هل القول المفيد للعثيمين يغنيني عن قراءة فتح المجيد؟
ـ[أسامة بن صبري]ــــــــ[13 - 09 - 06, 03:13 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا الآن في دراسة في كتاب التوحيد
وأردت بعد الحفظ أن أقرأ القول المفيد للعثيمين
ولكن هل أقرأ أيضا فتح المجيد؟
ـ[أمةالله]ــــــــ[13 - 09 - 06, 03:30 م]ـ
أرى أن كل واحد منهم يشمل نقاط لا توجد في الآخر.
لكن على وجه العموم (القول المفيد) أسهل من حيث الفهم و فوائده أكثر. هذا ما يظهر لي هذه الأيام حيث أني أقوم بقراءة الكتابين في نفس الوقت.
والله تعالى أعلم.
ـ[أسامة بن صبري]ــــــــ[15 - 09 - 06, 06:41 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[أبو يحيى التركي]ــــــــ[16 - 09 - 06, 03:06 ص]ـ
حسب وجهة نظري أنه لا يغني أبدا، ففي فتح المجيد من النقولات والتحقيقات ما ليس في القول المفيد، كما أن فتح المجيد يربي القاريء على اعتياد كلام أهل العلم، ولا أقصد أن من قرأ القول المفيد لن يحصل شيئا، بل سيحصل خيرا عظيما، ولكني أقول أن القول المفيد عبارة عن تفريغ لأشرطة، ومعلوم أن ما يقال ليس كما يكتب ويحقق وينظر فيه مرة أخرى.
كما أني أنصح بالانكباب على الأصل تيسير العزيز الحميد فهو أس الباب.
الخلاصة: عليك بالقول المفيد لتفهم كتاب التوحيد، ثم اقرأ الفتح والتيسير يسر الله أمرك.
ـ[محمد بشري]ــــــــ[16 - 09 - 06, 06:22 م]ـ
-كتب علماء الدعوة من أبناء الشيخ وأحفاده لا يعدلها ما كتبه المعاصرون،نعم قد يستفاد من بعض التقسيمات والفروق،لكن في الجملة -وبحسب رأيي-كتاب القول المفيدلا يغني عن الفتح،وفتح المجيد مع قرة عيون الموحدين،ثم حاشية ابن قاسم قد يغنون عن القول المفيد.
والله أعلم
ـ[ابن جبير]ــــــــ[17 - 09 - 06, 09:21 ص]ـ
جزاكم الله خيراً
وفي كلٌ خير إن شاء الله تعالى
وفتح المجيد فيه نقولات قوية وطرح الشارح جداً متين ويعسر فيه فهم بعض المواضع والنقولات إلا لمتمرس.
وقال شيخ الاسلام: لا يخلو كتاب من فائدة
نفعنا الله وإياك وجعلنا مباركين.
ـ[أبو إبراهيم التميمي]ــــــــ[18 - 09 - 06, 02:20 م]ـ
فتح المجيدكتاب متين يتربى عليه طالب العلم، والقول المفيدفيه فوائدكثيرة وهوكتاب سهل العبارة ولايغني عن فتح المجيد.
ـ[صخر]ــــــــ[29 - 01 - 07, 11:47 م]ـ
القول المفيد جيد للمبتدئ ... فالعلامة ابن عثيمين امتاز بحسن التعليم والبراعة في ايصال المعلومة .... فتح المجيد لمرحلة متقدمة
ـ[أسامة بن صبري]ــــــــ[30 - 01 - 07, 04:25 م]ـ
على كل فقد انتهيت من قراءة الكتب الثلاثة -التيسير وفتح المجيد والقول المفيد- منذ مدة واستفدت منها كثيرا
فجزاكم الله خيرا(35/5)
ما اسم الكتاب الأصل لـ"لعقيدة الطحاوية"؟؟.
ـ[غيث أحمد]ــــــــ[14 - 09 - 06, 04:16 م]ـ
ما اسم الكتاب الأصل لـ"لعقيدة الطحاوية"؟؟.
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[14 - 09 - 06, 05:26 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اشتهر الكتاب باسم عقيدة الطحاوي أو العقيدة الطحاوية فجل من ينقل عن الطحاوي من الأئمة يذكر الكتاب بهذا الاسم وبعضهم يذكره باسم (الاعتقاد) كما في بعض اطلاقات ابن تيمية رحمه الله ينظر: الفتاوى الكبرى (5/ 29) ومجموع الفتاوى (12/ 507) وذكره ابن جماعة في كتابه إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل باسم (بيان السنة والجماعة) (ص 8، 41، 80) وفي كشف الظنون (2/ 1143) قال (عقائد الطحاوي
وهو: الإمام: أحمد بن جعفر الحنفي
المتوفى: سنة 321، إحدى وعشرين وثلاثمائة
وسمى كتابه هذا: بيان السنة والجماعة) أ. هـ
وإذا نظرنا شروح الكتاب نجدها تختلف في الاسم:
فابن أبي العز شرحه باسم (شرح العقيدة الطحاوية)
وابن السراج شرحه باسم (القلائد في شرح العقائد)
وكافي الآقحصاري شرحه باسم (نور اليقين في أصول الدين)
ومحمد بن أبي بكر الغزي المعروف بابن بنت الحميري شرحه باسم (شرح عقائد الطحاوي)
والله أعلم.
ـ[غيث أحمد]ــــــــ[14 - 09 - 06, 05:56 م]ـ
مشكور أخي(35/6)
سؤال محيّر في "العقيدة"!. فأين ذكر كلمة "الصفات" في الكتاب أو السنة؟؟
ـ[غيث أحمد]ــــــــ[14 - 09 - 06, 05:51 م]ـ
سألني مؤمن مستعلم, قال: قولنا "الأسماء والصفات", ... فقد علمنا كلمة "الأسماء" من كتاب الله ومن سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ........... فأين ذكر كلمة "الصفات" في الكتاب أو السنة؟؟.
فأعينونا بقوة!.
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[14 - 09 - 06, 06:04 م]ـ
قال تعالى ((ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها))
والإسم الحسن هو الإسم الذي يحتوي على وصفٍ حسن
فالإسم الجامد لا يقال له اسم حسن
قال البخاري حدثنا محمد: حدثنا أحمد بن صالح: حدثنا ابن وهب: حدثنا عمرو، عن ابن أبي هلال: أن أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدثه، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن عائشة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سريَّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم ب: {قل هو الله أحد}. فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (سلوه لأي شيء يصنع ذلك). فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخبروه أن الله يحبه)
والحديث في صحيح مسلم أيضاً
ـ[محمد البيلى]ــــــــ[15 - 09 - 06, 05:01 ص]ـ
أحسن الله إليك يا شيخ عبد الله، أظنك أحسنت الجواب.
ـ[غيث أحمد]ــــــــ[16 - 09 - 06, 02:43 م]ـ
حُذف
## المشرف ##
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[16 - 09 - 06, 04:54 م]ـ
روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) إلى قوله تعالى (سميعا بصيرا)
قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه و التي تليها على عينه قال أبو هريرة رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها و يضع إصبعيه
قال ابن يونس قال المقرىء يعني إن الله سميع بصير يعني أن لله سمعا و بصرا
قال أبو داود رحمه الله تعالى و هذا رد على الجهمية.
ـ[غيث أحمد]ــــــــ[16 - 09 - 06, 05:30 م]ـ
حُذف
## المشرف ##
ـ[غيث أحمد]ــــــــ[21 - 09 - 06, 10:08 م]ـ
ما بال الفقيه يطيل الرجعة؟.
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[25 - 09 - 06, 06:18 م]ـ
قال تعالى: {{ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم}} ومعنى كلمة "المثل" في الآية " الوصف" بدليل قوله تعالى {{مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن، ... }} والمعنى:" وصف الجنة التي وعد المتقون ... ".
استفدته من الشيخ العلامة ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[25 - 09 - 06, 07:37 م]ـ
وفقكم الله
إضافة لما ذكر الشيخ عبدالله الخليفي فقد قال الحافظ ابن حجر في الفح
وقد أخرج البيهقي في ” كتاب الأسماء والصفات ” بسند حسن عن ابن عباس ” أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا صف لنا ربك الذي تعبد ” فأنزل الله عز وجل (قل هو الله أحد) إلى آخرها، فقال ” هذه صفة ربي عز وجل ”.
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[25 - 09 - 06, 07:42 م]ـ
وللعلامة أحمد بن عيسى كتاب مهم في هذه المسألة وقد حققه عبد العزيز الجبرين ونشرته دار الصميعي ...... واسمه: تشنيف الأسماع بالرد على من خالف الكتاب والسنة والإجماع .....
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[25 - 09 - 06, 08:25 م]ـ
جزاك الله خيرا على هذه الفائدة.
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[25 - 09 - 06, 08:48 م]ـ
وجزاك مثله شيخنا الحبيب ......
ـ[غيث أحمد]ــــــــ[26 - 09 - 06, 02:31 م]ـ
حُذف
## المشرف ##
ـ[الديولي]ــــــــ[07 - 10 - 06, 03:30 م]ـ
تنبيه من المشرف: ابن حزم من الجهمية في باب الأسماء والصفات وهو مخالف لمنهج السلف الصالح، قال عنه ابن عبدالهادي: جهمي جلد، وكلامه المنقول فيه أخطاء عقدية وحديثية، فلينتبه لذلك.
هذه المسالة أثارها إبن حزم كما في كتابه الفصل حيث قال:
وأما إطلاق لفظ الصفات لله عز وجل فمحال لا يجوز، لأن الله تعالى لم ينص قط في كلامه المنزل
على لفظ الصفات، ولا على لفظ الصفة ولا جاء قط عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الله
صفة أو صفات، نعم ولا جاء قط ذلك عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - ولا عن أحد من خيار
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/7)
التابعين، ولا عن أحد تابعي التابعين، وما كان هكذا فلا ينبغي لأحد أن ينطق به.
ولو قلنا: إن الإجماع قد تيقن على ترك هذه اللفظة لصدقنا، فلا يجوز القول بلفظ الصفات، ولا
إعتقاده بل ذلك بدعة منكرة، قال تعالى: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله
بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى)
قال أبومحمد: وإنما اخترع لفظة الصفات المعتزلة، وسلك سبيلهم قوم من أصحاب الكلام، سلكوا
غير مسلك السلف الصالح، ليس فيهم أسوة ولا قدوة، وحسبنا الله ونعم الوكيل ((ومن يتعد
حدود الله فقد ظلم نفسه))
فإن اعترضوا بالحديث الذي رويناه من طريق عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن
أبي هلال عن أبي الرجال محمد بن عبدالرحمن عن إمه عَمره عن عائشة - رضي الله عنها - في
الرجل الذي يقرأ: (قل هو الله أحد) في كل ركعة مع سورة أخرى، وأن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أمر أن يسأل عم ذلك فقال: هي صفة الرحمن فأنا أحبها. فأخبره رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - أن الله يحبه.
فالجواب وبالله التوفيق: أن هذه اللفظة انفرد بها سعيد بن أبي هلال وليس بالقوي، قد ذكره
بالتخليط يحيى واحمد بن حنبل، وأيضا فإن إحتجاج خصومنا بهذا لا يسوغ لهم على أصولهم، لأنه
خبر واحد لا يوجب عندهم العلم، وأيضا فلو صح لما كان مخالفا لقولنا، لأننا إنما أنكرنا قول من قال
إن أسماء الله تعالى مشتقة من صفات ذاتية فأطلق ذلك على ((العلم)) و ((والقدرة)) و ((
والقوة)) و ((الكلام)) أنها صفات، وعلى من أطلق ((إرادة وسمعا وبصرا وحياة)) وأطلق انها
صفات، فهذا الذي أنكرنا غاية الإنكار، وليس في الحديث المذكور، ولا في غيره شيئ من هذا
أصلا، وإنما فيه أن (قل هو الله أحد) خاصة صفة الرحمن، ولم ننكر هذا نحن بل هو خلاف لقولنا
لأنهم لا يخصون (قل هو الله أحد) بذلك دون الكلام والعلم وغير ذلك و (قل هو الله أحد) خبر عن
الله تعالى بما هو حق، فنحن نقول فيها هي صفة الرحمن، بمعنى انها خبر عنه تعالى حق،
فظهر أن هذا الخبر حجة عليهم لنا، وأيضا فمن أعجب الباطل أن يحتج بهذا الخبر فيما ليس فيه
منه شيئ من يخالفه ويعصيه في الحكم الذي ورد فيه من استحسان قراءة (قل هو الله أحد) في
كل ركعة مع سورة أخرى، لهذه الفضائح فلتعجب أهل العقول.
واما الصفة التي يطلقون هم، فإنما هي في اللغة واقعة على العرض في جوهر لا على ذلك أصلا،
وقد قال الله تعالى: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون)
فأنكر إطلاق الصفات جملة فبطل تمويه من موّه بالحديث المذكور ليستحل بذلك ما لا يحل من
إطلاق لفظ الصفات حيث لم يأت بإطلاقها فيه نص ولا إجماع إصلا، ولا أثر عن السلف، والعجب من
إقتصارهم على لفظة الصفات، ومنعهم من القول بانها نعوت وسمات، ولا فرق بين اللفظتين لا
لغة ولا في المعنى، ولا في نص ولا في إجماع، وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل
تنبيه من المشرف: ابن حزم كأنه رجع في بعض كتبه الأخرى عن هذا الكلام الباطل
قال الأخ مبارك:
بينما انظر إليه وهو يقول ما يخالف ذلك في كتابه الماتع " مداواة النفوس " (67):
" وقف العلم عند الجهل بصفات الباري عزَّ وجلَّ ".
واصرح من ذلك ماقاله في كتابه " الأصول والفروع " (197 ـ 198) في اثناء رده على الجهمية القائلين بخلق القرآن:
" وكلام الله تعالى صفة قديمة من صفاته، ولا توجد صفاته إلا به ولا تبين منه ... وكلام الله لا ينفد ولا ينقطع أبداً؛ لأن كلامه صفة من صفاته تعالى لا تنفد ولا تنقطع ولا تفارق ذاته والله عز وجل لم يزل متكلماً ليس لكلامه أول ولا آخر كما ليس لذاته لا أول ولا آخر وجميع صفاته مثل ذاته وقدرته وعلمه وكلامه ونفسه ووجهه مما وصف به نفسه في كتابه العزيز كل هذه الصفات غير مباينة منه تعالى ولا متجزئة ولا نافدة ولا منقطعة ".
ـ[أبو العباس أحمد]ــــــــ[07 - 10 - 06, 03:34 م]ـ
جزاكم الله خيراً على هذه الفوائد .......
ـ[فيصل]ــــــــ[28 - 10 - 06, 04:02 ص]ـ
الذي يطلب دليل على لفظ "الصفات" هو كالذي يطلب دليل على لفظ "موجود" سواء بسواء.
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[28 - 10 - 06, 08:03 ص]ـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/8)
ولكنني أجد القرآن لا يستعمل "الوصف" إلا ذماً, فقد وردت بجذرها أربع عشر مرة, ما فيها حسنة واحدة!.
ثم, وهذا هو المهم ..
[ B][COLOR="Red"].
ما شاء الله
اقرأ قوله تعالى ((سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّايَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ))
ماذا تفهم من هذا الإستثناء؟
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[29 - 10 - 06, 05:51 م]ـ
تنبيه من المشرف: ابن حزم من الجهمية في باب الأسماء والصفات وهو مخالف لمنهج السلف الصالح، قال عنه ابن عبدالهادي: جهمي جلد، وكلامه المنقول فيه أخطاء عقدية وحديثية، فلينتبه لذلك.
هذه المسالة أثارها إبن حزم كما في كتابه الفصل حيث قال:
وأما إطلاق لفظ الصفات لله عز وجل فمحال لا يجوز، لأن الله تعالى لم ينص قط في كلامه المنزل
على لفظ الصفات، ولا على لفظ الصفة ولا جاء قط عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الله
صفة أو صفات، نعم ولا جاء قط ذلك عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - ولا عن أحد من خيار
التابعين، ولا عن أحد تابعي التابعين، وما كان هكذا فلا ينبغي لأحد أن ينطق به.
ولو قلنا: إن الإجماع قد تيقن على ترك هذه اللفظة لصدقنا، فلا يجوز القول بلفظ الصفات، ولا
إعتقاده بل ذلك بدعة منكرة، قال تعالى: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله
بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى)
قال أبومحمد: وإنما اخترع لفظة الصفات المعتزلة، وسلك سبيلهم قوم من أصحاب الكلام، سلكوا
غير مسلك السلف الصالح، ليس فيهم أسوة ولا قدوة، وحسبنا الله ونعم الوكيل ((ومن يتعد
حدود الله فقد ظلم نفسه))
فإن اعترضوا بالحديث الذي رويناه من طريق عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن
أبي هلال عن أبي الرجال محمد بن عبدالرحمن عن إمه عَمره عن عائشة - رضي الله عنها - في
الرجل الذي يقرأ: (قل هو الله أحد) في كل ركعة مع سورة أخرى، وأن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أمر أن يسأل عم ذلك فقال: هي صفة الرحمن فأنا أحبها. فأخبره رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - أن الله يحبه.
فالجواب وبالله التوفيق: أن هذه اللفظة انفرد بها سعيد بن أبي هلال وليس بالقوي، قد ذكره
بالتخليط يحيى واحمد بن حنبل، وأيضا فإن إحتجاج خصومنا بهذا لا يسوغ لهم على أصولهم، لأنه
خبر واحد لا يوجب عندهم العلم، وأيضا فلو صح لما كان مخالفا لقولنا، لأننا إنما أنكرنا قول من قال
إن أسماء الله تعالى مشتقة من صفات ذاتية فأطلق ذلك على ((العلم)) و ((والقدرة)) و ((
والقوة)) و ((الكلام)) أنها صفات، وعلى من أطلق ((إرادة وسمعا وبصرا وحياة)) وأطلق انها
صفات، فهذا الذي أنكرنا غاية الإنكار، وليس في الحديث المذكور، ولا في غيره شيئ من هذا
أصلا، وإنما فيه أن (قل هو الله أحد) خاصة صفة الرحمن، ولم ننكر هذا نحن بل هو خلاف لقولنا
لأنهم لا يخصون (قل هو الله أحد) بذلك دون الكلام والعلم وغير ذلك و (قل هو الله أحد) خبر عن
الله تعالى بما هو حق، فنحن نقول فيها هي صفة الرحمن، بمعنى انها خبر عنه تعالى حق،
فظهر أن هذا الخبر حجة عليهم لنا، وأيضا فمن أعجب الباطل أن يحتج بهذا الخبر فيما ليس فيه
منه شيئ من يخالفه ويعصيه في الحكم الذي ورد فيه من استحسان قراءة (قل هو الله أحد) في
كل ركعة مع سورة أخرى، لهذه الفضائح فلتعجب أهل العقول.
واما الصفة التي يطلقون هم، فإنما هي في اللغة واقعة على العرض في جوهر لا على ذلك أصلا،
وقد قال الله تعالى: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون)
فأنكر إطلاق الصفات جملة فبطل تمويه من موّه بالحديث المذكور ليستحل بذلك ما لا يحل من
إطلاق لفظ الصفات حيث لم يأت بإطلاقها فيه نص ولا إجماع إصلا، ولا أثر عن السلف، والعجب من
إقتصارهم على لفظة الصفات، ومنعهم من القول بانها نعوت وسمات، ولا فرق بين اللفظتين لا
لغة ولا في المعنى، ولا في نص ولا في إجماع، وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل
تنبيه من المشرف: ابن حزم كأنه رجع في بعض كتبه الأخرى عن هذا الكلام الباطل
قال الأخ مبارك:
بينما انظر إليه وهو يقول ما يخالف ذلك في كتابه الماتع " مداواة النفوس " (67):
" وقف العلم عند الجهل بصفات الباري عزَّ وجلَّ ".
واصرح من ذلك ماقاله في كتابه " الأصول والفروع " (197 ـ 198) في اثناء رده على الجهمية القائلين بخلق القرآن:
" وكلام الله تعالى صفة قديمة من صفاته، ولا توجد صفاته إلا به ولا تبين منه ... وكلام الله لا ينفد ولا ينقطع أبداً؛ لأن كلامه صفة من صفاته تعالى لا تنفد ولا تنقطع ولا تفارق ذاته والله عز وجل لم يزل متكلماً ليس لكلامه أول ولا آخر كما ليس لذاته لا أول ولا آخر وجميع صفاته مثل ذاته وقدرته وعلمه وكلامه ونفسه ووجهه مما وصف به نفسه في كتابه العزيز كل هذه الصفات غير مباينة منه تعالى ولا متجزئة ولا نافدة ولا منقطعة ".
كلام ابن حزم الذي نقله الديولي نقضه الحافظ في الفتح
قال الحافظ ((وشذ ابن حزم فقال هذه لفظة اصطلح عليها أهل الكلام من المعتزلة ومن تبعهم، ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، فإن اعترضوا بحديث الباب فهو من أفراد سعيد بن أبي هلال وفيه ضعف، قال: وعلى تقدير صحته فقل هو الله أحد صفة الرحمن كما جاء في هذا الحديث، ولا يزاد عليه بخلاف الصفة التي يطلقونها فإنها في لغة العرب لا تطلق إلا على جوهر أو عرض كذا قال، وسعيد متفق على الاحتجاج به فلا يلتفت إليه في تضعيفه، وكلامه الأخير مردود باتفاق الجميع على إثبات الأسماء الحسنى، قال الله تعالى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) وقال بعد أن ذكر منها عدة أسماء في آخر سورة الحشر (له الأسماء الحسنى) والأسماء المذكورة فيها بلغة العرب صفات ففي إثبات أسمائه إثبات صفاته))
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/9)
ـ[غيث أحمد]ــــــــ[30 - 10 - 06, 05:42 م]ـ
حُذف
## المشرف ##
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[30 - 10 - 06, 06:29 م]ـ
الأخ الخليفي ..
هل يرضيك فهم الطبري في هذا الاستثناء؟؟
ها هو: إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ
وَقَوْله: {إِلَّا عِبَاد اللَّه الْمُخْلَصِينَ} يَقُول: وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّة أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه لَمُحْضَرُونَ الْعَذَاب , إِلَّا عِبَاد اللَّه الَّذِينَ أَخْلَصَهُمْ لِرَحْمَتِهِ , وَخَلَقَهُمْ لِجَنَّتِهِ.
وقال فيه القرطبي: أي, فإنهم ناجون من النار.
والغريب ماذا فهمت أنت منها؟.
فيبقى أخي أن "السلفية الحقة" التي تقوم على "فهم" السلف الصالح من النبي وأصحابه, أن لا نقول ما لم يقولوه, وما لم يقولوا ب"الصفات" فهم أعلم وأسلم وأحكم.
والأمر ليس لابن حزم ولا لابن حجر, بل الأمر لله, فما قاله قلناه!.
والعجب من استدلال ابن حجر بآية الأسماء لإثبات "الصفات"!.
فإن قال ابن حجر الاسم هو الصفة, قلنا: بل الاسم هو الاسم, كما صحح النبي عليه الصلاة والسلام صاحبه عند قوله: آمنت برسولك الذي أرسلت, قال: لا, بنبيك الذي أرسلت!.
وكما تعلمنا: ننتهي حيث انتهوا, ذلك أسلم وأحكم!.
بارك الله فيك أخي
كلام ابن جرير الذي نقلته حجةٌ لنا إذ اننا لا ننازع أن الآية تنزيه لله عن وصف المشركين له بأن له بنات
وما نقلته عن ابن جرير لا يتجاوز ذلك
ونحن لا ننازع في أن عباد الله المخلصين من أهل الجنة لأنهم وصفوا الله بصفاته العلى
ومن المتقرر في علم أصول التفسير أن المفسر قد يفسر الآية ببعض معناها وذلك لا يلغي التفاسير الأخرى لللآية إذا لم تتناقض مع هذا التفسير
أما قولك أن الإسم يدل على الإسم _محاولاً غلغاء دلالته على الصفة _
فهو من السخف بمكان
فمن أبجديات اللغة أن الإسم يكتسب حسنه من الصفة التي يحويها
فما معنى ((كريم)) في اللغة
أليس هو المتصف بالكرم؟!!
وهل الكرم صفة أم ليس بصفة؟
وهل العلم صفة؟
أم اسم؟
أفيقال من أسماء الله العلم!!!!!!!!!!!!!!!!!
لأنه قال تعالى ((أنزله بعلمه))
وما إعراب غفور رحيم في قوله تعالى ((والله غفورٌ رحيم))
وقد أتيناك بالحديث الثابت في الصحيحين والذي فيه أن سورة الإخلاص هي صفة الرحمن
وتصر على الإفتيات على السلف وتزعم أنهم لم يكونوا يتكلمون بالصفة
ولو كنت شممت رائحة العلم
لعلمت ان رب العالمين لم ينزه نفسه إلا عن وصف المشركين
فكيف تجعل هذا دليلاً على تنزيهه عن وصف المؤمنين
ما أحوجك إلى أن تأخذ كراساً وتثني الركب في حلق العلم
ـ[غيث أحمد]ــــــــ[30 - 10 - 06, 07:32 م]ـ
حُذف
## المشرف ##
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[30 - 10 - 06, 08:29 م]ـ
هذه وقاحة وكبر, ونحن نترفع عن أمثالك ..
ونربأ بهذا الموقع أن يغمض عن قلة أدبك وصفاقتك.
إنه ما زاد على أن نصحك! فكان جزاؤه جزاء سنمار!!، وأنت طلبت نصوصا من الإخوة فما قصروا وما استكانوا، مع أنه كان يكفيهم أن يقولوا لك: إن هذا إجماع السلف! ولم يخالف في هذا إلا المبتدعة، فاربأ بنفسك أن تكون منهم، وأنا أضم صوتي إلى صوت أخي الخليفي بأن تثني ركبك عند العلماء - وليس هو بعيب حتى تتضايق منه- بل إنه من الشرف و من سبل الجنة التي أكرم الله بها طلبة العلم.
والله الموفق.
ـ[أهل الحديث]ــــــــ[31 - 10 - 06, 07:21 ص]ـ
جزاكم الله خيرا على توضيحكم للأخ غيث أحمد
ويظهر أن الرجل عنده شبهات ...........
ولذلك هرب هنا ولم يقر بالأحاديث التي فيها ذكر الصفة
فيخشى أن يكون ممن لايعتد بالسنة من المعتزلة أو العقلانيين
فلينته لذلك
ـ[عمرو المصري]ــــــــ[31 - 10 - 06, 07:26 ص]ـ
أشم رائحة محافظة الشرقية بمصر وإن شئت حددت البلد
إخواني الكرامي ومشايخي لا تتعبوا انفسكم مع أمثال هؤلاء
فهؤلاء شيوخهم الكتب لا يعترفوا بمشايخ هذا العصر جملة وتفصيلا
ولا حتى بابن تيمية ولا بابن القيم
عندهم أن يفهموا القرآن والحديث واللغة العربية لا يهتموا إلا بهذا ولا يبالوا بأي شيء آخر
لا يدرسوا إلا آيات القرآن والحديث واللغة العربية ولا يأخذوا ذلك عن مشايخ بل من الكتب
ذكرت لكم ذلك لكي تنصحوه على بصيرة
أليس ذلك كذلك يا غيث أحمد ربنا يهديني ويهديك
ـ[عمرو المصري]ــــــــ[31 - 10 - 06, 07:36 ص]ـ
أزيدك أخي غيث هداني الله وإياك
أقصد أزيد في توضيح منهجك للمشايخ الكرام فأنا تعاملت مع بعضكم واعرف منهجكم ............................................... لن أزيد حتى ترد
ولكني استعجب لماذا ان كنت تريد الحق لماذا لا تعرض منهجكم وليكن في موضوع مستقل
وتقرأ ردود مشايخ الملتقى
ربما ينفعك ذلك اسرد منهجكم وليكن على سبيل الدعوة يا اخي
ألستم على الحق
ادعوا اليه ولكن تقبل النصح إن كان بالكتاب والسنة وفهم سلف الامة
ـ[أبو عمر الطائي]ــــــــ[04 - 11 - 06, 11:25 م]ـ
في رأيي أن النقاش والحوار ولو طال بعض الشئ أفيد في تفنيد الشبه، ورفع الإلتباس
حفظ الله الجميع.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/10)
ـ[أبو خالد الأثري]ــــــــ[02 - 02 - 07, 03:03 م]ـ
بعدما طالب الأخ غيث أحمد دليلا من الكتاب والسنة على لفظ الصفة فأتاه الأخوه الفضلاء بمراده وجدناه يقول:
فيبقى أخي أن "السلفية الحقة" التي تقوم على "فهم" السلف الصالح من النبي وأصحابه, أن لا نقول ما لم يقولوه, وما لم يقولوا ب"الصفات" فهم أعلم وأسلم وأحكم.
فما دمت يا شيخي الفاضل قد ارتضيت مسلك السلف الصالح وارتأيت رأيهم واخترت فهمهم فلا علينا إن قبلنا الانضواء معك تحت رايتهم وأظنك وأنت طالب حق أن تتقبل النصوص التي سأوردها من كلامهم رضي الله عنهم لتعرف أن الناصحين لك لم يخالفوا السلف وإنما أرادوا بك خيرا غفر الله لي ولك
فدونك أخي وفقني الله وإياك بعضا من كلام السلف الذي يدل على أنهم كانوا يتكلمون بلفظ الصفة ونحوها وهذا غيض من فيض
أخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال تكلمت اليهود في صفة الرب تبارك وتعالى فقالوا ما لا يعلمون ولم يدروا فأنزل الله عز وجل وما قدروا الله حق قدره ثم بين عظمته للناس فقال والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموت مطويت بيمينه سبحنه وتعالى عما يشركون فجعل صفتهم التي وصفوا بها الله تبارك وتعالى شركا
قال الأوزعي رحمه الله: كنا والتابعون متوافرون نقول ان الله على عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاتهأخرجه البيهقي وصححه الذهبي وابن تيمية وجوده الحافظ في الفتح
وقال ابن الماجشون أما بعد فقد فهمت ما سألت عنه فيما تتابعت الجهمية في صفة الرب العظيم الذي فاتت عظمته الوصف والتقدير وكلت الألسن عن تفسير صفته وانحسرت العقول دون معرفة قدره فلما تجد العقول مساغا فرجعت خاسئة حسيره وإنما والتفكر فيما خلق وإنما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان أما من لا يحول ولم يزل وليس له مثل فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو والدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها من تحقيق صفة أصغر خلقه لا يكاد يراه صغرا يحول ويزول ولا يرى له بصر ولا سمع فاعرف غناك عن تكليف صفة مالم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها فأما من جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكليفا فقد استهوته الشياطين في الأرض حيران
صححه ابن تيمية والذهبي وابن القيم
وقيل لابن المبارك: يا أبا عبد الرحمن إني أكره صفة الرب جل وعز (يعني الكلام فيها) فقال له عبد الله بن المبارك أنا أشد الناس كراهة لذلك ولكن إذا نطق الكتاب بشيء وإذا جاءت الآثار بشيء جسرنا عليه
أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة
قال أبو عبد الله البخاري (كتاب التوحيد باب قل أي شيء أكبر شهادة قل الله): وسمى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن شيئا وهو صفة من صفات الله
وقال في خلق الأفعال ويقال له (أي للجهمي): أترى القرآن في المصاحف؟ فإن قال: نعم، فقد زعم أن من صفات الله ما يرى في الدنيا، وهذا رد لقول الله عز وجل: (لا تدركه الأبصار) في الدنيا (وهو يدرك الأبصار)
وقال أيضا: وقال عز وجل: {فلا تجعلوا لله أندادا}، فليس لصفة الله ند، ولا مثل، ولا يوجد شيء من صفاته في المخلوقين
قال الطبري (1/ 95) والرحمة من صفاته جل ذكره
وقال أيضا (1/ 481): غير جائز أن يكون من القرآن شيء خير من شيء لأن جميعه كلام الله ولا يجوز في صفات الله تعالى ذكره أن يقال بعضها أفضل من بعض وبعضها خير من بعض
وقال في تفسير سورة الزمر: بل"يد الله" صفة من صفاته، هي يد، غير أنها ليست بجارحة كجوارح بني آدم
فماذا بقي؟؟؟؟
ـ[أبو محمد القحطاني]ــــــــ[02 - 02 - 07, 06:16 م]ـ
عنوان الموضوع هو:
سؤال محيّر في "العقيدة"!. فأين ذكر كلمة "الصفات" في الكتاب أو السنة؟؟
أقول: فأين ذُكرت كلمة ((العقيدة)) في الكتاب أو السنة؟
ـ[ابو الحسن الأكاديري]ــــــــ[03 - 02 - 07, 02:43 ص]ـ
عنوان الموضوع هو:
أقول: فأين ذُكرت كلمة ((العقيدة)) في الكتاب أو السنة؟
هو غفل عن الأولى و لم تبن له إلا الثانية ...
أما فيما يخص سؤالك إليه ...
فإنها لم تذكر في كتاب و لا سنة و أول من وجدت في أسفاره هو القشيري
للإستزادة أنظر المناهي الشرعية للشيخ بكر أبو زيد - حفظه الله -
ـ[أبو محمد القحطاني]ــــــــ[03 - 02 - 07, 10:37 م]ـ
الأخ غيث - سدده الله -
إذا أجبت عن سؤالي ستجيب عن سؤالك والله الموفق.
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[03 - 02 - 07, 11:06 م]ـ
ولو لم ترد جدلا .. فهذا باب الاصطلاح لا مشاحة فيه ..
قال تعالى"سبحان ربك رب العزة عما يصفون*وسلام على المرسلين"
قال شيخ الإسلام .. سلّم على المرسلين لسلامة ما وصفوا ربهم به ..
ومادة "عقد" موجودة في الكتاب ..
وإنما ساغ استعمالها في الدلالة على التوحيد ونحوه .. لأن الاستعمال اللغوي لها موافق لما ينبغي
أن يكون عليه القلب من انعقاد التصديق ..
والله أعلم
ـ[صخر]ــــــــ[05 - 02 - 07, 11:10 ص]ـ
أحسنت ياأبا القاسم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/11)
ـ[أبو عمر المقدسي]ــــــــ[05 - 02 - 07, 05:13 م]ـ
عندي أسئلة جزاكم الله خيراً
واصرح من ذلك ماقاله في كتابه " الأصول والفروع " (197 ـ 198) في اثناء رده على الجهمية القائلين بخلق القرآن:
" وكلام الله تعالى صفة قديمة من صفاته، ولا توجد صفاته إلا به ولا تبين منه ... وكلام الله لا ينفد ولا ينقطع أبداً؛ لأن كلامه صفة من صفاته تعالى لا تنفد ولا تنقطع ولا تفارق ذاته والله عز وجل لم يزل متكلماً ليس لكلامه أول ولا آخر كما ليس لذاته لا أول ولا آخر وجميع صفاته مثل ذاته وقدرته وعلمه وكلامه ونفسه ووجهه مما وصف به نفسه في كتابه العزيز كل هذه الصفات غير مباينة منه تعالى ولا متجزئة ولا نافدة ولا منقطعة ".
هل صحيح أن الصفات لا تبين منه؟!
قال الطبري (1/ 95) والرحمة من صفاته جل ذكره
وقال أيضا (1/ 481): غير جائز أن يكون من القرآن شيء خير من شيء لأن جميعه كلام الله ولا يجوز في صفات الله تعالى ذكره أن يقال بعضها أفضل من بعض وبعضها خير من بعض
وقال في تفسير سورة الزمر: بل"يد الله" صفة من صفاته، هي يد، غير أنها ليست بجارحة كجوارح بني آدم
هل صحيح أن القرآن لا يقال فيه شيء خير من شيء؟
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[05 - 02 - 07, 09:26 م]ـ
أول شيء .. ما معنى لا تبين منه؟
المقصود أن صفاته لا تنفك عنه سبحانه .. من حيث الأصل ..
فكلامه مثلا سبحانه وتعالى .. سواء تكلم به في حين أو لم يتكلم به .. تبقى أصل الصفة فيه سبحانه
وهذا معنى قولهم لم يزل متكلما
أما مسألة مفاضلة بعض الآيات على بعض .. فهذه فيها خلاف
فبعضهم يقول هناك آيات أبلغ من آيات ..
وهذا ضعيف .. لأن أصل البلاغة ملاءمة المقال للمقام .. فقد تكون الوجازة .. مفسدة للذوق
ويكون الأولى الإطناب .. وهكذا
لكن أن يقال هناك آية أعظم من آية .. أو سورة أعظم من سورة
فهذا لاشك فيه .. من حيث ما تضمنته .. لا من حيث إن قائلها سبحانه وتعالى أجاد هنا .. فوق إجادته هناك! ..
بدليل حديث أُبي بن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله: أي آية في كتاب الله أعظم قال: الله ورسوله أعلم فرددها مرارا ثم قال: آية الكرسي
فقال عليه الصلاة والسلام" ليهنك العلم أبا المنذر " .. فهنأه على العلم وكنّاه مبالغة في التوقير
والله أعلم
ـ[أبو عمر المقدسي]ــــــــ[06 - 02 - 07, 05:41 م]ـ
جزاك الله خيراً
ـ[غيث أحمد]ــــــــ[25 - 02 - 07, 09:56 م]ـ
حُذف
## المشرف ##
ـ[نضال مشهود]ــــــــ[13 - 03 - 07, 03:19 م]ـ
ولكنني أجد القرآن لا يستعمل "الوصف" إلا ذماً, فقد وردت بجذرها أربع عشر مرة, ما فيها حسنة واحدة!.
. . .
لنكن على بينة, فالحق أحق أن يتبع.
فهل يرضيك هذا الاصطلاح: "الأسماء والأمثال"
بدلاً من مصطلح "الأسماء والصفات". .؟
فقد ورد اللفظان في القران حرفيّا في أعلى ما يكون من مقام المدح وسياق الثناء!
قال تعالى: "ولله الأسماء الحسنى"
وقال: "ولله المثل الأعلى"
فهل يرضيك هذا. . .؟
إنه يا أخي. . . قضية "الدعاء والثناء" فنحوها وجّه مستعلمك المؤمن ودع عنك هذا الهراء!
وهدانا الله وإياكم أجمعين. . .
ـ[ابوهادي]ــــــــ[13 - 03 - 07, 06:34 م]ـ
جزاكم الله خيرا اخواني
فقد بينتم شبهةالاخ غيث هدانا الله واياه
فسبحان الله ليته يتأمل
ـ[عبدالرحمن ناصر]ــــــــ[18 - 03 - 07, 03:31 م]ـ
الأخ غيث:
الاية (سبحانك ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين)
قال ابن كثير:
... أي لسلامة ماقالوه ـ أي المرسلين ـ في ربهم وصحته وأحقيته أهـ
فهنا نفى قول المشركين فيه سبحانه وتصحيح ماقاله المرسلون فيه من وصف
والله أعلم
ـ[عبدالرحمن ناصر]ــــــــ[18 - 03 - 07, 03:32 م]ـ
الأخ غيث:
الاية (سبحانك ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين)
قال ابن كثير:
... أي لسلامة ماقالوه ـ أي المرسلين ـ في ربهم وصحته وأحقيته أهـ
فهنا نفى قول المشركين فيه سبحانه وتصحيح ماقاله المرسلين فيه من وصف
والله أعلم
ـ[محمد الباهلي]ــــــــ[18 - 03 - 07, 05:47 م]ـ
أظنك تراني وقعت في فخها!!.
فاستدللتَ علي بما لا دليل عليه عند "مادّة السلف" من النبي وأصحابه, بشيء مثله, -أقصد "العقيدة"- التي لا دليل عليها من لسانهم ....
ويكفي أن تنتبه إلى "الهلالين" التنصيصيين الذين حوّطت بهما "العقيدة", ليعلم من يعلم أنني قصدت بها "افتراض" الصحة ... وذلك عند من عنده أدنى علم بالترقيم!.
فيعود السؤال على أوله في "الصفات" و"العقيدة" سواء بسواء, ولكنني أحببت أن أعرضها واحدة واحدة!.
عندما تريد يا غيث إعادة السؤال على أوله فإن الإجابة السابقة تعود لك، والذي يريد معرفة الحق لا ينتصر لنفسه، وإذا غلب وقهر بالحجة لا يبحث عن المخارج ويكثر المراوغة.
ـ[غيث أحمد]ــــــــ[18 - 03 - 07, 05:57 م]ـ
حُذف
## المشرف ##
ـ[عبد الرحمن راجى]ــــــــ[19 - 03 - 07, 04:48 م]ـ
ما شاء الله على لينكم وتوادكم وتراحمكم وترفّقكم!!.
ذكرتمونا بلينة عريكة النبي صلى الله عليه وسلم!!
سبحان الملك:
والله الأخوة الكرام الذين قاموا بالرد على الأخ إمتثلوا حقا هدى النبى صلى الله عليه وسلم.
ماشاء الله: أدب راقى والله، ما أحد تطاول عليه بالقول أبدا ...
ومع ذالك الأخ غيث - أصلح الله حالنا وحاله - يستنكر ردودهم الراقية الهادفة العلمية القصيرة البليغة!!
بارك الله فى أمثال هؤلاء الأخوة الكرام .....
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/12)
ـ[راشدالراشد]ــــــــ[19 - 03 - 07, 05:04 م]ـ
قال الإمام البخاري (6940) - حدثنا محمد حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثنا عمرو عن ابن أبي هلال أن أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدثه عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم ب {قل هو الله أحد}. فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (سلوه لأي شيء يصنع ذلك). فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أخبروه أن الله يحبه).
وأخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة قل هو الله أحد رقم (813).
ـ[أبو عبدالله بن جفيل العنزي]ــــــــ[20 - 03 - 07, 01:55 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي غيث أحمد، هدانا الله وإياك إلى الحق
مسألتك تعود عليك جذعة ...
أنت ـ لا شك ـ تثبت أن لله تعالى رحمة وحكمة وعزة وإرادة وقدرة ويد ووجه وكلام ونحوها مما أثبته الله تعالى لنفسه.
فإذ أنت أثبتّها ومنعت من تسميتها (صفات) فماذا تسميها؟!!
ـ[أبو تامر المصري]ــــــــ[21 - 03 - 07, 11:12 م]ـ
جزاكم الله جميعا عنا خيرا،
وفتح الله عليكم،
وبارك الله فيكم،
هكذا تكون الاخوة،
عونا على طريق الهدى.
وفقكم الله.
ـ[أبو ربانى]ــــــــ[25 - 03 - 07, 08:31 ص]ـ
ألأخ الفاضل صاحب الردود النارية من جنس " لو كنت شممت رائحة العلم " هل كان هدى النبى صلى الله عليه و سلم ما تفعل أم تظن أنك فى زمن ألأمام مالك صاحب" أخرج فإنى لا أراك إلا مبتدعا " أنصحك بالروية و الهدوء مع المخالفين و إلا حرمت نعمة العلم قال تعالى " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى "
ـ[ياسر السيلي]ــــــــ[27 - 03 - 07, 11:04 م]ـ
بل يا أخ رباني واضح أن غيث هذا يكابر فما ذكره الأخوة من الأدلة على ما أراد واضحة وكافية لمن أراد الحق ومع ذلك هو يحيد عنها ويأتي بشبهات واهية .. حقاً لا يقولها من شم رائحة العلم!!
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[27 - 03 - 07, 11:12 م]ـ
ألأخ الفاضل صاحب الردود النارية من جنس " لو كنت شممت رائحة العلم " هل كان هدى النبى صلى الله عليه و سلم ما تفعل أم تظن أنك فى زمن ألأمام مالك صاحب" أخرج فإنى لا أراك إلا مبتدعا " أنصحك بالروية و الهدوء مع المخالفين و إلا حرمت نعمة العلم قال تعالى " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى "
هذه مشكلة الإنتقائيين
لا يعرفون من الكتاب والسنة إلا ما يحبون
أما بلغك قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ((بئس خطيب القوم أنت))
وقوله لمعاذ ((أفتانٌ أنت يا معاذ))
وقوله ((إنك امرؤ فيك جاهلية))
ولو رأيت الموضوع منذ البداية لرأيت كيف تلطف الأخوة معه حتى وصل الأمر إلى حدٍ استبانت فيه مكابرته
ولو رأيت رده على كلامي ووصفه إياي بالوقاحة والكبر
وسكوتي عنه بحلم
لعرفت من يتبع منهج السلف حقاً
ولكن عين السخط تبدي المساويا
الرجل يتكلم في أسماء الله وصفاته بما يخرق إجماع السلف
وليس عنده ما يقارع به القوم
إلا الهنبثات
والحمد لله في الملتقى الكلمة العليا لأهل السنة
ونستطيع أن نقول لكل مبتدع ومخذل
(اخرج من هنا فلا مكان للبدع ولا للتخذيل)
ـ[أبو ربانى]ــــــــ[28 - 03 - 07, 12:28 ص]ـ
جزاكم الله كل خير و أدعو لى بالهداية و الشفاء
ـ[عبد الرحمن راجى]ــــــــ[28 - 03 - 07, 12:40 ص]ـ
بارك الله فيك يا اخ عبد الله الخليفى، قلت فأوجزت.
صبركم الله على ما تلاقونه من نماذج، لا تنظر إليكم إلا بعين ناقدة ...
الرجل يتكلم كلاما عجبا، ويجادل من أجل الجدل، ويتبع منهج خالف تعرف دون أدنى حجة، وكأن المطلوب من الاخوة إذا عرض أى حد رأيا أن يعتبروه دليلا مسلما به أو قولا يستساغ ..
مع أن الرجل يدعى اتباعا لمنهج السلف الأوائل، فأتوا له بالمنقول والمعقول، ولكن مبدأهم فى المجادلة " عنزة ولو طارت " ..
وأنا جادلت كثيرا مع هؤلاء الاخوة السلفيين، ولكن لمعرفة الحق، فوجدت أن كبارهم سنا أكثرهم عقلاء فضلاء كرماء حكماء .. ، فكم استفدت منهم لما كان غرضى الإستفادة من علمهم
مع انى أرى أن كثير من الشباب من السلفيين يفتقدون كثيرا من الحكمة ..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/13)
وعند محاورتى مع هؤلاء الكبار لم يكن يهمنى بعد الجمل التى تخرج أثناء الحوار، بل أهتم بالمضمون، فأحيانا قد يحتمى النقاش
فطالما المشاركة فيها دليل كنت اذهب خلفه ولا يعننى أطراف الجمل ..
وقرأت مقطعا لأحدهم اعجبنى، وعرفت مدى المعناة التى يقابلونها، ووافقته على ذالك بخبرة عن هؤلاء، فهم حقا يفنون أعمارهم فى طلب العلم الشرعى، فلم يجدوا منفذا لدعوتهم إلا على هذه الشبكة إما أن يفيد أو يدفع ضررا، فيأتى أحد الشباب الفاضى أو صاحب فكر مخالف أو أو، فيضيع وقتهم فيما لا يفيد.
فما أجمل ما قال:
المشكلة أنك تتحاور فى شبكة المساواة الظالمة حين تزول الفوارق بين من ضاع عمره فى طلب العلم وبين من لم يقرأ صفحة واحدة فيما يتعلق بما يتصدى لنقضه، فلا حياء، ولا جمارك على الدعوى، ولا رقيب والحكم فى معظم الأحوال صبى صغير أو مراهق سطحى التفكير فرضه عليك حكما حرصك عليه وغيرتك على دينك فى زمان العولمة .. إن الصعوبة هنا أى فى الحوارت على الشبكة والتى دُفعنا إليها حرصا على ضعاف العقول من شباب النت ليست فى مدافعة الباطل فى حد ذاته ولا فى إظهار الحق بل أنت محتاج أيضا لتزيين الحق وتقبيح الباطل محتاج إلى جانب استخدامك للبرهان أن تستخدم الخطابة والشعر لتؤثر فى النفوس التى لا تعقل سوى لغة الكخ والإع هذه على الحقيقة هى المشقة التى نعانى منها إنك فى كثير من الأحوال تحتاج لتزيين كلامك بعبارات أجنبية وصور وقص وروايات وربما تشدقات على الرغم من أنك تمتلك الدليل الساطع والبرهان الجازم لا لشىء سوى أنك تحارب فى أرض السفاهة حيث لا شىء يعدل السطحيات ولا شىء يعلو فوق القشور، لكنك وفى نفس الوقت مضطر للتمسك بالحق والعقلانية ليس فقط مراعاة للقلة القليلة من العقلاء التى تأبه بمثل تلك الحوارات لسبب أو لآخر بل لدوافع وأسباب أخلاقية وشرعية تحتم على المسلموأن يكون صادقا مع نفسه وألا يكون إمعة.
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[28 - 03 - 07, 01:03 ص]ـ
والله وبالله وتالله
هذا سبب من أسباب تركي الملتقى سابقاً
وأما الأخ أبو رباني
فأسأل الله أن يهديني وإياك ويشفيني وإياك من أمراض القلوب والأبدان
ـ[حرملة بن عبد الله]ــــــــ[28 - 03 - 07, 05:14 ص]ـ
يا أخانا غيث ...
يلزم من كلامك هذا أن نحذف من الكتب والعلوم كل لفظة أو كلمة لم يتكلم بها الرسول صلى عليه وآله وسلم و نردد النصوص دون أن نشرح بها و لو بكلمة و نحرق كل ما عداها وهذا يتعارض مع الأدلة المتضافرة التي تحث على تبيين الدين وشرحه فإذا تمكنت من فهم النصوص دون أن تستعين في فهمه بأية وسيلة ناقش عندها في اقصاء لفظة الصفات.
ـ[علي ياسين جاسم المحيمد]ــــــــ[28 - 03 - 07, 05:28 ص]ـ
ما شاء الله
اقرأ قوله تعالى ((سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّايَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ))
ماذا تفهم من هذا الإستثناء؟
هذا أحسن رد وجدته بارك الله فيك أخي على هذا الاستدلال
ـ[جمعه بن آل طاحون]ــــــــ[28 - 03 - 07, 07:23 م]ـ
بعدما طالب الأخ غيث أحمد دليلا من الكتاب والسنة على لفظ الصفة فأتاه الأخوه الفضلاء بمراده وجدناه يقول:
فيبقى أخي أن "السلفية الحقة" التي تقوم على "فهم" السلف الصالح من النبي وأصحابه, أن لا نقول ما لم يقولوه, وما لم يقولوا ب"الصفات" فهم أعلم وأسلم وأحكم.
فما دمت يا شيخي الفاضل قد ارتضيت مسلك السلف الصالح وارتأيت رأيهم واخترت فهمهم فلا علينا إن قبلنا الانضواء معك تحت رايتهم وأظنك وأنت طالب حق أن تتقبل النصوص التي سأوردها من كلامهم رضي الله عنهم لتعرف أن الناصحين لك لم يخالفوا السلف وإنما أرادوا بك خيرا غفر الله لي ولك
فدونك أخي وفقني الله وإياك بعضا من كلام السلف الذي يدل على أنهم كانوا يتكلمون بلفظ الصفة ونحوها وهذا غيض من فيض
أخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال تكلمت اليهود في صفة الرب تبارك وتعالى فقالوا ما لا يعلمون ولم يدروا فأنزل الله عز وجل وما قدروا الله حق قدره ثم بين عظمته للناس فقال والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموت مطويت بيمينه سبحنه وتعالى عما يشركون فجعل صفتهم التي وصفوا بها الله تبارك وتعالى شركا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/14)
قال الأوزعي رحمه الله: كنا والتابعون متوافرون نقول ان الله على عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاتهأخرجه البيهقي وصححه الذهبي وابن تيمية وجوده الحافظ في الفتح
وقال ابن الماجشون أما بعد فقد فهمت ما سألت عنه فيما تتابعت الجهمية في صفة الرب العظيم الذي فاتت عظمته الوصف والتقدير وكلت الألسن عن تفسير صفته وانحسرت العقول دون معرفة قدره فلما تجد العقول مساغا فرجعت خاسئة حسيره وإنما والتفكر فيما خلق وإنما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان أما من لا يحول ولم يزل وليس له مثل فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو والدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها من تحقيق صفة أصغر خلقه لا يكاد يراه صغرا يحول ويزول ولا يرى له بصر ولا سمع فاعرف غناك عن تكليف صفة مالم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها فأما من جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكليفا فقد استهوته الشياطين في الأرض حيران
صححه ابن تيمية والذهبي وابن القيم
وقيل لابن المبارك: يا أبا عبد الرحمن إني أكره صفة الرب جل وعز (يعني الكلام فيها) فقال له عبد الله بن المبارك أنا أشد الناس كراهة لذلك ولكن إذا نطق الكتاب بشيء وإذا جاءت الآثار بشيء جسرنا عليه
أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة
قال أبو عبد الله البخاري (كتاب التوحيد باب قل أي شيء أكبر شهادة قل الله): وسمى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن شيئا وهو صفة من صفات الله
وقال في خلق الأفعال ويقال له (أي للجهمي): أترى القرآن في المصاحف؟ فإن قال: نعم، فقد زعم أن من صفات الله ما يرى في الدنيا، وهذا رد لقول الله عز وجل: (لا تدركه الأبصار) في الدنيا (وهو يدرك الأبصار)
وقال أيضا: وقال عز وجل: {فلا تجعلوا لله أندادا}، فليس لصفة الله ند، ولا مثل، ولا يوجد شيء من صفاته في المخلوقين
قال الطبري (1/ 95) والرحمة من صفاته جل ذكره
وقال أيضا (1/ 481): غير جائز أن يكون من القرآن شيء خير من شيء لأن جميعه كلام الله ولا يجوز في صفات الله تعالى ذكره أن يقال بعضها أفضل من بعض وبعضها خير من بعض
وقال في تفسير سورة الزمر: بل"يد الله" صفة من صفاته، هي يد، غير أنها ليست بجارحة كجوارح بني آدم
فماذا بقي؟؟؟؟
لم يبقي اخي الكريم ابو خالد الا ان ندعوا لك بالفقه والعلم والتوفيق والسداد فهذه في راي افضل مشاركة في هذا الموضوع بالاضافة الي ما افاده اخواننا الكرام فجزاك وجزاهم ربي خيرا وما زال الموضوع يحتاج للمشاركة فهل من مزيد؟
ـ[جمعه بن آل طاحون]ــــــــ[28 - 03 - 07, 07:33 م]ـ
اخواني الكرام
حيا الله الجميع
نقول وبالله التوفيق ان هذه الالفاظ درج عليها الكثير من اهل السنة حديثا وقديما وهي تدخل في قولنا لا مشاحة في الاصطلاح فهذه الالفاظ ان وافقت او لم توافق حرفا شرعيا نطق به النبي فلا بد من النظر فيها من وجهين؛
الاول؛ من حهة الاصطلاح وقلنا لامشاحة في الاصطلاح
الثاني؛ من جهة عوارض المعاني فنقول ان وافق استخدام هذا اللفظ معني شرعي مناسب قلنا به والا فلا
وبالنظر في كلمة صفات او صفة فان المانع منها يدافع عن ذلك المنع ليقرر ان الله عز وجل ليس له صفات تعالي الله عما يقولون علوا كبيرا
فان كان غرضه كما يدعي اتباع السلف فقد نطق بها السلف كما ذكر اخونا ابو خالد حفظه الله
والسلف نزلوها علي معني شرعي يناسبها
وجزاكم الله خيرا
ـ[النذير1]ــــــــ[11 - 08 - 07, 03:03 ص]ـ
السلام عليكم،
واضح أن الأخ غيث ينتمي لجماعة تسمي نفسها أهل القرآن،
وشيخهم يدعى صلاح أبو عرفة، وهذا موقعهم لمن يرغب من طلبة العلم بالاطلاع على أقوالهم والرد عليهم، وهم ليسوا من السلفيين بل يعيبون على السلفيين تمسكهم بأقوال الصحابة والسلف
http://www.ahlulquran.com/new/index.asp
ملاحظة إذا رأى المشرف أن من الأفضل محو رابط موقعهم فليفعل ولكنني وضعته ختى يعرف الناس من هؤلاء
ـ[غيث أحمد]ــــــــ[11 - 08 - 07, 03:22 م]ـ
حُذف
وطرد هذا الجاهل العقلاني المنكر للسنة المدعو (صلاح أبو عرفة)
ونبشره وغيره من أهل الضلال أن الملتقى لهم بالمرصاد، ولن يسمح لهم بالترويج لبدعهم بين أهل السنة
إن عادت العقرب عدنا لها == وكانت النعل لها جاهزة
## المشرف ##
ـ[يحيى صالح]ــــــــ[11 - 08 - 07, 06:58 م]ـ
الأخ الفاضل / المشرف
جزاك الله خيرا
صبرت عليه كثيرا وبانت الحجة، ليت الموضوع يغلق
الإخوة الفضلاء المشاركون بالموضوع
جزاكم الله خيرا
أبديتم الحق وأعنتم عليه ما بقليله ينتفع الطالب، وعلى كثيره يعترض المشاغب
ظهر الحق واندحر المبطلون
ـ[أبو بكر البيلى]ــــــــ[12 - 08 - 07, 02:13 ص]ـ
ما شاء الله .. بارك الله لكم جميعاً ..
ما أعظم ما رأيت من تصدي لهذه الشبهة ..
واسأل الله أن يُوفق الجميع , وكذلك أدعوهم إلى الإشتراك في هذا الملتقى http://www.alaqida.com/vb/
فكم يحتاج إلى طلبة علم للرد على الشبهات التي يُلقيها المبتدعة.
ونقول أيضاً للمُبتدعة: دعوا هذا الملتقى المبارك نظيف من شبهاتكم , وتعالوا إلى هذا الملتقى http://www.alaqida.com/vb/
لنفحمكم بردنا على شبهاتكم.
والله المستعان وهو حسبي ونِعم الوكيل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/15)
ـ[البتيري]ــــــــ[12 - 08 - 07, 01:21 م]ـ
شكر الله لكم و شفى الله غليلكم
وبارك الله فيكم
وزادكم علما نافعا
وجعلنا واياكم من المدافعين عن السنة الناصرين لها. القامعين للبدعة المحاربين لها.(35/16)
الكتب التي تحدثت عن صفة (الدنو).
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[15 - 09 - 06, 05:28 م]ـ
لم أجد مؤلفا من مؤلفات العقيدة أشبعت هذه الصفة بحثا واستدلالا وردا لشبه المتأولين، فهل مر بكم شيئا حول ذلك.
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[17 - 09 - 06, 05:47 م]ـ
إخواني
ألا يوجد مرجع تحدث عن الصفات التي تأولها أهل البدع، ورد عليهم وناقش شبههم؟!
ـ[محمد بن القاضي]ــــــــ[17 - 09 - 06, 07:35 م]ـ
ما المقصود بالدنو؟؟
القرب؟؟؟
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[17 - 09 - 06, 10:03 م]ـ
نعم أخي
ـ[أبوالوليد السلفي]ــــــــ[18 - 09 - 06, 07:35 ص]ـ
إخواني
ألا يوجد مرجع تحدث عن الصفات التي تأولها أهل البدع، ورد عليهم وناقش شبههم؟!
نعم أخي الكريم. كتاب " دفع إيهام التشبيه عن أحاديث اصفات و نقد كتاب (تأويل الأحاديث الموهمة للتشبيه) المنسوب للحافظ السيوطي "
هذا الكتاب تأليف الأستاذ الدكتور محمد بن عبدالله السمهري , و هو صادر في دار بلنسية. و الكتاب متميز جداً في هذا الباب.
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[26 - 09 - 06, 12:24 ص]ـ
هل كتاب دفع إيهام التشبيه
تحدث عن صفة الدنو؟
وهل شيخ الإسلام له كلام حول هذه الصفة؟
ـ[أبو شهاب الأزهري]ــــــــ[25 - 10 - 06, 03:14 م]ـ
نقلًا عن ((دفع إيهام التشبيه)) (ص185 - 187):
((قال السيوطي في قوله تعالى: {دنا فتدلى}: بالمكانة لا بالمكان.
التعقيب:
{دنا فتدلى}: هذا النص جاء في كتاب الله في سورة النجم، وجاء في السنة في حديث الإسراء والمعراج.
والسيوطي لم يشر إلى المراد منهما، فإن فاعل الدنو والتدلي في كل من الموضعين مختلف.
فالمراد بـ الدنو والتدلي المذكورين في قوله تعالى: {ثم دنا فتدلى. فكان قاب قوسين أو أدنى}.
المراد به: دنو جبريل عليه السلام، وتدليه، كما حقق ذلك العلامة ابن القيم (انظر: زاد المعاد 3/ 38)، وقد أبطل قول من قال: إن الذي دنا فتدلى في الآية هو الله، من ستة عشر وجهًا (انظر: مدارج السالكين 3/ 334 - 337).
أما الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء والمعراج، فهو دنو الرب وتدليه، كما جاء مصرحًا به في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان من قاب قوسين أو أدنى .. )) (انظر: صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 13/ 477).
الدنو والتدلي المضاف إلى الله من صفاته التي تليق بجلاله وعظمته، وهو لا يتنافى مع علوه - سبحانه - على عرشه.
وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة. أما ما ذكره السيوطي من تأويل: ((الدنو)) بالمكانة لا المكان. فهو خطأ. ومراده إنكار علو الله. وقد تقدم بيان بطلان ذلك (انظر: ص115 إلخ).
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية كلامًا لشيخ الحرمين أبي الحسن محمد بن عبد الملك الكَرَجِي. ساق فيه مجموعة من أحاديث الصفات ومنها صفة الدنو والتدلي الواردة في حديث الإسلاء والمعراج المتقدم آنفًا، ثم ختم كلامه ذلك بقوله: "إلى غيرها من الأحاديث هالتنا أو لم تهلنا، بلغتنا أو لم تبلغنا، اعتقادنا فيها، وفي الآي الواردة في الصفات: أنَّا نقبلها ولا نحرفها ولا نكيفها، ولا نعطلها، ولا نتأولها، وعلى العقول لا نحملها، وبصفات الخلق لا نشبهها، ولا نُعمِلُ رأينا وفكرنا فيها، ولا نزيد عليها ولا ننقصمنها، بل نؤمن بها، ونَكِلُ عِلْمَهَا إلى عالِمِهَا كما فعل ذلك السلف الصالح وم القدوة لنا في كل علم" (انظر: مجموع الفتاوى 4/ 185).)) أ. هـ والعزو المذكور في ثنايا النقل منقول من عزو المؤلف.
وراجع كتاب: ((صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة)) للشيخ علوي بن عبد القادر السقاف - حفظه الله - (ص89 - 90)، نقل فيه كلامًا عن شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا.
ـ[صقر بن حسن]ــــــــ[25 - 10 - 06, 03:39 م]ـ
أخي الكريم رعاك الله
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير قوله تعالى: {وناديناه من جانب الطور الأيمن}:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/17)
" وإذا كان المُنادي هو الله رب العالمين، وقد ناداه مِن مَوضع مُعين وقَرَّبَهُ إليهِ، دَلَّ ذلكَ على ما قالَهُ السبف مِن قُربِهِ ودُنوِّهِ مِن مُوسى عليه السلام، مع أن هذا أقرب مما دون السماء " - إلى أن قال -: " وهو سبحانه وتعالى وقد وصفَ نفسَهُ في كتابه وفي سُنةِ نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقُربهِ مِن الدَّاعي، وقُربهِ مِن المُتقرِّبِ إليه، فقال تبارك وتعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أُجيبُ دعوةَ الداعي إذا دعانِ} البقرة آية 186. وثبت في الصحيحين عن أبي موسى: أنهم كانوا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في سفر، فكانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير فقال: {أيها الناس أربعوا على أنفسِكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً قريباً، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنقِ راحلته} وفي الصحيحين عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقول الله تبارك وتعالى: {من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً تقربتُ إليهِ باعاً، ومن أتاني يمشي أتيتهُ هرولة}. وقُربُهُ مِنَ العِباد بتقربهِم إليه مما يُقِرُّ بِهِ جميعُ مَن يقولُ: إنهُ فوق العرش ". - إلى أن قال -: " والذين يُثبتونَ تقريبهُ العباد إلى ذاتهِ هو القول المعروف للسلف والأئمة، وهو قول الأشعري وغيره من الكلابية؛ فإنهم يُثبتون قُربَ العِباد إلى ذاته، وكذلك يُثبتون استواءه على العرش بذاته ونحو ذلك، ويقولون: الاستواء فعلٌ فعلهُ في العرش فصار مستويا عليه العرش، وهذا أيضا قول ابن عقيل وابن الزاغوني وطوائف من أصحاب أحمد وغيرهم، وأما دُنُوُّهُ نفسُهُ وتَقَرُّبُهُ مِن بعضِ عِبادهِ فهذا يُثبتهُ مَن يُثبتُ قيام الأفعال الاختيارية بنفسه ومجيئُه يومَ القيامةِ ونزولُهُ واستواءُهُ على العرشِ، وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الإسلام المشهورين وأهل الحديث، والنقل عنهم بذلك متواتر. وأول من أنكر هذا في الإسلام الجهمية ومن وافقهم من المعتزلة ... " إنتهى كلامه.
انظر شرح حديث النزول ص 102 - 105 تحقيق شيخنا زهير الشاويش الطبعة الأولى عام 1389 هـ
وقال الإمام الذهبي: " ومن عقيدة أئمة السنة السلف والخَلَف أن نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عُرجَ بهِ إلى السموات العُلى عِندَ سِدرَةِ المُنتهى، فكان مِنهُ قاب قوسين أو أدنى، وفرضَ اللهُ حينئذٍ عليه الصلاة، فنزل ومر على موسى فأخبرهُ فقال: {إني قد خَبَرتُ الناس قبلكَ، إن أمتكَ لا تُطيقُ خمسين صلاةً فارجع إلى ربكَ فسله التخفيف} وأحاديث المعراج تقدَّم بعضُهَا وهي طويلة ٌ مشهورة ٌ، جمعها الحافظ عبدالغني في جزائن له، فلو كان معراجهُ مناماً ورُقِّيُّهُ إلى عِند سِدرةِ المُنتهى في عالم السِّنَةِ والفِكْرِ كوقائع العارفين لما كانَ للمصطفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ذلك كبيرُ مزية على كثير من صالحي أمته .. ". إنتهى كلامه انظر كتابه العلو للعلي الغفار ص 80 - 81 تحقيق عبدالرحمن محمد عثمان الطبعة الثانية عام 1388 هـ
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[11 - 11 - 06, 04:18 م]ـ
هل توجد رسالة عالمية ناقشت هذه المسألة
ـ[أحمد بن حماد]ــــــــ[11 - 11 - 06, 05:31 م]ـ
هل توجد رسالة عالمية ناقشت هذه المسألة
تكلم عنها الشيخ سليمان بن محمد الدبيخي في كتابه (أحاديث العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في الصحيحين .. دراسة وترجيح) وهي رسالة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الماجستير من قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وقد أجيزت بتقدير ممتاز مع التوصية بطبعها.
وقد نقلت لك في المرفقات الجزء الخاص بمسألة القرب.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه
ـ[أحمد بن حماد]ــــــــ[11 - 11 - 06, 05:58 م]ـ
..........(35/18)
قصة انتقال علامة تونس (محمد المكي بن عزوز) من القبورية إلى السلفية
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[15 - 09 - 06, 06:56 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كان الشيخ التونسي (محمد المكي بن عزوز) - الذي يقول عنه الكتاني في فهرس الفهارس 3/ 856: " كان مُسند أفريقية ونادرتها، لم نر ولم نسمع فيها بأكثر اعتناء منه بالرواية والإسناد والإتقان والمعرفة ومزيد تبحر في بقية العلوم .. الخ مدحه - كان - رحمه الله - في بداية شبابه - أيام عيشه بتونس زمن الدولة العثمانية، من دعاة القبورية المناوئين لدعوة الكتاب والسنة , وقد ألف - حينها - عدة كتب، منها كتابه " السيف الرباني في عنق المعترض على الغوث الجيلاني " يرد فيه على من أنكر كرامات الشيخ الشهير عبدالقادر الجيلاني وما نُسب إليه من خرافات. وقد تهجم فيه على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - لجهله بها -، وجوّز الاستغاثة بالأموات. (ص 35). ثم حرص على توزيع كتابه هذا في أنحاء بلاد المسلمين، فوقعت نسخة منه بيد علامة العراق الشيخ السلفي محمود شكري الألوسي - رحمه الله -، الذي بادر بعد قراءته للكتاب إلى مناصحة صاحبه بإرسال خطاب وعظي رفيق، دون أن يكتب اسمه عليه، مرفقٌ به أحد كتب علماء الدعوة السلفية. ولعل هذه الهدية قد صادفت قلبًا متجردًا من ابن عزوز قادته - بإذن الله - إلى الحق، حيث تغيرت أحواله بعد انتقاله من تونس إلى الأستانة بتركيا.
يقول علامة الشام جمال القاسمي في رسالته إلى الألوسي - ولم يدرِ برسالة الألوسي السابقة لابن عزوز -: " إن حضرة العالم النحرير، سليل العلماء الأفاضل السيد محمد المكي بن عزوز التونسي نزيل الأستانة كان من أشداء المتعصبين للجهميين والقبوريين، ثم بصّره الله تعالى الحق فاعتنقه، وأصبح يدافع عنه.
وهذا الفاضل لشهرة بيته ونباهة أمره يُعدُّ بألوف، وقد هاجر من نحو اثني عشر عاماً من تونس إلى الأستانة، وكان رد على الصيادي في تأليف سماه: "السيف الرباني في الرد على القرماني" .. ثم إن الأستاذ الكبير صفينا البيطار لما زار الأستانة هذا العام مع الوفد الدمشقي زار السيد وجرَّ البحث إلى مسائل سلفية، ثم إن الأستاذ كاتبه من شهر فأجابه الآن بجواب نقلت محل الشاهد منه، وأشرت إلى طالب عندنا فنقل صورة ما نقلته وترونه طي هذا الكتاب. وإذا كان لمولانا أيده الله أصدقاء في الأستانة يكاتبهم فلا بأس بمكاتبة السيد المنوَّه به، وإني في هذا البريد سأكتب له بما أرسلت لفضيلتكم من كلامه، وأُعرفه بسامي مقامكم، عساه يزداد بصيرة ونوراً، فالحمد لله على توفيق هذا السيد وهدايته لما هُدي له ".
وقد أورد القاسمي نص رسالة ابن عزوز للبيطار، وهي:
" كتبتُ إلى حبيب لي في المدينة المنورة ما نصه: سؤال خصوصي: أخبرني بإنصاف، واعلم أنك مسؤول في عرصات القيامة عن ذلك، أخبرني عن الوهابية الذين ترون: معاملاتهم، وحالتهم مع السنة، والحضرة النبوية، فأنا إلى الآن ما اجتمعت بوهابي، وقد تناقضت عندي المسموعات بالأذن والمرئيات في الكتب بالأعين؟ وبيان التناقض نقرِّره لك يا حبيب لتعرف كيف تجيبني، فإن المقام خطير: بعض الناس يقولون: الوهابية يحقرون المقام النبوي، ولا يرون فرقاً بينه وبين بقعة خالية في الأرض، ويقولون لمن شرب الدخان أشركت بالله، وهذا لا معنى له، ويضللون من أثنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنارة، ويكفرون من زار قبراً ودعا الله عنده ويستحلون دمه.
وهؤلاء القادحون فيهم يقولون على سبيل القدح: هم تابعون ابن تيمية أحمد تقي الدين، فهنا جاء التناقض، فإن ابن تيمية إمام في السنة كبير، وطود عظيم من أطواد العرفان، حافظ للسنة النبوية، ومذهب السلف، يذب عن الدين، ويقمع المارقين؛ كالمعتزلة والقدرية، والرافضة والجهمية، ما فارق سبيل الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة قيد أنملة، وإن كان حنبلياً في الفروع، فهو في أصول الدين جامع لمذاهب الأربعة الأئمة، والأربعة الخلفاء الراشدين ومن سلك سبيلهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/19)
فإن كان الوهابية حقيقة على منهج ابن تيمية وابن القيم ونحوهما من فقهاء الحنابلة السنية فهم أسعد الناس بالشريعة؛ لأن ابن تيمية وأصحابه لم يُسيء القول فيهم إلا القاصرون عن درجاتهم، علماً وتحقيقاً، والراسخون في العلم شهدوا بعلو مكانتهم. وإن كان الوهابية مُتَّصفين بالصفات الذميمة المشار إليها أولاً، فأول خصم لهم ابن تيمية ونظراؤه من أئمة الحنابلة، فليسوا بتابعيهم. وبعض الناس يقولون: الوهابية هم القائمون بالسنة، المتجنبون للبدع، المتبعون للحديث الشريف، وعلى مذهب أحمد بن حنبل وطريقة السلف في الاعتقاد. وقد كنت طالعت الرسائل المؤلفة من محمد بن عبدالوهاب وأصحابه، ورأيت ما كتبه الجبرتي في "تاريخه" من عقائدهم وسيرتهم، فما هي إلا طريق السنة ليس فيها ما يُنكر. ورأيت رسائل القادحين فيهم ينسبون لهم الدواهي والعظائم، والوهابية ينفون ذلك عن أنفسهم، لا يحتجون لحسن تلك القبائح. تنبه للفرق بين قول المتنصل مما نُسب إليه وقول محسِّن ما نُسبَ إليه: فالأول منسلخ من اعتقاد ذلك وفعله، معترفٌ بقبحه، مكذب لمن وصفه به. والثاني معترف باتصافه. تأمل هذه النقطة، وفي الحقيقة: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسئلون عما كانوا يعملون).
فأنا أسألك عن الوهابية الحاضرين في عصرنا، فإن رجلاً أخبرني أنهم يكونون مقيمين في المدينة، ويأتون إلى المسجد ولا يقفون على القبر الشريف يسلمون عليه وعلى الصاحبين ونحو ذلك، فإن صح هذا فما أشبه هذا الجفاء بالعداوة لصاحب القبر الشريف. فأريد منك أن تجتمع بفلان وفلان في محل لا رابع لكم إلا الله، فإن زدتم آخر تعرفونه مثلكم فيما ألاحظه منكم، فذلك عُهدته عليكم، وتقرأون كتابي هذا بتأمل، وتجيبونني بما تحصَّل لكم، ذاكرين قوله تعالى: (وإذا قلتم فاعدوا (. واعملوا أن من البلايا المتسلطة على الدين وإيمان المسلمين أنه صار الذي يصدع بالحديث النبوي الصحيح مقدماً له على عصارة المتفقهين يقال له: أنت وهابي. وأحكي لكم لطيفة: كنت سألت بعض متفقهة مكة الحنفية عن رجل أعرفه من أكبر الفضلاء قلت له: كيف حال فلان؟ فقال لي: ذلك وهابي. فقلت له: كيف وهابي؟ قال: يتبع البخاري!! فلما حكيتها للسيد عبدالرحمن الجزولي عليه الرحمة والرضوان –وأنا نزيل عنده إذ ذاك- ضحك وقال: هل البخاري شيخ الوهابية؟ وقد سمعت كثيراً من الناس يقولون: من يتبع الحديث فهو وهابي، ومن يعتقد عقيدة السلف فهو وهابي، فقلت لهم: أنا لا أعرف الوهابية، وكلامكم يدل على أنهم سنيون صرفاً؛ فقد مدحتموهم مدحاً كبيراً من حيث قدحتم فيهم، نتمنى أن يكون مقلدة المذاهب كلهم هكذا إن كنتم صادقين فيما تقولون، لكن الجاهل يهرف بما لا يعرف، ولذلك يقال له (سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين)، وقال تعالى: (وأعرض عن الجاهلين (. وليكن جوابكم بما شاهدتموه لا بما ينقله المغفلون والأعداء المتعصبون، هدانا الله وإياكم للقول السديد ..
وما أشرتم إليه في مكتوبكم من السير على منهاج الكتاب والسنة وعقيدة السلف، فأنفث نفثة مصدور مغتم القلب بما يرى ويسمع من قلب حقائق الأمور. أنتم منَّ الله عليكم بجلساء موافقين لمشربكم في التماس الحقائق، والتزام أقوم الطرائق، ذوق وإنصاف، واتصاف بأجمل الأوصاف، كرفقائكم الذين شرَّفوا منزلنا وأكرمونا بتلك الأخلاق الكريمة، وكالأستاذ الجمال القاسمي وغيرهم ممن لم نحظ برؤيتهم فبلِّغوهم سلامي، وخلوص غرامي، وأما الحقير هنا -أي في الأستانة- فكما قال القائل:
ما أكثر الناس لا بل ما أقلَّهم
الله يعلم أني لم أقل فندا
إني لأفتح عيني حين أفتحها
على كثير ولكن لا أرى أحداً
فلا أجد من أطارحه مسائل العلم الصحيح؛ لأن الناس بالنظر إلى هذا المقام على قسمين:
جاهل لم يزاول العلم أصلاً، فهو لا يفقه ما نقول، وحسبه إن سأل أن أجيبه بزبدة الحكم، وهو أحب إليَّ ممن عرف بعض العلم إن لم يفتنه فاتن؛ لأنه وإن لم أستفد منه مذاكرة تُفكِّه عقلي، وتنقح نقلي، فقد أفادني من الله أجراً، وقد يكون لغيره سلسبيل تلك الإفادة أجرى.
والقسم الثاني: طالب علم زاول العلم فشمَّ رائحته، وجمد على ما عهد من شيخ مثله، فهذا أحسن أخلاقه أن لا يسمع لقولك ولا يتحدث بما يؤذي، وإنما قلت أحسن، لأن غيره من أهل العناد الحمقى يضللون من خالف ما اعتادوه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/20)
سئلت مرة في مجلس: هل تجوز الاستغاثة بأولياء الله؟ فقلت: لا يستغاث إلا بالله. وفي المجلس شيخ كبير ممن يعاني تدريس العلم عارضني بأنه يجوز، فقلت له: ما دليلك؟ فقام مغضباً قائلاً وهو ذاهب: دليلي قول اللقاني: وأثبتن للأوليا الكرامه
ومن نفاها فانبذن كلامه
فانظروا الدليل وتنزيله على الاعتراض، هؤلاء لا يفرقون بين معنى الاستغاثة، ومعنى الكرامة، وهو من الضروريات.
ومما أتعجب منه وأتأسف، ما رأيته في نتائج مخالطاتي لأهل العلم ومناظراتي ومذاكراتي: أني أجد الشبان والطلبة الصغار أقرب قبولاً للحق، وذوقاً للصواب، وسروراً بالدليل من الشيوخ، وأكثر الشيوخ جامدون على ما ألفوه، ومن أحبارهم ورهبانهم عرفوه، ولا أدري: هل ذلك لطول قعودهم في أرض التقليد صاروا كمن دُقت له أوتاد والتحمت تلك الأوتاد بالأرض، فلا يستطيعون النهوض منها؟ أم لأن غالب الشيوخ أكبر مني سناً؟ فهم يأنفون من أن يستفيدوا ممن هو أصغر منهم؟ أم كيف الحال؟
وعلى كل حال أتذكر عند ذلك قول الشاعر:
إن الغصون إذا قوَّمتها اعتدلت * ولن تلين إذا كانت من الخشب
وإني أحمد الله تعالى على أن أنقذني من أسر التقليد، وصرت إذا رأيت تعنتهم واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أتلو قوله تعالى مذكراً لنفسي آلاء الله: (كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم)، لأني كنت أرى قول فقيه: المعتمد كذا، أو استظهر شيخنا كذا، كأنه بين دفَّتي المصحف، والله بل آكد "أستغفر الله"؛ لأني أقول: الآية لا أفهمها مثله، ونظن كل كلمة قالها مالكي فهي من مقولات مالك أو حنفي فأبو حنيفة أو شافعي ... إلخ والخروج عن الأربعة كالكفر ولو أيده ألف حديث.
والحمدلله الذي عافانا مع بقاء احترامهم ومحبتهم في قلوبنا.
وأخبركم أني لما بدأت في الاستضاءة بنور الحديث ووزن خلافات الأئمة والفقهاء بالأدلة، وصرت أصلي بالقبض والرفع ... إلخ، وذلك سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف، ألقي لي في المنام قوله تعالى: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله)، وقمت بها من المنام على لساني. ولا تنسونا من الدعاء، ودمتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في ذي الحجة سنة 1327 حافظ ودكم. محمد المكي بن عزوز التونسي ". انتهت رسالة ابن عزوز للبيطار. (نقلتها من كتاب: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي، للأستاذ محمد العجمي، ص 101 - 110).
***********************
فأجاب الألوسي على رسالة القاسمي السابقة بقوله: " سرّني ما كان من المراسلة بين السيد محمد المكي وبين السلفيين في دمشق. وهذا الرجل أعرفه منذ عدة سنين؛ فإن كتابه "السيف الرباني" لما طُبع في حضرة تونس أرسل منه لنقيب بغداد عدداً كثيراً من نسخه، فأعطاني النقيب يومئذ نسخة منه، فطالعتها فرأيت الرجل من الأفاضل، غير أنه لم يقف على الحقائق، فلذلك استحكمت الخرافات في ذهنه فتكلم على السلفيين، وصحح بعض الأكاذيب التي يتعلق بها مبتدعة الصوفية، وغير ذلك من تجويز الاستغاثة، والتوسل بغير الله، وإثبات التصرف لمن يعتقد فيهم الولاية، والاستدلال بهذيان ابن دحلان ونحوه ... كما ترى بعضاً من ذلك في الورقة المنقولة عن كتابه. فأرسلت له كتاب "منهاج التأسيس" مع التتمة المسماة "بفتح الرحمن"، وذلك سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، وكان إذ ذاك في تونس لم يهاجر بعد، ولم أعلمه بالمرسل، ويخطر لي أني كتبت له كتاباً أيضاً التمست منه أن يطالع الكتاب كله مع التمسك بالإنصاف، ولم أذكر أسمي ولا ختمته بختمي، وأرسلت كل ذلك إليه مع البريد الإنكليزي. وبعد ذلك بمدة هاجر إلى القسطنطينية، وكان يجتمع كثيراً مع ابن العم علي أفندي ويسأله عن كتب الشيخين ويتشوق إليها.
وقد اجتمع به ابن العم في هذا السفر الأخير وأخبرني عنه أنه الآن تمذهب بمذهب السلف قولاً وفعلاً وأصبح يجادل أعداءه، ويخاصم عنه. ولم يزل يتحفني بسلامه، ويتفضل علي بالتفاته ". (المرجع السابق، ص 113 - 115).
***********************
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/21)
قلت: وقد أرسل ابن عزوز بعد هدايته للسلفية رسالة إلى الشيخ الكويتي عبدالعزيز الرشيد صاحب مجلة "الكويت" قال فيها: " دخل علي السرور ما الله به عليم في التعرف بكم وظفري بصاحب مثلكم، وذلك أن قلبي موجع من غربة العلم والدين وأهله وقلة أنصاره. وإيضاح هذا: أني لست أعني بالدين الدين الذي قنع به أكثر طلبة العصر والمنتسبين إلى العلم في الشرق والغرب من كل مذهب من مذاهب أهل السنة. سارت مشرِّقة وسرت مغرباً * شتان بين مُشرِّق ومغرِّب
ولكني أعني بالعلم والدين علم السنة، وما الدين إلا اتباعها وإيثارها على عصارات الآراء وهجومة المتفقهة، وما التوحيد إلا توحيد السلف الصالح، وأما غيره فأشبه بالضلالات وزلقات الهفوات ... إننا نجد فقيهاً تقياً محباً للسنة ومبغضاً للبدعة، متعففاً من تناول الحرام، واقفاً موقف النصح والإرشاد للخلق، حسن النية، لكنه جاهل بعبادات النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه في شؤونه كلها.
وقد يكون عارفاً بها أو ببعضها، ويترك المتابعة النبوية عمداً، لأنها خالفت قول فقهائه، ولو تخبره بإصلاح عبادة أو تحرير حكم شرعي بنص نبوي ينفر منك نفرته من العدو، ورآك مخادعاً، ولربما اتخذك عدواً مبيناً بعد المحبة والصحبة ويحكم بضلالك، كل ذلك لغلوه في التقليد، ولا يخفى أن أولئك لا يقال لهم علماء إلا مجازاً خلاف في ذلك كما قاله ابن عبدالبر وغيره، وتجد آخر متفنناً بعدة علوم، وربما يكون مطلعاً على دواوين الحديث نبيهاً، له همة تنبو به عن التقليد، يبالغ في تتبع الأدلة، فينقلب عن الدين وغيرته في اعتقاد تأثير الطبيعة، حتى ينكر معجزات الأنبياء، وينكر كونها خارقة للعادة ونحو ذلك من القول بنفي حشر الأجساد في الآخرة ونفي تناسل البشر من آدم وحواء. الخ. وإياها أعني في عدة مباحث من (العقيدة الإسلامية) التي رأيتموها بجدة، وبعض هؤلاء أيضاً لهم حسن نية في تعديهم الحدود، فهذان الفريقان اللذان هما على طرفي نقيض، أحدهما مُفرط، والآخر مُفَرط، كلاهما يعدهما المغفلون من علماء الدين، ولكل منهما أتباع وأنصار. (انعق بما شئت تجد اتباعاً).
والقسم الثالث: وهم الأوسطون الذين تفقهوا بفقه الأئمة رضوان الله عليهم، واعتنوا بالحديث الشريف مع تفنن في الأصول والعلوم العربية، ودققوا مسائلهم الدينية، فما كان من الفقه سالماً من مصادمة سنة بقوا عليه، وما صادمها نبذوه وعذروا قائله بعدم بلوغ الخبر له، هذا فيما يتعلق بالعلم العملي، وأما الاعتقادي فهو معذور في الابتداء في كتب المتكلمين، ثم يترقى بطريقة السلف، ولا تؤخذ حقيقتهما إلا من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وصاحبه الذي هو نسخة صحيحة لا تحريف فيها الشمس ابن القيم، فيعتقد ما هناك بأدلة متينة وإيمان راسخ، فيصبح من الفرقة الناجية التي عرّفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم على ما كان عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذا القسم الثالث الذي هو على الصراط المستقيم، المدعو بالهداية إليه في الفاتحة بكل ركعة، قليل في الوجود مع الأسف، قال الله تعالى: (وقليل من عبادي الشكور) فأنا أنظر شرقاً وغرباً فأرى كما قيل:
ما أكثر الناس لا بل ما أقلهم * الله يعلم أني لم أقل فندا
إني لأفتح عيني حين أفتحها * على كثير ولكن لا أرى أحداً
وربما أجد في مليون من الخلق واحداً، فأنا أشد فرحاً من ولادة ولد ذكر لابن الستين الفاقد البنين، ولهذا سررت بكم بعدما تتبعت كتابكم الذي أهديتموه لي، لأني طالما انخدعت للمدعين بطريقة السلف اعتقاداً وتحري السنة تفقهاً، فأجد من آثارهم عند إمعان النظر، أنهم ليسوا الذين أريد، ولذلك وقفت النظر في كتابكم، وأنا معذور، إذ لم يسبق بيننا تعارف ولا مذاكرة، فوجدتكم والحمدلله من الضالة التي أنشدها، وأيده كتابكم الخصوصي الذي أرسلتموه لي، فجزى الله علامة العراق خيراً السيد شكري، حيث دلكم على إجراء وسيلة التعارف بيننا، وكذلك صديقنا الكامل السني السيد محمد نصيف في اطلاعكم على رسالتنا التوحيدية، وهذا كله يظهر مصداق الحديث الشريف (الأرواح جنود مجندة) الخ ..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/22)
(ومنها بعد كلام طويل وسطور كثيرة) .. أحبابنا غرّوكم بالعاجز، فكما أنه لا يقبل قدح العدو في عدوه، فكذلك لا يقبل إطراء الحب لحبيبه، والذي نفسي بيده إني لخال مما تظن ويظنون فلا علم ولا عمل ولا صلاح ولا إخلاص، ووالله ما هو من هضم الأفاضل أنفسهم تواضعاً بل الإنسان على نفسه بصيرة، وأحمق الناس من ترك يقين نفسه لظن الناس، وأنا أحكي لكم مقدار بضاعتي تحقيقاً كأنكم ترونني رأي العين، والله على ما نقول وكيل. أما الأصل والنسب فلا نتعرض له كما قيل:
إن الفتى من يقول ها أنا ذا * ليس الفتى من يقول كان أبي
فأنا قد ربيتُ في معهد العلم من صغري، وقد وسّع الله علينا من رزقه، ما سهل به القراءة زمان التعلم والإقراء على شيوخ عديدة على اختلاف مشاربهم وتفاوت درجاتهم تفنناً وأخلاقاً، وارتحلت إلى بلدان عديدة، فجمعت بعض ما كان متفرقاً من العلوم والحمد لله، ولكن لهو الشباب حال بيني وبين الاستكمال في العلم والتهذيب، وأيضاً لا نعرف في بلادنا المغربية إلا التقليد الأعمى، فقد كنا نعد الفتوى بحديث البخاري ومسلم ضلالاً، وكما شدد علينا شيوخنا في ذلك، شددنا على تلاميذنا هناك، فالتاجر كما اشترى يبيع ويزيد المكسب، فمن ذلك أني عند سفري إلى المشرق استعار مني ابن أختي الخضر ابن الحسين الذي لقيتموه في المدينة (نيل الأوطار) للشوكاني، فما تركته حتى أقسم لي بالله أنه لا يتبعه فيما يقول، ومن ذلك أني وجدت في عام 1300 كتاب (الروضة الندية) للسيد صديق حسن خان يباع عند كتبي في مكسرة، اسمه الشيخ الأخضر السنوسي العقبي، فنهرته وزجرته، وقلت له: حرام عليك تبيع الروضة الندية، فصار يعتذر بمسكنة كأنه فعل خيانة، أما تصانيف ابن تيمية وابن القيم فو الله ما نظرت فيها سطراً لنفرة قلوبنا منها، ومن جهل شيئاً عاداه. لكن في العاجز رائحة استعداد وشوق للدليل، فلما ارتحلت إلى المشرق سنة 1316، واطلعت على كتب أهل هذا الشأن باستغراق الوقت لا واشي ولا رقيب، وأمعنت النظر بدون تعصب، فتح الله على القلب بقبول الحقيقة، وعرفت سوء الغشاوة التي كانت على بصري، وتدرجت في هذا الأمر حتى صارت كتب الشوكاني وصديق خان وشروح بلوغ المرام وما والاها أراها من أعز ما يطالع، أما كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم فمن لم يشبع ولم يرو بها فهو لا يعرف العلم.
ويلحق بها كتب السفاريني، وجلاء العينين للسيد نعمان، وآثار إبراهيم الوزير ونحوهم، ومنذ عرفت الحقائق، استرذلت الحكم بلا دليل والحمد لله (وإنا لنرجو فوق ذلك مظهراً).
ومن اللطائف أن في الشهر الأول والثاني من انفتاح البصيرة، ألقي إلي في مبشرة منامية قوله تعالى: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم). والحاصل فما ذكر لكم من تلك المناقب لم ألبس منها ثوباً قط، وإنما أنا محب لأهلها، وذاب عنهم، وناصر لهم، ولعله يشملني حديث (المرء مع من أحب) فمن وصفني بما زاد على ذلك، فقد استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم " (المرجع: مجلة الكويت، الجزء 10 العدد الأول، ورسالة: المكي بن عزوز - حياته وآثاره، للأستاذ على الرضا الحسيني).
تعليق
1 - رحم الله الشيخ ابن عزوز الذي حرص على معرفة الحق، وبذل السبب في السؤال عنه، ولم يركن إلى تقليد المغرضين؛ حتى شرح الله صدره له، وهكذا الموفق إذا ما تشوف قلبه للحق أدركه بحول الله.
2 - ورحم الله العلماء (البيطار والألوسي والقاسمي والرشيد) الذين بذلوا النصح له، وراسلوه بالأسلوب الحسن، وأخذوه بالرفق؛ حتى يسر الله رجوعه.
3 - في مراسلة الألوسي له فائدة؛ وهي أن يجتهد العلماء وطلبة العلم في مراسلة المعرضين والجاهلين؛ خاصة من الرؤوس والمشاهير، مع إتحافهم بالهدايا من الكتب والأشرطة النافعة التي ترشدهم، وتبين لهم الحق، ولايزهدوا في هذا الأمر، فربّ رسالة أو كتاب أو شريط قادت إلى نفع عظيم للإسلام والمسلمين. والله الهادي ..
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[15 - 09 - 06, 08:08 م]ـ
تكميل
1 - ولد ابن عزوز في 15 رمضان 1270هـ وتوفي في 2صفر 1333هـ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/23)
2 - في رسالة الألوسي السابقة أن رسالت لابن عزوز كانت سنة (1312هـ). وفي فهرس الفهارس أن انتقال ابن عزوز للأستانة كان عام (1313هـ). فتكون رسالة الألوسي له قبل انتقاله بعام واحد.
3 - جاء في رسالة الأستاذ محمود مهدي الإسلامبولي - رحمه الله - (شيخ الشام جمال القاسمي): قوله (ص 32): (ومن أعجب قصصه مع خصومه أنه زار دمشق عالم من علماء المغرب العربي، ونزل ضيفًا عند أحد المشايخ، ودعا من أجله جميع العلماء، ومن جملتهم الأستاذ القاسمي، فلما اجتمعوا بدأ صاحب الدار يعرف الحاضرين بعضهم ببعض، ولما جاء ذكر القاسمي عرّفه باسمه، فقال أحد الخصوم: هذا هو جمال الدين الذي نقل عن ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي أنه لا يسوغ القيام في المولد عند الولادة وأنه بدعة، فالعوام معذورون والخواص لاينبغي لهم فعله.
ثم كذب الخصم على القاسمي وقال: إنه لايحترم النبي صلى الله عليه وسلم!! يريد بذلك الفتنة والحط من قدر القاسمي رحمه الله.
فأدرك العالم المغربي حسد وجهل الخصم، فتوجه بكليته إلى الشيخ جمال ولم يعد يلتفت إلى بقية الشيوخ، فلما أراد الانصراف طلب منه الإجازة، فأجازه الأستاذ القاسمي بالتدريس نظمًا).
فمن يفيدنا عن هذا العالم المغربي؟ وهل زار ابن عزوز دمشق؟
4 - جاء في مجلة المنار (عدد ذي الحجة 1326هـ) رسالة مناصحة لطيفة من الشيخ ابن عزوز لرشيد رضا بخصوص مسألة الكرامات؛ لأن ابن عزوز خشي أن يكون صاحب المنار متأثرًا بشيخه العقلاني محمد عبده فيقوده هذا إلى إنكارها بالكلية.
ومنها قوله له: (فإن كان مرادكم سد الذريعة خوف توسيع الخرق على الراقع من جهة العامة، فسد الذريعة من أصول الشريعة، لكن مع السلامة من مفسدة أكبر من تلك، وخوفكم على العامة بهذه المثابة إفراط، فإنه لا تلازُم بين جواز وقوع الكرامة خرقًا للعادة بإذن الله وجواز ما يعمل من البدع في زيارة الأولياء والغلو في الاعتقاد).
فأجابه رشيد بجواب قال في ختامه: (وإنا نشكر له فضله وعنايته بما كتبنا ومراجعتنا فيما أنكره منه، فعسى أن يكون الشكر مَدْعَاة المزيد من مثل هذه المراجعة المفيدة، ومثله أهل لذلك. فحيا الله العلماء المنصفين، وجعل سيرتهم عبرةً يستفيد منها الناس، التفرقة بين علماء الآخرة وعلماء السوء، الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فإذا رأوا عبارة يمكن انتقادها لإجمال فيها وغموض، أو لكونها خطأً لصدورها عن غير معصوم، أخذوا يشنعون ويغتابون، ولكنهم لا ينبهون صاحبها ولا ينصحون، وإن لم يجدوا ذلك استنبطوا واخترعوا، وتقوَّلوا وكذبوا.
إن يسمعوا الخير أخفوه وإن سمعوا
شرًّا أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا).
5 - وصف الشيخ رشيد ابنَ عزوز في المنار (عدد شوال 1428هـ) بقوله - بعد أن قرّظ رسالته هيئة الناسك -: (جزى الله المؤلف الجزاء الأَوْفَى؛ فإنه لم يؤيد السنة على البدعة فقط، بل أيد الإصلاح الإسلامي بتأييد هذه السنة، وكشف شبهة البدعة عن وجهها، وهكذا يكون نفع العلماء المستقلين الذين لا يكتفون بما ورثوه عن الآباء والمعاشر، بل يطلبون بأنفسهم الحق اليقين).
رحمهما الله ..
ـ[ابن عبد الغنى]ــــــــ[16 - 09 - 06, 03:33 ص]ـ
الحبيب الخراشى السلام عليكم بارك الله فيك اخى الحبيب ولكن ارجو ان يتسع صدرك لى وانت فاعل ان شاء الله فهذا ظنى بك اخى الحبيب كيف نوفق بين ما جاء فى موضوعك عن الا لوسى وانتماؤه لمذهب السلف وبين ما نجده فى تفسيره من مسايره للمتصوفه بل وانبهار بالهالك بن عربى صاحب الفتوحات ويسميه الشيخ الاكبر وينقل عنه كثيرا من ضلالا ته حتى ان ابا شهبه فى كتابه الاسرائيليات والموضوعات وهو يتحدث عن التفاسير وبعد ان يثنى على تفسير الالوسى الا انه يحذر مما ذكرته اعنى الاشارات الصوفيه وضلال ابن عربى عموما اخى قد يكون احدث توبه هكذا امرنا بحسن الظن فهل عندك اخى فى الموضوع زياده بارك الله فيك والسلام عليكم
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[16 - 09 - 06, 06:21 ص]ـ
أخي الكريم: بن عبدالغني:
المقصود في مقالي (محمود شكري الألوسي) الحفيد.
لا الجد صاحب التفسير.
وفقكم الله ..
ـ[ابن عبد الغنى]ــــــــ[17 - 09 - 06, 04:20 ص]ـ
معلومه قيمه كنت اجهلها جزاك الله خيرا
ـ[أمين فيصل محمد النوبي]ــــــــ[17 - 09 - 06, 01:31 م]ـ
جزاكم الله خيرا على هذا الموضوع
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[17 - 09 - 06, 02:52 م]ـ
بارك الله فيكم، وجزاكم خيرًا.
ـ[سيد أحمد مهدي]ــــــــ[17 - 09 - 06, 06:24 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[محب البويحياوي]ــــــــ[19 - 09 - 06, 12:38 ص]ـ
ما أجمل التوبة
جزاك الله خيرا على مجهودك
ـ[أبو إبراهيم التميمي]ــــــــ[21 - 09 - 06, 09:25 م]ـ
الحمدلله الذي الذي أنعم عليه بالهداية بعد الضلاله.
ـ[أبو الأم]ــــــــ[05 - 10 - 06, 04:57 م]ـ
جزاك الله خيراً ...
والله تشكر يا شيخ سليمان على مقالاتك الرائعة ...
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/24)
ـ[أيمن التونسي المديني]ــــــــ[03 - 11 - 07, 02:07 ص]ـ
السلاخ عليكم و رحمة الله
رحم الله الشيخ محمد المكي بن عزوز و أسكنه الفردوس الأعلى و جزاك الله خيرا يا شيخ سليمان و نفع الله بك.
ـ[أشرف السلفي]ــــــــ[14 - 07 - 08, 11:35 م]ـ
5 - وصف الشيخ رشيد ابنَ عزوز في المنار (عدد شوال 1428هـ).
جزاكم الله خيرا؛ وأحسن إليكم.
وابن عزوز - رحمه الله - يجهل أمره كثير من طلبة العلم - اليوم -.
أخي الفاضل لعلك تقصد (1328) بدلا من (1428).
.
ـ[أبو السها]ــــــــ[15 - 07 - 08, 10:57 ص]ـ
جزاك الله خيرا شيخنا سيمان الخراشي على هذه الدرر التي هي في تونس ما تزال على آذان البقر، وابن عزوز فلتة من فلتات علماء الزيتونة الذين كانوا أحد أهم الأسباب في انحسار الدعوة السلفية في تونس وإلى الآن ما زالت دعوة المناوين للدعوة المباركة يرفع لواءها أنصاف الفقهاء وبعض من رانت على قلوبهم الخرافة وعبادة القبور، والله يجنبنا ويلات الثبور.
ـ[أبو محمد عبد الله الحسن]ــــــــ[15 - 07 - 08, 11:36 ص]ـ
جزاكم الله خيرًا على هذا النّقل الموفّق،
و رحم اللهُ الشّيخَ محمّد بن مكّي بن عزّوز و الشّيخَ الألوسيّ.
و رسالة: المكي بن عزوز - حياته وآثاره، للأستاذ على الرضا الحسيني.
من لنا بها يا إخوة؟
وإلى الآن ما زالت دعوة المناوين للدعوة المباركة يرفع لواءها أنصاف الفقهاء وبعض من رانت على قلوبهم الخرافة وعبادة القبور، والله يجنبنا ويلات الثبور.
بل تحالف عليها كلُّ علمانيٍّ حاقدٍ و صاحب بدعةٍ معاندٍ،
و لكن هيهات، فالدّعوة المباركة تنتشر كالنّار في الهشيم،
خصوصًا في أوساط الشّباب، الذين رزقهم اللهُ سبحانهُ و تعالى فطرةً نقيّةً و تجرّدًا للحقّ.
أليس الصّبح بقريب؟
ـ[أبو محمد عبد الله الحسن]ــــــــ[15 - 07 - 08, 11:50 ص]ـ
فمن ذلك أني عند سفري إلى المشرق استعار مني ابن أختي الخضر ابن الحسين الذي لقيتموه في المدينة (نيل الأوطار) للشوكاني، فما تركته حتى أقسم لي بالله أنه لا يتبعه فيما يقول
هو شيخ الأزهر سابقًا،
و آخر من تولّى ذلك بترشيح العلماء،
رحمه اللهُ تعالى.
ـ[أبو إبراهيم الحائلي]ــــــــ[11 - 08 - 08, 02:40 ص]ـ
بارك الله في الشيخ سليمان الخراشي ونفع به.
طُبع -ولأول مرة- هذا العام 1429هـ مؤلَّف بن عزوز (عقيدة التوحيد الكبرى ومعها عقيدة التوحيد الصغرى)
تحقيق محمد رشيد بو غزالة السوفي الجزائري.
والطريف: أني اشتريتها من معرض طيبة على أنّ البائع قال لي: هذه شرح السنوسية! يقصد المشهورة بالعقيدة الكبرى!
وهي ليست كذلك، بل هي عقيدة كتبها بن عزوز وهي متفرقة في أبواب الاعتقاد غير مرتبة.
لم أقرأ الكتاب كاملاً، لكن ما قرأته فيها قد قرر فيه عقيدة السلف الصالح من صفة العلو لله تعالى واستوائه سبحانه على عرشه ومباينته لخلقه وإبطاله عقيدة الحلول والاتحاد، وإثباته الصفات كما جاءت من غير تعرض للكيفية .. الخ.
3 - جاء في رسالة الأستاذ محمود مهدي الإسلامبولي - رحمه الله - (شيخ الشام جمال القاسمي): قوله (ص 32): (ومن أعجب قصصه مع خصومه أنه زار دمشق عالم من علماء المغرب العربي، ونزل ضيفًا عند أحد المشايخ، ودعا من أجله جميع العلماء، ومن جملتهم الأستاذ القاسمي، فلما اجتمعوا بدأ صاحب الدار يعرف الحاضرين بعضهم ببعض، ولما جاء ذكر القاسمي عرّفه باسمه، فقال أحد الخصوم: هذا هو جمال الدين الذي نقل عن ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي أنه لا يسوغ القيام في المولد عند الولادة وأنه بدعة، فالعوام معذورون والخواص لاينبغي لهم فعله.
ثم كذب الخصم على القاسمي وقال: إنه لايحترم النبي صلى الله عليه وسلم!! يريد بذلك الفتنة والحط من قدر القاسمي رحمه الله.
فأدرك العالم المغربي حسد وجهل الخصم، فتوجه بكليته إلى الشيخ جمال ولم يعد يلتفت إلى بقية الشيوخ، فلما أراد الانصراف طلب منه الإجازة، فأجازه الأستاذ القاسمي بالتدريس نظمًا).
فمن يفيدنا عن هذا العالم المغربي؟ وهل زار ابن عزوز دمشق؟
المحقق في ترجمته ذكر أنّه زار الشام والعراق. لكن عبد الحي الكتاني لم أره ذكر ذلك.
وذكر من شيوخه: الشيخ أحمد بن عيسى النجدي.
ـ[نايف أبو محمد]ــــــــ[19 - 01 - 09, 12:48 م]ـ
جزاك الله خير ياشيخ سليمان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/25)
ـ[أبو حنظلة]ــــــــ[19 - 01 - 09, 01:47 م]ـ
بارك الله فيكم. أين أجد عقيدة التوحيد الكبرى وعقيدة التوحيد الصغرى؟
ـ[أبو عُمر يونس الأندلسي]ــــــــ[21 - 01 - 09, 07:40 ص]ـ
يهدي من يشاء سبحانه.
جزاك الله خيرا
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[11 - 02 - 10, 07:17 ص]ـ
بارك الله فيكم جميعًا ..
- نشر أحدهم في منتدىً صوفي رسالة أرسلها الشيخ ابن عزوز - بخط يده - لمحمد بن جعفر الكتاني عام 1330هـ، أي قبل وفاته رحمه الله بحوالي 3 سنوات، أنقل منها مايرد على من حاول التشغيب على رجوعه للسلفية!
- قال رحمه الله يرد على طائفتين متقابلتين:
1 - مدرسة الأفغاني وعبده العقلانية.
2 - يوسف النبهاني وأمثاله من الخرافيين:
( .. جزاكم الله عني أحسن ما جزى به المحسنين, وتلك التآليف المفيدة بنفائسها السديدة, لا سيما كتاب الآثار المتواترة, صار سيفا في يدي بما أحكيه لكم الآن.
وذلك أن الطائفة الضالة التي نشأت في هذا العصر من القارئين في المكاتب المتوغلين في تعاطي الحكمة الطبيعية ومثلهم نابتة مصر تلامذة مفتيها محمد عبده .. إلخ, انصبغت أفكارهم بأن كل كائن في عالم الوجود إنما هو متولد من الطبيعة وناشئ عن سبب, ويستحيل وقوع شيء بلا سبب طبيعي, وإذا عورضوا بآية قرآنية يؤولونها ويفشرونها بمذهبهم ونحلتهم التي انطووا عليها, وإذا عورضوا بحديث صحيح يقولون: خبر آحاد, لا يفيد العلم لأنهم يعلمون أن الأحاديث المتواترة قليلة, كحديث: [من كذب علي متعمدا .. إلخ] , فنجيبهم بأقوال علماء الأصول القائلين أن أحاديث الصحيحين كلها من قبيل المتواتر للإجماع على مباحثات ومناظرات معهم على اختلاف طبقاتهم ولا يخفى عليكم أن خادمكم هو مدرس الحديث في القسم الأعلى من دار الفنون بالآستانة, فلما بدأنا التدريس في شوال هذه السنة جاء في الحديث خبر الدجال ونزول عيسى وغيرهما مما ينكرونه, فناقش بعض الطلبة قوله تعالى: [وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته] فألهمني الله تعالى إلى كتابكم فأحضرته وصار بجنبي لا يفارقني واتخذته سلاحا, وجعلته مثل مدفع (مترايوز) لا يقوم قدامه مخالف, لأنه تضمن كثيرا مما ينازعونه فيه, والحمد لله الذي ألهمكم جمع المتواترات, فقد نصرتم الدين نصرا لا يدركه إلا من عانى محاضرات أولئك القوم وهم منكرون التقام النون ليونس, وسلامة إبراهيم الخليل من النار, وانقلاب العصا حية, وتسخير الريح لسليمان, والمعراج المحمدي بجيده يقظة, وطلوع الشمس من مغربها, وخروج الدابة, وانشقاق القمر .. إلخ.
وأخبركم أن قبل شهر رمضان خرج في مجلة المنار كلام قف منه شعري, وهو قوله في التفسير الذي يصدر به مجلته كل عدد عند قوله تعالى: [من يطع الرسول فقد أطاع الله] , قال: أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة على الأمة فيما بلغه عن الله, وأما ما يقوله باجتهاده واستحسانه فلا تجب فيه طاعة, وذكر شبها تعلق بها, فكتبت له انتقاداً عليه نحو ثماني أو عشر صحائف هدمت له كل ما بنى, ومزقت ما تستر به من الأدلة كل ممزق, وأرسلته إليه لينشره في المنار وعادته نشر ما يرد عليه من الإعتراضات عليه ثم يجيب بحسب ما هو عليه, وأنا ما قصدت تعديل فكره لأني أعرفه لا يرجع عما نفثه فيه شيخه من السم, ولو أتيته بألف برهان, ولكن قصدت أن يراه من رأى ضلالته حتى لا يغتر به مغفل فيظن أنه أبان حقيقة كانت خفية, وكتبت له مكتوباً ودادياً لأنه كان في الأستانة صديقاً لي ظاهراً على سبيل المجاملة وإن كانت عقائدنا متباينة, وإذا به كتمه فلم ينشره ولا أشار إليه حتى إشارة ولا كتب لي جواب المكتوب ولا اعتذر لي, والظاهر أنه كبر عليه لأن فيه دقات مؤلمة تدوخه وتهد عليه طريق مقصده في مستقبله, والله المستعان.
فمما قال هناك: أن اعتقاد التشريع لغير الله شرك فأبطلته بالنقل عن إمامي الفن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم تصريحاً لأنهما المرجع في تجريد التوحيد وبيان ما هو شرك وما ليس بشرك. والحاصل يا سيدي مما يوجب الأسف الغلو في التفريط والإفراط, تجد بعض المنسوبين للعلم يذهبون في التقليد غلواً يفضي بهم إلى أنهم إن سمعوا حديثا صحيحاً يناقض مسألتهم التي هي من بنات الرأي ينبذونه ويحرفونه معنى, وويستشغلون سماعه والإحتجاج به, ويضللون صاحبه ويستهزؤون به سرا أو علناً كما قال بعض الحنفية: أنا مكلف بفتوى مذهبي, لست مكلفا بأقوال النبي.
وهم يزعمون أنهم بذلك تابعون للسنة, سالكون المحجة البيضاء, ومن هؤلاء الشيخ حمدان القسنطيني, ومغيثه المهدي الوزاني, والنبهاني القائل في كتابه: أن الأحاديث النبوية لم يبق أخذ الأحكام منها, إنما تقرأ تبركا ويؤخذ منها الأخلاق وأخبار السمعيات فقط.
فكأنه قال الأحاديث كلها منسوخة حكماً لا قراءة, لأن النسخ في الأحكام لا في أخبار الآخرة, وقد كنت كتبت له على سبيل المذاكرة الودادية فغضب وصار يقول للناس فلان مدعي الإجتهاد.
سارت مشرقة وسرت مغربا شتان بين مشرق ومغرب
أنا أقول: إذا حضر الحديث الصحيح فقد بطل اجتهاد المجتهدين, ولو كان من الخلفاء الراشدين حيث لم يبلغ ذلك المجتهد الخبر, فكيف أقول لا يصح اجتهاد مع النص وأدعي الإجتهاد في تلك الحالة فهذا غير معقول (على من تتلو زبورك يا داود).
فهذا قسم, والقسم الآخر انخلعوا من التقليد بغلق أيضاً, حتى حكموا عقولهم وانسلخوا من الإتباع المحمدي الذي هو في عنق كل مسلم [فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك .. الآية] , ومن الغلق عند قسمي الإفراط والتفريط أيضاً شأنهم في الأولياء, فالقسم الأول وهم غلاة المقلدة يعاملون الأولياء معاملة الألوهية ويتخذونهم أصناماً, والقسم الثاني يعاملون الصالحين معاملة العوام ولا يثبتون لرجل مع الله حالاً وينكرون الكرامات والمواهب ونيل المقامات والمراتب وانفعال الكون لهم بإذن الله بل صاروا يستخفون بمقامات الأنبياء بما تقشعر منه الجلود, فأين التوسط والإعتدال, إلى الله المشتكى وهو المستعان).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/26)
ـ[أبو شافع المقدسي]ــــــــ[16 - 02 - 10, 05:56 م]ـ
ما شاء الله رحم الله شيوخنا
ـ[أبو الوليد التونسي]ــــــــ[16 - 02 - 10, 06:56 م]ـ
أليس الصّبح بقريب؟
بلي شيخي الفاضل إنه لقريب فالله ناصر دينه و لو بعد حين
فأبشر إخواني أنه و لله الحمد راية السنة عائدة إلي تونس من جديد و لو كره الكافرون فماعادت سياسات تجفبف المنابع و القبضة الحديدية تجدي نفعا في صفوف الشباب المتحرق لنصرة دينه
أما جامعة الزيتونة فسترجع بإذن الله قريبا منارة للعلم و قبلة للمشائخ و العلماء خاصة بعد إعادة فتح بعض المدارس التي كانت تابعة لها
لا تنسونا من صالح دعائكم بارك الله فيكم
ـ[نصر الدين عمر]ــــــــ[16 - 02 - 10, 08:05 م]ـ
مشكور بارك الله فيكم
ـ[عبد الله بن محمد الشلبي]ــــــــ[16 - 02 - 10, 08:59 م]ـ
جزاك الله خيرا
رحم الله ابن عزوز .. بعدما ألف كتابا في ذمهم .. توجه لهم عندما رأى الحق معهم
ولو كان أهل زماننا كهؤلاء العلماء .. يرجعون للحق لو رأوه لأفلحوا ونجحوا
لكن ..
فصرخة الحق تأباها مسامعهم
من يسمع الحق منهم يشتكي الصمما
بوركت على جمعك الجميل
ـ[أبو ناصر اليمني]ــــــــ[23 - 02 - 10, 10:56 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[عبد الحق آل أحمد]ــــــــ[24 - 02 - 10, 12:18 ص]ـ
جزاكم الله خيرا شيخ "سليمان" وبارك فيكم ..
وبخاصة نقلكم الأخير في الرد على الطائفتين: (مدرسة الأفغاني وعبده العقلانية - و يوسف النبهاني وأمثاله من الخرافيين) تشكر ..
ـ[سفيان ابو شيماء]ــــــــ[24 - 02 - 10, 01:06 م]ـ
جزاكم الله خيرا
قال تعالى - لو علم فيهم خيرا لاسمعهم - قال ابن عباس لاسمعهم يعني لافهمهم
فان شاء الله الشيخ محمد مكي العزوز ممن اراد الله و علم فيه خيرا.
ـ[محمد السطيفي]ــــــــ[01 - 03 - 10, 10:29 ص]ـ
رحم الله الشيخ ابن عزوز
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[01 - 03 - 10, 01:38 م]ـ
بارك الله فيكم جميعًا ..
الأخ الكريم: أشرف: هو كما قلتَ: (1328هـ) .. جزاكم الله خيرًا.
ـ[أبويعلى البيضاوي]ــــــــ[30 - 04 - 10, 03:14 م]ـ
جزاكم الله خيرا
عقيدة التوحيد الكبرى في عقائد أهل السنة والجماعة تصنيف العلامة المحقق الشيخ محمد المكي بن عزوز المغربي المالكي رحمه الله (ت 1334 هـ) , وقد اختصره مؤلفه في: عقيدة التوحيد الصغرى
طبعت في مؤسسة الريان بيروت الطبعة الاولى 1429 هـ بتحقيق محمد رشيد بوغزالة الجزائري , اعتمد على نسخة خطية كتبت في حياة المؤلف بخط مغربي جيد , محفوظ في مكتبة جامع سيدي خليفة ولاية ميلة بشرق الجزائر"
__________________
رابط التحميل:
http://www.archive.org/download/akida_azuz/akida_azuz.pdf
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[30 - 04 - 10, 04:42 م]ـ
بارك الله فيك، أخانا الفاضل أبا يعلى.
ـ[طويلبة شنقيطية]ــــــــ[15 - 06 - 10, 12:27 م]ـ
بارك الله فيكم وجزاكم خيرا
وهدانا إلى الحق وثبتنا عليه.
ـ[أبو أحمد العجمي]ــــــــ[15 - 06 - 10, 02:30 م]ـ
بارك الله فيك يا شيخ سليمان
ـ[أبو محمد الدمشقي المالكي]ــــــــ[16 - 06 - 10, 05:51 م]ـ
بأمثال هؤلاء ستعود جامعة الزيتونة بإذن الله عز و جل
ـ[أبو عبدالله الخليلي]ــــــــ[16 - 06 - 10, 06:48 م]ـ
جزاكم الله خيرا
عقيدة التوحيد الكبرى في عقائد أهل السنة والجماعة تصنيف العلامة المحقق الشيخ محمد المكي بن عزوز المغربي المالكي رحمه الله (ت 1334 هـ) , وقد اختصره مؤلفه في: عقيدة التوحيد الصغرى
طبعت في مؤسسة الريان بيروت الطبعة الاولى 1429 هـ بتحقيق محمد رشيد بوغزالة الجزائري , اعتمد على نسخة خطية كتبت في حياة المؤلف بخط مغربي جيد , محفوظ في مكتبة جامع سيدي خليفة ولاية ميلة بشرق الجزائر"
__________________
رابط التحميل:
http://www.archive.org/download/akida_azuz/akida_azuz.pdf
جزاك الله والشيخ سليمان خير الجزاء
رأيت هذا الكتاب لأول مرة البارحة
فدخلت الإنترنت اليوم لعلي أحظى بنسخة من الكتاب قبل شراءه فجزاك الله خيرا
ـ[أبو عبدالله الخليلي]ــــــــ[16 - 06 - 10, 06:50 م]ـ
هذا الكتاب الموجود رابطه بدون تحقيق محمد رشيد بوغزالة الجزائري!
ـ[الدواخلي]ــــــــ[18 - 06 - 10, 12:33 م]ـ
معلومات هامة جدا كنت أجهلها.(35/27)
هل لله ظل؟
ـ[عبد الرحمن القيرواني]ــــــــ[15 - 09 - 06, 07:35 م]ـ
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أريد من الإخوة الأفاضل الإفادة
جزاكم الله خيرا.
ـ[عزام الالباني]ــــــــ[15 - 09 - 06, 10:20 م]ـ
يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم المتحابون في اظلهم بظلي يوم لا ظل الاظلي
للعرش ظل
يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله
و الشمس تدنو من الرؤس يوم القيامة و يختلفون في قدر العرق الذي يخرج منهم فمنهم من يلجمه العرق الجاما و هناك من يظلهم الله عز وجل في ظل العرش و الناس يصعقون يوم القيامة فيكون رسول الله صلي الله عليه وسلم اول من يفيق فاذا موسي عليه السلام اخذ بقائمة من قوائم العرش او باطش بجانب العرش
و الله تعالي اعلم
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[15 - 09 - 06, 10:43 م]ـ
انظر:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=5588&highlight=%D9%E1%E5
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=34675&highlight=%C7%E1%D9%E1
ـ[عبد الرحمن القيرواني]ــــــــ[16 - 09 - 06, 12:10 ص]ـ
جزيت خيرا(35/28)
شبهة لبعض المفوضة؟
ـ[أبو سليمان سيف]ــــــــ[15 - 09 - 06, 09:09 م]ـ
إذا قالوا لي: إن آيات الصفات من المتشابهات التي نفوض معناها لله ونقول: الله أعلم بمعناها ...
أقول لهم - ضمن الحجج - إنكم بهذا نسبتم الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إما للجهل وإما لكتمان العلم ...
فيقولون لي: وما قولك في الحروف المقطعة؟ لم تفوض معناها؟
فبماذا أجيبهم؟
[مع العلم أني لست متصديا للمناظرات مع أهل البدع ولكن يحصل شيء من هذه الجدالات من غير قصد، واعذروا جهلي]
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[16 - 09 - 06, 05:35 ص]ـ
بسم الله (لاتحمل لهم هما اخي ابو سليمان فهم اجهل ما يكون في مسألة التفويض \قل لهم لماذا لم تفوضوا البصر والسمع ان كنتم صادقين مع ان الانسان ذكر في القرأن بهذه الصفه هل يني ان الانسان شبيه بالله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فهم اخي ابو سليمان متناقضين حتى في الدلائل العقليه والمنطقية على سبيل المثال ((هم يقولون ان الله محصور الحجم تقول لهم كيف فيستدلون بالعقل ان العرش محصور وما على العرش محصور فهم ناقضوا انفسهم بمسألة الاستوى لانهم يقولون ان الله استولى على العرش ولم يعلو عليه)) وهذه احدى عقلياتهم ثم اعلم ان من حال بك الى الحروف ((الم)) اراد ان يهرب بطريقة التوهيم على الخصم حتى يبعد يتسنى له الانتقال الى مسأله اخرى فبهذه الطريقة لن تنتهي معه الى حل لاكن تكلم معه في نقطه معينه حتى تنتهي فأن اقر بها فقد سلم بكل شي تقريبا لانك لو اثبت ان لله يد فما يمنع ان يكون له وجها وعينان مع انهما مذكوران في القرأن)) وللمشايخ التعقيب وان اخطات فمني ومن الشيطان
ـ[أبو أنس السندي]ــــــــ[16 - 09 - 06, 07:38 ص]ـ
قال الشيخ ابن عثيمين في تفسير سورة البقرة:-
(قوله تعالى: {الم} حروف هجائية، ثلاثة أحرف، ألِف، ولام، وميم، تقرأ لا على حسب الكتابة " أَلَمْ "، ولكن على حسب اسم الحرف: " ألِفْ لامْ ميمْ " ..
هذه الحروف الهجائية اختلف العلماء فيها، وفي الحكمة منها على أقوال كثيرة يمكن حصرها في أربعة أقوال:-
القول الأول: أن لها معنًى، واختلف أصحاب هذا القول في تعيينه: هل هو اسم لله عزّ وجلّ؛ أو اسم للسورة، أو أنه إشارة إلى مدة هذه الأمة، أو نحو ذلك؟
القول الثاني: هي حروف هجائية ليس لها معنًى إطلاقاً ..
القول الثالث: لها معنًى الله أعلم به، فنجزم بأن لها معنًى، ولكن الله أعلم به، لأنهم يقولون إن القرآن لا يمكن أن ينزل إلا بمعنى ..
القول الرابع: التوقف، وألا نزيد على تلاوتها، ونقول الله أعلم أَلَها معنًى أم لا، وإذا كان لها معنًى فلا ندري ما هو ..
وأصح الأقوال فيها القول الثاني، وهو أنها حروف هجائية ليس لها معنًى على الإطلاق، وهذا مروي عن مجاهد، وحجة هذا القول أن القرآن نزل بلغة العرب، وهذه الحروف ليس لها معنًى في اللغة العربية، مثل ما تقول ألِف، باء، تاء، ثاء، جيم، حاء ... ، فهي كذلك حروف هجائية ..
أما كونه تعالى اختار هذا الحرف دون غيرها، ورتبها هذا الترتيب فهذا ما لا علم لنا به ..
هذا بالنسبة لذات هذه الحروف،
أما بالنسبة للحكمة منها فعلى قول من يعين لها معنًى فإن الحكمة منها الدلالة على ذلك المعنى، مثل غيرها مما في القرآن ...
وأما على قول من يقول " ليس لها معنًى "، أو " لها معنًى الله أعلم به "، أو " يجب علينا أن نتوقف " فإن الحكمة عند هؤلاء على أرجح الأقوال وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، واختاره تلميذه الحافظ الذهبي، وجمع كثير من أهل العلم، هو الإشارة إلى بيان إعجاز القرآن العظيم، وأن هذا القرآن لم يأتِ بكلمات أو بحروف خارجة عن نطاق البشر، وإنما هو من الحروف التي لا تعدو ما يتكلم به البشر، ومع ذلك فقد أعجزهم ..
فهذا أبين في الإعجاز، لأنه لو كان في القرآن حروف أخرى لا يتكلم الناس بها لم يكن الإعجاز في ذلك واقعاً، لكنه بنفس الحروف التي يتكلم بها الناس، ومع هذا فقد أعجزهم، فالحكمة منها ظهور إعجاز القرآن الكريم في أبلغ ما يكون من العبارة، قالوا ويدل على ذلك أنه ما من سورة افتتحت بهذه الحروف إلا وللقرآن فيها ذكر، إلا بعض السور القليلة لم يذكر فيها القرآن، لكن ذُكر ما كان من خصائص القرآن.
فمثلاً قوله تعالى {كهيعص} [مريم 1] ليس بعدها ذكر للقرآن، ولكن جاء في السورة خاصية من خصائص القرآن. وهي ذِكر قصص من كان قبلنا {ذكر رحمت ربك عبده زكريا ... } [مريم 2]
كذلك في سورة الروم قال تعالى في أولها {الم * غلبت الروم} [الروم 1 - 2]، فهذا الموضع أيضاً ليس فيه ذكر للقرآن، ولكن في السورة ذكر شيء من خصائص القرآن. وهو الإخبار عن المستقبل {غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين} [الروم: 2 – 3 - 4]
وكذلك أيضاً قوله تعالى {الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} [العنكبوت: 1 – 2] ليس فيها ذكر القرآن، ولكن فيها شيء من القصص الذي هو أحد خصائص القرآن {ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنَّ الله الذين صدقوا ... } [العنكبوت 3]
فهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره جمع من أهل العلم هو الراجح، أن الحكمة من هذا ظهور إعجاز القرآن في أبلغ صوره، حيث إن القرآن لم يأتِ بجديد من الحروف، ومع ذلك فإن أهل اللغة العربية عجزوا عن معارضته وهم البلغاء الفصحاء ...
وقال بعضهم إن الحكمة منها تنشيط السامعين، فإذا تلي القرآن، وقرئ قوله تعالى {الم} كأنه تعالى يقول أنصتوا، وذلك لأجل المشركين حتى ينصتوا له ...
ولكن هذا القول فيه نظر، لأنه لو كان كذلك لكان هذا في كل السور، مع أن أكثر السور غير مبتدئ بمثل هذه الحروف، وأيضاً لو كان كذلك ما صارت في السور المدنية مثل سورة البقرة، لأن السور المدنية ليس فيها أحد يلغو في القرآن، فالصواب أن الحكمة من ذلك هو ظهور إعجاز القرآن ... ) ا. هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/29)
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[16 - 09 - 06, 07:49 ص]ـ
بورك فيك ابو انس
ـ[أسامة عباس]ــــــــ[16 - 09 - 06, 08:11 ص]ـ
والفرق -والله أعلم- أن هذه الحروف المقطّعة لا تفيد معنى في لغة العرب -على الراجح-، أما حينما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا في كل ليلة .. ): فهذه الكلمة لها معنى في لغة العرب، ولم يرد أن أحدًا من الصحابة استشكلها ولا نفى معناها، بل المنقول عنهم أنهم رووها، وتحدّثوا بما فيها، والنقول عنهم في الإثبات كثيرة ..
والخلاصة: أن هذه شبهة باردة كشبهات أهل الأهواء والبدع ..
ـ[سليمان السيف]ــــــــ[16 - 09 - 06, 02:33 م]ـ
الحجة ما زالت قائمة.
فالذي يقول بالتفويض؛ يلزمه في نسبة الجهل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ما يلزم القائل بتفويض معاني الحروف المقطعة.
والجامع بينهما: وجود ما لا يعرف معناه في القرآن ..
وسكوت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عن بيانه ..
ولا مخرج إلا بالقول بجواز أن يتعبدنا الله بالإيمان بما لم نفهم معناه، وجواز أن يسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عن بيان بعض ما لا يجب فيه عملٌ.
ـ[عبد]ــــــــ[16 - 09 - 06, 03:42 م]ـ
إذا قالوا لي: إن آيات الصفات من المتشابهات التي نفوض معناها لله ونقول: الله أعلم بمعناها ...
أقول لهم - ضمن الحجج - إنكم بهذا نسبتم الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إما للجهل وإما لكتمان العلم ...
فيقولون لي: وما قولك في الحروف المقطعة؟ لم تفوض معناها؟
فبماذا أجيبهم؟
[مع العلم أني لست متصديا للمناظرات مع أهل البدع ولكن يحصل شيء من هذه الجدالات من غير قصد، واعذروا جهلي]
يقال: نحن لا نوافقكم على الأصل وهو تفويضكم للمعنى فإذا حصل ذلك انتقضت القضية من أصلها.
ثم يقال: على فرض موافقتنا لكم في القضية بحجة تفويضنا لمعاني الحروف المقطعة، على فرض ذلك يقال: ما وجه المماثلة بين "الصفة" و "الحرف"، فنحن أهل السنة والجماعة نفوض "كيفية" الصفة و "حقيقتها" و لا نفوض "أصل معناها" ففرق بين تفويض الكيفية وتفويض المعنى، ولذلك بطل قياسكم الباطل من أصله لأنه لا يوجد في - أصل الوضع اللغوي - لحروف المباني دلالة مفيدة فضلاً أن يكون لها كيفية، ولذلك قال علماء اللغة في تعريف الكلمة "قول مفرد" ثم عرفوا المفرد بأنه ((مالا يدل جزؤه على جزء معناه)) وضربوا لذلك مثلاً "زيد" فهذه كلمة ولها بمجموع حروفها معنى معقول أما أجزاؤها "ز-ي-د" فكل حرف على حدة لا يدل على شيء. والصفة إنما هي كلمة كقولنا "السميع" والكلمة "قول مفرد" والقول كما يعرفه علماء اللغة ((اللفظ الدال على معنى)) فاستلزم ذلك وجود المعنى للكلمة وقولنا "سميع" كلمة إذاً فلها معنى. أما مباني هذه الصفة "س-م-ي-ع" فلا دلالة معنوية لكل حرف على حدة.
فالخلاصة:
1 - أثبتوا أن للحرف معنى وكيفية فإذا لم يكن للحرف دلالة معنوية يدل بها على جزء المعنى الذي ورد فيه بطل من باب أولى أن يكون للحرف كيفية أصلاً. أما الصفة فلها معنى وكيفية، فنحن لا نفوض المعنى وإنما نفوض ما هو زيادة على المعنى وهو "الكيفية".
2 - حروف فواتح السور - بناء على ماقدمنا وفصلنا أعلاه - ليس لها معنى أصلاً حتى يقال: فوضنا معناها فإن قالوا: إذاً يوجد في القرآن ما لا معنى له!
قلنا: نحن أصلاً نفوض ورودها بهذا الترتيب ولا نفوض معناها لأنه لا معنى لها حتى نفوضه دون أن تأتلف إئتلافاً ينبيء عن معنى، ومع ذلك فإنها تكتسب معنى باعتبار آخر ذلك أن ورودها بلا معنى لم يمنع أنها وردت لحكمة مقصودة، فإذا اطمأننا إلى اقتضاء ورودها لحكمة اكتسبت هذه الحروف معنى بهذا الاعتبار فانتفى العبث الذي من أظهر خصائصه التجرد عن الحكمة والتي هي بدورها متضمنة لمعنى خارج عن الحرف المستقل.
ـ[أبو سليمان سيف]ــــــــ[16 - 09 - 06, 04:28 م]ـ
جزاكم الله خيرا، نصر الله بكم السنة ...
ـ[عبد]ــــــــ[16 - 09 - 06, 04:55 م]ـ
آمين، وأسأله أن يستعملنا في مراضيه.
ـ[سليمان السيف]ــــــــ[17 - 09 - 06, 10:01 م]ـ
يقال: نحن لا نوافقكم على الأصل وهو تفويضكم للمعنى فإذا حصل ذلك انتقضت القضية من أصلها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/30)
ثم يقال: على فرض موافقتنا لكم في القضية بحجة تفويضنا لمعاني الحروف المقطعة، على فرض ذلك يقال: ما وجه المماثلة بين "الصفة" و "الحرف"، فنحن أهل السنة والجماعة نفوض "كيفية" الصفة و "حقيقتها" و لا نفوض "أصل معناها" ففرق بين تفويض الكيفية وتفويض المعنى، ولذلك بطل قياسكم الباطل من أصله لأنه لا يوجد في - أصل الوضع اللغوي - لحروف المباني دلالة مفيدة فضلاً أن يكون لها كيفية، ولذلك قال علماء اللغة في تعريف الكلمة "قول مفرد" ثم عرفوا المفرد بأنه ((مالا يدل جزؤه على جزء معناه)) وضربوا لذلك مثلاً "زيد" فهذه كلمة ولها بمجموع حروفها معنى معقول أما أجزاؤها "ز-ي-د" فكل حرف على حدة لا يدل على شيء. والصفة إنما هي كلمة كقولنا "السميع" والكلمة "قول مفرد" والقول كما يعرفه علماء اللغة ((اللفظ الدال على معنى)) فاستلزم ذلك وجود المعنى للكلمة وقولنا "سميع" كلمة إذاً فلها معنى. أما مباني هذه الصفة "س-م-ي-ع" فلا دلالة معنوية لكل حرف على حدة.
فالخلاصة:
1 - أثبتوا أن للحرف معنى وكيفية فإذا لم يكن للحرف دلالة معنوية يدل بها على جزء المعنى الذي ورد فيه بطل من باب أولى أن يكون للحرف كيفية أصلاً. أما الصفة فلها معنى وكيفية، فنحن لا نفوض المعنى وإنما نفوض ما هو زيادة على المعنى وهو "الكيفية".
2 - حروف فواتح السور - بناء على ماقدمنا وفصلنا أعلاه - ليس لها معنى أصلاً حتى يقال: فوضنا معناها فإن قالوا: إذاً يوجد في القرآن ما لا معنى له!
قلنا: نحن أصلاً نفوض ورودها بهذا الترتيب ولا نفوض معناها لأنه لا معنى لها حتى نفوضه دون أن تأتلف إئتلافاً ينبيء عن معنى، ومع ذلك فإنها تكتسب معنى باعتبار آخر ذلك أن ورودها بلا معنى لم يمنع أنها وردت لحكمة مقصودة، فإذا اطمأننا إلى اقتضاء ورودها لحكمة اكتسبت هذه الحروف معنى بهذا الاعتبار فانتفى العبث الذي من أظهر خصائصه التجرد عن الحكمة والتي هي بدورها متضمنة لمعنى خارج عن الحرف المستقل.
أستاذي الكريم / عبد:
إن قولك بأن الحروف المقطعة في آوائل السور ليس لها معنى؛ أقوم بالحجة للخصم من إن لو كان لها معنىً مفوّض.
وذلك لأن وجود ما له معنى اختص الله تعالى بمعرفته (وهو صفاته) عند المفوّض أهون من وجود ما ليس له معنىً بالكلية؛ إذ غاية الأول أن الله أخبرنا بما نجهل معناه، وألزمنا بتصديقه، وهذا من كمال الإيمان.
وأما وجود ما ليس له معنى في القرآن فهو؛ لغوٌ يُنزّه الله تعالى عنه.
فإن جاز عندك هذا، يلزمك تجويز ما هو أهون منه اتفاقاً.
أرجو من فضيلتكم التوضيح، ولك جزيل الشكر.
ـ[عبد]ــــــــ[18 - 09 - 06, 01:41 ص]ـ
بارك الله فيكم. إنما نفيت المعنى من حيث الوضع اللغوي، فالحرف لوحده من حيث الوضع اللغوي لا معنى له، ولكن من حيث وروده في القرآن لحكمة - ولكنها خفيت علينا - فإن الحرف يكون قد اكتسب معنى بهذا الاعتبار، وهو معنى مكتسب حينئذٍ لوجود الحكمة، وهذا المعنى حاصل بأمر خارج لا أنه أصل في الحرف، والأمر الخارج هنا هو حكمة الشارع التي أضفت على الحرف مالم يكن فيه من حيث الوضع اللغوي لوحده. ولذلك قلت:
((ومع ذلك فإنها تكتسب معنى باعتبار آخر ذلك أن ورودها بلا معنى لم يمنع أنها وردت لحكمة مقصودة، فإذا اطمأننا إلى اقتضاء ورودها لحكمة اكتسبت هذه الحروف معنى بهذا الاعتبار فانتفى العبث الذي من أظهر خصائصه التجرد عن الحكمة والتي هي بدورها متضمنة لمعنى خارج عن الحرف المستقل)).
إذاً فالخلاصة، هناك معنيان:
الأول: معنى حاصل بأصل الوضع اللغوي وهذا بمجرده منتف.
الثاني: معنى حاصل بأمر خارج عن أصل الوضع اللغوي، أي حاصل بالحكمة من وروده هكذا، وهذا موجود وهو النوع الذي نفوضه.
ـ[أبومحمد الحسني]ــــــــ[18 - 09 - 06, 03:29 ص]ـ
أحسنتم أحسن الله إليكم ..
وأيضًا يقولون (إن للكلمة عدّة معاني في اللغة العربية فما أدراك أيها المعنى الذي أراده الله .. لذا فالتفويض أسلم) نعم هكذا يقول المبتدعة .. ويقولون (أن لليد عشرون معنًى في اللغة العربية، فكيف تعلمون أن معنى اليد التي أرادها الله؟ .. وللاستواء عدّة معاني منها: القصد، والعلو، والاستيلاء، وغيرها وغيرها .. لذا فالتفويض أسلم) ..
مثل هذه الكلمات يردِّدها كثيرًا بعضهم فما رأيكم؟
ـ[سليمان السيف]ــــــــ[18 - 09 - 06, 01:57 م]ـ
بارك الله فيكم. إنما نفيت المعنى من حيث الوضع اللغوي، فالحرف لوحده من حيث الوضع اللغوي لا معنى له، ولكن من حيث وروده في القرآن لحكمة - ولكنها خفيت علينا - فإن الحرف يكون قد اكتسب معنى بهذا الاعتبار، وهو معنى مكتسب حينئذٍ لوجود الحكمة، وهذا المعنى حاصل بأمر خارج لا أنه أصل في الحرف، والأمر الخارج هنا هو حكمة الشارع التي أضفت على الحرف مالم يكن فيه من حيث الوضع اللغوي لوحده. ولذلك قلت:
إذاً فالخلاصة، هناك معنيان:
الأول: معنى حاصل بأصل الوضع اللغوي وهذا بمجرده منتف.
الثاني: معنى حاصل بأمر خارج عن أصل الوضع اللغوي، أي حاصل بالحكمة من وروده هكذا، وهذا موجود وهو النوع الذي نفوضه.
أستاذي الكريم:
سيقول لك المفوّض: ما أقوله أنا في الصفات هو مماثلٌ لما تقوله أنت في الحروف المقطعة.
فإذا قلتَ بأن للحروف المقطعة معنىً حصل بأمر خارجٍ عن أصل الوضع اللغوي لها؛ ومع ذلك فنحن لا نعلمه،
قال لك المفوّض: وأنا لا أنكر أن (لليد) معنىً لغويّاً في أصل وضعه؛ لكنني أنفي أن يكون ذلك المعنى هو نفس المعنى (لليد) الذي أضافه الله تعالى إليه؛ لتنزه الله عنه.
لذا قلتُ بأن (يد الله) له معنى لا نعلمه نحن، وهذا شبيه أن يكون لورود الحروف المقطعة في القرآن حكمةٌ لا نعلمها نحن.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/31)
ـ[عبد]ــــــــ[18 - 09 - 06, 09:50 م]ـ
سيقول لك المفوّض: ما أقوله أنا في الصفات هو مماثلٌ لما تقوله أنت في الحروف المقطعة.
كلا ليس مماثلا، فينتقض كلامهم من أساسه لأني فرقت بين القول في الصفات فهي لغةً كلمات والكلمات لها معنى لكونها "مركبة"، أما الحروف المقطعة فلا معنى لها مجردة عن التركيب. فأين التماثل؟
فإذا قلتَ بأن للحروف المقطعة معنىً حصل بأمر خارجٍ عن أصل الوضع اللغوي لها؛ ومع ذلك فنحن لا نعلمه،
قال لك المفوّض: وأنا لا أنكر أن (لليد) معنىً لغويّاً في أصل وضعه؛ لكنني أنفي أن يكون ذلك المعنى هو نفس المعنى (لليد) الذي أضافه الله تعالى إليه؛ لتنزه الله عنه.
نقول له أنت ألزمت نفسك بما تهرب منه لأنك تصرفت في التأويل بالنفي. والنفي ترجيح ولابد من مرجح فأين المرجح؟
لذا قلتُ بأن (يد الله) له معنى لا نعلمه نحن، وهذا شبيه أن يكون لورود الحروف المقطعة في القرآن حكمةٌ لا نعلمها نحن.
المعنى معلوم والكيف مجهول، فنحن نعلم المعنى و نفوض الكيفية، ثم إن اليد صفة والصفة كلمة لها معنى وليست بحرف فيبطل التماثل. ثم إن هناك فرق بين الحكمة والمعنى ونشأ الخلط عند هذا المفوض من الإفراط في الجمع بين المختلفات فعزبت عنه الفروق.
تنبيه: هناك حجة تفحم كل مفوض وهي أن نقول له: هل صفة اليد هي نفسها صفة القدم؟ فإن قال نعم، قلنا رفع عنك القلم وانتهت المناظرة، وإن قال: لا، ولكني أفوض المعنى، قلنا: كيف استطعت التفريق بينهما مع أنك لا تعلم معناهما فإنك عندما فوضت المعنى لم يبق من دلالة الكلمة شيء تستطيع بموجبه التفريق بين الصفات المختلفات، فمن أين لك التفريق؟ إذاً لا بد أنك أدركت أصل المعنى ففرقت بناءً عليه. وإن قال: لا أدري!، قلنا: لماذا أقررت تسمية صفة من صفاته قدماً والأخرى يداً، مع أنك لا تدري الفرق بين معناهما، والتفريق بين المسميات يقتضي التفريق بين المعاني والتفريق بين المعاني يستلزم العلم بها، فبطل تفويض المعاني من أساسه.
ـ[أبو إبراهيم ابن أحمد]ــــــــ[18 - 09 - 06, 11:31 م]ـ
قال لك المفوّض: وأنا لا أنكر أن (لليد) معنىً لغويّاً في أصل وضعه؛ لكنني أنفي أن يكون ذلك المعنى هو نفس المعنى (لليد) الذي أضافه الله تعالى إليه؛ لتنزه الله عنه.
.
السلام عليكم:
علي أي دليل أو قرينة استند النفي؟؟!!
و لماذا نزهت الله عن اليد؟؟!!
ـ[أبو داوود القاهري]ــــــــ[19 - 09 - 06, 10:02 ص]ـ
أحسنتم أحسن الله إليكم ..
وأيضًا يقولون (إن للكلمة عدّة معاني في اللغة العربية فما أدراك أيها المعنى الذي أراده الله .. لذا فالتفويض أسلم) نعم هكذا يقول المبتدعة .. ويقولون (أن لليد عشرون معنًى في اللغة العربية، فكيف تعلمون أن معنى اليد التي أرادها الله؟ .. وللاستواء عدّة معاني منها: القصد، والعلو، والاستيلاء، وغيرها وغيرها .. لذا فالتفويض أسلم) ..
مثل هذه الكلمات يردِّدها كثيرًا بعضهم فما رأيكم؟
لأن صرف اللفظ عن ظاهره من التلبيس أو من ضعف البيان الذي ينزه عنه أقل من عرف اللغة فكيف بالعليم الحكيم؟
هب أنك في صحراء عطشاناً, فوجدت فقال لك صاحبك رأيت بحراً خلف هذا الجبل, فقصدته فوجدت عالماً نحريراً فعلمت أن مراد صاحبك أنه رأى بحراً في العلم! فما يكون قولك فيه؟ إما أنه مُلَبِّس أو أنه عاجز عن البيان. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
فإن قالوا فالتفويض أسلم قلنا بل أدهى وأضل سبيلاً. نقول قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "ينزل ربنا ... " وقال: " ... حتى يضع الجبار قدمه في النار ... " وقال: "ما من قلب إلا وهو معلق بين أصبعين من أصابع الرحمن" فهل لكلامه هذا معنىً معلوماً مراداً أم لا؟ فإن قالوا لا فقد جاءوا بهتاناً وزوراً. حاشا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الذي لا ينطق عن الهوى أن يقول كلاماً لا يعرف معناه, وإن قالوا نعم قلنا فهل كتمه رسول الله والله تعالى يقول {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67]؟ وهل غفل الصحابة عن سؤاله وهم كانوا أحرص البشر على الخير؟ وهل غفلوا عن بيان ما يحتمل التلبيس (في زعم هؤلاء) لمن دخل في الإسلام وفيهم العربي والأعجمي؟
واقرأ الفتوى الحموية أو تلخيصها ( http://www.3llm.com/main/download.php?action=view&id=1289) والتدمرية أو تقريبها ( http://www.al-eman.com/Islamlib/viewtoc.asp?BID=370) والرسالة المدنية لشيخ الإسلام وشرحها ( http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=2927) والمجلدين الخامس والسادس من مجموع فتاوي شيخ الإسلام.
والله تعالى أعلى وأعلم
ـ[سليمان السيف]ــــــــ[19 - 09 - 06, 12:30 م]ـ
أستاذي الكريم / عبد
التماثل بين الأمرين حصل من جهة تفويض معنى كلاماً لله تعالى في القرآن، في الحروف المقطعة سببُه عدم ظهور الحكمة وإبلاغها لنا.
وفي (يد الله) عدم مناسبة المعنى اللغوي لها في حق الله تعالى، وتنزهه عنه.
وأما مرجِّح نفي المعنى اللغوي للصفة المضافة إلى الله تعالى؛ فهو دليل نفي التماثل والتشابه، إذا المفوّض يزعم أن إثبات المعنى يلزم منه التشبيه قطعاً؛ لذا وجب نفيه، وتفويض حقيقة معناه إلى الله تعالى.
فالمعنى في اليد: هو الجزء أو العضو، والجارحة، وهذا منفيٌ، وإثباته يستلزم التشبيه والتجسيم، فقلنا بتفويض معنى اليد المضافة إلى الله إليه مع الإيمان والتصديق.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/32)
ـ[سليمان السيف]ــــــــ[19 - 09 - 06, 12:35 م]ـ
تنبيه: هناك حجة تفحم كل مفوض وهي أن نقول له: هل صفة اليد هي نفسها صفة القدم؟ فإن قال نعم، قلنا رفع عنك القلم وانتهت المناظرة، وإن قال: لا، ولكني أفوض المعنى، قلنا: كيف استطعت التفريق بينهما مع أنك لا تعلم معناهما فإنك عندما فوضت المعنى لم يبق من دلالة الكلمة شيء تستطيع بموجبه التفريق بين الصفات المختلفات، فمن أين لك التفريق؟ إذاً لا بد أنك أدركت أصل المعنى ففرقت بناءً عليه. وإن قال: لا أدري!، قلنا: لماذا أقررت تسمية صفة من صفاته قدماً والأخرى يداً، مع أنك لا تدري الفرق بين معناهما، والتفريق بين المسميات يقتضي التفريق بين المعاني والتفريق بين المعاني يستلزم العلم بها، فبطل تفويض المعاني من أساسه.
الجواب أن يقال:
المفوّض يرى عدم الخوض فيما وراء قراءة النص، والإيمان به على مراد قائله.
وبالتالي ينهى المفوّض عن القول: هل القدم هي هي نفس اليد أو غيرها، وهذا مسلكٌ صحيحٌ له نظائره.
فتنتقض هذه الحجة.
والله أعلم.
ـ[عبد]ــــــــ[19 - 09 - 06, 01:52 م]ـ
تنتقض هذه الحجة عندهم فقط، وانتقاضها عندهم لا يعني انتقاضها مطلقاً أو عند غيرهم. أي أنها تنتقص على مقدمات يلتزمونها هم، و هذه المقدمات لم تسلم من معارض، ولا يكفي في تصحيح التدليل أن يقال: المفوّض يرى عدم الخوض فيما وراء قراءة النص، والإيمان به على مراد قائله .. ثم يفهم من كلامك أن المفوض يرى الخوض في النص ولكنه لا يرى الخوض فيما وراءه، وهذا لا غبار عليه، كأننا نقول: نعقل معنى اليد، كجنس، ولكن نوعها الذي هو أخص وألزق بالكيفية لا علم لنا به. وهذا صحيح.
ثم إن نهي المفوض عن أن يقول: هل القدم هي هي نفس اليد أو غيرها، نهي لا يلتزمه غيره، لأن أهل السنة والجماعة يؤمنون أن اليد غير القدم، وهذا ليس مسلك صحيح فحسب وإنما هو المسلك الأصح. والمفوضة يتنصلون حتى من هذا، وغيرهم لا يلتزم ذلك. فلا تنتقض الحجة إلا عندهم أو عند من يلتزم مقدماتهم.
تنبيه: مسلك المفوضة مثل مسلك فلاسفة "اللا أدرية"، وهو موجودون اليوم، وحججهم يصعب الرد عليها جدا ليس لأنها صعبة المراس وقوية الدليل ولكن لأنه يصعب إفهام من يزعم أنه لا يدري على الدوام.
ـ[سليمان السيف]ــــــــ[19 - 09 - 06, 01:59 م]ـ
إن نقض المفوّض الحجة؛ فقد صحّ مذهبه.
يبقى لي أن أسالك:
ما المعنى الذي تفهمه من قدم الله؟ مثلاً.
ـ[سليمان السيف]ــــــــ[19 - 09 - 06, 02:03 م]ـ
السلام عليكم:
علي أي دليل أو قرينة استند النفي؟؟!!
و لماذا نزهت الله عن اليد؟؟!!
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قرينة النفي أو دليلها هو انتفاء التشابه والتماثل بين الله وخلقه.
وأنا لم أنزّه الله عن اليد، كيف وقد أضافها إلى نفسه؟!!
لكنني أنزّه معنى يد الله عن أن يكون هو المعنى اللغوي لكلمة اليد في اللغة.
ـ[عبد]ــــــــ[19 - 09 - 06, 02:16 م]ـ
فضلاً: راجع المشاركة رقم 20.
وتبقى لدي بعض التعليقات أسوقها لا حقاً.(35/33)
هل هناك اختصار لنونية ابن القيم
ـ[ابوعلي النوحي]ــــــــ[16 - 09 - 06, 06:33 م]ـ
رأيت مرة اختصارا لنونية ابن القيم عند أحد طلبة العلم وهي لسليمان بن سحمان
ولكني نسيت اسمها
فهل منكم من سمع عنها؟
ـ[ابوعلي النوحي]ــــــــ[17 - 09 - 06, 06:45 م]ـ
للتذكير
ـ[عبد الله الفارس]ــــــــ[20 - 09 - 06, 03:50 م]ـ
هناك اختصارات منها: اختصار للشيخ عبد الرحمن بن سعدي
ومختصر بعنوان المحفوظات السامية للشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن سحمان، وهو مطبوع، ومؤلف الآن في عشر التسعين، وكان قاضي تمييز، ختم الله لنا وله بالحسنى.
وهناك شرح للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.
وشرح آخر للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن
وهي مطبوعة بتحقيق الدكتور يوسف السعيد
وشرح لوصف الجنة والنار من النونية للعلامة محمود شكري الآلوسي وهو مطبوع.
ـ[ابوعلي النوحي]ــــــــ[20 - 09 - 06, 09:43 م]ـ
جزاك الله خيرا
لكن ما أقصده هو اختيارات للشيخ بن سحمان من النونية اختارها لكي يحفظها طالب العلم(35/34)
البيان الجلي في رد بعض ضلالات المفتونين بالأسمري
ـ[عبد الرحمن غياث]ــــــــ[16 - 09 - 06, 09:57 م]ـ
هذه رؤس المسائل التي ذكرت لي تحولك إليها ولكني رأيت أنها خلاف الحق بل هي من الباطل المحض الذي اختص به أهل البدع - ماعدا مسألة اللحية- وهي كالتالي:
1. الصوفية والموقف منها وهل هي مذمومة أم ممدوحة والحديث عن كشفها وتربيتها وكراماتها والتبرك بآثار الصالحين والحديث عن ابن عربي
2. دعاء غير الله وأنه شرك أكبر
3. التفويض في الصفات ونسبة ذلك إلى السلف الصالح.
4. الموقف من علم الكلام وطوائفه وعلى رأسهم الأشاعرة والماتريدية ورد قول من قال بأنهم من أهل السنة.
5. القول في الإيمان، والقول في تارك المباني، والقول في المجاز ونحو ذلك. وبيان الحق في ذلك
6. القول في البدع عامة وفي البدع الإضافية خاصة.
7. الرد على اتهام ابن تيمية بالقول بأن الله محل للحوادث والقول بقدم العالم.
8. الرد على اتهام الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى بتكفير المسلمين وقتلهم بغير حق
9. الرد على قول من قال بعدم وجوب إعفاء اللحية
وتفصيل الكلام على هذه المسائل كالتالي:
التحذير من مجالسة أهل البدع والأمر بهجرهم
هذان نقلان من مصدرين من أهم مصادر أهل السنة مع شيء من الإختصار
الشريعة للآجري - (ج 5 / ص 255)
باب ذكر هجرة أهل البدع والأهواء
قال محمد بن الحسين رحمه الله: ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا وهو كتاب الشريعة أن يهجر جميع أهل الأهواء من الخوارج والقدرية والمرجئة والجهمية، وكل من ينسب إلى المعتزلة، وجميع الروافض، وجميع النواصب، وكل من نسبه أئمة المسلمين أنه مبتدع بدعة ضلالة، وصح عنه ذلك، فلا ينبغي أن يكلم ولا يسلم عليه، ولا يجالس ولا يصلى خلفه، ولا يزوج ولا يتزوج إليه من عرفه، ولا يشاركه ولا يعامله ولا يناظره ولا يجادله، بل يذله بالهوان له، وإذا لقيته في طريق أخذت في غيرها إن أمكنك. فإن قال: فلم لا أناظره وأجادله وأرد عليه قوله؟. قيل له: لا يؤمن عليك أن تناظره وتسمع منه كلاما يفسد عليك قلبك ويخدعك بباطله الذي زين له الشيطان فتهلك أنت؛ إلا أن يضطرك الأمر إلى مناظرته وإثبات الحجة عليه بحضرة سلطان أو ما أشبهه لإثبات الحجة عليه، فأما لغير ذلك فلا. وهذا الذي ذكرته لك فقول من تقدم من أئمة المسلمين، وموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما الحجة في هجرتهم بالسنة، فقصة هجرة الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج معه في غزاته بغير عذر: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع رحمهم الله تعالى فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجرتهم، وأن لا يكلموا، وطردهم حتى نزلت توبتهم من الله عز وجل، وهكذا قصة حاطب بن أبي بلتعة لما كتب إلى قريش يحذرهم خروج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم؛ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجرته وطرده، فلما أنزل الله توبته فعاتبه الله تعالى على فعله فتاب عليه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل العمل الحب في الله والبغض في الله». وضرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لصبيغ، وبعث إلى أهل البصرة أن لا يجالسوه؛ قال: فلو جاء إلى حلقة ما هي قاموا وتركوه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام» وسنذكر عن التابعين وأئمة المسلمين معنى ما قلناه إن شاء الله تعالى
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أهل البدع هم شر الخلق والخليقة»
عن يحيى بن أبي كثير قال: إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في غيره
عن حسان بن إبراهيم الكرماني قال: سمعت أبا إسحاق الهمداني يقول: من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام
عن أيوب قال: كان أبو قلابة يقول: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم
عن معاوية بن قرة قال: الخصومات في الدين تحبط الأعمال
عن سلام بن أبي المطيع: أن رجلا من أهل الأهواء قال لأيوب السختياني: يا أبا بكر، أسألك عن كلمة؛ قال: فولى أيوب وجعل يشير بأصبعه: ولا نصف كلمة ولا نصف كلمة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/35)
دخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء، فقالا: يا أبا بكر نحدثك، قال: لا، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل، قال: لا، لتقومن عني أو لأقومنه، فقام الرجلان فخرجا
جاء رجل إلى الحسن فقال: يا أبا سعيد، تعال أخاصمك في الدين، فقال الحسن: أما أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه
انصرف مالك بن أنس يوما من المسجد وهو متكئ على يدي، قال: فلحقه رجل يقال له: أبو الجويرية، كان يتهم بالإرجاء، فقال: يا أبا عبد الله، اسمع مني شيئا أكلمك به وأحاجك وأخبرك برأيي؛ قال له مالك: فإن غلبتني؟ قال: إن غلبتك اتبعتني؛ قال: فإن جاءنا رجل آخر فكلمنا فغلبنا؟. قال: نتبعه، فقال مالك: يا عبد الله، بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم بدين واحد وأراك تنتقل من دين إلى دين قال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل
جاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز فسأله عن بعض الأهواء، فقال: انظر دين الأعرابي والغلام في الكتاب فاتبعه واله عن ما سوى ذلك
عن إبراهيم النخعي، أنه قال لمحمد بن السائب التيمي: ما دمت على هذا الرأي فلا تقربنا، وكان مرجئا
عن أبي قلابة قال: ما ابتدع رجل قط بدعة إلا استحل السيف
عن أبي قلابة، أنه كان يقول: إن أهل الأهواء أهل ضلالة، ولا أرى مصيرهم إلا إلى النار
عن الحسن قال: صاحب بدعة لا تقبل له صلاة ولا حج ولا عمرة ولا جهاد ولا صرف ولا عدل
عن أبي الجوزاء، أنه ذكر أصحاب الأهواء فقال: والذي نفس أبي الجوزاء بيده، لأن تمتلئ داري قردة وخنازير أحب إلي من أن يجاورني رجل منهم، ولقد دخلوا في هذه الآية (ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور
باب عقوبة الإمام والأمير لأهل الأهواء
قال محمد بن الحسين رحمه الله: ينبغي لإمام المسلمين ولأمرائه في كل بلد إذا صح عنده مذهب رجل من أهل الأهواء - ممن قد أظهره - أن يعاقبه العقوبة الشديدة، فمن استحق منهم أن يقتله قتله، ومن استحق أن يضربه ويحبسه وينكل به فعل به ذلك، ومن استحق أن ينفيه نفاه، وحذر منه الناس. فإن قال قائل: وما الحجة فيما قلت؟. قيل: ما لا تدفعه العلماء ممن نفعه الله عز وجل بالعلم، وذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلد صبيغا التميمي، وكتب إلى عماله: أن يقيموه حتى ينادي على نفسه، وحرمه عطاءه، وأمر بهجرته، فلم يزل وضيعا في الناس. وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قتل بالكوفة في صحراء أحد عشر جماعة ادعوا أنه إلههم، خد لهم في الأرض أخدودا وحرقهم بالنار، وقال: لما سمعت القول قولا منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا وهذا عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطأة في شأن القدرية: تستتيبهم فإن تابوا وإلا فاضرب أعناقهم وقد ضرب هشام بن عبد الملك عنق غيلان وصلبه بعد أن قطع يده، ولم يزل الأمراء بعدهم في كل زمان يسيرون في أهل الأهواء إذا صح عندهم ذلك عاقبوه على حسب ما يرون، لا ينكره العلماء
عن أنس، أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه جلد صبيغا التميمي في مسائلته عن حروف القرآن حتى اضطربت الدماء في ظهره، وقال غير مرة، وبعث إلى أهل البصرة: أن لا تجالسوه. فلو جاء إلى حلقة ما هي قاموا وتركوه
أتي عمر بن الخطاب فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا لقينا رجلا يسأل عن تأويل القرآن؟. فقال: اللهم أمكني منه؛ قال: فبينما عمر رضي الله عنه ذات يوم يغدي الناس إذ جاءه عليه ثياب وعمامة فتغدى حتى إذا فرغ، قال: يا أمير المؤمنين (والذاريات ذروا فالحاملات وقرا) فقال عمر: أنت هو؟ فقام إليه فحسر عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته، فقال: والذي نفسي بيده لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك، ألبسوه ثيابه واحملوه على قتب ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلاده ثم ليقم خطيبا ثم ليقل: إن صبيغا طلب العلم فأخطأ، فلم يزل وضيعا في قومه حتى هلك وكان سيد قومه وأنبأنا أبو زكريا يحيى بن محمد الحنائي قال: حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال: حدثنا حماد بن زيد، عن يزيد بن أبي حازم، عن سليمان بن يسار قال: قدم المدينة رجل من بني تميم يقال له صبيغ بن عسل، كان عنده كتب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/36)
وكان يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه وذكر الحديث نحوا منه وله طرق قال محمد بن الحسين رحمه الله: وأما حديث علي رضي الله عنه فقد تقدم ذكرنا له في هذا الجزء في الذين قتلهم وأحرقهم. وأما حديث عمر بن عبد العزيز:
عن مالك بن أنس، عن عمه أبي سهيل بن مالك قال: كنت أسير مع عمر بن عبد العزيز رحمه الله فاستشارني في القدرية؟. فقلت: أرى أن تستتيبهم فإن تابوا وإلا عرضتهم على السيف. فقال: أما إن ذلك رأيي. قال مالك: وذلك رأيي
قال أبو سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر: قال لي عمر بن عبد العزيز رحمه الله من فيه إلى أذني ما تقول في الذين يقولون: لا قدر؟. قلت: أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم. قال: فقال عمر بن عبد العزيز: ذلك الرأي فيهم، والله لو لم تكن إلا هذه الآية لكفى بها (فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم)
بلغ عمر بن عبد العزيز رحمه الله أن غيلان يقول في القدر، فبعث إليه فحجبه أياما ثم أدخله عليه فقال: يا غيلان ما هذا الذي بلغني عنك؟. قال عمرو بن مهاجر: فأشرت إليه أن لا تقول شيئا، فقال: نعم يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل يقول: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا، إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) قال عمر: اقرأ آخر السورة: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما) ثم قال: ما تقول يا غيلان؟. قال: أقول: قد كنت أعمى فبصرتني، وأصم فأسمعتني، وضالا فهديتني، فقال عمر: اللهم إن كان غيلان عندك صادقا وإلا فاصلبه. قال: فأمسك عن الكلام في القدر، فولاه عمر بن عبد العزيز رحمه الله دار الضرب بدمشق، فلما مات عمر بن عبد العزيز وأفضت الخلافة إلى هشام تكلم في القدر، فبعث إليه هشام فقطع يده فمر به رجل والذباب على يده فقال: يا غيلان هذا قضاء وقدر؛ قال: كذبت لعمر الله ما هذا قضاء ولا قدر، فبعث إليه هشام فصلبه
أن رجاء بن حيوة، كتب إلى هشام بن عبد الملك: بلغني يا أمير المؤمنين أنه وقع في نفسك شيء من قبل غيلان وصالح، والله لقتلهما أفضل من قتل ألفين من الروم والترك. قال هشام بن خالد: صالح مولى ثقيف
عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: كنت عند عبادة بن نسي، فأتاه رجل فأخبره أن أمير المؤمنين هشاما قطع يد غيلان ولسانه وصلبه، قال له: حق ما تقول؟. قال: نعم؛ قال: أصاب والله السنة والقضية، ولأكتبن إلى أمير المؤمنين فلأحسنن له ما صنع
عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: قلت لأبي: يا أبه، لو سمعت رجلا يسب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما كنت تصنع به؟. قال: كنت أضرب عنقه قال محمد بن الحسين: وكان عبد الرحمن بن أبزى قاضي المدينة
عن عبد الرحمن بن محمد بن حبيب بن أبي حبيب، عن أبيه، عن جده قال: شهدت خالد بن عبد الله القسري وهو يخطب، فلما فرغ من خطبته، وذلك يوم النحر فقال: ارجعوا فضحوا تقبل الله منكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله تعالى لم يكلم موسى تكليما، ولم يتخذ إبراهيم خليلا سبحانه وتعالى عما يقول الجعد بن درهم علوا كبيرا ثم نزل فذبحه
قال أحمد يعني: ابن حنبل رحمه الله، قال عبد الرحمن بن مهدي: من قال: إن الله تعالى لم يكلم موسى يستتاب فإن تاب وإلا قتل
وقال اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة:
سياق
مار وى عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم والمكالمة معهم والاستماع إلى أقوالهم المحدثة وآرائهم الخبيثة
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم اخرجه البخاري
عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم قرأ ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون
عن قتادة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم قال صاحب بدعة يدعو إلى بدعته
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/37)
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن نفرا كانوا جلوسا بباب النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم ألم يقل الله كذا وكذا قال فسمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فكأنما فقيء في وجهه حب الرمان فقال بهذا أمرتم أو بهذا بعثتم أن تضربوا القرآن بعضه ببعض إنماهلكت الأمم قبلكم في مثل هذا فأنظروا الذي أمرتم به فاعملوا به وانظروا الذي نهيتم عنه فانتهوا عنه
عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مراء في القرآن كفر في حديث محمد بن عبد الله مراي
عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم وثلاثة زلة عالم وجدال المنافق بالقرآن و دنيا تقطع أعناقكم
فأما زلة العالم فلا تقلدوه دينكم وإن زل فلا تقطعوا عنه أناتكم
وأما جدال المنافق بالقرآن فإن للقرآن منارا كمنار الطريق فما عرفتم فخذوه وما أنكرتم فردوه إلى عالمه
وأما دنيا تقطع أعناقكم فمن جعل الله في قلبه الغني فهو الغني
عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله كره لكم ثلاثا قيل وقال وكثرة السؤال
عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا لمن ولاه الله عز وجل أمركم ويكره لكم ثلاثا قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال
عن أبي هريرة عن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم
عن عائشة قالت تلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات حتى بلغ وما يذكر إلا أولوا الألباب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه أولئك الذين سماهم الله فاحذروهم أخرجه البخاري ومسلم
عن إبراهيم التيمي عن ابيه قال خطبنا علي فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يعني حرام ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها محدثا أو أوى فيه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا
أخرجه البخاري ومسلم
عن عائشة قالت قال رسول الله صلىالله عليه وسلم من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد أخرجه البخاري ومسلم
عن عبد الله بن مسعود قال: إياكم وما يحدث الناس من البدع فإن الدين لا يذهب من القلوب بمره ولكن الشيطان يحدث له بدعا حتى يخرج الإيمان من قلبه ويوشك أن يدع الناس ما ألزمهم الله من فرضه في الصلاة والصيام والحلال والحرام ويتكلمون في ربهم عز وجل فمن أدرك ذلك الزمان فليهرب قيل يا أبا عبد الرحمن فإلى أين قال إلى لا أين قال يهرب بقلبه ودينه لا يجالس أحدا من أهل البدع
قال معاذ إنما أخشى عليك ثلاثة من بعدي زلة عالم وجدال منافق في القرآن والقرآن حق وعلى القرآن منار كمار الطريق فما عرفتم منه فخذوه ومن لم يكن غينا من الدنيا فلا دين له قال عبد المؤمن فسالت أبي ما يعني بهذا فقال سألناه فقال من لم يكن له من الدنيا عمل صالح فلا دين له
عن مجاهد قال قيل لابن عمر إن ذجدة يقول كذا وكذا فجعل لا يسمع منه كراهية أن يقع في قلبه منه شيء
عن عمر إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأى فضلوا وأضلوا
أن عمر قال سيأتي أناس سيجادلونكم بشبهات القرآن خذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله
قال علي سيأتي قوم يجادلونكم فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله
عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى حنينا فمروا بشجرة يعلق المشركون عليها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط فقال الله أكبر هذا كما قال قوم موسى اجعل لنا إلهاكما لهم آلهة لتركبن سنن من كان قبلكم
عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا فشبرا وذراعا فذراعا حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا ومن هم يا رسول الله قال أهل الكتاب قال فمه أخرجه البخاري
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/38)
عن عمر أنه قال اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم براي اجتهادا ووالله ما آلوا عن الحق وذلك يوم أبي جندل والكفار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسمل وأهل مكة فقال اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم فقالوا إنا قد صدقناك بما تقول ولكن تكتب باسمك اللهم قال فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيت عليهم حتى قال يا عمر تراني قد رضيت وتأبى قال فرضيت
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم أخرجه البخاري
عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا
عن فاطمة بنت الحسين عن علي قال إياكم والخصومة فإنها تمحق الدين
عن ابن عباس قال أمرالله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم بما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات
قال أبو العالية إياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء فحدثت الحسن فقال صدق ونصح فحدثت به حفصة بنت سيرين فقال يا باهلي أنت حدثت بهذا محمدا قل لا قالت فحدثه إذا
عن الحسن أن رجلا أتاه فقال يا ابا سعيد إني أريد أن أخاصمك فقال الحسن إليك عني فإني قد عرفت ديني وإنما يخاصمك الشاك في دينه
قال عمر بن عبد العزيز من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر الشك أو قال يكثر التحول
قال الخليل بن أحمد: ما كان جدل إلا أتى بعده جدل يبطله
عن عمرو بن قيس قال قلت للحكم يعني بن عتيبة ما اضطر الناس إلى هذه الأهواء أن يدخلوا فيها قال الخصومات
قال جعفر بن محمد: إياكم والخصومات في الدين فإنها تشغل القلب وتورث النفاق
قال الأحنف بن قيس كثرة الخصومة تنبت النفاق في القلب
قال معاوية بن قرة: إياكم وهذه الخصومات فإنها تحبط الأعمال
قال هرم بن حيان صاحب الكلام على إحدى المنزلتين إن قصر فيه خصم وإن أعرق فيه أثم
قال الفضيل بن عياض: لا تجادلوا أهل الخصومات فإنهم يخوضون في آيات الله
قال رجل لابن عباس الحمد لله الذي جعل هوانا على هواكم فقال كل هوى ضلالة
قال معاوية بن قرة أن سالم بن عبد الله حدثه عن ابن عمر قال ما فرحت بشيء من الإسلام أشد فرحا بأن قلبي لم يدخله شيء من هذه الأهواء
عن طاوس قال ما ذكر الله هوى في القرآن إلا عابه
عن الشعبي قال إنما سميت الأهواء لأنها تهوي بصاحبها في النار
قال أبو العالية ما أدري أي الغنمين على أعظم إذ أخرجني الله من الشرك إلى الإسلام أو عصمني في الإسلام أن يكون لي فيه هوى
عن أبي الجوزاء قال لأن يجاورني قردة وخنازير أحب إلي من أن يجاورني أحد منهم يعني أصحاب الأهواء
عن إبراهيم قال إذا امتنع الإنسان من الشيطان قال من أين آتيه قال ثم قال بلى آتيه من قبل الأهواء
عن الحسن قال أهل الهوى بمنزلة اليهود والنصارى
عن يحيى بن عقيل عن محمد قال كانوا يرون أهل الردة وأهل تقحم الكفر أهل الأهواء
عن محمد بن سيرين قال لو خرج الدجال لرأيت أنه سيتبعه أهل الأهواء
قال الأوزاعي: لقي إبليس جنوده فقال من أين تأتون بني آدم فقالوا من كل قال هل تقدرون أن تأتوهم من قبل الاستغفار قالوا إنا نجده مقرونا بالتوحيد فقال لأتينهم من قبل ذنب لا يستغفرون منه قال فبث فيهم الأهواء
قال سفيان الثوري: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية والمعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها
قال ثابت بن العجلان: أدركت أنس بن مالك وابن المسيب والحسن البصري وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم النخعي وعطاء ابن أبي رياح وطاووس ومجاهد وعبد الله ابن أبي مليكة والزهري ومكحول والقاسم أبا عبد الرحمن وعطاء الخراساني وثابت البناني والحكم بن عتبة وأيوب السختياني وحماد ومحمد بن سيرين وأبا عامر وكان قد أدرك أبا بكر الصديق ويزيد الرقاشي وسليمان بن موسى كلهم يأمروني في الجماعة وينهوني عن أصحاب الأهواء
عن هشام قال كان الحسن يقول لا تجالسوا أهل الهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم
دخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء فقالا يا أبا بكر نحدثك بحديث قال لا قالا فنقرأ عليك آية من كتاب الله قال لا قال تقومان عني وإلا قمت فقام الرجلان فخرجا فقال بعض القوم ما كان عليك أن يقرآآية قال إني كرهت أن يقرآ آية فيحرفانها فيقر ذلك في قلبي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/39)
عن أبي قلابة قال لا تجالسوهم ولا تخالطوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم ويلبسوا عليكم كثيرا مما تعرفون
عن أيوب السختياني قال قال لي أبو قلابة يا أيوب احفظ عني أربعا لا تقولن في القرآن برأيك وإياك والقدر وإذا ذكر أصحاب محمد فامسك ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك
عن أبي قلابة قال ما ابتدع قوم بدعة إلا استحلوا السيف
كان ابن طاوس جالسا فجاء رجل من المعتزلة قال فجعل يتكلم قال فادخل ابن طاوس أصبعيه في أذنيه قال وقال لابنه أي بني ادخل اصبعيك في أذنيك واشدد لا تسمع من كلامه شيئا قال معمر يعني أن القلب ضعيف
قال إبراهيم بن أبي يحيى إني أرى المعتزلة عندكم كثير قلت نعم وهم يزعمون أنك منهم قال أفلا تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك قلت لا قال لم قلت لأن القلب ضعيف وإن الدين ليس لمن غلب
وأن عمر بن عبد العزيز قال لرجل وسأله عن الأهواء فقال عليك بدين الصبي الذي في الكتاب والاعرابي وآله عما سواهما
قال عمر بن عبد العزيز إذا رأيت قوما يتناجون في دينهم بشيء دون العامة فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة
قال محمد بن النضر الحارثي: من اصغى سمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم أنه صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه
قال يونس بن عبيد لا تجالس سلطانا ولا صاحب بدعة
قال أحمد بن يونس قال رجل لسفيان وأنا أسمع يا ابا عبد الله أوصني قال إياك والإهواء والخصومة وإياك والسلطان
قال سفيان يقول المسلمون كلهم عندنا على حالة حسنة إلا رجلين صاحب بدعة أو صاحب سلطان
قال عاصم الأحول قال قتادة يا أحول إن الرجل إذا ابتدع بدعة ينبغي لها أن تذكر حتى تحذر
قال سلمة يعني ابن كلثوم عن الأوزاعي قال من استتر عنا ببدعته لم تخف ألفته
عن يحيى بن أبي كثير قال إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في غيره
قال ابن المبارك يكون مجلسك مع المساكين وإياك أن تجالس صاحب بدعة
قال الفضيل بن عياض: من أتاه رجل فشاوره فدله على مبتدع فقد غش الإسلام واحذروا الدخول على صاحب البدع فإنهم يصدون عن الحق
قال الفضيل: لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن ينزل عليك اللعنة
قال الفضيل لا تجلس مع صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه وإذا أحب الله عبدا طيب له مطعمه
قال الفضيل صاحب البدعة لا تأمنه على دينك ولا تشاوره في أمرك ولا تجلس إليه فمن جلس إلى صاحب بدعة ورثه الله العمى
وقال الفضيل إن لله ملائكة يطلبون حلق الذكر فانظروا من يكون مجلسك لا يكون مع صاحب بدعة فإن الله لا ينظر إليهم وعلامة النفاق أن يقوم الرجل ويقعد مع صاحب بدعة
قال الفضيل يقول الأرواح جنوده مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ولا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالىء صاحب بدعة إلا من النفاق
قال الفضيل أدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة وينهون عن أصحاب البدع
قال الفضيل طوبى لمن مات على الإسلام والسنة فإذا كان كذلك فليكثر من قول ما شاء الله
عن إبراهيم بن ميسرة قال ومن وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام
قال عبد الله بن عمر السرخسي عالم الخزر قال أكلت عند صاحب بدعة أكلة فبلغ ذلك ابن المبارك فقال لا كلمته ثلاثين يوما
قال سمعت الفضيل يقول قال ابن المبارك لم أر مالا أمحق من مال صاحب بدعة وقال اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يدا فيحبه قلبي
عن إبراهيم قال ليس لصاحب البدعة غيبة
عن الحسن البصري قال ثلاثة ليست لهم حرمة في الغيبة أحدهم صاحب بدعة الغالي ببدعته
عن الحسن قال ليس لأهل البدع غيبة
قال الفضيل بن عياض:المؤمن يقف عن الشبهة ومن دخل على صاحب بدعة فليست له حرمة وإذا أحب الله عبدا وفقه لعمل صالح فتقربوا إلى الله يحب المساكين
قال عبد الله بن المبارك صاحب البدعة على وجهه الظلمة وإن ادهن كل يوم ثلاثين مرة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/40)
عن خالد بن ثابت الربعي قال بلغني أنه كان في بني إسرائيل شاب قد قرأ الكتاب وعلم علما وكان مغمورا وأنه طلب بقراءته الشرف والمال وأنه ابتدع بدعة فأدرك الشرف والمال في الدنيا وأنه لبث كهيئته حتى بلغ سنا وأنه بينما هو نائم ذات ليلة على فراشه إذ تفكر في نفسه فقال هب هؤلاء الناس لا يعلمون أليس الله عز وجل علم ما ابتدعته فقد اقترب الأجل فلو أني تبت فبلغ من اجتهاده في التوبة أنه عمد فخرق ترقوته ثم جعل فيها سلسلة ثم أوثقها إلى آسية من أواسي المسجد وقال لا أبرح مكاني حتى ينزل الله في توبة أو أموت موت الدنيا وكان لا يستنكر الوحي من بني إسرائيل فاوحي وحي الله عز وجل في شأنه أو إلى نبي من الأنبياء إنك لو كنت أصبت ذنبا فيما بيني وبينك لتبت عليك بالغا ما بلغ ولكن كيف بمن أضللت من عبادي فماتوا فأدخلتهم جهنم فلا أتوب عليك
عن أيوب قال كان أبو قلابة إذا قرأ هذه الآية إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفتري قال يقول أبو قلابة فهذا جزاء كل مفتر إلى يوم القيامة أن يذله الله
رأى أيوب رجلا من أهل الأهواء فقال إني أعرف الذلة في وجهه ثم قرأ إن الذين اتخذوا العجل سينالهم عضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين ثم قال هذه لكل مفتر
وقال رجل من أصحاب الأهواء لأيوب اسألك عن كلمة فولى أيوب وهو يقول لا ولا نصف كلمة مرتين يشير بإصبعه
عن غالب القطان قال رايت مالك بن دينار في النوم وهو قاعد في مقعده الذي كان يقعد فيه وهو يشير بإصبعه ويقول صنفان من الناس لا تجالسوهما فإن مجالستهما فاسدة ولقلب كل مسلم صاحب بدعة قد غلا فيها وصاحب دنيا مترف فيها
قال مالك بن أنس كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله
جاء رجل إلى مالك بن أنس فسأله فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فقال أرأيت لو كان كذا قال مالك فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم قال فقال مالك أو كلما جاء رجل أجدل من الاخر رد ما أنزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم
قال مالك بن أنس مهما تلاعبت به من شيء فلا تلاعبن بأمر دينك
كان الشافعي ينهي النهي الشديد عن الكلام في الأهواء ويقول أحدهم إذا خالفه صاحبه قال كفرت والعلم فيه إنما يقال أخطأت
قال أبو ثور سمعت الشافعي يقول ما تردى أحد بالكلام فأفلح
قال الربيع رأيت الشافعي وهو نازل من الدرجة وقوم في المسجد يتكلمون بشيء من الكلام فصاح وقال إما أن تجاورونا بخير وإما أن تقوموا عنا
عن بشر بن الوليد الكندي قال سمعت ابا يوسف يقول من طلب المال بالكيمياء أفلس ومن طلب الدين بالكلام تزندق
قال مصعب يعني الزبيري ناظرني إسحاق بن أبي إسرائيل فقال لا أقول كذى يعني في القرآن فناظرته فقال لم أقل على الشك ولكني أسكت كما سكت القوم فبكى فأنشدته هذا الشعر فأعجبه وكتبه وهو شعر قيل من أكثر من عشرين سنة
... أأقعد بعد ما رجفت عظامي ... وكان الموت أقرب ما يليني.
.. أجادل كل معترض خصيم ... وأجعل دينه غرضا لديني
... وأترك ما علمت لرأي غيري ... وليس الرأي كالعلم اليقين
... وما أنا والخصومة وهي لبس ... يصرف في الشمال وفي اليمين
... وقد سنت لنا سنن قوام ... يلحن بكل فج أو وجين
... وكان الحق ليس به خفاء ... أغر كغرة الفلق المبين
... وما عوض لنا منهاج جهم ... بمنهاج ابن آمنة الآمين
... فأما ما علمت فقد كفاني ... وأما ما جهلت فجنبوني
... فلست بمكفر أحدا يصلي ... ولم أجرمكم أن تكفروني
... وكنا أخوة نرمي جميعا ... ونرمي كل مرتاب ظنين
... فما برح التكلف أن تراءت ... بشأن واحد فرق الشئون
... فأوشك أن يخر عماد بيت ... وينقطع القرين من القرين ...
قال مصعب
رأيت أهل بلدنا يعني أهل المدينة ينهون عن الكلام في الدين
عن مالك بن أنس أنه كان يقول الكلام في الدين كله أكرهه ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه القدر ورأى جهم وكلما أشبه ولا أحب الكلام إلا فيما كان تحته عمل فأما الكلام في الله فالسكوت عنه لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا ما كان تحته عمل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/41)
قال أحمد بن محمد بن الحسين الديباجي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة قال حدثنا إسماعيل قال حدثنا عمرو بن عبد الغفار الصاغاني قال سمعت سفيان بن عيينه قال قال ابن شبرمة
... إذا قلت جدوا في العبادة واصبروا ... اصروا وقالوا لا الخصومة أفضل.
.. خلافا لأصحاب النبي وبدعة ... وهم لسبيل الحق أعمى وأجهل ...
وذكر أن فتى من أصحاب الحديث أنشد في مجلس ابي زرعة الرازي رضي الله عنه هذه الأبيات فاستحسنه وكتبت عنه
... دين النبي محمد اخباره ... نعم المطية للفتى آثاره
... لا تعدلن عن الحديث وأهله ... فالرأي ليل والحديث نهاره
... ولربما غلط الفتى أثر الهدى ... والشمس بازغة له أنواره ...
الاحتساب على البدع وأهلها واجب شرعي وليس ظلماً
درج أهل الأهواء والبدع والافتراق على تسيمة احتساب السلف الصالح على أهل الأهواء والبدع والافتراق، والتحذير من بدعهم وحماية عقيدة الأمة منها، ظلماً وعدواناً وحجراً، وكتماً للحرمات، وإرهاب للمخالف، واستعداءً عليه، وكان من أبرز هذه المزاعم: دعوى أن السلف الصالح أهل السنة ظلموا الفِرَق، وأنهم بانكارهم للبدع والمحدثات يفرقون المسلمين، وقد جهل هؤلاء أو تجاهلوا أنه قد ثبت في النصوص القاطعة أن هذه الأمة – كسائر الأمم السابقة – ستفترق، وأنه ستبقى طائفة واحدة من ثلاث وسبعين على الحق، كما قال الله تعالى:] ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك [، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لتتبعن سنن من كان قبلكم، وحذّر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع والمحدثات والأهواء والافتراق، وأخبر عن دعاة السُّبل وحذّر منهم، ومن دعاة الضلالة، وأمر الله تعالى بالاعتصام بحبل الله ونهى عن التفرق فقال سبحانه:] واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا [وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة والسنة، ونهى عن الفرقة والبدعة، وقد استجاب السلف الصالح، الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان لأمر الله تعالى وأمر رسوله النبي صلى الله عليه وسلم، وصدقوا خبره وأخذوا بوصيته، وقاموا بواجب النصيحة في نشر السنة، والنهي عن البدعة والتحذير منها وحماية الأمة من غوائلها. ومن ذلك:
لما حدثت الردة بعد موت رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم قيض الله لها أبا بكر فوقف وقفته الحازمة المشهورة، التي كسر الله بها موجة الردة، وأعز الله بها الدين، وأيده على ذلك الصحابة – بإجماع – وناصروه.
ولما ظهرت بعض بذور البدع في عهد عمر: كالكلام في القدر، والاحتجاج على المعاصي، ومتشابه الآيات، فأقام عمر معوجها بدرته المشهورة، فأدّب صبيغ لخوضه في الآيات المتشابهات، وأدب الأمة كلها عندما هدد النصراني القدري – بطريرك الشام – كما زعم أن الله لا يضل من يشاء، كما أدب عمر الأمة كلها كذلك بقطع شجرة الحديبية لقطع دابر البدع، ونهى الذين كانوا يرتادون مواطن محددة للتعبد عندها مما لم يرد به الشرع.
ونهر كعب الأحبار، وقال له: " لقد ضاهيت اليهودية " حينما أشار كعب أن يصلي عمر إلى الصخرة في بيت المقدس.
وأدب علي الشيعة الغلاة، وحرقهم في النار حينما علم أنهم يغلون فيه ويقدسونه، وأمر بجلد المفترية من الشيعة الذين فضلوه على أبي بكر وعمر.
ولما ظهرت الخوارج قيض الله لها سائر الصحابة وعلى رأسهم عليّ t وابن عباس فأقاموا عليهم الحجة، وبينوا لهم المحجة حتى رجع منهم من كان يريد الحق، وأصر أهل الأهواء على بدعتهم. فقاتلهم الصحابة احتسابا وامتثالا لأمر رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم، وقمعاً لبدعنهم، وحذّروا منهم ومن مجالستهم.
ولما ظهرت القدرية في النصف الثاني من القرن الأول تصدى لها متأخروا الصحابة: كعبد الله بن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وواثلة بن الأسقع y وكان من أشدهم على القدرية ابن عمر، الذي حذر منها، وأنذر، وكشف عوارها، وحذر من معبد الجهني رأس القدرية وأصحابه، ونهى عن مجالستهم ومخالطتهم والتلقي عنهم، وكذلك ابن عباس، وكذلك لما أعلن غيلان الدمشقي بدعة القول بالقدر، تصدى لها التابعون وعلى رأسهم مجاهد، والخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، وريحانة الشام الأوزاعي، لكنه أصر على بدعته حتى قتله هشام بن عبد الملك لبدعته، وقد زعم أهل الأهواء أن قتله كان سياسياً!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/42)
ثم اعتزلت المعتزلة الأولى وعلى رأسهم واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، فتصدى لهم أئمة السنة أمثال: الحسن البصري، وأيوب السختياني، وابن عون، وثابت البناني، وابن سيرين، وحماد بن زيد، ومالك بن أنس، وأبي حنيفة، وابن المبارك، وهكذا كلما كثرت حشود البدعة تصدت لها جحافل السنة.
ولما نبغت الرافضة قيض الله لها أمثال: الشعبي، والشافعي وعبد الله ابن إدريس الأودي وغيرهما.
ولما برز رأس الجهمية الجهم بن صفوان، تصدى له سائر أئمة السلف: كالزهري، ومالك، وأبي حنيفة، ثم عبد الله بن المبارك، وأمثالهم.
ثم لما نبغ بشر المريسي رأس الجهمية في زمانه، تصدى له أمثال عثمان بن سعيد الدارمي، والشافعي، والكناني.
ولما احتشدت حشود الأهواء زمن المأمون، وبعدها من الجهمية والمعتزلة، ومن سار على نهجهم، وعلى رأسهم ابن أبي دؤاد، تصدى لهم إمام السنة وقامع البدعة الإمام أحمد بن حنبل، فكسرهم كسرة لم ينهضوا بعدها إلا متعثرين بحمد الله.
ولما تجمعت فلول الجهمية المعتزلة في آخر القرن الثالث، وصالت صولتها، قيض الله لها أبا الحسن الأشعري، وكان الخبير بعوارها، لأنه كان معتزليا فهداه الله للسنة، فحشر المعتزلة في قمع السمسمة – كما قيل – وكسرهم، فانهزموا هزيمة منكرة.
ولما نبغت نابغة الكلام وريثة الجهمية والمعتزلة، وبدأ أهل الكلام يخوضون في صفات الله تعالى والإيمان والقدر، تصدى لهم أئمة السلف في القرن الرابع والخامس: كالبربهاري، وابن خزيمة، وابن بطة، والهروي، واللالكائي، وابن مندة، والملطي، والصابوني، والآجري، وابن وضاح، والبغوي، وابن عبد البر، وأمثالهم.
وفي القرون: السادس والسابع والثامن، عمت البلوى بالبدع والأهواء والافتراق، وهيمنت الفرق في سائر البلاد الإسلامية، واستحكمت الصوفية ببدعها، وساد الكلام والفلسفة والباطنية والدجل، وتسلط الكفار على كثير من بلاد المسلمين في الشام وغيرها.
فقيض الله أمثال: الشاطبي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلاميذه (كابن القيم والذهبي)، فتصدى شيخ الإسلام لجحافل البدع وعساكر الضلالة، وجاهد في كل ميدان بلسانه وقلمه ويده، فقد تصدى لأهل الكلام، والفلاسفة، والباطنية، والصوفية، والرافضة، واليهود، والنصارى، والصابئة.
كما كان مجاهداً بعلمه ولسانه وسيفه للكفار التتار، والنصارى الصليبيين والبغاة، وكان يشجع المسلمين على الجهاد في كل ميدان، وله في ذلك إسهامات مشهورة مشهودة.
وكان ناصحاً لولاة المسلمين وأئمتهم، يذكرهم، ويعظهم، ويحثهم على الجهاد ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر بحكمة وقوة، كما كان ناصحاً لعامة المسلمين وعلمائهم، وكان آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، هو وأتباعه يصدع بذلك، ولا يخاف في الله لومة لائم، حتى أبان الله به السنة، ونصر الله به راية السلف، وكشف الله به أهل البدع وعقائدهم ومناهجهم، وحتى أقام الحجة، وأبان المحجة، ونصر الملة، ولا تزال آثاره ومؤلفاته مرجعاً لكل صاحب سنة، وقذىً في عين كل صاحب بدعة، وفيها فرقان بين الحق وأهله، وبين الباطل وأهله، رحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وفي العصور المتأخرة: استحكمت البدع والشركيات، وانتشرت الطرق الصوفية والمقابرية، والعادات الجاهلية خاصة في جزيرة العرب. فتصدى لها ناصر السنة وقامع البدعة: الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، فطهر الله بدعوته المباركة أرض جزيرة العرب خاصة الحجاز ونجد وما حولها من البدع والشركيات والمقابرية والصوفية الضالة، كما نفع الله بدعوته سائر أقطار المسلمين، حيث اعتزت بها السنة وأنصارها، وانتصرت السلفية، واحتمت، وآوت إلى ركن شديد، حيث قامت لها وعليها دولة نشرتها وحمتها بالسيف والقلم وهي الدولة السعودية أعزها الله بالإسلام ونصر بها السنة وأهلها.
ولا نزال بحمد الله نرى ثمار هذه الدعوة في كل مكان، رغم تكالب جحافل البدعة، وما أجلبوه عليها بخيلهم ورجلهم: بالسب، والهمز، واللمز، وإعلان العداوة، وصد الناس بشتى الوسائل، والله غالب على أمره.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/43)
ولما نبغت نابغة (قصب السلف) في القرن الماضي (الرابع عشر الهجري) على لسان الكوثرية، معلنة انتقاص بعض أئمة السلف، ورافعة راية الكلام والتجهم، واتهام السلف وأتباعهم، ورميهم بالألقاب المشينة والألفاظ المقذعة مثل: الحشوية، والمشببهة، والحمقى، والجهلة، والأوباش، والرعاع قيض الله لهم أمثال: المعلمي، والألباني، وبكر أبو زيد، وسائر مشايخنا حفظهم الله.
ولما أخرجت البدع أعناقها في البلاد الطاهرة على يد أحد المنتسبين للعلوية وأتباعهم، تصدى لها طائفة من المشايخ وطلاب العلم وفقنا الله وإياهم، ولا يزال مشايخنا لهم جهود مشكورة في هذا المضمار، وفقهم الله وسدد خطاهم، والآن وقد بدأ نباشة القبور، يثيرون المشتبهات ويشككون أبناء المسلمين بالمسلَّمات، وينهشون علماء السلف، وينبِّشون في كتبهم الزلات، ويطعنون في سلف الأمة ويبكون على أطلال الفرق والبدع، ويمجدون رؤوس الضلالة والأهواء، ويرددون مطاعن الزنادقة في خيار الأمة، وإن لمنتظرون – تحقيقاً لوعد الله بحفظ دينه – من يتصدى لهذه النابتة الخبيثة كفانا الله شرها. ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ومما ينبغي التنبه له، أن أهل الأهواء – قديماً وحديثاً – يضيقون ذرعاً بإنكار البدع والتصدي للمبتدعة، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويجعلون ذلك – حسب موازينهم التي تقوم على الأهواء – من الظلم والشتم والسب، والحجر، وكتم الحريات، والاستعداء ضد الخصوم، وإرهاب المخالفين.
ويتهمون السلف الذين ينهون عن البدع والآثام، ويحذرون منها ومن أهلها بالتكفير والتبديع والتفسيق ونحو ذلك، وكل ذلك من التلبيس والبهتان، فإن هذه أحكام شرعية يطلقها المجتهدون من العلماء الثقات على من يستحقها شرعاً، حسب اجتهادهم، وقد يخطئ الواحد منهم، لكن ليس ذلك من منهجهم.
ولذلك فأن أهل الأهواء يتهمون السلف بالسب والشتم واللعن ونحو ذلك، من هذا المنطلق، أعني أنهم يسمون إطلاق الأحكام الشرعية من الكفر والبدعة والفسق ونحوها، على من يستحقها شرعاً: شتماً ولعناً وسباً وهذا هو منهج أعداء الرسل في كل زمان.
مع العلم أن السب للكفر والشرك والبدع والأهواء والفسوق مشروع ومطلوب شرعاً بالضوابط الشرعية.
والنبي كما كان يأمر بالتوحيد، كان كذلك ينهى عن الشرك ويذم عبادة الأصنام والأوثان، وقد وصفه المشركون بأنه حين ينهى عن الشرك (يسبُّ آلهتهم) وهو سبٌّ مشروع ومن دعائم الدين الكبرى في كل زمان.
ـ[عبد الرحمن غياث]ــــــــ[16 - 09 - 06, 10:05 م]ـ
الصوفية والموقف منها وهل هي مذمومة أم ممدوحة والحديث عن كشفها وتربيتها وكراماتها والتبرك بآثار الصالحين والحديث عن ابن عربي
الرد على الخرافيين
لفضيلة الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي – حفظه الله -
ملخص هذه المادّة
اشتملت هذه الرسالة على بيان لحقيقة التصوف .. نشأته وتطوره وأصله، وقد تضمنت حديثاً عن الكرامات المزعومة لمن يسمونهم بالأولياء أو الأقطاب.
وقد بُيِّن من خلالها أصول هؤلاء المبتدعة، وإلحاد أئمتهم وقولهم بوحدة الوجود، مع إيراد أجزاء من كلام المالكي وبيان ضلالاته فيها، وإصراره على التهجم على علماء المملكة.
وقد خُتمت بنصيحة للمالكي وأتباعه ومن يغتر بهم وبحالهم.
عناصر الرد على الخرافيين
1 - المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
وصلتنى رسالتكم، والحمد لله أنَّكم متمتِّعون بالصحة الجيدة، وأنَّكم مستمرون في الدراسة، ونسأل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يعينكم، وأنْ تعودوا إلى أهلكم، وبلادكم، وأنتم في أحسن حال.
والذي دفعني إلى هذه الرسالة الشفوية إليكم: هو ما كتبتم لي من السؤال عن ما وقع عندنا -هنا في المملكة - من فتنة أثارها المدعو محمد علوي مالكي؛ وتقول لي: إن كتاب حوار مع المالكي الذي ألَّفه الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع وصلكم، وقد استفدتم منه، وتعجبتم، أو بتعبيركم "ذهلتم" من هذه الأمور، وهذه الشركيات، والمنكرات، وكيف أن هذا الرجل يرتكبها، ولكن -كما تقولون- وصلكم كتاب؛ بل بالأحرى عدة كتب أهمها: كتاب الرد على ابن منيع الذي ألَّفه يوسف هاشم الرفاعي الكويتي، وتقول أيضاً: إنَّه وصلكم أخيراً كتابان ألَّف أحدَهما رجلٌ من البحرين سماه: إعلام النبيل،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/44)
والثاني: ألَّفه اثنان من المغاربة وسمَّياه التحذير من الاغترار بما جاء في كتاب الحوار، وتطلب مني باعتباري -كما ذكرتَ- متخصِّصاً في العقيدة، ومقيماً هنا في البلاد؛ بأن أكتب إليك مرئياتي عن هذا الموضوع، وعن حقيقة الخلاف بيننا وبين الصوفية، وهل الصوفية تعتبر هي أهل السنة والجماعة كما يزعم هؤلاء؟ وبقية الأسئلة التي -إن شاء الله- سآتي عليها من خلال هذه الرسالة.
فأنا -يا أخي- أعتذر لك عن الكتابة؛ لأنَّ مطلبك هذا الذي طلبتَه أن أكتبه؛ يحتاج إلى رسالة، وكما تعلم أنني مشغول جداً برسالتي التي أحضِّرها الآن، فكيف أستطيع أن أكتب لك رسالة أخرى عن التصوف، ونشأته، وعن الخلاف بيننا وبين أهله، هذا كلامٌ طويلٌ جدّاً، ونحن أحوج ما نكون إلى المنهج العلمي التفصيلي، الذي ينبني على الأدلَّة، والذي يتثبت وينقل مِن كتب هؤلاء القوم، ويتتبع أصول هذه الفرق جميعاً ليردَّ عليها ردّاً علميّاً صحيحاً سليماً، وهذا يتطلب جهداً كبيراً، وأمَّا مجرد خطبة عابرة، أو نقد عابر؛ فهذا من الممكن أن يكون في وريقات، لكن الذي أراه أنَّنا -نحن- أمام هجمة صوفية شديدة.
وكما ذكرتم لي سابقاً -عندكم في أمريكا - تلاحظون أنَّ التصوف بدأ ينتشر، وبدأ كمحاولة للصدِّ عن سبيل الله تعالى أي أنَّ الأمريكي الذي يريد الدخول في الإسلام يقال له: ادخل في هذا الدين فيدخل في التصوف، فيُحرم المسلمون منه، وربما ينفرون -كما حدثْتني عن بعضهم- لأنَّه إذا رأى ما في التصوف مِن الخرافات؛ ينفر مِن الإسلام نهائيّاً وينفِّر غيره، ويقول لهم: خرافات النصرانية أخفُّ مِن خرافات الإسلام، وهذا -والعياذ بالله- مِن صور الصدِّ عن سبيل الله.
ولاشك -يا أخي- أنَّ وراء ذلك مؤامرات يحيكها أعداء الإسلام من اليهود والنَّصارى، مستغلِّين هؤلاء الصوفية الذين كثيرٌ منهم زنادقة متسترون يريدون هدم الإسلام مِن الداخل، وعندما أقول ذلك لا تفهم منِّي أنَّني أقول: إنَّ كلَّ مَن يحضر المولد زنديق، أو كل مَن يحب الطرق الصوفية زنديق.
ليس هذا هو المقصود، المخدوعون بالدعوات كثيرٌ، ولكن نحن نتحدث عن التصوف كفكرة، وكعقيدة لها جذورها القديمة، ولها فلسفاتها المستقلة، ونتحدث كيف دخلتْ في الإسلام، وكيف خُدع بها أكثر هذه الأمة، فالذي نحكم عليه هو الصوفية، وأنتم تعرفون الثيوصوفية التي في أمريكا، والتي عرَّفها صاحب المورد العربي الإنجليزي زهير بعلبكي بأنَّها فرقة حديثة، نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية، وليست في الحقيقة حديثة بالمعنى الذي ذكره المورد، بل الثيوصوفية قديمة، وسأتحدث عنها -إن شاء الله- عندما أبدأ بموضوع نشأة التصوف.
لكن بخصوص سؤالك أنت ومن معك في المركز، وبعض إخوانكم في الله من المسلمين في أمريكا عن حقيقة ما جرى مِن هذه المشكلة، وعن موقف هؤلاء الذي دافعوا عن المالكي بخرافاته، وهو أنَّهم كثيرون كما تقولون.
حوار المالكي مع علماء المملكة
أقول لكم: ما جرى مع المالكي ليس في حاجةٍ إلى أن يدافع عنه أحد على الإطلاق؛ لأنَّ المسألة: مسألة اعتراف وإقرار، والاعتراف هو سيِّد الأدلة، هذه حقيقة معروفة، فمحمد علوي مالكي اعترف هو بنفسه في محضرٍ رسمي أمام الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله والشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ورئيس الحرمين، وكُتب هذا الاعتراف في محضرٍ رسميٍّ، والمعاملات محفوظة لدى الإفتاء، ولدى مجلس القضاء الأعلى، وشئون الحرمين، معاملات، وصور، وملفات لهذه القضية، فيها اعترافات الرجل، وهذا الرجل معترف بأنه ألَّف الذخائر، وكتاب الذخائر ليس هو الذي ألَّفه؛ لأن كتاب الذخائر مذكور فيه -وأنا الآن أفتحه أمامي- ما يدل على أنَّ هذا الكتاب مِن تأليف والده، ففي صفحة (33) منه؛ يقول: 'إنَّه سافر إلى المدينة، واطلع على المخطوط عام (1354هـ) ' فهذا على ما هو معروف من عُمْر محمد علوي مالكي أنَّه لم يكن قد ولد في تلك الفترة، أو على أكثر تقدير أنَّه مازال طفلاً؛ فالذي كتبه إذاً هو أبوه، المهمُّ أنَّه اعترف بأنَّه ألَّف هذا الكتاب، وأنَّه له، وما فيه من الأمور الشركية: يقول: 'إنَّني نقلتُها عن غيري، وأخطأتُ! وفاتني أن أنبِّه على أنَّها شركٌ-' يمكنك مراجعة صفحة [12، 13] من كتاب الحوار للشيخ ابن منيع -.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/45)
فما دام أن الرجل اعترف، ومادام أن المتهم المجرم الجاني اعترف، فما الدَّاعي إلى أن يأتي أحدٌ ويدافع عنه، فمن الممكن أن يدَّعي الإكراه؟!
لكن كان ينبغي ويجب عليه أن يبين، ويقول: أنا أُكرهت على ذلك، وأن ينشر ذلك في داخل المملكة، أو في خارجها، أو يقوله للنَّاس إذا جلس معهم.
أمَّا نحن فكما تعلم كم يُقطع من الرقاب في الحدود -عندما تقطع رقاب، أو أيدي، أو يُجلد- بناءً على الإقرار أمام قاضي عادي في محكمةٍ شرعيَّةٍ من المحاكم في المملكة، فينفَّذ الحدُّ على المجرم بإقراره أمام هذا القاضي، وربما يكون هذا القاضي حديث العهد بالقضاء [خرِّيج كليَّة] فما بالك برئيس مجلس القضاء الأعلى، وبرئيس الإدارات العلمية، والبحوث والإفتاء، وبرئيس الحرمين الشريفين، ومَن حضر معهم مِن العلماء، وهم كبار العلماء في المملكة؟!
هل يخطر ببالكم -يا أخي- أنَّ هؤلاء العلماء يتواطئون جميعاً، ويتفقون على أن يفتروا على الرجل محضَراً، وينسبوا إليه فيه أنَّه اعترف، وأنَّه أقر أنَّ هذا شرك؟!
كيف يمكن هذا وقد سجَّلوا عليه اعترافه، وهم ليسوا محل التهمة، وليس هناك مِن داعٍ لأن يظلموه؟!
ولو أنَّه أنكر تأليف الكتاب بالمرَّة لقالوا ذلك، كما ذكروا أنَّه أنكر كتاب أدعية وصلوات -مثلاً- في هذا المحضر، والمحضر أصبح الآن وثيقة تاريخية.
هذه الإدارات الثلاث بالإضافة إلى مجلس الوزراء؛ تحتفظ -جميعاً- بطبيعة الحال بأرقام لهذا المحضر وبملفات له.
فمَن اعترف، وأقر بأنَّ هذه الأمور شركٌ لا يحقُّ له -فضلاً عن أحدٍ من أتباعه الذين يعيشون في المغرب، أو في البحرين، أو في الكويت أو غيره- أن يدافع عنه، أو أن يقول: إنَّه مظلوم، أو أن يتمحل له العلل والمعاذير، هذا بالنسبة له في ذاته.
نسب محمد علوي المالكي
القضية الأخرى: قد تكون قضية جزئيَّة، أو فرعيَّة، لكنَّها مهمَّة من ناحية أخرى، وهى قضية نسب هذا الرجل!
تقولون: إنَّه ما كان ينبغي للشيخ ابن منيع أن يشكك في نسب الرجل!
أقول لكم أنتم تعرفون الوضع عندنا هنا في المملكة وتعرفون الأشراف المقيمين عندنا في الحجاز وتعرفون كم مِن الأُسَر يتبرأ منها الأشراف الموجودون حاليّاً في مكة -يتبرءون مِن أُسَرٍ كثيرةٍ- ويقولون: إنَّ هذه الأُسَر تدَّعي النَّسب لآل البيت وليست منَّا! إمَّا أنَّهم ليس عندهم شجرة، أو أنَّ شجرتهم مكذوبة.
وتعرفون ما فعله العبيديون القرامطة في بلاد المغرب مِن ادعائهم النَّسب الشريف، وهم ليسوا منه، فهذه القضية -يا أخي- ليست قضية قذف كما يزعم هؤلاء المغفلون، يقولون: إنه قاذف!!
إذا جاءنا رجل مِن الجنس القوقازي، أو الجنس الصيني، أو من أي بلدٍ، وادَّعى أنَّه مِن أهل البيت؛ فنحن -على كلامه- أمام خيارين: إما أن نقول: نعم، هذا مِن آل بيت الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإما أن نقول: لا، فيقولون: أنتم قذفتموه.
لا -يا أخي- النسب هذا علمٌ معروفٌ، وفى علم النَّسب يقال: هذه القبيلة تنتسب إلى كذا، ولا تنتسب إلى كذا، وأخطأ من نسبها إلى كذا، أو ادِّعاؤه أنَّ فلاناً مِن قبيلة كذا ليس صحيحاً! وإنما هو من قبيلة كذا.
فهم الآن لم يقذفوا أُمَّ رجل معين بأنَّها -والعياذ بالله- زنت! ليس هذا هو القذف، إنما هذا تصحيحٌ للنَّسب، وتطهير لنفس النَّسب الشريف، وإلا لادَّعى كلُّ مدَّعٍ ما شاء، والنَّسب هذا يترتب عليه إرث ويترتب عليه أحكامٌ أخرى مثل -كما تعلم-: أنَّ آل البيت تحرُم عليهم الزكاة، ولهم الخمس، ولهم أحكام كثيرة تترتب وتتوقف على ثبوت ذلك، فكون الإنسان يتأكد منه هذا لا يعني القدح، ولا يعني الطعن، وكون الإنسان يشكِّك فيمن هو أهلٌ لأن يُشكَّك في نسبه؛ أنا أقول لك بصريح العبارة: إنَّ الشيخ ابن منيع ربما ليس لديه الأدلَّة الكافية، أو القراءة الكافية عن بعضهم، لكن أنا أقول: إنَّه على حقٍّ في التشكيك في نسب المالكي، بدليل:
أولاً:
هناك أقرباء لمحمد علوي مالكي موجودون الآن في مكة، وهم -مِن فضل الله- معتزلون لشركياته، وضلالاته، وهؤلاء يقولون: نحن نعرف أنَّ جَدَّنا مِن المغرب، وقدِم إلى مكة.
أمَّا قضية النَّسب؛ فهذا أمر يعلمه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهم غير متأكدين، ولا يجزمون في ذلك، هؤلاء مِن نفس أسرته يجمعهم وإياه جَدٌّ واحدٌ.
ثانياً:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/46)
عندنا زعماء التصوف ننظر إلى تاريخهم. كمثال: هاشم الرفاعي -الذي ردَّ على الشيخ ابن منيع - يسمِّي نفسه: يوسف السيد هاشم الرفاعي، ويذكر في كتابه استدلالات من كتاب: السيد أحمد الرفاعي [1] مؤسس الطريقة الرفاعية وأحمد الرفاعي هذا يقول عنه الشعراني [2] في الطبقات الكبرى [3]-وهو أكبر طبقات المتصوفة، ومِن أوثق مراجعهم- يقول في ترجمته:
"ومنهم: الشيخ أحمد بن أبي الحسين الرفاعي رضي الله تعالى عنه، منسوبٌ إلى بني رفاعة -قبيلة من العرب- وسكن أم عبيدة بأرض البطائح إلى أن مات بها رحمه الله".
إذا نظرنا إلى رفاعة القبيلة المعروفة عندنا الآن في الحجاز؛ هذه القبيلة ليست من قريش أصلاً، فكيف يكون الرفاعي قرشياً؟!
فضلاً عن أن يكون مِن آل البيت؟
لو أنَّ رجلاً مِن أقرب النَّاس إلى آل البيت كرجل من بني أميَّة لا يجوز له أن يقول: أنا مِن آل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بمعنى أنَّه من ذرية الحسن والحسين، أو غيرهما، وإن كان من نفس قريش، ومِن أسرةٍ قريبةٍ مِن آل البيت، فكيف يجوز لرجل مِن رفاعة؟
بل الرفاعي لم يدَّع -فيما أذكر- ذلك وهذا الشعراني يقول: إن رفاعة قبيلة من العرب منسوب إليها هذا الرجل.
أيضاً: ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية [4] في ترجمة أحمد الرفاعي: إنَّه منسوب إلى رفاعة قبيلة مِن العرب.
هذا الرجل يدَّعي له بعض الصوفية أنَّه مِن آل البيت ويعملون له شجرة، ومنهم: ابن الملقن -مثلاً- في طبقات الأولياء صفحة [93]، وكذلك أبو الهدى الصيادي أحد الرفاعية الموجودين في هذا العصر، ألَّف كتاباً وقال فيه: إنَّ الرجل مِن آل البيت، ويعملون له شجرة، ويصرُّون على نسبته إليهم، ويضعون أمام اسمه كلمة [السيِّد] أو [سيدي]، فإذاً نحن في الحقيقة من حقنا أن نشك؛ لأن هناك سوابق.
ومثله كذلك الشاذلي: فالشاذلية -الآن- يدَّعون ما تدَّعيه الرفاعية أنَّ الشاذلي مِن آل البيت! بينما -مثلاً- ابن الملقن هذا نفسه الذي ذكر شجرة نسب الرفاعي، يقول في ترجمة الشاذلي " اسمه: علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن يوسف أبو الحسن الهذلي الشاذلي " [5]
يقول: وقد انتسب في بعض كتبه إلى الحسن بن علي بن أبى طالب.
فهذا مِن هذيل، وهذا من رفاعة، وكلٌّ منهم يدَّعي أنَّه مِن ذرية الحسين أو الحسن أبناء علي بن أبي طالب فكيف يُصدَّق هذا؟!
ويقول ابن الملقن: " إنَّ الشاذلي ذكر نسبه، ثم وصَّل ذكر هذا النَّسب إلى علي بن أبي طالب، قال ابن الملقن وتُوقِّف فيه " أي: لا نستطيع أنْ نجزم بأنَّ الشاذلي أيضاً مِن ذرية الحسن، وإنَّما هو مِن هذيل، فإذا كان هذا مِن رفاعة، وهذا مِن هذيل، فأين هاتان مِن قريش، فضلاً عن بني هاشم، فضلاً عن الحسن والحسين رضي الله عنهما؟
فهذا يدل على أنَّ للعبيديين خلفاً كثيراً، وأنَّ كثيراً مِن الملايين التي تنتسب إلى آل البيت في إيران، وفي المغرب، وفي حضرموت، وفي بلاد كثيرة، كثيرٌ منهم: نسبه غير صحيح، بل قد ظهر حديثاً في مكة كتابٌ -طبع هذه السنَة- عن الأشراف، وأنسابهم، وكما سمعتُ أنَّه مُنع؛ لأنَّه اعترَضَ عليه كثيرٌ مِن النَّاس.
والأشراف كما قلنا: إنهم يتبرءون مِن كثيرٍ مِن الأُسر، ومِن كثيرٍ مِن العائلات.
فعلى كل حال: ما يتعلق بأنَّ فلاناً نسبه صحيح، أو غير صحيح؛ ليس مستوجباً للقذف كما يفتري هؤلاء الدجالون، وإلاَّ لكان ابن الملقن نفسه قاذفاً، وهو مِن أئمتهم، وكَتب في طبقاتهم، ولكان الشعراني أول مَن قذف؛ لأنَّه يقول: ' إن أحمد الرفاعي من بني رفاعة، القبيلة المعروفة، وليس مِن آل البيت '.
فليكن عندنا معلوماً أن الصوفية يتسترون بالنسب الشريف، وأنَّ هذه دعوى استفادوها من الشيعة، بل سنعرض -إن شاء الله عندما نتكلم عن نشأة التصوف - أن أصل التصوف هو التشيع، وأن أول ما وجد التصوف كان في صفوف الشيعة، ولذلك نجد الصلة بين التصوف وبين التشيع قويةً جدّاً، ونجد أنَّ كثيراً مِن الضلالات والخرافات مشتركة بين الطائفتين، خرافات مشتركة بالفعل، ويجمع الطائفتين دعوى الغلو، هؤلاء غَلَوا في علي، وهؤلاء غَلَوا في الرسول محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
موقفنا من الكتب التي ردت على الشيخ ابن منيع وعلماء المملكة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/47)
أمَّا قضية رأيي -كما ذكرتم- في هذه الكتب، وفي ردِّهم على الشيخ ابن منيع والعلماء في المملكة؟
فأنا -يا أخي- أقول لك: إنَّ الشيخ ابن منيع -جزاه الله خيراً- والعلماء الذين كتبوا في ذلك، وبالأخص كتاب الشيخ ابن منيع؛ لأنَّ كتابه يركِّز على قضية المولد.
خلافنا مع الصوفية
أحب أن أقول: إنَّ القضية التي نختلف نحن والصوفية فيها ليست هي قضية المولد، القضية أكبر من ذلك وأعظم.
الصوفية ديانة قديمة، معروفة لدى الهنود، ولدى اليونان القدماء، جاءت هذه الديانة ودخلت وتغلغلت في الإسلام باسم الزنادقة، والزنادقة هم الذين أدخلوها في الإسلام باسم التصوف، والتعبد، وباسم الزهد -كما سنعرض ذلك إن شاء الله- فالخلاف معهم ليس محصوراً فقط في تعظيم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أراد الرفاعي، والبحريني، وكذلك المغاربة، وإن كانت كتبهم تتحدث عن منزلة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن عظمته ومعجزاته وخوارقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلى آخره.
نقول: بغض النظر عمَّا احتوته هذه الكتب مِن الأباطيل، والتناقضات، والشركيات؛ فالخلاف بيننا وبينهم ليس في قضية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبداً، هذه جزئية، نعم. هي إحدى فروع المسائل التي نختلف نحن وإيَّاهم فيها، أنَّهم غَلَوا، واشتطوا، حتى شابهوا النَّصارى، ونحن اقتصدنا وعظَّمْنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما عظمه الله به، وبما صحَّ في سنَّته وسيرته.
ليس الموضوع هو أنَّهم يحبون رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر منَّا -كما يزعمون- والخلاف بيننا وبينهم ليس في المولد، وليس في كيفية الذكر، أو في أنواع التوسل التي أطالوا وأطنبوا في تفصيلها، وليس في تعريف البدعة، هل هي خمسة أنواع، أو نوعين، أو نوع واحد؟
لا؛ الخلاف بيننا وبين الصوفية هو خلاف بين الإسلام وبين ديانة وثنية فلسفية قديمة، خلاف في الربوبية، والألوهية، أهي لله وحده، أم له فيها شركاء كما يدَّعون؟!
لأنَّ دعوى الصوفية أنَّ الربوبية والألوهية -أو كثيراً من حقائق الألوهية والربوبية- يمكن إعطاؤها للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو للأولياء، أو مَن يسموهم الصالحين، هذا: شركٌ أكبر، لكن ليست هذه فقط!! يعني: الصوفية لم تكتفِ بأن تَصرِفَ الألوهية لهؤلاء، وإنَّما صرفتْها للزنادقة، والدجالين، والكهان، والمشعوذين.
ولابد أنَّكم تعرفون الرجل الذي عندنا هنا في مكة، يُدعى: السيد الأهدل، وقد سألني بعض النَّاس يقول: هل أذهب لأتعالج عنده؟
وهذا هو شيخ محمد علوي مالكي، رجلٌ خرافيٌّ، يقول للناس: أحضِروا تَيْساً أسود، واذبحوه، ولا تذكروا اسم الله، وافعلوا كذا، وافعلوا كذا ونحوها من الشعوذات والكهانات وينجِّم للرجل وللمرأة، ويقول: نجم المرأة كذا، ونجم الرجل كذا، فإن كانت النُّجوم متطابقة قال: لا بأس أن تتزوجها. شعوذات غريبة ينقلها لنا العوام هنا في مكة فمن مثل هذا الدجل والشعوذة، يصرفون ربوبية الله، وألوهيته للمشعوذين، والدجالين، المتعاطين السحر، المتعاملين مع الجن، الذين يقولون: نحن نعلم الغيب، ويطلبون مِن المريدين أن يقدِّموا لهم العبوديات التي لا تليق إلا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
عقيدتنا في الرب تعالى
نحن نعرف أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو وحده المتصرف في الكون، هذه حقيقة لا يمكن أن يماري فيها أي مسلم، ونعرف أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي عنده اللوح المحفوظ، وهو الذي يمحو ما يشاء ويثبت، وهو الذي يحي ويميت، وهو الذي يعلم ما تسقط مِن ورقة في ظلمات البرِّ والبحر، والذي يفتح أبواب الجنَّة لمن شاء، أو يفتح أبواب النار -والعياذ بالله- لمن يريد، وهو الذي يسلب الإيمان مِن القلوب، أو يضع فيها اليقين، ولا أحدَ يملك ذلك غيره، ونعتقد أنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يغيث الملهوفين في الكربات، والظلمات، ويعلم ما في سرائر القلوب، وما تختلج به الخواطر، إلى غير ذلك.
لكن هؤلاء القوم يقولون إنَّ مِن أوليائهم مَن يتصرف في الأكوان، فتراهم يقولون في حلقة الذكر الجيلانية: عبد القادر يا جيلاني [6] يا مصرف الأكوانِ!!
فإذا كان عبد القادر الجيلاني هو المتصرف في الأكوان، فماذا بقي لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/48)
وسأنقل إليكم أدلةً كثيرةً جدّاً مِن كتاب الشعراني تدل على هذا الشرك الأكبر، منها: أنهم يذكرون أنَّ هناك مَن يرى اللهَ، ومَنهم مَنْ يخاطبُه في الدنيا، ويكلِّمه، ومَن يقول له: هذا حلال، وهذا حرام.
ويذكرون: أنَّ هناك منهم مَن يستأذن جبريل قبل أن يبدي رأيه، حيث يأتي المريد يسأله فيقول: أمهلني حتى أستأذن جبريل!! فيسأل جبريل فيجيبه!!
ويذكرون: أنَّ منهم مَن يمسك الشمس عن الغروب! ومنهم مَن يعلم مِن أسرار القرآن ما لا يعلمه ملَكٌ مقرَّبٌ، ولا نبيٌّ مرسلٌ! ويقولون: إن الولي فلان كان يحك رأسه بقائمة عرش الرحمن! ويقولون: إن فلاناً جاءه أحدُ المريدين، وقال له: لماذا لا تحج؟
فقال: هل يحج مَن تطوف حوله الكعبة؟!
قال المريد: كيف ذلك؟
فقال: انظر، ورأى الكعبة وهى تطوف حول الشيخ!! وهى تُغنِّي -أي: الكعبة- وتقول: إن له رجالاً، دلِّلهم دَلاَلاً.
أشياء كثيرةٌ جدّاً إن شاء الله سأتعرض لبعضها.
هل التصوف اليوم مجرد زهد وأذكار؟!
المقصود: أن بعضكم -أي: بعض الشباب هناك في أمريكا وغيرها- يحسبون أنَّ التصوف مجرد زهد، وأذكار، واحتقار لمتاع الدنيا الفاني!
وبعض الناس قد يتعاطف مع المتصوفة بناءً على هذا الاعتبار، الحقيقة -يا أخي-: إن التصوف ليس هو المولد، وليس هو مجرد الذِّكر، أو مجرد الزهد -كما يدَّعون- وإنَّما الصوفية دينٌ آخر، وعالَمٌ آخر، إذا دخله الإنسان وبدأ فيه: فعليه أن يخلع عقلَه عند عتبة الدخول، وهناك يدخل في عالم غريب، عالَمٌ يُخيِّلُ إليك -عندما تقرأ في كتب طبقاتهم ورجالهم- كأنَّك تقرأ في القصص الخرافيَّة، مثل سيف بن ذي يزن [7] ومثل: عنترة [8] وكتب الأسمار، والأخبار، وغير ذلك.
مصدر التلقي عند الصوفية
والذي أحب أنْ أقوله: إنَّ كتاب الرفاعي، وكتاب البحريني، وكتاب هؤلاء المغاربة جاء على خلاف الأصل عند الصوفية، كيف هذا؟
الأصل عند الصوفية: أنَّ مصدر التلقِّي، ومصدر المعرفة؛ ليس هو القرآن والسنَّة؛ حتى يأتي هؤلاء فيقولون: قال الله تعالى كذا، وقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا، صحيح أنكم يا أهل السنة تضعِّفون الحديثَ؛ ولكن نحن نصححه! والمسألة: خلافية، ولا داعي للتكفير! ولماذا يكفِّر بعضُنا بعضاً في مسألة خلافية؟!
ونحن نهتم بحرب الصهيونيَّة، والشيوعية، ولا نختلف فيما بيننا ... إلى آخر كلامهم من مثل هذا الافتراء والدجل.
أقول: منهج هؤلاء النَّاس: ليس هو هذا، أنت ترثي الإنسان عندما يحارب في غير ميدانه، أو عندما يتكلف ما لا قِبَل له به.
فالأصحاب هناك مع المريدين يرقصون في الحضرة! ويتلقون العلم اللدنِّي -كما يسمُّونه- العلم الحقيقي مباشرة، وهذا جالس يقول: هذا الحديث صحيح، وهذا ضعيفٌ، وهذا كذا وهذا خلاف الأصل! المفروض أن يذهب يرقص معهم ويتلقَّى من هناك العلم على زعمهم.
فأقول لك: إنَّ كلامك في قضية "أنك تقول: إن بعض الطلبة الكويتيين قالوا: إن هاشم الرفاعي ليس هو الذي كَتَبَ الكتاب"، نعم، الحقيقة أنَّ معهم حقٌّ في ذلك؛ لأنَّ أسلوب الكتاب يذكِّرني ببعض كتبٍ كتَبَها أناسٌ مِن المبتدعة، وردُّوا بها على أهل السنة قبل خمس عشرة سنة، أو نحو ذلك، وبعضهم أعرِف أنَّه موجودٌ في الكويت، فلا شك أنَّ هناك تعاوناً.
ومِن أدلة التعاون: هذا التظافر الموجود؛ هذا مِن المغرب، وهذا مِن البحرين، وهذا مِن الكويت، وقالوا: سيخرج كتاب لرجل مِن مصر، وواحدٌ مِن اليمن، كما هو مذكور في هذه الكتب.
أقول: إنَّ هذا ليس أسلوب الصوفية أن يأتوا إلى الحديث، ويصحِّحوه، أو يضعِّفوه؛ ليأخذوا منه الحقيقة والعلم، لا.
الحلاج [9]-إمامهم المتقدم - الذي قُتل بالزندقة -بعد أن ثبت ذلك عنه- ما كان يعتكف ليتعبَّد، ويدعو الله عز وجل، فتنكشف له بعض الأشياء -مثلاً- ويقول: هذا علمٌ أطلعني الله عليه، لا، بل ذهب إلى الهند، ورأى سحرة الهند يقف الواحد منهم على رأسه الأيام الطويلة بدون أكل، ولا شرب، ولا نوم، فتعلَّم هذه الرياضة منهم، فإذا وقف على رأسه هذه الفترة: يدخل في المرحلة التي يسمونها [المالوخوليا] وتأتي له صور وخيالات مِن الجوع، ومِن هذه الانتكاسة، ومِن الشياطين، ويخيَّل له أشياء، ومخاطبات، وكلام، فيقول: الله خاطبني! أو الرب كلَّمني! أو كذا، ثمَّ يترقَّى إلى أنْ يقول: أنا الله!! [10] ما في الجبَّة إلا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/49)
الله!! أو سبحاني سبحاني [11] وكما قال البسطامي [12] كما هو ثابت مِن أبياته في ديوانه:
كفرتُ بدين الله والكفرُ واجبٌ لديَّ وعند المسلمين قبيح
انظر: ديوان الحلاج صـ[34].
ومرة أخرى ينتكس ويقول:
على دين الصليب يكون موتي فلا بطحا أريد ولا المدينة
انظر: ديوان الحلاج صـ[85]
أي: يذكرأنَّه صليبيٌّ -والعياذ بالله- فنفس ما وقع للحلاج! عندما يقول هذا الكلام: قام علماء السنَّة فكفروه بناءً على هذه الكفريات الشنيعة، فقام المدافعون عنه -مثل ما قام الرفاعي يدافع عن المالكي - وتأولوا بعد أن عمل هذا العمل، وقالوا -أي: المتأولة- انتظروا لماذا تكفروه؟
نحن نأتي لكم بأدلة! ثمَّ قالوا: نعم، روى أبو نعيم في الحلية كذا، وكذلك: عندنا ابن عساكر روى كذا، بعض هذه الأشياء استنتجوها، وبحثوا عنها، ووجدوها بعد أن قُتل الحلاج بسنواتٍ طويلةٍ، والحلاج لم يقرأها، ولم يطَّلع عليها، ولا قال ما قال لأنَّه اطَّلع على الكتاب والسنَّة، ثم استنتج منها هذا الاستنتاج.
بل أنا أضرب مثالاً وهو أنه يوجد عندنا كتاباً اسمه: الدرة المضيئة يذكر فيه متى بدأتْ كلمة "سيدنا" -أشهد أنَّ سيدنا محمَّداً رسولُ الله في الأذان [13]، حيث ذكر أنَّ أحد سلاطين المماليك رأى في المنام الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: قل للمؤذِّن إذا أذن أن يقول: -أشهد أنَّ سيدنا محمَّداً رسول الله، فلما استيقظ السلطان هذا؛ أمر المؤذنَ أنْ يقول ذلك، فسمعها بعضُ الخرافيِّين من الصوفية، فقالوا: رؤيا حسنة، واستحسنوا ذلك.
نحن الآن -في هذا العصر- عندما نقول: هذه الكلمة لا تضاف في الأذان؛ يقولون: كيف لا تضاف، وعندنا أحاديثُ صحيحةٌ على أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو سيد ولد آدم، وأنَّه كذا، وأنَّه كذا؟
وأنتم تنكرون سيادة الرسول! أنتم تكرهون الرسول! أنتم تعادون الرسول! فيهاجموننا بهذا الكلام؛ بينما نجد أن أصل القضية لم يكن أنَّهم قرءوا البخاري أو مسلم، ووجدوا أحاديث السيادة، فوضعوها في الأذان، إنما أصلها رؤيا، فالصوفية تعتمد في مصدر التلقِّي على المنامات، والأحلام، وعلى التخيُّلات، والتكهنات، وعلى ما يسمونه الذوق، أو الوجد، أو الكشف، هذا هو مصدر القوم.
فبعد ذلك يأتي مَن يفلسف هذه الأشياء التي ثبتت عندهم، ووصلتهم إلى هذا الطريق، ويقول: إنَّ لها أصلاً، إنَّها تقوم عليها الأدلة الشرعيَّة، فهي مأخوذة مِن الكتاب والسنَّة، ثم يزعمون -كما زعم الرفاعي - أنَّهم هم أهل السنة والجماعة، وهم الذين على الحق، وأنَّ المخالفين لهم: مِن الخوارج، أو الغلاة، أو المتنطعين، أو التكفيريين، إلى آخر هذا الهراء!
2 - كلام العلماء الأبرار في فرق الصوفية الأشرار
كلام أبو الريحان البيروني في الصوفية
والآن سأستعرض -إن شاء الله- بعضَ الكتب التي تدل على أصل التصوف، مثل كتاب البيروني تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، الكتاب ألَّفه أبو الريحان البيروني، وهو ليس مِن أئمَّة أهل السنة والجماعة، وإنما هو رجلٌ، مسلمٌ، مؤرِّخٌ، تستطيع أن تقول -بالأحرى- إنه جغرافيٌّ، ومتكلمٌ، ومتفلسفٌ، ذهب إلى الهند يبحث عن أديانها، وعقائدها، ويكتب عن جغرافيتها، وأرضها، وعلومها.
هذا الرجل ألَّف الكتاب، وذكر فيه حقائق لا يمكن أن يُتهم بأنَّه تواطأ فيها مع أهل السنة والجماعة.
فمثلاً: يقول في صفحة (24) من هذا الكتاب ' ومنهم مَن كان يرى الوجودَ الحقيقي للعلة الأولى فقط، لاستغنائها بذاتها فيه، وحاجة غيرها إليه، وأنَّ ما هو مفتقر في الوجود إلى غيره، فوجوده كالخيال غير حقٍّ، والحقُّ هو الواحد الأول فقط، وهذا رأي السوفية - كتبها بالسين - وهم الحكماء، فإنَّ سوف باليونانية: [الحكمة] وبها سمي الفيلسوف: بيلاسوفا، أي: محب الحكمة، ولما ذهب في الإسلام قوم إلى قريبٍ مِن رأيهم -أي: رأي حكماء الهند -سُمُّوا باسمهم- أي: الصوفية - ولم يَعرف اللقبَ بعضُهم فنسبهم للتوكل إلى الصُفَّة وأنَّهم أصحابها في عصر النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ صُحِّفَ بعد ذلك، فصُيِّر مِن صوف التيوس ... ! إلخ '.
ويقول بعد ذلك: ' إنَّ المنصرف بكليته إلى العلة الأولى متشبهاً بها على غاية إمكانه: يتحد بها عند ترك الوسائط، وخلع العلائق، والعوائق '.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/50)
ويقول -في هذه الوحدة "وحدة الوجود"-: ' وهذه آراء يذهب إليها الصوفية لتشابه الموضوع '.
يتكلم عن ديانات الهند، وعن فلاسفة الهند -هؤلاء الملاحدة- ثم يذكر أنَّ الصوفية يذهبون إليها لتشابه الموضوع.
فالرجل يقول: إن الصوفية هم حكماء الهند، وأنَّ اسمهم هو "السوفية"، وأنَّ ما يُطلق عليهم مِن الأسماء، أو ما حدث للاسم مِن التصحيف - فقيل: إنَّه مِن الصوف أو غير ذلك - هذا ليس له حقيقة.
والقشيري [14] ذكر في كتابه الرسالة ' أنه ليس لهذا الاسم أصل في اللغة العربية ' [15]-و القشيري مِن أئمَّة الصوفية له كتاب الرسالة - وهو صادقٌ في ذلك.
ويقول صاحب دائرة المعارف الإسلامية -كما سمَّاها المستشرقون- وهي دائرة معارف استشراقية: ذكروا أنَّ كلمة "الثيوصوفيا" -الكلمة اليونانيَّة- يقولون: ' هذه هي الأصل كما ينقل كاتبها ماسينيون عن عدد المستشرقين؛ بأنَّ أصل التصوف: هو مشتق مِن الثيوصوفية ' وهذه الثيوصوفية كما يذكر -أيضاً- عبد الرحمن بدوي، وينقل عن مستشرق ألماني فول هومر قوله: ' إن هناك علاقة بين الصوفية، وبين الحكماء العراة مِن الهنود ' ويكتب باللغة الإنجليزية جانيوسوفستز و"سوفستز" يعني: الصوفيين، هؤلاء إذا ربطنا هذه مع الثيوصوفية -أي: الصوفية - التي نقول "الثيو" معناها في لغتهم: الله عز وجل، فمثلاً الحكم الثيوقراطي يعنى: الحكم الإلهي، والثيوصوفية أي: عشاق الله، أو محبو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الفيلسوفي هذا: عاشق الحكمة "فيلا" معناها: حكمة، أو محب الحكمة.
عاشق الله -كما يدَّعون، وكما يزعمون- يسمَّى: الصوفي.
إذاً الصوفية نستطيع أن نقول: إننا الآن أمام أساس -وسيأتي عرض آخر يبين هذه القضية- هذه الكلمة وأنَّه غير إسلامي أصلاً، وغير عربي أصلاً، وإنَّما هو دينٌ آخر.
ولنرجع إلى كتاب البيروني؛ يقول في صفحة [51]: ' إذا كانت النَّفس مرتبطةً في هذا العالم ... والخلاص -خلاص النفس- مِن العالم ... وانقطاعها عنه، ... كيف أنَّ الهنود يحاولون أن ينقطعوا عن الدنيا، وأن يتحدوا بالجوهر الأسمى -وهو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ' يتحدث عن هذا الموضوع بكلام فيه صعوبة.
إنَّما المقصود من ذلك: أنَّه يقول: ' إن هناك كتاباً هندوسياً اسم الكتاب بانتجل ' وأنا قد سألت بعض إخواننا الهنود عن كتاب بانتجل، فقالوا: إنَّ الكتاب معروف إلى الآن، وأنَّه مِن كتب الأديان عند الهندوس، وفي إمكانكم أنْ تسألوا إذا كان لكم إخوة، أو ناس في أمريكا -حتى من الهندوس- أنْ تسألوهم عن الكتاب.
يقول البيروني -بعد أن تكلم عن قضية الاتحاد هذه-: ' وإلى مثل هذا إشارات الصوفية في العارف إذا وصل إلى مقام المعرفة؛ فإنَّهم يزعمون - أي: الصوفية - أنَّه يحصل له روحان: قديمة لا يجري عليها تغير، أو اختلاف، بِها يعلم الغيب، ويفعل المعجز! وأخرى بشرية للتغير، والتكوين، ما يبعد عن مثله أقاويل النصارى'.
لاحظ أنَّ البيروني يربط بين كلام الصوفية، وبين أقاويل النصارى، وأنَّهم يقولون: إنَّ العارف له روحان: روح أزليَّة ثابتة، وروح حادثة، وهي التي تعتريها البشرية، أي: كما قال النصارى في عيسى بن مريم عليه السلام!!
وأنا في إمكاني الآن أنْ أقرأ عليك ما يدل على هذه العقيدة عند الصوفية:
يقول إبراهيم الدسوقي [16] المتوفى سنة (676هـ) وهو مِن أكبر الطواغيت الصوفية المعبودين حالياً في مصر، وهو وصل عندهم إلى درجة القطبية العظمى -وسنشرح لك إن أمكن ما معنى القطب الأعظم، وما هي خصائصه- كما في ترجمته من طبقات الشعراني [17]: ' قد كنتُ أنا، وأولياء الله تعالى أشياخاً في الأزل، بين يدي قديم الأزل، وبين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن الله عز وجل خلقني مِن نور رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أي: في الأزل- وأمرني أن أخلع على جميع الأولياء، فخلعتُ عليهم بيدي -أي: ألبسهم- فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا إبراهيم أنت نقيبٌ عليهم -أي: على الأولياء- '.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/51)
يقول: ' فكنتُ أنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخي عبد القادر -أي: عبد القادر الجيلاني شيخ القادرية - خلفي، وابن الرفاعي -أي: أحمد الرفاعي شيخ الرفاعية - خلف عبد القادر، ثم التفت إليَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: يا إبراهيم! سر إلى مالك -خازن النيران- وقل له يغلق النيران، وسر إلى رضوان -خازن الجنة- وقل له يفتح الجنان، ففعل مالك ما أُمر به، وفعل رضوان ما أُمر به!! ' ... إلى آخر ما ذكره من الكلام.
نعود إلى البيروني يقول [ص:16]: وإلى طريق بانتجل -هذا الهندي الذي سبق ذكره- ذهبت الصوفية في الاشتغال بالحق، فقالوا: مادمتَ تشير فلستَ بموحدٍ؛ حتى يستولي الحقُّ على إشارتك بإثنائه عنك، فلا يبقى مشيرٌ، ولا إشارةٌ '. -أي: وحدة الوجود الكاملة-.
ويقول: ' ويوجد في كلامهم ما يدل على القول بالاتحاد؛ كجواب أحدهم عن الحقِّ، وكيف لا أتحقق مَن هو أنا بالإنيَّة، ولا أنا بالأَيْنِيَّة '.
هذا كلام أحد أئمَّة التصوف سئل عن الله فأجاب بأنه هو يقصد نفسه!
ومن الأدلة التي ذكرها البيروني على قول الحلولية بالحلول قول أبي بكر الشبلي [18]- وهو مِن أئمَّة التصوف -: ' اخلع الكلَّ تصل إلينا بالكلية فتكون ولا تكون إخبارك عنا وفعلك فعلنا '.
أي: الكلام الذي تقوله هو عنَّا.
' وكجواب أبي يزيد البسطامي، وقد سُئل: بم نلت ما نلت؟
قال: "إنِّي انسلختُ مِن نفسي، كما تنسلخ الحيَّةُ مِن جلدها، ثم نظرتُ إلى ذاتي فإذا أنا هو.
وقالوا في قول الله تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا [البقرة:73]: إنَّ الأمر بقتل الميت لإحياء الميت: إخبارٌ أنَّ القلب لا يحيا بأنواع المعرفة إلا بإماتة البدن بالاجتهاد، حتى يبقى رسماً لاحقيقة له، وقلبك حقيقة ليس عليه أثر مِن المرسومات.
وقالوا: إنَّ بين العبد وبين الله ألف مقام مِن النُّور والظلمة، وإنَّما اجتهد القوم في قطع الظلمة إلى النُّور، فلمَّا وصلوا إلى مقامات النُّور: لم يكن لهم رجوعٌ ' [19] انتهى كلام البيروني.
وهو يقول: إن هذا الكلام بعينه هو كلام الهنود وهو الذي سار عليه أئمة التصوف.
أول من أسس دين التصوف
أقول: إنَّ الثابتَ مِن الكتب التي كتبها كثيرٌ مِن المعاصرين عن الصوفية، ومِن القدماء: أنَّ أولَّ مَن أسَّس التصوف هم: الشيعة، وأنَّ هناك -بالذات- رجليْن كانا لهما دورٌ في ذلك:
الأول: يسمَّى عبدك، والثاني: يسمَّى أبو هاشم الصوفي المتوفى سنة (150هـ)، أو أبو هاشم الشيعي، فعبدك، وأبو هاشم هؤلاء هما اللذان أسَّسا دين التصوف [20].
عندما نريد أن نتحدث عن عبدك، وعن أبي هاشم: ننتقل إلى مصدرٍ مهمٍّ جدّاً مِن مصادر الفِرَق الإسلاميَّة وهو كتاب التنبيه والرد لأبي الحسين الملطي الشافعي رحمه الله.
الإمام الملطي يحكي ما قاله الإمام خشيش بن أصرم في الزنادقة
ومِن المهم جدّاً مِن الناحية الوثائقيَّة أنْ نعرف أنَّ كتاب الملطي هذا منقولٌ من كتاب الإمام خشيش بن أصرم -وهذا رجلٌ، عالِمٌ، إمامٌ، ثقةٌ، وهو شيخ الإمام أبي داود، والنسائي، وهو مِن الأئمَّة المعاصرين للإمام أحمد توفى سنة (253هـ) - وهذا يعطي كتابَه أهميَّة كبيرة؛ لأنَّه متقدم في الفترة المبكرة جدّاً التي لم تكن كلمة صوفي فيها قد شاعت وانتشرت، فماذا قال الإمام خشيش بن أصرم رحمه الله عن هذه الفرقة -كما نقل عنه الملطي - 1002531وماذا قال عن عبدك، وعن أبي هاشم، وعن جابر بن حيان [21]، الذي يقال له: جابر الكيميائي، وهو أيضاً ممن نُسب إليه أنَّه أول مَن أسَّس التصوف وقد قرأت له مجموعة رسائل طبعها أحد المستشرفين يظهر فيها بجلاء أنَّ الرجل شيعي تماماً، وقد عاش جابر في القرن الثاني!!
أقسام الزنادقة
قال أبو الحسين الملطي رحمه الله تعالى: ' قال أبو عاصم خشيش بن أصرم -والإسناد عنه في أول الكتاب- في افتراق الزنادقة: فافترقت الزنادقة على خمس فرق، وافترقت منها فرقة على ست فرق ... -إلى أن يقول-: ومنهم -أي: من أقسام الزنادقة- العبدكية، زعموا أنَّ الدنيا كلَّها حرامٌ محرَّم، لا يحل الأخذ منها إلا القوت، من حين ذهب أئمَّة العدل، ولا تحل الدنيا إلا بإمام عادل، وإلا فهي حرام، ومعاملة أهلها حرام، فحِلٌّ لك أن تأخذ القوت من الحرام، مِن حيث كان!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/52)
وإنَّما سمُّو العبدكية؛ لأنَّ عبدك وضع لهم هذا، ودعاهم إليه، وأمرهم بتصديقه '.
يقول: ' ومنهم الروحانية، وهم أصناف، وإنَّما سمُّوا الروحانية؛ لأنَّهم زعموا أنَّ أرواحهم تنظر إلى ملكوت السموات، وبها يعاينون الجِنان - أي: الجنات - ويجامعون الحور العين، وتسرح أرواحهم في الجنة.
وسمُّوا أيضاً: الفكرية لأنَّهم يتفكرون -زعموا- في هذا حتى يصلون إليه، فجعلوا الفكر بهذا غاية عبادتهم، ومنتهى إرادتهم، ينظرون بأرواحهم في تلك الفكرة إلى هذه الغاية فيتلذذون بمخاطبة الله لهم، ومصافحته إياهم، ونظرهم إليه -زعموا- ويتمتعون بمجامعة الحور العين، ومفاكهة الأبكار، على الأرائك متكئين، ويسعى عليهم الولدان المخلَّدون بأصناف الطعام، وألوان الشراب، وطرائف الثمار ... 'إلى آخره.
يقول: ' ومنهم صنف مِن الروحانية زعموا أنَّ حُبَّ الله يغلب على قلوبهم، وأهوائهم، وإرادتهم حتى يكون حبُّه أغلب الأشياء عليهم؛ فإذا كان كذلك عندهم: كانوا عنده بهذه المنزلة، وقعت عليهم الخُلة مِن الله فجعل لهم السرقة، والزنا، وشرب الخمر، والفواحش كلها على وجه الخُلة التي بينهم وبين الله لا على وجه الحلال -يعني: تحل لهم على وجه أنَّهم أخلاء لله، وسيأتي على هذا نقولٌ كثيرةٌ وشواهد تدل على ذلك عند الصوفية - كما يحل للخليل الأخذ مِن مال خليله بغير إذنه، ومنهم: رباح وكُليب، كانا يقولان بهذه المقالة ويدْعُوَان إليها ' وهؤلاء أيضاً ممن ذُكر أنَّهم مِن أئمَّة التصوف القدامى.
يقول: ' ومنهم صنفٌ مِن الروحانية زعموا أنَّه ينبغي للعباد أنْ يدخلوا في مضمار الميدان حتى يبلغوا إلى غاية السبقة، من تضمير أنفسهم-يعني: تجميعها- وحملها على المكروه، فإذا بلغت تلك الغاية؛ أعطى نفسَه كلَّ ما تشتهي وتتمنى، وإنَّ أكْلَ الطيبات كأكْل الأراذلة مِن الأطعمة، وكان الصبر والخبيث عنده بمنزلة، وكان العسل والخل عنده بمنزلة! فإذا كان كذلك؛ فقد بلغ غاية السبقة، وسقط عنه تضمير الميدان، وأتْبع نفسه ما اشتهت، منهم ابن حيان كان يقول هذه المقالة '.
ويقول رحمه الله: ' ومنهم صنف يقولون: إنَّ ترك الدنيا إشغال للقلوب، وتعظيم للدنيا، ومحبة لها، ولمَّا عظُمت الدنيا عندهم: تركوا طيِّب طعامها، ولذيذ شرابها، ولين لباسها، وطيب رائحتها؛ فأشغلوا قلوبهم بالتعلق بتركها، وكان من إهانتها مُواتات الشهوات عند اعتراضها حتى لا يشتغل القلب بذكرها، ويعظم عنده ما ترك منها '.
قال: ' ورباح وكليب كانا يقولان هذه المقالة '.
وكلام الإمام خشيش بن أصرم رحمه الله المكتوب قبل منتصف القرن الثالث الهجري - حوالي (240هـ) هو كما لاحظنا عقيدة الصوفية، حبُّ الله -كما يدَّعون- وتحريم الدنيا، وتحريم الحلال، ودعوى أنَّهم يرون الله، ويخاطبونه في الدنيا، وأنَّه يحدِّثهم ... إلى غير ذلك مِن الدعاوى: هي دين الصوفية، لكن لاحظ أنَّ الإمام خشيش لم يقل: الصوفية؛ إنما قال: الزنادقة -قال: ' هذه مذاهب قوم مِن الزنادقة '- وصدق هذا هو مذهب الزنادقة في حقيقته.
أبو الحسن الأشعري وموقفه من الصوفية
ننتقل إلى مصدر بعده، وهو من أوثق المصادر في الخلافات والفرق: وهو كتاب مقالات الإسلاميين للإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله الذي رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة، وإن كان الأشاعرة ما يزالون يتَّبعون ما كان عليه قبل رجوعه، نسأل الله أن يهديهم إلى الحق.
يقول - في صفحة [288] ط الثالثة-: ' هذه حكاية قومٍ مِن النُّساك، والنساك: اسم عبَّاد الهند، وهي مأخوذة مِن النسك التعبد.
وهذا هو الذي ترجم به عبد الله بن المقفع صوفية الهند، وسمَّاهم: "النُّساك" في كتاب كليلة ودمنة ' فيسمَّى العابد: النَّاسك.
يقول: ' وفي الأمَّة قوم ينتحلون النُّسك، يزعمون أنَّه جائزٌ على الله سبحانه الحلول في الأجسام، وإذا رأوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري لعله ربنا!! ومنهم من يقول: إنَّّه يرى الله سُبْحَانَهُ في الدنيا على قدر الأعمال! فمَن كان عمله أحسن: رأى معبوده أحسن! ومنهم مَن يجوِّز على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المعانقة، والملامسة، والمجالسة في الدنيا، وجوزوا مع ذلك على الله تعالى -عن قولهم- أنْ نلمسه، ومنهم مَن يزعم أنَّ الله سبحانه ذو أعضاء، وجوارح، وأبعاض ولحم ودم على صورة الإنسان له ما للإنسان مِن الجوراح تعالى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/53)
ربُّنا عن ذلك علوّاً كبيراً '.
وهذا القول الذي ذكره الأشعري هنا هو قول أبي هاشم المشبِّه، الصوفي، الشيعي، مؤسِّس هذا الدين، أو مِن مؤسِّسيه كما قلنا.
يقول الإمام الأشعري: ' وكان في الصوفية رجلٌ يُعرف بأبي شعيب: يزعم أنَّ الله يُسرُّ ويَفرح بطاعة أوليائه، ويغتمُّ، ويحزن إذا عصَوْه ' يعني: كَفَرح المخلوقين وكغَمِّهم.
يقول: ' وفي النُّساك قومٌ يزعمون أنَّ العبادة تبلغ بهم إلى منزلةٍ تزول عنهم العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم من الزنا، وغيره مباحات لهم.
وفيهم من يزعم: أنَّ العبادة تبلغُ بهم إلى أنْ يروا الله سُبْحَانَهُ، ويأكلوا مِن ثمار الجنَّة، ويعانِقوا الحورَ العين في الدنيا، ويحارِبوا الشياطين.
ومنهم مَن يزعم: أنَّ العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضلَ مِن النَّبيِّين، والملائكة المقرَّبين '.
وكلام الإمام الأشعري، هذا يؤكِّد ما قاله الإمام خشيش، ويذكر عنهم قضية سقوط التكاليف وسقوط التعبدات، وأنَّ الإنسان يترقَّى، كما تقول الصوفية أنَّ الله تعالى يقول: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، فإذا جاء اليقين أو إذا وصلت إلى الحقيقة: سقطتْ عنك الشريعة؛ لأنَّ الصوفي عندهم يبدأ مُريداً، ثمَّ سالكاً، ثم واصلاً، والواصل: أي: الذي وصل إلى الحقيقة، وسقطت عنه التكاليف، وسقطت عنه التعبدات.
هذا الكلام يقوله الإمام الأشعري -وهو المتوفى سنة (324 هـ) - وهو ما يزال متقدماً بالنِّسبة لانتشار الصوفية، ولم يذكر أنَّ هؤلاء صوفية أبداً، إنَّما قال: "هؤلاء نساك"، وهذا القول لاشك أنَّه قول زنادقةٍ، وكفَّارٍ، سيحكيه على أنَّهم قومٌ يدَّعون، أو ينتسبون إلى هذه الأمَّة، وليسوا مِن أمَّة الإسلام، أمَّة محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلنرى كيف أنَّ هذا القول أصبح ديناً عند المتأخرين من المسلمين المنتسبين للإسلام من الصوفية، ويدَّعون مع ذلك أنَّهم هم أهل السنة والجماعة!!
تقسيم الإمام الرازي الصوفية
ونحن نتابع المسألة بتطور الزمن فلا نقف عند الأشعري، وإنَّما -أيضاً- ننتقل إلى إمامٍ مِن المؤلِّفين في الفرق، وهو فخر الدين الرازي -وقد توفي سنة (606 هـ)، ونحن نتابع المسألة بتطور الزمن- وهو مِن أكبر أئمَّة الأشاعرة، يعني: الرجل ليس مِن أئمَّة أهل السنة والجماعة، بل هو مِن أئمَّة الأشاعرة الذي ألَّف كتاب أساس التقديس، وردَّ عليه شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية في كتاب بيان تلبيس الجهمية، فهو مِن أكبر الأشاعرة، وأقواله عندهم مِن أهمِّ الأقوال، وسنذكر بعض كلامه في هؤلاء الصوفية، ما كان فيه مدح، وما كان فيه ذم.
يقول: ' اعلم أنَّ أكثر مَن قصَّ فِرَق الأمَّة لم يذكر الصوفية؛ وذلك خطأ؛ لأنَّ حاصل قول الصوفية: إنَّ الطريق إلى معرفة الله تعالى: هو التصفية، والتجرد مِن العلائق البدنيَّة، وهذا طريقٌ حسنٌ! وهم فِرقٌ.
الأولى: أصحاب العادات، وهم قومٌ منتهى أمرِهم وغايتهم: تزيين الظاهر كلبس الخرقة، وتسوية السجادة.
الثانية: أصحاب العبادات، وهم قومٌ يشتغلون بالزهد، والعبادة، مع ترك سائر الأشغال.
الثالثة: أصحاب الحقيقة، وهم قومٌ إذا فرغوا مِن أداء الفرائض لم يشتغلوا بنوافل العبادات؛ بل بالفكر وتجريد النَّفس عن العلائق الجسمانية -أي: كما قلنا عن جماعة بانتجل في أقوال البيروني - وهم يجتهدون ألا يخلو سرُّهم وبالهُم عن ذكر الله تعالى، وهؤلاء خير فرق الآدميين! ' -وهذا متعاطف معهم-.
' الرابعة: النُّوريَّة، وهم طائفة يقولون: الحجاب حجابان: نوري، وناري، أمَّا النوري: فالاشتغال باكتساب الصفات المحمودة كالتوكل، والشوق، والتسليم، والمراقبة، والأُنس، والوحدة، والحالة.
أمَّا الناري فالاشتغال بالشهوة، والغضب، والحرص، والأمل؛ لأنَّ هذه الصفات: صفات نارية، كما أنَّ إبليس لما كان ناريّاً فلا جرم وقع في الحسد '.
هذه النظرية اليونانية التي تُروى عن قدماء اليونان أرسطو وجماعته: أنَّ الكون يتركب مِن أربعة عناصر: الماء، والتراب، والنار، والهواء ... إلى آخره!! رتَّبوا هذه على تلك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/54)
يقول: ' الخامسة -مِن فِرقهم-: الحلوليَّة، وهم طائفةٌ مِن هؤلاء القوم الذين ذكرناهم، يرَوْن في أنفسهم أحوالاً عجيبة، وليس لهم مِن العلوم العقليَّة نصيبٌ وافر، فيتوهَّمون أنَّه قد حصل لهم الحلول أو الاتحاد -أي: بالله تعالى- يقول: فيدَّعون دعاوى عظيمة، وأوَّل مَن أظهر هذه المقالة في الإسلام الروافض؛ فإنَّهم ادَّعوا الحلول في حقِّ أئمَّتهم '.
هنا فائدة مهمة وهي: أنَّ الرازي يربط الصوفية بالشيعة، وهو ربط مؤكد -كما سبق أن قلنا- يقول الرازي:
' السادسة: المباحية، وهم قوم يحفظون طامَّاتٍ لا أصل لها، وتلبيساتٍ في الحقيقة، وهم يدَّعون محبة الله تعالى وليس لهم نصيبٌ مِن شيءٍ مِن الحقائق؛ بل يخالفون الشريعة، ويقولون: إن الحبيب رُفع عنه التكليف، وهم الأشرُّ مِن الطوائف، وهم في الحقيقة على دين مزدك، كما سنذكر بعد هذا '. وهذا الدين هو أصل الشيوعية، ودين مزدك كما تكلم عنه هو يقول: ' إن المزدكية هم أتباع مزدك بن موبذان، وكان موبذان في زمن قباز بن فيروز والد أنو شروان العادل، ثمَّ ادَّعى النُّبوة، وأظهر دين الإباحة، وانتهى أمره إلى أن ألزم قبَّاز أن يبعث امرأته ليتمتع بها غيره!! فتأذى أنو شروان مِن ذلك الكلام -أي: تأذى مِن كلامه- وقال لوالد الملك: اترك بيني وبينه لأناظره؛ فإنْ قطعني طاوعته، وإلا قتلته، فلمَّا تناظر مع أنو شروان: انقطع مزدك - يعني: انقطع في المناظرة وأفحم - وظهر عليه أنو شروان، فقتله وأتباعه، وكلُّ مَن هو على دين الإباحة في زماننا هذا فهم بقية أولئك القوم '.
هذا كلامه عن المزدكية، ويقول: الصوفية، والفرقة المسمَّاة المباحية منهم على دين مزدك، الذي هو أصل الشيوعية، وأصل نظريَّة كارل ماركس الذي كما ذكر هؤلاء الخرافيون يقولون: أنتم مشتغلون بالردِّ على المسلمين، وتتركون الشيوعية!!
فهذا الرازي، وهو إمامٌ مِن أئمَّة الأشاعرة وكتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين مطبوع موجود، يقول: إنَّ الصوفية تلتقي بالمزدكية بمعنى أن: الشيوعية والصوفية تلتقي عند مزدك، فهذا هو كلامهم، وليس كلامنا نحن.
الإمام عباس السكسكي وموقفه من الصوفية
ومن الرازي -المتوفى سنة (606 هـ) - ننتقل إلى أحد الأئمَّة مِن علماء اليمن، يسمَّى عباس بن منصور السكسكي قيل: إنَّه كان حنبليّاً -وهذا غريب في أئمَّة اليمن - وقيل: إنَّه شافعيٌّ، وعلى كل حال يمكن مراجعة ترجمته في كتاب الأعلام [3/ 268، ط 4]
هذا الإمام السكسكي المتوفى سنة (683هـ)، وهو أيضاً من المتقدمين -كتب كتاباً اسمه: البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان، وهذا الكتاب مطبوع.
يقول في آخر الكتاب: 'قد ذكرتُ هذه الفرقة الهادية، المهديَّة -أي: أهل السنة - وأنَّها على طريقةٍ متَّبعةٍ لهذه الشريعة النبويَّة ... وغير ذلك مما هو داخل تحت الشريعة المطهرة، ولم يشذ أحدٌ منهم عن ذلك سوى فرقة واحدةٍ تسمَّت بالصوفية، ينتسبون إلى أهل السنة، وليسوا منهم، قد خالفوهم في الاعتقاد، والأفعال، والأقوال.
أمَّا الاعتقاد: فسلكوا مسلكاً للباطنية الذين قالوا: إن للقرآن ظاهراً، وباطناً، فالظاهر: ما عليه حملة الشريعة النبويَّة، والباطن: ما يعتقدونه، وهو ما قدَّمتُ بعض ذكره.
فكذلك أيضاً فرقة الصوفية، قالت: إنَّ للقرآن والسنَّة حقائق خفيَّة باطنة غير ما عليه علماء الشريعة مِن الأحكام الظاهرة التي نقلوها خَلَفاً عن سلف، متصلة بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأسانيد الصحيحة، والنقلة الأثبات، وتلقته الأمَّة بالقبول، وأجمع عليه السواد الأعظم، ويعتقدون أنَّ الله عز وجل حالٌّ فيهم!! ومازج لهم!! وهو مذهب الحسين بن منصور الحلاج المصلوب في بغداد في أيام المقتدر -الذي قدمتُ ذكره الروافض في فصل فرقة الخطابيَّة - ولهذا قال: أنا الله -تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً- وأنَّ ما هجس في نفوسهم، وتكلموا به في تفسير قرآنٍ، أو حديثٍ نبويٍّ، أو غير ذلك مما شَرَعوه لأنفسهم، واصطلحوا عليه: منسوب إلى الله تعالى، وأنَّه الحق، وإِنْ خالف ما عليه جمهور العلماء، وأئمَّة الشريعة، وفسَّرتْه علماء أصحابه، وثقاتهم، بناءً على الأصل الذي أصَّلوه مِن الحلول، والممازجة، ويدَّعون أنَّهم قد ارتفعت درجتُهم عن التعبدات اللازمة للعامَّة، وانكشفت لهم حجب الملكوت، واطَّلعوا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/55)
على أسراره، وصارت عبادتهم بالقلب لا بالجوارح.
وقالوا: لأنَّ عمل العامة بالجوارح سُلَّمٌ يؤدِّي إلى علم الحقائق، إذ هو المقصود على الحقيقة، وهي البواطن الخفيَّة عندهم، لا عملٌ بالجوارح، قد وصلنا، واتصلنا، واطَّلعنا على علم الحقائق الذي جهلته العامَّة، وحملة الشرع، وطعنوا حينئذٍ في الفقهاء والأئمَّة والعلماء، وأبطلوا ما هم عليه، وحقَّروهم وصغَّروهم عند العوام والجهَّال، وفي أحكام الشريعة المطهرة، وقالوا: نحن العلماء بعلم الحقيقة، الخواص الذين على الحق، والفقهاء هم العامة؛ لأنَّهم لم يطلعوا على علم الحقيقة، وأعوذ بالله من معرفة الضلالة، فلمَّا أبطلوا علم الشريعة، وأنكروا أحكامها: أباحوا المحظورات، وخرجوا عن إلزام الواجبات، فأباحوا النظر إلى المردان، والخلوة بأجانب النسوان، والتلذذ بأسماع أصوات النساء والصبيان، وسماع المزامير والدفاف والرقص والتصفيق في الشوارع والأسواق بقوة العزيمة، وترك الحشمة، وجعلوا ذلك عبادة يتدينون بها، ويجتمعون لها، ويؤثرونها على الصلوات، ويعتقدونها أفضل العبادات، ويحضرون لذلك المغاني من النساء، والصبيان، وغيرهم مِن أهل الأصوات الحسنة للغناء بالشبابات، والطار، والنقر، والأدفاف المجلجلة، وسائر الآلات المطربة، وأبيات الشعر الغزلية التي توصف فيها محاسن النِّسوان، ويذكر فيها ما تقدم من النساء التي كانت الشعراء تهواها، وتشبب بها في أشعارها، وتصف محاسنها كليلى، ولبنى، وهند، وسعاد، وزينب، وغيرهنَّ، ويقولون: نحن نكنِّي بذلك عن الله عز وجل!! ونَصرف المعنى إليه'.
أقول: إن كتاب إغاثة اللهفان للإمام ابن القيم -رحمه الله- فصَّل هذه الأمور تفصيلاً مفيداً، لكن آثرت أن لا أنقل عنه حتى لا يقال: إن هؤلاء لا يعرفون إلاَّ ابن تيمية، أو ابن القيم، فإن هذا قبل ابن القيم، وابن تيمية، وليس ممن له شهرة أنَّه حارب التصوف باسم أنَّه -كما يقولون-: سلفي، أو تيمي، أو وهَّابي؛ بل هو قبل أولئك جميعاً، ويكتب بموضوعيَّة، وينقل مِن مصادر كثيرة، وسوف أواصل كلامه لتنظروا بعض مصادره.
'يقول: فقد ذكر الفقيه موسى بن أحمد ذلك في الرسالة التي ردَّ بها عليهم، وبيَّن فيها فساد مذهبهم، فقال في بيت شعر أنشده فيهم:
يُكنُّون عن ربِّ السماء بزينب وليلي ولبنى والخيال الذي يسري
وتختلط الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، ويتنادى الرجال والنساء، ويتصافحون، وإذا حصل فيهم الطرب وقت السماع من الأصوات الشجية، والآلات المطربة: طربوا، وصرخوا، وقاموا، وقفزوا، وداروا في الحلقة؛ فإذا دارت رءوسهم، واختلطت عقولهم من شدة الطرب، وكثرة القفز والدوران: وقعوا على الأرض مغشيّاً عليهم، ويسمُّون ذلك "الوجد"، أي: أنَّ ذلك مِن شدة ما يجدون مِن شدة المحبَّة، والشوق، قالوا: فأمَّا الخوف، والرجاء: فنحن لا نخاف من النَّار، ولا نرجو دخول الجنَّة؛ لأنَّهما ليست عندنا شيئاً؛ فلا نعبده خوفاً مِن النَّار، ولا طمعاً في الجنة!! '
أقول: احفظوا هذه الكلمة التي يقولها هذا الإمام لنجد شواهد عليها فيما بعد، وهي قولهم: "لا نعبده خوفاً مِن النَّار، ولا طمعاً في الجنة".
يقول: 'هذا مخالفٌ للكتاب، والسنَّة، والإجماع، ومجوِّزات العقول، ثمَّ إنَّهم يَحملون الأشياء كلها على الإباحة، فيقولون: كلُّ ما وقع في أيدينا مِن حلالٍ، أو حرامٍ: فهو حلالٌ لنا، ولا يبالون هل أكلوا مِن حلالٍ أو حرامٍ.
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن علي القلعي في كتاب أحكام العصاة: وهذان الصنفان في الكفر، والإضلال أشدُّ وأضرُّ على الإسلام وأهله مِن غيرهما، وجميعهم ممن يساق إلى النَّار مِن غير مسألةٍ ولا محاسبةٍ ولا خُلُوصَ لهم منها أبد الآبدين، يعني: هذه الفرقة التي ذكرتُها مِن الصوفية، وفرقة مِن الإسماعيلية الباطنية، وهم قوم منهم يدَّعون أنَّهم قد اطلعوا على أسرار التكليف، وأحاطوا علماً بموجبه، وأنَّه إنَّما شرع ذلك للعامَّة ليرتدعوا عن الأهواء المؤدِّية إلى سفك الدماء، فيُحفظ بذلك نظام الدنيا، وذلك للمصالح العظمى التي لم يطَّلع عليها الأنبياء، ومَن قام مقامهم في السياسة، قالوا: ولهذا اختلفت الشرائع لاختلاف مصالح النَّاس باختلاف الأزمنة بهمَّتنا، وقوَّة رأينا، وفي أحلامنا ما نستغني به عن التزام سياسة غيرنا، والانتظام في سلك المبايعة لغيرنا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/56)
فلا حظر علينا ولا واجب، فإذا سئلوا لأيِّ شيءٍ تُصلُّون وتصومون، وتأتون بما يأتي به المسلمون مِن الواجبات؟ قالوا: لرياضة الجسد، وعادة البلد، وصيانة المال والولد -أي: مِن القتل- ولأنَّ هذين الصنفين متفقان في أصل الاعتقاد وإن اختلفا في التأويل إلاَّ مَن عصمة الله تعالى منهم أعني: مِن فرق الصوفية، والتزم أحكام الشريعة، والعمل بها، وحقَّ العلماء والفقهاء - يعني: اعترف لهم بالحق - ولم يَدخل في شيءٍ مِن هذه الخزعبلات والأباطيل التي دخلوا فيها؛ فصحَّ اعتقاده، وصفت سريرته: فإنَّه مُبرَّأ مما هم عليه'.
وإلى هنا ينتهي كلام الإمام.
ومعنى كلامه باختصار: إنَّ مَن انتسب إلى التصوف اسماً ولم يكن مثلهم على هذه الأشياء فهو لا يأخذ حكمهم، وهذا صحيح، وكما سبق أن قلنا: إن هناك كثير مِن النَّاس مخدوعين بهم.
فالخلاصة أننا: قد سمعنا كلام الإمام خشيش، وكلام الإمام الأشعري، وكلام السكسكي، وكلام الرازي، وكلام البيروني؛ من مصادر -والحمد لله- وهذه المصادر موجودة، وموثقة، ومطبوعة.
وأيضاً: هناك مِن المعاصرين أناسٌ كثيرٌ: كتب عنهم عبد الرحمن بدوي [22] وكتب عنهم طلعت غنَّام، وكتب عنهم آخرون -لا داعي لاستعراضهم-.
3 - نظرات في كتاب المختار لمحمد علوي مالكي
ننظر الآن إلى كتابٍ مِن كتب محمد علوي مالكي -ربَّما لم يطلع عليه بعض النَّاس- الكتاب سمَّاه: المختار مِن كلام الأخيار، طبع في مصر سنة (1398هـ)، ولنقارن ما جاء في هذا الكتاب بما سمعنا الآن مِن عقائد الصوفية؛ لننظر على أيِّ دينٍ هذا الرجل، ونعرف عندئذٍ حكمَه، ونعرف القضيَّة الأساسيَّة التي هي -كما قلتُ- أنَّ التصوف دينٌ مستقلٌ عن الإسلام، وأن من داخله من ينتسب إلى الإسلام ويدَّعي أنَّه مسلم، والإسلام بريء منه!
السري السقطي يخاطب الله!!
يقول محمد علوي مالكي في هذا الكتاب -صفحة [134]- عن السري السَقَطي [23]-يقول: ' رأيتُ كأنِّي وقفتُ بين يدي الله عز وجل، فقال: يا سري خلقتُ الخلقَ فكلُّهم ادَّعوْا محبتي، فخلقتُ الدنيا فذهب منِّي تسعةُ أعشارهم وبقيَ معي العشر، قال: فخلقتُ الجنَّة فهرب منِّي تسعةُ أعشار العشر، فسلَّطتُ عليهم ذرةً مِن البلاء؛ فهرب تسعةُ أعشار عشر العشر! فقلتُ للباقين معي: لا الدنيا أردتم، ولا الجنَّة أخذتم، ولا مِن النَّار هربتم، فماذا تريدون؟
قالوا: إنَّك لَتعلم ما نريد فقلتُ لهم: فإنِّي مسلِّطٌ عليكم مِن البلاء بعدد أنفاسكم؛ مالا تقوم له الجبال الرواسي، أتصبرون؟
قالوا: إذا كنتَ أنتَ المبتلي لنا فافعل ما شئتَ. فهؤلاء عبادي حقاً '.
لاحظوا هذا الكلام!! متى خاطب الله السري؟
هل كلَّم اللهُ أَحَداً بعد موسى عليه السلام؟
هل حصل هذا عن طريق الوحي؟
هل نزل جبريل على أحدٍ بعد محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
هذه هي الأقوال التي أقول: إنَّها أساس الخلاف بيننا وبين الصوفية، وهو: التلقِّي، إنَّهم لا يتلقَّوْن مِن الكتاب والسنَّة، بل يتلقَّوْن مِن المخاطبة المباشرة علم الحقيقة، العلم اللدني، العلم المباشر عن الله كما يدَّعون أنَّ الله يكلِّمهم، ويخاطبهم مثل ما ذكر هؤلاء الأئمة خشيش، أو الرازي، أو السكسكي، أو الأشعري.
هذا الكلام ينقله محمد علوي مالكي عن السريِّ السقطي، فلنفرض أنَّ السريَّ السقطي أخذ هذا الكلام مِن كتاب بانتجل، كتاب الهند -الذي ذكره البيروني، أو كتاب زندأفستا، أو أي كتاب، أو أي مصدر، كيف ينقله محمد علوي مالكي؟
السؤال هنا للمالكي: كيف تنقل هذا النصَّ وتقرُّه؟
وأين هم هؤلاء الذين يعبدون الله لا خوفاً مِن النَّار، ولا حبًّا في الجنَّة؟
هؤلاء أفضل مِن أنبياء الله الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90] والأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- تعوَّذوا مِن البلاء، ومتى امتحن الله تعالى الخلقَ بعددِ أنفاسهم مِن البلاء ما لا تصبر له الجبال الرواسي؟
وهؤلاء هم -فقط- مَن يحبُّون الله؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/57)
وقد بيَّن الله تعالى لنا طريق محبتِه أعظمَ البيان، فقال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]، ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].
فذكر أنَّهم يجاهدون في سبيل الله، وأنَّهم يتَّبعون رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هؤلاء هم الذين يحبُّون الله.
التلاعب بالأدعية المشروعة
وننتقل إلى نصٍّ آخر، يقول محمد علوي مالكي صفحة [135]-في هذا الكتاب المختار - نقلاً من كلام علي بن موفق قال: ' اللهمَّ إن كنتَ تعلم أنِّي أعبدك خوفاً مِن نارك فعذِّبني بها! وإن كنتَ تعلم أنِّي أعبدك حبّاً لجنتك فاحرمني منها! وإن كنتَ تعلم أنِّي إنما أحبُّك حبّاً منِّي لك، وشوقاً إلى وجهك الكريم: فأبِحْنيه، واصنع بي ما شئت!! '
هذا كلام عجيب! يجعل أدعية النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم الكثيرة في الاستعاذة مِن النَّار، وما أمرنا به -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن نقوله في القرآن: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، ودعاء الذين ذكرهم الله تعالى في آخر سورة آل عمران [ .. فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191]، هذه الآيات كلها باطل! ولهو! ولعب عند الصوفية! والصحيح، والدين الحق -عندهم-: هو المحبة المطلقة، أو ما يسمونه: العشق المطلق، يعني: كلمة ثيوصوفية، عِشق الله عِشقاً مطلقاً، محبة مطلقة، هذه هي التي كانت عند الهنود، وهذه التي ينقلها محمد علوي مالكي وجماعته، ويقولون: إنَّهم لا يشتهون الجنَّة، وإنَّهم زهَّاد في الدنيا، ومع ذلك ينقل هو -المالكي - في صفحة [129] من كتابه عن بشر الحافي، ' أنَّه اشتهى الشواء أربعين سنةً!! '
أقول: فكيف يجمع المالكي بين نقله عن هؤلاء الذين لا يشتهون الجنَّة، وبين نقله عن بشر، وعن -أيضاً- رجلٍ يُدعى إسماعيل الدويري أنَّه اشتهى حلوى كذا سنين.
فهذا التناقض كيف يوفِّق بينه هذا الرجل؟
بأنَّ بشراً الحافي رحمه الله مِن أمثلهم، وأفضلهم، بل هو ليس صوفياً، إنَّما رجلٌ، فاضلٌ، عابدٌ.
والإمام أحمد رحمه الله إنما أخذ على بشر أنه لم يتزوج، وهذا مأخذ شرعي، رحم الله الإمام أحمد في ذلك، فهو يثبت لبشر الحافي التعبُّد، والزهد، والورع، ولكنَّه انتقده؛ لأنَّه لم يتزوج: فقد عدَّه الإمام أحمد مخالفاً للسنَّة في هذا.
ونعود إلى كلام المالكي نستعرض ما في هذا الكتاب الذي سمَّاه كما قلنا المختار من كلام الأخيار، والأخيار عند الصوفية هم البهاليل، أو المجانين، أو المجاذيب منهم!!
الكرامات عند الصوفية
يقول أيضاً عن إبراهيم بن سعد العلوي 'مِن كراماته: معرفة ما في الخاطر، والمشي على الماء، وحرَّك شفتيه فخرجت الحيتان مِن البحر مدَّ البصر رافعةً رءوسها، فاتحةً أفواهها' إلى آخره.
يعني: أن إبراهيم كان يعرف ما في الخاطر، وكان يستطيع أن يمشى على الماء، وكان يجمع الحيتان مدَّ البصر بحركة مِن شفتيه!! [24]
مثل هذه الكرامات -علم الغيب- تربطنا بقضيةٍ كبيرةٍ جداً تعرَّض لها هؤلاء الخرافيُّون الأربعة -وهم: الرفاعي، والبحريني، والمغربييْن- وهيَ قضية: أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب! ودافعوا عن علوي مالكي في ذلك.
ومن المعلوم أن الصوفية حينما يدَّعون أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب، ويُكثرون من الكلام على معجزات النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يريدون أن يثبتوا بذلك الكرامات للأولياء؛ لأنَّهم يقولون: [كل ما ثبت للنَّبيِّ معجزة، فهو للولي كرامة] فإذا أيقنتَ، وآمنتَ أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب: فيجب عليك -تبعاً- أنْ تعتقد، وتؤمن بأنَّ الأولياء يعلمون الغيب أيضاً؛ لأنَّ هذه للنَّبيِّ معجزة، وهذه للوليِّ كرامة، والفرق بينهما: أنَّ النَّبيّ يدَّعي النُّبوة، والوليُّ لا يدعيها، وأما
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/58)
ظاهر أو صورة الخارق للعادة فهي صورة واحدة، وهذا سيأتي له بسط إن شاء الله فيما بعد.
المقصود: أنَّ هذا الرجل ينقل هذا الهراء، وهذه الخرافات، ويسميها كرامات!
الزهد في طلب الجنة
ونستمر معه وهو يتكلم عن النوري ويقول: ' سئل النوري عن الرضا، فقال: عن وجدي تسألون؟
أم عن وجُد الخَلق؟
فقيل: عن وجدك، فقال: لو كنتُ في الدرك الأسفل مِن النَّار لكنتُ أرضى ممن هو في الفردوس!! ' [25] نسأل الله العافية.
معنى كلامه هذا: أن الله عز وجل لو وضعه في الدرك الأسفل مِن النَّار سيكون أرضى عن الله تعالى، وعمَّا هو فيه ممن هو في الفردوس!! لماذا هذا الرضا؟
يَظنون أنَّهم بهذا يرتفعون عن درجة العامَّة، هم خاصة الله، أهل الرضا، محبتهم بلغت بهم إلى هذا الحد مِن محبة الله بزعمهم، أمَّا العامَّة، ومنهم -في نظرهم والعياذ بالله-: الأنبياء فهؤلاء يخافون مِن النَّار، ولا يرضون بها، فهم بزعمهم أعلى درجةً مِن الأنبياء! وحصلت لهم أحداث تدل على كذبهم في ذلك؛ فإنَّ سامون، وقيل: إنَّه رويم لما أراد أن يَمتحن محبته، فصنع بيتاً من الشعر فقال:
لم يبق لي في سواك بد فكيفما شئتَ فامتحنيِّ
فامتحنه الله بعسر البول، فحبس بوله عن الخروج، فكان يصرخ في الطريق، وينادي الصبيان، ويقول: احثو التراب على عمِّكم المجنون، أو انظروا إلى عمكم المجنون.
هذه بعض الأمثال -نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى العافية- ولا ندَّعي كما يدَّعي هؤلاء الزنادقة -وهم فعلاً زنادقة- أنهم يعتقدون عبادة الله عز وجل بالحب وحده، وكما نعلم أن السلف جميعاً قالوا: ' مَن عَبَد الله بالخوف وحده فهو: حروري - يعني: مِن الخوارج - ومَن عَبَد الله بالحبِّ وحده فهو: زنديق، ومَن عبده بالرجاء وحده فهو: مرجئ، ومَن عبده بالخوف والرجاء والحب فهو: السنيِّ '.
فمن عبده بالحب وحده فهو زنديق، وهذا يتفق مع ما ذكره المؤلِّفون في الفرق وهم: الإمام خشيش، والأشعري، والرازي، والسكسكي هؤلاء كلهم أئمَّة فرَقٍ وذكرنا النُّقول عنهم في أنَّ هؤلاء زنادقة، فهذه العبارة أيضاً تتفق مع ذلك، فما كان المدَّعون للحبِّ المجرد عند السلف إلا زنادقة؛ لأنَّهم يُبطنون، ويخرجون جزءاً مهمّاً جدّاً مِن أعمال القلوب وهي من أنواع العبادات العظمى، وهي: عبودية الرجاء، وعبودية الخوف، فيسقطونها بالحب.
والله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما قلنا- ذكر عن أنبيائه أنَّهم يسألونه الجنَّة، ويستعيذون به من النَّار، وإمام الموحدين إبراهيم عليه السلام يقول كما في سورة الشعراء: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85].
فكيف يدَّعي هؤلاء أنَّهم أعظم مِن خليل الرحمن سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأعلى درجةً منه، بل وبلغ بهم الاستخفاف أنَّهم نقلوا - كما في طبقات الشعراني - أنَّ رابعة العدوية [26] قالت لما قرئ عندها قول الله تبارك وتعالى: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:20 - 21]، ' يَعدوننا بالفاكهة والطير كأنَّنا أطفال!! ' نعوذ بالله مِن الاستخفاف، وسواء صحَّ عنها أنَّها قالت ذلك أو لم يصح، فالمهمُّ أن مَن نقل هذا الكلام فهو مقر بهذا الاستخفاف بنعيم الله عز وجل وبجنته.
فالتناقض -كما قلنا- أنَّهم ينقلون مثل هذا الكلام؛ مع نقلهم أنَّ فلاناً اشتهى الشواء أربعين سنَة، وهذا اشتهى الحلوى كذا سنة!!
ماذا يريد هؤلاء الزنادقة مِن مثل هذه الأمور؟
لا شك أنهم يريدون إسقاط التعبدات، وبعد أنْ نستكمل قراءة كتاب المالكي، هذا الكتاب -كما قلنا- لم يطلع عليه بعض النَّاس، أو ربما رأوه ولكنهم لم ينتبهوا لما فيه، ولم يردَّ عليه أحدٌ، ونحن نقول لهؤلاء الخرافيين الذين يدافعون عن الذخائر: انظروا أيضاً إلى هذا الكتاب، واجمعوا فكر الرجل مِن جميع جوانبه، ثم انظروا أيضاً ما هي صلته بالإسلام، أو بالتصوف الذي هو الدين القديم.
الرياء الكاذب
يقول المالكي ' قال رويم: مكثتُ عشرين سَنَة لا يعرِض في سرِّي ذكر الأكل حتى يحضر ' [27]
أي: أن مِن زهده أنه لا يعرض له في خاطره ذكر الأكل إلا إذا حضر أمامه.
ونحن نقول:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/59)
أولاً: هذا أمرٌ لم يتعبدنا الله عز وجل به، والله عز وجل ذكر الطعام في القرآن، وإن كان يخطر ببالِ كلِّ إنسان، وورَدَ ذكره في أحاديث كثيرة -وليس هنا المجال لحصرها- وليس هناك ما يعيب الإنسان أن يتذكر الطعام، أو غيره.
وأيضاً: ليس هناك ما يرفع درجته بأنَّه لا يتذكر الطعام؛ لأنَّ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لم يتعبدنا بهذا، ثمَّ هذا عملٌ وأمرٌ لو حصل لأحدٍ فهو أمرٌ خفيٌّ؛ لأنَّ الخواطر في القلب، فلماذا يظهرُها ويخبر النَّاس بها؛ إلا وهم - والعياذ بالله - يحرصون على أن يشتهروا، أو يُعرفوا.
فهذا العمل الذي لم يفعله الصحابة رضي الله عنهم، ولم يفتخر به الأنبياء، يأتي مثل هذا الرجل فيذكرونه في الرياء الكاذب، هذا هو الرياء الكاذب حقّاً.
ومن الرياء الكاذب أيضاً ما ينقله المالكي عن بعضهم أنَّه قال: ' منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلمةٍ أحتاج أن أعتذر منها '. [28]
وينقل في صفحة أخرى عن آخر قوله: ' منذ عشرين سنة ما مددتُ رجلي في الخلوة، فإنَّ حسن الأدب مع الله تعالى أولى '. [29]
و بعد هذا الكلام قد تقولون: هذه فرعيَّات! نعم، لكن نربطها بمنهج الرجل.
يعلِّق المالكي على هذا القول الأخير، يقول: ' فإنَّ قيل: فقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمدُّ رجلَه في الخلوة، وكان أحسن العالمين أدباً؟
قلنا - أي: المالكي -: شأن أهل المعرفة أبسط وأوسع من شأن أهل العبادة، ولكن لا إنكار عليهم في تضييقهم على أنفسهم؛ لأنَّ ذلك مقتضى أحوالهم '.
لاحظِ العبارة "شأن أهل المعرفة أبسط وأوسع من شأن أهل العبادة"، يعني: النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن أهل المعرفة؛ فشأنه أبسط، وأوسع مِن أهل العبادة، فيمدُّ رجله لكنَّ أهل العبادة لا إنكار عليهم في تضييقهم على أنفسهم؛ لأنّ ذلك مقتضى أحوالهم!!
هذه الحال، وقضية الحال عند الصوفية، وأنَّ الولي يسلَّم له حاله، ولا يعترض عليه، هذه جعلوها طاغوتاً، وركَّبوا عليها مِن القضايا البدعيَّة والشركيَّة الشيءَ الكثير جدّاً، فكون هذا صاحب حالٍ: لا يعترض على حاله؛ لأنَّه صاحب عبادة، وهذا صاحب معرفة! وهذا مِنَ العوام، وهذا مِن الخاصَّة! والحال يسلَّم للخاصة! وفرقٌ بين هذا الرجل وبين غيره، فما كان حلالاً في حقِّ هذا، فهو حرامٌ في حقِّ الآخر، وما كان حسنُ أدبٍ مع هذا، فهو سوء أدبٍ مع الآخر!!
التقنينات المالكية
ثم ينتقل المالكي في صفحة بعدها يقول: ' إنَّ الشبلي -وهو مِن أئمَّتهم- لا نعلم له مسنداً سوى حديثٍ واحدٍ عن أبي سعيد رضيَ الله تعالى عنه، قال: {قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبلال القَ اللهَ عزَّ وجلَّ فقيراً، ولا تلْقَهُ غَنِيّاً، قال: يا رسولَ الله! كيف لي بذلك؟ قال: هو ذاك، وإلا فالنَّار} '.
يقول المالكي: ' إن قيل: كيف تجب النَّار بارتكاب أمرٍ مباحٍ في الشرع؟
قلنا: حال بلال وطبقته مِن الفقراء تقتضي ألاَّ يدَّخروا! فمتى خالفوا مقتضى حالتهم استوجبوا العقوبة على الكذب في دعوى الحال، لا على كسبهم وادِّخارهم الحلال! ' [30]
إذاً: هنا قضيَّة تشريعيَّة مهمَّة، هنا مناط تكليف، ومناط تشريع يختلف، ليس المناط أو متعلق التكليف هو أنَّه مسلمٌ، عاقلٌ، بالغٌ، حرٌّ، لا، هناك مناط آخر وضعته الصوفية، وهو: هل هو صاحب حال، أو صاحب عبادة مِن العامة؟
إنْ كان مِن أهل الشريعة، أو من أهل العبادة، أو مِن العامة، فهذا في حقِّه الأشياء حلال، لكن إن كان مِن أصحاب الأحوال، فهذا حتى مجرد جمع المال، عليه حرام، فإمَّا أن يلقى الله عز وجل فقيراً، وإلاَّ فليدخل النَّار، كما وضعوا هذا الحديث المكذوب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقول -كما يقول المالكي -: 'متى خالفوا مقتضى حالهم: استوجبوا العقوبة على الكذب في دعوى الحال، لا على كسبهم'!!
أي: أن بلال رضيَ الله عنه وأرضاه لو جمع مالاً حتى صار غنيّاً، فإنه يدخل النَّار ويعذب لا على أنَّ المال الذي جمعه حرام -هو حلال نعم- لكن على أنَّه مخالف للحال! كيف يدَّعي حالاً ولا يوافقها؟!
فأية دعوى التي ادعاها بلال؟ وأية حال؟
هذه هي المشكلة؛ أن القوم يضعون تشريعات، وتقنينات أصلها مأخوذ من أولئك الزنادقة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/60)
ويأتي إلى موضع آخر من نفس الكتاب لينقل عن رجل يقال له أبو أحمد المغازلي، يقول: 'خطر على قلبي ذكرٌ مِن الأذكار، فقلت: إن كان ذِكرٌ يُمشى به على الماء فهو هذا، فوضعتُ قدمي على الماء فثبتت، ثم رفعتُ قدمي الأخرى لأضعها على الماء فخطر على قلبي كيفية ثبوت الأقدام على الماء فغاصتا جميعاً!! '
أرأيتم هذا الذكر خطرَ على قلبه، لا هو مِن صحيح البخاري، ولا هو مِن المواهب اللدنية التي يرجع إليها هؤلاء الخرافيُّون، ولا من السيوطي، ولا مِن ابن عساكر، ولا مِن الحلية، إنَما خطر على قلبه!
العلم اللدني
وهنا نقف عند قضية خطيرة في منهج التصوف، والتي أشرنا إليها، وهي قضية التلقِّي - العلم اللدنِّي- المباشر عن الله.
هم يقولون: حدَّثني قلبي عن ربِّى، ويقولون: أنتم -أي: أهل السنة والجماعة - تأخذون علمَكم ميِّتاً عن ميِّت - حدثنا فلان عن فلان عن فلان، كله ميِّت عن ميِّت - ونحن نأخذ علمَنا عن الحيِّ الذي لا يموت!!
وأنا أقول: إنَّ الحيَّ الذي لا يموت إلى يوم يبعثون كما أنبأ الله تعالى هو إبليس، ولاشك أنَّ الصوفية يأخذون هذه الوسوسات مِن إبليس؛ وإلا كيف يخطر على قلب هذا الرجل ذِكرٌ مِن الأذكار؟ ما هو هذا الذِّكر؟ ما مدى مشروعيته وما مدى صحته؟ لا ندري!! فيقول في نفسه: إن كان ذِكراً يمشى به على الماء فهو هذا، ثمَّ يضع قدمه على الماء، ثم يمشي على الماء.
انظروا هذه الخرافات، يَنقلها هذا الرجل، ويقرُّها، وأنا لا أقصد أن هذه الخرافات في ذاتها فقط مجرد خرافة، إنَّما أقصد أن نربطها بمنهج الرجل - منهجه في التلقي - وهو الاستمداد مِن العلم المتلقَّى اللدنِّي، أو الاستمداد مِن المنامات والأحلام كما يأتي أيضاً بعض إيضاح لذلك.
طريق من ذهب وأخرى من فضة
ثم ينقل -مِن جملة ما ينقل- عن إبراهيم الخواص، يقول: ' إنَّ الخواص قال: سلكتُ البادية إلى مكة سبعة عشر طريقاً، منها: طريقٌ مِن ذهب! وطريقٌ مِن فضَّة! '
ثم يقول علوي مالكي: ' فإنْ قيل: وهل في الأرض طرقٌ هكذا؟، قلنا: لا؛ ولكن هذا مِن جهة كرامات الأولياء! '. [31]
مَن مِن الناس يفهم هذا الكلام أو يتخيله في عقله؟ لكن أنتم مخطئون إذا استخدمتم العقل؛ لأنَّ الصوفية لا تؤمن بالعقل أصلا، بل ولا بالنقل، الصوفية تؤمن بالكشف، وبالذوق، فأنتم ما ذقتم- ولا أنا - شيئاً، ما تذوقنا أنَّنا نمشي في البادية إلى مكة سبعة عشر طريقاً، منها طريقٌ مِن ذهب، وطريقٌ مِن فضة، إذا قلنا مشينا إلى مكة فما رأينا شيئاً، قالوا: أنتم لستم أصحاب أحوال، أنتم مِن العامَّة، أصحاب شريعة؛ لكننا نحن أصحاب حقيقة! نرى هذه الطرق، فهذه مِن كرامات الأولياء.
هكذا ينقل محمَّد علوي مالكي، يستشكل، ثمَّ يأتي بالجواب الذي يعتقد أنَّه جوابٌ مفحِمٌ مُسكتٌ.
التوكل والتواكل
وينقل المالكي عن أخت داود الطائي، أنَّها قالت له -وهذا يذكرنا بما يفعله عُبَّاد الهنود، كما ذَكَر البيروني وغيره مما هو معروفٌ عنهم الآن مِن تعاليم النفس-: 'لو تنحيتَ مِن الشمس إلى الظلِّ' أي: تقول: انتقل مِن الشمس إلى الظل - فقال: هذه خطىً لا أدرى كيف تُكتب.
الصوفية يؤمنون بالجبريَّة المطلقة - سلبية المطلقة - التوكل عندهم هو تواكل، يذهب يجلس في البادية بدون أي زاد ويقول: إني متوكِّل على الله! يجلس في المسجد، وتُعطى له الزكاة، وتعطى له الصدقات، والهبات ويقول: أنا متوكِّل على الله.
تقول له أخته: قم مِن الشمس إلى الظل، فيقول: خطىً، لا أدرى كيف تكتب.
لو قمتَ وقلت: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [التكوير:29]، فالله عز وجل قال لنا هذا، وأمَرَنا أنْ نتخِّذ الأسباب.
فمن مثل هذه الأشياء ينقلها المالكي، ويعتبرها هي درر كلام الأخيار ومِن أفضله.
رؤية الله عند المالكي
ننتقل إلى موضوع آخر ينقل عن أبي يزيد البسطامي قوله: ' رأيتُ ربَّ العزة في المنام فقلت: "يابارا خدا" ' [32]- بالفارسية -.
تعتقد الصوفية أنَّهم يروْن الله تعالى في المنام، وكذلك يروْن النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اليقظة والمنام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/61)
وبعض تلاميذ علوي مالكي سواءٌ الذين هداهم الله أو غيرهم يقولون: إنَّهم يمشون في هذا الطريق - أي: الترقِّي - حتى يرَوا الرسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، وأنَّهم سيستمرُّون على هذا الطريق حتى يرونه يقظةً.
وهذه مِن العقائد الراسخة عند الصوفية -أغلب طرقهم أوكلها- فمثلا: كتاب التيجانية ذكر أنَّ رؤيتهم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن عقائد التيجانية، وموضَّح فيه، وكذلك طبقات الشعراني نقل هذا الكلام عن كثيرٍ منهم، وجامع كرامات الأولياء -أيضاً- نقل هذا، وكثيرٌ ممن لا أستطيع أنْ اسمِّيَهم الآن ذكروا أنهم رأو النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وأنه أمرهم بكذا! ونهاهم عن كذا! وكلُّ هذا مِن البدع، ومِن الضلالات التي زيَّنها الشيطان لهم.
فالمالكي ينقل عن أبي يزيد البسطامي يقول: ' إنَّه رأى ربَّ العزَّة في المنام '.
وقول هؤلاء: إنَّهم يرَوْن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أشنع منه: مَن يدَّعي رؤية الله تبارك وتعالى.
لكن تجد عند الصوفية المتأخرين أن قضية رؤية الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في الدنيا قد خفت نوعاً ما؛ لأنَّ الاستنكار عليهم ربما كثُر، ولسببٍ آخر مهمٍّ وهو: ازدياد علاقة التصوف بالتشيع، فكلَّما غلا أولئك في علي -رضي الله عنه- غلا هؤلاء في الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنَّ الهدف واحدٌ.
الخرقة عند الصوفية
ننتقل الآن إلى قضيَّة مهمَّة عند الصوفية وهي قضية أنَّ أعلى سند عند الصوفية ينتهي إلى علي رضي الله عنه، يقولون: إنَّ علياً أخذ الخِرقة مِن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!
فهذه الخرقة يتناقلونها يداً عن يدٍ إلى علي رضيَ الله عنه، ويتعلق الصوفية بعلي رضي الله عنه تعلُّقاً شديداً يشبه تعلُّقَ الرافضة.
وبهذا تظهر لنا الصلة الوثيقة بين دين الشيعة الذي أسَّسه عبد الله بن سبأ وبين التصوف، فتأليه البشر، أو الحلول والاتحاد -الذي ادَّعاه عبد الله بن سبأ موجودٌ لدى الطائفيين جميعاً، وأصله -كما نعلم- مِن اليهود؛ لأنَّ عبد الله بن سبأ يهوديٌّ؛ فأصلُ هذا الحلول مِن اليهود، واليهودي بولس شاؤل هو الذي أوجد هذا الحلول في دين النَّصارى، وقال: إن الله -جلَّ وتعالى عن ذلك- حلَّ في عيسي عليه السلام، فهو مبدأ يهودي أدخله اليهود في هذه الأديان.
الحاصل: أَّننا نجد أنَّه في القرن الخامس اجتمعت الضلالات والبدع، ونجد أنَّ نهاية سند الخرقة الصوفية، ومبدأ العلم اللدنِّي، والحقيقة -التي يدَّعونها- علم الباطن ينتهي إلى علي رضي الله عنه.
وكذلك المعتزلة تدعي أن سندهم ينتهي إلى علي رضي الله عنه وأنَّه أولُّهم، ففي كتاب طبقات المعتزلة وكتاب المنية والأمل وأمثاله يجعلون أولَّهم علي رضي الله عنه، فأوَّل المتكلمين هو علي رضي الله عنه.
وكذلك -أيضاً- بالنِّسبة للشيعة؛ فمن المعروف أنَّهم يجعلون علياً -رضي الله عنه- أول الأئمَّة الإثنى عشرية. وكذلك الفرق الباطنية يدعون أن علياً -رضي الله عنه- هو الدور السابع مِن أدوار الباطنية، أو الإسماعيلية، على اختلاف فِرَقِهم في ذلك.
إذاً هناك خطط ومؤامرات، وجدوا أنَّ نجاح هذا الهدف، وتحقيق هدم الإسلام يمكن أن يكون عن طريق تدفق العواطف لحب علي رضي الله عنه.
والصوفية لما رأوا كراهية عامة المسلمين للتشييع والرفض؛ لجئوا إلى الطريق الأخبث، وهو الغلو في محبة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكلُّ ذلك بإيحاءٍ مِن الشيطان، فغلا هؤلاء في النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمََم غلُوّاً خرجوا به في كثيرٍ مِن الأمور عن حدِّ الإسلام، وهذا يدلُّ على أنَّ هناك تخطيطاً وتعاوناً ماكراً هدفه هدم الإسلام، واجتثاث هذا الدين من أساسه، والقضاء على عقيدة أهل السنة والجماعة بالتلاعب بعواطف العامة بالنسبة لحبِّ علي رضي الله عنه، أو حب النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
العلم الباطن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/62)
ولو أردنا أن نأخذ بعضَ الأدلَّة مِن كلام الصوفية على ذلك، فلننظر مثلاً إلى ما كتبه أبو حامد الغزالي -والغزالي كما هو معروف مِن أئمَّة التصوف الكبار- يقول: ' قال علي رضي الله عنه -وهو يتحدث عن العلم اللدني-: إنَّ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أخبر عن الخضر فقال: وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف:65] وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-: أدخلتُ لساني في فمي، ففتح في قلبي ألف بابٍ مِن العلم، مع كلِّ بابٍ ألفُ باب!!
وقال: لو وُضعت لي وسادة، وجلستُ عليها، لحكمتُ لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل القرآن بقرآنهم!! '.
يقول الغزالي: 'وهذه مرتبة لا تُنال بمجرد التعلم الإنساني، بل يتحلى المرء بهذه المرتبة بقوة العلم اللدني ... ' وقال أيضاً: ': 'يُحكى في عهد موسى عليه السلام بأنَّ شرح كتابه أربعون حِملاً، فلو يأذن الله بشرح معاني الفاتحة: لأشرع فيها حتى تبلغ مثل ذلك يعني: أربعين وِقرا!!
وهذه الكثرة والسعة والانفتاح في العلم: لا يكون إلا لدُّنيّاً، إلهيّاً، ثانوياً ' '. [33] انتهى كلام الغزالي.
إذا نظرنا إلى هذه العبر؟ هل يمكن أنْ يقول علي رضي الله عنه هذا الكلام؟ ما معنى: "أدخلتُ لساني في فمي"؟ وأين كان اللسان؟ وانظر إلى ركاكة العبارة، وصياغتها، ثم كيف يحكم علي رضي الله عنه لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم! والله عز وجل قد نسخ هذه الكتب، ونسخ هذه الشرائع؟ وكيف عرف علي رضي الله عنه ذلك، ونحن عندنا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد وغيرهم، والأئمَّة في مواضع كثيرة {أنَّ أحد أصحاب علي رضي الله عنه - وهو أبو جحيفة - قال له: يا أمير المؤمنين! هل خصَّكم رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيءٍ مِن العلم؟ فقال علي رضي الله عنه: لا والذي فلق الحبَّة، وبرأ النسمة، ما خصَّنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيءٍ مِن العلم؛ إلا ما في هذه الصحيفة، أو فهماً يؤتاه المرء من كتاب الله عز وجل، فأخرج الصحيفة، فإذا مكتوب فيها: العقل - أي: الديات - وفكاك الأسير، وأن لا يُقتل مسلمٌ بكافر -وفي بعضها-: أنَّ المدينة حَرامٌ}.
فهي وثيقة كتبها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال: إنَّها مِن الوثائق التي كتبها في معاهدات الصلح، احتفظ بها علي رضي الله عنه.
المهمُّ من ذلك أن علياً رضي الله عنه يُقسِم أنَّ ذلك لم يكن، وهذا دليل على أنَّ الدعوة قديمة قيلت في عهده -رضي الله عنه- وأنَّ عبد الله بن سبأ، والزنادقة الذين كانوا معه مِن اليهود وأمثالهم هم الذين ابتدعوها.
وننظر إلى كتاب طي السجل -وهو أحد مراجع الرفاعي في ردِّه على الشيخ ابن منيع - في صفحة [322] يقول: ' يُروى أنَّ الإمام جعفر الصادق أخذ علم الباطن عن جده لأمِّه الإمام القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم أجمعين- وهو -أي: أبو بكر رضي الله عنه- أخذ -أي: العلم الباطن- عن سيِّدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه! وهو -أي: سلمان - أخذ عن سيِّد المرسلين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!
لكن يقول بعد ذلك: وقد صحَّ أنَّ سلمان تلقَّى علم الباطن عن أمير المؤمنين علي، وهو ابن عمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا فرق إذ الكلُّ راجع إليه صلوات الله عليه وسلامه '.
نقول: ما هو هذا العلم الباطن الذي أخذوه؟ وأين يوجد؟ ولماذا وُضع سلمان بالذات؟
انظر كيف أنَّ الباطنية تضع سلمان هنا؟! لأنَّ أصل هذه الفكرة، سواءً التصوف، أو الباطنية، أو الزنادقة: جاءت مِن الأفكار المجوسيَّة، والوثنيَّة، والهندية، وغيرها.
والرجل الأعجمي الذي كان في عهد النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تلك الديار: هو سلمان رضي الله عنه.
فإذاً فليُجعل هذا هو التُّكئة، وجُعل سلمان عند بعض طرق الباطنية هو الباب أو الحجاب، أو الإمام مستور!! وعند الشيعة هو -أي: سلمان - رضي الله عنه مع أبي ذر، والمقداد، وعلي -هؤلاء الأربعة- هم الوحيدون المسلمون مِن الصحابة!! وإن كان بعضهم يصلهم إلى أكثر مِن هؤلاء الأربعة فيضيف عمَّاراً، وأمثاله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/63)
المهمُّ: أن سلمان يعتبر مِن المعدودين الذين ثبتوا على الإسلام عند هؤلاء، ولم يرتدوا، والسبب في ذلك: أن الفكرة التي تهيئ نفسها فكرة يهوديَّة، مجوسيَّة؛ نشأت في بلاد المجوس، وانتشرت عن طريقهم، فيوضع سلمان -رضي الله عنه- في السند، وأنَّه تلَّقى علم الباطن.
والعلم الباطن هو الذي نجده في كلام الصوفية في تفسيرهم الذي يسمونه "التفسير الإشاري"، وفي إشاراتهم، وفي أقوالهم، وفي كتبهم، هذا العلم الباطن الذي هو تعبيرٌ آخر عن ما يسمَّى بالعلم اللدني، أو علم الحقيقة، ليس هو العلم الذي بين أيدينا، ليس هو البخاري، ولا مسند الإمام أحمد، ولا كتب الفقه المعروفة أبداً.
ولذلك قلتُ: إنَّ معرفتنا بمنهج المتصوفة أهمُّ مِن الردِّ التفصيلي عليهم؛ بأنَّ نقول لهم: هذا الحديث الذي استشهدتم به ضعيف، أو صحيح، أو غير ذلك، بل نقول لهم: ليس مِن منهجكم العلمي أنْ ترجعوا إلى كتب السنَّة، ولا إلى غيرها حتى تردُّوا علينا "بأنَّكم ضعفتم حديثاً، ونحن نصححه"، والخلاف يسير، ولا داعي للتكفير.
نقول: لا، أنتم مرجعكم إلى الكشف، وإلى الحال، وإلى الذوق، وإلى الوجد، وليس مرجعكم نصوص الوحي، فهذا العلم اللدني الذي تتلقونه عن طريق الكشف، أو العلم الباطن، نحن نبدأ الجدال، والنقاش بيننا وبينكم من هذه النقطة؛ نقول لكم: إمَّا أنْ تعودوا إلى الشريعة، وإمَّا أن تُصروا على أنَّ ما أنتم عليه هو الحقيقة، وهو العلم الباطن، فتأخذون حكم الباطنية، وحكم الملاحدة الذين يدَّعون ذلك.
قصة منامية لأحد أئمة الطائفة الرفاعية
وبمناسبة ادعائهم رؤية النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام -كما سبق- وأيضاً بمناسبة العلم اللدنِّي؛ أنقل قصة عن أحد أئمَّة الرفاعية، ومشايخها الكبار، الذين أخذوا عن أحمد الرفاعي مؤسس هذه الطريقة، كما أوردها صاحب كتاب طي السجل، نقرأ قصة إلباس الخرقة للشيخ علي الأحور، كما نقلها هذا الرجل، يقول مؤلف كتاب طي السجل: ' وهنا نذكر تيمُّناً قصة إلباس الخرقة للشيخ الجليل علي الأحور شيخ السيد علي الأهدل، مِن يد حضرة القطب الأعظم السيد الكبير أحمد الرفاعي رضي الله عنه، بأمر النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال الإمام العلامة أبو بكر الأنَّصاري في عقود اللآلئ حين ترجم للعارف الأحور ما نصه:
شيخ الشيوخ، الإمام العارف بالله، الشيخ علي الأحور بن أحمد - .. الخ النسب- أخذ في بداية أمره عن الشيخ العارف بالله عبد القادر الجيلي -يعني: الجيلاني - قدس الله سرَّه، رأى بـ " أسعر " من بلاد الجزيرة سنة ستين وخمسمائة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: يا رسول الله دلني على أحب مشايخ الوقت إليك، وأحبهم طريقة عندك لأتمسك به؟ قال عليه الصلاة والسلام: يا علي أحب مشايخ الوقت إليَّ، وأرضاهم عندي طريقة: طريقة ولدي السيد أحمد الرفاعي صاحب أم عبيدة -وأم عبيدة بلدة في جنوب العراق في البطائح التي كان يعيش فيها الرفاعي - قلت: يا رسول الله وكذلك هو -يعنى: هو أفضل المشايخ- قال: وكذلك هو، رغماً على أنفك وضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت نواجذه، قال الأحور: فانتبهت خائفاً، مرعوباً، وقمت على قدم الإخلاص راجعاً أكر إلى أم عبيدة، فلما دخلتُ على سيدي إمام القوم، تاج الطائفة، السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه، وطلبتُ منه الخرقة؛ فقال لي: أنا وأخي عبد القادر والفقراء كلهم واحد فالزم شيخك!!! '.
أيها الإخوة: انظروا إلى تقسيمات الصوفية، هؤلاء هم الذين يفرقون الأمَّة، هذا يتبع هذا الشيخ، وهذا يتبع هذا، ولا يجوز لهذا أن يأخذ من هذا، ولا هذا يأخذ من هذا؛ فكأن المسألة شركات، ومساومات، ويحصل بينهم الغضب الشديد على أن طالباً أخذه هذا من هذا!
فالرفاعي يقول: ' الزم شيخك، قلت: لي معك خلوة، قال: فليكن، قال: فلما خلوتُ به، قلت: بالله أسألك مَن أرضى المشايخ طريقةً اليوم وأحبهم عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال -أي الرفاعي -: مَن يقال ذلك بشأنه على رغم أنفك 'يعني: نفسه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/64)
يقول: -يعني: أحمد الرفاعي - يدَّعي علم الغيب، ويدَّعي أنه عرف الرؤيا، وأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قال لهذا المريد: "على رغم أنفك" -يعني: الرفاعي - فالرفاعي عنده خبر بهذا الكلام، ولذلك يقول للمريد: أفضلهم مَن قيل في حقه على "رغم أنفك"، يقول هذا المريد الأحور: ' فأغشي عليَّ من هيبته؛ فأجلسني بيديه، وتواضع لي كل التواضع، وقال: يا مبارك أنت لا تعرف الملاطفة، طيب خاطرك! قلت: لا برحتُ إلا بخرقتك، قال: لا جعلني الله ممن يفرق بين الفقراء، ويفضل نفسه عليهم، اصبر هنا برهة يسيرة، ويقضي الله خيراً، قال: فمكثتُ سنَةً كاملةً لا أتجرأ على ذكر شيءٍ مما أنا فيه، وقد جاء شهر ربيع الآخر وفي أول ليلة منه رأيتُ الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا في زاوية من زوايا "الرواق"، فطرحتُ نفسي على قدميه، وقلت: يا رسول الله، في الليل تشرفني برؤيتك بـ"أسعر"، وأنا أنتظر أن يسلكني ولدك السيد أحمد الرفاعي.
(هذا من رفاعة ويقول: ولدك) على طريقتك المباركة فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: يا علي .. نادى أحمد، فجاء سيدي أحمد الرفاعي خاشعاً متواضعاً، فقبَّل يد النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووقف أمامه، وقال عليه الصلاة والسلام: يا ولدي سلِّك الشيخ على طريقتك، وألبسه الخرقة! فقال: روحي لك الفداء يا حبيبي، عليك من ربك أفضل الصلاة والسلام، أنت تعرف أنني لا أحب التفرقة بين فقراء الوقت، وقصْد الجميع أنت بعد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -أي يقول: أنا لا أريد أن أعتدي على الشيخ عبد القادر الجيلاني، كلُّنا واحد، وأنت مقصد الجميع- فقال: كذلك، ولكن أنت شيخ الوقت، شيخ الفقراء كلهم، فافعل ما آمرك به، فقبَّل الأرض بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: السمع والطاعة لك يا رسول الله '.
يقول هذا المسمَّى الأحور: ' فانتبهتُ فرحاً مسروراً، فأحسْنت الوضوء، وصليتُ ما تيسَّر، ودخلتُ جامع "الرواق" لأداء صلاة الصبح مع الجماعة، فرآني سيدي قبل دخولي باب المسجد، فأخذ بيدي، وضمَّني إليه، وأجلسني على بارية هناك، وأخذ عليَّ العهد، وألبسني الخرقة، وقال: هذه لك مِن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالبسْها مباركةً إن شاء الله تعالى ' معنى هذا: أن الرفاعي يعلم الغيب، عرف الرؤيا، وعرف ما قاله الرسول -بزعمهم-للأحور!! -.
قال: ' وفي اليوم الثامن من ربيع الآخر توفي الشيخ عبد القادر الجيلاني -رحمه الله- في بغداد ' ... إلى آخره.
أي: أنه ألْبسه الخرقة، فتوفي عبد القادر -شيخه الأول- فكان أحمد الرفاعي هو الشيخ البديل.
نقول: هذا نموذج مِن نماذج كثيرة جدّاً نعرف بها ادَّعاؤهم بهذا العلم اللدنِّي، مع تعلقهم بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّعوا أنَّهم يحبونه وما قصدهم، وهدفهم إلا ما ذكرنا.
من أخبار الحلاج
ننتقل بكم الآن إلى من هو أقدم مِن هؤلاء لنعرف حقيقة سبب غلوهم في النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ومن أقدمهم الحلاج، والحلاج قد أُفتِيَ بكفره -ولله الحمد- في محضر كبير من علماء المسلمين، وأقيم عليه الحد، وقتل بتهمة الزندقة بعد أن اعترف بكثيرٍ مِن الكفريات، وأنا الآن أقرأ بعض ماذكر مما يتعلق بموضوع الغلو في النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليجد أساسه عند الصوفية.
للحلاج كتاب اسمه الطواسين -مطبوع- يبتدأ من صفحة 82، من كتاب أخبار الحلاج، وأوَّل الطواسين: هو طاسين السراج، ويقصد بالسراج النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي: السراج المنير يقول:
'طاسين، سراج مِن نور الغيب، بدأ وعاد، وجاوز السراج وساد، قمرٌ تجلَّى مِن بين الأقمار، برجه من فلك الأسرار، سمَّاه الحق أمِّياً لجمع همَّته، وحَرَمِيّاً - يعني: نسبة إلى الحرم - لعظم نعمته، ومكيّاً لتمكينه عند قربه، شرَح صدرَه، ورفع قدره، وأوجب أمره، فأظهر بدره، طلع بدره من غمامة اليمامة، وأشرقت شمسه من ناحية تهامة، وأضاء سراجه من معدن الكرامة، ... ' إلى أن يقول:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/65)
' ما أبصره أحد على التحقيق سوى الصديق؛ لأنَّه وافقه ثم رافقه؛ لئلا يبقى بينهما فرق، ما عرفه عارف إلا جهل وصفه الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146] أنوار النبوة مِن نوره برزت، وأنوارهم مِن نوره ظهرت، وليس في الأنَّوار نور أنور وأظهر وأقدم من القدم سوى نور صاحب الكرم، همته سبقت الهمم، ووجوده سبق العدم!!! واسمه سبق القلم - أي: قبل أن يخلق القلم - لأنَّه كان قبل الأمم، ما كانت الآفاق وراء الآفاق ودون الآفاق، أظرف، وأشرف، وأعرف، وأرأف، وأخوف، وأعطف من صاحب هذه القضية، وهو سيِّد البرية الذي اسمه أحمد، ونعته أوحد، وأمره أوكد، وذاته أوجد، وصفته أمجد، وهمَّته أفرد، يا عجباً ما أظهرَه، وأنضره، وأكبره، وأشهره، وأنوره، وأقدره، وأظفره، لم يزل، كان مشهوراً قبل الحوادث، والكوائن، والأكوان، ولم يزل، كان مذكوراً قبل القبل، وبعد البَعد، والجواهر والألوان، جوهره صفويٌّ، كلامه نبويٌّ، علمه عَلَويٌّ -نسبة إلى علي- عبارته عربيٌّ، قبيلته لا مشرقي، ولا مغربي، جنسه أبويٌّ، رفيه رفويٌّ، صاحبه أميٌّ ... ' إلى آخر الكلام الذي ينقله الحلاج، إلى أن يقول:
' الحق وبه الحقيقة، هو الأول في الوصلة، وهو الآخر في النبوة، والباطن بالحقيقة، والظاهر بالمعرفة، ما خرج عن ميم محمد، وما دخل في حائه أحد، حاؤه ميم ثانية، والدال ميمٌ، داله دوامه، وميمه محله، وحاؤه حاله، وحاله ميم ثانية '.
أقول: هذه الطلاسم التي يذكرونها، هي حساب "الجمَّل"، أو "أبو جاد"، أو "أبجد هوز".
نستمر في كلام الحلاج لنرى حقيقته، وحقيقة دينه من قوله في طاسين الأزل والالتباس، يقول:
'قيل لإبليس: اسجد، ولأحمد انظر، هذا ما سجد، وأحمد ما نظر! ما التفت يميناً ولا شمالاً، ما زاغ البصر، وما طغي'
انظروا يشبِّه موقف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بموقف إبليس -والعياذ بالله- وأن إبليس لم يسجد، وأحمد، لم ينظر فالاثنان سواء، فإن قلت: كيف يشابه النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبليس؟ فيقول لك: لا تستغرب، انظر ماذا قال بعد ذلك في صفحة [99] يقول:
'تناظرت مع إبليس وفرعون في "الفتوة" - وهي: درجة مِن درجات الصوفية، ومقام من مقاماتهم - فقال -أي: إبليس يقول للحلاج -: إن سجدتُّ سقط عني اسم الفتوة! وقال فرعون: إن آمنتُ برسوله سقطتُّ من منزلة "الفتوة" -والعياذ بالله- وقلت أنا -أي الحلاج -: إن رجعت عن دعواي، وقولي سقطت من بساط "الفتوة' ودعواه هي وحدة الوجود.
يقول: 'وقال إبليس: أنا خير منه حين لم يره غيره خيراً، وقال فرعون: ما علمت لكم من إله غيري حين لم يعرف في قومه من يميِّز بين الحق والباطل'.
أي: أهل وحدة الوجود يصدِّقون كلام فرعون في قوله "ما علمتُ لكم مِن إله غيري".
يقول: 'وقلت أنا: إن لم تعرفوه فاعرفوا آثاره، وأنا ذلك الأثر وأنا الحق!! ' الحلاج كان يقول: أنا الحق يعني: أنا الله.
يقول: 'وأنا ذلك الأثر، وأنا الحق؛ لأنَّي مازلت أبداً بالحق حقّاً، فصاحبي وأستاذي إبليس وفرعون، وإبليس هُدِّد بالنار وما رجع عن دعواه، وفرعون أغرق في اليم وما رجع في دعواه، ولن يضر بالواسطة ألبتة -لن يضر بالوسائط- ولكن قال: "آمنت أنه لا اله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل"، وألم ترَ أنَّ الله قد عرَّض جبريل لشأنه، فقال: لماذا ملأتَ فمه قملاً؟ '
أقول: ما في كتاب الذخائر لمحمد علوي مالكي أصله مِن مثل كلام الحلاج هذا.
والحلاج ممن أسَّس لهم الغلو في النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل هذا الكلام أحياناً يجعله - والعياذ بالله - كإبليس! وأحياناً يقول: إنه مخلوق قبل الأكوان جميعاً، وقبل أن توجد السموات والأرض، إلى غير ذلك من الكلام، الذي احتج به الرفاعي وصاحباه بأن النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مخلوقاً قبل الكائنات.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/66)
أما نبوة النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنها ثابتة قبل خلق السموات والأرض وهذا حق، كما ورد في بعض الأحاديث: {كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد} 34: فعلى فرض صحة هذه الأحاديث؛ نقول: نعم نبوة النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثابته؛ لأنَّ الله عز وجل: {كتب في اللوح المحفوظ كل شيءٍ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة} 35، كما في الحديث الصحيح، ومما كُتب أن النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيكون نبيّاً وسيبعث، فإثبات النبوة شيء، وإثبات أنه أول من خُلق - كما يقول هؤلاء الخرافيون - شيءٌ آخر.
4 - الاحتفال بالمولد عند الخرافيين
ونعود فنؤكد أن وراء غلو الصوفية في النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما يدَّعونه من المعجزات، وما يضعونه ويفترونه على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى السنَّة، والسيرة من هذه الأكاذيب والمخترعات والخزعبلات، إنما قصدهم بذلك إثبات هذه الأكاذيب والخزعبلات للأولياء بدعوى أنما كان للنَّبيِّ من معجزة فهو للوليِّ كرامة، وهذه دعوى خبيثة.
ولو نظرنا إلى المولد -أيضاً- لوجدنا اعتناءهم بمولد النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي أسسه العبيديون الزنادقة الباطنية، فهم أول من أسَّسه.
لو نظرنا إلى اهتمامهم بالمولد لرأينا أنهم يستمدون منه الاهتمام بموالد أئمتهم، وسادتهم، بل قد يعتقدون أن موالد أئمتهم وسادتهم وأصحاب طرقهم أعظم مِن المولد الذي يقيمونه للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى أن المولد -نفسه- إنما يقيمونه لهذا الغرض، ولو شئتم لقرأتُ عليكم ما نقله كتاب طبقات الشعراني عن مولد البدوي -سيِّدهم- مِن مصر الذي يقال له: أحمد البدوي يقول الشعراني:
'قلت: وسبب حضوري مولده كلَّ سنَة أن شيخي العارف بالله تعالىمحمد الشنَّاوي رضي الله عنه أحد أعيان بيته -رحمه الله- قد كان أخذ عليَّ العهد بالقبة تجاه وجه سيدي أحمد رضي الله عنه، وسلمني إليه بيده، فخرجت اليدُ الشريفة إلى الضريح! وقبضتْ على يدي، وقال: سيدي يكون خاطرك عليه، واجعله تحت نظرك، فسمعتُ سيدي أحمد رضي الله عنه مِن القبر يقول: نعم!! '
أقول: أحمد البدوي توفي قبل الشعراني بحوالي ثلاثمائة سنة! سمعه من القبر يقول: نعم، وأخرج يده، وبايعه.
يقول: 'ثم إني رأيتُه بمصر مرة أخرى هو وسيدي عبد العال، وهو يقول: زرنا بطندتا -وهي: طنطا - ونحن نطبخ لك ملوخية ضيافتك، فسافرت، فأضافني غالب أهله، وجماعة المقام ذلك اليوم كلهم بطبيخ الملوخية'.
يقول: 'ثم رأيته بعد ذلك وقد أوقفنى على جسر "قحافة" تجاه طندتا، وجدته سوراً محيطاً، وقال: قف هنا، أدخل عليَّ من شئت وامنع من شئت'.
أقول: الجسر تحول إلى سور عريض ويقول له: أنت هنا، كل مَن يحضر المولد: أدخل من أردت، وامنع مَن أردت مِن حضور المولد.
يقول: 'ولما دخلتُ بزوجتي فاطمة أم عبد الرحمن، وهي بكر، مكثت خمسة شهور لم أقرب منها، فجاءني وأخذني وهي معي، وفرش لي فرشاً فوق ركن القبة التي على يسار الداخل، وطبخ لي حلوى، ودعا الأحياء والأموات إليه، وقال: أزل بكارتها هنا!! فكان الأمر تلك الليلة .. ' إلى أن يقول:
'وتخلفتُ عن ميعاد حضوري للمولد سنة أربع وثمانين وتسعمائة، وكان هناك بعض الأولياء فأخبرني أنَّ سيدي أحمد رضي الله عنه كان ذلك اليوم يكشف الستر عن الضريح، ويقول: أبطأ عبد الوهاب ما جاء - يعني: هو الشعراني فاسمه عبد الوهاب -وأردت التخلف سنَةً من السنين- يعني: عن المولد - فرأيت سيدي أحمد رضي الله عنه ومعه جريدة خضراء وهو يدعو الناس من سائر الأقطار، والنَّاس خلفه، ويمينه، وشماله، أمم وخلائق لا يحصون، فمر عليَّ وأنا بمصر، فقال: أما تذهب؟
فقلت: بي وجع، فقال: الوجع لا يمنع المحب، ثم أراني خلقاً كثيراً مِن الأولياء وغيرهم الأحياء والأموات من الشيوخ والزَّمنى، بأكفانهم يمشون، ويزحفون معه يحضرون المولد، ثم أراني جماعة من الأسرى جاءوا من بلاد الإفرنج مقيَّدين، مغلولين، يزحفون على مقاعدهم.
فقال: انظر إلى هؤلاء في هذا الحال ولا يتخلفون، فقويَ عزمي على الحضور.
فقلت له: إن شاء الله تعالى نحضر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/67)
فقال: لابد مِن الترسيم عليك، فرسم عليَّ سبعيْن -يعني: وضعه بحراسة سبعين- عظيمين أسْوَدين كالأفيال، وقال: لا تفارقاه حتى تحضرا به.
فأخبرتُ بذلك سيدي الشيخ محمد الشنَّاوي -رضي الله عنه- فقال: سائر الأولياء يَدْعون الناس بقصَّادهم - يعني: يوصون من يدعوهم إلى مولده - وسيدي أحمد رضي الله عنه يدعو الناس بنفسه إلى الحضور، ثم قال: إن سيِّدي الشيخ محمد السروي رضي الله تعالى عنه شيخي تخلف سنَةً عن الحضور، فعاتبه سيدي أحمد رضي الله عنه، وقال: موضع يحضر فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأنبياء عليهم الصلاة والسلام معه وأصحابه والأولياء رضي الله عنهم؛ ما يحضره؟
فخرج الشيخ محمد رضي الله عنه إلى المولد فوجد الناس راجعين، وفات الاجتماع، فكان يلمس ثيابهم، ويمرُّ بها على وجهه!! ' أهـ.
يقول الشعراني: 'وقد اجتمعتُ مرة أنا وأخى أبو العباس الحرنكي -رحمه الله- بوليٍّ مِن أولياء الهند بمصر المحروسة.
فقال رضي الله عنه: ضيِّفوني فإني غريب، وكان معه عشرة أنفس، فصنعتُ لهم فطيراً، وعسلاً فأكل.
فقلت له: مِن أيِّ البلاد؟ فقال: مِن الهند، فقلت: ما حاجتك في مصر؟
فقال: حضرْنا مولد سيدي أحمد رضي الله عنه.
فقلت له: متى خرجتَ مِن الهند؟
فقال: خرجنا يوم الثلاثاء، فنمنا ليلة الأربعاء عند سيِّد المرسلين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليلة الخميس عند الشيخ عبد القادر رضي الله عنه ببغداد، وليلة الجمعة عند سيدي أحمد رضي الله عنه بطندتا، فتعجبْنا مِن ذلك.
فقال: الدنيا كلها خطوة عند أولياء الله عز وجل، واجتمعنا به يوم السبت انفضاض المولد طلعة الشمس.
فقلنا لهم: مَن عرَّفكم بسيدي أحمد رضي الله عنه في بلاد الهند؟ فقالوا: يالله العجب! أطفالنا الصغار لايحلفون إلا ببركة سيدي أحمد رضي الله عنه، وهو من أعظم أيمانهم -انظرو إلى هذا الشرك- وهل أحدٌ يجهل سيدي أحمد رضي الله عنه؟ إن أولياء ما وراء البحر المحيط، وسائر البلاد والجبال يحضرون مولده رضي الله عنه'.
ثم يقول الشعراني: 'وأخبرنى شيخنا الشيخ محمد الشنَّاوي رضي الله عنه أن شخصاً أنكر حضور مولده فسُلب الإيمان!! فلم يكن فيه شعرة تحنُّ إلى دين الإسلام، فاستغاث بسيدي أحمد رضي الله عنه، فقال: بشرط أن لا تعود؟ فقال: نعم، فردَّ عليه ثوب إيمانه! ثم قاله له: وماذا تنكر علينا؟ - يعني: في المولد - قال: اختلاط الرجال والنساء، فقال له سيدي أحمد رضي الله عنه: ذلك واقعٌ في الطواف، -نعم تراهم يختلط الرجال بالنساء في الطواف، ويشبِّه مولده بالطواف- ولم يمنع أحدٌ منه '.
ثم قال: 'وعزة ربي ما عصى أحدٌ في مولدي إلا وتاب وحسنت توبته، وإذا كنتُ أرعى الوحوش والسمك في البحار، وأحميهم من بعضهم بعضاً، أفيعجزني الله -عز وجل- عن حماية مَن يحضر مولدي؟ '.
أقول: هذا هو التصرف في الكون، حتى الوحوش يحميها بعضها من بعض، ويحجزها، والسمك في البحار، فيتصرف في هذه الأمور كلها، فكيف لا يتصرف فيمن يحضر مولده؟ هذا هو أحمد البدوي، ماذا تتوقعون أن يقولوا في مولد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
إن قالوا أعظم من هذا؛ فهو -والعياذ بالله- الشرك والكفر، وإن قالوا: لا، نحن نفضل مولد البدوي على مولد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونعطي البدوي مِن الولاية والاختصاص ما لا نعطي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهي الطامَّة الكبرى وإذاً: هم الذين يحتقرون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يحبونه، وليس أهل السنة والجماعة -كما يزعمون- فليختاروا مِن هذين ما شاءوا.
يقول: 'وحكى لي شيخنا أيضاً: أن سيِّدي الشيخ أبا الغيث بن كتيلة أحد العلماء بـ"المحلة الكبرى"، وأحد الصالحين بها كان بمصر، فجاء إلى بولاق، فوجد الناس مهتمين بأمر المولد، والنزول في المراكب، فأنكر ذلك، وقال: هيهات أن يكون اهتمام هؤلاء بزيارة نبيِّهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل اهتمامهم بأحمد البدوي، فقال له شخص: سيدي أحمد وليٌّ عظيم، فقال: ثَمَّ في هذا المجلس من هو أعلى منه مقاماً، فعزم عليه شخص - أي: عزمه - فأطعمه سمكاً، فدخلتْ شوكةٌ تصلَّبَتْ فلم يقدروا على نزعها بدهن عطاسٍ، ولا بحيلة مِن الحيل، وورِمت رقبتُه حتى صارت كخلية النَّحل تسعة شهورٍ وهو لا يلتذذ بطعام، ولا شراب،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/68)
ولا منام، وأنساه الله تعالى السبب، فبعد التسعة شهور ذكَّره الله تعالى بالسبب فقال: احملوني إلى قبة سيدي أحمد رضي الله عنه، فأدخلوه، فشرع يقرأ سورة "يس"، فعطس عطسةً شديدةً فخرجت الشوكة مغمسة دماً، فقال: تبتُ إلى الله تعالى يا سيدي أحمد!! وذهب الوجع، والورم من ساعته'.
أصيب هذا الرجل؛ لأنَّه يقول: إن الناس تهتم بزيارة مولد البدوي أكثر من زيارتهم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ويستمر الشعراني فيقول: 'وَأنكر ابن الشيخ خليفة بناحية "أبيار" بالغربة حضور أهل بلده إلى المولد، فوعظه شيخنا محمد الشنَّاوي، فلم يرجع، فاشتكاه لسيدي أحمد فقال: ستطلع له حبَّة ترعى فمَه ولسانَه، فطلعت مِن يومه ذلك، وأتلفت وجهه، ومات بها'.
ويقول: 'ووقع ابن اللَّبَّان في حق سيدي أحمد رضي الله عنه - أي: انتقص حقه - فسُلب منه القرآن والعلم والإيمان!! فلم يزل يستغيث بالأولياء، فلم يقدر أن يدخل في أمره -أي: ما دخل أحدٌ بينه وبين البدوي ليُخلَّصه منه- فدلُّوه على سيِّدي ياقوت العرْشي '.
وهذا سمُّوه ياقوت العرْشي، قيل: إنه كان يسمع حملة العرش! وقيل: إنَّه كان يرى العرش لذلك سُمِّي العرْشي وربما يمر علينا شيءٌ مِن ترجمته- يقول: 'فمضى إلى سيدي أحمد رضي الله عنه، وكلَّمه في القبر، وأجابه، وقال له: أنت أبو الفتيان رُدَّ على هذا المسكين رأس ماله، فقال: بشرط التوبة! فتاب، ورَدَّ عليه رأس ماله، وهذا كان سبب اعتقاد ابن اللبان في سيدي ياقوت رضي الله عنه، وقد زوجه سيِّدي ياقوت ابنتَه ودُفن تحت رجليها بالقرافة '.
إلى أن يقول: 'وكان سيدي عبد العزيز إذا سئل عن سيدي أحمد رضي الله عنه يقول: هو بحر لا يُدرك له قرار، وأخباره ومجيئه بالأسرى مِن بلاد الإفرنج، وإغاثة الناس مِن قُطَّاع الطريق، وحيلولته بينهم وبين مَن استنجد به لاتحويها الدفاتر رضي الله عنه ... ثم قال: وقد شاهدتُ أنا بعيني سنة خمس وأربعين وتسعمائة أسيراً على منارة سيِّدي عبد العال رضي الله عنه -وهو تلميذ البدوي - مقيَّداً مغلولاً وهو مخبَّط العقل، فسألتُه عن ذلك، فقال: بينا أنا في بلاد الإفرنج آخر الليل، توجَّهتُ إلى سيدي أحمد -يعني: دعا أحمد - فإذا أنا به فأخذني، وطار بي في الهواء، فوضعني هنا، فمكث يومين ورأسه دائرة عليه مِن شدة الخطفة رضي الله عنه' اهـ.
أقول: إذا كان هذا اعتقادهم في البدوي وفيمن يحضر مولده، وعقوبة مَن يشكِّك في حضور مولد البدوي؛ فما ظنك بقولهم واعتقادهم بمولد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
وكما قلنا؛ إما أن يقولوا: إنه أعظم، فهو أعظم شركاً، وإما أن يقولوا: لا، مولد البدوي أعظم، فقد فضَّلوا البدوي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أقول هذا ليعلم الإخوان أن المسألة ليست أن محمَّد علوي مالكي ومن معه يحضرون كما يقولون: يأتون بالكوازي، والكبسات، ويقولون للنَّاس: تعشُّوا، وصلُّوا على الرسول، واحتفلوا بذكراه، ونقرأ شيئاً مِن السيرة، وندعو النَّاس إلى محبَّته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونستغلها فرصة للوعظ، ولتبيين أحوال المسلمين، وللتذكير بالمحرمات، ومحاربة الشيوعية، ولغير ذلك مما طنطن به الرفاعي، والمغربيان، والبحريني.
المسألة كما ترون هي هذا الشرك، وهذه الاستغاثات، وهذه النداءات، وأن من ينكر ذلك يُسلب إيمانه، ويسلب دينه، ويبتلى بكذا وكذا، أوهام ينسجونها، وأساطير يُرهبون بها الناس حتى لا ينقدوهم، وحتى لا يفتحوا أفواههم عليهم، وحتى يستعبدوهم بها، وكما نرى كثيراً مِن النَّاس يدفعون لهم الأموال الطائلة، ويتبركون بهم، ولا يتزوجون إلا بإذنهم، ولا يسافرون إلا بأمرهم، ولا يعملون أيَّ عملٍ إلا بعد أن يستأذنونهم، ويتبركون بمشورتهم، وبنصيحتهم بسبب ما يحيطون به أنفسهم مِن هذا الإرهاب الشديد الفظيع، وأنهم يملكون أن يوقعوا بأعدائهم مثل هذه الأمور، نسأل الله السلامة والعافية.
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المولد يقظة عند الخرافيين
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/69)
نبدأ بالحديث عن تعلقهم بالمولد، وتعظيمهم له لا من حيث أن المولد هو القضية في ذاتها فحسب كما أسلفنا؛ وإنما من حيث دلالته على منهج هؤلاء، وعلى ضلالهم، وعلى ما يأتي فيه من الخرافات والشركيَّات التي إذا ربطناها بأصل التصوف السابق عرفنا أن القوم حقاً يستقون مِن معين الثيوصوفية، ومِن معين الأفكار الفلسفيَّة الوثنيَّة، ومِن معين الخرافات النصرانية والمجوسيَّة التي هي بعيدة كل البعد عن الإسلام، وليس عليها دليل مِن كتاب الله، ولا مِن سنَّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
و المالكي ينكر أن القيام في المولد سببه ادَّعاء رؤية النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقول: نحن لا نقف مِن أجل ذلك، لكنني أؤكد وأقول: إنَّ مَن حضر المولد ممن هداهم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ومِن النَّاس الآخرين الذين حضروا لغرض أن يروا ما فيه ودعوا إلى ذلك، أكدَّوا، وأخبروا أن هؤلاء يقولون: جاء الرسول، جاء الرسول!! وعلى أية حال مهما أنكر المالكي وقال هو وأصحابه ما قالوا؛ فنحن نقرأ ما ذكره هو بنفسه في كتاب الذخائر صفحة [107] ليُرى الحق بإذن الله تعالى: يقول في العنوان: ' صلوات مأثورة لرؤية الحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
نقل الشيخ الغزالي في الإحياء عن بعض العارفين نقلاً عن العارف المرسي -رضي الله عنه- أنَّ مَن واظب على الصلاة، وهي: "اللهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمَّدٍ عبدك ونبيك ورسولك النَّبيِّ الأمِّيِّ وعلى آله وصحبه وسلم" في اليوم والليلة خمسمائة مرة لا يموت حتى يجتمع بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقظة!!
ونقل عن الإمام اليافعي 36 في كتابه بستان الفقراء أنه ورد عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: مَن صلَّى عليَّ يوم الجمعة ألف مرة بهذه الصلاة: "اللهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمَّد النَّبيِّ الأمِّيِّ" فإنَّه يرى ربَّه في ليلته، أو نبيَّه، أو منزلتَه في الجنَّة، فإن لم يرَ فليفعل ذلك في جمعتين، أو ثلاثٍ، أو خمسٍ، وفي رواية: زيادة: "وعلى آله وصحبه وسلِّم".
وفي كتاب الغنية للقطب الربَّاني سيدي عبد القادر الجيلاني عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ في كل ركعةٍ فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة، وخمسة عشر مرة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ويقول في آخر صلاته ألف مرة: "اللهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمَّد النَّبيِّ الأمِّيِّ فإنَّه يراني في المنام ولا تتم له الجمعة الأخرى إلا وقد رآني، فمن رآني فله الجنة، وغفر له ما تقدم مِن ذنبه، وما تأخر} '.
أقول: هذا الكلام ذكره محمد علوي مالكي في الذخائر بهذا العنوان: [صلوات مأثورة لرؤية الحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] نحن نسأله، ونسأل أتباعه: هل أنتم تشتاقون لرؤية الحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ هم يقولون: إنَّهم أشد الناس حبّاً له، وتعظيماً، وشوقاً إليه. أيضاً نسألهم سؤالاً آخر: هل أنتم ممن يعمل بما يعلم؟ فيقولون: نعم، كل شيءٍ نراه مِن السنَّة، ومن الحق نعمل به؛ فنقول: لابد أنَّكم عملتم بهذا الكلام، أنتم مشتاقون إلى الرسول بزعمكم، وتعملون بما تعلمون، وتكتبون فلابد أنكم عملتم بهذا.
فلذلك الذي يدخل معهم، ويتقرب إليهم، ويقدِّسهم، ويبجِّلهم إنَّما يفعل ذلك اعتقاداً أنهم عملوا هذه الصلوات، وحصلت لهم الرؤية كما يصدر عنهم من أقوال أو أعمال أو نصائح أو مشورة؛ فليس مِن عند ذاتهم، وإنما في إمكانهم أن يأخذوه عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مباشرة.
أقول هذا الكلام ليؤكد الحقيقة السابقة وهي أنَّ المسألة ليست مسألة نقاش علمي في أنَّهم يصحِّحون حديثاً نحن ضعفناه، أو قلنا: إنه موضوع؛ أبداً! ليست القضية بهذا الشكل، القضية أنَّهم يرجعون مباشرةً بزعمهم إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأخذون منه، ونحن نجهد أنفسنا في البحث عن الرجال، والتنقيب في الجرح والإسناد والتعديل إلى غير ذلك، وهم يأخذون مباشرة! -بزعمهم- ومِن أسباب الأخذ المباشر هو حضور النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليتَلَقَّوا عنه المولد، فيقيمونه لهذا الغرض، وأنبِّه مرة أخرى -وقد سبق تكرار هذا- أنني لا أعني
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/70)
أنَّ كلَّ مَن يحضر المولد ويتعشى يحصل له هذا الكلام.
لأن المسألة درجات، وأنا سأبين بعد قليل مراتب، ودرجات رجال الغيب عند الصوفية فيتضح لكم أن المسألة درجات، وأن الذي يحضر ويتعشى، أو يتبرع لهم بعشاء ليس مثل المريد المتعمق الذي يداوم على ذكر الأوراد وعلى ما يحصل في الخلوات، وعلى ما يتقرب به هؤلاء الناس.
دفاع الرفاعي عن المالكي في مسألة الرؤية
وأنقل الآن شاهداً واحداً لتعرفوا به لماذا يدافع هاشم الرفاعي وأمثاله عن علوي مالكي:
هناك كتاب للرفاعية نقل منه الرفاعي، وجعله من مراجعه في الأخير وهو كتاب طي السجل الذي نقلتُ منه بعض الأشياء فيما تقدم، وسأنقل لكم منه قضية هذا المؤلف عندما حصل على درجة القطب الأعظم أو الغوث الأعظم، وسنعرف عند تفصيل رجال الغيب قيمته، وما هي مهمته بالنسبة لرجال الصوفية.
يقول هذا الروَّاس:
'سرٌّ غريبٌ، جئتُ من مدينة سيد الأنام عليه من ربه أفضل الصلاة وأكمل السلام إلى بلد الله الحرام، فبعد أن دخلتُ الحرم المحترم، وقفتُ تجاه المشهد الإبراهيمي المكرَّم، كشف الله لي أغطية الأكوان علويَّها وسفليَّها!! فطافت همّتي في زواياها، وكُشفتْ حجب خباياها، ورجعت عن كلِّها إلى الله تعالى، متحققة بالطمأنينة المعنيَّة بسر قول الله: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:27 - 28] وقد تدلَّتْ هناك إلى قلبي قصص السموات -لا أدري ماذا يريد بهذا- منحدرةً مِن ساحل بحر قلب النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد شخصتْ إليَّ الأبدال، والأنجاد، ورجال الدوائر، وأهل الحضارات، وأرباب المكاشفات، والمقرَّبون مِن عوالم الإنْس والجن، وفقهتُ نطق الجمادات الظني ولغات الطيور، ومعاني حفيف الأشجار والنباتات، ورقائق خرير الماء، ودقائق صرير الأقلام، وجمعتُ شفاف الرموز، فكنتُ أحضر وأغيب معي وعني في اليوم والليلة ثمانين ألف مرة، وانفسح سمعي فوعتْ أذني أصوات النَّاطقين والمتكلمين على طبقاتهم واختلاف لغاتهم مِن مشارق الأرض ومغاربها، ومزقتُ بردة الحجاب المنسدل على بصري، فرأيت فسيح الأرض ومَنْ عليها ذرةً ذرةً، وتصمتتْ همتي فانجدلتُ في الكل تمريراً لحكم التصرف بمنزلة الغوثيَّة الكبرى، والقطبيَّة العظمى! '
أقول: يريد أن يقول هذا تمريراً لكي يتصرف في الكون، ويصبح الغوث الأكبر، والقطب الأعظم الذي يتصرف في الكون كله - بزعمهم، والعياذ بالله - كما سنوضح ذلك إن شاء الله.
يقول: 'وحملتْني أكفُّ عناية سادات النَّبيِّين والمرسلين، وأغاثتْني في كل حركةٍ وسكنةٍ إعانة روح سيد المخلوقين، وأتممتُ مناسكي، وإذا هناك شيخ الدوائر، وسلطان المظاهر، وأمين خزائن البواطن والظواهر، وشُحنة الجمْع، وعالم الفرْق، وقيل لي: سِرْ على بركات الله بقدمك وقالبك إلى الروم' يعني: القسطنطينية مقر الدولة العثمانية؛ لأنَّ هذا يكتبه في آخر أيام سلاطين الدولة العثمانية.
قال: 'فانحدرتُ بعد أداء ما وجب إلى مصر، ومنها إلى الشام، ومنها إلى مرقد الإمام الصيَّاد -الذي ينتسب إليه الصيادي، مؤلف الكتاب عن الرفاعي- وجددتُّ العهد الذي مضى، والوقت الذي انقضى، وقمتُ مِن حضرته أرفل بحلل الرضا حتى وصلتُ إلى "جسر الشغور " -بلد في سوريا - ومنها إلى قرية هناك بظاهر البلدة اسمها "كفر ذبين " وأنا في حال جمعٍ محمَّدي، وأقف على ظهر جامع خربٍ طُويت أخباره، وانطمست بالتراب آثاره، فنوديتُ بالغوثيَّة الكبرى مِن مقام التصرف - أي: نودي بأنَّه الغوث الأكبر من مقام التصرف في هذا الجامع الخرب وهو هناك بالشام!! كيف نودي؟ - يقول: أبصرتُ العَلَم المنتشر بالبشرى وقد رفعه عبد السلام أمين حراس الحضرة النبوية من أولياء الجنِّ!! '
عبد السلام هذا أمين حراس الحضرة النبويَّة مِن أولياء الجنِّ رَفع له العلم مِن المدينة -وهو هناك في الشام - علم الولاية، مقام التصرف وأنه أصبح الغوث الأكبر والقطب الأعظم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/71)
يقول: 'فانعطفتْ إليَّ أنظار الصدِّيقين، وتعلقتْ بي قلوب الواصلين؛ فسجدتُّ لله شكراً، وحمدتُّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على نِعَمَه، وعظيم كرمه، وسرتُ، ولمحل ندائه معنىً في القلب سيظهر إن شاء الله وتعمر البقعة، وتقام في الجامع الجمعة، كذا وعدني ربي بالإلهام الحق، وهو لا يخلف الميعاد، قاله الله - هكذا - وانتهيتُ في سيري من طريق "الكلب" إلى "عين تاب" و"مرعش" ثم إلى "آل البستان"، ومنها مرحلة مرحلة إلى بلدة "صانصول"، ودخلت اللجة - يعني: البحر - أفجُّها فجة فجة، حتى انتهى الثور المائي إلى القسطنطينية ... ' - إلى أن يقول: 'وفي القسطنطينية قابل السلطان ' - إلى أن يقول:
'واجتمعتُ بِها على الخضر عليه السلام ست مرات، فيالله مِن حكم سماويَّة تنزل مِن لفاف دور القَدَر يمضيها الحُكم الإلهي في تلك البلدة إمضاءً، وإنفاذاً، ولربي الفعل المطلق، له الحكم وإليه ترجعون' اهـ.
ثم يتحدث طويلاً، والمهم أن هذه هي قضية بيعته، وكيف بويع، وهذا الرفاعي هو الذي ينقل عنه هاشم الرفاعي كما قلنا ويؤيد كلام المالكي.
فإذاً لا نستغرب منه أن يؤيد ما يتعلق برؤيتهم النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومخاطبتهم له، وهذا طريق حراس حضرتهم من الجن يرفع الولاية، وهو أيضاً كما يقول: يبشر هذا الرجل بالولاية الكبرى، بل إن هناك ما يخبر بأن هذا الجامع الخرب الذي عين بيع فيه بالقطبية العظمى والولاية الكبرى سوف يعمر.
هذا غيضٌ مِن فيضٍ، والأمثلة كثيرة جدّاً لكن لا أريد أن أستغرق فيها؛ لأنَّنا نريد أن ننتقل إلى موضوعٍ أكثر تفصيلاً وهو: حقيقة سُلَّم الترقِّي عند الصوفية! وكما قلت ليس مَن يحضر العشاء أو يتعاطف معهم هو منهم، بل هناك درجات، وهناك شكل هرمي معيَّن يترقَّون خلاله، وهو مما يزيدنا تأكيداً وإلحاحاً على أن هؤلاء القوم باطنية زنادقة؛ لأنَّ نفس هذا الترتيب موجود عند الباطنية.
5 - أركان الطريق عند الصوفية
نقول: إنَّ أركان الطريق عند الصوفية هي أربعة، أو خمسة إذا أضفنا "الشطحات".
الأول: هو الشيخ، وهذا الشيخ -أو المرشد كما يسمُّونه- ركنٌ أساسيٌّ عندهم، ولابد أن يرتبط الإنسان بشيخٍ، بل في كتاب تربية الأولاد الذي ألَّفه الشيخ عبد الله علوان يقول: لابد أن يُربط الطفل بشيخ!! وهذا مِن آثار التصوف، فعنده لابد أن يرتبط به، ولابد أن يسير على نَهجه، وأن يقتدي به، وأن يسلِّم له بالكلية، كما عبَّر عن ذلك أبو حامد الغزالي وغيره: أن يكون عند الشيخ كالميِّت بين يدي الغاسل لا تصرف له على الإطلاق!!
ثم بعد ذلك تكون: الخلوة، والخلوة هي: بعد أن يرتبط بالشيخ يُدخله في خلوة معيَّنةٍ ويُلقِّنُه الأذكار المعينة، وهذه الخلوة ينقطع الواحد منهم فيها عن الجُمَع والجماعات، وعن سائر العبادات، ويردِّد الذِّكر المعيَّن الخاص بالطريقة التي يلقِّنُها إيَّاه الشيخ ويستحضر في قلبه أثناء الذكر، وأثناء تَرداده صورة الشيخ، ويستمر على ذلك حتى يحصل له الفتح! وبعضهم يأتيه فتحُه -كما يقولون- في أيامٍ، وبعضهم في أسابيع، وبعضهم إلى عشرين سنَة، أو أكثر، وهو لم يُفتح عليه، يُردِّد يردِّد ولم يفتح عليه؛ فيقولون: لم يُفتح عليك لأنَّ قلبك لم يتنقَّ، أو ارتباطك بالشيخ ضعيف!
الحاصل: أن عندهم فلسفات طويلة، يعالجون بها هذه الأمور.
ثم إذا حصل الفتح أو الكشف: ينتقل الطالب أو المريد من مرحلة المجاهدات والرياضات إلى مرحلةٍ يسمُّونها "المشاهدات، والكشوفات، والتجليات".
فيحصل له الفتح بأن يُخاطَب -يخاطبُه رجلٌ- أو يرى مناظر غريبة جدّاً، أو يرى أشياء تخاطبه وتكلمه، وهذا الفتح يكون عبارة عن كرامة بالنسبة لهذا المريد، فإذا أعطي هذه الكرامة -كما يسمُّونها- تكون: خوارق حسيَّة، واطِّلاع على المغيبات -كما يعتقدون- برؤية النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والاجتماع به يقظة، وبمخاطبته مباشرة!!
وبالمناسبة أذكر لكم أن هناك كتاباً اسمه المواقف والمخاطبات لعبد الجبار النسري، وهو من أئمة الصوفية عاش في القرن الخامس، وهو كتاب كبير، أظنه أكثر من خمسمائة صفحة، هذا الكتاب كله مخاطبات، ومواقف، مثل: وقفتُ بين يدي الله الحق فقال لي وخاطبني، وترى هؤلاء يستشهدون بما في هذا الكتاب الذي حققه المستشرقون الذين هم دائماً وراء نشر تراث الصوفية.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/72)
المهم: تحصل له هذه المخاطبات، أو هذه المكاشفات، ثم ينتقل بعد ذلك من هذه الكرامات حتى يصير هو شيخاً، ويمكن أن يبقى مرتبطاً بالشيخ الأول.
والدرجة الخامسة بعد الكرامات، والكشوفات هي:
الشطحات: معناها أنه إذا ذَكَر، أو حضر مجلس ذكر، أو حضر أمامه ناسٌ تظهر على لسانه الكلمات الكفرية الشنيعة جدّاً، ويسمُّونها شطحات، ويعبِّرون بها عن عين الجمع - كما يسمُّونه - ومعنى عين الجمع: اتحادهم بالله!! والعياذ بالله، أو الاستغراق، أو السُّكُر، والحُب، والوجد، أو ما يلبِّسون به على النَّاس بأنَّ هذه الكلمات الكفريات سببها هذا الكلام، ثم إن من يبلغ به الحد إلى الشطحات -كما كان الحلاج وأبو يزيد البسطامي وأمثالهما كل كلامهم شطحات كفرية- يعتبرون أنَّ هذا قد بلغ غاية الولاية، عندما يمشي الحلاج في الشارع -مثلاً- ويدَّعي أنَّه هو الله! ويقول: أنا الحق! وما في الجبة إلا الله! ويسمعه الناس.
يقولون: إن هذه الدرجة: الولاية الكبرى، كما يظنُّ النَّاس الملبَّس عليهم، المحجوبون، المغفلون، وأن هؤلاء مِن عِظَم ولايتهم ترقَّوا في مشاهدة الحقَّ! والفناء فيه، والجمع معه، والالتصاق به، حتى أصبحوا بهذه الدرجة.
هذا الأمر يجعلنا نستعرض بعض كلام لأبي حامد الغزالي، وأنا تعمدت اختيار الغزالي لأنَّه متقدمٌ؛ ولأن كتبه مشهورة، ولأنَّه معروف عند الكثير.
يقول الغزالي في مجموعة رسائله [4/ 25]:
'أول مبادئ السالك: أن يكثر الذكرَ بقلبه، ولسانه بقوة، حتى يسري الذكر في أعضائه، وعروقه، وينتقل الذكر إلى قلبه، فحينئذٍ يسكت لسانه، ويبقى قلبه ذاكراً يقول: "الله، الله" باطناً مع عدم رؤيته لذكره، ثم يسكن قلبه، ويبقى ملاحظاً لمطلوبه، مستغرقاً به، معكوفاً عليه، مشغوفاً إليه، مشاهداً له'.
هذه هي درجة المشاهدة، يذكر الله -كما يزعمون- حتى يصل إلى مرحلة المشاهدة، ولا تعجبوا مِن قوله: "يسكت حتى عن الذكر باللسان"، ثم حتى عن الذكر بالقلب؛ لأنَّ الغزالي في الإحياء، يقول: ' لا ينبغي للمريد في أثناء الخلوة أن يُشغل نفسه، لا بتفكيرٍ، ولا بحديثٍ - يذكر ذلك عن الصوفية لا عن نفسه فقط - ولا بقرآنٍ، ولا بعلمٍ، بل يتفرغ للذكر، فقط "الله، الله " أو: "هو، هو" باللسان، والقلب، والأعضاء، ثم يترك اللسان إلى القلب، ثم يترك القلب فيصل إلى المشاهدة '.
ونتابع كلامه عن المشاهدة يقول: 'ثم يغيب عن نفسه لمشاهدته، ثم يفنى عن كليَّته بكليَّته حتى كأنَّه في حضرة لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16]، فحينئذٍ يتجلَّى الحقُّ على قلبه، فيضطرب عند ذلك، ويندهش، ويغلب عليه السُّكُر، وحالة الحضور، والإجلال، والتعظيم، فلا يبقى فيه متَّسعٌ لغير مطلوبه الأعظم- كما قيل: فلا حاجة لأهل الحضور إلى غير شهود عيانه! وقيل في قوله تعالى: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ [البروج:3]- انظروا تفسير الباطنية - قيل: الشاهد: هو الله، والمشهود: هو عكس جمال الحضرة الطلبية فهو الشاهد والمشهود يعني: الله تعالى'.
ثم يقول عن كيفية السير إلى الطريق، أو كيف يبذل الجهد اليسير؟ يقول: 'هناك أنواع:
الأول: تقليل الغذاء بالتدريج، فإنَّ مَددَ الوجود، والنَّفس، والشيطان من الغذاء؛ فإذا قلَّ الغذاء: قلَّ سلطانه'.
أقول: وهذا هو الذي يستعمله سحرة الهند وهي التي تنقلهم إلى مرحلة "المانخوليا"، فإنَّ أيَّ إنسانٍ يجوع لأيامٍ طويلةٍ يُهلوس، ويهوِّس، ويرى مثل هذه الأشياء؛ لكنهم يعتقدون أنها كشوفات إلهيَّة، وتجليات ربانيَّة، والعياذ بالله.
'الثاني: ترك الاختيار، وإفناؤه -أي: يفني نفسه، وينسى نفسه- في اختيار شيخ مأمون ليختار له ما يصلحه فإنَّه - أي: المريد - مثل الطفل، والصبي الذي لم يبلغ مبلغ الرجال، أو السفيه المبذِّر، وكل هؤلاء لابد لهم مِن وصيٍّ، أو وليٍّ، أو قاضٍ، أو سلطان يتولى أمرهم'.
أقول: المريد يكون بمثل هذه الحالة، ولذلك قلت: إن الإنسان يخلع عقله، ويخلع علمه، ويخلع كلَّ شيءٍ عندما يريد أن يدخل إلى عالم الصوفية، يسلِّم كلَّ شيءٍ للشيخ، ولا يعترض عليه بأي شيءٍ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/73)
'الطريق الثالث: يقول من الطرق: طريقة الجنيد قدَّس الله روحه، وهو خلال شرائط: دوام الوضوء، ودوام الصوم، ودوام السكوت، ودوام الخلوة، ودوام الذكر وهو قول: لا إله إلا الله، ودوام ربط القلب بالشيخ، واستفادة علم الواقعات منه بفناء تصرفه في تصرف الشيخ، ودوام نفي الخواطر، ودوام ترك الاعتراض على الله تعالى في كل ما يرد منه عليه ضراً كان أو نفعاً".
أقول: هذه هي الجبرية المطلقة، والاستكانة المطلقة، ويقول:
" الآن أصبحت منفعلاً لما تختاره مني ففعلي كله طاعات
يجلس وما يتصرف فيه الله فهو الفعل، وهو الطاعة '.
وكما قلنا هذا في حال الخلوة، وقد ترك الجمعة، والجماعة، والعبادات.
إلى أن يقول:
' وترك السؤال عنه مِن جنة، أو تعوذ من نار'.
أقول: معنى هذا أنه يُحذِّر في هذه الحالة أن يسأل الله الجنة، أو يتعوذ به من النار، وانظروا إلى هذا الربط بما ذكره محمد علوي مالكي في كلامه ونقولاته السابقة، وما ذكرناه هناك من أنَّهم لا يسألون الله الجنة، ولا يستعيذون به من النار، ويعتبرون أنهم لو سألوا الله الجنة في تلك اللحظة، والاستعاذة به من النار: تفرق جمعيته - يعني: تشتت قلبه - ولا يمكن أن يعود إلا بأن يبدأ الخلوة مِن أولها، ويبدأ الأذكار من أولها حتى يجتمع قلبه على المحبوب وحده فقط، فلا ينظر إلى جنَّة، ولا إلى نار، ولا لأيِّ شيءٍ كان.
وإلى هنا هذا هو مقام المشاهدة.
يُحذِّرنا الغزالي يقول: إن الإنسان عندما ينتقل من مقام المشاهدة إلى مقام المكاشفة تبدأ الصور تظهر أمامه فيقول له: كيف تفرق بين الصورة؟ كيف تعرف حقائقها؟
يقول: 'والفرق بين الوجودي والنفسي والشيطاني في مقام المشاهدة أن الوجود شديد الظلمة في الأول - يعني: ترى الشيء مظلماً جدّاً - فإذا صفا قليلاً تشكَّل قُدَّامك بشكل الغيم الأسود، فإذا كان هذا المتشكِّلُ عرشَ الشيطان كان أحمر، فإذا صلح وفنيت الحظوظ منه، وبقي الحقوق صفا وابيضَّ مثل المزن وهذا هو الوجود.
والنفس إذا بدَت فلونها لون السماء، وهي الزرقة، ولها لَذَعان كلذعان الماء من أصل الينبوع؛ فإذا كانت عرشَ الشيطان - أي: النفْس -: فكأنها عينٌ مِن ظلمةٍ ونارٍ، ويكون لذعها أقل، فإنَّ الشيطان لا خير فيه، وفيضان النَّفس عن الوجود، وتربيته منها، فإن صفَت وزكت: أفاضت عليه الخير وما نبت منه، وإن أفاضت عليه الشر: فكذلك ينبت منه الشر'.
أقول: عرفنا الوجود، وعرفنا النفس، فكيف نعرف الشيطان؟
ومن يريدها في الخلوة في حالة الانتقال من مقام المشاهدة إلى مقام المكاشفة كيف يرى الشيطان ويعرفه؟
يقول: 'الشيطان نار غير صافية، ممتزجة بظلمات الكفر، في هيئة عظيمة، وقد يتشكل قُدَّامك كأنَّه زنجي طويل ذو هيبة يسعى كأنه يطلب الدخول فيك، فإذا طلبت منه الانفكاك فقل في قلبك: يا غياث المستغيثين أغثنا؛ فإنه يفر عنك'.
في هذه المرحلة -أي التخلص مِن النفس، ومِن الوجود- يلتحم بالوجود الكلي -المطلق عندهم- ومن الشيطان الذي يأتيه -كما يقول- في صورة زنجي أسود طويل يريد أن يدخل فيه.
هذه المرحلة -مقام المشاهدة- تعرض للمريدين، ويرون هذه الصور، ويرون هذه الخيالات، وما هي إلا بعض مِن خرافاتهم، ثم ينتقلوا مِن مقام المشاهدة إلى مقام المكاشفة، والتي بعدها يروْن الرسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويرون الله، ويروْن الحقائق كلها، لكن -على كل حال- مَن لم يمر بهذا الشيء: فلا يمكن أن يحصل له ذلك.
والآن ننتقل إلى الطريق الأخير عندهم وهو الشطحات:
عندما ينتقل الإنسان إلى مقام المكاشفة، أو يتعمق في الكرامات والكشوفات: يصل إلى درجة الشطحات.
يقول الغزالي في الإحياء [2/ 19]: 'العارفون بعد العروج إلى سماء الحقيقة اتفقوا على أنهم لم يروا في الوجود إلا الواحد الحق - يعني: الله فقط! ليس في الوجود إلا هو - لكنَّ منهم من كان له هذه الحالة عرفاناً علميّاً، ومنهم من صار له ذوقاً وحالاً وانتفت عنهم الكثرة بالكلية، واستغرقوا بالفردانية المحضة، واستهوت فيها عقولهم؛ فصاروا كالمبهوتين فيه، ولم يبقَ فيهم متسعٌ لذكر غير الله، ولا لذكر أنفسهم أيضاً فلم يبق عندهم إلا الله؛ فسكِروا سكراً وقع دونه سلطان عقولهم، فقال بعضهم: أنا الحق -كالحلاج - وقال الآخر: سبحاني ما أعظم شأني -كأبي يزيد البسطامي مثلاً- وقال الآخر: ما في الجبة إلا الله،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/74)
وكلام العشاق في حال السُّكر يُطوى ولا يحكى، فلما خفَّ عنهم سكرهم، وردوا إلى سلطان العقل الذي هو ميزان الله في أرضه: عرفوا أن ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد، بل يشبه الاتحاد' اهـ.
أقول: نحن نقرأ أن بعض الصوفية يقول: إن الحلاج استحق القتل! لماذا؟ يقول: لأنه باح بالسرِّ قبل أن يصل إلى الدرجة العليا، مع العلم أن الحلاج لم يصل إلى حقيقة الاتحاد عندهم! بل رأى عوارض، وبوارق كما يسمونها، فقال: أنا الحق، فهو يستحق القتل في نظرهم لا لزندقته، ولا لدعوى أنه هو الحق؛ لكن يقولون: لأنه لم يصل بعدُ، صرَّح وباح بالسر قبل أن يصل بعد، والغزالي يقول: هؤلاء لم تحصل لهم حقيقة الاتحاد بل هذا يشبه الاتحاد.
ونتابع كلامه، يقول: 'مثل قول العاشق في حال فرض العشق.
أنا مَن أهوى ومَن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا
وهذا من نداءات الحلاج؛ فلا يبعد أن يفجأ الإنسان مرآةٌ فينظر فيها، ولم ير المرآة قط، فيظن أن الصورة التي رآها في المرآة هي صورة المرآة متحدة بها'
أي: يشبِّه رؤيتهم لله كإنسانٍ ينظر في مرآة فنسي المرآة، وظن أن الصورة التي رآها أمامه هي عين الشيء المرئي بينما هو في الحقيقة مجرد مرآة، ويقول: إن بعض العارفين لم يصل إلى درجة الاتحاد، ولكن يظن أنَّه وصل إليها؛ وإنما هي كالمرآة.
يقول: أو مَن يرى الخمرة في الزجاج فيظن أن الخمرة لون الزجاج فإذا صار ذلك عنده مألوفاً، ورسخ فيه قدمه واستغرقه فيه فقال:
رق الزجاج وراقت الخمر وتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قَدَح وكأنما قدَح ولا خمر
واستشهاد الصوفية بأبيات الخمر، والعشق، والغزل، والنهود، والقدود، والخدود، هذا أمرٌ لا يحتاج إلى تنبيه؛ لأنه دائمٌ عندهم!!
يقول: ' فرقٌ بين أن يقال: الخمر قَدَح، وبين أن يقال: كأنَّه قدح '.
أي: أنَّه فرق أن يقول: رأى الله، أو كأنه رأى الله وتجلَّى له.
ويقول: 'وهذه الحالة إذا غلبت سمِّيت بالإضافة إلى صاحب الحال: [فناء]، بل [فناء الفناء]؛ لأنه فنيَ عن نفسه، وفني عن فنائه؛ فإنه ليس يشعر بنفسه في تلك الحال، ولا بعد شعوره بنفسه، ولو شعر بعدم شعوره بنفسه؛ لكان قد شعر بنفسه، وتُسمَّى هذه الحال بالإضافة إلى المستغرق فيها بلسان المجاز: [اتحاداً] وبلسان الحقيقة: [توحيدا] '.
أقول: هذا هو توحيد الصوفية، وهو هذه الحالة "حالة الاستغراق" التي تسمَّى بالإضافة إلى المستغرق فيها بلسان المجاز [اتحاداً]- كما يقول الغزالي: إنَّه مجاز فقط - وبلسان الحقيقة: [توحيداً]، وليس مجازاً.
يقول: 'ووراء هذه الحقائق أيضاً أسرار لا يجوز الخوض فيها ' اهـ.
يقول: إنه ما يزال هناك أسرارٌ، وأمور لا يجوز الخوض فيها، ولا يجوز ذكرها؛ لأنَّه لو ذكرها هو، أو غيره: ربما كان مصيره مصير الحلاج مِن القتل، ومِن الإعدام.
هذا عرضٌ سريعٌ لهذا الكاتب المتقدم -وهو الغزالي - لدرجات، أو أركان الطريق عند الصوفية ابتداء مِن الشيخ، والخلوة، ثم المشاهدات، ثم المكاشفات، وأخيراً الشطحات!! وبعد ذلك يصبح الإنسان عندهم مِن رجال الغيب.
6 - القطب الأعظم عند الصوفية
رجال الغيب هؤلاء هم -كما يزعمون-: الأولياء وهم الذين يتصرفون في الكون، ويتحكمون في كل صغيرة وكبيرة؛ كما سيأتي في النماذج التي سوف نذكرها عنهم إن شاء الله.
أعظم رجال الغيب عند الصوفية هو: القطب الأعظم، أو قطب الوجود، أو الغوث الأعظم، أو واحد الزمان، وهذه أسماء متقاربة.
هناك حقيقة فلسفيَّة ثابتة، وأكثر الباحثين المعاصرين ذكروها ونقلوها، ومن قبلهم وهي: أنَّ أصل فكرة القطب الأعظم عند الصوفية هي العقل المطلق عند أفلاطون، وأفلاطون كما ذكر سيد قطب -رحمه الله- في خصائص التصور الإسلامي في فصل الواقعية نقلاً عن العقاد -كما أظن- وقد ذكرها في صفحة [166]، والعقاد ذكر ذلك في عقائد المفكرين.
المهم من ذلك أن أفلاطون يقول: 'إن الله كامل، ولا يصدر عنه الشر، والعالم ناقص، والشر فيه كثير، ولا يليق بالكامل أن يفكر في الناقص، ولا يليق بالله أن يكون هذا الشر منه؛ فلابد من تقدير واسطة بين الله والعالم؛ تكون هي المتصرفة في الكون، وهي المفكرة فيه، المشتغلة بأمره، وتكون الشرور، ومصدر الشرور منها، وتكون تفكيرها في هذه الشرور' ولا ننسب هذه الشرور إلى الله بزعمهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/75)
فالصوفية أخذوا هذه الفكرة مِن أفلاطون، ولا تستغربوا عندما أقول: أخذوها من أفلاطون؛ بينما أنا أقول: إن أصل التصوف هندي؛ لأنَّ البيروني نفسه ذكر هذا، وهذا معروف أيضا في تاريخ الفكر الأوروبي؛ فاليونان لم يكونوا يملكون فكراً فلسفيّاً، وإنَّما كانوا يقتبسون مِن الهند، والجنس الآري: يجمع الأوروبيين بالهنود في جنس واحد، ثم لما وُجدت لهم فلسفاتهم -أفلاطون، وأرسطو، وأمثالهم- استغنوا، وانفصلوا عن الهنود في حين أن أرسطو، وأفلاطون يُعتبروا متأخرين، بينما فلاسفة الهنود كانوا قبل آلاف السنين قبل الميلاد.
والحاصل: أن هذا العقل المطلق عند أفلاطون سماه الصوفية: [القطب الأعظم] أو [واحد الزمان]، أو [الغوث الأكبر]، أو نحو ذلك، ويقولون - كما في طبقات الشعراني [1/ 173]- يقول: ' لو لم يصبح واحد الزمان يتوجه في أمر الخلائق مِن البشر لفاجأهم أمرُ الله عز وجل فأهلكهم 'اهـ.
يقول: إن مهمة القطب هذا أنه لو كان أمر الله يأتي البشر مباشرة؛ بأن يأمر الله أن هذا يحيا، وهذا يموت، وهكذا -مباشرة- فلن يتحمل البشر، وسيفاجأهم الأمر، يهلكهم، فيحتاج الله - والعياذ بالله - إلى واسطة يتلقَّى الأمر، ثم هو ينفذه في الكون، وهو الغوث، وهو واحد الزمان، أو القطب الأعظم، ويقولون: "لو أنَّ المدد الحقيقي ورد في هذا العالم مِن عارفيْن على السواء لسرى في قلوب الآخذين -أي: المتلقين للمدد- الشرك الخفي".
يعني: لابد أن يكون القطب واحداً، ولذلك فالرفاعي الذي ذكرتُه لكم تعيينه قطباً، يقول: حتى النَّبيين سلَّموا له، والصديقين كلهم، والأبدال جميعاً، والنجباء، والنقباء كلهم سلَّموا له؛ لأنَّه لابد أن يكون واحداً، لماذا؟ قالوا: لو كانوا اثنين ربما يدخل الناس في الشرك!!
سبحان الله! كأن الصوفية يحاربون الشرك، قالوا: لابد أن يكون القطب الواسطة بين الله والخلق، المتصرف في الأكوان: واحداً!
والعجيب: أنَّ كل طائفة مِن طوائف الصوفية تدَّعي القطبيَّة العظمى لشيخها فقط دون مَن سواه، وبذلك فرَّقوا الأمة ومزقوها.
والغريب: أنَّ الرفاعي، والقادري كانا متعاصريْن، فإذا كان القطب واحداً فأيهما كان هو المتصرف في الكون؟!
نتركه لكلام الصوفية، ولهؤلاء الخرافيين الذين يقولون: نحن أهل السنة والجماعة، نفرق الأمة عندما نقول: اتركوا هذه الخرافات!! فماذا يكون جوابهم عن وجود قطبين في وقت واحد؟ الله أعلم.
المهم: أن بعضهم -أيضاً- يدَّعي أنَّه أعلى مِن درجة القطبية، فمثلاً: أحمد الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية يدَّعي ذلك، فقد نقل عنه الشعراني أنَّه قال له أحد تلاميذه: يا سيِّدي أنت القطب؟ فقال: نزِّه شيخك عن القطبيَّة، فقال: وأنت الغوث؟ فقال: نزَّه شيخك عن الغوثيَّة!!
ويعلِّق الشعراني على هذا قائلا: قلت: 'وفي هذا دليل على أنَّه تعدَّى المقامات، والأطوار؛ لأنَّ القطبيَّة، والغوثيَّة مقامٌ معلومٌ، ومن كان مع الله وبالله فلا يُعلم له مقام، وإن كان له في كلِّ مقامٍ مقالٌ والله أعلم' اهـ.
يقول: إنَّ الصوفية متفقون على أنَّه ليس بعد القطبية إلا الألوهية، وفيما أعلم أنه ليس هناك عندهم خلاف في هذا، فدرجة القطب أعلى درجة، وليس هناك مقام أعلى مِن مقام القطبيَّة.
إذاً: فهذا يتفق مع دعواهم الاتحاد بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أو حلول الله فيهم، أو وحدة الوجود، أي: أنه ليس بعد درجة القطبية إلا أن يكون في درجة الألوهية فيتحد بالله؛ فكأنَّه هو الله!! وليس هذا غريباً بعد أن سمعنا ما سمعنا من كلامهم، ونعلم جميعاً ما صرَّحوا به من قولهم: أنا الله! وما في الجبة إلا الله! وقول ابن عربي:
العبد رب والرب عبد
فهذا كله جائز.
أعمال القطب الأعظم عند الصوفية
بقيَ أن نتحدث عن بعض أعمال القطب الأعظم، غير تصرفه في الكون! وإنقاذه الملهوفين وإغاثتهم! مما سيأتي ذكره في الكرامات.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/76)
فمِن أعظم أعمال القطب الأعظم: التشريع، فهو يشرِّع لهم الأذكار، والأوراد، والأدعية، ثم يستعملونها وهي -كما يزعمون- ترفع المريدين إلى الملأ الأعلى، وتوصلهم إلى العرش، بالقوة الروحانيَّة! كما في كتاب -وهو مطبوع- أوراد الرفاعية، وأيضاً الأوراد الشاذلية تقرأ فيها أن لهذا الذكر قوة روحانية عظمى دافعة ... إلخ، هذه القوة الروحانية -في زعمهم- تجعل الذاكر المريد يرى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقظة، بل تجعله يرى الله تعالى بزعمهم!!
ونختار من هذه التشريعات قضيتين كانتا مما ناقش وجعجع حولها الرفاعي -وتعرض لها أصحابه أيضاً- وهي قضية صلاة الفاتح، والقضية الثانية: قضية التوحيد والوحدة.
صلاة الفاتح ذكَر نصَّها الرفاعي في صفحة [67] مِن "ردِّه"، وهي: "اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيِّدنا محمَّد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، وناصر الحق بالحق، الهادي إلى صراطك المستقيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى آله حق قدره، ومقداره العظيم". 37
وأعرف ممن هداهم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ممن كان في جانبهم مَن أحضرها لي، وذكر لي كم يقولونَها مِن مَرَّات، وماذا يحصل نتيجة هذه القراءة، وأيضاً هناك مصدر وثيق موجود وهو كتاب التيجانية فقد ذكَر هذه الصلاة، وتعرَّض لها.
والذي يهمُّنا هنا هو أنها من أعمال القطب، قول الرفاعي -نقلاً عن القسطلاني -: ' إن هذه الصلاة أنفاسٌ رحمانيَّة، وعوارف صمدانيَّة -أي: كأنها مِن أنفاس الرحمن، ومن عوارف الصمد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لقطب دائرة الوجود، وبدر أساتذة الشهود، تاج العارفين، سيِّدنا، وأستاذنا، ومولانا الشيخ محمد بن أبي الحسن البكري ' 38 إلخ.
مادام أن هذا القطب البكري هو الذي وضعها، وهو الذي كتبها: فهي أنفاس رحمانية، وعوارف صمدانية، ولا يحق لأحدٍ أن يعترض عليها على الإطلاق، والتيجانية أخذوها لأنها عن هذا القطب.
ويقول مؤلف كتاب التيجانية صفحة (116): ' قال مؤلف جواهر المعاني: ثم أمرني بالرجوع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى صلاة الفاتح لما أُغلق، فلما أمرني بالرجوع إليها سألته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن فضلها؛ فأخبرني أولاً بأنَّ المرة الواحدة منها تعدل مِن القرآن ست مرات!! '
أي: الذي يقرأ هذه الصلاة مرة واحدة كأنه قرأ القرآن ست مرات! لاحظوا مَن الذي يزدري كتاب الله، ويحتقره، وبالتالي يحتقر رسول الله ويكرهه ولا يحبه؟
' ثم أخبرني ثانياً: أن المرة الواحدة منها تعدل مِن كل تسبيحٍ وقع في الكون، ومِن كلِّ ذكرٍ، ومِن كل دعاءٍ كبيرٍ أو صغيرٍ، ومن القرآن: ستة آلاف مرة؛ لأنَّه مِن الأذكار أي: القرآن.
ثم ذكر أيضاً في [1/ 117]: ' إنهم يعتقدون أنها مِن كلام الله، وفى ذلك يقول مؤلف الرماح إنَّ مِن شروط هذه الصلاة: أنْ يعتقد أنَّها مِن كلام الله '، وهاشم الرفاعي نفسه في "ردِّه" ينقل أنَّها أنفاس رحمانية مِن أنفاس الرحمن.
إذاً: هذا يؤيد ما قلناه مِن أن القطب عندهم له درجة الألوهية حتى أنَّه يشرِّع هذه الأشياء، ويقول: إنَّها مِن الله، وأنَّ على الذاكر أن يعتقد أنَّها مِن كلام الله.
ويقول أيضاً مؤلف التيجانية: ' وقال أيضاً مؤلف حلية المستفيد: مع اعتقاد المصلي أنها ليست من تأليف البكري، ولا غيره، لأنها وردت من الحضرة القدسية، مكتوبة بقلم القدرة في صحيفة نورانية.
هذه هي صلاة الفاتح، وهذه قيمتها عندهم، وهي أيضاً مِن كلام الله عند الصوفية ولها هذه المنزلة.
وفي صفحة [110] مِن الذخائر يذكر محمد علوي مالكي هذه الصلاة ويشرحها.
فهذا رفاعي على الطريقة الرفاعية، وهذا تيجاني على الطريقة التيجانية، والمالكي طريقته -أظن- على الطريقة الحسينيَّة العربيَّة في مصر.
فالطرق تختلف لكنهم يتفقون كلهم على هذه الصلاة التي يقولون فيها: إنَّ مَن ذكرها، وقرأَ بها فإنها أفضل مِن القرآن ستَّة آلاف مرة، فهل بعد ذلك من كفرٍ، وهل فوق هذا من شرك؟
أقول: هذا فيما يتعلق بقضية صلاة الفاتح، والقضية الأخرى التي من تشريعات الأقطاب أو من كلام الأقطاب قضية: الوحدة والتوحيد.
الوحدة والتوحيد
العبارة التي يقولها الصوفية وهى: "اللهم اقذف بي على الباطل فأدمغه، وزُجَّني في بحار الأحدية! وانشلني من أوحال التوحيد! ".
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/77)
يقول الرفاعي في شرح هذه العبارة -مهاجماً الشيخ ابن منيع لأنه هاجمها-: ' فنحن نقول لشرح معنى هذه العبارة التي التبست عليهم -يعني: على العلماء في المملكة -[وزُجَّني في بحار الأحدية، وانشلني من أوحال التوحيد] إن التوحيد لغةً: الحكم بأنَّ الشيء واحد، والعلم بأنه واحد، والتوحيد شرعاً: إفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته، والتصديق به ذاتاً، وصفاتاً، وأفعالاً'.
ثم يقول: 'والتوحيد في اصطلاح أهل الحقيقة مِن الصوفية: تجريد الذات الإلهية عن كل ما يتصور في الأفهام، ويخيل في الأذهان، والأوهام!! ' انتهى كلام الرفاعي.
إذاً: نقول: أنت الآن تفرق بين التوحيد عند الصوفية، وبين التوحيد شرعاً، كما هو نص كلامك: التوحيد شرعاً: هو إفراد المعبود بالعبادة، والتوحيد عند أهل الحقيقة: هو تجريد الذات الإلهية ... إلى آخره.
فهذه هي القضية، أنهم يفرِّقون بين الشريعة، وبين الحقيقة، فنحن أهل السنة والجماعة أهل شرع، واتِّباع، ولا يمكن للواحد منَّا أن يدعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يخرجه عن التوحيد -والعياذ بالله- لأنَّه مادام التوحيد هو إفراد الله بالعبادة في الشرع -كما يذكر هو أيضاً باعترافه-: فنحن ندعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يثبِّتنا على التوحيد، وأن يميتنا موحِّدين، ويبعثنا موحِّدين.
لكن الصوفية لما كان عندهم علم الحقيقة، والتوحيد في عرف الحقيقة وفى اصطلاح الحقيقة شيء آخر: فهُم يدعون الله تعالى ليل نهار أن يخرجهم من التوحيد الذي هو توحيد أهل الشريعة.
ويقول: نحن لا نقصد الخروج من التوحيد بمصطلحنا، أو مصطلح الحقيقة؟
لا، إنما يخرجنا من التوحيد بمصطلحكم أنتم يا أهل الشريعة؛ ليلقيه في بحار الأحدية التي ليس فيها أوهام ولا تخيلات في الأذهان، بل هي كما يعبِّر عنها ويقول: هي التوحيد، وهي حقيقة التحقيق لمعرفة كمال وجمال وجلال الأحدية ... إلخ.
إذاً: نقول لهؤلاء: باعترافكم هذا، ومن كلامكم هذا ماذا تقولون؟
هل كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على التوحيد الذي عرَّفتموه بأنه التوحيد شرعاً؟
أو على الأحدية التي تريدون أن ينتشلكم الله إليها، ويزج بكم في بحارها؟
نسألكم، ونقول لكم: الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما أرسل معاذاً إلى اليمن، وقال له -كما في الروايات الصحيحة في البخاري [39] {فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله} الكلام لا يخلو من أمرين: إما أن يكون الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاهلاً -وحاشاه من ذلك- بأن فوق التوحيد درجة عليا هي درجة الأحدية هذه، ولذلك أرسل معاذاً بالدرجة التي يعلمها فقط، وهي التوحيد دون درجة الأحدية؛ حتى جاء أصحاب الكشف والفيض الأفلاطوني، والذوق، والتيجاني في القرون المتأخرة، أو البكري ووضعوا مثل هذه الأفكار والأدعية التي تُعلِّم الناس التوحيد، وحقيقة التوحيد؟
وإما أن تقولوا: إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِم التوحيد الشرعي وعلَّم أمته؛ لكن هذا التوحيد هو عين الشرك! وعلَّم الأمة في الجملة عين الشرك، وكتَم التوحيد الحقيقي الذي هو الأحدية! وهذا -والعياذ بالله- اتهام للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحاشاه أن يكتم شيئاً مما علمه الله.
أو تقولوا كلاماً آخر: وهو أن النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّم توحيد الشريعة للعامة، وعلَّم الأحدية للخاصة، ربما يكون هذا مِن أقوالكم؛ فاختاروا ما شئتم وكلها لا زمة لكم مهما تنصلتم.
والمضحك فعلاً: أن الرفاعي عندما يدافع عن هذه العبارة يقول: هذه لا غبار عليها، لا تنكروا علينا أننا ندعو الله أن ينشلنا مِن التوحيد إلى الوحدة فهذا هو الصحيح!!
إذاً أنت تدعو الله أن ينتشلك من التوحيد الذي هو إفراد المعبود شرعاً، أو ينتشلك من التوحيد الذي عرَّفته أنه توحيد الحقيقة؟ فسواء هذا أو هذا فأنت تدعو الله أن ينتشلك منه، إما توحيد أهل الشريعة، وإما توحيد أهل الحقيقة، فتدعو الله أن ينتشلك من التوحيد، على أي التعريفين تعريف أهل الشريعة، أو الحقيقة.
ولهذا أقول: إن الرجل لا يعي ما يقول، لكن مِن المؤكد أن الأقطاب الذين وضعوا هذه العبارة يعون ذلك جيداً، ويفهمون دلالتها، وأنَّه ينتشلهم من هذا ومن ذاك ليتحقق لهم وحدة الوجود التي هي عندهم عين الأحدية.
رجال الغيب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/78)
ننتقل الآن للحديث عن رجال الغيب، ويوجد لدينا عندنا مرجع صاحبه كأنه معاصر وهو النبهاني / [40] توفى سنة (1350هـ).
وحتى لا يقولوا هذه أفكار قديمة -كما يقول بعض الناس- وعفا عليها الزمن، لا، فالنبهاني توفى عام (1350هـ)، وتلاميذه مازالوا موجودين، ومنهم: هؤلاء القوم.
يقول: ' إن رجال الغيب كثيرون، ومنهم رضي الله عنهم "النقباء"، وهم اثنا عشر نقيباً في كل زمان لا يزيدون، ولا ينقصون، ومنهم رضي الله عنهم "النجباء"، وهم ثمانية في كل زمان لا يزيدون، ولا ينقصون، ومنهم رضي الله عنهم "الحواريون"، وهو واحد في كل زمان لا يكون فيه اثنان، فإذا مات ذلك الواحد: أقيم غيره، ومنهم رضي الله عنهم "الرجبيون"، وسموا رجبيين لأن حال هذا المقام لا يكون لهم إلا في شهر رجب، ومنهم رضي الله عنهم "الأبدال"، وهم سبعة لا يزيدون، ولا ينقصون يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة!! '
أقول: كما سبق أن قلنا: إن الله عز وجل عند الصوفية لا يتصرف في الكون إلا بواسطة، فالأقاليم السبعة على الجغرافيا القديمة التي كانت قبل ألف سنة، وضع الصوفية سبعة رجال مِن الأبدال كلٌّ منهم يحفظ إقليمه، ويتصرف فيه.
ويقول: 'منهم رضي الله عنهم "الختم"، وهو واحدٌ لا في كل زمان، بل هو واحد في العالم، يختم الله به الولاية المحمدية ' قول: خاتم الأولياء واحد، ولذلك ابن عربي و [41] ابن سبعين، وأحمد التيجاني، ومحمود محمد طه، كلٌّ منهم يدَّعي، ويحرص أن يكون هو خاتم الولاية؛ كما يدَّعي كذابو الشيعة، وغيرهم: أنَّ كلاًّ منهم هو المهدي المنتظر.
يقول: ' ومنهم رضي الله عنهم ثلاثمائة نفس على قلب آدم عليه السلام، ومنهم رضي الله عنهم أربعون نفساً على قلب نوح عليه السلام، ومنهم رضي الله عنهم سبعة على قلب الخليل عليه السلام '.
أقول: سبق أن ذكرنا لكم مِن أن حرصهم على تعظيم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما هو تعظيمٌ لأنفسهم؛ لأنهم يقولون: إن رجال الغيب منهم مَن يصل إلى أن يكون على قلب فلان مِن الأنبياء؛ فهو كالنَّبيِّ، وأسقطوا الفرق بين البشر العاديين وبين الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، بل وبين الملائكة أيضاً.
يقول النبهاني: ' ومنهم رضي الله عنهم خمسة على قلب جبريل عليه السلام، ومنهم رضي الله عنهم ثلاثة على قلب ميكائيل عليه السلام، ومنهم رضي الله عنهم واحد على قلب إسرافيل عليه السلام، ومنهم رضي الله عنهم ثمانية عشر نفساً أيضاً هم الظاهر بأمر الله عن أمر الله، ومنهم رضي الله عنهم ثمانية رجال يقال لهم "رجال القوة الإلهيَّة"، ومنهم رضي الله عنهم خمسة عشر نفساً، هم "رجال الحنان والعطف الإلهي"!! ' أقول: هل قوة الله تعالى وحنانه، أو رحمته تكون عن طريق هؤلاء بزعمهم؟!
قال: ' ومنهم رضي الله عنهم أربعةٌ وعشرون نفساً في كل زمان يسمَّون "رجال الفتح"، ومنهم رضي الله عنهم واحد وعشرون نفساً، وهم "رجال التحت السفلي"، ومنهم رضي الله عنهم ثلاثة أنفس، وهم "رجال الإمداد الإلهي والكوني"، ومنهم رضي الله عنهم ثلاثة أنفس "إلاهيون، رحمانيون" في كل زمان، ومنهم رضي الله عنهم رجل واحد وقد تكون امرأة في كل زمان، ومنهم رضي الله عنهم رجلٌ واحدٌ مركَّبٌ ممتزج في كل زمان لا يوجد غيره في مقامه، وهو يشبه عيسى عليه السلام متولِّدٌ بين الروح والبشر، لا يُعرف له أبٌ بشري، كما يحكى عن بلقيس أنها تولدت بين الجنِّ والإنس، فهو مركَّب بين جنسين مختلفين، وهو "رجل البرزخ، به يحفظ الله تعالى البرزخ .. 'إلى آخر كلامه.
انظروا ترتيب هؤلاء الرجال، وانظروا تصنيفهم، أعدادهم، لماذا كانوا بهذا الشكل، ثم هذا الأخير الذي يشبه عيسى عليه السلام، أليس هذا يصدِّق بأن أصل الصوفية، أو مِن أصولها النصرانية التي هي في الأصل منقولة عن النصرانية، نقلها شاؤل اليهودي، فهي في الأصل دسيسة يهودية نقلت من النصرانية ديانة وثنية شرقية إلى النصارى، ثم أخذها هؤلاء عن طريق النصارى؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/79)
وهذا يؤكد ما هو معروف مِن أنَّ أول مَن وضع ما يسمُّونه [خانقاه]، أو [الرباط] للصوفية هو أحد أمراء "الرملة" النصارى في فلسطين، هو الذي وضع لهم [الخانقاه] هذا أو [الرباط]، ثم انتشرت الأربطة فيما بعد، وهذا الكلام - وهو أنَّ أول مَن بنى الرباط هو أمير نصراني في الرملة -: نقله عبد الرحمن الجاني في كتابه نفحات الأنس صفحة 34، ونقله الدكتور طلعت غنام صفحة 64 في كتاب جهلة الصوفية وعبد الرحمن الجاني يعد مِن الصوفية الذين يقولون بوحدة الوجود، عاش في نهاية القرن التاسع، وله كتاب في وحدة الوجود طبعه الطابعون في مصر مع أساس التقديس للرازي لأنَّ القوم أشاعرة، وصوفية؛ فطبعوا أساس التقديس -كتاب الأشاعرة - وطبعوا معه رسالة الجواهر أو الدرر لعبد الرحمن الجاني في وحدة الوجود، وترجم له الزركلي في الأعلام.
والحديث عن هؤلاء الرجال طويل جداً، ولا أستطيع أن أتحدث عنه بالتفصيل بقدر ما أحاول -إن شاء الله- أن أنقل كثيراً مما نُسب إليهم مِن كرامات، وشركيَّات، وتعلقات بهم، إنما هناك قضية خطيرة ينبغي لي أن أنبِّه عليها وهي تجمع هؤلاء الرجال جميعاً، وتعطينا وصفاً لهم.
هذه القضية: أنَّ رجال الغيب عند الصوفية الموصوفين بهذه الصفات، هم يعيشون بين الناس، وهم رجال مِن البشر، يعيشون بيننا، منهم المعروف، ومنهم المجهول، ومنهم الظاهر للناس، ومنهم المستتر عنهم، بحيث إنَّه يراهم، وهم لا يرونه، ويكاشف متى شاء!! أي: هذه الصفة مشتركة بين هؤلاء الرجال، ولذلك تجد الصوفية -حتى من العوام وغيرهم- يقولون: "فلان يمكن أن يكون ولياً"، "ويمكن أن يكون مِن رجال الغيب فلا تتعرض له ولا تكلمه"!!
كيف وبأي دليل يستدلون على هذا؟!
هنا القضية، وهي: أن هؤلاء الرجال مخالفون في سيرتهم، وفي أحوالهم للشريعة، ولمألوفِ النَّاس، فلا تتصور رجلاً مقيماً في مكان يدرس سنَّة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو عالم مِن العلماء مشتغل بالتفسير، أو بالحديث، أو بالسنَّة أو بالدعوة، أو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بالجهاد.
لا تتصور أن الصوفية يعتقدون أنَّ هذا مِن رجال الغيب، لا ليس هذا أبداً، القضية: أن هذا الرجل ينبغي أن يكون كما يسمونه "بهلولاً"، "مجذوباً"، يقع على المزابل، يلتقط من القاذورات، ورأينا نماذج مِن هؤلاء في الحرم مِن أقذر الناس، شعورُهم نافرة، وأظافرهم طويلة، وهكذا نجد أشكالاً غريبة جدّاً، خارجة عن المألوف، ويقال: هؤلاء هم "الأولياء"، ربما يكون هذا هو "القطب الأعظم" الذي يدير الكون كلَّه وأنت لا تدري!! وربما يكون مِن "رجال الغوث"، ربما يكون مِن "النجباء"، وربما يكون مِن "الرجبيين"، وربما يكون مِن "الرحمانيين"، وربما يكون على قلب نوح، أو الخليل، وأنت لا تدري!
7 - الأولياء وكيفية عبادتهم
وهنا خطورة كبرى، ومطب كبير أفسدتْ به الصوفية دينَ المسلمين، بل إن سرَّ التصوف يكمُن تحت مثل هذه الأمور.
فلو رجعنا إلى مرجع قديم من مراجع الصوفية، وهو كتاب أبي عبد الرحمن السلمي، من كبار الصوفية المعروفين، مؤلف التفسير الإشاري وحقائق التنزيل كتب كتاباً عن الملامية، أو الملامتية: وهم فرقة الصوفية في المشرق، وهم مِن أوائل الزنادقة الذين أسَّسوا هذه الفكرة، وهي فكرة أن الأولياء مخالفون لظواهر الشرع، ومخالفون لأحوال الناس.
ويقول عن هؤلاء الملامية أو الملامتية، في صفحة [98] مِن كتابه الملامتية، الذي حققه أبو العلا عفيفي، طبع في مصر سنة (1364هـ)، يقول: ' إنَّهم رأوا التديَّن بشيءٍ مِن العبادات في الظواهر شِركاً والتزيَّن بشيء مِن الأحوال في الباطن ارتداداً' يقولون: إن مَن يُظهر شيئاً مِن الطاعات، أو من العبادات فهذا مشرك، وإذا أسرَّ في قلبه شيئاً مِن الأحوال فهو أيضاً مرتد.
ويقولون: إن كلَّ عملٍ وطاعةٍ وقعت عليه رؤيتُك، واستحسنْتَه مِن نفسك فذلك باطل.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/80)
وينقل عن أحدهم، فيقول: ' هم قومٌ قاموا مع الله تعالى على حفظ أوقاتهم، ومراعاة أسرارهم، فلاموا أنفسهم على جميع ما أظهروا مِن أنواع القُرَب، والعبادات، وأظهروا للخلق قبائح ما هم فيه، وكتموا عنهم محاسنَهم، فلامهم الخلْقُ على ظواهرهم، ولاموا هم أنفسهم على ما يعرفون مِن بواطنهم، فأكرمهم الله بكشف الأسرار والاطلاع على أنواع الغيوب، وتصحيح الفِراسة في الخلق، وإظهار الكرامات عليهم!! '.
أي: أن هؤلاء القوم لما أظهروا القبائح -بزعمهم- ازدراءً لأنفسهم، وحتى لا يتعلق بهم النَّاس، وحتى لا يظنوا فيهم أنَّهم أولياء، وهم يريدون أن يكونوا أولياء في الباطن فقط، ولا أحد يعلم بهم، وينزِّهوا عن أنفسهم الرياء، وعن كلام الناس: أظهروا القبائح، وأظهروا المعايب، وأظهروا الشنائع حتى أن منهم مَن كان يأتي الفاحشة في الدواب علانية أمام الناس، ومنهم مَن دخل الحمَّام فسرق لباس أحد النَّاس، ولبسه بحيث يُرى، وخرج في الشارع، وكان الناس يعتقدون فيه الولاية، فلما رأوه أدركوه، وضربوه، وأخذوا الملابس، فقيل له في ذلك، فقال لهم: حتى أسْقط مِن أعينهم، وأبقى في عين الحق!! إلى آخر ما ينسجونه حولهم مِن الحكايات التي يصنعونها -كما يقولون- في تزكية النفس، وتطهيرها.
وهذا الكلام من المعلوم أنه مخالف لقول النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: {من سرَّته حسنتُه، وساءتْه سيئته، فهو المؤمن} فالمؤمن لا يحب ذلك، ولم يؤمر أن يُظهر السيئات والقبائح، لكن القضية أكبر مِن قضية مخالفة هذا الحديث، القضية: أنَّها مخالفة للإسلام، وهدم له، وإيضاح ذلك بشيء مِن التفصيل أن نقول:
إن الزنادقة الذين أنشئوا هذا الدين، وركَّبوه، ونقلوه إلى المسلمين، ولبَّسوا به عليهم، هؤلاء واجهتهم الأمَّة بالإنكار، والرد والتكذيب حتى العوام مِن المسلمين، ودمغوهم بالكفر، والزندقة، وقلَّ أن تجد عالماً مِن كبار الصوفية إلا واتُّهم بالزندقة؛ إمَّا أن يكون قُتل بتهمة الزندقة، أو اتُّهم بها، أو سجن كما سجن ذو النون، وكما اتُّهم الجنيد، وقتل الحلاج، وغيرهم مِن هذا النوع.
واستدل العلماء، والمسلمون بظاهر حالهم هذا المخالف للشرع على خبث الباطن، وعلى خبث الطوية؛ لأنَّه ليس بوسع المسلم أن يرى رجلاً يمشى مكشوف العورة، أو رجلاً يرتكب الفاحشة في البهائم علانية، ويترك الجمع، والجماعات، ويُقر على ذلك؛ فضلاً عن أن يعتقد أن هذا مِن رجال الغيب، أو مِن أولياء الله، لا يمكن هذا أبداً.
فهؤلاء الزنادقة أرادوا أن يخترعوا تقاة، أو تقية، أو خديعة شيطانية، لكي يوقعوا بها النَّاس، ويلبِّسوا بها على المسلمين، فقالوا لهم: هؤلاء القوم أولياء، فوصلت بهم مجاهدة النفس إلى حد استعذاب الأذى في ذات الله تعالى، وإلى استجلاب تهمة الناس لهم، هم يدْعون النَّاس إلى أن يتهموهم، ويلوموهم، ويتكلموا فيهم، ويكرهوهم، ويحتقروهم، هم يريدون بذلك أن يُنقُّوا أنفسهم، بمحبتهم لله، وأن يتجردوا عن الرياء، وعن الشهرة، وأن يسقطوا مِن عين الخلق، ويبقوا في عين الحق -كما يقولون- فهم متعمِّدون في هذا، ويحبون أن يقول النَّاس: إنَّهم زنادقة! مخالفون! ويستمرون على إظهار هذه الأحوال على حد قول الشاعر كما يقولون:
أجد الملامة في هواك لذيذة حبّاً لذكرك فليلمني اللُّوَّم
لكن في الحقيقة أن المسخور منهم، والمستهزأ بهم هم هؤلاء أصحاب الظاهر المغفلون الذين ينتقدون مثل هؤلاء الأولياء، أو يلمزونهم، أو يتكلمون فيهم بدعوى أنهم مخالفون لظاهر الشرع، وهؤلاء شهدوا الحقيقة الكونيَّة، وأدركوا سرَّ القدر، واشتغلوا بإصلاح القلب عن إصلاح الظاهر، واشتغلوا بمحبة الحق عن سماع إنكار الخلق، ويقولون مِن جملة ما يقولون ويتعللون به: إنَّكم أنتم يا أهل الظاهر -الفقهاء، والعلماء، والرسوم- تنكرون علينا أن نترك صلاة الجمعة، وأنتم تكتبون في كتب الفقه: أن مَن خاف ضياع ماله جاز له تركها لأجله، ومَن كان مسافراً، ولو كان مسافراً للدنيا أو للتجارة يجمع المال تسقط عنه صلاة الجمعة، فكيف بالذي في الخلوة مستغرق مع الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وقلبه متعلق بمحبة الله الذي هو أغلى مِن الدنيا كلِّها؟
وتقولون: هذا لا يمكن أن يَترك الجمعة، والجماعات؟
ولا يجوزله أن يعتكف في خلوة، ويترك الجُمُع والجماعات؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/81)
ويقولون: أليس الله تعالى أغلى وأعظم مِن الدرهم والدينار؟
والمجتمِع مع الله أليس هو أعظم ممن هو مجتمِع على قليلٍ مِن المال يخشى أن يضيع منه؛ فيجوز له -عندكم وفي فقهكم- أن يترك الجمعة لأجله؟!
ويقولون: أنتم تقولون: إن الإنسان إذا أغمي عليه؛ فانكشفت عورته فهذا جائز، وقد يكون هذا الإغماء بسبب ضربة شمس، أو لمرضٍ، أو نحوه، فلا حرج عليه أن تكشف عورته.
وتذكرون -أيضاً- في كتبكم يا أهل السنة أن زوج بريرة كان يتبعها في طرقات المدينة، ودموعه تنحدر حبّاً لها، ولم يُحرَّج عليه في ذلك، وكان ذلك في عهد النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [42] لا تُنكرون ذلك؟ وتنكرون على مَن يكون إغماؤه لآية سمعها، أو كشفٍ جَلَّى له الحق فأغمي عليه وكشفت عورته، وأخذ يصرخ ويقول: أنا الحق، أنا الحق، أنا الله، أنا الله!! كيف تُعذرون مَن سقط وتكلَّم بما لا يدري من مرضٍ أو نحوه، وبين مَن لم يسقط إلا حبّاً، ووجداً، وهياماً بالمعبود الحق، وبالحبيب الأعظم، وهو الله تعالى عندهم!!
أقول: رأى الزنادقة أن هذه هي أخطر وسيلة لهدم دين الإسلام، وإبعاد الأوامر والنواهي وإبطالها، وإبطال الجهاد، وإبطال الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واندثار أمر الإسلام بالكلية، والقصص في ذلك كثيرة، منها: ما ذكره شَيْخ الإِسْلامِ، وتحدَّث عنه في كتاب الاستقامة: أن بعضهم كان إذا سمع المؤذن قال له: اسكت يا كلب! لعنك الله! أو نحو ذلك وينهره ويشتمه، وكثيرٌ مِنهم كان يصنع هذا، فإذا قيل له: كيف تقول ذلك؟!
قال: هؤلاء أهل الظاهر يؤذِّن في الظاهر، وهو في الباطن لا يعلم حقيقة التوحيد الذي يقوله عندما يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله"، فإذا نقدهم أحد كيف تقول للمؤذن هذا الكلام؟
يقول: هذا مِن ولايته، هذا مِن فهمه للتوحيد يشتم المؤذن؛ لأنه يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله"، وهو لا يدرك التوحيد ... إلى غير ذلك.
المهم أن هذه طريقة لإسقاط الأوامر والنواهي، فأنت لا تنكر على أي إنسان منهم؛ لأنك لا تدري -في عرفهم، وفي كلامهم- أن هذا المجذوب الذي تراه مطروحاً على المزبلة والناس هناك يصلون؛ ربما أنه لا يفعل هذا إلا تستراً، وإلا فهو قوَّام بالليل، وبكَّاء بالسَّحَر، وأوَّاه منيبٌ في خلوته حين ينقطع عن الخلق وينفرد بالحق.
وما يدريك أنك قد تنكر على رجلٍ سكران في الشارع، وليس بسكران سُكْر خمرٍ إنما هو سُكْر الوله، والمحبة، والوجد، والشوق!!
أيضاً: قد ترى امرأة عارية الشعر والنَّحر تتواجد وتتمايل، فتقول: هذه لاهية، أو راقصة، أو مطربة، وهي وليَّة! مستغرقة في عين الجمع مع الله! أنت ترى جسدها على الأرض، ولكن قلبها في السماء عند الله، أو في العرش!!
ويمكن أن ترى مجنوناً يرغي ويزبد ويطارد الصبيان في الشوارع، وتقول: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به"، أو نحو ذلك، لكن لا تدري -على كلامهم- أنك أنت المبتلى بحجاب الغفلة، هذا عارفٌ مِن العارفين، أو بَدلٌ مِن الأبدال، تستَّر بالجنون حتى لا يُدرى من هو، وتكون هذه الولاية خاصة بينه وبين الله، حتى يلومه النَّاس فيما يفعل؛ فيحصُل له الأجر مِن لومهم.
أقول: إن مثل هذا الكلام هو: تلبيس للحقائق، وإضاعة للمعايير التي نعرف بها الصالح مِن الطالح، والمجنون مِن الصحيح، فتضيع المعايير، ثم تنشر هذه الترهات والخزعبلات بين عامة المسلمين وجهلتهم، خاصة في المناطق النائية في القديم، فماذا يكون رد الفعل عند المسلمين إذا اعتقدوا أن الولي ليس الذي يدرِّس كتاب الله، والصحيحين في المسجد الحرام -مثلاً- أو يجاهد في سبيل الله؟
وإنما الولي: هذا الأشعث الأغبر القذر المنتن، الذي نراه يلتقط القمائم مِن جوار الحرم، ولا يمد يده لأحدٍ لأنَّه متوكلٌ، فيقول: ربما كان هو "القطب الأعظم"! أمَّا هذا الذي يمكث في الحَرَم يُدرِّس البخاري، أو فتح الباري فهذا من علماء الظاهر، ومِن الناس العاديين، وليس مِن "رجال الغيب"، ولا مِن "أهل الحقائق" فهنا الخطورة.
وتحت هذا اللَّبس يذكرون الكرامات، ويذكرون الشركيات الشنيعة، ويدافعون عن ذلك دفاعاً مريراً، وأنا أنقل نصّاً واحداً يبين ذلك من كتاب المشْرَع الروي في فضائل آل با علوي نقلاً عِن اليافعي الذي له كتاب مرآة الجنان وهو مليء بهذه الخرافات أيضاً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/82)
يقول اليافعي في [1/ 322]: ' وكثيرٌ مِن هذه الطائفة -أعني: الصوفية - جمعوا بين الوَلَه والتجريد في ظاهر الشرع -تخريباً بائناً- أسقطهم عن أعين الناس؛ ليستتروا عن شهرة الصلاح، يخفون محاسنهم ويظهرون مساوئهم، ومنهم مَن يكشف عورته بين الناس، ومنهم مَن يُرى أنَّه لا يصلي، وهم يصلُّون، ويجتهدون فيما بينهم وبين الله تعالى، وقد شوهد كثيرٌ منهم يصلي في الخلوات، وفى جوف الليل؛ لأنَّهم كانوا يبالغون في نفي رؤية الخلق، وإسقاطها مِن قلوبهم، ولا يبالي أحدهم بكونه عند النَّاس زنديقاً إذا كان عند الله ليس زنديقاً، كنسوا بنفوسهم المزابل لتحيا لمولاهم حياةً طيبةً قبل المعاد! ' اهـ.
يقولون: فليكن زنديقاً عندك، وعند غيرك، لكنه عند الله ولي!!
لو جاء زنديق حقيقي، وقال هذه الكفريات! فما أدرانا أن يكون هذا وليّاً؟!
إلى أن يقول: ' ومنهم مَن يحتجب بحاله عن أعين الناس، وهم معهم في الصلوات!} ' أقول: انظروا يصلي مع الجماعة ويمكن أننا لم نره!!
يقولون: هذا موجود فلا تُنكر عليه، ' ولهؤلاء أطوار لا يدركها العقل' - هم يسمُّون اختلاف التشكل: تطوراً!! لعلنا نقرأ هذا في الكرامات، هذا التطور مِن عمل المشعوذين، والسحرة، والجن، واستعانتهم بالشياطين، ' وإنما تدرك بالنُّور- يعني: بالكشف- ويعرفها العارفون بالله تعالى -يعني: لا نعرفها نحن المحجوبون '.
يقول: ' فقد روِينا أن بعضهم كان لا يُرى أنَّه يصلي، فأقيمت الصلاة يوماً وهو جالس، فقال له بعض الفقهاء: قم فصلِّ مع الجماعة - فالفقيه أنكر عليه، وقال له: قم صلِّ- فقام، وأحرم معهم، وصلَّى الركعة الأولى، والفقيه المنكِر ينظر إليه، فلمَّا قاموا إلى الركعة الثانية: نظر الفقيه إلى مكان الرجل، فإذا به غيره يصلي؛ فتعجب مِن ذلك، ثم رأى في الركعة الثالثة شخصاً ثالثاً، ثم في الرابعة رابعاً، فزاد تعجبه - أربعة أشخاص في أربع ركعات- فلما سلَّم مِن صلاته التفت، فرأى صاحبَه الأول جالساً مكانه، وليس عنده أحدٌ، فتحير الفقيه مما رأى، فقال له الفقير وهو يضحك -الصوفي يسمونه فقيراً-: يا فقيه! أي الأربعة صلَّى معكم هذه الصلاة؟
يقول اليافعي: فاعترف الفقيه بفضله وزال ما عنده من الإنكار!} '
إذاً: مادام أنه يصلي كل ركعة بشكل شخص آخر: إذاً يمكن أنه يصلي في أي وقت، وأنت لا تنكر على أي إنسان تراه تاركاً للصلاة، والناس يصلون الجمعة والجماعات لأنَّك لا تدري؛ لعله صلَّى في صورة أخرى، كيف تنكر على أولياء الله فأنت مِن جهلك تنظر بنظرك العقلي، الحسي العادي، وهؤلاء قوم لهم أمور أخرى، ولهم أطوار أخرى!
أقول: إنَّه بمثل هذا الكلام والتلبيس استطاعت الصوفية أن تضرب بسورٍ عريضٍ بين أولياء الله الحقيقيين المجاهدين في سبيل الله، وعلماء الأمة العظام الذين يقفون في وجه المنكرات، ويحاربون أعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وبين عامة المسلمين، ضربوا بينهم بسورٍ عظيمٍ؛ فأصبح مَن لم يكشف عورته، ومَن لم يترك الصلاة، ومَن لم يطرح نفسه على المزابل، أولمَ يَظهر للنَّاس أنَّه بَهلول، أو مجنون؛ فهذا ليس بوليٍّ عند عامَّة المسلمين، وليس مِن أصحاب الكرامات، ومِن ثَمَّ فلا يلتمس منه هدًى ولا علم؛ لأنَّه مِن أصحاب الظاهر، ومِن أصحاب الرسوم، ومِن الملبَّس عليهم، ومن المحجوبين .. إلى آخر هذه الألقاب التي ينبز بها هؤلاء الصوفية علماء الشريعة، وفقهاء السنَّة، وأولياء الله تعالى الحقيقيين.
ولم تقف الصوفية عند هذا الحد فحسب؛ بل أصبحت تُنكر على مَن يُنكر على أي دين! -أي: لا يكفي أن تنكر على إنسان مسلم أنَّه كشف عورته، وترك الجمعة، والجماعة، بل يقولون: لا تنكر على أي إنسان أنه منتسب إلى أي دين!!
انظروا إلى كتاب أخبار الحلاج ص [54]، يقول عبد الله بن طاهر الأزدي: ' كنتُ أخاصم يهوديّاً في سوق بغداد، وجرى على لفظي أن قلتُ له: يا كلب! فمر بي الحسين بن منصور الحلاج، ونظر إليَّ شزراً، وقال: لا تنبِح كلبك، وذهب سريعاً، فلما فرغتُ مِن المخاصمة قصدته، فدخلتُ عليه فأعرض عني بوجهه، فاعتذرتُ إليه، فرضي، ثم قال لي: يا بني، الأديان كلها لله عز وجل!! شَغَل الله بكل دينٍ طائفة لا اختياراً فيهم، بل اختياراً عليهم، فمن لام أحداً ببطلان ما هو عليه: فقد حَكَم أنَّه اختار ذلك لنفسه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/83)
وهذا مذهب القدرية، والقدرية مجوس هذه الأمة [43] واعلم أن اليهودية، والنصرانية، والإسلام، وغير ذلك مِن الأديان هي ألقاب مختلفة، وأسامٍ متغايرة، والمقصود منها لا يتغير ولا يختلف، ثم قال -أي: أنشد الحلاج شعراً بعد ذلك-:
تفكرت في الأديان جداً محققاً فألفيتها أصلاً لها شُعُبٌ جمّاً
فلا تطلين للمرء دنيا فإنه يُصد عن الأصل الوثيق وإنما
يطالبه أصل يعبر عنده جميع المعالي والمعاني فَيُفْهَما
يقول: الأديان كلها واحدة، ولا يجوز لك أن تقول لأحدٍ: إنَّك يهودي، أو نصراني، كل الديانات حق، وكلها طرق موصلة إلى الله! هكذا يقول، وهنا تلتقي الماسونية الحديثة بهذه الأفكار القديمة، ومثل هذا قول ابن عربي:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه دانِ
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنَّى توجهت ركائبه فالحبُّ ديني وإيماني
يقول: ابن عربي: ديني دين الحب -كما قلنا سابقاً أن الثيوصوفية محبة الله- فدينهم دين الحب فقط، فمَن أحب الله على أي ملة، وعلى أي نحلة -يهوديَّة كانت أو نصرانيَّة أو إسلامية- فهو حبيب الله عندهم، ولا ينكَر عليه على الإطلاق، هنا تلتقي الصوفية مع الماسونية، وهنا ندرك لماذا الماسونية تشجع التصوف؟
لأنَّ الماسونية تحت هذا الكلام يهدمون الأديان جميعاً ليبنوا هيكل سليمان، ودين اليهودية فقط، فيطلبون مِن الناس أن يتركوا أديانهم.
أمَّا اليهود فدينهم مغلق، فهم لا يريدون أن يدخل أحدٌ في دينهم أبداً، فلا يدْعون أحداً إلى دينهم، فيريدون مِن أهل الأديان الأخرى أن يتخلوا عنها، وأن يتركوها، وأن يساهموا جميعاً في بناء هيكل سليمان.
الماسونية والصوفية تلتقي هنا، والمؤسسون متفقون مِن الأصل وإلى الآن، ولذلك لا عجب أن نرى الماسونية والدول التي تحركها الماسونية في الخفاء تدعم التصوف وتنشره وتحقق تراثه، وتفتتح أقسام الدراسات العليا ونحوها عن الإسلام، وما هي عن الإسلام شيء، وإنما هي عن هذا التصوف.
أقول هذا لنعرف حقيقة هذا الدين، وحقيقة الدوافع التي تدفع الصوفية لإظهار القبائح -كما يسمُّونها- وعند استعراضنا للكرامات سنجد الكثير مِن مثل هذه الأمور، ونعرف علتهم، وهدفهم وراء ذلك كله.
8 - باب الكرامات المذكورة عند الصوفية
الكرامات -كما يسمُّونها- هي: أحوال، منها كرامات، ومنها استغاثات، وسأعرض بعضها عرضاً سريعاً، وهذه موجودة في كتبهم مثل طبقات الشعراني والمشْرَع الروي في فضائل آل با علوي وجامع كرامات الأولياء.
يقول عبد القادر الطشطوشي: ' أرباب الأحوال مع الله كحالهم قبل الخلق وإنزال الشرائع'.
كرامات ابن عيسى
يُعد أبو بكر بن عيسى أحد أكابر الأولياء عند الصوفية يقولون عنه: ' كان كثير الاستغراق، ويخبر بالمغيبات، ويرجع إليه في المعضلات، وكان أهل البلاد إذا سافروا في البحر، وحصل لهم شدة يذكرونه، وينذرون له بشيءٍ؛ فيرونه عندهم عِياناً، فينجيهم الله تعالى ببركته، وإذا جاءوا إلى بلدته طالبهم بالنذر الذي نذروه له '.
كرامات محمد بن عباس
وهذا الفقيه محمد بن عباس الشعبي يقول: ' رأيت ذات ليلة في المنام أن القيامة قد قامت، ورأيت النَّاس مجتمعين في صعيدٍ واحدٍ، حفاةً عراةً كما جاء في الخبر [44] وأنا مِن جملتهم عرياناً، ورأيتُ موضعاً مرتفعاً، والقاضي محمد بن علي -الولي صاحب الكرامة- واقفاً عليه، وعليه ثيابه كلها حتى العمامة، والنَّاس محدقون به، فهرولت إليه، فلما دنوتُ منه سمعتُه يقول: كلكم في شفاعتي فاطمأنوا!! فقلت له: وأنا معهم؟
فقال: وأنت معهم '.
كرامات الضجاعي
وهذا أبو عبد الله محمد بن يوسف اليمني الضجاعي يذكرون مِن كراماته أنَّه رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول له: ' إن أردت أن يفتح الله عليك بالعلم فخذ مِن تراب قبر الضرِّير شيئاً وابتلعه على الريق؛ ففعل الفقيه ذلك، فظهرت بركته '.
كرامات شمس الدين الحنفي
يروون عن أحدِ كبرائهم، وهو المسمَّى: شمس الدين محمد الحنفي أنَّه أوصى في مرض موته فقال: ' مَن كان له حاجة فليأت إلى قبري، ويطلب حاجته أقضها أنا! '
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/84)
وهذا الحنفي أيضاً، يسمُّونه أعظم خلفاء البكري يذكرون: أنَّه امتحنه البكري مرة، فقال له: ' كان الليلة في نفسي أمر ما هو؟! فأخبره به! فقال: أصبتَ، هذا الذي كان في نفسي! '
أقول: هذا علم الغيب، وعندهم من هذا كثيرٌ جدّاً، يعلم الواحد منهم ما في نفس المريد، ويقول: ' اشتدَّ بنا الكرب الليلة، والأغلال في أعناقنا فاستغثنا بحضرة الشيخ واستجرنا! ومتى استغاث به أحدٌ أدركه '.
أما الرفاعي والبحريني وهؤلاء المغاربة الذين يقولون إن هذا ما يفعله إلا بعض الجهال. فالواقع أنَّه لا يفعله إلا هؤلاء الأولياء.
ويقول: ' كان جالساً يوماً مع أصحابه في رباطه إذ ابتلَّت يده الشريفة وكمُّه إلى إبطه، فعجبوا من ذلك، وسألوه عنه، فقال قدس الله سره: استغاث بي رجلٌ مِن المريدين تاجرٌ، وكان راكباً في السفينة، وقد كادت تغرق، فخلَّصتها مِن الغرق! فابتلَّ لذلك كمِّي ويدي! فوصل هذا التاجر بعد مدةٍ، وحدَّث بهذا الأمر كما أخبر الشيخ! '
الشيخ في حضرموت، والسفينة في بحر الهند، وأنقذها وهو جالس مع أصحابه لأنهم استغاثوا به!
ويقولون عن شمس الدين الحنفي: ' إنه كان رضي الله عنه يتكلم على خواطر القوم، ويخاطب كلَّ واحدٍ مِن النَّاس بشرح حالِه -يعني: قبل أن يتكلم المريد يقول له: أنتَ تريد كذا، وعندك كذا- فقال له رجل: بلغَنا عن الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه أنَّه عمِل يوماً ميعاداً سكوتيّاً لأصحابه -أي: حضرة سكوتية، يكونوا كلهم ساكتون، ولكن القلوب فقط تتخاطب، وبعضهم يخبر بعضاً- يقول: ومرادُنا أن تعمل لنا ذلك، فقال الشيخ الحنفي: نفعل ذلك غداً إن شاء الله تعالى، فجلس على الكرسي وتكلم بغير صوت ولا حرف ' وهم يقولون: إن الله تعالى يتكلم بلا صوت ولا حرف وهم أشاعرة صوفية، ومع ذلك تكلم بغير صوت ولا حرف.
' قال: فأخذ كلٌّ مِن الحاضِرين مشروبَه، وصار كلُّ واحدٍ يقول - يعني: كلُّ واحدٍ مِنَ الحاضرين تلقى ما قال له الشيخ -ثم بعد ذلك طلب منهم الشيخ أن يتكلموا فقال واحد: ألقي في قلبي كذا، قال الشيخ: صدقت أنا قلتُ ذلك، قال الآخر: ألقي كذا، يقول: فكان كل مَن يقول ألقي في قلبي كذا وكذا، يقول له الشيخ صدقت ' يعني: أنا هكذا قلتُ، هكذا وضعتُ، وألقيتُ في قلبك -.
يقول الشعراني: ' كان الشريف النعماني رضي الله عنه أحد أصحاب سيدي محمد رضي الله عنه يقول: رأيتُ جدِّي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خيمة عظيمة والأولياء يجيئون فيسلمون عليه واحداً بعد واحد، وقائلاً يقول: هذا فلان، هذا فلان، فيجلسون إلى جانبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى جاءت كبكبة عظيمة وخلق كثير، وقائلاً يقول: هذا محمد الحنفي، فلما وصل إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجلسه بجانبه ثم التفت صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر وعمر، وقال لهما: إنِّي أحب هذا الرجل إلا عمامته الصمَّاء، أو قال: الزعراء، وأشار إلى سيدي محمد، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: أتأذن لي يا رسول الله أن أعمِّمه؟
فقال: نعم، فأخذ أبو بكر رضي الله عنه عمامة نفسه وجعلها على رأس سيدي محمد، وأرخى لعمامة سيدي محمد عذبة عن يساره وألبسها له ... ويذكر قصة طويلة -المهم: أَّن هذه الولاية والعذبة والعمَّة مِن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ' وهذا الرجل كان زميلاً للحافظ ابن حجر في الدراسة، ثم ترك العلم وذهب إلى الخرافات -والعياذ بالله- وبمناسبة الحافظ ابن حجر قبل أن نذكر كرامات الحنفي.
هذا الفرغل الذي ذكرنا قبل ذلك أنَّه كان يمشى تحت العرش ويقول: ' خاطبني ربي وخاطبته ' يقول الشعراني: ' إنَّه مرَّ عليه شَيْخ الإِسْلامِ ابن حجر رضي الله عنه بمصر يوماً فقال في سرِّه: ما اتخد الله مِن وليٍّ جاهل، ولو اتخذه لعلَّمه -يعني: على وجه الإنكار عليه- فقال له الفرغل: قف يا قاضي، فوقف فمسكه، وصار يضربه ويصفعه على وجهه، ويقول: بل اتَّخذني وعلَّمني!! ' هكذا يهينون العلماء ويرفعون مِن الخرافيين.
' ودخل عليه - أي: الفرغل - بعض الرهبان فاشتهى عليه بطيخاً أصفر في غير أوانه فأتاه به، وقال: وعزة ربي لم أجده إلا خلف "جبل قاف ' أين هو "جبل قاف"؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/85)
قال: ' خطف التمساح بنت أحدهم، فجاء وهو يبكي إلى الشيخ، فقال له: اذهب إلى الموضع الذي خطفها منه ونادى بأعلى صوتك: يا تمساح! تعال كلِّم الفرغل! فجاء التمساح مِن البحر وطلع كالمركب وهو ماشٍ والخلق بين يديه يميناً وشمالاً إلى أن وقف على باب الدار، فأمر الشيخ رضي الله عنه الحداد بقلع جميع أسنانه! وأمره بنفضها مِن بطنه، فنفض البنتَ حيَّةً مدهوشة، وأخذ على التمساح العهد أن لا يعود يخطف أحداً مِن بلده مادام يعيش، ورجع التمساح ودموعُه تسيل حتى نزل البحر! '
ثم ذكر ما كان يدَّعيه مِن أنَّه يمشي بين يدي الله -تعالى- تحت العرش، ويخاطبه، وأنَّه كان يتكلم عن أخبار سائر الأقاليم مِن أطراف الأرض ... إلى آخره.
هذا الفرغل والشمس الحنفي كانا زميلين لابن حجر رحمه الله.
ويذكرون أيضاً مِن كرامات الشمس الحنفي:
يقول ابن كَتيلة: ' إنَّ محمداً الحنفي كان إذا صلى عن يمينه دائماً أربعة روحانية وأربعة جسمانية لا يراهم إلا هو أوخواص أصحابه، قالوا: وقعت له ابنة صغيرة مِن موضعٍ عالٍ، فظهر شخصٌ وتلقاها عن الأرض، فقلنا له: مَن تكون؟
فقال: مِن الجنِّ مِن أصحاب الشيخ، قد أخذ علينا العهد أن لا نضرَّ أحداً مِن أولاده إلى سابع بطنٍ، فنحن لانخالف عهداً '.
قال: ' وكان سكان نهر النِّيل يطلعون إلى زيارته وهو في داره بـ"الروضة"، والحاضرون ينظرون، قالت ابنته: فلانة، ذكرها، وزاروه مرة وعليهم الطيالسة والثياب النظيفة، وصلوا معه صلاة المغرب، ثم نزلوا في البحر بثيابهم، فقلت: يا سيِّدي أما تبتل ثيابُهم مِن الماء، فتبسَّم رضي الله عنه، وقال: هؤلاء مسكنهم في البحر -يعني: لا تستغرب-.
يقول الشمس الحنفي لأحد تلاميذه: أما تسأل، فلو سألتني شيئاً لم يكن عندي أجبتك مِن اللوح المحفوظ!! '.
يذكرون عنه أيضاً ' أنَّه كان يُقرئ الجان على مذهب الإمام أبي حنيفة، فاشتغل عنهم يوماً بأمر فأرسل صهره سيدي عمر فأقرأهم في بيت الشيخ ذلك اليوم، وكان سيدي عمر يقول: طلبت منِّي جنيَّة أن أتزوجها، فشاورتُ سيدي محمد رضي الله عنه، فقال: هذا لا يجوز في مذهبِنا، فعرض ذلك على ملكِهم حين نزلت معها تحت الأرض، فقال الملك: لا أعترض على سيدي محمد فيما قال، ثم قال الملك -أي: ملِك الجنّ- للوزير: صافِح صهرَ الشيخ باليد التي صافحتَ بها النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليصافح بها سيدي محمد رضي الله عنه.
ثم قال للجنيَّة: رديه إلى الموضع الذي جئتِ به منه '.
ويقول -أيضاً- الشمس الحنفي: ' إذا مات الوليُّ انقطع تصرفه في الكون مِن الإمداد ' كما ذكرنا في أحوال القطب، فهو الذي يعطي الزائر مِن المدد على قدر مقام المزور.
ويقول: ' كنَّا نقرأ حزب سيِّدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه فكان بعض النَّاس يستطيله -يراه طويلاً- فألَّفتُ الحزب الذي بين أصحابي الآن، وأخفيْتُه ولم أظهره حتى جاء الإذن مِن سيِّدي أبي الحسن الشاذلي أدباً معه بعد ما مات ' -مثل: عبد الحليم محمود الذي ألَّف كتاباً وقال: استأذنتُ البدوي في تأليفه! - يقول الشمس الحنفي: ' إنَّه قبل موته دعا الله أن يبتليَه بالقمل، والنَّوم مع الكلاب، والموت على قارعة الطريق، قال: وحصل له ذلك قبل موته، فتزايد عليه القمل حتى صار يمشي على فراشه، ودخل له كلب فنام معه على الفراش ليلتين -إلى أن يقول:- وإنَّما تمنَّى ذلك ليكون له أسوة بالأنْبياء عليهم الصلاة والسلام الذين ماتوا بالجوع والقمل ... ' إلى آخره.
وهذا كذب على الأنبياء، فما دعوا الله ذلك، وقد شرَّفهم الله عن أن يناموا، أو يموتوا والكلاب في أحضانهم.
وينقل عن الحنفي أيضاً قال: ' دخلتْ على الشيخ يوماً امرأة أمير، فوجدت حوله نساء خاص تكبسه، فأنكرت بقلبها عليه -أي: أن المرأة أجنبية وتكبس رجله- فلحظها الشيخ بعينه، وقال لها: انظري، فنظرت فوجدت وجوههن عظاماً تلوح والصديد خارج مِن أفواهن ومناخرهن كأنهن خرجن مِن القبور -يعني: النساء اللاتي عنده- فقال لها: والله ما أنظر دائماً إلى الأجنبيات إلا على هذه الحال، ثم قال لمنكرته: إنَّ فيك ثلاث علامات، علامة تحت إبطك، وعلامة في فخذك، وعلامة في صدرك، فقالت: صدقت والله! إنَّ زوجي لم يعرف هذه العلامات إلى الآن! واستغفرتْ وتابتْ! '.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/86)
ومما ينقلون عنه من خرافات: ' أنَّه كان يتطور في بعض الأحيان حتى يملأ الخلوة بجميع أركانِها، ثم يصغر قليلاً قليلاً حتى يعود لحالته المعهودة! قال: ولما علم النَّاس بذلك سدَّ الطاق التي كانت تُشرف على الخلوة رضي الله عنه! قال: وكان إذا تغيب من شخصٍ يتمزق كلَّ ممزق ولو كان مستنداً لأكبر الأولياء لا يقدر أن يدفع عنه شيئاً من البلاء '.
انظروا! كل تلميذ يستند لوليٍّ! فالحنفي يقولون: إنَّه مِن قوَّته يقضي على عدوه مهما كان مستنداً إليه مِن الأولياء-.
يقول: ' كما وقع لابن التمار وغيره، فإنَّه أغلظ عليه الشيخ في شفاعة، وكان مستنداً للشيخ البسطامي، فقال سيدي محمد: مزقنا ابن التمار كلَّ ممزق ولو كان معه ألف بسطامي! ثم أرسل السلطان فهدم دار ابن التمار فهي خراب إلى الآن '.
كل واحد يعبد وليّاً معيَّناً ويستغيث به، ويستنجد به.
ويقولون عن هذا الحنفي: إنَّه اختلى سبع سنين تحت الأرض في الخلوة حتى فُتح عليه! قال أبو العباس: وكنتُ إذا جئتُ وهو في الخلوة أقف على بابها فإن قال لي: ادخل دخلت، وإنْ سكتَ رجعتُ، فدخلتُ يوماً عليه بلا استئذان فوقع بصري على أسدٍ عظيمٍ فغُشيَ عليَّ، فلما أفقتُ خرجتُ واستغفرتُ الله تعالى مِن الدخول عليه بلا إذن.
قال الشيخ -وهو أبو العباس -: ' ولم يخرج الشيخ -أي: الحنفي - مِن الخلوة حتى سمع هاتفاً يقول: يا محمَّد! اخرج انفع النَّاس ثلاث مرات، وقال له في الثالثة: إن لم تخرج وإلا هيه، فقال الشيخ: فما بعد هيه إلاَّ القطيعة، قال الشيخ: فقمتُ، وخرجتُ إلى الزاوية فرأيتُ على الفسقية جماعة يتوضأون، فمنهم مَن على رأسه عمامة صفراء، ومنهم زرقاء، ومنهم مَن وجهه وجه قرد، ومِنهم مَن وجهه وجه خنزير، ومنهم وجهه كالقمر، فعلمتُ أنَّ الله أطلعني على عواقب أمور هؤلاء النَّاس، فرجعتُ إلى خلفي وتوجهت إلى الله تعالى فستر عني ما كُشف لي مِن أحوال الناس '.
وأيضاً: ينقلون عن هذا الحنفي: ' أن أهل المغرب كانوا يأخذون مِن تراب زاويته ويجعلونه في أوراق المصاحف، وكان أهل الروم يكتبون اسمه على أبواب دورهم ليتبركوا به.
وكانت رجال الطيران في الهواء تأتي إليه فيعلمهم الأدب، ثمَّ يطيرون في الهواء والنَّاس ينظرون إليهم حتى يغيبوا، وكان -رضي الله عنه- يزور سكان البحر فكان يدخل البحر بثيابه فيمكث ساعة طويلة ثم يخرج ولم تبتل ثيابه '.
ومِن أخبار هذا الحنفي أنَّه كان إذا زار القرافة - أي: المقبرة - سلَّم على أصحاب القبور فيردُّون عليه السلام بصوت يسمعه مَن معه.
' ودخل يوماً إلى الحمام مع فقرائه فأخذ الماء من الحوض ورشَّه على أصحابه وقال: النَّار التي يعذب الله بها العصاة مِن أمَّة محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل هذا الماء في سخونته، قال: ففرح الفقراء بذلك ' يعنى: تلاميذه.
ولما جاءت وفاته، قال في مرض موته: ' مَن كانت له حاجة فليأتِ إلى قبري، ويطلب حاجته، أقضِها له، فإنَّ ما بيني وبينكم غير ذراع مِن تراب، فكلُّ رجلٍ يحجبه عن أصحابه ذراع مِن تراب فليس برجُل '.
كرامات الدينوري
ويقول علي بن محمد بن سهل الصائغ الدينوري: ' تركتُ قولي للشيء كن فيكون تأدباً مع الله تعالى '.
هو يستطيع أن يقول للشيء كن فيكون، ولكن تأدباً مع الله فقط لا يفعل ذلك.
كرامات جاكير الهندي
وهذا جاكير الهندي يقول عنه الشعراني: ' استأذن رجل واسطيٌّ الشيخَ جاكير في ركوب بحر الهند للتجارة فقال له الشيخ: إذا وقعت بشدةٍ فنادي باسمي! فلمَّا كان وقت كذا وكذا عصفت الرياح الشماليَّة فتلاطمت الأمواج، فأشرفنا على الغرق فتذكرت قول الشيخ فقمتُ واستقبلتُ العراق وناديتُ: "يا شيخ جاكير أدركنا"، فلم يتمَّ كلامي حتى رأيناه عند السفينة، وأشار بكمِّه إلى الشمال فسكتت الريح، ومشى خطوات يميناً وشمالاً فسكن البحر، ثم أشار بكمِّه إلى الجنوب، فهبت ريحٌ طيبةٌ أوصلتنا إلى طريق السلامة، ومشى الشيخُ على الماء حتى غاب عنَّا '.
قال الشعراني: ' وكان الشيخ جاكير يقول: ما أخذتُ العهد على مريدٍ حتى رأيتُ اسمَه مكتوباً في اللوح المحفوظ! وأنَّه مِن أولادنا '.
انظروا كيف أنَّهم يطَّلعون على اللوح المحفوظ؟!
كرامات عبد القادر الجزائري
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/87)
وهذا عبد القادر الجزائري الذي يقال إنَّه بطل الجهاد في الجزائر، وهو رجلٌ باطنيٌّ، وبريءٌ مِن الجهاد، وله كتاب المواقف على مذهب ابن عربي مِن نفس الباطنية يقول -كما نقل عنه النبهاني -: ' إنِّي لمَّا بلغت المدينة -طيبة - وقفتُ تجاه الوجه الشريف بعد السلام عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى صاحبيه اللذين شرَّفهم الله بمصاحبته حياةً وبرزخاً فقلتُ: يا رسول الله عبدُك ببابك! يا رسول الله: كلبك بأعتابك! يا رسول الله: نظرةٌ مِنك تُغنيني! يا رسول الله: عطفةٌ منك تَكفيني! فسمعتُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول لي: أنتَ ولدي، ومقبول عندي، بهذه السجعة المباركة ' -يعني: يقول: إنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاطبه بهذه السجعة-[أنت ولدي ومقبول عندي]!!
كرامات الرفاعي
وهذا الرفاعي -والحمد لله قد اعترف المغربيان اللذان ألَّفا كتاب التحذير من الاغترار بأن الرفاعي مؤسس الرفاعية - ادَّعى أنَّه ذهب إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وناداه وطلب أن يصافحه، وأخرج النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده الشريفة مِن القبر الشريف وصافحه، وأنَّ خمسون ألف حاجٍّ رأوه وهو يصافح الرفاعي، واعْترفَ المغربيَّان -نقلاً عن الغماري الخرافي الأكبر- بأنَّ هذا كذبٌ لأنَّه ما يمكن أن ينقل تواتراً لا يقبل فيه نقل الآحاد، ولم ينقل أحد من هؤلاء الخمسين ألفاً هذه القصة إلا الرفاعي الذي ادَّعى ذلك لنفسه!!
إذاً: هذه الحكاية لا تقبل؛ لأنها ليست منقولة إلا عن الرفاعي.
هذا الرفاعي -مؤسس الطريقة الرفاعية - والطريقة الرفاعية مشهورة جدّاً بالخرافات، ومشهورة بالسحر والشعوذة أكثر مِن غيرها مِن الفرق، حتى إن بعض الفرق الصوفية تعتبرهم مجرد سحرة وليسوا من الصوفية في شيءٍ.
وقصتهم مع شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية شرحها رحمه الله وفصلها في الفتاوى، وهم يسمُّون بالبطائحيَّة لأنَّ الرفاعي كان في البطائح، ووصلتْ المناظرة مِن الشدَّة إلى حد أنَّهم قالوا للأمير: نحن على الحق، وابن تيمية على الباطل، نحن نستطيع أنْ ندخل النَّار، وهذه كرامة لنا تدل على أنَّنا على الحقِّ.
وشَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله بثاقب علمه قال: نغسل أجسادَنا نحن وإياكم بأنواعٍ قويَّة مِن المزيلات، ثمَّ ندخل النَّار جميعاً، ومَن أحرقتْه فعليه لعنةُ الله، وهو ليس بالوليِّ فعند ذلك نكصوا على أعقابهم، وخسِئوا أمام الأمير، وأمام الجمهور، وأمام الذين معه، وعرف النَّاس أنَّهم دجالون، وأخبر شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية بدَجَلِهم، وأنَّهم يَدهنون أجسادهم بأنواعٍ مِن الدهون، ثم يدخلون النَّار، أو يُدخلون أيديهم فيها ولا يحترقون، ثم يقولون للنَّاس نحن أولياء.
وأحمد الرفاعي مؤسِّس هذه الطريقة، ينقلون مِن كراماته: ' أنَّه كان إذا صعد الكرسي لا يقوم قائماً، وإنما يتحدث قاعداً، وكان يَسمع حديثَه البعيد مثل القريب؛ حتى أنَّ أهل القرى التي حول القرية التي كان فيها كانوا يجلسون على سطوحهم يسمعون صوته ويعرفون جميع ما يتحدث به، حتى كان الأطرش والأصم إذا حضروا يفتح الله أسماعهم لكلامه، وكانت شيوخ الطرق يحضرونه، ويسمعون كلامه '.
ويذكرون من كراماته: إحياء الموتى! ويقولون: ' إنَّه كان جالساً وحده فنزل عليه رجلٌ مِن الهواء، وجلس بين يديه، فقال الشيخ: مرحباً بوفد المشرق، فقال له: إنَّ لي عشرين يوماً ما أكلتُ ولا شربتُ، وإني أريد أن تُطعمني شهوتي , فقال له: وما شهوتُك؟
قال: فنظر إلى الجوِّ وإذا خمس وزات طائرات، فقال: أريد إحدى هؤلاء مشوية، ورغيفين مِن بُرٍّ، وكوزاً من ماء بارد، فقال له الشيخ: لك ذلك! ثم نظر إلى تلك الوزات، وقال: عجِّل بشهوة الرجل، قال: فما تم كلامُه حتى نزلت إحداهن بين يديه مشويةً! ثمَّ مدَّ الشيخُ يده إلى حجرين كانا إلى جانبه فوضعهما بين يديه فإذا هما رغيفان ساخنان مِن أحسن الخبز منظراً، ثم مدَّ يدَه إلى الهواء، وإذا بيدِه كوزٌ أحمر فيه ماء!! قال: فأكل وشرب، ثم ذهب في الهواء مِن حيث أتى، فقام الشيخ رضي الله عنه وأخذ تلك العظام، ووضعها بيده اليسرى، وأمرَّ بيده اليمنى عليها، وقال: أيتها العظام المتفرقة، والأوصال المتقطعة اذهبي، وطيري بأمر الله تعالى! بسم الله الرحمن الرحيم، قال: فذهبت وزَّةً سويَّةً
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/88)
كما كانت، وطارت في الجو حتى غابت عن منظري '.
وأحد تلاميذه يُدعى علي الملِّيجي، يقول: ' إنَّه كان يزور أحدَهم، فذبح له سيِّده علي فرخاً وأكله، وقال لسيِّده: لابدَّ أن أكافئك، فاستضافه يوماً فذبح للسيِّد علي فرخة فتشوشت امرأتُه عليها، فلمَّا حضرت قال لها سيِّدي علي: هش! فقامت الفرخة تجري، فقال - الشيخ السيِّد علي -: يكفينا المرق ولا تتشوشي '.
وفي الأجوبة المرضية للشعراني، يقول: ' ومما يتميز به الصوفية عن الفقهاء: الكشف الصحيح عن الأمور المستقبلة وغير ذلك، فيعرفون ما في بطون الأمهات أذكرٌ هو أم أنثى، أم خنثى، ويعرفون ما يخطر على بال النَّاس، وما يفعلونه في قعور بيوتهم '.
كرامات إبراهيم الخرساني
وينقل أيضاً عن إبراهيم الخرساني: ' بينما أنا في يوم صائف إذ عدلتُ إلى مفازةٍ فدخلتُها، فما لبثتُ أن دخل عليَّ ثعبان كأنه نخلة، وجعل ينظر إليَّ، فقلتُ: لعل معه رزقٌ لي، فخرج ثم أقبل إليَّ وفي فمِه رغيفٌ حوراي، ووضعه عندي، ورجع، فقال: رأيتُ فقيراً بالمسجد الحرام وعليه خرقتان، فقلتُ في سرِّي: هذا أو شبهه كَلٌّ على النَّاس، فناداني الفقير، وقال: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:235]، فاستغفرتُ الله في سرِّي فناداني، وقال: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ [الشورى:25]، ثم غاب عنِّي فلم أره '.
كرامات الأعزب
وينقل عن إبراهيم بن علي الأعزب، يقول: عن أبي المعالي عامر بن مسعود العراقي التاجر الجوهري قال: أتيت الشيخ مودِّعاً إلى بلاد العجم، فقال: إنْ وقعتَ بشدَّةٍ فنادي باسمي! قال: ففي صحراء خراسان أخذتْنا خيَّالة، وذهبوا بأموالنا، فذكرتُ قولَ الشيخ وكان معي رفقة معتبرون، فاستحييْت مِن ذكر اسمه بلساني؛ لأنَّهم لا يفهمون مثل ذلك، فاختلج في صدري الاستغاثة به، فلم يتم حتى رأيتُه على جبل يومئُ بعصاه إليهم فجاءوا بجميع أموالنا.
كرامات العيدروس
ومن كرامات العيدروس -وهو مِن المعظَّمين مع الأسف حتى عند كثيٍر مِن أهل الحجاز وخاصة الحضارمة - يقول النبهاني: 'إنَّه لما رجع مِن الحرمين دخل "زيلع " وكان الحاكم بها يومئذٍ محمد بن عتيق، واتَّفق أن أم ولدٍ له -جارية- ماتت، وكان مشغوفاً بها، فدخل عليه الشيخ ليعزِّيَه، ويصبِّره، فلم يُفِد فيه شيء، ورآه في غاية التعب، وأكبَّ على قدَم الشيخ ليقبِّلها، ويبكي، فكشف الشيخ عن وجهها وناداها باسمها فأجابته! وردَّ الله عليها روحَها! وأكلتْ الهريسة بحضرة الشيخ '.
ومن خرافات العيدروس كما ينقلون عن عبد الله العيدروس في المشرع الروي أنَّه قال: ' غفر الله لمن يكتب كلامي في الغزالي! وقال: مَن حصَّل كتاب إحياء علوم الدين فجعله في أربعين مجلَّداً ضمنْتُ له على الله بالجنة، فتسارع النَّاس إلى ذلك، منهم العلامة عبد الله بن أحمد با كثير، فزاد في تبيينه، وتزيينه، وجعل لكلِّ جلدٍ كيساً، فلمَّا رآه العيدروس قال: قد زدتَّ زيادةً حسنةً، فيحتاج لك زيادة - يعني: لك زيادة عن الجنة! بعد أنْ وعده بالجنة! - فما تريد؟
قال: أريد أن أرى الجنَّة في هذه الديار '.
وهذا العيدروس ألَّف كلاماً مطبوعاً مع الإحياء في الجزء الأخير منه في مدح الإحياء والثناء عليه، ويقول من ضمنه: ' كان أحد النَّاس يعترض على الإحياء، فجاء مرَّةً، وقال: قد تركتُ الإنكارَ والاعتراض عليه، قالوا: لماذا؟ قال: لأنِّي رأيتُ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، وقدمني أبو حامد الغزالي مؤلف الإحياء، وقال له: هذا ينكر ما في الإحياء قال: فأخذَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإحياء وأبو بكر معه، فقرأه رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورقةً ورقةً حتى انتهى من قراءة ما في الإحياء، وقال: هذا الكتاب عظيم، وليس لي أي اعتراض فاضربوه! فضَربوا هذا الرجل! فقال: بقيتْ آثارُ الضرب على ظهري، وتبتُ ولله الحمد، وأنا الآن أمدح الإحياء! '
ينقل العيدروس هذه القصة، فانظروا، حتى نسيَ هؤلاء الوضَّاعون الدجَّالون الكذابون أن الرسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أمِّيّاً لا يقرأ، فكيف قرأ الإحياء كلَّه، ويقرأه في جلسةٍ واحدةٍ ثم يزكِّيه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/89)
فكما قلتُ: أنهم يعتمدون على المنامات، وعلى الكشوفات، فالخلاف بيننا وبينهم لا أن تقول كتاب الإحياء فيه أحاديث صحيحة، وفيه ضعيفة وموضوعة، القضية: أنَّهم يتبنَّون الإحياء مِن أجل المنامات، فما دمتَ لم تقتنع بمبدئهم هذا: فلا داعي لأَنْ تجادلهم في الفرعيات، وعليك أن تناظرهم في الأصول.
كرامات السقاف
وينقلون أيضاً عن السقاف، وهو ممن يعتقدون فيهم كالعيدروس، والحداد، يقولون -كما في المشْرَع الروي -: ' إنَّه مكث نحو ثلاثين سنَة ما نام فيها لا ليلاً ولا نهاراً وهو يقول: كيف ينام مَن إذا رقد على شقِّه الأيمن رأى الجنَّة، وعلى شقِّه الأيسر رأى النار؟ '
يقولون: ' وكان يزور قبر النَّبيِّ هود على نبيِّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام، ويمكث عنده شهراً لا يأكل فيه إلا نحو كفِّ دقيقٍ '.
أقول: إنَّ هذه الكرامات فيها الشركيات، وفيها الخرافات، وفيها ما لا يصدقه العقل، وهي مختلقة، ويغني ما فيها مِن التعليق.
كرامات شعبان المجذوب
يقول الشعراني عنه: ' أخبرني سيدي علي الخواص رضيَ الله عنه، أنَّ الله تعالى يُطْلِع الشيخ شعبان على ما يقع في كل سنَةٍ مِن رؤية هلالها، فكان إذا رأى الهلال عرف جميع ما فيه مكتوباً على العباد!! '
ويحكى عنه أيضاً ' أنه كان إذا اطلع على موت البهائم يلبس صبيحة تلك الليلة جلد البهائم! البقر أو الغنم أو البهيمة التي اطلع أنها ستموت ثم تموت فيما بعد، يعرف الناس أن هذا علامة على أنها ستموت بزعمهم '.
كرامات الأمباني
إسماعيل بن يوسف الأمباني، يقولون مِن كراماته: ' إنَّه كان يطَّلع على اللوح المحفوظ فيقول: يقع كذا فلا يخطئ!! '
' وذات مرة أنكر عليه رجلٌ مِن علماء المالكية، وأفتى بتعزيره، فبَلَغَه ذلك، فقال: رأيتُ في اللوح المحفوظ أنَّه يغرق في البحر، فكان كما قال '.
كرامات علي الوحيشي
يذكر الشعراني في الطبقات الكبرى ' أن علي الوحيشي كان إذا رأى شيخ بلد أو غيره من الكبار يُنزلهم مِن عَلى الحِمَارة، ويقول له: أمْسِك رأسَها حتى أفعل فيها، فإن أبى شيخُ البلد تسمرتْ الحمارةُ في الأرض لا تستطيع أن تخطوَ خطوةً، وإن سمَحَ له حصل له خجل عظيم، والنَّاس يمرون!! '
وهذا موجود في الطبقات [2/ 135].
كرامات أبي خودة
وهذا أيضاً علي أبو خودة، مِن كراماته: ' أنَّه أراد السفر في مركب قد انوثقت، ولم يبق فيها مكانٌ لأحدٍ، فقالوا للريس: إن أخذتَ هذا غرقتْ المركبُ لأنَّه يفعل في العبيد الفاحشة -يعنون الوليَّ بزعمهم- فأخرجه الريس مِن المركب؛ فلما أخرجوه مِن المركب قال: يا مركب تسمَّري، فلم يقدر أحدٌ أنْ يسيرِّها بريحٍ ولا بغيره، وطلع جميع مَن فيها ولم تسِر '.
كرامات إبراهيم الجيعانة
إبراهيم المعروف بالجيعانة، ينقل النبهاني عن شيخه عمر السنزاني يقول: ' كنت يوماً بظاهر دمشق المحروسة مع جماعة، فرأيتُ الشيخ إبراهيم الجيعانة واقفاً، وقد أتت امرأةٌ وسألته الدعاء، وأمرَّتْ يده على أطماره الرثة، ثم أمرَّت على وجهه، وهناك فقيهان روميَّان، فقال أحدهما: يا حرمة تنجست يدُك بما مرت عليه! فنظر إليه الشيخ مغضباً، ثم جلس وغاط الشيخ - يعني: أخرج الغائط منه - ثم نهض فتقدم الفقيه المنكِر، وجعل يلعق غائطه!! ورفيقه متمسك بأثوابه، ويضمُّه ويقول له: ويلك هذا غائط الشيخ إلى أن لعق الجميع ببعض التراب، فلمَّا نَهض جعل يعاتِبه، فقال الفقيه: والله ما لعقتُ إلاَّ عَسَلاً '.
أقول: انظروا التبرك بآثار هؤلاء، وهذه الشعوذات، وهذا السحر، وهذه الهالة التي يحيطونها بهم؛ فلو أنَّ أحداً أنكر على هؤلاء الخرافيين ربَّما يفعلون معه هذا الفعل، فاحذَر أنْ تنكر عليهم هذا هو مرادهم.
كرامات النبتيتي
إبراهيم النبتيتي، قال المحمَّصاني: ' وقفتُ أصلِّي في جامع، فدخَلَ عليَّ رجلٌ مِن الجند ومعه أمرد، فقصد به إلى جهة المراحيض فتشوشتُ في نفسي، فقلتُ: ضاقتْ عليه الدنيا، وما وجد إلا الجامع -يعني: ليفعل فيه الفاحشة؟ - ولم أنطق بذلك!! فقال لي إبراهيم المذكور-أي: علم ما في نفسي- فقال: ما فضولك! وما أدخلك؟ يا كذا ويا كذا، وسبَّني، وشتمني، وقال: لا تعترض ما لك وذاك؟ '.
كرامات الشوني
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/90)
يقول الشعراني': إنَّ شخصاً في قنطرة الموسكي كان مُكاريا يحمل النِّساء من بنات الخطا -يعني: بنات الزنا والعياذ بالله- وكان النَّاس يسبُّونه، ويصفونه بالتَّعريص! وكان مِن أولياء الله تعالى، لا يركب امرأةً مِن بنات الخطا، وتعود إلى الزنا أبداً '.
كرامات حسن الخلبوصي
حسن الخلبوصي، يقول الشعراني: حكى الشيخ يوسف الحريتي رحمه الله قال: ' قصدته بالزيارة في خان بنات الخطا - مكان الدعارة الذي تؤجر فيها البنات أنفسهنَّ!! -فوجدتُّ واحدةً راكِبةً على عنقه، ويداها ورجلاها مخضوبتان بالحناء، وهي تصفعه في عنقه -تلطمه وتضربه على عنقه- وهو يقول: لا، برفق فإنَّ عيناي موجوعتان! '
أقول: يعتبرون هذا من كرامات الشيخ أن بنات الزنا في حال الزنا تفعل به هكذا.
كرامات حمدة
أحمد الذي سمَّوه حمدة؛ لأنَّه يقيم مع البغايا في بيت البغايا فسمَّوْه حمدة، يقولون من كراماته! ' إن له كشفاً لا يكاد يخطىء، وكثيراً ما يخبر بالشيء قبل وقوعه فيقع كما أخبر، وهو مقيم عند بعض النساء البغيَّات بباب الفتوح، وما ماتت واحدة منهنَّ إلا عن توبة ببركته، وربما صار بعضهن مِن أصحاب المقامات!! '
أقول: يقيم ويسكن معهن حتى يعلمهن الطريق! والحقيقة: أنَّ الفرق ضعيف بين واحدةٍ ترقص وتطبل في "حضرة"، وواحدة تطبِّل في مكان دعارة.
كرامات ابن عظمة
علي نور الدين ابن عظمة، مِن كراماته: ' ما حكاه حشيش أنَّه مرَّ عليه يوماً فجرى في خاطره الإنكار عليه لعدم ستر عورته، فما تمَّ له هذا الخاطر إلا وقد وجَد نفسَه بين إصبعين مِن أصابعه يقلِّبه كيف شاء، ويقول له: انظر إلى قلوبهم، ولا تنظر إلى فروجهم!! '
كرامات إبراهيم العريان
إبراهيم العريان، مِن أئمتهم ' كان رضي الله عنه -كما يقولون-: إذا دخل على بلدٍ سلَّم على أهلها كباراً وصغاراً بأسمائهم كأنَّه تربَّى بينهم، وكان يطلع على المنبر ويخطب عرياناً!! فيقول: دمياط، باب اللوق، بين القصرين، جامع طولون، الحمد لله رب العالمين! فيحصل للنَّاس بسطٌ عظيمٌ ' يقول المناوي: ' وكان محبوباً للناس، معظَّماً عندهم معتقَداً وكان يصعد المنبر فيخطب عرياناً، ويذكر الوقائع التي تقع في الأسبوع المستقبل فلا يخطئ في واحدة '.
كرامات عبد الجليل الأرنؤوط
مِن كرامات عبد الجليل الأرنؤوطي كما ينقلون: ' أنَّه كان يجمع الدراهم مِن النَّاس وينفقها على النساء العجائز البغايا اللاتي كسدن، وصِرن بحالةٍ لا يُقبِل عليهنَّ أحدٌ مِن الفُسَّاق، فكان يجمعهن في حجرة، وينفق عليهن ما يجمعه ويأوي إليهنَّ، وينام عندهن ويخدمنه! '
كرامات عبد العزيز الدباغ
عبد العزيز الدباغ، يقول أحد مريديه: ' إنَّني ذهبتُ لزيارته، وكانت إحدى زوجاتي حاملاً، فتحدثتُ معه في شأنها، فقال لي: إنَّها تلدُ ولداً ذكراً اسمه أحمد، فمكثتُ ثلاثة أشهر، فذهبتُ لزيارته فقال: حملتْ زوجتُك؟
فقلت: لا أدري يا سيدي، فقال: إنَّها حامل منذ خمسة عشر يوماً، وهو ذَكَر إن شاء الله تعالى! فسمِّه باسمه وهو يشبهني!! إن شاء الله تعالى، فلمَّا رجعتُ أعلمتُ الزوجة بما قال، وفرحتْ، ثمَّ ولدتْ ذكراً كما قال رضي الله عنه، وهو أشبه النَّاس به بشرة!! '
ومنها: ' أنَّ الزوجة الأولى حملت ثانيةً، فسألتُ عن حملها، قال لي: بنت، وسمِّها باسم أمِّي!! '
وكثير مِن الكرامات عن هذا الدباغ في الأولاد؛ أنَّه يعرف الذكور مِن الإناث، ويضع لهذا ذكوراً، ولهذا إناثاً -والعياذ بالله-.
كرامات علي العمري
الشيخ علي العمري، مِن كراماته رضي الله عنه -كما يترضى عنه النبهاني -: ' ما أخبرني به إبراهيم الحاج المذكور، قال: دخلتُ في هذا النَّهار إلى الحمام مع شيخنا الشيخ علي العمري، ومعَنا خادمُه محمد الدبوس الطرابلسي، وهو أخو إحدى زوجات الشيخ، ولم يكن في الحمام غيرُنا -أي: ثلاثة في الحمام!! - قال: فرأيتُ مِن الشيخ كرامةً مِن أعجب خوارق العادات، وأغربِها: وهي أنَّه أظهر الغضب على خادمه محمد هذا وأراد أن يؤدِّبَه، فأخذَ الشيخ إحليل نفسه بيديه الاثنتين -أخذ عضوه التناسلي من تحت إزاره!! - فطال طولاً عجيباً، بحيث إنَّه رفعه على كتفه وهو زائدٌ -طويلٌ على كتفه- وصار يجلد به خادمَه المذكور!! والخادم يصرخ مِن شدة الألم، فعل ذلك مرات ثم تركه، وعاد إحليله إلى ما كان عليه أولاً، ففهمتُ أنَّ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/91)
الخادم قد عمل عملاً يستحق التأديب، فأدبَّه الشيخ بهذه الصورة العجيبة، ولما حكى ذلك الحاج إبراهيم حكاه بحضور الشيخ، وكان الشيخ واقفاً، فقال لي الشيخ: لا تصدِّقه، وانظر، ثم أخذ بيدي بالجبر عني ووضعها على موضع إحليله!! فلم أحس بشيءٍ مطلقاً حتى كأنَّه ليس برجلٍ بالكلية فرحمه الله ورضي عنه! ما أكثر عجائبه، وكراماته '. انتهى كلام النبهاني في صفحة [209].
انظروا هذه الكرامات! هل هذه مِن الكرامات يضرب المريد بعضوه! وهناك أشياء كثيرة يمنعني الحياء عن ذكر بعضها، ولكن رأيتُ أن لابدَّ أن نذكر البعض على الأقل حتى تُعرف حقيقة هؤلاء الذين يدَّعون الطهارة، ويدَّعون الولاية.
ويقول: ' مِن كراماته ما أخبرني به بعض الثقات مِن أهل طرابلس وأظنُّه الحاج محمد الدبوسي، قال المخبِر: كان في طرابلس رجل مِن الشباب قليل الحياء، معجباً بإحليله! فكان يمازح الشيخ مزاحاً بارداً فإذا رآه: يضع ذلك الشاب يده على إحليل نفسه ويقول له: هل عندك مثل هذا؟
-الشاب يقول للشيخ: ما عندك مثل هذا العضو!؟ -
فكان الشيخ يضحك مِن ذلك، فلمَّا تكرر هذا الأمر مرة بعد أخرى مِن ذلك الشاب لقِيَه مرة، فقال له مثل ما يقول، فضربه الشيخ عليه بيده، وقال له: اذهب، فذهب كأنه امرأة لم يتحرك له شيء!!.
ومِن الكرامات التي يذكرونها أيضاً، قال السراج: ' رُوِّينا أنَّ امرأةً يقارب عمرها عشرين سنَةً بدمشق المحروسة أعطاها سيدي تاج الدين نصيباً صالحاً مِن الأسرار، ثم سكنت "المرقب"، وصار الفقراء يترددون إلى منزلها، فمرَّ عليها فقيران وأقامَا مدة وأرتْهُما أحوالاً عظيمةً، ومكاشفات عجيبة، ثم طمَّع أحدُهما نفسَه بها لما رأى من إحسانها وودها، وسألها ما يسأل النساء، فأجابته ظاهراً، واعتقد القبول لاستحكام غفلته، فلمَّا ضاجعها ليلاً وجدها خشبةً يابسةً! فقال لنفسه المكابِرة الأمَّارة: الثديانِ ألينُ شيءٍ في المرأة! فلمسهُما فوجدَهما كحجرين، فلمَس أنفَها، فلم يجد أنفاً فعند ذلك اقشعر جلده! ' اهـ.
ما يفعله الأولياء في خلواتهم!!
كرامات الحداد
وهذا عبد الله با علوي الحداد -وهو أيضاً مِن كبارهم وله كتب أذكار توزع في مكة كثيراً- يقول عنه صاحبه: ' له كرامات كثيرة، مِنها: أنَّ أحدَ تلامذَتِه وهو الشيخ حسين بن محمد بافضل كان معه حين حج، فلما وصل إلى المدينة مرض مرضاً أشرف فيه على الموت، وكُشف للسيد عبد الله المذكور أنَّ حياةَ الشيخ قد انقضت، فجمع جماعةً مِن أصحابه، واستوهب مِن كلِّ واحدٍ منهم شيئاً مِن عُمُره -أي: حتى يضمَّه إلى عُمُر الشيخ- فأول مَن وهبه السيد عمر أمين، فقال: وهبتُه مِن عمُري ثمانية عشر يوماً، فسئل عن ذلك، فقال: مدة السفر مِن طيبة إلى مكة اثنا عشر يوماً، وستة أيام للإقامة بها، ووهبه آخرون شيئاً مِن أعمارهم، فعاش الرجل! وذهب إلى مكة، وما مات حتى انتهت الأيام التي أعطوْه '.
انظروا كيف يتصرَّفون حتى في أعمارهم وأعمار غيرهم، يعطونهم وينقصونهم كيفما يشاءون؟!
وينقل عنه صاحب المشرع الروي في فضائل آل با علوي [2/ 409] يقول:
' اشترط رجل عليه أن يضمَن له الجنَّة، فدعا له بالجنَّة، فحسُنت حال الرجل، وانتقل إلى رحمة الله، وشيَّعه السيد عبد الله المذكور، وحضر دفنَه، وجلس عند قبره فتغير وجهه -أي: تغير وجه باعلوي وهو واقف على القبر ثم ضحك، واستبشر، فسئل عن ذلك، فقال: إن الرجل لما سأله الملكان عن ربه: مَن ربك؟ قال: شيخي عبد الله باعلوي!! فتعبتُ لذلك!! -أي: عبد الله - فسألاه أيضاً فأجاب بذلك، فقالا: مرحباً بك، وبشيخك عبد الله باعلوي، فلمَّا قبِله الملَكان، وقبِلاني معه فرِحتُ '.
ويعلِّقُ المؤلف، فيقول: ' قال بعضهم هكذا يجب أن يكون الشيخ يحفظ مريدَه حتى بعد موته '.
قال: ' ومِن كراماته: أنَّه كان يخبر أصحابه بما في بيوتهم، أو بما يضمرونه -أي: في أنفسهم- ويخبر أهلَهم بما يخفونه عنه، وأخبر جماعةً قصدوه مِن بعيدٍ بما وقع لهم في طريقهم.
ومنها: أنَّه ما استغاث به أحدٌ بصدقِ نيَّةٍ وحسنِ الظن إلا أتاه الغوث سريعاً '.
وجد في الطبعة الأخيرة مِن المشْرَع الروي الذي طبعه الشاطري في جدة حذف بعض الكرامات، ويكتبون تحتها: هاهنا شيءٌ حذفناه، لكن نجد في كتاب: جامع كرامات الأولياء كل هذه الكرامات موجودة بكاملها، فأحببتُ أن أنبِّه لذلك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/92)
ومِن كراماته أيضاً: ' أن علي بن عبد الله با غريب مرض هو وابنه ثلاثة أشهر مرضاً شديداً، فجاءت به أمُّه إلى السيد باعلوي وهي مشفقة عليه مِن الموت، فقال لها: ما أقلقك عليه؟ إنَّ عمره مائة سنَة لا يموت ابن ثلاثة أشهر، ودعا له بالعافية فعوفي، وعاش مائة سنَة '.
ومن كراماته أيضاً -كما يزعمون-: ' أنه دخل عليه تلميذه محمد بن حسن قبل أن يتزوج فقال له: تزوج فإني أرى في صلبك ابناً أمه من غير آل علوي، فتزوج مانية بنت الشيخ عبد الله بن محمد بن حكم باقشير فولدت له ولداً، أي: عرف أن في صلبه ابناً من غير العائلة فتزوج فكان كما أخبر الرجل كما يقولون! '
والفقيه باعلوي مِن أسرة كبيرةٍ معروفةٍ التي ألِّف عنها كتاب المشرع الروي.
كرامات وحيش المجذوب
وحيش المجذوب ' كان إذا رأى شيخ بلدةٍ، أو غيره يَنزل له عن حمارتِه، ويقول: أمسك لي رأسَها حتى أفعلَ بها!! فإِذا امتنع سمَّره في الأرض، فلا يستطع أن ينتقل خطوة واحدة، وإن أطاع حصل له خجلٌ عظيمٌ مِن المارَّة الناظرين إليه، مات سنة (917).'
وهذا غير الأول.
وهناك كرامات كثيرة؛ ولذلك يقول تعقيباً على ذلك: قال المناوي: ' وتقدم نظير هذه الكرامات ' أي: مروي عن كثيرٍ مِن أئمَّة التصوف مثل هذه الحكايِة أنَّه كان يطلب أن يفعل في الدابة! فإذا وافق الرجلُ صاحبُ الدابة، ويكون أمير البلد: فالمصيبة، وإن لم يوافق تسمَّرت في الأرض حتى يوافق أن يفعل فيها الفاحشة علانية!!
كرامات أحمد بن إدريس
أحمد بن إدريس، يقولون: ' ومن كراماته رضي الله عنه: أنَّ شخصاً اشترى له لحماً ووضعه في ثوبه وأدركته الصلاة فصلى معه رضي الله عنه، وبعد انقضاء الصلاة ذهب بلحمه إلى بيته، ووضعه في القدر، وأوقد عليه النار فلم تؤثِّر فيه شيئاً، فأكثر عليه النَّار فلم تفِد فيه شيئاً، فأخبر بذلك الشيخ رضي الله عنه، فقال: نحن بُشِّرنا أنَّه مَن صلَّى معنا لن تمسه النَّار! '
فما دام اللحمة صلت معنا فإذاً النار لن تمسها، لذلك قلنا: لا تستغربوا قولهم: إنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقطع مِن أرض الجنة.
يقول النبهاني عن أحمد بن إدريس: ' اختصه الله بالمواهب المحمديَّة والعلوم اللَّدنية والاجتماعات الصورية الكمالية بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأخذ والتلقِّي منه؛ حتى لقَّنه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه أوراد الطريقة الشاذلية '.
عند ما نقول هذا الكلام الذي تقولونه مبتدع، وهذه الأذكار بدعيَّة هم يردون علينا: بأن هذا ورد في حديث ضعيف، وهذا ورد في حديث كذا! وهذا ليس هو أصل التشريع عندهم، أصل التشريع: أنَّه رؤيا، ويقولون لأتباعهم: هذا لقننا إياه الرسول، لكن يقولون لنا: هذا مرويٌّ عند أبي نعيم، أو عند ابن عساكر، أو عند فلان، ويأتون بأي حديث.
يقول: ' فلقَّنه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه أوراد الطريقة الشاذلية، فإنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاه أوراداً جليلةً، وطريقةً تسليكيَّةً خاصَّةً له.
قال له: مَن انتمى إليك فلا أَكِلُه إلى ولاية غيري، ولا إلى كفالته، بل أنا وليُّه وكفيله '.
قال أحمد: ' اجتمعتُ بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجتماعاً صورياً.
أي: في اليقظة ومعه الخضر عليه السلام، فأمر النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخضر أن يلقنَّني أذكار الطريقة الشاذلية فلقننيها بحضرته '.
كرامات ابن أبي القاسم
وأبو بكر بن أبي القاسم، روي عنه أنَّه قال: ' مَن رآني ورأيتُه دخل الجنَّة ' وقال أحد أئمَّتهم: ' مَن رآني، ورآى مَن رآني .. -إلىسابع مَن رآى- دَخَل الجنَّة وضمن له الجنَّة ' وأنَّ هذا مما يحكى عن الشاذلي.
كرامات الأشموني
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/93)
مدين الأشموني ' جاءته امرأةٌ فقالت: هذه ثلاثون ديناراً وتضمَن لي على الله الجنَّة! فقال الشيخ رضي الله عنه مباسطاً لها: لا يكفي ثلاثون ديناراً -قليلة! - فقالت: لا أملك غيرَها، فضمِن لها على الله الجنَّة!! فماتت، فبلغ ورثتَها ذلك، فجاءوا يطلبون الثلاثين ديناراً مِن الشيخ، وقالوا: هذا الضمان لا يصح، فجاءتْهم في المنام، وقالت لهم: اشكروا لي فضل الشيخ فإنِّي دخلتُ الجنة!! فرجعوا عن الشيخ ' انظروا إلى حد تلاعب الشياطين والجن بهم حيث أنهم جاءوا لتلك المرأة في شكل جنِّ، والتعامل مع الجن هو الذي يجعله يسخر أمثال هؤلاء.
ومِن كراماته أيضاً، يقول: ' إن منارة زاويته -الموجودة الآن- لما فرغ مِن البناء منها مالت إليه، وخاف أهل الحارة منها فأجمع المهندسون على هدمها، فخرج إليهم الشيخ على قبقابه فأسند ظهره إليها وهزَّها والنَّاس ينظرون، فجلستْ على الاستقامة إلى وقتنا هذا '.
قال: ' ومرض سيدي مدين رضي الله عنه مرضاً أشرف فيه على الموت فوهبه الشريمي مِن عمره عشر سنين ثم مات في غيبة الشريمي رضي الله عنه، فجاء وهو على المغتسل، فقال: كيف مِتَّ! وعزَّة ربي لو كنتُ حاضراً ما خليتك تموت '.
مِن كراماته أيضاً ' أنَّه مرَّ به إنسانٌ يقود بقرة حلابة، فقال له: احلب لي شيئاً مِن اللبن أشربه، فقال له: هذه "ثور"، فصارت في الحال ثوراً ولم تزل ثوراً إلى أن ماتت '.
ومن كراماته أيضاً ' أنه كان يوماً يتوضأ في البالوعة التي في "رباط الزاوية"، فأخذ فردة القبقاب فضرب بها نحو بلاد المشرق -يعني: الحذاء رماها نحو بلاد المشرق- ثم جاء رجلٌ مِن تلك البلاد بعد سنَةٍ وفردة القبقاب معه، وأخبر أن شخصاً مِن العيَّار -يعني: مِن قطاع الطريق- عبث بابنته في البريَّة - فقالت: يا شيخ أبي لاحظني لأنَّها لم تعرف أنَّ اسمه مدين - ما نادته باسمه، استغاثت بشيخ أبيها - فيقول: وهي مِن ذلك الوقت إلى الآن عند ذريته رضي الله عنه. -محتفظين بالقبقاب!! - '
وهذا الأشموني، خرج رجل فقير يوماً مِن الزاوية، فرآى جرةَ خمرٍ مع إنسان فكسرها، فبلغ الشيخ رضي الله عنه ذلك فأخرجه من الزاوية وقال: ' ما أخرجته لأجل إزالة المنكر، وإنَّما هو لإطلاق بصره حتى رأى المنكر؛ لأنَّ الفقير لا يجاوز بصرُه موضع قدميه فعاقبه على ذلك! '.
كل هذه الخرافات موجودة في طبقات الشعراني [2/ 93]، وجامع كرامات الأولياء [2/ 249]
كرامات موسى بن ماهين
موسى بن ماهين المارديني، يقول النبهاني: ' وقع بماردين حريق فاحش، وفشا في البلد، وعظم أمره، فاستغاث الناس بالشيخ موسى بن ماهين رحمة الله عليه، فأمرهم بإلقاء عكازه في النار، فانطفأت كأنْ لم تكن! فقال: إنَّ الله وعدني ألاَّ يحترق بالنار ما مسَّته يدي! 'أهـ.
أي شيءٍ تمسه يدُه، فما بالك بالمريدين الذين باركهم!؟
كرامات محمد بن علي
يحكون من كراماتمحمد بن علي بن محمَّد صاحب مرباط: ' أنَّ خادمه بإفريقيا سافر سفراً طويلاً فبلغ أهله أنَّه قد مات، فتعبوا وأتوا إلى الأستاذ، فأطرق ساعةً، وقال: لم يمُت بإفريقيا، فقيل له: قد جاء الخبر بموته، فقال: إني اطَّلعت على أهل الجنَّة! فلم أجده فيها! ولن يدخل فقيري النَّار! ثم جاء الخبر بحياته! 'أهـ.
كيف عرف الشيخ أنَّه ما مات؟ قال: ' اطَّلعتُ على الجنَّة فلم أجده فيها، والنَّار لا يدخلها لأنَّه مِن تلاميذي -فقيري-! '.
إذاً هذا الرجل لم يمت، فما يزال حيّاً، ثم وقع كما قال بدعواهم، وبزعمهم.
كرامات البسطامي
وينقلون عن أبي يزيد البسطامي -كما نقل الشعراني [2/ 49]- يقول: ' كان لا يخطر بقلبي شيءٌ إلا أخبرني به ' يقول: ' إنَّ شقيقاً البلخي، وأبا تراب النخشبي قدما على أبي يزيد، فقُدِّمَتُ السفرة، وكان هناك شابٌّ يخدم أبا يزيد، فقال له البلخي: كُلْ معنا يا بني، أو قال يا فتى، فقال: إني صائم , فقال له أبو تراب ' - وأبو تراب النخشبي هو الذي اعترض على الإمام أحمد وقال له: ' النَّاس يشتغلون بالذِّكر، وأنت تشتغل بهذا ضعيف وهذا حسن ' ونهره الإمام أحمد رضي الله عنه نهراً شديداً بسبب ذلك، هؤلاء لا يريدون أحداً يقول: ضعيف، وحسن، فكلُّ حديثٍ يضعونه كما يشاءون: فهو عندهم كما يريدون حتى ينفتح لهم المجال لهدم دين الإسلام، فيضعوا مِن الأحاديث ما شاءوا مثل ما رأينا في كتاب الذخائر من الموضوعات،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/94)
وأبو عبد الرحمن السلمي كان يستحل لهم وضع الحديث كما يقولون، وكثير مِن الصوفية يستحلُّون أنْ يضع الأحاديث ليرقِّق لهم القلوب -بزعمهم-!
الحاصل: أن أبا تراب النخشبي قال للولد: ' كُلْ يا ولدي ولك أجر صوم شهر! فأبى الولد، فقال له شقيق: كلْ، ولكَ أجرُ صومِ سنَةٍ، فأبى، فقال له أبو يزيد: دعوا مَن سقط مِن عين الله تعالى! فأُخذ ذلك الشاب في السرقة -أي: تحول إلى حرامي- فقطعت يدُه!! '.
أقول: لأنَّه خالف المشايخ، قالوا له: أفطر ونضمن لك أجر سنَة، على مَن يضمنون!؟ وعمن يضمنون!؟
والكرامات -كما يسمُّونها-كثيرةٌ! لكن أحاول أن أختصر، وأنقل ما يتعلق بشيء مما ذكروه من أن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب! وبيده مقاليد السموات والأرض! ونحو ذلك مما ينسبون أمثاله لأوليائهم؛ لنعرف لماذا هم يدافعون عن إثباتها للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
ومما يذكرونه أيضاً عن أبي يزيد البسطامي: أنَّه قال: ' أدخلني الحيُّ في الفلَك الأسفل فدوَّرني في الملكوت الأسفل، فأرانيه، ثم أدخلنى في الفلك العلوي وطوى بي السموات! فأراني ما فيها إلى العرش، ثم أوقفني بين يديه، فقال: سلني أيَّ شيء رأيته حتى أهبه لك! فقلت: ما رأيتُ شيئاً حسناً فأسألك إياه! فقال: أنت عبدي حقّاً تعبدني لأجلي صدقاً '.
هذا الكلام يشبه العبارة التي نقلناها من كتاب المالكي - لأفعلن بك، وأفعلن، وذكر أشياء - يعني مِن الابتلاءات التي ذكرها المالكي -.
قال ابن معاذ: ' فهالني ذلك، وقلت له: لِمَ لمْ تسأله المعرفة؟ قال: غِرتُ عليه مني! لا أحب أن يعرفه غيره '.
يسمون هذا عندهم "الغيرة"، لا يحب أن يعرف اللهَ غيرُ الله بزعمهم، ولذلك لم يسأله معرفته.
انظروا هذا المعراج، ولذلك يكثرون مِن الحديث عن الاسراء والمعراج في المولد.
كرامات إبراهيم المجذوب
وينقلون عن إبراهيم المجذوب ' أنه كان إذا لبس قميصاً يخيطه ويخرقه على رقبته، فإن ضيَّقه جدّاً حتى يختنق: حصل للنَّاس شدة عظيمة، وإن وسَّعه: حصل لهم الفرج والراحة '.
ربطوا أقدار النَّاس وأرزاقهم بثوب هذا الولي بزعمهم!
كرامات عبد الرحمن با علوي
عبد الرحمن با علوي يقول: ' كان يخبر بقوله عن نفسه أنَّه لم يبق بيني وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجاب، وأنَّه لم يُعط الطريقة النقشبندية إلا بإذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.'
كرامات عبد الرحمن الغناوي
عبد الرحمن بن أحمد الغنَّاوي يقول: ' كان إذا استشاره إنسان يقول: أمهلني حتى أستأذن جبريل! ثم يُطرق رأسَه، ثم يقول: افْعل، أو لا تفعل '. [45]
كرامات الشيخ عبدالله
يقول الشعراني في طبقاته [2/ 136]: ' ومِنهم الشيخ عبد الله أحد أصحاب سيدي عمر النبتيتي نفعنا الله ببركاته، كتب لي أنه رآني بحضرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول للإمام علي رضي الله عنه: ألبِس عبد الوهاب طاقيتي هذه، وقل له: يتصرف في الكون!! أهـ '
أقول: لماذا يثبتون أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتصرف في الكون ويدافعون عنه؟ حتى يثبتوا أنَّه أعطى الطاقية لفلان، وقال: تصرف في الكون نيابةً عني.
كرامات الصناديدي
' ومنهم الشيخ سعد الدين الصناديدي، وكان مِن أشد المنكرين عليَّ في حضور مولد سيدي أحمد البدوي -فيقول: كيف يحضر فلان المولدَ وفيه هذه المنكرات؟ - فرأى النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد ضمَّني إلى صدره وثديي يشخبان لبناً حليباً، والنَّاس يشربون إلى أن روي أهل المولد كلهم، وسيدي أحمد البدوي واقف تجاه وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول بأعلى صوته: مَن أراد المدد فليزر عبد الوهاب '.
يقول الشعراني: ' ومَن جملة ما وقع لي مِن الجن، بأنَّهم أرسلوا إليَّ نحو خمسة وسبعين سؤالاً في علم التوحيد لأكتب لهم عليها! وقالوا: قد عجز علماؤنا عن الجواب عنها، وقالوا: هذا التحقيق لا يكون إلا مِن علماء الإنس، وسمَّوْني في السؤال شَيْخ الإِسْلامِ'.
كرامات أبو المواهب
محمد أبو المواهب الشاذلي، مِن كراماته: ' أنَّه كان كثير الرؤيا للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، حتى كأنَّه لا يفارقه '.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/95)
وكان يقول: ' قلت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ النَّاس يكذبوني في صحة رؤيتي لك، فقال: وعزة الله وعظمته مَن لم يؤمن بها أو كذَّبك فيها لا يموت إلا يهوديّاً أو نصرانيّاً أو مجوسيّاً! '
أقول: هذا الكلام لا يحتاج إلى تعليق.
كرامات أبي السجاد
عن رجلٍ مِن أوليائهم يُدعى أبو السجاد بن عمر بن يحي التغلبي، يقول: ' مِن كراماته أنَّه أوتيَ الاسم الأعظم، ومِن ذلك أنَّه أوتي خصِّيصة مِن خصائص الأنبياء عليهم السلام: أنَّه كان إذا أراد التبرز انفتحت له الأرض، وابتلعت ما يخرج منه ' ولذلك يحاولون أن يثبتوا مثل هذه للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنَّه لو لم يثبت للرسول ما ثبت لهذا التغلبي.
كرامات علي الخلعي
وهذا علي الخلعي يقول: ' هتف بي هاتف ناداني باسمي، فقلتُ: لبَّيك داعي الله، فقال: قل لبَّيك ربي الله -أي: أن الله الذي نادى، وليس داعيه- ما تجد مِن الألم؟ فقلت: إلهي وسيدي: الحمَّى '.
أحمد بن محمد الجزيري 'كان عنده جماعة - أي: مِن المريدين - فقال: هل فيكم مَن إذا أراد الله أن يُحدث في المملكة حدثاً أعلمه قبل إبدائه؟ قالوا: لا، قال: فابكوا على قلوبٍ لم تجد في الله شيئاً مِن هذا '.
فعندما يدافع هاشم الرفاعي وأصحابه أن الله يستشير النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمفروض أن يكون في المريدين مَن يستشيره الله ويعلمه، فكيف نستغرب دفاعهم عن أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستشار؟ أو يقال له شيء مِن ذلك؟
كرامات أبي رباح الدجاني
ومِن أوليائهم أيضاً رجلٌ رفاعي يدعى عبد القادر أبو رباح الدجاني يقول عنه النبهاني: ' أمَّا من جهة كراماته فإنَّها متواترة بين الناس، وقد شاهدتُ منها بنفسي أنَّه في حالة الذِّكر أمسك رجلاً مِن مريديه سيفاً كلَّ واحدٍ منهما مِن طرفٍ وجعل حدَّه إلى أعلى، فوقف الشيخ على حدِّه، وبقي كذلك مدة قصيرة مِن الزمان، ثم نزل ومشى ولم يتأثر بشيءٍ '.
وهذا كثيرٌ عن الرفاعية.
يقول: ' -ولهذا الرفاعي - رسالة حافلة في إثبات أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أطلعه الله تعالى علمَ المغيَّبات الخمس وغيرها قبل انتقاله للدار الآخرة ' وعلى هذه الرسالة وأمثالها يعتمد هاشم الرفاعي وأصحابه في تثبيت أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب كله.
يقول: أمَّا كراماته، -ونذكر منها واحدةً- وهي ما أخبرني الحاج محمد أبو جيَّاب وهو مِن تلاميذه الصادقين الآخذين عنه، قال: إنَّه كان جالساً مع الشيخ في حجرة صغيرةٍ مِن حُجر جامع "يافا" الكبير، فاعترى الشيخَ حالٌ، فجعل يكبُر، ويتعاظم، وكلَّما كبُر جسمُه يتزحزح أبو جياب مِن مكانه حتى ملأ الحجرة، فلم يجد له مكاناً يجلس فيه، فخرج المريد، وجلس بالباب، ثم رجع الشيخ إلى عادته تدريجيّاً حتى عاد كما كان، فقال لأبي جياب: لأي شيءٍ أنت خارج الحجرة؟ قال: ياسيدي ما أبقيتْ لي مكاناً، فضحك الشيخ قدَّس الله سرَّه، فقال له: ياولدي هذا مقام يعتري الرجال، وأعلاه ماكان يعتري القطب الرفاعي قدس الله سرَّه فكان ينماع كالماء.
ومنها أي: كرامات الرفاعي أيضاً: أنَّه كان يذوب حتى يكون كأنَّه قطرة ماء! فيقولون له: ما هذا؟! فيقول: هذا مِن خوف الله عزَّ وجل.
وهناك خرافات أخرى نستعرضها بسرعة:
كرامات حسن سكر
حسن سكر الدمشقي ' جاءوا إليه بمائةٍ مِن قطع الفضَّة المغشوشة فأخذها، وألقاها في فمه، وابتلعها، وفي الحال جلس بصورة مَن يقضي حاجته، فأخرجها مِن أسفله دنانير مِن الذهب! فأخذوها، وقالوا: هذا مِن كراماته '.
كرامات أحمد بطرس
يقول النبهاني: 'أحمد بن بطرس الشيخ العارف بالله تعالى -كما يقول- المكاشَف بأسرار غيب الله، كان إذا أردا أن يتكلم بكشف: يُطرق رأسَه إلى الأرض، ثمَّ يرفعه وعيناه كالجمرتين يلهث كصاحب الحِمل الثقيل، ثم يتكلم بالمغيَّبات. '
لأنَّ الجنَّ هي التي تكلمه وتخاطبه، يتلقى منها فيلهث.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/96)
ونتابع الكلام عن هذه الكرامات - بزعمهم - ودعواهم مع التنبيه إلى قضية مهمَّة وهي أنَّني تعمَّدتُ أن أحذف تعقيداتهم، وما يذكرونه مِن الكفريَّات، والشركيَّات المعقدة التي فيها وحدة الوجود، والحلول والاتحاد، ومنها باطنيَّة، وزندقة، وغير ذلك مِن التعقيدات الفلسفيَّة التي تعمَّدتُ حذفَها؛ لأنَّ كلَّ أحدٍ لايستطيع أنْ يفهمها بخلاف هذه المدَّعاة "كرامات"؛ فإنَّ كلَّ أحدٍ -ولله الحمد- يعرف بطلانها، ويعرف كذبها، ويستدل بها على كذبهم في الباقي.
وأيضاً: لأنَّ هذه الكرامات يدَّعون أنَّهم إنَّما أُعطوْها لوراثتهم للَّنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولأنَّ كراماتهم هذه هي كالمعجزات بالنِّسبة للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل هي تأييد للمعجزات بنظرهم؛ ولذلك سنقتصر عليها دون الشركيَّات، والكفريَّات الأخرى.
هذا الشيخ أحمد يقول تلميذه: -كما يصف النبهاني -: ' كنتُ جالساً عنده وحدي، فخطر لي خاطر هل للشيخ قوة التمكين؟ فقال: نعم، لنا قوة التمكين؟! '
قضية دعوى علم الغيب وعِلم ما في خاطر المريد، وقضية ادِّعاء قوة التمكين، وهي السيطرة على الكون.
يقول النبهاني عن الشيخ محمد المعروف بأكَّال الحيَّات: ' هو الشيخ الصالح المعروف بأكَّال الحيَّات، وغيرها مِن الهوامِّ كالخنافس، وما في معنى ذلك، فيرى الخنافس زبيباً، والحيَّة قثاء '.
شطحات الكليباني
كما يقول أيضاً عن أبي الخير الكليبانى: ' كان لا يفارق الكلاب في أي مجلسٍ كان '.
نحن نذكر بأنَّ الشياطين تتمثل في صورة الكلاب، وفي غيرها مِن الحيوانات، لكن بالأخص الكلاب، وقد وَرَدَ في الحديث: {الكلب الأسْود شيطان} [46].
ويقولون عنه: ' كان لا يفارق الكلاب في أيِّ مجلسٍ كان فيه حتى في الجامع، والحمَّام، وكان كلُّ مَن جاءه في حملة -والحملة: الحاجة، يسمُّونها "حملة"، ويسمُّون شيوخهم "أصحاب الحمْلات"- فكان كل من جاءهم بحملة، يقولون له: اشترِ رطل لحم شواء لهذا الكلب وهو يقضي حاجتك! '
قال المناوي: ' وكان أكثر إقامته بـ"باب زويلة"، ويتعرى عن جميع ثيابه تارة، ويلبس أخرى، وكان يدخل الجامع بالكلاب، فأنكر عليه بعض القضاة، فقال: هؤلاء لا يحكمون باطلاً، ولايشهدون زوراً -أي: أنَّهم أفضل مِن القضاة! - قال: فرميَ القاضي بالزور، وأُشهر في الأسواق على ثور، ولم يزل معزولاً ممقوتاً حتى مات '.
شطحات البكري
وهذا أبو الحسن محمد بن محمد جلال الدين البكري مِن كبار أقطابهم، وكان يضع لهم الصلوات المتنوعة، ومنها: صلاة الفاتح، يقول النبهاني: ' له كرامات، ويدلُّ على ذلك ما أخبرنا به الشيخ الكشكاوي، قال: رأيتُ الشيخ أبا الحسن البكري وقد تطور فكان كعبة مكان الكعبة -ومعنى تطور أي: تغيرت هيئته وشكله، وهذه الكلمة ترد عندهم كثيراً- ولبس سترها كما يلبس الإنسان القميص'.
شطحات الشاذلي
وقال في عمدة التحقيق: ' إن الشيخ المغربى الشاذلي قال: إنَّه حجَّ سنَةً مِن السنين إلى بيت الله الحرام، وكان بالحج الشريف الشيخ محمد البكري قال: فذهبت إلى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فدخلتُ يوماً أزور قبر النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجدت الشيخ محمد البكري بالحرم النَّبويِّ وقد عمل درساً، قال في أثنائه: أُمرتُ أن أقول الآن قدمي على رقبة كلِّ وليٍّ لله تعالى مشرقاً كان أو مغرباً! -وهم يقولون إنَّ هذه الكلمة تُنقل عن عبد القادر الجيلاني فيما مضى- فعلمتُ أنَّه أعطي "القطبانية الكبرى"، وهذا لسان حالها، فبادرتُ إليه مسرعاً، وقبَّلتُ قدَمَيْه وأخذتُ عليه المبايعة، ورأيتُ الأولياء تتساقط عليه كالذباب، الأحياء بالأجسام، والأموات بالأرواح، فقلت حينئذ بيتَ ابن الفارض رضي الله عنه:
وكلُّ الجهات الستِّ عندي توجهت بما تمَّ مِن نسك وحج وعمرة
وينقل داود بن ماخيلا عن شيخه الشاذلي أنه قال: طوبى لمن رآني، أو رآى من رآني، أو رأى مَن رأى مَن رآني ... -ويقول- إنَّ الشاذلي يُقسم فيقول: والله ما مِن وليٍّ لله كان أو هو كائن إلا وقد أظهره الله عليه وعلى اسمه ونسبه وحسبه وحظه مِن الله عز وجل '.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/97)
ويقول الشاذلي أيضاً: ' مادة كلِّ نبيٍّ وكل وليٍّ في الأصالة مِن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن مِن الأولياء مَن يشهد عيناً، ومنهم مَن تخفي عليه عينه ومادته؛ فيفنى فيما يرد عليه، ولا يشتغل بطلب مادته؛ بل هو مستغرق بحاله لايرى غير وقته '
كرامات المجذوب
ويذكرون مِن أوليائهم المدعو بركات المجذوب ' كان يرى النَّاسُ أنَّه يأكل الحشيش، فسلَّ عليه جنديٌّ سيفاً وقال له: كيف وأنت شيخ تأكل الحشيش؟ فقال له: هذا ما هو حشيش! فأعطاه الجنديَّ، فوجده حلاوة مأمونيَّة حارَّة! '
حقيقته أمام النَّاس أنه حشيش، فإذا أكله، قال: يجده حلاوة، فالمهم أنَّه يأكل الحشيش، وهذا نربطه بما سبق أن قدمنا من هدمهم للشريعة، وإتيانِهم بالشواذ والمخالفات فيتجرأ العوام على ارتكاب المحرمات باسم أنَّهم أولياء.
كرامات الهمداني
أبو يعقوب الهمداني، قال المناوي: ' من كراماته: أنَّه توفي رجلٌ مِن بعض أصحابه فجزعوا عليه، فلمَّا رأى الشيخُ شدَّةَ جزعهم جاء إلى الميت، وقال له: قم بإذن الله، فقام وعاش! '.
كرامات ابن عربي
وهذا ابن عربي، قال الشعراني -نقلاً عن الفتوحات المكية - ' باب الحج: ذكر أنَّ الكعبة كلمتْه، وكذلك الحجر الأسْود، وأنَّها طافت به، ثمَّ تتلمذت له، وطلبت منه ترقيتها إلى مقامات في طريق القوم، فرقَّاها، وناشدها أشعاراً وناشدتْه '.
كرامات الفرغل
المدعو الفرغل، ينقلون عنه: ' أنه كان يقول كثيراً: كنتُ أمشي بين يدي الله تعالى تحت العرش! وقال لي كذا، وقلت له كذا، قال: فكذَّبه شخصٌ مِن القضاة فدعا عليه بالخرَس، فخرِس القاضي حتى مات!! '.
وهذا كثير ادِّعاؤهم أنَّ الله يخاطبهم كما مرَّ.
كرامات السرهندي
ويقول: أحمد الفاروقي السرهندي مِن أركان الطريقة النقشبندية: ' كان كثيراً ما يعرج بي فوق العرش المجيد، ولقد عرج بى مرة، فلمَّا ارتفعتُ فوقهم بمقدار ما بين مركز الأرض وبينه رأيتُ مقام الإمام شاه نقشبند رضي الله عنه ' وقال - قدس الله سرَّه كما يقول النبهاني -: ' رأيتُ الكعبة المطهرة تطوف بي، قال: ودعاه للإفطار في شهر رمضان عشرة مِن مريديه فأجابَهم، فلمَّا كان وقت الغروب حضر عند كلِّ واحدٍ مِن العشرة في آنٍ واحدٍ وأفطر عندهم'.
كرامات البطائحي
أبو عمرو عثمان البطائحي مِن الرفاعية، يقول: ' بينما هو ليلةً يتهجد إذ طرقته منازلةٌ من الجاب الأعظم -لعلَّها مِن الحجاب الأعظم- فتبدَّت له أنوار، فوقف سبعَ سنين واقفاً شاخصاً إلى السماء دون غذاء، ولا إحساس بحاله، ثم عاد إلى بشريته! '
انظروا هذه الكلمة عاد إلى بشريته؛ لأنَّ هذا هو عين ما يقوله النَّصارى في عيسى عليه السلام، فالوليُّ عندهم ممكن أن ينتقل مِن حالة بشريَّة إلى حالة غير بشرية.
قال: ' فقيل له: اذهب إلى قريتك، وجامع أهلك، فقد آن ظهور ولدٍ منك، فطرق بابه، وأخبر أهله بحاله، فقالت زوجتُه: إن فعلتَ وقضيتَ تحدث الناس فيَّ - انظروا! لماذا يتحدث النَّاس؟ أليس زوجها، لكن حتى يختلقوا للكرامة مبرراً في دعواهم - قال: فصعد السطح ونادى: يا أهل القرية أنا فلان اركبو فإنِّي سأركب، فأبلغهم الله صوته، وأفهمهم معناه، فلمَّا وافقه تلك الليلة رزق ولداً صالحاً '.
كرامات الأهدل
وينقلون أيضاً عن المدعو أبو بكر بن علي بن عمر بن الأهدل: ' أنَّ هرة كانت تأتيه فيطعمها، وكان اسمها "لؤلؤة"، فضربَها خادمُه ذات ليلة، فماتت، فرمى بِها، ولم يعلم الشيخ بذلك، فقال له: أين "لؤلؤة"؟ فقال: ما أدري فناداها الشيخ يا لؤلؤة فجاءت إليه تجري! '.
كرامات شهاب الدين آل باعلوي
أحمد بن عبدالرحمن المشهور بشهاب الدين مِن آل باعلوي: مِن كراماته: ' أنَّه طلب من بعضِ العرب خشبةً كبيرةً ليجعلها أبواباً لداره، فقال له أحدهم: وأنا أريد منك حاجة؛ أريد أن أحفظ القرآن عن ظهرِ قلبٍ! فقال الشيخ: افتح فمَك! ففتح فمَه فتفل فيه ثلاث مرات فحفظ القرآن في أسرع زمان!! '
كرامات العبدول
وهذا المدعو أبو بكر العبدول ' تحدث معه شخص مِن أصحابه في أحوال الرجال وما أعطاهم الله تعالى إلى أن وصلَ من بعضهم أنه يطوف بالكعبة شرفها الله تعالى وهو جالس في مكانه، ومنهم مَن تطوف به الكعبة تشريفاً وتكريماً!!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/98)
قال التلميذ: فخرجتُ فوجدتُ الكعبة بهيئتها وصفتها التي أعرفها وهي طائفة حول دار الشيخ وفي أرجائها رجالٌ يترنَّمون بأصواتٍ طيَّبةٍ بأشياء، مِن جملتها:
قد اصطفى رجالاً دلَّلهم دلالاً
كرامات المرثي
وأيضاً المرثي، تلميذ الشاذلي، من أصحاب الشاذلية، ينقلون مِن كراماته أنَّه كان يقول: ' لي أربعون سنَةً ما حُجبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو حُجبتُ عنه طرفةَ عينٍ ما عددتُ نفسي مِن جملة المسلمين '.
وينقلون أيضاً عنه أنه كان يقول: ' قد يطلع الله الوليَّ على غيبه إذا ارتضاه بحكم التبع للرسل عليهم الصلاة والسلام، ومِن هنا نطقوا بالمغيبات وأصابوا الحق فيها'.
ولذلك دعواهم في هذه الكتب الثلاثة وفي غيرها، وكما يدَّعي المالكي دائماً ويذكر دائماً أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب، وإنما مرادهم إثبات ذلك للأولياء والمشايخ بالتبع كما يدَّعون.
كرامات الأديمي
أحمد بن جعد الأديمي، يقولون: ' أتته امرأة، وقالت: ادعُ لي أن يرزقني الله ولداً ذكراً، فقال: سترزقين ذلك!! فوضعت أنثى! فقالت: له فيه، فقال: والله ما قلتُ لك إلا بعد ما مسستُ ذَكَره بيدي هذه، ولكن أراد الله أن يكذب هذه اللحية!! '
انظروا هذا الدجال الكذاب، وهذا العذر الذي اعتذر به.
كرامات بهاء الدين النقشبندي
وهذا المدعو محمد بهاء الدين نقشبند، إمام وشيخ الطائفة النقشبندية، يذكرون مِن كراماته أنَّه قال: ' خرجتُ يوماً أنا ومحمد الزاهد إلى الصحراء، وكان مريداً صادقاً، ومعنا المعاول نشتغل بها، فمرت بنا حالة أوجبت أن نرمي المعاول ونتذاكر في المعارف، فما زلنا كذلك حتى انْجرَّ الكلام معنا إلى العبودية، فقلت له: تنتهي -أي: العبودية- إلى درجة إذا قال صاحبها لأحدٍ " مُتْ " مات في الحال، ثم وقع لي أن قلت له ساعة: إذ مُت، فمات حالاً! واستمر ميِّتاً مِن وقت الضحى إلى نصف النهار، قال: فازددت قلقاً إلى وقت إذ قلت له: يا محمد! احيا -أي: قيل له: قل يا محمد احيا- فقلت له ذلك ثلاث مرات، فأخذتْ تسري فيه الحياة شيئاً فشيئاً، وأنا أنظر إليه حتى عاد إلى حاله الأولى '.
وينقلون عن نقشبند أيضاً ' أنَّه دعاه بعضهم في بخارى، قال للمولى نجم الدين -من تلاميذه-: أتمتثل كلَّ ما آمرك به؟ قال: نعم، قال: فإن أمرتُك بالسرقة تفعلها؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: لأنَّ حقوق الله تكفرها التوبة، وهذه مِن حقوق العباد، قال: إن لم تمتثل أمرنا فلا تصحبنا! ففزع المولى نجم الدين فزعاً شديداً وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأظهر التوبة والندم، وعزم على أن لا يعصي له أمراً -أي: حتى ولو كان معصية- قال: فرحمه الحاضرون، وشفعوا له عنده، وسألوه العفو عنه، فعفا عنه ' انظروا إلى هذا التحكم.
كرامات عبد الرحمن السقاف
عبد الرحمن بن محمد الملقب بالسقاف مولى الدويلة في المشْرَع الروي نقل أنه اشتهرت فضائله في الآفاق، مِن كراماته: ' أنَّه شوهد في مشاعر الحج سنين عديدة، فسأله بعض خواصه هل حججت؟ فقال: أمَّا في الظاهر فلا.
ومنها: أنَّه رؤي في أماكن متعددة في آنٍ واحد ' انظروا كيف تتمثل الشياطين بأشكالهم وتذهب في أماكن أخرى لتضل العالمين.
وقال تلميذه الشيخ عبد الرحيم بن علي الخطيب: ' ما خَطر لي في قلبي شيء إلا وفعله شيخنا! .. -وقال- ومِن كراماته: أنَّه أمسك الشمس عن الغروب '.
قال: ' ومما أخبر به مِن المغيَّبات أنَّه قال لزوجته التي بقرية "العز " -وكانت حاملاً-: ستلدين غلاماً، ويموت في يوم كذا وأعطاهم ثوبه، وقال: كفِّنوه بِهذا، وسافر، فكان الأمر كما قال!
وقالت له بعض زوجاته: إنَّ أبي قد طال به المرض فادع له بالعافية، أو بتعجيل الوفاة، فقال لها: سيموت أبوك في يوم كذا، فكان كما قال!! '
ومما ينسبونه ويدَّعونه إلى مسلم بن يسار التابعي: ' أنَّ مالك بن دينار -رحمه الله- رآه بعد موته بسنَةٍ، فسلَّم عليه، فلم يردَّ، قال: ما منعك أن ترد؟ قال: أنا ميِّت كيف أرد؟ '
انظروا! معاندة العقل، والتناقض مع العقل، ينقلون هذا وينسبونه للتابعين.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/99)
وينقلون من كرامات أحمد بن عبد الرحمن السقاف ' أنَّه صلَّى بجماعةٍ من الناس عند قبر "هود" على نبيِّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام، فاعترض عليه بعض الفقهاء في قلبه -يستطيع أن يعترض، لكن لم يستطيع أن يقول له: لماذا تأتي هذا القبر المزعوم أنَّه قبر وتأتي بالخرافات؟ - قال: فسُلب ذلك الفقيه جميع ما في قلبه مِن قرآنٍ وعلمٍ '.
كرامات أحمد اليماني والنجم
وينقلون أيضاً عن أحمد بن إبراهيم اليماني ' أنَّه أقام عشرين سنَة لا يشرب الماء! '.
وهذا يدل على تعذيب النفس ومشابهة الهنود في ذلك.
وأغرب مِن هذا ما ينقلونه عن عيسى بن النجم، قال الشعراني: ' مكث عيسى بوضوء واحدٍ سبع عشرة سنَة '.
مكث بوضوء واحدٍ هذه المدة كلها.
ومما يدل على فقدان توحيد الألوهيَّة عندهم ما نقله الشعراني [1/ 134]:
قال: ' كلُّ بَدَلٍ في قبضة العارف؛ لأنَّ مُلُكَ البدل مِن السماء إلى الأرض، وملك العارف مِن العرش إلى الثرى ' فماذا بقي للرحمن جلَّ شأنه؟!
كرامات حسين أبو علي
المدعو حسين أبو علي ' كان كثير التطورات، تدخل عليه بعضَ الأوقات فتجده جنياً، ثمَّ تدخل فتجده سبُعاً، ثم تدخل مرة أخرى فتجده فيلاً، ثم تدخل عليه فتجده غلاماً، وهكذا '.
وهذا المدعو أبو علي يقول الشعراني: ' إن بعض العُيَّار أرادوا أن يقتلوه فدخلوا على الشيخ فقطَّعوه بالسيف، وأخذوه في تلِّيس، ورموه على الكوم، وأخذوا على قتله ألف دينار، ثم أصبحوا فوجدوا الشيخ -"أبو علي "- جالساً، فقال لهم: غرَّكم القمر '.
كرامات الزولي
وينقلون عن موسى بن مهيل الزولي: ' كان كثير المشاهدة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت أغلب أفعاله بتوقيفٍ منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أي: يأمره حالاً- وكان رضي الله عنه إذا مسَّ الحديد بيده لانَ حتى يصير كاللُّبان، وكان رضي الله عنه يقول للصبي الذي عمره أربعة أشهر فأقل: اقرأ سورة كذا، فيقرأها الصبيُّ بلسانٍ فصيحٍ، ولايزال يتكلم مِن ذلك الوقت -أي: ينطق الطفل- '.
شيخ آخر يذكره الشعراني [2/ 88] قال: ' كان إذا تذكر مِن أصحابه الغائبين عن المائدة يأكل الشيخ عنهم لقمة أو لقمتين؛ فتنزل في بطونهم في أي مكان كانوا! ثم يجيئون ويعترفون بذلك '.
كرامات الخضري
وهذا المدعو محمد الحضري المدفون بناحية ناهية بالغربية، يقول الشعراني: ' وضريحه يلوح مِن البعد مِن كذا كذا بلداً، كان يتكلم بالغرائب والعجائب -كما يقول الشعراني - مِن دقائق العلوم والمعارف مادام صاحياً! فإذا قوي عليه الحال يتكلم بألفاظ لا يطيق أحدٌ سماعها في حق الأنبياء وغيرهم! وكان يُرى في كذا كذا بلد في وقت واحد.
وأخبرنى الشيخ أبو الفضل أنه جاء يوم الجمعة فسألوه الخطبة، فقال: بسم الله، فطلع المنبر فحمد الله وأثنى عليه ومجَّده، ثم قال: وأشهد أن لا إله لكم إلا إبليس عليه الصلاة والسلام!!! فقال النَّاس: كفر، فسلَّ السيف، ونزل فهرب النَّاس كلهم مِن الجامع، فجلس عند المنبر إلى أذان العصر، وما تجرأ أحد أن يدخل، ثم جاء بعض أهل البلاد المجاورة فأخبر أهل كل بلد: أنَّه خطب عندهم وصلَّى بهم! قال: فعددنا ذلك اليوم ثلاثين خطبة ونحن نراه جالساً عندنا في بلدنا! '.
ومن كراماته أيضاً: أنَّه كان يقول: ' الأرض بين يدي كالإناء الذي آكل منه، وأجساد الخلائق كالقوارير، أرى ما في بواطنها '.
انظروا هذا الدجال الذي أبطل صلاة الجمعة في ثلاثين بلدٍ في وقت واحد، شيطان تشبه به، ولعب على عقول النَّاس به، ومع ذلك يدَّعي علم الغيب، ويدَّعي هذه الدعوى العظيمة.
يقول المرسي تلميذ الشاذلي: ' لو كُشف عن حقيقة وليٍّ لعُبد؛ لأنَّ أوصافه مِن أوصافه -أي: مِن أوصاف الله تعالى- ونعوته مِن نعوته '.
كرامات محمد وفا
وهذا المدعو محمد وفا مِن العارفين عندهم، يقول: ' أخبر ولده سيدي علي رضي الله عنه أنَّه هو خاتم الأولياء، صاحب الرتبة العليَّة، وكان أُمِّيّاً، ومع ذلك له لسان غريب في علوم القوم، ومؤلَّفات كثيرة ألَّفها في صباه وهو ابن سبع سنين! '
أُمِّي ويكتب وهو في سبع سنين أو عشر، فضلاً عن كونه كهلاً، وله رموز في منظوماته ومنثوراته مطلسمة إلى وقتنا هذا لم يفك أحدٌ فيما نعلم معناها -رموز، وذكر كثيراً منها لا يفهمها أي أحد، وكتب مؤلفات وهو أُمِّي.
كرامات محمد بن أبي حمزة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/100)
المدعو محمد بن أبي جمرة، يقول: ' إنَّه كان كبير الشأن معظماً للشرع، لكن أنكرو عليه بدعواه رؤية النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقظةً، وعقدوا له مجلساً، فأقام في بيته لا يخرج إلا لصلاة الجمعة، ومات المنكِرون عليه على أسوأ حال وعرفوا بركته '.
ومما نقله الشعراني في تعظيم أئمَّتهم قوله عن أحدهم: ' كان يقول: لو كان الحق -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يُرضيه خلاف السنَّة لكان التوجه في الصلاة إلى القطب الغوث أولى مِن التوجُّه إلى الكعبة '.
أي: أن التوجه إلى الكعبة عبادة محضة، وإلا فإن هذا القطب [الغوث] أولى مِن الكعبة.
كرامات الشويمي
ومِن أوليائهم المدعو الشويمي، يقول الشعراني: ' جاء مرةً شخصٌ يحمِّله حمْلة - والحملة هي الحاجة - هذه الحملة هي إمراة يحبها ويريد أن يتزوجها وهي تأبى، فقال له: ادخل هذه الخلوة واشتغل باسمها -أي: ردِّد اسمها- فدخل واشتغل باسمها ليلاً ونهاراً فجاءته المرأة برِجليها إلى الخلوة! -انظروا السحر، وانظروا كيف يجمع المرأة بمن لا يجوز- وقالت له: افتح لي أنا فلانة، فزهد فيها، وقال: إن كان الأمر كذلك فاشتغالي بالله أولى، فاشتغل باسم الله تعالى، ففتح عليه في خامس يوم رضي الله عنه '.
كان الشويمي رفيقاً لمدين الأشموني ' وكان يدخل ويضع يده على عورات النساء، فيغضبن ويشكون للشيخ فيقول: لا تتشوشوا! ' وكثير من مثل هذه الكرامات آثرتُ أن لا أذكرها حياءً منكم، وممن يقرأ، وإلا فهذا عندهم كثير: يضع يده على عورات النساء، وعلى عورات الرجال.
كرامات الدقوسي
ومِن كبار أوليائهم المدعو: أبو بكر الدقوسي، ينقل الشعراني عن أحد تلاميذه حج معه ' وكان الشيخ يقترض طول الطريق الألف دينار فما دونها على يدي، فإذا طلبني المال أجيءُ به إليه فأخبره، فيقول: عُدَّ لك مِن هذه الحجارة -يقول: خُذ هذه الحجارة وعُدَّ لك على قدر الدَّيْن!! - قال: وكنتُ أعُدُّ الألف والمائة، والأربعين، والثلاثين فأعطيها الرجل فيجدها دنانير! '
كرامات أحمد الزاهر
ومنهم: المدعو أحمد الزاهر، وآخر: الذي يقول: إنَّه كان يطرح الحجارة فتُحوَّل إلى ذهب، ينقلون هذا عن كثيرٍ مِن أتباعهم، ولاشك أنَّه مِن السحر كغيره مِن كراماتهم!
يقول: ' وكان له صاحب يبيع الحشيش بباب اللوق، فكان الشيخ رضي الله عنه يرسل إليه أصحابَ الحوائج فيقضيها لهم، فقال له أحد تلاميذه عن ذلك - أي: كيف تفعل هذا مع الحشاشين؟ - فقال له: ياولدي ليس هذا مِن أهل المعاصي، إنَّما هو جالس يُتَوِّب النَّاس في صورة بيع الحشيش، فكل مَن اشترى منه لا يعود يبلعها أبداً '.
ويقول عن الشيخ أبي بكر أن تلميذه لما حج: ' يقول سألته أن يجمعني على القطب فقال: اجلس ها هنا، فمضى فغاب عنِّي ساعة ثم حصل عندي ثِقَل في رأسي، فلم أتمالك أحملها حتى لصقت لحيتي بعانتي! فجلسا يتحدثان عندي - أي: الشيخ والقطب - بين زمزم والمقام ساعة، وكان مِن جملة ما سمعتُ مِن القطب يقول: آنَستَنا يا عثمان، حلَّت علينا البركة، ثمَّ قال لشيخي: توصَّى به فإنَّه يجيءُ منه، ثم قرأ سورة الفاتحة وسورة قريش، ودعيا، وانصرفا، ثم رجع سيدي أبو بكر رضي الله عنه، فقال: ارفع رأسَك، قلت: لا أستطيع، فصار يمرخني ورقبتي تلين شيئاً فشيئاً، حتى رجعتْ لما كانت عليه، فقال: يا عثمان هذا حالك وأنت ما رأيتَه، فكيف لو رأيتَه، فمن ثَمَّ كان سيدي عثمان رضي الله عنه -كما يقول الشعراني - لا يريد إلا الانصراف عن جليسه حتى يقرأ سورة الفاتحة، ولإيلاف قريش؛ لأنَّه سمع القطب قرأها قبل أن ينصرف '.
كرامات الجاكي
وهذا المدعو حسين الجاكي، مِن كراماته، قال الشعراني: ' عقدوا له مجلساً عند السلطان ليمنعوه مِن الوعظ وقالوا: إنَّه يلحن، فأمر السلطان بمنعه، فشكا ذلك لشيخه، الشيخ أيوب، قال: فبينما السلطان في بيت الخلاء، إذ خرج له الشيخ أيوب مِن الحائط والمكنسة على كتفه في صورة أسدٍ عظيم وفتح فمه يريد أن يبلع السلطان، فارتعب السلطان ووقع مغشيّاً عليه، فلمَّا أفاق قال له: أرسل للشيخ حسين يعظ وإلا أهلكتك، ثم دخل مِن الحائط '.
كرامات التستري
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/101)
ووليُّهم المدعو: حسن التستري، يقولون: ' إنَّ الوزير سدَّ زاويته وأقفلها فقال الشيخ: مَن سدَّ هذا الباب؟ فقالوا: الوزير فلان بأمر السلطان، فقال: نَحن نسدُّ أبواب بدنه وطيقانه، فعمي الوزير وطرش وخرس، وانسدَّ أنفُه عن خروج النَّفَس، وانسدَّ قُبُلُه ودُبُرُه عن البول والغائط، فمات الوزير في الحال، فبلغ ذلك السلطان فنزل إليه وصالحه، وفتح له الباب '.
كرامات القناوي
عبد الرحيم القناوي، يقول الشعراني: ' نزل يوماً في حلقته شبحٌ مِن الجوِّ لا يدري الحاضرون ما هو، فأطرق الشيخ ساعةً ثم ارتفع الشبحُ إلى السماء، فسألوه عنه فقال: هذا ملَكٌ وقعت منه هفوةٌ فسقط علينا يستشفع بنا، فقبِل الله شفاعتَنا فيه فارتفع!
قال: وكان الشيخ إذا شاوره إنسانٌ في شيءٍ يقول: أمهلني حتى أستأذن لك فيه جبريل عليه السلام، فيمهله ساعة، ثم يقول له: إفعل أو لاتفعل على حسب ما يقول جبريل '
كرامات الخواص
أما المدعو علي الخواص: فينقل عنه ' أنَّ محمد بن هارون مِن أوليائهم -وهناك خلاف بين هذا الولييْن-سلبه حالَه مرة صبيٌّ القرَّاد -أحد الأولياء الآخرين- وذلك أنَّه كان إذا خرج مِن صلاة الجمعة تبعه أهل المدينة يشيِّعونه إلى داره، فمرَّ بصبيِّ القراد وهو جالس تحت حائطه يفلي خرقته مِن القمل، وهو مادٌّ رجليه، فخطر في سرِّ الشيخ أنَّ هذا قليل الأدب يمد رجليه ومثْلي مارٌّ عليه، فسُلب لوقته، وفرَّت النَّاس عنه، فرجع فلم يجد الصبيَّ، فدار عليه في البلاد إلى أن وجده في رميلة بمصر فلمَّا نظر القَرَّاد الكبير إليه وهو واقف وقد فرغوا، قال له: تعالَ يا سيدي الشيخ، مثلك يخطر في خاطره أنَّ له مقاماً أوقدْراً؟ هذا الصبيُّ سلبكَ حالك - القراد يقول: الصبيُّ سلب الشيخ حالَه -أي: إيمانه- فله أن يمد رجله بحضرتك لكونه أقرب إلى الله منك، فقال: التوبة، فأرسله إلى سنهور المدينة -إلى الحائط الذي كان يفلي فرقته عندها- وقال: نادِ السحليَّة التي هناك في الشق -أي: الوزغ التي في الشق عند الحائط- وقل لها: إنَّ قزمان طاب خاطره علي فردي عليَّ حالي، فخرجتْ، ونفختْ في وجهه، فردَّ الله عليه حاله أي: ردَّ الله إيمانَه لما نفختْ عليه هذه السحلية! '
كرامات البقال
وهذا علي البقال، يقولون مِن كراماته: ' أنَّ ابن الفارض مرَّ به فرآه يتوضأ وضوءاً غير مرتب وهو لا يعرفه، فقال له: أنتَ في هذا السنِّ في دار الإسلام وتتوضأ وضوءاً باطلاً؟ فنظر إليه، وقال: لم أتوضأ إلاَّ وضوءاً مرتَّباً لكنَّك لا تبصر، ولو أبصرت أبصرت هكذا، وأخذ بيده فأراه الكعبة، فأكبَّ ابن الفارض على أقدامه يستغفر '.
كرامات البحيري
وهذا المدعو علي البحيري، قال المناوي: ' أخبرني صاحبُنا زين الدين العلاف أنَّه جلس مرة فطأطأ رأسَه، وتمرَّغ على التراب، وقال: أستغفر الله، وكرَّر ذلك وبكى!! فسأله عن ذلك، فقال: حككت رأسي في ساق العرش في هذا الوقت '.
كرامات الهيتي
علي بن الهيتي، يقولون مِن كراماته: ' أنَّه حضر هو وجماعة مِن المشايخ والفقهاء، فعملوا سماعاً -أي: حضرة- فأخذ المشايخ بحظهم مِن الرقص والغناء، وأنكرت الفقهاء ببواطنهم، فطاف عليهم الشيخ علي بن الهيتي - ما أظهروا إنما في الباطن فقط فكان كلَّما قابل رجلاً نظر إليه فيفقد جميع معلوماته حتى مِن القرآن! وانصرفوا ومكثوا كذلك شهراً ثم أتوا واستغفروا وقبَّلوا رجليْه '.
يقول الشعراني في العهود ' حكى لي أحدُهم أنَّ والده سراج الدين البلقيني مرَّ يوماً في باب اللوق، فوجد هناك زحمة، فقال: ما هذه الزحمة؟ فقالوا: شخصٌ مِن أولياء الله يبيع الحشيش! فقال: كيف يكون شخص حشاش مِن أولياء الله؟ إنما هو مِن الحرافيش، ثم ولَّى، فسُلب الشيخ جميعَ ما معه حتى الفاتحة '.
قال: فمنذ ذلك اليوم ما أنكر الشيخ البلقيني على أحدٍ مِن أرباب الأحوال!
وكما قلنا هذا هو الإرهاب الذي يضعونه.
كرامات القونوي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/102)
صدر الدين القونوي الرومي الذي ذكره شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية في كتبه مراراً، كان تلميذ ابن عربي، قال المناوي: حكى عن نفسه أنَّه قال: اجتهد شيخي العارف ابن عربي أن يشرِّفني ويوصلني إلى المرتبة التي يتجلى فيها الحق تعالى للطالب بالتجليات البرقيِّة في حياته فما أمكنه -يعني: في حياة ابن عربي - فزرتُ قبره بعد موته، ثم رجعتُ، فبينا أنا أمشي في الفضاء عند طرسوس في يوم صائف، والزهور يحركها نسيم الصبا فنظرت إليها، وتفكرت في قدرة الله تعالى وكبريائه وجلاله، فشرفني حبُّ الرحمن حتى كدت أغيب عن الأكوان، فتمثَّل لي روح الشيخ ابن عربي في أحسن صورة كأنَّه نورٌ صَرف، فقال: يا محتار! انظر إليَّ، وإذا الحقُّ جلَّ وعلا تجلَّى لي بالتجلِّي البرقي مِن الشرف الذاتي فغبتُ عنِّي به فيه على قدر لمح البصر، ثمَّ أفقتُ حالاً وإذا بالشيخ الأكبر بين يدي فسلم سلام المواصلة بعد الفرقة وعانقني معانقة شديدة، وقال: الحمد لله الذي رفع الحجاب وواصل الأحباب.
كرامات الكوراني
ومِن أكابر مَن أحيا طريقةَ ابن عربي ومذهبه في وحدة الوجود المدعو يوسف الكوراني الملقب العجمي، تحدث عنه الشعراني، فقال -ضمن ترجمته-: لما ورد عليه وارد الحق بالسفر مِن أرض العجم إلى مصر، فلم يلتفت إليه، فورد ثانياً -وارد في قلبه- فلم يلتفت إليه، فورد ثالثاً، فقال: اللهمَّ إن كان هذا واردَ صدقٍِِِِِ فاقلب لي عينَ هذا النَّهر لبناً حتى أشرب منه في قصعتي هذه! فانقلبَ النَّهر لبناً وشرب منه ثم ذهب إلى مصر.
وله حكاياتٌ كثيرةٌ ننقل منها واحدة فقط، لتَعلموا حقيقة هؤلاء القوم -ومعهم ابن عربي وأمثاله- يقول: كان رضي الله عنه إذا خرج مِن الخلوة يخرج وعيناه كأنَّهما قطعة جمرٍ تتوقد، فكلُّ مَن وقع نظره عليه انقلبت عينُه ذهباً خالصاً، ولقد وقع بصره يوماً على كلبٍ فانقادت إليه جميع الكلاب إن وقف: وقفوا، وإن مشى: مشوا!! فأعلموا الشيخ بذلك، فأرسل خلف الكلب وقال: "اخسأ"! فرجعت عليه الكلاب تعضه حتى هرب منها.
ووقع له مرةً أخرى أنَّه خرج مِن خلوة الأربعين فوقع بصره على كلبٍ فانقادت له جميع الكلاب، وصار النَّاس يهرعون إليه في قضاء حوائجهم، فلمَّا مرض ذلك الكلب اجتمع حوله الكلاب يبكون! ويظهرون الحزن عليه! فلمَّا مات أظهروا البكاء والعويل وألهم الله تعالى بعض النَّاس فدفنوه، فكانت الكلاب تزور قبره حتى ماتوا!
يقول الشعراني: ' فهذه نظرة إلى كلبٍ فَعلت ما فعلت فكيف لو وقعت على إنسان؟! '.
وحكاياتهم عن الكلاب وأنَّها من الأولياء كثيرة، منها: أن رجلاً اسمه "علي صاحب البقرة "، يقول النبهاني: كان له بقرة يحرث عليها فأراد أن يحلبها في بعض الأيام، فقالت له: يا شيخ علي إمَّا حليب، وإما حراثة فأتى بِها فاستنْطقها عند أهل القرية، فقالت مثل المقالة الأولى، فقال لها: اذهبي فلا حليب ولا حراثة، ثم سقط ميِّتاً، وسقطت هي أيضاً، فدفنا في محلٍ واحدٍ، وقبرُهما مقصودان للزيارة، وقد زرناهما في غير هذه المرة مع زمرة مِن الإخوان، وحصل لنا الحظ التام، وذكرنا الله تعالى عندهما برهة مِن الزمان!
يعني: الشيخ والبقرة، فمن أوليائهم الكلاب ومن أوليائهم الأبقار!!
كرامات باعباد الحضرمي
وهذا باعبَّاد الحضرمي -وهو ممن ذكروهم مِن الأولياء الكبار- كان يقول لأصحابه: ' مَن وقع منكم في ضيق: فليتوسل إلى الله تعالى بي ويدعوني؛ فإني أحضركم أينما كنتم! '.
يقول المؤلف: ' وجرَّب ذلك بعضُهم فوجده كما قال '.
كرامات اليافعي
أبو محمد عبد الله بن أسعد اليافعي، يقول: ' إنَّه لما قصد المدينة لزيارة النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا أدخل المدينة حتى يأذن لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قال: فوقفتُ على باب المدينة أربعة عشر يوماً، فرأيتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقال لي: يا عبد الله! أنا في الدنيا نبيك، وفي الآخرة شفيعك، وفي الجنة رفيقك!! واعلم أن في اليمن عشرة أنفس مَن زارهم فقد زارني، ومَن جفاهم فقد جفاني '.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/103)
أقول: ولذلك يُصِرُّون على حديث: {مَن حجَّ ولم يزرني فقد جفاني} [47] ليستفيدوا به في مثل هذا الموضع، فإذا قلتَ لهم: هذا الحديث ضعيف لا تراهم يدافعوا عنه؛ لأنه لم يثبت عن رسول الله، يدافعوا عنه لأنه يبطل دعواهم هم.
يقول: 'فقلتُ: مَن هم يا رسول الله؟! فقال: خمسة مِن الأحياء، وخمسة مِن الأموات، فقلت: مَن الأحياء؟ قال: -فلان، وفلان .. إلى أن يقول- خرجتُ في طلب القوم، وليس الخبر كالمعاينة، ومَن شكَّ فقد أشرك!! فأتيتُ الأحياء، فحدثوني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم كذلك، قال: وأتيتُ الأموات فحدَّثوني، فلمَّا أتيتُ الشيخ محمد النهاري قال: مرحباً برسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت له: بم نلتَ هذا؟ قال: قال الله عز وجل: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] '.
كرامات الجعبري
ومِن كرامات ما يسمُّونه علي بن أحمد الجعبري: أنَّه كان إذا جاء ليدخل باباً فوجده مغلقاً دخله مِن شقوقه التي لا تسع نملة.
قال النبهاني: ' ومرَّ يوماً بالشارع بدارٍ وإذا هو بامرأة جميلة، فوقف زماناً، ثم صاح، وإذا بها نزلت، وأتت بالشهادتين، وكانت نصرانية! فقال لمن معه: نظرتُ إلى هذا الجمال الباهر، فقال: أنقذني مِن هذا الكفر الظاهر، فتوجهت فأسلمتْ '.
يعني: النَّظر إلى المحرمات، أو كشف العورات لا إشكال! فهو كثير جدّاً، ننقل واحدة منها:
كرامات الكردي
المدعو علي الكردي وهو يعتبر مِن أوليائهم، أنَّ السهروردي لما جاء إلى دمشق قال: أريد أن أزور علي الكردي، فقال له الناس: يا مولانا لا تفعل وأنت إمام الوجود، وهذا رجل لا يصلِّي ويمشي مكشوف العورة أكثر أوقاته - لاحظوا هذا الولي لا يصلِّي، ويمشي أكثر أوقاته وهو مكشوف العورة - قال: لا بدَّ مِن ذلك، فساعة دخوله مِن الباب خرج الشيخ علي من دمشق ... فلم يدخلها بعد ذلك، فقالوا للشيخ السهروردي: هو في الجبَّانة، فركب بغلته، ودخل يمشي إليه، فلمَّا رآه علي الكردي قد قرب منه كشف عورته، فقال الشيخ شهاب الدين: ما هذا شيءٌ يصدُّنا عنك وها نحن ضيفك -يعني: مهما كشفت لا يصدُّنا-.
وسأنقل ما ذكره صاحب المشرع الروي في فضائل آل با علوي عن بعض العارفين، قال: ' أقمتُ بمكة المشرفة سنين، وكنتُ أجد في المسجد الحرام أنساً جسيماً، وتجليّاً عظيماً، فلمَّا وصلت تريم ودخلت مسجد آل با علوي وجدتُ ذلك الأنس والتجلِّي، وكذا وجدته في مسجد عمر المحضار، ومسجد محمد بن حسن جمل الليل ' -يعني: يشبِّه هذه المساجد بالحرم، وأغرب مِن هذا أنَّ اللَّجنة التي يرأسها الشاطري -مِن أهل جدة - والتي طبعت الكتاب أنَّها حذفت بعض الكرامات، ولم أتمكن مِن الرجوع للطبعة القديمة التي لا يوجد الحذف فيها.
9 - الجهاد عند الصوفية
بقي أمر آخر عند الصوفية نتكلم عنه وهو جهاد الصوفية كيف يجاهدون؟ يمكن أن يقول أحد من الناس الصوفية لا يجاهدون! وأجيب: بلى، هم يقولون: نحن نجاهد، وسأقرأ لكم الآن عن أحدِ أئمَّتهم كيف جاهد.
هذا أحدهم اسمه محمد بن الشيخ أبي بكر العردوك، يقول النبهاني: "تأهب الشيخ محمد وتحزَّم، وأخذ عمود خيمته، وجعل يقاتل في الهواء غائب العقل ظاهراً! والجماعة حوله يعلمون أنه في أمر مهمَّ، وبقي إلى مثل ذلك الوقت مِن نهارِ الخميس تاليه، ثم استلقى كالميت، وكُلُّ ما عليه مع بدنه، وعموده ملطخ بالدماء، ثم أفاق بعد ساعة والجماعة حوله يبكون، فقبَّلوا يديه ورجليه، وسألوه عمَّا جرى، فأخبرهم بأنَّه قاتل جيش التتار، وقتل كبيرهم وأنَّهم في هذا اليوم ينكسرون، وانكسر التتار بأرض حمص يوم الخميس.
أقول: الشيخ حاربَهم وهو قاعد يضارب في الهواء.
وهناك شيخ آخر اسمه: الشيخ برق، قال النبهاني: ' روينا أنَّ قاضي دمشق مرَّ يوماً راكباً بمكان بدمشق فنظر إليه الشيخ برق قائماً، وبين يديه جبَّة غليظة، وهو يضربه بخشبة غليظة، والدم يرتفع مِن ذلك المضروب في الهواء، ويرشرش ماحوله -أي: ماحول الشيخ- والشيخ منزعج، يصيح مرة، ويهيم مرة، ويصير كالسكران إلى أن أفاق الشيخ ورجع إلى حكم الظاهر، فسأله ما الخبر؟ فقال: حضرتُ الساعةَ وقعة المنصورة، وكان جميع ما يرى مِن الضرب وظهور الدماء مِن تلك الوقعة، وقد نصرتُ المسلمين وخذلت الكافرين '.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/104)
انظروا! الشيخ هو الذي فعل ذلك وهو في دمشق يضرب الجبَّة!
بقي أن نقول: إنَّ الكرامات هذه كثيرةٌ جدّاً لا نستطيع أن نأتي بِها جميعاً، وكلها شركيَّات، وخرافات وضلالات، وكلُّها أوهام، وكثيرٌ منها تخرجُ صاحبَها مِن الملَّة بمجرد اعتقاده، ولن نستطيع أن نأتي بها جميعاً، وإنَّما ذكرتُ ما ذكرتُ منها لإعطاء فكرة عامَّة، فكرة موجزة عن هذا -دين الصوفية - خلواته، وشيوخه، ثم عن كراماتهم، وعن مجاهداتهم كما سبق.
فهذه هي أركان الطريق عندهم، وهذا هو دين هؤلاء القوم، وهذه هي عقيدتهم، فمن خدع بكتاب الرد المحكم المنيع الذي ألَّفه الرفاعي، أو مَن خُدع بكتاب التحذير من الاغترار بما جاء في كتاب الحوار الذي ألَّفه المغربيَّان عبد الحي وعبد الكريم، ومَن خدع بكتاب إعلام النبيل الذي ألَّفه راشد بن إبراهيم المريخي البحريني، ومَن خدع بأيِّ كتابٍ مِن كُتب هؤلاء القوم أو بأيِّ دعوةٍ مِن دعواتِهم، أو بأيِّ فكرة مِن أفكارهم: فليعلم أن هذه هي أصولهم، ولا يغتر بما يذكرونه في هذه الكتب مِن أنَّ الخلاف بيننا وبينهم في "المولد"، أو في بعض الفرعيَّات، أو في بعض القضايا التي لا تثير إشكالاً، وياليت أننا نتعاون على الشيوعية، وعلى أعداء الاسلام، ونترك هذه البدع كما يقولون أبداً، هذه هي عقيدتهم، وكلٌّ منهم آخذٌ منها بحظ، من لم يأخذها كلها فله حظ منها بقدر ما يأخذ.
10 - توجيهات إلى المغترين بالصوفية
أمَّا المغترين والمخدوعين بالصوفية فإليهم نوجِّه هذا الكلام، وأرجو منكم أن توجهوه إليهم.
أيها الإخوة: اعرفوا عقيدة هؤلاء القوم واعلموها، ثم بعد ذلك فكِّروا! هل تنفعكم هذه العقيدة عند الله؟ هل تتفق هذه العقيدة مع كتاب الله وسنَّة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا؟
هذا هو موضع الخلاف الذي يجب أن نعلمه جميعاً.
أمَّا دعواهم أنَّهم يكرهون الخلاف، وما يكتبه هؤلاء مِن قولهم: إنَّنا لو نترك هذه الخلافات ونتفق على الأمور المجمع عليها ونتعاون عليها مثل محاربة الشيوعية أو اليهودية وما إلى ذلك، فنقول لهم: مَن الذي بعث الخلاف، ومَن الذي أثار المشكلة؟ ومَن الذي فرَّق الجماعة إلا هذا الدين المحدث الذي جئتم به؟ وهذه الضلالات التي أتيتم بها؟
مَن الذي فرَّق جماعة المسلمين إلا البدع والضلالات؟ مَن الذي يقيم الموالد بين الحين والحين ويدعو إلى البدعة علانية، ويثير أحقاد العوام والجهلة على العلماء الذين ينكرون هذا المولد من هم؟ هذه القاعدة: نحن نطالبكم بها، نقول لكم: إنَّنا مختلفون معكم في الموالد، ومختلفون معكم في كل البدع المخالفة للكتاب والسنَّة، فلماذا لا تتركونَها وتأتون إلى مواضع الاتفاق التي نتفق نحن وإياكم عليها، فنتعاون على حربِها، ونتعاون على حرب الربا والتبرج والعلمانية التي بدأت تأكل الأخضر والهشيم في مجتمعنا؟ وكذلك الانحلال الخلقى الذي بدأ يتفشى؟ والأفكار الغربية الوافدة التي تظهر في الصحف والكتب وفي كل مكان؟ لماذا لا تتعاونون معنا على هذه الأمور التي نحن متفقون عليها، وتتركون البدع التي نختلف فيها نحن وإياكم؟ هذه القاعدة نحن نقولها لكم، ونطالبكم بها، ولا تطالبوننا أنتم بها.
ولكنَّه الباطل، هكذا الباطل دائماً يتخفى، فالذي لديه ذهب مغشوش لا يمكن أن يبيعه في سوق الذهب، وإنَّما يذهب به إلى البوادي، وإلى أطراف البلاد ليبيعه على الجهلة.
وهكذا هؤلاء القوم لو أنَّهم على الحقِّ، فلماذا يتخفون به عن العلماء، وعن النَّاس؟!
فهذا المدعو محمد علوي مالكي الذي يقيم في مصر محتجباً عن البشر جميعاً، لماذا يحتجب إذا كان على الحق؟! ولماذا لا يقيم في القاهرة، ويعلن دعوته ما دامت هي الحق؟ والمالكي لماذا لا يُظهر دعوتَه في مكة؟ ولماذا لا يناظر عليها العلماء حتى لو أوذي؟ فأصحاب الدعوات الحق يتحمَّلون الأذى مِن أجلها ما دامت حقّاً.
لكن لأنَّ هؤلاء هم أول مَن يعلم بطلان دعوتِهم وكذبِها، وهم أول مَن يعلم ضلالها، لذلك لا يريدون أن يُظهروها أمام الملأ إلاَّ في الأقطار النائية مِن العالم الإسلامي، ويُؤثرون المجد والشهرة، ويُؤثرون أكل السُّحت على الحق كمَا فعل أحبار اليهود، وكما يفعل علماء الرافضة وآياتهم، فهم يؤثرون ذلك على الحق، وإلا فهم يعلمون الأدلة، ويعلمون أنَّ أدلتهم باطلة، ويعلمون ما في المولد مِن الشرك، وإن طنطنوا وجعجعوا، وقالوا: ليس فيه شرك.
فكلمة أخيرة أقولها لكم، وقولوها لكل واحدٍ مِن أتباع المالكي أو غيره، ولكلِّ محبِّ للحقٍّ مِن المخدوع بهذا الدِّين أعني، دين التصوف: لا تنظروا إلى أتباع هذا الرجل وأمثاله، لا تنظروا إلى عقيدة التوحيد على أنَّها عقيدة أهل نجد، أو أهل الشام، اتركوا النَّعرة الجاهلية، وعودوا إلى الكتاب والسنَّة، وانظروا إلى مَن يتبع الدليل، ومَن يتَّبع الكتاب والسنَّة، ومَن يتَّبع الحق، فكونوا معه، والحمد لله رب العالمين.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/105)
ـ[عمر]ــــــــ[04 - 10 - 06, 06:58 ص]ـ
اي اسمري تقصد بارك الله فيك
ـ[ابو الحسن الأكاديري]ــــــــ[11 - 10 - 06, 03:57 ص]ـ
اي اسمري تقصد بارك الله فيك
يقصد صالح الأسمري
ـ[أبو عبدالملك البلوي]ــــــــ[03 - 11 - 06, 10:26 م]ـ
لم افهم ماعلاقة العنوان بما أوردته
ـ[ابن الحميدي الشمري]ــــــــ[04 - 11 - 06, 01:26 ص]ـ
مين صالح الأسمري؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هل هو شيخ الطائف؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ـ[أبوهمام الطائفي]ــــــــ[10 - 11 - 06, 10:32 م]ـ
نعم وأنا من أهل الطائف وممن احتك بالشيخ كثيرا غفر الله لنا وله، تعرف منه وتنكر وهو رجل مشبه عليه، لكنه ذو تأصيل عملي رائع ولم تظهر هذا الأقوال إلا بعد عودته من قطر بعد فترة انتداب لمدة خمس سنوات لم يقض منها إلا ثلاث فقط وهو الآن مستقر في الرياض بعد أمر بتحويله من الشيخ صالح آل الشيخ(35/106)
هل من تعريف بالتجهم والتعطيل والاعتزال؟؟
ـ[محمود السعيدان]ــــــــ[17 - 09 - 06, 03:18 ص]ـ
أرجو منكم إخواني تعرفونني بهذه المصطلحات:
التجهم نسبة للجهمية،،
التعطيل نسبة للمعطلة،
الاعتزال نسبة للمعتزلة،
كثيرا ما تمر علي بالكتب لكن لا أعرفها حقيقة، فهل من تعريف لها؟؟؟؟
وجزاكم الله كل خير
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[17 - 09 - 06, 05:16 ص]ـ
الجهميه هم اصحاب رجل يقال له جهم بن صفوان قتل بمرو في اخر ملك بني اميه وهو من الجبريه الخالصه ((الذين ينفون الفعل عن العبد ويضيفونه الى الرب عز وجل)) وافق المعتزلة في نفي الصفات الازلية وزاد قال \لا يجوز وصف الباري بصفه يوصف بها خلقة فقال ان الله ليس حيا عالما واثبت ثلاث صفات قادر فاعل خالق \وقال ان لله علوما حادثة لا في محل اي ان الله لا يعلم الشي قبل خلقة وان علم الله مخلوق وان علمه ليس فيه ذاته لان ذلك يؤدي ان يكون الله محلا للمخلوقات ((ان اردت الاستزادة راجع الملل والنحل لالشهرستاني ومقالات الاسلاميين لاشعري والفرق بين الفرق لابن طاهر البغدادي))
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[17 - 09 - 06, 05:31 ص]ـ
المعطله هم على عدة اقسام لاكنها ضمن انكار الخالق والبعث والرسل والاعاده \ومنهم من انكر الاسماء والصفات بعد الاسلام كالجهميه والمعتزله والغلاة من الشيعة كهشام بن الحكم الي قال ان العلم صفة لله الا ان يعلم الاشياء بعد حدوثهاوكثير من الفرق من عطلة صفات الله عز وجل بغية التنزيه نسأل الله السلامة
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[17 - 09 - 06, 05:49 ص]ـ
بداية المعتزلة كانت على يد واصل بن عطاء عندما اعتزل مجلس الحسن البصري عندما قال بالمنزلة بين المنزلتين فأصبخت على عصره اربع اصول ظهر بها (1) التوحيد والتنزيه (2) المنزلة بين المنزلتين (3) خلق الانسان لافعالة ولا لله عز وجل شأن فيها (4) تفسيق احد الطرفين على عهد عثمان وخصومه وعلي وخصومه لا احد بعينه \ وبعد ذلك تطوروا في امور كفريه اي ان القرأن مخلوق وعلم الله مخلوق وهم اول من ادخل علم الكلام حسب علمي والفلسفه الى السلام وقدموا العقل على النقل اي ان الحديث اذى اتى يخالف العقل نرده ولا يقبلون حديث الاحاد ولهم امور كثيرة ولاكن كتبت هذا الكلام بختصار هذا والله اعلم(35/107)
صمد بلا كفؤ ولا كيفية أبدا
ـ[محب العفاسي]ــــــــ[17 - 09 - 06, 12:31 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إخواني وقع لي إشكال في مسألة و هي أني كنت أسمع لقصيدة بإلقاء القارئ مشاري بن راشد العفاسي و كان من بين أبيات القصيدة قول الشاعر:
صمد بلا كفؤ ولا كيفية أبدا فما النظراء و الأشباه
و الإشكال في قوله ولا كيفية فمعلوم أن من عقيدة أهل السنة و الجماعة أن لله كيفية و لكنها مجهولة بالنسبة لنا كما قال إمام دار الهجرة مالك الإستواء معلوم و الكيف مجهول ... فهو رضي الله عنه أثبت الكيفية و نفى معرفتنا بها
فهل هذا الإعتراض صحيح أم لا؟
أفيدونا بارك الله فيكم
أخوكم فؤاد العنّابي الجزائري (محب العفاسي)
ـ[فيصل]ــــــــ[19 - 09 - 06, 01:02 ص]ـ
بلا كيف يعني بلا كيفية نعلمها والشيخ العفاسي إن أراد هذا فمسلم وإن أرد غيره-ولا احسبه- فهو مردود مع حفظنا لمكانته حفظه الله.
أما نفي الشكل والهيئة فليس هو من طريقه اهل السنة والأثر فأهل السنة يفوضون الكيف وينزهونه سبحانه عن المماثلة ولا يتكلمون في ما وراء ذلك ولا يقولون كما يقول أهل البدع ليس بذي شكل ولا هيئة ولا .. الخ فكما أن المثبت لا ينبغي ان يثبت إلا بدليل فالنافي كذلك بل قد يتوسل بهذا النفي في نفي صفات الله الثابته له سبحانه.
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[19 - 09 - 06, 03:52 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله بركاته ((اهل السنة يثبتون المعنى ويتوقفون في الكيفية والصحابه رضي الله عنهم لم يخوضوا في هذه المسائل ويكفينا نحن ان نقول امنا بما انزل على محمد عليه الصلاة والسلام ولسنا مطالبين بالكيفيات ويكفي المسلم في الصفات ان يقول كما ذكر في القرأن والسنه ويثبت ذلك ولا عليه حرج ان شاء الله فاصحاب المنطق والعقل الفاسد الذين اولوا الكلام فقد احدثوا في هذا الدين ما ليس منه على دور الرسول والصحابة وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام عند ذكر حديث انقسام السلام وسألوه ماهذه الفرقة قال ((ماعليه انا واصحابي اليوم)) ويجب على المسلم ان يهجر اصحاب البدع ولا يجالسهم فهم اساتذة ابليس وليسوا تلاميذه ومن كلمك منهم لا تأخذ من كلامهم شياء وقل له قل لي قال الله قال الرسول وكفى تأويل))(35/108)
سؤال .. ! أرجو إفادتي .. بتاريخ إطلاق مصطلح أهل السنة والجماعة .. على أهل السنة ..
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[17 - 09 - 06, 03:29 م]ـ
أرجو إفادتي .. بتاريخ إطلاق مصطلح أهل السنة والجماعة .. على أهل السنة ..
مع توثيق ذلك بالمصدر ..
والله الموفق
ـ[مشعل العياضي]ــــــــ[06 - 10 - 06, 04:21 ص]ـ
لفظ أهل السنة قديم جدا وأقدم ما وقفت عليه في علمي القاصر ماجاء في مقدمة مسلم عن ابن سيرين في هذا النص,,,,والله الموفق
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنْ الْإِسْنَادِ فَلَمَّا وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ قَالُوا سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[06 - 10 - 06, 08:41 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي .. ولكن إنما سألت عن "أهل السنة والجماعة" .. هكذا معا ..
ـ[حاتم علاء]ــــــــ[07 - 10 - 06, 12:24 ص]ـ
السلام عليكم
يمكنك الإطلاع الى كتاب الشيخ محمد يسري فقد أصل هذه المسئلة ومسائل أخرى بطريقة رائعة في كتابه
مبادئ في علم التوحيد (كتاب الهداية)
صفحة 29
http://www.ahlalhdeeth.net/twealib/0138.pdf
ـ[علاء شعبان]ــــــــ[07 - 10 - 06, 01:15 م]ـ
نشأة التسمية بأهل السنة والجماعة
إنما قلنا نسأة التسمية، ولم نقل نشأة أهل السنة، لأن مذهب أهل السنة هو ما كان عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه فليسوا ممن ابتدع بدعة فنسبت إلى فردٍ أو طائفة حتى يقال: إنه نشأ في عام كذا، ولهذا قال شيخ الإسلام في "منهاج السنة" (2/ 601 - 606):
" ومذهب أهل السنة والجماعة مذهب قديم معروف قبل أن يخلق الله أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم ومن خالف ذلك كان مبتدعا عند أهل السنة والجماعة فإنهم متفقون على أن إجماع الصحابة حجة ومتنازعون في إجماع من بعدهم" ... ثم يُبين لماذا نُسبَ مذهب أهل السنة للإمام أحمد – رحمه الله تعالى – فيقول:
" وأحمد بن حنبل وإن كان قد اشتهر بإمامة السنة والصبر في المحنة فليس ذلك لأنه انفرد بقول أو ابتدع قولا بل لأن السنة التي كانت موجودة معروفة قبله علمها ودعا إليها وصبر على من امتحنه ليفارقها وكان الأئمة قبله قد ماتوا قبل المحنة فلما وقعت محنة الجهمية نفاة الصفات في أوائل المائة الثالثة على عهد المأمون وأخيه المعتصم ثم الواثق ودعوا الناس إلى التجهم وإبطال صفات الله تعالى وهو المذهب الذي ذهب إليه متأخروا الرافضة وكانوا قد أدخلوا معهم من أدخلوه من ولاة الأمور فلم يوافقهم أهل السنة والجماعة حتى تهددوا بعضهم بالقتل وقيدوا بعضهم وعاقبوهم وأخذوهم بالرهبة والرغبة وثبت الإمام أحمد بن حنبل على ذلك الأمر حتى حبسوه مدة ثم طلبوا أصحابهم لمناظرته فانقطعوا معه في المناظرة يوما بعد يوم ولم يأتوا بما يوجب موافقته لهم بل بين خطأهم فيما ذكروه من الأدلة وكانوا قد طلبوا له أئمة الكلام من أهل البصرة وغيرهم مثل أبي عيسى محمد بن عيسى برغوث صاحب حسين النجار وأمثاله ولم تكن المناظرة مع المعتزلة فقط بل كانت مع جنس الجهمية من المعتزلة والنجارية والضرارية وأنواع المرجئة فكل معتزلي جهمي وليس كل جهمي معتزليا لكن جهم أشد تعطيلا لأنه ينفى الأسماء والصفات والمعتزلة تنفى الصفات دون الأسماء وبشر المريسى كان من المرجئة لم يكن من المعتزلة بل كان من كبار الجهمية وظهر للخليفة المعتصم أمرهم وعزم على رفع المحنة حتى ألح عليه ابن أبي دؤاد يشير عليه إنك إن لم تضر به وإلا انكسر ناموس الخلافة فضربه فعظمت الشناعة من العامة والخاصة فأطلقوه ثم صارت هذه الأمور سببا في البحث عن مسائل الصفات وما فيها من النصوص والأدلة والشبهات من جانبي المثبتة والنفاة للصفات وصنف الناس في ذلك مصنفات وأحمد وغيره من علماء أهل السنة والحديث مازالوا يعرفون فساد مذهب الروافض والخوارج والقدرية والجهمية والمرجئة ولكن بسبب المحنة كثر الكلام ورفع الله قدر هذا الإمام فصار إماما من أئمة السنة وعلما من أعلامها لقيامه بإعلامها وإظهارها واطلاعه على نصوصها وآثارها وبيانه لخفى أسرارها لا لأنه أحدث مقالة أو ابتدع رأيا ولهذا قال بعض شيوخ المغرب المذهب لمالك والشافعي والظهور لأحمد يعنى أن مذاهب الأئمة في الأصول مذهب واحد وهو كما" اهـ.
فمن هذا النص المتين يتبين أن أهل السنة والجماعة، إنما هم امتداد لما كان عليه الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، فإذا ما قام إمام – في زمن البدع أو غربة أهل السنة – بالدعوة السليمة ومحاربة ما يخالفها فهو لم يأت بجديد وإنما جدد ما اندرس من مذهب أهل السنة، وأحيا ما مات منه، وإلا فالعقيدة لم تتغير والمنهج في العقيدة لم يتغير.
وأما عن بدء التسمية أهل السنة والجماعة أو أهل الحديث فكانت بداية لأن الافتراق لما حصل، وتعددت هذه الفرق وكثرت البدع والانحرافات، كان لابد لأهل السنة أن يتميزوا عن غيرهم في اعتقادهم وفي منهجهم، وإن كانوا في الحقيقة امتدادًا طبيعيًا لما كان عليه الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه.
ويمكن لمزيد من الفائدة مراجعة "سلسلة رسائل الغرباء" (2/ 125 - 127).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/109)
ـ[عبدالله أبو محمد]ــــــــ[09 - 10 - 06, 02:19 ص]ـ
قال الشيخ أ. د ناصر العقل حفظه الله:
لمّا كثرت الأهواء والفرق في أول القرن الثاني ظهر مصطلح أهل السنة، لأن الناس قبل ذلك كانوا كلهم على السنة، وبعده برزت الأهواء وأهلها فكان لا بد من التمييز بين أهل البدعة وبين أهل السنة لحفظ الدين والرواية وعقيدة الأمة. قال ابن سيرين ـ رحمه الله ـ (ت110):" لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم " [أخرجه مسلم في صيحيحه (المقدمة) 1/ 15]
وهذا من حيث الظهور والاشتهار، أما من حيث الأصل الشرعي: فإن السنة والجماعة مما أمر به الرسول ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ـ فقال: (عليكم بسنتي ... ) الحديث، وقال: (وعليكم بالجماعة ... ) الحديث.
المرجع: دراسات في الأهواء والفرق والبدع وموقف السلف منها للشيخ ناصر العقل ج1،ص 123.
ـ[عبدالله أبو محمد]ــــــــ[09 - 10 - 06, 02:26 ص]ـ
وقد تكلم عن هذا المصطلح وبداية نشأته وتتبع من أطلق هذا اللقب حسب التسلسل التاريخي الدكتور / محمد باكريم في كتابه: وسطية أهل السنة بين الفرق، وفي أوله قال في ص 41:
يرجع تاريخ إطلاق هذا اللفظ إلى صدر الإسلام، إلى عصر النبوة، والقرون المفضلة.
فقد أخرج اللالكائي بسنده عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله تعالى: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه}؛ (فأما الذين ابيضت وجوههم: فأهل السنة والجماعة وأولوا العلم، وأما الذين اسودّت وجوههم: فأهل البدع والضلالة).
ثم تتابع ورود استعمال هذا اللفظ وإطلاقه عن كثير من أئمة السلف رحمة الله عليهم، أذكر طائفة منهم حسب التسلسل التاريخي .... "
ـ[عبدالله أبو محمد]ــــــــ[09 - 10 - 06, 02:28 ص]ـ
كما بحث هذا الموضوع الشيخ الدكتور/ عثمان علي حسن في كتابه الماتع/ منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد. فارجع إليه إن شئت.(35/110)
ما عقيدة صاحب كتاب الفرق بين الفرق؟
ـ[زوجة وأم]ــــــــ[17 - 09 - 06, 10:57 م]ـ
السلام عليكم
ما عقيدة مؤلف كتاب الفرق بين الفرق؟
عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي الإسفرائيني
ـ[جلاء الأفهام]ــــــــ[18 - 09 - 06, 07:24 ص]ـ
أشعري متعصب
بنى كتابه المذكور على قاعدة (من كفرنا فهو كافر).
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[18 - 09 - 06, 12:17 م]ـ
كثيرا ما كان يقول (فال شيخنا الاشعري)
ـ[ابوالعباس الترهونى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 02:00 ص]ـ
نريد المزيد
بورك فيكم
ـ[ابو الأشبال الدرعمي]ــــــــ[19 - 09 - 06, 04:21 ص]ـ
لعلك تنظر ترجمته في كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة للدكتور عبد الرحمن المحمود فإنه مفيد جداا(35/111)
جزء مما يتعلق بالكرامات من الرد المسمى بالبيان الجلي
ـ[عبد الرحمن غياث]ــــــــ[18 - 09 - 06, 06:51 ص]ـ
كرامات الأولياء
مقتطفات من كلام شيخ الإسلام في ذلك
مجموع الفتاوى [جزء 11 - صفحة 239]
وهذه الأرواح الشيطانية هي الروح الذى يزعم صاحب الفتوحات انه ألقى إليه ذلك الكتاب ولهذا يذكر انواعا من الخلوات بطعام معين وشىء معين وهذه مما تفتح لصاحبها اتصالا بالجن والشياطين فيظنون ذلك من كرامات الأولياء وانما هو من الأحوال الشيطانية واعرف من هؤلاء عددا ومنهم من كان يحمل فى الهواء إلى مكان بعيد ويعود ومنهم من كانت يؤتى بمال مسروق تسرقه الشياطين وتأتيه به ومنهم من كانت تدله على السرقات بجعل يحصل له من الناس أو بعطاء يعطونه إذا دلهم على سرقاتهم ونحو ذلك
ولما كانت أحوال هؤلاء شيطانية كانوا مناقضين للرسل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم كما يوجد فى كلام صاحب الفتوحات المكية و الفصوص واشباه ذلك يمدح الكفار مثل قوم نوح وهود وفرعون وغيرهم ويتنقص الأنبياء كنوح وإبراهيم وموسى وهارون ويذم شيوخ المسلمين المحمودين عند المسلمين
مجموع الفتاوى [جزء 11 - صفحة 274]
فأولياء الله المتقون هم المقتدون بمحمد صلى الله عليه وسلم فيفعلون ما امر به وينتهون عما عنه زجر ويقتدون به فيما بين لهم ان يتبعوه فيه فيؤيدهم بملائكته وروح منه ويقذف الله فى قلوبهم من انواره ولهم الكرامات التى يكرم الله بها اولياءه المتقين وخيار اولياء الله كراماتهم لحجة فى الدين أو لحاجة بالمسلمين كما كانت معجزات نبيهم كذلك
وكرامات أولياءالله إنما حصلت ببركة اتباع رسوله
فهى فى الحقيقة تدخل فى معجزات الرسول مثل انشقاق القمر وتسبيح الحصا فى كفه واتيان الشجر إليه وحنين الجذع إليه واخباره ليلة المعراج بصفة بيت المقدس واخباره بما كان وما يكون واتيانه بالكتاب العزيز وتكثير الطعام والشراب مرات كثيرة كما اشبع فى الخندق العسكر من قدر طعام وهو لم ينقص فى حديث أم سلمة المشهور واروى العسكر فى غزوة خيبر من مزادة ماء ولم تنقص وملأ أوعية العسكر عام تبوك من طعام قليل ولم ينقص وهم نحو ثلاثين الفا ونبع الماء من بين اصابعه مرات متعددة حتى كفى الناس الذين كانوا معه كما كانوا فى غزوة الحديبية نحو الف واربعمائة او خمسمائة ورده لعين ابى قتادة حين سالت على خده فرجعت احسن عينيه ولما ارسل محمد بن سلمة لقتل كعب بن الاشرف فوقع وانكسرت رجله فمسحها فبرئت واطعم من شواء مائة وثلاثين رجلا كلا منهم حز له قطعة وجعل منها قطعتين فأكلوا منها جميعهم ثم فضل فضلة ودين عبد الله ابى جابر لليهودى وهو ثلاثون وسقا قال جابر فامر صاحب الدين ان يأخذ التمر جميعه بالذى كان له فلم يقبل فمشى فيها رسول الله ثم قال لجابر جد له فوفاه الثلاثين وسقا وفضل سبعة عشر وسقا ومثل هذا كثير قد جمعت نحو ألف معجزة
وكرامات الصحابة والتابعين بعدهم وسائر الصالحين كثيرة جدا مثل ما كان اسيد بن حضير يقرأ سورة الكهف فنزل من السماء مثل الظلة فيها امثال السرج وهى الملائكة نزلت لقراءته وكانت الملائكة تسلم على عمران بن حصين وكان سلمان وابو الدرداء يأكلان فى صحفة فسبحت الصحفة او سبح ما فيها وعباد بن بشر واسيد بن حضير خرجا من عند رسول الله فى ليلة مظلمة فأضاء لهما نور مثل طرف السوط فلما افترقا افترق الضوء معهما رواه البخارى وغيره
وقصة الصديق فى الصحيحين لما ذهب بثلاثة اضياف معه الى بيته وجعل لا يأكل لقمة الا ربى من اسفلها اكثر منها فشبعوا وصارت اكثر مما هى قبل ذلك فنظر اليها ابو بكر وامرأته فاذا هى اكثر مما كانت فرفعها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء اليه اقوام كثيرون فأكلوا منها وشبعوا و خبيب بن عدى كان اسيرا عند المشركين بمكة شرفها الله تعالى وكان يؤتى بعنب يأكله وليس بمكة عنبة
و عامر بن فهيرة قتل شهيدا فالتمسوا جسده فلم يقدروا عليه وكان لما قتل رفع فرآه عامر بن الطفيل وقد رفع وقال عروة فيرون الملائكة رفعته
وخرجت ام ايمن مهاجرة وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش فلما كان وقت الفطر وكانت صائمة سمعت حسا على رأسها فرفعته فاذا دلو معلق فشربت منه حتى رويت وما عطشت بقية عمرها
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/112)
و سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبر الاسد بأنه رسول رسول الله فمشى معه الاسد حتى اوصله مقصده
و البراء بن مالك كان إذا اقسم على الله تعالى أبر قسمه وكان الحرب إذا اشتد على المسلمين فى الجهاد يقولون يا براء اقسم على ربك فيقول يا رب اقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم فيهزم العدو فلما كان يوم القادسية قال اقسمت عليك يا رب لما منحتنا اكتافهم وجعلتنى اول شهيد فمنحوا اكتافهم وقتل البراء شهيدا
و خالد بن الوليد حاصر حصنا منيعا فقالوا لا نسلم حتى تشرب السم فشربه فلم يضره
و سعد بن أبى وقاص كان مستجاب الدعوة ما دعى قط الا استجيب له وهو الذى هزم جنود كسرى وفتح العراق
و عمر بن الخطاب لما أرسل جيشا امر عليهم رجلا يسمى سارية فبينما عمر يخطب فجعل يصيح على المنبر يا سارية الجبل يا سارية الجبل فقدم رسول الجيش فسأل فقال يا أمير المؤمنين لقينا عدوا فهزمونا فاذا بصائح يا سارية الجبل يا سارية الجبل فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله
ولما عذبت الزبيرة على الاسلام فى الله فأبت الا الاسلام وذهب بصرها
قال المشركون اصاب بصرها اللات والعزى قالت كلا والله فرد الله عليها بصرها ودعا سعيد بن زيد على اروى بنت الحكم فأعمى بصرها لما كذبت عليه فقال اللهم ان كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلها فى ارضها فعميت ووقعت فى حفرة من أرضها فماتت
والعلاء بن الحضرمى كان عامل رسول الله على البحرين وكان يقول فى دعائه يا عليم يا حليم يا على يا عظيم فيستجاب له ودعا الله بأن يسقوا ويتوضئوا لما عدموا الماء والاسقاء لما بعدهم فأجيب ودعا الله لما اعترضهم البحر ولم يقدروا على المرور بخيولهم فمروا كلهم على الماء ما ابتلت سروج خيولهم ودعا الله ان لا يروا جسده اذا مات فلم يجدوه فى اللحد وجرى مثل ذلك
لأبى مسلم الخولانى الذى القى فى النار فانه مشى هو ومن معه من العسكر على دجلة وهى ترمى بالخشب من مدها ثم التفت الى اصحابه فقال تفقدون من متاعكم شيئا حتى ادعوا الله عز وجل فيه فقال بعضهم فقدت مخلاة فقال اتبعنى فتبعه فوجدها قد تعلقت بشىء فأخذها وطلبه الاسود العنسى لما دعى النبوة فقال له أتشهد أنى رسول الله قال ما اسمع قال أتشهد ان محمدا رسول الله قال نعم فأمر بنار فألقى فيها فوجدوه قائما يصلى فيها وقد صارت عليه بردا وسلاما وقدم المدينة بعد موت النبى فأجلسه عمر بينه وبين ابى بكر الصديق رضى الله عنهما وقال الحمد الله الذى لم يمتنى حتى ارى من أمة محمد من فعل به كما فعل بابراهيم خليل الله ووضعت له جارية السم فى طعامه فلم يضره وخببت امرأة عليه زوجته فدعا عليها فعميت وجاءت وتابت فدعا لها فرد الله عليها بصرها
وكان عامر بن عبد قيس يأخذ عطاءه ألفى درهم فى كمه وما يلقاه سائل فى طريقه الا اعطاه بغير عدد ثم يجىء الى بيته فلا يتغير عددها ولا وزنها ومر بقافلة قد حبسهم الاسد فجاء حتى مس بثيابه الاسد ثم وضع رجله على عنقه وقال إنما انت كلب من كلاب الرحمن وانى استحى ان اخاف شيئا غيره ومرت القافلة ودعا الله تعالى ان يهون عليه الطهور فى الشتاء فكان يؤتى بالماء له بخار ودعا ربه ان يمنع قلبه من الشيطان وهو فى الصلاة فلم يقدر عليه
وتغيب الحسن البصرى عن الحجاج فدخلوا عليه ست مرات فدعا الله عز وجل فلم يروه ودعا على بعض الخوارج كان يؤذيه فخر ميتا
و صلة بن أشيم مات فرسه وهو فى الغزو فقال اللهم لا تجعل لمخلوق على منة ودعا الله عز وجل فأحيا له فرسه فلما وصل الى بيته قال يا بنى خذ سرج الفرس فانه عارية فأخذ سرجه فمات الفرس وجاع مرة بالاهواز فدعا الله عز وجل واستطعمه فوقعت خلفه دوخلة رطب فى ثوب حرير فاكل التمر وبقى الثوب عند زوجته زمانا وجاء الاسد وهو يصلى فى غيضة بالليل فلما سلم قال له اطلب الرزق من غير هذا الموضع فولى الاسد وله زئير
وكان سعيد بن المسيب فى ايام الحرة يسمع الأذان من قبر رسول الله اوقات الصلوات وكان المسجد قد خلا فلم يبق غيره
ورجل من النخع كان له حمار فمات فى الطريق فقال له اصحابه هلم نتوزع
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/113)
متاعك على رحالنا فقال لهم أمهلونى هنيهة ثم توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين ودعا الله تعالى فأحيا له حماره فحمل عليه متاعه ولما مات أويس القرنى وجدوا فى ثيابه اكفانا لم تكن معه قبل ووجدوا له قبرا محفورا فيه لحد فى صخرة فدفنوه فيه وكفنوه فى تلك الاثواب
وكان عمرو بن عقبة بن فرقد يصلى يوما فى شدة الحر فأظلته غمامة وكان السبع يحميه وهو يرعى ركاب اصحابه لأنه كان يشترط على اصحابه فى الغزو انه يخدمهم
وكان مطرف بن عبد الله بن الشخير اذا دخل بيته سجت معه آنيته وكان هو وصاحب له يسيران فى ظلمة فأضاء لهما طرف السوط
ولما مات الاحنف بن قيس وقعت قلنسوة رجل فى قبره فأهوى
ليأخذها فوجد القبر قد فسح فيه مد البصر
وكان إبراهيم التيمى يقيم الشهر والشهرين لا يأكل شيئا وخرج يمتار لأهله طعاما فلم يقدر عليه فمر بسهلة حمراء فأخذ منها ثم رجع الى أهله ففتحها فإذا هى حنطة حمراء فكان اذا زرع منها تخرج السنبلة من أصلها الى فرعها حبا متراكبا
وكان عتبة الغلام سأل ربه ثلاث خصال صوتا حسنا ودمعا غزيرا وطعاما من غير تكلف فكان اذا قرأ بكى وأبكى ودموعه جارية دهره وكان يأوى الى منزله فيصيب فيه قوته ولا يدرى من أين يأتيه
وكان عبد الواحد بن زيد أصابه الفالج فسأل ربه ان يطلق له اعضاءه وقت الوضوء فكان وقت الوضوء تطلق له اعضاؤه ثم تعود بعده
وهذا باب واسع قد بسط الكلام على كرامات الأولياء فى غير هذا الموضع
واما ما نعرفه عن اعيان ونعرفه فى هذا الزمان فكثير
ومما ينبغى ان يعرف ان الكرامات قد تكون بحسب حاجة الرجل فإذا احتاج اليها الضعيف الايمان او المحتاج أتاه منها ما يقوى ايمانه ويسد حاجته ويكون من هو أكمل ولاية لله منه مستغنيا عن ذلك فلا يأتيه مثل ذلك لعلو درجته وغناه عنها لا لنقص ولايته ولهذا كانت هذه الامور فى التابعين أكثر منها فى الصحابة بخلاف من يجرى على يديه الخوارق لهدى الخلق ولحاجتهم فهؤلاء اعظم درجة
وهذا بخلاف الأحوال الشيطانية مثل حال عبد الله بن صياد الذى ظهر فى زمن النبى وكان قد ظن بعض الصحابة أنه الدجال وتوقف النبى فى أمره حتى تبين له فيما بعد انه ليس هو الدجال لكنه كان من جنس الكهان قال له النبى قد خبأت لك خبأ قال الدخ الدخ وقد كان خبأ له سورة الدخان فقال له النبى اخسأ فلن تعدو قدرك يعنى إنما أنت من اخوان الكهان والكهان كان يكون لأحدهم القرين من الشياطين يخبره بكثير من المغيبات بما يسترقه من السمع وكانوا يخلطون الصدق بالكذب كما فى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى وغيره ان النبى قال ان الملائكة تنزل فى العنان وهو السحاب فتذكر الأمر قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فتوحيه الى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند انفسهم
وفى الحديث الذى رواه مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال بينما النبى فى نفر من الأنصار إذ رمى بنجم فاستنار فقال النبى ما كنتم تقولون لمثل هذا فى الجاهلية إذا رأيتموه قالوا كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم قال رسول الله فانه لا يرمى بها لموت احد ولا لحياته ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ثم الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء ثم يسأل أهل السماء السابعة حمل العرش ماذا قال ربنا فيخبرونهم ثم يستخبر أهل كل سماء حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا وتخطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه إلى اوليائهم فما جاؤا به على وجهه فهو حق ولكنهم يزيدون
وفى رواية قال معمر قلت للزهرى أكان يرمى بها فى الجاهلية قال نعم ولكنها غلظت حين بعث النبى
و الاسود العنسى الذى ادعى النبوة كان له من الشياطين من يخبره ببعض الأمور المغيبة فلما قاتله المسلمون كانوا يخافون من الشياطين ان يخبروه بما يقولون فيه حتى اعانتهم عليه امرأته لما نتبين لها كفره فقتلوه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/114)
وكذلك مسيلمة الكذاب وكان معه من الشياطين من يخبره بالمغيبات ويعينه على بعض الأمور وأمثال هؤلاء كثيرون مثل الحارث الدمشقى الذى خرج بالشام زمن عبد الملك بن مروان وادعى النبوة وكانت الشياطين يخرجون رجليه من القيد وتمنع السلاح ان ينفذ فيه وتسبح الرخامة إذا مسحها بيده وكان يرى الناس رجالا وركبانا على خيل فى الهواء ويقول هى الملائكة وإنما كانوا جنا ولما أمسكه المسلمون ليقتلوه طعنه الطاعن بالرمح فلم ينفذ فيه فقال له عبد الملك انك لم تسم الله فسمى الله فطعنه فقتله
وهكذا أهل الأحوال الشيطانية تنصرف عنهم شياطينهم اذا ذكر عندهم ما يطردها مثل آية الكرسى فانه قد ثبت فى الصحيح عن النبى فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه لما وكله النبى بحفظ زكاة الفطر فسرق منه الشيطان ليلة بعد ليلة وهو يمسكه فيتوب فيطلقه فيقول له النبى صلى الله عليه وسلم ما فعل اسيرك البارحة فيقول زعم أنه لا يعود فيقول كذبك وانه سيعود فلما كان فى المرة الثالثة قال دعنى حتى اعلمك ما ينفعك إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى الله لا إله إلا هو الحى القيوم إلى آخرها فانه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فلما اخبر النبى قال صدقك وهو كذوب واخبره انه شيطان
ولهذا إذا قرأها الانسان عند الأحوال الشيطانية بصدق ابطلتها مثل من يدخل النار بحال شيطانى او يحضر سماع المكاء والتصدية فتنزل عليه الشياطين وتتكلم على لسانه كلاما لا يعلم وربما لا يفقه وربما كاشف بعض الحاضرين بما فى قلبه وربما تكلم بألسنة مختلفة كما يتكلم الجنى على لسان المصروع والانسان الذى حصل له الحال لا يدرى بذلك بمنزلة المصروع الذى يتخبطه الشيطان من المس ولبسه وتكلم على لسانه فاذا افاق لم يشعر بشىء مما قال ولهذا قد يضرب المصروع وذلك الضرب لا يؤثر فى الانسى ويخبر اذا افاق انه لم يشعر بشىء لان الضرب كان على الجنى الذى لبسه
ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون فى ذلك الموضع ومنهم من يطير بهم الجنى إلى مكة او بيت المقدس او غيرهما ومنهم من يحمله عشية عرفة ثم يعيده من ليلته فلا يحج حجا شرعيا بل يذهب بثيابه ولا يحرم إذا حاذى الميقات ولا يلبى ولا يقف بمزدلفة ولا يطوف بالبيت ولا يسعى بين الصفا والمروة ولا يرمى الجمار بل يقف بعرفة بثيابه ثم يرجع من ليلته وهذا ليس بحج ولهذا رأى بعض هؤلاء الملائكة تكتب الحجاج فقال الا تكتبونى فقالوا لست من الحجاج يعنى حجا شرعيا
وبين كرامات الأولياء وما يشبهها من الأحوال الشيطانية فروق متعددة
منها ان كرامات الأولياء سببها الايمان والتقوى و الأحوال الشيطانية سببها ما نهى الله عنه ورسوله وقد قال تعالى قل انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والأثم والبغى بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون فالقول على الله بغير علم والشرك والظلم والفواحش قد حرمهاالله تعالى ورسوله فلا تكون سببا لكرامة الله تعالى بالكرامات عليها فاذا كانت لا تحصل بالصلاة والذكر وقراءة القرآن بل تحصل بما يحبه الشيطان وبالامور التى فيها شرك كالاستغاثة بالمخلوقات أو كانت مما يستعان بها على ظلم الخلق وفعل الفواحش فهى من الاحوال الشيطانية لا من الكرامات الرحمانية
ومن هؤلاء من اذا حضر سماع المكاء والتصدية يتنزل عليه شيطانه حتى يحمله فى الهواء ويخرجه من تلك الدار فاذا حصل رجل من أولياء الله تعالى طرد شيطانه فيسقط كما جرى هذا لغير واحد
ومن هؤلاء من يستغيث بمخلوق إما حى أو ميت سواء كان ذلك الحى مسلما أو نصرانيا او مشركا فيتصور الشيطان بصورة ذلك المستغاث به ويقضى بعض حاجة ذلك المستغيث فيظن انه ذلك الشخص أو هو ملك على صورته وانما هو شيطان اضله لما اشرك بالله كما كانت الشياطين تدخل الأصنام وتكلم المشركين ومن هؤلاء من يتصور له الشيطان ويقول له أنا الخضر وربما اخبره ببعض الامور واعانه على بعض مطالبه كما قد جرى ذلك لغير واحد من المسلمين واليهود والنصارى وكثير من الكفار بأرض المشرق والمغرب يموت لهم الميت فيأتى الشيطان بعد موته على صورته وهم يعتقدون أنه ذلك الميت ويقضى الديون ويرد الودائع ويفعل اشياء تتعلق بالميت ويدخل على زوجته ويذهب وربما يكونون قد أحرقوا ميتهم بالنار كما
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/115)
تصنع كفار الهند فيظنون أنه عاش بعد موته
ومن هؤلاء شيخ كان بمصر اوصى خادمه فقال إذا انا مت فلا تدع أحدا يغسلنى فانا اجىء واغسل نفسى فلما مات رآى خادمه شخصا فى صورته فاعتقد أنه هو دخل وغسل نفسه فلما قضى ذلك الداخل غسله أى غسل الميت غاب وكان ذلك شيطانا وكان قد أضل الميت وقال انك بعد الموت تجىء فتغسل نفسك فلما مات جاء ايضا فى صورته ليغوى الاحياء كما اغوى الميت قبل ذلك
ومنهم من يرى عرشا فى الهواء وفوقه نور ويسمع من يخاطبه ويقول أنا ربك فان كان من أهل المعرفة علم أنه شيطان فزجره واستعاذ بالله منه فيزول ومنهم من يرى اشخاصا فى اليقظة يدعى احدهم انه نبى أو صديق او شيخ من الصالحين وقد جرى هذا لغير واحد ومنهم من يرى فى منامه ان بعض الاكابر اما الصديق رضى الله عنه او غيره قد قص شعره او حلقه او البسه طاقيته او ثوبه فيصبح وعلى رأسه طاقية وشعره محلوق او مقصر وإنما الجن قد حلقوا شعره او قصروه وهذه الأحوال الشيطانية تحصل لمن خرج عن الكتاب والسنة وهم درجات والجن الذين يقترنون بهم من جنسهم وهم على مذهبهم والجن فيهم الكافر والفاسق والمخطىء فان كان الانسى كافرا أو فاسقا أو جاهلا دخلوا معه فى الكفر و الفسوق والضلال وقد يعاونونه إذا وافقهم على ما يختارونه من الكفر مثل الاقسام عليهم بأسماء من يعظمونه من الجن وغيرهم ومثل ان يكتب اسماء الله أو بعض كلامه بالنجاسة او يقلب فاتحة الكتاب او سورة الاخلاص أو آية الكرسى أو غيرهن ويكتبهن بنجاسة فيغورون له الماء وينقلونه بسبب ما يرضيهم به من الكفر وقد يأتونه بما يهواه من امرأة او صبى اما فى الهواء واما مدفوعا ملجأ إليه
إلى امثال هذه الأمور التى يطول وصفها والايمان بها ايمان بالجبت والطاغوت والجبت السحر والطاغوت الشياطين والاصنام وان كان الرجل مطيعا لله ورسوله باطنا وظاهرا لم يمكنهم الدخول معه فى ذلك او مسالمته
ولهذا لما كانت عبادة المسلمين المشروعة فى المساجد التى هى بيوت الله كان عمار المساجد ابعد عن الأحوال الشيطانية وكان أهل الشرك والبدع يعظمون القبور ومشاهد الموتى فيدعون الميت او يدعون به او يعتقدون ان الدعاء عنده مستجاب اقرب الى الأحوال الشيطانية فانه ثبت فى الصحيحين عن النبى انه قال لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور انبيائهم مس 4 اجد
وثبت فى صحيح مسلم عنه انه قال قبل ان يموت بخمس ليال ان من امن الناس على فى صحبته وذات يده ابو بكر ولو كنت متخذا خليلا من أهل الارض لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله لا يبقين فى المسجد خوخة الا سدت الا خوخة ابى بكر ان من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد الا فلا تتخذوا القبور مساجد فانى انهاكم عن ذلك
وفى الصحيحين عنه انه ذكر له فى مرضه كنيسة بأرض الحبشة وذكروا من حسنها وتصاوير فيها فقال ان أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيها تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة
وفى المسند وصحيح ابى حاتم عنه قال ان من شرار الخلق من تدركهم الساعة وهم احياء والذين اتخذوا القبور مساجد
وفى الصحيح عنه انه قال لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا اليها وفى الموطأ عنه انه قال اللهم لا تجعل قبر وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور انبيائهم مساجد
وفى السنن عنه انه قال لا تتخذوا قبرى عيدا وصلوا على حيثما كنتم فان صلاتكم تبلغنى
وقال ما من رجل يسلم على الا رد الله على روحى حتى ارد عليه السلام وقال صلى الله عليه وسلم ان الله وكل بقبرى ملائكة يبلغونى عن امتى السلام وقال أكثروا على من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فان صلاتكم معروضة على قالوا يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد ارمت اى بليت فقال ان الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء
وقد قال الله تعالى فى كتابه عن المشركين من قوم نوح عليه السلام وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا قال ابن عباس وغيره من السلف هؤلاء قوم كانوا صالحين من قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم فعبدوهم فكان هذا مبدأ عبادة الاوثان فنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد ليسد باب الشرك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/116)
كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها لأن المشركين يسجدون للشمس حينئذ والشيطان يقارنها وقت الطلوع ووقت الغروب فتكون فى الصلاة حينئذ مشابهة لصلاة المشركين فسد هذا الباب
والشيطان يضل بنى آدم بحسب قدرته فمن عبد الشمس والقمر والكواكب ودعاها كما يفعل أهل دعوة الكواكب فانه ينزل عليه شيطان يخاطبه ويحدثه ببعض الأمور ويسمون ذلك روحانية الكواكب وهو شيطان والشيطان وان اعان الانسان على بعض مقاصده فانه يضره اضعاف ما ينفعه وعاقبة من اطاعه الى شر الا ان يتوب الله عليه وكذلك عباد الأصنام قد تخاطبهم الشياطين
وكذلك من استغاث بميت أو غائب وكذلك من دعا الميت أو دعا به أو ظن ان الدعاء عند قبره أفضل منه فى البيوت والمساجد ويروون حديثا هو كذب باتفاق أهل المعرفة وهو إذا اعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور وإنما هذا وضع من فتح باب الشرك
ويوجد لأهل البدع وأهل الشرك المتشبهين بهم من عباد الأصنام والنصارى والضلال من المسلمين احوال عند المشاهد يظنونها كرامات وهى من الشياطين مثل أن يضعوا سراويل عند القبر فيجدونه قد انعقد أو يوضع عنده مصروع فيرون شيطانه قد فارقه يفعل الشيطان هذا ليضلهم وإذا قرأت آية الكرسى هناك بصدق بطل هذا فان التوحيد يطرد الشيطان ولهذا حمل بعضهم فى الهواء فقال لا إله إلا الله فسقط ومثل ان يرى احدهم ان القبر قد انشق وخرج منه انسان فيظنه الميت وهو شيطان
وهذا باب واسع لا يتسع له هذا الموضع
ولما كان الانقطاع الى المغارات والبوادى من البدع التى لم يشرعها الله ولا رسوله صارت الشياطين كثيرا ما تأوى الى المغارات والجبال مثل مغارة الدم التي بجبل قاسيون وجبل لبنان الذى بساحل الشام وجبل الفتح بأسوان بمصر وجبال بالروم وخراسان وجبال بالجزيرة وغير ذلك
وجبل اللكام وجبل الاحيش وجبل سولان قرب أردبيل وجبل شهنك عند تبريز وجبل ماشكو عند أقشوان وجبل نهاوند وغير ذلك من الجبال التى يظن بعض الناس ان بها رجالا من الصالحين من الانس ويسمونهم رجال الغيب وانما هناك رجال من الجن فالجن رجال كما أن الانس رجال قال تعالى وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا
ومن هؤلاء من يظهر بصورة رجل شعرانى جلده يشبه جلد ماعز فيظن من لا يعرفه أنه انسى وانما هو جنى ويقال بكل جبل من هذه الجبال الأربعون الابدال وهؤلاء الذين يظن انهم الأبدال هم جن بهذه الجبال كما يعرف ذلك بطرق متعددة
وهذا باب لا يتسع هذا الموضع لبسطه وذكر ما نعرفه من ذلك فانا قد رأينا وسمعنا من ذلك ما يطول وصفه فى هذا المختصر الذى كتب لمن سأل ان نذكر له من الكلام على اولياء الله تعالى ما يعرف به جمل ذلك
والناس فى خوارق العادات على ثلاثة أقسام
قسم يكذب بوجود ذلك لغير الأنبياء وربما صدق به مجملا وكذب ما يذكر له عن كثير من الناس لكونه عنده ليس من الأولياء
ومنهم من يظن ان كل من كان له نوع من خرق العادة كان وليا لله وكلا الأمرين خطأ ولهذا تجد ان هؤلاء يذكرون ان للمشركين وأهل الكتاب نصراء يعينونهم على قتال المسلمين وانهم من اولياء الله وأولئك يكذبون ان يكون معهم من له خرق عادة والصواب القول الثالث وهو ان معهم من ينصرهم من جنسهم لا من اولياء الله عز وجل كما قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء بعضهم اولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم وهؤلاء العباد والزهاد الذين ليسوا من اولياء الله المتقين المتبعين للكتاب والسنة تقترن بهم الشياطين فيكون لأحدهم من الخوارق ما يناسب حاله لكن خوارق هؤلاء يعارض بعضها بعضا وإذا حصل من له تمكن من اولياء الله تعالى ابطلها عليهم ولا بد ان يكون فى أحدهم من الكذب جهلا او عمدا ومن الأثم ما يناسب حال الشياطين المقترنة بهم ليفرق الله بذلك بين اوليائه المتقين وبين المتشبهين بهم من أولياء الشياطين قال الله تعالى هل انبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل افاك أثيم والافاك الكذاب والأثيم الفاجر
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/117)
ومن أعظم ما يقوى الاحوال الشيطانية سماع الغناء والملاهى وهو سماع المشركين قال الله تعالى وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية قال ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم وغيرهما من السلف التصدية التصفيق باليد و المكاء مثل الصفير فكان المشركون يتخذون هذا عبادة وأما النبى وأصحابه فعبادتهم ما امر الله به من الصلاة والقراءة والذكر ونحو ذلك والاجتماعات الشرعية ولم يجتمع النبى وأصحابه على استماع غناء قط لا بكف ولا بدف ولا تواجد ولا سقطت بردته بل كل ذلك كذب باتفاق أهل العلم بحديثه
وكان أصحاب النبى إذا اجتمعوا امروا واحدا منهم ان يقرأ والباقون يستمعون وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول لابى موسى الاشعرى ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستعمون ومر النبى بأبى موسى الأشعرى وهو يقرأ فقال له مررت بك البارحة وانت تقرأ فجعلت أستمع لقراءتك فقال لو علمت انك تستمع لحبرته لك تحبيرا اى لحسنته لك تحسينا كما قال النبى زينوا القرآن باصواتكم وقال صلى الله عليه وسلم لله اشهد اذنا اى استماعا الى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة الى قينته وقال لابن مسعود اقرأ على القرآن فقال اقرأ عليك وعليك انزل فقال انى احب ان اسمعه من غيرى فقرأت عليه سورة النساء حتى انتهيت إلى هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال حسبك فاذا عيناه تذرفان من البكاء
ومثل هذا السماع هو سماع النبيين واتباعهم كما ذكره الله فى القرآن فقال اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية ابراهيم واسرائيل وممن هدينا واجتبينا اذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا وقال فى اهل المعرفة واذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ومدح سبحانه اهل هذا السماع بما يحصل لهم من زيادة الايمان واقشعرار الجلد ودمع العين فقال تعالى الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله وقال تعالى انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم
واما السماع المحدث سماع الكف والدف والقصب فلم تكن الصحابة والتابعون لهم باحسان وسائر الأكابر من أئمة الدين يجعلون هذا طريقا الى الله تبارك وتعالى ولا يعدونه من القرب والطاعات بل يعدونه من البدع المذمومة حتى قال الشافعى خلفت ببغداد شيئا احدثته الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن واولياء الله العارفون يعرفون ذلك ويعلمون ان للشيطان فيه نصيبا وافرا ولهذا تاب منه خيار من حضره منهم
ومن كان ابعد عن المعرفة وعن كمال ولاية الله كان نصيب الشيطان منه أكثر وهو بمنزلة الخمر يؤثر فى النفوس أعظم من تأثير الخمر
ولهذا اذا قويت سكرة أهله نزلت عليهم الشياطين وتكلمت على ألسنة بعضهم وحملت بعضهم فى الهواء وقد تحصل عداوة بينهم
كما تحصل بين شراب الخمر فتكون شياطين أحدهم أقوى من شياطين الآخر فيقتلونه ويظن الجهال ان هذا من كرامات أولياء الله المتقين وإنما هذا مبعد لصاحبه عن الله وهو من أحوال الشياطين فان قتل المسلم لا يحل الا بما أحله الله فكيف يكون قتل المعصوم مما يكرم الله به أولياءه وإنما غاية الكرامة لزوم الاستقامة فلم يكرم الله عبدا بمثل أن يعينه على ما يحبه ويرضاه ويزيده مما يقربه إليه ويرفع به درجته
وذلك أن الخوارق منها ما هو من جنس العلم كالمكاشفات ومنها ما هو من جنس القدرة والملك كالتصرفات الخارقة للعادات ومنها ما هو من جنس الغنى عن جنس ما يعطاه الناس فى الظاهر من العلم والسلطان والمال والغنى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/118)
وجميع ما يؤتيه الله لعبده من هذه الأمور ان استعان به على ما يحبه الله ويرضاه ويقربه إليه ويرفع درجته ويأمره الله به ورسوله ازداد بذلك رفعة وقربا إلى الله ورسوله وعلت درجته وان استعان به على ما نهى الله عنه ورسوله كالشرك والظلم والفواحش استحق بذلك الذم والعقاب فان لم يتداركه الله تعالى بتوبة أو حسنات ما حية وإلا كان كامثاله من المذنبين ولهذا كثيرا ما يعاقب اصحاب الخوارق تارة بسلبها كما يعزل الملك عن ملكه ويسلب العالم علمه وتارة بسلب التطوعات فينقل من الولاية الخاصة إلى العامة وتارة ينزل إلى درجة الفساق وتارة يرتد عن الاسلام وهذا يكون فيمن له خوارق شيطانية فان كثيرا من هؤلاء يرتد عن الاسلام وكثير منهم لا يعرف ان هذه شيطانية بل يظنها من كرامات اولياء الله ويظن من يظن منهم ان الله عز وجل اذا اعطى عبدا خرق عادة لم يحاسبه على ذلك كمن يظن ان الله اذا اعطى عبدا ملكا ومالا وتصرفا لم يحاسبه عليه ومنهم من يستعين بالخوارق على أمور مباحة لا مأمورا بها ولا منهيا عنها فهذا يكون من عموم الأولياء وهم الابرار المقتصدون واما السابقون المقربون فأعلى من هؤلاء كما ان العبد الرسول أعلى من النبى الملك
ولما كانت الخوارق كثيرا ما تنقص بها درجة الرجل كان كثير من الصالحين يتوب من مثل ذلك ويستغفرالله تعالى كما يتوب من الذنوب كالزنا والسرقة وتعرض على بعضهم فيسأل الله زوالها وكلهم يأمر المريد السالك ان لا يقف عندها ولا يجعلها همته ولا يتبجح بها مع ظنهم انها كرامات فكيف إذا كانت بالحقيقة من الشياطين تغويهم بها فاني اعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع وإنما يخاطبه الشيطان الذى دخل فيها واعرف من يخاطبهم الحجر والشجر وتقول هنيئا لك يا ولى الله فيقرأ آية الكرسى فيذهب ذلك واعرف من يقصد صيد الطير فتخاطبه العصافير وغيرها وتقول خذنى حتى يأكلنى الفقراء ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل فى الانس ويخاطبه بذلك ومنهم من يكون فى البيت وهو مغلق فيرى نفسه خارجه وهو لم يفتح وبالعكس وكذلك فى ابواب المدينة وتكون الجن قد ادخلته واخرجته بسرعة أو تمر به انوار او تحضر عنده من يطلبه ويكون ذلك من الشياطين يتصورون بصورة صاحبه فإذا قرأ آية 2 الكرسى مرة بعد مرة ذهب ذلك كله واعرف من يخاطبه مخاطب ويقول له انا من امر الله ويعده بانه المهدى الذى بشر به النبى صلى الله عليه وسلم ويظهر له الخوارق مثل أن يخطر بقلبه تصرف فى الطير والجراد فى الهواء فإذا خطر بقلبه ذهاب الطير او الجراد يمينا أو شمالا ذهب حيث اراد وإذا خطر بقلبه قيام بعض المواشى او نومه او ذهابه حصل له ما اراد من غير حركة منه فى الظاهر وتحمله الى مكة وتأتى به وتأتيه باشخاص فى صورة جميلة وتقول له هذه الملائكة الكروبيون ارادوا زيارتك فيقول فى نفسه كيف تصوروا بصورة المردان فيرفع رأسه فيجدهم بلحى ويقول له علامة انك انت المهدى انك تنبت فى جسدك شامة فتنبت ويراها وغير ذلك وكله من مكر الشيطان
وهذا باب واسع لو ذكرت ما اعرفه منه لا حتاج إلى مجلد كبير وقد قال تعالى فأما الانسان اذ ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربى اكرمن وأما إذا ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربى اهانن قال الله تبارك وتعالى كلا ولفظ كلا فيها زجر وتنبيه زجر عن مثل هذا القول وتنبيه على ما يخبر به ويومر به بعده وذلك انه ليس كل من حصل له نعم دنيوية تعد كرامة يكون الله عز وجل مكرما له بها ولا كل من قدر عليه ذلك يكون مهينا له بذلك بل هو سبحانه يبتلى عبده بالسراء والضراء فقد يعطى النعم الدنيوية لمن لا يحبه ولا هو كريم عنده ليستدرجه بذلك وقد يحمى منها من يحبه ويواليه لئلا تنقص بذلك مرتبته عنده أو يقع بسببها فيما يكرهه منه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/119)
وأيضا كرامات الأولياء لابد ان يكون سببها الايمان والتقوى فما كان سببه الكفر والفسوق والعصيان فهو من خوارق اعداء الله لا من كرامات اولياء الله فمن كانت خوارقه لا تحصل بالصلاة والقراءة والذكر وقيام الليل والدعاء وإنما تحصل عند الشرك مثل دعاء الميت والغائب او بالفسق و العصيان واكل المحرمات كالحيات والزنابير والخنافس والدم وغيره من النجاسات ومثل الغناء والرقص لا سيما مع النسوة الاجانب والمردان وحالة خوارقه تنقص عند سماع القرآن وتقوى عند سماع مزامير الشيطان فيرقص ليلا طويلا فاذا جاءت الصلاة صلى قاعدا او ينقر الصلاة نقر الديك وهو يبغض سماع القرآن وينفر عنه ويتكلفه ليس له فيه محبة ولا ذوق ولا لذة عند وجده ويحب سماع المكاء والتصدية ويجد عنده مواجيد فهذه احوال شيطانية وهو ممن يتناوله قوله تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين
فالقرآن هو ذكر الرحمن قال الله تعالى ومن اعرض عن ذكرى فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك آتتك آياتنا فنسبتها وكذلك اليوم تنسى يعنى تركت العمل بها قال ابن عباس رضى الله عنهما تكفل الله لمن قرأ كتابه وعمل بما فيه ان لا يضل فى الدينا ولا يشقى فى الآخرة ثم قرأ هذه الآية
فصل ومما يجب ان يعلم ان الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم الى جميع الانس والجن فلم يبق انسى ولا جنى الا وجب عليه الايمان بمحمد واتباعه فعليه ان يصدقه فيما أخبر ويطيعه فيما أمر ومن قامت عليه الحجة برسالته فلم يؤمن به فهو كافر سواء كان انسيا أو جنيا
ومحمد مبعوث إلى الثقلين باتفاق المسلمين وقد استمعت الجن القرآن وولوا إلى قومهم منذرين لما كان النبى يصلى بأصحابه ببطن نخلة لما رجع من الطائف وأخبره الله بذلك فى القرآن بقوله واذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضى ولوا الى قومهم منذرين قالوا ياقومنا انا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى الى الحق وإلى طريق مستقيم ياقومنا اجيبوا داعى الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعى الله فليس بمعجز فى الأرض وليس له من دونه اولياء أولئك فى ضلال مبين
وأنزل الله تعالى بعد ذلك قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا انا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا احدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول لانس والجن على الله كذبا وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادهم رهقا اى السفيه منا فى اظهر قولى العلماء وقال غير واحد من السلف كان الرجل من الانس إذا نزل بالوادى قال أعوذ بعظيم هذا الوادى من شر سفهاء قومه فلما استغاثت الانس بالجن ازدادت الجن طغيانا وكفرا كما قال تعالى وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا وانهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله احدا وانا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وكانت الشياطين ترمى بالشهب قبل ان ينزل القرآن لكن كانوا احيانا يسترقون السمع قبل ان يصل الشهاب الى أحدهم فلما بعث محمد ملئت السماء حرسا شديدا وشهبا وصارت الشهب مرصدة لهم قبل ان يسمعوا كما قالوا وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وقال تعالى فى الآية الاخرى وما تنزلت به الشياطين وما ينبغى لهم وما يستطيعون أنهم عن السمع لمعزولون قالوا وانا لا ندرى أشر أريد بمن فى الأرض أم اراد بهم ربهم رشدا وانا منا الصالحون ومنا دون ذلك وكنا طرائق قددا أى على مذاهب شتى كما قال العلماء منهم المسلم والمشرك والنصرانى والسنى والبدعى وأنا ظننا ان لن نعجز الله فى الأرض ولن نعجزه هربا أخبروا أنهم لا يعجزونه لا ان اقاموا فى الأرض ولا إن هربوا منه وانا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا وانا منا المسلمون ومنا القاسطون أى الظالمون يقال اقسط إذا عدل وقسط اذا جار وظلم فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا واما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وان لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا وانه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/120)
لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قل انما ادعو ربي ولا أشرك به احدا قل انى لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل انى لن يجيرنى من الله احد ولن اجد من دونه ملتحدا أى ملجأ ومعاذا الا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها ابدا حتى اذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من اضعف ناصرا واقل عددا
ثم لما سمعت الجن القرآن اتوا الى النبى وآمنوا به وهم جن نصيبين كما ثبت ذلك فى الصحيح من حديث ابن مسعود وروى انه قرأ عليهم سورة الرحمن وكان اذا قال فبأى آلاء ربكما تكذبان قالوا ولا بشىء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد ولما اجتمعوا بالنبى سألوه الزاد لهم ولدوابهم فقال لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه تجدونه اوفر ما يكون لحما وكل بعرة علفا لدوابكم قال النبى فلا تستنجوا بهما فانهما زاد لاخوانكم من الجن وهذا النهى ثابت عنه من وجوه متعددة وبذلك احتج العلماء على النهى عن الاستنجاء بذلك وقالوا فاذا منع من الاستنجاء بما للجن ولدوابهم فما اعد للانس ولدوابهم من الطعام والعلف اولى واحرى
ومحمد أرسل الى جميع الانس والجن وهذا أعظم قدرا عند الله تعالى من كون الجن سخروا لسليمان عليه السلام فانهم سخروا له يتصرف فيهم بحكم الملك ومحمد أرسل اليهم يأمرهم بما أمر الله به ورسوله لأنه عبد الله ورسوله ومنزلة العبد الرسول فوق منزلة النبى الملك
وكفار الجن يدخلون النار بالنص والاجماع وأما مؤمنوهم فجمهور العلماء على انهم يدخلون الجنة وجمهور العلماء على ان الرسل من الانس ولم يبعث من الجن رسول لكن منهم النذر وهذه المسائل لبسطها موضع آخر
والمقصود هنا ان الجن مع الانس على احوال
فمن كان من الانس يأمر الجن بما أمر الله به رسوله من عبادة الله وحده وطاعة نبيه ويأمر الانس بذلك فهذا من أفضل اولياء الله تعالى وهو فى ذلك من خلفاء الرسول ونوابه
ومن كان يستعمل الجن فى أمور مباحة له فهو كمن استعمل الانس فى أمور مباحة له وهذا كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم فى مباحات له فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك وهذا اذا قدر انه من اولياء الله تعالى فغايته ان يكون فى عموم اولياء الله مثل النبى الملك مع العبد الرسول كسليمان ويوسف مع ابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
ومن كان يستعمل الجن فيما ينهى الله عنه ورسوله إما فى الشرك واما فى قتل معصوم الدم او فى العدوان عليهم بغير القتل كتمريضه وانسائه العلم وغير ذلك من الظلم واما فى فاحشة كجلب من يطلب منه الفاحشة فهذا قد استعان بهم على الاثم والعدوان ثم ان استعان بهم على الكفر فهو كافر وان استعان بهم على المعاصى فهو عاص إما فاسق وإما مذنب غير فاسق وان لم يكن تام العلم بالشريعة فاستعان بهم فيما يظن انه من الكرامات مثل ان يستعين بهم على الحج أو ان يطيروا به عند السماع البدعى أو ان يحملوه الى عرفات ولا يحج الحج الشرعى الذى امره الله به ورسوله وأن يحملوه من مدينة الى مدينة ونحو ذلك فهذا مغرور قد مكروا به
وكثير من هؤلاء قد لا يعرف ان ذلك من الجن بل قد سمع ان اولياء الله لهم كرامات وخوارق للعادات وليس عنده من حقائق الايمان ومعرفة القرآن ما يفرق به بين الكرامات الرحمانية وبين التلبيسات الشيطانية فيمكرون به بحسب اعتقاده فان كان مشركا يعبد الكواكب والاوثان اوهموه انه ينتفع بتلك العبادة ويكون قصده الاستشفاع والتوسل ممن صور ذلك الصنم على صورته من ملك او نبى او شيخ صالح فيظن انه صالح وتكون عبادته فى الحقيقة للشيطان قال الله تعالى ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة اهؤلاء اياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك انت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون
ولهذا كان الذين يسجدون للشمس والقمر والكواكب يقصدون السجود لها فيقارنها الشيطان عند سجودهم ليكون سجودهم له ولهذا يتمثل الشيطان بصورة من يستغيث به المشركون فان كان نصرانيا واستغاث بجرجس أو غيره جاء الشيطان فى صورة جرجس أو من يستغيث به وان كان منتسبا إلى الاسلام واستغاث بشيخ يحسن الظن به من شيوخ المسلمين جاء فى صورة ذلك الشيخ وان كان من مشركى الهند جاء فى صورة من يعظمه ذلك المشرك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/121)
ثم ان الشيخ المستغاث به ان كان ممن له خبرة بالشريعة لم يعرفه الشيطان انه تمثل لأصحابه المستغيثين به وان كان الشيخ ممن لا خبرة له بأقوالهم نقل اقوالهم له فيظن أولئك ان الشيخ سمع اصواتهم من البعد واجابهم وإنما هو بتوسط الشيطان
ولقد أخبر بعض الشيوخ الذين كان قد جرى لهم مثل هذا بصورة مكاشفة ومخاطبة فقال يروننى الجن شيئا براقا مثل الماء والزجاج ويمثلون له فيه ما يطلب منه الاخبار به قال فأخبر الناس به ويوصلون إلى كلام من استغاث بى من أصحابى فأجيبه فيوصلون جوابى اليه
وكان كثير من الشيوخ الذين حصل لهم كثير من هذه الخوارق اذا كذب بها من لم يعرفها وقال انكم تفعلون هذا بطريق الحيلة كما يدخل النار بحجر الطلق وقشور النارنج ودهن الضفادع وغير ذلك من الحيل الطبيعية فيعجب هؤلاء المشايخ ويقولون نحن والله لا نعرف شيئا من هذه الحيل فلما ذكر لهم الخبير انكم لصادقون فى ذلك ولكن هذه الأحوال شيطانية اقروا بذلك وتاب منهم من تاب الله عليه لما تبين لهم الحق وتبين لهم من وجوه انها من الشيطان ورأوا انها من الشياطين لما رأوا انها تحصل بمثل البدع المذمومة فى الشرع وعند المعاصى لله فلا تحصل عندما يحبه الله ورسوله من العبادات الشرعية فعلموا انها حينئذ من مخارق الشيطان لأوليائه لا من كرامات الرحمن لأوليائه
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب وصلى الله وسلم على محمد سيد رسله وانبيائه وعلى آله وصحبه وانصاره واشياعه وخلفائه صلاة وسلاما نستوجب بهما شفاعته آمين
قاعدة شريفة فى المعجزات والكرامات
وقال الشيخ الامام العالم العلامة العارف الربانى المقذوف فى قلبه النور القرآنى شيخ الاسلام تقى الدين ابو العباس أحمد بن تيمية رضى الله عنه وارضاه الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضاه واشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا إله سواه واشهد ان محمدا عبده ورسوله الذى اصطفاه واجتباه وهداه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
قاعدة شريفة فى المعجزات والكرامات وإن كان اسم المعجزة يعم كل خارق للعادة فى اللغة وعرف الأئمة المتقدمين كالامام احمد بن حنبل وغيره ويسمونها الآيات لكن كثير من المتأخرين يفرق فى اللفظ بينهما فيجعل المعجزة للنبى و الكرامة للولي وجماعهما الأمر الخارق للعادة
فنقول صفات الكمال ترجع إلى ثلاثة العلم والقدرة والغنى وان شئت ان تقول العلم والقدرة والقدرة إما على الفعل وهو التأثير وإما على الترك وهو الغنى والأول اجود وهذه الثلاثة لا تصلح على وجه الكمال الا لله وحده فانه الذى احاط بكل شىء علما وهو على كل شىء قدير وهو غنى عن العالمين
وقد امر الرسول ان يبرأ من دعوى هذه الثلاثة بقوله قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم انى ملك ان اتبع إلا ما يوحى الى وكذلك قال نوح عليه السلام فهذا أول أولى العزم واول رسول بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض وهذا خاتم الرسل وخاتم اولى العزم كلاهما يتبرأ من ذلك وهذا لأنهم يطالبون الرسول تارة بعلم الغيب كقوله ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين و يسألونك عن الساعة ايان مرساها قل انما علمها عند ربى وتارة بالتأثير كوله وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتى بالله والملائكة قبيلا إلى قوله قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا وتارة يعيبون عليه الحاجة البشرية كقوله وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الاسواق لولا انزل اليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى اليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها
فأمره ان يخبر انه لا يعلم الغيب ولا يملك خزائن الله ولا هو ملك غنى عن الاكل والمال إن هو الا متبع لما اوحى اليه واتباع ما اوحى اليه هو الدين وهو طاعة الله وعبادته علما وعملا بالباطن والظاهر
وانما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله تعالى فيعلم منه ما علمه اياه ويقدر منه على ما اقدره الله عليه ويستغنى عما اغناه الله عنه من الامور المخالفة للعادة المطردة او لعادة غالب الناس
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/122)
2 - فما كان من الخوارق من باب العلم فتارة بأن يسمع العبد مالا يسمعه غيره وتارة بأن يرى مالا يراه غيره يقظة ومناما وتارة بأن يعلم مالا يعلم غيره وحيا وإلهاما أو انزال علم ضرورى أو فراسة صادقة ويسمى كشفا ومشاهدات ومكاشفات ومخاطبات فالسماع مخاطبات والرؤية مشاهدات والعلم مكاشفة ويسمى ذلك كله كشفا و مكاشفة اى كشف له عنه
وما كان من بابا القدرة فهو التأثير وقد يكون همة وصدقا ودعوة مجابة وقد يكون من فعل الله الذى لا تأثير له فيه بحال مثل هلاك عدوه بغير أثر منه كقوله من عادى لى وليا فقد بارزنى بالمحاربة وانى لأثأر لأوليائى كما يثأر الليث الحرب ومثل تذليل النفوس له ومحبتها اياه ونحو ذلك
وكذلك ما كان من باب العلم والكشف قد يكشف لغيره من حاله بعض امور كما قال النبى فى المبشرات هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح او ترى له وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم أنتم شهداء الله فى الأرض
وكل واحد من الكشف والتأثير قد يكون قائما به وقد لا يكون قائما به بل يكشف الله حاله ويصنع له من حيث لا يحتسب كما قال يوسف بن اسباط ما صدق الله عبد إلا صنع له وقال احمد بن حنبل لو وضع الصدق على جرح لبرأ لكن من قام بغيره له من الكشف والتأثير فهو سببه ايضا وان كان خرق عادة فى ذلك الغير فمعجزات الأنبياء واعلامهم ودلائل نبوتهم تدخل فى ذلك
وقد جمع لنبينا محمد جميع انواع المعجزات والخوارق أما العلم والاخبار الغيبية والسماع والرؤية فمثل اخبار نبينا عن الأنبياء المتقدمين وأممهم ومخاطباته لهم واحواله معهم وغير الأنبياء من الأولياء وغيرهم بما يوافق ما عند أهل الكتاب الذين ورثوه بالتواتر أو بغيره من غير تعلم له منهم وكذلك اخباره عن أمور الربوبية والملائكة والجنة والنار بما يوافق الأنبياء قبله من غير تعلم منهم ويعلم ان ذلك موافق لنقول الأنبياء تارة بما فى ايديهم من الكتب الظاهرة ونحو ذلك من النقل المتواتر وتارة بما يعلمه الخاصة من علمائهم وفى مثل هذا قد يستشهد أهل الكتاب وهو من حكمة ابقائهم بالجزية وتفصيل ذلك ليس هذا موضعه
فاخباره عن الأمور الغائبة ماضيها وحاضرها هو من باب العلم الخارق وكذلك اخباره عن الامور المستقبلة مثل مملكة امته وزوال مملكة فارس والروم وقتال الترك وألوف مؤلفة من الاخبار التى اخبر بها مذكور بعضها فى كتب دلائل النبوة و سيرة الرسول و فضائله و كتب التفسير و الحديث و المغازى مثل دلائل النبوة لابى نعيم والبيهقى وسيرة ابن اسحق وكتب الاحاديث المسندة كمسند الامام أحمد والمدونة كصحيح البخارى وغير ذلك مما هو مذكور أيضا فى كتب أهل الكلام والجدل كاعلام النبوة للقاضى عبد الجبار وللماوردى والرد على النصارى للقرطبى ومصنفات كثيرة جدا وكذلك ما أخبر عنه غيره مما وجد فى كتب الأنبياء المتقدمين وهى فى وقتنا هذا اثنان وعشرون نبوة بايدى اليهود والنصارى كالتوراة والانجيل والزبور وكتاب شعيا وحبقوق ودانيال وأرميا وكذلك اخبار غير الانبياء من الاحبار والرهبان وكذلك اخبار الجن والهواتف المطلقة واخبار الكهنة كسطيح وشق وغيرهما وكذلك المنامات وتعبيرها كمنام كسرى وتعبير الموبذان وكذا اخبار الأنبياء المتقدمين بما مضى وما عبر هو من أعلامهم
وأما القدرة والتأثير فاما ان يكون فى العالم العلوى أو ما دونه وما دونه إما بسيط أو مركب والبسيط إما الجو و إما الأرض والمركب اما حيوان وإما نبات واما معدن والحيوان إما ناطق وإما بهيم فالعلوى كانشقاق القمر ورد الشمس ليوشع بن نون كذلك ردها لما فاتت عليا الصلاة و النبى نائم فى حجره إن صح الحديث فمن الناس من صححه كالطحاوى والقاضى عياض ومنهم من جعله موقوفا كابى الفرج بن الجوزى وهذا اصح وكذلك معراجه إلى السماوات
وأما الجو فاستسقاؤه واستصحاؤه غير مرة كحديث الاعرابى الذى فى الصحيحين وغيرهما وكذلك كثرة الرمى بالنجوم عند ظهوره وكذلك اسراؤه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
و اما الارض والماء فكاهتزاز الجبل تحته وتكثير الماء فى عين تبوك وعين الحديبية ونبع الماء من بين اصابعه غير مرة ومزادة المرأة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/123)
وأما المركبات فتكثيره للطعام غير مرة فى قصة الخندق من حديث جابر وحديث أبى طلحة وفى أسفاره وجراب أبى هريرة ونخل جابر بن عبد الله وحديث جابر وابن الزبير فى انقلاع النخل له وعوده إلى مكانه وسقياه لغير واحد من الأرض كعين أبى قتادة
وهذا باب واسع لم يكن الغرض هنا ذكر أنواع معجزاته بخصوصه وإنما الغرض التمثيل
وكذلك من باب القدرة عصا موسى عليه السلام وفلق البحر والقمل والضفادع والدم وناقة صالح وابراء الا كمه والأبرص واحياء الموتى لعيسى كما ان من باب العلم اخبارهم بما يأكلون وما يدخرون فى بيوتهم وفى الجملة لم يكن المقصود هنا ذكر المعجزات النبوية بخصوصها وإنما الغرض التمثيل بها
وأما المعجزات التى لغير الأنبياء من باب الكشف والعلم فمثل قول عمر فى قصة سارية وأخبار ابى بكر بان ببطن زوجته أنثى واخبار عمر بمن يخرج من ولده فيكون عادلا وقصة صاحب موسى فى علمه بحال الغلام
و القدرة مثل قصة الذى عنده علم من الكتاب وقصة أهل الكهف وقصة مريم وقصة خالد بن الوليد وسفينة مولى رسول الله وابى مسلم الخولانى واشياء يطول شرحها فان تعداد هذا مثل المطر وإنما الغرض التمثيل بالشىء الذى سمعه سمعه أكثر الناس واما القدرة التى لم تتعلق بفعله فمثل نصر الله لمن ينصره وأهلاكه لمن يشتمه
فصل الخارق كشفا كان أو تأثيرا
أن حصل به فائدة مطلوبة فى الدين كان من الأعمال الصالحة المأمور بها دينا وشرعا واما واجب واما مستحب وان حصل به أمر مباح كان من نعم الله الدنيوية التى تقتضى شكرا وان كان على وجه يتضمن ما هو منهى عنه نهى تحريم أو نهى تنزيه كان سببا للعذاب أو البغض كقصة الذى اوتى الآيات فانسلخ منها بلعام بن باعوراء لكن قد يكون صاحبها معذورا لاجتهاد أو تقليد أو نقص عقل أو علم أو غلبة حال أو عجز أو ضرورة فيكون من جنس برح العابد
و النهى قد يعود إلى سبب الخارق وقد يعود إلى مقصوده فالأول مثل أن يدعو الله دعا منهيا عنه اعتداء عليه وقد قال تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية أنه لا يحب المعتدين ومثل الأعمال المنهى عنها إذا أورثت كشفا أو تأثيرا والثانى ان يدعو على غيره بما لا يستحقه أو يدعو للظالم بالاعانة ويعينه بهمته كخفراء العدو وأعوان الظلمة من ذوى الاحوال فإن كان صاحبه من عقلاء المجانين والمغلوبين غلبة بحيث يعذرون والناقصين نقصا لا يلامون عليه برحية وقد بينت فى غير هذا الموضع ما يعذرون فيه وما لا يعذرون فيه وان كانوا عالمين قادرين كانوا بلعامية فان من أتى بخارق على وجه منهى عنه أو لمقصود منهى عنه فاما ان يكون معذورا معفوا عنه كبرح أو يكون متعمدا للكذب كبلعام
فتلخص أن الخارق ثلاثة أقسام محمود مع الدين ومذموم فى الدين ومباح لا محمود ولا مذموم فى الدين فان كان المباح فيه منفعة كان نعمة وان لم يكن فيه منفعة كان كسائر المباحات التى لا منفعة فيها كاللعب والعبث
قال أبو على الجوزجانى كن طالبا للاستقامة لا طالبا للكرامة فان نفسك منجبلة على طلب الكرامة وربك يطلب منك الاستقامة قال الشيخ السهروردى فى عوارفه وهذا الذى ذكره أصل عظيم كبير فى الباب وسر غفل عن حقيقته كثير من أهل السلوك والطلاب وذلك أن المجتهدين والمتعبدين سمعوا عن سلف الصالحين المتقدمين وما منحوا به من الكرامات وخوارق العادات فأبدا نفوسهم لا تزال تتطلع إلى شىء من ذلك ويحبون ان يرزقوا شيئا من ذلك ولعل احدهم يبقى منكسر القلب متهما لنفسه فى صحة عمله حيث لم يكاشف بشىء من ذلك ولو علموا سر ذلك لهان عليهم الامر فيعلم ان الله يفتح على بعض المجاهدين الصادقين من ذلك بابا والحكمة فيه ان يزداد بما يرى من خوارق العادات وآثار القدرة تفننا فيقوى عزمه على هذا الزهد فى الدنيا والخروج عن دواعى الهوى وقد يكون بعض عباده يكاشف بصدق اليقين ويرفع عن قلبه الحجاب ومن كوشف بصدق اليقين أغنى بذلك عن رؤية خرق العادات لأن المراد منها كان حصول اليقين وقد حصل اليقين فلو كوشف هذا المرزوق صدق اليقين بشىء من ذلك لازداد يقينا فلا تقتضى الحكمة كشف القدرة بخوارق العادات لهذا الموضع استغناء به وتقتضى الحكمة كشف ذلك لآخر لموضع حاجته وكان هذا الثانى يكون اتم استعدادا وأهلية من الأول فسبيل الصادق مطالبة النفس بالإستعانة فهى كل الكرامة ثم إذا وقع فى طريقه شىء خارق كان كأن لم يقع فما يبالى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/124)
ولا ينقص بذلك وإنما ينقص بالاخلال بواجب حق الاستقامة
فتعلم هذا لأنه أصل كبير للطالبين والعلماء الزاهدين ومشايخ الصوفية
فصل كلمات الله تعالى نوعان كلمات كونية وكلمات دينية
فكلماته الكونية هى التى استعاذ بها النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله أعوذ بكلمات الله التامات التى لا يجاوزهن بر ولا فاجر وقال سبحانه إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون وقال تعالى وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا والكون كله يدخل تحت هذه الكلمات وسائر الخوارق الكشفية التأثيرية
و النوع الثانى الكلمات الدينية وهى القرآن وشرع الله الذى بعث به رسوله وهى أمره ونهيه وخبره وحظ العبد منها العلم بها والعمل والأمر بما أمر الله به كما أن حظ العبد عموما وخصوصا من الأول العلم بالكونيات والتأثير فيها أى بموجبها
فالأولى قدرية كونية والثانية شرعة دينية وكشف الأولى العلم بالحوادث الكونية وكشف الثانية العلم بالمأمورات الشرعية وقدرة الأولى التأثير فى الكونيات وقدرة الثانية التأثير فى الشرعيات وكما أن الأولى تنقسم إلى تأثير فى نفسه كمشيه على الماء وطيرانه فى الهواء وجلوسه على النار وإلى تأثير فى غيره باسقام وإصحاح وأهلاك وإغناء وافقار فكذلك الثانية تنقسم إلى تأثير فى نفسه بطاعته لله ورسوله والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله باطنا وظاهرا وإلى تأثير فى غيره بأن يأمر بطاعة الله ورسوله فيطاع فى ذلك طاعة شرعية بحيث تقبل النفوس ما يأمرها به من طاعة الله ورسوله فى الكلمات الدينيات كما قبلت من الأول ما أراد تكوينه فيها بالكلمات الكونيات
وإذا تقرر ذلك فاعلم ان عدم الخوارق علما وقدرة لا تضر المسلم فى دينه فمن لم ينكشف له شىء من المغيبات ولم يسخر له شىء من الكونيات ولا ينقصه ذلك فى مرتبته عند الله بل قد يكون عدم ذلك انفع له فى دينه إذا لم يكن وجود ذلك فى حقه مأمورا به امر إيجاب ولا استحباب واما عدم الدين والعمل به فيصير الانسان ناقصا مذموما اما ان يجعله مستحقا للعقاب واما ان يجعله محروما من الثواب وذلك لأن العلم بالدين وتعليمه والأمر به ينال به العبد رضوان الله وحده وصلاته وثوابه وأما العلم بالكون والتأثير فيه فلا ينال به ذلك إلا إذا كان داخلا فى الدين بل قد يجب عليه شكره وقد يناله به إثم
وإذا عرف هذا فالأقسام ثلاثة اما ان يتعلق بالعلم والقدرة أو بالدين فقط أو بالكون فقط
فالأول كما قال لنبيه وقل رب ادخلنى مدخل صدق وإخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا فان السلطان النصير يجمع الحجة والمنزلة عند الله وهو كلماته الدينية والقدرية والكونية عند الله بكلماته الكونيات ومعجزات الأنبياء عليهم السلام تجمع الأمرين فانها حجة على النبوة من الله وهى قدرية وابلغ ذلك القرآن الذى جاء به محمد فانه هو شرع الله وكلماته الدينيات وهو حجة محمد على نبوته ومجيئه من الخوارق للعادات فهو الدعوة وهو الحجة والمعجزة
واما القسم الثانى فمثل من يعلم بما جاء به الرسول خبرا وأمرا ويعمل به ويأمر به الناس ويعلم بوقت نزول المطر وتغير السعر وشفاء المريض وقدوم الغائب ولقاء العدو وله تأثير إما فى الأناسى واما فى غيرهم باصحاح واسقام واهلاك أو ولادة أو ولاية أو عزل وجماع التأثير أما جلب منفعة كالمال والرياسة واما دفع مضرة كالعدو والمرض اولا واحد منهما مثل ركوب اسد بلا فائدة أو اطفاء نار ونحو ذلك
و اما الثالث فمن يجتمع له الأمران بأن يؤتى من الكشف والتأثيرالكونى ما يؤيد به الكشف والتأثير الشرعى وهو علم الدين والعمل به والأمر به ويؤتى من علم الدين والعمل به ما يستعمل به الكشف والتأثير الكونى بحيث تقع الخوارق الكونية تابعة للاوامر الدينية أو ان تخرق له العادة فى الأمور الدينية بحيث ينال من العلوم الدينية ومن العمل بها ومن الأمر بها ومن طاعة الخلق فيها وما لم ينله غيره فى مطرد العادة فهذه أعظم الكرامات والمعجزات وهو حال نبينا محمد وأبى بكر الصديق وعمر و كل المسلمين
فهذا القسم الثالث هو مقتضى اياك نعبد واياك نستعين إذ الاول هو العبادة والثانى هو الاستعانة وهو حال نبينا محمد والخواص من أمته
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/125)
المتمسكين بشرعته ومنهاجه باطنا وظاهرا فان كراماتهم كمعجزاته لم يخرجها الا لحجة أو حاجة فالحجة ليظهر بها دين الله ليؤمن الكافر ويخلص المنافق ويزداد الذين آمنوا إيمانا فكانت فائدتها اتباع دين الله علما وعملا كالمقصود بالجهاد والحاجة كجلب منفعة يحتاجون إليها كالطعام والشراب وقت الحاجة إليه أو دفع مضرة عنهم ككسر العدو بالحصى الذى رماهم به فقيل له وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وكل من هذين يعود إلى منفعة الدين كالأكل والشراب وقتال العدو والصدقة على المسلمين فان هذا من جملة الدين والأعمال الصالحة
وأما القسم الأول وهو المتعلق بالدين فقط فيكون منه ما لا يحتاج الى الثانى ولا له فيه منفعة كحال كثير من الصحابة والتابعين وصالحى المسلمين وعلمائهم وعبادهم مع أنه لابد ان يكون لهم حاجة أو انتفاعا بشىء من الخوراق وقد يكون منهم من لا يستعمل أسباب الكونيات ولا عمل بها فانتفاء الخارق الكونى فى حقه إما لانتفاء سببه وإما لانتفاء فائدته وانتفاؤه لانتفاء فائدته لا يكون نقصا وأماانتفاؤه لانتفاء سببه فقد يكون نقصا وقد لا يكون نقصا فان كان لاخلاله بفعل واجب وترك محرم كان عدم الخارق نقصا وهو سبب الضرر وان كان لاخلاله بالمستحبات فهو نقص عن رتبة المقربين السابقين وليس هو نقصا عن رتبة اصحاب اليمين المقتصدين وان لم يكن كذلك بل لعدم اشتغاله بسبب بالكونيات التى لا يكون عدمها ناقصا لثواب لم يكن ذلك نقصا مثل من يمرض ولده ويذهب ماله فلا يدعو ليعافى أو يجىء ماله أو يظلمه ظالم فلا يتوجه عليه لينتصر عليه
وأما القسم الثانى وهو صاحب الكشف والتأثير الكونى فقد تقدم انه تارة يكون زيادة فى دينه وتارة يكون نقصا وتارة لا له ولا عليه وهذا غالب حال أهل الاستعانة كما ان الأول غالب حال أهل العبادة
وهذا الثانى بمنزلة الملك والسلطان الذى قد يكون صاحبه خليفة نبيا فيكون خير أهل الأرض وقد يكون ظالما من شر الناس وقد يكون ملكا عادلا فيكون من أوساط الناس فان العلم بالكونيات والقدرة على التأثير فيها بالحال والقلب كالعلم باحوالها والتأثير فيها بالملك وأسبابه فسلطان الحال والقلب كسلطان الملك واليد إلا أن اسباب هذا باطنة روحانية وأسباب هذا ظاهرة جثمانية وبهذا تبين لك أن القسم الأول إذا صح فهو أفضل من هذا القسم وخير عند الله وعند رسوله وعباده الصالحين المؤمنين العقلاء
وذلك من وجوه
أحدها أن علم الدين طلبا وخبرا لا ينال إلا من جهة الرسول وأما العلم بالكونيات فأسبابه متعددة وما اختص به الرسل وورثتهم أفضل مما شركهم فيه بقية الناس فلا ينال علمه إلا هم وأتباعهم ولا يعلمه إلا هم وأتباعهم
الثانى ان الدين لا يعمل به إلا المؤمنون الصالحون الذين هم أهل الجنة واحباب الله وصفوته وأحباؤه وأولياؤه ولا يأمر به إلا هم
وأما التأثير الكونى فقد يقع من كافر ومنافق وفاجر تأثيره فى نفسه وفى غيره كالأحوال الفاسدة والعين والسحر وكالملوك والجبابرة المسلطين والسلاطين الجبابرة وما كان من العلم مختصا بالصالحين أفضل مما يشترك فيه المصلحون والمفسدون
الثالث ان العلم بالدين والعمل به ينفع صاحبه فى الآخرة ولا يضره واما الكشف والتأثير فقد لا ينفع فى الآخرة بل قد يضره كما قال تعالى ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون
الرابع ان الكشف والتأثير إما ان يكون فيه فائدة أو لا يكون فان لم يكن فيه فائدة كالاطلاع على سيئات العباد وركوب السباع لغير حاجة والاجتماع بالجن لغير فائدة والمشى على الماء مع امكان العبور على الجسر فهذا لا منفعة فيه لا فى الدنيا ولا فى الآخرة وهو بمنزلة العبث واللعب و إنما يستعظم هذا من لم ينله وهو تحت القدرة والسلطان فى الكون مثل من يستعظم الملك أو طاعة الملوك لشخص وقيام الحالة عند الناس بلا فائدة فهو يستعظمه من جهة سببه لا من جهة منفعته كالمال والرياسة ودفع مضرة كالعدو والمرض فهذه المنفعة تنال غالبا بغير الخوارق أكثر مما تنال بالخوارق ولا يحصل بالخوارق منها إلا القليل ولا تدوم الا بأسباب اخرى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/126)
واما الآخر أيضا فلا يحصل بالخوارق إلا مع الدين والدين وحده موجب للآخرة بلا خارق بل الخوارق الدينية الكونية ابلغ من تحصيل الآخرة كحال نبينا محمد وكذلك المال والرياسة التى تحصل لأهل الدين بالخوارق إنما هو مع الدين وإلا فالخوارق وحدها لا تؤثر فى الدنيا الا أثرا ضعيفا
فإن قيل مجرد الخوارق ان لم تحصل بنفسها منفعة لا فى الدين ولا فى الدنيا فهى علامة طاعة النفوس له فهو موجب الرياسة والسلطان ثم يتوسط ذلك فتجتلب المنافع الدينية والدنيوية وتدفع المضار الدينية والدنيوية
قلت نحن لم نتكلم إلا فى منفعة الدين او الخارق فى نفسه من غير فعل الناس وأما ان تكلمنا فيما يحصل بسببها من فعل الناس فنقول اولا الدين الصحيح أوجب لطاعة النفوس وحصول الرياسة من الخارق المجرد كما هو الواقع فانه لا نسبة لطاعة من اطيع لدينه الى طاعة من أطيع لتأثيره إذ طاعة الاول اعم واكثر والمطيع بها خيار بنى آدم عقلا ودينا واما الثانية فلا تدوم ولا تكثر ولا يدخل فيها الاجهال الناس كأصحاب مسيلمة الكذاب وطليحة الاسدى ونحوهم وأهل البوادى والجبال ونحوهم ممن لا عقل له ولا دين
ثم نقول ثانيا لو كان الخارق يناله من الرياسة والمال أكثر من صاحب الدين لكان غايته ان يكون ملكا من الملوك بل ملكه أن لم يقرنه بالدين فهو كفرعون وكمقدمى الاسماعيلية ونحوهم وقد قدمنا أن رياسة الدنيا التى ينالها الملوك بسياستهم وشجاعتهم واعطائهم اعظم من الرياسة بالخارق المجرد فان هذه أكثر ما يكون مدة قريبة
الخامس ان الدين ينفع صاحبه فى الدنيا والآخرة ويدفع عنه مضرة الدنيا والآخرة من غير ان يحتاج معه الى كشف او تأثير
وأما الكشف أو التأثير فان لم يقترن به الدين وإلا هلك صاحبه فى الدنيا والآخرة اما فى الآخرة فلعدم الدين الذى هو اداء الواجبات وترك المحرمات واما فى الدنيا فان الخوارق هى من الامور الخطرة التى لا تنالها النفوس إلا بمخاطرات فى القلب والجسم والأهل والمال فانه إن سلك طريق الجوع والرياضة المفرطة خاطر بقلبه ومزاجه ودينه وربما زال عقله ومرض جسمه وذهب دينه وإن سلك طريق الوله والاختلاط بترك الشهوات ليتصل بالأرواح الجنية وتغيب النفوس عن اجسامها كما يفعل مولهوا الاحمدية فقد ازال عقله وأذهب ماله ومعيشته وأشقى نفسه شقاء لا مزيد عليه وعرض نفسه لعذاب الله فى الآخرة لما تركه من الواجبات وما فعله من المحرمات وكذلك إن قصد تسخير الجن بالاسماء والكلمات من الاقسام والعزائم فقد عرض نفسه لعقوبتهم ومحاربتهم بل لو لم يكن الخارق الا دلالة صاحب المال المسروق والضال على ماله أو شفاء المريض أو دفع العدو من السلطان والمحاربين فهذا القدر إذا فعله الانسان مع الناس ولم يكن عمله دينا يتقرب به إلى الله كان كأنه قهرمان للناس يحفظ أموالهم أو طبيب أو صيدلى يعالج أمراضهم أو أعوان سلطان يقاتلون عنه إذ عمله من جنس عمل أولئك سواء
ومعلوم ان من سلك هذا المسلك على غير الوجه الدينى فان يحابى بذلك أقواما ولا يعدل بينهم وربما اعان الظلمة بذلك كفعل بلعام وطوائف من هذه الأمة وغيرهم وهذا يوجب له عداوة الناس التى هى من أكثر اسباب مضرة الدنيا ولا يجوز ان يحتمل المرء ذلك الا إذا امر الله به ورسوله لأن ما أمر الله به ورسوله وان كان فيه مضرة فمنفعته غالبة على مضرته والعاقبة للتقوى
السادس ان للدين علما وعملا اذا صح فلا بد ان يوجب خرق العادة اذا احتاج إلى ذلك صاحب قال الله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب وقال تعالى ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا وقال تعالى ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم واشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا اجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما وقال تعالى ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/127)
وقال رسول الله اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ثم قرأ قوله تعالى إن فى ذلك لآيات للمتوسمين رواه الترمذى وحسنه من رواية أبى سعيد وقال الله تعالى فيما روى عنه رسول الله من عادى لى وليا فقد بارزنى بالمحاربة وما تقرب إلى عبدى بمثل اداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا احببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها فبى يسمع وبى يبصر وبي يبطش وبى يمشى ولئن سألنى لأعطينه ولئن استعاذ بي لاعيذنه وما ترددت فى شىء انا فاعله ترددى فى قبض نفس عبدى المؤمن يكره الموت واكره مساءته ولا بدله منه فهذا فيه محاربة الله لمن حارب وليه وفيه ان محبوبه به يعلم سمعا وبصرا وبه يعمل بطشا وسعيا وفيه انه يجيبه إلى ما يطلبه منه من المنافع ويصرف عنه ما يستعيذ به من المضار وهذا باب واسع
واما الخوارق فقد تكون مع الدين وقد تكون مع عدمه او فساده أو نقصه
السابع ان الدين هو اقامة حق العبودية وهو فعل ما عليك وما امرت به واما الخوارق فهى من حق الربوبية إذا لم يؤمر العبد بها وان كانت بسعى من العبد فان الله هو الذى يخلقها بما ينصبه من الاسباب والعبد ينبغى له ان يهتم بما عليه وما امر به واما اهتمامه بما يفعله الله إذا لم يؤمر بالاهتمام به فهو إما فضول فتكون لما فيها من المنافع كالمنافع السلطانية المالية التى يستعان بها على الدين كتكثير الطعام والشراب وطاعة الناس إذا رأوها ولما فيها من دفع المضار عن الدين بمنزلة الجهاد الذى فيه دفع العدو وغلبته
ثم هل الدين محتاج اليها فى الأصل ولان الايمان بالنبوة لا يتم إلا بالخارق او ليس بمحتاج فى الخاصة بل فى حق العامة وهذا نتكلم عليه
وانفع الخوارق الخارق الدينى وهو حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال ما من نبى إلا وقد أعطى من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذى أوتيته وحيا أوحاه الله الى فارجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة اخرجاه فى الصحيحين وكانت آيته هى دعوته وحجته بخلاف غيره من الأنبياء ولهذا نجد كثيرا من المنحرفين منا إلى العيسوية يفرون من القرآن والقال إلى الحال كما أن المنحرفين منا الى الموسوية يفرون من الايمان والحال إلى القال ونبينا صاحب القال والحال وص 4 احب القرآن والايمان
ثم بعده الخارق المؤيد للدين المعين له لأن الخارق فى مرتبة اياك نستعين والدين فى مرتبة اياك نعبد فأما الخارق الذى لم يعن الدين فاما متاع دنيا أو مبعد صاحبه عن الله تعالى
فظهر بذلك ان الخوارق النافعة تابعة للدين حادثة له كما ان الرياسة النافعة هى التابعة للدين وكذلك المال النافع كما كان السلطان والمال بيد النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضى الله عنهما فمن جعلها هى المقصودة وجعل الدين تابعا لها ووسيلة اليها لا لأجل الدين فى الاصل فهو يشبه بمن يأكل الدنيا بالدين وليست حاله كحال من تدين خوف العذاب او رجاء الجنة فان ذلك مأمور به وهو على سبيل نجاة وشريعة صحيحة
والعجب أن كثيرا ممن يزعم أن همه قد ارتفع وارتقى عن ان يكون دينه خوفا من النار أو طلبا للجنة يجعل همه بدينه أدنى خارق من خوارق الدنيا ولعله يجتهد اجتهادا عظيما فى مثله وهذا خطأ ولكن منهم من يكون قصده بهذا تثبيت قلبه وطمأنينته وايقانه بصحة طريقه وسلوكه فهو يطلب الآية علامة وبرهانا على صحة دينه كما تطلب الامم من الانبياء الآيات دلالة على صدقهم فهذا اعذر لهم فى
ذلك ولهذا لما كان الصحابة رضى الله عنهم مستغنين فى علمهم بدينهم وعملهم به عن الآيات بما رأوه من حال الرسول ونالوه من علم صار كل من كان عنهم أبعد مع صحة طريقته يحتاج إلى ما عندهم فى علم دينه
وعمله فيظهر مع الافراد فى أوقات الفترات واماكن الفترات من الخوارق مالا يظهر لهم ولا لغيرهم من حال ظهور النبوة والدعوة
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 11 / ص 609)
سُئِلَ عَنْ رِجْلٍ فَلَّاحٍ لَمْ يُعْلَمْ دِينُهُ وَلَا صَلَاتُهُ وَإِنَّ فِي بَلَدِهِ شَيْخًا أَعْطَاهُ إجَازَةً وَبَقِيَ يَأْكُلُ الثَّعَابِينَ وَالْعَقَارِبَ وَنَزَلَ عَنْ فِلَاحَتِهِ وَيَطْلُبُ رِزْقَهُ. فَهَلْ تَجُوزُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟؟
الْجَوَابُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/128)
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَكْلُ الْخَبَائِثِ وَأَكْلُ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. فَمَنْ أَكَلَهَا مُسْتَحِلًّا لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَمَنْ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ وَأَكَلَهَا فَإِنَّهُ فَاسِقٌ عَاصٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ رَجُلًا صَالِحًا وَلَوْ ذَكَّى الْحَيَّةَ لَكَانَ أَكْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَرَامًا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: {خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ.} فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ ذَلِكَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَسَمَّاهُنَّ فَوَاسِقَ؛ لِأَنَّهُنَّ يَفْسُقْنَ: أَيْ يَخْرُجْنَ عَلَى النَّاسِ وَيَعْتَدِينَ عَلَيْهِمْ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُنَّ كَمَا لَا يُحْتَرَزُ مِنْ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ فَيَكُونُ عُدْوَانُ هَذَا أَعْظَمَ مِنْ عُدْوَانِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَهُنَّ أَخْبَثُ وأحرم. وَأَمَّا الَّذِينَ يَأْكُلُونَ وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ " كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ " فَهُمْ أَشَرُّ حَالًا مِمَّنْ يَأْكُلُهَا مِنْ الْفُسَّاقِ؛ لِأَنَّ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ لَا تَكُونُ بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ مِنْ أَكْلِ الْخَبَائِثِ كَمَا لَا تَكُونُ بِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَإِنَّمَا هَذِهِ المخاريق الَّتِي يَفْعَلُهَا هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعُونَ: مِنْ الدُّخُولِ فِي النَّارِ وَأَخْذِ الْحَيَّاتِ وَإِخْرَاجِ اللَّاذَنِ وَالسُّكَّرِ وَالدَّمِ وَمَاءِ الْوَرْدِ. هِيَ نَوْعَانِ: " أَحَدُهُمَا " أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ بِحِيَلِ طَبْعِيَّةٍ. مِثْلِ أَدْهَانٍ مَعْرُوفَةٍ يَذْهَبُونَ وَيَمْشُونَ [فِي النَّارِ] وَمِثْلُ مَا يَشْرَبُهُ أَحَدُهُمْ مِمَّا يَمْنَعُ سُمَّ الْحَيَّةِ: مِثْلُ أَنْ يُمْسِكَهَا بعنقصتها حَتَّى لَا تَضُرَّهُ وَمِثْلُ أَنْ يُمْسِكَ الْحَيَّةَ الْمَائِيَّةَ وَمِثْلُ أَنْ يَسْلُخَ جِلْدَ الْحَيَّةِ وَيَحْشُوَهُ طَعَامًا وَكَمْ قَتَلَتْ الْحَيَّاتُ مِنْ أَتْبَاعِ هَؤُلَاءِ وَمِثْلُ أَنْ يَمْسَحَ جِلْدَهُ بِدَمِ أَخَوَيْنِ؛ فَإِذَا عَرِقَ فِي السَّمَاعِ ظَهَرَ مِنْهُ مَا يُشْبِهُ الدَّمَ وَيَصْنَعُ لَهُمْ أَنْوَاعًا مِنْ الْحِيَلِ وَالْمُخَادَعَاتِ. " النَّوْعُ الثَّانِي " وَهُمْ أَعْظَمُ: عِنْدَهُمْ أَحْوَالٌ شَيْطَانِيَّةٌ تَعْتَرِيهِمْ عِنْدَ السَّمَاعِ الشَّيْطَانِيِّ فَتَنْزِلُ الشَّيَاطِينُ عَلَيْهِمْ كَمَا تَدْخُلُ فِي بَدَنِ الْمَصْرُوعِ وَيَزِيدُ أَحَدُهُمْ كَمَا يَزِيدُ الْمَصْرُوعُ وَحِينَئِذٍ يُبَاشِرُ النَّارَ وَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَيَكُونُ الشَّيْطَانُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ تَقْتَرِنُ بِهِمْ الشَّيَاطِينُ مِنْ إخْوَانِهِمْ الَّذِينَ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الطَّائِفَةِ الَّتِي تَطْلُبُهُمْ النَّاسُ لِعِلَاجِ الْمَصْرُوعِ وَهُمْ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ عِنْدَ النَّاسِ فَإِذَا طَلَبُوا تَحَلَّوْا بِحِلْيَةِ الْمُقَاتِلَةِ وَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْجِنُّ فَيُحَارِبُ مِثْلَ الْجِنِّ الدَّاخِلِ فِي الْمَصْرُوعِ وَيَسْمَعُ النَّاسُ أَصْوَاتًا وَيَرَوْنَ حِجَارَةً يُرْمَى بِهَا وَلَا يَرَوْنَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَرَى الْإِنْسِيَّ وَاقِفًا عَلَى رَأْسِ الرُّمْحِ الطَّوِيلِ. وَإِنَّمَا الْوَاقِفُ هُوَ الشَّيْطَانُ وَيَرَى النَّاسُ نَارًا تُحْمَى. وَيَضَعُ فِيهَا الْفُؤُوسَ وَالْمَسَاحِيَ ثُمَّ إنَّ الْإِنْسِيَّ يَلْحَسُهَا بِلِسَانِهِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ وَيَرَى النَّاسُ هَؤُلَاءِ يُبَاشِرُونَ الْحَيَّاتِ وَالْأَفَاعِيَ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَيَفْعَلُونَ مِنْ الْأُمُورِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِمَّا يَفْعَلُهُ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعُونَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/129)
الْمُلَبِّسُونَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ أَعَادِيهِ الْمُضَيِّعِينَ لِفَرَائِضِهِ الْمُتَعَدِّينَ لِحُدُودِهِ. وَالْجُهَّالِ لِأَجْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ وَالطَّبِيعِيَّةِ يَظُنُّوهُمْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ؛ وَإِنَّمَا هَذِهِ الْأَحْوَالُ مِنْ جِنْسِ أَحْوَالِ أَعْدَاءِ اللَّهِ الْكَافِرِينَ وَالْفَاسِقِينَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ وَلَا فِعْلِ الْمَحْظُورِ وَلَا إقَامَةِ مَشْيَخَةٍ تُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَلَا أَنْ يُعْطِيَ رِزْقَهُ عَلَى مَشْيَخَةٍ يَخْرُجُ بِهَا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنَّمَا يُعَانُ بِالْأَرْزَاقِ مَنْ قَامَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَدَعَا إلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
درء التعارض [جزء 3 - صفحة 80]
والأحوال نتائج الأعمال فيكون ما يحصل لهم بحسب ذلك العمل وكثيرا ما تتخيل له أمور يظنها موجودة في الخارج ولا تكون إلا وفي نفسه فيسمع خطابا يكون من الشيطان أو من نفسه يظنه من الله تعالى حتى أن أحدهم يظن أنه يرى الله بعينه وأنه يسمع كلامه بأذنه من خارج كما سمعه موسى بن عمران ومنهم من يكون ما يراه شياطين وما يسمعه كلامهم وهو يظنه من كرامات الأولياء وهذا باب واسع بسطه موضع آخر
النبوات [جزء 1 - صفحة 218]
لكن ما يظهر على المؤمنين بهم من الآيات بسبب الايمان بهم فيه قولان قال طائفة ليس ذلك من آياتهم وهذا قول من يقول من شرط المعجزة أن تقارن دعوى النبوة لا تقدم عليها ولا تتأخر عنها كما قاله هؤلاء الذين يجعلون خاصة المعجزة التحدي بالمثل وعدم المعارضة ولا تكون إلا مع الدعوى كما تقدم وهو قول قد عرف فساده من وجوه والقول الثاني وهو القول الصحيح أن آيات الأولياء هي من جملة آيات الانبياء فإنها مستلزمة لنبوتهم ولصدق الخبر بنبوتهم فإنه لولا ذلك لما كان هؤلاء أولياء ولم تكن لهم كرامات لكن يحتاج أن يفرق بين كرامات الأولياء وبين خوارق السحرة والكهان وما يكون للكفار والفساق وأهل الضلال والغي بإعانة الشياطين لهم كما يفرق بين ذلك وبين آيات الانبياء والفروق بين ذلك كثيرة كما قد بسط في غير هذا الموضع
فصل فقد تبين أن من آيات الانبياء ما يظهر مثله على اتباعهم ويكون ما يظهر على أتباعهم من آياتهم فان ذلك مختص بمن يشهد بنبوتهم فهو مستلزم له لا تكون تلك الآيات الا لمن أخبر بنبوتهم وإذا لم يخبر بنبوتهم لم تكن له تلك الآيات وهذا حد الدليل وهو أن يكون مستلزما للمدلول عليه فإذا عدم المدلول عليه عدم الدليل ولهذا من السلف من يأتي بالآيات دلالة على صحة الاسلام وصدق الرسول كما ذكر أن خالد بن الوليد شرب السم لما طلب منه آية ولم يضره(35/130)
الكشف عند الصوفية وهو جزء من الرد المسمى البيان الجلي
ـ[عبد الرحمن غياث]ــــــــ[18 - 09 - 06, 07:05 ص]ـ
الكشف عند الصوفية. (وهذا المبحث مستفاد من كلام الشيخ عبد الرحمن عبد الخالد حفظه الله
الإيمان بالغيب في الكتاب والسنة:
من أصول الدين وقواعد الإيمان أن تعتقد أن الغيب علمه لله تعالى وحده سبحانه وتعالى وأنه يطلع وسبحانه تعالى على ما شاء من الغيب من شاء من أنبيائه ورسله فقط وأن الأنبياء لا يعلمون من الغيب إلا ما أعلمهم الله إياه كما قال سبحانه وتعالى لرسوله: {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} (الأعراف:188).
وقال جل وعلا: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً* إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً* ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً} (الجن:26 - 28).
وأمر رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس أنه ليس ملكاً ولا يملك خزائن الله ولا يعلم الغيب قال تعالى: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون} (الأعراف).
وهذا الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم هو ما قاله نوح قبل ذلك. قال تعالى على لسان نوح: {ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيراً الله أعلم بما في أنفسهم إني إذاً لمن الظالمين} (هود).
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله]. وهذا الحديث يقرر قوله تعالى: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيب ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} (لقمان).
وفي صحيح البخاري أيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت: من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب وهو يقول: {لا تدركه الأبصار} ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب وهو يقول {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله}.
فهذه الآيات والأحاديث ومثلها كثير جداً قاطع بأنه لا يعلم أحد في السماوات والأرض الغيب إلا الله لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وأنه لا يعلم أحد من هؤلاء الغيب إلا ما أطلعه الله سبحانه عليه، فهاهم الملائكة يخلق الله آدم ولا يعلمون الحكمة من خلقه، ويعرض الله عليهم مسميات معينة ويقول لهم أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، فيقولون سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، ويعلم الله آدم النبي الأسماء فيعلمها لهم، وآدم نبي مكلم كما جاء في الحديث الشريف، وهؤلاء الأنبياء لا يعلمون الغيب بنص القرآن وبمئات بل بآلاف الوقائع، فنوح لم يعلم أن ابنه ليس من أهله وأن زوجته على غير دينه، وإبراهيم لم يعلم بأنه يولد له ولد من زوجته سارة إلا بعد أن جاءته الملائكة ولقد جاءته الملائكة في صورة بشر فذبح لهم عجلاً وقربه إليهم وهو لا يعلم حقيقتهم حتى أعلموه، ولم يكن يعرف مقصدهم حتى أعلموه أنهم ذاهبون لتدمير قرى لوط، وأما لوط فإنه ساءته رؤية الملائكة علماً أنهم قد أتوا لإنجائه وإنجاء أهله، ولم يعلم حقيقة أمرهم إلا بعد أن علموه ولم يكن له كشف خاص، ولا علم خاص يستطيع أن يعرف من القوم، وأما محمد صلى الله عليه وسلم فقد حدث له مئات بل آلاف الوقائع التي تدل يقيناً أنه لم يكن يعلم في الغيب إلا ما أعلمه الله إياه .. فقد ظن أن جبريل الذي أتاه في الغار شيطان وقال لخديجة لقد خفت على نفسي، ولم يعرف أنه الملك حتى أتى ورقة بن نوفل فأخبره أن الكلام الذي جاء به يشبه الكلام الذي نزل على الأنبياء من قبله .. ولم يدر بخلد النبي أنه سيؤذى ويخرج من مكة أبداً علماً بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مكث يتعبد في غار حراء سنوات طويلة، وعند الصوفية أن من لف رأسه بخرقه وجلس في مكان مظلم رأى الله، وعرف كل شيء وشاهد الكون أعلاه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/131)
وأسفله .. بل النبي محمد صلى الله عليه وسلم مكث ثلاث عشرة سنة في مكة لا يعلم أين سيهاجر بعد ذلك، وبعد الهجرة خرج إلى أبي سفيان ففاته واصطدم بجيش المشركين وجاءه المشركون في المدينة المرة تلو المرة يزعمون أنهم قد آمنوا ويطلبون منه أن يرسل لهم من يعلمهم القرآن فكان يرسل معهم خيرة القراء، فيغدرون بهم في الطريق .. فغدر المشركون بأربعين رجلاً من المسلمين مرة واحدة، وسبعة مرة، ولو علم رسول الله ما يكون من أمر الله بل لو علم أن هؤلاء الكفرة الأعراب يكذبون عليه لما أسلم لهم أصحابه وحبس المشركون يوماً وليلة في مكان ليس فيه ماء لأن السيدة عائشة رضي الله عنها قد فقدت عقداً لها ولو كان هناك كشف صوفي على ما يصوره الصوفية ويزعمونه لعلموا أين عقد السيدة عائشة الذي كان تحت بعيرها ولم يفطن إليه أحد من المسلمين من أصحاب النبي .. ورمى المنافقون السيدة عائشة بالزنا -شرفها الله وحماها وبرأها ولعن الله من سبها- .. ومكث رسول الله شهراً كاملاً لا يدري ما يقول، وكان يستفتي أصحابه ويسأل علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، وبريرة خادمته ومولاته هل رأوا على عائشة شيئاً .. ولم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلم حقيقة الأمر حتى أنزل الله براءتها من السماء .. هذا إلى العشرات والمئات من الوقائع التي تبين أن رسول الله وأكرم خلق الله من البشر على الله لم يكن يطلع على شيء من الغيب إلا ما أطلعه الله بحكم النبوة ..
الغيب في المعتقد الصوفي:
ولكن الصوفية منذ القدم .. منذ نشأتهم في الإسلام وإلى يومنا هذا عمدوا إلى هذا الأصل الأصيل من أصول الدين فهدموا بل اقتلعوا جذوره من قلوب من يسير في طريقهم وينتهج منهجهم هذا الأصل فهدموه جعله الله أول صفة في كتابه للمتقين حيث يقول تبارك وتعالى في سورة البقرة الثانية في القرآن بعد الفاتحة: {الم* ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين* الذين يؤمنون بالغيب} الآية.
جعل الله صفة الإيمان بالغيب أول صفة للمتقين المهتدين بالقرآن والسنة وذلك حتى يوحد المؤمنون طريق التلقي فلا يتلقون غيباً إلا من الله ومن أقامه للأخبار بالغيب عنه وهم رسله، وأنبياؤه فقط، جاء المتصوفة فكان أول هدم لهم في الإسلام أن يهدموا هذا الأصل فأقاموا شيئاً سموه (الكشف الصوفي) وهو يعني عندهم رفع الحجب أمام قلب الصوفي وبصره ليعلم ما في السماوات جميعاً، وما في الأرض جميعاً، فلا تسقط ورقة إلا بنظره ولا تقع قطرة ماء من السماء إلا بعلمه ولا يولد مولود، أو يعقد معقود، أو يتحرك ساكن أو يسكن متحرك إلا بعلم الصوفي .. هكذا والله؛ وسيرى القارئ في هذا الفصل النقول من كتب القوم كلها تنص على أن الصوفي لا يقف أمامه حجاب، ولا يوصد أمامه باب، ولا يعجزه علم شيء في الأرض ولا في السماء. فهو يعلم ما يكتب في اللوح المحفوظ ساعة بساعة، بل هو يعلم بأي لغة وأي قلم كتب اللوح المحفوظ، وماذا في أم الكتاب، وماذا كان منذ الأزل وماذا سيكون إلى الأبد، لا أقول قد ساوى الصوفية أنفسهم بالأنبياء بالغيب أو ساووا أنفسهم بالخضر الذي يزعمون النقل عنه لا والله بل جعلوا كل زنديق منهم ممن لا وزن له في خلق ولا علم جعلوا هؤلاء هم الله علماً بكل شيء، وإحاطة بما في السماوات والأرض ..
وسيرى القارئ أن أي زندقة وأي كفر في الأرض لم يجرؤ كاتبوه ومؤيدوه أن يكتبوا مثل هذا ولكن الصوفية سبقوا كل الكفار في كل الملل والنحل والأقوام وكتبوا بأقلامهم ما لم يجرؤ أحد بتاتاً أن يكتبه أو يسطره فيما علمناه من الكفرة والزنادقة والملاحدة ..
لقد ترقى المتصوفة في قضية الكشف عندهم فزعموا أولاً أن الصوفي يكشف له معان في القرآن والحديث لا يعلمها علماء الشريعة الذين سموهم بعلماء الظاهر والقراطيس والآثار التي ينقلونها عن الموتى .. ، وأما هم فيلتقون بالرسول صلى الله عليه وسلم يقظة أحياناً، ومناماً أحياناً ويسألونه ويستفيدون منه هذه العلوم ثم ترقوا فقالوا إن لنا علوماً ليست في الكتاب والسنة نأخذها عن الخضر الذي هو على شريعة الباطن وهو الذي يمد الأولياء بهذه الشريعة، فموسى ومحمد والأنبياء على شريعة ظاهرة، وأما الخضر فهو على شريعة باطنة يجوز فيها ما لا يجوز في الظاهر، فقد قتل الغلام بغير ذنب، وكسر السفينة لمن حملهم بغير نوال، وبنى الجدار إحساناً منه لمن أساء إليهم .. ومثل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/132)
هذا ينكره أهل الظاهر كما أنكره موسى، ونحن في الباطن على شريعة الخضر وهو يلتقي بنا ونتعلم منه علوماً خاصة ينكرها أهل الظاهر لجهلهم .. والعجيب أنه كان من هذا الدين الباطن الذي زعموا أخذه عن الخضر إتيان (الحمارة) والزنا، وشرب الخمر واللواط، والتعري، والصراخ في الطرقات، وسب المؤذنين للصلاة، وسب الأنبياء والإدعاء بأن كل مخلوق هو الله وإلقاء السلام على الكلاب والخنازير، والترحم على إبليس ومحاولة الوصول إلى مقامه، وجعل فرعون أعلم من موسى بالله وتبرئة قوم نوح من الشرك، وجعل الرسول محمد هو الله المستوي على العرش .. هذه الأشياء قليلة جداً من هذا الدين الباطني الذي زعم المتصوفة أنهم نالوه عن طريق الكشف الصوفي، وهو رفع الحجب عن القلوب والأبصار لرؤية الحق على ما هو عليه، وأن الخضر عليه السلام هو مبلغ كل هذا لهم، وتارة يترقون في هذا الكذب أو بالأحرى يهوون إلى أسفل سافلين في دعاوي الكذب هذه فيزعمون أنهم تلقوا هذه العلوم من ملك الإلهام كما تلقى محمد صلى الله عليه وسلم علومه من ملك الوحي، وأخرى يزعمون أنهم تلقوا علومهم هذه التي أشرنا إلى بعضها آنفاً من الله رأساً وبلا وساطة وأنها انطبعت في نفوسهم من الله رأساً وأنهم مطالعون الأمر في الأزل بأرواحهم، والأمر في الأبد يرونه كما يكون عليه الحال يرونه كذلك بأرواحهم بغير وساطة وأن همتهم تصل السماوات وما فوقها والأرض وما تحتها ..
ولقد وسع المتصوفة دائرة كشفهم هذه فزعموا أنهم يعلمون أسرار الحروف المقطعة من القرآن بطريق الكشف، وقصص الأنبياء يروونها على حقيقتها ويجتمعون بالأنبياء ويسألونهم عن تفاصيل قصصهم وما كان منهم .. فيفيدون فوائد كثيرة دونها كثيراً ما هو موجود فعلاً في القرآن، وأما الجنة والنار، فهم وإياها دائماً رأي العين، بل هي ساقطة أصلاً من عيونهم لأن النار وما النار، لو بصق أحدهم عليها لأطفأها كما قال أبو يزيد وغيره منهم .. وأما الجنة فالنظر إليها شرك وكفر لأنهم ينظرون إلى الله فقط ..
ولذلك قال قائلهم معيباً على الصحابة عندما قرأ {منكم من يريد الدنيا، ومنكم من يريد الآخرة} قال .. أف .. أليس منكم أحد يريد الله .. وقال آخر عن قوله تعالى: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} قال .. ألهاهم عنه ..
باختصار لقد اكتشف المتصوفة بزعمهم للقرآن معاني غير التي يعرفها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعلماء الأمة على مر العصور. لقد اكتشفوا هم عن طريق كشفهم الشيطاني أن للقرآن معاني أخرى وأن فيه علوماً كثيرة جداً لا يعلمها غيرهم .. وما هذه العلوم .. إنها كل الفلسفات القديمة، والخزعبلات والخرافات التي عند فلاسفة الإغريق، وكهنة الهنادك والهندوس، وشياطين المجوس وإباحية المانوية والمزدكية، وخرافات القصاص من كل لون وجنس كل هذا وهذا جعله المتصوفة كشفاً وحقيقة صوفية ومعاني للقرآن الكريم ولحديث النبي الشريف ..
ومن أراد منهم أن لا ينسب هذه الخرافات والخزعبلات إلى القرآن والحديث، ورأى أنه تحقق بعلوم أكثر بكثير مما فيهما قال:
خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله .. فجعل نفسه أعظم معرفة وتحقيقاً مما لدى الأنبياء .. وذلك لما رأى أنه قد جمع من الخرافات والخزعبلات والأساطير شيئاً نهى الرسل الصادقون عن افترائه وتناقله وتداوله .. هذه هي حقيقة الكشف الصوفي الذي زعم أصحابه أنه ثمرة العبادة والتقوى والاتصال بالله والملائكة والأنبياء والخضر، وأنه نتيجة حتمية لسباحة أرواحهم في الأزل والأبد، والسماوات السبع وما فوقها والأراضين السبع وما تحتها .. لقد أتونا بعد هذه السياحة الشيطانية بعشرات المجلدات والخرافات والخزعبلات بعد أن لبسوها وخلطوها ببعض العلم الذي جاء به الرسل فخلطوا الأمر على عامة المسلمين، وأضلوا من لا علم لهم بالكتاب والسنة، وظنوا فعلاً أن هؤلاء الناس صالحون وأن علومهم هذه قد أتوا بها فعلاً من الغيب، وخاصة أنهم رأوهم أحياناً تجري على أيديهم بعض الحيل الشيطانية، وبعض الكرامات الإبليسية من خرق العادات أو الإخبار ببعض المغيبات ما هو عند الهندوس والمجوس والدجال وابن صياد أمثاله وأكثر منه مئات المرات، لقد أوهم العامة ما جرى على يد هؤلاء من هذه الكرامات الإبليسية التي هي حقاً أمثال شيطانية من ما يجري للكفار والمنافقين والدجالين، فظنوا أن هؤلاء من أهل الله حقاً،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/133)
وأن الحجب ترتفع عنهم صدقاً وأن علومهم هذه آتية من الغيب يقيناً وبذلك راجت يوماً بضاعة هؤلاء الزنادقة وصرفوا المسلمين عن دينهم الحق وعقيدتهم المستقيمة.
وها نحن نورد بعد هذه المقدمة التي لا بد منها طائفة من النقول من كتب القوم المعتمدة التي تبين هذا الباطل الذي يدعونه ويسمونه كشفاً، وحقيقة، وعلماً لدنياً، وتحققاً واطلاعاً ليكون القارئ المسلم على بينه مما عليه هؤلاء الزنادقة.
عبدالكريم الجيلي وكتابه الإنسان الكامل:
هذا عبدالكريم الجيلي يكتب كتابه (الإنسان الكامل) زاعماً أيضاً أنه من الله أخذه، وأن الله أمره بإخراج هذا الكتاب للناس وأنه ليس فيه شيء إلا وهو مؤيد بالكتاب والسنة يقول:
" .. ثم ألتمس من الناظر في هذا الكتاب بعد أن أعلمه أني ما وضعت شيئاً في هذا الكتاب إلا وهو مؤيد بكتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه إذا لاح له شيء في كلامي بخلاف الكتاب والسنة فليعلم أن ذلك من حيث مفهومه لا من حيث مرادي الذي وضعت الكلام لأجله فليتوقف عن العمل به مع التسليم إلى أن يفتح الله تعالى عليه بمعرفته، ويحصل له شاهد ذلك من كتاب الله تعالى أو سنة نبيه.
وفائدة التسليم هنا وترك الإنكار أن لا يحرم الوصول إلى معرفة ذلك، فإن من أنكر شيئاً من علمنا هذا حرم الوصول إليه ما دام منكراً، ولا سبيل إلى غير ذلك، بل ويخشى عليه حرمان الوصول إلى ذلك مطلقاً بالإنكار أول وهلة، ولا طريق له إلا الإيمان والتسليم.
واعلم أن كل علم لا يؤيده الكتاب والسنة فهو ضلالة، لا لأجل ما لا تجد أنت له ما يؤيده، فقد يكون العلم في نفسه مؤيداً بالكتاب والسنة، ولكن قلة استعدادك منعتك من فهمه فلن تستطيع أن تتناوله له بهمتك من محله فتظن أنه غير مؤيد بالكتاب والسنة، فالطريق في هذا التسليم وعدم العمل به من غير إنكار إلى أن يأخذ الله بيدك إليه" (الإنسان الكامل ص8).
علماً بأنه لم يضع فيه شيئاً مطلقاً وافق الكتاب والسنة، بل جمع فيه من الكفر والزندقة أعظم من كل كفر الأولين والآخرين كيف لا وقد جعل كل من عبد شيئاً في الأرض فما عبد إلا الله. بل زعم أنه ليس في الوجود إلا الله، الذي خلق الوجود من نفسه لنفسه فليس هناك إلا هو فهو الرب والعبد، والشيطان والراهب، والسماء والأرض، والظلمات والنور، والحمل الوديع والذئب الكاسر ..
تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً واستغفر الله من تسطير ذلك وكتابته .. اللهم رحماك رحماك .. لقد قلت في كتابك عن الذين ادعوا الألوهية في عيسى وهو نبي كريم ونفس طيبة {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً} وقلت أيضاً {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً* أن دعوا للرحمن ولداً* وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا* إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً} .. وهذا الزنديق يا ربي وأمثاله جعلوا كل كلب وخنزير في الأرض، وكل شيطان وإبليس وكل كافر وفاجر جزءاً منك، ومظهراً لك (ومجلى) -حسب عبارتهم- من مجاليك وتجلياتك ثم أنت ترزقهم وتعافيهم وتحلم عليهم سبحانك ما أحلمك وأجلك وأعظمك. لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك. ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
نعود إلى الجيلي وكتابه الذي يقول فيه بالنص:
"وكنت قد أسميت الكتاب على الكشف الصريح وأيدت مسائله بالخبر الصحيح ( .. انظر) وسميته بالإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل" ثم يقول: "فأمرني الحق الآن بإبرازه بين تصريحه وإلغازه، ووعدني بعموم الانتفاع فقلت طوعاً للأمر المطاع، وابتدأت في تأليفه متكلاً على الحق في تعريفه، فها أنا ذا أكرع من دنه (الدن: هو وعاء الخمر الذي يخمر فيه) القديم، بكأس الاسم العليم، في قوابل أهل الإيمان والتسليم خمرة مرضعة من الحي الكريم، مسكرة الموجود بالقديم) أ. هـ (ص6).
ما الذي يتكلم عليه الجيلي في هذا الكتاب:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/134)
إن كتابه من أوله وآخره يدور حول معنى واحد وهو وصف الله بصفات مخلوقاته، وبيان أن المخلوق هو عين الخالق .. هذا كل ما يريد الجيلي أن يصل إليه وهذا هو ما شرحه شرحاً كاملاً في كتابه، وأضاف أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل والإله الكامل الذي اتصف بكل صفات الله بعلوها وسفلها، بحلوها ومرها؛ فقل هو الله أحد معناها كما يفسرها الجيلي: قل يا محمد الإنسان هو الله أحد. فهاء الإشارة في (هو) راجع إلى فاعل قل وهو أنت .. فيكون المعني يا محمد هو أي أنت الله أحد .. هذا هو الكشف الذي كشفه لنا الجيلي من الغيب وهذا هو الكتاب الذي ليس فيه شيء يخالف الكتاب والسنة.
وهذا نص عبارة الجيلي في ذلك: ..
"الحرف الخامس من هذا الاسم: هو الهاء، فهو إشارة إلى هوية الحق الذي هو عين الإنسان قال الله تعالى (قل) يا محمد (هو) أي الإنسان (الله أحد) فهاء الإشارة في هو راجع إلى فاعل قل وهو أنت، وإلا فلا يجوز إعادة الضمير إلى غير مذكور أقيم المخاطب هنا مقام الغائب التفاتاً بيانياً إشارة إلى أن المخاطب بهذا ليس نفس الحاضر وحده، بل الغائب والحاضر في هذا على السواء.
قال الله تعالى (ولو ترى إذ وقفوا) ليس المراد به محمداً وحده بل كل راء، فاستدارة رأس الهاء إشارة إلى دوران رحى الوجود الحقي والخلقي على الإنسان، فهو في عالم المثال كالدائرة التي أشارت الهاء إليها، فقل ما شئت إن شئت قلت الدائرة حق وجوفها خلق، وإن شئت قلت الدائرة خلق وجوفها حق فهو حق وهو خلق، وإن شئت قلب الأمر فيه بالإلهام، فالأمر في الإنسان دوري بين أنه مخلوق له ذل العبودية والعجز وبين أنه على صورة الرحمن، فله الكمال والعز.
قال الله تعالى (والله هو الولي) يعني الإنسان الكامل الذي قال فيه (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) لأنه يستحيل الخوف والحزن وأمثال ذلك على الله لأن الله هو الولي الحميد (وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير) أي الولي، فهو حق منصور في صورة خلقية، أو خلق متحقق بمعاني الإلهية، فعلى كل حال وتقدير وفي كل مقال وتقرير هو الجامع لوصفي النقص والكمال، والساطع في أرض كونه بنور شمس المتعال، فهو السماء والأرض، وهو الطول والعرض، وفي هذا المعنى قلت:
لي الملك في الدارين لم أرى فيهما سواي فأرجو فضله أو فأخشاه
ولا قبل من قبلي فالحق شأنه ولا بعد من بعدي فأسبق معناه
وقد حزت أنواع الكمال وإنني جمال جلال الكل ما أنا إلا هو
فمهما ترى من معدن ونباته وحيوانه مع أنه وسجاياه
ومهما ترى من عنصر وطبيعة ومن هباء الأصل طيب هيولاه
ومهما ترى من أبحر وقفاره ومن شجر أو شاهق طال أعلاه
ومهما ترى من صورة معنوية ومن شهد للعين طال محياه
إلى أن يقول:
فإني ذلك الكل والكل مشهدي أنا المتجلي في حقيقته لا هو" (ص31)
ويشرح الجيلي هذا المعنى المجمل تفصيلياً في الباب الستين من كتابه فيقول بالنص:
الباب الملفى ستين: في الإنسان الكامل وأنه محمد صلى الله عليه وسلم وأنه مقابل للحق والخلق.
"اعلم حفظك الله أن الإنسان الكامل هو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود من أوله إلى آخره، وهو واحد منذ كان الوجود إلى أبد الآبدين، ثم له تنوع في ملابس ويظهر في كنائس (الكنيسة مكان العبادة عند النصارى. والمعنى المشار إليه هنا أنه يوصف بالشيء ونقيضه كما قال فريد الدين العطار: وما الكلب والخنزير إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة) فيسمى به باعتبار لباس، ولا يسمى به باعتبار لباس آخر، فاسمه الأصلي الذي هو له محمد، وكنيته أبو القاسم، ووصفه عبدالله، ولقبه شمس الدين، ثم له باعتبار ملابس أخرى أسام، وله في كل زمان اسم ما يليق بلباسه في ذلك الزمان، فقد اجتمعت به صلى الله عليه وسلم وهو في صورة شيخي الشيخ شرف الدين اسماعيل الجبرتي، ولست أعلم أنه النبي صلى الله عليه وسلم وكنت أعلم أنه الشيخ، وهذا من جملة مشاهد شاهدته فيها بزبيد سنة ست وتسعين وسبعمائة وسر هذا الأمر تمكنه صلى الله عليه وسلم من التصور بكل صورة، فالأديب إذا رآه في الصورة المحمدية التي كان عليها في حياته فإنه يسميه باسمه، وإذا رآه في صورة ما من الصور وعلم أنه محمد فلا يسميه إلا باسم تلك الصورة، ثم لا يوقع ذلك الاسم الأعلى الحقيقة المحمدية.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/135)
ألا تراه صلى الله عليه وسلم لما ظهر في صورة الشبلي رضي الله عنه قال الشبلي لتلميذه أشهد أني رسول الله وكان التلميذ صاحب كشف فعرفه، فقال: أشهد أنك رسول الله، وهذا أمر غير منكور وهو كما يرى النائم فلان في صورة فلان. وأقل مراتب الكشف أن يسوغ به في اليقظة ما يسوغ به اليقظة ما يسوغ به في النوم، ولكن بين النوم والكشف فرقاً وهو أن الصورة التي يرى فيها محمد صلى الله عليه وسلم في النوم لا يوقع اسمها في اليقظة على الحقيقة المحمدية، لأن عالم المثال يقع التعبير فيه
الصورة في اليقظة، بخلاف الكشف فإنه إذا كشف لك عن الحقيقة المحمدية أنها متجلية في صورة من صور الآدميين، فيلزمك إيقاع اسم تلك الصورة على الحقيقة المحمدية، ويجب عليك أن تتأدب مع صاحب تلك الصورة تأدبك مع محمد صلى الله عليه وسلم. لما أعطاك الكشف أن محمداً صلى الله عليه وسلم متصور بتلك الصورة، فلا يجوز لك بعد شهود محمد صلى الله عليه وسلم فيها أن تعاملها بما كنت تعاملها به من قبل، ثم إياك أن تتوهم شيئاً في قولي من مذهب التناسخ، حاشا لله وحاشا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك مرادي، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم له من التمكين في التصور بكل صورة حتى يتجلى في هذه الصورة، وقد جرت سنته صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال يتصور في كل زمان بصورة أكملها ليعلي شأنهم ويقيم ميلانهم، فهم خلفاؤه في الظاهر وهو في الباطن حقيقتهم" أ. هـ
ثم يستطرد الجيلي حسب اعتقاده مبيناً كيف يكون محمد صلى الله عليه وسلم إنساناً كاملاً، وإلهاً تحققت فيه كل مظاهر الربوبية والألوهية وتجلت فيه كل أسماء الله وصفاته ..
ولما كان الله عند الجيلي ومن على طريقته من هؤلاء الزنادقة الملحدين هو هذه المخلوقات لا غير .. استطرد الجيلي مبيناً أن الكون الوجود في كل شيء منه مقابل للذات المحمدية. ففي ذات الرسول شبيه العرش والكرسي، والسماوات والأرض والملائكة والحيوان والنبات والجماد .. وسائر الموجودات التي هي في حقيقتها عند الجيلي هي الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً ..
يقول الجيلي شارحاً ذلك:
"واعلم أن الإنسان الكامل مقابل لجميع الحقائق الوجودية بنفسه.
فيقابل الحقائق العلوية بلطافته، ويقابل الحقائق السفلية بكثافته، فأول ما يبدو في مقابلته للحقائق الخلقية يقابل العرش بقلبه، قال صلى الله عليه وسلم (قلب المؤمن من عرش الرحمن)، ويقابل الكرسي بآنيته، ويقابل سدرة المنتهى بمقامه، ويقابل القلم الأعلى بعقله، ويقابل اللوح المحفوظ بنفسه، ويقابل العناصر بطبعه، ويقابل الهيولي بقابليته، ويقابل الهباء بحيز هيكله، ويقابل الفلك الأطلس برأيه، ويقابل الفلك المكوكب بمدركته، ويقابل السماء الخامسة بهمته، ويقابل السماء الرابعة بفهمه، ويقابل السماء الثالثة بخياله، ويقابل السماء الثانية بفكره، ويقابل السماء الأولى بحافظته، ثم يقابل زحل بالقوى اللامسة، ويقابل المشتري بالقوى الدافعة، ويقابل المريخ بالقوى المحركة، ويقابل الشمس بالقوى الناظرة، ويقابل الزهرة بالقوى المتلذذة، ويقابل عطارد بالقوى الشامة، ويقابل القمر بالقوى السامعة، ثم يقابل فلك النار بحرارته، ويقابل فلك الماء ببرودته، ويقابل فلك الهواء برطوبته، ويقابل فلك التراب بيبوسته، ثم يقابل الملائكة بخواطره، ويقابل الجن والشياطين بوسواسه، ويقابل البهائم بحيوانيته، ويقابل الأسد بالقوى الباطشة، ويقابل الثعلب بالقوى الماكرة، ويقابل الذئب بالقوى الخادعة، ويقابل القرد بالقوى الحاسدة، ويقابل الفأر بالقوى الحريصة، وقس على ذلك باقي قواه، ثم إنه يقابل النار بالمادة الصفراوية، ويقابل الماء بالمادة البلغمية، ويقابل الريح بالمادة الدموية، ويقابل التراب بالمادة السوداوية، ثم يقابل السبعة أبحر بريقه ومخاطه وعرقه ونقاء أذنه ودمعه وبوله والسامع المحيط، وهو المادة الجارية بين الدم والعرق والجلد، منها تتفرع تلك الستة، ولكل واحد طعم، فحلو وحامض، ومر وممزوج، ومالح ونتن وطيب، ثم يقابل الجوهر بهويته وهي ذاته، ويقابل العرض بوصفه، ثم يقابل الجمادات بأنيابه، فإن الناب إذا بلغ وأخذ حده في البلوغ بقي شبه الجمادات لا يزيد ولا ينقص وإذا كسرته لا يلتحم بشيء، ثم يقابل النبات بشعره وظفره، ويقابل الحيوان بشهوانيته، ويقابل مثله من الآدميين ببشريته وصورته،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/136)
ثم يقابل أجناس الناس، فيقابل الملك بروحه، ويقابل الوزير بنظره الفكري، ويقابل القاضي بعلمه المسموع، ورأيه المطبوع، ويقابل الشرطي بظنه، ويقابل الأعوان بعروقه وقواه جميعها، ويقابل المؤمنين بيقينه، ويقابل المشركين بشكه وريبه، فلا يزال يقابل كل حقيقة من حقائق الوجود برقيقة من رقائقه، فقد بينا فيما مضى من الأبواب خلق كل ملك مقرب من كل قوى من الإنسان الكامل، وبقي أن نتكلم عن مقابلة الأسماء والصفات.
اعلم أن نسخة الحق تعالى كما أخبر صلى الله عليه وسلم حيث قال: (خلق الله آدم على صورة الرحمن) وفي حديث آخر (خلق الله آدم على صورته) وذلك أن الله تعالى حي عليم قادر مريد سميع بصير متكلم، وكذلك الإنسان حي عليم .. الخ.
ثم يقابل الهوية بالهوية، والإنية بالإنية، والذات بالذات، والكل بالكل، والشمول بالشمول، والخصوص بالخصوص، وله مقابلة أخرى يقابل الحق بحقائقه الذاتية، وقد نبهنا عليها في هذا الكتاب في غير ما موضع، وأما هنا فلا يجوز لنا أن نترجم عنها، فيكفي هذا القدر من التنبيه عليها.
ثم اعلم أن الإنسان الكامل هو الذي يستحق الأسماء الذاتية، والصفات الإلهية استحقاق الأصالة والملك بحكم المقتضي الذاتي، فإنه المعبر عن حقيقته بتلك العبارات والمشار إلى لطيفته بتلك الإشارات ليس لها مستند في الوجود إلا الإنسان الكامل، فمثاله للحق مثال المرآة التي لا يرى الشخص صورته إلا فيها، وإلا فلا يمكنه أن يرى صورة نفسه لا بمرآة الاسم الله فهو مرآته، والإنسان الكامل أيضاً مرآة الحق، فإن الحق تعالى أوجب على نفسه أن لا ترى أسماؤه ولا صفاته إلا في الإنسان الكامل، وهذا معنى قوله تعالى {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً} يعني قد ظلم نفسه بأن أنزلها عن تلك الدرجة، جهولاً بمقداره لأنه محل الأمانة الإلهية وهو لا يدري" أ. هـ (المصدر السابق ص76،77).
ادعاء رؤية العوالم العلوية والسفلية:
ولا يتوقف هذا الهذيان الذي يطالعنا به الجيلي في كتابه لحظة واحدة فهو يزعم أنه قد كشفت له الحجب فرأى العالم عاليه وسافله وشاهد الملائكة جميعاً وخاطبهم والرسل والأنبياء؛ فها هو يقول ويدعي: "وفي هذا المشهد (يعني بالمشهد اتصال الصوفي بأرواح المخلوقات التي وجدت في الحياة والتي لم توجد أيضاً لأن الأرواح في زعمه مخلوقة أبداً لا تفنى)، اجتماع الأنبياء والأولياء بعضهم ببعض أقمت فيه بزبيد (زبيد: مدينة من مدن اليمن المشهورة) بشهر ربيع الأول في سنة ثمانمائة من الهجرة النبوية فرأيت جميع الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين والأولياء والملائكة العالين، والمقربين، وملائكة التسخير، ورأيت روحانية الموجودات جميعها، وكشفت عن حقائق الأمور على ما هي عليه من الأزل إلى الأبد" (انظر) ويستطرد قائلاً "وتحققت بعلوم إلهية لا يسع الكون أن نذكرها فيه" (ص97 ج2).
ويستطرد الجيلي في هذيانه وكفرياته قائلاً عن مشاهداته المزعومة في خلق السماء الثانية: "رأيت نوحاً عليه السلام في هذه السماء جالساً على سرير خلق من نور الكبرياء بين أهل المجد والثناء فسلمت عليه وتمثلت بين يديه فرد علي السلام ورحب بي وقام".
إلى أن يقول: "وروحانية الملك الحاكم على جميع ملائكة هذه السماء عجائب من آيات الرحمن وغرائب من أسرار الأكوان لا يسعنا إذاعتها في أهل هذا الزمان" (ص100) أ. هـ.
ويستطرد الجيلي مبيناً مشاهداته المزعومة في السماء الثالثة وأنه رأى يوسف عليه السلام وأنه دار بينهما هذا الحديث الذي يزعم الجيلي في آخره أنه كان يعلم هذه العلوم التي أخبره يوسف بها قبل أن يتفوه بها يوسف. وما هذه العلوم .. إنها هذه الكفريات والهذيانات نفسها وهذا نص عبارته في ذلك:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/137)
"اجتمعت في هذه السماء مع يوسف عليه السلام، فرأيته على سرير من الأسرار كاشفاً عن رمز الأنوار عالماً بحقيقة ما انعقدت عليه أكلة الأحبار متحققاً بأمر المعاني، مجاوزاً عن قيد الماء والأواني فسلمت إلى تحية وافد إليه فأجاب وحياً ثم رحب بي وبيا، فقلت له: سيدي أسألك عن قولك {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث} أي المملكتين تعني وعن تأويل أي الأحاديث تكنى فقال: أردت المملكة الرحمانية المودعة في النكتة الإنسانية (يعني أن يوسف عليه السلام أجابه بأن الله أطلعه عل وجود الرحمن في كيان الإنسان) وتأويل الأحاديث: الأمانات الدائرة في الألسنة الحيوانية، فقلت له يا سيدي أليس هذا المودع في التلويح حللاً من البيان والتصريح. فقال: اعلم أن للحق تعالى أمانة في العباد يوصلها المتكلمون بها إلى أهل الرشاد، قلت: كيف يكون للحق أمانة وهو أصل الوجود في الظهور والإبانة، فقال: ذلك وصفه وهذا شأنه وذاك حكمه وهذه عبارته، والأمانة يجعلها الجاهل في اللسان ويحملها العالم في السر والجنان، والكل في حيرة عنه، ولم يفز غير العارف بشيء منه، فقلت: وكيف ذلك. فقال: اعلم أيدك الله وحماك أن الحق تعالى جعل أسراره كدرر إشارات مودعة في أسرار عبارات (يعني أن سر الخلق قد صحبه الله في أسرار العبارات التي يوحيها إلي)، فهي ملقاة في الطريق دائرة على ألسن الفريق، يجهل العام إشارتها، ويعرف الخاص ما سكن عبارتها، فيؤولها على حسب المقتضى ويؤول بها إلى حيث المرتضى، وهل تأويل الأحلام إلا رشحة من هذا البحر أو حصاة من جنادل هذا القفر فعلمت ما أشار إليه الصديق ولم أكن قبله جاهلاً بهذا التحقيق، ثم تركته وانصرفت في الرفيق الأعلى ونعم الرفيق" أ. هـ (ص101).
ثم يزعم الجيلي أن السماء الرابعة هي قلب الشمس وأن فيها إدريس وأن أكثر الأنبياء في دائرة هذا الفلك المكين مثل عيسى وسليمان وداود وإدريس وجرجيس .. وغيرهم .. الخ.
أسمعتم يا مسلمون نبياً من أنبياء الله يسمى جرجيس، .. ها هو الجيلي اطلع عليه في السماء وجاءكم باسمه كما جاءكم باسم ملك يسمى توحائيل .. أنظرتم كيف يكون الكشف وعلم الغيب. هذه هي نماذجه. وأما السماء الخامسة عند الجيلي فهي سماء الكوكب المسمى بهرام .. وحاكم هذه السماء عزرائيل وهو روحانية المريخ صاحب الانتقام والتوبيخ .. (هكذا والله .. ) ويستطرد الجيلي فيصف السماء السادسة فهي عنده كوكب المشتري .. ويقول "رأيت فيها موسى عليه السلام متمكناً في هذا المقام واضعاً قدمه على هذه السماء قابضاً بيمينه (يلاحظ في هذا التخليط والتقول على الله أن هؤلاء الكاذبين يعمدون إلى الوحي القرآني والحديثي فيأخذون منه ما يشاءون ويخلطونه بهذه الأكاذيب ويزعمون أن ذلك هو الكشف الذي كشف لهم فذكر منصبة موسى على ساق سدرة المنتهى مأخوذ من قول الرسول صلى الله عليه وسلم أكون أول من يفيق فأجد موسى باطشاً بساق العرش) ساق سدرة المنتهى سكران من خمر تجلي الربوبية .. " أي موسى انطبعت في مرآة علمه أشكال الأكوان وتجلت فيه ربوبية الملك الديان .. وأنه دار بينه وبين الجيلي هذا الحوار .. يقول الجيلي بالنص:
"فوقفت متأدباً بين يديه، وسلمت بتحقيق مرتبته عليه، فرفع رأسه من سكرة الأزل ورحب بي ثم أهل، فقلت له: يا سيدي قد أخبر الناطق بالجواب الصادق في الخطاب، أنه قد برزت لك خلعة لن تراني من ذلك الجناب، وحالتك هذه غير حالة أهل الحجاب، فأخبرني بحقيقة هذا الأمر العجاب، فقال: اعلم أنني لما خرجت من مصر أرضي إلى حقيقة فرضي، ونوديت من طور قلبي بلسان ربي من جانب شجرة الأحدية في الوادي المقدس بأنوار الأزلية {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} فلما عبدته كما أمر في الأشياء، وأثنيت عليه بما يستحقه من الصفات والأسماء تجلت أنوار الربوبية لي فأخذني عني، فطلبت البقاء في مقام اللقاء، ومحال أن يثبت المحدث لظهور القديم، فنادى لسان سري مترجماً عن ذلك الأمر العظيم، فقلت: {رب أرني أنظر إليك} فأدخل بانيتي في حضرة القدس عليك فسمعت الجواب من ذلك الجناب {لن تراني ولكن انظر إلى الجبل} وهي ذاتك المخلوقة من نوري في الأزل، {فإن استقر مكانه} بعد أن أظهر القديم سلطانه {فسوف تراني فلما تجلّى ربه للجبل} وجذبتني حقيقة الأزل وظهر القديم على المحدث {جعله دكاً وخر موسى صعقاً} فلم يبق في
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/138)
القديم إلا القديم، ولم يتجل بالعظمة إلا العظيم، هذا على أن استيفاؤه غير ممكن وحصره غير جائز، فلا تدرك ماهيته ولا ترى ولا يعلم كنهه ولا يدري، فلما اطلع ترجمان الأزل على هذا الخطاب أخبركم به من أم الكتاب (أي أن الجيلي اطلع على هذه المكاشفة من أم الكتاب) فترجم بالحق والصواب، ثم تركته وانصرفت وقد اغترفت من بحره ما اغترفت (ص104) أ. هـ.
ويستطرد الجيلي مبيناً مشاهداته في هذه السماء فيقول: "ثم إني رأيت ملائكة هذه السماء مخلوقة على سائر أنواع الحيوانات فمنهم من خلقه الله تعالى على هيئة الطائر وله أجنحة لا تنحصر للحاصر، وعبادة هذا النوع خدمة الأسرار ورفعها من حضيض الظلمة إلى عالم الأنوار، ومنهم من خلقه الله تعالى على هيئة الخيول المسومة، وعبادة هذه الطائفة المكرمة رفع القلوب من سجن الشهادة إلى فضاء الغيوب، ومنهم من خلقه الله تعالى على هيئة النجائب وفي صورة الركائب، وعبادة هذا النوع رفع النفوس إلى عالم المعاني من عالم المحسوس، ومنه من خلقه الله تعالى على هيئة البغال والحمير!! وعبادة هذا النوع رفع الحقير وجبر الكسير والعبور من القليل إلى الكثير ومنهم من خلقه الله تعالى على صرة الإنسان وعبادة هؤلاء حفظ قواعد الأديان، ومنهم من خلق على صفة بسائط الجواهر والأعراض وعبادة هؤلاء إيصال الصحة إلى الأجسام المراض، ومنهم من خلق على أنواع الحبوب والمياه وسائر المأكولات والمشروبات، وعبادة هؤلاء إيصال الأرزاق إلى مرزوقها من سائر المخلوقات، ثم إني رأيت في هذه السماء ملائكة مخلوقة بحكم الاختلاط مزجاً، فالنصف من نار والنصف من ماء عقد ثلجاً، فلا الماء يفعل في إطفاء النار ولا النار تغير الماء عن ذلك القرار" (ص105).
وأما السماء السابعة التي شاهدها الجيلي وجاء يقص علينا مشاهداته فهي السماء السابعة، وهي عنده زحل، ويحكى أنه شاهد فيها إبراهيم عليه السلام قائماً في هذه السماء وله منصة يجلس عليها على يمين العرش من فوق الكرسي وهو يتلو آية {الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق .. }.
ويستطرد الجيلي بعد ذلك تبجحاً أنه صعد إلى سدرة المنتهى وأنه رأى هناك الملائكة وأنها على هيئات مختلفة وأمامهم سبعة، ثم ثلاثة ثم ملك مقدم يسمى عبدالله .. وأنهم أخبروه أنهم لم يسجدوا لآدم -هكذا .. علماً بأن الله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه {فسجد الملائكة كلهم أجمعون* إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين} (الحجر:30 - 31).
فأكد الله سبحانه سجود الملائكة بكل وجميع ولكن جاءنا الجيلي ليخبرنا بأن الملائكة هؤلاء الذين شاهدهم في السماء لم يؤمروا بالسجود لآدم فاكتشف ما لم يعلمه الله ورسوله. وهذا نص عبارته في ذلك:
"ثم رأيت سبعة جملة هذه المائة متقدمة عليهم يسمون قائمة الكروبيين، ورأيت ثلاثة مقدمين على هذه السبعة يسمون بأهل المراتب والتمكين، ورأيت واحداً مقدماً على جميعهم يسمى عبدالله، وكل هؤلاء عالون ممن لم يؤمروا بالسجود لآدم، ومن فوقهم كالملك المسمى بالنون والملك المسمى بالقلم وأمثالهم أيضاً عالون، وبقية ملائكة القرب دونهم، وتحتهم مثل جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل (ليس في ملائكة الله عز وجل ملك يسمى عزرائيل ولم يثبت ذلك في حديث صحيح أو ضعيف ولكنه اسم يجري على ألسنة العامة، ولكن هؤلاء الجهلة يلتقطون مثل هذه الأسماء ويجعلونها كشفاً وعلماً لدنياً وروحياً وإلهاماً لهم فانظر وتعجب .. ) وأمثالهم.
ورأيت في هذا الفلك من العجائب والغرائب ما لا يسعنا شرحه" (ص107).
ولا يكتفي الجيلي ببيان كفرياته وهذيانه في السماء فينتقل إلى الأرض وهي عنده ليست أرضاً واحدة بل هو يزعم أنه شاهد سبعة أرضين وسبعة بحار ومحيطات وهاك بعضاً من هذا الهذيان الذي يزعم فيه الجيلي أنه رأى فيه الخضر وموسى، وأفلاطون وأرسطو والاسكندر، إلى هذيان وكفر لا يسع المؤمن عند سماعه وقراءته إلا أن يقول (يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك) وأن يقول أيضاً (الحمد لله الذي عافانا وما علينا ووقانا) وهاك أخي القارئ شيئاً من هذا الهذيان:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/139)
"إن الله تعالى لما بسط الأرض جعلها على قرني ثور يسمى البرهوت وجعل الثور على ظهر الحوت في هذا البحر يسمى البهموت، وهو الذي أشار إليه الحق تعالى بقوله {وما تحت الثرى} ومجمع البحرين هذا هو الذي اجتمع فيه موسى عليه السلام بالخضر على شطه، لأن الله تعالى كان قد وعده بأن يجتمع بعبد من عباده على مجمع البحرين، فلما ذهب موسى وفتاه حاملاً لغذائه ووصلا إلى مجمع البحرين لم يعرفه موسى عليه السلام إلا بالحوت الذي نسيه الفتى على الصخرة وكان البحر مداً، فلما جزر بلغ الماء إلى الصخرة فصارت حقيقة الحياة في الحوت، فاتخذ سبيله في البحر سرباً، فعجب موسى من حياة حوت ميت قد طبخ على النار، وهذا الفتى اسمه يوشع بن نون، وهو أكبر من موسى عليه السلام في السن سنة شمسية وقصتهما مشهورة، وقد فصلنا ذلك في رسالتنا الموسومة (بمسامرة الخليل ومسايرة الصحيب) فليتأمل فيه.
سافر الإسكندرية ليشرب من هذا الماء اعتماداً على كل كلام أفلاطون أن من شرب من ماء الحياة فإنه لا يموت، لأن أفلاطون كان قد بلغ هذا المحل وشرب من هذا البحر فهو باق إلى يومنا هذا في جبل يسمى دواوند، وكان أرسطو تلميذ أفلاطون وهو أستاذ الاسكندر صحب الاسكندر في مسيره إلى مجمع البحرين، فلما وصل إلى أرض الظلمات ساروا وتبعهم نفر من العسكر وأقام الباقون في مدينة تسمى ثُبُتْ برفع الثاء المثلثة والباء الموحدة وإسكان التاء المثناة من فوق وهو حد ما تطلع الشمس عليه، وكان في جملة من صحب الاسكندر من عسكر الخضر عليه السلام، فساروا مدة لا يعلمون عددها ولا يدركون أمدها وهم على ساحل البحر، وكلما نزلوا منزلاً شربوا من الماء، فلما ملوا من طول السفر أخذوا في الرجوع إلى حيث أقام العسكر، وقد كانوا مروا بمجمع البحرين على طريقهم من غير أن يشعروا به، فما أقاموا عنده ولا نزلوا به لعدم العلامة، وكان الخضر عليه السلام قد ألهم بأن أخذ طيراً فذبحه وربطه على ساقه، فكان يمشي ورجله في الماء، فلما بلغ هذا المحل انتعش الطير واضطرب عليه، فأقام عنده وشرب من ذلك الماء واغتسل منه وسبح فيه، فكتمه عن الاسكندر وكتم أمره إلى أن خرج، فلما نظر أرسطو إلى الخضر عليه السلام علم أنه قد فاز من دونهم بذلك، فلزم خدمته إلى أن مات واستفاد من الخضر هو والاسكندر علوماً جمة" (ص117).
ويستطرد الجيلي شارحاً له عن طريق كشوفاته وهذيانه فيقول:
" .. واعلم أن الخضر عليه السلام قد مضى ذكره فيما تقدم، خلقه الله تعالى من حقيقته
{ونفخت فيه من روحي} فهو روح الله، فلهذا عاش إلى يوم القيامة، اجتمعت به وسألته، ومنه أروي جميع ما في هذا البحر المحيط (جميع الصوفية يزعمون أن كل ما ينقلونه من علومهم يسمعونه من الخضر، وقد زاد الجيلي أن الخضر مخلوق من روح الله .. ولا يعلم هذا الجاهل أن آدم هو الذي أمر الله جبريل أن ينفخ فيه وجبريل هو روح الله وليس الخضر خلقاً خاصاً).
واعلم أن هذا البحر المحيط المذكور، وما كان منه منفصلاً عن جبل (ق) مما يلي الدنيا فهو مالح وهو البحر المذكور، وما كان منه متصلاً بالجبل فهو وراء المالح، فإنه البحر الأحمر الطيب الرائحة وما كان من وراء جبل (ق) متصلاً بالجبل الأسود فإنه البحر الأخضر، وهو من الطعم كالسم القاتل، ومن شرب منه قطرة هلك، وفني لوقته، وما كان منه وراء الجبل يحكم الانفصال والحيطة والشمول بجميع الموجودات فهو البحر الأسود الذي لا يعلم له طعم ولا ريح ولا يبلغه أحد، بل وقع به الأخبار، فعلم وانقطع عن الآثار فكتم.
وأما البحر الأحمر الذي نشره كالمسك الأذفر فإنه يعرف بالبحر الأسمى ذي الموج الأنمى، رأيت على ساحل هذا البحر رجالاً مؤمنين، ليس لهم عبادة إلا تقريب الخلق إلى الحق، قد جبلوا على ذلك، فمن عاشرهم أو صاحبهم عرف الله بقدر معاشرتهم، وتقرب إلى الله بقدر مسايرتهم، وجوههم كالشمس الطالع والبرق اللامع، يستضيء بهم الحائر في تيهات القفار، ويهتدي بهم التائه في غيابات البحار، إذا أرادوا السفر في هذا البحر نصبوا شركاً لحيتانه، فإذا اصطادوا ركبوا عليها لأن مراكب هذا البحر حيتانه، ومكتسبه لؤلؤه ومرجانه، ولكنهم عند أن يستووا على ظهر هذا الحوت ينتعشون بطيب رائحة البحر فيغمى عليهم، فلا يفيقون إلى أنفسهم، ولا يرجعون إلى محسوسهم ما داموا راكبين في هذا البحر، فتسير بهم الحيتان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/140)
إلى أن يأخذوا حدها من الساحل، فتقذف بهم في منزل من تلك المنازل، فإذا وصلوا إلى البر وخرجوا من ذلك البحر، رجعت إليهم عقولهم، وبان لهم محصولهم فيظفرون بعجائب وغرائب لا تحصر، أقل ما يعبر عنها، بأنها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" (ص118).
وفي ختام هذا الهذيان يقول الجيلي:
"وأما البحر السابع فهو الأسود القاطع، لا يعرف سكانه، ولا يعلم حيتانه، فهو مستحيل الوصول غير ممكن الحصول، لأنه وراء الأطوار وآخر الأكوار والأدوار، لا نهاية لعجائبه، ولا آخر لغرائبه، قصر عنه المدى فطال، وزاد على العجائب حتى كأنه المحال، فهو بحر الذات الذي حارت دونه الصفات، وهو المعدوم الموجود والموسوم والمفقود والمعلوم والمجهول والمنقول والمحتوم والمعقول، وجوده فقدانه، أوله محيط بآخره وباطنه مستو على ظاهره، لا يدرك ما فيه، ولا يعلمه أحد فيستوفيه، فلنقبض العنان عن الخوض فيه والبيان (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) وعليه التكلان" (ص118) أ. هـ.
وهكذا يكون الهذيان مختوماً بقوله تعالى {والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .. } .. أعرفتم الحق الذي يدعونا إليه الجيلي ومن على شاكلته من هؤلاء الملاحدة والزنادقة؟ إنه هذا الهذيان الذي لا أول له ولا آخر.
ما الذي يريده هؤلاء الملاحدة؟!
وقد يسأل سائل: وما الذي يريده هؤلاء من تأليف هذه الكتب، ونشر هذا الجنون والهذيان؟! ولست أنا الذي سأجيب عن هذا السؤال، وإنما سأثبت الجواب من كلام الجيلي نفسه. إنه يقول بالنص:
"اعلم أن الله تعالى إنما خلق جميع الموجودات لعبادته، فهم مجبولون على ذلك مفطورون عليه من حيث الأصالة، فما في الوجود شيء إلا هو يعبد الله بحاله ومقاله وفعاله، بل بذاته وصفاته، فكل شيء في الوجود مطيع لله تعالى، لقوله تعالى للسماوات والأرض {ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين} وليس المراد بالسماوات إلا أهلها، ولا بالأرض إلا سكانه. وقال تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} ثم شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يعبدونه بقوله [كل ميسر لما خلق له] لأن الجن والإنس مخلوقون لعبادته وهم ميسرون لما خلقوا له، فهم عباد الله بالضرورة، ولكن تختلف العبادات لاختلاف مقتضيات الأسماء والصفات، لأن الله تعالى متجل باسمه المضل، كما هو متجل باسمه الهادي، فكما يجب ظهور أثر اسمه المنعم، كذلك يجب ظهور أثر اسمه المنتقم. واختلاف الناس في أحوالهم لاختلاف أرباب الأسماء والصفات، قال تعالى {كان الناس أمة واحدة} يعني عباد الله مجبولون على طاعته من حيث الفطرة الأصلية، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ليعبده من اتبع الرسل من حيث اسمه المضل، فاختلف الناس وافترقت الملل وظهرت النحل، وذهبت كل طائفة إلى ما علمته أنه صواب.
ولو كان ذلك العلم عند غيرها خطأ ولكن حسنه الله عندها ليعبدوه من الجهة التي تقتضيها تلك الصفة المؤثرة في ذلك الأمر، وهذا معنى قوله {ما من دابة في الأرض إلا هو آخذ بناصيتها} فهو الفاعل بهم على حسب ما يريد مريده، وهو عين ما اقتضته صفاته، فهو سبحانه وتعالى يجزيهم على حسب مقتضى أسمائه وصفاته، فلا ينفعه إقرار أحد بربوبيته ولا يضره جحود أحد بذلك، بل هو سبحانه وتعالى يتصرف فيهم على ما هو مستحق لذلك من تنوع عباداته التي تنبغي لكماله، فكل من في الوجود عابد لله تعالى، مطيع لقوله تعالى {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}، لأن من تسبيحهم ما يسمى مخالفة ومعصية وجحوداً وغير ذلك، فلا يفقهه كل أحد، ثم إن النفي إنما وقع على الجملة، فصح أن يفقهه البعض؛ فقوله {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} يعني من حيث الجملة، فيجوز أن يفقهه بعضهم" (ص120).
وبعد أن يذكر الجيلي طوائف الناس ومللهم يقول: "فكل هذه الطوائف عابدون لله تعالى كما ينبغي أن يعبد لأنه خلقهم لنفسه لا لهم فهم له كما يستحق ثم إنه سبحانه وتعالى أظهر في هذه الملل حقائق أسمائه وصفاته فتجلى في جميعها بذاته فعبدته جميع الطوائف" (ص122).
ويشرح هذا المعنى تفصيلياً فيقول:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/141)
"فأما الكفار فإنهم عبدوه بالذات، لأنه لما كان الحق سبحانه وتعالى حقيقة الوجود بأسره والكفار من جملة الوجود وهو حقيقتهم فكفروا أن يكون لهم رب لأنه تعالى حقيقتهم ولا رب له بل هو الرب المطلق، فعبدوه من حيث ما تقتضيه ذواتهم التي هو عينها (وما دام أنهم في زعمه وكفره هم عين الله فهم ينفذون لثبته وأمره بل هم الله فلا حاجة بهم إلى أن يعلموا ذلك أو لا يعلموه. وبالتالي فكفرهم بإله غيرهم وخارج عن طبيعتهم هو عين الإيمان وعين الحق في نظر الجيلي الزنديق ومن على شاكلته من هؤلاء الملاحدة الذين لم تعرف الأرض أفجر ولا أكفر منهم).
ثم من عبد منهم الوثن فلسر وجوده سبحانه بكماله بلا حلول ولا مزج في كل فرد من أفراد ذوات الوجود، فكان تعالى حقيقة تلك الأوثان التي يعبدونها فما عبدوا إلا الله" (ص122).
وأظن أنه ليس هناك عبارة أصرح وأوضح من هذه العبارات تبين المقصود والمآل الذي يرمي المتصوفة والوصول إليه.
ويستطرد الجيلي مبيناً عقائد الناس وأنهم جميعاً على حق. فيقول عن اليهود: "وأما اليهود فإنهم يتعبدون بتوحيد الله تعالى ثم بالصلاة في كل يوم مرتين .. ويتعبدون بالاعتكاف يوم السبت، وشرط الاعتكاف عندهم أن لا يدخل في بيته شيئاً مما يتمول به، ولا مما يؤكل، ولا يخرج منه شيئاً، ولا يحدث فيه نكاحاً ولا بيعاً ولا عقداً، وأن يتفرغ لعبادة الله تعالى لقوله تعالى في التوراة:
(أنت وعبدك وأمتك لله تعالى في يوم السبت)، فلأجل هذا حرم عليهم أن يحدثوا في يوم السبت شيئاً مما يتعلق بأمر دنياهم، ويكون مأكوله مما جمعه يوم الجمعة، وأول عندهم إذا غربت الشمس من يوم الجمعة، وآخره الاصفرار من يوم السبت.
وهذه حكمة جليلة؛ فإن الحق تعالى خلق السماوات والأرضين في ستة أيام، وابتدأها في يوم الأحد ثم استوى على العرش في اليوم السابع وهو يوم السبت، فهو يوم الفراغ، فلأجل هذا عبد الله اليهود بهذه العبادة في هذا اليوم إشارة إلى الاستواء الرحماني وحصوله في هذا اليوم فافهم" (ص127).
ثم يقول مادحاً النصارى كذلك فيقول:
"وأما النصارى فإنهم أقرب من جميع الأمم الماضية إلى الحق تعالى، فهم دون المحمديين، سببه أنهم طلبوا الله تعالى فعبدوه في عيسى ومريم وروح القدس، ثم قالوا بعدم التجزئة، ثم قالوا بمقدمه على وجوده في محدث عيسى وكل هذا تنزيه في تشبيه لائق بالجناب الإلهي".
أي أن فعل النصارى هذا من تشبيه الله بخلقه ومن عبادة الثلاث ومن اتخاذ أرباب مع الله كل ذلك لائق في عقيدة عبدالكريم الجيلي ولكنه يراهم أيضاً مقصرون لأنهم حصروا الله في ثلاث نقط، والله عنده لا ينحصر في ثلاثة لأن كل موجود هو الله.
هذه هي الغاية التي يسعى هؤلاء الزنادقة سعياً حثيثاً إليها. إنها التسوية بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والكفر والإيمان، وإبليس وجبريل، ومحمد صلى الله عليه وسلم وأبو جهل، والخمر والماء، والأخت والأجنبية، والزواج والزنا واللواط، والقتل ظلماً والرحمة، والتوحيد والشرك، فلا ضلال في الأرض إلا في نظر القاصرين فقط، وأما العارفون فكل هذه الموجودات شيء واحد بل ذات واحدة تعددت وجوداتها، وتعددت أشكالها وألوانها وهي حقيقة واحدة -وبهذا الدين الذي لم تعرف البشرية أظلم ولا أفجر ولا أكفر منه- اعتقد هؤلاء الزنادقة وألبسوا هذا الدين الفاجر آيات القرآن وأحاديث النبي الكريم، ووصفوا أنفسهم بأنهم خير الناس وأعلمهم وأتقاهم، وهذه هي حالهم في الظلم والكفر والفجور، وهدم دين الإسلام وإحلال شرائع الشيطان مكان شريعة الرحمن، وطمس صفات الله ونوره سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً. وأستغفر الله من نقل هذا الكفر وتسطيره. فإنه كفر لم تقله اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا الصابئة .. ورحم الله الإمام عبدالله بن المبارك الذي كان يقول: إنا لنحكي كفر اليهود والنصارى ونستعظم أن نحكي كفر الجهمية .. فكيف لو رأى كفر هؤلاء الصوفية الملاحدة ماذا كان يقول في ذلك؟!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/142)
حقاً إن هذا لشيء عظيم ولكننا مضطرون أن نذكر كفرهم لندحضه ولنبينه للناس ليحذرون بعد أن عم شرهم البلاد والعباد، وبعد أن اغتر بهم جمع غفير من المسلمين، فظنوا أن الحق مع هؤلاء فاتبعوهم حتى صرفوهم عن دين الرسول صلى الله عليه وسلم وأوصلوهم إلى هذه النهاية المزرية التي يستحيل على الإنسان إذا وصلها أن يميز بين خير وشر، وهدى وضلالة، لأن كل هذه الأضداد ستكون عنده شيئاً واحداً.
ومع ذلك فإن الجيلي يستطرد في هذا الباب شارحاً مراده تماماً فيقول:
"ولم يفتقر في ذلك إلى علمهم، ولا يحتاج إلى نياتهم، لأن الحقائق ولو طال إخفاؤها لا أن تظهر" أ. هـ. يعني أن الله لا يحتاج أن يعلم الكافر به ما دام أن وجود هذا الكافر هو وجود الله، وأن هذه الحقيقة لا بد وأن تظهر للعيان يوماً ما ..
ويمضي الجيلي شارحاً معتقده فيقول ..
"وأما الطباعية فإنهم عبدوه من حيث صفاته الأربع .. ، لأن أربعة الأوصاف الإلهية .. التي هي الحياة والعلم والقدرة والإرادة أصل بناء الوجود فالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة مظاهرها في عالم الأكوان، فالرطوبة مظهر الحياة، والبرودة مظهر العلم، والحرارة مظهر الإرادة، واليبوسة مظهر القدرة. وحقيقة هذه المظاهر ذات الموصوف بها سبحانه وتعالى .. فعبدت هذه الطبائع لهذا السر فمنهم من علم ومنهم من جهل العالم سابق، والجاهل لاحق فهم عابدون للحق من حيث الصفات، ويؤول أمرهم إلى السعادة كما آل أمر من قبلهم إليها بظهور الحقائق التي بني أمرهم عليها" (ص123 - 124).
وهكذا يقرر الجيلي أن الفلاسفة الطبائعيين الذين قالوا برجوع الطبيعة إلى العناصر الأربعة هم عابدون لله شاؤوا أم أبوا، علموا أم جهلوا، وأن أمرهم إلى السعادة الأبدية. ويستدل لهذا الكفر الشنيع أيضاً بالقرآن فيقول: "والدليل من القرآن أن الله قال في الأحزاب المختلفين {كل حزب بما لديهم فرحون} فيقول: "إن فرحهم هذا في الدنيا والآخرة، فكل حزب يفرح بما عنده في الدنيا، ويفرح به أيضاً في الآخرة عندما يطلع الجميع أنه لا ثمة إلا الله وأنهم جميعاً مظاهر للذات الإلهية، وليسوا شيئاً خارجاً عنها".
وهكذا يستخدم القرآن أيضاً في هذا الكفر والباطل الذي لم تعرف البشرية له مثيلاً في كل تاريخها فقد ارتكز في الفطرة أن هناك حقاً وباطلاً، هدى وضلالاً، نوراً وظلاماً، كذباً وصدقاً، وإيماناً .. ، ولكن عند هؤلاء الصوفية كل هذا شيء واحد وحق واحد اختلفت مظاهره ولم تختلف حقيقته فالجنة والنار كلاهما نعيم، وإبليس وجبريل كلاهما عابد، بل معبود، بل شيء تعددت صفاته بتعدد موجوداته ..
ويستطرد الجيلي في شرح كفره وفجوره فيقول:
"وأما الثنوية فإنهم عبدوه من حيث نفسه تعالى، لأنه تعالى جمع الأضداد بنفسه، فشمل المراتب الحقية والمراتب الخلقية، وظهر في الوصفين بالحكمين، وظهر في الدارين بالنعتين، فما كان منسوباً إلى الحقيقة الحقية فهو الظاهر في الأنوار وما كان منسوباً إلى الحقيقة الخلقية فهو عبارة عن الظلمة، فعبدوا النور والظلمة لهذا السر الإلهي الجامع للوصفين والضدين والاعتبارين والحكمين كيف شئت من أي حكم شئت، فإنه سبحانه يجمعه وضده بنفسه.
فالثنوية عبدوه من حيث هذه اللطيفة الإلهية مما يقتضيه في نفسه سبحانه وتعالى، فهو المسمى بالحق، وهو المسمى بالخلق، فهو النور والظلمة" (ص125) أ. هـ.
بهذا الوضوح شرح الجيلي مذهب الفلاسفة الصوفية الزنادقة الملاحدة، وبهذا التفصيل والبيان يستطرد أيضاً قائلاً:
"وأما المجوس فإنهم عبدوه من حيث الأحدية، فكما أن الأحدية مفنية لجميع المراتب والأسماء والأوصاف، كذلك النار فإنها أقوى الاستقصاءات وأرفعها، فإنها مفنية لجميع الطبائع بمحاذاتها، لا تقاربها طبيعة إلا تستحيل إلى النارية لغلبة قوتها، فكذلك الأحدية لا يقابلها اسم ولا وصف إلا يندرج فيها ويضمحل، فلهذه اللطيفة عبدوا النار وحقيقتها ذاتها وتعالى".
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/143)
فيجعل المجوس قسماً غير الثنوية والمعلوم أنهم قسم واحد فالثنوية القائلون بالنور والظلمة وإله للخير وإله للشر هم أيضاً المجوس عبدة النار التي يجعلونها ستاراً وعلامة لإلهم إله الخير في زعمهم ولكن الجيلي الملحد يجعل هؤلاء أيضاً عبدة النيران من أهل الحق والتوحيد وأن عبادتهم للنار حق أقوى العناصر وأرفعها ويقول والنار حقيقتها ذات الله تعالى. فأي كفر يا قوم في الأرض أعظم من هذا وأكبر .. ويمدح الجيلي المجوس فيقول:
"فلما انتشقت مشام أرواح المجوس لعطر هذا المسك زكمت عن شمه سواه فعبدوا النار وما عبدوا إلا الواحد القهار" أ. هـ (ص126).
فأي تصريح عن عقائد القوم أبلغ من هذا ..
ثم يقول: "وأما الدهرية (أي الاسم) فإنهم عبدوه من حيث الهوية (الدهرية: هم القائلون بأنه لا إله والحياة مادة فما هي أرحام تدفع وأرض يبلع واسمهم هذا مأخوذ من قوله تعالى {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن إلا يظنون} (الجاثية:24)) فقال عليه السلام: [لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر] ".
قلت: هذا إبليس والزنادقة لم يصل إلى هذا الحد في الكفر فالمقصود بقول رسول الله [إن الله هو الدهر] هو أنه سبحانه وتعالى مقدر المقادير؛ فسب الأيام سب لله لأنه هو مقدر المقادير سبحانه وتعالى والزمان لا دخل له في ذلك. فنهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن سب الزمان لأن هذا من ثم يتوجه إلى الله سبحانه وتعالى. وليس مقصود الرسول حتماً أن الله هو الزمان لأن الله جل وعلا هو خالق الزمان والمكان والخالق غير المخلوق. وأما الدهرية فإنهم لا يؤمنون بإله أصلاً والجيلي يجعل هؤلاء الملاحدة عباداً لله .. انظر ..
الغزالي - وطريق الكشف:
لعل من العجائب والغرائب أن يسقط رجل في طريق التصوف كالغزالي رحمه الله وعفا عنه. وعلى ما كان منه فقد كان من علماء الشريعة. ولكن لقصر باعه -رحمه الله- في علم السنة ومعرفة صحيح الحديث من ضعيفه فقد اغتر بما عليه الصوفية من ظاهرهم، وما يبدونه ويعلقونه من الورع والتقوى، ولما كان عنده من الفلسفة الأولى التي دخل في بطنها ولم يستطع الخروج منها على حد قول تلميذه الإمام ابن العربي المالكي رحمه الله فإنه قد دون للمتصوفة ما دون في كتابه إحياء علوم الدين. ومن ذلك ما نقله عنهم في زعمهم بالكشف حيث يقول:
"فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر، وفاض على صدورهم النور، لا بالتعليم والدراسة والكتابة للكتب، بل بالزهد في الدنيا والتبري من علائقها، وتفريغ القلب من شواغلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى. فمن كان لله، كان الله له - وزعموا أن الطريق في ذلك، أولاً بانقطاع علائق الدنيا بالكلية، وتفريغ القلب منها، وبقطع الهمة عن الأهل والمال والولد والوطن، وعن العالم والولاية والجاه، بل يصير قلبه إلى حالة يستوي فيها وجود الشيء وعدمه. ثم يخلوا بنفسه في زاوية مع الاقتصار على الفرائض والرواتب، ويجلس فارغ القلب، ولا يفرق فكره بقراءة قرآن، ولا بالتأمل في تفسيره، ولا يكتب حديثاً ولا غيره. بل يجتهد أن لا يخطر بباله شيء سوى الله تعالى. فلا يزال، بعد جلوسه في الخلوة، قائلاً بلسانه: الله .. الله .. على الدوام، مع حضور القلب، حتى ينتهي إلى حالة يترك تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية على لسانه. ثم يصير عليه إلى أن يمحي عن القلب صورة اللفظ وحروفه وهيئة الكلمة، ويبقي معنى الكلمة مجرداً في قلبه حاضراً فيه، كأنه لازم له، لا يفارقه، وله اختيار إلى أن ينتهي إلى هذا الحد، واختيار في استدامة هذه الحالة بدفع الوسواس. وليس له اختيار في استجلاب رحمة الله تعالى. بل هو بما فعله صار متعرضاً لنفحات رحمة الله، فلا يبقى إلا الانتظار لما يفتح الله من الرحمة، كما فتحها على الأنبياء والأولياء بهذه الطريق.
وعند ذلك إذا صدقت إرادته، وصفت همته، وحسنت مواظبته، فلم تجاذبه شهواته، ولم يشغله حديث النفس بعلائق الدنيا - تلمع لوامع الحق في قلبه، ويكون في ابتدائه كالبرق الخاطف ثم يلبث ثم يعود وقد يتأخر. وإن عاد فقد يثبت، وقد يكون مختطفاً. وإن ثبت قد يطول ثباته وقد لا يطول، وقد يتظاهر أمثاله على التلاحق وقد يقتصر على فن واحد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/144)
ومنازل الأولياء الله تعالى فيه لا تحصر، كما لا يحصى تفاوت خلقهم وأخلاقهم - وقد رجع هذا الطريق إلى تطهير محض من جانبك، وتصفية وتجليات، ثم استعداد وانتظار فقط" أ. هـ
فانظر قول الغزالي عن الصوفي الذي يريد الوصول إلى الكشف (ويجلس فارغ القلب، مجموع الهم، ولا يفرق فكره بقراءة القرآن ولا بالتأمل في تفسير ولا يكتب حديثاً ولا غيره .. بل يقول .. الله الله على الدوام .. ) فهل وجد مثل هذا الأمر في كتاب أو سنة أو أنه عمل مبتدع يريد به صاحبه غاية لا تحصل له، وهي رؤية الله أو أنوار الله، أو الملائكة أو رسول الله؟!
وهل يرى الصوفي من وراء هذا الذكر المبتدع غير طوالع نار الشياطين، وبوارق كيدهم، ولوائح طلوعهم على من جعل له غاية غير غايات الدين وطريقاً غير طريق المؤمنين الذي سنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسن لنا الرسول أن يجلس أحدنا في زاوية مظلمة ولا يجعل على خاطره شيئاً غير الله وينتظر أن ينزل عليه الوحي والكشف .. وبالطبع من جعل له غاية غير غايات الكتاب والسنة تلاعبت به الشياطين وظن أن ما تنزل عليه إنما هو من الله وما هو من الله .. والغزالي الذي قرر هذا الكلام للصوفية وساعد في نشر زندقتهم وكفرهم لم يتقدم فيما أعلمه خطوة أخرى وجعل من تنزل الملائكة على الصوفية وذلك فيما أظن وأعلم أن الرجل يعلم أن من قال بنزول الوحي عليه بعد النبي فقد كفر ولذلك أنكر الغزالي أن تكون الملائكة تنزل على الأولياء والصوفية كما تنزل على الأنبياء، واكتفى بما ذكرناه عنه آنفاً أن الأولياء والصوفية تشرق على قلوبهم هذه العلوم التي يقولونها إشراقاً من الغيب فضلاً من الله لهم ورحمة –في زعمه- بهم. لقد اكتفى الغزالي في تقريره الكشف الصوفي بإشراق العلوم في القلب وسماع الصوت أيضاً كما قال: "الخلوة لا تكون إلا في بيت مظلم فإن لم يكن له مكان مظلم فليلق رأسه بجيبه، أو يتدثر بكساء أو إبراز ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال - الحضرة البوبية) (إحياء علوم الدين ج2 ص66).
وعلى الرغم من أن الغزالي جارى الصوفية في مزاعمهم هذه، وقرر ما ابتدعوه من الخلوة والظلام ولف الرأس وانتظار العلوم إلا أن إنكاره نزول الملك على الصوفي لم يعجب كبار الصوفية، وأهل الحقيقة منهم، ولذلك عنفوه وجهلوه وجعلوا هذا منه لقلة الذوق وعدم التحقق بنفسه وعدم مقابلته لمن هو أعلى منه مقاماً، وأحسن منه حالاً، وأنه لو التقى بمن هو أعظم منه وأكبر منه في هذا الطريق لعلم أن الملائكة ينزلون على أولياء الصوفية تماماً كما ينزلون على الأنبياء وأنه لا فرق إلا في نوع العلوم فقط لا في كيفية النزول ولذلك كتب عبدالوهاب الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر اعتراض الغزالي وإنكاره لنزول الملك على الصوفي وأتى بالجواب من ابن عربي الذي خطأ الغزالي ورد عليه في عدم جواز نزول الملك على الصوفي فقال:
" (فإن قلت) قد ذكر الغزالي في بعض كتبه أن من الفرق بين تنزل الوحي على قلب الأنبياء وتنزله على قلوب الأولياء نزول الملك فإن الولي يلهم ولا ينزل عليه قط، والنبي لا بد له من الوحي من نزول الملك به فهل ذلك صحيح؟
(فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الرابع والستين وثلاثمائة أن ذلك غلط والحق أن الكلام في الفرق بينهما إنما هو في كيفية ما ينزل به الملك لا في نزول الملك إذ الذي ينزل به الملك على الرسول أو النبي خلاف ما ينزل به الملك على الولي التابع فإن الملك لا ينزل على الولي التابع إلا بالاتباع لنبيه وبإفهام ما جاء به بما لم يتحقق له علمه كحديث قال العلماء بضعفه مثلاً فيخبره ملك الإلهام بأنه صحيح فللولي العمل به في حق نفسه بشروط يعرفها أهل الله عز وجل لا مطلقاً. وقد ينزل الملك على الولي ببشرى من الله بأنه من أهل السعادة كما قال تعالى في الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا؛ وهذا وإن كان إنما يقع عند الموت فقد يعجل الله تعالى به لمن يشاء من عباده *قال الشيخ: وسبب غلط الغزالي وغيره في منع تنزل الملك على الولي عدم الذوق وظنوا بأنهم قد علموا بسلوكهم جميع المقامات فلما ظنوا ذلك بأنفسهم ولم يروا ملك الإلهام نزل عليهم أنكروه وقالوا ذلك خاص بالأنبياء فذوقهم صحيح وحكمهم باطل مع أنهؤلاء الذين منعوا قائلون بأن زيادة الثقة مقبولة وأهل الله كلهم ثقات. قال ولو أن أبا حامد
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/145)
وغيره اجتمعوا في زمانهم بكامل من أهل الله وأخبرهم بتنزل الملك على الولي لقبلوا ذلك ولم ينكروه. قال وقد نزل علينا ملك الإلهام بما لا يحصى من العلوم وأخبرنا بذلك جماعات كثيرة ممن كان لا يقول بقولنا فرجعوا إلينا فيه ولله الحمد".
وهكذا يقرر ابن عربي، الفيلسوف الصوفي والذي يسمونه الشيخ الأكبر، جواز، بل وقوع نزول الملائكة على شيوخ الصوفية وأن هذا قد وقع له ومد لمشايخ كثيرين ممن هم على شاكلته من أهل الكذب والزيغ. وإليك في الفصل الآتي طائفة من كلام ابن عربي في هذا الصدد:
ابن عربي والكشف الصوفي:
لم أطلع فيما اطلعت على كاتب صوفي أكثر تبجحاً فيما زعمه من العلم الباطني أكثر من ابن عربي الأندلسي الأصل، المغربي، ثم الشامي، سكناً ووفاة.
لقد ملأ هذا الكاتب كتبه مدحاً لنفسه، وأنه لا يستطيع أحد مجاراته قط. فقد زعم لنفسه الإطلاع على كل ما سطره الفلاسفة قديماً وما كتبه اليهود والنصارى .. والمطالع لكتبه يجد هذا واضحاً جداً في مؤلفاته فقد ادعى لنفسه ختم الولاية الكبرى الخاصة وأنه خاتم الأولياء كما كان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وكان في هذا الكذب متبعاً لمن سبقه ممن ادعى ختم الولاية كالترمذي الذي يسمونه الحكيم وهو محمد بن علي الترمذي .. وادعى لنفسه العلم الكامل المحيط بالقرآن والسنة، وأن تآليفه كلها معصومة من الخطأ، وأنه لا يكتب شيئاً إلا عن وحي يوحى، بل زعم أن أبواب كتابه الفتوحات المكية توقيفي يتبع فيه ما يوحى إليه وليس له يد في ترتيب فصوله وأبوابه ..
وأنه أحياناً يتكلم بشيء بعد شيء لا رابط بينهما كما نزل في القرآن {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} بعد آيات الطلاق ولا رابط بينهما .. وأن علومه كلها محفوظة من الخطأ. وإليك نصوص عباراته في ذلك كما جمعها الصوفي الكبير عبدالوهاب الشعراني من ثنايا كتاب (الفتوحات المكية) وضمنها عبدالوهاب في كتاب أسماه اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الكبائر:
"قال في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات المكية جميع ما أتكلم به في مجالسي وتآليفي إنما هو من حضرة القرآن العظيم فإني أعطيت مفاتيح العلم فلا أستمد قط في علم من العلوم إلا منه كل ذلك حتى لا أخرج من مجالسة الحق تعالى في مناجاته بكلامه أو بما تضمنه كلامه *وقال في الكلام على الآذان من الفتوحات: اعلم أني لم أقرر بحمد الله تعالى في كتابي هذا ولا غيره قط أمراً غير مشروع، وما خرجت عن الكتاب والسنة في شيء من تصانيفي *وقال في الباب السادس والستين وثلاثمائة: جميع ما أكتبه في تصانيفي ليس هو عن فكر ولا روية وإنما هو عن نفث في روعي من ملك الإلهام *وقال في الباب السابع والستين وثلاثمائة ليس عندي بحمد الله تقليد لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلومنا كلها محفوظة من الخطأ *وقال في الباب العاشر من الفتوحات: نحن بحمد الله لا نعتمد في جميع ما نقوله إلا على ما يلقيه الله تعالى في قلوبنا لا على ما تحتمله الألفاظ *وقال في الباب الثالث والسبعين وثلاثمائة: جميع ما كتبته وأكتبه إنما هو عن إملاء إلهي وإلقاء رباني أو نفث روحاني في روع كياني كل ذلك لي بحكم الإرث لا بحكم الاستقلال فإن النفث في الروع منحط عن رتبة وحي الكلام ووحي الإشارة والعبارة ففرق يا أخي بين وحي الكلام ووحي الإلهام تكن من العلماء الأعلام *وقال في الباب السابع والأربعين من الفتوحات: اعلم أن علومنا وعلوم أصحابنا ليست من طريق الفكر وإنما هي من الفيض الإلهي *وقال في الباب السادس والأربعين ومائتين: منها جميع علومنا من علوم الذوق لا من علم بلا ذوق فإن علوم الذوق لا تكون إلا عن تجل إلهي والعلم قد يحصل لنا بنقل المخبر الصادق وبالنظر الصحيح *وقال في الباب التاسع والثمانين منها والباب الثامن والأربعين وثلاثمائة: اعلم أن ترتيب أبواب الفتوحات لم يكن عن اختيار مني ولا عن نظر فكري وإنما الحق تعالى يملي لنا على لسان ملك الإلهام جميع ما نسطره وقد نذكر كلاماً بين كلامين لا تعلق له بما قبله ولا بعده كما في قوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى بين آيات طلاق ونكاح وعدة ووفاة تتقدمها وتتأخر عنها انتهى وأطال في ذلك *وقال في الباب الثامن من الفتوحات: اعلم أن العارفين رضي الله تعالى عنهم لا يتقيدون في
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/146)
تصانيفهم بالكلام فيما بوبوا عليه فقط وذلك لأن قلوبهم عاكفة على باب الحضرة الإلهية مراقبة لما يبرز لهم منها فمهما برز لهم كلام بادروا إلى إلقائه على حسب ما حد لهم فقد يلقون الشيء إلى ما ليس في جنسه امتثالاً لأمر ربهم وهو تعالى يعلم حكمة ذلك. انتهى. فهذه النقول تدل على أن كلام الكمل لا يقبل الخطأ من حيث هو والله أعلم" (اليواقيت والجواهر ص24،25 ج2).
وفي نص آخر، يقرر الشعراني ما زعمه شيخه ابن عربي في أنه لا فرق بين وحي الأولياء وحي الأنبياء إلا أن وحي الأنبياء تشريع جديد، وأما الأولياء فإن وجهتهم كشف وعلم واتباع لمشرع الأنبياء ..
"وقال في الباب الثالث والخمسين وثلاثمائة: اعلم أنه لم يجيء لنا خبر إلهي أن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي تشريع أبداً إنما لنا وحي الإلهام. قال تعالى ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك ولم يذكر أن بعده وحياً أبداً. وقد جاء الخبر الصحيح في عيسى عليه السلام وكان ممن أوحي إليه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا نزل آخر الزمان لا يؤمنا إلا بنا أي بشريعتنا وسنتنا مع أن له الكشف التام إذا نزل زيادة على الإلهام الذي يكون له كما الخواص من هذه الأمة.
(فإن قلت) فإذن الإلهام خبر إلهي (فالجواب) نعم وهو كذلك إذ هو إخبار من الله تعالى للعبد على يد ملك مغيب عن الملهم.
(فإن قلت) فهل يكون إلهام بلا وساطة أحد (فالجواب) نعم قد يلهم العبد من الوجه الخاص الذي بين كل إنسان وربه عز وجل فلا يعلم به ملك الإلهام لكن علم هذا الوجه يتسارع إلى إنكاره ومنه إنكار موسى على الخضر عليهما الصلاة والسلام وعذر موسى في إنكاره أن الأنبياء ما تعودوا أخذ أحكام شرعهم إلا على يد ملك لا يعرف شرعاً من غير هذا الطريق فعلم أن الرسول والنبي يشهدان الملك ويريانه رؤية بصر عندما يوحي إليهما وغير الرسول يحس بأثره ولا يراه فيلهمه الله تعالى بوساطته ما شاء أن يلهمه أو يعطيه من الوجه الخاص بارتفاع الوسائط وهو أجل الإلقاء، وأشرفه إذا حصل الحفظ لصاحبه ويجتمع في هذا الرسول والولي أيضاً" أ. هـ (اليواقيت والجواهر ص84 ج2).
وقول ابن عربي هنا "أو يلهمه أو يعطيه من الوجه الخاص بارتفاع الوسائط (أي بين الولي والله) وهو أي هذا الإلقاء بهذه الطريقة أجل الإلقاء وأشرفه –إذا حصل الحفظ لصاحبه- ويجتمع في هذا الرسول والولي أيضاً .. " أ. هـ .. فانظر كيف جعل الولي كالنبي في تلقي الإلقاء الخاص من الله بلا وساطة ولم يكتف ابن عربي بتقرير هذا أيضاً بل راح يزعم أن هناك صورة أخرى للوحي للأولياء وهي انطباع صورة ما يريده الله في ذهن الولي قال الشعراني:
" (فإن قلت) فما حقيقة الوحي (فالجواب) كما قال الشيخ في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات أن حقيقته هو ما تقع به الإشارة القائمة مقام العبارة في غير عبارة إذ العبارة يتوصل منها إلى المعنى المقصود منها ولهذا سميت عبارة بخلاف الإشارة التي هي الوحي فإنها ذات المشار إليه والوحي هو المفهوم الأول والإفهام الأول ولا عجب من أن يكون عين الفهم عين الإفهام عين المفهوم منه فإن لم يحصل لك يا أخي معرفة هذه النكتة فليس لك نصيب من معرفة علم الإلهام الذي يكون للأولياء. ألا ترى أن الوحي هو السرعة ولا أسرع مما ذكرناه انتهى.
(فإن قلت) فما صورة تنزل وحي الإلهام على قلوب الأولياء (فالجواب) صورته أن الحق تعالى إذا أراد أن يوحي إلى ولي من أوليائه بأمر ما تجلى إلى قلب ذلك الولي في صورة ذلك الأمر فيفهم من ذلك الولي التجلي بمجرد مشاهدته ما يريد الحق تعالى أن يعلم ذلك الولي به من تفهيم معاني كلامه أو كلام نبيه صلى الله عليه وسلم علم في الضر به باليد الإلهية، كما يليق بجلاله تعالى وكما وجد العلم في شربة اللبن ليلة الإسراء. ثم إن من الأولياء من يشعر بذلك ومنهم من لا يشعر بل يقول وجدت كذا وكذا في خاطري ولا يعلم من أتاه به ولكن من عرفه فهو أتم لحفظه حينئذ من الشيطان وأطال في ذلك في الباب الثاني عشر وثلاثمائة* (اليواقيت والجواهر ص84 ج2).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/147)
ويعني بالقربة الإلهية حديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابت في مسند أحمد: رأيت ربي الليلة في أحسن صورة فقال لي يا محمد: [فيم يختصم الملأ الأعلى] فقلت: [الله أعلم] فوضع رب العزة يده على ظهري حتى وجدت بردها في صدري فرأيت السماوات فقلت: [يا ربي في الكفارات والدرجات .. ] الحديث. ويعني ابن عربي بذلك أنه كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم ارتفع عنه الحجاب عندما وضع يده سبحانه على الكيفية التي شاءها سبحانه -على ظهر النبي فرأى النبي لذلك الملأ الأعلى وهم الملائكة- يختصمون أي يتناقشون في الكفارات والدرجات أي ما يكفر الذنوب لبني آدم، وما يعلي درجاتهم فقال الله سبحانه وتعالى مجيباً بعد رؤيته للملائكة وسماعه لحديثهم أما الكفارات فهي إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة .. وأما الدرجات فهي إطعام الطعام وإلانة في الكلام والصلاة بالليل والناس نيام ..
أقول أراد ابن عربي أن يجعل للصوفية ما خص الله به الأنبياء من الرؤيا الصادقة في النوم والاطلاع على ما في السماوات من الملأ الأعلى والملائكة فزعم أنه يكون للولي الصوفي كذلك ما كان للنبي من كشف قناع قلبه ورؤيته للملأ الأعلى.
ولم يكتف ابن عربي بهذا أيضاً بل زعم لنفسه وجماعته الصوفية ما لم يعلمه رسل الله أنفسهم وعلى رأسهم سيدهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم فقد زعم أن الصوفية أحياناً ينزل عليهم الوحي مكتوباً من السماء.
وأنه أعني ابن عربي يعلم الفرق بين ما في اللوح المحفوظ من كتابه وما يكتبه المخلوقون وبذلك يستطيع أن يفرق بين المكتوب النازل من السماء والمكتوب في الأرض .. قلت لم يقل نبي قط ولا أخبرنا الله سبحانه وتعالى أن هناك بشراً اطلع على ما في اللوح المحفوظ ولكن العجيب أن هؤلاء يزعمون العلم والإحاطة به. بل نقل الشعراني في كتابه الطبقات الكبرى عن شيخه الخواص أنه كان يعلم ما يكتب في اللوح المحفوظ ساعة بساعة .. وزعم أحمد بن المبارك أن شيخه الأمي عبد العزيز الدباغ يعلم اللوح المحفوظ ويعلم كتابته وأنه بالسريانية! والمهم هنا أن ابن عربي يقرر في فتوحاته أن وحي الأولياء كثيراً ما ينزل مكتوباً كما نزلت التوراة مكتوبة ..
يقول الشعراني عن شيخه:
"وقد يكون ذلك كتابة ويقع هذا كثيراً للأولياء وبه كان يوحى لأبي عبدالله قضيب البان، وغيره، كبقي بن مخلد تلميذ الإمام أحمد رضي الله عنه لكنه أضعف الجماعة في ذلك فكان لا يجده إلا بعد القيام من النوم مكتوباً في ورقة انتهى (فإن قلت) فما علامة كون تلك الكتابة التي في الورقة من عند الله عز وجل حتى يجوز للولي العمل بها (فالجواب) أن علامتها كما قال الشيخ في الباب الخامس عشر وثلاثمائة أن تلك الكتابة تقرأ من كل ناحية على السواء لا تتغير كلما قلبت الورقة انقلبت الكتابة لانقلابها. قال الشيخ: وقد رأيت ورقة نزلت على فقير في المطاف يعتقه من النار على هذه الصفة فلما رآها الناس علموا أنها ليست من كتابة المخلوقين فإن وجدت تلك العلامة فتلك الورقة من الله عز وجل لكن لا يعمل بها إلا إن وافقت الشريعة التي بين أظهرنا.
قال: وكذلك وقع لفقيرة من تلامذتنا أنها رأت في المنام أن الحق تعالى أعطاها ورقة فانطبقت كفها حين استيقظت فلم يقدر أحد على فتحها فألهمني الله تعالى أني قلت لها إنوِ بقلبك أنه إذا فتح الله كفك أن تبتلعيها فنوت وقربت يدها إلى فمها فدخلت الورقة في فيها قهراً عليها فقال الولي بم عرفت ذلك فقلت ألهمت أن الله تعالى لم يرد منها أن يطلع أحد عليها وقد أطلعني الله تعالى على الفرق بين كتابة الله تعالى في اللوح المحفوظ وغيره وبين كتابة المخلوقين وهو علم عجيب رأيناه وشاهدناه انتهى (اليواقيت والجواهر ص83،84 ج2) ..
فانظر هذا الوحي الإلهي لهذه المريدة العزيزة الذي نزل في يدها وانطبقت عليه ثم ابتلعته .. وإن العالم النحرير والشيخ الكبير عرف بالكشف مراد الله فقال ابتلعيها .. الخ .. سبحانك يا رب لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك ..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/148)
ولم يكتف ابن عربي بكل ما قرره في هذا الكشف الشيطاني للصوفية من أنه تنزل عليهم الملائكة، ويشاهدون الله ويسمعون الصوت ويأتيهم الوحي مكتوباً بل قرر أيضاً أن قلوب الأولياء تنكشف عنها الحجب فيشاهدون الجنة وما فيها، والنار وما فيها تماماً كما حدث للرسول صلى الله عليه وسلم.
قال الشعراني:
" (فإن قلت) فما صورة وصول الأولياء إلى العلم بأحوال السماوات (فالجواب) يصل الأولياء إلى ذلك بانجلاء مرآة قلوبهم كما يكشفون عن أحوال أهل الجنة وأهل النار بحكم الإرث لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى الجنة والنار في صلاة الكسوف ورأى في النار عمرو بن لحي الذي سيب السوائب وصاحب المحجن، وصاحبة الهرة التي حبستها حتى ماتت. وفي بعض طرق الحديث رأيت الجنة والنار في عرض هذا الحائط انتهى والله أعلم .. " أ. هـ (اليواقيت والجواهر ص88).
باختصار لم يترك ابن عربي صورة من صور الوحي الإلهي الذي يوحي به للرسل إلا أثبت مثيله ونظيره بل وأكمل منه للصوفية، وبالطبع كان لا بد للمتصوفة من أن يجيبوا عن تكفير علماء الأمة لهم ونسبتهم إلى الزندقة والمروق من الدين وذلك لادعائهم ما هو من خصوصيات الرسل رضوان الله عليهم، إذ لا فرق بين الرسول وغيره إلا الوحي، ولو كان واحد من الأمة يوحى إليه ويطلع على الغيب، ويكون وارثاً للرسول في هذا الإطلاع والتحقق لما كان للرسالة معنى، ولا للنبوة منزلة وفائدة، ما دام كل إنسان يستطيع بنفسه أن يصل إلى الله ويطلع على الغيب، وأن يعلم مراد الله على الحقيقة. ما مزية الرسول هنا وما منزلته، ما دام كل أحد إذا فعل بعض المجاهدات يكون مثله وينزل عليه الوحي ويرى الملائكة ويطلع على الملأ الأعلى، ويشاهد الله ويجلس في حضرته ويطبع الله مراده في ذهنه، ويكتب له ما شاء من الرسائل كما ادعى الحلاج أنه نزلت عليه رسائل كثيرة بخط الله، وادعى هذا ابن عربي كما مر سابقاً، لماذا يكون مسيلمة إذاً كذاباً والقرآن الذي افتراه أحسن حالاً في جوانب كثيرة من حكايات كثيرة من الصوفية التي زعموا أنهم تلقوها من الله وملائكته .. لقد كان مسيلمة أقوى حجة وأكثر تابعاً، وأعز جيشاً من كل مشايخ التصوف الكاذبين ..
وإذا قال هؤلاء بأننا علمنا أن مسيلمة كاذب بتكذيب النبي له قلنا لهم وكذلك يجب أن تحكموا على كل مشايخ التصوف الذين يزعمون نزول الوحي عليهم بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً لهم. إنه صلى الله عليه وسلم هو القائل لا تقوم الساعة حتى يقوم كذابون كثيرون يزعم كل منهم أنه نبي .. وأن لا نبي بعدي وأليس كل من زعم أنه يوحى إليه قد ادعى النبوة فكيف إذا زعم أيضاً أنه يرى الله؟ ويلتقي بالملائكة ويسمع أصواتهم، ويلتقي بالخضر، وينزل عليه الكتب مكتوبة من السماء، ويطلع بقلبه على الملأ الأعلى والملأ الأسفل، أليس مسيلمة كان أقل كذباً من هؤلاء بل وأحكم منطقاً وأعظم عقلاً؟
أقول لما علم ابن عربي ومن على شاكلته أن دعاواهم هذه لن تنطلي إلا على جاهل من أهل القبلة، وأن علماء المسلمين لا بد أن يكفروهم ويزندقوهم فإنه احتاط لذلك وأجاب عما رماه به علماء الأمة الصالحون، ورموا به أيضاً من هم على شاكلته في ادعاء العلم الغيبي والكشف الصوفي. أجاب على ذلك بأنهم على شريعة خاصة، وأن علماء الشريعة يمكن أن يحملوا كلام الصوفية على خلاف في الرأي كما هو حادث بين الشافعي والحنفي أو ينزلوا كلام المتصوفة كأنه كلام أهل الكتاب فلا يصدقونهم ولا يكذبونهم ..
قال الشعراني:
" (فإن قلت) قد رأينا في كلام بعضهم تكفير الأولياء المحدّثين بفتح الدال المهملة لكونهم يصححون الأحاديث التي قال الحفاظ بضعفها. (فالجواب) تكفير الناس للمحدثين المذكورين عدم إنصاف منهم لأن حكم المحدثين حكم المجتهدين فكما يحرم على كل واحد من المجتهدين أن يخالف ما ثبت عنده فكذلك المحدثون بفتح الدال وكلاهما أشرع بتقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ محيي الدين في الباب الثالث والسبعين من الجواب السابع والخمسين: وقد وقع لنا التكفير مع علماء عصرنا لما صححنا بعض أحاديث قالوا بضعفها قال ونحن نعذرهم في ذلك لأنه ما قام عندهم على صدق كل واحد من هذه الطائفة وهم مخاطبون بغلبة الظن ولو أنهم وفوا النظر معهم حقه لسلموا لهم حالهم كما يسلم الشافعي للحنفي حكمه ولا ينقض حكم من حكم به من الحكام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/149)
ومما اعتذروا به قولهم لو صدقت القوم في كل ما يدعونه من نحو ذلل لدخل الخلل في الشريعة لعدم العصمة فيهم فلذلك سددنا الباب وقلنا: إن الصادق من هؤلاء لا يضره سدنا هذا الباب، قال الشيخ محيي الدين ونعم ما فعلوه ونحن نسلم لهم ذلك ونصوبهم فيه ونحكم لهم بالأجر التام على ذلك ولكن إذا لم يقطعوا بأن ذلك الولي مخطئ في مخالفتهم فإن قطعوا بخطئه فلا عذر لهم فإن أقل الأحوال أن ينزلوا الأولياء المذكورين منزلة أهل الكتاب لا يصدقونهم ولا يكذبونهم انتهى (اليواقيت والجواهر ص90 ج2) ..
وهذا الاعتذار والجواب عن تكفير أهل السنة لهؤلاء في غاية الجهالة أيضاً لأن ما أتى به المتصوفة مما يسمونه كشفاً ليس من الخلاف في الرأي، ولا الخلاف الفرعي، بل هو مصادم لأحكام الإسلام ومبادئ الإيمان.
فالتصديق أصلاً بأنهم يعلمون من طريق الوحي كفر لأنه يناقض ما جاء به القرآن والحديث، من أن الوحي قاصر على الأنبياء فقط وأن لا نبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه من النبوة الرؤيا الصادقة فقط .. وأما سماع صوت الملك وانقشاع حجاب القلب ونزول الأوراق المكتوبة من السماء كل هذا من خصائص النبوة التي انتهت بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ..
ثم ما جاء به الصوفية مما جعلوه ونسبوه إلى الكشف هو في عامته وحي إبليسي شيطاني لم يترك كفراً في الأرض إلا نسبه إلى الدين كتبرئة إبليس من الكفر والقول بنجاة فرعون ودخوله الجنة وأن فلاناً من أهل الجنة ومن الصديقين والحال أنّ شارب الخمر زنديق، وأن فلاناً يطلع على اللوح المحفوظ، وأن فلاناً الذي يأتي (الحمارة) في الشارع ولي لله تعالى، وفلاناً القذر الذي لا يمس الماء ولا يتطهر من حدث أو جنابة ولي صالح، وفلان الذي يقول أنا الله وما في الجبة إلا الله وسبحانه ولي صالح .. الخ.
هذا الكفر كيف يكون هذا من جنس الخلاف بين الشافعي والحنفي في قراءة الفاتحة وراء الإمام وفي نقض الوضوء من مس المرأة .. ومثل هذه الفرعيات التي كان فيها خلاف حول فهم النصوص القرآنية الحديثية ..
وأما قياس ابن عربي ما جاء به المتصوفة أيضاً على كلام أهل الكتاب الذين قال الرسول فيهم لا تصدقوهم ولا تكذبوهم .. فإنه قياس بعيد أيضاً لأن هذا فيما قاله أهل الكتاب مما لا يناقض عقيدة الإسلام. وإلا كيف لا نكذب أهل الكتاب في قولهم إن الله استراح في اليوم السابع وإنه تصارع مع يعقوب (إسرائيل) وصرعه إسرائيل وإن لوطاً زنى بابنتيه وإبراهيم قدم زوجته لحاكم مصر ليحصل على إبل وغنم، وإن المسيح ابن الله وغير ذلك من الخرافات والخزعبلات وصنوف الكذب على الله والأنبياء.
لا شك أن المسلم يكذب اليهود في كل ما زعموه مما هو مناقض لعقيدة الإسلام وما قرر الله سبحانه وتعالى غيره تماماً وضده في القرآن، كيف نؤمن بكلام الصوفية وكشوفاتها وهو لا يقل في عمومه خبثاً ونجاسة عما افتراه اليهود والنصارى على الله .. كيف نصدق الصوفية في كشفهم أن الخنزير والكلب هو الله، وأن المخلوق والخالق شيء واحد، وأن القائلين بخالق فوق العرش مباين للعالم جاهلون بعقيدة التوحيد .. كيف يكون الكشف الصوفي هذا الذي يزعم أصحابه أنهم أخذوه عن الله ونقلوه بحرفيته هو الحق وأنه يجب على علماء الشريعة والإسلام أن يعاملوا الصوفية كما يعاملون اليهود والنصارى في أن لا يصدقوهم ولا يكذبوهم .. أقول بل يجب تكذيبهم في كل ما افتروه على الله وعلى رسوله مما يخالف كلام الله وكلام رسوله. ومما هو كفر صراح بواح لا يشك ولا يماري فيه من له أدنى علم بالكتاب والسنة عنده بصر وبصيرة يستطيع أن يميز فيه بين كلام الله وكلام الشياطين وبين وحي الله سبحانه الذي ينزل به جبريل الأمين محفوظاً أن يناله الشياطين أو أن يدخلوا معه ما ليس منه وبين وحي إبليس اللعين الذي يلقبه هو وأولاده وأفراخه على أوليائه من هؤلاء الكذابين والأفاكين ..
فيدعون لأنفسهم ما ادعوه من كل كذب وزور وفجور ..
والعجيب أيضاً أن ابن عربي الذي نحن بصدد بيان افتراءاته في الكشوف والعلوم التي له كان يعلم أن هناك وحياً شيطانياً يتنزل على بعض الصوفية، وأن هناك من يحفظ منهم من تلبيس الشيطان ومنهم من لا يحفظ.
يقول عبدالوهاب الشعراني أيضاً في كتابه اليواقيت فيما ينقله عن ابن عربي:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/150)
" (فإن قلت) فمتى يحفظ الولي من التلبيس عليه فيما يأتيه من وحي الإلهام (فالجواب) يعرف ذلك بالعلامات؛ فمن كان له في ذلك علامة بينه وبين الله عرف الوحي الحق الإلهامي الملكي من الوحي الباطل الشيطاني حفظ من التلبيس ولكن أهل هذا المقام قليل.
قال الشيخ في الباب الثالث والثمانين ومائتين: مما غلط فيه جماعة من أهل الله عز وجل كأبي حامد الغزالي وابن سيد لون (رجل بوادي اشت) قولهم إذا ارتقى الولي عن عالم العناصر وفتح لقلبه أبواب السماء حفظ من التلبيس قالوا وذلك لأنه حينئذ في عالم الحفظ من المردة والشياطين فكل ما يراه هناك حق. قال الشيخ محيي الدين وهذا الذي قالوه ليس بصحيح وإنما يصح ذلك أن لو كان المعراج بأجسامهم مع أرواحهم إن صح أن أحداً يرث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعراج وأما من عرج به بخاطريته وروحانيته بغير انفصال موت وجسده في بيته مثلاً فقد لا يحفظ من التلبيس إلا أن يكون له علامة في ذلك كما مر وأطال في ذلك ثم قال واعلم أن الشيطان لا يزال مراقباً لقلوب أهل الكشف سواء كان أحدهم من أهل العلامات أو لم يكن لأن له حرصاً على الإغواء والتلبيس لعلمه بأن الله تعالى قد يخذل عبده فلا يحفظه فيعيش إبليس بالترجي ويقول لعل وعسى فإن رأى إبليس باطن العبد محفوظاً وأنوار الملائكة قد حفت به انتقل إلى جسد ذلك العبد فيظهر له في صورة الحس أموراً عسى أن يأخذ بها فإذا حفظ الله تعالى قلب ذلك العبد ولم ير له على باطنه سبيلاً جلس تجاه قلبه فينتظر غفلة تطرأ عليه فإذا عجز أن يوقعه في شيء يقبله منه بلا وساطة نظر في حال ذلك الولي فإن رأى أن من عادته الأخذ للمعارف من الأرض أقام له أرضاً متخيلة ليأخذ منها فإن أيد الله تعالى ذلك العبد رده خاسئاً لاطلاعه حينئذ على الفرق بين الأرضين المتخيلة والمحسوسة وقد يأخذ الكامل من إبليس ما ألقاه إليه من الله لا من إبليس فيرده أيضاً خاسئاً وكذلك إن رأى إبليس أن حال ذلك الولي الأخذ من السماء أقام له سماء متخيلة مثل السماء التي يأخذ منها ويدرج له فيها من السموم القاتلة ما يقدر عليه فيعامله العارف بما قلناه في شأن الأرض المتخيلة والأصلية وإن رأى أن حال ذلك الولي الأخذ من سدرة المنتهى أو من ملك من الملائكة خيل له سدرة مثلها أو صورة ملك مثل ذلك الملك وتسمى له باسمه وألقى إليه ما عرف أن ذلك الملك يلقيه إليه من ذلك المقام فإن كان ذلك الشخص من أهل التلبيس فقد ظفر به عدوه وإن كان محفوظاً حفظ منه فيطرد عنه إبليس ويرمي ما جاء به أو يأخذ ذلك عن الله تعالى لا عن إبليس كما مر ويشكر الله تعالى على ذلك وإن رأى الشيطان أن حال ذلك الولي الأخذ من العرش أو من العماء أو الأسماء الإلهية ألقى إليه الشيطان بحسب حاله ميزاناً بميزان وأطال الشيخ في ذلك في الباب الثالث والثمانين ومائتين" أ. هـ (اليواقيت والجواهر ص87 ج2).
والعجيب من الغزالي أيضاً كيف ظن أن ما يزعم الصوفي نقله من السماوات لا يكون فيه شيء شيطاني لأن الله حفظ السماء من الشياطين، وكأنه قد غاب عنه أن الصوفي الذي يزعم الوصول إلى السماوات هو جالس هنا في الأرض تستهويه الشياطين وتحف به من كل جانب.
ولم أر ابن عربي صدق في هذا الصدد إلا فيما نقلناه عنه آنفاً من بيان تلبيس الشياطين على الصوفية في تصويره لهم سماء متخيلة، أو سدرة المنتهى أو الملائكة .. الخ. حتى يظن الصوفي أنه قد رأى ذلك فعلاً وأنه ينقل علمه من هناك والحال أنه ينقل عن الشياطين الذين يزخرفون له ذلك ويحيلون له ما يشاهده مما ليس هنالك هو تماماً ما وقع لهؤلاء الصوفية ومنهم بل أولهم في ذلك هو ابن عربي هذا الذي لم يترك كفراً في الأرض إلا سطره في كتبه وبخاصة كتابه الفصوص (فصوص الحكم) وكتابه (الفتوحات المكية).
لقد عرف ابن عربي حقاً الطريق الذي استقى منه هو والصوفية وأنه الشياطين الذي يخيلون لهم هذه الخيالات ويوحون إليهم بهذه الكلمات.
وسيجد القارئ في ثنايا هذا الكتاب نقولاً مستفيضة عن ابن عربي تبين ما هي حقيقة كشوفاته ووحيه الذي أوحي به إليه ولكني أحب أن أختم هذا الفصل في بيان موقف ابن عربي من الكشف بحقيقة موقفه من إبليس لنبين للقارئ بما لا يدع مجالاً للشك أي دين يدين به هؤلاء وأي علم يزعمون الوصول إليه وأي كشف اكتشفوه ..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/151)
فمن المعلوم يقيناً عند كل مسلم أن إبليس هو رأس الشر والبلاء وأنه عدو لآدم وذريته منذ امتنع عن السجود لآدم وطرده الله بسبب ذلك من رحمته وجعل الله عليه اللعنة إلى يوم يبعثون وأنه يكون في الآخرة في جهنم كما قال تعالى:
{وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم} (إبراهيم:22).
والشيطان في هذه الآية هو إبليس بإجماع المفسرين وكذلك قوله تعالى: {فكبكبوا فيها هم والغاوون* وجنود إبليس أجمعون* قالوا وهم فيها يختصمون* تالله إن كنا لفي ضلال مبين* إذ نسويكم برب العالمين* وما أضلنا إلا المجرمون* فما لنا من شافعين* ولا صديق حميم} (الشعراء:94 - 101).
ولا شك أن جنود إبليس يستحيل أن يدخلوا النار ولا يدخل هو معهم إذ كيف يدخل الجنود ويبقى رأس الجند من الناجين. ولعل قائلاً يقول ولماذا هذا التطويل في بيان أن إبليس من أهل الجحيم. إن هذا أمر بديهي معلوم عند جميع أبناء الإسلام وأقول: إن هذا الأمر البديهي المعلوم من الدين بالضرورة التي يعتبر جاحداً وناكراً وكافراً مرتداً من نفاه هو ما أثبت ابن عربي تبعاً في زعمه لسهل بن عبدالله التستري ضده، وهو أن إبليس من الناجين وأنه لن يدخل النار أبداً وأنه أعني إبليس التقى في زعم ابن عربي بسهل بن عبدالله التستري الصوفي كان من كبار مشايخهم في القرن الثالث فناقشه في هذه المسألة وبين له أنه من الناجين، وأنه لن يدخل النار وأن الله سبحانه وتعالى سيغير ما أثبته في القرآن لأن الله لا يجب عليه شيء وما دام أنه لا يجب عليه شيء ولا يقيده قيد، فإنه قد قضى بنجاة إبليس يوم القيامة، وتبرئته من جميع التهم المنسوبة إليه والعفو التام عنه ..
.. انظروا يا مسلمين هذا الكشف الصوفي ما أعظمه وأطرفه بل ما أفجره وأكفره .. إن ما أتعب النبي محمداً صلى الله عليه وسلم فيه نفسه طيلة ثلاثة وعشرين عاماً من بيان قصة إبليس وآدم، ومن لعن إبليس دائماً، واستفتاح صلاته بالاستعاذة منه، وقوله صلى الله عليه وسلم له عندما خنقه [ألعنك بلعنة الله .. ألعنك بلعنة الله .. ألعنك بلعنة الله .. ] وذلك عندما جاء إبليس اللعين هذا بشهاب من نار ووضعه في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ..
هذا الذي أتعب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه ومن بعده سائر الصحابة والمسلمين؛ .. جاء ابن عربي اليوم ليبين لنا عن شيخه المزعوم التستري أنه كان خطأً في خطأ، وأنه يوم القيامة يكون في الجنة مع من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .. وأن هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة ..
ويعني ابن عربي بذلك الأشاعرة لأنهم يقولون (لا يجب على الله شيء) وما دام لا يجب عليه شيء فيجوز أن يدخل إبليس الجنة ..
وهذا الجائز العقلي عن الأشاعرة جعله ابن عربي ممكناً وواقعاً لأن شيخه القشيري التقى بإبليس وناقشه في هذه المسألة وتحقق منه أنه سيكون يوم القيامة من الفائزين الفالحين .. وهذا نص الحكاية المزعومة وتعقيب ابن عربي عليها بنصها من كتاب اليواقيت والجواهر ..
"وذكر الشيخ محيي الدين في الباب الثالث والتسعين ومائتين أيضاً ما يؤيد اعتقاد أهل السنة والجماعة من أن الحق تعالى لا يجب عليه شيء وهو أن سهل بن عبدالله التستري رضي الله عنه قال لقيت إبليس مرة فعرفته وعرف مني أنني عرفته فوقع بيني وبينه مناظرة فقال لي وقلت له وعلا بيننا الكلام وطال النزاع بحيث إنه وقف ووقفت حائراً وحرت فكان آخر ما قال لي يا سهل إن الله تعالى قال ورحمتي وسعت كل شيء نعم ولا يخفى عليك أنني شيء ولفظة كل تقتضي الإحاطة والعموم إلا ما خص وشيء أنكر النكرات فقد وسعتني رحمته أنا وجميع العصاة فبأي دليل تقولون إن رحمة الله لا تنالنا. قال سهل فوالله لقد أخرسني وحيرني بلطافة سياقه وظفره بمثل هذه الآية وفهمه منها ما لم أكن أفهمه وعلمه من دلالتها ما لم أكن أعلمه فبقيت حائراً متفكراً وأخذت أردد الآية في نفسي فلما جئت إلى قوله تعالى فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة إلى آخر النسق فسررت بها وظننت أني قد ظفرت بحجة وظهرت عليه بما يقصم ظهره فقلت له: تعال يا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/152)
ملعون، إن الله تعالى قد قيدها بنعوت مخصوصة تخرجك عن ذلك العموم فقال سأكتبها للذين يتقون إلى آخر النسق. فتبسم إبليس وقال: يا سهل، التقييد صفتك لا صفته تعالى. ثم قال: يا سهل ما كنت أظن أن يبلغ بك الجهل بالله ما رأيت وما ظننت أنك ههنا ليتك سكت، قال سهل فرجعت إلى نفسي وغصصت بريقي وأقام الماء في حلقي وما وجدت له جواباً ولا سددت وجهه باباً وعلمت أنه طمع في مطمع وانصرف وانصرفت ووالله ما أدري بعد هذا ما يكون فإن الله تعالى ما نص بما يرفع هذا الإشكال فبقي الأمر عندي على المشيئة منه في خلقه لا أحكم عليه بذلك إلا بما حكم به على نفسه من حيث وجود الإيمان به. انتهى كلام سهل. قال الشيخ محيي الدين: وكنت قديماً أقول ما رأيت أقصر حجة من إبليس ولا أجهل منه فلما وقفت له على هذه المسألة التي حكاها عنه سهل رضي الله عنه تعجبت وعلمت أن إبليس قد علم علماً لا جهل فيه فله رتبة الإفادة لسهل في هذه المسألة. انتهى فقد بان لك أن الله تعالى خلق العالم كله من غير حاجة إليه لا موجب أوجب ذلك عليه" أ. هـ (اليواقيت والجواهر ص60 ج1).
وأظن الآن أنه قد وضح للقارئ تماماً ما هو الكشف الصوفي، وأنه عملية هدم منتظمة للدين الحنيف الذي جاء به سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فما دام إبليس من الناجين فليس هناك شيء ثابت في هذا الدين.
ولا عجب فيما رووا عن إبليس، فإن أستاذهم الحلاج وأحد كبرائهم قال في إبليس ما لم يقله أحد منهم في جبريل؛ إذ جعله سيد الملائكة أجمعين ذلك لأنه أبى أن يسجد إلا لله .. لأن عبادته لله خاصة فقط وذلك كان أعظم الموحدين. وإليك هذه النماذج من الكشف الصوفي اللعين.
1 - ملك ينزل إلى الأرض على شكل خواجة:
كتب أحمد بن مبارك السلجماسي المغربي كتاباً سماه (الإبريز) زعم أنه ينقل ما فيه عن شيخه عبدالعزيز الدباغ المغربي أيضاً، وهذا الشيخ أمي جاهل لم يكن يحفظ حزباً واحداً من القرآن بشهادة تلميذه أحمد بن مبارك، ولكنه مع ذلك كان يستطيع التفريق بين القرآن والحديث بمجرد السماع، بل كان يستطيع أيضاً أن يفرق بين القرآن والحديث النبوي والحديث القدسي وكل ذلك بالكشف من غير علم ولا تعليم، وليس كذلك فقط بل كان يستطيع أيضاً أن يفرق ويعلم صحيح الحديث من موضوعه وضعيفه فإذا ألقي إليه الحديث علم هل قاله الرسول أو لا ويقول أحمد بن مبارك اختبرته في ذلك فكنت ألقي عليه الحديث من الجامع الصغير للسيوطي فما قال فيه السيوطي صحيح كان يقول الشيخ عنه صحيح وما قال فيه موضوع يقول موضوع دون أن يتلقى هذا بالعلم وإنما بالكشف فقط بل كان يعرف إن كان الحديث في البخاري أو مسلم أو فيهما أو انفرد فيه أحدهما .. الخ .. ولم يكن هذا هو كل علم عبدالعزيز الدباغ بل كان يعرف معاني القرآن كلها وتفسيره الباطني وعلم الحروف المقطعة في القرآن. بل وكان يعلم جميع الكتب المنزلة على جميع الأنبياء ويعلم تفاسيرها ومعانيها. ولم يكن هذا فقط هو علم الدباغ أستاذ أحمد بن مبارك المزعوم بل كان يعلم ما في اللوح المحفوظ كله من المقادير. بل كان كل هذا الذي لا يحفظ حزباً من القرآن بشهادة تلميذه لا تغيب عنه ذرة في الأرض ولا في السماء، وأنه هو الغوث الأكبر المتحكم في العالم العلوي والسفلي والوارث للحقيقة المحمدية.
والحقيقة المحمدية في الفكر الصوفي هو الله المستوي على العرش كما قال ابن عربي: "الحقيقة المحمدية هي الموصوفة بالاستواء على العرش" (أهل التصرف في الفكر الصوفي هم أهل الديوان الذين يتحكمون في المقادير وهو الغوث والأقطاب الأربعة)، المهم أن أحمد بن مبارك يزعم فيما يزعم أن شيخه الأكبر وهو رئيس الديوان الصوفي وأنه استفاد منه علوماً جمة من بعضها كتابه الإبريز.
وسيجد القارئ جانباً كبيراً من هذه العلوم في الفصل الخاص بالديوان الصوفي لأن الدباغ هذا وصف ما سماه بالديوان الصوفي وصفاً عجيباً .. والمهم هنا أن ننقل بعض كشوفات الدباغ ..
قال أحمد بن مبارك: "وسمعته رضي الله عنه يقول:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/153)
إن في كل مدينة من المدن عدداً كبيراً من الملائكة مثل السبعين ملكاً أو أقل أو أكثر يكونون عوناً لأهل التصوف من الأولياء فيما لا تطيقه ذات الولي؛ قال رضي الله عنه وهؤلاء الملائكة الذين يكونون موجودين في المدن يكونون على هيئة بني آدم فمنهم من يلقاك في صورة خواجة، ومنهم من يلقاك في صورة فقير (أي صوفي أو شحاذ)، ومنهم من يلقاك في صورة طفل صغير وهم منغمسون في الناس ولكنهم لا يشعرون" أ. هـ (الإبريز ص164،165).
فانظر هذا الكشف العجيب؛ الملائكة تنزل إلى الأرض تأتمر بأمر الصوفية وهو على أشكال الخواجات والشحاذين والأطفال ..
فإذا رأيت خواجة فلا تزعجه في الطريق ولا تنظر إليه شذراً فربما كان ملكاً من ملائكة الله نزل لتنفيذ أوامر مشايخ الصوفية ..
2 - تاريخ بناء الأهرام عن طريق الكشف:
الكشف الصوفي لم يترك شيئاً إلا حاول الدخول فيه وإليه؛ من ذلك تاريخ بناء الأهرام التي بناها خوفو الفرعون قبل ميلاد المسيح عليه السلام بنحو أربعة آلاف سنة ولكن بالكشف الصوفي يقول ابن عربي: "بلغنا أنه وجد مكتوباً بالقلم الأول على الأهرام أنها بنيت والنسر الطائر في الأسد، وهو الآن في الجدي" ..
قال عبدالوهاب الشعراني تعليقاً على كلام ابن عربي "ومعلوم أن النسر الطائر لا ينتقل من برج إلى غيره إلا بعد مضي ثلاثين ألف سنة قال الشيخ عبدالكريم الجيلي، وهو اليوم في الدلو فقد قطع نحو عشرة أبراج ولا يتأتى ذلك إلا بعد ثلاثمائة ألف سنة" أ. هـ (الكبريت الأحمر على هامش اليواقيت والجواهر ص9).
وعلى الكشف الصوفي هذا يصبح عمر الأهرام حسب تخريفاتهم أكثر من 295 مائتين وخمسة وتسعين ألف سنة فقط من عمرها الحقيقي.
3 - الدباغ يكتشف نبياً جديداً اسمه هويد ..
قال أحمد بن مبارك في كتابه الإبريز:
"ومما قاله رضي الله عنه في نسب هود محصلة كشف وعيان فإنه أمي لا يعرف تاريخاً، ولا غيره فلا ينبغي لأحد أن يعارضه بما قال أهل التاريخ في نسب هود لأنه مبني على خبر الواحد، ومع ذلك فقد اضطرب في خبر الواحد في نسب هو فقيل نسبه هود بن عبدالله بن رباح بن الجارود بن عماد بن عوض بن آدم بن سام بن نوح، وقيل هو هود بن شارخ بدار فخشذ بن سام بن نوح عليه السلام فهو على هذا ابن عم أبي عماد دائماً جعل من عاد وإن لم يكن منهم لأنهم أفهم لقوله وأعرف لحاله وأرغب في اقتفائه .. قال رضي الله عنه: وأما عاداً الأولى فكانوا قبل نوح عليه السلام وأرسل الله لهم نبياً يسمى (هويد) وهو رسول مستقل بشرعه بخلاف هود الذي أرسل إلى عاد الثانية فإنه مجدد لشرع من قبله من المرسلين. قال: وكل رسول مستقل فلا بد أن يكون له كتاب. قال: ولسيدنا (هويد) المذكور كتاب وأنا أحفظه كما أحفظ جميع كتب المرسلين. فقلت له وتعدها. قال أحفظها ولا أعدها اسمعوا مني. ثم جعل يعدها كتاباً كتاباً، قال: (أي الدباغ) ولا يكون الولي ولياً حتى يؤمن بجميع هذه الكتب تفصيلاً ولا يكفيه الإجمال فقلت هذا لسائر الأولياء المفتوح عليهم فقال: بل لواحد فقط وهو الغوث فاستفدت منه في ذلك الوقت أنه رضي الله عنه هو الغوث وعلومه دالة على ذلك فإني لو قيدت جميع ما سمعت منه لملأت أسفاراً، وكم من مرة يقول جميع كلامي معكم على قدر ما تطيقه العقول" أ. هـ (الإبريز ص103 - 104).
وليس هناك من تعليق على مثل هذا الهراء إلا أن يقول المسلم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ..
وانظر بعد ذلك تتمة هذه الفتوح الدباغية كيف أنه اكتشف أيضاً بطريقة الكشف أن بين نوح وآدم سبعين رسولاً لم يقص الله تعالى في القرآن شيئاً من قصصهم ولكن عبدالعزيز الدباغ عرفهم بطريق الكشف ..
قال أحمد بن مبارك تلميذ الدباغ: (وسمعته) رضي الله عنه يقول كان قبل نوح سبعمائة رسول من الأنبياء وفي قصصهم من العجائب الكثيرة وإنما لم يقصص علينا في كتابه العزيز منها شيئاً لعدم اشتهار أهلها في أزمنة الوحي فقلت فما معنى قوله في حديث الشفاعة في صفة نوح وأنه أول الرسل فقال رضي الله عنه المراد أنه أول الرسل إلى قوم كافرين ومن قبله من المرسلين أرسلوا إلى قوم عقيدتهم صحيحة فقلت فلم عوقب قوم هويد بالحجارة والنار إذا كانوا مؤمنين فقال رضي الله عنه كانت عادته تعالى مع القوم الذين قبل نوح أن يهلكهم على ترك أكثر القواعد وإن كانوا على العقائد" أ. هـ (الإبريز ص104).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/154)
فانظر كيف اكتشف الدباغ سبعين رسولاً قبل نوح وكيف أن الله أهلكهم ليس على الشرك والكفر ومعاندة الرسل بل على المعاصي فقط ..
4 - الأولياء أكثرهم أميون.
الدباغ يفضل نفسه على إبراهيم الدسوقي:
ولا عجب بعد ذلك إذا علمنا أن أهل هذه الكشوف المزعومة في غالبهم أميون كعبدالعزيز الدباغ الذي روى عنه أو افترى عليه أحمد بن مبارك كان رجلاً أمياً، وشيخ عبدالوهاب الشعراني وهو الخواص كان أمياً كذلك واسمع ما يقول أحمد بن مبارك عن شيخه الأمي الدباغ.
"وسمعته رضي الله عنه يقول مرة أخرى السماوات والأرضون بالنسبة إلى كالموزونة (الموزونة: عملة مغربية) في فلاة من الأرض يصدر هذا الكلام منه رضي الله عنه وما أشبهه إذا شهدنا منه زيادة بل هو في زيادة دائماً رضي الله عنه وقد كنت معه ذات يوم خارج باب الفتوح فجعل يذكر لي أكابر الصالحين مع كونه أمياً فقلت فمن أين تعرفهم فقال رضي الله عنه أهل الفتح الكبير مسكن أرواحهم قبة البرزخ فمن رأيناه فيها علمنا أنه من الأكابر ثم جرى بيننا ذكر الشيخ سيدي إبراهيم الدسوقي فقلت هو من الأكابر فجعلت أذكر مناقبه والغرائب التي نقلت من كراماته فقال رضي الله عنه لو عاش سيدي إبراهيم الدسوقي من زمنه إلى زماننا ما أدرك من المقامات ولا ترقى مثل ما ترقى أخوك عبدالعزيز يعني نفسه من أمس إلى اليوم والله ما قاله أخوك افتخاراً وإنما قاله تعريفاً وتحدثاً معكم بالنعمة" أ. هـ (الإبريز ص168) ..
ونسأل ما فيه البرزخ هذه التي تجتمع فيها أرواح الصوفية ..
ولماذا لا يختار الله لولايته -في زعمهم- إلا أميين علماً بأنه سبحانه وتعالى فضل أهل العلم والعلماء وما كان اختياره للرسول محمد صلى الله عليه وسلم أمياً إلا ليقيم به الحجة على عباده وحتى لا يتهم بأنه أتى بالقرآن من عند نفسه كما قال تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون} (العنكبوت:48).
وأما بعد النبي صلى الله عليه وسلم فقد فضل الله علماء هذه الأمة على أهل الجهالة منها، وجعل تعلم العلم بالكتابة والقراءة والسماع والأسباب الأخرى البشرية المؤدية لذلك .. وليس بطريقة الغيب لأن هذا الطريق خاص بالأنبياء رضوان الله عليهم وما سوى النبي الصادق فمتنبئ كاذب وهذا هو حال هؤلاء المساكين الذين استحوذ عليهم الشيطان فراحوا يهيمون في أودية الضلال على هذا النحو المهين.
5 - الدباغ يكتشف سر ليلة القدر:
ولم يكتف الدباغ بكشوفاته في الأرض فراح يكتشف السماء أيضاً وأتى لنا بهذه الحكاية العجيبة عن سرّ ليلة القدر.
قال تلميذه أحمد بن مبارك ..
"ثم ذكر لنا رضي الله عنه سبب ليلة القدر فقال إن العالم قبل خلق النور في حرم الشمس كان مظلماً والملائكة عامرون له أرضاً وسماء وفي الكهوف والسهول والجبال والأودية فلما خلق الله تعالى النور في الشمس وأضاء العالم بها أصبحت ملائكة السماء وملائكة الأرض وخافوا من خراب العالم ومن أمر عظيم ينزل بهم فنزل ملائكة السماء إلى الأرض وجعل ملائكة الأرض يفرون من الضوء إلى الظل أي من ضوء النهار إلى ظل الليل فراراً من الضوء الذي لم يعرفوه إلى الظل الذي يعرفونه خائفين متضرعين مجتمعين على الابتهال إلى الله تعالى والتضرع له والخوف منه يطلبون منه الرضا ويلجأون إليه في أن لا يسخط عليهم ولم يكن في ظنهم ألا أنه تعالى أراد أن يطوي هذا العالم فاجتمعوا على التضرع والابتهال على الصفة السابقة مقدرين في كل لحظة وقوع ما خافوه.
فإذا زاد إليهم الضوء فروا عنه إلى الظل ولم يزالوا على تلك الحالة والضوء ينسخ الظل وهم يفرون إلى أن طافوا الأرض كلها ورجعوا إلى الموضع الذي بدأوا منه فلما لم يروا شيئاً وقع حصل لهم الأمن ورجعوا إلى مراكزهم يجتمعون من كل عام فهذا هو سبب ليلة القدر" أ. هـ (الإبريز ص165).
فهل علمتم ما سر ليلة القدر يا مسلمون ..
6 - طبال ومغفل من أهل الكشف.
وبعض الناس قد يظنون أن هذا الكشف لا يأتي إلا لأناس عقلاء من أهل التقوى والاتزان ولكن الصوفية يقررون غير ذلك فهذا أحمد بن مبارك يحكي عن شيخه الدباغ بأن الفتح جاء إلى رجل وهو طبال، يقول:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/155)
"وأعرف رجلاً بالرملة من أرض الشام فتح الله عليه وهو بحالة يتضاحك الناس عليه، كحالة الرجل المشهور بمدينة فاس (بمعيزو) (مدينة في المغرب)، فبقي على حاله بعد الفتح ولم ينتقل عنها. قلت: وكانت حالة المتقدم أن الصبيان وغيرهم من ضعفة العقول يتبعونه طول النهار يضحكون عليه، وقال (رضي الله عنه) وأعرف رجلاً آخر فتح الله عليه وكان قبل ذلك طبالاً فبقي على حالته قبل الفتح ولم ينتقل عنها" أ. هـ (الإبريز ص198). أي ظل طبالاً كما هو وظل الفتح الصوفي ينزل عليه ولا عجب عند الصوفية في ذلك فالولاية عندهم ليست مسألة كسبية ينالها المسلم بتقوى الله ومخافته ومحبته والسعي إلى مرضاته. بل هي مسألة يقولون –وهبية- تنال الشخص هبة له من الله وإن لم يكن هناك من الأسباب والدواعي ما يستند عليها ففضل الله عندهم وحسب زعمهم لا حرج عليه فقد يصيب الطبالين أو الزمارين، وقد يكون الولي سكيراً أو زنديقاً، أو طفلاً صغيراً، أو مجذوباً شاهد الأنوار العلوية فضاع عقله أو متخلفاً عقلياً يتضاحك الصبيان منه ولكنه يكون ولياً ربانياً ويحدث الناس بأمور الغيب، ويشاهد ويطالع الحضرة الإلهية والرسولية، والخضرية (نسبة إلى الخضر) وهكذا قلبوا كل موازين العلم، وكل قوانين الشريعة، فالولاية لا شك أنها منحة إلهية وتفضيل وفضل رباني ولكنها لا تنال إلا محلها ممن كان عنده الاستعداد لذلك ومن سعى لنيل درجات القرب من الله سبحانه وتعالى كما جاء في حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه:
[من عادى لي ولياً فقد آذنته بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بشيء إلي أحب مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه]، فجعل الله للولاية طريقاً وهو أداء الفرائض أولاً ثم الإكثار من النوافل حتى يصل المسلم إلى مرحلة القرب من الله سبحانه وتعالى، فيحمي الله سمعه وبصره ويده ورجله، ويجعل ذلك كله في طاعته ومحبته ومرضاته.
ولكن الولاية والفتح والكشف الصوفي بغير ذلك ينال كل هؤلاء ..
7 - الوحي الصوفي لا ينزل إذا كان أحد المنكرين حاضراً:
ومما يدلك يقيناً على أن هذا الكشف الصوفي ما هو إلا إلقاء شيطاني هذه الحكاية التي يرويها أحمد بن مبارك أيضاً عن شيخه الدباغ وأنه كان إذا حضر رجل من أهل التوحيد والإيمان الصحيح ممن لا يؤمن بهذه الخرافات كان وحي الشيخ ينقطع ويعود جاهلاً كما كان لا يتكلم الكلمة.
" (قال رضي الله عنه) وما مثلت الولي مع القاصدين إلا كحجر بني إسرائيل. فإذا كان بين يدي أولياء الله تعالى انفجرت منه اثنتا عشر عيناً وإذا كان بين أعدائه تعالى لا تخرج منه ولا قطرة واحدة (قلت) وقد شاهدت هذا المعنى في الشيخ رضي الله عنه مراراً فإذا حضر بين يديه بعض من لا يعتقده لا تخرج منه ولا فائدة واحدة ولا يقدر على التكلم بشيء من العلوم اللدنية والمعارف الربانية حتى يقوم ذلك الشخص ويوصينا ويقول إذا حضر مثل هذا الرجل فلا تسألوني عن شيء حتى يقوم وكنا قبل الوصية جاهلين بهذا الأمر فنسأل الشيخ ونريد أن نستخرج منه النفائس والأسرار الربانية كي يسمعها الرجل الحاضر فيتوب فإذا سألناه رضي الله عنه حينئذ وجدناه كأنه رجل آخر لا نعرفه ولا يعرفنا فكأن العلوم التي تبدو منه لم تكن له على بال أبداً حتى ذكرنا له السبب ففهمنا السر والحمد لله رب العالمين" أ. هـ (الإبريز ص169).
وليس ذلك بالطبع إلا لأن الشيطان يهرب إذا رأى من يؤمن بالله حقاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: [والله ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك]. وهؤلاء الصوفية لا يأتيهم في مكانهم موحد إلا انتهت أحوالهم واضمحلت أنوارهم المزعومة وانفض سامرهم الشيطاني.
8 - تقديم مذهب أبي حنيفة على سائر مذاهب الفقهاء بطريق الكشف:
ولعل من أطرف ما تدخل فيه الكشف الصوفي أيضاً تفضيل مذهب فقهي على مذهب آخر كما فعل أحمد الفاروقي السرهندي النقشبندي الحنفي، كما في النص الآتي الذي يفسر فيه أيضاً قول محمد بارسا أن المسيح عليه السلام إذا نزل يحكم بالمذهب الحنفي يقول:
"ومثل أرواح الله (يعني المسيح عليه السلام) مثل الإمام الأعظم الكوفي (أبو حنيفة رحمه الله) فإنه ببركة الورع والتقوى وبدولة متابعة السنة نال في الاجتهاد والاستنباط درجة عليا بحيث يعجز الآخرون عن فهمه ويزعمون مجتهداته بوساطة دقة المعاني مخالفة للكتاب والسنة ويسمون أصحابه أصحاب الرأي كل ذلك لعدم الوصول إلى حقيقة علمه ودرايته وعدم الإطلاع على فهمه وفراسته إلا أن الإمام الشافعي وجد نبذة من دقة فقاهته عليهما الرضوان حيث قال الناس كلهم عيال في الفقه لأبي حنيفة فويل لقاصري النظر على جراءتهم حيث ينسبون قصورهم إلى الغير (المنتخبات من المكتوبات لأحمد الفاروقي طبع استانبول ص149،150):
لو عابهم قاصر طعناً بهم صفها برأت ساحتهم عن أفحش الكلم
هل يقطع الثعلب المحتال سلسلة قيدت بها أسد الدنيا بأسرها
ويمكن أن يكون ما قاله الخواجة محمد بارسا قدس عمره في الفصول الستة من أن عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام يعمل بعد النزول بمذهب الإمام أبي حنيفة بوساطة هذه المناسبة التي له رضي الله عنه بحضرة روح الله عليه السلام يعني أن اجتهاد روح الله يكون موافقاً لاجتهاد الإمام الأعظم لا أنه يقلد مذهبه فإن شأنه عليه السلام أعلى وأجل من أن يقلد علماء الأمة. ونقول من غير شائبة تكلف وتعصب: إن نورانية المذهب الحنفي ترى وتظهر في النظر الكشفي كالبحر العظيم وسائر المذاهب تظهر مثل الحياض والجداول" أ. هـ منه بلفظه (الإبريز ص150).(35/156)
ابن تيمية يرى كراهة إتيان أهل المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
ـ[البشير أحمد]ــــــــ[18 - 09 - 06, 01:35 م]ـ
المشهور عن ابن تيمية رحمه الله أنه يفرق بين شد الرحل لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين زيارته بدون شد رحل فيمنع الأولى ويستحب الثانية.
وأن في نسبة القول إليه بأنه لا يستحب زيارة القبر لأهل المدينة افتراء عليه وفي ذلك يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتابه القيم البداية والنهاية
(14/ 124) ما نصه: (دخل القاضي جمال الدين بن جملة وناصر الدين مشد الأوقاف وسألاه عن مضمون قوله في مسألة الزيارة فكتب ذلك في درج وكتب تحته قاضي الشافعية بدمشق قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية إلى إن قال وإنما المحز جعله زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصية بالإجماع مقطوعا بها فانظر الآن هذا التحريف على شيخ الاسلام فإن جوابه على هذه المسألة ليس فيه منع زيارة قبور الأنبياء والصالحين وإنما فيه ذكر قولين في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور وزيارة القبور من غير شد رحل إليها مسألة، وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل بل يستحبها ويندب إليها وكتبه ومناسكه تشهد بذلك ولم يتعرض إلى هذه الزيارة في هذا الوجه في الفتيا ولا قال إنها معصية ولا حكى الاجماع على المنع منها ولا هو جاهل قول الرسول (زوروا القبور فإنها تذكركم الاخرة) والله سبحانه لا يخفى عليه شيء ولا يخفى عليه خافية وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) أهـ
والزيارة المعروفة لقبر النبي عليه الصلاة والسلام هي: الإتيان إليه للصلاة والسلام عليه وتذكر الآخرة.
إلا أنني وقفت لابن تيمية رحمه الله على كلام صرح فيه بأن الزيارة بهذه الصفة إنما هي لغير قبره عليه الصلاة والسلام أما زيارة قبره فليست كذلك بل هي حاصلة بقصد مسجده والصلاة والسلام عليه في الصلاة في المسجد دون الذهاب إلى قبره وادعى أن الصحابة وسائر السلف لم يكونوا يأتون قبره للزيارة وإنما كان يفعله ابن عمر عند السفر وعند الرجوع منه.
وعليه فما يحكى عنه من الإجماع على مشروعية الزيارة للقبر فالمقصود بها عنده: الإتيان إلى مسجده والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة ويكون هذا مغنيا عن الإتيان إلى القبر وأن هذه خصيصة له وتشريف لأنه يبلغ الصلاة والسلام عليه ومن ثم فلا فائدة في الحضور إلى قبره على حد تعبير ابن تيمية وهذه طائفة من أقواله:
قال في مجموع الفتاوي (2/ 242) وهو يرد على خصمه ما نصه: (ظن أن السفر إلى زيارة نبينا كالسفر إلى غيره من الأنبياء والصالحين وهو غلط من وجوه:
أحدها: أن مسجده عند قبره والسفر إليه مشروع بالنص والإجماع بخلاف غيره.
والثاني: أن زيارته كما يزار غيره ممتنعة؟ وإنما يصل الإنسان إلى مسجده وفيه يفعل ما شرع له.
الثالث: أنه لو كان قبر نبينا يزار كما تزار القبور؟ لكان أهل مدينته أحق الناس بذلك كما أن أهل كل مدينة أحق بزيارة من عندهم من الصالحين فلما اتفق السلف وأئمة الدين على أن أهل مدينته لا يزورون قبره بل ولا يقفون عنده للسلام إذا دخلوا المسجد وخرجوا وإن لم يسمى هذا زيارة، بل يكره لهم ذلك عند غير السفر كما ذكر ذلك مالك وبين أن ذلك من البدع التي لم يكن صدر هذه الأمة يفعلونه: علم أن من جعل زيارة قبره مشروعة كزيارة قبر غيره فقد خالف إجماع المسلمين.
الرابع: أنه قد نهى أن يتخذ قبره عيدا وأمر الأمة أن تصلي عليه وتسلم حيث ما كانت وأخبر أن ذلك يبلغه. فلم يكن تخصيص البقعة بالدعاء له مشروعا ; بل يدعى له في جميع الأماكن وعند كل أذان وفي كل صلاة وعند دخول كل مسجد والخروج منه بخلاف غيره. وهذا لعلو قدره وارتفاع درجته. فقد خصه الله من الفضيلة. بما لم يشركه فيه غيره ; لئلا يجعل قبره مثل سائر القبور ; بل يفرق بينهما من وجوه متعددة ويبين فضله على غيره وما من الله به على أمته.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/157)
وقال في الرد على الاخنائي (ص 385): فلم تكن الصحابة بالمدينة يزورون قبره صلى الله عليه وسلم لا من المسجد ولا داخل الحجرة ولا كانوا أيضا يأتون من بيوتهم لمجرد زيارة قبره صلى الله عليه وسلم بل هذا من البدع التي أنكرها الأئمة والعلماء وإن كان الزائر منهم ليس مقصوده إلا الصلاة والسلام عليه وبينوا أن السلف لم يفعلوها كما ذكره مالك في المبسوط ... ) اهـ
والسبب عند ابن تيمية في عدم زيارتهم هو لأنه لا فائدة منها وقد بين ذلك في مجموع الفتاوي 27/ 415) فقال: (وقد حصل مقصودهم ومقصوده من السلام عليه والصلاة عليه في مسجده وغير مسجده فلم يبق في إتيان القبر فائدة لهم ولا له بخلاف إتيان مسجد قباء فإنهم كانوا يأتونه كل سبت فيصلون فيه اتباعا له صلى الله عليه وسلم. فإن الصلاة فيه كعمرة. ويجمعون بين هذا وبين الصلاة في مسجده يوم الجمعة إذ كان أحد هذين لا يغني عن الآخر بل يحصل بهذا أجر زائد. وكذلك إذا خرج الرجل إلى البقيع وأهل أحد كما كان يخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لهم كان حسنا لأن هذا مصلحة لا مفسدة فيها وهم لا يدعون لهم في كل صلاة حتى يقال: هذا يغني عن هذا).
وقال في مجموع للفتاوي (27/ 412): فلهذا كان العمل الشائع في الصحابة - الخلفاء الراشدين والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار - أنهم يدخلون مسجده ويصلون عليه في الصلاة ويسلمون عليه كما أمرهم الله ورسوله ويدعون لأنفسهم في الصلاة مما اختاروا من الدعاء المشروع كما في الصحيح من حديث ابن مسعود لما علمه التشهد قال: {ثم ليتخير بعد ذلك من الدعاء أعجبه إليه}. ولم يكونوا يذهبون إلى القبر لا من داخل الحجرة ولا من خارجها ; لا لدعاء ولا صلاة ولا سلام ولا غير ذلك من حقوقه المأمور بها في كل مكان فضلا عن أن يقصدوها لحوائجهم كما يفعله أهل الشرك والبدع فإن هذا لم يكن يعرف في القرون الثلاثة لا عند قبره ولا قبر غيره لا في زمن الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم. فهذه الأمور إذا تصورها ذو الإيمان والعلم عرف دين الإسلام في هذه الأمور. وفرق بين من يعرف التوحيد والسنة والإيمان ومن يجهل ذلك وقد تبين أن الخلفاء الراشدين وجمهور الصحابة كانوا يدخلون المسجد ويصلون فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يسلمون عليه عند الخروج من المدينة وعند القدوم من السفر بل يدخلون المسجد فيصلون فيه ويسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يأتون القبر ومقصود بعضهم التحية وأيضا فقد استحب لكل من دخل المسجد أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: بسم الله والسلام على رسول الله. اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك. وكذلك إذا خرج يقول: بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك. فهذا السلام عند دخول المسجد كلما يدخل يغني عن السلام عليه عند القبر، وهو من خصائصه ولا مفسدة فيه
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوي (27/ 231): السفر المشروع إلى مسجده وما يفعل فيه من العبادة المشروعة التي تسمى زيارة لقبره)
وقد تأملت ما سبق من كلامه فوجدته يفسر قوله في الرد على الأخنائي
(صـ 200) من كان قصده السفر إلى مسجده وقبره معا فهذا قد قصد مستحبا مشروعا بالإجماع) اهـ
والمستحب الذي قصده هو المسجد فقط أو المسجد وزيارة القبر الشرعية عند ابن تيمية وهي الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام في مسجده وليس الإتيان إلى قبره لأن السلف لم يكونوا يأتونه ومن ثم فقصده غير مستحب كما سبق بيان ذلك عنه.
كما أن كلامه السابق يفسر أيضا قوله عن نفسه (27/ 293): المفتي قد ذكر في الجواب استحباب العلماء لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحك عن أحد أنه قال: زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم محرمة) اهـ
وهو في الحقيقة لم يصرح بحرمة زيارة قبره عليه الصلاة والسلام بدون شد الرحل بل غاية ما صرح به الكراهة لغير المسافر كما سبق حيث قال: بل يكره لهم ذلك عند غير السفر كما ذكر ذلك مالك. هذا ما تبين لي في الجمع بين كلامه
وقصدي بذلك بيان حقيقة رأيه رحمه الله في المسألة حتى لا ينسب إليه ما لم يقله فهو لا يمنع من الزيارة لأهل المدينة بل يستحبها ولكن حسب التفسير الذي أبان عنه في أكثر من موضع كما أنه لا يحرم إتيان القبر بدون شد رحل ولكن يكرهه لغير المسافر.
ـ[البشير أحمد]ــــــــ[01 - 10 - 06, 01:45 م]ـ
ما أدليتم برأيكم لنستفيد
ـ[أبو فاطمة الحسني]ــــــــ[01 - 10 - 06, 10:52 م]ـ
فعلا قرأت كلامه هذا وأشكل علي وما زال
ـ[البشير أحمد]ــــــــ[03 - 10 - 06, 02:31 م]ـ
في انتظار تعليقات من لهم معرفة واسعة بكلام شيخ الاسلام.
ـ[حسام العقيدة]ــــــــ[01 - 11 - 06, 05:35 ص]ـ
كلام شيخ الإسلام لا يشكل نهائيا.
ـ شد الرحال ..... محرم بنص الشارع
ـ زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ... مشروعة.
ـ التردد إلى القبر دون المسجد لأهل المدينة (بدعة مكروهة) ... لم يفعلها السلف .. وأنكرها الإمام مالك ..
وفي ذلك أثر ..
وقال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا عبد العزيز بن محمد قال أخبرني سهل بن سهيل قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشّى، فقال: هلمّ على العشاء، فقلت لا أريده، فقال ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلّمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا دخلتَ المسجد فسلّم ثمّ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تتخذوا قبري عيداً، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر، وصلّوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم، لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))
أرجو أن يكون الإشكال .. زال أخي أبو فاطمة الحسني.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/158)
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[01 - 11 - 06, 07:45 ص]ـ
جزاكم الله خيرا ... وما صحه هذا الأثر؟
ـ[البشير أحمد]ــــــــ[01 - 11 - 06, 12:40 م]ـ
قلت أخي الفاضل (زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ... مشروعة)
وزعمت أن هذا هو تقرير ابن تيمية رحمه الله للمسألة وهذا كلام مجمل هل هذه الزيارة هي بالاتيان إلى القبر أم مجرد إتيان المسجد والصلاة والسلام عند دخوله وتأمل قول ابن تيمية (فلهذا كان العمل الشائع في الصحابة - الخلفاء الراشدين والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار - أنهم يدخلون مسجده ويصلون عليه في الصلاة ويسلمون عليه كما أمرهم الله ورسوله ويدعون لأنفسهم في الصلاة مما اختاروا من الدعاء المشروع كما في الصحيح من حديث ابن مسعود لما علمه التشهد قال: {ثم ليتخير بعد ذلك من الدعاء أعجبه إليه}. ولم يكونوا يذهبون إلى القبر لا من داخل الحجرة ولا من خارجها ; لا لدعاء ولا صلاة ولا سلام ولا غير ذلك)
وتأمل قوله (فلم تكن الصحابة بالمدينة يزورون قبره صلى الله عليه وسلم لا من المسجد ولا داخل الحجرة ولا كانوا أيضا يأتون من بيوتهم لمجرد زيارة قبره صلى الله عليه وسلم بل هذا من البدع التي أنكرها الأئمة والعلماء وإن كان الزائر منهم ليس مقصوده إلا الصلاة والسلام عليه وبينوا أن السلف لم يفعلوها كما ذكره مالك في المبسوط ... ) اهـ
وتأمل الأثر الذي أوردته فظاهره خلاف ما تريد أن تصل إليه.
ويعلم الله أن الهدف هو معرفة حقيقة رأيه لا انتقاصه كما قد يظن البعض فنسبة القول بمشرعية زيارة القبر كسائر القبور لا يقول به شيخ الاسلام.
ومنكم المزيد.
ـ[عبدالله أبو محمد]ــــــــ[02 - 11 - 06, 01:08 ص]ـ
وهذا تقرير أحد مشايخنا الكرام ـ رفعه الله في الدارين ـ في هذه القضية وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على إمام المتقين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً:
وبعد: فقد وجدت بعضاً من المشايخ وطلاب العلم استشكلوا بعض عبارات شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في زيارة قبر النبي ـ ? ـ وتحرير قوله فيه وذلك بسبب بعض عبارات ابن تيمية في كتبه.
ومن يقرأ لشيخ الإسلام يعلم أنه بحاجة إلى مقدمات مهمة لفهم طريقته في التأليف والكتابة، وإلا فأنه سيُحمّل كلامه ما لا يحتمل وكم من مسألة نُسب الرأي فيها لابن تيمية بسبب إجمال عبارةٍ في كتاب = وكلامه المفصل والمحكم في كتبه بكثرة، ولست بصدد الكتابة حول الضوابط المهمة لفهم كلام ابن تيمية، ولا ذكر بعض الأمثلة والشواهد على ما ذكر.
ولكن من خلال هذه الورقات أردت فقط أن أبين هذه المسألة، وأورد نصوص ابن تيمية المخالفة تماماً لهذا الفهم السابق، حتى يرجع العقل عن اندفاعه، وتهدأ النفس، لتبدأ بعد ذلك في البحث والتحري عن مدلول تلك الكلمات التي أوقعت في ذلك الفهم المغلوط = وإلى أن نصل إلى تلك النتيجة ستكون وقفات أخرى، لكن لنحدد هدفاً من هذه الأوراق: وهو أن ابن تيمية يقول باستحباب الوقوف عند الحجرة والسلام على رسول الله وعلى أبي بكر وعلى عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
لكن وقبل أن أدعكم تتأملون بل تقرؤون فقط كلام ابن تيمية أورد أسئلة عقلية تضعها في حسبانك حتى تتهيأ لما بعد ذلك في فهم كلامه على الصواب:
وهو أننا إن قلنا إن ابن تيمية يمنع من زيارة قبر النبي ـ ? ـ فهل سيمنع من زيارة قبري صاحبيه؟
أم هل سيمنع من زيارة قبري صاحبيه دون الرسول ـ ? ـ؟
هل سنجد لشيخ الإسلام تفريقاً بين قبره ـ ? ـ وقبري صاحبيه؟
لماذا لم نجد لابن تيمية أي كلام حول زيارة قبري صاحبيه مع أنه نص كما سيأتي أنه يسلم عليهما؟
لماذا نجد طلاب ابن تيمية يدافعون عن شيخهم بأنه لم يقل بأن الرسول ـ ? ـ لا يُسلّم عليه عند قبره كما سننقل ذلك، بل لماذا ابن القيم في النونية ـ كما سيأتي ـ يصف وقوفه عند الحجرة والسلام عليه ويرد على المخالفين لشيخه؟
مالذي جعل شيخ الإسلام ابن تيمية يذكر في منسكه وهو من أواخر ما ألف كما ذكره ابن عبد الهادي ـ وسأنقله لك ـ مالذي جعله يستحب الوقوف والسلام عند قبر الرسول ـ ? ـ وقبري صاحبيه ويذكر صيغة السلام؟!
أترى بعد هذه المقدمة سيتوجه القول بأن ابن تيمية يقول: لا تذهب للحجرة وتسلم على الرسول ـ ? ـ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/159)
وتسهيلاً على القارئ سأجعل تحت الكلام النصي خطاً ينبه القارئ على أهميته فأقول وبالله التوفيق:
الموضع الأول:
قال في الرد على الأخنائي (ص 113): والمجيب ـ يعني نفسه ـ قد عرفتَ كتبه وفتاويه مشحونة باستحباب زيارة القبور وفي جميع مناسكه يذكر استحباب زيارة قبور أهل البقيع وشهداء أحد ويذكر زيارة قبر النبي ـ ? ـ إذا دخل مسجده والأدب في ذلك وما قاله العلماء وفي نفس الجواب قد ذكر ذلك.إ. هـ
فهاهو يذكر أنه لا ينازِع في الزيارة على اصطلاح مسمى المتأخرين وليس هو مورد النزاع في ذلك.
الموضوع الثاني:
وقال في الرد على الأخنائي (ص133): فمن لم يفرّق بين السفر المشروع إلى مسجد الرسول ـ ? ـ وزيارة قبره؛ السفر الشرعي والزيارة المجمع على استحبابها، وبين السفر إلى قبر غيره فهو إما جاهل بما جاء به الرسول ـ ? ـ وإما كافر بالرسول ـ ? ـ. إ. هـ
لا أعتقد أن هناك أنص من هذا في نقل الإجماع.
الموضع الثالث:
وقال في الرد على الأخنائي (ص134): والمقصود أن هذا المعترض وأمثاله لم يفرقوا بين السفر إلى مسجد رسول الله ـ ? ـ وزيارته المجمع على استحبابها وبين السفر إلى زيارة قبر غيره وإن كان عنده مسجد.إ. هـ
مرة أخرى يعيد ويكرر حتى يُفهم على الصواب.
الموضع الرابع:
وقال في الرد على الأخنائي (ص135): وكذلك لو قال: لا يستحب السفر إلى مسجد الرسول ـ ? ـ وزيارته المشروعة في المسجد كالصلاة والسلام عليه كان مخالفاً للإجماع لكن من العلماء من لا يسمي هذا زيارة لقبره ويكره هذه التسمية وهذا القول أشبه بالمعقول والمنقول.إ. هـ
إذاً وعليه من قال: لا يزار قبره أو لا يذهب إلى الحجرة للسلام عليه يكون مخالفاً للإجماع ـ وذلك على صيغة النهي وعدم الاستحباب ـ ولكن الخلاف في التسمية هل تسمى زيارة أم لا؟ وليست محل النزاع.
الموضع الخامس:
وقال في الرد على الأخنائي (ص152): ولكن أطلق كثير منهم القول باستحباب زيارة قبر النبي ـ ? ـ وحكى بعضهم الإجماع على ذلك وهذا مما لم يذكر فيه المجيب ـ يعني نفسه ـ نزاعاً في الجواب.إ. هـ
أعتقد أن هذا أيضاً كاف في الدلالة ووضوح النص.
الموضع السادس:
وقال في مجموع الفتاوى (ج27/ص329): قد ذكرت فيما كتبته من المناسك أن السفر إلى مسجده وزيارة قبره كما يذكر أئمة المسلمين في مناسك الحج عمل صالح مستحب وقد ذكرت في عدة مناسك الحج: السنة في ذلك وكيف يسلم عليه؟ وهل يستقبل الحجرة أم القبلة؟ على قولين: فالأكثرون يقولون يستقبل الحجرة كمالك والشافعي وأحمد. وأبو حنيفة يقول: يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره في قول، وخلفه في قول، لأن الحجرة المكرمة لما كانت خارجة عن المسجد وكان الصحابة يسلمون عليه لم يكن يمكن أحد أن يستقبل وجهه ـ ? ـ ويستدبر القبلة كما صار ذلك ممكناً بعد دخولها في المسجد بل كان إن استقبل القبلة صارت عن يساره وحينئذٍ فإن كانوا يستقبلونه ويستدبرون الغرب فقول الأكثرين أرجح وإن كانوا يستقبلون القبلة حينئذٍ ويجعلون الحجرة عن يسارهم فقول أبي حنيفة أرجح، ولا نهى أحدٌ عن السفر إلى مسجده، وإن كان المسافر إلى مسجده يزور قبره بل هذا من أفضل الأعمال الصالحة ولا في شيء من كلامي وكلام غيري نهيٌ عن ذلك، ولا نهيٌ عن المشروع في زيارة قبور الأنبياء والصالحين ولا عن المشروع في زيارة سائر القبور، وإنما يشرع أن يزار قبره كما شرعت زيارة القبور وأما هو فشرع السفر إلى مسجده ونهى عما يوهم أنه سفر إلى غير المساجد الثلاثة، وقد ذكرت هذا في المناسك والفتيا وذكرت أنه يسلم على النبي وعلى صاحبيه وهذا هو الذي لم أذكر فيه نزاعاً في الفتيا. إ. هـ
وضوح جداً في القضية، بل تبرأة لنفسه ولأهل العلم من أن يكونوا كرهوا الذهاب إلى الحجرة للسلام عليه وصاحبيه.
الموضع السابع:
قال ابن تيمية في قاعدة عظيمة (ص58): ولكن السلام عليه لمن قدم ـ أي من غير أهل المدينة ـ جائز مشروع باتفاق العلماء وإنما النزاع هل يستقبل به الحجرة أو القبلة؟ أو هو سلام التحية الذي يشترك فيه جميع المؤمنين الأحياء والأموات؟ إ. هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/160)
حصر النزاع في استقبال الحجرة أم القبلة، وهذا صريح جداً في أنه يذهب للحجرة وأن الكلام بعد أن وجدت الحجرة ودخلت في المسجد مما يستحيل أن يجمع المسلِّم بين استقبال القبلة والحجرة كما في السابق قبل أن تدخل الحجرة إلى المسجد.
الموضع الثامن:
وقال في الرد على الأخنائي (ص 251): فمن حكى عن المجيب ـ يعني نفسه ـ أنه لا يستحب ما استحبه علماء المسلمين من زيارة قبره على الوجه المشروع فقد استحق ما يستحقه الكاذب المفتري، وإذا كان يستحب هذا ـ يعني نفسه ـ وهو المراد بزيارة قبره فزيارة قبره بهذا المعنى من مواقع الإجماع لا من موارد النزاع. إ. هـ
وهاهو الشيخ يشتد على من وصفه بأنه لا يرى زيارة قبره على المعنى الذي ذكره علماء المسلمين والسؤال: ما هو الذي ذكره علماء المسلمين؟ هل هو الدخول في داخل الحجرة والوقوف عند القبر؟ أم هو الوقوف عند الحجرة والسلام عليه وعلى صاحبيه من خارجها وهي الصفة التي ذكرها علماء الإسلام الذين عزا إليهم الشيخ كلهم يقولون بهذا.
إذاً الشيخ يناقش شيئاً آخر وليس الذهاب والسلام عند الحجرة، كيف وهو يذكر صفته كما مرّ مراراً.
الموضع التاسع:
وقال في قاعدة عظيمة (ص118): جميع العلماء متفقون على أنه يستحب لمن أتى المدينة أن يصلي في مسجده ويسلم عليه إ. هـ
والسلام عليه مشروع في كل مكان فتخصيصه هنا يدل على أنه يعني السلام عند الحجرة.
الموضع العاشر:
وقال في قاعدة عظيمة (ص69): ولكن كثيراً من المتأخرين صاروا يسمون الدخول إلى مسجده مع السلام عليه عند الحجرة زيارة لقبره وهذه التسمية مبتدعة في الإسلام ومخالفة للشرع والعقل واللغة لكن قد شاعت وصارت اصطلاحاً لكثير من العلماء وصار منهم من يقول: زيارة قبره مستحبة بالإجماع والزيارة المستحبة بالإجماع هي الوصول إلى مسجده والصلاة والسلام عليه فيه وسؤال الوسيلة () ونحو ذلك فهذا مشروع بالإجماع في مسجده فهذه هي الزيارة لقبره المشروعة بالإجماع فالمعنى المجمع عليه حق ولكن تسمية ذلك زيارة لقبره هي محل النزاع وكذلك تنازعوا هل يستقبل الحجرة أو يستقبل القبلة كما ذكر في موضعه.
الموضع الحادي عشر:
وقال في قاعدة عظيمة (ص116): ولهذا ظهر الفرق بين السفر إلى مدينته والسفر إلى غيرها فالسفر إليها للصلاة في مسجده مستحب والسلام عليه حينئذٍ حسن يسلم عليه في مسجده ويصلي عليه إما مستقبل القبلة وإما مستقبل الحجرة كما فعل ذلك من فعله من الصحابة وليس كذلك قبر غيره فإنه لا يشرع السفر إلى المدينة التي هو بها بحال إذ ليس فيها مسجد من المساجد الثلاثة. إ. هـ
إذاً هي مستحبة لا نزاع، ولكن طريقة السلام على أي صفة؟ هل هي مستقبل القبلة أم الحجرة؟ هذا هو النزاع.
الموضع الثاني عشر:
وقال في اقتضاء الصراط (ج1/ص394): ولم يكن أحد من السلف يأتي قبر نبي أو غير نبي لأجل الدعاء عنده ولا كان الصحابة يقصدون الدعاء عند قبر النبي ـ ? ـ ولا عند قبر غيره من الأنبياء وإنما كانوا يصلون ويسلمون على ـ ? ـ وعلى صاحبيه، واتفق الأئمة على أنه إذا دعا بمسجد النبي ـ ? ـ لا يستقبل قبره، وتنازعوا عند السلام عليه؛ فقال مالك وأحمد وغيرهما: يستقبل قبره ويسلم عليه وهو الذي ذكره أصحاب الشافعي وأظنه منصوصاً عنه. وقال أبو حنيفة: بل يستقبل القبلة ويسلم عليه وهكذا في كتاب أصحابه. إ. هـ
أعتقد أنه بعد هذه النصوص يتوجب أن يستقرّ في الخاطر أن ابن تيمية يرى استحباب السلام على النبي ـ ? ـ عند الحجرة وكذلك السلام على قبري صاحبيه وأنه من الجرم الخطير أن ينسب إليه غير هذا وهو يعيد ويكرر هذا المعنى بل ويشدد على أن لا يفهم منه ما لا يريد.
ولنلتفت إلى طلابه ومحبيه وما هو فهمهم في هذه القضية ـ رحم الله الجميع ـ:
الموضع الثالث عشر:
قال تلميذه ابن عبد الهادي ـ رحمه الله ـ في الصارم المنكي في الرد على السبكي (ص24):
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/161)
وليعلم قبل الشروع في الكلام مع هذا المعترض أن شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ لم يحرم زيارة القبور على الوجه المشروع في شيء من كتبه ولم ينه عنها ولم يكرهها بل استحبها وحض عليها ومناسكه ومصنفاته طافحة بذكر استحباب زيارة قبر النبي ـ ? ـ وسائر القبور. قال ـ رحمه الله تعالى ـ في بعض مناسكه: باب زيارة قبر النبي ـ ? ـ إذا أشرف على مدينة النبي ـ ? ـ قبل الحج أو بعده فليقل ما تقدم ... ثم يأتي قبر النبي ـ ? ـ فيستقبل جدار القبر ولا يمسه ولا يقبله ويجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه ليكون قائماً وجاه النبي ـ ? ـ ويقف متباعداً كما يقف لو ظهر في حياته بخشوع وسكون، منكس الرأس، غاض الطرف، مستحضراً بقلبه جلالة موقفه، ثم يقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته السلام عليك يا نبي الله وخيرته من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، أشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وعبدت الله حتى أتاك اليقين فجزاك الله أفضل ما جزى نبياً ورسولاً عن أمته، اللهم آته الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم احشرنا في زمرته، وتوفنا على سنته، وأوردنا حوضه، وأسقنا بكأسه مشرباً روياً لا نظمأ بعده أبداً، ثم يأتي أبا بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ فيقول: السلام عليك يا أبا بكر الصديق، السلام عليك يا عمر الفاروق السلام عليكما يا صاحبي رسول الله ـ ? ـ وضجيعيه ورحمة الله وبركاته جزاكما الله عن صحبة نبيكما وعن الإسلام خيرا، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.
الموضع الرابع عشر:
وقال أيضاً في الصارم المنكي في الرد على السبكي (ص64):
وقد علم أن الزيارة نوعان: شرعية، وغير شرعية؛ فالشرعية لم يمنع منها شيخ الإسلام ولم ينه عنها في شيء من فتاويه ومؤلفاته ومناسكه بل كتبه مشحونة بذكرها ومن نسب إليه أنه منع منها أو نهى عنها أو قال: هي معصية بالإجماع مقطوع بها: فقد كذب عليه وافترى، وقال عنه ما لم يقله قط وقد قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في منسك له صنفه في أواخر عمره فصل [منسك شيخ الإسلام (ص92)] وإذا دخل المدينة قبل الحج أو بعده فإنه يأتي مسجد النبي ـ ? ـ ويصلي فيه والصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ولا تشد الرحال إلا إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد الأقصى هكذا ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وهو مروي من طرق أخر ومسجده كان أصغر مما هو اليوم وكذلك المسجد الحرام لكن زاد فيهما الخلفاء ومن بعدهم وحكم الزيادة حكم المزيد في جميع الأحكام ثم يسلم على النبي ـ ? ـ وصاحبيه فإنه قد قال: "ما من رجل يسلم عليّ إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام" رواه أبو داود وغيره. وكان عبد الله بن عمر إذا دخل المسجد قال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت، ثم ينصرف وهكذا كان الصحابة يسلمون عليه وإذا قال في سلامه: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا أكرم الخلق على ربه، السلام عليك يا إمام المتقين فهذا كله من صفاته بأبي هو وأمي ـ ? ـ وإذا صلى عليه مع السلام عليه فهذا مما أمر الله به. إ. هـ
الموضع الخامس عشر:
وقال أيضاً في الصارم المنكي في الرد على السبكي (ص151):
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/162)
وقد قدمنا غير مرة أن شيخ الإسلام لم ينكر الزيارة الشرعية ولم ينه عنها ولم يكرهها بل ندب إليها واستحبها وحض على فعلها وقد قال في أثناء كلامه في الجواب عما اعترض به عليه بعض المالكية بعد أن ذكر لفظه فقال: قال المعترض وورد في زيارة قبره أحاديث صحيحة وغيرها مما لم تبلغ درجة الصحيح لكنها يجوز الاستدلال بها على الأحكام الشرعية ويحصل بها الترجيح. قال: والجواب من وجوه: أحدها أن يقال: لو ورد من ذلك ما هو صحيح لكان إنما يدل على مطلق الزيارة وليس في جواب الاستفتاء ـ يعني جوابه وفتواه ـ نهي عن مطلق الزيارة ولا حكى في ذلك نزاع في ذلك الجواب. إ. هـ
ونقل الإجماع وأقرّ أن ابن تيمية لا يخرم هذا الإجماع وهو موافق له.
الموضع السادس عشر:
وقال في الصارم المنكي في الرد على السبكي (ص339):
والمقصود أن ما حكى القاضي عياض فيه الإجماع لم ينه عنه في الجواب ـ أي جواب ابن تيمية ـ بل السفر إلى مسجده وزيارته على الوجه المشروع سنة مجتمع عليها كما ذكره القاضي.
الموضع السابع عشر:
وأما ابن القيم فيكفي قوله في النونية (2/ 42):
فإذا أتينا المسجد النبوي صلـ
ينا التحية أولاً ثنتان
بتمام أركان لها وخشوعها
وحضور قلب فعل ذي الاحسان
ثم انثنينا للزيارة نقصد الـ
قبر الشريف ولو على الأجفان
فنقوم دون القبر وقفة خاضع
متذلل في السرّ والإعلان
فكأنه في القبر حيّ ناطق
فالواقفون نواكس الأذقان
ملكتهم تلك المهابة فاعترت
تلك القوائم كثرة الرجفان
وتفجرت تلك العيون بمائها
ولطالما غاضت على الأزمان
وأتى المسلم بالسلام بهيبة
ووقار ذي علم وذي إيمان
لم يرفع الأصوات حول ضريحه
كلا ولم يسجد على الأذقان
كلا ولم يُر طائفاً بالقبر أسـ
بوعاً كأن القبر بيت ثان
من انثنى بدعائه متوجهاً
لله نحو البيت ذي الأركان
هذي زيارة من غدا متمسكاً
لشريعة الإسلام والإيمان
من أفضل الأعمال هاتيك الزيا
رة وهي يوم الحشر في الميزان
لا تلبسوا الحق الذي جاءت به
سنن الرسول بأعظم البرهان
هذي زيارتنا ولم ننكر سـ
ـوى البدع المضلة يا أولي العدوان العدوان
بعد هذه النقول إياك أن تعتقد أن هذه المواضع على سبيل الحصر كلا فمثيلاتها كثيرة لكنني انتقيت منها ما ألحظ أنه يفي بالغرض.
فإن قلت ـ رعاك الله ـ: إذاً ما هي المواضع التي جعلت بعض المشايخ يفهم ما فهم وكيف يكون توجيهها؟
والجواب: أن هناك مقولات لابن تيمية مجملة وعلى نَفَسه بالكتابة والتأليف ففهم ما لم يرده، وعند شرحها وفك إجمالها سيتبين لك وضوح معناها ومقصدها وأنها متلائمة مع آرائه وله موضع آخر إن شاء الله وإنما عجلت في كتابته لما رأيت الأمر منتشراً عند الناس مع أني كنت سمعت به منذ مدة ولكني لم أتوقع انتشاره بهذه الصورة فاستلزم الأمرَ المسارعةُ في الكتابة صيانة لجناب رسولنا ـ ? ـ وصاحبيه، وصيانة لمنهج السلف أن يجد فيه أعداؤهم ما يلبسون به على العوام في توقيرهم واحترامهم لنبيهم ـ ? ـ.
هذا ما سنح على عجل والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ[أبو فاطمة الحسني]ــــــــ[17 - 05 - 07, 04:07 م]ـ
والثاني: أن زيارته كما يزار غيره ممتنعة؟ وإنما يصل الإنسان إلى مسجده وفيه يفعل ما شرع له.
الثالث: أنه لو كان قبر نبينا يزار كما تزار القبور؟ لكان أهل مدينته أحق الناس بذلك كما أن أهل كل مدينة أحق بزيارة من عندهم من الصالحين فلما اتفق السلف وأئمة الدين على أن أهل مدينته لا يزورون قبره بل ولا يقفون عنده للسلام إذا دخلوا المسجد وخرجوا وإن لم يسمى هذا زيارة، بل يكره لهم ذلك عند غير السفر كما ذكر ذلك مالك وبين أن ذلك من البدع التي لم يكن صدر هذه الأمة يفعلونه: علم أن من جعل زيارة قبره مشروعة كزيارة قبر غيره فقد خالف إجماع المسلمين.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/163)
الرابع: أنه قد نهى أن يتخذ قبره عيدا وأمر الأمة أن تصلي عليه وتسلم حيث ما كانت وأخبر أن ذلك يبلغه. فلم يكن تخصيص البقعة بالدعاء له مشروعا ; بل يدعى له في جميع الأماكن وعند كل أذان وفي كل صلاة وعند دخول كل مسجد والخروج منه بخلاف غيره. وهذا لعلو قدره وارتفاع درجته. فقد خصه الله من الفضيلة. بما لم يشركه فيه غيره ; لئلا يجعل قبره مثل سائر القبور ; بل يفرق بينهما من وجوه متعددة ويبين فضله على غيره وما من الله به على أمته.
وقال في الرد على الاخنائي (ص 385): فلم تكن الصحابة بالمدينة يزورون قبره صلى الله عليه وسلم لا من المسجد ولا داخل الحجرة ولا كانوا أيضا يأتون من بيوتهم لمجرد زيارة قبره صلى الله عليه وسلم بل هذا من البدع التي أنكرها الأئمة والعلماء وإن كان الزائر منهم ليس مقصوده إلا الصلاة والسلام عليه وبينوا أن السلف لم يفعلوها كما ذكره مالك في المبسوط ... ) اهـ
والسبب عند ابن تيمية في عدم زيارتهم هو لأنه لا فائدة منها وقد بين ذلك في مجموع الفتاوي 27/ 415) فقال: (وقد حصل مقصودهم ومقصوده من السلام عليه والصلاة عليه في مسجده وغير مسجده فلم يبق في إتيان القبر فائدة لهم ولا له بخلاف إتيان مسجد قباء فإنهم كانوا يأتونه كل سبت فيصلون فيه اتباعا له صلى الله عليه وسلم. فإن الصلاة فيه كعمرة. ويجمعون بين هذا وبين الصلاة في مسجده يوم الجمعة إذ كان أحد هذين لا يغني عن الآخر بل يحصل بهذا أجر زائد. وكذلك إذا خرج الرجل إلى البقيع وأهل أحد كما كان يخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لهم كان حسنا لأن هذا مصلحة لا مفسدة فيها وهم لا يدعون لهم في كل صلاة حتى يقال: هذا يغني عن هذا).
وقال في مجموع للفتاوي (27/ 412): فلهذا كان العمل الشائع في الصحابة - الخلفاء الراشدين والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار - أنهم يدخلون مسجده ويصلون عليه في الصلاة ويسلمون عليه كما أمرهم الله ورسوله ويدعون لأنفسهم في الصلاة مما اختاروا من الدعاء المشروع كما في الصحيح من حديث ابن مسعود لما علمه التشهد قال: {ثم ليتخير بعد ذلك من الدعاء أعجبه إليه}. ولم يكونوا يذهبون إلى القبر لا من داخل الحجرة ولا من خارجها ; لا لدعاء ولا صلاة ولا سلام ولا غير ذلك من حقوقه المأمور بها في كل مكان فضلا عن أن يقصدوها لحوائجهم كما يفعله أهل الشرك والبدع فإن هذا لم يكن يعرف في القرون الثلاثة لا عند قبره ولا قبر غيره لا في زمن الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم. فهذه الأمور إذا تصورها ذو الإيمان والعلم عرف دين الإسلام في هذه الأمور. وفرق بين من يعرف التوحيد والسنة والإيمان ومن يجهل ذلك وقد تبين أن الخلفاء الراشدين وجمهور الصحابة كانوا يدخلون المسجد ويصلون فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يسلمون عليه عند الخروج من المدينة وعند القدوم من السفر بل يدخلون المسجد فيصلون فيه ويسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يأتون القبر ومقصود بعضهم التحية وأيضا فقد استحب لكل من دخل المسجد أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: بسم الله والسلام على رسول الله. اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك. وكذلك إذا خرج يقول: بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك. فهذا السلام عند دخول المسجد كلما يدخل يغني عن السلام عليه عند القبر، وهو من خصائصه ولا مفسدة فيه
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوي (27/ 231): السفر المشروع إلى مسجده وما يفعل فيه من العبادة المشروعة التي تسمى زيارة لقبره)
وقد تأملت ما سبق من كلامه فوجدته يفسر قوله في الرد على الأخنائي
(صـ 200) من كان قصده السفر إلى مسجده وقبره معا فهذا قد قصد مستحبا مشروعا بالإجماع) اهـ
والمستحب الذي قصده هو المسجد فقط أو المسجد وزيارة القبر الشرعية عند ابن تيمية وهي الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام في مسجده وليس الإتيان إلى قبره لأن السلف لم يكونوا يأتونه ومن ثم فقصده غير مستحب كما سبق بيان ذلك عنه.
كما أن كلامه السابق يفسر أيضا قوله عن نفسه (27/ 293): المفتي قد ذكر في الجواب استحباب العلماء لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحك عن أحد أنه قال: زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم محرمة) اهـ
وهو في الحقيقة لم يصرح بحرمة زيارة قبره عليه الصلاة والسلام بدون شد الرحل بل غاية ما صرح به الكراهة لغير المسافر كما سبق حيث قال: بل يكره لهم ذلك عند غير السفر كما ذكر ذلك مالك. هذا ما تبين لي في الجمع بين كلامه
وقصدي بذلك بيان حقيقة رأيه رحمه الله في المسألة حتى لا ينسب إليه ما لم يقله فهو لا يمنع من الزيارة لأهل المدينة بل يستحبها ولكن حسب التفسير الذي أبان عنه في أكثر من موضع كما أنه لا يحرم إتيان القبر بدون شد رحل ولكن يكرهه لغير المسافر.
ما زال عندي إشكال في كلام ابن تيمية رحمه الله ..
فهل من الأخوة من يجلي لنا الأمر ..(35/164)
طلب: تحقيق كلام شيخ الإسلام في القرب والدنو
ـ[سليمان السيف]ــــــــ[18 - 09 - 06, 02:01 م]ـ
يرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القرب في بعض الآيات في القرآن هو قرب الملائكة.
ومع ذلك فهو يشير إلى أن قوله تعالى في الحديث القدسي (تقربت إليه ذراعاً) لا يبعد أن يكون قرباً ذاتياً لأوليائه.
أرجو ممن حقق هذه المسألة عند شيخ الإسلام أن يفيدنا بذلك.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[22 - 09 - 06, 12:03 ص]ـ
لم أحققها
لكن الذي أذكر أن شيخ الإسلام استدل على ما اختاره في الآية من قرب الملائكة بالسياق في الآيات ودلالة النصوص الأخرى على ذلك ... وتجدها في شرح حديث النزول.
ـ[سليمان السيف]ــــــــ[22 - 09 - 06, 11:22 م]ـ
جزاك الله خيراً.(35/165)
ما القول الفصل فيما يؤمن به أهل السنة بخصوص أفعال العبد!!.
ـ[غيث أحمد]ــــــــ[18 - 09 - 06, 07:38 م]ـ
ما القول الفصل فيما يؤمن به أهل السنة بخصوص أفعال العبد!!.
بين الخلق والكسب؟.
ـ[أبو أنس السندي]ــــــــ[18 - 09 - 06, 09:36 م]ـ
قال تعالى (والله خلقكم وما تعملون) الصافات 96.
وقال تعالى (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) الشورى 30.
فأفعال العباد خلق الله، وكسب من العباد.(35/166)
بدعة التفويض في الصفات وبطلان نسبة ذلك إلى السلف الصالح.
ـ[عبد الرحمن غياث]ــــــــ[19 - 09 - 06, 07:43 ص]ـ
بدعة التفويض في الصفات وبطلان نسبة ذلك إلى السلف الصالح.
يقول العلامة سفر الحوالي في شرحه لشرح الطحاوية:
إن وجود الاقتران أو الاشتراك اللفظي هو سبب ضلال الفرق في معرفة الله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى خاطبنا ووصف نفسه بكلامنا ولغتنا، فهذه اللغة أوهمت بعضهم حتى قال: نحن لا نتصور الاستواء إلا بالشكل الحسي المعروف، ولا نتصور النزول إلا بالشكل الحسي المعروف، وهو انتقال جسم من مكان إلى مكان، ولا نستطيع أن نتخيل اليد إلا جارحة، ولا نتخيل السمع إلا بأذن وصماخ ... الخ.
هذا هو منشأ الخطأ في حق الله تبارك وتعالى، مع أن الله تعالى أخبرنا عن الجنة أن فيها حوراً عيناً، وأن فيها أنهاراً من خمرٍ وأنهاراً من لبن وأنهاراً من عسل، وأن فيها فضةً وحريراً وذهباً، وأن فيها ولداناً وأشجاراً وثماراً، وغير ذلك من أنواع النعيم الذي في الجنة، ومع ذلك نعتقد أن ما عندنا من نعيم الجنة إنما هو الأسماء، فنؤمن به مع اعتقادنا أنه يكون لأهل الجنة، ونرجوا الله سبحانه وتعالى أن نذوق هذا النعيم، ونؤمن أنه نعيم لا يشبهه في الدنيا، ولا يشبهه شيء مما تراه أعيننا في الدنيا، ولا يمكن أن تتخيل عقولنا وأذهاننا شيئاً يشبهه.
فكيف نقول: إننا لا نفهم من صفات الله سبحانه وتعالى إلا ما نعلمه من صفات المخلوقين، وأنه يجب أن نؤولها وننفيها، فخفاء صفات الله سبحانه وتعالى عنا أعظم وأكثر من خفاء نعيم الجنة، وكذلك أحوال يوم القيامة، وغير ذلك من العوالم الغيبية التي نعلمها.
فإن الشبهة الكبرى التي وقع فيها من أوّلَ في باب الصفات هي قولهم: إن الله أنزل هذا القرآن بلغة العرب، وخاطب العرب بما يفهمون، ونحن لا نفهم من لغة العرب إلا أن اليد جارحة، وأن النزول والمجيء هو الانتقال من مكان إلى مكان، وأن العين هي هذه الباصرة، وأن الغضب ثوران القلب، والرحمة استعطاف وانكسار في القلب، وهذه شبهه كبيرة، ولكنها ليست بشيء عند أصحاب العقول السليمة والفطر القويمة.
فصفات الله سبحانه وتعالى جاءت بلغة العرب، فلو خوطبنا بشيء لا ندركه تماماً لما فهمنا أي شيء تماماً، فلا بد أن يكون هناك قدراً معيناً بين الألفاظ الموضوعة وبين المعاني التي وضعت لها الألفاظ، وهذا القدر المعين لا يستلزم بحال من الأحوال أن يكون كل من أطلق عليه اللفظ مساوياً للآخر في الحقيقة.
قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:2] وقال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] فالله سبحانه وتعالى له سمع يسمع به وبصر يبصر به فيحيط به المسموعات والمرئيات والمبصرات.
فنستطيع فهم الصفات واللوازم، وأما العين والحقيقة والذات فهذه لا نستطيع أن نفهم كيفيتها أبداً، فنؤمن أن الله سميع وبصير، وأنه على العرش، وأنه ينزل، وأنه يغضب، وأنه يرحم، مع الاعتقاد بأننا لا نستطيع معرفة كيفية الغضب والرحمة والاستواء وسائر الصفات؛ ولهذا عندما نفى علماء السلف الكيف وقالوا: نؤمن بلا كيف، ومعناه: إثبات شيء وبمعناه مع جهل كيفيته؛ لأنا إذا كنا ننفي نفس المعنى، فلا نحتاج أن نقول ليس له يد بلا كيف.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
[واعلم أن المخاطب لا يفهم المعاني المعبر عنها باللفظ إلا أن يعرف عينها أو ما يناسب عينها، ويكون بينهما قدر مشترك ومشابهة في أصل المعنى، وإلا فلا يمكن تفهيم المخاطبين بدون هذا قط، حتى في أول تعليم معاني الكلام بتعليم معاني الألفاظ المفردة، مثل تربية الصبي الذي يعلم البيان واللغة، ينطق له باللفظ المفرد، ويشار له إلى معناه إن كان مشهوداً بالإحساس الظاهر أو الباطن.
فيقال له: لبن، خبز، أم، أب، سماء، أرض، شمس، قمر، ماء، ويشار له مع العبارة إلى كل مسمى من هذه المسميات، وإلا لم يفهم معنى اللفظ ومراد الناطق به، وليس أحد من بني آدم يستغني عن التعليم السمعي، كيف وآدم أبو البشر أول ما علمه الله تعالى أصول الأدلة السمعية وهي الأسماء كلها، وكلمه وعلمه بخطاب الوحي ما لم يعلمه بمجرد العقل.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/167)
فدلالة اللفظ على المعنى هي بواسطة دلالته على ما عناه المتكلم وأراده، وإرادته وعنايته في قلبه فلا يعرف باللفظ ابتداء. ولكن يعرف المعنى بغير اللفظ حتى يعلم أولاً أن هذا المعنى المراد هو الذي يراد بذلك اللفظ ويعنى به، فإذا عرف ذلك، ثم سمع اللفظ مرة ثانية، عرف المعنى المراد بلا إشارة إليه] اهـ
الشرح:
إن الألفاظ وضعت لتدل على معان معينة، وهذه المعاني لا بد أن يكون بينها وبين اللفظ قدراً مشتركاً ومن هنا كانت اللغة محتاجة إلى التعليم السماعي، ولذلك لو عاش طفل بين بعض الحيوانات -كما في علم الاجتماع - وصار يرضع منها، ويعيش معها، فإنه لا يتكون لديه لغة، لأن اللغة سماعية، ولها مراحل.
الدرجة الأولى: وهي أبسط مراحل تعلم اللغة كأن تشير للطفل وتقول: هذا جبل، هذا قمر، هذا أب، هذه أم. والطفل يرتبط في ذهنه المعنى بالإشارة فيحفظ، ولذلك لو حفظ الطفل خطأ، وخاطب الناس فسيشير إلى الجبل ويقول: هذا ماء؛ لأنه أخذها تعلماً سمعياً.
ولهذا يذكر المصنف -رحمه الله-: أنه لا يمكن لأحد أن يستغني عن السماع، لأن أبانا آدم عليه السلام علمه الله سبحانه وتعالى أسماء كل شيء، وعلمه كيف يطلق الأسماء على مسمياتها، الموضوعه لها.
والدرجة الأولى أقل درجات الخطاب ومعرفة المخاطب، فالمتكلم إذا كان له معنى في نفسه يريد أن يعبر عنه ويشرحه لغيره، فأوضح شيء في الشرح أن يقول: لو سألك أحد عن شيء لا تعرفه تماماً فقل: مثل هذا، فاللفظ هنا يدل على المعنى الذي فهم عن طريق الإشارة، فهذه الدرجة أدنى درجات الإفهام، ولو ذهب أحدنا إلى أي بلد من البلدان وأراد أن يتعلم لغة ما، لتعلمها بهذه الطريقة، بل حتى في الكتب التعليمية تكتب الكلمة، ويرسم شكلها جوار الاسم، فيعرف أن المقصود بالكلمة المكتوبة هي هذه الصورة.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
[وإن كانت الإشارة إلى ما يحس بالباطن مثل الجوع والشبع والري والعطش والحزن والفرح، فإنه لا يعرف اسم ذلك حتى يجده من نفسه، فإذا وجده، أشير له إليه، وعرف أن اسمه كذا. والإشارة تارة تكون إلى جوع نفسه أو عطش نفسه، مثل أن يراه أنه قد جاع فيقول له: جعت، أنت جائع، فيسمع اللفظ ويعلم ما عيَّنه بالإشارة أو ما يجري مجراها من القرائن التي تعين المراد، مثل نظر أمه إليه في حال جوعه وإدراكه بنظرها أو نحوه أنها تعني جوعه. أو يسمعهم يعبرون بذلك عن جوع غيره] اهـ.
الشرح:
الدرجة الثانية: هي الشيء غير المحسوس كالجوع والظمأ.
عندما يكون الشيء معقولاً، وليس أمراً مشاهداً؛ فإنه يفهمه إذا أحس من نفسه هذا الشيء أو من غيره، واحتفت قرائن تدل على أن هذا هو الشيء المراد، فمثلاً. الطفل يفهم معنى كلمة الجوع أو العطش، إذا أحس في نفسه هذا الشيء ووجد أن أمه تقول: أنت جائع، فتقدم له الطعام أو الحليب، وفي كل مرة يتكرر هذا العمل، أو تقول: أنت عطشان، وتأتي بالماء، فيقترن في ذهنه أن الماء للعطش، وأن الطعام للجوع، فيفهم أن هذا الشيء الذي ينشأ في داخله وهو الحاجة إلى لطعام يسمى جوعاً، والحاجة إلى الشراب تسمى عطشاً، فيفهم الطفل هذا الشيء ويتلقاه، مع أنه غير مشار إليه، فهذا النوع عقلي باطني يدرك بالعقل، فعندما يرى الطفل إنساناً عليه ملامح التجهم والانقباض ويقول أبوه: هذا غضبان، ويأتي إنسان عليه علامات الانشراح والابتسام فيقول الأب: هذا فرح، يفهم الطفل أو غيره معنى كلمة غضبان، ومعنى كلمة فرح.
قال المصنف -رحمه الله تعالى:
[إذا عرف ذلك، فالمخاطب المتكلم إذا أراد بيان معان، فلا يخلوا إما أن يكون مما أدركها المخاطب المستمع بإحساسه وشهوده، أو بمعقوله , وإما أن لا يكون كذلك، فإن كانت من القسمين الأولين، لم يحتج إلا إلى معرفة اللغة، بأن يكون قد عرف معاني الألفاظ المفردة ومعنى التركيب، فإذا قيل له بعد ذلك: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ [البلد:9،8] أو قيل له: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78] ونحو ذلك، فهم المخاطب بما أدركه بحسه. وإن كانت المعاني التي يراد تعريفه بها ليست مما أحسه وشهده بعينه، ولا بحيث صار له معقول كلي يتناولها حتى يفهم به المراد بتلك الألفاظ،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/168)
بل هي مما لم يدركه بشيء من حواسه الباطنة والظاهرة، فلا بد في تعريفه من طريق القياس والتمثيل والاعتبار بما بينه وبين معقولات الأمور التي شاهدها من التشابه والتناسب، وكلما كان التمثيل أقوى، كان البيان أحسن، والفهم أكمل.
فالرسول -صلوات الله وسلامه عليه- لما بين لنا أموراً لم تكن معروفة قبل ذلك، وليس في لغتهم لفظ يدل عليها بعينها، أتى بألفاظ تناسب معانيها تلك المعاني، وجعلها أسماءً لها، فيكون بينها قدر مشترك، كالصلاة، والزكاة، والصوم، والإيمان، والكفر. وكذلك لما أخبرنا بأمور تتعلق بالإيمان بالله وباليوم الآخر، وهم لم يكونوا يعرفونها قبل ذلك حتى يكون لهم ألفاظ تدل عليها بعينها، أخذ من اللغة الألفاظ المناسبة لتلك بما تدل عليه من القدر المشترك بين تلك المعاني الغيبية، والمعاني الشهودية التي كانوا يعرفونها، وقرن بذلك من الإشارة ونحوها ما يعلم به حقيقة المراد، كتعليم الصبي، كما قالربيعة بن أبي عبد الرحمن: الناس في حجور علمائهم كالصبيان في حجور آبائهم] ا. هـ
الشرح:
إذا أردت أن تبين معنى من المعاني، فعليك باللفظ الذي يعرفه الناس إما معرفة حسية أو معرفة عقلية، كالأمثلة التي ضربها المصنف ومنها قوله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ [البلد:9،8] فاللغة كفت لبيان الأمور المحسوسة والمشاهدة، كما تكفي لمعرفة الأشياء المعقولة لدى الإنسان، كالعلم والرضا والجهل والكرم والغضب وأمثال ذلك من الأمور غير المشاهدة، وهي معلومة بعقول بني آدم.
مثاله: لما قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: (لا تغضب) فعرف الرجل معنى: لا تغضب؛ لأن الغضب معروف لديه ولدى غيره من المخاطبين، وكذلك العلم والرحمة معروفة عند بني آدم.
ومن أمثلة ذلك أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه الله سبحانه وتعالى بمعان جديدة، كالصلاة؛ فإنها في لغة العرب بمعنى: الدعاء، والزكاة في لغة العرب بمعنى: التطهير، والصيام عند العرب بمعنى: الإمساك، وكذا الحج بمعنى: القصد إلى الشيء.
فلما جاء الشرع من عند الله سبحانه وتعالى وخاطب الناس بلغتهم: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم:4] عبر عن المعاني الجديدة التي لم يعرفوها قط عن طريق التمثيل والتقريب، وكلما كان المخاطِب أبلغ كان بيانه أجلى، وتمثيله أعظم.
فأتى بالقدر المشترك، كالصلاة فطبقها النبي صلى الله عليه وسلم أمامهم فبدأ بتكبيرة الإحرام، وانتهى بالتسليم، بما في ذلك من قراءة وركوع وسجود، وكذلك الحج: قصد البيت الحرام وأداء النسك.
فقربت هذه المعاني من جنس كلام العرب حتى يفهموها، وأصبح الإنسان بعد ذلك لا يفهم من الصلاة أنها الدعاء، وإنما يفهم منها الصلاة المعروفة، مع أن الصلاة المعروفة الآن بأركانها لا تشبه في مدلولها مجرد الدعاء، الذي يعرفه العرب في الجاهلية، فخوطب الإنسان بما يؤديه، ومن الممكن أن يفهمه، فكيف بما يتعلق بالإيمان بالله سبحانه وتعالى والآخرة؟ وما يتعلق بالأمور الغيبية المطلقة التي لا يعلمها الإنسان ولا يمكن أن يفهمها.
فلا بد أن هناك قدراً مشتركاً بين ما خوطب به الإنسان، وبين حقائقها الغيبية، فمثلاً: النار أو جهنم -والعياذ بالله- إذا قرأها الإنسان في القرآن، فإنه يعلم أنها لا تشبه نار الدنيا، لكن هناك قدر مشترك يجعل هذه تشبه هذه، وكذا الجنة وردت في القرآن بمعنى: الروضة الجميلة، والبستان -مثل أصحاب الجنة في سورة القلم وصاحب الجنتين في سورة الكهف- وليست هي مثل جنة الخلد، والعلاقة بين الطرفين أن فيهما نعيم ورخاء، وكلتاهما تستلذ وتستطاب، ومن أجل هذا القدر المشترك قرب لنا اللفظ، وسميت الجنة لنفهم ونعرف أن فيها نعيم.
والذين أنكروا الصفات قالوا: إن الجنة في كلام العرب لا تعقل، إلا أنه هذا النخل والعنب والشجر والماء، فجنة الآخرة مثلها، وهذه الجنة تفنى؛ لأنها أجسام معينة ونباتات، والنباتات من خواصها ولوازمها الفناء، فدخلوا في قضايا عقلية قياسية بسبب قولهم: إن اللغة وضعت هذه اللفظة هكذا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/169)
ونرد عليهم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن نعيم الجنة: فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)، وكما قال ابن عباس: (ما عندكم في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء) أي: الاشتراك اللفظي فقط، فهذه جنة وهذه جنة، وهذا نهر وهذا نهر، وهذا خمر وهذا خمر، لا يعني أن جنة الدنيا كجنة الآخرة، ولا أن أنهارها كأنهارها، ولا أن خمرها كخمرها؛ لكن لما أراد الله سبحانه وتعالى أن يفهمنا ويُعْلمَنا بهذه الجنة، وكانت مما لا ندركه بحواسنا ولا بعقولنا، خاطبنا بأمر نعقله عن طريق التمثيل للتقريب.
وصفات الله سبحانه وتعالى أعظم من ذلك وأجل، فإن الله سبحانه وتعالى عليم، سميع، بصير، رحيم، كما أخبر عن نفسه، فهناك قدر مشترك لفظي فقط، بينها وبين صفات الإنسان، وهو أن الإنسان يدرك المسموعات التي تليق به، والله تبارك وتعالى يدرك المسموعات التي تليق به، وهو سبحانه قد أحاط بكل شيء علماً، ولا يفوته شيء، ولا يعجزه شيء، بخلاف الإنسان فإن سمعه محدود.
وكذلك البصر فإنه لا يخفى على الله -تبارك وتعالى- شيء، وأما الإنسان فبصره محدود.
فخوطبنا بهذه الكلمة من كلام العرب لكي نعرف حقيقة المعنى، ونميز بين هذا المعنى والمعنى الآخر، فكون الله سبحانه وتعالى سميعاً غير كونه بصيراً، وكذلك الإنسان له سمع وبصر، وكونه سميعاً يفرق عن كونه بصيراً، فإذا قلت لك: هذا إنسان بصير، فإنك تفهم أن له عيناً يبصر بها.
وإذا قلت لك: هذا إنسان سميع، فإنك فهمت شيئاً آخر، ولذلك جاءت الألفاظ في القرآن والسنة لتبين هذه المعاني، ونعرف القدر المشترك البسيط من إدراك المسموعات أو إدراك المبصرات، ولكن ليس الإدراك مثل الإدراك، أما حقيقة الذات المعني بها اللفظ فلا يمكن إدراكها، ولا يمكن للعقول أن تتخيلها أو تتوهمها، لأنك لا تستطيع أن تتخيل ما هو أهون من ذلك، وهو نعيم الجنة الذي هو أقل من ذلك بكثير.
فالدرجة الثالثة: إذاً هي درجة الأشياء التي لا تدخل تحت معرفة البشر الحسية أو العقلية، ولكن الخطاب يكون بما يماثلها ليقربها، وكلما كان البيان أكمل كلما كان تقريب المعنى لديه أعظم.
وهذا يستعمل حتى في الأشياء البشرية المستجدة؛ فلو أن هناك جهازاً اُخترع، وتريد أن تعرفه لإنسان وتشرحه له، وهو لم ير هذه الآلة من قبل، ولم يفكر فيها، فتضرب له مثلاً وتقول: هذه الآلة مثل الطائره -مثلاً- ليعرف أو يتصور شيئاً معيناً يميز به هذا الشيء، فإذا أريته الآلة، وقلت له: هذه الآلة التي كنت أشرحها لك، فإنه سيجد شيئاً غريباً لم يخطر على باله، والذي خطر على باله أولاً إنما هو شيء يميز به هذه عن غيرها.
وهذا هو فائدة الاسم في اللغة العربية، أن يميز به الشيء عن الآخر، فالأسماء توضع للتمييز بين الأشياء فقط، فهذا أحمدُ، وهذا عليٌ وهكذا، ولكن قد يكون هناك شخصان كلاهما اسمه علي، وتختلف حقيقة كل منهما، فالألفاظ تأتي للتقريب والدلالة، وأسماء الله تعالى وصفاته وضعت لها ألفاظ ليميز بعضها عن بعض.
وكذلك القدر المشترك اللفظي بين ما وصف الله سبحانه وتعالى به نفسه، وما وصف به خلقه من بنى الإنسان، أمر معقول في كل ذهن، لا في الحقيقة والواقع والذوات؛ فليس هناك أي تشابه على الإطلاق.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[وأما ما يخبر به الرسول من الأمور الغائبة، فقد يكون مما أدركوا نظيره بحسهم وعقلهم، كإخبارهم بأن الريح أهلكت عاداً، فإن عاداً من جنسهم والريح من جنس ريحهم، وإن كانت أشد، وكذلك غرق فرعون في البحر، وكذا بقية الأخبار عن الأمم الماضية. ولهذا كان الإخبار بذلك فيه عبرة لنا، كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [يوسف:111] وقد يكون الذي يخبر به الرسول مما لم يدركوا مثله الموافق له في الحقيقة من كل وجه، لكن في مفرداته ما يشبه مفرداتهم من بعض الوجوه، كما إذا أخبرهم عن الأمور الغيبية المتعلقة بالله واليوم الآخر، فلا بد أن يعلموا معنى مشتركاً وشبهاً بين مفردات تلك الألفاظ وبين مفردات ألفاظ ما علموه في الدنيا بحسهم وعقلهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/170)
فإذا كان ذلك المعنى الذي في الدنيا لم يشهدوه بعد، ويريد أن يجعلهم يشهدونه مشاهدة كاملة ليفهموا به القدر المشترك بينه وبين المعنى الغائب، أشهدهم إياه، وأشار لهم إليه، وفعل فعلاً يكون حكاية له وشبهاً به، يعلم المستمعون أن معرفتهم بالحقائق المشهودة هي الطريق التي يعرفون بها الأمور الغائبة، فينبغي أن تعرف هذه الدرجات:
أولها: إدراك الإنسان المعاني الحسية المشاهدة.
وثانيها: عقله لمعانيها الكلية.
وثالثها: تعريف الألفاظ الدالة على تلك المعاني الحسية والعقلية.
فهذه المراتب الثلاث لا بد منها في كل خطاب.
فإذا أخبرنا عن الأمور الغائبة، فلا بد من تعريفنا المعاني المشتركة بينها وبين الحقائق المشهودة والاشتباه الذي بينهما، وذلك بتعريفنا الأمور المشهودة، ثم إن كانت مثلها، لم يحتج إلى ذكر الفارق، كما تقدم في قصص الأمم، وإن لم يكن مثلها، بين ذلك بذكر الفارق، بأن يقال: ليس ذلك مثل هذا، ونحو ذلك، وإذا تقدر انتفاء المماثلة كانت الإضافة وحدها كافية في بيان الفارق، وانتفاء التساوي لا يمنع منه وجود القدر المشترك الذي هو مدلول اللفظ المشترك، وبه صرنا نفهم الأمور الغائبة، ولولا المعنى المشترك ما أمكن ذلك قط] اهـ
الشرح:-
لكي نفهم هذه المراتب الثلاث: المعرفة الحسية، والمعرفة العقلية، ومالا يدخل تحت الحس أو العقل، ينبغي أن نعرف الرد على الذين ينفون صفات الله سبحانه وتعالى ويقولون: الألفاظ الموضوعة لا يفهم منها إلا هذا الشيء، فنحن لا نفهم من اليد إلا الجارحة، ولا نفهم من النزول إلا الانتقال، ولا نفهم من المجيء إلا الانتقال وهكذا، فنقول: ما أتفه هذه العقول وما أضلها، يقول تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] فنحن لا نستخدم أي لفظ لم يأت به الشرع، بل هذا دليل على أن التشبيه في قلوبنا إن استخدامنا غير الألفاظ الشرعية، أما علماء الكلام ونفاة الصفات ففي قلوبهم وأنفسهم تشبيه فهم يحرفون كلام الله، ويضيفون إليه ما لم يضفه.
قال الطحاوي رحمه الله:
[ولاشيء يعجزه].
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[لكمال قدرته، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:20]: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً [الكهف:45] وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً [فاطر:44] وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255].
لا يؤده أي: لا يكرثه ولا يثقله ولا يعجزه. فهذا النفي لثبوت كمال ضده، وكذلك كل نفي يأتي في صفات الله تعالى في الكتاب والسنة إنما هو لثبوت كمال ضده، كقوله تعالى: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49]، لكمال عدله، لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [سبأ:3] لكمال علمه. وقوله تعالى: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38] لكمال قدرته. لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] لكمال حياته وقيوميته. لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام:103] لكمال جلاله وعظمته وكبريائه، وإلا فالنفي الصرف لا مدح فيه، ألا يرى أن قول الشاعر:
قُبَيِّلة لا يغدرون بذمةٍ ولا يظلمون الناس حبة خردل
لما اقترن بنفي الغدر والظلم عنهم ما ذكره قبل هذا البيت وبعده، وتصغيرهم بقوله: "قُبيلة" عُلم أن المراد عجزهم وضعفهم، لا كمال قدرتهم، وقول الآخر:
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
لما اقترن بنفي الشر عنهم ما يدل على ذمهم، عُلم أن المراد عجزهم وضعفهم أيضاً.
ولهذا يأتي الإثبات للصفات في كتاب الله مفصلاً، والنفي مجملاً، عكس طريقة أهل الكلام المذموم، فإنهم يأتون بالنفي المفصل والإثبات المجمل.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/171)
شخص ولا جوهر ولا عَرَض ولا بذي لون ولا طعم، ولا رائحة، ولا مجسة، ولا بذي حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا اجتماع ولا افتراق ولا يتحرك ولا يسكن، ولا يتبعض، وليس بذي أبعاض وأجزاء وجوارح وأعضاء، وليس بذي جهات، ولا بذي يمين ولا شمال وأمام وخلف وفوق وتحت، ولا يحيط به مكان ولا يجرى عليه زمان، ولا يجوز عليه المماسة ولا العزلة، ولا الحلول في الأماكن، ولا يوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدوثهم، ولا يوصف بأنه متناهٍ، ولا يُوصف بمساحة ولا ذهاب في الجهات، وليس بمحدودٍ، ولا والد ولا مولود، ولا تُحيط به الأقدار ولا تحجبه الأستار ... إلى آخر ما نقله أبو الحسن الأشعري رحمه الله عن المعتزلة.
وفي هذه الجملة حق وباطل، ويظهر ذلك لمن يعرف الكتاب والسنة. وهذا النفي المجرد مع كونه لا مدح فيه، فيه إساءة أدب، فإنك لو قلت للسلطان: أنت لست بزبال ولا كساح ولا حجام ولا حائك، لأدبك على هذا الوصف وإن كنت صادقاً، وإنما تكون مادحاً إذا أجملت النفي، فقلت: أنت لست مثل أحد من رعيتك، أنت أعلم منهم وأشرف وأجل، فإذا أجملت في النفي، أجملت في الأدب] ا. هـ.
أهل التأويل المذموم
الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 175]
الفصل الأول في معرفة حقيقة التأويل ومسماه لغة واصطلاحا
التأويل تفعيل من آل يؤول إلى كذا إذا صار إليه فالتأويل التصيير وأولته تأويلا إذا صيرته إليه فآل وتأول وهو مطاوع أولته
وقال الجوهري التأويل تفسير ما يؤول إليه الشيء وقد أولته وتأولته تأولا بمعنى قال الأعشى
على أنها كانت تأول حبها ... تأول ربعي السقاب فأصحبا الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 176]
قال أبو عبيدة يعني تفسير حبها ومرجعه أي أنه كان صغيرا في قلبه فلم يزل ينبت حتى صار قديما كهذا السقب الصغير لم يزل يشب حتى صار كبيرا مثل أمه وصار له ابن يصحبه انتهى كلامه ثم تسمى العاقبة تأويلا لأن الأمر يصير إليها ومنه قوله تعالى فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا النساء59
وتسمى حقيقة الشيء المخبر به تأويلا لأن الأمر ينتهي إليها ومنه قوله هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق الأعراف53
فمجيء تأويله مجيء نفس ما أخبرت به الرسل من اليوم الآخر والمعاد وتفاصيله والجنة والنار ويسمى تعبير الرؤيا تأويلا بالاعتبارين فإنه تفسير لها وهو عاقبتها وما تؤول إليه وقال يوسف لأبيه يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل يوسف100الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 177]
أي حقيقتها ومصيرها إلى ها هنا انتهت وتسمى العلة الغائية والحكمة المطلوبة بالفعل تأويلا لأنها بيان لمقصود الفاعل وغرضه من الفعل الذي لم يعرف الرائي له غرضه به ومنه قول الخضر لموسى عليهما السلام بعد أن ذكر له الحكمة المقصودة بما فعله من تخريق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار بلا عوض سأنبئك بتأويل مالم تستطع عليه صبرا الكهف78
فلما أخبره بالعلة الغائية التي انتهى إليها فعله قال ذلك تأويل مالم تسطع عليه صبرا الكهف82
فالتأويل في كتاب الله سبحانه وتعالى المراد به حقيقة المعنى الذي يؤول اللفظ إليه وهي الحقيقة الموجودة في الخارج فإن الكلام نوعان خبر وطلب فتأويل الخبر هو الحقيقة وتأويل الوعد والوعيد هو نفس الموعود والمتوعد به وتأويل ما أخبر الله به من صفاته وأفعاله نفس ما هو عليه سبحانه وما هو موصوف به من الصفات العلى وتأويل الأمر هو نفس الأفعال المأمور بها قالت عائشة كان رسول الله يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك يتأول القرآن الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 178]
فهذا التأويل هو نفس فعل المأمور به فهذا التأويل في كلام الله ورسوله وأما التأويل في اصطلاح أهل التفسير والسلف من أهل الفقه والحديث فمرادهم به معنى التفسير والبيان ومنه قول ابن جرير وغيره القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا يريد تفسيره ومنه قول الإمام أحمد في كتابه في الرد على الجهمية فيما تأولته من القرآن على غير تأويله فأبطل تلك التأويلات التي ذكروها وهي تفسيرها المراد بها وهو تأويلها عنده فهذا التأويل يرجع إلى فهم المعنى وتحصيله في الذهن والأول يعود إلى وقوع حقيقته في الخارج
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/172)
وأما المعتزلة والجهمية وغيرهم من فرق المتكلمين فمرادهم بالتأويل صرف اللفظ عن ظاهره وحقيقته إلى مجازه وما يخالف ظاهره وهذا هو الشائع في عرف المتأخرين من أهل الأصول والفقه ولهذا يقولون التأويل على خلاف الأصل والتأويل يحتاج إلى دليل
وهذا التأويل هو الذي صنف في تسويغه وإبطاله من الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 179]
الجانبين فصنف جماعة في تأويل آيات الصفات وأخبارها كأبي بكر بن فورك وابن مهدي الطبري وغيرهما وعارضهم آخرون فصنفوا في إبطال تلك التأويلات كالقاضي أبي يعلى والشيخ موفق الدين بن الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 180]
قدامة وهو الذي حكى عن غير واحد إجماع السلف على عدم القول به كما ستأتي حكاية ألفاظهم إن شاء الله
فصل وعلى هذا ينبني الكلام في الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 181]
الفصل الثاني وهو انقسام التأويل إلى صحيح وباطل
فالتأويل الصحيح هو القسمان الأولان وهما حقيقة المعنى وما يؤول إليه في الخارج أو تفسيره وبيان معناه وهذا التأويل يعم المحكم والمتشابه والأمر والخبر
قال جابر بن عبدالله في حديث حجة الوداع ورسول الله بين أظهرنا ينزل عليه القرآن وهو يعلم تأويله فما عمل به من شيء عملنا به فعلمه بتأويله هو علمه بتفسيره وما يدل عليه وعمله به هو تأويل ما أمر به ونهى عنه الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 182]
ودخل رسول الله مكة في عمرة القضاء وعبدالله بن رواحة آخذ بخطام ناقته وهو يقول
خلوا بني الكفار عن سبيله ... خلوا فكل الخير في رسوله
يا رب إني مؤمن بقيله ... أعرف حق الله في قبوله
نحن قتلناكم على تأويله ... كما قتلناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
قال ابن هشام نحن قتلناكم على تأويله إلى آخر الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 183]
الأبيات لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين والمشركون لم يقروا بالتنزيل وإنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزيل
وهذا لا يلزم إن صح الشعر عن ابن رواحة لأن المراد بقتالهم على التأويل هو تأويل قوله تعالى لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين الفتح27
وكان دخولهم المسجد الحرام عام القضية آمنين هو تأويل هذه الرؤيا التي رآها رسول الله وأنزلها الله في كتابه ويدل عليه أن الشعر إنما يناسب خطاب الكفار بقي أن يقال فلم يكن هناك الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 184]
قتال حتى يقول نحن قتلناكم فيقال هذا تخويف وتهديد أي إن قاتلتمونا قاتلناكم وقتلناكم على التأويل والتنزيل وعلى التقديرين فليس المراد بالتأويل صرف اللفظ عن حقيقته إلى مجازه
ومن هذا قول الزهري وقعت الفتنة وأصحاب محمد متوافرون فأجمعوا أن كل مال أو دم أصيب بتأويل القرآن فهو هدر أنزلوهم منزلة أهل الجاهلية أي إن القبيلتين في الفتنة إنما اقتتلوا على تأويل القرآن وهو تفسيره وما ظهر لكل طائفة منه حتى دعاهم إلى القتال فأهل الجمل وصفين إنما اقتتلوا على تأويل القرآن وهؤلاء يحتجون به وهؤلاء يحتجون به نعم التأويل الباطل تأويل أهل الشام قوله لعمار تقتلك الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 185]
الفئة الباغية فقالوا نحن لم نقتله إنما قتله من جاء به حتى أوقعه بين رماحنا فهذا هو التأويل الباطل المخالف لحقيقة اللفظ وظاهره فإن الذي قتله هو الذي باشر قتله لا من استنصر به ولهذا رد عليهم من هو أولى بالحق والحقيقة منهم فقالوا فيكون رسول الله وأصحابه هم الذين قتلوا حمزة والشهداء معه لأنهم أتوا بهم حتى أوقعوهم تحت سيوف المشركين
ومن هذا قول عروة بن الزبير لما روى حديث عائشة فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر فقيل له فما بال عائشة أتمت في السفر قال تأولت كما تأول عثمان وليس مراده الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 186]
أن عائشة وعثمان تأولا آية القصر على خلاف ظاهرها وإنما مراده أنهما تأولا دليلا قام عندهما اقتضى جواز الإتمام فعملا به فكان عملهما به هو تأويله فإن العمل بدليل الأمر هو تأويله كما كان رسول الله يتأول قوله تعالى فسبح بحمد ربك واستغفره النصر3
بامتثاله بقوله سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي فكأن عائشة وعثمان تأولا قوله فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة النساء103
وإن إتمامها من إقامتها
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/173)
وقيل تأولت عائشة أنها أم المؤمنين وأن أمهم حيث كانت فكأنها مقيمة بينهم وأن عثمان كان إمام المسلمين فحيث كان فهو منزله أو أنه كان قد عزم على الاستيطان بمنى أو أنه كان قد تأهل بها ومن تأهل بلد لم يثبت له حكم المسافر أو أن الأعراب كانوا قد كثروا في ذلك الموسم فأحب أن يعلمهم فرض الصلاة وأنه أربع أو غير ذلك من التأويلات التي ظناها أدلة مقيدة لمطلق القصر الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 187]
أو مخصصة لعمومه وإن كانت كلها ضعيفة والصواب هدي رسول الله فإنه كان إمام المسلمين وعائشة أم المؤمنين في حياته وبعد وفاته وقد قصرت معه ولم يكن عثمان ليقيم بمكة وقد بلغه أن رسول الله إنما رخص بها للمهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا والمسافر إذا تزوج في طريقه لم يثبت له حكم الإقامة بمجرد التزوج مالم يزمع الإقامة وقطع السفر
وبالجملة فالتأويل الذي يوافق ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة ويطابقها هو التأويل الصحيح والتأويل الذي يخالف ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة هو التأويل الفاسد ولا فرق بين باب الخبر والأمر في ذلك وكل تأويل وافق ما جاء به الرسول فهو المقبول وما خالفه فهو المردود فالتأويل الباطل أنواع
أحدها مالم يحتمله اللفظ بوضعه كتأويل قوله حتى يضع رب العزة عليها رجله بأن الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 188]
الرجل جماعة من الناس فإن هذا لا يعرف في شيء من لغة العرب البتة
الثاني مالم يحتلمه اللفظ ببنيته الخاصة من تثنية أو جمع وإن احتمله مفردا كتأويل قوله لما خلقت بيدي ص75 بالقدرة
الثالث مالم يحتمله سياقه وتركيبه وإن احتمله في غير ذلك السياق كتأويل قوله هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك الأنعام158 الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 189]
بأن إتيان الرب إتيان بعض آياته التي هي أمره وهذا يأباه السياق كل الإباء فإنه يمتنع حمله على ذلك مع التقسيم والترديد والتنويع
وكتأويل قوله إنكم ترون ربكم عيانا كما ترون القمر ليلة البدر صحوا ليس دونه سحاب وكما ترون الشمس في الظهيرة صحوا ليس دونها سحاب فتأويل الرؤية في هذا السياق بما يخالف حقيقتها وظاهرها في غاية الامتناع وهو رد وتكذيب تستر صاحبه بالتأويل
الرابع ما لم يؤلف استعماله في ذلك المعنى في لغة المخاطب وإن ألف في الاصطلاح الحادث وهذا موضع زلت فيه أقدام كثير من الناس وضلت فيه أفهامهم حيث تأولوا كثيرا من ألفاظ النصوص بما لم يؤلف استعمال اللفظ له في لغة العرب البتة وإن كان معهودا في اصطلاح المتأخرين وهذا مما ينبغي التنبه له فإنه حصل بسببه من الكذب على الله ورسوله ما حصل الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 190]
كما تأولت طائفة قوله تعالى فلما أفل الأنعام77 , 76
بالحركة وقالوا استدل بحركته على بطلان ربوبيته ولا يعرف في اللغة التي نزل بها القرآن أن الأفول هو الحركة البتة في موضع واحد
وكذلك تأويل الأحد بأنه الذي لا يتميز منه شيء عن شيء البتة ثم قالوا لو كان فوق العرش لم يكن أحدا فإن تأويل الأحد بهذا المعنى لا يعرفه أحد من العرب ولا أهل اللغة ولا يعرف استعماله في لغة القوم في هذا المعنى في موضع واحد أصلا وإنما هو اصطلاح الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 191]
الجهمية والفلاسفة والمعتزلة ومن وافقهم
وكتأويل قوله ثم استوى على العرش الأعراف54
بأن المعنى أقبل على خلق العرش فإن هذا لا يعرف في لغة العرب بل ولا غيرها من الأمم أن من أقبل على الشيء يقال قد استوى عليه ولا يقال لمن أقبل على الرحل قد استوى عليه ولا لمن أقبل على عمل من الأعمال من قراءة أو كتابة أو صناعة قد استوى عليها ولا لمن أقبل على الأكل قد استوى على الطعام فهذه لغة القوم وأشعارهم وألفاظهم موجودة ليس في شيء منها ذلك البتة
وهذا التأويل يبطل من وجوه كثيرة سنذكرها في موضعها لو لم يكن منها إلا تكذيب رسول الله الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 192]
لصاحب هذا التأويل لكفاه فإنه قد ثبت في الصحيح أن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء فكان العرش موجودا قبل خلق السموات والأرض بأكثر من خمسين ألف سنة فكيف يقال إنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم أقبل على خلق العرش
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/174)
والتأويل إذا تضمن تكذيب الرسول فحسبه ذلك بطلانا وأكثر تأويلات القوم من هذا الطراز وسيمر بك منها ما هو قرة عين لكل موحد وسخنة عين لكل ملحد
الخامس ما ألف استعماله في ذلك المعنى لكن في غير التركيب الذي ورد به النص فيحمله المتأول في هذا التركيب الذي لا يحتمله على مجيئه في تركيب آخر يحتمله وهذا من أقبح الغلط والتلبيس كتأويل اليدين في قوله تعالى الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 193]
ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ص75
بالنعمة ولا ريب أن العرب تقول لفلان عندي يد وقال عروة بن مسعود للصديق لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك ولكن وقوع اليد في هذا التركيب الذي أضاف سبحانه فيه الفعل إلى نفسه ثم تعدى الفعل إلى اليد بالباء التي هي نظير كتبت بالقلم وهي اليد وجعل ذلك خاصة خص بها صفيه آدم دون البشر كما خص المسيح بأنه نفخ فيه من روحه وخص موسى بأنه كلمه بلا واسطة فهذا مما يحيل تأويل اليد في النص بالنعمة وإن كانت في تركيب آخر تصلح لذلك فلا يلزم من صلاحية اللفظ لمعنى ما في تركيب صلاحيته له في كل تركيب
وكذلك قوله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة القيامة23 , 22 الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 194]
يستحيل فيها تأويل النظر بانتظار الثواب فإنه أضاف النظر إلى الوجوه التي هي محله وعداه بحرف إلى التي إذا اتصل بها فعل النظر كان من نظر العين ليس إلا ووصف الوجوه بالنضرة التي لا تحصل إلا مع حضور ما يتنعم به لا مع التنغيص بانتظاره ويستحيل مع هذا التركيب تأويل النظر بغير الرؤية وإن كان النظر بمعنى الانتظار قد استعمل في قوله انظرونا نقتبس من نوركم الحديد13
وقوله تعالى فناظرة بم يرجع المرسلون النمل25
ومثل هذا قول الجهمي الملبس إذا قال لك المشبه الرحمن على العرش استوى طه5
فقل له العرش له عندنا سبعة معان والاستواء له خمسة معان فأي ذلك المراد فإن المشبه يتحير ولا يدري ما يقول ويكفيك مؤونته
فيقال لهذا الجاهل الظالم الفاتن المفتون ويلك الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 195]
ما ذنب الموحد الذي سميته أنت وأصحابك مشبها وقد قال لك نفس ما قال الله فوالله لو كان مشبها كما تزعم لكان أولى بالله ورسوله منك لأنه لم يتعد النص
وأما قولك للعرش سبعة معان أو نحوها وللاستواء خمسة معان فتلبيس منك وتمويه على الجهال وكذب ظاهر فإنه ليس لعرش الرحمن الذي استوى عليه إلا معنى واحد وإن كان للعرش من حيث الجملة عدة معان فاللام للعهد وقد صار بها العرش معينا وهو عرش الرب جل جلاله الذي هو سرير ملكه الذي اتفقت عليه الرسل وأقرت به الأمم إلا من نابذ الرسل
وقولك الاستواء له عدة معان تلبيس آخر فإن الاستواء المعدى بأداة على ليس له إلا معنى واحد وأما الاستواء المطلق فله عدة معان فإن العرب تقول استوى كذا إذا انتهى وكمل ومنه قوله تعالى ولما بلغ أشده واستوى القصص14
وتقول استوى وكذا إذا ساواه نحو قولهم استوى الماء والخشبة واستوى الليل والنهار وتقول استوى إلى كذا الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 196]
إذا قصد إليه علوا وارتفاعا نحو استوى إلى السطح والجبل واستوى على كذا أي إذا ارتفع عليه وعلا عليه لا تعرف العرب غير هذا فالاستواء في هذا التركيب نص لا يحتمل غير معناه كما هو نص في قوله ولما بلغ أشده واستوى القصص14
لا يحتمل غير معناه ونص في قولهم استوى الليل والنهار في معناه لا يحتمل غيره فدعوا التلبيس فإنه لا يجدي عليكم إلا مقتا عند الله وعند الذين آمنوا
السادس اللفظ الذي اطرد استعماله في معنى هو ظاهر فيه ولم يعهد استعماله في المعنى المؤول أو عهد استعماله فيه نادرا فتأويله حيث ورد وحمله على خلاف المعهود من استعماله باطل فإنه يكون تلبيسا وتدليسا يناقض البيان والهداية بل إذا أرادوا استعمال مثل هذا في غير معناه المعهود حفوا به من القرائن ما يبين للسامع مرادهم به لئلا يسبق فهمه إلى معناه المألوف ومن تأمل لغة القوم وكمال هذه اللغة وحكمة واضعها تبين له صحة ذلك
وأما أنهم يأتون إلى لفظ له معنى قد ألف استعماله فيه فيخرجونه عن معناه ويطردون استعماله في غيره مع تأكيده الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 197]
بقرائن تدل على أنهم أرادوا معناه الأصلي فهذا من أمحل المحال مثاله قوله تعالى وكلم الله موسى تكليما النساء164
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/175)
وقوله ما منكم إلا من سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان يترجم له ولا حاجب يحجبه وقوله إنكم ترون ربكم عيانا وهذا شأن أكثر نصوص الصفات إذا تأملها من شرح الله صدره لقبولها وفرح بما أنزل على الرسول منها يراها قد حفت من القرائن والمؤكدات بما ينفي عنها تأويل المتأول
السابع كل تأويل يعود على أصل النص بالإبطال الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 198]
فهو باطل كتأويل قوله أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل بحمله على الأمة فإن هذا التأويل مع شدة مخالفته لظاهر اللفظ يرجع على أصل النص بالإبطال وهو قوله فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ومهر الأمة إنما هو للسيد فقالوا نحمله على المكاتبة وهذا يرجع على أصل النص بالإبطال من وجه آخر فإنه أتى فيه ب أي الشرطية التي هي من أدوات العموم وأكدها ب ما المقتضية تأكيد العموم وأتى بالنكرة في سياق الشرط وهي تقتضي العموم وعلق بطلان النكاح بالوصف المناسب له المقتضي لوجود الحكم بوجوده وهو نكاحها نفسها ونبه على العلة المقتضية للبطلان الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 199]
وهي افتياتها على وليها وأكد الحكم بالبطلان مرة بعد مرة ثلاث مرات فحمله على صورة لا تقع في العالم إلا نادرا يرجع على مقصود النص بالإبطال وأنت إذا تأملت عامة تأويلات الجهمية رأيتها من هذا الجنس بل أشنع
الثامن تأويل اللفظ الذي له معنى ظاهر لا يفهم منه عند إطلاقه سواه بالمعنى الخفي الذي لا يطلع عليه إلا أفراد من أهل النظر والكلام كتأويل لفظ الأحد الذي يفهمه الخاصة والعامة بالذات المجردة عن الصفات التي لا يكون فيها معنيان بوجه ما فإن هذا لو أمكن ثبوته في الخارج لم يعرف إلا بعد مقدمات طويلة صعبة جدا فكيف وهو محال في الخارج وإنما يفرضه الذهن فرضا ثم يستدل على وجوده الخارجي فيستحيل وضع اللفظ المشهور عند كل أحد لهذا المعنى الذي هو في غاية الخفاء وستمر بك نظائره إن شاء الله تعالى
التاسع التأويل الذي يوجب تعطيل المعنى الذي هو في الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 200]
غاية العلو والشرف ويحطه إلى معنى دونه بمراتب كثيرة وهو شبيه بعزل سلطان عن ملكه وتوليته مرتبة دون الملك بكثير مثاله تأويل الجهمية قوله وهو القاهر فوق عباده الأنعام18
وقوله يخافون ربهم من فوقهم النحل50
ونظائره بأنها فوقية الشرف كقولهم الدرهم فوق الفلس والدينار فوق الدرهم
فتأمل تعطيل المتأولين حقيقة الفوقية المطلقة التي هي من خصائص الربوبية وهي المستلزمة لعظمة الرب جل جلاله وحطها إلى كون قدره فوق قدر بني آدم وأنه أشرف منهم
وكذلك تأويلهم علوه بهذا المعنى وأنه كعلو الذهب على الفضة وكذلك تأويلهم استواءه على عرشه بقدرته عليه وأنه غالب له فيالله العجب هل ضلت العقول وتاهت الحلام وشكت العقلاء في كونه سبحانه غالبا لعرشه قادرا عليه حتى يخبر به سبحانه في سبعة مواضع من كتابه مطردة بلفظ واحد ليس فيها موضع واحد يراد به المعنى الذي أبداه المتأولون وهذا التمدح والتعظيم كله لأجل أن الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 201]
يعرفنا أنه قد غلب عرشه وقدر عليه وكان ذلك بعد خلق السموات والأرض أفترى لم يكن سبحانه غالبا للعرش قادرا عليه في مدة تزيد على خمسين ألف سنة ثم تجدد له ذلك بعد خلق هذا العالم
العاشر تأويل اللفظ بمعنى لم يدل عليه دليل من السياق ولا معه قرينة تقتضيه فإن هذا لا يقصده المبين الهادي بكلامه إذ لو قصده لحف بالكلام قرائن تدل على المعنى المخالف لظاهره حتى لا يوقع السامع في اللبس والخطأ فإن الله سبحانه أنزل كلامه بيانا وهدى فإذا أراد به خلاف ظاهره ولم تحف به قرائن تدل على المعنى الذي يتبادر غيره إلى فهم كل أحد لم يكن بيانا ولا هدى
فهذه بعض الوجوه التي يفرق بيها بين التأويل الصحيح والباطل وبالله المستعان الصواعق المرسلة [جزء 1 - صفحة 202]
الفصل الثالث في أن التأويل إخبار عن مراد المتكلم لا إنشاء
فهذا الموضع مما يغلط فيه كثير من الناس غلطا قبيحا فإن المقصود فهم مراد المتكلم بكلامه فإذا قيل معنى اللفظ كذا وكذا كان إخبارا بالذي عناه المتكلم فإن لم يكن هذا الخبر مطابقا كان كذبا على المتكلم ويعرف مراد المتكلم بطرق متعددة
منها أن يصرح بإرادة ذلك المعنى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/176)
ومنها أن يستعمل اللفظ الذي له معنى ظاهر بالوضع ولا تبين بقرينة تصحب الكلام أنه لم يرد ذلك المعنى فكيف إذا حف بكلامه ما يدل على أنه إنما أراد حقيقته وما وضع له
كقوله وكلم الله موسى تكليما النساء164
مجموع الفتاوى [جزء 3 - صفحة 67]
وأما التأويل المذموم والباطل فهو تأويل أهل التحريف والبدع الذين يتأولونه على غير تأويله ويدعون صرف اللفظ عن مدلوله الى غير مدلوله بغير دليل يوجب ذلك ويدعون ان فى ظاهره من المحذور ما هو نظير المحذور اللازم فيما اثبتوه بالعقل ويصرفونه الى معان هى نظير المعانى التى نفوها عنه فيكون ما نفوه من جنس ما اثبتوه فان كان الثابت حقا ممكنا كان المنفى مثله وان كان المنفى باطلا ممتنعا كان الثابت مثله
مجموع الفتاوى [جزء 13 - صفحة 312]
وأما التأويل الذى اختص الله به فحقيقة ذاته وصفاته كما قال مالك والكيف مجهول فاذا قالوا ما حقيقة علمه وقدرته وسمعه وبصره قيل هذا هو التأويل الذى لا يعلمه الا الله مجموع الفتاوى [جزء 13 - صفحة 313]
وما أحسن ما يعاد التأويل الى القرآن كله فان قيل فقد قال النبى لابن عباس اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل قيل أما تأويل الأمر والنهى فذاك يعلمه واللام هنا للتأويل المعهود لم يقل تأويل كل القرآن فالتأويل المنفى هو تأويل الاخبار التى لا يعلم حقيقة مخبرها الا الله والتأويل المعلوم هو الأمر الذى يعلم العباد تأويله وهذا كقوله هل ينظرون الا تأويله يوم يأتى تأويله وقوله بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله فان المراد تأويل الخبر الذى أخبر فيه عن المستقبل فانه هو الذى ينتظر ويأتى و لما يأتهم وأما تأويل الأمر والنهى فذاك فى الأمر وتأويل الخبر عن الله وعمن مضى ان أدخل فى التأويل لا ينتظر والله سبحانه أعلم وبه التوفيق
مجموع الفتاوى [جزء 17 - صفحة 401]
وأما التأويل بالمعنى الثالث و هو صرف اللفظ عن الإحتمال الراجح الى الإحتمال المرجوح فهذا الإصطلاح لم يكن بعد عرف فى عهد الصحابة بل و لا التابعين بل و لا الأئمة الأربعة و لا كان التكلم بهذا الإصطلاح معروفا في القرون الثلاثة بل و لا علمت أحدا منهم خص لفظ التأويل بهذا و لكن لما صار تخصيص لفظ التأويل بهذا شائعا فى عرف كثير من المتأخرين فظنوا أن التأويل في الآية هذا معناه صاروا يعتقدون أن لمتشابه القرآن معاني تخالف ما يفهم منه و فرقوا دينهم بعد ذلك و صاروا شيعا و المتشابه المذكور الذي كان سبب نزول الآية لا يدل ظاهره على معنى فاسد و إنما الخطأ في فهم السامع نعم قد يقال أن مجرد هذا الخطاب لا يبين كمال المطلوب و لكن فرق بين عدم دلالته على المطلوب و بين دلالته على نقيض المطلوب فهذا الثاني هو المنفي بل و ليس فى القرآن ما يدل على الباطل ألبتة كما قد بسط فى موضعه
و لكن كثير من الناس يزعم أن لظاهر الآية معنى إما معنى يعتقده و إما معنى باطلا فيحتاج الى تأويله و يكون ما قاله باطلا لا تدل الآية على معتقده و لا على المعنى الباطل و هذا كثير جدا و هؤلاء هم الذين يجعلون القرآن كثيرا ما يحتاج إلى التأويل المحدث و هو صرف اللفظ عن مدلوله إلى خلاف مدلوله
مجموع الفتاوى [جزء 17 - صفحة 402]
ومما يحتج به من قال الراسخون فى العلم يعلمون التأويل ما ثبت فى صحيح البخارى وغيره عن ابن عباس ان النبى دعا له وقال اللهم فقهه فى الدين وعلمه التاويل فقد دعا له بعلم التاويل مطلقا وابن عباس فسر القرآن كله قال مجاهد عرضت المصحف على ابن عباس من اوله الى اخره اقفه عند كل اية واساله عنها وكان يقول انا من الراسخين فى العلم الذين يعلمون تاويله
وايضا فالنقول متواترة عن ابن عباس رضى الله عنهما انه تكلم فى جميع معانى القرآن من الامر والخبر فله من الكلام فى الاسماء والصفات والوعد والوعيد والقصص ومن الكلام فى الامر والنهى والاحكام ما يبين انه كان يتكلم فى جميع معانى القرآن
وايضا قد قال ابن مسعود ما من اية فى كتاب الله الا وانا اعلم فيما ذا انزلت
وأيضا فانهم متفقون على ان ايات الاحكام يعلم تاويلها وهى نحو خمسمائة اية وسائر القرآن عن الله واسمائه وصفاته او عن اليوم الاخر والجنة والنار او عن القصص وعاقبة اهل الايمان وعاقبة اهل الكفر فان كان هذا هو المتشابه الذى لا يعلم معناه الا الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/177)
درء التعارض [جزء 3 - صفحة 95]
وسبب هذا الاضطراب أن لفظ (التأويل) في عرف هؤلاء المتنازعين ليس معناه معنى التأويل في التنزيل بل ولا في عرف المتقدمين من مفسري القرآن فإن أولئك كان لفظ (التأويل) عندهم بمعنى التفسير ومثل هذا التأويل يعلمه من يعلم تفسير القرآن
ولهذا لما كان مجاهد إمام أهل التفسير وكان قد سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن تفسير القرآن كله وفسره له كان يقول: إن الراسخين في العلم يعلمون التأويل أي التفسير المذكور
وهذا هو الذي قصده ابن قتيبة وأمثاله ممن يقولون: إن الراسخين في العلم يعلمون التأويل ومرادهم به التفسير وهم يثبتون الصفات لا يقولون بتأويل الجهمية النفاة التي هي صرف النصوص عن مقتضاها ومدلولها ومعناها
وأما لفظ (التأويل) في التنزيل فمعناه: الحقيقة التي يؤول إليها الخطاب وهي نفس الحقائق التي أخبر الله عنها فتأويل ما أخبر به عن اليوم الآخر هو نفس ما يكون في اليوم الآخر وتأويل ما أخبر به عن نفسه هو نفسه المقدسة الموصوفة بصفاته العلية
وهذا التأويل هو الذي لا يعلمه إلا الله ولهذا كان السلف يقولون: الاستواء معلوم والكيف مجهول فيثبتون العلم بالاستواء وهو التأويل الذي بمعنى التفسير وهو معرفة المراد بالكلام حتى يتدبر ويعقل ويفقه ويقولون: الكيف مجهول وهو التأويل الذي انفرد الله بعلمه وهو الحقيقة التي لا يعلمها إلا هو
وأما التأويل بمعنى: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح كتأويل من تأول: استوى بمعنى استولى ونحوه فهذا عند السلف والأئمة - باطل لا حقيقة له بل هو من باب تحريف الكلم عن مواضعه والإلحاد في أسماء الله وآياته
فلا يقال في مثل هذا التأويل: لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم بل يقال فيه: {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} [يونس: 18]
الصفدية [جزء 1 - صفحة 291]
وأما التأويل بمعنى صرف اللفظ عن مفهومه إلى غير مفهومه فهذا لم يكن هو المراد بلفظ التأويل في كلام السلف اللهم إلا أنه إذا علم أن المتكلم أراد المعنى الذي يقال أنه خلاف الظاهر جعلوه من التأويل الذي هوالتفسير لكونه تفسيرا للكلام وبيانا لمراد المتكلم به أو جعلوه من النوع الآخر الذي هو الحقيقة الثابتة في نفس الأمر التي استأثر الله بعلمها لكونه مندرجا في ذلك لا لكونه مخالفا للظاهر
وكان السلف ينكرون التأويلات التي تخرج الكلام عن مراد الله ورسوله التي هي من نوع تحريف الكلم عن مواضعه فكانوا ينكرون التأويل الباطل الذي هو التفسير الباطل كما ننكر قول من فسر كلام المتكلم بخلاف مراده وقد ينكرون من التأويل الذي هو التفسير ما لا يعلم صحته فننكر الشيء للعلم بأنه باطل أو لعدم العلم بأنه حق ولا ينكرون ترجمة الكلام لمن لا يحسن اللغة وربما أنكروا من ذلك ما لا يفهمه المستمع أو ما تضره معرفته كما ينكرون الصفدية [جزء 1 - صفحة 292]
تحديث الناس بما تعجز عقولهم عن معرفته أو بما تضرهم معرفته كما قال علي عليه السلام حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله وقال عبدالله بن مسعود ما من رجل يحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم
وهذا قد تحمله الباطنية على مذهب النفاة المعطلة التي بينا فسادها والأمر على نقيض ذلك فإن قوله أتحبون أن يكذب الله ورسوله دليل على أن ذلك قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسكت عنه
الرسالة التدمرية [جزء 1 - صفحة 59]
وأما التأويل المذموم والباطل: فهو تأويل أهل التحريف والبدع الذين يتأولونه على تأويله ويدعون صرف اللفظ عن مدلوله الى غير مدلوله بغير دليل يوجب ذلك ويدعون أن في ظاهره من المحذور ما هو نظير المحذور اللازم فيما أثبتوه بالعقل ويصرفونه الى معان هين نظير المعاني التي نفوها عنه فيكون ما نفوه من جنس ما أثبتوه فإن كان الثابت حقا ممكنا كان المنفي مثله وان كان المنفي باطلا ممتنعا كان الثابت مثله
معنى ظاهرها غير مراد
التحفة المدنية [جزء 1 - صفحة 56]
معنى ظاهرها غير مراد
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/178)
واعلم إن كثيرا من المتأخرين يقولون هذا مذهب السلف في آيات الصفات وأحاديثها إقرارها على ما جاءت مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد وهذا لفظ مجمل فإن قول القائل ظاهرها غير مراد يحتمل أنه أراد بالظاهر نعوت المخلوقين وصفات المحدثين فلا شك أن هذا غير مراد ومن قال هذا فقد أصاب لكن أخطأ في إطلاق القول إن هذا ظاهر النصوص فإن هذا ليس هو الظاهر فإن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدسة إذ الصفات تابعة للموصوف فنعقل وجود الباري وننزه ذاته المقدسة عن الأشياء من غير أن نتعقل الماهية فكذلك القول في صفاته نؤمن بها ونعقل وجودها ونعلمها في الجملة من غير أن نتعقلها أو نشبهها أو نكيفها أو نمثلها بصفات خلقه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فلا نقول إن معنى اليد القدرة ولا إن معنى الاستواء الاستيلاء ولا معنى نزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا نزول رحمته ونحو ذلك بل نؤمن بأنها صفات حقيقة والكلام فيها كالكلام في الذات يحتذى فيه حذوه فإذا كانت الذات تثبت إثبات وجود لا إثبات كيفية فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية
ومن ظن أن نصوص الصفات لا يعقل معناها ولا يدرى ما أراد الله
التحفة المدنية [جزء 1 - صفحة 154] [جزء 1 - صفحة 155] [جزء 1 - صفحة 156]
ذكر قول الحافظ أبي بكر الخطيب رحمه الله تعالى
قال أما الكلام في الصفات فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها والكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله فإذا كان إثبات رب العالمين معلوما فإنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف فإذا قلنا يد وسمع وبصر فإنما هو إثبات صفات أثبتها الله لنفسه ولا نقول إن معنى اليد القدرة ولا إن معنى السمع والبصر العلم ولا نقول إنها جوارح وأدوات للفعل ولا تشبه بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح ونقول إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى
ليس كمثله شيء
وقوله
ولم يكن له كفوا أحد انتهى
قال الحافظ الذهبي المراد بظاهرها أي لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له كما قال مالك وغيره الاستواء معلوم وكذلك القول في السمع والبصر والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك هذه الأشياء معلومة فلا يحتاج إلى بيان وتفسير لكن الكيف في جميعها مجهول عندنا
قال والمتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولدة ما علمت أحدا سبقهم إليها قالوا هذه الصفات تمر كما جاءت ولا تؤول مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد فتفرع من هذا أن الظاهر يعني به أمران
أحدهما أنه لا تأويل غير دلالة الخطاب كما قال السلف الاستواء معلوم وكما قال سفيان وغيره قراءتها تفسيرها يعني أنها بينة معروفة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف وهذا هو مذهب السلف مع اتفاقهم أنها لا تشبه صفات البشر بوجه إذ الباري لا مثل له في ذاته ولا في صفاته
الثاني أن ظاهرها هو الذي يتشكل في الخيال من الصفة كما يتشكل في الذهن من وصف البشر فهذا غير مراد فإن الله فرد صمد ليس له نظير وإن تعددت صفاته فإنها حق ولكنها ما لها مثل ولا نظير فمن ذا الذي عاينه ونعته لنا
والله إنا لعاجزون كالون حائرون باهتون في حد الروح التي فينا وكيف نعرج كل ليلة إذا توفاها باريها وكيف يرسلها وكيف تنتقل بعد الموت وكيف حياة الشهيد المرزوق عند ربه بعد قتله وكيف حياة النبيين الآن وكيف شاهد النبي أخاه موسى يصلي في قبره ثم رآه في السماء السادسة وحاوره وأشار عليه بمراجعة رب العالمين وطلب التخفيف منه على أمته وكيف ناظر موسى أباه آدم وحجه آدم بالقدر السابق وبأن اللوم بعد التوبة وقبولها لا فائدة فيه وكذلك نعجز عن وصف هيئاتنا في الجنة ووصف الحور العين فكيف بنا إذا انتقلنا إلى الملائكة وذواتهم وكيفيتها وأن بعضهم يمكنه أن يلتقم الدنيا في لقمة مع رونقهم وحسنهم وصفاء جوهرهم النوراني
فالله أعلى وأعظم وله المثل الأعلى والكمال المطلق ولا مثل له أصلا
ليس كمثله شيء
انتهى كلام الذهبي
العقائد الإسلامية - ابن باديس [جزء 1 - صفحة 59]
ونثبت الاستواء والنزول ونحوهما ونؤمن بحقيقتهما على ما يليق به تعالى بلا كيف وبأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/179)
العلو للعلي الغفار [جزء 1 - صفحة 250] [جزء 1 - صفحة 251] [جزء 1 - صفحة 252]
القاضي أبو يعلى
574 - قال عالم العراق أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء البغدادي الحنبلي في كتاب إبطال التأويل له لا يجوز رد هذه الأخبار ولا التشاغل بتأويلها والواجب حملها على ظاهرها وأنها صفات لله عزوجل لا تشبه بسائر صفات الموصوفين بها من الخلق قال ويدل على إبطال التأويل أن الصحابة ومن بعدهم حملوها على ظاهرها ولم يتعرضوا لتأويلها ولا صرفها عن ظاهرها فلو كان التأويل سائغا لكانوا إليه أسبق لما فيه من إزالة التشبيه
يعني على زعم من قال إن ظاهرها تشبيه قلت المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولدة ما علمت أحدا سبقهم بها
قالوا هذه الصفات تمر كما جاءت ولا تأول مع إعتقاد أن ظاهرها غير مراد فتفرع من هذا أن الظاهر يعني به أمران أحدهما أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب كما قال السلف الإستواء معلوم
وكما قال سفيان وغيره قراءتها تفسيرها
يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف
وهذا هو مذهب السلف مع إتفاقهم أيضا أنها لا تشبه صفات البشر بوجه إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته
الثاني أن ظاهرها هو الذي يتشكل في الخيال من الصفة كما يتشكل في الذهن من وصف البشر فهذا غير مراد
فإن الله تعالى فرد صمد ليس له نظير وإن تعددت صفاته فإنها حق ولكن ما لها مثل ولا نظير فمن ذا الذي عاينه ونعته لنا ومن ذا الذي يستطيع أن ينعت لنا كيف يسمع كلامه والله إنا لعاجزون كالون حائرون باهتون في حد الروح التي فينا وكيف تعرج كل ليلة إذا توفاها بارئها وكيف يرسلها وكيف تستقل بعد الموت وكيف حياة الشهيد المرزوق عند ربه بعد قتله وكيف حياة النبيين الآن وكيف شاهد النبي أخاه موسى يصلي في قبره قائما ثم رآه في السماء السادسة وحاوره وأشار عليه بمراجعة رب العالمين وطلب التخفيف منه على أمته وكيف ناظر موسى أباه آدم وحجه آدم بالقدر السابق وبأن اللوم بعد التوبة وقبولها لا فائدة فيه وكذلك نعجز عن وصف هيأتنا في الجنة ووصف الحور العين فكيف بنا إذا انتقلنا إلى الملائكة وذواتهم وكيفيتها وأن بعضهم يمكنه أن يلتقم الدنيا في لقمة مع رونقهم وحسنهم وصفاء جوهرهم النوراني
فالله أعلى وأعظم وله المثل الأعلى والكمال المطلق ولا مثل له أصلا آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون
575 - وقال القاضي أبو يعلى أيضا بعد أن ذكر حديث الجارية الكلام في هذا الخبر في فصلين أحدهما جواز السؤال عن الله سبحانه بأين هو والثاني جواز الإخبار عنه بأنه في السماء وقد أخبرنا تعالى أنه في السماء فقال أأمنتم من في السماء وهو على العرش وسرد كلاما طويلا لكنه ساق أحاديث ساقطة لا يسوغ أن يثبت بمثلها لله صفة وكان آية في معرفة مذهب الإمام أحمد صنف التصانيف الفائقة وتوفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وكان عالي الإسناد سمع من علي بن عمر الحربي وطائفة وعاش نيفا وثمانين سنة
فتح المجيد [جزء 1 - صفحة 496]
قلت: وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على عظمة الله وعظيم قدرته وعظم مخلوقاته وقد تعرف سبحانه وتعالى إلى عباده بصفاته وعجائب مخلوقاته وكلها تعرف وتدل على كماله وأنه هو المعبود لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وتدل على إثبات الصفات له على ما يليق بجلال الله وعظمته إثباتا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وعليه سلف الأمة وأئمتها ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم على الإسلام والإيمان
وتأمل ما في هذه الأحاديث الصحيحة من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ربه بذكر صفات كماله على ما يليق بعظمته وجلاله وتصديقه اليهود فيما أخبروا به عن الله من الصفات التي تدل على عظمته وتأمل ما فيها من إثبات علو الله تعالى على عرشه ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في شئ منها إن ظاهرها غير مراد وأنها تدل على تشبيه صفات الله بصفات خلقه فلو كان هذا حقا بلغه أمينه أمته فإن الله أكمل به الدين وأتم به النعمة فبلغ البلاغ المبين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين وتلقى الصحابة رضي الله عنهم عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ما وصف به ربه من صفات كماله ونعوت جلاله فآمنوا به وآمنوا بكتاب الله وما تضمنه من صفات ربهم جل وعلا كما قال تعالى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/180)
: ' 3: 7 ' {والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} وكذلك التابعون لهم بإحسان وتابعوهم والأئمة من المحدثين والفقهاء كلهم وصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجحدوا شيئا من الصفات ولا قال أحد منهم: إن ظاهرها غير مراد ولا أنه يلزم من إثباتها التشبيه بل أنكروا على من قال ذلك غاية الإنكار فصنفوا في رد هذه الشبهات المصنفات الكبار المعروفة الموجودة بأيدي أهل السنة والجماعة
تيسير العزيز الحميد [جزء 1 - صفحة 672]
وتأمل ما فيها من إثبات علو الله تعالى على عرشه ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في شيء منها إن ظاهرها غير مراد وإنها تدل على تشبيه صفات الله بصفات خلقه فلو كان هذا حقا بلغه أمينه أمته فإن الله أكمل به الدين وأتم به النعمة فبلغ البلاغ المبين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين وتلقى الصحابة رضي الله عنهم عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ما وصف به ربه من صفات كماله ونعوت جلاله فآمنوا به وآمنوا بكتاب الله وما تضمنه من صفات ربهم جل وعلا كما قال تعالى والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وكذلك التابعون لهم بإحسان وتابعوهم والأئمة من المحدثين والفقهاء كلهم وصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يجحدوا شيئا من الصفات ولا قال أحد منهم إن ظاهرها غير مراد ولا إنه يلزم من إثباتها التشبيه بل أنكروا على من قال ذلك غاية الإنكار فصنفوا في رد هذه الشبهات المصنفات الكبار المعروفة الموجودة بأيدي أهل السنة والجماعة
شرح قصيدة ابن القيم [جزء 2 - صفحة 84]
معنى كلام الناظم ان الحقيقة عند المثبتة مقصودة بالنص والمراد به التبيان وأما عندكم أيها النفاة فهي غير مرادة لأن الحقيقة عندكم لم تدل إلا على التشبيه والتجسيم فكلام الله ورسوله في آيات العلو والصفات وكذا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ليس بحقيقة بل هو مجاز والمجاز هو ما يصح نفيه وحقائق الألفاظ دل العقل بزعمكم على نفيها فاستوى أي تم عندكم نفيان نفي الحقيقة ونفي الدلالة اللفظ عليها واما المثبتة فهم أثبتوا اللفظ والمعنى بغير تشبيه ولا تمثيل فلهم اثباتان فأنتم المعطلة حقا
معارج القبول [جزء 1 - صفحة 367] [جزء 1 - صفحة 368]
فائدة
قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولدة ما علمت أحدا سبقهم بها قالوا هذه الصفات تمر كما جاءت و لا تؤول مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد فتفرع من هذا أن الظاهر يعنى به أمران أحدهما أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب كما قال السلف الصالح الاستواء معلوم وكما قال سفيان و غيره قراءتها تفسيرها يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضايق التأويل و التحريف و هذا هو مبدأ السلف مع اتفاقهم أيضا أنها لا تشبه صفات البشر بوجه إذ الباري لا مثل له لا في ذاته و لا في صفاته الثاني أن ظاهرها هو الذي يتشكل في الخيال من الصفة كما يتشكل في الذهن من وصف البشر فهذا غير مراد فإن الله تعالى فرد صمد ليس له نظير و إن تعددت صفاته فإنها حق و لكن ما لها مثل و لا نظير فمن ذا الذي عاينه و نعته لنا و من ذا الذي يستطيع أن ينعت لنا كيف سمع موسى كلامه و الله إنا لعاجزون كالون حائرون باهتون في حد الروح التي فينا و كيف تعرج كل ليلة إلى بارئها و كيف يرسلها و كيف تستقل بعد الموت و كيف حياة الشهيد المرزوق عند ربه بعد قتله و كيف حياة النبيين الآن و كيف شاهد النبي أخاه موسى يصلي في قبره قائما ثم رآه في السماء السادسة و حاوره و أشار إليه بمراجعة رب العالمين و طلب التخفيف منه على أمته و كيف ناظر موسى أباه آدم و حجه آدم بالقدر السابق و بأن اللوم بعد التوبة و قبولها لا فائدة فيه و كذلك نعجز عن وصف هيئتنا في الجنة ووصف الحور العين فكيف بنا إذا انتقلنا إلى الملائكة و ذواتهم و كيفيتها و أن بعضهم يمكنه أن يلتقم الدنيا في لقمة مع رونقهم و حسنهم و صفاء جوهرهم النوراني فالله أعلى و أعظم و له المثل الأعلى و الكمال المطلق و لا مثل له أصلا آمنا بالله و أشهد بأنا مسلمون آل عمران 25 انتهى كلامه بحروفه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/181)
قلت قوله من ذا الذي عاينه فنعته هذا لا معنى له فإن المؤمنين يرونه تعالى في الجنة عيانا بأبصارهم و لا يستطيع أحد منهم نعته تعالى لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و لا يحيطون به علما و كان حقه أن يقول من ذا الذي أحاط به علما فنعته و قوله الثاني أن ظاهرها الذي يتشكل في الخيال الخ قد قدمنا أن هذا التصور الفاسد هو الذي يعمل جهلة النفاة على ما صنعوا من النفي حين لم يفهموا من ظاهرها إلا ما يقوم بالمخلوق و لم يتدبروا من هو الموصوف فأساءوا الظن بالوحي ثم قاسوا و شبهوا بعد أن فكروا و قدروا ثم نفوا و عطلوا فسحقا لأصحاب السعير
معنى قولهم: على ظاهرها
مجموع الفتاوى [جزء 3 - صفحة 167]
وذكرت فى ضمن ذلك كلام الخطابى الذى نقل أنه مذهب السلف وهو إجراء آيات الصفات وأحاديث الصفات على ظاهرها مع نفى الكيفية والتشبيه عنها اذ الكلام فى الصفات فرع علىالكلام فى الذات يحتذى فيه حذوة ويتبع فيه مثاله فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا اثبات تكييف فكذلك اثبات الصفات اثبات وجود لا اثبات تكييف
مجموع الفتاوى [جزء 4 - صفحة 6] [جزء 4 - صفحة 7]
فمذهب السلف رضوان الله عليهم إثبات الصفات وإجراؤها على ظاهرها ونفى الكيفية عنها لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات وإثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية فكذلك إثبات الصفات وعلى هذا مضى السلف كلهم ولو ذهبنا نذكر ما اطلعنا عليه من كلام السلف في ذلك لخرجنا عن المقصود في هذا الجواب
مجموع الفتاوى [جزء 4 - صفحة 68]
ثم هؤلاء قد يقولون تجري النصوص على ظاهرها وتأويلها لا يعلمه إلا الله ويريدون بالتأويل ما يخالف الظاهر وهذا تناقض منهم وطائفة يريدون بالظاهر ألفاظ النصوص فقط والطائفتان غالطتان في فهم الآية
وذلك أن لفظ التأويل قد صار بسبب تعدد الاصطلاحات له ثلاث معان
مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 35]
ثم كثير من هؤلاء يقولون تجرى على ظاهرها فظاهرها مراد مع قولهم ان لها تأويلا بهذا المعنى لا يعلمه الا الله وهذا تناقض وقع فيه كثير من هؤلاء المنتسبين الى السنة من اصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم
مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 89]
وقال القاضى أبو يعلى فى كتاب ابطال التأويل لا يجوز رد هذه الاخبار ولا التشاغل بتأويلها والواجب حملها على ظاهرها وانها صفات الله لا تشبه صفات سائر الموصوفين بها من الخلق ولا يعتقد التشبيه فيها لكن على ما روى عن الامام أحمد وسائر الأئمة
وذكر بعض كلام الزهرى ومكحول ومالك والثورى والاوزاعى والليث وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وسفيان بن عيينة والفضيل بن عياض ووكيع وعبدالرحمن بن مهدى والأسود بن سالم واسحاق بن راهوية وأبى عبيد ومحمد بن جرير الطبرى وغيرهم فى هذا الباب وفى حكاية ألفاظهم طول
الى أن قال مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 90]
ويدل على ابطال التأويل أن الصحابة ومن بعدهم من التابعين حملوها على ظاهرها ولم يتعرضوا لتأويلها ولا صرفوها عن ظاهرها فلو كان التأويل سائغا لكانوا أسبق اليه لما فيه من ازالة التشبيه ورفع الشبهة
مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 113]
وجماع الأمر أن الاقسام الممكنة فى آيات الصفات وأحاديثها ستة أقسام كل قسم عليه طائفة من اهل القبلة
قسمان يقولان تجرى على ظواهرها و
قسمان يقولان هى على خلاف ظاهرها
و قسمان يسكتون
أما الأولون فقسمان
أحدهما من يجريها على ظاهرها ويجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين فهؤلاء المشبهة ومذهبهم باطل أنكره السلف واليهم يتوجه الرد بالحق
الثانى من يجريها على ظاهرها اللائق بجلال الله كما يجرى ظاهر اسم العليم والقدير والرب والاله والموجود والذات ونحو ذلك على ظاهرها اللائق بجلال الله فان ظواهر هذه الصفات فى حق المخلوق اما جوهر محدث واما عرض قائم به
فالعلم والقدرة والكلام والمشيئة والرحمة والرضا والغضب ونحو ذلك فى حق العبد اعراض والوجه واليد والعين فى حقه أجسام فاذا كان مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 114]
الله موصوفا عند عامة أهل الاثبات بأن له علما وقدرة وكلاما ومشيئة وان لم يكن ذلك عرضا يجوز عليه ما يجوز على صفات المخلوقين جاز أن يكون وجه الله ويداه صفات ليس أجساما يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوقين
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/182)
وهذا هو المذهب الذى حكاه الخطابى وغيره عن السلف وعليه يدل كلام جمهورهم وكلام الباقين لا يخالفه وهو أمر واضح فان الصفات كالذات فكما أن ذات الله ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس المخلوقات فصفاته ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس صفات المخلوقات
فمن قال لا أعقل علما ويدا الا من جنس العلم واليد المعهودين قيل له فكيف تعقل ذاتا من غير جنس ذوات المخلوقين ومن المعلوم أن صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته فمن لم يفهم من صفات الرب الذى ليس كمثله شىء الا ما يناسب المخلوق فقد ضل فى عقله ودينه
وما أحسن ما قال بعضهم اذ قال لك الجهمى كيف استوى أو كيف ينزل الى سماء الدنيا أو كيف يداه ونحو ذلك فقل له كيف هو فى ذاته فاذا قال لك لا يعلم ما هو الا هو وكنه البارى تعالى غير معلوم للبشر فقل له فالعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف فكيف يمكن أن تعلم كيفية صفة لموصوف مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 115]
لم تعلم كيفيته وانما تعلم الذات والصفات من حيث الجملة على الوجه الذى ينبغى لك
بل هذه المخلوقات فى الجنة قد ثبت عن ابن عباس أنه قال ليس فى الدنيا مما فى الجنة الا الأسماء وقد أخبر الله تعالى أنه لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين وأخبر النبى أن فى الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فاذا كان نعيم الجنة وهو خلق من خلق الله كذلك فما ظنك بالخالق سبحانه وتعالى
وهذه الروح التى فى بنى آدم قد علم العاقل اضطراب الناس فيها وامساك النصوص عن بيان كيفيتها افلا يعتبر العاقل بها عن الكلام فى كيفية الله تعالى مع أنا نقطع بأن الروح فى البدن وأنها تخرج منه وتعرج الى السماء وانها تسل منه وقت النزع كما نطقت بذلك النصوص الصحيحة لا نغالى فى تجريدها غلو المتفلسفة ومن وافقهم حيث نفوا عنها الصعود والنزول والاتصال بالبدن والانفصال عنه وتخبطوا فيها حيث رأوها من غير جنس البدن وصفاته فعدم مماثلتها للبدن لا ينفى أن تكون هذه الصفات ثابتة لها بحسبها الا أن يفسروا كلامهم بما يوافق النصوص فيكونون قد أخطئوا فى اللفظ وانى لهم بذلك
ولا نقول انها مجرد جزء من أجزاء البدن كالدم والبخار مثلا أو صفة من صفات البدن والحياة وانها مختلفة الاجساد ومساوية لسائر الاجساد فى الحد والحقيقة كما يقول طوائف من اهل الكلام بل نتيقن أن الروح عين موجودة غير البدن وانها ليست مماثلة له وهى موصوفة بما نطقت به النصوص حقيقة لا مجازا فاذا كان مذهبنا فى حقيقة الروح وصفاتها بين المعطلة والممثلة فكيف الظن بصفات رب العالمين
وأما القسمان اللذان ينفيان ظاهرها أعنى الذين يقولون ليس لها فى الباطن مدلول هو صفة الله تعالى قط وان الله لا صفة له ثبوتية بل صفاته اما سلبية واما اضافية واما مركبة منهما أو يثبتون بعض الصفات وهى الصفات السبعة أو الثمانية أو الخمسة عشر أو يثبتون الأحوال دون الصفات ويقرون من الصفات الخبرية بما فى القرآن دون الحديث على ما قد عرف من مذاهب المتكلمين فهؤلاء قسمان
قسم يتأولونها ويعينون المراد مثل قولهم استوى بمعنى استولى أو بمعنى علو المكانة والقدر أو بمعنى ظهور نوره للعرش أو بمعنى انتهاء الخلق اليه الى غير ذلك من معانى المتكلمين
وقسم يقولون الله أعلم بما أراد بها لكنا نعلم أنه لم يرد اثبات صفة خارجية عما علمناه
وأما القسمان الواقفان مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 117]
فقوم يقولون يجوز أن يكون ظاهرها المراد اللائق بجلال الله ويجوز أن لا يكون المراد صفة الله ونحو ذلك وهذه طريقة كثير من الفقهاء وغيرهم
وقوم يمسكون عن هذا كله ولا يزيدون على تلاوة القرآن وقراءة الحديث معرضين بقلوبهم والسنتهم عن هذه التقديرات فهذه الأقسام الستة لا يمكن أن يخرج الرجل عن قسم منها
والصواب فى كثير من آيات الصفات وأحاديثها القطع بالطريقة الثابتة كالآيات والأحاديث الدالة على أن الله سبحانه وتعالى فوق عرشه ويعلم طريقة الصواب فى هذا وأمثاله بدلالة الكتاب والسنة والاجماع على ذلك دلالة لا تحتمل النقيض وفى بعضها قد يغلب على الظن ذلك مع احتمال النقيض وتردد المؤمن فى ذلك هو بحسب ما يؤتاه من العلم والايمان ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/183)
ومن اشتبه عليه ذلك او غيره فليدع بما رواه مسلم فى صحيحه عن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله اذا قام يصلى من الليل قال اللهم رب جبرائيل وميكائيل واسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون أهدنى لما اختلف فيه من الحق باذنك انك تهدى من تشاء الى صراط مستقيم وفى رواية لأبى داود أنه كان يكبر فى صلاته ثم يقول ذلك مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 118]
فاذا افتقر العبد الى الله ودعاه وأدمن النظر فى كلام الله وكلام رسوله وكلام الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين انفتح له طريق الهدى
ثم ان كان قد خبر نهايات اقدام المتفلسفة والمتكلمين فى هذا الباب وعرف ان غالب ما يزعمونه برهانا هو شبهة ورأى ان غالب ما يعتمدونه يؤول الى دعوى لا حقيقة لها أو شبهة مركبة من قياس فاسد أو قضية كلية لا تصح الا جزئية أو دعوى اجماع لا حقيقة له أو التمسك فى المذهب والدليل بالألفاظ المشتركة
ثم ان ذلك اذا ركب بألفاظ كثيرة طويلة غريبة عمن لم يعرف اصطلاحهم أو همت الغر ما يوهمه السراب للعطشان ازداد ايمانا وعلما بما جاء به الكتاب والسنة فان الضد يظهر حسنه الضد وكل من كان بالباطل أعلم كان للحق أشد تعظيما وبقدره اعرف اذا هدى اليه
فأما المتوسطون من المتكلمين فيخاف عليهم ما لا يخاف على من لم يدخل فيه وعلى من قد أنهاه نهايته فان من لم يدخل فيه فهو فى عافية ومن أنهاه فقد عرف الغاية فما بقى يخاف من شىء آخر فاذا ظهر له الحق وهو عطشان اليه قبله وأما المتوسط فيتوهم بما يتلقاه من المقالات المأخوذة تقليدا لمعظمة هؤلاء
وقد قال بعض الناس أكثر ما يفسد الدنيا نصف متكلم ونصف مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 119]
متفقه ونصف متطبب ونصف نحوى هذا يفسد الأديان وهذا يفسد البلدان وهذا يفسد الأبدان وهذا يفسد اللسان
ومن علم أن المتكلمين من المتفلسفة وغيرهم فى الغالب فى قول مختلف يؤفك عنه من أفك يعلم الذكى منهم والعاقل أنه ليس هو فيما يقوله على بصيرة وان حجته ليست ببينة وانما هى كما قيل فيها
... حجج تهافت كالزجاج تخالها ... حقا وكل كاسر مكسور ...
ويعلم العليم البصير بهم أنهم من وجه مستحقون ما قاله الشافعى رضى الله عنه حيث قال حكمى فى أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم فى القبائل والعشائر ويقال هذا جزاء من اعرض عن الكتاب والسنة وأقبل على الكلام
ومن وجه آخر اذا نظرت اليهم بعين القدر والحيرة مستولية عليهم والشيطان مستحوذ عليهم رحمتهم وترفقت بهم اوتوا ذكاء وما اوتوا ذكاءا وأعطوا فهوما وما أعطوا علوما وأعطوا سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شىء اذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون
ومن كان عليما بهذه الأمور تبين له بذلك حذق السلف وعلمهم وخبرتهم حيث حذروا عن الكلام ونهوا عنه وذموا أهله وعابوهم وعلم أن من ابتغى الهدى فى غير الكتاب والسنة لم يزدد من الله الا بعدا فنسأل الله العظيم ان يهدينا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين
والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على محمد خاتم النبيين وآله وصحبه أجمعين
مجموع الفتاوى [جزء 6 - صفحة 355]
وقد أطلق غير واحد ممن حكى اجماع السلف منهم الخطابى مذهب السلف أنها تجرى على ظاهرها مع نفى الكيفية والتشبيه عنها
مجموع الفتاوى [جزء 12 - صفحة 574]
وأما ما ذكره من آيات الصفات وأحاديثها فمذهب سلف الأمة من الصحابة والتابعين وسائر الائمة المتبوعين الاقرار والامرار قال ابو سليمان الخطابى وابو بكر الخطيب مذهب السلف فى آيات الصفات وأحاديث الصفات اجراؤها على ظاهرها مع نفى الكيفية والنشبيه عنها وقالا فى ذلك ان الكلام فى الصفات فرع على الكلام فى الذات يحتذى فيه حذوه ويتبع فيه مثاله فاذا كان اثبات ذاته اثبات وجود لا اثبات كيفية فكذلك اثبات صفاته اثبات وجود لا اثبات كيفية فلا نقول ان معنى اليد القدرة ولا ان معنى السمع العلم هذا كلامها
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/184)
فقد أخبرك الخطابى والخطيب وهما إمامان من أصحاب الشافعى متفق على علمهما بالنقل وعلم الخطابى بالمعانى أن مذهب السلف اجراءها على ظاهرها مع نفى الكيفية والتشبيه عنها والله يعلم أنى قد بالغت فى البحث عن مذاهب السلف فما علمت أحدا منهم خالف ذلك
بيان تلبيس الجهمية [جزء 1 - صفحة 56]
قال القاضي أبو يعلى لا يجوز رد هذه الأخبار ولا التشاغل بتأويلها والواجب حملها على ظاهرها وأنها صفات لله لا تشبه سائر الموصوفين بها من الخلق ولا يعتقد التشبيه فيها لكن على ما روي عن الإمام أحمد وسائر الأئمة وذكر كلام الزهري ومكحول ومالك والثوري ووكيع والأوزاعي والليث وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن عيينة والفضيل ابن عياض وعبدالرحمن بن مهدي وأسود بن سالم وإسحاق ابن راهويه وأبي عبيد وقال في كلامه يدل على إبطال التأويل أن الصحابة ومن بعدهم من التابعين حملوها على ظاهرها ولم يتعرضوا لتأويلها ولا صرفها عن ظاهرها ولو كان التأويل سائغا لكانوا إليه أسبق لما فيه من إزالة التشبيه ورفع الشبهة
معنى قول أحمد بلا كيف ولا معنى
درء التعارض [جزء 1 - صفحة 254]
قال: وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى [إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا] و [إن الله يرى] و [إن الله يضع قدمه] وما أشبه هذه الأحاديث فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى - أي لا نكيفها ولا نحرفها بالتأويل
بيان تلبيس الجهمية [جزء 1 - صفحة 431] جزء 1 - صفحة 459]
قال الخلال وأخبرني علي بن عيسى أن حنبل حدثهم قال سألت أبا عبدالله عن الأحاديث التي تروى أن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا وأن الله تعالى يرى وأن الله تعالى يضع قدمه وما أشبه هذه الأحاديث فقال أبو عبدالله نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ولا نرد منها شيئا ونعلم أن ما جاءت به الرسل حق ونعلم أن ما ثبت به الرسول حق إذا كانت بأسانيد صحيحة ولا نرد على قوله ولا نصف الله تبارك وتعالى بأعظم مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية وقال حنبل في مواضع أخر ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف به نفسه قد أجمل تبارك وتعالى بالصفة لنفسه فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء فيعبد الله تعالى بصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف نفسه قال تعالى وهو السميع البصير وقال حنبل في مواضع أخر قال فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير ولا يبلغ الواصفون وصفاته منه وله ولا نتعدى القرآن والحديث فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه تعالى ولا نتعدى ذلك ولا تبلغه صفة الواصفين نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت ووصف وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة ووضع كنفه عليه هذا كله يدل على أن الله تعالى يرى في الآخرة والتحديد في هذا بدعة والتسليم لله بأمره بغير صفة ولا حد إلا ما وصف به نفسه سميع بصير لم يزل متكلما حيا عالما غفورا عالم الغيب والشهادة علام الغيوب فهذه صفاته وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد وهو على العرش بلا حد كما قال ثم استوى على العرش كيف شاء المشيئة إليه عز وجل والاستطاعة له ليس كمثله شئ وهو خالق كل شئ وهو كما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير قول إبراهيم لأبيه لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا فثبت أن الله سميع بصير صفاته منه لا نتعدى القرآن والحديث والخبر يضحك الله ولا يعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت القرآن لا يصفه الواصفون ولا يحده أحد تعالى الله عما يقول الجهمية والمشبهة
وقال أبو عبد الله قال لي إسحاق بن إبراهيم لما قرأ الكتاب بالمحنة تقول ليس كمثله شئ فقلت له ليس كمثله شئ وهو السميع البصير قال ما أردت بها قلت القرآن وصفه من صفات الله وصف بها نفسه لا ننكر ذلك ولا نرده قلت له المشبهة ما يقولون قال من قال بصر كبصري ويد كيدي وقال حنبل في موضع آخر وقد تقدم فقد شبه الله تعالى بخلقه وهذا يحده وهذا كلام سوء وهذا محدود الكلام في هذا لا أحبه قال أبو عبد الله جردوا القرآن وقال النبى صلى الله عليه وسلم يضع قدمه نؤمن به ولا نحده ولا نرده على رسول الله بل نؤمن به قال الله تعالى وما آتكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فقد أمرنا الله عز وجل بالأخذ بما
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/185)
جاء به والنهي عما نهى وأسماؤه وصفاته منه غير مخلوقة ونعوذ بالله من الزلل والارتياب والشك إنه على كل شئ قدير وقال الخلال وزادني أبو القاسم عن حنبل في هذا الكلام وقال تبارك وتعالى لا إله إلا هو الحي القيوم لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر هذه صفات الله عز وجل وأسماؤه تبارك وتعالى
فهذا الكلام من الإمام أبى عبد الله أحمد رحمه الله يبين أنه نفى أن العباد يحدون الله تعالى أو صفاته بحد أو يقدرون ذلك بقدر أو أن يبلغوا إلى أن يصفوا ذلك وذلك لا ينافي ما تقدم من إثبات أنه في نفسه له حد يعلمه هو لا يعلمه غيره أو أنه هو يصف نفسه وهكذا كلام سائر أئمة السلف يثبتون الحقائق وينفون علم العباد بكنهها كما ذكر من كلامهم في غير هذا الموضع ما يبين ذلك
وأصحاب الإمام أحمد منهم من ظن أن هذين الكلامين يتناقضان فحكى عنه في إثبات الحد لله تعالى روايتين وهذه طريقة الروايتين والوجهين ومنهم من نفى الحد عن ذاته تعالى ونفى علم العباد به كما ظنه موجب ما نقله حنبل وتأول ما نقله المروذي والأثرم وأبو داود وغيرهم من إثبات الحد له على أن المراد إثبات حد للعرش ومنهم من قرر الأمر كما يدل عليه الكلامان أو تأول نفى الحد بمعنى آخر والنفي هو طريقة القاضي أبى يعلى أولا في المعتمد وغيره فإنه كان ينفي الحد والجهة وهو قوله الأول قال
فصل
وقد وصف الله تعالى نفسه بالاستواء على العرش والواجب إطلاق هذه الصفة من غير تفسير ولا تأويل وأنه استواء الذات على العرش لا على معنى العلو والرفعة ولا على معنى الاستيلاء والعلم وقد قال أحمد في رواية حنبل نحن نؤمن أن الله تعالى على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد قال فقد أطلق القول في ذلك من غير كيفية الاستواء وقد علق القول في موضع آخر فقال في رواية المروذي يروى عن ابن المبارك أنه قيل له كيف نعرف الله تعالى قال على العرش بحد قال قد بلغني ذلك وأعجبه قال القاضي وهذا محمول على أن الحد راجع إلى العرش لا إلى الذات ولا إلى الاستواء وقصد أن يبين أن العرش مع عظمته محدود
قلت وهذا الذي قاله القاضي في الاستواء هنا هو الذي يقوله أئمة الأشعرية المتقدمين وهو قريب من قول أبي محمد ابن كلاب وأبي العباس القلانسي وغيرهم من أهل الحديث والفقه ولهذا قال خلافا لمن قال من المعتزلة معناه الاستيلاء والغلبة وخلافا لمن قال من الأشعرية معناه العلو من طريق الرتبة والمنزلة والعظمة والقدرة وهذا قول بعض الأشعرية لا أئمتهم المتقدمون قال وخلافا للكرامية والمجسمة معناه المماسة للعرش بالجلوس عليه ثم أنه قال في الحجة والذي بين صحة ما ذكرنا أنه مقالة السلف من أهل اللغة وغيرهم فذكر ابن قتيبة في كتاب مختلف الحديث الرحمن على العرش استوى استقر كما قال الله تعالى فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك أي استقررت وذكر ابن بطة عن ابن الإعرابي قال أرادني ابن أبي داود أن أطلب في بعض لغات العرب ومعانيها الرحمن على العرش استولى فقلت والله ما يكون هذا ولا أصبته وقال يزيد بن هارون من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي وعن عبد الوهاب قال الرحمن على العرش استوى قال قعد وعن ابن المبارك قال الله على العرش بحد
والقاضي في هذا الكتاب ينفي الجهة عن الله كما قد صرح بذلك في غير موضع كما ينفي أيضا هو وأتباعه كأبي الحسن ابن الزاغونى وغيره التحيز والجسم والتركيب والتأليف والتبعيض ونحو ذلك ثم رجع عن نفي الجهة والحد وقال بإثبات ذلك كما ذكر قوليه جميعا فقال في كتاب إبطال التأويلات لأخبار الصفات لما تكلم على حديث الأوعال فإذا ثبت أنه تعالى على العرش فالعرش في جهة وهو على عرشه وقد منعنا في كتابنا هذا في غير موضع إطلاق الجهة عليه والصواب جواز القول بذلك لأن أحمد قد اثبت هذه الصفة التي هي الاستواء على العرش وأثبت أنه في السماء وكل من أثبت هذا اثبت الجهة وهم أصحاب ابن كرام وابن مندة الأصبهاني المحدث والدلالة عليه أن العرش في جهة بلا خلاف وقد ثبت بنص القرآن أنه مستو على العرش فاقتضى أنه في جهة ولأن كل عاقل من مسلم وكافر إذا دعا الله تعالى فإما يرفع يديه ووجهه إلى نحو السماء وفي هذا كفاية ولأن من نفى الجهة من المعتزلة والأشعرية
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/186)
يقولون ليس هو في جهة ولا خارجا منها وقائل هذا بمثابة من قال بإثبات موجود مع وجود بيان
غيره ولا يكون وجود أحدهما قبل وجود الآخر ولا معه ولا بعده ولأن العوام لا يفرقون بين قول القائل طلبته فلم أجده في موضع ما وبين قوله طلبته فإذا هو معدوم قال وقد احتج ابن منده على إثبات الجهة بأنه لما نطق القرآن بأن الله تعالى على العرش وأنه في السماء وجاءت السنة بمثل ذلك وبأن الجنة مسكنه وأنه في ذلك وهذه الأشياء أمكنة في أنفسها فدل على أنه في مكان
قلت وهذا الكلام من القاضي وابن منده ونحوهما يقتضي أن الجهة أمر وجودي ولهذا حكوا عن النفاة أنه ليس في جهة ولا خارجا منها وأنها غيره وفي كلامه الذي سيأتي ما يقتضي أن الجهة والحد هي من الله تعالى وهو ما حاذى لذات العرش فهو الموصوف بأنه جهة وحد ثم ذكر أن ذلك من صفات الذات
ثم قال وإذا ثبت استواؤه وأنه في جهة وأن ذلك من صفات الذات فهل يجوز إطلاق الحد عليه قد أطلق أحمد القول بذلك في رواية المروذي وقد ذكر له قول ابن المبارك نعرف الله على العرش بحد فقال أحمد بلغني ذلك وأعجبه وقال الأثرم قلت لأحمد يحكى عن ابن المبارك نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه بحد فقال أحمد هكذا هو عندنا قال ورأيت بخط أبي إسحاق حدثنا أبو بكر أحمد بن نصر الرفاء قال سمعت أبا بكر بن أبي داود قال سمعت أبي يقول جاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال لله تبارك وتعالى حد قال نعم لا يعلمه إلا هو قال الله تعالى وترى الملائكة حافين من حول العرش يقول محدقين قال فقد أطلق أحمد القول بإثبات الحد لله تعالى وقد نفاه في رواية حنبل فقال نحن نؤمن بان الله تعالى على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد فقد نفى الحد عنه على الصفة المذكورة وهو الحد الذي يعلمه خلقه والموضع الذي أطلقه محمول على معنيين أحدهما على معنى انه تعالى في جهة مخصوصة وليس هو ذاهبا في الجهات الستة بل هو خارج العالم متميز عن خلقه منفصل عنهم غير داخل في كل الجهات وهذا معنى قول أحمد حد لا يعلمه إلا هو والثاني أنه على صفة يبين بها من غيره ويتميز ولهذا يسمى البواب حدادا لأنه يمنع غيره من الدخول فهو تعالى فرد واحد ممتنع عن الاشتراك له في أخص صفاته
قال وقد منعنا من إطلاق القول بالحد في غير موضع من كتابنا ويجب أن يجوز على الوجه الذي ذكرنا
ثم قال ويجب أن يحمل اختلاف كلام أحمد في إثبات الحد على اختلاف حالتين فالموضع الذي قال إنه على العرش بحد معناه أنما حاذى العرش من ذاته هو حد له وجهة له والموضع الذي قال هو على العرش بغير حد معناه ما عدى الجهة المحاذية للعرش وهي الفوق والخلف والأمام واليمنة واليسرة وكان الفرق بين جهة التحت المحاذية للعرش وبين غيرها ما ذكرنا أن جهة التحت تحاذي العرش بما قد ثبت من الدليل والعرش محدود فجاز أن يوصف ما حاذاه من الذات أنه حد وجهة وليس كذلك فيما عداه لأنه لا يحاذي ما هو محدود بل هو مار في اليمنة واليسرة والفوق والأمام والخلف إلى غير غاية فلذلك لم يوصف واحد من ذلك بالحد والجهة وجهة العرش تحاذي ما قابله من جهة الذات ولم تحاذ جميع الذات لأنه لا نهاية لها
قلت هذا الذي جمع به بين كلامي أحمد وأثبت الحد والجهة من ناحية العرش والتحت دون الجهات الخمس يخالف ما فسر به كلام أحمد أولا من التفسير المطابق لصريح الفاظه حيث قال فقد نفى الحد عنه على الصفة المذكورة وهو الذي يعلمه خلقه والموضع الذي أطلقه محمول على معنيين أحدهما يقال على جهة مخصوصة وليس هو ذاهبا في الجهات بل هو خارج العالم متميز عن خلقه منفصل عنهم غير داخل في كل الجهات وهذا معنى قول أحمد حد لا يعلمه إلا هو والثاني أنه على صفة يبين بها عن غيره ويتميز فهو تعالى فرد واحد ممتنع عن الاشتراك له في أخص صفاته قال منعنا من إطلاق القول بالحد في غير موضع من كتابنا ويجب أن يجوز على الوجه الذي ذكرناه فهذا القول الوسط من أقوال القاضي الثلاثة هو المطابق لكلام أحمد وغيره من الأئمة وقد قال إنه تعالى في جهة مخصوصة وليس هو ذاهبا في الجهات بل هو خارج العالم متميز عن خلقه منفصل عنهم غير داخل في كل الجهات وهذا معنى قول أحمد حد لا يعلمه إلا هو ولو كان مراد أحمد رحمه الله الحد من جهة العرش فقط لكان ذلك معلوما لعباده فانهم قد عرفوا أن حده
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/187)
من هذه الجهة هو العرش فعلم أن الحد الذي لا يعلمونه مطلق لا يختص بجهة العرش
وروى شيخ الإسلام في ذم الكلام ما ذكره حرب بن إسماعيل الكرماني في مسائلة قال قلت لإسحاق بن إبراهيم وهو الإمام المشهور المعروف بابن راهويه ما تقول في قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة الآية قال حيث ما كنت هو أقرب إليك من حبل الوريد وهو بائن من خلقه قلت لإسحاق على العرش بحد قال نعم بحد وذكره عن ابن المبارك قال هو على عرشه بائن من خلقه بحد وقال حرب أيضا قال إسحاق بن إبراهيم لا يجوز الخوض في أمر الله تعالى كما يجوز الخوض في فعل المخلوقين لقول الله تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ولا يجوز لأحد أن يتوهم على الله بصفاته وأفعاله يعني كما نتوهم فيهم وإنما يجوز التفكر والنظر في أمر المخلوقين وذكر أنه يمكن أن يكون الله عز وجل موصوفا بالنزول كل ليلة إذا مضى ثلثاها إلى سماء الدنيا كما يشاء ولا يسأل كيف نزوله لأن الخالق يصنع ما شاء كما شاء
وروى شيخ الإسلام عن محمد بن إسحاق الثقفي سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال دخلت يوما على طاهر بن عبد الله وأظنه عبد الله بن طاهر وعنده منصور بن طلحة فقال لي منصور يا أبا يعقوب تقول إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة قلت ونؤمن به إذا أنت لا تؤمن إن لك ربا في السماء فلا تسألني عن هذا فقال ابن طاهر ألم أنهك عن هذا الشيخ وروى عن محمد بن حاتم سمعت إسحاق بن راهويه يقول قال لي عبد الله بن طاهر يا أبا يعقوب هذه الأحاديث التي تروونها وقال في النزول ما هي قال قلت أيها الأمير هذه الأحاديث جاءت مجئ الأحكام الحلال والحرام ونقلها العلماء ولا يجوز أن ترد هي كما جاءت بلا كيف فقال عبد الله بن طاهر صدقت ما كنت اعرف وجوهها حتى الآن وفي رواية قال رواها من روى الطهارة والغسل والصلاة والأحكام وذكر أشياء فإن يكونوا مع هذه عدولا وإلا فقد ارتفعت الأحكام وبطل الشرع فقال شفاك الله كما شفيتني أو كما قال وروى أيضا شيخ الإسلام ما ذكره أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية حدثنا علي بن الحسن السلمي سمعت أبي يقول حبس هشام بن عبيد الله وهو الرازي صاحب محمد بن الحسن الشيباني رجلا في التجهم فتاب فجئ به إلى هشام ليمتحنه فقال الحمد لله على التوبة أتشهد أن الله تعالى على عرشه بائن من خلقه فقال أشهد أن الله على عرشه ولا أدري ما بائن من خلقه فقال ردوه إلى الحبس فإنه لم يتب
قال شيخ الإسلام شرحت مسألة حد البينونة في كتاب الفاروق باب أغنى عن تكريره هاهنا
قال شيخ الإسلام وسألت يحيى بن عمار عن أبي حاتم ابن حبان البستي قلت رأيته قال كيف لم أره ونحن أخرجناه من سجستان كان له علم كثير ولم يكن كبير دين قدم علينا فأنكر الحد لله فأخرجناه من سجستان
قلت وقد أنكره طائفة من أهل الفقه والحديث ممن يسلك في الإثبات مسلك ابن كلاب والقلانسي وأبي الحسن ونحوهم في هذه المعاني ولا يكاد
يتجاوز ما أثبته أمثال هؤلاء مع ماله من معرفة بالفقه والحديث كأبي حاتم هذا وأبي سليمان الخطابي وغيرهما ولهذا يوجد للخطابي وأمثاله من الكلام ما يظن أنه متناقض حيث يتأول تارة ويتركه أخرى وليس بمتناقض فإن أصله إن الصفات التي في القرآن والأخبار الموافقة له أو ما في الاخبار المتواترة دون ما في الأخبار المحضة أو دون ما في غير المتواترة وهذه طريقة ابن عقيل ونحوه وهي إحدى طريقي أئمة الأشعرية كالقاضي أبي بكر ابن الباقلاني وهم مع هذا يثبتونها صفات معنوية
قال الخطابي في الرسالة الناصحة له ومما يجب أن يعلم في هذا الباب ويحكم القول فيه أنه لا يجوز أن يعتمد في الصفات إلا الأحاديث المشهورة إذ قد ثبت صحة أسانيدها وعدالة ناقليها فإن قوما من أهل الحديث قد تعلقوا منها بألفاظ لا تصح من طريق السند وإنما هي من رواية المفاريد والشواذ فجعلوها أصلا في الصفات وأدخلوها في جملتها كحديث الشفاعة وما روي فيه من قوله صلى الله عليه وسلم فأعود إلى ربي فأجده بمكانه أو في مكانه فزعموا على هذا المعنى أن الله تعالى مكانا تعالى الله عن ذلك وإنما هذه لفظة تغرد بها من هذه القصة شريك بن عبد الله ابن أبي نمر وخالفه أصحابه فيها ولم يتابعوه عليها وسبيل مثل هذه الزيادة أن ترد ولا تقبل لاستحالتها ولأن مخالفة أصحاب الراوي له روايته كاختلاف البينة وإذا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/188)
تعارضت البينتان سقطتا معا وقد تحتمل هذه اللفظة لو كانت صحيحة أن يكون معناها أن يجد ربه عز وجل بمكانه الأول من الإجابة في الشفاعة والإسعاف بالمسألة إذ كان مرويا في الخبر أنه يعود مرارا فيسأل ربه تعالى في المذنبين من أمته كل ذلك يشفعه فيهم ويشفعه في مسألتهم
قال ومن هذا الباب أن قوما منهم زعموا أن لله حدا وكان أعلا ما احتجوا به في ذلك حكاية عن ابن المبارك قال علي بن الحسن بن شقيق قلت لابن المبارك نعرف ربنا بحد أو نثبته بحد فقال نعم بحد فجعلوه أصلا في هذا الباب وزادوا الحد في صفاته تعالى الله عن ذلك سبيل هؤلاء القوم عفانا الله وإياهم أن يعلموا أن صفات الله تعالى لا تؤخذ إلا من كتاب أو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دون قول أحد من الناس كائنا من كان علت درجته أو نزلت تقدم زمانه أو تأخر لأنها لا تدرك من طريق القياس والاجتهاد فيكون فيها لقائل مقال ولناظر مجال على أن هذه الحكاية قد رويت لنا أنه قيل له أنعرف ربنا بجد قال نعم بجد بالجيم لا بالحاء وزعم بعضهم أنه جائز أن يقال له تعالى حد لا كالحدود كما نقول يد لا كالأيدي فيقال له إنما أحوجنا إلى أن نقول يد لا كالأيدي لأن اليد قد جاء ذكرها في القرآن وفي السنة فلزم قبولها ولم يجز ردها فأين ذكر الحد في الكتاب والسنة حتى نقول حد لا كالحدود كما نقول يد لا كالأيدي أرأيت إن قال جاهل رأس لا كالرؤوس قياسا على قولنا يد لا كالأيدي هل يكون الحجة عليه إلا نظير ما ذكرناه في الحد من أنه لما جاء ذكر اليد وجب القول به ولما يجئ ذكر الرأس لم يجز القول به
قلت أهل الإثبات المنازعون للخطابي وذويه يجيبون عن هذا بوجوه
أحدها أن هذا الكلام الذي ذكرناه إنما يتوجه لو قالوا إن له صفة هي الحد كما توهمه هذا الراد عليهم وهذا لم يقله أحد ولا يقوله عاقل فإن هذا الكلام لا حقيقة له إذ ليس في الصفات التي يوصف بها شئ من الموصوفات كما وصف باليد والعلم صفة معينة يقال لها الحد وإنما الحد ما يتميز به الشئ
عن غيره من صفته وقدره كما هو المعروف في لفظ الحد في الموجودات فيقال حد الإنسان وحد كذا وهي من الصفات المميزة له ويقال حد الدار والبستان وهي جهاته وجوانبه المميزة له ولفظ الحد في هذا أشهر في اللغة والعرف العام ونحو ذلك و لما كان الجهمية يقولون ما مضمونه إن الخالق لا يتميز عن الخلق فيجحدون صفاته التي تميز بها ويجحدون قدره حتى يقول المعتزلة إذا عرفوا أنه حي عالم قدير قد عرفنا حقيقته وماهيته ويقولون إنه لا يباين غيره بل إما أن يصفوه بصفة المعدوم فيقولوا لا داخل العالم ولا خارجه ولا كذا ولا كذا أو يجعلوه حالا في المخلوقات أو وجود المخلوقات فبين ابن المبارك أن الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه منفصل عنه وذكر الحد لأن الجهمية كانوا يقولون ليس له حد وما لا حد له لا يباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم لأن ذلك مستلزم للحد فلما سألوا أمير المؤمنين في كل شئ عبد الله بن المبارك بماذا نعرفه قال بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه فذكروا لازم ذلك الذي تنفيه الجهمية وبنفيهم له ينفون ملزومه الذي هو موجود فوق العرش ومباينته للمخلوقات فقالوا له بحد قال بحد وهذا يفهمه كل من عرف ما بين قول المؤمنين أهل السنة والجماعة وبين الجهمية الملاحدة من الفرق
الوجه الثاني قوله سبيل هؤلاء أن يعلموا أن صفات الله تعالى لا تؤخذ إلا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دون قول أحد من الناس فيقولون له لو وفيت أنت ومن اتبعه بإتباع هذه السبيل لم تحوجنا نحن وأئمتنا إلى نفي بدعتكم بل تركتم موجب الكتاب والسنة في النفي والإثبات
أما في النفي فنفيتم عن الله تعالى أشياء لم ينطق بها كتاب ولا سنة ولا إمام من أئمة المسلمين بل والعقل لا يقضي بذلك عند التحقيق وقلتم إن العقل نفاها فخالفتم الشريعة بالبدعة والمناقضة المعنوية وخالفتم العقول الصريحة وقلتم ليس هو بجسيم ولا جوهر ولا متحير ولا في جهة ولا يشار إليه بحس ولا يتميز منه شئ عن شئ وعبرتم عن ذلك بأنه تعالى ليس بمنقسم ولا مركب وأنه لا حد له ولا غاية تريدون بذلك انه يمتنع عليه أن يكون له حد وقدر أو يكون له قدر لا يتناها و أمثال ذلك ومعلوم أن الوصف بالنفي كالوصف بالإثبات فكيف ساغ لكم هذا النفي بلا كتاب ولا سنة مع
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/189)
اتفاق السلف على ذم من ابتدع ذلك وتسميتهم إياهم جهمية وذمهم لأهل هذا الكلام
وأما في الإثبات فإن الله تعالى وصف نفسه بصفات ووصفه رسوله بصفات فكنتم أنتم الذين تزعمون أنكم من أهل السنة والحديث دع الجهمية والمعتزلة تارة تنفونها وتحرفون نصوصها أو تجعلونها لا تعلم إلا أماني وهذا مما عاب الله تعالى به أهل الكتاب قبلنا وتارة تقرونها إقرارا تنفون معه ما أثبته المنصوص من أن يكون النصوص نفته وتاركين من المعاني التي دلت عليه مالا ريب في دلالتها عليه مع ما في جمعهم بين الأمور المتناقضة من مخالفة صريح المعقول فأنت وأئمتك في هذا الذي تقولون إنكم تثبتونه إما أن تثبتوا ما تنفونه فتجمعوا بين النفي والإثبات وإما أن تثبتوا ما لا حقيقة له في الخارج ولا في النفس وهذا الكلام تقوله النفاة المثبتة لهؤلاء كمثل الأشعري والخطابي والقاضي أبي يعلى وغيرهم من الطوائف
ويقول هؤلاء المثبتة كيف سوغتم لأنفسكم هذه الزيادات في النفي وهذا التقصير في الإثبات على ما أوجبه الكتاب والسنة وأنكرتم على أئمة الدين ردهم لبدعة ابتدعها الجهمية مضمونها إنكار وجوب الرب تعالى وثبوت حقيقته وعبروا عن ذلك بعبارة فأثبتوا تلك العبارة ليبينوا ثبوت المعنى الذي نفاه أولئك وأين في الكتاب والسنة أنه يحرم رد الباطل بعبارة مطابقة له فإن هذا اللفظ لم نثبت به صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة بل بينا به ما عطله المبطلون من وجود الرب تعالى ومباينته لخلقه وثبوت حقيقته
ويقولون لهم قد دل الكتاب والسنة على معنى ذلك كما تقدم احتجاج الإمام أحمد لذلك بما في القرآن مما يدل على أن الله تعالى له حد يتميز به عن المخلوقات وأن بينه وبين الخلق انفصالا ومباينة بحيث يصح معه أن يعرج الأمر إليه ويصعد إليه ويصح أن يجئ هو ويأتي كما سنقرر هذا في موضعه فإن القرآن يدل على المعنى تارة بالمطابقة وتارة بالتضمن وتارة بالالتزام وهذا المعنى يدل عليه القرآن تضمنا أو التزاما
ولم يقل أحد من أئمة السنة إن السني هو الذي لا يتكلم إلا بالألفاظ الواردة التي لا يفهم معناها بل من فهم معانى النصوص فهو أحق بالسنة ممن لم يفهمها ومن دفع ما يقوله المبطلون مما يعارض تلك المعاني وبين أن معاني النصوص تستلزم نفي تلك الأمور المعارضة لها فهو أحق بالسنة من غيره وهذه نكت لها بسط له موضع آخر
وممن نفى لفظ الحد أيضا من أكابر أهل الإثبات أبو نصر السجزى قال في رسالته المشهورة إلى أهل زبيد وعند أهل الحق أن الله سبحانه مباين لخلقه بذاته وأن الأمكنة غير خالية من علمه وهو بذاته تعالى فوق العرش بلا كيف بحيث لا مكان
وقال أيضا فاعتقد أهل الخق أن الله سبحانه وتعالى فوق العرش بذاته من غير مماسة وأن الكرامية ومن تابعهم على القول بالمماسة ضلال
وقال وليس من قولنا إن الله فوق العرش تحديد له وإنما التحديد يقع للمحدثات فمن العرش إلى ما تحت الثرى محدود والله سبحانه وتعالى فوق ذلك بحيث لا مكان ولا حد لاتفاقنا أن الله تعالى كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو كما كان قبل خلق المكان قال وإنما يقول بالتحديد من يزعم أنه سبحانه وتعالى على مكان وقد علم أن الأمكنة محدودة فإن كان فيها بزعمهم كان محدودا وعندنا أنه مباين للأمكنة ومن حلها وفوق كل محدث فلا تحديد لذاته في قولنا هذا لفظه
وأما قول الرازي وذكر أبو معشر المنجم أن سبب إقدام الناس على اتخاذ عبادة الأوثان دينا لأنفسهم هو أن القوم في الدهر الأقدم كانوا على مذهب المشبهة وكانوا يعتقدون أن إله العالم نور عظيم فلما اعتقدوا ذلك اتخذوا وثنا هو أكبر الأوثان على صورة الإله وأوثانا أخرى أصغر من ذلك
الوثن على صورة الملائكة واشتغلوا بعبادة هذه الأوثان على اعتقاد أنهم يعبدون الاله والملائكة فثبت أن دين عبادة الأصنام كالفرع على مذهب المشبهة
فالكلام على هذا من وجوه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/190)
أحدها انه من العجب أن يذكر عن أبي معشر ما يذم به عبادة الأوثان وهو الذي اتخذ أبا معشر أحد الأئمة الذين اقتدى بهم في الأمر بعبادة الأوثان لما ارتد عن دين الإسلام وأمر بالإشراك بالله تعالى وعبادة الشمس والقمر والكواكب والأوثان في كتابه الذي سماه السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم وقد قيل إنه صنفه لأم الملك علاء الدين ابن محمد أبي بكر ابن جلال الدين هو أنها أعطته عليه ألف دينار وكان مقصودها ما فيه من السحر والعجائب والتوصل بذلك إلى الرئاسة وغيرها من المآرب وقد ذكر فيه عن أبي معشر أنه عبد القمر وأن في عبادته ومناجاته من الأسرار والفوائد ما ذكر فمن تكون هذه حاله في الشرك وعبادة الأوثان كيف يصلح أن يذم أهل التوحيد الذين يعبدون الله تعالى لا يشركون به شيئا ولم يعبدوا لا شمسا ولا قمرا ولا كوكبا ولا وثنا بل يرون الجهاد لهؤلاء المشركين الذين ارتد إليهم أبو معشر والرازي وغيرهما مدة وإن كانوا قد رجعوا عن هذه الردة إلى الإسلام فإن سرائرهم عند الله لكن لا نزاع بين المسلمين إن الأمر بالشرك كفر وردة إذا كان منا مسلم وأن مدحه والثناء عليه والترغيب فيه كفر وردة إذا كان من مسلم فأهل التوحيد وإخلاص الدين لله تعالى وحده الذين يرون جهاد هؤلاء المشركين ومن ارتد إليهم من أعظم الواجبات و أكبر القربات كيف يصلح أن يعيبهم بعض المرتدين إلى المشركين بأنهم يوافقون المشركين على أصل الشرك وهؤلاء لا يؤمنون بالله وبما أنزل إلى انبيائه وما أشبه حال هؤلاء بقوله تعالى قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلى قوله عن سواء السبيل فإن هؤلاء النفاة الجهمية منهم من عبد الطاغوت وأمر بعبادته ثم هؤلاء يعيبون من آمن بالله ورسوله
يوضح ذلك أن هذا الرازي اعتمد في الإشراك وعبادة الأوثان على مثل تنكلوا شاه البابلي ومثل طمطم الهندي ومثل ابن وحشية أحد مردة المتكلمين بالعربية ومعلوم أن الكلدانيين والكشدانيين من أهل بابل وغيرهم أتباع نمرود بن كنعان البابلي وغيره وأهل الهند هم أعظم الأمم شركا وهم اعداء إبراهيم الخليل إمام الحنفاء فكيف يكون أتباع هؤلاء المشركين أعداء إبراهيم الخليل عليه السلام معيرين بأتباع المشركين لأهل الملة الحنفية الذين اتبعوا إبراهيم وآل إبراهيم في إثبات صفات الله وأسمائه وعبادته فإن هؤلاء الجهمية ينكرون حقيقة خلة الله تعالى وتكليمه كما أنكره سلفهم أعداء الخليل وأعداء الكليم
وأول من أظهر في الإسلام التجهم وهذا المذهب الذي نصره الرازي وأبو معشر ونحوها هو الجعد بن درهم أنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولا كلم موسى تكليما تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا ثم نزل فذبحه
فهذا أول الجهمية نفاة الصفات في هذه الأمة هو مكذب حقيقة ما خص الله به إمام الحنفاء المخلصين الذين يعبدون الله لا يشركون به شيئا وكليم الله الذي اصطفاه برسالاته وبكلامه والله تعالى يفضل هذين الرسولين ويخصهما في مثل قوله تعالى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى وقوله أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى وهما اللذان رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فوق الأنبياء كلهم في السماء السادسة والسابعة فرأى أحدهما في السادسة ورأى الآخر في السابعة وقد جاءت الأحاديث التي في الصحيح بعلو هذا وعلو هذا
فإذا كان سلف الجهمية ومخاطبي الكواكب هم من أعظم المشركين المعادين لرسل الله تعالى الآمرين بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له كيف يصلح لهم أن يعيبوا أهل الأيمان بالله ورسوله الذين يقرون بتوحيد الله وعبادته وحده لا شريك له يقرون بتوحيد الله العلمي القولي كالتوحيد الذي ذكره في سورة قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين كيف يصلح لأولئك الذين أشركوا وأتموا بالمشركين في نقيض التوحيد من هذين الوجهين فأمروا بعبادة غير الله ودعائه ورغبوا في ذلك وعظموا قدره وجهلوا من ينكر ذلك وينهى عنه وأنكروا من أسماء الله تعالى وصفاته وحقيقة عبادته ما لا يتم الأيمان والتوحيد إلا به كيف يصلح لهؤلاء أن يعيبوا أولئك باتباع المشركين ويجعلوا موافقيهم على هذا الكفر أعظم قدرا من أولئك المؤمنين الدين
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/191)
ليس لهم نصيب من قوله ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت الى قوله نصيرا فإن سبب نزول هذه الآية ما فعله كعب بن الأشرف رئيس اليهود من تقديمه لدين المشركين على دين المؤمنين لما كان بينه وبين المؤمنين من العداوة فمن آمن بالجبت وهو السحر والطاغوت وهو ما عظم بالباطل من دون الله تعالى مثل رؤساء المشركين وله من علوم المسلمين ما له ففيه شبه من الذين أوتوا نصيبا من الكتاب الذين يؤمنون بالجبت والطاغوت وإذا كان هؤلاء يتعصبون لأولئك المشركين وينصرونهم ويذمون المؤمنين ويعيبونهم ألم يكن لهم نصيب من قوله تعالى ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا فيكون لهم نصيب من قوله تعالى أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا وتمام الكلام في قوله تعالى ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا وهذه الآية مطابقة لحال هؤلاء كما بيناه في غير موضع
الوجه الثاني أن الاستدلال في توحيد الله تعالى الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه بمثل كلام أبي معشر المنجم ونقله عن الأمم المتقدمة يليق بمثل الرازي وذويه أترى أبا معشر لو كان من علماء أهل الكتاب المسلمين كمن أسلم من الصحابة والتابعين ونقل لنا شيئا عن الأنبياء المتقدمين أكان يجوز لنا في الشريعة تصديق ذلك الخبر إذ لم نعلم صدقه من جهة أخرى إذا كان الناقل لنا إنما أخبره عن أهل الكتاب وفي الصحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه وأما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه فكيف وأبو معشر الناقل لذلك وإنما خبرة الرجل بكلام الصائبة المشركين عباد الكواكب ونحوهم وهم من أقل الناس خبرة ومعرفة بالتوحيد الذي بعث الله به رسله وبحال أهله المؤمنين مع الكفار المشركين
الوجه الثالث إن هذه الحكاية تقتضي أن الناس كانوا قبل ابتداع الشرك على المذهب الذي سماه مذهب المشبهة وأنهم كانوا حينئذ يعتقدون أن إله العالم نور عظيم فلما اعتقدوا ذلك اتخذوا وثنا كما ذكره فيكون هذا الاعتقاد وهو مذهب القوم في الدهر الأقدم قبل عبادة الأوثان ثم إنه بسبب هذا الاعتقاد استحسنوا عبادة الأوثان ومعلوم أن الناس كانوا قبل الشرك على دين الله وفطرته التي فطر الناس عليها وهي دين الإسلام العام الذي لا يقبل الله من أحد غيره كما قال تعالى وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وقال تعالى كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلها على الإسلام وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر في حديث الشفاعة عن نوح قول أهل الموقف له وأنت أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض وقد قال تعالى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فإذا كان الله قد بعث في كل أمة رسولا يدعوها إلى عبادة الله وحده لا شريك له واجتناب الطاغوت ونوح أول من بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض علم أنه لم يكن قبل قوم نوح مشركون كما قال ابن عباس وإذا كان كذلك وأولئك على الإسلام ومذهبهم هو المذهب الذي سماه مذهب المشبهة ثبت بموجب هذه الحكاية أن هذا هو مذهب الأنبياء والمرسلين والمسلمين من كل أمة
الوجه الرابع إن في هذه الحكاية إنهم اشتغلوا بعبادة هذه الأوثان على اعتقاد انهم يعبدون الإله والملائكة وقد ذكر الله تعالى قول المشركين في كتابه الذين جعلوا معه إلها آخر فلم يذكر أنهم كانوا يعتقدون أنهم يعبدون الله إذا عبدوا الأوثان ولكن ذكر أنهم اتخذوا هذه الأوثان شفعاء وذكر أنهم قالوا إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ولكن في هؤلاء الجهمية الاتحادية من يقول إن عباد الأوثان ما عبدوا إلا الله تعالى وأن عابد الوثن هو العابد لله كما ذكرنا ذلك فيما تقدم عن صاحب الفصوص وذويه وهو من رؤساء هؤلاء الجهمية وأئمتهم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/192)
الوجه الخامس أن عبادة الأوثان إنما هي مشهورة ومعروفة عن نفاة الصفات من الفلاسفة الصابئين سلف أبي معشر والرازي وذويهم مثل النمرود بن كنعان وقومه أعداء الخليل عليه الصلاة والسلام وأتباعه وأولياء رهط أبي معشر ومثل فرعون عدو موسى كليم الرحمن عز وجل وأتباعه وأولياء الجهمية نفاة الصفات ومن يدخل فيهم من الاتحادية والقرامطة وكما صرح بعضهم بموالاته فرعون وتعظيمه كما فعل صاحب البلاغ الأكبر والناموس الأعظم الذي صنفه للقرمطة وكما فعله صاحب الفصوص وذويه ومن لم يصرح بموالاة فرعون ولم يعتقد موالاته فإنه موافق له فيما كذب فيه موسى حيث قال يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فاطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا قال خلائق من العلماء وممن قال ذلك أبو الحسن الأشعري إمام طائفة الرازي قال فرعون كذب موسى في قوله إن الله فوق السموات وهؤلاء النفاة يوافقون فرعون في هذا التكذيب لموسى
الوجه السابع إن القول الذي يسمونه مذهب المشبهة بل التشبيه الصريح لا يوجد إلا في أهل الكتب الالهية كاليهود والمسلمين كما ذكر الرازي ذلك عن مشبهة اليهود ومشبهة المسلمين ومن ليس له كتاب فلا يعرف عنه شئ من التشبيه الذي يعير أهله بأنه تشبيه أو الذي يقول منازعوهم إنه تشبيه ومن المعلوم أن أصل الشرك لم يكن من أهل الكتب وإنما كان من غيرهم فإن الله لم يبعث رسولا ولم ينزل كتابا إلا بالتوحيد كما قال تعالى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة وقال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فأعبدون وقال تعالى وأسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون وقال تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتني إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وقال تعالى أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله وقال ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعلمون عليم وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأتقون
ولم يحدث في أهل الكتب وأتباع الرسل من العرب وبني إسرائيل وغيرهم شرك إلا مأخوذ من غير أهل الكتاب كما ابتدع عمرو بن لحي بن قميثة سيد خزاعة الشرك في العرب الذين كانوا على ملة إبراهيم إمام الحنفاء ابتدعه لهم بأوثان نقلها من الشام من البلقاء التي كانت إذ ذاك دار الصابئة المشركين سلف أبي معشر وذويه وكذلك بنو إسرائيل عبد منهم الأوثان كما ذكر الله ذلك في كتابه تعالى وتقدس وإنما حدث فيهم هذا من جيرانهم الصابئة المشركين سلف أبي معشر وذويه فإذا كان أصل المذهب الذي سموه مذهب التشبيه لا يعرف إلا عن من هو من أهل كتاب منزل من السماء وأهل الكتب لم يكونوا هم نواهم الذين ابتدعوا الشرك أولا علم أن الشرك لم يبتدعه أولا القوم الذين سماهم أهل التشبيه
الوجه الثامن أنه إذا كان الإشراك متضمنا لما سماه تشبيها فمن المعلوم أن المرسلين كلهم ليس فيهم من تكلم بنقيض هذا المذهب ولا نهى الناس عن هذا الذي سماه تشبيها فليس في القرآن عن محمد صلى الله عليه وسلم ولا عن المرسلين المتقدمين ولا في التوراة والأنجيل وغيرهما من الكتب ولا في الأحاديث المأثورة عن أحد من المرسلين أنهم نهوا المشركين أو غيرهم أن يقولوا إن الله تعالى فوق السموات أو فوق العرش أو فوق العالم أو أن يصفوه بالصفات الخبرية التي يسميها هؤلاء تشبيها بل ولا عنهم حرف واحد بأن الله ليس بداخل العالم ولا خارجه ولا يشار إليه ولا ليس بجسم ولا جوهر ولا متحيز ولا نحو ذلك فإن كان الشرك متضمنا لما سموه تشبيها والرسل لم تنه عما سموه تشبها ولا ذموه ولا أنكروه ولا تكلموا بما هو عند هؤلاء توحيد وتنزيه ينافي هذا التشبيه عندهم أصلا ثبت أن المرسلين صلوات الله عليهم وسلامه كلهم كانوا مقررين لهذا الذي سموه تشبيها وذلك يقتضي أنه حق فهذا النقل الذي نقله أبو معشر واحتج به الرازي إن كان حقا فهو من أعظم الحجج على صحة مذهب خصومهم الذين سموهم مشبهة وإن لم يكن حقا فهو كذب فهم إما كاذبون مفترون وأما مخصومون مغلوبون كاذبون مفترون في نفس المذهب الذي انتصروا عليه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/193)
الوجه التاسع أن الشرك كان فاشيا في العرب ولم يعلم أحد منهم كان يعتقد أن الوثن على صورة الله وقبلهم كان في أمم كثيرة وله أسباب معروفة مثل جعل الأوثان صورا لمن يعظمونه من الأنبياء والصالحين وطلاسم لما يعبدونه من الملائكة والنجوم ونحو ذلك ولم يعرف عن أحد من هؤلاء المشركين أنه اعتقد أن هذا الوثن صورة الله والشرك في أيام الاسلام ما زال بأرض الهند والترك فاشيا والهند فلاسفة وهم من أعظم سلف أبي معشر ومع هذا فليس في الهند والترك من يقول هذا فعلم أن هذا أول مفترى
الوجه العاشر لو كان هذا من أسباب الشرك فمن المعلوم أن غيره من أسباب الشرك أعظم وأكثر وأن الشرك في غير هؤلاء الذي سماهم مشبهة أكثر فإن كان الشرك في بعض مثبتة هذه الصفات عيبا فالشرك في غيرهم أكثر وأكثر كان الطعن والعيب على نفاة الصفات بما يوجد فيهم من الشرك أعظم وأكبر
الوجه الحادي عشر قوله فثبت أن دين عبادة الأصنام كالفرع على مذهب الشبهة كلام مجمل فإن من الفرع ما يكون لازما لأصله فإذا كان الأصل مستلزما لوجود الفرع الفاسد كان فساد الفرع وعدمه دليلا على فساد الأصل وعدمه ومن الفروع ما يكون مستلزما للأصل لا يكون لازما له وهو الغالب فلا يلزم من فساده وعدمه فساد الأصل وعدمه ولكن يلزم من فساده وعدمه فساد هذا الفرع وعدمه
فالأول كما قال تعالى ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة كيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار فالكلمتان كلمة الأيمان واعتقاد التوحيد وكلمة الكفر واعتقاد الشرك فلا ريب أن الاعتقادات توجب الأعمال بحسبها فإذا كان الاعتقاد فاسدا أورث عملا فاسدا ففساد العمل وهو الفرع يدل على فساد أصله وهو الاعتقاد كذلك الأعمال المحرمة التي تورث مفاسد كشرب الخمر الذي يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء فهذه المفاسد الناشئة من هذا العمل هي فرع لازم للأصل ففسادها يدل على فساد الأصل وهكذا كل أصل فهو علة لفرعه وموجب له
وأما القسم الثاني فالأصل الذي شرطا لا يكون علة كالحياة المصححة للحركات والإدراكات وأصول الفقه التي هي العلم بأجناس أدلة الفقه وصفة الاستدلال ونحو ذلك فهذه الأصول لا تستلزم وجود الفروع وإذا كان الفرع فاسدا لم يوجب ذلك فساد أصله إذ قد يكون فساده من جهة أخرى غير جهة الأصل وذلك نظير تولد الحيوان بعضه من بعض فالوالدان أصل للولد والله تعالى وتقدس يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي فالكافر يلد المؤمن والمؤمن يلد الكافر
وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن اعتقاد ثبوت الصفات بل اعتقاد التشبيه المحض ليس موجبا لعبادة الأصنام ولا داعيا إليه وباعثا عليه أكثر ما في الباب أن يقال اعتقاد أن الله تعالى وتقدس مثل البشر يمكن معه أن يجعل الصنم على صورة الله بخلاف من لم يعتقد هذا الاعتقاد فإنه لا يجعل الصنم على صورة الله تعالى فيكون ذلك الاعتقاد شرطا في اتخاذ الصنم على هذا الوجه وهذا القدر إذا صح لم يوجب فساد ذلك الاعتقاد بالضرورة فإن كل باطل في العالم من الاعتقادات والإرادات وتوابعها هي مشروطة بأمور صحيحة واعتقادات صحيحة ولم يدل فساد هذه الفروع المشروطة على فساد تلك الأصول التي هي شرط لها فإن الإنسان لا يصدر منه عمل إلا بشرط كونه حيا قادرا شاعرا ولم يدل فساد ما يفعله من الاعتقادات والارادات على فساد هذه الصفات
والذين أشركوا بالله تعالى وتقدس وعبدوا معه إلها آخر كانوا يقولون إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ويقولون هم شفعاؤنا عند الله ويعتقدون أن الله يملكهم كما كانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك وقد قال تعالى ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما تملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم وقد أخبر عنهم سبحانه وتعالى بقوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله وقال قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه أن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون وقال تعالى وما يؤمن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/194)
أكثرهم بالله إلا وهم مشركون قال عكرمة يؤمنون أنه رب كل شئ وهم يشركون به
فإذا كانوا إنما أشركوا به لاعتقادهم أنه رب كل شئ وملكيه وأن هذه الشفعاء والشركاء ملكه وآمنوا بأنه رب كل شئ ثم اعتقدوا مع ذلك أن عبادة هذه الأوثان تنفعهم عنده فهل يكون ما ابتدعوه من الشرك الذي هو فرع مشروط بذلك الأصل قادحا في صحة ذلك الأيمان والإقرار الحق الذي قالوه
الوجه الثاني عشر إن الذين أشركوا بالله تعالى حقيقه من عباد الشمس والقمر والكواكب والملائكة والأنبياء والصالحين والذين اتخذوا أوثانا لهذه المعبودات إنما فعلوا ذلك لاعتقادهم وجود االشمس والقمر والكواكب والملائكة والأنبياء واعتقادهم ما تفعله من الخير تشبيها فهل يكون إشراكهم بها قادحا في وجودها وفي اعتقاد ما هي متصفة أم لا فإن كان كذلك فيلزم أبا معشر والرازي أن يقدحوا في العلوم الطبيعية والرياضية ويقدحوا في الملائكة والنبيين وإن لم يكن كذلك كان ما ذكره من الحجة باطلا
الوجه الثالث عشر قوله فثبت أن دين عبادة الأصنام كالفرع على مذهب المشبهة
يقال له الثبوت إنما يكون بذكر حجة عقلية أو سمعية وهب ما ذكره أبو معشر إنما هو خبر عن أمم متقدمين لم يذكرهم ولم يذكر إسناده في معرفة ذلك وليس أبو معشر من يحتج بنقله في الدين بإجماع أئمة الدين فإنه إن لم يكن كافرا منافقا كان فاجرا فاسقا وقد قال الله تعالى وتقدس يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا فلو قدر أن هذا النقل نقله بعض أئمة التابعين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن هذا خبرا مرسلا لا يثبت به حكم في فرع من الفروع فكيف والناقل له مثل أبي معشر عن أمم متقدمة فهذا خبر في غاية الانقطاع ممن لا تقبل روايته فهل يحسن بذي عقل أو دين أن يثبت بهذا شيئا في أصول الدين
ومن العجب أن هذا الرجل المحاد لله ولرسوله عمد إلى الأخبار المتفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي توارثها عنه أئمة الدين وورثة الأنبياء والمرسلين واتفق على صحتها جميع العارفين فقدح فيها قدحا يشبه الزنادقة المنافقين ثم يحتج في أصول الدين بنقل أبي معشر أحد المؤمنين يالجبت والطاغوت أئمة الشرك والضلال نعوذ بالله من ششرورهم وأقوالهم والله المستعان على ما يصفون والله سبحانه وتعالى أعلم
كيف يحمل ما ورد عن السلف من الأمر بالسكوت وعدم الخوض في مسائل الصفات
نقض الدارمي [جزء 1 - صفحة 534]
حتى استخلف المتوكل رحمة الله عليه فطمس الله به آثارهم وقمع به أنصارهم حتى استقام أكثر الناس على السنة الأولى والمنهاج الأول واحتال رجال ممن كانوا لا يؤمنون باعتقاد التجهم حيلة لترويج ضلالتهم في الناس ولم يمكنهم الإفصاح به مخافة القتل والفضيحة والعقوبة من الخليفة المنكر لذلك فاستتروا بالوقف من محض التجهم إذ لم يكن يجوز من إظهاره مع المتوكل ما كان يجوز لهم مع من قبله فانتدبوا طاعنين على من أنكر التجهم ودان بأن كلام الله غير مخلوق فانتدب هؤلاء الواقفة منافحين عن الجهمية محتجين لمذاهبهم بالتمويه والتدليس منتفين في الظاهر من بعض كلام الجهمية متابعين لهم في كثير من الباطن مموهين على الضعفاء والسفهاء بما حكيت عنهم أيها المعارض أن أبا أسامة وأبا معاوية وبعض نظرائهم كرهوا الخوض في المخلوق وغير المخلوق فقلنا لك أيها المعارض إنما كره من كره الخوض من هؤلاء المشايخ إن صحت روايتك لما أنه لم يكن يخوض فيه إلا شرذمة أذلة سرا بمناجاة بينهم وإذا العامة متمسكون منهم بالسنن الأولى والأمر الأول
فكره القوم الخوض فيه إذ لم يكن يخاض فيه علانية وقد أصابوا في ترك الخوض فيه إذ لم يعلن فلما أعلنوه بقوة السلطان ودعوا العامة إليه بالسيوف والسياط وادعوا أن كلام الله مخلوق أنكر ذلك عليهم من غبر من العلماء وبقي من الفقهاء فكذبوهم وكفروهم وحذروا الناس أمرهم وفسروا مرادهم من ذلك فكان هذا من الجهمية خوضا فيما نهوا عنه ومن أصحابنا إنكارا للكفر البين ومنافحة عن الله عز وجل كيلا يسب وتعطل صفاته وذبا عن ضعفاء الناس كيلا يضلوا بمحنتهم هذه من غير أن يعرفوا ضدها من الحجج التي تنقض دعواهم وتبطل حججهم
فقد كتب إلي علي بن خشرم أنه سمع عيسى بن يونس يقول لا تجالسوا الجهمية وبينوا للناس أمرهم كي يعرفوهم فيحذروهم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/195)
وقال ابن المبارك لأن أحكي كلام اليهود والنصارى أحب إلي من أن أحكي كلام الجهمية
فحين خاضت الجهمية في شيء منه وأظهروه وادعوا أن كلام الله مخلوق أنكر ذلك ابن المبارك وزعم أنه غير مخلوق فإن من قال إنني أنا الله لا إله إلا أنا مخلوق فهو كافر
حدثنيه يحيى الحماني عن الحسن بن الربيع عن ابن المبارك فكره ابن المبارك حكاية كلامهم قبل أن يعلنوه فلما أعلنوه أنكر عليهم وعابهم ذلك
وكذلك قال ابن حنبل كنا نرى السكوت عن هذا قبل أن يخوض فيه هؤلاء فلما أظهروه لم نجد بدا من مخالفتهم والرد عليهم
لم يقل أبو أسامة وأبو معاوية أنه متى ما أظهرت الجهمية محنتهم وأذاعوا كفرهم ودعوا الناس إليها فأمسكوا عن الإنكار عليهم حتى يستمر في الناس كفرهم وتدرس سنن رسول الله وأصحابه ولكن قالوا أمسكوا عن الخوض فيه ما لم ينصب القوم الكفر إماما فإذا نصبوه إماما فمن يعقل تدليسهم وتمويههم لولا أن من الله على أهل الإسلام ببعض من ناقضهم فرد عليهم كفرهم وضلالهم فالمبتدع الضال من الحزبين من نصب رأي جهم إماما وأذاعه في نقض الدارمي [جزء 1 - صفحة 540]
الناس بدءا والمتبع من أنكر عليه وناقضه فمن أجرى الناقض للبدعة والراد للكفر مجرى من شرعها فقد جمع بين ما فرق الله وفرق بين ما جمع الله وليس بأهل أن يسمع منه ويقبل
أو طمعتم معشر الجهمية والواقفة أن تنصبوا الكفر للناس إماما تدعونهم إليه ويسكتوا أهل السنة عن الإنكار عليكم حتى يتروج على الناس ضلالكم بما حكيتم عن أبي بكر بن عياش نقض الدارمي [جزء 1 - صفحة 541]
وأبي أسامة وأبي معاوية إن صدقت دعواكم حتى تضمحل مذاهب أهل السنة وتستفيض مذاهب الجهمية في العامة لقد أسأتم بأهل السنة الظن ونسبتموهم إلى العجز والوهن
وإن يك ابو أسامة وأبو بكر وأبو معاوية جبنوا عن الخوض فيه إذ لم يكن يخاض فيه في عصرهم فقد جسر على الرد عليهم من كان أعلم منهم مثل ابن المبارك وعيسى بن يونس وغيرهم
مجموع الفتاوى [جزء 4 - صفحة 6]
وقال سحنون من العلم بالله السكوت عن غير ما وصف به نفسه
بيان معنى قول السلف: أمروها كما جاءت ونحو ذلك
تمهيد:
المقصود من قول السلف في نصوص الصفات أمروها كما جاءت ومنعهم من تفسيرها:
• أي المنع من صرفها عن ظاهرها إلى معان تخالف ذلك
• والمنع من تعطيلها عنما اشتملت عليه من معان تليق بالله تعالى
• والمنع من تفسيرها بالتفسيرات الباطلة التي يذكرها الجهمية ومن وافقهم
• واما تفسيرها بالمعنى اللائق بها فهو ثابت وعليه سار السلف كما ذكر الترمذي وغيره
• ومن نفا المعنى بالكلية فقد وقع في بدعة المفوضة الجهمية
فالتفويض نوعان:
1. تفويض الجهمية وهو تفويض الكيف والمعنى
2. تفويض السلف وهو تفويض الكيف فقط
وإليك بعض النقول التي تبين معنى قول السلف أمروها كما جاءت ونحو ذلك
اعتقاد أهل السنة للالكائي [جزء 3 - صفحة 527]
أخبرنا أحمد بن عبيد قال أخبرنا محمد بن الحسين قال ثنا أحمد بن أبي خيثمة قال ثنا الهيثم بن خارجة قال ثنا الوليد بن مسلم يقول سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية
فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيف
الاعتقاد للبيهقي [جزء 1 - صفحة 118]
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا محمد بن بشر بن مطر ثنا الهيثم بن خارجة حدثنا الوليد بن مسلم قال سئل الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيفية
التحفة المدنية لحمد بن ناصر آل معمر [جزء 1 - صفحة 76]
وروى أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن الأوزاعي قال سئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث فقالا أمروها كما جاءت
وروى أيضا عن الوليد بن مسلم قال سألت الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد عن الأخبار التي جاءت في الصفات فقالوا أمروها كما جاءت وفي رواية فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيف فقولهم رضي الله عنهم أمروها كما جاءت رد على المعطلة وقولهم بلا كيف رد على الممثلة
التحفة المدنية [جزء 1 - صفحة 89 - صفحة 90]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/196)
وتقدم عن شيخه ربيعة مثل هذا الكلام فقول ربيعة ومالك الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول موافق لقول الباقين أمروها كما جاءت بلا كيف فإنما نفوا الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة ولو كان القوم آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ولما قالوا أمروها بلا كيف فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما بل مجهولا بمنزلة حروف المعجم وأيضا فإنه لا يحتاج إلى نفي الكيفية إذا لم يفهم من اللفظ معنى وإنما يحتاج إلى نفي الكيفية إذا أثبتت الصفات وأيضا فإن من ينفي
لا يحتاج أن يقول بلا كيف فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا بلا كيف فمن قال إن الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول بلا كيف وأيضا فقولهم أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظا دالة على معان فلو كانت دلالتها منفية لكان الواجب أن يقال أمروها لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد أو يقال أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت ولا يقال حينئذ بلا كيف إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول
قال الذهبي بعد ما ذكر كلام مالك وربيعة الذي قدمناه وهذا قول أهل السنة قاطبة أن كيفية الاستواء لا نعقلها بل نجهلها وأن استواءه معلوم كما أخبر به في كتابه وأنه كما يليق به ولا نتعمق ولا نتحذلق ولا نخوض في لوازم ذلك نفيا ولا إثباتا بل نسكت ونقف كما قد وقف السلف ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إليه الصحابة والتابعون ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه ونعلم يقينا مع ذلك أن الله جل جلاله لا مثل له في صفاته ولا في استوائه ولا في نزوله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا
وقد تقدم ما رواه الوليد بن مسلم عن مالك بما أغنى عن إعادته
وقال أبو حاتم الرازي حدثني ميمون بن يحيى البكري قال قال مالك من قال القرآن مخلوق يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه
معارج القبول [جزء 1 - صفحة 202]
وقال أبو الحسن الكرجي في بائيته:
عقائدهم أن الإله بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب
وأن استواء الرب يعقل كونه ... ويجهل فيه الكيف جهل الشهارب
مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 41 - صفحة 42]
فقول ربيعة ومالك الإستواء غير مجهول والكيف غير معقول والايمان به واجب موافق لقول الباقين امروها كما جاءت بلا كيف فانما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة
ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ولما قالوا أمروها كما جاءت بلا كيف فان الاستواء حينئذ لا يكون معلوما بل مجهولا بمنزلة حروف المعجم
وأيضا فانه لا يحتاج الى نفى علم الكيفية اذا لم يفهم عن اللفظ معنى وانما يحتاج الى نفى علم الكيفية اذا أثبتت الصفات
وأيضا فان من ينفى الصفات الخبرية أو الصفات مطلقا لا يحتاج الى أن يقول بلا كيف فمن قال ان الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول بلا كيف فلو كان مذهب السلف نفى الصفات فى نفس الأمر لما قالوا بلا كيف
وأيضا فقولهم امروها كما جاءت يقتضى ابقاء دلالتها على ما هى عليه فانها جاءت الفاظ دالة على معانى فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن قال أمروا لفظها مع إعتقاد أن المفهوم منها غير مراد أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت ولا يقال حينئذ بلا كيف اذ نفى الكيف عما ليس بثابت لغو من القول
مجموع الفتاوى [جزء 16 - صفحة 400 - صفحة 401]
و قال البغوي فى تفسير قوله ثم إستوى على العرش قال الكلبى و مقاتل إستقر و قال أبو عبيدة صعد و أولت المعتزلة الإستواء بالإستيلاء
و أما أهل السنة فيقولون الإستواء على العرش صفة لله بلا كيف يجب على الرجل الإيمان به و يكل العلم فيه إلى الله و سأل رجل مالك بن أنس عن قوله الرحمن على العرش استوى كيف استوى فأطرق مالك رأسه مليا و علاه الرحضاء ثم قال الإستواء غير مجهول و الكيف غير معقول و الإيمان به واجب و السؤال عنه بدعة و ما أراك إلا ضالا ثم أمر به فأخرج قال الكلبي هذا من المكتوم الذي لا يفسر
عون المعبود [جزء 4 - صفحة 140]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/197)
وفي كتاب الدعوات لأبي عثمان وقد اختلف العلماء في قوله ينزل الله فسئل أبو حنيفة فقال ينزل بلا كيف وقال بعضهم ينزل نزولا يليق بالربوبية بلا كيف من غير أن يكون نزوله مثل نزول الخلق بالتجلي والتملي لأنه جل جلاله منزه عن أن تكون صفاته مثل صفات الخلق كما كان منزها عن أن تكون ذاته مثل ذات الغير فمجيئه وإتيانه ونزوله على حسب ما يليق بصفاته من غير تشبيه وكيفية انتهى
وأخرج البيهقي من طريق بقية قال حدثنا الأوزاعي عن الزهوي ومكحول قالا امضوا الأحاديث على ما جاءت
ومن طريق الوليد بن مسلم قال سئل الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي جاءت في التشبيه فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيفية
وعن إسحاق بن راهويه يقول دخلت على عبد الله بن طاهر فقال لي ياأبا يعقوب تقول إن الله ينزل كل ليلة فقلت أيها الأمير إن الله بعث إلينا نبيا نقل إلينا عنه أخبارا بها نحلل الدماء وبها نحرم
وبها نحلل الفروج وبها نحرم وبها نبيح الأموال وبها نحرم فإن صح ذا صح ذاك وإن بطل ذا بطل ذاك
قال فأمسك عبد الله انتهى
ملخصا محررا
والحاصل أن هذا الحديث وما أشبهه من الأحاديث في الصفات كان مذهب السلف فيها الإيمان بها وإجراؤها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها
وقد أطال الكلام في هذه المسألة وأشباهها من أحاديث الصفات حفاظ الإسلام كابن تيمية وبن القيم والذهبي وغيرهم فعليك مطالعة كتبهم والله أعلم
عون المعبود [جزء 13 - صفحة 29 إلى صفحة 32]
فائدة قال الحافظ بن حجر في فتح الباري أخرج أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة عن أم سلمة أنها قالت الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان والجحود به كفر
ومن طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سئل كيف استوى على العرش فقال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول وعلى الله الرسالة وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم وأخرج البيهقي بسند جيد عن الأوزاعي قال كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله على عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته
وأخرج الثعلبي من وجه آخر عن الأوزاعي أنه سئل عن قوله تعالى ثم استوى على العرش فقال هو كما وصف نفسه
وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب قال كنا عند مالك فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى كيف استوى فأطرق مالك فأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال الرحمن على العرش استوى كما وصف به نفسه ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع وما أراك إلا صاحب بدعة أخرجوه
وفي رواية عن مالك والإقرار به واجب والسؤال عنه بدعة
وأخرج البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي قال كان سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا يحددون ولا يشبهون ويروون هذه الأحاديث ولا يقولون كيف قال أبو داود وهو قولنا
قال البيهقي وعلى هذا مضى أكابرنا
وأسند اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني قال اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله في صفة الرب من غير تشبيه ولا تفسير فمن فسر شيئا منها وقال بقول جهم فقد خرج عما كان عليه النبي وأصحابه وفارق الجماعة لأنه وصف الرب بصفة لا شيء
ومن طريق الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي ومالكا والثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفة فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيف
وأخرج بن أبي حاتم عن الشافعي يقول لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل فنثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال ليس كمثله شيء
وأسند البيهقي عن أبي بكر الضبعي قال مذهب أهل السنة في قوله الرحمن على العرش استوى قال بلا كيف
والآثار فيه عن السلف كثيرة
وهذه طريقة الشافعي وأحمد بن حنبل
وقال الترمذي في الجامع عقب حديث أبي هريرة في النزول وهو على العرش كما وصف به نفسه في كتابه كذا قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من الصفات
وقال في باب فضل الصدقة قد ثبتت هذه الروايات فنؤمن بها ولا نتوهم ولا يقال كيف كذا جاء عن مالك وبن عيينة وبن المبارك أنهم أمروها بلا كيف وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة
وأما الجهمية فأنكروها وقالوا هذا تشبيه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/198)
وقال إسحاق بن راهوية إنما يكون التشبيه لو قيل يد كيد وسمع كسمع
وقال في تفسير المائدة قال الأئمة نؤمن بهذه الأحاديث من غير تفسير منهم الثوري ومالك وبن عيينة وبن المبارك
وقال بن عبد البر أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة ولم يكيفوا شيئا منها وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فقالوا من أقربها فهو مشبه
وقال إمام الحرمين اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن وذهب أئمة السلف إلا الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله تعالى والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة فلو كان تأويل هذه الظواهر حتمالأوشك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع انتهى
وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثالث وهم فقهاء الأمصار كالثوري والأوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم وكذا من أخذ عنهم من الأئمة فكيف لا يوثق بما اتفق عليه أهل القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة انتهى كلام الحافظ رحمه الله
سنن الترمذي [جزء 3 - صفحة 50]
662 - حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا وكيع حدثنا عبادة بن منصور حدثنا القاسم بن محمد: قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات} و {يمحق الله الربا ويربي الصدقات}
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد تثبت الروايات في هذا ولا يؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف؟ هكذا روي عن مالك و سفيان بن عيينة و عبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إن معنى اليد ههنا القوة وقال إسحق بن إبراهيم إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كما قال الله تعالى في كتابه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}
قال الشيخ الألباني: منكر بزيادة وتصديق ذلك
قال فضيلة الشيخ علي بن خضير الخضير في الزناد في شرح لمعة الاعتقاد
وقوله (وجب إثباته لفظاً) هو معنى قول السلف أمروها كما جاءت.
ومعنى (ترك التعرض لمعناه) أي ترك التعرض لحقيقة الصفة من حيث الكيفية. وعلى ذلك يكون المصنف استخدم أسلوبا كان معهوداً عندهم، وهو أنهم إذا أرادوا عدم التعرض للكيفية قالوا: ولا نتعرض لمعناه، يقصدون به عدم التعرض للكيفية أو للمعنى الباطل.
ومثل ذلك قول الإمام أحمد الذي ذكره المصنف قال: (نؤمن بها ونصدق بها لا كيف ولا معنى) ويقصد بقول ولا معنى في كلام أحمد: أي المعنى الباطل وهو التأويل في اصطلاح المتأخرين، وهو صرف اللفظ عن معنى راجح إلى معنى مرجوح، ومما يدل على ذلك ما نقله الذهبي في سير أعلام النبلاء لما ترجم للخطيب البغدادي ذكر عقيدة الخطيب الموافقة لمذهب السلف إلى أن قال: " كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ... إلى أن قال: فإذا قلنا: إن للَّه يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها اللَّه لنفسه، فلا نقول أن معنى اليد القدرة ولا نقول السمع والبصر العلم. والشاهد قوله ولا نقول أن معنى اليد القدرة، فجعل تسمية اليد بالقدرة معنى، فأصبح باصطلاحهم إذا نفوا المعنى في صفات اللَّه يكون المقصود به شيئان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/199)
1 - نفي الكيفية أي لا تكييف.
2 - نفي المعنى الباطل وهو التأويل.
ومن قال إن اليد هي القدرة فقد جعل لها معنى. هذا إذا أطلقت كلمة معنى. أما إذا قال: " لا كيفية ولا معنى " فجمع بين المعنى والكيفية كما فعل الإمام أحمد فيحمل المعنى على التأويل الباطل.
وبذلك نكون قد انتصرنا لقول المؤلف وأنه كلام سليم على اصطلاحهم وأنه موجود في كلام السلف نفي المعنى بل موجود في كلام السلف نفي التفسير فيقولون ولا نفسرها. كما نقل الذهبي في سير أعلام النبلاء عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال أبو عبيد: وقال عبد العزيز الماجشون في رسالته في الرد على الجهمية ونقلها ابن تيمية في الحموية، قال في المقدمة بعدما حمد اللَّه وأثناء عليه قال: وكلّت الألسن عن تفسير صفته، فمعنى نفي التفسير في كلام السلف أي نفي الكيفية أو التأويل الباطل مثل كلمة نفي المعنى.
ومثله أسلوب درج عليه السلف في آيات الصفات أمِرّوها كما جاءت، أي لا تكيفوا ولا تذكروا معنى باطل. لكن إذا مرت هذه العبارات في كلام السلف فالأولى أن نوضح معناها ونفسره كما هو اعتقاد السلف، لا أن ننتقدهم على هذه الألفاظ ونخطئهم بها وهو أسلوب دارج عندهم ويرحم الله الجميع.
مسألة:
قول المصنف (وما أشكل من ذلك .. ) وقع خلاف في تفسير معنى كلام المصنف، وماذا يقصد بالإشكال، على ثلاثة أقسام:
1 - منهم من فسر كلام المصنف أي مشكل باعتبار بعض الصفات، وقالوا أن هناك بعض الصفات قد تكون مشكلة مثل صفة النزول والاستواء والصورة، من حيث الإشكالات التي تأتي على هذه الصفات مثل قولهم عند إثبات النزول هل يخلو منه العرش؟، وإذا كان مستوٍ على العرش هل هو أكبر منه أم مساوٍ له، وقالوا: إن المصنف يقصد هذا وقالوا أن الصفات المشكلة يجب إثباتها لفظاً دون التعرض لمعناها.
2 - ومنهم من قال إنه مشكل باعتبار الأشخاص وإن الإشكال أمر نسبي حسب علم الشخص وجهله وما كان مشكل عند شخص قد لا يكون مشكلا عند آخر، والواجب على من أشكل عليه لقصور فهمه أو علمه وجب إثباته لفظاً وترك التعرض لمعناه.
3 - أن المقصود بالإشكال عند المصنف الكيفية بالصفات فلا نتعرض لمعنى الكيفية، وإنما نثبت الألفاظ.
وهذا القول هو الراجح لأنه هو مقصود المصنف كما وضحنا ذلك في شرحنا لآية {وما يعلم تأويله إلا اللَّه}، وأما القولان السابقان فهما صحيحان باعتبار المعنى لكن المصنف ما أراد ذلك.
التفويض ليس مذهبا للسلف
مكتبة صالح آل الشيخ
/ما هو الرابط بين ما يجوز تأويله وما لا يجوز؟ وهل يجوز تأويل قول الله تعالى ?فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا? [الحشر:2] وتأويل قوله?فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ? [النحل:26]؟
الجواب: أن هذه المسألة مسألة عظيمة ودقيقة وبعدم معرفتها يكون الخلط بين التأويل والقول بظاهر الكلام أو ما يتضمنه الكلام أو لازم الكلام.
وأذكر أني في أثناء الشرح لما تكلمنا على الصفات, عرضتُ لهذه المسألة لكن أعيدها حتى تتكرر الفائدة:
فالتأويل: هو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى غيره, صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى غيره، لدليل دل عليه أو لقرينة.
فإذن في التأويل عندنا ظاهر, وهناك صرف اللفظ عن ظاهره, فعِماد فهم التأويل على فهم كلمة (الظاهر).
كما أن المجاز عندهم هو نقل اللفظ من وضعه الأول إلى وضع ثانٍ لعلاقة بينهما, ففهم المجاز الذي يقابله الحقيقة مبني على فهم: الوضع الأول, الوضع الثاني، العلاقة.
والتأويل مبني على فهم الظاهر والقرينة.
فإذن في التأويل شيئان؛ ظاهر وقرينة, مهم أن تعتني بهذين حتى تفهم المسألة. و
في الحقيقة والمجاز هناك ثلاثة ألفاظ؛ وضع أول, وضع ثان, وعلاقة.
الظاهر في التأويل نوعان؛ الظاهر في الكلام نوعان: هناك ظاهر اللفظ, وظاهر تركيبي.
? ظاهر يظهر من لفظ واحد.
? وظاهر يظهر من الكلام؛ من الجملة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/200)
ولهذا تعريف التأويل قالوا نقل الكلام أو صرف اللفظ, نقل الكلام من ظاهره المتبادر منه إلى غيره بقرينة، أو صرف اللفظ، فنقل الكلام أو صرف الكلام عن ظاهره هذا راجع إلى الظاهر التركيبي, وصرف اللفظ عن ظاهره هذا راجع إلى اللفظ الإفرادي فمثلا في قول الله جل وعلا ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى? [طه:5]، قالوا استوى بمعنى: استولى أو هيمن, هذا تفسير لكلمة استوى, هنا نقل اللفظ من ظاهره إلى معنى آخر بقرينة, ظاهر اللفظ هنا أن استوى بمعنى: علا. هذا معناها في اللغة, فأولوها بمعنى استولى فصار هذا تأويلا, هل هذا تأويل سائغ أم غير سائغ؟ نقول هذا تأويل باطل غير سائغ؛ لأنه نقل اللفظ عن ظاهره المتبادر منه بغير قرينة, القرينة التي يدّعونها, القرينة العقلية, والقرينة العقلية مبنية على أنْ يكون العقل تصوَّر امتناع إثبات ظاهر اللفظ, فلذلك نقله, ومن المتقرر أنّ علوّ الله جل وعلا على عرشه لا يمتنع عقلا –اليس كذلك؟ - ما نقول ثابت عقلا، العلو ثابت عقلا الاستواء على العرش لا يمتنع عقلا، فعلى تقدير مجاراتهم في كلامهم نقول هو جائز عقلا, وإذا كان كذلك فيكون نقل اللفظ من ظاهره إلى غيره يكون تأويلا باطلا.
هناك تأويل صحيح ممثل ما ذكر من الآيات مثل قول الله جل وعلا ?فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ? [النحل:26]، ظاهره؛ ظاهر اللفظ أن الإتيان هنا لله جل وعلا (أَتَى اللَّهُ) يعني أنّ الله يأتي لكن أجمع أهل السنة على أنّ هذه الآية ليست من آيات صفة الإتيان، لم؟ لأن الظاهر هنا ظاهر تركيبي ?فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ? [النحل:26] معلوم أنّه لما قال (مِنَ الْقَوَاعِدِ) بأن الله جل وعلا لم يأتِ من القواعد بذاته ?فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ? [النحل:26]، وإنما أتى الله جل وعلا بصفاته يعني بقدرته, بعذابه, بنكاله, كذلك قول الله جل وعلا?أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ? [الفرقان:45] , (أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ) ليس معناه رؤية الله جل وعلا حيث يمد الظل, وإنما تُرى قدرته جل وعلا حيث يمد الظل، فهذا الظاهر تركيبي، هذا لا يُسمى تأويلا أصلا؛ لأنه القول بظاهر الكلام فما نقلنا الكلام وما صرفنا الكلام عن ظاهره.
فإذن القاعدة المقررة عند أهل السنة أنه في نصوص الغيبيات؛ في الصفات أو في ما يكون يوم القيامة, أو في الملائكة, إلى غير ذلك، لا تأويل فيها، فنأخذ بالظاهر, هذا الظاهر تارة يكون ظاهرا من جهة اللفظ, و تارة يكون ظاهرا من جهة التركيب.
في قول الله جل وعلا? تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ? [الملك:1]، قد تجد من يفسرها بقوله (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) يعني في قبضته وتحت تصرفه, وهذا التفسير إذا كان مع إثبات صفة اليد لله جل وعلا فهو تفسير سائغ؛ لأن الملك بيده, بمعنى أنه تحت تصرفه، لكن في الآية إثبات صفة اليد.
في قول الله جل وعلا ?يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ? [الفتح:10]، قال ابن كثير وغيره: هذا تشديد في أمر البيعة. هذا فيه إثبات صفة اليد لله جل وعلا ومعنى الكلام في ظاهره التركيبي مع إثبات صفة اليد أنّ فيه تشديد أمر البيعة.
فإذا كان أحد من المفسرين فسر بالظاهر التركيبي أو فسر بالمتضمن للكلام، أو فسر باللازم فتنظر فيه هل يؤول الصفات أو لا يؤولها؟ فمثلا لو نظرت إلى هذه الآية (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) ووجدت أن في هذه الآية لم يثبت صفة اليد وإنما قال هذا تشديد في أمر البيعة لأجل أن لا ينكث بها أحد.
تنظر في الموضع الآخر لقوله جل وعلا ?مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ? [ص:75]، وفي قوله ?يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ? [المائدة:64]، هل في ذلك إثبات صفة اليد عند هذا المفسر أو لا؟ فإن أوّل في ذلك الموضع علمنا أنه في هذا الموضع أوّل، وإن أثبت في ذلك الموضع علمنا أنه في هذا الموضع فسّر باللازم والمتضمن.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/201)
وهذا من دقيق المسائل إذا لم تفهمه وجاوزه، ولا تأخذ فيه بعدم فهم له؛ لأنّ هذه من دقيق المسائل ولهذا بعضهم يقول البغوي أوّل، أو مثل واحد ألّف ابن كثير بين التفويض أو قال ابن كثير بين التأويل والتفويض أو بين التفويض والتأويل، ويظن أنّ بعض الناس أن ابن كثير فوّض بعض الآيات؛ فوض بعض الصفات أو أوّل، هذا غير صحيح، كذلك البغوي فوّض أو أوّل هذا غير صحيح، لم؟ لأنه قد يفسر باللازم، قد يفسر بالمتضمن، قد يفسر بالظاهر التركيبي، كيف تعلم الفرق بين المؤلف وغيره؟ كما فعل السائل هنا بدقة جيدة قال: ما هو الضابط بين ما يجوز تأويله وما لا يجوز تأويله؟ يلتبس في حق بعض المفسرين فلا تأخذ في الموضع المشكل الذي يحتمل أن يُفسَّر باللازم ولكن أنظر إلى الموضع الذي فيه التنصيص على الصفة فإذا أثبت الموضع الذي فيه التنصيص على الصفة، فإنه هنا ما أول الصفة ولكنه فسر بالمتضمن أو اللازم أو فسر بالظاهر التركيبي، وهذا بحث يحتاج إلى مزيد بسط لكن هذه أصوله.
13/ هناك كلام لشيخ الإسلام وهو أن أهل السنة يرون أنه لا مانع في وجود حوادث لا أول لها كما يوجد حوادث لا آخر لها؟
الزمان مخلوق والله جل وعر هو الأول والآخر وهو سبحانه وتعالى حي قيوم فعال لما يريد، فلابد لظهور أثر صفاته وأثر أسمائه الحسنى في بريته، فلابد إذن أن توجد برية فيتناهى الزمان، ينتهي الزمان، ويكون هو جل وعلا أوّل بصفاته وهو آخر أيضا ?هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ? [الحديد:3]، وهذه هي المسألة التي يسميها بعضهم قِدم الحوادث، أو تسلسل الحوادث أو نحو ذلك من الأسماء.
ومن مذهب أهل الحديث والسنة فيها: أن الله جل وعلا له الأسماء الحسنى والصفات العلا وأنّ أسماؤه وصفاته لابد أن يظهر أثرها في خليقته، فلا يكون متصفا بصفات وله أسماء متضمنة لصفات ثم يكون معطَّلا جل وعلا عن الفعل حتى يخلق الزمان ويخلق المكان، وهذا فيه دخولٌ في قول الجهمية والمعتزلة.
فأهل الحديث يقولون هو جل وعلا لم يزل حيا سبحانه وتعالى، وهو فعال لما يريد، ولابد أن يكون له إرادة سبحانه وتعالى، فإرادته أن يفعل؛ معنى ذلك أن يحدث فعل، وصفاته جل وعلا لابد أن يكون له أثر في الخليقة فصارت حوادث.
أول هذه الحوادث متى؟ نقول الزمان وجد بعد ذلك، والله جل وعلا أعلم بهذا الأمر، تقاصر العقل والفهم عن هذه الأشياء؛ لكن من الظلم ما قالوه من أن شيخ الإسلام وأهل الحديث قالوا بقول الفلاسفة؛ حيث يقول الفلاسفة بقدم هذا العالم، وأن هذا القول الذي ذكرناه من مذهب أهل الحديث هو قول الفلاسفة، هذا باطل وإنما أوتوا من جهة عدم الفهم، الفلاسفة والضلال في هذا الباب قالوا بقدم هذا العالم -فيها الإشارة- هذا العالم المنظور، هذا العالم الذي تراه؛ السموات والأفلاك والأرض قالوا هي قديمة.
وأما أهل السنة فقالوا خلق الله جل وعلا قديم، ليس هذا العالم، هناك جنس مخلوقات، أما هذا العالم فهو محدث مبتدئ ابتداءً نعلمه مما جاءت النصوص. ([2])
وأما فعل الله جل وعلا وجنس مخلوقاته فهذا علمه إلى الله جل وعلا، ولا يجوز لأحد أن يدخل في ذلك بتعطيل الله جل وعلا عن فعله لما يريد فهو سبحانه وتعالى الحي القيوم قائم على ما خلق سبحانه وتعالى، ولا بد أم يظهر أثر الصفات وأثر الأسماء في الخلق، وهذه مسألة عظيمة خاض فيها من لم يحسن، وهدى الله جل وعلا أهل السنة فيها بتعظيمه وعدم حدّ صفاته وأفعاله.
الفرقة الثالثة؛ أهل التجهيل: وأهل التجهيل ذكر منهم شيخ الإسلام صنفا وهم صنفان:
? ذكر أن أهل التجهيل الذين يقولون إنَّ النصوص نصوص الصفات والغيبيات لا يعلم أحدا معناها على الحقيقة، وإنما تمر كما جاءت ولا يُعلم معناها، كما ينقلون مخطئين في فهم ما نقلوا في كلام من نقلوه بأن الأئمة أحمد وغيره قالوا: لا كيف ولا معنى في نصوص الصفات والغيبيات. فيقولون إن المعنى لا يدركه أحد لا جبريل كان يعرف المعنى، ولا الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعرف المعنى ولا الصحابة كانوا يعرفون المعنى، فلا أحد يعلم المعنى على الحقيقة، وعلى هذا يكونون أهل تجهيل لأنهم قالوا إن الأمة؛ بل إن جميع الخلق يجهلون معنى النصوص فلا أحد يعلم معنى النصوص الغيبية، وهذا معناه أنهم جهال بما أنزل الله جل وعلا على نبيه r، فمثلا عندهم معنى (يأتي) معنى الإتيان قد
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/202)
يكون هو معنى الرحمة، وقد يكون هو معنى الاستواء، وقد يكون هو معنى الغضب، وقد يكون هو معنى القدرة إلى آخره، فالمعاني لا تفهم بالعربية، وإنما الكلام جرى على هذا النحو لكن معناه لا يعلم، لا أحد يعلم معناه، هذه فرقة وهم الغلاة في هذا الباب، مع أنه منسوب هذا إلى طائفة من المنتسبين إلى السلف كما قال شيخ الإسلام هنا.
? والطائفة الأخرى من أهل التجهيل: الذين يفوضون المعنى يقولون المعنى لا نعلمه فنفوّض المعنى إلى الله جل وعلا، والرسول r يعلم المعنى ولكن لم يبينه، ومن الصحابة من علم المعنى ولكن لم يبينه، وإنما سِيقت نصوص الصفات والغيبيات هكذا دون تفسير لها، ومعانيها غير هذه الظاهرة منها، لهذا يقولون معنى قول السلف أمروها كما جاءت يعني لا تخوضوا فيها.
وهذا باطل بوضوح؛ لأنهم قالوا كما جاءت، ولم يقولوا أمروها فقط، وإمرارها كما جاءت في نصها العربي كما هو معلوم، وهذا هو المذهب المعروف بمذهب أهل التفويض، مذهب المفوضة، فإن المفوضة أهل التجهيل لأنهم يقولون نجهل المعنى، وهذا قول كثير من المنتسبين لأحمد من المتأخرين، وقول طائفة من المنتسبين للأشعرية من المتأخرين، ويظنون أن هذا مذهب السلف، وهذا باطل فإنه مذهب أهل التجهيل، ولهذا من عقائد الأشعرية التفويض؛ تفويض المعنى من عقائد الأشاعرة، لهذا في منظومتهم المشهورة في الجوهرة:
وكل نص أوهم التشبيه أوِّله أو فوّض ورُم تنزيهَا
أوِّله كطريقة أهل التأويل وهو الكمال عندهم (أو فوّض) المعنى (ورم تنزيها) وهذا قول طائفة منهم.
السلف وأئمتهم يفوضون ولكن يفوضون الكيفية؛ لأن الكيفية لا يعلمها إلا الله جل وعلا، كيف اتصف بهذه الصفة؟ كيف صفته الوجه؟ كيف صفته القدم؟ كيف صفته اليد؟ كيف صفته القدرة؟ لا يعلمها إلا الله جل وعلا، أما معنى اليد فنعلمه معنى الوجه نعلمه، معنى القدم نعلمه، معنى الرحمة نعلمها، إلى آخره.
فإذن التفويض اللائق أنّ يفوَّض ويوكل العلم إلى الله جل وعلا ولا يعلم أحد تأويله إلا الله سبحانه وتعالى هو تفويض الكيفية لا تفويض المعنى، أما تفويض المعنى فهو من التجهيل، وهذا قول طائفة من الضُّلاَّل؛ بل قد قال الأئمة إنَّ أهل التفويض يعني أهل التجهيل شر من أهل التأويل؛ لأنهم سلبوا المعنى أصلا عن النص الذي يعلم، وأولئك أوَّلوا فأبقوا المعنى ولكن أولوا فأبقوا المعنى ولكن أولوه إلى معنى آخر، والمعنى الآخر الذي أوَّله إليه أهل التأويل صحيح في نفسه ولكنه ليس صحيحا بالنسبة لفظ الذي أولوه، فمثلا أولوا الرحمة بأنها الإنعام، الإنعام صحيح في نفسه أن الله متصف بالإنعام، ولكن لا يصلح أن يكون تفسيرا للرحمة؛ لأن الرحمة صفة من حيث هي معلومة المعنى.
المقصود من ذلك أن يُحذر من هذه الطرائق الثلاث، وكلها مناقضة لطريقة السلف، فأعظمها الأولى أهل التخييل وهم كفار، ويليها أهل التجهيل ومنهم من يكفر إذا ادَّعى أن هذه النصوص لا معنى لها البتة، وأخفهم أهل التأويل وأولئك لا يطلق القول بكفرهم؛ ولكن منهم وهم الغلاة؛ غلاة الجهمية وغلاة المعتزلة وأشباههم منهم من حكم بكفره لتكذيبه ما جاءت به النصوص ورده ما دلت عليه. نكتفي بهذا القدر.
.. هو إذا كان يقول أن جبريل لا يعلم، النبي r لا يعلم، الصحابة لا يعلمون، لا أحد يعلم المعنى، هذا صنف.
وإذا كان هؤلاء علموا المعنى، والسادات من العلماء وعلموا المعنى؛ لكن لم يبين المعنى لأحد؛ بل يعلمون ويسكتون هذا قول المفوضة، يقول أنا ما أعلم المعنى، أفوض المعنى لله جل وعلا.
أقاويل الثقات المؤلف: مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي [جزء 1 - صفحة 236 وما بعدها]
قال (أي شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى) والمنحرفون عن طريقة السلف ثلاث طوائف أهل التخييل وأهل التأويل وأهل التجهيل
فأهل التخييل هم المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من متكلم ومتصوف ومتفقه فإنهم يقولون إن ما ذكره الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر إنما هو تخييل للحقائق لينفع به الجمهور لا أنه يبين به الحق ولا هدى به الخلق ولا أوضح الحقائق
ثم هم على قسمين
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/203)
منهم من يقول إن الرسول لم يعلم الحقائق على ما هي عليه ويقولون إن من الفلاسفة الإلهية من علمها وكذلك من الأشخاص الذين يسمونهم أولياء من علمها ويزعمون أن من الفلاسفة والأولياء من هو أعلم بالله واليوم الآخر من المرسلين وهذه مقالة غلاة الملحدين من الفلاسفة الباطنية باطنية الشيعة وباطنية الصوفية
ومنهم من يقول بل الرسول علمها لكن لم يبينها وإنما تكلم بما يناقضها وأراد من الخلق فهم ما يناقضها لأن مصلحة الخلق في هذه الإعتقادات التي لا تطابق الحق
ويقول هؤلاء يجب على الرسول أن يدعو الناس إلى إعتقاد التجسيم مع أنه باطل وإلى اعتقاد معاد الأبدان مع أنه باطل ويخبرهم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون مع أن ذلك باطل لأنه لا يمكن دعوة الخلق إلا بهذه الطريق التي تتضمن الكذب لمصلحة العباد
فهذا قول هؤلاء في نصوص الإيمان بالله واليوم الآخر
وأما الأعمال فمنهم من يقرها ومنهم من يجريها هذا المجرى ويقول إنما يؤمر بها بعض الناس دون بعض ويؤمر بها العامة دون الخاصة وهذه طريقة الباطنية الملاحدة والإسماعيلية ونحوهم
وأما أهل التأويل فيقولون إن النصوص الواردة في الصفات لم يقصد بها الرسول أن يعتقد الناس بها الباطل ولكن قصد بها معاني ولم يبين لهم ذلك ولا دلهم عليها ولكن أراد أن ينظروا فيعرفوا الحق بعقولهم ثم يجتهدوا في صرف تلك النصوص عن مدلولها ومقصوده امتحانهم وتكليفهم وإتعاب أذهانهم وعقولهم في أن يصرفوا كلامه عن مدلوله ومقتضاه ويعرفوا الحق من غير جهته وهذا قول المتكلمة والجهمية والمعتزلة وهم وإن تظاهروا بنصر السنة في مواضع كثيرة لكن في الحقيقة لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا لكن أولئك الملاحدة ألزموهم في نصوص المعاد نظير ما أدعوه في نصوص الصفات فقالوا نحن نعلم بالإضطرار أن الرسل جاءت بمعاد الأبدان وقد علمنا فساد الشبه المانعة منه
والسلف ومن تبعهم يقولون لهم ونحن نعلم بالإضطرار أن الرسل جاءت بإثبات الصفات ونصوص الصفات في الكتب الإلهية أكثر وأعظم من نصوص المعاد ويقولون لهم معلوم أن مشركي العرب وغيرهم كانوا ينكرون المعاد وقد أنكروه على الرسول وناظروه عليه بخلاف الصفات فإنه لم ينكر شيئا منها أحد من العرب فعلم أن إقرار العقول بالصفات أعظم من إقرارها بالمعاد
هذا والحق ظاهر في نفسه وعليه نور والحق يقبل من كل من يتكلم به
وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول كما رواه أبو داود في سننه اقبلوا الحق من كل من جاء به وإن كان كافرا أو قال فاجرا واحذروا زيغة الحكيم قالوا كيف نعلم أن الكافر يقول الحق قال إن على الحق نورا أو كلاما هذا معناه
قال ابن تيمية والله يعلم أني بعد البحث التام ومطالعة ما أمكن م كلام السلف ما رأيت كلام أحد منهم يدل لا نصا ولا ظاهرا و بالقرائن على نفي الصفات الخبرية في نفس الأمر بل الذي رأيته أنهم يثبتون جنسها في الجملة وما رأيت أحدا منهم نفاها وإنما ينفون التشبيه وينكرون على المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه مع إنكارهم على من ينفي الصفات كقول نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري من شبه الله بخلقه فقد كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس من وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها
وكانوا إذا رأوا الرجل قد أغرق في نفي التشبيه من غير إثبات الصفات قالوا هذا جهمي معطل وهذا كثير في كلامهم
والجهمية والمعتزلة إلى اليوم يسمون من أثبت شيئا من الصفات مشبها كذبا منهم وإفتراء حتى قال ثمامة بن أشرس من رؤساء الجهمية ثلاثة من الأنبياء مشبهة موسى حيث قال إن هي إلا فتنتك الأعراف 155 وعيسى حيث قال تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك المائدة 116 ومحمد حيث قال ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا وحتى إن جل المعتزلة يدخل عامة الأئمة مثل مالك وأصحابه والثوري وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه والأوزاعي وأصحابه والشافعي وأصحابه وأحمد وأصحابه وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وغيرهم في قسم المشبهة
وأطال ابن تيمية الكلام على ذلك وعلى تأييد مذهب السلف في عدة كراريس
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/204)
ثم قال ومن كان عليما بهذه الأمور تبين له بذلك حذق السلف وعلمهم وخبرتهم حيث حذروا عن الكلام ونهوا عنه وذموا أهله وعابوهم وعلم أن من ابتغى الهدى في غير الكتاب والسنة لم يزدد إلا بعدا فنسأل الله العظيم أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال مؤلفه تم وكمل في جمادى الآخرة بمصر المحروسة عام اثنين وثلاثين وألف
تيسير العزيز الحميد [جزء 1 - صفحة 518]
وظنوا أن لنصوص الصفات تأويلا يخالف ما دلت عليه لا يعلمه إلا لله كما يقوله أهل التجهيل أو يعلمه المتأولون كما يقوله أهل التأويل وفي الأثر المشروح دليل على ذكر آيات الصفات وأحاديثها بحضرة عوام المؤمنين وخواصهم وأن من رد شيئا منها أو استنكره بعد صحته فهو ممن لم يفرق بين الحق والباطل بل هو من الهالكين وأنه ينكر عليه استنكاره
مجموع الفتاوى [جزء 4 - صفحة 66 وما بعدها]
وهذا باب واسع فإن الخارجين عن طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان لهم في كلام الرسول ثلاث طرق طريقة التخييل وطريقة التأويل وطريقة التجهيل
فأهل التخييل هم الفلاسفة والباطنية الذين يقولون أنه خيل أشياء لا حقيقة لها في الباطن وخاصية النبوة عندهم التخييل
وطريقة التأويل طريقة المتكلمين من الجهمية والمعتزلة وأتباعهم يقولون إن ما قاله له تأويلات تخالف ما دل عليه اللفظ وما يفهم منه وهو وإن كان لم يبين مراده ولا بين الحق الذي يجب اعتقاده فكان مقصوده أن هذا يكون سببا للبحث بالعقل حتى يعلم الناس الحق بعقولهم ويجتهدوا في تأويل ألفاظه إلى ما يوافق قولهم ليثابوا على ذلك فلم يكن قصده لهم البيان والهداية والإرشاد والتعليم بل قصده التعمية والتلبيس ولم يعرفهم الحق حتى ينالوا الحق بعقلهم ويعرفوا حينئذ أن كلامه لم يقصد به البيان فيجعلون حالهم في العلم مع عدمه خيرا من حالهم مع وجوده
وأولئك المتقدمون كابن سينا وأمثاله ينكرون على هؤلاء ويقولون ألفاظه كثيرة صريحة لا تقبل التأويل لكن كان قصده التخييل وأن يعتقد الناس الأمر على خلاف ما هو عليه
وأما الصنف الثالث الذين يقولون إنهم أتباع السلف فيقولون إنه لم يكن الرسول يعرف معنى ما أنزل عليه من هذه الآيات ولا أصحابه يعلمون معنى ذلك بل لازم قولهم أنه هو نفسه لم يكن يعرف معنى ما تكلم به من أحاديث الصفات بل يتكلم بكلام لا يعرف معناه والذين ينتحلون مذهب السلف يقولون إنهم لم يكونوا يعرفون معاني النصوص بل يقولون ذلك في الرسول وهذا القول من أبطل الأقوال ومما يعتمدون عليه من ذلك ما فهموه من قوله تعالى وما يعلم تأويله إلا الله ويظنون أن التأويل هو المعنى الذي يسمونه هم تأويلا وهو مخالف للظاهر
ثم هؤلاء قد يقولون تجري النصوص على ظاهرها وتأويلها لا يعلمه إلا الله ويريدون بالتأويل ما يخالف الظاهر وهذا تناقض منهم وطائفة يريدون بالظاهر ألفاظ النصوص فقط والطائفتان غالطتان في فهم الآية
وذلك أن لفظ التأويل قد صار بسبب تعدد الاصطلاحات له ثلاث معان أحدها أن يراد بالتأويل حقيقة ما يؤول إليه الكلام وإن وافق ظاهره وهذا هو المعنى الذي يراد بلفظ التأويل في الكتاب والسنة كقوله تعالى هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق ومنه قول عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا ولك الحمد اللهم اغفر لي يتأول القرآن
والثاني يراد بلفظ التأويل التفسير وهو اصطلاح كثير من المفسرين ولهذا قال مجاهد إمام أهل التفسير إن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه فإنه أراد بذلك تفسيره وبيان معانيه وهذا مما يعلمه الراسخون
والثالث أن يراد بلفظ التأويل صرف اللفظ عن ظاهره الذي يدل عليه ظاهره إلى ما يخالف ذلك لدليل منفصل يوجب ذلك وهذا التأويل لا يكون إلا مخالفا لما يدل عليه اللفظ ويبينه وتسمية هذا تأويلا لم يكن في عرف السلف وإنما سمي هذا وحده تأويلا طائفة من المتأخرين الخائضين في الفقه وأصوله والكلام وظن هؤلاء أن قوله تعالى وما يعلم تأويله إلا الله يراد به هذا المعنى ثم صاروا في هذا التأويل على طريقين قوم يقولون إنه لا يعلمه إلا الله وقوم يقولون إن الراسخين ي العلم يعلمونه وكلا الطائفتين مخطئة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/205)
فإن هذا التأويل في كثير من المواضع أو أكثرها وعامتها من باب تحريف الكلم عن مواضعه من جنس تأويلات القرامطة والباطنية وهذا هو التأويل الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه وصاحوا بأهله من أقطار الأرض ورموا في آثارهم بالشهب
وقد صنف الإمام أحمد كتابا في الرد على هؤلاء وسماه الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله فعاب أحمد عليهم أنهم يفسرون القرآن بغير ما هو معناه ولم يقل أحمد ولا أحد من الأئمة إن الرسول لم يكن يعرف معاني آيات الصفات وأحاديثها ولا قالوا إن الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يعرفوا تفسير القرآن ومعانيه
كيف وقد أمر الله بتدبر كتابه فقال تعالى كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ولم يقل بعض آياته وقال أفلا يتدبرون القرآن وقال أفلم يدبروا القول وأمثال ذلك في النصوص التي تبين أن الله يحب أن يتدبر الناس القرآن كله وأنه جعله نورا وهدى لعباده ومحال أن يكون ذلك مما لا يفهم معناه وقد قال أبو عبدالرحمن السلمي حدثنا الذين كانوا يقرؤننا القرآن عثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود أنهم قالوا كنا إذا تعلمنا من النبي عشر آيات لم نجاوزها حتى نتعلم ما فيها من العلم والعمل قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع
والمقصود هنا أن من يقول في الرسول وبيانه للناس مما هو من قول الملاحدة فكيف يكون قوله في السلف حتى يدعي إتباعه وهو مخالف للرسول والسلف عند نفسه وعند طائفته فإنه قد أظهر من قول النفاة ما كان الرسول يرى عدم إظهاره لما فيه من فساد الناس وأما عند أهل العلم والإيمان فلا وقول النفاة باطل باطنا وظاهرا والرسول ومتبعوه منزهون عن ذلك بل مات وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك وأخبرنا أن كل ما حدث بعده ن محدثات الأمور فهو بدعة وكل بدعة ضلالة
وربما أنشد بعض أهل الكلام بيت مجنون بني عامر ... وكل يدعى وصلا لليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاكا ...
فمن قال من الشعر ما هو حكمة أو تمثل ببيت من الشعر فيما تبين له أنه حق كان قريبا أما إثبات الدعوى بمجرد كلام منظوم من شعر أو غيره فيقال لصاحبه ينبغي أن تبين أن السلف لا يقرون بمن انتحلهم وهذا ظاهر فيما ذكره هو وغيره ممن يقولون عن السلف ما لم يقولوه ولم ينقله عنهم أحد له معرفة بحالهم وعدل فيما نقل فإن الناقل لا بد أن يكون عالما عدلا
فإن فرض أن أحدا نقل مذهب السلف كما يذكره فإما أن يكون قليل المعرفة بآثار السلف كأبي المعالي وأبي حامد الغزالي وابن الخطيب وأمثالهم ممن لم يكن لهم من المعرفة بالحديث ما يعدون به من عوام أهل الصناعة فضلا عن خواصها ولم يكن الواحد من هؤلاء يعرف بالبخاري ومسلما وأحاديثهما إلا بالسماع كما يذكر ذلك العامة ولا يميزون بين الحديث الصحيح المتواتر عند أهل العلم بالحديث وبين الحديث المفترى المكذوب وكتبهم أصدق شاهد بذلك ففيها عجائب
وتجد عامة هؤلاء الخارجين عن منهاج السلف من المتكلمة والمتصوفة يعترف بذلك إما عند الموت وإما قبل الموت والحكايات في هذا كثيرة معروفة
هذا أبو الحسن الأشعري نشأ في الاعتزال أربعين عاما يناظر عليه ثم رجع عن ذلك وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم
وهذا أبو حامد الغزالي مع فرط ذكائه وتألهه ومعرفته بالكلام والفلسفة وسلوكه طريق الزهد والرياضة والتصوف ينتهي في هذه المسائل إلى الوقف والحيرة ويحيل في آخر أمره على طريقة أهل الكشف وإن كان بعد ذلك رجع إلى طريقة أهل الحديث وصنف إلجام العوام عن علم الكلام
وكذلك أبو عبدالله محمد بن عمر الرازي قال في كتابه الذي صنفه في أقسام اللذات لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفى عليلا ولا تروى عليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن أقرأ في الإثبات الرحمن على العرش استوى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وأقرأ في النفي ليس كمثله شيء ولا يحيطون به علما هل تعلم له سميا ثم قال ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي وكان يتمثل كثيرا ... نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال ... وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال ... ولم نستفذ من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا ...
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/206)
وهذا إمام الحرمين ترك ما كان ينتحله ويقرره واختار مذهب السلف وكان يقول يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو أني عرفت أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به وقال عند موته لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت فيما نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني وهاأنذا أموت على عقيدة أمي أو قال عقيدة عجائز نيسابور
وكذلك قال أبو عبدالله محمد بن عبدالكريم الشهرستاني أخبر أنه لم يحد عند الفلاسفة والمتكلمين إلا الحيرة والندم وكان ينشد ... لعمري لقد طفت المعاهد كلها ... وسيرت طرفي بين تلك المعالم ... فلم أر إلا واضعا كف حائر ... على ذقن أو قارعا سن نادم ...
وابن الفارض من متأخري الاتحادية صاحب القصيدة التائية المعروفة بنظم السلوك وقد نظم فيها الاتحاد نظما رائق اللفظ فهو أخبث من لحم خنزير في صينية من ذهب وما أحسن تسميتها بنظم الشكوك الله أعلم بها وبما اشتملت عليه وقد نفقت كثيرا وبالغ أهل العصر في تحسينها والإعتداد بما فيها من الاتحاد لما حضرته الوفاة أنشد ... إن كان منزلتي في الحب عندكم ... ما قد لقيت فقد ضيعت أيامي ... أمنية ظفرت نفسي بها زمنا ... واليوم أحسبها أضغاث أحلام
مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 32 وما بعدها]
وأما أهل التأويل فيقولون ان النصوص الواردة فى الصفات لم يقصد بها الرسول أن يعتقد الناس الباطل ولكن قصد بها معانى ولم يبين لهم تلك المعانى ولا دلهم عليها ولكن أراد أن ينظروا فيعرفوا الحق بعقولهم ثم يجتهدوا فى صرف تلك النصوص عن مدلولها ومقصوده امتحانهم وتكليفهم وإتعاب أذهانهم وعقولهم فى أن يصرفوا كلامه عن مدلوله ومقتضاه ويعرف الحق من غير جهته وهذا قول المتكلمة والجهمية والمعتزلة ومن دخل معهم فى شىء من ذلك
والذين قصدنا الرد فى هذه الفتيا عليهم هم هؤلاء اذ كان نفور الناس عن الاولين مشهورا بخلاف هؤلاء فانهم تظاهروا بنصر السنة فى مواضع كثيرة وهم فى الحقيقة لا للاسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا
وأما الصنف الثالث وهم أهل التجهيل فهم كثير من المنتسبين الى السنة واتباع السلف يقولون أن الرسول لم يعرف معانى ما أنزل الله اليه من آيات الصفات ولا جبريل يعرف معانى الآيات ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك
وكذلك قولهم فى أحاديث الصفات أن معناها لا يعلمه الا الله مع أن الرسول تكلم بها ابتداء فعلى قولهم تكلم بكلام لا يعرف معناه
وهؤلاء يظنون أنهم اتبعوا قوله تعالى وما يعلم تأويله الا الله فإنه وقف أكثر السلف على قوله وما يعلم تأويله الا الله وهو وقف صحيح لكن لم يفرقوا بين معنى الكلام وتفسيره وبين التأويل الذى انفرد الله تعالى بعلمه وظنوا أن التأويل المذكور فى كلام الله تعالى هو التأويل المذكور فى كلام المتأخرين وغلطوا فى ذلك
فإن لفظ التأويل يراد به ثلاث معان
فالتأويل فى اصطلاح كثير من المتأخرين هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح الى الاحتمال المرجوح لدليل يقتر بذلك فلا يكون معنى اللفظ الموافق لدلالة ظاهره تأويلا على اصطلاح هؤلاء وظنوا أن مراد الله تعالى بلفظ التأويل ذلك وان للنصوص تأويلا يخالف مدلولها لا يعلمه الا الله ولا يعلمه المتأولون
ثم كثير من هؤلاء يقولون تجرى على ظاهرها فظاهرها مراد مع قولهم ان لها تأويلا بهذا المعنى لا يعلمه الا الله وهذا تناقض وقع فيه كثير من هؤلاء المنتسبين الى السنة من اصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم
والمعنى الثانى أن التأويل هو تفسير الكلام سواء وافق ظاهره أو لم يوافقه وهذا هو التأويل فى اصطلاح جمهور المفسرين وغيرهم وهذا التأويل يعلمه الراسخون فى العلم وهو موافق لوقف من وقف من السلف على قوله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون فى العلم كما نقل ذلك عن ابن عباس ومجاهد ومحمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن اسحاق وابن قتيبة وغيرهم وكلا القولين حق باعتبار كما قد بسطناه فى موضع آخر ولهذا نقل عن ابن عباس هذا وهذا وكلاهما حق
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/207)
والمعنى الثالث أن التأويل هو الحقيقة التى يؤول الكلام اليها وان وافقت ظاهره فتأويل ما أخبر الله به فى الجنة من الأكل والشرب واللباس والنكاح وقيام الساعة وغير ذلك هو الحقائق الموجودة أنفسها لا ما يتصور من معانيها فى الاذهان ويعبر عنه باللسان وهذا هو التأويل فى لغة القرآن كما قال تعالى عن يوسف أنه قال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا وقال تعالى هل ينظرون الا تأويله يوم يأتى تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق وقال تعالى فان تنازعتم فى شىء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا
وهذا التأويل هو الذى لا يعلمه الا الله
وتأويل الصفات هو الحقيقة التى انفرد الله تعالى بعلمها وهو الكيف المجهول الذى قال فيه السلف كمالك وغيره الإستواء معلوم والكيف مجهول فالاستواء معلوم يعلم معناه ويفسر ويترجم بلغة اخرى وهو من التأويل الذى يعلمه الراسخون فى العلم وأما كيفية ذلك الاستواء فهو التأويل الذى لا يعلمه الا الله تعالى
وقد روى عن ابن عباس ما ذكره عبدالرزاق وغيره فى تفسيرهم عنه أنه قال تفسير القرآن على أربعة أوجه
تفسير تعرفه العرب من كلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعلمه الا الله عز وجل فمن ادعى علمه فهو كاذب
وهذا كما قال تعالى فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وقال النبى يقول الله تعالى أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
وكذلك علم وقت الساعة ونحو ذلك فهذا من التأويل الذى لا يعلمه الا الله تعالى
وان كنا نفهم معانى ما خوطبنا به ونفهم من الكلام ما قصد إفهامنا اياه كما قال تعالى أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها وقال أفلم يدبروا القول فأمر بتدبر القرآن كله لا بتدبر بعضه
وقال أبو عبدالرحمن السلمي حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن عثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا اذا تعلموا من النبى عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا
وقال مجاهد عرضت المصحف على ابن عباس رضى الله عنهما من فاتحته الى خاتمته أقف عند كل آية واسأله عنها
وقال الشعبى ما ابتدع أحد بدعة الا وفى كتاب الله بيانها وقال مسروق ما سئل أصحاب محمد عن شىء الا وعلمه فى القرآن ولكن علمنا قصر عنه
وهذا باب واسع قد بسط فى موضعه
والمقصود هنا التنبيه على أصول المقالات الفاسدة التى أوجبت الضلالة فى باب العلم والايمان بما جاء به الرسول وان من جعل الرسول غير عالم بمعانى القرآن الذى أنزل اليه ولا جبريل جعله غير عالم بالسمعيات ولم يجعل القرآن هدى ولا بيانا
للناس ثم هؤلاء ينكرون العقليات فى هذا الباب بالكلية فلا يجعلون عند الرسول وأمته فى باب معرفة الله عز وجل لا علوما عقلية ولا سمعية وهم قد شاركوا الملاحدة فى هذه من وجوه متعددة وهم مخطئون فيما نسبوا الى الرسول والى السلف من الجهل كما أخطأ فى ذلك أهل التحريف والتأويلات الفاسدة وسائر اصناف الملاحدة
ونحن نذكر من الفاظ السلف بأعيانها وألفاظ من نقل مذهبهم الى غير ذلك من الوجوه بحسب ما يحتمله هذا الموضع ما يعلم به مذهبهم:
روى ابو بكر البيهقى فى الأسماء والصفات باسناد صحيح عن الأوزاعى قال كنا والتابعون متوافرون نقول ان الله تعالى ذكره فوق عرشه ونؤمن بما وردت فيه السنة من صفاته
وقد حكى الأوزاعى وهو أحد الأئمة الأربعة فى عصر تابع التابعين الذين هم مالك إمام أهل الحجاز و الأوزاعى امام أهل الشام و الليث امام أهل مصر و الثورى امام أهل العراق حكى شهرة القول فى زمن التابعين بالإيمان بأن الله تعالى فوق العرش وبصفاته السمعية
وانما قال الأوزاعى هذا بعد ظهور مذهب جهم المنكر لكون الله فوق عرشه والنافى لصفاته ليعرف الناس أن مذهب السلف خلاف ذلك
وروى أبو بكر الخلال فى كتاب السنة عن الاوزاعى قال سئل مكحول والزهرى عن تفسير الأحاديث فقالا امروها كما جاءت وروى ايضا عن الوليد بن مسلم قال سألت مالك بن أنس وسفيان الثورى والليث بن سعد والاوزاعى عن الأخبار التى جاءت فى الصفات فقالوا أمروها كما جاءت وفى رواية فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيف
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/208)
فقولهم رضى الله عنهم أمروها كما جاءت رد على المعطلة وقولهم بلا كيف رد على الممثلة والزهرى ومكحول هما أعلم التابعين فى زمانهم والأربعة الباقون أئمة الدنيا فى عصر تابعى التابعين ومن طبقتهم حماد بن زيد وحماد بن سلمة وأمثالهما
وروى ابو القاسم الازجى بإسناده عن مطرف بن عبدالله قال سمعت مالك بن انس اذا ذكر عنده من يدفع أحاديث الصفات يقول قال عمر بن عبدالعزيز سن رسول الله وولاة الأمر بعده سننا الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد من خلق الله تعالى تغييرها ولا النظر فى شىء خالفها من اهتدى بها فهو مهتد ومن استنصر بها فهو منصور ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى واصلاه جهنم وساءت مصيرا
وروى الخلال باسناد كلهم أئمة ثقات عن سفيان بن عيينة قال سئل ربيعة بن أبى عبدالرحمن عن قوله الرحمن على العرش استوى كيف استوى قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ المبين وعلينا التصديق
وهذا الكلام مروى عن مالك بن أنس تلميذ ربيعة بن أبى عبدالرحمن من غير وجه
منها ما رواه أبو الشيخ الاصبهانى وأبو بكر البيهقى عن يحيى ابن يحيى قال كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال يا أبا عبدالله الرحمن على العرش استوى كيف استوى فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما اراك الا مبتدعا ثم أمر به أن يخرج
فقول ربيعة ومالك الإستواء غير مجهول والكيف غير معقول والايمان به واجب موافق لقول الباقين امروها كما جاءت بلا كيف فانما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة
ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ولما قالوا أمروها كما جاءت بلا كيف فان الاستواء حينئذ لا يكون معلوما بل مجهولا بمنزلة حروف المعجم
وأيضا فانه لا يحتاج الى نفى علم الكيفية اذا لم يفهم عن اللفظ معنى وانما يحتاج الى نفى علم الكيفية اذا أثبتت الصفات
وأيضا فان من ينفى الصفات الخبرية أو الصفات مطلقا لا يحتاج الى أن يقول بلا كيف فمن قال ان الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول بلا كيف فلو كان مذهب السلف نفى الصفات فى نفس الأمر لما قالوا بلا كيف
وأيضا فقولهم امروها كما جاءت يقتضى ابقاء دلالتها على ما هى عليه فانها جاءت الفاظ دالة على معانى فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال أمروا لفظها مع إعتقاد أن المفهوم منها غير مراد أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت ولا يقال حينئذ بلا كيف اذ نفى الكيف عما ليس بثابت لغو من القول
وروى الأثرم فى السنة وأبو عبدالله بن بطة فى الابانة وأبو عمرو الطلمنكى وغيرهم باسناد صحيح عن عبدالعزيز بن عبدالله بن أبى سلمة الماجشون وهو أحد أئمة المدينة الثلاثة
الذين هم مالك بن أنس وابن الماجشون وابن أبى ذئب وقد سئل عما جحدت به الجهمية أما بعد فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت الجهمية ومن خلفها فى صفة الرب العظيم الذى فاقت عظمته الوصف والتدبر وكلت الألسن عن تفسير صفته وانحصرت العقول دون معرفة قدرته وردت عظمته العقول فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهى حسيرة وانما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق بالتقدير وانما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان فأما الذى لا يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فانه لا يعلم كيف هو الا هو وكيف يعرف قدر من لم يبدأ ومن لا يموت ولا يبلى وكيف يكون لصفة شىء منه حد أو منتهى يعرفه عارف أو يحد قدره واصف على أنه الحق المبين لا حق أحق منه ولا شىء أبين منه الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه لا تكاد تراه صغرا يجول ويزول ولا يرى له سمع ولا بصر لما يتقلب به ويحتال من عقله أعضل بك واخفى عليك مما ظهر من سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين وخالقهم وسيد السادة وربهم ليس كمثله شىء وهو السميع البصير
اعرف رحمك الله غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها اذا لم تعرف قدر ما وصف فما تكلفك علم ما لم يصف هل تستدل بذلك على شىء من طاعته أو تزدجر به عن شىء من معصيته
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/209)
فأما الذى جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا فقد استهوته الشياطين فى الأرض حيران فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال لابد ان كان له كذا من أن يكون له كذا فعمى عن البين بالخفى فجحد ما سمى الرب من نفسه لصمت الرب عما لم يسم منها فلم يزل يملى له الشيطان حتى جحد قول الله عز وجل وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة فقال لا يراه أحد يوم القيامة فجحد والله أفضل كرامة الله التى أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر الى وجهه ونضرته إياهم فى مقعد صدق عند مليك مقتدر قد قضى أنهم لا يموتون فهم بالنظر اليه ينضرون الى ان قال وانما جحد رؤية الله يوم القيامة اقامة للحجة الضالة المضلة لأنه قد عرف أنه اذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين وكان له جاحدا
وقال المسلمون يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله هل تضارون فى رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا قال فهل تضارون فى رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا لا قال فإنكم ترون ربكم يومئذ كذلك
وقال رسول الله لا تمتلىء النار حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط وينزوى بعضها الى بعض وقال لثابت بن قيس لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة وقال فيما بلغنا ان الله تعالى ليضحك من أزلكم وقنوطكم وسرعة اجابتكم فقال له رجل من العرب ان ربنا ليضحك قال نعم قال لا نعدم من رب يضحك خيرا الى أشباه لهذا مما لا نحصيه
وقال تعالى وهو السميع البصير واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وقال تعالى ولتصنع على عينى وقال تعالى ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى وقال تعالى والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون
فوالله ما دلهم على عظم ما وصفه من نفسه وما تحيط به قبضته إلا صغر نظيرها منهم عندهم ان ذلك الذى ألقى فى روعهم وخلق على معرفة قلوبهم فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه ولم نتكلف منه صفة ما سواه لا هذا ولا هذا لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف
اعلم رحمك الله أن العصمة فى الدين أن تنتهى فى الدين حيث انتهى بك ولا تجاوز ما قد حد لك فان من قوام الدين معرفة المعروف وانكار المنكر فما بسطت عليه المعرفة وسكنت اليه الافئدة وذكر أصله فى الكتاب والسنة وتوارثت علمه الامة فلا تخافن فى ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عيبا ولا تتكلفن بما وصف لك من ذلك قدرا
وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره فى كتاب ربك ولا فى حديث عن نبيك من ذكر صفة ربك فلا تكلفن علمه بعقلك ولا تصفه بلسانك واصمت عنه كما صمت الرب عنه من نفسه فان تكلفك معرفة ما لم يصف من نفسه مثل انكار ما وصف منها فكما أعظمت ما جحده الجاحدون مما وصف من نفسه فكذلك أعظم تكلف ما وصف الواصفون مما لم يصف منها
فقد والله عز المسلمون الذين يعرفون المعروف وبهم يعرف وينكرون المنكر وبانكارهم ينكر يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا فى كتابه وما بلغهم مثله عن نبيه فما مرض من ذكر هذا وتسميته قلب مسلم ولا تكلف صفة قدره ولا تسمية غيره من الرب مؤمن وما ذكر عن النبى أنه سماه من صفة ربه فهو بمنزلة ما سمى وما وصف الرب تعالى من نفسه
والراسخون فى العلم الواقفون حيث انتهى علمهم الواصفون لربهم بما وصف من نفسه التاركون لما ترك من ذكرها لا ينكرون صفة ما سمى منها جحدا ولا يتكلفون وصفه بما لم يسم تعمقا لأن الحق ترك ما ترك وتسمية ما سمى ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا وهب الله لنا ولكم حكما والحقنا بالصالحين
وهذا كله كلام ابن الماجشون الامام فتدبره وانظر كيف أثبت الصفات ونفى علم الكيفية موافقا لغيره من الأئمة وكيف أنكر على من نفى الصفات بأنه يلزمهم من اثباتها كذا وكذا كما تقوله الجهمية أنه يلزم ان يكون جسما أو عرضا فيكون محدثا
إلى أن قال قال ابو حنيفة عمن قال لا أعرف ربى فى السماء أم فى الأرض فقد كفر لأن الله يقول الرحمن على العرش استوى وعرشه فوق سبع سموات
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/210)
قلت فان قال أنه على العرش استوى ولكنه يقول لا أدرى العرش فى السماء أم فى الأرض قال هو كافر لأنه أنكر أن يكون فى السماء لأنه تعالى فى اعلى عليين وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل وفى لفظ سألت أبا حنيفة عمن يقول لا أعرف ربى فى السماء أم فى الأرض قال قد كفر قال لأن الله يقول الرحمن على العرش استوى وعرشه فوق سبع سموات قال فانه يقول على العرش استوى ولكن لا يدرى العرش فى الأرض أو فى السماء قال اذا أنكر أنه فى السماء فقد كفر
فى هذا الكلام المشهور عن أبى حنيفة عند اصحابه أنه كفر الواقف الذى يقول لا أعرف ربى فى السماء أم فى الأرض فكيف يكون الجاحد النافى الذى يقول ليس فى السماء أو ليس فى السماء ولا فى الأرض واحتج على كفره بقوله الرحمن على العرش استوى قال وعرشه فوق سبع سموات
وبين بهذا أن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى يبين أن الله فوق السماوات فوق العرش وان الاستواء على العرش دل على أن الله بنفسه فوق العرش
ثم أنه اردف ذلك بتكفير من قال انه على العرش استوى ولكن توقف فى كون العرش فى السماء أم فى الأرض قال لأنه أنكر أنه فى السماء لأن الله فى أعلى عليين وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل
وهذا تصريح من أبى حنيفة بتكفير من أنكر أن يكون الله فى السماء واحتج على ذلك بأن الله فى أعلى عليين وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل وكل من هاتين الحجتين فطرية عقلية فان القلوب مفطورة على الاقرار بأن الله فى العلو وعلى أنه يدعى من أعلى لا من أسفل وقد جاء اللفظ الآخر صريحا عند بذلك فقال اذا أنكر أنه فى السماء فقد كفر
وروى هذا اللفظ باسناد عنه شيخ الإسلام أبو اسماعيل الانصارى الهروى فى كتاب الفاروق وروى أيضا ابن أبى حاتم ان هشام بن عبيدالله الرازى صاحب محمد بن الحسن قاضى الرى حبس رجلا فى التجهم فتاب فجىء به الى هشام ليطلقه فقال الحمد لله على التوبة فامتحنه هشام فقال أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه فقال أشهد أن الله على عرشه ولا أدرى ما بائن من خلقه فقال ردوه الى الحبس فإنه لم يتب
وروى ايضا عن يحيى بن معاذ الرازى أنه قال ان الله على العرش بائن من الخلق وقد أحاط بكل شىء علما وأحصى كل شىء عددا لا يشك فى هذه المقالة الا جهمى ردىء ضليل وهالك مرتاب يمزج الله بخلقه ويخلط منه الذات بالأقذار والأنتان
وروى أيضا عن ابن المدينى لما سئل ما قول أهل الجماعة قال يؤمنون بالرؤية والكلام وان الله فوق السماوات على العرش استوى فسئل عن قوله ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم فقال اقرأ ما قبلها ألم تر أن الله يعلم ما فى السموات وما فى الأرض
وروى ايضا عن ابى عيسى الترمذى قال هو على العرش كما وصف فى كتابه وعلمه وقدرته وسلطانه فى كل مكان
وروى عن أبى زرعة الرازى أنه لما سئل عن تفسير قوله الرحمن على العرش استوى فقال تفسيره كما يقرا هو على العرش وعلمه فى كل مكان ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله
وروى أبو القاسم اللالكائى الحافظ الطبرى صاحب أبى حامد الاسفرائينى فى كتابه المشهور فى أصول السنة باسناده عن محمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة قال اتفق الفقهاء كلهم من المشرق الى المغرب على الايمان بالقرآن والأحاديث التى جاء بها الثقات عن رسول الله فى صفة الرب عز وجل من غيرتفسير ولا وصف ولا تشبيه فمن فسر اليوم شيئا منها فقد خرج مما كان عليه النبى وفارق الجماعة فانهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن افتوا بما فى الكتاب والسنة ثم سكتوا فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنه قد وصفه بصفة لا شىء
محمد بن الحسن أخذ عن ابى حنيفة ومالك وطبقتهما من العلماء وقد حكى هذا الاجماع وأخبر أن الجهمية تصفه بالأمور السلبية غالبا أو دائما وقوله من غير تفسير اراد به تفسير الجهمية المعطلة الذين ابتدعوا تفسير الصفات بخلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون من الاثبات مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 51]
وروى البيهقى وغيره باسناد صحيح عن أبى عبيد القاسم بن سلام قال هذة الاحاديث التي يقول فيها ضحك ربنا من قنوط عبادة وقرب غيرة وان جهنم لا تمتليء حتي يضع ربك فيها قدمه و الكرسي موضع القدمين وهذه الأحاديث في الرؤية هي عندنا حق حملها الثقات بعضهم عن بعض غير أنا اذا سئلنا عن تفسيرها لا نفسرها وما أدركنا أحدا يفسرها
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/211)
أبو عبيد أحد الأئمة الأربعة الذين هم الشافعى وأحمد واسحق وأبو عبيد وله من المعرفة بالفقه واللغة والتأويل ما هو أشهر من أن يوصف وقد كان فى الزمان الذى ظهرت فيه الفتن والاهواء وقد أخبر أنه ما أدرك أحدا من العلماء يفسرها أى تفسير الجهمية
وروى اللالكائى والبيهقى باسنادهما عن عبدالله بن المبارك أن رجلا قال له يا أبا عبدالرحمن انى أكره الصفة عنى صفة الرب فقال له عبدالله بن المبارك وأنا أشد الناس كراهية لذلك ولكن اذا نطق الكتاب بشىء قلنا به واذا جاءت الآثار بشىء جسرنا عليه ونحو هذا
أراد ابن المبارك أنا نكره أن نبتدىء بوصف الله من تلقاء أنفسنا حتى يجىء به الكتاب والآثار
وروى عبدالله بن أحمد وغيره بأسانيد صحاح عن ابن المبارك أنه قيل له بماذا نعرف ربنا قال بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه ولا نقول كما تقول الجهمية أنه ههنا فى الأرض وهكذا قال الإمام أحمد وغيره
وروى باسناد صحيح عن سليمان بن حرب الامام سمعت حماد بن زيد وذكر هؤلاء الجهمية فقال انما يحاولون أن يقولوا ليس فى السماء شىء
وروى ابن أبى حاتم فى كتاب الرد على الجهمية عن سعيد بن عامر الضبعى امام أهل البصرة علما ودينا من شيوخ الامام أحمد أنه ذكر عنده الجهمية فقال أشر قولا من اليهود والنصارى وقد أجمع اليهود والنصارى وأهل الأديان مع المسلمين على أن الله على العرش وهم قالوا ليس على شىء
وقال محمد بن اسحاق بن خزيمة امام الأئمة من لم يقل أن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وجب ان يستتاب فان تاب والا ضربت عنقه ثم ألقى على مزبلة لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة ولا أهل الذمة ذكره عنه الحاكم باسناد صحيح
وروى عبدالله بن الامام أحمد باسناده عن عباد بن العوام الواسطى امام أهل واسط من طبقة شيوخ الشافعى وأحمد قال كلمت بشرا المريسى وأصحاب بشر فرأيت آخر كلامهم ينتهى أن يقولوا ليس فى السماء شىء
وعن عبدالرحمن بن مهدى الامام المشهور أنه قال ليس فى أصحاب الأهواء شر من أصحاب جهم يدورون على أن يقولوا ليس فى السماء شىء أرى والله ان لا يناكحوا ولا يوارثوا
وروى عبدالرحمن بن أبى حاتم فى كتاب الرد على الجهمية عن عبدالرحمن بن مهدى قال أصحاب جهم يريدون أن يقولوا ان الله لم يكلم موسى ويريدون أن يقولوا ليس فى السماء شىء وان الله ليس على العرش أرى أن يستتابوا فان تابوا والا قتلوا
وعن الأصمعى قال قدمت امرأة جهم فنزلت بالدباغين فقال رجل عندها الله على عرشه فقالت محدود على محدود فقال الأصمعى كفرت بهذه المقالة
مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 58]
وكلام الأئمة فى هذا الباب أطول وأكثر من أن تسع هذه الفتيا عشره وكذلك كلام الناقلين لمذهبهم
مثل ما ذكره أبو سليمان الخطابى فى رسالته المشهورة فى الغنية عن الكلام وأهله قال فأما ما سألت عنه من الصفات وما جاء منها فى الكتاب والسنة فان مذهب السلف اثباتها واجراؤها على ظواهرها ونفى الكيفية والتشبيه عنها وقد نفاها قوم فابطلوا ما أثبته الله وحققها قوم من المثبتين فخرجوا فى ذلك الى ضرب من التشبيه والتكييف وانما القصد فى سلوك الطريقة المستقيمة بين الأمرين ودين الله تعالى بين الغالى فيه والجافى والمقصر عنه
والأصل فى هذا أن الكلام فى الصفات فرع على الكلام فى الذات ويحتذى فى ذلك حذوه ومثاله فاذا كان معلوما أن اثبات البارى سبحانه انما هو اثبات وجود لا اثبات كيفية فكذلك اثبات صفاته انما هو اثبات وجود لا اثبات تحديد وتكييف
فإذا قلنا يد وسمع وبصر وما أشبهها فانما هى صفات اثبتها الله لنفسه ولسنا نقول أن معنى اليد القوة أو النعمة ولا معنى السمع والبصر العلم ولا نقول انها جوارح ولا نشبهها بالأيدى والأسماع والأبصار التى هى جوارح وأدوات للفعل ونقول أن القول انما وجب باثبات الصفات لأن التوقيف ورد بها ووجب نفى التشبيه عنها لأن الله ليس كمثله شىء وعلى هذا جرى قول السلف فى أحاديث الصفات هذا كله كلام الخطابى
وهكذا قاله أبو بكر الخطيب الحافظ فى رسالة له أخبر فيها أن مذهب السلف على ذلك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/212)
وهذا الكلام الذى ذكره الخطابى قد نقل نحوا منه من العلماء من لا يحصى عددهم مثل أبى بكر الإسماعيلى والإمام يحيى بن عمار السجزى وشيخ الإسلام أبى اسماعيل الهروى صاحب منازل السائرين و ذم الكلام وهو أشهر من أن يوصف وشيخ الإسلام أبى عثمان الصابونى وأبى عمر بن عبدالبر النمرى امام المغرب وغيرهم
مجموع الفتاوى [جزء 16 - صفحة 414 وما بعدها]
و قول ابن السائب إن هذا من المكتوم الذي لا يفسر يقتضي أن له تفسيرا يعلمه العلماء و يكتمونه و هذا على و جهين إما أن يريد أنه يكتم شيء مما بينه الرسول صلى الله عليه و سلم عن جميع الناس فهذا من الكتمان المجرد الذي ذم الله عليه و هذه حال أهل الكتاب و عاب الذين يكتمون ما بينه للناس من البينات و الهدى من بعد ما بينه للناس فى الكتاب و قال و من أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله
و هذه حال أهل الكتاب فى كتمان ما فى كتابهم من الألفاظ يتأولها بعضهم و يجعلها بعضهم متشابها و هي دلائل على نبوة محمد صلى الله عليه و سلم و غير ذلك فإن ألفاظ التوراة و الإنجيل و سائر كتب الأنبياء و هي بضع و عشرون كتابا عند أهل الكتاب لا يمكنهم جحد ألفاظها لكن يحرفونها بالتأويل الباطل و يكتمون معانيها الصحيحة عن عامتهم كما قال تعالى و منهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانى
فمن جعل أهل القرآن كذلك و أمرهم أن يكونوا فيه أميين لا يعلمون الكتاب إلا تلاوة فقد أمرهم بنظير ما ذم الله عليه أهل الكتاب
وصبيغ بن عسل التميمي إنما ضربه عمر لأنه قصد باتباع المتشابه إبتغاء الفتنة و إبتغاء تأويله و هؤلاء الذين عابهم الله فى كتابه لأنهم جمعوا شيئين سوء القصد و الجهل فهم لا يفهمون معناه و يريدون أن يضربوا كتاب الله بعضه ببعض ليوقعوا بذلك الشبهة و الشك و في الصحيح عن عائشة أن النبى صلى الله عليه و سلم قال إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم
فهذا فعل من يعارض النصوص بعضها ببعض ليوقع الفتنة و هي الشك و الريب في القلوب كما روى أنه خرج على القوم و هم يتجادلون في القدر هؤلاء يقولون ألم يقل الله كذا و هؤلاء يقولون ألم يقل الله كذا فكأنما فقىء فى و جهه حب الرمان ثم قال أبهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض أنظروا ما أمرتم به فافعلوه
فكل من إتبع المتشابه على هذا الوجه فهو مذموم و هو حال من يريد أن يشكك الناس فيما علموه لكونه و إياهم لم يفهموا ماتوهموا أنه يعارضه هذا أصل الفتنة أن يترك المعلوم لغير معلوم كالسفسطة التى تورث شبها يقدح بها فيما علم و تيقن فهذه حال من يفسد قلوب الناس و عقولهم بإفساد ما فيها من العلم و العمل أصل الهدى فإذا شككهم فيما علموه بقوا حيارى
و الرسول صلى الله عليه و سلم قد أتى بالآيات البينات الدالة على صدقه و القرآن فيه الآيات المحكمات اللاتى هي أم الكتاب قد علم معناها و علم أنها حق و بذلك يهتدي الخلق و ينتفعون
فمن اتبع المتشابه ابتغى الفتنة و ابتغى تأويله و الأول قصدهم فيه فاسد و الثانى ليسوا من أهله بل يتكلمون فى تأويله بما يفسد معناه إذ كانوا ليسوا من الراسخين فى العلم
و إنما الراسخ فى العلم الذي رسخ في العلم بمعنى المحكم و صار ثابتا فيه لا يشك و لا يرتاب فيه بما يعارضه من المتشابه بل هو مؤمن به قد يعلمون تأويل المتشابه
و أما من لم يرسخ فى ذلك بل إذا عارضه المتشابه شك فيه فهذا يجوز أن يراد بالمتشابه ما يناقض المحكم فلا يعلم معنى المتشابه إذ لم يرسخ في العلم بالمحكم و هو يبتغي الفتنة فى هذا و هذا فهذا يعاقب عقوبة تردعه كما فعل عمر بصبيغ
و أما من قصده الهدى و الحق فليس من هؤلاء و قد كان عمر يسأل و يسأل عن معاني الآيات الدقيقة و قد سأل أصحابه عن قوله إذا جاء نصر الله و الفتح فذكروا ظاهر لفظها و لما فسرها ابن عباس بأنها إعلام النبى صلى الله عليه و سلم بقرب و فاته قال ما أعلم منها إلا ما تعلم
ثم أنهم يقولون المأثور عن السلف هو السكوت عن الخوض فى تأويل ذلك و المصير إلى الإيمان بظاهره و الوقوف عن تفسيره لأنا قد نهينا أن نقول فى كتاب الله برأينا و لم ينبهنا الله و رسوله على حقيقة معنى ذلك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/213)
فيقال أما كون الرجل يسكت عما لا يعلم فهذا مما يؤمر به كل أحد لكن هذا الكلام يقتضى أنهم لم يعلموا معنى الآية و تفسيرها و تأويلها و إذا كان لم يتبين لهم فمضمونه عدم علمهم بذلك و هو كلام شاك لا يعلم ما أريد بالآية
ثم إذا ذكر لهم بعض التأويلات كتأويل من يفسره بإتيان أمره و قدرته أبطلوا ذلك بأن هذا يسقط فائدة التخصيص و هذا نفي للتأويل و إبطال له
فإذا قالوا مع ذلك و لا يعلم تأويله إلا الله أثبتوا تأويلا لا يعلمه إلا الله و هم ينفون جنس التأويل
و نقول ما الحامل على هذا التأويل البعيد و قد أمكن بدونه أن نثبت إتيانا و مجيئا لا يعقل كما يليق به كما أثبتنا ذاتا لها حقيقة لا تعقل و صفات من سمع و بصر و غير ذلك لا تعقل ولأنه إذا جاز تأويل هذا و أن نقدر مضمرا محذوفا من قدرة أو عذاب و نحو ذلك فما منعكم من تأويل قوله ترون ربكم كذلك وهذا كلام فى إبطال التأويل و حمل للفظ على ما دل عليه ظاهره على ما يليق بجلال الله
فإذا قيل مع هذا إن له تأويلا لا يعلمه إلا الله و أريد بالتأويل هذا الجنس كان تناقضا كيف ينفي جنس التأويل و يثبت له تأويل لا يعلمه إلا الله
فعلم أن التأويل الذي لا يعلمه إلا الله لا يناقض حمله على ما دل عليه اللفظ بل هو أمر آخر يحقق هذا و يوافقه لا يناقضه و يخالفه كما قال مالك الإستواء معلوم و الكيف مجهول
و إذا كان كذلك أمكن أن من العلماء من يعلم من معنى الآية ما يوافق القرآن لم يعلمه غيره و يكون ذلك من تفسيرها و هو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم كمن يعلم أن المراد بالآية مجيء الله قطعا لا شك فى ذلك لكثرة ما دل عنده على ذلك و يعلم مع ذلك أنه العلى الأعلى يأتى إتيانا تكون المخلوقات محيطة به و هو تحتها فإن هذا مناقض لكونه العلي الأعلى و الجد الأعلى أبو عبد الله رحمه الله قد جرى فى تفسيره على ما ذكر من الطريقة و هذه عادته و عادات غيره و ذكر كلام إبن الزاغونى فقال قال الشيخ علي بن عبيد الله الزاغوني
و قد اختلف كلام إمامنا أحمد فى هذا المجيء هل يحمل على ظاهره و هل يدخل التأويل على روايتين إحداهما أنه يحمل على ظاهره من مجيء ذاته فعلى هذا يقول لا يدخل التأويل إلا أنه لا يجب أن يحمل مجيئه بذاته إلا على ما يليق به و قد ثبت أنه لا يحمل إثبات مجيء هو زوال و انتقال يوجب فراغ مكان و شغل آخر من جهة أن هذا يعرف بالجنس فى حق المحدث الذي يقصر عن إستيعاب المواضع و المواطن لأنها أكبر منه و أعظم يفتقر مجيئه إليها إلى الإنتقال عما قرب إلى ما بعد
و ذلك ممتنع في حق الباري تعالى لأنه لا شيء أعظم منه و لا يحتاج في مجيئه إلى إنتقال و زوال لأن داعى ذلك و موجبه لا يوجد فى حقه فأثبتنا المجئ صفة له و منعنا ما يتوهم في حقه ما يلزم فى حق المخلوقين لإختلافهما فى الحاجة إلى ذلك و مثله قوله و جاء ربك و الملك صفا صفا
و مثله الحديث المشهور الذي رواه عامة الصحابة أن النبى صلى الله عليه و سلم قال ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرنى فأغفر له فنحن نثبت و صفه بالنزول إلى سماء الدنيا بالحديث و لا نتأول ما ذكروه و لا نلحقه بنزول الآدميين الذي هو زوال و انتقال من علو إلى أسفل بل نسلم للنقل كما ورد و ندفع التشبيه لعدم موجبه و نمنع من التأويل لارتفاع نسبته
قال و هذه الرواية هي المشهورة و المعمول عليها عند عامة المشائخ من أصحابنا
قلت أما كون إتيانه و مجيئه و نزوله ليس مثل إتيان المخلوق و مجيئه و نزوله فهذا أمر ضروري متفق عليه بين علماء السنة و من له عقل فإن الصفات و الأفعال تتبع الذات المتصفة الفاعلة فإذا كانت ذاته مباينة لسائر الذوات ليست مثلها لزم ضرورة أن تكون صفاته مباينة لسائر الصفات ليست مثلها و نسبة صفاته إلى ذاته كنسبة صفة كل موصوف إلى ذاته و لا ريب أنه العلي الأعلى العظيم فهو أعلى من كل شيء و أعظم من كل شيء فلا يكون نزوله و إتيانه بحيث تكون المخلوقات تحيط به أو تكون أعظم منه و أكبر هذا ممتنع
و أما لفظ الزوال و الإنتقال فهذا اللفظ مجمل و لهذا كان أهل الحديث و السنة فيه على أقوال
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/214)
فعثمان بن سعيد الدارمي و غيره أنكروا على الجهمية قولهم إنه لا يتحرك و ذكروا أثرا أنه لا يزول و فسروا الزوال بالحركة فبين عثمان بن سعيد أن ذلك الأثر إن كان صحيحا لم يكن حجة لهم لأنه في تفسير قوله الحي القيوم ذكروا عن ثابت دائم باق لا يزول عما يستحقه كما قال ابن إسحق لا يزول عن مكانته
قلت و الكلبى بنفسه الذي روى هذا الحديث هو يقول إستوى على العرش إستقر و يقول ثم استوى إلى السماء صعد إلى السماء
و أما الإنتقال فابن حامد و طائفة يقولون ينزل بحركة و إنتقال و آخرون من أهل السنة كالتميمي من أصحاب أحمد أنكروا هذا و قالوا بل ينزل بلا حركة و إنتقال و طائفة ثالثة كابن بطة و غيره يقفون في هذا
و قد ذكر الأقوال الثلاثة القاضي أبو يعلى فى كتاب إختلاف الروايتين و الوجهين و نفي اللفظ بمجمله
و الأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص فيثبت ما أثبت الله و رسوله باللفظ الذي أثبته و ينفي ما نفاه الله و رسوله كما نفاه و هو أن يثبت النزول و الإتيان و المجيء و ينفى المثل و السمى و الكفؤ و الند
وبهذا يحتج البخاري و غيره على نفي المثل يقال ينزل نزولا ليس كمثله شيء نزل نزولا لا يماثل نزول المخلوقين نزولا يختص به كما أنه فى ذلك و فى سائر ما و صف به نفسه ليس كمثله شيء فى ذلك و هو منزه أن يكون نزوله كنزول المخلوقين و حركتهم و إنتقالهم و زوالهم مطلقا لا نزول الآدميين و لا غيرهم
فالمخلوق إذا نزل من علو إلى سفل زال و صفه بالعلو و تبدل إلى و صفه بالسفول و صار غيره أعلى منه
و الرب تعالى لا يكون شيء أعلى منه قط بل هو العلي الأعلى و لا يزال هو العلي الأعلى مع أنه يقرب إلى عباده و يدنو منهم و ينزل إلى حيث شاء و يأتى كما شاء و هو فى ذلك العلي الأعلى الكبير المتعالى علي فى دنوه قريب فى علوه
فهذا و إن لم يتصف به غيره فلعجز المخلوق أن يجمع بين هذا و هذا كما يعجز أن يكون هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن ولهذا قيل لأبي سعيد الخراز بم عرفت الله قال بالجمع بين النقيضين و أراد أنه يجتمع له ما يتناقض في حق الخلق كما إجتمع له أنه خالق كل شيء من أفعال العباد و غيرها من الأعيان و الأفعال مع ما فيها من الخبث و أنه عدل حكيم رحيم و أنه يمكن من مكنه من عباده من المعاصى مع قدرته على منعهم و هو في ذلك حكيم عادل فإنه أعلم الأعلمين و أحكم الحاكمين و خير الفاتحين يعلم ما بين أيديهم و ما خلفهم
فأن لا يحيطوا علما بما هو أعظم فى ذلك أولى و أحرى و قد سألوا عن الروح فقيل لهم الروح من أمر ربى و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا و فى الصحيحين أن الخضر قال لموسى لما نقر عصفور فى البحر ما نقص علمي و علمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر
فالذي ينفى عنه و ينزه عنه إما أن يكون مناقضا لما علم من صفاته الكاملة فهذا ينفى عنه جنسه كما قال الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة و لا نوم و قال و توكل على الحي الذي لا يموت فجنس السنة و النوم و الموت ممتنع عليه لا يجوز أن يقال فى شيء من هذا إنه يجوز عليه كما يليق بشأنه لأن هذا الجنس يوجب نقصا فى كماله وكذلك لا يجوز أن يقال هو يكون فى السفل لا في العلو و هو سفول يليق بجلاله فإنه سبحانه العلي الأعلى لا يكون قط إلا عاليا و السفول نقص هو منزه عنه
و قوله و أنت الباطن فليس دونك شيء لا يقتضي السفول إلا عند جاهل لا يعلم حقيقة العلو و السفول فيظن أن السموات و ما فيها قد تكون تحت الأرض إما بالليل و إما بالنهار و هذا غلط كمن يظن أن ما فى السماء من المشرق يكون تحت ما فيها مما فى المغرب فهذا أيضا غلط بل السماء لا تكون قط إلا عالية على الأرض و إن كان الفلك مستديرا محيطا بالأرض فهو العالي على الأرض علوا حقيقيا من كل جهة و هذا مبسوط في مواضع
والنوع الثانى أنه منزه عن أن يماثله شيء من المخلوقات فى شيء من صفاته فالألفاظ التى جاء بها الكتاب و السنة فى الإثبات تثبت و التى جاءت بالنفي تنفى و الألفاظ المجملة كلفظ الحركة و النزول و الإنتقال يجب أن يقال فيها إنه منزه عن مماثلة المخلوقين من كل و جه لا يماثل المخلوق لا فى نزول و لا فى حركة و لا إنتقال و لا زوال و لا غير ذلك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/215)
و أما إثبات هذا الجنس كلفظ النزول أو نفيه مطلقا كلفظ النوم و الموت فقد يسلك كلاهما طائفة تنتسب إلى السنة
و المثبتة يقولون نثبت حركة أو حركة و إنتقالا أو حركة و زوالا تليق به كالنزول و الإتيان اللائق به
و النفاة يقولون بل هذا الجنس يجب نفيه
ثم منهم من ينفي جنس ذلك فى حقه بكل إعتبار و لا يجوز عليه أن يقوم به شيء من الأحوال المتجددة و هذه طريقة الكلابية و من اتبعهم ممن ينتسب إلى السنة و الحديث
و منهم من لا ينفي فى ذلك ما دل عليه النص و لا ينفى هذا الجنس مطلقا بما ذكروه من أنه لا تقوم به الحوادث لما قد علم بالآيات و السنة و العقل أنه يتكلم بمشيئته و قدرته و أنه يحب عبده المؤمن إذا إتبع رسوله إلى غير ذلك من المعانى التى دل عليها الكتاب و السنة بل ينفي ما ناقض صفات كماله و ينفي مماثلة مخلوق له فهذان هما اللذان يجب نفيهما و الله أعلم
والقسم الثالث الذين يقولون هذا لا يعلم معناه إلا الله أو له تأويل يخالف ظاهره لا يعلمه إلا الله فهؤلاء يجعلون الرسول و غيره غير عالمين بما أنزل الله فلا يسوغون التأويل لأن العلم بالمراد عندهم ممتنع و لا يستجيزون القول بطريقة التخييل لما فيها من التصريح بكذب الرسول بل يقولون خوطبوا بما لا يفهمونه ليثابوا على تلاوته و الإيمان بألفاظه و إن لم يفهموا معناه يجعلون ذلك تعبدا محضا على رأي المجبرة الذين يجوزون التعبد بما لا نفع فيه للعامل بل يؤجر عليه
والكلام على هؤلاء و فساد قولهم مذكور فى مواضع و المقصود هنا أن الذي دعاهم إلى ذلك ظنهم أن المعقول يناقض ما أخبر به الرسول صلى الله عليه و سلم أو ظاهر ما أخبر به الرسول و قد بسط الكلام على رد هذا فى مواضع و بين أن العقل لا يناقض السمع و أن ما ناقضه فهو فاسد و بين بعد هذا أن العقل موافق لما جاء به الرسول شاهد له و مصدق له
لا يقال إنه غير معارض فقط بل هو موافق مصدق فأولئك كانوا يقولون هو مكذب مناقض بين
ثانيا طريقة التجهيل
وهؤلاء أهل التضليل والتجهيل الذين حقيقة قولهم: إن الأنبياء جاهلون ضالون لا يعرفون ما أراد الله نما وصف به نفسه من الآيات وأقوال الأنبياء
ثم هؤلاء منهم من يقول: المراد بها خلاف مدلولها الظاهر والمفهوم ولا يعرف أحد من الأنبياء والملائكة والصحابة والعلماء ما أراد الله بها كما لا يعلمون وقت الساعة
ومنهم من يقول: بل تجري علي ظاهرها وتحمل علي ظاهرها ومع هذا فلا يعلم تأويلها إلا الله فيتناقضون حيث أثبتوا لها تأويلا يخالف ظاهرها وقالوا ـ مع هذا ـ إنها تحمل علي ظاهرها وهذا ما أنكره ابن عقيل على شيخة القاضي أبي يعلى في كتاب ذم التأويل
وهؤلاء الفرق مشتركون في القول بأن الرسول لم يبين المراد بالنصوص التي يجعلونها مشكلة أو متشابهة ولهذا يجعل كل فريق المشكل من نصوصه غير ما يجعل الفريق الآخر مشكلا فمنكر الصفات الخبرية الذي يقول: إنها لا تعلم بالعقل يقول: نصوصها مشكلة متشابهة بخلاف الصفات المعلومة بالعقل عنده بعقله فإنها ـ عنده ـ محكمة بينة وكذلك يقول من ينكر العلو والرؤية: نصوص هذه مشكلة
ومنكر الصفات مطلقا يجعل ما يثبتها مشكلا دون ما يثبت أسماءه الحسنى ومنكر معاني الأسماء يجعل نصوصها
مشكلة ومنكر معاد الأبدان وما وصفت به الجنة والنار يجعل ذلك مشكلا أيضا ومنكر القدر يجعل ما يثبت أن الله خالق كل شيء نوما يجعل نصوص الوعيد بل ونصوص الأمر والنهي مشكلة فقد يستشكل كل فريق ما لا يستشكله غيره ثم يقول فيما يستشكله إن معاني نصوصه لم يبينها الرسول
ثم منهم من يقول: لم يعلم معانيها أيضا ومنهم من يقول: بل علمها ولم يبنيها بل أحال في بيانها علي الأدلة
العقلية وعلي من يجتهد في العلم بتأويل تلك النصوص فهم مشتركون في أن الرسول لم يعلم أو لم يعلم بل
جهل معناها أو جهلها الأمة من غير أن يقصد أن يعتقدوا الجهل الركب
وأما أولئك فيقولون: بل قصد أن يعلمهم الجهل المركب والاعتقادات الفاسد وهؤلاء مشهورون عند الأمة بالإلحاد والزندقة بخلاف أولئك فإنهم يقولون: الرسول لم يقصد أن يجعل أحدا جاهلا معتقدا للباطل ولكن أقوالهم تتضمن أن الرسول لم يبين الحق فيما خاطب به الأمة من الآيات والأحاديث إما مع كونه لم يعلمه أو مع كونه علمه ولم يبينه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/216)
ولهذا قال الإمام أحمد في خطبته فيما صنفه من الرد علي الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته علي غير تأويله قال: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقابا من أهل العلم يدعون من ضل إلي الهدى ويصبرون منهم علي الأذي يحيون بكتاب الله الموتي ويبصرون بنور الله أهل العمي فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من تائه ضال قد هدوه فما أحسن أثرهم علي الناس وأقبح أثر الناس عليهم ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون علي مفارقة الكتاب يقولون علي الله وفي الله وقي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين
ويروي نحو هذه الخطبة عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه كما ذكر ذلك محمد بن وضاح في كتاب الحوادث والبدع
فقد وصفوا في هذا الكلام بأنهم مع اختلافهم في الكتاب ـ فهم كلهم مخالفون له وهم مشتركون في مفارقته يتكلمون بالكلام المتشابه ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم حيث لبسوا الحق بالباطل
درء التعارض [جزء 1 - صفحة 14]
خلاصة ما سبق
وجماع الأمر أن الأدلة نوعان: شرعية وعقليه فالمدعون لمعرفة الإلهيات بعقولهم من المنتسبين إلى الحكمة والكلام والعقليات يقول من يخالف نصوص الأنبياء منهم: إن الأنبياء لم يعرفوا الحق الذي عرفناه أو يقولون: عرفوه ولم يبينوه للخلق كما بيناه بل تكلموا بما يخالفه من غير بيان منهم والمدعون للسنة والشريعة واتباع السلف من الجهال بمعاني نصوص الأنبياء يقولون: إن الأنبياء ـ والسلف الذين اتبعوا الأنبياء ـ لم يعرفوا معنى هذه النصوص التي قالوها والتي بلغوها عن الله أو إن الأنبياء عرفوا معانيها ولم يبينوا مرادهم للناس فهؤلاء الطوائف قد يقولون: نحن عرفنا الحق بعقولنا ثم اجتهدنا في حمل كلام الأنبياء علي ما يوافق مدلول العقل وفائدة إنزال هذه المتشابهات المشكلات اجتهاد الناس في أن يعرفوا الحق بعقولهم ثم يجتهدوا في تأويل كلام الأنبياء الذي لم يبينوا به مرادهم أو أنا عرفنا الحق بعقولنا وهذه النصوص لم تعرف الأنبياء معناها كما لم يعرفوا وقت الساعة ولكن أمرنا بتلاوتها من غير تدبر لها ولا فهم لمعانيها أو يقولون: بل هذه الأمور لا تعرف بعقل ولا نقل بل نحن منهيون عن معرفة العقليات وعن فهم السمعيات وإن الأنبياء وأتباعهم لا يعرفون العقليات ولا يفهمون السمعيات
الجواب الصحيح [جزء 6 - صفحة 520]
وأهل التحريف والتأويل الذين يؤلون كلامهم على ما يخالف مرادهم ويزعمون أنهم أرادوا ذلك المعنى مع انه ليس في كلامهم ما يدل على إرادة ذلك المعنى بل كلامهم يدل على إرادة خلافه
وأهل التجهيل الذين يقولون ذلك الكلام ليس له معنى يعلمه الرسل ولا غيره وإنما يعلمه الله وحده وهذان القولان يقول بكل منها طوائف معظمين للرسل وقد تبين فسادهما في غير هذا الموضع
الصواعق المرسلة [جزء 2 - صفحة 422]
والصنف الثالث أصحاب التجهيل الذين قالوا نصوص الصفات ألفاظ لا تعقل معانيها ولا ندري ما أراد الله ورسوله منها ولكن نقرأها ألفاظا لا معاني لها ونعلم أن لها تأويلا لا يعلمه إلا الله وهي عندنا بمنزلة: كهيعص مريم1 و حم عسق الشورى2 , 1 و المص الأعراف1
فلو ورد علينا منها ما ورد لم نعتقد فيه تمثيلا ولا تشبيها ولم نعرف معناه وننكر على من تأوله ونكل علمه إلى الله وظن هؤلاء أن هذه طريقة السلف وأنهم لم يكونوا يعرفون حقائق الأسماء والصفات ولا يفهمون معنى قوله: لما خلقت بيدي ص75
وقوله والأرض جميعا قبضته يوم القيامة الزمر67
وقوله الرحمن على العرش استوى طه5
وأمثال ذلك من نصوص الصفات
وبنوا هذا المذهب على أصلين:
أحدهما أن هذه النصوص من المتشابه
والثاني أن للمتشابه تأويلا لا يعلمه إلا الله فنتج من هذين الأصلين استجهال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأنهم كانوا يقرأون: الرحمن على العرش استوى طه5 و بل يداه مبسوطتان المائدة64
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/217)
ويروون ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا ولا يعرفون معنى ذلك ولا ما أريد به ولازم قولهم إن الرسول كان يتكلم بذلك ولا يعلم معناه ثم تناقضوا أقبح تناقض فقالوا تجري على ظواهرها وتأويلها مما يخالف الظواهر باطل ومع ذلك فلها تأويل لا يعمله إلا الله فكيف يثبتون لها تأويلا ويقولون تجر على ظواهرها ويقولون الظاهر منها غير مراد والرب منفرد بعلم تأويلها وهل في التناقض أقبح من هذا
وهؤلاء غلطوا في المتشابه وفي جعل هذه النصوص من المتشابه وفي كون المتشابه لا يعلم معناه إلا الله فأخطأوا في المقدمات الثلاث واضطرهم إلى هذا التخلص من تأويلات المبطلين وتحريفات المعطلين وسدوا على نفوسهم الباب وقالوا لا نرضى بالخطأ ولا وصول لنا إلى الصواب فهؤلاء تركوا التدبر المأمور به والتذكر والعقل لمعاني النصوص الذي هو أساس الإيمان وعمود اليقين وأعرضوا عنه بقلوبهم وتعبدوا بالألفاظ المجردة التي أنزلت في ذلك وظنوا أنها أنزلت للتلاوة والتعبد بها دون تعقل معانيها وتدبرها والتفكر فيها
فأولئك جعلوها عرضة للتأويل والتحريف كما جعلها أصحاب التخييل أمثالا لا حقيقة لها وقابلهم:
الصنف الرابع وهم أصحاب التشبيه والتمثيل ففهموا منها مثل ما للمخلوقين وظنوا أن لا حقيقة لها سوى ذلك وقالوا محال أن يخاطبنا الله سبحانه بما لا نعقله ثم يقول: لعلكم تعقلون البقرة73 لعلكم تتفكرون البقرة219 ليدبروا آياته ص29
ونظائر ذلك وهؤلاء هم المشبهة
فهذه الفرق لا تزال تبدع بعضهم بعضا وتضلله وتجهله وقد تصادمت كما ترى فهم كزمرة من العميان تلاقوا فتصادموا كما قال أعمى البصر والبصيرة منهم:
ونظيري في العلم مثلي أعمى ... فترانا في حندس نتصادم
الصواعق المرسلة [جزء 3 - صفحة 1050]
وأما التجهيل فكثير منهم يصرحون بأن هذه النصوص لا معنى لها وإنما هي ألفاظ مجردة ومن أحسن منهم وأجمل يقول لها معان استأثر الله بعلمها ولم يجعل لنا سبيلا إلى العلم بها وأكثر هذه الطوائف لا يعرف الحديث ولا يسمعه وكثير منهم لا يصدق به إذا سمعه ثم إذا صدقوا به فإن تحريفهم له وإعراضهم عن معانيه أعظم من تحريف القرآن والإعراض عنه ولهذا يقر بعض هؤلاء بما في القرآن من الصفات دون ما في الحديث وحده
مجموع الفتاوى [جزء 3 - صفحة 26]
ولهذا لا يوجد لنفاة بعض الصفات دون بعض الذين يوجبون فيما نفوه اما التفويض واما التأويل المخالف لمقتضى اللفظ قانون مستقيم فإذا قيل لهم لم تأولتم هذا وأقررتم هذا والسؤال فيهما واحد لم يكن لهم جواب صحيح فهذا تناقضهم فى النفى
وكذا تناقضهم فى الإثبات فان من تأول النصوص على معنى من المعانى التى يثبتها
فانهم اذا صرفوا النص عن المعنى الذى هو مقتضاه الى معنى آخر لزمهم فى المعنى المصروف اليه ما كان يلزمهم فى المعنى المصروف عنه فاذا قال قائل تأويل محبته ورضاه وغضبه وسخطه هو ارادته للثواب والعقاب كان ما يلزمه فى الارادة نظير ما يلزمه فى الحب والمقت والرضا والسخط ولو فسر ذلك بمفعولاته وهو ما يخلقه من الثواب والعقاب فانه يلزمه فى ذلك نظير ما فر منه فان الفعل لابد أن يقوم اولا بالفاعل والثواب والعقاب المفعول انما يكون على فعل ما يحبه ويرضاه ويسخطه ويبغضه المثيب المعاقب فهم إن أثبتوا الفعل على مثل الوجه المعقول فى الشاهد للعبد مثلوا وإن أثبتوه على خلاف ذلك فكذلك الصفات
الفتاوى الكبرى [جزء 6 - صفحة 642]
وأما الأحاديث النبوية فلا حرمة لها عندهم بل تارة يردونها بكل طريق ممكن وتارة يتأولونها ثم يزعمون أن ما وضعوه برأيهم قواطع عقلية وأن هذه القواطع العقلية ترد لأجلها نصوص الكتاب والسنة إما بالتأويل وإما بالتفويض وإما بالتكذيب (أي المعتزلة ومن وافقهم)
درء التعارض [جزء 1 - صفحة 115]
وأما التفويض: فإن من المعلوم أن الله تعالي أمرنا أن نتدبر القرآن وحضنا علي عقله وفهمه فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله؟
وأيضا فالخطاب الذي أريد به هدانا والبيان لنا وإخراجنا من الظلمات إلي النور إذا كان ما ذكر فيه من النصوص ظاهره باطل وكفر ولم يرد منا أن نعرف لا ظاهره ولا باطنه أو أريد منا أن نعرف باطنه من غير بيان في الخطاب لذلك فعلي التقديرين لم نخاطب بما بين فيه الحق ولا عرفنا أن مدلول هذا الخطاب باطل وكفر
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/218)
وحقيقة قول هؤلاء في المخاطب لنا: أنه لم يبين الحق ولا أوضحه مع أمره لنا أن نعتقده وأن ما خاطبنا به وأمرنا باتباعه والرد إليه لم يبين به الحق ولا كشفه بل دل ظاهره علي الكفر والباطل وأراد منا أن نفهم منه شيئا أو أن نفهم منه ما لا دليل عليه فيه وهذا كله مما يعلم بالاضطرار تنزيه الله ورسوله عنه وأنه من جنس أقوال أهل التحريف والإلحاد
وبهذا احتج الملاحدة كابن سينا وغيره علي مثبتي المعاد وقالوا: القول في نصوص المعاد كالقول في نصوص التشبيه والتجسيم وزعموا أن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يبين ما الأمر عليه في نفسه لا في العلم بالله تعالي ولا باليوم الآخر فكان الذي استطالوا به علي هؤلاء هو موافقتهم لهم علي نفي الصفات وإلا فلو آمنوا بالكتاب كله حق الإيمان لبطلت معارضتهم ودحضت حجتهم
ولهذا كان أبن النفيس المتطبب الفاضل يقول: ليس إلا مذهبان: مذهب أهل الحديث أو مذهب الفلاسفة فأما هؤلاء المتكلمون فقولهم ظاهر التناقض والاختلاف يعين أن أهل الحديث أثبتوا كل ما جاء به الرسل وأولئك جعلوا الجميع تخيلا وتوهيما ومعلوم بالأدلة الكثيرة السمعية والعقلية فساد مذهب هؤلاء الملاحدة فتعين أن يكون الحق مذهب السلف أهل الحديث والسنة والجماعة
ثم إن ابن سينا وأمثاله من الباطنية المتفلسفة والقرامطة يقولون: إنه أراد من المخاطبين أن يفهموا الأمر علي خلاف ما هو عليه وأن يعتقدوا ما لا حقيقة له في الخارج لما في هذا التخييل والاعتقاد الفاسد لهم من المصلحة
والجهمية والمعتزلة وأمثالهم يقولون: إنه أراد أن يعتقدوا الحق علي ما هو عليه مع علمهم بأنه لم يبين في الكتاب والسنة بل النصوص تدل علي نقيض ذلك فأولئك يقولون: أراد منهم اعتقاد الباطل وأمرهم به وهؤلاء يقولون: أراد اعتقاد ما لم يدلهم إلا علي نقيضه
والمؤمن يعلم بالاضطرار أن كلا القولين باطل ولا بد للنفاة أهل التأويل من هذا أو هذا: وإذا كان كلاهما باطلا كان تأويل النفاة للنصوص باطلا: فيكون نقيضه حقا وهو إقرار الأدلة الشرعية علي مدلولاتها ومن خرج عن ذلك لزمه من الفساد ما لا يقوله إلا أهل الإلحاد
وما ذكرناه من لوازم قول التفويض: هو لازم لقولهم الظاهر المعروف بينهم إذ قالوا: إن الرسول كان يعلم معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة ولكن لم يبين للناس مراده بها ولا أوضحه إيضاحا يقطع به النزاع
وأما علي قول أكابرهم: إن معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة لا يعلمه إلا الله وأن معناها الذي أراده الله بها هو ما يوجب صرفها عن ظواهرها فعلي قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص ولا الملائكة ولا السابقون الأولون وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه بل يقولون كلاما لا يعقلون معناه وكذلك نصوص المثبتين للقدر عند طائفة والنصوص المثبتة للأمر والنهي والوعد والوعيد عند طائفة والنصوص المثبتة للمعاد عند طائفة
ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدي وبيانا للناس وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين وأن يبين للناس ما نزل إليهم وأمر بتدبر القرآن وعقله ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته أو عن كونه خالقا لكل شيء وهو بكل شيء عليم أو عن كونه أمر ونهي ووعد وتوعد أو عما أخبر به عن اليوم الآخر ـ لا يعلم أحد معناه فلا يعقل ولا يتدبر ولا يكون الرسول بين للناس ما نزل إليهم ولا بلغ البلاغ المبين
وعلي هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع: الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي وليس في النصوص ما يناقض ذلك لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة لا يعلم أحد معناها وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به
فيبقي هذا الكلام سدا لباب الهدي والبيان من جهة الأنبياء وفتحا لباب من يعارضهم ويقول: إن الهدي والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء لأنا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية والأنبياء لم يعلموا ما يقولون: فضلا عن أن يبينوا مرادهم
فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/219)
فإن قيل: أنتم تعلمون أن كثيرا من السلف رأوا أن الوقف عند قوله {وما يعلم تأويله إلا الله} [آل عمران: 6] بل كثير من الناس يقول: هذا هو قول السلف ونقلوا هذا القول عن أبي بن كعب وابن مسعود وعائشة وابن عباس وعروة بن الزبير وغير واحد من السلف والخلف وإن كان القول الآخر وهو أن السلف يعلمون تأويله ـ منقولا عن ابن عباس أيضا وهو قول مجاهد ومحمد بن جعفر وابن إسحاق وابن قتيبة وغيرهم وما ذكرتموه قدح في أولئك السلف وأتباعهم
قيل: ليس الأمر كذلك فإن أولئك السلف الذين قالوا: لا يعلم تأويله إلا الله كانوا يتكلمون بلغتهم المعروفة بينهم ولم يكن لفظ التأويل عندهم يراد به معني التأويل الاصطلاحي الخاص وهو صرف اللفظ عن المعني المدلول عليه المفهوم منه إلي معني يخالف ذلك فإن تسمية هذا المعني وحده تأويلا إنما هو اصطلاح طائفة من المتأخرين من الفقهاء والمتكلمين وغيرهم ليس هو عرف السلف من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم لاسيما ومن يقول إن لفظ التأويل هذا معناه يقول: إنه يحمل اللفظ علي المعني المرجوح لدليل يقترن به وهؤلاء يقولون: هذا المعني المرجوح لا يعلمه أحد من الخلق والمعني الراجح لم يرده الله
وإنما كان لفظ التأويل في عرف السلف يراد به ما أراده الله بلفظ التأويل في مثل قوله تعالي {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق} [الأعراف: 53] وقال تعالي {ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء: 59] وقال يوسف {يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل} [يوسف: 100] وقال يعقوب له {ويعلمك من تأويل الأحاديث} [يوسف: 6] {وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله} [يوسف: 45] وقال يوسف {لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما} [يوسف: 37]
فتأويل الكلام الطلبي: الأمر والنهي وهو نفس فعل المأمور به وترك المنهي عنه كما قال سفيان بن عيينة: السنة تأويل الأمر والنهي و [قالت عائشة: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم في يقول ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن] وقيل لعروة بن الزبير: فما بال عائشة كانت تصلي في السفر أربعا؟ قال: تأولت كما تأول عثمان ونظائره متعددة
وأما تأويل ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر فهو نفس الحقيقة التي أخبر عنها وذلك في حق الله: هو كنه ذاته وصفاته التي لا يعلمها غيره ولهذا قال مالك وربيعة وغيرهما: الاستواء معلوم والكيف مجهول وكذلك قال ابن الماجوشون وأحمد بن حنبل وغيرهما من السلف يقولون: إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله به عن نفسه وإن علمنا تفسيره ومعناه
ولهذا رد أحمد بن حنبل علي الجهمية والزنادقة فيما طعنوا فيه من متشابه القرآن وتأولوه علي غير تأويله فرد علي من حمله علي غير ما أريد به وفسر هو جميع الآيات المتشابهة وبين المراد بها
وكذلك الصحابة والتابعون فسروا جميع القرآن وكانوا يقولون: إن العلماء يعلمون تفسيره وما أريد به وإن لم يعلموا كيفية ما أخبر الله به عن نفسه وكذلك لا يعلمون كيفية الغيب فإن ما أعده الله لأوليائه من النعيم لا عين رأته ولا أذن سمعته ولا خطر علي قلب بشر فذاك الذي أخبر به لا يعلمه إلا الله فمن قال من السلف إن تأويل المتشابه لا يعلمه إلا الله بهذا المعني فهذا حق
وأما من قال: إن التأويل الذي هو تفسيره وبيان المراد به لا يعلمه إلا الله فهذا ينازعه فيه عامة الصحابة والتابعين الذين فسروا القرآن كله وقالوا: إنهم يعلمون معناه كما قال مجاهد: عرضت المصحف علي ابن عباس من فاتحته إلي خاتمته أقفه عند كل آية وأسأله عنها وقال ابن مسعود: ما في كتاب الله آية إلا وأنا أعلم فيم أنزلت وقال الحسن البصري: ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم ما أراد بها
ولهذا كانوا يجعلون القرآن يحيط بكل ما يطلب من علم الدين كما قال مسروق: ما نسأل أصحاب محمد عن شيء إلا وعلمه في القرآن ولكن علمنا قصر عنه وقال الشعبي: ما ابتدع قوم بدعة إلا في كتاب الله بيانها وأمثال ذلك من الآثار الكثيرة المذكورة بالأسانيد الثابتة مما ليس هذا موضع بسطه
درء التعارض [جزء 2 - صفحة 146]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/220)
ولكن أبو المعالي وأتباعه ينفونها ثم لهم في التأويل والتفويض قولان فأول قولي أبي المعالي التأويل كما ذكره في الإرشاد وآخرهما التفويض كما ذكره في الرسالة النظامية وذكر إجماع السلف على المنع من التأويل وأنه محرم
الرسالة التدمرية [جزء 1 - صفحة 29]
ولهذا لا يوحد لنفاة بعض الصفات دون بعض - الذين يوجبون فيما نفوه: اما التفويض واما التأويل المخالف المقتضي اللفظ - قانون مستقيم فذا قيل لهم: لم تأولتم هذا وأقررتم هذا وللسؤال فيهما واحد؟ لم يكن لهم جواب صحيح فهذا تناقضهم في النفي وكذا تناقضهم في الإثبات فان من تأول النصوص على معنى من المعاني التي يثبتها فانهم اذا صرفوا النص عن المعنى الذي هو مقتضاه الى معنى آخر: لزمهم في المعنى المصروف اليه ما كان يلزمهم فى المعنى المصروف عنه فاذا قال قائل: تأويل محبته ورضاه وغضبه وسخطه: هو ارادته للثواب والعقاب كان ما يلزمه في الإرادة نظير ما يلزمه في الحب والمقت والرضا والسخط ولو فسر ذلك بمفعولاته وهو ما يخلقه من الثواب والعقاب فانه يلزمه في ذلك ما فر منه فان الفعل لا بد أن يقوم أولا بالفاعل والثواب والعقاب المفعول انما يكون على فعل ما يحبه ويرضاه ويسخطه ويبغضه المثيب المعاقب فهم إن أثبتوا الفعل على مثل الوجه المعقول في الشاهد للعبد مثلوا وان أثبتوه على خلاف ذلك فكذلك الصفات
الرد على من قال الظاهر غير مراد
مجموع الفتاوى [جزء 6 - صفحة 357]
ومن قال ان ظاهر شىء من أسمائه وصفاته غير مراد فقد أخطأ لأنه ما من اسم يسمى الله تعالى به الا والظاهر الذى يستحقه المخلوق غير مراد به فكان قول هذا القائل يقتضى أن يكون جميع أسمائه وصفاته قد أريد بها ما يخالف ظاهرها ولا يخفى ما فى هذا الكلام من الفساد
والمعنى الثانى أن هذه الصفات انما هى صفات الله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله نسبتها الى ذاته المقدسة كنسبة صفات كل شىء الى ذاته فيعلم أن العلم صفة ذاتية للموصوف ولها خصائص وكذلك الوجه ولا يقال انه مستغن عن هذه الصفات لأن هذه الصفات واجبة لذاته و الاله المعبود سبحانه هو المستحق لجميع هذه الصفات
وليس غرضنا الآن الكلام مع نفاة الصفات مطلقا وانما الكلام مع من يثبت بعض الصفات
وكذلك فعله نعلم أن الخلق هو ابداع الكائنات من العدم وان كنا لا نكيف ذلك الفعل ولا يشبه افعالنا اذ نحن لا نفعل الا لحاجة الى الفعل والله غنى حميد
وكذلك الذات تعلم من حيث الجملة وان كانت لا تماثل الذوات المخلوقة ولا يعلم ما هو الا هو ولا يدرك لها كيفية فهذا هو الذى يظهر من اطلاق هذه الصفات وهو الذى يجب أن تحمل عليه
فالمؤمن يعلم أحكام هذه الصفات وآثارها وهو الذى أريد منه فيعلم أن الله على كل شىء قدير وان الله قد أحاط بكل شىء علما وأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه وان المؤمنين ينظرون الى وجه خالقهم فى الجنة ويتلذذون بذلك لذة ينغمر فى جانبها جميع اللذات ونحو ذلك
كما يعلم أن له ربا وخالقا ومعبودا ولا يعلم كنه شىء من ذلك بل غاية علم الخلق هكذا يعلمون الشىء من بعض الجهات ولا يحيطون بكنهه وعلمهم بنفوسهم من هذا الضرب
قلت له أفيجوز أن يقال ان الظاهر غير مراد بهذا التفسير فقال هذا لا يمكن
فقلت له من قال أن الظاهر غير مراد بمعنى أن صفات المخلوقين غير مرادة قلنا له أصبت فى المعنى لكن أخطأت فى اللفظ وأوهمت البدعة وجعلت للجهمية طريقا الى غرضهم وكان يمكنك أن تقول تمر كما جاءت على ظاهرها مع العلم بأن صفات الله تعالى ليست كصفات المخلوقين وأنه منزه مقدس عن كل ما يلزم منه حدوثه أو نقصه
ومن قال الظاهر غير مراد بالتفسير الثانى وهو مراد الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة وبعض الاشعرية وغيرهم فقد أخطأ
مجموع الفتاوى [جزء 33 - صفحة 177]
ومن قال من المتأخرين ان مذهب السلف أن الظاهر غير مراد فيجب لمن أحسن به الظن أن يعرف أن معنى قوله الظاهر الذى يليق بالمخالوق لا بالخالق ولا شك أن هذا غير مراد ومن قال أنه مراد فهو بعد قيام الحجة عليه كافر
فهنا بحثان لفظى ومعنى أما المعنوى فالأقسام ثلاثة فى قوله الرحمن على العرش استوى ونحوه أن يقال إستواء كاستواء
مخلوق أو يفسر باستواء مستلزم حدوثا أو نقصا فهذا الذى يحكى عن الضلال المشبهة والمجسمة وهو باطل قطا بالقرآن وبالعقل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/221)
وإما أن يقال ما ثم استواء حقيقى أصلا ولا على العرش إله ولا فوق السموات رب فهذا مذهب الضالة الجهمية المعطلة وهو باطل قطعا بما علم بالإضطرار من دين الإسلام لمن أمعن النظر فى العلوم النبوية وبما فطر الله عليه خليقته من الإقرار بانه فوق خلقه كاقرارهم بأنه ربهم قال ابن قتيبة ما زالت الأمم عربها وعجمها فى جاهليتها واسلامها معترفة بان الله فى السماء أى على السماء
أو يقال بل استوى سبحانه على العرش على الوجه الذى يليق بجلاله ويناسب كبريائه وأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه مع أنه سبحانه هو حامل للعرش ولحملة العرش وان الإستواء معلوم والكيف مجهول والأيمان به واجب والسؤال عنه بدعة كما قلاته أم سلمة وربيعة بن أبى عبد الرحمن ومالك بن أنس فهذا مذهب المسلمين
وهو الظاهر من لفظ استوى عند عامة المسلمين الباقين على الفطر السلمية التى لم تنحرف إلا تعطيل ولا الى تمثيل هذا هو الذى أراده يزيد بن هارون الواسطى المتفق على إمامته وجلالته وفضله وهو من أتباع التابعين حيث قال من زعم أن الرحمن على العرش استوى خلاف ما يقر فى نفوس العامة فهو جهمى فإن الذى أقره الله فى فطر عبادة وجلبهم عليه أن ربهم فوق سمواته كما أنشد عبد الله بن رواحه للنبى فأقره النبى ... شهدت بأن وعد الله حق ... وان النار مثوى الكافرينا ... وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا ...
وقال عبد الله بن المبارك الذى أجمعت فرق الأمة على امامته وجلالته حتى قيل إنه أمير المؤمنين فى كل شىء وقيل ما أخرجت خراسان مثل ابن المبارك وقد أخذ عن عامة علماء وقته مثل الثورى ومالك وأبى حنيفة والأوزاعى وطبقتهم قيل له بماذا نعرف ربنا قال بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وقال محمد بن اسحاق بن خزيمة الملقب إمام الأئمة وهو ممن يعرج أصحاب الشافعى بما ينصره من مذهبه ويكاد يقال ليس فيهم أعلم بذلك منه
من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه باين من خلقه وجب أن يستتاب فان تاب والا ضربت عنقه والقى على مزبلة لئلا يتأذى بنتن ريحه أهل الملة ولا أهل الذمة وكان ماله فيئا
الفتاوى الكبرى [جزء 6 - صفحة 470]
قلت: وأما حلفه أن الرحمن على العرش استوى على ما يفيده الظاهر ويفهمه الناس من ظاهره فلفظة الظاهر قد صارت مشتركة فإن الظاهر في الفطر السليمة واللسان العربي والدين القيم ولسان السلف غير الظاهر في عرف كثير من المتأخرين فإن أراد الحالف بالظاهر شيئا من المعاني التي هي من خصائص المحدثين أو ما يقتضي نوع نقص بأن يتوهم أن الاستواء مثل استواء الأجسام على الأجسام أو كاستواء الأرواح إن كانت عنده لا تدخل في أمم الأجسام فقد حنث في ذلك وكذب وما أعلم أحدا يقول إلا ما يروي عن مثل داود الجواربي البصري ومقاتل بن سليمان الخرساني وهشام بن الحكم الرافضي ونحوهم أن صح النقل عنهم فإنه يجب القطع بأن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في نفسه ولا في صفاته ولا في أفعاله وأن مباينته للمخلوقين وتنزهه عن مشاركتهم أكبر وأعظم مما يعرفه العارفون من خليقته ويصفه الواصفون وأن كل صفة تستلزم حدوثه أو نقصا غير الحدوث فيجب نفيها عنه
ومن حكى عن أحد من أهل السنة أنه قاس صفاته بصفات خلقه فهو إما كاذب أو مخطىء وإن أراد الحالف بالظاهر ما هو الظاهر في فطر المسلمين قبل ظهور الأهواء وتشتت الآراء وهو الظاهر الذي يليق بجلاله سبحانه وتعالى كما أن هذا هو الظاهر في سائر ما يطلق عليه سبحانه من أسمائه وصفاته كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والمحبة والغضب والرضى وما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي وينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا إلى غير ذلك فإن ظاهر هذه الألفاظ إذا أطلقت علينا أن تكون أعراضا وأجساما لأن ذواتنا كذلك وليس ظاهرها إذا أطلقت على الله سبحانه وتعالى إلا ما يليق بجلاله ويناسب نفسه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/222)
فكما أن لفظ ذات ووجود وحقيقة يطلق على الله وعلى عباده وهو على ظاهره في الاطلاقين مع القطع بأنه ليس ظاهره في حق الله تعالى مساويا لظاهره في حقنا ولا مشاركا له فيما يوجب نقصا وحدوثا سواء جعلت هذه الألفاظ متواطئة أو مشتركة أو مشككة كذلك قوله: أنزله بعلمه وأن الله هو الرزاق ذو القوة لما خلقت بيدي الرحمن على العرش استوى الباب في الجميع واحد وكان قدماء الجهمية ينكرون جميع الصفات التي هي فينا أعراض كالعلم والقدرة وأجسام كالوجه واليد وحدثاؤهم أقروا بكثير من الصفات كالعلم والقدرة وأنكروا بعضها والصفات التي هي فينا أجسام هي فينا أعراض ومنهم من أقر ببعض الصفات التي هي فينا أجسام كاليد وأما السلفية فعلى ما حكاه الخطابي وأبو بكر الخطيب وغيرهما قالوا: مذهب السلف إجراء آيات الصفات وأحاديث الصفات على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها فلا تقول إن معنى اليد القدرة ولا إن معنى السمع العلم وذلك أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات يحتذى فيه حذوة ويتبع فيه مثاله فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية فقد أخبرك الخطابي والخطيب وهما إمامان من أصحاب الشافعي - رضي الله عنه - متفق على علمهما بالنقل وعلم الخطابي بالمعاني أن مذهب السلف إجراؤها على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها والله تعالى يعلم أني قد بالغت في البحث عن مذاهب السلف فما علمت أحدا منهم خالف ذلك ومن قال من المتأخرين أن مذهب السلف أن الظاهر غير مراد فيجب لمن أحسن به الظن أن يعرف أن معنى قوله الظاهر الذي يليق بالمخلوق لا بالخالق ولا شك أن هذا غير مراد ومن قال إنه مراد فهو بعد قيام الحجة عليه كافر
فهنا بحثان لفظي ومعنوي أما المعنوي فالأقسام ثلاثة في قوله الرحمن على العرش استوى ونحوه أن يقال استواء كاستواء مخلوق أو يفسر باستواء يستلزم حدوثا أو نقصا فهذا هو الذي يحكي عن الضلال المشبهة والمجسمة وهو باطل قطعا بالقرآن وبالعقل وإما أن يقال ماثم استواء حقيقي أصلا ولا على العرش إله ولا فوق السموات رب فهذا هو مذهب الجهمية الضالة المعطلة وهو باطل قطعا بما علم بالإضطرار من دين الإسلام لمن أمعن النظر في العلوم النبوية وبما فطر الله عليه خليفته من الأقرار بأنه فوق خلقه كإقرارهم بأنه ربهم
قال ابن قتيبة: ما زالت الأمم عربها وعجمها في جاهليتها وإسلامها معترفة بأن الله في السماء أي على السماء أو يقال بل استوى سبحانه على العرش على الوجه الذي يليق بجلاله ويناسب كبريائه وأنه فوق سماواته وأنه على عرشه بائن من خقله مع أنه سبحانه هو حامل للعرش ولحملة العرش وأن الإستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة كما قالت أم سلمة وربيعة بن أبي عبدالرحمن ومالك عن أنس فهذا مذهب المسلمين وهو الظاهر من لفظ استوى عند عامة المسلمين الباقين على الفطرة السالمة التي لم تنحرف إلى تعطيل ولا إلى تمثيل وهذا هو الذي أراده يزيد بن هارون الواسطي المتفق على إمامته وجلالته وفضله وهو من إتباع التابعين حيث قال: من زعم أن الرحمن على العرش استوى خلاف ما يقر في نفوس العامة فهو جهمي فإن الذي أقره الله تعالى في فطر عباده وجبلهم عليه أن ربهم فوق سمواته كما أنشد عبدالله بن رواحة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأقره النبي صلى الله عليه وسلم:
(شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرينا)
(وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا)
وقد قال عبدالله بن المبارك الذي أجمعت فرق الأمة على إمامته وجلالته حتى قيل إنه أمير المؤمنين في كل شيء وقيل ما أخرجت خراسان مثل ابن المبارك وقد أخذ عن عامة علماء وقته مثل الثوري ومالك وأبي حنيفة والأوزاعي وطبقتهم حين قيل له بماذا تعرف ربنا قال: بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وقال محمد بن إسحق بن خزيمة الملقب إمام الأئمة وهو ممن يفرح أصحاب الشافعي بما ينصره من مذهبه ويكاد يقال ليس فيهم أعلم بذلك منه من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقي على مزبلة لئلا يتأذى ريحه أهل الملة ولا أهل الذمة وكان ماله فيئا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/223)
وقال مالك بن أنس الإمام فيما رواه عنه عبدالله بن نافع وهو مشهور عنه: الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو من علمه مكان وقال الإمام أحمد بن حنبل مثل ما قال مالك وما قال ابن المبارك والآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر علماء الأمة بذلك متوافرة عند من نتبعها وقد جمع العلماء فيها مصنفات صغارا وكبارا ومن تتبع الآثار علم أيضا قطعا أنه لا يمكن أن ينقل عن أحد منهم حرف واحد يناقض ذلك بل كلهم مجمعون على كلمة واحدة وعقيدة واحدة يصدق بعضهم بعضا وإن كان بعضهم أعلم من بعض كما أنهم متفقون على الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان فيهم من هو أعلم بخصائص النبوة ومزاياها وحقوقها وموجباتها وحقيقتها وصفاتها ثم ليس أحد منهم قال يوما من الدهر ظاهر هذا غير امراد ولا قال هذه الآية أو هذا الحديث مصروف عن ظاهره مع أنهم قد قالوا مثل ذلك في آيات الأحكام المصروفة عن عمومها وظهورها وتكلموا فيما يستشكل مما قد يتوهم أنه متناقض وهذا مشهور لمن تأمله وهذه الصفات أطلقولها بسلامة وطهارة وصفاء لم يشربوه بكدر ولا غش ولو لم يكن هذا هو الظاهر عند المسلمين لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم سلف الأمة قالوا للأمة الظاهر الذي تفهمونه غير مراد أو لكان أحد من المسلمين استشكل هذه الآية وغيرها فإن كان بعض المتأخرين قد زاغ قلبه حتى صار يظهر له من الآية معنى فاسد مما يقتضي حدوثا أو نقصا فلا شك أن الظاهر لهذا الواقع غير مراد وإذا رأينا رجلا يفهم من الآية هذا الظاهر الفاسد قررنا عنده أولا أن هذا المعنى ليس مفهوما من ظاهر الآية ثم قررنا عنده ثانيا أنه في نفسه معنى فاسد حتى لو فرض أنه ظاهر الآية وإن كان هذا فرض ما لا حقيقة له لوجب صرف الآية عن ظاهرها كسائر الظواهر التي عارضها ما أوجب أن المراد بها غير الظاهر
وأعلم أن من لم يحكم دلالات اللفظ ويعلم أن ظهور المعنى من اللفظ تارة يكون بالوضع اللغوي أو العرفي أو الشرعي إما في الألفاظ المفردة وإما في المركبة وتارة بما اقترن باللفظ المفرد من التركيب الذي يتغير به دلالته في نفسه وتارة بما اقترن به من القرائن اللفظية التي تجعلها مجازا وتارة بما يدل عليه حال المتكلم والمخاطب والمتكلم فيه وسياق الكلام الذي يعين أحد محتملات اللفظ أو يبين أن المراد به هو مجازه إلى غير ذلك من الأسباب التي تعطي اللفظ صفة الظهور وإلا فقد يتخبط في هذه المواضع نعم إذا لم يقترن باللفظ قط شيء من القرائن المتصلة تبين مراد المتكلم بل علم مراده بدليل آخر لفظي منفصل فهنا أريد به خلاف الظاهر ففي تسمية المراد خلاف الظاهر كالعام المخصوص بدليل منفصل وإن كان الصارف عقليا ظاهرا ففي تسمية المراد خلاف الظاهر خلاف مشهور في أصول الفقه
وبالجملة فإذا عرف المقصود فقولنا هذا هو الظاهر أليس هو الظاهر خلاف لفظي فإن كان الحالف ممن في عرف خطابه أن ظاهر هذه الآية مما هو مماثل لصفات المخلوقين فقد حنث وإن كان في عرفه خطابه أن ظاهرها هو ما يليق بالله تعالى لم يحنث وإن لم يعلم عرف أهل ناحيته في هذه اللفظة ولم يكن سبب يستدل به على مراده وتعذر العلم بنيته فقد جاز أن يكون أراد معنى صحيحا وجاز أن يكون أراد معنى باطلا فلا يحنث بالشك وهذا كله تفريع على قوله من يقول إن من حلف على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه حنث وأما على قوله من لم يحنث فالحكم في يمينه ظاهر
وأعلم أن عامة من ينكر هذه الصفة وأمثالها إذا بحثت عن الوجه الذي أنكروه وجدتهم قد اعتقدوا أن ظاهر هذه الآية كاستواء المخلوقين أو استواء يستلزم حدوثا أو نقصا ثم حكوا عن مخالفهم هذا القول ثم تعبوا في إقامة الأدلة على بطلانه ثم يقولون فيتعين تأويله إما بالاستيلاء أو بالظهور والتجلي أو بالفضل والرجحان الذي هو علو القدر والمكانة ويبقى المعنى الثالث هو استواء يليق بجلاله تكون دلالة هذا اللفظ عليه كدلالة لفظ العلم والإدارة والسمع والبصر على معانيها قد دل السمع عليه بل من أكثر النظر في آثار الرسول صلى الله عليه وسلم علم بالاضطرار أنه قد ألقى إلى الأمة أن ربكم الذي تعبدونه فوق كل شيء وعلى كل شيء فوق العرش فوق السموات وعلم أن عامة السلف كان هذا عندهم مثل ما عندهم أن الله بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه لا ينقل عن واحد لفظ يدل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/224)
لا نصا ولا ظاهرا على خلاف ذلك ولا قال أحد منهم يوما من الدهر أن ربنا ليس فوق العرش أو أنه ليس على العرش أو أن استوائه على العرش كاستواء على البحر إلى غير ذلك من ترهات الجهمية ولا مثل استوائه باستواء المخلوقين ولا أثبت له صفة تستلزم حدوثا أو نقصا والذي يبين لك خطأ من أطلق الظاهر على المعنى الذي يليق بالخلق أن الألفاظ نوعان:
أحدهما ما معناه مفرد كلفظ الأسد والحمار والبحر والكلب فهذا إذا قيل أسد الله وأسد رسوله أو قيل للبليد حمار أو قيل للعالم أو السخي أو الجواد من الخيل بحر أو قيل للأسد كلب فهذا مجاز ثم إن قرنت به قرينة تبين المراد كقول النبي صلى الله عليه وسلم لفرس أبي طلحة: [إن وجدناه لبحرا] وقوله: [إن خالدا سيف من سيوف الله سله الله على المشركين]
وقوله لعثمان: [إن الله قمصك قميصا] وقول ابن عباس: الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن استلمه وصافحه فكأنما بايع ربه أو كما قال ونحو ذلك فهنا اللفظ فيه تجوز وإن كان قد ظهر من اللفظ مراد صاحبه وهو محمول على هذا الظاهر في استعمال هذا المتكلم لا على الظاهر على الوضع الأول وكل من سمع هذا القول علم المراد به وسبق ذلك إلى ذهنه بل أحال إرادة المعنى الأول
وهذا يوجب أن يكون نصا لا محتملا وليس حمل اللفظ على هذا المعنى من التأويل الذي هو صرف اللفظ عن الإحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح في شيء وهذا أحد مثارات غلط الغالطين في هذا الباب حيث يتوهم أن المعنى المفهوم من هذا اللفظ مخالف للظاهر وأن اللفظ يؤول
النوع الثاني: من الألفاظ ما في معناه إضافة إما بأن يكون المعنى إضافة محضة كالعلو والسفول وفوق وتحت ونحو ذلك أن يكون معنى ثبوتيا فيه إضافة كالعلم والحب والقدرة والعجز والسمع والبصر فهذا النوع من الألفاظ لا يمكن أن يوجد له معنى مفرد بحسب بعض موارده لوجهين:
أحدهما: أنه لم يستعمل مفردا قط
الثاني: أن ذلك يلزم منه الاشتراك أو المجاز بل يجعل حقيقة في القدر المشترك بين موارده وما نحن فيه من هذا الباب فإن لفظ استوى لم تستعمله العرب في خصوص جلوس الآدمي مثلا على سريره حقيقة حتى يصير في غيره مجازا كما أن لفظ العلم لم تستعمله العرب في خصوص جلوس الآدمي مثلا على سريره حقيقة حتى يصير في غيره مجازا كما أن لفظ العلم لم تستعمله العرب في خصوص العرض القائم بقلب البشر المنقسم إلى ضروري ونظري حقيقة واستعمله في غيره مجازا بل هذا المعنى تارة يستعمل بلا تعدية كما في قوله تعالى: {ولما بلغ أشده واستوى} وتارة يعدى بحرف الغاية كقوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء} تارة يعدى بحرف الاستعلاء ثم هذا تارة يكون صفة لله وتارة يكون صفة لخلقه فلا يجب أن يجعل في أحد الموضعين حقيقة وفي الآخر مجازا ولا يجوز أن يفهم من استواء الله تعالى الخاصية التي تثبت للمخلوق دون الخالق كما في قوله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد} وقوله تعالى: {مما عملت أيدينا} وقوله تعالى: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} وقوله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر} {وكتبنا له في الألواح} فهل يستحل مسلم أن يثبت لربه خاصية الآدمي الباني والصانع العامل الكاتب أم يستحل أن ينفي عنه حقيقة العمل والبناء كما يختص به ويليق بجلاله أم يستحل أن يقول هذه الألفاظ مصروفة عن ظاهرها أم الذي يجب أن يقول عمل كل أحد بحسبه فكما أن ذاته ليست مثل ذوات خلقه فعمله وصنعه وبناؤه ليس مثل عملهم وصنعهم وبنائهم ونحن لم نفهم من قولنا بنى فلان وكتب فلان ما في عمله من المعالجة والتأثرة إلا من جهة عملنا بحال الباني لا من جهة مجرد اللفظ ففرق أصلحك الله بين ما دل مجرد اللفظ الذي هو لفظ الفعل وما يدل عليه بخصوص إضافته إلى الفاعل المعين وبهذا ينكشف لك كثير ما يشكل على كثير من الناس وترى مواقع اللبس في كثير من هذا الباب والله يوفقنا وسائر إخواننا المؤمنين لما يحبه ويرضاه من القول والعمل ويجمع قلوبنا على دينه الذي ارتضاه لنفسه وبعث به رسول صلى الله عليه وسلم
أقاويل الثقات [جزء 1 - صفحة 85]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/225)
ومن المعلوم أنه عليه السلام كان يحضر في مجلسه الشريف والعالم والجاهل والذكي والبليد والأعرابي الجافي ثم لايجد شيئا يعقب تلك النصوص مما يصرفها عن حقائقها لا نصا و ظاهرا كما تأولها بعض هؤلاء المتكلمين ولم ينقل عنه عليه السلام أنه كان يحذر الناس من الإيمان بما يظهر من كلامه في صفته لربه من الفوقية واليدين ونحو ذلك ولا نقل عنه أن لهذه الصفات معاني أخر باطنة غير ما يظهر من مدلولها ولما قال للجارية أين الله فقالت في السماء لم ينكر عليها بحضرة أصحابه كي لا يتوهموا أن الأمر على خلاف ما هو عليه بل أقرها وقال أعتقها فإنها مؤمنة إلى غير ذلك من الدلائل التي يطول ذكرها ولم يقل الرسول ولا أحد من سلف الأمة يوما من الدهر هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه وكيف يجوز على الله ورسوله والسلف أنهم يتكلمون دائما بما هو نص أو ظاهر في خلاف الحق ثم الحق الذي يجب اعتقاده لا يتكلمون به ولا يدلون عليه
إيثار الحق على الخلق [جزء 1 - صفحة 123]
وهذا آخر ما حصر من التحذير من الزيادة في الدين والكلام في بطلان ذلك وتحريمه وهو الامر الأول
وأما الأمر الثاني وهو النقص في الدين برد النصوص والظواهر ورد حقائقها إلى المجاز من غير طريق قاطعة تدل على ثبوت الموجب للتأويل إلا مجرد التقليد لبعض أهل الكلام في قواعد لم يتفقوا عليها أيضا وأفحش ذلك وأشهره مذهب القرامطة الباطنية في تأويل الاسماء الحسنى كلها أو نفيها عن الله على سبيل التنزيه له عنها وتحقيق التوحيد بذلك ودعوى أن اطلاقها عليه يقتضي التشبيه وقد غلوا في ذلك وبالغوا حتى قالوا أنه لا يقال أنه موجود ولا معدوم بل قالوا أنه لا يعبر عنه بالحروف وقد جعلوا تأويلها أن المراد بها كلها أمام الزمان عندهم وهو عندهم المسمى الله والمراد بلا إله إلا الله وقد تواتر هذا عنهم وأنا ممن وقف عليه فيما لا يحصى من كتبهم التي في أيديهم وخزائنهم ومعاقلهم التي دخلت عليهم عنوة أو فتحت بعد طول محاصرة وأخذ بعضها عليهم من بعض الطرقات وقد هربوا به ووجد بعضها في مواضع خفية قد أخفوه فيها فكما أن كل مسلم يعلم أن هذا كفر صريح وأنه ليس من التأويل المسمى بحذف المضاف المذكور في قوله تعالى واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها أي أهل القرية وأهل العير وإنما علم هذا كل مسلم تطول صحبته لأهل الاسلام وسماع أخبارهم والباطني الناشئ بين الباطنية لا يعلم مثل هذا فكذلك المحدث الذي قد طالت مطالعته للآثار قد يعلم في تأويل بعض المتكلمين مثل هذا العلم وإن كان المتكلم لبعده عن أخبار الرسول وأحواله وأحوال السلف قد بعد عن علم المحدث كما بعد الباطني عن علم المسلم فالمتكلم يرى أن التأويل ممكن بالنظر إلى وضع علماء الأدب في شروط المجاز وذلك صحيح ولكن مع المحدث من العلم الضروري بأن السلف ما تأولوا ذلك مثل ما مع المتكلم من العلم الضروري بأن السلف ما تأولوا الاسماء الحسنى بامام الزمان وان كان مجاز الحذف الذي تأولت به الباطنية صحيحا في اللغة عند الجميع لكن له موضع مخصوص وهم وضعوه في غير موضعه كذلك المتكلم في بعض أسماء الله الحسنى كالسميع والبصير والحكيم والرحمن والرحيم فانها من الاسماء الحسنى المعلوم ورودها في كتاب الله على سبيل التمدح بها والثناء العظيم ونص الله تعالى ورسوله على أنها ثناء على الله تعالى في حديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي وفيه فاذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى أثنى علي عبدي مع تكريرها في عهد النبوة والصحابة والتابعين لم يشعر أحد منهم في تلك الاعصار كلها بتقبيح شيء من ظواهرها ألا ترى أن الرحمن الرحيم ثابتان في السبع المثاني المعظمة متلوان في جميع الصلوات الخمس مجهور بهما في أكثرها في محافل المسلمين مجمعين على أنهما من أحسن الثناء على الله تعالى وأجمله وأفضله متقربين إلى الله بمدحه بذلك مظهر من أنه أحب الحمد اليه ولذلك كرر تكرارا كثيرا في كتاب الله سبحانه وفي بسم الله الرحمن الرحيم المكرر في أول كل سورة المتبرك به في أول كل عبادة وجمعا معا ومرجعهما إلى معنى واحد ولم يجمع اسمان في معنى واحد في موضع واحد قط كالغفار الغفور ونحو ذلك بخلاف الرحمن الرحيم فتأمل ذلك فهما الغرة والمقدمة في ممادح رب العزة في خطب المسلمين وجمعهم وجماعتهم وحوائجهم ومجامعهم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/226)
ورسائلهم ومكاتباتهم وتصانيفهم وتصرفاتهم وكل أمر ذي بال كان منهم في مصادرهم ومواردهم وتضرعهم إلى ربهم ودعائهم وعند رقتهم وخضوعهم وجدهم واجتهادهم يلقنها سلف المسلمين خلفهم ويتلقنهما خلفهم عن سلفهم ويعلمهما الآباء أبناءهم ويتعلمهما الابناء من آبائهم ويتردد التشفي بذكرهما بين أصاغرهم وأكابرهم وبدوهم وحضرهم وخاصتهم وعامتهم وذكرانهم وإناثهم وبلدائهم وأذكيائهم فأي معلوم من الدين أبين من كونهما من ممادح الله تعالى وأشهر وأوضح وأظهر وأكثر استفاضة وشهرة وتواترا وعظمت الشناعة في إنكار حقيقتهما ومدحتهما حين وافق ذلك مذهب القرامطة ومذهب أسلافهم من المشركين في انكارهم الرحمن ونص القرآن على الرد عليهم في ذلك والصدع بالحق فيه حيث حكى عنهم قولهم وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا فقال عز من قائل الذي خلق السموات والارض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا وحيث قال وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو وحيث قال وهم بذكر الرحمن هم كافرون وعظم الله تعالى هذا الاسم الشريف وبالغ في تعظيمه حيث قال قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الاسماء الحسنى وقال حاكيا عن خيار عباده هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا وجاءت الصوادع القرآنية مادحة لله تعالى بأعظم صيغ المبالغات في هذه الصفة الشريفة الحميدة بأن الله عز وجل خير الراحمين وأرحم الراحمين وكرر هذه المبالغة في مواضع من كتابه الكريم الذي قال فيه إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وجاءت في كلام موسى وأيوب ويعقوب ويوسف عليهم السلام
وكرر الله تعالى التمدح بالرحمة مرارا جمة أكثر من خمسمائة مرة من كتابه الكريم منها باسمه الرحمن أكثر من مائة وستين مرة وباسمه الرحيم أكثر من مائتي مرة وجمعهما للتأكيد مائة وست عشرة مرة وأكد الرحيم فجمعه مرارا مع التواب ومرارا مع الرؤوف والرأفة أشد الرحمة ومرارا مع الغفور وهي أكثر عرفت منها سبعة وستين موضعا وأخبر أنه كتب على نفسه الرحمة مرتين وأنه لا عاصم من أمره إلا من رحم وأن من لم يرحمه يكن من الخاسرين ولا يزالون مختلفين إلا من رحم وإن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم وأنه ذو رحمة واسعة إلى غير ذلك من صيغ المبالغات القاضية بأن ذلك من أحب الثناء والممادح والمحامد اليه عز وجل وبالغت الملائكة الكرام في ممادح الرب سبحانه بذلك فأوردت أبلغ صيغ المبالغات فقالت ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ومدح الله ذاته الكريمة بهذه الصيغة البليغة فقال ورحمتي وسعت كل شيء وفي كتاب سليمان عليه السلام الذي حكاه الله عنه في كتابه الكريم لشرفه العظيم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم وحكى الله نحو ذلك في كتابه الكريم عن إبراهيم ويعقوب وموسى وأيوب وصالح وعيسى ابن مريم عليهم السلام للدلالة على اتفاق الأديان النبوية الأولى والآخرة على مدح الله تعالى بذلك وخاطب الأنبياء عليهم السلام بذلك الجفاة الاجلاف من المشركين ونحوهم ممن لا يفهم دقائق الكلام الصارفة إلى مقاصد أهله فقال الخليل عليه السلام في خطاب أبيه يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا وقال هارون عليه السلام لعباد العجل ما ذكره الله عنه ومدحه به حيث قال ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وكتب ذلك سليمان إلى بلقيس وقومها وأمر الله تعالى في كتابه الكريم بالفرح برحمته والفرح بها فرع التصديق بها فقال تعالى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا وفي عطفها على فضله دلالة على المغايرة بينهما وذلك خلاف ما يقول من تأولها
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/227)
وفي الصحاح من ذلك الكثير الطيب وما لا تتسع له هذه التذكرة المختصرة منه حديث سلمان وأبي هريرة وجندب وابن عباس وعبادة وأبي سعيد الخدري وابن حيدة وخلاس والحسن وابن سيرين في المائة الرحمة التي لله تعالى وإنها وسعت الخلائق منها رحمة واحدة وأن هذه الرحمة التي يتراحم بها الخلائق والسباع والدواب البرية والبحرية هي جزء من مائة جزء من رحمة الله وظهرت محبة الله تعالى للثناء عليه بهذه الصفة وما يشتق له منها من الاسماء الشريفة حتى كان أحب الاسماء اليه عبد الله وعبد الرحمن كما ثبت في الصحيح فكيف يقال أن ظاهرها نقص وذم وكفر وتشبيه وسب للملك الحميد المجيد الذي لا أحد أحب اليه الحمد والمدح منه ولا أعرف بما يليق بجلاله منه ثم من رسله ولا يحصى عليه ثناء هو كما أثنى على نفسه لأهليته لذلك ولذلك مدح نفسه وعلمنا مدحه ودعانا اليه وأثابنا عليه فكيف يفتتح كتبه الكريمة ويشحنها بما ظاهره السب والذم والكفر والتشبيه وبما نسبته اليه كنسبة الارادة إلى الجدار والجناح إلى الذل بل أشد بعدا من ذلك فان الجدار لا يذم بالارادة والذل لا يذم بالجناح فصار لا يوجد لذلك مثال لأنه يستلزم استعارة اسم الذم لارادة المدح كما لو مدحت بالظلم الملك العادل وبالنقص الرجل الكامل مجازا ونحو ذلك
مما لا يحسن في البلاغة بل لا يصح في اللغة ولا يوجد في كلام العامة والعجم
وقد أجمع المسلمون على حسن اطلاق الرحمة على الله من غير قرينة تشعر بالتأويل ولا توقف على عبارة التنزيل ولو كان ظاهرها القبح والذم والانتقاص لله عز وجل لم يحسن ذلك من العباد وان ورد في كلام الله أقر في موضعه على قواعد علماء الكلام على أن فطر العقول تعرف رحمة الله تعالى وسعة علمه وكمال قدرته فان العلم بضعف العباد مع تمام القدرة والممادح والمحامد وعدم المعارض يستلزم الرحمة عقلا أيضا فهي من المحكمات لامن المتشابهات على أن الله سبحانه أعلم وأحكم وأجل وأعظم وأعز في كبريائه عن أن يتخير ما ظاهره الانتقاص والذم غرة شادخة لاسمائه الحسنى مقدمة في مثاني كتابه العظمى وهو الذي بلغ كلامه أعلى درجات الاعجاز في البلاغة التي هي البلوغ إلى المراد المقصود بأوضح العبارات وأجزلها وأبينها وأجملها
وأيضا فقد ثبت أن الرحمن مختص بالله تعالى وحده ويحرم إطلاقه على غيره ولو كانت الرحمة له مجازا ولغيره حقيقة كان العكس أوجب وأولى وما المانع للمسلم من اثباتها صفة حمد ومدح وثناء كما علمنا ربنا مع نفي صفات النقص المتعلقة برحمة المخلوقين عنه تعالى كما أثبتنا له اسم الحي العليم الخبير المريد مع نفي نقائص المخلوقين في حياتهم المستمرة لجواز التألم بأنواع الآلام ثم للموت الذي لابد منه لجميع الاحياء من الانام وكذلك ينزه سبحانه عما في علمهم الناقص بدخول الكسب والنظر في مباديه والاستدلال والاضطرار في منتهاه الذي يستلزم الجسمية والبينة المخصوصة والحدوث ويعرض له التغير والنسيان والخطأ والشغل ببعض المعلومات عن بعض وكذلك تنزه ارادته عما في ارادتنا من استلزام الحاجة إلى جلب المنافع ودفع المضار ونحو ذلك وكذلك كل صفة يوصف بها الرب سبحانه ويوصف بها العبد وان الرب يوصف بها على أتم الوصف مجردة عن جميع النقائص والعبد يوصف بها محفوفة بالنقص وبهذا فسر أهل السنة نفي التشبيه ولم يفسروه بنفي الصفات وتعطيلها كما صنعت الباطنية الملاحدة
ويدلك على قبح تأويل هذه الاسماء الشريفة في الفطر كلها إنك تجد المعتزلي يستقبح تأويل الاشعرية للحكيم غاية الاستقباح والاشعري يستقبح تأويل المعتزلة البغدادية للسميع البصير المريد غاية الاستقباح والسني يستقبح تأويل المعتزلة والاشعرية للرحمن الرحيم الحكيم غاية الاستقباح والكل يستقبحون تأويل القرامطة لجميع الاسماء الحسنى غاية الاستقباح ومتى نظرت بعين الانصاف وجدتهم في ذلك كما قيل
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/228)
وكذلك نجد كل واحد منهم يلزم المنكر عليه مثل ما ألزمه فان المعتزلة والاشعرية إذا كفروا الباطني بانكار الاسماء الحسنى والجنة والنار يقول لهم الباطني لم أجحدها إنما قلت هي مجاز مثل ما انكم لم تجحدوا الرحمن الرحيم الحكيم وإنما قلتم إنها مجاز وكيف كفاكم المجاز في الايمان بالرحمن الرحيم وهما أشهر الاسماء الحسنى أو من أشهرها ولم يكفني في سائرها وفي الجنة والنار مع أنهما دون أسماء الله بكثير وكم بين الايمان بالله وبأسمائه والايمان بمخلوقاته فاذا كفاكم الايمان المجازي بأشهر الاسماء الحسنى فكيف لم يكفني مثله في الايمان بالجنة والنار والمعاد يوضحه أن الاجماع منعقد على كفر من قال أن الله يأمر بالفسق والمعاصي حقيقة
وقد قال الزمخشري بذلك مجازا في تفسيره أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ولم يكفر بذلك وكذلك قال بعض الاشعرية أن الله تعالى يحب المعاصي مجازا ولم يكفروه بذلك ولو قالوه حقيقة كفروا فدل على أن الايمان المجازي في موضع الحقائق كلا شيء فكما لم يضره من آمن بالامر بالقبائح مجازا فكذلك لا ينفع من آمن بالرحمن الرحيم الحكيم مجازا لأنهم بمنزلة الزمخشري في إيمانه بأمر الله بالفسق مجازا مع نفيه لذلك أشد النفي واعتقاده أنه كالعدم يوضحه أنه لا شك ولا خلاف في كفر من آمن بالنبوات مجازا ونفاها حقيقة فأسماء الله الحسنى المعلوم تمدحه بها في جميع كتبه أجل وأعظم من جنته وناره وأنبيائه فلا يكفي الايمان بشيء منها مجازا إلا أن يصح في ذلك اجماع قاطع وبرهان الله أقطع في بعض المواضع يؤمن معه من الوقوع في البدعة والفرقة المنهي عنهما بالنصوص والاجماع وكذلك يقول بعضهم لبعض فيما اختلفوا فيه كما يقول لهم الباطني
وكذلك محبة الله تعالى لأنبيائه وأوليائه التي هي أعظم فضل الله العظيم عليهم وأشرف ما يرجونه من مواهبه العظام وقد نص الله تعالى على ذلك في غير آية من كتابه الكريم كقوله تعالى يحبهم ويحبونه وقوله تعالى والله يحب الصابرين وكذلك كون الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وأكبر من ذلك أن الله تعالى اتخذ ابراهيم صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم خليلا بالنص القرآني واتخذ محمدا خليلا بالنص النبوي والحلة في اللغة العربية أرفع مراتب المحبة ولم تزل هذه النصوص مقررة مجللة معتقدة مع تنزيه الله تعالى من نقائصها مثل تنزيهه من نقائص علم المخلوقين وارادتهم في العليم المريد وغيرهما حتى فشت البدعة واجتمعت كلمة المعتزلة والأشعرية على تقبيح نسبة الرحمة والحلم والمحبة والخلة إلى الله تعالى إلا بتأويل موجب لنفي هذه الأشياء عن الله بغير قرينة وموجب تحريم اطلاقها إلا مع القرينة فيجوز عندهم أن تقول إن الله غير رحيم ولا رحمن ولا حليم ولا يحب المؤمنين ولا الصابرين ولا المتطهرين ولا اتخذ ابراهيم خليلا بغير قرينة ولا تأويل كما يجوز أن تقول في الجدار أنه ليس بمريد ولا يجوز ذلك الاثبات إلا بالتأويل والقرينة الدالة عليه
والمسلم بالفطرة ينكر هذه البدع وبالرسوخ في علم الحديث يعلم بالضرورة حدوثها وأن عصر النبوة والصحابة بريء منها مثل ما يعلم أن المعتزلة أبرياء من مذهب الأشعرية وأن الأشعرية أبرياء من مذهب المعتزلة وأن النحاة أبرياء من مذهب الشعوبية وأمثال ذلك فيجب تقرير ذلك وأمثاله مما وصف الله تعالى به ذاته الكريمة على جهة التمدح والحمد والثناء وسيأتي الجواب عن سبب تخلف الرحمة لكثير من أهل البلاء كما يتخلف العطاء عن كثير من الفقراء ولا يقدح ذلك في مدح الله بالجود والكرم حقيقة باجماع المسلمين لمعارضة الحكمة في الموضعين سواء وقد جود الغزالي القول في هذا المعنى في المقصد الامنى فلا حاجة إلى التطويل بنقل كلامه وموضعه معروف
والدليل على أنه لا يجوز القول بأن ظاهر هذه الاسماء كفر وضلال وأن الصحابة والسلف الصالح لم يفهموا ذلك أو فهموا ولم يقوموا بالواجب عليهم من نصح المسلمين وبيان التأويل الحق لهم أمران الأول قاطع ضروري وهو أن العادة توجب في كل ما كان كذلك أن يظهر التحذير منه من رسول الله ومن أصحابه يتواتر أعظم مما حذروا من الدجال الأعور الكذاب ولا يجوز عليهم مع كمال عقولهم وأديانهم أن يتركوا صبيانهم ونساءهم وعامتهم يسمعون ذلك منسوبا إلى الله وإلى كتابه ورسوله وظاهره الكفر وهم سكوت عليه مع بلادة الأكثرين ولو تركوا بيان ذلك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/229)
ثقة بنظر العقول الدقيق لتركوا التحذير من فتنة الدجال فان بطلان ربوبيته أجلى في العقول من ذلك ألا ترى أن المتكلمين لما اعتقدوا قبح هذه الظواهر تواتر عنهم التحذير عنها والتأويل لها وصنفوا في ذلك وأيقظوا الغافلين وعلموا الجاهلين وكفروا المخالفين وأشاعوا ذلك بين المسلمين بل بين العالمين فكان أحق منهم بذلك سيد المرسلين وقدماء السابقين وأنصار الدين الثاني أنه قد ثبت في تحريم الزيادة في الدين أنه لا يصح سكوت الشرع عن النص على ما يحتاج اليه من مهمات الدين وثبت أن الاسلام متبع لا مخترع ولذلك كفر من أنكر شيئا من أركانه لأنها معلومة ضرورة فأولى وأحرى أن لا يجيء الشرع بالباطل منطوقا متكررا من غير تنبيه على ذلك لا سيما إذا كان ذلك الذي سموه باطلا هو المعروف في جميع آيات كتاب الله وجميع كتب الله ولم يأت ما يناقضه في كتاب الله حتى ينبه على وجوب التأويل والجمع أو يوجب الوقف بل لم يأت التصريح بالحق المحض عند كثير منهم قط في آية واحدة تكون هي المحكمة ويرد اليها جميع المتشابه فان الله ذكر أنه نزل في كتاب آيات محكمات ترد اليها المتشابهات ولم يقل أن جميع كتابه متشابه فأين الآية المحكمة التي دلت على ما يقولون
وقد اعترف الرازي في كتابه الاربعين وهو من أكبر خصوم أهل الأثر أن جميع الكتب السماوية جاءت بذلك ولم ينص الله تعالى في آية واحدة على أنه منزه من الوصف بالرحمة والحلم والحكمة وأنه ليس برحيم ولا رحمن ولا حليم ولا حكيم ولا سميع ولا بصير وهذا خليل الله تعالى الذي مدح نبينا محمد بمتابعته يقول لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا إلى قوله إن الشيطان كان للرحمن عصيا فكيف يحسن تقرير الخلاف في ذلك كله بين المعظمين من علماء الاسلام من غير تحذير منه ولا زجر عنه وأمثال ذلك على ما ادعاه علماء الاثر وهو كذلك وإن لم يعترف به وهذه الكتب السماوية موجودة كلها
وهبك تقول هذا الصبح ليل ... أيعمى العالمون عن الضياء
فان قيل ورود المتشابه في القرآن معلوم مجمع عليه ولابد أن يكون ظاهر المتشابه باطلا وإلا لما وجب التأويل فما هذا التهويل
قلنا أما وروده فمعلوم لا ينكر وأما تفسيره بما يوجب أن يكون ظاهره باطلا فغير صحيح لقول الراسخين في العلم آمنا به كل من عند ربنا ولذم الله الذين في قلوبهم زيغ بابتغاء تأويله وقد تقدم هذا فلا نسلم قبح ظاهره بل هو محل النزاع بل نقول هو قسمان
أحدهما لا ظاهر له ولا يفهم منه شيء فلا يضل به أحد وذلك مثل حروف التهجي في أوائل السور على الصحيح كما تقدم فحكمه الوقف في معناه وكذلك المشترك الذي تجرد عن القرائن في حق من لم يعرف قرينه مرجحة لاحد معانيه وما جري هذا المجرى وقد تقدم الوجه في جواز ورود السمع بمثل هذا ولا يجوز القطع على خلوه عن الحكمة لجواز فهم البعض له ولو رسول الله وحده أو لجواز أن تكون الحكمة فيه غير فهم معناه ولعدم الدليل القاطع على أنا مخاطبون بهذا الجنس
النوع الثاني من المتشابه ما كان له ظاهر يسبق إلى افهام أهل اللغة ولكن خفيت الحكمة فيه على العقول مثل عدم العفو عن المشركين في الآخرة وعمن شاء الله من المذنبين مع أن العفو أرجح وأحب إلى الله تعالى في جميع كتبه وشرائعه وأحكامه وأوامره فهذا نؤمن بظاهره ولا نقول أن ظاهره باطل بل نقول أن الحكمة فيه خفية ولو أنا علمناها لعرفنا حسنه بل نقطع أنا أجهل من أن نعلم جميع حكم الله في جميع أحكامه ولو علمنا الله تعالى نصف ما يعلمه لجاز أن تكون الحكمة في هذا النصف الذي لم يعلمناه كيف وقد صح أن جميع علم الخلائق في علم الله مثل ما يأخذه الطائر بمنقاره من البحر الأعظم
وأما المجاز المعلوم أنه مجاز مثل واخفض لهما جناح الذل من الرحمة فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور فليس من المتشابه فان هذا يعرف معناه جميع أجلاف العرب ولا يصح دخول اللبس والاختلاف في معناه ولذلك لم يقل بنفي عمى الابصار لأن معنى الآية نفي عمي القلوب عن الابصار وأن عمي القلوب هو الحقيقي العظيم المضرة والابصار لا تعمى عنه إنما تعمى القلوب وكذلك الأمر بخفض جناح الذل معلوم أن المراد به الخضوع للوالدين واللطف بهما ونحو ذلك وكذلك كلما وضحت فيه احدى القرائن المجازية الثلاث المعروفة اللفظية والعقلية والعرفية ولم تكن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/230)
القرينة خفية مختلفا فيها كما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى
شرح العقيدة الطحاوية [جزء 1 - صفحة 210]
وذكر في التبصرة أن نصير بن يحيى البلخي روى عن عمرو بن إسماعيل بن حماد بن أبي يحيى بن محمد بن الحسن رحمهم الله: أنه سئل عن الآيات والأخبار التي فيها من صفات الله تعالى ما يؤدي ظاهره إلى التشبيه؟ فقال: نمرها كما جاءت ونؤمن بها ولا نقول: كيف وكيف ويجب أن يعلم أن المعنى الفاسد الكفري ليس هو ظاهر النص ولا مقتضاه وأن من فهم ذلك منه فهو لقصور فهمه ونقص علمه وإذا كان قد قيل في قول بعض الناس:
(وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السقيم)
وقيل:
(علي نحت القوافي من معادنها ... وما علي إذا لم تفهم البقر)
كيف يقال في قول الله الذي هو أصدق الكلام وأحسن الحديث وهو الكتاب الذي {أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} إن حقيقة قولهم إن ظاهر القرآن والحديث هو الضلال وإنه ليس فيه بيان ما يصلح من الإعتقاد ولا فيه بيان التوحيد والتنزيه؟! هذا حقيقة قول المتأولين والحق أن ما دل عليه القرآن فهو حق وما كان باطلا لم يدل عليه والمنازعون يدعون دلالته على الباطل الذي يتعين صرفه!
فيقال لهم: هذا الباب الذي فتحتموه وإن كنتم تزعمون أنكم تنتصرون به على إخوانكم المؤمنين في مواضع قليلة خفية -: فقد فتحتم عليكم بابا لأنواع المشركين والمبتدعين لا تقدرون على سده فإنكم إذا سوغتم صرف القرآن عن دلالته المفهومة بغير دليل شرعي فما الضابط فيما يسوغ تأويله وما لا يسوغ؟ فإن قلتم: ما دل القاطع العقلي على استحالته تأولناه وإلا أقررناه! قيل لكم: وبأي عقل نزن القاطع العقلي؟ فإن القرمطي الباطني يزعم قيام القواطع على بطلان ظواهر الشرع! ويزعم الفيلسوف قيام القواطع على بطلان حشر الأجساد! ويزعم المعتزلي قيام القواطع على امتناع رؤية الله تعالى وعلى امتناع قيام عالم أو كلام أو رحمة به تعالى!! وباب التأويلات التي يدعي أصحابها وجوبها بالمعقولات أعظم من أن تنحصر في هذا المقام ويلزم حينئذ محذوران عظيمان: أحدهما: أن لا نقر بشيء من معاني الكتاب والسنة حتى نبحث قبل ذلك بحوثا طويلة عريضة في إمكان ذلك بالعقل! وكل طائفة من المختلفين في الكتاب يدعون أن العقل يدل على ما ذهبوا إليه فيؤول الأمر الى الحيرة المحذورة الثاني: أن القلوب تتخلى عن الجزم بشيء تعتقده مما أخبر به الرسول اذ لا يوثق بأن الظاهر هو المراد والتأويلات مضطربة فيلزم عزل الكتاب والسنة عن الدلالة والإرشاد إلى ما أنبأ الله به العباد وخاصة النبي هي الأنباء والقرآن هو النبأ العظيم ولهذا نجد أهل التأويل إنما يذكرون نصوص الكتاب والسنة للإعتضاد لا للإعتماد إن وافقت ما ادعوا أن العقل دل عليه قبلوه وإن خالفته أولوه! وهذا فتح باب الزندقة نسأل الله العافية
مجموع الفتاوى [جزء 33 - صفحة 177]
والله يعلم أنى قد بالغت فى البحث عن مذاهب السلف فما علمت أحدا منهم خالف ذلك
ومن قال من المتأخرين ان مذهب السلف أن الظاهر غير مراد فيجب لمن أحسن به الظن أن يعرف أن معنى قوله الظاهر الذى يليق بالمخالوق لا بالخالق ولا شك أن هذا غير مراد ومن قال أنه مراد فهو بعد قيام الحجة عليه كافر
المعنى معلوم
التحف في مذاهب السلف [جزء 1 - صفحة 67]
وأعجب وأشنع وأفظع أنهم بعد أن جعلوا هذه التعقلات التي تعقلوها على اختلافهم فيها وتناقضهم في معقولاتها أصولا ترد إليها أدلة الكتاب والسنة جعلوها معيارا لصفة الرب تعالى فما تعقله هذا من صفات الله قال به جزما وما تعقله خصمه منها قطع به فأثبتوا لله تعالى الشيء ونقيضه استدلالا بما حكمت به عقولهم الفاسدة وتناقضت في شأنه ولم يلتفتوا إلى ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم بل إن وجدوا ذلك موافقا لما تعقلوه جعلوه مؤيدا له ومقويا وقالوا قد ورد دليل السمع مطابقا لدليل العقل وإن وجدوه مخالفا لما تعقلوه جعلوه واردا على خلاف الأصل ومتشابها وغير معقول المعنى ولا ظاهر الدلالة
إيضاح الدليل المؤلف: محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة [جزء 1 - صفحة 130]
ومن جعل العين عبارة عن صفة لا يعرف ما هي إلا الله ولا معنى لها في اللغة فمردود كما تقدم ولا يعول عليه
وقال محمد بن إبراهيم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/231)
قول مالك: الاستواء معلوم. هل مراده معلوم عند الله
مراده معلوم للخلق وللعلماء، ولذلك فرق بين الأَمرين:
المعنى، والكيف. أَما الذين يقولون عن لفظة ((الاستواءُ معلوم)) عند الله فهم أَهل التحريف الجهال. (تقرير)
آيات الصفات ليست من المتشابه
آيات الأسماء والصفات المؤلف: محمد الأمين الشنقيطي [جزء 1 - صفحة 38]
هل آيات الصفات هي من المتشابه واعلموا أن آيات الصفات كثير من الناس يطلق عليها اسم المتشابه وهذا من جهة غلط ومن جهة قد يسوغ كما بينه الإمام مالك بن أنس بقوله الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب كذلك يقال في النزول النزول غير مجهول والكيف غير معقول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب واطرده في جميع الصفات لأن هذه الصفات معروفة عند العرب إلا أن ما وصف به خالق السموات
أقاويل الثقات [جزء 1 - صفحة 69]
فإن من الجهمية من غلا حتى رمى بعض الأنبياء بالتشبيه فقال ثلاثة من الأنبياء مشبهة موسى حيث قال إن هي إلا فتنتك وعيسى حيث قال تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ومحمد حيث قال ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا
فتح المجيد [جزء 1 - صفحة 394]
قلت: وليس في هذه الآثار ونحوها ما يشعر بأن أسماء الله تعالى وصفاته من المتشابه وما قال المنفاة من أنها من المتشابه دعوى بلا برهان
شرح العقيدة الطحاوية [جزء 1 - صفحة 210]
قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره أقفه عند كل آية وأسله عنها وقد تواترت النقول عنه أنه تكلم في جميع معاني القرآن ولم يقل عن آية إنها من المتشابه الذي لا يعلم أحد تأويله إلا الله
مجموع الفتاوى [جزء 13 - صفحة 294]
فصل
وأما إدخال أسماء الله وصفاته أو بعض ذلك فى المتشابه الذى لا يعلم تأويله الا الله أو اعتقاد أن ذلك هو المتشابه الذى استأثر الله بعلم تأويله كما يقول كل واحد من القولين طوائف من أصحابنا وغيرهم فانهم وان أصابوا فى كثير مما يقولونه ونجوا من بدع وقع فيها غيرهم فالكلام على هذا من وجهين
الأول من قال ان هذا من المتشابه وأنه لا يفهم معناه فنقول أما الدليل على بطلان ذلك فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة لا أحمد بن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل فى هذه الآية ونفى أن يعلم أحد معناه وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمى الذى لا يفهم ولا قالوا ان الله ينزل كلاما لا يفهم أحد معناه وإنما قالوا كلمات لها معان صحيحة قالوا فى أحاديث الصفات تمر كما جاءت ونهوا عن تأويلات الجهمية وردوها وأبطلوها التى مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه
ونصوص أحمد والأئمة قبله بينة فى أنهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية ويقرون النصوص على ما دلت عليه من معناها ويفهمون منها بعض ما دلت عليه كما يفهمون ذلك فى سائر نصوص الوعد والوعيد والفضائل وغير ذلك وأحمد قد قال فغير أحاديث الصفات تمر كما جاءت وفى أحاديث الوعيد مثل قوله من غشنا فليس منا وأحاديث الفضائل ومقصوده بذلك أن الحديث لا يحرف كلمه عن مواضعه كما يفعله من يحرفه ويسمى تحريفه تأويلا بالعرف المتأخر
فتأويل هؤلاء المتأخرين عند الأئمة تحريف باطل وكذلك نص أحمد فى كتاب الرد على الزنادقة والجهمية أنهم تمسكوا بمتشابه القرآن وتكلم أحمد على ذلك المتشابه وبين معناه وتفسيره بما يخالف تأويل الجهمية وجرى فى ذلك على سنن الأئمة قبله فهذا اتفاق من الأئمة على أنهم يعلمون معنى هذا المتشابه وأنه لا يسكت عن بيانه وتفسيره بل يبين ويفسر باتفاق الأئمة من غير تحريف له عن مواضعه أو الحاد فى أسماء الله وآياته
ومما يوضح لك ما وقع هنا من الاضطراب أن أهل السنة متفقون على ابطال تأويلات الجهمية ونحوهم من المنحرفين الملحدين و التأويل المردود هو صرف الكلام عن ظاهره الى ما يخالف ظاهره فلو قيل ان هذا هو التأويل المذكور فى الاية وأنه لا يعلمه الا الله لكان فى هذا تسليم للجهمية أن للآية تأويلا يخالف دلالتها لكن ذلك لا يعلمه الا الله وليس هذا مذهب السلف والأئمة وانما مذهبهم نفى هذه التأويلات وردها لا التوقف فيها وعندهم قراءة الآية والحديث تفسيرها وتمر كما جاءت دالة على المعانى لا تحرف ولا يلحد فيها
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/232)
والدليل على أن هذا ليس بمتشابه لا يعلم معناه أن نقول لا ريب أن الله سمى نفسه فى القرآن بأسماء مثل الرحمن والودود والعزيز والجبار والعليم والقدير والرءوف ونحو ذلك ووصف نفسه بصفات مثل سورة الاخلاص و آية الكرسى وأول الحديد وآخر الحشر وقوله ان الله بكل شىء عليم و على كل شىء قدير وأنه يحب المتقين و المقسطين و المحسنين وأنه يرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلما آسفونا انتقمنا منهم ذلك بأنهم اتبعوا ما اسخط الله ولكن كره الله انبعاثهم الرحمن على العرش استوى ثم استوى على العرش يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم وهو الذى فى السماء اله وفى الأرض اله وهو الحكيم العليم اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه إننى معكما أسمع وأرى وهو الله فى السموات وفى الأرض ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام يريدون وجهه ولتصنع على عينى الى امثال ذلك
فيقال لمن ادعى فى هذا أنه متشابه لا يعلم معناه أتقول هذا فى جميع ما سمى الله ووصف به نفسه أم فى البعض فان قلت هذا فى الجميع كان هذا عنادا ظاهرا وجحدا لما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام بل كفر صريح فانا نفهم من قوله إن الله بكل شىء عليم معنى ونفهم من قوله ان الله على كل شىء قدير معنى ليس هو الأول ونفهم من قوله ورحمتى وسعت كل شىء معنى ونفهم من قوله إن الله عزيز ذو انتقام معنى وصبيان المسلمين بل وكل عاقل يفهم هذا وقد رأيت بعض من ابتدع وجحد من أهل المغرب مع انتسابه الى الحديث لكن أثرت فيه الفلسفة الفاسدة من يقول إنا نسمى الله الرحمن العليم القدير علما محضا من غير أن نفهم منه معنى يدل على شىء قط وكذلك فى قوله ولا يحيطون بشىء من علمه يطلق هذا اللفظ من غير أن نقول له علم وهذا الغلو فى الظاهر من جنس غلو القرامطة فى الباطن لكن هذا أيبس وذاك أكفر
ثم يقال لهذا المعاند فهل هذه الأسماء دالة على الاله المعبود وعل حق موجود أم لا فان قال لا كان معطلا محضا وما اعلم مسلما يقول هذا وان قال نعم قيل له فلم فهمت منها دلالتها على نفس الرب ولم تفهم دلالتها على ما فيها من المعانى من الرحمة والعلم وكلاهما فى الدلالة سواء فلابد أن يقول نعم لأن ثبوت الصفات محال فى العقل لأنه يلزم منه التركيب أو الحدوث بخلاف الذات فيخاطب حينئذ بما يخاطب به الفريق الثانى كما سنذكره وهو من أقر بفهم بعض معنى هذه الأسماء والصفات دون بعض فيقال له ما الفرق بين ما أثبته وبين ما نفيته أو سكت عن اثباته ونفيه فان الفرق اما أن يكون من جهة السمع لأن أحد النصين دال دلالة قطعية أو ظاهرة بخلاف الآخر أو من جهة العقل بأن أحد المعنيين يجوز أو يجب اثباته دون الآخر وكلا الوجهين باطل فى أكثر المواضع
أما الأول فدلالة القرآن على أنه رحمن رحيم ودود سميع بصير على عظيم كدلالته على أنه عليم قدير ليس بينهما فرق من جهة النص وكذلك ذكره لرحمته ومحبته وعلوه مثل ذكره لمشيئته وارادته
وأما الثانى فيقال لمن أثبت شيئا ونفى آخر لم نفيت مثلا حقيقة رحمته ومحبته وأعدت ذلك الى ارادته فان قال لأن المعنى المفهوم من الرحمة فى حقنا هى رقة تمتنع على الله قيل له والمعنى المفهوم من الإرادة فى حقنا هى ميل يمتنع على الله فإن قال ارادته ليست من جنس ارادة خلقه قيل له ورحمته ليست من جنس رحمة خلقه وكذلك محبته وان قال وهو حقيقة قوله لم اثبت الارادة وغيرها بالسمع وانما أثبت العلم والقدرة والارادة بالعقل وكذلك السمع والبصر والكلام على إحدى الطريقتين لأن الفعل دل على القدرة والأحكام دل على العلم والتخصيص دل على الارادة قيل له الجواب من ثلاثة أوجه
أحدها أن الأنعام والاحسان وكشف الضر دل أيضا على الرحمة كدلالة التخصيص على الارادة والتقريب والادناء وأنواع التخصيص التى لا تكون الا من المحب تدل على المحبة أو مطلق التخصيص يدل على الارادة وأما التخصيص بالانعام فتخصيص خاص والتخصيص بالتقريب والاصطفاء تقريب خاص وما سلكه فى مسلك الارادة يسلك فى مثل هذا
الثانى يقال له هب أن العقل لا يدل على هذا فانه لا ينفيه الا بمثل ما ينفى به الارادة والسمع دليل مستقل بنفسه بل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/233)
الطمأنينة اليه فى هذه المضايق أعظم ودلالته أتم فلأى شىء نفيت مدلوله أو توقفت وأعدت هذه الصفات كلها الى الارادة مع أن النصوص لم تفرق فلا يذكر حجة الا عورض بمثلها فى اثباته الارادة زيادة على الفعل
الثالث يقال له اذا قال لك الجهمى الارادة لا معنى لها الا عدم الاكراه أو نفس الفعل والأمر به وزعم أن اثبات ارادة تقتضى محذورا ان قال بقدمها ومحذورا ان قال بحدوثها
وهنا اضطربت المعتزلة فانهم لا يقولون بارادة قديمة لامتناع صفة قديمة عندهم ولا يقولون بتجدد صفة له لامتناع حلول الحوادث عند أكثرهم مع تناقضهم
فصاروا حزبين البغداديون وهم أشد غلوا فى البدعة فى الصفات وفى القدر نفوا حقيقة الارادة وقال الجاحظ لا معنى لها الا عدم الاكراه وقال الكعبى لا معنى لها الا نفس الفعل اذا تعلقت بفعله ونفس الأمر اذا تعلقت بطاعة عباده
والبصريون كأبى على وأبى هاشم قالوا تحدث ارادة لا فى محل فلا ارادة فالتزموا حدوث حادث غيرمراد و قيام صفة بغير محل
وكلاهما عند العقلاء معلوم الفساد بالبديهة
كان جوابه أن ما ادعى احالته من ثبوت الصفات ليس بمحال والنص قد دل عليها والعقل ايضا فاذا أخذ الخصم ينازع فى دلالة النص أو العقل جعله مسفسطا أو مقرمطا وهذا بعينه موجود فى الرحمة والمحبة فان خصومه ينازعونه فى دلالة السمع والعقل عليها على الوجه القطعى
ثم يقال لخصومه بم اثبتم أنه عليم قدير فما اثبتوه به من سمع وعقل فبعينه تثبت الارادة وما عارضوا به من الشبه عورضوا بمثله فى العليم والقدير واذا انتهى الأمر الى ثبوت المعانى وأنها تستلزم الحدوث أو التركيب والافتقار كان الجواب ما قررناه فى غير هذا الموضع فان ذلك لا يستلزم حدوثا ولا تركيبا مقتضيا حاجة الى غيره
ويعارضون أيضا بما ينفى به أهل التعطيل الذات من الشبه الفاسدة ويلزمون بوجود الرب الخالق المعلوم بالفطرة الخلقية والضرورة العقلية والقواطع العقلية واتفاق الأمم وغير ذلك من الدلائل ثم يطالبون بوجود من جنس ما نعهده أو بوجود يعلمون كيفيته فلابد أن يفروا الى اثبات ما لا تشبه حقيقته الحقائق فالقول فى سائر ما سمى ووصف به نفسه كالقول فى نفسه سبحانه وتعالى
و نكتة هذا الكلام أن غالب من نفى وأثبت شيئا مما دل عليه الكتاب والسنة لابد أن يثبت الشىء لقيام المقتضى وانتفاء المانع وينفى الشىء لوجود المانع أو لعدم المقتضى أو يتوقف اذا لم يكن له عنده مقتض ولا مانع فيبين له أن المقتضى فيما نفاه قائم كما أنه فيما أثبته قائم اما من كل وجه أو من وجه يجب به الاثبات فان كان المقتضى هناك حقا فكذلك هنا والا فدرء ذاك المقتضى من جنس درء هذا
وأما المانع فيبين أن المانع الذى تخيله فيما نفاه من جنس المانع الذى تخيله فيما اثبته فاذا كان ذلك المانع المستحيل موجودا على التقديرين لم ينج من محذوره باثبات أحدهما ونفى الآخر فانه ان كان حقا نفاهما وان كان باطلا لم ينف واحدا منهما فعليه أن يسوى بين الأمرين فى الاثبات والنفى ولا سبيل الى النفى فتعين الاثبات
فهذه نكتة الالزام لمن أثبت شيئا وما من أحد الا ولابد أن يثبت شيئا أو يجب عليه اثباته فهذا يعطيك من حيث الجملة أن اللوازم التى يدعى أنها موجبة النفى خيالات غير صحيحة وان لم يعرف فسادها على التفصيل وأما من حيث التفصيل فيبين فساد المانع وقيام المقتضى كما قرر هذا غير مرة
فإن قال من أثبت هذه الصفات التى هى فينا أعراض كالحياة والعلم والقدرة ولم يثبت ما هو فينا أبعاض كاليد والقدم هذه أجزاء وأبعاض تستلزم التركيب والتجسيم
قيل له وتلك أعراض تستلزم التجسيم والتركيب العقلى كما استلزمت هذه عندك التركيب الحسى فان أثبت تلك على وجه لا تكون أعراضا أو تسميتها أعراضا لا يمنع ثبوتها قيل له وأثبت هذه على وجه لا تكون تركيبا وأبعاضا أو تسميتها تركيبا وأبعاضا لا يمنع ثبوتها
فإن قيل هذه لا يعقل منها الا الاجزاء
قيل له وتلك لا يعقل منها الا الاعراض
فإن قال العرض ما لا يبقى وصفات الرب باقية قيل والبعض ما جاز انفصاله عن الجملة وذلك فى حق الله محال فمفارقة الصفات القديمة مستحيلة فى حق الله تعالى مطلقا والمخلوق يجوز أن تفارقه أعراضه وأبعاضه فإن قال ذلك تجسيم والتجسيم منتف قيل وهذا تجسيم والتجسيم منتف
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/234)
فإن قال أنا أعقل صفة ليست عرضا بغير متحيز وإن لم يكن له فى الشاهد نظير قيل له فاعقل صفة هى لنا بعض لغير متحيز وإن لم يكن له فى الشاهد نظير فان نفى عقل هذا نفى عقل ذاك وان كان بينهما نوع فرق لكنه فرق غير مؤثر فى موضع النزاع ولهذا كانت المعطلة الجهمية تنفى الجميع لكن ذاك أيضا مستلزم لنفى الذات ومن أثبت هذه الصفات الخبرية من نظير هؤلاء صرح بأنها صفة قائمة به كالعلم والقدرة وهذا ايضا ليس هو معقول النص ولا مدلول العقل وانما الضرورة ألجأتهم الى هذه المضايق
وأصل ذلك أنهم أتوا بألفاظ ليست فى الكتاب ولا فى السنة وهى ألفاظ مجملة مثل متحيز و محدود و جسم و مركب ونحو ذلك ونفوا مدلولها وجعلوا ذلك مقدمة بينهم مسلمة ومدلولا عليها بنوع قياس وذلك القياس أوقعهم فيه مسلك سلكوه فى اثبات حدوث العالم بحدوث الأعراض أو اثبات امكان الجسم بالتركيب من الأجزاء فوجب طرد الدليل بالحدوث والامكان لكل ما شمله هذا الدليل اذ الدليل القطعى لا يقبل الترك لمعارض راجح فرأوا ذلك يعكر عليهم من جهة النصوص ومن جهة العقل من ناحية أخرى فصاروا أحزابا تارة يغلبون القياس الأول ويدفعون ما عارضه وهم المعتزلة وتارة يغلبون القياس الثانى ويدفعون الأول كهشام بن الحكم الرافضى فإنه قد قيل اول ما تكلم فى الجسم نفيا واثباتا من زمن هشام بن الحكم وأبى الهذيل العلاف فان أبا الهذيل ونحوه من قدماء المعتزلة نفوا الجسم لما سلكوا من القياس فعارضهم هشام وأثبت الجسم لما سلكوه من القياس واعتقد الأولون احالة ثبوته واعتقد هذا احالة نفيه وتارة يجمعون بين النصوص والقياس بجمع يظهر فيه الاحالة والتناقض
فما أعلم أحدا من الخارجين عن الكتاب والسنة من جميع فرسان الكلام والفلسفة الا ولابد أن يتناقض فيحيل ما اوجب نظيره ويوجب ما أحال نظيره اذ كلامهم من عند غير الله وقد قال الله تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
والصواب ما عليه أئمة الهدى وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث ويتبع فى ذلك سبيل السلف الماضين أهل العلم والايمان والمعانى المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات فتكون من باب تحريف الكلم عن مواضعه ولا يعرض عنها فيكون من باب الذين اذا ذكروا بآيات ربهم يخرون عليها صما وعميانا ولا يترك تدبر القرآن فيكون من باب الذين لا يعلمون الكتاب الا أمانى فهذا أحد الوجهين وهو منع أن تكون هذه من المتشابه
الوجه الثانى أنه اذا قيل هذه من المتشابه أو كان فيها ما هو من المتشابه كما نقل عن بعض الأئمة أنه سمى بعض ما استدل به الجهمية متشابها فيقال الذى فى القرآن أنه لا يعلم تأويله الا الله اما المتشابه واما الكتاب كله كما تقدم ونفى علم تأويله ليس نفى علم معناه كما قدمناه فى القيامة وأمور القيامة وهذا الوجه قوى ان ثبت حديث ابن اسحاق فى وفد نجران أنهم احتجو على النبى بقوله إنا و نحن ونحو ذلك ويؤيده أيضا أنه قد ثبت أن فى القرآن متشابها وهو ما يحتمل معنيين وفى مسائل الصفات ما هو من هذا الباب كما أن ذلك فى مسائل المعاد وأولى فان نفى المشابهة بين الله وبين خلقه أعظم من نفى المشابهة بين موعود الجنة وموجود الدنيا
وإنما نكتة الجواب هو ما قدمناه أولا أن نفى علم التأويل ليس نفيا لعلم المعنى ونزيده تقريرا أن الله سبحانه يقول ولقد ضربنا للناس فى هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا غير ذى عوج وقال تعالى الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون فأخبر أنه أنزله ليعقلوه وأنه طلب تذكرهم
وقال أيضا وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون
فحض على تدبره وفقهه وعقله والتذكر به والتفكر فيه ولم يستثن من ذلك شيئا بل نصوص متعددة تصرح بالعموم فيه مثل قوله أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها وقوله أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ومعلوم أن نفى الاختلاف عنه لا يكون الا بتدبره كله والا فتدبر بعضه لا يوجب الحكم بنفى مخالفه ما لم يتدبر لما تدبر
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/235)
وقال على رضى الله عنه لما قيل له هل ترك عندكم رسول الله شيئا فقال لا والذى فلق الحبة وبرأ النسمة الا فهما يؤتيه الله عبدا فى كتابه وما فى هذه الصحيفة فأخبر أن الفهم فيه مختلف فى الأمة والفهم أخص من العلم والحكم قال الله تعالى ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وقال النبى رب مبلغ أوعى من سامع وقال بلغوا عنى ولو آية
وأيضا فالسلف من الصحابة والتابعين وسائر الأمة قد تكلموا فى جميع نصوص القرآن آيات الصفات وغيرها وفسروها بما يوافق دلالتها وبيانها ورووا عن النبى احاديث كثيرة توافق القرآن وأئمة الصحابة فى هذا أعظم من غيرهم مثل عبدالله بن مسعود الذى كان يقول لو أعلم أعلم بكتاب الله منى تبلغه آباط الابل لأتيته وعبدالله بن عباس الذى دعا له النبى صلى الله عليه وسلم وهو حبر الأمة وترجمان القرآن كانا هما وأصحابهما من أعظم الصحابة والتابعين اثباتا للصفات ورواية لها عن النبى ومن له خبرة بالحديث والتفسير يعرف هذا وما فى التابعين أجل من أصحاب هذين السيدين بل وثالثهما فى علية التابعين من جنسهم أو قريب منهم ومثلهما فى جلالته جلالة اصحاب زيد بن ثابت لكن أصحابه مع جلالتهم ليسوا مختصين به بل أخذوا عن غيره مثل عمر وابن عمر وابن عباس ولو كان معانى هذه الآيات منفيا أو مسكوتا عنه لم يكن ربانيوا الصحابة أهل العلم بالكتاب والسنة أكثر كلاما فيه
ثم إن الصحابة نقلوا عن النبى أنهم كانوا يتعلمون منه التفسير مع التلاوة ولم يذكر أحد منهم عنه قط أنه امتنع
من تفسير آية قال أبو عبدالرحمن السلمى حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن عثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا اذا تعلموا من النبى عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل
وكذلك الأئمة كانوا اذا سئلوا عن شىء من ذلك لم ينفوا معناه بل يثبتون المعنى وينفون الكيفية كقول مالك بن أنس لما سئل عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى كيف استوى فقال الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وكذلك ربيعة قبله وقد تلقى الناس هذا الكلام بالقبول فليس فى أهل السنة من ينكره
وقد بين أن الاستواء معلوم كما أن سائر ما أخبر به معلوم ولكن الكيفية لا تعلم ولا يجوز السؤال عنها لا يقال كيف استوى ولم يقل مالك الكيف معدوم وإنما قال الكيف مجهول وهذا فيه نزاع بين أصحابنا وغيرهم من اهل السنة غير أن اكثرهم يقولون لا تخطر كيفيته ببال ولا تجرى ماهيته فى مقال ومنهم من يقول ليس له كيفية ولا ماهية
فإن قيل معنى قوله الاستواء معلوم ان ورود هذا اللفظ فى القرآن معلوم كما قاله بعض أصحابنا الذين يجعلون معرفة معانيها من التأويل الذى استأثر الله بعلمه
قيل هذا ضعيف فان هذا من باب تحصيل الحاصل فإن السائل قد علم أن هذا موجود فى القرآن وقد تلا الآية وأيضا فلم يقل ذكر الاستواء فى القرآن ولا اخبار الله بالاستواء وانما قال الاستواء معلوم فأخبر عن الاسم المفرد أنه معلوم لم يخبر عن الجملة وأيضا فانه قال والكيف مجهول ولو أراد ذلك لقال معنى الاستواء مجهول أو تفسير الاستواء مجهول أو بيان الاستواء غير معلوم فلم ينف الا العلم بكيفية الاستواء لا العلم بنفس الاستواء وهذا شأن جميع ما وصف الله به نفسه لو قال فى قوله اننى معكما أسمع وأرى كيف يسمع وكيف يرى لقلنا السمع والرؤيا معلوم والكيف مجهول ولو قال كيف كلم موسى تكليما لقلنا التكليم معلوم والكيف غير معلوم
وأيضا فإن من قال هذا من اصحابنا وغيرهم من اهل السنة يقرون بأن الله فوق العرش حقيقة وأن ذاته فوق ذات العرش لا ينكرون معنى الاستواء ولا يرون هذا من المتشابه الذى لا يعلم معناه بالكلية
ثم السلف متفقون على تفسيره بما هو مذهب أهل السنة قال بعضهم ارتفع على العرش علا على العرش وقال بعضهم عبارات أخرى وهذه ثابتة عن السلف قد ذكر البخارى فى صحيحه بعضها فى آخر كتاب الرد على الجهمية وأما التأويلات المحرفة مثل استوى وغير ذلك فهى من التأويلات المبتدعة لما ظهرت الجهمية
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/236)
وأيضا قد ثبت أن اتباع المتشابه ليس فى خصوص الصفات بل فى صحيح البخارى أن النبى قال لعائشة يا عائشة اذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذريهم وهذا عام وقصة صبيغ بن عسل مع عمر بن الخطاب من أشهر القضايا فانه بلغه أنه يسأل عن متشابه القرآن حتى رآه عمر فسأل عمر عن الذاريات ذروا فقال ما اسمك قال عبدالله صبيغ فقال وأنا عبدالله عمر وضربه الضرب الشديد وكان ابن عباس اذا ألح عليه رجل فى مسألة من هذا الجنس يقول ما أحوجك أن يصنع بك كما صنع عمر بصبيغ
وهذا لأنهم رأوا أن غرض السائل ابتغاء الفتنة لا الاسترشاد والاستفهام كما قال النبى عليه الصلاة والسلام اذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه وكما قال تعالى فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة فعاقبوهم على هذا القصد الفاسد كالذى يعارض بين آيات القرآن وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فان ذلك يوقع الشك فى قلوبهم ومع ابتغاء الفتنة ابتغاء تأويله الذى لا يعلمه الا الله فكان مقصودهم مذموما ومطلوبهم متعذرا مثل أغلوطات المسائل التى نهى رسول الله عنها
ومما يبين الفرق بين المعنى و التأويل أن صبيغا سأل عمر عن الذاريات وليست من الصفات وقد تكلم الصحابة فى تفسيرها مثل على بن أبى طالب مع ابن الكواء لما سأله عنها كره سؤاله لما رآه من قصده لكن على كانت رعيته ملتوية عليه لم يكن مطاعا فيهم طاعة عمر حتى يؤدبه و الذاريات و الحاملات و الجاريات و المقسمات فيها اشتباه لأن اللفظ يحتمل الرياح والسحاب والنجوم والملائكة ويحتمل غير ذلك اذ ليس فى اللفظ ذكر الموصوف والتأويل الذى لا يعلمه الا الله هو أعيان الرياح ومقاديرها وصفاتها ومتى تهب وأعيان السحاب وما تحمله من الأمطار ومتى ينزل المطر وكذلك فى الجاريات و المقسمات فهذا لا يعلمه الا الله
وكذلك فى قوله إنا و نحن ونحوهما من أسماء الله التى فيها معنى الجمع كما اتبعه النصارى فان معناه معلوم وهو الله سبحانه لكن اسم الجمع يدل على تعدد المعانى بمنزلة الأسماء المتعددة مثل العليم والقدير والسميع والبصير فإن
المسمى واحد ومعانى الأسماء متعددة فهكذا الاسم الذى لفظه الجمع وأما التأويل الذى اختص الله به فحقيقة ذاته وصفاته كما قال مالك والكيف مجهول فاذا قالوا ما حقيقة علمه وقدرته وسمعه وبصره قيل هذا هو التأويل الذى لا يعلمه الا الله
وما أحسن ما يعاد التأويل الى القرآن كله فان قيل فقد قال النبى لابن عباس اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل قيل أما تأويل الأمر والنهى فذاك يعلمه واللام هنا للتأويل المعهود لم يقل تأويل كل القرآن فالتأويل المنفى هو تأويل الاخبار التى لا يعلم حقيقة مخبرها الا الله والتأويل المعلوم هو الأمر الذى يعلم العباد تأويله وهذا كقوله هل ينظرون الا تأويله يوم يأتى تأويله وقوله بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله فان المراد تأويل الخبر الذى أخبر فيه عن المستقبل فانه هو الذى ينتظر ويأتى و لما يأتهم وأما تأويل الأمر والنهى فذاك فى الأمر وتأويل الخبر عن الله وعمن مضى ان أدخل فى التأويل لا ينتظر والله سبحانه أعلم وبه التوفيق
تحير النفاة وتناقضهم
درء التعارض [جزء 3 - صفحة 95]
وتجد هؤلاء حائرين في مثل قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} [آل عمران: 7] حيث ظنوا أن المراد بالتأويل: صرف النصوص عن مقتضاها
وطائفة تقول إن الراسخين في العلم يعلمون هذا التأويل وهؤلاء يجوزون مثل هذه التأويلات التي هي تأويلات الجهمية النفاة
ومنهم من يوجبها تارة ويجوزها تارة وقد يحرمونها على بعض الناس أو في بعض الأحوال لعارض حتى أن الملاحدة من المتفلسفة والمتصوفة وأمثالهم قد يحرمون التأويلات لا لأجل الإيمان والتصديق بمضمونها بل لعلمهم بأنه ليس لها قانون مستقيم وفي إظهارها إفساد الخلق فيرون الإمساك عن ذلك لمصلحة وإن كان حقا في نفسه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/237)
وهؤلاء قد يقولون: الرسل خاطبوا الخلق بما لا يدل على الحق لأن مصلحة الخلق لا تتم إلا بذلك بل لا تتم إلا بأن تخيلوا لهم في أنفسهم ما ليس موجودا في الخارج لنوع من المصلحة كما يخيل للنائم والصبي والقليل العقل ما لا وجود له لنوع من المناسبة لما له في ذلك من المصلحة
وطائفة يقولون: هذا التأويل لا يعلمه إلا الله
ثم من هؤلاء من يقول: تجرى على ظواهرها ويتكلم في إبطال التأويلات بكل طريق
ومن المعلوم أنه إذا كان لها تأويل يخالف ظاهرها لم يحمل على ظاهره وما حمل على ظاهره لم يكن له تأويل يخالف ذلك فضلا عن أن يقال: يعلمه الله أو غيره
بل مثل هذا التأويل يقال فيه: كما قال تعال: {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} [يونس: 18] فإن كان منتفيا لا وجود له لا يعلمه الله إلا منتفيا لا وجود له لا يعلمه ثابتا موجودا
وسبب هذا الاضطراب أن لفظ (التأويل) في عرف هؤلاء المتنازعين ليس معناه معنى التأويل في التنزيل بل ولا في عرف المتقدمين من مفسري القرآن فإن أولئك كان لفظ (التأويل) عندهم بمعنى التفسير ومثل هذا التأويل يعلمه من يعلم تفسير القرآن
ولهذا لما كان مجاهد إمام أهل التفسير وكان قد سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن تفسير القرآن كله وفسره له كان يقول: إن الراسخين في العلم يعلمون التأويل أي التفسير المذكور
وهذا هو الذي قصده ابن قتيبة وأمثاله ممن يقولون: إن الراسخين في العلم يعلمون التأويل ومرادهم به التفسير وهم يثبتون الصفات لا يقولون بتأويل الجهمية النفاة التي هي صرف النصوص عن مقتضاها ومدلولها ومعناها
وأما لفظ (التأويل) في التنزيل فمعناه: الحقيقة التي يؤول إليها الخطاب وهي نفس الحقائق التي أخبر الله عنها فتأويل ما أخبر به عن اليوم الآخر هو نفس ما يكون في اليوم الآخر وتأويل ما أخبر به عن نفسه هو نفسه المقدسة الموصوفة بصفاته العلية
وهذا التأويل هو الذي لا يعلمه إلا الله ولهذا كان السلف يقولون: الاستواء معلوم والكيف مجهول فيثبتون العلم بالاستواء وهو التأويل الذي بمعنى التفسير وهو معرفة المراد بالكلام حتى يتدبر ويعقل ويفقه ويقولون: الكيف مجهول وهو التأويل الذي انفرد الله بعلمه وهو الحقيقة التي لا يعلمها إلا هو
وأما التأويل بمعنى: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح كتأويل من تأول: استوى بمعنى استولى ونحوه فهذا عند السلف والأئمة - باطل لا حقيقة له بل هو من باب تحريف الكلم عن مواضعه والإلحاد في أسماء الله وآياته
فلا يقال في مثل هذا التأويل: لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم بل يقال فيه: {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} [يونس: 18] كتأويلات الجهمية والقرامطة الباطنية كتأويل من تأول الصلوات الخمس: بمعرفة أسرارهم والصيام بكتمان أسرارهم والحج: بزيارة شيوخهم والإمام المبين: بعلي بن أبي طالب وأئمة الكفر: بطلحة والزبير والشجرة الملعونة في القرآن: ببني أمية واللؤلؤ والمرجان: بالحسن والحسين والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين: بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والبقرة: بعائشة وفرعون: بالقلب والنجم والقمر والشمس: بالنفس والعقل ونحو ذلك
فهذه التأويلات من باب التحريف الكلم عن مواضعه والإلحاد في آيات الله وهي من باب الكذب على الله وعلى رسوله وكتابه ومثل هذه لا تجعل حقا حتى يقال إن الله استأثر بعلمها بل هي باطل مثل شهادة الزور وكفر الكفار يعلم الله أنها باطل والله يعلم عباده بطلانها بالأسباب التي بها يعرف عباده: من نصب الأدلة وغيرها
وأصل وقوع أهل الضلال في مثل هذا التحريف الإعراض عن فهم كتاب الله تعالى كما فهمه الصحابة والتابعون ومعارضة ما دل عليه بما يناقضه وهذا هو من أعظم المحادة لله ولرسول لكن على وجه النفاق والخداع
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/238)
وهو حال الباطنية وأشباههم ممن يتظاهر بالإسلام واتباع القرآن والرسالة بل بموالاة أولياء الله تعالى من أهل بيت النبوة وغيرهم من الصالحين وهو في الباطن من أعظم الناس مناقضة للرسول فيما أخبر به وما أمر به لكنه يتكلم بألفاظ القرآن والحديث ويضم إلى ذلك من المكذوبات ما لا يحصيه إلا الله ثم يتأول ذلك من التأويلات بما يناسب ما أبطنه من الأمور المناقضة لخبر الله ورسوله وأمر الله ورسوله ويظهر تلك التأويلات لمستجيبيه بحسب ما يراه من قبولهم وموافقتهم له
مثل أن يروا أن العالم كله مفعول ومصنوع لشيء يسميه العقل الأول فجعله هو رب الكائنات ومبدع الأرض والسموات ولكنه لازم للواجب بنفسه ومعلول له وأنه يلزمه عقل ونفس وفلك ثم يلزم ذلك العقل عقل ونفس وفلك حتى ينتهي الأمر إلى العقل العاشر الذي أبدع بزعمه جميع ما تحت السماء من العناصر والحيوان والمعادن وغير ذلك وهو الذي يفيض عنه العلم والنبوة والرسالة وغير ذلك في أنفس العباد وعنه صدر القرآن والتوراة وغير ذلك
ثم يريد أن يوفق بين هذا وبين ما أخبرت به الرسل فيقول: هذه العقول هي الملائكة التي أخبرت بها الأنبياء وقد يقول عن هذا العقل الفعال: إنه جبريل الذي ما هو على الغيب بضنين أي ببخيل لأنه دائم الفيض بزعمه لكن يحصل الفيض بحسب استعداد القوابل
ومن المعلوم بالاضطرار لكل من تدبر ما أخبرت به الرسل من صفات الملائكة أن هذه العقول التي وصفها هؤلاء الفلاسفة الصابئة المشركون ليست هي الملائكة فإنا نعلم بالاضطرار أنهم لم يجعلوا ملكا واحدا أبدع جميع ما سوى الله تعالى ولا ملكا أبدع جميع ما تحت السماء ولا جعلوا الملائكة أربابا ولا آلهة
بل قد قال تعالى: {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} [آل عمران: 80]
وقال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون} [الأنبياء: 26] إلى: {ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم} [الأنبياء: 29] ونحو ذلك من الآيات
فغاية الملك أن يكون شافعا عند الله ولا يشفع إلا من بعد إذنه
ومن المعلوم أن كفر هؤلاء أعظم من كفر النصارى فإن النصارى يقرون بإله خلق جميع المخلوقات لا يجعلون له معلولا خلق المخلوقات لكن يقولون: إنه اتحد بالمسيح
وأما هؤلاء فيثبتون عقولا لا حقيقة لها ثم يقولون إن كلا منها أبدع الآخر وسائر العالم
وتسميتهم للعقول بالملائكة باطل ثم يستدل من يجمع بين كلامهم وكلام الأنبياء بحديث موضوع نبه على وضعه أبو حاتم البستي والعقيلي والدارقطني والخطيب وابن الجوزي
وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: [أول ما خلق الله العقل فقال له: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك فبك آخذ وبك أعطي وبك الثواب وعليك العقاب] ومع هذا فهو لفظه: لما خلق الله العقل فهذا اللفظ يقتضي أنه خاطبه في أول أوقات خلقه لا يقتضي أنه أول المخلوقات بل هذا اللفظ يقتضي أنه خلق قبله غيره فإنه قال له: [ما خلقت خلقا أكرم علي منك]
وإيضا فإنه وصف بالإقبال والإدبار والعقل عندهم لا يقبل ولا يدبر
وإيضا فإنه قال: بك آخذ وبك أعطي وبك الثواب وعليك العقاب وهؤلاء عندهم جميع الموجودات صادرة عنه: من العقول والأفلاك والأرض والحيوان والنبات ونحو ذلك
والأعراض من العلوم والإرادات فقول القائل: بك آخذ وبك أعطي إلى آخره يقتضي أن به هذه الأعراض الأربعة وعندهم جميع الكائنات هو مبدعها وهو ربهم الأعلى فمرتبته عندهم أجل مما وصف في هذا الحديث
فهؤلاء يتمسكون من السمعيات بمثل هذا الحديث المكذوب وهو لا يدل إلا على نقيض المطلوب: لا إسناد ولا متن ثم يفسرون هذه الأحاديث مقلوبا ويعبرون بتلك الألفاظ عن معان غير ما عناه الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعبرون بلفظ (الملك) و (الملكوت) و (الجبروت) عن: الجسم والنفس والعقل
ولفظ الملك والملكوت والجبروت في كلام الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الاله عليه وسلم لا يراد به ذلك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/239)
وكذلك يعبرون بلفظ (الملائكة والشياطين) عن: قوى النفس المحمودة والمذمومة وبالضرورة من الدين أن الرسل أرادوا بالملائكة والشياطين أعيانا قائمة بأنفسها متميزين لا مجرد أعراض قائمة بنفس الإنسان كالقوة الجاذبة والماسكة والدافعة والهاضمة وقوة الشهوة والغضب وإن كان قد يسمى بعض الإعراض باسم صاحبه
نقد مقولة: مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم
أقاويل الثقات [جزء 1 - صفحة 226]
(قال شيخ الإسلام ابن تيمية ما ملخصه): ......... ثم من المحال أيضا أن تكون القرون الفاضلة القرن الذي بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كانوا غير عالمين ولا قائلين في هذا الباب بالحق المبين فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم ولا أن يعتقد أن الخلف أعلم من السلف أو أن طريقة اللاسلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم ظنا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه ذلك وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات فهذا الظن فاسد أوجب تلك المقالة وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها النصوص فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر وكان مع ذلك لا بد للنصوص من معنى بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى وهي التي يسمونها طريقة السلف وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلف وهي التي يسمونها طريقة الخلف وصار هذا الباطل مركبا من فساد العقل والتكذيب بالسمع فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات والسمع حرفوا فيه الكلم عن مواضعه فلما انبنى أمرهم على هاتين المقدمتين كانت النتيجة استجهال السابقين الأولين وأنهم لم يتبحروا في حقائق العلم بالله ولم
أقاويل الثقات [جزء 1 - صفحة 227]
يتفطنوا لدقيق العلم الإلهي وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله
وهذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة بمقدار السلف فكيف يكون الخلف أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكم في باب ذاته وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من ورثة الأنبياء وأعلام الهدى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا الذين وهبهم الله من العلم والحكمة وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة
التحفة المدنية المؤلف: حمد بن ناصر بن عثمان آل معمر [جزء 1 - صفحة 126]
وأعجب من هذا أنهم يذكرون في مصنفاتهم أن عقيدة السلف أسلم وعقيدة الخلف أعلم وأحكم فسبحان مقلب القلوب كيف يشاء كيف يجتمع في قلب من له عقل ومعرفة أن الصحابة أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأنهم الذين شاهدوا التنزيل وعلموا التأويل وأنهم أهل اللغة الفصحاء والسان العربي الذين نزل القرآن بلغتهم وأنهم الراسخون في العلم حقا وأنهم متفقون على عقيدة واحدة لم يختلف في ذلك اثنان ثم التابعون بعدهم سلكوا سبيلهم واتبعوا طريقهم ثم الأئمة الأربعة وغيرهم مثل الأوزاعي والسفيانين وابن المبارك وإسحاق وغيرهم من أئمة الدين الذين رفع الله قدرهم بين العالمين وجعل لهم لسان صدق في الآخرين كل هؤلاء على عقيدة واحدة مجمعون ولكتاب ربهم وسنة نبيهم متبعون ثم بعد معرفته لهذا وإقراره يقوم في قلبه أن عقيدة الخلف أعلم وأحكم من طريقة السلف فسبحان من يحول بين المرء وقلبه فيهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله
لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون
وكيف يكون الخالفون أعلم من السابقين بل من زعم هذا فهو لم يعرف قدر السلف بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين حقيقة المعرفة المطلوبة فإن هؤلاء الذين يفضلون طريقة الخلف إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم
التحفة المدنية [جزء 1 - صفحة 127]
لا يعلمون الكتاب إلا أماني
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/240)
وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع الاحتمالات وغرائب اللغات فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة كما قدمناه وقد كذبوا على طريقة السلف وضلوا في تصويب طريقة الخلف فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف وكيف يكون الخلف أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكم في باب ذاته وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من أهل العلم والإيمان الذين هم أعلام الهدى ومصابيح الدجى فنسأل الله أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذا هدانا وأن يهب لنا ولإخواننا المسلمين من لدنه رحمة وإنه هو الوهاب
وإنما ذكرنا هذا في أثناء كلام أبي الحسن الأشعري لأن أهل التأويل اليوم الذين أخذوا بطريقة الخلف ينتسبون إلى عقيدة الأشاعرة فيظن من علم عنده أن هذا التأويل طريقة أبي الحسن الأشعري هو رضي الله عنه قد صرح بأنه على طريقة السلف وأنكر على من تأول النصوص كما هو مذهب الخلف وذكر أن التأويل مذهب المعتزلة والجهمية
التحفة المدنية [جزء 1 - صفحة 167]
وكثير منهم يحكي القولين فيذكر مذهب السلف ومذهب الخلف ثم يقول مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم فصدق في قوله مذهب السلف أسلم وكذب وافترى في قوله ومذهب الخلف أعلم وأحكم بل مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم كما تقدم تقريره
مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 8]
ولا يجوز أيضا أن يكون الخالفون أعلم من السالفين كما قد يقوله بعض الاغبياء ممن لم يقدر قدر السلف بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها من أن طريقة السلف اسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم وان كانت هذه العبارة اذا صدرت من بعض العلماء قد يعنى بها معنى صحيحا
فإن هؤلاء المبتدعين الذين يفضلون طريقة الخلف من المتفلسفة ومن حذا حذوهم على طريقة السلف انما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هى مجرد الايمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب الا أمانى وان طريقة الخلف هى إستخراج معانى النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات
فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التى مضمونها نبذ الاسلام وراء الظهر وقد كذبوا على طريقة السلف وضلوا فى تصويب طريقة الخلف فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف فى الكذب عليهم وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف
وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس فى نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص بالشبهات الفاسدة التى شاركوا فيها اخوانهم من الكافرين فلما اعتقدوا انتفاء الصفات فى نفس الأمر وكان مع ذلك لابد للنصوص من معنى بقوا مترددين بين الايمان باللفظ وتفويض المعنى وهى التى يسمونها طريقة السلف وبين صرف اللفظ الى معان بنوع تكلف وهى التى يسمونها طريقة الخلف فصار هذا الباطل مركبا من فساد العقل والكفر بالسمع فان النفى انما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهى شبهات والسمع حرفوا فيه الكلم عن مواضعه
فلما ابتنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين الكاذبتين كانت النتيجة إستجهال السابقين الأولين واستبلاههم واعتقاد أنهم كانوا قوما أميين بمنزلة الصالحين من العامة لم يتبحروا فى حقائق العلم بالله ولم يتفطنوا لدقائق العلم الالهى وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق فى هذا كله
ثم هذا القول اذا تدبره الإنسان وجده فى غاية الجهالة بل فى غاية الضلالة كيف يكون هؤلاء المتأخرون لا سيما والاشارة بالخلف الى ضرب من المتكلمين الذين كثر فى باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة الله حجابهم وأخبر الواقف على نهاية أقدامهم بما انتهى إليه أمرهم حيث يقول ... لعمرى لقد طفت المعاهد كلها ... وسيرت طرفى بين تلك العالم ... فلم أر إلا واضعا كف حائر ... على ذقن أو قارعا سن نادم ...
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/241)
وأقروا على أنفسهم بما قالوه متمثلين به أو منشئين له فيما صنفوه من كتبهم كقول بعض رؤسائهم ... نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعى العالمين ضلال ... وأرواحنا فى وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال ... ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفى عليلا ولا تروى غليلا ورأيت اقرب الطرق طريقة القرآن اقرأ فى الاثبات الرحمن على العرش استوى إليه يصعد الكلم الطيب واقرأ فى النفى ليس كمثله شىء ولا يحيطون به علما ومن جرب مثل تجربتى عرف مثل معرفتى اهـ
ويقول الآخر منهم لقد خضت البحر الخضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم وخضت فى الذى نهونى عنه والآن ان لم يتداركنى ربى برحمته فالويل لفلان وها أنا أموت على عقيدة أمى أه
ويقول الآخر منهم اكثر الناس شكا عند الموت أصحاب الكلام
ثم هؤلاء المتكلمون المخالفون للسلف اذا حقق عليهم الامر لم يوجد عندهم من حقيقة العلم بالله وخالص المعرفة به خبر ولم يقعوا من ذلك على عين ولا أثر كيف يكون هؤلاء المحجوبون المفضلون المنقوصون المسبوقون الحيارى المتهوكون أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكم فى باب ذاته وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل وأعلام الهدى ومصابيح الدجى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر اتباع الأنبياء فضلا عن سائر الأمم الذين لا كتاب لهم وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم اليها لاستحيا من يطلب المقابلة ثم كيف يكون خير قرون الامة انقص فى العلم والحكمة لا سيما العلم بالله وأحكام أسمائه وآياته من هؤلاء الأصاغر بالنسبة اليهم أم كيف يكون أفراخ المتفلسفة وأتباع الهند واليونان وورثة المجوس والمشركين وضلال اليهود والنصارى والصابئين وأشكالهم واشباههم أعلم بالله من ورثة الانبياء وأهل القرآن والايمان
وإنما قدمت هذه المقدمة لأن من استقرت هذه المقدمة عنده عرف طريق الهدى أين هو فى هذا الباب وغيره وعلم أن الضلال والتهوك انما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم واعراضهم عما بعث الله به محمدا من البينات والهدى وتركهم البحث عن طريقة السابقين والتابعين والتماسهم علم معرفة الله ممن لم يعرف الله باقراره على نفسه وبشهادة الأمة على ذلك وبدلالات كثيرة وليس غرضى واحدا معينا وانما أصف نوع هؤلاء ونوع هؤلاء
درء التعارض [جزء 3 - صفحة 95]
فلو كان قد بين وتبين لهذا وأمثاله أن طريقة السلف إنما هي إثبات ما دلت عليه النصوص من الصفات وفهم ما دلت عليه وتدبره وعقله وإبطال طريقة النفاة وبيان مخالفتها لصريح المعقول وصحيح المنقول - علم أن طريقة السلف أعلم وأحكم وأسلم وأهدى إلى الطريق الأقوام وأنها تتضمن تصديق الرسول فيما أخبر به وفهم ذلك ومعرفته وأن ذلك هو الذي يدل عليه صريح المعقول ولا يناقض ذلك إلا ما هو باطل وكذب وأن طريقة النفاة المنافية لما أخبر به الرسول طريقة باطلة شرعا وعقلا وأن من جعل طريقة السلف عدم العلم بمعاني الآيات وعدم إثبات ما تضمنته من الصفات فقد قال غير الحق: إما عمدا وإما خطأ كما أن من قال على الرسول: إنه لم يبعث بإثبات الصفات بل بعث بقول النفاة كان مفتريا عليه
وهؤلاء النفاة هم كذابون: إما عمدا وإما خطأ: على الله وعلى رسوله وعلى سلف الأمة وأئمتها كما أنهم كذابون: إما عمدا وإما خطأ: على عقول الناس وعلى ما نصبه الله تعالى من الأدلة العقلية والبراهين اليقينية(35/242)
هل لكم أن تساعدوني فيما أحتاج
ـ[محمود غنام المرداوي]ــــــــ[19 - 09 - 06, 03:37 م]ـ
الاخوة المشاركون في المنتدى
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هل لكم ان تمدون بصحة الآثار التالية و مراجعها و أنا لكم من الشاكرين
أما الاثر الأول:
روى أن رجلا كان الى جانب ابن عمر رضي الله عنهما , فلحن، فأرسل اليه:
< اما أن تنحى عنا؛ و اما أن ننحى عنك >
أما الأثر ألثاني:
قال عمر رضي الله عنه:
< تعلموا العربية؛ فانها تزيد في المروءة >
و أما الأثر ألثالث:
يقول ابي بن كعب رضي الله عنه:
<تعلموا العربية في القرآن كما تعلمون حفظه >
و أشكر لكم حسن تعاونكم(35/243)
كان النبي صلى الله عليه و سلم يدعو: <اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا >
ـ[محمود غنام المرداوي]ــــــــ[19 - 09 - 06, 04:01 م]ـ
هل لكم ان تنقلوا لنا تعليقات العلماء، و مصدر الحديث و الأدعية التى كان يكثر منها النبي صلى الله عليه و سلم في موضوع الرزق، شاكرين حسن تعاونكم.(35/244)
نقد رسالة إلى أهل الثغر باب الأبواب على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة -1 -
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:07 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ن من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد فهذا بحث متواضع سطرته في التعليق على رسالة أهل الثغر المنسوبة إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، دفعني إلى تسطريه أمور منها (1): بيان أن هذه الرسالة غير مسلم نسبتها إلى الأشعري وأن الأرجح نسبتها إلى تلميذه ابن مجاهد، ثم التنبيه على الأخطاء الاعتقادية التي سكت عنها المحقق، وتوضيح ثمرة من ثمرات اعتقاد رجوع الأشعري رجوعا كليا إلى عقيدة السلف، إذ أن محقق الرسالة انطلق من هذه الفكرة وانتهى إليها، كما كان لهذا الاعتقاد أثره الواضح في تعليقاته، والذي حفزني أكثر قول المحقق فيها (ص/66): «ومن هنا كان الكتاب جامعا لعقيدة السلف متطرقا لمعظم ما كان عليه الصدر الأول، ومرجعا لمن أراد الوقوف على عقيدة السلف، وما أجمعوا عليه مؤيدا بالقرآن والسنة» (2). وقد جعلت هذا المبحث في أربعة مطالب: الأول في ترجيح نسبة الرسالة إلى أبي عبد الله ابن مجاهد تلميذ الأشعري، الثاني في القضايا المتعلقة بالإيمان والكفر ونحو ذلك، الثالث في القضايا المتعلقة بالصفات، الرابع في القضايا المتعلقة بالقضاء والقدر.
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:10 م]ـ
المطلب الأول:
ترجيح نسبة الرسالة إلى أبي عبد الله ابن مجاهد تلميذ الأشعري
أول شيء ينبغي بيانه أن هذه الرسالة ليست للأشعري، وأن الأرجح أنها من تأليف أبي عبد الله ابن مجاهد المتوفي سنة (370). قال الخطيب البغدادي في ترجمته: «محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد أبو عبد الله الطائي المتكلم صاحب أبى الحسن الأشعري، وهو من أهل البصرة سكن بغداد وعليه درس القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الكلام» (3).ويدل على أن الكتاب من مؤلفاته أمور هذا بيانها:
أولا: قد نسبها إليه القاضي عياض واصفا إياها بالمشهورة، حيث قال: «وله كتاب في أصول الفقه على مذهب مالك ورسالته المشهورة في الاعتقادات على مذهب أهل السنة التي كتب بها إلى باب الأبواب» (4).
ثانيا: أن هذا الكتاب قد روي من طرق عن أبي بكر إسماعيل بن إسحاق بن عزرة الأزدي القيرواني المالكي (5) عن ابن مجاهد عند أهل المغرب فأسنده ابن عطية في الفهرست وسماه «رسالة في عقود أهل السنة» (6)، وأسنده ابن خير الإشبيلي أيضا في الفهرست من ثلاث طرق قدمها بقوله: «رسالة أبي عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي البصري فيما التمسه فقهاء أهل الثغر بباب الأبواب، من شرح أصول مذاهب المتبعين للكتاب والسنة» (7).
ثالثا: أن أبا بكر ابن فُورك لما أحصى كتب الأشعري لم يذكر هذا الكتاب من ضمنها (8)، وهو العارف بمذهب الأشعري ومجرد أقواله، و حجم الرسالة كبير وموضوعها خطير فلو علمها له لم يسكت عنها.
رابعا: قد جاء في مقدمة الكتاب ما يلي «فقد وقفت على ما ذكرتموه في كتابكم الوارد علي بمدينة السلام .. ووقفت أيدكم الله على ما ذكرتموه من إحمادكم جوابي عن المسائل التي كنتم أنفذتموها إلي في العام الماضي وهو سنة سبع وستين ومائتين». يفيد أنها ألفت سنة (268) وهو خطأ قطعا واتفاقا، لأن الأشعري نفسه ولد سنة (260)، وصوابه إن شاء الله سنة (368)، إذ هذا يناسب كون مؤلفها ابن مجاهد. وهذا أولى مما قيل أنها تصحفت من سنة (298) لأن الأشعري حينها لم يزل معتزليا بالبصرة. والكتاب كتب في بغداد.
ولا يقال إن الثاني أقرب من جهة أن الأرقام جاءت في الكتاب المخطوط مكتوبة بالحروف، لأنه يحتمل أن يكون مصحفها هو غير ناسخ المخطوط المعتمد، فقد يكون التصحيف وقع في الأصل المنقول عنه أو أصل أصله ولا ندري كيف كتب التاريخ فيها.
خامسا: أن أقدم من نسبها إلى الأشعري هو ابن عساكر في تبيين كذب المفتري، مسميا إياها: «جواب مسائل كتب بها إلى أهل الثغر في تبيين ما سألوه عنه من مذهب أهل الحق» (9).
ومن نسبها إليه من بعده كابن تيمية وابن القيم إنما هو تابع له (10)، وهذه النسبة لا تقوى على معارضة الدلائل التي ذكرت، خاصة روايتها بالإسناد المتصل عن مؤلفها ابن مجاهد، والاعتماد على مجرد أن نسبها إليه عالم أو عدد من العلماء ليس من الأساليب العلمية اليقينية في نسبة الكتاب إلى مصنفه، فلا تبلغ مبلغ السماعات المثبتة على المخطوط أو الأسانيد المذكورة في الفهارس و المشيخات أو نسبتها إلى المؤلف من طرف تلاميذه العارفين به، أو أن يذكرها المصنف في كتب أخرى له، أو إحالته منها إلى كتبه أو ذكره لشيوخه فيها …الخ وإذا كان الطريق ظنيا فإنه يسقط إذا وجد المعارض الأقوى منه. زيادة على هذا فإن ابن عساكر لم ينقل لنا منها شيئا لنعلم اطلاعه عليها ولنتبين أنها هي التي بين أيدينا وليست رسالة أخرى.
سادسا: وكذلك اعتماد ما كتب على ظهر المخطوط لا يصلح في مثل هذا الموضع، لأن النساخ الذين ذكروا غير معروفين ولم يذكروا سماعاتهم أو أسانيدهم إلى المصنف.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/245)
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:12 م]ـ
المطلب الثاني:
القضايا المتعلقة بالإيمان والكفر ونحو ذلك
1 - التوحيد الذي دعا إليه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال المصنف (154): «وأجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا جميع الخلق إلى معرفة الله وإلى نبوته، ونهاهم عن الجهل بالله عز وجل وعن تكذيبه. وأنه عليه السلام بين لهم جميع ما دعاهم من الإسلام والإيمان وما فيه من منازل الإحسان …».
أقول: غاية التوحيد عند المتكلمين هو توحيد المعرفة أو الربوبية لا يزيدون عليه (وضده الجهل بالله كما هو واضح في كلامه)، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم إنما بعث بتوحيد الألوهية أصالة ومقصدا (وضده هو الشرك بالله تعالى)، وهذا أمر واضح لا يحتاج إلى طول كلام.
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:14 م]ـ
-حقيقة الكفر والإيمان
قال المصنف (147): «وطريق معرفتهم بذلك العقول التي جعلت آلة تمييزهم وأنهم أثموا في الجهل بذلك من قِبل إعراضهم عن تأمل ما دعوا إلى تأمله».
أقول: أما معرفة الله تعالى ففطرية يقرها العقل السليم والحجة مع ذلك تقوم على العباد ببعثة الرسل فمن كذبهم كافر آثم. والكفر هو جحد الرسالة أو بعضها (11) ويكون بالفعل كما يكون بالقلب، وليس هو الجهل كما جاء في هذا النص والذي قبله، وهذا مذهب الجهمية، وكفر الإعراض عند أهل السنة نوع من أنواع الكفر وليس هو الكفر كله.
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:15 م]ـ
3 - اعتماد دليل الحدوث على وجود الله تعالى
قال المصنف (82): «وهذا من أوضح ما يقضي الدلالة على حدث الإنسان، و وجود المحدث له من قِبل أن العلم أحاط بأن كل متغير لا يكون قديما .. فإذا حصل متغيرا بما ذكرناه من الهيئات التي لم يكن قبل تغيره عليها دل ذلك على حدوثها …ويدل ترتيب ذلك على محدث قادر حكيم من قِبل أن ذلك لا يجوز أن يقع بالاتفاق فيتم من غير مرتب له ولا قاصد إلى ما وجد منه فيها».
أقول: هذا الدليل قد ذمه المصنف وأهله قبل هذا، وقرر بأن الشرع أغنى عن التطلع إلى مثله (12)، ومع ذلك عاد إلى استعماله في هذا الموضع بطريقة مختصرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لكن الأشعري لا يبطل هذا الطريق بل يقول إنها مذمومة في الشرع، وإن كانت صحيحة في العقل، وسلك هو طريقة مختصرة من هذا وهو إثبات حدوث الإنسان بأنه مستلزم للحوادث، وما لا يخلوا من الحوادث فهو حادث» (13). وهذا دليل باطل تلزم منه لوازم باطلة منها نفي الصفات الفعلية وهو الذي التزمه المصنف في كتابه.
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:16 م]ـ
4 - حقيقة الإيمان ومعنى زيادته ونقصانه
قال المصنف (155): «إنما هو نقصان في مرتبة العلم وزيادة البيان».
أقول: هذا فرع جعل الإيمان مجرد المعرفة والتصديق، وإلا فالإيمان عند من يدخل فيه الأعمال يزيد بالطاعة مطلقا معرفة كانت أو عملا بالجوارح، وينقص بالمعاصي قلبية كانت أو بالجوارح.
5 - هل تضر المعاصي الإيمان؟
قال المصنف (156): «وأجمعوا أن المؤمن بالله تعالى وسائر ما دعاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الإيمان به لا يخرجه عنه شيء من المعاصي، وأن العصاة من أهل القبلة مأمورون بسائر الشرائع غير خارجين عن الإيمان بمعاصيهم».
أقول: هذا الإطلاق على خلاف معتقد أهل السنة إذ مفاده أنه لا يضر مع الإيمان (الذي دعاهم إليه الرسول) معصية، وأهل السنة يقولون بل المعاصي تضر الإيمان المطلق، فالعصاة مؤمنون ناقصوا الإيمان ولا يوصفون بالإيمان المطلق كما صنع المصنف، ولا يسلبون عنهم مطلق الإيمان كما يصنع الخوارج والمعتزلة.
6 - التكفير بالبدعة
قال (158): «أجمعوا على أنه لا يقطع على أحد من أهل القبلة في غير أهل البدع بالنار». قال المحقق: «والذي يظهر من مراد الأشعري .. بذلك البدع الشركية التي توقع صاحبها لا محالة في عذاب الجحيم» ومثَّل بالباطنية.
أقول: أهل البدع عند المصنف «هم الروافض والخوارج والمرجئة والقدرية» (14)، والتكفير عند أهل السنة له ضوابط معروفة، ومن حيث الإطلاق هم لا يكفرون أهل هذه المقالات، وإنما اختلفوا في الجهمية ولعل المصنف لم يذكرهم لميله إليهم.
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:17 م]ـ
7 - ترك الصلاة خلف الحاكم المبتدع
قال المصنف (169): «وإنه لا يصلى خلف أحد من أهل البدع منهم من أجل أنهم فسقوا بالبدع».
أقول: الضمير يعود على الأئمة، لأنه قبل ذلك قرر أنه يصلى خلف كل بر وفاجر، ثم عاد ليستدرك ويستثني المبتدع، لأنه كما سبق يكفرهم، للمحقق هنا تعليق سيطر عليه حسن الظن بالأشعري حيث حمل كلامه هنا على الفرق المارقة من الإسلام كالباطنية.
8 - قضية الخروج على الحكام
قال المصنف (168): «لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أو عدل».-كذا في النص-
أقول: عبارة لا يلزم لا تؤدي معنى عقيدة أهل السنة بأنه لا يجوز، إذ عدم اللزوم لا ينفي الجواز بل والاستحباب أيضا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/246)
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:18 م]ـ
المطلب الثالث:
القضايا المتعلقة بالصفات
9 - نفي الجسمية عن الله تعالى
قال المصنف (123): «ولا يجب أن تكون أعراضا لأنه عز وجل ليس بجسم، إنما توجد الأعراض بالأجسام».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «أما القول الثالث وهو القول الثابت عن أئمة السنة المحضة كالإمام أحمد وذويه، فلا يطلقون لفظ الجسم لا نفيا ولا إثباتا لوجهين: أحدهما: أنه ليس مأثورا في كتاب ولا سنة وأثر عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا غيرهم من أئمة المسلمين فصار من البدع المذمومة. الثاني: لأن معناه يدخل فيه حق وباطل، فالذين أثبتوه أدخلوا فيه من النقص والتمثيل ما هو باطل، والذين نفوه أدخلوا فيه من التحريف والتعطيل ما هو باطل» (14). ومن الحق الذي ينفى بهذا اللفظ أنه يشار إليه وأنه يُرى وأن له صفات (15)، وقد اكتفى المحقق هنا بالتنبيه على الوجه الأول نقلا عن ابن تيمية من مصادر أخرى، والأشعري قد نسب النفي إلى أهل السنة في المقالات فخطأه شيخ الإسلام في ذلك (16).
10 - القول بتفويض معنى المتشابه
قال المصنف (166 - 167): «و وجوب العمل بمحكمه والإقرار بنص متشابهه، ورد ما لم يحط به علما بتفسيره إلى الله مع الإيمان بنصه».
أقول: قرر عقيدة التفويض بإثبات المتشابه الذي لا يُعلم معناه، ويجب الإيمان بلفظه، وهذا خلاف عقيدة السلف.
11 - من الصفات التي أثبت نصها دون معناها: الاستواء
قال المصنف (.13): «وأنه تعالى فوق سماواته على عرشه دون أرضه»، ثم ذكر أدلة ذلك دون بيان معنى الاستواء عنده في هذا الموضع، إلا أن الذي لاشك فيه أن الظاهر من هذا الكلام باطل عنده؛ فقد قال في موضع آخر (124): «كما لا يجب أن تكون نفس الباري عز وجل جسما أو جوهرا أو محدودا في مكان دون مكان».
أقول: إن المحقق علق على الموضع الثاني بقوله: «لعله أراد شيئا آخر»، وهو نص صريح في التعطيل ليس فيه احتمال، والموضع الأول ربما أوهم الإثبات، لكنا نقول النص مقدم على الظاهر والمبهم يرد إلى الواضح.
12 - ومنها اليدان
قال المصنف (127): «وأن له يدين مبسوطتين، وأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه من غير أن يكونا جوارحا وأن يديه غير نعمتيه».
أقول: أبطل التأويل وقطع ببطلان الظاهر الذي دافعه شبهة التشبيه مع الإيمان بالنص كما ورد، ودون بيان أنها من صفات الذات، فالعبارة السليمة المؤدية للمعنى الصحيح أن لله تعالى يدين تليقان بذاته وبعظمته سبحانه.
13 - تعطيل صفة الكلام وكل الصفات الفعلية الاختيارية
قال المصنف (121 - 122) بعد أن ذكر الصفات السبع ومنها صفة الكلام: «على أن شيئا من هذه الصفات لا يصح أن يكون محدثا إذ لو كان شيء منها محدثا لكان تعالى قبلها موصوفا بضدها، ولو كان ذلك لخرج عن الإلهية …إذ لا يجوز عليه الانتقال من حال إلى حال».
أقول: صرح هنا بنفي الصفات الفعلية جملة بالدليل الذي قدمه – والكلام من ضمنها – وكلمة الحدوث يراد بها الخلق ويراد بها تجدد الفعل، والذي نفاه هنا هو الثاني يوضح ذلك قوله في موضع آخر (125): «وأجمعوا على أن أمره عز وجل غير محدث ولا مخلوق»، لأن العطف يقتضي المغايرة. والصفات الفعلية الاختيارية عند أهل السنة قديمة النوع متجددة الأفراد، لذلك يقولون في الكلام لم يزل متكلما إذا شاء، أما الأشعري وأتباعه فيقولون في الكلام إنه صفة قديمة أزلية غير متعلقة بالمشيئة لأن التجدد عندهم يستلزم التغير وهو من علامة المخلوق، وقد صرح بهذا المعنى الأشعري في الإبانة إذ جعل السكوت آفة ينزه عنها الإله، فالله تعالى عنده لم يزل متكلما، كما لم يزل عالما، والكلام نفسه يقال عن الإرادة والسمع والبصر؛ فإن الأشعري وأتباعه يجعلونها معنى واحدا لا يتجدد أيضا.
14 - تعطيل صفتي المجيء والنزول
قال المصنف (128 - 129): «وليس مجيئه حركة ولا زوالا، وإنما يكون حركة وزوالا إذا كان الجائي جسما أو جوهرا …ألا ترى أنهم لا يريدون بقولهم جاءت زيد الحمى أنها تنقلت إليه وتحركت من مكان كانت فيه إذ لم تكن جسما ولا جوهرا وإنما وجودها …وليس نزوله نُقلة لأنه ليس بجسم ولا جوهر وقد نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند من خالفنا».
أقول: هذا تعطيل صريح فلما أصَّل أن الإله ليس في مكان دون مكان فرع عليه نفي المجيء الذي هو انتقال من مكان إلى آخر وأوله إلى معنى وجوده فيه، وكذلك النزول عنده ليس نزول الذات حقيقة، بل هو كنزول الوحي مع أنه مكتوب في اللوح المحفوظ أو مع أنه معنى قائم بالنفس، والعجب من المحقق كيف يقول هنا: «ذهب أهل السنة إلى ما ذكره الأشعري».
15 - تعطيل صفتي الغضب والرضا
قال المصنف (130): «وأجمعوا على أنه عز وجل يرضي على الطائعين وأن رضاه عنهم إرادته لنعيمهم، وأنه يحب التوابين ويسخط على الكافرين ويغضب عليهم وأن غضبه إرادته لعذابهم …»
أقول: هذا مذهب التعطيل الصريح، والمحقق غفر الله له يقول: «لعله أراد أن يفسر الصفة أو يذكر شيئا من لوازمها؟؟؟».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/247)
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:19 م]ـ
المطلب الرابع:
القضايا المتعلقة بالقدر
16 - التصريح بالجبر
قال المصنف (153): «…إنما اختلف الفريقان لاختلاف ما أراده الله عز وجل لهم».
أقول: مثل هذا الإطلاق لا يجوز لأنه يتضمن تغليب الإرادة الكونية على الإرادة الشرعية، ولكن الواجب هنا التفصيل وأن يقال إن الله أراد ذلك قدرا، أما شرعا فهو يريد لجميع الناس التطهير والهداية وخلقهم لعبادته. والمحقق هنا بدل التعقيب أخذ في تأييده بالأدلة الشرعية؟؟
17 - نفي الفعل عن الإنسان
قال المصنف (144 - 145): «وإنما سُمي غيره خالقا في قوله ?الله أحسن الخالقين ? [المؤمنون 14] وإن كان خالقا وحده على طريق الاتساع».
أقول: المصنف يريد أن خلق الإنسان وفعله مجاز لا حقيقة له، وهذا ما يسميه الأشعري كسبا، وهي عقيدة متفرعة عن القول بالجبر، والمحقق فطِن هنا للخطأ، لكن لم ينبه على أن هذه العقيدة باطلة مخالفة لمذهب السلف.
18 - معنى الظلم عند المصنف
قال المصنف (143): «لأنه عز وجل ملِك لجميع ذلك فيهم، غير محتاج في فعله إلى تمليك غيره له ذلك حتى يكون جائراً فيه قبل تملكه، بل هو تعالى في فعل جميع ذلك عادل له وله مالك يفعل ما يشاء».
أقول عرَّف الظلم بالتصرف في ملك الغير وهذه عقيدة الجبرية الجهم وأتباعه، فالله تعالى عندهم لما يُجبر الناس على المعصية ثم يعذبهم عليها عادل في ذلك لأنه يتصرف في ملكه، أما أهل السنة فالظلم عندهم وضع الشيء في غير موضعه، وهذا الخطأ قد نبه عليه المحقق فأحسن وأحال على جامع الرسائل لابن تيمية (123 - 124).
19 - الاستطاعة والقدرة على الأفعال
قال المصنف (146): «وأجمعوا على أن الإنسان لا يستطيع أن يفعل ما علم الله أنه لا يفعله». وقال (148): «وأجمعوا على أن الكافرين غير قادرين على العلم بما دعوا إليه مع تشاغلهم بالإعراض عنه وإيثارهم الجهل عليه مع كونهم غير عاجزين عن ذلك، ولا ممنوعين منه لصحة أبدانهم وقدرتهم على ما تشاغلوا به من الإعراض عنه وآثروا الجهل عليه». وقال (150): «وهم غير قادرين عليه – الإيمان - …ولو كرهوا الكفر وما هم عليه من الإيثار له وأرادوا الإيمان لقدروا عليه».
أقول: هذه عقيدة الأشعري التي صرح بها في الإبانة وعقيدة أتباعه؛ أن القدرة على الفعل الذي يكتسب لا تكون إلا معه، أما قبل فعله فهو غير قادر، وبالتالي كل الأفعال التي تركها الإنسان هي غير مقدورة له (أي غير مستطاعة) وهذا باطل مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة الذين يقسمون الاستطاعة إلى قسمين استطاعة بمعنى الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات التي هي مناط التكليف وهي موجودة قبل التكليف، واستطاعة مقارنة للفعل وهي التي يوجد الفعل بها (18). وعفا الله عن المحقق الذي قال (149): «أما مذهب أهل السنة والجماعة فهو مذكور في كلام الأشعري السابق؟ وفصله ابن تيمية في المنهاج (1/ 369،373)».
20 - التحسين والتقبيح
قال المصنف (137): «وأجمعوا على أن القبيح من أفعال خلقه ما نهاهم عنه وزجرهم عن فعله، وأن الحسن ما أمرهم به وندبهم إلى فعله وأباحه لهم».
أقول: هذه عقيدة الأشاعرة أن التحسين والتقبيح شرعيين فحسب، ومذهب أهل السنة أن من الأفعال والأشياء ما يدرك حسنه وقبحه بالعقل قبل ورود الشرع. والمحقق هنا جعل قول الأشاعرة هو قول أهل السنة، ثم رجح قول ابن تيمية (المخالف لقول أهل السنة في نظره).
21 - نفي الحكمة والتعليل
قال المصنف (136): «ولا يسأل في شيء من ذلك عما يفعل، ولا لأفعاله علل لأنه مالك غير مملوك …».
فعلق المحقق على هذا الكلام: «ما ذكره الأشعري هنا من إجماع أهل السنة على أنه ليس لأفعال الله علل غير سليم …ولم أقف على نص للأشعري يفيد رجوعه عن هذا القول، وبالتالي فهذا القول من آثار الكلابية التي اعتقدها فترة من الزمن وأما أهل السنة وكذلك المعتزلة فيقولون بالحكمة والتعليل لأفعال الله تعالى».
أقول: الأشعري إنما وافق ابن كلاب في غالب مسائل الصفات أما في القدر ومسائله فإمامه فيها الجهم بن صفوان، ولا أعلم ابن كلاب ينفي الحكمة والتعليل كما أنه لا ينفي الصفات كلها إلا السبع، كما ينسبه إليه كثير من المعاصرين والله تعالى أعلم.
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:21 م]ـ
الخاتمة
هذه جملة الأخطاء التي هديت إلى فهمها فإن أصبت فبتوفيق من الله عز وجل، وإن أخطأت فبتقصيري وعجزي، وأظن أن ما سطرته كاف للدلالة على أن المحقق قد غض الطرف عن أكثر المسائل التي خالف فيها المصنف عقيدة أهل السنة، ثم قال وهو يعدد نتائج بحثه (179): «إثبات الأشعري للصفات التي جاء بها الوحي قرآنا أو سنة –دون تفرقة في ذلك- وإن كان عليه بعض المآخذ التي أشرت إليها في التحقيق كما وافق السلف في القضاء والقدر». وهو أيضا يجعل هذه الرسالة دليلا آخر على رجوع الأشعري إلى عقيدة أهل السنة، وهي عندي لو ثبتت عنه لدلت على عكس ذلك، والذي جعل المحقق يسير في هذا الاتجاه ما ذكرته في أسباب كتابة هذا النقد، فإن ذلك الظن عطل حاسة النقد عند المحقق، فغلب حسن الظن في كل موضع انتبه فيه إلى خلل في الاعتقاد، فلو تدبر كلام ابن تيمية الذي نقل في الصفحة (35) و (39)، ولو تبين من العقائد التي نسب إلى ابن كلاب في الصفحات (34) (121) (136)، ولو راجع مذهب الأشعري المنقول عنه مقارنا بمذهب السلف في المسائل التي سكت عنها أو وافق فيها المصنف لربما تغير موقفه وتبدلت نتائجه ولكن شيئا من ذلك لم يكن، والله الهادي إلى سبيل الرشاد.
ثم إن هذه الإجماعات المنقولة في الرسالة سواء صدرت من ابن مجاهد أو من الأشعري فلا عبرة بها إطلاقا، لأنها لم تصدر من إمام عالم بمذاهب السلف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن الأشعري: «ونفس مقالة أهل السنة لم يكن يعرفها ولا هو خبير بها» (19). وقال عنه أيضا: «ونصر في الصفات طريقة ابن كلاب لأنها أقرب إلى الحق والسنة من قولهم –أي المعتزلة – ولم يعرف غيرها، فإنه لم يكن خبيرا بالسنة والحديث» (20).
وكتبه أبو عبد الله محمد حاج عيسى الجزائري الثلاثاء 17 صفر 1420
الموافق لـ1 جوان 1999م
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/248)
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:22 م]ـ
/ وقد كان السبب الأول لقراءة الكتاب هو ما كنت شرعت فيه من بيان الأخطاء والضلالات التي بقي عليها الأشعري ولم يتراجع عنها، ولقد وجدت فيه من الأخطاء ما سطرته في هذا النقد، ولكن أثناء بحثي ذاك تبين لي أن في نسبة الكتاب إلى الأشعري نظرا، فلم استجز أن أنسب إليه ما جاء فيه، فحولت البحث إلى نقد مفرد لهذه الرسالة نسبة ومضمونا للأسباب التي ذكرت أعلاه والله الموفق.
2/ الطبعة المنتقدة هي الطبعة التي حققها وعلق عليها عبد الله شاكر محمد الجنيدي ونال بها درجة الماجستير في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.
3/ تاريخ بغداد للخطيب (1/ 343) وانظر أيضا سير أعلام النبلاء (16/ 305) الديباج لابن فرحون (354) شذرات الذهب لابن العماد (3/ 74) شجرة النور الزكية (92) هدية العرفين (2/ 40).
4/ ترتيب المدارك للقاضي عياض (2/ 476).
5/ قال القاضي عياض: «فقيه فاضل زاهد قيرواني من أصحاب أبي محمد بن أبي زيد القرواني وطبقته، ورحل إلى المشرق فلقي ابن مجاهد الطائي المتكلم وأخذ عنه وأبا بكر الأبهري وأبا محمد بن أحمد البغدادي وسمع غيرهم وكان الغالب عليه الزهد والعبادة، وقد سمع منه الناس روى عنه حاتم الطرابلسي وأبو مروان الطبني وأثني عليه ابن أبي زيد في شيبته». ترتيب المدارك (2/ 718) وذكر أنه أرسل معه مختصر المدونة إلى ابن مجاهد انظر ترتيب المدارك (2/ 478) وهو من حكى أن سبب توبة الأشعري هو تكافؤ الأدلة، انظر تبيين كذب المفتري (39).
6/ الفهرست لابن عطية (126).
7/ الفهرست لابن خير (1/ 318 - 319).
8/ تبيين كذب المفتري (135).
9/ تبيين كذب المفتري (136).
10/ قارن درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (1/ 309) منهاج السنة النبوية (1/ 303) المجموع (5/ 290) (6/ 520) الصواعق لابن القيم (3/ 1190) تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (4/ 431).
11/ انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/ 324) أحكام أهل الذمة (2/ 1156) أعلام السنة المنشورة (180).
12/ رسالة أهل الثغر (109،113).
13/ مجموع الفتاوى (5/ 292) ونظر (3/ 304) أيضا.
14/ رسالة إلى أهل الثغر (174 - 175).
15/ منهاج السنة النبوية لابن تيمية (2/ 224 - 225).
16/ المرجع السابق (2/ 134 - 135).
17/ المقالات للأشعري (211) درء تعارض النقل والعقل (10/ 258).
18/ انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/ 129 - 130).
19/ النبوات لابن تيمية (346).
20/ منهاج السنة النبوية لابن تيمية (5/ 77).
ـ[نواف البكري]ــــــــ[21 - 09 - 06, 12:07 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[فيصل]ــــــــ[22 - 09 - 06, 04:55 ص]ـ
المطلب الأول:
ترجيح نسبة الرسالة إلى أبي عبد الله ابن مجاهد تلميذ الأشعري
أول شيء ينبغي بيانه أن هذه الرسالة ليست للأشعري، وأن الأرجح أنها من تأليف أبي عبد الله ابن مجاهد المتوفي سنة (370). قال الخطيب البغدادي في ترجمته: «محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد أبو عبد الله الطائي المتكلم صاحب أبى الحسن الأشعري، وهو من أهل البصرة سكن بغداد وعليه درس القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الكلام» (3).ويدل على أن الكتاب من مؤلفاته أمور هذا بيانها:
أولا: قد نسبها إليه القاضي عياض واصفا إياها بالمشهورة، حيث قال: «وله كتاب في أصول الفقه على مذهب مالك ورسالته المشهورة في الاعتقادات على مذهب أهل السنة التي كتب بها إلى باب الأبواب» (4).
ثانيا: أن هذا الكتاب قد روي من طرق عن أبي بكر إسماعيل بن إسحاق بن عزرة الأزدي القيرواني المالكي (5) عن ابن مجاهد عند أهل المغرب فأسنده ابن عطية في الفهرست وسماه «رسالة في عقود أهل السنة» (6)، وأسنده ابن خير الإشبيلي أيضا في الفهرست من ثلاث طرق قدمها بقوله: «رسالة أبي عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي البصري فيما التمسه فقهاء أهل الثغر بباب الأبواب، من شرح أصول مذاهب المتبعين للكتاب والسنة» (7).
ثالثا: أن أبا بكر ابن فُورك لما أحصى كتب الأشعري لم يذكر هذا الكتاب من ضمنها (8)، وهو العارف بمذهب الأشعري ومجرد أقواله، و حجم الرسالة كبير وموضوعها خطير فلو علمها له لم يسكت عنها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/249)
رابعا: قد جاء في مقدمة الكتاب ما يلي «فقد وقفت على ما ذكرتموه في كتابكم الوارد علي بمدينة السلام .. ووقفت أيدكم الله على ما ذكرتموه من إحمادكم جوابي عن المسائل التي كنتم أنفذتموها إلي في العام الماضي وهو سنة سبع وستين ومائتين». يفيد أنها ألفت سنة (268) وهو خطأ قطعا واتفاقا، لأن الأشعري نفسه ولد سنة (260)، وصوابه إن شاء الله سنة (368)، إذ هذا يناسب كون مؤلفها ابن مجاهد. وهذا أولى مما قيل أنها تصحفت من سنة (298) لأن الأشعري حينها لم يزل معتزليا بالبصرة. والكتاب كتب في بغداد.
ولا يقال إن الثاني أقرب من جهة أن الأرقام جاءت في الكتاب المخطوط مكتوبة بالحروف، لأنه يحتمل أن يكون مصحفها هو غير ناسخ المخطوط المعتمد، فقد يكون التصحيف وقع في الأصل المنقول عنه أو أصل أصله ولا ندري كيف كتب التاريخ فيها.
خامسا: أن أقدم من نسبها إلى الأشعري هو ابن عساكر في تبيين كذب المفتري، مسميا إياها: «جواب مسائل كتب بها إلى أهل الثغر في تبيين ما سألوه عنه من مذهب أهل الحق» (9).
ومن نسبها إليه من بعده كابن تيمية وابن القيم إنما هو تابع له (10)، وهذه النسبة لا تقوى على معارضة الدلائل التي ذكرت، خاصة روايتها بالإسناد المتصل عن مؤلفها ابن مجاهد، والاعتماد على مجرد أن نسبها إليه عالم أو عدد من العلماء ليس من الأساليب العلمية اليقينية في نسبة الكتاب إلى مصنفه، فلا تبلغ مبلغ السماعات المثبتة على المخطوط أو الأسانيد المذكورة في الفهارس و المشيخات أو نسبتها إلى المؤلف من طرف تلاميذه العارفين به، أو أن يذكرها المصنف في كتب أخرى له، أو إحالته منها إلى كتبه أو ذكره لشيوخه فيها …الخ وإذا كان الطريق ظنيا فإنه يسقط إذا وجد المعارض الأقوى منه. زيادة على هذا فإن ابن عساكر لم ينقل لنا منها شيئا لنعلم اطلاعه عليها ولنتبين أنها هي التي بين أيدينا وليست رسالة أخرى.
سادسا: وكذلك اعتماد ما كتب على ظهر المخطوط لا يصلح في مثل هذا الموضع، لأن النساخ الذين ذكروا غير معروفين ولم يذكروا سماعاتهم أو أسانيدهم إلى المصنف.
اسمح لي أن أتعقبك هاهنا فكونك توهن ما نص عليه الحفاظ المختصون بالأشعري كابن عساكر وابن تيميه وأمثالهم أمر يجب ان يقوم على أسس قوية وبراهين جلية وهذا لم يظهر لي هنا فرسالة ابن مجاهد تختلف عن رسالة شيخه والكاتب إنما بنى جل كلامه على أنهما رسالة واحدة يجب الترجيح بينهما وإثبات أن كل منهم ألف فيه تعارض!! فذهب يذكر أسانيد رسالة ابن مجاهد ومن ذكرها له ويوهن ثبوت تلك الخ الخ فكون أن الأشعري لم يرسل شيئاً وأن الرسالة واحدة لم يذهب له أحد من أهل العلم والمعرفة فيما اعلم والدليل على خلافه، فقد وقف جماعة من الأشعرية على رسالة ابن مجاهد ونقلوا منها منهم النفراوي في الفواكة الدواني ج1/ 77ومحمد بن سلامة الأنصاري التونسي في كتابه النكت المفيدة و العدوي في حاشيتة على شرح كفاية الطالب والتتائي وابن ناجي على ما جاء في حاشية الدكتور أحمد سحنون على كتاب تحرير المقالة ص159 وغيرهم وقد قال فيها ما نصّه: "مما أجمعوا على إطلاقه أنه تعالى فوق سمواته على عرشه دون أرضه إطلاقا شرعيا (1) " وهذه كلام غير ما ورد في رسالة الأشعري وهو قوله: ((وأنه تعالى فوق سمواته على عرشه دون أرضه وقد دل على ذلك بقوله: ((أأمنتم من في السموات أن يخسف بكم الأرض)) ((إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)) الخ ص232. فهذا غير ذاك كما ترى فنص الأشعري لا يوجد فيه كلمه (إطلاق) ولا كلمه (شرعياً) الخ وهذا ما تيسر لي الوقوف عليه من رسالة ابن مجاهد على أنه بفرض أننا لم نقف على نص منها أو أنهما متطابقتان في بعض النصوص-إذ التلميذ لا بد أن يكون متأثراً بإستاذه- فإن المدعي ان الرسالة إنما هي واحدة أرسلها ابن مجاهد، والأشعري لم يرسل شيئاً يجب ان يذكر دليلاً صحيحا ولا دليل كما سترى والكلام على ما أورده هو الآتي:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/250)
أما أولاً وثانياً: فهو في إثبات أن ابن مجاهد ألف رسالة لأهل باب الأبواب وهذا لا يعني أن الأشعري لم يفعل والعقل لا يحيل أن يرسل كل منهما بل والظاهر من مقدمة الأشعري أن الأشعري نفسه أرسل أكثر من رسالة!! فهو يقول: ((ووقفت أيدكم الله على ما ذكرتموه من أحمادكم جوابي عن المسائل التي كنتم أنقذتموها إلى في العام الماضي ... ووقوع ما ذكرته فكم فيها الموقع الذي حمدتموه وعرفتم وجه الصواب فيه .. الخ المقدمة ص131.
أما ثالثاً: فكلام غير صحيح وخطأ محض على ابن فورك فهو قد قال بعد أن عدد مؤلفاته: ((هذا هو أسامي كتبه التي ألفها إلى سنة عشرين وثلاثمائة سوى أمالية والجوابات المتفرقة عن المسائل الواردات من الجهات المختلفات)) التبيين ص135 فتأمل نص كلامه!! على أن ابن عساكر استدرك الكثير من الكتب التي فاتته أو التي لم ينص عليها ومنها هذه الرسالة وبقي الكثير لم يذكره فكتبه تزيد على مائتين وثلاثمائة مصنف ينظر طبقات الشافعية لابن السبكي ج3/ 360. وابن فورك لم يذكر حتى الإبانة والتي قال فيها ابن عساكر أن الأشاعرة ((يعتقدون ما فيها أشد الإعتقاد ويعتمدون عليها أشد الإعتماد)) التبين ص388، وينظر -ضرورة-السبب الثاني الذي ذكره شيخ الإسلام في عدم ذكر ابن فورك لبعض كتب الأشعري فهذا منها في موقف ابن تيميه من الأشاعرة ج1/ 348 عن نقض التأسيس المخطوط.
أما رابعاً بخصوص التأريخ: فالقول أنه لم يزل معتزلياً سنة 297 مبني على أن مدة مقامه في الإعتزال أربعين عاماً لكن هذا التأريخ تقريبي وليس بدقيق ينظر للتفصيل موقف ابن تيميه ج1/ 371 ثم الإحتمالات لا تقف على أنه تحرف عن 297 بل هي كثيرة فمن جعله يصبح 368 جاز لغيره أن يظنه غير ذلك والإحتمالات لو تأملت كثيرة لا تقف على هذا ينظر مقدمة الجنيدي ص106.
اما خامساً وسادساً: فيعتمد على أن إثبات الكتابين كلاهما معاً -أي ان كل منهما قد ألف رسالة-تعارض يجب الترجيح بينهما وقد بينا أن هذا غير صحيح على أن القول بأن ابن تيميه شيخ الإسلام الحافظ مجرد تابع ومقلد لابن عساكر قول باطل لا يحتاج لكثير كلام لإبطالة، وابن عساكر ذكر الكثير والكثير من كتب الأشعري ولم يذكرها أحد غيره وهو إمام حافظ معروف يجوز أن ينفرد عن غيره بذكر كتاب لم يذكره من ترجم له ممن قبله بل هو عمده لكثير ممن ترجم للأشعري وكذا ابن تيميه وابن القيم، والقول باننا لم نقف على نقل ابن عساكر منها لنعرف هل ما أشار إليها ابن عساكر هي هذه الرسالة المطبوعة أم لا؟ فيقال أيضاً ونحن لم نقف على رسالة ابن مجاهد لنعرف هل هي هذه المطبوعة أم لا؟ ويلاحظ أن الكاتب هاهنا يجوز أن يكون الأشعري أرسل رسالة لأهل الثغر ليست هذه المطبوعة مع تقريره أن ابن مجاهد أرسل كذلك فهو يجيز أن يكون كلاهما أرسل ولله الحمد مع أن المفهوم من كلامه السابق غير ذلك، أما الأسانيد فالمخطوطة لا يوجد فيها الإسناد إلى ابن مجاهد حتى يقال بانها رسالة ابن مجاهد، ونحن لا ننكر أن ابن مجاهد كتب رسالة ولكن الكلام في أن هذه الرسالة ليست للأشعري إنما هي رسالة ابن مجاهد.أما بالنسبة للنساخ وجهالتهم وإتصال أسانيدهم في المخطوطة فأفيدك بأن كل كتب الأشعري والباقلاني لا يتوفر فيها كل هذا بل إن كتاب الأشعري اللمع أحد نساخه نصراني!! وغيره هذا كثير جداً.
والله تعالى أعلى وأعلم.
(1) أي أطلقه الشرع وهذا كلام ناقص إذ علو ربنا قد دل عليه العقل والشرع والإجماع والفطرة وقوله شرعياً لا يفيد الجهمية إذ الشرع لا يطلق ما هو كفر!!
ـ[أبو عبدالرحمن العمري]ــــــــ[29 - 09 - 06, 11:00 م]ـ
جزاكم الله خيراً
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[26 - 10 - 06, 05:31 م]ـ
الحمد لله أما بعد: فأشكر الأخ فيصل على مناقشته المفيدة ولكن هذه ملاحظات أود إبداءها.
-هل هناك قطعا رسالتان
قولك: «فرسالة ابن مجاهد تختلف عن رسالة شيخه والكاتب إنما بنى جل كلامه على أنهما رسالة واحدة يجب الترجيح بينهما وإثبات أن كل منهم ألف فيه تعارض!!».
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/251)
الجزم بأنه ثمة رسالتان إحداهما للأشعري وأخرى لتلميذه ابن مجاهد مع اتحاد العنوان والموضوع غير صحيح، نعم يمكن أن نفترض وجود رسالتين اتحد عنوانهما لنتجنب توهيم ابن عساكر، لأن ورود السؤال من أهل بلد لإمامين في زمنين مختلفين ممكن، لكن أن يطرح السؤال نفسه وأن يكون الجواب أيضا متحدا فهذا يبعد والله أعلم.
ومن هذا يعلم جواب قولك: «والعقل لا يحيل أن يرسل كل منهما بل والظاهر من مقدمة الأشعري أن الأشعري نفسه أرسل أكثر من رسالة!! فهو يقول: ((ووقفت أيدكم الله على ما ذكرتموه من أحمادكم جوابي عن المسائل التي كنتم أنقذتموها إلى في العام الماضي ... ووقوع ما ذكرته فكم فيها الموقع الذي حمدتموه وعرفتم وجه الصواب فيه .. الخ.
-هل قال بقولي أحد من أهل العلم
قولك: «فكون أن الأشعري لم يرسل شيئاً وأن الرسالة واحدة لم يذهب له أحد من أهل العلم والمعرفة فيما اعلم «غير مسلم فالعلماء الذين نسبوا الرسالة إلى ابن مجاهد قد ذهبوا إلى الرأي الذي قررته.
-فائدة عزيزة ودليل جديد
قولك: «فقد وقف جماعة من الأشعرية على رسالة ابن مجاهد ونقلوا منها منهم النفراوي في الفواكة الدواني ج1/ 77ومحمد بن سلامة الأنصاري التونسي في كتابه النكت المفيدة و العدوي في حاشيته على شرح كفاية الطالب والتتائي وابن ناجي على ما جاء في حاشية الدكتور أحمد سحنون على كتاب تحرير المقالة ص159 وغيرهم وقد قال فيها ما نصّه: "مما أجمعوا على إطلاقه أنه تعالى فوق سمواته على عرشه دون أرضه إطلاقا شرعيا (1) " وهذه كلام غير ما ورد في رسالة الأشعري وهو قوله: ((وأنه تعالى فوق سمواته على عرشه دون أرضه وقد دل على ذلك بقوله: ((أأمنتم من في السموات أن يخسف بكم الأرض)) ((إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)) الخ ص232. فهذا غير ذاك كما ترى فنص الأشعري لا يوجد فيه كلمه (إطلاق) ولا كلمه (شرعياً) الخ».
جزاك الله خيرا على هذا النقل وهذه الفائدة التي تساوي رحلة، فإني كنت أود أن أقف على نص منقول من رسالة ابن مجاهد ليحصل لي اليقين بأن الرسالة المطبوعة الموسومة برسالة إلى أهل الثغر هي عينها التي نسبها إليه القاضي عياض وأسندها ابن خير وغيره، وقد أرشدتني إلى ما كنت أريد، فإن هذا النص دليل على أن هذه الرسالة المنسوبة للأشعري هي عينها المنسوبة لابن مجاهد، وأما الاختلاف المذكور في التعبير في آخر النص فلا يدل التغاير لأن النقل عند المؤلفين كثيرا ما يكون بالمعنى ويكون فيه زيادة ونقص، خاصة عند المتأخرين الذين ينقل بعضهم عن بعض دون الرجوع إلى المصادر، وإنك لتجد مثل هذا التصرف حتى مع الأحاديث النبوية فكيف مع غيرها، واعتبر هذا بنقول الزركشي مثلا في البحر المحيط عمن سبقه من أهل الأصول، ونقول ابن حجر في الفتح عمن سبقه من الشراح يتضح المراد إن شاء الله تعالى، والظاهر أن الناقل الأول لكلام ابن مجاهد أراد الاختصار فحذف الأدلة التي نص عليها ابن مجاهد وعبر عنها بالإطلاق الشرعي والله أعلم.
-عدم ذكر ابن فورك
أما ردك على النقطة الثالثة المتعلقة بابن فورك ففيه نوع تسرع وعدم تأمل فأنا لم أستند إلى عدم ذكره للرسالة مجردا حتى يلزمنى نفي ما لم يذكره من مؤلفات، وكذا لم أكن غافلا عن أنه أشار إلى كتب أخرى تقصد هو عدم ذكرها بقوله «سوى أماليه والجوابات المتفرقة عن المسائل الواردات من الجهات المختلفات» لذلك فقد قلت: «أن أبا بكر ابن فُورك لما أحصى كتب الأشعري لم يذكر هذا الكتاب من ضمنها (8)، وهو العارف بمذهب الأشعري ومجرد أقواله، وحجم الرسالة كبير وموضوعها خطير فلو علمها له لم يسكت عنها.
فقولي وحجم الرسالة كبير أي ليس هو شأن الفتاوى والرسائل الصغيرة التي يسكت عنها لكثرتها، وقولي وموضوعها خطير أي لما تضمنه من حكاية إجماع السلف فموضوع هذه الرسالة أهم من الإبانة التي قرر فيها ما ظنه عقيدة الإمام أحمد بن حنبل، هذه وجهة نظر قابلة للأخذ والرد، لذلك أقول إن ما ذكرته في المناقشة لا يخفى وليس فيه إجابة عن إيرادي.
وكنت أود لو يفيدنا من أمكنه الإطلاع على كتاب المجرد لابن فورك بشيء.
-تاريخ رجوع الأشعري
قولك: «رابعاً بخصوص التأريخ: فالقول أنه لم يزل معتزلياً سنة 297 مبني على أن مدة مقامه في الإعتزال أربعين عاماً لكن هذا التأريخ تقريبي وليس بدقيق الخ»، نعم هو تقريبي وقد ولد الأشعري سنة ستين، فلو افترضنا أنه تاب سنة ست وتسعين أو خمس وتسعين فهل ذلك يصحح نسبة الرسالة إليه؟! متى رجع إلى الحق ومتى طلبه من أهله حتى وقف على هذه الإجماعات؟ ومتى اشتهر بالرد على أهل الاعتزال؟ حتى يرد عليه هذا السؤال من أقاصي البلاد من ثغر باب الأبواب؟
-استعظام توهيم الأئمة
قولك: «على أن القول بأن ابن تيميه شيخ الإسلام الحافظ مجرد تابع ومقلد لابن عساكر قول باطل لا يحتاج لكثير كلام لإبطاله، وابن عساكر ذكر الكثير والكثير من كتب الأشعري ولم يذكرها أحد غيره وهو إمام حافظ معروف يجوز أن ينفرد عن غيره بذكر كتاب لم يذكره من ترجم له ممن قبله بل هو عمده لكثير ممن ترجم للأشعري».
جوابه أن العلماء المحققين يجوز عليهم الوهم، وكونهم محققين لا يعني أنهم لا يقلدون أبدا، ولا يمنع من لم يقتنع بما ذهبوا إليه أن يخالفهم إلى قول غيرهم والعبرة في مسائل العلم بالحجة والبرهان، وشيخ الإسلام أخبر بمذهب أحمد رحمه الله تعالى أكثر من خبرته بالأشعري وهو يثبت نسبة كتاب الرد على الجهمية للإمام أحمد، والذهبي رحمه الله ينفيه عنه ويقول هو موضوع انظر السير (11/ 286) فهل يجوز أن يرد عليه بمثل الكلام المذكور أعلاه.
وإني لا أزعم أن ما رجحته هو الحق الذي دونه الباطل، لكن هو حكم بغلبة الظن، والأوجه التي ذكرتها قد يدخلها الاحتمال ويصح عليها الإيراد لكنها يشد بعضها بعضا، والله أعلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/252)
ـ[فيصل]ــــــــ[28 - 10 - 06, 06:52 ص]ـ
بارك الله فيك يا اخي والخلاف إن شاء الله لا يفسد للود قضية وأنا في الحقيقة أستفيد مما تذكرونه ومن المناقشة معكم وسأبتدأ من حيث انتهيت:
العلماء المحققين يجوز عليهم الوهم، وكونهم محققين لا يعني أنهم لا يقلدون أبدا، ولا يمنع من لم يقتنع بما ذهبوا إليه أن يخالفهم إلى قول غيرهم والعبرة في مسائل العلم بالحجة والبرهان، وشيخ الإسلام أخبر بمذهب أحمد رحمه الله تعالى أكثر من خبرته بالأشعري وهو يثبت نسبة كتاب الرد على الجهمية للإمام أحمد، والذهبي رحمه الله ينفيه عنه ويقول هو موضوع انظر السير (11/ 286) فهل يجوز أن يرد عليه بمثل الكلام المذكور أعلاه.
نعم يجوز عليهم الوهم ويعرفه إخوانهم بالادلة والمثال الذي ذكرته جيد فكلام الذهبي هذا شاذ بالمرة وهو نفسه متردد فيه أصلاً وقد خالف فيه قول أكثر من أربعين عالماً كلهم على إثباته للإمام أحمد ينظر مقدمة الرد على الجهمية 88 - 109 للشيخ العجمي طبعة غراس، ويخالف قول الذهبي نفسه في بعض كتبه الأخرى كما أوضح الأخوة هنا في احد المواضيع، وقد قال الخلال كتبته من خط عبد الله وكتبه عبد الله من خط أبيه، أما نص كلام الذهبي فعجيب حقاً وقوله ((كان تقياً ورعاً لا يتفوه بذلك)) ثم قوله بعد ذلك: ((ولعله قاله!!!)) في غاية العجب ومن حق الذهبي علينا ان نتحقق من هذا النص العجيب هل هو من كلامه أم مدسوس عليه بمقارنة النسخ الخطية للكتاب بالمطبوع ينظر مقدمة العجمي ص110 حتى أنني رأيت أحد الجهمية يشكك في ثبوت هذا -أي الجملة الأخيرة-عن الذهبي ويقول لعله زيادة من أحد النساخ!! فإن جاز هذا جاز ان تكون كلها من زيادات بعض النساخ والله أعلم
أما شيخ الإسلام فخبرته بمذهب الأشعري خبرة تامة وخبرته بمذهب أحمد والسلف أعظم لكن لا ينقص هذا من خبرته بمذهب الأشعري وأقواله بل أحيانا إذا استعسر فهم دليل عقلي عندهم تجد ابن تيميه يشرحه ويبينه أفضل مما بينوه ثم يكر عليه نقضاً بل لو قلنا أنه من أخبر اهل زمانه إلى هذا الزمان بمذهب الأشعري والأشعرية فما أبعدنا رحمه الله رحمة واسعة.
الجزم بأنه ثمة رسالتان إحداهما للأشعري وأخرى لتلميذه ابن مجاهد مع اتحاد العنوان والموضوع غير صحيح، نعم يمكن أن نفترض وجود رسالتين اتحد عنوانهما لنتجنب توهيم ابن عساكر، لأن ورود السؤال من أهل بلد لإمامين في زمنين مختلفين ممكن، لكن أن يطرح السؤال نفسه وأن يكون الجواب أيضا متحدا فهذا يبعد والله أعلم .... فإن هذا النص دليل على أن هذه الرسالة المنسوبة للأشعري هي عينها المنسوبة لابن مجاهد، وأما الاختلاف المذكور في التعبير في آخر النص فلا يدل التغاير لأن النقل عند المؤلفين كثيرا ما يكون بالمعنى ... والظاهر أن الناقل الأول لكلام ابن مجاهد أراد الاختصار فحذف الأدلة التي نص عليها ابن مجاهد وعبر عنها بالإطلاق الشرعي والله أعلم.
السؤال رضي الله عنك في الرسالتين مختلف ففي رسالة الأشعري طلب ان يذكروا له ((أصول)) المتبعين للكتاب و السنة على مذهب السلف الصالح أنظر الرسالة نفسها ص132 وفي رسالة التلميذ طلبوا منه ((شرح)) أصول مذاهب المتبعين أنظر فهرس ابن خير ص257 طبعة الخانجي، أما قولك ان الجواب واحد فهي دعوى غير مبرهنة ولا يبرهنها إلا وقوفك على الجوابين ومن ثم القول بانه واحد وهذا لم يحصل، أما النص الذي نقلته أنا فزعمك انه مروي بالمعنى دعوى اخرى غير مبرهنة تحتاج لدليل ولا يمكن أن يكون دليلك هو الدعوى الأولى إذ هي دعوى لم تبرهن بعد وظاهر نقلهم أنهم ينقلون لفظه فعند صاحب النكت المفيدة ((,,في رسالته إلى أهل باب من الأبواب، قال فيها ما نصّه: "وممّا أجتمعوا على إطلاقه .. )) الخ أما ان الإختلاف بالآخر فقط فغير صحيح بل في الأول أيضاً ودعوى الإختصار أيضاً فرع على أن الجوابين واحد فتأمل.
-هل قال بقولي أحد من أهل العلم
قولك: «فكون أن الأشعري لم يرسل شيئاً وأن الرسالة واحدة لم يذهب له أحد من أهل العلم والمعرفة فيما اعلم «غير مسلم فالعلماء الذين نسبوا الرسالة إلى ابن مجاهد قد ذهبوا إلى الرأي الذي قررته.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/253)
قولك: العلماء الذي نسبوا الرسالة لابن مجاهد ذهبوا إلى الرأي الذي قررته!! أقول: لم أقرأ لهم ذلك فياليتك تنقل لنا كلامهم في توضيح أن أبو الحسن لم يرسل وأن إثبات ان كلاهما أرسل فيه تعارض حتى نراه يا أخي.
-فائدة عزيزة ودليل جديد ... جزاك الله خيرا على هذا النقل وهذه الفائدة التي تساوي رحلة.
بارك الله فيك على إنصافك ومنكم نستفيد يا أخي.
-عدم ذكر ابن فورك
أما ردك على النقطة الثالثة المتعلقة بابن فورك ففيه نوع تسرع وعدم تأمل فأنا لم أستند إلى عدم ذكره للرسالة مجردا حتى يلزمنى نفي ما لم يذكره من مؤلفات، وكذا لم أكن غافلا عن أنه أشار إلى كتب أخرى تقصد هو عدم ذكرها بقوله «سوى أماليه والجوابات المتفرقة عن المسائل الواردات من الجهات المختلفات» لذلك فقد قلت: «أن أبا بكر ابن فُورك لما أحصى كتب الأشعري لم يذكر هذا الكتاب من ضمنها (8)، وهو العارف بمذهب الأشعري ومجرد أقواله، وحجم الرسالة كبير وموضوعها خطير فلو علمها له لم يسكت عنها. فقولي وحجم الرسالة كبير أي ليس هو شأن الفتاوى والرسائل الصغيرة التي يسكت عنها لكثرتها، وقولي وموضوعها خطير أي لما تضمنه من حكاية إجماع السلف فموضوع هذه الرسالة أهم من الإبانة التي قرر فيها ما ظنه عقيدة الإمام أحمد بن حنبل، هذه وجهة نظر قابلة للأخذ والرد، لذلك أقول إن ما ذكرته في المناقشة لا يخفى وليس فيه إجابة عن إيرادي ..
أقول: نعم الأمر كما قلت بالنسبة لعدم فهمي لكلامك والآن اتضح لي المراد، ودعوى أنها مهمة وخطيرة مسالة أراها نسبية وأرى كذلك أن كون هذه الرسالة مهمة دون تلك أو هذه إنما يكون صحيحاً إذا وقفنا على كتبه كاملة ورسائله حينها نستطيع أن نحدد أيها المهم والاقل اهمية، وأرى كذلك أن في كلام ابن فورك إشارة لهذه الرسالة وأمثالها في قوله: ((سوى أماليه والجوابات المتفرقة عن المسائل الواردات من الجهات المختلفات)) أما بخصوص التأريخ فكما قلت لك من قبل الإحتمالات لا تقف على أنه تحرف عن 297 بل هي كثيرة فمن جعله يصبح 368 جاز لغيره أن يظنه غير ذلك والإحتمالات لو تأملت كثيرة لا تقف على هذا ينظر مقدمة الجنيدي ص106.
كما ان لي ملاحظات على بعض نقدكم على الرسالة قد أرجع لتوضيحه إن شاء الله، والله اعلم.
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[05 - 02 - 07, 05:33 م]ـ
للرفع(35/254)
هل أحد كتب في عقيدة الأئمة الأربعة في توحيد العبادة؟
ـ[عبد الله الفارس]ــــــــ[20 - 09 - 06, 03:57 م]ـ
تناولت كثير من الدراسات ما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات عند الأئمة الربعة، لكن هل تناول أحد بالتفصيل أقوالهم في توحيد العبادة غير ما كتبه الدكتور محمد الخميس والدكتور محمد بن عبد الوهاب العقيل والدكتور سعود الدعجان والدكتور عبد الإله الأحمدي؟
ـ[أبو إسحاق الأسيف]ــــــــ[20 - 09 - 06, 07:07 م]ـ
...(35/255)
هل كل ماصح معجزة لنبي صح كرامة لولي؟
ـ[عبد الله الفارس]ــــــــ[20 - 09 - 06, 04:02 م]ـ
كل ما صح أن يكون معجزة لنبي صح أن يكون كرامة لولي، دعوى يدعيها بعض المنحرفين عن منهج أهل الحق، فما مدى صحة هذه العبارة؟
دعوة لجعلها ملفا نبحثه في هذا المنتدى.
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[20 - 09 - 06, 05:27 م]ـ
اعبدني حتى تكون مثلي تقول لشي كن فيكون \\\\\ ابتسامة اقوال باطلة وليس عليها دليل فالكرامة كأن يدعي الله بنزول المطر وينزل ومثل هذه الامور لا ان يخلق في الارحام ويحيي الموتا ويتصرف بالكون ((والله اعلم))
ـ[حسان خادم الأربعين]ــــــــ[22 - 09 - 06, 03:03 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يا أخي الكريم لقد سأل الأخ بارك الله فيه عن شيء وذكرت أنت شيئاً آخر .. سأل عن مقولة: كل ما كان معجزة لنبي كان كرامة لولي ..
وأنت يا أخي ذكرت التصرف بالكون والخلق في الأرحام .... !! وهل الأنبياء لهم معجزات مثل ذلك حتى نقارن بها الكرامات؟! .. وإنما هي من قدرة الخالق سبحانه ..
ذكرت ذلك فقط للتنبيه واعذروني ..
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[22 - 09 - 06, 03:31 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته \ اخي حسان بارك الله فيك ووفقك لما يحب ويرضى ((كان كلامي عن ما يقوله المتصوفة لا اكثر ولا اقل ولم اذكر التفريق بينهما وهذا مرادي لأنهم يقولون ان الولي يستطيع ان يخلق في الارحام ويعتبرونة كرامة ولي لأن الصحيح لو كانت هذه كرامة لما قلنا ان ولادة عيسى ابن مريم معجزة وعلى كل الفرق بينهما ان المعجزة تحدي بين الله والمشركين على يد انبيائه والكرامة ليس فيها تحدي وهذا اجمالا)) والله اعلم
ـ[بلال خنفر]ــــــــ[22 - 09 - 06, 04:15 م]ـ
القرآن الكريم أعظم المعجزات ... فمن من أصحاب الكرامات سيأتي بقرآن مثله!!!
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[22 - 09 - 06, 04:57 م]ـ
بارك الله فيك اخ بلال ولن يستطيعوا
ـ[طارق الحمودي]ــــــــ[23 - 09 - 06, 03:43 م]ـ
ذكر الإمام الاشعري في مقالات الإسلاميين أن هذا قول لبعض غلاة الصوفية
وذكر شيخ الإسلام في النبوات أن هذا قول الجهمية
ـ[رعد السلفي]ــــــــ[04 - 10 - 06, 07:30 م]ـ
الحق هو عكس ذلك ان كل كرامة لولي فهي معجزة لنبيه
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[04 - 10 - 06, 09:07 م]ـ
جزاك الله خير خي رعدالسلفي
سؤال بارك الله فيك
ماقولك في القران وعصا موسى واحياء الموتى لعيسى عليه السلام وشق البحر
هل يمكن ان نقول ان احد يستطيع ان يفعل هذه الاشياء غير الانبياء عليهم السلام
وانا اعارضك بالقول ان كل كرامة لولي فهي معجزة لنبي
يعني على سبيل المثال
((علي الجفري)) هداه الله
يقول ان الولي يستطيع ان يخلق (ولاحظ كلمة يستطيع) في الارحام لاكن ان الولياء الذين انكروا انكروا تحرزا على الارحام لكي لاتأتي امرأه وتزني وتقول كرامة ولي
ياسبحان الله
والله ما قال هذا الكلام جاهل كيف بمن يدعي العلم
فل نعتبر كلامه صحيح اذن ميلاد المسيح ليس معجزة
اخي هناك فرق بين المعجزة والكرامة
يعني لاماذا لانرى هذه الكرامات الخارقة فعلا للعادة الا في الكتب الصوفية وكتب السمر
ولا اعتقد ان احد ينكر الكرامة لاكن ليست كأن شخصا في مصر او السودان يذهب الى العمرة في ليلة ويرجع (هذه مستحيلة حتى في وقتنا الحالي مع هذا التطور الهائل الا على ناس محدودين جدا كالرئيس المصري والسوداني وكبار الدولة والذين يملكون طائرات خاصة مصرحة من الدولة السعودية لدخول الجواء)
والله اعلم
ـ[أبو عثمان_1]ــــــــ[10 - 10 - 06, 11:11 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم أخي الكريم هذا القول مشهور عند الصوفية، وهذه الدعوة هم أنفسهم لم يلتزموا بها!!
كيف ذلك؟؟
لأنهم جعلوا كرامات للأولياء لم تكن حتى لنبينا صلى الله عليه وسلم، منها ما قاله أحمد التجاني: ((من رآني ورآى من رأني دخل الجنة .... الخ))
والأمثلة أكثر من ذلك، والله المستعان(35/256)
متى يحتج بالأثر على مسائل الاعتقاد؟
ـ[عبد الله الفارس]ــــــــ[20 - 09 - 06, 04:04 م]ـ
هل الآثار غير النبوية حجة على مسائل الاعتقاد؟ ومت تكون حجة؟ وما منهج السلف في هذا؟ وكيف يجاب عن كثرة الآثار الضعيفة؟
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[20 - 09 - 06, 05:17 م]ـ
فهم الصحابة حجة في فهم النصوص القرأنية والاحاديث الشريفة وهذا عندي قاطع ولااشك فيه بتاتا الا اذا كان هناك مبتدع يريد ان يقول ان الصحابة فهمهم خاطئ وفهمي صحيح فتركه وهجر المبتدع اولى \ومتى تكون حجة فعندي في كل مسائل الاعتقاد فهم ليسوا مختلفين فيها اساسا فلا تجد احد من الصحابة ان لله يد وعين وتجد احدا منهم يعارضه ويقول ليس لله عين ولا يد \ومنهج السلف في هذا عدم الخوض فيها نهائيا فهي ثابته عند السلف ثبوتا قطعيا وقصص السلف معروفة في طرد المبتدعة من مجالسهم حتى ان اهل الكلام لا تقبل شهادتهم عند مالك واصحابة كما ذكر ابن خويز عند ابن عبد البر \ اما كيف يرد عن كثرة الاثار الضعيفة فكل الاخوة في المنتدى اعلم مني في هذه الامور (((والله اعلم))) لاكن هذا ما اعتقدة في نفسي وحسن ظني بالصحابة الاخيار رضي الله عنهم وارضاهم ويكفي انهم اخذوا العلم والدين عن رسول الله مباشرة(35/257)
ما طريقة السلف في الاحتجاج بالآثار غير النبوية؟
ـ[عبد الله الفارس]ــــــــ[20 - 09 - 06, 04:07 م]ـ
ما طريقة أهل السنة والجماعة في الاحتجاج بالآثار غير النبوية؟(35/258)
هل يشترط في الطريقة المحدثة نية التعبد أم لا؟ ((حول الاحتفال باليوم الوطني))
ـ[المعلمي]ــــــــ[20 - 09 - 06, 07:24 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الكرام:
هل يشترط في الطريقة المحدثة نية التعبد أم لا؟
تنبيه من المشرف:
هنا أصل الموضوع الأساسي http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=38256
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[22 - 09 - 06, 04:02 م]ـ
اشكر لكم وللملتقى طرح هذا الموضوع و تثبيته
وللاسف الشديد انناقبل عدة سنوات نرى الانكار من العلماء و المشايخ و الخطباء
ونرى الفتاوى تعلق غلى المساجد بحرمة هذا الامر اما الان فقل ذلك كثيرا
وقد دخلت الى بعض المواقع الاسلاميه العريقة فلم ارى طرحا لهذا الموضوع
هناك شبه اود ان اطرحها لكي يتسنى لمن يملك العلم او النقل الاجابة عليها
س: هناك من يقول ان اليوم الوطني هو من العادات الغير مرتبطه بالدين، فلم نرى عبادات مخصصه او صلوات او دعوات لهذا اليوم؟ .. فلماذا ينظر اليه من الجانب العقدي او التعبدي قفط؟ ..
فمظاهر الاحتفال قد تكون في شعارات او لافتات او اغنيات و تهاني ـ انا لا اتحدث المنكرات الموجودة فارجدوا اخراجها من الحوار ـ فلماذا اعتبر هذا عيدا تعبديا؟.
س: هل كل يوم يعود يكون محرما؟ .. وماحكم الجنادريه ... او على الجانب الاخر حكم معرض كن داعيا؟ .. الم يشتركا في علة العودة؟ ..
س: لو تجاوزنا اعياد الام وغيرهاـ التي الى الان لا اعلم فائدتها ـ لكن هناك ايام محدده عالميا ولها اهداف نبيله، مثل اسبوع مكافحة التدخين او المخدرات، وغيرها ومن اهدافها التوعيه و اقامة
المعارض، فما حكمها؟ ..
ارجوا ان تجد هذه الاسئلة العنايه ... فالشبهه قوية
لكن يجب ان تكون الادلة اقوى ..
وساعود لطرح بعض الشبه و الاسئلة الاخرى
ولكن بعد ان تاخذ هذه الاسئلة حيزا من الاهتمام؟!! ...
ـ[علي الكناني]ــــــــ[23 - 09 - 06, 06:06 م]ـ
أرجوا أن تجد هذه الأسئلة العناية ... فالشبهه قوية
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[23 - 09 - 06, 11:49 م]ـ
لا قوة في هذه الشبه بل هي واهية
إذ أن العلة في تحريم هذه الأعياد أنها فيها تشبه بالكفار
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[24 - 09 - 06, 06:41 م]ـ
الاخ عبد الله الخليفي
اشكر لك تواجدك
لكن لا اعتقد ان العله في التحريم هي مشابهه الكفار، لان هذه ان كانت من زمن من خصائصهم فهي ليست كذلك الان، كما انها ليست اصلا من اصول دينهم مثل الكرسمس وغيره.
العله الاساس كما ذكر اهل العلم هي انه عيد ... و الاسئلة التي طرحتها حول هذه العله
ارجوا من الاخوة تفعيل الموضوع قبل ان يفوت زمنه، و اشكر كل من شارك او علق.
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[24 - 09 - 06, 09:27 م]ـ
الاخ عبد الله الخليفي
اشكر لك تواجدك
لكن لا اعتقد ان العله في التحريم هي مشابهه الكفار، لان هذه ان كانت من زمن من خصائصهم فهي ليست كذلك الان، كما انها ليست اصلا من اصول دينهم مثل الكرسمس وغيره.
العله الاساس كما ذكر اهل العلم هي انه عيد ... و الاسئلة التي طرحتها حول هذه العله
ارجوا من الاخوة تفعيل الموضوع قبل ان يفوت زمنه، و اشكر كل من شارك او علق.
لا حول ولا قوة إلا بالله
التشبه بالكفار حرام ولو لم يكن ذلك من أصول دينهم
ألم ترى إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو ينهى عن مخالفتهم في حلق اللحى وإطلاق الشوارب
وأما موافقة بعض الجهلة لهم فيما يفعلون لا يعني أنه ليس من خصائصهم
لأنهم هم أول من أحدث الإحتفال بالأعيادالوطنية وقلدهم في ذلك من قلدهم
ـ[المعلمي]ــــــــ[25 - 09 - 06, 01:00 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
من خلال ما طرح حول هذا الموضوع نجد الآتي:
1 - أن العيد الوطني ليس فيه سمة التعبد.
2 - أن هذا العمل فيه تشبه بالكفار من بعض الوجوه ..
لكن:
هل التشبه بالكفار محرم على الدوام أم المحرم التشبه بهم في ماهو من خصائص ديانتهم لا عاداتهم؟
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[25 - 09 - 06, 05:22 م]ـ
حاق اللحى ليس من الدين المجوسي ومع هذا امرنا ان نخالفه
ـ[المعلمي]ــــــــ[25 - 09 - 06, 06:46 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكريم أحمد الشمري:
لا يمكننا الجزم بأن حلق اللحى ليس من المجوسية ..
لكن قد رأيت بعض أهل العلم ينص على حرمة التشبه بالكفار في عباداتهم وعاداتهم!
لكن يشكل على هذا أن كثيرا من العادات الحديثة فيها تشبه بالكفار (كالجلوس على الكراسي والأكل من الطاولة، واستخدام بعض الأدوات كالملاعق والأشواك أو العيدان اليايانية، ولبس الساعات في الأيدي .... الخ القائمة ".!!!!
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[26 - 09 - 06, 12:43 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكريم أحمد الشمري:
لا يمكننا الجزم بأن حلق اللحى ليس من المجوسية ..
لكن قد رأيت بعض أهل العلم ينص على حرمة التشبه بالكفار في عباداتهم وعاداتهم!
لكن يشكل على هذا أن كثيرا من العادات الحديثة فيها تشبه بالكفار (كالجلوس على الكراسي والأكل من الطاولة، واستخدام بعض الأدوات كالملاعق والأشواك أو العيدان اليايانية، ولبس الساعات في الأيدي .... الخ القائمة ".!!!!
سبحان الله
الجلوس على الكراسي أصبح من عادات الكفار خاصة!!
ما ذكرته من الأمور التي تشابه فيها المسلمون مع الكفار
منه ما هو نافعٌ للمسلمين
بل وضروريٌ عند بعضهم
فهذا لا بأس به
ومنه مع توارد المسلمون على فعله دون نكير
وفي الحالتين الأمر مختلف عن العيد الوطني
فالإستفادة من صناعات شيء _ في أمورٍ أصلها مباح _ والتشبه بهم في أعياداهم ومناسابتهم شيء آخر
ثم ما بال أقوام يحدثوننا بمسائل افتراضية
فهل يوجد عيد وطني بدون طبل وزمر وغيرها من مظاهر الفسوق؟!
إن وجد فساعتئذٍ تعالوا وناقشوا في العيد العاري عن مظاهر الفسوق
أما المناقشة في مسائل إفتراضية
فليس فيه كبير فائدة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/259)
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[26 - 09 - 06, 03:16 ص]ـ
الاخ عبد الله الخليفي اشكر لك اثراء الموضوع، كما اشكر كل من داخل و رد ..
و ننتظر المزيد من الاخوة ..
المعلمي: كنت سأكتب الذي كتبته لكنك سبقتني اليه، و اود ان اشير ان الشيخ خالد السبت له شريط نفيس جدا عن التشبه
لكن لعل من الامور التي يتضح فيها المراد من ان ليس كل عمل يعمله الكفار يكون تشبها، مثل لبس البدله لمن يفرض عليه العمل لبسها، او من يعيش في بلاد الكفار
لكن الذي اود ان نركز الحديث حوله ما العله من المنع من العيد او اليوم الوطني ... الذي اعلمه من كلام المشايخ انه لانه عيد .. فما هو ضابط العيد الذي نستطيع ان نحكم على الشيء انه عيد ..
اما ان نقول انه تشبه فاعتقد انها ليست العله الاصل، انما هي فرع.
وذكر الاخ الخليفي المنكرات، و اقول انها كذلك ليست اصل المنع ... لان المنع و الانكار على العيد و ليس على المنكرات فالمنكرات تبع. لكن لو فرضنا ان الاحتفال يقام و سيكون بدلا من المنكرات و الاغاني ـ ولنتحدث عن المسأله كافتراض ـ برامج دعويه و محاضرات .. فما الحكم الان؟!! ..
ان الايراد الذي اوردته من وجود المنكرات ممكن ان يقال في الاحتفالات التي تقام لعيد الفطر، فاظهار البهجه و السرور بالعيد مطلوب شرعا، لكن اذا كان سيترتب على اظهار الفرح هذه المنكرات فانه يمنع، ليس لحرمة الاحتفال و لكن لوجود هذه المنكرات!!.
اما في اليوم الوطني فان الاحتفال بحد ذاته محرم سواء وجدت فيه المعصية ام لم توجد
و السؤال لماذا؟. ماهي العله؟.
و حتى يحصر النقاش في نقاط معينه اسأل فاقول ما حكم كلا من:
اليوم الوطني .... معرض كن داعيا .... الجنادريه ..... معارض الكتاب الدوريه .... اسبوع مكافحة التدخين و المخدرات و غيره من الاسابيع المحدده عالميا لتوعية الناس في امور معينه ... الحفلات التي تقيمها بعض المؤسسات الدعويه احتفلا بانجاز عمل معين ... الاحتفلات التي تقيمها الحلقات بعد نهايه كل عام ...
ما الحكم في هذه الامور مع بيان العله ... و جزاكم الله خيرا
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[26 - 09 - 06, 06:38 ص]ـ
اخ عبد الرحمن بارك الله فيك وهداك \معرض كن داعيا --------- ليس عيدا وليس فيه تشبة
معارض الكتاب الدورية---------- ليست اعيادا
اسبوع مكافحة المخدرات ------ليس عيدا
الايام والاسابيع المحددة عالميا لتوعية الناس------- ليست اعيادا
الحفلات التي تقيمها بعض المؤسسات الدعوية احتفالا بانجاز عمل معين ------ليس عيدا ولم يرتبط بتاريخ معبن ومع ذلك اذا كان فية اسراف وتبذير ومناكير --------- حرام قطعيا
بقي عندنا اثنان (1) الجنادرية لا اعرفة
(2) العيد الوطني اراه غير جائز من عدة امور (1) بدعة لم تكن على عصر الصحابة ولا تقل ليس لها دخل في الدين فأن قلت ليس لها دخل في الدين سأقول اذن من اين اتت وضعها رجل مسلم ام اتت من بلاد الكفر ففيها تشبة لا محالة
(2) التبذير والاسراف الواضح للاعيان يعني على سبيل المثال مليون واحد تعرف ماذا يفعل هذا المليون اليتيم كفالته الشهريه مئة ريال يعني تستطيع كفالة عشرة ايتام لمدة ثلاث وثمانين عام وثمان اشهر فأيهما افضل اصراف مليون واحد على العيد الوطني ام كفالة عشر ايتام لمدة اكثر من ثلاث وثمانين عام واتمنا ان تكون منصفا وترى المسألة وترجح بين المحاسن والمسأوى
ولا ازال افول انها فكرة دخيلة على المجتمع وليست من اساسا
واعتذر عن التقدم بين يدي الشيخ عبدالله الخليفي
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[26 - 09 - 06, 11:26 ص]ـ
الاخ احمد الشمري
اشكر لك تواجدك، و انا حقيقة لا ارى حل او جواز اليوم الوطني
لكن هذه شبه تطرح في المجالس فاردت ان اطرحها بين يدي اخواني من المشايخ، عسى ان تجد صدرا رحبا لايضيق ذرعا بالرد عليها.
خصوصا مع ظهور اناس من العلماء و طلبة يرون جوازه، او عدم تظخيم الامر و انه لا يستحق ماقد يفرد له سواء من الانكار او التوجيه و غيره.
و البعض يري ان افراد الخطيب موضوعا مخصصا في خطبة الجمعه عن هذا الموضوع لا داعي
يعني الامر سهل!!. وهذا الذي حداني لطرح هذه القضايا، و الا انا متطفل على موائد اهل العلم و طلابه ..
اعود فاقول
ذكرت حفظك الله امورا اخرجته من ان تكون عيدا او تكون بدعه ... و امورا اخرى مثل اليوم الوطني
و دعني اضيف فاقول كذلك الجنادريه فالعلماء على تحريمه، كما لا يخفى الغرض الذي اقيم له هذا المهرجان محرمه، وهذا الذي عليه العلماء.
و انا اريد ان اتحدث عن ضابط او علة العوده ... كيف تضبط؟!!.
و الامور التي ذكرتها كلها تشترك في العوده، كما ان الاسابيع العالميه التي للتوعيه محددة بتاريخ معين.
فما هو ضابط العوده ... هل كل ما عاد يعتبر عيدا منهيا عنه؟!! ..
وهل كل ماحدد بزمن يعتبر عيدا؟!! ..
اقامت بعض المؤسسات الخيرية احتفالا بعد 30 عاما على انشاء المؤسسه فما حكمه؟ .. و ما الفرق بينه و بين المؤيه التي وقف فيها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله ـ جعل الله موقفه هذا شفيعا له يوم القيامه ـ ..
ارجوا ان اجد الاجابه، ولكم مني جزيل الشكر
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/260)
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[26 - 09 - 06, 05:55 م]ـ
يقول شيخ الاسلام في كتاب اقتضاء السراط المستقيم
ص 403
اما الزمان فثلاثة انواع ويدخل فيها بعض بدع المكانوالافعال
احدها يوم لم تعظمة الشريعة اصلا \ولم يكن له ذكر في السلف ولا جرى فية ما يوجب تعظيمة مثل اول خميس من رجب وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب فان تعظيم هذا اليوم والليلة انما حدث في المئة الرابعة وروي فية حديث موضوع باتفاق العلماء ............ الخ
النوع الثاني \ماجرى فية حادثة كما كان يجري في غيرة من غير ان يوجب ذلك جعلة موسما ولا كان السلف يعظمونه كالثامن عشر من ذي الحجة الذي خطب النبي صلى الله علية وسلم بغدير خم مرجعة من حجة الوداع .............. الى ان يقول في صفحة 404مانصة
وللنبي صلى الله علية وسلم خطب وعهود ووقائع في ايام متعددة: مثل يوم بدر وحنين والخندق وفيح مكة ووقت الهجرة ودخولة المدينة وخطب متعددة يذكر فيها قواعد الدين ثم لم يوجب ذلك ان يتخذ امثال تلك الاعياد اعيادا،وانما يفعل مثل هذا
(((النصارى الذين يتخذون امثال ايام حوادث عيسى علية السلام اعيادا، او اليهود وانما العيد شريعة،فما شرعة الله اتبع،والآ لم يحدث في الدين ما ليس منه
كما ذكر رحمة الله كلاما كثيرا يقارب مئتين صفحة او اكثر عن الاعياد
واعذروني على الاطالة
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[28 - 09 - 06, 05:39 م]ـ
اعتذر عن التاخر في الرد
و اشكرك احمد الشمري على هذا النقل النفيس
و كان بودي لو اطلت قليلا
لكن هل افهم من كلام شيخ الاسلام
ان اطلاق العيد على اليوم يحصل اذا اشتمل اليوم على ثلاثة شروط:
1/ ان يكون ذلك اليوم محددا
2/ ان يكون معظما
3/ ان يكون دائما و يعود
فاذا اختل احد الشروط اصبح الاحتفال او تحديد اليوم جائزا؟.
متشوق لاجابتك ... و جزاك الله خيرا
ـ[أبو المنذر المنياوي]ــــــــ[28 - 09 - 06, 06:00 م]ـ
لعل في هذا الرابط ما يفيد
http://forum.turath.com/showthread.php?t=66
ـ[عبد الرحمن النافع]ــــــــ[30 - 09 - 06, 03:06 ص]ـ
اشكرك ابو منذر على هذا الرابط
و الشيخ سليمان الماجد له بحث مطول عن البدعه، و هو من المهتمين بهذا الموضوع
لكن لا ادري هل هو منشور ام لا، و انا لم اطلع عليه وانما سمعت عنه.
فلعل من يستطيع تلخيصه يفعل.
و اود ان اسال هل المواصفات او الشروط التي ذكرتها في حد اليوم الوطني و التميز بينه و بين غيره من الاحتفالات الجائزه صحيحه ام لا؟
انتظر تعليق اخواني المشايخ
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[30 - 09 - 06, 07:14 ص]ـ
هذا الرد نقلتة من احدا المواقع
واتمنى ان نجد ضالتنا
فتوى اللجنة الدائمة بالمملكة العربية السعودية
برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله حول
حكم الاحتفال باليوم الوطني
نقلتها من كتاب " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
جمع الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش (3/ 88 ـ 89)
من الطبعة الثالثة لمكتبة بلنسية بالرياض:
(س: أنا إمام أحد المساجد في جدة، وقد ألقيت خطبة في بعث الرسول صلى الله عليه وسلم وذكرت فيها أن الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة من البدع المستحدثة في الدين، وفي الأسبوع الثاني كانت الخطبة في أسبوع المساجد وكان عنوان الخطبة عمارة المساجد وذكرت فيها العناية بالمساجد وتعميرها وفرشها مستنبطا ذلك من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد الصلاة تقدم إلي أحد المصلين قائلا " يا عمي الشيخ تحدثت إلينا في الأسبوع الماضي عن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم وذكرت أن الاحتفال به بدعة، احب أن أسألك سؤالا:فقلت له تفضل أجيبك حسب الاستطاعة، فقال ما هو حكم الشرع في الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم وبعيد مولد الأطفال وعيد الأم وأسبوع الشجرة وأسبوع المرور واليوم الوطني للمملكة وأسبوع المساجد أليست بدعة، فلماذا تحاربون الاحتفال بمولد الرسول مع العلم انه اعظم رجل عرفته البشرية جمعاء وهو أحق وأهل لذلك ولا تنكرون على هذه الاحتفالات الأخرى بل تشجعونها وخاصة انتم أيها السعوديون.فبينت له ذلك مستعينا بالله وقلت له: المقصود من أسبوع المساجد حث المسلمين على نظافتها والعناية بها، فقال لي انظر إلى الشوارع آيات الله مكتوبة على الورق والقماش ويمزعها الهواء وترمى في
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/261)
الطرقات وأماكن القاذورات أليس هذا حراما وخاصة في أسبوع المساجد، انظر يا عمي الشيخ إلى هذه القطعة من القماش مكتوب عليها: " إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر " مرمية في الحديقة ويصب عليها وايت النفايات: إنا لله وإنا إليه راجعون .. إنني انقل لكم كلام الشخص حرفيا حسب ما تكلم به علي، وفعلا أخذت القطعة المكتوب عليها وغسلتها وأحرقتها.فقال لي يا عمي الشيخ أنا لا أريد منك شيئا إنما الذي أرجوه أن تتكلموا انتم يا خطباء المساجد وأصحاب الكلمة المسموعة، ولكن انتم يا خطباء السعودية لا تستطيعون ذلك إذا قالت الحكومة هذا حرام قلتم حرام وإذا قالت هذا حلال قلتم حلال وأنت أول واحد تقول لي هذا عمل خيروتشجيع المسلمين إلى فعل الخير أنا لا يمكن اقنع بهذا الكلام إلا بفتوى شرعية من كبار العلماء ولا تنس يا شيخ إن الساكت عن الحق شيطان اخرس والسلام عليك. انتهى. >لذا أرجو الفتوى الشرعية في الأعياد المذكورة في الصفحة الأولى مفصلة وبالدليل لكل موضوع على حدة (والله يحفظكم).
جـ:الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله واله وصحبه .. وبعد:
أولا: العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد إما بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع أو نحو ذلك فالعيد يجمع أمورا منها يوم عائد كيوم عيد الفطر ويوم الجمعة،
ومنها الاجتماع في ذلك اليوم،
ومنها الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات.
ثانيا ما كان من ذلك مقصودا به التنسك والتقرب او التعظيم كسبا للأجر
، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو نحوهم من طوائف الكفار فهو بدعة محدثة ممنوعة داخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري ومسلم،
مثال ذلك الاحتفال بعيد المولد
وعيد الأم
والعيد الوطني
لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله وكما في ذلك التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة،
ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار
وما كان المقصود منه تنظيم الأعمال مثلا لمصلحة الأمة وضبط أمورها كأسبوع المرور وتنظيم مواعيد الدراسة والاجتماع بالموظفين للعمل ونحو ذلك مما لا يفضي الى التقرب به والعبادة والتعظيم بالأصالة
، فهو من البدع العادية التي لا يشملها قوله صلى الله عليه وسلم:
" من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد " فلا حرج فيه بل يكون مشروعا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء
نائب رئيس اللجنة: عبد الرزاق عفيفي
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز)(35/262)
فما أنت و رجل بالأندلس إلا سواء
ـ[أبو لقمان]ــــــــ[20 - 09 - 06, 08:08 م]ـ
"فما أنت و رجل بالأندلس إلا سواء"
هل وقف أحد على من روى هذه اللفظة؟ فإن ابن تيمية يذكرها كثيرا في كتبه، وذكره ابن كثير بصيغة التمريض في التفسير،
فهل وقف أحد على من روى هذه اللفظة؟
ـ[خالد بن عمر]ــــــــ[20 - 09 - 06, 09:01 م]ـ
موجودة في في كتاب إسماعيل القاضي
وراجع الكلام عليها لابن عبد الهادي في كتابه ((الصارم المنكي)) وهو موجود في خزانة الملتقى
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[20 - 09 - 06, 09:26 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اللفظة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في أكثر من موضع وعزاها لسعيد بن منصور في سننه قال ابن تيمية رحمه الله: (وروى سعيد بن منصور في سننه حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني سهيل ابن أبي سهيل قال رآني الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى فقال هلم إلى العشاء فقلت لا أريده فقال مالي رأيتك عند القبر قلت سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخلت المسجد فسلم ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم مقابر لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم ما أنت ومن بالأندلس إلا سواء)
ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (ص 331) والمحقق (1/ 302 - 303) مجموع الفتاوى (27/ 122) الفتاوى الكبرى (2/ 424) فتح المجيد (ص 244)
والحديث رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بدون ذكر قوله: (ما أنت ومن بالأندلس إلا سواء) ص (41) ولفظة ما انتم ومن بالأندلس إلا سواء من قول الحسن وليس مرفوعا. وهو واضح والله اعلم
ـ[أبو لقمان]ــــــــ[21 - 09 - 06, 05:31 ص]ـ
أشكركما على هذه الإجابة السريعة لكني أريد من أسند هذه اللفظة لا من ذكرها فحسب، فإني لم اجدها في ما تيسر لي من البحث في كتب الرواية أن أقف على هذه اللفظة مسندة غير منقول عن مصدر آخر ـ فكما ذكرت وجدته عند ابن تيمية وابن كثير.
ومع هذا فجزاكما الله خيرا
ومن وقف عليها مسندة فليفد الجميع
والسلام
ـ[محب السلف]ــــــــ[25 - 10 - 06, 06:49 ص]ـ
هذه اللفظة أسندها سعيد بن منصور في سننه وساق سندها الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان" حيث قال (1/ 191 - 192):
(وقال سعيد بن منصور في السنن: حدثنا حبان بن علي حدثني محمد بن عجلان عن أبي سعيد مولى المهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا على حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني).
وقال سعيد: حدثنا عبدالعزيز بن محمد أخبرني سهيل بن أبي سهيل قال: رآني الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى فقال: هلم إلى العشاء فقلت: لا أريده فقال: مالي رأيتك عند القبر فقلت: سلمت على النبي فقال: إذا دخلت المسجد فسلم ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتخذوا بيتي عيدا ولا تتخذوا بيوتكم مقابر لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم) ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء.
فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين يدلان على ثبوت الحديث لا سيما وقد احتج به من أرسله وذلك يقتضي ثبوته عنده هذا لو لم يكن روى من وجوه مسندة غير هذين فكيف وقد تقدم مسندا) ا. هـ
ونحو هذا الكلام لشيخ الإسلام في الاقتضاء (1/ 322 - 323).
كما ساق سنده شيخ الإسلام ابن تيمية في: اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 109 - 110) و (1/ 322 - 323) مجموع الفتاوى (27/ 121 - 122) كما ذكر الأخ الكريم أبو حازم الكاتب.(35/263)
أريد أقوال أئمة الأشاعرة في أخر حياتهم
ـ[أبو زكريا الشافعي]ــــــــ[21 - 09 - 06, 01:54 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أرجو من الإخوة المساعدة بنقل أكثر عدد من أقوال أئمة الأشاعرة في أخر حياتهم ندما على خوضهم في علم الكلام
أرجو الإسراع بالإجابة و جزام الله خيرا
ـ[أبو أنس السندي]ــــــــ[21 - 09 - 06, 02:40 م]ـ
إن شاء الله من خلال هذا الموضوع سأقوم بنقل شرح الشيخ عبدالمحسن العباد لمقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني , واسأل اله التوفيق والسداد
( ..... وقد جاء عن بعض المتكلمين وغيرهم عباراتٌ تدل على أن السلامة والنجاة إنما هي في عقيدة العجائز المطابقة للفطرة , وقد نقل شارح الطحاوية عن أبي المعالي الجويني كلاماً ذم فيه علم الكلام , وقال فيه عند موته (وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي , أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور)
وفي ترجمة الرازي – وهو من كبار المتكلمين – في لسان الميزان 4/ 427 (وكان مع تبحره في الأصول يقول: من التزم دين العجائز فهو الفائز).
وقال أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين في نصيحته لمشايخه من الأشاعرة 1/ 185 – مجموعة الرسائل المنيرية (فمن تكون الراعية أعلم بالله منه لكونه لا يعرف وجهة معبوده , فإنه لا يزال مظلم القلب , لا يستنير بأنوار المعرفة والإيمان).
وروى ابن سعد في الطبقات بإسناد صحيح على شرط مسلم 5/ 374 عن جعفر بن بُرقان قال (جاء رجلٌ إلى عمر بن عبدالعزيز فسأله عن شيء من الأهواء , فقال: الزم دين الصبي في الكتاب والأعرابي , واْلهُ عما سوى ذلك) وعزاه إليه النووي في تهذيب الأسماء واللغات 2/ 22 ...... )
وإلى اللقاء مع الفائدة الرابعة إن شاء الله تعالى
وانظر
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=57095&highlight=%DA%CC%C7%C6%D2+%E4%ED%D3%C7%C8%E6%D1
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[21 - 09 - 06, 11:56 م]ـ
ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى 4/ 72 و5/ 10 [الحموية] جملة من ذلك وابن القيم في الصواعق المرسلة 1/ 167، و ابن أبي العز في شرح الطحاوية ص227 وغيرهم.
ـ[أبو رحمة السلفي]ــــــــ[22 - 09 - 06, 02:31 ص]ـ
قال الرازي وهو في نهاية حياته:
نهاية إقدام العقول عقال ****** وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا ****** وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ****** سوى أن جمعنا فيه قيل وقال
ثم قال " لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية , فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً
ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن , أقرأ في الإثبات (الرحمن على العرش استوى)
(إليه يصعد الكلم الطيب) , وأقرأ في النفي (ولا يحيطون به علماً)
ومن جرب مثل تجربتي , عرف مثل معرفتي أهؤلاء نقول: إن طريقتهم أعلم وأحكم؟!
انظر كتاب شرح العقيدة الواسطية ص 76(35/264)
هل يشهد بالجنة لأحد من الصحابة غير العشرة
ـ[ياسرفؤاد]ــــــــ[21 - 09 - 06, 07:44 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد كنت أظن أن الصحابة كلهم يشهد لهم بالجنة لقوله تعالى:"وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" التوبة:100
وقوله تعالى:"مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" محمد:29
وغيرها من الآيات ...
ثم إذا بي و أنا أقرأ في كتاب اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي في باب اعتقاد سفيان الثوري
يقول الإمام سفيان وهو يكلم شعيب بن حرب:"يا شعيب بن حرب لا ينفعك ما كتبت لك حتى لا تشهد لأحد بجنة ولا نار إلا للعشرة الذين شهد لهم رسول الله وكلهم من قريش"
فإذا بكلامه يخالف مافهمت ُ أنا من الآية
فهل أنا فهمت كلامه خطأً أو فهمت الآيات خطأً أرجو ممن كان معه علم ألا يبخل علينا
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[21 - 09 - 06, 11:39 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قد ثبت في عدد من الأحاديث شهادة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالجنة لغير العشرة كثابت بن قيس بن شماس، وبلال، وسعذ بن معاذ، وفاطمة بن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والحسن والحسين وغيرهم ...
والآيات فيها النص بالعموم وهذا لا شك فيه فكل مؤمن مصيره إلى الجنة والكلام على الشهادة للأعيان.
ولعلك ترجع لشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز عند قول الطحاوي: (ولا ننزل أحدا منهم جنة ولا نارا)
أو لشروح الواسطية عند قول شيخ الإسلام (ويشهدون بالجنة لمن شهد له الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كالعشرة، وثابت بن قيس بن شماس، وغيرهم من الصحابة)
ـ[أبو رحمة السلفي]ــــــــ[22 - 09 - 06, 12:00 ص]ـ
قد ثبت في عدد من الأحاديث شهادة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالجنة لغير العشرة كثابت بن قيس بن شماس، وبلال، وسعذ بن معاذ، وفاطمة بن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والحسن والحسين وغيرهم ...
أضيف لما قاله الأخ الحبيب
ما رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق فرجوت أن تكون أمتي فقيل هذا موسى وقومه ثم قيل لي انظر فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل لي انظر هكذا وهكذا فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل هؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب فتفرق الناس ولم يبين لهم فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أما نحن فولدنا في الشرك ولكنا آمنا بالله ورسوله ولكن هؤلاء هم أبناؤنا فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن فقال أمنهم أنا يا رسول الله قال نعم فقام آخر فقال أمنهم أنا فقال سبقك بها عكاشة
ـ[ياسرفؤاد]ــــــــ[23 - 09 - 06, 01:21 ص]ـ
جزاكما الله خيراً أخواي السديس وأبي رحمة
أنا أتكلم عن الصحابة المهاجرين والأنصار كلهم هل يشهد لهم جميعهم بالجنة
ولأبين أكثر أضرب مثالاً هل يشهد بالجنة لابن عمر أو ابن عباس أو ابن مسعود أو غيرهم من الصحابة الذين لم يأت حديث خاص في دخولهم الجنة
وجزاكم الله خيراً
ـ[معمر الشرقي]ــــــــ[30 - 09 - 06, 02:06 م]ـ
قال شيخ الاسلام بن تيمية -رحمه الله-:
وكذلك من اجمعت الامة علي الثناء علية فاننا نشهد له بالجنة فمثلا الامام احمد -رحمة الله- والشافعي و ابو حنيفه ومالك وسفيان الثوري وبن عيينة وغيرهم من الائمة اجمعت الامة علي الثناء عليهم فنشهد لهم بأنهم من اهل الجنة (ا. هـ)
قال بن عثيمين معلقا في شرحة الماتع لرياض الصالحين:
وشيخ الاسلام بن تيمية رحمة الله اجمع الناس بالثناء عليه فنشهد له بالجنة علي هذا الرأي ويشهد ويؤيد ذلك حديث عمر بن الخطاب الذي رواه البخاري ((انتم شهداء الله في الارض)) (ا. هـ)
فكيف بالصحابة لا نشهد لهم بالجنة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/265)
ـ[العكاشى]ــــــــ[30 - 09 - 06, 03:20 م]ـ
مر بى اثناء عملى فى كتاب اعلام الحديث للخطابى هذا القول لسفيان ....... ؟
فاوقفت القلم واعملت الفكر فلم اصل الى حل
ثم سالت شيخنا عن هذا القول فتعجب جدا
فاجاب بقوله لعله من شواذ فتوى الامام
او لعله لا ياخذ باحاديث الاحاد
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[30 - 09 - 06, 06:21 م]ـ
فائدة:
ألف يوسف بن عبد الهادي - رحمه الله تعالى - كتابا "" لا يقطع للأئمة الأربعة بالجنة""، وفيها حرمة الجزم لهم بالجنة. والكتاب أظنه ما زال مخطوطا في المكتبة الظاهرية.
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[01 - 10 - 06, 12:10 ص]ـ
قال رحمه الله (وَلَا نُنَزِّلُ أَحَدًا مِنْهُمْ جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ وَلَا بِشِرْكٍ وَلَا بِنِفَاقٍ، مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَنَذَرُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى) يريد العلامة الطحاوي رحمه الله أنّ أهل السنة والجماعة يتّبعون في الأمور الغيبية ما دلّ عليه الدليل من كتاب الله جل وعلا ومن سنة رسوله (فلا يَقْفُون ما ليس لهم به علم ولا يقولون على الله جل وعلا ما لا يعلمون امتثالا لقوله سبحانه ?وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا? [الإسراء:36]، وامتثالا لقوله جل وعلا ?وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ? [الأعراف:33]، فحرّم الله جل وعلا القول عليه بلا علم، ومن القول عليه بلا علم أن يُشهد في أمر غيبي أن الله جل وعلا لا يغفر لفلان، أو أن فلانا من أهل الجنة؛ يعني قد غُفر له، أو أنه من أهل النار المعيّن لأنه لم يشأ الله أن يغفر له.
فأصل هذه المسألة وهو ما قرره من إننا لا ننزل أحدا من أهل القبلة جنة ولا نارا، هذه لأجل أن هذا الأمر غيبي والله جل وعلا حكمه في أهل القبلة قد يعذب وقد يغفر؛ يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، فمن نزّل جنة أو نارا أحدا من أهل القبلة ممن لم يدل الدليل على أنه من أهل الجنة أو أهل النار فقد قال على الله بلا علم وتجرأ على الرب جل جلاله.
فالواجب -إذن- اتباع النص وتقديس الرب جل وعلا وتعظيم صفات الرب جل جلاله، وأن لا يشهد على معين من أهل القبلة بأنه من أهل الجنة جزما أو من أهل النار جزما إلا من أخبر الوحي بأنه في هذا الفريق أو في هذا الفريق.
وهذا نصّ عليه خلافا لأهل الضلال في مسائل الأسماء والأحكام من المعتزلة والخوارج قبلهم ومن يرون السيف ونحو ذلك ممن يشهدون لمن شاءوا بالجنة ولمن شاءوا بالنار؛ بل قد شهدوا على بعض الصحابة بأنهم من أهل النار وعلى بعضهم من أنهم من أهل الجنة بمحض أهوائهم وآرائهم، وأهل السنة يخالفون الفِرق الضالة في هذا الباب ويتّبعون ما دلّ عليه الدليل ويعظمون الله جل وعلا، ولا يتجاسرون على الغيب، ويعظمون صفة الرب سبحانه بأنه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء.
وتحت هذه الجملة مباحث:
الأول: أن هذا الحكم ذَكَر أنه مختص بأهل القبلة فقال (وَلَا نُنَزِّلُ أَحَدًا مِنْهُمْ) يعني من أهل القبلة (جَنَّةً وَلَا نَارًا)؛ لأن أهل القبلة ظاهرهم الإسلام والله جل وعلا قد وعد المسلم بالجنة، وقد توعّد من عصاه من أهل الإسلام بالنار.
فهذا الحكم مختص بأهل القبلة، فمن مات من أهل الإسلام لا يشهد عليه بأنه من أهل النار ولا يشهد له بالجنة، إلاّ من شهد له رسول الله (كما سيأتي.
وإذا تبين هذا فلا يدخل في كلامه من مات على الكفر فقد كان في حياته كافرا؛ كان طول حياته نصرانيا، أو كان طول حياته يهوديا، أو كان طول حياته وثنيا أو مشركا الشرك الأكبر المعروف؛ يعني من أهل عبادة الأوثان أو ممن لا دين له، فهؤلاء لا يدخلون في هذه العقيدة؛ بل يُشهد على من مات منهم بأنه من أهل النار؛ لأنه مات على الكفر وهو الأصل.
فقد ثبت في الصحيح أن النبي (قال «حيثما مررت بقبر كفار فبشره بالنار» يعني في الحديث الصحيح «حيثما مررت بقبر كفار فبشره بالنار» وهذا عموم وهو موافق للأصل، وهو أن من مات على الكفر نحكم عليه بالظاهر، ولا نقول قد يكون مات على الإسلام؛ لأن هذا خلاف الأصل.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/266)
والقواعد المقررة تقضي باتباع واستصحاب الأصل، لهذا المسلم نستصحب أصلَه -كما سيأتي- فلا نشهد عليه بشرك ولا كفر ولا نفاق إذا مات، كذلك نستصحب الأصل في من مات على الكفر من النصارى واليهود والوثنيين وأشباه هؤلاء.
ومن أهل العلم من أدخل الحكم على المعين الذي ورد في هذه الجملة، أدخل الحكم على المعين الكفار بأنواعهم فقال: حتى الكافر لا نشهد عليه إذا مات لأننا لا ندري لعله أسلم قبل ذلك. وهذا خلاف الصواب وخلاف ما قرره أهل التوحيد وأئمة الإسلام في عقائدهم، فإن كلامهم كان مقيدا بمن مات من أهل القبلة، أما من لم يكن من أهل القبلة فلا يدخل في هذا الكلام.
المسألة الثانية أو المبحث الثاني: ذكرنا لك أن أصل هذه العقيدة تعظيم صفات الله جل وعلا وعدم الخوض في الأمور الغيبية، والعلماء في إعمال هذا الأصل في هذه المسألة لهم أقوال:
القول الأول: من قال: لا أشهد لأحد ولا على أحد مطلقا، وإنما نشهد للوصف للجنس دون المعين، فنقول: المؤمن في الجنة، والظالم في النار، والمؤمن المسدد في الجنة، ومرتكب الكبيرة متوعد بالنار، ونحو ذلك من ذكر الجنس والنوع دون ذكر المعين، إعمالا منهم للأصل الذي ذكرنا، وأن الحكم للخاتمة أمر غيبي لا ندري هل حصل الختام بالتوحيد أم لا.
والقول الثاني: وهو قول جمهور أهل العلم وأئمة أهل الحديث والسنة والأثر أنَّ هذه المسألة غيبية فمجالها ومدارها على قاعدة الأمور الغيبية أنّه يقتفى فيها الدليل دون تجاوز للقرآن والحديث، فلا ينزّل أحد جنة ولا نار إلا من أنزله الله جل وعلا جنة أو أنزله النار بدليل من الكتاب أو من السنة، وسواء في هذا النوع الوصف الجنس أو المعين. فجاءت الشهادة لأبي بكر (بأنه من أهل الجنة في القرآن، وجاءت الشهادة لأهل البيت بأنهم مطهرون أيضا بالقرآن منهم علي (وفاطمة وزوجات النبي عليه الصلاة والسلام الذين قال الله جل وعلا فيهم ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا? [الأحزاب:33] ونحو ذلك، وجاء في السنة الشهادة على معينين من الصحابة بأنهم في الجنة كما في العشرة المبشرين بالجنة: الخلفاء الأربعة، وطلحة بن عبيد الله، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وسعد بن أبي وقاس، وسعيد بن زيد إلى آخره، وكذلك الشهادة لبلال (، ونحو ذلك ممن جاء في الحديث أنه من أهل الجنة، وكذلك من شُهد عليه بالنار ممن هو منتسب إلى القبلة لِما جاء في السنة فإننا نشهد عليه بالنار.
وهذا القول هو المراد بكلام الطحاوي هذا وهو قول جمهور أهل الحديث والسنة.
أما القول الثالث: فهو مثل القول الثاني؛ لكنه زاد عليه بأنّ الشهادة المستفيضة للإنسان من أهل القبلة بأنه من أهل الجنة أو أنه من أهل الوعيد فإنه يُشهد للمعين أو يشهد عليه بالشهادة المستفيضة، وهذا جاء رواية عن الإمام أحمد وعن غيره من الأئمة واختارها الإمام شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية رحمهم الله تعالى، وقال: دلت السنة على هذا الأصل فإن النبي (مُرّ عليه بجنازة فأثني عليها خيرا فقال «وجبت»، ثم مُرّ بجنازة أخرى فأثنى الصحابة عليها شرا، فقال «وجبت»، قالوا يا رسول الله ما وجبت؟ قال «تلك أثنيتم عليها خيرا فوجبت لها الجنة، وهذه أثنيتم عليها شرا فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه»، وأيضا جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال «يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار» قالوا وكيف ذلك يا رسول الله قال «بالثناء الحسن وبالثناء السيئ»، فيدخل في هذا القول المعروفون الذين شُهد لهم بقدم الصدق من صحابة رسول الله (، وكذلك من شهد له من أئمة الإسلام بهذا المقام كالإمام مالك مثلا والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم ونحوهم من أئمة الإسلام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/267)
والأظهر هو القول الثاني وهو قول الجمهور؛ لأنّ الشهادة بالاستفاضة هذه الدليل يتقاصر على أن يُشهد له مطلقا، لكن يكون الرجاء فيه أعظم، ولهذا في الحديث الأول قال «وجبت»، فدل على أن شهادتهم له في مقام الشفاعة له بأنه قال «أثنيتم عليها خيرا فوجبت» ودل على أن الوجوب له بالجنة مترتب على الثناء عليه بالخير، وليس الثناء عليه بالخير نتيجة وإنما هو سبب لوجوب الجنة، فكأنه في مقام الشفاعة له والدعاء له، وليس هذا مطلقا. والحديث الثاني أيضا يحمل على هذا بأنه في مقام الشفاعة والدعاء له، بالإضافة إلى أنّ القول الأول هو قول الأكثر من أئمة أهل الإسلام.
المبحث الثالث: أننا إذا لم نشهد لأحد أو على أحد فإن المقصود المعين، أما الجنس والنوع فنشهد للجنس والنوع، فنشهد على الظالم بالنار دون تنزيله على معين، ونشهد للمطيع بالجنة دون تنزيله على معين، والمقصود إذا مات على ذلك، إذا مات المطيع على الطاعة، وإذا مات الظالم على الظلم؛ لأن المسألة مبنية على ما يُختم للعبد، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيح أنه قال «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها»، وهذا يدل على أن الأعمال بالسوابق -سوابق الكتاب- وبالخواتيم، وهذا يمنع من الشهادة المعينة لأن الأعمال بالسوابق والخواتيم، والله جل وعلا خلق الجنة وخلق لها أهلا وهذا غيبي، وخلق النار وخلق لها أهلا وهذا أمر غيبي.
فإذن الشهادة على الجنس أو للجنس بالجنة أو على نوع بالنار هذا المقصود من مات على ذلك، من مات على الطاعة فإننا نشهد لجنس الميتين على الطاعة، ولجنس من مات على الكبيرة بأنه متوعد بالعذاب قد يغفر الله جل وعلا له وقد يؤاخذه بذنوبه.
المبحث الرابع والأخير: أننا مع ذلك كله فإننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء، أهل السنة أهل رحمة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان رحيما بهذه الأمة، فيرث أهل السنة الرحمة من صفاته عليه الصلاة والسلام، فيرحمون هذه الأمة، ومن رحمتهم لها أنهم يرجون لأهل الإحسان ويخافون على أهل الإساءة، ورجاؤهم لأهل الإحسان يحمله على أن يدعو لهم وأن يصلوا عليهم إذا ماتوا؛ لأن حق المسلم على مسلم ست ومنها أنه إذا مات يصلي عليه ويدعو له، وتَحملهم الرحمة للمسيء أنه إذا مات على الإساءة أنه يُخاف عليه الإساءة، فيسأل الرب جل وعلا أن يغفر له ذنبه وأن يتجاوز عن خطيئته وأن يبارك له في قليل عمله، ونحو ذلك من آثار الرحمة، ولهذا يدعو المسلم لجميع المسلمين لمن كان منهم صالحا ومن كان منهم غير صالح؛ بل من الدعاء الذي تداوله أهل السنة والعلماء أن يُسأل الرب جل وعلا أن يشفع المحسن في المسيء، وأن يوعد المسيء للمحسن، مثل ما في دعاء القنوت الذي يتداوله الأكثرون: وهب المسيئين مما للمحسنين. (هب المسيئين) يعني من كان مسيئا عاصيا عنده ذنوب هبه للمحسن فشفع المحسن فيه في هذا المقام بالدعاء.
وهذا كله من آثار الرحمة التي كان عليها (، فإنه كان بهذه الأمة كان رحيما؛ بل كان رحمة للعالمين عليه الصلاة والسلام.
فإذن نرجو للمحسن ونخاف على المسيء، ولرجائنا للمحسن آثار، ولخوفنا على المسيء آثار، فرجاؤنا للمحسن يحملنا على توليه وكثرة الدعاء له ونصرته واقتفاء أثره، وخوفنا على المسيء يحملنا على الدعاء له والاستغفار ونحو ذلك، فكان أسيرا للشيطان، ونسأل الله جل وعلا له المغفرة الرضوان.
نسأل الله سبحانه لنا جميعا أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن يجزل لنا الأجر على قليل عملنا، وأن يغفر لنا كثرة الذنب والخطايا فإنه سبحانه جواد كريم، اللهم فأجب واغفر جما إنك على كل شيء قدير.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/268)
الجملة الثانية قال رحمه الله (وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ وَلَا بِشِرْكٍ وَلَا بِنِفَاقٍ، مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَنَذَرُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.) هذه الجملة مثل الأولى في تقرير هذه العقيدة المباركة وهي أنّ الأمر ما دام تبع للخاتمة والخاتمة مغيّبة وهذا أمر غيبي فلا نَقْفُ ما ليس لنا به علم، ولا نتجرأ على الله جل وعلا في وصف شيء والحكم يتعلق به والحكم على عباده بدون دليل، لهذا نعتبر الظاهر من كل أحد، فمن كان ظاهره السلامة في الدنيا ومات على ذلك، فإننا نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر، ومن كان ظاهره الكفر أو ظاهره الشرك أو ظاهره النفاق فإننا نحكم بالظاهر؛ ولأنه ظهر منه ذلك وأمره إلى الله جل وعلا.
وفيه بعض المسائل (158):
الأولى: قوله (وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ وَلَا بِشِرْكٍ وَلَا بِنِفَاقٍ) يعني على المعيَّن من أهل القبلة، وهذا يدل على أن المعين من أهل القبلة قد يجتمع فيه إيمان وكفر، ويجتمع فيه إسلام وشرك، ويجتمع فيه طاعة وإسلام وإيمان ونفاق، وهذا هو المتقرر عند الأئمة تبعا لما دل عليه الدليل، فإن المعين قد يجتمع فيه الإيمان فيكون مؤمنا ويكون عنده بعض خصال الكفر؛ يعني من الكبائر مما لا يُخرجه من الإيمان، فمثلا قتال المسلم كفر وسبابه فسوق كما ثبت في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»، فسباب المسلم فسوق وقتاله كفر فيجتمع في المسلم فسوق وطاعة وكفر وإيمان، كذلك قال عليه الصلاة والسلام «ثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت» ونحو ذلك من خصال الكافرين، فلا يعني وجود بعض خصال الكفر في المعين أن يحكم عليه بالكفر، الحكم بغير ما أنزل الله في حق القاضي أو في حق المعين إذا حكم بغير ما أنزل الله وهو لا يعتقد جواز ذلك أو يعلم أن بحكمه عاص يعني حكم وهو يعلم أنه بحكمه عاص ومخطئ فإنه اجتمع فيه كفر وطاعة.
فلا يُخرج أحد من الإيمان بخصلة من خصال الكفر وُجدت فيه، أو خصلة من خصال الشرك وجدت فيه، أو خصلة من خصال النفاق وجدت فيه، فإن المؤمن يجتمع فيه هذا وهذا، ولهذا قال (وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ وَلَا بِشِرْكٍ وَلَا بِنِفَاقٍ) إذا كان مستسرا بذلك (مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ)، فإن ظهر تشهد عليه بقدر ما ظهر، فالشهادة عليه جوازا لا وجوبا كما سيأتي في المسألة التي بعدها.
كذلك الشرك يكون مؤمنا ويكون عنده شركا أصغرا، يكون عنده حلف بغير الله مما هو من الشرك الأصغر، أو تعليق التمائم واعتقاد أنها أسباب، أو نسبة النعم إلى غير الله جل وعلا أو نحو ذلك من أمور الشرك الأصغر أو الشرك الخفي من يسير الرياء ونحوه، فيجتمع في المؤمن هذا وهذا.
وكذلك بعض خصال النفاق يكون المؤمن مطيعا مسلما؛ لكن عنده خصال النفاق إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، ونحو ذلك من خصال النفاق.
المبحث الثاني: أن قوله (وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ... مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ) يعني إذا ظهر منهم فإنما قد نشهد عليهم يعني يجوز لنا الشهادة إذا ظهر منهم شيء من ذلك، وجواز الشهادة عليهم منوط بالمصلحة؛ لأنها من باب التعزير فقد يجوز أن يُشهد على معين ببعض خصاله؛ خصال الكبائر التي فيه أو الشرك الأصغر الذي فيه أو بعض خصال النفاق الذي فيه إذا كانت الشهادة عليه بذلك علنا فيها مصلحة متعدية، أما إذا لم يكن فيها مصلحة، فإن الأصل على المسلم أنه لا يشهد عليه بل يستر عليه.
وهذا يدل على أن الأصل في المؤمن ما دام اسم الإيمان باقيا عليه الأصل فيه أن يكون على اسم الإسلام وعلى اسم الإيمان وعلى اسم الطاعة، فلا يُنتقل عن الأصل في الثناء عليه وفي الشهادة له بالإسلام والإيمان والتسديد إلاّ إذا كان فيه مصلحة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/269)
فإذن ليس الأصل الشهادة على المخالف أو على من فيه كفر وخصلة من كفر أو شرك نشهد عليه بهذه الأشياء؛ بل هذه منوطة بالمصلحة المتوخاة؛ لأنها من باب التعزير، ويدل على ذلك أنّ النبي عليه الصلاة والسلام ما شهد على هؤلاء بأنهم فعلوا هذه الأشياء إلا على معينين قلة، وأما الأكثر فإنه عليه الصلاة والسلام حملهم على الظاهر، وأهل النفاق الذين باطنه نفاق ما أعلن أسماءهم عليه الصلاة والسلام ولا شهد عليهم لكل أحد لأن المصلحة بخلاف ذلك.
المبحث الثالث والأخير: هذا كله في أهل القبلة، أما من خرج من الإسلام بكفر أكبر أو بشرك أكبر أو بردة وقامت عليه الحجة في ذلك فإنه يُشهد عليه بعينه لأنه ظهر منه ذلك واستبان.
من شرح ""العقيدة الطحاوية"" لمعالي الشيخ صالح آل الشيخ.
ـ[أبو أسامة الشمري]ــــــــ[02 - 10 - 06, 10:52 م]ـ
السلام عليكم
هل يدخل ضمن الموضوع ما روي عن أصحاب الشجرة وبيعة الرضوان؟
قال الله تعالى في من بايع تحت الشجرة: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)
وروى الإمام مسلم في صحيحه
باب استجباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال. وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة
67 - (1856) حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث بن سعد. ح وحدثنا محمد بن رمح. أخبرنا الليث عن أبي الزبير، عن جابر. قال:
كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة. فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة. وهي سمرة.
وقال: وبايعناه على أن لا نفر. ولم نبايعه على الموت.
[شرح:
(ألفا وأربعمائة) وفي رواية: ألفا وخمسمائة، وفي رواية ألفا وثلاثمائة. وقد ذكر البخاري ومسلم هذه الروايات الثلاث في صحيحهما. وأكثر روايتهما. ألف وأربعمائة.
(سمرة) واحدة السمر، كرجل، شجر الطلح.
(بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت) وفي رواية سلمة: أنهم بايعوه يومئذ على الموت وهو معنى رواية عبدالله بن زيد بن عاصم. وفي رواية مجاشع بن مسعود: البيعة على الهجرة، والبيعة على الإسلام والجهاد. وفي حديث ابن عمر وعبادة: بايعنا على السمع والطاعة وأن لا ننازع الأمر أهله. وفي رواية ابن عمر، في غير صحيح مسلم: البيعة على الصبر. قال العلماء: هذه الرواية تجمع المعاني كلها وتبين مقصود كل الروايات. فالبيعة على أن لا نفر معناه الصبر حتى نظفر بعدونا أو نقتل. وهو معنى البيعة على الموت. أي نصبر وإن آل بنا ذلك إلى الموت. لا أن الموت مقصود في نفسه وكذا البيعة على الجهاد، أي والصبر فيه، والله أعلم].
وأيضا
71 - (1856) حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي وسويد بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم وأحمد بن عبدة (واللفظ لسعيد) (قال سعيد وإسحاق: أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا سفيان) عن عمرو، عن جابر. قال:
كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أنتم اليوم خير أهل الأرض).
وقال جابر: لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة.
وفي الحديث الشريف: (لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة)
ـ[عبد السلام العبد الله]ــــــــ[03 - 10 - 06, 03:15 ص]ـ
الأصل في هذه المسألة: قول الله جل وعلا: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (10) سورة الحديد.
والوعد من الله نافذ والوعيد تحت المشيئة.
ـ[عمر الإمبابي]ــــــــ[03 - 10 - 06, 08:57 م]ـ
قال الإمام مسلم في صحيحه:
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا، قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا، وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا، فَيُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ، أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ، لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ، قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ، إِذْ صَاحَ فِيهِمِ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ، فَيَخْرُجُونَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّهُمْ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ "
معذرة إن كان سؤالي لا يتعلق بالصحابة ...
هل يشهد للثلث الأول بالنار؟ وللثلثين الآخرين بالجنة؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/270)
ـ[مصطفى جعفر]ــــــــ[03 - 10 - 06, 09:52 م]ـ
في مقال للشيخ محمد القاضي بمنتدى أهل التحقيق والتصنيف
قال:
المبشرون بالجنة ليسوا عشرة
بقلم: محمد عبد الحكيم القاضي
مصر – المنبا
============================================
على رأس الصحابة، والأمة كلها، يذكر عشرة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، جمعوا – في جملتهم – عناصر من الخير متعددة، وروافد من البر متنوعة، حتى يصلح أن يكونوا – معاً – نموذجاً لأمة فريدة متميزة. وقد أطلق على هؤلاء اسم "العشرة المبشرون بالجنة " وذلك للحديث الصحيح المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي بشرهم بالجنة واحداً واحداً حين قال:
" أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة 00000 " الحديث0
وقد شاع هذا الاسم حتى أصبح اصطلاحاً عند العامة والخاصة، وبحسبنا أن يبدأ الإمام أحمد حنبل مسنده الضخم في الحديث بذكر رواية " العشرة "، ويقصد العشرة المبشرين؛ لأن مصطلح العشرة أصبح ينطلق – بداهة – على هؤلاء العشرة، فهناك الذي يصنف " مسند العشرة " والذي يصنف " مناقب العشرة " وهم يعنون هؤلاء العشرة الصحابة المميزين على الأمة ببشارة النبي صلوات الله عليه صلى الله عليه وسلم إياهم.
مبشرون آخرون:
وعلى الرغم مما في ذيوع هذا (المصطلح) من دلالات تاريخية وتربوية ينبغي أن يفرد لها بحث يستكشف أعماقها، أقول: على الرغم من ذلك فقد غطت سيرورته على بعض الأحاديث المفردة الأخرى التي تصرح بالبشارة بالجنة لجماعة آخرين من الصحابة، لهم ميزات خلقية خاصة جعلتهم حقيقين بهذه البشارة.
ولو ذهبنا نعد هؤلاء المبشرين ومناقبهم، لأعيانا الاستقصاء، فلعل في الإشارة إلى بعضهم هنا إيحاء بما كانوا عليه من عظيم البر، وكبير القدر، وإيماء إلى بعض الدروس العملية من القدوة للكبير والصغير، والشيخ والشاب، والرجل والمرأة، والغني والفقير من أمتنا في ظروفها الحضارية المليئة بالتحدي والمجابهة.
أم المؤمنين خديجة:
فتبرز السيدة خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها - أقدم أمهات المؤمنين، وأول الناس إسلاماً على الإطلاق، ومثال الزوجة الصالحة الأنيسة الودود، التي تقف عند الشدائد موقف الساعد والظهير، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم - يوم حراء: " قد خشيت على نفسي " فأجابته بتأييد الوامق، وتأكيد الواثق: " كلا، فوالله لن يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق "
إن مواقف خديجة من الدعوة لتحتاج إليها كل مسلمة لها لسان أو يد أو جنان، خصوصاً صاحبات الشرف والمنصب والحظوة، والمثقفات، وأزواج الدعاة إلى الله تعالى؛ فهي مع زوجها النبي صلى الله عليه وسلم خطوة بخطوة،، لا تراعيه وحده، وإنما تحمل هم الدعوة إلى الله في مراحلها وتكوناتها وأفرادها ووسائلها، حتى كانت وفاتها سببا من أسباب طمع المشركين في تشديد الأذى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، قال ابن إسحاق: " تتابعت على رسول صلى الله عليه وسلم المصائب بهلاك أبي طالب وخديجة، وكانت وزيرة صدق " ولم يكتم النبي صلوات الله عليه إحساسه بفقدها، إذ قال لعائشة رضي الله عنها: " لا والله ما بدلني الله خيراً منها؛ آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد ". وقال الذهبي: " ومناقبها جمة، وهي ممن كمل من النساء، كانت عاقلة جليلة دينة، مصونة، كريمة من أهل الجنة ".
ولقد كانت بشارته بالجنة بشارة خاصة من رب العزة سبحانه، قال أبو هريرة رضي الله عنه: "أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هذه خديجة أتتك، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقراً عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب ".
والقصب، بفتحتين اللؤلؤ المجوف.
وكنا نتمنى ألا يحرم أبو نعيم الأصفهاني كتابه " حلية الأولياء " من ذكر هذه الشريفة الجليلة المجاهدة الصبور الصديقة، وما أظن ولي الله يخرج عن مثل هذه الصفات، وقد ذكر من هم أدني منها في الجلالة والقدر، فعفا الله عنا وعنه.
بلال بن رباح:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/271)
" بم سبقتني إلى الجنة؟ دخلت الجنة فسمعت خشخشتك بين يدي! ". قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال، وحاشا لبلال أن يسبق رسول الله إلى الجنة، ولكنها مواصلة البر بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومداومة الوفاء له، فهو يمشي بين يدي النبي في الجنة كما كان يمشي بين يديه في الدنيا، حفاظاً عليه وصونا لنفسه الشريفة من الأذى، قال الحافظ ابن حجر: " وكأنه أشار إلى بقاء بلال على ما كان عليه في حال حياته واستمراره على قرب منزلته، وفيه منقبة عظيمة لبلال".
ووفاء بلال لرسول الله صلوات الله عليه يفوق الوصف، بله وفاءه لله ولدعوة الحق، التي كانت سبباً في شدة أذاه، حتى احتمل مالا يحتمله أحد، من التنكيل، والضرب، والتفنن في صنوف العذاب، قال محمد بن إسحاق: " … وكان صادق الإسلام، طاهر القلب، وكان أمية يخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على ظهره … " قال عبد الله بن مسعود: " … وأما سائرهم (يعني باقي السابقين للإسلام) فآخذهم المشركون، وألبسوهم أدراع الحديد، ثم صهروهم في الشمس، فما منهم أحد إلا واتاهم على ما أرادوا إلا بلالاً، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان (يعني: وهو مقيد يزحف) فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد.
وبعد عتقه رضي الله عنه، كان لله وللإسلام أكثر وفاءً، فقد شهد بدراً والمواقع، وفتح مكة، وأذن فوق الكعبة يوم الفتح، وكان عابداً مجاهداً، قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: " إن كنت إنما اشتريتني لنفسك فأمسكني، وإن كنت إنما اشتريتني لله فدعني وعمل الله ". ويبدو أن أبا بكر تركه للعبادة والجهاد في سبيل الله على اختلاف بين الروايات في ذلك.
نعم: كان بلال سيداً، كما قال عمر بن الخطاب: " أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا "، فالسيادة و النبالة ليست بالنسب، وإنما بالانتماء للشرف والمجد وعلو الدرجات، ومن ثم فقد أنصف الحافظ الذهبي حين أدرجه في " سير أعلام النبلاء "، وقال: " من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله، شهد بدراً، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم - على التعيين – بالجنة، وحديثه في الكتب "
سعد بن معاذ:
وهو رجل الشدائد والمواقف والناصر في ساعات العسرة، عرف مصعب بن عمير والصحابة الإسلام في وجهه قبل أن يتكلم، لإشراقه وتسهله، وكان إسلامه فتحاً للإسلام ولقومه من الأوس، فأسلموا جميعا، قال ابن هشام " قالوا: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً أو مسلمة "
وأول ما تلمح في سيرة سعد رضي الله عنه في الإسلام، هو مدى إفادته من مكانته وموقفه الاجتماعي في توسيع إمكانات الدعوة، وتمديد عطاءاتها. وهو ملمح يحتاجه كل صاحب منصب، أو رئاسة، أو زعامة؛ ها هو ذا في أبان غزوة بدر، والنبي يريد اهتبال الفرصة ليشفي صدر المهاجرين من عدوهم من الكفار، الذي أخرجوهم من ديارهم أموالهم لأنهم قالوا: ربنا الله.
وكان الأنصار قد بايعوا رسول الله في العقبة على منعه وحمايته في ديارهم، فلما عزم النبي- صلوات الله عليه- على الخروج استشارهم في جماعة أصحابه ليتحسس ما عندهم، فتكلم المهاجرون فأحسنوا، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشارهم ثانية وثانية، فأدرك سعد بن معاذ- بحسه الصادق، وذكائه الصافي – أنه إنما يريد الأنصار، وهنا ينطق الوفاء والولاء والمسئولية الرفيعة على لسان سعد " يا رسول الله: كأنك تعرض بنا؛ لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقا علبها ألا ينصروك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم؛ فاظعن حيث شئت، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا أحب إلينا مما تركت، … فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر خضناه معك".
أخلاق السيادة وتبعاتها:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/272)
إن الذي يهزك في هذه الكلمات الناطقة بالرجولة الحقة، والولاء الخالص، ليس هو النبض الحماسي الذي ينطوي على إيمان عميق، وتضحية صادقة فقط، وإنما هو أن سعد بن معاذ لم يفكر أن ينتظر حتى يستشير الأوس – بله الأنصار جميعا – ليرى ما رأيهم في هذه القضية المصيرية بالنسبة لهم، خصوصاً وأن بنود العهد مع النبي الكريم لا تشمل وجوب الدفاع عنه خارج حدود المدينة، وذلك أن منطق اللحظة فرض نفسه على سيد القوم، والعقل المؤمن هنا لا يرى من المروءة ومكارم الأخلاق أن يتبصر في حقوقه النظرية حول شمولية الدفاع أو محدوديته، وإنما يراهما في حق المصطفى صلوات الله عليه واقعيا في تمديد العهد وتوسيع نطاق الدفاع عنه ومنعه، بفاعلية قوله تعالى:
(ما كان للمؤمنين أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه)
وما كان قراراً للسيد فهو قرار للقوم بطريق التبعية أن لم يكن بطريق الاتباع، وإلا ففيم السيادة؟
ومواقف سعد بن معاذ التي تتسم بعبقرية السيادة كثيرة، إلا أننا تجتزيء منها بهذا الموقف الذي أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو موقفه من يهود بني النضير وحكمه عليهم؛ وكان سعد صلى الله عليه وسلم يدعو الله – بعد جرحه في غزوة الخندق – ألا يميته حتى يقر عينه من بني قريظة ". فلما كثرت خيانات اليهود لله ورسوله بالمدينة، وتقرر إنهاء جرائمهم وفسادهم، حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين ليلة حتى نزلوا على حكمه صلى الله عليه وسلم.
وهنا يقع اختيار القائد الملهم على النائب المناسب لإصدار الحكم، وهو سعد بن معاذ، وهو يعلم أن بني قريظة هم موالي الأوس - عشيرة سعد رضي الله عنه، ومن ثمة فإن حكمه سيرضى عنه الأنصار – خصوصاً الأوس – ولن تستنكره اليهود. ثم هو يعرف من يكون سعد بن معاذ، الذي لا يحتاج إلى توصية إذا تعلق الأمر بنصرة الله رسوله.
وجاء سعد بن معاذ إلى صلى الله عليه وسلم على حمار والأوس من حوله يستحثونه أن يحسن إلى بنى قريظة في حكمه لأنهم مواليهم، وهو صامت، فلما أكثروا عليه، قال " لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم ". حتى بلغوا رسول الله، فأخبره أن القوم قد نزلوا على حكمه، قال سعد للأوس مستوثقاً: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم لما حكمت؟ قالوا: نعم. قال سعد: فإني أحكم فهم أن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء0 أقول: بخ بخ!! هكذا تكون السيادة، تلك السيادة التي تتجافى ساعة نداء الحق عن كل علائق التحالفات والمعاهدات المؤقتة، التي ينبغي أن تنتهي عند حلول ساعة (الصفر)، وهذا الدرس موجه خصيصاً للسادة في كل زمان، خصوصاً هذا الزمان الذي دأبوا فيه على احترام مواثيق وتعاهدات نبذها أطرافها، ومسحوا بها أحذيتهم، مع الأذى الشديد منهم لله ولرسوله وللمؤمنين. أفلا كان موقف سعد بن معاذ منارة رشد وسراج اهتداء؟
ولكي يتأكد الأوس والأنصار والمسلمون القادمون – أيضاً – أن حكم سعد لم يكن به شبهة إجحاف، أو ذرة هوى، ينطق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بقوله، مؤيداً هذا الحكم: " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات "
من أجل هذا – وكثير على شاكلته من سيرة هذا السيد الفقيه الواعي – لم يكن مستغرباً أن يخبر النبي أصحابه ومن بعدهم أن عرش الرحمن قد اهتز لموت سعد بن معاذ، ولا هو مستغرب أن يرى القائد الكريم أصحابه يتعجبون لحلة الحرير الرقيق فيقول لهم: " أتعجبون من لين هذه؟ لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها والين "
وتبقى القيم:
نعم .. تذهب الرجال من حيث كونها لحوماً وعظاماً وجوارح، لكن يبقى الرجال أنفسهم باعتبارهم قيما ومبادئ وقيادات تربوية للأمة، وزاداً فكريا وحضارياً لها في محنها وتحدياتها مع أعدائها، ونبعاً فياضاً بالعطاء لها في إدارة واقعها واستشراف مستقبلها.
وهذا هو جل ما قصدناه من وراء هذه الدراسة.والله من وراء القصد
? إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ?.
وكتب:
محمد عبد الحكيم القاضي
مركز القبلة للموسوعات والبحث العلمي: مصر – المنبا – 94 ش عدنان المالكي
http://www.ahlaltahkek.com/vb/showthread.php?t=132
ـ[العكاشى]ــــــــ[07 - 10 - 06, 02:58 ص]ـ
أغلب من شارك فى الموضوع اتى بأدلة على دخول العشرة بل يزيدون الجنة
وأرى أنهم أصابوا أجرا واحدا
والرد يكون على القائل
من جهة
1 - من أين استقى هذا الرأى
2 - كيف نرد عليه ردا علميا
ـ[رافع]ــــــــ[31 - 03 - 08, 04:35 م]ـ
وذهب بعض اهل العلم الى ان الصحابه كلهم بالجنه لقوله عز وجل (لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (10) سورة الحديد.
فقوله جل وعلا (وكلا وعد الله الحسنى).يدل على انهم كلهم بالجنه وأظن ممن قال ذلك ابن حزم. والله اعلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/273)
ـ[محمد طلبه (أبو مهند)]ــــــــ[04 - 04 - 08, 12:05 ص]ـ
قال تعالى في سياق الكلام عن الصحابة ((وكلا وعد الله الحسنى))
فلا شهادة بعد شهادة الله
وهذا القول هو الراجح والله أعلم
ـ[جمال العوضي]ــــــــ[16 - 05 - 08, 05:00 م]ـ
القاعدة الَّتي عليها أهل السُّنَّة في ذلك: أننا لا نشهد لأحدٍ بجنَّة أو نار - عينًا - إلَّا من شهد له الله ورسوله بذلك، راجع العقيدة الطحاوية، والعقيدة الواسطيَّة.(35/274)
ما الفرق بين أركان الإيمان وشعبه؟
ـ[علي الكناني]ــــــــ[22 - 09 - 06, 07:23 ص]ـ
أركان الإيمان الستة
وشعبه بضع وستون أو بضع وسبعون وشعبة
هل الأركان أصول للشعب؟؟ أم الفرق بينهما آخر؟؟
ـ[علي الكناني]ــــــــ[22 - 09 - 06, 07:23 م]ـ
من لديه علم فليفدنا بارك الله فيكم
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[25 - 09 - 06, 06:12 م]ـ
هل الأركان أصول للشعب؟؟
هو ذاك - أخي الفاضل - فأركان الإيمان أصول لشعب الإيمان فهي أخص من الشعب، وشعب الإيمان هي كل العبادات قلبية كانت أو لسانية أو على الجوارح.
ـ[علي الكناني]ــــــــ[27 - 09 - 06, 06:57 ص]ـ
بارك الله فيك أخي علي
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[27 - 09 - 06, 01:25 م]ـ
بارك الله فيك أخي علي
وبك بارك - حفظك ربي أخي مثابر-.(35/275)
تباريح من على باب الخلاء
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[22 - 09 - 06, 12:29 م]ـ
كان ذلك منذ أيام قلائل،وقد عمدت يومها إلى دور الخلاء الملحقة بالجامع الأزهر،ولا أدري ماالذي جعلني أيمم وجه تجاه ذلك الكنيف الذي يقع في نهاية قاعة دور الخلاء ...
دخلت وقمت بإنهاء مهمتي الجليلة في هذا المكان ومددت يدي إلى مزلاج الباب لأفتحه فإذا أنا بمناظرة علمية ساخنة أبى أصحابها إلا أن يتخذوا من جدار الباب الداخلي للخلاء مسرحا لمناظرتهم العلمية ....
وكان الطرف الأول في هذه المناظرة سنيا سلفيا على مايبدو، وقد اختار لعرض حججه قلما أزرق الحبر وابتدأ كتابه من أعلى أواسط صفحة الباب منحدرا إلى الأسفل قائلا: ((احذروا من التصوف الذي أصبح يدرس في الأزهر واحذروا من الصوفية المشركين [بياض بالأصل] ذلك التصوف الذي أهله إن لم يعذروا بجهلهم فهم إما كافر أو زنديق ... واحذروا من الصوفي علي جمعة وتلاميذه المتصوفة وعليكم بأهل العلم اقرأوا لابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز والعثيمين والفوزان والجبرين الذين لا يخافون على كراسيهم .... )). ويبدوا أن كلامه قد استفز أزهريا صوفيا فاختار الحبر الأحمر لقلمه وكتب حاشية ساخنة على الكلام السابق وإليكم مضمونها:
((التصوف يدرس ويشرح في جامعات العالم شرقا وغربا وأنت تروج لدعوتك في دورات المياة أهنئك على تدقيقك في اختيار المكان المناسب لها و اللائق بها وليس كل من شدا شيئا من العلم أو تقممه يصبح يسمى عالما تعلم العلم يا أخي وانظر ممن تأخذه ولتكفف قلمك عن الإساءة وعن اتهام الناس بالشرك هكذا بكل سهولة الأمة تواجه قضايا تتهددها في وجودها فضلا عن قضايا المعاصرة والحداثة والجاليات الإسلامية في البلاد الأجنبية شرقا وغربا وانظر يمينا وشمالا في بلاد الأمة المختلفة لير ما تتعرض له الأمة وأنت تتعرض لقضايا قتلت بحثا من مئات السنين وفيها كتب وأنت تطلق الأحكام كل سهولة: هذا مشرك وهذا كافر ألأفق يا أخي من غفوتكم وانظر ما يهددنا حتى في بيوتنا واجتهد في تنزيل أحكام فقهية على مستجدات العصر اجتهادا منك ومن علماءك الذين تثق فيهم بأنهم كانوا على علم هذا ما تحتاجه أمتك وكفانا تكفيرا وتشتيتا
من قال لك أنهم لا يخافون على كراسيهم؟
إنهم يخافون عليها وعلى مرتباتهم الكبيرة ويبطنون التصوف إلا على خاصتهم وفي مجالسهم الخاصة جدا ويروجون لدعوتهم ويجاهرون بها .... أفق يا أخي ثم الشرك الذي يدرس في الأزهر كما تزعم ولم يكتشفه ولم ينتبه إليه الفطاحل على مر القرون وهم يدرسونه اكتشفته أنت فجاة ماهذا الاكتشاف العجيب جدير بك إن تخرج باكتشافك إلى النور وإلى مجالس العلم وقاعات الدرس وتناقشه هناك بدلا من دورات المياة أفق يا أخي فأنت في الأزهر موئل العلم ومثابة العلماء فلا تجلب التمر إلى هجر فضلا عن الحشف الذي أنت جالبه يا مكتشف يا عالم يا فطحل)).
وبهذا انتهت المناظرة التي لايبدو أنها أدت إلى تراجع أحد الطرفين عن رأيه ....
والحق ان هذه المناظرة قد أدتني إلى تحريك النظر فيما استجد في الشارع المصري خلال الأعوام الخمسة الأخيرة ... من أحداث لا أدري سبب اجتماعها وترادفها واتصال نتائجها حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه ولولا الملامة لتقمصت شخصية وليم كار ....
لقد كانت ضربة البداية فيما أرى هي توقيف نفر من الدعاة القاهريين المعروفين بعمق التأثير ودقة الفهم والزكانة والقدرة على استيعاب الواقع السلفي وما يحق به من أخطار وقد تم توقيفهم إثر المنطاحنات المعروفة مع الشيخ أسامة القوصي واللذي حُجم نشاطه هو الآخر في تلك الفترة ........
ولم يكن الصف الثاني الذي بدأ في الظهور وقتها على مستوى الصف الأول،فكانوا جميعا ضعيفي الخطاب العقدي والفكري بل والعلمي الأصيل .... مع انقسامهم إلى الأصناف التي ستذكر عند الحديث عن دعاة الأقاليم ...
فإذا يممت وجهك تجاه الثغر والعاصمة الثانية الإسكندرية،وجدتا فيها ثلة من الدعاة الذين لا يقلون أبدا عن أترابهم الذين منعوا في القاهرة ... ولا أبالغ لو قلت أنه لولا الخطاب العقدي الفكري اذي لايزال مبثوثا من هناك لكانت الصورة أشد قتامة ...
ولايخدش في دورهم ويحجم من تأثيرهم سوى أمور لم تعد سرا بل فاحت رائحتها وبدأ باقي دعاة مصر في اتخاذ مواقف حاسمة منها ....
لم يبق سوى دعاة الأقاليم وهم ثلاثة أصناف:
الأول: من غلب عليه الخطاب السلوكي مقترنا بالتقليل من أهمية الخطاب العقدي والفكري.
الثاني: من انحصرت همته في أبواب من العلم لا شأن لها بالاعتقاد والواقع والفكر المعاصر ..
الثالث: من كان له خطاب فكري أعرج ضعيف التواصل مع سيرة السلف ومنهج أهل السنة الاعتقادي ...
وكان يمكننا تقبل هذا الانقسام ونقول: كل على ثغر لو كان هناك من يقوم بالكفاية في حراسة أهم الثغور ...
أما على الجانب الآخر فمن قبل أن يتولى المجرم الآثم علي جمعة منصب الافتاء وهو يحشد أجناد البدعة سعيا وراء استئصال المنهج السلفي وتقرير الأشعرية البغيضة والتصوف الشركي في مصر ...
وبعد أن ازدادت سلطاته بتوليه الإفتاء زاد خطره فكان أول الغيث كتابه البيان لما يشغل الأذهان)) وقد حُشي قسم الاعتقاد منه بالتمشعر والشرك والتصوف وقد أفرد هذا القسم من الكتاب وطبع في كتيب صغير يوزع بالآلاف.
تلى هذا اجتماع أئمة البدعة في مؤتمر لمواجهة التطرف راينا فيه أنه تم صك تعريف جديد للتطرف يختلف عن تعريف أمن الدولة فقد عرف ضيوف المؤتمر التطرف بكل مايرادف لبفظة سلفي.
ومن نتائج المؤتمر إعقامة دورة علمية بالأزهر يدرس فيها مشايخ التمشعر والتصوف كتب العلم ومنها الخريدة البهية في العقيدة الأشعرية وبجوارها الفقه والحديث ةوينتج عنها إجاة من نور الدين علي بن جمعة ليكون كل ذلك أحبولة لصيد الشباب السلفي في ظزل غياب الخطاب العقدي الفكري الناضج القادر على مواجهة هذا المد الآثم ...
وللحديث بقية ..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/276)
ـ[احمد الشمري]ــــــــ[22 - 09 - 06, 01:29 م]ـ
كلام طيب وجزاك الله خير
ـ[المقدادي]ــــــــ[22 - 09 - 06, 02:15 م]ـ
كان الله في عونكم على هؤلاء المتمشعرة
ـ[عبدالرحمن بن طالب]ــــــــ[23 - 09 - 06, 01:04 ص]ـ
ومايدريك ربما ينفع الله بكلام هذا الذي يكتم إيمانه ولايبوح به إلا في الخلاء ...
ويهيئ الله له من ينشره في الشبكة العالمية ...
أتذكر مقولة جميلة لمالك بن دينار رحمه الله
(وإن الغيث ليقع على الحبة في الحش ما يمنعه نتن موضعها من أن تثمر فما صنع القرآن في قلوبكم؟؟) ..
بوركت شيخنا أبا فهر
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[23 - 09 - 06, 02:56 ص]ـ
وفيك بارك الله ... وفي كلامك وجه لم يظهر لي إلا الساعة على يديك فجزاكم الله خيرا ...
أخوك الفقير إلى ربه/أبو فهر.
ـ[أبو الوليد الوراقي]ــــــــ[24 - 09 - 06, 02:15 ص]ـ
لم تكن العاصمة الثانية في مصر (الإسكندرية) يوماً من الأيام أبداً يقارن بها غيرها فضلاً عن المساوة أو شبهها على الساحة العلمية أو العقدية أو الفكرية ..... وهذا ليس بكلامي بل كلام من منعوا وسجنوا وحوربوا .... وليس هذا أيضاً تقليلاً من شأنهم ولا حطاً لقدرهم ..... وأما ما ذكرتَ من الأذى! فلهو الحق المشتبه على غيرهم ..... وليت شعري متى ظهر هذا الأذى! وهو مبثوث في كتاباتهم مذ عشرين سنة أو ما يزيد؟ ّ أمن سنتين بله أقل؟! ... والصورة التي ذكرتها لهي بفضل ربك شديدة القامة قوية البناية .... ولا أظنها تخفى على ذي عينين أبداً ...... فلهم عن السلفية الذابون ..... ولمخالفيها القامعون .... وعلى الأذى في سبيل نشرها الصابرون ..... ولما عند ربهم المنتظرون المحتسبون ..... ونحن لا نعلم في دعاة مصر من يخالفهم فضلاً عن المواقف الحاسمة منهم! بل العكس من ذلك تماماً ..... اللهم إلى النذر القليل مع ما يكنون لهم من توقير وشهادة بفضل ...... بل لست وربي مبالغاً لو قلتُ: ما من سلفي في مصر إلا ولهم عليه فضل عرف ذلك المنصفون ..... وجهله الجاهلون ..... وجحده الجاحدون ..... وحتماً سأرمى بالتعصب والغلو ولكن لا جرم .... كلمة حق وجب على الفقير إظهارها والبوح بها ......
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[24 - 09 - 06, 02:44 ص]ـ
لا يا أبا الوليد لن أرميك بتعصب أو ما شابه .... فلك وجهة نظرك ولي وجهة نظري ......... وأنا حتى لن أحاججك أو أقارعك حجة بأخرى.فقد جربت هذا مرارا حول هذه القضية بالذات فما جنيت إلا إيغار الصدر وغلق الموضوع ... ودعنا نكمل الحديث ولكل رأيه ....
ـ[محمد بن حسن أبو خشبة]ــــــــ[24 - 09 - 06, 04:34 ص]ـ
أبا فهر صدقت وبالصواب نطقت.
ـ[مصطفي حسان]ــــــــ[25 - 09 - 06, 01:04 ص]ـ
وكان يمكننا تقبل هذا الانقسام ونقول: كل على ثغر لو كان هناك من يقوم بالكفاية في حراسة أهم الثغور ...
وللحديث بقية ..
هيجت الأحزان والله يا شيخنا
الله المستعان
أكمل بارك الله فيك(35/277)
اين قال سعد الدين التفتازاني [القران آياته طافحة بالتجسيم او نحو ذلك]
ـ[ابن السكندري]ــــــــ[22 - 09 - 06, 12:34 م]ـ
اين قال سعد الدين التفتازاني
القران اياته طافحة بالتجسيم او نحو ذلك
ا ظن في كتابه الفتاوى وليس عندي
كنت قرأت ذلك منذ زمن منقولا و لا اذكر اين
رجاء ترجمته ان امكن كذلك
ـ[أحمد بن حماد]ــــــــ[22 - 09 - 06, 05:19 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لعلك تقصد ما قاله في شرح المقاصد (3/ 36 - 37) طبعة الكتب العلمية
قال (فإن قيل: إذا كان الدين الحق نفي الحيز والجهة فما بال الكتب السماوية والأحاديث النبوية مشعرة في مواضع لا تحصى بثبوت ذلك من غير أن يقع في موضع منها تصريح بنفي ذلك ...
إلى أن قال (أجيب: بأنه لما كان التنزيه عن الجهة مما تقصر عنه عقول العامة حتى يكاد يجزم بنفي ما ليس في الجهة كان الأنسب في خطاباتهم والأقرب الى اصطلاحهم والأليق بدعوتهم إلى الحق ما يكون ظاهرا في التشبيه وكون الصانع في أشرف الجهات مع تنبيهات دقيقة على التنزيه المطلق عما هو من سمات الحدوث)
وقد ذكر أبو عبد الله بن الخطيب في تأسيسه قريبا من ذلك
فقال في سياق بيانه لأسباب تنزيل المتشابهات - وهي نصوص الصفات - ص192 طبعة مصطفى الحلبي
(الخامس: وهو السبب الأقوى أن القرآن مشتمل على دعوة الخواص، والعوام تنبو في أكثر الأمور عن ادراك الحقائق العقلية المحضة، فمن سمع من العوام في أول الأمر اثبات موجود ليس بجسم ولا متحيز ولا مشار إليه ظن أن هذا عدم محض فوقع في التعطيل فكان الأصلح أن يخاطبوا بألفاظ دالة على بعض ما يناسب مما تخيلوه وتوهموه، ويكون مخلوطا بما يدل على الحق الصريح)
ولذلك قال شيخ الاسلام تقي الدين رحمه الله تعالى في الموافقة (5/ 50)
(لم يتنازع اثنان من العقلاء أن النصوص ليست دالة على نفي الصفات، بل إنما هي دالة على قول أهل الاثبات، لكن غاية ما تدعيه النفاة أن ظاهرها دال على ذلك، وأنه يمكن تأويله للدليل المعارض)
ـ[أبو عبدالرحمن بن أحمد]ــــــــ[28 - 09 - 06, 04:40 م]ـ
بارك الله فيك أخي أحمد بن حماد
ـ[المقدادي]ــــــــ[28 - 09 - 06, 04:54 م]ـ
ما رأيكم ان نجمع كلام الأشاعرة ممن يقول بأن القرآن يوهم الجسمية و الاخذ بظاهره كفر - و العياذ بالله -؟؟؟
و ابدأ من كلام البيجوري الأشعري في كتابه: شرح جوهرة التوحيد:
قال: (ومما يوهم الجسمية قوله تعالى: {وجاء ربك} وحديث الصحيحين: (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، ويقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له))
و قال: (ومما يوهم الجوارح قوله تعالى: {ويبقى وجه ربك} و {يد الله فوق أيديهم} وحديث: (إن قلوب بني آدم كلها كقلب واحد بين أصبعين من أصابع من الرحمن)
و قال: ("والحاصل أن كل ظاهر من الكتاب والسنّة دل على حدوث القرآن، فهو محمول على اللفظ المقروء لا على الكلام النفسي، لكن يمتنع أن يُقال: القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم)
ـ[المقدادي]ــــــــ[28 - 09 - 06, 05:02 م]ـ
و قال الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين: (الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر)!!!
و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم!!
ـ[عبدالله الراجحي]ــــــــ[05 - 10 - 06, 07:27 ص]ـ
قول البيجوري (ومما يوهم التجسيم قوله تعالى" وجاء ربك")
مراده أننا لو أخذنا بظاهر معنى الآية في اللغة لوجدنا أنها تعني المجيء المعروف الذي يتصف به المخلوق فإلحاق هذا المعنى بمجيء الله سبحانه تجسيم ولذا قرر أن صفة المجيء لله مما يوهم التجسيم فعليه أولوا صفة المجيء وقالوا هو مجيء أمر الله وهذا التأويل خطأ وهو مخالف لما عليه السلف من إثبات صفة المجيء لله كما دل عليه ظاهر الآية ..
وأيضا قول الصاوي يحمل على ماذكرت آنفاً
أخوكم،،
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[06 - 10 - 06, 02:19 ص]ـ
قول البيجوري (ومما يوهم التجسيم قوله تعالى" وجاء ربك")
مراده أننا لو أخذنا بظاهر معنى الآية في اللغة لوجدنا أنها تعني المجيء المعروف الذي يتصف به المخلوق
من هنا نشأ الغلط شبه في خياله ثم راح ينفي هذا التشبيه من باب التزيه زعم، ولو فهم أن الله ليس كمثله شيء = لسلم من أصل الإيراد الفاسد، ولم تكن ـ بحمد الله ـ ظواهر النصوص الكثيرة في الصفات تجسيما إلا عند هؤلاء النابتة الخلوف.
ـ[أبو العباس السكندري]ــــــــ[06 - 10 - 06, 06:10 ص]ـ
و قال: ("والحاصل أن كل ظاهر من الكتاب والسنّة دل على حدوث القرآن، فهو محمول على اللفظ المقروء لا على الكلام النفسي، لكن يمتنع أن يُقال: القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم)
الذي أذكر أنه كان موجوداً في كلام البيجوري هو "يمتنع أن يقال القرآن حادث إلا في مقام التعليم " وليس لفظ "مخلوق" فنرجوا التأكد من هذا اللفظ لأنه ليس أمامي نسختي الآن علماً بأن نسختي هي التي كانت تدرس لنا في ثانوية الأزهر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/278)
ـ[أبو العباس السكندري]ــــــــ[06 - 10 - 06, 06:22 ص]ـ
و قال الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين: (الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر)!!!
و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم!!
حاشية الصاوي على الجلالين (3/ 9)
وقال الشنقيطي رحمه الله في رده عليه "وأما قوله "إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر" فهذا أيضاً من أشنع الباطل وأعظمه وقائله من أعظم الناس انتهاكاً لحرمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..... ولا يصدر البتة عن عالم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما يصدر عمن لا علم له بالكتاب والسنة أصلاً" أضواء البيان (7/ 438).
راجع التوضيحات الأثرية ص 150.
ـ[فيصل]ــــــــ[06 - 10 - 06, 07:22 ص]ـ
لعلك تعني هذا:
ماقاله في شرح المقاصد المجلد الثالث المقصد الخامس فصل (في التنزيهات):
فإن قيل: إذا كان الدين الحق نفي الحيز والجهة فما بال الكتب السماوية والاحاديث النبوية مشعرة في مواضع لا تحصى بثبوت ذلك من غير أن يقع في موضع واحد تصريح بنفي ذلك [!!!!!]، وتحقيق كما قررت الدلالة على وجود الصانع ووحدته وعلمه وقدرته، وحقية المعاد وحشر الأجساد في عدة مواضع وأكدت غاية التأكيد، مع أن هذا أيضاً حقيق بغاية التأكيد [!!!]!!، والتحقيق لما تقرر في فطرة العقلاء مع اختلاف الأديان والآراء من التوجه إلى العلو عند الدعاء ورفع الأيدي إلى السماء.
اجيب: بانه لما كان التنزية عن الجهة مما تقصر عنه عقول العوام حتى يكاد يجزم بنفي ما ليس بجهة، كان الأنسب في خطاباتهم، والأقرب إلى اصطلاحهم والأليق بدعوتهم إلى الحق، ما يكون ظاهراً في التشبيه وكون الصانع في أشرف الجهات مع تنبيهات دقيقة على التنزيه المطلق عما هو من سمات الحدوث .. !!!!
وما قاله الصاوي تكرر من اكثر من شيخ منهم كالسنوسي وغيره وقد انتدب علامة قطر أحمد بن حجر ال بوطامي فصنف مصنفاً في الرد عليهم أسماه ((تنزيه السنة والقرآن عن أن يكونا من أصول الضلال والكفران)) طبعته دار الصميعي وقد أورد رد الشيخ الشنقيطي على الصاوي في آخره ثم أتمه بمناقشه الصاوي ببعض المغالطات الأخرى.
الذي أذكر أنه كان موجوداً في كلام البيجوري هو "يمتنع أن يقال القرآن حادث إلا في مقام التعليم " وليس لفظ "مخلوق" فنرجوا التأكد من هذا اللفظ لأنه ليس أمامي نسختي الآن علماً بأن نسختي هي التي كانت تدرس لنا في ثانوية الأزهر.
غلط ما قلته بل ما نقله الأخ المقدادي هو الصواب وعندي الطبعة التي بتحقيق علي جمعة وقد أهتم بها كثيراً من حيث الضبط وقد كرر الباجوري هذه الجملة أكثر من مرة: مرة ص160 وص162
ـ[أحمد بن حماد]ــــــــ[06 - 10 - 06, 08:53 ص]ـ
ما رأيكم ان نجمع كلام الأشاعرة ممن يقول بأن القرآن يوهم الجسمية و الاخذ بظاهره كفر - و العياذ بالله -؟؟؟
قال عبد الملك الجويني في ارشاده ص148 (وكنا على الاضراب عن الكلام على الظواهر، فإذا عرض فسنشير إلى جمل منها في الكتاب والسنة، وقد صرح بالاسترواح إليها الحشوية الرعاع المجسمة)
وقال أبو الحسن الآمدي في غاية المرام ص138 (واعلم أن هذه الظواهر وإن وقع الاغترار بها بحيث يقال بمدلولاتها ظاهر من جهة الوضع اللغوى والعرف الاصطلاحى فذلك لا محالة انخراط في سلك نظام التجسيم ودخول في طرف دائرة التشبيه وسنبين ما في ذلك من الضلال وفي طيه من المحال إن شاء الله)
وانظر إلى مدى احترامه لكلام الله عز وجل حيث قال ص173 من نفس الكتاب (وعلى الجملة فلسنا نعتمد في هذه المسألة [وهي الرؤية] على غير المسلك العقلى الذى أوضحناه إذ ما سواه لا يخرج عن الظواهر السمعية والاستبصارات العقلية وهى مما يتقاصر عن إفادة القطع واليقين فلا يذكر إلا على سبيل التقريب واستدراج قانع بها إلى الإعتقاد الحقيقى إذ رب شخص يكون انقياده إلى ظواهر الكتاب والسنة واتفاق الأمة أتم من انقياده إلى المسالك العقلية والطرق اليقينية لخشونة معركها وقصوره عن مدركها)
وقال أيضا ص200 (ولعل الخصم قد يتمسك ههنا بظواهر من الكتاب والسنة وأقوال بعض الأئمة وهى بأسرها ظنية ولا يسوغ استعمالها في المسائل القطعية فلهذا آثرنا الإعراض عنها ولم نشغل الزمان بإيرادها)
فهذا ما يعتقده القوم في كلام رب العالمين تبارك وتعالى، بينما انظر إليهم أخي الكريم إذا ما وقع في كلام أئمتهم ما ظاهره الكفر ..
يقول الدسوقي في حاشيته على أم البراهين ص100 (فقول الشارح تؤثر في وجود الممكن ولم يقل تؤثر في ذات الممكن ظاهر في أن الماهية غير مجعولة بل هي ثابتة متقررة في نفسها أزلا والقدرة تعلقت باظهارها بالوجود في خارج الأعيان فهي بمنزلة ثوب مخبأ في صندوق تفتح الصندوق وتخرجه منه)
وهذا تصريح بثبوت الممكنات مع الله أزلا
ولكنه قال (وميل المصنف لهذا القول مما يدل على أنه مما لا يختص بالمعتزلة والفلاسفة إذ لو كان مختصا بهم لما مال إليه كما هو اللائق بمقامه والمناسب بحاله)
وصدق الإمام ابن القيم رحمه الله عندما قال:
جعلوا كلام شيوخهم نصا له الـ ... احكام موزونا به النصان
وكلام رب العالمين وعبده ... متشابها متحملا لمعان
والله تعالى أعلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/279)
ـ[أبو العباس السكندري]ــــــــ[06 - 10 - 06, 09:20 ص]ـ
غلط ما قلته بل ما نقله الأخ المقدادي هو الصواب وعندي الطبعة التي بتحقيق علي جمعة وقد أهتم بها كثيراً من حيث الضبط وقد كرر الباجوري هذه الجملة أكثر من مرة: مرة ص160 وص162
نعم أخي صدقت وهذا نص كلامه من الطبعة الأزهرية110 - 112 ط 1988:
"ومذهب أهل السنة أن القرآن _بمعنى الكلام النفسي_ ليس بمخلوق،وأما القرآن بمعنى اللفظ الذي نقرؤه فهو مخلوق،لكن يمتنع أن يقال: القرآن _مخلوق بمعنى اللفظ الذي نقرؤه_ إلا في مقام التعليم لأنه ربما أوهم أن القرآن بمعنى كلامه _تعالى_ مخلوق،ولذلك امتنعت الأئمة من القول بخلق القرآن،وقد وقع في ذلك امتحان كبير لخلق كثير من أهل السنة فخرج البخاري فاراً وقال اللهم اقبضني إليك غير مفتون فمات بعد أربعة أيام وسجن عيسى بن دينار عشرين سنة وحبس أحمد وضرب بالسياط حتى غشي عليه ..... والحاصل أن كل ظاهر من الكتاب والسنة دل على حدوث القرآن فهو محمول على اللفظ المقروء لا على الكلام النفسي لكن يمتنع أن يقال القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم كما سبق".
قال الدكتور سفر حفظه الله:
الخامس: القرآن:
وقد أفردت موضوعه لأهميته القصوى، وهو نموذج بارز للمنهج الأشعري القائم على التلفيق الذي يسميه الأشاعرة المعاصرون "التوفيقية" حيث انتهج التوسط بين أهل السنة والجماعة وبين المعتزلة في كثير من الأصول فتناقض واضطرب.
فمذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه تعالى يتكلم بكلام مسموع تسمعه الملائكة وسمعه جبريل وسمعه موسى -عليه السلام- ويسمعه الخلائق يوم القيامة.
ومذهب المعتزلة أنه مخلوق.
أما مذهب الأشاعرة فمن التوفيقية -التي لم يحالفها التوفيق- بين المعنى واللفظ. فالكلام الذي يثبتونه لله تعالى هو معنى أزلي أبدي قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يوصف بالخبر ولا الإنشاء.
واستدلوا بالبيت المنسوب للأخطل النصراني:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما___________ جعل اللسان على الفؤاد دليلاً
أما الكتب المنزلة ذات الترتيب والنظم والحروف ومنها القرآن -فليست هي كلامه تعالى على الحقيقة بل هي "عبارة عن كلام الله النفسي. والكلام النفسي شيء واحد في ذاته لكن إذا جاء التعبير عنه بالعبرانية فهو توراة وإن جاء بالسريانية فهو إنجيل وإن جاء بالعربية فهو قرآن، فهذه الكتب كلها مخلوقة ووصفها بأنها كلام الله مجاز لأنها تعبير عنه."
واختلفوا في القرآن خاصة فقال بعضهم: "وإن الله خلقه أولا في اللوح المحفوظ ثم أنزله في صحائف إلى السماء الدنيا" فكان جبريل يقرأ هذا الكلام المخلوق ويبلغه لمحمد صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون: إن الله أفهم جبريل كلامه النفسي وأفهمه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم فالنزول نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال (لأنهم ينكرون علو الله) ثم اختلفوا في الذي عبر عن الكلام النفسي بهذا اللفظ والنظم العربي من هو؟. فقال بعضهم: هو جبريل، وقال بعضهم: بل هو محمد صلى الله عليه وسلم!!.
واستدلوا بمثل قوله تعالى: "إنه لقول رسول كريم" في سورتي الحاقة والانشقاق حيث أضافه في الأولى غلى محمد صلى الله عليه وسلم وفي الأخرى إلى جبريل بأن اللفظ لأحد الرسولين "جبريل أو محمد" وقد صرح الباقلاني بالأول وتابعه الجويني.
قال شيخ الإسلام: "وفي إضافته تعالى إلى هذا الرسول تارة وإلى هذا تارة دليل على أنه إضافة بلاغ وأداء لا إضافة إحداث لشيء منه وإنشاء كما يقول بعض المبتدعة الأشعرية من أن حروفه ابتداء جبريل أو محمد مضاهاة منهم في نصف قولهم لمن قال أنه قول البشر من مشركي العرب" (30).
وعلى القول أن القرآن الذي نقرؤه في المصاحف مخلوق سار الأشاعرة المعاصرون وصرحوا، فكشفوا بذلك ما أراد شارح الجوهرة أن يستره حين قال: "يمتنع أن يقال إن القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم" (31).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
30 - مجموع الفتاوي.
31 - عن القرآن عندهم أنظر: الأنصاف: 96 - 97 وما بعدها، الإرشاد: 128 - 137، أصول الدين: 107، المواقف 293، شرح الباجوري على الجوهرة 64 - 66، 84. متن الدردير 25 من مجموع مهمات المتون، التسعينية وقد استغرق موضوع الرد عليهم في القرآن أكثر مباحثها ومن أعظمهما وأنفسها ما ذكره في الوجه السابع والسبعين فليراجع.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=219896(35/280)
ماذا تعرف عن فكر الروحية الحديثة
ـ[تلميذ ابن تيمية]ــــــــ[24 - 09 - 06, 07:03 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انتشر في الآونة الأخيرة فكر يسمى بـ (الروحية الحديثة) وهو مذهب هدام يدعو إلى استخدام الجن في تحضير الأرواح ..
أرجو ممن لدية معلومات من الإخوة الكرام عن هذا الفكر توضيحه وجزاكم الله خيرا ..
ـ[تلميذ ابن تيمية]ــــــــ[29 - 09 - 06, 05:06 ص]ـ
أين الرد من مشائخنا الفضلاء؟
ـ[د. يحيى الغوثاني]ــــــــ[30 - 09 - 06, 12:28 م]ـ
الروحية الحديثة
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف:
الروحية الحديثة دعوة هدامة وحركة مغرضة مبنية على الشعوذة. تدَّعي استحضار أرواح الموتى (*) بأساليب علمية وتهدف إلى التشكيك في الأديان (*) والعقائد وتبشر بدين جديد وتلبس لكل حالة لباسها. ظهرت في بداية هذا القرن في أمريكا ومن ورائها اليهود ثم انتشرت في العالمين العربي والإسلامي.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
لم يعرف لها مؤسس في أوروبا وأمريكا ولكن الدعوة إليها قد نشطت في بداية هذا القرن الميلادي من قبل عدة شخصيات منها:
- جان آثر فندلي وكتابه المشهور: على حافة العالم الأثيري.
- أدين فردريك باورز وكتابه المشهور: ظواهر حجرة تحضير الأرواح.
- آثر كونان دويل في كتابه: حافة المجهول.
- اليهودي المعروف: دافيد جيد.
- السيدة وود سمث.
كما ظهرت لها في تلك البلاد عدة مؤسسات مثل: (المعهد الدولي للبحث الروحي) بأمريكا و (جمعية مارلبورن الروحية) بإنجلترا.
أما في العالم الإسلامي فقد تحمس لها عدة أشخاص وحملوا رايتها منهم:
الأستاذ أحمد فهمي أبو الخير أمين عام (الجمعية المصرية للبحوث الروحية) وقد أصدر مجلة عالم الروح وهي الناطقة باسم هذه الدعوة الهدامة، وقد بدأ نشاطه منذ سنة 1937م وقام بترجمة كتابي فندلي وباورز سابقي الذكر.
الأستاذ وهيب دوس المحامي ت 1958م وهو رئيس الجمعية المذكورة.
د. علي عبد الجليل راضي رئيس (جمعية الأهرام الروحية) له كتاب بعنوان مشاهداتي في جمعية لندن الروحية.
حسن عبد الوهاب وكان سكرتيراً للجمعية لفترة ثم اكتشف زيف الروحية الحديث وأزاح الله عن عينيه غشاوة الضلال واكتشف ما في هذه الدعوة الماكرة من سموم وثبت له يقيناً الشخصيات التي تحضر في جلسات التحضير وتزعم أنها أرواح من سبقونا من الأهل والأحباب إن هي إلا شياطين وقرناء من الجن يلبسون على الناس ما يلبسون.
الشاعر اللبناني حليم دموس الذي كان يقدس روحًّا نصرانياً اسمه د. داهش ويرفعه إلى مقام النبوة (*) وله مقالات في مجلة عالم الروح بعنوان: الرسالة الدهشية. ود. داهش له أتباع في لبنان وربما خارجه كما أن له كتابات يمجد فيها الرسول r ويؤمن برسالته الخاتمة. وقد أنكر بعض أتباع د. داهش أن يكون قد ادعى النبوة بمعناها الديني الإسلامي.
الأفكار والمعتقدات:
يقولون بأنهم يحضرون الأرواح (*) ويستدعون الموتى لاستفتائهم في مشكلات الغيب ومعضلاته والاستعانة بهم في علاج مرضى الأبدان والنفوس والإرشاد عن المجرمين والكشف عن الغيب والتنبؤ بالمستقبل.
يزعمون أن هذه الأرواح تساعدهم في كشف الجرائم والدلالة على الآثار القديمة كما يدعون أنهم يعالجون مرضى النفوس من هذه الأرواح كذلك.
يدعون أنهم يستطيعون التقاط صور لهذه الأرواح بالأشعة تحت الحمراء.
يحاولون إضفاء الجانب العلمي على عملهم وهو في الواقع لا يخرج عن كونه شعوذة وخداعاً وتأثيراً مغناطيسياً على الحاضرين، واتصالاً بالجن.
يقومون بهذا التحضير في حجرات خاصة شبه مظلمة وفي ضوء أحمر خافت وكل ما يدّعونه من التجسد للأرواح ومخاطبتها لا يراه الحاضرون وإنما ينقله إليهم الوسيط وهو أهم شخص في العملية.
"الوسيط" عندهم يرى غير المنظور ويسمع غير المسموع ويتلقى الكتابة التلقائية وله قدرة على التواصل عن بعد (التلباثي) (*).
لا يثبتون للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام إلا هذه الوساطة فقط.
يتحكمون في حضور جلسة التحضير (*) من حيث الكم والنوع وإذا وجد نساء يكون الجلوس: رجل، امرأة، … كما يعزفون الموسيقا أحياناً وكل هذا لصرف أذهان الحضور عن حقيقة ما يجري، ويزعمون أن لكل جلسة روحاً حارساً يحرسها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/281)
يعتقدون أن معجزات الأنبياء هي ظواهر روحية كالتي تجري في غرفة تحضير الأرواح (*) ويقولون أن بإمكانهم إعادة معجزات الأنبياء.
يرفضون الوحي (*) ويقولون إنه ليس في الأديان (*) ما يصح الركون إليه ويسخرون من المتدينين.
يقولون بأن إلههم أظهر من إله (*) الرسل وأقل صفات بشرية وأكثر صفات إلهية.
يلوحون بشعارات براقة كالإنسانية والإخاء والحرية (*) والمساواة للتمويه على السذج والبسطاء.
كل عملهم منصب على زعزعة العقائد الدينية والمعايير الخلقية.
يدَّعون أن الأرواح التي تخاطبهم تعيش في هناء وسعادة رغم أنها كافرة ليهدموا بذلك عقيدة البعث والجزاء ويقولون إن باب التوبة مفتوح بعد الموت كذلك، وأن الجنة والنار حالة عقلية يجسمها الفكر ويصنعها الخيال.
عندهم نصوص كثيرة تمجد الشيوعيين والوثنيين (*) والفراعنة والهنود الحمر ويقولون إنهم أقوى الأرواح.
يبررون الجرائم بأن أصحابها مجبورون عليها وبالتالي لا يعاقبون.
يسعون لضمان سيطرة اليهودية على العالم لتقوم دولتهم على أنقاض الخراب الشامل.
أعلنت مجلة سينتفك أمريكان عن جائزة مالية ضخمة لمن يقيم الحجة على صدق الظواهر الروحية ولكنها لا تزال تنتظر من يفوز بها وكذلك الحال بالنسبة للجائزة التي وضعها الساحر الأمريكي دنجر لنفس الغرض… وهذا من أكبر الأدلة على بطلانها.
الجذور الفكرية والعقائدية:
ثبت أن للروحية اتصالات شخصية وفكرية بالماسونية وشهود يهوه. كما أن نوادي الروتاري تشجع هذه الظاهرة وتمد لها يد المساعدة وتتولى ترويجها، كما أنها تأثرت باليهودية في كثير من معتقداتها.
الانتشار ومواقع النفوذ:
لها نفوذ غريب وخاصة في أمريكا وأوروبا إذ لا تكاد تخلو مدينة من فرع لهذه الدعوة وهناك كثير من الصحف والمجلات التي تتكلم باسمها. وفي أمريكا يوجد المركز العالمي للبحوث الروحية، وكذلك في العالم العربي والإسلامي فإن سرعة انتشارها تدعو إلى العجب وخاصة في مصر حيث توجد لها عدة جمعيات وهناك عدة مجلات وصحف أخرى تروج لها مثل: مجلة صباح الخير، أخر ساعة، المصور، المقتطف، وصحيفة الأهرام فضلاً عن مجلة عالم الروح الخاصة بها.
ويتضح مما سبق:
أنه رغم التفسيرات المتنوعة التي يتناقلها علماء معاصرون عن الروح فإن أمرها من عالم الغيب كما ذكر القرآن الكريم (قل الروح من أمر ربي) وقد قام الدكتور عبد الله اليسون (آرثر اليسون رئيس قسم الهندسة الكهربائية والإلكترونية بجامعة سيتي البريطانية) بإجراء تجارب معملية استخدم فيها جهاز "كيربلين" الذي يصور الهالة حول الجسم فأثبت أن النوم هو الموت والروح تخرج من الجسم في الحالتين غير أنها تعود في حالة النوم ولا تعود في حالة الموت وفي ذلك يقول تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) [سورة الزمر، آية: 42].
والذي يدعيه بعض علماء الغرب من تحضير أرواح (*) الموتى كذب وضلال قائم على السحر والشعوذة والاتصال بالجن والشياطين ولم يثبت بأي حال.
----------------------------------------------------------------
مراجع للتوسع:
- مشاهداتي في جمعية لندن الروحية، د. علي عبد الجليل راضي.
- ظواهر حجرة تحضير الأرواح، ترجمة أحمد فهمي أبو الخير.
- على حافة العالم الأثيري، ترجمة أحمد فهمي أبو الخير.
- حافة المجهول، آرثر كونان دويل.
- الروحية الحديثة دعوة هدامة، د. محمد محمد حسين.
- المذاهب الفلسفية المعاصرة، سماح رافع محمد.
ـ[تلميذ ابن تيمية]ــــــــ[02 - 10 - 06, 04:42 ص]ـ
جزاك الله خيرا شيخنا الكريم ..(35/282)
ما صحة هذه الدعوى
ـ[راجح]ــــــــ[24 - 09 - 06, 01:32 م]ـ
اطلعت في أحد منتديات الأشاعرة على رسالة على طريقة الأشاعرة اسمها (الردالجميل لدفع ما وقع فى الأسماء الحسنى من تعطيل) ذكر صاحبها أن الشيخ الجزائري قرظها له وأثنى على محتواها وقال بأن هذا هو المذهب الصحيح وهو يقول به حاليا
فهل لديكم ما يؤكد أو ينفي هذا الخبر؟
ـ[أهل الحديث]ــــــــ[24 - 09 - 06, 04:18 م]ـ
هذا الكاتب يسمى عبدالله زايد السكندري، وقد كان نشر رسالة هنا بعضهم! وهي رسالة تدل على شدة جهله وعدم فهمه حتى لمذهب الأشاعرة و الجهمية، ودعواه أن الشيخ أبا بكر الجزائري حفظه الله وافقه على ذلك تحتاج إلى إثبات وبينة واضحة، ولاشك أن الشيخ أبابكر الجزائري حفظه الله من المعروفين بالدفاع عن عقيدة أهل السنة في التوحيد والأسماء والصفات، وله كتاب بعنوان عقيدة المؤمن، وله رسالة بعنوان (وجاؤوا يركضون ... مهلا يا دعاة الضلالة) يرد به على محمد بن علوي المالكي ومن دافع عنه.
فهذه الدعوى من عبدالله زايد الجاهل تخالف المعروف والمشهور عن الشيخ، فالنكارة واضحة على كلامه
وللعلم فرسالة عبدالله زايد الجاهل لاتمثل المذهب الأشعري ولا الجهمي وإنما هي خليط من جاهل أضل من حمار أهله.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=78356
ـ[راجح]ــــــــ[24 - 09 - 06, 05:15 م]ـ
ودعواه أن الشيخ أبا بكر الجزائري حفظه الله وافقه على ذلك تحتاج إلى إثبات وبينة واضحة [/ url]
هل من رواد الملتقى من هو على اتصال بالشيخ أبي بكر ليأتي بالخبر اليقين
ـ[راجح]ــــــــ[01 - 10 - 06, 12:45 م]ـ
للتذكير
وجزاكم الله خيرا
ـ[عبد السلام العبد الله]ــــــــ[02 - 10 - 06, 02:06 ص]ـ
أقول لا يستبعد هذا على الشيخ أبوبكر الجزائري فالذي يعرف عقيدة السلف الصالح ويقرأ في تفسيره (أيسر التفاسير) يعرف مدى تخبطه في مسائل العقيدة ومنها باب (الأسماء والصفات). وقد عقد العلامة الشيخ حمود التويجري باباً كاملاً في كتابه القول البليغ للرد على الشيخ أبوبكر الجزائري وثناءه على الأشاعره وذكر طرفاً من تخبيطه في تفسير كلام الله فليراجع.
ـ[مهداوي]ــــــــ[02 - 12 - 06, 10:50 ص]ـ
اتق الله يا أخ عبدالسلام ..
اقرأ هنا براءة الشيخ أبي بكر الجزائري (الملتقى العلمي للعقيدة)
http://www.alagidah.com/vb/showthread.php?t=303
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[02 - 12 - 06, 11:03 ص]ـ
أقول لا يستبعد هذا على الشيخ أبوبكر الجزائري فالذي يعرف عقيدة السلف الصالح ويقرأ في تفسيره (أيسر التفاسير) يعرف مدى تخبطه في مسائل العقيدة ومنها باب (الأسماء والصفات). وقد عقد العلامة الشيخ حمود التويجري باباً كاملاً في كتابه القول البليغ للرد على الشيخ أبوبكر الجزائري وثناءه على الأشاعره وذكر طرفاً من تخبيطه في تفسير كلام الله فليراجع.
بل التخبط ملازم لك أنت الذي تحاول أن تربط بين ثناء هذا الرجل الذي أمضى أكثر من نصف قرن يعظ عباد الله ويعلمهم أمور دينهم بجوار مرقد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على جماعة التبليغ وتخبطه كما تزعم في الأسماء والصفات ..
وهذا القدح يتعداه إلى العلامة بن باز رحمه الله الذي كان شديد الحب والإجلال له بل والمنافحة عنه فاعرف قدرك وإياك وجرأتك ..
ومثل لنا ببعض الأمثلة التي تزعم فيها التخبط - إن كنتم صادقين -
ـ[أهل الحديث]ــــــــ[02 - 12 - 06, 11:17 ص]ـ
وقد أخبرنا بعض المشايخ أن الشيخ الجزائري في السنوات الأخيرة حصل له اختلاط، حتى أن البعض يحجبه عن الفتوى وغيرها.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[02 - 12 - 06, 11:58 ص]ـ
هذا وارد لكبر سنه وحاصل لغيره من أكابر العلماء كالشيخ العلامة عبد المحسن العباد فقد أصبح ينسى كثيراً
ـ[أبوالوليد السلفي]ــــــــ[02 - 12 - 06, 02:21 م]ـ
أشهد الله أني ذهبتُ بنفسي للشيخ أبوبكر الجزائري في آخر شهر رجب الماضي في الحرم المدني و أبلغته دعوى عبدالله زايد فطلب مني الرسالة و كان هذا بعيد صلاة الظهر و كان يحضر هذا الكلام الأخ الكريم الذي يدفع كرسي الشيخ (لا أذكر اسمه) و قد جئتُ الشيخ بالرسالة في صلاة العصر التالية و قال أنه سينظر فيها .. و قد قابلت الشيخ في صلاة العشاء بعد يومين و سألته فبدأ الأخ الذي يدفع كرسي الشيخ في الكلام قائلاً الشيخ تذكر عبدالله زايد و هو كثيراً ما يأتي للشيخ لكي يقرظ له رسائله و الشيخ بالفعل قد قرظ له هذه الرسالة و أما (بعض!!!) المخالفات التي بها فربما زاد الأخ عليها أو قدم و أخر!! فقلتُ له أما يرد الشيخ على هذه الرسالة , فقال لا.
فالحمد لله الذي جعل الشيخ يتراجع عن موقفه بالبراءة من الرسالة.
ـ[خالد بن عمر]ــــــــ[02 - 12 - 06, 02:43 م]ـ
أسأل الله أن يهدي الشيخ الجزائري وأن يغفر له
فلتكن هذه عبرة للمشايخ الذين تستخدم أسماءهم للتسويق التجاري
يتصفح أوراقا من الكتاب ثم يقدِّم له، والمصيبة أن يقدِّم لرجل لا يعرفه جيدا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/283)
ـ[معمر الشرقي]ــــــــ[04 - 12 - 06, 11:20 م]ـ
الله المستعان(35/284)
ما جِئْتُ لأُرْسِيَ سلامًا عَلَى الأَرْضِ! ... بل نارًا وسيفًا وانقسامًا ((يسوع))!
ـ[المستشار]ــــــــ[24 - 09 - 06, 04:50 م]ـ
ما جِئْتُ لأُرْسِيَ سلامًا! ... بل نارًا وسيفًا وانقسامًا ((يسوع))!
فهل تُنْكِرُ هذا يا بنديكت؟!
حوار هادئ جدًا مع بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان يكشف عن:
1 - انتشار النصرانية بحدِّ السيف!!
2 - وتاريخ إنجيلهم الذي حَرَّفوه في الوحشية والعنف!!
مقارنة بـ
الإسلام دين السلام الدَّاعِي للسلام!!
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الناسُ في أمثالهم المشهورة: ((كلُّ إناءٍ ينضح بما فيه)).
ويُصَدِّقُ هذا المثل علماء الاجتماع حين يتحدثون عن ارتباط الإنسان من حيثُ النشأة والتكوين بمحيطاته التي ينشأ بينها، ولهذا يقول علماء الاجتماع والسلوك في قواعدهم: ((الإنسانُ صورةٌ مِن بيئته))، فهو يتأثَّرُ بالبيئة التي نشأ فيها، ويحاكيها بحلوها ومرّها، وترتكز صورتها وتنطبع في داخله منذ اليوم الأول الذي يحل بالبيئة المحيطة به عند ولادته.
فالإنسان ليس معزولا عن بيئة محيطة، ولا هو بالكائن المبتوت الصلة بما يحيط به، ولكنه كما يقول علماء الاجتماع: ((مَدَنِيٌّ بطبعه))، يحب معاشرة بني جنسه، بدْأةً، وكلما نضج وتقدّم به العمر فإنه يُخَصّص دائرته أكثر فأكثر فلا يقف عند حدود الميل لجميع أبناء جنسه الإنساني ولكنه يبدأ في الميل والانجذاب إلى المشاركين له في الأفكار والسلوكيات.
وهكذا يظل الإنسان دائمًا منذ بدأ وإلى أن يرحل عن الدنيا في مراحل متتالية ومتوالية لا يترك واحدة حتى يبدأ في أخرى من مراحل تأثُّره في أفكاره وطموحاته وأطروحاته وسلوكياته بالبيئة المحيطة به.
والماء دائمًا ما يأخذ شكل الإناء ولا يخالفه!!
تذكرتُ هذا حين سمعتُ كلام ((بنديكت السادس عشر: بابا الفاتيكان)) عن الإسلام العظيم، ووصم هذا البنديكت للإسلام بوصمة العنف والانتشار بالسيف، ويعني بذلك أن يوصل رسالةً للدنيا يقول لها فيها: لقد انتشر الإسلام بوحشية تقوم على السيف والقوة والبطش لا بسلامٍ ومحبةٍ ووئامٍ ..... إلى آخره.
وعلى الرُّغم من قساوة ((الكذبة البنديكتية)) لمخالفتها للحقيقة مخالفة فجّةً لا حياء فيها ولا مروءة، إلا أنها لم تقع عندي بذلك الوقع الشديد الذي وقعتْ به عندي غيري ممَّن لا يتوقعون ما يمكن أن ينطق به البنديكت قبل أن يقوله أو يُفَكِّر به.
ولستُ ممَّن يرجُم بالغيب أو يدّعيه، ولا أنا مِمَّن يأتي السحرة والكهان أو يعتمد عليهم كما يفعل ذلك بعض ساسة أوروبا وأمريكا حتى ساعتنا.
ومن حقِّ القارئ أن يسألني: كيف توقّعتَ أن يصدر هذا القول من بنديكت أو يعتقده أمثاله؟
نعم من حقِّك أيها القارئ أن تسأل سؤالك هذا.
ومن واجبي أن أجيبك، لكني أستأذنك في اختصار الجواب الآن ولربما نلتقي يومًا ما بجوابٍ أطول وأشمل.
وجواب ذلك باختصار يكمن في دراسة أبعاد البيئة التي يحيا فيها البنديكت، لنصل إلى ما يمكن أن يصدر منه أو يعتقده؛ إِذْ من المستحيل أن ينسلخ البنديكت أو غيره من البشر عن البيئة التي تحيط بهم، فكرًا وسلوكًا، كما أنه من المستحيل لماء البحر أن يتلوَّن بلونِ الإناء، وهو بعدُ لا يزال خارج الإناء!!
وقد سبق وأشرتُ إلى أثر البيئة في الإنسان كيف هو.
ويحدثنا الخبير بالنفس، العليم بأسرارها، خالقها ومالكها رب العزة تبارك وتعالى عن هذه القضية فيقول عز وجل: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً} [الإسراء: 84].
فيلفتُ الله عز وجل في القرآن الكريم أنظارنا إلى أنَّ كل إنسانٍ إنما يعمل على شاكِلَتِه؛ أي يعمل على ما يناسب أخلاقه وفكره وسلوكه، وما هو عليه.
فالمتوقع منه هنا يكون بناء على دراسة هذه الشاكلة التي هو عليها.
فالمؤمن الصادق الأمين لا نتوقع منه سوى الإيمان والصدق والأمانة، كما أنه لا يتوقع مِن الفاجر إلا أفعال الفجور والإسفاف والرذيلة والدناءة.
فكل إنسانٍ يُتوقَّع منه ما يدلّ عليه فكره وسلوكه.
ولهذا كان العرب القدماء أشد الناس فطنةً لهذه القضية العلمية الاجتماعية الأصيلة في علوم الاجتماع، والتي تأخر غيرهم كثيرًا في اكتشافها وشرحها وبيانها، فأشار العرب إلى ذلك في كلامهم وتقريراتهم وأشعارهم فكان من ذلك مثلا قولهم:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/285)
عن المرء لا تَسَلْ وسَلْ عن قرينه ......... إِنَّ القرينَ بالمُقَارَنِ يهتدِي
فالصاحب يأخذُ من صاحبه ويتأثر بأخلاقه، ولهذا قال العرب أيضًا: ((الطبعُ لِصّ)): أي أنه يسرق من طباع الآخرين.
فالمرء يتأثر بمحيطه ولا يُتَوَقَّع منه أن يعمل على خلاف شاكلته، أو صورته التي تبرز لنا من خلال محيط المرء وبيئته، فكرًا وسلوكًا.
ومِن هنا لم يكن كلام البنديكت أكذوبة غير متوقَّعة بالنسبة لي، لأني أدرك جيدًا ما يمكن أن يصدرَ عن البنديكت؟
نعم؛ أدرك جيدًا ومن خلال ما سبق وأشرتُ إلى بعضه أنه لن يكون إلا صورةً مِن محيطٍ يعيش هو فيه، بل ويترَأَّس كيانه وباباويته.
ولن يكون البنديكت بعد ذلك أو يفعل إلا ما تركّز في ضلوعه وأركانه من خلال بيئته ومحيطه.
فماذا يقول محيط بيندكيت؟
هل يأمر بالسلام ويدعو إليه؟ أم يأمر بالوحشية والدموية ويحث عليها؟ بل ويعاقب من لم يقم بها؟
نعم أيها القارئ.
إن من يترأَّس باباوية عقيدة يقول كتابها فيما ينسبونه لنبيهم: ((ما جئتُ لأُلْقِي سلامًا)) إذن لماذا جئتَ؟
وهنا يأتي الجواب الواضح والصريح: ((بل نارًا)) و ((سيفًا)) و ((انقسامًا))!!
نارًا
سيفًا
انقسامًا
هل بعد النار والسيف والتقسيم الذي ينطوي على التشتيت والتشريد من عنف؟!
فهل بعد النار والسيف مِن عنفٍ يمكن أن يكون؟!
لقد بلغ كتاب البنديكت الغاية في العنف والبطش ونشر العقيدة بالسيف والنار والتشريد والتقتيل كما نرى.
ومَن يعتقد هذا ويترأَّس باباويته لا نتوقع منه أبدًا إلا أن ينضح بما هو فيه، فيرمي الإسلام بما يحمله البنديكتب بين جنباته من أدواء وأمراض كالوحشية والنار والسيف؛ لأنه لا يعرف غيرها.
وفاقدُ البصر لا يرى سوى السواد، كما أنَّ صاحب الفَم المُرِّ المريض لا يشعر بحلاوة طعمٍ مهما أكل!!
بل وينسب البنديكت وأهل مِلَّتِه ذلك لنبي الله عز وجل عيسى عليه السلام الذي برَّأه القرآن الكريم المقدس المحفوظ بحِفْظِ الله عز وجل له فقال تبارك وتعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِياًّ. وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياًّ. وَبَراًّ بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِياًّ. وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وَلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَياًّ. ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ. مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [سورة مريم عليها وعلى ابنها السلام: 30 - 35].
فالإسلام ينفي عن عيسى عليه السلام صفة التجبُّر بكل ما تدل عليه من تكبّر وبطش وما سوى ذلك.
كما يثبت له القرآن الكريم البركةَ أينما حلَّ، والبِرَّ بأمِّه عليهما السلام، وفي وصفه بالبِرِّ لأمِّه عليه السلام إشارة إلى أخلاقه الفاضلة عليه وعلى أُمِّه السلام.
لكن البنديكت وكتابه يخالفون هذا ويثبتون لنبي الله عز وجل عيسى عليه السلام ما هو بريء منه، وما لا ينبغي أن يكون، حين يزعم البنديكت وكتابه أن عيسى عليه السلام كان جبارًا وحشيًا دمويًا لم يأتِ للأرض للسلام وإنما ((نارًا)) و ((سيفًا)) و ((انقسامًا))!
فأيُّ الصورتين أفضل يا عقلاء العالم؟
وأي الصورتين أجمل؟
سؤال سيظل يلاحقنا وأنتم معنا خلال مشوارنا هذا معكم ليجيب بنفسه عن نفسه.
تمامًا كما يلاحقنا السؤال الآخر:
أي الأمرين أفضل: البنديكت الذي يزعم كتابه النار والسيف والانقسام ويأمر بهم ويحث عليهم؟
أم الإسلام الذي يبدأ بالسلام وينتهي بالسلام؟
سؤالٌ آخر سيظل يلاحقنا وأنتم معنا خلال مشوارنا هذا معكم ليجيب بنفسه عن نفسه.
فتابعونا فإِنَّا لا زلنا معكم .....
ـ[مصطفي حسان]ــــــــ[24 - 09 - 06, 08:50 م]ـ
عندنا مثل مصري يقول
اللي بيته من زجاج ... مايحدفش الناس بالطوب
جزاكم الله خيرا
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[25 - 09 - 06, 01:56 ص]ـ
جزاكم الله خيرا كثيرًا ... مقال رائع ... اقترحُ نشره مترجمًا على أوسع نطاق بدورية سيارة، بأكبر عدد من المواقع ..... نفع الله بكم
ـ[المستشار]ــــــــ[29 - 09 - 06, 01:03 ص]ـ
أدام الله توفيقكم لكل خير.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/286)
وشكر الله لكم تفاعلكم وتواصلكم، وأبشروا بما يسركم بإذن الله عز وجل.
وللموضوع تكملةٌ كما ذكرتُ أعلاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[29 - 09 - 06, 01:37 ص]ـ
عجل به نفع الله بك فهذا وقته ......
رجاء مراجعة الخاص .....
ـ[المستشار]ــــــــ[01 - 10 - 06, 04:03 ص]ـ
ولنستمع أولا إلى شهادةٍ مِن كاهنٍ نصرانيٍّ، عاش أحداث استيلاء نصارى إسبانيا على القارة الأمريكية التي كان يسكنها ((الهنود الحمر))، وكتب شهادته التي رآها بنفسه في كتاب ((المسيحية والسيف: وثائق إبادة هنود القارة الأمريكية على أيدي المسيحين الإسبان، رواية شاهد عيان. تأليف: المطران: برتولومي دي لاس كازاس. ترجمته للعربية: سميرة عزمي الزين)).
وفي هذا الكتاب يضع المطران أو الكاهن النصراني شهادته، ويرسلها لملك إسبانيا يستعطفه ويسترحمه أن ينقذ القارة الأمريكية الجديدة من الدمار والخراب الذي حلَّ بها على أيدي نصارى إسبانيا، ويقول في رسالته إلى المجلس الإسباني 1531م: ((لقد قال السيد المسيح: (ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب)، فلماذا يا سادتي ترسلون الذئاب الجائعة المتوحشة التي تذبح وتهلك النعاج؟)).
وهذا الكلام مِن كاهنٍ ومطرانٍ نصرانيٍّ يؤكِّد لنا أن العبارات الهادئة أمثال ((المحبة)) و ((الإخاء)) وغيرها من عبارات ((التخدير النصراني للضحية المراد طهي جسدها في النار أو تمزيق أطرافه بطريقة وحشية))، كل هذه العبارات الزائفة إنما يرددها من يرددها من النصارى لأجل ((الاستهلاك الإعلامي)) أو ((التخدير لضحيتهم)) لا أكثر!.
ولنستمع لبعض ما يرويه المطران النصراني ((لاس كازاس)) في شهادته التي شاهدها، والتي يرى فيها أن نصارى إسبانيا قتلوا مليار إنسانٍ في القارة الأمريكية في نحو أربعين سنة فقط، وهذا يعني أن عدد القتلى في السنة الواحدة فقط كان يبلغ الملايين من الناس آنذاك، ولهذا يعترف ((المطران: لاس كازاس)) أكثر من مرة بعجزه عن بيان الحقيقة الفظيعة بكاملها، لأنه يعجز عن وصفها كلها، فهي شيءٌ فظيع ووحشيٌ يفوق الوصف، بل لم تأتِ به الكوارث الطبيعية الهائلة كما يرى ((لاس كازاس)).
وإذا كان ((المطران: لاس كازاس)) يعجز عن وصف ما جرى على يد النصارى في القارة الأمريكية، فإنه هو وغيره ونحن وجميع البشر يعجزون عن وصف ما جرى على يد النصارى في ((محاكم التفتيش الإسبانية)) التي طاردت المسلمين في إسبانيا إبان سقوط الأندلس، وارتكبت هذه المحاكم ما لا يمكن لعقلٍ أن يتصوره، حتى بلغت بها وحشيتها وفظاعتها إلى حرق مجموعات هائلة من المسلمين أحياءً في ميادين عامة، يتلذذ هؤلاء النصارى بمنظر الأجساد وهي تحترق، ويشبعون رغبتهم الوحشية التي تسكن بين ضلوعهم على الإنسان الذي كرَّمَه الله عز وجل، ولكن أَنَّى لهم أن يعترفوا للإنسان بكرامة، وهم يتلذذون بمنظره حين يُشْوى أمامهم، ويحترق جسده رويدًا رويدًا، حتى يصير الجسد الحي النابض بعد لحظات وبفعل النار وأمام أعينهم الناظرة ونفوسهم المتلذذة يصير الجسد فحمًا أسودًا أو رمادًا وأثرًا بعد عينٍ وإنسانٍ كان ماثلاً للعيان!!.
ولنرجع إلى ((المطران: لاس كازاس)) ليصف لنا الرهبان النصارى وأفعالهم في القارة الأمريكية الجديدة وفي سكانها من ((الهنود الحمر)) بقوله: ((كانوا يسمون المجازر عقابا وتأديبا لبسط الهيبة وترويع الناس. كانت هذه سياسة الاجتياح المسيحي: أول ما يفعلونه عندما يدخلون قرية أو مدينة هو ارتكاب مجزرة مخيفة فيها .. مجزرة ترتجف منها أوصال هذه النعاج المرهفة)) [المسيحية والسيف ص 9].
تمامًا كما دكُّوا أفغانستان بالقنابل العنقودية وغير العنقودية، حتى هدموا بلدًا بأكمله، وكذلك الحال حينما ظهرت عداوتهم لكل ما هو إنساني، حين قصفوا بطائرتهم الكليات والمكتبات في عراق العزة والكرامة والمجد والتاريخ، فحرقوا دور المخطوطات، كما حرقوا الإنسان!!.
تماما كما يفعل إخوانهم وأصدقاؤهم اليهود في مجازر لبنان وفلسطين وصبرا وشاتيلا وقانا الأولى وقانا الثانية.
تاريخٌ مفعمٌ بالدماء التي سالت على أيدي النصرانية.
تاريخٌ مفعمٌ بالأشلاء التي تطايرت على أيدي النصرانية.
ثم هو تاريخٌ مفعم بسرقة الأطفال مِن هنا وهناك وترحيلهم للكنيسة النصرانية لتعميدهم وتنصيرهم خطفًا وإكراهًا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/287)
فهل بعد التنصير بالخطف والإكراه مِن مجالٍ لحرية الدين أو الاختيار.
تمامًا كما حصل مع أطفال البوسنة حين كانت المجازر النصرانية الصربية تتكرر مشاهدها كل يوم بل كل لحظةٍ من لحظات الحياة هناك إبان الحرب التي شابت لها الولدان، ثم تم ترحيل أطفال المسلمين هناك بأعدادٍ مهولة إلى الكنائس النصرانية لتنصيرهم إجبارًا لا اختيارًا!.
وأخبارٌ يعلمها القاصي والداني، وحربٌ لم يمرّ عليها سوى لحظاتٍ فلسنا بحاجةٍ إلى تذكير القارئ بما لا يزال يراه ماثلاً أمام ناظريه، يقلقه على مصير الإنسانية في ظل هذه الهمجية النصرانية أو اليهودية على السواء!.
إنه مصيرٌ معتِمٌ.
لكنه معلومٌ للضحية التي تنتظر دورها في أفران النصرانية ليتلذذ بشويها الرهبان والجنود الوحشيون بفظاعةٍ يعجز عن وصفها أدباء العالم وكُتَّابه.
ولا يلزم بحالٍ مِن الأحوال أن تكون الضحية من المسلمين فقط؛ بل هي من جميع بني الإنسان، الذي يسكن هذه الأرض، والتي لا تعرف ((نصرانية بولس)) التي لا تمت للسيد المسيح عليه السلام بصلةٍ، وهي هي التي يؤمن بها البابوات بعد تعديلها وتحريفها مئات المرات لتناسب أغراضًا وأهواءًا لأجيالٍ متكررةٍ مختلفةٍ بمشاربها وتلوُّناتها.
نعم لا يلزم أن تكون الضحية من المسلمين فقط، نقول هذا للإنصاف والحيادية والعدل الذي يأمرنا به الإسلام، ولا يُجِيْز الإسلام لنا الظلم بحالٍ من الأحوال، حتى وإِنْ كنَّا نتكلم عن خصومنا.
فلا زالت النصرانية تقتُل أولادها على مدار التاريخ الغابر، وسَلْ ((بنديكت السادس عشر)) بابا الفاتيكان الذي يتكلم الآن عن السيف: سلْه أيها القارئ: كم عَالِمًا نصرانيًا شنقتهم الكنيسة أو أزهقت أرواحهم بطريقةٍ وحشيةٍ وفظيعةٍ على مدار التاريخ الأسود للنصرانية البوليسية أو البابويَّة؟!
وحتى لا يتوَهَّمَنَّ متوهِّمٌ أو يقولنَّ قائلٌ: إن الخطأ في مجرد التطبيق النصراني في واقعهم، وأنها مجرَّد تصرفاتٍ شخصية لا صلة لها بدينٍ أو عقيدةٍ.
فإني أقطع الطريق على مثل هذا الواهم الحالم السارح بخياله في دنيا الفراغ الدعائي الفجّ الذي تطلّ به علينا النصرانية من آنٍ لآخر، عبر مستهلكات دعائية فارغة لا معنى لها في واقعهم يرددها البابوات في احتفالاتهم بصوتٍ هادئٍ على أصوات موسيقى ناعمة!!.
كلا؛ إنها عقيدة ما كتبوه بأيديهم أو ما يوزع بينهم في كتبهم.
ويكفينا هنا أن نذكر هذه النصوص الإنجيلية التي تحث على اتخاذ السيف وإحراق المدن كلها، بلا هوادة، بل يذكر يسوع فيما ذكروه عنه في كتبهم أنه ما جاء ليلقي سلامًا على الأرض!!
ما جاء ليلقي سلامًا على الأرض!
هكذا هو مدوَّنٌ في كتبهم.
لكنه جاء بالسيف.
لكنه جاء بالنار.
لكنه جاء بالحرق والدماء والتخريب للمدن والتقتيل والتشريد لكل ما هو إنساني.
هكذا تقول كتبهم، وهكذا يعتقدون في أصل مِلَّتِهم، وعلى هذا يتصرّفون في أفعالهم.
...
نعود إلى أصل عقيدة النصارى التي يتصرّفون على أساسها الآن، والتي لا تعرف سوى سفك الدماء والبطش والسيف المصلت على رقبة الإنسان مهما كان وفي أيِّ أرضٍ كان.
ولنأخذ هذه النصوص المهمة:
ففي ((رؤيا يوحنا اللاهوتي)) سنجد هذا النص المطول:
((5: 11 ثُمَّ نَظَرْتُ، فَسَمِعْتُ تَرْتِيلَ الْمَلاَيِينِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ وَهِيَ تُحِيطُ بِالْعَرْشِ وَبِالْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ وَالشُّيُوخِ، 12وَهُمْ يَهْتِفُونَ بِصَوْتٍ عَالٍ: «مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْحَمَلُ الْمَذْبُوحُ أَنْ يَنَالَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالإِجْلالَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ».
13ثُمَّ سَمِعْتُ كُلَّ خَلِيقَةٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، وَتَحْتَ الأَرْضِ، وَعَلَى الْبَحْرِ، هَاتِفَةً مَعَ كُلِّ مَا فِيهَا: «الْبَرَكَةُ وَالإِجْلالُ وَالْمَجْدُ وَالسُّلْطَةُ لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ، إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ». 14فَرَدَّتِ الْكَائِنَاتُ الْحَيَّةُ الأَرْبَعَةُ: «آمِين!» وَجَثَا الشُّيُوخُ سَاجِدِينَ.
الحمل يفُك الختوم السبعة
6
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/288)
وَرَأَيْتُ الْحَمَلَ وَهُوَ يَفُكُّ أَوَّلَ الْخُتُومِ السَّبْعَةِ، وَسَمِعْتُ وَاحِداً مِنَ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الأَرْبَعَةِ يُنَادِي بِصَوْتٍ كَالرَّعْدِ: «تَعَالَ!» 2فَنَظَرْتُ وَإِذَا أَمَامِي حِصَانٌ أَبْيَضُ، يَحْمِلُ رَاكِبُهُ قَوْساً، وَعَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلٌ، وَقَدْ خَرَجَ مُنْتَصِراً وَلِكَيْ يَنْتَصِرَ.
3ثُمَّ فَكَّ الْحَمَلُ الْخَتْمَ الثَّانِي، فَسَمِعْتُ الْكَائِنَ الثَّانِي يُنَادِي: «تَعَالَ!» 4فَخَرَجَ حِصَانٌ أَحْمَرُ، أُعْطِيَ رَاكِبُهُ سَيْفاً عَظِيماً، وَمُنِحَ سُلْطَةَ نَزْعِ السَّلاَمِ مِنَ الأَرْضِ وَجَعْلِ النَّاسِ يَقْتُلُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً.
5وَعِنْدَمَا فَكَّ الْحَمَلُ الْخَتْمَ الثَّالِثَ سَمِعْتُ الْكَائِنَ الثَّالِثَ يُنَادِي: «تَعَالَ!» فَرَأَيْتُ حِصَاناً أَسْوَدَ، يَحْمِلُ رَاكِبُهُ مِيزَاناً بِيَدِهِ. 6وَسَمِعْتُ صَوْتاً مِنْ بَيْنِ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الأَرْبَعَةِ يَقُولُ: «كَيْلَةُ قَمْحٍ بِدِينَارٍ، وَثَلاَثُ كَيْلاَتِ شَعِيرٍ بِدِينَارٍ. أَمَّا الزَّيْتُ وَالْخَمْرُ فَلاَ تَمَسَّهُمَا».
7ثُمَّ فَكَّ الْحَمَلُ الْخَتْمَ الرَّابِعَ فَسَمِعْتُ الْكَائِنَ الرَّابِعَ يُنَادِي: «تَعَالَ!» 8فَرَأَيْتُ حِصَاناً لَوْنُهُ أَخْضَرُ «بَاهِتُ اللَّوْنِ»، اسْمُ رَاكِبِهِ «الْمَوْتُ» يَتْبَعُهُ حِصَانٌ آخَرُ اسْمُ رَاكِبِهِ «الْهَاوِيَةُ»، وَأُعْطِيَا سُلْطَةَ إِبَادَةِ رُبْعِ الأَرْضِ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَاءِ وَوُحُوشِ الأَرْضِ الضَّارِيَةِ!
9ثُمَّ فَكَّ الْحَمَلُ الْخَتْمَ الْخَامِسَ، فَرَأَيْتُ مَذْبَحاً تَحْتَهُ أَرْوَاحُ الَّذِينَ سُفِكَتْ دِمَاؤُهُمْ مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ الشَّهَادَةِ الَّتِي أَدَّوْهَا، 10وَهُمْ يَصْرُخُونَ لِلرَّبِّ بِأَعْلَى صَوْتِهِمْ: «حَتَّى مَتَى، أَيُّهَا السَّيِّدُ الْقُدُّوسُ وَالْحَقُّ، تُؤَخِّرُ مُعَاقَبَةَ أَهْلِ الأَرْضِ عَلَى مَا فَعَلُوهُ بِنَا؟ مَتَى تَنْتَقِمُ مِنْهُمْ لِدِمَائِنَا؟» 11فَأُعْطِيَ كُلٌّ مِنْهُمْ ثَوْباً أَبْيَضَ، وَقِيلَ لَهُمْ أَنْ يَصْبِرُوا قَلِيلاً إِلَى أَنْ يَكْمُلَ عَدَدُ شُرَكَائِهِمِ الْعَبِيدِ وَإِخْوَتِهِمِ الَّذِينَ سَيُقْتَلُونَ مِثْلَهُمْ.
12ثُمَّ نَظَرْتُ، فَرَأَيْتُ الْحَمَلَ يَفُكُّ الْخَتْمَ السَّادِسَ، وَإِذَا الأَرْضُ قَدْ زُلْزِلَتْ زِلْزَالاً عَظِيماً، وَالشَّمْسُ اسْوَدَّتْ فَصَارَتْ كَخِرْقَةٍ مِنْ شَعْرٍ، وَصَارَ الْقَمَرُ أَحْمَرَ كَالدَّمِ، 13وَسَقَطَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ كَمَا تَطْرَحُ شَجَرَةُ التِّينِ ثِمَارَهَا الْفَجَّةَ، إِذَا هَزَّتْهَا رِيحٌ عَاصِفَةٌ. 14وَطُوِيَتِ السَّمَاءُ كَمَا تُطْوَى لِفَافَةٌ مِنْ وَرَقٍ، فَتَزَحْزَحَتِ الْجِبَالُ وَالْجُزُرُ كُلُّهَا مِنْ مَوَاضِعِهَا. 15وَمُلُوكُ الأَرْضِ وَالْعُظَمَاءُ وَالْقُوَّادُ وَالأَغْنِيَا ءُ وَالأَقْوِيَاءُ وَالْعَبِيدُ وَالأَحْرَارُ كُلُّهُمُ اخْتَبَأُوا فِي الْمَغَاوِرِ وَصُخُورِ الْجِبَالِ، 16وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ: اُسْقُطِي عَلَيْنَا، وَأَخْفِينَا مِنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَمِنْ غَضَبِ الْحَمَلِ!» 17فَإِنَّ يَوْمَ الْغَضَبِ الْعَظِيمَ قَدْ جَاءَهُمْ، وَمَنْ يَقْوَى عَلَى الْوُقُوفِ أَمَامَهُ؟
حِمَاية عَبِيْدِ الله
7
وَرَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ وَاقِفِينَ عَلَى زَوَايَا الأَرْضِ الأَرْبَعِ، يَحْبِسُونَ رِيَاحَ الأَرْضِ الأَرْبَعَ، فَلاَ تَهُبُّ رِيحٌ عَلَى بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ شَجَرٍ. 2ثُمَّ رَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ قَادِماً مِنَ الشَّرْقِ يَحْمِلُ خَتْمَ اللهِ الْحَيِّ، فَنَادَى بِصَوْتٍ عَالٍ الْمَلاَئِكَةَ الأَرْبَعَةَ الَّذِينَ عُهِدَ إِلَيْهِمْ أَنْ يُنْزِلُوا الضَّرَرَ بِالْبَرِّ وَالْبَحْرِ: 3 «انْتَظِرُوا! لاَ تَضُرُّوا الْبَرَّ وَلاَ الْبَحْرَ وَلاَ الشَّجَرَ، إِلَى أَنْ نَضَعَ خَتْمَ إِلَهِنَا عَلَى جِبَاهِ عَبِيدِهِ». 4وَسَمِعْتُ أَنَّ عَدَدَ الْمَخْتُومِينَ، مِئَةُ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفاً، مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/289)
5مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا خُتِمَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ رَأُوبَيْنَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ جَادَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ 6وَمِنْ سِبْطِ أَشِيرَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ نَفْتَالِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ مَنَسَّى اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً 7وَمِنْ سِبْطِ شِمْعُونَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ لاَوِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ يَسَّاكَرَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ 8وَمِنْ سِبْطِ زَبُولُونَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ يُوسُفَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ بَنْيَامِينَ خُتِمَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً)). انتهى النص.
وهكذا تقوم كتبهم وعقيدتهم على السيف والدماء والبطش والعنصرية المقيتة والوحشية الفظيعة والإبادة الجماعية، وحبس الهواء عن أهل الأرض ونزع السلام منها وزرع الحروب والفتن والثورات بين الناس حتى يقتل بعضهم بعضًا.
هذه هي عقيدتهم وكتبهم ونفسيتهم ووحشيتهم وفظاعتهم كما رأى القارئ في النص السابق.
وبعنصريةٍ مقيتة يرون في أحلامهم هلاك جميع من في الأرض إلا هم.
إنه لا يمكن بحالٍ مِن الأحوال لعاقلٍ يقرأ النصَّ السابق، ويرى كلامَ الحَمَلِ (الذي هو يسوع في نظرِهم كما يتضح ذلك من قولهم: ((مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْحَمَلُ الْمَذْبُوحُ أَنْ يَنَالَ الْقُدْرَةَ))، لا يمكن لعاقلٍ بحالٍ من الأحوال أن يقرأ النص السابق، ويرى العبارات السابقة في النص والتي تقول:
(( ... مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْحَمَلُ الْمَذْبُوحُ أَنْ يَنَالَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ .....
فَنَظَرْتُ وَإِذَا أَمَامِي حِصَانٌ أَبْيَضُ، يَحْمِلُ رَاكِبُهُ قَوْساً ....
4فَخَرَجَ حِصَانٌ أَحْمَرُ، أُعْطِيَ رَاكِبُهُ سَيْفاً عَظِيماً، وَمُنِحَ سُلْطَةَ نَزْعِ السَّلاَمِ مِنَ الأَرْضِ وَجَعْلِ النَّاسِ يَقْتُلُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ......
8فَرَأَيْتُ حِصَاناً لَوْنُهُ أَخْضَرُ «بَاهِتُ اللَّوْنِ»، اسْمُ رَاكِبِهِ «الْمَوْتُ» يَتْبَعُهُ حِصَانٌ آخَرُ اسْمُ رَاكِبِهِ «الْهَاوِيَةُ»، وَأُعْطِيَا سُلْطَةَ إِبَادَةِ رُبْعِ الأَرْضِ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَاءِ وَوُحُوشِ الأَرْضِ الضَّارِيَةِ! ....
12ثُمَّ نَظَرْتُ، فَرَأَيْتُ الْحَمَلَ يَفُكُّ الْخَتْمَ السَّادِسَ، وَإِذَا الأَرْضُ قَدْ زُلْزِلَتْ زِلْزَالاً عَظِيماً، وَالشَّمْسُ اسْوَدَّتْ فَصَارَتْ كَخِرْقَةٍ مِنْ شَعْرٍ، وَصَارَ الْقَمَرُ أَحْمَرَ كَالدَّمِ، 13وَسَقَطَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ كَمَا تَطْرَحُ شَجَرَةُ التِّينِ ثِمَارَهَا الْفَجَّةَ، إِذَا هَزَّتْهَا رِيحٌ عَاصِفَةٌ. 14وَطُوِيَتِ السَّمَاءُ كَمَا تُطْوَى لِفَافَةٌ مِنْ وَرَقٍ، فَتَزَحْزَحَتِ الْجِبَالُ وَالْجُزُرُ كُلُّهَا مِنْ مَوَاضِعِهَا. 15وَمُلُوكُ الأَرْضِ وَالْعُظَمَاءُ وَالْقُوَّادُ وَالأَغْنِيَاءُ وَالأَقْوِيَاءُ وَالْعَبِيدُ وَالأَحْرَارُ كُلُّهُمُ اخْتَبَأُوا فِي الْمَغَاوِرِ وَصُخُورِ الْجِبَالِ، 16وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ: اُسْقُطِي عَلَيْنَا، وَأَخْفِينَا مِنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَمِنْ غَضَبِ الْحَمَلِ!» 17فَإِنَّ يَوْمَ الْغَضَبِ الْعَظِيمَ قَدْ جَاءَهُمْ، وَمَنْ يَقْوَى عَلَى الْوُقُوفِ أَمَامَهُ؟ ....
وَرَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ وَاقِفِينَ عَلَى زَوَايَا الأَرْضِ الأَرْبَعِ، يَحْبِسُونَ رِيَاحَ الأَرْضِ الأَرْبَعَ، فَلاَ تَهُبُّ رِيحٌ عَلَى بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ شَجَرٍ. 2ثُمَّ رَأَيْتُ مَلاَكاً آخَرَ قَادِماً مِنَ الشَّرْقِ يَحْمِلُ خَتْمَ اللهِ الْحَيِّ، فَنَادَى بِصَوْتٍ عَالٍ الْمَلاَئِكَةَ الأَرْبَعَةَ الَّذِينَ عُهِدَ إِلَيْهِمْ أَنْ يُنْزِلُوا الضَّرَرَ بِالْبَرِّ وَالْبَحْرِ: 3 «انْتَظِرُوا! لاَ تَضُرُّوا الْبَرَّ وَلاَ الْبَحْرَ وَلاَ الشَّجَرَ، إِلَى أَنْ نَضَعَ خَتْمَ إِلَهِنَا عَلَى جِبَاهِ عَبِيدِهِ». 4وَسَمِعْتُ أَنَّ عَدَدَ الْمَخْتُومِينَ، مِئَةُ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفاً، مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: 5مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا خُتِمَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/290)
رَأُوبَيْنَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ جَادَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ 6وَمِنْ سِبْطِ أَشِيرَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ نَفْتَالِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ مَنَسَّى اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً 7وَمِنْ سِبْطِ شِمْعُونَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ لاَوِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ يَسَّاكَرَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ 8وَمِنْ سِبْطِ زَبُولُونَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ يُوسُفَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً؛ وَمِنْ سِبْطِ بَنْيَامِينَ خُتِمَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً)).
فهل يشكّ عاقلٌ بعد قراءة النصّ السابق بعباراته السابقة إلا أَنَّ الحرب العالمية الأولى والثانية قد قامتا معًا وبدأت حملةٌ نازيَّةٌ وبربريةٌ همجيَّةٌ وفاشية مجرمةٌ على جميع بني الإنسان، حتى إن الهواء نفسه ليُحْبَس عن الأرض، ولا يسعد بالنجاة من بين سكان جميع الأرض الذين يبادونَ في النص السابق ويسحقون سحقًا بالسيف والخوف والجوع ووحوش الأرض الضارية، لا أحد يمكنه الهرب من جميع بني الإنسان، ولا نجاة لأحدٍ كما يقول النص السابق إلا (144) ألفًا هم كما يقول النص: ((4وَسَمِعْتُ أَنَّ عَدَدَ الْمَخْتُومِينَ، مِئَةُ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفاً، مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ)).
هم فقط (144) ألفًا من بني الإنسان، ومع ذلك فهم كما يقول النص النصراني: ((مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ)).
لا أحد غير هؤلاء (144) ألفًا سينجو من الإبادة.
وليسأل جميع النصارى أنفسهم: أين باقي النصارى؟!! إذا لم ينجُ سوى (144) ألفًا من بين سكان العالم؟!
أين يا بنديكت باقي النصارى؟!
وحتى لا أدع القارئ في حيرةٍ أقول: أما باقي النصارى خاصة العلماء منهم الذين أَنكروا على البابوات فقد قتلتهم الكنيسة وطاردتهم في شتى بقاع الأرض، حتى أنه كانت لهم سجونٌ يعرفها التاريخ بأبشع ما يمكن له أن يعرف.
ومَن لم تقتلهم الكنيسة فلا حق لهم في الحياة حسب النصّ السابق أيضًا.
لأنه لا نجاة إلا لهذا العدد المذكور وفقط (144) ألفًا.
أما باقي شعوب الأرض فقد أسعدها النص وشرّفها بالإبادة الجماعية، وحبس الهواء عنها، وتسليمها للسيف والجوع والخوف ووحوش الأرض الضارية!!
صورةٌ فظيعةٌ ووحشيةٌ يرسمها النصارى في كتابهم للسيد المسيح عليه السلام.
صورةٌ وحشيةٌ يرسمونها للسيد المسيح عليه السلام الذي كَرَّمَه الإسلام غاية التكريم، وجعلَه القرآن الكريم مباركًا وبارًّا.
كما قال الله عز وجل في القرآن الكريم: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِياًّ. وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياًّ. وَبَراًّ بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِياًّ. وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وَلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَياًّ. ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ. مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [مريم:30 - 35].
صورةٌ مضيئةٌ ومشرقةٌ تبعثُ على الأمل في الحياة لبني الإنسان، يرسمها القرآن الكريم لنبي الله عيسى عليه وعلى أمه الطاهرة العفيفة الصلاة والسلام.
فالإسلام العظيم يرسم لعيسى عليه السلام صورةٌ أجمل وأبهى مِن تلك التي رسمها له بابوات النصارى، حتى جعلوه أشبه بمجرمي الحرب الذين يرتكبون إباداتٍ جماعية.
في حين جعله القرآن الكريم: بارًّا ومباركًا.
فأيُّ عقلٍ في تشويه صورة نبيٍّ لله عز وجل الذي يزعم النصارى الإيمان به؟!
وحين تقف أيها القارئ على هذا النص السابق ليوحنا بوحشيته وفظاعته وإباداته الجماعية وتدميره لبني الإنسان، وحبس الهواء عنهم، بل وتدميره للأرض وما فيها عدا (144) ألفًا فقط من جميع بني الإنسان.
حين تقف على النصِّ السابق بعقلك الناضج، وترى فيه تلك الصورة الدموية والوحشية القائمة على السيف، ولا شيء سوى السيف والإبادة الجماعية:
حينئذٍ لك أن ترجع معي إلى النبي محمد الأمين الرحيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي كان مِن قواعد دينه الإسلام العظيم: أن نؤمِن بجميع الرسل ونحبهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/291)
بل لا يصح إسلامُ مسلمٍ بغير إيمانٍ بجميع الرسل وحبهم وتوقيرهم صلوات الله عليهم جميعًا.
ليسأل القارئ نفسه: أي الفريقين أحق بالاتِّباع: الذين يهلكون ويدمِّرن جميع ما في الأرض ولا يعرفون سوى الدمار والهلاك وسفك الدماء حتى في أحلامهم كما يفعل النصارى؟
أم الذين يصلون على موسى وعيسى عليهما وعلى سائر الأنبياء السلام؟
تشتمون محمدًا ونحب موسى!
وتسبون محمدًا ونحب عيسى!
فقارنوا بيننا وبينكم واحكموا إن كنتم تعقلون.
ليقارن القارئ بين الصورتين وليحكم بنفسه.
...
نعود إلى أصل عقيدة النصارى في نشر دينهم بالسيف والدماء.
ونقتبس هذا النص:
من ((إنجيل لوقا)) على لسان يسوع يقول لأصحابه:
((35ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «حِينَ أَرْسَلْتُكُمْ بِلاَ صُرَّةِ مَالٍ وَلاَ كِيسِ زَادٍ وَلاَ حِذَاءٍ، هَلِ احْتَجْتُمْ إِلَى شَيْءٍ؟» فَقَالُوا: «لاَ!» 36فَقَالَ لَهُمْ: أَمَّا الآنَ، فَمَنْ عِنْدَهُ صُرَّةُ مَالٍ، فَلْيَأْخُذْهَا؛ وَكَذلِكَ مَنْ عِنْدَهُ حَقِيبَةُ زَادٍ. وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ، فَلْيَبِعْ رِدَاءَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفاً)).
وفي ((إنجيل متى)) على لسان يسوع نجده يقول:
((34لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً. 35فَإِنِّي جِئْتُ لأَجْعَلَ الإِنْسَانَ عَلَى خِلاَفٍ مَعَ أَبِيهِ، وَالْبِنْتَ مَعَ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ مَعَ حَمَاتِهَا. 36وَهَكَذَا يَصِيرُ أَعْدَاءَ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ)).
وهكذا يحدد النصارى عقيدتهم في كتابهم بوضوح حين يتناولون فيه على لسان يسوع قوله السابق هنا والذي نرى فيه بوضوح قوله:
((لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ))!
((مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً))!
أكرر لك أيها القارئ النص السابق من ((إنجيل متى)) لعلك لم تصدق صراحتَه حين يقول لك ولجميع الدنيا على لسان يسوع:
((لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ))!
((مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً))!
هكذا تقول التعاليم والعقائد الوحشية الدموية المتعطشة لسفك دماء الإنسان وشوي جسده بالنار.
هكذا تقول عقائد من ينشرون دينهم بالسيف والدم.
هكذا تقول عقائد من يُقَدِّمون الدين في مقابل الموت!
فإما أن تقبل الشعوب الصليب والإنجيل مع الطعام أو تُحْرم من الطعام لتموتَ في فرنٍ جماعيٍّ أو بقنبلةٍ عنقودية أو غيرها مما يعشق النصارى التلذذ به في حروبهم مع بني الإنسان.
لكنا وقبل أن نستمر معك أيها القارئ نعود بك إلى حيثُ الأمن الذي خطَفَهُ منك البابوات، حتى أنك صرتَ تخشى على مصير بني الإنسان في جميع الدنيا.
نعود بك لنطمئنك حيثُ الاطمئنان والرحمة التي ينطق بها الله عز وجل في قرآنه الكريم واصفًا أعظم إنسانٍ عرفته البشرية محمد بن عبد الله صَلَّى اللهُ عليه وعلى إخوته من الأنبياء موسى وعيسى وغيرهم من أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام.
يصدُع بها القرآنُ مدويًّا حيثُ يقول الله عز وجل واصفًا نبيه محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [سورة الأنبياء: 107].
ويقول الله عز وجل لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضًا: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
نم قريرَ العين أيها القارئ فلا زالتْ هناك رحماتٌ متتابعاتٌ في الإسلام.
نم قريرَ العين أيها الإنسان ولا تخشَ على مصير الإنسانية جمعاء فهناك من يرحم وما أَرْسَلَه الله عز وجل إلا رحمةً، وما ترك أتباعًا إلا رحماء.
وصفهم الله عز وجل بقوله: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [سورة الفتح: 29].
ويقول لهم نبيُّنا محمدُ بن عبد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ)) [صحيح البخاري 5997، وصحيح مسلم 2318].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/292)
بل تعدَّى الأمرُ أكثر من هذا بكثير، فوقفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أعظم إنسانٍ، وقف بغير عنصريةٍ ولا وحشية.
وقف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ليقتل.
وقف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ليقول: ما جئتُ لألقيَ سلامًا كما قال إنجيل متى على لسان يسوع.
وقف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ليأمر بسفك الدماء وشوي الأجساد الحية.
إنما قف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمر آخر خَلَّدَهُ التاريخ.
إنما وقف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليكرِّم النفس الإنسانية.
إنما وقف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليرفع مِن قيمة الإنسان.
وقف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجنازة يهوديٍّ!!
أليستْ نفسًا؟!!
تلك أنشودتي التي أتغنَّى بها إن ضاعت من الناس الأناشيد.
وتلك أقصوصتي التي أقصُّها إن كانت قصصكم كلها كذبٌ.
أليستْ نفسًا؟!!
إنه الرؤوف الرحيم الهيِّن اللين.
أعظمُ إنسانٍ.
إنه محمد بن عبد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ، فَقَامَا.
فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ؟ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟!
فَقَالَا: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ؟ فَقَالَ: ((أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟)) [صحيح البخاري 1313، وصحيح مُسْلِم961].
((أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟))
((أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟))
أليست نفسًا يا مَن قتلتم مليار هندي في أمريكا الجديدة في أربعين سنة؟!
بناءً على عقيدتكم التي تقول في إنجيل متى:
((لا تظنوا أني جئتُ لألقي سلامًا على الأرض))!
((ما جئتُ لألقي سلامًا بل سيفًا))!
...
وقد ظهرتْ آثارُ هذا السيف في طريقة العلاج للآثام حتى بلغ الأمر إلى القول بأنَّ إحراق مدينة بأكملها أفضل مِن أن يترك فيها عادة رديئة!!
هكذا يكون العلاج في نظر الإنجيل النصراني الموجود بأيدي النصارى الآن.
حرق المدن بأكملها أفضل مِن أن يُتْرَك فيها عادة رديئة!
ونحن بطبيعة الحال لا نقلِّل أبدًا مِن العادات الرديئة وضرورة محاربتها لأننا أهل طهارةٍ ونظافةٍ في جوهرنا ومظهرنا.
هكذا علَّمَنا الإسلام أن نتنظَّف خمس مراتٍ في اليوم عبر الوضوء الواجب للصلاة، وليس نافلةً أو تطوُّعًا، لكنه واجبٌ مِن واجبات ديننا الإسلامي.
فرضٌ علينا أن نتنظَّفَ خمسَ مراتٍ بغسل أعضائنا ووجوهنا وأرجلنا، بل وبالمضمضمة والاستنشاق الذي يخرج معه رواسب ما تجمع في الشعيرات الدموية الأنفية عبر الشهيق والزَّفِير.
كما أنه قد أمرنا إسلامُنا باتِّخاذ الزينة عند كلِّ مسجدٍ يعني النظافة والطهارة.
يقول الله عز وجل في القرآن الكريم: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
ولم يكتفِ الإسلام بالنظافة الخارجية والظاهرية للمسلم، بل أمَرَهُ دائمًا وأبدًا بتطهير داخله وجوهره مِن أدران الشرك بالله عز وجل، بل ومِن أدران الغلّ والحقد والحسد على الآخرين أو الكيد لهم، أو الطمع في أرزاقهم.
فكلُّ هذا وغيره من الآفات قد نهانا الإسلام عنها أشدَّ النَّهْي.
بل وصلت مثالية وطهارة ونظافة الإسلام إلى حَدِّ استبشاع سوء الظن بالغير أو التجسُّسِ عليه أو الكلام اغتيابه (الكلام في حقِّه في غير وجوده) بما يكرهه الغائب.
ولنتدبَّر قول الله عز وجل في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 12].
علاجٌ حكيمٌ، وتطهيرٌ راقٍ للإنسان مِن أوساخ الدنيا وشوائبها التي تلحق بقلبه وقالبه.
لا نلمح فيه أيَّ تهورٍ أوْ إبادةٍ جماعية، أو زعم أن إهلاك مدينة بأكملها أفضل مِن أنْ يُتْرَك فيها عادة رديئة!.
نعالج العادة الرديئة بعلاجٍ حكيمٍ وهاديءٍ، أفضلُ مائة مرةٍ مِن الإبادة الجماعية الدالة على العجز عن العلاج.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/293)
فإِنَّه مِن البديهيات لدى جميع العقلاء أنَّه لا استئصال إلا بعد العجز، ولهذا لا يستأصل الأطباء عضوًا مِن أعضاء الإنسان عند مرضه إلا بعد العجز عن علاجه.
لكننا إذا رجعنا إلى كتب البابوات وأناجيلهم التي نسبوها لنبي الله عيسى عليه وعلى أمه الطاهرة المطهرة الصلاة والسلام: فسنجد الصورة مخالفة لنداء العقل.
إنها صورة حب الاستئصال وإحراق المدن، وأن هذا أفضل من ترك عادة رديئة.
فلماذا تركتموها بلا علاج؟ وأين علاجكم العاقل والهادئ؟
لن تجد جوابًا هناك إذْ نداء العلاج يخالف شهوة الاستئصال القائم على السيف، والقائل كما سبق:
((لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ)) ((مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً)) [كما سبق نقلا عن إنجيل متى].
فلا مجال للسلام عندهم.
ولا مجال للكلام عن علاجات.
ولهذا حاربوا العلماء والحكماء من النصارى على مَرِّ التاريخ.
لأنه لا مجال لسوى السيف.
ولا قول يعلو فوق صوت السيف النصراني المصلت على رقاب الإنسان الذي لا يعرف السيف له علاجًا سوى الفتك به وإزهاق روحه.
لا مجال لديهم للكلام عن إعادة إعمارٍ بعد الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي انتُهِكَت، وعلى المتضرر بعد ذلك أن يعيد إعمار ما يجب على النصارى بحكم كتبهم التي لا تسمح لصوتٍ يعلو على صوتِ السيف، ولا مجال لديها لسلامٍ أو مفاوضاتٍ سوى ما وردَ في ((إنجيل متى)) على لسان يسوع حيث يقول النص الذي كررناه مرارًا:
((لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ)) ((مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً))
وننظر في هذا النص مِن أوائل الفصل ((الرابع والثلاثين)) من ((إنجيل: برنا)) والذي يقول:
((قال يسوع أيضا: الحق أقول لكم أن إحراق مدينة لأفضل من أن يترك فيها عادة رديئة، لأن لأجل مثل هذا يغضب الله على رؤساء وملوك الأرض الذين أعطاهم الله سيفا ليفنوا الآثام)).
ولن نتساءل هنا عن ذنب الأبرياء الذين لم يرتكبوا الآثام حتى يؤخذوا بجريمة مرتكبي الآثام، ولنترك السؤال للقارئ يسأله لنفسه.
إنها مجرَّد عادة رديئة وليست عادات ولا اجتماع مطبق من أهل القرية على عملٍ بعينه كما اجتمع قوم لوطٍ على فعل المنكرات وترك الحلال الذي أباحه الله عز وجل لهم، فكان عقابهم عادلا ومنطقيًّا حين أخذهم جميعًا بذنبهم المتفشِّي فيهم.
لكن عاقلاً مِن الناس لن يأمر بحرق قريةٍ بأكملها لمجرد عادة رديئة؛ إلا أنْ يكون البطش والتدمير والفتك متأصِّلٌ فيه، تتعطش روحه لدماء الأبرياء.
تمامًا كما يقتل الجنود النصارى في جميع حروبهم أطفالاً لا حيلة لهم، بل ربما بقروا بطون أمهاتٍ واستخرجوا أجِنَّةً لا تعلم عن الدنيا شيئًا ثم فتكوا بهذه الأجنةِ أيضًا.
ولا زالت الأخبار تجري كل يومٍ صباحًا ومساءً وفي كل حينٍ بمثل هذه الجرائم الوحشية والفظيعة للجنود النصرانيين في شتى أماكنهم التي يجتاحونها ظلمًا وعدوانًا.
وسنترك للقارئ أن يسأل نفسَه: عن ذنب ملايين العراقيين وهدم بلدٍ بأكمله؟!
نترك للقارئ أن يسأل نفسَه عن ذنب ملايين الفلسطينين؟ والأفغانيين والبوسنويين؟
كما نترك له أن يسأل نفسَه عن ذنب الفيتناميين؟
ولا أنسَ أن أُذَكِّره: ما ذنبُ أطفال ونساء تلك المدن اليابانية التي هدموها بقنبلتين نوويتين لا زالت آثارهما تظهر في الأجيال الجديدة حتى الآن؟!
ذنوبٌ كثيرةٌ على القارئ أن يسألها لنفسه في ظلِّ النص السابق: ما ذنبُ الأبرياء حتى يؤخذوا بجرائم غيرهم.
وحين لا يجد القارئ جوابًا عليه أن يرجع للقرآن الكريم ليجد فيه هذه الآية الكريمة التي يقول الله عز وجل فيها: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سورة الأنعام: 164}.
وهنا على القارئ أن يتدبَّر ويختار.
كما للقارئ الآن أن يقارن بنفسه بين من يبيد مدنًا بأكملها بجرائم بعضها بناءً على عقيدةٍ مكتوبةٍ في كتابه!!
وبين الرحمة المهداة لكل البشر، والتي تنهى عن قتل النساء والصبيان وقطع الأشجار في الحروب، لأن الرحمة لا يمكن أن تنقلب عذابًا، والبلسم العذب لا يصبح لهبًا وشُهُبًا!
يُرْسِي النبيُّ محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعدة الرَّحْمةِ والإنصاف والعدل، وسمُوّ الأخلاق، وشرف وكرامة الإنسان، فيرسل لخالدِ بن الوليد رضي الله عنه أحد قادة المسلمين العظام، ليقول له الرؤوف الرحيم محمد بن عبد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا)) [((سنن أبي داود)) (2669)، وصححه الألباني في ((إرواء الغليل)) (1210)]. والعسيفُ: الأجير.
((قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا)).
((قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا)).
وقال أيضًا: ((لَا تَقْتُلَنَّ ذُرِّيَّةً)) [سنن ابن ماجة (2842)، وصححه الألباني في ((إرواء الغليل)) (1210)].
((لَا تَقْتُلَنَّ ذُرِّيَّةً)).
فليتدبَّر هذا الذين لا يعرفون نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم؟
وليعرفوا الآن من يكون الرحيم الرؤوف صلى الله عليه وسلم؟
...
ولا زلنا معكم على الطريق فتابعونا ......
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/294)
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[01 - 10 - 06, 04:19 ص]ـ
أعلى الله قدرك في الدارين ... وبارك فيك ونفع بك
محبك في الله
ـ[عمر الإمبابي]ــــــــ[01 - 10 - 06, 04:22 ص]ـ
جزاك الله خيراً شيخنا المستشار.
هل تسمح لي أن أضع روابط لمحاضرات صوتية تظهر التاريخ الأسود للكنيسة؟
ـ[المستشار]ــــــــ[01 - 10 - 06, 04:23 ص]ـ
ومع أننا سنتوقف لاحقًا إن شاء الله عز وجل عند جرائم السيف النصراني ضد بني الإنسان.
إلا أننا نضع للقراء الآن جريمةً من تلك الجرائم النازية الفظيعة، ارتكبها السيف الصليبي النصراني في إحدى بقاع الأرض وضد الإنسان في بغداد التاريخ والعراقة.
سنكتفي في هذه الجريمة وهذا اللقاء الآن بمجرد حكاية الخبر كما هو نقلا عن موقع ((مفكرة الإسلام)) للأخبار حيثُ يقول الخبر:
الأمريكان يجوبون بجثة 'مصطفى' شوارع بغداد فتموت أمه مقهورة
عام:العالم العربي والإسلامي:الأحد 24 شعبان 1427هـ – 17سبتمبر 2006م آخر تحديث 4:20 م بتوقيت مكة
مفكرة الإسلام [خاص]: ارتكبت قوات الاحتلال الأمريكية جريمة جديدة في مسلسل جرائمها بحق العزل العراقيين, وقتلت شقيقين ومثلت بأحدهما وسط منطقة العامرية غرب العاصمة العراقية بغداد؛ فتوفيت أمهما مقهورة على ولديها.
وأفاد مراسل 'مفكرة الإسلام' في العامرية أن قوات الاحتلال قامت ظهر اليوم بدهم منزل في شارع المنظمة ـ قرب معرض البيت العراقي السابق ـ وقامت بقتل الشاب 'مصطفى' [17 عامًا] وشقيقه زيد [16 عامًا] داخل المنزل.
وقال شهود عيان من أهل المنطقة: إن الجنود قاموا بوضع أحد الشقيقين ـ وهو الشهيد مصطفى ـ على غطاء محرك السيارة 'الهمفي' الأمامي والدماء تسيل من رأسه, وجابت به شوارع العامرية في تصرف وحشي واستفزاز غير مسبوق.
وأضاف الشهود أن والدة الشهيدين أصيبت بجلطة دماغية جراء صدمة قتل ولديها الوحيدين أمام عينيها؛ ما أدى إلى وفاتها في الحال.
http://www.islammemo.cc/news/one_newssearch.asp?word=%E3%D5%D8%DD%EC&IDnews=125875
المفكرة تنقل بالتفاصيل صلب الأمريكان لـ'مصطفى' في شوارع بغداد
عام:العالم العربي والإسلامي:الثلاثاء 26 شعبان 1427هـ – 19سبتمبر 2006م آخر تحديث 5:45م بتوقيت مكة
مفكرة الإسلام [خاص]: شيعت جموع غفيرة من أهالي حي العامرية السني يوم أمس الاثنين الشابين مصطفى وزياد ووالدتهما في جنازة مهيبة إلى مقبرة الشهداء، بعد أن قتلهما جيش الاحتلال الأمريكي بدمٍ بارد.
مراسل مفكرة الإسلام زار منزل العائلة المنكوبة التي لم يتبقَ منها سوى رب العائلة 'طالب محمد' [44 عامًا] الذي ما انفك يذكر الله تعالى ويبكي في صمت فلا ترى منه إلا الدموع المنهمرة من عينيه على لحيته دون أن ينطق أو يتكلم بشيء؛ الأمر الذي جعل جيرانه وإخوته يخشون عليه من مصير كمصير زوجته أو أن يصيبه الجنون من هول الصدمة.
كان 'أبو مصطفى' يرد على سلام المعزين من أقربائه وأهل حارته بالبكاء الحار .. يستقبلهم بالبكاء ويودعهم بالبكاء دون أن يتكلم بشيء .. لم يذق طعم النوم ولم يأكل أو يشرب منذ يوم الأحد .. وكان في حالة يرثى لها.
يقول مراسل المفكرة: 'تجولنا في المنزل فوجدنا آثار دماء مصطفى وآثار إطلاق نار على الحائط تبين أن إحدى الطلقات اخترقت رأس مصطفى وارتطمت بالجدار .. كما وجدنا آثار دماء على سيارة الرجل وتبين أن زياد -رحمه الله- حاول الاستتار من نيران الاحتلال دون جدوى خلف تلك السيارة'.
ويقول أحد شهود العيان لمراسل المفكرة: إن دورية أمريكية كانت تجوب المنطقة ومؤلفة من 4 عربات همفي وفيها مجندات وجنود أمريكيون ومترجمة عربية، وكانوا في حالة سكر شديدة حيث أخذوا يلقون بزجاجات الخمر الفارغة على منازل الأهالي.
ويضيف: 'اقتحموا منزل الشابين [مصطفى وزياد] وكانوا يضعون بعض الأشرطة الفسفورية على جانبي السيارة لتجميلها .. دخلوا إلى الشابين مصطفى [17 عامًا] وزياد [16 عامًا] الذين حلف أبوهما ألا يخرجا من المنزل منذ أسبوعين بسبب امتحانات الدور الثاني وطلب منهما النجاح حتى يسمح لهما بالخروج وأمر أمهما أن تتابعهما عند خروجه هو للعمل وإبلاغه إن هم لم يستذكروا دروسهم، بحسب جيران العائلة المقربين.
ويكمل شاهد العيان حديثه بقوله: سمعت أصوات إطلاق نار وصراخ مصطفى وزياد وصراخ أمهما واستغاثتها .. بعدها أخرج جنود الاحتلال مصطفى وهو ميت وكانوا يجرونه من قدميه ورأسه ينزف دمًا على الأرض ووضعوه على غطاء عربة الهمفي وجابوا به شوارع العامرية ثم ألقوا به في أحد الشوارع لنجده في اليوم الثاني قد تم نقله إلى مستشفى اليرموك وقد أكلت حرارة غطاء المحرك جزءًا من رأسه.
ويضيف شاهد العيان: 'ومع أن الناس هاجمت الدورية بالحجارة أطفالا ورجالاً ونساءً إلا أنهم خرجوا مسرعين من شارعنا إلى الطريق العام وعلمت فيما بعد أنهم استمروا باستعراض قوتهم مدة نصف ساعة ومصطفى مشدود على عربة الهمفي'.
أما زياد، والحديث ما زال لشاهد العيان، فقد تبين أنه أصيب بثلاث رصاصات واحدة بالكتف واثنين في الرأس وبقي رحمة الله خلف السيارة ممددًا وهو مضرج في دمائه.
وعن والدة الشهيدين، يقول شاهد العيان: بعد أن سرق جنود الاحتلال جثة ابنها خرجت أم مصطفى [42 عامًا] إلى الشارع حافية تصرخ بصوت عالٍ وتستنجد بالناس وتصيح: 'أتخسون يا أهل الغيرة وليدي' ولم تنفك عن ترديد هذه الاستغاثة إلى أن توارت الهمفي عن الأنظار فسقطت وسط الشارع.
وهرعت النسوة إليها لستر ما تكشف من قدميها؛ فوجدنها قد فارقت الحياة رحمها الله.
وكان تقرير الطب الشرعي قد أكد أن سبب الوفاة جلطة دماغية حادة.
في مطبخ البيت حيث دخلنا أول مرة وجدنا مقلاة على المنضدة وعليها بيضة واحدة مسلوقة كانت لمصطفى حيث كان يشتهي رحمة الله أن يأكل في وقت العصر من كل يوم.
ويقول صاحب الدكان المجاور لهم: جاءت أم مصطفى واشترت ثلاث بيضات حيث إن وضعهم المادي لا يسمح بشراء طبقة بيض كاملة.
http://www.islammemo.cc/news/one_newssearch.asp?word=%E3%D5%D8%DD%EC&IDnews=126116
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/295)
ـ[المستشار]ــــــــ[01 - 10 - 06, 04:27 ص]ـ
جزاك الله خيراً شيخنا المستشار.
هل تسمح لي أن أضع روابط لمحاضرات صوتية تظهر التاريخ الأسود للكنيسة؟
وجزاكم الله خير الجزاء أستاذي الفاضل وأدام توفيقكم لكل خير.
يشرفني أن تشاركني الرابط بوضع ما تتفضل به ويجود به وقتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[المستشار]ــــــــ[01 - 10 - 06, 04:30 ص]ـ
أعلى الله قدرك في الدارين ... وبارك فيك ونفع بك
محبك في الله
وأعلى الله قدركم أستاذي الفاضل وأدام توفيقكم لكل خير ونفع بكم.
وأحبكم الله الذي أحببتموني فيه، وجمعنا وإياكم على خيرٍ في الدنيا والآخرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[عمر الإمبابي]ــــــــ[01 - 10 - 06, 05:07 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
جزاكم الله خيرا.
انتشار المسيحية بحد السيف للشيخ وسام عبد الله ( http://mcdialogue.net/audio/lectures/general/L001-wesam-general.rm)
الجزء الأول من سلسلة الرد على البابا بنديكت - التاريخ الأسود للكنيسة الكاثوليكية للشيخ وسام عبد الله ( http://mcdialogue.net/audio/lectures/General/L015-wesam-Bend1-general.rm)
بل انتصر الإسلام على السيف للشيخ محمد سعيد رسلان ( http://www.save.rslan.com/rm/568_01.rm)
ـ[المستشار]ــــــــ[02 - 10 - 06, 03:33 ص]ـ
أدام الله توفيقكم لكل خير.
وهناك ردود أخرى قد صدرت غير هذه التي تفضلتم بها، ومِنها:
بيانٌ صادرٌ عن مجمع فقهاء الشريعة.
ومحاضرة د. محمد سعيد رسلان التي بعنوان (شعار الفاتيكان النجاسة من الإيمان).
ومقالة عن العقل نشرتها جريدة الأهرام المصرية لكاتبٍ لا أذكر اسمه الآن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[عمر الإمبابي]ــــــــ[02 - 10 - 06, 03:43 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...
حياك الله شيخنا الكريم ..
إنما أردت الدروس التي تكلمت عن فظائع ووحشية الصليبية فقط ..
أما إن أردت مني أن أضع روابط لمحاضرات صوتية للرد على بابا الفاتيكان وبيان الخرافات في العقيدة النصرانية، وضعت.
ولو أردت مني أن أضع روابط لمقالات وكتب تكشف عن خرافات النصرانية، وضعت.
وفي انتظار ردكم شيخنا الفاضل.
ـ[المستشار]ــــــــ[03 - 10 - 06, 07:25 م]ـ
أدام الله توفيقكم لكل خير.
يشرفني أن تضع ما تريد أستاذنا الفاضل، حول قضية انتشار النصرانية بحدّ السيف، والرد على بنديكت في هذه المسألة تحديدًا في هذا الرابط، لعل الله ينفع به أقوامًا ويضرّ به آخرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[أبو الأم]ــــــــ[05 - 10 - 06, 04:06 م]ـ
جزيت الجنة
ـ[المستشار]ــــــــ[06 - 10 - 06, 09:11 م]ـ
جزيت الجنة
وإياكم أستاذي الفاضل.
أدام الله توفيقكم لكل خير، ونفع بكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[عمر الإمبابي]ــــــــ[26 - 10 - 06, 06:11 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...
حياكم الله شيخنا، وكل عام وأنتم بخير وصحة وعافية ..
وجاء دور البابا
جرائم كرسي البابوية بحق الأمة الإسلامية
شريف عبد العزيز
نعم لقد عاد منصب البابوية ليمارس دوره التاريخي والريادي في قيادة الحرب الأبدية والمفتوحة ضد الأمة الإسلامية, هذا الدور الذي خفت صوته وإن بقي أثره مع قيام الثورة الصناعية في أوروبا ودخولها في طور العلمانية والماسونية المعادية, والتي تعادي الدين ممثلاً في الكنيسة, وذلك بعد الانحرافات الهائلة التي وقعت من قادة الكنيسة ورموزها, عاد كرسي البابوية لدوره القديم في توجيه وتدشين الحملات الصليبية من جديد على العالم الإسلامي, عاد البابا ليمنح صكوك الغفران وتذاكر دخول الجنة لمن يستجيب للنداء المقدس! ويذهب لشرب دماء المسلمين وخيراتهم, ولقد كنا أول من نبه على خطورة هذا البابا المحارب في المقال المعنون بـ'بعد اختيار بابا من ألمانيا هل ينتظر المسلمون حربًا صليبية جديدة؟! ', وذلك عند إعلان اختيار بينيدكت السادس عشر رأسًا جديدًا للكنيسة الكاثوليكية, وأن هذا البابا يضطرم بروح صليبية خالصة وعنيفة ضد الإسلام والمسلمين ستدفعه لا محالة للتحضير لحرب صليبية على العالم الإسلامي ربما تكون الأكبر والأعنف في تاريخ المسلمين وربما تكون أولى الملاحم المذكورة في السنن.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/296)
ونحن في هذا المقام لسنا بصدد تفنيد الأباطيل والأكاذيب التي حشا بها البابا محاضرته المشهورة عن الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم, فهي شبهات ممجوجة وترهات سبق لكثير من العلماء الأفذاذ أن ردوا عليها وأفحموا عباد الصليب وغيرهم فيها, ولكننا سنرد على هذا الدعي الكذاب شبهته التي حاول أن يعتذر بها عن إساءته المتعمدة للإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم, وذلك عندما قال: إن كلامي فهم بالخطأ, وإنني أريد من هذه المحاضرة أن أؤكد مفهوم نبذ العنف ضد الآخرين باسم الدين, وهو بذلك يريد أن يشوّه مفهوم الجهاد عند المسلمين ودوره البارز في نشر الإسلام وهداية البشر, ووصمه بالوحشية والتعصب, وردنا على هذه الفرية لا يكون بذكر منزلة الجهاد وقدره في الإسلام وأهدافه ودوافعه, فهي أمور قد قتلت بحثًا وتصنيفًا, وإنما يكون كشف زيف هذه الدعوى من الدعي بييندكت بكشف الدور التاريخي والبارز لكرسي البابوية في شن الحملات الصليبية ضد العالم الإسلامي من ألف سنة وحتى الآن.
أصل الحروب الصليبية:
ترجع فكرة الحروب ذات الطابع الديني الخالص لكرسي البابوية التي أضفت على الصراع الخالد بين المسلمين والنصارى صفة الصليبية المتعصبة, وخلال هذا الصراع الطويل برز العديد من الباباوات الذين كان لهم دور بارز في تأجيج المشاعر العدائية ضد الإسلام والمسلمين تمثلت في حملات صليبية عالمية على الأمة المحمدية منهم ما يلي:
البابا حنا العاشر:
يعتبر البابا حنا العاشر [914 - 928] أول من نادى بطرد المسلمين من الحوض الغربي للبحر المتوسط؛ بدءًا بجنوب إيطاليا وجزر البحر المتوسط وجنوب غربي فرنسا ثم إسبانيا, وهي الفترة التي كانت دولة الإسلام في الأندلس وقتها في أوج قوتها ومجدها تحت قيادة عبد الرحمن الناصر أول من تلقب بأمير المؤمنين في الأندلس, وكان البحارة المسلمون وقتها أيضًا مسيطرين على حوض البحر المتوسط وفتحوا الكثير من الجزر وهددوا روما نفسها بغارات قوية كادت واحدة منها أن تفتح روما وذلك سنة 324 هجرية, وكانت البابوية وقتها في حالة صراع مرير ضد الإمبراطور أوتو الكبير عطلت دعوات حنا العاشر وخططه نحو شن حرب صليبية ضد المسلمين.
البابا إسكندر الثاني:
يعتبر إسكندر الثاني [1061 - 1073] أول من استخدم فكرة صكوك الغفران كورقة لتحميس الأوروبيين على حرب المسلمين, وذلك عندما دعاهم سنة 1063م-455هـ لنجدة إخوانهم الإسبان في الأندلس من نير المسلمين, مع العلم أن المسلمين كانوا وقتها في أضعف حالاتهم تحت حكم ملوك الطوائف, وقد أسفرت هذه الدعوة عن واحدة من أشد المجازر البشرية روعة عندما شن نصارى أوروبا حربا صليبية بقيادة قائد فرسان البابوية على مدينة بربشتر في شرق الأندلس سنة 1064م-456هـ راح ضحيتها أربعون ألف مسلم ومسلمة غير آلاف الأسارى من البنات والصبيان.
البابا جريجوري السابع:
يعتبر البابا جريجوري السابع هو أكبر وأهم من تولى منصب البابوية في التاريخ الكنسي كله, وهو مؤسس فكرة الحملات الصليبية الشهيرة على العالم الإسلامي بالشام ومصر, وقد تولى البابوية خلفا لإسكندر الثاني سنة 1073م-466هـ, وهو بالمناسبة ألماني الأصل, وكانت ولايته للبابوية نقطة تحول فاصلة في حياة البابوية, إذ أصبح البابا من عهده هو سيد العالم النصراني وسيد أوروبا المطلق وصاحب السلطة الأكبر والأهم على نصارى العالم القديم, وقد أثبت ذلك في صراعه ضد الإمبراطور هنري الرابع الذي اضطر للتوجه إلي قلعة كانوسا حيث مقر إقامة البابا جريجوري السابع طلبًا لمغفرة البابا وصفحه بعد أن ثار عليه شعبه وقواده, وإمعانًا في إظهار السيادة والقوة تركه جريجوري ثلاثة أيام حافيًا عاري الرأس على الجليد حتى يرضي عنه, هذا البابا أول من أشعل الحملات الصليبية على الأمة الإسلامية, ولكن العمر لم يطل ليشهد انطلاق هذه الحملات حيث هلك سنة 1088م وترك ذلك لتلميذه النجيب أوربان الثاني.
البابا أوربان الثاني:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/297)
وقد أخذ على عاتقه إدخال الحملات الصليبية موضع التنفيذ, وقد قام بجولة أوروبية واسعة لحشد الرأي العام واستثارة الهمم الصليبية من أجل ذلك, ثم دعا لمؤتمر مصيري في كليرمونت بفرنسا في 27 نوفمبر سنة 1095م, وفيه أطلق صيحته الشهيرة [إنها إرادة الرب] , وأمر كل مسيحي ومسيحية بالخروج لنجدة القبر المقدس من أيدي الكفرة [يعني المسلمين] ثم أفاض في حديث مليء بالكذب والأباطيل عن الاضطهادات التي يتعرض لها النصارى والحجيج ببلاد المسلمين, فأدى ذلك لاشتعال روح حماسية عارمة بأوروبا نحو حرب المسلمين والخروج إلى بلادهم, وقد أرسل أوربان أحد الرهبان المتعصبين واسمه بطرس الناسك, وكان ذا موهبة خطابية فائقة, فطاف أوروبا بأسرها يدعو النصارى لمحاربة المسلمين, ونتيجة لخطب ومواعظ بطرس الناسك الحماسية والمليئة بالمؤثرات من بكاء وعويل وأكاذيب خرج مئات الآلاف من نصارى أوروبا استجابة لنداء البابا ورغبة في المغفرة ودخول الجنة بزعمهم, وذلك بلا نظام ولا ترتيب ولا قيادة, وهي الحملة المعروفة باسم حملة الرعاع والتي أبادها السلاجقة، ومؤرخو أوروبا يغفلون ذكر هذه الحملة ولا يعدونها من ضمن الحملات الصليبية، ثم تلت هذه الحملة الفاشلة حملة الأمراء وكان معظمهم من فرنسا وقدرت بمليون مقاتل صليبي وذلك سنة 1099 م _ 490 هـ, وهي الحملة التي تنجح في إقامة أربع إمارات صليبية بالشام وذلك بطرابلس وأنطاكية وبيت المقدس والرها, وذلك بعد سفك دم قرابة المليون مسلم ومسلمة، والجدير بالذكر أن أوربان الثاني قد هلك قبل أن يفرح بنجاحات الحملة بأرض الشام.
البابا أوجينيوس الثالث:
وكان يعتلي كرسي البابوية سنة 1144 م ـ 539 هـ عندما استطاع الأمير المجاهد عماد الدين زنكي أن يفتح الرها، فأصدر أوجينيوس الثالث مرسوماً داعياً أوروبا لحملة صليبية جديدة على بلاد الإسلام للثأر للدين الحق بزعمه! وقد أطلق على هذا المرسوم عنوان [قدر الأسلاف] , وبالفعل استجاب لويس السابع وكويزاد الثالث ملكا فرنس وألمانيا لنداء البابا وشنا الحملة الصليبية الثانية والتي تحطمت على أبواب دمشق سنة 543 هـ ـ 1148م.
البابا باسكوال الثاني:
وهو الذي أنشأ جماعة فرسان المستشفى, والمعروفة في المراجع العربية بالإسبتارية, وذلك سنة 1113 م ـ 509 هـ وكانت في البداية رعاية مرضى حجاج بيت المقدس وخدمتهم ثم تحولت لجماعة حربية شديدة البأس والتعصب تحت قيادة الراهب الإيطالي جيرار الملقب بحامي فقراء المسيح.
البابا كالكتس الثاني:
وهو الذي أنشأ جماعة فرسان معبد سليمان أو الداوية كما هو معروف في المراجع العربية, وكانت مهمتهما حماية طريق الحجاج، وهذه الجماعة من أشد الجماعات الصليبية تعصباً وحقداً على المسلمين وحماسة في قتالهم، وهذه الجماعة وسابقتها عملت على تنمية الروح الصليبية الخالصة ونشر فكرة التطوع ونذر النفس لمحاربة المسلمين، وكانت تقوم على فكرة المزج بين الرهبنة والجندية, ومعظم فرسانها من الرهبان والقساوسة, وكان المسلمون إذا ظفروا بأي أسير من هاتين الجماعتين قتلوه فوراً لكثرة جرائمهم ووحشيتهم ضد المسلمين، وكانت هاتان الجماعتان تحت الإشراف المباشر لبابا روما, ولهما من الامتيازات والإقطاعات ما يكفيهم عن العمل والتفرغ لقتال المسلمين.
البابا جريجوري الثامن:
بعد أن حقق المسلمون بقيادة صلاح الدين انتصارهم العالمي وحرروا بيت المقدس سنة 583 هـ ـ 1187م، خرّ ميتاً من هول الصدمة البابا أوربان الثالث، وخلفه البابا جريجوري الثامن وكان شيخاً كبيراً, ولكنه سعى بكل جهده لشن حملة صليبية ثالثة على العالم الإسلامي, فأرسل خطاباً عاماً لنصارى أوروبا ووعدهم فيه بالمغفرة الكاملة لجميع خطاياهم، وفرض عليهم صياماً في كل يوم جمعة على مدى خمس سنوات قادمة، وفرض عليهم ضريبة تقدر بـ10% من دخولهم عرفت باسم ضريبة صلاح الدين, والامتناع عن أكل اللحوم في أيام السبت والأربعاء من كل أسبوع، وقد أدى هذا الخطاب لحماسة جارفة عمت أنحاء أوروبا أسفرت عن الحملة الصليبية الثالثة والمعروفة باسم حملة الملوك.
البابا أنوسنت الثالث:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/298)
تولي البابا أنوسنت الثالث كرسي البابوية سنة 1198م ـ 595 هـ وكان صغيراً نوعاً ما مقارنة لمن سبقوه من الباباوات، وهذا البابا أحدث تغيرات خطيرة وجذرية بمكانة كرسي البابوية أشبه ما يكون بجريجوري السابع، حيث كان يرى أن البابا يجب أن يكون صاحب سلطة روحية وزمانية أو نوعاً من القسيس الملك، ورفض أن يكون دور البابا منحصراً في مجرد الدعوة للحملات الصليبية ومنح صكوك الغفران، بل يجب أن يكون الأمر كله تحت سيطرة البابوية، لذلك كان أنوسنت الثالث أكثر الباباوات محاربة للمسلمين وشناً للحملات الصليبية ضدهم، وهو أول من حول دفة الهجوم من الشام إلى مصر مركز الثقل في العالم الإسلامي وقتها، وبالفعل أثمرت جهود أنوسنت الثالث لشن الحملة الصليبية الرابعة وذلك سنة 600هـ ـ 1204م والتي تعتبر أفشل الحملات الصليبية؛ حيث توجهت للقسطنطينية عاصمة بيزنطة بدلاً من بلاد الإسلام، وذلك بسبب العداء المذهبي بين البيزنطيين الأرثوذكس والفرنجة الكاثوليك.
ورغم هذا الفشل الذريع لأنوسنت الثالث في الحملة الرابعة إلا أنه عاد وأرسل حملة أخرى سنة 1216 م ـ 612هـ, وقد اختار هذه السنة تحديداً بناءً على تفسيره المحرف لبعض نصوص الكتاب المحرف عندهم، حيث كان يفسر ما ورد في سفر الرؤيا من أن عدد سنوات عمر الوحش هو 666 والوحش في تفسيره هو الإسلام، وإذا كان ظهور الإسلام بحسابه سنة 622 ميلادية و666 تكون السنة التي توقع فيها نهاية الإسلام سنة 1288م؛ لذلك كان أنوسنت على يقين بأن حملته ستقرب المسلمين والإسلام من هذه النهاية, ولكنه سرعان ما هلك سنة 1216م قبل أن تتم الاستعدادات لهذه الحملة, وكان هلاكه بشرى كبيرة للمسلمين فإنه من أهم وأخطر الشخصيات التي تولت كرسي البابوية, وكان النصارى في أوروبا يقولون عنه: [إنه أدنى من الله وأعلى من البشر، قاضي القضاة الذي لا يقاضيه أحد].
هونريوس الثالث:
وهو الذي خلف البابا أنوسنت الثالث وسار على نهجه واستكمل الدور الذي بدأه في شن الحملة الصليبية الخامسة على المسلمين, وتأكيدًا لسياسة أنوسنت الثالث أرسل هونريوس مبعوثًا من طرفه هو الكاردينال البرتغالي 'بلاجيوس' لقيادة الحملة, ليس فقط روحيًا وإنما أيضًا عسكريًا وميدانيًا, وكان بلاجيوس هذا تلميذًا نجيبًا لأنوسنت الثالث يؤمن بكل مبادئه, ويفيض كراهية وكرهًا على المسلمين, شديد الإيمان بفكرة الحروب الصليبية, ولكنه كان لا يصلح بالمرة للقيادة العسكرية, فهو ضيق الأفق, عديم الخبرة, مستبد, مغرم بنفسه, شديد العناد, وهي خصال كلها كانت متوافرة في أستاذه أنوسنت, وأيضًا هي الخصال التي ستؤدي لفشل الحملة التي قادها على دمياط سنة 1221م-618هـ.
جريجوري التاسع:
وهذا البابا يعتبر تجسيدًا حقيقيًا وواضحًا عن النفسية البابوية المليئة بالحقد والكراهية للإسلام والمسلمين, ذلك أن أكبر ملوك أوروبا وقتها وهو الإمبراطور 'فريدريك الثانى' قد تلكّأ في الخروج لقتال المسلمين بسبب عدم اقتناعه بفكرة الحروب الصليبية بالكلية, ما حدا بالبابا أن يصدر مرسومًا بالحرمان الكنسي والطرد من الرحمة بحقه وذلك سنة 1227م-624هـ, وأجبره على الخروج في حملة صليبية على بلاد الإسلام, وهي الحملة السادسة, ولقد استطاع فريدريك أن يستولي على بيت المقدس عن طريق التفاوض مع ملك مصر الذليل الجبان 'محمد الكامل الأيوبي', وذلك من غير ضربة سيف واحدة, فما كان من جريجوري التاسع إلا أن أصدر قرارًا ثانيًا بحرمان فريدريك من الجنة! وأطلق عليه لقب الزنديق الأكبر, وقال كلمته الشهيرة والتي تعبر بصدق عن النفسية الحاقدة على الدين وأهله: إن الملوك الصليبيين يذهبون لسفك دماء المسلمين, وليس للتفاوض معهم. وبعدها شنت البابوية حربًا لا هوادة فيها ضد أسرة فريدريك كلها وأبادتها بالكلية, ودبرت عدة محاولات لاغتيال فريدريك ولكنها باءت بالفشل, وذلك كله لأن فريدريك رفض الانصياع لأوامر البابا في قتال المسلمين.
أنوسنت الرابع:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/299)
وهو أول بابا في تاريخ البابوية يفكر في تشكيل حلف نصراني – وثني ضد العالم الإسلامي, وذلك عندما أرسل إلى خان المغول يعرض عليه مشروعًا شريرًا لمحاربة العالم الإسلامي والجهتين الشرقية والشمالية من أجل إبادة المسلمين بالكلية, وقد أوفد البابا الشرير من أجل استمالة المغول المئات من الأوربيات الزانيات من أجل إغواء المغول كخليلات وعشيقات, وكان لهذا السلاح مفعول السحر خاصة أيام الطاغية هولاكو, ولكن هذه المحاولات ورغم كثرتها وتأثيرها الجزئي إلا أنها فشلت في النهاية بسبب إصرار الخان على خضوع البابا والأوروبيين له ودفع الجزية السنوية له.
ولما فشلت مساعي أنوسنت الرابع اتجه نحو إعلان حرب صليبية جديدة على العالم الإسلامي كانت الأكبر والأفضل تنظيمًا وتسليحًا وقيادة؛ إذ ندب لقيادة الحملة ملك فرنسا 'لويس التاسع' وخلع عليه لقب قديس, وكان لويس التاسع شديد الإيمان بفكرة الحروب الصليبية ووجوب محاربة المسلمين, وذلك سنة 1249 م ـ 647 هـ، ولكن هذه الحملة كان مصيرها الفشل الذريع كسابقتها.
بعد ذلك عمت روح من الفتور في أرجاء أوروبا وفقدت البابوية حماستها المتقدة, وانشغل الباباوات خلال هذه الفترة بمشاكلهم الداخلية مع قادة الدول الأوروبية والصراع ضد أسرة الهوهنشتاوفن الألمانية والحركات الإلحادية في جنوب فرنسا، باستثناء المحاولات التي قام بها البابا كليمنت الرابع وخليفته نيكولاس الرابع من أجل تشكيل حلف بين المغول والصليبيين للتصدي لدولة المماليك القوية الآخذة في النمو والتمدد نحو الشام وحدود العراق, وذلك سنة 1267م ـ 1274م.
وظل الأمر هكذا حتى ظهرت الدولة العثمانية في منطقة الأناضول, وذلك في أوائل القرن الثامن الهجري وأواسط القرن الرابع عشر الميلادي.
البابا كليمانس السادس:
وهو أول الباباوات دعوة لتكوين حلف صليبي مقدس! ضد الدولة العثمانية الناشئة في آسيا الصغرى أو الأناضول, وذلك سنة 1344م ـ 744 هـ, وكانت الاستجابة في بدايتها ضعيفة ومحدودة، ولكنها مع الوقت أخذت في التوسع والازدياد، خاصة مع الحماسة الدينية المتأججة في قلوب ملوك قبرص التي أصبحت من أخطر البؤر الصليبية على الإسلام والمسلمين في هذه الفترة.
البابا أوربان الخامس:
ويعتبر أوربان الخامس أول الباباوات الداعين لحرب صليبية ضد العثمانيين ولكن بجنود من النصارى الأرثوذكس, وذلك سنة 1364 هـ ـ 765 هـ، وذلك أن إمبراطور بيزنطة وقتها قد تحول للمذهب الكاثوليكي من أجل إغراء البابا والدول الأوروبية الكاثوليكية بمساعدته ضد قوة العثمانيين المتنامية, وذلك أيام السلطان مراد الأول، وقد استجاب لدعوة أوربان الخامس كل من لويس ملك المجر وبولندا وأمراء البوسنة والصرب ورومانيا وشكلوا حلفاً صليبياً مقدساً، ولكن هذا الحلف مني بهزيمة ساحقة عند نهر مارتيزا بالقرب من أدرنة، وهذه الهزيمة الكبيرة جعلت أوربان يجن جنونه ويكلف ملك قبرص الصليبي واسمه [بطرس الأول] بغزو ميناء الإسكندرية وإيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية فيها، وكان بطرس شديد الصليبية والإيمان بوجوب قتال المسلمين, فاستجاب على الفور لدعوة البابا وقاد حملة صليبية نزلت بالإسكندرية سنة 1365م ـ 767 هـ, وارتكبت هذه الحملة مجزرة بشرية مروعة راح ضحيتها عشرات الآلاف من أهل الإسكندرية, ثم غادرها بطرس مسرعاً قبل أن يقوم المسلمون بنجدة المدينة, وكما قال المؤرخون [دخل الإسكندرية لصاً وخرج منها لصاً].
البابا بونيفاس التاسع:
وهو البابا الذي كان معاصراً للفتوحات العظيمة التي قام بها السلطان مراد الأول ثم خليفته بايزيد الصاعقة الذي حقق انتصارات باهرة على الجبهة الأوروبية جعلته يسيطر على معظم أجراء البلقان ويحكم حصاره على القسطنطينية، ما دعا بالبابا يونيفاس التاسع إلى أن يعلن حلفًا صليبيًا فيه كل الأوروبيين الكاثوليك والأرثوذكس, وكان الأكبر في القرن الرابع عشر والأضخم في تاريخ الصراع بين الصليبيين والعثمانيين, وذلك سنة 800هـ ـ 1396م, ولأول مرة يقاتل الكاثوليك جنباً إلى جنب مع الأرثوذكس ضد المسلمين، ولقد انتصر بايزيد على هذا الحلف الصليبي الضخم في معركة نيكوبوليس انتصاراً رائعاً وقال بايزيد مقولته الشهيرة: [سأفتح إيطاليا وسأطعم حصاني هذا الشعير في مذبح القديس بطرس بروما] , وهي المقولة التي أدخلت الرعب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/300)
والفزع في قلوب نصارى أوروبا عموماً وكرسي البابوية خصوصًا.
البابا أوجين الرابع:
وهذا البابا ترجمة عملية للغدر والخيانة ونقض العهود، وذلك أن الدولة العثمانية كانت قد وقّعت معاهدة سلام لمدة 10 سنوات مع الدول الأوروبية, وذلك سنة 1442م ـ846 هـ, ولم يكن أوجين الرابع راضيًا عن هذه المعاهدة, فأرسل من طرفه الكاردينال الإيطالي الشرير 'سيزاريني' فطاف على ملوك أوروبا وحرّضهم على نقض المعاهدة مع العثمانيين وأحلهم من وزر ذلك, واصطحب معه صكوك غفران موقعة من البابا أوجين الرابع لكل من يشترك في هذه الحملة, فاستجاب لندائه كل ملوك أوروبا وعلى رأسهم 'لاديساس' ملك المجر، وكانت أخبار اعتزال مراد الثاني الحكم لابنه محمد الثاني، ثم تفرغه للعبادة قد وصلت لأوجين الرابع, فقرر استغلال الفرصة للهجوم على العالم الإسلامي, وذلك سنة 1448م ـ 852 هـ، ولكن مؤامراته الشريرة تحطمت تحت سيوف العثمانيين الذين أنزلوا هزيمة ساحقة على التحالف الصليبي، وقتل 'لاديساس' في المعركة ومعه الكاردنيال الشرير 'سيزارينى'.
البابا نيقولا الخامس:
وهو البابا الذي كان من قدره أن يكون على كرسي البابوية سنة 1453م ـ 857 هـ, وهي سنة فتح القسطنطينية على يد العثمانيين بقيادة محمد الفاتح، فحاول نيقولا الخامس توحيد الصف النصراني المتشرذم ودعا إلى مؤتمر دولي في روما لشن حرب صليبية جديدة على المسلمين لاسترجاع القسطنطينية, ولكنه فشل في ذلك, فأصيب بالهم والحزن وقتله الكمد سنة 1455م، وحاول خليفته بيوس الثاني تأجيج المشاعر الصليبية بكل ما أوتي من مقدرة خطابية وحنكة سياسية, ولكنه فشل بسبب الخلافات الداخلية بين الدول الأوروبية, والعجيب والمضحك في نفس الوقت أن بيوس الثاني قد أرسل بخطاب للسلطان محمد الفاتح يدعوه فيها إلى دخول النصرانية ودعمها, ووعده بأنه سيكفر عنه خطاياه إن هو أعتنق النصرانية مخلصاً!
البابا جويلس الثاني:
وهو الذي شكل حلفًا صليبيًا ضد العثمانيين أيام السلطان بايزيد الثاني مستغلاً حالة الصراع على الحكم بين بايزيد الثاني وأخيه الأمير 'جم', فكلف البولنديين بالهجوم على مولدافيا التابعة للعثمانيين، وشجع الرومانيين على الثورة على العثمانيين في غرب البلاد, وضم لهذا الحلف فرنسا والمجر وإيطاليا.
البابا إسكندر السادس:
وهو البابا الذي اشترى الأمير 'جم' من فرسان القديس يوحنا, وكان أسيراً عندهم في جزيرة رودوس, وساوم عليه أخاه السلطان بايزيد الثاني من أجل وقف المساعدات عن مسلمي الأندلس, ووقف تهديدات العثمانيين لسواحل اليونان، ولكن بايزيد رفض هذه المساومة الرخيصة، فما كان من إسكندر السادس إلا أن قتل الأمير 'جم', ثم دعا إلى حلف صليبي جديد ضد العثمانيين اشتركت فيه فرنسا وإسبانيا, وذلك سنة 1499 م ـ 905 هـ، فرد بايزيد بكل قوة على هذه الجريمة الصليبية بنصر بحري كبير على البنادقة في خليج لبياتو.
البابا بيوس الخامس:
خلال فترة حكم السلطان سليم الأول وولده سليمان القانوني بلغت الدولة العثمانية أوج قوتها واتساعها, وذلك من سنة 918هـ ـ 1512م حتى سنة 974هـ ـ 1566م، وكانت أوروبا وقتها تعيش حالة من الفوضى والصراع السياسي والديني وانقسامات كبيرة فـ'فرنسوا الأول' ملك فرنسا ينافس الإمبراطور شارلكان على كرسي الحكم للإمبراطورية الرومانية المقدسة! وكان الراهب الألماني مارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتي ينافس بابا الكاثوليك ليو العاشر، وهذه الصراعات المتأججة مع قوة العثمانيين المتنامية عطلت الحروب الصليبية عند كرسي البابوية.
وفي نفس السنة التي مات فيها سليمان القانوني تولى فيها كرسي البابوية رجل في غاية الخطورة وهو بيوس الخامس الذي وضع مشروعاً بابوياً لجمع شمل الدول الأوروبية المتنافسة وتوحيد قواها براً وبحراً تحت قيادة البابوية, كما كان الحال أيام أنوسنت الثالث، واستطاع بيوس الخامس أن يقنع ملك فرنسا شارل الخامس بنقض عهوده مع العثمانيين، وازدادت وتيرة الإعداد لحرب صليبية جديدة بعد نجاح العثمانيين في فتح جزيرة قبرص سنة 979هـ ـ 1571م، وبالفعل نجحت الحملة الصليبية البابوية التي كان يقودها الأمير 'دون خوان', وهو أخ غير شرعي لملك إسبانيا فيليب الثاني، وهو أيضاً الذي قضى على ثورة المسلمين في غرناطة قبل ذلك بثلاث سنوات، نجح في هزيمة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/301)
الأساطيل العثمانية في معركة ليبانتو سنة 979هـ ـ 1571م، وكانت أول هزيمة بحرية ينالها العثمانيون منذ أكثر من 100 سنة، ما جعل الأوروبيون يهللون لهذا النصر الكبير, وقام بيوس الخامس بعمل قداس خاص بالمناسبة افترى فيه على الله عز وجل الكذب وقال: [إن الإنجيل قد عنى دون خوان نفسه حيث بشّر بمجيء رجل من الله يدعي حنا].
وبعدها حاول بيوس الخامس الاتصال بأعداء العثمانيين مثل شاه الصفويين طهماسب وملك الحبشة وإمام اليمن، وسرت روح صليبية خالصة في العالم الأوروبي وفورة حماسية شديدة ضد العالم الإسلامي.
جريجوري العاشر:
بعد انتصار ليبانتو سنة 979هـ ـ 1571م لم يحقق الصليبيون انتصارات كبرى على العثمانيين زعماء العالم الإسلامي، وسرت روح من الفتور في الجانبين وانشغل كلاهما بمشاكله الداخلية وصراعاته الإقليمية، وظل الأمر على هذا المنوال حتى تولي كرسي البابوية 'جريجوري العاشر' وعلى ما يبدو أن أي بابا يتلقب بهذا اللقب عادة يكون ذا طموحات صليبية خطيرة ضد العالم الإسلامي، فمنذ أن تولي جريجوري العاشر المنصب أخذ في الدعوة إلى تشكيل حلف مقدس ضد العثمانيين, مستغلاً حالة الفوضى داخل الدولة العثمانية نتيجة تولي السلطان محمد الرابع السلطنة وكان ابن سبع سنوات، وقد قرر جريجوري الاستفادة من قوة روسيا القيصرية الصاعدة فضمها للحلف على الرغم من أن الروس أرثوذكس، وكذلك ضم في حلفه النمسا رغم عصيان ملوكها الدائم لأوامر البابوية, ولكن وجود أسرة كوبريلي في منصب الصدارة العظمى داخل الدولة العثمانية عطل مشروع جريجوري العاشر حتى جاء خلفه حنا الخامس عشر, والذي استغل فشل الجيوش العثمانية في فتح فيينا عاصمة النمسا سنة 1094هـ ـ 1681م في تأجيج مشاعر العداء الصليبي ضد العالم الإسلامي, وكان هذا التاريخ هو تاريخ تحول كفة الصراع لصالح الصليبيين، وأيضاً تاريخ خفوت صوت البابوية وبروز نجم روسيا القيصرية التي ستدخل في حرب صليبية طويلة وشرسة نيابة عن العالم الصليبي ضد الدولة العثمانية زعيمة العالم الإسلامي.
وفي هذه الفترة ظهرت الثورة الصناعية وما صاحبها من محافل ماسونية وأفكار علمانية تحارب الدين ممثلاً في الكنيسة وحصلت حالة من الفصام النكد بين الدين والحياة في أوروبا، وأصبح دور البابا منحصراً في الجوانب الروحية، بل تعرض منصب البابوية نفسه للإلغاء أيام حكم موسوليني في إيطاليا, ولكن الحقيقة الثابتة والتي لا يستطيع أحد أن يجادل فيها أو يحاول أن يخفيها أن أثر البابا ظل باقياً في كل الحروب والصراعات التي نشبت بعد ذلك بين العالم الإسلامي وأعدائه الغربيين، فلقد كان الطابع الصليبي والحقد الديني بارزاً في كل هذه الحروب والصراعات، وعشرات السنيين التي جثم خلالها الغرب على العالم الإسلامي في صورة احتلال كانت الصليبية والعداوة الدينية طافحة في كافة أعمال وتحركات الغرب، والمجازر الوحشية والمروعة التي قام بها الاحتلال الفرنسي في الجزائر والمغرب ودول غرب إفريقيا ومثيلتها التي قام بها الاحتلال الروسي في القوقاز ووسط آسيا، وغير ذلك كثير يعتبر خير دليل على الحقد الصليبي الطافح في هذه الحروب, والذي يرجع الفضل الأول في إبرازه وتأجيجه ثم تثبيته لكرسي البابوية.
ثم في الوقت الحاضر ماذا يسمي المشئوم بينيدكت السادس عشر حرب البوسنة والمجازر المروعة التي قام بها الصرب الكفرة بحق مسلمي البوسنة, حيث ذبحوا قرابة النصف مليون مسلم, وما قام به الروس الكفرة في حروب الشيشان بحق مسلمي القوقاز، وما يسمى حروب أمريكا على أفغانستان ثم العراق وما يسمي حرب لبنان ونيجيريا وساحل العاج وإندونيسيا الداخلية, حيث وثب النصارى في هذه البلاد على مسلميها وارتكبوا سلسلة من المجازر المروعة والتي يندى جبين البشرية لمثلها.
فهل يعقل أو يصح بعد ذلك أن يتكلم عن الحرية ونبذ العنف باسم الدين من يجلس على كرسي غارق في الدماء, ويد أسلافه ملطخة بدماء المسلمين عبر سنوات الصراع الأبدي بين الكفر والإيمان.
وعلى ما يبدو أن دور كرسي البابوية قد عاد ليطل برأسه من جديد ليتبوأ مكانه الريادي في قيادة العالم النصراني في حربه المستمرة ضد العالم الإسلامي, وما يدرينا لعل هذا البابا المحارب سيكون شرارة البدء لسلسلة الملاحم الكبرى التي ستقع في آخر الزمان بين الروم والمسلمين. الله أعلم!!
منقول عن مفكرة الإسلام:
http://www.islammemo.cc/historydb/one_news.asp?IDnews=533
وجزاكم الله خيرا.
ـ[المستشار]ــــــــ[27 - 10 - 06, 12:04 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...
حياكم الله شيخنا، وكل عام وأنتم بخير وصحة وعافية ..
..................
وجزاكم الله خيرا.
وجزاكم الله خيرًا أستاذي الفاضل وأدام توفيقكم لكل خير، وكل العام وأنتم بخير وصحة وعافية وخير من الله غزير.
وجزيتم خيرًا على المرور والإفادة.
ولا حرمنا الله من أفضالكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/302)
ـ[عمر الإمبابي]ــــــــ[03 - 11 - 06, 03:49 ص]ـ
"وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم"
(متى 5: 44)
- الحرب الصليبية الأولى (1095 - 1099):
" وفي الخامس عشر من يولية تسلقوا - أي الصليبيين - أسوار المدينة - أي بيت المقدس -، وتم لهم النصر على حامية من ألف رجل، فكان أن قطعت رءوس عدد كبير من المسلمين، وقتل غيرهم رمياً بالسهام، أو أرغموا على أن يلقوا بأنفسهم من فوق الأبراج، وظل بعضهم يعذبون عدة أيام، ثم أحرقوا في النار .. وكان النساء يقتلن بالسيوف والحراب، والأطفال الرضع يختطفون من ثدي أمهاتهم، ويقذف بهم من فوق الأسوار، أو تهشم رءوسهم بدقها بالعمد، وذبح السبعون ألفاً من المسلمين الذين بقوا في المدينة، أما اليهود الذين بقوا أحياء، فقد سيقوا إلى كنيس، وأشعلت فيهم النار وهم أحياء "
(قصة الحضارة، ول ديورانت / مج 4 ج 4 ص 14 - 25)
- الحرب الصليبية الثالثة (1189 - 1192):
وأصبح ريتشارد (قلب الأسد) القائد الوحيد للحملة الصليبية الثالثة، وكان - كما قال جوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) - أول ما بدأ به أنه قتل ثلاثة آلاف أسير سلموا أنفسهم له، بعد أن قطع على نفسه العهد بحقن دمائهم، ثم أطلق لنفسه العنان باقتراف القتل والسلب مما أثار صلاح الدين الأيوبي النبيل الذي رحم نصارى القدس فلم يمسهم بأذى، بل بذل الأمان للصليبيين - كما قال يورجا صاحب (تاريخ الحروب الصليبية) - ووفى لهم بجميع عهوده.
- في سنة 897 أمر البابا استيفن السادس أن تخرج جثة البابا فورموس (891 - 897) من قبرها، وترتدي الملابس الأرجوانية، وتحاكم أمام مجلس كنسي، بتهمة مخالفتها بعض قوانين الكنيسة، ثم يحكم بإدانتها، وتجرد من ثيابها الكهنوتية، وتبتر بعض أعضائها، وتلقى في نهر التيبر.
- وقد أجاز إنوسنت الرابع 1252 التعذيب، للحصول على الاعتراف، حيث يكون القضاة واثقين منجرم المتهم، ثم أجازه من جاء بعده من الأحبار.
كان التعذيب يستخدم في كثير من الأحيان لإرغام الشهود على أداء الشهادة، أو لإجبار الضال المعترف على الإدلاء بأسماء غيره من الضالين.
وكان من أنواع التعذيب الجلد، والكي بالنار، والتعذيب بالعذراء (آلة تمط الجسم)، والسجن الأنفرادي في جب مظلم ضيق، وكانت قدما المتهم توضعان أحياناً على الفحم المتقد، أو كان يشد إلى إطار على شكل مثلث، ثم تجذب يداه وساقاه بالحبال الملفوفة حول آلة لاوية، وكان إطعام السجين يقلل أحياناً حتى يضعف جسده وإرادته، فيؤثر فيه الوعد والوعيد.
- واحتفل بأول محرقة أثمرتها محكمة التفتيش في منطقة أشبيلية في 6 فبراير 1481، بإحراق ستة من الرجال والنساء. وما إن جاء الرابع من نوفمبر للعام نفسه حتى كان قد أحرق 298 فردا، وسجن مدى الحياة تسعة وسبعون.
- وقد قدر ليورنت الأمين العام لمحكمة التفتيش (1789 - 1801) أن ضحايا محكمة التفتيش بين سنتي 1480 و 1488 بلغوا ثمانية آلاف وثمانمائة أحرقوا، و 96.490 عوقبوا، وبين سنتي 1480 و 1508 أحرق 31.912، وحكم بعقوبات صارمة على 291.094.
عن كتاب مسيحية بلا مسيح، للدكتور كامل سعفان.
ـ[المستشار]ــــــــ[08 - 11 - 06, 09:55 ص]ـ
أدام الله توفيقكم أستاذي الفاضل عمر.
وفي انتظار المزيد مِن مثل هذه النصوص نفع الله بكم وبارك فيكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(35/303)
ماهي ضوابط العذر بالجهل؟
ـ[المعلمي]ــــــــ[25 - 09 - 06, 01:42 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا السؤال حيرني كثيرا ..
فبعضهم تعرض عليه هذا الدين، فيرد عليك بأنه لم يقتنع؟!!
هل يعذر هذا بجهله إن تحقق في الباطن أنه غير معاند؟
ـ[أحمد العاني]ــــــــ[25 - 09 - 06, 03:58 م]ـ
حول ضابط العذر بالجهل:
اجتماع الجيوش الإسلامية لغزو معطلة تكفير عباد الأوثان و القبورية ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=2766&highlight=%DD%D6%ED%E1%C9+%C7%E1%D4%ED%CE+%D1%C8%E D%DA)
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[25 - 09 - 06, 07:42 م]ـ
س1/ يقول: ما الفرق بين قيام الحجة و بين فهم الحجة؟ وهل من لم يفهم الحجة يُعاقب على ما لم يفهمه؟ أفدني.
ج/ ذكرنا الفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة في أجوبة أسئلة وكذلك فصّلناه في كشف الشبهات، فأنا أريد الأخ السائل أنه يرجع إلى شرح كشف الشبهات ليستفيد أولاً ثمّ ينظر إلى هذا الموضوع.
وخلاصة الكلام أن فهم الحجة ليس بشرط، وأما قيام الحجة فهو شرط في التكفير ووقوع العذاب.
و فهم الحجة يُراد منها -يعني الذي ليس بشرط-، يراد منه أن يفهم أنّ هذه الحجة أرجح مما عنده من الحجج، المهم أن يفهم الحجة ودِلالة الحجة من كلام الله جلّ وعلا وكلام رسوله (وأن تُزال أو يُبيَّن له بطلان الشبهة تلك التي عنده.
وليس من شرط قيام الحجة أن يفهم الحجة كفهم أبي بكر وعمر والصحابة الذين نوّر الله قلوبهم، ولا من نوّر الله قلبه ممن تبعهم بإحسان؛ لأنه لو قيل بفهم الحجة هنا، صار لا يكفر إلا من عاند، يعلم أن هذه الحجة وعليه يفهم الحجة ويفهم أنها صحيحة ويفهم أنها راجحة ومع ذلك لا يستجيب فهذا يعني أنه معاند، والله جلّ وعلا بيّن في القرآن أن منهم من لم يفقه أصلا قوله كقوله جلّ وعلا ?وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ? (190)، يعني أن يفهموه فهم الحجة كما فهمها من أراد الله جلّ وعلا هدايته.
وهناك قسم آخر من فهم الحجة، الذي هو فهم اللسان، فهم اللسان هذا لا بد منه ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ? [إبراهيم:4]، فلا بدّ أن يفهم وجه الحجة باللّسان الذي يتكلم به، لكن يفهم أن حجته هذه أرجح من الحجة التي عنده، أو أنها أقوى من الشبهة التي عنده ونحو ذلك فهذا ليس بلازم، المهم أن توضح بشروطها الكاملة.
وهذه يقوم بها العلماء فتختلف مسألة قيام الحجة وفهم الحجة بحسب نوع الشبهة التي تَعرِض، فمثلا الإستغاثة بالله جلّ وعلا ليست في قيام الحجة كالإستغاثة بالله جلّ وعلا وحده وأن الإستغاثة بغيره شرك أكبر ليست في قيام الحجة وفي مسألة فهمها مثل مسألة طلب الشفاعة من النبي عليه الصلاة والسلام، فهذه مسألة ربما حصل فيها نوع اشتباه عند من لم يعلم، وتلك واضحة بيّنة.
فإذن مسألة قيام الحجة تختلف بإختلاف نوع قيام الحجة وكيف تقام الحجة وبما تقام وتختلف بما يُبيّن المسألة إلى آخره.
الشيخ صالح آل الشيخ - شرح الطحاوية-.
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[25 - 09 - 06, 09:44 م]ـ
وهذا مبحث بحثه علماء الدعوة والعلماء قبلهم هل فهم الحجة شرط أم ليس بشرط والله جل وعلا قال في كتابه ?وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ? (63) يعني جعلنا على قلوبهم أكنة أغطية وحجب أن يفهموا هذا البلاغ وهذا الإنذار (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ) فدل على أن المشرك لم يفقه الكتاب ولم يفقه السنة يعني لم يفهم.
وتحقيق المقام هنا لأن بعض الناس قال كيف لا تشترطون فعهم الحجة وكيف تقام الحجة إلى فهم، وتفصيل الكلام هنا أن فهم الحجة نوعان:
النوع الأول فهم لسان.
والنوع الثاني فهم احتجاج.
أما فهم اللسان فهذا ليس الكلام فيه فإنه شرط في بلوغ الحجة لأن الله جل وعلا قال ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ? [إبراهيم:4]، والله جل وعلا جعل هذا القرآن عربيا لتقوم الحجة به على من يفقه اللسان العربي.
وإذا كان كذلك فإن فهم اللسان هذا لابد منه؛ يعني إذا أتاك رجل يتكلم بغير العربية فأتيت بالحجة الرسالية باللغة العربية، وذاك لا يفهم منها كلمة، فهذا لا تكون الحجة قد قامت عليه بلسان لا يفهمه، حتى يَْبُلَغُه بما يفهمه لسانه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(35/304)