الترمذي كتابه"ختم الولاية" مضاهياً بذلك القول بختم النبوة شهدوا عليه الكفر ثم نفي من ترمذ. ثم جاء ابن عربي المتوفي سنة 638 هـ فادعى أنه خاتم الأولياء، ثم جاء محمد بن عثمان الميرغني السوداني المتوفي سنة 1268 هـ فادعى أنه هو خاتم الأولياء، ثم جاء أحمد التجاني من فاس بالمغرب المتوفي سنة 1230 هـ فادعى أنه هو خاتم الأولياء، وأن من سبقه أو يلحقه ممن يدعي ختم الولاية فإنه كاذب مفتر. ثم بلغ بهم الغلو أن فضلوا خاتم الأولياء المزعوم على خاتم النبيين لأموركثيرة.* * * * * * * * * * * * * * الفصل الثالث عشرالكشف الصوفيمن أصول الدين الإسلامي وقواعد الإيمان في الشريعة الإسلامية أن الله تعالى وحده هو علام الغيوب، وأن الخلق مهما كانت منزلة أحدهم لا يصل إلى معرفة الغيب، إلا من شاء الله أن يطلعه على ما أراد من ذلك، سواء كان ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً. ولقد تعدى المتصوفة على هذه الصفة لله عز وجل فأقاموا أمراً سموه "الكشف الصوفى"، ويعنى عندهم رفع الحجب من أمام قلب الصوفي وبصره ليعلم بعد ذلك كل ما يجرى في هذا الكون. وبالغوا في هذا الإدعاء بما لا يجرؤ على القول به إلا عتاة الزنادقة، كما هو مسطر في كتبهم بأقلامهم، وكما تبين ذلك من خلال ما قدمنا من الإشارات الكثيرة إلى حقيقة الكشف من خلال نظرتهم إلى أقطابهم في حالة رفع الحجب عنهم واتحادهم بالله ورفع الأنية بينهم وبين الله، ويبدوا أنهم ترقوا في هذه الدعوى على النحو التالى:1 - ادعوا أن الصوفي يكشف له عن معان جديدة في القرآن والسنة والآثار والرسوم لا يعلمها علماء الشريعة، الذين سموهم علماء الظاهر والقراطيس؛ لأنهم أي علماء الشريعة إنما يعتمدون في نقل تلك المعاني من القرآن والسنة على موتى، وأما هم فإنهم يأخذونها عن الله تعالى مباشرة.2 - ثم ترقوا فقالوا: إن لهم علوماً لا توجد في الكتاب ولا في السنة يأخذونها جديدة عن الخضر الذي هو على شريعة الباطن حسب زعمهم.3 - وهناك فرية أيضاً اقترفوها، وهي قولهم: أنهم يتلقون علومهم عن ملك الإلهام كما تلقى رسول
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/343)
الله محمد صلى الله عليه وسلم علومه من ملك الوحي مباشرة.4 - وآخرون منهم يزعمون أنهم يتلقون علومهم عن الله رأساً وبلا واسطة؛ حيث تنطبع هذه العلوم في نفوسهم، وبموجبها يأتون ما يأتون من أمور.5 - وآخرون منهم يدَّعون أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يخبرهم بأذكارهم وعبادتهم يقظة لا مناماً.6 - ثم زعموا أنهم يعلمون أسرار الحروف المقطعة من القرآن وقصص الأنبياء على حقيقتها، وأنهم يجتمعون بالأنبياء ويسألونهم عن تفاصيل قصصهم، وخرافات كثيرة ذكرها الجيلي في كتابه "الإنسان الكامل" يمجها السمع وينفر عنها الذوق.* * * * * * * * * * * * * * الفصل الرابع عشرالشطحات الصوفيةلقد وصل الصوفية في شطحاتهم إلى حد لا يقدم عليه إلا من تزندق وألحد وخرج عن الدين، ولقد فاضت كتبهم بذلك وتواتر النقل عنهم، وهو أمر لا يدع مجالاً للشك في إلحاد من يعمل ذلك منهم، وفي إعراضه عن الخلق الفاضل والعقل السليم، فضلاً عن الدين. ومما يلحظه القارئ أنهم بعد أن أوردوا أنفسهم تلك الموارد الوخيمة أرادوا أن يجدوا مخرجاً منها، فلم يجدوا لهم مخرجاً فادعوا أنهم إنما قالوا تلك الكلمات الكفرية في حال سكرهم بالله تعالى وغيبوبة عقولهم عن الإحساس بأى شيء غير الله، وما أقبح هذا العذر وأسمجه فهل هم أحب لله من الأنبياء ومن كثير من أتباعهم الذين لا يقاس بهم غيرهم، ولم يعثر عن أحد منهم أن تلفظ بما تلفظ به هؤلاء الذين امتلأت نفوسهم زندقة وحقداً على الإسلام والمسلمين. وهناك آلاف الشطحات في حال سكرهم بالله كما يزعمون، والحقيقة أنها صادرة عن أناس يدعون الحلول والاتحاد وهم في كامل وعيهم وشيطنتهم، وعندهم تمام الجرأة على الكذب على الله لجهلهم به عز وجل وهوانهم عليه. وقد ترجم الشعراني لعدد كثير منهم، وزعم أنهم كلهم أقطاب التصوف، ولكن ينبغي الانتباه إلى أنه حشر خيرة الصحابة رضوان الله عليهم بل جعل الخليفة الأول للمسلمين أبا بكر رضي الله عنه هو أول هؤلاء الأقطاب ثم عمر، إلى أن ذكر أيضاً كثيراً من خيار التابعين وعلماء الأمة الذين لا صلة لهم بخرافات الصوفية وخزعبلاتها، بل إن حشره لهؤلاء مع الحلاج والبسطامي والشاذلي والمرسي وغيرهم من عتاة التصوف يعتبر إهانة لهم. وقد سار على نفس المنهج كثير من مؤلفي الصوفية، كما فعل نفس المسلك الذي سلكه الشعراني، المنوفي في جمهرة الأولياء، وقبلهم القشيري، وكل من جاء بعد هؤلاء سلك نفس ذلك المسلك الخاطئ.* * * * * * * * * * * * * * الفصل الخامس عشرالتكاليف في نظر الصوفيةيعتقد غلاة الصوفية أن الصلاة والصوم والحج والزكاة هي عبادات العوام، وأما هم فيسمون أنفسهم الخاصة أو خاصة الخاصة، ولذلك فإن لهم عبادات خاصة، ومناهج وطرق خاصة، ومفاهيم تختلف تماماً عن مفاهيم العامة، خصوصاً بعد وصول أحدهم درجة اليقين وقد شرع كل قوم منهم شرائع خاصة بهم، في الذكر والخلوة والملابس المخصوصة والحلقات الخاصة. وقد يتفقون في بعضها وقد يختلفون، إلا أن كل صاحب طريقة يجعل على أتباعه أغلالاً وحواجز شديدة، بحيث لا يستطيع أحدهم أن يغير طريقته بطريقة أخرى، وكل ذلك إنما يفعلونه كما يزعمون من أجل ربط القلب بالله للتلقي عنه مباشرة، ولاستمداد العلوم والمعارف عن الله رأساً على يد شيخ خوله الله ومنحه القدرة على ذلك. وأما بالنسبة للتحريم والتحليل فأهل وحده الوجود منهم لا شيء يحرم عندهم؛ لأن الكل عين واحدة وفعل الخير وفعل الشر والقبيح والحسن إنما هي أفعال لا فروق بينها لاحتواء الذات لها كلها، ولذلك فقد حصل من بعض كبارهم وأئمتهم ما يستقبح الشخص مجرد ذكره؛ إذ كان منهم الزناة واللوطية والملاحدة، ثم لا يحق لأي شخص أن يعترض؛ لأن الشيخ لا يفعل شيئاً إلا لحكمة. وأيضاً لا يفعل هذه الأمور التي يعتبرها الناس فواحش بجسمه وروحه بل بجسمه فقط، وأما روحه فهي أجل من أن تتدنى إلى فعل هذه الأمور الجسيمة. ثم اخترعوا مفهوماً ضالاً وهو أنه قد يصل الأمر أحياناً إلى حد أن للولي شريعته الخاصة، وللنبي محمد ? تلقي شريعته الخاصة فلا يمنع أن يحصل الخلاف بينهما ويكون الجميع على الصواب، فالولي يتلقى شريعته عن الله مباشرة وهي شريعة للخاصة، ومحمد? تلقى شريعته عن الله مباشرة وهي شريعة للعوام. وما دام الشيخ الصوفي قد وصل إلى حد التلقي عن الله مباشرة واطلعه على كثير من
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/344)
أسرار هذا الكون وعرف الكثير من المغيبات فإنه والحال هذه ليس عنده طمع في جنة ولا خوف من النار، ومن هنا تنشأ الاستهانة التامة بجميع التكاليف الشرعية. ويبدو أن للكشف الصوفي علاقة قوية بترك التكاليف على حد ما أورده عنهم الشيخ سعيد حوى في قوله: "يربط بعض الصوفية بين الكشف وترك التكاليف، فيرون أن الإنسان متى كشف له شيء من أمر الغيب – وما أكثر ما يتوهون في هذا الشأن – سقط عنه التكليف، فلا صلاة ولا صيام ولا غير ذلك، ويستشهدون على ذلك بقوله تعالى: ? وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَى يَأتِيَكَ الْيَقِنُ ?.* * * * * * * * * * * * * *الفصل السادس عشرالأذكار الصوفيةلقد اخترعوا أذكاراً وشرعوا أوراداً ما أنزل الله بها من سلطان، بل اشتملت على الكفر والزندقة في كثير منها والكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، كما اشتملت على كلمات سريانية غير معروفة المعنى وعلى رموز وحروف مقطعة لا يعرف المراد منها. وكل صاحب طريقة له أذكار هي أفضل من كل ذكر، وأجرها أعظم من كل أجر، وما عداه باطل حسب تخرصاتهم في كل ذلك، ينطبق عليهم قول الله تعالى: {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيءٍ}، فهم متفرقون قد لا يجمعهم إلا الاتفاق على الرقص وادعاء الوصول إلى الله ومكالمته ورفع الغير والغيرية بينة وبينهم. مع أن كل صاحب طريقة يدعى أنه يأخذ تلك الأذكار مباشرة عن الله عز وجل أو عن نبيه صلى الله عليه وسلم، وأحياناً يقظة لا مناماً كما يزعمون، وفضلوها تفضيلاً عالياً ليرفعوا شأنها في نفوس أتباعهم ومريديهم على القرآن والسنة والأدعية المأثورة. فمنها الأذكار التجانية، ومنها أذكار البسطامي والرفاعي والجيلاني والشبلي وأبو العباس المرسي وآخرين كثيرين، ومنها أذكار الطريقة الشاذلية التي زعم أصحابها أن الرسول ? والخضر هما اللذان علما الشيخ أحمد الإدريسي، حيث ذكر تلميذه صالح محمد الجعفري ذلك في كتابه مفاتيح كنوز السموات والأرض المخزونة التي أعطاها الرسول? لشيخ الطريقة الإدريسية المصونة. وهي أذكار في غاية الركاكة والكذب على الله وعلى الرسول والاعتداء في الدعاء،و بل هناك كما يذكرون بعض الأولياء الذين قد ماتوا هم أيضاً يلتقون ببعض المشائخ الأحياء ويعلمونهم أدعية وأوراداً لا حد لأجر من يقولها. وقد ذكروا من الأجر لقائل أذكارهم الجوفاء ما لا يحد ولا يعد ولا يتصور في الذهن، وقد يبدو على تلك الأدعية حرارة الإيمان وصدق الالتجاء إلى الله تعالى، ولكنه في الحقيقة ليس موجهاً إلى الله فقط بل إلى أوليائهم الأحياء أو الأموات أيضاً. ومدار أذكارهم على الإثبات كما يزعمون، فهم يقتصرون على لفظة "الله" بدلا عن لا إله إلا الله يعللون لهذا المسلك بما لا مقنع فيه حتى للجهال العامة فضلاً عن أهل العلم، حيث يقولون: إن اقتصارهم على لفظة "الله" وتكرارها خوفاً أن يموت الشخص عند ذلك النفي في قول "لا إله".ومن غريب أمر الصوفية في أذكارهم أنهم رتبوها على طريقة شيطانية من وحي شياطينهم. وثبت أن بعض تلك الطرق الصوفية في الدعاء أخذت بتمامها عن اليهود.* * * * * * * * * * * * * * الفصل السابع عشرالوجد والرقص عند الصوفيةلقد كان للغرام العارم والرقص والتمايل عند الصوفية مكانه ثابتة بل هذا النوع صار من أقوى الشبكات التي يصطادون بها من قلت معرفتهم بالدين الإسلامي الحنيف، وحقاً إنه نوع من الخلل في السلوك والاضطراب الذهني حين يعبدون الله بالرقص والحركات التي لا تمت إلى عبادة الله بأية صلة إلا كما تمت إليها عبادة اليهود من قبل حين حثتهم التوراة _ المحرفة _ العهد القديم _ المزامير على وجوب التسبيح لله بالدف والمزمار والعود والربابة وزعموا أنها من الطرق التي توصلهم إلى ربهم، أو هو الحب الإلهي كما يسمونه لترغيب الناس فيه. وهذه الصور البهلوانية الرعناء هي صورة الذكر. أدلتهم على جواز ذلك والرد عليها: زعمهم أن سلمان رضي الله عنه حين نزل قوله تعالى: (وإن جهنم لموعدهم أجمعين) صاح سلمان الفارسي صيحة ووقع على رأسه ثم خرج هارباً ثلاثة أيام. ومن ذلك أيضاً احتجاجهم بقول الله تعالى لأيوب عليه السلام: (اركض برجلك).ومنها قول الرسول? لعلي: "أنت مني وأنا منك" فحجل، وقال لجعفر: "أشبهت خلقي وخلقي" فحجل، وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا" فحجل. ومنها
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/345)
احتجاجهم لسماع الرسول ? جاريتين تغنيان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى بثوبه، فجاء أبو بكر فانتهرهم، فنهاه الرسول ? وقال: "دعهما فإنها أيام عيد".ومنها أن الحبشة زفنت والنبي ? ينظر إليهم. واحتج أبو عبد الرحمن السلمي على جواز الرقص بما روي عن الشافعي أن سعيد بن المسيب مر في بعض أزقة مكة فسمع الأخضر الحداء يتغنى في دار العاص بن وائل:قال فضرب برجله الأرض زماناً وقال: هذا مما يلذ سماعه. ومنها أن عمر رضي الله عنه كان ربما مر بآية في وردة فتخنقه العبرة ويسقط ويلزم البيت اليوم واليومين حتى يعاد ويحسب مريضاً. ومنها أن الرسول ? قال في حق أبى موسى: " لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود " ومنها استحسان الرسول شعر النابغة حتى قال له: "لا يفضض الله فاك"، ووضعه أيضاً المنبر لحسان يقول عليه الشعر في هجاء المخالفين للرسول ?.وأن بعض الصالحين رأى الخضر وسأله عن السماع الصوفي فقال له: ذلك هو الصفاء الزلال. ورأى أحدهم الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام فسأله عن سماع الصوفية فقال له الرسول: ما أنكره، ولكن قل لهم يفتتحون قبله بقراءة القرآن ويختتمون بعده بالقرآن .. ومنها أن الخضر تواجد حتى سقط على جبهته وصار الدم يقطر منها ولا يقع على الأرض، حين سمع أبياتاً من الشعر قالها شخص بحضرته، ذكرها السهروردي. ومن أدلتهم أن بعض الصالحين رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وهو يقول له كلاماً والنبي صلى الله عليه وسلم قد وضع يده على صدره كالمتواجد بذلك. ثم أورد السهروردي أدلة كثيرة عن بعض الصوفيين في حال تواجدهم؛ بعضهم مشى على الماء، وبعضهم لم يحترق بالنار، وبعضهم يرتفع أذرعاً عن الأرض، إلى أن، ختم السهروردي أدلته – وهى كثيرة بزعمه – بهذه القصة، وهي أن أعرابياً أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد لسعت حية الهوى كبدى فلا طيب لها ولا راقيإلا الحبيب الذي شغفت به فعنده رقيتي وترياقيفتواجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواجد الأصحاب معه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، ثم قسم رداءه بينهم، حيث مزقه إلى أربعمائة قطعة. تلك أهم الحجج التي يتمسك بها الصوفيون في مشروعية لهوهم وتواجدهم، فما مدى صحة استدلالهم، وهل ما ذكروه من تلك الروايات كلها صحيحة، أو هل كان فهمهم لها فهماً صحيحاً؟ الجواب على ذلك: *فأما ما رووه عن سلمان فإنه كذب، ومحال كذلك، فقد رويت هذه القصة بلا سند. ثم إن الآية نزلت بمكة بالاتفاق كما قال القرطبي، وسلمان إنما أسلم بالمدينة كما هو معلوم. ثم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينهي أشد النهي عن مثل هذه الأمور المنافية للوقار والخشوع، فإنه كان صلى الله عليه وسلم يبغض الصياح أو إظهار التخشع عند سماع القرآن أو المواعظ إلا في الحدود المشروعة، ومن ذلك ما رواه أنس قال: "وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فإذا برجل قد صعق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ذا الملبس علينا ديننا إن كان صادقاً فقد شهر نفسه وإن كان كاذباً فمحقه الله"وقد عرف عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا يخشعون تمام الخشوع، فتذرف عيونهم وتخاف قلوبهم، ولم يصعق أحد منهم وهم أعرف بالله من غيرهم وأتقى له وأكثر انقياداً وقبولاً للحق تمسكاً به، ولو كان ذلك الوجد والهيام والصعق خير لما سبقهم أحد إليه.*واما احتجاجهم بقول الله تعالى لأيوب: (اركض برجلك) فهذا احتجاج يدل على جهل صاحبه بحقيقة حال أيوب المبتلى بما لا يصبر عليه أحد إلا من أعانه الله وقوى يقينه، فإنه يقال لهذا المحتج: إن الله لم يأمر أيوباً بضرب رجله فرحاً وطرباً. وإنما أمر بضرب رجله من باب فعل الأسباب إكراماً من الله تعالى له، ثم إنه لم يركض برجله ابتداء وإنما تنفيذاً للأمر، وكذلك لإشعاره بتغير الحال، ولحكم أخرى لا يعلمها إلا الله تعالى ليس منها جواز الرقص، ولم يك حاله يستدعي أن يضرب برجله الأرض تواجداً وطرباً إلا عند الجفاة.*وأما احتجاجهم بحجل على و جعفر وزيد، فإن الحجل هو نوع من المشي يفعل عند الفرح وارتياح النفس أحياناً ليعبر الشخص به عن فرحه دون قصد الرقص والتمايل، والصحابة هؤلاء لم يكن منهم رقص ولا تمايل ولا إنشاد قصائد الغزل المهيجة، فليس فيه دلالة على ما يريد المتصوفة، وما فعله هؤلاء الصحابة إنما كانت حالة عارضة لا قصد لهم فيها لإظهار الطرب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/346)
والتواجد.*وأما احتجاجهم بزفن الحبشة فإن الزفن أيضاً نوع من المشي مع الرقص ويشير كذلك إلى الاعتداد بالنفس، وأكثر ما يفعل عند اللقاء في الحرب إظهاراً للشجاعة وعدم المبالاة بالعدو، وليس المقصود منه الرقص والطرب كما يرى الصوفية. *وأما ما ذكروه عن سعيد بن المسيب – رحمه الله – فإنه مكذوب عليه، وليس هذا شعره، وهو أوقر من أن يصل إلى هذا الحد.*وهذه الأبيات فيما يذكره الأدباء قالها محمد بن عبد الله بن نمير الشاعر الثقفي، يتغزل فيها بزينب بنت يوسف الثقفي أخت الحجاج. وقد هرب بعد ذلك إلى عبد الملك خوفاً من الحجاج، فسأله عبد الملك بن مروان عن الركب ماذا كان؟ فقال له: كانت أحمرة عجافاً حملت عليها قطراناً من الطائف، فضحك عبد الملك وأمر الحجاج أن لا يؤذيه. ثم لو قدرنا أن ابن المسيب ضرب برجله الأرض فليس في ذلك حجة على جواز الرقص، ولا أنه ضرب بها وهو يريد الرقص، فإن الإنسان قد يضرب برجله الأرض أو يدقها لشيء يسمعه ولا يسمى ذلك رقصاً منه، بل إن الإنسان قد يضرب برجله الأرض إما فرحاً وإما غضباً وإما غيظاً.*وأما احتجاجهم بسماع الرسول للجاريتين فهو استدلال غريب منهم على جواز الرقص والتمايل والتواجد؛ ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مسجي بثوبه، وهم حينما يتواجدون لا يتدثرون بثيابهم، بل تعلو همتهم ويشتد عراكهم ويمزقون ثيابهم، فأين فعلهم من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟.*كذلك فإن الجاريتين كانتا تنشدان كلاماً ليس فيه غزل أو تشبيب أو خروج عن حد الوقار والأدب، وكان الحال يستدعي الترويح عن النفس، خصوصاً وأنه يوم عيد وعائشة رضي الله عنها كانت جارية شابة.*وأما استدلالهم بما ينسبونه إلى عمر رضي الله عنه من أنه كان يلزم البيت اليوم واليومين حينما يسمع بعض الآيات في ورده؛ فإنه لم يعرف أن الصحابة كانت لهم أوراد يرددونها على طريقة الصوفية، بل ولم يعرف عنه أنه يمرض اليوم واليومين بسبب ما يسمعه من الآيات، ولا غيره من الصحابة.*وأما استدلالهم بحسن صوت أبى موسى فليس فيه دليل على الوجد الصوفي، وإنما هو إخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم بتلك النعمة التي أعطيها أبو موسى، فهل كان الصحابة يرقصون على سماع قراءته أو يصعقون أو يمزقون ثيابهم؟ كلا.*وكذلك استحسان الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض الكلام أو الشعر ليس فيه دلالة للصوفية، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستحسن أشياء ويستقبح أشياء، وهذا أمر طبيعي في النفوس.*وأما ما يحشده أقطاب التصوف من الأدلة بالرؤى المنامية أو بمقابلتهم للخضر، فإنها أدلة باطلة، حتى ولو كان الرائي ثقة، فإنه لا يتعبد برؤياه فما بالك وتلك الرؤى الصوفية عن مجهولين، إضافة إلى التكليف الظاهر في رواياتهم.*وزعمهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطرب ويتواجد ويضرب بيده على صدره ويمزق ثيابه ويعطيها لأصحابه كله كلام يدل على عدم احترامهم للرسول صلى الله عليه وسلم وعدم معرفة قدرة العظيم. فهل كان يصل به التواجد إلى حد أن يسقط رداءه عن منكبيه من سماع تلك الأبيات الفارغة: قد لسعت حية الهوى كبدي …؟ *وما ذكره السهروردي من أن بعض أقطاب التصوف من ذلك الحركات البهلوانية العشوائية التي يفعلها هؤلاء، فلا ريب أنها من أقوى الدلائل على تلاعب الشياطين بهم وإخراجهم عن حد الاعتدال الذي أقل ما يوصف به أنه ينافي الخوف من الله تعالى والرغبة في المغفرة.* * * * * * * * * * * * * *الفصل الثامن عشرالكرامات وخوارق العادات عند الصوفيةأن ذلك من مكائد الشيطان وتلبيسه على الناس بأن يظهر لبعضهم أموراً غيبية تبدو كأنها كرامات من الله للشخص فيتخيل أنه بلغ منزلة عالية فاق فيها غيره من الناس، وأنه أصبح يماثل الأنبياء في كراماتهم وقربه من الله. وهذه الحال كثيرة الوقوع لمن يدعون أنهم أولياء لله، وأكثرهم في الحقيقة أعداء له وموالين لشياطينهم والشياطين تتلاعب بهؤلاء بشتي الاعيب الماكرة والخادعة فينخدعون وينقادون لهمزهم. وهذا يتطلب من المؤمن العاقل التنبه لمثل المكائد الشيطانية بلجوئه إلى الله والاهتداء بهدية، وسوء الظن بنفسه الأمارة بالسوء، ويكبح جماح نفسه الأمارة بالسوء، وأن لا يصدق ما يتراءى له من كرامات تنافي الإسلام، مثل أنواع الكرامات التي تبجح بها بعض غلاة الصوفية لأنفسهم.وكل تلك الكرامات أشبه ما
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/347)
تكون بأحلام الصبيان أو صراعات المجانين، ممن جرؤ على الكذب على الله وعلى الناس وضللوا أتباعهم وأخرجوهم عن الإسلام من حيث لا يشعر أولئك الأتباع، لأنهم أصبحوا كما قال الله تعالى: (أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون).* * * * * * * * * * * * * *الفصل التاسع عشرتراجم زعماء الصوفيةللصوفية زعماء كثيرون ليس من السهل حصرهم وذكر تراجمهم.لابد من التنبيه إلى أن بعض علماء الصوفية حينما كتبوا تراجم لمشاهيرهم وأسلافهم ارتكبوا جرماً في حق الصحابة رضوان الله عليهم وفي حق غيرهم من خيار المسلمين وعلمائهم، حيث حشروهم في سلسلة واحدة مع كبار غلاة وفساق الصوفية الذين وصل بهم الاستهتار بأخلاق وبأمور الدين الشرعية وبالآداب الإسلامية، بل والعرفية إلى حد يستحي الإنسان من ذكرها، وأعمال لا يتصور وقوعها من جهال المسلمين، فما الظن بطلاب العلم، بل وما الظن بأولياء الله. من أهم الكتب التي تتكلم عن علماء الصوفية:- رسالة القشيرية: لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن.- طبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار تأليف عبد الوهاب ابن أحمد بن علي الأنصاري الشافعي المصري المعروف بالشعراني.- مهرة الأولياء أعلام أهل التصوف، تأليف محمود أبو الفيض المنوفي الحسيني. - كتاب عوارف المعارف لأبي حفص عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد عموية الصديقي القرشي التميمي اليكري الشافعي الملقب بشهاب الدين السهروردي - لطائف المنن لابن عطاء الله السكندري.- جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التجاني- تأليف/علي حرزام ابن العربي برادة المغربي.- كتاب رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم-تأليف/عمر بن سعيد الفوتي الطوري الكدوي.- وقد ألف بعض العلماء مؤلفات خاصة عن شخصيات الصوفية مثل ابن عربي والبسطامي والتجاني والنقشبندي وابن سبعين والغزالي وابن الفارض والحلاج والجيلاني.* * * * * * * * * * * * * *(60/348)
هل من العلماء من أنكر رواية مقتل الحسين؟
ـ[معاذ القيسي]ــــــــ[21 - 12 - 09, 02:36 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأتُ في تفسير حقي اسماعيل " ومن قرأ يوم عاشوراء وأوائل لمحرم مقتل الحسين رضى الله عنه فقد تشبه بالروافض خصوصا اذا كان بالفاظ مخلة بالتعظيم لاجل تخزين السامعين
وفى كراهية القهستانى لو اراد ذكر مقتل الحسين ينبغى ان يذكر اولا مقتل سائر الصحابة لئلا يشابه الروافض انتهى
قال حجة الاسلام الغزالى يحرم على الواعظ وغيره راوية مقتل الحسين وحكايته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم فانه يهيج بغض الصحابة والطعن فيهم وهم اعلام الدين وما وقع بينهم من المنازعات فيحمل على محامل صحيحة ولعل ذلك لخطأ فى الاجتهاد لا لطلب الرياسة والدنيا كما لا يخفى
وقال عز الدين بن عبد السلام فى فصل آفات اللسان الخوض فى الباطل هو الكلام فى المعاصى كحكاية احول الوقاع ومجالس الخمور وتجبر الظلمة وكحكاية مذاهب اهل الاهواء وكذا حكاية ما جرى بين الصحابة رضى الله عنهم انتهى "
فهل من العلماء من ذكر هذه المسألة؟(60/349)
القول بتحريف القرآن من لوازم التشيع الإمامي/ عبد الله الخضري
ـ[معاذ القيسي]ــــــــ[23 - 12 - 09, 09:01 ص]ـ
القول بتحريف القرآن من لوازم التشيع الإمامي / الشيخ عبد الله بن عمر الخضري
خاص بمجلة الراصد (79)
ما تزال عقيدة تحريف القرآن قضيةً تلاحق الشيعة الإمامية في كل مكان، وتشكل مانعاً كبيراً من انصهارهم في المجتمع المسلم الذي يراد له التوحّد والاجتماع ونبذ الفُرقة والاختلاف.
وهم يحاولون إظهارَ أنفسهم أنهم بعيدون عن هذه التهمة وبريئون منها براءة الذئب من دم يوسف (عليه السلام)، ولأجل ذلك اتبعوا كل الطرق الملتوية والوسائل المنحرفة المعوجّة للوصول إلى مبتغاهم بأنواعٍ من التضليل والتمويه والخداع محاولين بذلك التنصُّلَ من تلك الفِرية العظيمة، ولكنهم عبثاً يحاولون.
وهم إنما يفعلون ذلك كلَّه لا لشيءٍ، إلا لأنه يشكّل عائقاً كبيراً أمام مشاريعهم في التمدد والامتداد في طول بلاد المسلمين وعرضها، ويحبط كل تطلعاتهم في تسويق التشيع في أوساطنا وأوطاننا، لأن القول بالتحريف عقبة كأداء لا بد من إزالتها ليقتحموا علينا أسوارنا، وتصير بعد ذلك أرض العرب والمسلمين زريبةً يطؤنها بسنابك خيلهم، فيملؤنها علينا ظلاماً وضلالاً وانحرافاً.
وليس أدَّل على ذلك مما قام ويقوم به دهاقنة التشيع الإمامي من تأليف المؤلفات العديدة وتسويد الصفحات الكثيرة، خاصة في الأعصار المتأخرة، لرد التهمة ودفعها بكل طريق؛ بالتقية تارة، والكذب تارة، وبالتدليس والتلبيس تاراتٍ أخرى، ومن تلك المحاولات اليائسة البائسة ما قام به بعضهم - وعلى طريقة الدفاع بالهجوم ـ من إلصاق التهمة بأهل السنة والجماعة صرفاً للأذهان عما تلبسوا به من ذلك، وتضلليلاً للرأي العام السني عن حقيقة ما هم عليه من الانحراف والاعوجاج الذي نخر في دينهم ومذهبهم حتى النخاع، وكما قيل:)) رمتني بدائها وانسلت)).
وربما وجد ذلك آذاناً مُصغية في بعض أوساطنا التي تتسم بالميوعة والضعف وعدم القدرة على الرؤية الصحيحة الواضحة الثاقبة للأمور بسبب خلوها من المناعة العقدية التي تعصمها في الفتن والمحن؛ خاصة عند ورود الشبهات وقد قيل: " إن الله عزوجل يحب البصر الناقد عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات "، فضلاً عما يتصف به هؤلاء من الجهل المطبق بالشيعة وعقائدهم.
أصول الشيعة قائمة على اعتقاد التحريف:
أن التحريف والتشيع الإمامي صنوان متلازمان كتلازم الظل لصاحبه، لا ينفكُّ بعضُهما عن البعض الآخر ولا يفترقان إلا بالبراءة من التشيع كله، كما أن التشيع الإمامي لايستقيم عُوده إلا به. وذلك أن أصولهم الحديثية وأجماعهم ومضانهم في الترجيح كلها على تقرير هذا بكل صرامة ووضوح، حتى صار من ضروريات مذهبهم، وإليك بيان ذلك:
* إن روايات الشيعة في تحريف القرآن والمنقولة عن أئمتهم المعصومين تربو على ألفي رواية، وهي فاقت حدَّ التواتر لأن التواتر عندهم ينعقد باثني عشر رواية بعدد الأئمة المعصومين [1].
* ليس عند الشيعة روايةٌ واحدةٌ تنفي التحريف وتُثبت خلافَه؛ أي تثبت حفظ القرآن.
* أجمع علماؤهم - إلا من شذَّ - على تقرير مضمون تلك الروايات في التحريف وعلى القول به والتزامه واعتقاده ودعوة الشيعة إلى التزامه واعتقاده.
وإذا علمنا أن الإجماع لا ينعقد عندهم إلا بانضمام قول المعصوم، فنقلهم الإجماع على تحريف القرآن صار حجةً شرعيةً قويةً قاطعةً ملزمةً للشيعة بموافقته لقول المعصوم.
ومن ناحية الصناعة الأصولية في التعارض والترجيح عند الشيعة:
فأن التواتر لا يندفع إلا بمثله أو أقوى منه، ولذلك فإن الرواياتِ التي تنفي التحريف ـ على فرض وجودها، وهي لاتوجد كما أشرنا آنفا - لا تقوى على إبطال الرواياتُ المتواترةَ في التحريف، وإذا أضفنا إلى ذلك أن الروايات التي في التحريف تخالف مذهبَ العامة ـ أهل السنة - فوجب ترجيحُها على غيرها كما هو مذهب الشيعة في اعتبار مخالفة العامة – السنة - من مضانِّ الترجيح عندهم عند التعارض [2].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/350)
فوجب ترجيح القول بالتحريف على عدمه وفق كل الاعتبارت. والشيعة ملزَمون بهذا الاعتقاد من كلّ الوجوه لاينفكون عنه ولاينفك عنهم، وليس عند الشيعة من الأحكام التي يُلزَمونَ بها ويلتزمونها وفق كل معايير الإلزام والالتزام كقضية التحريف، فقد بلغت من الإحكام وقوة الحُجّيّة ما لم تتوفر في أقوى أحكامهم ولا في الإمامة حتى.
أسباب القول بالتحريف عند الشيعة الإمامية:
وإذا علمنا أن من أعظم أسباب قولهم بالتحريف هو:
* عدم وجود ذكرٍ للإمامة ولا ذكرٍ للأئمة في القرآن التي هي أعظم أصول الشيعة، وهي التي يدور عليها قطب رحاهم.
* وجود ثناء ومدح لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن، وهم أعداء علي ومغتصبو حقِّه وحق أهل البيت بحسب اعتقاد الشيعة، إذ كيف يستقيم أن لا يُذكَر عليٌّ في القرآن ويُذكر أعداؤه ومغتصبو خلافته وحقه!؟.
* ولأن القرآن جَمَعَه الصحابةُ ـ وأخصهم أبو بكر وعمر وعثمان وبقية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهؤلاء مرتدون بزعم الشيعة، فكيف يوثق بالمرتدين ويؤتمنون على كتاب الله تعالى في حفظه وتدوينه وهم ـ بزعم الشيعة - ما أرادوا إلا الكيد للإسلام وأهله وممثليه الحقيقيين؛ وأخصهم علي وأهل بيته رضي الله عنهم أجمعين؟
إذا علمنا ذلك صار أمر التحريف أشد تلازما لهذه الطائفة وأشد ألتصاقاً بها.
لوازم القول بعدم التحريف عند الشيعة الإمامية:
ثم إن عدم القول بالتحريف له عند القوم لوازمُ التزموها وحذَّروا الذين لايلتزمونه – التحريف ـ ولايقولون به من شيعتهم أشدَّ التحذير من الوقوع فيها، حتى لاينفتح عليهم وعلى مذهبهم بابُ شر يقوّض التشيع من أصله وأساسه. وتلكم اللوازم هي:
* سقوط الاعتماد على رواياتهم وأخبارهم كما قرر ذلك المجلسي في "مرآة العقول" (12/ 525) بقوله: " إن الأخبار في هذا الباب متواترة معنىً، وطرحُ جميعِها يوجب رفعَ الاعتماد عن الأخبار رأساً ... ".
وأكَّد ذلك يوسف البحراني في "الدرر النجفية" بقوله (ص298): "ولو تطرق الطعنُ إلى هذه الأخبار ـ على كثرتها وانتشارها ـ لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعة كلها كما لايخفى [3]، إذ الأصول واحدة وكذا الطرق، والرواة، والمشايخ، والنقلة".
وأنا أرجو من القارئ اللبيب أن يتأمل هذا الكلام بدقة وإمعان فإنه يقولها صراحةً: إن مرويات الشيعة عن أئمتهم المعصومين؛ أصولها وطرقها ورواتها ومشايخها ونقلتها واحدة، فإذا طُعِنَ ببعضها طُعِنَ بباقيها لا محالة وهذا بدوره يفضي الى سقوط التشيع برمته لسقوط أصوله وطرقه ورواته ونقلته ومشايخه فلا ثقة بعد ذلك بشيءٍ البتة.
* إذا رُدَّت روايات التحريف رُدَّت معها روايات الإمامة لأنها - أي روايات الإمامة- لا تقصر عنها، إذ أن ردَّ هذه الكثرة الكاثرة من روايات التحريف ودفعها يُسقِط عدالة رواتهم ويسقط الاعتماد عليها رأساً، كما مرَّ آنفا قول المجلسي في "مرآة العقول" وفي تتمته قوله إشار إلى هذا اللازم: " بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر" [4]، أي لا سبيل لإثبات الإمامة بأخبارهم لأن الطرق المؤدية الى الإمامة هي نفسُها الطرق المؤدية إلى التحريف، فإسقاط بعضها ليس بأولى من إسقاط بقيتها، فتأمل!
* إن عدم القول بالتحريف يُثبت عدالة الصحابة - وأخصهم أبو بكر وعمر وعثمان - لأنهم هم الذي جمعوا كتابَ الله تعالى؛ بجهودهم وعنايتهم ورعايتهم، ومن كان أميناً في نقل كتاب الله تعالى فهو العدل الأمين، وذا ثبتت أمانتهم وعدالتهم، سقطت كل دعاوى الشيعة في الطعن عليهم واتهامهم بالخيانة والرِّدّة، وبسقوط هذه الدعاوى يسقط ويتهاوى صنم التشيع ويصير شذرَ مَذرَ وأثراً بعد عين. قال يوسف البحراني في الدرر النجفية (ص298) في تقرير هذا المعنى: " ولعمري إن القول بعدم التغيير والتبديل لا يخرج من حسن الظن بأئمة الجور وأنهم لم يخونوا في الأمانة الكبرى مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى التي هي أشد ضررا على الدين " ومراده أن يقول: إن القول بعدم التحريف لايخلو من حسن الظن بأبي بكر وعمر وعثمان، وأنهم لم يخونوا في قضية القرآن ولا الإمامة!!
وعليه، فإن قول الشيعة بالتحريف قولٌ لازم لهم لا ينفك عنهم ولا ينفكون عنه دون البراءة من التشيع كلِّه أولِه وآخرِه كما أسلفنا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/351)
الشيعة تخالف المعصوم وترد قوله في التحريف:
ورغم كل ذلك فلقد جرت من بعض مراجع الإمامية المعاصرين محاولاتٌ لدفع معرّة القول بالتحريف عند الشيعة مع ما فيه من تلك اللوازم الشنيعة على الشيعة والتشيع، وذلك بألوان من التخريجات والترقيعات، لكن الخرق كان متسعاً على راقعه إلى الدرجة التي يستحيل فيها رتقه بأي شكل من أشكال الرتق والترقيع ... فكان ماذا؟؟؟
إزاء هذا الركام من الروايات التي بلغت مبلغاً لم يبلغه أيُّ أمرٍ من أمور الشريعة لا عند السنة ولا عند الشيعة، حاول الخوئي في تفسير "البيان" ص226، أن يبعدها - بألوان من التمحّلات والتخريجات والترقيعات- عما دلت عليه من الإعتقاد بالتحريف، ولما أعجزته حقائق الروايات بكثرتها ودلالاتها الصريحة في التحريف، لم يجد بداً من القول والتصريح بـ " أن كثرة الروايات على وقوع التحريف في القرآن يورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين، ولا أقل من الاطمئنان بذلك، وفيها ما روي بطريق معتبر".
ماذا يعني ذلك؟ أنه القطع والجزم بصدورها ... عمّن؟ إنه صدورها عن الأئمة المعصومين ...
ثم ماذا؟ لا أقل من الاطمئنان بذلك ... فهي الطمأنينة بصدورها عنهم لا بل هي أقل ما تطمئن إليه النفس في ذلك.
وأخيراً وليس آخِراً: (وفيها ما روي بطريق معتبر).
هذا ما يقوله مرجع من مراجع الشيعة العِظام [5]!!! بل هو من أبرز علماء الشيعة المعاصرين لا خلاف في ذلك بين الشيعة ولا جدال، وله اختصاص في علم الحديث وعلم الرجال [6]، يقول هذا بعد البحث والتدقيق والتنقيب والمسح العام لكل روايات التحريف؛ خرج إلينا بهذه الحقيقة المُرّة، والنتيجة المُخزية. إنه يقولها بكل صراحة ووضوح؛ إن الإمام المعصوم يُخبرنا أن الذي بين أيدي الناس عبثتْ به الأيدي، وتلاعبت به الأهواء، فحُرِّف وبُدِّل، فهذا ما رواه الثقات المعتبرون عنه لأن (فيها ما روي بطريق معتبر).
فإذا كان هذا مذهب الأئمة واعتقادهم في كتاب الله تعالى، فما هو موقف المخالفين لهم في ذلك، وما الموقف منهم؟
في ضوء هذه المعطيات التي يترشح منها بكل وضوح موقف الأئمة من القرآن- بحسب العقيدة الشيعية-؛ لايحل للشيعي المتبع لإمامه المشايع له أن يخالفه في ذلك بأي حال من الأحوال، بل يلزمهم القول بالتحريف لأنه قول المعصوم الذين هم ملتزمون - بزعمهم - بقوله وأحكامه، وإلا تنتفي عنهم دعوى الاتّباع والمشايعة لهم، إذ أن الإمام بحسب الرواية الشيعية المتواترة - بل التي فاقت التواتر لفظاً ومعنى - كان يعتقد التحريفَ ويقول به، فمخالفة من خالف من الشيعة في ذلك مخالفةٌ صريحة للإمام وردٌّ لقوله في قضية مهمة وخطيرة جداً، والرادُّ عليه رادٌّ على الله؛ والراد على الله على حد الشرك بالله كما روى الكليني في الكافي (1/ 67 - 68)، فليختر الشيعي لنفسه أحدَ هذين الأمرين - وأحلاهما مُرّ -:
إما اعتقاد التحريف، وإما مخالفة الإمام المعصوم الذي يضع الشيعي على حدِّ الشرك بالله.
حيث إن إمامهم المعصوم الذي يزعمون مشايعته يقول لهم إن هذا الكتاب الذي بين أيديكم ليس كتابَ الله تعالى، وهم يخالفونه رادّين عليه قولَه؛ بل هو كتاب الله تعالى.
إن الشيعة حين يزعمون اعتقاد عدم التحريف – اليوم - يعني بكل بساطة:
* نسبةَ ما ليس لله تعالى، له، والله تعالى يقول: {ومن أظلم ممن أفترى على الله كذباً أو كذّب بآياته إنه لا يفلح الظالمون} [الأنعام: آية 21].
* تكذيبَ المعصوم في دعواه أن القرآن محرَّف.
* تصديقَ الصحابة في دعواهم بأن ما نقلوه إلينا هو كتاب الله تعالى الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم حقاً وصدقاً، وبالتالي فهم ثقات عدول استؤمنوا على كتاب الله تعالى فأدُّوه الى الناس، كما أُدّي إليهم.
وكل واحدة منها تكفي لنقض التشيع ـ كما سبق - فكيف لو اجتمعت!؟
ونحن إذ نقول ذلك لايغيب عن بالنا ـ ولا ينبغي أن يغيب أبداً ـ أن دعوى الشيعة اليوم بعدم تحريف القرآن إنما هي كيلٌ لنا من جراب النورة (التقية) [7]، تزييناً وتزويقا وترويجاً وتسويقاً للتشيع لإظهاره على غير صورته وحقيقته التي هو عليها تغريراً للدهماء والعامة فيه واقتناصاً وتصيداً للذين يجهلون التشيع وحقيقته.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/352)
لكن ذلك لا يمنعنا أن نبيّن لهم لوازمَ هذا القول ومبانيه حتى لو التزموه تقية، وإلا فهُم إن التزموه حقاً خرجوا من التشيع أوله وآخره؛ لشدة اللوازم الفاسدة التي تترتب عليه والتي ذكرنا طرفاً منها آنفاً. فلجوؤهم إلى التقية حينئذٍ ما هو إلا استجارةٌ من الرمضاء بالنار.
وإنما فعلنا ذلك كله نصحاً للعباد، وسدّاً للمنافذ التي يحاول الشيعة التسلل من خلالها، وملاحقةً لهم في الجحور والحجر التي يتسترون بها ويخفون فيها رؤوسهم:
وإذا عادت العقرب عدنا لها وكانت النعل لها حاضرة
--------------------------------------------------------------------------------
[1]- قال النوري الطبرسي: "الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث، وادعى استفاضتَها جماعةٌ كالمفيد، والمحقق الداماد، والعلامة المجلسي، وغيرهم". فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب: (ص227).
[2]- منهجية الشيعة في الترجيح في الأحكام التي تضمنتها مروياتهم عن المعصومين (!!) تقوم على أن الروايات التي تَرِد عنهم موافِقةً لأهل السنة تُترك والتي تخالفهم يؤخذ بها (!!!)، واستندوا في ذلك على مارواه الكليني في الكافي (1/ 67 - 68) عن جعفر الصادق جاء فيها: ((قلت: جُعِلتُ فداك، أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة، ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة والآخر مخالفاً لهم بأى الخبرين يؤخذ؟ قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد. فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعاً؟ قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل، حكامهم وقضاتهم، فيترك، ويؤخذ بالآخر ... )). ويقصد بـ (العامة) ـ هنا ـ (أهل السنة والجماعة).
ولقد كان ذلك من مقرراتهم الثلاثة المهمة في الترجيح كما قال محمد رضا المظفر في كتابه (أصول الفقه) (3/ 223): ((والنتيجة أن المستفاد من الأخبار أن المرجحات المنصوصة ثلاثة: الشهرة، وموافقة الكتاب والسنة، ومخالفة العامة. وهذا ما استفاده الشيخ الكليني في مقدمة الكافي)).
وقال السيد حسين الموسوي سائلاً محمد باقر الصدر: ((لو فرضنا أن الحق كان مع العامة (أهل السنة) في مسألةٍ، ماذا يجب علينا أن نأخذ بخلاف قولهم؟ قال: أجابني السيد محمد باقر الصدر مرةً فقال: فنعم يجب الأخذ بخلاف قولهم، لأن الأخذ بخلاف قولهم. وإن كان خطأ فهو أهون من موافقتهم، على افتراض وجود الحق عندهم في تلك المسألة)). "كشف الأسرار ص 92 ". ومحمد باقر هذا تَزعُم بعضُ الأوساط السنية أنه رجل معتدل، فإذا كان هذا حال معتدليهم، فما الظن بمتطرفيهم؟! وإذا كانت هذه أصولهم قائمة على مخالفتنا وأن فيه الرشاد (وموافقتنا تعني ـ بالمفهوم ـ سفهاً وطيشاً) فما فائدة دعوات التقريب إلا تعبيد الطرق لهؤلاء للتسلل إلى أوساطنا وإفسادها بمثل هذا الغثاء!؟
[3]- تأمل: (أخبار الشريعة كلها): يعني بذلك شريعة الشيعة التي تضمنتها مروياتهم عن الأئمة، فهو يقول: إن الطعن في أخبار التحريف طعن في شريعة الشيعة كلها و (كما لايخفى): أي بلغت لوازم هذا الأمر من الطعن في أخبار أئمتهم من الوضوح مبلغاً لا يخفى على أحد.
[4]- المجلسي: مرآة العقول (12/ 525). ونؤكِّد هنا – وبقوة – إن روايات التحريف فاقت روايات الإمامة بكثير، ولعل الله تعالى يهيء قريباً ما نثبت به هذا في بحث مستقل.
[5]- قال فيه علي الخامنئي: كان عالماً فقيهاً، عظيمَ الشأن، ومرجعاً كبيراً من مراجع هذا العصر.
وقال فيه السيستاني: كان ـ أعلى اللّه مقامه ـ نموذجَ السلف الصالح، بعبقريته الفذّة، ومواهبه الكثيرة، وملكاته الشريفة، التي أهلته لأن يعدّ في الطليعة من علماء الإمامية، الذين كرّسوا حياتهم لنصرة الدين والمذهب.
[6]- له كتاب (معجم رجال الحديث) في (25) مجلداً.
[7]- سنفرد قريبا مقالاًخاصاً بتوضيح قصة جراب النورة، ومركزية التقية في العقيدة الشيعية.
ـ[أبو الأزهر السلفي]ــــــــ[23 - 01 - 10, 04:55 م]ـ
جزاك الله والشيخ كل خير على هذا المقال المفيد الماتع ..
وجزى الله أسود السنة القائمين على مجلة الراصد وأخص بالذكر الشيخ الفاضل أسامة شحادة-وفقه الله لكل خير ونفع به الإسلام والمسلمين- ..
ـ[المشعل]ــــــــ[29 - 01 - 10, 07:58 ص]ـ
ما هو أفضل كتاب وأشمل في تناول هذه العقيدة المنكرة؟
ـ[كاوا محمد ابو عبد البر]ــــــــ[02 - 02 - 10, 12:56 م]ـ
بارك الله فيك ويمكنك مراجعة منتديات أنصار أل محمد السلفية المتخصصة في الرد على الرافضة بالتوثيق العلمي من كتبهم:
www.ansaaar.com
ـ[فلاح حسن البغدادي]ــــــــ[03 - 02 - 10, 06:48 ص]ـ
للشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله كتاب (الشيعة والقرآن) فضح به السبئية وعقيدتهم بالقرآن الكريم، نقل فيه رواياتهم الباطلة من كتبهم، وكان سبباً في قتله من قبل حرس الخميني عليه من الله ما يستحق
ـ[فادي بن ذيب قراقرة]ــــــــ[27 - 02 - 10, 09:26 م]ـ
جزاكم الله كل خير أخي الحبيب أبو الأزهر السلفي ونفع بكم
بورك فيكم
ورحم الله العلامة المجاهد إحسان إلهي ظهير
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/353)
ـ[أبو الأزهر السلفي]ــــــــ[27 - 02 - 10, 10:05 م]ـ
وفيكم بارك الله أخي الفاضل فادي قراقرة ..
ـ[فلاح حسن البغدادي]ــــــــ[28 - 02 - 10, 01:17 ص]ـ
روى الكليني في (الكافي: ج1ص239ر1) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟ قال قلت وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد!!!!!!!!!
لاحظ قوله (قرآنكم) وكأنه يتبرأ منه
وكونه أكبر من القرآن بثلاث مرات يستلزم أنه نزل خلال 69 سنة!
طبعاً حاشا أهل البيت أن يعتقدوا بهذا الكفر السبئي(60/354)
من يدلني كتب الشيخ يوسف الغفيص في باب الاعتقاد
ـ[نائف العمري]ــــــــ[23 - 12 - 09, 07:12 م]ـ
الله يخليكم يا أخوان أريد روابط لكتب الشيخ يوسف الغفيص في باب الاعتقاد ولكم جزيل الشكر وخالص الدعاء
ـ[ابن المبارك]ــــــــ[23 - 12 - 09, 08:41 م]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=996690
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=94014
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=140058
وفقك الله
ـ[نائف العمري]ــــــــ[25 - 12 - 09, 12:45 ص]ـ
شكرا الله سعيكم وغفر لك(60/355)
سؤال هام أرجوا الإفادة .. عن كلام الله لمخلوقاته .. ما هو الإعتقاد الصحيح ..
ـ[محمود فوزى]ــــــــ[23 - 12 - 09, 07:32 م]ـ
السلام عليكم وحمه الله وبركاته
كيف حالكم إخوانى؟ بخير إن شاء الله
الحقيقة أنا منذ فترة طويلة جداً رغبت فى الإشتراك لأتعلم منكم ..
فما شاء الله على الموقع موقع مميز والله أسأل أن يبارك فيه ..
ويرزق أهله الإخلاص والثبات على الحق ..
والله يعلم أننى فى المقام أعتمد على الله ثم عليكم فى الوصول للعلم ..
جعلكم الله سبباً فى تعليم المسلمين أمور دينهم ..
السؤال: أنا كنت أخطأت وتناقشت مع واحد من أهل الهوى .. لا يحترم الصحابة ..
وعندما سألته من أفضل عند الله نحن أم الصحابة؟ قال الله أعلم ..
وإنتهى النقاش أنه يقول أن الله تكلم مع سيدنا موسى عليه السلام فقط ..
ولم يتكلم مع نبى غيره .. عندما إستشهدت بكلام الله مع آدم عليه السلام ..
تهرب منى وبدأ يشكك فيا .. وقال كلام الله مع آدم عليه السلام وحى ومع باقى الأنبياء ..
بحثت وصلت لموقعكم وفهمت أن الله تكلم مع آدم وموسى ومحمد عليه الصلاة والسلام ..
ومع الملائكة وأبليس .. ومع العباد يوم القيامة .. ومع الشهداء كما فهمت من الأحاديث ..
السؤال أنا جهزت هذا الموضوع فأرغب فى المعرفة هل ما قلته صحيح ..
وأريد سرد للأدلة حتى تعلم لا مجرد ذكر لمكان الدليل لأنى لا أملك العلم لأبحث بنفسى ..
سأعرض ما قلته فى المشاركة ووجهونى وأظهروا لى أخطائى ..
ـ[محمود فوزى]ــــــــ[23 - 12 - 09, 07:41 م]ـ
ما جهزته مجرد جمع للتفاسير وكلام العلماء ..
(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)
تفسير إبن كثير: هَذِهِ مَقَامَات الْوَحْي بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَنَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَارَة يَقْذِف فِي رَوْع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَا يَتَمَارَى فِيهِ أَنَّهُ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَمَا جَاءَ فِي صَحِيح اِبْن حِبَّان عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ رُوح الْقُدُس نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوت حَتَّى تَسْتَكْمِل رِزْقهَا وَأَجَلهَا فَاتَّقُوا اللَّه وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَب ". وَقَوْله تَعَالَى" أَوْ مِنْ وَرَاء حِجَاب " كَمَا كَلَّمَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِنَّهُ سَأَلَ الرُّؤْيَة بَعْد التَّكْلِيم فَحُجِبَ عَنْهَا وَفِي الصَّحِيح أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجَابِرِ بْن عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا" مَا كَلَّمَ اللَّه أَحَدًا إِلَّا مِنْ وَرَاء حِجَاب وَإِنَّهُ كَلَّمَ أَبَاك كِفَاحًا " ..
روح القدس: جبريل عليه السلام ..
أباك: هو والد جابر عبد الله بن حرام ..
كفاحاً: بغير واسطة بحرف وصوت وسمعه عبد الله بن حرام ..
وهذا كلام إبن تيمية .. ( http://www.taimiah.org/Display.asp?t=book51&f=eban-00035.htm&pid=1)
.........................
تلك النقطة التى أريد توضيح مفصل وواضح لها ..
هل كلمة (قال) تعنى (الكلام) بصوت وحرف مسموع؟ ..
والأصل في القول أن يكون كلاما مسموعا بحرف وصوت إلا إذا قيد ..
وهل المعنى هذا أن فى الأصل القول هو الكلام .. طيب ما هو القيد؟ ..
وهل كلمة (قال) تحتمل (الوحى) ..
وهل كلمة (الوحى) تحتمل (الكلام) بصوت وحرف مسموع؟ ..
قبل أن نذكر من تكلم إليهم الله .. هناك جزئية أود التكلم عنها ..
عندما قال الله (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) .. والجميع فهمها أن الله كلم آدم ..
جاء البعض وقال هذا كان وحى!! .. حسناً .. أقول وبالله التوفيق .. ألفاظ القرآن دقيقة وإختارها الله بعناية ..
الله قال (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى) (سورة طه) ..
ثم قال (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) (سورة طه) هل نفهم أن الله أوحى لموسى؟ ..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/356)
الله قال لموسى عليه السلام إستمع لما يوحى .. يعنى كلمه الله ..
تفسير إبن كثير: وَقَوْله " وَأَنَا اِخْتَرْتُك " كَقَوْلِهِ " إِنِّي اِصْطَفَيْتُك عَلَى النَّاس بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي " ..
عَلَى جَمِيع النَّاس مِنْ الْمَوْجُودِينَ فِي زَمَانه .. إذن الوحى يحتمل الكلام ..
وكلمة (قال) كما فهمنا تعنى من سياق الآيات تعنى (الكلام) ..
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)
قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19)
فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى (21)
الله تكلم الى موسى عليه السلام .. وموسى عليه السلام كان يجيب الله ..
فهل قول الله (قال ألقها يا موسى) تعنى الوحى؟ .. بل (قال) تعنى (الكلام) ..
لأن الله إن أراد أن يخبرنا أنه أوحى لمخلوق يقول سبحانه ..
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ) (سورة القصص) ..
(وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) (سورة النحل) ..
فلو كان الله أوحى إلى آدم فى تلك الآية (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) ..
لقال (وأوحينا إلى آدم اسكن) .. لكن الله قال (وقلنا يا آدم اسكن) ..
فكلمة (قال) تعنى (الكلام) .. لأن الله عندما أخبرنا بكلامه لموسى عليه السلام ..
قال الله عن نفسه أنه (قال) ..
تلك الجزئية الهامة ..
....................
وهناك جزئية من الرسل الذين كلمهم الله ..
علينا العودة للتفسير: فى تفسير إبن كثير:
يُخْبِر تَعَالَى أَنَّهُ فَضَّلَ بَعْض الرُّسُل عَلَى بَعْض كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْض النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض وَآتَيْنَا دَاوُد زَبُورًا " وَقَالَ هَاهُنَا " تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّه" يَعْنِي مُوسَى وَمُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كل واحد يرجع للتفسير الذى يريحه .. أنا عدت لأفضل تفسير بفضل الله ..
وهذا تفسير الآية كاملاً ( http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=2&nAya=253&taf=
قال الشيخ الألباني :
ATHEER&tashkeel=0)..
ثم نقلت بعض ما وجدته من موقعكم ..
ثم عرضت بعض من تكلم إليهم الله ..
يتبع ..
ـ[محمود فوزى]ــــــــ[23 - 12 - 09, 07:45 م]ـ
كلام الله إلى الملائكة:
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) ..
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا) ..
كلام الله إلى إبليس:
سؤال: هل كلم الله إبليس بكلام مسموع بصوت وحرف أم بواسطة؟! ..
يجيب الطبرى فى تفسيره: قال الطبري في تفسيره ج23: ص185 سورة ص في قوله تعالى:
{{قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى}}:
[يقول تعالى ذكره قال الله لإبليس إذ لم يسجد لآدم وخالف أمره يا إبليس
{{ما منعك أن تسجد}}
يقول أي شيء منعك من السجود {{لما خلقت بيدي}}
يقول لخلق يدي يخبر تعالى ذكره بذلك أنه خلق آدم بيديه ... ] انتهى.
فخاطب الله تعالى إبليس ولا شك أن قول الله تعالى مسموع بحرف وصوت،
وخاطب الله تعالى الملائكة وفيهم إبليس كما في بداية الآيات فقال سبحانه:
{{إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين .. }}
كلام الله لبعض الرسل:
موسى عليه السلام:
(فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى)
نودى: نداه الله ..
يَقُول تَعَالَى فَلَمَّا أَتَاهَا أَيْ النَّار وَاقْتَرَبَ مِنْهَا نُودِيَ يَا مُوسَى وَفِي الْآيَة الْأُخْرَى " نُودِيَ مِنْ شَاطِئ الْوَادِي الْأَيْمَن فِي الْبُقْعَة الْمُبَارَكَة مِنْ الشَّجَرَة أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّه " وَقَالَ هَاهُنَا إِنِّي أَنَا رَبّك أَيْ الَّذِي يُكَلِّمك وَيُخَاطِبك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/357)
إبراهيم عليه السلام:
(وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)
هنا سؤال ما الذى يجعل النداء لإبراهيم هنا غير النداء لموسى فى الآية الأولى؟ ..
أنا لا أملك علم ..
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
وهل تكلم الله إلى إبراهيم عليه الصلاة السلام؟ ..
آدم عليه السلام:
(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)
تفسير إبن كثير: يَقُول اللَّه تَعَالَى إِخْبَارًا عَمَّا أَكْرَمَ بِهِ آدَم: أَنَّهُ أَمَرَ الْمَلَائِكَة بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيس وَأَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الْجَنَّة يَسْكُن مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء وَيَأْكُل مِنْهَا مَا شَاءَ رَغَدًا أَيْ هَنِيئًا وَاسِعًا طَيِّبًا. وَرَوَى الْحَافِظ أَبُو بَكْر بْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن عِيسَى الدَّامَغَانِيّ. حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل عَنْ مِيكَائِيل عَنْ لَيْث عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت آدَم أَنَبِيًّا كَانَ قَالَ " نَعَمْ نَبِيًّا رَسُولًا يُكَلِّمهُ اللَّه قَبِيلًا" - يَعْنِي عِيَانًا
خاتم الأنبياء محمد رسول الله:
أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)
ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال. قال فلما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها، من حسنها، فأوحى الله إليّ ما أوحى، ففرض عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة قال: ارجع على ربك فأسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال: فرجعت ربي، فقلت يا رب خفف على أمتي، فحط عني خمسة، فرجعت إلى موسى فقلت: حط عني خمسا قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فأرجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال: فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى – وبين موسى عليه السلام – حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى عليه السلام فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فأسأله التخفيف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحيت منه
ـ[محمود فوزى]ــــــــ[23 - 12 - 09, 07:55 م]ـ
كلام الله للسموات والأرض:
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ
....................
هنا أسئلة هامة .. أنا فهمت ولكنى لست متأكد .. أن القول قد يعنى الوحى؟ ..
طيب كيف نعرف أنه وحى من الله أو كلام بحرف وصوت مسموع؟ ..
وهل سؤال الله لمخلوقاته ثم يجبون ثم يجيبهم هل تعنى أنه تكلم إليهم؟ ..
وهل الله تكلم الى هؤلاء الأنبياء .. وهل النداء يعنى الكلام؟ ..
يحيى عليه السلام (يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً) ..
زكريا عليه السلام (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً)
عيسى عليه السلام (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) ..
(وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) ..
نوح عليه السلام (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)
(قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ)
وبإختصار من الأنبياء الذين تكلم إليهم الله .. مع عرض الدليل ..
لأنى أرغب فى تجهيز موضوع عن كلام الله لمخلوقاته ..
آسف على كثرة أسئلتى لكنى متعطش للعلم ..
أخوكم فى الله ..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/358)
ـ[محمود فوزى]ــــــــ[25 - 12 - 09, 04:42 م]ـ
أتمنى أجد إجابة قريبة ..(60/359)
أضحوكة ... يقولون أن العذراء ظهرت على كنيسة اليوم؟؟؟
ـ[أبو تراب السلفى الاثري]ــــــــ[23 - 12 - 09, 11:39 م]ـ
أضحوكة ... يقولون أن العذراء ظهرت على الكنيسة الفلانية اليوم؟؟؟
بعضهم يقول نور ظهر والبعض يقول على هيئة حمامة ......
اريد بالله عليكم امثل الردود على مثل هذه الاضحوكة
ـ[عبدالله محمود]ــــــــ[24 - 12 - 09, 12:24 ص]ـ
الأمثل "عدم التعليق! " والله أعلم
ـ[أبو اسحاق الصبحي]ــــــــ[24 - 12 - 09, 01:49 ص]ـ
الدلائل توضح هذا الخبل
وإليك بعض الروابط التي تفيدك
http://soutalhaq.net/forum/showthread.php?t=20315
ـ[أبو تراب السلفى الاثري]ــــــــ[24 - 12 - 09, 11:27 ص]ـ
جزاك الله خيرا شيخنا أبو إسحاق
ـ[عبدالملك السبيعي]ــــــــ[24 - 12 - 09, 04:06 م]ـ
http://aljame3.net/ib/index.php?showtopic=8201
ـ[أحمد بن عباس المصري]ــــــــ[25 - 12 - 09, 02:51 ص]ـ
تعليقاً على خدعة كنيسة الوراق
سعيد عبد العظيم
http://www.alsalafway.com/cms/multimedia.php?action=lesson&id=72978
ـ[أبو تراب السلفى الاثري]ــــــــ[25 - 12 - 09, 02:43 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[إسلام الغرباوي]ــــــــ[25 - 12 - 09, 03:37 م]ـ
هناك مقطع على اليوتيوب يدل عل أن مسألة ظهور العذراء مسألة مفبركة وخدعة عن طريق جهاز يسمى الهولوجرام
هذا الجهاز يصدر صورا في الهواء ولا يحتاج إلى سطح عاكس
ثم أن هناك فريقا من قساوستهم وغيرهم يقولون بأن هذه خدع وكذب
وأسهل شيء للرد على تلك التمثيليات أن يقال لهم: هل رأيتم مريم العذراء عليها السلام وتعرفون شكلها , وهل قالت لكم تلك الصور التي ظهرت أنا مريم العذراء مثلا!
ثم إن عندهم في كتابهم ما يدل على أن الشيطان قد يتمثل في صورة ملاك , فهل يوجد ما يمنع أن تتمثل الشياطين في تلك الصور
ويرد عليهم أيضا بأن عبدة الأوثان يوجد عندهم مثل هذه الأمور من ظهور لآلهتهم أو أن تقوم أصنامهم بفعل خارق للعادة في الظاهر , فهل هؤلاء على حق وهدى عندهم
ـ[ابراهيم خطاب]ــــــــ[25 - 12 - 09, 03:45 م]ـ
للعلم هذه ليست أول مرة يقولون ذلك تقريبا كل عام يقولون ذلك في عيد لهم أو ما شابه ذلك
ولكن للأسف هذه المرة وسائل الإعلام هي من ساعدتهم على نشر هذا الكلام
وإنا لله وإنا إليه راجعون
ـ[ياسر بن مصطفى]ــــــــ[25 - 12 - 09, 06:44 م]ـ
للأسف الشديد صارت وسائل الإعلام في مصر أبواق تنعق الكذب والغش والزور والبهتان والتدليس وتشويه المصلح وإصلاح المفسد
الفتنة التي حدثت بين مصر والجزائر من أجل مباراة كرة القدم الذي أشعل فتيلها ونفخ في نيرانها هم ثلة فاسدة من الإعلامين الذين لهم مصلحة مادية عن طريق إشغال الرأي العام مما يتيح لهم مشاهدة قنواتهم مما يدر المال الوفير من الإعلانات
وما أشبه الليلة بالبارحة وسائل الإعلام عن طريق الناعق اللا أديب هم من نفخوا في المسألة وأعطوها أكبر من حجمها ولا عجب فهم يريدون أي مادة والسلام
وكان حري ألا يلتفت إلى مثل هذه الأمور التي تخالف كل عقل ومنطق
الله المستعان
ـ[أبو أنس مصطفى البيضاوي]ــــــــ[25 - 12 - 09, 10:10 م]ـ
الأمثل "عدم التعليق! " والله أعلم
بورك فيك ونعم الجواب، بالمناسبة هل رأيتم سقوط بينيديكت بوم كنيسة الفاتيكان (ابتسامة)
انتظر تعليقاتكم على السقطة الجميلة
ـ[مصطفي سعد]ــــــــ[26 - 12 - 09, 12:34 ص]ـ
بورك فيك ونعم الجواب، بالمناسبة هل رأيتم سقوط بينيديكت بوم كنيسة الفاتيكان (ابتسامة)
انتظر تعليقاتكم على السقطة الجميلة
يا اخى كنت اظنها من الدور السادس و السبعين او المائة مثلا
لم تعجبنى هذه السقطة
ـ[أبو اسحاق الصبحي]ــــــــ[26 - 12 - 09, 02:31 ص]ـ
بورك فيك ونعم الجواب، بالمناسبة هل رأيتم سقوط بينيديكت بوم كنيسة الفاتيكان (ابتسامة)
انتظر تعليقاتكم على السقطة الجميلة
يا أخي سبحان الله هذا جزاء من تطاول على النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله هذا البيندكت يهان من شعبه وفي أرضه ووسط كنيسته ولم ينفعه رجال الأمن من حوله وأهين على يد إمرأة فلعل هذا يكون عبرة لمن يعتبر
بارك الله فيك
ـ[أحمد بن الخطاب]ــــــــ[26 - 12 - 09, 06:43 ص]ـ
قساوسة النصاري فقدوا علقولهم نتيجة إسلام الكثير منهم أنفسهم ومن رعاياهم ولأن الدين محرف وبه كثير من المتناقضات والخرافات فهو لا يستطيع إقناع اصحاب العقل الحر حتي من النصاري أنفسهم
لذا لا يجدون ما يروجون به لدينهم سوي إختلاق القصص المزعومه والخرافات عسي يثبتون البقية الباقية منهم
ونحن إذ نري ما يحدث لا يسعنا إلا أن نقول
الحمد لله علي دين لا تجد فيه ما يجعلك تخجل
الحمد لله علي نعمة الإسلام وكفي بها نعمه
ـ[أبو صاعد المصري]ــــــــ[26 - 12 - 09, 05:16 م]ـ
و هذا يقولونه كل عام تقريباً و أذكر أنني لما كنت في السنة الأولى من الجامعة في عام 2000 م بمدينة أسيوط و كانت هناك كنيسة جديدة تم بناؤها و أرادوا أن يعملوا لها شهرة كبيرة فقالوا أن العذراء تظهر عندها و ما زالوا يقولون ذلك و كنت أرى الباصات تأتي محملة بأفواج الناس من جميع أنحاء الجمهورية إلى تلك الكنيسة و قد ذهبت إلى ذلك المكان (خارج الكنيسة) لأرى ما يزعمون و وقفت مع النس و هم يصيحون: انظروا ها هي العذراء و أشهد الله أنني لم أر شيئاً لكن لم أستطع قول ذلك و إلا لقتلوني و الله يغفر لنا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/360)
ـ[عامر الحربي]ــــــــ[28 - 12 - 09, 02:59 م]ـ
نسأل الله العافية والحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة
ـ[أبو تراب السلفى الاثري]ــــــــ[28 - 12 - 09, 08:02 م]ـ
امين يارب العالمين
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[29 - 12 - 09, 02:45 ص]ـ
العذراء والزهراء في مصر والعراق!
شريف عبد العزيز
ذكر ابن الأثير وابن كثير في أحداث سنة 398 هجرية، أن الحاكم بأمر الله الفاطمي بتخريب كنيسة القيامة في بيت المقدس، وذلك بسبب البهتان الذي يتعاطاه النصارى في أعيادهم من النار التي يحتالون بها علي العوام، والتي يوهمون جهلتهم أنها نار نزلت من السماء، وإنما هي مصنوعة من البلسان في خيوط الإبرسيم، والرقاع المدهونة بالكبريت بالصنعة اللطيفة التي تروج علي الطغام، ويروجون علي العوام أنها صور العذراء والقديسين والمسيح، فافتتن بهم خلق كثير من أهل بيت المقدس والشام، ثم قال ابن كثير بعد ذكر الخبر: ومازال النصارى حتى الآن يفعلونها عند الموضع نفسه، أي حتى سنة 765 هجرية.
الأقليات وصناعة الأوهام
ففي الوقت الذي فيه الجدل محتدما في مصر علي خلفية شائعة ظهور السيدة العذراء عليها السلام فوق أبراج الكنائس بالوراق وشبرا، تعلن مصادر صحفية عراقية أن عدة حالات لظهور السيدة الزهراء رضي الله عنها وعليها السلام، قد سجلت في محافظة بابل العراقية، وشهدها العشرات من أبناء الطائفة الشيعية، وانتشر الخبر في أرجاء العراق كلها.
فما سر التوافق الغريب بين الحادثتين علي الرغم من تباعد البلاد، واختلاف العقائد؟
السر وراء التوافق بين نصارى مصر وشيعة العراق هو فكر الأقليات الموتورة التي تحمل إرثاً تاريخياًَ من العداوة التي تحتاج من وقت لآخر لما يغذيها وينفخ في أورها، ويؤجج نارها، ليبقيها حية متقدة في قلوب أتباعها، فالأقليات دائماً ما تبحث عن ما يعضد موقفها المخالف للسياق العام للأوطان التي تعيش فيها، فالأقلية تختلف عقائدياً وفكرياً وربما عرقياً مع الأغلبية، وهذا الاختلاف يورثها ضعفاً وانكفاءً علي الذات، وهذا العقلية دائماً ما تبحث عن الكرامات والمعجزات التي تضمن السيادة الفكرية علي عقول الأتباع حتى لا ينساقوا مع الاتجاه الغالب الذي عادة ما يقوي أقوي صوتاً وأجرأ في طرح أفكاره ومعتقداته، ويمتلك الأدوات التي تمكنه من نشر ما يريد وحجب ما يريد [علي فرض وقوع ذلك فعلاُ في بلاد الإسلام خاصة مصر] ومن ثم فإن الأقليات عادة ما تفشل في نشر أفكارها وعقائدها وتواجه تآكلاً في مجموعها عبر السنين، وهذا ثابت تاريخياً وحالياً، فلا توجد أي أقلية علي وجه الأرض صمدت أمام تيار الأغلبية وبقيت حية عبر السنين من غير تناقص واضمحلال غير المسلمين الذين إذا كانوا أقلية في بلد ما فإنهم بما يملكونه من منهج سديد ودين صحيح وعقيدة سوية، يتمكنون من البقاء والنمو والازدهار حتى يصبحوا هم الأغلبية لكثرة من يضم إليهم ويتبع دينهم.
العذراء في مصر
نصارى مصر يواجهون أزماتهم الداخلية الكثيرة والمتزايدة مثل خلافة البابا شنودة والصراع بين القساوسة علي من يخلفه، وملف الانقسام الذي أحدثه القس المنشق ماكسيموس الأول والذي تبعه زيادة عن مليونين من نصارى مصر، ومعركة التنصير المتبادل بين الإنجيليين والأرثوذكس، والملف الثقيل المؤرق للأعداد المتزايدة من المهتدين للإسلام، والذي بلغ حسب آخر الاحصائيات 6000 مهتد سنوياً، أضف لذلك الصدامات الطائفية التي تحدث من وقت لآخر والتي تزايدت حدتها في الآونة الأخيرة بعد الشعور بالقوة قليلاً لدي الأقلية النصرانية نتيجة بعض المكاسب السياسية التي حصلها عليها من جراء استعداء العالم الخارجي علي الحكومة المصرية، هذه الأزمات الثقيلة والملفات الملتهبة لم تعد يجدي معها الإستقواء بأمريكا والاتحاد الأوروبي، ومن ثم بدأت فكرة البحث عن معجزة وكرامة، ولم يجد نصارى مصر أفضل من مسألة ظهور العذراء لتكون طوق النجاة لشعب الكنيسة الذي يعان يمن أزمات طاحنة، لذلك تهافتت أعداد كبيرة منهم علي مسرح الحادث المفبرك، وفي مشاهد مؤثرة أجهش الكثير بالبكاء، وهتفوا بأقوال من عينة: السيدة راضية عنا، البركة حلت علينا، إحنا صح وغيرنا لا، الخير جانا وحيانا، وهكذا من الأقوال التي تصنف في خانة استرواح القلوب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/361)
المهمومة ونفث الصدور المكبوتة.
العجيب في الحادثة ليس في توافد الأعداد الكبيرة لمسرح الحادث المفبرك، ولكن في تواجد أعداد كبيرة من المسلمين الذين دفعهم حب الفضول لرؤية الأمر، واستغلال النصارى للأمر في تصوير أن الحادث قد أثر في نفسية المسلمين وصدقوه وافتتنوا به، علي الرغم من عدم تسجيل أي دليل علي ما ذهب إليه النصارى، بل جاءت الحادثة المفبركة لتواجه عاصفة من المعارضة القوية خاصة من جانب الكنيسة الإنجيلية التي وصفت الأمر بأنه نوع من الدعاية الرخيصة التي تقوم بها الكنيسة الأرثوذكسية كما صرح بذلك القس صفوت البياضي زعيم الإنجيليين في مصر، وسخر القس صفوت من أمثال هذه الحوادث وقال بلهجة ساخرة: لماذا لا تظهر العذراء إلا علي أبراج كنائس الأرثوذكس فقط؟ ولماذا لم يظهر المسيح نفسه؟ وبلغ به الإنكار أن وصف الحدث بأنه خرافة تضحك بها الكنيسة علي البلهاء، في حين وصف رفيق حبيب الناشط والمفكر القبطي الحادثة بأنها تكريس لأزمة متأصلة في المجتمع القبطي الذي يبحث عن دعم معنوي وروحي مستمر لمواجهة أزماته المتعددة، وفي لافتة نادرة أعرب وسائل الإعلام المصرية عن تشككها في صحة الخبر، وظل الأرثوذكس في صمت رهيب تجاه الاتهامات الإنجيلية، حتى عودة البابا من رحلة العلاج من بالخارج، وكان رده بالغ القسوة خاصة ضد القس صفوت البياضي، حيث وصفه بالمعقد فاقد الإيمان، ووصف منكري الحادثة بأنهم لا يؤمنون أصلاً بالعذراء التي لا تظهر إلا لمن ترضي عنه.
الزهراء في العراق
الأمر في العراق لا يختلف كثيراً عن نظيره في مصر، فعلي الرغم من أن الشيعة يشكلون نسبة كبيرة من تركيبة الشعب العراقي، وعلي الرغم من مقاليد الحكم في العراق بأيدي الشيعة الذين تعلقوا بأذيال الاحتلال وساروا في ركاب دباباته حتى انتزوا علي كرسي السلطة بالعراق، إلا أن فكر الأقلية الموتورة ما زال يعشش في عقول أبناء الطائفة الذين ظلوا لمئات السنين لا يغادرون خانة المحكوم، وعقائدهم التي تصورهم في صورة المظلومين الذين سلبت منهم حقوقهم، وتضطرم أنفسهم بالحقد والحسد علي حكامهم من أهل السنة، ويتحينون الفرصة لتفريغ شحنات السنين الطويلة علي من وصفهم بالظالمين لآل محمد.
شيعة العراق الذين يشكلون قرابة ال40% من سكان البلد المحتل، ما زالوا أسري للأوهام والخرافات التي تحتل مساحة كبيرة من دينهم وعقائدهم، وهذه الخرافات تحتاج علي الدوام من يؤججها ويبقيها قيد الحياة بشتى الأساليب، لذلك فخرافة ظهور الزهراء عليها السلام ورضي الله عنها، ترتبط عند الشيعة بالمناسبات الدينية في عقائد الشيعة، فالشيعة الآن يدعون ظهورها قبيل قدوم المناسبة الكبرى في دين الشيعة وهي مناسبة كربلاء والتي قام علي أكتافها معظم خرافات وأوهام الدين الشيعي، والتي يبالغ الشيعة في تعظيمها، وتشكل عقل ووجدان كل شيعي علي وجه الأرض، فليس مستغرب أبداً أن تكون حادثة ظهور الزهراء قبيل العيد الكبير عند الشيعة وهو عيد كربلاء.
وبجانب التأكيد علي حيز الخرافة في دين الشيعة، فأن للشيعة أهداف أخرى من الترويج لهذه الحادثة منها خداع البسطاء والعوام من مسلمي العراق الذين تبهرهم أمثال هذه الأساطير، خاصة والعقل الجمعي العراقي يقبل مثل هذه الخرافات، أي أن نشر الدين الشيعي علي أجندة الحادثة، ومنها أيضا استغلال الحادثة سياسياً في موسم الجدل المحتدم حول قانون الانتخابات، للتأكيد علي وقف الزهراء بجانب الشيعة المظلومين، وهذا ظاهر في تصريحات المعلقين الشيعة علي الحادثة والذين اعتبروها نصراً من السماء ومن آل محمد لأتباع آل محمد المظلومين عبر السنين.
ولعل القاسم الأكثر وضوحاً فيما أقدم عليه نصارى مصر وشيعة العراق أن كلا الفريقين يميل في معتقده لتقديس الذوات والأشخاص، والميل نحو تجسيم الذات الإلهية في أشخاص بعينهم، والغلو في بعض المخلوقات حتى رفعوهم لمرتبة المعبود من دون الله عز وجل، فالنصارى يغالون في المسيح وأمه عليهما السلام، حتى عبدوهم من دون الله عز وجل، والشيعة يغالون في علي رضي الله عنه وذريته من بعده، حتى أسبغوا عليهم صفات لا تليق إلا بالله عز و جل.
والذي نعتقده أن مريم العذراء وفاطمة الزهراء رضي الله عنهما وعليهما السلام هما أنقي البشر وسيدتا نساء العالمين يقيناً، وهما أسمي وأطهر وأعلي من كل هذه الخرافات والأوهام والأباطيل التي لا تروج إلا علي الجهال والمغفلين.
مفكرة الاسلام
http://www.tanseerel.com/main/articles.aspx?selected_article_no=2076
ـ[أبو الوليد السلفي السكندري]ــــــــ[29 - 12 - 09, 03:13 م]ـ
السلام عليكم إليكم توضيح من أخيكم الصغير
لم يتكلم عن ظهور العذراء من النصارى إلا الطائفة الأرثوذكسية وأما الإنجيلين فهم أعقل الأغبياء والبروتوستنت كذلك يرفضون هذا الاعتقاد وأما الأرثوذوكس فلديهم توكيل حصري لظهور العذراء وقد أقسم لي أحد الأخوةأنه كان هناك افتتاح أحد المحلات وكان يوجد كشافات ليزر فاجتمع البلهاء وقالوا ظهرت العذراء
وكل مايفعله النصارى في الكنيسة المصرية الآن إنما هو رقصة المذبوح فقد فضحهم الله وهتك سترهم بأعمال أخيكم /وسام عبد الله قاهر النصارى وله أكثر من خمسمئة مناظرة بين عربية وإنجيليزية وآخرها كان مع القمص عبد المسيح بسيط الشهير بالفار بسيط (أستاذ الدفاع اللاهوتي) وأفحمه أخوكم في مناظرة دامت لحوالي خمس ساعات
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/362)
ـ[أبو تراب السلفى الاثري]ــــــــ[29 - 12 - 09, 11:08 م]ـ
جزاك الله خيرا يل أبا الوليد
ـ[أبو عاصم البركاتي]ــــــــ[30 - 12 - 09, 09:50 م]ـ
السبب في ذلك عند النصارى وعند الروافض وعند الصوفية هو الجهل ومعاداة العلم
ـ[عاشور العدوى]ــــــــ[31 - 12 - 09, 02:46 ص]ـ
رابط ذات صلة بالموضوع رائع جدا
http://www.muslimchristiandialogue.com/vb/showthread.php?t=8729
ـ[أبو معاذ الأنصاري]ــــــــ[31 - 12 - 09, 09:00 م]ـ
هذا من إفلاس الكنيسة ....
شكرا
ـ[أبو معاذ الأنصاري]ــــــــ[31 - 12 - 09, 09:01 م]ـ
هذا من إفلاس الكنيسة ....
شكرا(60/363)
تفريغ لشريط ممتع جدا بعنوان: إنا خلقنا الانسان. للشيخ يوسف الغفيص
ـ[إبراهيم الفوكي السلفي]ــــــــ[24 - 12 - 09, 09:47 ص]ـ
إنا خلقنا الانسان
للعلامة المتفنن يوسف الغفيص – بارك الله في عمره –
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى صحبه واله ومن والاه وبعد:
هذا تفريغ لشريط قيم جدا للشيخ يوسف الغفيص – حفظه الله – وقد ألقى هذه المحاضرة بمسجد مكة المكرمة بتاريخ 11 - 12 - 1424 هـ وكان عملي في التفريغ كالآتي:
- فرغت المادة حرفيا ولم أتصرف في شيء إلا في صيغة الصلاة والسلام على رسول الله فقد اعتمدت في كل مرة (صلى الله عليه وعلى اله وسلم)
ملحوظة 1: الشريط ابتدأ من دون مقدمة
ملحوظة 2: ذكر الشيخ فائدة وردا عزيزا على من كان ديدنه واشتغاله تجريح الناس وقد أشرت لها باللون الازرق
اسأل الله تعالى أن يهدينا الى الانصاف والوسطية ويغفر لنا
قال الشيخ حفظه الله:
......... ولهذا قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله (إن جميع الحدود التي شرعت المقصود منها إقامة العدل بين الناس وليس المجازاة والدليل على هذا انك ترى كثيرا من الكبائر والموبقات ما فيها حدود في الدنيا الغيبة ما فيها حد في الدنيا النميمة ما فيها حد في الدنيا الربا ما فيها حد في الدنيا مع أن الله يقول {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} البقرة279 ومع ذالك صاحب الربا لو جمع الربا ليل نهار يقال إنه فاعل لكبيرة لكن أن تقطع يده أو يقطع رأسه لا يكون ذالك، إنما شرعت هذه الحدود على هذه الذنوب إقامة للعدل بين الناس
فإن قال قائل هل يمكن أن هذه الكبائر وحدها هي التي تسبب إسقاط نظام العدل والحقوق بين الناس، قد تكون بعض الذنوب التي ما نص أن لها حد قيل هذا داخل في حد الحرابة أو داخل في باب التأديب
ولهذا نرجع إلى مقدمة حديثنا أيها الاخوة عند ذكر الله لقوله سبحانه {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} الإنسان2 أيها الاخوة لنكن جميعا نقف مع بعض الايات ونجمع بعض الصفات التي وصف الله بها الانسان
قال الله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ} الأحزاب72 لاحظ في صفة هذا الانسان قال {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} الأحزاب72 لم يقل ظالما بل قال {ظلوما} وهذه صيغة مبالغة {جهولا} أي أنه كثير الظلم كثير الجهل، هذه الطبيعة أيها الاخوة موجودة في من؟ هل هي موجودة في المسلمين أو في الكفار؟ هذه الطبيعة موجودة كامنة نقول كامنة لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس ظلوما الصحابة تخلصوا من عامة الظلم ومن عامة الجهل وإن كان لا يعصم الا المعصوم من الرسل لكن الظلم والجهل هو طبيعة كامنة في نفس كل إنسان الا من اختصه الله واصطفاه من الرسل
هذه الصفات نتحدث الان عن الصفات الكامنة في نفس كل واحد منا في نفسي وفي نفسك وفي نفس أي شخص مسلم كان أو كافر برا أو فاجرا كامن في نفسه أنه ظلوم كامن في نفسه انه جهول
من صفات الانسان العجلة قال الله تعالى {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} الأنبياء37 هذا الوصف كأن مادة العجل خلق منها الانسان مع أن الامر ليس كذالك لايوجد مادة في السماء ولا في الارض اسمها مادة العجل لكن قال الله تعالى {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} الأنبياء37 وكأن هذه مادة كونت هذا الانسان أو كوّن منها هذا الانسان
إذن يجب أن ندرك إدراكا جازما أن العجلة كامنة في نفس كل واحد منا وأنه من الطبيعي جدا أن تكون كثير من مواقفهم خاصة أو العامة ...... بمادة من هذه العجلة التي كأنها هي مادة هذا الانسان
من صفات الانسان الهلع، ومن صفات الانسان أنه ينسى {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} الإسراء83 ومن صفات الانسان النسيان المحض {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ} طه115
ومن صفات الانسان أنه ليس له عزم على التمام {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} طه115
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/364)
هذه الايات أيها الاخوة لسنا بصدد الاستقراء لكل آحاد هذه الصفات في القران ولكن ونحن نقرأ آيات الحج أو آيات الصلاة أو آيات الطلاق أو آيات الاحكام يجب أن نقرأ من القران الحديث عن هذا الانسان وأن نتعرف عليه لأنه سبحان الله ما هناك مخلوق مثل هذا الانسان في خلق الله، الملائكة صحيح أنهم أولياء لله تعالى وأن الله اصطفاهم ... الخ لكن ليس من الملائكة أحد يخرج عن طاعة الله لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، ولذالك ما فيه ملك إمام في الخير وإمام في الشر كلا، البهائم لا يوجد منها ذالك كل المخلوقات لكن هذا الانسان تجد أن الله يجعل جمعا منه في منزلة والجمع الاخر في منزلة وبين ذالك قواما كثيرا من الناس
لاحظ هذا الانسان قال الله تعالى عنه {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} يونس62 بمعنى أن هذا الانسان يرتقي يرتقي يرتقي إلى أن يصل إلى حد أنه يصبح وليا لله جلّ وعلا يقول الله سبحانه وتعالى كما في الحديث القدسي (من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب) مع أنه هو الانسان بيديه ورجليه وبصفاته الكامنة كالظلم والجهل والعجلة والهلع وقلة العزم والنسيان وغيرها
وتجد أن هذا الانسان ينحرف وهو نفسه الانسان وبصفاته الكامنة فينحرف إلى طريق الشمال شيئا فشيئا ويسير إلى أين يصل؟ ليصبح في عداد القران هو أسوأ المخلوقات التي خلقها الله على هذه الأرض يقول الله تعالى {إن شر الدواب} ما قال شر الناس الدواب كل ما يدب على الارض قال {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} الأنفال22 ولاحظ سياق القران يقول الله {الصم} مع أنهم ليسوا صما لكن لأنهم عطلوا هذه الصفة {البكم الذين لا يعقلون} يا سبحان الله كيف هذا الإنسان انتقل مرة فأصبح وليا لله وأشرف مخلوق على الأرض وانتقل فجأة ليصبح شر الدواب على الأرض
هل هؤلاء الذين أصبحوا أولياء الله خلقهم الله بصفة مختلفة؟ أبدا كل الناس خلقهم الله على نظام وقانون واحد وإنما يأتي ما يسمى بعقيدة أهل السنة والجماعة بمسألة لطف الله سبحانه وتعالى وتوفيقه وهدايته وما إلى ذالك أما الصفات الذاتية القولية فهي في الناس في أصلها واحدة وإن كانوا يتفاوتون في مداركها بعض الناس مادة الظلم عنده تبقى إلى آخره لكن أصل هذه الصفات كامنة موجودة بمعنى أن المؤمنين والأولياء آمنوا وصاروا أولياء ليس لأن الله خلقهم وليس في نفوسهم مادة الظلم أو الجهل أو النسيان أو غير ذالك، وليس أن اولائك خلقهم الله وليس في نفوسهم إلا مادة الشر الله خلق الناس وقال عن خلقهم {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} الشمس7 وهي النفس البشرية التي هي محط هذه الصفات قال {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} الشمس8 إذن هذا هو قانون كل نفس بشرية أن فيها فجور وأن فيها تقوى
هذا الفجور أين هو في أبي بكر؟ هذه التقوى أين هي في أبي جهل؟ نقول هذا الحديث القرآني حديث ليس على الشيء القائم حديث عن الصفات الكامنة، هذه صفة كامنة فيه نفسه كما لو استعرضت مثلا صحيفة ووضعتها بهذا الشكل جانب منها اسود وجانب منها أبيض نفسه تلتقط كل ما يناسب هذا البياض فهو يدخل في التقوى وما يناسب هذا السواد فهو يدخل في الفجور فيولد الانسان ونفسه على هذه الصفة يولد الانسان ونفسه قابلة للخير قابلة للشر {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} البلد10 وإلا لو خلق الله الانسان قابل للشر تماما ما أصبح مكلفا لأنه لا يمكن أن يكلف وهو لا يطيق ولو خلقه الله قابلا للخير تماما لصار مثل الملائكة
ولا نفترض أن الكفار قابلون للشر وأن المسلمين عندهم قبول للخير كلا كل إنسان قابل للخير قابل للشر ولذالك ترون كم من الكفار اسلموا وربما كم من المسلمين ارتدوا أو كفروا، هذا القبول للخير والشر لما ينزل للانسان ويبدأ سن التمييز لاحظ من رزق الله أن الله ما يكلف الانسان إلى أن يبلغ سن البلوغ ببلوغ خمسة عشر أو أحد علامات البلوغ المعروفة، طيب في سن التمييز أليس يعقل؟ يعقل في سن التمييز يعقل الانسان لكن من باب الرفق بالانسان وحتى تجتمع قواه ويجتمع تركيزه ويصبح مسؤولا عن قراره ومسؤولا عن تصرفه قبل سن التكليف مهما فعل ما يؤاخذ عند الله سبحانه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/365)
نعم أمر الله المسلمين أنهم يعلمون صبيانهم الصلاة وإلى آخره والاداب لكنه غير مكلف لو مات قبل أن يبلغ سن البلوغ فهو في الجنة وليس من أهل العذاب عند الله سبحانه وتعالى إذا ما بلغ سن البلوغ أصبح مسؤولا عن تصرفاته
طيب هذا العالم الذي انفتح عليه مابه؟ هل فيه الخير الذي يقوي جانب الخير أو فيه الشر الذي يقوي جانب الشر هذا عالم مفتوح، الشر مفتوح منذ أن عصى إبليس وكفر ومنذ أن نزل آدم بعد معصيته وأكله من الشجرة فنزل الى الارض ولهذا ترون أن الله سبحانه لما جاء لقصة إنزال ادم الى الارض الملائكة كان لها موقف ذكره الله في القران كثيرا ومن العجب ولا عجب من آيات الله أن الله ذكر قصة الملائكة مع آدم كررت في القران، مع أنه عندنا أحكام شرعية كثيرة ما ذكرها الله في القران حتى عمر قال (إن الله لو فصل لنا في الربا) يعني في أحكام الان مشكلة عند كبار ائمة الاسلام مثل علة الربا ماهي؟ هذه تعتبر من مشكلات الفقهاء أو من المشكلات عند الفقهاء ما فصلت في القران، أحكام كثيرة من الزكاة والصوم وما غلى ذالك والحج ... ما فصلت في القران
هنا سؤال لماذا فصل الله هذه القصة مرات في القران في صور متعددة لان هذه المعاني أيها الاخوة إذا استوعبها الانسان أصبح إنسانا يعني بسيطا من جهة تصرفاته ولكنه يسير على أمر الله ولهذا تجدون الرسل في حديثهم لقومهم يذكرون جملة يقولون اعبدوه الله .. الخ لكن فيه جملة تجدها في قصص الانبياء من المهم أن نتذكر فيها هي جملة {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} ص86 إذا استجاب الانسان للايات الكونية والشرعية استجابة صحيحة وعادلة أصبح شخصا غير متكلف لا في أخلاقه ولا في تعاملاته ولا في تعبده ولهذا يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن هذا الدين) لم يقل الصلاة أو الصوم والحج والزكاة أو كذا قال إن هذا الدين) جميع الدين (يسر ولن يشاد الدين أحدا الا غلبه) الله لما أراد أن ينزل آدم بعدما أكل من الشجرة ماذا قالت الملائكة قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} البقرة30 الملائكة كان منطقهم هذا من أين أتوا به؟ كانت الجن قبل بني آدم في هذه الارض وكانوا يسفكون الدماء ويفسدون فيها فلما جاء خبر الله للملائكة أنه سيجعل خليفة في الارض خليفة عن الجن وليس خليفة لله كما يفهم البعض {إني جاعل في الارض خليفة} ليس عن الله إنما خليفة عن هذا المخلوق الذي أفسد وكثر فساده وغلب فساده على خيره وهم الجن {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ} البقرة30 إذن المقام مقام تعبد لك سبحانك قالت الملائكة {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} ماذا قال الله؟ هل قال إن هذا المخلوق الجديد وهم الآدميون لم يفسدوا ولم يسفكوا الدماء لا، إنما قال الله {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} البقرة30 وفعلا ما تخوفت منه الملائكة هل وقع أو لم يقع؟ وقع اول ما نزل آدم وجاءه الولد {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ} المائدة27 أول حركة حصلت من بني آدم هي هذه العملية التي تمت بين ابني آدم أن قتل أحدهما الاخر وحصل الفساد في الارض بنص القران {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} الروم41 إذن كل ما قالته الملائكة وقع فأين معنى قوله سبحانه {إني أعلم مالا تعلمون} ليس المراد منها إني أعلم مالا تعلمون أي أنهم لن يفسدوا ولن يسفكوا الدماء ليس هذا معناها، لأن سفك الدماء كثر ولأن الفساد كما ذكر القران {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالبحر} الروم41 حتى البحر فيه فساد {بما كسبت أيدي الناس
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/366)
إذن ما معنى إني أعلم مالا تعلموت؟ هذه حكم الخالق المطلقة التي لا يحيط بها أحد إذن هذا التناول وهذا التفصيل أيها الاخوة في كتاب الله لهذا الانسان يجب أن نقف معه وأن ندرك أن الانسان خلقه الله قابل للخير قابل للشر ولكن إذا ورد علينا سؤال أي هذين القبولين أقوى عند الانسان؟؟ قبوله للخير أم قبوله للشر فإن الجواب هو أن قبول الانسان للخير أقوى وأظهر وأتم من قبوله للشر وهذه من نعم الله على الانسان ومن كرم الله لبني آدم كلهم أن جعل قبولهم للخير أظهر وأقوى من قبولهم للشر، ما دليل ذالك؟ ما الذي يثبت ذالك؟ تثبت ذالك الايات الشرعية من الكتاب والسنة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الصحيحين عن أبي هريرة (كل مولود يولد على الفطرة) هل هذا المولود الذي يولد على الفطرة كيف يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كل مولود يولد على الفطرة) والقران يقول {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} الشمس8 والقران يقول {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} البلد10 أي طريق الخير وطريق الشر فكيف أنه هدي النجدين وكيف أنه ألهم الفجور والتقوى والنبي يقول {كل مولود يولد على الفطرة؟ نعم هو قابل للخير قابل للشر لكن لما ينزل إلى الارض توضع قدمه بقدر الله على أي الطرق؟ على خط الخير أو على خط الشر؟ توضع على خط الخير وهي تستمر تلقائيا على خط الخير لان الرسل والانبياء والدعاة الى الله على منهج الرسل ييسرون للناس هذا الطريق ويدلون عليه ولكن قد ينحرف الانسان بسبب خارج عن مبدئ خلقه الاول عامل من خارج يجر هذا الانسان وهذه الخطوة الخيرية في الانسان لتنحرف وتسير في طريق الشر هنا ياتي سؤال كيف انحرف الانسان؟ لانه قابل للشر لكن هل انحرف تلقائيا؟ الجواب لا ولهذا قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرناه او يمجسانه) هل كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتحدث عن الوالدين فقط؟ وعن ثلاثة اديان؟ لا هذا مثل أمثلة هذه بمعنى أن كل انحراف لك أن تقول فمجتمعه فنفسه الامارة بالسوء تحرفه، ولذالك بعض الناس ليس بسبب الوالدين بسبب نفسه ولكن المقصود أن هناك سبب آخر اجتر الانسان عن خطوة الخير التي وضعه الله عليها وحرك فيه القوى الكامنة المتحركة الى الشر فتحرك من جهتها
ولهذا اما ان يسير الانسان في درب الخير المحض أو يسير في درب الشر المحض أو يكون يبن ذالك قواما مرة هنا ومرة هنا وهؤلاء هم الذين خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا
لا أحب أيها الاخوة أن أطيل ولكن يجب أن نتفكر في انسفنا والله يقول {وفي أنفسكم افلا تبصرون} هذا العقل الذي أعطانا الله إياه وهذه الصفات الكامنة التي اذا قرانا القران وجدنا أنها شبه صفات متضادة شبه صفات فيها نوع من التضاد أحيانا ولذالك تجد أن الانسان الذي غضب اليوم هو الذي حلم غدا فتقول زيد اليوم غضب غضبا ما رأيت مثل غضبه اليوم وتجد له في موقف آخر أصبح عنده حلم وتجد أن زيد الذي ظلم اليوم هو الذي عدل غدا، من أي جاء مرة يظلم ومرة لا؟ كل هذه الصفات كامنة ولذالك لا يفترض واحد منا أيها الاخوة أنه معطل من صفة خير يقول والله بعض الناس طبيعته فيها كذا يعطيك صفة من صفات الخير الله يرزقنا هذه الصفة لا، هي كامنة عندك نعم تدعو بها تدعو بها أن تتحرك لتخرج، الله يرزقنا حسن الخلق نعم النبي دعا بذالك أي أن تتحرك هذه الصفات لتخرج وإلا هي كامنة في الانسان كما أن صفات الشر كلها كامنة في الانسان
ولذالك العادل مهما عدل مؤهل إذا أراد أن يتجاوز العدل أن يظلم ولذالك أنت الان لاحظ كمثال بسيط ما بينك وبينك أن تصدق أو تكذب أي حاجة إنما إرادة تتحرك عندك فتقول خبرا صادقا أو إرادة تتحرك عندك فتقول خبرا كاذبا مثال الصدق والكذب طبقه على الصفات المتضادة أو المتصارعة ولذالك يجب أن الانسان يختار الصفة الفضلى لان كلى الصفتين صفة كامنة وموجودة في الانسان إنما تتحرك بمتحركات ولذالك شرع النبي الجليس الصالح ليحرك، لان بعض الصفات لا تتحرك من نفسك فشرع النبي الجليس الصالح ليحرك فيك هذه الصفات فتخرج وإلا فهي صفات أودعها الله الانسان وأودع فيه هذه القوى والمواعظ والخصائص ولكن الشاهد أن هذا الانسان ستعملها
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/367)
أختم أيها الاخوة هذه الكلمة بإشارة بسيطة لقضية مهمة جدا تتعلق بهذه الصفات: أنه إذا نظرنا الشرع وجدنا أن الشرع في آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات
مسالة المحكم أيها الاخوة والمتشابه سواء المحكم في العمل أو المحكم في الدعوة أو المحكم ففي العبادة أو المحكم في الاخلاق أو المحكم في التعامل في كل شيء هناك محكم وهناك متشابه معنى هذا التصوير أنه ينبغي أن نلتفت أيها الاخوة دائما الى المحكمات إذا جئنا لباب التعبد نلتفت للمحكمات إذا دخلنا في الدعوة الى الله نلتفت للمحكمات إذا دخلنا في حالة من الاخلاق نلتفت للمحكمات في عالم المعاملات نلتفت للمحكمات الى آخره
لماذا نقول هذا الكلام؟ لانك تأسى من شخص أو أشخاص كثيرين من المسلمين والسالم من سلمه الله من ذالك قد يقول اشتغل هو في نفسه وعاطفته وقوته أنه مشتغل بالدعوة الى الله فعلا قد يقول كذالك لكن تجد - حتى لا أبالغ - تجد أن نصف هذا الوقت الذي صرفه لدعوة الى الله نصفه في متشابه الدعوة دعونا نصطلح هذا الاصطلاح يعني قضايا ما تقدم و ما تؤخر هل فلان سلفي أو ليس سلفي لماذا؟ يقول والله سمعت أن عنده لوثة أنه مرتبط بجماعة إخوانية مثلا هل الاخوان سلفيين أو ما هم سلفيين، يعني الاشتغال بتحليل هذه القضايا - نعم معرفة أهل السنة من أهل البدعة هذا أصل معروف ومنضبط - لكن التدقيق على آحاد الناس التدقيق على كل تصرفات الناس التتبع للعورات، قد ياتي أحيانا بصورة تتبع وفسق و ياتي أحيانا بصورة دعوة وتمحيص وتمييز الخبيث من الطيب هذا أيها الاخوة مقام من الفقه يجب أن نلتفت إليه
قد يقول الانسان وأين نحن من هذا المقام كيف نفقه وما هو المطلوب، أنا أقول إذا أراد الانسان أن يستريح فليدع باب المتشابه لأهل العلم في الدعوة وفي كل شي يدع باب المتشابه للفقهاء، طيب إذا تركت هذا المقام أين اشتغل؟ اشتغل بالمحكمات، الان محكمات العبادة أحيانا بعض الناس تضيق عليه بعض التعبدات تجد مشغل نفسه زمنا طويلا بعبادة هل ثبت فيها حديث أو لم يثبت حديث، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تجد مشغل نفسه هل ثبتت وبركاته أو ما ثبتت وبركاته وهل هي شاذة أو محفوظة، عندك يا أخي محكم العبادة ماهي محكمات العبادة؟ محكمات العبادة الصلاة الصوم الحج ولذالك إذا جئتم لعالم الصحابة وإمام الصحابة وهو رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا تجد أن الصحابة ونبيهم خاصة أيام نبيهم يشتغلون بمتشابه العبادات كل أعمالهم محكمات تجد ماذا عند الرسول؟ يصلي إحدى عشر ركعة تقول عائشة لا نشاء أن نقول صائما الا رايناه صائما ولا مفطر الا رايناه مفطرا ... تجد انه صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشتغل بالصوم بالصلاة بذكر الله إذا جلس في المسجد (أستغفر الله) يستغفر سبعين مرة أو مائة مرة على حديث انس والاغر المزني هذه القراءة لأفعاله وهديه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تجد أن كلها في محكم التعبد وتجد أنه يوصي أصحابه بذالك في محكم التعبد في محكم العلم، أيضا الانسان غلط انه يضيع زمنا طويلا وهو يحقق وراء قضية لا تقدم ولا تؤخر وغاية ما تقع أنها رأي لبعض أهل العلم أو أنها مسالة خلافية لماذا لا يشتغل بمحكم العلم؟ قد يقول قائل ماهو محكم العلم ارجع الى نفسك هل قرأت تفسيرا لكتاب الله كاملا هذا من محكم العلم هل حفظت القران كاملا هذا من محكم العلم كم تحفظ من سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا من محكم العلم محكمات الاخلاق الى غير ذالك
هذه القاعدة أيها الاخوة المنهجية الشرعية هي معنى الوسطية التي قال الله فيها {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} البقرة143 يجب أن نلتفت أيها الاخوة الى محكم التعبد محكم العلم محكم الاخلاق وأن ندع المتشابه لأهل العلم الذين عندهم من الفقه والمقام ما يستطيعون أن يصلوا به إلى خير الامرين
نسال الله بأسمائه وصفاته أن يغفر لنا وأن يرحمنا وأن يتقبلنا قبولا حسنا وأن يتقبل منا حجنا ويجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وأن ينصر دينه وأن يعلي كلمته وأن يجعلنا جميعا من أنصار دينه وشكر الله سبحانه وتعالى وغفر لشيخ هذا المجلس فضيلة الشيخ الشيخ سلمان ولمضيفنا في هذا المجلس فضيلة الشيخ صالح الحميد نسال الله أن يبارك في عمره ورزقه واجله وولده وذريته وان يغفر لنا جميعا
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
فرغه أبو مالك إبراهيم الفوكي
ـ[عمر بن إبراهيم]ــــــــ[24 - 12 - 09, 11:46 ص]ـ
الأخ المبارك إبراهيم الفوكي أو مالك ...
بارك الله فيك ونفع بتفريغك هذا وجزاك خيراً
أسال الله تعالى بفضلة ومنه وكرمه أن يجلعك ممن قال عنهم "إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر"
وجزا الله تعالى فضيلة الشيخ خير خير الجزاء
ـ[إبراهيم الفوكي السلفي]ــــــــ[24 - 12 - 09, 12:27 م]ـ
استدراك لطيف!
الفائدة التي اشرت اليها في مقدمتي و هي التي تخص كلام الشيخ حول من اشتغل بتجريح الناس وتشاغل بهذا عن المحكمات من العلم قلت أنني لونته بالازرق ولكن لا ادري لماذا ما ظهر؟! على كل حال هذا هو المقصود:
لانك تأسى من شخص أو أشخاص كثيرين من المسلمين والسالم من سلمه الله من ذالك قد يقول اشتغل هو في نفسه وعاطفته وقوته أنه مشتغل بالدعوة الى الله فعلا قد يقول كذالك لكن تجد - حتى لا أبالغ - تجد أن نصف هذا الوقت الذي صرفه لدعوة الى الله نصفه في متشابه الدعوة دعونا نصطلح هذا الاصطلاح يعني قضايا ما تقدم و ما تؤخر هل فلان سلفي أو ليس سلفي لماذا؟ يقول والله سمعت أن عنده لوثة أنه مرتبط بجماعة إخوانية مثلا هل الاخوان سلفيين أو ما هم سلفيين، يعني الاشتغال بتحليل هذه القضايا - نعم معرفة أهل السنة من أهل البدعة هذا أصل معروف ومنضبط - لكن التدقيق على آحاد الناس التدقيق على كل تصرفات الناس التتبع للعورات، قد ياتي أحيانا بصورة تتبع وفسق و ياتي أحيانا بصورة دعوة وتمحيص وتمييز الخبيث من الطيب هذا أيها الاخوة مقام من الفقه يجب أن نلتفت إليه
والله المستعان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/368)
ـ[إبراهيم الفوكي السلفي]ــــــــ[24 - 12 - 09, 12:29 م]ـ
الأخ المبارك إبراهيم الفوكي أو مالك ...
بارك الله فيك ونفع بتفريغك هذا وجزاك خيراً
أسال الله تعالى بفضلة ومنه وكرمه أن يجلعك ممن قال عنهم "إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر"
وجزا الله تعالى فضيلة الشيخ خير خير الجزاء
وفيك يبارك الله اخي الحبيب
دعاؤك بعث لقلبي نوعا من الهمة (ابتسامة)
جزاك الله خيرا
ـ[الأخت براءة]ــــــــ[24 - 12 - 09, 01:03 م]ـ
جزاك الله خير الجزاء وبارك الله فيك
ـ[إبراهيم الفوكي السلفي]ــــــــ[24 - 12 - 09, 02:05 م]ـ
جزاك الله خير الجزاء وبارك الله فيك
وفيكم يبارك الله شكرا
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[26 - 12 - 09, 03:08 م]ـ
ما شاء الله عليك أخي ابراهيم
المزيد المزيد
أحسن الله إليك
والله إننا نفرح برؤية مواضيعك الجديدة والمتميزة
ـ[إبراهيم الفوكي السلفي]ــــــــ[28 - 12 - 09, 07:56 ص]ـ
ما شاء الله عليك أخي ابراهيم
المزيد المزيد
أحسن الله إليك
والله إننا نفرح برؤية مواضيعك الجديدة والمتميزة
جزاك الله خيرا يا ابا سلمى
هذا من حسن ظنك يا اخي الحبيب
شكرا لك
ـ[صخر]ــــــــ[07 - 03 - 10, 10:02 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي الكريم
ـ[أبو الهنوف العنزي]ــــــــ[07 - 03 - 10, 10:31 م]ـ
جزاكم الله خير(60/369)
هل سكن زيد بن علي في اليمن
ـ[احمد ابو انس]ــــــــ[24 - 12 - 09, 11:34 م]ـ
هل سكن زيد بن علي رضي الله عنه في اليمن
وكم سنة عاش فيها؟
وهل يوجد مؤلف معاصر شامل في سيرته رضي الله عنه
وجزاكم الله خيرا
ـ[مسدد2]ــــــــ[25 - 12 - 09, 04:27 م]ـ
ألف الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله كتاباً عن الامام زيدسنة 1959 في أكثر من 500 صفحة طبعته دار الفكر
وفهرسه رديء، لكن مما قرأته هكذا عابراً:
"ذلك أن الذين يحملون اسم الزيدية وينتسبون الى ذلك الامام الجليل توزعتهم الارض ولم يجتمعوا في مكان واحد وكلهم يدعى انه يمثل بآرائه ذلك الامام، وانه ينقلها ويحكيها، وان الصدق عنده، وقد قال صاحب مطلع البدور ومجمع البحور (الزيدية بالعراق في أماكن مشتتة وبالحجاز في بوادي المدينة وهم على اصل الفطرة ومنهم من هم في اليمن في العوالى والنجود وبعض بطون تهامة وإن زيدية اليمن كالشعرة البيضاء في أديم الثور الاسود) ولعله يقصد بهذا التشبيه ان زيدية اليمن ليسوا هم الزيدية كلهم ولا أكثرهم بل هم نادرون في عدد الزيدية الكبير كندرة الشعرة البيضاء في أديم ثور أسود، ولعله يقصد ايضاً ان مذهبهم هو المذهب النير البين او الواضح في المذاهب الزيدية". اهـ
ـ[احمد ابو انس]ــــــــ[04 - 01 - 10, 01:54 م]ـ
أخي مسدد2 أحسن الله إليك وبارك فيك على حسن ردك وتعنيك في إفادة إخوانك
وقد سألت بعض مشايخ أهل اليمن وذكر لي أن زيد بن علي لم يرحل إلى اليمن
أكرر شكري لك(60/370)
مختصر لكتاب فرق معاصرة لغالب العواجي (الجزء التاسع) المرجئة والجهمية والمعتزلة
ـ[أحمد الكندري]ــــــــ[25 - 12 - 09, 04:00 م]ـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا هو الجزء التاسع من مختصر كتاب (فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها) للدكتور غالب العواجي حفظه الله تعالى، وهذا المختصر هو على هيئة سؤال وجواب، وإن الغالب في هذا التلخيص أن اللفظ هو لفظ المؤلف نفسه، إلا ما دعت الحاجة لتغييره كصيغة السؤال وربط الجمل، علما بأن هذا الكتاب قد طلب مني تلخيصه في مقرر الفرق الإسلامية في كلية الشريعة، وهذا الجزء هو تلخيص للباب الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر.
الباب الحادي عشر: دراسة المرجئة
الفصل الأول: التعريف بالإرجاء لغة واصطلاحاً وبيان أقوال العلماء في ذلك
س: ما هو الإرجاء لغة واصطلاحا؟
ج: الإرجاء في اللغة: يطلق على عدة معاني منها: (الأمل) قال تعالى: {وترجون من الله ما لا يرجون}، و (الخوف) قال تعالى: {ما لكم ترجون لله وقاراً}، و (التأخير) قال تعالى {قالوا أرجه وأخاه}، وكذلك إعطاء الرجاء، وقد يهمز وقد لا يهمز.
وأما في الاصطلاح: فقد اختلف العلماء في الإرجاء:
1 - أن الأرجاء في الاصطلاح مأخوذ من معناه اللغوي؛ أي بمعنى التأخير والإمهال – وهو إرجاء العمل عن درجة الإيمان، وجعله في منزلة ثانية بالنسبة للإيمان لا أنه جزء منه، وأن الإيمان يتناول الأعمال على سبيل المجاز.
2 - وذهب آخرون إلى أن الأرجاء يراد به تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، فلا يقضى عليه في الدنيا حكم ما.
3 - وبعضهم ربط الإرجاء بما جرى في شأن علي رضي الله عنه من تأخيره في المفاضلة بين الصحابة إلى الدرجة الرابعة، أو إرجاء أمره هو وعثمان إلى الله ولا يشهدون عليهما بإيمان ولا كفر، وخلص بعضهم من هذا المفهوم إلى وصف الصحابة الذين اعتزلوا الخوض في الفتن التي وقعت بين الصحابة وخصوصاً ما جرى بين علي ومعاوية من فتن ومعارك طاحنة، خلصوا إلى زعم أن هؤلاء هم نواة الإرجاء، حيث توقفوا عن الخوض فيها واعتصموا بالسكوت، وهذا خطأ من قائليه؛ فإن توقف بعض الصحابة إنما كان بغرض ريثما تتجلى الأمور، حيث توقفوا ثم أرجئوا الحكم في تلك الفتن وفوضوا أمر المختلفين فيها إلى الله سبحانه وتعالى فلم يحكموا بتخطئة أحد أو تصويبه مع اعترافهم بفضل الجميع، وليس إرجاء حكم هؤلاء الصحابة في علي ومعاوية هو أساس الإرجاء البدعي، فالواقع أن إطلاق اسم الإرجاء على كل من يقول عن الإيمان: إنه قول أو تصديق بلا عمل، أو القول بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا تنفع مع الكفر طاعة – هو الأغلب في عرف العلماء حينما يطلقون حكم الإرجاء على أحد؛ بل هو المقصود بالإرجاء.
الفصل الثاني: الأساس الذي قام عليه مذهب المرجئة
س: ما هو الأساس الذي قام عليه مذهب المرجئة؟
ج: الأساس الذي قام عليه مذهب الإرجاء هو الخلاف في حقيقة الإيمان ومم يتألف، وأكثر فرق المرجئة على أن الإيمان هو مجرد ما في القلب ولا يضر مع ذلك أن يظهر من عمله ما ظهر، حتى وإن كان كفراً وزندقة، وهذا مذهب الجهم بن صفوان، وذهب أبو حنيفة رحمة الله إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان، وأن العاصي تحت المشيئة، وأنه لا يخرج عن الإيمان، وخالفوا أهل السنة في عدم إدخال العمل في الإيمان يزيد وينقص، فلم يقولوا بذلك، على أن في نسبة الإرجاء إلى أبى حنيفة من الخلاف الكثير بين العلماء، ولقد بذل كثير من علماء الأحناف جهدهم ليجعلوا الخلاف بينهم وبين أهل السنة في حقيقة الإيمان لفظياً، إلا أن كل هذه الحجج لا تجعل الخلاف لفظياً؛ وذلك أن أهل السنة لا يخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان، فالتفرقة بين الأعمال والإيمان لا يقول بها السلف، كما أن السلف لا يرون أن الناس على درجة واحدة في الإيمان والتوحيد، كذلك حكم الأحناف للعصاة بالإيمان الكامل لم يوافقهم فيه السلف، كما أن السلف لا يوافقونهم في القول بعدم زيادة الإيمان ونقصانه.
الفصل الثالث: كيف نشأ الإرجاء وكيف تطور إلى مذهب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/371)
س: كيف نشأ الإرجاء وكيف تطور إلى مذهب؟
ج: الإرجاء في بدء الأمر كان يراد به في بعض إطلاقاته أولئك الذين أحبو السلامة والبعد عن الخلافات وترك المنازعات في الأمور السياسية والدينية، وخصوصاً ما يتعلق بالأحكام الأخروية من إيمان وكفر وجنة ونار، وما يتعلق كذلك بأمر علي وعثمان وطلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة وغيرهم، وما جرى بين علي ومعاوية من أحداث، إلا أنه من الملاحظ أنه بعد قتل عثمان رضي الله عنه وبعد ظهور الخوارج والشيعة أخذ الإرجاء يتطور تدريجياً، فظهر الخلاف في حكم مرتكب الكبيرة ومنزلة العمل من الإيمان، ثم ظهر جماعة دفعوا بالإرجاء إلى الحد المذموم والغلو، فبدأ الإرجاء يتكون على صفة مذهب.
الفصل الرابع: بيان أول من قال بالإرجاء وبيان أهم زعماء المرجئة
س: من أول من قال بالإرجاء؟ ومن هم أهم زعماء المرجئة؟
ج: يذكر العلماء أن الحسن بن محمد بن الحنفية هو أول من ذكر الإرجاء في المدينة بخصوص علىّ وعثمان وطلحة والزبير، حينما خاض الناس فيهم وهو ساكت ثم قال: "قد سمعت مقالتكم ولم أر شيئاً أمثل من أن يرجأ علي وعثمان وطلحة والزبير، فلا يتولوا ولا يتبرأ منهم"، ولكنه ندم بعد ذلك على هذا الكلام وتمنى أنه مات قبل أن يقوله، ولم يلتفت الذين تبنوا القول بالإرجاء إلى ندم الحسن بعد ذلك، فإن كتابه عن الإرجاء انتشر بين الناس وصادف هوى في نفوس كثيرة فاعتنقوه، وقيل: إن أول من قال بالإرجاء على طريقة الغلو فيه هو رجل يسمى ذر بن عبد الله الهمداني وهو تابعي، وقد ذمه علماء عصره من أهل السنة، والجمع بين هذا القول والذي قبله يتضح باختلاف حقيقة الإرجاء عند الحسن وعند ذر بن عبد الله؛ إذ الإرجاء عند الحسن ترك الحكم على أولئك الأشخاص، وأما الإرجاء عند ذر فهو إخراج العمل عن مسمى الإيمان.
ومن كبار المرجئة ومشاهيرهم: الجهم بن صفوان، وأبو الحسين الصالحي، ويونس السمري، وأبو ثوبان، والحسين بن محمد النجار، وغيلان، ومحمد بن شبيب، وأبو معاذ التومني، وبشر المريسي، ومحمد بن كرام، ومقاتل بن سليمان المشبه لله عز وجل بخلقه ومثله الجواربي وهما من غلاة المشبهة.
الفصل الخامس: أصول المرجئة
س: ما هي أصول المرجئة؟
ج: تكاد فرق المرجئة تتفق في أصولها على مسائل هامة هي: تعريف الإيمان بأنه التصديق بالقول أو المعرفة أو الإقرار، وأن العمل ليس داخلاً في حقيقة الإيمان - مع أنهم لا يغفلون منزلة العمل من الإيمان تماماً إلا عند الجهم ومن تبعه في غلوه-، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن أصحاب المعاصي مؤمنون كاملو الإيمان بكمال تصديقهم، ولهم اعتقادات أخرى: كالقول بأن الإنسان يخلق فعله، وأن الله لا يرى في الآخرة، وقد تأثروا في هذه الآراء بالمعتزلة، وكذا رأيهم في أن الإمامة ليست واجبة، فإن كان ولا بد فمن أي جنس كان ولو كان غير قرشي، وقد تأثروا بهذا الرأي من الخوارج، ومن عقائد المرجئة الجهمية أن الكفر بالله هو الجهل به- وهو قول جهم -، وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط وأنه لا يتبعض، ومنها أن الجنة والنار تفنيان وتبيدان ويفنى أهلهما ولا خلود لأحد فيهما، وبعضهم ذهب إلى أن كل معصية فهي كبيرة، وبعضهم يذهب إلى أن غفران الله الذنوب بالتوبة تفضل من الله، وبعضهم إلى أنه باستحقاق، وبعضهم جوز على الأنبياء فعل الكبائر، وبعضهم ذهب في إثبات التوحيد إلى قول المعتزلة، وبعضهم إلى قول المشبهة، واختلفوا في القول بخلق القرآن، فمنهم من قال: إنه مخلوق. ومنهم من قال: غير مخلوق. ومنهم من توقف، واختلفوا في القول بالقدر فبعضهم نفى القدر وقال بأقوال المعتزلة، وبعضهم أثبته، واختلفوا في أسماء الله وصفاته، فبعضهم قال بأقوال عبد الله ابن كلاب، ومنهم من قال بأقوال المعتزلة.
س: ما هي اتجاهات الناس في حقيقة الإيمان؟
ج: اتجاهات الناس في حقيقة الإيمان هي:
أ- الذين قالوا: إن الإيمان بالقلب واللسان والجوارح:
1 - الخوارج؛ مرتكب الكبيرة عندهم كافر.
2 - المعتزلة؛ مرتكب الكبيرة عندهم في منزلة بين المنزلتين؛ يعني في الدنيا، وأما في الآخرة فقد وافقوا الخوارج في الحكم.
3 - أهل السنة والجماعة.
ب- الذين قالوا: إنه يكون بالقلب واللسان فقط:
1 - الذين يدخلون أعمال القلب وهم بعض قدماء المرجئة الفقهاء، وبعض محدثي الحنفية المتأخرين.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/372)
2 - الذين لا يدخلون أعمال القلب، وقد تطور بهم الأمر إلى إخراج قول اللسان أيضاً من الإيمان وجعلوه علامة فقط، وهم عامة الحنفية "الماتريدية".
ج- الذين قالوا: إنه يكون بالقلب فقط:
1 - الذين يدخلون فيه أعمال القلب جميعاً، وهم سائر فرق المرجئة: كاليونسية والشمرية والتومنية.
2 - الذين يقولون: هو عمل قلبي واحد – المعرفة – الجهم بن صفوان.
3 - الذين يقولون: هو عمل قلبي واحد – التصديق – الأشعرية والماتريدية.
د- الذين قالوا: إنه باللسان والجوارح فقط: الغسانية.
ه- الذين قالوا: إنه باللسان فقط: الكرّامية.
الفصل السادس: أقسام المرجئة
س: ما هي أقسام المرجئة؟
ج: انقسمت المرجئة في اعتقاداتها إلى أقسام كثيرة:
1 - مرجئة السنة: وهم الأحناف: أبو حنيفة وشيخه حماد بن أبى سليمان ومن أتبعهما من مرجئة الكوفة وغيرهم، وهؤلاء أخروا العمل عن حقيقة الإيمان.
2 - مرجئة الجبرية: وهم الجهمية أتباع جهم بن صفوان، وهم الذين اكتفوا بالمعرفة القلبية وأن المعاصي لا أثر لها في الإيمان، وأن الإقرار والعمل ليس من الإيمان.
3 - مرجئة القدرية: الذين تزعمهم غيلان الدمشقي، وهم الغيلانية.
4 - مرجئة خالصة: وهم فرق اختلف العلماء في عدهم لها.
5 - مرجئة الكرامية: أصحاب محمد بن كرام، وهم الذين يزعمون أن الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب.
6 - مرجئة الخوارج: الشبيبية وبعض فرق الصفرية الذين توقفوا في حكم مرتكب الكبيرة.
الفصل السابع: أدلة المرجئة لمذهبهم والرد عليها
س: ما هي أدلة المرجئة لمذهبهم وما الرد عليها؟
ج: استندوا إلى إخراج الأعمال عن حقيقة الإيمان بما استنبطوه مما جاء في القرآن الكريم من إسناد الإيمان إلى القلب فقط، كقول الله تعالى: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}، وقوله تعالى: {من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب}، والرد عليهم أن هذه الآيات لا تدل على نفي دخول الأعمال في حقيقة الإيمان، بل غاية ما فيها التركيز على أهمية الإيمان القلبي الذي بدوره يثمر الإيمان بالقيام بأعمال الشرع الظاهرة، أو أنها أسندت إلى القلوب باعتبار أنها هي المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ومن أدلتهم كذلك ما جاء في أحاديث شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم في أقوام فيخرجهم الله من النار حتى لا يبقى من في قلبه ذرة أو برة أو شعيرة من الإيمان، وفيه عبارة: "لم يعملوا خيراً قط"، والرد عليهم أنه لابد من النظر إلى الأحاديث الكثيرة التي صرحت بأنهم من أهل الإيمان وعليهم أثر السجود الذي هو عبارة عن عمل الصلاة وأن الجهنميين يعرفون بذلك، وفي بعض الروايات أن المؤمنين يشفعون فيمن عرفوه بأنه من أهل الإيمان والعمل في الدنيا، وهذا لا يمنع أن فيه جماعة من الناس لهم أعمال لا يعلم بها إلا الله أخرجهم الله بسببها من النار، حيث ظهرت عليهم علامات إيمانهم وأعمالهم التي قدموها، وقوله: "لم يعملوا خيراً قط" لا ينفي العمل مطلقاً بل قد يكون لهم عمل وإن كان قليلاً إلى جانب إيمانهم وحسناتهم الأخرى فينفعهم ذلك، ثم إن هؤلاء معهم إيمان وعمل، ولولا ذلك لكانوا كسائر الكفار والمشركين يخلدون في النار، فلا مزية لخروجهم منها إلا ذلك، وربما أن الله أخرجهم أو أدخلهم الجنة لعزمهم على العمل ومباشرتهم الدخول فيه.
الفصل الثامن: مذهب أهل السنة في تعريف الإيمان
س: ما مذهب أهل السنة في تعريف الإيمان؟
ج: مذهب أهل السنة في الإيمان أنه قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وهذا هو الواضح من النصوص الكثيرة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، إلا أنه قد تختلف تعبيرات أهل السنة عن حقيقة الإيمان فيعرفونه بصيغ مختلفة، ولكن القصد واحد، وهو إدخال العمل في حقيقة الإيمان، واستدل أهل السنة على ذلك بأدلة منها قوله صلى الله عليه وسلم: " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".
الفصل التاسع: منزلة مذهب المرجئة عند السلف
س: ما منزلة مذهب المرجئة عند السلف؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/373)
ج: مذهب المرجئة المتأخرين منهم مذهب رديء وخطير، يهون المعصية، ويدعو إلي الكسل والخمول، ولذا تجد السلف يحذرون منه كثيراً ويذمونه لما اشتمل عليه من فساد وتمييع لمنزلة العمل في النفوس، وهذا المذهب ومذهب القدرية من المذاهب الرديئة.
الباب الثاني عشر: الجهمية
س: هل توجد آراء الجهمية في وقتنا الحاضر؟
ج: آراء هذه الطائفة لا تزال في بعض المجتمعات، ولا يزال الخصام بينهم وبين أهل الحق قائماً على أشده، كما كان سابقاً في الزمن القديم حتى وإن اختلفت في بعض الأحيان المسميات، خصوصاً بعد ظهور العصريين الجدد بمفاهيمهم الباطلة، فهم جادون في إحياء تلك المفاهيم الجهمية الباطلة باسم التجديد حيناً والتطور أحياناً أخرى.
الفصل الأول: التعريف بالجهمية وبمؤسسها
س: من هي الجهمية؟ ومن هو مؤسسها؟
ج: الجهمية إحدى الفرق الكلامية التي تنتسب إلي الإسلام، ولها آراء خاطئة في مفهوم الإيمان وفي صفات الله تعالي وأسمائه، وترجع في نسبتها إلي مؤسسها الجهم بن صفوان الترمذي، وهو من أهل خراسان، ظهر في المائة الثانية من الهجرة سنة 2هـ، ويكني بأبي محرز، وهو من الجبرية الخالصة، وأول من ابتدع القول بخلق القرآن وتعطيل الله عن صفاته، وكان مولى لبني راسب إحدى قبائل الأزد، وكان من أخلص أصدقاء الحارث بن سريج إلي أن قتلا سنة 128 هـ، وقيل: إن الجهم قتل سنة 130، وقيل سنة 132هـ، وكان الجهم كثير الجدال والخصومات والمناظرات، وإلا أنه لم يكن له بصر بعلم الحديث ولم يكن من المهتمين به، إذ شغله علم الكلام عن ذلك.
الفصل الثاني: نشأة الجهمية
س: كيف نشأت الجهمية؟
ج: كانت نقطة الانتشار لهذه الطائفة بلدة ترمذ التي ينتسب إليها الجهم، ومنها انتشرت في بقية خراسان، ثم تطورت فيما بعد وانتشرت بين العامة والخاصة، وقد ذكر شيخ الإسلام درجات الجهمية وقسمهم إلي ثلاث درجات:
الدرجة الأولي: وهم الجهمية الغالية النافون لأسماء الله وصفاته، وإن سموه بشيء من الأسماء الحسنى قالوا: هو مجاز.
الدرجة الثانية من الجهمية: وهم المعتزلة ونحوهم، الذين يقرون بأسماء الله الحسنى في الجملة لكن ينفون صفاته.
الدرجة الثالثة: وهم قسم من الصفاتية المثبتون المخالفون للجهمية، ولكن فيهم نوع من التجهم، وهم الذين يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة ولكنهم يريدون طائفة من الأسماء، والصفات الخبرية وغير الخبرية ويؤولونها.
ومنهم من يقر بصفاته الخبرية الواردة في القرآن دون الحديث كما عليه كثير من أهل الكلام والفقه، وطائفة من أهل الحديث، ومنهم من يقر بالصفات الواردة في الأخبار أيضاً في الجملة، لكن مع نفي وتعطيل لبعض ما ثبت بالنصوص وبالمعقول، وذلك كأبي محمد بن كلاب ومن اتبعه، وفي هذا القسم يدخل أبو الحسن الأشعري وطوائف من أهل الفقه والكلام والحديث والتصوف، وهؤلاء إلي السنة المحضة أقرب منهم إلي الجهمية والرافضة والخوارج والقدرية.
الفصل الثالث: بيان مصدر مقالة الجهمية
س: ما هو مصدر مقالة الجهمية؟
ج: يذكر شيخ الإسلام أصل مقالة التعطيل وأنها ترجع في نهايتها إلى اليهود والصابئين والمشركين والفلاسفة الضالين، وأول ما ظهرت هذه المقالة من جعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه، وقد قيل: إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان وأخذها أبان من طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم.
الفصل الرابع: ذكر أهم عقائد الجهمية إجمالاً
س: ما هي أهم عقائد الجهمية؟
ج: 1 - إنكار جميع الأسماء والصفات لله عز وجل ويجعلونها من باب المجاز، ويزعمون أن إثبات الصفات يقتضي أن يكون الله جسما، ويقتضي مشابهة الله لخلقه، وهذا الكلام هو من أفكار ملاحدة الفلاسفة.
2 - القول بالجبر والإرجاء، والجبر هو إسناد ما يفعله الشخص من أعمال إلي الله عز وجل، وأن العبد لا قدرة له البتة على الفعل، وإنما هو مجبور على فعله.
3 - إنكار الصراط والميزان ورؤية الله تعالي وعذاب القبر.
4 - القول بفناء الجنة والنار.
5 - نفي أن يكون الله متكلماً بكلام يليق بجلاله، والقول بأن القرآن مخلوق.
6 - أن الإيمان هو المعرفة بالله.
7 - نفي أن يكون الله تعالي في جهة العلو.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/374)
8 - والقول بأن الله قريب بذاته، وأن الله مع كل أحد بذاته عز وجل، وهذا هو المذهب الذي بنى عليه أهل الاتحاد والحلول أفكارهم.
الفصل الخامس: الحكم على الجهمية
س: ما هو الحكم على الجهمية؟
ج: اختلف الناس في إطلاق الكفر على الجهمية، فهناك يحكم بكفرهم، وهناك من يدافع عنهم، ولقد ذهب كثير من علماء السلف إلى تكفير الجهمية وإخراجهم من أهل القبلة، ومن هؤلاء الإمام الدارمي أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي، واستدل بالقرآن الكريم، حيث أخبر عن قريش قالوا عن القرآن: (إن هذا إلا قول البشر) أي مخلوق، وهو نفسه قول الجهم بخلقه، ومن الأثر ما ورد عن علي وابن عباس في قتلهم الزنادقة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه "، كما أورد الدارمي جملة من أسماء الذين حكموا بكفر الجهمية صراحة، ومنهم: سلام بن أبي مطيع، وحماد بن زيد، ويزيد بن هارون، وابن المبارك، ووكيع، وحماد بن أبي سليمان، ويحي بن يحيى، وأبو توبة الربيع ابن نافع، ومالك بن أنس.
الباب الثالث عشر: المعتزلة
الفصل الأول: نشأتهم
س: كيف نشأت المعتزلة؟
ج: المعتزلة اسم يطلق على فرقة ظهرت في الإسلام في القرن الثاني الهجري ما بين سنة 105 وسنة 110هـ، بزعامة رجل يسمي واصل بن عطاء الغزال، وقد أصبحت المعتزلة فرقة كبيرة تفرعت عن الجهمية في معظم الآراء، ثم انتشرت في أكثر بلدان المسلمين انتشارا واسعا، وهناك روايات يذكرها الباحثون في كيفية نشأة المعتزلة:
1 - إذ يرى بعض العلماء أن أصل بدء الاعتزال كان في زمن الخليفة الراشد علي رضي الله عنه، حينما اعتزل جماعة من الصحابة كانوا معه السياسة، وتركوا الخوض في تلك الخلافات التي نجمت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وهذا القول باطل لا صحة له، وقد أيده الشيخ محمد الطاهر النيفر.
2 - ويرى أكثر العلماء أن أصل بدء الاعتزال هو ما وقع بين الحسن البصري وواصل بن عطاء من خلاف في حكم أهل الذنوب.
وقد تفرقت المعتزلة فرقا كثيرة، إلا أنه يجمعهم إطار عام وهو الاعتقاد بالأصول الخمسة، وهي التوحيد على طريقة الجهمية والعدل على طريقة القدرية، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على طريقة الخوارج.
الفصل الثاني: أسماء المعتزلة وسبب تلك التسميات
س: ما أسماء المعتزلة وما سبب تلك التسميات؟
ج: أ- الأسماء التي لا يحبها المعتزلة:
1 - المعتزلة: ويرجع سبب التسمية إلى اعتزال أول زعيم لهم وهو واصل ابن عطاء الغزالي إلى حلقة الحسن البصري حينما ألقي رجل سؤالا عن مرتكبي الذنوب فبادر واصل إلى الجواب قبل أن يجيب الحسن، حيث أجاب بأنهم في منزلة بين المنزلتين، وسموا معتزلة على سبيل الذم من قبل المخالفين لهم.
2 - جهمية: ولهذا الاتفاق بين المعتزلة والجهمية في تلك المسائل العقدية، ولسبق الجهمية في الظهور، أطلق العلماء اسم الجهمية على المعتزلة، وذلك لأن المعتزلة هم الذين أحيوا آراء الجهمية في مبدأ ظهورهم، والجهمية أعم من المعتزلة فكل معتزلي جهمي، وليس كل جهمي معتزليا.
3 - القدرية: بسبب موافقتهم القدرية في إنكار القدر وإسنادهم أفعال العباد إلى قدرتهم، وهم لا يرضون بهذا الاسم ويرون أنه ينبغي أن يطلق على الذين يقولون بالقدر خيره وشره من الله تعالى لا عليهم، وكان أول المتكلمين في القدر والمقررين له معبد الجهني وغيلان الدمشقي.
4 - الثنوية والمجوسية: وهم ينفرون من هذا الاسم، وسموا بهذا لأن مذهبهم يقرر أن الخير من الله والشر من العبد، وهو يشبه مذهب الثنوية والمجوس الذي يقرر وجود إلهين: أحدهما للخير والآخر للشر.
5 - الوعيدية: وهو ما اشتهروا به من قولهم بإنفاذ الوعد.
6 - المعطلة: وهو اسم للجهمية أيضا ثم أطلق على المعتزلة لموافقتهم الجهمية في نفي الصفات وتعطيلها.
ب- الأسماء التي يحبها المعتزلة:
1 - المعتزلة: وقد سبق أنه اسم ذم وهو كذلك إلا أن المعتزلة أخذوا يدللون على أنه اسم مدح بمعنى الاعتزال عن الشرور والمحدثات واعتزال الفتن.
2 - أهل العدل والتوحيد أو "العدلية ": والعدل عندهم يعنى نفي القدر عن الله تعالى، أو أن تضاف إليه أفعال العباد القبيحة، والتوحيد عندهم يعنى نفى الصفات عن الله تعالى، وتسميتهم بالعدلية اسم مدح اخترعوه لأنفسهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/375)
3 - أهل الحق: لأنهم يعتبرون أنفسهم على الحق ومن عداهم على الباطل.
4 - الفرقة الناجية: لينطبق عليهم ما ورد في فضائل هذه الفرقة.
5 - المنزهون الله: لزعمهم حين نفوا الصفات أنهم ينزهون الله، وأطلقوا على من عداهم وخصوصا أهل السنة أسماء جائرة كاذبة مثل: القدرية – المجيزة – المشبه – الحشوية – النابتة.
س: متى عظم أمر المعتزلة؟
ج: عظم أمر المعتزلة حينما استطاعوا اختطاف الخليفة العباسي المأمون إلى جانبهم، ووقع في يد أحمد بن أبي دؤاد، ومن ثم ناصر المعتزلة بكل ما لديه من قوة، ولقي المسلمون عنتا شديدا منه، وأوذي الكثير من العلماء الأجلاء وعلى رأسهم الإمام أحمد رحمه الله.
س: هل اتفقت مفاهيم المعتزلة مع القدرية؟
ج: اتفقت مفاهيم المعتزلة مع القدرية في مسألة من أهم مسائل العقيدة، ألا وهى القدر، فذهبت المعتزلة والقدرية إلى القول بأن الله تعالى غير خالق لأفعال الناس، بل الناس هم الذين يخلقون أفعالهم بأنفسهم، وليس لله تعالى أي صنع في ذلك ولا قدرة ولا مشيئة ولا قضاء، وكل هذا باطل، فإن الله تعالى يقول: (والله خلقكم وما تعملون)، ويقول سبحانه وتعالى في نفاذ مشيئته: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله).
الفصل الثالث: مشاهير المعتزلة القدرية الجهمية
س: من هم مشاهير المعتزلة القدرية الجهمية؟
ج: بشر بن السري، وثور بن زيد المدني، وثور بن يزيد الحمصي، وحسان بن عطية المحاربي، والحسن بن ذكوان، وداود بن الحصين، وزكريا بن إسحاق، وسالم بن عجلان، وسلام بن عجلان، وسلام بن مسكين وغيرهم.
الفصل الرابع: ذكر أهم عقائد المعتزلة إجمالا
س: ما هي أهم عقائد المعتزلة؟
ج: 1 - اختلفوا في المكان لله تعالي، فذهب بعضهم – وهم جمهورهم – إلى أن الله تعالى في كل مكان بتدبيره، وهذا قول أبي الهذيل والجعفرين، والإسكافي، ومحمد بن عبد الوهاب الجبائي، وذهب آخرون إلى أن الله تعالى لا في مكان، بل هو على ما لم يزل عليه، وهذا قول هشام الفوطي وعباد بن سليمان وأبي زفر.
2 - ذهبوا إلى أن الاستواء هو بمعنى الاستيلاء.
3 - أجمعوا على أن الله لا يرى بالأبصار.
4 - اختلفوا في صفة الكلام لله تعالى، فذهب بعضهم إلى إثباتها وبعضهم إلى إنكارها.
وإن أبرز سمات هذه الطائفة في باب الأسماء والصفات تظهر في إنكارهم الصفات وتعطيلها، وأنهم بنوا آراءهم ومعتقداتهم في أصول خمسة، لا يسمي الشخص معتزليا إلا إذا حققها واعتقد صحتها.
الفصل الخامس: الأصول الخمسة للمعتزلة بيانها، والرد عليها
س: ما هي الأصول الخمسة للمعتزلة؟ وما الرد عليها؟
ج: 1 - التوحيد: والتوحيد عندهم يعنى نفى الصفات عن الله تعالى، وقد حرص المعتزلة على إنكار صفات لله تعالى بحجة أن إثباتها يستلزم تعدد القدماء وهو شرك على حد زعمهم، والمخرج من ذلك هو نفى الصفات وإرجاعها إلى ذات الباري تعالي فيقال: عالم بذاته قادر بذاته .. الخ، والرد عليهم أن السلف رحمهم الله يثبتون صفات الله عز وجل كما جاءت في الكتاب والسنة دون تحريف أو تأويل، مع معرفتهم بمعانيها وتوقفهم في بيان كيفياتها، لأنهم يؤمنون بأن الكلام في صفة كل شيء فرع عن تصور ذاته، والله عز وجل له ذات لا تشبه الذات ولا يعلم أحد كيفيتها، وصفاته كذلك ثابتة على ما يليق بذاته جل وعلا.
2 - العدل: والعدل عندهم يعنى نفي القدر عن الله تعالى، أو أن تضاف إليه أفعال العباد القبيحة، وأن الله تعالى غير خالق لأفعال العباد وأن العباد هم الخالقون لأفعالهم، واستدلوا بالآية الكريمة:
(ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت)، فقد فسروا التفاوت هنا بالحكمة، بينما الصحيح أن التفاوت المنفي هنا هو التفاوت في الخلقة، أي لا يوجد في خلق السموات والأرض من تفاوت، أي من عيب أو خلل، لقلة استوائهما بل هما في أدق تناسب وإتقان، ويلتحق بمسألة العدل مسائل من أهمها الصلاح والأصلح، واللطف من الله تعالى، وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/376)
3 - الوعد والوعيد: ويقصدون بالوعد أنهم يوجبون على ربهم أن ينفذ وعده وأن يعطي العبد أجر ما كلفه به من طاعات استحقاقا منه على الله مقابل وعد الله له إذا التزم العبد بجميع التكاليف التي اختارها الله وكلف بها عباده، واستدلوا بقوله تعالى: (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما)، حيث فسروا هذا الوقوع بمعني الوجوب، والحق أن دخول الجنة إنما هو بفضل الله أولا وأخيرا، وليس للعبد على ربه أي استحقاق غير أن الله تعالي أوجب على نفسه أنه لا يظلم عمل عامل من ذكر أو أنثي، فجعل العمل من الأسباب دخول الجنة، والأسباب نفسها إنما هي تفضيل من الله تعالى.
وأما الوعيد فهو ما يتعلق بأحكام المذنبين من عصاه المؤمنين إذا ماتوا من غير توبة، وقد أوضح المعتزلة رأيهم في هذا وهو أن أصحاب الكبائر إذا ماتوا من غير توبة فإنهم يستحقون بمقتضى الوعيد من الله النار خالدين فيها إلا أن عقابهم يكون أخف من عقاب الكفار، وقد استدلوا من القرآن الكريم بكل آية يذكر فيها عقاب العصاة بالنار والخلود فيها، والواقع أن قولهم غير مسلم، وهو خطأ في فهم النصوص وحمل لها على غير معانيها الصحيحة، فإن الآيات لا تدل على خلود أصحاب المعاصي من المؤمنين خلودا أبديا حتميا، ذلك أن الله عز وجل قد يعفو عنهم ابتداء وقد يعذبهم بقدر ذنوبهم ثم يخرجهم الله بتوحيدهم وإيمانهم، ومن ناحية أخرى، فإن خلف الوعيد من فعل الكرام وهى صفة مدح، بخلاف خلف الوعد فإنها صفة ذم، والله عز وجل يتنزه عنها.
4 - المنزلة بين المنزلتين: وتلقب هذه المسألة حسب ما يذكره القاضي عبد الجبار "بمسألة الأسماء والأحكام"، ويريدون بالمنزلة بين المنزلتين المؤمن صاحب المعاصي، فهو عندهم ليس بمؤمن ولا كافر بل يفرد له حكم ثالث وهو تسميته " فاسقا" في الدنيا، والحكم بخلوده في النار في الآخرة، فاختلف اسمه وحكمه في الدنيا فاستحق أن يكون في منزلة بين المنزلتين، والواقع أن العاصي غير خارج من الملة بفسقه بل هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، ولم تخرجه النصوص عن الإيمان لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه، ولا في إجماع الأمة.
5 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وقد توافق أهل السنة والمعتزلة في حكم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كونه من الواجبات على الكفاية، إلا أنه وقع خلاف بين أهل السنة والمعتزلة فيما يلي:
أ- طريقة تغيير المنكر، فقد ساروا فيها عكس الحديث الذي بين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم موقف المسلم إزاء تغيير المنكرات، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
ب- أوجبوا الخروج على السلطان الجائر.
ج- حمل السلاح في وجوه المخالفين لهم سواء كانوا من الكفار أو من أصحاب المعاصي من أهل القبلة.
من أراد الأجزاء السابقة:
الجزءالأول http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=188385 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=188385)
الجزء الثاني http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=189017 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=189017)
الجزء الثالث http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=190080 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=190080)
الجزء الرابع http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=1153689#post1153689 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=1153689#post1153689)
الجزء الخامس
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=1160282#post1160282 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=1160282#post1160282)
الجزء السادس http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=193389 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=193389)
الجزء السابع
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=1182184#post1182184 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=1182184#post1182184)
الجزء الثامن
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=197638
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وسأضع الجزء العاشر والأخير إن شاء الله تعالى بعد أسبوع إن يسر الله ذلك، والحمد لله رب العالمين.(60/377)
كيف نرد شبهة الشيعة وبعض الكتاب عن صوم يوم عاشوراء؟
ـ[خليل إبراهيم]ــــــــ[25 - 12 - 09, 04:58 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
أثار الشيعة شبهات كثيرة حول صحة أحاديث صوم يوم عاشورا والحقيقة أن الدكتور على وافي أجاب على شبهة تعارض الروايات المذكورة عن صوم يوم عاشوراء لكن الرد ليس وافيا في هذا الموقع
http://www.aslein.net/showthread.php?t=5529
فإن كان أحد لديه إجابة فليفدنا بها في هذا الأمر لأن الإخوة الذين نقلوا كلام ابن القيم في موافقة هذا لصوم اليهود أيضا محل نظر.
والشبهة التي حيرتني هي:
إذا كان علم الرسول صلى الله عليه وسلم بصوم اليهود اليوم الذي يوافق يوم عاشوراء كان عند قدومه للمدينة والمعلوم أن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في ربيع ولم تكن في المحرم فكيف نوفق بين رواية البخاري في صوم عاشوراء وبين أغلب روايات الهجرة أنها كانت في ربيع؟
جزاكم الله خيرا.
ـ[ابو عبدالرحمن المسلم]ــــــــ[26 - 12 - 09, 01:32 م]ـ
عاشوراء بين السنة النبوية والبدعة الرافضية
http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=91385
ان شاء الله هذا الموضوع يفيدك
ـ[خليل إبراهيم]ــــــــ[27 - 12 - 09, 12:14 ص]ـ
ما شاء الله لا قوة إلا بالله
بارك الله فيك فقد أثلجت صدري بتلك المعلومات القيمة والبحث العلمي الهادئ الموثق بالردود العلمية.
إن شاء الله أحوله للشاملة حتى يستفيد به الإخوة في كل مكان.
جزاك الله خيرا وزادك الله علما.(60/378)
المسائل التي نقدها ابن رشد في مذهب الأشاعرة
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[25 - 12 - 09, 09:44 م]ـ
المسائل التي نقدها ابن رشد في مذهب الأشاعرة
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
فهذا جمع للمسائل التي نقد فيها ابن رشد الأشاعرة في مذهبهم , وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وعلم الإنسان باختلاف هؤلاء , ورد بعضهم على بعض , وإن لم يعرف بعضهم فساد مقالة بعض؛ هو من أنفع الأمور؛ فإنه ما منهم إلا من قد فضل مقالته طوائف؛ فإذا عرف رد الطائفة الأخرى على هذه المقالة عرف فسادها؛ فكان في ذلك نهى عما فيها من المنكر والباطل , وكذلك إذا عرف رد هؤلاء على أولئك فإنه أيضا يعرف ما عند أولئك من الباطل؛ فيتقي الباطل الذي معهم ثم من بين الله له الذي جاء به الرسول إما بأن يكون قولا ثالثا خارجا عن القولين , وإما بأن يكون بعض قول هؤلاء وبعض قول هؤلاء.
منهاج السنة النبوية (5|148)
وقد جمعتها من كتبه التالية:
تهافت التهافت , الكشف عن مناهج الأدلة , فصل المقال , ضميمة في العلم الإلهي.
وقد وضحت بعض المسائل التي ذكرها ابن رشد في رده على الأشاعرة , وبينت فيها قول أهل السنة , وسكوتي عن كثير من كلامه لا يستلزم الإقرار على كل جزئية يذكرها , والله هو الموفق.
المسألة الأولى: ذهب الأشاعرة إلى أن الفعل يتراخى عن الفاعل , والسبب في ذلك خوفا من إثبات حوادث لا أول لها , وأنه لو قارن الفعل للفاعل للزم من ذلك عندهم مقارنة المفعول للفاعل والذي ترتب على ذلك القول بقدم العالم.
مع بيان أن الأشاعرة يقولون الفعل هو المفعول
قال شيخ الإسلام: و الجمهور المثبتون للصفات هم في الفعل على قولين
منهم من يقول لا يقوم به فعل و إنما الفعل هو المفعول و هذا قول طائفة منهم الأشعرى و من وافقه من أصحابه.
مجموع الفتاوى (16|374)
قال شيخ الإسلام: القول الصواب الموافق للميزان والكتاب لا يعرفونه كما في مسألة حدوث العالم؛ فإنهم لا يذكرون إلا قولين قول من يقول بقدم الأفلاك , وإن كانت صادرة عن علة توجبها؛ فالمعلول مقارن أزلا, وقول من يقول بل تراخى المفعول عن المؤثر التام وأنه يمتنع أنه لم يزل متكلما إذا شاء ويفعل ما يشاء.
والقول الصواب الذي هو قول السلف والأئمة لا يعرفونه؛ وهو القول بأن الأثر – أي المفعول - يتعقب التأثير التام – أي الفعل مع الإرادة والقدرة - فهو سبحانه إذا كون شيئا كان عقب تكوينه له كما قال تعالى {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} [يس: 82] وهذا هو المعقول كما يكون الطلاق والعتاق عقب التطليق والإعتاق والانكسار والانقطاع عقب الكسر والقطع فهو سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن , ويذكرون في كونه موجبا بذاته وفاعلا بمشيئته وقدرته قولين فاسدين:
أحدهما: قول من يقول المتفلسفة وأن معلوله يجب أن يكون مقارنا له في الزمان أزلا وأبدا.
وهذا القول من أفسد أقوال بني آدم فإنه يستلزم أن لا يحدث في العالم حادث؛ فإنه إذا كانت علة تامة أزلية ومعلولها معها والعالم كله معلوله إما بواسطة وإما بغير واسط لزم أن لا يكون في العالم شيء إلا أزليا فلا يكون في العالم شيء من الحوادث وهو خلاف المشاهدة.
ثم إنهم لما أثبتوا الواجب بالممكن إنما استدلوا على الممكن بالحادث الذي يفتقر إلى محدث؛ فإن لم يكن في العالم حادث بطل الإمكان الذي به أثبتوا الواجب , ولزم إما أن لا يكون في العالم واجب الوجود ولا ممكن الوجود , وهو إخلاء للوجود عن النقيضين , وإما أن يكون جميعه واجب الوجود فيكون الحادث الذي كان بعد أن لم يكن واجب الوجود.
وأيضا فإذا كان المعلول لا يكون إلا مع علته التامة لزم أن لا يحدث شيء من الحوادث إلا مع تمام علته ولم يحدث حين حدوثه ما يوجب حدوث علة تامة له , وإن قدر حدوث ذلك لزم حدوث تمام علل ومعلولات في آن واحد , وهو تسلسل في العلل , وذلك معلوم الفساد بصريح العقل واتفاق العقلاء بخلاف تسلسل الحوادث المتعاقبة وهو أنه لا يكون حادث إلا بعد حادث فهذا فيه نزاع مشهور ... .
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/379)
والثاني: قول من يقول: أنه فاعل مختار لكنه يفعل بوصف الجواز فيرجح أحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح إما بمجرد كونه قادرا أو لمجرد كونه قادرا عالما أو لمجرد إرادته القديمة التي ترجج مثلا على مثل بلا مرجح ويقولون: إن الحوادث تحدث بعد أن لم تكن حادثة من غير سبب يوجب الحدوث فيقولون بتراخي الأثر عن المؤثر التام.
وهذا وإن كان خيرا من الذي قبله , ولهذا ذهب إليه طوائف من أهل الكلام ففساده أيضا بين؛ فإنه إذا قيل: إن المؤثر التام حصل مع تراخي الأثر عنه وعند حصول الأثر لم يحصل ما يوجب الحصول كان حاله بعد حصول الأثر وقبله حالا واحدة متشابهة ثم اختص أحد الحالين بالأثر من غير ترجيح مرجح وحدوث الحادث بلا سبب حادث وهذا معلوم الفساد بصريح العقل.
والقول الثالث: قول أئمة السنة: إنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ فما شاء الله وجب بمشيئته وقدرته , وما لم يشأه امتنع لعدم مشيئته له فهو موجب بمشيئته وقدرته لا بذات خالية عن الصفات وهو موجب له إذا شاءه لا موجب له في الأزل كما قال {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} يس 82: وهذا الإيجاب مستلزم لمشيئته وقدرته لا مناف لذلك بل هو سبحانه يخلق ما يشاء ويختار فهو فاعل لما يشاؤه إذا شاء وهو موجب له بمشيئته وقدرته والله تعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
درء التعارض (2|324)
قال ابن رشد: وأما كونه أزلياً فإنه يجب أن يكون فعله المتعلق بالمفعولات أزلياً، فتكون المفعولات أزلية, والحادث يجب أن يكون وجوده متعلقاً بفعل حادث , اللهم إلا لو سلموا أنه يوجد فعل حادث عن فاعل قديم، فإن المفعول لا بد أن يتعلق به فعل الفاعل، وهم لا يسلمون ذلك. فإن من أصولهم أن المقارِن للحوادث حادثٌ.
الكشف عن مناهج الأدلة (30)
وقال ابن رشد في رده على الغزالي: هذا قول سفسطائي، وذلك أنه لما لم يمكنه أن يقول بجواز تراخي فعل المفعول عن فعل الفاعل له وعزمه على الفعل، إذا كان فاعلاً مختاراً، قال بجواز تراخيه عن إرادة الفاعل, وتراخي المفعول عن إرادة الفاعل جائز، وأما تراخيه عن فعل الفاعل له فغير جائز. وكذلك تراخي الفعل عن العزم على الفعل في الفاعل المريد، فالشك باقٍ بعينه .. .
تهافت التهافت (47 - 49)
وقال ابن رشد: فإذا قلنا كل ما مضى فقد دخل في الوجود يفهم منه معنيان: أحداهما: أن كل ما دخل في الزمان الماضي فقد دخل في الوجود، وهو صحيح. وأما ما مضى مقارناً بالوجود الذي لم يزل، أي لا ينفك عنه فليس يصح أن نقول قد دخل في الوجود، لأن قولنا فيه قد دخل، ضد لقولنا إنه مقارن للوجود الأزلي، ولا فرق في هذا بين الفعل والوجود أعني من سلم إمكان وجود موجود لم يزل فيما مضى فقد ينبغي أن يسلم أن ههنا أفعالاً لم تزل قبل فيما مضى، وإنه ليس يلزم أن تكون أفعاله ولا بد قد دخلت في الوجود. كما ليس يلزم في استمرار ذاته فيما مضى أن يكون قد دخل في الوجود. وهذا كله بَيِّن كما ترى. وبهذا الموجود الأول يمكن أن توجد أفعال لم تزل ولا تزال. ولو امتنع ذلك في الفعل لامتنع في الوجود؛ إذ كل موجود ففعله مقارن له في الوجود؛ فهؤلاء القوم جعلوا امتناع الفعل عليه أزلياً، ووجوده أزلياً، وذلك غاية الخطأ. لكن اطلاق اسم الحدوث على العالم كما أطلقه الشرع أخص به من إطلاق الأشعرية، لأن الفعل بما هو فعل فهو محدث، وإنما يتصور القدم فيه لأن هذا الإحداث والفعل المحدث ليس له أول ولا آخر.
تهافت التهافت (111)
فبين مسألتين:
أ- أن الفعل لا يتأخر عن الفاعل له , وأنه يلزم من وجود الأول الذي ليس قبله شيء أن يقارنه فعله , ولا يصح القول بتراخي الفعل عن الفاعل بل لا يتصور ذلك في حق الرب سبحانه.
ب- قوله: أنه لا يتأخر كذلك المفعول عن فاعله لا يسلم له كما تقدم في كلام شيخ الإسلام , لأن ذلك يستلزم قدم العالم وأنه موجب بالذات , وهذا مناف أنه الأول الذي ليس قبله شيء , وقول أهل السنة في حوادث لا أول لها , يختلف عن قول الفلاسفة الذي قالوا بالموجب بالذات , وذلك أن أهل السنة قالوا بالجواز والفلاسفة كابن سينا قالوا بالوجوب أو الموجب بالذات.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/380)
قال شيخ الإسلام: والمقصود أن العالم لو كان قديما للزم أن يكون فاعله مستلزما له لا يجوز أن يكون فاعله ممن يتراخى عنه مفعوله؛ فإن الفاعل لا يخلو من ثلاثة أقسام إما أن يجب اقتران مفعوله به , وإما أن يجب تأخر مفعوله عنه , وإما أن يجوز فيه الأمران؛ فلو كان العالم قديما لم يجز أن يكون فاعله ممن يجب أن يتراخى عنه مفعوله لأن ذلك جمع بين النقيضين كيف يكون مفعوله قديما أزليا ويكون متأخرا عنه حادثا بعد أن لم يكن فتعين أن يكون فاعله إما أن يجب اقتران مفعوله به وإما أن يجوز فيه الأمران والثاني باطل أيضا فإنه إذا جاز أن يقترن به المفعول وجاز ألا يقترن كان وجود المفعول ممكنا والممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح والقول في هذا المرجح كالقول في غيره إن كان فاعله مستلزما له كان مقارنا له فيلزم مقارنة الأول له فإن لم تجب مقارنته له كان ممكنا مفتقرا إلى مرجح آخر وهلم جرا فلا بد أن ينتهي الأمر إلى مرجح تام مستلزم لمفعوله فتبين أن العالم لو كان قديما للزم أن يكون مبدعه مرجحا تاما مستلزما لمفعوله سواء عبر عنه بالعلة التامة أو المؤثر التام أو المرجح التام.
الصفدية (1|75)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: وبهذا التحرير يزول الإشكال في هذه المسألة؛ فإن الموجب بذاته إذا كان أزلياً يقارنه موجبه؛ فلو كان الرب تعالى موجباً بذاته للعالم في الأزل لكان كل ما في العالم مقارناً له في الأزل , وذلك ممتنع بل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فكل ما شاء الله وجوده من العالم؛ فإنه يجب وجوده بقدرته ومشيئته , وما لم يشأ يمتنع وجوده إذ لا يكون شيء إلا بقدرته ومشيئته وهذا يقتضي وجوب وجود ما شاء تعالى وجوده.
ولفظ الموجب بالذات فيه إجمال؛ فإن أريد به أنه يوجب ما يحدثه بمشيئته وقدرته فلا منافاة بين كونه فاعلا بالقدرة والاختيار؛ وبين كونه موجباً بالذات بهذا التفسير , وإن أريد بالموجب بالذات أنه يوجب شيئاً من الأشياء بذات مجردة عن القدرة والاختيار فهذا باطل ممتنع , وإن أريد أن علة تامة أزلية تستلزم معلولها الأزلى بحيث يكون من العالم ما هو قديم بقدمه لازم لذاته أزلاً وأبداً - الفلك أو غيره - فهذا أيضاً باطل.
فالموجب بالذات إذا فسر بما يقتضى قدم شيء من العالم مع الله أو فسر بما يقتضي سلب صفات الكمال عن الله فهو باطل , وإن فسر بما يقتضى أنه ما شاء كان , وما لم يشأ لم يكن فهو حق؛ فإن ما شاء وجوده فقد وجب وجوده بقدرته ومشيئته لكن لا يقتضي هذا أنه شاء شيئا من المخلوقات بعينه في الأزل بل مشيئته لشيء معين في الأزل ممتنع لوجوه متعددة.
ولهذا كان عامة العقلاء على أن الأزلي لا يكون مراداً مقدوراً , ولا أعلم نزاعاً بين النظار أن ما كان من صفات الرب أزلياً لازماً لذاته لا يتأخر منه شيء لا يجوز أن يكون مراداً مقدوراً , وأن ما كان مراداً مقدوراً لا يكون إلا حادثاً شيئا بعد شيء , وإن كان نوعه لم يزل موجوداً أو كان نوعه كله حادثا بعد أن لم يكن.
ولهذا كان الذين اعتقدوا أن القرآن قديم لازم لذات الله متفقين على أنه لم يتكلم بمشيئته وقدرته , وإنما يكون بمشيئته وقدرته خلق إدراك في العبد لذلك المعنى القديم , والذين قالوا كلامه قديم وأرادوا أنه قديم العين متفقون على أنه لم يتكلم بمشيئته وقدرته سواء قالوا هو معنى واحد قائم بالذات أو قالوا هو حروف أو حروف وأصوات قديمة أزلية الأعيان.
بخلاف أئمة السلف الذين قالوا إنه يتكلم بمشيئته وقدرته , وإنه لم يزل متكلماً إذا شاء وكيف شاء؛ فإن هؤلاء يقولون الكلام قديم النوع , وإن كلمات الله لا نهاية لها بل لم يزل متكلماً بمشيئته وقدرته , ولم يزل يتكلم كيف شاء إذا شاء ونحو ذلك من العبارات.
منهاج السنة النبوية " (1|166)
وأقوى دليل في الرد على من يقول بقدم العالم أن العالم لو كان قديما وكان علة تامة للمعلول لم يصدر شيء عن الخالق.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/381)
قال شيخ الإسلام: فيقال إذا كان الصانع قديما موجبا بالذات وعلته تامة أزلية لزم ألا يتأخر عنه شيء من موجبه ومعلوله كما ذكروا؛ لأن المتأخر إن كان قد وجدت علته التامة في الأزل لزم أن يكون أزليا لا يتأخر , وإن لم يوجد فقد وجدت علته التامة بعد أن لم تكن سواء كان الحادث شرطا من شروط تمام العلة أو غير ذلك ثم القول في علة تلك العلة كالقول في العلة التي هي معلول هذه؛ فيلزم ألا يكون لشيء من الحوادث علة تامة في الأزل وهذا لازم لقولهم لا محيد عنه؛ فإن العلة التامة تستلزم معلولها؛ فالحادث لا تكون علته تامة في الأزل فيلزم على ذلك ألا يكون شيء من الحوادث حادثا عن العلة التامة التي هي واجب الوجود , وحينئذ فأما أن تكون الحوادث حادثة بنفسها وهذا معلوم الفساد بالضرورة وهم يسلمون فساده , وإما أن تكون حادثة عن فاعل آخر غير الواجب الموجود بنفسه فله فاعل ثم ذلك الفاعل إن لم يكن واجب الوجود بنفسه فله فاعل والقول في حدوث الحوادث عنه كالقول في الأول , وإن كان واجب الوجود بنفسه كان القول فيه كالقول في ذلك الواجب إن كان علة تامة لزم ألا يحدث عنه حادث وإن لم يكن علة تامة بطل قولهم بالموجب بالذات فتبين فساد قولهم على كل تقدير.
الصفدية (1|18)
المسألة الثانية: الرد عليهم في مسألة أن الله اتصف بالصفة بعد أن لم يكن متصفا بها
وهي مسألة الترجيح بلا مرجح
قال ابن رشد: وأيضاً إن كان الفاعل حيناً يفعلُ وحيناً لا يفعل، وجب أن تكون هنالك علة صيَّرته بإحدى الحالتين أولى منه بالأخرى، فيُسأل أيضاً في تلك العلة مثل هذا السؤال، وفي علة العلة، فيمر الأمر إلى غير نهاية.
الكشف عن مناهج الأدلة (30)
قلت: وهذه المسألة تسمى عند العلماء بمسألة الترجيح بلا مرجح.
وذلك أن فعل الله راجع إلى مشيئته الممكنة؛ إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل , و طرفا الممكن هما الوجود أو العدم؛ وترجيح فعله لشيء في زمن دون زمن لا بد أن يستند إلى مرجح , أي إلى سبب؛ وما من زمن يتصور فيه الفعل أو الخلق , وإلا يتصور قبله أو بعده , فدل على لزومية إثبات فعل الله منذ الأزل.
قال شيخ الإسلام: وهذا قول أكثر المعتزلة والأشعرية وغيرهم؛ يقرون بالصانع المحدث من غير تجدد سبب حادث ولهذا قامت عليهم الشناعات في هذا الموضع، وقال لهم الناس: هذا ينقض الأصل الذي أثبتم به الصانع؛ وهو أن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح؛ فإذا كانت الأوقات متماثلة، والفاعل على حال واحدة لم يتجدد فيه شيء أزلاً وأبداً ثم اختص أحد الأوقات بالحدوث فيه، كان ذلك ترجيحاً بلا مرجح.
درء التعارض (4|153)
وقال شيخ الإسلام: أما ما يذكره كثير من أهل الكلام عن أهل الملل المسلمين واليهود والنصارى أن الله لم يزل معطلا لا يتكلم ولا يفعل شيئا ثم حدث ما حدث من كلام ومفعولات بغير سبب حادث؛ فهذا قول لم ينطق به شيء من كتب الله لا القرآن ولا التوراة ولا الإنجيل ولا الزبور ولا نقل هذا عن أحد من أنبياء الله , ولا قاله أحد من الصحابة أصحاب نبينا صلى الله عليه و سلم ولا التابعين لهم بإحسان ولكن الذي نطقت به الكتب والرسل أن الله خالق كل شيء؛ فما سوى الله من الأفلاك والملائكة وغير ذلك مخلوق ومحدث كائن بعد أن لم يكن مسبوق بعدم نفسه وليس مع الله شيء قديم بقدمه في العالم لا أفلاك ولا ملائكة.
الصفدية (1|14)
المسألة الثالثة:قياس تأخر الفعل عن الفاعل بالإرادة والرد عليهم
وذلك أن الأشاعرة ردوا على شبهة عدم تصور تأخر الفعل عن الفاعل؛ بشبهة أن إرادة الفاعل يتصور أن تتأخر عن فعل الفاعل.
وقد فصل شيخ الإسلام في هذه المسألة , وبين أن الإرادة تنقسم إلى عزم وقصد؛ فالإرادة التي تسبق الفعل وتسمى عزما , وهذه تسبق الفعل , وأما الإرادة التامة التي تكون مع الفعل , وهي تسمى القصد فهذه لا تتأخر عن الفعل , وهذا هو القول الوسط في هذه المسألة.
فالأشاعرة قالوا الإرادة التامة قديمة (وهي بمعنى القصد) , والفعل حادث! , وهذا مما خالفوا به المعقول حتى سخر منهم ابن رشد رحمه الله؛ فكيف يتصور إرادة تامة قديمة وفعل حادث فهذا مناف للمعقول.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/382)
قال شيخ الإسلام: وإذا تبين أن الفعل مستلزم لحدوث المفعول , وأن إرادة الفاعل أن يفعل مستلزمة لحدوث المراد؛ فهذا يبين أن كل مفعول وكل ما أريد فعله فهو حادث بعد أن لم يكن عموما , وعلم بهذا أنه يمتنع أن يكون ثم إرادة أزلية لشيء من الممكنات يقارنها مرادها أزلا وأبدا سواء كانت عامة لكل ما يصدر عنه أو كانت خاصة ببعض المفعولات.
ثم يقال أما كونها عامة لكل ما يصدر عنه فامتناعه ظاهر متفق عليه بين العقلاء؛ فإن ذلك يستلزم أن يكون كل ما صدر عنه بواسطة أو بغير واسطة قديما أزليا؛ فيلزم أن لا يحدث في العالم شيء وهو مخالف لما يشهده الخلق من حدوث الحوادث في السماء والأرض وما بينهما من حدوث الحركات والأعيان والأعراض كحركة الشمس والقمر والكواكب وحركة الرياح وكالسحاب والمطر وما يحدث من الحيوان والنبات والمعدن.
وأما إرادة شيء معين فلما تقدم ولأنه حينئذ إما أن يقال ليس له إلا تلك الإرادة الأزلية , وإما أن يقال له إرادات تحصل شيئا بعد شيء؛ فإن قيل بالأول فإنه على هذا التقدير يكون المريد الأزلي في الأزل مقارنا لمراده الأزلي فلا يريد شيئا من الحوادث لا بالإرادة القديمة ولا بإرادة متجددة لأنه إذا قدر أن المريد الأزلي يجب أن يقارنه مراده كان الحادث حادثا إما بإرادة أزلية فلا يقارن المريد مراده وإما حادثا بإرادة حادثة مقارنة له وهذا باطل لوجهين:
أحدهما: أن التقدير أنه ليس له إلا إرادة واحدة أزلية.
الثاني: أن حدوث تلك الإرادة يفتقر إلى سبب حادث والقول في ذلك السبب الحادث كالقول في غيره يمتنع أن يحدث بالإرادة الأزلية المستلزمة لمقارنة مرادها لها ويمتنع أن يحدث بلا إرادة لامتناع حدوث الحادث بلا إرادة فيجب على هذا التقدير أن تكون إرادة الحادث المعين مشروط بإرادة له وبإرادة للحادث الذي قبله وأن الفاعل المبدع لم يزل مريدا لكل ما يحدث من المرادات.
وهذا هو التقدير الثاني؛ وهو أن يقال لو أراد أن يحصل شيئا بعد شيء فكل مراد له محدث كائن بعد أن لم يكن , وهو وحده المنفرد بالقدم والأزلية , وكل ما سواه مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن وعلى هذا التقدير فليس فيه إلا دوام الحوادث وتسلسلها وهذا هو التقدير الذي تكلمنا عليه ويلزم أن يقوم بذات الفاعل ما يريده ويقدر عليه , وهذا هو قول أئمة أهل الحديث وكثير من أهل الكلام والفلسفة بل قول أساطينهم من المتقدمين والمتأخرين.
فتبين أنه يجب القول بحدوث كل ما سوى الله سواء سمى جسما أو عقلا أو نفسا وأنه يمتنع كون شيء من ذلك قديما سواء قيل بجواز دوام الحوادث وتسلسلها وأنه لا أول لها أوقيل بامتناع ذلك وسواء قيل بأن الحادث لا بد له من سبب حادث أو قيل بامتناع ذلك وأن القائلين بقدم العالم كالأفلاك والعقول والنفوس قولهم باطل في صريح العقل الذي لم يكذب قط على كل تقدير وهذا هو المطلوب.
منهاج السنة (1|296 - 298)
وقال: و أيضا فلابد عند وجود المراد من سبب يقتضى حدوثه وإلا فلو كان مجرد ما تقدم من الإرادة والقدرة كافيا للزم وجوده قبل ذلك لأنه مع الإرادة التامة والقدرة التامة يجب وجود المقدور.
مجموع الفتاوى (6|231)
وقال: وهو سبحانه إذا أراد شيئا من ذلك فللناس فيها أقوال:
قيل الإرادة قديمة أزلية و احدة , و إنما يتجدد تعلقها بالمراد ونسبتها إلى الجميع واحدة و لكن من خواص الإرادة أنها تخصص بلا مخصص فهذا قول ابن كلاب و الأشعرى و من تابعهما , وكثير من العقلاء يقول إن هذا فساده معلوم بالاضطرار حتى قال أبو البركات ليس فى العقلاء من قال بهذا , و ما علم أنه قول طائفة كبيرة من أهل النظر و الكلام و بطلانه من جهات من جهة جعل إرادة هذا غير إرادة ذاك و من جهة أنه جعل الإرادة تخصص لذاتها و من جهة أنه لم يجعل عند وجود الحوادث شيئا حدث حتى تخصص أو لا تخصص بل تجددت نسبة عدمية ليست و جودا و هذا ليس بشيء فلم يتجدد شيء فصارت الحوادث تحدث و تتخصص بلا سبب حادث و لا مخصص.
و القول الثاني: قول من يقول بإرادة واحدة قديمة مثل هؤلاء لكن يقول تحدث عند تجدد الأفعال إرادات فى ذاته بتلك المشيئة القديمة كما تقوله الكرامية و غيرهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/383)
و هؤلاء أقرب من حيث أثبتوا إرادات الأفعال و لكن يلزمهم ما لزم أولئك من حيث أثبتوا حوادث بلا سبب حادث و تخصيصات بلا مخصص و جعلوا تلك الإرادة واحدة تتعلق بجميع الإرادات الحادثة و جعلوها أيضا تخصص لذاتها و لم يجعلوا عند وجود الإردات الحادثة شيئا حدث حتى تخصص تلك الإرادات الحدوث.
و القول الثالث: قول الجهمية و المعتزلة الذين ينفون قيام الإرادة به ثم إما أن يقولوا بنفي الإرادة أو يفسرونها بنفس الأمر و الفعل أو يقولوا بحدوث إرادة لا في محل كقول البصريين
و كل هذه الأقوال قد علم أيضا فسادها.
و القول الرابع: أنه لم يزل مريدا بإرادات متعاقبة فنوع الإرادة قديم و أما إرادة الشيء المعين فإنما يريده فى وقته.
و هو سبحانه يقدر الأشياء و يكتبها ثم بعد ذلك يخلقها فهو إذا قدرها علم ما سيفعله و أراد فعله في الوقت المستقبل لكن لم يرد فعله فى تلك الحال فإذا جاء و قته أراد فعله؛ فالأول عزم , و الثاني قصد.
وهل يجوز و صفه بالعزم فيه قولان:
أحدهما: المنع كقول القاضي أبى بكر و القاضي أبى يعلى.
و الثاني: الجواز و هو أصح فقد قرأ جماعة من السلف {فإذا عزمت فتوكل على الله} بالضم و في الحديث الصحيح من حديث أم سلمة: ثم عزم الله لي. و كذلك فى خطبة مسلم: فعزم لي.
و سواء سمي عزما أو لم يسم؛ فهو سبحانه إذا قدرها علم أنه سيفعلها في وقتها , و أراد أن يفعلها في وقتها؛ فإذا جاء الوقت فلا بد من إرادة الفعل المعين و نفس الفعل و لابد من علمه بما يفعله.
مجموع الفتاوى (16|301 - 304)
وقال: أما الإرادة فذكروا لها ثلاثة لوازم و الثلاثة تناقض الإرادة.
قالوا: أنها تكون و لا مراد لها بل لم يزل كذلك ثم حدث مرادها من غير تحول حالها , و هذا معلوم الفساد ببديهة العقل؛ فإن الفاعل إذا أراد أن يفعل فالمتقدم كان عزما على الفعل و قصدا له فى الزمن المستقبل لم يكن إرادة للفعل في الحال بل إذا فعل فلابد من إرادة الفعل في الحال , و لهذا يقال الماضي عزم و المقارن قصد فوجود الفعل بمجرد عزم من غير أن يتجدد قصد من الفاعل ممتنع؛ فكان حصول المخلوقات بهذه الإرادة ممتنعا لو قدر إمكان حدوث الحوادث بلا سبب؛ فكيف و ذاك أيضا ممتنع في نفسه فصار الامتناع من جهة الإرادة و من جهة تعينت بما هو ممتنع في نفسه.
الثاني: قولهم أن الإرادة ترجح مثلا على مثل فهذا مكابرة بل لا تكون الإرادة إلا لما ترجح و جوده على عدمه عند الفاعل إما لعلمه بأنه أفضل أو لكون محبته له أقوى و هو إنما يترجح في العلم لكون عاقبته أفضل فلا يفعل أحد شيئا بإرادته إلا لكونه يحب المراد أو يحب ما يؤول إليه المراد بحيث يكون وجود ذلك المراد أحب إليه من عدمه لا يكون و جوده و عدمه عنده سواء.
الثالث: أن الإرادة الجازمة يتخلف عنها مرادها مع القدرة؛ فهذا أيضا باطل بل متى حصلت القدرة التامة و الإرادة الجازمة وجب وجود المقدور و حيث لا يجب فإنما هو لنقص القدرة أو لعدم الإرادة التامة والرب تعالى ما شاء كان و ما لم يشأ لم يكن , و هو يخبر في غير موضع أنه لو شاء لفعل أمورا لم يفعلها كما قال {و لو شئنا لآتينا كل نفس هداها} {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} {ولو شاء الله ما اقتتلوا} فبين أنه لو شاء ذلك لكان قادرا عليه لكنه لا يفعله لأنه لم نشأه إذ كان عدم مشيئته أرجح في الحكمة مع كونه قادرا عليه لو شاءه.
مجموع الفتاوى (16|459)
وقال: فإن القائلين بتأخر مرادها؛ إنما قالوا ذلك فرارا من القول بدوام الحوادث ووجود حوادث لا أول لها , وعلى هذا التقدير فيلزم حدوث العالم؛ وإلا فلو جاز دوام الحوادث لجاز عندهم وجود المراد في الأزل , ولو جاز ذلك لم يقولوا بتأخر المراد عن الإرادة القديمة الأزلية مع ما في ذلك من ترجيح أحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح , وما في ذلك من الشناعة عليهم ونسبة كثير من العقلاء إلى أنهم خالفوا صريح المعقول.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/384)
فإنهم إنما صاروا إلى هذا القول لاعتقادهم امتناع حوادث لا أول لها؛ فاحتاجوا لذلك أن يثبتوا إرادة قديمة أزلية يتأخر عنها المراد ويحدث بعد ذلك من غير سبب حادث واحتاجوا أن يقولوا إن نفس الإرادة تخصص أحد المتماثلين على الآخر , وإلا فلو اعتقدوا جواز دوام الحوادث وتسلسلها لأمكن أن يقولوا بأنه تحدث الإرادات والمرادات ويقولون بجواز قيام الحوادث بالقديم ولرجعوا عن قولهم بأن نفس الإرادة القديمة تخصص أحد المثلين في المستقبل وعن قولهم بحدوث الحوادث بلا سبب حادث وكانوا على هذا التقدير لا يقولون بقدم شيء من العالم بل يقولون إن كل ما سوى الله فإنه حادث كائن بعد أن لم يكن.
منهاج السنة (1|392)
قال ابن رشد في الرد على ذلك: وما يقوله المتكلمون في جواب هذا، من أن الفعل الحادث كان بإرادة قديمة، ليس بِمُنج ولا مخلصٍ من هذا الشك؛ لأن الإرادة غيرُ الفعل المتعلق بالمفعول. وإذا كان المفعول حادثاً فواجب أن يكون الفعل المتعلق بإيجاده حادثاً.
وسواء فرضنا الإرادة قديمةً أو حديثةً، متقدمة على الفعل أو معه، فكيفما كان، فقد يلزمهم أن يجوِّزوا على القديم أحد ثلاثة أمور: إما إرادة حادثة وفعل حادث،- وهذا لا يسلمون به - وإما فعل حادث وإرادة قديمة،- وهذا لا يتصور - وإما فعل قديم وإرادة قديمة – وهذا مناف للمعقول -. والحادث ليس يمكن أن يكون عن فعل قديم بلا واسطة، إن سلمنا لهم أنه يوجد عن إرادة قديمة.
ووضع الإرادة نفسها هي للفعل المتعلق بالمفعول شيءٌ لا يعقل , وهو كفرض مفعول بلا فاعل؛ فإن الفعل غير الفاعل، وغير المفعول، وغير الإرادة. والإرادة هي شرط الفعل لا الفعل.
وأيضاً فهذه الإرادة القديمة يجب أن تتعلق بعدم الحادث دهراً لا نهاية له،، إذ كان الحادث معدوماً دهراً لا نهاية له. فهي لا تتعلق بالمراد في الوقت الذي اقتضت إيجاده إلا بعد انقضاء دهر لا نهاية له. وما لا نهاية له لا ينقضي؛ فيجب ألا يخرج هذا المراد إلى الفعل، أو ينقضي دهرٌ لا نهاية له وذلك ممتنع. وهذا هو بعينه برهام المتكلمين الذي اعتمدوه في حدوث دورات الفلك.
وأيضاً فإن الإرادة التي تتقدم المراد، وتتعلق به بوقت مخصوص، لا بد أن حدث فيها، في وقت إيجاد المراد، عزمٌ على الإيجاد لم يكن قبل ذلك الوقت، لأنه إن لم يكن في المريد، في وقت الفعل، حالةٌ زائدة على ما كانت عليه في الوقت الذي اقتضت الإرادة عدم الفعل، لم يكن وجود ذلك الفعل عنه في ذلك الوقت أولى من عدمه.
إلى ما في هذا كله من التشعيب والشكوك العويصة التي لا يتخلص منها العلماء المهَرَة بعلم الكلام و الحكمة، فضلاً عن العامة. ولو كُلِّف الجمهور العلم من هذه الطرق لكان من باب تكليف ما لا يطاق.
الكشف عن مناهج الأدلة (30 - 31)
قلت: وقوله: وإذا كان المفعول حادثاً فواجب أن يكون الفعل المتعلق بإيجاده حادثاً. وهذا هو القول الصواب , وأن الأفعال تقوم بذات الله وهي من الصفات التابعة لمشيئته واختياره.
قلت: وقوله: وأيضاً فهذه الإرادة القديمة يجب أن تتعلق بعدم الحادث دهراً لا نهاية له،، إذ كان الحادث معدوماً دهراً لا نهاية له. فهي لا تتعلق بالمراد في الوقت الذي اقتضت إيجاده إلا بعد انقضاء دهر لا نهاية له. وما لا نهاية له لا ينقضي؛ فيجب ألا يخرج هذا المراد إلى الفعل، أو ينقضي دهرٌ لا نهاية له وذلك ممتنع. وهذا إلزام قوي من ابن رشد للأشاعرة , لأن الإرادة القديمة يستلزمها ما يستلزم الذات من الأولية , فهذا العدم إن كان متناهيا تنافى مع القول بالقدم , وإن لم يكن متناهيا لاستلزم أن لا يصدر الفعل لأن ما يتناهى لا ينقضي.
قال ابن رشد: وأما المقدمة القائلة إن الإرادة لا يكون عنها إلا مراد محدث؛ فذلك شيء غير بين , وذلك أن الإرادة التي بالفعل، فهي مع فعل المراد نفسه، لأن الإرادة من المضاف. وقد تبين أنه إذا وجد أحد المضافين بالفعل وجد الآخر بالفعل، مثل الأب والابن، وإذا وجد أحدهما بالقوة وجد الآخر بالقوة. فإن كانت الإرادة التي بالفعل حادثة فالمراد ولا بد حادث بالفعل وإن كانت الإرادة التي بالفعل قديمة فالمراد الذي بالفعل قديم. وأما الإرادة التي تتقدم المراد فهي الإرادة التي بالقوة، أعني التي لم يخرج مرادها إلى الفعل، إذ لم يقترن بتلك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/385)
الإرادة الفعل الموجب لحدوث المراد. ولذلك هو بين، أنها إذ لم خرج مرادها أنها على نحو من الوجود لم تكن عليه قبل خروج مراها إلى فعل، إذ كانت هي السبب في حدوث المراد بتوسط الفعل فإذن،ـ لو وضع المتكلمون أن الإرادة حادثه لوجب أن يبكون المراد محدثاً ولا بد.
والظاهر من الشرع أنه لم يتعمق هذا التعمق مع الجمهور. ولذلك ولم يصرح لا بالإرادة قديمة ولا حادثه، بل صرح بما الأظهر منه أن الإرادة حادثه وذلك في قوله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردنه أن نقول له كنت فيكون} [النحل:40]. وإنما كان ذلك كذلك لأن الجمهور لا يفهمون موجودات حادثة عن إرادة قديمة، بل الحق أن الشرع لم يصرح في الإرادة لا بحدوث ولا بقدم، لكون هذا من المتشابهات في حق الأكثر. وليس بأيدي المتكلمين برهان قطعي على استحالة قيام إرادة حادثة في موجود قديم، لأن الأصل الذي يعولون عليه في نفي قيام الإدارة بمحل قديم هو المقدمة التي بينا وهي أن ما لا يخلو عن الحوادث حادث.
الكشف عن مناهج الأدلة (39 - 40)
قلت: وقوله: وأما المقدمة القائلة إن الإرادة لا يكون عنها إلا مراد محدث فذلك شيء غير بين , وذلك أن الإرادة التي بالفعل، فهي مع فعل المراد نفسه، لأن الإرادة من المضاف. وقد تبين أنه إذا وجد أحد المضافين بالفعل وجد الآخر بالفعل، مثل الأب والابن، وإذا وجد أحدهما بالقوة وجد الآخر بالقوة. فإن كانت الإرادة التي بالفعل حادثة فالمراد ولا بد حادث بالفعل , وإن كانت الإرادة التي بالفعل قديمة؛ فالمراد الذي بالفعل قديم. وأما الإرادة التي تتقدم المراد فهي الإرادة التي بالقوة، أعني التي لم يخرج مرادها إلى الفعل، إذ لم يقترن بتلك الإرادة الفعل الموجب لحدوث المراد. وهذا قريب جدا من كلام شيخ الإسلام التفريق بين الإرادة التي تكون قبل الفعل والتي تسمى العزم والإرادة التي تكون مع الفعل والتي تسمى القصد , وهذه الأخيرة لا يتصور تأخرها عن الفعل.
وقال ابن رشد: ولذلك عرضت أشد حيرة تكون ن وأعظم شبهة، للمتكلمين من أهل ملتنا، أعني الأشعرية؛ وذلك لما صرحوا أن الله مريد بإرادة قديمة، وهذا بدعة كما قلنا، ووضعوا أن العالم محدث، قيل لهم: كيف يكون مراد حادث عن إرادة قديمة؟ فقالوا: فقالوا: إن الإرادة القديمة تعلقت بإيجاده في وقت مخصوص وهو الوقت الذي وجد فيه.
فقيل لهم: إن كانت نسبة الفاعل المريد إلى المحدث، وفي وقت عدمه، هي بعينها نسبته إليه في وقت إيجاده، فالمحدث لم يكن وجوده في وقت وجوده أولى منه غيره، إذ لم يتعلق به، في وقت الوجود، فعل انتفى عنه في وقت العدم. وإن كانت مختلفة، فهنالك إرادة حادثة ضرورة، وإلا وجب أن يكون مفعول محدث عن فعل قديم. فإن ما يلزم من ذلك في الفعل، يلزم في الإرادة.
وذلك أنه يقال لهم: إذا حضر الوقت، وقت وجوده، فوجد، فهل وجد بفعل قديم أو بفعل محدث؟ فإن قالوا: بفعل قديم، فقد جوزوا وجود المحدث بفعل قديم. وإن قالوا: بفعل محدث، لزمهم أن يكون هنالك إرداة محدثه. فإن قالوا: الإرادة هي نفس الفعل فقد قالوا محالاً، فإن الإرادة هي سبب الفعل في المريد , ولو كان المريد إذا أراد شيئاً ما، في وقت ما، وجد ذلك الشيء عند حضور وقته، من غير فعل منه بالإرداة المتقدمة، لكان ذلك الشيء موجوداً عن غير فاعل.
وأيضاً فقد يظن أنه إن كان واجباً أن يكون عن الإرادة الحادثه مراد حادث، فقد يجب أن يكون عن الإرادة القديمة مراد قديم، وإلا كان مراد الإرادة القديمة والحادثه واحداً، وذلك مستحيل.
الكشف عن مناهج الأدلة (94 - 95)
وقول ابن رشد: "فقيل لهم: إن كانت نسبة الفاعل المريد إلى المحدث ... " هي نفس مسألة الترجيح بلا مرجح المتقدمة كما تقدم.
وهو يلزمهم أنه ما من وقت يتصور فيه إيجاد المفعول الحادث عن تلك الإرادة القديمة , إلا وهو يتصور في وقت غير ذلك الوقت؛ فتخصيص هذا الوقت دون سواه يحتاج إلى مرجح , وهذا من تناقضهم.
المسألة الرابعة: حوادث لا أول لها
بيان ابن رشد أن لا محذور من القول بحوادث لا أول لها , لأن استناد ذلك للأول الذي ليس له بداية.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/386)
قال ابن رشد: وبهذا ينحل جميع الشكوك الواردة لهم في هذا الباب. وأعسرها كلها هو ما جرت به عادتهم أن يقولوا: إنه إذا كانت الحركات الواقعة في الزمان الماضي حركات لا نهاية لها، فليس يوجد منها حركة في الزمان الحاضر المشار إليه، إلا وقد انقضت قبلها حركات لا نهاية لها. وهذا صحيح ومعترف به عند الفلاسفة، إن وضعت الحركة المتقدمة شرطاً في وجود المتأخرة، وذلك أنه متى لزم أن توجد واحدة منها لزم أن توجد قبلها أسباب لا نهاية لها. وليس يجوّز أحد من الحكماء وجود أسباب لا نهاية لها، كما تجوزه الدهرية، لأنه يلزم عنه وجود مسبَّب من غير سبب، ومتحرك من غير محرك، لكن القوم لما أداهم البرهان إلى أن ههنا مبدأً محركاً أزلياً ليس لوجوده ابتداء ولا انتهاء، وأن فعله يجب أن يكون غير متراخ عن وجوده، لزم أن لا يكون لفعله مبدأ كالحال في وجوده، وإلا كان فعله ممكناً لا ضرورياً. فلم يكن مبدأ أولاً، فيلزم أن تكون أفعال الفاعل الذي لا مبدأ لوجوده ليس لها مبدأ كالحال في وجوده. وإذا كان ذلك كذلك، لزم ضرورة أن لا يكون واحد واحد من أفعاله الأولى شرطاً في وجود الثاني. لأن كل واحد منهما هو غير فاعل بالذات. بل لزم أن يكون هذا النوع مما لا نهاية له أمراً ضرورياً تابعاً لوجود مبدأ أول أزلي. وليس ذلك في أمثال الحركات المتتابعة أو المتصلة، بل وفي الأشياء التي يظن بها أن المتقدم سبب للمتأخر، مثل الإنسان الذي يولد إنساناً مثله. وذلك أن المحدث للإنسان المشار إليه بإنسان آخر، يجب أن يترقى إلى فاعل أول قديم، لا أول لوجوده، ولا لإحداثه إنساناً عن إنسان. فيكون كون إنسان عن إنسان آخر إلى ما لا نهاية له، كوناً بالعرض والقبلية والبعدية بالذات. وذلك أن الفاعل الذي لا أول لوجود كما لا أول لأفعاله التي يفعلها بلا آلة، كذلك لا أول للآلة التي يفعل بها أفعاله التي لا أول لها، من أفعاله التي من شأنها أن تكون بآلة. فلما اعتقد المتكلمون فيما بالعرض أنه بالذات، دفعوا وجوده، وعسر حل قولهم، وظنّوا أن دليلهم ضروري. وهذا من كلام الفلاسفة بين. فإن قد صرح رئيسهم الأول، وهو أرسطو، أنه لو كانت للحركة حركة لما وجدت الحركة، وأنه لو كان للأسطقس اسطقس لما وجد الأسطقس. وهذا النحو مما لا نهاية ل ليس عندهم مبدأ ولا منتهى. ولذلك ليس يصدق على شيء منه أنه قد انقضى، ولا أنه قد دخل في الوجود ولا في الزمان الماضي. لأن كل ما انقضى فقد ابتدأ، وما لم يبتدئ فلا ينقضي. وذلك أيضاً بين من كون المبدأ والنهاية من المضاف. ولذلك يلزم من قال إنه لا نهاية لدورات الفلك في المستقبل ألا يضع لها مبدأ، لأن ما ل مبدأ فله نهاية، وما ليس له نهاية فليس له مبدأ. وكذلك الأمر في الأول والآخر، أعني ما له أول فله آخر، وما لا أول له فلا آخر له، وما لا آخر له فلا انقضاء من أجزائه بالحقيقة، ولا مبدأ لجزء من أجزائه بالحقيقة، وما لا مبدأ لجزء من أجزائه فلا انقضاء له. ولذا إذا سأل المتكلمون الفلاسفة: هل انقضت الحركات التي قبل الحركة الحاضرة، كان جوابهم: إنها لم تنقض، لأن من وضعهم أنها لا أول لها، فلا انقضاء لها. فإيهام المتكلمين إن الفلاسفة يسلمون انقضاءها ليس بصحيح، لأنه لا ينقضي عندهم إلا ما ابتدأ. فقد تبين لك أنه ليس من الأدلة التي حكاها عن المتكلمين في حدوث العالم كفاية في أن تبلغ مرتبة اليقين، وأنها ليس تلحق بمراتب البرهان، ولا الأدلة التي أدخلها وحكاها عن الفلاسفة في هذا الكتاب لحق بمراتب البرهان. وهو الذي قصدنا بيانه في هذا الكتاب. وأفضل ما يجاوب به من سأل عما دخل من أفعاله في الزمان الماضي أن يقال: دخل من أفعله مثل ما دخل من وجده لأن كليهما لا مبدأ له.
تهافت التهافت (54 - 57)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/387)
وقال ابن رشد: أكثر من يقول بحدوث العالم يقول بحدوث الزمان معه، فلذلك كان قوله إن مدة الترك- أي كان لا يفعل ثم فعل - لا تخلو أن تكون متناهية، أو غير متناهية، قولاً غير صحيح. فإن ما لا ابتداء له لا ينقضي ولا ينتهي أيضاً، فإن الخصم لا يسلم إن للترك مدة. وإنما الذي يلزمهم أن يقال لهم: حدوث الزمان هل كان يمكن فيه أن يكون طرفه الذي هو مبدأه أبعد من الآن الذي نحن فيه أو ليس ممكن ذلك. فإن قالوا: ليس يمكن ذلك، فقد جعلوا مقداراً محدوداً لا يقدر الصانع أكثر منه، وهذا شنيع ومستحيل عندهم. وإن قالوا أنه يمكن أن يكون طرفه أبعد من الآن من الطرف المخلوق، قيل: وهل يمكن في ذلك الطرف الثاني أن يكون طرف أبعد منه. فإن قالوا: نعم، ولا بد لهم من ذلك، قيل: فههنا إن كان حدوث مقادير من الزمان لا نهاية لها، ويلزمكم أن يكون انقضاءها على قولكم في الدورات شرطاً في حدوث المقدار الزمني الموجود منها. وإن قلتم: إن ما لا نهاية له لا ينقضي، فما ألزمتم خصومكم في الدورات ألزمكم في أماكن مقادير الأزمنة الحادثة. فإن قيل إن الفرق بينهما إن تلك الإمكانات غير متناهية هي لمقادير لم تخرج إلى الفعل، وإمكانات الدورات التي لا نهاية لها قد خرجت إلى الفعل، قيل إمكانات الأشياء هي من الأمور اللازمة للأشياء سواء كانت متقدمة على الأشياء أو مع الأشياء على ما يرى ذلك قوم، فهي ضرورة بعدد الأشياء. فإن كان يستحيل قبل وجود الدورة الحاضرة وجود دورات لا نهاية لها، يستحيل وجود إمكانات دورات لا نهاية لها. إلا أن لقائل أن يقول: إن الزمان محدود المقدار، أعني: زمان العالم، فليس يمكن وجود زمان أكبر منه ولا أصغر كما يقول قوم في مقدار العالم. ولذلك أمثال هذه الأقاويل ليست برهانية. ولكن كان الأحفظ لمن يضع العالم محدثاً، أن يضع الزمان محدود المقدار، ولا يضع الإمكان متقدماً على الممكن. وأن يضع العظم كذلك متناهياً، ولكن العظم له كل، والزمان ليس له كل.
تهافت التهافت (62 - 63)
فالشاهد أن فعل الله وهو صفته ملازمة لذاته , مع بيان أنه سبحانه هو الأول الذي ليس قبله شيء.
قال شيخ الإسلام: وذكروا أشياء مما نقمت على أبي الحسن الأشعري وكان مما ذكروه قوله إن الرب لم يكن في الأزل قادرا على الفعل وهذا أصل قول هؤلاء المتكلمين الذين احتجوا على حدوث العالم بأن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث لامتناع حوادث لا أول لها , ويلزم من ذلك امتناع أن يكون مقدورا للرب فقالوا صار الفعل ممكنا بعد أن لم يكن ممكنا
ومعلوم عند من يعلم الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وأئمتها أنه ليس في الكتاب ولا السنة شيء يدل على أن الرب لم يكن الفعل ممكنا له في الأزل أو لم يكن الفعل والكلام ممكنا له في الأزل أو أنه لم يزل معطلا عن الفعل أو عن الفعل والكلام لم يزل معطلا ثم إنه صار قادرا فاعلا متكلما بعد أن لم يكن كذلك
وقد يجيبون عن هذا بجواب فيه مغلطة فيقولون لم يزل قادرا ولكن المقدور كان ممتنعا في الأزل وهذا تناقض؛ فإن المقدور لا يكون ممتنعا بل لا يكون إلا ممكنا ولأن ذلك يتضمن الانتقال من الامتناع إلى الإمكان بلا حدوث شيء وهو باطل.
الصفدية (2|163)
وقال الشنقيطي: أما بالنظر إلى وجود حوادث لا أول لها بإيجاد الله، فذلك لا محال فيه ولا يلزمه محذور لأنها موجودة بقدرة وإرادة من لا أول له جل وعلا. وهو في كل لحظة من وجوده يحدث ما يشاء كيف يشاء فالحكم عليه بأن إحداثه للحوادث له مبدأ يوهم أنه كان قبل ذلك المبدأ عاجزاً عن الإيجاد سبحانه وتعالى عن ذلك. وإيضاح المقام أنك لو فرضت تحليل زمن وجود الله في الماضي إلى الأزل إلى أفراد زمانية أقل من لحظات العين أن تفرض أن ابتداء إيجاد الحوادث مقترن بلحظة من تلك اللحظات فإنك إن قلت هو مقترن باللحظة الأولى قلنا ليس هناك أولى البتة، وإن فرضت اقترانه بلحظة أخرى فإن الله موجود قبل تلك اللحظة بجميع صفات الكمال والجلال بما لا يتناهى من اللحظات وهو في كل لحظة يحدث ما شاء كيف شاء فالحكم عليه بأن لفعله مبدأ، لم يكن فعل قبله شيئاً يتوهم أن له مانعاً من الفعل قبل ابتداء الفعل، فالحاصل أن وجوده جل وعلا لا أول له وهو في كل لحظة من وجوده يفعل ما يشاء كيف يشاء فجميع ما سوى الله كله مخلوق حادث بعد
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/388)
عدم، إلا أن الله لم يسبق عليه زمن هو فيه ممنوع الفعل سبحانه وتعالى عن ذلك. فظهر أن وجود حوادث لا أول لها إن كانت بإيجاد من لا أول له لا محال فيه وكل فرد منها كائناً ما كان فهو حادث مسبوق بعدم لكن محدثه لا أول له وهو في كل وقت يحدث ما شاء كيف شاء سبحانه وتعالى.
رحلة الحج إلى بيت الله الحرام (51)
المسألة الخامسة: نقد الأشاعرة في مسألة خلق العالم من عدم.
قال ابن رشد: فإما أن يقال إن عقيدة الشرع في خلق العالم هي أنه خلق من غير شيء وفي غير زمان فذلك شيء لا يمكن يتصوره العلماء فضلا عن الجمهور فينبغي كما قلنا ألا يعدل في الشرع عن التصور الذي وضعه للجمهور ولا يصرح لهم بغير ذلك ... .
الكشف عن مناهج الأدلة (94)
قال شيخ الإسلام: وهؤلاء تحيروا في خلق الشيء من مادة كخلق الانسان من النطفة والحب من الحب والشجرة من النواة وظنوا أن هذا لا يكون إلا مع بقاء اصل تلك المادة إما الجواهر عند قوم وإما المادة المشتركة عند قوم وهم في الحقيقة ينكرون أن يخلق الله شيئا من شيء فانه عندهم لا يحدث إلا الصورة التي هي عرض عند قوم أو جوهر عقلي عند قوم وكلاهما لم يخلق من مادة والمادة عندهم باقية بعينها لم يخلق ولن يخلق منها شيء.
النبوات (59)
وقال: وأيضا فكون الشيء مخلوقا من مادة وعنصر أبلغ في العبودية من كونه خلق لا من شيء وأبعد عن مشابهة الربوبية فإن الرب هو أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فليس له أصل وجد منه ولا فرع يحصل عنه فاذا كان المخلوق له أصل وجد منه كان بمنزلة الولد له وإذا خلق له شيء آخر كان بمنزلة الوالد وإذا كان والدا ومولودا كان أبعد عن مشابهة الربوبية والصمدية فانه خرج من غيره ويخرج منه غيره لا سيما إذا كانت المادة التي خلق منها مهينة كما قال تعالى ألم نخلقكم من ماء مهين.
النبوات (65)
وقال: فالذي جاء به القرآن والتوراة واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها مع أئمة أهل الكتاب: أن هذا العالم خلقه الله وأحدثه من مادة كانت مخلوقة قبله كما أخبر في القرآن أنه: {استوى إلى السماء وهي دخان} أي بخار {فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها} [فصلت: 11] وقد كان قبل ذلك مخلوق غيره كالعرش والماء كما قال تعالى {وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} [هود: 7] وخلق ذلك في مدة غير مقدار حركة الشمس والقمر كما أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام
والشمس والقمر هما من السماوات والأرض وحركتهما بعد خلقهما والزمان المقدر بحركتهما ـ وهو الليل والنهار التابعان لحركتهما ـ إنما حدث بعد خلقهما وقد أخبر الله أن خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام فتلك الأيام مدة وزمان مقدر بحركة أخري غير حركة الشمس والقمر
وهذا مذهب جماهير الفلاسفة الذين يقولون: إن هذا العالم مخلوق محدث وله مادة متقدمة عليه لكن حكي عن بعضهم أن تلك المادة المعنية قديمة أزلية وهذا أيضا باطل كما قد بسط في غير هذا الموضع.
درء التعارض (1|69)
المسألة السادسة: الخلق المستمر (الإفناء والإعدام)
قال الإيجي في المواقف: ذهب الشيخ الأشعري ومتبعوه من محققي الأشاعرة إلى أن العرض لا يبقى زمانين؛ فالأعراض جملتها غير باقية عندهم بل هي على التقضي والتجدد ينقضي واحد منها ويتجدد آخر مثله وتخصيص كل من الآحاد المنقضية والمتجددة بوقته الذي وجد فيه إنما هو للقادر المختار فإنه يخصص بمجرد إرادته كل واحد منها بوقته الذي خلقه فيه وإن كان يمكن له خلقه قبل ذلك الوقت وبعده وإنما ذهبوا إلى ذلك لأنهم قالوا بأن السبب المحوج إلى المؤثر هو الحدوث فلزمهم استغناء العالم حال بقائه عن الصانع بحيث لو جاز عليه العدم تعالى عن ذلك علوا كبيرا لما ضر عدمه في وجوده فدفعوا ذلك بأن شرط بقاء الجوهر هو العرض ولما كان هو متجددا محتاجا إلى المؤثر دائما كان الجوهر أيضا حال بقائه محتاجا إلى ذلك المؤثر بواسطة احتياج شرطه إليه فلا استغناء أصلا.
المواقف (1|498)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/389)
وقال الغزالي في الاقتصاد: فإن قيل فبما إذاً تفنى عندكم الجواهر والأعراض؟ قلنا: أما الأعراض فبأنفسها، ونعني بقولنا بأنفسها أن ذواتها لا يتصور لها بقاء. ويفهم المذهب فيه بأن يفرض في الحركة، فإن الأكوان المتعاقبة في أحيان متواصلة لا توصف بأنها حركات إلا بتلاحقها على سبيل دوام التجدد ودوام الانعدام، فإنها إن فرض بقاؤها كانت سكوناً لا حركة، ولا تعقل ذات الحركة ما لم يعقل معها العدم عقيب الوجود. وهذا يفهم في الحركة بغير برهان.
الاقتصاد في الاعتقاد
والسبب في قولهم بأن العرض لا يبقى زمانين كما مر من كلام الإيجي أنهم لا يرون أثرا لمؤثر غير الله ولو قيل أن العالم من طبيعته بقاء أعراضه للزم من ذلك استغناء العالم عن الله وهم يرون أن شرط بقاء الجوهر هو العرض ولما كان هو متجددا محتاجا إلى المؤثر دائما كان الجوهر أيضا حال بقائه محتاجا إلى ذلك المؤثر.
قال ابن رشد في الرد عليهم: هذا القول في غاية السقوط، وإن كان قد قال كثير من القدماء، أعني أن الموجودات في سيلان دائم، وتكاد لا تنتهي المحالات التي تلزمه. وكيف يوجد موجود يفني بنفسه، فيفنى الوجود بفناءه. فإنه إن كان يفنى بنفسه فسيوجد بنفسه. وإن كان ذلك كذلك لزم أن يكون الشيء الذي به سار موجوداً به بعينه كان فانياً، وذلك مستحيل. وذلك أن الوجود ضد الفناء، وليس يمكن أن يوجد الضدان لشيء من جهة واحدة. ولذلك ما كان موجوداً محضاً لم يتصور عليه فناء وذلك لأنه إن كان وجوده يقتضي عدمه، فسيكون موجوداً معدوماً في آن واحد، وذلك مستحيل. وأيضاً فإن كانت الموجودات إنما تبقى بصفة باقية في نفسها، فهل عدمها انتقالها من جهة ما هي موجودة أو معدومة ومحال أن يكون لها ذلك من جهة أنها معدومة فقد بقي أن يكون البقاء لها من جهة ما هي موجودة. فإذ كان موجود يلزم أن يكون باقياً من جهة ما هو موجود. والعدم أمر طار عليه. فما الحاجة ليت شعري أن تبقى الموجودات ببقاء! وهذا كله شبيه بالفساد الذي يكون في العقل. وَلنَخْلُ عن هذه الفرقة، فاستحالة قولهم أبين من أن يحتاج إلى معاندة.
تهافت التهافت (119)
قلت: وقوله: وكيف يوجد موجود يفني بنفسه، فيفنى الوجود بفناءه. فإنه إن كان يفنى بنفسه فسيوجد بنفسه. إلزام قوي وهو تناقض من الأشاعرة فكيف سيفنى بنفسه وهم يسلبون طبائع وخواص الأشياء , وهذا يلزم منه أن من طبيعة الأشياء الفناء بنفسها , وإذا كان من طبيعتها الفناء فليس بمستبعد أن تكون من طبيعتها وخاصيتها الإيجاد.
وقال ابن حزم في الرد عليهم: وذهب أبو الهذيل العلاف والأشعرية إلى أن الأرواح أعراض تفنى ولا تبقى وقتين فإذا مات الميت فلا روح هنالك أصلا ومن عجائب أصحاب هذه المقالة الفاسدة قولهم أن روح الإنسان الآن غير روحه قبل ذلك وأنه لا ينفك تحدث له روح ثم تفنى ثم روح ثم تفنى وهكذا أبدا وأن الإنسان يبدل ألف ألف روح وأكثر في مقدار أقل من ساعة زمانية وهذا يشبه تخليط من هاج به البرسام.
الفصل لابن حزم (4|58)
وقال أيضا: قال أبو محمد ولو كان ما قاله أبو الهذيل والباقلاني ومن قلدهما حقا لكان الإنسان يبدل في كل ساعة ألف ألف روح وأزيد من ثلاث مائة نفس ألف لأن العرض عندهم لا يبقى وقتين بل يفنى ويتجدد عندهم أبدا فروح كل حي على قولهم في كل وقت غير روحه التي كانت قبل ذلك وهكذا تتبدل أرواح الناس عندهم بالخطاب وكذلك بيقين يشاهد كل أحد أن الهواء الداخل بالتنفس ثم يخرج هو غير الهواء الداخل بالتنفس الثاني فالإنسان يبدل على قول الأشعرية أنفسا كثيرة في كل وقت ونفسه الآن غير نفسه آنفا وهذا حمق لا خفاء به فبطل قول الفريقين بنص القرآن والسنة والإجماع والمشاهدة والمعقول.
الفصل (5|48)
وقال شيخ الإسلام: وهم لا يشهدون للرحمن إحداثا ولا إفناء بل إنما يحدث عندهم الأعراض وهي تفنى بأنفسها لا بإفنائه وهي تفنى عقب إحداثها وهذا لا يعقل.
النبوات (62)
وقال ابن القيم: ومن يقول منهم أن العرض لا يبقى زمانين كما يقوله أكثر الأشعرية فمن قولهم إن روح الإنسان الآن هي غير روحه قبل وهو لا ينفك يحدث له روح ثم تغير ثم روح ثم تغير هكذا أبدا فيبدل له ألف روح فأكثر في مقدار ساعة من الزمان فما دونها.
الروح (111)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/390)
وقولهم أنه يفنى بنفسه تناقض منهم , فهذا مناف لمذهبهم في نفي طبائع الأشياء؛ كما سيأتي.
المسألة السابعة: نقد قولهم أن الأعراض لا تبقى زمانين وأنها شرط في بقاء الأجسام.
يرى الأشاعرة أن الأجسام باقية , وأنها لا تفنى وأن فناءها تعاقب الأعراض عليها.
معنى العرض
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:: ولفظ العرض في اللغة له معنى وهو ما يعرض ويزول كما قال تعالى: {يأخذون عرض هذا الأدنى} وعند أهل الاصطلاح الكلامي قد يراد بالعرض ما يقوم بغيره مطلقا وقد يراد به ما يقوم بالجسم من الصفات ويراد به فى غير هذا الاصطلاح أمور أخرى.
مجموع الفتاوى (9|300)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإن أئمة هؤلاء الطوائف صار كل منهم يلتزم ما يراه لازما ليطردها فيلتزم لوازم مخالفة للشرع والعقل فيجيء الآخر فيرد عليه ويبين فساد ما التزمه ويلتزم هو لوازم أخر لطردها فيقع أيضا في مخالفة الشرع والعقل.
فالجهمية التزموا نفي أسماء الله وصفاته إذ كانت الصفات أعراضا تقوم بالموصوف ولا يعقل موصوف بصفة إلا الجسم فإذا اعتقدوا حدوثه اعتقدوا حدوث كل موصوف بصفة والرب تعالى قديم فالتزموا نفي صفاته, وأسماؤه مستلزمة لصفاته؛ فنفوا أسماءه الحسنى وصفاته العلى.
والمعتزلة استعظموا نفي الأسماء لما فيه من تكذيب القرآن تكذيبا ظاهر الخروج عن العقل والتناقض فإنه لا بد من التمييز بين الرب وغيره بالقلب واللسان فما لا يميز من غيره لا حقيقة له ولا إثبات وهو حقيقة قول الجهمية فإنهم لم يثبتوا في نفس الأمر شيئا قديما البتة ... والمقصود هنا أن المعتزلة لما رأوا الجهمية قد نفوا أسماء الله الحسنى استعظموا ذلك وأقروا بالأسماء ولما رأوا هذه الطريق توجب نفي الصفات نفوا الصفات فصاروا متناقضين فإن إثبات حي عليم قدير سميع بصير بلا حياة ولا علم ولا قدرة ولا حكمة ولا سمع ولا بصر مكابرة للعقل كإثبات مصل بلا صلاة وصائم بلا صيام وقائم بلا قيام ونحو ذلك من الأسماء المشتقة كأسماء الفاعلين والصفات المعدولة عنها ولهذا ذكروا في أصول الفقه أن صدق الاسم المشتق كالحي والعليم لا ينفك عن صدق المشتق منه كالحياة والعلم وذكروا النزاع مع من ذكروه من المعتزلة كأبي علي وأبي هاشم.
فجاء ابن كلاب ومن اتبعه كالأشعري والقلانسي: فقرروا أنه لا بد من إثبات الصفات متابعة للدليل السمعي والعقلي مع إثبات الأسماء وقالوا ليست أعراضا لأن العرض لا يبقى زمانين! وصفات الرب باقية سلكوا في هذا الفرق وهو أن العرض لا يبقى زمانين مسلكا أنكره عليهم جمهور العقلاء وقالوا إنهم خالفوا الحس وضرورة العقل وهم موافقون لأولئك على صحة هذه الطريقة طريقة الأعراض قالوا وهذه تنفى عن الله أن يقوم به حادث وكل حادث فإنما يكون بمشيئته وقدرته قالوا فلا يتصف بشيء من هذه الأمور لا يتكلم بمشيئته وقدرته ولا يقوم به فعل اختياري يحصل بمشيئته وقدرته كخلق العالم وغيره بل منهم من قال لا يقوم به فعل بل الخلق هو المخلوق كالأشعري ومن وافقه ...
النبوات (46)
قال ابن رشد: أما من يقول بأن الأعراض لا تبقى زمانين، وأن وجودها في الجواهر هو شرط في بقاء الجواهر، فهو لا يفهم ما في قوله من التناقض , وذلك أنه إن كانت الجواهر شرطاً في وجودها، إذ كان لا يمكن أن توجد الأعراض دون جواهر تقوم بها، فوضع الأعراض شرطاً في وجود الجواهر يوجب أن تكون الجواهر شرطاً في وجود أنفسها. ومحال أن يكون الشيء شرطاً في وجود نفسه. وأيضاً فكيف تكون شرطاً، وهي لا تبقى زمانين، وذلك أن الآن الذي يكون نهاية لعدم الموجود منها، ومبدأ الوجود الجزء الموجود منها، قد كان يجب أن يفسد في ذلك الآن الجوهر فإن ذلك الآن ليس فيه شيء من الجزء المعدوم ولا شيء من الجزء الموجود وذلك أنه لو كان فيه جزء من الشيء المعدوم لما كان نهاية له.وكذلك لو كان فيه جزء من الشيء الموجود. وبالجملة , أن يجعل مالا يبقى زمانين شرطاً في بقاء وجود مايبقى زمانين بعيد , فإن الذي يبقى زمانين أحرى بالبقاء من الذي لا يبقى زمانين.لأن الذي لا يبقى زمانين وجوده في الآن ,وفي السيال. والذي يبقى زمانين وجوده ثابت. وكيف يكون السيال شرطاً في وجود الثابت؟ أو كيف يكون ما هو باق بالنوع شرطاً في بقاء ماهو باق بالشخص؟ هذا كله هذيان. وينبغي أن يعلم من
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/391)
ليس يضع هيولى للشيء الكائن يلزمه أن يكون الموجود بسيطاً , فلا يمكن في عدم. لأن البسيط لا يتغير ولا ينقلب جوهره إلى جوهر آخر.ولذلك يقول أبقراط: لو كان الإنسان من شيء واحد , لما كان يألم بدنه , أي لما كان يفسد ويتغير. وكذلك كان يلزم أن لا يتكون , بل كان يكون موجوداً لم يزل ولا يزال.
تهافت التهافت (120 - 121)
قلت: وقول ابن رشد: أما من يقول بأن الأعراض لا تبقى زمانين، وأن وجودها في الجواهر هو شرط في بقاء الجواهر، فهو لا يفهم ما في قوله من التناقض , وذلك أنه إن كانت الجواهر شرطاً في وجودها، إذ كان لا يمكن أن توجد الأعراض دون جواهر تقوم بها، فوضع الأعراض شرطاً في وجود الجواهر يوجب أن تكون الجواهر شرطاً في وجود أنفسها. ومحال أن يكون الشيء شرطاً في وجود نفسه. وأيضاً فكيف تكون شرطاً، وهي لا تبقى زمانين، بيان لتناقض قوي منهم.
ورد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
وقال: و كذلك الذين قالوا بأن العرض لا يبقى زمانين خالفوا الحس و ما يعلمه العقلاء بضرورة عقولهم فإن كل أحد يعلم أن لون جسده الذي كان لحظة هو هذا اللون و كذلك لون السماء و الجبال و الخشب و الورق و غير ذلك.
و مما ألجأهم إلى هذا ظنهم أنهما لو كانا باقيين لم يمكن إعدامهما ...
مجموع الفتاوى (16|275)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: قال الجمهور وأما تفريق الكلابية بين المعانى التى لا تتعلق بمشيئته وقدرته والمعاني التي تتعلق بمشيئته وقدرته التي تسمى الحوادث ومنهم من يسمى الصفات أعراضا لأن العرض لا يبقي زمانين فيقال قول القائل أن العرض الذى هو السواد والبياض والطول والقصر ونحو ذلك لا يبقى زمانين قول محدث فى الإسلام لم يقله أحد من السلف والأئمة وهو قول مخالف لما عليه جماهير العقلاء من جميع الطوائف بل من الناس من يقول أنه معلوم الفساد بالاضطرار كما قد بسط فى موضع آخر.
وأما تسمية المسمي للصفات أعراضا فهذا أمر اصطلاحي لمن قاله من أهل الكلام ليس هو عرف أهل اللغة ولا عرف سائر أهل العلم والحقائق المعلومة بالسمع والعقل لا يؤثر فيها اختلاف الاصطلاحات بل يعد هذا من النزاعات اللفظية والنزاعات اللفظية أصوبها ما وافق لغة القرآن والرسول والسلف فما نطق به الرسول والصحابة جاز النطق به باتفاق المسلمين وما لم ينطقوا به ففيه نزاع وتفصيل ليس هذا موضعه.
مجموع الفتاوى (12|319)
المسألة الثامنة: نقدهم في مسألة دليل الوحدانية
قال ابن رشد: وأما ما تتكلفه الأشعرية من الدليل الذي يستنبطونه من هذه الآية , وهو الذي يسمونه دليل الممانعة , فشيء ليس يجري مجرى الأدلة الطبيعية والشرعية.
أما كونه ليس يجري مجرى الطبع؛ فلأن ما يقولون في ذلك ليس برهانا.
وما كونه لا يجري مجرى الشرع؛ فلأن الجمهور لا يقدرون على فهم ما يقولون من ذلك فضلا عن أن يقع لهم به إقناع. وذلك أنهم قالوا: لوكان اثنين فأكثر لجاز أن يختلفا وإذا اختلفا لم يخل ذلك من ثلاثة أقسام لا رابع لها: إما أن يتم مرادهما جميعا.وإما ألا يتم مراد واحد منهما وإما أن يتم مراد أحدهما ولا يتم مراد الآخر.
قالوا: ويستحيل ألا يتم مراد واحد منهما؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لكان العالم لا موجودا ولا معدوما , ويستحيل أن يتم مرادهما معا لأنه كان يكون العالم موجودا معدوما فلم يبق إلا أن يتم مراد الواحد ويبطل مراد الآخر فالذي بطلت إرادته عاجز والعاجز ليس بإله.
ووجه الضعف في هذا الدليل أنه كما يجوز في العقل أن يختلفا قياسا على المريدين في الشاهد يجوز أن يتفقا وهو أليق بالآلهة من الخلاف وإذا اتفقا على صناعة العالم كانا مثل صانعين اتفقا على صنع مصنوع وإذا كان هذا هكذا فلا بد أن يقال إن أفعالهما ولو اتفقا كانت تتعاون لورودها على محل واحد إلا أن يقول قائل: فلعل هذا يفعل بعضا والآخر بعضا أو لعلهما يفعلان على المداولة ... .
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/392)
ثم قال: وقد يدلك على أن الدليل الذي فهمه المتكلمون من الآية ليس هو الدليل الذي تضمنته الآية؛ أن المحال الذي أفضى إليه دليلهم غير المحال الذي أفضى إليه الدليل المذكور في الآية وذلك أن المحال الذي أفضى إليه الدليل الذي زعموا أنه دليل الآية هو أكثر من محال واحد فدليلهم الذي استعملوه هو الذي يعرفه أهل المنطق بالقياس الشرطي المنفصل ويعرفونه هم في صناعتهم بدليل السبر والتقسيم والدليل الذي في الآية هو الذي يعرف في صناعة المنطق بالشرطي المتصل وهو غير المنفصل ومن نظر في تلك الصناعة أدنى نظر تبين له الفرق بين الدليلين.
وأيضا فإن المحالات التي أفضى إليها دليلهم غير المحال الذي أفضى إليه دليل الكتاب وذلك أن المحال الذي أفضى إليه دليلهم هو أن يكون العالم إما لا موجودا ولا معدوما وإما أن يكون موجودا معدوما وإما أن يكون الآله عاجزا مغلوبا وهذه مستحيلات دائمة لاستحالة أكثر من واحد. والمحال الذي أفضى إليه دليل الكتاب ليس مستحيلا على الدوام وإنما علقت الاستحالة فيه في وقت مخصوص وهو أن يوجد العالم فاسدا في وقت الوجود .. .
الكشف عن مناهج الأدلة (47 - 49)
قال المحقق أحمد شمس الدين في تعليقه على الكشف (14): وقد يبدوا هذا الدليل مقنعا – أي دليل المتكلمين – لكنه ليس كذلك إذ لنا أن نتساءل ولماذا لا يتفق الإلهان بدلا من أن يختلفا ولا سيما أننا نرى البشر يتفقون فتكون نتائج اتفاقهم جودة في العمل ودقة في الصنع مما دعا بعض علماء الكلام إلى القول بأن دليل الآيات السابقة ليس منطقيا بل هو مجرد دليل خطابي يراد به الإقناع .. ويكشف ابن رشد عن الخلل في برهنة المتكلمين الذين أساءوا فهم الآيات السابقة فظنوا أنها من القياس الشرطي المنفصل مع أنها تتضمن قياسا شرطيا متصلا وهو المنهج العلمي الحديث الذي أظهر إنتاجه المذهل في الكشوف العلمية المعاصرة فقوله تعالى: {لوكان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا} يمكن عرضه على النحو البرهاني الآتي: لو فرضنا أكثر من إله واحد لفسد العالم لكن هذا الفرض غير صحيح لأن العالم ليس فاسدا إذن ليس هناك إلا إله واحد خلق هذا العالم بعلمه وحكمته ... .انتهى
قلت: وأما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد بين أن هذه الآية إنما جاءت لتقرير توحيد الألوهية وليس لتوحيد الربوبية.
قال شيخ الإسلام: وأفضل الكلام قول: لا إله إلا الله والإله هو الذي يستحق أن تألهه القلوب بالحب والتعظيم والإجلال والإكرام والخوف والرجاء فهو بمعنى المألوه وهو المعبود الذي يستحق أن يكون كذلك.
ولكن أهل الكلام الذي ظنوا أن التوحيد هو مجرد توحيد الربوبية؛ فهو التصديق بأن الله وحده خالق الأشياء اعتقدوا أن الإله بمعنى الآله: اسم فاعل , وأن الإلهية هي القدرة على الاختراع كما يقول الأشعري وغيره ممن يجعلون أخص وصف الإله القدرة على الاختراع
ومن قال: إن أخص وصف الإله هو القدم كما يقوله من يقوله من المعتزلة قال ما يناسب ذلك في الإلهية وهكذا غيرهم وقد بسط الكلام على هذا في موضعه.
والمقصود هنا التنبيه على هذه الأمور وأن هؤلاء غلطوا في معرفة حقيقة التوحيد وفي الطرق التي بينها القرآن فظنوا أنه مجرد اعتقاد أن العالم له صانع واحد ومنهم من ضم إلى ذلك نفي الصفات أو بعضها فجعل نفي ذلك داخلا في مسمى التوحيد وإدخال هذا في مسمى التوحيد ضلال عظيم.
وأما الأول فلا ريب أنه من التوحيد الواجب وهو الإقرار بأن خالق العالم واحد لكنه هو بعض الواجب وليس هو الواجب الذي به يخرج الإنسان من الإشراك إلى التوحيد بل المشركون الذي سماهم الله ورسوله مشركين وأخبر الرسل أن الله لا يغفر لهم كانوا مقرين بأن خالق كل شيء.
فهذا أصل عظيم يجب على كل أحد أن يعرفه فإنه به يعرف التوحيد الذي هو رأس الدين وأصله.
وهؤلاء قصروا في معرفة التوحيد ثم أخذوا يثبتون ذلك بأدلة وهي وإن كانت صحيحة فلم تنازع في هذا التوحيد أمة من الأمم وليس الطرق المذكورة في القرآن هي طرقهم كما أنه ليس مقصود القرآن هو مجرد ما عرفوه من التوحيد
درء التعارض (5|169)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/393)
وقال: فلولا أنه المعبود المحبوب لذاته لم يصلح قط شىء من الأعمال والحركات بل كان العالم يفسد وهذا معنى قوله لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا ولم يقل لعدمتا وهذا معنى قول لبيد ... ألا كل شىء ما خلا الله باطل.
مجموع الفتاوى (5|515)
وقال: الواجب إثبات الأمرين أنه سبحانه رب كل شيء وإله كل شيء فإذا كانت الحركات الإرادية لا تقوم إلا بمراد لذاته وبدون ذلك يفسد ولا يجوز أن يكون مرادا لذاته إلا الله كما لا يكون موجودا بذاته إلا الله علم أنه {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}.
وهذه الآية فيها بيان أنه لا إله إلا الله , وأنه لو كان فيهما آلهة غيره لفسدتا وتلك الآية قال فيها {إذا لذهب كل إله بما خلق} ووجه بيان لزوم الفساد أنه إذا قدر مدبران ما تقدم من أنه يمتنع أن يكونا غير متكافئين لكون المقهور مربوبا لا ربا , وإذا كانا متكافئين امتنع التدبير منهما لا على سبيل الاتفاق ولا على سبيل الاختلاف فيفسد العالم بعدم التدبير لا على سبيل الاستقلال ولا على سبيل الاشتراك كما تقدم.
وهذا من جهة امتناع الربوبية لاثنين ويلزم من امتناعهما امتناع الإلهية فإن ما لايفعل شيئا لا يصلح أن يكون ربا يعبد , ولم يأمر الله أن يعبد , ولهذا بين الله امتناع الإلهية لغيره تارة ببيان أنه ليس بخالق , وتارة أنه لم يأمر بذلك لنا كقوله تعالى: {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين}.
منهاج السنة (3|333 - 334)
المسألة التاسعة: طرقهم في إثبات وجود الله وفيها مسائل
أ– الجوهر الفرد
يرى الأشاعرة أن الأجسام تتكون من الجواهر الفردة.
فالجوهر الفرد - عندهم - هو الجزء الذي لا يتجزأ، وهي الوحدة الأساسية في تأليف الجسم. قال الشيخ محمد خليل هراس: وقد غلا المتكلمون من المعتزلة والأشاعرة في التعويل على نظرية الجواهر الفردة وهي في الأصل نظرية يونانية قديمة قال بها ديموكريتس الفيلسوف الطبيعي اليوناني وقد بنوا عليها كثيرا من الأصول الإيمانية فجعلوها عمدتهم في الاستدلال على حدوث العالم ووجود المحدث له حتى أن أحد كبار الأشاعرة وهو القاضي أبو بكر الباقلاني قد أوجب الإيمان بوجود الجوهر الفرد بناء على أن الإيمان بوجود الله متوقف على ثبوته وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما بنوا على تلك النظرية ما يترتب على حدوث العالم من أن الله فاعل بالاختيار لا موجب بالذات كما يقوله الفلاسفة وأنه لا تأثير لشيء من الأسباب في مسبباتها بل يخلق الله الأشياء عند وجود أسبابها لا بها.
وهكذا انحرف المتكلمون عن الجادة واعتمدوا في استدلالهم على وهم كاذب وربطوا به مصير العقائد الإيمانية كلها ...
ثم قال رحمه الله: والجوهر الفرد الذي زعمه أهل الكلام ونصبوه صنما لهم تدور حوله كل أفكارهم ومذاهبهم قامت أدلة كثيرة على بطلانه وكان الذي قام بإبطاله هم الفلاسفة انتصارا لمذهبهم الهيولي والصورة وقد قام المتكلمون من جانبهم بإبطال نظرية الفلاسفة وهكذا ضرب الله بعض المبطلين ببعض وبقي أهل الحق والإيمان بمنجى من هذا الإفك والبهتان.
شرح القصيدة النونية (2|29)
وقال أحمد شمس الدين في تعليقه على الكشف لابن رشد (10):ويناقشهم ابن رشد في هذا الدليل فيرى أولا أنهم يعتمدون على نظرية إغريقية قديمة , هي نظرية الذرة التي قال بها ديمقريطس. ونلاحظ أن نظرية الذرة عند القدماء قد استخدمت لتحقيق غرض مناقض لما يريده المعتزلة والأشاعرة أي أنها كانت سبيلا إلى إنكار وجود الله , وإلى تفسير الكون تفسيرا ماديا بحتا. هذا إلى أنه من العسير أن نبرهن بطريقة عقلية على حدوث جميع الأعراض بناء على ما نلاحظه من حدوث بعضها؛ فإذا تبين لنا أن النبات ينمو ثم يصفر ثم يندثر فهل يتبين لنا عن طريق الحس أو التجارب أن الزمان له أول وآخر؟ وليس معنى ذلك أن ابن رشد يقول بقدم العالم ولكنه يريد القول بأن أهل علم الكلام يعجزون عن إثبات حدوث الزمان والعالم بطرقهم الجدلية.انتهى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/394)
قال ابن رشد في الرد عليهم: وأما الأشعرية فإنهم رأوا أن التصديق بوجود الله تبارك وتعالى لا يكون إلا بالعقل لكن سلكوا في ذلك طرقاً ليست هي الطرق الشرعية التي نبه الله تعالى عليها، ودعا الناس إلى الإيمان به من قِبلها.
وذلك أن طريقتهم المشهورة انبنت على بيان أن العالَم حادث وانبنى عندهم حدوث العالم على القول بتركيب الأجسام من أجزاء لا تتجزأ، وأن الجزء الذي لا يتجزأ محدث، والأجسام محدثة بحدوثه.
وطريقتهم التي سلكوا في بيان حدوث الجزء الذي لا يتجزأ، وهو الذي يسمونه الجوهر الفرد، طريقة مُعتاصةٌ، تذهب على كثير من أهل الرياضة في صناعة الجدل، فضلاً عن الجمهور. ومع ذلك فهي طريقة غير برهانية ولا مفضية إلى وجود الباري سبحانه.
وذلك أنه إذا فرضنا أن العالم محدث لَزِم، كما يقولون، أن يكون له ولا بدّ، فاعلٌ محدِث. ولكن يعرض في وجود هذا المحدِث شك ليس في قوة صناعة الكلام الانفصال عنه. وذلك أن هذا المحدِث لسنا نقدر أن نجعله أزلياً ولا محدثاً.
أما كونه محدَثاً، فلأنه يفتقر إلى محدِث، وذلك المحدِث إلى محدِث، ويمر الأمر إلى غير نهاية، وذلك مستحيل ...
الكشف عن مناهج الأدلة (29 - 31)
وقال ابن رشد: وأيضاً فإن الطرق التي سلك هؤلاء القوم في حدوث العالم قد جمعت بين هذين الوصفين معاً: أعني أن الجمهور ليس في طباعهم ولا هي مع هذا برهانية. فليست تصلح لا للعلماء ولا للجمهور. ونحن ننبه على ذلك ها هنا بعض التنبيه، فنقول: إن الطرق التي سلكوا في ذلك طريقان:
أحدهما وهو الأشهر، الذي اعتمد عليه عامتهم، ينبني على ثلاث مقدمات هي بمنزلة الأصول لما يرومون انتاج عنها من حدوث العالم: إحداهما: أن الجواهر لا تنفك من الأعراض أي لا تخلو منها. والثانية: أن الأعراض حادثة. والثالثة: أن لا ينفك عن الحوادث حادث، أعني ما لا يخلو من الحوادث هو حادث.
فأما المقدمة الأولى وهي القائلة إن الجواهر لا تتعرّى من الأعراض فإن عَنَوْ بالجوهر الجزء الذي لا ينقسم، وهو الذي يريدونه بالجوهر الفرد، ففيها شك ليس باليسير؛ وذلك أن وجود جوهر غير منقسم، ليس معروفاً بنفسه، وفي وجوده أقاويل متضادة شديدة التعاند. وليس في قوة صناعة الكلام تخليص الحق منها، وإنما ذلك لصناعة البرهان، وأهل هذه الصناعة قليل جداً. والدلائل التي تستعلمها الأشعرية في إثباته هي خطابية في الأكثر. وذلك أن استدلالهم المشهور في ذلك هو أنهم يقولون: إن من المعلومات الأُوَل أن الفيل، مثلاً، إنما نقول فيه إنه أعظم من النملة من قِبل زيادة أجزاء فيه على أجزاء النملة. وإذا كان ذلك كذلك فهو مؤلف من تلك الأجزاء، وليس هو واحداً بسيطاً. وإذا فسد الجسم فإليها ينحل، وإذا تركب فمنها يتركب.
وهذا الغلط إنما دخل عليهم من شَبَهِ الكمية المنفصلة بالمتصلة، فظنوا أن ما يلزم في المنفصلة يلزم في المتصلة. وذلك أن هذا إنما يصدق في العدد؛ أعنى أن نقول: إن عدداً أكثر من عدد من قِبَل كثرة الأجزاء الموجودة فيه، أعني الوحدات. وأما الكم المتصل فليس يصدق ذلك فيه. ولذلك نقول في الكم المتصل: أنه أعظم وأكبر، ولا نقول إنه أكثر وأقل. ونقول في العدد: إنه: إنه أكثر وأقل، و نقول أكبر وأصغر. وعلى هذا القول، فتكون الأشياء كلها أعداداً ولا يكون هنالك عِظَم متصل أصلاً. فتكون صناعة الهندسة هي صناعة العدد بعينها.
ومن المعروف بنفسه أن كل عظَم فإنه ينقسم بنصفين، أعني الأعظام الثلاثة التي هي الخط والسطح والجسم. وأيضاً فإن الكم المتصل هو الذي يمكن أن يعرض عليه في وسط نهاية يلتقي عندها طرفا القسمين جميعاً، وليس يمكن ذلك في العدد.
لكن يعارض هذا أيضاً أن الجسم وسائر أجزاء الكم المتصل يقبل الانقسام. وكل منقسم فإما أن ينقسم إلى شيء منقسم أو إلى شيء غير منقسم. فإن انقسم إلى غير منقسم فقد وجدنا الجزء الذي لا ينقسم. وإن انقسم إلى منقسم عاد السؤال أيضاً في هذا المنقسم، هل ينقسم إلى منقسم أو إلى غير منقسم؟ فإن انقسم إلى غير نهاية، كانت في الشيء المتناهي أجزاء لا نهاية لها. ومن المعلومات الأول أن أجزاء المتناهي متناهية.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/395)
ومن الشكوك المُعتاصة التي تلزمهم أن يُسألوا: إذا حدث الجزء الذي لا يتجزأ فما القابل لنفس الحدوث؟ فإن الحدوث عرض من الأعراض. وإذا وجد الحادث فقد ارتفع الحدوث، فإن من أصولهم أن الأعراض لا تفارق الجواهر فيضطرهم الأمر إلى أن يضعوا الحدوث من موجود ما، ولموجود ما.
وأيضا ًفقد يُسألون: إن كان الموجود يكون من غير عدم فبماذا يتعلق فعل الفعل؟ فإنه ليس بين العدم والوجود وسط عندهم. وإن كان ذلك كذلك، وكان فعل الفاعل لا يتعلق عندم بالعدم ولا يتعلق بما وُجِد وفُرِغ من وجود، فقد ينبغي أن يتعلق بذات متوسطة بين العدم والوجود. وهذا هو الذي اضطر المعتزلة إلى قالت إن في العدم ذاتاً ما. وهؤلاء أيضاً يلزمهم أن يوجد ما ليس بموجود بالفعل موجوداً بالفعل! وكلتا الطائفتين يلزمهم أن يقولوا بوجود الخلاء.
فهذه الشكوك، كما ترى، ليس في قوة صناعة الجدل حلها. فإذن يجب ألا يجعل هذا مبدأ لمعرفة الله تبارك وتعالى، وبخاصة للجمهور. فإن طريقة معرفة الله تعالى أوضح من هذه على ما سنبين من قولنا بعد.
الكشف عن مناهج الأدلة (31 - 33)
أولا: سبب قولهم بالجواهر الفردة
لما كان قول الفلاسفة أن الجسم يتجزأ إلى غير نهاية لازمه القول بقدم الجسم من حيث أن مالا يتناهى لا يصح وجوده فكيف يعتقد حدوثه ثم يعتقد أنه بلا نهاية وهذا يقوده إلى اعتقاد قدمه.
ففرارا من هذا القول – وهو القول بقدم الأجسام – ولإثبات حدوثها قالوا بتكون أو تركب الأجسام من جواهر لا تقبل القسمة.
انظر بيان تلبيس الجهمية (1|285)
وقال شيخ الإسلام: و الصواب فإن إثبات الجوهر الفرد الذي لا يقبل القسمة باطل بوجوه كثيرة إذ ما من موجود إلا ويتميز منه شيء عن شيء وإثبات انقسامات لا تتناهى فيما هو محصور بين حاصرين ممتنع لامتناع وجود ما لا يتناهى فيما يتناهى وامتناع انحصاره فيه لكن الجسم كالماء يقبل انقسامات متناهية إلى أن تتصاغر أجزاؤه فإذا تصاغرت استحالت إلى جسم آخر فلا يبقى ما ينقسم ولا ينقسم إلى غير غاية بل يستحيل عند تصاغره فلا يقبل الانقسام بالفعل مع كونه في نفسه يتميز منه شيء عن شيء وليس كل ما تميز منه شيء عن شيء لزم أن يقبل الانقسام بالفعل بل قد يضعف عن ذلك ولا يقبل البقاء مع فرط تصاغر الاجزاء لكن يستحيل إذ الجسم الموجود لا بد له من قدر ما ولا بد له من صفة ما فإذا ضعفت قدره عن اتصافه بتلك الصفة انضم إلى غيره إما مع استحالة إن كان ذلك من غير جنسه وإما بدون الاستحالة إن كان من جنسه كالقطرة الصغيرة من الماء إذا صغرت جدا فلا بد أن تستحيل هواء أو ترابا أو أن تنضم إلى ماء آخر وإلا فلا تبقى القطرة الصغيرة جدا وحدها وكذلك سائر الأجزاء الصغيرة جدا من سائر الأجسام.
الصفدية (1|118)
وقول ابن رشد: (وهذا الغلط إنما دخل عليهم من شبه الكمية المنفصلة بالمتصلة فظنوا أن مايلزم في المنفصلة يلزم في المتصلة وذلك أن هذا يصدق في العدد أعني أن نقول إن عددا أكثر من عدد من قبل كثرة الأجزاء الموجودة فيه أعني الوحدات،وأما الكم المتصل فليس يصدق ذلك فيه ولذلك نقول في الكم المتصل أنه أعظم وأكبر ولا نقول إنه أكثر وأقل ونقول في العدد إنه أكثر وأقل ولا نقول أكبر وأصغر. وعلى هذا القول فتكون الأشياء كلها أعدادا ولايكون هنالك عظم متصل أصلا فتكون صناعة الهندسة هي صناعة العدد بعينها).
مراده أن الكم المنفصل ثابت في المجموعة العددية فقط , لأن المجموعة العددية هي عبارة عن أجزاء عددية، وهذه الأجزاء هي المكونة للمجموعة، فكلما زاد الاتصال بين الأجزاء العددية زادت كمية المجموعة. وكلما انفصلت هذه الأجزاء عن بعضها استحالت المجموعة إلى واحد. فلذلك نقول أن هذه أكثر وهذه أقل، و لانقول ذلك في الأجسام مثل أن نقول الفيل أكثر من النمل، بل نقول هذا أعظم والنمل أصغر , وهذا بخلاف القول في الكم المتصل الثابت في الأجسام.
ب- قولهم جميع الأعراض محدثة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/396)
قال شيخ الإسلام: و المعتزلة تنفي قيام الصفات و الأفعال به و تسمى الصفات أعراضا و الأفعال حوادث ويقولون لا تقوم به الأعراض ولا الحوادث؛ فيتوهم من لم يعرف حقيقة قولهم أنهم يتنزهون الله تعالى عن النقائص والعيون والآفات , ولا ريب أن الله يجب تنزيهه عن كل عيب و نقص وآفة؛ فإنه القدوس السلام الصمد السيد الكامل فى كل نعت من نعوت لكمال كمالا يدرك الخلق حقيقته منزة عن كل نقص تنزيها لا يدرك الخلق كماله و كل كمال ثبت لموجود من غير استلزام نقص فالخالق تعالى أحق به وأكمل فيه منه , وكل نقص ينزه عنه مخلوق فالخالق أحق بتزيهه عنه وأولى ببراءته منه.
مجموع الفتاوى (8|149)
وقال أيضا: والذي ذكرناه من قول أولئك المتكلمين والفلاسفة معنى آخر وهو أن من قال المادة الباقية بعينها , وإنما حدث عرض أو صورة وذلك لم يخلق من غيره ولكن أحدث في المادة الباقية فلا يكون الله خلق شيئا من شيء لأن المادة عندهم لم تخلق؛ أما المتفلسفة فعندهم المادة قديمة أزلية باقية بعينها , وأما المتكلمون فالجواهر عندهم موجودة وما زالت موجودة لكن من قال إنها حادثة من أهل الملل وغيرهم قالوا يستدل على حدوثها بالدليل لا أن خلقها معلوم للناس فهو عندهم مما يستدل عليه بالأدلة الدقيقة الخفية مع أن ما يذكرونه منتهاه إلى أن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث وهو دليل باطل فلا دليل عندهم على حدوثها وإذا كانت لم تخلق إذ خلق الإنسان بل هي باقية في الإنسان والأعراض الحادثة لم تخلق من مادة فإذا خلق الإنسان لم يخلق من شيء لا جواهره ولا أعراضه وعلى قولهم ما جعل الله من الماء كل شيء حي ولا خلق كل دابة من ماء ولا خلق آدم من تراب ولا ذريته من نطفة بل نفس الجواهر الترابية باقية بعينها لم تخلق حينئذ ولكن أحدث فيها أعراض أو صورة حادثة.
النبوات (1|314)
ومن هنا دخل عليهم إنكار طبائع الأشياء وهذا هو الذي دعاهم إلى القول بتجدد الأعراض فرارا وهروبا من القول بفعل القوى الطبيعية، أو أن يكون العالم صادرًا عن سبب طبيعي.
قال ابن رشد:وأما المقدمة الثانية، وهي القائلة: إن جميع الأعراض محدثة فهي مقدمة مشكوك فيها. وخفاء هذا المعنى فيها كخفائه في الجسم. وذلك أنا إنما شاهدنا بعض الأجسام محدثة، وكذلك بعض الأعراض، فلا فرق في النقلة من الشاهد منها إلى الغائب. فإن كان واجباً في الأعراض أن ينقل حكم الشاهد منها إلى الغائب، أعني أن نحكم بالحدوث على ما لم نشاهده منها، قياساً على ما شاهدناه، فقد يجب أن نفعل مثل ذلك في الأجسام، ونستغني عن الاستدلال بحدوث الأعراض على حدوث الأجسام. وذلك أن الجسم السماوي، وهو المشكوك في إلحاقه بالشاهد، الشك في حدوث أعراضه كالشك في حدوثه نفسه: لأنه لم يحسن حدوثه، لا هو ولا أعراض؛ ولذلك ينبغي أن نجعل الفحص عنه من أمر حركته، وهي الطريق التي تُفضي بالسالكين إلى معرفة الله تبارك وتعالى بيقين، وهي طريق الخواص. وهي التي خص الله بها إبراهيم عليه السلام في قوله: {وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ولِيكون من الموقنين} [الأنعام: 75]، لأن الشك كله إنما هو في الإجرام السماوية. وأكثر النظار إنما انتهوا إليها واعتقدوا أنها آلهة ...
وأدلّتُهم، التي يلتمسون بها بيان إبطال قِدَم الأعراض، إنما هي لازمة لمن يقول بقدم ما يُحَسُّ منها حادثاً. أعني من يضع أن جميع الأعراض غير حادثة. وذلك أنهم يقولون إن الأعراض التي يظهر للحس أنها حادثة، إن لم تكن حادثة، فإما أن تكون منتقلة من محل إلى محل، وإما أن تكون كامنة في المحل الذي ظهرت في قبل أن تظهر. ثم يبطلون هذين القسمين. فيظنون أنهم قد بينوا أن جميع الأعراض حادثة. وإنما بان، من قولهم، أن ما يظهر من الأعراض حادثاً فهو حادث. لا ما لا يظهر حدوثه، ولا ما لا يشك في أمر، مثل الأعراض الموجودة في الأجرام السماوية، من حركاتها وأشكالها وغير ذلك. فتؤول أدِلتهم على حدوث جميع الأغراض إلى قياس الشاهد على الغائب، وهو دليل خطابي إلا حيث النقلة معقولة بنفسها. وذلك عند التيقن باستواء طبيعة الشاهد والغائب.
الكشف عن مناهج الأدلة (33 - 34)
ج- نقد قولهم في أن مالا يخلو من الحوادث فهو حادث.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/397)
قال شيخ الإسلام: والمقصود هنا أن الذين أثبتوا حدوث العالم بحدوث الجسم كما تقدم قالوا فإذا كان الدليل على حدوث المحدثات إنما هو قيام الصفات والأفعال بها فكل ما قامت به فهو حادث وإلا انتقض الدليل على حدوث العالم وإثبات الصانع
قالوا فيجب أن يكون كلامه حادثا بعد أن لم يكن ويصير متكلما بعد أن لم يكن كما أنه صار فاعلا بعد أن لم يكن فاعلا وفعله حادث.
قالوا: وكل ما قامت به الحوادث فهو حادث كما تقدم فيلزم أن لا يقوم به كلام ولا فعل ولا صفة فقالوا كلامه مخلوق في غيره ولا يقوم به علم ولا قدرة ولا حياة ولا غير ذلك من الصفات لأنه لو قام به ذلك لكان عرضا قائما بالجسم والجسم محدث قالوا وليس هو فوق العالم ولا مباين للعالم ولا يصعد إليه شيء ولا ينزل من عنده شيء ولا يرى لأنه لو كان كذلك لكان جسما والجسم محدث.
فلما أظهروا هذا القول شاع في الأمة إنكار ذلك وقالوا هذا تعطيل للخالق وجحود لصفاته.
الصفدية (2|54)
وقال: ثم استدلوا على حدوث الأعراض قالوا فثبت أن الأجسام مستلزمة للحوادث لا تخلو عنها فلا تكون مثلها ثم كثير منهم قالوا وما لم يخل من الحوادث أو ما لم يسبق الحوادث فهو حادث , وظن أن هذه مقدمة بديهية معلومة بالضرورة لا يطلب عليها دليل وكان ذلك بسبب أن لفظ الحوادث يشعر بان لها ابتداء كالحادث المعين والحوادث المحدودة ولو قدرت ألف ألف ألف حادث؛ فإن الحوادث إذا جعلت مقدرة محدودة فلا بد أن يكون لها ابتداء فإن مالا ابتداء له ليس له حد معين ابتدأ منه إذ قد قيل لا ابتداء له بل هو قديم أزلي دائم , ومعلوم أن هذه الحوادث مالم يسبقها فهو حادث فإنه يكون إما معها وإما بعدها وكثير منهم يفطن للفرق بين جنس الحوادث وبين الحوادث المحدودة فالجنس مثل أن يقال ما زالت الحوادث توجد شيئا بعد شيء أو ما زال جنسها موجودا أو ما زال الله متكلما إذا شاء أو ما زال الله فاعلا لما يشاء أو ما زال قادرا على أن يفعل قدرة يمكن معها اقتران المقدور بالقدرة لا تكون قدرة يمتنع معها المقدور فان هذه في الحقيقة ليست قدرة ومثل أن يقال في المستقبل لا بد أن الله يخلق شيئا بعد شيء ونعيم أهل الجنة دائم لا يزول ولا ينفد وقد يقال في النوعين كلمات الله لا تنفذ ولا نهاية لها لا في الماضي ولا في المستقبل ونحو ذلك فالكلام في دوام الجنس وبقائه وأنه لا ينفد ولا ينقضي ولا يزول ولا ابتداء له غير الكلام فيما يقدر محدودا له ابتداء أوله ابتداء وانتهاء؛ فإن كثيرا من النظار من يقول جنس الحوادث إذا قدر له ابتداء وجب أن يكون له انتهاء لأنه يمكن فرض تقدمه على ذلك الحد فيكون أكثر مما وجد ومالا يتناهى لا يدخله التفاضل فإنه ليس وراء عدم النهاية شيء أكثر منها بخلاف مالا ابتداء له ولا انتهاء فإن هذا لا يكون شيء فوقه فلا يفضي الى التفاضل فيما لا يتناهى.
النبوات (42)
قال ابن رشد: وأما المقدمة الثالثة، وهي القائلة: إن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، فهي مقدمة مشتركة الاسم. وذلك أنه يمكن أن تفهم على معنيين، أحدهما: ما لا يخلو من جنس الحوادث ويخلوا من آحادِها. والمعنى الثاني: ما لا يخلو عن هذا السواد المشار إليه.
فأما هذا المفهوم الثاني فهو صادق. أعني: ما لا يخلو عن عرض ما مشار إليه، وذلك العرض حادث، أنه يجب ضرورة أن يكون الموضوع له حادثاً. لأنه إن كان قديماً فقد خلا من ذلك العرض، وقد كنا فرضناه لا يخلو هذا خُلف لا يمكن.
وأما المفهوم الأول، وهو الذي يريدونه، فليس يلزم عنه حدوث المحل، أعني: الذي لا يخلو من جنس الحوادث. لأنه يمكن أن يتصور المحل الواحد، أعني الجسم، تتعاقب عليه أعراض غير متناهية، إما متضادة وإما غير متضادة. كأنك قلت: حركات لا نهاية لها، كما يرى ذلك كثير من القدماء في العالم أنه يتكون: واحد بعد آخر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/398)
ولهذا، لما شعر المتأخرون من المتكلمين بوهي هذه المقدمة راموا شدَّها وتقويتها بأن بيّنوا في زعمهم، أنه لا يمكن أن تتعاقب على محل واحد أعراض لا نهاية لها. وذلك أنم زعموا أنه يجب، عن هذا الموضع، أن لا يوجد منها في المحل عرضٌ ما مشار إليه إلا وقد وُجِدت قبله أعراض لا نهاية له. ولما كان ما لا نهاية لا ينقضي وجب أن لا يوجد هذا المشار إلي، أعني المفروض موجوداً. مثال ذلك: أن الحركة الموجودة اليوم للجرم السماوي إن كان قد وُجد قبلها حركاتٌ لا نهاية لها فقد كان يجب ألا توجد. ومثلوا لذلك برجل قال لرجل: " لا أعطيك هذا الدينار حتى أعطيك قبله دنانير لا نهاية لها " فليس يمكن أن يعطيه ذلك الدينار المشار إليه أبداً. وهذا التمثيل ليس بصحيح. لأن في هذا التمثيل: وُضِعَ مبدأٌ ونهايةٌ، ووُضِعَ ما بينهما غير متناه، لأن قوله وقع في زمان محدود، وإعطاؤه الدينار يقع أيضاً في زمن محدود، فاشترط هو أن يعطي الدينار في زمان يكون بينه وبين الزمان الذي تكلم فيه أزمنة لا نهاية لها، وهي التي يعطيه فيها دنانير لا نهاية لها، وذلك مستحيل. فهذا التمثيل بَيِّنٌ من أمره أنه لا يشبه المسألة الممثل بها.
وأما قولهم: إن ما يوجد، بعد وجود أشياء لا نهاية لها، لا يمكن وجوده، فليس صادقاً في جميع الوجوه، وذلك أن الأِشياء التي بعضها قبل بعض، توجد على نحوين: إما على جهة الدور، وإما على جهة الاستقامة.
فالتي توجد على جهة الدور، الواجب فيها أن تكون غير متناهية إلا أن يعرض عنها ما ينهيها. مثال ذلك: أنه إن كان شروق فقد كان غروب، وإن كان غروب فقد كان شروق، فإن كان شروق فقد كان شروق، وكذلك إن كان غيم فقد كان بخار صاعد من الأرض، وإن كان بخار صاعد من الأرض فقد ابتلت الأرض، فإن كان ابتلت الأرض فقد كان مطر، وإن كان مطر فقد كان غيم فإن كان غيم فقد كان غيم.
وأما التي تكون على استقامة مثل كون الإنسان من الإنسان، وذلك الإنسان من إنسان آخر، فإن هذا إن كان بالذات لم يصح أن يمر إلى غير نهاية.
ولأنه إذا لم يوجد الأول من الأسباب لم يوجد الأخير. وإن كان ذلك بالعرض، مثل أن يكون الإنسان بالحقيقة عن فاعل آخر غير الإنسان الذي هو الأب، وهو المصور له، ويكون الأب إنما منزلته الآلة من الصانع، فليس يمتنع، إن وجد ذلك الفاعل يفعل فعلاً لا نهاية له، أن يفعل، بآلات متبدلة، أشخاصاً لا نهاية لها.
وهذا كله ليس يظهر في هذا الموضع. وإنما سُقناه ليُعرَف أن ما توهم القوم من هذه الأشياء أنه برهان، فليس برهاناً ولا هو من الأقاويل التي تليق بالجمهور، أعني البراهين البسيطة التي كلف الله بها الجميع من عباده الإيمان به. فقد تبين لك من هذا أن هذه الطريقة ليست برهانية صناعية ولا شرعية.
الكشف عن مناهج الأدلة (34 - 36)
د - نقد الجويني في إثبات وجود الله
وقال ابن رشد: وأما الطريقة الثانية فهي التي استنبطها أبو المعالي في رسالته المعروفة بالنظامية. ومبناها على مقدمتين:
إحداهما: أن العالم، بجميع ما فيه، جائز أن يكون على مقابل ما هو عليه، حتى يكون من الجائز مثلاً أصغر مما هو أو أكبر مما هو أو بشكل آخر غير الشكل الذي هو عليه، أو عدد أجسامه غير العدد الذي هي عليه، أو تكون حركة كل متحرك منها إلى جهة ضد الجهة التي يتحرك إليها، حتى يمكن في الحجر أن يتحرك إلى فوق، وفي النار إلى أسفل، وفي الحركة الشرقية أن تكون غربية، وفي الغربية أن تكون شرقية.
والمقدمة الثانية: أن الجائز محدث وله محدث أي فاعل صَيَّره بأحد الجائزتين أولى منه بالآخر.
فأما المقدمة الأولى فهي خطابية، وفي بادئ الرأي. وهي: أما في بعض أجزاء العالم فظاهرٌ كذِبُها بنفسه، مثل كون الإنسان موجوداً على خِلقة غير هذه الخِلقة التي هو عليها. وفي بعضه الأمر فيه مشكوك، مثل كون الحركة الشرقية غربية والغربية شرقية، إذ كان ذلك ليس معروفاً بنفسه، إذ كان يمكن أن يكون لذلك علة غير بينة الوجود بنفسها أو تكون من العلل الخفية على الإنسان.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/399)
ويشبه أن يكون ما يعرض للإنسان، في أول الأمر عند النظر في هذه الأشياء، شبيهاً بما يعرض لمن ينظر في أجزاء المصنوعات، من غير أن يكون من أهل تلك الصنائع. وذلك أن الذي هذا شأنه قد سبق إلى ظنه أن كل ما في تلك المصنوعات أو جُلِّها ممكن أن يكون بخلاف ما هو عليه، ويوجد عن ذلك المصنوع ذلك الفعل بعينه الذي صُنع من أجله، أعني غايته، فلا يكون في ذلك المصنوع، عند هذا، موضع حكمة.
وأما الصانع، والذي يشارك الصانع في شيء من عِلم ذلك، فقد يرى أن الأمر بِضِد ذلك، وأنه ليس في المصنوع إلا شيء واجب ضروري، أو ليكون به المصنوع أتم وأفضل، إن لم يكن ضرورياً فيه، وهذا هو معنى الصناعة، والظاهر أن المخلوقات شبيهة في هذا المعنى بالمصنوع، فسبحان الخالق العليم.
فهذه المقدمة من جهة أنها خطابية قد تصلح لإقناع الجميع، ومن جهة أنها كاذبة ومبطلة لحكمة الصانع، فليست تصلح لهم.
الكشف عن مناهج الأدلة (36 - 37)
وقول أبي المعالي أن العالم، بجميع ما فيه، جائز أن يكون على مقابل ما هو عليه؛ إذا كان يستلزم منه نفي الحكمة لله تعالى فهو باطل.
قال شيخ الإسلام: مضمون هذا الكلام إثبات ما في الموجودات من الحكمة والغاية المناسبة
لاختصاص كل منها بما خص به وأن ارتباط بعض الأمور ببعض قد يكون شرطا في الوجود وقد يكون شرطا في الكمال وبإثبات هذا أخذ يطعن في حجة أبي المعالي وأمثاله ممن لايثبت إلا مجرد المشيئة المحضة التي تخصص كلا من المخلوقات بصفته وقدره
فإن هذا قول من أهل الكلام كالأشعرية والظاهرية وطائفة من الفقهاء من أصحاب الأئمة الأربعة وأما الجمهور من المسلمين وغيرهم فإنهم - مع أنهم يثبتون مشيئة الله وإرادته - يثبتون أيضا حكمته ورحمته وهؤلاء المتفلسفة أنكروا على الأشعرية نفي الحكمة الغائية وهم يلزمهم من التناقص ما هو أعظم من ذلك فإنهم إذا أثبتوا الحكمة الغائية كما هو قول جمهور المسلمين فإنه يلزمهم أن يثبتوا المشيئة بطريق الأولى والأحرى فإن من فعل المفعول لغاية يريدها كان مريدا للمفعول بطريق الأولى والأحرى فإذا كانوا مع هذا ينكرون الفاعل المختار ويقولون: إنه علة موجبة للمعلول بلا إردة كان هذا في غاية التناقص ما هو أعظم من ذلك فإنهم إذا أثبتوا الحكمة الغائية كما هو قول جمهور المسلمين فإنه يلزمهم أن يثبتوا المشيئة بطريق الأولى والأحرى فإن من فعل المفعول لغاية يريدها كان مريدا للمفعول بطريق الأولى والأحرى فإذا كانوا مع هذا ينكرون الفاعل المختار ويقولون: إنه على موجبة للمعلول بلا إرادة كان هذا في غاية التناقص ومن سلك طريقة أبي المعالي في هذا الدليل لايحتاج إلى أن ينفي الحكمة بل يمكنه إذا أثبت الحكمة المرادة أن يثبت الإرادة بطريق الأولى
وحينئذ فالعالم بما فيه من تخصيصه ببعض الوجوه دون بعض دال على مشيئة فاعله وعلى حكمته أيضا ورحمته المتضمنة لنفعه وإحسانه إلى خلقه
وإذا كان كذلك فقولنا: إن ما سوى هذا الوجه جائز يراد به أنه جائز ممكن من نفسه وأن الرب قادر على غير هذا الوجه كما هو قادر عليه وذلك لا ينافي أن تكون المشيئة والحكمة خصصت بعض الممكنات المقدرات دون بعض.
درء التعارض (5|20)
المسألة العاشرة: تجدد الصفة (إثبات الصفات الاختيارية)
قال ابن رشد: وهذه الصفة هي صفة قديمة, إذا كان لا يجوز عليه سبحانه أن يتصف بها وقتا ما, لكن ليس ينبغي أن يتعمق في هذا فيقال ما يقوله المتكلمون: إنه يعلم المحدث في وقت حدوثه بعلم قديم فإنه يلزم عن هذا أن يكون العلم المحدث, في وقت عدمه وفي وقت وجوده, علما واحدا, وهذا أمر غير معقول: إذ كان العلم واجبا أن يكون تابعا للموجود. ولما كان الموجود. تارة يوجد فعلا, وتارة يوجد قوة, وجب أن يكون العلم بالموجودين مختلفا, إذ كان وقت وجوده بالقوة غير وقت وجوده بالفعل.
وهذا شيء لم يصرح به الشرع, بل الذي صرح به خلافه, وهو أنه يعلم المحدثات حين حدوثها, كما قال تعالى: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمت الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتب مبين}
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/400)
فينبغي أن يوضع في الشرع أنه عالم بالشيء قبل أن يكون, على أنه سيكون, وعالم بالشيء إذ كان على أنه قد كان, وعالم بما قد تلف أنه تلف في وقت تلفه, وهذا هو الذي تقتضيه أصول الشرع. وإنما كان هذا هكذا لأن الجمهور لا يفهمون من العالم في الشاهد غير هذا المعنى.
وليس عند المتكلمين برهان يوجب أن يكون بغير هذه الصفة إلا أنهم يقولون:إن العلم المتغير بتغير الموجودات هو محدث, والباري سبحانه لا يقوم به حادث, لأن ما لا ينفك عن الحوادث, زعموا حادث. وقد بينا نحن كذب هذه المقدمة؛ فإذن: الواجب أن تقر هذه القاعدة على ما وردت, ولا يقال أنه يعلم حدوث المحدثات وفساد الفاسدات, لا بعلم محدث ولا بعلم قديم؛ فإن هذه بدعة في الإسلام, {وما كان ربك نسيا} [مريم:64].
الكشف عن مناهج الأدلة (51 - 52)
وقال ابن رشد: فلو كان إذا وجد الموجود بعد أن لم يوجد حدث في العلم القديم علم زائد كما يحدث ذلك في العلم المحدث للزم أن يكون العلم القديم معلولا للوجود لا علة له.
فإذا واجب أن لا يحدث هنالك تغير كما يحدث في العلم المحدث وإنما أتى الغلط من قياس العلم القديم على العلم المحدث وهو قياس الغائب على الشاهد وقد عرف فساد هذا القياس.
وكما أنه لا يحدث في الفاعل تغير عند وجود مفعوله أعني تغيرا لم يكن قبل ذلك كذلك لا يحدث في العلم القديم سبحانه تغير عند حدوث معلومه عنه.
ضميمة في العلم الإلهي (5)
وإن كلام ابن رشد على صفة العلم , فأصل المسألة وهي الكلام على قيام الصفات الاختيارية بالله هي من مسائل الخلاف بين أهل السنة والأشاعرة.
بيان مسألة تجدد العلم من كلام شيخ الإسلام
قال شيخ الإسلام: عامة من يستشكل الآيات الواردة في هذا المعنى كقوله {إلا لنعلم} {حتى نعلم} يتوهم أن هذا ينفي علمه السابق بأن سيكون وهذا جهل فإن القرآن قد أخبر بأنه يعلم ما سيكون في غير موضع بل أبلغ من ذلك أنه قدر مقادير الخلائق كلها وكتب ذلك قبل أن يخلقها فقد علم ما سيخلقه علما مفصلا وكتب ذلك وأخبر بما أخبر به من ذلك قبل أن يكون وقد أخبر بعلمه المتقدم على وجوده ثم لما خلقه علمه كائنا مع علمه الذي تقدم أنه سيكون فهذا هو الكمال وبذلك جاء القران في غير موضع بل وبإثبات رؤية الرب له بعد وجوده كما قال تعالى {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} التوبة فأخبر انه سيرى أعمالهم.
وقد دل الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة ودلائل العقل على أنه سميع بصير والسمع والبصر لا يتعلق بالمعدوم فإذا خلق الأشياء رآها سبحانه وإذا دعاه عباده سمع دعاءهم وسمع نجواهم كما قال تعالى {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما} المجادلة أي تشتكي إليه وهو يسمع التحاور والتحاور تراجع الكلام بينها وبين الرسول قالت عائشة:سبحان الذي وسع سمعه الأصوات لقد كانت المجادلة تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في جانب البيت وإنه ليخفي على بعض كلامها فأنزل الله {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما} وكما قال تعالى لموسى وهارون {لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} طه وقال {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} الزخرف
وقد ذكر الله علمه بما سيكون بعد أن يكون في بضعة عشر موضعا في القران مع إخباره في مواضع أكثر من ذلك انه يعلم ما يكون قبل أن يكون وقد اخبر في القرآن من المستقبلات التي لم تكن بعد بما شاء الله بل اخبر بذلك نبيه وغير نبيه ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء بل هو سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما لو كان كيف كان يكون كقوله {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} الأنعام بل وقد يعلم بعض عباده بما شاء أن يعلمه من هذا وهذا وهذا {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/401)
قال تعالى {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} البقرة وقال {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جهدوا منكم ويعلم الصابرين} آل عمران وقوله {وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين امنوا ويتخذ منكم شهداء} آل عمران وقوله {وما أصابكم يوم التقي الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا} آل عمران وقوله {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة} التوبة وقوله {ثم بعثناهم لنعلم أي الحز بين أحصى لما لبثوا أمدا} الكهف وقوله {ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} إلى قوله {وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين} العنكبوت وقوله {ولنبلونكم حتى نعلم المجهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم} محمد وغير ذلك من المواضع.
روى عن ابن عباس في قوله {إلا لنعلم} أي لنرى وروي لنميز وهكذا قال عامة المفسرين إلا لنرى ونميز وكذلك قال جماعة من أهل العلم قالوا لنعلمه موجودا واقعا بعد أن كان قد علم أنه سيكون.
ولفظ بعضهم قال: العلم على منزلتين علم بالشيء قبل وجوده وعلم به بعد وجوده والحكم للعلم به بعد وجوده؛ لأنه يوجب الثواب والعقاب.
قال فمعنى قوله {لنعلم} أي لنعلم العلم الذي يستحق به العامل الثواب والعقاب ولا ريب أنه كان عالما سبحانه بأنه سيكون لكن لم يكن المعلوم قد وجد وهذا كقوله {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض} يونس أي بما لم يوجد فإنه لو وجد لعلمه فعلمه بأنه موجود ووجوده متلازمان يلزم من ثبوت أحدهما ثبوت الآخر ومن انتفائه انتفاؤه والكلام على هذا مبسوط في موضع آخر.
الرد على المنطقيين (467)
وقال رحمه الله: وأما قوله تعالى {وما جعلنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} و قوله {لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا} و نحو ذلك فهذا هو العلم الذي يتعلق بالمعلوم بعد و جوده و هو العلم الذي يترتب عليه المدح و الذم و الثواب و العقاب و الأول هو العلم بأنه سيكون و مجرد ذلك العلم لا يترتب عليه مدح و لا ذم و لا ثواب و لاعقاب فإن هذا إنما يكون بعد و جود الأفعال.
و قد روي عن ابن عباس أنه قال فى هذا لنري و كذلك المفسرون قالوا لنعلمه موجودا بعد أن كنا نعلم سيكون.
و هذا المتجدد فيه قولان مشهوران للنظار
منهم من يقول المتجدد هو نسبة و إضافة بين العلم و المعلوم فقط و تلك نسبة عدمية.
و منهم من يقول بل المتجدد علم بكون الشيء و وجوده وهذا العلم غير العلم بأنه سيكون و هذا كما فى قوله {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون} فقد أخبر بتجدد الرؤية فقيل نسبة عدمية و قيل المتجدد أمر ثبوتى و الكلام على القولين و من قال هذا و هذا و حجج الفريقين قد بسط فى موضع آخر.
مجموع الفتاوى (8|496)
وقال رحمه الله: واختلف كلام ابن عقيل فى هذا الأصل فتارة يقول بقول ابن كلاب وتارة يقول بمذهب السلف وأهل الحديث أن الله تقوم به الأمور الاختيارية ويقول أنه قام به أبصار متجددة حين تجدد المرئيات لم تكن قبل ذلك وقام به علم بأن كل شيء وجد غير العلم الذى كان أولا أنه سيوجد كما دل على ذلك عدة آيات فى القرآن كقوله تعالى {لنعلم من يتبع الرسول} وغير ذلك.
مجموع الفتاوى (12|95)
قال شيخ الإسلام: أما التغير فقالوا العلم بالمتغيرات يستلزم أن يكون علمه بأن الشيء سيكون غير علمه بأن قد كان فيلزم أن يكون محلا للحوادث وهم ليس عندهم على نفي هذه اللوازم حجة أصلا لا بينة ولا شبهة وإنما نفوه لنفيهم الصفات لا لأمر يختص بذلك بخلاف من نفي ذلك من الكلابية ونحوهم فإنهم لما اعتقدوا أن القديم لا تقوم به الحوادث قالوا لأنها لو قامت به لم يخل منها وما لم يخل من الحوادث فهو حادث وقد بين أتباعهم كالرازي والآمدي وغيرهم فساد المقدمة الأولى التي يخالفهم فيها جمهور العقلاء ويقولون بل القابل للشيء قد يخلو عنه وعن ضده أما المقدمة الثانية فهي حجة المتكلمين الجهمية والقدرية ومن وافقهم من أهل الكلام على إثبات حدوث الأجسام باستلزامها للحوادث وقالوا ما لا يخلو عن الحوادث أو ما لا يسبقها فهو حادث لبطلان حوادث لا أول
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/402)
لها وهو التسلسل في الآثار
والفلاسفة لا يقولون بشيء من ذلك بل عندهم القديم تحله الحوادث ويجوزون الحوادث لا أول لها ولهذا كان كثير من أساطينهم ومتأخريهم كأبي البركات يخالفونهم في إثبات الصفات وقيام الحوادث بالواجب وقالوا لإخوانهم الفلاسفة ليس معكم حجة على نفي ذلك بل هذه الحجة أثبتموها من جهة التنزيه والتعظيم بلا حجة والرب لا يكون مدبرا للعالم إلا بهذه القضية فكان من تنزيه الرب وإجلاله تنزيهه عن هذا التنزيه وإجلاله عن هذا الإجلال
وللنظار في جوابهم عن هذا طريقان منهم من يمنع المقدمة الأولى ومنهم من يمنع الثانية فالأول جواب كثير من المعتزلة والأشعري وأصحابه وغيرهم ممن ينفي حلول الحوادث فادعى هؤلاء أن العلم بأن الشيء سيكون هو عين العلم بأنه قد كان وان المتجدد إنما هو نسبته بين المعلوم والعلم لا أمر ثبوتي والثاني جواب هشام وابن كرام وأبي الحسين البصري وأبي عبد الله بن الخطيب وطوائف غير هؤلاء قالوا لا محذور في هذا وإنما المحذور في أن لا يعلم الشيء حتى يكون فان هذا يستلزم انه لم يكن عالما وانه احدث بلا علم وهذا قول باطل.
الرد على المنطقيين (464)
المسألة الحادية عشرة: مسألة - الحركة -
قال ابن رشد: ومنها أنه إذا صرح بنفي الجسمية وجب التصريح بنفي الحركة. فإذا صرح بنفي هذا عسر تصور ما جاء في صفة الحشر من أن الباري سبحانه يطلع على أهل الحشر وأنه الذي يتولى حسابهم،ـ كما قال تعالى {وجاء ربك والملك صفا صفا (22)} [الفجر: 22]، وذلك التأويل أقرب منه إلى أمر الحشر، مع أن ما جاء في الحشر متواتر في الشرع.
الكشف عن مناهج الأدلة (62)
وهذا إلزام قوي من ابن رشد وقد أقره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أكثر من موضع في كتبه.
وأما الحركة كلفظ
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وكذلك لفظ الحركة أثبته طوائف من أهل السنة والحديث وهو الذي ذكره حرب بن إسماعيل الكرماني في السنة التي حكاها عن الشيوخ الذين أدركهم كالحميدي وأحمد بن حنبل وسعيد بن منصور وإسحاق بن إبراهيم ,وكذلك هو الذي ذكره عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على بشر المريسي ,وذكر أن ذلك مذهب أهل السنة , وهو قول كثير من أهل الكلام والفلسفة من الشيعة والكرامية والفلاسفة الأوائل والمتأخرين كأبي البركات صاحب المعتبر وغيرهم.
ونفاه طوائف منهم أبو الحسن التميمي وأبو سليمان الخطابي , وكل من أثبت حدوث العالم بحدوث الأعراض كأبي الحسن الأشعري والقاضي أبي بكر بن الباقلاني وأبي الوفاء بن عقيل وغيرهم ممن سلك في إثبات حدوث العالم هذه الطريقة التي أنشأها قبلهم المعتزلة.
وهو أيضا قول كثير من الفلاسفة الأوائل والمتأخرين كابن سينا وغيره.
والمنصوص عن الإمام أحمد إنكار نفي ذلك, ولم يثبت عنه إثبات لفظ الحركة ,وإن أثبت أنواعاً قد يدرجها المثبت في جنس الحركة؛ فإنه لما سمع شخصا يروي حديث النزول ويقول ينزل بغير حركة ولا انتقال ولا بغير حال أنكر أحمد ذلك وقال: قل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كان أغير على ربه منك.
"الاستقامة" (1/ 73)
وقال شيخ الإسلام: " والله سبحانه موصوف بصفات الكمال منزه عن النقائص, وكل كمال وصف به المخلوق من غير استلزامه لنقص؛ فالخالق أحق به ,وكل نقص نزه عنه المخلوق؛ فالخالق أحق بأن ينزه عنه , والفعل صفة كمال لا صفة نقص كالكلام والقدرة , وعدم الفعل صفة نقص كعدم الكلام وعدم القدرة فدل العقل على صحة ما دل عليه الشرع وهو المطلوب.
وكان الناس قبل أبي محمد بن كلاب صنفين؛ فأهل السنة والجماعة يثبتون ما يقوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها , والجهمية من المعتزلة وغيرهم تنكر هذا وهذا؛ فأثبت ابن كلاب قيام الصفات اللازمة به , ونفى أن يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها , ووافقه على ذلك أبو العباس القلانسي و أبو الحسن الأشعري وغيرهما , وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب , ولهذا أمر أحمد بهجره وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب وأتباعه ثم قيل عن الحارث: إنه رجع عن قوله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/403)
وقد ذكر الحارث في كتاب فهم القرآن عن أهل السنة في هذه المسألة قولين ,ورجح قول ابن كلاب ,وذكر ذلك في قول الله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} وأمثال ذلك , وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم كحرب الكرماني و عثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة , وأن ذلك هو مذهب أئمة السنة والحديث من المتقدمين والمتأخرين وذكر حرب الكرماني أنه قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل و إسحاق بن راهويه و عبد الله بن الزبير الحميدي و سعيد بن منصور , وقال عثمان بن سعيد وغيره: إن الحركة من لوازم الحياة فكل حي متحرك , وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات الذين اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم.
وطائفة أخرى من السلفية كنعيم بن حماد الخزاعي و البخاري صاحب الصحيح و أبي بكر بن خزيمة وغيرهم كأبي عمر بن عبد البر وأمثاله: يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء , ويسمون ذلك فعلا ونحوه , ومن هؤلاء من يمتنع عن إطلاق لفظ الحركة لكونه غير مأثور.
وأصحاب أحمد منهم من يوافق هؤلاء كأبي بكر عبد العزيز و أبي عبد الله بن بطة وأمثالهما ومنهم من يوافق الأولين كأبي عبد الله بن حامد وأمثاله , ومنهم طائفة ثالثة؛ كالتميميين و ابن الزاغوني غيرهم يوافقون النفاة من أصحاب ابن كلاب وأمثالهم.
ولما كان الإثبات هو المعروف عند أهل السنة والحديث كالبخاري و أبي زرعة و أبي حاتم و محمد بن يحيى الذهلي , وغيرهم من العلماء الذين أدركهم الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة كان المستقر عنده ما تلقاه عن أئمته: من أن الله تعالى لم يزل متكلما إذا شاء , وأنه يتكلم بالكلام الواحد مرة بعد مرة , وكان له أصحاب كأبي علي الثقفي وغيره تلقوا طريقة ابن كلاب فقام بعض المعتزلة , وألقى إلى ابن خزيمة سر قول هؤلاء ,وهو أن الله لا يوصف بأنه يقدر على الكلام إذا شاء , ولا يتعلق ذلك بمشيئته فوقع بين ابن خزيمة وغيره وبينهم في ذلك نزاع حتى أظهروا موافقتهم له فيما لا نزاع فيه ,وأمر ولاة الأمر بتأديبهم لمخالفتهم له وصار الناس حزبين؛ فالجمهور من أهل السنة وأهل الحديث معه ومن وافق طريقة ابن كلاب معه حتى صار بعده علماء نيسابور وغيرهم حزبين فالحاكم أبو عبد الله و أبو عبد الرحمن السلمي و أبو عثمان النيسابوري وغيرهم معه ,وكذلك يحيى بن عمار السجستاني و أبو عبد الله بن منده و أبو نصر السجزي و شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري و أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني وغيرهم معه ,وأما أبو ذر الهروي و أبو بكر البيهقي وطائفة أخرى فهم مع ابن كلاب.
"درء التعارض" (1|245)
المسألة الثانية عشرة: صفة الكلام
قال ابن رشد: والأشعرية قد نفوا أن يكون المتكلم فاعلاً للكلام, لأنهم تخيلوا أنهم إذا سلموا هذا الأصل وجب أن يعترفوا أن الله فاعل لكلامه , ولما اعتقدوا أن المتكلم هو الذي يقوم الكلام بذاته, ظنوا أنهم يلزمهم عن هذين الأصلين أن يكون الله فاعلاً للكلام بذاته, فتكون ذاته محلاً للحوادث, فقالوا: المتكلم ليس فاعلاً للكلام, وإنما هي صفة قديمة لذاته, كالعلم وغير ذلك. وهذا يصدق على كلام النفس, ويكذب على الكلام الذي يدل على ما في النفس, وهو اللفظ.
والمعتزلة لما ظنوا أن الكلام هو ما فعله المتكلم, قالوا: إن الكلام هو اللفظ فقط. ولهذا قال هؤلاء: إن القرآن مخلوق. واللفظ عند هؤلاء, من حيث هو فعل, فليس من شرطة أن يقوم بفاعله. والأشعرية تتمسك بأن من شرطة أن يقوم بالمتكلم. وهذا صحيح في الشاهد في الكلاميين معاً, أعني: كلام النفس, واللفظ الدال علية وأما في الخالق, فكلام النفس هو الذي قام به. فأما الدال عليه فلم يقم به سبحانه.
فالأشعرية لما شرطت أن يكونه الكلام بإطلاق قائماً بالمتكلم أنكرت أن يكون المتكلم فاعلاً للكلام, بإطلاق. والمعتزلة لما شرطت أن يكون المتكلم فاعلاً للكلام, بإطلاق, أنكرت كلام النفس. وفي قول كل واحدة من الطائفتين جزء من الحق, وجزء من الباطل على ما لاح لك من قولنا.
الكشف عن مناهج الأدلة (54)
قلت: ولا يلزم من قيام هذه الصفة (الكلام) أو الصفات الاختيارية بالله محذور لا عقلي ولا شرعي , والذي قاد الأشاعرة إلى ذلك أصل فاسد وهو اعتقاد أن من صفات الحدوث الصفات التي يفهم منها التجدد كالكلام وغيره.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/404)
وأما التفريق بين اللفظ والمعنى فهو كلام باطل , والرد عليه من كلام السلف كثير , وفي مظانه.
قال ابن قدامة: الحق أن كلام الله هو هذا الذي نقرؤه بألفاظه ومعانيه .. وأقام المؤلف الحجج على أن ما في النفس إن لم يتكلم به لا يسمى كلاماً، كقوله في قصة زكريا: {قال آيتك أن لا تكلم الناس} مع أنه أشار إليهم كما قال: {فأوحى إليهم أن سبحوا}، فلم يكن ذلك المعنى القائم بنفسه الذي عبر عنه بالإشارة كلاماً ... واتفق أهل اللسان على أن الكلام: اسم وفعل وحرف, وأجمع الفقهاء على أن من حلف لا يتكلم لا يحنث بحديث النفس, وإنما يحنث بالكلام ثم قال الشنقيطي: وإذا أطلق الكلام في بعض الأحيان على ما في النفس فلا بد أن يقيد بما يدل على ذلك كقوله تعالى: {ويقولون في أنفسهم}، فلو لم يقيد بقوله في أنفسهم لانصرف إلى الكلام باللسان. "مذكرة أصول الفقه" للشنقيطي (ص188).
المسألة الثالثة عشرة: نقدهم في مسائل مختلفة
قال ابن رشد: فأولت المعتزلة آيات كثيرة وأحاديث كثيرة وصرحوا بتأويلهم للجمهور وكذلك فعلت الأشعرية وإن كانت أقل تأويلا فأوقعوا الناس من قبل ذلك في شنآن وتباغض وحروب ومزقوا الشرع وفرقوا الناس كل التفريق.
وزائدا إلى هذا كله أن طرقهم التي سلكوها في إثبات تأويلاتهم ليسوا فيها لا مع الجمهور ولا مع الخواص أما مع الجمهور فلكونها أغمض من الطرق المشتركة للأكثر وأما مع الخواص فلكونها إذا تؤملت وجدت ناقصة عن شرائط البرهان وذلك يقف عليه بأدنى تأمل من عرف شرائط البرهان.
بل كثير من الأصول التي بنت عليها الأشعرية معارفها سوفسطائية فإنها تجحد كثيرا من الضروريات مثل ثبوت الأعراض وتأثير الأشياء بعضها في بعض ووجود الأسباب الضرورية للمسببات والصور الجوهرية والوسائط ولقد بلغ تعدي نظارهم في هذا المعنى على المسلمين أن فرقة الأشعرية كفرت من ليس يعرف وجود الباري سبحانه بالطرق التي وضعوها لمعرفته في كتبهم .. .
فصل المقال (63 - 64)
المسألة الرابعة عشرة: نقدهم في تقسيم الصفات
قال ابن رشد: ومن البدع التي حدثت في هذا الباب: السؤال عن هذه الصفات, هل هي الذات؟ أم زائدة على الذات؟ أي هي صفة نفسية, أو صفة معنوية؟ وأعني بالنفسية التي توصف بها الذات لنفسها لا لقيام معنى فيها زائد على الذات, مثل قولنا قولنا واحد وقديم, والمعنوية التي توصف بها الذات لمعنى قائم فيها.
الكشف عن مناهج الأدلة (55)
المسألة الخامسة عشرة: نقدهم في مسألة في الصفات
قال ابن رشد: فإن الأشعرية يقولون: إن هذه الصفات هي صفات معنوية, وهي صفات زائدة على الذات, فيقولون: إنه عالم بعلم زائد على ذاته, وحي بحياة زائدة على ذاته, كالحال في الشاهد. ويلزمهم على هذا أن يكون الخالق جسماً, لأنه يكون هنالك صفة وموصوف, وحامل ومحمول, وهذه هي حال الجسم.
وذلك أن الذات, لا بد أن يقولو إنها قائمة بذاتها, والصفات قائمة بها. أو يقولو: إن كل واحد منها قائم بنفسه: فالآلهة كثيرة. وهذا قول النصارى الذي زعموا أن الأقانيم ثلاثة: أقانيم الوجود والحياة والعلم. وقد قال تعالى في هذا: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} [المائدة:73].
وإن قالوا: أحدهما قائم بذاته والآخر قائم بالقائم بذاته, فقد أوجبوا أن يكون جوهراً وعرضاً, لأن الجوهر هو القائم بذاته والعرض هو القائم بغيره. والمؤلف من جوهر وعرض جسم ضرورة.
الكشف عن مناهج الأدلة (55)
قال شيخ الإسلام: وذلك أن الذات المجردة عن الصفة لا توجد إلا في الذهن؛ فالذهن يقدر ذاتا مجردة عن الصفة ويقدر وجودا مطلقا لا يتعين , وأما الموجودات فى أنفسها فلا يمكن فيها وجود ذات مجردة عن كل صفة ولا وجود مطلق لا يتعين ولا يتخصص.
وإذا قال من قال من أهل الإثبات للصفات أنا أثبت صفات الله زائدة على ذاته فحقيقة ذلك أنا نثبتها زائدة على ما أثبتها النفاة من الذات؛ فإن النفاة اعتقدوا ثبوت ذات مجردة عن الصفات فقال أهل الإثبات نحن نقول بإثبات صفات زائدة على ما أثبته هؤلاء.
وأما الذات نفسها الموجودة فتلك لا يتصور أن تتحقق بلا صفة أصلا بل هذا بمنزلة من قال اثبت إنسانا لا حيوانا ولا ناطقا ولا قائما بنفسه ولا بغيره ولا له قدرة ولا حياة ولا حركة ولا سكون أو نحو ذلك أو قال أثبت نخلة ليس لها ساق ولا جذع ولا ليف ولا غير ذلك فان هذا يثبت ما لا حقيقة له فى الخارج ولا يعقل.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/405)
مجموع الفتاوى (5|326)
المسألة السادسة عشرة: الجسمية
قال ابن رشد: فإن قيل: فما تقول في صفة الجسمية؟ هل هي من الصفات التي صرح الشرع بنفيها عن الخالق سبحانه , أم هي من المسكوت عنها؟
فنقول:إنه من البين من أم الشرع أنها من الصفات المسكوت عنها , وهي الى التصريح بإثباتها في الشرع أقرب منها إلى نفيها. وذلك أن الشرع قد صرح بالوجه واليدين في غير ما آية من الكتاب العزيز.وهذه الآيات قد توهم أن الجسمية هي له من الصفات التي فضل فيها الخالق المخلوق كما فضله في صفة القدرة والإرادة وغير ذلك من الصفات التي هي مشتركة بين الخالق والمخلوق , إلا أنها في لخالق أتم وجودا.ولهذا صار كثير من أهل الإسلام إلى أن يعتقدوا في الخالق أنه جسم لا يشبه سائر الأجسام , وعلى هذا الحنابلة وكثير ممن تبعهم.
والواجب عندي , في هذه الصفة , أن يجري فيها على منهاج الشرع ,لا يصرح فيها بنفي ولا إثبات , ويجاب من سأل في ذلك من الجمهور بقوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) وينهى عن هذا السؤال.
الكشف عن مناهج الأدلة (60)
وقول ابن رشد: وهي الى التصريح بإثباتها في الشرع أقرب منها إلى نفيها .. انتهى هذا على اعتبار تعريف الجسم بالموصوف أو القائم بذاته , وليس على اصطلاح المشبهة كغلاة الرافضة. فإن الفرق اختلفت في تفسير الجسم فالفلاسفة ذهبوا أن الجسم هو المكون من الهيولي (المادة) والصورة، وعند المعتزلة الذي تقوم به الأبعاد الثلاثة، والكرامية عنوا بالجسم القائم بنفسه، والأشاعرة يرونه المكون من الجواهر.
فهذا اللفظ مثلا من إلزامات الأشاعرة وغيرهم لأهل السنة الذين يثبتون الصفات الخبرية , فألزموا كل من أثبت الصفات الخبرية بالجسمية.
ثانيا: لفظ الجسم من الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة والأصل الاستفصال عن المعنى المراد.
ثالثا: هذا اللفظ لا يثبت ولا ينفى حتى يستفصل عن المعنى المراد.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: لفظ الجسم فيه إجمال قد يراد به المركب الذي كانت أجزاؤه مفرقة فجمعت أو ما يقبل التفريق والانفصال أو المركب من مادة وصورة أو المركب من الأجزاء المفردة التي تسمى الجواهر المفردة.
والله تعالى منزه عن ذلك كله عن أن يكون كان متفرقاً؛ فاجتمع أو أن يقبل التفريق والتجزئة التي هي مفارقة بعض الشيء بعضا وانفصاله عنه أو غير ذلك من التركيب الممتنع عليه.
و قد يراد بالجسم ما يشار إليه أو ما يرى أو ما تقوم به الصفات , والله تعالى يرى في الآخرة وتقوم به الصفات , ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم وقلوبهم ووجوههم وأعينهم؛ فإذا أراد بقوله ليس بجسم هذا المعنى.
قيل له: هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنى ثابت بصحيح المنقول وصريح المعقول , وأنت لم تقم دليلا على نفيه.
وأما اللفظ فبدعة نفياً وإثباتاً.
"منهاج السنة" (2|134)
وقال ابن القيم رحمه الله: فلفظ الجسم لم ينطق به الوحي إثباتاً فتكون له حرمة الإثبات , ولا نفيا فيكون له إلغاء النفي.
فمن أطلقه نفيا أو إثباتا سئل عما أراد به؟
فإن قال أردت الجسم معناه في لغة العرب , وهو البدع الكثيف الذي لا يسمى في اللغة جسم سواه , ولا يقال للهواء جسم لغة ولا للنار ولا للماء؛ فهذه اللغة وكتبها بين أظهرنا فهذا المعنى منفي عن الله عقلا وسمعا.
وإن أردتم به المركب من المادة والصورة أو المركب من الجواهر الفردة؛ فهذا منفي عن الله قطعاً , والصواب نفيه عن الممكنات أيضا فليس الجسم المخلوق مركبا لا من هذا ولا من هذا , وإن أردتم بالجسم ما يوصف بالصفات ويرى بالأبصار ويتكلم ويكلم ويسمع ويبصره ويرضى ويغضب.
فهذه المعاني ثابتة للرب وهو موصوف بها؛ فلا ننفيها عنه بتسميتكم للموصوف بها جسما.
" الصواعق" (3/ 939)
المسألة السابعة عشرة: العالم في خلاء
قال ابن رشد: والمقدمة القائلة إن الإرادة هي التي تخص أحد المماثلين صحيحة، والقائلة إن العالم في خلاء يحيط به كاذبة، أو غير بينه بنفسها , ويلزم أيضا عن وضعه هذا الخلاء أمر شنيع عندهم: وهو أن يكون قديما. لأنه إن كان محدثا احتاج إلى خلاء.
الكشف عن مناهج الأدلة (39)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/406)
وقال ابن رشد فقال: وليس لهم أن يقولوا: إن خارج العالم خلاء , وذلك أن الخلاء قد تبين في العلوم النظرية امتناعه لأن ما يدل عليه اسم الخلاء ليس هو شيئا أكثر من أبعاد ليس فيها جسم أعني طولا وعرضا وعمقا لأنه إن وقعت الأبعاد عنه عاد عدما , وإن أنزل الخلاء موجودا لزم أن تكون أعراض موجودة في غير جسم وذلك لأن الأبعاد هي أعراض من باب الكمية.
الكشف عن مناهج الأدلة (148)
ومن هنا دخلت عليهم شبهة نفي العلو لله تعالى لاعتقادهم أن وراء العالم خلاء.
المسألة الثامنة عشرة: العلو
قال ابن رشد: وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه حتى نفتها المعتزلة، ثم تبعهم على نفيها متأخروا الأشعرية كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله. وظواهر الشرع كلها تقتضي اثبات الجهة، مثل قوله تعالى: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} [الحاقة: 17]، ومثل قوله: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} [السجدة: 5] ومثل قوله تعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه} [المعارج: 4] ومثل قوله: {ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} [الملك: 16]، إلى غير ذلك من الآيات التي إن سُلِّط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولاً. وإن قيل فيها إنها من المتشابهات عاد الشرع كله متشابهاً؛ لأن الشرائع كلها مبنية على أن الله في السماء، وأن منه تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين، وأن من السماء نزلت الكتب وإليها كان الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى قرب من سدرة المنتهى. وجميع الحكماء قد اتفقوا أن الله والملائكة في السماء، كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك.
والشبهة التي قادت نُفاة الجهة إلى نفيها، هي أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان، وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية.
ونحن نقول أن هذا كله غير لازم، فإن الجهة غير المكان. وذلك أن الجهة هي إما سطوح الجسم نفسه المحيطة به، وهي ستة. وبهذا نقول إن للحيوان فوق وأسفل، ويميناً وشمالاً، وأمام وخلف. وإما سطوح جسم آخر محيط بالجسم، ذي الجهات الست. فأما الجهات التي هي سطوح الجسم نفسه فليست بمكان للجسم نفسه أصلاً. وأما سطوح الأجسام المحيطة به فهي له مكان، مثل سطوح الهواء المحيطة بالإنسان، وسطوح الفلك المحيطة بسطوح الهواء هي أيضاً مكان للهواء، وهكذا الأفلاك بعضها محيطة ببعض ومكان له.
وأما سطح الفلك الخارجي فقد تبرهن أنه ليس خارجه جسم، لأن لو كان ذلك كذلك لوجب أن يكون خارج ذلك الجسم جسم آخر، ويمر الأمر إلى غير نهاية. فإذن: سطح آخر أجسام العالم ليس مكاناً أصلاً، إذ ليس يمكن أن يوجد فيه جسم، لأن كل ما هو مكان يمكن أن يوجد فيه جسم، فإذن: إن قام البرهان على وجود موجود في هذه الجهة، فواجب أن يكون غير جسم. فالذي يمتنع وجوده هنالك هو عكس ما ظنه القوم، وهو موجود هو جسم، لا موجود ليس بجسم.
وليس لهم أن يقولوا إن خارج العالم خلاء. وذلك أن الخلاء قد تبين في العلوم النظرية امتناعه؛ لأن ما يدل عليه اسم الخلاء ليس هو، شيئاً أكثر من أبعاد ليس فيها جسم، أعني: طولاً وعرضاً وعمقاً، لأنه إن رفعت الأبعاد عنه عاد عدماً. وإن أُنزل الخلاء موجوداً لزم أن تكون أعراض موجودة في غير جسم. وذلك أن كل ما يحويه الزمان والمكان فاسد. فقد يلزم أن يكون ما هنالك غير فاسد ولا كائن.
وقد تبين هذا المعنى مما أقوله: وذلك أنه لما لم يكن ها هنا شيء إلا هذا الموجود المحسوس، أو العدم، وكان من المعروف بنفسه أن الموجود إنما يقال إنه موجود في العدم، فإن كان ها هنا موجود هو أِشرف الموجودات، فواجب أن ينسب من الموجود المحسوس إلى الجزء الأشرف، وهو السماوات. ولِشَرَف هذا الجزء قال تبارك وتعالى: {لخلق ا لسموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [غافر: 57]. وهذا كله يظهر على التمام للعلماء الراسخين في العلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/407)
فقد ظهر لك من هذا أن إثبات الجهة واجب بالشرع والعقل، وأنه الذي جاء به الشرع وانبنى عليه، وأن إبطال هذه القاعدة إبطال للشرائع، وأن وجه العسر في تفهيم هذا المعنى، مع نفي الجسمية، هو أنه ليس في الشاهد مثال له. فهو بعينه السبب في أن لم يصرح الشرع بنفي الجسم عن الخالق سبحانه، لأن الجمهور إنما يقع لهم التصديق بحكم الغائب متى كان ذلك معلوم الوجود في الشاهد، مثل العلم، فإنه لما كان في الشاهد شرطاً في وجوده كان شرطاً في وجود الصانع الغائب. وأما متى كان الحكم الذي في الغائب غير معلوم الوجود في الشاهد عند الأكثر ولا يعلمه إلا العلماء الراسخون، فإن الشرع يزجر عن طلب معرفته إن لم يكن بالجمهور حاجة إلى معرفته، مثل العلم بالنفس، أو يضرب لهم مثالاً من الشاهد إن كان بالجمهور حاجة إلى معرفته في سعادتهم، وإن لم يكن ذلك المثال هو نفس الأمر المقصود تفهيمه، مثل كثير مما جاء من أحوال المعاد.
الكشف عن مناهج الأدلة (67 - 69)
وأما لفظ الجهة فهو من الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة والأصل الاستفصال عن المعنى المراد.
قال شيخ الإسلام: وقد قدمنا فيما مضى أن لفظ الجهة يراد به أمر موجود وأمر معدوم؛ فمن قال إنه فوق العالم كله لم يقل أنه في جهة موجودة إلا أن يراد بالجهة العرش ,ويراد بكونه فيها أنه عليها كما قيل في قوله: أنه في السماء: أي على السماء , وعلى هذا التقدير؛ فإذا كان فوق الموجودات كلها وهو غني عنها لم يكن عنده جهة وجودية يكون فيها فضلا عن أن يحتاج إليها, وإن أريد بالجهة ما فوق العالم؛ فذلك ليس بشيء ولا هو أمر وجودي حتى يقال أنه محتاج إليه أو غير محتاج إليه , وهؤلاء أخذوا لفظ الجهة بالاشتراك وتوهموا وأوهموا إذا كان في جهة كان في شيء غيره كما يكون الإنسان في بيته ثم رتبوا على ذلك أنه يكون محتاجا إلى غيره والله تعالى غني عن كل ما سواه وهذه مقدمات كلها باطلة.
بيان تلبيس الجهمية (1|520)
المسألة التاسعة عشرة: المعدوم هو الذي يقال له لا فوق ولا تحت
قال ابن رشد: وأما السبب الثاني:- فهو أن الجمهور يرون أن الموجود هو المتخيل والمحسوس , وأن ما ليس بمتخيل ولا محسوس فهو عدم.فإذا قيل لهم:إن ها هنا موجودا ليس بجسم , ارتفع عنهم التخيل , فصار عندهم من قبيل المعدوم ولا سيما إذا قيل: أنه لا خارج العالم ولا داخله ولا فوق ولا أسفل.ولهذا اعتقدت الطائفة الذين أثبتوا الجسمية في الطائفة التي نفتها عنه سبحانه أنها مُلَيِّسَة وأعتقد الذين نفوها في المثبتة أنها مكثرة.
الكشف عن مناهج الأدلة (61)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأظهر السلطان محمود بن سبكتكين لعنة أهل البدع على المنابر وأظهر السنة وتناظر عنده ابن الهيصم وابن فورك في مسألة العلو فرأى قوة كلام ابن الهيصم فرجح ذلك, ويقال إنه قال لابن فورك: فلو أردت أن تصف المعدوم كيف كنت تصفه بأكثر من هذا؟ أو قال: فرق لي بين هذا الرب الذي تصفه وبين المعدوم؟ وأن ابن فورك كتب إلى أبي إسحق الإسفراييني يطلب الجواب عن ذلك؛ فلم يكن الجواب إلا أنه لو كان فوق العرش للزم أن يكون جسماً!.
"درء تعارض العقل والنقل" (3/ 229).
المسألة العشرون: الرؤية
قال ابن رشد: فمنها ما يعرض من ذلك في الرؤية التي جاءت بها السنة الثابتة. وذلك أن الذين صرحوا بنفيها فرقتان: المعتزلة والأشعرية.فأما المعتزلة فدعاهم هذا الاعتقاد إلى أن نفوا الرؤية. وأما الأشعرية فأرادوا أن يجمعوا بين الأمرين فعسر ذلك عليهم , ولجئوا في الجمع إلى الأقاويل سوفسطائية , سنرشد إلى الوهن الذي فيها عند الكلام في الرؤية.
ومنها أنه يوجب انتفاء الجهة , في بادئ الرأي, عن الخالق سبحانه , أنه ليس بجسم , فترجع الشريعة متشابهة. وذلك أن بعث الأنبياء انبنى على أن الوحي نازل إليهم من السماء. وعلى ذلك انبتت شريعتنا هذه، أعني: أن الكتاب العزيز نزل من السماء كما قال تعالى: {إنا أنزلنه في ليلة مباركة} [الدخان: 3] وانبنى نزول الوحي من السماء على أن الله في السماء. وكذلك كون الملائكة تنزل من السماء وتصعد إليها، كما قال تعالى:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/408)
{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصلح} [فاطر: 10]، وقال تعالى: {تعرج الملكة والروح إليه} [المعراج: 4]. وبالجملة جميع الأشياء التي تلزم القائلين بنفي الجهة على ما سنذكره بعد عند التكلم في الجهة.
الكشف عن مناهج الأدلة (61 - 62)
وقال ابن رشد: إن الذي بقي علينا من هذا الجزء من المسائل المشهورة، هي مسألة الرؤية.
فإنه قد يظن أن هذه المسألة هي بوحه ما داخلة في الجزء المتقدم لقوله تعالى {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} [الأنعام: 103]. ولذلك أنكرها المعتزلة وردت الآثار الواردة في الشرع بذلك مع كثرتها وشهرتا. فشنع الأمر عليهم.
وسبب وقوع هذه الشبهة في الشرع أن المعتزلة، لما اعتقدوا انتفاء الجسمية عنه سبحانه واعتقدوا وجوب التصريح بها لجميع المكلفين، ووجب عندهم، إن انتفت الجسمية، أن تنتفي الجهة، وإذا انتفت الجهة انتقت الرؤية، إذ كل مرئي في جهة من الرائي. فاضطروا لهذا المعنى لرد الشرع المنقول، واعتلوا للأحاديث بأنها أخبار آحاد، وأخبار الآحاد لا توجب العلم. مع أن ظاهر القرآن معارض لها، أعني قولة تعالى: {لا تدركه الأبصار].
وأما الأشعرية فراموا الجمع بين الاعتقادين، أعني بين انتفاء الجسمية وبين جواز الرؤية لما ليس بجسم بالحس، فعسر ذلك عليهم ولجأوا في ذلك إلى حجج سوفسطائية مموهة، أعني الحجج التي توهم أنها حجج وهي كاذبة.
وذلك أنه يشبه أن يكون يوجد في الحجج ما يوجد في الناس , أعني: أنه كما يوجد في الناس الفاضل التام الفضيلة، ويوجد فيهم من دون ذلك في الفضل، ويوجد فيهم من يوهم أنه فاضل وليس بفاضل، وهو المرائي. كذلك الأمر في الحجج. أعني أن منها ما هو في غاية اليقين، ومنها ما هو دون اليقين، ومنها حجج مرائية، وهي التي توهم أنها يقين وهي كاذبة والأقاويل التي سلكتها الأشعرية في هذه المسألة، منها أقاويل في دفع دليل المعتزلة ومنها أقاويل لهم في إثبات جواز الرؤية لما ليس بجسم، وأنه ليس يعرض من فرضها محال.
فأما ما عاندوا به قول المعتزلة: أن كل مرئي فهو في جهة من الرائي. فمنهم من قال إن هذا إنما هو حكم الشاهد إلى الغائب، وأنه جائز أن يرى الإنسان ما ليس في وجهة، إذا كان جائزاً أن يرى الإنسان بالقوة المبصرة نفسها دون عين.
وهؤلاء اختلط عليها إدراك البصر فظاهر من أمره؛ أن من شرطه أن يكون المرئي منه في جهة، ولا في جهة فقط، بل وفي جهة ما مخصوصة. ولذلك ليس تتأتى الرؤية بأي وضع اتفق أن يكون البصر من المرئي، بل بأوضاع محدودة وشروط محدودة أيضاً، وهي ثلاثة أشياء: حضور الضوء، والجسم الشفاف المتوسط بين البصر والمبصر، وكون المبصر ذا ألوان ضرورة. والرد لهذه الأمور المعروفة بنفسها في الإبصار هو رد للأوائل المعلومة بالطبع للجميع، وإبطال لجميع علوم المناظر والهندسة.
وقد قال القوم، أعني الأشعرية: إن أحد المواضع التي يجب أن ينقل فيها حكم الشاهد إلى الغائب هو الشرط، مثل حكمنا أن كل عالم حي، لكون الحياة تظهر في الشاهدة شرطاً في وجود العلم. وإن كان ذلك، قلنا لهم: وكذلك يظهر في الشاهد أن هذه الأشياء هي شروط في الرؤية، فألحقوا الغائب فيها بالشاهد على أصلكم!
وقد رام أبو حامد في كتابة المعروف بالمقاصد أن يعاند هذه المقدمة، أعني أن كل مرئي في وجهة من الرائي، بأن الإنسان يبصر ذاته في المرآة. وذاته ليست منه في جهة غير جهة مقابلة وذلك أنه لما كان يبصر ذاته وكانت ذاته ليست تحل في المرآة التي في الجهة المقابلة، فهو يبصر ذاته في غير جهة.
وهذه المغالطة فإن الذي يبصر هو خيال ذاته. والخيال منه هو في جهة إذ كان الخيال في المرآة، والمرآة في جهة.
وأما حجتهم التي أتوا بها في إمكان رؤية ما ليس بجسم، فإن المشهور عندهم في ذلك حجتان: إحداهما وهو الأشهر عندهم، ما يقولونه من أن الشيء لا يخلو أن يرى من جهة ما هو ملون، أو من جهة أنه جسم، أو من جهة أنه لون، أو من جهة أنه موجود، وربما عددوا جهات أخر غير هذه للموجود. ثم يقولون: وباطل أن يرى من قبل أنه جسم، إذ لو كان ذلك كذلك لما رئي اللون. وباطل أن يرى لمكان أنه لون، إذ لو كان ذلك لما رئي الجسم. قالوا: وإذا بطلت جميع هذه الأقسام التي تتوهم في هذا الباب، فلم يبق أن يرى الشيء إلا من قبل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/409)
أنه موجود.
والمغالطة في هذا القول بينة؛ فإن المرئي من هو مرئي بذاته، ومنه ما هو مرئي من قبل المرئي بذاته، وهذه هي حال اللون والجسم: فإن اللون مرئي بذاته والجسم مرئي من قبل اللون. ولذلك ما لم يكن له لون لم يبصر. لو كان الشيء إنما يرى من حيث هو موجود فقط، لوجب أن تبصر الأصوات وسائر المحسوسات الخمس. فكان يكون البصر والسمع وسائر الحواس الخمس حاسة واحدة، وهذه كلها خلاف ما يعقل.
وقد اضطر المتكلمون لمكان هذه المسألة وما أشبهها أن يسلموا أن الألوان ممكنة أن تسمع، والأصوات ممكنة أن ترى. وهذا كله خروج عن الطبع، وعن ما يمكن أن يعقله إنسان. فإنه من الظاهر أن حاسة البصر غير حاسة السمع، وأن محسوس هذه غير محسوس تلك، وأن آلة هذه غير آلة تلك، وأنه ليس يمكن أن ينقلب البصر سمعاً، كما ليس يمكن أن يعود اللون صوتاً.
والذين يقولون إن الصوت يمكن أن يبصر في وقت ما، فقد يجب أن يسالوا، فيقال لهم: ما هو البصر؟ فلا بد من أن يقولوا هو قوة تدرك بها المرئيات: الألوان وغيرها. ثم يقال هم ماهو السمع؟ فلا بد أن يقولوا هو قوة تدرك بها الأصوات. فإذا وضعوا هذا، قيل لهم: فهل البصر عند إدراكه الأصوات، وهو بصر فقط، أو سمع فقط؟ فإن قالوا: سمع فقط، فقد سلموا أنه لا يدرك الألوان. وإن قالوا: بصر فقط، فليس يدرك الأصوات. وإذا لم يكن بصراً فقط لأنه يدرك الأصوات، ولا سمعاً فقط لأنه يدرك الألوان فهو بصر وسمع معاً. وعلى هذا فستكون الأشياء كلها شيئاً واحداً، حتى المتضادات وهذا شيء فيما أحسبه يسلمه المتكلمون من أهل ملتنا، أو يلزمهم تسليمه، وهو رأي سوفسطائي لأقوام قدماء مشهورين بالسفسطة.
وأما الطريقة الثانية التي سلكها المتكلمون في جواز الرؤية، فهي الطريقة التي اختارها أبو المعالي في كتابه المعروف بـ ((الإرشاد))، وهي هذه الطريقة: وتلخيصها، أن الحواس إنما تدرك الأشياء. وما تنفصل به الموجودات بعضها من بعض هي أحوال، ليست بذوات. فالحواس لا تدركها وإنما تدرك الذات. والذات هي نفس الموجود المشترك لجميع الموجودات. فإذن الحواس: إنما تدرك الشيء من حيث هو موجود.
وهذا كله في غاية الفساد. ومن أبين ما يظهر به فساد هذا القول: أنه لو كان البصر إنما يدرك الأشياء، لما أمكنه أن يفرق بين الأبيض والأسود، لأن الأشياء لا تفترق بالشيء الذي تشترك فيه، ولا كان بالجملة يمكن في الحواس: لا في البصر أن يدرك فصول الألوان، ولا في السمع أن يدرك فصول الأصوات، ولا في الطعم أن يدرك فصول المطعومات. وللزم أن تكون مدارك المحسوسات بالجنس واحداً، فلا يكون فرق بين مدرك السمع وبين مدرك البصر
وهذا كله في غاية الخروج عما يعقله الإنسان، وإنما تدرك الحواس ذوات الأشياء المشار إليها بتوسط إدراكها لمحسوساتها الخاصة بها. فوجه المغالطة في هذا، هو أن ما يدرك ذاتياً أخذ أنه مدرك بذاته. ولولا النشأ على هذه الأقاويل وعلى التعظيم للقائلين بها، لما أمكن أن يكون فيها شيء من الإقناع، ولا وقع بها التصديق لأحد سليم الفطرة.
والسبب في مثل هذه الحيرة الواقعة في الشريعة حتى ألجأت القائمتين بنصرتها، في زعمهم، إلى مثل هذه الأقاويل الهجينة، التي هي ضحكة من عني بتمييز أصناف الأقاويل أدنى عناية هو التصريح في الشرع بما لم يأذن الله ورسوله به، وهو التصريح بنفي الجسمية للجمهور. وذلك أنه من العسير أن يجتمع في اعتقاد واحد أن ها هنا موجوداً ليس بجسم، وأنه مرئي بالأبصار لأن مدارك الحواس هي في الأجسام أو أجسام. ولذلك رأى قوم أن هذه الرؤية هي مزيد علم في ذلك الوقت.
الكشف عن مناهج الأدلة (77 - 81)
وبسبب هذا التناقض فر بعض الأشاعرة إلى إنكار الرؤية وأولوها بمزيد العلم.
قال شيخ الإسلام: حتى إن أئمة أصحاب الأشعري المتأخرين كأبي حامد وابن الخطيب وغيرهما لما تأملوا ذلك عادوا في الرؤية إلى قول المعتزلة أو قريب منه وفسروها بزيادة العلم كما يفسرها بذلك الجهمية والمعتزلة وغيرهم وهذا في الحقيقة تعطيل للرؤية الثابتة بالنصوص والإجماع المعلوم جوازها بدلائل المعقول بل المعلوم بدلائل العقول امتناع وجود موجود قائم بنفسه لا يمكن تعلقها به.
بيان تلبيس الجهمية (2|435)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/410)
وأما إثبات أن الرؤية لا بد أن تكون من جهة فهذا مما اتفق عليه العقلاء
يقول شيخ الإسلام: وإنما المقصود أن نقول إذا ثبتت رؤيته فمعلوم في بداية العقول أن المرئي القائم بنفسه لا يكون إلا بجهة من الرائي وهذه الرؤية التي أخبر بها النبي صلى الله عليه و سلم حيث قال: ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر. فأخبر أن رؤيته كرؤية الشمس والقمر وهما أعظم المرئيات ظهورا في الدنيا وإنما يراهم الناس فوقهم بجهة منهم بل من المعلوم أن رؤية مالا يكون داخل العالم ولا خارجه ممتنع في بداية العقول, وهذا مما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم من السلف والأئمة وأهل الحديث والفقه والتصوف وجماهير أهل الكلام المثبتة والنافية والفلاسفة وإنما خالف فيه فريق من أصحاب الأشعري ومن وافقهم من الفقهاء كما قد يوافقهم القاضي أبو يعلى في المعتمد هو وغيره ويقولون ما قاله أولئك في الرؤية إنه يرى لا في جهة ويلتزمون ما اتفق أهل العقول على أنه من الممتنع في بداية العقول.
بيان تلبيس الجهمية (1|359)
المسألة الحادية والعشرون: النبوة
قال ابن رشد: وأما ما يشترطونه، لمكان هذا، من أن المعجز إنما يدل على الرسالة، بمقارنة دعوى الرسالة له، وأنه لو ادعى الرسالة من شأنه أن يظهر على يديه، ممن ليس برسول، لم يظهر على يديه، فدعوى ليس عليها دليل. فإن هذا غير معلوم لا بالسمع ولا بالعقل. أعني أنه إذا ادعى من تظهر على يديه دعوى كاذبة، أنه لا يظهر على يديه المعجز. لكن، كما قلنا، لما كان لا يظهر من الممتنع أنها لا تظهر إلا على أيدي الفاضلين الذين يعنى الله بهم، وهؤلاء إذا كذبوا ليسوا بفاضلين، فليس يظهر على أيديهم المعجز. ولكن ما في هذا المعنى من الإقناع لا يوجد فيمن يجوز ظهورها على يدي الساحر، فإن الساحر ليس بقاضل.
فهذا ما في هذه الطريقة من الضعف؛ ولهذا رأى بعض الناس أن الأحفظ لهذا الوضع أن يعتقد أنه ليس تظهر الخوارق إلا على أيدي الأنبياء، وأن السحر هو تخيل لا قلب عين. ومن هؤلاء من أنكر، لمكان هذا المعنى، الكرامات.
وأنت تتبين من حال الشارع صلى الله عليه وسلم أنه لم يدع أحدا من الناس ولا أمة من الأمم إلى الإيمان برسالته وبما جاء به بأن قدم على يدي دعواه خارقاً من خوارق الأفعال، مثل قلب عين من الأعيان أخرى. وما ظهر على يديه صلى الله عليه وسلم من الكرامات الخوارق، فإنما ظهرت في أثناء أحواله، من غير أن يتحدى بها. وقد يدلك على هذا قوله تعالى: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} إلى قوله: {قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا} [الإسراء: 90 - 93]. وقوله تعالى: {وما منعنا أن ترسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون} [الإسراء: 59].
وإنما الذي دعا به الناس وتحداهم به هو الكتاب العزيز، فقال تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء: 88]. وقال {فاتوا بعشر سور مثله مفتريات [هود: 13].
وإذا كان الأمر هكذا فخارقه صلى الله عليه وسلم الذي تحدى به الناس وجعله دليلاً على صدقه فيما ادعى من رسالته هو الكتاب العزيز.
الكشف عن مناهج الأدلة (100 - 101)
وقال ابن رشد: فمن هذه الأشياء يرى أن المتكلمين ذهب عليهم هذا المعنى من وجه دلالة المعجز. وذلك أنهم أقاموا الإمكان مقام الوجود، أعني الإمكان الذي هو جهل. ثم صححوا هذه القضية، أعني أن كل من وجد منه المعجز فهو الرسول وليس يصح هذا إلا أن يكون المعجز يدب على الرسالة نفسها وعلى المرسل. وليس في قوة الفعل العجيب الخارق للعوائد، الذي يرى الجميع أنه إلهي، أن يدل على وجود الرسالة دلالة قاطعة، إلا من جهة ما يعتقد أن من ظهرت عليه أمثال هذه الأشياء فهو فاضل، والفاضل لا يكذب. بل إنما يدل على أن هذا رسول إذ سلم أن الرسالة أمر موجود، وأنه ليس يظهر هذا الخارق على يدي أحد من الفاضلين إلا على يدي رسول.
وإنما كان المعجز ليس يدل على الرسالة لأنه ليس يدرك العقل ارتباطاً بينهما، إلا أن يعترف أن المعجز فعل من أفعال الرسالة، كالإبراء الذي هو فعل من أفعال الطب، فإنه من ظهر منه فعل الإبراء دل على وجود الطب، وأن ذلك الطبيب. فهذا أحد ما في هذه الاستدلال من الوهن.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/411)
وأيضا فإذا اعترفنا بوجود الرسالة على أن ننزل الإمكان الذي هو الجهل منزلة الوجود، وجعلنا المعجزة دالة على صدق الشخص المدعي الرسالة، وجب ضرورة أن لا تكون دلالتها لازمة لمن يجوز أن المعجز قد يظهر على يدي غير رسول، على ما يفعله المتكلمون، لأنهم يجوزون ظهورها على يدي الساحر، وعلى يدي الولي.
الكشف عن مناهج الأدلة (99)
قال شيخ الإسلام: ولما أرادوا إثبات معجزات الأنبياء عليهم السلام وأن الله سبحانه لا يظهرها على يد كاذب مع تجويزهم عليه فعل كل شيء فتقوا فتقا فقالوا لو جاز ذلك لزم أن لا يقدر على تصديق من ادعى النبوة وما لزم منه نفي القدرة كان ممتنعا فهذا هو المشهور عن الأشعري وعليه اعتمد القاضي أبو بكر وابن فورك والقاضي أبو يعلى وغيرهم وهو مبني على مقدمات أحدها أن النبوة لا تثبت إلا بما ذكروه من المعجزات وأن الرب لا يقدر على إعلام الخلق بأن هذا نبي إلا بهذا الطريق وأنه لا يجوز أن يعلموا ذلك ضرورة.
وأن إعلام الخلق بأن هذا نبي بهذا الطريق ممكن فلو قيل لهم لا نسلم أن هذا ممكن على قولكم فإنكم إذا جوزتم عليه فعل كل شيء وإرادة كل شيء لم يكن فرق بين أن يظهرها على يد صادق أو كاذب ولم يكن إرسال رسول يصدقه بالمعجزات ممكنا على أصلكم ولم يكن لكم حجة على جواز إرسال الرسول وتصديقه بالمعجزات إذ كان لا طريق عندهم إلا خلق المعجز وهذا إنما يكون دليلا إذا علم أنه إنما خلقه لتصديق الرسول وأنتم عندكم لا يفعل شيئا لشيء ويجوز عليه فعل كل شيء وسلك طائفة منهم طريقا آخر وهي طريقة أبي المعالي وأتباعه وهو أن العلم بتصديقه لمن أظهر على يديه المعجز علم ضروري وضربوا له مثلا بالملك وهذا صحيح إذا منعت أصولهم فإن هذه تعلم إذا كان المعلم بصدق رسوله ممن يفعل شيئا لحكمة فأما من لا يفعل شيئا لشيء فكيف يعلم أنه خلق هذه المعجزات لتدل على صدقه لا لشيء آخر ولم لا يجوز أن يخلقها لا لشيء على أصلهم.
النبوات (1|482)
وقال شيخ الإسلام: وأما الطريق الثانية وهي أجود وهي التي اختارها أبو المعالي وأمثاله فهو أن دلالة المعجز على التصديق معلومة بالاضطرار وهذه طريقة صحيحة لمن اعتقد أن يفعل لحكمة وأما إذا قيل انه لا يفعل لحكمة انتفى العلم الاضطراري والأمثلة التي يذكرونها كالملك الذي جعل آية لرسوله أمرا خارجا عن عادته إنما دلت للعلم بأن الملك يفعل شيئا لشيء فإذا نفوا هذا بطلت الدلالة وكذلك دليل القدرة هو دليل صحيح لكن مع إثبات الحكمة فإنه سبحانه وتعالى قادر على أن يميز بين الصادق والكاذب إذ كان قادرا على أن يهدي عباده إلى ما هو أدق من هذا فهداهم إلى أسهل لكن هذا يستلزم إثبات حكمته ورحمته فمن لم يثبت له حكمة ورحمة امتنع عليه العلم بشيء من أفعاله الغائبة وأيضا فآيات الأنبياء تصديق بالفعل فهي تدل إذا علم أن من صدقه الرب فهو صادق وذلك يتضمن تنزيهه عن الكذب وعلى أصلهم لا يعلم ذلك فإن ما يخلقه من الحروف والأصوات عندهم هو مخلوق من المخلوقات فيجوز أن يتكلم كلاما يدل على شيء وقد أراد به شيئا آخر فإن هذا من باب المفعولات عندهم.
النبوات (2|932)
المسألة الثانية والعشرون: نقد الغزالي
قال ابن رشد: وأول من غير هذا الدواء الأعظم هم الخوارج، ثم المعتزلة بعدهم، ثم الأشعرية، ثم الصوفية، ثم جاء أبو حامد فطم الوادي على القرى. وذلك أنه صرح بالحكمة كلها للجمهور، وبآراء الحكماء، على ما أداه إليه فهمه. وذلك في كتابه الذي سماه بـ ((المقاصد)) فزعم أنه إنما ألف هذا الكتاب للرد عليهم. ثم وضع كتابه المعروف بـ ((تهافت الفلاسفة))، فكرهم فيه في مسائل ثلاثة، من جهة خرقهم فيها للإجماع كما زعم، وبدعهم في مسائل. وأتى فيه بحجج مشككة، وشبه محيرة، أضلت كثيراً من الناس عن الحكمة وعن الشريعة. ثم قال في كتابه المعروف بـ ((جواهر القرآن)) إن الذي أثبته في كتاب ((التهافت)) هي أقاويل جدلية وإن الحق إنما أثبته في ((المضنون به على غير أهله)). ثم جاء في كتابه المعروف بـ ((مشكاة الأنوار))، فذكر فيه مراتب العارفين بالله، فقال: إن سائرهم محجوبون إلا الذين اعتقدوا أن الله سبحانه غير محرك السماء الأولي، وهو الذي صدر عنه هذا المحرك. وهذا تصريح منه باعتقاد مذاهب الحكماء في العلوم الإلهية. وهو قد قال في غير ما موضع إن علومهم الإلهية في
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/412)
تخمينات، بخلاف الأمر في سائر علومهم. وأما في كتابه الذي سماه بـ ((المنقذ من الضلال))، فأنحى فيه على الحكماء، وأشار إلى أن العلم إنما يحصل بالخلو والفكرة، وأن هذه المرتبة هي من جنس مراتب الأنبياء في العلم.
وكذلك صرح بذلك بعينه في كتابه الذي سماه بـ ((كيمياء السعادة)).
الكشف عن مناهج الأدلة (72 - 75)
المسألة الثالثة والعشرون: نفي الحكمة
قال ابن رشد: وإنما صارت مبطلة للحكمة لأن الحكمة ليست شيئاً أكثر من معرفة أسباب الشيء. وإذا لم يكن للشيء أسباب ضرورية تقتضي وجوده على الصفة التي هو بها ذلك النوع موجود، فليس ها هنا معرفةٌ يختص بها الحكيم الخالق دون غيره. كما أنه لو لم تكن ها هنا أسباب ضرورية في وجود الأمور المصنوعة، لم تكن هنالك صناعة أصلاً، ولا حكمة تنسب إلى الصانع دون من ليس بصانع. وأي حكمة كانت تكون في الإنسان لو كانت جميع أفعال وأعماله يمكن أن تتأتي بأي عضو اتفق، أو بغير عضو، حتى يكون الإبصار مثلاً يتأتى بالإذن كما يتأتى بالعين، والشم بالعين كما يتأتى بالأنف؟ وهذا كله إبطال للحكمة وإبطال للمعنى الذي سمَّى به نفسه، تعالى وتقدست أسماؤه عن ذلك.
الكشف عن مناهج الأدلة (37 - 38)
وقال ابن رشد: وينبغي أن تعلم أن هذا النوع من الاستدلال في غاية المضادة للاستدلال الذي زعمت الأشعرية أنه الطريق إلى معرفة الله سبحانه. وذلك أنهم زعموا أن دلالة الموجودات على الله تبارك وتعالى، ليس من أجل حكمة فيها تقتضي العناية، ولكن من قبل الجواز، أي من قبل يظهر في جميع الموجودات أنه جائز في العقل أن يكون بهذه الصفة وبضدها. فإنه إن كان هذا الجواز على السواء، فليس ها هنا حكمة، ولا توجد ها هنا موافقة أصلاً بين الإنسان وبين أجزاء العالم.
وذلك أنه إن كان يمكن على زعمهم أن تكون الموجودات على غيرها ما هي عليه، كوجودها على ما هي عليه، فليس ها هنا موافقة بين الإنسان وبين الموجودات التي امتن عليه الله بخلقها، وأمره بشكره عليها. فإن هذا الرأي يلزمه أن يكون إمكان خلق الإنسان جزءاً من هذا العالم كإمكان خلقة في الخلاء، مثلاً، الذي يرون أنه موجود. بل والإنسان عندهم يمكن أن يكون بشكل آخر، وخلقة أخرى، ويوجد عنه فعل الإنسان. وقد يمكن عندهم أن بشكل آخر، وخلقة أخرى، ويوجد عنه فعل الإنسان. وقد يمكن عندهم أن يكون جزءاً من عالم آخر مخالف بالحد والشرح العالم، فلا تكون نعمة ها هنا يمتن بها على الإنسان، لأن ما ليس بضروري ولا جهة الأفضل في وجود الإنسان، فالإنسان مستغن عنه. وما هو مستغنى عنه فليس وجوده بإنعام عليه. وهذا كله خلاف ما في فطر الناس.
وبالجملة فكما أن من أنكر وجود المسببات مرتبة على الأسباب في الأمور الصناعية، أو لم يدكها فهمه، فليس عنده علم بالصناعة ولا الصانع، كذلك من جحد وجود ترتيب المسببات على الأسباب في هذا العالم، فقد جحد الصانع الحكيم تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً.
الكشف عن مناهج الأدلة (89 - 90)
قال شيخ الإسلام: فمن قال من أهل الكلام إنه لا يفعل الأشياء بالأسباب بل يفعل عندها لا بها ولا يفعل لحكمة ولا في الأفعال المأمور بها ما لأجله كانت حسنة ولا المنهي عنها ما لأجله كانت سيئة فهذا مخالف لنصوص القرآن والسنة وإجماع الأمة من السلف.
وأول من قاله في الإسلام جهنم بن صفوان الذي أجمع الأمة على ضلالته فإنه أول من أنكر الأسباب والطبائع كما أنه أول من ظهر عنه القول بنفي الصفات وأول من قال بخلق كلام الله وإنكار رؤيته في الآخرة.
ونصوص الكتاب والسنة في إبطال هذا كثيرة جدا كقوله {قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم} فسلب النار طبيعتها وقوله {لنخرج به حبا ونباتا} وقوله {حتى إذا أقلت سحابا ثقالا} فأخبر أن الرياح تقل السحاب أي تحمله فجعل هذا الجماد فاعلا بطبعه وقال {اهتزت وربت} {وأنبتت} فجعلها فاعلة بطبعها وقوله {فأنبتنا فيها من كل زوج كريم} وهو الكثير المنفعة والزوج الصنف.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/413)
والأدلة في ذلك كثيرة يخبر فيها أنه يخلق بالأسباب والحكم وأخبر أنه قائم بالقسط وأنه لا يظلم الناس شيئا فلا يضع شيئا في غير موضعه ولا يسوي بين مختلفين ولا يفرق بين متماثلين كما قال {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم}؟ الآية وقال {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض} الآية وقال {أفنجعل المسلمين كالمجرمين} الآية وقال {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات} الآية وغيرها كثير.
مجموع الفتاوى (|193)
وقال ابن القيم رحمه الله: وقد أثنى على عباده المؤمنين حيث نزهوه عن إيجاد الخلق لا لشيء ولا لغاية فقال تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} [آل عمران:191]. وأخبر أن هذا ظن أعدائه لا ظن أوليائه فقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [ص:27]، وكيف يتوهم أنه عرفه من يقول أنه لم يخلق لحكمة مطلوبة له, ولا أمر لحكمة ولا نهى لحكمة, وإنما يصدر الخلق والأمر عن مشيئة وقدرة محضة لا لحكمة ولا لغاية مقصودة, وهل هذا إلا إنكار لحقيقة حمده بل الخلق والأمر إنما قام بالحكم والغايات فهما مظهران بحمده وحكمته؛ فإنكار الحكمة إنكار لحقيقة خلقه وأمره؛ فإن الذي أثبته المنكرون من ذلك ينزه عنه الرب ويتعالى عن نسبته إليه فإنهم أثبتوا خلقاً وأمراً لا رحمة فيه ولا مصلحة ولا حكمة، بل يجوز عندهم أو يقع أن يأمر بما لا مصلحة للمكلف فيه البتة وينهى عما فيه مصلحة والجميع بالنسبة إليه سواء، ويجوز عندهم أن يأمر بكل ما نهى عنه وينهى عن جميع ما أمر به, ولا فرق بين هذا وهذا إلا لمجرد الأمر والنهي, ويجوز عندهم أن يعذب من لم يعصه طرفة عين بل أفنى عمره في طاعته وشكره وذكره، وينعم على من لم يطعه طرفة عين بل أفنى عمره في الكفر به والشرك والظلم والفجور. فلا سبيل إلى أن يعرف خلاف ذلك منه إلا بخبر الرسول, وإلا فهو جائز عليه, وهذا من أقبح الظن وأسوأه بالرب سبحانه وتنزيهه عنه كتنزيهه عن الظلم والجور بل هذا هو عين الظلم الذي يتعالى الله عنه.
والعجب العجاب أن كثيراً من أرباب هذا المذهب ينزهونه عما وصف به نفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال، ويزعمون أن إثباتها تجسيم وتشبيه ولا ينزهونه عن هذا الظلم والجور, ويزعمون أنه عدل وحق وأن التوحيد عندهم لا يتم إلا به كما لا يتم إلا بإنكار استوائه على عرشه وعلوه فوق سماواته، وتكلمه وتكليمه، وصفات كماله فلا يتم التوحيد عند هذه الطائفة إلا بهذا النفي وذلك الإثبات والله ولي التوفيق.
"شفاء العليل" (2/ 588).
المسألة الرابعة والعشرون: إنكار الأسباب
قال ابن رشد: أما إنكار وجود الأسباب الفاعلة التي تشاهد في المحسوسات فقول سفسطائي: والمتكلم بذلك إما جاحد بلسانه لما في جنانه , وإما منقاد لشبهة سفسطائية عرضت له في ذلك. ومن ينفي ذلك فليس يقدر أن يقدر أن يعترف أن كل فعل لا بد له من فاعل وأما أن هذه الأسباب مكتفية بنفسها في الأفعال الصادرة عنها , أو إنما تتم أفعالها بسبب من خارج: إما مفارق , وإما غير مفارق فأمر ليس معروفاً بنفسه ,وهو مما يحتاج إلى بحث وفحص كثير.وإن ألفوا هذه الشبهة في الأسباب الفاعلة التي يحس أن بعضها يفعل بعضاً لموضع ما ههنا من المفعولات التي لا يحس فاعلها , فإن ذلك ليس بحق , فإن التي لا تحس أسبابها إنما صارت مجهولة ومطلوبة ,من أنها لا يحس لها أسباب.فإن كانت الأشياء التي لا تحس لها أسباب مجهولة بالطبع , ومطلوبة فما ليس بمجهول فأسبابه محسوسة ضرورة. وهذا من فعل من لا يفرق بين المعروف بنفسه والمجهول. فما أتى به في هذا الباب مغلطة سفسطائية. وأيضا , فماذا يقولون في الأسباب الذاتية التي لا يفهم الموجود إلا بفهمها , فإنه من المعروف بنفسه أن للأشياء ذوات وصفات , هي التي اقتضت الأفعال الخاصة بموجود موجود.وهي التي من قبلها اختلفت ذوات الأشياء وأسماؤها وحدودها. فلو لم يكن لموجود موجود فعل يخصه , لم يكن له طبيعة تخصه , ولو لم يكن له طبيعة تخصه , لما كان له اسم يخصه ولا حدّ. وكانت الأشياء كلها شيئاً واحداً، ولا شيئاً واحداً. لأن ذلك الواحد يسأل عنه: هل له فعل واحد يخصه؟ أو انفعال يخصه؟ أو ليس له ذلك؟ فإن كان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/414)
له فعل يخصه فهنا أفعال خاصة صادرة عن طبائع خاصة. وإن لم يكن له فعل يخصه واحد، فالواحد ليس بواحد. وإذا ارتفعت طبيعة الواحد ارتفعت طبيعة الموجود، وإذا ارتفعت طبيعة الموجود لزم العدم. وأما هل الأفعال الصادرة عن موجود ضرورية الفعل فيما شأنه أن يفعل فيه، أو هي أكثرية، أو فيها الأمران جميعاً، فمطلوب يستحق الفحص عنه. فإن الفعل والانفعال الواحد بين كل شيئين من الموجودات إنما يقع بإضافة ما من الإضافات التي لا تتناهى. فقد تكون إضافة تابعة لإضافة ولذلك لا يقطع على أن النار إذا دنت من جسم حساس فعلت. ولا بد لأنه لا يبعد أن يكون هنالك موجود يوجد له إلى الجسم الحساس إضافة تعوق تلك الإضافة الفاعلة للنار، مثل ما يقال في حجر الطلق وغيره. لكن هذا ليس يوجب سلب النار صفة الإحراق ما دام باقياً لها اسم النار وحدها. وأما أن الموجودات المحدثة لها أربعة أسباب: فاعل ومادة وصورة وغاية، فذلك شيء معروف بنفسه. وكذلك كونها ضرورية في وجود المسببات، وبخاصته التي هي جزء من الشيء المسبب، أعني: التي سموها قوم مادة، وقوم شرطاً ومحلاً، والتي يسميها قوم صورة، وقوم صفة نفسية. والمتكلمون يعترفون بأن ههنا شروطاً هي ضرورية في حق المشروط، مثل ما يقولون: إن الحياة شرط في العلم. وكذلك يعترفون بأن للأشياء حقائق وحدود، وأنها ضرورية في وجود الموجود. ولذلك يطردون الحكم في ذلك الشاهد والغائب على مثال واحد. وكذلك يفعلون في اللواحق اللازمة لجوهر الشيء، وهو الذي يسمونه الدليل، مثل ما يقولون: إن الإتقان في الموجود يدل على كون الفاعل عاقلاً، وكون الموجود مقصوداً به غاية ما، يد على أن الفاعل له عالم ب والعقل ليس هو شيء أكثر من إدراكه الموجودات بأسبابها، وبه يفترق من سائر القوى المدركة. فمن رفع الأسباب فقد رفع العقل. وصناعة المنطق تضع وضعاً أن ههنا أسباباً ومسببات، وأن المعرفة بتلك المسببات لا تكون على التمام إلا بمعرفة أسبابها. فرفع هذه الأشياء هو مبطل للعلم ورفع له. فإنه يلزم ألا يكون ههنا شيء معلوم أصلاً علماً حقيقياً، بل إن كان فمظنون، ولا يكون ههنا برهان ولا حد أصلاً، وترتفع أصناف المحمولات الذاتية التي منها تأتلف البراهين؛ ومن يضع أنه ولا علم واحد ضروري، يلزمه ألا يكون قوله هذا ضرورياً. وأما من يسلم أن ههنا أشياء بهذه الصفة، وأشياء ليست ضرورية وتحكم النفس عليها حكماً ظنياً، وتوهم أنها ضرورية وليست ضرورية، فلا ينكر الفلاسفة ذلك. فإن سموا مثل هذا عادة جاز، وإلا فما أدرى ما يريدون باسم العادة؟ هل يريدون أنها عادة الفاعل، أو عادة الموجودات، أو عادتنا عند الحكم على هذه الموجودات، ومحال أن يكون لله تعالى عادة، فإن العادة ملكة يكتسبها الفاعل، توجب تكرر الفعل منه على الأكثر، والله عز وجل يقول: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْديلاً (62)} {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (43)}. وإن أرادوا أنه عادة للموجودات، فالعادة لا تكون إلا لذي نفس. وإن كانت في غير ذي نفس، فهي في الحقيقة طبيعة، وهذا غير ممكن، أعني: أن يكون للموجودات طبيعة تقتضي الشيء إما ضرورياً، وإما أكثرياً. وإما أن تكون عادة لنا في الحكم على الموجودات. فإن هذه العادة ليست شيئاً أكثر من فعل العقل الذي يقتضيه طبع، وبه صار العقل عقلاً. وليس تنكر الفلاسفة مثل هذه العادة، فهو لفظ مموه إذا حقق لم يكن تحته معنى، إلا أنه فعل وضعي، مثل ما نقول: جرت عادة فلان أن يفعل كذا وكذا، يريد: أنه يفعله في الأكثر. وإن كان هذا هكذا، كانت الموجودات كلها وضعية، ولم يكن هنالك حكمة أصلاً من قبلها ينسب إلى الفاعل أنه حكيم. فكما قلنا: لا ينبغي أن يشك في أن هذه الموجودات قد تفعل بعضها بعضاً ومن بعض، وأنها ليست مكتفية بأنفسها في هذا الفعل، بل بفاعل من خارج فعله شرط في فعلها، بل في وجودها فضلاً عن فعلها.
تهافت التهافت (333 - 335)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/415)
وقال ابن رشد: وقولهم: إن الله أجرى العادة بهذه الأسباب وأنه ليس تأثير في المسببات بإذنه، قول بعيد جداً عن مقتضى الحكمة، بل هو مبطل لها. لأن المسببات إن كان يمكن أن توجد من غير هذه الأسباب على حد ما يمكن أن توجد بهذه الأسباب فأي حكمة في وجودها عن هذه الأسباب؟! وذلك أن وجود المسببات عن الأسباب، عن الأسباب، لا يخلو من ثلاثة أو جه:
إما أن يكون وجود الأسباب لمكان المسببات من الاضطرار، مثل كون الإنسان متغذياً.
وأما أن يكون من أجل الأفضل، أعني لتكون المسببات بذلك أفضل وأتم، مثل كون الإنسان له عينان.
وإما أن يكون ذلك لا من جهة الأفضل من الاضطرار، فيكون وجود المسببات عن الأسباب بالاتفاق وبغير قصد، فلا تكون هنالك حكمة أصلا، ولا تدل على صانع أصلا، بل إنما تدل على الاتفاق.
وذلك أنه إن كان مثلاً، ليس شكل يد الإنسان ولا عدد أصابعها ولا مقدارها ضرورياً، ولا من جهة الأفضل، في الإمساك الذي هو فعلها، وفي احتوائها على جميع الأشياء المختلفة الشكل، وموافقتها لإمساك آلات الصانع، فوجود أفعال اليد عن شكلها وعدد أجزائها ومقدارها، وهو بالاتفاق. ولو كان ذلك كذلك لكان لا فرق بين أن يخص الإنسان باليد أو بالحافز، أو بغير ذلك مما يخص حيواناً حيواناً من الشكل الموافق لفعله.
وبالجملة متى رفعنا الأسباب والمسببات لم يكن ها هنا شيء يرد به على القائلين بالاتفاق. أعني الذين يقولون لا صانع ها هنا، وأن جميع ما حدث في هذا العالم إنما هو عن الأسباب المادية، لأن أحد الجائزين هو أحق أن يقع عن الاتفاق منه أن يقع عن فاعل مختار.
وذلك أنه إذا قال الأشعري إن وجود أحد الجائزين أو الجائزات هو دال علة أن هاهنا مخصصاً فاعلاً، كان لؤلئك أن يقولوا إن وجود الموجودات على أحد الجائزين أو الجائزات هو عن الاتفاق؛ إذ الإدارة إنما تفعل لمكان سبب من الأسباب. والذي يكون لغير عله ولا سبب هو عن الاتفاق؛ إذا كنا نرى أشياء كثيرة تحدث بهذه الصفة، مثل ما يعرض للأسطقسات أن تمزح امتزاجا ما بالاتفاق، فيحدث عن ذلك الامتزاج بالاتفاق موجود ما. ثم تمزح أيضاً امتواجاً آخر فيحدث بالاتفاق، عن ذلك الامتزاح بالاتفاق، موجود آخر، فتكون على هذا جميع الموجودات حادثه عن الاتفاق.
وأما نحن، فلما كنا نقول إنه واجب أن يكون ها هنا ترتيب ونظام، لا يمكن أن يوجد أتقن منه ولا أتم منه وأن الامتزاجات محدودة مقدرة، والموجودات الحادثة عنها واجبة، وأن هذه دائماً لا يخل، لم يمكن أن يوجد ذلك عن الاتفاق؛ لأن ما يوجد عن الاتفاق هو أقل ضرورة وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} [النمل: 88]. وأي إتقان يكون – ليت شعري – في الموجودات إن كانت على الجواز.لأن الجائز ليس هو أولى بالشيء من ضده. وإلى هذا الإشارة بقوله: {ماترى في خلق الرحمن من تفوت فارجع البصر هل ترى من فطور} [المالك: 3] وأي تفاوت أعظم من أن تكون الأشياء كلها يمكن أن توجد على صفة أخرى فوجدت على هذه، ولعل تلك الصفة المعدومة أفضل من الموجودة!؟
فمن زعم مثلاً أن الحركة الشرقية، لو كانت غريبة، والغربية شرقية، لم يكن في ذلك فرث في صنعة العالم، فقد أبطل الحكمة. وهو كمن زعم أنه لو كان اليمين من الحيوان شمالاً والشمال يميناً لم يكن في ذلك فرق في صنعة الحيوان. فإن أحد الجائزين، كما يمكن أن يقال فيه إنما وجد على أحد الجائزين من فاعل مختار، كذلك ممكن أن يقال إنه إنما وجد عن فاعلة على أحد الجائزين بالاتفاق: إذا كنا نرى كثيراً من الجائزات توجد على احد الجائزين عن فاعليها بالاتفاق.
وأنت تتبين أن الناس بأجمعهم يرون أن المصنوعات الخسيسة هي التي يرى الناس فيها أن كان يمكن أن تكون على غير ما صنعت عليه، حتى إنه ربما أدت الخساسة الواقعة في كثيرة من المصنوعات التي بهذه الصفة أن يظن انها حدث عن الاتفاق، وأنهم يرون أن المصنوعات الشريفة هي التي يرون فيها أنه ليس يمكن أن تكون على هيئة أتم وأفضل من الهيئة التي جعلها عليها صانعها. فإذن، هذا الرأي من آراء المتكلمين هو مضاد للشريعة والحكمة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/416)
ومعنى ما قلناه، من أن القول بالجواز أن يدل على نفي الصانع من أن يدل على وجود، مع أنه ينفي الحكمة عنه، هو أنه متى لم يعقل أن هاهنا أوساطا بين المبادئ والغايات في المصنوعات، ترتب عليها وجود الغايات، لم بكن ها هنا نظام ولا ترتيب. وإذا لم يكن ها هنا نظام ولا ترتيب، لم يكن ها هنا دلالة على أن لهذه الموجودات فاعلاً مريداً عالماً. لأن الترتيب والنظام وبناء المسببات على الأسباب هو الذي يدل على أنها صدرت عن علم وحكمة. وأما وجود الجائز على أحد الجائزين، فيمكن أن يكون عن فاعل غير حكيم عن الاتفاق عنه، نثل أن يقع حجر على الأرض عن الثقل الذي فيه، فيسقط على جهة منه دون جهة، أو على موضع دون موضع، أو على وضع دون وضع. فإذن: هذا القول يلزم عنه ضرورة: إما إبطال وجود الفاعل على الإطلاق، وإما إبطال وجود فاعل حكيم عالم، تعالى الله وتقدست أسماؤه عن ذلك.
وأما الذي قاد المتكلمين من الأشعرية إلى هذا القول [فهو] الهروب من القول بفعل القوي الطبيعية التي ركبها الله تعالى في الموجودات التي ها هنا، كما ركب فيها النفوس وغير ذلك من الأسباب المؤثرة، فهربوا من القول بالأسباب لئلا يدخل عليهم القول بأن ها هنا أسباباً فاعلة غير الله. وهيهات! لا فاعل ها هنا إلا الله: إذ كان مخترع الأسباب مؤثرة، هو بإذنه وحفظه لوجودها. وسنبين هذا المعنى بياناً أكثر في مسألة القضاء والقدر.
وأيضاً فإنهم خافوا أن يدخل عليهم، من القول الأسباب الطبيعية، أن يكون العالم صادراً عن سبب طبيعي. ولو علموا أن الطبيعة مصنوعة، وأنه لا شيء أدل على الصانع من وجود موجود بهذه الصفة في الأحكام، لعلموا أن القائل بنفي الطبيعة قد أسقط جزءاً عظيماً من موجودات الاستدلال على وجود الصانع العالم، بجحده جزءاً من موجودات الله. ذلك أن من جحد جنساً من المخلوقات الموجودة، فقد جحد فعلاً من أفعال الخالق سبحانه. ويقرب هذا ممن جحد صفة من صفاته.
وبالجملة، فلما كان نظر هؤلاء القوم مأخوذا من بأدىء الرأي، وهي الظنون التي تخطر للإنسان من أول نظرة، وكان يظهر في بادئ الرأي أن اسم الإرادة إنما يطلق على من يقدر أن يفعل الشيء وضده، رأوا أنهم إن لم يضعوا أن الموجودات جائزة، لم يقدروا أن يقولوا بوجود فاعل مريد. فقالوا: إن الموجودات كلها جائزة، ليثبتوا من ذلك أن المبدأ الفاعل مريد. كأنهم لم يروا الترتيب الذي في الأمور الصناعية ضرورياً، وهو مع ذلك صادر عن فاعل مريد، وهو الصانع.
وهؤلاء القوم غفلوا عما يدخل عليهم من هذا القول من نفي الحكمة عن الصانع، أو دخول السبب الاتفاقي في الموجودات: فإن الأِشياء التي تفعلها الإرادة، لا لمكان شيء من الأشياء، أعني [لا] لمكان غاية من الغايات، هي عبث ومنسوبة إلى الاتفاق. ولو علموا كما قلنا، أنه يجب من جهة النظام الموجود في أفعال الطبيعة أن تكون موجودة عن صانع عالم، وإلا كان النظام فيها بالاتفاق، لما احتاجوا أن ينكروا أفعال الطبيعة، فينكروا جنداً من جند الله تعالى التي سخرها الله تعالى لإيجاد كثير من موجوداته بإذنه ولحفظها.
الكشف عن مناهج الأدلة (90 - 93)
المسألة الخامسة والعشرون: إنكارهم لطبائع الأشياء
وقال ابن رشد: هذه مزلة ممن ينسب إلى العلم أن العلم يأتي بمثل هذا التشبيه الباطل والعلة الكاذبة في كون النفوس مستشنعة لقسمة الفعل إلى الطبع وإلى الإرادة. فإن أحداً لا يقول نظر بعينه وبغير عينه , وهو يعتقد أن هذا قسمة للنظر , وإنما يقول نظر بعينه تقريراً للنظر الحقيقي , وتبعيداً له من أن يفهم من النظر المجازي. ولذلك قد يرى العقل أنه إذا فهم من رآه أنه المعنى الحقيقي من أول الأمر , أن تقييده النظر بالعين قريب من أن يكون هدراً. وأما إذا قال: فعل بطبعه وفعل باختياره , فلا يختلف أحد من العقلاء أن هذه قسمة للفعل. ولو كان قوله فعل بإراداته مثل قوله نظر بعينه لكان قوله فعل بطبعه مجازاً. والفاعل بالطبع أثبت فعلاً في المشهور من الفاعل بالإرادة , لأن الفاعل بالطبع لا يخل بفعله , وهو يفعل دائماً والفاعل بالإرادة ليس كذلك , ولذلك لخصومهم أن يعكسوا عليه عليهم فيقولوا: بل قوله فعل بطبعه هو مثل قوله نظر بعينه , وقوله فعل بإرادته مجاز, سيما على مذهب الأشعرية الذي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/417)
يرون أن الأنسان ليس له اكتساب , ولا له فعل مؤثر في الموجودات. فإن كان الفاعل الذي في الشاهد هكذا , فمن أين ليت شعري قيل: إن رسم الفاعل الحقيقي في الغائب هو أن يكون عن علم وإرادة.
تهافت التهافت (130)
وقال ابن رشد: ونحن نقول: إنه لولا القوى التي في أجسام الحيوان والنبات والقوى السارية في ها العالم مكن حركات الأجرام السماوية لما أمكن أن تبقى أصلا، ولا طرفة عين. فسبحان اللطيف الخبير. وقد نبه الله تعالى على ذلك في غير ما آية من كتابه، فقال تعالى: {وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر} [النحل: 12]. وقوله تعالى: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيمة} [القصص: 71]. وقوله تعالى {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله} [القصص: 73] وقوله تعالى: {وسخر لكم مافي السموت ومافي الأرض جمعيا منه} [الجاثية: 13]. وقوله: {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار} [إبراهيم: 33]. إلى غير ذلك من الآيات التي في هذا المعنى. ولو لم يكن لهذه تأثير فيما ها هنا لما كان في وجودها حكمة امتن بها علينا. ولا جعلت من النعم التي يخصنا شكرها.
وأما الجواب الثاني: فإنا نقول: إن الموجودات الحادثة، منها ما هي جواهر وأعيان، ومنها ما هي حركات وسخونة وبرودة وبالجملة أعراض. فأما الجواهر والأعيان فليس يكون اختراعها إلا عن الخالق سبحانه. وما يقترن بها من الأسباب فإنما يؤثر في أعراض تلك الأعيان لا في جواهرها. مثال ذلك أن المني إنما يفيد من المرأة أو دم الطمث حرارة فقط، وأما خلقة الجنين ونفسه التي هي الحياة فإنما المعطي لها الله تبارك وتعالى. كذلك الفلاح إنما يفعل في الأرض تخميراً وإصلاحاً ويبذر فيها الحب. وأما المعطي لخلقة السنبلة فهو الله تبارك وتعالى.
فإذن: على هذا لا خالق إلا الله تعالى: إذ كانت المخلوقات في الحقيقة هي الجواهر. وإلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب} [الحج: 73]. وهذا هو الذي رام أن يغالط فيه الكافر إبراهيم عليه السلام حين قال: {أنا أحي وأميت} [البقرة: 258]. فلما رأى إبراهيم عليه السلام أنه لا يفهم هذا المعنى انتقل معه إلى دليل قطعة به فقال {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب} [البقرة 258].
وبالجملة فإذا فهم الأمر هكذا في الفاعل والخالق، لم يعرض من ذلك تعارض لا في السمع ولا في العقل. ولذلك ما نرى أن اسم الخالق أخص بالله تعالى من اسم الفاعل، لأن اسم الخالق لا يشركه فيه المخلوق، لا باستعارة قريبة ولا بعيدة: إذ كان معنى الخالق هو المخترع للجواهر. ولذلك قال تعالى: {والله خلقكم وما تعلمون} [الصافات: 96].
وينبغي أن تعلم أن من جحد كون الأسباب مؤثرة بإذن الله في مسبباتها، أنه قد أبطل الحكمة وأبطل العلم. وذلك أن العلم هو معرفة الأشياء بأسبابها، والحكمة هي المعرفة بالأسباب الغائية. والقول بإنكار الأسباب جملة قول غريب جداً عن طباع الناس. والقول بنفي الأسباب في الشاهد ليس له سبيل إلى إثبات سبب فاعل في الغائب، لأن الحكم على الغائب من ذلك إنما يكون من قبل الحكم بالشاهد. فهؤلاء لا سبيل لهم إلى معرفة الله تعالى، إذ يلزمهم ألا يعترفوا بأن كل فعل له فاعل.
وإذا كان هذا هكذا، فليس يمكن، من إجماع المسلمين على أنه لا فاعل إلا الله سبحانه، أن يفهم نفي وجود الفاعل بتة في الشاهد، إذ من وجود الفاعل في الشاهد استدللنا على وجود الفاعل في الغائب. لكن لما تقرر عندنا الغائب تبين لنا من قبل المعرفة بذاته أن كل ما سواه فليس فاعلا إلا بإذنه وعن مشيئته.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/418)
فقد تبين من هذا على أي وجه يوجد لنا اكتساب. وأن من قال بأحد الطرفين من هذه المسألة فهو مخطئ، كالمعتزلة والجبرية وأما المتوسط الذي تروم الأشعرية أن تكون هي صاحبة الحق بوجوده، فليس له وجود أصلا. إذ لا يجعلون للإنسان من اسم الاكتساب إلا الفرق الذي يدركه الإنسان بين حركة يده عن الرعشة وتحريك يده باختياره. فإنه لا معنى لاعترافهم بهذا الفرق إذا قالوا: إن الحركتين ليستا من قبلنا، لأنه إذا لم تكونا من قبلنا، فليس لنا قدرة على الامتناع منهما، فنحن مضطرون. فقد استوت حركة الرعشة والحركة التي يسمونها كسبية في المعنى. ولم يكن هنالك فرق إلا في اللفظ فقط والاختلاف في اللفظ ليس يوجب حكما في الذوات. وهذا كله بين بنفسه.
الكشف عن مناهج الأدلة (113 - 115)
المسألة السادسة والعشرون: كسب الأشعري
قال ابن رشد: وأما الأشعرية فإنهم راموا أن يأتوا بقول وسط بين القولين، فقالوا: إن للإنسان كسباً وإن المكتسب به والمكسب مخلوقان لله تعالى. وهذا لا معنى له. فإنه إذا كان الاكتساب والمكتسب ومخلوقان لله سبحانه، فعبد ولا بد مجبور على اكتسابه. فهذا هو أحد أسباب الاختلاق في هذه المسألة.
وللاختلاف كما قلنا سبب آخر سوى السمع، وهو تعارض الأدلة العقلية في هذه المسألة. وذلك أنه إذا فرضنا أن الإنسان موجد لأفعاله وخالق لها، وجب أن يكون هاهنا أفعال ليس تجري على مشيئة الله تعالى ولا اختياره، فيكون ها هنا خالق غير الله. قالوا وقد أجمع المسلمون على أنه لاخالق إلا الله سبحانه. وإن فرضناه أيضاً غير مكتسب لأفعاله وجب أن يكون مجبوراً عليها , فإنه لا وسط بين الجبر والاكتساب. وإذا كان الإنسان مجبوراًَ على أفعاله فالتكليف هو من باب ما لا يطاق. وإذا كلف الإنسان ما لا يطيق لم يكن فرق بين تكليفه وتكليف الجماد، لأن الجماد ليس له استطاعة. وكذلك الإنسان ليس له فيما لا يطيق استطاعة. ولهذا صار الجمهور إلى أن الاستطاعة شرط من شروط التكليف كالعقل سواء.
ولهذا نجد أبا المعالى قد قال في ((النظامية)): إن للإنسان اكتساباً لأفعاله واستطاعة على الفعل. وبناه على امتناع تكليف ما لا يطاق لكن من غير الجهة التي منعته المعتزلة. وأما قدماء الأشعرية فجوزوا تكليف ما لا يطاق هربا من الأصل الذي من قبله نفته المعتزلة، وهو كونه قبيحاً في العقل. وخالفهم المتأخرون منهم.
وأيضاً فإنه إذا لم يكن للإنسان اكتساب كان الأمر بالأهبة لما يتوقع من الشرور لا معنى له. وكذلك الأمر باجتلاب الخيرات. فتبطل أيضاً الصنائع كلها التي مقصود منها أن تجتلب، كصناعة الفلاحة وغير ذلك من الصنائع التي يطلب بها المنافع. وكذلك تبطل جميع الصنائع التي يقصد بها الحفظ ودفع المضار كصناعة الحرب والملاحة والطب وغير ذلك. وهذا كله خارج عما يعقله الإنسان. فإن قيل: فإذا كان الأمر هكذا فكيف يجمع بين هذا التعارض الذي يوجد في المسموع نفسه وفي المعقول نفسه؟
قلنا: الظاهر من مقصد الشرع ليس هو تفريق هذين الاعتقادين. وإنما قصده الجمع بينهما على التوسط الذي هو الحق في هذه المسألة. وذلك أنه يظهر أن الله تبارك وتعالى قد خلق لنا قوى نقدر بها أن نكتسب أشياء هي أضداد. لكن لما كان الاكتساب لتلك الأشياء ليس يتم لنا إلا بمواتاة الأسباب التي سخرها الله لنا من خارج، وزوال العوائق عنها، كانت الأفعال المنسوبة إلينا تتم بالأمرين جمعياً. وإذا كان ذلك كذلك فالأفعال المنسوبة إلينا أيضاً إنما يتم فعلها بإرادتنا وموافقة الأفعال التي من خارج لها، وهي المعبر عنها بقدر الله. وهذه الأسباب التي سخرها الله من خارج ليست هي متممة للأفعال التي نروم فعلها أو عائقة عنها فقط، بل وهي السبب في أن نريد أحد المتقابلين. فإن الإرادة إنما هي شوق يحدث لنا عن تخيل ما، أو تصديق بشيء. وهذا التصديق ليس هو لاختيارنا، بل هو شيء يعرض لنا عن الأمور التي من خارج،مثال ذلك أنه إذا ورد علينا أمر مشتهى من خارج اشتهيناه بالضرورة من غير اختيار، فتحركنا إليه. وكذلك إذا طرأ علينا أمر مهروب عنه من خارج كرهناه بالضرورة، فهربنا منه. وإذا كان هكذا فإرادتنا محفوظة بالأمور التي من خارج ومربوطة بها. وإلى هذا الإشارة بقولة تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/419)
من أمر الله} [الرعد: 11].
ولما كانت الأسباب التي من خارج تجري على نظام محدود وترتيب منضود، لا تخل في ذلك، بحسب ماقدرها بارئها عليه، وكانت إرادتنا وأفعالنا لا تتم ولا توجد بالجملة إلا بموافقة الأسباب التي من خارج، فواجب أن تكون أفعالنا تجري على نظام محدود. أعني: أنها توجد في أوقات محدودة ومقدار محدود.
وإنما كان ذلك واجباً، لأن أفعالنا تكون مسببة عن تلك الأسباب التي من خارج. وكل مسبب يكون عن أسباب محدودة مقدرة، فهو ضرورة محدود مقدار. وليس يلفى هذا الارتباط بين أفعالنا والأسباب التي من خارج فقط , بل وبينها وبين الأسباب التي خلقها الله تعالى في داخل أبداننا.
والنظام المحدود الذي في الأسباب الداخلة والخارجية، أعني التي لا تخل، هو القضاء والقدر الذي كتبه الله تعالى على عباده. وهو اللوح المحفوظ. وعلم الله تعالى بهذه الأسباب. وبما يلزم عنها هة العلة في وجود هذه الأسباب. ولذلك كانت هذه الأسباب لا يحيط بمعرفتها إلا الله وحده. ولذلك كان هو العالم بالغيب وحده على الحقيقة، كما قال تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} [النمل:65]. وإنما كانت معرفة الأسباب هو العلم بالغيب لأن الغيب هو معرفة وجود الموجود في المستقبل، أولا وجوده.
ولما كان ترتيب الأسباب ونظامها هو الذي يقتضي وجود الشيء في وقت ما، أو عدمه في ذلك الوقت، وجب أن يكون العلم بأسباب شيء ما هو العلم بوجود ذلك الشيء، أو عدمه في وقت ما. والعلم بالأسباب على الإطلاق هو العلم بما يوجد منها أو ما يعدم في وقت من جميع الزمان. فسبحان من أحاط اختراعاً وعلماً بجميع أسباب جميع أسباب جميع الموجودات. وهذه هي مفاتح الغيب المعنية في قوله تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} [الأنعام: 59].
وإذا كان هذا كله كما وصفنا، فقد تبين لك كيف لنا اكتساب، وكيف جميع مكتسباتنا بقضاء وبقدر سابق. وهذا الجمع هو الذي قصده الشرع بتلك الآيات العامة والأحاديث، التي يظن بها التعارض، وهي إذ خصصت عموماتها بهذا المعنى انتفى عنها التعارض. وبهذا أيضاً تنحل جميع الشكوك التي قيلت في ذلك. أعني: الحجج المتعارضة العقلية، أعني: أن كون الأشياء الموجودة عن إرادتنا يتم وجودها بالأمرين جميعاً، أعني: بإرادتنا وبالأسباب التي من خارج. فإذا نسبت الأفعال إلى واحد من هذين على الإطلاق لحقت الشكوك المتقدمة.
فإن قيل: هذا جواب حسن، يوافق الشرع فيه العقل. ولكن هذا القول هو مبني على أن ها هنا أسباباً فاعلة لمسببات مفعولة، والمسلمون قد اتفقوا على أن لا فاعل إلا الله؟
قلنا: ما اتفقوا عليه صحيح. ولكن على هذا جوابان.
أحدهما: أن الذي يمكن أن يفهم من هذا القول هو أحد أمرين: إما أنه لا فاعل إلا الله تبارك وتعالى وأن ما سواه من الأسباب التي يسخرها ليست تسمى فاعلة إلا مجازاً، إذ كان وجودها إنما هو به، وهو الذي صيرها موجودة أسباباً، بل هو الذي يحفظ وجودها في كونها فاعلة، ويحفظ مفعولاتها بعد فعلها ويخترع جواهرها عند اقتران الأسباب بها. وكذلك يحفظها هو في نفسها. ولولا الحفظ الإلهي لها لما وجدت زماناً مشاراً إليه، أعني: لما وجدت في أقل زمان يمكن أن يدرك أنه زمان.
وأبو حامد يقول إن مثال من يشرك سبباً من الأسباب مع الله تعالى في اسم الفاعل والفعل مثال من يشرك في فعل الكتابة القلم مع الكاتب، أعني أن يقول: إن القلم كاتب، وأن الإنسان كاتب. أي كما اسم الكتابة مقول باشتراك الاسم عليهما، أعني أنهما معنيان لا يشتركان إلا في اللفظ فقط، وهما في أنفسهما في غاية التباين، وكذلك الأمر في اسم الفاعل إذا أطلق على الله تبارك وتعالى وإذا أطلق على سائر الأسباب.
ونحن نقول: إن في هذا التمثيل تسامحاً. وإنما كان يكون التمثيل بينا لو كان الكاتب هو المخترع لجوهر القلم، والحافظ له ما دام قلماً، ثم الحافظ للكتابة بعد الكتب، والمخترع لها عند اقتران القلم به، وعلى ما سنبينه بعد من أن الله تعالى هو المخترع لجواهر جميع الأشياء التي تقترن بها أسبابها، التي جرت العادة أن يقال إنها أسباب لها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/420)
فهذا الوجه المفهوم من أنه لا فاعل إلا الله هو مفهوم يشهد له الحس والعقل والشرع. أما الحس والعقل فإنه يرى أن ها هنا أشياء تتولد عنها أشياء، وأن النظام الجاري في الموجودات إنما هو من قبل أمرين: أحدهما: ماركب الله فيها من الطبائع والنفوس. الثاني: من قبل ما أحاط بها من الموجودات من خارج.
وأشهر هذه هي حركات الأجرام السماوية، فإنه يظهر أن الليل و النهار والشمس والقمر وسائر النجوم مسخرات لنا. وأنه لمكان النظام والترتيب الذي جعله الخالق في حركاتها، كان وجودنا ووجود ما ها هنا محفوظا بها، حتى إنه لو توهم ارتفاع واحد منها، أو توهم في غير موضعه، أو على غير قدره، أو في غير السرعة التي جعل الله فيه، لبطلت الموجودات التي عل وجه الأرض وذلك بحسب ما جعل الله في طباعها من ذلك وجعل في طباع ما ها هنا أن تتأثر عن ذلك. وذلك ظاهر جداً في الشمس والقمر، أعني تأثيرهما فيما ها هنا، وذلك بين في المياه والرياح والأمطار والبحار، وبالجملة في الأجسام المحسوسة. وأكثر ما يظهر ضرورة وجودها في حياة النبات وفي الكثير من الحيوان بل في جميع الحيوان بأسره.
وأيضاً فإنه يظهر أنه لولا القوى التي جعلها الله تعالى في أجسامنا من التغذي والإحساس لبطلت أجسامنا. كما نجد جالينوس وسائر الحكماء يعترفون بذلك، ويقولون: لولا القوى التي جعلها الله في أجسام الحيوان مدبره لها لما أمكن في أجسام الحيوان أن تبقى ساعة واحدة بعد إيجادها.
الكشف عن مناهج الأدلة (109 - 113)
المسألة السابعة والعشرون: في القضاء والقدر
قال ابن رشد: وهذه المسألة من أعوص المسائل الشرعية. وذلك أنه إذا تأملت دلائل السمع في ذلك وجدت متعارضة. وكذلك حجج العقول.
أما تعارض أدلة السمع في ذلك فموجود في الكتاب والسنة. أما في الكتاب فإنه تلفى فيه آيات كثيرة تدل بعمومها على أن كل شيء بقدر، وأن الإنسان مجبور على أفعاله. وتلفى فيه أيضا آيات كثيرة تدل على أن للإنسان اكتساباً بفعله، وأنه ليس مجبوراً على أفعاله.
أما الآيات التي تدل على أن الأمور كلها ضرورية، وأنه قد سبق القدر، فمنه قوله تعالى: {إنا كل شي خلقناه بقدر} [القمر:49]. وقوله: {وكل شيء عنده بمقدار} [الرعد: 8]. وقوله: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} [الحديد: 22] إلى غير ذلك من الآيات التي تتضمن هذا المعنى.
وأما الآيات التي تدل أن اللإنسان اكتساباً، وعلى أن الأمور في أنفسها ممكنة لا واجبة، فمثل قوله تعالى: {أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير}. وقوله تعالى: {فبما كسبت أيديكم}
[الشورى:30] وقوله تعالى: {والذين كسبوا السيئات} [يونس:27]. وقوله: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [البقرة: 286]. وقوله تعالى: {وأما ثمود فهدينهم فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت: 17].
وربما ظهر في الآية الواحدة التعارض في هذا المعنى، مثل قوله تعالى: {أو لما أصبتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} [آل عمران: 165]. ثم قال في هذه النازلة بعينها: {وما أصبكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله} [آل عمران: 166] ومثل ذلك قوله تعالى: {قل كل من عند الله} [النساء: 78].
وكذلك تلفى الأحاديث في هذا أيضا متعارضة. مثل قوله عليه السلام: ((كل مولود يولد الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه)). مثل قوله عليه السلام: ((خلقت هؤلاء للجنة وبأعمال أهل الجنة يعلمون، وخلقت هؤلاء للنار، وبأعمال أهل النار يعلمون)) فإن الحديث الأول يدل على أن سبب الكفر إنما هو المنشأ عليه، وأن الإيمان سببه جبلة الإنسان. والثاني يدل على أن المعصية والكفر هما مخلوقان لله، وأن العبد مجبور عليهما. ولذلك افترق المسلمون في هذا المعنى إلى فرقتين: فرقة اعتقدت أن اكتساب الإنسان هو سبب المعصية والحسنة، وأن لمكان هذا ترتب عليه العقاب والثواب، وهم المعتزلة. وفرقة اعتقدت نقيض هذا، وهو أن الإنسان مجبور على أفعاله ومقهور، وهم الجبرية.
الكشف عن مناهج الأدلة (107 - 109)
ومعلوم أن الأشاعرة في باب القدر جبرية , وهم في مقابل المعتزلة القدرية , وهدى الله أهل السنة للقول الوسط بين الإفراط والتفريط.
المسألة الثامنة والعشرون: الجور والعدل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/421)
قال ابن رشد: وقد ذهبت الأشعرية في العدل والجور في حق الله سبحانه إلى رأي غريب جدا في العقل والشرع. أعني: أنها صرحت من ذلك بمعنى لم يصرح به الشرع، بل صرح بضده. وذلك أنهم قالوا:إن الغائب في هذا بخلاف الشاهد. وذلك أن الشاهد، زعموا، إنما اتصف بالعدل والجور، لمكان الحجر الذي عليه في أفعاله من الشريعة. فمتى فعل الإنسان شيئاً هو عدل بالشرع، كان عدلاً. ومن فعل ما وضع الشرع أنه جور فهو جائر. قالوا: وأما من ليس مكلفاً ولا داخلاً تحت حجر الشرع، فليس يوجد في حقه فعل هو جور أو عدل، بل كل أفعاله عدل. والتزموا أنه ليس ها هنا شيء هو في نفسه عدل، ولا شيء هو في نفسه جور.
وهذا في غاية الشناعة، لأنه ليس يكون ها هنا شيء هو في نفسه خير ولا شيء هو في نفسه شر. فإن العدل معروف بنفسه أنه خير وأن الجور شر، فيكون الشرك بالله ليس في نفسه جوراً ولا ظلماً، إلا من جهة الشرع. وأنه لو ورد الشرع بوجوب اعتقاد الشريك له لكان عدلاً. وكذلك لو ورد بمعصيته لكان عدلا. وهذا خلاف المسموع والمعقول.
وأما المسموع فإن الله اقد وصف نفسه في كتابه بالقسط، ونفى عن نفسه الظلم. فقال تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط} [آل عمران: 18]. وقال تعالى: {وما ربك بظلام للعبيد} [آل عمران: 182] وقال: {إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون} [يونس: 44].
الكشف عن مناهج الأدلة (115 - 116)
وهي مسألة التحسين والتقبيح العقلي , فلم يوجبوا حسنا ولا قبحا بالعقل وكان من لازم ذلك أنهم جوزوا على الله تعالى أن يعذب المطيع وأن يثيب العاصي.
قال ابن القيم رحمه الله: وقد أثنى على عباده المؤمنين حيث نزهوه عن إيجاد الخلق لا لشيء ولا لغاية فقال تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} [آل عمران:191]. وأخبر أن هذا ظن أعدائه لا ظن أوليائه فقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [ص:27]، وكيف يتوهم أنه عرفه من يقول أنه لم يخلق لحكمة مطلوبة له, ولا أمر لحكمة ولا نهى لحكمة, وإنما يصدر الخلق والأمر عن مشيئة وقدرة محضة لا لحكمة ولا لغاية مقصودة, وهل هذا إلا إنكار لحقيقة حمده بل الخلق والأمر إنما قام بالحكم والغايات فهما مظهران بحمده وحكمته؛ فإنكار الحكمة إنكار لحقيقة خلقه وأمره؛ فإن الذي أثبته المنكرون من ذلك ينزه عنه الرب ويتعالى عن نسبته إليه فإنهم أثبتوا خلقاً وأمراً لا رحمة فيه ولا مصلحة ولا حكمة، بل يجوز عندهم أو يقع أن يأمر بما لا مصلحة للمكلف فيه البتة وينهى عما فيه مصلحة والجميع بالنسبة إليه سواء، ويجوز عندهم أن يأمر بكل ما نهى عنه وينهى عن جميع ما أمر به, ولا فرق بين هذا وهذا إلا لمجرد الأمر والنهي, ويجوز عندهم أن يعذب من لم يعصه طرفة عين بل أفنى عمره في طاعته وشكره وذكره، وينعم على من لم يطعه طرفة عين بل أفنى عمره في الكفر به والشرك والظلم والفجور. فلا سبيل إلى أن يعرف خلاف ذلك منه إلا بخبر الرسول, وإلا فهو جائز عليه, وهذا من أقبح الظن وأسوأه بالرب سبحانه وتنزيهه عنه كتنزيهه عن الظلم والجور بل هذا هو عين الظلم الذي يتعالى الله عنه.
والعجب العجاب أن كثيراً من أرباب هذا المذهب ينزهونه عما وصف به نفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال، ويزعمون أن إثباتها تجسيم وتشبيه ولا ينزهونه عن هذا الظلم والجور, ويزعمون أنه عدل وحق وأن التوحيد عندهم لا يتم إلا به كما لا يتم إلا بإنكار استوائه على عرشه وعلوه فوق سماواته، وتكلمه وتكليمه، وصفات كماله فلا يتم التوحيد عند هذه الطائفة إلا بهذا النفي وذلك الإثبات والله ولي التوفيق.
"شفاء العليل" (2/ 588).
هذا ملخص المسائل التي جمعتها من كلام ابن رشد , فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الإخلاص والمتابعة في القول والعمل والحمد لله رب العالمين.
ـ[أبو العباس البحريني]ــــــــ[26 - 12 - 09, 06:42 ص]ـ
بارك الله فيكم يا شيخ على ما تتحفنا به من الدرر والنفائس، زادكم الله علما وحرصا ...
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[26 - 12 - 09, 07:09 ص]ـ
وفيكم بارك الله جزاك الله خيرا
ـ[إبراهيم الفوكي السلفي]ــــــــ[26 - 12 - 09, 11:18 ص]ـ
جزاك الله خير الجزاء
مقالة من الاهمية بمكان
لقد نسقتها في ملف وورد ولكن ارجو منك ان ترفعها لنا انت في ملف وورد منسقة كما هي هنا حتى يقرأها من هو كثير الترحال مثلي
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[26 - 12 - 09, 01:16 م]ـ
جزاك الله خيرا وسوف أنزله وورد في موقع صيد الفوائد
ـ[ابونصرالمازري]ــــــــ[26 - 12 - 09, 02:07 م]ـ
بارك الله فيكم اخي الكريم
بحث قيم يستحق الاعتناء
وبخاصة ردود و انتقاد ابن رشد العبقري للاشاعرة وغيرهم فهي قيمة جدا لمن عرف قدر الرجل و مكانته في علوم الاسلام لاكما يروج بعض المخالفين الناقمين .. نسال الله التوفيق
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(60/422)