وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل قوله {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} لما ذكرنا من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، فإن ما قاله مجاهد من أن الله يُقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التابعين بإحالة ذلك ا. ه
ونقله عنه الإمام القاسمي في تفسيره (10/ 274) وأقره عليه وعلق على إنكار الواحدي وقال: ليته اطلع أي الواحدي على ما كتبه ابن جرير حتى يمسك من جماح يراعه ويبصر الأدب مع السلف مع المخارج العلمية لهم ا 0 هـ
ونقله الحافظ ابن حجر بتمامه في فتح الباري (11/ 435) وأقره عليه وقال: ان الواحدي قد بالغ في رد هذا القول
ونقل عن ابن عطية انه هو كذلك إذا حمل على ما يليق به ا 0 هـ
وقال القسطلاني في شرح المواهب اللدنية (8/ 367): أن ما روى عن ابن مسعود أن الله يقعد نبيه على العرش هذا له حكم الرفع إذ لا دخل للرأي فيه وابن مسعود ممن يأخذ عن أهل الكتاب ا 0 هـ
ونقل ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز (9/ 171) عن النقاش المفسر عن أبي داود صاحب السنن أنه قال: من أنكر هذا القول فهو متهم أي أنكر جوازه على تأويله ا 0 هـ
قال القسطلاني في شرح المواهب (8/ 368) أي متهم بعدم المعرفة لأنه أنكر شيئاً ثابتاً بمجرد ما قام في عقله ولم ينفرد به مجاهد بل جاء عن ابن مسعود وابن عباس وهذا له حكم الرفع ا 0 هـ
والمقصود ان هذا لم يقل به ابن القيم وحده بل نقل عن جمع من العلماء والمسألة لا تحتاج هذا النكير.
فإن قيل أن العلماء قد تأولوا ذلك قلنا وما يدريك عن ابن القيم فهو لم يزد على النقل وانظر ما قاله الخفاجي بنسيم الرياض شرح شفا القاضي عياض (2/ 343)
وقال ملا علي قاري في شرح شفا القاضي عياض (1/ 463) حيث صحت رواية مجاهد لكان لها تأويل غير مستنكر ا 0 هـ
وقد ذكر المفسرون ذلك عند قوله تعالى {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} وانقسموا إلى مذاهب
المذهب الأول: من أنكر الإقعاد وشدد فيه بل نقل الإجماع على أن المراد من الآية هو الشفاعة العظمى ومن هؤلاء الواحدي في الوسيط (3/ 122) والطبرسي في مجمع البيان (1/ 284) ومال إلى ذلك الشربيني في تفسيره (2/ 329) والإمام الصالحي في كتابه سبل الهدى والرشاد (12/ 462)
المذهب الثاني: من فسر المقام المحمود بالشفاعة واقتصر على ذلك ولم ينقل الخلاف ولم يحك إجماعاً ومن هؤلاء المفسرين:
الصاوي مع الجلالين (2/ 360) وابن أبي حاتم (7/ 2342)، وابن عاشور (15/ 185) وابىالسعود (3/ 247) والبيضاوي مع حاشية محي الدين شيخ زاده (3/ 238) وابن جزى في التسهيل (2/ 323)، والجمل على الجلالين (4/ 341) والإمام مجاهد في أحد قوليه الذي اقتصر عليه في تفسيره المطبوع ص 369
المذهب الثالث: من ينقل الخلاف في مسألة الإقعاد ولا يظهر منه ترجيح ولا إنكار في المسألة ومن هؤلاء المفسرين ابن عطية في المحرر الوجيز (9/ 171)، والخازن (3/ 143) وصديق حسن خان في فتح البيان (7/ 440)، والبغوي (3/ 132) وابن الجوزي في زاد المسير (5/ 76)، وأبو حيان في البحر المحيط (6/ 71)، والألوسي في تفسيره (15/ 141)، والماوردي في النكت والعيون (3/ 264)
وقد ذكر القسطلاني في المواهب اللدنية (4/ 642) والقاسمي في تفسيره (10/ 269) قول الواحدي في كلام مجاهد وتوجيهه والرد عليه
ولنقرأ نص كلام القاسمي كما نقله عن الطبري حيث قال:
وقد شنع الواحدي على القائل بكلام ابن مجاهد وعبارته:
وهذا قول رذل موحش فظيع، ونص الكتاب ينادي بفساد هذا التفسير ويدل عليه وجوه:
الأول: أن البعث ضد الإجلاس،يقال: بعثت النازل والقاعد فانبعث ويقال: بعث الله الميت أي أقامه من قبره. فتفسير البعث بالإجلاس تفسير للضد بالضد وهو فاسد
الثاني: أنه تعالى قال {مقاماً محموداً} ولم يقل مقعداً والمقام موضع القيام لا موضع القعود 0
الثالث: لو كان تعالى جالساً على العرش بحيث يجلس عنده محمد عليه الصلاة والسلام لكان محدوداً متناهياً ومن كان كذلك فهو محدث
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/148)
الرابع: يقال: إن جلوسه مع الله على العرش ليس فيه كثير اعزاز لأن هؤلاء الجهال والحمقى يقولون (في كل أهل الجنة): انهم يزورون الله تعالى وانهم يجلسون معه وإنه تعالى يسألهم عن أحوالهم التي كانوا عليها في الدنيا، وإذا كانت هذا الحالة حاصلة عندهم لكل المؤمنين، لم يكن لتخصيص محمد صلى الله عليه وسلم بها مزيد شرف ورتبة.
الخامس: أنه إذا قيل: السلطان بعث فلاناً فهم منه أنه أرسله إلي قوم لإصلاح مهماتهم ولا يفهم منه أنه أجلسه مع نفسه فثبت أن هذا القول كلام رذل سقط لا يميل إليه إلا الإنسان قليل العقل عديم الدين انتهى كلام الواحدي 0
وليته أطلع على ما كتبه ابن حرير حتى يمسك من جماح يراعه ويبصر الأدب مع السلف مع المخارج العلمية لهم وهاك ما قاله ابن جرير رحمه الله (بعد ما نقل عن مجاهد قوله المتقدم): وأولى القولين بالصواب ما صح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مقام الشفاعة ثم قال وهذا وان كان هو الصحيح في القول في تأويل المقام المحمود لما ذكرنا من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين فإن ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم على عرشه قول غير مدفوع صحته لا من جهة خبر ولا نظر وذلك لأنه لا خبرعن رسول الله ولا عن أحد من اصحابه ولا عن أحد من التابعين بإحالة ذلك
وأقول: لك أن تجيب أيضاً عن إيرادات الواحدي الخمسة التي أفسد بها قول مجاهد أما جواب إيراده الأول فإن مجاهد لم يفسر مادة البعث وحدها بالإجلاس وإنما فسر بعثه المقام المحمود بما ذكر
وعن الثاني: بأن المقام هو المنزلة والقدرة والرفعة معروف ذلك في اللغة 0
وعن الثالث:
بدفع اللازم المذكور لأنه كما أتفق على أن له ذاتاً لا تماثلها الذوات وكذلك كل ما يوصف به مما ورد في الكتاب والآثار فإنه لا يماثل الصفات ولا يجوز قياس الخالق على المخلوق 0
وعن الرابع بأنه مكابرة إذ كل أحد يعرف – في الشاهد – لو أن ملكاً استدعى جماعة للحضور لديه ورفع أفضلهم على عرشه أن المرفوع ذو مقام يفوق به الكل 0
وعن الخامس بأن من واد أخر غير ما نحن فيه إذ لا بعث لإصلاح المهمات في الآخرة وإنما معنى الآية: أن يرفعك مقاماً محموداً وذلك يصدق على ما قاله مجاهد وما قاله الأكثر فتأمل وانصف
وقال الذهبي في كتابه العلو في ترجمة (محمد بن مصعب) العابد شيخ بغداد ما مثاله: وقال المرودي: سمعت أبا عبدالله الخفاف سمعت ابن مصعب وتلا {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: نعم يقعده على العرش – ذكر الإمام أحمد محمد بن مصعب فقال قد كتبت عنه وأى رجل هو! قال الذهبي: فأما قضية قعود نبينا على العرش فلم يثبت في ذلك نص بل في الباب حديث واه وما فسر به مجاهد للآية كما ذكرناه فقد أنكره بعض أهل الكلام. فقام المروذى وقعد و بالغ في الانتصار لذلك وجمع فيه كتاباً وطرق قول مجاهد من رواية ليث بن أبي سليم، وعطاء بن السائب وأبي يحيى القتات وجابر ابن يزيد وممن أفتى في ذلك العصر بأن هذا الأثر يسلم ولا يعارض أبو داود السجستاني صاحب السنن وإبراهيم الحربي وخلق بحيث إن ابن الإمام أحمد قال عقيب قول مجاهد: أنا منكر على كل من رد هذا الحديث وهو عندي رجل سوء متهم. سمعته من جماعة. وما رأيت محدثاً ينكره وعندنا إنما تنكره الجهمية 0
والخلاصة أن ابن القيم وكذلك شيخ الإسلام قد نقلا هذه الأقوال ولم يذكر أحد منهما أن هذه من المسائل التي يجب على المكلف أن يعتقدها بل حتى من المعاصرين كالألباني وغيره قد أنكروا ذلك، فإذا كان الأخ الحسيني ينكر على ابن القيم ذلك النقل فليطرد قاعدته بذم جميع المفسرين والعلماء الذين نقلوا قول ابن مجاهد كما صنع ابن القيم]
انتهى نقلا عن الأخ المنهاج وفقه الله في الساحة الإسلامية
ـ[عبد السلام هندي]ــــــــ[06 - 03 - 03, 12:27 ص]ـ
جزاكم الله خيرا على المداخلات القيمة
المقام المحمود هو الشفاعة على الصحيح
ويبقى البحث في صحة تفسير الاستواء بالجلوس من جهة السند هو المهم أولاً
وهل الجلوس يتفق مع قولهم: بائن من خلقه، وأنه غير مماس لشيء من خلقه؟؟
ـ[أبو الوليد الجزائري]ــــــــ[06 - 03 - 03, 05:34 ص]ـ
الاخ زياد القيسي ,السلام عليكم ورحمة الله وبر كاته و بعد فقد اطلعت على بحثكم المسمى ب (التعديلات) وهي محاولة منكم للتوفيق بين منهج السلف ومنهج الخلف الاشاعرة في مباحث الاسماء و الصفات الالاهية وفي بحثك هذا من المغالطات او الاخطاء غير المقصودة الشيء الكثير فانصح لك اخي باعادة النظر فيما كتبت وبمطالعة مؤلفات شيخ الاسلام ابن تيمية بتجرد ولعلك ان تطرح موضوعك كاملا في هذالملتقىلتفيد من اخوانك طلبة العلم ..... ومن باب الانصاف فان كثيرا من اخواني السلفيين يمدحونك في ادبك وخلقك ولقد اعرضت عن الرد عليك لان المشايخ السلفيين بمونتريال منعوني من ذلك خشية ان ينتشر بحثك عند ضعاف الطلبة ثم اني رايت بعض الاحباش لخص بحثك في ورقة ووزعها على الطلبة في جامعة كؤنكورديا فانا لله وانا اليه راجعون
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/149)
ـ[أبو حسن الشامي]ــــــــ[09 - 03 - 03, 09:54 ص]ـ
الأخ الكريم عبد السلام ...
وقفت سابقا على كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الباب في مجموع الفتاوي، ولكني نسيت الموضع، وفي كلامه فائدة أحب ذكرها.
مال شيخ الإسلام في كلامه إلى تضعيف تفسير الإستواء بالجلوس، ولكنه قال، إن ثبت هذا التفسير فنحن نأخذ به، وليس فيه تجسيم لله، مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم (وهنا الفائدة) عن الميت في قبره عندما يأتيه الملكان بأنهما يجلسانه في قبره، رغم أن فوقه ترابا وحجارة وأرضا ... إلا أنهما يجلسانه، فإذا جاز ذلك في حق المخلوق، فهو في حق الخالق جائز ويكون جلوسا لا مثيل له ولا شبيه ولكنه جلوس وإن كنا لا نعرف كيفيته.
أقول: وهذا مما أذكره من كلام ابن تيمية، فمن وجد الأصل فليثبته وبارك الله فيكم ...
ـ[عبد السلام هندي]ــــــــ[10 - 03 - 03, 12:14 ص]ـ
الأخ الفاضل أبو حسن، السلام عليكم ورحمة الله
إن ثبت ضعف الروايات بالجلوس فلا يجوز إثباته .. وأستغرب أن تبقى هذه المسألة غير محسومة حتى الآن .. سيما وأنها تتعلق بأصول الاعتقاد .. ألا توافقني.؟
أما النص الذي تشير إليه فهو:
وَإِذَا كَانَ قُعُودُ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ لَيْسَ هُوَ مِثْلَ قُعُودِ الْبَدَنِ فَمَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لَفْظِ " الْقُعُودِ وَالْجُلُوسِ " فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِمَا أَوْلَى أَنْ لَا يُمَاثِلَ صِفَاتِ أَجْسَامِ الْعِبَادِ.
مجموع فتاوى ابن تيمية > العقيدة > كتاب الأسماء والصفات " الجزء الأول " > مسألة: هل يثبت نزول الله إلى السماء الدنيا كما ورد في حديث النزول > فصل في نزاع الناس في معنى حديث النزول
ـ[أبو حسن الشامي]ــــــــ[10 - 03 - 03, 09:12 ص]ـ
بارك الله فيك أخي عبدالسلام على النقل من كلام ابن تيمية.
وأنا متفق معك أنه إذا لم تثبت الروايات المتعلقة بالجلوس، فإنه لا يجوز إثباته، لأن مسائل الإعتقاد توقيفية.
أما عن سؤالك لمَ لم تحسم هذه المسألة للآن، فالإجابة ببساطة أن هذه النصوص ثابتة عند بعضهم، أو أن من يثبته يقلد من أثبته من الأئمة القدماء ممن أخذوا بهذه الأحاديث، لذا فإن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية هو من باب التبرير لمن أثبت الجلوس من الأئمة نافيا أن إثباتهم للجلوس يقتضي التجسيم لله، وإن كان هو نفسه لا يثبت الجلوس لأن هذه النصوص لم تصح عنده.
نرجو من الأخوة الذين وفقهم الله وزادهم بسطة في العلم أن يدلوا بدلوهم في هذا الموضوع.
وبارك الله في الجميع.
ـ[عبد السلام هندي]ــــــــ[11 - 03 - 03, 01:07 ص]ـ
أخي الكريم الفاضل
قولك (من باب التبرير لمن أثبت الجلوس من الأئمة) .. يعني أن هناك من أثبت وهناك من لم يثبت .. والمقصود هنا أئمة السلف الصالح حصراً .. فهل نقول أن للسلف الصالح (وأهل السنة تبع لهم) قولان في مسألة الجلوس .. ؟؟
وعليه يكون تفسير الاستواء بالجلوس .. أحد قولين لأهل السنة .. ؟؟
ـ[أبو حسن الشامي]ــــــــ[11 - 03 - 03, 03:36 م]ـ
أخي الكريم
لعلك تجد في كلام الأخوة السالف وفي الكتب التي أحالوك عليها ما يشفي غليلك.
وأنا بدوري أحيلك إلى كتاب كتاب "قدوم كتائب الجهاد" (أنا صراحة لم أقرأ هذا الكتاب ولكن نقل أحدهم كلاما للشيخ الفوزان فيه حول تفسير الإستواء بالجلوس)
ولا تنسانا أخي الكريم من دعائك ومن إطلاعنا على ما تستفيده في هذا الموضوع.
ـ[عبد السلام هندي]ــــــــ[12 - 03 - 03, 06:50 م]ـ
الكتاب ليس من تأليف الشيخ الفوزان وإنما تأليف الشيخ عبدالعزيز بن فيصل الرّاجحي، وتقديم الشيخ الفوزان
http://www.geocities.com/abadih1/ganobi.htm
وهو عبارة عن رد على الإباضية .. وفيه عن مسألة الجلوس:
http://www.geocities.com/abadih1/gonobi47.htm
قال الإباضي ص 16:
(ب – قال – أي عثمان بن سعيد الدارمي – ص 74: ((إنه ليقعد على الكرسي فما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع))) أ. هـ.
والجواب:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/150)
أن هذا ليس من قول الدارمي رحمة الله ,أنما هو كلام النبي , صلى الله عليه وسلم , فيكون الإباضي قد اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم لا على الدارمي , فإن الدارمي ساق هذا الحديث في الموضع السابق بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال في رده على بشر المريسي ص 74:
(حدثنا عبد الله بن رجاء أخبرنا إسرائيل عن أبي اسحاق عن عبد الله خليفة قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة فعظم الرب فقال: ((إن كرسية وسع السموات والأرض , وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع - ومد أصابعه الأربع – وأن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركبه من يثقله))) أ. هـ. وهذا الحديث رواه: الطبراني في ((السنة)) عن أسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب بمثله وفيه (وأنه يقعد فما يفضل منه مقدار أربع أصابع) ورواه الضياء في ((الأحاديث المختارة)) (153) من طريق الطبراني , وشرطه فيها الصحة , وقدم شيخ الإسلام ابن تيميه مختارة الضياء على مستدرك الحاكم وغير واحد. والحديث صححه: أبو محمد الدشتي وحسنة الأمام ابن القيم , وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 84): (رواه البزار , ورجاله رجال الصحيح) , وفيه عبد الله بن خليفة الهمداني وثقه ابن حبان (5/ 28) وهو كذلك لتصحيح الأئمة حديثه كما سبق. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه أن أكثر أهل السنة قبلوا هذا الحديث ولم يردوه. أما لفظ ((الأطيط)) فهو صفة للعرش , وقد ثبت في غير حديث.
وفيه أيضا:
http://www.geocities.com/abadih1/gonobi52.htm
ثم قال الإباضي ص17:
([أ] قال – أي عبد الله بن الإمام أحمد – ص 5: فهل يكون الاستواء إلا بالجلوس))).
والجواب:
أنّ هذا الكلام ليس من كلام عبد الله , فسياقتُه بهذه الطريقة تلبيس , فإنه من كلام خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري النجاري الإمام التابعي الكبير , روى له الشيخان , وبقية الجماعة , قال عبُدالله بن الإمام أحمد في كتاب السنة له (1/ 105):
(حدثني أحمد بن سعيد أبو جعفر الدار مي قال: سمعت أبي يقول سمعتُ خارجة يقول:
((الجهميةُ كفّار , بلغوا نساءهم أنهن طوالق , وأنهنّ لا يحللن لأزواجهن لا تعودوا مرضاهم , ولا تشهدوا جنائزهم ثم تلا (طه. ما أنزلنا عليك القران لتشقى) إلى قوله عز وجل: (الرحمن على العرش استوى) وهل يكونُ الاستواء إلا بجلوس))) أ. هـ. .
وهذا كلامٌ صحيح لا غبار عليه , نعم وهل يكونٌ الاستواء إلا بجلوس وهذا من معاني الاستواء. فإنّ الاستواء في اللغة له عدة معان , ويُعرفُ كلُّ معنى بحسب اللفظ , ومن سياق الآية , عرفنا أن المقصود بقوله تعالى {الرحمن على العرش استوى} أي على العرش علا وجلس , لكن على ما يليق بجلاله جل وعلا , لا نكيفُ ذلك ولا نؤوله ولا نعطله ولا نمثله. وهذا معنى قول الإمام مالك رحمة الله ((الاستواءُ معلوم)) أي نعرفه من لُغتنا وهو العلو والارتفاع والجلوس والاستقرار.
وفيه:
http://www.geocities.com/abadih1/gonobi55.htm
ثم قال الاباضي ص 18:
([ج] قال – عبد الله بن أحمد – ص 71: إنه ليقعد على الكرسي فما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع))) أ. هـ.
وجوابه:
قد تقدم في الذبِّ عن الإمام عثمان بن سعيد الدارمي , وهذا الكلام رواه عبد الله بإسناده إلى عبد الله بن خليفة عن النبي صلى الله علية وسلم مرسلاً.
وقد أطال شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى)) في تقرير أن قوله (فما يفضل منه مقدار أربع أصابع) على النفى , أي (لا يفصل منه مقدار أربع أصابع)
ـ[عبد السلام هندي]ــــــــ[12 - 03 - 03, 06:59 م]ـ
أول ملاحظة خطرت لي بعد قراءة هذه الفقرات .. أن الأدلة التي اعتمدها تفيد إثبات الجلوس على الكرسي:
إن كرسية وسع السموات والأرض , وإنه ليقعد عليه .. الخ
ولكنه في فقرة أخرى يعتبره تفسيراً للاستواء على العرش:
(الرحمن على العرش استوى) وهل يكونُ الاستواء إلا بجلوس
فكيف نوفق بين الفقرتين .. ؟؟
ـ[عبد السلام هندي]ــــــــ[13 - 03 - 03, 05:09 م]ـ
ثاني ملاحظة وجدتها:
أن الحديث (على فرض صحته) لا يفسر الاستواء بالجلوس على العرش .. وإنما يثبت الجلوس على الكرسي .. ولا يذكر الاستواء مطلقاً
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/151)
ـ[عبد السلام هندي]ــــــــ[15 - 03 - 03, 01:19 م]ـ
لمزيد من المداخلات من الاخوة الكرام
ـ[أبوحاتم الشريف]ــــــــ[16 - 03 - 03, 01:53 ص]ـ
الحمدلله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
في الحقيقة هذه المسألة من المسائل التي حصل فيها الخلاف سابقا
قال ابن عبد البر: والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم وهو العلو والارتفاع
على الشييء والاستقرار والتمكن فيه قال أبو عبيدة في قوله تعالى (استوى) قال: علا قال أبو عمر الاستواء الاستقرار في العلو 0000 الخ التمهيد لابن عبد البر وله كلام نفيس فراجعه وخاصة أنه متقدم
على غيره من العلماء أمثال شيخ الاسلام وابن القيم رحم الله الجميع
وللحافظ ابن عبد البر كلام جميل أيضا يستحسن ذكره قال: ألا ترى أنا نقول: له عرش ولا نقول له سرير ومعناهما واحد ونقول هو الحكيم ولانقول هو
العاقل ونقول خليل إبراهيم ولانقول صديق إبراهيم وإن كان المعنى في ذلك كله واحدا (لانسميه ولانصفه ولانطلق عليه إلا ما سمى به نفسه
لاشريك ولاندفع ما وصف به نفسه لأنه دفع للقرآن)
وقال أيضا: وهذا قول مخالف للجماعة من الصحابة ومن بعدهم فالذي عليه العلماء في تأويل هذه الآية (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا)
أن المقام المحمود (الشفاعة) والكلام في هذه المسألة من جهة النظر يطول. وقال أيضا: ومجاهد وإن كان أحد المقدمين في العلم
بتأويل القرآن فإن له قولين في تأويل اثنين هما مهجوران عند العلماء مرغوب عنهما أحدهما هذا والآخر في قول الله تعالى (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قال يوسع له على العرش فيجلسه معه هذا قول مخالف للجماعة من الصحابة 0000 الخ\
التمهيد لابن عبد البر
قال ابن كثير: وفي سنة 317 وقعت فتنة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروذي الحنبلي وبين طائفة من العامة اختلفوا في تفسير قوله تعالى
(عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) فقالت الحنابلة يجلسه معه على العرش وقال الآخرون المراد بذلك الشفاعة العظمى فاقتتلوا بسبب ذلك وقتل بينهم قتلى فإنا لله وإليه راجعون
وقد ثبت في صحيح البخاري أن المراد بذلك الشفاعة العظمى وهي الشفاعةفي فصل القضاء بين العباد وهو المقام الذي يرغب فيه الخلق كلهم. البداية والنهاية (6/ 174)
وراجع أيضا الكامل في التاريخ فقد ذكر تلك الفتنة بين أبي بكر المروذي
وبين العامة. الكامل (7/ 75)
ـ[مركز السنة النبوية]ــــــــ[23 - 06 - 03, 09:11 م]ـ
الإخوة الأحبة: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وبَعدُ:
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي ـ وليس هو الراجحي المشهور ـ: (( .. أنّ هذا الكلام ليس من كلام عبد الله , فسياقتُه بهذه الطريقة تلبيس , فإنه من كلام خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري النجاري الإمام التابعي الكبير , روى له الشيخان , وبقية الجماعة)). اهـ
قال أبو عبدِ الرّحمنِ الشَّوْكِيُّ: {{هذا خطأٌ مَحضٌ من الشيخ ((عبدالعزيز بن فيصل الرّاجحي))؛ لأنَّ خارجةَ هذا هو ابنُ مُصعبٍ (انظر ترجمته في تَهذيب الكمال: 8/ 16 - 23).
ولا أدري كيف وقع الأستاذ في هذا الخطأ، لاسيما وأنه نقلَ هذا الأثر من ((كتاب السنة)) للإمام عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ وبحاشيته تعليق الشيخ القحطانِي، وقد بيَّنَ أنّ خارجةَ هذا هو ابنُ مصعبٍ بدلالةِ رواية أبِي جَعفرٍ (سعيدِ بنِ صَخرٍ الدَّارِميِّ)، وهو المذكور في تلاميذهِ كما في ((تَهذيب التهذيب)).
كما أنَّ الأثرَ ضعيفٌ جدًا على أقلِّ أحوالهِ بالنظرِ في تراجم رواتهِ، وهذا ما بينه جليًّا الشيخُ القحطانِيُّ، وأذكرُّ القارىءَ أن هذه الرسالة ((أي كتاب السنة)) قد راجعها وأشرف عليها ثلاثةٌ من كبار العلماء وهم: (الشيخُ العلامةُ عبدُ الرزاقِ عفيفي الْمِصْريُّ) و (الشيخُ مَحمود خفاجِي) و (الشيخ بركات دويدار) رحم اللهُ منهم من ماتَ وحفظ الأحياء.
قال الشيخُ مُحّمَّدٌ القحطانِيُّ (1/ 105): ((هذا الأثرُ فيهِ ثلاثُ عِلَلٍ:
(1) في سندِه كذّابٌ وهو خارجِةُ،
(2) في سندهِ مَجهولٌ وهو سعيدُ بنُ صخرٍ،
(3) في متنهِ فإنه مُخالِفٌ لِمذهبِ السّلفِ في مسألةِ الاستواء .. )). اهـ كلام القحطانِيُّ.
فأرجو أن يبلغَ بِهذا الشيخُ (عبدُ العزيزِ) في الموقع الذي به كتابه في الردِّ على الإباضيِّ}}.
ـ[البربهاري]ــــــــ[24 - 06 - 03, 02:12 ص]ـ
قال شيخ الاسلام في كتابه درء تعارض العقل والنقل 5/ 237
.... صنف القاضي ابو يعلى كتابه في ابطال التاويل ردا لكتاب بن فورك وهو وان كان اسند الاحاديث التي ذكرها وذكر من رواها ففيها عدة احاديث موضوعة كحديث الرؤية عيانا ليلة المعراج ونحوه , وفيها اشياء عن بعض السلف رواها بعض الناس مرفوعة كحديث قعود الرسول صلى الله عليه واله وسلم على العرش , رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة , وهي كلها موضوعة , وانما الثابت انه عن مجاهد وغيره من السلف , وكان السلف والائمة يروونه ولا ينكرونه , ويتلقونه بالقبول , وقد يقال: ان مثل هذا لا يقال الا توقيفا , لكن لا بد من الفرق بين ماثبت من الفاظ الرسول , وما ثبت من كلام غيره , سواء كان من المقبول او المردود .... ا. هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/152)
ـ[مركز السنة النبوية]ــــــــ[26 - 06 - 03, 07:24 ص]ـ
أين أنتم يا عباد الله؟
هل أبلغ الشيخ حفظه الله بما تقدم؟
===========
فائدة:
لهذا الشيخ الكريم: كتاب اسمه
(قمع الدجاجلة الطاعنين في معتقد أئمة الإسلام الحنابلة)
وهو والله من عوامل الثبات ...
وقد أجاد الشيخُ وأفاد ..
بل هو من معالم أهل السنة والجماعة في الرد على أهل الباطل والحقد والعناد ...
فنعما هذا الجهاد: جهاد القلم والمداد ..
فأخلص الله تعالى نيته ووقاها من الفساد ..
وادخر له أجره وجزاه بخير ما يكون يوم التناد ..
ولا أزكيه على الله تعالى وأحسبه كذلك والله حسيبه.(24/153)
سؤال في العقيدة
ـ[ثابت البناني]ــــــــ[07 - 03 - 03, 12:55 ص]ـ
السلام عليكم
من المعلوم ان صفات الله توقيفية لذلك لا مجال للجتهاد فيها لكن
السؤال ان صفة النظر ثابته لله بالكتاب والسنة. فهل يصح قول من يقول
ان الله يشوفك بحجة ان النظر ثابت في النقل.
آمل من الأخوة المشارك والتوسع في ذلك والله اعلم.(24/154)
قصة حاطب بن أبي بلتعه في الموالاة
ـ[صلاح]ــــــــ[10 - 03 - 03, 07:12 م]ـ
لقد اطلعت على توجيهات عدة لاهل العلم لهذه القصة، والحقيقة لم أجد تحقيقاً وافياً كافياً شافياً فيها، رغم أنني لم ابحثها بحثا موسعا ..
فهل من مفيد من الاخوة؟
ـ[هيثم حمدان]ــــــــ[10 - 03 - 03, 10:14 م]ـ
جاء في صحيح ابن حبان وسنن البيهقي في رواية هذه القصّة:
... قال [حاطب]: إني لم أفعله غشاً لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا نفاقاً ولقد علمت أن الله سيظهر رسوله ...
في هذا الرواية دليل على أنّ حاطباً (رضي الله عنه) لم يغش المسلمين، وأنّه كان يعلم يقيناً أنّ فعله هذا لن يسبب ضرراً للمسلمين، وأنّ الله سيظهر المسلمين مهما فعل هو أو غيره.
فلا يصحّ أن يُقال بأنّه أعان الكفار على المسلمين.
كلّ ما في الأمر أنّه أراد أن يُشعر المشركين بأنّه صنع فيهم معروفاً ليكفّوا شرهم عن أهله؛ مع علمه بأنّ المسلمين سيظهرون دون شك.
والله أعلم.
ـ[أبو مقبل]ــــــــ[10 - 03 - 03, 10:43 م]ـ
الأخ والشيخ علوي السقاف - حفظه الله -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد كثر الكلام والنقاش بين بعض الرواد في أنا المسلم عن قصة حاطب بن أبي بلتعة عندما أرسل برسالة إلى كفار قريش مع المرأة التي حملت الرسالة فلحق بها بعض الصحابة بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك عن طريق الوحي وقد اختلف المناقشون في الحكم على حاطب هل يعد فعله الذي قام به من النفاق الأكبر أم من النفاق الأصغر؟
ونرغب منكم حفظكم الله أن تبينوا لنا بما يفتح الله عليكم في هذه المسألة بياناً شافياً وافياً.
وجزاكم الله خيرا
محبكم في الله: عبد الله زقيل 13/ 2/1422هـ الموافق:7/ 5/2001م
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اعلم أخي الكريم -وفقني الله وإياك- أنَّ هذه المسألة –أعني هل فعل حاطب رضي الله عنه يُعدُّ كفراً أم لا؟ - من مسائل الاجتهاد التي يسوغ فيها الخلاف، وأصل منشأ الخلاف هو: هل الموالاة بجميع صورها تُعدُّ كفراً أم أنَّ منها ما هو كفر ومنها ما دون ذلك؟ وهل هناك فرقٌ بين الموالاة والتولي؟ وهل قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} أي كافر مثلهم، أم هو كقوله صلى الله عليه وسلم ((من تشبه بقوم فهو منهم)) ومعلوم أن ليس كلُّ تشبهٍ بالكفار يعد كفراً، فإذا علمت ذلك تبين لك خطأ من يجعل هذه المسألة من مسائل العقيدة ويبدع من لم يقل بقوله، فإما جعله مرجئاً أو خارجياً، وهذا مما ابتليت به الأمة في الآونة الأخيرة.
أما مسألة الموالاة والمعاداة ومظاهرة الكافرين على المسلمين فهي من مسائل العقيدة بل أصلٌ من أصول التوحيد، وأما تكفير حاطب -رضي الله عنه- فلم يقل به أحدٌ من أهل السنة فهو صحابي بدري قد وجبت له الجنة، وإليك البيان بشيء من الإيجاز والاختصار:
الموالاة: أصلها الحب كما أن المعاداة أصلها البغض، وتكون بالقلب والقول والفعل، ومن الموالاة النصرة والتأييد، فمن جعل الموالاة نوعاً واحداً مرادفاً لمظاهرة الكافرين عدَّ فعل حاطب -رضي الله عنه- كفراً، ومن جعلها صوراً مختلفة وأدخل فيها: مداهنتهم ومداراتهم، واستعمالهم، والبشاشة لهم ومصاحبتهم ومعاشرتهم وغيرها من الصور؛ جعلها نوعين موالاة مطلقة عامة أو (كبرى) وموالاة خاصة دون موالاة. ومن هؤلاء من عدَّ فعل حاطب -رضي الله عنه- من النوع الأول ومنهم من عَدَّه من النوع الثاني، وأكثر العلماء على أن الموالاة نوعان: مُكفِّرة وغير مُكفِّرة، وسواء قلنا هما نوعان أو نوع واحد فالذي يهمنا هنا هو هل فعل حاطب -رضي الله عنه- من النوع المُكفِّر أم لا؟ -وسيأتي-، كما أنَّ منهم من فرَّق بين الموالاة والتولي وجعل التولي موالاة مطلقة ومنهم عددٌ من علماء الدعوة النجدية -رحمهم الله-، وهناك من لم يفرق بينهما كالشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره وهذا أقرب والله أعلم، وعلى كلٍ فهذه مصطلحات لا مشاحة فيها، لأن الذين فرَّقوا بينهما يعنون بالتولي الموالاة المطلقة وأنها كفر ولا يقولون بتولي غير مُكفِّر بل يقولون أن هناك موالاة غير مُكفِّرة فآل الأمر إلى وجود موالاة مُكفِّرة يسميها البعض تولي وأخرى غير مُكفِّرة وهذا كله على قول من يقسم الموالاة إلى قسمين.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/155)
وعمدة من يقول أن الموالاة نوع واحد وأنها كفر، قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} وقوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فأؤلئك هم الظالمون} قالوا لم ترد الموالاة في القرآن إلا بوصف الكفر، قال ابن جرير: ((ومن يتولى اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم، يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولٍ أحداً إلا هو به وبدينه))
وقال ابن حزم في ((المحلى)) (11/ 138): ((وصح أنَّ قول الله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا حقٌ لا يختلف فيه اثنان من المسلمين))
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في ((مجموع الفتاوى)) (1/ 274): ((وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم)) ثم استشهد بالآيتين السابقتين.
هذه مقدمة لابد منها قبل الإجابة على سؤالكم: هل فعل حاطبٍ -رضي الله عنه- كان كفراً أم لا؟
واعلم أن قصة حاطب -رضي الله عنه- رواها البخاري في الصحيح (3007،4272،4890،6259) ومسلم في الصحيح (4550) وأبو داود في السنن (3279) والترمذي في الجامع (3305) وأحمد في المسند (3/ 350) وأبو يعلىفي المسند (4/ 182) وابن حبان في صحيحه (11/ 121) والبزار في مسنده (1/ 308) والحاكم في المستدرك (4/ 87) والضياء في الأحاديث المختارة (1/ 286) وغيرهم، وقد جمعت لك ما صحَّ من رواياتهم في سياق واحد –وأصلها من صحيح البخاري- ليسهل تصور القصة واستنباط الأحكام منها، والذي يهمنا منها ألفاظ حاطب وعمر رضي الله عنهما أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم،
[فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ مَا مَعَنَا كِتَابٌ فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ عُمَرُ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ)) ((دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ)) ((فَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ))
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْت.
َ قَالَ حَاطِبٌ: ((وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) ((وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلام)) ((ِ وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا)) ((وَمَا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ)) ِ ((مَا كَانَ بِي مِنْ كُفْرٍ وَلا ارْتِدَادٍ)) ((أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ)) ((فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله)) أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِه.
ِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ وَلا تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا.
فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/156)
فَقَالَ: أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَال: َ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.]
فأنت ترى أنَّ حاطباً -رضي الله عنه- شعر بخطئه في إفشاء سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وموالاته لكفار قريش، وظهر له أنَّ هذا كفرٌ وردة لكنه يعلم من نفسه أنه لم يفعله ارتداداً عن دين الله فقال: ((ولم أفعله إرتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، وما غيرت ولا بدلت -أي ديني- أما إني لم أفعله غشاً يا رسول الله ولا نفاقاً)) إذن هذا العمل بمجرده يُعَدُّ كفراً وارتداداً وغشاً ونفاقاً، وكأنه -رضي الله عنه- ذُهل عن هذا الأمر أثناء الوقوع في المعصية بعذر قدَّمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله: ((أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي)) فإمَّا أن يقال كان جاهلاً وما تبين له هذا إلا بعد أن استجوبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يقال كان -رضي الله عنه- متأولاً وهذا أصوب بدليل أنه قال كما صحت به رواية أحمد وأبو يعلى وابن حبان: ((أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ)) فهو يعلم أن المولاة كُفر لكنه لا يَعِدُّ ما فعله موالاة -تأولاً- لثقته أن الله ناصرٌ رسوله صلى الله عليه وسلم، وكما صحت به رواية البزار والحاكم والضياء من قوله: ((كان أهلي فيهم فخشيت أن يغيروا عليهم فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله)) فهو لثقته الكبيرة بربه ونصره لرسوله صلى الله عليه وسلم وأن كتابه سيفرحُ به كفار قريش ويحموا له أهله لكن لن يضر الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، لذلك قال الحافظ في الفتح (8/ 634): ((وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ مُنَافِقًا لِكَوْنِهِ أَبْطَنَ خِلاف مَا أَظْهَرَ , وَعُذْر حَاطِب مَا ذَكَرَهُ , فَإِنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلاً أَنْ لا ضَرَر فِيهِ))، ويؤكد ذلك لفظ الخِطاب –إن صح- فقد قال الحافظ في الفتح (4274): ((وَذَكَرَ بَعْض أَهْل الْمَغَازِي وَهُوَ فِي (تَفْسِير يَحْيَى بْن سَلام) أَنَّ لَفْظ الْكِتَاب: ((أَمَّا بَعْد يَا مَعْشَر قُرَيْش فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَكُمْ بِجَيْشٍ كَاللَّيْلِ , يَسِير كَالسَّيْلِ , فَوَاَللَّهِ لَوْ جَاءَكُمْ وَحْدَهُ لَنَصَرَهُ اللَّه وَأَنْجَزَ لَهُ وَعْده. فَانْظُرُوا لأَنْفُسِكُمْ وَالسَّلام)) كَذَا حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ)) وفيه كما ترى تخذيل وتخويف لقريش، كلُّ ذلك جعل حاطباً -رضي الله عنه- يتأول أن ليس في هذا موالاة لكفار قريش وكيف يواليهم وهوالصحابي البدري؟! والواقع أن قصة حاطب وقصة قدامة ابن مظعون -رضي الله عنهما- الذي استباح شرب الخمر متأولاً أنه لاجناح على الذين آمنوا أن يطعموها من أقوى ما يمكن أن يستشهد به على أنَّ التأويلَ مانعٌ من موانع التكفير.
أمَّا عمر -رضي الله عنه- فقد كفَّر حاطباً أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ حاطباً لم يفعل الكفر، بل بيَّن له أنَّ حاطباً كان صادقاً ولم يكفر، ومعلوم لديك أنَّ ثَمَّتَ فرقٌ بين الحكم على الفعل بالكفر وتكفير المعين الذي صدر منه الكفر، وهذا مبسوط في كتب العقائد والتوحيد، وقد وصف عمر حاطباً -رضي الله عنهما- بأوصاف ثلاثة يكفي الواحدُ منها للقول بأنه كفَّره، فوصفه بأنه: منافق، كفر، خان الله ورسوله؛ وعمر -رضي الله عنه- وإن كان قد أخطأ في تكفير حاطب -رضي الله عنه- إلا أنَّ خطأه مغفورٌ له لأنه ناتج عن غيرة لله ورسوله وهذا معروف عن عمر -رضي الله عنه- ولأنه حكم بالظاهر وهذا هو الواجب على المسلم، ولم يكلفنا الله بالبواطن. قال ابن حزم في ((الفصل)) (3/ 143): ((وقد قال عمر رضي الله عنه - بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم - عن حاطب: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فما كان عمر بتكفيره حاطباً كافراً بل كان مخطئاً متأولاً)) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (3/ 282): ((إذا كان المسلم متأولاً في القتال أو
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/157)
التكفير لم يكفر بذلك)) ثم استشهد بتكفير عمر لحاطب -رضي الله عنهما-.
أمَّا تصديق النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب فليس فيه دلالة على أنَّه لم يفعل الكفر بل فيه أنَّه لم يكفر ولم يرتد لأن عمر -رضي الله عنه- قال عنه أنه كفر ونافق وخان الله ورسوله وحاطب يقول لم أكفر ولم أرتد وما غيرت وما بدلت –أي ديني- فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم في أنه لم يكفر ولم يرتد، أمَّا قتله وعقوبته فقد شفع له فيها شهوده بدراً.
إذا علمت ذلك، فاعلم أنَّ هناك من العلماء من عَدَّ ما بدر من حاطب -رضي الله عنه- من الموالاة الخاصة غير المكفِّرة، ومن هؤلاء: شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في مجموع الفتاوى (7/ 523): ((وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة})) والشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ كما في ((عيون الرسائل والأجوبة على المسائل)) (1/ 179).
لكن ليُعلم أنَّ هذا النوع من الموالاة شيء ومظاهرة المشركين على المسلمين ونصرتهم وتأيدهم والقتال معهم شيء آخر، فكما سبق في أول الحديث أنَّ هذا (الثاني) كفر وردة والعياذ بالله ويكون بالقول والفعل كما يكون بالاعتقاد، قال الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب في نواقض الإسلام: ((الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} المائدة:51)) وقال الشيخ حمد بن عتيق في ((الدفاع عن أهل السنة والاتِّباع)) (ص32): ((وقد تقدم أنَّ مظاهرة المشركين ودلالتهم على عورات المسلمين أو الذب عنهم بلسان ٍ أو رضى بما هم عليه، كل هذه مُكفِّرات ممن صدرت منه من غير الإكراه المذكور فهو مرتد، وإن كان مع ذلك يُبْغض الكفار ويحب المسلمين)، وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في ((مجموع الفتاوى)) (1/ 274): ((وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم))
والخلاصة:
أنْ نقول إنَّ حاطباً -رضي الله عنه- حصل منه نوع موالاةٍ للكفار، فمن قال أنَّ الموالاة كلها كفر قال إنه وقع في الكفر ولم يكفُر لأنه كان متأولاً، ومن قال أنَّ هناك موالاة مُكفِّرة وموالاة غير مُكفِّرة عدَّ ما بدر منه -رضي الله عنه- من النوع غير المُكفِّر، وليعلم أنه لم يقل أحدٌ من أهل السنة أنَّ حاطباً -رضي الله عنه- كَفَر، أو أنَّ ما صدر منه ليس موالاةً أو ذنباً، أو أنَّ مظاهرة الكافرين على المسلمين ليست كفراً، فكلُّ ذلك متفقون عليه فلا ينبغي أنَّ يحدث نوع خلافٍ وشرٍ فيما كان من مسائل الاجتهاد طالما أنَّ الجميع متفقون على مسائل الاعتقاد، ولذلك لَمَّا سئل الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ عن مسألة سبَبت خلافاً بين أهل السنة في زمانه عن الموالاة والمعاداة هل هي من معنى لا إله إلا الله، أو من لوازمها؟ أجاب: ((الجواب أنَّ يقال: الله أعلم، لكن بحسب المسلم أنْ يعلم أنَّ الله افترض عليه عداوة المشركين، وعدم موالاتهم، وأوجب عليه محبة المؤمنين وموالاتهم، 000و أمَّا كون ذلك من معنى لا إله إلا الله أو لوازمها، فلم يكلفنا الله بالبحث عن ذلك، وإنما كلفنا بمعرفة أنَّ الله فرض ذلك وأوجبه، وأوجب العمل به، فهذا هو الفرض والحتم الذي لا شك فيه، فمن عرف أنَّ ذلك من معناها، أو من لازمها، فهو خير، ومن لم يعرفه، فلم يُكلف بمعرفته، لاسيما إذا كان الجدل والمنازعة فيه مما يفضي إلى شرٍ واختلافٍ، ووقوع فرقة بين المؤمنين الذين قاموا بواجبات الإيمان، وجاهدوا في الله وعادوا المشركين ووالوا المسلمين، فالسكوت عن ذلك متعين)) انتهى كلامه. انظر: ((مجموعة التوحيد)) (ص69)
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
=================
ـ[بحر الدم]ــــــــ[11 - 03 - 03, 05:33 م]ـ
هنا الجواب الكافي الشافي بإذن الله عن كلّ ما أشكل من حديث حاطب في مصنَّف مفرد:
http://www.alsalafyoon.com/NaserAlfahed/Wakafat1.htm(24/158)
فوائد من شرح كتاب التوحيد للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله
ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[11 - 03 - 03, 11:28 ص]ـ
هذه فوائد مما علقتها على حاشية كتاب التوحيد عندما قرأت بعضه على شيخنا عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله، وذلك بمدينة الطائف يوم الخميس بعد الفجر، وكانت بداية القراءة من 21/ 1/1415
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى:
(كتاب التوحيد)
وقول الله تعالى: {ومَا خَلَقْتُ الجنَّ والإنْسَ إلاّ ليعبدونِ} سورة الذاريات: 56.
وقوله: {ولَقَدْ بَعَثْنا في كلِّ أُمّةٍ رَسُولاً: أنِ اعْبُدُوا اللهَ واجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ} سورة النحل: 36.
وقوله: {وقَضَى رَبُّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ، وبالوالِدَيْنِ إحْسَاناً، إمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبرَ أحَدُهُما أوْ كِلاهُما فلا تَقُلْ لَهُما: أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كريماً واخْفِضْ لَهُما جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كما رَبّياني صَغيراً} سورة الإسراء: 23، 24.
وقوله: {وَاعْبُدُوا اللهَ ولا تُشْركُوا بِهِ شَيْئاً} سورة النساء: 36.
وقوله: {قُلْ: تَعَالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبّكمُ عليْكُم: ألاَّ تُشْركُوا به شَيْئاً ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ من إمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكمْ وإيّاهُمْ وبالْوَالديْنِ إحْساناً ولا تقربُوا الفَواحش ما ظَهَرَ منها ومَا بَطَنَ ولا تَقْتُلوا النّفْسَ التي حَرَّم اللهُ إلا بالحقِّ. ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بهِ لَعَلّكُم تَعْقِلُونَ، ولا تَقْرَبُوا مالَ اليَتيم إلاّ بالتي هِيَ أحْسَنُ حتّى يَبْلُغَ أشدّه، وأوْفُوا الكَيْلَ والميزانَ بالقسْطِ لا نُكلِّفُ نَفْساً إلاّ وُسْعها. وإذا قُلْتم فاعْدلوا ولَو كانَ ذا قُرْبى، وبعهْدِ اللهِ أوْفُوا ذلِكم وصّاكم بِهِ لَعَلّكم تَذَكّرُونَ، وأنَّ هَذا صِراطي مُستقيماً فاتّبعوهُ ولا تَتّبعوا السُّبُلَ فتفرّق بِكُم عَن سَبيلِه. ذلِكم وَصَّاكم بهِ لَعلّكُم تَتّقون} سورة الأنعام: من 151 إلى 153.
قال ابن مسعود: "من أراد أن ينظرَ إلى وَصيّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتَمهُ فَليقرَأ قوله تعالى: {قل: تعالوا أَتل ما حرم ربكم عليكم: ألاّ تشركوا به شيئاً} إلى قوله: {وأن هذا صراطي مستقيماً} الآية.
وعن معُاذِ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: "كنتُ رَديفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على حمارٍ، فقال لي: يا معاذُ، أتدري ما حقُّ اللهِ على العبادِ؟ وما حقُّ العبادِ على اللهِ؟ قلت: اللهُ ورسوله أعلم. قال: حقُّ الله على العبادِ: أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئاً، وحقُّ العباد على الله: أنْ لا يُعذِّبَ من لا يُشْركُ به شيئاً. قلت: يا رسولَ الله، أفلا أُبَشِّرُ الناسَ؟ قال: لا تُبشرْهُمْ فَيَتّكلُوا" أخرجاه في الصحيحين.
قال الشيخ عبدالعزيز رحمه الله:
(كتاب التوحيد) المعنى هذا كتاب التوحيد،اشتمل على جميع أنواع التوحيد.
التوحيد الذي أراد بيانه هو توحيد العبادة،.
توحيد الربوبية أقر به المشركون وإنما شركهم في توحيد العبادة.
من عبد وهو غير راض فهو غير طاغوت.
(في كل أمة) في كل طائفة.
(وقضى ربك) أمر وأوصى.
(قل تعالوا) هلموا وأقبلوا.
(معاذ بن جبل) الخزرجي.
(على حمار) تواضع.
(قلت الله ورسوله أعلم) بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (الله أعلم).
(فيتكلوا) خوفا على الأمة من الإتكال.
21/ 1/1415
يتبع بإذن الله تعالى
ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[04 - 04 - 03, 10:40 ص]ـ
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله
باب
فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
وقول الله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) (13) الآية.
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل). أخرجاه. ولهما في حديث عتبان: (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/159)
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال موسى: يا رب، علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به. قال: يا موسى: قل لا إله إلا الله. قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى، لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله الله في كفة، مالت بهن لا إله الله) [رواه ابن حبان، والحاكم وصححه].
وللترمذي وحسنه عن أنس رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: يا ابن آدم؛ لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).
فيه مسائل:
الأولى: سعة فضل الله.
الثانية: كثرة ثواب التوحيد عند الله.
الثالثة: تكفيره مع ذلك للذنوب.
الرابعة: تفسير الآية (82) التي في سورة الأنعام.
الخامسة: تأمل الخمس اللواتي في حديث عبادة.
السادسة: أنك إذا جمعت بينه وبين حديث عتبان وما بعده تبين لك معنى قول: (لا إله إلا الله) وتبين لك خطأ المغرورين.
السابعة: التنبيه للشرط الذي في حديث عتبان.
الثامنة: كون الأنبياء يحتاجون للتنبيه على فضل لا إله إلا الله.
التاسعة: التنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات، مع أن كثيراً ممن يقولها يخف ميزانه.
العاشرة: النص على أن الأرضين سبع كالسموات.
الحادية عشرة: أن لهن عماراً.
الثانية عشرة: إثبات الصفات، خلافاً للأشعرية.
الثالثة عشرة: أنك إذا عرفت حديث أنس، عرفت أن قوله في حديث عتبان: (فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله) أنه ترك الشرك، ليس قولها باللسان.
الرابعة عشرة: تأمل الجمع بين كون عيسى ومحمد عبدي الله ورسوليه.
الخامسة عشرة: معرفة اختصاص عيسى بكونه كلمة الله.
السادسة عشرة: معرفة كونه روحاً منه.
السابعة عشرة: معرفة فضل الإيمان بالجنة والنار.
الثامنة عشرة: معرفة قوله: (على ما كان من العمل).
التاسعة عشرة: معرفة أن الميزان له كفتان.
العشرون: معرفة ذكر الوجه.
تعليقات الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله:
قوله (وقول الله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) الآية.) أي وحدوا الله وصدقوا رسله.
قوله (عن عبادة بن الصامت) هو الخزرجي الأنصاري.
قوله (ولهما من حديث عتبان) هو ابن مالك.
قوله صلى الله عليه وسلم ((فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله). أي إذا قالها صادقا لم يصر على السيئات، والتوحيد يحمله على التصديق والإخلاص.
قوله (وللترمذي وحسنه عن أنس رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: يا ابن آدم؛ لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).
قال الشيخ (له طرق وشواهد تدل على صحته).
ـ[أبو خالد السلمي.]ــــــــ[04 - 04 - 03, 03:11 م]ـ
صاحب الفضيلة الشيخ عبد الرحمن الفقيه _ أحسن الله إليك _
وردت هذه العبارة هكذا فيما تفضلتم بنقله:
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة عبدالرحمن الفقيه
من عبدالله وهو غير راض فهو غير طاغوت.
فلعل صواب العبارة:
من عُبِد من دون الله وهو غير راض فهو غير طاغوت.
ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[04 - 04 - 03, 05:37 م]ـ
أحسنت شيخا الكريم على هذا التنبيه، وقد راجعت الأصل وعدلته وكان الذي في الأصل (من عبد وهو غير راض فهو غير طاغوت.)
فجزاك الله خيرا وكثر من أمثالك.
ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[14 - 10 - 03, 12:57 ص]ـ
يتبع البقية بإذن الله تعالى.
ـ[نواف البكري]ــــــــ[14 - 10 - 03, 08:33 ص]ـ
ما شاء الله تبارك الله.
فضيلة الشيخ عبدالرحمن ...
هل قرأت كتاب التوحيد كله على الشيخ.
إذا كان الجواب: نعم. نأمل مواصلة إنزاله هنا فلربما نجد فوائد غير ما في الأشرطة المسجلة.
وشكراً
ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[14 - 10 - 03, 09:13 ص]ـ
الأخ الفاضل نواف البكري حفظه الله
لم أكمل قراءة الكتاب على الشيخ رحمه الله
ولعل نقل هذه الفوائد فيه فائدة بإذن الله تعالى
وهي وإن كانت قليلة لكن القليل من الشيخ كثير
وشروحات الشيخ ابن باز رحمه الله تذكرك بكلام السلف
فكما قال ابن رجب رحمه الله في فضل علم السلف على الخلف (كلام السلف قليل مبارك وكلام الخلف كثير قليل البركة)
ونسأل الله أن يغفر للشيخ عبدالعزيز بن باز ويرحمه ويعلي درجته.
ـ[المسيطير]ــــــــ[17 - 12 - 04, 12:56 ص]ـ
يتبع البقية بإذن الله تعالى.
نحن ننتظر فوائدكم شيخنا الفقيه / عبدالرحمن الفقيه.
رحم الله الإمام ابن باز وجمعنا وإياه ومن نحب في الفردوس الأغلى.
سؤال:
عند أي باب توقفتم؟، وهل اطلعتم على شرح كتاب التوحيد للشيخ ابن باز رحمه الله تعالى باعتناء أحد الإخوة من مصر؟، وهل قرأتم على الشيخ غير كتاب التوحيد؟
حفظكم الله.
ـ[محب ابن تيمية]ــــــــ[17 - 12 - 04, 02:27 ص]ـ
جزاكم الله خيراً ..
ونفع بكم ..
وبإنتظار المزيد من الفوائد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/160)
ـ[عبد الله التميمي]ــــــــ[17 - 12 - 04, 02:33 م]ـ
بارك الله فيكم وفي علمكم ...
ولازلنا ننتظر درركم وفوائدكم ..
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[09 - 09 - 06, 11:56 م]ـ
سأقوم بإكمال هذه الفوائد بإذن الله تعالى.
وأما الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله رحمة واسعة فقد حضرت عليه كتبا كثيرة منها بلوغ المرام كاملا ومنها كتاب الصلاة لابن القيم وغيرها كثير، وقرأت عليه بعض كتاب التوحيد، وكان هذا بمدينة الطائف لمدة نحو عشر سنوات أو أكثر.
حيث أن الشيخ رحمه الله كان يقيم فترة أربعة أشهر سنويا في الطائف في فترة الصيف، وكان يعقد بها الدروس العلمية في أوقات متعددة، وكانت دروسه بعد الفجر يومي الاثنين والخميس تمتد فترة طويلة نحو من ثلاث ساعات، تقرأ عليه فيها عدد من الكتب
وكذلك دروسه بعد صلاة العصر وبعد أذان العشاء إلى الإقامة.
ـ[عبدالمصور السني]ــــــــ[10 - 09 - 06, 05:21 م]ـ
اللهم اغفر لعبدك عبد العزيز بن باز وارفع درجته في المهديين واجمعنا به في جنات النعيم ...
رحمه الله من امام فقد اتعب العلماء بعده ... وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
ـ[أبو فيصل بن صالح]ــــــــ[16 - 09 - 06, 10:43 م]ـ
آمين
ـ[علي الكناني]ــــــــ[22 - 09 - 06, 06:41 م]ـ
نفع الله بك وبارك فيك
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[21 - 04 - 08, 09:46 ص]ـ
قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله:
باب من حقق (1) التوحيد دخل الجنة بغير حساب
وقول الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً (2) قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ}.
عن حصين بن عبد الرحمن قال: " كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ فقلت: أنا، ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة، ولكني لدغت. قال: فما صنعت؟ قلت: ارتقيت. قال: فما حملك على ذلك؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي. قال: وما حدثكم؟ قلت حدثنا عن بريدة بن الخصيب أنه قال: "لا رقية (3) إلا من عين أو حمة (4) ". قال: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع.
ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عُرضت عليّ الأمم (5)، فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد. إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. ثم نهض فدخل منْزله، فخاض الناس في أولئك؛ فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا. وذكروا أشياء. فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال: هم الذين لا يَسْتَرقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون. فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: أنت منهم. ثم قام جل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: سبقك بها عكاشة ".
تعليقات الشيخ ابن باز رحمه الله:
(1) داعيا إلى الحق مبينا له بريئا ممن خالفه.
(2) إماما في الحق.
(3) مطلوبة وجائزة.
(4) مثل لدغ العقرب والحية ونحوها.
(5) حين الإسراء.
ترك الاسترقاء أفضل مع أنه مباح.
رواية (لايرقون) غلط.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[21 - 04 - 08, 09:53 ص]ـ
هذا الدرس كان في 13/ 2/1415 هـ.
قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله:
باب (1) الخوف من الشرك
وقول الله (: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
وقال الخليل عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}.
وفي الحديث (2): "أخوف ما أخاف عليكم: الشرك الأصغر، فسئل عنه، فقال: الرياء" رواه أحمد والطبراني والبيهقي.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وهو يدعو من دون الله ندا (3) دخل النار" رواه البخاري. ولمسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار".
بعض تعليقات الشيخ ابن باز رحمه الله:
(1) وجوب.
(2) صحيح، رواه أحمد وغيره عن محمود بن لبيد.
(3) النظير والمثيل.
جحد وجوب الصلاة شرك أكبر.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[21 - 04 - 08, 09:59 ص]ـ
هذا الدرس كان في يوم 22/ 2/1415 هـ.
باب (1) الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله
وقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ (2) أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له:?"إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله".
- وفي رواية: "إلى أن يوحدوا الله. فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم. فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم. واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" أخرجاه.
ولهما عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر (3): "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله
ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه. فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها: فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يشتكي عينيه. فأرسلوا إليه فأتي به، فبصق في عينيه ; ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع. فأعطاه الراية فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه.
فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم" يدوكون أي: يخوضون.
بعض تعليقات الشيخ ابن باز رحمه الله:
(1) وجوب.
(2) علم.
(3) سنة 7 من الهجرة.
حرص الصحابة على الخير.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/161)
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[21 - 04 - 08, 10:20 ص]ـ
هذا الدرس كان بتاريخ 27/ 2/1415 هـ.
باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله (قال الشيخ ابن باز:معناها لامعبود بحق إلا الله، شهادة أن محمدا رسول الله معناها الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم).
وقول الله تعالى (1): {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ (2) يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ (3) أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} (4).
وقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. (5)
وقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}.
وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ (6) مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ (7) كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}.
وفي الصحيح (8) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله).
بعض تعليقات الشيخ ابن باز رحمه الله:
(1) فيمن يعبد الأصنام والملائكة.
(2) يدعون أهل الشرك.
(3) القربة إليه بطاعته عمن يعبد الأصنام والملائكة.
(4) كثير من الناس يغلط في تفسير هذه الآية.
(5) هذا تفسير التوحيد هو أن ترجوا الله وحده.
(6) المشركون.
(7) حب العبادة.
(8) مسلم عن أبي موسى.
ـ[عبدالرحمن الحجري]ــــــــ[22 - 04 - 08, 07:14 ص]ـ
جزاك الله خيرا ,وقد حضرت بعض هذه المجالس من قراءتك لكتاب التوحيد على الشيخ رحمه الله.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[26 - 04 - 08, 09:52 ص]ـ
جزاك الله خيرا ,وقد حضرت بعض هذه المجالس من قراءتك لكتاب التوحيد على الشيخ رحمه الله.
وجزاك الله خيرا وبارك فيك.(24/162)
مَقْتَلُ الحُسْيَنِ بَيْنَ أَهْلِ السُنَّةِ والرَافِضَةِ
ـ[عبد الله زقيل]ــــــــ[11 - 03 - 03, 09:10 م]ـ
http://alsaha.fares.net/sahat?128@12.eRCleb7baDr.0@.1dd3280f(24/163)
من فتاوى العلامه بن بازرحمه الله واللجنه الدائمه للافتاء فى الرافضه ..
ـ[ابوعامر]ــــــــ[12 - 03 - 03, 04:22 م]ـ
من خلال معرفة سماحتكم بتاريخ الرافضة، ما هو موقفكم من مبدأ التقريب بين أهل السنة وبينهم؟
التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة غير ممكن؛ لأن العقيدة مختلفة، فعقيدة أهل السنة والجماعة توحيد الله، وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى، وأنه لا يدعى معه أحد لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الغيب.
ومن عقيدة أهل السنة محبة الصحابة رضي الله عنهم جميعاً، والترضي عنهم، والإيمان بأنهم أفضل خلق الله بعد الأنبياء، وأن أفضلهم أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عن الجميع، والرافضة خلاف ذلك؛ فلا يمكن الجمع بينهما، كما أنه لا يمكن الجمع بين اليهود، والنصارى، والوثنيين، وأهل السنة؛ فكذلك لا يمكن التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة؛ لاختلاف العقيدة التي أوضحناها.
من فتاوى الشيخ ابن باز
هل طريقة الشيعة الإمامية من الإسلام ومن الذي اخترعها؟ لأنهم أي: الشيعة ينسبون مذهبهم لسيدنا علي كرم الله وجهه، وأيضاً إذا لم يكن مذهب الشيعة من الإسلام ما الخلاف بينه وبين الإسلام؟
وأرجو من فضيلتكم وإحسانكم بياناً واضحاً شافياً بالأدلة الصحيحة خصوصا مذهب الشيعة، وعقائدهم، وبيان بعض الطرق المخترعة في الإسلام.
مذهب الشيعة الإمامية مذهب مبتدع في الإسلام أصوله وفروعه، ونوصيك بمراجعة كتاب: [الخطوط العريضة] و [مختصر التحفة الإثني عشرية] و [منهاج السنة] لشيخ الإسلام بن تيمية، وفيها بيان الكثير من بدعهم. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز- عبدالرزاق عفيفي- عبدالله بن غديان- عبدالله بن قعود
ما حكم عوام الروافض الإمامية الإثني عشرية؟ وهل هناك فرق بين علماء أي فرقة من الفرق الخارجة عن الملة، وبين أتباعها من حيث التكفير أو التفسيق؟
من شايع من العوام إماماً من أئمة الكفر والضلال، وانتصر لسادتهم وكبرائهم بغياً وعدواً؛ حكم له بحكمهم كفراً وفسقاً؛ قال تعالى:} يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) {[سورة الأحزاب].
واقرأ الآية رقم: [165،166،167 من سورة البقرة] والآية رقم: [37،38،39 من سورة الأعراف] والآية رقم: [21،22 من سور سبأ] والآيات رقم: [20 حتى 36 من سورة الصافات] والآيات: [47 حتى 50 من سورة غافر] ... وغير ذلك في الكتاب والسنة كثير.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل رؤساء المشركين وأتباعهم،، وكذلك فعل أصحابه، ولم يفرقوا بين السادة والأتباع، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز- عبدالرزاق عفيفي- عبدالله بن غديان- عبدالله بن قعود
بماذا تحكمون على الشيعة- وخاصة- الذين قالوا إن علياً في مرتبة النبوة، وأن سيدنا جبريل غلط بنزوله على سيدنا محمد؟
الشيعة فرق كثيرة، ومن قال منهم أن علياً رضي الله عنه في مرتبة النبوة، وإن جبريل عليه السلام غلط فنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو كافر. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز- عبدالرزاق عفيفي- عبدالله بن غديان- عبدالله بن قعود
إن السائل وجماعة معه في الحدود الشمالية مجاورون للمراكز العراقية، وهناك جماعة على مذهب الجعفرية، ومنهم من امتنع عن أكل ذبائحهم، ومنهم من أكل، ونقول:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/164)
هل يحل لنا أن نأكل منها علماً بأنهم يدعون علياً والحسن والحسين، وسائر ساداتهم في الشدة والرخاء؟
إن كان الأمر كما ذكر السائل من أن الجماعة الذين لديه من الجعفرية يدعون علياً والحسن والحسين، وسادتهم؛ فهم مشركون مرتدون عن الإسلام- والعياذ بالله- لا يحل الأكل من ذبائحهم؛ لأنها ميتة، ولو ذكروا عليها اسم الله ... وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز- عبدالرزاق عفيفي-عبدالله بن غديان- عبدالله بن قعود
من خلال معرفة سماحتكم بتاريخ الرافضة ما هو موقفكم من مبدأ التقريب بين أهل السنة وبينهم؟
التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة غير ممكن؛ لأن العقيدة مختلفة، فعقيدة أهل السنة والجماعة: توحيد الله وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى، وأنه لا يدعى معه أحد لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الغيب، ومن عقيدة أهل السنة: محبة الصحابة رضي الله عنهم جميعاً والترضي عنهم، والإيمان بأنهم أفضل خلق الله بعد الأنبياء، وأن أفضلهم أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عن الجميع، والرافضة خلاف ذلك، فلا يمكن الجمع بينهما، كما أنه لا يمكن الجمع بين اليهود والنصارى والوثنيين وأهل السنة، فكذلك لا يمكن التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة لاختلاف العقيدة التي أوضحناها.
من فتاوى الشيخ ابن باز
هل طريقة الشيعة الإمامية من الإسلام، ومن الذي اخترعها؟ لأنهم- أي الشيعة- ينسبون مذهبهم لسيدنا علي كرم الله وجهه، وأيضاً إذا لم يكن مذهب الشيعة من الإسلام ما الخلاف بينه وبين الإسلام؟ وأرجو من فضيلتكم وإحسانكم بياناً واضحاً شافياً بالأدلة الصحيحة خصوصاً مذهب الشيعة وعقائدهم وبيان بعض الطرق المخترعة في الإسلام.
مذهب الشيعة الإمامية مذهب مبتدع في الإسلام: أصوله وفروعه، ونوصيك بمراجعة كتاب:"الخطوط العريضة" و"مختصر التحفة الإثني عشرية" و"منهاج السنة" لشيخ الإسلام بن تيمية وفيها بيان الكثير من بدعهم .. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبدالله بن قعود- عبدالله بن غديان- عبدالرزاق عفيفي- عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
ما حكم دفع زكاة أموال أهل السنة لفقراء الرافضة- الشيعة- وهل تبرأ ذمة المسلم الموكل بتفريق الزكاة إذا دفعها للرافضي الفقير أم لا؟
لقد ذكر العلماء في مؤلفاتهم في باب: [أهل الزكاة] أنها:" لا تدفع لكافر، ولا مبتدع"، فالرافضة بلا شك كفار لأربعة أدلة:
الأول: طعنهم في القرآن، وادعاؤهم أنه حذف منه أكثر من ثلثيه، كما في كتابهم الذي ألفه النوري وسماه:" فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" وكما في كتاب "الكافي" وغيره من كتبهم، ومن طعن في القرآن؛ فهو كافر، مكذب؛ لقوله تعالى:} وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) {[سورة الحجر].
الثاني: طعنهم في السنة وأحاديث الصحيحين، فلا يعملون بها؛ لأنها من رواية الصحابة الذين هم كفار في اعتقادهم، حيث يعتقدون أن الصحابة كفروا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلا علي وذريته، وسلمان وعمار، ونفر قليل، أما الخلفاء الثلاثة، وجماهير الصحابة الذين بايعوهم فقد ارتدوا، فهم كفار، فلا يقبلون أحاديثهم، كما في كتاب "الكافي" وغيره من كتبهم.
الثالث: تكفيرهم لأهل السنة، فهم لا يصلون معكم، ومن صلى خلف السني أعاد صلاته، بل يعتقدون نجاسة الواحد منا، فمتى صافحناهم غسلوا أيديهم بعدنا، ومن كفّر المسلمين، فهو أولى بالكفر، فنحن نكفرهم كما كفرونا وأولى.
الرابع: شركهم الصريح بالغلو في علي وذريته، ودعاؤهم مع الله، وذلك صريح في كتبهم، وهكذا غلوهم ووصفهم له بصفات لا تليق إلا برب العالمين، وقد سمعنا ذلك في أشرطتهم.
ثم إنهم لا يشتركون في جمعيات أهل السنة، ولا يتصدقون على فقراء أهل السنة، ولو فعلوا؛ فمع البغض الدفين، يفعلون ذلك من باب التقية.
فعلى هذا من دفع إليهم الزكاة فليخرج بدلها، حيث أعطاها من يستعين بها على الكفر، وحرب السنة، ومن وُكِّل في تفريق الزكاة؛ حرم عليه أن يعطي منها رافضياً، فإن فعل لم تبرأ ذمته، وعليه أن يغرم بدلها، حيث لم يؤد الأمانة إلى أهلها، ومن شك في ذلك؛ فليقرأ كتب الرد عليهم، ككتاب القفاري في تفنيد مذهبهم، وكتاب "الخطوط العريضة" للخطيب وكتاب إحسان إلهي ظهير وغيرها. والله الموفق.
من فتاوى الشيخ ابن جبرين
عذرا اخوانى الكرام لتطفلى عليكم ياطلبة العلم الشرعىوفقكم الله .. .. لكن جهاد الروافض والتحذير منهم امر لابد منه ..
ـ[أبو عبدالله النيسابوري]ــــــــ[12 - 03 - 03, 04:46 م]ـ
رحم الله علماؤنا الجهابذ وأحسن عاقبتهم في الآخرة(24/165)
ماذا كان بين ابن عساكر والمقادسة.؟؟
ـ[عبد السلام هندي]ــــــــ[13 - 03 - 03, 04:39 م]ـ
الذهبي في السير:
وَبَلَغَنَا أَنَّ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ المَقْدِسِيَّ بَعْد مَوْتِ ابْن عَسَاكِرَ نَفَّذ مَنِ اسْتَعَار لَهُ شَيْئاً مِنْ (تَارِيْخِ دِمَشْقَ)، فَلَمَّا طَالعه، انبهر لِسعَة حِفْظ ابْن عَسَاكِرَ، وَيُقَالُ: نَدِمَ عَلَى تَفويت السَّمَاع مِنْهُ، فَقَدْ كَانَ بَيْنَ ابْن عَسَاكِرَ وَبَيْنَ المَقَادِسَةِ وَاقِعٌ - رَحِمَ اللهُ الجَمِيْع -.
من عنده علم بما كان بين ابن عساكر والمقادسة؟؟
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[13 - 03 - 03, 04:56 م]ـ
انظر هذا الرابط، التعقيب الخامس فيه:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?threadid=4724&highlight=%C7%E1%C3%D4%DA%D1%ED
ويظهر لك العداء الذي كان بين الأشاعرة وبين المقادسة من الحنابلة السلفية.
وابن عساكر رحمه الله كان على أشعريته = من اشد المنافحين عن مذهب أبي الحسن الأشعري والناصرين له.
ولعلك تعرف كتابه: تنبيين كذب المفتري.
ـ[عبد السلام هندي]ــــــــ[13 - 03 - 03, 05:21 م]ـ
أظنه في تبيين كذب المفتري دافع عن كتاب الإبانة الذي وافق فيه الأشعريُ مذهبَ أحمد ابن حنبل
فلم الخلاف بعد هذا؟؟
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[13 - 03 - 03, 05:23 م]ـ
ومما في الربط المشار إليه، التعقيب 7:
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [في مجموع الفتاوى: 3/ 227 - 229]: ((والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومنافرة، وأنا كنت من أعظم الناس تأليفاً لقلوب المسلمين، وطلبا لاتفاق كلمتهم، واتباعاً لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله، وأزلت عامة ما كان فى النفوس من الوحشة، وبيَّنت لهم أن الأشعرى كان من أجلِّ المتكلمين المنتسبين إلى الإمام أحمد - رحمه الله - ونحوه المنتصرين لطريقه؛ كما يذكر الأشعرى ذلك فى كتبه.
وكما قال أبو اسحاق الشيرازي: (إنما نفقت الأشعرية عند الناس بانتسابهم الى الحنابلة).
وكان أئمة الحنابلة المتقدمين - كأبى بكر عبد العزيز وأبى الحسن التميمى ونحوهما -يذكرون كلامه فى كتبهم؛ بل كان عند متقدميهم - كابن عقيل عند المتأخرين - لكن ابن عقيل له اختصاص بمعرفة الفقة وأصوله.
وأما الأشعرى فهو أقرب الى أصول أحمد من ابن عقيل واتبع لها؛ فإنه كلما كان عهد الانسان بالسلف أقرب كان أعلم بالمعقول والمنقول.
وكنت أقرِّر هذا للحنبلية، وأبيِّن أن الأشعرى وإن كان من تلامذة المعتزلة ثم تاب - فإنه تلميذ الجبائى - ومال الى طريقة ابن كلاب، وأخذ عن زكريا الساجى أصول الحديث بالبصرة، ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنبلية بغداد أمورا أخرى، وذلك آخر أمره كما ذكره هو وأصحابه فى كتبهم.
وكذلك ابن عقيل كان تلميذ ابن الوليد وابن التبان المعتزليين ثم تاب من ذلك، وتوبته مشهورة بحضرة الشريف ابى جعفر.
وكما أن فى أصحاب أحمد من يبغض ابن عقيل ويذمُّه، فالذين يذمُّون الأشعرى ليسوا مختصين بأصحاب أحمد؛ بل فى جميع الطوائف من هو كذلك.
ولما أظهرت كلام الأشعرى ورآه الحنبلية قالوا: هذا خير من كلام الشيخ (الموفَّق)!
وفرح المسلمون باتفاق الكلمة، وأظهرت ما ذكره ابن عساكر فى مناقبه: أنه لم تزل الحنابلة والأشاعرة متفقين الى زمن القشيرى فإنه لما جرت تلك الفتنة ببغداد تفرقت الكلمة، ومعلوم أن فى جميع الطوائف من هو زائغ ومستقيم ... )).
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[13 - 03 - 03, 05:26 م]ـ
الأخ الفاضل: عبدالسلام الهندي ... وفقه الله
الخلاف بين السلفية الحنبلية وبين الأشاعرة أكبر من الخلاف في قضية ما في كتاب الإبانة.
مع أنَّ ما في كتاب الإبانة ليس موافقاً (كله) لمذهب أحمد بن حنبل وأهل الحديث السلفيين.
فهو جيد في الجملة؛ لكن فيه أمور.
ولعلك تراجع الرابط السابق وتمعن فيه القراءة لتعلم مدى الفرقة التي بين الطائفتين.
* وانظر أيضاً في دفاع ابن عساكر عن الأشعرية = كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة للشيخ عبدالرحمن المحمود (2/ 650).
ـ[ابو الوفا العبدلي]ــــــــ[13 - 03 - 03, 05:30 م]ـ
يجب ان نفرق بين اشاعرة التنزيه وهم من تاثر منهم بالحديث , وبين اشاعرة التعطيل الذين يقدمون العقل على النقل.
فابو نعيم والبيهقي وابن عساكر ليسوا بنفس درجة الجويني والغزالي والرازي والسبكي.
ـ[ابو عبدالله الناصري]ــــــــ[13 - 03 - 03, 05:51 م]ـ
سيخنا أبو الوفا
كثير من متأخري الأشاعرة ليسوا على مذهب أبي الحسن الأشعري
كما يزعمون إنما هم على مذهب الجهمية المعطلة 0
ومن له اشتغال بالحديث من متقدمي الآشاعرة ومتأخريهم فقد سلم
في الغالب من باطلهم 0
ـ[عبد السلام هندي]ــــــــ[13 - 03 - 03, 06:25 م]ـ
ممكن أخي أبو عمر تذكر باختصار ما هي الأخطاء التي في كتاب الإبانة الذي أيده ابن عساكر .. ؟؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/166)
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[13 - 03 - 03, 08:53 م]ـ
أخي الفاضل ...
لم أقل إنَّ الحافظ ابن عساكر رحمه الله قد أيَّد ابا الحسن الأشعري فيما أورده رحمه الله في كتابه (الإبانة) ..
ولعلَّك تراجع كلامي السابق لتكتب السؤال بدقة.
ـ[عبد السلام هندي]ــــــــ[14 - 03 - 03, 12:06 ص]ـ
أنا الذي قالها .. انظر كلامي السابق:
أظنه في تبيين كذب المفتري دافع عن كتاب الإبانة الذي وافق فيه الأشعريُ مذهبَ أحمد ابن حنبل
فلم الخلاف بعد هذا؟؟
وهذا ثابت في كتاب (تبيين كذب المفتري) في أكثر من موضع ..
فلا أفهم بعد ذلك سبب الخلاف بينه وبين المقادسة الحنابلة .. !!
ـ[ابو الوفا العبدلي]ــــــــ[15 - 03 - 03, 08:49 ص]ـ
الاشعري وافق عقيدة السلف في الجملة كما في كتابيه الابانه و مقالات الاسلاميين , وان بقيت عنده شوائب من اعتقاده القديم لم يستطع التخلص منها , مع اخلاصه وحسن نيته.
والخلاف ليس بين المقادسة وابن عساكر , وانما بين السلف اهل الحديث و بين الخلف اتباع ابن كلاب.
ـ[عبد السلام هندي]ــــــــ[15 - 03 - 03, 01:01 م]ـ
اخي ابو الوفا: قلت (وان بقيت عنده شوائب من اعتقاده القديم لم يستطع التخلص منها)
لعل هذه الشوائب هي سبب الخلاف بين ابن عساكر والمقادسة .. فهل يمكن أن تذكر تلك الشوائب أو بعضها؟؟
ـ[ابو الوفا العبدلي]ــــــــ[15 - 03 - 03, 01:16 م]ـ
راجع كتاب ابن تيمية وموقفه من الاشاعرة
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[15 - 03 - 03, 09:00 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك إشكال واقع عند الأخ: عبدالسلام؛ بيانه في نقاط:
* أولاً: ليعلم جيداً .. أنَّ النزاع (الرئيسي) بين الحنبلية وغيرهم من السلفية الأثرية من جهة و الأشاعرة المتكلمين من جهة أخرى؛ كأبي الحسن الأشعري رحمه الله ومن تبعه = إنما هو في مسألة صفات الأفعال، المبنية أسسها عندهم على مسألة حدوث الأعراض، وحوادث لا أول لها .. و ... و ...
وعلى هذا فليس ثمَّة ما يدلُّ على رجوع أبي الحسن الأشعري عن مذهبه في هذه القضيَّة؛ لا في كتابه الإبانة ولا في غيره من الكتب.
ففي كتاب الإبانة - وهو آخر مؤلفاته - ليس هناك ما يدلُّ على إثباتها.
* ثانياً: ومما يؤكِّد هذا ويشدُّه أنَّ الناقلين لمذهبه كابن فورك والباقلاني وغيرهم يثبتون أنه على ذي العقيدة نفسها.
* ثالثاً: قد قلت سلفاً: ليست المشكلة بيننا (السلفيون) وبين الأشاعرة المتكلمين كون كتاب الإبانة لأبي الحسن فيه مؤاخذات او ليست فيه مؤاخذات.
فلو سلَّمنا - جدلاً - أن ليس ثَمَّة ما يؤاخذ عليه - كضرورة إثبات صفات الأفعال - فلم لا يثبت صفات الأفعال المتأخرين الناقلين لمذهبه؛ كابن عساكر رحمه الله.
ولي في كتابه تبيين كذب المفتري ما يدلُّ على ذلك.
وهي النقطة التي دار عليها رحى المخاصمة وأدَّت إلى المفاصلة.
* رابعاً: الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رحمه الله رجع أو لم يرجع عن مذهبه في نفي صفات الأفعال = ليس في ذلك كبير أهمية الآن؟!
فالرجل قد علم الله صدقه وإخلاصه في اتباع الحق وهو معذور؛ إذ أفضى إلى ما قدَّم.
والذي ينبغي عقد المناظرة حوله ويكون ذا ثمرة نافعة = قضية اتباعه؛ هل يثبتون صفات الأفعال أو ينفونها؟!
فإن قالوا: لا؛ قلنا: ما مستندكم في عقيدتكم الباطلة، المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإن قالوا: أبو الحسن الأشعري = فقد رجعنا لإلى القضية الأولى، وهي أنكم تثبتون هذه العقيدة الباطلة له، وهي عين ما نقله عنه اصحابه.
فلم الجدال حولها إذن؟
وإن قالوا: نعم.
فقد انتهت المشكلة بيننا وبينهم إلى الأبد (في هذه القضية)، والحمدلله رب العالمين.
كما كان الأمر نفسه سينتهي بين المقادسة الحنبلية السلفية وبين أتباع الأشعري؛ كابن عساكر رحمه الله وغيره.
وإلاَّ فبالله عليكم ... لم الخلاف بينهم إذن؟
لابد انَّ هناك تبايناً في الاعتقاد أثمر هذا النفصام والشقاق.
وهذا على مرَّ التأريخ، وليس في قضية المقادسة وابن عساكر حسبُ!
* خامساً .. كل بحث لا ثمرة وراءه فإنه مضيعة للوقت، مفسدة للودِّ. ومن طلب الإخلاص في البحث عن الحق رزقه الله إياه ولو بعد آن.
وأخيراً ... فأرجو ان يكون في هذا بياناً شافياً في المسألة المطروحة!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/167)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[15 - 03 - 03, 09:30 م]ـ
ومن الأمثلة الواضحة في القضية السالفة التي قلت إنه ليس ثَمَّة متا يدلُّ على انَّ الشيخ أبا الحسن الأشعري قد رجع عنها = مسألة: (خلق القرآن).
وهذه المسألة فاصلة بين السلفية وبين كثير (إن لم يكن كل) الفرق على اختلاف نحلها ووجوهها.
فأبو الحسن وأتباعه يثبتون القرآن كلاماً لله عز وجل نعم ...
ولكنهم ينفون عنه المشيئة، وأنه تكلَّم به - أي القرآن - بعد أن لم يكن تكلم به.
وهذا النفي ناشيءٌ في الحقيقة عن نفيهم للصفات الاختيارية.
وأنه عزوجل يحدث من أمره متى شاء، ماشاء، كيف شاء.
لمه؟؟
لأنَّ ذلك يبطل مذهبهم الرديء في عدم حلول الحوادث بذات الله عزوجل؛ إذ لو أثبتوا كونه سبحانه وتعالى يتكلم، متى شاء، كيف شاء ومن ذلك القرآن؛ حيث تكلم به بعد أن لك يكن متكلماً به.
وهو ما ينفونه ويكذبون به.
أقول لو أثبتوا هذا = لنقضوا أساسهم المتهالك الذي بنوا عليه مذهبهم في مسألة حلول الحوادث بالرب تعالى شأنه.
وعليه .. فأين ما يدلُّ على رجوع أبي الحسن عن هذا المذهب الباطل؟؟
ليس في كتاب الإبانة وحده، بل في أي كتاب من كتبه؟
وإن رجع فلم تجاسر أتباعه على التمسُّك بما رجع عنه؟
وهذا ينبِّهنا لم صبَّ أحد الحنبلية المقادسة - قدَّس الله أرواحهم - رداً شديداً على أحد أتباعهم - بل وعلى إماهم - في ذي القضية عينها.
ذاكم هو موفق الدين ابن قدامة المقدسي رحمه الله واسبل على قبره وابل الرحمات وصيبها.
ففي كتابه (حكاية المناظرة في القرآن) دار النقاش في هذه القضية بينه وبين أحد أتباعه الذين ينافحون عن مذهبه الباطل في ذي المسألة ...
فردَّ عليه ببالغ العبارات وأقساها؛ لما لمس منه من الماغالطة.
وأشرك في الردِّ أيضاً إمامه المبجَّل أبا الحسن رحمه الله وغفر له.
* هذه أيها الإخوان ... باختصار شديد ... قضية المشكلة بين ابن عساكر والمقادسة.
لا ..
بل بين كل اشعري وبين كل سلفي؛ حنبلياً كان أو مقدسياً أو سمرقندياً أو غير ذلك.
ـ[عبد السلام هندي]ــــــــ[15 - 03 - 03, 10:26 م]ـ
قال – رحمه الله – في كتاب " الإبانة ":
(ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا، وأن الرب عز وجل يقول: (هل من مستغفر)، وسائر ما نقلوه وأثبتوه، خلافا لما قاله أهل الزيغ والتعطيل، ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا – تبارك وتعالى -، وسنة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم -، وإجماع المسلمين وما كان في معناه، ولا نبتدع في دين الله بدعة لم يأذن بها الله، ولا نقول على الله ما لا نعلم.
ونقول: إن الله – عز وجل – يجيء يوم القيامة، كما قال: (وجاء ربك والملك صفا صفا) [سورة الفجر الآية 22]، وأن الله عز وجل – يقرب من عباده كيف شاء كما قال: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) [سورة ق الآية 16]، وكما قال: (ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى) [سورة النجم الآية 8 - 9])
الا يعني ذلك انه يثبت الأفعال؟
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[15 - 03 - 03, 10:37 م]ـ
لا ..
وقد عرفت أنك ستورد هذا المثال الوحيد ..
وجواباً عن هذا فاسأل الأشاعرة أصحاب أبي الحسن: مامعنى المجيء الذي أثبته ههنا؟
هل هو على ما يثبته السلفية أم على تأويلهم المعروف بـ (الإرادة)، ومجيء الثواب و ... و ...
فماذا استفدنا إذن؟؟
مع انه بقيت النقطة المتقدم التمثيل بها؛ وهي كلام الله تعالى.
ثم يا حبيبي ... هذا السؤال يوجَّه إلى الأشاعرة النفاة ... هل يثبتون ما أثبت أو ينفون.
ولهذا وقع النزاع بينهم وبين أهل الحق؛ كالمقادسة وغيرهم.
ولا يوجَّه مثل هذا السؤال إليََّ؛ لأنني قد سبق وقلت: إنه لا يهمني موقف أبي الحسن رضبي الله عنه.
قد أفضى إلى ما قدَّم والسلام.
ـ[عبد السلام هندي]ــــــــ[15 - 03 - 03, 11:01 م]ـ
موضوعنا هنا ابن عساكر .. وموقفه الثابت عنه هو تأييد كتاب الإبانة .. فما الدليل على ميله الى التأويل .. حتى نفهم خلافه مع الحنابلة؟؟
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[16 - 03 - 03, 12:52 ص]ـ
ما تقدم كافٍ في الرد على كل ما ستعيده من الكلام المكرر.
ولن أعيد منه شيئاً غير نقطة واحدة مهمة للغاية:
أنه لا فائدة في مسألتك التي تدندن حولها؛ فكونك حكماً أو قاضياً بين المقادسة وابن عساكر لن يفيد شيئاً؛ فقد قضوا إلى رحمة الله والسلام.
فنصيحة بالغة لك: اغلق الموضوع إلى هنا وناقش فيما يفيدك.
ـ[هيثم حمدان]ــــــــ[16 - 03 - 03, 08:37 م]ـ
قال الشيخ أسعد تيّم في حاشية صفحة 53 من تحقيقه لكتاب (فضل الصلاة على النبي):
كانت الرواية بالشام قد ضعفت كثيراً منذ نهاية القرن الثالث، فلما نشأ الحافظ أبو القاسم ابن عساكر (499 - 571) رحل في طلب الحديث فأمعن؛ فجلب الأسانيد العالية والكتب النّفيسة، وصنّف وحدّث وأملى، فأحيا الله به السنة في الشام؛ غير أنه كان أشعرياً متشدداً، وكان ما بينه وبين الحنابلة سيئاً، لتعصب كلا الفريقين لمذهبه؛ فامتنعوا عن الأخذ عنه، وقيل إنه كان يطردهم من مجلسه إذا حضروا! فأنف من ذلك الحافظ عبدالغني، فرحل كما ذكرنا، وجعل الله سبحانه في رحلته خيراً كثيراً، فإن آل عساكر -وإن ظهر منهم محدثون ورواة بعد أبي القاسم- فلم يكن فيهم من يقاربه في علمه وحفظه؛ فأمّا الحنابلة -لا سيما المقادسة رهط الحافظ عبدالغني- فقد ظهر فيهم عشرات الحفاظ ومئات الرواة المسندين، لتوفر همتهم على الحديث الشريف وحرصهم عليه؛ فظلت الرواية فيهم 3 قرون ونيف، حتى نهاية العصر المملوكي. وبهم صارت الشام أهم مركز للحديث الشريف في بلاد الإسلام مدة قرنين، حتى غزاها ودمرها المجرم تيمورلنك (سنة 803). اهـ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/168)
ـ[ابو الوفا العبدلي]ــــــــ[16 - 03 - 03, 09:27 م]ـ
بل بقيت الرواية فيهم الى بداية القرن العاشر , ثم أفل نجم الرواية بعد سقوط دمشق بأيدي العثمانيين , وارتفع رأس الطرقية.
واخر من اشتهر منهم يوسف بن حسن ابن عبدالهادي المقدسي المعروف بابن المبرد المتوفى سنة909 هج.
ـ[ابن وهب]ــــــــ[16 - 03 - 03, 10:39 م]ـ
و ممن رحل من الحنابلة ايضا الضياء المقدسي وحصل كتب كثيرة
ولكنه لم يبلغ شأن ابن عساكر
ابن عساكر خاتمة الحفاظ
من حيث الكتب ولااحسب ان حافظا جاء بعده حصل من الكتب مثل ما حصل ابن عساكر
كتب متصلة بالسماع وبالاجازة
والحافظ عبدالغني على كثرة مروياته فانها لاتقارن بمرويات ابن عساكر
والامر كما ذكر الشيخ اسعد وفقه الله
(فإن آل عساكر -وإن ظهر منهم محدثون ورواة بعد أبي القاسم- فلم يكن فيهم من يقاربه في علمه وحفظه؛)
نعم فان ولده لم يكن بالمتقن
وكذا غيره
وفعلا الرواية تأثرت في عهد العثمانيين
(عصر الانحطاط في كل شيء)
ـ[عبد السلام هندي]ــــــــ[16 - 03 - 03, 11:04 م]ـ
... كان أشعرياً متشدداً، وكان ما بينه وبين الحنابلة سيئاً، لتعصب كلا الفريقين لمذهبه؛ ..
السؤال هنا: هل يقال عن ابن عساكر مثل هذا القول مع إقراره وتأييده لكتاب الإبانة .. ؟؟
وهل توجد له مؤلفات يظهر فيها (أشعرياً متشدداً) .. ؟؟
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[17 - 03 - 03, 12:52 ص]ـ
الأخوة الأفاضل .. هيثم حمدان، أبوالوفا العبدلي، ابن وهب ..
جزاكم الله خيراً.
الأخ: عبدالسلام ... لافائدة
ـ[ابو الوفا العبدلي]ــــــــ[17 - 03 - 03, 08:14 ص]ـ
من المآخذ على ابن عساكر انه لم يذكر محنة الامام احمد حين ترجم له في تاريخ دمشق , ذكر ذلك ابن كثير.(24/169)
معالم منهج المتأخرين في " التوحيد ".
ـ[محب العلم]ــــــــ[14 - 03 - 03, 01:00 ص]ـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده أما بعد:
فهذه مسائل جمعتها في الذهن وأحببت أن يكون لها وجود في الخارج لينظر فيها الفوقة من طلبة العلم الشريف في هذا الملتقى المبارك فتكون محلاً لمذاكرة يستخرج فيها أهلها من بين فرث الإرجاء ودم الخروج علما نافعا مباركا للطالبين.
وموضوعها وقطب رحاها هو التوحيد وإثبات تباين المشتغلين بالعلوم- من المنسبين له- في فهمه.
فإن الخلل الذي دخل على العلوم عند المتأخرين قد تعدّى علوم الآلة إلى غيرها من مباحث المقاصد
ولست أقصد بالمتأخرين هنا أتباع عمرو بن لحي وداود بن جرجيس ولا أنصار جهم بن صفوان والجعد بن درهم، وإنما أقصد فضلاء المشتغلين بالعلم من المنتسبين للسنة أصلا، وسفهاء المتكلمين في هذه المسائل –بغير علم – تبعا.
المسألة الأولى: العذر بالجهل.
فالمتأخرون يعذرون بالجهل في مسائل التوحيد مطلقا، ولافرق عندهم بين المسائل الظاهرة والخفية، ولابين الجاهل القادر على التعلم والجاهل العاجز عنه، ولابين الجاهل العاجز عن التعلم وهو راغب فيه، و العاجز عن التعلم المعرض عنه.
وأما المتقدّمون فالمسائل المكفرة التي تتعلّق بأفعال المكلفين عندهم نوعان:
النوع الأول: مسائل ظاهرة، كالشرك الأكبر بجميع أنواعه ومن أظهرها دعاء غير الله ومثله سب الله تعالى أو الإستهزاء بدينه، والمسائل المعلومة من الدين بالضرورة كوجوب الصلوات الحمس والزكاة والصيام والحج وتحريم الفواحش كالزنا والخمر.
فمن وقع في شئ من هذه الأمور فإنه عندهم كافر بعينه كفرا أكبر ويحكم عليه بناء على ظاهر حاله وهو الكفر.
ولايعذرون أحدا وقع في شئ من هذه المكفرات بالجهل إلا في ثلاث حالات:
الحالة الأولى: من نشأ في بادية بعيدة عن دار الإسلام.
الحالة الثانية: من نشأ في دار كفر لاتبلغ الدعوة مثله فيها.
الحالة الثالثة: من كان حديث عهد بالإسلام.
فأصحاب هذه الحالات الثلاث يدفع عنهم الجهل مايلي:
أولاً-إباحة المال والدم قبل إقامة الحجة عليهم.
ثانياً-الجزم بدخول النار بعد موتهم إذ حكمهم حكم أهل الفترة عند من يثبتها.
ولايدفع الجهل عنهم =اسم الشرك –باعتبار وقوعهم فيه، فيطلق اسم الشرك عليهم ويرتفع عنهم اسم الكفر واسم الإسلام، كما يطلق على من زنا جهلا منه = اسم الزنا باعتبار وقوعه فيه، ويرتفع عنه اسم الفسق المرتب على الزنا لأجل عارض الجهل.
وقد نقل الإجماع على عدم العذر بالجهل في هذه المسائل جماعة منهم:
ابن جرير الطبري كما في كتابه " التبصير بمعالم الدين "، وإسحاق بن عبدالرحمن كما في رسالته " حكم تكفير المعيّن "، وعبدالله أبابطين في رسالته " الإنتصار" وغيرهم.
النوع الثاني: مسائل خفيّة: كإنكار بعض الصفات التي وقع فيها النزاع بين أهل السنة وغيرهم –بخلاف الصفات التي هي من لوازم الربوبية كمطلق القدرة والعلم فهذه من المسائل الظاهرة.
وكمسائل الفروع غير المشتهرة علما عند العامة، وليست من المعلوم من الدين بالضرورة وكالمسائل التي تقع فيها الفرق المخالفة للسنة في القدر والإيمان وغيرها مما يخفى مأخذه.
فمن وقع في أفعال الكفر التي يخفى كونها كفرا في حالات مخصوصة فإنه يعذر بجهله ولايطلق عليه اسم الكفر بمجرد وقوعه فيها مالم يكن قادرا على التعلم مفرطا فيه فإنه يكفر، وهو الذي يسمّى " كفر الإعراض "
وأما من كان عاجزا عن التعلم فإن له حالان:
الحال الأولى: أن يكون راغبا في رفع الجهل عن نفسه.، فهذا هو المقصود بالعذر بالجهل في هذه الحالة أصلا.
الحال. الثانية: أن يكون غير راغب في رفع الجهل عن نفسه فهذا في كفره قولان حكاهما أبو عبدالله ابن القيم في النونية، وتوقف في أصحابها.
وينظر في إثبات الفرق بين المسائل الظاهرة والخفية:
شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري (ص207) ط. بيروت
والرسالة للشافعي (357) ط. أحمد شاكر
والفروق للقرافي (2/ 149) ط. بيروت
ومجموع الفتاوى (4/ 54)
ومجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب (7/ 159 - 160) قسم الرسائل الشخصية، ط. الجامعة.
وللشيخ عبدالله أبابطين رحمه الله رسالة مستقلة في مسألة العذر بالجهل انظرها في الدرر: (10/ 355).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/170)
ومن المعاصرين الشيخ أبو العلا الراشد في رسالته " عارض الجهل وأثره على أحكام الإعتقاد " بتقديم الشيخ العالم صالح الفوزان وهي من أحسن ماكتب المعاصرون في هذه المسألة فجزاه الله خيرا.
المسألة الثانية:التحذير من التكفير
فالمتأخرون طردوا أصلهم في عدم التفريق بين المسائل الظاهرة والخفية، فنهوا عن تكفير الأعيان مطلقا واستشنعوه عل كل حال
وفرقوا بين الوصف والعين مطلقا، فأطلقوا الكفر على الفعل ونهوا عن تكفير الفاعل بعينه مطلقا.
أما المتقدمون فلما تقررعندهم من الفرق بين المسائل الظاهرة والخفية فإنهم يعملون النصوص الدالة على خطر التكفير ووجوب التحذير منه = في المسائل الخفية التي يلتبس حال المكلف فيها، ويصفون الفعل فيها بالكفر ويتوقفون عن الفاعل، وقد شددوا في تكفيره بعينه أعظم تشديد وحذروا أشد تحذير، وعلى المسائل الخفية تحمل جميع عباراتهم المجملة في هذا الباب.
وأما المسائل الظاهرة، فإنهم ينكرون أشد الإنكار على من توقف في تكفير أعيان من وقع في أفراد المكفرات منها، ويعدون التوقف في هذا من أعظم المنكرات وأن الحامل عليه في الغالب هو عدم مراعاة حرمة الإسلام بإدخال من ليس من أهله فيه كما يراعون حرمة المسلم ويعدون إخراجه من الإسلام بغير موجب ظاهر لذلك من أعظم المنكرات.
فأخذ من لاخلاق له تعظيمهم لحرمة المسلم فأعطاه للمرتد عن الإسلام الخارج عن حده!
وأخذ تشنيعهم على من أدخل من ليس من أهله فيه فجعله على من أدخل من ليس من أهل الإسلام في الكفر!
وهم في هذا كله ينكرون على من تكلم بجهل وقلة ورع في هذه المسائل سواء أصاب أم أخطأ.
كما أنهم يعتبرون المصالح والمفاسد في إظهار اعتقاد كفر هذا المعيّن إن كان مما لايجب إظهاره في حالاته المخصوصة.
وينظر في هذه رسالة للشيخ عبدالرحمن بن حسن في الرد على رجل سوء يحذر من التكفير بغير تحقيق ولاتحرير وهي في الدرر (11/ 446).
وكذلك " الشهاب الحارق لابن سحمان (ص168 - 169).
و"مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام " للشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن.
و" الإتحاف في الرد على الصحاف " له أيضا.
المسألة الثالثة: ضابط إظهار الدين الذي يبيح الإقامة في بلاد الكفاربقيد أمن الفتنة.
فالمتأخرون جعلوا إظهار الدين.هنا هو إظهار العبادات العملية غير المتعدية كالصلاة والصيام والزكاة مما لايخالفهم فيها المشركون بل قد يوافقونهم عليها.
أما المتقدمون، فإظهار الدين عندهم هو القدرة على (إظهار المعتقد) بإظهار المخالفة للمشركين وإعلان العداوة لهم
فإن كان المقيم عاجزا عن هذا لم تبح له الإقامة في بلادهم إلا المستضعف بضابطه.
وقد نقل هذا الضابط عن المتقدمين جماعة ومنهم:
الشيخ إسحاق بن عبدالرحمن كما في رسالته" إقامة الدليل على تحريم الإقامة بين أهل الشرك والتعطيل "
والشيخ حمد بن عتيق كما في " سبيل النجاة والفكاك من موالاة أهل الإشراك ".
وينظر " كشاف القناع عن متن الإقناع " (3/ 150) باب أحكام أهل الذمة
و" تحفةالمحتاج " لابن حجر الهيتمي (12/ 110 - 111) فصل في أمان الكفار.
المسألة الرابعة: ضابط إقامة الحجة المعتبر:
فالمتاخرون يشترطون لقيام الحجة =تمام الفهم لها واندفاع كل شبهة عن من وقع في الكفر، ويشترطون هذا في جميع المسائل.
أما المتقدمون: فيفرقون بين المسائل الظاهرة وغيرها.
فقيام الحجة في المسائل الظاهرة تكون عندهم ب (بلوغ القرآن) فمن بلغه أو سمع به فقد قامت عليه الحجة كما قال تعالى {لأنذركم به ومن بلغ}.
ويكفي في هذا = فهم تراكيب الألفاظ ودلالتها الظاهرة، دون تمام الفهم المستلزم للانقياد.
أما المسائل الخفية، فصفة قيام الحجة فيها هي: بلوغ الدليل إيضاخ المراد منه حتى يفهم ورد الشبهات التي تعلق به ممن يحسن ذلك من أهل العلم.
وينظر في هذا: " الجواب الصحيح " لشيخ الإسلام (1/ 310).
والشيخ محمد بن عبدالوهاب كما في مجموع المؤلفات (7/ 159 - 160).
والشيخ اسحاق بن عبدالرحمن كما في " حكم تكفير المعيّن ".
والشيخ أبا بطين كما في " الإنتصار" (ص44) ط. طيبة.
والشيخ سليمان بن سحمان كما في " الضياء الشارق " (290).
وغيرهم.
المسألة الخامسة: اشتراط " قصد الكفر " لتنزيل اسم الكفر على المعيّن.
والمقصود ب" قصد الكفر " هنا هو: أن يفعل المكلف الكفر معتقدا أنه كفر ناويا الوقوع في الكفر.
فالمتأخرون اشترطوا قصد الكفر بهذا المعنى لتكفير المعيّن وجعلوا عدم قصد الكفر مانعا من تكفير الأعيان مطلقا.
أما المتقدمون فالحكم عندهم مبني على الظاهر لا القصد.
فمن وقع في شئ من المكفرات " الظاهرة " فهو كافر بعينه عندهم وإن لم يعلموا قصده بل وإن لم يكن قصده الخروج من الملة، ولكن قصد الوقوع في الفعل.
أما الأقوال والأفعال الخفية المحتملة للكفر وعدمه فهذه يسألون عن مقصد فاعلها قبل تكفيره بعينه.
وليس المراد سؤاله هل قصد أن يكفر أم لا، بل المراد سؤاله: هل قصد أن يفعل الفعل الذي هو كفر مع علمه بكونه كفرا أو مع ظنه أنه حرام لا كفر وقصد فعله، فإن كان ذلك كذلك فهو كافر عندهم بعينه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في " الصارم المسلول "
(ص178):
" ... وبالجملة فمن قال أو فعل ماهو كفر كفَرَ بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافرا، إذ لايقصد الكفر أحد إلا ماشاء الله ".
قال ابن القيم رحمه الله ناقلا عن الشافعي ومقررا رأيه (الإعلام ج3/ 102ط. أنصار السنة):
" ومن حكم على الناس بخلاف ماظهر منهم استدلالا على أن ما أظهروه خلاف ما أبطنوه بدلالة منهم أو غير دلالة لم يسلم عندي من خلاف التنزيل والسنة ".
وقال ابن حجر في " الفتح " (12/ 272): " وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر ".
وانظر: " الموافقات " للشاطبي (2/ 271).
و" درء التعارض " (8/ 432).
وهذا آخر ما أورد مما يراد من المعالم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/171)
ـ[القعنبي]ــــــــ[14 - 03 - 03, 04:47 ص]ـ
الاخ محب العلم .. جزاك الله خيرا على هذه المقالة الجميلة
وليتك تتوسع فيها وتكثر من النقول فيها
ـ[أخو من طاع الله]ــــــــ[14 - 03 - 03, 01:38 م]ـ
أحسنتَ أستاذنا محب العلم، رزقنا الله وإياك العلم والعمل ..
والموضوع هذا، كتابٌ مستقلُّ، وإن قلَّت سُطورُه، وليتك تستجيب لما ذكره أخونا القعنبي، فتُوسِّع المسألة في بحث كامل، تتوسع فيه في ذكر المسائل، والأدلة فيها، وشبهات المتأخرين، ومواطن الغلط لديهم فيها ..
وكثيرٌ من العلوم، يُحتاج إلى التنبيه فيه، لما أحدثه المتأخرون، بسوء الفهم، أو قلة التحقيق ..
ولعل هذا المقال، يفتح باب التنبيه على أخطاء المتأخرين في مسائل توحيد العبادة ..
وهنا تنبيه:
أنَّ قصد فاعل الكفر أن يكفر، لم يشترطه أحد فيما أعلم، ولا غلاة المرجئة .. لا في تكفيره ظاهرًا، ولا في وقوع الكفر عليه باطنًا ..
وإنَّما المسألة، في قصد الوجه الذي هو كُفرٌ .. فيما يحتمل وجهين، أو نحو ذلك ..
وهذا مُبيّن في موضع من كلامك، ملتبس في موضع، فأحببت التنبيه ..
ـ[خالد الفارس]ــــــــ[14 - 03 - 03, 01:41 م]ـ
بارك الله فيك جيد جدا
ـ[المشارك]ــــــــ[14 - 03 - 03, 03:30 م]ـ
تفصيل جيد يحتاج إلى تفصيل أكثر ليفهم عنك مرادك
ـ[محب العلم]ــــــــ[14 - 03 - 03, 05:20 م]ـ
الأخ/ القعنبي حفظه الله
لا أجد أبلغ في الاعتذار عن طلبك من وصفك هذا المرقوم ب (المقالة)
وهذا الوصف لايحتمل أكثر مما كتب.
الأخ / سدده الله
أشكرك على تنبيهك وحسن خلقك، وما طلبته لستُ من أهله ومثلك يعلم.
الأخ /خالد الفارس
جزاك الله خيرا.
الأخ / المشارك وفقه الله
تفصيل التفصيل = إجمال!
والولع بتفصيل التفصيل، جعل كثيرا من المتأخرين،يفرق بين متحد الحكم، ويجمع بين متفرقه.
واسلم لأخيك ومحبك
ـ[أخو من طاع الله]ــــــــ[16 - 03 - 03, 03:37 م]ـ
الغلط من المتأخرين، على المتقدمين، وقع في أكثر العلوم إن لم يكن في جميعها ..
فقد وقع في اللغة، والنحو، والأدب ..
كما وقع في الفقه، وأصوله وقواعده ..
ووقع في جميع العلوم الآلية والأصليَّة ..
وخير وسيلة لإصلاحها، العناية بتبيان معالم ما عليه المتقدّمون، مما خالف فيه المتأخرون ..
كما فعل الأخ محب العلم هنا، في توحيد العبادة ..
ولعل مراد الأخ، الغلط اليسير الذي وقع بين الموحدين أهل السنة، لا الخلل الذي انجر إليه الوثنيون في الجاهليات القريبة والمعاصرة، او الذي انحرف فيه من خالف منهج أهل السنة بالكلية في هذا الباب ..
وهذا الموضوع حري بالوقوف عنده وتحريره .. والأخ محب العلم، قادرٌ على تفصيله، وتبيينه، فلا يبخل علينا بما لديه ..
وأرى المسألة أكبر وأهم، من أن يكتفي فيها الأخ الكريم، بمقال مثل هذا، بل هي بحاجة إلى كتابة تأصيلية، متوسّعة تفصيليَّة، تكون نواتها هذا المقال ..
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ..
ـ[بحر الدم]ــــــــ[04 - 04 - 03, 07:04 م]ـ
-
ـ[أسد السنة]ــــــــ[05 - 04 - 03, 02:56 ص]ـ
هذه هي دعوتنا التصفية والتربية:
تصفية العلوم مما طرأ عليها من خلل ودخن وأما أن نهدم القواعد التي اتفق عليها العلماء باسم منهج المتقدمين أو التفريق بين منهج المتقدمين والمتأخرين فهذه دعوة باطلة ولو احمرت أنوف.
فما أن انتهينا من رد شبه الذين يفرقون بين منهج المتقدمين والمتأخرين في علم الحديث وإذا بنا نفاجأ بمن يفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين في:
التوحيد والعقيدة!!
وفي اللغة، والنحو، والأدب ..
و في الفقه، وأصوله وقواعده ..
و في جميع العلوم الآلية والأصليَّة!!!
فهل أصبحت هذه الدعوة وسيلة لتسليك أهل البدع لبدعهم أم ماذا.
أما ما كتب أعلاه وإن كنا نوافق الكاتب في كثير منه إلا أنه في بعض المواضع قد بالغ وفي بعضها قد تناقض وأما العنوان ففيه ما فيه.
وإني أشم في كلامه نقولاً من كلام الشيخ الخضير في بعض رسائله وقد عرضت بعضها على بعض أهل العلم فاستنكر المنهج الذي يسير عليه الشيخ خاصة في باب الأسماء والأحكام ولعلي أجد وقتاً حتى أوافيكم بما في كلامهما من خلل وزلل ظاهر.
ـ[السيف الصقيل]ــــــــ[05 - 04 - 03, 04:25 ص]ـ
هذا القول لا أعلم دليلا محكما عليه:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/172)
فيطلق اسم الشرك عليهم ويرتفع عنهم اسم الكفر واسم الإسلام، كما يطلق على من زنا جهلا منه = اسم الزنا باعتبار وقوعه فيه، ويرتفع عنه اسم الفسق المرتب على الزنا لأجل عارض الجهل.
وهو من كلام علي الخضير قطعا
وقولك: فالمتأخرون جعلوا إظهار الدين.هنا هو إظهار العبادات العملية غير المتعدية كالصلاة والصيام والزكاة مما لايخالفهم فيها المشركون بل قد يوافقونهم عليها.
اني مافهمت قصدك فهل فيه تكفير لعوام المسلمين ومن المشركون ام ماذا هداك الله
ـ[محب العلم]ــــــــ[05 - 04 - 03, 07:41 م]ـ
الأخ الفاضل أسد السنة:
أما العنوان، فعلم الله أني كاره له، ولم أرد جعله شعارا أو معقدا للولاء والبراء، كيف وهذا من أصول الضلال.
إلا أنني لحظت فيه معنى نفسياً يناسب هذا الملتقى خاصة، وهو أن أكثر كتبته وأعقلهم يتصورون شناعة طريقة المتأخرين في الحديث وأثرها على علم المصطلح، فجعلت هذا الإسم مرقاة لتصوير أثر الإختلاف في هذه المسائل في التوحيد على هذا العلم الشريف.
ولم أرد بهذا غير هذا، حيث أنني أراعي ماذكرته من ترك تعبيد المسالك لأهل البدع.
ولاشك أن الفرق موجود بين المتقدمين والمتأخرين في كل العلوم وإن احمرت أنوف.
إلا أن الشأن كل الشأن هو في ترك التعلق بهذه الاصطلاحات وعقد الولاء والبراء عليها وهذا ملاحظ سلمك الله.
وأما قولك " أنه في بعض المواضع قد بالغ وفي بعضها قد تناقض"
فإني قد ذكرت في أول مقالي أني كتبته ليكون محلا لمذاكرة ينتفع بها
فهلا ذكرت هذه المواضع التي بالغتُ فيها وتناقضتُ لتحصل المذاكرة فيها والمراجعة.
ولاخير فيمن لايرجع ان ظهر منه زلل، ولافيمن لاينصح إن بدا من أخيه خطل.
وأما قولك: وإني أشم في كلامه نقولاً من كلام الشيخ الخضير في بعض رسائله وقد عرضت بعضها على بعض أهل العلم فاستنكر المنهج الذي يسير عليه الشيخ خاصة في باب الأسماء والأحكام ولعلي أجد وقتاً حتى أوافيكم بما"
فينبغي أن تعلم رعاك الله، أن من عمد المسائل التي خالف فيها المتأخرون المتقدمين في العقائد مسألة الشم وأثرها على باب الأسماء والأحكام!
فالمتأخرون هداهم الله يعملون الشم المعنوي في كل ما اشتبه عليهم، ويجعلونه مؤثرا في اطلاق الأسماء والأحكام، وعمدتهم في هذا الباب هوالتخرص والظن والإحالة على مجموع الحال!
وهذا أصل عظيم من أصولهم التي خالفوا فيها المتقدمين، واعتبر هذا في أكثر ما اختلف فيه أهل السنة اليوم تجده ظاهرا جليا.
وكان بوسعك سددك الله وأنت " أسد السنة " وحاميها، أن ترجع البصر في مرقومات الشيخ علي وتبرز لنا هنا مانقلته منه هناك، ولك في هذا عن الشم سعة.
وأما الشيخ علي رعاه الله فإني لم أقف على كلام له في هذه المسائل إلا في المسألة الأولى وهي العذر بالجهل، وقد أوضحت لك فيها مواردي التي اعتمدتها ومن أفضلها كما ذكرت رسالة أبي العلا الراشد التي قدم لها الشيخ صالح، فما الذي حشر الخضير هنا؟
وهو- حفظه الله من فضلاء المشتغلين بالعلم ومن رؤوس أسود السنة وليس بالمعصوم،والإلتقاء معه في تقرير بعض المسائل أو أخذها عنه لايفيد التعويل عليه، بل هذا يا أسد السنة ضرب من الخلل في تخريج المسائل، وهو " تخريج الفروع على الفروع "، فاحذره غير مأمور.
وأما المجهول الذي نقلت عنه واستحييت من ذكر اسمه،ونسبتَه الى العلم وأهله فليتك وفرت الوقت الذي نقلت فيه هذين السطرين عنه فإنك ذكرتني بهما يا أسد السنة ب" الهر يحكي انتفاخا صولة الأسد "!
ولعلك حفظك الله من فضلاء أهل العلم وطلابه فلا تجرن على نفسك مالايليق بمثلك.
ولو أنك ناقشت هذه المسائل بالعلم والحجة لكفيتنا مؤونة هذه الجمل، ولوجدت صدرا رحبا ورجوعا حميدا عن مستشنع الخطأ.
فاترك رعاك الله هذا الزئير والتوثب في وجه اخوانك والذي (أشم) منه (على جهة المقابلة) = تمهيدا لإخراجهم من عرين السنة، الذي تولاه بعض من ذكرت لك.
الأخ السيف الصقيل حفظه الله:
عدم العلم ليس علما بالعدم.
وأحيلك على ماذكرته للشيخ أسد السنة من أثر (الشم) و (تخريج الفروع على الفروع) على هذه المسائل.
وأما اطلاق اسم الشرك على من وقع فيه وعدم اطلاق اسم الكفر ولااجراء احكام الكفر عليه فانظر فيه:
مجموع الفتاوى (20/ 37 - 38) حيث قال:
"فاسم الشرك ثبت قبل الرسالة فإنه يشرك بربه ويجعل معه آلهة أخرى ويجعل له أندادا قبل الرسول ويثبت أن هذه الأسما مقدم عليها ... وأما التعذيب فلا " أ. هـ
والدرر السنية (10/ 136 - 138) حيث قال ابناء الشيخ محمد، وحمد بن ناصر بن معمر:
" إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله أو عدم من ينبهه فلا نحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة، (ولا نحكم بأنه مسلم) ... ، ولايقال: (إن لم يكن كافرا فهو مسلم) بل نقول عمله عمل الكفار وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه متوقف على بلوغ الحجة " أ. هـ.
وهذا في الحالات الثلاث السابقة فقط كما تقدم.
وقال صالح آل الشيخ في شرحه على كشف الشبهات (ص56):
" فإن المتلبس بالشرك يقال له مشرك سواء أكن عالما أو كان جاهلا، والحكم عليه بالكفر يتنوع " أ. هـ
وانظر تمام الكلام والأدلة في هذه المصادر فقد كل الإصبع وأخشى أن يهدى هذا الكلام لمن لايرفع به رأسا.
وأما مسألة اظهار الدين: فالكلام فيها واضح، وكأني بك رعاك الله وقد ألصقت أنفك بجهازك وقربت منظارك من شاشتك بحثا عن كلمة توافق بعض ما فهمته من كلامي ب (الشم) الذي شرحته لصاحبك الأسد!
فاربع على نفسك واسلم لأخيك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/173)
ـ[أخو من طاع الله]ــــــــ[06 - 04 - 03, 02:31 م]ـ
أجدها فرصة، للتنبيه إلى كتب الشيخ علي الخضير، وما أودعت من علم نفيس وفوائد جليلة، والشيخ علي الخضير من العلماء المحققين في مسائل الاعتقاد وبخاصة مسائل "الأسماء والأحكام"، كما لا يخفى على مطلع على كتبه، ومن أهمِّها كتاب "الحقائق" في التوحيد.
وما أعلم له قولاً تفرَّد به، أو لم يُسبق إليه، وعلى المدعي البيّنة.
وإني لأعجب لقوم، يدعون العناية بالسنة والرد على أهل البدع، وينادون بذلك، وما سنتهم إلا سنة فلان وفلان من المعظمين والمتبوعين لديهم، مع إهمالهم الكامل، لتحقيق التوحيد، والعناية بتوحيد العبادة، على الأخصِّ، فكأنَّ اسم أهل السنة لهم، تخصص يخرج التوحيد!!
ولو حاققتَ ودقَّقت، لم تجد لديهم من السنَّة إلا رسومًا ومسائل تخذوها شعارًا، وتعصَّبوا لها، وتحزّبوا على تركِ ما عداها، والإعراض عنه بالكلية!
وأما أن الدعوة إلى منهج المتقدمين، تعني هدم ما رقمه المتأخرون بالكلية، وترك الاستفادة منهم، فلم يقُله من يدعو إلى هذا، وإنَّما شنع به الخصوم، الذين لم يجدوا لأقدامهم موطئًا في ميدان الحجة، فيمموا سوق "الرخيص"، وكانوا أحق بها وأهلها!!
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[06 - 04 - 03, 04:04 م]ـ
الأخوان: محب العلم، ... بارك الله فيهما
أحسنتما - والله - وأجدتما أيما إحسان ...
** ونصيحة (عامة) لمن لم تكن له حجة في الرد على (ما لا يروق له) أن لا يشغب على صاحبها، بل الأولى له النظر بتحرر إلى حجته ثم إلزام النفس باتباعها.
ـ[أسد السنة]ــــــــ[07 - 04 - 03, 02:15 ص]ـ
حسبي الله ونعم الوكيل:
لكن أقول لعل من كتب الموضوع أو علق!! على الموضوع أن يواصل معي ولا ينقطع، آمل ذلك.
حقيقة الموضوع كبير ومتشعب ولعلي أحدد بعض المحاور:
الأول) ما ذكرته سابقا أن عندي بعض الانتقادات على ما كتبه أخونا محب العلم.
الثاني) سوف أناقش أهم مسألة في تلك الانتقادات وهي مسألة إقامة الحجة والعذر بالجهل والباقي تأتي تباعاً.
الثالث) استفسار
أما المحور الأول:
فأقول إن الأخ تناقض حيث قال مبينا طريقة المتأخرين على حد زعمه!! فيمن جهل مسائل التوحيد الظاهرة
قال " فمن وقع في شئ من هذه الأمور فإنه عندهم كافر بعينه كفرا أكبر ويحكم عليه بناء على ظاهر حاله وهو الكفر. ولايعذرون أحدا وقع في شئ من هذه المكفرات بالجهل إلا في ثلاث حالات: الحالة أولى: من نشأ في بادية بعيدة عن دار الإسلام. الحالة الثانية: من نشأ في دار كفر لاتبلغ الدعوة مثله فيها. الحالة الثالثة: من كان حديث عهد بالإسلام. "
وقد سبق قوله منتقداً المتأخرين!!
بأنهم لا يفرقون " بين الجاهل القادر على التعلم والجاهل العاجز عنه، ولابين الجاهل العاجز عن التعلم وهو راغب فيه، و العاجز عن التعلم المعرض عنه."
ومعنى كلامه أن غيرهم يفرق.
فبالله عليك يامحب العلم كيف يفرقون وأنت لم تستثن إلا ثلاث حالات.
هذا أولاً وأما ثانياً:
فقولك " فأصحاب هذه الحالات الثلاث يدفع عنهم الجهل مايلي: أولاً-إباحة المال والدم قبل إقامة الحجة عليهم. ثانياً-الجزم بدخول النار بعد موتهم إذ حكمهم حكم أهل الفترة عند من يثبتها. "
ثم تنفي عنهم اسم الكفر وتثبت لهم اسم الشرك وهذا من أعجب ما رأيت.
فبالله عليك ما الذي عصم دماءهم وأموالهم آلشرك أم ماذا.
ولقد تمنيت أن تستدل بالكتاب والسنة وتدع قول فلان وفلان حتى لا ينطبق عليك ما قاله (أخو من ... ) حيث قال " وإني لأعجب لقوم، يدعون العناية بالسنة والرد على أهل البدع، وينادون بذلك، وما سنتهم إلا سنة فلان وفلان من المعظمين والمتبوعين لديهم "
وحتى يتسنى لنا كما قال (أبو عمر ... ) " النظر بتحرر إلى حجتك!! ثم إلزام النفس باتباعها ".
وإني لأعجب من جوابك للسيف الصقيل بنقل عن شيخ الإسلام بلا زمام ولا خطام حتى أنني أظنك لم ترجع إليه وتتأمله وينكشف لك أنه لا يصلح حجة لك ولا لمن سبقك واحتج به، وأقول سبقك لأنني لاحظت أنك عزوت إلى الصفحات (20/ 37 - 38) من مجموع الفتاوى وهذا نفس الذي جاء مرقوما في بعض كتب الشيخ الخضير لكنه أحال إلى كامل المبحث وأما أنت فأحلت إلى عبارة في الصفحة الثامنة والعشرين، وعلى كل حال مسألة الإحالة لا تهمنا أكثر من اهتمامنا بالدليل!!.
فهل تظن أن مثل هذه المسألة الكبيرة يحتج عليها بمثل هذا النقل!!
لا أظن أنني محتاج لتذكركم بكلام أخينا ( ... )
كما أظن أنك قد بالغت بل افتريت أمورا في مقالك حيث ادعيت الإجماع في مسألة الإجماع فيها خلاف قولك فهل لك أن تبين حقيقة هذا الإجماع فلعلنا نحسن الظن بك ونبين لك ما أرادوا حيث قلت " وقد نقل الإجماع على عدم العذر بالجهل في هذه المسائل جماعة منهم:
ابن جرير الطبري كما في كتابه " التبصير بمعالم الدين "، وإسحاق بن عبدالرحمن كما في رسالته " حكم تكفير المعيّن "، وعبدالله أبابطين في رسالته " الإنتصار" وغيرهم. "
أما المحور الثاني) فأرى أن أفرد له موضوعاً مستقلاً.
وأما الثالث) فقولك عني " وأما المجهول الذي نقلت عنه واستحييت من ذكر اسمه،ونسبتَه الى العلم وأهله فليتك وفرت الوقت الذي نقلت فيه هذين السطرين عنه فإنك ذكرتني بهما ... "
فأنا لم أفهم ما ذا تقصد وقد راجعت كلامي فلم أجد أنني كتبت شيئا من هذا مطلقاً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/174)
ـ[أخو من طاع الله]ــــــــ[07 - 04 - 03, 01:32 م]ـ
الأخ أسد السنة ..
ساءني أن حرصك على الرد، غلب عملك على فهم المقال ..
فيما يتعلق بالإيراد الأول ..
لا تناقض فيما ذكره الأخ محب العلم، بل هو ظاهر جدا ..
فعندما ذكر أن المتأخرين لا يفرقون بين أنواع الجاهل، فإن محل ذلك حيث عذر بالجهل
والعذر بالجهل، غير منفي عند المحققين في مسائل الاعتقاد ..
بل له موضعان، ذكرهما لك الأخ محب العلم، هما:
- المسائل الخفية، وما عدا الأصول في التوحيد.
- المسائل الثلاث في الأمور الظاهرة.
فمعنى كلامه، أنه حيثُ عُذِر بالجهل، فإنَّه يُنظر فيه إلى الفرق بين أنواعه.
وأمَّا مسألة الشرك والكفر، فأرى أنها اصطلاحية إلى حد كبير، والمراد عدم تنزيل حكم الكفر الأخروي، والشرك فعل مكفِّر، وناقض من النواقض، لا مرادف للكفر بمعناه الأخص، وهو المقصود هنا، ولعل بسطها يكون بعد هذا، إن لم يتفضل محب العلم بتبيانها.
وأمَّا نقل شيخ الإسلام، فقد اكتفيتَ بالقعقعة، ولم تبيِّن وجه الغلط الذي تدعيه.
وأمَّا قولك
كما أظن أنك قد بالغت بل افتريت أمورا في مقالك حيث ادعيت الإجماع في مسألة الإجماع فيها خلاف قولك فهل لك أن تبين حقيقة هذا الإجماع فلعلنا نحسن الظن بك ونبين لك ما أرادوا حيث قلت " وقد نقل الإجماع على عدم العذر بالجهل في هذه المسائل جماعة منهم:
ابن جرير الطبري كما في كتابه " التبصير بمعالم الدين "، وإسحاق بن عبدالرحمن كما في رسالته " حكم تكفير المعيّن "، وعبدالله أبابطين في رسالته " الإنتصار" وغيرهم. "
فأنت نقلت نص حديثه، وأنَّه إنما نسب حكاية الإجماع إليهم، فكيف تقول: ادعيت الإجماع، وتجزم بأنها فرية منه، وهو ناقل؟
وأما المجهول الذي تقول، فقد كنت أحسب عدم تأملك في الكلام مقتصرًا على كلام محب العلم، فإذا هو في كلامك كذلك!
ألست تقول:
وقد عرضت بعضها على بعض أهل العلم .. إلخ؟
ـ[أسد السنة]ــــــــ[08 - 04 - 03, 02:39 ص]ـ
أيها الأحبة كأن الموضوع بدأ يأخذ وجهة أخرى لعلها توردنا باب الجدل العقيم:
ولعلي أبين ما أراه أنه الحق في تلك المسائل المذكورة آنفاً وإن كان لدى الإخوة تعقيب أو توجيه فلا يبخلوا علينا.
من قال إن أهل السنة لا يعذرون بالجهل في مسائل التوحيد الظاهرة أو الأصول – أيّ القيدين ذكر – فقد خالف النصوص والمنقول عن أهل العلم الأثبات في هذه المسألة.
وأما التقييد بمن نشأ في بادية بعيدة أو بمن كان حديث عهد بالإسلام أو أن تكون المسألة من المسائل الخفيه فهذا قيد أغلبي لأن مدار الأمر على التمكن من معرفة الحجة.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله " فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرّف وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هي القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة."
فتأمل قوله " فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة " تعرف أن الأمر ليس محصوراً في الثلاث حالات التي ذكرها الأخ محب العلم وأيده عليها الأخ.
وسيأتي في كلامه رحمه الله " وخلا من شيء يعذر به "
فقد يكون هنالك من عاش في دار الإسلام لكنه لم تقم عليه الحجة الرسالية وهذا هو محل النزاع.
فإن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه كما قال تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) وقال تعالى (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) وقال تعالى (كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء)
وقال تعالى (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين).
وهذا كثير في القرآن يخبر تعالى إنه إنما يعذب من قامت عليه الحجة الرسالية.
ومن السنة:
ما جاء في الصحيحين:
عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ قال رسول الله وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ *
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/175)
وعند مسلم " مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ *
وليس المقصود من إقامة الحجة الرسالية مجرد بلوغها بل شرطها أن يتمكن المكلف من العلم بها كما نبه على ذلك شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم قال تعالى {فمالهم عن التّذكرة معرضين، كأنّهم حُمُرٌ مستنفرة، فرَّت من قسورة، بل يريد كل امرئٍ منهم أن يؤتى صُحُفاً منشّرة} فالأمر مبناه على التمكن قال تعالى {قل فلله الحجّة البالغة} أي لمن أرادها وبحث عنها.
وينبغي التنبه إلى أن من لم يعذر بالجهل في مسائل الدين الظاهرة حجته أن الله قد أقام الحجة على العالمين بأخذ الميثاق عليهم وهم في صلب أبيهم آدم كما في قوله تعالى " وإذ أخذ الله من بني آدم " الآية وما جاء في نفس المعنى في السنة كما في الصحيحين وهذا مذهب أهل البدع، لأن الميثاق ثابت وهو من الحجج التي يحتج بها الله على بني آدم لكن هذه الحجة لا يترتب عليها عذاب وعقاب لمن خالف لأن الله يقول " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً " وبهذه الآية قد استدل ابن عباس وأبيّ على ذلك بعد أن ذكرا الميثاق، وهذا الميثاق لا يذكره أحد كما قال تعالى " هو الذي أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً "
و العذر بالجهل ولزوم إقامة الحجة الرسالية يعم جميع مسائل الدين ومنها الأصول والفروع إذا صح التعبير وقد ذكر شيخ الإسلام أن هذا هو مذهب جماهير السلف و لم يخالف في ذلك إلا المعتزلة فالمسألة مجمع عليها فمن خالف فقد ضل ضلالا بعيدا وهذا خلاف الإجماع الذي ادعاه الأخوان أعلاه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهاتٌ يعذره الله بها. فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ فإنَّ الله يغفر خطأه كائناً ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وجماهيرُ أئمَّةِ الإسلام، وما قسّموا المسائل إلى مسائل أصولٍ يكفر بإنكارها، ومسائل أصول لا يكفر بإنكارها. أ. ه "مجموع الفتاوى" (23/ 346 - 347).
فتأمل قوله " وما قسّموا المسائل إلى مسائل أصولٍ يكفر بإنكارها، ومسائل أصول لا يكفر بإنكارها "
وأما ما جاء عن الإمام محمد بن عبد الوهاب وعن أئمة الدعوة من بعده من نصوص احتج بها المخالف على مذهبه فتحمل على الجاهل المتمكن من العلم أو من بلغه القرآن ولم يكن لديه مانع من فهمه.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (الدرر 8/ 90) " وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هي القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة."
وفي الدرر (8/ 79) قال في رد له على رجل يدعى ابن عبد الكريم " وأما عبارة الشيخ التي لبسوا بها عليك فهي أغلظ من هذا كله ولو نقول بها لكفرنا كثيراً من المشاهير بأعيانهم فإنه صرح فيها بأن المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة فإن كان المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله {وجعلنا على قلوبه أكنة أن يفقهوه} "
فقد وافقه الإمام على شرط إقامة الحجة الرسالية، وتأمل قوله " بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر "
وقد تناظر شيخنا ناصر الدين مع بعض المشايخ في المدينة في هذه المسألة فوافقهم على أن من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة لكنه استدرك عليهم فقال وهل كل من بلغه القرآن قد " خلا من شيء يعذر به ".
وهذا هو مذهب أئمة الدعوة ومن ادعى غير هذا فإنما أتي من جهة فهمه أو جهله أو هواه.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله " وإن كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم "
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في مصباح الظلام (ص324) مبيناً مذهب الإمام قال: " إنه لم يكفر _ أي الإمام _ إلا بعد قيام الحجة وظهور الدليل حتى إنه رحمه اللَّه توقف في تكفير الجاهل من عباد القبور إذا لم يتيسر له من ينبهه "
وفي منهاج التأسيس (ص187) قال رحمه الله: " كان شيخنا يُقرر في مجالسه ورسائله أنه لا يكفر إلا من عرف دين الرسول وبعد معرفته تبين في عداوته. وتارة يقول إذا كنا لا نكفر من يعبد قبة الكواز ".
وقال (ص 222) " فإن النزاع مع العراقي فيمن قامت عليه الحجة وعرف التوحيد ثم تبين في عداوته ومسبته ورده كما فعل هذا العراقي أو أعرض عنه فلم يرفع به رأسا كحال جمهور عباد القبور ولم يعلم ولكن تمكن من العلم ومعرفة الهدى فأخلد إلى الأرض واتبع هواه ولم يلتفت إلى ما جاءت به الرسل ولا اهتم "
فهذا هو موضع النزاع فتأمله وقد ضرب على ذلك شيخنا ناصر الدين مثالاً يدل على فهمه وتقدمه فكم من مسألة متشعبه استطاع هذا الإمام أن يجمع شمل أطرافها في كلمات ولكن أهل الأهواء عن العلم وأهله معرضون.
قال (قدس الله روحه) لو أن رجلا في أمريكا أسلم ثم وجدناه يجهل حرمة الخمر فنعذره بجهله ولو جهل علو الله على خلقه فنعذره كذلك ولو أن رجلا في مصر جهل حرمة الخمر فلا نعذره بينما لو جهل علو الله على خلقه فإننا نعذره ولو أن رجلا بالسعودية جهل علو الله على خلقه فإننا لا نعذره ومن باب أولى لو جهل حرمة الخمر.
وأما مسألة الحكم على المعين بأنه مشرك بينما ينفى عنه وصف الكفر فهذه ليست مسألة اصطلاحية لأن من قرر هذا قبل الأخوين المذكورين رتب على ذلك عدم عصمة الدم والمال أو الدعاء له بعد موته فالأخوان أخذوا من شيخهم طرفا من المسألة وخالفوه في الآخر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/176)
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[08 - 04 - 03, 02:04 م]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?threadid=4043&highlight=%C8%C7%E1%CC%E5%E1
ـ[محب العلم]ــــــــ[08 - 04 - 03, 03:46 م]ـ
قد علمتُ أن توثبك وزئيرك لن يجر علينا خيرا، وهاأنت رميت من لايعذر بالجهل في أصل الدين في الحالات الثلاث بالبدعة والضلال المبين، فصبر جميل.
وماازددت يقينا من وجود الفرق بين المتقدمين والمتأخرين في هذا الباب
يوما كازديادي اليوم.
وسأناقش هنا ماذكرته أعلاه بلاترتيب مراعيا المهم فالأهم
قلت سلمك الله: "قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهاتٌ يعذره الله بها. فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ فإنَّ الله يغفر خطأه كائناً ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وجماهيرُ أئمَّةِ الإسلام، وما قسّموا المسائل إلى مسائل أصولٍ يكفر بإنكارها، ومسائل أصول لا يكفر بإنكارها. أ. هـ
والجواب عن هذا النقل من وجوه:
الوجه الأول: لو سلمنا أن المراد بالأصول والفروع هنا هو ماهو معروف عند أهل السنة من المسائل التي تندرج تحت هذين اللفظين = فإن أهل العلم الذين فرقوا بين مايعذر به المكلف بالجهل ومالايعذربه لم يجعلوا الأصول والفروع مناطا للتفريق، وإنما جعلوا مناط التفريق هو الظهور والخفاء.
فقد تكون المسألة من الأصول ولايكفر الجاهل بها كوجوب إثبات بعض الصفات إلا أن تقوم عليه الحجة.
وقد تكون من الفروع،ويكفر من أنكرها كحرمة الزنا والخمر.
فقول شيخ الإسلام: " وما قسّموا المسائل إلى مسائل أصولٍ يكفر بإنكارها، ومسائل أصول لا يكفر بإنكارها "أ. هـ، = حق إن سلمنا بأن مراده ماتقدم، وقد بيّن هذا تلميذه ابن القيم فقال في الصواعق المرسلة (2/ 515):" فإن كثيرا من مسائل الفروع يكفر جاحدها، وكثير من مسائل الأصول لايكفر جاحدها " أ. هـ.
الوجه الثاني: أن شيخ الإسلام لم يقصد هنا بالأصول والفروع ماهو معروف عند أهل السنة كما توهم شريف هزاع في كتابه عن الجهل وتبعه هنا الأخ أسد السنة.
وإنما قصد المسائل التي وضعها المعتزلة والجهمية وأسموها مسائل الأصول، وجعلوا الإيمان، والعلم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم متوقفا على إثباتها، فكل من أخطأ فيها أو جهلها أو أنكرها كان عندهم كافرا، لايعذر بجهله ولا بتأويله، وهي مسائل محدثة ولم تأت الشريعة بإثباتها أو بنفيها كمسائل الجوهر والعرض وامتناع الحوادث وغيرها.
فقد ذكر رحمه الله في آخر المسألة الماردينية والتي منها هذا النقل، أن هذا التفريق قول متناقض.
وقال في" درء التعارض " (1/ 144):" ومن العجب قول من يقول من أهل الكلام: إن أصول الدين التي (يكفر مخالفها) هي علم الكلام الذي يعرف بمجرد العقل فهي الشرعيات عندهم، وهذه طريقة المعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم ... فيقال لهم: هذا الكلام يتضمن شيئين، أحدهما:أن أصول الدين هي التي تعرف بالعقل المحض دون الشرع، والثاني: أن المخالف لها كافر، وكل من المقدمتين وإن كانت باطلة فالجمع بينهما (متناقض) " أ. هـ.
فعلم أنه يقصد بالأصول و الفروع فيما نقلته: علم الكلام الذي أحدثه أهل البدع.
الوجه الثالث: أن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى = من رؤوس المفرقين بين المسائل الخفية والظاهرة في العذر بالجهل وغيره، فقد قال في مجموع الفتاوى (4/ 54): " وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال: إنه فيها مخطئ ضال، لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي تعلم العامة والخاصة من المسلمين أنها من دين المسلمين ... ثم نجد كثيرا من رؤسائهم وقعوا في هذه الأمور فكانوا مرتدين " أ. هـ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/177)
قال الشيخ عبدالله أبا بطين معلقا على هذا الكلامكما في الدرر (10/ 355): " فانظر إلى تفريقه بين المقالات الخفية والأمور الظاهرة، فقال في المقالات الخفية التي هي كفر: قد يقال إنه محطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، ولم يقل ذلك في الأمور الظاهرة بل حكم بردتهم مطلقا ولم يستثن الجاهل " أ. هـ.
فهذه ثلاثة أوجه- تجعل سقف هذا النقل الذي حشرته هنا يخر عليك من فوقك بعد أن رفعته فوق رأسك احتجاجا به – سددك الله –
وانظر " عارض الجهل " للراشد (ص79ومابعدها) ..
وعليه فإن قولك: "وقد ذكر شيخ الإسلام أن هذا هو مذهب جماهير السلف و لم يخالف في ذلك إلا المعتزلة فالمسألة مجمع عليها فمن خالف فقد ضل ضلالا بعيدا وهذا خلاف الإجماع الذي ادعاه الأخوان أعلاه "
إنما هو من سوق (الرخيص) الذي حدثك عنه الإخوان ..
وأما قولك: "وأما التقييد بمن نشأ في بادية بعيدة أو بمن كان حديث عهد بالإسلام أو أن تكون المسألة من المسائل الخفيه فهذا قيد أغلبي لأن مدار الأمر على التمكن من معرفة الحجة "
فالجواب أن يقال:
اولاً: هذا التقييد لمن آت به من عندي وإنما نقلته لك عن عامة أهل العلم من جميع المذاهب لو تأملت.
ثانياً: أن هذه الحالات الثلاث راجعة الى قاعدة إمكان التعلم لاخارجة عنها، وإنما استثناها أهل العلم لأنها مظنة العجز عن التعلم الذي هو سبب العذر، والحكمة- التي هي سبب الحكم – إذا خفيت أو كانت غير منضبطة = علق الحكم بمظنتها، كما في المسودة في أصول الفقه لآل تيمية.
فمن كان من غير هذه الحالات الثلاث عاجزا عن التعلم فهو معذور عند الله، وأما بالنسبة لنا فإننا نحكم عليه بناء على ظاهر فعله، وهو انه فعل الكفر الظاهر في بلد يمكنه فيه التعلم فنعذر بالحكم عليه بالكفر بعينه والحالة هذه مالم نعلم عجزه عن التعلم، وأما أهل هذه الحالات الثلاث فليس لنا الحكم بكفره بعينه لأن هذه الحالات الثلاث هي مظنة العجز عن التعلم، فعلق الحكم بها، (وهذا وجه استثنائها) إذ أهل العلم لم يستثنوها عبثا، كيف والاستثناء معيار العموم؟!.
قال الشيخ عبدالرحمن المعلمي رحمه الله في كتابه الماتع " حقيقة العبادة ":
" واعلم أن قريب العهد ليس له حد معين، وإنما المدار فيه على التقصير في التعلم وعدمه، فمن لم يقصر عذر ومن قصر لم يعذر " أ. هـ.
ومحل النزاع بيينا وبينك هو في التفريق بين المسائل الظاهرة والخفية وأثره على التكفير لا قيما ذكرته.من العاجز عن التعلم في دار الإسلام، إذ هذا فرع من أصل النزاع وهو التفريق.
وأما الأدلة التي ذكرتها، فهي جميعا في نفي التعذيب عمن لم تبلغه الرسالة من العاجزين عن التعلم، وهذا نقول به ولانخالف فيه.
ومنشأالخلط عندك في هذه المسائل – رعاك الله – هو في التلازم الذهني عندك بين التكفير والتعذيب، وبين التكفير واستحلال الدم!!
وسيأتي لهذا مزيد بيان إن تيسر، فلا تستكثر من الأدلة في غير محل النزاع.
وأما قولك: " وينبغي التنبه إلى أن من لم يعذر بالجهل في مسائل الدين الظاهرة حجته أن الله قد أقام الحجة على العالمين بأخذ الميثاق عليهم وهم في صلب أبيهم آدم كما في قوله تعالى " وإذ أخذ الله من بني آدم " الآية وما جاء في نفس المعنى في السنة كما في الصحيحين"
فلا أعلم من أين جئت به من كلامي أو كلام من نقلت عنهم!!
ولا أرى لهذا محملا سوى ما أردته من ترتيب لازم هذا الاستدلال على من نسبته إليه، فليهنك الإنصاف أبا الأشبال!
(يتبع).
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[08 - 04 - 03, 04:39 م]ـ
سبحان الله!
صار العذر بالجهل في مسائل التوحيد مطلقا وعدم التفريق بين مسائل ومسائل في باب العذر مذهب المتأخرين!
لا يا أخي محب العلم بل هو مذهب المتقدمين وهذه التقسيمات تقسيمات محدثة أخذها المتأخرون عن المعتزلة فوافقوهم في مبدأ تقسيم الدين إلى أصول لا يعذر جاهلها وفروع يعذر جاهلها وإن كانوا خالفوهم في ماهية تلك الأصول والفروع، وكلام شيخ الإسلام وضربه المثال للجاهل المعذور بمن جهل قدرة الله على بعثه وجهل أنه لا بد أن يبعث بعد الموت في غاية الوضوح لمن أنصف وسيرته العملية مع أئمة القبوريين المتأولين وعوام المسلمين الملبس عليهم بهم وكيف كان يعذرهم ويترحم عليهم ويشهد جنائزهم أكبر دليل على ذلك، بل لما بشره ابن القيم بوفاة أحد هؤلاء القبوريين الذين ناظروه في توحيد الألوهية وغيره زجره وذهب إلى أهل المتوفى وقال أنا لكم مكانه وترحم عليه وشهد جنازته، وقبله سيرة أحمد مع خصومه من المعتزلة المتجهمين كان يعذرهم، وكذا سيرة الإمام ابن عبد الوهاب وعبارته الجلية (إذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي عند قبر البدوي والصنم الذي عند قبة عبد القادر من أجل جهلهم وعدم من ينبههم .. ) أكبر دليل على ذلك.
وأما التفرقة بين المنتسب إلى الإسلام الجاهل القادر على التعلم والمنتسب إلى الإسلام الجاهل العاجز عن التعلم وهو راغب فيه، والمنتسب إلى الإسلام العاجز عن التعلم المعرض عنه، فليست في التكفير وعدمه وإنما هي في الإثم وعدمه، نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم إلى سواء السبيل.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/178)
ـ[محب العلم]ــــــــ[08 - 04 - 03, 05:18 م]ـ
وأما قولك " وليس المقصود من إقامة الحجة الرسالية مجرد بلوغها بل شرطها أن يتمكن المكلف من العلم بها كما نبه على ذلك شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم"
فصحيح ونحن نقول به، ولكن في المسائل الخفية، فهل تكرمت بنقل كلام شيخي الإسلام بعيدا عن الإعتماد على نقلي أو نقلك!
وأما قولك تعقيبا على مانقلته عن الشيخ " فقد وافقه الإمام على شرط إقامة الحجة الرسالية، وتأمل قوله " بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر "
فلم أقف عليه في الجزء الذي ذكرته من الدرر، ولعلك تراجع المصدر الفرعي الذي نقلت عنه هذا الكلام.
ولاحجة لك فيه على كل حال، فإننا لا نخالف في وجوب إقامة الحجة على من كان من أهل الحالات الثلاث قبل اطلاق اسم الكفر عليه وسبق بيان هذا.
إلا أن إقامة الحجة في المسائل الخفية يختلف عنه في المسائل الظاهرة وقد أشرت إلى هذا في أصل البحث فراجعه.
وأما قوله " وخلا من شئ يعذر به فهو كافر " فحق لامرية فيه، فأين العذر بالجهل هنا؟!
ومن قال بأن الذي يسمع القرآن على وجه لايفهم به تراكيب الألفاظ ودلالتها الظاهره كأعجمي وسكران ومجنون، فقد قامت عليه الحجة؟!
وهذا هو الجواب أيضا عن استدلال الشيخ ناصر بهذا النص، إذ أن قول الشيخ هنا (شئء) مجمل يبينه النقول المتكاثرة في بيان هذا الشئ الذي يعذر به والذي لايعذر، وقد بين أن الجهل (وهو محل النزاع) ليس بعذر في الأمور الظاهرة إلا لأهل الحالات الثلاث فقال رحمه الله كما مجموع مؤلفاته (7/ 159 - 160):
: " ... كيف تشكون في هذا وقد وضحت لكم مرارا أن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام أو الذي نشأفي بادية بعيدة أو يكون في مسائل خفية مثل الصرف أو العطف فلايكفر حتى يعرف، وأما الأصول التي وضحها الله في كتابه فإن حجة الله هي القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وفهم الحجة فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا الحجة مع قيامها عليهم " أ. هـ.
وقال رحمه الله كما في الدرر (8/ 244):
" إن الشخص المعين إذا قال مايوجب الكفر فإنه لايحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، (وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس، وأما مايقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية أو مايعلم من الدين بالضرورة فهذا لايتوقف فيكفر قائله " أ. هـ.
وأما قولك ". وأما ما جاء عن الإمام محمد بن عبد الوهاب وعن أئمة الدعوة من بعده من نصوص احتج بها المخالف على مذهبه فتحمل على الجاهل المتمكن من العلم أو من بلغه القرآن ولم يكن لديه مانع من فهمه."
وقولك: " وهذا هو مذهب أئمة الدعوة ومن ادعى غير هذا فإنما أتي من جهة فهمه أو جهله أو هواه."
فلا أدري من أعلم بكلام الشيخ محمد وأئمة الدعوة أنت أم حفيده وتلميذهم اسحاق بن عبدالرحمن آل الشيخ رحمه الله حيث قال كما في رسالته " حكم تكفير المعين":
" فتأمل كلام الشيخ ونسأل الله أن يرزقك الفهم الصحيح وأن يعافيك من التعصب!! (كذا قال)، أن كل من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة وإن لم يفهم ذلك، وجعله هذا هو السبب في غلط من غلط، وأن جعل التعريف في المسائل الخفية، ومن حكينا عنه (أي المردود عليه) جعل التعريف في أصل الدين، وهل بعد القرآن والرسول تعريف؟! ثم يقول (أي الشيخ عبداللطيف) هذا اعتقادنا نحن ومشايخنا – نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وهذه المسألة كثيرة جدا في مصنفات الشيخ محمد رحمه الله!! " أ. هـ.
وقال أيضا في رسالته السابقة (ص16): ... فنذكر من ذلك شيئا يسيرا لأن (المسألة وفاقية) والمقام مقام اختصار، فلنذكر ماينبهك على الشبهة التي استدل بها من ذكرنا في الذي يعبد قبة الأهواز وأن الشيخ محمد توقف في تكفيره ونذكر أولا مساق الجواب: وهو ان الشيخ محمدا رحمه الله ومن حكى عنه هذه القصة يذكرون ذلك معذرة عمّا يدعيه الخصوم عليه من تكفير المسلمين وإلا فهي في نفسها دعوى لاتصلح أنت تكون حجة بل تحتاج إلى دليل وشاهد من القرآن والسنة ... ثم قال (ص19):
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/179)
" وتوقفه رحمه الله في بعض الأجوبة يحمل على أنه لأمر من الأمور وأيضا فإنه كما ترى توقف مرة كما في قوله (وأما من أخلد إلى الأرض فلا أدري ماحاله) فيالله العجب كيف يترك قول الشيخ في جميع المواضع مع دليل اتلكتاب والسنة وأقوال ابن تيمية وابن القيم!! ... ويقبل في موضع واحد مع (الإجمال) "!!!
فليت شعري! أيكما أحق بحمل كلام الشيخ محمد على مايراه! "
وأما قولك " وأما مسألة الحكم على المعين بأنه مشرك بينما ينفى عنه وصف الكفر فهذه ليست مسألة اصطلاحية"
فأنا لم أقل هذا ونقاشك في هذا مع من قاله، وأما أصل ذلك فقد أوضحته لصاحبك السيف الصقيل فراجعه ولامانع من بسطه إن كان في ذلك فائدة أو مزيد توضيح.
وأما غمزك للخضير فقد سبق جوابه، وبيان من سبقه إلى هذا القول أو وافقه.
وأما مانقلته عن الألباني رحمه الله من قوله: لو أن رجلا في أمريكا أسلم ثم وجدناه يجهل حرمة الخمر فنعذره بجهله ولو جهل علو الله على خلقه فنعذره كذلك ولو أن رجلا في مصر جهل حرمة الخمر فلا نعذره بينما لو جهل علو الله على خلقه فإننا نعذره ولو أن رجلا بالسعودية جهل علو الله على خلقه فإننا لا نعذره ومن باب أولى لو جهل حرمة الخمر.”
فحق ومن ذا ينازع فيه، وجميع ماذكره الشيخ هنا فهو مندرج على قانوننا في خفي المسائل التي يراعى فيها ماراعاه الشيخ بلاخلاف نعلمه.
إذا تقرر بطلان مانسبته من إجماع الى أهل العلم على عدم العذر بالجهل، وخلطت فيه أصول الدين عند أهل السنة بأصول الدين عند المعتزلة، وهرطقت فيه ماشئت أن تهرطق، فما جوابك عن قول الشيخ عبدالله أبابطين رحمه الله كافي الدرر (12/ 72 - 73) بعد كلامه عن بعض المكفرات الظاهرة: " ... فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولا أو مجتهدا أو مقلدا أو (جاهلا) معذور، مخالف للكتاب والسنة والإجماع بلا شك مع انه لابد أن ينتقض أصله فلو طرد أصله كفر بلاريب، كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك " أ. هـ.
وأي الفريقين أسعد بالإجماع والدليل وكلام أهل العلم؟!
والله الموفق.
ـ[أسد السنة]ــــــــ[08 - 04 - 03, 07:23 م]ـ
الظاهر أنكم بدأتم تردون دون أن تقرأوا:
جواب كل شبهة أورتها أيها المحب للعلم مرقوم في جوابي أعلاه وسألخص لك كلامي لاحقاً.
الأخ أبا عمر السمرقندي:
رجعت إلى الرابط أعلاه جزاك الله خيراً:
فأما ما يتعلق بسؤال أخينا طلال العولقي:
هل فهم الحجة شرط لإقامة الحجة على المشرك يعني إذا شرحت له الإسلام وقال لي لم أفهم فهل قامت الحجة بذلك أم لا؟
فجوابي عنه:
إن الفهم نوعان:
نوع يحدث به استيعاب الألفاظ والمعاني وهذا شرط في إقامة الحجة، ونوع يحدث به اليقين ورد الشبه التي علقت بالنفس فهذا غير معتبر لأن الله أخبر عن المشركين أنهم لم يبلغوا هذا الفهم كما قال تعالى " بل جعلنا على قلوبه أكنَّة فهم لا يفقهون ".
وجواب أخينا () جواب سديد لكن لا أدري لماذا لم يجب على سؤال الأخ طلال عندما قال له " إذا استطعت أن تذكر المرجع الذي عدت إليه في إجابتك أكون لك شاكراً. "
وعلى كل حال الذي علق بذاكرتي أن هذا جواب معالي الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله.
أما جوابك أنت فعليه ملاحظات:
قولك:
القاعدة الثانية: أنَّ شرط إقامة الحجة لا يكون في كل الأشياء، بل ذلك في الأمور التي يخفى دليلها، من حيث الثبوت والدلالة، فلا بد من إيضاح الحجة بالبيان الكافي.
هذا قول باطل والرد عليه تجده أعلاه
قولك:
القاعدة الرابعة: أنَّ الحجة الرسالية لا تقوم إلاَّ بمن يُحسِنُ إقامتها، وأما من لا يحسن إقامتها؛ كالجاهل الذي لا يعرف أحكام دينه، فلا يُحسن الاستدلال وعرض الدليل وإفهامه، ولا ماذكره العلماء في ذلك؛ فإنه لا تقوم به الحجَّة.
هذا القول خطأ أيضا وتعقيبك على كلام الأخ الفاضل في هذه المسألة خطأ ولعلك تقرأ رسالة كشف الشبهات ففيها ما يغني في هذه المسألة.
وقد قال فيها الإمام رحمه الله " والعامي من الموحدين يغلب ألفا من علماء السوء " وما ذكره الإمام عن الجواب المجمل يوضح ذلك.
لكنك والذي عقب على كلامك ربما أردتما أن تقولا " إن الحكم بالتكفير لا يكون إلا من مؤهل " فحينئذ نؤيدكما خاصة وأننا قد بلينا بمن يتجرأ على التكفير وهو لم يتقن قراءة الفاتحة.
وأما بعض المراجع التي رجعت إليها فإني أنصحك بنبذها لأن أصحابها قد قرروا فيها ما يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة بل قرروا فيها عقيدة الخوارج والمعتزلة فليتنبه لهذا!!.
ـ[أسد السنة]ــــــــ[08 - 04 - 03, 07:24 م]ـ
الأخ
العزيز أبا خالد شكر الله لك مداخلتك هذه لكن يبدوا لي أن المشكلة تكمن في أن بعض
الإخوة سواء من المحاورين هنا أو غيرهم < font color="#FF0000"> قد أحسنوا الظن ببعض
المشايخ المشهورين</ font> فقالوا بقولهم في كثير من مسائل الدين دون أن يتعرفوا على
أدلتهم أو الأصول التي بنوا عليها فلما أوقفوا عليها استنكروا الأمر بشدة فهاهو
أخونا محب العلم قد علق على قولي " وينبغي التنبه إلى أن من لم يعذر بالجهل في
مسائل الدين الظاهرة حجته أن الله قد أقام الحجة على العالمين بأخذ الميثاق عليهم
وهم في صلب أبيهم آدم كما في قوله تعالى (وإذ أخذ الله من بني آدم) الآية وما جاء
في نفس المعنى في السنة كما في الصحيحين" < br>
بقوله " فلا أعلم من أين جئت به من كلامي أو كلام من نقلت عنهم!! ولا أرى لهذا
محملا سوى ما أردته من ترتيب لازم هذا الاستدلال على من نسبته إليه، فليهنك
الإنصاف أبا الأشبال! "< br>
<font color="#FF0000"> وما علم المسكين أن كثيرا من المشايخ يبنون على هذا الأصل
ويقررونه في كتبهم وأشرطهم ومثال ذلك ما قرره أبو محمد المقدسي في كثير من رسائله
وما قرره الشيخ عبد الله السعد في كثير من دروسه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/180)
ـ[محب العلم]ــــــــ[08 - 04 - 03, 11:26 م]ـ
ينبغي أن تعلم حفظك الله أن المناقشة التي في موضوع منهج المتأخرين في التوحيد إنما هي بينك وبين العبد الضعيف (محب العلم) وليست بينك وبين (علي الخضير) أو (عبدالله السعد) أو (أبي محمد المقدسي)
وكان ينبغي أن تناقشني فيما أذكره أنا لافيما ذكره غيري لتبطل به قولي.
وقد علمت- والله- أن هذا الاستدلال إنما هو من استدلالات شيخنا عبدالله السعد، وقد سمعته منه في شرحه على نواقض الإسلام،قبل خمس سنوات، ولكنني لم أرتض الاستدلال بهذا الدليل وضربت صفحا عن ذكره، فكيف تلزمني به وتنسبه لجميع القائلين بعدم العذر بالجهل في الامور الظاهرة في غير الحالات الثلاث وهم لم يستدلوا به،وأي كذب على الخصوم أعظم من هذا!!
وإن شئت أن أجمع لك من حجج الذين يعذرون بالجهل مطلقا ماتضحك lمنه الثكلى لجئتك به وألزمتك كما ألزمتني إلا أنني لا أرتضي خطة العجز هذه
وقد رأيتك كلما انقطعت حججك – سددك الله – سحبت أحد هؤلاء الثلاثة المذكورين وقصبته وهوغائب!!
أما الشيخ الفاضل /أبو خالد السلمي، فعلم الله أني محب له في الله وداع له في الغيب، إلا أن الأمر كما قال ابن حجر رحمه الله في الفتح: " من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب "!!
ووالله أني الى اليوم لم أقف على كلام في هذا الباب أعجب من كلام أبي خالد الساعة!
وإني والله لا أعلم من أين جاء بأن خصم شيخ الإسلام الذي أنكر على ابن القيم رحمه الله فرحه بموته = كان قبوريا، أو أنه صلى على علماء المشركين!
أم أنه حشد الممكن من حجج الدرجة الثانية!
وماكنت أظن أن ردة الفعل عنده من التكفيريين ستوصله إلى هذا!
قال قتادة فيما رواه عبدالله بن أحمد في كتاب السنة (1230):" إنما حدث الإرجاء بعد هزيمة ابن الأشعث "
وكذلك هذا العصر إنما ظهرت فيه هذه المقالات بعد فتنة الحرم، والمتأمل يجد هذا جليا، والله المستعان.
وأما صف العبارات فلا يعجز عنه أحد، ولم نستفته وفقه الله ليظهر لنا زبدة فهمه لهذا الباب في أربعة أسطر، وقد رأيته – حفظه الله – يردد كلام أسد السنة حتى قلت ليته سكت!
[/ size][/font]
وأما قول اخي أسد السنة " الظاهر أنكم بدأتم تردون دون أن تقرأوا:
جواب كل شبهة أورتها أيها المحب للعلم مرقوم في جوابي أعلاه وسألخص لك كلامي لاحقاً."
فجوابي عنه أن أقول: آن والله لمحب العلم أن يمد رجليه.
واسلم لأخيك (المسكين).
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[09 - 04 - 03, 03:39 ص]ـ
الأخ الفاضل محب العلم _ وفقه الله _
سأترفع إن شاء الله عن أسلوبك التهكمي ورجمك بالغيب في نحو قولك
(من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب) فالله تعالى أعلم من منا يتكلم في غير فنه ويأتينا بالعجائب، فلربما لا يكون الأمر كما ظننت، ونحو قولك: (حجج الدرجة الثانية!) وتعجباتك الكثيرة مما أتعجب من تعجبك منه!
وما أنا عليه ومشايخي بحمد الله نحن عليه قبل أحداث الحرم وليست ردة فعل لشيء وأما المرجئة فمن عرفني يعرف أنهم أبغض شيء إلي ولكن لا يحملني بغضهم على مخالفة الحق،
وأما قولك (ولم نستفته وفقه الله ليظهر لنا زبدة فهمه لهذا الباب في أربعة أسطر) فأنت كذلك وفقك الله لم نستكتبك لتأتينا بعجائبك هذه، ثم منذ متى اشترط في الملتقى ألا يعقب إلا من استفتي؟ ولماذا لم تقل هذا لإخواني الأفاضل الذين عقبوا قبلي بنحو أسطري موافقين لك؟ أم هو الكيل بمكيالين والرغبة في الإرهاب الفكري للمخالفين حتى تكتب ما تشاء ولا يعترض عليك أحد؟
وأما محبتك لي ودعاؤك فأنا كذلك أبادلك حبا بحب ويعلم الله أن صدري صاف لك، وإذا كنت أريد أن أعذر المتأولين من القبوريين فكيف لا أعذر طالب علم موحدا سنيّا مثلك؟ غفر الله لي ولك.
عودا على بدء:
رأيت مقالتك تدندن حول التفريق بين مسائل ظاهرة هي الشرك الأكبر بجميع أنواعه فهذه لا يعذر بالجهل فيها إلا المتأخرون كما تقول، ومسائل خفية يعذر فيها.
وسؤالي المحدد هو:
1) على أي أساس تصنف هذه المسألة بأنها جلية وتلك بأنها خفية؟ فالجلاء والخفاء أمر نسبي ومسائل توحيد الألوهية جلية بحمد الله في المملكة العربية السعودية لأن الناس لا تسمع إلا التوحيد في الإعلام والمدارس والمساجد ولا يوجد من يلبس عليهم من علماء السوء، وهذه نعمة تغبطون عليها، ولكن هل يلزم من ذلك أن تكون مسائل توحيد الألوهية ظاهرة جلية لكل مسلمي العالم؟ وهب أن مسائل الشرك الأكبر في الصفات أو بعض المسائل الدقيقة في الشرك الأكبر المتعلقة بالحاكمية خفيت على عوام أهل بلدكم فهل لا ترى العذر فيها أيضا بدعوى أنها شرك أكبر والشرك الأكبر بجميع أنواعه _ كما زعمت _ مسائله ظاهرة؟
2) من من المتقدمين من أئمة السلف قبل الشيخ إسحاق والبابطين ومن عاصرهما قال بالتفريق في العذر بالجهل بين مسائل خفية و [مسائل ظاهرة، كالشرك الأكبر بجميع أنواعه ومن أظهرها دعاء غير الله والمسائل المعلومة من الدين بالضرورة
فمن وقع في شئ من هذه الأمور فإنه عندهم كافر بعينه كفرا أكبر ويحكم عليه بناء على ظاهر حاله وهو الكفر.
ولايعذرون أحدا وقع في شئ من هذه المكفرات بالجهل إلا في ثلاث حالات] وحصر العذر في هذه الحالات ولم يذكرها كمثال ويعمم العذر في حق كل متأول وجاهل؟
أخي الكريم إن أردت المناقشة بحلم واصلنا، وإلا فسلامٌ عليكم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/181)
ـ[أخو من طاع الله]ــــــــ[09 - 04 - 03, 04:41 ص]ـ
لا أحبُّ أن أدخل -مرة أخرى- مُذاكِرًا في المسألة، فأشتت الموضوع، والمجال للأخ محب العلم.
ولكني أردت التنبيه أن كلاًّ من أسد السنة، وأبي خالد السلمي، وفقهما الله، لم يعرف قول نفسه، فضلاً عما انتصب للرد عليه!
ولرغبتي عن التطويل، ما دام الأخ محب العلم يكتب ويبين المسألة سأكتفي بسؤال لبيان ما أشرت إليه:
* لو رأى الأخوان، من ينتسب للإسلام، ولكنه يجهل وجود الله، أو يعتقد أن للكون خالقًا، وأنه من البشر يعيش بينهم، أو أن للكون خالقًا، لكنه بريء من كل كمال، بل هو الشيطان بعينه، ونحو ذلك تعالى الله عنه، وكان جاهلاً حقيقةً، لم يسمع خلاف هذا قطُّ ..
هل يكون معذورًا بجهله؟!
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[09 - 04 - 03, 08:49 ص]ـ
يجيبك على سؤالك ابن حزم في الفصل 3/ 139
قال رحمه الله: [وأما من قال أن الله عز وجل هو فلان لإنسان بعينه أو أن الله تعالى يحل في جسم من أجسام خلقه أو أن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبيا غير عيسى بن مريم فإنه لا يختلف اثنان في تكفيره لصحة قيام الحجة بكل هذا على كل أحد ولو أمكن أن يوجد أحد يدين بهذا لم يبلغه قط خلافه لما وجب تكفيره حتى تقوم الحجة عليه] اهـ
فهل ابن حزم من المتأخرين والشيخان إسحاق والبابطين من المتقدمين؟ أم هل مذهب ابن حزم في الإيمان والأسماء والأحكام غير مرضي عندكم رغم ثناء شيخ الإسلام عليه وشهادته بأن ابن حزم وافق السلف في هذا الباب؟
وعلى كل حال فهي مسألة افتراضية غير واقعية ومع ذلك اطرد ابن حزم فيها القاعدة وهي عذر الجاهل المنتسب إلى الإسلام حتى تقوم عليه الحجة.
ـ[أخو من طاع الله]ــــــــ[09 - 04 - 03, 12:34 م]ـ
الأخ أبا خالد .. المسألة واقعة وليست افتراضية، فقد وقع كثير من ذلك في دول ما يسمى بالاتحاد السوفيتي ..
وأما أن الحجة قائمة بذلك، فهل تعني أنها قائمة بالعقل والفطرة، أم أن الرسالة بلغتهم في هذا؟!
وأما أيهما مذهب المتقدمين، وأي مذهب المتأخرين، فليست مسألتنا، وإنما السؤال: هل تعذره بالجهل إن صح كونه جاهلاً أم لا؟
وأردت به، أن تتبيَّن أنَّك تستثني مسائل لا تعذر فيها بالجهل، فأنت لم تحرر قولك فيها أولاً، ثمَّ أنت توافقنا على الاستثناء، فيبقى البحث فيما يستثنى ..
وآمل قبل أن ترد، أن تتأمل قليلاً، وفقنا الله وإياك لما يحبُّه ويرضاه.
ـ[أسد السنة]ــــــــ[09 - 04 - 03, 04:01 م]ـ
ما شاء الله تبارك الله
ينتسب للإسلام،
ولكنه يجهل وجود الله
صدق من قال:
حسن السؤال نصف العلم
ـ[محب العلم]ــــــــ[09 - 04 - 03, 04:40 م]ـ
الشيخ الفاضل / أبوخالد السلمي حفظه الله
أعتذر لك إن ندّ من مجرور القلم مالايليق بمثلك.
قد عبر القرافي رحمه الله عن الأمور الظاهرة فسماها أصول الدين وهذا اصطلاح له فقال كما في شرح تنقيح الفصول (439):" ولذلك لم يعذره الله بالجهل في أصول الدين (إجماعا) ".
وهذا النص اثبات للفرق بين المسائل في العذر بالجهل.
وهو رد على من لم يفرق بين المسائل ونسب هذا للمتقدمين إجماعا.
وقال الشيخ علي القاري كما في شرح الفقه الأكبر:" وذلك بأن حد أصول الدين علم يبحث فيه عما يجب الاعتقاد وهو قسمان:
أ- قسم (يقدح الجهل به في الإيمان) كمعرفة الله وصفاته الثبوتية والسلبية والرسالة وأمور الآخرة.
ب- وقسم لايضر الجهل به كتفضيل الأنبياء على الملائكة " أ. هـ
فهذا النقل يوضح الإجماع الذي سبق نقله وأن محله إنما هو أحد قسمي أصول الدين لاجميعها، فإن اصطُلح على تسمية هذا القسم الذي يضر الجهل به ب (الظاهرة) فلا إشكال.
وانظر مجموع الفتاوى (4/ 54) فقد فرق شيخ الاسلام كما سبق بين المقالات (الخفية) و (الظاهرة) بهذا التعبير!
وانظر كلام رشيد رضا على حاشية الرسائل النجدية (4/ 517).
وقال القرافي في الفروق (2/ 149 - 150):
" اعلم أن الجهل نوعان: النوع الأول، جهل تسامح الشرع عنه وعفا عنه ...
النوع الثاني: جهل لم يتسامح صاحب الشرع عنه في الشريعة فلم يعف عن مرتكبه، وضابطه أن كل مالايتعذر الاحتراز عنه ولايشق لم يعف عنه وهذا النوع يطرد في أصول الدين وأصول الفقه وبعض أنواع الفروع،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/182)
أما أصول الدين فلأن صاحب الشرع لما شدد في جميع الإعتقادات تشديدا عظيما بحيث أن الإنسان لو بذل جهده واستفرغ وسعه في رفع الجهل عنه في صفة من صفات الله أو في شئ يجب اعتقاده من أصول الديانات ولم يرتفع ذلك الجهل، لكان بترك ذلك الإعتقاد (آثما كافرا) يخلد في النيران على المشهور من المذاهب).
فأي نص أصرح من هذا على التفريق؟!
وخذ هذا النقل عن الحافظ ابن رجب رحمه الله، حيث قال كما في جامع العلوم والحكم (ص83):
" وفي الجملة فماترك الله ورسوله صلى الله عليه وسلم حلالا إلا مبينا ولاحراما إلا مبينا، لكن بعضه كان (أظهر) من بعض، فما (ظهر) بيانه واشتهر وعلم من الدين بالضرورة من ذلك، ولم يبق فيه شك (ولايعذر أحد فيه بجهله في بلد يظهر فيها الإسلام "أ. هـ
وأما مانقلته عن ابن حزم رحمه الله فإنه يدل بالضرورة على عدم اطلاعك على كلام مخالفك في هذه المسألة (في هذا الملتقى على الأقل)، فإن كلامه موافق تمام الموافقة لما نقلته لك عن الأئمة في هذا الباب، ولا أدري ماوجه الإشكال فيه.
فإن من وقع في الكفر الظاهر و (أمكن أن يوجد أحد يدين بهذا لم يبلغه قط خلافه لما وجب تكفيره حتى تقوم الحجة عليه)
وهذا ماذكرته عنهم في أصحاب الحالات الثلاث الذين هم مظنة العجز عن التعلم، فأهل العلم يعذرون أصحاب هذه الحالات الثلاث ولايكفرونهم حتى تقوم عليه الحجة!!
.ولا يعني عذرنا لهم بالجهل وعدم تكفيرهم حتى تقوم عليهم الحجة (أنهم مسلمون).
وقد نقلت سابقا عن أهل العلم مايوضح هذا.
فأين من كلام ابن حزم رحمه الله أنه حكم بإسلام هذا الجاهل؟!
فاتضح بهذا أن كلام ابن حزم رحمه الله موافق لماسبق تحريره.
وقد قررت هنا: الفرق بين المسائل الظاهرة والخفية، ونقلت عمن طلبت النقل عنه وقد كنت وفقك الله تنكر أن يقول بهذا القول أحد، فلما حكيت لك كلام الشيخ اسحاق، وأبا بطين، طلبت كلام غيرهما، ولا أعلم وجه ذلك، فهل هما ليسا من أهل العلم عندك أم أنهما ليسا أهلا لنقل الإجماع أم ماذا؟
وها أنا قد نقلت لك عن غيرهما:
-في التفريق، ولا أظنك تنازع ان شاء الله في ثبوته الآن.
-وفي الإجماع على عدم العذر بالجهل في المسائل الظاهرة في غير الحالات الثلاث، ولا أعلم رأيك في هذا.
فإن كنت قد وافقت على كل ماسبق، فهل توافق على أن أصحاب الحالات الثلاث المعذورين لا نطلق عليهم اسم الإسلام ولا اسم الكفر (الذي تترتب عليهم أحكامه) أم لا؟
أرجو أن يكون كذلك لازلت موفقا، فمثلك ينتفع بالحوار معه.
محبكم
محب العلم
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[09 - 04 - 03, 06:10 م]ـ
أخي الحبيب محب العلم _ عفا الله عني وعنك _
أما القرافي والملا علي القاري رحمهما الله فكما لا ينبغي أن يخفى على مثلك ممن يقصدان بأصول الدين مسائل توحيد الربوبية والصفات وبعض المسائل التي تعدها أنت من الخفية في النبوات وتفاصيل أحوال اليوم الآخر كعادة الأشاعرة والماتوريدية، وقد أفصح الملا عن ذلك بقوله الذي نقلته (قسم يقدح الجهل به في الإيمان كمعرفة الله وصفاته الثبوتية والسلبية والرسالة وأمور الآخرة.) فهل إثبات الصفات السبع المعنوية والصفات السبع السلبية وتعطيل ما عطلوه من الصفات تعده أنت معلوما من الدين بالضرورة يكفر جاهله؟ لا أظن ذلك.
إذن صدق شيخ الإسلام عندما قال:
(وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطأه ـ كائنا ما كان ـ سواء كان في المسائل النظرية، أو العملية. هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وجماهير أئمة الإسلام،وما قسموا المسائل إلى مسائل أصول يكفر بإنكارها، ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها.
فأما التفريق بين نوع وتسميته مسائل الأصول، وبين نوع آخر وتسميته مسائل الفروع، فهذا الفرق ليس له أصل لا عن الصحابة، ولا عن التابعين لهم بإحسان، ولا أئمة الإسلام، وإنما هو مأخوذ عن المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع، وعنهم تلقاه من ذكره من الفقهاء في كتبهم، وهو تفريق متناقض ... إلى آخر كلامه)
فعندي أن كلام القرافي والقاري وما أشبهه داخل في كلام الفقهاء المتلقى عن المعتزلة، ثم منذ متى ونحن نأخذ مذهب السلف عن القرافي والقاري؟ فمهما حكوا من إجماعات في العقيدة فإنما يعنون بها أهل مذهبهم، ولطالما حكوا إجماعات على أن من اعتقد إثبات الصفات بلا تفويض ولا تأويل [أي على ما نراه نحن مذهب السلف] فهو حشوي مجسم ونحن لا نلتفت إلى إجماعاتهم هذه البتة.
أخي الكريم أما النقولات التي أوردتها عن شيخ الإسلام وابن رجب فهي نقولات مجملة تحمل على ما فصلوه بأقوالهم وتطبيقهم العملي فوصف مسائل بأنها جلية ظاهرة أي باعتبار زمنهم وبلدهم وإلا فلو خفيت ولو في بلد إسلام غير بلدهم أو في زمن غير زمنهم فينطبق عليها نصوصهم العامة في عذر كل جاهل.
وأرى أن الحديث وإن كان عن الجاهل إلا أنه حصل فيه تطرق للعالم المتأول في مسائل نحو دعاء غير الله والاستغاثة بالمقبورين _ وبين المسألتين ارتباط بلا شك فإذا عذرنا العالم المتأول فالجاهل الذي قلده أولى بالعذر _، وقد استنكرتم وفقكم الله الحكم بإسلام العالم القبوري فماذا تقول في عذر علماء الدعوة النجدية لإمام القبوررين المنافح عنهم في زمانه ابن حجر الهيتمي وعذرهم له وترحمهم عليه وتدريسهم لكتبه كما تجده فضلا على هذا الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?s=&threadid=4523&highlight=%C7%E1%E5%ED%CA%E3%ED
وأعتذر مجددا لك ولأخي الحبيب على ما نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي، والكريم قبولٌ للمعذرة، وللحديث صلة إن شاء الله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/183)
ـ[أخو من طاع الله]ــــــــ[10 - 04 - 03, 08:56 ص]ـ
أسد السنة ..
صدقت حسن السؤال نصف العلم، وحسن التخلص نصف ما يحتاجه المماري ..
هب المسألة مفترضة، على أنها وقعت حقيقة، في دول ما يسمى بالاتحاد السوفيتي ..
أنا أردت أن أبين لك، أن المسائل، حتى عندك أنت، على قسمين:
الأول: ما لا يُعذر فيه بالجهل، وهو أصول التوحيد، فأنت لا تُنازع في أن: وجود الله، وكماله، وكونه خالقًا لا مخلوقًا، ونحو ذلك من القسم الذي لا يُعذر فيه بالجهل.
والثاني: ما يُعذر فيه بالجهل.
فلم تفهم أولاً قولك، ثم لم تفهم قول من ترد عليه، ثم لم تفهم السؤال الذي سُئلت عنه، ولم تدرك إلى الآن، أنَّ الجواب لازم لك لا محالة ..
ولذا طلبتُ منك التأمُّل مرة أخرى، وأنا أعيد الطلب، ولو كفرت بعصمة الشيوخ المعظمين عندك، لهان الأمر، وقرُبت المسألة، وقل الخلاف.
-------
وأُعيد الآن باختصار ..
هل هذه المسائل: مما يُعذر فيه بالجهل، أم مما لا عُذر فيه، أم لك جواب ثالث؟!
1 - وجود الله.
2 - كونه -سبحانه- خالقًا لا مخلوقًا.
3 - كونه أهلاً للكمال، لا محلاًّ للنقص.
ـ[محب العلم]ــــــــ[10 - 04 - 03, 01:19 م]ـ
الشيخ / أبوخالد السلمي:
أولاً: لازلت أنتظر جوابك عن الإجماع الذي نقله الشيخان (إسحاق وأبابطين) والذي لم تبين إلى الآن سبب عدم اعتباره.
فهل هما من الذين يقصدون (بعض المسائل التي تعدها من الخفية في النبوات وتفاصيل أحوال اليوم الآخر كعادة الأشاعرة والماتوريدية)!!
والإجماع إنما ينقض بذكر المخالف المعتبر إن وجد.
وأما الإجماع الذي نقله القاري والقرافي فهو غير معتبر إذا خالف السنة أو نقض بأقوال السلف، وقد ذكرته مؤيدا به الإجماع الذي نقله الشيخان.
وأما قولك:فهل إثبات الصفات السبع المعنوية والصفات السبع السلبية وتعطيل ما عطلوه من الصفات تعده أنت معلوما من الدين بالضرورة يكفر جاهله؟ لا أظن ذلك ".
فمن المعلوم أن القاري والقرافي إنما تكلما عن أصول الدين إجمالا، ولاشك أن فيما يعدونه هم من أصول الدين مانعده نحن كذلك، وأما كلام القاري عن (الصفا ت الثبوتية والسلبية) فإنه إنما ذكرها للمثال لاالحصر، وقد قرنها بما أردنا الاحتجاج بالإجماع عليه، ولايعني ذلك موافقتنا له فيما اقترن بما نتحدث عنه، ولايخفى على مثلك أن (دلالة الإقتران) ضعيفة عند جمهور الأصوليين.
ثانياً: لم تجبني –حفظك الله عن رأيك في ثبوت اعتبار التفريق في هذه المسائل، وإنما اكتفيت بمناقشة بعض النقول الدالة على التفريق وحملتها على محامل لاتسلم لك، ولو سلمنا بما ذكرت فإن (انتفاء الدليل المعيّن لايستلزم انفاء المدلول المعين) كما تعلم.
ودونك نقول أوضح عن شيخ الإسلام رحمه الله وغيره أرجو ألاتتكلف في الإجابة عنها.
فقال رحمه الله في شرح العمدة، كما في " الإنتصار "لأبابطين صمن " عقيدة الموحدين " ص25:
" وفي الحقيقة أن كل رد لخبر الله أو أمره فهو كفر دق أو جل، لكن قد يعفى عمّا (خفيت فيه طرق العلم وكان أمرا يسيرا في الفروع) بخلاف (ماظهرأمره وكان من دعائم الدين من الأخبار والأوامر) "
فهل بعد هذا الوضوح في التفريق مجال لتأويل؟
وقال رحمه الله كما في الفتاوى (1/ 153):" ولكن التوسل بالإيمان به وبطاعته هو (أصل الدين) وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام للخاصة والعامة فمن أنكر هذا المعنى فكره ظاهر للخاصة والعامة.
وأما دعاؤه وشفاعته وانتفاع المسلمين بذلك فمن أنكره فهو أيضا كافر (لكن هذا أخفى من الأول) فمن أنكره عن جهل عرف ذلك فإن أصر على إنكاره فهو مرتد).
فانظر أشعر الله قلبك قبول الحق كيف اشترط التعريف في الثاني ولم يشترطه في الأول.
وانظر كيف أنه في كلامه السابق الذي نقلته إنما قصد أصول الدين المحدثة لا المعروفة عن أهل السنة، وهذا أعظم نقل يبين هذا،
إذ يلزمك أن تحاكم شيخ الإسلام رحمه الله إلى فهمك (أنت) لكلامه السابق وتقول له كما قلت لي: (فعندي أن كلام [شيخ الإسلام] وما أشبهه داخل في كلام الفقهاء المتلقى عن المعتزلة)!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/184)
وقد شرح رحمه الله (آية الميثاق) وبين وجه الدلالة منها على عدم عذر المشركين بالشرك إلا أنهم لايعذبون حتى تبلغهم الرسالة، والذي لم يفهم أسد السنة وجه استدلال الشيخ عبدالله وغيره بهذا الدليل فظنه من أدلة المعتزلة، وإن كان ضرب الصفح عن هذا الدليل أولى من ذكره قبل تقرر المسألة.
فقال رحمه الله في " الدرء " (8/ 487):
" وذلك يقتضي أن الاشهاد من لوازم الإنسان فكل إنسان قد جعله الله مقرا بربوبيته شاهدا على نفسه بأنه مخلوق والله خالقه ... وهذا أمر ضروري لهم، لاينفك عنه مخلوق وهو مما خلقوا عليه وجبلوا عليه، وجعل علما ضروريا لهم "
وقال بعده:" ... وهذا يقتضي أن نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد حجة في بطلان الشرك، ولايحتاج إلى رسول فإنه جعل ماتقدم حجة عليهم دون هذا ... وهذا لايناقض قوله تعالى} وماكنا معذبين حتى نبعث رسولا {فإن الرسول يدعو إلى التوحيد لكن إن لم يكن في الفطرة دليل عقلي يعلم به إثبات الصانع لم يكن في مجرد الرسالة حجة عليهم ... ثم إن الله بكمال رحمته وإحسانه لايعذب أحدا الا بعد إرسال رسول إليهم وإن كانوا فاعلين لمايستحق به الذم والعقاب ".
وقال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله كما في رسالته " التبصير في معالم الدين " (ص116):
" فأما الذي لايجوز الجهل به من دين الله لمن كان في قلبه من أهل التكليف لوجود الأدلة متفقة في الدلالة عليه غير مختلفة (ظاهرة) للحس غير (خفية) فتوحيد الله تعالى والعلم بأسمائه وصفاته وعدله، وذلك أن كل من بلغ حد التكليف من أهل الصحة والسلامة فلن يعدم دليلا وبرهانا واضحا يدله على (وحدانية ربه) ويوضح له حقيقة صحة ذلك ولذلك لم يعذر الله أحدا كان بالصفة التي وصفت بالجهل به وبأسمائه وألحقه إن مات على (الجهل) به بمنازل أهل العناد ... فقال جل ثناؤه:
{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}."
فليت شعري ماقولك في ابن جرير؟
ثالثاً: الفرق بين أهل السنة والمعتزلة في هذا الباب =هو أن منطلق أهل السنة في عدم العذر بالجهل أو العناد أو التقليد في التوحيد، هو عموم النصوص في هذا الباب، ومن ذلك آية الميثاق.
وأما المعتزلة فأصل المسألة عندهم هو أن الحجة على الخلق إنما تقوم بالعقل فقط.
على أن المنقول عن كبار المعتزلة هو العذر بالجهل في التوحيد!!
فقد نقل ابن قدامة في الروضة (2/ 418) عن الجاحظ وهو من أئمتهم أنه قال " من خالف ملة الإسلام إذا نظر فعجز عن ادراك الحق فهو معذور)!
وذكر الشهرستاني في الملل والنحل (1/ 75) أنه يعذر بالجهل في التوحيد!
وأما أهل السنة فالعقل والسمع والفطرة حجج على المكلفين عندهم، ولكل حجة من هذه الحجج مقام يناسبها.
وأما حصر الحجج بأحدها فمشابهة للمعتزلة الذين حصروا الحجة بأحدها كذلك!
فأينا أشبه بالمعتزلة وأقرب منهم منزلا –سددك الله -؟!
رابعا: وأما قولك:"وأرى أن الحديث وإن كان عن الجاهل إلا أنه حصل فيه تطرق للعالم المتأول في مسائل نحو دعاء غير الله والاستغاثة بالمقبورين _ وبين المسألتين ارتباط بلا شك فإذا عذرنا العالم المتأول فالجاهل الذي قلده أولى بالعذر"
فيدل على عدم وقوفك على كلام مخالفيك في هذا الباب من مصادرهم.
فمخالفوك حفظك الله لايعذرون في (المسائل الظاهرة) بالجهل ولا بالتأويل ولابالعناد ولابالتقليد! إلا في الحالات التي ذكرتها لك.
فماتجده من أقوالهم في عذر أحد بالجهل أو التأويل أو غيره في التوحيد فمحمول على أمرين لاثالث لهما:
الأول: أن هذا في المسائل الخفية.
الثاني: أنه من أهل أحد الحالات الثلاث التي هي مظنة العجز عن التعلم.
وأما الهيتمي، فأنا أمهلك ماشئت لتأتيني بنص واحد من سيرته (والنص هو مالايحتمل أكثر من معنى) يدل على (وقوعه) في الشرك أو تجويزه دعاء غير الله وصرف العبادة لغيره، (فإن هذا هو محل بحثنا) كيف وقد نهى في الزواجر عن ذلك؟!.
وأما تجويزه زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكفي وحده لتسميته ب (القبوري) كما سماه الإخوة بذلك وتبعتهم أنت عليه.
وبعدها ننظر هل أئمة الدعوة يعذرون بالتأويل في المسائل الظاهرة أم لا؟
فها أنا ذكرت لك ماعندي في المسألة، واجتهدت وسعي في شرح قول مخالفك لك، وفك كثير من التلازم الذي يقع في الأذهان في هذه المسائل، وأجبتك عما سألتني عنه.
ونقلت لك الإجماع في المسألة الأولى (وهي غير مسألة ثبوت الفرق بين المسائل الظاهرة والخفية في التكفير) عن أربعة من أهل العلم، أهملت اثنين منهم بحجة (أعطني غيرهم)!
وطعنت في صحة نقل الإجماع من الآخرين بحجة أنهم (من أهل البدع) وسبق الجواب عنه.
فأرجو ألا يكون هذا حفظك الله = اجتماع نادر (لغمط بعض المخالفين) و (بطر الحق عند البعض الآخر)!
وإن كان بطر الحق لايكون إلا عن غمط، إلا أنني والله أنزهك عن نسبة شئ منهما إليك.
إذ أن فعلك (كبر) وأما أنت فلا أصفك بذلك وحاشاك لأنني أعذرك ب (التأويل) في المسائل الخفية على طريقة أئمة الدعوة رحمهم الله ووفقك.
فأجبني حفظك الله عما سألتك.
وإني على سفر فاعذرني إن تأخرت عليك.
واسلم لمحبك
محب العلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/185)
ـ[أسد السنة]ــــــــ[10 - 04 - 03, 05:06 م]ـ
الحبيب محب العلم:
(*******************) ودعنا نستفيد من جوابك على الأسئلة التالية.
السؤال الأول)
ما هو ضابط المسائل الظاهرة التي تدعي عدم العذر
بالجهل فيها.
تنبيه:
إن كنت ستجعل الأمر يختلف باختلاف الزمان والمكان فأنت أحد رجلين
إما أنك متلاعب جاهل لأنك جعلت مسائل الدين العظام
تتغير بتغير الزمان والمكان وإما أنك ستقول بقولنا
لأنك ستجعل سبب الظهور هو ظهور الحجة حسب الزمان والمكان فرجع الأمر إلى التمكن من
العلم وأن المكلف يعذر بالجهل في كل مسائل الدين بالجهل الذي
لا يمكن دفعه.
لكن أنّا لك ذلك وقد قلت فيما سبق:
" وأما
مانقلته عن الألباني رحمه الله .. فحق ومن ذا ينازع فيه، وجميع ماذكره الشيخ هنا
فهو مندرج على قانوننا في خفي المسائل التي يراعى فيها ماراعاه الشيخ بلاخلاف نعلمه."
إلا أن تتوب وتعلن رجوعك إلى الحق!!
السؤال الثاني)
ما هو دليلك من الكتاب والسنة و أؤكد من الكتاب
والسنة على أن المكلف لا يعذر بجهله في مسائل التوحيد الظاهرة المذكور ضابطها أعلاه
، وأما الإجماع الذي تدعيه فلا تذكره هنا وسيأتي في السؤال الثالث.
السؤال الثالث)
كيف توفق بين كلام الإمام أبا بطين حيث قال " أما
حكم من مات في زمان الفترات ولم تبلغه دعوة رسول فإن الله سبحانه أعلم بهم " وبين
فهمك لما نقله من إجماع.
تنبيه وإلزام!!:
لازم مذهبك الذي تنافح عنه أن أصحاب الفترات لا يعذرون
أيضاً وستذكر ما أقول لك، وقد جربتك فقد قلت لك من قبل:
" وينبغي التنبه إلى أن من لم يعذر بالجهل في مسائل الدين الظاهرة حجته أن الله قد
أقام الحجة على العالمين بأخذ الميثاق عليهم وهم في صلب أبيهم آدم كما في قوله
تعالى " وإذ أخذ الله من بني آدم " الآية وما جاء في نفس المعنى في السنة كما في
الصحيحين وهذا مذهب أهل البدع "
فقلت
لي:
" فلا أعلم من أين جئت به من كلامي أو كلام من نقلت عنهم!! "
ثم قلت " وقد علمت- والله- أن هذا الاستدلال إنما هو من استدلالات شيخنا
عبدالله السعد، وقد سمعته منه في شرحه على نواقض الإسلام،قبل خمس سنوات، ولكنني
لم أرتض الاستدلال بهذا الدليل وضربت صفحا عن ذكره، فكيف تلزمني به وتنسبه لجميع
القائلين بعدم العذر بالجهل في الامور الظاهرة في غير الحالات الثلاث وهم لم
يستدلوا به،وأي كذب على الخصوم أعظم من هذا!! "
وإذا بك تستدل به:
فقد قلت " الفرق بين أهل السنة والمعتزلة في هذا الباب =هو أن منطلق أهل السنة في
عدم العذر بالجهل أو العناد أو التقليد في التوحيد، هو عموم النصوص في هذا الباب،
ومن ذلك آية الميثاق."
فأي الفريقين أحق بذاك الوصف!!!
فستضطر أن تقول بعدم عذر أهل الفترات والأيام بيننا.
ولعل جوابك عن هذه الأسئلة يبين للقراء أنك لم تفهم المسألة
وأنه يصدق عليك أنك اعتقدت ثم استدللت ولو عكست لنجوت.
ـ[أهل الحديث]ــــــــ[12 - 04 - 03, 05:02 م]ـ
الرجاء من الإخوة إلتزام النقاش العلمي، والبعد عن الكلام الذي لا يليق بطلاب العلم
وسنضطر لتحرير بعض الألفاظ عند الحاجة
وفق الله الجميع.
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[12 - 04 - 03, 08:53 م]ـ
للفائدة
.
http://www.islamway.com/bindex.php?section=series&scholar_id=40&series_id=23
ـ[محب العلم]ــــــــ[13 - 04 - 03, 01:42 ص]ـ
الشيخ أبو خالد السلمي حفظه الله:
قد وقفت على نقول من " الجوهر المنظم " للهيتمي وفيها مايقف له شعر الرأس،وهي من الكفر الصريح، وكتبه المشهورة كالزواجر والإعلام بقواطع الإسلام، وشرح الأربعين فيها مايخالف هذا، بل نص في شرح الأربعين له أن من دعا غير الله فهو كافر، ومثله في القواطع.
وعليه فإن الرجل مضطرب متناقض.
ويجاب عن كلام الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب، وكلام ابن سحمان فيه بما يلي:
أولاً: المتشابه من الكلام على الأذهان موجود حتى في كلام رب العالمين، والقاعدة فيه هي تركه واعتماد المحكم، وقد نقلت لك من كلام أئمة الدعوة المحكم في هذا الباب ما أظنه يكفي عن تتبع المتشابه والإحتجاج به.
وهذا الكلام عن " الهيتمي " مع اشتباهه فهو معارض بمثله أو أصرح منه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (4/ 55):
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/186)
" وأبلغ من ذلك أن منهم من يصنف في دين المشركين والردة عن الإسلام كما صنف الرازي كتابه في عبادة الكواكب والأصنام وأقام الأدلة على حسن ذلك ومنفعته ورغب فيه، وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين وإن كان قد يكون تاب منه] وعاد إلى الإسلام ["أ. ه
فهذا الفخر الرازي من كبار أئمة الشافعية وعلمائهم، وقد حكم شيخ الإسلام رحمه الله بكفره بعينه ولم يعذره بالتأويل ولاذكر أن الحجة قد قامت عليه وأنه قد عرف لأن مافعله كفر ظاهر بين بإجماع المسلمين كما قال.
ثالثاً: لما كان للهيتمي كلام صريح في النهي عن دعاء غير الله وأنه كفر، وكان له كلام مشتبه في مسألة الاستغاثة خاصة في بعض كتبه التي وقف عليها أئمة الدعوة، فإن عذرهم له ربما حمل على أنهم لم يطلعوا على الكفر الصريح الذي في" الجوهر المنظم" فعدوا كلامه في الاستغاثة من المسائل الخفية لأنها ربما اشتبهت على بعض المنسوبين للعلم بمسائل التوسل، فكانت خفية من هذه الجهة، على أن ظاهر كلامهم هو أنها من المسائل الظاهرة، لكن لماذكرته لك من وقوفهم على نهيه الصريح عن الشرك،مع كلامه المشتبه في الاستغاثة، فأخذوا المحكم وتركوا المتشابه، وإلا لو وقفوا على مافي الجوهر لكان لهم كلام آخر.
رابعاً: من المعلوم أن الطعن في المعظمين ربما أدى إلى رفض الأتباع للدعوة الصحيحة وتركهم لها، وعليه فإن كلام الشيخين محمول على أنهم كانوا يراعون عدم تنفير المخاطبين في الدعوة بالطعن في معظميهم، فسكتوا عنه لهذا الملحظ، ولم تنقل لنا من كلامهم مايدل صراحة على (الحكم بإسلامه)، وإنما هي رسائل يخاطبون بها المدعوين وربما تألفوهم بالسكوت عن مثل هذا مع اشتباهه كما تقدم وعدم الوقوف على صريح كلامه في الجوهر.
والقاعدة عند أئمة الدعوة رحمهم الله أن من مات من علماء المشركين فإنهم لايتعرضون له تأليفا لأتباعه، ومع هذا فإنهم لايوافقونه على باطله بل يردون عليه مع السكوت عن تكفيره بعينه للمعنى السابق.
الأخ أسد السنة:
قد قلت لك فيما سبق: " آن لمحب العلم أن يمد رجليه ".
والذي يمد رجله لايمد لسانه.
وعليه فسأعيد باختصار ما أوضحته لك في العذر بالجهل ..
اعلم أن العذر بالجهل له مقامان:
المقام الأول: عذره من إخراجه من الإسلام، فيبقى مسلما مع وقوعه في الكفر، وهذا إنما هو في المقالات الخفية فقط -أي التي يمكن لمثلها أن يخفى مدركه (لحال الشخص أو لحال المكان) -ولانقصد بالخفية هنا كل مايخفى على كل مكلف، بل (الأمور الظاهرة) لانعذر من وقع فيها -من اخراجه من اسم الإسلام ولو خفيت عليه لحاله أو لحال الزمان.
المقام الثاني: عذره من إيقاع اسم الكفرالباطن الذي تترتب احكامه على المكلف ويجزم معه له بالنار، وهذا إنما يكون في الحالات الثلاث التي شرحتها لك فيما سبق، إذا وقع في شئ من الأمور الظاهرة.
والأمور الظاهرة قد ذكرت لك ضابطها في أول المقال.
ويقال أيضا: هي الأمور التي تتنافى مع حقيقة الإسلام ولاتجتمع معه.
فلايمكن أن يكون الرجل مشركا ومسلما في نفس الوقت، وكل من وقع في الأمور الظاهرة فهو (غير مسلم)
سواء عذرناه أم لم نعذره، فإننا إذا عذرناه فإن معنى هذا أن عذره بالجهل يعني عدم الحكم عليه بالكفر الباطن الذي يترتب عليه الجزم له بالنار واستباحة دمه، حتى تقام عليه الحجة.
إذا فهمت هذا فإن كلام الشيخ أبابطين في قوله (أما
حكم من مات في زمان الفترات ولم تبلغه دعوة رسول فإن الله سبحانه أعلم بهم).
إنما عنى به حاله في الآخرة، وقد ذكرت لك أنك تخلط بين الحكم بعدم الإسلام وبين التعذيب.
وأما كلام الألباني رحمه الله، فإني عندما ذكرت لك أن أئمة الدعوة يعذرونه كالشيخ، فلأن المسائل التي ذكرها مندرجة في ضابط " الخفية "عندنا فهو مسلم، ولو كان شئ منها من (الأمور الظاهرة) لما حكمنا بإسلام من وقع فيها سواء كان في بلاد يخفى عليه فيها العلم أو يظهر، وإنما نعذره في الأمور التي ذكرتها، وهي بينة لمن ألقى السمع وهو شهيد.، وعدم فهمك لمعنى (الظاهرة) و (الخفية) هو الذي جرك الى هذا.
وأما آية الميثاق، فقد ذكرت لك سبب كرهي لاحتجاج الشيخ بها، وهو عدم وضوح الاستدلال بها قبل تمام تقرير المسألة، ولأن المخالفين – مثلك – يخلطون بين طريقة المعتزلة للاستدلال بها وطريقة أهل السنة ولذلك لم أذكرها لك من أول المقال، وطالبتك بأن تبين لي مكانها من كلامي رغبة في عدم تشعب الموضوع، أما وقد كان، فقد بينت لك وجه الاستدلال بها بما أرجو أن فيه كفاية لكل عاقل.
وأما أهل الفترة فلايحكم بإسلامهم إلا من هو أضل من حمار أهله، بل هم معذورون –عند من يثبتهم – العذر الذي حكيته لك وأوضحته، فكلامنا فيهم على قانوننا مستقيم.
وأما الكتاب والسنة فكل يدعي وصلا بليلى.
وأسود السنة –هداهم الله –0إن نقلنا لهم عن أهل العلم وحكينا لهم الاجماع قالوا " هات الكتاب والسنة " وإن جئناهم بالكتاب والسنة الصحيحة، قالوا: " من قال به من أهل العلم "
وإن جئنا بالكتاب والسنة وأقوال أهل العلم قالوا: كلاب أهل النار ينقلون عن التكفيريين!!
ولكن انظر طرفا ن الأدلة غير ماذكر في " عارض الجهل " للراشد ص181 ومابعدها.
وقد قال الشيخ صالح الفوزان في مقمة هذا الكتاب:
" يعذر الجاهل في بلاد الإسلام بالأمور (الخفية) التي تحتاج الى ايضاح وبيان، وأما (الأمور الظاهرة) كالتوحيد والشرك والمحرمات القطعية ... وما أجمع عليه أهل العلم فهذه لايعذر فيها من بلغه الكتاب والسنة على وجه يفهمه (لو أراد الفهم) " أ. هـ.
فمن أي النحلتين الفوزان (التكفيريين أم المعتزلة)؟!، أم هو ممن ينقل عن الخضير والسعد، ولايستدل بالكتاب والسنة!!
وهذا آخر ماأورد مايراد.
وأحسب أنني لم أدع – شيئا عندي إلا قلته.
وأعتذر- من الجميع - إن زل اللسان.
وأعتذر أيضا من التعقيب على هذا الموضوع بعد اليوم إلا فيما يستحق التعقيب.
والله تعالى أعلم وأحكم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/187)
ـ[ابن أبي حاتم]ــــــــ[14 - 04 - 03, 01:03 ص]ـ
الحمد لله حق الحمد وأوفاه، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فهذه المسألة التي يتباحثها الأخوة مسألة عظيمة، وأحببت أن اسطر بعض الكلمات التي أسأل الله أن ينفع بها في توضيح ما أفهمه في هذه المسألة، والمسألة كما قال أخي محب العلم id من باب المدارس والمذاكرة، سائلاً الله جل وعلا أن يبصرني وإخواني للحق في هذه المسألة، فأقول وبالله التوفيق، ومنه أستلهم العون والسداد:
موجب الغلط لدى كثير ممن ينظر لهذه المسألة أنه يفصل بين مقام العذر بالجهل، و بين مقام قيام الحجة الرسالية، ولهذا يكثر النزاع والشقاق، مع الاتفاق في المضمون تارة، ومع الاختلاف تارات!!
وليت الأخ محب العلم قدم مسألة قيام الحجة في معالمه على مسألة العذر بالجهل؛ حتى يتضح المراد.
وتوضيحا لذلك أقول: إن الله سبحانه تعالى بين أن الحكمة من إرسال الرسل هو إقامة الحجة على خلقه، وقد صرح بهذا الكتاب العزيز في غير ما آية، ومنه قوله تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:165)، وقوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الاسراء: من الآية15).
ومقام قيام الحجة هو المقام الذي زلت فيه أقدام قوم، فظنوا أن الحجة إلا تقوم إلا بمناظرة من فعل المكفر أيا كان كفره، وإفحامه بحيث لا يبقى معه إلا المكابرة كحال فرعون وأبي جهل، وهذا لا شك أنه غلط على مقام الشرع.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قاتل أناسا فيهم من كان جاهلا أنه رسول الله حقيقة، فلم يدرء جهله عنه الحكم، مع أنه درء عن غيره- ربما آبائهم - من أهل الفترة؛ لأن الحجة قد قامت بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحق أن قيام الحجة الرسالية، يختلف بحسب المسائل – كما قرره الأخ الفاضل محب العلم - ففي مقام الإقرار برسالة النبي صلى الله عليه وسلم – مثلاً- جعل النبي صلى الله عليه وسلم السماع به وبدعوته كافياً في الحكم على من لم يؤمن ليس بالكفر فحسب، بل والدخول في النار، فقال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)، و قد دلت النصوص على أن أهل الفترات الذين لم تقم عليهم حجة أنهم يمتحنون يوم القيامة، كما قال تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، والمراد أهل الفترة المحضة الذين لم تبلغهم رسالة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (14/ 477):
لكن لا يعذب الله أحدا حتى يبعث إليه رسولا، وكما أنه لا يعذبه فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة، ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه، فمن لم تبلغه الدعوة في الدنيا امتحن في الآخرة، ولا يدخل النار إلا من اتبع الشيطان فمن لا ذنب له لا يدخل النار، ولا يعذب الله بالنار أحدا إلا بعد أن يبعث إليه رسولا فمن لم تبلغه دعوة رسول إليه كالصغير والمجنون والميت في الفترة المحضة، فهذا يمتحن في الآخرة كما جاءت بذلك الآثار " اهـ.
ولما كان في الذين هم من أهل الفترات من كانت فيهم بقايا من النبوة حكم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أهل النار، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه وصححه غير واحد من أهل العلم: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله، إن أبي كان يصل الرحم وكان وكان فأين هو؟! قال: في النار. قال: فكأنه وجد من ذلك؟! فقال: يا رسول الله فأين أبوك؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار، قال: فأسلم الأعرابي بعد، وقال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار ".
وإن عدم استحضار مسألة قيام الحجة في محور النقاش هو الذي جعل من الأخ (أسد السنة) يظن أنه يلزم على الأخ محب العلم الحكم على أهل الفترة بأنهم من أهل النار.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/188)
وهنا مقام آخر لابد من تحقيقه، وهو أن قيام الحجة كما أنه يختلف باختلاف المسائل؛ ظهورا وخفاء، فهو يختلف باختلاف الأزمان بحسب ظهور آثار النبوة واندراسها، وهذا من المقامات الدقيقة التي يغفل عنها بعض الباحثين في هذه المسائل، ومما يدل على ذلك حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله، فنحن نقولها. فقال له صلة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟! فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: " يا صلة، تنجيهم من النار "ثلاثا.
وقد أشار شيخ الإسلام إلى أن أهل الفترة ليسوا مختصين بالفترة التي ليس فيها نبوة، فقد تكون هناك فترات في هذه الأمة، وقد وضح هذا في كتابه الصفدية، وسأنقل كلام شيخ الإسلام مع طوله حتى يتضح المقام بإذن الله، قال رحمه الله (1/ 230):
" ومن هؤلاء من يقول أن الخطاب الذي يحصل لهم أفضل مما حصل لموسى وغيره، وهذا مذهب ابن العربي - صاحب الفتوحات المكية - وأمثاله ممن يدعي أن ما حصل لموسى ومحمد إنما كان بواسطة الخيال النفساني الذي هو عنده جبريل، وأن ما يحصل لابن عربي هو فوق ذلك؛ فإنه يأخذ من المعدن العقلي المحض الذي يأخذ منه الملك، الذي هو عندهم خيال في نفس النبي، ومرتبة العقل فوق مرتبة الخيال.
فلما اعتقدوا أن الملائكة التي تخاطب الأنبياء إنما هي خيالات تقوم بنفس الأنبياء زعموا أنهم إذا اخذوا عن العقل المحض كانوا قد أخذوا من المعدن الذي تأخذ منه الملائكة الذين أخذ عنهم الأنبياء، فكانوا أفضل من الأنبياء عند أنفسهم وعند أتباعهم، فهذا ونحوه مما يعلم بالاضطرار من دين الرسل أنه كفر وباطل من دينهم، فمن فهم القرآن وفهم كلام هؤلاء لزمه أحد أمرين؛ إما تكذيب القرآن وإما تكذيب هؤلاء، وإلا فقولهم وما جاء به الرسول متناقض تناقضا يعلمه كل من فهم كلامهم وكلام الأنبياء، ولا يتصور أن يقول هذا وأن يوافق على هذا الكلام إلا أحد رجلين:
إما جاهل لا يعلم حقيقة ما جاءت به الرسل وحقيقة قول هؤلاء، بل هو عنده تعظيم مجمل للأنبياء، وهؤلاء كالذين كانوا يعظمون محمدا ومسيلمة ويقولون نشهد أن محمدا ومسيلمة رسولا الله وهذا الضرب كثير فيمن لم يعرف حقيقة النبي الصادق والمتنبي الكذاب، ويوجد كثير من هؤلاء في المنتسبين إلى الفقه والحديث والتصوف والزهد والعبادة والملك والإمارة والوزارة والكتابة والقضاء والفتيا والتدريس، وفيمن له دعوات مجابة وفيه صلاح وزهد وعبادة، وذلك لنقص معرفتهم بكمال النبوة والرسالة وحقيقة أقوال من يناقضها من بعض الوجوه دون بعض.
وقد قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) 54 فلا بد عند حدوث المرتدين من وجود المحبين المحبوبين كما قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه وإخوانه يقاتلون المرتدين عقيب وفاة خاتم المرسلين وما حدث من الفتنة في الدين.
وأما منافق زنديق يعرف مناقضة هذا لهذا لكنه يظهر الموافقة والائتلاف لاعتقاده أن النبوة من جنس حال هؤلاء، ويلبس ما يقوله على من لم يعرف حقائق الأمور.
ومن هؤلاء من لا يكون قصده الزندقة والنفاق لكن لا يكون عارفا بحال الرسول وقدر ما جاء به ولكنه يعظمه تعظيما مجملا، ويرى هؤلاء قد تكلموا في النبوة وحقيقتها بكلامهم وهو عاجز عن معرفة حقيقة الأمر فيعتقد هذا في النبوة، وهؤلاء يكثرون في أماكن الفترات التي تضعف فيها آثار النبوة إذا لم يكن هناك من يقوم بحقائقها، وهؤلاء يكونون في الدول الجاهلية كدولة بني عبيد ودولة التتار ونحوهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/189)
ومن هؤلاء من يغفر الله له فإنه إذا اجتهد وسعه في الإيمان بالرسول ولم يبق له قدرة على أكثر مما حصل له من الإيمان به لم يكلف الله نفسا إلا وسعها وإن كان قوله بعد قيام الحجة عليه كفرا كالذي قال لأهله: " إذا أنا مت فاسحقوني ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين "والحديث في الصحيحين من غير وجه فإن هذا جهل قدرة الله على إعادته ورجا أنه لا يعيده بجهل ما أخبر به من الإعادة، ومع هذا لما كان مؤمنا بالله وأمره ونهيه ووعده ووعيده خائفا من عذابه، وكان جهله بذلك جهلا لم تقم عليه الحجة التي توجب كفر مثله غفر الله له ومثل هذا كثير في المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يخبر بأخبار الأولين ليكون ذلك عبرة لهذه الأمة اهـ.
فإذا فهم هذا من شيخ الإسلام رحمه الله علم معنى قول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:
(لا نكفر من عبد الصنم الذي عند قبر البدوي والصنم الذي عند قبة عبد القادر من أجل جهلهم وعدم من ينبههم).
ومن نظر في حال الدول في ذلك الوقت الذي تكلم فيه إمام الدعوة، وكيف انتشر الشرك والقبور، وكانت يرعاه الولاة والأمراء في ذلك الزمان، لا سيما الخلفاء العثمانيين = علم أن مثلهم لم تبلغهم الحجة الرسالية، لكن إذا بلغتهم السنة كما هو الحال في هذا الزمان، وانتشرت السنة، وصار من ينادي بها وينشرها بين الناس، فإننا نكفر من يطوفون عند قبر البدوي، ونوافق الشيخ على عدم تكفير من كان في زمانه رحمه الله.
والحالات الثلاث التي ذكرها الأخ محب العلم هي الصور التي تكلم عنها أئمة الدعوة في زمنهم رحمهم الله، وهم لا يخرجون عن الوصف الذي ذكرت وهو أنه لم تبلغهم الحجة الرسالية.
وأيضا: فتقسيم المسائل إلى مسائل ظاهرة وخفية = أمر تقريبي، وإلا فحتى المسائل الخفية تتفاوت في كيفية إقامة الحجة فيها.
وإذا قلنا في المسائل الظاهرة إنه لا يعذر فيها بالجهل، فالمقصود أن هذا مما يعلم أنه قد قامت الحجة الرسالية فيه، بما لا يكون الجهل فيه إلا مع الإعراض، ولا يكون معه بذل الوسع في قصد الحق، لأنه معلوم بالضرورة، والله أعلم.
والمسألة لا علاقة لها بأثر من المعتزلة الذين قسموا الدين إلى فروع وأصول، ومسألة تقسيم الدين إلى فروع وأصول لعل الله أن ييسر الكتابة فيه بما يوضح مراد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
ـ[أسد السنة]ــــــــ[14 - 04 - 03, 03:04 ص]ـ
أن قيام الحجة كما أنه يختلف باختلاف المسائل؛ ظهورا وخفاء، فهو يختلف باختلاف الأزمان بحسب ظهور آثار النبوة واندراسها، وهذا من المقامات الدقيقة التي يغفل عنها بعض الباحثين في هذه المسائل
أحسنت
والحالات الثلاث التي ذكرها الأخ محب العلم هي الصور التي تكلم عنها أئمة الدعوة في زمنهم رحمهم الله، وهم لا يخرجون عن الوصف الذي ذكرت وهو أنه لم تبلغهم الحجة الرسالية.
أحسنت
وإذا قلنا في المسائل الظاهرة إنه لا يعذر فيها بالجهل، فالمقصود أن هذا مما يعلم أنه قد قامت الحجة الرسالية فيه، بما لا يكون الجهل فيه إلا مع الإعراض، ولا يكون معه بذل الوسع في قصد الحق، لأنه معلوم بالضرورة، والله أعلم.
أحسنت ... فالمقصود أن هذا مما يعلم أنه قد قامت الحجة الرسالية فيه
الحمد لله على السلامة، و لعل صاحبك الذي امتدحته ولا أدري على ماذا، أن يقر هذا التراجع.
بقي عليك بارك الله فيك أن توجه كلام من نقلوا الإجماع على عدم العذر بالجهل.
لكن انتبه أن تقع فيما وقع فيه صاحبك فتنقض كلامك ولعلي أذكرك أنك مقر بقولنا للحبيب محب العلم:
وإما أنك ستقول بقولنا لأنك ستجعل سبب الظهور هو ظهور الحجة حسب الزمان والمكان فرجع الأمر إلى التمكن من العلم وأن المكلف يعذر بالجهل في كل مسائل الدين بالجهل الذي لا يمكن دفعه.
وأما قولك:
والمسألة لا علاقة لها بأثر من المعتزلة
فلا أدري هل تعني على قولك أم على قول من احتج بآية الميثاق!!
وعلى كل حال كلامك هذا يعتبر إجابة على جزء من السؤال الأول الموجه لمحب العلم وبقي عليكم الجواب عن السؤالين الآخرين!!
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[14 - 04 - 03, 10:06 ص]ـ
أخي محب العلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/190)
معذرة فقد كان الموضوع مغلقا وبعده سافرت لمدة ثلاثة أيام ورجعت قبل قليل، وهذه أجوبة سريعة لبعض ما طلبت مني الإجابة عنه:
1) أما الإجماع الذي نقله الشيخان (إسحاق وأبابطين) على التفرقة في العذر بين مسائل ومسائل و سبب عدم اعتباره، فهو أنه مخالف لإجماع على عدم التفرقة حكاه ابن حزم وهما _ رحمهما الله _ محجوجان به، قال الإمام ابن حزم في الفصل ص 16:
بعدما ذكر أن طائفة ذهبت إلى تكفير من خالفها في بعض مسائل الاعتقاد والفتيا دون بعض مستنكرا هذا التفريق، ثم قال ما نصه:
(وذهبت طائفة إلى أنه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا وأن كل من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنه الحق فإنه مأجور على كل حال إن أصاب الحق فأجران وإن أخطأ فأجر واحد وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي رضي الله عن جميعهم وهو قول كل من عرفنا له قولا في هذه المسألة من الصحابة رضي الله عنهم لا نعلم منهم في ذلك خلافا أصلا) اهـ
2) الشيخان الجليلان (إسحاق وأبابطين) لم يذكرا أحدا سبقهما نص على أن مسائل توحيد الألوهية لا عذر فيها، وإنما مستندهما في هذا الإجماع هو النقل عمن يفرق بين أصول الدين وفروعه من الأشاعرة والماتوريدية، وهو عين التفريق المبتدع الذي أنكره شيخ الإسلام، والقائلون به يصنفون مسائل الألوهية ضمن الفروع التي يعذرون جاهلها
3) أما النقل الذي بنيتم عليه أصل التفرقة بين المسائل الظاهرة والخفية وهو قول شيخ الإسلام:
" وفي الحقيقة أن كل رد لخبر الله أو أمره فهو كفر دق أو جل، لكن قد يعفى عمّا (خفيت فيه طرق العلم وكان أمرا يسيرا في الفروع) بخلاف (ماظهرأمره وكان من دعائم الدين من الأخبار والأوامر) "
فعبارته واضحة في أنه يفرق بين متى نحكم بأن رد خبر الله كفر ومتى لا نحكم بكونه كفرا، لكن عندما يكون الرد كفرا فلا يلزم من هذا أن يكون الراد كافرا حتى تقوم عليه الحجة فلا يلزم من كون القول أو الفعل كفرا أن يكون القائل أو الفاعل كافرا حتى تقوم عليه الحجة وهذا قد وضحه شيخ الإسلام مرارا
وانظر إلى فهم صاحب الاختيارات لمذهب شيخ الإسلام حيث قال ص 307:
ومن شك في صفة من صفات الله ومثله لا يجهلها فمرتد وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد. اهـ
فجعل الصفة عينها يكون ردها كفرا في حق شخص ولا يكون كفرا في حق آخر والمرجع في التفريق هو إلى كون (مثله يجهلها) ولم يذكر الحالات الثلاث، نعم الحالات الثلاث مظنة للجهل لكن نفي الجهل عمن في غير الحالات الثلاث ليس بصحيح فكثير ممن يقيمون اليوم ببلاد الإسلام (غير المملكة العربية السعوية) يوجد من يلبس عليهم من علماء السوء ومثلهم يجهل أشياء لا يجهلها أهل البادية البعيدة في المملكة فلماذا الإصرار على هذه الحالات الثلاث وحمل كل نص عام لإمام متقدم بالإكراه على أنه يريد الحالات الثلاث؟ لماذا لا نطلق أن الجاهل معذور ونستريح ونكتفي بأن الحالات الثلاث مظنة للجهل وأولى منها الإقامة في بلد تظهر فيها البدعة ومظاهر الشرك وفيها علماء سوء يلبسون على العوام فيكون أهلها أولى بالعذر.
وانظر كلاما لابن القيم يؤكد صحة فهمنا لكلام شيخ الإسلام، قال في إغاثة اللهفان 1/ 123:
وهؤلاء الجهال يرى أحدهم أدنى شيء فيحكم هواجسه وخواطره على الكتاب والسنة ولا يلتفت إليهما ويقول حدثني قلبي عن ربي ونحن أخذنا عن الحي الذي لا يموت وأنتم أخذتم عن الوسائط ونحن أخذنا بالحقائق وأنتم اتبعتم الرسوم وأمثال ذلك من الكلام الذي هو كفر وإلحاد وغاية صاحبه أن يكون جاهلا يعذر بجهله. اهـ
فانظر يا محب العلم وأنصف رحمك الله كيف وصف ردهم للكتاب والسنة بالهواجس بأنه كفر وإلحاد ثم حكم بأنهم معذورون بالجهل إن كانوا جهالا، فهل نحن أعلم بابن تيمية من ابن القيم؟ أليس هذا واضحا في أنه لا تلازم بين كون الرد كفرا وبين كون الراد كافرا؟
4) أرى أن كلام شيخ الإسلام المذكور لا يخدم ما تدعو إليه لأن شيخ الإسلام أوضح أن الرد لحكم الله لا يكون كفرا إذا كان ردا لخبر يسير في الفروع مما خفيت فيه طرق العلم
فجئت أنت وفسرت المسائل الخفيّة التي يعذر فيها بالجهل عندك بأنها: (كإنكار بعض الصفات التي وقع فيها النزاع بين أهل السنة وغيرهم وكالمسائل التي تقع فيها الفرق المخالفة للسنة في القدر والإيمان وغيرها مما يخفى مأخذه.) اهـ كلامك.
فسبحان الله! كيف تكون مسائل في الصفات والقدر والإيمان من الفروع؟
ولاحظت أنك تؤكد على أن مسائل الصفات والقدر والإيمان التي عددتها من الفروع هي تلك التي اختلف فيها أهل السنة وغيرهم، فلماذا لم تجعل المسائل المختلف فيها بين أهل السنة وغيرهم من القبورية والصوفية من مسائل الفروع ما دام الاختلاف عندك مظنة للجهل والتباس الفهم والاختلاف عندك يخرج المسألة من الأصول إلى الفروع حتى تطرد قاعدتك؟
5) أعجبني نقلك:
[من المعلوم أن الطعن في المعظمين ربما أدى إلى رفض الأتباع للدعوة الصحيحة وتركهم لها، وعليه فإن كلام الشيخين محمول على أنهم كانوا يراعون عدم تنفير المخاطبين في الدعوة بالطعن في معظميهم، فسكتوا عنه لهذا الملحظ]
فليتك تتحلى بهذا الأدب الرفيع الذي كان عليه علماء الدعوة النجدية قدس الله أرواحهم ونور أضرحتهم.
6) أما اتهامك لي ببطر الحق وغمط الناس وتوضيحك أن الناس الذين غمطتهم هم الإمامان إسحاق وأبابطين، فلا أقول إلا: حسبي الله ونعم الوكيل، فأنا أعلم من نفسي تمام العلم أني لا أسوى شسع نعل أحدهما فكيف أغمطهما؟ عليهما سحائب الرحمات، ولكن هل يلزم من توقيرهما وعرفان فضلهما ادعاء عصمتهما من الخطأ فيما قالاه أو نقلاه؟
غفر الله لي ولك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/191)
ـ[محب العلم]ــــــــ[14 - 04 - 03, 06:27 م]ـ
أرى أنه لابد من تحرير محل النزاع حتى لايتشعب الموضوع ثم نتبتعد عن معاقد الخلاف فيه.
فإن التخريج لكثير من النقول البعيدة عن محل النزاع هنا هو على أحد وجهين:
الأول: أن محل النزاع عند هؤلاء الإخوة لم يحرر بعد.
الثاني: أن محل النزاع عندهم قد تحرر إلا أنهم يقصدون هذا البعد.
والأول أصح عند عامة أهل الانصاف.
وثم وجه ثالث - رجحه بعض الأصحاب -وهو أنه لم يحرر عند فضلائهم بخلاف قسيم (الفضلاء) منهم!.
وعليه فأقول:
اتفقنا على أن إقامة الحجة –في المسائل الظاهرة والخفية – شرط لتنزيل اسم الكفرعلى من وقع فيه بعينه.
واتفقنا على أن الظهور والخفاء، لاعلاقة له ب (الأصول والفروع) لابمعناهما عند المتكلمين ولابمعناهما عند أهل السنة، فقد تكون المسألة (خفية) وهي من الأصول كالإيمان بعلو الله على خلقه و بكمال قدرة الله تعالى وتفاصيلها، فإن هذا من (خفي المسائل) على ماسبق مع كونها معدودة في (الأصول) عند القائلين بالتقسيم منهم.
ومانقلته عن بعض الأئمة من تعبيرهم عن بعض المسائل الظاهرة ب (أصول الدين) فقد ذكرت أنه اصطلاح له، ولايقصد جميع الأصول فإن بعضها من خفي المسائل،أو أنه أخرج الكلمة مخرج الغالب، وعليه فإن أباخالد وفقه الله قد ألزمني بكلام شيخ الاسلام رحمه الله - في جحد بعض الصفات، لأنها من الأصول، وقد أوضحت له هذه المسألة بالذات فيما تقدم وأن من الأصول ماهو من (خفي المسائل) وأن مناط التفريق عند أئمة الدعوة بين المسائل إنما هو (الظهور والخفاء) لاكونها من (الأصول أو الفروع).
فقوله: (فسبحان الله! كيف تكون مسائل في الصفات والقدر والإيمان من الفروع).
لا أدري والله ماوجهه!
فأنا لم أقل يوما من الدهر أن هذه المسائل من الفروع كما قال (أو فهم!)، ورتب بعدها علي ماقلت مالايلزم، مما يدل أنه – وفقه الله – يرد على مخالفه (وهو يتوهم خصما غيره) تماما كبعض الأسود!
وإنما قلت (مما يخفى مأخذه)، فهي من المسائل (الخفية) لا (الفروع)!!
واتفقنا على أن من وقع في شئ من المسائل الخفية فهو (مسلم) معذور حتى تقوم عليه الحجة.
واتفقنا على أن من وقع في شئ من الكفرالمندرج ضمن (المسائل الطاهرة)، ولم تقم عليه الحجة الرسالية فهو (معذور).
واختلفنا في هذه الصورة الأخيرة في أمرين:
الأول: كيفية (قيام الحجة) على من وقع في المسائل الظاهرة.
الثاني: معنى (العذر) في هذه الحالة.
أما إقامة الحجة في (المسائل الظاهرة)،فهو – كمانقلت عن أئمة الدعوة وغيرهم – إنما يكون (ببلوغ الفرآن) فمن بلغه القرآن على وجه يمكنه فيه الفهم لو أراد الفهم (وذلك بفهم تراكيب الألفاظ ودلالتها الظاهرة) فقد قامت عليه الحجة وأمكن إن أعرض بعدها تكفيره بعينه.
وأما تمام الفهم المستلزم للانقياد (فلايشترط لإقامة الحجة) في هذه المسائل.
وسبق بيان هذا بدليله وأقوال أهل العلم.
وأما معنى (العذر) في هذه الحالة:
فهو الذي يترتب على توضيحه، موافقة ابن ابي حاتم وفقه الله على قوله:
" وإذا قلنا في المسائل الظاهرة إنه لا يعذر فيها بالجهل، فالمقصود أن هذا مما يعلم أنه قد قامت الحجة الرسالية فيه، بما لا يكون الجهل فيه إلا مع الإعراض، ولا يكون معه بذل الوسع في قصد الحق، لأنه معلوم بالضرورة، والله أعلم"
أو مخالفته.
فالعذر بالجهل –كما سبق له مقامان:
المقام الأول: عذره من إخراجه من الإسلام، فيبقى مسلما مع وقوعه في الكفر، وهذا إنما هو في المقالات الخفية فقط -أي التي يمكن لمثلها أن يخفى مدركه (لحال الشخص أو لحال المكان) -ولانقصد بالخفية هنا كل مايخفى على كل مكلف، بل (الأمور الظاهرة) لانعذر من وقع فيها -من اخراجه من اسم الإسلام ولو خفيت عليه لحاله أو لحال الزمان.
المقام الثاني: عذره من إيقاع اسم الكفرالباطن الذي تترتب احكامه على المكلف ويجزم معه له بالنار، وهذا إنما يكون في الحالات الثلاث التي شرحتها لك فيما سبق، إذا وقع في شئ من الأمور الظاهرة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/192)
فمن وقع في شئ من الأمور الظاهرة فهو ((((((ليس بمسلم)))))) سواء عذرناه –بالجهل الذي لم يندفع بإقامة الحجة – أو لم نعذره، وقد سبق توضيح هذا، والنقل عن أئمة الدعوة بمايزيل اشكال من يقول (إن لم يكن مسلما فهو كافر).
فإن أراد الإخوة بعذر من وقع في (المسائل الظاهرة) ولم تقم عليه الحجة، المقام الثاني، فحق.
وإن أرادوا به المقام الأول – وهو الذي أجزم أنه مراد الشيخ أبو خالد وأسد السنة، وأشك في ابن ابي حاتم وفقهم الله – فدون ذلك خرط القتاد.
وأما كلام ابن ابي حاتم عن أصحاب الحالات الثلاث وأن غيرهم قد يعذر فقد سبق وأجبت عنه، واستثناء أصحاب هذه الحالات لم يقع في كلام أئمة الدعوة فقط –كما يوهم كلام الإخوة - وإنما وقع في كلام غيرهم ممن سبق النقل عنه، ولدينا مزيد.
واستثناء أصحاب الحالات الثلاث إنما هو لأن غيرهم ممن كان في بلد يظهر فيها الإسلام فإنه لايخلو من حالتين:
الحال الأولى: أن يكون القرآن قد بلغهم، فأعرضوا عنه، فهم بهذا كفار إجماعا.
الحال الثانية: أن يكونوا – مع تمكنهم من التعلم لظهور الإسلام – قد فرطوا فيه، فهم كفار إذا (كفر إعراض)
لقوله تعالى {بل أكثرهم لايعلمون الحق فهم معرضون}.
فهم جهلوا الحق لإعراضهم عنه، ولم يعذروا بذلك.
فإيتوني بحالة غير هاتين الحالتين يمكن أن توجد في بلاد يظهر فيها الإسلام!!
اللهم إلا غير المكلفين من المجانين والصغار والصم البكم العمي!
فإن (فرض) وجودها (ذهنا)،فلاشك أن صاحبها معذور العذر الذي أوضحته، زلكنني أوضح هنا وجه استثناء الحالات الثلاث.
وأما تلبيس أئمة الضلال على متبوعيهم فليس بعذر – لمن بلغته الحجة على الوجه الذي ذكر.
وقد قال الله تعالى {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم ومايفترون}.
ووجه الدلالة: أنه مع وجود التلبيس لهذا الباطل من هؤلاء لأتباعهم فإن الله لم يجعله عذرا لهم.
فلايخلوا هؤلاء الملبس عليهم من أمرين:
الأول: أن تكون الحجة قد قامت عليهم فعدم عذرهم ظاهر.
الثاني: ن تكون الحجة لم تقم عليهم، فهم مشركون (بنص الآية) ويعذرون العذر الذي شرحته في المقام الثاني.
فعلم بذلك أن استثناء أصحاب هذه الحالات الثلاث لم يكن عبثا.
فقول ابن أبي حاتم " بحسب ظهور آثار النبوة"
هو مانعنيه باستثناء أصحاب الحالات الثلاث على الوجه الذي ذكر.
وما نقله عن شيخ الإسلام في الصفدية حق.
فقد عذر شيخ الاسلام بالجهل في مسألتين:
الأولى: الجهل (بكمال النبوة والرسالة وحقيقة أقوال من يناقضها) وهذا نص كلامه، بخلاف الجهل بأصل الرسالة ..
الثانية: الجهل بكمال قدرة الله، ومنه الجهل (بإمكان الإعادة بعد الإحراق) بخلاف الجهل بأصل القدرة.
فهما من (خفي المسائل) لمن تأمل، وانكشف له سر المسألة.
وقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب:" لا نكفر من عبد الصنم الذي عند قبر البدوي والصنم الذي عند قبة عبد القادر من أجل جهلهم وعدم من ينبههم".
فقد سبق الجواب عنه – بما يكفي – من كلام حفيده إسحاق بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب.
وأما مانقله أبو خالد عن ابن حزم، فلا أدري أين مسألتنا منه.
فإن أبامحمد رحمه الله، ذكر في هذا النقل أن من اجتهد في قول قاله في (اعتقاد) أو فتيا)، فهو مأجور على كل حال.
فأين (الشرك الأكبر) و (المسائل الظاهرة) التي تكلم عنها الشيخان؟!
بل أين الإجماع على أن من تكلم في أي مسألة من مسائل المعتقد – باجتهاد – أيا كانت فهو مأجور.
كيف وقد ضلل ابن حزم نفسه من سماهم (مجسمة) و (مشبهة) في (الفصل) الذي تنقل منه.
بل أنت نفسك لاتقر بهذا الإحماع الذي نقلته – إن كان مقصود ابن حزم كل مسألة في المعتقد.
فهل تعذر من اجتهد فزعم أن الله تعالى في كل مكان، وتقول أنه بين (الأجر) و (الأجرين)!!
وهل تعذر من نفى صفات الله جميعا – وهم الجهمية – وتقول أنهم بين الأجر والأجرين!! وقد كفرهم أكثر من خمسمائة عالم كما ذكره اللالكائي وغيره.
وهل تعذر من اجتهد فزعم أن لله صاحبة وولدا وتقول انه بين الأجر والأجرين!!
إن التزمت هذه اللوازم فلي معك كلام آخر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/193)
وإن قلت أن عموم كلام ابن حزم مخصوص، فلي أن أدعي أن مما لايخص منه، مسائل الشرك الأكبر والأمور الظاهرة.
فبطلت حجتك في هذا النقل المتهافت – مع تقديري للناقل والمنقول عنه في الجملة -.
وأما قولك: وإنما مستندهما في هذا الإجماع هو النقل عمن يفرق بين أصول الدين وفروعه من الأشاعرة والماتوردية"
فإني أطلب منك أن تبين من أين جئت به من كلامهما أو من كلام من يوثق به في النقل عنهما، وإلا فعلى الإنصاف – الذي تطلبه مني – السلام.
وهو راجع الى الخلط الذي يقع بين (المسائل الظاهرة والخفية) وبين (الأصول والفروع) كما تقدم بيانه.
وأما جوابك عن النقل عن شيخ الإسلام.
فكيف نجمع بين قولك: فعبارته واضحة في أنه يفرق بين متى نحكم بأن رد خبر الله كفر ومتى لا نحكم بكونه كفرا ".
وبين قوله هو رحمه الله:
" وفي الحقيقة أن كل رد لخبر الله أو أمره فهو كفر (دق أو جل) "
فرد خبر الله (كفر) على أي حال، وشيخ الإسلام لايتكلم عن حكم رد خبرالله كما تقول، وإنما يتكلم عن حكم من رد خبر الله، فكلامه إنما هو عن الأعيان
ومن تأمل وجد ذلك جليا فقولك بعده:
فقولك:" لكن عندما يكون الرد كفرا فلا يلزم من هذا أن يكون الراد كافرا حتى تقوم عليه الحجة فلا يلزم من كون القول أو الفعل كفرا أن يكون القائل أو الفاعل كافرا حتى تقوم عليه الحجة"
لامعنى له – والله – عند من تأمل قبل أن يرد!
ومثله مانقلته من (إغاثة اللهفان)، فإن تقديم مايدل عليه الذوق أو الوجد أو غيرهما على مايدل عليه (ظاهر الشرع) من (المسائل الخفية) التي أوضحت لك ضابطها، فأين الشرك الأكبر والكفر (الظاهر) من هذا وفقك الله.
فأرجو من الإخوة حفظهم الله – أن يذكروا (بوضوح) رأيهم في محل النزاع الذي ذكر.
ومن كان منهم يعلم أن كلامه لايجتمع مع (صريح) كلام أئمة الدعوة في هذا الباب، فليتدثر بالشجاعة العلمية وليترك (الإحسان والتوفيق) بين قوله وقولهم، وليثبت لنا أن ثمة فرقا في تقرير هذه المسائل بينه وبينهم، وأنه يبطن اطراح أقوالهم في هذه المسائل.
فإذا ثبت الفرق علمنا أن أحد القولين قد وافق تقرير المتقدمين والآخر خلاف ذلك، لأن كلا الفريقين ينقل الإجماع على قوله!
فإذا ثبت الفرق بينه وبين أئمة الدعوة، وأن أحد الفريقين ولابد قد خالف المتقدمين، فإننا ننظر أيهما سار على طريقة (المتأخرين).
هو أم هم.
وعندها تزول القعقعة في عدم الفرق بين المتأخرين والمتقدمين في هذه المسائل
وأما إذا وافق الجميع على ماذكر وقرر، فلاخلاف والحمد لله، وإنما هو لبس في فهم بعضنا لكلام بعض.
وأظن أنه لم يبق إلا هذين الاختيارين وأحلاهما مر على (أسود السنة).
وأما الإخوة الفضلاء الآخرين فإني أقدرهم وإن اختلفت معهم مالم يبن الحق لهم فيردوه، أو يبين لي قأرده.
والله الموفق.
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[14 - 04 - 03, 09:59 م]ـ
أخي محب العلم
1) أما محل النزاع فيبدو أنه لم يتحرر عندك أنت فنحن كنا نتناقش في مسألة العذر بالجهل نحن قلنا هو في جميع المسائل فكل من انتسب إلى الإسلام ثم قال أو اعتقد أو فعل قولا أو اعتقادا أو فعلا كفريا يجهل أنه كفر فهو معذور حتى تقوم عليه الحجة في أي بلد كان، وأنت قلت بل العذر بالجهل في المسائل الخفية عام وفي المسائل الظاهرة التي جعلت منها مسائل توحيد الألوهية لا يكون إلا في ثلاث حالات
فنزاعنا ونقاشنا في هذا
أما كيفية إقامة الحجة ومعنى العذر فهذا أمر لم نخصه ببحث بعد
وعلى كل حال
**معنى قيام الحجة: لا تقوم الحجة عندنا إلا بعد أن يجاب على شبهات الخصم بحيث لا يبقى عنده شيء يقاومها وليس فقط مجرد بلاغ القرآن فكما أن بلاغ القرآن لأعجمي اللسان لا يكفي فتبليغه لأعجمي الفهم لا يكفي بل لا بد من مجادلته بالتي هي أحسن
** معنى العذر أننا نحكم بإسلامه حتى تقام عليه الحجة فلو مات قبلها غسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه في مقابر المسلمين.
وقد كتب شيخنا الشيخ السيد بن سعد الدين الغباشي كتابا سماه (سعة رحمة رب العالمين في عذر الجهال المخالفين للشريعة من المسلمين والرد على المخالف وبيان جهله وتلبيسه)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/194)
وقد كان يرد على رجل قال بمثل قول الشيخ إسحاق والبابطين يريد عدم عذر العوام في مصر الذين يستغيثون بغير الله ويطوفون بقبر البدوي وينذرون له، فرد عليه ردا جليا وقرر في كتابه أن العذر بالجهل يشمل هؤلاء وأن معنى العذر أنهم مسلمون تؤكل ذبائحهم ويصلى خلفهم وعليهم وأنه لا يكفي بلاغ القرآن لأن عندهم شبهات وسرد عدة صفحات من شبهات السبكي ودحلان والغماري وأشباههم وبين أنه لا تقوم الحجة حتى يجاب عن شبهاتهم فإن أصروا بعد البيان كفروا
وقد قرئ الكتاب كاملا على سماحة الشيخ ابن باز وقدم له الشيخ مثنيا عليه وطبع في دار المسلم بتقديم ابن باز سنة 1415 والكتاب مؤلف قبل ذلك بسنين طوال قبل أحداث الحرم لأن فتنة التكفير عندنا في مصر أقدم بكثير، المهم أن الشيخ الحكمي الذي يعمل في الإفتاء أكد أن الكتاب قرئ على الشيخ ابن باز كاملا وأنه هو الذي قرأه عليه، أنا أعلم أن للشيخ قولا آخر متأخرا، لكن الغرض ألا تسفه القائلين بهذا.
2) أما علماء الدعوة النجدية فمن كان يقول بقول الشيخ إسحاق والبابطين فقد أخطأ _ ولا يعني هذا الانتقاص من مقامهم ولا يتعارض مع العرفان بفضلهم وهذا شيء بدهي _
وأما من قال كما قال الإمام ابن عبد الوهاب:لا نكفر الذي عبد الصنم الذي عند قبر عبد القادر والبدوي من أجل جهلهم
ومن حكم بإسلام أمثال الهيتمي وترحم عليه كما فعل ابن سحمان
فنقول قد أصاب.
3) أما قولك بخصوص كيف تكون مسائل في الصفات والقدر والإيمان من الفروع:
[لا أدري والله ماوجهه! فأنا لم أقل يوما من الدهر أن هذه المسائل من الفروع كما قال (أو فهم!)، ورتب بعدها علي ماقلت مالايلزم، مما يدل أنه – وفقه الله – يرد على مخالفه (وهو يتوهم خصما غيره) تماما كبعض الأسود!]
فوجهه سلمك الله أنك نقلت كلاما لشيخ الإسلام فيه أنه لا يعذر بالجهل إلا فيما خفي من فروع الدين
ثم قلت إذن العذر بالجهل عند ابن تيمية في المسائل الخفية والمسائل الخفية هي بعض الصفات وبعض مسائل القدر والإيمان
فسبب أنك لا تدري ما وجهه أنك تنسى ما كتبته من قبل ولا تراجعه قبل أن تكتب الجديد
بدليل أنك ذكرت في بداية كلامك في تحرير محل النزاع ما نصه:
[اتفقنا على أن إقامة الحجة –في المسائل الظاهرة والخفية – شرط لتنزيل اسم الكفرعلى من وقع فيه بعينه.
واتفقنا على أن الظهور والخفاء، لاعلاقة له ب (الأصول والفروع) لابمعناهما عند المتكلمين ولابمعناهما عند أهل السنة، فقد تكون المسألة (خفية) وهي من الأصول.]
فهذا كلام جميل ولكن أرجو أن تتأمل هل هذا هو الذي تقرره أنت من أول المناقشة إلى الآن؟
4) قولك: [وأما مانقله أبو خالد عن ابن حزم، فلا أدري أين مسألتنا منه.
فإن أبامحمد رحمه الله، ذكر في هذا النقل أن من اجتهد في قول قاله في (اعتقاد) أو فتيا)، فهو مأجور على كل حال.
فأين (الشرك الأكبر) و (المسائل الظاهرة) التي تكلم عنها الشيخان؟!]
جوابي ارجع إلى كلامه في الفصل كاملا تعرف أنه يتكلم عن الفرق المخالفة لأهل السنة في الاعتقاد ولها معتقدات شركية يشيب لها الرأس، وأما القعقعة بتكفير الجهمية وتكفير من قال القرآن مخلوق
فأرجع وأقول:
حرر محل النزاع بارك الله فيك هم كفار على العموم ولكن هل يقتضي هذا تكفير أعيانهم قبل إقامة الحجة بمعنى الإجابة على الشبهات؟
ألم يعذر الإمام أحمد الخلفاء العباسيين مع قولهم بقول الجهمية وكان يترحم عليهم ويرى الصلاة خلفهم؟ بل عذر قبل وفاته ابن أبي دؤاد إمام الجهمية في زمانه وقال: هو مني في حل، وهل كان ابن تيمية يكفر السبكي بعينه أم كان يترحم عليه ويحكم بإسلامه رغم حكمه بأن مقالاته كفرية؟
أريد منك أنت أن تكون عندك الشجاعة وتفصح بمرادك
فلازم قولك تكفير السبكي والهيتمي والغماري ومن قال بمثل قولهم فهم تقريبا كل عالم لبس الخرقة وتصوف وهم أمم من علماء المسلمين وإن شئت ذكرت لك بعضهم، ويمكنك الرجوع إلى تراجم علماء القرون الأخيرة لتنظر من سيسلم لك من العلماء، فهل أنت تقول هم كفار لا يترحم عليهم وكان يبنبغي ألا يدفنوا في مقابر المسلمين؟
ولازم قولك أن عامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من الذين يقولون: مدد يابدوي , أو ينشدون في المولد بردة البوصيري التي يقول فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/195)
مالي سواك من ألوذ به عند حلول الحادث العمم
ونحوها من العبارات الكفرية _لعموم الجهل والتلبيس عليهم _هم ليسوا مسلمين فلا نصلي خلفهم ولا عليهم ولا نأكل ذبيحتهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين؟
الظاهر أنك تقول هذا فصرح به إن كنت تقوله يرحمك الله لننظر من الأقرب إلى هدي السلف في هذا الباب.
ـ[ابن أبي حاتم]ــــــــ[14 - 04 - 03, 10:07 م]ـ
أخي أبا خالد السلمي سلمه الله
هل قرأت ما كتبته؟!
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[14 - 04 - 03, 10:27 م]ـ
فضيلة الشيخ الكريم ابن أبي حاتم _ نفع الله بكم _
نعم قرأت تقريركم النافع وهو كلام طيب نوافقك عليه غير أن لي عليه ملحظا وهو أنه لم يظهر في كلامكم التفريق بين قيام الحجة على الكافر وبين قيامها على المنتسب إلى الإسلام الذي يأتي مكفرا
والصواب أن بين المقامين فرقا
فالكافر الأصلي محكوم بكفره وتسري عليه أحكام الكفار _ وهذا من البدهيات فكيف يتصور أن نحكم له بإسلام بدون أن يدخل في الإسلام _ ومقاتلته تحل بمجرد البلاغ كما قررتم، بل وعند طائفة من السلف والخلف تحل مقاتلتهم حتى قبل الدعوة إلى الإسلام ويستدلون بتبييته صلى الله عليه وسلم لبني المصطلق وهم غارون، وإن كان أجيب باحتمال أنه دعاهم من قبل، وأما الحكم الأخروي هل يكفي البلاغ لتخليدهم في جهنم أم أنهم يمتحنون إذا بلغهم بلاغ ليس فيه إجابة على شبهاتهم فهذا مرده إلى الله ولا يعنينا في شيء من جهة أحكام الدنيا.
وأما من قال أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقد عصم دمه وماله بهذه الكلمة وحكمنا له بها بالإسلام بدون امتحان له في معتقده فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحكم بإسلام من قال الشهادتين ولو مات من ساعته عامله معاملة المسلم مع احتمال أنه بقيت عنده عقائد جاهلية، فالمقصود أن من انتسب إلى الإسلام فلا نخرجه منه إلا بيقين وهذا اليقين لا يتأتى إلا بالإجابة على شبهات من وقع منه مكفّر بعد إسلامه ولا يكفي البلاغ المجرد.
ـ[أسد السنة]ــــــــ[15 - 04 - 03, 02:35 ص]ـ
< p dir="rtl" align="justify" style="line-height: 200%"><font face="Tahoma">
الحبيب أبا خالد وفقه الله لكل خير:< br>
<br>
لي على كلامك عدة ملاحظات:< br>
<br>
<font color="#0000FF"> أولا) </ font> ينبغي ألا تعتمد على نقولات وتقريرات محب العلم
فإنه *************************************ولم يأت بدليل من الكتاب
والسنة على تقسيماته وتفريعاته التي لم يقل بها أحد من العلماء.< br>
وقد لاحظت أن هذا الأمر قد جرك إلى < font color="#0000FF"> تخطئة بعض أئمة الدعوة ب</ font> دون
حجة فهؤلاء الأئمة لا يعرف قدرهم إلا من قرأ لهم وتمعن في كلامهم.< br>
<br>
<font color="#0000FF"> فالإجماع الذي ذكره بعض أئمة الدعوة</ font> وقد ذكره قبلهم
بعض العلماء هو - بارك الله فيك - في الجاهل المعرض ولم يقصدوا بحال من الأحوال
الجاهل غير المتمكن من العلم ودليل ذلك أنهم عذروا من نشأ في بادية بعيدة أو من كان
حديث عهد بالإسلام أو إذا كانت المسألة التي وقع فيها الجهل من المسائل الخفية وهذه
هي الحالات الثلاثة التي يذكرها العلماء لا ما ذكره محب العلم! < br>
<br>
<font color="#0000FF"> والسبب في ذلك راجع إلى التمكن من العلم كما سبق تقريره وقد
وافقني عليه المحاورون أخيراً! < br>
</font><br>
<font color="#0000FF"> ثانياً) </ font> ما ذكرته من اشتراط الإجابة على شبهات من
أردنا إقامة الحجة عليه فليس بلازم إلا أن يكون ذلك فيما خفي دليله لأن التقسيم
الذي يذكره العلماء في مثل هذه المسائل:< br>
<font color="#FF0000">1</font>- مسائل ظاهره ودليلها ظاهر< br>
<font color="#FF0000">2</font>- مسائل ظاهره ودليلها خفي< br>
<font color="#FF0000">3</font>- مسائل خفية ودليلها خفي< br>
<font color="#FF0000">4</font>- المعلوم من الدين بالضرورة.< br>
وقد كان الإمام محمد بن عبد الوهاب ينكر مثل هذا على أصحابه فقد قال رحمه الله "
ولكن أصل الإشكال < font color="#0000FF"> أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم
الحجة،</ font> فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة اللَّه مع قيامها عليهم،
كما قال تعالى: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم
أضل سبيلاً). "< br>
<br>
<font color="#0000FF"> فإذا كنا لا نعذر أهل الشرك بمجرد التمكن من معرفة الحجة
فكيف نشترط الجواب عن شبهاتهم.! < br>
</font><br>
<font color="#0000FF"> ثالثاً) </ font> أما ما يتعلق بمذهب شيخنا الإمام عبد العزيز
بن باز رحمه الله فقد لا زمناه عدة سنوات ولا نعلم أنه غير مذهبه في هذه المسألة
لكن مثله كباقي من سبقه من العلماء وعلى رأسهم الإمام محمد بن عبد الوهاب تجد فريقا
يقول إنه يعذر بالجهل وفريقا آخر يقول إنه لا يعذر بالجهل والسبب دقة هذه المسألة
التي اختلفت فيها أنظار الناس والخلاف بين بعضهم لفظي!.< br>
<br>
<font color="#0000FF"> رابعاً) </ font> أما ما يتعلق بحكم الواقعين في الشرك في
أحكام الدنيا فالظاهر أنه لا بد من التفريق بين الحكم على أعيانهم وحكمهم في العموم
وعدم التفريق هو السبب في ظهور هذا المذهب الذي يتزعمه الشيخ الخضير.< br>
<br>
فنقول لو أن رجلاً دخل بلداً أهله يدعون الأموات ويذبحون لهم وما إلى ذلك من
الأفعال الشركية فيلزمه ألا يصلي وراءهم ولا يأكل ذبائحهم .... وإن كان لا يمكن له
أن يكفر أعيانهم أو يحكم على أعيانهم بالشرك!! < br>
<br>
أرجو تحديد مواضع النزاع ومواضع الوفاق فإنني أرى الموضوع قد طال.</ font></p>
<p dir="rtl" align="justify" style="line-height: 200%">
<font color="#0000FF" face="Tahoma"> أما ما يتعلق بالتفريق بين المرتد والكافر
الأصلي فهذا يحتاج إلى موضوع جديد! </ font><font face="Tahoma" size="4"><br>
</font></p>
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/196)
ـ[عبدالباري]ــــــــ[15 - 04 - 03, 08:39 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
دائرة الكفر:
1 - تشمل أمورا (مادتها معرفية) تتعلق (بقول القلب) الذي يقبل عدم اكتماله بوجود بعض العلم و غياب بعضه الآخر، فهو يتبعض و يزيد و ينقص، فيُتصور الجهل بها و بالتالي العذر بجهلها، ..
2 - و تشمل دائرة أخص، و هي (دائرة الشرك) و التي مادتها (إخلاصية) تتعلق (بعمل القلب) الذي لا يقبل التجزئة و التبعض، فلا يمكن أن يقال (إن فلانا نذر لله وحده، و نذر للوثن، في نفس الحال) .. و هذه الدائرة ليست مادتها معرفية فلا يدخلها (ضد المعرفة) و هو الجهل، بل إخلاصية، تُنتقض بوقوع الشرك من المكلف.
و الإنسان إما أن يكون موحدا أو أن يكون مشركا، ليس هناك قسم ثالث، و المسلم لا يمكن أن يكون إلا موحدا لم ينتقض (إخلاصه) بشيء من الشرك الأكبر، و إن جاز أن يضعف توحيده بأشياء من وسائل الشرك، أو الشرك الأصغر التي لا تنقض التوحيد بل تؤثر في كماله الواجب، فمن لم يكن موحدا لم يكن معدودا من جملة المسلمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ولهذا كان كل من لم يعبد الله وحده فلابد أن يكون عابدا لغيره يعبد غيره فيكون مشركا و ليس في بني آدم قسم ثالث بل إما موحد أو مشرك أو من خلط هذا بهذا كالمبدلين من أهل الملل النصارى و من أشبههم من الضلال المنتسبين الى الاسلام ... فكل من لم يعبد الله مخلصا له الدين فلابد أن يكون مشركا عابدا لغير الله و هو فى الحقيقة عابد للشيطان " اهـ. من مجموع الفتاوى 14/ 282 - 284.
و حتى بعض المحققين من أهل العلم الذين يرون العذر بالجهل يشمل الشرك الأكبر، يقيدون هذا بقيود و يضبطونه بضوابط مهمة، فلا يطلقون العذر بالجهل و يوسعون دائرته ليشمل من لا يُعذرون ..
و مثاله: الذين يدعون البدوي و الحسين و عبدالقادر في عصرنا، و أعلام التوحيد مرفوعة، و دعاة الحق منتشرون، و لكن المشركين لا يرفعون بذلك رأسا، بل أخلدوا إلى تقليد الآباء و الأجداد، و التقليد الأعمى لمشايخ الضلال، و هم يسمعون بدعوة التوحيد و يسمون أهلها بالوهابية، أو بالسنية، و يعلمون أن هؤلاء الوهابية ينهون عن دعاء الأموات و النذر و الذبح لهم .. الخ.
قال الشيخ الفاضل:
"ومن الضوابط التي يقاس عليها هنا: حال الناجين والهالكين من العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. فقد كانوا متعبدين بدين إبراهيم مع مادخله من التبديل، وأدرك بعضهم التوحيد وترك عبادة الأوثان بالسعي والسؤال كزيد بن عمرو بن نفيل، وأخلد آخرون إلى تقليد ماعليه قومهم، وهؤلاء أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كفار معذبون.
فإذا كانت الحجة قد قامت بدين إبراهيم ــ رغم تحريفه ــ على هؤلاء، مع ندرة من كان يعلم الحق أو بعضه منهم، فكيف يعذر الناس بالجهل في هذه البلاد إذا وقعوا في نواقض الإسلام، مع تيسر أسباب التعلم وكثرة المجاهرين بالحق والعاملين به؟.
وفي هذا قال الشيخ عبدالعزيز بن باز (الأمور قسمان: قسم يعذر فيه بالجهل وقسم لايعذر فيه بالجهل. فإذا كان من أتى ذلك بين المسلمين، وأتى الشرك بالله، وعبد غير الله، فإنه لايعذر لأنه مقصر لم يسأل، ولم يتبصر في دينه فيكون غير معذور في عبادته غير الله من أموات أو أشجار أو أحجار أو أصنام، لإعراضه وغفلته عن دينه، كما قال الله سبحانه: (والذين كفروا عما أنذروا معرضون). ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما استأذن ربه أن يستغفر لأمه لأنها ماتت في الجاهلية لم يؤذن له ليستغفر لها، لأنها ماتت على دين قومها عبّاد الأوثان، ولأنه صلى الله عليه وسلم قال لشخص سأله عن أبيه، قال: «هو في النار»، فلما رأى مافي وجهه قال: «إن أبي وأباك في النار». لأنه مات على الشرك بالله، وعلى عبادة غيره سبحانه وتعالى،
فكيف بالذي بين المسلمين وهو يعبد البدوي، أو يعبد الحسين، أو يعبد الشيخ عبدالقادر الجيلاني، أو يعبد الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، أو يعبد علياً أو يعبد غيرهم. فهؤلاء وأشباههم لايعذرون من باب أولى، لأنهم أتوا الشرك الأكبر وهم بين المسلمين، والقرآن بين أيديهم .. وهكذا سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودة بينهم، ولكنهم عن ذلك معرضون.
والقسم الثاني: من يعذر بالجهل كالذي ينشأ في بلاد بعيدة عن الإسلام في أطراف الدنيا، أو لأسباب أخرى كأهل الفترة ونحوهم ممن لم تبلغهم الرسالة، فهؤلاء معذورون بجهلهم، وأمرهم إلى الله عزوجل، والصحيح أنهم يمتحنون يوم القيامة فيؤمرون، فإن أجابوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار لقوله جل وعلا: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ولأحاديث صحيحة وردت في ذلك.
وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله الكلام في هذه المسألة في آخر كتابه: (طريق الهجرتين) لما ذكر طبقات المكلفين، فليراجع هناك لعظم فائدته) اهـ من (مجموع فتاوى ابن باز) جمع محمد بن سعد الشويعر، جـ 4 صـ 26 ــ 27، وموجود بنصه في (مجلة البحوث الإسلامية) الصادرة عن دار الإفتاء بالسعودية، عدد 25 صـ 85 ــ 86.
وبمثل هذا قال الشيخ عبدالرحمن بن قاسم الحنبلي ــ جامع فتاوى ابن تيمية ــ في كتابه (السيف المسلول على عابد الرسول) صـ 11 ــ 12. " اهـ النقل.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/197)
ـ[ابن أبي حاتم]ــــــــ[15 - 04 - 03, 07:46 م]ـ
الأخ الفاضل: أسد السنة سلمه الله
أرجو أن تتحلى بكثير من الهدوء؛ حتى تحصل الفائدة، وكأني بك وأنت تناقش الأخ محب العلم وكأنك في معركة ..
أعلم – بارك الله فيك- أن هذا الملتقى هو مقام علم، ومدارسة، ويحتاج إلى كثير من الهدوء، والتناصح، ولعل هذه أهم ميزات دعوة التصفية والتربية.!!
والكلام موصول للأخ الفاضل (محب العلم)، فينبغي لكل منكما الهدوء، والحرص على أن لا ينزغ الشيطان بينكم، والله يحفظكم.
أخي أسد السنة ..
قد رأيت هجومك على ما رقمته يد الأخ محب العلم، مع أن تقييمك لما كتبه محب العلم أفصحت عنه بقولك:
" أما ما كتب أعلاه وإن كنا نوافق الكاتب في كثير منه إلا أنه في بعض المواضع قد بالغ وفي بعضها قد تناقض وأما العنوان ففيه ما فيه ".
ثم بعد سطر واحد قلت وصف أن في كلام محب العلم والخضير: " خلل وزلل ظاهر."
وقلت أخيرا عن تقسيماته: لم يقل بها أحد من العلماء "!!!.
ولما نظرت نظرة تأمل إلى ما ذكرته وأنكرته = وجدت أنك تنكر على محب العلم مسائل ثم تقول بها، وما زلت على ذلك،حتى قلت إن تقسيماته لم يقل بها أحد من أهل العلم , مع أنك قلت بها؟!
وأرجو أن تسمح لي ويسمح لي الأخ محب العلم في بيان أوجه الاشتباه
التي طلبت توضيحها بقولك:
" أرجو تحديد مواضع النزاع ومواضع الوفاق فإنني أرى الموضوع قد طال "!!.؟!
أولا:
قلت في انتقادك للأخ محب العلم:
" إن الأخ تناقض حيث قال مبينا طريقة المتأخرين على حد زعمه!! فيمن جهل مسائل التوحيد الظاهرة
قال " فمن وقع في شئ من هذه الأمور فإنه عندهم كافر بعينه كفرا أكبر ويحكم عليه بناء على ظاهر حاله وهو الكفر. ولايعذرون أحدا وقع في شئ من هذه المكفرات بالجهل إلا في ثلاث حالات: الحالة أولى: من نشأ في بادية بعيدة عن دار الإسلام. الحالة الثانية: من نشأ في دار كفر لاتبلغ الدعوة مثله فيها. الحالة الثالثة: من كان حديث عهد بالإسلام. "
وقد سبق قوله منتقداً المتأخرين!!
بأنهم لا يفرقون " بين الجاهل القادر على التعلم والجاهل العاجز عنه، ولابين الجاهل العاجز عن التعلم وهو راغب فيه، و العاجز عن التعلم المعرض عنه."
ومعنى كلامه أن غيرهم يفرق.
فبالله عليك يامحب العلم كيف يفرقون وأنت لم تستثن إلا ثلاث حالات.
هذا أولاً وأما ثانياً:
فقولك " فأصحاب هذه الحالات الثلاث يدفع عنهم الجهل مايلي: أولاً-إباحة المال والدم قبل إقامة الحجة عليهم. ثانياً-الجزم بدخول النار بعد موتهم إذ حكمهم حكم أهل الفترة عند من يثبتها. "
ثم تنفي عنهم اسم الكفر وتثبت لهم اسم الشرك وهذا من أعجب ما رأيت.
فبالله عليك ما الذي عصم دماءهم وأموالهم آلشرك أم ماذا. ". انتهى كلامك.
فأنت جعلت المسألة دائرة على التمكن من العلم - كما تعبر -، ونسبت هذا الاعتبار إلى أئمة الدعوة، وفسرت به إجماعهم، وقلت في بيان ذلك:
" فالإجماع الذي ذكره بعض أئمة الدعوة وقد ذكره قبلهم
بعض العلماء هو - بارك الله فيك - في الجاهل المعرض ولم يقصدوا بحال من الأحوال الجاهل غير المتمكن من العلم ودليل ذلك أنهم عذروا من نشأ في بادية بعيدة أو من كان حديث عهد بالإسلام أو إذا كانت المسألة التي وقع فيها الجهل من المسائل الخفية وهذه
هي الحالات الثلاثة التي يذكرها العلماء لا ما ذكره محب العلم! "
فأقررت أئمة الدعوة على ذكر الثلاث حالات التي استثنوها، وهي التي أنكرتها على محب العلم، وفسرت مرادهم بأن مناط الحكم على التمكن من العلم، وأن من تمكن من العلم فقد قامت عليه الحجة.!!
والأخ محب العلم بيّن مراده من قيام الحجة فقال:
" أما إقامة الحجة في (المسائل الظاهرة)،فهو – كمانقلت عن أئمة الدعوة وغيرهم – إنما يكون (ببلوغ الفرآن) فمن بلغه القرآن على وجه يمكنه فيه الفهم لو أراد الفهم (وذلك بفهم تراكيب الألفاظ ودلالتها الظاهرة) فقد قامت عليه الحجة وأمكن إن أعرض بعدها تكفيره بعينه.
وأما تمام الفهم المستلزم للانقياد (فلايشترط لإقامة الحجة) في هذه المسائل.
وسبق بيان هذا بدليله وأقوال أهل العلم. " انتهى كلامه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/198)
وإني الآن أدعو كل منصف يتأمل هل هناك فرق بين القولين، أم كل ما كان من النقاش هو من باب (ولكن في التحريش بينهم)!!
هذا في المقام الأول في مسألة قيام الحجة ,,,
وقبل الانتقال إلى غيرها، فما ذكرته في ما كتبته فقد وافقتني عليه أنت كما وافقني عليه الأخ محب العلم، وكان مرادي الوصول إلى محل النزاع؛ حتى يكون النقاش علميا.!!
المحل الثاني مما حصل فيه النقاش بينكما، وهو مقام الاجماع الذي ذكره محب العلم، ونقله عن أئمة الدعوة، والذي قلت:
" أظن أنك قد بالغت بل افتريت أمورا في مقالك حيث ادعيت الإجماع في مسألة الإجماع فيها خلاف قولك فهل لك أن تبين حقيقة هذا الإجماع فلعلنا نحسن الظن بك ونبين لك ما أرادوا حيث قلت " وقد نقل الإجماع على عدم العذر بالجهل في هذه المسائل جماعة منهم:
ابن جرير الطبري كما في كتابه " التبصير بمعالم الدين "، وإسحاق بن عبدالرحمن كما في رسالته " حكم تكفير المعيّن "، وعبدالله أبابطين في رسالته " الإنتصار" وغيرهم. " انتهى.
ثم أتيت أخيرا بهذا الإجماع، الذي حكاه أئمة الدعوة، على أنه لا يعذر بالجهل، (وفسرتُه لك بأننا نعلم أن الحجة الرسالية قد قامت عليه) ووافقتني عليه، وافقني عليه محب العلم، إذا كان مرادي أنه يعذره من إيقاع اسم الكفرالباطن الذي تترتب احكامه على المكلف ويجزم معه له بالنار، وهذا إنما يكون في الحالات الثلاث التي شرحتها لك فيما سبق، إذا وقع في شئ من الأمور الظاهرة، (وهذا هو مرادي).
ثم أقررت أن الإجماع صحيح، وأنه سبق أئمة الدعوة في القول به = غيرهم من أهل العلم، ثم فسرت بمحل الإجماع بقولك:
" فالإجماع الذي ذكره بعض أئمة الدعوة وقد ذكره قبلهم
بعض العلماء هو - بارك الله فيك - في الجاهل المعرض ولم يقصدوا بحال من الأحوال الجاهل غير المتمكن من العلم ودليل ذلك أنهم عذروا من نشأ في بادية بعيدة أو من كان حديث عهد بالإسلام أو إذا كانت المسألة التي وقع فيها الجهل من المسائل الخفية وهذه هي الحالات الثلاثة التي يذكرها العلماء لا ما ذكره محب العلم! "
والأخ محب العلم بين مراده من الإجماع في أول معالمه، وأنه في المسائل الظاهرة، وبين أن الحجة قائمة بها ببلوغ القرآن على وجه يفهمه لو أراده كما سبق، وهو عين ما قلته من أنه التمكن من العلم، وأن ذلك هو قيام الحجة فيه ..
فأي فرق بين كلامك وكلام محب العلم في من أقيمت عليه الحجة في المسائل الظاهرة، وأنتما متفقان في صورة قيام الحجة عليه؟!
بقيت المسألة الأخيرة، وهي المسألة الأخيرة، وهي في الجاهل الذي وقع في الشرك في المسائل الظاهرة، ولم تبلغه الحجة؟!
فأنت قلت فيها بقول هو أحق أن يوصف بقولك: " لم يقل بها أحد من العلماء. "، وأنقل لك كلامك:
" أما ما يتعلق بحكم الواقعين في الشرك في أحكام الدنيا فالظاهر أنه لا بد من التفريق بين الحكم على أعيانهم وحكمهم في العموم وعدم التفريق هو السبب في ظهور هذا المذهب الذي يتزعمه الشيخ الخضير.
فنقول لو أن رجلاً دخل بلداً أهله يدعون الأموات ويذبحون لهم وما إلى ذلك من الأفعال الشركية فيلزمه ألا يصلي وراءهم ولا يأكل ذبائحهم .... وإن كان لا يمكن له أن يكفر أعيانهم أو يحكم على أعيانهم بالشرك!! "
والحق التفريق هو ما عليه أئمة الدعوة، وليس الشيخ الخضير وحده، وأعجب كيف لم تسمعه من الشيخ عبد العزيز بن باز، مع أنك ممن لازمته فترة طويلة، وقد سمعته ما لا أحصي وهو يكفر أعيانهم، ويقول إن الحجة قائمة بوسائل الإعلام، ولا يعذرون بالجهل ..
وقد كنت واضحا عندما وضحت أن ما قلت من هذا الكلام هو ما يظهر لك فحسب؟! وهو كذلك.
والعجب كيف تكتب كل هذه الصفحات فضلا عما حوته ثم يقال بعد هذا:
" أرجو تحديد مواضع النزاع ومواضع الوفاق فإنني أرى الموضوع قد طال "!!.
أخيرا ...
الأخوة أسد السنة، ومحب العلم، وأبا خالد السلمي ..
تذكروا قول الله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) (الاسراء:53).
أسأل الله أن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.
محبكم: ابن أبي حاتم.
ـ[أسد السنة]ــــــــ[15 - 04 - 03, 11:33 م]ـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/199)
الشيخ الحبيب:
ابن أبي حاتم
بارك الله فيك وزادك علماً.
ـ[ابن أبي حاتم]ــــــــ[15 - 04 - 03, 11:37 م]ـ
وفيك بارك أخي أسد السنة.
ورزقني وإياك العلم النافع والعمل الصالح.
ـ[محب العلم]ــــــــ[16 - 04 - 03, 12:22 ص]ـ
أما الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله فقد قال كما في فتوى له برقم 3548وتاريخ 18/ 3/1401هـ:
" من مات على الشرك جاهلا لعدم مجئ أحد إليه يعرفه معنى التوحيد وأن النذر والدعاء عبادة لا يجوز صرفها لغير الله، فهومشرك كافر (لايجوز المشي في جنازته ولا الصلاة عليه ولاالدعاء والاستغفار له ولاقضاء حجه والتصدق عنه.
وهؤلاء ليسوا بمعذورين بما يقال عنهم أنهم لم يأتهم من يبين أنه هذه الأمور المذكورة التي يرتكبونها شرك لأن الأدلة في القرآن واضحة واهل العلم موجودون لديهم "
وأما قولك" والكتاب مؤلف قبل ذلك بسنين طوال قبل أحداث الحرم لأن فتنة التكفير عندنا في مصر أقدم بكثير”
فليتك حفظك الله - قلت: فتنة (الغلو) في التكفير، حتى تكون العبارة من طالب علم مثلك أدق.
ويجب على المسلم الغيور على دينه، قبل أن يحذر من فتنة (الغلو) في التكفير، أن يحذر في مصر وغيرها من فتنة (الكفر) الذي تطاير شراره وثار قتامه في كثير من بلاد المسلمين.
اما أن يكون للخائنين خصيما، وللمنافقين ردءا وظهيرا، ثم يتسلط على مجتهدي اخوانه الذين حركتهم الغيرة لتغيير بعض (الكفر) الذي في بلادهم، وإن أحطأوا، فهذا غاية مايكون عليه الوجه من صفاقة والدين من رقة، وإلا فلو أنكر الكفر وشدد فيه، ثم حذر من الغلو في الكفير إن كان، لكان خيرا له وأقوم.
وهذا الكلام لا اريد به اباخالد ولاغيره ولكنها شجون اثارتها هذه العبارة.
قولك: (بدليل أنك ذكرت في بداية كلامك في تحرير محل النزاع ما نصه:
[اتفقنا على أن إقامة الحجة –في المسائل الظاهرة والخفية – شرط لتنزيل اسم الكفرعلى من وقع فيه بعينه. واتفقنا على أن الظهور والخفاء، لاعلاقة له ب (الأصول والفروع) لابمعناهما عند المتكلمين ولابمعناهما عند أهل السنة، فقد تكون المسألة (خفية) وهي من الأصول.]
فهذا كلام جميل ولكن أرجو أن تتأمل هل هذا هو الذي تقرره أنت من أول المناقشة إلى الآن؟)
الجواب يا أبا خالد نعم هو عين ما أقرره من أول مادخل فضيلتك في الموضوع وكتب السطرين المشهورين، قبل أن تقرأ كلام مخالفك وقبل أن تعرف قوله وقبل أن تعرف قول خصمه الذي خالفك الآن، وإن أغلب الظن والله هو أنك تنظر في كلام محاورك اجمالا ثم تناقشه تفصيلا، وهذا والله الذي زهدني في هذه المحاورة، حيث أنني أرى خصمي وهو يناقش غيري ولايقرأ كلامي ولايفهمه، وأكبر دليل على هذا هو جملتك هذه، ولو أنك قرأت كلامي الأول لما احتجت أن تحرج نفسك هذا الاحراج وتظن أنني أقرر هذا الكلام لأول مرة وسأحتاج لمحاولة اقناعك أن هذا هو قولي، فقد قلت لصاحبك أسد السنة:
"لو سلمنا أن المراد بالأصول والفروع هنا هو ماهو معروف عند أهل السنة من المسائل التي تندرج تحت هذين اللفظين = فإن أهل العلم الذين فرقوا بين مايعذر به المكلف بالجهل ومالايعذربه لم يجعلوا الأصول والفروع مناطا للتفريق، وإنما جعلوا مناط التفريق هو الظهور والخفاء.
فقد تكون المسألة من الأصول ولايكفر الجاهل بها كوجوب إثبات بعض الصفات إلا أن تقوم عليه الحجة.".
فما رأيك الآن يا أبا خالد هل أحمل كلامك هذا على ماسبق، أو أحمله على أنك تبهت خصمك، أو أحمله على انك تناقش قبل أن تفهم فتخلط بين (الأصول والفروع) من جهة (والظهور والخفاء) من جهة أخرى.؟
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم.
واما إجماع ابن حزم، فليتك تنقل لنا المعتقدات التي كان يتكلم عتها لننظر هل هي من (المسائل الظاهرة أو (الخفية).
ثم إن ابن حزم نقل الاجماع على أنهم (مأجورون) لامعذورون فقط!!
(إن كان مقصوده المعتقدات الكفرية كما نسبت اليه)
وهذا الاجماع منقوض بكلام أهل العلم من شتى المذاهب.
وقد سبق النقل عن بعض أهل العلم نسبة القول لهم بعدم العذر بالجهل في (المسائل الظاهرة) كابن جرير وغيره، فإن لم يعذروه بجهله من إيقاع الكفر عليه فمن باب أولى أن لايحكموا بكونه مأجورا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/200)
قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره ((16/ 29) ط. بيروت، عند قوله تعالى (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا):
" ... ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لايكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم، لوجب على أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه انهم يحسنون صنعه، ((كانوا مثاببن مأجورين عليها))).
ولكن القول بخلاف ماقالوا فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم كفرة، وان أعمالهم حابطة).
وأما قولك "حرر محل النزاع بارك الله فيك هم كفار على العموم ولكن هل يقتضي هذا تكفير أعيانهم قبل إقامة الحجة بمعنى الإجابة على الشبهات؟ "
الجواب: من وقع في شئ من (المسائل الظاهرة) مما ذكر فهو كافر بعيته إلا في الحالات التي ذكرتها لك سواء كان عالما او جاهلا.
واما مسألة (خلق القرآن) فهي من المسائل الخفية فلاتلزمني بها بارك الله فيك.
وأرجو ان تتأمل الضابط الذي ذكرته لك للمسائل الظاهرة (ومن أظهرها الشرك الأكبر)
وأما هذا الخلط وتشعيب المسائل بهذه الصورة فأرجو أن تريحنا منه.
واما من ذكرت أنهم وقعوا في الشرك (فأمرهم راجع الى تحقيق المناط) فإن كانوا قد وقعوا فيما ذكرته لك أو جوزوه فهم كفار بأعيانهم ولاكرامة.
. ولكن ينظر في فعله (ويجب التثبت من حاله غاية التثبت قبل التعجل في تكفيره، فإن ثبت وقوعه في (المسائل الظاهرة) من الكفر فهو –غير مسلم عذرناه أم لم نعذره)
وقل مثله في المشركين الين عند قبر البدوي وغيره هم كماسبق وأوضحت لك.
وقد وقفت على كلام مهم للجنة الدائمة يؤيد –ولله الحمد – ماذكرته من أن من وقع في الكقر الظاهر فهو غير مسلم عذر أم لم يعذر وإنما يرفع عنه اسم الكفر الذي تترتب عليه جميع أحكام الكفر لابعضها) ففي فتاوى اللجنة (1/ 220) ط. أولي النهى:
" فالبيان وإقامة الحجة للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة به (((لاليسمى كافرا بعد البيان)))) فإنه يسمى كافرا بما حدث منه من سجود لغير الله أو نذره قربة أو ذبحه شاة مثلا لغير الله) أ. هـ
واما التكفير بالعموم وترك الأعيان فأقول جوابا عنه كما قال عبدالله بن عبداللطيف وسليمان بن سحمان وابراهيم بن عبداللطيف في جوابهم عمن لم يكفر الجهمية وعباد القبور بأعيانهم!!!!!! وهو عين قول بعض الاخوة، كما في الدرر (10/ 432 - 433):
" وأما قوله: نقول بأن القول كفر ولانحكم بكفر القائل، فإطلاق هذاجهل صرف لأن هذه العبارة لاتنطبق إلا على المعين ومسألة تكفير المعين مسألة معروفة إذا قال قولا يكون القول به كفر، فيقال: من قال بهذا فهو كافر، لكن الشخص المعين لايحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها.
((((وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس كمافي مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك .... وأما مايقع منهم في المسائل (الظاهرة الجلية) أو مايعلم من الدين بالضرورة فهذا لايتوقف في كفر قائله ولاتجعل هذهالكلمة عكازة يدفع بها في نحر من كفر البلدة الممتنعة عن توحيد العبادة والصفات)))))) انتهى المقصود من كلامهم.
فأينا ياأبا خالد أقرب إلى هدي السلف وأقوال اهل العلم.
واما قولك:" فالمقصود أن من انتسب إلى الإسلام فلا نخرجه منه إلا بيقين"
فما مرادك باليقين هنا؟
هل هو اليقين بأنه وقع فيما ينقض اسلامه وأنه لاعذر له وفيما حكم الشرع على فاعله أنه كافر. .
أو اليقين بأنه قصد الكفر وأراده ولم يمنعه من الإسلام إلا العناد.
أرجو أن تجيب بوضوح –وفقك الله -.
والتفريق بين المنتسب للاسلام والكافر الأصلي لاوجه له.
فإن الانتساب للاسلام درجات، والمشركون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ينتسبون إلى دين ابراهيم فهل ينفعهم هذا عندك؟
ثم هل كل من انتسب الى الاسلام صح اسلامه؟
فمن نطق بلإإله إلا الله وهو يعتقد أن معناها لاخالق إلا الله، ولايرى بأسا بدعاء غيره دعاء مسألة أوعبادة فهل هو عندك (مسلم بيقين)؟
قال الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله كما في عقيدة الموحدين (ص392):
" ... فإن كثيرا من الناس ينتسبون الى الاسلام وينطقون بالشهادتين (ولايكتفى بذلك في الحكم بإسلامهم) ولاتحل ذكاتهم لشركهم بالله في العبادة وغير ذلك من أسباب الردة عن الإسلام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/201)
وهذا التفريق بين المنتسبين إلى الإسلام أمر معلوم بالأدلة من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها "!! انتهى.
وإني سائلك فمشدد عليك – وفقك الله –وأرجو أن تجيب: مارأيك في رجل ينتسب للإسلام – وثبت اسلامه بيقين – غضب يوما من الدهر على بعض أهله، فحمله غضبه (الذي لم يستغلق عقله معه) على سب الله تعالى سبا صريحا لامرية فيه ولااشتباه، فلما حوقق في هذا، ادعى الجهل بأن (سب الله عند الغضب غير المستغلق كفر)، وجادل في هذا محتجا بفعل موسى حين ألقى الألواح من شدة الغضب ولم يقصد الاهانه.
فهل تعذره بجهله وتأويله إن كان في بلاد المسلمين أم لا، وإن عذرته، فهل تقول بناء على الاجماع الذي نقلته يكون في اجتهاده هذا (بين الأجر والأجرين) أم يكتفى برفع اسم الكفر عنه؟
وعلى جوابك (الواضح) على هذا يكون النقاش.
واما الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله والذي تتمسك بمشتبه كلامه وتترك محكمه، وتدرأ به في نحورنا اعتمادا على توقيرنا له رحمه الله، فقد قال كما في الدرر (1/ 142):
" من مات قبل بلوغ (هذه) الدعوة، فالذي يحكم عليه أنه إذا كان معروفا بفعل الشرك ويدين به ومات على ذلك، فهذا ظاهره أنه مات على الكفر (ولايدعى له ولايضحى له ولايتصدق عنه) "انتهى.
فما جوابك سددك الله إن كان ثمّ؟
واما قولك (الظاهر أنك تقول ظاهرا)
فليس في المسألة (ظاهر)!، بل قد وقع التنصيص مني على هذا، فأينك عن كلامي رحمك الله.
وأنا ملتزم تكفير كل من عبد القبر البدوي والحسين وغيرهما وأنه لاتجوز الصلاة عليه ولاالدعاء له ولاالاستغفار له تماما كمشركي مكة فما قولك؟
أسد السنة:
مادليلك من الكتاب والسنة (لاغير كما طلبت مني سابقا) على قولك:
"الذي يذكره العلماء في مثل هذه المسائل:
1 - مسائل ظاهره ودليلها ظاهر
2 - مسائل ظاهره ودليلها خفي
3 - مسائل خفية ودليلها خفي
4 - المعلوم من الدين بالضرورة "
ومن سبقك من أهل العلم أو غيرهم من رعاع الناس إلى قولك:
"فنقول لو أن رجلاً دخل بلداً أهله يدعون الأموات ويذبحون لهم وما إلى ذلك من
الأفعال الشركية فيلزمه ألا يصلي وراءهم ولا يأكل ذبائحهم .... وإن كان لا يمكن له
أن يكفر أعيانهم أو يحكم على أعيانهم بالشرك!! "
وبعدها ننظر أينا يحتج بغير الكتاب والسنة.
وأينا يأتي بمالم يقل به أحد.
واسلموا لأخيكم بعد أن تجيبوا على أسئلته.
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[16 - 04 - 03, 12:24 ص]ـ
أخي محب العلم
أما قولك: [.ويجب على المسلم الغيور على دينه، قبل أن يحذر من فتنة (الغلو) في التكفير، أن يحذر في مصر وغيرها من فتنة (الكفر) الذي تطاير شراره وثار قتامه في كثير من بلاد المسلمين ... إلخ.]
فأفيدك أننا بحمد الله لا نألو جهدا في التحذير من الشرك والصوفية والقبورية ولشيخنا المذكور السيد الغباشي رسالة مباركة في الرد على شبهات القبوريين أسماها (الفوائد الجليلة في بيان معنى الوسيلة والرد على شبهات القبوريين) ومشايخنا الذين يعذرون بالجهل من قدامى علماء أنصار السنة أخبرونا أنهم طالما ضربهم القبوريون وأوقفوهم أمام المحاكم وآذوهم بأنواع الأذى وهم يدعونهم إلى التوحيد في الموالد ويحذرونهم من الشرك، فلم يكن هناك داع لتلك الاتهامات الباطلة بالصفاقة ورقة الدين وكأنه يلزم من يعذر بالجهل أن يكون محابيا للمشركين، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
وأما سب الدين فلا يعذر به أحد لأنه لا يتصور أن يجهل أحد أنه كفر، ولأنه انتفاء لأصل عمل قلبي هو تعظيم الله تعالى ورسوله ودينه، ومع ذلك فللجنة الدائمة فتوى أنه يبين له وللقبوري ويكفر بعد البيان ولم يقولوا يكفر بدون بيان، وهذا نصها:
فتوى رقم (4440)
س: 1 مسألة (سب الدين) هل يحكم بكفر فاعله على الفور , وهل يفرق بين الدين كدين , وهل هذا الفرق موجود أصلا وكون النساء والأطفال يسبون الدين.
2 - مسألة العذر بالجهل في الاستهزاء باللحية أو النقاب أو القميص أو المسلمين ومسألة سب الدين هل فيهما عذر بالجهل أم لا؟
3 - مسألة (العذر بالجهل) في مواضيع عبادة القبور أو عبادة الطاغوت هل يعذر صاحبها بالجهل. الرجاء إفادتنا بما من الله عليكم من العلم في هذه المسائل وكذا مسألة (محاربة النشاط الديني هل يعذر موظفوها بالجهل أم لا)؟
4 - مسألة إقامة الحجة على المسلم الذي يذبح لغير الله أو يدعو غير الله أو يعاون الطاغوت , هل يقوم بها مسلم عادي عنده علم بهذه المسائل , وهل هناك شروط أخرى لإقامة الحجة؟
الجواب:
- سب الدين والاستهزاء بشيء من القرآن والسنة والاستهزاء بالمتمسك بهما نظرا لما تمسك به كإعفاء اللحية وتحجب المسلمة , هذا كفر إذا صدر من مكلف , وينبغي أن يبين له أن هذا كفر فإن أصر بعد العلم فهو كافر , قال الله تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}.
- عبادة القبور وعبادة الطاغوت شرك بالله فالمكلف الذي يصدر منه ذلك يبين له الحكم فإن قبل وإلا فهو مشرك , إذا مات على شركه فهو مخلد في النار ولا يكون معذورا بعد بيان الحكم له , وهكذا من يذبح لغير الله.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد , وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب رئيس اللجنة عبد الرزاق عفيفي
عضو عبد الله بن غديان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/202)
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[16 - 04 - 03, 03:09 ص]ـ
إخوتي الأحباء ابن أبي حاتم وأسد السنة ومحب العلم وجميع من شارك في هذا النقاش
أسأل الله تعالى أن يعفو عني وعنكم، وأن يهديني وإياكم لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وأستسمحكم أجمعين، وإن كنت أغضبت أحدكم فليقتص مني بما شاء، وحبذا لو أغلقنا النقاش في هذا الموضوع فقد حصل المقصود وأبان كلٌ منا عما يرى أنه الصواب في هذا الباب، وأخشى أن ينزغ الشيطان بيننا.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
ـ[عبدالباري]ــــــــ[16 - 04 - 03, 06:18 ص]ـ
الحمدلله و بعد .. ،
بما أنه قد ذكر علماء مصر السلفيين، .. فهذه نقولات أظنها مهمة في الموضوع محل البحث:
1 - الشيخ محمد حامد الفقي -رحمه الله- الرئيس السابق لجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر.
للشيخ العلامة محمد حامد الفقي -رحمه الله- تعليق حول العبارة المنسوبة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: (و إذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر و الصنم الذي على قبر أحمد البدوي و أمثالها لأجل جهلهم .. الخ) اهـ.
قال الشيخ محمد حامد الفقي: (في هذه العبارة نقص أو تحريف، لا بد. فإن مؤداها خطأ واضح ينافي نصوص القرآن و السنة، و إذا لم يكفر من يعبد الصنم فمن يكفر غيره؟. و هذا بلا شك خلاف دعوة الإسلام و دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب المعروفة من كتاب التوحيد و كشف الشبهات و الثلاثة الأصول و غيرها من كتبه الصريحة في أنه: لا يصح إسلام أحد إلا إذا عرف ما هي الطواغيت و كفر بها و عاداها و عادى عابديها كما قرر إبراهيم -عليه السلام- في قوله لقومه: (أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم و آباؤكم الأولون، فإنهم عدو لي إلا رب العالمين) الآيات. و هذا أوضح في القرآن و السنة و كلام أهل العلم و الدين من أن ينبه عليه.
و الداعي إلى الله و إلى إخلاص العبادة له، لا يضيره أبدا أن يرمى من أعداء الله بأنه (يكفر الناس و يسميهم مشركين)، فإن ذلك من لازم دعوته إلى توحيد الله و الإيمان به، إذ لا يمكن الدعوة إلى الإيمان إلا ببيان الكفر و الكافرين، و الشرك و المشركين، بل إن منطوق كلمة (لا إله إلا الله) مستلزم ذلك ... فليس الداعي إلى الله هو الذي يحكم بالكفر و الشرك و وجوب النار للمشركين و الكافرين، إنما هو يخبر عن الله و ينشر كلمات الله و آياته و أحكامه مبشرا و نذيرا. فالله هو الذي يقول: (و ما أكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين)، و هو الذي يقول: (و قليل من عبادي الشكور)، و غير ذلك لا يحصى من الآيات التي يهدم بها دعاوى من يدعي الإسلام و الإيمان من الجاهلين قديما و حديثا، فواجب الداعي إلى الله أن يبين ذلك في صراحة و شجاعة لا يخاف لومة لائم و لا تشنيع مشنع ... ) اهـ. (هامش رقم 1، على كتاب مصباح الظلام، ص: 28، ط: مطبعة أنصار السنة المحمدية).
و قال -رحمه الله-: (و هل وقع الناس في هاوية الضلال و الشرك إلا بالجري على عادة الآباء و الشيوخ!؟، و هل هذه تنفع حجة أو عذرا!؟ بعد أن أقام الله عليهم الحجة بما قرأوا في القرآن و السنة من آيات الله و أحاديث التوحيد التي هي أكثر شيء و أبينه من قول الله و رسوله) اهـ. (المصدر السابق، هامش رقم 1، ص: 182).
2 - الشيخ عبدالرحمن الوكيل -رحمه الله- الرئيس السابق لجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر:
و له كلام متين و رائع سطره حول الموضوع محل البحث، و هو العالم السلفي الكبير و الداعية المجرب الخبير، الذي عاش ردحا من عمره مع عباد القبور في بلاد مصر، و كان منهم و مثلهم، ثم هداه الله تعالى إلى التوحيد و السنة فصار حربا على الشرك و الوثنية، و ألف في حرب الوثنية واحدا من أهم الكتب على الإطلاق و هو كتابه (هذه هي الصوفية) ..
قال الشيخ عبد الرحمن الوكيل -رحمه الله-: (و عجب مغرب في العجب، أن نغضب، بل نرتجف من الحنق إذا دُعينا نحن بغير أسمائنا، و نحقر من ينتسب إلى غير أهله، ثم لا نغضب من نعت الباطل بأنه حق!! و عجب ذاهل الدهشة أن نرمي بالعمى و الجهالة من يسمي الليل: بأنه نهار مشمس، أو من يقول عن المر: إنه حلو، أو من يقول عن الثلاثة: إنها واحد!! أو من ينسب إلى مذهب رأي مذهب آخر، أو من يخطيء في حقيقة تاريخية، أو جغرافية، أو مادة قانونية، .. ثم لا نرمي بهما -بالعمى و الجهالة- من ينعت الصوفية بأنها إسلام صحيح، و من يقول عن (الطائفين حول القبور)، اللائذين بأحجارها الصم: (إنهم مسلمون)!! ثم (يمكر) ليحسب مع المسلمين، فيقول عن أولئك: (و لكنهم مخطئون)!!.
عجب أن نكفر من ينسب إلى محمد -صلى الله عليه و سلم- حديثا موضوعا، و القائلين بأن الله ثالث ثلاثة، ثم نحكم بالإيمان الحق لمن ينسبون إلى النبي أنه الصوفي الأول، و أنه الموحي بدين الصوفية!! من يقولون: إن الله عين كل شيء و أنه مليون ملايين!! (نحكم بإيمان هؤلاء)، لا لشيء سوى أن لهم أسماء تشاكل أسماء المسلمين!!.
إن الحق و الدفاع عنه يحتمان علينا أن نسمي كل شيء باسمه، و نصفه بصفاته، و إلا افترينا عليه، و جعلنا للباطل السورة و الصولة، و داجينا في الإيمان. أما هذه النعومة و الطراوة و الرخاوة المخنثة في الذياد عن الحق، و الجهر بكلمة الحق، أما ذلك فشر أنواع الجبانة الذليلة، و الخداع و الرياء و العجز المهين .. الخ.) اهـ. من (مقدمة كتاب هذه هي الصوفية).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/203)
ـ[عبد الله]ــــــــ[16 - 04 - 03, 07:37 ص]ـ
قال ابن تيمية:" وكذلك أخبر عن هود أنه قال لقومه [,,,, إن أنتم إلا مفترون] فجعلهم مفترين قبل أن يحكم بحكم يخالفونه لكونهم جعلوا مع الله إلها آخر.فاسم المشرك ثبت قبل الرسالة ,فانه يشرك بربه و يعدل به ويجعل معه آلهة أخرى و يجعل له أنددا قبل الرسالة ,ويثبت أن هذه الأسماء مقدم عليها ,كذلك اسم الجهل و الجاهلية, يقال جاهلية و جهلا قبل مجيء الرسول أما التعذيب فلا, و التولي عن الطاعة كقوله: [فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى] فهذا لا يكون إلا بعد الرسول." مجموع الفتاوى ج20 ص 37
ـ[إسحاق النجدي]ــــــــ[16 - 04 - 03, 03:15 م]ـ
عذراً لتطفلي على الأخوة ... ولكن شدتني عبارة الأخ أبوخالد السلمي حينما قال
((فلم يكن هناك داع لتلك الاتهامات الباطلة بالصفاقة ورقة الدين وكأنه يلزم من يعذر بالجهل أن يكون محابيا للمشركين، فحسبنا الله ونعم الوكيل.))
ومع أني أوافق الأخ محب العلم في مجمل ما ذكره ...
إلا أني أرى أن طرح بعض طلاب العلم في الفترة الأخيرة ضخم هذه المسألة وأعطاها أكبر من حجمها ... حتى غدت من المسائل التي يعقد لاجلها الولاء والبراء عندهم ... !!
حتى أصبح من يعذر بالجهل في مسائل الشرك يرمي عند بعضهم بجهل التوحيد تارة ..... وبالارجاء والتجهم تارة أخرى ... !!
بينما نرى أن الشيخ ابن باز وغيره من العلماء لم يكن يتجاوز أحدهم في تقرير المسألة أن يبدي رأيه جوابا عن أحد المستفتين
ومن المعلوم أن الشيخ ابن عثيمين كان ممن يعذر بالجهل ومع ذلك لم يوجب هذا بينهما تشاحناً أو تباغضاً .... فضلا عن تصنيف الكتب والرسائل في ذم المخالف ورميه بالبدعة والضلالة ومخالفة سبيل المؤمنين
وهنا يتجلى الفرق بين الشيخ ابن باز وبين الشيخ علي الخضير في تعاطيهما مع مسألة العذر بالجهل ...
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى
ـ[أخو من طاع الله]ــــــــ[16 - 04 - 03, 04:23 م]ـ
الأخ إسحاق .. هداه الله
وكأني أشم اسمه في كتابات سابقة في الموضوع نفسه ..
أعجب لأناس، همهم من المقال، ودخوله، أن يعيبوا فلانًا، أو فلانًا!
وكأنك ترى فعل ابن باز وطريقته ملزمة لهم، ولو شئت لوجدتَ غيره من يغلِّظ في المسألة، ويشدّد ويعظم النكير على المخالف، كما تجده في مواضع من كتابات أئمة الدعوة النجدية ..
وللفائدة، فهذه ثلاثة كتب، جمعت أطراف المسألة، وبينتها غاية التبيان، وحققتها أتم التحقيق.
العذر بالجهل للعلامة عبد الله أبابطين ( http://alkhoder.com/mash/book4/other.zip)
تكفير المعين للعلامة إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ ( http://alkhoder.com/mash/book4/takfir.zip)
المتممة لكلام أئمة الدعوة في مسألة العذر بالجهل في الشرك الأكبر، للعالم علي الخضير ( http://www.alkhoder.com/nnn/sections.php?op=viewarticle&artid=8)
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[16 - 04 - 03, 06:15 م]ـ
الأولى:
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثاني
http://www.binothaimeen.com/cgi-bin/ebook/viewnews.cgi?category=12&id=1035035282
الكفر والتكفير - (221) وسئل فضيلته: عن حكم من يجهل أن صرف شيء من الدعاء لغير الله شرك؟
فأجاب بقوله: الجهل بالحكم فيما يكفر كالجهل بالحكم فيما يفسق، فكما أن الجاهل بما يفسق يعذر بجهله كذلك الجاهل بما يكفر يعذر بجهله ولا فرق لأن الله – عز وجل - - يقول: (وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون) (1). ويقول الله – تعالى -: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) (2). وهذا يشمل كل ما يعذب عليه الإنسان ويقول الله –عز وجل -: (وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم) (3).
لكن إذا كان هذا الجاهل مفرطاً في التعلم ولم يسأل ولم يبحث فهذا محل نظر. فالجهال بما يكفر وبما يفسق إما أن لا يكون منهم تفريط وليس على بالهم إلا أن هذا العمل مباح فهؤلاء يعذرون، ولكن يدعون للحق فإن أصروا حكم عليهم بما يقتضيه هذا الإصرار، وأما إذا كان الإنسان يسمع أن هذا محرم أو أن هذا مؤد للشرك ولكنه تهاون أو استكبر فهذا لا يعذر بجهله.
--------------------------------
(1) سورة القصص، الآية "59".
(2) سورة الإسراء، الآية "15".
(3) سورة التوبة، الآية "115".
____________________________________
الثانية:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/204)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثاني
http://www.binothaimeen.com/cgi-bin/ebook/viewnews.cgi?category=12&id=1035034206
الكفر والتكفير - (224) سئل فضيلة الشيخ: عن العذر بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة؟
فأجاب بقوله: الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافاً لفظياً في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين أي إن الجميع يتفقون على أن هذاالقول كفر، أوهذاالفعل كفر، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضي في حقه وانتفاء المانع أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات، أو وجود بعض الموانع.
وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين:
الأول: أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام أو لا يدين بشيء ولم يكن يخطر بباله أن ديناً يخالف ما هو عليه فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله –تعالى-، والقول الراجح أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله عز وجل – والله أعلم بما كانوا عاملين، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب لقوله –تعالى-: (ولا يظلم ربك أحداً) (1)
وإنما قلنا: تجرى عليه أحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر؛ لأنه لا يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطي حكمه، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم –رحمه الله تعالى –في كتابه-: "طريق الهجرتين" عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة.
النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفر ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك فهذا تجرى عليه أحكام الإسلام ظاهراً، أما في الآخرة فأمره إلى الله-عز وجل-وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وأقوال أهل العلم.
فمن أدلة الكتاب: قوله-تعالى-: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً). وقوله: (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون) (2). وقوله: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) (3) وقوله: (وما أرسلنا رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء). (4). وقوله: (وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون). (5) وقوله: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون. أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين. أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة) (6) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الحجة لا تقوم إلا بعد العلم والبيان. وأما السنة: ففي صحيح مسلم1/ 134 عن أبي هريرة –رضي الله عنه-أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة –يعني أمة الدعوة- يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
وأما كلام أهل العلم: فقال في المغني 8/:131 "فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام، والناشئ بغير دار الإسلام، أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم لم يحكم بكفره". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 3/ 229 مجموع ابن قاسم: "إني دائماً –ومن جالسني يعلم ذلك مني –من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى، وإني أقرر أن الله –تعالى –قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية، والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر، ولا بفسق، ولا بمعصية - إلى أن قال –وكنت أبين أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضاً حق لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين – إلى أن قال: - والتكفير هو من الوعيد فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول، صلى الله عليه وسلم، لكن الرجل قد يكون حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/205)
سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً" أ. هـ. وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب 1/ 56 من الدرر السنية: "وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول، ثم بعدما عرفه سبه، ونهى الناس عنه، وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره". وفي ص 66 " وأما الكذب والبهتان فقولهم: إنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم،فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل"ا. هـ.
وإذا كان هذا مقتضى نصوص الكتاب، والسنة، وكلام أهل العلم فهو مقتضى حكمة الله –تعالى -، ولطفه، ورأفته، فلن يعذب أحداً حتى يعذر إليه، والعقول لا تستقل بمعرفة ما يجب لله –تعالى – من الحقوق، ولو كانت تستقل بذلك لم تتوقف الحجة على إرسال الرسل.
فالأصل فيمن ينتسب للإسلام بقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تكفيره لأن في ذلك محذورين عظيمين:
أحدهما: افتراء الكذب على الله-تعالى – في الحكم، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به.
أما الأول فواضح حيث حكم بالكفر على من لم يكفره الله –تعالي-فهو كمن حرم ما أحل الله؛ لأن الحكم بالتكفير أو عدمه إلى الله وحده كالحكم بالتحريم أو عدمه.
وأما الثاني فلأنه وصف المسلم بوصف مضاد، فقال: إنه كافر، مع أنه بريء من ذلك، وحري به أن يعود وصف الكفر عليه لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما". وفي رواية: "إن كان كما قال وإلا رجعت عليه". وله من حديث أبي ذر –رضي الله عنه- أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه". يعني رجع عليه. وقوله في حديث ابن عمر: "إن كان كما قال" يعني في حكم الله-تعالى-. وكذلك قوله في حديث أبي ذر: "وليس كذلك" يعني في حكم الله تعالى.
وهذا هو المحذور الثاني أعني عود وصف الكفر عليه إن كان أخوه بريئاً منه، وهو محذور عظيم يوشك أن يقع به؛ لأن الغالب أن من تسرع بوصف المسلم بالكفر كان معجباً بعمله محتقراً لغيره فيكون جامعاً بين الإعجاب بعمله الذي قد يؤدي إلى حبوطه، وبين الكبر الموجب لعذاب الله تعالى – في النار كما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة –رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار".
فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين:
الأمر الأول: دلالة الكتاب، والسنة على أن هذا مكفر لئلا يفتري على الله الكذب.
الأمر الثاني: انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه، وتنتفي الموانع.
ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله – تعالى-: (ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) (7). فاشترط للعقوبة بالنارأن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له.
ولكن هل يشترط أن يكون عالماً بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره أو يكفي أن يكون عالماً بالمخالفة وإن كان جاهلاً بما يترتب عليها؟
الجواب: الظاهر الثاني؛ أي إن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة؛ ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلاً بما يترتب على زناه، وربما لو كان عالماً ما زنى.
ومن الموانع أن يكره على المكفر لقوله – تعالى-: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) (8).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/206)
ومن الموانع أن يغلق عليه فكره وقصده بحيث لا يدري ما يقول لشدة فرح، أو حزن، أو غضب، أو خوف، ونحو ذلك. لقوله تعالى -: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً) (9). . وفي صحيح مسلم 2104 عن أنس بن مالك –رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة،فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح".
ومن الموانع أيضاً أن يكون له شبهة تأويل في المكفر بحيث يظن أنه على حق؛ لأن هذا لم يتعمد الإثم والمخالفة فيكون داخلاً في قوله – تعالى -: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) (10). ولأن هذا غاية جهده فيكون داخلاً في قوله –تعالى-:] لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) (11) قال في المغني 8/ 131: "وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك –يعني يكون كافراً – وإن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين، وأموالهم، وفعلهم ذلك متقربين به إلى الله – تعالى – إلى أن قال-: وقد عرف من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة ومن بعدهم واستحلال دمائهم، وأموالهم، واعتقادهم التقرب بقتلهم إلى ربهم، ومع هذا لم يحكم الفقهاء بكفرهم لتأويلهم، وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا". وفي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/ 30 مجموع ابن القاسم: "وبدعة الخوارج إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب" وفي ص 210 منه "فإن الخوارج خالفوا السنة التي أمر القرآن باتباعها وكفروا المؤمنين الذين أمر القرآن بموالاتهم. . وصاروا يتبعون المتشابه من القرآن فيتأولونه على غير تأويله من غير معرفة منهم بمعناه ولا رسوخ في العلم، ولا اتباع للسنة، ولا مراجعة لجماعة المسلمين الذين يفهمون القرآن".وقال أيضاً 28/ 518 من المجموع المذكور: "فإن الأئمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم، وإنما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين". لكنه ذكر في 7/ 217 "أنه لم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع". وفي 28/ 518 "أن هذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره". وفي 3/ 282 قال: "والخوارج المارقون الذين أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، ولم يكفرهم علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام،وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، لا لأنهم كفار. ولهذا لم يسب حريمهم، ولم يغنم أموالهم، وإذا كان هؤلاء الذي ثبت ضلالهم بالنص، والإجماع، لم يكفروا مع أمر الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، بقتالهم فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم، فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن يكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضاً، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعاً جهال بحقائق ما يختلفون فيه". إلى أن قال:"وإذا كان المسلم متأولاً في القتال، أو التكفير لم يكفر بذلك". إلى أن قال في ص 288: "وقد اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله هل يثبت حكمه في حق العبيد قبل البلاغ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره. . والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله –تعالى -: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) (12). وقوله: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) (13). وفي الصحيحين عن النبي، صلى الله عليه وسلم: "ما أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين".
والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، والاعتبار، وأقوال أهل العلم.
------------------------------------
(1) سورة الكهف، الآية "49".
(2) سورة القصص، الآية "59".
(3) سورة النساء، الآية "165".
(4) سورة إبراهيم، الآية "4".
(5) سورة التوبة، الآية "115".
(6) سورة الأنعام، الآيات "155 - 157".
(7) سورة النساء، الآية "115".
(8) سورة النحل، الآية "106"
(9) سورة الأحزاب، الآية "5".
(10) سورة الأحزاب، الآية "5".
(11) سورة البقرة، الآية " 286".
(12) سورة الإسراء، الآية "15".
(13) سورة النساء، الآية "165".
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/207)
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[16 - 04 - 03, 06:35 م]ـ
الأول:
"إن الإمام أحمد قد باشر الذين دعوه إلى خلق القرآن، ونفي الصفات، وامتحنوه وسائر علماء وقته، وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذين لم يوافقوهم على التجهم بالضرب والحبس، والقتل والعزل عن الولايات، وقطع الأرزاق، ورد الشهادة، وترك تخليصهم من أيدي العدو، بحيث كان كثير من أولي الأمر إذ ذاك من الجهمية من الولاة والقضاة وغيرهم يكفرون كل من لم يكن جهمياً موافقاً لهم على نفي الصفات، مثل القول بخلق القرآن، ويحكمون فيه بحكمهم في الكافر، فلا يولونه ولاية، ولا يفتكونه من عدو، ولا يعطونه شيئاً من بيت المال، ولا يقبلون له شهادة ولا فتيا ولا رواية، ويمتحنون الناس عن الولاية والشهادة، والافتكاك من الأسر وغير ذلك. فمن أقر بخلق القرآن حكموا له بالإيمان، ومن لم يقر به لم يحكموا له بحكم أهل الإيمان، ومن كان داعياً إلى غير التجهم قتلوه أو ضربوه وحبسوه.
ومعلوم أن هذه من أغلظ التجهم، فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من قولها، وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من مجرد الدعاء إليها، والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب. ثم إن الإمام أحمد رحمه الله دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه، واستغفر لهم، وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم، فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع، وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية، الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق، وأن الله لا يُرى في الآخرة. وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه كفر به قوماً معينين. فأما أن يذكر عنه في المسألة روايتان ففيه نظر، أو يحمل الأمر على التفصيل، فيقال: من كفر بعينه فلقيام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير، وانتفت موانعه، ومن لم يكفره بعينه فلانتفاء ذلك في حقه، هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم." (الفتاوى 12/ 488 - 489)
الثاني:
"وأيضاً فإن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل واتفقوا على عدم التكفير بذلك، مثلما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي، وأنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة، وأنكر بعضهم رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه، ولبعضهم في قتال بعض ولعن بعض وإطلاق تكفير بعض أقوال معروفة.
وكان القاضي شريح ينكر قراءة من قرأ: {بل عجبتُ} (أي بناء المتكلم والضمير يعود لله سبحانه وتعالى، والمعنى أنه عجب سبحانه من إنكار الكفار لإعادتهم البعث والحال أنهم يقرون بأنه هو الذي خلقهم جل وعلا أول مرة وذلك في قوله تعالى {بل عجبت ويسخرون} وفي القراءة الأخرى بل عجبتَ بالفتح للمخاطب) ويقول: إن الله لا يعجب، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال: إنما شريحٌ شاعرٌ يعجبه علمه. كان عبد الله أفقه منه، فكان يقول: (بل عجبتُ) فهذا قد أنكر قراءة ثابتة، وأنكر صفة دل عليها الكتاب و السنة، واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة، وكذلك بعض السلف أنكر بعضهم حروف القرآن، مثل إنكار بعضهم قوله: {أفلم ييأس الذين آمنوا} (الرعد:31) وقال: إنما هي: أو لم يتبين الذين آمنوا، وإنكار الآخر قراءة قوله: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} (الإسراء:23) وقال: إنما هي: ووصى ربك. وبعضهم حذف المعوذتين، وآخر يكتب سورة القنوت. وهذا خطأ معلوم بالإجماع والنقل المتواتر، ومع هذا فلما لم يكن قد تواتر النقل عندهم بذلك لم يكفروا، وإن كان يكفر بذلك من قامت عليه الحجة بالنقل المتواتر." (الفتاوى 2/ 492 - 493)
الثالث:
"فمن كان قد آمن بالله ورسوله ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول، فلم يؤمن به تفصيلاً، إما إنه لم يسمعه، أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها، أو اعتقد معنى آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به،، فهذا قد جعل فيه من الإيمان بالله وبرسوله ما يوجب أن يثيبه الله عليه، وما لم يؤمن به فلم تقم عليه به الحجة التي يكفر مخالفها." (الفتاوى 12/ 493)
ـ[محب العلم]ــــــــ[16 - 04 - 03, 07:35 م]ـ
الأخ / أبو خالد السلمي سلمه الله
أما قولك (وأما سب الدين فلا يعذر به أحد لأنه لا يتصور أن يجهل أحد أنه كفر، ولأنه انتفاء لأصل عمل قلبي هو تعظيم الله تعالى ورسوله ودينه).
فجوابه:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/208)
الحمد لله الذي جمعنا وإياك على كلمة سواء في هذه المسالة.
هاأنت الآن بعد أن اخترت أن العذر بالجهل مطلق في كل مسألة، ترجع وتستثني سب الله تعالى، بحجة أنه لايتصور أن يجهل أحد أنه كفر، ولأنه انتفاء لأصل عمل قلبي وهو التعظيم!!
فما قلته في (سب الله) فنحن نقول به في (الشرك الأكبر)، و؟ أي سب لله أعظم من الشرك؟!
فلايتصور من رجل عرف الإسلام أن يجهل أن الشرك كفر.
فإن وجد من يجهل أن الشرك كفر فمعناه أنه لم يعرف الإسلام ولم يصح دخوله فيه أصلا
وإنما دخل في دين أسماه الإسلام كما دخلت القاديانية في دين أسموه كذلك فلم ينفعهم الاسم شيئا.
وماذكرته من فتوى اللجنة فصحيح جدا ولا إشكال فيه، فإن من استهزأ بإعفاءاللحية أو بالحجاب فلايكفر بعينه حتى يعرف انهما من الدين فإن أصر كفر.
فأين مانحن فيه من هذا.
وقد نقلت لك عن اللجنة قولهم فيمن وقع في الشرك الأكبر:"فالبيان وإقامة الحجة للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة به (((لاليسمى كافرا بعد البيان)))) فإنه يسمى كافرا بما حدث منه من سجود لغير الله أو نذره قربة أو ذبحه شاة مثلا لغير الله ".
وأولى مايفسر به كلامهم هو كلامهم.
والحمد لله الذي أغناني وإياك عن تأويلي وتأويلك لكلامهم فهو في هذا الباب من أوضح مايكون لمن أراد الفهم.
وأما مانقلته عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقد سبق الجواب عنه، فلاتفرح في غير محل فرح.
فإنك إن كان قصدك الاحتجاج بالرجال، فقد احتججنا عليك بمن هم أفضل بشهادتك وأعلم ممن احتججت بهم على فضلهم.، ويكفي في هذا شيخا الشيخ ابن عثيمين رحمهما الله ابن باز وابن ابراهيم
وإن كان مرادك الاحتجاج بالدليل، فإنك لم تزد من كلام الشيخ على مانحن فيه منذ أيام شيئا.
بل إن الشيخ كفر من قصر في التعلم وأنت لاتكفر إلا من زالت عنه كل شبهه، وهو المعاند على الحقيقة فعلى أي شئ يفرح إلا الاستئناس بالموافق على الخطأ.
ولست أنا الذي يخطئ الامام ابن عثيمين أو غيره، وإنما خطأ قوله شيوخه، ودهاقنة العلم في عصره والحمدلله الذي لم يخل عصرا من قائم لله بحجة.
وأما كلام شيخ الاسلام رحمه الله تعالى فقد أظهر والله لي مقدار فهمك لهذا الباب.
فإن قوله:ثم إن الإمام أحمد رحمه الله دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه، واستغفر لهم، وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم، فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع، وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية، الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق، وأن الله لا يُرى في الآخرة"
صحيح لانخالف فيه، فإن الجهمية في لسان السلف لها إطلاقان:
إطلاق عام: ويريدون به كل من نفى شيا من صفات الله تعالى.
وإطلاق خاص: ويريدوتن به نفاة الأسماء والصفات جميعا.
وكلام شيخ الاسلام هنا ((((((إنما يعني به الاطلاق العام))))))
بدليل قوله:"، وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية، الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق، وأن الله لا يُرى في الآخرة"
فانظر كيف ذكر القول بخلق القرآن ونفي رؤية الله تعالى، وهما من خفي المسائل على ماسبق تقريره!!!
وكذا قوله (ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول، فلم يؤمن به تفصيلاً، إما إنه لم يسمعه)
فإنه أراد مايخفى من المسائل ويحتاج إلى (((تفصيل)))، وةهذا دليل على وجود أصل الإيمان عند من يتكلم عنه شيخ الاسلام وتأمل قوله:
(،لنوع من التأويل الذي يعذر به،).
فقيد عذره هنا = بالتأويل الذي يعذر بمثله.
فماذا بعد هذا أيها الشيخ، أليس هذا بالله عليك من المعاندة بعد ظهور الحجة؟
ألم تترك تتبع المتشابه من الكلام وقد ظننت بك تركه والله.
أم أن المعاني الفاضلة أصبحت تقرر في الدروس وتأباها النفوس؟
عفا الله عني وعنك، وألهمني وإياك الرشد والسداد.
الأخ اسحاق النجدي وفقه الله: كلامي الذي قلته لأبي خالد لم أقصد به مسألة العذر بالجهل أبدا كا توهم.
وإنما كان على قوله " وفتنة التكفير ... "
فأنا إنما قصدت ذم تضخيم مسألة التكفير وتعظيمها وكأنها من الموبقات على كل حال، وكأن بلاد الإسلام قد خلت من (الكفر) ولم يبق إلا (التكفير).
ولاشك أن الذي أدين لله به هو ذم (الغلو) في التكفير والعجلة فيه.
وقد كررت محل الانكار في مسألة التكفير، عند كلامي عن (المعلم الثالث من معالم منهج المتاخرين) فارجع إليه غير مأمور.
وعلى كل حال فإن لي في التشديد إن كان وقع سلف، فقد قال الشيخ الفقيه عبدالله أبابطين رحمه الله كما في الدرر (10/ 401) عند كلامه عن المشركين:
" فكفرهم جميع العلماء،ولم يعذروهم بالجهل (((((كما يقول بعض الجاهلين: إن هؤلاء معذورون لأنهم جهال، وهذا قول على الله بغير علم معارض بمثل قوله تعالى {فريقا هذى وفريقا حق عليهم الضلالة} {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} الآيتين " انتهى كلامه رحمه الله.
ولاشك أن محل المسألة هو ماذكرت من عدم عقد الولاء والبراء عليها، ولكن هذا إنما هو مع العالم المتأول الذي لم يظهر له وجه المسألة واما غيره- ممن قامت عليه الحجة واتضحت له المسألة فلا، وعليه يحمل كلام الشيخ أبابطين.
وكم من عالم قد خالف الإجماع في مسائل فعذر، ولم تكن مخالفته حجة لمن بعده.
والحمد لله الذي وفقنا لاجتماع الاقوال – حقيقة أو حكما –
والآن بعد اكتمال الموضوع،وثبوت الفرق بين من تقدم ومن تأخر في تقرير هذه المسائل فإني أسأل الله تعالى أن يسل سخيمة صدورنا وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، وأن يرزقنا الإحلاص في القول والعمل، وأعتذر من جميع الإخوة إن زل إصبعي على (اللوحة) بما لاينبغي.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/209)
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[16 - 04 - 03, 08:16 م]ـ
بين سب الله تعالى أو دينه وبين ودعاء غير الله فرق ظاهر
فالذين يسبون الدين من العوام يقول أحدهم بعد صدور الكلمة منه: (كفّرتونا) ويستغفر أو يتلفظ بالشهادة غالبا، ويستحيل أن يجد عالما أو جاهلا يقول له إن سب الله ليس بكفر فمن أين يتصور الجهل؟
وهذا يوضح أنه قالها عالما أنها كفر.
أما المنتسب إلى الإسلام الذي يقول (مدد يا بدوي) ونحوها، فلا يخطر بباله أبدا أن هذا شرك ويحسب أن هذا من باب [وابتغوا إليه الوسيلة] وأن هؤلاء الصالحين وسيلة تقرب إلى الله بزعمه كما يسمع يوميا من شيخ الأزهر في التلفاز ويقرأ في فتاوى الجرائد ويشاهد الشعراوي جالسا في مسجد الحسين بجوار الطائفين بالقبر الناذرين له فكيف لا يتصور جهل هؤلاء بأن هذا الأمر شرك؟
ثم هل هناك فرق بين دعاء غير الله والسجود لغير الله؟ أليس كلاهما في شريعتنا شركا؟ وأليس كلاهما صرف عبادة لغير الله؟
فإذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم عذر معاذا بجهالته _ كما هي عبارة الشوكاني في النيل _ لما أراد أن يسجد له جاهلا أن السجود لغير الله في شريعتنا شرك حاسبا أنه من باب الاحترام والتوقير للنبي الذي لا يتنافى مع التوحيد، وعذر عدي بن حاتم فلم يكفره لما كان يجهل أن طاعة الأحبار والرهبان في تحليل الحرام ليست عبادة، وعذر الذين قالوا اجعل لنا ذات أنواط ولم يكفرهم بمقالتهم رغم أنها مقالة شركية لأجل جهلهم.
فلماذا لا نعذر من صرف عبادة أخرى لغير الله حاسبا أن هذا الصرف توقير للولي وأنه لا يتنافى مع التوحيد؟
وأما قولك:
[فإن وجد من يجهل أن الشرك كفر فمعناه أنه لم يعرف الإسلام ولم يصح دخوله فيه أصلا وإنما دخل في دين أسماه الإسلام]
فقد قاله قبلك الصنعاني في تطهير الاعتقاد وأنكره عليه الشيخ بشير السهسواني الهندي _وهو من تلاميذ جماعة من علماء آل الشيخ وشيخ لصديق حسن خان _ في كتابه صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان وبين أن كلام الصنعاني مخالف لمذهب السلف ومخالف لمذهب الإمام ابن عبد الوهاب وأن مذهب السلف ومذهب الإمام ابن عبد الوهاب أن من تلفظ بكلمة التوحيد حكمنا بإسلامه ثم إن ظهر منه الكفر حكمنا بأنه مرتد لا كافر أصلي، وراجع كلامه في صيانة الإنسان فإنه نفيس.
أخي محب العلم:
سئمت مراءك، وأذى لسانك، فتكلم بعلم أو اسكت بحلم.
ـ[محب العلم]ــــــــ[17 - 04 - 03, 03:56 ص]ـ
الشيخ أبو خالد وفقه الله:
قولك " ويستحيل أن يجد عالما أو جاهلا يقول له إن سب الله ليس بكفر فمن أين يتصور الجهل؟ "
لم أقل أن الرجل يجهل أن سب الله كفر.
وإنما قلت لك: يجهل أن سب الله (في حال الغضب غير المستغلق كفر).
ومثل هذه الصورة (يمكن تصور وجودها) بل هي موجودة فعلا.
وقد أجبتني على هذه الصورة بالموافقة مع التوضيح التام مني لصورة المسألة، فلماذا الرجوع الآن.؟
أم أن لك في المسألة قولا آخر تلتزم فيه عدم التكفير إن وجد من يفتي بالجواز في هذه (الصورة)؟
واما حديث معاذ رضي الله عنه.فالجواب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن السجود الذي في الحديث إنما هو سجود (التحية) لا (العبادة)، وقد كان سجود التحية جائزا في شرع من قبلنا ثم نسخ الحكم في شرعنا.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كمافي مجموع الفتاوى (4/ 360):
" وقد كانت البهائم تسجد للنبي صلى الله عليه وسلم والبهائم لاتعبد [إلا] الله، فكيف يقال يلزم من السجود للشئ عبادته؟، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، لعظم حقه عليها، ومعلوم أنه لم يقل: لو كنت آمرا أحدا أن يعبد "
ومابين المعقوفتين إضافة يقتضيها السياق كما في " صيانة المجموع " ص41.
الوجه الثاني: أن الشوكاني نفسه رحمه الله قد نص على عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر فقال كما في الرسائل السلفية (ص35) من الرسالة الثامنة في معرض رده على بعض المجادلين عن المشركين:
" ... وليت شعري فأي فائدة لكونه اعتقاد جهل؟ فإن طوائف الكفر بأسرها وأهل الشرك قاطبة إنما حملهم على الكفر ودفع الحق والبقاء على الباطل: (الاعتقاد جهلا)، وهل يقول قائل إن اعتقادهم (اعتقاد علم)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/210)
حتى يكون اعتقاد الجهل عذرا لإخوانهم المعتقدين في الأموات ".
ثم قال:" فإن اثباتهم التوحيد، إن كان بألسنتهم فقط، فهم مشتركون في ذلك هم واليهود والنصارى والمشركون والمنافقون، وإن كان بأفعالهم فقد اعتقدوا في الأموات ماعتقده أهل الأصنام في أصنامهم "انتهى كلامه.
فهل بقي في نصف السطر الذي نقلته-حفظك الله - في (سجود التحية) حجة؟
وأما حديث (اجعل لنا ذات أنواط):
فيجيبك عنه الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله كما فتوى له برقم 9257 وتاريخ 22/ 12/1405هـ حيث قال:
" أما الذين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم ذات أنواط يعلقون بها أسلحنهم: فهؤلاء كانوا (حديثي عهد بإسلام)، وقد طلبوا فقط ولم يفعلوا، فكان ماحصل منهم مخالفا للشرع، وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم لو فعلوا ماطلبوا كفروا " انتهى كلامه.
والصحيح أن أباواقد الليثي رضي الله عنه من مسلمة الفتح كما نص على ذلك الزهري فيما رواه ابن منده بسند صحيح عنه،خلافا لمن زعم أنه شهد بدرا.
على أن الشاطبي وشيخ الإسلام ابن تيمية ومن بعدهم كالشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله، يعدون هذا الطلب من وسائل الشرك الأكبر، وعده الشيخ محمد بن عبدالوهاب شركا أصغر كمافي مسائله على الحديث.
إذا فمناط العذر هنا إنما هو أنهم (حديثوا عهد بكفر) كمافي الحديث.
ثم هم لم يقعوا فيه كما تقدم وإنما طلبوا.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله كما في " عارض الجهل " للراشد ص291:
" لم يقع من هؤلاء شرك وإنما طلبوا الإذن أن يجعل لهم ذات أنواط، أما من وقع في الشرك فإنه يحكم عليه أنه مشرك لأن هذه من الأمور الظاهرة " انتهى.
وأما قولك: "وعذر عدي بن حاتم فلم يكفره لما كان يجهل أن طاعة الأحبار والرهبان في تحليل الحرام ليست عبادة "
فمن أعجب ماوقفت عليه من كلامك!
فإن عدي ابن حاتم كان يفعل ذلك في الجاهلية ثم أسلم.
فلما نزل قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} الآية.
تعجب من هذه الصورة من العبادة التي كان يفعلها في ضمن مايفعل، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم وجه كونها عبادة.
فهل في حديث عدي رضي الله عنه انه كان مقيما على عبادة رهبان قومه، حتى أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بكونها كفرا، أم أن عديا كان يحكي ماكان يفعل مع قومه في الجاهلية التي أسلم بعدها؟!!
أرجو جوابا شافيا وفقك الله.
وأما ماذكرته من كلام السهسواني رحمه الله،فلاشك أنه في غاية الصحة، فإن من نطق بكلمة التوحيد حكم بإسلامه حتى يظهر منه خلافه، وهو الذي يدل عليه حديث أسامة بن زيد في الصحيح.
ولكنه –وفقك الله – ليس محل كلامي.
وإنما محل كلامي هو الرجل الذي نطق بكلمة التوحيد مع كونه ((((((مقيما على الشرك))))).
فإن هذا لم يدخل في الإسلام أصلا حتى يرتد، بل هذا ظاهره (الكفر) لا (الإسلام)،.
وفرق بين المقامين ظاهر.
والفقه: الجمع والفرق كما قال القرافي في الفروق.
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله كما في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (2/ 12 - 13):
" إن ((التهليل)) إذا صدر من (المشرك)، حال (استمراره) على شركه =غير معتبر، فوجوده كعدمه، وإنما ينفع إذا قاله: عالما بمعناه، ملتزما لمقتضاه كما قال تعالى {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون}.
قال ابن جرير وغيره: وهم يعلمون حقيقة ماشهدوا به " انتهى كلامه.
وأما أذى اللسان، فأستغفر الله تعالى منه، إن كان، وأطلب منك فيه الحل، والله يعفو عنا وعنك ويغفر لنا ولك.
أخوكم
محب العلم.
ـ[محب العلم]ــــــــ[18 - 04 - 03, 05:57 م]ـ
تنبيهان مهمان في خاتمة هذه المعالم:
التنبيه الأول:
ذكرت في أول المقال أن ابن جرير الطبري رحمه الله قد نقل الاجماع على عدم العذر بالجهل في الأمور الظاهرة، وقد كتبت هذا من ذاكرتي فوهمت.
والصواب أنه اثبت الفرق بين الأمور الظاهرة والخفية من المكفرات فقط.
وأما الاجماع فلم اقف عليه بعد مراجعة النص.
وقد نقل الاجماع على ماذكر غيره من اهل العلم.
ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
التنبيه الثاني:
ذكرت أيضا في أول المقال أن من وقع في الشرك الأكبر وكان من أصحاب الحالات الثلاث، فإنه يثبت له اسم الشرك ويرتفع عنه اسم الكفر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/211)
وقدأشكل هذا على بعض الإخوة.
فيقال:
سبق النقل عن شيخ الاسلام رحمه الله ان اسم الشرك ثابت للمشركين قبل الرسالة، والذي ينفى عنهم قبل الرسالة إنما هو التعذيب.
فهم مشركون باعتبار وقوعهم في الشرك.
وأما اسم الكفر الذي ينفى عنهم فهو اسم الكفر (الباطن)، الذي يترتب عليه استباحة الدم والمال في الدنيا، وحصول العذاب في الآخرة.
كما قال الشيخ محمد رحمه الله:
" وإن كنا لانكفر من عند قبة الكواز وقة البدوي ... "
فإن هؤلاء عنده رحمه الله لم تقم عليهم الحجة لعدم من ينبههم فهم من أصحاب الحالات التي سبقت.
وقوله (لانكفر) مقصوده (الكفر) الذي سبق وصفه.
وأما اسم الكفر (الظاهر) الذي (يعامل به معاملة الكافر) فلاينفى عنه.
قال صالح آل الشيخ كما في شرحه على الكشف (ص56):
" وأما المعرض فهنا في (الظاهر) يعامل معاملة الكفار، واما (باطنه) فلانحكم على باطنه إلا بعد قيام الحجة عليه لأنه من المتقرر عند العلماء أن من تلبس بالزنا فهو زان، وقد يؤاخذ وقد لايؤاخذ ... فالاسم باق عليه ".
وقال ابناء الشيخ محمد، وحمد بن ناصر بن معمر كما في الدرر السنية (10/ 136 - 138):
" ... إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله أو عدم من ينبهه فلا نحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة، (ولا نحكم بأنه مسلم) ... ، ولايقال: (إن لم يكن كافرا فهو مسلم) بل نقول عمله عمل الكفار وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه متوقف على بلوغ الحجة " أ. هـ.
والفرق بين الكفر (الظاهر) و (الباطن) في كلام من سبق:
هو أن الكفر الباطن يحل به الدم والمال في الدنيا، ويوجب لهم العذاب في الآخرة.
واما الكفر الظاهر فإنه يعامل معاملة الكافر فلايصلى عليه ولايستغفر له ولايضحى عنه ولايزوج وغير ذلك مما يعامل به الكافر عدا استباحة الدم والمال.
((وليس المقصود من قولهم (الظاهر) و (الباطن) = عدم تكفير من وقع في الأمور الظاهرة حتى نعلم أنه (قصد الكفر في الباطن) فإن هذا لايقوله أحد ممن سبق النقل عنه.
وسبق في المعلم الخامس من منهج المتأخرين أنهم يشترطون (قصد الكفر) لتكفير من وقع فيه بعينه، وقد سبق نقضه من كلام أهل العلم)).
والله أعلم.
.
ـ[أخو من طاع الله]ــــــــ[30 - 04 - 03, 05:12 م]ـ
جزى الله الإخوة أبا خالد السلمي، وأسد السنة، على أسئلتهم المفيدة، فإن مفتاح العلم السؤال، وعلى إشكالاتهم، ومعرفة الإشكال علمٌ.
وأشكر أخي في الله: "محب العلم" على إفادته، وتأصيله، وقد طلب مني الأخ أن أبقى بعيدًا عن النقاش، وأظن الأمر تم الآن، فأستأذن الإخوة جميعًا، ولعلي أبدأ بتلخيص الموضوع وترتيبه، لكتابته بتوفيق الله.
- هل يفرق بين المسائل في العذر بالجهل بها؟
- ما هو ضابط التفريق بين المسائل؟
- الفرق بين العذر بالجهل، وبعدم قيام الحجة.
- هل عباد القبور، والروافض ونحوهم، كفار أصليون أم مرتدون؟
- (طبقات المرجئة)، وربما يكون نشر الأخير في غيرِ هذا الملتقى، فقد يكون في "الفوائد" أو "أنا المسلم"، أو "الساحات"، أو "السلفيون" أو كلها معًا، أو بعض ما ذُكر.
تنبيه: اتهمني عدد من الإخوة بأنني أنا من يكتب باسم محب العلم، ولولا كثرة من قال لي ذلك لما عقبت عليه، وما أكره من ذلك إلا توهم أني أكتب في الملتقى باسمين، وإلا فكتابات محب العلم، مما يطيب للسارق انتحاله، لما فيها من التحقيق والإجادة.
فأود التأكيد أني لا أكتب إلا بهذا الاسم:، والله ولي التوفيق.
ـ[أبومعاذ النجدي]ــــــــ[01 - 05 - 03, 03:58 ص]ـ
بمناسبة ذكر شيخنا الشيخ علي بن خضير الخضير فهذه روابط كتب ورسائل وأجزاء الشيخ حفظه الله تعالى:
الكتب اضغط هنا: http://www.alkhoder.com/nnn/sections.php?op=listarticles&secid=1
والرسائل هنا: http://www.alkhoder.com/nnn/sections.php?op=listarticles&secid=2
والأجزاء هنا: http://www.alkhoder.com/nnn/sections.php?op=listarticles&secid=3
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[01 - 05 - 03, 03:09 م]ـ
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني – قدس الله روحه، ونور ضريحه - في كتاب " الرد على البكري " ص 260:
وأيضا فإن تكفير الشخص المعين، وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها، وإلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر، ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم: " أنا لو وافقتكم كنت كافرا، لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال "، وكان هذا خطابا لعلمائهم وقضاتهم، وشيوخهم وأمرائهم) أ. هـ كلامه – رحمه الله -.
ـ[عبد الله]ــــــــ[01 - 05 - 03, 04:45 م]ـ
أهل السنة لا يكفرون جاهل الصفة مطلقاً و يشترطون إقامة الحجة قبل ذلك و هذا القدر متفق عليه بين كل من كتب في الموضوع.
فحتى لا يتشتت الموضوع مجدداً يجب التقيد بموضع الخلاف و هو:هل الذي يشرك [يعبد غير الله] يطلق عليه وصف الكفر حتى و إن كان جاهلاً أم أن جهله يمنعنا من اطلاق هذا الوصف عليه؟؟؟؟ ّّّّ!!!!.
و معذرة على هذا التدخل.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/212)
ـ[أخو من طاع الله]ــــــــ[01 - 05 - 03, 07:33 م]ـ
أخي أبا خالد، ما الفائدة، من تكرار ما ليس في محل النزاع؟!
هل تلحق كل ما يجحد بالمثال الذي أوردت؟
حتى لو جحد -جاهلاً- وحدانية الله، وظن أن الوحدانية شيء عجاب؟!
وحتى لو جحد أصل الربوبية، أو أصل الكمال لله؟
أم أن هناك تفصيلاً؟ فليكن الحديث في تحريره وبيانه.
ـ[محمد بن سيف]ــــــــ[01 - 05 - 03, 09:18 م]ـ
.
الأخ المبارك/ أبا خالد السلمي.
أسأل الله ألا يحرمك الأجر على ما كتبته منافحاً عما تدين الله به.
و لي هنا سؤال قصير يسير، إن رأيت الجواب عنه، فلك شكري و تقديري.
==============
نقلت ـ و فقك الله ـ في تعقيبك الأخير عن ابن تيمية قوله:
" ... ليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر ... ".
سؤالي ـ بارك الله فيك ـ:
ألا تفهم من هذه العبارة، أنه قد يكفر من جهل شيئاً من الدين، لكن ليس كل جهلٍ يكون صاحبه كافراً؟؟؟
.
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[02 - 05 - 03, 12:28 ص]ـ
مراد شيخ الإسلام واضح لمن تتبع كلامه وحمل متشابهه على محكمه واطلع على سيرته في التعامل مع علماء القبوريين وعوامهم في زمانه
وهو أن من جهل شيئا من الدين وأقيمت عليه الحجة كفر
ومن جهل شيئا من الدين ولم تقم عليه الحجة فلا يكفر
فهذا الذي أفهمه من قوله:
"وأيضا فإن تكفير الشخص المعين، وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها، وإلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر .. ".
فقوله: [ليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر] مفسر بما في السطر الذي قبله.
وأيضا هناك استثناء آخر وهو من سب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يكفر ولو كان جاهلا، لأنه لا يتصور في مسلم أن يجهل أن سب الله _ سبحانه _ كفر ٌ، بينما يتصور في مسلم أن يجهل أن العمل الفلاني عبادة وأن صرفه لغير الله كفر
وكان أخونا محب العلم _ وفقه الله _ قد ادعى أنه لا فرق بين السب وبين الشرك في الألوهية وقال إن شرك الألوهية هو أعظم السب
وأقول ارجع إلى الصارم المسلول لتعلم أن السب يتميز بأحكام لا تنطبق على شرك الألوهية إجماعا منها أن الساب لا يستتاب ويقتل ولو تاب وأما من صرف عبادة لغير الله فإنه يستتاب، ولو تاب لا يقتل، سواء عند من لم يكفره إلا بعد إقامة الحجة أو عند من كفره بدون إقامة حجة، ولو كان صرف عبادة لغير الله سبا لانطبقت على صارفها أحكام الساب ولا قائل بذلك.
وقيام الحجة لا يكفي فيه سماع النصوص لأن شيخ الإسلام صرح في نقل سبق ذكره في نفس هذه الصفحة أنه يعذر من لم يسمعها، كما يعذر من سمعها ولم تثبت عنده، ويعذر من ثبتت عنده ولكن عارضها معارض عنده فتأولها، قال:
[وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً]
وقال ابن حزم:
[وصفة قيامها أن تبلغه فلا يكون عنده شيء يقاومها] الإحكام 1/ 67
ومعنى لا يكون عنده شيء يقاومها أي لا تكون عنده شبهات لم يجب عليها
والخلاصة أنه لا فرق بين من أشرك في الربوبية جاهلا وبين من أشرك في الألوهية جاهلا وبين من أشرك في الأسماء والصفات جاهلا
فكل واحد من هؤلاء إذا كان سبق أن تلفظ بالشهادتين فلا يكفر بعينه حتى تقام عليه الحجة
وعلى من فرّق أن يأتينا بنص من قرآن أو سنة أو من كلام السلف فيه التفرقة بين من أشرك في الصفات جاهلا وبين من أشرك في الألوهية جاهلا، فإني حتى الآن لم أجد فيما نقله إخواننا نصا صريحا من كلام السلف على التفرقة بين الشرك في الألوهية والشرك في الصفات من جهة تكفير المعين الجاهل لأي منهما، أما أن تأتي بنصوص متشابهة عن الطبري أو ابن تيمية فيها التفريق بين مسائل خفية وجلية (وهي معارضة بنصوص أخرى فيها عدم التفريق) ثم تتحكم فتقول الخفية الصفات والجلية شرك الألوهية، فهذا غير مقبول، لأن الخفاء والجلاء أمر نسبي فقد تكون مسائل شرك الألوهية أخفى في بلد أو زمن أو عند شخص من مسائل الصفات.
وأسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلوبنا، وأن يجمعنا على الحق، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ـ[محمد بن سيف]ــــــــ[02 - 05 - 03, 03:57 ص]ـ
.
الأخ الكريم الفاضل / ابا خالد ـ وفقك الله لكل خير ـ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/213)
لا زلت أسأل، و أرجو أن أحظى بجواب يخصني، بعيداً عن كلام "محب العلم" ـ و فقه الله لهداه ـ.
ألا تفهم من قول الشيخ: "ليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر"
أن هناك أشياء من جهلها كفر.
و أشياء أخرى من جهلها لا يكفر.
.
ـ[محب العلم]ــــــــ[06 - 05 - 03, 02:01 ص]ـ
الأخ الفاضل الشيخ وليد بن إدريس حفظه الله
أكرر اعتذراي لشخصك الكريم إن كان قد بدر مني مالاينبغي لمثلك.
والجهة بين (الإعتذار) و (تشنيع الخطأ) منفكة فتنبه
.
على أني حفظك الله (متأول) في كل ماقلته.
وعليه فإني وفقك الله أحق بالعذر من الذين وقعوا في الشرك الأكبر في حق رب العالمين.
ولن أتوقف عن هذه اللغة مع أصحاب هذا القول حتى تنكشف عني في هذا الباب (كل شبهة) وحتى تجيب عن (جميع أسئلتي) كما هو مذهبك في (إقامة الحجة).
.
ولا يحق لك أن تطلق علي (أي وصف) حتى يتبين لك بالدليل القطعي أني معاند.
وهذا أحد لوازم قولك فليعلم.
.
ولي سؤال أخير أرجو ان تجيبني عليه حفظك الله وهو:
هل نستطيع الآن وفقك الله، أن نأخذ بمفهوم الموافقة من قولك، والذي يعبر عنه بعض الأصوليين ب (قياس الأولى) فنقول:
لايحق لأحد أن يصف أحدا من المسلمين الذين وقعوا في (بدعة) أي بدعة كانت، وإن دعا إليها بفمه وزبر تحسينها بقلمه ونافح عنها منافحة أهل السنة عن سنتهم = حتى نكشف عنه كل شبهة علقت بذهنه، ونجيب عن كل سؤال خطر على قلبه ونرد على كل اعتراض انقدح في عقله.، ثم بعد أن يتضح لنا عناده ويبين لنا مكنون فؤاده، نقوم بنقل اسم البدعة من (فعله) إلى (عينه)؟!
تنبيه: لاأعني بتنزيل اسم (البدعة) عليه، نزول (العقوبة) عليه من الله، فقد يكون عند الله معذورا وقد يعفى عنه، ولكن هل تطلق عليه اسم (المبتدع) بعينه أم لا؟
أما (السب) و (الشرك) فلم أقل أنهما لافرق بينهما في الأحكام وإنما ذكرت أن (شرك الألوهية) إنما هو (سب) للرب تعالى وتقدس، فكل (شرك) (سب) وليس كل (سب) شركا.
وهذا ك (النهب) و (السرقة) فهما جميعا أخذ للمال، والنهب إنما هو سرقة بمعناها العام، ومع هذا فإن أحكامهما مختلفة، فلاقطع في نهب خلافا لأخذ المال من حرز مثله.
وأما التفريق بين الشرك في الصفات والشرك في الألوهية، فلا أعلم أحدا يقول به حتى تطلب عليه الدليل!
ومخالفوك وفقك الله إنما يفرقون بين (الأمور الظاهرة) و (الخفية)
والشرك الأكبر عندهم بجميع انواعه من الأمور الظاهرة، سواء كان في (الربوبية) أو في (الألوهية) أو في (الأسماء والصفات).
وقولهم (الظاهرة) أي التي من شأنها أن تعلم لا باعتبار حال المكلف كما فهمت.
ومن اظهر مايبين معنى (الظاهرة) هو المثال الذي ذكرت أنت انه لايتصور جهله وهو (السب)، فإنه من الأمور الظاهرة عندك أي: التي تتنافى مع حقيقة الإسلام ولاتجتمع معه بحال، بلا نظر إلى حال المكلف ومكان وجوده.
وأما الصفات التي ليست من لوازم الربوبية أو التي يجهل العبد تفاصيلها لا أصلها فهي من (الأمور الخفية) كما سبق بيانه.
فلا تفريق بين (الشرك الأكبر) في الصفات، وأخوه في (الألوهية).
واما (النص) على التفريق بين الشرك الأكبر (في الألوهية والربوبية والأسماء والصفات) وبين غيره من الذنوب فأعظمه قول الله تعالى {إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء}.
وهذه الآية أصل عظيم في عظم الشرك وانفراده عن غيره بمزيد اختصاص تشديد.
وقل مثل هذا في (إقامة الحجة) في الشرك الأكبر والأمور الظاهرة وعدم اشتراط الفهم التام لها والذي يستلزم النقياد.
فمن أظهر أدلة ذلك قوله تعالى {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون}.
قال ابن القيم رحمه الله على هذه الآية كما في مفتاح دار السعادة (2/ 248):
"أي لو علم الله من هؤلاء الكفار قبولا وانقيادا لأفهمهم، وإلا فهم سمعوا سمع الإدراك، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون (أي: ولو أفهمهم لما انقادوا ولا انتفعوا بما فهموا فإن في قلوبهم من داعي التولي والإعراض ما يمنعهم عن الانتفاع بما سمعوه).ا. هـ
وقف على هذا الكلام الجليل للشيخ محمد المعصومي في كتابه: (تمييز المحظوظين من المحرومين) (91،92) وفيه:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/214)
"والله العظيم إن الذين يجهلون كلام ربهم ولا يجتهدون في فهمه
ومعرفته فهم المحرومون عن فضل ربهم، والمحرومون من هدايته
وتوفيقه وجنته ورضوانه وهم الذين إذا ألقوا في نار جهنم قال لهم
خزنتها ألم يأتكم نذير، فيقولون بلى، قد جاءتنا النذر و لكن ما
صدقناهم، ولم نعتن بكلامهم مع أن هؤلاء المحرومين يتفلسفون في
العلوم الفلسفية تفلسفا، ويدققون تدقيقا، ويشقون الشعرة مئة شق
، ويعتنون بالأمور الدنيوية والزخارف الفانية اعتناء عظيما ولكن مع ذلك
يجهلون كلام ربهم وأوامر إلههم، فهل يعذرون بهذا الجهل؟ كلا أبدا لا
يعذرون قطعا؟
كما روى الإمام البخاري في كتاب الرقائق من صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ترتفع الأمانة ويقال للرجل: ما أحذقه! وما أذكاه! وما أعلمه! وليس في قلبه مثقال ذرة من خردل من إيمان).
وذكر في هذا المعنى أحاديث إلى أن قال-:
وكل هذا حجة عليهم. فيا أخي بعد أن علمت أن هذه الخطابات العامة
لكافة بني البشر فهم بأجمعهم مكلفون بفهم ذلك والإيمان به والعمل
بموجبه، وبذلك قد قامت الحجة عليهم،خصوصا في هذه الأزمنة ا
الحاضرة منذ ألهم الله تعالى لهم اختراع هذه الآلات الحديثة
(المذياع=الراديو) فهي تبلغ الأصوات من الشرق إلى الغرب في حينها
فهم بأنفسهم يتلون القرآن بأصوات موسيقية ونغمات مصريّة لأغراضهم
السياسية أو للتجارة واكتساب الأموال بهذه يقيمون حجة الله على
أنفسهم وهم لا يشعرون حتى لا يبقى لهم مجالا لأن يقولوا ما جاءنا
من بشير ولا نذير،فسبحان الخالق الحكيم. وإنما كرر الله هذه
الخطابات العمومية في مواضع كثيرة من كتابه للتقرير، كي يقرر الحجة
عليهم ويؤكدها تأكيداً، فتنبه وتدبر ولا تكن من الغافلين المحرومين والمفتونين الهالكين) ا. هـ.
وفقنا الله وإخواننا لكل خير وجمعنا وإياهم على كلمة التقوى.
اللهم اسلل سخيمة صدورنا واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
أخوك المحب
محب العلم
ـ[سلطان العتيبي]ــــــــ[01 - 07 - 04, 02:12 ص]ـ
هذه مقارنة بين مشركي قبل الإسلام ومشركي بعده:
مشركوا قبل يصرفون العبادة لغير الله ... !!
ومشركوا بعد يصرفون العبادة لغير الله ... !!
مشركوا قبل ينسبون نفسهم لملة ابراهيم , ويظنون أنهم على شيء ... !!
مشركوا بعد ينسبون أنفسهم لملة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - , ويظنون أنهم على شيء ... !
مشركوا قبل يقيمون بعض شعائر ابراهيم كالحج وغيره ... !!
مشركوا بعد يقيمون بعض شعائر محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كالحج وغيره ... !!
مشركوا قبل لم يبعث لهم نبي مخصوص ولم ينزل عليهم كتاب ... !!
مشركوا بعد لهم نبي مخصوص وأنزل عليهم كتاب قد يكون في أرفف مسجد الضريح ... !!
مشركوا قبل اتفق أهل العلم انهم مشركون كفار ... !!
مشركوا بعد اختلف فيهم المعاصرون , والمحققون على أنهم موحدون وأن الشرك يوصف به الحيطان من حولهم ... !!
إنا لله وإنا إليه راجعون , اللهم احفظ دينك ... !!
ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[03 - 07 - 04, 01:53 ص]ـ
من أعظم ما نواجهه اليوم هو تعطيل فهم الكتاب و السنة و أقوال الصحابة رضوان الله عليهم و عدم الرجوع إليها عند التنازع فالملاحظ من هذا النقاش الدائر بين الإخوة أن غالب النقول لأقوال بعض أهل العلم و إن كانت هذه النقول مذكور في ثناياها بعض الأدلة و لكن الإخوة لم يكلفوا أنفسهم نقاش هذه الأدلة و بيان حقيقتها و رد فهم المخالف بالأدلة من الكتاب و السنة و بيان خطأ فهم المخالف بعض النصوص لظنه أنها تدل على رأيه.
و من أعظم الخطأ تقليد بعض المشايخ في فهمهم الخاطئ لبعض نصوص الكتاب و السنة و أقوال أهل العلم دون الرجوع إلى الكتاب و السنة و التدبر فيهما و معرفة حقيقة المراد منهما في هذه المسألة ثم إظهار هذا الفهم كأنه من بنيات أفكار المخالف و لو رجع ربج إلى ربجه كما يقول العامة أي رجع كل إلى أصله لوجدته تلقف هذه المسألة عن بعض المشايخ المعظمين لديه و لعله لم يشافهم بهذه المسألة و لم يناقشهم فيها و إنما سمعها أو قرأها ثم بدأ ينافح و يكافح عن هذا القول و هو لم يعرف حقيقة هذا القول و صحة الإستدلال بحجج هذا الشيخ المعظم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/215)
و يلزم فعل الإخوة وفقهم الله لكل خير إما أن الله تعالى لم يبين هذه المسألة مع عظمها و أهميتها بيانا كافيا حتى أصبح الجدال فيها يدور على معنى كلام أهل العلم فصار الجدال بلا طائل و لا نائل أو أنهم حقيقة قصروا في طلب الدليل من الكتاب و السنة و حينها لا يحل لأحد منهم الجدال في مسألة مثل هذه المسألة دون الإحاطة بجميع جوانبها.
##
###
فرأيي أن مثل هذه المسألة تناقش من جديد و لكن بذكر كل دليله على رأيه و وجه دليله و رده على المخالف عندها من كان معه الحق كما قال تعالى {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} (64) سورة طه فمن كان معه الحق مهما جمع أهل الباطل من كيد و أو صف فلا بد للحق أن يستعلي و كما قال الشاعر:
أين المفر و الإله الطالب *****و الأشرم المغلوب و ليس الغالب.
فالمشكلة العظمى اليوم عندنا أنا ندعي اتباع الكتاب و السنة و اتباع منهج السلف و زين لنا الشيطان هذا الإدعاء و جعلنا نلهج بهذه العبارة ليل نهار لأنه يعرف حقيقة أن غالبنا إنما هو يدعي دعوى و أما الحقيقة فلا حقيقة لذا قال تعالى مختبرا من إدعى الإنتساب لهذا الدين فقال تعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (2) سورة العنكبوت و أنا أقول احسب من انتسب لمنهج السلف أن يقول أنا سلفي ثم لا يختبر و لا يفتن هل هو حقيقة على منهج السلف أم لا أم أن مجرد دعواه الإنتساب إلى منهج السلف كافيه في الحكم عليه و دعوى من انتسب للإسلام ليست كافيه حتى يفتنه الله تعالى و يختبره.
فهذ المقولة اتخذها الشيطان عكازه يمنع بها كثير من الشباب من مراجعة أنفسهم و منهجهم و عرض ذلك كله على منهج السلف و هل هم حقيقة نهجوا منهج السلف أم هو مجرد إدعاء و افتراء و اتخذها كثير من المنافقين و المرتدين جنة يتسترون بها من أهل الحق فكلما أراد أحدهم أن يتكلم عليهم و يبين باطلهم قالوا هذا سلفي فلم تتكلم عليه؟
و كأنه بمجرد انتسابه للسلفية أصبح من أهل العصمة فلا يرد قوله و يفضح باطله و لا يكشف ستره و إنا لله و إنا إليه راجعون.
فانظر أم المؤمنين عائشه رضي الله عنها ماذا تقول في قوله تعالى {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (105) سورة التوبة " إِذَا أَعْجَبَك حُسْن عَمَل اِمْرِئٍ مُسْلِم فَقُلْ " اِعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّه عَمَلكُمْ وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنُونَ " هذا عمله فكيف بقوله و دعواه.
و ما ذكرته تعليق بسيط مهم جدا في كيفية إدارة النقاش في مسائل الدين جليلها و دقيقها.
و لي في مسألة العذر بالجهل خاصة في الشرك الأكبر مقال لعل الإخوة يطلعوا عليه و يبدي كل واحد منهم رأيه بالأدلة.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?s=&threadid=20390(24/216)
دراسة حديث الجهنميين .. عبد الرحيم بن صمايل السلمي
ـ[ابن فهيد]ــــــــ[16 - 03 - 03, 12:24 ص]ـ
دراسات علمية
دراسة حديث الجهنميين
عبد الرحيم بن صمايل السلمي
26/ 12/1423
27/ 02/2003
المقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإنَّ حديث الشفاعة الطويل من الأحاديث المهمة في العقيدة؛ لأنه يشتمل على مسائل كثيرة في باب الرؤية والشفاعة وصفة الجنة والنار والإيمان واليوم الآخر والصفات والوعد والوعيد وغيرها من المسائل.
ويوجد في هذا الحديث الطويل روايات مشكلة اختلفت فيها الآراء وتعددت فيها الأقوال.
وحديث الجهنميين هو جزء من حديث الشفاعة الطويل وهو الفقرة التي ذُكر فيها خروج عصاة الموحدين من النار فهم آخر هؤلاء العصاة الخارجين من النار وقد ورد في وصفهم مجموعة روايات تصفهم بأنهم يقولون لا إله إلا الله ويتركون الشرك ويعرفون بأثر السجود يعني من أهل الصلاة ووردت رواية صارت موضوع إشكال عند العلماء واختلفوا في المراد بها وهي قوله " لم يعملوا خيراً قط " فإن الظاهر الصرف من هذه الرواية وحدها يقتضي أنهم ليسوا من المسلمين مما يدل على مناقضة الروايات التي تصفهم بما تقدم.
ولهذا تعددت التصورات في حقيقة هؤلاء: هل هم لم يعملوا أي عملٍ من أعمال الإسلام أبداً؟ أم عملوا عملاً قليلاً ناقصاً أمكن وصفهم بأنهم لم يعملوا عملاً كاملاً قط؟
وقبل ذلك: ما هو حال هذه الرواية من حيث الصحة والضعف؟ ولأن هذه المسألة تتعلق بأصل الإيمان المنجي وحده الأدنى كان لابد من معرفة القول الحق في هذه الرواية المشكلة في الحديث. فالمعني بالدراسة في هذا البحث هو حديث الجهنميين من حيث تخريجه ومعانيه اللغوية وتوجيه الرواية المشكلة فيه.
وقسمتُ هذا البحث إلى ثلاث مباحث:
المبحث الأول: تخريج حديث الجهنميين.
المبحث الثاني: المعاني اللغوية في الحديث.
المبحث الثالث: بيان معنى قوله " لم يعملوا خيراً قط " والرد على المرجئة.
أسأل الله تعالى التوفيق والسداد والإخلاص في العلم والعمل
المبحث الأول: تخريج حديث الجهنميين
المطلب الأول: التخريج العام لحديث الجهنميين:
روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تُضارُّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: هل تُضارُّون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: " فإنكم ترونه كذلك ... " ثم ساق حديثاً طويلاً وفيه ذكر الجهنميين في قوله صلى الله عليه وسلم: " حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار " أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئاً ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار يعرفونهم بأثر السجود. تأكل النار من ابن آدم إلاَّ أثر السجود حرَّم الله على النار أن تأكل أثر السجود. فيُخرجون من النار وقد امتحشوا. فيُصبّ عليهم ماء الحياة فينبتون منه كما تنبت الحبَّة في حميل السيل. " الحديث
وقد جاء الحديث بألفاظ متقاربة وروي مطولاً ومختصراً.
وقد روى حديث الجهنميين عدد من الصحابة رضي الله عنهم وجاءت أحاديثهم على النحو التالي:
1 - حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -.
رواه البخاري في صحيحه في – كتاب صفة الصلاة – باب صفة السجود –برقم (773) وفي – كتاب الرقاق – باب صفة الجنة والنار وفي - كتاب التوحيد – باب قوله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " – برقم (7437).
من حديث سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي عنه.
ورواه مسلم في صحيحه – كتاب الإيمان – باب معرفة طريق الرؤية – برقم (299) ورواه أحمد (2/ 400) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 384): " وفيه صالح مولى التوأمة وهو ضعيف " وفيه قوله " ليتمجدن الله يوم القيامة على أُناس لم يعملوا خيراً قط ... ".
2 - حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/217)
رواه البخاري في صحيحه في – كتاب التوحيد – باب قوله تعالى: وجوه يومئذٍ ناظرة إلى ربها ناظرة " – برقم (7439) ومسلم في صحيحه في – كتاب الإيمان – باب معرفة الرؤية – برقم (302) وأحمد (3/ 94) عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عنه.
ورواه البخاري في صحيحه في – كتاب الإيمان – باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال – برقم (22) وفي – كتاب الرقاق – باب صفة الجنة والنار – برقم (6560) ومسلم في صحيحه في – كتاب الإيمان – باب معرفة الرؤية – عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد.
كما رواه مسلم في صحيحه من وجه آخر في – كتاب الإيمان – باب معرفة الرؤية– برقم (306) و (307) عن أبي نضرة عنه.
ورواه ابن حبان في صحيحه كما في موارد الظمأن (ص 646) عن صالح بن أبي طريف عنه.
3 - حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -.
رواه أحمد (3/ 326) وابن حبان (الاحسان 1/ 203) برقم (183)،والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (10/ 379) وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير بسام الصيرفي وهو ثقة.
4 - حديث المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه -.
رواه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/ 277 279) برقم (268 269). وابن ماجه – كتاب الزهد – باب ذكر الشفاعة – برقم (4315)،والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (10/ 379) وقال الهيثمي: "فيه عبد الرحمن ابن اسحاق وهو ضعيف".
5 - حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه -.
رواه البخاري – كتاب الرقاق – باب صفة الجنة والنار – برقم 6559 والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (10/ 380) وقال الهيثمي:"وفيه من لم أعرفهم" رواه أحمد (3/ 125 126 134 144 183 208 255 260).
وأبو يعلى في مسنده (5/ 267 344 391 475) برقم (2886 2978 305 3206).
6 - حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -.
رواه أحمد (1/ 454) عن عطاء بن السائب عن عمرو بن ميمون عنه.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 383): " رواه أحمد وأبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح غير عطاء بن السائب وهو ثقة ولكنه اختلط ".
7 - حديث عمران بن حصين – رضي الله عنه.
رواه البخاري – كتاب للرقاق – باب صفة الجنة والنار – برقم 6566 ورواه أحمد (4/ 434) وأبو داود في سنته – كتاب السنة – باب في الشفاعة – برقم (4740) والترمذي – كتاب صفة جهنم – برقم (2600).
8 - حديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه.
رواه أحمد (5/ 391 402) وابن أبي عاصم في السنة ص / 835 وابن خزيمة في التوحيد 2/ 664 والآجري في الشريعة ص / 346 عنه.
المطلب الثاني: تخريج رواية " لم يعملوا خيراً قط ".
سبق أن بينتُ أن حديث الجهنميين رواه ثمانية من الصحابة الكرام رواية مختصر ومطولة.
ولم يرد في رواية الثمانية جميعاً هذه الزيادة " لم يعملوا خيراً قط " إلاّ في حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عند مسلم (1). وقد رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري من غير طريق عطاء بن يسار وليس فيه هذه الزيادة فقد رواه عن يحيى بن عمارة (2) وأبي نضرة (3) ورواه ابن حبان عن صالح بن أبي طريف عنه دون الزيادة. وقد روى مسلم هذا الحديث في آخر الباب بعد سياقه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ولم يذكر في حديثه عنده الرواية السابقة.
قد يقول قائل: هذه الرواية يشهد لها روايتان في الحديث:
الأولى: ما رواه أحمد في حديث أبي هريرة ولفظه: " ليتمجدن الله يوم القيامة على أُناس لم يعملوا خيراً قط ... " الحديث (4).
الثانية: ما رواه البخاري عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري وفيه " فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الله الجنة بغير عملٍ عملوه ولا خير قدموه " (5). وأرى أن هاتين الروايتين لا تصلحان في الشواهد لما يلي:
أولاً: أن حديث أبي هريرة ضعيف فيه صالح مولى التوأمة (6).
ثانياً: أن رواية البخاري من نفس الطريق المروي به الزيادة عند مسلم فهما حديث واحد وقد يكون روى بالمعنى.
ثالثاً: أن رواية مسلم منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأما رواية البخاري فمنسوبة إلى أهل الجنة فاختلفت جهة النسبة فلا يصح أحدهما شاهدا للآخر.
وهل تعتبر هذه الزيادة من زيادة الثقة فتكون مقبولة؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/218)
يشترط في زيادة الثقة عدم المخالفة لمن هو أوثق منه وظاهر رواية عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه مخالف لبقية الرواة عن أبي سعيد ومخالف لبقية من روى حديث الجهنميين الذين وصفوا في الأحاديث الأخرى بأنهم " يشهدون أن لا إله إلا الله ويعبدون الله ولا يشركون به شيئاً ومن أهل الصلاة ". بينما في الزيادة أنهم لم يعملوا خيراً قط.
والظاهر أن هذه الزيادة شاذة إذا أُخذت على ظاهرها أو صحيحة إذا أمكن الجمع بينها وبين بقية الروايات بجمع صحيح.
المبحث الثاني: المعاني اللغوية في الحديث
سبق أن بينتُ أن حديث الجهنميين جزء من حديث الشفاعة الطويل وسأذكر جملة من ألفاظ الحديث التي تحتاج إلى بيان معانيها اللغوية "سَفْع" أي: سواد فيه زرقة أو صفرة يقال: سفعته النار إذا لفحته فغيّرت لون بشرته (7). "امتحشَوا" أي: احترقوا يقال: امتحش الخبز أي: احترق. ويقال: محشته النار وأمحشته والمعروف: أمحشَه (8). "الحِبّة": قال ابن شميل: "الحبة (بكسر الحاء) اسم جامع لحبوب البقول التي تنتشر إذا هاجت ثم إذا مطرت قابل نبتت". وقال أبو عمرو: "الحِبّة نبت ينبت في الحشيش الصغار". وقال ابن دريد في الجمهرة: "كل ما كان من بَزْر العشب فهو حبّة". والجمع حِبب (9).·"حميل": قال أبو سعيد الضرير: "حميل السيل ما جاء به من طين أو غثاء فإذا اتفق فيه الحِبّة واستقرت على شط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة وهي أسرع نابتة نباتاً". قال المازري: "وإنما أخبر صلى الله عليه وسلم من سرعة نباتهم" (10). ·"قشبني" قال الجوهري: "قشبني يقشبني أي أذابني كأنه قال: سمّني ريحه .. والقشيب: السم والجمع أقشاب" (11) قال القرطبي: (قوله: "قشبني ريحها" أي غيّر جلدي وصورتي وسَوّدني – وأحرقني قاله الحربي) (12). ·"حمماً": الحُمَم: الفحم واحده حممة (13). "ضبائر": قال الهروي: "ضبائر جمع ضِبارة (بكسر الضاد) مثل عمارة وعمائر والضبائر: جماعات الناس يقال: رأيتهم ضبائر أي جماعة في تفرقة" (14). "قَطّ": بفتح القاف وتشديد الطاء ظرف لاستغراق الزمن الماضي ويشترط أن يسبقها نفي.
ومنه قول الفرزدق:
ما قال لا قط إلاَّ في تشهده
لولا التشهد كانت لاؤَه نعمُ (15)
المبحث الثالث: بيان معنى قوله " لم يعملوا خيراً قط " والرد على المرجئة
ورد في وصف الجهنميين في الأحاديث بالأوصاف التالية:
1 - لا يشركون بالله شيئاً (16).
2 - يقولون لا إله إلا الله (17).
3 - يعرفون بأثر السجود (18).
وهذه الأوصاف مأخوذة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: " حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد , وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار , أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئاً , ممن أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله , فيعرفونهم في النار. يعرفونهم بأثر السجود. تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود. حرّم الله على النار أن تأكل أثر السجود , فيُخْرَجون من النار وقد امتحشوا ... " الحديث. وظاهر رواية " لم يعملوا خيراً قط " معارضة لوصف الجهنميين بهذه الأوصاف , ولهذا كانت هذه الرواية فيها إشكال يحتاج إلى بيان وتوضيح.
وقد احتج بهذا الحديث طائفتان:
إحداهما: من يرى أن الإيمان هو تصديق القلب فقط , ولا يدخل في حقيقته قول اللسان وعمل القلب والجوارح , وهم مرجئة المتكلمين من الأشاعرة و الماتريدية.
والثانية: من يرى أن الإيمان تصديق القلب وقول اللسان وعمل القلب ويستدل بهذا الحديث على أن ترك جميع أعمال الجوارح إلا الشهادتين لا يخرج من الإيمان.
والحق أنه ليس لهما دليل في هذه الرواية على ما ذهبوا إليه.
أولاً: الرد على مرجئة المتكلمين (غلاة المرجئة):
أخذ الغزالي في إحياء علوم الدين من هذا الحديث أن العمل ليس ركناً في الإيمان , إذ الركن لا يحتمل السقوط إلا بانتفاء الحقيقة , وقد أخرج الله تعالى من النار قوماً جاءوا بالتصديق المجرد (19).
" وقد استدل الغزالي بقوله " من كان في قلبه " على نجاة من أيقن بذلك وحال بينه وبين النطق به الموت , وقال في حق من قدر على ذلك فأخَّر فمات: يحتمل أن يكون امتناعه عن النطق بمنزلة امتناعه عن الصلاة فيكون غير مخلد في النار " (20).
والرد على المرجئة من وجوه:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/219)
أولاً: أن هذا الحديث ليس عمدة المرجئة في تقرير حقيقة الإيمان , لأنه من أحاديث الآحاد الظنيّة التي لا تقبل في العقيدة كما زعموا , وكذلك دلالته ظنيّة إذ الدلالات اللفظيّة ظنيّة عندهم لاحتمال المجاز والاشتراك والمعارض العقلي وغيرها.
والاستدلال بحديث ليس عمدة ولا يستقيم الاستدلال به على أصولهم لا يصح ولا يوصل لدلالته على قواعدهم.
ثانياً: أن هذا الحديث فيه الرد عليهم في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه (21) وقد بوب عليه البخاري باباً بعنوان: " باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال ". والاستدلال به في موضع وإهماله في موضع آخر تناقض واتباع للهوى.
ثالثاً: أن هذه الرواية لم ترد إلاّ عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مع كثرة من رواه من الصحابة , وقد رواه عن أبي سعيد غير عطاء ولم يذكرها. بل إن رواية عطاء بن يسار مضطربة ففي صحيح مسلم رويت هذه العبارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وفي البخاري عن أهل الجنة مع أنه حديث واحد ومخرجه واحد.
رابعاً: أن الروايات التي لم تُذكر فيها الزيادة أرجح ورواتها أكثر من تلك , وهي موافقة للأصول القطعية من أنه لن يدخل الجنة إلا مؤمن , وأن الإيمان قول وعمل (22).
خامساً: أن ظاهر الرواية يدل على عدم التصديق , لأنه "خير" وهم لم يعملوا خيراً قط , فاستثناء التصديق ليس عليه دليل , وإذا جاز استثناؤه فيصح استثناء قول اللسان وعمل القلب والجوارح من حيث جنسها لا نوعها.
سادساً: أن يحمل النفي في قوله " لم يعملوا خيراً قط " على نفي الكمال الواجب لورود ما يدل على أنهم عملوا خيراً في الروايات الأخرى.
ثانياً: الرد على مرجئة الفقهاء ومن وافقهم.
استدل بهذا الحديث من يرى عدم اشتراط العمل الظاهر في حقيقة الإيمان , وزعموا أن الإيمان المنجي هو تصديق القلب وعمله وقول اللسان.
والرد عليهم من وجوه:
أولاً: أن الروايات التي ليس فيها هذه الزيادة أرجح , وقد تقدم بيان ذلك , وقد ثبت فيها أن الجهنميين من أهل الصلاة.
ثانياً:
أن رواية الزيادة لم ترد في طرق الحديث إلا عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مما يدل على أنها غير محفوظة , وقد تقدم بيان ذلك.
ثالثاً:أن يجمع بين الروايات فيحمل النفي في الزيادة على نفي الكمال الواجب كما قال ابن خزيمة: " هذه اللفظة: (لم يعملوا خيراً قط) من الجنس الذي تقول العرب بنفي الاسم عن الشيء لنقصه من الكمال والتمام , فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل لم يعملوا خيراً قط على التمام والكمال , لا على ما أوجب عليه وأمر به " (23).
ويشهد لهذا القول حديث " ارجع فصل فإنك لم تصل " , وقاتل المائة جاء عنه " أنه لم يعمل خيراً قط " مع كونه تائباً وشرع في الهجرة إلى الأرض الصالحة.
وهذا أمر سائغ في لغة العرب يقولون: أنت لست بولدي ولا يريد نفي البنوة عنه بالمرة بل يريد لست بولدي الطائع لأن من صفات الولد الطاعة لأبيه.
ومراتب النفي هي: نفي الوجود أو الصحة أو الكمال , وحمله على الأول والثاني يلزم منه نفي قول اللسان وعمل القلب لأنها تدخل في عموم "العمل" و "الخير" , وإذا استثنوا قول اللسان وعمل القلب بنصوص خارج الحديث فإن روايات الحديث يمكن أن يستثنى بها عمل الجوارح ويحمل النفي على الكمال.
ومن زعم أن العمل في الزيادة يراد به عمل الجوارح دون عمل القلب فهذا زعم لا دليل عليه.
وقد أخرجوا عمل القلب من عموم الزيادة بالروايات الدالة على خروج من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان
وهذا صحيح ينضاف إلى عمل الجوارح الخارج بكونهم من أهل السجود والصلاة.
وزعم بعض الشراح (24) أن المراد بالسجود الوجه , وهذا إذا اقتضى نفي كونهم من أهل الصلاة ففاسد , ولهذا رواه البخاري في كتاب صفة الصلاة في باب فضل السجود مما يدل أنه فهم من السجود سجود الصلاة
رابعاً: أن يقال: إن الرواية تدل على حالة غيبيّة مخصوصة لا تعارض الأصل الثابت. فهؤلاء لقلة عملهم و خفائه لا يستطيع أهل الجنة معرفتهم عندما يأذن لهم الله تعالى في إخراج أهل الذنوب ممن دخل النار.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/220)
فقد ورد في لفظ مسلم: " يقولون ربنا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا , ويعملون معنا " ثم يقولون بعد إخراجهم من عرفوا: " ربنا لم نذر فيها خيراً " , وهذا القول هو حسب معرفتهم (25) ثم يخرج الله تعالى أقواماً آخرين , فقد ورد في رواية في المسند " أنا الآن أخرج بعلمي ورحمتي , قال: فيخرج أضعاف ما أخرجه " (26) فيمكن القول بأن هذه حالة خاصة لا ندركها في الدنيا ولا في الآخرة وهي لا يُردّ بها الأصل العام في مفهوم الإيمان وحقيقته.
ويشبه هؤلاء ما ورد في حديث حذيفة في آخر الزمان وفيه: " يدرس الإسلام – كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدري ما صيام ولا صدقة ولا نسك , ويسري على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية ويبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير , والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله فنحن نقولها. قال صلة بن زفر لحذيفة: فما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صيام ولا صدقة ولا نسك؟ فأعرض عنه حذيفة, فرددها عليه ثلاثاً, كل ذلك يعرض عنه حذيفة , ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة تنجيهم من النار " (27).
--------------------------------------------------------------------------------
(1) - في كتاب الإيمان – باب معرفة الرؤية – برقم (302).
(2) - في كتاب الإيمان - باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار – برقم (304 , 305).
(3) - في الكتاب والباب السابق برقم (306 , 307).
(4) - رواه أحمد في مسنده 2/ 400.
(5) - صحيح البخاري – كتاب التوحيد – باب قول الله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) برقم (7439).
(6) - صالح بن نبهان مولى التوأمة وهي: التوأمة بنت أمية بن خلف ابن وهب وهي التي نسب صالح إليها (انظر: الثقات - لابن حبان – 3/ 42) اختلط في آخر عمره قال الأصمعي: كان شعبة لا يحدث عنه , وقال بشر بن عمر: سألت مالكاً عنه فقال ليس بثقة. انظر: تهذيب التهذيب 4/ 405.
(7) -فتح الباري (11/ 429).
(8) - المفهم (1/ 421 – 422) , والمعلم (1/ 266) ووردت بصيغة المبني للمعلوم والمجهول وخطّأ القرطبي الثانية وصوّب الأولى , والحق أن كليهما مروي في الصحيح ولا يتضمن معنى باطل.
(9) - المعلم (1/ 226) , وانظر المفهم (1/ 422).
(10) - المعلم (1/ 226) , وانظر المفهم (1/ 422).
(11) - الصحاح مادة (قشب).
(12) - المفهم (1/ 422) , وانظر: المعلم (1/ 226).
(13) - المفهم (1/ 422) , والمعلم (1/ 229).
(14) - المعلم (1/ 229) , والمفهم (1/ 451).
(15) - انظر: قاموس الأعراب (ص / 70) , المنهاج في القواعد والأعراب (ص / 231).
(16) - انظر: صحيح البخاري برقم 773 , وصحيح مسلم برقم 299.
(17) - المصدر السابق.
(18) - المصدر السابق.
(19) وقد تابعه الزبيدي على ذلك انظر الاحياء وشرحه (5/ 243).
(20) - فتح الباري (11/ 430).
(21) - انظر: ظاهر الإرجاء في الفكر الإسلامي ص / 748.
(22) - انظر: المصدر السابق ص / 749.
(23) - التوحيد ص / 309 (ط القديمة).
(24) - شرح الأبي على صحيح مسلم.
(25) - ورد في حديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم برقم 303: " فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم ".
(26) - المسند 3/ 325.
(27) - رواه الحاكم (4/ 473) وقال صحيح على شرط مسلم , وسكت عنه الذهبي , وصححه الألباني انظر السلسلة الصحيحة برقم 87.
===========
منقول من موقع الإسلام اليوم:
http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=1864(24/221)
رسائل جامعية .. أقوال التابعين في مسائل التوحيد والإيمان
ـ[ابن فهيد]ــــــــ[16 - 03 - 03, 12:36 ص]ـ
رسائل جامعية
أقوال التابعين في مسائل التوحيد والإيمان
د/عبد العزيز بن عبد الله المبدل
10/ 1/1424
13/ 03/2003
اسم الكتاب: أقوال التابعين في مسائل التوحيد والإيمان
المؤلف: د/عبد العزيز بن عبد الله المبدل
الناشر: دار التوحيد / الرياض
عدد الصفحات: 1475 في ثلاثة أجزاء
التعريف بالكتاب:
جاء البحث في مقدمة، وتمهيد، وأربعة أبواب، وخاتمة.
في المقدمة ذكر أهمية الموضوع، ودواعي اختياره، وخطة البحث فيه.
ثم تمهيد في ثلاثة مباحث تطرق فيها إلى تعريف التابعي،ومنزلة التابعين وبيان فضلهم،وحكم الاحتجاج بأقوالهم في مسائل العقيدة.
وجعل الباب الأول في أقوال التابعين في توحيد الربوبية،واحتوي هذا الباب على فصلين:الأول في الإيمان بوجود الله تعالى، ووحدانيته في ذاته وأفعاله.والثاني في الإيمان بالقضاء والقدر.
أما الباب الثاني ففي أقوال التابعين في توحيد الألوهية،ويحتوي هذا الباب على أربعة فصول:الأول حول كلمة الإخلاص (فضلها وشروطها)،والثاني في العبادة وذكر شيء من أنواعها، والثالث في نواقض توحيد الألوهية، وفي آخر فصول هذا الباب ذكر ما ينافي كمال توحيد الألوهية من الأفعال والأقوال.
الباب الثالث خصصه لجمع أقوال التابعين في توحيد الأسماء والصفات واحتوى هذا الباب على فصلين:الأول في أسماء الله تعالى ومعانيها، والثاني في صفات الله تعالى.
وفي آخر أبواب الكتاب (الباب الرابع) ذكر أقوال التابعين في مسائل الإيمان. وجعل هذا الباب في ستة فصول:الأول في مسمى الإيمان والإسلام والعلاقة بينهما،والثاني في دخول العمل في مسمى الإيمان، والثالث في زيادة الإيمان ونقصانه،والرابع في الاستثناء في الإيمان،
والخامس في ذم الإرجاء، لآخر فصول هذا الباب كان في الكبيرة وحكم مرتكبها.
ونهاية البحث ذكر المؤلف خاتمة ضمنها أهم النتائج التي ظهرت له خلال البحث والدراسة، ومنها:
1 - أن التابعين رحمهم الله تعالى قد سلكوا سبيل الصحابة رضي الله عنهم وساروا على نهجهم، واقتفوا آثارهم في أصول الدين وفروعه، وفي نصرة الدين وإقامته.
2 - كانت للتابعين اليد الطولى في قمع البدع التي أرادت أن تقوض صرح العقيدة وبناءها في زمانهم كبدعة نفي القدر والإرجاء والخوارج وغيرها.
3 - المصادر الرئيسة عند التابعين في تلقي قضايا الاعتقاد هي الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم.
4 - إجماع التابعين على مسألة من مسائل الاعتقاد يعتبر حجة شرعية يستند إليها في إثبات تلك المسألة.
5 - لم يكثر التابعون الخوض في إثبات وجود الله تعالى لأنه من القضايا المسلمة المستقرة في الفطرة البشرية.
6 - اتفق التابعون على إثبات القدر، وأن الله تعالى قد علم كل شيء وكتبه في اللوح المحفوظ، و ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والله جل وعلا خالق كل شيء، ومن ذلك أفعال العباد؛ خيرها وشرها.
7 - إفراد الله تعالى بالعبادة وإخلاص الدين له عند التابعين هو أساس الملة وقوام الدين، وهو الغاية التي خلق لأجلها العباد، وبعث بها الرسل.
8 - كلمة الإخلاص لا تنفع قائلها إلا إذا كان عارفاً لمعناها عاملاً بمتقضاها منقاداً لها، كما أوضح ذلك الحسن البصري، ووهب بن منبه وقتادة، وغيرهم.
9 - العبادة حق خالص لله تعالى، ولذا لم يعرف في التابعين من صرف شيئاً من العبادة لغير الله تعالى لا للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لأحد من أصحابه رضي الله عنهم، لعلمهم بأن هذا مما ينافي الإسلام ويناقضه.
10 - كان التابعون يعنون أشد العناية بأمر التوحيد وحمايته عن كل ما يدنسه أو يخدشه سواء من الأفعال أو الأقوال.
11 - لم يقع من التابعين تعلق بالقبور لا ببناء المساجد عليها ولا بالصلاة والدعاء عندها، بل كانوا يفعلون ما شرع وينأون عما حرم ومنع.
12 - كان التابعون ينكرون على كل أحد يقع في شيء من الأمور التي تقدح في التوحيد وتنافي كماله، كتعليق التمائم، والتطير، والحلف بغير الله تعالى وغير ذلك مما نهي عنه شرعاً.
13 - منهج التابعون في أسماء الله تعالى وصفاته هو منهج الصحابة رضي الله عنهم والذي يتمثل في إثبات ما أثبت الله تعالى لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، ونفي ما نفاه الله تعالى عن نفسه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
14 - اتفق التابعون على إثبات نصوص الصفات، وإقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها.
15 - لم يكن التابعون يعارضون نصوص الكتاب والسنة – لا في الصفات ولا في غيرها – بآرائهم وعقولهم، بل المأثور عنهم التسليم والانقياد لما جاءت به النصوص.
16 - الإيمان عند التابعين قول وعمل، يزيد وينقص، ويجوز الاستثناء فيه.
17 - تصدى التابعون لبدعة الإرجاء التي ظهرت في زمانهم وقمعوها، وحذروا من أهلها وبدعوهم، وضللوهم، وأبانوا للأمة زيغهم وشناعة قولهم.
18 - أجمع التابعون على أن الذنوب قسمان: صغائر، وكبائر، وكلاهما تضعف الإيمان وتؤثر فيه.
19 - انتهج التابعون منهجاً وسطاً في شأن صاحب الكبيرة التي لا تخرج عن الملة، فلم يكفروه كما فعلت الخوارج، ولم يقولوا بأنه كامل الإيمان كما زعمت المرجئة، بل قالوا: إنه مؤمن ناقص الإيمان، أو هو مؤمن بإيمانه، وفاسق بكبيرته.
http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=75&artid=1919
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/222)
ـ[عبد العزيز سعود العويد]ــــــــ[16 - 03 - 03, 12:42 ص]ـ
من الموافقات أيضا أن رسالة الدكتوراه لأخينا الشيخ علي الشبل - وفقه الله - حول الآثار الواردة عن التابعين في العقيدة. وطريقته أنه يذكر آثار كل تابعي على حدة مرتبة حسب أبواب العقيدة.(24/223)
هل يجوز نداء الرجل باسمه ولو كان معبدا لغير الله؟
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[16 - 03 - 03, 09:14 ص]ـ
فائدة
قال ابن ا لقيم في التحفة ص 81:
أما قوله أنا ابن عبد المطلب فهذا ليس من باب إنشاء التسمية بذلك
وإنما هو باب الإخبار بالاسم الذي عرف به المسمى دون غيره والأخبار
بمثل ذلك على وجه تعريف المسمى لا يحرم ولا وجه لتخصيص أبي
محمد بن حزم ذلك بعبد المطلب خاصة فقد كان الصحابة يسمون
بني عبد شمس وبني عبد الدار بأسمائهم ولا ينكر عليهم النبي فباب
الإخبار أوسع من باب الإنشاء فيجوز ما لا يجوز في الإنشاء.
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[16 - 03 - 03, 10:41 ص]ـ
جزاك الله خيراً
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
قال ابن حزم: " اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله، كعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك، حاشا عبد المطلب ".
قال الشيخ ابن عثيمين:
قوله: " اتفقوا ". أي: أجمعوا، والإجماع أحد الأدلة الشرعية التي ثبتت بها الأحكام، والأدلة هي: الكتاب، والسنة والإجماع، والقياس.
قوله: " وما أشبه ذلك ". مثل: عبد الحسين، وعبد الرسول، وعبد المسيح، وعبد علي.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم .. " الحديث، فهذا وصف وليس علماً، فشبه المنهمك بمحبة هذه الأشياء المقدم لها على ما يرضي الله بالعابد لها، كقولك: عابد الدينار، فهو وصف، فلا يعارض الإجماع.
قوله: " حاشا عبد المطلب ". حاشا الاستثنائية إذا دخلت عليها (ما) وجب نصب ما بعدها، وإلا جاز فيه النصب والجر.
وبالنسبة لعبد المطلب مستثنى من الإجماع على تحريمه، فهو مختلف فيه، فقال بعض أهل العلم: لا يمكن أن نقول بالتحريم والرسول صلى الله عليه وسلم قال:
" أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب "
فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يفعل حراماً، فيجوز أن يعبد للمطلب إلا إذا وجد ناسخ، وهذا تقرير ابن حزم رحمة الله، ولكن الصواب تحريم التعبيد للمطلب، فلا يجوز لأحد أن يسمي ابنه عبد المطلب، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " أنا ابن عبد المطلب "، فهو من باب الإخبار وليس من باب الإنشاء، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن له جداً اسمه عبد المطلب، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه سمى عبد المطلب، أو أنه أذن لأحد صحابته بذلك، ولا أنه أقر أحداً على تسميته عبد المطلب، والكلام في الحكم لا في الإخبار، وفرق بين الإخبار وبين الإنشاء والإقرار، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما بنو هاشم وبنو عبد المطلب شيء واحد "، وقال صلى الله عليه وسلم: " يا بني عبد مناف " ولا يجوز التسمي بعبد مناف.
وقد قال العلماء: إن حاكي الكفر ليس بكافر، فالرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم عن شيء قد وقع وانتهى ومضى، فالصواب أنه لا يجوز أن يعبد لغير الله مطلقاً لا بعبد المطلب ولا غيره، وعليه، فيكون التعبد لغير الله من الشرك.
" القول المفيد " (2/ 186، 187).
ولعل وجه استثناء " عبد المطلب " لا أنه معبد لغير الله على غير وجه الإنشاء، بل لأنه أصلاً ليس اسماً معبَّداً، وتجد هذا فيما يأتي.
فائدة مهمة:
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن:
قوله (حاشا عبد المطلب): هذا الاستثناء من العموم المستفاد من " كل "؛ وذلك أن تسميته بهذا الاسم لا محذور فيها؛ لأن أصله من عبودية الرق، وذلك أن المطلب أخو هاشم قدم المدينة، وكان ابن أخيه " شيبة " هذا قد نشأ في أخواله بني النجار من الخزرج، لأن هاشماً تزوج فيهم امرأة، فجاءت منه بهذا الابن، فلما شبَّ في أخواله، وبلغ سن التمييز: سافر به عمه " المطلب " إلى مكة - بلد أبيه وعشيرته - فقدم به مكة وهو رديفه، فرآه أهل مكة وقد تغير لونه بالسفر، فحسبوه عبداً للمطلب، فقالوا: هذا عبد المطلب، فعلق به هذا الاسم وركبه، فصار لا يُذكر ولا يُدعى إلا به ....
" فتح المجيد " (ص 401).
والله أعلم
ـ[الحمادي]ــــــــ[16 - 03 - 03, 11:31 ص]ـ
أحسنت ياأخ إحسان على هذه النقول المفيدة.
ـ[أبو خالد السلمي.]ــــــــ[16 - 03 - 03, 03:27 م]ـ
وردت هذه العبارة فيما نقله الشيخ إحسان عن العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
(ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما بنو هاشم وبنو عبد المطلب شيء واحد ")
وتصويب العبارة: (ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ")
والفرق واضح بين الصواب والخطأ
فالمطلب هو المطلب بن عبد مناف أخو هاشم بن عبد مناف
وأما عبد المطلب فهو عبد المطلب بن هاشم
إذن المطلب عم عبد المطلب
والذي ذكر في الحديث هو المطلب وليس عبد المطلب، ولا يمكن أن يكون المراد عبد المطلب لأن بني عبد المطلب هم من بني هاشم
فلا حاجة لتسويتهم ببني هاشم
وأما بنو المطلب فهم أبناء عم لبني هاشم وليسوا منهم لذا اختلف العلماء بشأنهم، وجاء الحديث ليبين تسويتهم ببني عمومتهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/224)
ـ[ابو عبدالله الناصري]ــــــــ[17 - 03 - 03, 02:45 م]ـ
ويشهد لقول ابن القيم رحمه الله ويؤيده في أن هذا من باب الإخبار
بالإسم الذي عرف به المسمي دون غيره قوله صلي الله عليه وسلم:
" انزعوا بني عبد المطلب! فلولا أن يغلبكم الناس علي سقايتكم لنزعت
معكم "
أخرجه مسلم (1218) من حديث جابر رضي الله عنه في حجة الوداع 0
ومنها قوله صلي الله عليه وسلم:
" يا بني عبد مناف! لاتمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلي أية ساعة شاء
من ليل أو نهار " 0
أخرجه أحمد (4/ 80) والترمذي (868) والنسائي (1/ 284و 5/ 223) وابن
ماجه (1254) وغيرهم من طريق أبي الزبير عن عبد الله باباه عن جبير بن
مطعم رضي الله عنه به 0
وإسناده صحيح 0
فهذي النصوص وغيرها قاضية بجواز ذلك وأن هذا من جهة الإخبار لا من
جهة الإنشاء 0(24/225)
دعوة للخير فهل تشارك؟ حول اختصارالنونية لابن القيم
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[20 - 03 - 03, 11:43 م]ـ
بسم الله
إلى الإخوة الأعضاء بارك الله فيهم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فهذه دعوة إن صح التعبير لختصار نونية ابن القيم (الكافية الشافية)،
فلا يخفى على طلاب العلم ما فيها من العلوم والفنون، وأعرف مجموعة
من المبتدئين في الطلب، يرغبون في حفظها ولكن تعلمون صعوبة الأمر
ولهذا اقترحت عليهم أن يحفظوا مالابد من حفظه من الأبيات، وتعلمون
تقدير المهم منها يختلف من شخص لآخر ولهذا فإنني أدعوا طلاب العلم ولهذا فإنني أدعوا طلاب العلم
أن يشاركوا في انتقاء الأبيات التي لا يستغني عنها طالب علم في
الاستشهاد بها ونحو ذلك، ولا يخفى عليكم ما ينالكم من الأجر في
ذلك لا حرمكم الله الأجر.
ـ[طالب الحقيقة]ــــــــ[21 - 03 - 03, 12:08 ص]ـ
قد انتقىالشيخ السعدي رحمه الله أبياتا منها، وهي سهلة الحفظ.
ولاأستحضر عدد الأبيات التي انتقاها.
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[21 - 03 - 03, 12:45 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي طالب الحقيقة
ولعلك تتحفنا بها، ولا مانع من المشاركة من الإخوة وستظهر الفائدة
فيما بعد.
ولعلي أبدأ:
قال ابن القيم رحمه الله:
لسنا نشبه وصفه بصفاتنا ان المشبه عابد الأوثان
كلا ولا نخليه من أوصافه إن المعطل عابد البهتان
من مثل الله العظيم بخلقه فهو النسيب لمشرك نصراني
أو عطل الرحمن من أوصافه فهو الكفور وليس ذا إيمان
هذا ومن توحيدهم إثبات أو صاف الكمال لربنا الرحمن
كعلوه سبحانه فوق السماوات العلى بل فوق كل مكان
فهو العلي بذاته سبحانه إذ يستحيل خلاف ذا ببيان
وهو الذي حقا على العرش استوى قد قام بالتدبير للأكوان
حي مريد قادر متكلم ذو رحمة وإرادة وحنان
هو اول هو آخر هو ظاهر هو باطن هي أربع بوزان
ـ[أبو الفضل حمدي]ــــــــ[21 - 03 - 03, 09:41 م]ـ
أحسنت الاختيار فابن القيم علامة والنونية قيمة طيبة وإن شاء الله تعالى أن معكم
ـ[أبو مقبل]ــــــــ[22 - 03 - 03, 12:52 ص]ـ
أخي الكريم الشيخ خالد الشايع وفقه الله إن هذه بادرة عظيمة أن يسعى مجموعة من طلاب العلم لحفظ مثل هذه القصيدة العظيمة التي تحوي فوائد وقواعد كثيرة مهمة لطلاب العلم.
وقد كان علماء الدعوة النجدية إلى الآن وهم يستشهدون بها في كتبهم ومواعظهم ودروسهم فأسأل الله أن يوفق هؤلاء الطلاب للعلم النافع والعمل الصالح.
وهذا العنوان الذي كتبته هو عنوان كتاب لفضيلة الشيخ: عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن محمد بن سحمان.
اختار في هذا الكتاب أبياتا قليلة تحوي فوائد جليلة ليسهل حفظها له ولعلي أكتب بعضا منها في الأيام القادمة.
=================
أرجو أن تعذرني فأنا لاأستطيع الكتابة بسرعة.
================
سمعت الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يردد هذا البيت في أكثر من مناسبة وهو في النونية:
هربوا من الرق الذي خلقوا له ... فبلوا برق النفس والشيطان
وسمعت الشيخ محمد المنصور رحمه الله يردد هذا البيت:
الدين منصور وممتحن فلا ... تعجب فهذي سنة الرحمن
ـ[ذو المعالي]ــــــــ[22 - 03 - 03, 02:24 ص]ـ
الأخ الكريم: خالد الشايع.
مقترَحٌ مبارك، و لكن العمل مسبوقٌ بجهدين:
الأول: للعلامة ابن سحمان، و هو مطبوع، كما أفاده الأخ: ابو مقبل.
الثاني: للعلامة ابن عثيمين، و هو موجود بخطِّ يده.
و لكن هل حفظها مما يستدعي تكاتف الهمة عليه؟
ارجو مراعاة ذلك.
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[23 - 03 - 03, 08:00 ص]ـ
بارك الله في الجميع
أخي ذو المعالي: جزاك الله خيرا والهمم تختلف من طالب لآخر، ولكن
في هذا الطرح تيسير على الإخوة، ورفع للهمة، وأرى أن البعض يغفل
عن هذه القصيدة مع اهتمام مشايخنا بها وحثهم على حفظها، ولا
يخفى عليكم أن حفظ الشعر سهل ويبقى فهو لا يحتاج إلى عناء في
المراجعة كغيره من المتون، ومن قرأ النونية مع شرحها عرف فضل هذه
القصيدة. فالمؤمل من الإخوة المواصلة
وبإذن الله يقوم الإخوة فيما بعد بتنسيقها على الورد
فلواحد كن واحدا في واحد ### أعني سبيل الحق و الإيمان [/ COLOR]
ـ[أبو خالد السلمي.]ــــــــ[23 - 03 - 03, 09:51 ص]ـ
الشيخ الكريم خالد الشايع حفظه الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/226)
مساهمة مني في هذا المشروع الجليل، فقد اجتهدت في انتقاء الأبيات الآتية من بين نحو 600 بيت هي أبيات الفصول المتعلقة بأدلة علو الرب سبحانه، بحيث تكون الأبيات المنتقاة مشتملة على الواحد والعشرين نوعا من أنواع الأدلة مع أبرز الأفكار التي طرحها المؤلف تحت كل نوع، وأسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت في هذا الانتقاء.
وللأسف فلم أطلع على ما انتقاه الأئمة الثلاثة: ابن سحمان وابن سعدي وابن عثيمين _ عليهم سحائب الرحمات _ وفي انتقائهم غنية بالتأكيد كما تفضل الشيخ الجليل ذو المعالي، وإنما انتقيت هذا لنفسي ولمن شاء من إخواني ممن لم يتيسر له الاطلاع على انتقاءات الأئمة المذكورين.
وبهذا الصدد أقترح السير على هذا المنهج وهو أن يتولى كل أخ من إخواننا تلخيص فصل بعينه أو مجموعة فصول تندرج تحت موضوع واحد بحيث تدمج بعد التلخيص في فصل واحد، حتى يكون العمل في المشروع منسقا ولا تكرار فيه.
وهذه الأبيات المنتقاة:
فصل
في أدلة علو الله تعالى فوق سمواته على عرشه
ولقد أتانا عشر أنواع من المنقول في فوقية الرحمن
مع مثلها أيضا تزيد بواحد ... ها نحن نسردها بلا كتمان
منها استواء الرب فوق العرش في ... سبع أتت في محكم القرآن
هذا ومن عشرين وجها يبطل ... التفسير باستولى لذي عرفان
هذا وثانيها صريح علوه ... وله بحكم صريحه لفظان
لفظ العلى ولفظه الأعلى معرّ ... فة لقصد بيان
ان العلو له بمطلقه على التـ ... ـعميم والاطلاق بالبرهان
وله العلو من الوجوه جميعها ... ذاتا وقهرا مع علو الشان
كلٌّ إذا ما نابه أمر يُرى ... متوجها بضرورة الانسان
نحو العلو فليس يطلب خلفه ... وأمامه أو جانب الانسان
هذا وثالثها صريح الفوق مصـ ... حوبا بمن وبدونها نوعان
احداهما هو قابل التأويل والأ ... صل الحقيقة وحدها ببيان
فإذا ادعى تأويل ذلك مدع ... لم تقبل الدعوى بلا برهان
لكنما المجرور ليس بقابل التأ ... ويل في لغة وعرف لسان
وأضخ لفائدة جليل قدرها ... تهديك للتحقيق والعرفان
ان الكلام اذا أتى بسياقة ... يبدي المراد لمن له أذنان
أضحى كنص قاطع لا يقبل التأويل يعرف ذا أولو الأذهان
هذا ورابعها عروج الروح وال ... أملاك صاعدة الى الرحمن
ولقد أتى في سورتين كلاهما اشتملا على التقدير بالأزمان
هذا وخامسها صعود كلامنا ... بالطيبات اليه والاحسان
وكذا صعود الباقيات الصالحا ... ت اليه من أعمال ذي الايمان
وكذا صعود تصدق من طيب ... أيضا اليه عند كل أوان
وكذا عروج ملائك قد وكلوا ... منا بأعمال وهم بدلان
فإليه تعرج بكرة وعشية ... والصبح يجمعهم على القرآن
كي يشهدون ويعرجون اليه بالأعمـ ... ـال سبحان العظيم الشان
وكذاك سعي الليل يرفعه الى الـ ... ـرحمن من قبل النهار الثاني
وكذاك سعي اليوم يرفعه له ... من قبل ليل حافظ الانسان
وكذلك معراج الرسول اليه حـ ... ـق ثابت ما فيه من نكران
بل جاوز السبع الطباق وقد دنى ... منه الى أن قدرت قوسان
بل عاد من موسى اليه صاعدا ... خمسا عداد الفرض في الحسبان
وكذاك رفع الروح عيسى المرتضى ... حقا اليه جاء في القرآن
وكذاك تصعد روح كل مصدق ... لما تفوز بفرقة الأبدان
حقا اليه كي تفوز بقربه ... وتعود يوم العرض للجثمان
وكذا دعا المظلوم أيضا صاعد ... حقا اليه قاطع الأكوان
هذا وسادسها وسابعها النزول ... كذلك التنزيل للقرآن
والله أخبرنا بأن كتابه ... تنزيله بالحق والبرهان
أيكون تنزيلا وليس كلام من ... فوق العباد أذاك ذو امكان
أيكون تنزيلا من الرحمن والر ... حمن ليس مباين الأكوان
وكذا نزول الرب جل جلاله ... في النصف من ليل وذاك الثاني
فيقول لست بسائل غيري بأحـ ... ـوال العباد أنا العظيم الشأن
من ذاك يسألني فيعطي سؤله ... من ذا يتوب اليّ من عصيان
من ذاك يسألني فأغفر ذنبه ... فأنا الودود الواسع الغفران
من ذا يريد شفاءه من سقمه ... فأنا القريب مجيب من ناداني
ذا شأنه سبحانه وبحمده ... حتى يكون الفجر فجرا ثان
يا قوم ليس نزوله وعلوه ... حقا لديكم بل هما عدمان
هذا وثامنها بسورة غافر ... هو رفعة الدرجات للرحمن
هذا وتاسعها النصوص بأنه ... فوق السماء وذا بلا حسبان
ليست تدل على انحصار الهنا ... عقلا ولا عرفا ولا بلسان
هذا وعاشرها اختصاص البعض ... من أملاكه بالعند للرحمن
وكذا اختصاص كتاب رحمته بعند الله فوق العرش ذو التبيان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/227)
لو لم يكن سبحانه فوق الورى ... كانوا جميعا عند ذي السلطان
ويكون عند الله ابليس وجبريل هما في العند مستويان
هذا وحادي عشر هن اشارة ... نحو العلو بإصبع وبنان
لله جل جلاه لا غيره ... إذ ذاك اشراك من الانسان
ولقد أشار رسوله في مجمع الحج العظيم بموقف الغفران
نحو السماء بأصبع قد كرمت ... مستشهدا للواحد الرحمن
يا رب فأشهد انني بلغتهم ... ويشير نحوهم لقصد بيان
فغدا البنان مرفعا ومصوبا ... صلى عليك الله ذو الغفران
هذا وثاني عشرها وصف الظهو ... ر له كما قد جاء في القرآن
والظاهر العالي الذي ما فوقه ... شيء كما قد قال ذو البرهان
حقا رسول الله ذا تفسيره ... ولقد رواه مسلم بضمان
فاقبله لا تقبل سواه من التفا ... سير التي قيلت بلا برهان
هذا وثالث عشرها اخباره ... انا نراه بجنة الحيوان
فسل المعطل هل نرى من تحتنا ... أم عن شمائلنا وعن أيمان
أم خلفنا وأمامنا سبحانه ... أم هل نرى من فوقنا ببيان
يا قوم ما في الأمر شيء غير ذا ... أو أن رؤيته بلا امكان
اذ رؤية لا في مقابلة من الرائي محال ليس في الامكان
هذا ورابع عشرها اقرار سا ... ئلة بلفظ الأين للرحمن
يا قوم لفظ الأين ممتنع على الر ... حمن عندكم وذو بطلان
ويكاد قائلكم يكفرنا به ... بل قد وهذا غاية العدوان
لفظ صريح جاء عن خير الورى ... قولا واقرارا هما نوعان
والله ما كان الرسول بعاجز ... عن لفظ مَن مع أنها حرفان
والأين أحرفها ثلاث وهي ذو ... لبس ومَن غاية التبيان
والله ما الملكان أفصح منه اذ ... في القبر من رب السما يسلان
ويقول أين الله يعني مَن فلا ... والله ما اللفظان متحدان
هذا وخامس عشرها الاجماع من ... رسل الاله الواحد المنان
فالمرسلون جميعهك مع كتبهم ... قد صرحوا بالفوق للرحمن
وحكى لنا أجماعهم شيخ الورى ... والدين عبد القادر الجياني
وأبو الوليد المالكي أيضا حكى ... اجماعهم علم الهدى الحراني
وله اطلاع لم يكن من قبله ... لسواه من متكلم ولسان
هذا ونقطع نحن أيضا أنه ... اجماعهم قطعا على البرهان
هذا وسادس عشرها اجماع أهـ ... ـل العلم أعني حجة الأزمان
من كل صاحب سنة شهدت له ... أهل الحديث وعسكر القرآن
لا عبرة بمخالف لهم ولو ... كانوا عديد الشاء والبعران
ان الذي فوق السموات العلى ... والعرش وهو مباين الأكوان
هو ربنا سبحانه وبحمده ... حقا على العرش استوى الرحمن
واقرأ تفاسير الأئمة ذاكري الأسـ**ـناد فهي هداية الحيران
وانظر الى قول ابن عباس بتفسـ ... ـير استوى ان كنت ذا عرفان
وانظر الى أصحابه من بعده ... كمجاهد ومقاتل حبران
وانظر الى الكلبي أيضا والذي ... قد قاله من غير ما نكران
وكذا رفيع التابعي أجلهم ... ذاك الرياحي العظيم الشان
فلهم عبارات عليها أربع ... قد حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلك أر**تقع الذي ما فيه من نكران
وكذاك قد صعد الذي هو أربع ... وأبو عبيدة صاحب الشيباني
يختار هذا القول في تفسيره ... أدرى من الجهمي بالقرآن
والأشعري يقول تفسير استوى ... بحقيقة استولى من البهتان
هو قول أهل الاعتزال وقول ... اتباع لجهم وهو ذو بطلان
في كتبه قد قال ذا من موجز ... وأبانة ومقالة ببيان
هذا وسابع عشرها اخباره ... سبحانه في محكم القرآن
عن عبده موسى الكليم وحربه ... فرعون ذي التكذيب والطغيان
ومن المصائب قولهم أن اعتقا ... د الفوق من فرعون ذي الكفران
فإذا اعتقدتم ذا أشياع له ... أنتم وذا من أعظم البهتان
فأسمع إذا من ذا الذي أولى بفر ... عون المعطل جاحد الرحمن
وانظر الى ما جاء في القصص التي ... تحكي مقال أمامهم ببيان
والله قد جعل الضلالة قدوة ... بأئمة تدعو الى النيران
فامام كل معطل في نفسه ... فرعون مع نمرود مع هامان
طلب الصعود الى السماء مكذبا ... موسى ورام الصرح بالبنيان
بل قال موسى كاذب في زعمه ... فوق السماء الرب ذو السلطان
فابنوا لي الصرح الرفيع لعلني ... ارقى اليه بحيلة الانسان
وأظن موسى كاذبا في قوله ... الله فوق العرش ذو السلطان
يا قومنا والله ان لقولنا ... ألفا تدل عليه بل الفان
عقلا ونقلا مع صريح الفطرة الأ ... ولى وذوق حلاوة القرآن
كل يدل بأنه سبحانه ... فوق السماء مباين الأكوان
هذا وثامن عشرها تنزيهه ... سبحانه عن موجب النقصان
ولقد أتى التنزيه عما لم يقم ... كي لا يزور بخاطر الانسان
فانظر الى التنزيه عن طُعم ولم ... ينسب إليه قط من انسان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/228)
وكذلك التنزيه عن موت وعن ... نوم وعن سنة وعن غشيان
فلأي شيء لم ينزه نفسه ... سبحانه في محكم القرآن
عن ذي المقالة مع تفاقم أمرها ... وظهورها في سائر الأديان
بل دائما يبدي لنا اثباتها ... ويعيده بأدلة التبيان
لا سيما تلك المقالة عندكم ... مقرونة بعبادة الأوثان
ولأي شيء لم يحذر خلقه ... عنها وهذا شأنها ببيان
هذا وليس فسادها بمبين ... حتى يحال لنا على الأذهان
ولذاك قد شهدت أفاضلكم لها ... بظهورها للوهم في الانسان
هذا وتاسع عشرها الزام ذي التعطيل أفسد لازم ببيان
وفساد لازم قوله هو مقتضى ... لفساد ذاك القول بالبرهان
فسل المعطل عن ثلاث مسائل ... تقضي على التعطيل بالبطلان
ماذا تقول كان يعرف ربه ... هذا الرسول حقيقة العرفان
أم لا وهل كانت نصيحته لنا ... كل النصيحة ليس بالخوان
أم لا وهل حاز البلاغة كلها ... فاللفظ والمعنى له طواعن
فاذا انتهت هذي الثلاثة فيه كا ... ملة مبرأة من النقصان
فلأي شيء عاش فينا كاتما ... للنفي والتعطيل في الأزمان
بل مفصحا بالضد نته حقيقة الا ... فصاح موضحة بكل بيان
ولأي شيء لم يصرّح بالذي ... صرحتم في ربنا الرحمن
العجزه عن ذاك أم تقصيره ... في النصح أم لخفاء هذا الشان
حاشاه بل ذا وصفكم يا أمة التعطيل لا المبعوث بالقرآن
ولأي شيء كان يذكر ضد ذا ... في كل مجتمع وكل زمان
أتراه أصبح عاجزا عن قوله استولى وينزل أمره وفلان
والله ما قاله الأئمة غير ما ... قد قاله من غير ما كتمان
لكن لأن عقول أهل زمانهم ... ضاقت بحمل دقائق الايمان
وغدت بصائرهم كخفاش أتى ... ضوء النهار فكف عن طيران
حتى اذا ما الليل جاء ظلامه ... أبصرته يسعى بكل مكان
وكذاك عقولكم لو استشعرتم**** يا قوم كالحشرات والفيران
لزمتكم شنع ثلاث فارتؤا ... أو خلة منهن أو ثنتان
تقديمهم في العلم أو في نصحهم ... أو في البيان أذاك ذو امكان
هذا وخاتم العشرين وجها هو أقربها الى لأذهان
سرد النصوص فانها قد نوعت ... طرق الأدلة في أتم بيان
والنظم يمنعني من استيفائها ... وسياقه الألفاظ بالميزان
فأشير بعض اشارة لمواضع ... منها وأين البحر من خلجان
فاذكر نصوص الاستواء فإنها ... في سبع آيات من القرآن
واذكر نصوص الفوق أيضا ف ثلا ... ث قد غدت معلومة التبيان
واذكر نصوص علوه في خمسة ... معلومة برئت من النقصان
واذكر نصوصا في الكتاب تضمنت ... تنزيله من ربنا الرحمن
فتضمنت أصلين قام عليهما الـ ... ـاسلام والايمان كالبنيان
كون الكتاب كلامه سبحانه ... وعلوه من فوق كل مكان
وعدادها سبعون حين تعد أو ... زادت على السبعين في الحسبان
واذكر نصوصا ضمنت رفعا ومعرا ... جا وأصعادا الى الديان
هي خمسة معلومة بالعد وال ... حسبان فاطلبها من القرآن
ولقد أتى في سورة الملك التي ... تنجي لقارئها من النيران
نصان أن الله فوق سمائه ... عند المحرف ما هما نصان
ولقد أتى التخصيص بالعند الذي ... قلنا بسبع بل أتى بثمان
منها صريح موضعان بسورة الأ ... عراف ثم الأنبياء الثاني
فتدبر التعيين وانظر ما الذي ... لسواه ليست تقتضي النصان
وبسورة التحريم أيضا ثالث ... بادي الظهور لمن له أذنان
ولديه في مزمل قد بينت ... نفس المراد وقيدت ببيان
لا تنقض الباقي فما لمعطل ... من راحة فيها ولا تبيان
وبسورة الشورى وفي مزمل ... سر عظيم شانه ذو شان
لم يسمح المتأخرون بنقله ... جبنا وضعفا عنه في الايمان
بل قاله المتقدمون فوارس الا ... يلام هم امراء هذا الشان
ومحمد بن جرير الطبري في ... تفسيره حكيت به القولان
هذا وحاديها وعشرون الذي ... قد جاء في الأخبار والقرآن
اتيان رب العرش جل جلاله ... ومجيئه للفصل بالميزان
انظر الى التقسيم والتنويع في القـ ... ـرآن تلفيه صريح بيان
ان المجيء لذاته لا أمره ... كلا ولا ملك عظيم الشان
اذ ذانك الأمران قد ذكرا وبيـ ... نهما مجيء الرب ذي الغفران
والله ما احتمل المجيء سوا مجي ... ْ الذات بعد تبين البرهان
من أين يأتي يا أولي المعقول أن ... كنتم ذوي عقل مع العرفان
من فوقنا أو تحتنا أو عن شما ... ئلنا ومن خلف وعن أيمان
والله لا يأتيهم من تحتهم ... أبدا تعالى الله ذو السلطان
كلا ولا من خلفهم وأمامهم ... وعن الشمائل أو عن الأيمان
والله لا يأتيهم الا من العـ ... ـلو الذي هو فوق كل مكان
وأذكر حديثا في الصحيح تضمّنت ... كلماته تكذيب ذي البهتان
لما قضى الله الخليقة ربنا ... كتبت يداه كتاب ذي الاحسان
وكتابه هو عنده وضع على العـ ... ـرش المجيد الثابت الأركان
اني انا الرحمن تسبق رحمتي ... غضبي وذاك لرأفتي وحناني
ولقد أشار نبينا في خطبة ... نحو السماء بأصبع وبنان
مستشهدا رب السموات العلى ... ليرى ويسمع قوله الثقلان
واذكر حديث حصين بن المنـ ... ـذر الثقة الرضي أعني أبا عمران
اذ قال ربي في السماء لرغبتي ... ولرهبتي أدعوه كل أوان
فأقره الهادي البشير ولم يقل ... أنت المجسم قائل بمكان
واذكر حديث الصادق ابن رواحة ... في شأن جارية لدى الغشيان
فيه الشهادة أن عرش الله فو ... ق الماء خارج هذه الأكوان
والله فوق العرش جل جلاله ... سبحانه عن نفي ذا البهتان
ذكر ابن عبد البر في استيعابه ... هذا وصححه بلا نكران
وحديث معراج الرسول فثابت ... وهو الصريح بغاية التبيان
والى اله العرش كان عروجه ... لم يختلف من صحبه رجلان
واذكر قصة بخندق حكما عروجه ... لقريظة من سعد الرباني
شهد الرسول بأن حكم إلهنا ... من فوق سبع وفقه بوزان
وقد اقتصرت على يسير من كثيرٍ فائتٍ للعد والحسبان
ما كل هذا قابلَ التأويل والتحريف فاستحيوا من الرحمن
ملاحظة:
النسخة المنقول عنها نسخة إلكترونية كثيرة التصحيفات، وقد صححت أشياء وبقيت أشياء فلتراجع ولتصحح فيما بعد إن شاء الله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/229)
ـ[زياد العضيلة]ــــــــ[23 - 03 - 03, 11:55 ص]ـ
الشيخ السعدي رحمه الله ..... لم ينتقى بالمعنى المراد .. انما جمع الابيات المتعلقه بتوحيد القصد والطلب او توحيد الالهية .... دون غيرها من مسائل الاعتقاد ... وشرحها رحمه الله شرحا بديعا.
وله شرح اخر كامل على النونية.
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[23 - 03 - 03, 12:38 م]ـ
أحسن الله إليك أخي أبو خالد السلمي فلقد
أفدت بشيء عظيم جعله الله في ميزان حسناتك.
ولقد كان اقتراحك موفقا
في اختصار فصل معين ولعلنا على هذا الدرب نسير.
======
أخي المتمسك بالحق: جزيت خيرا على فائدتك وهي مما يحثنا على
على المواصلة.
ـ[ذو المعالي]ــــــــ[23 - 03 - 03, 03:24 م]ـ
الأخ الفاضل: المتمسك بالحق.
شرح العلامة ابن سَعدي ليس على النونية كمتن، و إنما هو شرح لتراجم النونية و أبوابها.
هذا إذا كنت تقصد كتابه: توضيح الكافية الشافية.
ـ[مسلم بن الحجاج]ــــــــ[24 - 03 - 03, 02:51 ص]ـ
الأخ خالد أشكرك على هذه المبادرة القيمة وأحب أذكر من خلال التجربة
أن حفظ المتن كاملاً أفضل من الإختصار فكم من مختصر لمتن ترك شيئامن صميم قصد مؤلفه وفي نظري أن الذي لايستطيع حفظهاكاملة أن يختار لنفسه وأولى من هذا أن يبحث عن متن يستطيعه في نفس الأمر وقد جربت حفظ نونيةالقحطاني فألفيتها أسهل بكثير من نونية ابن القيم وهي كالمختصر لما اشتملت عليه نونية ابن القيم
وهو القائل: إيماننا بالله بين ثلاثة عمل وقول واعتقادجنان
ويزيد بالتقوى وينقص بالردى وكلاهما في القلب يعتلجان
ـ[أبو محمد]ــــــــ[24 - 03 - 03, 07:14 ص]ـ
مبادرة رائعة أسأل الله أن يبارك فيها.
بودي أن أشارك في هذا المشروع وأسهم فيه بما أستطيع.
منذ مدة قرأت النونية وانتقيت منها قرابة المائتي بيت رغبة في حفظها، وهي كمرحلة أولى أتمنى أن يتبعها مراحل، وهذه الأبيات التي جمعتها حرصت على أن تكون مشتملة على قواعد وضوابط وأمور لا يستغني عنها طالب العلم.
أتمنى أن أقدم لإخواني ما لدي في هذا الباب، ولكن ثمة عقبة؛ وهي أنني بطيء الكتابة على لوحة المفاتيح، وكتابة الأبيات جميعا أو حتى بعضها صعب أو مستحيل بالنسبة لي.
فهل يتبرع أحد الإخوة بوضع رقم فاكس داخل المملكة وأرسل له الأبيات المنتقاة وينزلها هو؟
اقتراح!
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[24 - 03 - 03, 09:44 ص]ـ
أخي أبو محمد
جزاك الله خيرا، وبإمكانك استخدام الأقراص المدمجة فهي عملية قص
ولصق وإن لم تستطع فدونك رقم الفاكس 014265450
ـ[أبو خالد السلمي.]ــــــــ[24 - 03 - 03, 10:11 ص]ـ
أيضاً، هناك حل أسهل من ذلك، وهو أنه يمكن تحميل النونية على ملف وورد في جهازك من هذا الرابط:
http://www.sahab.org/books/count.php?book=346&action=download&goto=files/aqeeda/alnoniah.zip
ثم استعمال القص واللصق في اختيار الأبيات المطلوبة , والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها.
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[24 - 03 - 03, 10:12 ص]ـ
وهذه أبيات من النونية انتقيتها في رد ابن القيم على الجهمية من
البداية وسنكمل تبعا حتى يكمل الفصل بإذن الله:
قال الناظم رحمه الله:
وعدت بزورتها فأوفت بالذي * وعدت وكان بملتقى الاجفان
لم يفجأ المشتاق الا وهي د * ا خلة الستور بغير ما استئذان
قالت وقد كشفت نقاب الحسن ما * بالصبر لي عن ان أراك يدان
فتحدثت عندي حديثا خلته * صدقا وقد كذبت به العينان
فعجبت منه وقلت من فرحي به * طمعا ولكن المنام دهاني
ان كنت كاذبة الذي حدثتني * فعليك إثم الكاذب الفتان
جهم بن صفوان وشيعته الالى * جحد واصفات الخالق الديان
والعبد عندهم فليس بفاعل * بل فعله كتحرك الرجفان
وهبوب ريح أو تحرك نائم * وتحرك الأشجار للميلان
والله يصليه على ماليس من * أفعاله حر الحميم الآن
بل عطلوا منه السموات العلى * والعرش أخلوه من الرحمن
ونفوا كلام الرب جل جلاله * وقضوا له بالخلق والحدثان
قالوا وليس لربنا سمع ولا * بصر ولا وجه فكيف يدان
وكذاك ليس لربنا من قدرة * وإرادة أو رحمة وحنان
كلا ولا وصف يقوم به سوى * ذات مجردة بغير معان
وحياته هي نفسه وكلامه * هو غيره فاعجب لذا البهتان
وكذاك قالوا ماله من خلقه * أحد يكون خليله النفسان
وخليله المحتاج عندهم وفي ذا * الوصف يدخل عابدو الاوثان
فالكل مفتقر اليه لذاته في * أسر قبضته ذليل عان
ولاجل ذا ضحى بجعد خالد * القسري يوم ذبائح القربان
إذ قال ابراهيم ليس خليله * كلا ولا موسى الكليم الدان
شكر الضحية كل صاحب سنة * لله درك من أخي قربان
[ COLOR=crimson]=========================== ثم يتبع هذا بما ذكرناه أولا:
لسنا نشبه وصفه بصفاتنا * ان المشبه عابد الأوثان
كلا ولا نخليه من أوصافه * إن المعطل عابد البهتان
من مثل الله العظيم بخلقه * فهو النسيب لمشرك نصراني
أو عطل الرحمن من أوصافه * فهو الكفور وليس ذا إيمان
هذا ومن توحيدهم إثبات أو * صاف الكمال لربنا الرحمن
كعلوه سبحانه فوق السما * وات العلى بل فوق كل مكان
فهو العلي بذاته سبحانه * إذ يستحيل خلاف ذا ببيان
وهو الذي حقا على العرش اس * توى قد قام بالتدبير للأكوان
حي مريد قادر متكلم * ذو رحمة وإرادة وحنان
هو اول هو آخر هو ظاهر * هو باطن هي أربع بوزان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/230)
ـ[أبو خالد السلمي.]ــــــــ[24 - 03 - 03, 10:23 ص]ـ
تعقيباً على ما ذكره الأخ الكريم مسلم بن الحجاج _ مع تقديري واحترامي له _ فإني لا أوافقه فيما ذهب إليه من كون حفظ نونية القحطاني يغني عن حفظ بعض من نونية ابن القيم، بل بالفعل فإني أجد أن هناك حاجة ماسة إلى منظومة متوسطة في العقيدة مشتملة على جميع أبوابها بما فيها توحيد الألوهية بحيث تكون أوسع وأكثر تفصيلا من نونية القحطاني وسلم الوصول وما أشبههما، وفي نفس الوقت لا تكون في إسهاب نونية ابن القيم، وهذا ما أرى أن هذا المشروع المبارك سيسد ثغرته إن شاء الله.
اقتراح:
أقترح أن نسمي هذا المشروع:
المنتقى من نونية ابن القيم في عقيدة الفرقة الناجية
أو ما شابه ذلك مما ترونه أنسب من التسميات التي تفيد هذا المعنى.
ـ[أبو محمد]ــــــــ[25 - 03 - 03, 04:25 ص]ـ
أخي الكريم الشيخ خالد: هل وصلت الأوراق - وعددها سبع -؟
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[26 - 03 - 03, 12:37 م]ـ
أخي أبو محمد ............... عذرا للتأخير
الأوراق وصلت وصلك الله بهداه، وبإذن الله ستنزل تباعا من يوم
السبت، واستميحك أن تأذن لي في حذف بعض الأبيات للاختصار.
نفع الله بك على هذه المجموعة الطيبة.
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[29 - 03 - 03, 11:25 ص]ـ
هذه الأبيات من انتقاء أخينا أبي محمد وسوف تنزل تباعا بإذن الله مع
شيء من التصرف في الاختصار والإطالة:
المقطع الأول
أركان العبادة
وعبادة الرحمن غاية حبه ... مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر ... ما دار حتى قامت القطبان
ومداره بالأمر أمر رسوله ... لا بالهوى والنفس والشيطان
فقيام دين الله بالاخلاص والا ... حسان انهما له أصلان
لم ينج من غضب الاله وناره ... الا الذي قامت به الأصلان
والناس بعد فمشرك بالهه ... أو ذو ابتداع أو له الوصفان
والله لا يرضى بكثرة فعلنا ... لكن بأحسنه مع الايمان
فالعارفون مرادهم إحسانه ... والجاهلون عموا عن الاحسان
تكفير الجهمية
ولقد تقلد كفرهم خمسون في ... عشر من العلماء في البلدان
واللالكائي الامام حكاه عنـ ... ـهم بل حكاه قبله الطبراني
خلق أفعال العباد
أوليس قد قام الدليل بأن أفعـ ... ـال العباد خلقة الرحمن
من ألف وجه أو قريب الألف يحصيـ ... ـها الذي يعني بهذا الشان
فيكون كل كلام هذا الخلق ... عين كلامه سبحانه ذي السلطان
إضافة الأوصاف والأعيان إلى الله
فاضافة الأوصاف ثابتة لمن ... قامت به كادراة الرحمن
واضافة الأعيان ثابتة له ... ملكا وخلقا ما هما سيان
فانظر الى بيت الاله وعلمه ... لما أضيفا كيف يفترقان
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[31 - 03 - 03, 01:22 م]ـ
[ COLOR=darkblue] بسم الله
يتنبع اختصار أخينا أبي محمد علما أنه بعد التمام ستوضع في ملف وورد
بإذن الله في موضوع مستقل:
[
إضافة الصفات والأعيان لله تعالى:
فإضافة الأوصاف ثابتة لمن ... قامت به كإراداة الرحمن
وإضافة الأعيان ثابتة له ... ملكا وخلقا ما هما سيان
فانظر إلى بيت الإله وعلمه ... لما أضيفا كيف يفترقان
الفرق بين التلاوة والمتلو:
وتلاوة القرآن أفعال لنا ... وكذا الكتابة فهي خط بنان
لكنما المتلو والمكتوب والـ ... ـمحفوظ قول الواحد الرحمن
سبب الإنكار على اللفظية:
فاللفظ يصلح مصدرا هو فعلنا ... كتلفظ بتلاوة القرآن
وكذاك يصلح نفس ملفوظ به ... وهو القرآن فذاك محتملان
فلذاك أنكر أحمد الإطلاق في ... نفي وإثبات بلا فرقان
أول المخلوقات المعلومة:
والناس مختلفون في القلم الذي ... كتب القضاء به من الديان
هل كان قبل العرش أو هو بعده ... قولان عند أبي العلا الهمذاني
والحق أن العرش قبل لأنه ... قبل الكتابة كان ذا أركان
فائدة عن سياق الكلام:
وأصغ لفائدة جليل قدرها ... تهديك للتحقيق والعرفان
إن الكلام إذا أتى بسياقه ... يبدي المراد لمن له أذنان
أضحى كنص قاطع لا يقبل التأويل يعرف ذا أولو الأذهان
فسياقة الألفاظ مثل شواهد ال ... أحوال انهما لنا صنوان
إحداهما للعين مشهود بها ... لكن ذاك لمسمع الإنسان
فإذا أتى التأويل بعد سياقة ... تبدي المراد أتى على استهجان
وإذا اتى الكتمان بعد شواهد ال ... أحوال كان كأقبح الكتمان
فتأمل الألفاظ وانظر ما الذي ... سيقت له إن كنت ذا عرفان
تفسير الاستواء:
فلهم عبارات عليها أربع ... قد حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلك أر**تفع الذي ما فيه من نكران
وكذاك قد صعد الذي هو أربع ... وأبو عبيدة صاحب الشيباني
يختار هذا القول في تفسيره ... أدرى من الجهمي بالقرآن
الأدلة على العلو:
يا قومنا والله إن لقولنا ... ألفا تدل عليه بل ألفان
عقلا ونقلا مع صريح الفطرة الأ ... ولى وذوق حلاوة القرآن
كل يدل بأنه سبحانه ... فوق السماء مباين الأكوان
أترون أنا تاركون ذا كله ... لجعاجع التعطيل والهذيان
/ COLOR]
ـ[الدرر السنية]ــــــــ[31 - 03 - 03, 05:40 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواننا أهل الحديث
نبشركم أننا فرغنا من طباعة القصيدة النونية، وستخرج بإذن الله قريبا مصححة ومشكلة ومراجعة ومدققة ومطابقة مع أفضل الطبعات الموجودة
إخوانكم بموقع
الدرر السنية ( http://www.dorar.net)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/231)
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[01 - 04 - 03, 12:20 م]ـ
بورك فيكم على نشركم للعلم وحبذا بعد الفراغ منها وضع ربط لها في نفس هذا الموضوع لنتمكن من التصحيح قبل وضعها في موضوع مستقل.
يتبع انتقاء أخينا أبي محمد للنونية:
العلم والتقليد
إذ أجمع العلماء أن مقلدا ... للناس والأعمى هما أخوان
والعلم معرفة الهدى بدليله ... ما ذاك والتقليد مستويان
أسئلة مفحمة للمعطل
فسل المعطل عن ثلاث مسائل ... تقضي على التعطيل بالبطلان
ماذا تقول كان يعرف ربه ... هذا الرسول حقيقة العرفان
أم لا وهل كانت نصيحته لنا ... كل النصيحة ليس بالخوان
أم لا وهل حاز البلاغة كلها ... فاللفظ والمعنى له طوعان
فإذا انتهت هذي الثلاثة فيه كا ... ملة مبرأة من النقصان
فلأي شيء عاش فينا كاتما ... للنفي والتعطيل في الأزمان
بل مفصحا بالضد منه حقيقة إلا ... فصاح موضحة بكل بيان
ولأي شيء لم يصرّح بالذي ... صرحتم في ربنا الرحمن
ألعجزة عن ذاك أم تقصيره ... في النصح أم لخفاء هذا الشان
مشابهة الجهمية باليهود
أمر اليهود بأن يقولوا حطة ... فأبوا وقالوا حنطة لهوان
وكذلك الجهمي قيل له استوى ... فابى وزاد الحرف للنقصان
قال استولى وذا من جهله ... لغة وقال ما هما سيان
نون اليهود ولام جهمي هما ... في وحي رب العرش زائدتان
وكذلك الجهمي عطل وصفه ... ويهود قد وصفوه بالنقصان
فهما إذا في نفيهم لصفاته ... العليا كما بينته أخوان
مشابهة المعطل للمشرك
إن المعطل لا اله له سوى المـ ... ـنحوت بالأفكار في الأذهان
وكذا اله المشركين نحيتة الأ ... يدي هما في نحتهم سيان
لكن اله المرسلين هو الذي ... فوق السماء مكون الأكوان
جيمات الضلال
جيم وجيم ثم جيم معهما ... مقرونة مع أحرف بوزان
دلت على أن النحوس جميعها ... سهم الذي قد فاز بالخذلان
جبر وإرجاء وجيم تجهم**** فتأمل المجموع في الميزان
الفرق بين الاسم والصفة
والوصف معنى قائم بالذات والأس ... ـماء أعلام له بوزان
أسماؤه دلت على أوصافه ... مشتقة منها اشتقاق معان
وصفاته دلت على أسمائه ... والفعل مرتبط به الأمران
والحكم نسبتها إلى متعلقا ... ت تقتضي آثارها ببيان
ولربما يعني به الأخبار عن ... آثارها يعني به أمران
والفعل إعطاء الإرادة حكمها ... مع قدرة الفعال والإمكان
موقف أهل السنة من التأويل والمجاز
واشهد عليهم أن تأويلاتهم ... صرف عن المرجوح للرجحان
واشهد عليهم انهم حملوا النصو ... ص على الحقيقة لا المجاز الثاني
إلا إذا ما اضطرهم لمجازها ... المضطر من حس ومن برهان
فهناك عصمتها إباحته بغير ... تجانف للاثم والعدوان
تفسير الإلحاد في الأسماء والصفات
وحقيقة الإلحاد فيها الميـ ... ـل بالإشراك والتعطيل والنكران
فالملحدون إذا ثلاث طوائف ... فعليهم غضب من الرحمن
التوحيد
فلواحد كن واحدا في واحد ... أعني سبيل الحق والإيمان
هذي ثلاث مسعدات للذي ... قد نالها والفضل للمنان
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[02 - 04 - 03, 09:38 ص]ـ
يتبع
أنواع العلو:
وله العلو من الوجوه جميعها ... ذاتا وقهرا مع علو الشان
تعريف المشرك:
والشرك فاحذره فشرك ظاهر ... ذا القسم ليس بقابل الغفران
وهو اتخاذ الند للرحمـ ... ـن أيا كان من حجر ومن إنسان
يدعوه أو يرجوه ثم يخاف ... ويحبه كمحبة الديان
شرط المحبة:
شرط المحبة أن توافق من ... تحب على محبته بلا عصيان
فإذا ادعيت له المحبة مع خلا ... فك ما يحب فأنت ذو بهتان
ما هو العلم:
العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة هم أولو العرفان
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فلان
كلا ولا جحد الصفات لربنا ... في قالب التنزيه والسبحان
كلا ولا نفي العلو لفاطر الأ ... كوان فوق جميع ذي الأكوان
كلا ولا عزل النصوص وأنها ... ليست تفيد حقائق الإيمان
كلا ولا الأشكال والتشكيك والـ ... ـوقف الذي ما فيه من عرفان
شفاء الجهل وأقسام العلم النافع:
والجهل داء قاتل وشفاؤه ... أمران في التركيب متفقان
نص من القرآن أو من سنة ... وطبيب ذاك العالم الرباني
والعلم أقسام ثلاث ما لها ... من رابع والحق ذو تبيان
علم بأوصاف الإله وفعله ... وكذلك الأسماء للرحمن
والأمر والنهي الذي هو دينه ... وجزاؤه يوم المعاد الثاني
والكل في القرآن والسنن التي ... جاءت عن المبعوث بالفرقان
والله ما قال امرؤ متحذلق ... بسواهما إلا من الهذيان
لازم المذهب:
ولذاك لم يك لازما لمذاهب الـ ... ـعلماء مذهبهم بلا برهان
لا فرق بين ظهوره وخفائه ... قد يذهلون عن اللزوم الداني
بخلاف لازم ما يقول إلهنا ... ونبينا المعصوم بالبرهان
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[05 - 04 - 03, 09:55 ص]ـ
إكمال مانتقاه الأخ أبو محمد وفقه الله من النونية
الكفر حق الله تعالى:
الكفر حق الله ثم رسوله ... بالنص يثبت لا بقول فلان
من كان رب العالمين وعبده ... قد كفراه فذاك ذو الكفران
الهداية والضلال:
فسل الهداية من أزمة أمرنا ... بيديه مسألة الذليل العاني
وسل العياذ من اثنتين هما اللتا ... ن بهلك هذا الخلق كافلتان
شر النفوس وسيء الأعمال ما ... والله أعظم منهما شران
خطر المنكر والهوى:
وسل العياذ من التكبر والهوى ... فهما لكل الشر جامعتان
وهما يصدان الفتى عن كل طر ... ق الخير إذ في قلبه يلجان
فتراه يمنعه هواه تارة ... والكبر أخرى ثم يشتركان
والله ما في النار إلا تابع ... هذين فاسأل ساكني النيران
والله لو جردت نفسك منهما ... لأتت اليك وفود كل تهان
الإثبات ليس هو التشبيه:
لا تجعلوا الإثبات تشبيها له ... يا فرقة التشبيه والطغيان
كم ترتقون بسلم التنزيه للتـ ... ـعطيل ترويجا على العميان
أقسام التوحيد وفضله:
توحيده نوعان علمي وقصـ ... ـدي كما قد جرد النوعان
في سورة الإخلاص مع تال لنثـ ... ـر الله قل يا أيها ببيان
ولذاك قد شرعا بسنة فجرنا ... وكذاك سنة مغرب طرفان
ليكون مفتتح النهار وختمه ... تجريدك التوحيد للديان
وكذاك قد شرعا بخاتم وترنا ... ختما لسعي الليل بالآذان
وكذاك قد شرعا بركعتي الطوا ... ف وذاك تحقيق لهذا الشان
هذا آخر انتقاء الأخ أبي محمد سلمه الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/232)
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[08 - 04 - 03, 09:25 ص]ـ
هذه الخاتمة لتلخيص النونية، ويبقى بإذن الله التنسيق:
لوم الكسالى عن الجنة
بالله ما عذر امرئ هو مؤمن ... حقا بهذا ليس باليقظان
بل قلبه في رقدة فإذا استفا ... ق فلبسه هو حلة الكسلان
تالله لو شاقتك جنات النعيـ ... ـم طلبتها بنفائس الأثمان
وسعيت جهدك في وصال نواعم ... وكواعب بيض الوجوه حسان
جليت عليك عرائس والله لو ... تجلى على صخر من الصوان
رقت حواشيه وعاد لوقته ... ينهال مثل نقى من الكثبان
لكن قلبك في القساوة جاز حد ... الصخرة والحصباء في أشجان
لو هزك الشوق المقيم وكنت ذا ... حس لما استبدلت بالأهوان
أو صادفت منك الصفات حياة قلـ ... ـب كنت ذا طلب لهذا الشان
خود تزف إلى ضرير مقعد ... يا محنة الحسناء بالعميان
شمس لعنين تزف إليه ما ... ذا حلية العنين في الغشيان
يا سلعة الرحمن لست رخيصة ... بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن ليس ينالها ... في الألف إلا واحد لا اثنان
يا سلعة الرحمن ماذا كفؤها ... إلا أولو التقوى مع الأيمان
يا سلعة الرحمن سوقك كاسد ... بين الأراذل سفلة الحيوان
يا سلعة الرحمن أين المشتري ... فلقد عرضت بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب ... فالمهر قبل الموت ذو إمكان
يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ ... ـخطاب عنك وهم ذوو إيمان
يا سلعة الرحمن لولا أنها ... حجبت بكل مكاره الإنسان
ما كان عنها قط من متخلف ... وتعطلت دار الجزاء الثاني
لكنها حجبت بكل كريهة ... ليصد عنها المبطل المتواني
وتنالها الهمم التي تسمو إلى ... رب العلى بمشيئة الرحمن
فاتعب ليوم معادك الأدنى تجد ... راحاته يوم المعاد الثاني
حكم نصر الدين
هذا ونصر الدين فرض لازم ... لا للكفاية بل على الأعيان
بيد وإما باللسان فان عجز ... ت فبالتوجه والدعاء بحنان
ما بعد ذا والله للإيمان حبـ ... ـة خردل يا ناصر الأيمان
بحياة وجهك خير مسئول به ... وبنور وجهك يا عظيم الشان
وبحق نعمتك التي أوليتها ... من غير ما عوض ولا أثمان
وبحق رحمتك التي وسعت جميع الـ ... ـخلق محسنهم كذاك الجاني
وبحق أسماء لك الحسنى معا ... نيها نعوت المدح للرحمن
وبحق حمدك وهو حمد واسع الـ ... أكوان بل أضعاف ذي الأكوان
وبأنك الله الإله الحق معـ ... ـبود الورى متقدس عن ثان
بل كل معبود سواك فباطل ... من دون عرشك للثرى التحتاني
وبك المعاذ ولا ملاذ سواك أنـ ... ـت غياث كل ملدد لهفان
من ذاك للمضطر يسمعه سوا ... ك يجيب دعوته مع العصيان
إنا توجهنا إليك لحاجة ... ترضيك طالبها أحق معان
فاجعل قضاها بعض أنعمك التي ... سبغت علينا منك كل زمان
انصر كتابك والرسول ودينك الـ ... ـعالي الذي أنزلت بالبرهان
واخترته دينا لنفسك واصطفيـ ... ـت مقيمه من أمة الإنسان
ورضيته دينا لمن ترضاه من ... هذا الورى هو قيم الأديان
وأقر عين رسولك المبعوث بالـ ... ـدين الحنيف بنصره المتدان
وانصره بالنصر العزيز كمثل ما ... قد كنت تنصره بكل زمان
يا رب وانصر خير حزبينا على ... حزب الضلال وعسكر الشيطان
يا رب واجعل شر حزبينا فدى ... لخيارهم ولعسكر القرآن
يا رب واجعل حزبك المنصور أهـ ... ـل تراحم وتواصل وتدان
يا رب وارحمهم من البدع التي ... قد أحدثت في الدين كل زمان
يا رب جنبهم طرائقها التي ... تفضي بسالكها إلى النيران
يا رب واهدهم بنور الوحي كي ... يصلوا إليك فيظفروا بجنان
يا رب كن لهم وليا ناصرا ... واحفظهم من فتنة الفتان
وانصرهم يا رب بالحق الذي ... أنزلته يا منزل القرآن
يا رب هم الغرباء قد ... لجأوا إليك وأنت ذو الإحسان
يا رب قد عادوا لأجلك كل ... هذا الخلق إلا صادق الأيمان
قد فارقوهم فيك أحوج ما هم ... دنيا إليهم في رضا الرحمن
ورضوا ولايتك التي من نالها ... نال الأمان ونال كل أماني
ورضوا بوحيك من سواه وما ار ... تضوا بسواه من آراء ذي الهذيان
يا رب ثبتهم على الأيمان واجـ ... ـعلهم هداة التائه الحيران
وانصر على حزب النفاة عساكر الـ ... إثبات أهل الحق والعرفان
وأقم لأهل السنة النبوية الـ ... انصار وانصرهم بكل زمان
واجعلهم للمتقين أئمة ... وارزقهم صبرا مع الإيقان
تهدي بأمرك لا بما قد أحدثوا ... ودعوا إليه الناس بالعدوان
وأعزهم بالحق وانصرهم به ... نصرا عزيزا أنت ذو السلطان
واغفر ذنوبهم وأصلح شأنهم ... فلأنت أهل العفو والغفران
ولك المحامد كلها حمدا كما ... يرضيك لا يفنى على الأزمان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/233)
ملك السموات العلى والأرض والـ ... ـموجود بعد ومنتهى الإمكان
مما تشاء وراء ذلك كله ... حمدا بغير نهاية بزمان
وعلى رسولك أفضل الصلوات والتـ ... ـسليم منك وأكمل الرضوان
وعلى صحابته جميعا والألى ... تبعوهم من بعد بالإحسان
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[12 - 04 - 03, 09:46 ص]ـ
تحميل أهل الاثبات للمعطلين
شهادة تؤدي عند رب العالمين
يا أيها الباغي على أتباعه ... بالظلم والبهتان والعدوان
قد حملوك شهادة فاشهد بها ... ان كنت مقبولا لدى الرحمن
واشهد عليهم ان سئلت بأنهم ... قالوا اله العرش والأكوان
فوق السموات العلى حقا على العـ ... ـرش استوى سبحان ذي السلطان
والأمر ينزل منه ثم يسير في الا ... قطار سبحان العظيم الشان
واليه يصعد ما يشاء بأمره ... من طيبات القول والشكران
واليه قد صعد الرسول وقبله ... عيسى ابن مريم كاسر الصلبان
وكذلك الأملاك تصعد دائما ... من ها هنا حقا على الديان
وكذاك روح العبد بعد مماتها ... ترقى اليه وهو ذو ايمان
وأشهد عليهم أنه سبحانه ... متكلم بالوحي والقرآن
سمع الأمين كلامه منه وأد ... اه الى المبعوث بالفرقان
هو قول رب العالمين حقيقة ... لفظا ومعنى ليس يفترقان
وأشهد عليهم أنه سبحانه ... قد كلم المولود من عمران
سمع ابن عمران الرسول كلامه ... منه اليه مسمع الاذان
وأشهد عليهم أنهم قالوا بأن ... الله ناداه بلا كتمان
وأشهد عليهم أنهم قالوا بأن ... الله نادى قبله الأبوان
وأشهد عليهم أنهم قالوا بأن ... الله يسمع صوته الثقلان
والله قال بنفسه لرسوله ... اني أنا العظيم الشان
والله قال بنفسه لرسوله ... اذهب الى فرعون ذي الطغيان
والله قال بنفسه حم مع ... طه ومع يس قول بيان
وأشهد عليهم أنهم وصفوا الالـ ... ـه بكل ما قد جاء في القرآن
وبكل ما قال الرسول حقيقة ... من غير تحريف ولا عدوان
وأشهد عليهم أن قول نبيهم ... وكلام رب العرش ذا التبيان
نص يفيد لديهم علم اليقـ ... ـين افادة المعلوم بالبرهان
واشهد عليهم أنهم قد قابلوا التعطيل والتمثيل بالنكران
ان المعطل والممثل ما هما ... متيقنين عبادة الرحمن
ذا عابد المعدوم لا سبحانه ... أبدا وهذا عابد الأوثان
وأشهد عليهم أنهم قد أثبتوا الأ ... سماء والأوصاف للديان
وكذلك الأحكام أحكام الصفا ... ت وهذه الأركان للايمان
قالوا عليم وهو ذو علم يعـ ... ـلم غاية الإسرار والإعلان
وكذا بصير وهو ذو بصر يبصـ ... ـر كل مرئي وذي الأكوان
وكذا سميع وهو ذو سمع ويسمـ ... ـع كل مسموع من الأكوان
متكلم وله كلام وصفه ... ويكلم المخصوص بالرضوان
وهو القوي بقوة هي وصفه ... ومليك يقدر يا أخا السلطان
وهو المريد له الإرادة هكذا ... أبدا يريد صانع الإحسان
والوصف معنى قائم بالذات والأسـ ... ـماء أعلام له بوزان
أسماؤه دلت على أوصافه ... مشتقة منها اشتقاق معان
وصفاته دلت على أسمائه ... والفعل مرتبط به الأمران
والحكم نسبتها إلى متعلقا ... ت تقتضي آثارها ببيان
ولربما يعني به الأخبار عن ... آثارها يعني به أمران
والفعل إعطاء الإرادة حكمها ... مع قدرة الفعال والإمكان
فإذا انتفت أوصافه سبحانه ... فجميع هذا بين البطلان
وأشهد عليهم أنهم قالوا بهذا ... كله جهرا بلا كتمان
وأشهد عليهم انهم براء من ... تأويل كل محرف شيطان
واشهد عليهم انهم يتأولو ... ن حقيقة التأويل في القرآن
هم في الحقيقة أهل تأويل الذي ... يعني به لا قائل الهذيان
واشهد عليهم أن تأويلاتهم ... صرف عن المرجوح للرجحان
واشهد عليهم انهم حملوا النصو ... ص على الحقيقة لا المجاز الثاني
إلا إذا ما اضطرهم لمجازها ... المضطر من حس ومن برهان
فهناك عصمتها إباحته بغير ... تجانف للاثم والعدوان
واشهد عليهم أنهم لا يكفرو ... نكم بما قلتم من الكفران
إذ أنتم أهل الجهالة عندهم ... لستم أولي كفر ولا إيمان
لا تعرفون حقيقة الكفران بل ... لا تعرفون حقيقة الإيمان
إلا إذا عاندتم ورددتم ... قول الرسول لأجل قول فلان
فهناك أنتم أكفر الثقلين من ... إنس وجن ساكني النيران
واشهد عليهم أنهم قد أثبتوا الأ ... قدار ورادة من الرحمن
واشهد عليهم أن حجة ربهم ... قامت عليهم وهو ذو غفران
واشهد عليهم أنهم هم فاعلو ... ن حقيقة الطاعات والعصيان
والجبر عندهم محال هكذا ... نفي القضاء فبئست الرأيان
واشهد عليهم أن إيمان الورى ... قول وفعل ثم عقد جنان
ويزيد بالطاعات قطعا هكذا ... بالضد يمسي وهو ذو نقصان
والله ما إيمان عاصينا كإيـ ... مان الأمين منزل القرآن
كلا ولا إيمان مؤمننا كإيـ ... مان الرسول معلم الإيمان
واشهد عليهم أنهم لم يخلدوا ... أهل الكبائر في حميم آن
بل يخرجون بإذانه بشفاعة ... وبدونها لمساكن بجنان
واشهد عليهم أن ربهم يرى ... يوم المعاد كما يرى القمران
واشهد عليهم أن أصحاب الرسو ... ل خيار خلق الله من إنسان
حاشا النبيين الكرام فإنهم ... خير البرية خيرة الرحمن
وخيارهم خلفاؤه من بعده ... وخيارهم حقا هما العمران
والسابقون الأولون أحق ... بالتقديم ممن بعدهم ببيان
كل بحسب السبق أفضل رتبة ... من لاحق والفضل للمنان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/234)
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[16 - 04 - 03, 08:54 ص]ـ
تتمة
أسماؤه أوصاف مدح كلها ... مشتقة قد حملت لمعان
إياك والالحاد فيها أنه ... كفر معاذ الله من كفران
وحقيقة الالحاد فيها الميـ ... ـل بالاشراك والتعطيل والنكران
فالملحدون إذا ثلاث طوائف ... فعليهم غضب من الرحمن
هذا ومن أسمائه ما ليس يفـ ... ـرد بل يقال إذا أتى بقران
وهي التي تدعى بمزدوجاتها ... أفرادها خطر على الانسان
إذ ذاك موهم نوع نقص جل رب ... العرش عن غيب وعن نقصان
كالمانع المعطي وكالضار الذي ... هو نافع وكماله الأمران
ونظير هذا القابض المقرون با ... سم الباسط اللفظان مقترنان
وكذا المعز مع الذل وخافض ... مع رافع لفظان مزدوجان
وحديث أفراد اسم منتقم فمو ... قوف كما قد قال ذو العرفان
ما جاء في القرآن غير مقيد ... بالمجرمين وجا بذو نوعان
ـ[خالد الشايع]ــــــــ[27 - 04 - 03, 11:58 ص]ـ
نشكر الإخوة الذين قاموا بالمشاركة في هذا المشروع ونهدي للجميع الترتيب المتواضع وذلك لضيق الوقت وكل يستطيع أن يرتب على ما يختاره بعد نسخ الملف المرفق:
ـ[الحراني]ــــــــ[21 - 09 - 06, 10:09 م]ـ
هناك من تكلم في النونية سلباوهؤلاءخانهم التوفيق وقددكرالشيخ بكرابوزيدبعض من وقعوافي هداالخطافي كتابه الردود
ـ[أبوحازم الحربي]ــــــــ[07 - 10 - 06, 02:00 ص]ـ
جزاكم الله خيراً
وهذا تعليق على ملخص أبيات من النونية للعلامة عبدالرحمن آل الشيخ
وشرح الشيخ / صالح العصيمي عليه
http://www.liveislam.net/browsearchive.php?sid=&id=12443
ـ[أبو زكريا الشافعي]ــــــــ[18 - 06 - 07, 02:44 ص]ـ
للرفع
الملف لا يفتح، هل يمكن إعادة رفعه
ـ[أبو زكريا الشافعي]ــــــــ[26 - 08 - 07, 12:07 ص]ـ
للرفع الملف لا يعمل
ـ[أبو زكريا الشافعي]ــــــــ[05 - 09 - 07, 02:30 ص]ـ
للرفع
ـ[حلية الأولياء]ــــــــ[29 - 07 - 10, 11:08 م]ـ
هذا انتقاء لأكثر من 200 بيتاً من نونية العلامة ابن القيم رحمه الله، انتقاها الشيخ الدكتور عمر المقبل أثابه الله:
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=7133(24/235)
سؤلات واجوبة في اعتقاد اهل الحديث
ـ[ابن عبد الوهاب السالمى]ــــــــ[21 - 03 - 03, 07:44 م]ـ
ابدء كما بدء الاولون بسم اللة الرحمن الرحيم ثم أحمد الله تعالى حمداًيستحق بجلالة.
وأُصلِّي وأُسلِّم على نبيه ورسوله محمدٍ أكرمِ نبيٍّ وأشرفِ رسول، المبعوثِ بأرفع دليلٍ وأنفعِ مدلول، المخصوصِ حكمُ شريعته بشمول العموم وعمومِ الشمول، المنصوص عِلْمُ نبوَّتِهِ بأقلام المعجزات.
وعلى آله وأصحابه السَّادةِ البررة العدُوُل، الذين عليهم المِعْولُ في الهداية وإليهم العُدُول.
ورحم الله أئمتنا وعلماءنا الفحول، الذين أدركوا بالاجتهاد مناط العلة والمعلول،
امابعد.
فلا يسع المراء هذة الايام الا ان يقةل كما امرنا اللة سبحانة وتعالي في مثل هذة الاحداث ((حسبنا اللة ونعم الوكيل)).
هذة سؤلات تحتاج الي أجوبة في هذة الايام بعد ان ادعي كل مدعي ان حق معة وكل يدعي انة من اهل السنة والجماعة فمن اذا هم اهل الاهواء ومن قبل صدق من قال الكل يبكي فمن سرق المصحف.
اخواني الاحباب اهل الملتقي الاطياب هذة سؤلات في اعتقاد اهل الجديث وللاسف لااستطيع ان اقول في عقيدة اهل السنة والجماعة فكل باحث سوف يجد اهل الاهواء يلبسون علي الناس دينهم ويدعون بل يعنونون مواقعهم بموقع اهل السنة والجماعة لااحب ان اطيل عليكم ولكني اريد الوصول الي حقيقة الاعتقاد الصحيح لاهل الجديث وجزاكم اللة خيرا.
وسوف ابداء بسؤلات تبعا علي ان يقوم اخواننا الافاضل بالرد او عرضها علي من يجدونة اهل لذلك رجيا من اللة ان ينفعني واياكم بالاجابات الشافية
س (1) ما هو القاسم المشترك الذي يجمع العقيدة الطحاوية باعتقاد اهل الحديث واهل الاهواء من الاحباش والاشاعرة و الماتريدية
ارجو من الاخوة الا يفهمونني خطا فانا اعتقد ان الطحاوية من افضل عقائد اهل الحديث ولكني اقصد ان كثير من اهل الاهواء يعتمدون ايضا علي الطحاوية ويقومون بسرحها وانا لدي ثلاث شروح للطحاوية مخلفة لاهل السنة يقوم كثير منهم بتضليل المسلمين بهذة الشروحات
وجزاكم اللة خيرا
اخوكم ابن عبد الوهاب السالمي
ـ[أبو الفضل حمدي]ــــــــ[23 - 03 - 03, 07:27 م]ـ
الأخ الفاضل السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته فأنصحك بالعقيدة الطحاوية بشرح ابن أبي الغز رحمه الله تعالى وهو من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو طيب جدا وأيضا هناك المتن مطبوع وعليه تعليقات للعلامة ابن باز رحمه الله تعالى رحمه واسعة وهي مفيدة جدا هذه على عجالة سريعة والله تعالى المستعان
ـ[أبو مقبل]ــــــــ[24 - 03 - 03, 02:03 م]ـ
العقيدة الطحاوية هي عبارة عن خطوط عريضة كما يقال في معتقد أهل السنة والجماعة.
وفيها عبارات مشتبهة وفيها إيهام ,فأهل السنة والجماعة أخذوا هذه العبارات المشتبهة وفسروها بعبارات واضحة.
فبسبب هذه العبارات المشتبهة وجد أهل البدع مدخلا في هذه العقيدة وشرحوها بما يوافق مذاهبهم الباطلة.
تماما كما يفعلون مع الآيات والأحاديث لتوافق مذاهبهم الباطلة.
هذا ما اتضح لي في هذه المسألة فأرجو من الإخوة الأعزاء المشاركة.
=========(24/236)
سؤلات واجوبة في اعتقاد اهل الحديث
ـ[ابن عبد الوهاب السالمى]ــــــــ[21 - 03 - 03, 07:44 م]ـ
ابدء كما بدء الاولون بسم اللة الرحمن الرحيم ثم أحمد الله تعالى حمداًيستحق بجلالة.
وأُصلِّي وأُسلِّم على نبيه ورسوله محمدٍ أكرمِ نبيٍّ وأشرفِ رسول، المبعوثِ بأرفع دليلٍ وأنفعِ مدلول، المخصوصِ حكمُ شريعته بشمول العموم وعمومِ الشمول، المنصوص عِلْمُ نبوَّتِهِ بأقلام المعجزات.
وعلى آله وأصحابه السَّادةِ البررة العدُوُل، الذين عليهم المِعْولُ في الهداية وإليهم العُدُول.
ورحم الله أئمتنا وعلماءنا الفحول، الذين أدركوا بالاجتهاد مناط العلة والمعلول،
امابعد.
فلا يسع المراء هذة الايام الا ان يقةل كما امرنا اللة سبحانة وتعالي في مثل هذة الاحداث ((حسبنا اللة ونعم الوكيل)).
هذة سؤلات تحتاج الي أجوبة في هذة الايام بعد ان ادعي كل مدعي ان حق معة وكل يدعي انة من اهل السنة والجماعة فمن اذا هم اهل الاهواء ومن قبل صدق من قال الكل يبكي فمن سرق المصحف.
اخواني الاحباب اهل الملتقي الاطياب هذة سؤلات في اعتقاد اهل الجديث وللاسف لااستطيع ان اقول في عقيدة اهل السنة والجماعة فكل باحث سوف يجد اهل الاهواء يلبسون علي الناس دينهم ويدعون بل يعنونون مواقعهم بموقع اهل السنة والجماعة لااحب ان اطيل عليكم ولكني اريد الوصول الي حقيقة الاعتقاد الصحيح لاهل الجديث وجزاكم اللة خيرا.
وسوف ابداء بسؤلات تبعا علي ان يقوم اخواننا الافاضل بالرد او عرضها علي من يجدونة اهل لذلك رجيا من اللة ان ينفعني واياكم بالاجابات الشافية
س (1) ما هو القاسم المشترك الذي يجمع العقيدة الطحاوية باعتقاد اهل الحديث واهل الاهواء من الاحباش والاشاعرة و الماتريدية
ارجو من الاخوة الا يفهمونني خطا فانا اعتقد ان الطحاوية من افضل عقائد اهل الحديث ولكني اقصد ان كثير من اهل الاهواء يعتمدون ايضا علي الطحاوية ويقومون بسرحها وانا لدي ثلاث شروح للطحاوية مخلفة لاهل السنة يقوم كثير منهم بتضليل المسلمين بهذة الشروحات
وجزاكم اللة خيرا
اخوكم ابن عبد الوهاب السالمي
ـ[أبو الفضل حمدي]ــــــــ[23 - 03 - 03, 07:27 م]ـ
الأخ الفاضل السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته فأنصحك بالعقيدة الطحاوية بشرح ابن أبي الغز رحمه الله تعالى وهو من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو طيب جدا وأيضا هناك المتن مطبوع وعليه تعليقات للعلامة ابن باز رحمه الله تعالى رحمه واسعة وهي مفيدة جدا هذه على عجالة سريعة والله تعالى المستعان
ـ[أبو مقبل]ــــــــ[24 - 03 - 03, 02:03 م]ـ
العقيدة الطحاوية هي عبارة عن خطوط عريضة كما يقال في معتقد أهل السنة والجماعة.
وفيها عبارات مشتبهة وفيها إيهام ,فأهل السنة والجماعة أخذوا هذه العبارات المشتبهة وفسروها بعبارات واضحة.
فبسبب هذه العبارات المشتبهة وجد أهل البدع مدخلا في هذه العقيدة وشرحوها بما يوافق مذاهبهم الباطلة.
تماما كما يفعلون مع الآيات والأحاديث لتوافق مذاهبهم الباطلة.
هذا ما اتضح لي في هذه المسألة فأرجو من الإخوة الأعزاء المشاركة.
=========(24/237)
رسالة الاخميني في مسألة حوادث لاأول لها
ـ[العملاق]ــــــــ[05 - 04 - 03, 01:42 م]ـ
وقفت على رسالة للاخميني فيها كلام حول مسألة وقوع حوادث لا أول لها حققها سعيد عبداللطيف فودة تنضيد وإخراج دار سراج عمان الأردن
وقال في المقدمة ص 29 (وكان من جملة الزلل اعتقاد ذات قديمة غير الله عز وجل، سواء كانت معينة كما يزعمه القائلون بقدم العقول الفعالة ومادة هذه الأفلاك أو غير معينة كمن يجوز أن يكون قبل هذه المفاعيل المعينة مفاعيل غيرها، وقبل مادة هذه الأفلاك مادة أخرى وأفلاك غيرها)
وهو في هذه الرسالة يرد على شيخ الاسلام ابن تيمية
والحقيقة أنا ما فهمت القضية تماما ولا ادري ماهو قول ابن تيمية بالضبط وكيف نرد على المخالفين؟
أرجوا من طلاب العلم إفادتي؟
ـ[هيثم حمدان]ــــــــ[05 - 04 - 03, 08:17 م]ـ
لرفع الموضوع للنقاش وتفاعل الإخوة.
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[05 - 04 - 03, 08:50 م]ـ
بحثٌ قيمٌ في المسألة نأمل مطالعته والاستفادة منه، على هذا الرابط:
http://www.ansar.org/arabic/kamela1.htm
ـ[خالد بن عمر]ــــــــ[05 - 04 - 03, 09:43 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الحبيب علَّك تستفيد من هذا الكتاب
قدم العالم و تسلسل الحوادث
بين شيخ الإسلام ابن تيمية والفلاسفة
مع بيان من أخطأ في المسألة من السابقين والمعاصرين
تأليف: كاملة الكواري
راجعه و قدم له
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سفر الحوالي
ـ[أبو صهيب]ــــــــ[06 - 04 - 03, 12:10 ص]ـ
قبل الحكم على كلام شيخ الإسلام في هذه المسألة أدعوكم لفهم كلامه رحمه الله فإن من الظلم له القول بأنه أخطأ فيها قبل أن يفهمها ولابد من الاطلاع على كلامه وقد خرج كتاب رائع عنوانه دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام للشيخ الغصن وفقه الله بين هذه المسألة بيانا وافيا وألخص لك الرد في كلمتين هل نعيم أهل الجنة ينفد؟ فإذا كان هذا النعيم وهو من مخلوقات الله متسلسل لا ينفد فما الذي يمنع التسلسل في الماضي هل يوجد دليل
ـ[أحمد الشهاب]ــــــــ[24 - 07 - 03, 04:20 ص]ـ
الذي يمنع التسلسل في الماضي يا أخي الكريم هو أنه في جانب الماضي ما من حادث محقق إلا قبله حادث مقدر، وأما في المستقبل فما من حادث مقدر إلا وبعده حادث مقدر فجاز التسلسل في المستقبل وامتنع في الماضي لوجوب التناهي.
وكان الله تعالى ولا شيء معه ..
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[24 - 07 - 03, 09:11 ص]ـ
أحمد شهاب
(كان الله تعالى ولا شيء معه) خطأ والصواب (كان الله ولا شيء قبله)
والتسلسل جائز في الماضي كما أنه جائز في المستقبل، ولا فرق
ولا يستطيع أحد أن يثبت تعارض تسلسل الحوادث مع الأثر
ـ[خالد الوايلي]ــــــــ[28 - 07 - 03, 02:07 ص]ـ
(التسلسل)
المجيب سلمان العودة
التصنيف العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة في العقائد
التاريخ 15/ 9/1422
عدد القراء 83
السؤال
سمعنا عن مسألة التسلسل (من مسائل العقيدة) من كلام الشيخ العلامة الألباني - رحمه الله - منتقداً فيها ابن تيمية، فنحب التفصيل في هذه المسألة، حيث ذكرت المسألة مبهمة (بالاسم فقط)، والانتقاد بأن ابن تيمية أخطأ بسبب خوضه في مسائل المنطق والفلسفة. ومسألة قدم العالم وأن ابن تيمية يقول بهذا القول، فهل نسبة هذا القول لابن تيمية صحيحة؟ أم أخطأ الشيخ العلامة الألباني في فهم مقصد ابن تيمية - رحمه الله -؟
الجواب
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد: فشأن المسألة الأولى (التسلسل) شأن يطول ذكره, ولعلك تراجع تفصيل القول فيها في كتابَي (درء التعارض) و (منهاج السنة) للإمام ابن تيمية، لكن من المحصل فيها: أن معرفة هذه المسألة وتفاصيلها ليس هو من أصول العلم والاعتقاد.والإمام ابن تيمية لم يغلط في هذه المسألة كما ذكر الشيخ الألباني الذي لم يفهم حقيقة قول الإمام ابن تيمية، فحكى عنه فهماً , ثم حكم بغلطه. وأما مسألة قدم العالم، فمن البدهي أن شيخ الإسلام ابن تيمية بريء منها، وتقريره للتسلسل لا يستلزم القول بقدم العالم عند أحد من العارفين بحقائق المسائل, وهذا تكلف وضعف في الفهم. وكذلك لم يغلط ابن تيمية في خوضه في هذه المسألة وغيرها، أو كما يقال: في خوضه في الفلسفة والمنطق، فدراسة هذه العلوم التي أثرت في تاريخ المسلمين للرد عليها, ودفع غلط أهلها جهاد، لكنه لا يستطيعه إلا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/238)
كبار العلماء وحذاق الأذكياء، فهذه فضيلة لشيخ الإسلام ولا يذمه بها محقق عارف.وابن تيمية أدرى من كل مَنْ رد عليه أو ناقش قوله في مسألة التسلسل، وأعرف منهم بأصول أهل السنة وقواعد السلف والأئمة، فهو أعرف من مخالفيهم في هذه المسألة في المنقول والمعقول، حتى ولو كان المناقش له من أهل السنة والشيوخ المعروفين.
ـ[أحمد الشهاب]ــــــــ[28 - 07 - 03, 04:03 ص]ـ
بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإخوة الكرام هذا المذهب لابن تيمية لم ينفرد بفهمه من كلامه الشيخ الألباني رحمه الله، بل تتابع أكابر العلماء وفحول النظار على هذا الفهم، ونسبة القول بالقدم النوعي لابن تيمية.
قال الجلال الدواني في شرح العقائد العضدية: "وقد رأيت في بعض تصانيف ابن تيمية القول به _أي القدم الجنسي- في العرش" أي أنه كان يعتقد أن جنس العرش أزلي أي ما من عرش إلا وقبله عرش إلى غير ما بداية فجنسه أزلي وعينه القائمة الآن حادثة.
ونسب إليه هذا المذهب العلامة البياضي في إشارات المرام ص 197.
وعدها الحافظ ابن حجر من أبشع المسائل المنسوبة له، كما في الفتح 13/ 410.
وكذلك أفرد الرد عليه العلامة بهاء الدين الإخميمي-وقد سلك معه مسلك الأدب الشديد في رده عليه والتماس الأعذار ولقبه بالشيخ الإمام العلامة-.
وأشار إلى ذلك الحافظ ابن دقيق العيد في شرح العمدة، وأيده الصنعاني في حواشيه.
والتصريح بهذه المقولة مسطور في كتب ابن تيمية بأوضح عبارة منها في مجموعة الرسائل والمسائل ص 371، والتأسيس في الرد على أساس التقديس 1/ 599، ودرء التعارض 1/ 240.
وحق لمن استشنع هذه المقالة استشناعه؛ فقول ابن تيمية فيها قول متأخري الفلاسفة، ويلزم منه شنائع، منها: منافاة وجود ما يسمى بأول مخلوق، والقول بوجوب الخلق المتتابع على الله، وغير ذلك.
وبقطع النظر عن ثبوته عن ابن تيمية أو عدمه فلو قيمنا هذا المذهب من حيث هو لبان عظم فساده.
فجنس المخلوقات جميعا حادث مبتدأ، وهذه المقدمة محل اتفاق وموطن إجماع، وأين في الكتاب أو السنة أو نصوص السلف ذكر جواز حوادث لا أول لها؟!
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي:
"لا يجوز وجود موجدات لا نهاية لعددها سواء كانت قديمة أو محدثة خلافا للملحدة، والدلالة عليه أن كل جملة لو ضممنا إليها خمسة أجزاء مثلا لعلم ضرورة أنها زادت وكذلك عند النقص وإذا كان كذلك وجب أن تكون متناهية بجواز قبول الزيادة والنقصان عليها؛ لأن كل ما يأتي فيه الزيادة والنقصان وجب أن يكون متناهيا من ناحية العدد" اهـ بواسطة حواشي السيف الصقيل.
والقدم النوعي هو صريح كلام ابن تيمية، وكما نبهت لا ينبغي أن تجرف المحبة أهلها حتى تصبح أعينهم عن كل عيب كليلة.
هذا هو مذهب ابن تيمية وقد أخطأ فيه، والقول به من الخطورة بمكان، قال شيخ الإسلام إبراهيم البيجوري في حاشيته على السلم في المنطق ص 37: "ذهب إليه الفلاسفة من أنه ما من حركة إلا وقبلها حركة وهكذا إلى ما لا نهاية له في جانب الماضي، ويبنون على ذلك أنها قديمة بالنوع حادثة بالشخص وهو مذهب باطل ومعتقده كافر " اهـ
وفي المشاركة الأولى لي في هذا الموضوع كلام على وجازته ينبغي ترداد النظر فيه.
هذا والله تعالى أعلم ..
ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[28 - 07 - 03, 06:58 ص]ـ
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة أبو صهيب
قبل الحكم على كلام شيخ الإسلام في هذه المسألة أدعوكم لفهم كلامه رحمه الله فإن من الظلم له القول بأنه أخطأ فيها قبل أن يفهمها ولابد من الاطلاع على كلامه وقد خرج كتاب رائع عنوانه دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام للشيخ الغصن وفقه الله بين هذه المسألة بيانا وافيا وألخص لك الرد في كلمتين هل نعيم أهل الجنة ينفد؟ فإذا كان هذا النعيم وهو من مخلوقات الله متسلسل لا ينفد فما الذي يمنع التسلسل في الماضي هل يوجد دليل
الأخ أحمد شهاب يظهر من مواضيعك أنك تميل للمذهب الأشعري، فأنصحك بتركه والتمسك بمذهب السلف كما فعل الأشعري نفسه في آخر حياته
الأمر الثاني تأمل قول ابن تيمية ولاتقلد فلان وفعلان
وأتمنى منك لو تقرأ كتاب كاملة الكوراري السابق بتأمل وانصاف، فقد جلت هذا الموضوع وبينت الحق
قالت كاملة الكواري في كتابها السابق
فالتسلسل المثبت عند السلف قسمان:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/239)
أ - واجب وهو التسلسل في الأفعال.
ب - جائز وهو التسلسل في المفعولات والشروط.
ويعبرون عنه بدوام أفعال الله ومفعولاته.
وبهذا العرض تتبين لنا الأمور التالية:
1 - أن الدوام في أفعال الله يمثل الجزء الثاني من عقيدة السلف في أفعال الله والتي تقوم على عنصرين: -
أ - إثبات الأفعال في ذاتها.
ب - إثبات دوام فاعليته تعالى.
2 - أن لله كمالاً من أفعاله وكمالاً من صفاته.
3 - إثبات دوام أفعال الله ومفعولاته.
4 - بطلان قول من منع التسلسل مطلقاً.
5 - أن الدوام في الماضي كالدوام في المستقبل في وجوبه وإثباته في أفعال الله.
6 - أن ما كان من التسلسل يستلزم تأثير الذوات في الذوات هو الممتنع سواء كان في الفاعلين أو الأفعال أو المفعولات وأما ما كان من الأفعال والمفعولات بتأثير الفاعل فهو غير ممتنع فإن كان في أفعال الله وجب وإن كان في مفعولاته جاز.
7 - اتفاق جميع الطوائف على امتناع التسلسل في المؤثرين والفاعلين وذوات المفعولات في بعضها مما يدل على بطلان أقوال الدهريين والطبائعيين في القديم والشيوعيين في الحديث.
8 - أن اثبات خالق قديم ومخلوق محدث أمر من ضرورات العقول.
9 - امتناع فرض محدث بلا محدث ومخلوق بلا خالق.
10 - تناقض الدهريين والطبائعيين والشيوعيين إذ منتهى أقوالهم كون المخلوق هو الخالق
11 - بطلان قول الفلاسفة والمعتزلة والأشعرية بكون الفعل هو المفعول فإن تسلسل فعل الله واجب والمفعول تسلسه جائز والواجب لا يكون جائزاً.
12 - بيان الفرق بين فعل الله ومفعوله من وجوه:
أ - الفعل قديم والمفعول محدث.
ب - دوام الفعل واجب ودوام المفعول جائز.
جـ- الفعل صفة الفاعل والمفعول أثره.
د - الفعل يؤثر في المفعول عند تعلقه به والمفعول متعلق الفعل.
هـ - أن نسبة الفعل للفاعل تقتضي اتصافه به ونسبة المفعول للفاعل تقتضي تأثير فعله فيه وأنه مخلوق للفاعل فنسبة الأول نسبة الصفات والثاني نسبة المخلوقات.
وأخيراً يقال للمتكلمين الذين منعوا تسلسل الحوادث خوفاً من مقارنتها الله:
أننا نقول بتسلسل الحوادث وهذا القول لا يؤدي إلى مقارنة المخلوقات للخالق قطعاً والذي يقول بأن المخلوقات أزلية مقارنة لله فإنه كافر ومشرك.
لكن ابن تيمية يقول بأن الله لا يزال فعالاً فعندنا هنا ثلاثة أشياء:
فاعل وهو الرب.
وفعل الله يكون بعده.
والمفعول يكون بعد الفعل.
إذاً الفاعل متقدم والمفعول يكون بعده قطعاً وعلى هذا لا يلزم من القول بأزلية الحوادث أو أنها لا أول لها أن تكون مع الله أو مقارنة له فلا محذور إذا من قولنا وإنما المحذور أن نقول بدوام عين المخلوق في الماضي أي أن الكون لم يزل موجوداً فهذا كفر لأنه يقتضي ألا خالق له مع أنه محدث من عدم
ثم يقال للمتكلمين أيضاً:
هل كان الله في الأزل قادراً على الخلق أم لا؟
فإن قالوا أنه غير قادر على الخلق ثم خلق كان ذلك تعطيلاً للرب سبحانه من الفعل.
وإن قالوا إن الفعل كان ممكناً ولكن تأخر قلنا هل التأخر واجب أم جائز؟ فإن كان واجباً فمن الذي أوجبه؟! وإن كان جائزاً فهذا قول بحوادث لا أول لها لأن الرب أزلي ومذ كان خالقاً أمكن أن يخلق فهذا هو القول بحوادث لا أول لها وهو ما نقول به.
ـ[أحمد حسن]ــــــــ[28 - 07 - 03, 08:55 ص]ـ
الذي أفهمه كعامي أن الله عز وجل خلق الخلق من عدم، وكثيرا ما نسمع السلف يقولون أول ما خلق الله من الخلق كذا أو كذا هذا ما كنت أعتقده دائما فأنا اول مرة أعرف ان الله لم يخلق الخلق من عدم!! وإذا كان فهمي صح , وأن الله خلق الخلق من عدم فما هي المشكلة في الموضوع هل فهمي هذا صحيح أم خطأ وللعلم أعتقد أن هذ ما يعتقده كل الناس من لاعوام وغيرهم كلهم يظنون أن الكون والأشياء كانت لا شيء عدم ثم ان الله كونها بقدرته نورونا بالك الله فيكم
ـ[العملاق]ــــــــ[23 - 04 - 04, 05:08 م]ـ
جزاكم الله خيرا على إجاباتكم
ـ[عبد]ــــــــ[22 - 06 - 05, 10:35 م]ـ
أحمد شهاب
(كان الله تعالى ولا شيء معه) خطأ والصواب (كان الله ولا شيء قبله)
والتسلسل جائز في الماضي كما أنه جائز في المستقبل، ولا فرق
ولا يستطيع أحد أن يثبت تعارض تسلسل الحوادث مع الأثر
بل كلامه صواب دلّ عليه الدليل، وإن كان لم يماثله في اللفظ، اللهم إلا إذا كنت تقصد أنه لم يرِد دليل بهذا اللفظ فهذا صحيح.
روى البخاري -رحمه الله - في صحيحه، قال: ((حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا جامع بن شداد، عن صفوان بن محرز، أنه حدثه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم فقال: " اقبلوا البشرى يا بني تميم "، قالوا: قد بشرتنا فأعطنا، مرتين، ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن، فقال: " اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو تميم "، قالوا: قد قبلنا يا رسول الله، قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر؟ قال: " كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض " فنادى مناد: ذهبت ناقتك يا ابن الحصين، فانطلقت، فإذا هي يقطع دونها السراب، فوالله لوددت أني كنت تركتها، وروى عيسى، عن رقبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: سمعت عمر رضي الله عنه، يقول: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاما، فأخبرنا عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه)).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/240)
ـ[محمد الناصري]ــــــــ[23 - 06 - 05, 05:34 ص]ـ
العجب لاينقضي من مشاركة الشهاب واستدلاله بكلام متأخري الأشاعرة كصاحب إشارات المرام.ولو كنت منصفا بحق فطالع رسالة ذ الكواري وكذلك شرح العلامة سفر الحوالي على الطحاوية فقد جلى المسألة بما لامزيد عليه.
أما إن كنت من ضحايا الجهمي المتكلم سعيد فودة،فنصيحة صادقة راجع نفسك ومآخذ أقوالك.
ـ[عبد]ــــــــ[23 - 06 - 05, 06:12 ص]ـ
جزاك الله خيرا، ولكن إن كان الكلام موجهاً إلي فقد استعجلت بقولك "لو كنت منصفا بحق" لأنه فيه إيهاما بعدم الإنصاف لا أدري على أي شيء بنيته، و أرجو ألا تجعلني في موضع شبهة أمام إخوتي في هذا المنتدى فأنا لم أصنع شيئاً سوى إيراد دليل من السنة كما أنني لا أعرف هذا الجهمي هداه الله. وأما مسألة التسلسل فقد انهكتها بحثاً وفكرا ولله الحمد ولاأجدني إلا موافقاً لجماهير أهل السنة. كنت اتمنى ألا أتحدث عن نفسي بهذه الطريقة فليست من عادتي ولكني اضطررت حفظا لماء وجهي. وأنا لم أقصد كلام "شهاب" هذا بحذافيره وإنما كلامه الذي في الاستشهاد فقط، هو ما وافق الدليل.
ـ[محمد الناصري]ــــــــ[23 - 06 - 05, 01:44 م]ـ
أخي الكريم،مشاركتي لها تعلق بكلام أحمد الشهاب لا بكلامكم، وفقكم الله لكل خير.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[23 - 06 - 05, 02:04 م]ـ
كلام الشهاب باطل ومن اعترض على شيخ الإسلام في المسألة:
فمنهم من لم يفهم المسالة أصلا، ومنهم من لم يفهم كلامه، ومنهم من قصده التشويه.
وهذا جواب للشيخ البراك حول المسألة ..
الحمد لله، وصلى الله وبارك على عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فالقول بقدم العالم، أي: بقدم هذا العالم المشهود الذي منه السماوات، فقول باطل، فإن هذا العالم مخلوق في ستة أيام، كما أخبر الله، بل إن السماوات والأرض كان خلقها بعد تقدير مقادير الخلائق بخمسين ألف سنة، فهو محدث وليس بقديم، والقول بقدم هذا العالم الموجود هو قول ملاحدة الفلاسفة الذين يسمون الخالق سبحانه وتعالى- العلةَ الأولى، ومبدأَ الوجود، ويقولون: إنه علة تامة للموجودات، والعلة التامة تستلزم معلولها، فهذا العالم قديم بقدم علته، ومعناه أن وجوده لم يُسبق بعدم، وكأن السائل يُعرض بالإمام ابن تيمية حيث يقول بقدم جنس العالم، أو جنس المخلوقات، أو بتسلسل الحوادث، أو بدوام الحوادث بالأزل، وهذه عبارات مؤداها واحد، ومعنى هذا:
أن الله لم يزل يخلق، ويفعل ما يشاء، فما من مخلوق إلا وقبله مخلوق إلى ما لا نهاية؛ لأن الله لم يزل موجودًا، ولم يزل على كل شيء قدير، ولم يزل فعَّالاً لما يريد، فيقتضي ذلك أن المخلوقات لم تزل، أو أقل ما يقال: إنه يمكن ذلك، فإنه لا يلزم تسلسل الحوادث؛ لأنه لا يستلزم أن يكون شيء من الموجودات مشاركًا لله في قدمه؛ لأن كل مخلوق حادث بعد أن لم يكن، فهو مسبوق بعدم نفسه، والله تعالى- لم يسبق وجوده عدم، بل هو- سبحانه وتعالى- قديم أزلي، فلا بداية لوجوده، ولا نهاية، ومن أسمائه الأول والآخر، فهو الأول فليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والذين ينكرون على ابن تيمية هذا القول- وهو ليس قول ابن تيمية وحده، بل قول كل من يؤمن بأن الله لم يزل على كل شيء قديرًا، ولم يزل فعَّالاً لما يريد- فالذين ينكرون هذا القول لم يفهموا حقيقته، ولو فهموا حقيقته لما أنكروه، فالذين ينكرون تسلسل الحوادث في الماضي، أو دوامها في الماضي، وأن ذلك ممتنع يلزمهم أن الله كان غير قادر، ثم صار قادرًا، وغير فاعل ثم صار فاعلاً، وهذا يقول به كثير ممن يقول بامتناع حوادث لا أول لها، ومن قال بامتناع دوام الحوادث في الماضي، وقال مع ذلك بأن الله لم يزل قادرًا، وفاعلاً كان متناقضًا، ويلزمه الجمع بين النقيضين.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/241)
وبسبب اعتقاد أن دوام الحوادث في الماضي، أو المستقبل ينافي أوليته- سبحانه- وآخريته، قيل بامتناع الحوادث في الماضي، وفي المستقبل = فنتج عن ذلك القول بفناء الجنة والنار، وهذا ما ذهب إليه جهم بن صفوان، ومن تبعه، وهذا ضرب من الكفر بما أخبر الله به، ورسوله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، كما في عبارة الإمام الطحاوي، أما ما سِوى الله فكلٌّ مسبوق بعدم نفسه، ومن شاء – سبحانه وتعالى- بقاءه على الدوام، وأنه لا يفنى فهو باقٍ بإبقاء الله وبمشيئته– سبحانه وتعالى- فلا يكون شيء من المخلوقات مشابهًا لله في خصائصه؛ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11].
ـ[عبد]ــــــــ[23 - 06 - 05, 02:51 م]ـ
جزاك الله خيرا على النقل والإيضاح، وأشكر أخي محمد على الإيضاح كذلك.
وأقول: جنس الحوادث إما أن يكون مشاركة لله في صفة الأولية فيكون لدينا عندنا أزلان. أزل الحوادث وأزل الله تعالى. فإن قلنا بذلك لا يجوز لأنه لابد أن يكون أحدهما مصدر للآخر أو يكونا (الحوداث والله تعالى) من مصدر واحد قبلهما، فإن قلنا بالأول وهو لزوم أن يكون احدهما مصدر للآخر فهذا بدوره ينقسم إلى قسمين:
1 - أن تكون الحوداث مصدر الله تعالى وكل شيء وهذا أبطل الباطل لأن الحوداث متغيرة يشوبها النقص وعدم الاستقرار فلا يمكن لمصدر كمال أن يصدُر عن مصدر نقص وتغير وتبدل.
2 - أن يكون الله تعالى مصدر الحوادث فهذا هو الحق لأن المصدر الموصوف بالكمال والتمام أولى أن يكون مصدراً لما ليس كذلك.
وهنا مسألة: كيف تكون الحوادث صادرة عن الله تعالى؟
الجواب: إما أن تكون صادرة عنه بمعنى أنها منفصلة متجزئة عن ذات الله تعالى (كما يسمونه فيض إلاهي) فهذا باطل لأن فيه القول بأن الله محل للحوداث وفيه القول بأن الله متجزيء والله سبحانه هو الصمد (الذي ليس بأجوف وإليه تصمد المخلوقات والخلائق) وهو الغني الحميد الذي لا يفتقر لشيء بما في ذلك أنه ليس جسما مركبا يفتقر بعضه إلى بعض.
وإما أن تكون الحوادث صادرة عن الله تعالى بمعنى الإيجاد والإبداع (الذي هو الخلق أو الإيجاد على غير مثال سابق) فهذا هو الصواب ولذلك سمى الله نفسه الباريء، قال ابن كثير رحمه الله: ((والبرء هو الفري وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود وليس كل من قدر شيئا ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله عز وجل)). أ. هـ.
وبهذا الاعتبار الله هو الأول الذي لم يشاركه شيء في قدمه ولم يسبقه شيء في أوليّته تعالى.
والمسألة الثانية فهي أن يقال: الأزلان (الحوداث والله تعالى) مصدرهما واحد من شيء سبقهما فهذا باطل كذلك لأنه جمع بين الكمال (الله تعالى) والنقصان والتغيّر (الحوادث) وكأنهما شيء واحد يسري على احدهما ما يسري على الآخر وهذا تناقض. كما أن فيه إلزام ضمني لقائله بوجود مصدر أزلي تام الكمال أيضاً صدرا منه، وعندنا وعند كل العقلاء هذا المصدر الأزلي تام الكمال هو الله تعالى فمنه المبتدأ وإليه المنتهى سبحانه المتفرد بصفات الجلال والكمال.
ـ[حامد الداني]ــــــــ[17 - 07 - 05, 11:49 م]ـ
بحثٌ قيمٌ في المسألة نأمل مطالعته والاستفادة منه، على هذا الرابط:
http://www.ansar.org/arabic/kamela1.htm
السلام عليکم
قرأت هذا البحث و لکن لم افهم الا قليلا، افيدوني رجاء:
ما معني ازلية الخلق؟ و هل يمکن ذلک بدون ازلية المخلوق؟ اذا لا، الا يعني ذلک ان المخلوقات ايضا ازلية؟ هل کان هناک زمان قبل المخلوقات و کيف؟
بعد قراءتي للبحث اصبحت علي يقين بان الامام ابن تيمييه و ابن القيم يقولون بحوادث لا اول لها، علما بانني لم اکن اعرف ذلک يقينا قبل قراءته. هل هذا يعني بانني لم افهم البحث؟ هل من الممکن ان کل العلماء اللذين ردوا علي الامام لا يفهمون ما يقول؟
السلام عليکم و رحمة الله
حامد الداني
ـ[هيثم حمدان]ــــــــ[18 - 07 - 05, 01:19 ص]ـ
الأخ حامد الداني، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المسألة أخي الكريم هي أن الله سبحانه لازال فاعلاً، والفعل يلزم منه مفعول.
مثلاً: الله سبحانه لم يزل متصفاً بأنه يخلُق من العدم، لم تكن ثمة فترة لم يكن الله متصفاً فيها بهذه الصفة، بما في ذلك الأزل، فليس هناك مانع من أن يكون سبحانه قد خلق من العدم خلقاً منذ مليون سنة أو مليار سنة .... إلى أن نقول: ليس هناك مانع من أن يكون الله سبحانه قد خلق خلقاً من العدم في الأزل.
هذا فهمي للمسألة، والله أعلم.
ـ[حامد الداني]ــــــــ[18 - 07 - 05, 10:29 م]ـ
جزاک الله اخي هيثم علي هذا الايضاح، اذا کان الزمان مخلوقا من العدم، لمذا يتکلمون عنه کانه شىء ازلى؟ ام انا لا افهم معنى کلامهم. عندما تقول لم يکن هناک فترة ...... الخ، ماذا تعني بکلمة "الفترة"؟ و الامام ابن القيم يتکلم عن فترة لا نهاية لها من جانب الماضي في قصيدته کما تقول السيدة کامله الکواري، ماذا يعني الامام بهذا ان کان الزمن مخلوق من العدم؟ لانني اعتقد انه لم يکن يعرف ذلک. فرحت کثيرا بقولک ان الزمن نسبي، وهذه حقيقة الان بعد اعلان النظرية النسبية من قبل البرت انشتاين. وقد اثبتت نسبية الزمن بتجارب کثيرة بعد ذلک.حسب انشتاين الزمن هو البعد الرابع للمادة بعد الطول والعرض والارتفاع. معني ذلک ان وجود الزمن هو وجود المادة، و وجود المادة يتضمن وجود الزمن. هذا يعني لا يمکن الکلام عن الزمن بمعزل عن المادة الا مجازا، او لاننا لا يمکننا الکلام ان لم نذکر الزمن، او قل ما شأت. لا اشکال. فاين هذه الزمن الطويل اللانهاءي الذي يذکره الامام ابن القيم؟ لا افهم هذه الشياء و اشياء کثيره اخري لا مجال لذکرها الان. انتظر جوابک حفضک الله.
والسلام عليکم و رحمة الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/242)
ـ[عبد]ــــــــ[19 - 07 - 05, 12:53 ص]ـ
أخي حامد: هذا رابط قد تحدثت فيه عن هذه المسألة، لعل فيه ما ينفع:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=147829&postcount=100
وهذا رابط المشاركات كاملة:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=3794&page=3&highlight=%C7%E1%E4%D3%C8%ED%C9
ـ[أبو البركات]ــــــــ[19 - 07 - 05, 01:10 ص]ـ
الموضوع كما يظهر هو عبارة عن تسآل حول كتاب الأخميني، ولذلك لابد من التحقق من المؤلف ومن هذه الرسالة المنسوبة إليه؟ فمن يكون الشيخ الأخميمي؟ هل هو من جنس تاج الدين السبكي و غيره أم غير ذلك (نريد سيرة واضحة عن الرجل) ثم بعد ذلك نناقش مضمون الرسالة فهل هي تتضمن ردود علمية منصفة أم هي من جنس مانقله أحمد الشهاب من ردود متعجرفة تفتقر إلى الإنصاف والعلمية.
وأما مسألة حوادث لا أول لها، فنفس العبارة نصت في بدايتها على أنها حوادث!!
ثم لنسأل كل أشعري سؤال: هل بإمكان الله خلق مخلوق في الأزل؟ وننتظر الجواب.
أو بصياغة أخرى: هل الله كان معطلا عن الخلق في الأزل؟
فالإجابة على هذه الأسئلة تحدد وتجبر الأشعري على القول بإمكانية حوادث لا أول لها.
قال الله تعالى: ((أفمن يخلق كمن لا يخلق))
ـ[حمزة الكتاني]ــــــــ[19 - 07 - 05, 01:49 ص]ـ
الإخوة الأفاضل، جل من تكلم عن هذه المسألة حاد عن المطلوب، أو خرج عن الموضوع، فالمسألة ليست كذلك، إنما هي خلاف عند المتلكمين في شأن: هل الصفة تتبع الموصوف، أم لا؟، هل الاسم يقتضي المسمى أم لا؟، فمن قال بذلك ألزموه بقدم العالم، أي أن الله تعالى اسمه الخالق، فيقتضي أنه منذ كان وهو خالق، بالنسبة لمن يقول بأن الصفة تتبع الموصوف، وأنه كان زمان لم يخلق فيه بالنسبة للذي لا يرى ذلك.
وأصل الخلاف: هل الحق جل جلاله يصح أنه تقع فيه الحوادث أم لا؟. فإن كان كذلك؛ فهو مشابه للمخلوق، وهذا ممنوع، "ليس كمثله شيء وهو السميع العليم". وإلا؛ فالصفة لا تقتضي الموصوف، وذلك عند المخالف عبث، حيث لا يتصور أن تكون صفة بغير موصوف.
ولذلك من قال بأن الصفة تتبع الموصوف قال بالقدم المذكور، ومن لم يقل بها نفى القدم، وأثبت ما لا يقبله العقل.
والقول بقدم العالم صحيح على أصول الأشاعرة، ويظهر لي أنه لا يصح على طريقة أهل الحديث والسلف.
وعلى كل؛ فالخلاف فيها واسع بالنسبة لأهل العلم، ولا ينبني عليه حكم بالنسبة للمجتهد، وقد قال القسطلاني رحمه الله تعالى في شرحه للبخاري بقدم البحر، وقال غيره بغير ذلك، فلم يكفرهم أحد، وإن كان القول بذلك أسوأ من القول بقدم العالم.
على أن الذي يتبين لي أن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يقل بقدم العالم، إنما قال: مازال الله تعالى خالقا على الدوام، وذلك يقتضي وجود عوالم لا عالم واحد، ولا شك أن الدنيا عالم، والآخرة عالم، والله تعالى يقول في الفاتحة: {الحمد لله رب العالمين}، والعالمين جمع عالم كما لا يخفى.
والحاصل؛ الأفضل الابتعاد عن النقاش في هذا الموضوع لعدم ورود نص فيه بعينه، وعدم تحدث السلف رضي الله عنهم فيه ثانيا، وعدم ابتناء حكم شرعي عليه ثالثا. فالدخول فيه لمن لم يقف عليه بدعة، كما قال مالك رحمه الله: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة؛ أخرجوا عني هذا المبتدع".
أما سعيد فودة فأحذر من كتاباته، فهو صاحب فتنة، وقد ناقشته من قبل فلم أجد عنده منطقا، سوى الشتم والذم، وكتبه عليها ظلمة، بل يتناقض في الكتاب الواحد بما يفضي إلى الكفر. والعياذ بالله تعالى.
وشيخ الإسلام إمام من أئمة الإسلام المجددين، ومجتهد صاحب مذهب مستقل كما لا يخفى، وأعجوبة من أعاجيب الزمان، وبالرغم من ذلك ليس معصوما، وكل يؤخذ منه ويرد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال مالك رحمه الله. ولله در علي رضي الله عنه: انظر الرجال بالحق ولا تنظر الحق بالرجال، وقال: من لك بأخيك كله. ورحم الله امرأ عرف قدره فوقف عنده كما في الحديث.
ـ[محمد الناصري]ــــــــ[19 - 07 - 05, 02:26 ص]ـ
أخي حمزة،القائل بقدم العلم مطلقا يلزمه القول بتعدد الآلهة،وهوكفر مجرد، وقدذكر شيخ الاسلام أن سائر العقلاء على بطلان هذا المذهب، قال يرحمه الله (فالقول بقدم العالم، قول اتفق جماهير العقلاء على بطلانه فليس أهل الملة وحدهم تبطله بل أهل الملل كلهم وجمهور من سواهم من المجوس وأصناف المشركين:مشركي العرب ومشركي الهند وغيرهم من الأمم وجماهير أساطين الفلسفة،كلهم معترفون بأن هذا العالم محدث كائن بعد أن لم يكن) ج5ص565
وبين رحمه الله أن أول قائل به هو أرسطو،كما بين في مواطن أخرى أن هذا القول كفر ع أهل العلم والسنة.
ومن جهة اخرى هذا القول مسطور عند الأشاعرة من المعتقات المكفرة،وتجد ذلك في الملل للشهرستاني،و في المواقف وشرحها،وكذا عند قول اللقاني
وكل ما جاز عليه العدم عليه قطعا يستحيل القدم
وما قاله الشراح من الأشاعرة.
وفقكم الله أخي حمزة، وأسأله تعالى أن يحقق أمانيكم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/243)
ـ[فيصل]ــــــــ[19 - 07 - 05, 12:01 م]ـ
[القائلون من أئمة الكلام بتسلسل الآثار (1)]
قال الإسنوي في "شرح منهاج الوصول" (2/ 103): " واجاب في التحصيل [وهو مختصر العلامة الأرموي لمحصول الرازي] بجوابين ... [وذكر الأول]، ثم قال:
الثاني: أن المحال من التسلسل إنما هو التسلسل في المؤثرات والعلل، وأما التسلسل في الآثار فلا نسلم أنه ممتنع، وهذا التسلسل إنما هو في الآثار.
قال الأصفهاني في "شرح المحصول": وفيه نظر لأنه يلزم منه تجويز حوادث لا أول لها، وهو باطل على رأينا" انتهى.
فقال العلامة محمد بخيت المطيعي-شيخ الأزهر- في الصفحة نفسها في حاشيته على شرح الإسنوي معلقاً على كلام الأرموي:
((كلام جيد، وأما قول الأصفهاني: وفيه نظر لأنه يلزم منه تجويز حوادث لا أول لها وهو باطل على رأينا فنقول-القائل المطيعي-:
لا يلزم من كونه باطلاً على رأيه أنه باطلاً في الواقع ونفس الأمر، فإنه لغاية الآن لم يقم دليل على امتناع التسلسل في الآثار الموجودة في الخارج، وإن اشتهر أن التسلسل فيها محال، ولزوم حوادث لا أول لها لا يضر بالعقيدة إلا إذا قلنا: لا أول لها، بمعنى لا أول لوجودها [أي الحوادث المعينة]، وهذا مما لم يقل به احد، بل الكل متفق على أن ما سوى الله تعالى-لما كان أو يكون- حادث: أي موجود بعد العدم بقطع النظر عن أن يقف ((آحاده)) عن حد من جانبي الماضي والمستقبل أو لا تقف عند حد من جانبيهما)) أ. هـ
فأنظر يا طالب العلم وتأمل الأرموي مجوز والأصفهاني مبطل بقوله"فيه نظر" والإسنوي ناقل وبخيت المطيعي شيخ الأزهر ناصر ومؤيد لقول الأرموي فلا تفسيق ولا تضليل فضلاً عن التكفير وهم اعلام هذا الفن وأركانه. فأي أشعري يضلل ويفسق هؤلاء!!
وممن قال أيضاً بذلك أثير الدين الأبهري في كتابه تحرير الدلائل في تقرير المسائل أنظر درء التعارض (6/ 185) والأبهري شيخ الأصفهاني شارح المحصول توفي سنة 663 ترجمته في تاريخ ابن العبري (445).
=============
(1) بإختصار وتصرف يسير من كتاب دفع الشبه الغوية ص38.
ـ[حامد الداني]ــــــــ[19 - 07 - 05, 11:21 م]ـ
الي الاخ المحترم ابوالبرکات ..... السلام عليکم و رحمةالله
ما معني ان کان هناک مخلوقات؟ وماهو معني هل کان الله معطلا قبل خلقه المخلوقات؟ لا اقدر علي فهم هذه الاشياء. ان کان معناه ايجاب ان الله سبحانه و تعالي خالق المخلوقات من الازل، اي المخلوقات؟ هل يکفي خلق اي مخلوق لکي يکون الله سبحانه خالقا فلا يکون معطلا؟ و ماذا عن الصفات الاخري، مثل الغفور، التواب، الرزاق ...... الخ. هل هذه الصفات ايضا تتطلب لوازمها؟ ان کان الجواب نعم، يلزم وجود ناس او مخلوقات کانوا يرتکبون الذنوب و الله يغفر لهم ويتوبون و هو يتوب عليهم ..... الخ. و ان کان الجواب لا، الا يکون ذلک تعطيلا لهذه الصفات؟ افيدوني حفظکم الله جميعا
و السلام عليکم و رحمة الله
حامد الداني
ـ[أبو البركات]ــــــــ[20 - 07 - 05, 02:13 ص]ـ
الأخ حامد الداني أظن كلام الأستاذ هيثم واضح، وقصدي من كلامي أن الله متصف بالخلق وهذه من صفات الرب، قالى تعالى: (أفمن يخلق كمن لا يخلق) فالله قادر على الخلق وبإمكانه خلق أي مخلوق في أي زمان. فالخلق هي صفة لله.
وسؤالي هو من باب إلزام من قال بعدم إمكانية حوادث لا اول لها. فيلزمهم عدم إمكانية الله على التخليق في الأزل. فالنقطة الرئيسية هي هل يمكن أو لا يمكن؟
ثم أرجو أن لا تخلط بين الوجوب والإمكانية، فعلى سبيل المثال نضرب لك مثل: أنت لديك يدين تستطيع حمل صندوق صغير، فلو لم تحمله لا يعني ذلك أنه ليس لديك إمكانية حمله.
الأخ أحمد الشهاب:
ياليت تعلق على ما اورده الأخ فيصل.
ـ[أبو زيد المغربي]ــــــــ[20 - 07 - 05, 02:16 ص]ـ
الحمد لله،
في حديث عمران بن حصين، رضي الله عنه، تكلم النبي صلى الله عليه و سلم ـ و هو يجيب على هذا "الأمر "ـ عن خلق السماوات و الأرض و بالتالي الزمن، فهذا كل ما يمكن أن ندركه و أن نفهمه.
أما قبل ذلك فلا يمكننا إدراكه، لأن أصلا لفظ "قبل" لا يوجد لانعدام الزمن!! فهذه مسألة تفوت مداركنا و عقولنا. و يبقى القول الفصل ـ و الله تعالى أعلم ـ هو أن الله هو الأول و الآخر و خالق كل شيء بدون تكييف و لا تعطيل و لا تمثيل و لا تشبيه و لاتحريف.
ـ[أبو علي]ــــــــ[20 - 07 - 05, 06:26 م]ـ
اهـ بواسطة حواشي السيف الصقيل.
.
الحواشي هي كتاب الكوثريّ الجهمي المسمَّاة بزعمه (الظَّلام المخيّم على نونيَّة ابن القيّم)
والسَّيف الصَّقيل للبغيض السُّبكي واسمه (السٍّيف الصَّقيل في الرّد على ابن زفيل)
أسأل الله أن يعاملهم بعدله على إضلالهم النَّاس وصدّهم عن طريق الحقّ. (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً)
فانظروا عمَّن ينقل ولو كان فيهم خيرًا لصرَّح بأسمائهم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/244)
ـ[حامد الداني]ــــــــ[20 - 07 - 05, 06:56 م]ـ
الي الاخ ابو برکات خصوصا و کل الاخوه عموما
السلام عليکم و رحمة الله
اخي العزيز ابو برکات، اظن هناک سو ء تفاهم کبير في المسألة لان کلام حضرتک عن الصندوق الصغير و حمله هو کلام علماء الاشاعرة. و بامکانک الرجوع الي کتاب الامام الغزالي رحمه الله "تهافت الفلاسفه " المسألة الاولي. و من جانب اخر ان الامام ابن تيمييه رحمه الله لا يقصد بمعني الاية "افمن يخلق کمن لايخلق" ما تعنيه انت، اي لا يقصد امکانية الخلق فقط بل الخلق بالفعل مثلما فهمت انا من بحث السيدة کامله الکواري. و بامکانک الرجوع الي کتاب الامام الغزالي المذکور و بحث السيدة کامله لتتأکد بأنک تقول بما يقوله الامام الغزالي الذي هو من کبار الشاعرة و تتأکد ايضا من ان الامام ابن تيمييه يقول بکلام بعض الفلاسفه. هذاهو سو ء التفاهم، او ربما الامامين يقولون بنفس الکلام ولکن الخلاف بينهما لفظي فقط. ام انني انا الذي لا افهم شيءا؟. الاشاعرة يقولون بان الله کان قادرا علي الخلق و لايزال هو قادر عليه، ولکن لم يکن معه الخلق من الازل، بل اصبح الخلق معه بعد ان خلقهم. و اعتقد هذا معني کلامک في مثال الصندوق الصغير. و السلام عليکم و چزاکم الله خيرا
ـ[أبو البركات]ــــــــ[21 - 07 - 05, 01:50 ص]ـ
الأخ حامد الداني ماشاء الله لديك إطلاع على كتب أهل الكلام ومع ذلك لم تستوعب ماهية الخلاف؟!
على أية حال فقد شرحت المسألة حسب علمي ولا أستطيع التفصيل أكثر من ذلك.
بخصوص كلام الأشعرية فهو كما أعرف عدم جواز وإمكانية حوادث لا أول لها. (راجع كلام الأستاذ فيصل)
اما كلام الغزالي في تهافت الفلاسفة فياليتك تنقله لنا لنرى هل هو كما تقول أم لا.
وكذلك كلام شيخ الإسلام الذي ترى أنه قريب من كلام الغزالي أنقله هنا.
قلت (الداني): [الاشاعرة يقولون بان الله کان قادرا علي الخلق و لايزال هو قادر عليه،]
وقلت: [ولکن لم يکن معه الخلق من الازل، بل اصبح الخلق معه بعد ان خلقهم]
طيب طالما أن الله عزوجل قادر على الخلق، فهل الخلق في الأزل ممكن أم ممتنع على الله عزوجل؟؟
وللمعلومة:الأشاعرة لديهم مفهوم خاص ومعنى خاص في "الخلق" مخالف لسلف الأمة
ـ[حامد الداني]ــــــــ[21 - 07 - 05, 07:53 م]ـ
الي الاخ العزيز ابو برکات .... السلام عليکم و بارک الله فيک
اخي، من واجب المسلم ان يرد السلام باحسن منه او مثله ..... سامحک الله
اولا انا لم ادع بأنني مطلع علي الکتب و خصوصا کتب الکلام، و لم ارد ازعاج احد من الناس. هذا کلام الامام الغزالي رحمه الله (و التحقيق في الجواب ان ما ذکروه من تقدير الامکانات لا معني له،و انما المسلم ان الله تعالي قديم قادر، لا يمتنع عليه الفعل ابدا ان اراده، و ليس في هذا القدر ما يوجب اثبات زمان ممتد.) و يقول رحمه الله في الصفحة التالية: (العالم لم يزل ممکن الحدوث، فلا جرم ما من وقت الا و يتصور احداثه فيه). هذا بالنسبة لمثال الصندوق و امکانية حمله و امکانية خلق العالم. اما رأي الامام ابن تيمييه رحمه الله و الذي هو ما يقول به بعض الفلاسفه فهو قوله باستحالة وجود حادث"مخلوق" يسمي اول حادث. الفلاسفه يقولون،کما جاء في کتاب "التهافت" (نحن لا نبعد صدور حادث عن قديم اي حادث کان، بل نبعد صدور حادث هو اول الحوادث من القديم، اذ لا يفارق حال الحدوث ما قبله في ترجيح جهة الوجود، لا من حيث حضور وقت و لا الة و لا شرط ولا غرض ولا سبب من الاسباب، فأما اذا لم يکن هو الحادث الاول جاز). وهذا هو القول بحوادث لا اول لها من جهة الماضي. انا لم اقل ان کلام الامامين قريب من البعض، بل قلت "ربما" و ربما انا الذي لا افهم شيءا. و اقول الان ايضا (ربما انا الذي لا افهم شيءا). اخي العزيز:المسلمون لا يعبدون احدا من البشر، لا نبيا و لا عالما و لا فيلسوفا، بل يعبدون الله سبحانه و تعالي، و الحکمة ضالة المؤمن، کما جاء في الحديث الشريف، ولا وجود لمعصوم بين البشر علماء و عواما. فبأمکاننا الاخذ من الکل. بالنسبة لسؤالک: هل الخلق ممکن في الازل؟ اظن کلام الامام الغزالي واضح و الجواب هو نعم. وهذه الامکانية هي کامکانية حمل الصندوق الصغير تماما بغض النظر عن حمله، لانه لو لم يکن کذلک لکان حمله علي وفق الوجوب لا علي وفق الامکان. ولا اعلم ان کان للاشاعرة مفهوم خاص عن الخلق. و اخيرا اقول بانني شارکت معکم لاستفيد لا لشيئ اخر، و اقبل رأي کل انسان و لا ار العصمة في احد بعد الرسل عليهم الصلاة و السلام. فرحت کثيرا بمراسلتک و السلام عليکم و رحمةالله و برکاته.
ـ[أبو البركات]ــــــــ[22 - 07 - 05, 02:59 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله ...
أود أن أشير إلى أن محل الخلاف أهل السنة واهل الكلام ليس في أي الروايات أصح "كان الله ولاشي قبله" أو "معه" فهذا أمره هين لكن تقرير أهل الكلام في إمتناع حوادث لا أول لها ناتج من إعتمادهم مقدمات فلسفية أعتقدوا أنه لايمكن إثبات الصانع ومنه إثبات حدوث العالم إلا من خلالها ومن هذه المقدمات إمتناع حوادث لا أول لها.
علما أن هذه المقدمات التي يظن أهل الكلام أنها صحيحة، لايمكن لأحد منهم أن يثبت صحتها.
أما نقلك لكلام الغزالي فالنقل الأول لم أفهمه ويحتاج رجوع للنص كاملا لكن النقل الثاني وهو: (العالم لم يزل ممکن الحدوث، فلا جرم ما من وقت الا و يتصور احداثه فيه)
أقول: هذا من جهة خلق العالم المشهود، وماذا عن المخلوقات الأخرى التي قبل خلق العالم؟
أما بخصوص كلام شيخ الإسلام كما أشرت في قولك: (اما رأي الامام ابن تيمييه رحمه الله و الذي هو ما يقول به بعض الفلاسفه فهو قوله باستحالة وجود حادث"مخلوق" يسمي اول حادث .. )
أرجو أن تنقل كلام شيخ الإسلام هذا من جهة ومن جهة اخرى هل يستطيع القائلين بأول حادث أن يثبتوا أنه لايوجد حادث قبله مع إعتبار أن الله لم يزل خالقا فاعلا أزلا و حاضرا ومستقبلا.؟؟
اما بخصوص الأشاعرة فهم ينفون صفات الله الفعلية كالتخليق مثلا، فيقولون الخلق والمخلوق واحد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/245)
ـ[حامد الداني]ــــــــ[23 - 07 - 05, 07:43 م]ـ
الاخ ابو برکات المحترم .... السلام عليکم و رحمةالله
اولا لا افهم قصدک من اهل الکلام، فأن کنت تعني الفلاسفة فکلامک حق، واذا تعني علماء الکلام من المسلمين کالامام الغزالي و الامام الرازي والامام ابن تيمييه علي سبيل المثال لا الحصر فهناک خلاف کبير بينهم لان الامام ابن تيمييه يرجح رواية "کان الله ولا شيء قبله " علي الروايتين اللتين تنتهيان ب"و لا شيئ غيره .... و لا شيئ معه " و علماء المسلمين الاخرين لا يفعلون ذلک بل يجمعون الروايات الثلاث حسب قاعدة فقهية متفق عليها في الاسلام. علما بانني لم اذکر هذه المسألة قبل الان، ولکن لا ضرر في التوضيح. اما النقل من الامام الغزالي رحمه الله فمکان الاستشهاد فيه هو قوله (المسلم ان الله قديم قادر لا يمتنع عليه الفعل ابدا ان اراده) فقط، و الباقي للرد عليهم، اي علي الفلاسفة، فيما يتعلق بالزمن فلا يهمنا الان. اما سؤالک: ماذا عن المخلوقات الاخري ..... ؟ الجواب: ما ينطبق علي عالم واحد ينطبق علي مليار عالم. اما عن نقل کلام الامام ابن تيميية رحمه الله اقول: طلبک هذا من اعجب العجاءب، بل يشبه سؤال انسان عن بيته هو في الوقت الذي هو جالس في بيته، ارجو المسامحة، لان کل الکلام في هذا السايد من اول مشارکة من قبل الاخ "العملاق" الي الان هو کلام الامام بذلک. و اذا تقول بان الامام ابن تيمييه لا يقول بذالک، فهل کل الاخوة في "الملتقي" يفترون علي الامام؟ اما عن سؤالک .... "هل يستطيع القائلون ...... الخ؟ الجواب هو نعم، لانه هناک حديث يقول ما معناه: ان اول مخلوق هو القلم، هذا من جهة، و من جهة ثانية انا اجبت علي هذا السؤال في رسالتي التي ارسلتها لک قبل هذه الرسالة، ولکن کأنک، بارک الله فيک، لم تفهم ما اقول. و ما تقول عن ان الاشاعرة يقولون بان الخلق و المخلوق واحد، فانا لم اسمع الي الان انهم يقولون بذلک، و " البينة علي من ادعي" کما جاء في الحديث الشريف، فعليک البينة.
ـ[حامد الداني]ــــــــ[23 - 07 - 05, 07:48 م]ـ
الاخ ابو برکات المحترم .... السلام عليکم و رحمةالله
اولا لا افهم قصدک من اهل الکلام، فأن کنت تعني الفلاسفة فکلامک حق، واذا تعني علماء الکلام من المسلمين کالامام الغزالي و الامام الرازي والامام ابن تيمييه علي سبيل المثال لا الحصر فهناک خلاف کبير بينهم لان الامام ابن تيمييه يرجح رواية "کان الله ولا شيء قبله " علي الروايتين اللتين تنتهيان ب"و لا شيئ غيره .... و لا شيئ معه " و علماء المسلمين الاخرين لا يفعلون ذلک بل يجمعون الروايات الثلاث حسب قاعدة فقهية متفق عليها في الاسلام. علما بانني لم اذکر هذه المسألة قبل الان، ولکن لا ضرر في التوضيح. اما النقل من الامام الغزالي رحمه الله فمکان الاستشهاد فيه هو قوله (المسلم ان الله قديم قادر لا يمتنع عليه الفعل ابدا ان اراده) فقط، و الباقي للرد عليهم، اي علي الفلاسفة، فيما يتعلق بالزمن فلا يهمنا الان. اما سؤالک: ماذا عن المخلوقات الاخري ..... ؟ الجواب: ما ينطبق علي عالم واحد ينطبق علي مليار عالم. اما عن نقل کلام الامام ابن تيميية رحمه الله اقول: طلبک هذا من اعجب العجاءب، بل يشبه سؤال انسان عن بيته هو في الوقت الذي هو جالس في بيته، ارجو المسامحة، لان کل الکلام في هذا السايد من اول مشارکة من قبل الاخ "العملاق" الي الان هو کلام الامام بذلک. و اذا تقول بان الامام ابن تيمييه لا يقول بذالک، فهل کل الاخوة في "الملتقي" يفترون علي الامام؟ اما عن سؤالک .... "هل يستطيع القائلون ...... الخ؟ الجواب هو نعم، لانه هناک حديث يقول ما معناه: ان اول مخلوق هو القلم، هذا من جهة، و من جهة ثانية انا اجبت علي هذا السؤال في رسالتي التي ارسلتها لک قبل هذه الرسالة، ولکن کأنک، بارک الله فيک، لم تفهم ما اقول. و ما تقول عن ان الاشاعرة يقولون بان الخلق و المخلوق واحد، فانا لم اسمع الي الان انهم يقولون بذلک، و " البينة علي من ادعي" کما جاء في الحديث الشريف، فعليک البينة. و السلام عليکم و رحمة الله و برکاته
ـ[أبو البركات]ــــــــ[25 - 07 - 05, 12:57 ص]ـ
[الاخ ابو برکات المحترم .... السلام عليکم و رحمةالله]
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/246)
[اولا لا افهم قصدک من اهل الکلام .. ]
كل من تأثر عقديا بعلم الكلام والفلسفة فهو من اهلها.
[واذا تعني علماء الکلام من المسلمين کالامام الغزالي و الامام الرازي والامام ابن تيمييه]
أما الغزالي والرازي إن لم يكونوا من أهل الكلام فلا يوجد أحد من أهل الكلام لاقديما ولا حديثا. اما شيخ الإسلام الذي اقحمته ظلما معهم فهو احد انصار السنة الذين عملوا ليل نهار على هدم أركان وقواد اهل الكلام والفلسفة.
[و علماء المسلمين الاخرين لا يفعلون ذلک بل يجمعون الروايات الثلاث حسب قاعدة فقهية متفق عليها في الاسلام.]
الأمر سهل جدا إذا كنا هنا، فأصل المسألة أن الحديث ذكره صلى الله عليه وسلم في موضع واحد ووقت واحد والقصة واحدة ومعروفة، فلابد إذا من أنه صلى الله عليه وسلم قال واحده من هذه الروايات والروايتين الباقيتين رويت بالمعنى،
فـ {كَانَ الله ولم يكن شيء قبله}، وهي رواية الإمام أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ، وإحدى روايتي البُخَارِيّ، كما في كتاب بدء الخلق من صحيحه. وإنها رواية الأكثرين والأحفظ، ومنهم الحميدي وهو من أشهر حفاظ مشايخ الإمام البُخَارِيّ. ومنها: أنها متفقة مع القرآن (هو الأول والآخر والظاهر والباطن)، ومتفقة مع الأحاديث الأخرى الصحيحة التي لا شك ولا غرابة فيها. كما في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث قيام الليل: {اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء}. مسلم. (راجع الرابط: http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.Sub*******&*******ID=1282#2978
[ اما النقل من الامام الغزالي رحمه الله فمکان الاستشهاد فيه هو قوله (المسلم ان الله قديم قادر لا يمتنع عليه الفعل ابدا ان اراده) فقط]
ونحن نقول لم يزل قادرا فاعلا ....
[اما سؤالک: ماذا عن المخلوقات الاخري ..... ؟ الجواب: ما ينطبق علي عالم واحد ينطبق علي مليار عالم ... ]
يعني ربما كان قبل هذا العالم (الحادث) مليار عالم وقبل المليار عالم كان هناك ألف عالم وهكذا عالم وقبله عالم إلى لا أول. وهذا مايسمى بحوادث لا أول لها.
[لانه هناک حديث يقول ما معناه: ان اول مخلوق هو القلم، هذا من جهة،]
سياقك لمعنى الحديث على حسب فهمك لا يعتبر دليل، فنص الحديث عندي انا يختلف معناه عن مانقلته أنت بالمعنى.
ثم إذا قلت لك أنه يوجد مخلوق قبل خلق القلم؟! ماهو ردك؟
[ما تقول عن ان الاشاعرة يقولون بان الخلق و المخلوق واحد، فانا لم اسمع الي الان انهم يقولون بذلک]
طيب هذا كلامي، فإذا كنت أنت تخالف ماذكرته عن الأشاعرة في انهم يقولون الخلق هو المخلوق فسوف تنسف ركيزة أساسية في المذهب الأشعري والتي من خالفها فهو كافر عندهم ألا وهي مسألة حلول الحوادث بالرب كما يزعم اهل الكلام من الأشعرية.
ولا اريد أن ادخل في نقاش على هذه. فاعذرني.
والسلام عليكم ورحمة الله
ـ[حامد الداني]ــــــــ[25 - 07 - 05, 02:34 ص]ـ
الي الاخ العزيز ابو برکات ..... السلام عليکم و رحمةالله
اخي ابو برکات، انا اعتذر من کل قلبي منک و من کل الاخوة في الملتقي، و ارجو ان تعذروني ان کنت سببا في ازعاجکم، لانني لم اکن اعلم بأن حضرتک تنزعج من کلامي.
انا قلت ان الامام الغزالي و الامام الرازي و الامام ابن تيميه (رحمهم الله) کلهم علماء کلام، اي لم اقل ان الامام ابن تيميه فقط عالم کلام. و اظن کلامي کان واضحا. و اذا انت تعني ان الامام ابن تيميه ليس منهم، فليکن اذا، ولکن في هذه الحالة لايمکن تبرير ما تقوم به من المداخلات عن (حوادث لا اول لها) في الوقت الذي تعتبر الامام ابن تيمييه الذي لم يکن عالم کلام شيخک و امامک. علي کل حال انت حر اخي العزيز.
انا لا اقول بوجود حوادث لا اول لها، و لکن اقول بأن الله قديم، قادر لا يمتنع عليه الفعل ابدا ان اراده. هناک اول مخلوق، اي المخلوق الذي لم يکن هناک مخلوق قبله، اما القلم او الماء، لانه هناک خلاف في هذا. الاشاعرة لا يقولون بحلول الحوادث بالرب سبحانه و لا اعرف هل انهم يکفرون القائل بذلک ام لا، صدقني اخي، لا اعرف شيئا عن ذلک. هناک شيئ اخر اريد ان اقوله و هو: انني الي الان لم ار انسانا بارعا في علم الکلام و الفلسفة مثل الامام الغزالي والامام الرازي و الامام ابن تيمييه رحمهم الله جميعا. من جانبي ايضا هذه الرسالة هي اخر ما اکتب لک. سلامي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/247)
و محبتي لکل الاخوة في الملتقي.
و السلام عليکم و رحمةالله و برکاته.
ـ[حامد الداني]ــــــــ[27 - 07 - 05, 04:14 ص]ـ
الي جميع الاخوة في الملتقي ..... السلام عليکم
ارشدني قبل ايام احد الاخوة الکرام في الملتقي بزيارة موقع الاستاذ الدکتور سفر الحوالي عجل الله شفاءه،ففعلت ما ارشدني اليه شاکرا. و لکنني وجدت بعض ما حيرني هناک، فرجاءي منکم جميعا ان ترشدوني الي ما فيه خير الجميع. من هذه الاشياء اذکر شيئين، و هما ما سببا لي الحيرة اکثر من غيرهما:
1 - يقول الدکتور الحوالي في شرح حديث عمران بن حصين رضي الله عنه ..... والناس في هذا الحديث علي قولين: الاول ... أن الله کان موجودا وحده،و لم يزل کذلک دائما، ثم ابتدأ إحداث جميع الحوادث، فجنسها و اعيانها مسبوقة بالعدم، و أن جنس الزمان حادث لا في الزمان، و ان الله صار فاعلا بعد ان لم يکن يفعل شيئا من الازل الي حين إبتداء الفعل و لا کان الفعل ممکنا.
الثاني ... المراد إخباره عن خلق هذا العالم المشهود الذي خلقه الله في ستة ايام کما أخبر القرآن في غير موضع. هنا انتهي کلام الدکتور بالنسبة للنقطة الاولي.
انا (حامد الداني) اقول بأن هناک قسما ثالثا و هم کل البشر تقريبا، اي الذين يؤمنون بوجود الله ويؤمنون بأن الله خلق هذا الکون، من نيوزيلنده شرقا الي اميرکا غربا من المسلمين و الکفار بجميع طوائفهم. هؤلاء جميعا يقولون بأن الله لم يکن معطلا قبل خلقه اول مخلوق بغض النظر عن إسم المخلوق الاول و لا يقولون بحوادث لا اول لها. و بإمکان اي واحد منا ان يسأل اباه او امه او اي شخص اخر علي وجه الارض عن هذه المسألة و يسمع الجواب منهم. فإن لم يکن مثل ما اقول فليعلموني بذلک لاعترف بأنني الانسان الوحيد الذي لا يؤمن بما يقول به کل البشر. بل انا أدعي بأن هذه الفکرة لا يقبلها لا عقل و لا قلب مثلما يقول الشيخ ناصر الالباني.
الشيء الثاني الذي سبب لي الحيرة هو:
يقول الدکتور الحوالي: و معني کلام شيخ الاسلام إبن حجر و إبن تيميه، أن هذا الحديث قيل في موضع واحد، و الجواب کان في وقت واحد، لأن القصة واحدة، فلا بد إذا ان احد الروايات الثلاث"قبل"او "مع" او "غير" هي التي قالها رسول الله صلي الله عليه و سلم و ان الروايتين الأخريين رويتا بالمعني، و الذي رجحاه کلاهما من حيث الرواية هي رواية "ولم يکن شيئ قبله ". هنا ينتهي کلام الدکتور الحوالي.
و انا (الداني) کنت اعرف قبل اليوم بکثي? بأن الامام الحافظ رحمه الله لم يرجح اية رواية ابدا، بل جمع بينها جميعا ليکون الحديث:"کان الله و لم يکن شيء غيره،و لم يکن شيئ معه، ولم يکن شيئ قبله ". لذلک راجعت کتاب (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) للامام الحافظ إبن حجر العسقلاني. رقم کتبه و ابوابه و احاديثه محمد فؤاد عبد الباقي ..... قام بإخراجه و تصحيح تجاربه محب الدين الخطيب ..... راجعه قصي محب الدين الخطيب .... دار الريان للتراث/القاهرة ...... الطبعة الاولي 1987 ..... الجزء الثالث عشر ..... کتاب التوحيد .... باب (و کان عرشه علي الماء) ...... صفحة421 (کان الله و لم يکن شيئ قبله). يقول الحافظ الامام إبن حجر:
"تقدم في بدء الخلق بلفظ (و لم يکن شيئ غيره) و في رواية ابي معاوية (کان الله قبل کل شيئ) و هو بمعني (کان الله و لا شيئ معه) و هي أصرح في الرد علي من أثبت حوادث لا اول لها من رواية الباب، و هي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية، و وقفت في کلام له علي هذا الحديث يرجح الرواية التي في هذا الباب علي غيرها، مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه علي التي في بدء الخلق لا العکس، و الجمع يقدم علي الترجيح بالاتفاق" انتهي کلام الحافظ رحمه الله.
و ما حيرني هو قول الدکتور الحوالي بأن الامام الحافظ إبن حجر رجح رواية" و لا شيئ قبله " علي الروايتين "معه " و "غيره "، وهذا ما لم يفعله الامام الحافظ رحمه الله،ليس هذا فقط بل و ينتقد الامام ابن تيميه علي ترجيحه رواية "قبله " التي هي في باب التوحيد علي رواية"غيره " و التي هي في باب بدء الخلق و يقول بأن الجمع يقدم علي الترجيح بالاتفاق. و إذا الانسان يقرأ ما کتبه الدکتور الحوالي بدقة يري بکل وضوح أن کلامه يضرب بعضه بعضا بشکل ينسف بعضه بعضا و کأنه يکتب بدون أن يهتم بما يقول. إسمعوا الي هذا:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/248)
يقول الدکتور سفر (الا أن إبن حجر يري أن هناک أول مخلوق بإطلاق). وبعد أسطر يقول (و شيخ الاسلام ابن تيميه لم يخض في هذا الموضوع بهذا الشکل، لانه يري أن ليس هناک ما يسمي بأول مخلوق بإطلاق، و إنما هناک مخلوقات قبلها مخلوقات) انتهي کلام الدکتور. وانا اقول بأن هذا الکلام لا يمکن أن يمر علي أحد القراء إلا إذا کان لا يعرف اللغة العربية،لأنه إن کان صحيحا بأن الامامان ابن حجر و ابن تيميه رجحا رواية"قبله " علي غيرها کما يقول الدکتور، فيعني هذا بأن الامام الحافظ رحمه الله خالف قاعدة فقهية متفق عليها في جمع و ترجيح الاحاديث من اجل لا شيئ، لإنه مع مخالفته للقاعدة أنکر حوادث لا أول لها، و هذا دليل من أکبر الادلة علي أن مجرد التأکد من أن النبي عليه الصلاة و السلام قال " کان الله ولم يکن شيئ قبله " لا يکون دليلا علي القول بحوادث لا اول لها، و إلا يکون من سابع المستحيلات أن عالما من أعظم علماء الاسلام في علوم الدين عموما و علم الحديث خصوصا، لا يجعل من الحديث دليلا و شاهدا علي صحة حوادث لا اول لها. أي أن الامام إبن تيميه متمسک بدليل لا يعتبر دليلا عند واحد من أکبر علماء الحديث. هذا يعني أن الدکتور، حفظه الله،هدم البناء الذي بناه الامام ابن تيميه (هذا إن کان هناک بناء اصلا) دون أن يشعر. هذا إن کان صحيحا بأن الامام الحافظ رجح إحدي الروايات الثلاث کما فعل الامام إبن تيميه، و لم يفعل الامام الحافظ ذلک کما تبين من کلامه في کتابه.
هناک شيئ آخر يجب أن يقال و هو أن بعض الناس يعتبرون الذين لا يقولون بحوادث لا اول لها، بأنهم معطلة و چهمية، ولکنهم لا يقولون أن الحافظ ابن حجر رحمه الله من المعطلة، علما بأنني فرحان بذلک، أي انا فرحان أنهم لا يقولون ذلک. و لا يقولون للشيخ ناصر الالباني معطل. لماذا؟ إذا کان صحيحا أن المسلمين مجموعتين فقط،1 - الذين يقولون بحوادث لا اول لها،2_و الذين لا يقولون بهذا، لماذا الشيخ الالباني ليس مع المجموعة الثانية؟ و إن کان هذا الامر من الآراء الاجتهادية فليتمسک کل مجتهد برأيه بدون إستعمال ألقاب لا يرضي منها الله و لا رسوله، کما فعل السلف الصالح أمثال الأءمه الاربعه رضي الله عنهم أجمعين. أين الجهمية، او المعتزلة؟ ما هذه الاسماء.
لم أکتب ما کتبت الان لبيان شيئ متعلق بالامام ابن تيميه مطلقا، بل لأبين بأن هناک علي الانترنيت موقع يسمي موقع الاستاذ الدکتور سفر الحوالي فيها أخطاء کبيرة تضر بأصحابها أکثر مما تضر بغيرهم، فأن کانت هذه الاخطاء نتيجة خطأ أو نسيان، و هذا هو المظنون بعالم إسلامي، ارجو من الاخوة الذين لهم علاقة مباشرة بالموقع المذکور إعلامهم بذلک. هناک أخطاء اخري ايضا لم اتکلم عنها في شرح حديث عمران بن حصين و في شرح العقيدة الطحاوية علي نفس الموقع و لکنني لا اقدر ان اکتب عنها بسبب ضيق الوقت و اشغالي.
جزاکم الله خيرا و سلام الله عليکم.
ـ[عبد]ــــــــ[27 - 07 - 05, 06:01 ص]ـ
عبارة يسيرة وجليلة - فيما أحسب - وتزيل الإشكال على الفور:
- لولا الله تعالى لما كان هناك جنس حوادث ولا أفرادها -
بهذه العبارة البسيطة يزول الإشكال على الفور لأن الجواب على هذه العبارة لا يخرج عن ثلاثة أجوبة:
1 - النفي: وهذا باطل.
2 - الإثبات: وهذا هو الصحيح شرعا وعقلا.
3 - التفصيل: وهنا العبارة لا تقبل التفصيل أصلاً.
.
والتفريق بين جنس الحوداث وأفرادها لا يستقيم لأن جنس الحوداث في الأصل مركباً من أفرادها لا وجود لجنس الشيء بدون وجود أفراده. فمثلاً لا وجود لجنس البشر لو لم يوجد أشخاص بأعيانهم: احمد، خالد، عمر، .... الخ. وعليه فلا بد لأفراد الحوادث من بداية مسبوقة بوجود الله، فإذا كان مجموع أفراد الحوادث مسبوقاً بوجود الله كان جنس الحوداث كذلك لزوماً كما ترى، وهو ما دلت عليه ظواهر الأدلة الشرعية وأيدته بدهيات الأدلة العقلية.
ومرحباً بتعليقات الإخوة الفضلاء وتعقيباتهم.
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[27 - 07 - 05, 07:21 ص]ـ
جزاكم الله خيراً.
------
بل كلامه صواب دلّ عليه الدليل، وإن كان لم يماثله في اللفظ، اللهم إلا إذا كنت تقصد أنه لم يرِد دليل بهذا اللفظ فهذا صحيح.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/249)
روى البخاري -رحمه الله - في صحيحه، قال: ((حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا جامع بن شداد، عن صفوان بن محرز، أنه حدثه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم فقال: " اقبلوا البشرى يا بني تميم "، قالوا: قد بشرتنا فأعطنا، مرتين، ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن، فقال: " اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو تميم "، قالوا: قد قبلنا يا رسول الله، قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر؟ قال: " كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض " فنادى مناد: ذهبت ناقتك يا ابن الحصين، فانطلقت، فإذا هي يقطع دونها السراب، فوالله لوددت أني كنت تركتها، وروى عيسى، عن رقبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: سمعت عمر رضي الله عنه، يقول: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاما، فأخبرنا عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه)).
قال ابن حجر رحمه الله في " الفتح " 6/ 289:
(تنبيه: وقع في بعض الكتب في هذا الحديث: " كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان "، وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث، نبّهَ على ذلك العلامة تقي الدين بن تيمية، وهو مُسَلَّمٌ في قوله: " وهو: الآن ... " إلى آخره، وأما لفظ: " ولا شيء معه "، فرواية الباب بلفظ: " ولا شيء غيره " بمعناها. ووقع في ترجمة " نافع بن زيد الحميري " المذكور: " كان الله لا شيء غيره "، بغير واو) اهـ
وقال العجلوني رحمه الله في " كشف الخفا " (2011):
(" كان الله ولا شيء معه ":
رواه ابن حبان، والحاكم، وابن أبي شيبة: عن بريدة (1). وفي رواية " ولا شيء غيره "، وفي رواية " ولم يكن شيء قبله "، قال القاري (2): ثابت،ولكن الزيادة وهي قوله [قولهم اهـ المصنوع للقاري]: " وهو الآن على ما عليه كان "، من كلام الصوفية) اهـ
-------------------
(1) تنبيه: لم أجده بهذا اللفظ عند الثلاثة.
(2) المصنوع (220).
-----------
يراجع للفائدة: كنز العمال (29850).
ـ[عبد]ــــــــ[27 - 07 - 05, 11:53 ص]ـ
جزاكم الله خيراً.
------
قال ابن حجر رحمه الله في " الفتح " 6/ 289:
(تنبيه: وقع في بعض الكتب في هذا الحديث: " كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان "، وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث، نبّهَ على ذلك العلامة تقي الدين بن تيمية، وهو مُسَلَّمٌ في قوله: " وهو: الآن ... " إلى آخره، وأما لفظ: " ولا شيء معه "، فرواية الباب بلفظ: " ولا شيء غيره " بمعناها. ووقع في ترجمة " نافع بن زيد الحميري " المذكور: " كان الله لا شيء غيره "، بغير واو) اهـ
وقال العجلوني رحمه الله في " كشف الخفا " (2011):
(" كان الله ولا شيء معه ":
رواه ابن حبان، والحاكم، وابن أبي شيبة: عن بريدة (1). وفي رواية " ولا شيء غيره "، وفي رواية " ولم يكن شيء قبله "، قال القاري (2): ثابت،ولكن الزيادة وهي قوله [قولهم اهـ المصنوع للقاري]: " وهو الآن على ما عليه كان "، من كلام الصوفية) اهـ
-------------------
(1) تنبيه: لم أجده بهذا اللفظ عند الثلاثة.
(2) المصنوع (220).
-----------
يراجع للفائدة: كنز العمال (29850).
جزاكم الله خيرا يا شيخ أشرف.
فائدة تُذكر ومعلومة تُشكر.
ـ[سيف 1]ــــــــ[27 - 07 - 05, 12:55 م]ـ
لا اعلم حقيقة لم الاصرار على ان صفة الخالق تعني انه يخلق ابدا وان كل مخلوق مسبوق بآخر. ولما لا نفهمها كما يفهمه كل مسلم عامي يؤمن بالله ولم يقرأ لأي فيلسوف او صاحب باع في الكلام بأنه الخالق قادر على الخلق ابدا ان شاء خلق وان شاء لم يخلق. وأرى ان ابن تيمية رحمه الله تعالى (ان صح ذلك عنه) وقع في تعارض غريب. لأنه في باب الصفات الاختيارية ومنها مثلا باب كلامه سبحانه قال:ان اهل السنة وهو الصحيح يقولون انه ان شاء تكلم وان شاء سكت.
اما مسألة حلول الحوادث وانها مستحيلة عليه سبحانه.فابن تيمية رحمه الله رد على من قال ذلك.وقال: انهم يقولون لأنه من لا يخلوا من الحوادث فهو حادث وقد رد كبارهم الفحول كالرازي والآمدي عليهم وبينوا ضعف مقولتهم تلك.
وكذا رد عليهم ابن تيمية في معرض كلامه عن الصفات الاختيارية.
ـ[فيصل]ــــــــ[27 - 07 - 05, 03:35 م]ـ
أخي سيف لا أعلم أن ابن تيميه يقول بإلزام ووجوب أن هناك مخلوقات متسلسلة لكن أنت بفطرتك أقررت بالحق فقلت:ان شاء خلق وان شاء لم يخلق أزلاً وابدا.
والمتكلمة يقولون يستحيل عليه أن يشاء الخلق أزلاً وهنا الفرق وهذا واحد من الفروق ولاحظ أننا نحن نتكلم عن المفعولات هنا لا الأفعال فتنبه! والافعال صفات لله والمفعولات هي المخلوقات المنفصلة عنه والحوادث بإصطلاح المتكلمة هي أفعال الله وهي مخلوقة والعياذ بالله.
الشيء الآخر أن السلف قالوا الفرق بين الحي والميت الفعل-راجع خلق أفعال العباد- فلو قلنا أن الله كان ولا فعل أزلاً فقد نص السلف على أنه كان في حكم الميت والعياذ بالله.
دعنا الآن من فعل التخليق وهب أن الله لم يخلق فهل أفعاله منحصره في التخليق؟ أفعال الله لا يحصيها إلا هو!
ألا يتكلم متى شاء وكيف شاء إن قلت يصح أن يتكلم متى شاء أزلاً وأبداً فقد قلت بما نريد وإن قلت لا فقد فهت بعظيم.
والله أعلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/250)
ـ[حامد الداني]ــــــــ[28 - 07 - 05, 03:00 ص]ـ
اخي فيصل .... الامام ابن تيميه يقول بحوادث"مخلوقات"لا نهاية لها من جانب الماضي. و المتکلمة ليسوا زمرة واحدة، و انما لکل فرقة متکلمتها، الفرقة الناجية ايضا. ان کنت علي مذهب الامام ابن تيمية فلا يمکنک ان تقول"هب ان الله لم يخلق، لان هذا هو لب الموضوع و اصل المشکلة. هناک سؤال في فکري من مدة، بعد ما قرأت بحثا عن "حوادث لا اول لها للسيدة کاملة الکواري، هي تفرق بين فعل الله و مفعولاته دون ان توضح شيئا بمثال او شرح. . قرأت لاناس آخرين عن نفس المسألة ايضا بدون اي توضيح. و الان اري حضرتک ايضا تفرق بين الافعال و المفعولات دون ان توضح المسألة. الفعل نوعين: الفعل اللازم، اي الذي لا يريد مفعولا، مثل ... ذهب
و الفعل المتعدي، اي الذي لا بد له من مفعول، مثل أکل،کتب ..... الخ، فهل يمکنک ان توضح هذه المسألة لي و لغيري من الاخوة في المنتدي،اکون شاکرا لک ان فعلت. ولکن ليکن شرحا مفصلا يوضح کل اشکالات المسألة. والسلام عليکم
ـ[فيصل]ــــــــ[29 - 07 - 05, 02:57 م]ـ
ابن تيميه يقول بالجواز وأنت تقولون هنا بالجواز (قادر على أن يخلق الله المخلوق في الازل)
تنبيه: هناك تناقض من بعض شيوخ الأشاعرة هو قولهم كان قادر على الخلق والمخلوق ممتنع! كيف هذا!؟ فإن كان قادر أن يخلق المخلوق وليس بمستحيل فالمخلوق مقدور ليس بمستحيل وإن كان المخلوق ممتنع لا يقدر على إيجاده فهو غير قادر ولا ثالث هنا إلا التناقض والتلبيس على الجهال لدفع الشناعة.
قال: لا يمکنک ان تقول"هب ان الله لم يخلق، لان هذا هو لب الموضوع و اصل المشکلة.
أقول: أخبرتك أن أفعاله ليست منحصره في التخليق!
قال: هناک سؤال في فکري من مدة، بعد ما قرأت بحثا عن "حوادث لا اول لها للسيدة کاملة الکواري، هي تفرق بين فعل الله و مفعولاته دون ان توضح شيئا بمثال او شرح. .
أقول: العجب انك ضربت أمثله بعد ذلك بأسطر!!
الفعل هو ما يقوم بالذات والمفعول هو ما يقع منفصلاً خارج الذات
الفعل اللازم مثل: فتح اليد ولا يلزم من هذا شيء منفصل عن الذات
الفعل المتعدي: هو ما يلزم عنه مفعول منفصل خارج الذات كقولنا خلق السموات والأرض فالتخليق فعل الرب غير مخلوق والمخلوق مفعوله المنفصل عنه.
ودعوى أن الفعل هو المفعول هذا قول الجهمية الذي نقل الإمام البخاري الإجماع على نقيضه ونقله كمذهب اهل السنة البغوي وغيره.
وقد يأتي المفعول بصيغة الفعل كقولنا هذا خلق الله أي مخلوقاته فلا يتمسك بهذا المبتدعه.
قال رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم: ((أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك))
فأستعاذ بمعافاته وقد احتج السلف بإستعاذته بكلام الله على أنه غير مخلوق ونقل الإجماع غير واحد على ذلك فكذلك هنا فمعافاته فعله غير مخلوق والعافية القائمة بأبدان الناس مخلوقه وهي نتيجة معافاته.
أما الشبهات على هذا الموضوع فلا أظن هذا محلها
ـ[حامد الداني]ــــــــ[29 - 07 - 05, 08:48 م]ـ
جزاک الله الف خير اخي العزيز علي هذا الايضاح و اشکرک شکرا جزيلا عليه
اقول انا لا اتدخل في هذه المناقشة بصفة جهمي او اشعري او معطل ..... او ...... او. بل اشارک بصفتي انسان افهم اللغة العربية و احب المناقشة في هذه المواضيع بغض النظر عن اي شئ اخر. اريد ان استفيد اولا و ان افيد ان امکن. صدق او لا تصدق. اعرف ان الناس في بلداننا لا يقبلون بالرئ الاخر لسوء الحظ. ارجو ان لا اکون واحدا منهم لان الاختلاف غني و هو سنة من سنن الله. اقبل رأيک و رأي کل الاخوة مثلما هو تماما.
قلت في مداخلة سابقة لا اري العصمة في احد و لا في ابن تيمية، و هو لا يري العصمة في اي احد حتي في الخلفاء الراشيدين. فأصبح واجبا علي کل من يراه شيخه و امامه ألا يري العصمة في احد و خصوصا فيه هو لانه لا يرضي بهذا في دار البرزخ، رحمه الله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/251)
ابن تيمية لا يقول بالجواز فقط، و انما يقول بوقوع حوادث لا اول لها بالفعل. و هذا مالم يفهمه کثير من الاخوة في المنتدي و انت من ضمنهم، کما لاحظت من قراءة مداخلاتهم. الجواز غير الوقوع. هذا يعني اما لا تعرف رأي الامام و اما لا توافقه. و الامام ابن تيمية لا يقول"هب". اذا تتصور انني ادافع عن رأي فرقة من الفرق، فغير صحيح، بل انا امثل نفسي فقط و لا ادافع حتي عن آرائي و انما اريد ان اتعلم شيئا جديدا. و اذا ترجع الي کل مداخلاتي يتبين لک ذلک. و هکذا اشعر بأنني مديون لک لأعطائي شيئا من وقتک لتوضح ما يفيدني. اما کلامک عن بعض شيوخ الاشاعرة و ما يقولون، فأنا لست محاميا عن أحد ولا حتي عن نفسي الا اذا کنت مقتنعا بصحة رأي من آرائي، و حتي في هکذا وضع لا ادافع عن نفسي الا مع الاخذ بنظر الاعتبار إحتمال خطأي في ذاک الرأي. و أنا ايضا اقول معک عن هؤلاء الذين يقولون بآراء و أفکار مستحيلة، کيف هذا؟. و أقول ايضا کشف الله ستر الذين يلبسون علي الجهال، إن کان عملهم هذا لدفع الشناعة او لاهداف خبيثة اخري لا يعلمها الا الله. ولکن لا تخف اخي فيصل، فإن لهذا الدين رب يحميه. قال عبدالمطلب للابرهة، عندما جاء لمکة المکرمة عام الفيل: لهذا البيت رب يحميه. اخي فيصل، کتبت قبل ايام قلائل مداخلة طويلة عن ما جاء علي موقع الدکتور سفر الحوالي بخصوص شرحه لحديث عمران بن حصين، بينت فيها أخطاء فضيعة، و لکن لا اعلم هل هذه الاخطاء الواردة في ما يقول هي بسبب السهو و النسيان او لاهداف أخري؟
إن کان الافعال غير منحصرة في التخليق، فلماذا تتکلمون فقط عن هذا؟ بل انا الذي قلت ذلک قبلک في مداخلة سابقة. فهذا حجة علي الذين يتکلمون فقط عن هذه الصفة لا علي.
نعم هناک سؤال کهذا في فکري لان من الواجب، انسانيا و دينيا، علي الذين يتکلمون عن هذه الامور الصعبة و الخطرة، اي الموضوع الذي يناقس الان في الملتقي ان يوضح کل نقطة و کل صغيرة بشکل لا مزيد عليه،و إلا يکون ضرره اکثر من فائدته،و لا يرضي الله بذلک.
ضربت الامثلة لانکم، اي کاملة و انت و غيرکم علي هذا الموقع، کتبتم عن وجوب التسلسل في الافعال و جوازها في المفعولات دون ان يشرح الموضوع، لذلک ذکرتک بنقطة واحدة فقط من النقاط التي من واجبکم ان توضحوها للذين يزورون الموقع. وهذه واحدة منهم فقط.
تقول: الفعل اللازم مثل فتح اليد. اذا اقول 'فتح الاخ فيصل يده "، هذا فعل متعدي، لان اليد مفعول به و لکن لا اشکال هناک افعال لازمة غيره. حضرتک قلت في مداخلتک القبل الاخيرة" دعنا الان عن فعل التخليق ...... فهل افعاله منحصرة في التخليق؟ " والله اخي انا ايضا لا اعلم لماذا لا يذکرون الا هذا. هذا سؤال آخر من الاسألة التي في فکري و ذکرته في مداخلة سابقة. ولکن اظن، والله اعلم، لان الامام ابن تيمية لم يذکر غير هذا و المقلدين، عافاهم الله،لا يقلدونه فيما يقول الا بحذافيره. و هو رحمه الله کان عالما کبيرا لا اعتقد يرضي بأن يقلدوه تقليد اعمي.
جزاک الله اخي فيصل لذکرک الجهمية، اکون شاکرا لک إن کتبت لي سطورا عنهم، لانني اعيش في بلد لا يمکنني الحصول علي مصادر عنهم.
و الشبهات کثيرة و متشعبة في کل المواضيع في هذه الدنيا، لا مجال لک ولا لي ان نتکلم عنها.
استفدت کثي?ا من مداخلتک، والسلام عليکم
ـ[أبو البركات]ــــــــ[29 - 07 - 05, 08:54 م]ـ
بارك الله فيك اخي فيصل فكلامك واضح جدا ولا يحتاج إلى تعقيب ماشاء الله ...
الأخ حامد لا ينبغي لك سرد أكثر من موضوع في هذا المبحث حتى ننتهي من نقطتنا وهي جواز حوادث لا اول لها.
ثم طالما أنك تعتقد أن الله قادر على خلق عالم قبل عالمنا المشهود هذا وكذلك قادر على خلق عوالم قبلهم بملايين السنيين وهكذا .. فأنت هنا تجوز التسلسل في الآثار والقول بحوادث لا أول لها. والمسألة واضحة
فلماذا كل هذا التردد؟
ـ[حامد الداني]ــــــــ[29 - 07 - 05, 11:31 م]ـ
اذا لا انت و لا فيصل تمکن من معرفة الفرق بين الجواز و الوجوب في مدة اکثر من سنتين، فمتي يمکن الانتهاء من هذه النقطة، اي حوادث لا اول لها؟. و انا الي هذه اللحظة لم ار دليلا واحدا علي ما تقولون، غير دليل الالزام الذي انت و باقي الاعضاء في الملتقي تکررونها، وهو"نسأل الذي لا يقول بحوادث لا اول لها، هل کان بإمکان الله ان يخلق مخلوقا في الازل؟ فإن قال لا، فهو معطل و إن قال نعم فرجع الينا". هذا کلام کاملة عن ناصر الالباني في بحثها القيم جدا. و کأن ناصر الالباني طفلها الصغير الذي يرکض ال بيت جارها المغضوبين عليهم من قبلها، فتمسک بيده الصغيرة و ترجعه ليجلس معها هادئا راضيا. هذا السؤال الالزامي لا قيمة له مطلقا. و انا قد قرأت کل مداخلاتکم بدقة ولم ار فيها دليلا مقنعا واحدا. انت و فيصل مقلدون ليس فقط في الفکرة (حوادث لا اول لها) بل و في الادلة التي تستشهدون بها. اي انتم لا تعروفون قيمة ادلتکم لانکم مقلدون فيها اناس آخرين. کل عبارة کتبتها في مداخلتي الموجهة الي فيصل له علاقة مباشرة بلا زيادة و لا نقصان بما هو واجهني به. و کلامک (يا ابو برکات) شاهد علي أنک لا تفهم ما تقرأ و انما انت مقلد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/252)
ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[30 - 07 - 05, 12:17 ص]ـ
الأخ حامد الداني تخطئتك للإخوة وادعائك أنك تتفرد وحدك بالفهم دون سائر الإخوة احتكار وقصور فهم!
والذي يظهر لي أنك لم تفهم المسالة أو أنك تريد اللف والدوران وتخطئة شيخ الإسلام ابن تيمية بأي شكل!!
وهذا ظلم وتعسف لايرضاه طالب الحق
على سبيل المثال اتمنى منك الإجابة على ما ذكره الأخ عبد
((عبارة يسيرة وجليلة - فيما أحسب - وتزيل الإشكال على الفور:
لولا الله تعالى لما كان هناك جنس حوادث ولا أفرادها
بهذه العبارة البسيطة يزول الإشكال على الفور لأن الجواب على هذه العبارة لا يخرج عن ثلاثة أجوبة:
1 - النفي: وهذا باطل.
2 - الإثبات: وهذا هو الصحيح شرعا وعقلا.
3 - التفصيل: وهنا العبارة لا تقبل التفصيل أصلاً.
.
والتفريق بين جنس الحوداث وأفرادها لا يستقيم لأن جنس الحوداث في الأصل مركباً من أفرادها لا وجود لجنس الشيء بدون وجود أفراده. فمثلاً لا وجود لجنس البشر لو لم يوجد أشخاص بأعيانهم: احمد، خالد، عمر، .... الخ. وعليه فلا بد لأفراد الحوادث من بداية مسبوقة بوجود الله، فإذا كان مجموع أفراد الحوادث مسبوقاً بوجود الله كان جنس الحوداث كذلك لزوماً كما ترى، وهو ما دلت عليه ظواهر الأدلة الشرعية وأيدته بدهيات الأدلة العقلية)).
فهيا ننتظر إجابتك بفارغ الصبر ليتبين أمرك
ـ[سيف 1]ــــــــ[30 - 07 - 05, 01:09 ص]ـ
يا اخوان احسنوا الظن باخيكم فوالله ما رأيت في كلامه تطاول على ابن تيمية او محاولة الصاق الخطأ به بأي طريقة. وأنا مثله لا افهم واوافقه في كثير مما سأل. وقد تكونون على صواب ولكنا لا نفهم.فالرفق واللين عباد الله؟
ولي سؤال لعلكم تبحثونه وتعينوني. انتم تتفقون انه ما من قديم الوجود الا هو سبحانه وهو واجب الوجود لذاته. وان كل شئ محدث. سواء قلنا بالتسلسل او لم نقل.فكل شئ كان معدوم ثم وجد بأمره.فاذا قلنا بالتسلسل. فهل كان الله سبحانه خالقا قبل بدأ هذه السلسة؟ ام لم يكن؟ واذا قلتم بان السلسة لا اول لها.فهل هي ازلية كالله؟
ـ[حامد الداني]ــــــــ[30 - 07 - 05, 03:00 ص]ـ
اخي الاستاذ عبدالله بن خميس ... سلام الله عليک
واسلم علي الاخ سيف1 لحسن ظنه بي، ولفهمه ما قلت عن الامام ابن تيمية فهما اقل ما يقال عنه انه منصف. اخي العزيز ... قبل زمن طويل قرأت کتابا لکاتب مصري اسمه رجاء النقاش، اسم الکتاب کان"الحب لا يتکلم کثيرا" وکان في الکتاب مقالة بنفس العنوان يقول فيها الکاتب: ان الذين يتکلمون کثيرا عن حب شخص مثلا، هم الذين لا يحبونه، لان الحب لا يتکلم کثيرا. انتهي. و انا اقول بأن الذين يدعون حب الامام ربما لا يحبونه مثلي. انا لا اريد اللف و الدوران و عدم قبولي لبعض آراء اي شخص وان کان ابي ليس فيها اي دليل لا علي اللف و الدوران و لا علي تخطئته (بمعني لا سامح الله اهانته او التقليل من قيمته).
الکتاب المصريين القدماء مثل مصطفي لطفي و غيره، اذا کتبوا کتابا و لا احد قام بنقد الکتاب بعد صدوره بمدة شهرين او اکثر، کتبوا هم"اي الکاتب" رسائل لبعض الکتاب الاخرين لکي يقوموا بنقد الکتاب الصادر حتي يتعلموا من الاخطاء التي ارتکبوها في کتابهم.
و انا اظن کتبت ما کتبت علي هذا المنبر بشکل راعيت جانب الادب الشديد مع الکل، لانکم تستحقون هذه المعاملة. والنقد لا يقلل من قيمة الشخص بأية حال من الاحوال لان شخصية الشخص الکاتب او الشاعر او الرسام و احترامه لا علاقة لها بعلمه أو فنه. النقد يوجه الي إنتاج الشخص و ليس الي الشخص نفسه.
اخي ... کتبت مشکورا مداخلة الاستاذ عبد المحترم و تسألني عن رأيي فيما يقول. الجواب هو:
في نفس اليوم الذي کتب الاستاذ عبد ما کتب و هو ما أعدت کتابته انت نصا و روحا علي ما اظن، کتبت رسالة خاصة له، مدحته ومدحت ما قاله عن المسألة التي هي تحت المناقشة"اي حوادث لا اول لها". من ضمن ما قلت کان: (انه لا يمکن ان يقال عن هذه المسألة اکثر ما انت کاتبه، هذا کل ما يمکن ان يقال، هناک مسائل في هذه الدنيا السکوت عنها اقوي بيان لاننا لا يمکننا ان نجد کلمات في اللغة لوصف تلک المسائل).
ربما الاستاذ الکريم نفسه يقرأ مداخلتي هذه و يؤکد علي ما اقول.
ربما تسأل لماذا قلت لاستاذعبد ما قلت في رسالة خاصة بدل ان يکون علي هذا المنبر ليقرأه الجميع؟ ... لانني کنت قد کتبت مداخلة طويلة في ذلک اليوم و لم احب ان تکون مقالاتي واحدة تلو الاخري.
و السلام عليکم و رحمة الله و برکاته.
ـ[فيصل]ــــــــ[30 - 07 - 05, 01:40 م]ـ
تقول بان ابن تيميه قال بأن تسلسل المخلوقات واقع بالفعل فليتك تنقل كلامه وفضلاً تذكر ان الحوادث تطلق ويراد بها الأفعال ويراد بها المخلوقات
ويبدو أنك تقول بان تسلسل المخلوقات في طرف الماضي جائز وممكن فهل ما فهمته صحيح.؟
اما عن حجة الأخ عبد وهي ملخصها حكم الأفراد هو لزاماً حكم المجموعه فبما أن الأفراد حادثة كان المجموع حادث لزاماً ولا يمكن أن يكون المجموع متسلسل الأفراد بلا نهاية فيرد عليه باكثر من وجه:
الأول: اللامتناهي ليس له مجموع أصلاً كما يقول الرازي بل هو على اسمه لا متناهي وهذا يبطل هذه الحجة من أساسها.
الثاني: على التنزل فهذا القانون (حكم الأفراد هو حكم المجموعة) باطل غير صحيح وقد احتج بهذا الكلام منكري إفادة خبر التواتر للعلم فقالوا بما ان حكم الأفراد هو حكم المجموعه كما تقولون يا متكلمين وأفراد المخبرين بالتواتر يجوز عليهم الخطأ والكذب فكذلك المجموع وقد ذكر هذا الرازي في الأربعين وذكر إحتجاجهم بكلام المتكلمين في مسألة التسلسل على مسألة التواتر ولم يجب عليه.
ولينظر كتاب الشيخة كاملة فلعلها ذكرت أشياء أخرى فما ذكرته كان من ذاكرتي.
أما قول الأخ سيف ((اذا قلتم بان السلسة لا اول لها.فهل هي ازلية كالله؟)) لا ليس كذلك فوجودها محتمل والله واجب الوجود أزلاً وأبداً والله تعالى أعلى وأحكم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/253)
ـ[فيصل]ــــــــ[30 - 07 - 05, 03:00 م]ـ
وقد وجدت كاملة نقلت كلاماً للرازي فيه رد على هذه المسألة بالخصوص!
قال في المطالب (4/ 275):
والدليل على أنه قد لا يحصل التساوي: وجوه.
الأول: إن كل شيء وجزؤه، لا يتساويان في كونه كلا وجزءاً. وذلك لأن الكل يصدق عليه: أنه كل، ويكذب عليه أنه جزء. وأما الجزء فيصدق عليه: أنه جزء، ويكذب عليه أنه كل. فثبت أن الكل والجزء لا يتساويان في كل الأحكام، وكذلك كل واحد من أجزاء العشرة ليس بعشرة، مع أن مجموع العشرة موصوف بأنه عشرة.
والثاني: إن لكل من الناس رأس [واحد] وليس للكل رأس واحد.
والثالث: إن الجسم يجوز خلوه عن الحركة بعينها، وعن السكون بعينه، مع أنه لا يجوز خلوه عنهما معاً.
والرابع:إن كل واحدة من المقدمتين لا توجب النتيجة، ومجموعهما يوجبها.
الخامس: إن كل واحد من أهل التواتر، يجوز الكذب عليه، وأما مجموعهم فإنه لا يجوز الكذب عليهم. وأيضاً: الخطأ على كل واحد من الأمة جائز، وعلى مجموعهم غير جائز، عند من يقول: " اجتماع الأمة حجة ".
السادس: إن دخول كل واحد من المقدورات التي لا نهاية لها في الوجود: ممكن. وإما دخولها بأسرها في الوجود، فإنه غير ممكن. لأن دخول ما لا نهاية له: محال.
واعلم أن نظائر هذا الباب كثيرة. فقد ظهر أنه لا يجب أن يكون حكم المجموع مساوياً لحكم كل واحد من آحاد المجموع.
وأما المثال الذي ذكروه فضعيف. وذلك لأنهم إما أن يقولوا: حكم الكل يجب أن يكون مساوياً لحكم الجزء في جميع المواضع، أو يقولوا: إن هذه المساواة قد تحصل في بعض الصور. فإن قالوا: بالوجه الأول كان المثال الذي ذكروه لا يفيد. لأن ثبوت الحكم في بعض الصور، لا يدل على حقيقة القضية. وإن قالوا: بالوجه الثاني، فذاك حق. لكن لم قالوا: إن الحال في هذه المسألة، يجب أن يكون على هذا الوجه؟
واعلم أن ذكر الصور الجزئية لا يدل على حقيقة المقدمة الكلية [أما ورود الحكم على بعض الصور على نقيض المدعي، يدل على أن تلك المقدمة الكلية] باطلة. ثم نقول: الفرق بين قولنا: لما كان كل واحد من الزنج أسود، وجب أن يكون الكل أسود. وبين قولنا: لما كان كل واحد من الحوادث له أول، وجب أن يكون للكل أول: وهو أن علمنا بأن كل واحد من الزنج أسود، يوجب العلم الضروري؛ بأن الكل أسود. أما علمنا بأن كل واحد من الحوادث له أول، فإنه لا يفيد العلم الضروري: بأنه يجب أن يكون للكل أول
ـ[حامد الداني]ــــــــ[31 - 07 - 05, 01:07 م]ـ
الي کاتب اخر مداخلة ...... هذا اول جملة من مداخلتک:
(تقول بأن ابن تيميه قال بأن تسلسل المخلوقات واقع بالفعل فليتک تنقل کلامه و فضلا تذکر ان الحوادث تطلق و يراد بها الافعال و يراد بها المخلوقات).
الجملة الاخيرة من کلامک تثبت بأنه کان الاجدر بک أن تشکرني علي سؤالي و إستفساري عن توضيح معني بعض الکلمات الموجودة في مداخلات الاخوة و نصوص الامام رحمه الله، بدل أن تنظر إلي کخصم و ربما کعدو، علما بأنني لست هذا و لا ذاك و إنما مجرد شخص أصابه ما أصاب الاخرين من سوء الفهم لنصوص الاخوة الکرام الذين کتبوا ما کتبوا عن ما يقوله الامام ابن تيميه بخصوص ما نحن نناقشه الان. و قد سألتک أن توضح معني کلمة"الفعل" علي سبيل المثال لا الحصر لنفهم ما قصدکم و قصد الامام. اقول بدل ان تشکرني علي ما ذکرتک و ذکرت أخوة اخرين به من قبل رددت علي و ابو برکات و کأنني ارتکبت خطئا بحقکم. و ها انت الان تخاف ان أخلط بين معني کلمة"الحادث" التي لها أکثر من معني. لذلک لا داعي لأن أرد علي سؤالک هذا
، لأنني علي يقين من أنني (و أنت أيضا) أقل فهما بنصوص الامام من البوطي و ناصر الالباني ..... و غيرهم الذين تقول عنهم السيدة کاملة بأن کلهم لم يفهموا نصوصه. و هکذا أصبح واجبکم الديني و الانساني أن توضحوا معاني کلمات مثل: الحادث، الخلق، الفعل، الممکن، الواجب، المخلوق ..... و کلمات أخري أنتم أعلم بها، لا اتذکرهم في هذه اللحظة. هذا واجب کل من يکتب عن الامام و نصوصه، لا رحمة بالناس و إنما رحمة بابن تيميه رحمه الله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/254)
اما ما تقوله عن الاخ الاستاذ عبد، فغير صحيح لانه لو کان کلمة"اللانهاءي" يبطل حجته بهذه السهولة لما حصل الخلاف أصلا و لأجهض الخلاف قبل أن يولد. و إن لم يکن للامتناهي مجموع لرجع الکلام الي قول الفلاسفة الذي يقول: (نحن لا ننکر صدور حادث من القديم، بل ننکر صدور حادث من القديم هو أول حادث" أي لا يوجد حادث يسمي أول حادث. و لکن في مداخلة سابقة عندما قلت لابو برکات بأن الامام ابن تيميه يقول بقول الفلاسفة أصبح من يومه ينظر إلي کعدو، علما بأن ما قلت هو ما تقوله انت الآن. و کل ما تقوله السيدة کاملة للتفريق بين کلام الامام رحمه الله و قول الفلاسفه لا يمکن أن يکون فرقا بعد قولک بعدم وجود المجموع. فأما هي بينت الفرق ولکن لم تفهم کلامها، و أما لم تثبت أي شئ. فإن هي بينت و لکن أنت لم تفهم، فلا حق لک نهائيا أن ترشد الناس الي بحثها لأنک لا تفهم ما فيها. و هذا کمن يقدم طعاما لشخص دون أن يعلم ما فيه. و إن هي لم تثبت شيئا فمن أمثالها کثير،اي الذين يدندنون حول مسألة دون أن يقولوا شيئا واضحا. کلامهم لا يشبه کلام أهل العلم بل يشبه کلام الساسة و رجال الاعمال.
و هذا يثبت بأنکم مقلدون، أرجو المسامحة، في المسألة و في أدلتها. هذا النوع من التقليد يسمي بالتقليد المرکب، و هو من أخطر أنواع التقليد و أصبعه علاجا، لان المصاب به يظن أنه فهم المسألة و أدلتها و لو کانت الادلة بناء کبيت العنکبوت، لذلک لا يفيد معه الکلام.
و الأدلة الستة التي هي في کتاب المطالب للامام الرازي رحمه الله کلها مأخوذة و مکتوبة من قبلک تقليدا، أي دون أن تتأکد من صلاحيتها کحجة، و لا حجة لک فيها علي ما تقول.
أولا ... الکلام ناقص، أي غير معروف من هم هؤلاء الذين يرد عليهم الامام الرازي رحمه الله و ماذا يقولون. و لکن لا إشکال في ذلک أو أرجو ألا يکون هناک مشکلة في ذلک، لأن من سياق الکلام يبين بأنه يرد علي من يقول بأن ما ينطبق علي الجزء ينطبق علي الکل بالتمام و الکمال في کل شئ. وهذا أقل ما يقال عنه أنه لا يفيدک في المسألة التي نحن بصددها، أي حجة الاستاذ عبد. و يمکن إثبات ذلک بعدة طرق منها:
1_ أن نجعل من کل دليل من الادلة الستة إحتمال. فإن تمکننا من ذلک، و هو سهل جدا، نطبق عليه القاعدة الاصولية المتفق عليها في کل العلوم في الدنيا، و الذي تقول (إذا قام الإحتمال سقط الإستدلال). فتتساقط الأدلة واحدة تلو الاخري. مثلا نجعل من الدليل الأول:
"إن کل شئ و جزؤه يتساويان في کونه أخضر اللون". فأصبح ما يقول به الامام الرازي رحمه الله أحد الاحتمالين علي أقل تقدير، فيسقط الإستدلال به. و هذا لا يعني أن دليل الامام رحمه الله ليس بدليل، کلا ابدا، و إنما الدليل لا يقوم لک دليلا. لا أريد أن أقول شيئا عن السيدة کاملة في هذا الموضوع لإنني لا اعلم بأي خصوص تستشهد بأدلة الامام الرازي. و لکن إن کان بخصوص"ما ينطبق علي الکل و الجزأ" في مسألة"حوادث لا اول لها" فما يقال عنک يقال عنها أو انها تعرف عدم صلاحية الادلة و مع هذا تأتي بها. ربما يمکنک التأکد من المسألة منها.
2_ نغير الدليل الثاني هکذا"أن لکل من الناس الکرة الارضية ليعيش عليها، و لکلهم الکرة الارضية ... "
3_"أن الجسم يجوز خلوه من اللونين الابيض و الاسود" ..... و هکذا مع کل الأمثلة، يمکنک أن تجرب.
اما بالنسبة للدليل السادس، فبدون تغي?ه يهدم ما انت تريد ان تبنيه به. لأنه يقول .... دخول ما لا نهاية له في الوجود محال. فهذا حجة عليک لا لک. و توضيحه هو هکذا: إن کان هناک وجود فعلي لعوالم لا نهاية لها قبل عالمنا الحالي، لأصبح من المستحيل أن يأتي الدور علي وجود عالمنا، لأن مجئ دوره يتوقف علي إنتهاء أعداد لا نهاية لها.
و هذه طريقة أخري في الرد عليک بنفس ما أنت أتيت به کدليل، أقول:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/255)
إن سلمنا بأن ما ينطبق علي الاجزاء لا ينطبق علي الکل أو علي حد تعبيرک (فهذا القانون"حکم الافراد هو حکم المجموعة"باطل غير صحيح). أولا قبل الرد اقول لک بأن هذا لا يسمي قانونا لان مصطلح القانون له معني آخر، و لو کان قانونا لما قال فيه أحد بأنه باطل إلا و أثبت علي نفسه بأنه لا يفرق بين القانون و النظرية و الفرضية و غيرها من المصطلحات. هذا باب آخر لا أريد ان ادخله الان. أرجع الي الموضوع و اقول: في هذه الحالة ايضا لا حجة لک فيها، لأنه بإمکان المخالف لك أن يعارضك هکذا:
(و إن کان کل عالم من العوالم"الجزء" في السلسلة اللانهائية مخلوق، لا يشترط أن يکون مجموعها"الکل" مخلوقا). و هذا لا يقول به إلا کافر، و الحمد لله أنت و السيدة کاملة مسلمون.
هناک طرق أخري في الرد و لکن لا حاجة اليها.
هناک نقص بسيط جدا في آخر مقالتك و هو أن القارئ لا يعرف أين ينتهي کلام الامام الرازي، ولکن أظن ينتهي علي کلمة"باطلة". و الباقي للسيدة. و هذا الجزء الاخير أيضا لا دليل لک فيه، أي لا دليل لک في مثال الزنجي. و ذلک لسببين:
الاول_لانه سلاح ذو حدين، ففي الوقت الذي انت تقول في مثال الزنوج أنه يوجب العلم الضروري و في المسألة الثانية، أي الحوادث، لا يوجب. يقول لک المخالف: هذا تناقض، لأنه إن کان النتيجة في الزنوج هي العلم الضروري فلابد أن تکون النتيجة في الحالة الثانية هي العلم الضروري و إلا لا وجه للمقارنة.
الثاني_إذا فرضنا جدلا أنه وافقک علي صحة الدليل، بإمکانه أن يقول: أنت تعترف بأنه لا يفيد العلم الضروري، إذن فليتمسک کل واحد منا برأيه و لا تقول لي من الان فصاعدا بأنني جهمي، معطل أتبع العلماء المبتدعة، لأنني لا اعرف شيئا من هذه الالقاب فضلا عن أن هذا العمل هو التنابز بالالقاب، و يدل علي أنک تراني عدوا لک لا مخالفا يريد أن يتعلم أو اقل ما يقال عنه أنه يريد أن يبدي هو أيضا برأيه کما تريد انت.
لم أرد أن أرد علي المقالتين الأخيرتين اللتين کتبتا من قبلك، فکرت يوم الأمس کثيرا بهذا الموضوع، أخيرا قررت أن أکتب لک، لأنني لم أر ترك کلام موجه إلي تصرف لائق و خصوصا لاحظت تعبت بهما. اخيرا اشکرك جدا و لکن لا توجه لي أسألة مباشرة لانني ليس لدي وقت للرد، و أهم من ذلک إننا، اي الاعضاء في المنتدي، لا نتنافس او نتعارک علي من منا يوقع الثاني. إن کان هذا هدفک مثلا او هدف اي عضو آخر معي، فأنا مستسلم من الان.
ـ[فيصل]ــــــــ[31 - 07 - 05, 03:52 م]ـ
والله يا أستاذ تقول بأننا مقلدون ثم حين نطالبك بدليل من كلام ابن تيميه تقول فلان أفهم وفلان أفهم! والله ما أدري إيش تسمي هذا.
أما إن كنا لا نفهم فقد ظهر أنك تكتب ولا تفهم ما تكتب ولا تفهم ما نكتب ولا تفهم ما ننقل -أرجو المسامحة-تأمل:
قال الرازي: والثالث: إن الجسم يجوز خلوه عن الحركة بعينها، وعن السكون بعينه، مع أنه لا يجوز خلوه عنهما معاً.
قال أخونا طيب الذكر راداً عليه: 3_"أن الجسم يجوز خلوه من اللونين الابيض و الاسود" .....
الرازي يقول الحركة والسكون والحبيب يقول يجوز خلوه عن الأبيض والأسود والله ما أدري ما أقول لكن الله المستعان.
ثم يبدو أنك افسدت على الأخ عبد حجته فإن كان الإحتمال يسقط الدليل فدليله ساقط لوجود الإحتمال بان حكم الأفراد لا يقتضي حكم المجموعة فانظر كيف كان كلامك وبال عليه وعليك
أما أن الاحتمال يسقط الاستدلال فليست هذه القاعدة على إطلاقها وإلا لما استطعنا الإحتجاج بالظواهر أبداً-ما ادري تعرف معنى الظاهر أو لا-
قال: لانه لو کان کلمة"اللانهاءي" يبطل حجته بهذه السهولة لما حصل الخلاف أصلا و لأجهض الخلاف قبل أن يولد.
أقول: يعني كل ما ذكرنا شيء ستقول لو كان كذا لانتهى الخلاف من زمان ولو كان كذا ففلان أفهم منا والله ما ادري سمعت عن التقليد يا لحبيب؟
قال: وإن لم يکن للامتناهي مجموع لرجع الکلام الي أنه ... لا يوجد حادث يسمي أول حادث.
أقول: صباح الخير! راجع عنوان الموضوع وما نتناقش فيه من الصبح، أما أنه قول الفلاسفة فغير مسلم والفلاسفة يقولون الله موجب بالذات لا فاعلاً بالاختيار ويقولون بقدم أعيان من العالم كالفلك
وغيرها.
أرجع وأقول صباح الخير.
ـ[حامد الداني]ــــــــ[31 - 07 - 05, 05:14 م]ـ
شکرا .... جزاك الله
کتبت ما کتبت، فإن کان أهلا لأن ينظر إليه الاخوة الکرام فذاک، و إن لم يکن، فهو لي و انا شاکر، و السلام
ـ[سيف 1]ــــــــ[31 - 07 - 05, 06:47 م]ـ
قال الأخ فيصل رحمه الله (أما قول الأخ سيف ((اذا قلتم بان السلسة لا اول لها.فهل هي ازلية كالله؟)) لا ليس كذلك فوجودها محتمل والله واجب الوجود أزلاً وأبداً والله تعالى أعلى وأحكم.)
قلت: محتمل ماذا؟ الازلية؟.
ـ[فيصل]ــــــــ[31 - 07 - 05, 11:02 م]ـ
لا يوجد مخلوق من المخلوقات إلا وهو حادث مسبوق بعدم والله لم يزل قادراً على الخلق لا شيء ممتنع عليه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/256)
ـ[سيف 1]ــــــــ[01 - 08 - 05, 01:47 ص]ـ
رحمك الله. اذا اول السلسة مخلوق محدث اليس كذلك؟
فان كان كذلك. فلم القول بحوادث لا اول لها والاصرار ان كونه خالقا يقتضي ذلك؟
وان لم يكن كذلك فهي ازلية كأزلية الله.وفي هذا القول ما فيه.
ـ[فيصل]ــــــــ[01 - 08 - 05, 09:33 ص]ـ
دعني أمضي بالتفكير كما تفكر يا اخي سلمنا أن أول السلسلة التي تتكلم عنها حادث فهل قبلها كان يستطيع أن يخلق؟ إن قلت نعم كان ما نريد وإن قلت لا فمن منع الجبار الذي لا اول لا لوجوده ولا آخر من أن يخلق قبلها شيء؟
اما أن هذا يقتضي أن السلسلة أزليه كما أن السلسلة في المستقبل -الذي تقرون به- يقتضي أنها أبدية فدعني اخبرك شيء مستقر في يقيني: لا شيء أزلي ولا أبدي إلا الله فهو الأول والآخر وكل شيء باقي بإبقاء الله له فإن اسميته ما قلت فلا يغير هذا من هذه الحقائق شيئا
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[02 - 08 - 05, 09:04 ص]ـ
للتحميل: قِدَم العالم و تسلسل الحوادث
بين شيخ الإسلام ابن تيمية والفلاسفة
مع بيان من أخطأ في المسألة من السابقين والمعاصرين
راجعه و قدم له:
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سفر الحوالي.
تأليف:
كاملة الكواري.
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=113
ـ[حامد الداني]ــــــــ[02 - 08 - 05, 02:21 م]ـ
الاخ اشرف بن محمد ... السلام عليکم
قد قرأت الکتاب الذي اشرت اليه بدقة و تمعنت فيه، و لکنني لم أخرج بقراءته إلا بخفي حنين. و ذلک لاحد السببين الآتيين:
1_أما أنا لم أفهم ما جاءت فيه من الأدلة.
2_ و أما أن الادلة المذکورة في الکتاب ليست بمستوي إقناع من لا يري حوادث لا أول لها. فلنفرض أن السبب الأول هو الواقع، و أوجه بعض الاسألة الي کل من کتب عن الموضوع في الملتقي، و الاسألة هي:
أ_ما هو التسلسل الواجب، أي التسلسل في الأفعال؟
ب_ما هو التسلسل الجائز، أي التسلسل في المفعولات؟
ج_ما هو التسلسل الممتنع، أي التسلسل في الموئثرات أو الفاعلين؟
الرجاء ... الرجاء ... توضيح المسألة تماما بشکل لا يبقي شك في فکر القارئ، لأن المسألة دقيقة جدا. أنا شخصيا أري تناقضا صارخا في کلام کل من قال ب"وجوب ... جواز .... إمتناع" التسلسل في"الأفعال .... المفعولات .... الفاعلين" علي التوالي. و ذلک لأن أکثر الافعال في کل اللغات أفعال متعدية، أي من المستحيل فصل الفعل من المفعول.
اما بالنسبة للتسلسل الممتنع، فيرجي شرحه شرجا مستفيضا، و هذا واجب کل عالم بالمسألة، خصوصا بعد السؤال عنها.
الأسألة موجهة الي کل من هو عارف بالمسألة و خصوصا الذين کتبوا عن أنواع التسلسل في هذا المنتدي.
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[02 - 08 - 05, 02:44 م]ـ
الاخ اشرف بن محمد ... السلام عليکم
.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أخي الفاضل.
ليست لي علاقة بالموضوع، إنما أرشدتُ لفائدة.
ـ[حامد الداني]ــــــــ[03 - 08 - 05, 03:18 م]ـ
قد ذکر کتاب کاملة الکواري کثيرا في مداخلات الاخوة، و الکتاب من المقدمة التي هي بقلم د. سفر الحوالي الي آخر کلمة منه يتکلم عن "حوادث لا اول لها". و الموضوع المطروح للمناقشة من قبل السيد المشرف العام هو نفس موضوع الکتاب. أنا أري أن المداخلات قليلة جدا بالنسبة لطول المدة و الذي هو اکثر من سنتين.
اقترح علي الاخوة الذين قرؤا الکتاب المذکور أن يبدءون بمناقشة الکتاب بدءا من المقدمة و إنتهاءا بآخر کلمة فيه.و من المعروف أنه لا يکون هناک مناقشة دون مخالف، لاننا لا يمکننا مناقشة ما نحن متفقين عليه تماما. إذا قبل الاخوة في الملتقي ذلک، فيجب أن يکون النقاش بدون إستعمال أية کلمة جارحة، لان مناقشة أي موضوع يعني بطبيعة الحال وجود الخلاف فيه. کلنا بشر، و الکل جائز علينا سوء الفهم و الخطأ .... الخ.
انا أظن ان الکتاب من أضعف ما کتب في الموضوع، هذا رأي ولا أدعي أنه رأي لا يمکن رده بالادلة النقلية و العقلية. و أذکر الاخوة بأن موضوع حوادث لا أول لها غير مربوط بالامام ابن تيميه فقط حتي يتحسس بعض الناس منه و يعتقدون بأنه يجب الا يخدش، و إنما هو موجود قبله بأزمان طويلة. و هو کان واحد فقط من الذين تکلموا فيه. هذا الموضوع يمکن مناقشته و إبداء الرأي فيه حتي من الناحية الفکرية الصرفة. فأن قبلتوا دعوتي هذه لمناقشة الموضوع، سوف نبدأ من أول سطر من المقدمة الي آخر الکتاب، و أنا أضع نفسي کواحد من المخالفين للفکرة، لأنني مخالف لها، و کلما أقرأ عنها أکثر، مخالفتي لها تزداد نظرا لضعف الأدلة المستخدمة لإثباتها، علي الأقل في نظري.
وقد لاحظت و دققت في الادلة کلها فلم أر اقوي من الدليل الألزامي و الذي هو هذا: هل کان بإمکان الله أن يخلق مخلوقا في الازل؟ فإن قلت لا فأنت معطل و إن قلت نعم فأنت معنا. و لکن حسب تفکيري القاصر و معلوماتي القليلة،هذا السؤال ليس فيها أي إلزام لاسباب عديدة،أحد هذه الاسباب هو: أن الجوابين ليسا من باب النقيضين. (النقيضان هما ما لا يجتمعان علي موضوع واحد في لحظة واحدة و لا يرتفعان). و هکذا أري أن أقوي الادلة علي الإثبات هو أضعفها.
فأرجو من الاخوة مناقشة الموضوع مثلما وضحت، لعلنا نصل الي نتيجة، و إن لم يمکن ذلك فلا نخسر شيئا إن شاء الله.
و السلام عليکم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/257)
ـ[فيصل]ــــــــ[03 - 08 - 05, 04:39 م]ـ
والله أرى أن لا تخوض يا أخ حامد فانت لا تعرف حتى التسلسل الانهائي في الفاعلين ولا تعرف الممكن ولا الواجب الخ فانتظر حتى ياتي لك أحد الأخوة يتفرغ لك ويشرح لك وانا على قلة علمي ليس عندي وقت حالياً لهذا، لكن يمكن من الآن توقع نوعية الردود التي ستأتي:
نجعل من کل دليل من الادلة الستة إحتمال. فإن تمکننا من ذلک، و هو سهل جدا، نطبق عليه القاعدة الاصولية المتفق عليها في کل العلوم في الدنيا، و الذي تقول (إذا قام الإحتمال سقط الإستدلال). فتتساقط الأدلة واحدة تلو الاخري. .
لم أر اقوي من الدليل الألزامي و الذي هو هذا: هل کان بإمکان الله أن يخلق مخلوقا في الازل؟ فإن قلت لا فأنت معطل و إن قلت نعم فأنت معنا. ... هذا السؤال ليس فيها أي إلزام لاسباب عديدة،أحد هذه الاسباب هو: أن الجوابين ليسا من باب النقيضين.
ـ[حامد الداني]ــــــــ[03 - 08 - 05, 05:29 م]ـ
شکرا علي النصيحة
أنت بأعترافک علمك قليل و مع هذا کنت خائضا في الموضوع. فلماذا ما هو حلال لک حرام علي؟ علما بأنني لا أقول بأن الکلام مذموم مثل ما تقول أنت و أبو برکات.
ليس هناك ذرة کراهية أو عداوة لک و لابو برکات في قلبي.
و السلام
ـ[أبو البركات]ــــــــ[04 - 08 - 05, 02:14 م]ـ
الأخ حامد الداني ... ذكرت أنك قرأت كتاب كاملة الكواري ولم تخرج بشيء، ثم طرحت إستفسارات عن أشياء قد تم توضيحها بشكل مفصل في الكتاب المذكور لدرجة أن القارئ يرى أن الكتاب مقدم إلى صغار طلاب العلم فقد شرحت فيه كاملة كل مسألة بالتفيصل وبالأمثلة تقريبا، وبصراحة منذ أن قلت أنك لم تخرج بشيء، عملت على تحميل الكتاب وتفحصه فتيقنت بعدها إحتمال عدم فهمك هو السبب الراجح ... والله المستعان
وربما أنك يا حامد لا تؤمن بشيء أسمه صفات الله الفعلية كالكلام والخلق وغيرها، فلذلك تجد صعوبة في إستيعاب المسألة ككل
لكن أريد جواب منك على سؤال حيث لازلت تهرب منه وهو بما أنك تقول بوجود أول مخلوق على الإطلاق (كما أشرت بالقلم سابقا)، فنقول لك السؤال التالي:
هل كان بإمكان الله خلق مخلوق قبل ذلك المخلوق؟
نريد أن نعرف ماهو موقفك بوضوح بالإجابة على السؤال
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[عبد]ــــــــ[04 - 08 - 05, 03:38 م]ـ
تقول بان ابن تيميه قال بأن تسلسل المخلوقات واقع بالفعل فليتك تنقل كلامه وفضلاً تذكر ان الحوادث تطلق ويراد بها الأفعال ويراد بها المخلوقات
ويبدو أنك تقول بان تسلسل المخلوقات في طرف الماضي جائز وممكن فهل ما فهمته صحيح.؟
اما عن حجة الأخ عبد وهي ملخصها حكم الأفراد هو لزاماً حكم المجموعه فبما أن الأفراد حادثة كان المجموع حادث لزاماً ولا يمكن أن يكون المجموع متسلسل الأفراد بلا نهاية فيرد عليه باكثر من وجه:
الأول: اللامتناهي ليس له مجموع أصلاً كما يقول الرازي بل هو على اسمه لا متناهي وهذا يبطل هذه الحجة من أساسها.
الثاني: على التنزل فهذا القانون (حكم الأفراد هو حكم المجموعة) باطل غير صحيح وقد احتج بهذا الكلام منكري إفادة خبر التواتر للعلم فقالوا بما ان حكم الأفراد هو حكم المجموعه كما تقولون يا متكلمين وأفراد المخبرين بالتواتر يجوز عليهم الخطأ والكذب فكذلك المجموع وقد ذكر هذا الرازي في الأربعين وذكر إحتجاجهم بكلام المتكلمين في مسألة التسلسل على مسألة التواتر ولم يجب عليه.
جزاكم الله خيرا، ولقد كنت بعيدا عن الموضوع للسفر وما إلى ذلك.
يمكن أن يرد على هذا الاعتراض من أوجه:
1 - قول الرازي غير مسلم به من الأصل فضلا عن أن نتبناه كحجة لأنه لا يوجد شيء لامتناه وحادث في آن معاً سواء كان مجموعا أو فردا. فما دام أنه حادث فلا يستقيم أبدا أن يقال أنه لامتناه كذلك إلا في حالة واحدة:
وهو أن تأتيني بحادث لا متناه في نفس الوقت، فإن استطعت البرهنة على ذلك عقلا وتأييد ذلك شرعا (وأنا أنتظر) قبلنا حجتك المنقولة عن الرزاي، ولذلك فكلام الرازي لا دليل عليه من الكتاب والسنة بل ترده الأدلة عقلا ونقلا حتى تثبت لنا أخي فيصل ما طلبناه منك.
2 - حكم القانون المذكور في هذا الموضوع غير حكمه وطبيعته مع علم الإسناد ومتعلقاته، وعليه فقياس هذا على هذا فاسد لا يصح.
تذكرة: المرجع هو الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وهي تؤيد ما ذكرت، أنا أريد إذا الحجة بالأدلة لا بنقل وتقليد أقوال المتقدمين فهذا صحيح أنه يثري الموضوع .... ولكنه يثريه بقليل فائدة وتأمل كيف كان كلام الرازي مجردا عن الدليل فخذله ادعاؤه. وليست هذه المرة الأولى للرازي بل يقع في حبائل التعقيدات الكلامية ومثالب الشبه العقلية كثيرا حتى قيل عنه:
(وكان يُعاب بإيراد الشبه الشديدة ويقصر في حلها، حتى قال بعض المغاربة يورد الشبه نقد ويحلها نسيئة). أ. هـ.، لسان الميزان 4/ 427، التفسير والمفسرون: الذهبي ص1/ 205
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/258)
ـ[حامد الداني]ــــــــ[04 - 08 - 05, 06:51 م]ـ
و عليکم السلام و رحمة الله و برکاته
اخي العزيز ... الکتاب مکتوب لصغار طلبة العلم و أنا أصغر من کلهم، و لذلک أوجه الأسئلة الي الذين قد فهموه، و دواء عدم الفهم السؤال. ليس لک حق و لا للاخ فيصل أن ترموني بالعداوة بغير حق. فإن کان لکم علي حق فعلموني به أمام کل الاخوة لارجعه أو لاعتذر لکم. لا يمکن لشخصين أن يوصلا الي نتيجة إن کان في نية أحدهما أو کلاهما أن يوقع بالاخر. بل يکون ذلک سببا لمزيد من التمسك بالرأي القديم من کلا الجانبين. إن البشر قد أدرکوا من قديم الزمان بأن الجدال طريقة عقيمة في الإقناع و علي وجه الخصوص الجدال المشحون بالعداوة و البغضاء. عندما وجهت أسألتي أردت أن أکتب أن الإجابة علي الاسألة ليس هي لک و لا لفيصل، لأنکم تعاملون الانسان المخالف لکم کعدو. أنا أسأل لأفهم، و لا يمکن الاستمرار في المناقشة بدون أن يثيرها شخص، فأسمحوا لي أن أکون ذلک الشخص، و لا قيمة للنهار بلا ليل، ولا للفاهم بدون الغيرالفاهم. فإن کنت أنا راضيا أن أکون الليل و الغيرالفاهم، فما هي مشکلتك؟.قل (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .... ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ...... اللهم أرنا الحق حقا و أرزقنا إتباعه، و أرنا الباطل باطلا و أرزقنا إجتنابه .... آمين).أسألتي موجهة للاخوة الذين کتبوا عن الموضوع، أنت لم تکتب عنه ولا فيصل. فأرجوا أن تترکوني لأفهم ما لم أفهم الي الآن. لماذا أنت و أمثالک فاهمين المسألة و أنا و أمثالي لم نفهمها الي الآن؟
هذا التفصيل الذي أنت توصف به أن کاملة شارحة المسألة به، لم ألمسه أنا، لأي سبب کان. أنا لا أسمي کاملة کاتبة، بل أسميها ناقلة، لأنها لم تکتب کتابا أبدا، بل جمعت معلومات من هنا و هناک. هذا العمل هو بإمکان أي أنسان أن يقوم به. طلبک بإلحاح علي أن أجاوب علي السؤال الإلزامي العقيم"في نظري إلي هذه اللحظة" عجيب. لا أري في السؤال سر عجيب، و لا دليل علي البت في المسألة أبدا. أرجوا أن لا يکتب لي أحد، لا أنت و لا غيرك، إن كان في القلب حب الإنتصار للذات، لأن عمل کهذا لا يکون إلا في خدمة الشيطان.
ـ[فيصل]ــــــــ[04 - 08 - 05, 08:48 م]ـ
قال الاخ عبد: قول الرازي غير مسلم به من الأصل فضلا عن أن نتبناه كحجة لأنه لا يوجد شيء لامتناه وحادث في آن معاً سواء كان مجموعا أو فردا. فما دام أنه حادث فلا يستقيم أبدا أن يقال أنه لامتناه كذلك إلا في حالة واحدة: وهو أن تأتيني بحادث لا متناه في نفس الوقت
أقول: أرجو ان لا تغير من حجتك فقد كانت كما فهمناها "مجموعة الحوداث في الأصل مركباً من أفرادها فإن كانت الأفراد حادثة كان المجموع حادث لزاماً "فقلت لك كلام غير صحيح فلا يلزم من حكم الفرد على حدة أن يكون هو حكم المجموع فأصبح كلامك الجديد هذا ((لا يوجد شيء لامتناه وحادث في آن معاً)) ومطالبتك بالدليل عليه كلام خارج عن محل النزاع تماماً. ولا اقول به أصلا.
قال: حكم القانون المذكور في هذا الموضوع غير حكمه وطبيعته مع علم الإسناد ومتعلقاته، وعليه فقياس هذا على هذا فاسد لا يصح.
أقول: إما أن تقول أن حكم الكل يجب أن يكون مساوياً لحكم الفرد في جميع المواضع، أو تقول: إن هذه المساواة قد تحصل في بعض الصور. فإن قلت بالأول كان هذا منتقض بما ذكرناه في باب التواتر وغيره من الأمثلة المذكورة في غير علم الإسناد. وإن قلت بالثاني، فذاك حق. لكن لم قلت: إن الحال في هذه المسألة، يجب أن يكون على هذا الوجه؟ هل دليلك القانون نفسه؟ هذا تناقض يا اخي!
أما مطالبتك لنا بالأدلة من الكتاب والسنة فحق وادلة أزلية قدرة الله على إيجاد مخلوقاته في القرآن والسنة أكثر من أن تحصى ويكفي هذا وإن كان الأخت كاملة ذكرت غيره بارك الله فيها.
ـ[حامد الداني]ــــــــ[04 - 08 - 05, 10:50 م]ـ
السلام عليکم و رحمة الله
أخي الکريم عبد ...
أن الأمثلة الستة المذکورة" أي أدلة الامام الرازي رحمه الله " من قبل، و التي واجهوني بها لرد حجتك، لا يمکن الاستدلال بها علي رد حجتك لأن:
1 - الامثلة الخمسة الأولي منها، هي عن أعداد متناهية. و لکن المسألة المرادة الاستدلال عليها بواسطة الأدلة الخمسة، هي عن أعداد لانهائية، فليس هناک وجه للمقارنة، لأن بإمکان الانسان أن يرد هذه الادلة و يطلب دليلا مطابقة تماما للمسألة الأصلية، أي مثال فيها أعدادا لا نهائية.
2 - من الممکن رد الادلة الستة کلها بتطبيق نفس قاعدة کاملة الکواري التي تريد أن تختلق منها حجة علي إثبات ما تريد إثباتها کالآتي:
إن سلمنا بأن حکم الأجزاء ليس هو حکم الکل دائما، فنقول: (إن کل فرد من أفراد السلسلة المزعومة"الجزء" ليس بقديم مع الله سبحانه، و لکن کل الأفراد في السلسلة"الکل" قديمة مع الله سبجانه). و لا يقول به لا عاقل و لا مجنون.
3 - أما الدليل السادس من الأدلة فهو الدليل الذي فيه أقوي رد علي ما حاولت کاملة إثباته به , و الادلة الخمسة الاولي أيضا ليس فيها ما هو لصالحها لا من قريب و لا من بعيد، و أنا لا أتعجب من عدم علمها بأن هذه الأدلة هي ضد ما تريد إثباتها بها، لأنها مجرد تنقل العبارات من أوراق الي أخري و لا تفکر بما تکتب. و قد وضحت کيفية الرد عليها بأستعمال الدليل السادس في وقته.
و هناک أوجه أخري أيضا لرد الأمثلة الستة کما ذکرت من قبل.
هذا ليس هو التدخل في أمورك، أي کتابتي لهذه المداخلة، لأنه أنا الذي في وقته ووجهت بالامثلة المذکورة. و قيل بأنني أصبحت وبالا علي و عليك. و هذا الکلام واضح البطلان لمن يدقق في ما کتبت من قبل و ما کتبت الآن کالرد علي ما قيل. و شکرا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/259)
ـ[عبد]ــــــــ[05 - 08 - 05, 01:02 ص]ـ
قال الأخ الفاضل فيصل:
أرجو ان لا تغير من حجتك
قلت: حجتي الأصلية لم تتغير وأنا مؤمن بها لدلالة العقل عليها. فإنه ولابد أن يكون كل ما سوى الله حادث، سواء كان مفردا أو مجموع المفردات. هذا أصل عظيم لا خلاف فيه ولم يخالف فيه إلا غلاة الفلاسفة الدهرية الملحدين وعليه بنيت حجتي.
ثم قلت أثابك الله:
فقد كانت كما فهمناها "مجموعة الحوداث في الأصل مركباً من أفرادها فإن كانت الأفراد حادثة كان المجموع حادث لزاماً "فقلت لك كلام غير صحيح فلا يلزم من حكم الفرد على حدة أن يكون هو حكم المجموع
نعم، ما اقتبسته هو عين ما قلته ولكن يؤخذ عليه فهمك لها على النحو الذي ذكرت. كيف؟ الجواب: قولك أن هذا كلام غير صحيح لا يغير من الحقيقة شيئا وسأجيب إن شاء الله عن انسحاب حكم الأفراد على الحكم مجموع الأفراد، وهو كاتالي:
متى يكون حكم الأفراد منسحبا على حكم مجموع الأفراد؟ الجواب: يكون حكم الأفراد منسحبا على حكم مجموع الأفراد إذا اشتركا في علة أصلية كلية واحدة، والعلة الأصلية الكلية هنا هي أن الأفراد حادثة بأجمعها، فبالله عليك ماذا يكون حال محموع هذه الأفراد: حادث أم غير حادث؟ لن يكون المجموع إلا حادثا. فمثلا لو أخذنا قطعة من الطوب لوجدنا أن كل ذرة فيها حادثة، فهل نقول أن مجموع تلك الذرات إذا ضمت إلى بعضها البعض يجعل قطعة الطوب غير حادثة؟!
ثم قلت بارك الله فيك:
فأصبح كلامك الجديد هذا ((لا يوجد شيء لامتناه وحادث في آن معاً)) ومطالبتك بالدليل عليه كلام خارج عن محل النزاع تماماً. ولا اقول به أصلا.
وما المانع من أن يكون كلامي جديدا، مادام أنه اتضح لك الآن (كما أرجو وآمل) أن حجتي لم تتغير. أما المطالبة بالدليل فلا يستقيم أن يكون خارج محل النزاع لأنه لن يحل محل النزاع إلا الدليل، فنحن كلنا إن شاء الله تعالى من أهل السنة والجماعة ومعلوم أن منهجها كله منضبط بالدليل الشرعي، بل هو المرجع الأول فكيف تخرجه من محل النزاع تماما وقد قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً}
ثم قلت أيدك الله بالحق:
أقول: إما أن تقول أن حكم الكل يجب أن يكون مساوياً لحكم الفرد في جميع المواضع، أو تقول: إن هذه المساواة قد تحصل في بعض الصور. فإن قلت بالأول كان هذا منتقض بما ذكرناه في باب التواتر وغيره من الأمثلة المذكورة في غير علم الإسناد. وإن قلت بالثاني، فذاك حق. لكن لم قلت: إن الحال في هذه المسألة، يجب أن يكون على هذا الوجه؟ هل دليلك القانون نفسه؟ هذا تناقض يا اخي!
نعم أخي، في مسألتنا الحالية (لا مسألة الرواية والإسناد) أنا مع الثانية وهي أن انسحاب حكم الأفراد على مجموعها يكون في صورة دون أخرى بحسب حال كل صورة. ثم تسألت أخي فقلت: لكن لم قلت: إن الحال في هذه المسألة، يجب أن يكون على هذا الوجه؟ هل دليلك القانون نفسه؟ هذا تناقض يا اخي!.
والجواب: نعم، لقد أوضحت السبب بالتنبيه على الاشتراك في العلة الأصلية الكلية. ولذلك فبعض الأفراد - كما ذكرت أخي - قد لا يشترك مع المجموع في علة أصلية كلية وعليه لا ينسحب حكم الأفراد على المجموع ومن الأمثلة على ذلك مثال التواتر الذي ذكرت. ولكن مسألتنا مختلفة بهذا الاعتبار كما ترى للاشتراك في العلة الأصلية المطّردة في الأفراد ومجموع الأفراد، وهي علة الحدوث.
ثم ختمت كلامك أخي المبارك:
أما مطالبتك لنا بالأدلة من الكتاب والسنة فحق وادلة أزلية قدرة الله على إيجاد مخلوقاته في القرآن والسنة أكثر من أن تحصى ويكفي هذا وإن كان الأخت كاملة ذكرت غيره بارك الله فيها.
أقول بارك الله فيك وفي الأخت كاملة وكل الإخوة الفضلاء. ولكن الحديث ليس عن أزلية قدرة الله فهذا أمر مفروغ منه ولكنه عن كون الله تعالى لا يشاركه شيء من الحوادث مفردها ومجموعها في صفة الأزلية وهذا هو موضع النزاع مع أن الأدلة الشرعية قد دلت على أن الله تعالى لم يكن معه شيء كما لم يسبقه شيء.
أخي الكريم وفقك الله لكل خير، كلنا ندور مع الدليل حيث دار فمتى كان حديثك مجردا عن الدليل فسيستمر النزاع والله تعالى يقول: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً}.
ـ[حمزة الكتاني]ــــــــ[05 - 08 - 05, 01:21 ص]ـ
انتهت عقول العقلاء إلى الحيرة في الله ... لن تصلوا إلى حل هذه القضية ولو فعلتم ما فعلتم، والأصل المسلّم أن الله تعالى خلق الخلق من العدم، وقديما قال الشافعي رحمه الله: "تكلموا فيما إذا اختلفتم فيه قالوا: أخطأ الرجل، لا فيما إذا اختلفتم فيه قالوا: كفر الرجل" .. وتلك مزالق أقدام، زلقت بها أقدام الفحول، فالانصراف منها إلى ما هو أكثر فائدة، من العمل، ودقائق السنة، واتقاء الشبهات، أحرى وأبرك وأصوب ... وأخشى أن يصل النقاش إلى شقاق وفساد الألفة والمحبة، خاصة وأن القاعدة مسلمة، والنص في المسألة مفقود، والنتيجة واحدة ...
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/260)
ـ[عبد]ــــــــ[05 - 08 - 05, 04:44 ص]ـ
جزاك الله خيرا، ولقد كنت عازما على تذكير نفسي والإخوة بمثل هذه الكلمات. ولعلي أختم بعبارة بسيطة نتفق عليها جميعا، ألا وهي:
- كل شيء سوى الله تعالى كان بعد أن لم يكن -
وأسأل الله لي و لكل الإخوة الفضلا العلم النافع والسعادة في الدارين
ـ[حامد الداني]ــــــــ[05 - 08 - 05, 03:33 م]ـ
السلام عليکم
إذا کان کلام الاخ عبد آخر ما يقال في المسألة، فأنا لي ما أقول. و الذي أريد أن أقوله هو ما أردت أن أقوله في أولي مداخلاتي و لکن بعض الاخوة سحبوني إلي موضوعات أخري بشکل لم يکن لي مجال للرجوع إليه. عفا الله عما سلف، و أقول:
إن الاستمرار علي مناقشة هذه المسألة الحساسة و الدقيقة بمعني الکلمة، بنفس الاسلوب المتبع الي الان يجعلنا أضحوکة في الدنيا. و في الاخرة، الله أعلم ماذا يحصل لنا بسببه. نسأل الله المسامحة. لذلك رجائي من الاخوة الذين يريدون أن يستمروا عليها، أن يغيروا من طريقة بحثهم العشوائية الي طريقة منطقية متفق عليها من قبل أهل العلم.
قد قرأت مداخلات الاخوة الکرام کلهم من البداية الي النهاية عدة مرات، فلاحظت أن هناك سوء تفاهم عظيم بين الاخوة. و الحال"في بعض المسائل فقط و لکن مهمة جدا" هو کحال جماعة، کل واحد منهم يقول بأنه نجار، علما بأنه هناك أدوات و آلات لا يعرفون تعريفها الي الان، أي لا يعرفون أسماء بعض الادوات التي لابد من معرفتها و معرفة إستعمالاتها. فکيف يکون بإمکانهم أن يصنعون شيئا؟.
من المسائل المهمة جدا، و التي لم يتفقوا عليها الي الان، هي مسألة قول الامام ابن تيمية في مسألة "حوادث لا أول لها".الي هذه اللحظة، الاخوة الذين يقرؤن المداخلات و لا يشارکون إلا بسؤال أو إستفسار، لم يفهموا قول الامام في المسألة. و أنا علي يقين بأن لو ما کان للامام ابن تيمية قولا"أي کان" في المسألة، لأنکرها الذين يدافعون عنها أشد إنکار، أي أنکروا القول بحوادث لا أول لها. و هذا کله للدفاع عن عالم لا يريد دفاعا من الذين لا يعرفون قوله بالتمام و الکمال في المسألة. إسمعوا إلي هذا الکلام، والذي هو کلام عالم إسلامي إسمه الشيخ البراك، منقول من مداخلة أخ لا أتذکر إسمه في هذه اللحظة:
(فما من مخلوق إلا و قبله مخلوق إلي ما لا نهاية، لأن الله لم يزل موجودا، ولم يزل فعالا لما يريد، فيقتضي ذلک أن المخلوقات لم تزل، أو أقل ما يقال، إنه يمکن ذلك، فإنه لا يلزم تسلسل الجوادث ... ).
أيها الاخوة دققوا في هذا الکلام و فکروا، أول الکلام يضرب آخره و العکس صحيح. يقول: فما من مخلوق إلا و قبله مخلوق إلي ما لا نهاية، .... ثم يقول أخيرا، إنه يمکن ذلک.
أستحلفکم بالله، هل هذا کلام يرضي الامام إبن تيميه لکي يکون دفاعا عن آرائه؟. و الله لو أنا قلت هذا الکلام لاصبحت أضحوکة بينکم.
و يقول أخ آخر من الأخوة ما يلي:
أ- واجب، و هو التسلسل في الأفعال.
ب- جائز، و هو التسلسل في المفعولات
فکيف يکون واجبا في الفعل و جائزا في المفعول؟ مع العلم أن المفعول يتبع الفعل لا محال.
و بعد أسطر يقول:
2 - إن لله کمالا من أفعاله و کمالا من صفاته.
3 - إثبات دوام أفعال الله و مفعولاته.
و في النقطة الثانية عشر يقول:
12 - بيان الفرق بين فعله و مفعوله
أ-الفعل قديم و المفعول محدث.
ب-دوام الفعل واجب و دوام المفعول جائز.
أيها الاخوة أنظروا بالله عليکم دققوا، رحمة بالامام لا رحمة بي، لأنني لا أراکم و لا أعرفکم.
و الله هؤلاء الذين يريدون أن ينصروا أمامهم، لن ينصروه بهذه الطريقة بل ينشروه.
وو الله هؤلاء العلماء، لا الامام نصروا و لا المخالف کسروا بصنيعهم هذا، بل الامام دفعوا و المخالف رفعوا. يا للأسف و يا للخيبة، لعالم کبير من علماء المسلمين و الوضع الذي دفعوه إليه دفعا. وضع لا و لن يرض به هؤلاء الاخوة الانصار للامام لأنفسهم. و الله الانتصار للامام لا يکون بذلك. بل يکون بفهم نصوصه تماما، فإن کان فيها أخطاء بسبب السهو أو النسيان أو أي سبب آخر من الأسباب التي لا يخلو منها بشر، إلتماس الأعذار له و الدعاء له بالرحمة و الغفران، أقول لو عملوا ذلك لکان من أعظم الإنتصارات له. و هذا ما فعله بعض العلماء من أمثال د. البوطي و الحافظ الذهبي و الامام الحافظ إبن حجر ....... رحمهم الله تعالي.
و الله ما کتبته قليل من کثير مما في قلبي عن هذا الموضوع، خصوصا عن بحث"کتاب" کاملة الکواري و مقدمة سفر الحوالي، لأن ألد الأعداء لو کان عالما و عاقلا لظلم إبن تيميه أقل مما ظلموه هؤلاء و أمثالهم. و لکن من جهة أخري أقول لنفسي لماذا أکون سببا في إزعاج أناس لا أعرفهم بما أکتب؟
و أيضا أقول، أنه لا ينتهي عجبي من المرور علي کل هذه التناقضات في مقالات من کتبوا عن هذه المسألة، خصوصا في المداخلات و في بحث السيدة المذکورة، مر الکرام.
أحد الاخوة الافاضل سألني في مداخلة له، (و قد کنت قائلا بأن الامام يقول بوجود حوادث لا أول لها بالفعل و ليس بجوازها فقط)،أن أکتب له نص ما يقول الامام. لم أفعل ذلك في وقته لأسباب يطيل شرحها الان، و لکن الان أکتب له نصا "واحدا فقط" من نصوصه، مع تعجب شديد عما سأل عنه، و أقول:
يقول الامام ابن تيميه في شرح حديث عمران بن حصين ما نصه:
(و أن قدر أن نوعها"أي المخلوقات"لم يزل معه فهذه المعية لم ينفها شرع و لا عقل، بل هي من کماله "أي کمال الله "، قال تعالي {أفمن يخلق کمن لا يخلق}. و الخلق لا يزالون معه).أنتهي ..... يا للعجب إنسان يدافع عن شيخه و إمامه و لا يعرف عن ماذا يدافع. إن الامام يتيم، وحيد بين أهله الذين ربما يرون فيه العصمة أيضآ. أيها الاخوة إرحموه رحمکم الله.
و هناك نصوصا أخري في ما کتبته کاملة لمن يريد أن يطلع عليها.
ما قاله الاخ الکتاني شافي و کافي. لا وجود لحوادث لا أول لها. کل من يسمع بذلک يتعجب من هذا القول، و هذا أقوي دليل علي بطلانه لأن فطرة الانسان لا تقبله.
و السلام عليکم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/261)
ـ[فيصل]ــــــــ[05 - 08 - 05, 05:09 م]ـ
ردي على الأخ عبد يأتي غداً بإذن الله
ـ[عبد]ــــــــ[06 - 08 - 05, 01:08 ص]ـ
ردي على الأخ عبد يأتي غداً بإذن الله
بارك الله فيك، وأما أنا فسأتوقف عن مواصلة الردود وأسأل الله أن يجري الحق على لسانك وقلمك أخي فيصل، وكذا سائر الإخوة الفضلاء.
ـ[فيصل]ــــــــ[06 - 08 - 05, 11:41 ص]ـ
الأخ الفاضل عبد،
قلت: فإنه ولابد أن يكون كل ما سوى الله حادث، سواء كان مفردا أو مجموع المفردات. هذا أصل عظيم لا خلاف فيه ولم يخالف فيه إلا غلاة الفلاسفة الدهرية الملحدين وعليه بنيت حجتي.
أقول: أما نحن فبنينا كلامنا على أصل عظيم دل عليه النقل والعقل وهو "أن الله خالق كل شيء وكل ما سواه مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن وليس لقدرته على الخلق أول" هذا هو الأصل العظيم الذي نؤمن به، أما أن من خالفك فهم غلاة الفلاسفة الدهريين فلا أدري ما أقول وأنت عندي بمثابة أخي وانا أربأ بأخي عن مثل هذا الإتهام الخطير لذا أقول راجع نفسك وأنظر هل قولنا هو قول الملاحدة الدهريين والعياذ بالله! والفلاسفة الدهريين الملحدين متفقين على قدم الذوات وبعضهم يقول بتسلسل الحركات بالإضافة لقدم الذات ولن أنقل من كلام شيخ الإسلام في بيان مذهبهم حتى لا يقال شيء بل سأنقل من كلام الفخر الرازي في بيان مذهب الفلاسفة
قال الفخر الرازي في الأربعين "في حدوث العالم" تحت عنوان "شرح مذاهب الناس في هذه المسألة" ص22 ذكر القول الثاني وهو:
((القول بأن الأجسام قديمة بذواتها وصفاتها قول بعض الفلاسفة وتفصيل مذاهيهم أن الأجسام الفلكية قديمة بذواتها قديمة بصفاتها ...
[ثم ذكر القول الثالث] وهو أن الأجسام قديمة بذواتها محدثة بصفاتها هذا قول أكثر الفلاسفة)) أ. هـ
وتسلسل الحوادث قال به عدد من المتكلمين أصلاً قال الإسنوي في "شرح منهاج الوصول" (2/ 103): " واجاب في التحصيل [وهو مختصر العلامة الأرموي لمحصول الرازي] بجوابين ... [وذكر الأول]، ثم قال:
الثاني: أن المحال من التسلسل إنما هو التسلسل في المؤثرات والعلل، وأما التسلسل في الآثار فلا نسلم أنه ممتنع، وهذا التسلسل إنما هو في الآثار.
قال الأصفهاني في "شرح المحصول": وفيه نظر لأنه يلزم منه تجويز حوادث لا أول لها، وهو باطل على رأينا" انتهى.
فقال العلامة محمد بخيت المطيعي-شيخ الأزهر- في الصفحة نفسها في حاشيته على شرح الإسنوي معلقاً على كلام الأرموي:
((كلام جيد، وأما قول الأصفهاني: وفيه نظر لأنه يلزم منه تجويز حوادث لا أول لها وهو باطل على رأينا فنقول-القائل المطيعي-:
لا يلزم من كونه باطلاً على رأيه أنه باطلاً في الواقع ونفس الأمر، فإنه لغاية الآن لم يقم دليل على امتناع التسلسل في الآثار الموجودة في الخارج، وإن اشتهر أن التسلسل فيها محال، ولزوم حوادث لا أول لها لا يضر بالعقيدة إلا إذا قلنا: لا أول لها، بمعنى لا أول لوجودها [أي الحوادث المعينة]، وهذا مما لم يقل به احد، بل الكل متفق على أن ما سوى الله تعالى-لما كان أو يكون- حادث: أي موجود بعد العدم بقطع النظر عن أن يقف ((آحاده)) عن حد من جانبي الماضي والمستقبل أو لا تقف عند حد من جانبيهما)) أ. هـ
وممن قال أيضاً بذلك أثير الدين الأبهري في كتابه تحرير الدلائل في تقرير المسائل أنظر درء التعارض (6/ 185) ونحن وهؤلاء نصرح أن كل مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن وليس لقدرته على الخلق أول ولا لتمكنه من الفعل بداية وهو فعال لما يريد. فالله المستعان.
قال: متى يكون حكم الأفراد منسحبا على حكم مجموع الأفراد؟ الجواب: يكون حكم الأفراد منسحبا على حكم مجموع الأفراد إذا اشتركا في علة أصلية كلية واحدة، والعلة الأصلية الكلية هنا هي أن الأفراد حادثة بأجمعها.
أقول: يعني أصبح القانون "متى اشترك الأفراد في علة كلية واحدة انسحب الحكم للمجموع لزاماً" وهذا باطل -ولم تغير شيء في الحقيقة- بيانه بضرب الأمثلة التي تبطل هذا الكلام:
1 - أفراد المخبرين بالتواتر يجوز عليهم الخطأ والكذب وهذه علة كلية واحدة مشتركة بين الأفراد والحكم لا ينسحب للمجموع فبطل الكلام.
2 - كل فرد من أفراد المجموعة جزء "وليس بكل" وهذه علة كلية واحدة مشتركة بين الأفراد ومع ذلك فالمجموع كل ولا يقال "ليس بكل" فبطل الكلام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/262)
3 - كل فرد من أفراد الأمة غير معصوم وهذه علة كلية واحدة مشتركة بين الأفراد ومع ذلك فالمجموع معصوم والحكم لا ينسحب للمجموع فبطل الكلام.
4 - بعض انواع الفراش يعيش يومين فقط: فلو افترضنا أن الله أراد أن بقى سلسلة الفراش للأبد حيث كلما فنيت فراشة خلق غيرها إلى ما لا نهاية فهاهنا علة مشتركة بين الأفراد وهي أن كل فراشة تفنى ومع ذلك فالحكم لا ينسحب للمجموع فالسلسلة لا تفنى فبطل القانون.
وكل واحد يستطيع بقليل من التفكير ان يوجد أمثلة كثيرة تبطل هذا الكلام.
قال: ولكن الحديث ليس عن أزلية قدرة الله فهذا أمر مفروغ منه
أقول: صدقني هذه النقطة بالذات ليس مفروغ منها كما تظن وقد كررنا الكلام عنها بما يسمع الأصم ووجدنا ردود أقل ما يقال عنها انها تافهة.
قال: الأدلة الشرعية قد دلت على أن الله تعالى لم يكن معه شيء كما لم يسبقه شيء
تقصد حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما والذي فيه: ((جئناك نسألك عن هذا الأمر؟ قال: " كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض)) وفي رواية "ولم يكن شيء غيره"
1 - ظاهر الحديث الكلام عن أول هذا العالم قال الحافظ: ((وكأنهم سألوا عن أحوال هذا العالم وهو الظاهر ويحتمل أن يكونوا سألوا عن أول جنس المخلوقات)) فالأول هو الظاهر والثاني مرجوح فمقصود الحديث-بجميع ألفاظه- الإخبار بابتداء خلق السموات والأرض وأن الله كان قبل هذا العالم ولا شيء من هذا العالم معه وكان عرشه على الماء. ثم خلق السموات والأرض.
2 - هذا الاستشهاد مبني على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ولم يكن شيء غيره)) والجميع متفق على ان الرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال واحداً من هذه الألفاظ لا غير
والآخر روي بالمعنى ولما كان الاخوة يستدلون بواحد منها دون الآخر فاقتضى أن معنى هذا غير ذاك وإلا لاكتفوا بالآخر والرسول صلى الله عليه وسلم قال واحداً منهما وحيث بطل أن يكون قال كلاهما فكان يجب ان يبينوا بالدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا اللفظ بعينه دون الآخر ونحن أسعد بالدليل "فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: " {أنت الأول فليس قبلك شيء و وإذا ثبت في هذا الحديث لفظ [القبل] فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله واللفظان الآخران لم يثبت واحد منهما أبدا وأكثر أهل الحديث إنما يروونه بلفظ القبل: " {كان الله ولا شيء قبله} " مثل الحميدي والبغوي وابن الأثير وغيرهم" من كلام شيخ الإسلام.
أما ان الجمع مقدم على الترجيح فصحيح ((لو احتمل أن يكون الحديث صدر منه صلى الله عليه وسلم في مقامين أما إذا كان في مجلس واحد والراوي واحد وقد أخبر انه لم يبق إلى نهاية المجلس بل قام لما سمع هذا القول من النبي ولحق براحلته فلا بد أن اللفظ الذي سمعه أحد هذه الالفاظ الثلاثة والآخر روي بالمعنى فاصبح الجمع لا وجه له)) شرح كتاب التوحيد للعلامة الغنيمان
والحافظ نفسه ذكر ان القصة واحدة والراوية وقعت بالمعنى قال "والحديث له قصة واحدة فاقتضى أن الرواية وقعت بالمعنى" الفتح6/ 289
اما قول بعض الاخوة أن شيخ الإسلام يرى وقوع المخلوقات بالفعل واستدلالهم بقوله: ((وإن قدر)) الخ فهذا عجيب فالذي يرى وقوع شيء لا يقول ((وإن قدر)) فالله حي ولا نقول وإن قدر انه حي!! فهذا دليل على نقيض مطلوب البعض وسبحان من جعل دليلهم عليهم وأما قول الإمام انها هذا كمال فرد على من زعم ان هذا نقص فبين انه لو قدر انه لم يزل يخلق كان كمالاً كما انه لو شاء بإرادته وقدرته على ترك ذلك كان كمالاً أيضاً لقوله ((فعال لم يريد)) والله أعلم.
ـ[حامد الداني]ــــــــ[06 - 08 - 05, 10:07 م]ـ
جزاك الله أخي فيصل علي الإيضاح ...
بعد إرسال آخر ما کتبت"أي المداخلة الاخيرة" بمدة ساعة أو أکثر، ندمت علي إرساله عندما فکرت بك. قلت لنفسي أن الأخ فيصل لا يمکنه أن ينام إذا ما رد علي و لو بإنکار أوضح الواضحات. لذلك السبب أردت أن أمسح ما کتبت، و لکن لم أستطع، ثم حاولت حذفها، لم أستطع ذلک أيضا. و الحمد لله علي کل حال.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/263)
فهمي لنص الامام هو نفس فهم الذين قرؤا نصوصه التي النص المذکور واحد منها، علماءا و عواما. أنا واحد من العوام، و أطير فرحا، إن قبلني هؤلاء العلماء خادما لهم، لأنني لا شئ بالمقارنة بهم، و مع علمهم و فهمهم و ذکائهم قالوا بذلك. أي يفهمون من النص المذکور ما فهمت أنا. و لو کان کلامك أنت هو الصحيح لفطن إليه بعض العلماء قبلک.
تقول: الذي يري وقوع شئ لا يقول"إن قدر"،و لا نقول و إن قدر أنه حي!! فهذا دليل علي نقيض مطلوب البعض، سبحان من جعل دليلهم عليهم.
و لکن إن قال لك شخص بأنه يفهم معني النص کالتالي: و إن قدر الذين ينکرون علي قولي بوقوع و وجود حوادث لا أول لها، و أن نوع الحوادث لم يزل معه،و أن الخلق لا يزالون معه، و أن هذه المعية هي من کمال الله، قال تعالي {أفمن يخلق کمن لا يخلق أفلا تذکرون} لما أنکروا علي قولي. لکن يشتبه علي کثير من الناس النوع بالعين. أي كثير من الناس لا يفرقون بين نوع المخلوق و فرد من أفراده (هذه الجملة: لکن يشتبه علي کثير من الناس النوع بالعين) أيضا من کلام الامام و لکن ترکت کتابته المرة الماضية. أقول إن قال لک أحد أنه هکذا يفهم النص فکيف يمکنک رد کلامه و إثبات کلامک؟ أنت تجعل من فهمك الخاص أقوي دليل، فبإمکان المخالف أيضا أن يفعل ذلک.
تقول: أما قول الامام، إن هذا کمال، فرد علي من زعم أن هذا نقص. فلا معني له أبدا، و ذلك لأنه: لم يوجد و لا يوجد إنسان يقول بأن وجود المخلوقات مع الله نقص له، حتي يرد عليه الامام. و لو کان هناك شخص خيالي يقول بذلک لکان قوله هذا يعني أن الله سبحانه و تعالي ليس بکامل الآن، لأن المخلوقات معه الآن."أستغفر الله من هذا الکلام". هذا الکلام لا يقول به أحد، مسلما کان أو غير مسلم، إلا إن کان مجنونا. و إن قال به مجنون، فکان بإمکان الامام ابن تيميه أن يرد عليه بکل بساطة و يقول: معني قولک أن الله ناقص الآن، و السلام. و هل الامام الذي أنت تعادي و تکره کثير من علماء هذه الأمة من أجله يصنف و يطول في شرح المسائل للرد علي المجانين؟ و هل بإمکانک أن تأتي بإسم واحد من هؤلاء المجانين من کتب التأريخ، و إن کان کافرا؟ سامحک الله أخي، و الله ما هذا هو الإنتصار للإمام، بل هو إنتصار للمجنون الذي أمکنه أن يجر عالما من أکابر العلماء الي حضيض کهذا، إلي حضيض يبکي أشد الناس عداوة له و أقساهم قلبا عليه. هل هذا هو الانسان الذي لا أحد من العلماء و لا من العوام يفهم عباراته؟ کما تدعي کاملة و عشرات غيرها. بل يجعلون کل المسلمين طائفتين فقط:
1 - من لا يفهم کلامه نهائيا أو يسئ فهمه.
2 - من يريد أن يشوه سمعته.
بالله عليک أخي ... من هو هذا الذي يريد تشويه سمعة إنسان عاش و مات قبل مئات السنين؟ و لماذا؟ ماذا يستفيد من ذلك؟
تقول: کما أنه لو شاء بإرادته و قدرته ترك ذلک و کان کمالا أيضا. إن کل المسلمون و کل البشر الذين يؤمنون بالله يقولون بما تقول. و لکن أخاف من أن الذين تدافع عنهم دفاع المستميت لا يقولون بما تقول. الذين يقولون بأن لله کمالا في أفعاله و مفعولاته، و أن التسلسل في أفعاله واجب، و کما هو معلوم عندك وعند کل من لديه ذرة من العقل"ذرة واحدة فقط"، أن المفعول يتبع الفعل لا محال. و قصدهم من کلامهم وجود نوع الحوادث مع الله سبحانه،لان هذا من کماله، أي لا يعنون ما تعني أنت. أي لا يقولون بأن فعل التخليق أو ترکه هو من کماله. و الحمد لله أنت لا تقول بما يقولون تماما. قد قلت لک ذلک من قبل.
الامام ابن تيميه يستشهد بالاية علي أن وجود المخلوقات مع الله من کماله، أي أن عدم وجودهم ليس من کماله. و إلا لا وجه نهائيا للأستشهاد بهذه الآية، و إلا أصبح الذي يخلق کمن لا يخلق، إن کان کما تقول أنت، أي إن کان الخلق و ترک الخلق من کماله. و هذا يعني أن الامام لا يعي ما يقول و لا يفهم ما يريد (لا أقول أنا بذلک)، بل هذا لازم کلامک. تقول السيدة کاملة في ما يسمي ب"کتابها"، في معرض ردها علي د. البوطي: و هل الامام ساذج الي درجة ينقل الاجماع علي من يقول بقول معين، ثم يقول به هو أيضا؟ و الجواب علي هذا السؤال هو:
أما عند مخالفيه فکلا و حاشا.
و أما عند أخوته الأعداء فنعم، بل هو أقل من ذلک بکثير. و إن لم يکن کذلک لما جعلوا منه ما جعلوا. أکرر کلامي و ندائي: أترکوا الامام رحمة به،أترکوه لمخالفيه و خصومه لأنهم أرحم به منکم. و قد وضحت کل ذلک في مداخلتي التي قبل هذه.
و الآن أنقل لک نصا آخر من نصوصه التي هي في مجلة کاملة الکواري"کتابها حسب تعبيرک"، و هو في الصفحة 48. و هو الآتي:
و إن کان أفعاله دائمة شيئا بعد شئ، فليس فيها واحد قديم، و کذلک مفعولاته بطريق أولي، فإن المفعول تابع للفعل، فلا يکون في أفعاله و لا مفعولاته شئ قديم و إن کانت دائمة لم تزل (أي الافعال و المفعولات). فإن دوام النوع و قدمه ليس مستلزما قدم شئ من الأعيان. انتهي. أي أن قدم النوع لا يعني قدم الأفراد. هذا نص واحد من النصوص الموجودة في ما يسمي بکتاب الکواري. و هناک أيضا في نونية إبن قيم أبيات واضح المعني بهذا الخصوص.
هذا الامام يصرح بأن المفعول تابع للفعل، و لکن لا أحد من الذين کتبوا مداخلات طويلة عن وجوب الفعل و جواز المفعول رد علي أسألتي التي سألتها مرارا لکي يوضحوا العلاقة بين الفعل و المفعول.
أخي العزيز من الآن فصاعدا لا أناقشك، جزاك الله کل خير ... و السلام عليکم و رحمة الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/264)
ـ[حامد الداني]ــــــــ[07 - 08 - 05, 01:41 ص]ـ
ملاحظة ..... أعتذر من الاخوة الافاضل
قد نسيت کتابة کلمة واحدة و هي کلمة"کفر" في العبارة التالية:
تقول السيدة کاملة في معرض ردها علي د. البوطي:
و هل الامام من السذاجة الي درجة ينقل الإجماع علي کفر من يقول بقول معين، ثم يقول به هو أيضا؟
ـ[فيصل]ــــــــ[07 - 08 - 05, 10:02 ص]ـ
الاخ حامد،
أما أنني لن استطيع أن انام حتى أنكر أوضح الواضحات فلا تخف نومي كما هو وكلامك هذا ينبيء عن نفسية متشنجة حقاً ولعل المثل العامي القائل (كل يرى الناس بعين طبعه) يبين لنا لماذا قلت هذا الكلام! أما النص الذي هو أوضح الواضحات عندك ((وإن قدر أن نوعها)) الخ فتفسيرك له ينطبق عليه المثل (عنزة ولو طارت)!
أما انه لا يوجد أحد يقول ان تسلسل الحوادث في طرف الماضي نقص وانه لا يقول ذلك إلا مجنون ولم يقله حتى الكافر فكلام طيب ولن افتح ذهنك بنقل من يقول بهذا يكفي ان نتفق على هذا القدر.
ومشكلتك مع اللغة خير من يحلها لك منتدى اللغة:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/forumdisplay.php?f=33
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
ـ[حامد الداني]ــــــــ[10 - 08 - 05, 05:08 م]ـ
الاخ الکريم فيصل ..... و عليکم السلام و رحمة الله و برکاته
أخي الفاضل شکرا جزيلا علي لطفك و کرمك لإرشادي إلي هذا البرنامج لتعليم اللغة العربية، و جزاك الله عني خيرا في الدنيا و الآخرة.
أما بالنسبة للعنزة الطائرة، فقد نظرت إليها بإمعان و لکنها لم تکن عنزتي، و أنا متأکد من ذلك. و لا يهمني من هو صاحبها.
و السلام عليکم
ـ[أبو البركات]ــــــــ[18 - 08 - 05, 05:46 م]ـ
لزيادة توضيح:
http://saaid.net/monawein/taimiah/9.htm
ـ[حامد الداني]ــــــــ[21 - 08 - 05, 06:25 م]ـ
لزيادة توضيح:
http://saaid.net/monawein/taimiah/9.htm
بسم الله الرحمن الرحيم
قد قرأت هذا البحث و کان فيها زيادة توضيح حقا، أي زيادة توضيح بأن القول بحوادث لا أول لها قول باطل. و ذلك نتيجة لوجود الأخطاء و التناقضات و الضعف فيه. ليس هناك معلومات جديدة تذکر فيه بالمقارنة ببحث السيدة الکواري إلا ذکر دليل"التطبيق" و الرد عليه بسبعة أوجه ردا ضعيفا غاية في الضعف. إن دليل التطبيق هو دليل ضعيف للإستدلال به علي إمتناع حوادث لا أول لها. و أنا شخصيا لا أعتمد عليه أبدا، بل هناك أدلة أقوي منه بکثير يمکن الاعتماد عليها للرد علي من يقول بحوادث لا أول لها. أقول: دليل التطبيق علي ضعفه لم يتمکن الکاتب أن يرده و ذلك لضعف أدلة الکاتب السبعة. يمکن في المستقبل أذکر الأدلة السبعة و الرد عليها في مداخلة أخري إن شاءالله. و قد رجعت بقراءة البحث المذکور أعلي بمزيد من اليقين بأن فکرة حوادث بلا بداية فکرة باطلة. هناك أخطاء و تناقضات کثيرة في البحث، و کثرتها تجعل الرد علي کلها في مداخلة واحدة أو مداخلتين أمرا مستحيلا. الرد علي کل الأخطاء و التناقضات يريد مداخلات عديدة، لذلك أکتفي بذکر نقطتين أو ثلاثة فقط. و أبدأ بعنوان البحث و هو "دعوي أن شيخ الاسلام يقول بقدم العالم". إن هذا العنوان هو تشويه للحقيقة، لأن الذين کتبوا عن الامام ابن تيميه أو ردوا علي ما يقول، لم يقولوا بأنه يقول بقدم العالم، بل قالوا بأنه يقول بالقدم النوعي للمخلوقات، و هذا ما يقول به الامام. و الفرق واضح بين هذا الکلام و ما يتهم الکاتب المخالفين به. إن کنت مخطئا في ما أقول فليأت الکاتب أو أحد الذين يصدقون ما يقول بأسماء العلماء الذين أفتروا هذه الفرية علي الامام مع ذکر کتبهم و أرقام الصفحات. و الآن أختار ثلاثة نقاط في البحث لمناقشته. نقطة في بداية البحث و الثانية و الثالثة في أماکن أخري منه.يقول الکاتب:"أما القسم الثاني: و هو التسلسل في الآثار، فيراد به أن يکون أثر بعد أثر، فلايکون حادث إلابعد حادث، ولا يکون حادث حتي يکون قبله حوادث".هذا تصريح بوجود حوادث لا أول لها، فلا معني لکلام الذين ينکرون أن الامام قال به. ثم يأتي علي ذکر التسلسل و القول في جوازه و "أو" إمتناعه و يقول:"الثالث: جواز التسلسل في الماضي و المستقبل، و قال بهذا أئمة أهل الملل و منهم أئمة أهل الحديث".أنا أسأل کل الاخوة: من هم هؤلاء الأئمة، هل لهم أسماء؟ هل لهم کتب؟ إن کان الجواب لا، فکيف عرف الکاتب بأنهم يقولون بذلك؟ و إن کان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/265)
الجواب نعم، فليأتوا بإسم مئة أو خمسين أو ثلاثين منهم من عصر الصحابة إلي يوم ولادة الامام ابن تيميه مع أسماء کتبهم، رحمة بأنفسهم و بالناس و لقطع لسان الذين يقولون بأن الامام هو أول عالم قال بحوادث لا أول لها بين علماء أهل السنة. و إن لم يفعلوا فسوف تبقي کلمة المخالفين هي العليا. يقول الکاتب:"11_ ...... و قد ناقش الامام أحمد الجهمية: .... فقالوا (أي الجهمية)؛ لا تکونوا موحدين أبدا حتي تقولوا:کان الله و لا شئ. قلنا (أي الامام أحمد):نحن نقول قد کان الله و لاشئ، و لکن إذا قلنا إن الله لم يزل بصفاته کلها ... الخ"دققوا النظر و التفکير في کلام الامام أحمد (کان الله و لا شئ)، و في کلام الکاتب عن أئمة الملل و أئمة الحديث .... الخ. أليس الامام أحمد من أئمة أهل الحديث و مع ذلك يقول کان الله و لا شئ غيره. إعتقاد الامام أحمد معروف للخاص و العام، و هو إعتقاد کل المسلمين، و لکن الکاتب يأتي بکلامه في معرض القول بقدم جنس الحوادث، علما بأن کلامه هو نفي صريح لما يقوله الکاتب. يقول الکاتب في مکان آخر:"فأما التسلسل الواجب، فهو ما دل عليه العقل و الشرع من دوام أفعال الله تعالي في الأبد ....... و کذلك التسلسل في أفعاله تعالي من جهة الاولية و الازل. و أما التسلسل الممکن فهو في مفعولاته في طرف الأزل .... الخ".و يقول في مکان آخر"و الفعل من الله قسمان: متعد و لازم، فالمتعدي مثل الخلق و الإعطاء، و اللازم مثل الاستواء و النزول."فإن کان الفعل من الله قسمان و المفعول يتبع الفعل لا محال، فيکون تقسيم التسلسل إلي الواجب و الممکن محالا. و من المعلوم أن الفعل اللازم بالنسبة للبشر يختلف حاله لأننا نعيش بين موجودات خلقها الله لنا. لتوضيح کلامي أکثر أقول: أن فعل النزول بالنسبة لنا هو نزولنا من جبل مثلا إلي سفحه،و الجبل کان موجودا قبل صعودنا عليه و قبل نزولنا. قصدي من هذا الکلام ملاحظة قول الکاتب: و الفعل اللازم مثل الاستواء و النزول. و کأن الکاتب يعترف، من حيث يدري و لا يدري، بوجود مخلوقات مع الله،إن قلنا أستوي إلي السماء مثلا. يقول الکاتب في مکان آخر عن حديث عمران بن حصين:"الثابت أن المصطفي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال (کان الله و لم يکن شئ قبله) ....... إلي أن يقول:"أن کثيرا من الناس يجعلون هذا الحديث عمدتهم من جهة السمع في أن الحوادث لها إبتداء و أن جنسها مسبوق بالعدم، إذ لم يجدوا في الکتاب و السنة ما ينطق به،و جعلوا هذا معني حدوث العالم الذي هو أول مسائل أصول الدين عندهم، فيبقي أصل الدين الذي هو دين الرسل عندهم، ليس عندهم ما يعلمون به أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قاله،و لا في العقل ما يدل عليه،بل العقل و السمع يدل علي خلافه.و من کان أصل دينه الذي هو عنده دين الله و رسوله لا يعلم أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جاء به کان من أضل الناس في دينه." أيها الاخوة الافاضل، أولا أرجو أن لا يکون هذا الکلام هو کلام الامام ابن تيميه. فإن کان کلامه أتمني من کل قلبي أن يکون فهمي لکلامه هذا خطأ، لأن: أولا يقول القائل بأن الثابت من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال (و لا شئ قبله)، فإن کان هذا ثابتا لکان من المستحيل أن لا يقول به کل علماء الحديث، علما بأن راوي الحديث هو الامام البخاري، و هو من السلف الصالح. فهل من المعقول أن أحدا لم يعرف ما قاله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مع ثبوت و وضوح ما قاله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ کيف لم يکشف أهل القرون الثلاثة من هذه الامة ما کشفه واحد بعد إنتهاء القرون الثلاثة و ثلاثة أخري أيضا؟ ثانيا: هل ما يقوله هذا القائل صحيح بأنه ليس هناك لا دليل سمعي و لا عقلي علي أن جنس الحوادث مسبوق بالعدم؟ هذا من جهة هو إعتراف من القائل بأن جنس الحوادث أزلي، و من المعروف أن المسلمين لا يؤمنون بوجود أزليين. و من جهة أخري، إن لم يکن هناك أدلة عقلية و لا سمعية علي أن جنس الحوادث مسبوق بالعدم، فکيف المسلمون کلهم و المؤمنون بالله من البشر کلهم يقولون بذلك؟ هل للناس عقول أم لا؟ أليس هذا إهانة لکل البشر و خصوصا للمسلمين؟ أليس هذا هو التقليل من قيمة علماء الحديث الذين کتبوا حديث عمران في کتبهم و قالوا أنه حديث صحيح؟ أرجو أن أکون مخطئا، و أرجو من کل أخ فاضل أن يکتب لي و يصحح لي أخطائي إن کنت مخطئا. و الأسوء من ما مر کله ما يقوله هذا القائل في عبارته الأخيرة و المذکورة أعلي و هو: ومن کان أصل دينه ........... کان من أضل الناس في دينه. أما أنا فلا أجد کلمات لوصف الحال و الوضع الذي تأخذنا إليه عبارته هذه. فقط أقول: إذا لم يعرف و لم يفهم علماء و عوام خير أمة أخرجت للناس دينهم إلي الآن، مع شهادة رسولهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بأن أهل ثلاثة قرون منهم هم خير الناس، و أعظم علماء الحديث کانوا من أهل القرون الثلاثة، فلا يمکنني أن أقول شيئا. أطلب من الاخوة مساعدتي لكي أفهم هذا الکلام إن کان فهمي له خطأ. هل معني هذا الکلام هو أن الامام الحافظ إبن حجر رحمه الله من أضل الناس في دينه؟ هل صحيح أن معرفة دين الله و رسوله متوقف علي معرفة کلمة واحدة فقط و هي کلمة"غيره " أو کلمة"قبله "؟ أم أن الحقيقة هي، أن حياة و إستمرار وجود مذهب القائل بوجود حوادث لا أول لها من الناس متوقف علي إحدي هاتين الکلمتين؟ و لا دليل لهم نهائيا إلا وجود کلمة"قبله "في الحديث المذکور، و لذلك يعملون المستحيل لتثبيت هذه الکلمة ليجعلوا من الحديث دليلهم الوحيد؟
و السلام عليکم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/266)
ـ[حامد الداني]ــــــــ[27 - 08 - 05, 09:27 م]ـ
ماهو رأي الامام ابن تيميه في حوادث لا أول لها؟ هل يقول بوجودها الواقعي في الخارج، أم يقول بجوازها فقط؟ کان من المفروض ألا يکون هناك داع للجواب علي هذا السؤال لعدة أسباب منها:
أولا- وضوح عبارات الامام وضوحا لا يبقي شکا في الجواب نهائيا.
ثانيا- کل من يقول بجواز حوادث لا أول لها يقول بوجوب التسلسل في أفعال الله و جوازه في مفعولاته.و لازم کلامهم هو وجوب التسلسل في المفعولات لا محال و ليس جوازها، لأن الجائز لا يکون واجبا و الواجب لا يکون جائزا. و هؤلاء الناس يضرون بإمامهم أکثر مما يفيدوه.و الامام يقول ما نصه: (فإن المفعول تابع للفعل)،کما تنقل عنه کاملة الکواري في ص48 من کتابه،و قد نقلت النص کله في مداخلة سابقة. قول الامام عکس ما يقوله هؤلاء. التناقض واضح في کلامهم لأن الذي يفعل بدون أن يکون هناك مفعول، يکون لم يفعل شيئا مع العلم أنه حاول أن يفعل ذلك المفعول. و هذا واضح البطلان، و لو قيل لمجنون بأن هناك شخص يکسر دون أن ينکسر شئ، ويأکل دون أن يدخل في جوفه مأکول، أو ينزل دون أن يکون هناك ما ينزل منه،و يصعد دون أن يکون هناك ما يصعد عليه ..... الخ، لأفاق من جنونه من شدة الصدمة.
ثالثا- يقال للذي يقول بوجوب التسلسل في الفعل و جوازه في المفعول: هل بإمکانك أن تأتي بأمثلة عن الأفعال التي لا تستلزم مفعولات، أي أفعال الله سبحانه. فإن أتي ببعض الامثلة فسيکون لکل مقام مقال. ولا يمکنه أن يأتي بشئ إلا و يوقع نفسه في تناقضات لا مخرج له منها أبدا.
رابعا-إن کلمة الجواز لا تستعمل نهائيا لوصف ما وقع و حصل بالفعل إن کان الانسان علي يقين بوقوعه،وإنما تستعمل لما کان الانسان في شك من وقوعه،إن کان الوقوع في الماضي أو في المستقبل. مثلا لا نقول: يجوز أن يکون الشخص الفلاني ولدته إمرأة، ولکن نقول: يجوز أن يکون مغربيا، إن کنا في شك من کونه مغربيا. وهکذا يتبين أن الذي يقول بجوازوجود مفعولات لا أول لها، يثبت بأنه هو في شك من وجودها الفعلي، و بالتالي هو في شك من وجود أفعال لا أول لها لأن الامام ابن تيميه يقول بأن المفعول تابع للفعل.
خامسا-إن کان هناك للامام نص واضح يقول فيه بوجوب التسلسل بالافعال و جوازه بالمفعولات فليأتوا به،لأنني لا أعتقد أنه يقول بوجوب الفعل وجواز المفعول من جهة، و بأن المفعول تابع للفعل من جهة أخري، لأن هذا تناقض واضح.
سادسا-هؤلاء الذين يقسمون التسلسل الي واجب في الفعل و جائز في المفعول، لا يشرحون للقراء کلامهم أبدا، و إنما يمرون عليه بسرعة البرق دون شرح أو إيضاح. ربما يتسائل أحد الاخوة مثلا و يقول: و أين الدليل علي أن الامام يقول بوجود مخلوقات لا أول لها، في عدم شرح الکتاب وجوب الفعل وجواز المفعول؟ الجواب هو: إن في ذلك أقوي دليل، لأن هؤلاء الکتاب يسودون العديد من الصفحات ليثبتوا للناس بأن الامام ابن تيميه لا يقول بقدم هذا العالم. يشرحون و يشرحون و لا يتعبون من ذلك، علما بأن لا أحد قال أن الامام يقول بقدم هذا العالم، ولا يشرحون علاقة الفعل بالمفعول نهائيا، لأنهم يعرفون ما هو مخبوء تحت هاتين الکلمتين.
و الان أنقل بعض نصوص الامام ابن تيميه من کتاب د. عبدالله الغصن و التي يصرح فيها الامام بوجود مخلوقات لا أول لها وجودا حقيقيا في الخارج و ليس إمکان وجودها فقط. سأبدأ بنص قد ذکرته في مداخلة سابقة، لان أحد الاخوة جعل من فهمي للنص"عنزة طائرة" في وقته:
1 - (و إن قدر أن نوعها لم يزل معه فهذه المعية لم ينفها شرع و لا عقل، بل هي من کماله،قال تعالي (أفمن يخلق کمن لا يخلق) و الخلق لا يزالون معه). ودليلهم علي عدم فهمي کان عبارة"إن قدر"،وقالوا: الذي يري وقوع شئ لا يقول"إن قدر"،و لا نقول وإن قدر أنه حي. جوابي هو:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/267)
يقول د. الغصن في کتابه "دعاوي المناوئين"صفحة رقم 254،أن الامام في"درء التعارض" يقول ما نصه: (فليس في مفعولاته قديم، و إن قدر أنه لم يزل فاعلا).هنا أيضا يستعمل الامام عبارة"وإن قدر"،فهل هذه العبارة هنا أيضا تعني الاحتمال و الجوازفقط،أم تعني القول بما يقوله بعد عبارة"إن قدر"؟ إن قالوا: معني الجملة هوالقول بما جاء بعد عبارة"إن قدر"،أقول:کان فهمي لما قاله الامام صحيحا. و إن قيل: معني الجملة هو القول بالاحتمال و الجواز فقط،أقول: هل تقولون بأن کون الله لم يزل فاعلا جائزو محتمل فقط؟ هذا ما لا تقولون به ................. يتبع
ـ[حامد الداني]ــــــــ[27 - 08 - 05, 09:40 م]ـ
2 - يقول الدکتورالغصن في کتابه صفحة-250 - ،يقول الامام في"منهاج السنة" ما نصه (و القول بقدم النوع لا ينفيه شرع و لا عقل، بل هو من لوازم کماله، کما قال الله سبحانه "أفمن يخلق کمن لا يخلق" و الخلق لا يزالون معه). هذا القول واضح جدا بأن نوع المخلوقات کان مع الله، و قدم النوع معه من لوازم کماله.أي عدم وجود نوع المخلوقات معه يکون نقصا. فقط عبارة "و الخلق لا يزالون معه "کافية ليفهم الانسان رأي الامام. 3 - يقول د. الغصن في صفحة191 من کتابه:،يقول الامام - .. (5 .... قيل: نعم، لکن تقدير التفاضل و التماثل بتقدير وجوده،کما أن الماضي قدرتم فيه التفاضل و التماثل بعد عدمه لا في حال وجوده،لکن قدرتم تلك الحوادث الماضية التي عدمت کأنها موجودة). الجملة الاخيرة واضحة جدا بأنها کانت هناك حوادث وجدت ثم عدمت.
4 - من کتاب الغصن ص200 يقول الامام (الفعل من الله قسمان: متعد ولازم ......... و لهذا لم يقل أحد من العقلاء بإثبات أحد الضربين دون الاخر، بل قد يثبت الافعال المتعدية کالتخليق من ينازع في الافعال اللازمة کالمجئ و الاتيان، و أما العکس فلا يعلم له قائل) أنتهي. هذا يعني أن فعل التخليق فعل متعد، و المفعول يتبع الفعل. هذا الکلام من الامام عکس کلام الذين يقولون بوجوب الفعل و جواز المفعول، لأن التخليق فعل متعد،و يستحيل وجود فعل التخليق دون أن يتبعه المخلوق.
5 - کتاب د. الغصن ص234، من کتاب الفتاوي (وما من وقت صدر فيه الفعل بالنسبة الي الله عز وجل وإلا وقد کان قبل ذلك ممکنا، وإذا کان ممکنا فما الموجب لتخصيص حال الفعل بالخلق دون ما قبل ذلك فيما لا يتناهي) أنتهي.6 - کتاب الغصن ص249 نقلا من الفتاوي (إن أکثر أهل الحديث ومن وافقهم لا يجعلون النوع حادثا، بل قديما، ويفرقون بين حدوث النوع، وحدوث الفرد من أفراده) أنتهي. أي نوع الحوادث قديم.
7 - کتاب الغصن ص250 من الفتاوي: (وأما کون الفاعل لم يزل يفعل فعلا بعد فعل فهذا من کمال الفاعل) أنتهي.8 - کتاب الغصن ص250، الصفدية: (والثاني يقتضي أنه لم يزل يفعلها شيئا بعد شئ، فهذا يقتضي قدم نوع الفعل ودوامه) أنتهي.9 - کتاب الغصن ص251،درء التعارض: (يقال لکم: الحادث المطلق لا وجود له إلا في الذهن لا في الخارج، وإنما في الخارج موجودات متعاقبة) أنتهي. هذا تصريح بوجود موجودات متعاقبة في الخارج.
10 - کتاب الغصن ص232، الفتاوي: ( ... فهذا إخبار عن العالم الموجود و إبتداء خلقه، وأما ما خلقه قبل ذلك شيئا بعد شئ فهذا بمنزلة ما سيخلقه بعد قيام القيامة) أنتهي. وهل يقول الامام ابن تيميه "ما خلقه " و يقصد به في الذهن و الخيال فقط؟ وهل عملية الخلق ممکنة بدون صدور المخلوق؟ الذي يقول بهذا، يقول بما هو أسوء من التعطيل، لأن هذا يکون بمثابة محاولة الکتابة دون حصولها. و معلوم أن الذي لا يحاول أن يکتب أحسن حالا من الذي يحاول دون أن يحصل علي ما يريد.
11 - کتاب الغصن ص251: ( ..... يبين رحمه الله،أي الامام ابن تيميه، أن لا فرق بين الماضي و المستقبل، فالحوادث الماضية عدمت بعد وجودها، فهي الان معدومة) أنتهي. هناك في حدود عشرة أماکن أخري في کتاب"دعاوي المناوئين" للدکتور الغصن، و التي يقول فيها الامام ابن تيميه بأنه کانت هناك موجودات لا أول لها وجودا واقعيا في الخارج.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/268)
الان تبين و أصبح لا شك فيه أن الامام ابن تيميه يقول بوجود حوادث لا أول لها وجودا حقيقيا، و ليس جواز وجودها فقط. و أخيرا أقول بأنني لم أکتب ما کتبت هنا ردا علي أي إنسان، و إنما لبيان حقيقة أظن بيانها أحسن من عدمه،خصوصا بعد ما عرفت بأنه ربما هناك من لا يعرف رأي الامام ابن تيميه في المسألة. إن کنت مخطئا أرجو من کل الاخوة أن يصححوا لي أخطائي، عملا بالحديث الشريف (أنصر أخاك ظالما کان أو مظلوما).و السلام عليکم
ـ[حامد الداني]ــــــــ[30 - 08 - 05, 02:38 م]ـ
الاخ العملاق
سؤالك الذي سألته بتأريخ 5 - 4 - 2003 عن قول الامام ابن تيميه بخصوص حوادث لا أول لها، جوابه هو: الامام يقول بوجود حوادث"مخلوقات" لا أول لها وجودا واقعيا في الخارج، و ليس بجواز وجودها فقط.
و الشطر الثاني من سؤالك کان عن کيفية الرد علي المخالفين، و الجواب هو:
إن مفهوم سؤالك هو أن الرد علي المخالفين أمر لا بد منه. وهذا لا يستقيم إلا إذا کان الامام رحمه الله معصوما من الخطأ، و لا أظن أن هذا هو رأيك فيه، و کن علي يقين بأن الامام لم يعتبر نفسه معصوما. و عدم المعصومية يعني بالضرورة جواز وجود الاخطاء في آرائه،و بالتالي يجوز أن يکون قوله في هذه المسألة غير صحيح.
إن کان المخالفون علي الحق، فلا لطالب الحق إلا ترك ما يقوله الامام ابن تيميه و الاخذ بما يقوله المخالفون، و إن کانوا علي الباطل فالدفاع عن قول الامام واجب کل مسلم و ليس بعضهم فقط.
و لکن کيف نعرف بأن الامام علي الحق أو علي الباطل؟ الجواب هو: يمکن معرفة ذلك بأن نقرأ و ندرس و نفهم الادلة التي إعتمد عليها الامام في إثبات قوله بحوادث لا أول لها، و الادلة التي إعتمد عليها المخالفون في الرد علي قول الامام، ثم نقارن أدلته بأدلة مخالفيه لنصل الي نتيجة مرضية في المسألة. و هذا العمل يحتاج أولا و قبل کل شئ الي التجرد من العاطفتين اللتين تمنعان الانسان من الرؤية الصحيحة و الفهم الصحيح، أي الحب و الکراهية. حب الذات وحب الغير و المجموعة، و الکراهية للمخالف. أظن أن عملا کهذا ليس بسهل، علي الاقل علي کثير من الناس، و لکن إن لم نفعل ذلك، النتيجة سوف تکون أصعب بکثير. هذا الکلام يشمل الکل، أنا و أنت وهو و هم و کل إنسان. فإذا فعلنا ما لا بد منه للوصول إلي الرأي الصحيح، نتبع ما وصلنا إليه بغض النظر عن قائله، و نسأل الله المغفرة لصاحب الرأي الغير الصحيح وندعو لکل الاطراف بالخير.
و السلام عليکم و رحمة الله
ـ[حامد الداني]ــــــــ[01 - 09 - 05, 02:19 م]ـ
الادلة
قبل ذکر أدلة الطرفين، أي الذين يقولون بحوادث لا أول لها و المخالفين لهم، أريد أن أشير إلي نقطة مهمة جدا، علي الاقل في نظري، حول الاستاذ عبدالله الغصن، کاتب کتاب"دعاوي المناوئين لشيخ الاسلام ابن تيمية".و هذه النقطة هي:
يقول د. الغصن في المطلب الثاني "المنهج العام للمناوئين" ص65 ما نصه:
2 - التلبيس و التضليل: و هذا نوع آخر من أنواع الکذب و التزوير علي ابن تيميه رحمه الله يستخدمه خصومه و صورته: أن يتحدث المخالف لعقيدة السلف في مسألة من المسائل المبتدعة، ثم يستشهد لنصرة ما يقوله و يقرره من الابتداع بکلام شيخ الاسلام فيظن الناظر أن ابن تيميه يقول بهذا القول و لا يظهر هذا التلبيس إلا عند التحقيق، و ذلك بالرجوع الي النص في الکتاب الاصلي ليجد الناظر أن المخالف قد اجتزأ النص و بتره، .... أنتهي.
هذا الشيخ، أي الغصن، يذم المناوئين الذين يزورون الکلام و يجتزئون النص و يبترونه، وحقه أن يذمهم، لأن الذين يعملون هذه الاعمال يستحقون الذم وأن يسميهم بالکذابين و المزورين. هؤلاء يقومون بهذه الاعمال لضعف رأيهم و عدم وجود أدلة لديهم علي ما يقولون به. هذا کله صحيح، ولکن العجب أن يقوم د. الغصن بما يذم المناوئين عليه، علما بأنني الي هذه اللحظة من حياتي ما رأيت من المخالفين للامام ابن تيميه ما د. الغصن يتهمهم به. لا أقول لا يوجد أناس بينهم بهذه الصفة و لکن أقول: أنا ما رأيت الي الان. الاستاذ الغصن يتهم الناس بأنهم يجتزئون النص و هو متلبس بنفس الجريمة.
يقول في کتابه ص244 ما نصه: {و قال آخر: (ابن تيميه قد أخذ هذه المسألة- أعني قوله بقدم نوع العالم-عن متأخري الفلاسفة، لأنه أشتغل بالفلسفة)}.
د. الغصن بتر" ثلاث کلمات" فقط لا غيرها من النص، و هذه الکلمات هي"کما قال الذهبي"، أي النص هو هکذا: (ابن تيميه قد أخذ ..................... لأنه أشتغل بالفلسفة کما قال الذهبي).ربما يقال: يمکن د. الغصن لم يکن متأکدا من أن الامام الذهبي قال ذلك، لذلك لم ينقل هذه الکلمات الثلاثة. الجواب هو: کيف أخذ الدکتوراه علي هذه الرسالة"الکتاب" و لا يعرف ما قال الامام الحافظ الذهبي عن الامام ابن تيميه؟ و من جهة أخري کان من واجبه أن يتأکد من قول هذا الشخص، فإن لم يقل الذهبي بذلك يبين للناس أنه لم يقل ما يدعيه هذا الکاتب و أنه يکذب علي الذهبي، أو يترك القول کله،بدل أن يجعل من القول، بعد حذفه الکلمات الثلاثة، دليلا علي أن کاتب العبارة من المناوئين أصحاب الدعاوي الکاذبة. و لکن أليس عجيبا أن يفعل د. الغصن ما يفعله هؤلاء الناس الذين يذمهم؟ و أعجب من ذلك هو: أن هؤلاء الناس لم يعملوا ما عمله د. الغصن، أي ما بتروا شيئا من النصوص، أي أنه أتهمهم بجريمة لم يرتکبوها، و إنما هو أرتکبها.
و في ص243 من کتابه يقول د. الغصن ما نصه: {و قال آخر عن ابن تيميه رحمه الله: (أنه أثبت قدم الزمان)}. و قد راجعت کتاب هذا الاخر و قرأت الصفحة التي يشير إليها د. الغصن وست صفحات قبلها و ست صفحات بعدها و لکنني لم أر القول بأن "ابن تيميه أثبت قدم الزمان".هذا مثالين من دعاوي الدکتور، في الوقت الذي يتهم الناس بأنهم أصحاب دعاوي کاذبة.کيف يکون بإمکان القارئ أن يثق بکتابه بعد أن يري ذلك؟ هذا بمثابة دليل علي أن کل ما جاء في الکتاب مشکوك فيه،و دليل علي ضعف فکرة"حوادث لا أول لها"، لانها جزء من الکتاب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/269)
ـ[حامد الداني]ــــــــ[01 - 09 - 05, 02:31 م]ـ
دليل آخر
يقول د. الغصن في مقدمة کتابه ص3 ما نصه: (و کان من قدر الله و توفيقه أن يبعث علي رأس کل قرن من يجدد لهذه الامة دينها، کما جاء في الحديث الصحيح"الحديث" .......... و من هؤلاء الاعلام المجددين: العلامة المجاهد شيخ الاسلام تقي الدين بن تيميه).أ نتهي. هذا يعني أن الاستاذ الغصن أختار الامام ابن تيميه بأنه هو المعني بالحديث، و هو مجدد الدين الذي کان من قدر الله أن يبعثه في نهاية القرن السابع الهجري. و من المعلوم أنه کان هناك کثير من العلماء الکبار في النصف الاخير من القرن السابع. فإن کان بإمکان د. الغصن أن يختار بينهم مجدد القرن، فلابد من إمتلاکه ميزانا و مقياسا ليمکنه من الاختيار الصحيح. فهل د. الغصن يملك هذا الميزان و المقياس؟ ليس هناك أکثر من جوابين:
1 - لا، لا يملك الدکتور الميزان المطلوب لهذا الغرض. فيقال له: هذا يعني أنه هناك إحتمال بأن يکون إختيارك غير صحيح. و إذا کانت النتيجة مشکوك فيها، فلا يبقي معني لقولك بأن الامام هو مجدد القرن، فکيف تأکد علي قولك کل هذا التأکيد؟
2 - نعم، يملك الدکتور الميزان المطلوب لاختيار المجدد. فيقال له: سلمنا لك بأن الامام ابن تيميه هو مجدد القرن لوجود الميزان معك. في هذه الحالة نطلب منك أن تختارللمسلمين المجددين الذين بعثوا علي رأس القرن السادس و الخامس والرابع و الثالث بأستعمال نفس الميزان المستعمل في إختيار الامام ابن تيميه. و بعد الاختيار نرجع الي کتبهم لنري، هل يقولون بحوادث لا أول لها أم لا؟ فإن لم يقولوا بها، و هذا هو الواقع، فلا قيمة لفکرة"حوادث لا أول لها" لأن النتيجة تکون من باب تعارض کلام المجددين في مسألة واحدة، و هذا لن يحصل لأن دين الاسلام دين واحد. و هذه المسألة ليست من المسائل الاجتهادية. ولو کان من المسائل الاجتهادية لما کان من حق الامام ابن تيميه أن يضلل و يبدع الذين لا يقولون بها. و ليس من حقك، أي الدکتور، أن تستعمل کلمات جارحة لوصف الذين لا يقولون بما تقول، لأن أکثر المجددون مع الذين لا يقولون بحوادث لا أول لها، و هم ليسوا معك. و هکذا يسقط کلامه.
ـ[حامد الداني]ــــــــ[01 - 09 - 05, 10:04 م]ـ
من هم "هم"
ـ[حامد الداني]ــــــــ[01 - 09 - 05, 10:20 م]ـ
من هم "هم"
تقول النساء العجائز في بلدنا: عندما يتکلم الانسان عن الجن، يجب ألا يذکر إسمهم، أي لا يذکر کلمة "الجن"، و إنما يجب أن يقول "هم" فقط،لأنه إن ذکر إسمهم سيحضرون فيضربونه فيجننونه.
الذين يقولون بحوادث لا أول لها يعملون بوصية تلك النساء العجائز عندما يستشهدون بکلام العلماء الذين عاشوا قبلهم. يقولون: أکثر العلماء يقولون بذلك، أو أکثر أهل الحديث ...... ،جمهور العقلاء ... ،أکثر السلف ..... ،الصحابة و التابعين ..... ،جمهور السلف ...... ،و كثير من العلماء .... ،أئمة أهل الحديث ...... ،أئمة الملل ..... الخ يقولون بذلك، أي بحوادث لا أول لها. و لا يذکرون أسمائهم أبدا لأنهم يعرفون إن ذکروا الاسماء سوف يحضر صاحب الاسم مع کتبه و يضربهم فيجننهم.
لماذا لا يذکرون الاسماء؟ فليذکروا الاسماء ليتعلم الناس دينهم. إخفاء العلم غير جائز. فليأتوا بإسم عشرين عالما من عصر الصحابة الي نهاية القرن السابع الهجري. علما بأن عشرين عالما عدد قليل جدا بين آلاف العلماء. بل إن أتوا بأسماء خمسين بالمائة من العلماء يکون العدد قليلا، لأنهم يدعون بأن وجود حوادث لا أول لها حقيقة واضحة وضوح الشمس. فأما کلامهم هذا غير صحيح و أما الإتيان بأسماء مئات من العلماء قليل. مع هذا جماهير المسلمين يرضون منهم بذکر أسماء خمسة عشر عالما فقط. و نحن منتظرون
ـ[حامد الداني]ــــــــ[03 - 09 - 05, 02:47 م]ـ
الدليل المتناقض
يقول د. الغصن في کتابه "دعاوي المناوئين" ص198 نقلا من"کتاب درء التعارض" ما نصه:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/270)
(القول الثالث: أن المؤثر التام يستلزم وجود أثره عقبه،لا معه في الزمان، ولا متراخيا عنه، وهذا قول أهل السنة إستنادا الي قولهم بجواز تسلسل الحوادث في الماضي، لکنهم لا يقولون بقدم شئ من المحدثات المخلوقات. و قد أستدلوا بقول الله عز و جل"إنما قولنا لشئ ..... الآية"،فيلزم حدوث کل ما سوي الله،لأنه مسبوق بوجود التأثير، ليس زمنه زمن التأثير کما تقول الفلاسفة، و لا متراخيا عنه بحيث يعطل الرب من الفعل فترة کما تقوله المتکلمة، و لهذا يقال طلقت المرأة فطلقت و أعتقت العبد فعتق و کسرت الاناء فأنکسر، فالطلاق والعتق و الانکسارعقب التطليق و العتق و الکسر).أنتهي کلام الامام ابن تيميه. و القول الان للغصن، نقلا من شرح الطحاوية لإبن أبي العز کما يقول د. الغصن: (و بعد هذه الجولة السريعة في مبحث التسلسل: يتبين لنا أن التسلسل عند أهل السنة و الجماعة ينقسم إلي ثلاثة أقسام:
التسلسل الواجب فهو: ما دل عليه العقل و الشرع من دوام أفعال الله تعالي في الأبد، و أنه کلما أنقضي لأهل الجنة نعيم أحدث لهم نعيما آخر لا نفاد له، و كذلك عذاب أهل النار. و کذلك التسلسل في أفعاله -سبحانه - من جهة الاولية و الازل، و أن کل فعل له -سبحانه - فهو مسبوق بفعل آخر قبله.
التسلسل الممکن: فهو في مفعولاته في طرف الازل کما تتسلسل في طرف الابد، فإن الله إذا لم يزل حيا قادرا مريدا متکلما، و ذلك من لوازم ذاته، فالفعل ممکن له بوجوب هذه الصفات له).أنتهي. أولا: کلامه، أن القارئ بعد هذه الجولة السريعة في مبحث التسلسل يتبين له أنه ينقسم الي ثلاثة أقسام، غير صحيح. أما بالنسبة لي فلم يتبين ما تبين له. و ثانيا أقول:
إن ابن تيميه يقول بأن المؤثر التام يستلزم وجود أثره عقبه مباشرة، التطليق عقب الطلاق و الانکسار عقب الکسر مباشرة. فإن کان الفعل"التطليق و الکسر" واجبا کان المفعول"الطلاق و الإنکسار" واجب الوقوع. و إن کان الفعل"التطليق و الکسر" جائزا کان المفعول جائزا. أي يستحيل تقسيم التسلسل إلي واجب في الفعل و جائز في المفعول. هذا کلام ابن تيميه. و لکن لاحظوا ماذا يقول هذا الرجل، أي الغصن، بعد نقل کلام الامام و الذي معناه واضح جدا. يقول أن التسلسل ينقسم الي واجب و جائز. هذا تناقض، ومن جهة أخري يتبين أنهم لا يتبعون إمامهم. و لو أنا و أنت قلنا: لا نتبع الامام ابن تيميه في هذا القول أو ذاك، للقبونا بالمبتدع و الجهمي و المعطل .... الخ. حسبنا الله و نعم الوکيل. و الان أنظروا کيف يتخبط تخبط الاعمي عندما يريد أن يوضح التسلسل الواجب بمثال نعيم أهل الجنة:
( .... دوام أفعال الله في الابد، کلما أنقضي لاهل الجنة نعيم أحدث لهم نعيما آخر). لاحظوا کلمة"نعيم" هي علي وزن فعيل مثل قتيل، و هذا من المفعولات و ليس من الافعال. هنا جعل المفعول واجبا. هذا ما لا يقولون به هؤلاء، و إنما يصرون علي أن المفعول جائز و التسلسل في المفعول جائز. و إن قيل: د. الغصن يقول بأن إحداث النعيم واجب و "الإحداث" فعل الله. الجواب هو: دخول النعيم في الوجود يتبع "الإحداث" حتما کما يقول إمامه ابن تيميه.و ليس لهؤلاء الخروج من هذا التناقض إلا بترك تقسيم التسلسل الي واجب و جائز. فإن لم يفعلوا فليهنؤا بهذا التناقض في إعتقادهم. ثم يقول الغصن: (و کذلك التسلسل في أفعاله -سبحانه -من جهة الاولية ..... الخ). لاحظوا: أنه لم يأت و لا بمثال واحد، علما بأن افعال الله من جهة الاولية، و بالتالي مفعولاته هي موضوع هذا الفصل من کتابه. لأنه لا و لن يتمکن من أن يأتي بمثال واحد.
و قوله عن التسلسل الممکن بأنه هو في مفعولات الله قول ساقط لا ينخدع به أحد، بعد أن جعل المفعول"نعيم أهل الجنة" واجبا بذکره له في القسم الواجب من التسلسل، و بأستشهاده بکلام الامام ابن تيميه المذکور أعلاه. هؤلاء الکتاب لا يشرحون أنواع التسلسل لأنهم يعرفون التناقض الذي يقعون فيه. و هذا ما حصل لکاتبنا في أول خطوة عندما أراد أن يأتي بمثال عن الفعل و المفعول. لاحظوا أيضا إستشهاده بکلام الامام ابن تيميه قبل أن يتکلم عن أنواع التسلسل، و لکن عند وصوله الي أنواعه إستشهد بکلام ابن أبي العز. لماذا؟ لأن الامام ابن تيميه لم يقل بتقسيم التسلسل، حسب إعتقادي، و إلا من المستحيل أن يأتي بکلام شخص آخر و يترك کلام الامام، خصوصا و کتابه کله هو عن ابن تيميه. هذا لا يعني بأنه لو کان هذا التقسيم للتسلسل الي واجب و جائز من الامام ابن تيميه قبلناه، کلا، لا يقبل هذا التخبط من أي إنسان. أنا، بالنسبة لي، لا أقبله حتي من والدي.
دليلهم هذا کان منتفخا من التناقض، فلا عجب أنه أنفجر في وجوههم. و لو لم يکن هناك دليل واحد علي بطول القول بحوادث لا أول لها إلا تناقضهم هذا لکان کافيا. و هؤلاء الکتاب و الدکاترة يدرکون ذلك تمام الإدراك، لذلك لا يشرحونه. أنا فعلت عکس ما فعلوا في مداخلاتي، و بالله التوفيق.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/271)
ـ[حامد الداني]ــــــــ[05 - 09 - 05, 02:41 م]ـ
الدليل العقيم
دليلهم الذي هو فانوسهم السحري هو هذا السؤال:
هل کان بإمکان الله أن يخلق مخلوقا في الازل؟ إن قلت نعم، فأنت قائل بحوادث لا أول لها، و إن قلت لا فأنت معطل.
هذا السؤال يشبه سؤال إنسان جالس في ليلة مقمرة و القمر بدر، و ينور الارض بضيائه. و صاحبنا لا يعرف إلا المصابيح الکهربائية، لذلك يسأل صديقه الذي يجلس بجانبه: من أين تأتي الاسلاك الکهربائية التي تمد القمر بالکهرباء؟ و کم کيلوواط يصرف القمر من القوة الکهربائية في الليلة الواحدة؟
سؤال کهذا لا يمکن الجواب عليه إلا بأن تشرح للسائل بأن سؤاله خطأ و تبين له لماذا سؤاله خطأ. يجب أن تشرح له المسألة بالتفصيل لکي يفهم، لأن السؤال دليل علي قلة علمه بالقمر و ضيائه.
أولا: هذا السائل و کأنه لا يعرف معني الازل. الازل يعني عدم الاولية، لا أکثر و لا أقل. و الازلي يعني: الغير مسبوق بعدم أو بغيره من الاشياء، لا أکثر و لا أقل. هناك أزلي واحد، وهو الله سبحانه و تعالي. لايوجد أزلي اخر، لا زمان و لا مکان و لاشئ. ربما أصحاب السؤال يقولون الآن: کلنا نعرف أن الزمان و المکان و الاشياء کلها مخلوقة. أقول نعم، هذا کلامك بلسانك فقط، و لکن خيالك و وهمك يثبتان زمان لا بداية له، لذلك سألت سؤالك العقيم. و لو تخلصت تماما من الزمان لما سألت هذا السؤال أبدا. الانسان يولد و يعيش و يموت في الزمان، لذلك يصعب عليه التخلص منه. الانسان لا يعرف حادثا إلا و قبله حادث آخر، لا يعرف وجودا إلا و له قبل"قبل زماني". لذلك لا يتصور وجودا إلا مع قبل. فيسأل دائما: و ماذا کان قبل ذلك؟ الجواب هو: لا يوجد"قبل"، أي ليس لوجود أول مخلوق"قبل"بمعني الزمان، إنما قبله هو بداية وجوده فقط.
السؤال العقيم يشبه إيضا سؤال بهذا الشکل: هل بإمکان إمرأة أن تولد ولدا يکون عمره نفس عمرها؟ و الجواب واضح. معني السؤال هو: هل کان بإمکان الله أن يخلق مخلوقا يکون أزليا کما أن الله سبحانه أزلي؟ هذا يعني: هل کان بإمکان الله سبحانه أن يخلق مخلوقا لا يکون مخلوقا؟ و هذا تناقض واضح، لأن المخلوق يعني مخلوق، و المخلوق هو الغير أزلي، والمخلوق يعني المسبوق بغيره. هذا السؤال ليس من کلام ابن تيميه،کما أعتقد، و إنما من إختراعات الاساتذة و الدکاترة المعاصرين الذين شوهوا سمعة إمامهم، و کأنه هو سبب فشلهم في فهم المسائل الفقهية و الکلامية و الفلسفية ..... الخ.
و يمکن أن يترجم السؤال العقيم بهذا الشکل: هل کان بإمکان الله أن يخلق مخلوقا في الازل لا يکون أول مخلوق؟ الجواب هو: هذا السؤال أيضا يعني: هل کان بإمکان الله سبحانه أن يخلق مخلوقا لا يکون مخلوقا؟ لأن "في الازل" يعني في"عدم الاولية"، و الاول هو الله وحده و لا أول غيره. و هنا أيضا التناقض واضح. يمکن صياغة السؤال صياغات أخري أيضا، و لکن هذا يکفي.
و يمکن معارضة السؤال العقيم بسؤال آخر و يقال:أنت لا تقول بوجود مخلوق هو أول مخلوق، فهل کان بإمکان الله أن يخلق مخلوقا يکون أول مخلوق؟ فإن قال لا، فهو معطل، و إن قال نعم، أصبح يجيز ما لا يجيزه الامام ابن تيميه. لأن د. الغصن يقول في کتابه "دعاوي ... "ص195،أن الامام يقول: {و يلزم من قول المتکلمين لوازم فاسدة،منها:2 - وصف الله بالعجز و التعطل عن الفعل مدة لا تقاس بها مدة فاعليته، و هذا نقص يجب تنزيه الله منه}.أنتهي. إن الذي يقول بحوادث لا أول لها هربا من تعطيل صفة"الخلق"، يوقع نفسه في أحضان تعطيل صفة"الاختيار" و لا يفيده بعد ذلك أن يقول: أن لفظ"الموجب بالذات" لفظ مجمل، ثم يقسمه الي أقسام و يختار منها قسما و يقول بأن الموجب بالذات بهذا المعني لا يخالف القول:"ما شاء کان و ما لم يشأ لم يکن"، لأن الموجب بالذات بهذا المعني هو "الفاعل بالاختيار".إن کان الامر کما يقول ما کان هناك داع لهذه العملية الشاقة، لأن اللغويون وضعوا کلمة"الفاعل بالاختيار" لمعني"ما شاء کان ..... الخ." و الفاعل بالاختيار هو الذي بإمکانه أن يختار الفعل أو أن يختار عدم الفعل. الذي لا يمکنه إلا إختيار الفعل هو موجب بالذات، و ليس فاعلا بالاختيار.
و يمکن معارضة السؤال بسؤال آخر و هو: بما أنك لا تقول بوجود مخلوق يسمي أول مخلوق، فهل کان بإمکان الله سبحانه ألا يخلق شيئا، و يبقي وحده أزلا و أبدا؟ فإن قال لا فهو معطل، و إن قال نعم، أجاز ما لا يرضي به الامام ابن تيميه.کلام الامام (و هذا نقص يجب تنزيه الله منه) غير مفهوم، علي الاقل بالنسبة لي، لأن: إن کان خلق المخلوقات کمال و عدمه نقص، فأي نوع أو عدد من المخلوقات يکون کمالا؟ هل يکفي خلق أي مخلوق لا علي الاطلاق لکي يکون کمالا؟ فمثلا: هل يکفي کاتبا أن يکون کاملا ککاتب أن يکتب مجموعة خطوط کما يکتب طفل صغير علي ورقة؟ أليس هناك فرق بالنسبة لکمال الکاتب أن يکتب رواية عالي المستوي جدا أو أن يکتب جملة مفيدة واحدة فقط؟ هذا ليس إعتقاد عامة المسلمين. هم، أي عامة المسلمون، يقولون بأن الله سبحانه و تعالي کان خالقا قبل أن يخلق، و بعد الخلق لم يزدد صفة. و هکذا بالنسبة لجميع صفاته.الله سبحانه کان متصفا بکل صفات الکمال قبل خلق المخلوقات. هذا هو إعتقاد جماهير المسلمين، علماء و عواما.
و السلام عليکم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/272)
ـ[حامد الداني]ــــــــ[05 - 09 - 05, 09:46 م]ـ
الأخ حامد الداني، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المسألة أخي الكريم هي أن الله سبحانه لازال فاعلاً، والفعل يلزم منه مفعول.
مثلاً: الله سبحانه لم يزل متصفاً بأنه يخلُق من العدم، لم تكن ثمة فترة لم يكن الله متصفاً فيها بهذه الصفة، بما في ذلك الأزل، فليس هناك مانع من أن يكون سبحانه قد خلق من العدم خلقاً منذ مليون سنة أو مليار سنة .... إلى أن نقول: ليس هناك مانع من أن يكون الله سبحانه قد خلق خلقاً من العدم في الأزل.
وأما علاقة الزمان بهذه المسألة، فالزمان نفسه خلقه الله من العدم، كما أنه من أكثر الأمور نسبية، فلا يصح أن نخضع فهمنا لهذه المسألة لتصورنا عن الزمان.
هذا فهمي للمسألة، والله أعلم.
الاخ هيثم حمدان ... السلام عليکم و رحمة الله
مشارکتك المکتوبة أعلاه تدل علي فهمك و تفکيرك العميق. لذلك أخترتك لکي أسألك سؤالا. کما ذکرت أنا في جوابي علي مشارکتك هذه، أقول أن قولي في الزمن هو: أن الزمن خلق مع خلق المادة أو مع خلق أول مخلوق. هذا القول هو قول علماء الفيزياء في العصر الحديث. إسحق نيوتن کان يؤمن بالزمان المطلق، و لکن أنشتاين هدم هذا الاعتقاد و أثبت أن الزمن شئ نسبي، و هو البعد الرابع للمادة، بعد الطول و العرض و الارتفاع. و أنت أيضا قلت أنه مخلوق و نسبي.
سؤالي هو: هل رأيك في خلق الزمان و نسبيته هو نفس ما يقوله أنشتاين أم لديك فکرة أخري؟ إن کانت هناك فکرة أخري، أرجو أن تفيدني بها. و إن لم يکن هناك إلا ما يقوله أنشتاين، فنحن متفقان.
و جزاك الله خيرا
ـ[حامد الداني]ــــــــ[07 - 09 - 05, 02:33 م]ـ
الاخ هيثم، السلام عليکم
أرجو أن تسامحني إن کان في توجيه السؤال لك إحراج لك، خصوصا أن السؤال ليس بالسؤال السهل. و لكن في نفس الوقت أرجو منك أن تعذرني، لأنني لم أسألك إلا عما أنت ذکرته في مشارکتك، أي مسألة خلق الزمن و نسبيته، و کنت مستفسرا فقط.
جزاك الله خيرا
ـ[حامد الداني]ــــــــ[07 - 09 - 05, 02:44 م]ـ
دليل آخر لهم في المسألة
يقول د. الغصن في کتابه "دعاوي المناوئين" ص230 نقلا من کتاب"الصفدية" للامام ابن تيميه ما نصه:
(إن الثابت أن المصطفي صلي الله عليه و سلم أنه قال"کان الله و لم يکن شئ قبله " کما سبق بيانه)
و يقول الامام ابن قيم في نونيته ما نصه:
و الله سابق کل شئ ما - ربنا و الخلق مقترنان
و الله کان و ليس شئ غيره - لسنا نقول کما قال اليوناني
يقول ابن القيم:کان الله قبل کل شئ و کان الله و لا شئ غيره، و هذا نفس الحديث:"کان الله و لم يکن شئ غيره ". إن کان للامام ابن تيميه ثلاثة أصدقاء کإبن القيم فلا يحتاج الاعداء أبدا.
أنظروا الي هذا التلميذ کيف يهدم ما فعل إمامه المستحيل ليبنيه. إن الامام ابن تيميه عمل ما لم يعمله عالم حديث قبله لکي يرجح رواية "کان الله و لم يکن شئ قبله " علي رواية " کان الله ولم يکن شئ غيره"،و تلميذه البار يعاکسه و يقول بما لا يقول به شيخه. ليس هذا فقط، و إنما ينا قض نفسه أيضا لأنه في مکان آخر من نونيته يقول:
و الأمر و التکوين وصف کماله - ما فقد ذا و وجوده سيان
و تخلف التأثير بعد تمام موجبه - محال ليس في الأمکان
أي القولين يختار المريد المحب المسکين؟ أية رواية من الروايتين يختار؟
رواية"کان الله ولم يکن شئ قبله " کما يقول الشيخ، أم رواية"کان الله ولم يکن شئ غيره " کما يقول تلميذه؟
أليس الاسلم و الافضل و الاحسن أن يأخذ بما يقوله علماء آخرون، مثل الامام الحافظ ابن حجر و کل علماء الحديث أيضا، عملا بالحديث الشريف: (دع ما يريبك الي ما لا يريبك)؟
کل من يؤمن بوجود حوادث لا اول لها واقع في التناقض. کل واحد يناقض الثاني و يناقض نفسه أيضا. أللهم أرنا الحق حقا و أرزقنا إتباعه و أرنا الباطل باطلا و أرزقنا إجتنابه، آمين.
و السلام عليکم
ـ[حامد الداني]ــــــــ[07 - 09 - 05, 05:48 م]ـ
دليل آخر لهم
منبع العقيدة و القناع الممزق
يقول د. الغصن في کتابه "دعاوي المناوئين"ص247 ما نصه:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/273)
(و أما إستشناع إبن حجر رحمه الله کلام شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله فلأنه رحمه الله لم يکن متخصصا في دقائق المسائل العقدية، فقد کان جل إشتغاله بعلم الحديث و علم الرجال، و إلا فإن هذا هو مذهب أهل الکلام من الجهمية و المعتزلة و الاشعرية من أهل البدع القائلين بإمتناع حوادث لا أول لها).أنتهي
أنا أسأل القارئ الکريم أن يقرأ الفقرة المکتوبة أعلاه بدقة و يفکر و يسأل نفسه: ما هو منبع و مصدر عقيدة المسلمين؟ أليس هو القرآن و الحديث؟ إن کان الامام الحافظ ابن حجر متخصصا في علم الحديث، و أنه کان متخصصا أيضا في علوم القرآن کما هو معلوم للجميع. فکيف يقول هذا الرجل، أن الامام الحافظ لم يکن متخصصا في دقائق المسائل العقدية؟ هل هذا الرجل يعني و يعي ما يقول؟ إذا الامام ابن حجر کان جل إشتغاله بعلم الحديث و علم الرجال، فکيف لا يعرف مسائل العقيدة؟ کيف نفهم أن عالما ربانيا، بإعتراف الجميع، عارفا بعلم الحديث و علوم القرآن، و هما المصدران لعقيدة المسلمين، ليس عنده عقيدة صحيحة؟ کيف نفهم أن عالما کهذا عقيدته هي عقيدة أهل البدع من الجهمية و ... ؟ ما هو مصدر العقيدة الصحيحة إذن؟ هل هو کلام شرذمة من الفلاسفة؟ هل هو أفکار متناقضة لبعض التائهين هنا و هناك؟ إن کان هذان المصدران الاخيران هما مصدر إعتقاد د. الغصن، فليهنأ بهما ألف مرة، و ليهنأ بهما آلاف المرات.
و أما جماهير المسلمين في کل العصور فقد أختاروا و سوف يختارون الي يوم القيامة إنشاء الله عقيدة الامام الحافظ ابن حجر رحمه الله.
حقا لا يمکن لأحد أن يمثل لمدة طويلة، و لابد أن يسقط قناعه، و خصوصا إذا لم يکن ممثلا أصلا. هذا الرجل يعترف دون أن يشعر بأن القول بحوادث لا أول لها غير موجود في الحديث، و إنما هناك مصادر أخري لهذا القول الشاذ و الغريب علي المسلمين. و المصادر هي أقوال الفلاسفة لا أکثر.
إذا کان الامام الحافظ ابن حجر رحمه الله لا يقول بقولکم، و هو أعلم بالحديث من کلکم، فقوله يکفي أن يکون أساسا لعقيدة المسلمين. و الذي لا يرضي بقوله فليختار ما يناسبه من المصادر لعقيدته. و إذا کان کل من لا يقول بحوادث لا أول لها من المبتدعة، فأنا أبشر هذا الرجل بأن: آبائه و أجداده، و أمهاته و جداته، و أعمامه و أخواله، و أقربائه و أهل بيته، و جيرانه علي يمينه و يساره، و من أمامه و من خلفه، و أهل مدينته و بلده، و أهل البلدان حوالي بلده، لا يؤمنون بما يقول. فليجرب و ليسأل الناس عن هذا القول الشاذ و يسمع جوابهم. فإن کان له الجرأة علي أن يسمي کلهم بالمبتدعة، فلا أتعجب من تسميته لهم بالمبتدعة بعد ما عرفت و فهمت ما يقول في کتابه "دعاوي المناوئين". و حسبنا الله و نعم الوکيل.
ـ[أحمد نادر العسقلاني]ــــــــ[07 - 09 - 05, 06:43 م]ـ
أخي حامد دون الدخول في تفاصيل الموضوع لاني لست دارسا لما تقولون لكن أرى انه من التناقض أن تصف ابن تيمية بالامام ثم تقول ((حقا لا يمکن لأحد أن يمثل لمدة طويلة، و لابد أن يسقط قناعه، و خصوصا إذا لم يکن ممثلا أصلا)) اذا كنت تراه متقنعا فلا تقل اما أما أخوانك فانهم يرون الامام ابن حجر اماما و لكن أخطأ في مسائل لا أقصد مسألتكم تلك و لكن أخرى.
وفقنا الله و اياك(24/274)
من يفيدني حول النقض بالفعل والنقض بالترك
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[05 - 04 - 03, 07:24 م]ـ
الإخوة الأكارم.
هل فرق العلماء بين نقض الإسلام بالفعل ونقضه بالترك؟
أعني هل اشترطوا في النقض بالترك الإستحلال ولم يشترطوه في النقض بالفعل؟
جزاكم الله خيرا.
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[06 - 04 - 03, 12:55 م]ـ
أخي الأزهري ........ الترك فعل ..... و تصور معي أنني قلت لك: هذا الرجل وطئ المصحف بقدمه متعمدا، و هذا الرجل ترك اجلال الله .... هل ترى بينهم فرق؟ لا
و العلماء الذين كفّروا تارك الصلاة كفّروه بالترك، و في الحقيقة أن المسألة ليست منوطة بالفعل أو الترك و انما هي منوطة بزوال أصل الايمان من القلب، فالذي دهس المصحف لم يكفر بمجرد الفعل بل كفر لما دل عليه فعله من زوال أصل الايمان من قلبه ................
و ليست كل المسائل تحتاج الى استحلال حتى يكفر فاعلها، فمن وطئ المحف بقدمه مثلا لم يفعل ذلك مستحلا أصلا، بل فعله و هو يعلم أنه اهانة و لهذا فعله، و أيضا رجل يقول مثلا (اللعنة على خالق السماوات و الأرض) أو أنه سب الله تعالى بأي صيغة كانت، فهذا يكفر بمجرد السب لأن ما دل عليه ذات السب من الاهانة يكفي للدلالة على زوال أصل الايمان من قلبه، بخلاف بعض الأمور الأخرى كشرب الخمر مثلا أو الزنى، فان شرب الخمر لا يدل في ذاته على زوال أصل الايمان من القلب لأنه قد يفعله العاصي و يعتقده معصية، أما الأشياء التي تدل بذاتها على زوال أصل الايمان كالسب مثلا فانها لا يمكن وقوعها على وجه كونها معصية
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[06 - 04 - 03, 11:56 م]ـ
أخي الكريم أبا خالد العربي.
جزاك الله خير الجزاء.
وما سألت سؤالي فوق إلا بعد أن سمعت هذا الكلام من البعض.
بل ويزعم أن الدليل قائم عليه وأن ذلك هو مذهب الجماهير.
وأنا أعتقد أن الإستحلال لا يشترط في كل المكفرات كما قلت.
هذا أولا
.
أما ثانيا:
فقد استوقفني في كلامك قولك:
(فالذي دهس المصحف لم يكفر بمجرد الفعل بل كفر لما دل عليه فعله من زوال أصل الايمان من قلبه ........... ).
.
ثم قولك بعد ذلك:
(يكفر بمجرد السب لأن ما دل عليه ذات السب من الاهانة يكفي للدلالة على زوال أصل الايمان من قلبه).
.
أخي الكريم أين الضابط الذي تضبط به أن هذا الفعل مما يدل بنفسه أو لا يدل على زوال أصل الإيمان.
أعني لو أن معترضا اعترض عليك فقال:
لا بل السب لا يكفي للدلالة على زوال أصل الإيمان.
.
فما هو الأصل الذي سترده إليه؟.
لا يوجد يقينا.
.
لذلك فإن هذا الكلام لا يصح لذا قال شيخ الإسلام في الصارم ردا على هذا الكلام:
(وينبغي أن يعلم أن القول بأن كفر الساب إنما هو لاستحلاله السب زلة منكرة وهفوة عظيمة)
وقال في موضع آخر أنه يكون منافقا ظاهرا وباطنا سواء كان منا فقا قبل ذلك أم حصل له النفاق بنفس الفعل.
.
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[07 - 04 - 03, 12:00 ص]ـ
لذا تجد الفقهاء والعلماء قاطبة في كتب الفقه يقولون:
((من فعل كذا فقد كفر)).أو ارتد
وليس: ((فقد دل على كفره)) أو ما أشبه.
------------------------------------------------------
على كل حال أخي الكريم أنا وأنت متفقون على أن الإستحلال لا يشترط في كل عمل مكفر.
فقد يقوم الدليل على أن مجرد فعل كذا يكفر به فاعله كفرا ينقل عن الملة.
.
لكن ما زال سؤالي مطروحا ً
هل اشترط العلماء في الكفر بالترك الإستحلال؟
ولم يشترطوه في الكفر بالفعل؟
هل هذه القاعدة صحيحة أم لا؟؟
.
وأين كلام الأئمة في ذلك إن وجد؟؟
.
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[07 - 04 - 03, 07:25 م]ـ
العلماء لم يشترطوا ذلك وإن قلنا بأن الضابط هو الدلالة على زوال الأصل من القلب لظهرت المسألة لأنه لن يختلف الأمر حينئذ بين الرك و الفعل فقد يدل الترك على ما يدل عليه الفعل و لا أعظم مثال على ذلك من أن تارك التوحيد يسمى تاركا، بدليل أنهم ـ أو بعضهم ـ يكفر تارك الصلاة و إن لم يكن مستحل للترك، و علة تكفير تارك الصلاة هي دلالة تركه على زوال التعظيم لله تعالى من قلب تارك الصلاة ـ و التعظيم هو أحد أصول الايمان في القلب الذي بزواله يزول كل الايمان و يحكم بالكفر ـ و الدليل على أن الدلالة على زوال التعظيم هي علة الحكم بالكفر أن الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ لم يقل بمذهب الحنابلة و هو التكفير بالفرض الواحد، و إنما كفر التارك للصلاة تركا مطلقا و قال ما معناه / أنه من المحال أن يترك الرجل الصلاة تركا مطلقا و يكون في قلبه مثقال ذرة من إيمان و تعظيم لله تعالى .........................
أما الضابط لكون هذا الفعل المعين يخرج صاحبه من الملة أو لا يخرج، فهو دلالة الفعل نفسه بحيث لا يمكن أن نطلق على الفعل أنه معصية ـ أي سوى الكفر ـ فدلالته هي نفس الدلالة على كفر من يقول (كفرت بالرحمن الذي في السماء) ـ مثلا ـ فهذا القول لا يمكن أن نصفه بأنه معصية سوى الكفر ... وإذا تذكرت ما ذكرته لك من أن سبب الكفر ليس هو ذات الفعل و إنما هو ما دل عليه الفعل من زوال أصل الايمان علمت أنه من الممكن أن يدل أي فعل أو قول أخر غير المذكور على زوال أصل الايمان ....................
ومما يوضح لك مسألة التكفير بما دل عليه الفعل لا بذات الفعل أو القول هو أنك مثلا إذا رأيت أناس في بلد من البلدان عندهم أن وضع الشئ على الرأس يعد من الاهانة لذلك الشئ، فأمسك أحدهم المصحف ووضعه على رأسه فإنه يكفر ـ لا لذات الفعل ـ و إنما لما دل عليه الفعل من زوال الايمان، و بالنسبة لواقعنا فإننا نرى أن الشوام يطلقون لفظ الرب على الأب فيقول أحدهم لصاحبه (يلعن ربك)، و هي في ذات الوقت لوقيلت عندنا في مصر لكانت كفرا ..................
و بالنسبة لمعرفة التفصيل في مسألة أصل الايمان و فرعه، فلا أعلم لك أفضل و أيسر من كتاب [الايمان] لأبي القاسم عبيد بن سلاّم ـ طبعة المكتب الاسلامي ـ و تحقيق الألباني رحمه الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/275)
ـ[سابق1]ــــــــ[07 - 04 - 03, 11:24 م]ـ
قال شيخ الإسلام، والجهمية أو قال وغلاة المرجئة، يكفرون من سجد للصنم، ولكنهم يقولون: إنه كفر لدلالة سجوده على انتقاض اعتقاده.
ولو كانت المسألة، ما في القلب، لكان كثير من المشركين، الذين ما يعبدون أوثانهم إلا تقربا إلى الله زلفى = مسلمين!
وعلى التنزل، لو كان الأمر كذلك، لحُكم بإسلامهم ظاهرًا، ولم يكن لمطالبتهم بالإسلام معنى.
ولو كان ذلك لم يكن لعذر المكره وقلبه مطمئن بالإيمان خصوص، بل لقيل: كل من قلبه مطمئن بالإيمان، لا يكفر ولو لم يكره، إذ حصر المناط في القلب وما دل عليه.
ولو كان، لوسعت المكفرات جدا، فكثير من الأفعال التي تقع من المسلمين ظاهرًا، يمكن أن يُقال فيها، إنها لعدم التعظيم، أو قلته، مما لم يرد نص بالتكفير فيها.
بل يُقال:
إن من الكفر كفر القلب، بخلوه من التعظيم الذي هو أصل التوحيد، ونحوه، أو بوقوع شيء من النواقض فيه، مما يبديه اللسان، أو العمل وإن لم يأت النص على هذا العمل بأنه كفر.
ومن الكفر، كفر اللسان، ولو تلفظ بكلمة من الكفر، دون إكراه.
ومن الكفر كفر العمل، بفعل أو ترك، ولو كان بعض من لم يرتكب كفر العمل، أقل محبة لله وتعظيمًا ممن ارتكبه، لكفر الذي ارتكب كفر العمل دون الآخر.
فعلة تكفير تارك الصلاة، أنه لم يأت بعمل الإيمان، الذي لا إيمان إلا به، كما أن من امتنع عن النطق بالشهادة، وإن عمل بمقتضاها، كافر لأنه لم يأت باللفظ الذي لا إيمان إلا به.
تنبيه:
سبق أن كتبت جوابًا في المسألة، وأحببت أن أفرده ليكون أوسع للفائدة هنا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?s=&threadid=7399
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[08 - 04 - 03, 12:08 م]ـ
أخي (من أطاع الله) بارك الله فيك، لعلك لم تفهم كلامي، فأنا أتفق معك في المضمون تماما و إنما الخلاف كان في التعبير ليس أكثر، فأنا لا أفصل بين الفعل و ما دل عليه الفعل، بل أقول بأن من سجد للصنم كفر بمجرد سجوده للصنم، أي كفر بمجرد الفعل ... لماذا؟ لأنه لا يسجد لغير الله إلا كافر، أما التفصيل الذي أوردته أنا من أن الفعل دال على ما في القلب فهو فقط كان من باب التفصيل الأدق بعض الشئ لتوضيح المسألة لأخينا الأزهري .......
رجل قال: كفرت بالذي خلق السماوات و الأرض ..... نقول هذا كفر ـ أي حكمنا بكفره ـ بمجرد هذا القول .. فنقول / هذا القول المجرد وحده يكفي لتكفيره ........ ثم يمكننا أيضا أن نقول / لماذا يكفر بهذا القول المجرد؟ فتكون الاجابة / لأنها دلت على مراده
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[10 - 04 - 03, 02:56 ص]ـ
واضح أننا غير متفاهمين.
أخي أبا خالد.
سؤال واحد فقط
وأرجو أن تكون الإجابة مختصرة.
هل من الممكن أن يسب رجل النبي صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن فيحصل له الكفر ظاهرا وباطنا بسبب هذا السب أم لا؟
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[10 - 04 - 03, 06:50 م]ـ
نعم ... يحصل له الكفر
ـ[أسد السنة]ــــــــ[11 - 04 - 03, 05:55 م]ـ
الحبيب أبا خالد زاده الله علما:
لو أفدتنا بالإجابة على الأسئلة التالية:
السؤال الأول)
رجل قال عن نفسه " كفرت "
وهو يقصد الكفر بالطاغوت هل يكفر
السؤال الثاني)
رجل مسلم حكى لأصدقائه طرفة (نكته) في حق الله ليضحكهم
هل يكفر.
السؤال الثالث)
رجل ترك كل الواجبات وفعل كل المحرمات وهو ينطق بالشهادتين ويقول إنه مسلم.
هل يصدق فيما ادعاه أم أنه كافر.
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[11 - 04 - 03, 07:36 م]ـ
الحمد لله وحده ...
أخي الكريم أبا خالد.
جزاك الله خيرا على الرد.
أليس كلانا يقول أن:
الكفر قد حصل له بهذا السب حتى لو كان مؤمنا قبله؟
إذن ما فائدة للتنقيب عن دلالة هذا الفعل في قلبه؟
لا فائدة.
.
لما أراد بعض الفقهاء الذين تأثروا بالإرجاء في مسائل الإيمان الخروج من ورطة الإجماع المنعقد على أن الساب للنبي صلى الله عليه وسلم يكفر بنفس السب قالوا:
إنما كفر لدلالة السب على أنه استحله أولاً.
.
فإن كان هذا هو مقصدك حين قلت:
((فالذي دهس المصحف لم يكفر بمجرد الفعل بل كفر لما دل عليه فعله من زوال أصل الايمان من قلبه ........... ).
فهو خطأ بين واضح , لأن العلماء صرحوا في مواضع كثيرة فقالوا يكفر بنفس الفعل.
وهو خلاف عبارتك.
وانظر رد شيخ الإسلام على هؤلاء في الصارم من أربعة وجوه
وأن هذا لم يقل به أحد من الناس.
.
يتبع ....
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[11 - 04 - 03, 07:43 م]ـ
لذا أنا أخالفك وأقول:
يكفر بنفس الفعل
ولا حاجة لنا لأن نقول أنه كفر لدلالة ...... الخ
فهذا من مُدخَلات المرجئة.
.
فالكفر كما يكون بالإعتقاد فقط دون قول أو فعل.
فإنه يكون بالفعل فقط أو بالقول فقط.
.
يعني قد يكون الرجل مسلما فيحصل له الكفر فقط لنطقه بكلمة أو لقيامه بفعل.
.
هذا في الأقوال أو الأفعال التي قام الدليل على أن مجرد فعلها أو قولها يكون كفرا.
.
يتبع
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/276)
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[11 - 04 - 03, 07:57 م]ـ
إذن هناك نوعان من الذنوب.
الأول: قام الدليل على إثم فاعله فقط وهو درجات بين اللمم والكبائر.
فهذا ينقص من إيمان فاعله فقط , إلا أن يستحله فيكفر للإستحلال لا للفعل.
وأضداده شرط في كمال الإيمان.
.
.
الثاني: قام الدليل على أن فاعله يكفر بفعله (والقول فعل).
فهذا فاعله كافر مرتد عن دين الإسلام بنفس الفعل.
(بالطبع بعد تحقق الشروط وانتفاء الموانع عند الحكم على معين).
وأضداده شرط في صحة الإيمان.
------------------------------------.
والذي دعاني إلى السؤال الرئيس الذي افتتحت به الموضوع أن بعض إخواني أخبرني أن المنهج الصواب عند السلفيين في مسائل الإيمان أن:
كل عمل جاء الدليل على أن فعله كفر لا يشترط فيه الإستحلال.
وكل عمل قام الدليل على أن تركه كفر يشترط فيه الإستحلال.
.
فلا يزال سؤالي مطروحا على الأفاضل.
هل هذا الكلام صحيح.
وكيف نوثقه؟
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[11 - 04 - 03, 11:12 م]ـ
أخي (أسد) بدون تفاصيل و طرح صور تريد مني الإجابة عليها ....... إن كنت أنت على ما عليه الألباني ـ رحمه الله ـ فأنا كذلك، هكذا قد قصرت عليك الطريق دون الدخول الى مناقشة فروع على القواعد ...
أخي الأزهري نعم نحن نتفق في المضمون تماما و قد يكون الخلاف في التعبير فقط و إذا قرأت ما كتبته أنا للأخ لعلك تعرف ذلك ...... و لكن لا أخفيك سرا أنك أقلقتني، فأنا كل مرجعي في العقيدة هو شيخ حي (عين شمس) فهو أول من طلبت عليه، ثم تركته لشيئين: وقوعه كثيرا في أهل العلم، و الاختلاف في منهج الطلب فقد تركت منهجهم الضعيف ..... و ليس لأي سبب في العقيدة
و لكنك حقا أقلقتني أنت و أخوك الذي نقل كلام ابن تيمية، فهل ما قلته أنا فيه مشابهة بكلام المرجئة؟ أرجو الاجابة مع الانتباه الى ما سبق و قلته لكم من أننا نتفق في المضمون، و إنما أردت فقط أن أوضح الصورة بتفصيل أكثر .............
و أنبهك الى خطأ القول بأنه يكفر و إن كان مؤمنا قلبه، لأنه من المحال أن يكفر و هو مؤمن قلبه إلا في حالة واحدة ... (عند من يقولون أن الايمان هو التصديق فقط)
ـ[أسد السنة]ــــــــ[12 - 04 - 03, 12:55 ص]ـ
الحبيب السلفي:
ما شاء الله تبارك الله وفقك الله وزادك علماً، أنت على خير إن شاء الله.
الحبيب أبا خالد:
إن كنت على عقيدة إمام العصر فحيا هلا، أنعم وأكرم ولكن الخوف أن تكون فهمت بعض عبارات الإمام على غير الوجه الذي أراده فتزل قدم بعد ثبوتها كما فعل بعضهم فوقع في الإرجاء نسأل الله العافية.
أما سؤالك أيها الحبيب السلفي:
فقولهم:
كل عمل جاء الدليل على أن فعله كفر لا يشترط فيه الاستحلال.
قول قاصر لأننا نقول:
لا يشترط فيه الإستحلال ولا الجحود لأنه لا يخفاك أن بعضهم قال:
" ما يكفر به المسلم عند أهل السنَّة:
أولاً: الاعتقاد، جحوداً وتكذيباً.
أو ثانياً: الاستحلال تحريماً للحلال وتحليلاً للحرام. ا.هـ "
وهذا قول باطل لا شك في ذلك.
أما قولهم:
" وكل عمل قام الدليل على أن تركه كفر يشترط فيه الإستحلال."
فلا أدري ماذا أرادوا بهذا الضابط ونريد أن تذكر أمثلة على هذا الضابط ولا يحضرني الآن إلا مثالان:
الأول) الصلاة: والصحيح أنه لا يشترط الاستحلال في تركها لأنه قد قام الإجماع على أن تارك الصلاة كافر ولو كان معتقداً وجوبها، لكن من خالف واشترط الاستحلال فقوله من أقوال أهل السنة ما دام أنه يبني على أصولهم لأن هذا القول يتفق تماماً مع أصول المرجئة.
الثاني) الحكم بغير ما أنزل الله: والصحيح في هذه المسألة الخطيرة الكبيرة القول باشتراط الاستحلال أو الجحود وهذا قول إمامي العصر شيخنا الإمام ابن باز وشيخنا الإمام الألباني رحمهما الله.
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[12 - 04 - 03, 02:06 ص]ـ
تنبيه: يظهر من كلام إخواني أنهم يفهمون أني أقصد بدلالة ما في القلب أنه الاستحلال، و لا أريد هذا، و انما أريد ما هو أعم، فقد يكون الاستحلال، و قد يكون عدم التوقير، و قد يكون الرفض للانقياد و الطاعة، فالاستحلال هو فقط أحد أسباب الحكم بالتكفير، و كما سبق فإنه لا يشترط في كل المسائل أ ن يكون الفعل مستحلا.
أخي (أسد السنة) بارك الله فيك و زادك فضلا و علما و خيرا، و أعتذر إليك فقد ظننت أن كلامك إنما هو (شد) للبساط من تحت الأقدام، للوقوع في مهترات و مناقشات في فرعيات مشتهرة بين الناس، فأردت أن أغلق الموضوع، لأنني قد عانيت كثيرا من هذه المسائل حين أناقشها مع بعض تلاميذ من ذكرته سابقا حيث تجد أنك تتفق معه في المضمون و الماهية، ثم يختلف هو معك في ألفاظ لعله هو لا يدري معناها، فيكون الخصام و الشقاق منه إليك، و نحن في غنى عن ذلك.
ففي الحقيقة فإن قولي (فعله دل على ما في قلبه من ذهاب أصل الايمان) أقصد بأصل الايمان ما هو أعم من التصديق، فيشمل التصديق، و قبول الطاعة والاستعداد للانقياد، فلا يسب النبي إلا من كان قلبه لا يوقره .........
و على كل فإن هذا هو ما تلقيته في حي (عين شمس) بالقاهرة، فإن كان من يرى فيه خطأ فلينبهني على ذلك و جزاه الله خيرا، و خاصة أخي الأزهري، فهو أدرى بهذا الموضوع من غيره لكونه يعيش في مصر، و لعله يفهم ما أريد، و إن كان يريد أن ينصحني نصيحة ليس هذا مكانها فليرسلها إليّ في صندوق الرسائل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/277)
ـ[أسد السنة]ــــــــ[12 - 04 - 03, 04:31 م]ـ
الأخ أبا خالد ينبغي أن تحذر من ربط الكفر دائما بالاعتقاد لأن هذا إنما يجري على أصول المرجئة والجهمية.
أما أهل السنة فقد أجمعوا على أن الإيمان قول وفعل وهذا يعني أن الكفر كما يكون بالاعتقاد فكذلك يكون بالقول والفعل.
والقاعدة أن كل ما سماه الله ورسوله كفراً وكان من الكفر المخرج من الملة أو أجمعت على ذلك الأمة فهذا هو الكفر، مع التنبه إلى أن هنالك فرقاً بين الإطلاق والتعيين. لكن لا يهمنا هنا التفصيل فيما يتعلق بالمعين لأن الخلاف في الإطلاق وليس في التعيين.
وهذا هو قول شيخنا ناصر الدين الألباني رحمه الله ففي إجابة له على السؤال التالي " ما حكم الطواف بالقبور؟ "
قال " الطواف بالقبور شرك لا شك في ذلك ولا ريب … فإذا طاف الطائف حول القبر فمعنى ذلك أنه نقل عبادة هي لله وحده لا شريك له إلى ذاك المقبور … فمن وجه عبادة من العبادات التي تعبد بها الله عز وجل عباده إلى غيره عز وجل فقد اتخذه معه إله ".
قال سائل " هل نسأل الطائف هل يعتقد أم لا أم ظاهره أنه شرك "
قال رحمه الله " هذا سؤال حينما يراد إقامة الحد عليه لأنه بهذا العمل يرتد فإذا كان هناك من يقيم الحد أي القتل على المرتد حينذاك هذا الإنسان يؤتى به فيستتاب، لا يسأل تعتقد أو لا تعتقد لأن عمله برهان على عقيدته إنما يستتاب بعد أن تقام عليه الحجة، أن هذا الطواف هو لبيت الله فقط عبادة وخضوع لله كالسجود لا فرق فلو أن إنساناً سجد لشيخ له أو أمير له فهذا لا يسأل لماذا أنت تسجد وهل تعتقد أن هذا يستحق التعظيم لأن فعله يدل على التعظيم لكنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل "
ـ[مبارك]ــــــــ[12 - 04 - 03, 06:49 م]ـ
جزاك الله خير الجزاء ياأخي المفضال أسد السنة على هذا النقل الرائع لشيخنا إمام أهل الحديث أبي عبدالرحمن الألباني رحمه الله.
وبارك الله فيك وفي علمك ياأخي.
اشتقنا لك كثيراً، فلا تغيب عنا.
وجزء الله جميع من شارك في هذا الموضوع.
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[12 - 04 - 03, 09:14 م]ـ
أخي الكريم أبا خالد العربي.
قلقك في محله
والشيخ الذي تشير إليه زلت قدمه في الإرجاء زلة لا تحمد
أسأل الله أن يحفظك من الزلل.
وأقول لك:
أحسب أنني تجردت لدراسة المسألة التي حصل بسببها الفتنة التي تشير إليها
فوجدت كذبا وتدليسا وتراجعا عند من ذكرته.
.
أقول هذا من باب النصيحة وقد كان بودي أن ألتقي بك لأبرهن لك على كلامي.
لكن:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?s=&threadid=7512
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[12 - 04 - 03, 09:21 م]ـ
أخي الكريم الشيخ أسد السنة
ما رأيك لو قلت لك أن:
النفاق يثبت و (يزول) الإيمان (بمجرد الإعراض) عن حكم الرسول
و (إرادة) التحاكم إلى غيره
على الرغم من أن ذلك قد يكون سببه قوة الشهوة.
ما رأيك في هذا الكلام؟
أرجو منك سرعة الرد.
(لاحظ الرابط الذي وضعتُه لإبي خالد)
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[12 - 04 - 03, 11:56 م]ـ
أسأل الله تعالى أن يثبتك أخي الأزهري، و لعلي أعرف أو يظهر لي غالبا ذلك الباب من الفتنة الذي انفتح عليك، و لكن اثبت و استعن بالله وحده و لا تتعلق بغيره أبدا، و اعلم أن كل شدة فإنها ستزول بإذن الله تعالى، و قد كنت في شدة استمرت أكثر من شهر و لكنها مرت و الفضل لله وحده، فأيا كان نوع الشدة التي أسأل الله تعالى ألا تلقاها فإنها ستزول بإذن الله ................
أخي (أسد) بارك الله فيك على هذا النقل القيم، و لكن أرجو العزو إن استطعت لعلي أحتاج إليه، و بارك الله فيك، و في جميع الإخوة
ـ[أسد السنة]ــــــــ[13 - 04 - 03, 12:49 ص]ـ
الحبيب الأزهري:
هذه المسألة بارك الله فيك طويلة الذيول وقد زلت فيها أقدام بعد ثبوتها فرويدك رويدك لا تزل مع من زل فالبركة مع أكابركم.
وإني لك ناصح أمين ألا تجعل لردة الفعل بسبب الخصومات أثرا فيما تدين الله به.
قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله في " درء الفتنة عن أهل السنَّة ":
" وإن من الضلال البعيد والغش للمسلمين والتدليس على شبيبتهم، جلب أقوال الفرق الضالة وكسائها بلحاء الشريعة ونسبتها إلى مذهب أهل السنَّة والجماعة نتيجة لردود الأفعال، وجدل المخاصمات، فلا يجوز بحال الميل لشيء من أهواء النواصب لمواجهة الروافض، ولا لشيء من أهواء القدرية لمواجهة الجبرية، ولا لشيء من أهواء المرجئة لمواجهة الخوارج أو العكس في ذلك كله وهكذا من رد الباطل بمثله، والضلالة بأخرى، وهذه جادة الخاسرين أعمالاً "
أما بالنسبة لسؤالك وقد علمت أن وراء الأكمة ما وراءها:
فأقول لك وهل تعلم ما معنى الإعراض عن حكم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
تعرف هذا بارك الله فيك إذا علمت إن الإمام محمد بن عبد الوهاب جعل الإعراض ناقضا من نواقض الإسلام.
فعليك بارك الله فيك أن تراجع أقوال أهل العلم في معنى الإعراض.
وتنبه إلى أن أهل البدع ما ضلوا إلا بسبب العمومات فقد قال الإمام أحمد:
" وأكثر ضلال الناس من جهة المتشابه والقياس "
الشيخ الفاضل المبارك مبارك:
والله إني مشتاق إلى رؤيتك فعسى أن يكون ذلك قريبا بارك الله فيك وفي علمك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/278)
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[13 - 04 - 03, 01:56 ص]ـ
الحمد لله وحده ...
الأخ الكريم أسد السنة وفقه الله.
ما أراك قد أجبتني إلا بسؤال , ولو أجبتني عن سؤالي أو تفضلت علي بشرح ما تراني قد أزل فيه لكان خيرا مما كتبت.
وعلى كل حال: عنيت بالإعراض المعنى الأعم , الذي هو ترك محض
فأليك سؤالي بعد التعديل:
ما رأيك لو قلت لك أن:
النفاق يثبت و (يزول) الإيمان (بمجرد الإعراض) عن حكم الرسول
و (إرادة) التحاكم إلى غيره
على الرغم من أن ذلك (ترك محض) و قد يكون سببه قوة الشهوة.
ملحوظة:
قد يكون هذا آخر أيامي هنا.
ـ[سابق1]ــــــــ[13 - 04 - 03, 02:03 ص]ـ
الأخ أسد السنة، وقال بكر أبو زيد، في الكتاب نفسه: وعلى الأمة السمع والطاعة لمن قادها بكتاب الله.
وأما ثبوت الكفر بمجرد الإعراض عن حكم الله، وإرادة التحاكم إلى الطاغوت، فانظر أثر عمر في تفسير قوله تعالى: "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به".
ـ[سابق1]ــــــــ[01 - 05 - 03, 05:55 ص]ـ
تنبيه:
القول باشتراط استحلال الجحود في تكفير من حكم بغير ما أنزل الله قول باطل.
وتصحيحه في تقرير القولين كليهما:
- أن الحكم بغير ما أنزل الله ليس كفرًا بحال من الأحوال، فهو كالكبائر.
- أو أنه كفر في أحوال، لا تعلق بالجحود والاستحلال.
والجحود والاستحلال كل منهما كفر بمفرده، ولو حكم بما أنزل الله.
وفي هذا الرابط شيء من بيان لهذا المعنى:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?s=&threadid=7399
وأمَّا اشتراط الاستحلال، فاستحلال شيء من المعاصي، المعلوم بالضرورة كونها معاصي، أو التي يعلم المستحل تحريمها في الشرع، كفر مستقلٌّ.
فإذا قيل عن شيء إنه ناقض، فلا مدخل للاستحلال، وإلا لقيل ذلك في شرب الخمر، وقتل المؤمن، ونحوهما، لأن لها حالين: أن يستحل فيكفر، وأن لا يستحل فلا يكفر.
وأيضًا: لأن استحلال هذه الأمور، كفر ولو لم يرتكبها، فلا معنى لتسميتها نواقض، بل الناقض استحلالها، كسائر المحرمات.
وأما ذكر الاستحلال، على جهة التأويل لنص، لمعارض راجح، كما قال به من قال من أهل السنة في القتل، فيفيد أن العمل الذي حمل التكفير به على الاستحلال، ليس بناقض أصلاً، كما يُقال في القتل، لا أنه ناقضٌ بهذا الشرط، لما تقدم من ورود التكفير على غير هذا الفعل.
وقد قال أحمد بن حنبل فيمن حمل آية القتل، على الاستحلال، قال إن استحله كفر ولو لم يقتله.
ـ[ Ahmed Salem] ــــــــ[26 - 09 - 03, 03:00 ص]ـ
أظن أن هذا الكتاب مفيد في مسألة شرط الإستحلال
ـ[ Ahmed Salem] ــــــــ[26 - 09 - 03, 03:06 ص]ـ
التوسطُ والاقتصادُ
في أن الكُفرَ يكونُ
بالقولِ أو العملِ أو الاعتقادِ
((رسالة في المكفرات القولية والعملية من خلال أقوال العلماء))
بقلم
علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف
قرأها وقرَّظها وأوصى بطبعها ونشرها
الإمام
عبدالعزيز بن عبد الله بن باز
(يرحمه الله)
بين يدي الكتاب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين. أما بعد:
فقد كنت فرغتُ من هذا الكتاب قبل سنة تقريبا وأرسلت نُسخاً منه لعدد من العلماء وطلاب العلم وفي مقدمتهم الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - يرحمه الله - كما أرسلت لبقية أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - بالسعودية -:
الشيخ عبد العزيز آل الشيخ والشيخ عبد الله الغديان والشيخ صالح الفوزان والشيخ بكر أبوزيد، كما أرسلت نسخاً للشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ عبد الله بن جبرين والشيخ عبد الرحمن البراك وغيرهم من العلماء وطلبة العلم لأخذ ملاحظاتهم وتصويباتهم، وقد تجاوب أكثرهم مع الكتاب وجاءتني منهم تعليقاتٌ وإضافاتٌ زادت الكتاب قوة، فمنهم من علَّق على النسخة نفسها وأعادها إليَّ، ومنهم من أرسل تعليقاته عبر جهاز الفاكس، ومنهم من أرسل مع تعليقاته تقريظاً للكتاب، وقد نصحني كثير منهم بالتعجيل بطبعه لينتفع به المسلمون، لكنِّي آثرت الانتظار حتى تصلني ملاحظات الشيخ عبد العزيز يرحمه الله، وفي هذه الفترة أعدت صف الكتاب بعد الأخذ بكثير من الآراء التي وصلتني وأرسلت إلى الشيخ النسخة المعدَّلة، وعلمت بعد ذلك أن الكتاب وصل إليه وأنه أمر بأن يُقرأ عليه وأخبرني من كان يقرأه عليه -
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/279)
جزاه الله خيراً - أنه قد أنجز معه الثلث وأن الشيخَ مسرورٌ به، فحمدت الله على ذلك، وما هي إلا أيام حتى صُعِقْنا بنبأ وفاة الشيخ أسأل الله أن يسكنه فسيح جناته، ثم وبعد ثلاثة أسابيع وصلني خطابٌ من مدير عام مكتب المفتي العام متضمنا تقريظ الشيخ للكتاب ومعه الكتاب نفسه وعليه تعليق واحد وتصويبات لأخطاء مطبعية.
الفرق بين هذه النسخة والنسخة التي اطلع عليها الشيخ:
1 - كان عنوان الكتاب " المكفرات القولية والعملية من خلال أقوال العلماء " فاقترح بعض الفضلاء تغيير العنوان بما يفيد أن المقصود بالمكفرات، الأقوال والأعمال المُخرِجة من الملة وليست مكفرات الذنوب فجعلت العنوان " التوسطُ والاقتصادُ في أن الكُفرَ يكون بالقول أو العملِ أو الاعتقادِ ".
2 - زيادة في المقدمة من قولي (ص11): فإنه من المقطوع به … إلى قولي (ص13): هذا وقد ترددت في الآونة الأخيرة … وذلك أخذا بقول من أشار عليَّ أنه يحسن البدء بتقرير معتقد أهل السنة والجماعة في الإيمان والكفر قبل الخوض في المسألة.
3 - حذفت من كلام صاحب الفروع (ابن مفلح) من قوله: وقال في الترغيب … إلى آخره كما أشار الشيخ.
4 - حذفت كلام الدسوقي كلَّه كما أشار الشيخ.
5 - أضفت كلام ابن بلبان (ص99) مكان كلام الدسوقي رغم أنه حسب الترتيب الزمني ليس هذا موضعه لكن للحفاظ على ترتيب الصفحات.
6 - أضفت (ص97) تعليقاً للشيخ رحمه الله على كلام البجيرمي.
أما ما عدا ذلك فكلُّ ما في الكتاب فقد قُرئ على الشيخ وأقره وأثنى عليه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
المؤلف
حُرِّرَ في 23/ 2/1420هـ
خطاب مكتب المفتي العام
المملكة العربية السعودية
رئاسة إدارة البحوث العلمية والافتاء
مكتب المفتي العام
حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف وفقه الله لما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد.
فإشارة إلى رسالتك الموجهة إلى سماحة الوالد المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – المشفوع بها كتابك المسمى المكفرات القولية والعملية من خلال أقوال العلماء.
أفيدك أنه قد تم عرض رسالتك وكتابك على سماحته في حياته وقد أملى جواباً لكم ما نصه (فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ بدون. وصلكم الله بحبل الهدى والتوفيق واطلعت على الرسالة المرفقة التي كتبتم في المكفرات القولية والعملية. وقد قرأتها كلها فألفيتها رسالة قيمة مفيدة يحسن طبعها ونشرها ليستفيد منها المسلمون بعد حذف بعض ما نقلتم عن صاحب الفروع ابتداء من قوله وقال في الترغيب إلى آخره. وحذف ما نقلتم عن الدسوقي كله لما فيه من اللبس) فأرجو الإحاطة وأسأل الله لكم العون والتوفيق إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة وبركاته.
مدير عام مكتب مفتي عام المملكة
د/ عبد الله بن حافظ الحكمي
المحتويات
مقدمة
1. التَّابعيُّ الجليل نافع مولى ابن عمر رضي الله عنه. ت:117هـ
2. الإمام سفيان بن عيينة. ت:198هـ
3. الإمام محمّد بن إدريس الشافعيّ. ت: 204هـ
4. الإمام عبد الله بن الزّبير الحميديّ. ت:219هـ
5. الإمام إسحاق بن راهويه المروزيّ. ت:238هـ
6. الإمام أبو ثور إبراهيم بن خالد. ت:240هـ
7. إمام أهل السُّنَّة أحمد بن حنبل. ت:241هـ
8. فقيه المغرب محمد بن سحنون المالكي. ت:265هـ
9. إمام المفسرين أبو جعفر محمد بن جرير الطبري.تك310هـ
10. الشيخ أبو الحسن عليُّ بن إسماعيل الأشعريّ. ت:324هـ
11. شيخ الحنابلة الحسن بن علي البربهاري. ت:329هـ
12. أبو بكر أحمد بن عليٍّ الجصَّاص (الحنفيّ). ت:370هـ
13. الإمام أبو القاسم هبةُ الله بن الحسن اللالكائيّ. ت: 418هـ
14. محمد بن الوليد السمرقنديّ (الحنفيّ): كان حيَّاً سنة450هـ
15. العلاَّمة أبو محمَّد عليُّ بن حزم (الظاهريّ). ت:456هـ
16. الحافظ يوسف بن عبد الله بن عبد البر (المالكي). ت:463هـ
17. إمام الحرمين عبدالملك بن عبدالله الجوَينيّ (الشافعيّ) ت:478هـ
18. عليُّ بن محمَّد البزدَويّ (الحنفيّ). ت:482هـ
19. عمادُ الدِّين عليُّ بن محمَّد الكِيا الهرَّاسي (الشافعيّ).ت:504هـ
20. القاضي أبو بكرٍ بن العربيّ (المالكيّ). ت:543هـ
21. القاضي عياض بن موسى (المالكيّ). ت:544هـ
22. فخر الدِّين محمَّد بن عمر الرَّازيّ. ت:544هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/280)
23. علاء الدِّين مسعود بن أحمد الكاسانيّ (الحنفيّ). ت:587هـ
24. فخر الدِّين حسن بن منصور الفرغان (الحنفيّ). ت:592هـ
25. أبو الفرج عبد الرحمن بن عليٍّ ابن الجوزيّ. ت:597هـ
26. جلال الدِّين عبد الله بن نجم بن شاس (المالكيّ). ت:616هـ
27. برهان الدِّين محمود بن أحمد بن مازه (الحنفيّ). ت:616هـ
28. عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسيّ (الحنبليّ). ت:620هـ
29. عثمان بن أبي بكرٍ المعروف بابن الحاجب (المالكيّ).ت:646هـ
30. أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي. ت:671هـ
31. محيي الدين يحيى بن شرف النوويّ (الشافعيّ). ت:676هـ
32. شهاب الدِّين أحمد بن إدريسٍ القرافيّ (المالكيّ). ت:684هـ
33. شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيميَّة. ت: 728هـ
34. علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري (الحنفي).ت:730هـ
35. عبيد الله بن مسعود المحبوبي البخاريّ (الحنفيّ). ت:747هـ
36. زين الدين عمر بن مظفر الوردي (الشافعي). ت:749هـ
37. الحافظ محمد بن أبي بكر ابن قيِّم الجوزيَّة. ت:751هـ
38. تقيّ الدِّين عليُّ بن عبد الكافي السبكيّ (الشافعيّ).ت:756هـ
37.محمَّد بن مفلح المقدسيّ (الحنبليّ).ت:763هـ
39. الحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير. ت:774هـ
40. الشيخ خليل بن إسحاق (المالكيّ). ت:776هـ
41. محمَّد بن عبد الرحمن العثمانيّ (الشافعيّ). ت: بعد 780هـ
42. عالم بن العلاء الأندربتي الدهلويّ (الحنفيّ). ت:786هـ
43. سعد الدِّين مسعود بن عمر التفتازانيّ (الشافعيّ). ت:792هـ
44. بدر الدين بن محمَّد بهادر الزَّركشيّ (الشافعيّ). ت:794هـ
45. الحافظ عبد الرَّحمن بن أحمد ابن رجب (الحنبليّ).ت:795هـ
46. برهان الدِّين إبراهيم بن فرحون اليعمري (المالكيّ).ت:799هـ
47. محمَّد بن شهاب البزَّاز (الحنفيّ). ت:827هـ
48. العلاَّمة محمّد بن المرتضى ابن الوزير الصنعانيّ. ت:840هـ
49. علاء الدِّين عليُّ بن خليل الطرابلسيّ (الحنفيّ). ت:844هـ
50. الحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني. ت:852هـ
51. كمال الدين ابن عبد الواحد ابن الهمام (الحنفيّ). ت:861هـ
52. جلال الدِّين محمَّد بن أحمد المحليّ (الشافعيّ). ت:864هـ
53. محمَّد بن أحمد بن عماد الأقفهسي (الشافعيّ). ت:867هـ
54. محمّد بن محمّد بن محمّد (ابن أمير الحاج) (الحنفيّ).ت:879هـ
55. محمَّد بن أحمد المنهاجيّ الأسيوطيّ (الشافعيّ). ت:880هـ
56. عليُّ بن سليمان المرداويّ (الحنبليّ). ت:885هـ
57. محمد بن فراموز (مُنلاَّ خِسرو) (الحنفي). ت:885هـ
58. أبو عبد الله محمّد بن قاسم الرصَّاع (المالكيّ). ت:894هـ
59. محمَّد بن قاسم الغزِّي (الشافعيّ). ت:918هـ
60. زكريَّا بن محمَّد الأنصاريّ (الشافعيّ). ت:926هـ
61. محمَّد بن عبد الرَّحمن المغربيّ (المالكيّ). ت:954هـ
62. شهاب الدِّين أحمد البرلُّسي (عميرة) (الشافعيّ). ت:957هـ
63. زين الدِّين بن إبراهيم الشهير بابن نجيم (الحنفيّ). ت:970هـ
64. محمَّد بن أحمد الفتوحي (ابن النجار) (الحنبليّ). ت:972هـ
65. أحمد بن محمَّد بن حجر الهيتميّ (الشافعيّ). ت:973هـ
66. محمَّد بن أحمد الخطيب الشربينيّ (الشافعيّ). ت:977هـ
67. زين الدِّين بن عبد العزيز المليباري (الشافعيّ). ت:987هـ
68. محمَّد عبد الرؤوف المناويّ (الشافعيّ). ت:1031هـ
69. مَرْعيّ بن يوسفٍ الكرميّ المقدسيّ (الحنبليّ). ت:1033هـ
70. منصور بن يونس البَهْوَتيّ (الحنبليّ). ت:1051هـ
71. أحمدُ بن أحمدَ شهاب الدِّين القليوبيّ (الشافعيّ). ت:1070هـ
72. عبد الرَّحمن بن شيخي زاده داماد (الحنفيّ). ت:1078هـ
73. أبو البقاء أيوب بن موسى الكفويّ (الحنفيّ). 1095هـ
74. أحمد بن محمَّد الحسينيّ الحمَويّ (الحنفيّ). ت:1098هـ
75. العلاَّمة صالح بن مَهْديّ المقبليّ. ت:1108هـ
76. مجموعةٌ من علماء الهند الأحناف
77. العلاَّمة محمَّد بن إسماعيل الأمير الصَّنعانيّ. ت:1182هـ
78. أحمد العَدَويّ أبو البركات (الدَّردير) (المالكيّ). ت:1201هـ
79. سليمان بن عمر العُجيليّ (الجمل) (الشافعيّ). ت:1204هـ
80. الإمام المجدِّد محمَّد بن عبد الوهاب التميميّ. ت:1206هـ
81. الشيخ محمَّد بن عليٍّ بن غريب. ت:1209هـ
82. سليمان بن محمَّد بن عمر البجيرميّ (الشافعيّ). ت:1221هـ
83. عبد الله بن حجازي (الشرقاويّ) (الشافعيّ). ت:1227هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/281)
84. محمد بن بدر الدين بن بلبان. (الحنبلي) ت:1083هـ
85. سليمان بن عبد الله بن محمّد بن عبدالوهَّاب. ت:1233هـ
86. مصطفى بن سعد بن عبدَة الرُّحيبانيّ (الحنبليّ). ت:1243هـ
87. الإمام عبدُ الله بن محمَّد بن عبد الوهَّاب. ت:1244هـ
88. العلاَّمة محمَّد بن عليٍّ الشَّوكانيّ. ت:1250هـ
89. محمَّد أمين ابن عابدين (الحنفيّ). ت:1252هـ
90. شهاب الدِّين محمود بن عبد الله الآلوسي. ت:1270هـ
91. إبراهيم بن محمَّد بن أحمد البيجوريّ (الشافعيّ). ت:1277هـ
92. الشيخ عبد الله بن عبد الرَّحمن أبابطين. ت:1282هـ
93. عبدالرَّحمن بن حسن بن محمَّد بن عبدالوهّاب. ت:1285هـ
94. محمَّد بن أحمد المعروف بالشيخ عليش (المالكيّ).ت: 1299هـ
95. الشيخ حمد بن عليٍّ بن عتيق. ت:1301هـ
96. أحد علماء الدعوة النجديَّة
97. عثمان بن محمد شطا البكريّ (الشافعيّ). ت:1302هـ
98. العلاَّمة صدِّيق حسن خان القنوجي. ت:1307هـ
99. الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى السديريّ. ت:1329هـ
100. علامة الشَّام محمَّد جمال الدِّين القاسميّ. ت:1332هـ
101. محمَّد أنور شاه الكشميريّ.ت: 1352هـ
102. إبراهيم بن محمَّد بن ضويان (الحنبليّ). ت:1353هـ
103. السيد محمَّد رشيد رضا. ت:1354هـ
104. العلاَّمة عبد الرَّحمن بن ناصر بن سعديّ. ت:1376هـ
105. الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي. ت:1377هـ
106. الشيخ محمّد بن إبراهيم آل الشيخ. ت:1389هـ
107. العلاَّمة محمَّد الأمين الشنقيطي. ت:1393هـ
108. اللجنة الدائمة للبحوث العلميَّة والإفتاء (بالسعودية)
109. الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز (وُلد عام:1330هـ)
110. الشيخ محمَّد بن صالح بن عثيمين (وُلد عام: 1347هـ)
111. الشيخ عبد الله بن عبدالرَّحمن الجبرين (وُلد عام:1349هـ)
112. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان (وُلد عام: 1354هـ)
113. الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (وُلد عام: 1364هـ)
114. "الموسوعة الفقهيَّة الكويتيَّة"
?
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، مَن يهدهِ الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ ألاَّ إله إلاَّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه؛ أمَّا بعد:
فإنه من المقطوع به عند أهل السنةِ والجماعةِ أنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ (1) يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وتارة يقولون: الإيمان: قولٌ باللسان، وعملٌ بالأركان (الجوارح)، واعتقادٌ بالجَنان (القلب)،وتارة يقولون: قولٌ وعملٌ ونِيَّةٌ،ولهم عباراتٌ لا تختلف عن هذه في معناها، وقد حكى غيرُ واحدٍ إجماعَ الصحابة والتابعين والفقهاء والمحدثين على ذلك، ومن هؤلاء الشافعي (2) والبغوي (3) وابن عبدالبر (1) وغيرهم. بل أصبح هذا مما يميزهم عن أهل البدع.
كما أنَّه من المقطوعِ به عندهم أنَّ من الأقوالِ والأعمالِ ما هو كفرٌ أكبر يُخرج من الملة، وقد حكى غيرُ واحدٍ الإجماع على أنَّ سبَّ اللهِ ورسولِه كفرٌ مخرج من الملة، ومن هؤلاء: الإمام إسحاق بن راهوية ومحمد بن سحنون (2) وغيرهما. فظنَّ بعض الناس أنَّ الكفرَ العمليَّ لا يخرج صاحبه من الإسلام وأنَّ سبَّ الله ورسوله مستثنى من ذلك (3)، وهذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة. بل حكى غيرُ واحدٍ الإجماع على أنَّ الكفرَ يكون بالقولِ أو الفعلِ أو الإعتقادِ، ومن هؤلاء: العلاَّمة ابن حزم (1) والشيخ سليمان آل الشيخ (2) والشيخ عبدالله أبابطين (3) والشيخ محمد بن ابراهيم (4)، فسقطت دعوى الاستثناء والحمد لله، ومن فرَّق بين سبِّ الله أو رسوله وبين أي قولٍ أو عملٍ أجمع المسلمون أنه كفر كالذبح لغير الله أو السجود لصنمٍ أو نحو ذلك فعليه الدليل. فلا يظنُّ ظانٌ أَنَّ في المسألة خلافاً يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد، إذ لا يستطيع أحدٌ أَنْ يحكي عن واحدٍ من علماء أهل السنة والجماعة خلاف ذلك البتَّةَ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/282)
هذا وقد تردَّدت في الآونة الأخيرة مسألة التَّكفير بالقول والعمل، وزعم بعضُهم أنَّه لا يكفُر إلاَّ من اعتقد الكفر، أمَّا من تلفَّظ به أو عمل ما هو كفرٌ صراحةً فلا يكفر؛ إذ الكفر هو الاعتقاد فقط ـ وهذا هو مذهب المرجئة المذموم ـ، مستدلِّين بتقسيم بعض العلماء الكفر إلى عمليٍّ واعتقاديٍّ، وأنَّ الأول كفرٌ أصغرُ والثاني كفرٌ أكبرُ، دون تفريقٍ بين الكفر العمليِّ الذي يعنيه العلماء والكفر بالعمل أو الأعمال المكفِّرة.
ومن هنا نشأت شبهة أخرى وهي أنَّ المرء لو عمل عملاً كفريَّاً، كالسُّجود لصنمٍ أو صليبٍ، أو قال قولاً كفريّاً،كَسَبِّ الله ورسوله، أو استهزأ بآيات الله لشهوةٍ أو غرضٍ دنيويٍ فإنَّه لا يكفُر ما لم يعتقد؛ فعدُّوا ذلك مانعاً من موانع التَّكفير، والذي عليه علماء أهل السنة والجماعة أنَّ موانع التكفير أربعة: ((الجهل، والخطأ، والتأويل أو الشبهة، والإكراه))، فمن وقع في كفرٍ عملاً أو قولاً ثم أقيمت عليه الحجة وبُيِّن له أنَّ هذا كفرٌ يخُرج من الملة فأصَرَّ على فعله طائعاً غير مُكْرَهٍ، متعمّداً غير مخطىءٍ ولا متأوّلٍ فإنَّه يكفر ولو كان الدافع لذلك الشهوة أو أيّ غرضٍ دنيويٍّ، وهذا ما عليه أهل الحق وعليه ظاهرين إلى قيام الساعة إن شاء الله.
ولما رأيتُ بعضَهم يستشهد بأقوالٍ محتملةٍ لبعض العلماء، نشطْتُ لجمع جملةٍ من أقوالهم في هذه المسألة. فتحصل لي منها مئات الأقوال لأكثر من مئةِ عالم، نقل بعضهم الإجماع كما تقدم.
وهنا لابدّ من توضيحِ أمورٍ تتعلَّق بمنهج الكتاب:
أولاً:مجمَل أقوالِ العلماءِ التي جمعتُها تنحصر في خمس عباراتٍ:
1 - أنَّ الكفرَ يكون بالقول أو الفعل. فلم يقيّدوه بالاعتقادِ (1).
2 - أنَّ الكفرَ يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد. فغايروا بينها (2).
3 - أنَّ الكفرَ يكون بالقول أو الفعل ولو لم يُعْتَقَد، فنصُّوا على عدمِ شرطيَّةِ الاعتقاد (3).
4ـ أنَّ الكفرَ يكون بالقول والفعل ولو لحظٍّ من حظوظِ الدُّنيا (1).
5ـ ردودٌ أو إنكارٌ على الجهميّة والمرجئة الذين يشترطونَ الاعتقاد أو الاستحلال (2).
ومن تأمَّل هذه العبارات يجد أن مؤدَّاها واحدٌ وإنْ كان بعضُها أصرح من بعضٍ في بيان المقصود.
ثانياً: نقلْتُ أقوال بعض فقهاء المذاهب من الأشاعرة والماتريديَّة ممَّن خالطهم شيءٌ من الإرجاء لأنَّ ذلك أبلغ في الاستشهاد وإن كان قدوتنا علماء السُّنَّة القائلين بأن الإيمان قولٌ وعملٌ.
ثالثاً: رتَّبْتُ العلماءَ على حسب وَفَيَاتِهم، والأحياءَ منهم على حسب ولادَتِهم.
فكان منهم:
1 – أئمةٌ أعلامٌ من القرون الأولى أمثال: نافع مولى ابن عمر، وابن عيينة، والشافعيّ، والحميديّ، وإسحاق، وأبو ثور، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن سحنون، وابن جرير الطبريّ، وأبو الحسن الأشعريّ، والبربهاري.
2 – ومنهم مفسِّرون أوردْتُ كلامَهم عند تفسيرهم لبعض الآيات. مثل: الجصّاص، وإلكِيا الهرَّاسي،وابن العربي،و الرّازي، وابن الجوزي، والقرطبي، وابن كثير، والقاسمي، والألوسي.
3 – ومنهم علماءُ مجتهدون: كابن حزم (الظاهري)، وابن عبد البرِّ (المالكيّ)، والنوويّ (الشافعيّ)، وابن تيميّة (الحنبليّ)، وابن القيِّم (الحنبليّ)، وابن الوزير، وابن حجر العسقلانيّ (الشافعيّ)، والمقبليّ، والصنعانيّ، والشوكانيّ، وصِدِّيق خان.
4 – ومنهم فقهاءُ مذاهبٍ لا يسلم كثيرٌ منهم من شيء من الإرجاءِ.
فمن الحنفيَّة: السمرقنديِّ، والبزدويِّ، والكاسانيِّ، وابن مازه، والبزَّاز، وابن الهُمام، وابن أمير الحاج،، وابن نجيم، والكفَويِّ، وابن عابدين. وغيرهم.
ومن المالكيَّة: القاضي عِياض، وابن شاس، وابن الحاجب، والقرافيِّ، وخليل بن إسحاق،وابن قاسم الرصَّاع، والعَدويِّ الشهير بالدردير، والدسوقيِّ، والشيخ عليش، وغيرهم ممَّن تقدم من المفسِّرين كابن العربي والقرطبيِّ.
ومن الشافعيّة:إمام الحرمين الجُوَينيِّ، والسُّبكيِّ، وجلال الدين المحليِّ، ومحمد بن قاسم الغَزِّيِّ، وزكريَّا الأنصاريِّ، وعميرة، وابن حجر الهيتَميِّ، والشربينيِّ، والقليوبيِّ،والعُجيليِّ المشهور بالجمل، والبجيرميِّ، والشرقاويِّ، والبيجوريِّ، والبكريِّ. وغيرهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/283)
ومن الحنابلة: ابن قُدامة، وابن مفلح، وابن رجب، والمرداوي، وابن النجار، والكرميِّ، والبهوتيِّ، والرحيبانيِّ، وابن ضويان،وغيرهم.
5 – ومنهم طائفة من علماء الدَّعوة النجديَّة: كالإمام محمّد بن عبد الوهاب وابنه عبد الله وحفيداه سليمان بن عبد الله وعبد الرَّحمن بن حسن، و محمد بن غريب، وأبابطين، وحمد بن عتيق، وأحمد بن عيسى.
6 – ومنهم معاصِرون: كأنور شاه الكشميريِّ، ورشيد رضا، والسعديِّ، والحكميِّ، ومحمد بن إبراهيم، والشنقيطيِّ. ومن الأحياء: ابن باز، وابن عثيمين، وابن جبرين، والفوزان، وبكر أبوزيد.
ومن أعضاء اللجنة الدائمة في السعودية غير من ذُكر: العفيفي، وآل الشيخ،وابن قعود.
رابعاً: آثرت أن أبقي كلام من نقلت عنهم كما هو ولم أعلِّق عليه إلا تعليقاتٍ يسيرةٍ وذلك لوضوح كلامهم وجلائه.
خامساً: لم أنقل كلام العلماءِ المتعلِّق بتكفيرِ تاركِ الصَّلاة، وهم جمهور أصحاب الحديث، علماً أنَّها أقوالٌ كثيرةٌ جداً مبثوثةٌ في كتب السَّلَف؛ وذلك لأَنَّها مسألة اختلف فيها أصحاب الحديث (1). ولكن هاهنا مسألةٌ مهمَّةٌ، وهي أَنَّ أصحاب الحديث الذين لم يكفِّروا تاركَ الصَّلاة؛ لا يعنون أَنَّ الصَّلاةَ عملٌ والعمل لا يكفّر تاركه أو فاعله بغير اعتقادٍ أو استحلالٍ أو تكذيبٍ، فهذه لَوْثَةٌ إرجائيَّةٌ حاشاهم منها. بل كما نقَلَ عنهم المروزيُّ قالوا: ((الأخبار التي جاءت في الإِكْفار بترك الصَّلاة نظير الأخبار التي جاءت في الإِكْفار بسائر الذُّنوب)) فهم نظروا إلى الأدلة التي ظاهرها التَّعارض فجمعوا بينها ورجَّحوا عدم إِكْفار تارك الصَّلاة كتارك الصَّوم والزَّكاة،إلاَّ إذا تركها جُحوداً أو إِباءً أو استنكافاً. ولم يُنْقَل عن أحدٍ منهم أَنَّ الصَّلاة عمل وليست اعتقاداً ولا يكفُرُ تاركَ العمل! كما أَنَّهم لم يعدّوا من يكفِّر تاركها بمثابة الخوارج الَّذين يكفِّرونَ بالذُّنوب، وهذا إقرارٌ منهم أَنَّ تاركّ العمل قد يخرج من الملَّة، لكن لم يترجَّحْ عندهم ذلك في شأْنِ تارك الصَّلاة.
سادساً: هناك من فقهاء المذاهب الذين نقلْتُ عنهم ممَّن كفَّر بالقول أو العمل لكن علَّل ذلك بعباراتٍ لم تُعْهد من السَّلف - تدلُّ على تأثُّرهم بالمرجئة –. كقولهم: هذا الفعل ليس كفراً لكنّه يدلُّ على الكفر، أو علامة على الكفر (1). وكقولهم: لم يكفر بالعمل لكن كَفَرَ للاستخفاف (2)، أو للتكذيب، أو لعدم التصديق، أو أن هذا العمل ليس كفراً لكنَّه دليلٌ على عدم الاعتقاد أو ما شابه ذلك. وقد ردَّ عليهم ابن حزم ردّاً قويّاً (1) وكذا شيخ الإسلام ابن تيميَّة ونسب ذلك للجَهْم و من وافقه (2) وقد يُشْكِلُ على البعض عبارات صدرت لبعض العلماء علَّلَت التَّكْفير بالتَّكْذيب (3) أو الإرادة (4) أو أَنَّها مُسْتَلزمة للكفرالاعتقاديِّ (5)، فَفَرْقٌ بين من يقول هذا العمل أو القول كفرٌ لكذا، وبين من يقول هذا ليس كفراً لكنَّه دليلٌ أو علامةٌ على الكفر فالأوَّل يثبت الكفر ويعلِّلُه والآخر ينفي الكفر ويُثْبِتُ دليلَه أو علامتَه.
سابعاً: سيلحظ القاريءُ أَنَّ بعض العبارات والجمل مكرَّرةٌ أو متشابهةٌ، وخاصّةً في النُّقولات عن فقهاء المذاهب وذلك لأَنَّ بعض الكتب إِمَّا أَنْ تكون اختصاراً أو شرحاً أو حاشيةً على كتبٍ أخرى، والمعروفُ عن فقهاء المذاهب أَنَّهم ينقلون عن بعضهم كثيراً، وإِنَّما أوردْتُ ذلك للتَّأكيد على أَنَّ التَّكفير بالقولِ والعملِ هو المذهبُ المعتمدُ عند أتباع المذاهب الأربعة.
ثامناً: هذا الكتاب ليس ردَّاً على شُبُهات المرجئة، فهذا يقتضي حصر شبهاتهم والردَّ عليها بالوَحْيَيْنِ – الكتاب والسنَّة – ثم ذكر أقوال الصَّحابة والتَّابعين ومن تبعهم من العلماء. لكنَّه ردٌّ على من ينسب للسَّلف القولَ بحصر التَّكفير في الاعتقاد فقط وأَنَّ هذا قول سائر العلماء، فأردْتُ أَنْ أُبَيِّنَ بُعْدَ هذا الزَّعم عن الصَّواب. أمَّا الرَّدُّ على المرجئة وشبهاتهم فقد كُفيناه منذ قرونٍ، وقد ظهرت في السَّنوات الأخيرةِ كتبٌ ورسائلُ قيِّمةٌ عن نواقض التَّوحيد، ونواقض الإيمان الاعتقاديَّة والقوليَّة والعمليَّة، والتَّكفير وضوابطه، وكتبٍ عن الإرجاء والمرجئة يمكن الرجوع إليها لمن أراد معرفةَ شبهاتهم و
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/284)
الرُّدود عليها.
تاسعاً: وحيث كانت هذه النُّقولات تعالج مسألةَ التَّكْفير بالقول والفعل من جهة مغايرة لما عليه أهل الإرجاء، إلا أَنَّني أُحبُّ أَنْ أُنَبِّه إلى أََنَّ التَّكفير حكم شرعيٌّ له حدوده وضوابطه التي ينبغي مراعاتها، فلا بدَّ من قيام الحجَّةِ وتحَقُّق الشُّروط وانتفاء الموانع كالجهل والتَّأْويل والخطأ والإكراه، كما أَنَّه لابدَّ من التَّفْريق بين أّنْ تقول: هذا القول أو الفعل كفرٌ أو رِدَّةٌ، وبين التَّكفير المطلق كأَنْ تقول: من فعل كذا فهو كافرٌ أو مُرتَدٌّ، وبين تكفير المُعَيَّن فتقول: فلانٌ كافرٌ. وقد بسط هذا شيخ الإسلام ابن تيميَّة (1) وغيره في كتبهم فلتراجع.
كما أُحبُّ أَنْ أُحذِّرَ من الوقوع في فتنة الإرجاء و شبهِهِ الضَّالَّة لخطورة آثاره السَّيِّئة على الإسلام و المسلمين.
وأخيراً أودُّ أَنْ أَخْتم هذه المقدِّمة بكلمات للعلاَّمة عبدالله أبا بطين لعل الله ينفع بها، قال رحمه الله:
((يتعيَّن على من نصح لنفسه وعلم أَنَّه مسئولٌ عمَّا قال ومُحاسَبٌ على اعتقاده وقوله وفعله أَنْ يُعِدَّ لذلك جواباً، ويخلع ثوبي الجهل والتعصُّب ويخلص القصدَ في طلب الحقِّ، قال الله تعالى: ?قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا? (2)، وليعلم أَنَّه لا يخلِّصه إلا اتّباع كتاب الله وسنَّة نبيِّه، قال الله تعالى: ?اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (3) ?وقال تعالى: ?كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الألْبَابِ (4) ? ولما كان قد سبق في علم الله وقضائه أَنَّه سيقع الاختلاف بين الأُمَّة أَمَرهم وأوجَبَ عليهم عند التنازع الردَّ إلى كتابه وسنَّة نبيِّه، قال تعالى:?فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا (1) ? قال العلماء رحمهم الله: الردُّ إلى الله الردُّ إلى كتابه، والردُّ إلى الرسول الردُّ إليه في حياته والردُّ إلى سنَّتِه بعد مماته. ودلًّت الآية أَنَّ من لم يردَّ عند التنازع إلى كتاب الله وسنَّة نبيِّه فليس بمؤمنٍ لقوله تعالى: ?إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ? (2) فهذا شرطٌ ينتفي المشْروطُ بانتفائه، ومُحالٌ أَنْ يأمرَ الله النَّاس بالرَّدِّ إلى مالا يفصل النِّزاع، لاسيَّما في أُصول الدِّين التي لا يجوز فيها التقليدُ عند عامَّة العلماء، وقال الله تعالى: ?فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا? (3).
… وقد قال بعض السلف: (ما ترك أحدٌ حقَّاً إلا لِكِبْرٍ في نفسِه). ومصداقُ ذلك قولُ النبيِّ ? حين قال: (لا يدخُلُ الجنَّةَ مَنْ في قلبِهِ مثْقالَ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ) (4))) (5).
واللهُ أعلمُ وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه وسلَّم.
كتبه
عَلَويُّ بن عبد القادر السَّقَّاف
الظهران
أقوال العلماء
1. التَّابعيُّ الجليل نافع مولى ابن عمر رضي الله عنه. ت:117هـ
روى عبدالله بن أحمد في السُّنَّة بإسناده أنَّ: ((… معقل بن عبيد الله العبسيّ قال قدم علينا سالم الأفطس بالإرجاء فعرضه. قال: فنفر منه أصحابنا نفاراً شديداً …قال فجلست إلى نافع فقلت له … إِنَّهم يقولون: نحن نقرُّ بأَنَّ الصّلاة فريضةٌ و لا نصلي، وأَنَّ الخمر حرامٌ ونحن نشربها وأن نكاح الأمهات حرامٌ ونحن نفعل (1). قال: فنتر يده من يدي ثم قال: من فعل هذا فهو كافر)) (2).
2. الإمام سفيان بن عيينة. ت:198هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/285)
((قال عبد الله بن أحمد حدَّثنا سويد بن سعيد الهرويّ قال: سألنا سفيان بن عيينة عن الإرجاء. فقال: يقولون الإيمان قولٌ وعملٌ، والمرجئة أوجبوا الجنَّة لمن شهد أَنَّ لا إله إلا الله مصرَّاً بقلبه على ترك الفرائض وسمُّوا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم، وليس بسواء لأَنَّ ركوب المحارم من غير استحلالٍ معصية، وترك الفرائض متعمِّداً من غير جهل ولا عذر هو كفر)) (1)
3. الإمام محمّد بن إدريس الشافعيّ. ت: 204هـ
((سئل عمَّن هزل بشيءٍ من آيات الله تعالى أنَّه قال: هو كافرٌ واستدل بقوله تعالى: ?قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ؟ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانِكُم? (2))) (3).
4. الإمام عبد الله بن الزّبير الحميديّ. ت:219هـ
((أُخْبِرت أَنَّ قوماً يقولون: إِنَّ من أقرَّ بالصَّلاة، والزَّكاة، والصَّوم، والحجَّ، ولم يفعل من ذلك شيئاً حتىّ يموت، أو يصلِّي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً … إذا كان يقرُّ بالفرائض واستقبال القبلة؛ فقلت: هذا الكفر الصُّراح وخلاف كتاب الله وسنَّة رسوله ? وفعل المسلمين)) (4).
وقال في "أصول السُّنَّة": ((وأن لا نقول كما قالت الخوارج: ((من أصاب كبيرةً فقد كفر)). ولا تكفير بشيء من الذُّنوب، إنَّما
الكفر في ترك الخمس التي قال رسول الله ?: (بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله، وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحجُّ البيت) (1))) (2).
5. الإمام إسحاق بن راهويه المروزيّ. ت:238هـ
((وممَّا أجمعوا على تكفيره، وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد، فالمؤمن الذي آمن بالله تعالى، ومما جاء من عنده، ثم قتل نبيَّاً، أو أعان على قتله، وإن كان مُقِرَّاً، ويقول: قتل الأنبياء محرَّمٌ، فهو كافرٌ، وكذلك من شتَمَ نبيَّاً، أو ردَّ عليه قولَه من غير تقيَّةٍ ولا خوفٍ)) (3).
((أجمع المسلمون على أن من سبَّ الله، أو سبَّ رسولَه ?، أو دفع شيئاً مما أنزل الله عزَّ وجلَّ، أو قتل نبيَّاً من أنبياء الله، أَنَّه كافر بذلك وإِنْ كان مُقِرَّاً بكلِّ ما أنزل الله)) (4).
6. الإمام أبو ثور إبراهيم بن خالد. ت:240هـ
((فاعْلَمْ يرحمنا الله وإيَّاك أَنَّ الإيمان تصديقٌ بالقلب وقولٌ باللسان وعملٌ بالجوارح. وذلك أَنَّه ليس بين أهل العلم خلافٌ في رجلٍ لو قال: أشهد أَنَّ الله عزَّ وجلَّ واحدٌ وأَنَّ ما جاءت به الرُّسل حقٌّ وأقرَّ بجميع الشَّرائع ثم قال: ما عقد قلبي على شيئٍ من هذا ولا أصدِّق به أَنَّه ليس بمسلم.
ولو قال: المسيح هو الله وجحد أمرَ الإسلام وقال لم يعتقد قلبي على شيئٍٍ من ذلك أَنَّه كافرٌ بإظهار ذلك وليس بمؤمنٍ)) (1).
7. إمام أهل السُّنَّة أحمد بن حنبل. ت:241هـ
قال في ردِّه على الجَهْمِ: ((فيلزمه أَنْ يقول: إذا أَقرَّ،ثم شدَّ الزنَّار في وسطه، وصلَّى للصَّليب، وأتى الكنائس والبِيَع وعمل الكبائر كلَّها، إلاَّ أَنَّه في ذلك مُقِرٌّ بالله، فيلزمه أَنْ يكون عنده مؤمناً (2)، وهذه الأشياء من أشنع ما يلزمهم)) (3).
وفي "السنَّة" للخلاَّل قال الحميديّ: ((أُخْبِرْتُ أَنَّ قوماً يقولون: إِنَّ من أقرَّ بالصَّلاة، والزَّكاة، والصَّوم، والحجِّ، ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموتَ أو يصلِّي مسندٌ ظهرَه مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمنٌ ما لم يكن جاحداً إذا علم أَنَّ تركه ذلك في إيمانه إذا كان يقرُّ الفروض واستقبال القبلة؛ فقلت: هذا الكفر بالله الصُّراح وخلاف كتاب الله وسنَّة رسوله ? فعل المسلمين. قال حنبل: قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: من قال هذا فقد كفر بالله، وردَّ على الله أمرَه وعلى الرَّسول ما جاء به)) (1).
وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: ((سألت أبي عن رجل قال لرجل: يا ابن كذا وكذا أنتَ ومن خلقَك، قال أبي: هذا مرتَدٌّ عن الإسلام. قلت لأبي:تضرب عنقه؟ قال: نعم، تضرب عنقه)) (2).
8. فقيه المغرب محمد بن سحنون المالكي. ت:265هـ
((أجمع العلماء أَنَّ شاتمَ النبيِّ ? المتنقِّصَ له كافرٌ، والوعيدُ جارٍ عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمَّة: القتل، ومن شكَّ في كفرِه وعذابِه كفَر)) (3).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/286)
9. إمام المفسرين أبو جعفر محمد بن جرير الطبري. ت:310هـ
روى حديث البراء بن عازب رضي الله عنه بسنده: (وفيه أَنَّ النَّبيّ َ ? بعث عمَّ البراء ليقتل رجلاً تزوَّج امرأةَ أبيه ويأخذَ
مالَه وفي رواية و يخمِّس مالَه) (1). ثم قال: ((وكان الذي عرَّس بزوجة أبيه، متخطِّياً بفعله حرمتين، وجامعاً بين كبيرتين من معاصي الله:
إحداهما: عقد نكاحٍ على من حرَّم الله …
والثانية: إتيانه فرجاً محرماً عليه إتيانه، وأعظم من ذلك، تقدّمه على ذلك بمشهدٍ من رسول الله ?، وإعلانه عقد النكاح على من حرَّم الله عليه عقده عليه بنصِّ كتابه الذي لا شبهةَ في تحريمها عليه، وهو حاضره.
فكان فعله ذلك من أدلِّ الدَّليل على تكذيبِه (2) رسولَ الله ? فيما آتاه به عن الله تعالى ذكره، ووجوده آية محكمة في تنزيله. فكان بذلك من فعله كذلك، عن الإسلام – إنْ كان قد كان للإسلام مُظْهِراً – مُرتَدَّاً … وذلك أَنَّ فاعل ذلك على علمٍ منه بتحريم الله ذلك على خلقِه إِنْ كان من أهلِ الإسلام، إِنْ لم يكُنْ مسلوكاً به في العقوبة سبيل أهل الرِّدَّة بإعلانِه استحلالَ (3) ما لا لَبْسَ فيه على ناشيءٍ نشأ في أرض الإسلام أَنَّه حرام…)) (1).
10. الشيخ أبو الحسن عليُّ بن إسماعيل الأشعريّ. ت:324هـ
((إرادة الكفر كفرٌ، وبناء كنيسةٍ يُكفر فيها بالله كفرٌ، لأنه إرادة الكفر)) (2).
11. شيخ الحنابلة الحسن بن علي البربهاري. ت:329هـ
((ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يردَّ آيةً من كتاب الله عزَّ وجلَّ، أو يردَّ شيئاً من آثار رسول الله ?، أو يصلّي لغير الله أو يذبح لغير الله، وإذا فعل شيئاً من ذلك فقد
وجب عليك أن تخرِجَه من الإسلام فإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمنٌ ومسلمٌ بالاسم لا بالحقيقة)) (1).
12. أبو بكر أحمد بن عليٍّ الجصَّاص (الحنفيّ). ت:370هـ
قال: ((قوله تعالى: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ? إلى قوله: ?إِنْ نَعْفُ ?فيه الدّلالة على أن اللاعبَ والجادَّ سواءٌ في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه لأَنَّ هؤلاء المنافقين ذكروا أَنَّهم قالوا ما قالوه لعِباً فأخبر الله عن كفرِهم باللعِبِ)).
13 - الإمام أبو القاسم هبةُ الله بن الحسن اللالكائيّ. ت: 418هـ
نقل كلام أبي ثورٍ ولم يتعقبّه بشيءٍ.
((ولو قال: المسيح هو الله وجحد أمر الإسلام وقال لم يعتقد قلبي على شيئٍ من ذلك أَنَّه كافر بإظهار ذلك وليس بمؤمنٍ)) (2).
14. محمد بن الوليد السمرقنديّ (الحنفيّ): كان حيَّاً سنة450هـ
قال في "الجامع الأصغر": ((إذا أطلق الرجل كلمةَ الكفر عَمْداً لكنّه لم يعتقد الكفرَ؛ قال بعض أصحابنا: لا يكفر لأَنَّ الكفر يتعلَّق بالضَّمير ولم يعقد الضَّمير على الكفر، وقال بعضهم: يكفُر، وهو الصحيح عندي لأَنَّه استخفَّ بدينه)) (1).
15. العلاَّمة أبو محمَّد عليُّ بن حزم (الظاهريّ) (2). ت:456هـ
قال في "الفِصَل": ((وأمَّا قولهم (3) إِنَّ شَتْمَ الله تعالى ليس كفراً وكذلك شَتْمَ رسولِ الله ?، فهو دعوى، لأن الله تعالى قال: ?يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ
إِسْلامِهِمْ (1) ? فنصَّ تعالى على أَنَّ من الكلام ما هو كفرٌ.
وقال تعالى: ?إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ (2) ? فنصَّ تعالى أَنَّ من الكلام في آيات الله تعالى ما هو كفرٌ بعينِه مسموعٌ.
وقال ?قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ؟ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً (3) ? فنصَّ تعالى على أَنَّ الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسولٍ من رسله كفرٌ مخرجٌ عن الإيمان ولم يقل تعالى في ذلك إِنِّي علمت أَنَّ في قلوبكم كفراً، بل جعلهم كفاراً بنفس الاستهزاء. ومن ادَّعى غير هذا فقد قوَّل الله تعالى ما لم يقُلْ وكذب على الله تعالى)) (4).
وقال أيضاً:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/287)
((الجَحْد لشيءٍ ممَّا صحَّ البرهان أَنَّه لا إيمان إلاَّ بتصديقه كفرٌ، والنّطق بشيءٍ من كلِّ ما قام البرهان أَنَّ النُّطق به كفرٌ كفرٌ، والعمل بشيءٍ ممَّا قام البرهان بأَنَّه كفرٌ كفرٌ، فالكفر
يزيد، وكلُّ ما زاد فيه فهو كفرٌ، والكفر ينقص، وكلّه مع ذلك ما بقي منه وما نقص فكلّه كفر، وبعض الكفر أعظم وأشدُّ وأشنع من بعضٍ، وكلُّه كفرٌ)) (1).
وقال أيضاً:
((إِنَّ الإقرار باللسان دون عقد القلب لا حُكْمَ له عند الله عزَّ وجلَّ لأَنَّ أحدنا يلفظ بالكفر حاكياً وقارئاً له في القرآن فلا يكونُ بذلك كافراً حتى يقرَّ أَنَّه عقده.
قال أبو محمد: فإن احتجَّ بهذا أهلُ المقالة الأولى - يعني المرجئة- وقالوا هذا يشهد بأَنَّ الإعلان بالكفر ليس كفراً. قلنا له - وبالله التوفيق -: ((قد قلنا إِنَّ التسمية ليست لنا وإِنَّما هي لله تعالى فلمَّا أمرنا تعالى بتلاوة القرآن وقد حكى لنا فيه قول أهل الكفر وأخبرنا تعالى أَنَّه لا يرضى لعباده الكفر خرج القاريءُ للقرآن بذلك عن الكفر إلى رِضا الله عزَّ وجل والإيمان، بحكايته ما نصَّ الله تعالى بأداء الشهادة بالحقِّ فقال تعالى: ?إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلمُونَ? (2) خرج الشاهد المُخْبِر عن الكافر بكفره عن أَنْ يكون بذلك كافراً إلى رِضا الله عزَّ وجل والإيمان.
ولما قال تعالى: ?إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا (1) ?. خرج من ثبت إِكراهُه عن أَنْ يكون بإظهار الكفر كافراً إلى رخصةِ الله تعالى والثَّبات على الإيمان، وبقي من أظهر الكفر: لا قارئاً ولا شاهداً، ولا حاكياً ولا مكرهاً على وجوب الكفر له بإجماع الأمَّة على الحكم له بحكم الكفر وبحكم رسول الله ? بذلك، وبنصِّ القرآن على من قال كلمة الكفر إِنَّه كافرٌ، وليس قول الله عزَّ وجل ?ولكِنْ مَنْ شَرَحَ بالكُفْرِ صَدْرَاً? على ما ظنُّوه من اعتقاد الكفر فقط، بل كلُّ من نطق بالكلام الذي يُحكم لقائله عند أهل الإسلام بحكم الكفر لا قارئاً ولا شاهداً ولا حاكياً ولا مكرهاً فقد شرح بالكفر صدراً؛ بمعنى أَنَّه شرح صدره لقبولِ الكفر المحرَّم على أهل الإسلام وعلى أهل الكفر أَنْ يقولوه وسواءً اعتقدوه أو لم يعتقدوه، لأَنَّ هذا العمل من إعلان الكفر على غير الوجوه المباحة في إيرادِه وهو شرحُ الصدرِ به، فبطل تمويههم بهذه الآية وبالله تعالى التوفيق)) (1).
وقال أيضاً:
((وأما قولهم – يعني الجهميّة والأشاعرة المرجئة - إِنَّ إخبار الله تعالى بأَنَّ هؤلاء كلّهم كفَّارٌ دليلٌ على أَنَّ في قلوبهم كفراً وأَنَّ شَتْمَ الله تعالى ليس كفراً ولكنَّه دليلٌ على أَنَّ في القلب كفراً وإنْ كان كافراً لم يعرفِ الله تعالى قطٌّ. فهذه منهم دعوى مفتراة لا دليلَ لهم عليها ولا برهان: لا من نصٍ، ولا سنَّةٍ صحيحةٍ، ولا سقيمةٍ، ولا حجَّة من عقلٍ أصلاً، ولا من إجماعٍ، ولا من قياسٍ، ولا من قول أحدٍ من السَّلف قبل اللعين جَهْم بن صفوان وما كان هكذا فهو باطلٌ وإفكٌ وزورٌ، فسقط قولهم هذا من قربٍ ولله الحمد ربِّ العالمين. فكيف والبرهان قائمٌ بإبطال هذه الدَّعوى من القرآن والسُّنن والإجماع والمعقول والحسِّ والمشاهدة الضرورية؟)) (1)
وقال أيضاً:
((ونقول للجهميَّة والأشعريَّة في قولهم: إِنَّ جحدَ الله تعالى وشتْمَه، وجحْدَ الرَّسول ? إذا كان كلّ ذلك باللسان فإِنَّه ليس كفراً لكنَّه دليل على أنَّ في القلب كفراً … من ادَّعى أَنَّ الله شهد بأَنَّ من أعلنَ الكفر فإِنَّه جاحدٌ بقلبه، فقد كذب على الله عزَّ وجل، وافترى عليه، بل هذه شهادة الشيطان التي أضلَّ بها أولياءَه، وما شهد الله تعالى إلاَّ بضدِّ هذا، وبأَنَّهم يعرفون الحقَّ ويكتمونه، ويعرفون أَنَّ الله تعالى حقٌّ، و أنَّ محمداً رسول الله ? حقٌّ، ويظهِرون بألسنتهم خلافَ ذلك، وما سمَّاهم الله عزَّ وجل قطُّ كفَّاراً إلاَّ بما ظهر منهم بألسنتِهم، وأفعالِهم كما فعل إبليس وأهل الكتاب، وغيرهم)) (2).
16. الحافظ يوسف بن عبد الله بن عبد البر (المالكي). ت:463هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/288)
نقل كلام إسحاق بن راهويه ولم يتعقبّه بشيءٍ فقال: ((قال إسحاق: أجمع العلماء أنَّ من سبَّ الله عزَّ وجلَّ، أو رسولَه ?، أو دفع شيئاً أنزله الله، أو قتل نبيَّاً من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقرٌّ بما أنزل الله، أنَّه كافرٌ)) (1).
17. إمام الحرمين عبدالملك بن عبدالله الجوَينيّ (الشافعيّ) ت:478هـ
قال الهيتميّ في "الزواجرعن اقتراف الكبائر":
((نقل إمام الحرمين عن الأصوليّين أَنَّ من نطق بكلمة الرِّدَّة، وزعم أَنَّه أضمر توريةً كَفَرَ ظاهراً وباطناً، وأقرَّهم على ذلك)) (2)
18. عليُّ بن محمَّد البزدَويّ (الحنفيّ). ت:482هـ
((فإنَّ الهَزْل بالرِّدَّة كفرٌ لا بما هَزَل به لكن بعَيْنِ الهَزْل؛ لأَنَّ الهازلَ جادٌّ في نفس الهَزْل مختارٌ راضٍ والهَزْل بكلمة الكفرِ استخفاف بالدِّين الحقِّ فصار مُرتدَّاً بعينه لا بما هَزَل به إلاَّ أَنَّ أثرهما سواءٌ بخلاف المُكْرَه ; لأَنَّه غير معتقدٍ لِعَيْن ما أُكْرِه عليه)) (3).
19. عمادُ الدِّين عليُّ بن محمَّد الكِيا الهرَّاسي (الشافعيّ). ت:504هـ
قال في "أحكام القرآن" عند تفسير قوله تعالى: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ؟ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? (1): ((فيه دلالةٌ على أنَّ اللاَّعب والخائض سواءٌ في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه، لأَنَّ المنافقين ذكروا أَنَّهم قالوا ما قالوه لَعِباً، فأخبر الله تعالى عن كفرهم باللَّعِب بذلك، ودلَّ أنَّ الاستهزاءَ بآياتِ الله تعالى كفرٌ)).
20. القاضي أبو بكرٍ بن العربيّ (المالكيّ). ت:543هـ
قال في تفسير قوله تعالى: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ .. ?: ((لا يخلو أَنْ يكونَ ما قالوه من ذلك جدَّاً أو هَزْلاً، وهو كيفما كان كفرٌ، فإِنَّ الهزلَ بالكفرِ كفرٌ، لا خلاف فيه بين الأمَّة. فإِنَّ التَّحقيق أخو الحقَّ والعلم، والهزلَ أخو الباطل والجهل. قال علماؤنا: انظر إلى قوله: ?أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَال أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ (2) ?)) (3).
21. القاضي عياض بن موسى (المالكيّ). ت:544هـ
((أَنْ يكون القائل لما قال في جهته ـ عليه السلام ـ غير قاصدٍ للسبِّ، والإزراء، ولا معتقدٍ له. ولكنَّه تكلَّم في جهته - عليه السلام - بكلمة الكفر من لعنه، أو سبِّه، أو تكذيبه أو إضافة ما لا يجوز عليه، أو نفيِّ ما يجب له ممَّا هو في حقِّه - عليه السلام - نقيصة. مثل أَنْ ينسِب إِليه إتْيان كبيرةٍ. أو مداهنة في تبليغ الرسالة. أو في حكمٍ بين النَّاس. أو يغضَّ من مرتبته أو شرفِ نسبِه أو وفورِ علمه، أو زهدِه، أو يكذِّب بما اشتهر به من أمورٍ أخبر بها ـ عليه السلام ـ وتواتر الخبر بها عن قصدٍ لردِّ خبره. أو يأتي بسفَهٍ من القول، وقبيحٍ من الكلام، ونوعٍ من السبِّ في حقِّه. وإنْ ظهر بدليل حاله، أَنَّه لم يتعمّد ذمَّه ولم يقصد سبَّه. إمَّا لجهالة حمَلَتْه على ما قالَه. أو الضَّجر، أو سُكْر اضطرَّه إليه، أو قلَّة مراقبةٍ وضبطٍ للسانه، وعجرفةٍ، وتهوُّر في كلامِه.
فحكمُ هذا الوجه حكمُ الوجهِ الأوَّل القتل. وإِنْ تَلَعْثَم. إذْ لا يُعْذَر أحدٌ في الكفر بالجَهالة، ولا بدعوى زَلَلِ اللسان ولا بشيءٍ ممَّا ذكرناه إذا كان عقلُه في فطرته سليماً، إلاَّ من أُكْرِه وقلبُه مطمئنٌّ بالإيمان)) (1).
وقال: ((وكذلك نقطع بتكفير كلِّ قائل قولاً يُتوصل به إلى تضليل الأمَّة وتكفير جميع الصَّحابة … وكذلك نكفِّر بفعلٍ أجمع المسلمون على أَنَّه لا يصدُرُ إلاَّ من كافر وإنْ كان صاحبُه مصرِّحاً بالإسلام مع فعله كالسجود للصَّنم، أو الشمس، والقمر، والصَّليب، والنَّار. والسَّعي إلى الكنائس والبِيَع مع أهلِها. والتَّزيِّي بزيِّهم من شدِّ الزَّنانير وفحص الرؤوس (1) فقد أجمع المسلمون أنَّ هذا الفعل لا يوجد إلاَّ من كافرٍ وأَنَّ هذه الأفعال علامةٌ على الكفر (2). وإِنْ صرَّح فاعلها بالإسلام)) (3).
22. فخر الدِّين محمَّد بن عمر الرَّازيّ. ت:544هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/289)
قال في "مفاتح الغيب" عند تفسير قوله تعالى: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ؟ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (4) ?: ((المسألة الثالثة: قوله "قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ " يدلُّ على أحكام:
الحكم الأول: أنَّ الاستهزاء بالدِّين كيف كان كفراً بالله. وذلك لأَنَّ الاستهزاء يدلُّ على الاستخفاف والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله تعالى بأقصى الإمكان والجمع بينهما محال.
الحكم الثاني: أَنَّه يدلُّ على بطلان قول من يقول، الكفر لا يدخل إلاَّ في أفعال القلوب.
الحكم الثالث: يدلُّ على أَنَّ قولهم الذي صدر منهم كفرٌ في الحقيقة، وإِنْ كانوا منافقين من قبلُ، وأَنَّ الكفر يمكن أَنْ يتجدَّد من الكافر حالاً فحالاً.
الحكم الرابع: يدلُّ على أنَّ الكفر إِنَّما حدث بعد أنْ كانوا مؤمنين)).
23. علاء الدِّين مسعود بن أحمد الكاسانيّ (الحنفيّ). ت:587هـ
(((فصل). وأما بيان أحكام المرتدِّين فالكلام فيه في مواضع، في بيان ركن الرِّدَّة، وفي بيان شرائط صحَّة الرُّكن، وفي بيان حكم الرِّدَّة أما ركنها، فهو إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد وجود الإيمان، إذِ الرِّدَّة عبارة عن الرجوع عن الإيمان، فالرجوع عن الإيمان يسمى رِدَّة في عُرْفِ الشرع)) (1).
24. فخر الدِّين حسن بن منصور الفرغان (الحنفيّ). ت:592هـ
قال في "الفتاوى": ((رجل كفر بلسانه طائعاً و قلبُه على الإيمان يكون كافراً ولا يكون عند الله تعالى مؤمناً)) (1)
25. أبو الفرج عبد الرحمن بن عليٍّ ابن الجوزيّ. ت:597هـ
((والسَّادس: أَنَّ عبد الله بن أُبَيّ، ورَهْطاً معه، كانوا يقولون في رسول الله وأصحابه ما لا ينبغي، فإذا بلغ رسول الله ? قالوا: إِنَّما كنَّا نخوض ونلعب، فقال الله تعالى: ?قل? لهم ?أَبِالله وآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُم تَسْتَهْزِؤون?، قاله الضحَّاك. فقوله: ?ولئن سألتهم? أي: عمَّا كانوا فيه من الاستهزاء ?لَيَقولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ? أي: نلهو بالحديث. وقوله: ?قَدْ كَفَرْتُمْ? أي: قد ظهر كفركم بعد إظهارِكم الإيمان، وهذا يدلُّ على أَنَّ الجدَّ واللعِبَ في إظهار كلمة الكفر سواء)) (2).
26. جلال الدِّين عبد الله بن نجم بن شاس (المالكيّ). ت:616هـ
((وظهور الرِّدَّة إمَّا أنْ يكون بالتَّصريح بالكفر، أو بلفظٍ يقتضيه، أو بفعلٍ يتضمَّنه)) (3).
27. برهان الدِّين محمود بن أحمد بن مازه (الحنفيّ). ت:616هـ
قال في "المحيط": ((من أتى بلفظةِ الكفر مع علمِه أَنَّها لفظةُ الكفر عن اعتقاده فقد كفر، و لو لم يعتقد أو لم يعلم أَنَّها لفظة الكفر ولكن أتى بها عن اختيار فقد كفر عند عامَّة العلماء ولا يُعْذَر بالجهل (1) …ومن كفر بلسانِه طائعاً وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان فهو كافر ولا ينفعه ما في قلبه)) (2).
28. عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسيّ (الحنبليّ). ت:620هـ
قال عن المرتدِّ: ((يفسد صومه، وعليه قضاء ذلك اليوم، إذا عاد إلى الإسلام. سواء أسلم في أثناء اليوم، أو بعد انقضائه، وسواء كانت رِدَّته باعتقاده ما يكفر به، أو بشكِّه فيما يكفر بالشكِّ فيه، أو بالنُّطق بكلمة الكفر، مستهزئاً أو غير مستهزئٍ، قال الله تعالى: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ؟ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (3) ?. وذلك لأن الصَّوم عبادة من شرطها
النِّيَّة، فأبطلَتْها الرِّدَّة، كالصَّلاة والحجِّ، ولأَنَّه عبادةٌ محضة. فنافاها الكفر، كالصَّلاة)) (1).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/290)
وقال: ((ومن سبَّ الله تعالى كفر، سواءً كان مازحاً أو جادَّاً وكذلك من استهزأ بالله تعالى، أو بآياته أو برسله، أو كتبه، قال الله تعالى: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ؟ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ?. وينبغي أَنْ لا يُكْتَفى من الهازئ بذلك بمجرِّد الإسلام، حتى يؤدَّب أدباً يزجره عن ذلك، فإنَّه إذا لم يُكتف مِمَّن سبَّ رسولَ الله ? بالتوبة، فمِمَّن سبَّ الله تعالى أولى)) (2).
29. عثمان بن أبي بكرٍ المعروف بابن الحاجب (المالكيّ). ت:646هـ
قال في "جامع الأمهات"
((الردة: الكفر بعد الإسلام، و يكون: بصريحٍ، وبلفظٍ يقتضيه، وبفعلٍ يتضمَّنُه)) (3).
30. أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي. ت:671هـ
استشهد بقول القاضي أبو بكر بن العربي في تفسير قوله تعالى: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ .. ? ولم يتعقبّه بشيءٍ. فقال: ((قال القاضي أبو بكر بن العربي: لا يخلو أنْ يكون ما قالوه من ذلك جدَّاً أو هَزْلاً، وهو كيفما كان كفْرٌ، فإِنَّ الهزل بالكفرِ كفرٌ لا خلاف فيه بين الأمَّة. فإنَّ التَّحقيق أخو العلم والحقِّ، والهزْلَ أخو الباطل والجهل. قال علماؤنا: انظر إلى قوله: ?أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَال أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ (1) ?)) (2).
31. محيي الدين يحيى بن شرف النوويّ (الشافعيّ). ت:676هـ
قال في "روضة الطالبين" في كتاب الرِّدَّة:
((هي قطع الإسلام، ويحصل ذلك تارةً بالقول الذي هو كفرٌ، وتارةً بالفعل، والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمُّد واستهزاءٍ بالدِّين صريحٌ، كالسُّجود للصَّنم أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات. والسِّحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها، قال الإمام: في بعض التعاليق عن شيخي أَنَّ الفعل بمجرَّده لا يكون كفراً، قال: وهذا زَلَل عظيم من المعلِّق ذكرته للتَّنبيه على غلَطِه، وتحصل الرِّدَّة بالقول الذي هو كفرٌ، سواء صدر عن اعتقادٍ أو عِنادٍ أو استهزاءٍ)) (1).
وقال في "شرح صحيح مسلم" عند الكلام عن حكم السِّحر:
((ومنه ما يكون كفراً، ومنه ما لا يكون كفراً بل معصيةً كبيرة، فإِنْ كان فيه قولٌ أو فعلٌ يقتضي الكفر، فهو كفرٌ وإلاَّ فلا، وأما تعلُّمَه وتعليمَه فحرامٌ، فإنْ كان فيه ما يقتضي الكفر كفِّر واسْتُتيبَ منه …)) (2).
ـ[ Ahmed Salem] ــــــــ[26 - 09 - 03, 03:08 ص]ـ
كفِّر واسْتُتيبَ منه …)) (2).
32. شهاب الدِّين أحمد بن إدريسٍ القرافيّ (المالكيّ). ت:684هـ
((الكفر قسمان: متَّفقٌ عليه ومختَلَفٌ فيه هل هو كفرٌ أمْ لا فالمتفق عليه نحو الشِّرك بالله وجَحْد ما عُلِمَ من الدَّين بالضرورة كجَحْد وجوب الصَّلاة والصَّوم ونحوهما والكفر الفعليّ نحو إلقاء المصحف في القاذورات، وجحد البَعْث أو النُّبوَّات أو وصفه تعالى بكونه لا يعلم أو لا يريد أو ليس بحيٍّ ونحوه وأمّا المختَلَف فيه …)) (1).
وقال: ((وأصل الكفر إِنَّما هو انتهاكٌ خاصٌّ لحرمة الرُّبوبيَّة، إمَّا بالجهل بوجود الصانع، أو صفاته العُلا، و يكون الكفر بفعلٍ كرمي المصحف في القاذورات أو السُّجود لصنم أو التردُّد للكنائس في أعيادِهم بزيِّ النَّصارى ومباشرة أحوالهم …)) (2).
وفي "الذخيرة": ((الرِّدَّة … عبارة عن قطع الإسلام من مكلَّفٍ، وفي غير البالغ خلافٌ، إما باللفظ أو بالفعل كإلقاء المصحف في القاذورات، ولكليهما مراتبُ في الظُّهور والخفاء)) (3)
33. شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيميَّة. ت: 728هـ
قال في "مجموع الفتاوى": ((فهؤلاء القائلون بقول جهم والصَّالحي قد صرَّحوا بأَنَّ سبَّ الله ورسوله: والتكلُّم بالتَّثليث وكلّ كلمة من كلام الكفر ليس هو كفراً في الباطن ولكنَّه دليل في الظَّاهر على الكفر ويجوز مع هذا أَنْ يكون هذا السابُّ الشاتِم في الباطن عارفاً بالله موحداً له مؤمناً به فإذا أُقيمَتْ عليهم حجَّةٌ بنصٍّ أو إجماعٍ أَنَّ هذا كافرٌ باطناً وظاهراً. قالوا: هذا يقتضي أَنَّ ذلك مستلزِمٌ للتَّكذيب الباطن وأَنَّ الإيمان يستلزم عدم ذلك: فيقال لهم: معنا أمران معلومان:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/291)
(أحدهما): معلومٌ بالاضطرار من الدِّين. و (الثاني): معلوم بالاضطرار من أنفسِنا عند التأمُّل. أمَّا "الأول": فإنَّا نعلم أَنَّ من سبَّ الله ورسولَه طوعاً بغير كَرْه (1)، بل من تكلَّم بكلمات الكفر طائعاً غير مُكْرَهٍ، ومن استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافرٌ باطناً وظاهراً، وإِنَّ من قال: إِنَّ مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمناً بالله وإِنَّما هو كافرٌ في الظَّاهر، فإنَّه قال قولاً معلوم الفساد بالضَّرورة من الدِّين وقد ذكر الله كلماتِ الكفَّار في القرآن وحكم بكفرهم واستحقاقهم الوعيد بها ولو كانت أقوالهم الكفريَّة بمنزلة شهادةِ الشُّهود عليهم، أو بمنزلة الإقرار الذي يغلط فيه المقِرُّ لم يجعلهم الله من أهل الوعيد بالشهادة التي قد تكون صِدْقاً وقد تكون كَذِباً، بل كان ينبغي أَنْ لا يعذِّبهم إلاَّ بشرط صِدْق الشَّهادة وهذا كقوله تعالى: ?لقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ (2) ? ?لقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ? (3) وأمثال ذلك.
وأما "الثاني": فالقلب إذا كان معتقداً صدقَ الرَّسول، وأَنَّه رسول الله، وكان محِبَّاً لرسول الله معظِّماً له، امتنع مع هذا أن يلعنَه ويسبَّه فلا يُتَصَّور ذلك منه إلاَّ مع نوعٍ من الاستخفاف به وبحرمَتِه، فَعُلِم بذلك أنَّ مجرَّد اعتقاد أَنَّه صادق لا يكون إيماناً إلاَّ مع محبَّته وتعظيمه بالقلب)) (1).
وقال أيضاً: ((قوله: ?مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُوْلئِكَ الذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُوْلئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الْخَاسِرُونَ (109) (2) ?، فقد ذكر تعالى من كفر بالله من بعدِ إيمانِهِ وذكر وعيدَه في الآخرة، ثم قال: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ ?وبَيَّن تعالى أَنَّ الوعيد استحقوه بهذا (3). ومعلومٌ أَنَّ باب التَّصديق والتَّكذيب والعلم والجهل ليس هو من باب الحبِّ والبُغْضِ، وهؤلاء يقولون إِنَّما استحقُّوا الوعيدَ لزوال التَّصديق والإيمان من قلوبهم، وإِنْ كان ذلك قد يكون سببه حبَُ الدُّنيا على الآخرة، والله سبحانه وتعالى جعل استحبابَ الدُّنيا على الآخرة هو الأصل الموجب للخُسْران. واستحباب الدُّنيا على الآخرة قد يكون مع العلم والتَّصديق بأَنَّ الكفر يضرُّ في الآخرة، وبأَنَّه مالَه في الآخرة من خَلاق.
و "أيضاً" فإِنَّه سبحانه استثنى المكْرَه من الكفار، ولو كان الكفر لا يكون إلاّ بتكذيب القلب وجهله لم يُسْتَثْنَ منه المُكرَه، لأَنَّ الإكراه على ذلك ممتنعٌ فعُلِمَ أَنَّ التَّكلُّم بالكفركفرٌ إلاَّ في حال الإكراه.
وقوله تعالى: ?وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا? أي: لاستحبابه الدُّنيا على الآخرة، ومنه قول النبي?: (يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينَه بعَرَضٍ من الدُّنيا) (1) فمن تكلَّم بدون الإكراه، لم يتكلَّم إلاَّ وصدرُه منشرحٌ به)) (2).
وقال: ((فإن قيل: فقد قال تعالى:?وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا? قيل: وهذا موافقٌ، لأوَّلها فإِنَّه من كفر من غير إكراهٍ فقد شرح بالكفر صدراً، وإلا ناقض أول الآية آخرها، ولو كان المراد بمن كفر هو الشَّارح صدرَه، وذلك يكون بلا إكراه، لم يستَثْنِ المكرَه فقط، بل كان يجب أن يستثنى المكرَهُ وغير المكرَهِ إذا لم يشرح صدرَه، وإذا تكلَّم بكلمة الكفر طوعاً فقد شرح بها
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/292)
صدراً وهي كفرٌ، وقد دلَّ على ذلك قولُه تعالى: ?يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّل عَليْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) ? (1) فقد أخبر أَنَّهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم: إنَّا تكلَّمْنا بالكفر من غير اعتقادٍ له، بل كنا نخوض ونلعب، وبيَّن أَنَّ الاستهزاء بآيات الله كفرٌ، ولا يكون هذا إلاَّ ممَّن شرح صدره بهذا الكلام، ولو كان الإيمانُ في قلبه منعَه أنْ يتكلَّمَ بهذا الكلام)) (2).
وقال في "الصارم المسلول": ((من قال بلسانه كلمةَ الكفرِ من غير حاجةٍ عامداً لها عالماً بأَنَّها كلمة كفرٍ فإِنَّه يكفرُ بذلك ظاهراً وباطناً، ولأنَّا لا نجوِّز أَنْ يقال: إِنَّه في الباطن يجوز أَنْ يكونَ مؤمناً، ومن قال ذلك فقد مَرَق من الإسلام، قال سبحانه: ?مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (3) ? ومعلومٌ أَنَّه لم يُرِدْ بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط، لأَنَّ ذلك لا يُكره الرَّجل عليه، وهو قد استثنى من أُكْرِه ولم يُرِدْ من قال واعتقد، لأَنَّه استثنى المُكرَه وهو لا يُكرَه على العقد والقول، وإِنَّما يُكرَه على القول فقط، فعلِم أَنَّه أراد من تكلَّم بكلمة الكفر فعليه غضبٌ من الله وله عذابٌ عظيم وأَنَّه كافرٌ بذلك إلاَّ من أُكرِه وهو مطمئنٌّ بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدراً من المُكرَهين فإِنَّه كافرٌ أيضاً، فصار من تكلَّم بالكفر كافراً إلاَّ من أُكرِه فقال بلسانه كلمةَ الكفر وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان، وقال تعالى في حقِّ المستهزئين: ?لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ?)) (1).
وقال أيضاً:
((وقال سبحانه: ?وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِليْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَليْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْل الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (51) (2) ? فبيَّن سبحانه أَنَّ من تولَّى عن طاعة الرَّسول وأعرض عن حكمِه فهو من المنافقين، وليس بمؤمنٍ، وأَنَّ المؤمن هو الذي يقول: سمعنا وأَطعنا، فإذا كان النِّفاق يثبُتُ، ويزولُ الإيمان بمجرَّد الإعراض عن حكم الرَّسول وإرادة التَّحاكم
إلى غيرِه، مع أنَّ هذا ترك محضٌ، وقد يكون سببه قوَّة الشَّهوة، فكيف بالتنَّقص والسبِّ ونحوه؟)) (1).
وقال أيضاً:
((ولا فرقٌ بين من يعتقد أَنَّ الله ربَّه، وأَنَّ الله أمره بهذا الأمر ثم يقول: إِنَّه لا يطيعه، لأَنَّ أمره ليس بصوابٍ ولا سدادٍ، وبين من يعتقد أَنَّ محمَّداً رسول الله وأَنَّه صادقٌ واجبُ الاتباع في خبره وأمره، ثم يسبّه أو يَعيب أمرَه أو شيئا من أحواله، أو تنقَّصه انتقاصاً لا يجوز أَنْ يستحقَّه الرَّسول، وذلك أَنَّ الإيمان قولٌ وعمل، فمن اعتقد الوحدانيَّة في الألوهيَّة لله سبحانه وتعالى، والرِّسالة لعبده ورسوله، ثم لم يُتْبِع هذا الاعتقاد موجَبَه من الإجلال والإكرام - الذي هو حالٌ في القلب يظهر أثره على الجوارح، بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والازدراء بالقول أو بالفعل - كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه، وكان ذلك موجباً لفساد ذلك الاعتقاد، ومزيلاً لما فيه من المنفعة والصَّلاح، إذْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/293)
الاعتقادات الإيمانية تزكِّي النفوس وتصلِحها، فمتى لم توجب زكاة النفس ولا صلاحها فما ذاك إلاَّ لأَنَّها لم ترسخْ في القلب، ولم تصِرْ صفةً ونعتاً للنَّفس ولا صَلاحاً، وإذا لم يكُنْ علم الإيمان المفروض صفةٌ لقلب الإنسان لازمةٌ له لم ينفعه، فإِنَّه يكون بمنزلةِ حديث النَّفس وخواطر القلب، والنجاة لا تحصل إلا بيقينٍ في القلب، ولو أَنَّه مثقال ذرَّة. هذا فيما بينَه وبين الله، وأمَّا في الظَّاهر فيُجري الأحكامَ على ما يظهِره من القول والفعل)) (1).
وقال أيضاً: ((إنَّ من سبَّ الله أو سبَّ رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواءً كان السابُّ يعتقد أَنَّ ذلك محرَّم، أو كان مستحلاًّّ له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنَّة القائلين بأنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ …
وكذلك نُقِلَ عن الشافعيّ أَنَّه سُئِل عمَّن هَزَلَ بشيءٍ من آياتِ الله تعالى أَنَّه قال: هو كافرٌ، واستدلَّ بقول الله تعالى: ?قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ؟ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (2) ? وكذلك قال أصحابنا وغيرهم: من سبَّ الله كفر، سواءً كان مازحاً أو جادَّاً لهذه الآية وهذا هو الصواب المقطوع به …. ويجب أَنْ يعلم أَنَّ القول بأَنَّ كفر السَّابِّ في نفس الأمر إِنَّما هو لاستحلاله السبَّ زلَّة منكَرةٌ وهفوةٌ عظيمةٌ … وذلك من وجوه:
أحدها: أَنَّ الحكاية المذكورة عن الفقهاء أَنَّه إِنْ كان مستحلاًّ كفر، وإلاَّ فلا، ليس لها أصلٌ، وإِنَّما نقلها القاضي من كتاب بعض المتكلِّمين الذين نقلوها عن الفقهاء، وهؤلاء نقلوا قول الفقهاء بما ظنُّوه جارياً على أصولِهم، أو بما قد سمعوه من بعض المنتسبين إلى الفقه ممن لا يعدُّ قوله قولاً، وقد حكينا نصوص أئمة الفقهاء وحكاية إجماعهم عمن هو من أعلم الناس بمذاهبهم، فلا يظنُّ ظانٌ أَنَّ في المسألة خلافاً يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد، وإِنَّما ذلك غلطٌ، لا يستطيع أحدٌ أَنْ يحكي عن واحدٍ من الفقهاء أئمةَ الفتْوى هذا التفصيل البتَّةَ.
الوجه الثاني: أَنَّ الكفر إذا كان هو الاستحلال فإِنَّما معناه اعتقاد أَنَّ السبَّ حلالٌ، فإِنَّه لمَّا اعتقد أَنَّ ما حرَّمه الله تعالى حلالٌ كفَرَ، ولا رَيْبَ أَنَّ من اعتقد في المحرَّمات المعلوم تحريمها أَنَّها حلال كفر، لكن لا فرق في ذلك بين سبِّ النَّبيِّ وبين قذف المؤمنين والكذب عليه والغِيبة لهم إلى غير ذلك من الأقوال التي علم أَنَّ الله حرَّمها، فإِنَّه من فعل شيئاً من ذلك مستحلاًّ كفرٌ، مع أَنَّه لا يجوزُ أَنْ يُقال: مَنْ قذفَ مسلماً أو اغتابه كفر، ويعني بذلك إذا استحلَّه.
الوجه الثالث: أَنَّ اعتقاد حلِّ السَّبِّ كفر، سواء اقترن به وجود السبِّ أو لم يقترن، فإذاً لا أثر للسبِّ في التَّكفير وجوداً وعدماً، وإِنَّما المؤثِّر هو الاعتقاد، وهو خلاف ما أجمع عليه العلماء.
الوجه الرابع: أَنَّه إذا كان المكفِّر هو اعتقاد الحلِّ فليس في السبِّ ما يدلُّ على أَنَّ السَّابَّ مستحلٌّ، فيجب أنْ لا يكفَّر، لاسيَّما إذا قال " أنا أعتقد أَنَّ هذا حرامٌ، وإِنَّما أقول غيظاً وسفَهاً، أو عبثاً أو لعباً " كما قال المنافقون: ?إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ?.
وكما إذا قال: إِنَّما قذفت هذا وكذبت عليه لعباً وعبثاً، فإن قيل لا يكونون كفاراً فهو خلاف نصِّ القرآن، وإنْ قيل يكونون كفاراً فهو تكفيرٌ بغير موجبٍ إذا لم يجعل نفس السَّبِّ مكفِّراً، وقول القائل: أنا لا أصدِّقه في هذا لا يستقيم، فإنَّ التَّكفير لا يكون بأمرٍ محتملٍ، فإذا كان قد قال: أنا أعتقد أنَّ ذلك ذنبٌ ومعصيةٌ وأنا أفعلُه، فكيف يكفر إن لم يكن ذلك كفراً؟
ولهذا قال سبحانه وتعالى: ?لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? ولم يقل قد كذبتم في قولكم إِنَّما كنَّا نخوض ونلعب، فلم يكذِّبهم في هذا العُذر كما كذَّبهم في سائر ما أظهروه من العذر الذي يوجب براءتهم من الكفر لو كانوا صادقين، بل بَيَّن أَنَّهم كفروا بعد إيمانهم، بهذا الخوض واللعب)) (1).
34. علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري (الحنفي). ت:730هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/294)
((فإِنَّ الهَزْل بالرِّدَّة كفرٌ لا بما هَزَل به لكن بعين الهزل؛ لأَنَّ الهازل جادٌّ في نفس الهَزل مختارٌ راضٍ والهزل بكلمة الكفر استخفافٌ بالدِّين الحقِّ فصار مرتدَّاً بعينه لا بما هزل به إلاَّ أَنَّ أثرهما سواءٌ بخلاف المكره؛ لأَنَّه غير معتقدٍ لِعَيْن ما أُكْرِه عليه.
قوله: لا بما هَزَل به ((جواب عما يقال إنَّ مبنى الرِّدَّة على تبدُّل الاعتقاد ولم يوجد هاهنا لوجود الهزل فإنَّه ينافي الرضاء بالحكم فينبغي أَنْ لا يكون الهزلَ بالرِّدَّة كفراً كما في حال الإكراهِ والسُّكر فقال الهزل بالرِّدَّة كفرٌ لا بما هزل بهِ لكن بعين الهزل يعني أَنَّا لا نحكم بكفره باعتبار أَنَّه اعتقد ما هَزَل به من الكفر بل نحكم بكفره باعتبار أَنَّ نفس الهزل بالكفر كفر; لأَنَّ الهازل وإِنْ لم يكن راضياً بحكم ما هزل به لكونه هازلاً فيه فهو جادٌّ في نفس التكلُّم به مختار للسَّبب راضٍ به فإِنَّه إذا سبَّ النبيَّ عليه السلام هازلاً مثلاً أو دعا لله تعالى شريكاً هازلاً فهو راضٍ بالتكلُّم به مختارٌ لذلك وإنْ لم يكن معتقداً لما يدلُّ عليه كلامه والتكلُّم بمثل هذه الكلمة هازلاً استخفافٌ بالدِّين الحقِّ وهو كفرٌ قال الله تعالى:? قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ?فصار المتكلِّم بالكفرِ بطريق الهزل مرتدَّاً بعين الهزل لاستخفافه بالدِّين الحقِّ لا بما هزل به أي لا باعتقاد ما هزل به إلاَّ أَنَّ أثرهما أي أثرَ الهزل بالكفرِ وأثر ما هزل به سواءً في إزالة الإيمان وإثبات الكفر بخلاف المُكرَه على الكفر; لأَنَّه غير راضٍ بالسبب والحكم جميعاً بل يجريه على لسانه اضطراراً ودفعاً للشرِّ عن نفسه غيرُ معتقدٍ له أصلاً. ولا يقال إنَّ الهازل لا يعتقدُ الكفر أيضاً لأَنَّا نقول هو معتقدٌ للكفر; لأنَّ ممَّا يجب اعتقاده حرمةُ الاستخفاف بالدِّين وعدمِ الرِّضاء به ولماَّ رضي بالهزل معتقداً له كان كافراً كذا في بعض الشُّروح)) (1).
35. عبيد الله بن مسعود المحبوبي البخاريّ (الحنفيّ). ت:747هـ
قال في "التوضيح":
((الهزل بالرِّدَّة كفرٌ لأَنَّه استخفافٌ فيكون مرتَدَّاً بعينِ الهزلِ لا بما هزل به) أي ليس كفره بسبب ما هَزَل به وهو اعتقادُ معنى كلمة الكفر التي تكلَّم بها هازلاً فإنَّه غيُر معتقدٍ معناها، بل كفَّره بعين الهزل، فإنَّه استخفاف بالدِّين وهو كفرٌ نعوذُ بالله تعالى منه)) (2).
36. زين الدين عمر بن مظفر الوردي (الشافعي). ت:749هـ
قال في البهجة:" (بَابُ الرِّدَّةِ)
مُكَلَّفٍ بِفِعْلٍ أَوْ تَكَلُّمِ أَفْحَشُ كُفْرٍ ارْتِدَادُ مُسْلِمِ
وَبِاعْتِقَادٍ مِنْهُ،كَالإِلْقَاءِ مَحْضٍ عِنَادًا وَبِالاسْتِهْزَاءِ
وَسَجْدَةٍ لِكَوْكَبٍ وَصُورَةِ" (1) لِلْمُصْحَفِ الْعَزِيزِ فِي الْقَاذُورَةِ
37. الحافظ محمد بن أبي بكر ابن قيِّم الجوزيَّة. ت:751هـ
قال في "كتاب الصّلاة": ((وشعب الإيمان قسمان: قوليّة، وفعليّة، وكذلك شُعَبُ الكفر نوعان: قوليّة وفعليّة، ومن شعَبِ الإيمان القوليَّة: شعبةٌ يوجب زوالها زوالَ الإيمان فكذلك من شعبِهِ الفعليّة ما يوجب زوالَ الإيمان. وكذلك شعبُ الكفر القوليَّة والفعليَّة، فكما يكفر بالإتيان بكلمة الكفر اختياراً، وهي شعبة من شعب الكفر، فكذلك يكفر بفعل شعبةٍ من شُعبه كالسُّجود للصَّنم، والاستهانَة بالمصحفِ، فهذا أصل.
وها هنا أصلٌ آخرُ، وهو أنَّ حقيقة الإيمان مركَّبةٌ من قولٍ وعمل. والقول قسمان: قول القلب، وهو الاعتقاد، وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام. والعمل قسمان: عمل القلب، وهو نيَّته وإخلاصه، وعمل الجوارح، فإذا زالَت هذه الأربعة، زالَ الإيمانُ بكمالِه، وإذا زالَ تصديقُ القلب، لم تنفع بقيَّة الأجزاء، فإنَّ تصديقَ القلب شرطٌ في اعتقادها وكونها نافِعةً. وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصِّدق، فهذا موضعُ المعركة بين المرجئة وأهل السُّنة، فأهلُ السُّنة مجمعون على زوالِ الإيمان، وأَنَّه لا ينفع التَّصديق مع انتفاءِ عملِ القلب، وهو محبَّته وانقياده كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدقَ الرَّسول، بل ويقرُّون به سرّاً وجهراً ويقولون
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/295)
: ليس بكاذب، ولكن لا نتَّبعه، ولا نؤمن به.
وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب، فغير مستنكرٍ أَنْ يزولَ بزوالِ أعظم أعمالِ الجوارح (1)، ولا سيَّما إذا كان ملزوماً لعدم محبَّة القلب وانقياده الذي هو ملزومٌ لعدم التَّصديق الجازم كما تقدَّم تقريره، فإِنَّه يلزم من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح، إذْ لو أطاع القلب وانقاد، أطاعت الجوارح، وانقادت، ويلزمُ من عدم طاعته وانقياده عدم التّصديق المستلزم للطَّاعة، وهو حقيقة الإيمان، فإن الإيمان ليس مجرَّد التَّصديق كما تقدَّم بيانه، وإِنَّما هو التَّصديق المستلزِم للطَّاعة والانقياد، وهكذا الهدى ليس هو مجرَّد معرفة الحقِّ وتبيُّنه، بل هو معرفته المستلزمة لاتِّباعه، والعمل بموجبه، وإِنْ سمِّي الأوَّل هدى، فليس هو الهدى التّامّ المستلزم للاهتداء، كما أَنَّ اعتقاد التَّصديق، وإِنْ سُمِّي تصديقاً، فليس هو التصديق المستلزم للإيمان، فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته)) (2).
وقال في "أعلام الموقعين": ((وقد تقدَّم أَنَّ الذي قال لمَّا وجد راحلته اللهمَّ أنت عبدي وأنا ربُّك أخطأ من شدَّة الفرح لم يكفر بذلك وإِنْ أتى بصريح الكفر لكونه لم يُرِدْه والمُكْرَه على كلمةِ الكفر أتى بصريح كلمته ولم يكفر لعدم إرادته بخلاف المستهزئ والهازل فإنَّه يلزمه الطلاق والكفر وإِنْ كان هازلاً لأَنَّه قاصد للتكلُّم باللفظ وهزله لا يكونُ عذراً له بخلاف المُكْره والمخطئ والنَّاسي فإِنَّه معذور مأمور بما يقولَه أو مأذونٌ له فيه والهازل غير مأذونٍ له في الهزل بكلمة الكفر والعقود فهو متكلِّم باللفظ مُريدٌ له ولم يصرفه عن معناه إكراهٌ ولا خطأٌ ولا نسيانٌ ولا جهلٌ والهزل لم يجعله الله ورسولَه عذراً صارفاً بل صاحبه أحقُّ بالعقوبة ألا ترى أنَّ الله تعالى عذر المكره في تكلُّمه بكلمةِ الكفر إذا كان قلبه مطمئنّاً بالإيمان ولم يعذَر الهازلُ بل قال: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ?)) (1).
38. تقيّ الدِّين عليُّ بن عبد الكافي السبكيّ (الشافعيّ). ت:756هـ
قال في "الفتاوى": ((التَّكفير حكمٌ شرعيٌّ سببه جَحْد الرُّبوبيَّة أو الوحْدانيّة، أو الرِّسالة، أو قول أو فعل حكمَ الشَّارعُ بأنَّه كفر وإِنْ لم يكنْ جَحْداً)) (2).
37. (1) محمَّد بن مفلح المقدسيّ (الحنبليّ).ت:763هـ
((المرتَدُّ: من كفر طَوعاً ولو هازلاً بعد إسلامه، … قال جماعة: أو سجد لشمسٍ أو قمرٍ)) (1).
39. الحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير. ت:774هـ
قال في تفسير قوله تعالى:?مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُوْلئِكَ الذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُوْلئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الْخَاسِرُونَ (109) (2) ?
((أخبر تعالى عمَّن كفر به بعد الإيمان والتبصُّر، وشرح صدره بالكفر واطمأنَّ به، أنَّه قد غضب عليه لعلمهم بالإيمان ثم عُدُولِهم عنه، وأنَّ لهم عذاباً عظيماً في الدَّار الآخرة، لأَنَّهم استحبُّوا الحياة الدُّنيا على الآخرة، فأقدموا على ما أقدموا عليه من الرِّدَّة لأجلِ الدُّنيا، .. وأمَّا قوله: ? إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ? فهو استثناءٌ ممَّن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مُكرهاً لما ناله من ضربٍ وأذى، وقلبه يأبى ما يقول، وهو مطمئنٌّ بالإيمان بالله ورسولِه)).
40. الشيخ خليل بن إسحاق (المالكيّ). ت:776هـ
قال في " المختصر " في باب الرِّدَّة:
((الرِّدَّة: كفر المسلم بصريحٍ، أو لفظٍ يقتضيه، أو فعلٍ يتضمَّنَه: كإلقاء مصحفٍ بقَذَرٍ، وشدِّ زنارٍ، وسحرٍ …)) (1).
41. محمَّد بن عبد الرحمن العثمانيّ (الشافعيّ). ت: بعد 780هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/296)
((الرِّدَّة هي قطعُ الإسلام بقولٍ، أو فعلٍ، أو نيَّةٍ)) (2).
42. عالم بن العلاء الأندربتي الدهلويّ (الحنفيّ). ت:786هـ
نقل في "الفتاوى التاتارخانيّة" كلام برهان الدِّين بن مازه السابق ولم يتعقّبه بشيءٍ ثّم قال: ((وفي النصاب: ولو أطلق كلمة
الكفر إلاَّ أَنَّه لا يعتقد، اختلف جواب المشايخ، والأصحّ أَنَّه يكفر لأَنَّه يستخفُّ بدينِه)) (1).
43. سعد الدِّين مسعود بن عمر التفتازانيّ (الشافعيّ). ت:792هـ
(((قوله: فيكون) أيّ: الهازل بالرِّدَّة مرتدَّاً بنفس الهزل لا بما هزَل به لما فيه من الاستخفاف بالدِّين، وهو من إمارات تبدُّل الاعتقاد بدليل قوله تعالى حكايةً ?إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ? الآية، وفي هذا جوابٌ عمَّا يقال إِنَّ الارتداد إِنَّما يكون بتبدُّل الاعتقاد، والهزل ينافيه لعدم الرِّضا بالحكم)) (2).
44. بدر الدين بن محمَّد بهادر الزَّركشيّ (الشافعيّ). ت:794هـ
((قال تعالى: ? قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ ? فمن تكلَّم بكلمة الكفرِ هازِلاً، ولم يقصدِ الكفرَ كفر، وكذا إذا أخذَ مال غيره (مازحاً) ولم يقصدِ السَّرِقَة حرُم عليه)) (3).
45. الحافظ عبد الرَّحمن بن أحمد ابن رجب (الحنبليّ). ت:795هـ
قال في "جامع العلوم والحكم":
((فقد يترُكُ دينَه ويفارق الجماعةَ وهو مقِرٌّ بالشَّهادتين ويدَّعي الإسلامَ كما إذا جحد شيئاً من أركان الإسلام أو سبَّ الله ورسولَه أو كفر ببعض الملائكة أو النبيِّين أو الكتب المذكورة في القرآن مع العلم بذلك)) (1).
وقال أيضاً:
((وأمَّا ترك الدِّين ومفارقة الجماعة فمعناه الارْتداد عن دينِ الإسلام ولو أتى بالشَّهادتين فلو سبَّ الله ورسولَه ? وهو مقِرٌّ بالشَّهادتين أُبيْحَ دمُهُ لأنَّه قد ترك بذلك دينَه وكذلك لو استهان بالمصحف وألقاه في القاذورات أو جحد ما يُعْلَم من الدِّين بالضَّرورة كالصَّلاة وما أشبه ذلك مما يخرُج من الدِّين)) (2).
46. برهان الدِّين إبراهيم بن فرحون اليعمري (المالكيّ). ت:799هـ
((الرِّدَّة والعياذ بالله ونسأل الله حسن الخاتمة وهي الكفرُ بعد الإسلام، قال ابن الحاجب: وتكون بصريحٍ وبلفظٍ يقتضيه وبفعلٍ يتضمَّنُه)) (1).
47. محمَّد بن شهاب البزَّاز (الحنفيّ). ت:827هـ
((ومن لقَّن إِنساناً كلمةَ الكفر ليتكلَّمَ بها كفر، وإِنْ كان على وجه اللعِبِ والضَّحِك)) (2).
48. العلاَّمة محمّد بن المرتضى ابن الوزير الصنعانيّ. ت:840هـ
((ومن العَجَبِ أَنَّ الخصوم من البهاشمة (3) وغيرهم لم يساعدوا على تكفير النصارى الَّذين قالوا إِنَّ الله ثالثُ ثلاثةٍ ومن قال بقولهم مع نصِّ القرآن على كفره إلاَّ بشرط أَنْ يعتقدوا ذلك مع القول وعارضوا هذه الآية الظاهرة بعموم مفهوم قوله ?ولكنْ مَنْ شَرَحَ بالكُفْرِ صَدْراً ?… وعلى هذا لا يكون شيءٌ من الأفعال والأقوال كفراً إلاَّ مع الاعتقاد حتى قتل الأنبياء، والاعتقاد من السَّرائر المحجوبة فلا يتحقَّق كفرُ كافرٍ قطُّ إلاَّ بالنَّصِّ الخاصِّ في شخصٍ شخص… قال جماعة جلَّة من علماء الإسلام أَنَّه لا يكفرُ المسلم بما ينْدُرٌ منه من ألفاظ الكفر إلاَّ أَنْ
يعلم المتلفِّظ بها أَنَّها كفر… وهذا خلاف متَّجه، بخلاف قول البهاشمة: لا يكفر وإِنْ عَلِمَ أَنَّه كفرٌ حتَّى يعتقده… (1)
قد بالغ الشيخ أبو هاشم وأصحابه وغيرهم فقالوا هذه الآية تدل على أَنَّ من لم يعتقد الكفرَ ونطقَ بصريحِ الكفر وبسَبِّ الرُّسُل أجمعين وبالبراءة منهم وبتكذيبِهم من غير إكراهٍ وهو يعلم أَنَّ ذلك كفرٌ أَنَّه لا يكفر وهو ظاهر اختيار الزمخشري في "كشافه" فإِنَّه فسَّر شرح الصدر بطيب النَّفس بالكفر وباعتقاده معاً واختاره الإمام يحيى عليه السلام والأمير الحسين بن محمَّد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/297)
وهذا كلُّه ممنوع لأمرين أحدهما معارضة قولهم بقوله تعالى: ?لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاثَةٍ? فقضى بكفرِ من قال ذلك بغير شرط (2) فخرج المُكْرَهُ بالنَّصِّ (3) والإجماع وبقي غيرُه فلو قال مكلَّفٌ مختارٌ غير مُكْرَهٍ بمقالة النَّصارى التي نصَّ القرآن على أَنَّها كفرٌ ولم يعتقد صِحَّة ما قال لم يكفِّروه مع أَنَّه لعلمه بقُبْحِ قولِه يجب أَنْ يكون أعظم إِثْماً من بعض الوجوهِ لقوله تعالى: ?وَهُمْ يَعْلَمُونَ? فعكسوا وجعلوا الجاهلَ بذنبِه كافراً والعالِمَ الجاحدَ بلسانِه مع علمه مسلماً.
الأمر الثاني: أَنَّ حجَّتهم دائرةٌ بين دلالتين ظنِّيَتَين قد اختلف
فيهما في الفروع الظنية.إحداهما: قياسُ العامد على المُكْرَه والقطعُ على أَنَّ الإِكراهَ وصفٌ مَلْغِيٌّ مثل كون القائل بالثَّلاثة نصرانيَّاً وهذا نازلٌ جدَّاً ومثله لا يُقْبَلُ في الفُروع الظَّنِّيَّة. وثانيتهما: عموم المفهوم ?وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بالكُفْرِ صَدْرَاً? فإِنَّه لا حُجَّة لهم في منطوقها قطعاً وفاقاً؛ وفي المفهوم خلافٌ مشهورٌ هل هو حجَّة ظنِّيَّة مع الاتفاق على أَنَّه هنا ليس بحجَّة قطعيَّة ثم في إثبات عمومٍ له خلافٌ وحجَّتهم هنا من عمومه أيضاً وهو أضعفُ منه. بيانه أَنَّ مفهوم الآية ومن لم يشْرَح بالكفر صدراً فهو بخلاف ذلك سواءً قال كلمةَ الكفرِ بغيرِ إِكراهٍ أو قالها مع إكراهٍ فاحتُمِل أَنْ لا يدخل المختار بل رُجِّحَ أَنْ لا يدخل لأَنَّ سبب النُّزول في المُكْرَه والعموم المنطوق يضعفُ شمولَه بذلك ويختلف فيه فضعُفَ ذلك في الظَّنِّيَّات من ثلاث جهاتٍ. من كونه مفهوماً. وكونه عمومٌ مفهومٌ. وكونه على سببٍ مضادٍّ لمقصودهم)) (1).
49. علاء الدِّين عليُّ بن خليل الطرابلسيّ (الحنفيّ). ت:844هـ
(((فصل في الردة): نعوذ بالله منها، ونسأل الله حسنَ الخاتمة، وهي الكفرُ بعد الإسلام، ويكون بصريحٍ وبلفظٍ يقتضيه وبفعلٍ يتضمَّنُه… واللفظ الَّذي يقتضي الكفرَ كجحْدِهِ لمِا عُلِمَ من الشَّريعة ضرورةً كالصَّلاة والصِّيام… وأمَّا الفعل الذي يتضمَّن الكفر فمثل التردُّد في الكنائس والتزام الزّنار في الأعياد. انظر الخلاصة. وكتلطيخ الرُّكن الأسود بالنَّجاسات وإلقاء المصحف في القاذورات، وكذا لو وضع رجلَه عليه استخفافاً. من القنية. وهذه الأفعال دالَّةٌ على الكفر (1) لا أَنَّها كفرٌ لِما قام من الأدلَّة على بطلان التَّكفير بالذُّنوب)) (2).
50. الحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني. ت:852هـ
قال في "الفتح": ((والكلام هنا في مقامين: أحدهما كونه – أيّ الإيمان – قولاً وعملاً، والثاني كونه يزيد وينقص. فأمَّا القول فالمراد به النُّطق بالشَّهادتين، وأَمَّا العمل فالمراد به ما هو أَعمُّ من عملِ القلب والجوارح، ليدخل الاعتقاد والعبادات. ومرادُ مَنْ أدخل ذلك في تعريف الإيمان ومن نفاه إِنَّما هو بالنَّظر إلى ما عند الله تعالى، فالسَّلف قالوا هو اعتقادٌ بالقلب، ونُطقٌ باللِّسان، وعملٌ بالأركان. وأرادوا بذلك أَنَّ الأعمال شرط في كماله. ومن هنا نشأ لهم القولُ بالزِّيادة والنَّقص كما سيأتي.و المرجئة قالوا: هو اعتقادٌ ونطقٌ فقط. والكراميَّة قالوا: هو نطقٌ
فقط. والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد. والفارق بينهم وبين السَّلف أَنَّهم جعلوا الأعمال شرطاً في صِحَّته. والسَّلف جعلوها شرطاً في كماله. وهذا كلُّه كما قلنا بالنَّظر إلى ما عند الله تعالى. أمَّا بالنَّظر إلى ما عندنا فالإيمان هو الإقرار فقط فمن أقرَّ أُجريت عليه الأحكام في الدُّنيا ولم يُحْكَم عليه بكفرٍ إلاَّ إِنِ اقترن به فعلٌ يدلُّ على كفرِهِ كالسُّجود للصَّنم، فإِنْ كان الفعل لا يدلُّ على الكفر كالفسق فمن أطلق عليه الإيمان فبالنَّظر إلى إقراره، ومن نفى عنه الإيمان فبالنَّظر إلى كماله، ومن أطْلِق عليه الكفر فبالنَّظر إلى أنَّه فَعَلَ فِعْلَ الكافر، ومن نفاه عنه فبالنَّظر إلى حقيقته)) (1).
وقال: ((ونقل أبو بكرٍ الفارسيّ أحد أئمَّة الشافعيَّة في كتاب الإجماع أَنَّ من سبَّ النّبيَّ ? ممَّا هو قذفٌ صريحٌ كفر باتِّفاق العلماء)) (2).
51. كمال الدين ابن عبد الواحد ابن الهمام (الحنفيّ). ت:861هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/298)
((ومن هزل بلفظِ كفرٍ ارتدَّ وإِنْ لم يعتقده للاستخفاف فهو ككفر العناد، والألفاظ التي يكفر بها تعرف في الفتاوى)) (1).
52. جلال الدِّين محمَّد بن أحمد المحليّ (الشافعيّ). ت:864هـ
قال في "شرح منهاج الطالبين للنووي" في تعريف الرِّدَّة: (((هي قطع الإسلام بنيةِ) كفرٍ (أو قولِ كفرٍ أو فعلٍ) مكفِّر، (سواء) في القول (قاله استهزاءً أو عناداً أو اعتقاداً))) (2).
53. محمَّد بن أحمد بن عماد الأقفهسي (الشافعيّ). ت:867هـ
قال في "الإرشاد" في باب الثلاثة: باب الرِّدَّة ((نعوذ بالله منها. تحصُل بأحد ثلاثة أشياء: النِّيَّة، والقول، والفعل.
فلو نوى قطع الإسلام بقلبه ولم يتلفَّظ، أو نطق بكلمة كفر، أو سجد لصنمٍ أو شمسٍ فمرتدٌّ. وسواءً قال ذلك أو فعله اعتقاداً، أو استهزاءً، أو عناداً.
واعلم أَنَّ القول والفعل تارةً يستويان، وتارةً يكون الفعل أقوى وتارةً يكون القول أقوى.
فالأوَّل: كالرِّدَّة، وإِنَّما تحصل بالقول والفعل كما ذكرنا ... )) (1).
54. محمّد بن محمّد بن محمّد (ابن أمير الحاج) (الحنفيّ). ت: 879هـ
(((وأما ثبوت الرِّدَّة بالهزل) أي بتكلُّم المسلم بالكفر هزلاً (فيه) أي فثبوتها بالهزل نفسِه (للاستخفاف)؛ لأَنَّ الهازل راضٍ بإجراء كلمة الكفر على لسانه والرِّضا بذلك استخفافٌ بالدين وهو كفرٌ بالنَّصِّ قال تعالى: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? (2) وبالإجماع (لا بما هزل به) وهو اعتقاد معنى كلمة الكفر التي تكلم بها هازلاً…)) (3).
55. محمَّد بن أحمد المنهاجيّ الأسيوطيّ (الشافعيّ). ت:880هـ
((الرِّدَّة: وهي قطع الإسلام بنيَّةٍ أو قولِ كفرٍ أو فعلٍ، سواء قاله استهزاءً أو عناداً أو اعتقاداً)) (1).
56. عليُّ بن سليمان المرداويّ (الحنبليّ). ت:885هـ
((تنبيه: قوله: (فمن أشْرَك بالله أو جَحَد ربوبيَّته أو وَحْدانيَّته أو صفةً من صفاته أو اتَّخذ لله صاحبةً أو ولداً أو جحَد نبيَّاً أو كتاباً من كتبِ الله أو شيئاً منه أو سبَّ الله أو رسولَه كفر بلا نزاع في الجملة) مراده إذا أتى بذلك طوعاً ولو هازلاً وكان ذلك بعد أَنْ أسلم طوعاً، وقيل وكرهاً، قال جماعة من الأصحاب أو سجد لشمسٍ أو قمرٍ، قال في التَّرغيب أو أتى بقولٍ أو فعلٍ صريحٍ في الاستهزاء بالدِّين)) (2).
57. محمد بن فراموز (مُنلاَّ خِسرو) (الحنفي). ت:885هـ
قال مستشهداً بكلام برهان الدِّين بن مازه:
((وفي "المحيط" من أتى بلفظة الكفر مع علمه أَنَّها كفر إِنْ كان عن اعتقادٍ لا شكَّ أَنَّه يكفر، وإنْ لم يعتقد أو لم يعلم أَنَّها لفظة الكفر ولكن أتى بها عن اختيارٍ فقد كفر عند عامَّة العلماء ولا يُعذَر بالجهل (1)، وإِنْ لم يكن قاصداً في ذلك بأَنْ أراد أن يتلفَّظ بشيء آخر فجرى على لسانه لفظة الكفر… فلا يكفر وفي "الأجناس" عن محمَّد نصَّاً: إنَّ من أراد أَنْ يقول أكلت فقال كفرت أنَّه لا يكفر، قالوا هذا محمولٌ على ما بينه وبين الله تعالى، فأمَّا القاضي فلا يصدِّقه ومن أضمر الكفرَ أو همَّ به فهو كافرٌ ومن كفر بلسانه طائعاً وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان فهو كافرٌ ولا ينفعه ما في قلبه؛ لأنَّ الكافر يعرف بما ينطِق به فإذا نطَق بالكفر كان كافراً عندنا وعند الله تعالى، كذا في "المحيط")) (2).
58. أبو عبد الله محمّد بن قاسم الرصَّاع (المالكيّ). ت:894هـ
((بابٌ فيما تظهر به الرِّدَّة قال الشيخ ابن شاس رحمه الله: ظهور الرِّدَّة إمَّا بتصريحٍ بالكفر أو بلفظٍ يقتضيه أو فعلٍ يتضمَّنه قال الشيخ رحمه الله بعد نقله له قوله (بلفظ يقتضيه) كإنكارِ غير حديث الإسلام وجوب ما عُلِمَ من الدِّين ضرورةً قوله (أو فعل يقتضيه) كلبس الزّنَّار وإلقاء المصحف في طريق النجاسة أو السُّجود للصَّنم ونحو ذلك)) (3).
59. محمَّد بن قاسم الغزِّي (الشافعيّ). ت:918هـ
قال في تعريف الردة (( .. وشرعاً قطع الإسلام بنيَّةِ كفرٍ، أو قولِ كفرٍ، أو فعلِ كفرٍ، كسجود لصنمٍ سواءً كان على جهة الاستهزاء أو العناد أو الاعتقاد)) (1).
60. زكريَّا بن محمَّد الأنصاريّ (الشافعيّ). ت:926هـ
قال: في "منهج الطلاب":
((كتاب الرِّدَّة: هي قطع من يصحُّ طلاقُه الإسلام بكفرٍ عزماً أو قولاً أو فعلاً استهزاء أو عناداً أو اعتقاداً، كنفي الصَّانع أو نبيٍّ أو تكذيبه أو جَحْد مجمَعٍ عليه معلوم من الدِّين ضرورةً بلا عذرٍ، أو تردُّد في كفرٍ أو إلقاء مصحفٍ بقاذورة أو سجودٍ لمخلوقٍ)) (2).
61. محمَّد بن عبد الرَّحمن المغربيّ (المالكيّ). ت:954هـ
نقل كلاماً للتفتازاني في شرح العقائد واستظهره فقال:
((وذكر الشيخ سعد الدِّين في شرح العقائد أنَّ من أفتى امرأة
بالكفر لتَبِيْنَ من زوجها فإنَّ ذلك كفر، قاله في أواخر شرح العقائد، وهو الظاهر لأَنَّه قد أمر بالكفر ورضي به)) (1).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/299)
ـ[ Ahmed Salem] ــــــــ[26 - 09 - 03, 03:10 ص]ـ
62. شهاب الدِّين أحمد البرلُّسي (عميرة) (الشافعيّ). ت:957هـ
نقل كلام شرح الجلال المحلِّي على منهاج النوويّ: ((الرِّدَّة (هي قطع الإسلام بنيَّةِ) كفرٍ (أو قولِ كفرٍ أو فعلٍ) مكفِّر (سواء) في القول (قاله استهزاء أو عنادا أو اعتقاداً))).
ثم قال: ((قوله (الرِّدَّة) هي لغة: الرُّجوع عن الشيء، وشرعاً: ما قاله المصنِّف)) (2).
63. زين الدِّين بن إبراهيم الشهير بابن نجيم (الحنفيّ). ت:970هـ
قال في "البحر الرَّائق": ((والحاصل أَنّ من تكلَّم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً كفَرَ عند الكلِّ ولا اعتبارَ باعتقاده كما صرَّح به قاضيخان في فتاواه ومن تكلم بها مخطئاً أو مُكْرَهاً لا يكفر عند الكلِّ ومن تكلَّم بها عالماً عامداً كفر عند الكلِّ)) (3).
وقال في "الأشباه والنظائر": ((عبادة الصَّنم كفرٌ، ولا اعتبار بما في قلبه)) (1).
64. محمَّد بن أحمد الفتوحي (ابن النجار) (الحنبليّ). ت:972هـ
((قال: (باب حكم المرتدِّ). وهو لغة: الرَّاجع. قال الله سبحانه وتعالى: ?وَلاَ تَرْتَدُّوْا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينْ? (2) (وهو) شرعاً: (من كفر ولو) كان (مميّزاً) (بنطقٍ أو اعتقادٍ أو شكٍّ أو فعلٍ) طوعاً. و (لو كان هازلاً) بعد إسلامه)) (3).
وقال: ((فأمَّا من استحلَّ شيئاً مَّما تقدَّم ذكره ونحوه بغير تأويلٍ، (أو سجد لكوكبٍ، أو نحوه) كالشمسِ والقمرِ والصَّنم كفر، لأَنَّ ذلك إشراكٌ وقد قال سبحانه وتعالى: ?إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ? (4)) أو أتى بقولٍ أو فعلٍ صريحٍ في الاستهزاء بالدِّين كفر (، لقول الله سبحانه وتعالى: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (5) ?)) (6).
65. أحمد بن محمَّد بن حجر الهيتميّ (الشافعيّ). ت:973هـ
((فمن أنواع الكفر والشِّرك أَنْ يعزِم الإنسان عليه في زمنٍ بعيدٍ أو قريبٍ أو يعلِّقه باللَّسان أو القلب على شيءٍ ولو محالاً عقليَّاً فيما يظهر فيكفر حالاً، أو يعتقد ما يوجبه، أو يفعل أو يتلفَّظ بما يدلُّ عليه سواءً أصَدَر عن اعتقادٍ أو عنادٍ أو استهزاءٍ …)) (1).
66. محمَّد بن أحمد الخطيب الشربينيّ (الشافعيّ). ت:977هـ
"كتاب الرِّدَّة: أعاذنا الله تعالى منها (هي) لغةً: الرُّجوع عن الشيء إلى غيره، وهي أفحشُ الكفر وأغلظُه حكماً، محبطةٌ للعمل .. وشرعاً (قطع) استمرار (الإسلام) ودوامه، ويحصل قطعه بأمور: (بنيَّةِ) كفرٍ… (أو) قطع الإسلام بسبب (قولِ كفرٍ أو فعلٍ) مُكَفِّرٍ… ثم قسم القول ثلاثة أقسام بقوله: (سواء قاله استهزاء أو عناداً أو اعتقاداً) لقوله تعالى: ?قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (2) ? وكان الأَوْلى تأخيرُ القول في كلامه عن الفعل، لأَنَّ التَّقسيم فيه وخرج بذلك من سبق لسانُه إلى الكفر، أو أُكْرِه عليه، فإنَّه لا يكون مرتدَّاً… (والفعل المكفِّر ما تعمَّده) صاحبه (استهزاء صريحاً بالدِّين أو جحوداً له كإلقاء مصحف) … (وسجودٌ لصنمٍ) …)) (1).
67. زين الدِّين بن عبد العزيز المليباري (الشافعيّ). ت:987هـ
((الرِّدَّة لغةً: الرُّجوع وهي أفحش أنواع الكفر ويحبط بها العمل… وشرعاً (قطعُ مكلَّف) مختار فتلغو من صبي ومجنون ومكره عليها إذا كان قلبه مؤمناً (إسلاماً بكفرٍ عزماً) حالاً أو مآلاً فيكفر به حالاً (أو قولاً أو فعلاً، باعتقادٍ) لذلك الفعل أو القول أي معه (أو) مع (عنادٍ) من القائل أو الفاعل (أو) مع (استهزاءٍ) أي استخفافٍ، بخلاف ما لو اقترن به ما يخرِجُه عن الرِّدَّة كسبق لسانٍ أو حكاية كفرٍ أو خوف)) (2).
68. محمَّد عبد الرؤوف المناويّ (الشافعيّ). ت:1031هـ
((الرِّدَّة لغةً: الرُّجوع عن الشَّيء إلى غيره. وشرعاً قطع الإسلام بنيّةٍ أو قولٍ أو فعلٍ مُكَفِّر)) (3).
69. مَرْعيّ بن يوسفٍ الكرميّ المقدسيّ (الحنبليّ). ت:1033هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/300)
(((باب حكم المرتد) وهو من كفر بعد إسلامه، ويحصُل الكفر بأحد أربعة أمورٍ: بالقول كسبِّ الله تعالى ورسوله أو ملائكتِه أو ادِّعاء النُّبوَّة أو الشِّرك له تعالى، وبالفعل كالسُّجود للصَّنم ونحوِه وكإلقاء المصحف في قاذورة، وبالاعتقاد كاعتقاده الشَّريك له تعالى أو أَنَّ الزِّنا أو الخمر حلال أو أنَّ الخبزَ حرامٌ ونحو ذلك ومما أُجِمعَ عليه إجماعاً قطعيَّاً، وبالشَكِّ في شيءٍ من ذلك)) (1).
70. منصور بن يونس البَهْوَتيّ (الحنبليّ). ت:1051هـ
قال في "كشَّاف القناع" في باب حكم المرتدِّ:
((وهو لغة الراجع يقال ارتدَّ فهو مرتدٌّ إذا رجع. قال تعالى: ?ولاَ تَرْتَدُّوا على أَدْبارِكُم فَتَنْقَلِبُوْا خَاسِرِيْن (2) ?.
وشرعاً: (الذي يكفر بعد إسلامه) نطقاً أو اعتقاداً أو شكَّاً أو فعلاً (ولو مميِّزاً) فتصحُّ رِدَّتُه كإسلامه، ويأتي (طوعاً) لا مُكرهاً لقوله تعالى: ?إلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ? (ولو) كان (هازلاً) لعموم قوله تعالى: ?مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِيْنِهِ? (3)
الآية)) (1).
71. أحمدُ بن أحمدَ شهاب الدِّين القليوبيّ (الشافعيّ). ت:1070هـ
نقل كلام "شرح الجلال المحليّ على منهاج النوويّ": ((الرِّدَّة (هي قطع الإسلام بنيَّةِ) كفرٍ (أو قولِ كفرٍ أو فعلٍ) مكفِّر (سواءً) في القول (قاله استهزاءً أو عناداً أو اعتقاداً))).
ثم قال: ((كتاب الرِّدَّة أعاذنا الله وسائر المسلمين منها بمنِّهِ وجزيل كرمِهِ وهي لغةً: المرَّة من الرُّجوع وشرعاً ما ذكره المصنِّف - يعني المحليّ -)) (2).
72. عبد الرَّحمن بن شيخي زاده داماد (الحنفيّ). ت:1078هـ
نقل كلام محمَّد فراموز الحنفيّ ولم يتعقبّه بشيء فقال:
((وفي "الدرر": وإِنْ لم يعتقد أو لم يعلم أَنَّها لفظة الكفر ولكن أتى بها عن اختيارٍ فقد كفر عند عامَّة العلماء ولا يعذَرُ بالجهل (3) وإِنْ لم يقصد في ذلك بأَنْ أراد أَنْ يتلفَّظ بلفظ آخر فجرى على لسانه لفظ الكفر فلا يكفُر لكن القاضي لا يصدِّقه… ومن كفر بلسانه طائعاً وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان فهو كافرٌ ولا ينفعه ما في قلبه لأَنَّ الكافر يُعرَف بما ينطق به بالكفر فإذا نطق بالكفر طائعاً، كان كافراً عندنا وعند الله تعالى)) (1).
73. أبو البقاء أيوب بن موسى الكفويّ (الحنفيّ). 1095هـ
قال في "الكُلِيَّات": ((والكفر قد يحصُل بالقول تارة وبالفعل أخرى، والقولُ الموجبُ للكفر: إنكارُ مُجمَعٍ عليه فيه نصٌّ، ولا فرق بين أَنْ يصدُر عن اعتقادٍ أو عنادٍ أو استهزاءٍ والفعل الموجبُ للكفر هو الذي يصدر عن تعمُّدٍ (2) ويكون الاستهزاء صريحاً بالدِّين، كالسُّجود للصَّنَم وإلقاء المصحف في القاذورات ... )) (3).
74. أحمد بن محمَّد الحسينيّ الحمَويّ (الحنفيّ). ت:1098هـ
عرَّف ابن نجيم في "الأشباه والنظائر" الكفر بالتَّكذيب فعقَّب عليه الحمَويُّ بقوله: ((هذا التعريف غير جامعٍ إذ التَّكذيب يختصُّ بالقول والكُفْرُ قد يحصُلُ بالفعل)) (1).
75. العلاَّمة صالح بن مَهْديّ المقبليّ. ت:1108هـ
قال في حاشيته على "البحر الزخار": ((وظاهر قوله تعالى ?من كفر بالله من بعد إيمانه ?يدلُّ على كفر المتلفِّظ وإِنْ لم يعتقد معناه، لأَنَّه لم يستَثْنِ إلاَّ المُكْرَه، والإكراه لا يكون على الأفعال القلبيَّة، فمن كفر قلبه – مُكْرَهاً كان أو غيرَ مكرهٍ – فهو كافرٌ، ومن كفر لسانه فقط، فإِنْ كان مُكْرَهاً لم يكفر، وهو المستثنى في الآية، وإِنْ لم يكن مُكْرهاً، لزم أنْ يكفر، لأَنَّه الباقي بعد الاستثناء، وبعد بيان حال من كفر قلبه، وهو أعظمُ الكفر، ولذا استأنف ذكرَه للتَّأكيد، كأَنَّه قال: ولكنَّ الكفرَ الكامل كفرُ القلب، فتبيَّن أَنَّه لو لم يكن النُّطق بمجرَّدِه كفراً، لما كان للاستثناء معنىً، لأَنَّه لا يصحُّ استثناء الإكراه من كُفْر القلب لعدم إِمْكان الإكراه عليه، وبهذا يظهر وَهْمَ من قال: إذا كفرت المرأة لتَبِيْنَ من زوجها، لم تكُنْ مرتدَّةً، لأَنَّها لم تشرحْ بالكفر صدراً)) (2).
76. مجموعةٌ من علماء الهند الأحناف (1):
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/301)
((ورُكْنُ الرِّدَّة إجراء كلمة الكُفر على اللِّسان بعد وجود الإيمان وشرائط صحَّتها العقل فلا تصحُّ رِدَّة المجنون ولا الصبيِّ الذي لا يعقل، أما من جنونه ينقطع، فإِن ارتدَّ حال الجنون لم تصحّ، وإِن ارتدَّ حال إفاقتِه صحَّتْ وكذا لا تصحُّ رِدَّة السَّكران الذَّاهب العقل، والبلوغُ ليس بشرطٍ لصحَّتها، وكذا الذُّكورة ليست بشرطٍ لصحَّتها، ومنها الطَّوع فلا تصح رِدَّة المُكْرَه عليها كذا في "البحر الرّائق" ناقلا عن "البدائع")) (2).
77. العلاَّمة محمَّد بن إسماعيل الأمير الصَّنعانيّ. ت:1182هـ
((صرح الفقهاء في كتب الفقه في باب الرِّدَّة: أَنَّ من تكلَّم بكلمة الكفر يكفر وإِنْ لم يقصد معناها)) (3).
78. أحمد العَدَويّ أبو البركات (الدَّردير) (المالكيّ). ت:1201هـ
قال في "الشرح الكبير على مختصر خليل" في باب الردة وأحكامها:
(((الرِّدَّة كفر المسلم) المتقرِّر إسلامه بالنُّطق بالشَّهادتين، مختاراً ويكون بأحد أمورٍ ثلاثة: (بصريحٍ) من القول كقوله أُشْرك أو أَكْفُر بالله، (أو لفظٍ) أي قول يقتضيه… (أو فعلٍ يتضمَّنه) أي يقتضي الكفرَ ويستلزمُه استلزاماً بيِّناً (كالقاء مصحف بقذَرٍ…))) (1).
79. سليمان بن عمر العُجيليّ (الجمل) (الشافعيّ). ت:1204هـ
(((كتاب الرِّدَّة) (هي) لغةً الرُّجوع عن الشيء إلى غيره وشرعا (قطع من يصحُّ طلاقه الإسلامَ بكفرٍ عزماً)، ولو في قابل (أو قولاً أو فعلاً استهزاءً) كان ذلك (أو عناداً أو اعتقاداً) بخلاف ما لو اقترن به ما يخرجه عن الرِّدَّة كاجتهادٍ أو سَبْق لسانٍ أو حكايةٍ أو خوفٍ ... )) (2).
80. الإمام المجدِّد محمَّد بن عبد الوهاب التميميّ. ت:1206هـ
قال رحمه الله: ((لو نُقَدِّر أَنَّ السُّلطان ظلم أهل المغرب ظلماً عظيماً في أموالهم وبلادهم ومع هذا خافوا استيلاءَه على بلادِهم ظُلماً وعدواناً ورأَوا أَنَّهم لا يدفعونهم إِلاَّ باستنجاد الفِرَنج وعلموا أَنَّ الفرنج لا يوافقونهم إلاَّ أَنْ يقولوا نحن معكم على دينكم ودنياكم؛ ودينكم هو الحقُّ ودينُ السُّلطان هو الباطلُ وتظاهروا بذلك ليلاً ونهاراً مع أَنَّهم لم يدخلوا في دين الفِرّنج ولم يتركوا الإسلامَ بالفعل، لكن لمَّا تظاهروا بما ذكرنا ومرادهم دفعَ الظُّلم عنهم هل يشكُّ أحدٌ أنَّهم مرتدُّون في أكبر ما يكون من الكفر والرِّدَّة إذا صرَّحوا أَنَّ دينَ السُّلطان هو الباطلُ مع علمِهم أَنَّه حقٌّ وصرَّحوا أنَّ دين الفِرَنج هو الصَّواب، وأَنَّه لا يُتَصوَّر أنَّهم لا يتيهون لأنَّهم أكثر من المسلمين ولأَنَّ الله أعطاهم من الدُّنيا شيئاً كثيراً ولأَنَّهم أهل الزُّهد والرَّهبانيَّة فتأمَّل هذا تأمُّلاً جيِّداً وتأمَّل ما صدَّرْتُم به الأوراق من موافقتِكم به الإسلام ومعرفتكم بالنَّاقض إذا تحقَّقْتموه وأَنَّه يكون بكلمةٍ ولو لم تعتقد ويكون بفعل ولو لم يتكلَّم ويكون في القلب من الحبِّ والبُغْض ولو لم يتكلَّم ولم يعمل تبيَّن لك الأمر اللَّهُمَّ إلاَّ إنْ كُنْتم ذاكرين في أول الأوراق وأنتم تعتقدون خلافَه فذلك أمر آخر)) (1).
وقال: ((…بل تجد الرَّجل يؤمن بالله ورسوله، وملائكته وكتبه ورسله، وبالبعث بعد الموت، فإذا فعل نوعاً من المكفِّرات، حكم أهل العلم بكفره وقتله، ولم ينفعه ما معه من الإِيمان. وقد ذكر الفقهاء من أهل كلِّ مذهبٍ "باب حكم المرتد" (1) وهو الَّذي يكفر بعد إسلامه، ثم ذكروا أنواعاً كثيرةً، من فعل واحداً منها كفرَ، وإذا تأمَّلت ما ذكرناه، تبيَّن لك أنَّ الإيمان الشرعي، لا يجامِعُ الكفرَ، بخلاف الإيمان اللُّغوي، والله أعلم)) (2).
وقال: ((… وأمَّا إنْ لم يكن له عذرٌ، وجلس بين أظهرهم، وأظهر لهم أنَّه منهم، وأَنَّ دينهم حقٌّ، ودين الإسلام باطلٌ، فهذا كافرٌ مرتدٌّ، ولو عرف الدِّين بقلبه، لأَنَّه يمنعه من الهجرة محبَّة الدُّنيا على الآخرة، ويتكلَّم بكلام الكفر من غير إكراهٍ، فدخل في قوله تعالى: ?وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) (3) ?)) (4).
وقال أيضاً: ((اعلمْ رحِمَك الله: أنَّ دين الله يكون على
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/302)
القلب بالاعتقاد، وبالحبِّ والبُغض، ويكون على اللِّسان بالنُّطق وترك النُّطق بالكفر، ويكون على الجوارح بفعل أركان الإسلام، وترك الأفعال التي تكفِّر، فإذا اختلَّت واحدة من هذه الثلاث، كفر وارتدَّ.
مثال عمل القلب: أنْ يظنَّ أنَّ هذا الذي عليه أكثرُ النَّاس، من الاعتقاد في الأحياء والأموات حقٌّ، ويستدِلُّ بكون أكثر النَّاس عليه، فهو كافرٌ مكذِّبٌ للنَّبي?، ولو لم يتكلَّم بلسانه، ولم يعملْ إلاَّ بالتَّوحيد، وكذلك إذا شكَّ، لا يدري من الحقِّ معه، فهذا لو لم يكذب فهو لم يصدِّق النَّبي?، فهو يقول عسى الله أَنْ يبيِّن الحقَّ، فهو في شكٍّ، فهو مرتَدٌّ ولو لم يتكلَّم إلاَّ بالتَّوحيد.
ومثال اللِّسان: أنْ يؤمن بالحقِّ ويحبُّه، ويكفُر بالباطل ويبغضُه، ولكنَّه تكلَّم مداراة لأهل الأحساء، ولأهل مكَّة أو غيرهم بوجوههم، خوفاً من شرِّهم، وإمَّا أَنْ يكتُبَ لهم كلاماً يصرِّح لهم بمدحِ ما هم عليه، أو يذكر أَنَّه ترك ما هو عليه، ويظنُّ أَنَّه ماكرٌ بهم، وقلبُه موقِنٌ أَنَّه لا يضرُّه، وهذا أيضاً لغروره.
وهو معنى قول الله تعالى: ?مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ? إلى قوله: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ? فقط لا لتغيُّر عقائدهم.
فمن عرف هذا، عرف أن الخطرَ خطرٌ عظيم شديد، وعرف شدَّة الحاجة للتعلُّم والمذاكرة، وهذا معنى قوله في الإقناع في الرِّدَّة: نطقاً أو اعتقاداً أو شكَّاً أو فعلاً، والله أعلم)) (1).
وقال كما في "تاريخ ابن غنَّام":
((قوله تعالى في عمَّار بن ياسر وأشباهِه: ?مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ? إلى قوله: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ? فلم يستثْن الله إلا من أُكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان، بشرط طمأنينة قلبه. والإكراه لا يكون على العقيدة، بل على القول والفعل. فقد صرَّح بأنَّ من قال الكفر أو فعله فقد كفر إلا المُكْرَه، بالشَّرط المذكور، وذلك أنَّ ذلك بسبب إيثار الدُّنيا لا بسبب العقيدة)) (2).
وقال: ((إذا عرفت أنَّ أعظم أهل الإخلاص وأكثرَهم حسنات لو قال كلمة الشِّرك مع كراهيتِه لها ليقود غيره بها إلى الإسلام حبِطَ عملُه وصار من الخاسرين، فكيف بمن أظهر أَنَّه منهم وتكلَّم بمائة كلمة لأجل تجارةٍ أو لأجل أنْ يحجَّ لما منع الموحِّدين (3) من الحجِّ كما منعوا النَّبي ? وأصحابه حتّى فتح الله مكة)) (4).
وفي رسالة نواقض الإسلام:
((… السادس: من استهزأ بشيءٍ من دين الرَّسول أو ثوابه أو عقابه، كفر، والدليل قوله تعالى: ?قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? (1)
السابع: السِّحر، ومنه الصَّرف، والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: ?وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ? (2)
الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدَّليل قوله تعالى: ?وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ? (3).
ولا فرق في جميع هذه النَّواقض بين الهازل والجادِّ والخائف، إلاَّ المُكْرَه، وكلُّها من أعظم ما يكون خطراً، وأكثر ما يكون وقوعاً، فينبغي للمُسلم أنْ يحذَرْها ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله من موجباتِ غضبه، وأليمِ عقابه، وصلى الله على خير خلقه محمدٍ وآله وصحبه وسلَّم)) (4).
وفي رسالة "كشف الشبهات":
((ويقال أيضاً: إذا كان الأوَّلون لم يكفَّروا إلا لأَنَّهم جمعوا بين الشِّرك وتكذيب الرَّسول ? والقرآن، وإنكار البعث، وغير ذلك، فما معنى الباب الذي ذكر العلماء في كلِّ مذهبٍ؟ "باب حكم المرتَدِّ" وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه، ثم ذكروا أنواعاً كثيرة، كلَّ نوع منها يكفِّر، ويُحلُّ دم الرجل وماله، حتى إِنَّهم ذكروا أشياء يسيرةً عند من فعلها، مثل كلمة يذكرها بلسانِه دون قلبه، أو كلمةٍ يذكرها على وجه المزْحِ واللَّعِب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/303)
ويقال أيضاً: الذين قال الله فيهم: ?يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ? (1)، أَما سمعت الله كفَّرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله?، وهم يجاهدون معه ويصلُّون معه ويزكُّون ويحجُّون ويوحِّدُون؟ وكذلك الذين قال الله فيهم: ?قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ؟ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? (2) ? هؤلاء الَّذين صرَّح الله أَنَّهم كفروا بعد إيمانهم، وهم مع رسول الله ? في غزوة تبوك، قالوا كلمةً ذكروا أَنَّهم قالوها على وجه المزْح.
فتأمَّل هذه الشُّبهة، وهي قولهم: تكفِّرون من المسلمين أُناساً يشهدون أَنْ لا إله إلاَّ الله، ويصلُّون ويصومون، ثمَّ تأمَّل جوابها، فإِنَّه من أنفع ما في هذه الأوراق)) (1).
وقال أيضاً: ((فإذا تحقَّقْت أَنَّ بعض الصَّحابة الذين غَزَوا الرُّوم مع رسول الله ?، كفروا بسبب كلمةٍ قالوها على وجه المزح واللَّعِب، تبيَّن لك أَنَّ الَّذي يتكلَّم بالكفر، أو يعمل به خوفاً من نقص مالٍ، أو جاهٍ، أو مداراةً لأحدٍ، أعظم ممَّن تكلَّم بكلمةٍ يمزح بها.
والآية الثانية قوله تعالى: ?مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ? (2) فلم يعذر الله من هؤلاء إلاَّ من أُكرِه مع كون قلبه مطمئنَّاً بالإيمان. وأمَّا غير هذا، فقد كفر بعد إيمانه، سواء فعله خوفاً، أو مداراة، أو مشحَّة بوطنه، أو أهله، أو عشيرته، أو ماله، أو فعله على وجه المزح، أو لغير ذلك من الأغراض إلاَّ المُكْرَه. والآية تدلُّ على هذا من جهتين:
الأولى قوله: ?إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ? فلم يستَثْن الله إلاَّ المُكْرَه. ومعلومٌ أنَّ الإنسان لا يُكره إلاَّ على العمل أو الكلام. وأمَّا عقيدة القلب فلا يُكره أحدٌ عليها.
والثَّانية: قوله تعالى: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ ?فصرَّح أنَّ هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل، أو البغضِ للدِّين، أو محبَّة الكفر، وإِنَّما سببه أَنَّ له في ذلك حظَّاً من حظوظ الدُّنيا، فآثره على الدِّين، والله سبحانه وتعالى أعلم. والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين)) (1).
وفي تفسير قوله تعالى: ?مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ …? الآيات ذكر رحمه الله مسائلَ منها …:
((الثانية: استثناءُ المُكْرَه المطمئنّ.
الثالثة: أَنَّ الرُّخصة لمن جمع بينَهما خلاف المُكْرَه فقط.
الرابعة: أَنَّ الرِّدَّة المذكورة كلامٌ أو فعلٌ من غير اعتقادٍ ..
الثالثة عشرة: من فعل ذلك فقد شرح بالكفر صدراً ولو كرِه ذلك، لأَنَّه لم يستَثْنِ إلاَّ من ذكر…
السادسة عشرة: ذكر سبب تلك العقوبة وهي استحباب الدُّنيا على الآخرة، لا مجرَّد الاعتقادِ أو الشكِّ)) (2).
وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ?قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونَنِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلقَدْ أُوحِيَ إِليْكَ وَإِلى الذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لئِنْ أَشْرَكْتَ ليَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (65) بَلْ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) ? (1): (فيه مسائل: الأولى: الجواب عن قول المشركين: هذا في الأصنام وأمَّا الصالحون فلا.
قوله: ?قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ? عامٌّ فيما سوى الله.
الثانية: أَنَّ المسلم إذا أطاع من أشار عليه في الظاهر، كفر، ولو كان باطنه يعتقد الإيمان، فإِنَّهم لم يريدوا من النَّبي ? تغييرَ عقيدته، ففيه بيانٌ لما يكثر وقوعه ممَّن ينتسب إلى الإسلام في إظهار الموافقة للمشركين خوفاً منهم، ويظنُّ أَنَّه لا يكفر إذا كان قلبه كارهاً له)) (2).
وقال في تفسير الآية السَّابقة:
((أمَّا الآية الثانية ففيها مسائل أيضاً:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/304)
.. الثالثة: أَنَّ الذي يكفُر به المسلم ليس هو عقيدة القلب خاصَّة، فإِنَّ هذا الَّذي ذكرهم الله لم يريدوا منه ? تغييرَ العقيدة كما تقدَّم، بل إذا أطاع المسلمُ من أشار عليه بموافقتِهِم لأجلِ مالِه أو بلدِه أو أهلِه مع كونه يعرف كفرَهم ويبغضهم فهذا كافرٌ إلاَّ من أُكرِه)) (3).
81. الشيخ محمَّد بن عليٍّ بن غريب (1).ت:1209هـ
قال في "التوضيح":
((المرتدُّ لغةً الرَّاجع، يقال ارتَدَّ فهو مرتدٌّ إذا رجع قال تعالى: ?وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ? (2) وشرعاًالذي يكفر بعد إسلامه نطقاً أو اعتقاداً أو شكَّاً أو فعلاً، وبعضُ هؤلاء الأئمَّة قال ولو مميِّزاً فتصحُّ رِدَّته كإسلامه، وهم الحنابلة ومن وافقهم، طوعاً لا مكرهاً بأنْ فعل لِداعي الإكراه لاعتقاده ما أُرِيدَ منه لقوله تعالى: ?إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا? (3) الآية)) (4).
وقال أيضاً:
((وكما يكون الكفر بالاعتقادِ يكون أيضاً بالقولِ كسبِّ
الله أو رسولِه أو دينِه أو الاستهزاء به قال تعالى: ?قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (1) ? وبالفعل أيضاً كإلقاء المصحف في القاذورات والسُّجود لغير الله ونحوهما. وهذا وإن وُجِدَتْ فيهما العقيدةُ فالقول والفعل مغلَّبان عليها لظهورهما)) (2).
82. سليمان بن محمَّد بن عمر البجيرميّ (الشافعيّ). ت:1221هـ
قال في شرحه على متن الخطيب الشربينيّ:
((فصلٌ: في الرِّدَّة … وهي أفحشُ أنواع الكبائر … قوله: (بِنِيَّة) هي العزم على الكفر … قوله: (أو قولٍ مكفِّرٍ) لو قدَّمه على ما قبله لكان أَوْلى ; لأَنَّه أغلبُ من الفعل وقوله أو قولٍ مكفِّرٍ أي: عمداً فيخرج من سبق لسانُه إليه ولغير نحو تعليم اهـ. قوله: (سواء أقاله) أي المذكور من النيَّة والفعل والقول فهو راجع لكلٍّ من الثلاثة كما في شرح (م ر) ولو قال:كما في المنهج استهزاءً كان ذلك لكان أولى اهـ. لأَنَّ النيَّة والفعل ليسا قولاً. قوله: (استهزاءً) أي تحقيراً واستخفافاً … قال الحصنيّ: ومن صور الاستهزاء ما يصدُر: من الظَلَمة عند ضربهم فيستغيث المضروبُ بسيِّد الأولين والآخِرين رسولِ الله ? فيقول خلِّ رسولَ الله ? يخلِّصك ونحو ذلك. ا هـ. (م د). قوله: (أم عناداً) أي معاندةَ شخصٍ ومراغمَةً له ومخاصمةً له كأنْ أنْكَر وجوبَ الصَّلاة عليه عناداً وقوله: (أو اعتقاداً) بأن قال لشخصٍ: يا كافر معتقداً أنَّ المخاطبَ متصفٌ بذلك حقيقةً وظاهر كلام الشارح أَنَّ هذا التَّعميم راجعٌ للقول فقط ولكنَّ بعضه رجعه لما قبله وهو ممكن في الفعل بعيدٌ في النِّيَّة فافهمْ. وقد يُجابُ بحمل الفعل على ما يشمل فعلَ القلب والاعتقاد ويعدُّ فعلاً وإنْ كان في التَّحقيق كيفيَّة قاله (سم). … قوله: (أو كذب رسولاً) بخلاف من كذب عليه فلا يكون كفراً بل كبيرةً فقط ا هـ (ع ش). … قوله: (أو سبَّه) أو قصدَ تحقيَره ولو بتصغير اسمه أو سبَّ الملائكة أو ضلَّل الأمَّة. قوله: (أو استخَفَّ) أي تهاون به أو باسمه كأن ألقاه في قاذورةٍ أو صغَّره. بأنْ قال محيمد … قوله: (وسجودٌ لمخلوقٍ كصنمٍ) إلاَّ لضرورةٍ بأَنْ كان في بلادهم مثلاً وأمروه بذلك وخاف على نفسه)) (1).
83. عبد الله بن حجازي (الشرقاويّ) (الشافعيّ). ت:1227هـ
قال في "حاشيته على التَّحرير" لزكريَّا الأنصاريّ:
((الرِّدَّة قطع من يصحُّ طلاقُه الإسلامَ بكفرٍ نيَّةً أو قولاً أو فعلاً استهزاءً كان كلُّ ذلك أو عناداً أو اعتقاداً) قوله (بكفرٍ نيَّةً أو قولاً أو فعلاً) فمثالُ النِّيَّة أَنْ يعزِم على الكفر ولو في قابلٍ
…والفعل أنْ يسجدَ لمخلوقٍ كصنمٍ وشمسٍ بلا ضرورة، أو يُلقي مصحفاً أو كتب علمٍ شرعيٍّ أو ما عليه اسمٌ معظمٌ، في قاذورةٍ …قوله (استهزاءً) أي استخفافاً قوله (أو عناداً) بأنْ عرف الحقَّ باطناً وامتنع أنْ يُقِرَّ به قوله (أو اعتقاداً))) (1).
84. محمد بن بدر الدين بن بلبان. (الحنبلي) ت:1083هـ (2)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/305)
((فصلٌ في المرتد: وهو من كَفَرَ ولو مميزاً طَوْعاً ولو هازلاً؛ بعد إسلامه فمن ادعى النبوة أو أشرك بالله تعالى أو سبَّه أو سبَّ رسولاً أو مَلَكاً أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة له، أو كتاباً أو رسولاً أو مَلَكاً له، أو وجوب عبادة من الخَمْس والطهارة، أو حكماً ظاهراً مُجمعاً عليه إجماعاً قطعياً كتحريم الزِّنا أو لحم الخنزير، أو جَحَد حِلَّ الخُبز ونحوه كاللَّحم والسَّمْن وغير ذلك، أو شكَّ فيه ومثله لا يجهلُه أو يجهلُه وعُرِّف فأصرَّ، أو سجد لكوكبٍ أو صنمٍ أو غيرهما، أو أتى بقولٍ أو فِعلٍ صريحٍ في الاستهزاء بالدين، أو امتهن القرآن، أو ادعى اختلافه أو القدرة على مثله، أو أسقط حرمته كَفَرَ.و لا يكفرُ من حكى كُفراً سمِعَه ولم يعتقده)) (3)
85. الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمّد بن عبدالوهَّاب. ت:1233هـ
قال في "الدَّلائل في حكم موالاة أهل الإشراك":
((اعلم رحمك الله: أنَّ الإنسان إِذا أَظهر للمشركين الموافقة على دينهم: خوفاً منهم ومداراةً لهم، ومداهنةً لدفع شرِّهم. فإِنَّه كافرٌ مثلهم وإنْ كان يكره دينَهم ويبغضهم، ويحبُّ الإسلام والمسلمين … ولا يستثنى من ذلك إلاَّ المُكرَه،وهو الذي يستولي عليه المشركون فيقولون له: اكْفُرْ أو افْعَلْ كذا وإلاَّ فعلنا بك وقتلناك. أو يأخذونَه فيعذِّبونه حتى يوافقهم. فيجوز له الموافقة باللِّسان، مع طُمأنينة القلب بالإيمان. وقد أجمع العلماء على أَنَّ من تكلَّم بالكفر هازِلاً أَنَّه يكفر. فكيف بمن أظهر الكفرَ خوفاً وطمعاً في الدُّنيا؟ …! وكثيرٌ من أهلِ الباطلِ إِنَّما يتركون الحقَّ خوفاً من زوال دنياهم. وإلاَّ فيعرفون الحقَّ ويعتقدونه ولم يكونوا بذلك مسلمين.
…قوله تعالى: ?وَقَدْ نَزَّل عَليْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُم (2) ?.
فذكر تبارك وتعالى أَنَّه نزَّل على المؤمنين في الكتاب: أَنَّهم إذا سمعوا آياتِ الله يُكْفَر بها، ويُسْتَهْزَأُ بها فلا يقعدوا معهم، حتى يخوضوا في حديثٍ غيره. وأَنَّ من جلس مع الكافرين بآياتِ الله، المستهزئين بها في حالِ كفرهم واستهزائهم فهو مثلُهم ولم يفرِّق بين الخائف وغيره. إلاَّ المٌكْرَه.
هذا وهم في بلد واحدٍ في أوَّل الإسلام. فكيف بمن كان في سَعَة الإسلام وعزِّه وبلاده، فدعا الكافرين بآياتِ الله المستهزئين بها إلى بلادِه، واتَّخذهم أولياءً وأصحاباً وجلساءً وسمع كفرَهم واستهزاءَهم وأقرَّهم. وطرَدَ أهل التوحيد وأبعدَهم؟ .. !
…قوله تعالى: ?مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (1) ?.
فحكم تعالى حُكماً لا يبدَّل أنَّ من رجع عن دينِه إلى الكفر، فهو كافرٌ. سواءً كان له عذرٌ: خوفٌ على نفسٍ أو مالٍ أو أهلٍ أم لا. وسواءً كفر بباطنه وظاهره، أمْ بظاهره دون باطنه. وسواءً كفر بفعاله ومقاله، أم بأحدِهما دون الآخر.
وسواءً كان طامعاً في دنيا ينالها من المشركين أمْ لا… فهو كافرٌ على كلِّ حالٍ، إلا المُكرَه. وهو في لغتنا: المغصوب…
ثمَّ أخبر تعالى أنَّ على هؤلاء المرتدِّين، الشَّارحين صدورَهم بالكفر وإنْ كانوا يقطعون على الحقِّ، ويقولون ما فعلنا هذا إلاَّ خوفاً، فعليهم غضبٌ من الله، ولهم عذابٌ عظيمٌ ثم أخبر تعالى أَنَّ سبب هذا الكفر والعذاب ليس بسبب الاعتقادِ للشِّرك أو الجهل بالتَّوحيد، أو البغض للدِّين أو محبَّة للكفر، وإِنَّما سببه: أنَّ له في ذلك حظَّاً من حظوظ الدُّنيا فآثره على الدِّين وعلى رضى ربِّ العالمين. فقال: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ? (1) فكفَّرهم تعالى، وأخبر أَنَّه لا يهديهم مع كونهم يعتذرونَ بمحبَّة الدُّنيا. ثم أخبر تعالى أنَّ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/306)
هؤلاء المرتدِّين لأجل استحباب الدُّنيا على الآخرة هم الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، وأنَّهم الغافلون. ثم أخبر خبراً مؤكَّداً محقَّقاً أَنَّهم في الآخرة هم الخاسرون.
وهكذا حال هؤلاء المرتدِّين في هذه الفتنة، غرَّهُم الشيطان وأَوهمَهم أَنَّ الخوف عذرٌ لهم في الرِّدَّة، وأَنَّهم بمعرفة الحق ومحبَّته والشَّهادة به لا يضرُّهم ما فعلوه. ونَسَوا أَنَّ كثيراً من المشركين يعرفون الحقَّ، ويحبُّونه ويشهدون به ولكنْ يتركون متابعتَه والعملَ به: محبَّة للدُّنيا وخوفاً على الأنفس والأموال والمأكل والرِّياسات. ثم قال تعالى: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّل اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ (2) ? فأخبر تعالى أنَّ سبب ما
جرى عليهم من الرِّدَّة وتسويل الشيطان، والإملاء لهم، هو قولهم للذين كرهوا ما نزَّل الله: سنطيعكم في بعض الأمر.
فإذا كان مَنْ وَعَد المشركين الكارهين لما نزَّل الله بطاعتِهم في بعض الأمر كافراً، وإنْ لم يفعل ما وعدَهُم به. فكيف بمن وافق المشركين الكارهين لما نزَّل الله من الأمر: بعبادته وحدَه لا شريك له …
وقد قال تعالى في موضعٍ آخر: ?يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (1) ?.
ففي هاتين الآيتين البيان الواضح: أَنَّه لا عذرَ لأحدٍ في الموافقة على الكفر، خوفاً على الأموال والآباء، والأبناء والأزواجِ والعشائر، ونحو ذلك مما يعتذر به كثيرٌ من النَّاس.
إذا كان لم يرخِّص لأحد في موادَّتهم، واتخاذهم أولياء بأنفسهم: خوفاً منهم وإيثاراً لمرضاتهم. فكيف بمن اتَّخذ الكفار الأباعد أولياء وأصحاباً، وأظهر لهم الموافقة على دينهم، خوفاً على بعض هذه الأمور ومحبَّةً لها؟! ومن العجب استحسانهم لذلك واستحلالهم له. فجمعوا مع الرِّدَّة استحلالَ المحرَّم)) (2).
وقال في "تيسير العزيز الحميد":
((من استهزأ بالله، أو بكتابه أو برسوله، أو بدينه، كفرَ ولو هازِلاً لم يقصِد حقيقةَ الاستهزاء؛ إجماعاً.
قال: وقول الله تعالى: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ? (1).
الشرح: يقول تعالى مخاطباً لرسوله? ? وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ? أي سألت المنافقين الَّذين تكلَّموا بكلمة الكفر استهزاءً ?ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ? أي: يعتذِرونَ بأَنَّهم لم يقصدوا الاستهزاء والتَّكذيب، إِنَّما قصدوا الخوضَ في الحديث واللَّعِب: ?قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ? لم يعبأ باعتذارهم إِمَّا لأَنَّهم كانوا كاذبين فيه، وإِمَّا لأَنَّ الاستهزاء على وجه الخوضِ واللَّعِب لا يكون صاحبُه معذوراً، وعلى التقديرين فهذا عذرٌ باطلٌ، فإِنَّهم أخطئوا موقعَ الاستهزاء. وهل يجتمع الإيمان بالله، وكتابه، ورسوله، والاستهزاءُ بذلك في قلب؟! بل ذلك عينُ الكفرِ فلذلك كان الجواب مع ما قبله ?لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? قال شيخ الإسلام: فقد أمره أنْ يقول: كفرتم بعد إيمانِكم. وقول من يقول: إنَّهم قد كفروا بعد إيمانهم بلسانِهم مع كفرهم أوَّلاً بقلوبهم لا يصحُّ، لأنَّ الإيمان باللِّسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر. فلا يقال: قد كفرتم بعد إيمانِكم فإِنَّهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر، وإنْ أُرِيد: إِنَّكم أظهرتُمُ الكفرَ بعد إظهارِكم الإيمان، فهم لم يُظهروا ذلك إلاَّ لخوضهم، وهم مع خوضهم مازالوا هكذا، بل لما نافقوا وحذِروا أنْ تنزِل عليهم سورَةٌ تبيِّنُ ما في قلوبِهم من النِّفاق وتكلَّموا بالاستهزاءِ، أي: صاروا كافرين بعد إيمانهم. ولا يدلُّ اللفظ على أَنَّهم مازالوا منافقين إلى أَنْ قال تعالى: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ? فاعْتَرَفوا ولهذا قيل: ?لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً? فدلَّ على أَنَّهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أَتَوا كُفْراً، بل ظنُّوا أَنَّ ذلك ليس
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/307)
بكفرٍ. فتبيَّن أنَّ الاستهزاءَ بآياتِ الله ورسولِه كفرٌ يكفرُ به صاحبُه بعدَ إيمانِه، فدلَّ على أَنَّه كان عندهم إيمانٌ ضعيفٌ، ففعلوا هذا المحرَّم الَّذي عرفوا أنَّه محرَّم. ولكنْ لم يظنُّوه كفراً وكان كفراً كفروا به، فإِنَّهم لم يعتقدوا جوازه)) (1).
86. مصطفى بن سعد بن عبدَة الرُّحيبانيّ (الحنبليّ). ت:1243هـ
((باب حكم المرتدِّ (وهو) لغة الرَّاجع، يقال ارتدَّ فهو مرتدٌّ إذا رجعَ قال: تعالى: ?وَلا تَرْتَدُّوْا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِين ?وشرعاً (مَن كفرَ) نُطقاً أو اعتقاداً أو شكَّاً (ولو) كان (مميِّزاً) فتصحُّ رِدَّتُه كإسلامِه، ويأتي (طوعاً) ولو كان هازِلاً بعد إسلامِه)) (1).
87. الإمام عبدُ الله بن محمَّد بن عبد الوهَّاب. ت:1244هـ
فقد جمع رسالةً أسماها "الكلمات النَّافعة في المكفِّرات الواقعة" قال في أوَّلِها بعد الحمد:
((أمَّا بعد فهذه فصولٌ وكلماتٌ نقلتها من كلام العلماء المجتهدين من أصحاب الأئمَّة الأربعة الَّذين هم أئمة أهل السُّنَّة والدِّين، في بيان بعض الأفعال والأقوال المكفِّرة للمسلم المخرِجة له من الدِّين، وأَنَّ تلفُّظه بالشَّهادتين وانتسابه إلى الإسلام وعمله ببعض شرائعِ الدِّين لا يَمْنَع من تكفيره وقتله وإلحاقه بالمرتدِّين. والسبب الحامل على ذلك أَنَّ بعض من ينتسِب إلى العلم والفقه من أهل هذا الزمان غلِطَ في ذلك غلَطاً فاحشاً قبيحاً، وأنكر على من أفتى به من أهلِ العلم والدِّين إنكاراً شنيعاً، ولم يكن لهم بإنكارِ ذلك مستنَدٌ صحيحٌ لا من كلام الله ولا من كلام رسوله ولا من كلام أئمَّة العلم والدِّين …)).
ثم نقل كلاماً كثيراً لبعض الأئمَّة إلى أنْ قال:
((وقال الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب "الصَّارم المسلول على شاتم الرسول": قال الإمام إسحاق بن راهويه أحد الأئمَّة يُعدل
بالشافعي وأحمد: أجمع المسلمون أنَّ من سبَّ الله أو رسوله أو دفع شيئاً ممَّا أنزَل الله أنَّه كافرٌ بذلك وإنْ كان مُقِرَّاً بكلِّ ما أنزل الله. وقال محمَّد بن سحنون أحد الأئمَّة من أصحاب مالكٍ: أجمع العلماء على أَنَّ شاتمَ الرسول ? كافرٌ، وحكمه عند الأئمَّة القتلُ، ومن شكَّ في كفره كفر. …. انتهى. فتأمل رحمك الله تعالى كلام إسحاق بن راهويه ونقله الإجماع على أنَّ من سبَّ الله أو سبَّ رسوله ?أو دفع شيئاً ممَّا أنزل الله فهو كافرٌ – وإنْ كان مُقِرَّاً بكلِّ ما أنزل الله – يتبيَّن لك أنَّ من تلفَّظ بلسانه بسبِّ الله تعالى أو بسبِّ رسوله ? فهو كافرٌ مرتدٌّ عن الإسلام، وإنْ أقرَّ بجميع ما أنزل الله، وإنْ كان هازلاً بذلك لم يقصد معناه بقلبِه، كما قال الشافعيّ رضي الله عنه: من هزل بشيءٍ من آيات الله فهو كافرٌ، فكيف بمن هزل بسبِّ الله تعالى أو بسبِّ رسولِه ?، ولهذا قال الشيخ تقي الدين: قال أصحابنا وغيرهم: من سبَّ الله كفر – مازحاً أو جاداً - لقوله تعالى: ?قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? الآية. قال: وهذا هو الصَّواب المقطوع به)).
ثم قال:
((وتأمَّل أيضاً قول الشيخ رحمه الله تعالى في آخر الكلام: ولا ريب أنَّ أصل قولِ هؤلاء هو الشِّرك الأكبر، والكفر الذي لا يغفره الله إلا بالتَّوبة منه، وأنَّ ذلك يستلزم الرِّدَّة عن الدِّين، والكفر بربِّ العالمين. كيف صرَّح بكفر من فعل هذا أو رِدَّته عن الدِّين إذا قامت عليه الحجَّة من الكتاب والسُّنَّة، ثمَّ أصرَّ على فعل ذلك. وهذا لا ينازع فيه من عرف دينَ الإسلام الذي بعثَ الله به رسولَه محمَّداً ?. والله أعلم)) (1).
88. العلاَّمة محمَّد بن عليٍّ الشَّوكانيّ. ت:1250هـ
((وكثيراً ما يأتي هؤلاء الرَّعايا بألفاظٍ كفريَّةٍ فيقول هو يهوديٌّ ليفعلَنَّ كذا وليفعلَنَّ كذا ومرتدٌّ (2) تارةً بالقول وتارةً بالفعل وهو لا يشعر)) (3).
89. محمَّد أمين ابن عابدين (الحنفيّ). ت:1252هـ
قال في "الدرِّ المختار" في باب المرتدِّ بعد أنْ عرَّفه لغةً وشرعاً: ((وفي "الفتح": من هزل بلفظِ كفرٍ ارتد وإن لم يعتقده للاستخفاف فهو ككفر العناد)).
وفي حاشية "ردُّ المحتار" قال:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/308)
((باب المرتدّ: قوله: (من هزَلَ بلفظِ كفرٍ) أي تكلَّم به باختياره غير قاصدٍ معناه … وكما لو سجَد لصنمٍ أو وضع
مصحفاً في قاذورةٍ فإنَّه يكفر وإنْ كان مصدِّقاً، …)) (4).
90. شهاب الدِّين محمود بن عبد الله الآلوسي. ت:1270هـ
قال في تفسير قوله تعالى: ?لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? ((واستدلَّ بعضهم بالآية على أنَّ الجدَّ واللَّعِب في إظهارِ كلمةِ الكفر سواءٌ ولا خلافَ بين الأئمَّة في ذلك)) (2).
91. إبراهيم بن محمَّد بن أحمد البيجوريّ (الشافعيّ). ت:1277هـ
قال في "حاشيته على ابن قاسم الغزِّيّ" في تعريف الردة: ((وشرعاً قطع الإسلام بنيةِ كفرٍ، أو قولِ كفرٍ، أو فعلِ كفرٍ، كسجودٍ لصنمٍ سواءً كان على جهة الاستهزاء أو العناد أو الاعتقاد). قوله (سواءً كان الخ…) تعميمٌ في قطع الإسلامِ بنيَّةِ الكفر أو قوله أو فعله لكن لا يظهر الاستهزاء في النِّيَّة وإِنَّما يظهر في القول والفعل. وقوله (جهة الاستهزاء) أي جهة هي الاستهزاء. قال تعالى: ?قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ?وقوله (أو العناد) أي كأن يقول: اللهُ ثالثُ ثلاثة عناداً لمن يخاصمه مع اعتقادِه أن الله واحدٌ فيكفر بذلك …)) (1).
92. الشيخ عبد الله بن عبد الرَّحمن أبابطين. ت:1282هـ
((ما سألت عنه، من أنَّه هل يجوز تعيين إنسان بعينه بالكفر، إذا ارتكب شيئاً من المكفِّرات، فالأمر الذي دلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة وإجماع العلماء على أنَّه كفرٌ، مثل الشرك بعبادة غير الله سبحانه، فمن ارتكب شيئاً من هذا النَّوع أو جنسه، فهذا لا شكَّ في كفره.
ولا بأس بمن تحقَّقت منه شيئاً من ذلك، أنْ تقول: كفر فلان بهذا الفعل، يبيِّن هذا: أنَّ الفقهاء يذكرون في باب حكم المرتدِّ أشياء كثيرة، يصير بها المسلم كافراً، ويفتتحون هذا الباب بقولهم: من أشرك بالله كفر، وحكمه أَنَّه يُستتاب فإِنْ تاب وإلاَّ قتل، والاستتابةُ إنَّما تكون مع معيَّن.
ولمَّا قال بعض أهل البدع عند الشافعيّ: إنَّ القرآن مخلوقٌ، قال: كفرْتَ بالله العظيم، وكلام العلماء في تكفير المعيَّن كثيرٌ، وأعظم أنواع الكفر: الشرك، بعبادة غير الله، وهو كفر بإجماع المسلمين، ولا مانعَ من تكفير من اتَّصف بذلك، كما أنَّ من زنى قيل فلان زانٍ، ومن ربى قيل فلان مرابٍ)) (2).
((وسئل أيضاً: عن قول الصنعانيّ: إِنَّه لا ينفع قولُ من فعلَ الشرك، أنا لا أشرك بالله .. الخ؟
فأجاب، يعني: أَنَّه إذا فعل الشِّرك فهو مشركٌ، وإنْ سمَّاه بغيرِ اسمه، ونفاه عن نفسه.
وقوله: وقد صرَّح الفقهاء في كتبهم، بأَنَّ من تكلَّم بكلمة الكفرِ، يكفرُ، وإنْ لم يقصدْ معناها، فمرادهم بذلك: أنَّ من يتكلَّم بكلام كفرٍ، مازحاً أو هازلاً، وهو عبارة كثير منهم، في قولهم: من أتى بقولٍ، أو فعلٍ صريح في الاستهزاء بالدِّين، وإِنْ كان مازحاً، لقوله تعالى: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? (1).
وقال رحمه الله:
((ويقال لمن قال إنَّ من أتى بالشَّهادتين لا يُتَصوَّرُ كفرُه، ما معنى الباب الَّذي يذكره الفقهاءُ في كتب الفقه وهو (باب حكم المرتدِّ) والمرتدُّ هو الذي يكفر بعدَ إسلامه بكلامٍ أو اعتقادٍ أو فعلٍ أو شكٍّ وهو قبل ذلك يتلفَّظ بالشَّهادتين ويصلي ويصوم، فإذا أتى بشيءٍ مما ذكروه صار مرتدَّاً مع كونه يتكلَّم بالشَّهادتين ويصلي ويصوم ولا يمنعه تكلُّمه بالشَّهادتين وصلاته وصومه عن الحكم عليه بالرِّدَّة، وهذا ظاهرٌ بالأدلَّة من الكتابِ والسُّنَّة والإجماع.
وأوَّل ما يذكرون في هذا الباب الشِّرك بالله فمن أشركَ بالله فهو مرتدٌّ، والشِّرْك عبادةُ غير الله فمن جعل شيئاً من العبادة لغير الله فهو مُشركٌ، وإنْ كان يصوم النهارَ ويقوم اللَّيلَ فعمله حابطٌ)) (1).
93. الشيخ عبد الرَّحمن بن حسن بن محمَّد بن عبدالوهّاب. ت:1285هـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/309)
قال في أحد رسائله: ((وأمَّا مذهب الخوارج فإِنَّهم يكفرون أهل الإيمانِ بارتكاب الذُّنوب ما كان منها دون الكفر والشِّرك، وأَنَّهم قد خرجوا في خلافة عليٍّ ابن أبي طالبٍ رضي الله عنه وكفَّروا الصَّحابة بما جرى بينهم من القتال واستدلُّوا على ذلك بآيات وأحاديث، لكنَّهم أخطئوا في الاستدلال فإنَّ ما دون الشِّرك والكفر من المعاصي لا يُكفَّر فاعلُه لكنَّه ينهى عنه وإذا أصرَّ على كبيرةٍ ولم يتُبْ منها يجب نهيُه والقيام عليه، وكلُّ منكرٍ يجب إنكاره من ترك واجبٍ أو ارتكاب محرَّمٍ، لكن لا يُكَفَّر إلاَّ من فعل مكفِّراً دلَّ الكتاب والسُّنَّة على أنَّه كفرٌ، وكذا ما اتَّفق العلماءُ على أنَّ فعله أو اعتقاده كفرٌ)) (2).
94. محمَّد بن أحمد المعروف بالشيخ عليش (المالكيّ). ت: 1299هـ
(((باب) في بيان حقيقة الرِّدَّة وأحكامها (الرِّدَّة) أي حقيقتَها شرعاً (كفر) جنس شمل الرِّدَّة وسائر أنواع الكفر الشَّخص (المسلم)، أي الَّذي ثبت إسلامه ببنوَّته لمسلمٍ وإنْ لم ينطق بالشَّهادتين أو بنطقِه بهما عالماً بأركان الإسلام ملتزماً لها والإضافة فصل مخرج سائر أنواع الكفر … وسواء كفر (بـ) قولٍ (صريحٍ) في الكفر كقوله كفر باللهِ أو برسولِ الله أو بالقرآنِ أو الإلهُ اثنان أو ثلاثة أو المسيحُ ابنُ الله أو العزيرُ ابن الله (أو) بـ (لفظٍ يقتضيه) أي يستلزِم اللَّفظُ الكفرَ استلزاماً بيِّنا كجَحْد مشروعيَّة شيءٍ مجمعٌ عليه معلومٌ من الدِّين ضرورةً، فإِنَّه يستلزم تكذيبَ القرآن أو الرَّسول , وكاعتقاد جسميَّة الله وتحيُّزه، فإِنَّه يستلزم حدوثَه واحتياجَه لِمُحْدِثٍ ونفيِّ صفات الأُلوهيَّة عنه جلَّ جلاله وعَظُم شأنه. (أو) بـ (فعلٍ يتضمَّنه) أيّ يستلزم الفعلُ الكفرَ استلزاماً بيِّناً (كإلقاء) أي رمي (مصحفٍ) أي الكتاب المشتملِ على النُّقوش الدَّالَّة على كلام الله تعالى (بـ) شيءٍ (قَذِرٍ) أي مُستقذَرٍ مُستعافٍ ولو طاهراً كبصاقٍ، ومثل إلقائه تلطيخُه به أو تركه به مع القدرةِ على إزالته لأنَّ الدَّوام كالابتداء وكالمصحفِ جزؤه والحديث القدسيُّ والنبويّ ولو لم يتواتر وأسماءُ الله تعالى وأسماءُ الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام)) (1).
95. الشيخ حمد بن عليٍّ بن عتيق. ت:1301هـ
قال في "الدِّفاع عن أهل السُّنَّة والاتِّباع":
((إذا تكلَّم بالكفر من غير إكراهٍ كفرٍ وإنْ كان قلبُه مطمئنَّاً بالإيمان كما أَنَّ من شرح بالكفر صدراً كفر وإِنْ لم يتكلَّم)) (1).
وقال في رسالة "سبيل النجاة والفكاك":
((وفي أجوبة آل الشَّيخ رحمهم الله تعالى لمَّا سئلوا عن هذه الآية وعن قوله ?: (من جامَعَ المشركَ أو سكنَ معَه فهو مثلُه) (2)، قالوا الجواب أَنَّ الآية على ظاهرها، أَنَّ الرَّجل إذا سمِع آياتِ الله يُكْفَر بها ويُسْتهزأُ بها، فجلس عند الكافرين المستهزئين بآيات الله من غيرِ إكراهٍ ولا إنكارٍ ولا قيامٍ عنهم حتَّى يخوضوا في حديثٍ غيره، فهو كافرٌ مثلهم، وإنْ لم يفعل فعلَهم، لأَنَّ ذلك يتضمَّن الرِّضا بالكفر، والرِّضا بالكفر كفرٌ، وبهذه الآية ونحوِها استدلَّ العلماءُ على أنَّ الرِّضا بالذَّنب كفاعله (3)، فإن ادَّعى أَنَّه يكره ذلك بقلبه لم يقبل منه لأَنَّ الحكم بالظَّاهر، وهو قد أظهر الكفر فيكونُ كافراً)) (1).
وقال فيها أيضاً:
((وأمَّا المسألة الثَّالثة وهي ما يُعذَرُ الرَّجل به على موافقةِ المشركين، وإظهارِ الطَّاعةِ لهم، فاعْلَم أنَّ إظهار الموافقة للمشركين له ثلاث حالاتٍ:
الحالة الثَّالثة: أنْ يوافقَهم في الظَّاهر مع مخالفتِه لهم في الباطن، وهو من وجهين: أحدهما أَنْ يفعلَ ذلك لكونه في سلطانهم مع ضربهم وتقييدِهم له، ويتهدَّدونه بالقتل فيقولون له إِمَّا أنْ توافقَنا وتظهِر الانقياد لنا وإلاَّ قتلناك، فإِنَّه والحالة هذه يجوز له موافقتهم في الظاهر مع كون قلبه مطمئنَّاً بالإيمان، كما جرى لعمَّار حين أنزل الله تعالى: ?مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ (2) ?، وكما قال تعالى: ?إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً? (3)، فالآيتان دلَّتا على الحكم، كما نبَّه على ذلك ابن كثير في تفسير آية آل عمران.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/310)
الوجه الثاني: أَنْ يوافقَهم في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن، وهو ليس في سلطانهم، وإِنَّما حمله على ذلك إِما طمعٌ في رئاسةٍ أو مالٍ أو مشحَّةٍ بوطنٍ أو عيالٍ أو خوفٍ ممَّا يحدث في المال، فإِنَّه في هذه الحال يكون مرتدَّاً ولا تنفعه كراهتُه لهم في الباطن، وهو ممن قال الله فيهم: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (1) ?فأخبر أَنَّه لم يحملهُم على الكفر الجهلُ أو بغضُه، ولا محبَّةُ الباطل، وإِنَّما هو أَنَّ لهم حظَّاً من حظوظ الدُّنيا فآثروه على الدِّين، هذا معنى كلام شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهَّاب رحمه الله تعالى وعفا عنه)) (2).
96. أحد علماء الدعوة النجديَّة:
((فإذا عرف المسلم عِظَمَ شأنِ هذه الكلمة، وما قُيِّدت به من القيود، ولا بدَّ مع ذلك أن يكون اعتقاداً بالجَنان، ونطقاً باللِّسان، وعملاً بالأركان، فإِنْ اختلَّ نوعٌ من هذه الأنواع لم يكُنْ الرجل مسلماً كما ذكر الله ذلك وبيَّنَه في كتابه، فإذا كان الرَّجل مسلماً وعاملاً بالأركان، ثَّم حدث منه قولٌ أو فعلٌ أو اعتقادٌ يناقض ذلك لم ينفعْه ذلك، كما قال الله تعالى للَّذين تكلَّموا بالكلام في غزوة تبوك: ?لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? وقال تعالى في حقِّ الآخرين: ?وَلقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِم? (3))) (4).
97. عثمان بن محمد شطا البكريّ (الشافعيّ). ت:1302هـ
((وحاصل الكلام على أنواع الرِّدَّة أَنَّها تنحصر في ثلاثة أقسامٍ: اعتقاداتٍ وأفعالٍ وأقوالٍ، وكلّ قسمٍ منها يتشعَّب شُعَباً كثيرة)) (1).
98. العلاَّمة صدِّيق حسن خان القنوجي. ت:1307هـ
((ومن ذلك الهَزْلُ بشيءٍ فيه ذكرُ الله، أو الرَّسول أو القرآن، أو السُّنَّة. وهذا الهَزْل كفرٌ بواحٌ، قال تعالى: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (2) ?أي بهذا المقال الذي استهزأتم به.
قال شيخ الإسلام: أخبر أَنَّهم كفروا بعد إِيمانهم، مع قولهم: إنَّا قد تكلَّمنا بالكفر من غير اعتقادٍ له، بل إِنَّما كنَّا نخوض ونلعب، وبيَّن أَنَّ الاستهزاء بآياتِ الله كفرٌ، ولا يكون هذا إلاَّ ممن شرح صدره بهذا الكلام. ولو كان الإيمانُ في قلبه، لمنعَه من أنْ يتكلَّم به. والقرآن يبيِّن أَنَّ إيمانَ القلب، يستلزِم العملَ الظَّاهر بحسبه، كقوله: ?وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ? (1) الآية. فنفى الإيمان عمَّن تولَّى عن طاعةِ الرَّسول، وأخبرَ أنَّ المؤمنين إذا دعَوا إلى الله ورسوله ليحكمَ بينهم، سمعوا وأطاعوا، فبيَّنَ أنَّ هذا من لوازم الإيمان، انتهى. وفيه بيانٌ أنَّ الإنسان قد يكفُرُ بكلمةٍ يتكلَّم بها، أو عملٍ يعمل به)) (2).
وقال في "الرَّوضة النَّديَّة" عند الباب السادس:"باب من يستحق القتل حداً":
((… (والسَّاحر) لكونِ عملِ السِّحر نوعاً من الكفر، ففاعلُه مرتدٌّ يستحقُّ ما يستحقُّه المرتدُّ …أقول: لا شكَّ أنَّ من تعلَّم السِّحر بعد إسلامه كان بفعل السِّحر كافراً مرتدَّاً وحدُّه حدُّ المرتدِّ… (والسابُّ لله أو لرسوله أو للإسلام أو للكتاب أو للسُّنَّة، والطاعن في الدِّين) وكلُّ هذه الأفعال موجبةٌ للكفر الصَّريح، ففاعلها مرتدٌّ حدُّه حدُّه)) (3).
99. الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى السديريّ. ت:1329هـ
((… فانظر إلى تفريقه – يعني شيخ الإسلام – بين المقالات الخفيَّة والأمور الظَّاهرة فقال في المقالات الخفيَّة التي هي كفرٌ: قد يقال: إِنَّه فيها مخطيءٌ ضالٌّ لم تقُمْ عليه الحُجَّة التي يكفُر صاحبها، ولم يقل ذلك في الأمور الظَّاهرةِ حكمُها مطلقاً وبما يصدرُ منها من مسلمٍ جهلاً كاستحلال محرَّمٍ أو فعلٍ أو قولٍ شركيٍّ بعد التَّعريف ولا يكفُر بالأمور الخفيَّة جهلاً كالجهل ببعض الصِّفات فلا يكفر الجاهل بها مطلقاً وإن كان داعيةً)) (1).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/311)
100. علامة الشَّام محمَّد جمال الدِّين القاسميّ. ت:1332هـ
قال في تفسير قوله تعالى: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? (2): ((قال في "الإكليل": قال الكيا: فيه دلالة على أنَّ اللاَّعِب والجادَّ في إظهار كلمةِ الكفر سواءٌ، وأنَّ الاستهزاء بآيات الله كفرٌ)) (3).
101. محمَّد أنور شاه الكشميريّ.ت: 1352هـ
قال في إكفار الملحدين نقلاً عن "شرح الشفا" للخفاجي موافقاً له:
((ولهذا أي للقولِ بكفر من خالف ظاهرَ النُّصوص والمجمعَ عليه؛ نُكفِّر من لم يُكفِّر من دانَ بغير ملَّة الإسلام من المِلَلِ أو وقف فيهم، أي توقَّف وتردَّد في تكفيرِهم، أو شكَّ في كفرهم، أو صحَّح مذهبهم، وإنْ أظهر الإسلامَ واعتقده واعتقدَ إبطالَ كلّ مذهبٍ سواه، فهو – أي من لم يكفر وما بعده – كافرٌ، بإظهار ما أظهر من خلافِ ذلك – أي ما يخالف الإسلام، لأنَّه طعنٌ في الدِّين، وتكذيبٌ لما ورد عنه من خلافِه – وكذلك – أي كتكفير هؤلاء – يُقطع ويُجزَم بتكفير كلِّ من قال قولاً صدر عنه يتوسَّل به إلى تضليل الأمَّة – أي كونها في الضَّلال عن الدين والصِّراط المستقيم. ويؤدِّي إلى تكفير جميع الصَّحابة، كقول الطائفة الكميلية من الرَّافضة بتكفير جميع الأمَّة بعد موت النبيِّ ? إذ لم تقدِّم عَلِيَّاً، وكفَّرت علِيَّاً إذْ لم يتقدَّم ولم يطلب حقَّه في التَّقديم، فهؤلاء قد كفروا من وجوهٍ: لأنَّهم بما قالوه أبطلوا الشريعة بأسرِها، وكذلك - أي كما كفَّرْنا هؤلاء - نكفِّر بكلّ فعلٍ فعله شخصٌ مسلمٌ، أجمع المسلمون على أنَّه - أي ذلك الفعل - لا يصدر إلاَّ من كافرٍ حقيقةً، لأَنَّه من جنس أفعالهم، وإنْ كان صاحبه - أي مَنْ صدَرَ منه - مسلماً مصرِّحاً بالإسلام مع فعلِه ذلك الفعل)). "شرح الشفاء للخفاجي" ملتقطاً ملخصاً ومثله في " شرح الملاَّ عليّ القاري" سواء)) (1).
وقال: ((والحاصل أنَّ من تكلَّم بكلمة الكفرِ هازلاً أو لاعباً كفر عند الكلِّ ولا اعتبارَ باعتقاده، كما صرَّح به في "الخانيَّه" و"ردِّ المحتار")) (1).
وقال: ((اتَّفقوا في بعض الأفعال على أَنَّها كفرٌ، مع أَنَّه يمكن فيها أنْ لا ينسلخ من التَّصديق، لأَنَّها أفعالُ الجوارح لا القلبَ، وذلك كالهزل بلفظِ كفرٍ، وإِنْ لم يعتقده، وكالسُّجود لصنمٍ، وكقتل نبيٍّ، والاستخفاف به، وبالمصحفِ، والكعبةِ، واختلفوا في وجهِ الكفر بها بعد الاتِّفاق على التكفير)) (2).
102. إبراهيم بن محمَّد بن ضويان (الحنبليّ). ت:1353هـ
((ويحصل الكفر بأحد أربعة أمورٍ: بالقولِ كسبِّ الله تعالى أو رسوله أو ملائكته …، وبالفعلِ كالسُّجود للصَّنم كشمسٍ وقمرٍ وشجرٍ وحجرٍ وقبٍر لأَنَّه إشراكٌ بالله تعالى وكإلقاءِ المصحف في قاذورةٍ…، وبالاعتقاد كاعتقاده الشِّرك له تعالى أو الصَّاحبةَ أو الولدَ لقوله تعالى: ?مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ? (3) الآية، أو أَنَّ الزِّنى والخمر حلالٌ أو أنَّ الخبزَ حرامٌ ونحو ذلك مما أُجمع عليه إجماعاً قطعيَّاً لأنَّ ذلك معاندةً للإسلامِ وامتناعاً من قبول أحكامه ومخالفةً للكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمَّة، وبالشكِّ في شيءٍ من ذلك أي في تحريم الزِّنى والخمر أو في حلِّ الخبز ونحوِه)) (1).
103. السيد محمَّد رشيد رضا. ت:1354هـ
قال في تفسير قوله تعالى: ?يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّل عَليْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) ? (2)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/312)
((والمعنى أنَّ الله تعالى نبَّأَ رسوله بما كان يقوله هؤلاء المنافقون في أثناء السَّير إلى تبوك من الاستهزاء بتصدِّيه لقتال الرُّوم الَّذين ملأَ صيتُهم بلاد العرب بما كان تجَّارهم يرَوْنَ من عَظَمَةِ مُلكِهم في الشَّام إذْ كانوا يرحلون إليها في كل صيفٍ، نبَّأه نبأً مؤكَّداً بصيغة القَسَم أنَّه إِنْ سألهم عن أقوالهم هذه يعتذرون عنها بأَنَّهم لم يكونوا فيها جادِّين و لا مُنْكِرين، بل هازلين لاعبين، كما هو شأن الذين يخوضون في الأحاديث المختلفة للتَّسلي والتلهِّي، وكانوا يظنُّون أَنَّ هذا عذرٌ مقبولٌ لجهلهم أَنَّ اتِّخاذ أمور الدِّين لعِباً ولهواً، لا يكونُ إلاَّ ممَّن اتَّخذه هُزُواً، وهو كفرٌ محضٌ، … .. فإنْ قيلَ: ظاهرُ هذا أَنَّهم كانوا مؤمنين فكفروا بهذا الاستهزاء الذي سمّوه خوضاً ولَعِباً، وظاهرُ السِّياق أنَّ الكفرَ الَّذي يسِّرُّونَه، هو سببُ الاستهزاء الذي يعلنونه؛ قلنا: كلاهما حقٌّ، ولكلٍّ منهما وجهٌ، فالأوَّل: بيانٌ لحكم الشَّرع وهو أنَّهم كانوا مؤمنين حكماً، فإنَّهم ادَّعوا الإيمان، فجرت عليهم أحكامُ الإسلام، وهي إنَّما تبنى على الظواهر، والاستهزاء بما ذُكِرَ عمل ظاهر يقطع الإسلام ويقتضي الكفرَ، فبه صاروا كافرين حكماً، بعد أن كانوا مؤمنين حكماً، والثاني: وهو ما دلَّ عليه السِّياق هو الواقع بالفعل، والآية نصٌّ صريح في أنَّ الخوضَ في كتاب الله وفي رسوله وفي صفاتِ الله تعالى ووعده ووعيده وجعلِها موضوعاً للَّعِب والهُزْء؛ كلَّ ذلك من الكفر الحقيقيِّ الذي يخرج به المسلم من الملَّة وتجري عليه به أحكامُ الرِّدَّة، إلاَّ أنْ يتوبَ ويجدِّدَ إسلامَه)) (1).
104. العلاَّمة عبد الرَّحمن بن ناصر بن سعديّ. ت:1376هـ
قال في "القول السديد": ((وإذا ثبت أَنَّ الذَّبح لله من أجلِّ العبادات وأكبر الطَّاعات، فالذَّبحُ لغير الله شركٌ أكبُر مخرجٌ عن دائرة الإسلام. فإنَّ حدَّ الشرك الأكبر وتفسيره الذي يجمع أنواعه وأفراده: (أن يصرِفَ العبد نوعاً أو فرداً من أفراد العبادة لغير الله) فكلُّ اعتقادٍ أو قولٍ أو عملٍ ثبت أنَّه مأمورٌ به من الشَّارع فصرفُه لله وحده توحيدٌ وإيمانٌ وإخلاصٌ، وصرفُه لغيره شركٌ وكفرٌ. فعليك بهذا الضَّابط للشِّرك الأكبر الَّذي لا يشذُّ عنه شيءٌ)) (1).
105. الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي. ت:1377هـ
قال في "أعلام السنة المنشورة":
((س: إذا قيل السُّجود للصَّنم والاستهانة بالكتاب وسبُّ الرسول والهَزْلُ بالدِّين ونحو ذلك هذا كلُّه من الكفر العمليِّ فيما يظهر، فلِمَ كان مخرجاً من الدِّين وقد عرَّفتم الكفرَ الأصغر بالعمليّ؟
ج: اعلمْ أنَّ هذه الأربعة وما شاكلها ليس هي من الكفر العمليّ إلاَّ من جهة كونها واقعةً بعمل الجوارح فيما يظهرُ للنَّاس، ولكنَّها لا تقع إلاَّ مع ذهاب عملِ القلب من نيَّتِه وإخلاصه ومحبَّته وانقياده لا يبقى معها شيءٌ من ذلك، فهي وإنْ كانت عمليَّةً في الظَّاهر فإِنَّها مستلزِمَةٌ للكفر الاعتقاديّ ولابدّ، ولم تكن هذه لتقعَ إلاَّ من منافقٍ مارقٍ أو معاندٍ مارد، وهل حمل المنافقين في غزوة تبوك على أَنْ ?قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لمْ يَنَالُوا? إلاَّ ذلك مع قولهم لمَّا سئلوا ?إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ?، قال الله تعالى: ?قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ?، ونحن لم نعرِّف الكفر الأصغر بالعمليّ مطلقاً، بل بالعمليّ المَحْضِ الَّذي لم يستلزم الاعتقادَ ولم يناقض قولَ القلب ولا عملَه)) (1).
106. الشيخ محمّد بن إبراهيم آل الشيخ. ت:1389هـ
قال في شرحه "لكشف الشبهات":
(((فإنَّك إذا عرفت أنَّ الإنسان يكفر بكلمةٍ) واحدةٍ (يخرجها من لسانه) دون قلبه)) (2).
وقال أيضاً:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/313)
(((إذا كان الأوَّلون لم يكفَّروا إلاَّ لأنَّهم جمعوا بين الشِّرك وتكذيب الرَّسول ? والقرآن) يعني تكذيبَه (وإنكارِ البعث، وغيرِ ذلك، فما معنى الباب الَّذي ذكر العلماء في كلِّ مذهبٍ؟) المذاهب الأربعة وغيرها (باب حكم المرتدِّ) وعرَّفوه بتعاريف (وهو المسلم الَّذي يكفر بعد إسلامه) فهذا المذكورُ في هذا الباب إجماعٌ منهم أنَّه يخرج من المِلَّة ولو معه الشَّهادتان، لأجل اعتقادٍ واحد أو عملٍ واحد أو قولٍ واحد، يكفي بإجماع أهل العلم لا يختلفون فيه، وأنَّه ليس المرتدُّ الَّذي يخرج عن الإسلام بالمرَّة (1)، بل هو قسمٌ والقسم الآخرُ هو ما تقدَّم (ثم ذكروا أنواعاً كثيرة) ومثَّلوا له أمثلةً (كل نوعٍ منها يكفِّر، ويحلُّ دمَ الرَّجل وماله) وقالوا: من قال كذا أو اعتقد كذا فهو كافر، وأَنَّه لا ينفعه جميع ما عمِل به (حتى إِنَّهم ذكروا أشياءَ يسيرةً عند من فعلها، مثل كلمةٍ يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمةٍ يذكرها على وجه المزح واللَّعِب) حتى إِنَّ بعض أهل المذاهب يكفِّرون من صغَّر اسم المسجد أو المصحف (2)، و ما ذكروه وعرفوه هو في الجملة: يوجد أشياء يكون بها الإنسان مرتدَّاً ولو نطق بالشَّهادتين وصلَّى، بل ولو أضاف إلى ذلك ترك المحرَّمات وأتى بمكفِّر هدم جميع ما معه من الإسلام، فإِنَّ وجود المكفِّرات التي يصير بها الرَّجل مرتدَّاً كثيرةٌ لا تُحْصَر)) (1).
وقال أيضاً: (((وأمَّا غير هذا، فقد كفر بعد إيمانه، سواءً فعله خوفاً، أو مداراةً، أو مشحَّةً بوطنه، أو أهله، أو عشيرته، أو ماله، أو فعله على وجه المزْحِ، أو لغير ذلك من الأغراض إلاَّ المُكْرَه. والآية تدلُّ على هذا) أنَّ التَّوحيد لابدَّ أنْ يكون بالقلب واللِّسان والعمل (من جهتين: الأولى قوله: ?إلاَّ من أُكْرِهَ? فلم يستثن الله إلا المكره. ومعلومٌ أنَّ الإنسان لا يُكْرَه) لا يُتصَّور في حقِّه الإكراه إلاَّ بهذين الأمرين (إلاَّ على العمل أو الكلام. وأمَّا عقيدةُ القلب فلا يُكْرَه أحدٌ عليها) فإذا فعل أو صدَرَ منه الكفرُ فإِنَّه كافر بعد إيمانِه (والثانية) تقدَّم قول المصنِّف أنَّها تدلُّ على ما قرَّره من جهتين وتقدَّمت الجهة الأولى وهذه الثانية (قوله تعالى: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا? الباء للسَّبب، يعني: ذلك بسبب محبتهم ?الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ? يعني الجنَّة (فصرَّح أنَّ هذا الكفر والعذاب) المحكومَ به عليهم في هذه الآية والمترتِّب على ما صدَر منهم (لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل، أو البُغض للدِّين، أو محبَّة الكفر، وإِنَّما سببه) أي صدور الكفر منه، أنَّه تكلَّم بالكفر لسببٍ وهو أنَّ له في التكلُّم بالكفر شيئاً واحداً، وهو (أَنَّ له في ذلك حظَّاً من حظوظ الدُّنيا) يحصُل له فيرتكب هذا المحظورَ لأجل أنَّه لا يحصل له مطلوبَه إلاَّ – والعياذ بالله – بإيثار الحياةِ الدُّنيا (فآثره على الدِّين) على الآخرة.
فالإِنسان الَّذي يُلجِئُه من يُلجِئُه إلى أَنْ يصدُرَ منه الكفرَ له حالاتٍ:
أحدها: أَنْ يمتنِعَ ويصبرَ عليها، فهذه أفضل الحالات.
الثانية: أنْ ينطِق بلسانِه مع اعتقاد جَنانه الإيمانَ، فهذا جائزٌ.
الثالثة: أنْ يُكره فيجيبُ و لا يطمئنُّ قلبَه بالإيمان، فهذا غير معذورٍ وكافرٌ.
الرابعة: أنْ يُطلَب منه و لا يُلجأ، فيجيب ما وصل إلى حدِّ الإكراهِ ولكن يوافق بلسانِه وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان فهذا كافرٌ.
الخامسة: أنْ يُذكَر له ولا يصل إلى حدِّ الإكراه، فيوافق بقلبه و لسانه، فهذا كافرٌ)) (1).
وحكم الشيخ برِدَّة من تلفَّظ بكلمةِ الكفر وقال " أنا مسيحيٌّ " رغم أنَّه قالها عِناداً وغضباً ولم يعتقدْها. ففي فتاوى ورسائل الشيخ:
(3906) – ((رِدَّة من قال: هو مسيحيٌّ …
من محمَّد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السموِّ الملكي أمير الرياض المحترم…
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنرفق لسموِّكم بهذا ما وردَنا من فضيلة الشَّيخ محمد بن مهيزع المشفوع بشهادات بعض نوَّاب وجماعة مسجد العسيلة وتزكية الشُّهود المذكورين بشأنِ قضيَّةِ عبد الله بن سليمان…
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/314)
ونشعِر سموَّكم أنَّنا لمَّا رأينا أنَّ المسألة عظيمةٌ لا يُستهان بها أمرنا بإحضار عبد الله بن … المذكور مع الَّذين شهِدوا عليه فحضروا إلينا جميعاً، وأدَّوا الشهادة أمامنا بحضوره. حاصله: أنَّهم نصحوه عن التَّخلف عن صلاة الجماعة، وأنَّه عاند ولم ينتصَّح، وكانت إجابته: أنا حرٌّ أصلِّي في بيتي، أو في المسجد، أو لا أصلِّي، وبعدْ، أنا أهوى النَّار لنفسي فما تطلبون منِّي؟ فقالوا له: نحن ما نهوى لك النار، وأنت مسلم. فقال: وإذا قلت: إنَّني مسيحيّ. فقالوا له: لست بمسيحيٍّ إنْ شاء الله. فقال: أنا مسيحيّ. وبسؤال عبد الله عن ما شهدوا به عليه أجابَ بأنَّه ساكنٌ في محلَّة البويبية ومن جماعة مسجد البويبية وليس من جماعة مسجد العسيلة، وأنَّ هؤلاء الأشخاص متغرِّضين لي، وقد جاءني رجل منهم سابقاً، وأخيراً جاءوني تلك الليلة فاعتذرْتُ منهم بأنَّني رجلٌ موظَّفٌ ربَّما أكون في الخفارة أو في تحقيقات جنائية، وفعلاً كنت تلك اللَّيلة في تحقيقات ما رجعت منها إلى بيتي إلاَّ السَّاعة تسعة تقريباً فرقدت، وبعد صلاة الفجر جاءوا إلى بيتي وأخذوا يدقُّون الباب وينفضونه بقوَّة ممَّا أفزع زوجتي وتركت ولدها وجاءتْني فَزِعَة، فانتبهْتُ وخرجتُ إليهم، فما كان منهم إلاَّ أنْ تكلَّموا علي وقالوا لي: يا حمار ما تصلِّي. فأجبتهم بأنِّي أصلِّي والصَّلاة لله، ولست بمسيحيٍّ أترك الصَّلاة، بل أنا مسلمٌ أصلِّي لله ولا أصلِّي خوفاً من أحدٍ، وأنَّ كلَّ ما نسبوه إليَّ خلاف هذا فلا صحَّة له. وبعد سماع كلامهم تقرَّر توقيف المذكور لَبينما يحضر من يزكِّي الشهودَ، فحضر من زكَّاهم وثبتت عدالتهم فأحضرناه وبينَّا له أنَّ ما شهد به الشُّهود قد ثبت عليه ثبوتاً شرعياً، وأَنَّه قد أُدين بتلك الكلماتِ (1) الوَخيمةِ الَّتي صدرت منه، وأنَّ هذا يُعتبر رِدَّةً صريحةً تخرِجه من الإسلام وتهدِر دمه إنْ لم يتُبْ منها ويظهر التَّوبة والنَّدم والاستغفار والعزم على أَنْ لا يعودَ إلى ما قاله أبداً، لأَنَّه والعياذ بالله قد خلع رِبقةَ الإسلام من عنقه بقولِه: أنا مسيحيٌّ. وارتدَّ بذلك من الإسلام إلى دين النَّصرانيَّة، مع مجاهرته بردِّ الحقِّ، واحتقارِ من قام به، واستخفافه بأمرِ الصَّلاة الَّتي هي عمود الإسلام، ومع ما في قوله: إنَّه يهوى النَّار من عدم إيمانه بالجزاء أو الاستخفاف به، وكلُّ هذه جرائمُ متكررةٌ، وقد وعظْناه واستَتَبْناه فتابَ إلى الله واستغفر وأظهر التَّوبة والنَّدم على ما بدَرَ منه، فبلَّغناه بأنَّ عليه أنْ يشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّداً عبده ورسوله، وأنْ يتبَّرأ من كلِّ دينٍ يخالف دينَ الإسلام، ففعل ذلك، وأخبرنَاه بأنَّ عليه أنْ يغتسل غسلَ الإسلام، وأوصيناه بالمحافظة على شرائع الإسلام ومن ضمْنِها صلاة الجماعة. فاستعدَّ لذلك كلِّه، فعليه سقط عنه القتل بالتَّوبة، ولكن نظراً لأَنَّه تجرَّأ على أمرٍ عظيمٍ وهو بين ظهرانيّ المسلمين فإنَّ عليه التعزير البليغ بالضَّرب والحبس بما يراه وليُّ الأمر ليكون زجراً له وردْعاً لأمثاله، ويحضر التَّعزير مندوبٌ من هيئة الأمر بالمعروف. والله يحفظكم)) (1).
وجاء في رسالةٍ أخرى:
(3907) – ((طلب الانضمام إلى الدين المسيحي وقال إنه يتسلى بذلك)):
من محمَّد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السموِّ الملكي أمير منطقة الرِّياض سلَّمه الله…
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فبالإشارة إلى المعاملة المرفوعة إلينا من المحكمة الكبرى بالرِّياض برقم 4259/ 1 وتاريخ 20/ 8/1385 بخصوص قضية السَّجين عليّ .. الَّذي طلب برسالته الموجَّهة إلى صوت الإنجيل الانضمام إلى الدِّين المسيحيِّ.
فقد جرى منَّا الاطلاع عليها وعلى التَّحقيق المجرى معه من قِبَل الاستخبارات العامّة
ونفيد سموَّكم أنَّما صدر منه يعتبر رِدَّةً والعياذ بالله، ولكن قال في جوابه المرفق بالمعاملة بأنَّه يتسلَّى بما كتب ويقطع فراغه بهذا وأمثالِه وهو باقٍ على دينه الإسلام وعلى اعتقاده
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/315)
فيه، فلقد سبقه في هذا الجواب منافقون قالوا دون ما قال، واعتذروا لرسول الله ? بأنَّهم كانوا يخوضون ويلعبون، وأنَّهم لا يعنون ما قالوه؛ فأنزل الله في حقِّهم قوله تعالى: ?قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ?…
فيتعيَّن إحضار المذكور لدى المحكمة، وتعاد استِتَابتُه لدى فضيلة رئيسها وتلفُّظُه بالشهادتين، ومن ثم يؤكَّد عليه وجوب الاغتسال نتيجة الارتداد والعياذُ بالله، ثمَّ التَّوبة. كما أنَّه ينبغي تعزيره بالسِّجن فقط، نظراً لمرضه وضعف حاله عن تحمُّل الجزاء بالضَّرب، ويلاحظ في سجنه عدم التضييقِ عليه. وبالله التوفيق. والسَّلام عليكم)) (1).
107. العلاَّمة محمَّد الأمين الشنقيطي. ت:1393هـ
قال في " أضواء البيان" عند تفسير قوله تعالى: ?يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللهِ وَرَسُولِهِ? (2).
((اعلم أنَّ عدم احترام النَّبي ? المشعرُ بالغضِّ منه أو تنقيصِه ? والاستخفاف به أو الاستهزاء به ردَّةٌ عن الإسلام وكفرٌ بالله)).
وفي تفسير قوله تعالى: ?سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا (3) ?قال:
((وذكر غيرُ واحدٍ من أهل العلم أنَّ من قذف أُمَّ النبيّ? أو قذفه هو ? أنَّ ذلك ردّةٌ، وخروجٌ من دين الإسلام، وهو ظاهرٌ لا يخفى)).
108. اللجنة الدائمة للبحوث العلميَّة والإفتاء (بالسعودية):
((س: يقال إِنَّ الرِدَّة قد تكون فعليَّة أو قوليَّة فالرَّجاء أنْ تبيِّنوا لي باختصارٍ واضحٍ أنواع الرِّدَّة الفعليَّة والقوليَّة والاعتقاديَّة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد:
جـ: الرِّدَّة هي الكفر بعد الإسلام وتكون بالقول والفعل والاعتقاد والشكِّ، فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيَّتَه أو وحدانيَّته أو صفةً من صفاته أو بعض كتبه أو رسله أو سبَّ الله أو رسولَه أو جحد شيئاً من المحرَّمات المجمَعِ على تحريمها أو استحلَّه أو جحد وجوب ركنٍ من أركان الإسلام الخمسة أو شكَّ في وجوب ذلك أو في صدق محمَّد ?أو غيره من الأنبياء أو شكَّ في البعث أو سجد لصنمٍ أو كوكبٍ ونحوه فقد كفر وارتدَّ عن دين الإسلام. وعليك بقراءة أبواب حكم الرِّدَّة من كتب الفقه الإسلامي فقد اعتنَوا به رحمهم الله. وبهذا تعلم من الأمثلة السَّابقة الرِّدَّة القوليَّة والعملية والاعتقاديَّة وصورة الرِّدَّة في الشكِّ)) (1).
وجاء فيها أيضاً:
((س: اعتبارهم تاركَ الصَّلاة كافراً كفراً عملياً والكفر العمليُّ لا يخرِجُ صاحبَه من المِلَّة إلاَّ ما استثنَوْه من سبِّ الله تعالى وما شابهه فهل تارك الصلاة مستثنىً وما وجه الاستثناء؟
جـ: ليس كلُّ كفر عمليٍّ لا يخرج من ملَّة الإسلام، بل بعضه يخرج من ملَّة الإسلام وهو ما يدلُّ على الاستهانة بالدِّين والاستهتارُ به كوضع المصحف تحتَ القدم وسبِّ رسول من رسل الله مع العلم برسالتِه ونسبة الولد إلى الله والسُّجود لغير الله وذبح قربانٍ لغير الله)) (1).
وجاء في الفتوى رقم (20212) وتاريخ 7/ 2/1419هـ:
… ((وأنَّ الكفر يكون بالقول والفعل والتَّرك والاعتقاد والشكِّ كما قامت على ذلك الدَّلائل من الكتاب والسُّنَّة)) (2).
109. الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز (3):
((سبُّ الدِّين كفرٌ أكبر ورِدَّةٌ عن الإسلام والعياذُ بالله، إذا سبَّ المسلم دينَه أو سبَّ الإسلام، أو تنقَّص الإسلام وعابه أو استهزأ به فهذه رِدَّةٌ عن الإسلام، قال الله تعالى: ?قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ?.
وقد أجمع العلماء قاطبةً على أنَّ المسلم متى سبَّ الدِّين أو تنقَّصَه أو سبَّ الرَّسول أو انتقصه أو استهزأ به، فإنَّه يكون مرتدَّاً كافراً حلالَ الدَّم والمال، يُسْتَتاب فإنْ تابَ وإلاَّ قتل)) (1).
ومن ذلك استشهاده بكلام القرطبيّ وابن العربيّ والقاضي عياض موافقاً إيَّاهم بقوله:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/316)
((قال الإمام أبو عبد الله محمَّد بن أحمد الأنصاريّ القرطبيّ في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" عند تفسير هذه الآية ما نصُّه: قال القاضي أبو بكر بن العربي: لا يخلو أن يكونَ ما قالوه في ذلك – جِدَّاً أو هزلاً – وهو كيف ما كان كفرٌ، فإنَّ الهزل بالكفرِ كفرٌ لا خلاف فيه بين الأمَّة)) انتهى المقصود.
وقال القاضي عياض بن موسى – رحمه الله – في كتابه "الشِّفا بتعريف حقوق المصطفى" (ص 325) ما نصُّه: ((واعلم أنَّ من استخفَّ بالقرآن أو المصحف، أو بشيءٍ منه، أو سبَّهما أو جحده أو حرفاً منه أو آية، أو كذَّب به أو بشيءٍ ممَّا صرَّح به فيه: من حكمٍ، أو خبٍر، أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علمٍ منه بذلك، أو شكَّ في شيءٍ من ذلك فهو كافرٌ عند أهلِ العلم بإجماعٍ، قال الله تعالى: ?وَإِنَّهُ لكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) (1) ?. انتهى المقصود)) (2).
وفي مجلَّة الفرقان سُئل الشيخ عن الكفر العمليِّ المخرجِ من الملَّة فقال:
" الذَّبحُ لغيرِ الله، والسُّجود لغير الله،كفرٌ عمليٌّ مُخرجٌ من الملَّة، وهكذا لو صلى لغير الله أو سجد لغيره سبحانه، فإنَّه يكفر كفراً عمليَّاً أكبر- والعياذ بالله – وهكذا إذا سبَّ الدِّين، أو سبَّ الرَّسول، أو استهزأ بالله ورسوله، فإنَّ ذلك كفرٌ عمليٌّ أكبر عند جميع أهل السُّنَّة والجماعة)) (3).
110. الشيخ محمَّد بن صالح بن عثيمين (4):
((سئل فضيلة الشيخ: عن شروط الحكم بتكفير المسلم؟ وحكم من عمل شيئاً مكفِّراً مازحاً؟
فأجاب – حفظه الله تعالى – بقوله: للحكم بتكفير المسلم شرطان: أحدهما: أنْ يقوم الدَّليل على أنَّ هذا الشيء مما يكفِّر.
الثاني: انطباق الحكم على من فعل ذلك بحيث يكون عالماً بذلك قاصداً له، فإن كان جاهلاً لم يكفر. لقوله تعالى: ?وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُول مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا? (1) وقوله:?وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِل قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لهُمْ مَا يَتَّقُونَ? (2) وقوله: ?وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (3) ?.
لكن إن فرَّط بترك التعلُّم والتبيُّن لم يُعذَر، مثل أنْ يبلغَه أنَّ عمله هذا كفرٌ فلا يتثبَّت، ولا يبحث فإنَّه لا يكون معذوراً حينئذٍ.
وإنْ كان غير قاصدٍ لعمل ما يكفِّر لم يكفُر بذلك، مثل أنْ يُكره على الكفرِ وقلبه مطمئنُّ بالإيمان، ومثل أنْ ينغلق فكرُه فلا يدري ما يقول لشدَّة فرحٍ ونحوه، كقول صاحب البعير الذي أضلَّها، ثم اضطجع تحت شجرةٍ ينتظر الموت فإذا بخطامِها متعلقاً بالشجرة فأخذه، وقال: (اللَّهمَّ أنت عبدي وأنا ربُّك) أخطأ من شدَّة الفرح.
لكن من عمل شيئاً مكفِّراً مازحاً فإنَّه يكفر لأنَّه قصد ذلك، كما نصَّ عليه أهل العلم)) (4).
وفي "المجموع" أيضاً:
((وسُئِل – حفظه الله -: عن حكم من يمزح بكلامٍ فيه استهزاءٌ بالله أو الرَّسول ?، أو الدِّين؟
فأجاب بقوله: هذا العمل وهو الاستهزاء بالله أو رسوله ?، أو كتابه أو دينه ولو كان على سبيل المزْح، ولو كان على سبيل إضْحاك القوم كفرٌ ونفاقٌ، وهو نفس الذي وقع في عهد النبي ?، في الَّذين قالوا: "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغبَ بطوناً، ولا أكذبَ ألسُناً، ولا أجبنَ عند اللِّقاء". يعني رسول الله، ?، وأصحابَه القراء فنزلت فيهم: ?وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ?)) (1).
111. الشيخ عبد الله بن عبد الرَّحمن الجبرين (2):
قال في "الجواب الفائق في الرَّدِّ على مبدِّل الحقائق":
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/317)
((فنحن نستدلُّ بفعل الإنسان على عقيدته، فمتى رأينا شخصاً وقف عند قبر إنسانٍ معظَّمٍ في نفسه، وخضع برأسِه، وتذلَّل، وأهطع، وأقنع، وخشع، وخفَّض صوته، وسكنت جوارحُه، وأحضر قلبه ولبَّه، أعظم مما يفعل في الصَّلاة بين يديّ ربِّه عزَّ وجلَّ وهتف باسم ذلك المقبور، وناداه نداء من وثق منه بالعطاء، وعلَّق عليه الرَّجاء ونحو ذلك، فإنَّنا لا نشكُّ أنَّه والحالة هذه يعتقد أنَّه يعطيه سؤلَه ويدفع عنه السوءَ، وأنَّه يستطيع التصرُّفَ في أمرِ الله، ففعله هذا دليل سوء معتقده، فلا حاجة لنا أن نسألَه: هل أنت تعتقد أنَّه يضرُّ وينفعُّ من غير إذنِ الله؟ فالله تعالى ما كلَّفنا أن ننقِّب عن قلوب النَّاس، وإنَّما نأخذهم بموجب أفعالهم وأقوالهم الظَّاهرة، وهذا الشَّخص قد خالف قول الله تعالى: ?وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ (1) ?.
وقد رأينا خشوعه وتذلُّلَه أمام هذا المخلوق الميِّت، وذلك هو عين العبادة كما عرفنا، فنحكم عليه بموجب فعلهِ وقولهِ، بأنَّه قد أشرك بالله وتألَّه سواه)) (2).
ثم قال في "ردِّه على مبدِّل الحقائق":
((ثالثاً: ثم قال الكاتب في الصفحة الثالثة في أول السطر التاسع: أمَّا من اعتقد فيمن يناديه بأنَّه من أهل العطاء، وما ملَكَ إلاَّ بتمليك الله، ولا يتصرَّف إلاَّ بإذن الله فهو موحِّدٌ .. الخ.
فنقول: لا حاجة لنا في التَّنقيب عن معتقده، الذي يقوم بقلبه فإنَّه أمرٌ خفيٌّ، وقد يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فنحن نأخذه بالظَّاهر فإنَّ أفعالَه تعبِّر عن ما في ضميره ولو حاول تغييرَه لم يستطِعْ)) (3).
112. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان (1):
جاء في "المنتقى":
((فضيلة الشيخ صالح الفوزان وفَّقه الله لما يحبُّه ويرضاه السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ..
فقد كثُر الكلام في الآونة الأخيرة بين طَلَبَة العلم حول مسألةٍ مهمَّةٍ تتعلَّق بأصل الدِّين، وسأذكر بعض الأقوال الَّتي أرجو من الشيخ أنْ يبيِّن هل هي موافقة لعقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، أم أنَّ فيها شيئاً من الخلل:
1 - قول بعض النَّاس: (إنَّ عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة أنَّ العمل شرط في كمال الإيمان وليس شرطاً في صِحَّة الإيمان)، مع أَنَّه من المعلوم أنَّ الإيمان عند أهلِ السُّنَّة قولٌ وعملٌ، وأنَّه لا إيمانَ إلاَّ بعملٍ كما صرَّح بذلك بعضٌ أئمَّة السَّلف.
2 - قول بعض النَّاس: (إنَّ الكفر المخرِجَ من المِلَّة هو الكفر الاعتقاديُّ فقط، أمَّا العمل فلا يخرج من المِلَّة إلاَّ إذا كان يدلُّ على اعتقادٍ كالسجود لصنمٍ مثلاً، فإنَّه يعتبر كفراً لأنَّه يدلُّ على عقيدةٍ في الباطن لا لمجرَّد السُّجود فقط، ومثله سبُّ الله أو الاستهزاء بالدِّين أو نحوِ ذلك .. فلا يكفر الإنسان بعملٍ مهما كان).
أرجو من الشيخ – وفَّقه الله – أنْ يتفضَّل ببيان ما في هاتين المقالَتين من الحقِّ أو الباطل؟
سائلاً الله تعالى أنْ يوفِّقَه للصَّواب، وأنْ ينفَعَ به الإسلام والمسلمين.
وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه.
الجواب:
1 - القول الأول: هو قول مرجئةِ أهلِ السُّنَّة وهو خطأٌ، والصَّواب أنَّ الأعمال داخلةٌ في حقيقة الإيمان فهو اعتقادٌ وقولٌ وعملٌ يزيد بالطَّاعة، وينقص بالمعصية، وهذا قول جمهور أهل السُّنَّة لأنَّ الله سمَّى الأعمال إيماناً كما في قوله تعالى: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَليْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً (1) ?الآيتين. وقال النبي ?: (الإيمانُ بضعٌ وسبعونَ شعبة) الحديث (2).
2 - هذا في الغالب وهناك أعمال تخرج من الملَّة كترك الصَّلاة تكاسُلاً وكالسِّحر تعلُّمه وتعليمَه، ومن نطق بكلمة الكفر مختاراً، وكلُّ عملٍ لابدَّ أنْ يصاحبه قصدٌ، فلا يعتدُّ بعمل النَّاسي والنَّائم والصغير والمجنون والمكره لعدم القصد. هذا وأنصحُ لهؤلاء أنْ يتعلَّموا قبل أنْ يتكلَّموا لأنَّ الكلام في مثل هذه المسائل خطيرٌ، ويحتاج إلى علمٍ)) (3).
وقال أيضاً إجابةً على سؤالٍ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/318)
"وما فعلتَه فيما ذكرته في السُّؤال من أنَّك ذهبت وغيَّرت من مسمَّى الديانة إلى ديانة غير الإسلام لتحصل على عملٍ، فهذا شيءٌ خطيرٌ، ويعتبر رِدَّة عن دين الإسلام؛ لأنَّك فعلت هذا، وتظاهرت بغيرِ دين الإسلام، وانتسبت إلى غير دين الإسلام، والمسلم لا يجوز له ذلك، ويجب عليه أنْ يتمسَّك بدينه، وأنْ يعتزَّ بدينه، وأنْ لا يتنازل عنه لطمعٍ من أطماع الدُّنيا، فالله سبحانه وتعالى لم يستَثْنِ في أنْ يتلفَّظ الإنسان بشيءٍ من ألفاظ الكفر؛ إلاَّ في حالة الإكراه الملجئ؛ كما في قوله تعالى: ?مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ (1) ?.
فأنت تظاهرْتَ بغير دين الإسلام وانتسبْتَ لغير دين الإسلام لأجل الدُّنيا وطمع الدُّنيا، لم تصل إلى حدِّ الإكراه الذي تُعْذَر به؛ فالواجب عليك التَّوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والمبادرة إلى تغيير هذا الانتساب، والمبادرة إلى كتابة الدِّيانة الإسلامية في ورقةِ عملِك، مع التَّوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والنَّدم على ما فات، والعزم على أنْ لا تعودَ لمثل هذا الشَّيء؛ لعلَّ الله أنْ يتوبَ علينا وعليك)) (1).
وقال في "الإرشاد":
((ففي هاتين الآيتين الكريمتين مع بيان سببِ نزولهما دليلٌ واضحٌ على كفر من استهزأ بالله، أو رسولِه، أو آيات الله، أو سنَّة رسوله، أو بصحابة رسولِ الله، لأنَّ من فعل ذلك فهو مستخفٌّ بالرُّبوبيَّة والرِّسالة وذلك منافٍ للتَّوحيد والعقيدة، ولو لم يقصِد حقيقة الاستهزاء، ومن هذا الباب الاستهزاءُ بالعلم وأهله وعدمُ احترامهم أو الوقيعةُ فيهم من أجل العلم الذي يحملونه، وكون ذلك كفرٌ ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء؛ لأنَّ هؤلاء الِّذين نزلت فيهم الآيات جاءوا معترفين بما صدَر منهم ومعتذرين بقولهم: ?إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ? أي لم نقصد الاستهزاء والتَّكذيب وإنَّما قصدنا اللَّعِب، واللَّعِب ضد الجدِّ فأخبرهم الله على لسان رسوله ? أنَّ عذرَهم هذا لا يغني من الله شيئاً، وأنَّهم كفروا بعد إيمانِهم بهذه المقالة الَّتي استهزءوا بها، ولم يقبل اعتذارَهم بأنَّهم لم يكونوا جادِّين في قولهم، وإنَّما قصدوا اللَّعِب ولم يزِدْ ? في إجابتهم على تلاوةِ قول الله تعالى: ?أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? (2)؛ لأنَّ هذا لا يدخله المزح واللَّعِبُ، وإنَّما الواجب أنْ تُحْتَرم هذه الأشياءُ وتُعظَّم، وليخشع عند آياتِ الله إيماناً بالله ورسوله وتعظيماً لآياته. والخائض الَّلاعب منتقصٌ لها … قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: فقد أخبر أنَّهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم: إنَّما تكلَّمْنا بالكفر من غيرِ اعتقادٍ له، بل إنَّما كنَّا نخوضُ ونلعب، وبيَّن أنَّ الاستهزاء بآياتِ الله كفرٌ ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدراً بهذا الكلام، ولو كان الإيمان في قلبه لمنعَه أنْ يتكلَّم بهذا الكلام، والقرآن يبيِّن أنَّ إيمانَ القلب يستلزم العملَ الظَّاهر بحسبه)) (1).
وقال أيضاً:
((…وأمَّا الكفر فهو الامتناعُ من الدُّخول في الإسلام أو الخروج منه واختيارُ دينٍ غير دين الله إمَّا تكبُّراً وعناداً، وإمَّا حميَّةً لدين الآباء والأجداد وإمَّا طمعاً في عرَضٍ عاجل من مالٍ أو جاهٍ أو منصبٍ… ويكون الكفر بالعمل كالذَّبح لغير الله والسُّجود لغير الله وعمل السِّحر وتعلُّمه وتعليمِه كما قال تعالى: ?قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (162) لا شَرِيكَ لهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) ? (2) ?يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لعَلكُمْ تُفْلِحُونَ? (3) فمن صرف شيئاً من هذه الأعمال لغير الله فإنَّه يكون مشركاً كافراً يعامَل معاملةَ الكفَّار إلاَّ أنْ يتوبَ إلى الله. وقال في السِّحر: ?وَمَا كَفَرَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/319)
سُليْمَانُ وَلكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ? (1) إلى غير ذلك من أنواع الكفر الَّذي يكون بالقول والفعل كما يكون بالاعتقادِ والشكِّ والتردُّدِ كما قال تعالى: ?وَدَخَل جَنَّتَهُ? ... الآية. فلا يكون الكفر بالتَّكذيب فقط. ثمَّ إنَّه قد يكون الكافر كافراً أصليَّاً لم يدخل في الإسلام أصلاً. وقد يكون كافراً كفر رِدَّة إذا دخل في الإسلامِ ثمَّ ارتكب ناقضاً من نواقضِه الَّتي هي من أنواع الكفرِ، سواءً كان جادَّاً أو هازلاً أو قاصداً الطَّمع من مطامع الدنيا من الحصول على مالٍ أو جاهٍ أو منصِبٍ إلاَّ من فعل شيئاً من ذلك أو قالَه مكرهاً بقصد دفع الإكراه مع بقاء قلبه على الإيمان كما قال تعالى: ?مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُوْلئِكَ الذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُوْلئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الْخَاسِرُونَ (109) ? (2))) (3).
وقال في شرحه لـ "كشف الشبهات":
((فالحاصل أنَّ الَّذي يتكلَّم بكلمة الكفر لا يخلو من أربع حالاتٍ:
الحالة الأولى: أنْ يكون معتقداً ذلك بقلبه فهذا لا شكَّ في كفره.
الحالة الثانية: أنْ لا يكون معتقداً بذلك بقلبه ولم يُكره على ذلك، ولكن فعله من أجل طمع الدُّنيا أو مداراة النَّاس وموافقتهم، فهذا كافر بنصّ الآية: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُم اسْتَحَبُّوا الحَيَاةَ الدُّنْيا عَلَى الآخِرَةِ?، وكذلك في فعل الكفر والشِّرك موافقة أهله وهو لا يحبُّه ولا يعتقدُه بقلبه وإنَّما فعله شحّاً ببلده أو ماله أو عشيرته.
الحالة الثالثة: أنْ يفعل ذلك مازحاً ولاعباً كما حصل من النَّفر المذكورين.
الحالة الرابعة: أَنْ يقولَ ذلك مُكْرهاً لا مختاراً وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان فهذا مرخَّصٌ له في ذلك دفعاً للإكراه، وأمَّا الأحوال الثلاثة الماضية فإنَّ صاحبها يكفر كما صرَّحت به الآيات، وفي هذا ردٌّ على من يقول إنَّ الإنسان لا يُحْكَم عليه بالكفر ولو قال كلمة الكفر أو فعل أفعال الكفر حتّى يُعلَم ما في قلبه، وهذا قولٌ باطلٌ مخالفٌ للنُّصوص)) (1).
113. الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (1):
قال في "درء الفتنة":
((… وأنَّ الكفر يكونُ بالاعتقاد وبالقول وبالفعل وبالشكِّ وبالتَّرك، وليس محصوراً بالتَّكذيب بالقلب كما تقوله المرجئة، ولا يلزم من زوالِ بعض الإيمان زوالِ كلِّه كما تقوله الخوارج)) (1).
وقال:
((للحكم بالرِّدَّة والكفر موجباتٌ وأسبابٌ هي نواقض الإيمان والإسلام، من اعتقادٍ، أو قولٍ، أو فعلٍ، أو شكٍّ، أو ترك، ممَّا قام على اعتباره ناقضاً الدليلُ الواضحُ، والبرهانُ السَّاطع من الكتاب أو السُّنَّة أو الإجماع)) (2).
وقال بعد أن ضرب أمثلةً لكفرِ الأقوال والأعمال:
((فكلُّ هؤلاء قد كفرَّهم الله ورسوله بعد إيمانهم بأقوالٍ وأعمالٍ صدرت منهم ولو لم يعتقدوها بقلوبِهم؛ لا كما تقول المرجئة المنحرفون، نعوذ بالله من ذلك)) (3).
114. "الموسوعة الفقهيَّة الكويتيَّة":
((التَّكفير بالقول:
اتَّفق العلماءُ على تكفير من صدر منه قولٌ مكفِّرٌ، سواءً أقاله استهزاء، أم عناداً، أم اعتقاداً لقوله تعالى: ?قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? (1))) (2) ….
((التَّكفير بالعمل:
نصَّ الفقهاء على أفعالٍ لو فعلها المكلَّف فإنَّه يكفر بها، وهي كل ما تعمَّده استهزاءً صريحاً بالدِّين أو جحوداً له، كالسُّجود لصنمٍ أو شمسٍ أو قمرٍ، فإنَّ هذه الأفعالُ تدلُّ على عدم التَّصديق (3)، وكإلقاء المصحف في قاذورةٍ، فإنَّه يكفر وإنْ كان مصدِّقاً، لأنَّ ذلك في حكم التَّكذيب، ولأنَّه صريحٌ في الاستخفاف بكلام الله تعالى، والاستخفافُ بالكلام استخفافٌ بالمتكلِّم)) (4).
تم الكتاب والحمد لله على الإسلام والسنة
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* * *(24/320)
فوائد عقدية من كتاب " حقيقة العبادة " للمعلمي
ـ[محب العلم]ــــــــ[07 - 04 - 03, 01:20 ص]ـ
الفائدة الأولى:
قال رحمه الله:
" ثم إذا وقعت كلمة الشهادة مستكملة للشروط، فشرط استمرار حكمها = أن لايحدث من صاحبها مايخل بموجبها، وهذا هو المقصود الحقيقي والثمرة المطلوبة، ولذلك وقع (الإتفاق) على أن السجود للصنم أو الشمس أو نحوهما ردة تخرج عن الإسلام إلا لمن أكره.
ولم يشترط في الحكم بردّيته أن يسمي الشمس مثلاً (إلها).
بل لو كان حال السجود معلنا بثباته على لا إله إلا الله، وكانت قرينة تشهد له، كأن جعل له (مال عظيم) على السجود للشمس، فسجد طمعاً في المال لم يفده ذلك.
والله أعلم ".(24/321)
كشف شركيات الجفري (الجزء الأول و الثاني)
ـ[عباس رحيم]ــــــــ[07 - 04 - 03, 05:43 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، ولا عدوان إلا على الظالمين أما بعد.
(الحبيب زين العابدين الجفري) من الأسماء التي بدأت تظهر بشكل كبير في الساحة الدعوية في هذا الوقت، و ذلك من خلال الظهور عبر القنوات الفضائية و الصحف و المجلات، فبعض القنوات الفضائية كما بلغني أصبحت تستضيفه على شاشاتها من خلال البرامج و المقابلات، و كذلك بعض الصحف و المجلات قامت بإجراء مقابلات معه، و له موقع على شبكة الانترنيت تحت الإنشاء، هذا فضلاً عن أشرطته السمعية التي ينشرها اتباعه في عدة أماكن.
والغرض من نشر هذه المشاركة هو تحذير المسلمين من شر هذا الرجل، فقد اغتر به الكثير من الناس بسبب أسلوبه في الحديث والله المستعان، و بعض الإخوة لم يكن يصدق هذا الأمر (شركيات الجفري)، بل أن بعضهم يدافع عنه ويكذب ما ينسب إليه و عندما يسمع مقاطع بصوته يتعجب من هذا الأمور التي لم يكن يتصور صدورها من شخص في هذا العصر! الذي انتشر فيه العلم والدين والحمد لله.
1 – استمع إليه وهو يقول أن القاعدة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يغيث بروحه من يستغيث به، ويمكن أن يغيث أيضاً بجسده، كما أن بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغيث بروحه مليون شخص في نفس اللحظة!!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g1.ra
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g2.ra
2 – استمع له وهو يقول أنه لا يستغرب خروج روح الولي الميت لكي تنفع بإذن الله من يستغيث بها.
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g3.ra
3 – استمع له وهو يقول أن الأساس أن الأولياء الأموات يغيثون بارواحهم من يستغيث بهم، ولا يمنع في اعتقاده أن يخرج جسد من قبره!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g4.ra
4 – استمع له وهو يصرح بأن هناك من الأولياء من فوضهم الله في إدارة أمور الكون!!
وأن عندهم إذن مسبق في التصرف في الكون!!
وأنه بإمكانهم بإذن الله الرزق والإحياء والإماتة!!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g5.ra
5 – استمع له وهو يصرح بأنه يمكن للولي الميت أن يدعو للحي، وأن كرامات الأولياء لا حد لها إلا في مسألتين، وهما:
أن ينزل عليه كتاب من الله.
أن يوجد – أي يخلق – الولي طفل من غير أب.
وأن مسألة خلق الطفل من غير أب مسألة خلافية بين العلماء – أي الصوفية -.
وأن الولي يمكن أن تخرج روحه من الروضة التي يتنعم فيها ليغيث من استغاث به.
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g6.ra
6 – استمع له وهو يصرح أن العلماء عنده اختلفوا في مسألة إمكانية أن يخلق الولي لطفل من غير أب، وأن السبب الذي جعل من يقول بإمتناع ذلك هو التحرز على الأنساب!! حتى لا تأتي امرأة حامل من الزنى فتدعي أن أحد الأولياء خلق هذا الطفل في بطنها، وإلا في الأصل هم متفقون على ذلك – أي على إمكانية أن يخلق الولي طفل من غير أب -!!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g7.ra
7 – استمع له وهو يصرح بإمكانية رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن بعين البصيرة وأن هناك من الأولياء من يجتمع بالرسول صلى الله عليه وسلم يقظة!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g9.ra
8 – استمع له وهو يكذب على الشيخ عبد الرحمن دمشقية حفظه الله مؤلف كتاب "الرفاعية" حيث يزعم أن أحد مشايخه ناقش الشيخ دمشقية حول أحمد الرفاعي وذكر له أن الإمام الذهبي أثنى عليه، وأن الشيخ دمشقية كان يجهل هذا الأمر، ولهذا ذمه في كتاب الرفاعية، مع أن الشيخ عبد الرحمن دمشقية قد ذكر ترجمة أحمد الرفاعي رحمه الله من "سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي رحمه الله وبراءه مما يعتقده فيه أتباعه!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g10.ra
و بعد عرض هذه المقاطع الصوتية للجفري سوف أذكر بعض الأدلة التي فيها رد على معتقداته في الجزء الثاني إن شاء الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(احذروا القصاصين فهم كثر بيننا و هم ليسوا من أهل العلم في شيء)
اللهم اجعل جميع أعمالنا ظاهرها و باطنها خالصة لوجهك الكريم موافقة لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/322)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التكملة مع الجزء الثاني إن شاء الله
((كشف شركيات الجفري)) الجزء الثاني.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، ولا عدوان إلا على الظالمين أما بعد.
و بعد عرض المقاطع الصوتية للجفري سوف أذكر بعض الأدلة التي فيها رد على أقواله المخالفة لما جاء في النصوص الشرعية و هي كما يلي:
أولاً: ذكر بعض الأدلة التي فيها رد عليه من أن الأنبياء و الأولياء يتصرفون في الكون.
إن في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يصدع بالحق و يرد على هذا الأمر من ذلك أنه لما اشتدت إذية المشركين للمسلمين بمكة واستفحل شرهم فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه و صوته ثم دعا عليهم: " اللهم عليك بقريش اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعقبة بن ربيعة، و شيبة بن ربيعة، و الوليد بن عقبة، و أمية بن خلف، و عقبة ابن أبي معيط " رواه البخاري و مسلم.
فهل ترى أنه بعد أن ضاقت السبل، و استغلقت الأبواب، و انقطع الرجاء في هداية هؤلاء القوم لم يبق إلا التفكير في استئصال شأفتهم، و لما لم يكن هناك سبل إلى ذلك إلا سبيل الابتهال إلى المولى عز وجل فقد توجه عليه الصلاة و السلام بهذا الدعاء الذي لم تتحقق استجابته إلا بعد حين و تحديداً يوم بدر.
يقول ابن مسعود راوي الحديث: (فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر).
و لا يخفى على عاقل أنه صلى الله عليه وآله وسلم لو كان يتصرف في الكون لاكتفى بقوله لهم: موتوا فيموتون.
وفي يوم بدر ذاته عندما واجه المسلمين خطر جسيم عندما قابلهم جيش قريش ورأوا تفوقه عدداً وعُدداً لم يكن منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن استقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: " اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ".
فما زال يهتف بربه ماداً يديه، مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه.
فأتاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه. وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل قوله تعالى ((إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين)) سورةالأنفال 9. رواه مسلم.
هذا نص آخر صريح في أنه عليه الصلاة والسلام كان أمره غاية في العبودية والخضوع والتذلل لربه عز وجل، و لم يكن من شأنه أن يخرج عن ذلك بحال من الأحوال.
بل ثبت بالدليل أن الله سبحانه لم يكن يحقق كل ما يدعوه به عليه الصلاة والسلام.
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((سألت ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين و منعني واحدة. سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، و سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، و سألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها)) رواه مسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، و يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئاً)) رواه البخاري و مسلم.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصرح بأنه لا يغني عن أحد من الله شيئاً، و لا حتى لابنته فاطمة رضي الله عنها.
و إذا كان لا يملك شيئاً لفلذة كبه فاطمة رضي الله عنها وهو حي، أفيملكه لغيرها و هو ميت؟!.
و هناك أدلة أخرى كثيرة تدل على هذا الأمر منها:
1) قوله تعالى ((قل لا أملك لكم ضراً و لا رشداً)) سورة الجن:21.
2) قوله تعالى ((وقالوا لن نؤمن بك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل عليناً كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً)) سورة الإسراء:90 - - 93.
3) قول تعالى عن نوح عليه السلام ((و لا أقول لكم عندي خزائن الله و لا أعلم الغيب)) سورة هود: 31.
و هذه رد على بعض الشبه حول هذه الجزئية من هذا الموضوع:
1 - قد يستدل البعض على هذه العقيدة بمعجزات المسيح عليه السلام.
وهذا الاستدلال باطل لأن إحياء الموتى بإذن الله من خصوصيات المسيح، و ليس لغيره من البشر لا من الأنبياء و لا غيرهم، و مما يؤيد هذه الخصوصية دعاء إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى ((رب أرني كيف تحيي الموتى)) سورة البقرة:260.
فإنه عليه السلام لو كان من شأنه إحياء الموتى لما دعا بمثل هذا الدعاء، و إذا انتفى كون إحياء الموتى من معجزات نبي آخر غير المسيح قوي انتفاؤه عمن دون الأنبياء من الأولياء و الصالحين.
2 - وقد يستدل البعض أيضاً بقول الله تعالى ((فتبارك الله أحسن الخالقين)) سورة المؤمنون:14.
و الجواب: أننا نثبت للمخلوق خلقاً، لكنه ليس كخلق الله تعالى. فخلق الله جل وعلا إيجاد من العدم.
و خلق المخلوق لا يكون إلا بالتغيير و التحويل و التصرف في شيء خلقه الله تعالى.
و من ذلك ما جاء في " الصحيحين " أنه يقال للمصورين يوم القيامة: ((أحيوا ما خلقتم)).
و معلوم أن المصور لم يوجد شيئاً من العدم إنما حول الطين، أو الحجر إلى صورة إنسان أو طير – بدون روح -، و حول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى ملونة، و الطين و الحجر و المواد و الورق كلهم من خلق الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(احذروا القصاصين فهم كثر بيننا و هم ليسوا من أهل العلم في شيء)
اللهم اجعل جميع أعمالنا ظاهرها و باطنها خالصة لوجهك الكريم موافقة لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التكملة مع الجزء الثالث إن شاء الله
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/323)
ـ[عبد الله زقيل]ــــــــ[07 - 04 - 03, 07:39 ص]ـ
الأخ عباس رحيم.
إليك هذا الرابط:
http://alsaha2.fares.net/sahat?14@164.mufVekYwBwa.8@.1dd30e0d/38
ـ[خالد بن عمر]ــــــــ[08 - 04 - 03, 01:42 ص]ـ
هذا موضوع لشيخنا ((عبدالرحمن الفقيه)) وفقه الله
http://www.muslm.net/vbnu/showthread.php?s=&threadid=64233&highlight=%C7%E1%CC%DD%D1%ED
*******
هذا نص المقابلة (بعد تجاوز المقدمة التعريفية) ((مجلة الاهرام العربي ــ السبت 25/ 4 / 1423 هـ ـ 6 / يونيو / 2002 م ــ العدد 276 (
البعض يرفض الصلاة في المساجد التي بها أضرحة .. ما رأيك؟
هذا من الخطأ , الحبيب صلي الله عليه وسلم لما توفي اختلف الصحابة - كما جاء في صحيح مسلم - أندفنه في البقيع أم عند منبره؟
حتى قال لهم من سمعهم إن رسول الله صلي الله عليه وسلم , قال: إن الأنبياء يدفنون حيث يقبضون فدفن في بيته , فهل الصحابة كانوا جاهلين أم أن عقيدتهم كانت مهزوزة؟
ففي صحيح مسلم أن عددا من الصحابة رأوا أن يدفن عند منبره في مسجده , وجاء في شرح البخاري أن الصحابي أبا بصير قد مات في إحدي المعارك , فبني عليه مسجد في عهد رسول الله ولم ينكر ذلك.
وجاء في القرآن: قال الذين غلبوا علي أمرهم لنتخذن عليه مسجدا أقرب التفاسير تفسير الجلالين. لو قرأت لوجدت أن الذين غلبوا علي أمرهم هم المؤمنون , لذلك لا يتأتى أن نختلف مع من قبلنا في أمر يتعلق بالعقيدة.
وإثارة مثل هذه الأمور وتضخيمها وسيلة لإشغال المجتمع الملتزم المسلم بمثل هذه السفسطة التي تترك الأمة في كلل لن يربح منها , إلا أعداء الإسلام , الصلاة في المساجد التي يوجد في أطرافها وفيها أضرحة جائزة عند الأئمة الأربعة , فهل هناك اتهام لعقيدتهم؟.
الرد على كلامه
قال أبو عمر الأزدي وفقه الله:
ما ذكره الجفري من أن هذا الحديث في صحيح مسلم كذب وافتراء، بل هو حديث منكر رواه ابن ماجة (1628) وأحمد وأبو يعلى وغيرهم من طريق حسين بن عبدالله بن عبيدالله بن العباس وهو متروك عن عكرمة عن ابن عباس ثم كرر كذبه فقال (ففي صحيح مسلم أن عددا من الصحابة رأوا أن يدفن عند منبره في مسجده ,) وهذا كذب فانظر كيف ينسب مثل هذه الروايات إلى صحيح مسلم حتى يضلل الناس ويهون عليهم التحذير من دفن الموتى في المساجد وقد جاء في صحيح مسلم (532) عن جندب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك فهذا نص من النبي صلى الله عليه وسلم في النهي من اتخار القبور مساجد وجاء في صحيح مسلم ج: 2 ص: 668 972 وحدثني علي بن حجر السعدي حدثنا الوليد بن مسلم عن بن جابر عن بسر بن عبيد الله عن واثلة عن أبي مرثد الغنوي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها 972 وحدثنا حسن بن الربيع البجلي حدثنا بن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن واثلة بن الأسقع عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)
فهذا نهي صريح عن الصلاة إلى القبور أو عليها فانظر إلى افتراء البغيض!! الجفري على النبي صلى الله عليه وسلم فحسيبه الله.
وأما قوله (وجاء في شرح البخاري أن الصحابي أبا بصير قد مات في إحدي المعارك , فبني عليه مسجد في عهد رسول الله ولم ينكر ذلك.) فهو يقصد ما جاء في فتح الباري لابن رحجر (5/ 351) في قصة أبي بصير قال الحافظ (وفي رواية موسى بن عقبة عن الزهري فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بصير فقدم كتابه وأبو بصير يموت فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده فدفنه أبو جندل مكانه وجعل ثم قبره مسجدا قال وقدم أبو جندل ومن معه إلى المدينة فلم يزل بها إلى أن خرج إلى الشام مجاهدا فاستشهد في خلافة عمر)) انتهى فهذه الرواية من مراسيل الزهري كما يظهر لمن تأمل أسانيد الحديث (2731و2732) وكلام الحافظ على إدراجات الزهري وإرسالاته في الحديث
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/324)
فتبين أن هذه القصة لاتصح فلا يجوز الإحتجاج بها ورد النصوص الصريحة الصحيحة في النهي عن ذلك فالله المستعان وعليه التكلان من تلبيسس هذا البعيض الجفري على الناس.
قوله ((وجاء في القرآن: قال الذين غلبوا علي أمرهم لنتخذن عليه مسجدا أقرب التفاسير تفسير الجلالين. لو قرأت لوجدت أن الذين غلبوا علي أمرهم هم المؤمنون , لذلك لا يتأتى أن نختلف مع من قبلنا في أمر يتعلق بالعقيدة.)) الرد قال أبو عمر الأزدي سدده الله: قد اختلف السلف في تفسير هذه الآية كما ذكر ابن جرير وغيره وإن كان الأقرب أن الذين غلبوا على أمرهم هم السلاطين الكفار وعلى وجه التنزل فلو كان هذا جائزا في شرع من قبلنا فشرعنا جاء بالمنع من ذلك
ولعلي أنقل كلام الإمام القرطبي رحمه الله -مع بعض اختصار - في ما ذكره حول هذه الآية
تفسير القرطبي ج: 10 ص: 379 وتنشأ هنا مسائل ممنوعة وجائزة فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لايجوز لما روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج قال الترمذي وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة حديث ابن عباس حديث حسن وروى الصحيحان عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ألئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله تعالى يوم القيامة لفظ مسلم قال علماؤنا وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد.
وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لاتصلوا إلى القبور ولاتجلسوا عليها لفظ مسلم أي لاتتخذوا قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد.
وروى الصحيحان عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ماصنعوا.
وروى مسلم عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه وخرجه أبو داود والترمذي أيضا عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
وروى مسلم في الصحيح عن أبي الهياج الأسدي قال قال لي علي بن أبي طالب ألا أبعثك على مابعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته في رواية ولا صورة إلا طمستها. وأخرجه أبو داود والترمذي قال علماؤنا ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون لاطئة وقد قال به بعض أهل العلم وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو مازاد على التسنيم ويبقى للقبر مايعرف به ويحترم وذلك صفة قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنه الله عنهما على ماذكر مالك في الموطأ)) انتهى كلام القرطبي
قال أبو عمر الأزدي:
فانظر إلى تلبيس الجفري! وكيفية استدلاله بالآية التي نزلت فيمن كان قبلنا وجاء في شرعنا ما يدل على منعه! ووما يؤيد أن المقصود بالذين غلبوا على أمرهم هم السلاطين الكفار ما جاء في الصحيحين عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أولئك إذا كان فيهم االرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله تعالى يوم القيامة لفظ مسلم قال علماؤنا وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/325)
فقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله) دليل على أن هذا ممنوع حتى على الأمم السابقة لنا
فالله المستعان كيف يترك الجفري النصوص الصحيحة الصريحة ويذهب يستدل بمثل هذه الإحتمالات البعيدة قال تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ)
وهذا الحديث في صحيح مسلم 532 عن جندب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك) فهل من مطيع ومتبع للنبي صلى الله عليه وسلم!
قوله (وإثارة مثل هذه الأمور وتضخيمها وسيلة لإشغال المجتمع الملتزم المسلم بمثل هذه السفسطة التي تترك الأمة في كلل لن يربح منها , إلا أعداء الإسلام , الصلاة في المساجد التي يوجد في أطرافها وفيها أضرحة جائزة عند الأئمة الأربعة , فهل هناك اتهام لعقيدتهم؟.)
الرد قال أبو عمر الأزدي وفقه الله وسدده:
يقال له في المقابل ولماذا لايسكت الطرف الآخر عن نشر مثل هذه الخزعبلات؟
وتعبيره بالسفسطة غير صحيح في هذه المسالة! فالسفسطة إنكار الحقائق المعلومة بالضرورة مثل من ينكر طلوع الشمس من المشرق ونحوها فما دخل السفسطة هنا
وأما قوله (الصلاة في المساجد التي يوجد في أطرافها وفيها أضرحة جائزة عند الأئمة الأربعة , فهل هناك اتهام لعقيدتهم؟.)
فهذا كذب على الأئمة الأربعة فاين ذكر الأئمة الأربعة جواز الصلاة في المساجد التي في أطرافها اضرحة فالجفري لم يكتف بالكذب في نسبة الحديث إلى صحيح مسلم حتى كذب على الأئمة الأربعة فالله حسيبه
تتمة المقابلة مع الرد عليها
هل التوسل بالأنبياء وآل البيت جائز شرعا؟ قال الجفري: مستحب , فالحبيب لما لحد فاطمة بنت أسد في قبرها , قال: اللهم إني أسألك بحقي وحق الأنبياء من قبلي إلا غفرت لأمي فاطمة بنت أسد , رواه نور الدين الهيثمي بسند رجال ثقاة.
كذلك عندما ذهب رجل أعمي إلي رسول الله وطلب منه أن يدعو له بكشف البصر , فقال: ادع بهذا الدعاء: اللهم إني أتوسل إليك بنبيي محمد نبي الرحمة , يا محمد يا أحمد يا أبا القاسم , إني أتوجه بلا إله إلا الله أن يكشف عن بصري , اللهم شفعه في بجاهه عندك , رواه الترمذي والنسائي والبيهقي والحاكم والطبراني , وصححه أحد عشر حافظا
الرد عليه قال أبو عمر الأزدي سدده الله: لاشك أن الاستحباب حكم شرعي لايثبت إلا بدليل صحيح فقول الجفري هنا أنه التوسل بالأنبياء وآل البيت مستحب يحتاج لدليل صحيح واستلال صحيح وهذا مالا يوجد في هذه المسألة كما سيأتي إن شاء الله
قال (فالحبيب لما لحد فاطمة بنت أسد في قبرها , قال: اللهم إني أسألك بحقي وحق الأنبياء من قبلي إلا غفرت لأمي فاطمة بنت أسد , رواه نور الدين الهيثمي بسند رجال ثقاة.) انتهى
فسبحان الله ما أكذب هذا الرجل!!! ولعلي أنقل كلام نور الدين الهيثمي من مجمع الزوائد ليتبين كذب هذا البغيض! ((مجمع الزوائد ج: 9 ص: 257 رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه روح بن صلاح وثقه ابن حبان والحاكم وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح)) انتهى كلام الهيثمي فالهيثمي رحمه الله بين أن في سند الحديث روح بن صلاح وبين أن فيه ضعف والجفري يكذب على الهيثمي وينقل عنه أنه قال بسند رجال ثقاة وهذا الحديث ضعيف جدا لايجوز الاحتجاج به رواه الطبراني في المعجم الكبير (24/ 451رقم871) والأوسط (1/ 68 رقم189) وأبو نعيم في الحلية (3/ 120) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 269 - 270رقم433) من طريق أحمد بن حماد بن زغبة قال حدثنا روح بن صلاح قال حدثنا سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك –رضي الله عنه-به.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عاصم الأحول إلا سفيان الثوري تفرد به روح بن صلاح.
روح بن الصلاح المصري ويقال: بن سيابة الحارثي:
“ضعفه الدارقطني كما في المؤتلف والمختلف (3/ 1377)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/326)
وقال ابن عدي: ضعيف… له أحديث ليست بالكثيرة وفي بعض حديثه نكرة (الكامل (3/ 146))
وقال ابن يونس رويت عنه مناكيروقال ابن ماكولاضعفوه وذكره ابن حبان في الثقات ووثقه الحاكم (وهما متساهلان في التوثيق) ” (ميزان الاعتدال (2/ 58) ولسان الميزان (3/ 108).
قال أبو نعيم في حلية الأولياء ج: 3 ص: 121 غريب من حديث عاصم والثوري لم نكتبه إلا من حديث روح بن صلاح تفرد به
قال ابن الجوزي: تفرد به روح بن صلاح وهو في عداد المجهولين وقد ضعفه ابن عدي (العلل المتناهية (1/ 270).
وقال الشوكاني: حديث فاطمة بنت أسد ضعيف فيه روح بن صلاح المصري وهو ضعيف (الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد (ص/64).
وتفرد روح بهذا الحديث المنكر عن الثوري غير مقبول أبدا فأين أصحاب الثوري الحفاظ عن هذا الحديث
قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه ج: 1 ص: 7 ((لأن حكم أهل العلم والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئا ليس ثم أصحابه قبلت زيادته فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره أو لمثل هشام بن عروة وحديثهما ثم أهل العلم مبسوط مشترك قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره فيروى عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث مما أحد من أصحابهما وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس والله أعلم)) انتهى
فتبين لنا جليا بطلان هذا الحديث ونكارته. وتبين لنا كذب الجفري على الهيثمي واستدلاله بهذا الحديث الباطل والله المستعان.
يتبع بقية الرد بإذن الله ونسأل الله أن ينفع به أهل الإسلام. وفي النية تتبع كتابات هذا الرجل وأشرطته لبيان بدعه وضلالاته وتحذير الناس منها فنسأل الله العون والتوفيق.
ـ[مسلم الخولاني]ــــــــ[25 - 02 - 10, 11:13 م]ـ
بارك الله فيكم .. أفضحوه فضحه الله
الأخ الحبيب عباس
أرجوا التأكد من الروابط
ـ[أبو نواف السلفي]ــــــــ[26 - 02 - 10, 09:34 م]ـ
جزاكم الله كل خير
أرجوا التأكد من الروابط(24/327)
كشف شركيات الجفري (الجزء الثالث)
ـ[عباس رحيم]ــــــــ[10 - 04 - 03, 05:07 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
((كشف شركيات الجفري)) الجزء الثالث.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، ولا عدوان إلا على الظالمين أما بعد.
و بعد عرض المقاطع الصوتية للجفري في الجزء الأول.
سوف أذكر بعض الأدلة التي فيها رد على أقواله المخالفة لما جاء في النصوص الشرعية كما في الجزء الثاني و التكملة في الثالث و هي كما يلي:
ثانيا: ذكر بعض الأدلة التي تثبت بقاء الأجساد في القبور و لا تفارقها خلاف ما يقوله الجفري:
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة و العشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، و إن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة)) رواه البخاري و مسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أفضل ايامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا على الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي قالوا: يا رسول الله و كيف تعرض صلاتنا عليك، وقد أرمتً، قال: إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء)) رواه أبو داود و النسائي وغيرهما و صححه الألباني في كتابه التوسل ص64.
فهذا الحديث يدل بأن أجساد الأنبياء عليهم السلام لا تفارق قبورهم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة و لا فخر. و أنا أول شافع و أول مشفع و لا فخر)).
و من الأدلة على ذلك أيضاً ما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أن موسى عليه السلام نقل عظام يوسف عليه السلام لما خرج من مصر)) رواه الحاكم و صححه الألباني في كتابه السلسلة الصحيحة رقم الحديث 313.
و قد أشار الألباني رحمه الله أن معنى قوله في الحديث ((عظام يوسف)) لا يعارض حديث: ((إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)) لأنه قد ثبت في حديث بسند جيد على شرط مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بدن، قال له تميم الداري رضي الله عنه ألا أتخذ لك منبراً يا رسول الله، يجمع أو يحمل عظامك؟ قال: ((بلى)) فاتخذ له منبراً مرقاتين. رواه أبو داود.
فدل هذا أنهم كانوا يطلقون العظام، و يريدون به البدن كله. اهـ. انتهى نقلاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثا: ذكر بعض الأدلة التي تثبت أن أرواح الشهداء والصالحين تتنعم في الجنة وتتمنى الرجوع إلى الدنيا لفعل الخيرات ولكن تمنع من ذلك على خلاف ما يقوله الجفري أنها في الدنيا و تنفع السائل و المتوسل بها:
عن طلحة بن خراش قال: سمعت جابراً رضي الله عنه يقول: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: ((يا جابر مالي أراك منكسراً)) فقلت: يا رسول الله استشهد أبي قتل يوم أحد، و ترك عيالاً و ديناً. فقال: ((أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك)) قال: قلت: بلى يا رسول الله. قال: ((ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك و كلمه كفاحاً، فقال: يا عبدي تمن علي أعطك. قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. قال الرب عز وجل: إنه سبق مني (أنهم إليها لا يرجعون))) رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن أبي عاصم، والحاكم وقال: صحيح الإسناد و لم يخرجاه. و وافقه الذهبي. و حسنه أيضاً الألباني في كتاب ظلال الجنة.
وهو حديث صريح في منع القول بوقوع الرجعة فضلاً عن أن تكون عقيدة إسلامية يجب اعتقادها.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوه عن هذه الآية: ((و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)) سورةآل عمران: 169. فقال صلى الله عليه وسلم: ((أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم إطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً قالوا: أي شيء نشتهي و نحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا)) أخرجه مسلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/328)
يستفاد من هذا الحديث ما يلي:
1) أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أرواحهم في جوف طير)) يدل على أنها ليست في الأجساد المدفونة في الأرض.
2) أنهم سألوا ربهم أن ترد أرواحهم في أجسادهم، و هذا صريح في أنها قد فارقتها بالموت.
3) أنهم تمنوا الرجوع إلى الدنيا ليقاتلوا في سبيل الله لما رأوا من عظيم ثواب الشهادة، فمنعوا من ذلك، فقد انقطع التكليف و انقطع العمل و ما بقي إلا الجزاء، فإذا لم يملكوا هم لأنفسهم نفعاً و لا حياة و لا تصرفاً، مع كرامتهم عند ربهم و وجاهتهم عنده، فكيف يملكون لغيرهم من الخلق جلب منفعة أو دفع مضرة. اهـ.
عن كعب بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه)) رواه مالك وأحمد و النسائي.
و النسمة هنا أي الروح، يدل عليه قوله: ((حتى يرجعه الله إلى جسده)).
فهذا يدل على أن الروح تعاد إلى الجسد يوم القيامة، فكيف يقال أن الأنبياء و الصالحين يخرجون من قبورهم بأجسادهم لإنقاذ من يستغيث بهم؟!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعا: ذكر بعض الأدلة التي تثبت عدم شعور الأحياء بحياة الشهداء البرزخية على خلاف ما ذكره الجفري:
قال تعالى: ((و لا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء و لكن لا تشعرون)) سورة البقرة: 154.
فهذا يدل على أننا لا نشعر بحياة الشهداء البرزخية.
و عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة و تآكل من ثمارها و تأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما و جدوا طيب مأكلهم و مشربهم و مقيلهم قالوا: من يبلغ عنا إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا ينكلوا عن الحرب و لا يزهدوا في الجهاد قال: قال الله عز وجل أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى: ((و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عن ربهم يرزقون)) رواه أحمد وأبو داود.
فهذا يدل على أن الصحابة لم يكونوا يشعروا بحياة الشهداء و أن الشهداء تمنوا من يبلغ إخوانهم ما هم فيه من نعيم.
عن طلحة بن خراش قال: سمعت جابراً رضي الله عنه يقول: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: ((يا جابر مالي أراك منكسراً فقلت: يا رسول الله استشهد أبي قتل يوم أحد، و ترك عيالاً و ديناً. فقال: أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك قال: قلت: بلى يا رسول الله. قال:ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك وكلمه كفاحاً، فقال: يا عبدي تمن علي أعطك. قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. قال الرب عز وجل: إنه سبق مني ((أنهم إليها لا يرجعون)) رواه الترمذي و حسنه، و ابن ماجه، و ابن أبي عاصم، و الحاكم وقال: صحيح الإسناد و لم يخرجاه. و وافقه الذهبي. و حسنه أيضاً الألباني في كتاب ظلال الجنة.
وهو حديث صريح في منع القول بوقوع الرجعة فضلاً عن أن تكون عقيدة إسلامية يجب اعتقادها. اهـ.
و يستفاد منه أيضاً أن جابر رضي الله عنه لم يكن يعلم عن النعيم الذي كان يتنعم به والده رضي الله عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(احذروا القصاصين فهم كثر بيننا و هم ليسوا من أهل العلم في شيء)
اللهم اجعل جميع أعمالنا ظاهرها و باطنها خالصة لوجهك الكريم موافقة لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التكملة مع الجزء الرابع إن شاء الله
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته(24/329)
ارجوا إفادتي - مسألة عقيدة -
ـ[العوضي]ــــــــ[11 - 04 - 03, 11:43 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت في كتاب عن الإعجاز القرآني لأحد المشايخ المعاصريين الحاليين عن مسألة فناء النار , وقال في قصدية طويلة (هذا قول قيمنا والحراني) أي شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهمها الله
وسألت أحد الدكاترة عن حكمه فقال لا يكفر لأنها مسألة خلافية حتى بين الصحابة رضي الله عنهم
والذي أريد معرفته
1 - من من الصحابة قال بهذا القول؟
2 - حكم الشخص الذي يقول بفناء النار؟
3 - اقوال العلماء في هذه المسألة؟
أخوكم: العوضي
ـ[أبو مقبل]ــــــــ[11 - 04 - 03, 11:51 م]ـ
فناء النار
فضيلة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي حفظه الله من كل سوء
ما رأي فضيلتكم في هذه الفتنة التي ظهرت وانتشرت بين أوساط الشباب لا سيما صغار السن منهم، وهي القول بفناء النار أو عدم فنائها أفتونا جزاكم الله خير
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فإن هذه المسالة قد بحثت وقتلت بحثا منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وأئمة الهدى والدين وعلماء سلف الأمة المتقدمين منهم والمتأخرين اختلف السلف فيها على قولين على ضوء ما جاء في الكتاب والسنة.
القول الأول:
عليه جمهور سلف الأمة وهو خلود النار ودوامها وعدم فنائها.
القول الثاني:
لبعض السلف وهو أن النار تبقى أحقاب ثم تفنى ويخرج منها أهلها إذا تهذبوا وتطهروا وزال عنهم درن الكفر بما ذاقوه من العذاب.
وكل من القولين مأثور عن السلف، وينظر في أدلة الفريقين فأيها كان أقوى دلالة كان هو القول الراجح.
فأما القول الأول وهو قول الجمهور فمن أدلته:
قوله تعالى: {وما هم منها بمخرجين} , وقوله تعالى: {إن عذابها كان غراما} أي ملازما دائما, وقوله تعالى: {وما هم بخارجين من النار} , وقوله تعالى: {لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون} , وقوله تعالى: {خالدين فيها أبدا} , وقوله تعالى: {لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}.
أما القائلين بفناء النار فمن أدلتهم قوله تعالى: {قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء ربك إن ربك حكيم عليم} , وقوله تعالى: {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد} , وجه الدلالة من الآيتين أنه لم يأت بعد الاستثناء ما يدل على دوام النار كما جاء في شأن الجنة مما يدل على دوامها في قوله تعالى: {عطاء غير مجذوذ}، فدل على أن النار تفنى والجنة نعيمها دائم لا ينقطع، وقوله تعالى: {لابثين فيها أحقابا} وجه الاستدلال من الآية أن الأحقاب أوقات معدودة محصورة لا بد لها من نهاية. كما استدلوا بآثار عن الصحابة كأبي هريرة وابن مسعود وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه. قالوا ومن حيث المعنى فإن عذاب الكفار مراد بالعرَض ونعيم الجنة مراد لذاته فما كان مرادا بالعرَض فإنه ينتهي بانتهاء ذلك العرض، وما كان مرادا لذاته فإنه يدوم ولا ينقطع، ومعنى مراد بالعرَض يعني أن تعذيبهم عَرَض لأجل كفرهم فإذا نقوا وتطهروا بالعذاب زال عنهم درن الكفر فأصبح تعذيبهم لا حكمة فيه إلى غير ذلك مما لم يذكر.
فإذا كان الأمر كذلك أعني أن المسألة فيها قولان للسلف فمن اجتهد وهو من أهل الاجتهاد وأخذ بأحد القولين فإنه لا ينكر عليه ولا يضلل ولا يبدع، لأن السب والتجريح و تضليل الآخرين وهم ليسوا كذلك فيه إثم ومعصية ويترتب عليه الاختلاف والفرقة التي نهى الله عباده عنها، ويفرح به أعداء الجميع من يهود ونصارى وعلمانيين وحداثيين ومنافقين وغيرهم من أصناف الكفار الذين يسرهم كثيرا حصول الاختلاف والفرقة بين المسلمين، وإني أهيب بأبنائي من شباب، واخواني من طلبة العلم أن يكفوا عن إثارة هذه الفتنة وأن يوجهوا أقلامهم إلى الرد على أعدائهم كلهم من يهود ونصارى وعلمانيين وغيرهم من أنواع الكافرين، فإن ذلك أحرى بأن تتحد كلمة الأمة وعلمائها, وأن يفوتوا بذلك على الأعداء فرصتهم، هذا أملى في أبنائي الشباب واخواني طلبة العلم والمعنيين في هذه المسألة أن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/330)
يستجيبوا لندائي هذا ويوقفوا هذه الأعمال التي لا يستفيد منها إلا العدو.
نسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويجمع على الحق كلمة المسلمين إنه على كل شيء قدير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أملاه
حمود بن عقلاء الشعيبي
18/ 4/1421 هـ
====================
(قدوم كتائب الجهاد لغزو أهل الزندقة والإلحاد. القائلين بعدم الأخذ بحديث الآحاد في مسائل الاعتقاد)
تأليف الشيخ عبدالعزيز بن فيصل الرّاجحي
فصل
قال الإباضي ص14 – 15 في سياقة نقل تناقض أهل السنة – بزعمه – في اعتقادهم:
(3 – القول بفناء النار:
حيث قال ابن تيميه وتلميذه ابن القيم الجوزيه بذلك , وخالفهما بقية أرباب هذه النحلة , وإن كانوا لم يفسقوهما , بل قالوا بأنهما مأجورين على اجتهادهما , وهذا من العجائب الغرائب , كيف يقولون بعذرهما في هذه المسألة من المسائل القطعية , باتفاق الأمة قاطبة؟
وذلك لأن أدلتهما قاطعه لا تحتمل الجدل وإليك بعض هذه الأدلة) أ. هـ
ثم ساق سبعة وعشرين دليلاً من القران على ذلك في صفحة كاملة وبعض صفحة , مع أنه حريص كعادته على عدم الإطالة , لذا لم يذكر لنا حديثاً واحداً تناقض اعتقادناً فيه , وهنا يذكر سبعةً وعشرين دليلاً:
والجواب من وجوه:
أحدهما: أن ما نسبة هذا الضال لشيخ الإسلام باطلٌ وكذب وزور , بل شيخ الإسلام يقول بخلافه.
قال شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى)) (18/ 307) بعد أن سئل عن صحة حديث أنس رضى الله عنه مرفوعاً ((سبعة لا تموت ولا تفنى ولا تذوق الفناء: النارٌ وساكنها واللوحٌ والقلمٌ والكرسيُّ والعرش))
(هذا الخبرُ بهذا اللفظ , ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام بعض العلماء , وقد اتفق سلفٌ الأمة وأئمتُها , وسائر أهل السنة والجماعة , على أنّ من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية , كالجنة والنار والعرش وغير ذلك. ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كالجهم بن صفوان , ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم. وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وإجماع سلف الأمة وأئمتها) أ. هـ.
وقال شيخ الإسلام رحمة الله أيضا في ((درء تعارض العقل والنقل)) (2/ 358):
(وقال أهل الإسلام جميعاً , ليس للجنة والنار آخر , وانهما لا تزالان باقيتين , وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون , وأهل النار في النار يعذبون , ليس لذلك آخر , ولا لمعلومات الله ومقدوراته غاية ولا نهاية) أ. هـ.
وقال أيضا رحمة الله في ((بيان تلبيس الجهمية)) (1/ 157) بعد كلام طويل:
(ثم أخبر ببقاء الجنة والنار , بقاءً مطلقاً) أ. هـ
وما ذكرته فيما سبق عن شيخ , أنه لا يقول بفناء النار يعلمه هذا الإباضي , فقد قال في حاشية ص 14:
(كما نسبة إلية جماعة من العلماء – أي القول بفناء النار – وقد وافق الجمهور في بعض كتبه , ولعل له في المسألة رأيين) أ. هـ.
و أقول: إن العمدة في هذا ما قاله شيخ الإسلام في كتبه , أما ما نسبه أعداؤه إليه فلا حجة فيه , وان صح عنه فالحق من قوليه ما وافق الدليل وهو القول بعدم فناء النار.
ثانيها:
أن نسبة هذا القول للعلامة ابن القيم باطلٌ أيضاً , بل هو يقول بخلافة.
قال ابن القيم رحمة الله في ((طريق الهجرتين)) ص 254 –255 في فصل أن الله خلق الدارين وخص كل دار بأهل:
(والله ُ سبحانه مع كونه خالق كلّ شيء , فهو موصوفٌ بالرضا والغضب والعطاء والمنع والخفض والرفع والرحمة والانتقام , فاقتضت حكمته سبحانه , أن خلق دار الطالبي رضاه , العالمين بطاعته , المؤثرين لأمره , القائمين بمحابه , وهي الجنة وجعل فيها كلَّ شيء مرضي , وملأَها من كلِّ محبوب ومرغوب ومشتهى ولذيذ , وجعل الخير بحذافيره فيها , وجعلها محلّ كلِّ طيب , من الذوات والصفات والأقوال. وخلق داراً أخرى , لطالبي أسباب غضبه وسخطه المؤثرين لأغراضهم وحظوظهم على مرضاته , والعاملين بأنواع مخالفته , والقائمين بما يكرهُ من الأعمال والأقوال , الواصفين له بما لا يليق به , الجاحدين لما أخبرت به رسله من صفات كماله ونعوت جلاله , وهي جهنم , وأودعها كل شيء مكروه وسجنها مليءٌ من كلَّ شيءٍ مؤذ ومؤلم , وجعل الشر َّ بحذافيره فيها وجعلها محلَّ كلّ خبيث من
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/331)
الذوات والصفات والأقوال والأعمال.
فهاتان الداران هما دار القرار) أ. هـ.
وقال أيضا رحمة الله في ((الوابل الصيب)) ص 49:
(ولما كان الناس على ثلاث طبقات:
- طيبٌ لا يشينه خبث.
- وخبيث لا طيب فيه.
- وآخرون فيهم خبثٌ وطيب.
كانت دورهُم ثلاث:
- دارُ الطيب المحض.
- ودارُ الخبيث المحض , وهاتان الداران لا تفنيان.
- ودار لمن معه خبثٌ وطيب , وهي الدار التي تفنى , وهي دار العصاة. فإنّه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد فإنهم إذا عُذّبوا بقدر جزائهم أُخرجوا من النار فأُدخلوا الجنة , ولا تبقى إلا دارُ الطيب المحض ودار الخبث المحض) أ. هـ.
وقول العلامة ابن القيم عن نار عصاة الموحدين أنها تفنى أي يخرجون منها , ولا يبقى فيها منهم أحد , وهذا دلَّ الكتاب والسنةُ وإجماع أهل السنة , ولم يخالف إلا المبتدعةُ كالخوارج والمعتزلة.
ثالثها:
لو – فرضنا – صحة القول بفناء النار عن شيخ الإسلام ابن تيميه , فلابُدَّ من حمله على ما سبق وأن نار عصاة الموحدين هي التي تفنى.
كما أن شيخ الإسلام لم يصرح بذلك في شيء من كتبه بل صرح بخلافه , وهذا القول الذي نُسب إلية , نسبهُ إلية أعداؤه من أهل البدع , أو بعض من تساهل من أهل السنة , ونسبه إليه بناءً على قول أعدائه , وهو قولٌ باطلٌ كما سبق والله تعالى أعلم.
http://www.geocities.com/abadih1/gonobi44.htm
===============
مجموع فتاوى و رسائل للشيخ ابن عثيمين رحمه الله- المجلد الثاني
اليوم الآخر - (181) وسئل فضيلته: هل النار مؤبدة أو تفنى؟
فأجاب بقوله: المتعين قطعاً أنها مؤبدة ولا يكاد يعرف عند السلف سوى هذا القول، ولهذا جعله العلماء من عقائدهم، بأن نؤمن ونعتقد بأن النار مؤبدة أبد الآبدين، وهذا الأمر لا شك فيه؛ لأن الله –تعالى- ذكر التأبيد في ثلاثة مواضع من القرآن:
الأول: في سورة النساء في قوله تعالى: (إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً. إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدًا) (1).
والثاني: في سورة الأحزاب (إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً. خالدين فيها أبدًا) (2).
والثالث: في سورة الجن (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدًا) (3). ولو ذكر الله عز وجل التأبيد في موضع واحد لكفى، فكيف وهو قد ذكره في ثلاثة مواضع؟ ومن العجب أن فئة قليلة من العلماء ذهبوا إلى أنها تفنى بناء على علل عليلة لمخالفتها لمقتضى الكتاب والسنة وحرفوا من أجلها الكتاب والسنة فقالوا: إن "خالدين فيها أبداً " ما دامت موجودة فكيف هذا؟
إذا كانوا خالدين فيها أبداً، لزم أن تكون هي مؤبدة "فيها" هم كائنون فيها وإذا كان الإنسان خالداً مؤبداً تخليده، لزم أن يكون مكان الخلود مؤبداً؛ لأنه لو فني مكان الخلود ما صح تأبيد الخلود، والآية واضحة جداً والتعليلات الباردة المخالفة للنص مردودة على صاحبها، وهذا الخلاف الذي ذكر عن فئة قليلة من أهل العلم خلاف مطرح لأنه مخالف للنص الصريح الذي يجب على كل مؤمن أن يعتقده، ومن خالفه لشبهة قامت عنده فيعذر عند الله، لكن من تأمل نصوص الكتاب والسنة عرف أن القول بتأبيدها هو الحق الذي لا يحق العدول عنه.
والحكمة تقتضي ذلك لأن هذا الكافر أفنى عمره كل عمره في محاربة الله عز وجل ومعصية الله والكفر به وتكذيب رسله مع أنه جاءه النذير وأعذر وبين له الحق، ودعي إليه، وقوتل عليه وأصر على الكفر والباطل فكيف نقول: إن هذا لا يؤبد عذابه؟ والآيات في هذا صريحة كما تقدم.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) سورة النساء، الآيتان " 168–169".
(2) سورة الأحزاب، الآيتان "64 –65 ".
(3) سورة الجن، الآية "23".
http://www.binothaimeen.com/cgi-bin/ebook/viewnews.cgi?category=12&id=1035105509
==============
ـ[الأزدي]ــــــــ[12 - 04 - 03, 12:10 ص]ـ
هناك كتاب للشيخ عبد الكريم الحميد عن هذه المسالة وهو يرجح القول بفنائها0
ـ[العوضي]ــــــــ[12 - 04 - 03, 06:12 ص]ـ
جزاك الله خيرا اخي الكريم ابومقبل وارجوا افادتي بالمزيد
اخي الازدي والكتاب الذي قرأته هو كتاب الشيخ عبدالكريم الحميد
اخوكم: العوضي
ـ[أهل الحديث]ــــــــ[13 - 04 - 03, 01:30 ص]ـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/332)
- إبطال أدلة فناء النار- محمد بن إسماعيل الصنعاني
صفحة 60 /
رفع الاستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار /
صفحة 61 / مقدمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي ليس سواه واجب الوجود الذي وعد الذين سعدوا بدوام النعيم في جنات الخلود وتوعد الذي شقوا بالأبدية في النار ذات الوقود واخبر أنه مبدلهم قوله جلودا ليذوقوا العذاب كلما نضجت منهم الجلود وأشهد أن لا إله إلا الله وشهادة تدافع عن قائلها إذا كانت الأعضاء هي الشهود واشهد صاحب المقام المحمود في يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود صلى الله عليه وعلى آله الركع السجود وبعد فإن السائل أدام الله له التوفيق وسلك لنا وبه مناهج ذوي التحقيق طلب كشف الاستار عن وجه مسألة فناء النار ودخول المشركين من أهلها مداخل الأبرار وهذه المسالة من غرائب المسائل ومما خلت عنها أسفار المقالات الحوافل وأشار إليها السيد الإمام محمد بن إبراهيم رحمه الله في الإيثار وقال / صفحة 62 / وقد أفردت في هذه المسألة مصنفات حافلة منها لابن تيمية ومنها لتلميذه شمس الدين ومنها للذهبي ومنها لي هذا لفظه ولم أقف على غير ما في حادي الأرواح ولعل الله سبحانه يعين بالوقوف على مؤلف الذهبي والسيد محمد بمنه وفضله وحيث استكشف السائل عن حقيقتها وما عليها من الدلائل تعين علينا أن نكشف عن وجوه أدلتها النقاب ونبرز له المطوي تحت لثامها بعيون أذهان أولي الألباب ونستوفي فيها المقال وان خرجنا عن الإيجاز إلى الإطناب والإسهاب لأنه عز وجود ما ألف فيها فيحال عليه ولا أعرف فيها منازعا لمدعيها فأرشد إليه وليعتذر ذلك السائل عن تأخر الجواب فإنه لم يكن استخفافا / صفحة 63 / بالسائل ولا تحقيرا للمسائل بل لما يتواثب محمد على القلوب من الاشتغال ولم يزل التسويف حتى تقضت ايام وليال فنقول اعلم أن هذه المسألة اشار إليها الإمام الرازي في مفاتيح الغيب ولم يتكلم عليها بدليل نفي ولا إثبات ولا نسبها إلى قائل معين ولكنه استوفى المقال فيها العلامة ابن القيم في كتابه حادي الأرواح إلى ديار الأفراح نقلا عن شيخه العلامة شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية فإنه حامل لوائها ومشيد بنائها وحاشد خيل الأدلة منها ورجلها ودقها وجلها وكثيرها وقليلها وأقر كلامه تلميذه ابن القيم وقال في آخرها إنها مسألة اكبر من الدنيا وما فيها بأضعاف مضاعفة هذا كلامه في آخر المسألة في حادي الأرواح وإن كان في الهدي النبوي أشار إشارة محتملة لخلاف ذلك حيث قال ولما كان المشرك خبيث العنصر خبيث الذات لم تطهر النار / صفحة 64 / خبثه بل لو أخرج منها عاد خبيثا وكما كان كالكلب إذا دخل البحر ثم خرج منه وقد حرم الله عليه الجنة انتهى كلامه قلت وحيث كانت بهذه المثابة التي ذكرها من أنها أكبر من الدنيا فلا غنى لنا عن نقل أدلتها التي ارتضاها ابن تيمية وتعقب كل دليل بما يفتح الله به من إقراره أو بيان اختلاله فنقول قال ابن القيم بعد نقله لأقوال الناس والمعروفة في كتب المقالات السابع قول من يقول بل يفنيها أي النار خالقها تبارك وتعالى فإنه جعل لها امدا تنتهي إليه ثم تفنى ويزول عذابها يريد ويدخل الله من كان فيها من الكفار الجنة كما ستعرفه من الأدلة التي ذكرنا ثم قال قال شيخ الإسلام يريد به شيخه ابا العباس ابن تيمية وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم / صفحة 65 / ثم ساق بسنده إلى الحسن البصري أنه قال قال عمر لو لبث اهل النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه وفي رواية عدد رمل عالج قال ابن تيمية والحسن وإن لم يسمع من عمر فلو لم يصح عنده عن عمر لم يجزم به انتهى كلامه وأقول فيه شيئان الأول من حيث الرواية فإنه منقطع لنص شيخ الإسلام بأنه لم يسمعه الحسن من عمر واعتذاره بأنه لو لم يصح للحسن عن عمر لما جزم به يلزم أن يجري في كل مقطوع يجزم به روايه ولا يقول هذا أئمة الحديث كما عرفت في قواعد اصول الحديث بل الانقطاع عندهم علة والجزم معه تدليس وهو علة أخرى ولا يقوم بمثل ذلك الاستدلال في مسألة فرعية كيف في مسألة قيل أنها أكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة وهذا البخاري أمير المؤمنين في / صفحة 66 / علم الحديث واشدهم تحريا في الصحيح لم يقل النقادون بأن تعاليقه المجزومة التي أودعها في كتابه الذي سماه الصحيح
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/333)
صحيحة بل فيها الضعيف كما نص عليه ابن حجر في مقدمة الفتح والحسن البصري معروف عند أئمة هذا الشأن بأنه لا يؤخذ بمراسيله قال الدارقطني في السنن وقد روى عاصم الأحول عن ابن سيرين وكان عالما بأبي العالية وبالحسن قال لا تأخذوا بمراسيل الحسن ولا أبي العالية فإنهما لا يباليان عمن أخذا عنه انتهى قلت ثم قال ابن تيمية ولو كان كلام عمر هذا غير صحيح / صفحة 67 / لما تداولته الأئمة ولوجب إنكارهم له لمخالفته الإجماع والكتاب والسنة قلت يقال كلام ر
ص 67:
كغيره من الأقوال الدالة على خروج الموحدين من النار وهو قول عليه جماهير الأئمة منهم ابن تيمية وستعرف أنه لا يصح أثر عمر إلا على تقدير انه أراد به الموحدين وأنه يتعين حمله على ذلك عند شيخ الإسلام نفسه وعند غيره والثاني من حيث الدراية فإنه لو ثبت صحته عن عمر لم يدل على المدعى فإن أصل المدعى هو فناء النار وان لها مدة تنتهي إليها وليس في أثر عمر هذا إلا أنه يخرج اهل النار من النار والخروج لا يكون إلا وهي باقية فإنك لو قلت لو لبث زيد في الدار كذا وكذا ثم خرج منها لم يدل هذا على فناء الدار لا مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما فإن قيل بل هو يدل على فنائها التزاما لأنه تعالى إنما خلقها ليعذب بها من عصاه فبعد خروجهم لم يبق لها جاجة فالحكمة تقتضي فناءها قلت هذا دور فإنه لا يثبت أن الحكمة يقتضي فناءها إلا إذا / صفحة 68 / لم يبق فيها أحد ولا يخرج أحد من أهلها إلا بعد فنائها كما تسمع تصريح ابن تيمية بذلك حيث قال وأما كون الكفار لا يخرجون منها ولا يخفف عنهم من عذابها ولا يقضي عليهم فيموتوا ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط فلم يختلف في ذلك الصحابة ولا التابعون ولا أهل السنة وهذه النصوص وأمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب ما دامت باقية ولا يخرجون منها مع بقائها البتة هذا لفظه وإذا عرفت مراده عرفت أن أثر عمر لا يدل على مدعاه بشئ من الدلالات الثابتة فإنه قال إنهم يخرجون منها وهذا واضح في الخروج منها وهي باقية فلا بد من حمل أثره على معنى صحيح إذ لا يصح حمله على خروج الكفار عند أحد لا ابن تيمية كما عرفت ولا غيره فإنه لا يقول أحد بخروج الكفار من النار فإن صح أثر عمر حمل على أنه أراد خروج الموحدين الذين استحقوا / صفحة 69 / دخول النار بذنوبهم كما دلت عليه الأدلة المعروفة الصحيحة الصريحة التي لا مرية في صحتها إلا أن ابن تيمية منع من حمل كلام عمر على ذلك وقال إنما أراد عمر بأهل النار الذين هم أهلها وهم الكفار وأما قوم أصيبوا بذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم أنهم يخرجون منها ولا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريبا منه فأقول ولا يخفى ضعف هذا الرد لأن كونهم قد علموا ذلك لا يمنع أن يؤدوه لمن لا يعلمه ويخبروا أنه اعتقادهم وقد علم في فن البيان أن الإخبار يكون بفائدة الحكم أو لازمها فعلم السامعين بالحكم لا يمنع عن التكلم به وإلقائه إليهم وأما كون عصاة الموحدين لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريبا منه فمسلم ولم يقل عمر أنهم يلبثون قدر رمل عالج بل أتى بقضية شرطية فقال لو لبث أي أنه لو طال لبثهم ذلك القدر لخرجوا ولا دليل في كلامه أنهم يلبثون ذلك القدر فعرفت ايضا غير مانع عن حمل أثر عمر على عصاة الموحدين مع أنه لا يصح حمله على الكفار لأنهم يلبثون أكثر من عدد رمل عالج فقد أخرج الطبراني في الكبير من / صفحة 70 / حديث ابن مسعود مرفوعا لو قيل لأهل النار إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا الحديث ومما سمعت تعين حمل أثر عمر على عصاة الموحدين عند شيخ الإسلام وعند جميع علماء الأنام وإذا عرفت هذا طال تعجبك من نسبة ابن تيمية القول بفناء النار إلى عمر واستدلاله لذلك بهذا الأثر المنقطع رواية الذي هو بمراحل عن الدلالة من حيث الدراية تنبيه وأما مدة لبث عصاة الموحدين فإنها مختلفة فقد اخرج ابن أبي حاتم وابن شاهين في السنة من حديث علي يرفعه إن أصحاب الكبائر من موحدي الأمم كلها الذين ماتوا على كبائرهم غير نادمين ولا تائبين وفيه أن منهم من يمكث شهرا ثم يخرج منها ومنهم من يمكث سنة ثم يخرج منها وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ خلقت إلى ان تفنى ومثله ما أخرج الحكيم في نوادر الأصول ولفظه وأطولهم فيها مكثا مثل الدنيا منذ خلقت إلى أن فنيت وذلك / صفحة 71 /
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/334)
سبعة آلاف سنة ثم قال شيخ الإسلام مستدلا على فناء النار بما رواه على ابن أبي طلحة في تفسيره عن ابن عباس أنه قال لا ينبغي لأحد ان يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا واقول لا يخفى على ناظر أنه لا دلالة في هذا الأثر ولا رائحة دلالة على المدعى من فناء النار بل غاية ما يفيده الإخبار عن أنه لا يجزم للمؤمن أنه من أهل الجنة ولا العاصى من عصاة المؤمنين انه من اهل النار وهذا المعنى ثابت في الأحاديث النبوية الصحيحة / صفحة 72 / فقد أخرج الترمذي من حديث أنس أنه توفي رجل فقال رجل آخر ورسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم يسمع أبشر بالجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريك لعله تكلم لما لا يعنيه أو بخل بما لا ينقصه بل ورد في الطفل الذي لا تكليف عليه نحو ذلك وقد صرح ابن القيم في آخر كتابه حادي الأرواح في الباب السبعون فيما زعم انه عقيدة اهل السنة وعقيدة الصحابة وأهل العلم وأصحاب الأثر بانه لا يشهد لأحد من أهل القبلة انه من أهل النار لذنب عمله ولا لكبيرة أتاها إلا أن يكون ذلك في حديث وان لا يشهد لأحد أنه في الجنة بصالح عمله إلا ان يكون ذلك في حديث انتهى
صفحة 73 / فهذا هو الذي أراده ابن عباس ولو لم يحمل كلام ابن عباس على هذا لكان مقتضاه بأنه لا يحكم بأن أهل الشرك يدخلون النار ولا بأن أهل التوحيد يدخلون الجنة إذ الإنزال هو الدخول وهذا رد لصريح القرآن وإثبات لقول لم يقله أحد من أهل الإيمان لا شيخ الإسلام ولا سائر علماء الأنام ثم ان حكمنا بإن الفجار في النار والأبرار في جنات تجري من تحتها الأنهار ليس حكما منا بل الله تعالى هو الذي حكم بذلك وأخبرنا به فالعجب كله في الاستدلال على فناء النار بهذا الأثر الذي لا يقول أنه يدل على ذلك أحد من النظار وظهور عدم دلالته عليه كالشمس في رابعة النهار وتبين ان مراده لا يحكم على معين أنه من أهل الجنة ولا إنه من أهل النار وكأنه يريد غير من حكم الله ورسوله عليه بأحد الدارين كإخباره صلى الله عليه وسلم أن العشرة من الصحابة من أهل الجنة وكإخبار الله أنا أبا لهب سيصلى نارا ذات لهب ولو فرض دلالته على مدعاه فإنه معارض لما اخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال هاتان من المخبآت قول الله تعالى فمنهم شقي وسعيد وقوله / صفحة 74 / تعالى يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا المائدة 109 فأما قوله فمنهم شقي وسعيد فهم قوم من اهل الكبائر من أهل القبلة يعذبهم الله بالنار ما شاء بذنوبهم ثم يأذن بالشفاعة فيشفع لهم المؤمنون فيخرجهم من النار فيدخلهم الجنة فسماهم أشقياء حين عذبهم بالنار انتهى فهذه الرواية كما تراها صراحة وكثرة تخريج دالة على أنه كغيره من الجماهير القائلين بخروج الموحدين من النار ولا قول له بفناء النار فإنه وجه الاستثناء إلى الموحدين في قوله تعالى إلا ما شاء ربك وابن تيمية يقول إنه عائد إلى فناء النار أيضا كما ستسمعه عند / صفحة 75 / التكلم على الآية وظاهر نقل ابن تيمية لأثر ابن عباس أنه قائل بفناء النار قال شيخ الإسلام وأما أثر ابن مسعود فإنه ذكر عنه البغوي أنه قال ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد ثم قال وعن أبي هريرة مثله وأقول هذان الأثران بهما متمسك ابن تيمية في جعل القول بفناء النار قولا لابن مسعود وأبي هريرة كما سيرويهما إلى في صدر الاستدلال وهذان الأثران ذكرهما البغوي في تفسير سورة هود في قوله تعالى إلا ما شاء ربك ثم قال البغوي عقب ذكرهما ما لفظه ومعناه عند أهل السنة إن ثبت أنه لا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان وأما مواضع الكفار فممتلئة كان ابدا هذا لفظه / صفحة 76 / فشكك في الرواية أولا ثم ابان أنها إن ثبتت فهي عند أهل السنة في عصاة من الموحدين ثم نقول بعد ثبوت هذين الأثرين عن هذين الصحابيين لا دلالة فيهما على فناء النار الذي هو محل النزاع بوجه من الوجوه فإن قوله ليس فيها أحد دال على بقائها فإنك إذا قلت ليس في الدار احد فإنه دال على بقاء الدار لا على فنائها ثم عرفت قول البغوي أن أهل السنة حملوه على خروج الموحدين من النار وهذا الحمل متعين عند ابن تيمية بخصوصه وعند جميع من عداه أما عنده فإنه لا يقول بخروج الكفار من النار بل يقول بعد فنائها وذهابها لا يتصور فيها بقاء
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/335)
الكفار وهذان الأثران حاكمان بخروج من فيها وليس إلا عصاة الموحدين أما عند غيره من أهل السنة فالأمر واضح في أن الأثرين ليسا إلا في خروج الموحدين ولفظ اثر ابن مسعود وإن كان عاما فإنه نكرة في سياق النفي إلا أنه معلوم تخصيصه بالأدلة الدالة على أن الكفار ليسوا منها بمخرجين عند ابن تيمية وغيره كما عرفت / صفحة 77 / وبهذا تعرف أنه لا يصح نسبة القول بفناء النار وذهابها إلى ابن مسعود وأبي هريرة كما نسب هذا القول الذي نقل عنهما إلى عمر بل هو الدليل على بقاء النار بعد خروج من يخرج منها من أهل التوحيد فكيف يقول شيخ الإسلام في صدر المسألة إن القول بفناء النار نقل عن ابن مسعود وأبي هريرة وإنما مستنده في نسبة ذلك إليهما هذان الأثران اللذان هما بمراحل عن الدلالة على فناء النار وذهابها بعد صحتهما فعرفت بطلان نسبة هذا القول إلى ابن مسعود وأبي هريرة كما عرفت بطلان نسبته إلى عمر واما قول شيخ الإسلام في صدر المسألة إن أبا سعيد الخدري نقل عنه القول بفناء النار فإنه استدل لذلك بأنه قال أبو نضرة عن ابى سعيد أو قال جابر أو بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اتت هذه الآية على القرآن كله إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد هود 107 / صفحة 78 / وأقول أولا هذا الأثر نسبه الحافظ السيوطي في الدر! المنثور إلى تخريج عبد الرزاق وابن الشريس أبو وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفت ولفظه عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد أو رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا مشاء ربك إن ربك فعال لما يريد قال هذه الآية قاضية على القرآن كله يقول حيث كان في القرآن خالدين فيها تأتي عليه انتهى وقد نقل ابن تيمية هذه الرواية أيضا ونسبها إلى تخريج ابن جرير أيضا ولا يخفى
ص 78:
أولا انه شك أبو نضرة في قائل هذا القول وردده بين ثلاثة معلومين ومجهول وهذا الشك وإن كان انتقالا من ثقة إلى ثقة على رأي من يقول كل الصحابة عدول غير ضائر في الرواية إلا أنه لا يصح معه الجزم بنسبة القول بفناء النار إلى ابي / صفحة 79 / سعيد حيث أن مستند القول به هو هذا الأثر لأن هذا أثر لم يتم الجزم به في رواية أنه لأبي سعيد فكيف يجزم بنسبة هذا المدلول أعني القول بفناء النار وذهابها إلى أبي سعيد كما فعله شيخ الإسلام ولم يثبت عنه الدليل وثانيا وهو على تقدير ثبوته عنه فإنه لا دلالة فيه على مدعاه وهو فناء النار ولا رائحة دلالة بل غاية ما فيه أن كل وعيد في القرآن ذكر فيه الخلود لأهل النار فإن آية الاستثناء حاكمة عليه وهي عبارة مجملة لا تدل على المدعى بنوع من الدلالات الثلاث بل يحتمل انه أراد أنها فسرت بآيات الخلود التي وردت في القرآن في خلود أهل النار كما أخرجه البيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس في قوله تعالى إلا ما شاء ربك هود 107 قال فقد شاء ربك أن يخلد هؤلاء في النار وهؤلاء في الجنة انتهى فنقول من قال من الصحابة هذه الآية اتت على القرآن كله حيث كان في القرآن خالدين فيها تفسير [5 في رواية] ابن عباس هذه ثم هب أن معناه ما قاله ابن تيمية وأن آية إلا ما شاء ربك قيدت كل آية فيها خالدين فيها إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد فغاية ذلك أن تصير كل آية خلود مثل آية / صفحة 80 / هود واية هود لا تدل على مدعاه كما ستعرفه قريبا من تحقيق آية المشيئة وما قيل فيها من الأقوال الصحيحة والسقيمة والمطرحة والقويمة أو وإذا عرفت هذا فيا لله العجب كيف ينسب شيخ الإسلام إلى أبي سعيد القول بفناء النار بلفظ لم يتحقق صدوره عنه ولو تحقق صدوره عنه لم يدل عى مدعاه فما هذا إلا مجازفة ولا يليق ممن دون ابن تيمية تحقيقا وورعا في نسبة الأقوال وتحرير الاستدلال هذا وبعد تحقيقك لما أسلفناه وإحاطتك) علما بما سقناه تعلم أن هؤلاء الأربعة من الصحابة الذين هم عمر وابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الذين عين شيخ الإسلام أسماءهم من الصحابة في صدر المسألة وذكر أنه نقل عنهم القول بفناء النار وذهابها وتلاشيها هم برئيون عبد من هذا القول ومن نسبته فناء النار إليهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب واستدل لهم بما ادعاه منسوبا إليهم بما لا مساس له بالدعوى كما عرفت وحينئذ يعلم انه ليس معه في دعواه فناء النار أحد من الصحابة الذين عينهم وإن كانت عنده
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/336)
أدلة يصح نسبة هذا القول إليهم غير ما ذكره من الآيات فهذا وقتها فإنه قد بذل كل وسعه في هذه المسألة فقال شيخ الإسلام بعد سرده للأربعة المذكورين من الصحابة والقول بفناء النار نقل عن غير هؤلاء الأربعة من الصحابة ويريد بغيرهم عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه نقل ابن تيمية / صفحة 81 / عنه القول بفناء النار مستدلا على اصل مدعاه أنه قال ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيه أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا وأقول هذا الأثر لا دلالة فيه على مدعى ابن تيمية لأنه لا يقول إن جهنم تخلو عن الكفار ما دامت باقية إنما يقول إذا فنيت وذهبت لم يبق فيها كافر وهذا الأثر ينادي بخلودها عليه وهي باقية على حالها والقول بأنه سماها جهنم باعتبار ما كانت عليه رجوع إلى المجاز في مسألة هي أكثر من الدنيا بأضعاف مضاعفة فكلام ابن عمرو هذا محمول على ما حمل عليه كلام عمر بن الخطاب وغيره من الآثار في أن مراده خروج الموحدين وقد قال عبيد الله بن معاذ في أثر ابن عمرو وأبي هريرة كان أصحابنا يقولون يعني من الموحدين قلت ويدل له ما قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف ان أثر ابن عمرو أخرجه البزار ثم ساقه بسنده إلى ابن عمرو ولفظه في آخره يعني من الموحدين قال الحافظ كذا فيه / صفحة 82 / ورجاله ثقات والتفسير لا أدري لمن هو ثم قال ويؤيده ما رواه ابن عدي عن أنس مرفوعا ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه ابوابها وما فيها من امة محمد أحد وفي الباب عن أبي أمامة رفعه يأتي على جهنم يوم ما فيها من بني آدم أحد تخفق فيه أبوابها يعني من الموحدين انتهى / صفحة 83 / فعرفت أن حديث ابن عمرو في الموحدين وقول الحافظ لا يدري لمن التفسير يريد قوله يعني من الموحدين يقال عليه الأصل أنه من كلام ابن عمرو ثم إنه لا بد من حمل كلامه المطلق على هذا التفسير عند ابن تيمية وغيره ثم هب أنها لم تثبت تلك الزيادة فيه فالحديث المرفوع مقدم عليه وهو حديث أنس وبعد هذا تعرف أنه لا دليل له في أثر عمرو على أصل المدعى هذا وأما أصحاب الكشاف فإنه لما كان وعيدي الاعتقاد قائلا بأنه لا يخرج من النار من دخلها من عصاة الموحدين وأهل الإلحاد سلك في اثر ابن عمرو مسلكا آخر فإنه لما ذكره قال وأقول أما كان لابن عمرو في بغيه بيده ولسانه ومقاتلته بها علي بن أبي طالب ما شغله عن تسيير هذا الحديث نتهى
ص 83:
كأنه يشير إلى القدح في أثر ابن عمرو ببغيه على أمير المؤمنين / صفحة 84 / عليه السلام وقد تعقبه في الكشف فقال لا يلتفت هذا عن المنصف وإيثاره طريقة قدمام أبي! المعزلة! من نسبته وضع الحديث إليه تلويحا ونسبة مقاتلته أمير المؤمنين عليا بالنص فإن هذا من جلة الصحابة انتهى قلت أما نسبة الوضع إليه فما يظهر من كلام الكشاف نعم البغاة مقبولة روايتهم عند المعتزلة كما عرفت من الأصول ثم استدل شيخ الإسلام ابن تيمية على مدعاه بما أخرجه ابن مردويه في تفسيره من حديث جابر قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأما الذين شقوا ففي النار الآية هود 107، 108 / صفحة 85 / قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن شاء الله أن يخرج أناسا من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل وأقول لا دليل فيه على مدعاه وهو فناء النار وذهابها بل فيه دليل على خلافه لأنه لا ينكر الإخراج من النار ولا يقوله ابن تيمية في حق الكفار فتعين أنه في عصاة الموحدين وقد سمعت مما نقلناه عن ابن عباس أن الله سمى عصاة الموحدين أشقياء وقد صرح ابن تيمية بهذا هنا فقال بعد سرده للحديث إنما يدل على إخراج بعضهم من النار وهو حق بلا ريب وهو بناء على انقطاعها وفناء عذابها وأكلها لمن فيها وأنهم يعذبون فيها دائما ما دامت كذلك والحديث دل على أمرين أحدهما أن بعض الأشقياء إن شاء الله أن يخرجهم من النار وهي نار فعل فيكون معنى الاستثناء إلا ما شاء ربك من الأشقياء فإنهم لا يخلدون فيها ويكون الأشقياء / صفحة 86 / نوعين نوعا يخرجون منها ونوعا يخلدون فيها فيكونون من الذين شقوا أولا ثم يصيرون من الذين سعدوا فيجتمع لهم السعادة والشقاوة في وقتين انتهى وهو صحيح وفيه إقرار منه على أنه لا دلالة فيه على فناء النار كما ساقه دليلا لذلك على أنا نقول الحديث ليس نصا في الإخراج بل إخبار مقيد بقضية شرطية وهو إن شاء الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/337)
أن يخرج أخرج وليس فيه أنه تعالى شاء ذلك بل هو مثل ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها السجدة 13 وسيأتي تحقيق ذلك في الكلام على آية المشيئة إن شاء الله إذا عرفت هذا كله فهؤلاء الستة من الصحابة الذين زعم أنه نقل عنهم القول بفناء النار أي وبدخول أهلها بعد ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار التحريم 8 وهم الذين اشار إليهم السيد الإمام محمد بن إبراهيم في الإيثار حيث قال وطول في الثاني ابن تيمية فقف على علمه في كتبه التراجم / صفحة 87 / واسنده عن ستة نص قولهم أكابر من صحب النبي الأكارم وأراد بالثاني حمل الاستثناء في وعيد أهل النار على فنائها وانقطاع عذابها هذا بيان مراده ولكنك إذا تحققت ما أسلفناه عرفت أنه لم يتم لابن تيمية ما نسبه إلى الستة المذكورين من القول بفناء النار وانه ليس بنص قولهم كما قال السيد محمد ولعله يريد نص لفظهم وإن لم يدل على مدعى ابن تيمية أو أنه نص عنده فيما ادعاه وإن كان غير صحيح ويرشد إلى أنه أراد ذلك قوله بعد ذلك البيت فلا تعتقد إن لم يصح مقالهم وبان ضعيفا ساقطا كفر عالم ثم قال ابن تيمية مستدلا لفناء النار وانقطاعها أنه قال الله تعالى لابثين فيها أحقابا إلى قول كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا النبأ 23 - 28 وقال هذا صريح في وعيد الكفار المكذبين بآياته ولا يقدر الأبدي بمدة الأحقاب / صفحة 88 / فأفاد مفهوم الأحقاب أنه لا خلود فيها إذ الأبدي لا يقدر بزمان وأما دلالتها على أن المخبر عنهم باللبث أحقابا هم الكفار فلقوله فيهم إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا وهذه صفات الكفار وهذا تقرير مراد شيخ الإسلام والعجب من استدلاله بصدر الآية وذهوله عما عقب به من قوله فلن نزيدكم إلا عذابا فإن المراد لن نزيدكم بعد لبثكم أحقابا إلا عذابا ضرورة أنهم معذبون حين لبثهم فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا فزيادة العذاب بعد الأحقاب بل خص تعالى الزيادة على العذاب وأنه تعالى لا يزيدهم بعد لبث الأحقاب إلا عذابا فانتفى مفهوم العذاب الذي أفاده الجمع الذي جعله ابن تيمية دليلا على فناء النار وعدم أبديتها مع أنه استدلال بمفهوم العدد وهو من اضعف المفاهيم على هذه المفاهيم على هذه المسألة المعظمة الذى لا يعتمد عليه محقق وكيف يجعل اقوى من التأييد المصرح به في عدة آيات من آيات وعيد أهل النار فلو عارض مفهوم العدد منطوق التأبيد لكان الحكم للمنطوق اتفاقا هذا وذكر البغوي أنه قال مقاتل بن حيان هذه الآية منسوخة / صفحة 89 / يريد لابثين فيها أحقابا نسختها فلن نزيدكم إلا عذابا النبأ 30 يعني أن العدد قد ارتفع والخلود قد حصل هذا لفظه ومراده بالنسخ أن لا حكم لمفهوم العدد وإلا فإنه لا يجري النسخ المصطلح عليه في الأخبار وقال الحسن ليس للأحقاب عدة إلا الخلود وذكره عنه البغوي وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال حقاب
ص 89:
ما لا انقطاع له كلما مضى حقب جاء بعده حقب وأخرج عبد بن حميد عن الحسن لابثين فيها أحقابا قال ليس فيها أجل كلما مضى حقب دخل في الآخر وبهذا تعرف رواية ودراية ضعف استدلال شيخ الإسلام على فناء النار وانقطاعها بمفهوم الأحقاب ثم استدل ابن تيمية على فناء النار وذهابها بقوله تعالى في سورة الأنعام قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك / صفحة 90 / حكيم عليم آية 128 وبقوله تعالى في سورة هود خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد آية 107 وقرر كون آية الأنعام في المشركين بقوله تعالى في صدرها يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس قال فإن أولياء الجن من الإنس يدخل فيه الكفار قطعا يريد أنه لا يقال الآية في عصاة الموحدين فقط ثم أبان أن الاستثناء عائد إلى الفريقين الكفار وعصاة الموحدين والكفار بفناء النار والعصاة بالخروج منها وقرر هذا التقرير في آية الاستثناء في سورة هود واقول قد اختلف العلماء من الصحابة ومن بعدهم من أئمة الرواية والدارية في هذا الاستثناء ولنذكر ما وقفنا عليه من ذلك وقد ألم به ابن القيم في هذا الكتاب أعني حادي الأرواح وألم به شيخه شيخ الإسلام في كلامه في هذه المسألة وفاتهما بعطى ما قيل في الآية قال ابن القيم في الباب السابع والستين
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/338)
واختلف السلف في هذا الاستثناء فقال معمر عن الضحاك هو في الذين يخرجون من النار فيدخلون الجنة فقوله تعالى / صفحة 91 / خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا مدة مكثهم النار قلت يضعف هذا ان الاستثناء من الخلود يقتضي أن يكون بعد الدخول لا قبله سيما بعد قو له (ففي النار) وقد اشار إلى تضعيف هذا الوجه بما قلناه ابن تيمية في غضون أبحاثه في هذه المسألة قال ابن القيم وقالت فرقة هو استثناه الله تعالى ولا يفعله كما تقول والله لأضربنك إلا أن ارى غير ذلك وأنت لا تراه بل تجزم بضربه قلت هذا الوجه أحد وجهين ذكرهما جار الله في الكشاف في آية الأنعام فقال أو يكون يريد الاستثناء من قوله الموتور الذي ظفر بواتره ولم يزل يحرق عليه أنيابه وقد طلب منه أن ينفس عن خناقه أهلكني الله إن نفست عنك إلا إذا شئت وقد علم أنه لا يشاء إلا التشفي منه بأقصى ما يقدر عليه من التعنيف والتشديد فيكون قوله إلا إذا شئت من أشد الوعيد مع تهكم بالتوعد في خروجه في صورة الاستثناء الذي فيه أطماع انتهى واختار هذا الوجه صاحب الأتحاف والصفوى / صفحة 92 / وهو مروي عن ابن عباس أخرجه البيهقي في البعث والنشور فقال قد شاء ربك أن يجعل هؤلاء في النار وهؤلاء في الجنة قلت إلا أنه يختلف صاحب الكشاف وصاحب الاتحاف في عصاة الموحدين فصاحب الكشاف يجعلهم داخلين في الذين شقوا لأن أصله أنهم لا يخرجون من النار وصاحب الإتحاف والصفوى يجعلانهم (داخلين في الذين سعدوا لقيام الأدلة عندهم بخروجهم من النار هذا وقد تعقب ابن الخطيب الرازي في مفتاح الغيب هذا الوجه فقال وهذا ضعيف لأن قوله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك معناه لأضربنك إلا إن رأيت أن أترك الضرب وهذا لا يدل على أن هذه الرؤية حصلت أم لا بخلاف قوله تعالى خالدين فيها ما دامت السموات والأرض فإن معناه الحكم بخلودهم فيها المدة التي / صفحة 93 / يشاء ربك فيها فهذا يدل على أن المشيئة قد حصلت جزما فكيف يحسن قياس هذا الكلام وعلى ذلك انتهى ولا يخفى أن المشار المفروض واقع على هيأة القطع والجزم كما هو صريح كلام ابن القيم وصاحب الكشاف فقول الرازي وهذا لا يدل على أن هذه الرؤية قد حصلت أم لا خلاف المفروض وقوله فهذا يدل على أن المشيئة إلخ إن أراد مشيئة الخلود فهو مراد صاحب هذا القول كما يشعر به المثال وينطبق ويتعلق عليه وإن أراد مشيئة عدم الخلود كما هو مقتضى كلامه فمحل النزاع ولا يتم تضعيف كلام الخصم بإيراده كما لا يخفى ثم قال ابن القيم وقالت طائفة أخرى العرب إذا استثنت شيئا كثيرا مع مثله ومع ما هو أكثر منه كان معنى إلا في ذلك ومعنى الواو سواء والمعنى على هذا سوى ما شاء الله من الزيادة على مدة السموات والأرض وهذا قول الفراء وسيبويه يجعل إلا بمعنى لكن قالوا ونظير ذلك أن تقول لي عليك ألف إلا الألفين اللذين قبلهما أي سوى الألفين قال ابن جرير هذا أحد الوجهين إلى لأن الله لا خلف لوعده وقد وصل الاستثناء بقوله عطاء غير مجذوذ وقالوا نظيره أن تقول أسكنك داري حولا إلا ما شئت أي سوى ما / صفحة 94 / شئت أو لكن ما شئت من الزيادة عليه وأقول هذا مبني على أنه اريد بالسموات والأرض سموات الدنيا وأرضها أي مقدار بقاء دار الدنيا فإنه لو أراد سماء الأخرى وأرضها لما تم أن يقال إلا ما شاء الله من الزيادة على مدتهما فإنهما أبديتان ما لا يتصور عليهما زيادة والظاهر انه أريد من السموات والأرض سموات الآخرة وأرضها لأن آيات التأبيد في الفريقين قاضية بأبدية ارضها وسمواتها إذ لا بد لهم
ص 94:
من شئ يقلهما وشئ فوقهما وهو المراد من سموات الآخرة وأرضها ولأن قوله ما دامت السموات والأرض ظاهر في ذلك إذ أن أرض الدنيا وسمواتها قد ذهبت ولو أريد لقيل ما كانت السموات والأرض ثم قال ابن القيم وقالت فرقة أخرى هذا الاستثناء إنما هو مدة احتباسهم عن الجنة ما بين الموت والبعث وهو البرزخ إلى أن يصيروا إلى الجنة ثم خلود الأبد فلم يغيبوا عن الجنة إلا بقدر إقامتهم في البرزخ وأقول فيه ما سلف في الوجه الأول وهو أن الاستثناء إنما هو بعد دخولهم الجنة ثم قال ابن القيم وقالت فرقة أخرى العزيمة قد وقعت لهم من الله بالخلود الدائم إلا أن يشاء الله خلاف ذلك اعلام لهم بأنهم مع خلودهم في / صفحة 95 / مشيئته وهذا كما قال تعالى لنبيه ولئن شئنا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/339)
لنذهبن بالذي أوحينا إليك الاسراء 86 ونظائره يخبر عباده أن الأمور كلها بمشيئته ما شاء الله كان وما لم يشا لم يكن وأقول إن كان تقيدا حقيقة لزم بقاء الخوف في دار النعيم والله يقول يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الزخرف 68 ويقول أدخلوها بسلام آمنين الحجر 46 والاجماع قائم على أن الجنة لا خوف فيها ثم يلزم أن يبقى لأهل النار طمع في الخروج منها وروح بذلك وليس لهم روح ولا فرج وإن أريد الإخبار بأنه لو شاء تعالى عدم خلود الفريقين لكان له في ذلك حكمة وان المراد من الاستثناء الاعلام للعباد باتساع نطاق حكمه فهذا قد يقال إنه وجه وجيه ثم ذكر ابن القيم وجها قاله لابن قتيبة كالوجه الذي نقله عن الفراء ولم ينقله لأنه هو وإنما اختلفت العبارة ثم قال وقالت طائفة ما بمعنى من من قبل قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء النساء 3 المعنى إلا من شاء ربك ان يدخله النار بذنوبه من السعداء والفرق بين هذا القول وأول الأقوال أن الاستثناء على ذلك من المدة وعلى هذا القول من الأعيان / صفحة 96 / وأقول هذا القول يفتقر إلى تقرير يتضح معه مراد قائله وتقريره أن الاستثناء من الذين سعدوا قبل الحكم عليهم بقوله ففي الجنة فيكون المعنى وأما الذين سعدوا الا من شاء الله ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض لما تقرر في النحو والأصول أن إخراج المستثنى من المستثنى منه قبل الحكم عليه بالخبر إلا أنه يلزم على هذا القول ان تكون الأقسام أربعة قوم سعدوا حكم لهم بالكون في الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض وهم الذين استثنى منهم وقوم سعدوا ايضا لكن لم يبين من الآية حكمهم وهم الذين افادهم إلا من شاء الله وقوم شقوا محكوم عليهم بالكون في النار خالدين ما دامت السموات والأرض وقوم شقوا لم يتبين حكمهم كما عرفت ومعلوم أن الموجود في الواقع ثلاثة أقسام موحدون وملحدون لا وعصاة الموحدين فيكون المراد من الآية على هذا ان قوما دخلوا في السعداء باعتبار أنهم شاركوهم في التوحيد ولكنهم فارقوهم في الكون في الجنة خالدين فيها ودخلوا في الأشقياء باعتبار انهم قارفوا أن ما أغضب الله عليهم من المعاصي ولكنهم فارقوا بعدم الكون في النار خالدين / صفحة 97 / فالقسم الثالث تحته قسمان باعتبار دخولهم تحت بالسعادة مع الذين سعدوا وبالشقاوة مع الذين شقوا كما عرفت فكانت الاربعة ثلاثة وتكون الآية قد بين فيها حكم الفريقين من الموحدين والملحدين ولم يبين حكم الفريق الثالث منها وقد بينه الله في قوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء 48 و 116 فمآل المعنى في الآية فأما الذين سعدوا سعادة خالصة ففي الجنة خالدين فيها وأما الذين شقوا شقاوة خالصة ففي النار خالدين فيها وأما الذين اخرجوا من الفريقين فباقون على تحت مشيئة الله تعالى وهذا الوجه بعد التقرير لا يخفى حسنه ثم ذكر أقوالا راجعة إلى ما سلف ثم قال وهذه الأقوال متقاربة قال ويمكن الجمع بينها بأن يقال أخبر الله عن خلودهم في الجنة كل وقت إلا وقتا شاء الله ألا يكونوا فيها وذلك يتناول وقت كونهم في الدنيا وفي البرزخ وفي موقف القيامة على الصراط وكون بعضهم في النار قلت هذه الإطرفة شئ واحد عائد إلى كونه قبل دخولهم الجنة ولكن يبعده ما مر غير مرة قال فإن الاستثناء من خلود الداخلين وحيث كانوا في عين الجنة لا يفيد ذلك الكون بخالدين / صفحة 98 / فيها ثم قال وعلى كل تقدير فهذا الأمر من المتشابه وقوله عطاء غير مجذوذ محكم وقوله أكلها دائم وظلها ولهذا أكد خلود أهل الجنة في غير موضع من كتابه وأخبر أنهم لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى وهذا الاستثناء منقطع وإذا ضممته إلى الاستثناء من قوله إلا ما شاء ربك تبين لك المراد من الآيتين واستثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود كاستثناء الموتة الاولى من جملة الموت فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية وكذلك مفارقة الجنة تقدم على خلودهم فيها انتهى كلامه وأقول قد أفاد أن الاستثناء من خلود أهل الجنة من المتشابه وأن المحكم ان آية الخلود فيجب برد المتشابه إلى المحكم فالمحكم هو الخلود
ص 98:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/340)
وهذا حسن وتخصصه بالاستثناء في أهل الجنة بقوله عطاء غير مجذوذ ولما علم يقين من أنه لا يخرج من الجنة أحد ممن دخلها وسيأتي لنا أنه يمكن آخر هذا الوجه في الاستثناء في آية العذاب وأما ابن القيم فإنه فيه ابن تيمية من الاستثناء فيها على / صفحة 99 / حقيقتة وأنه لا خلود في النار لأهلها من الكفار كما عرفته من أدلة دعواه وأما قوله إن الاستثناء في الآية كالاستثناء في قوله لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى الدخان 56 فإنها موته تقدمت على الحياة الأبدية وكذلك مفارقة الجنة تقدم على خلودهم فيها فأقول الفرق بين الآيتين واضح فإن آية الموتة الأولى وقع المستثنى منه فيها من أحوال الدنيا الواقعة فيها المعلوم نقضها ولذا كان أحسن الأقوال في هذه الآية أعني آية إلا الموتة الأولى انه من باب التقييد بالمحال من باب قول شعيب وما يكون لنا ان نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا الأعراف 89 إذا الآية سيقت لبيان ان أهل الجنة لا يذوقون فيها الموت أصلا وأنه أمر محال فعلق بالمحال لتمام التبشير بنعمة الحياة الأبدية وآية الخلود المستثنى منه فيها من أحوال الآخرة والكون في الجنة فكيف يقاس ما لم يمض ولم ينقض بما مضى وانقضى على انه لا يصح لغة تسمية اللبث في الدنيا وفي البرزخ وفي الموقف خلودا حتى يخرج من مدة الخلود وبعد هذا رايت فخر الدين الرازي وقد تعقب هذا في مفتاح الغيب فقال بعد نقله لفظه وأما حمل الاستثناء على حال عمر الدنيا والبرزخ والموقف فبعيد لأن الاستثناء وقع عن الخلود في النار ومن المعلوم أن الخلود / صفحة 100 / كيفيات من كيفيا الله الحصول في النار فقبل الحصول في النار يمتنع حصول الخلود وإذا لم يحصل الخلود لم يحصل المستثنى منه وإذا لم يحصل المستثنى منه امتنع حصول الاستثناء هذا لفظه فهذه الوجوه التي ذكرها ابن القيم في الاستثناء على آية الخلود مع ما تراه من الأبحاث التي أوردناها في المقام وقد بقي فيه وجه ذكره جار الله في الكشاف في آية هود فقال إن الاستثناء هو استثناء من الخلود من نعيم الجنة وذلك أن أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده بل يعذبون بالزمهرير وبأنواع من العذاب سوى عذاب النار وبما اغلظ منها كلها وهو سخط الله عليهم وخسؤه لهم وإهانته إياهم وكذلك أهل الجنة لهم سوى الجنة ما هو أكثر منها وأجل موقعا وهو رضوان الله كما قال الله وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ولهم ما يتفضل الله عليهم سوى ثواب الجنة مما لا يعرف كنهه إلا هو فهو المراد باستثناء انتهى وتعقبه الفخر الرازي في مفاتيح الغيب فقال لو كان كذلك لوجب أن لا يحصل العذاب بالزمهرير إلا بعد / صفحة 101 / انقضاء مدة السماوات والأرض والأخبار الصحيحة دالة على أن التنقل من النار وبالعكس يحصل كل يوم مرارا فبطل هذا الوجه انتهى كلامه قلت ولا يخفى ضعف كلامه فإن معنى الآية أن أهل النار في النار خالدين فيها مدة دوام السموات والارض إلى وقت مشيئة ربك عدم خلودهم فيها فهو إخراج بوقت مشيئة عدم الخلود من القيد بدوام السموات والأرض والإخراج من المقيد إخراج منه ومن قيده بمعنى ان خرج منه بعد اتصافه بالقيد فالقيد جزء منه ومعناه أن يخرج من النار إليها إلى غيرها مع بقاء السموات والأرض لا بعد انقضاء مدتها ثم هذا الذي أورده الرازي لازم لما اختاره في الآية كما ستعرفه هذا وقد اعترض كلام الكشاف صاحب الإتحاف فقال لا أدري ما حمله على ما لا تقبله العقول في حمل الاستثناءين على الخروج إلى الهموم والغموم في اهل النار وإلى رضوان الله في / صفحة 102 / أهل الجنة ونحو ذلك مما ذكر والغموم لازم أهل النار ورضوان الله ملازم لأهل الجنة ولأجله دخولها وكذلك سخط الله لأهل النار وكيف الخروج من الأمور الحسية وهي الجنة والنار إلى المعنوية وهي السخط والرضى وسائر ما ذكرناه مما اشتمل عليه دار العقاب ودار النعيم انتهى ثم جنح إلى حمل الاستثناء في آية هود على الوجه الذي حمله عليه صاحب الكشاف في آية الأنعام وقد سبق ذكره هذا إن لم يحمل كلام صاحب الكشاف على ما روي عن ابن مسعود وأن حمل عليه لم يتم إيراد صاحب الإتحاف كما أنه لا يرد على صاحب الكشاف ما اورده عليه الرازي وكلام الإتحاف هذا صحيح إلا قوله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/341)
إن رضوان الله لازم لأهل الجنة ولأجله دخولها فإنه قد يقال أنه أخرج أحمد والشيخان والترمذي والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يقول لأهل الجنة يا اهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول هل رضيتم فيقولون ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول إني إعطيكم قال أفضل من ذلك قالوا رب واي شئ افضل من ذلك قال أحل عليكم رضواني فلا اسخط عليكم بعده أبدا / صفحة 103 / أخرج
ص 103:
ابن أبي حاتم عن أبي عبد الملك الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله على اهل الجنة نعيمهم بما في الجنان وهذا دال على أن رضوان الله تعالى هذا متأخر عن دخول أهل الجنة والآية التي ساقها في الكشاف دالة على ذلك أيضا فإنه جعل رضوانه تعالى الأكبر قسما للجنات ولعله يقال إن هذا الرضوان الذي يبشرهم به الرب ويخاطبهم به الموصوف بأنه لا يسخط بعده أبدا متأخر وهو المراد من الآية والحديثين ومجرد الرضى حاصل لهم من أول الأمر كما يدل له قوله تعالى يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي الفجر 27 - 30 فإنه دال على الرضى من / صفحة 104 / أول الأمر قبل دخول الجنة ويحتمل أنه خاص بصاحب هذه النفس المطمئنة والحاصل أن هذا الرضى الذي أراده صاحب الكشاف واستدل عليه بالآية متأخر وهو المراد من الحديثين ولا ينافيه مجرد الرضى اللازم لأهل الجنة فلا يرد اعتراض صاحب الإتحاف عليه وأما قوله والهموم والغموم لازمة لأهل النار فقد أشار إلى جوابه المحقق أبو السعود فقال ولك ان تقول إنهم ليسوا مخلدين في العذاب الذي هو عذاب النار بل لهم من افانين العذاب ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى وهو العقوبات والآلام الروحانية التي لا يقف عليها في الدنيا المنغمسون في أحكام الطبيعة المقصود إدراكهم ما ألفوا به من الأحوال الجسمانية وليس لهم استعداد لتلقي ما وراء ذلك من الأحوال الروحانية وهذه العقوبات وإن كانت تعتريهم وهم في النار لكنهم ينسون بها عذاب النار ولا يحسونها وهذا كاف في تحقيق معنى الاستثناء انتهى كلامه وهذا وجه حسن محتمل على أنه الذي اراد صاحب الكشاف ويندفع به اعتراض صاحب الإتحاف / صفحة 105 / هذا وفي الكشف على الكشاف ما لفظه هذا في أهل النار ظاهر لأنهم ينقلون من حر النار الى برد الزمهرين عن والرد بأن النار عبارة عن دار العقاب غير وارد لأنا لا ننكر استعمال النار فيها تغليبا أما دعوى الغلبة حتى هجر الأصل فلا الا ترى إلى قوله نارا تلظى الليل 14 وقوله وقودها الناس والحجارة البقرة 24 والتحريم 6 وكم وكم وأما رضوان الله عن أهل الجنة وهم فيها فيأبى الاستثناء كيف وقوله خالدين فيها لا يدل بظاهره على أنهم منعمون بها فضلا عن انفرادها بنعيمهم بها ثم قال ولعل الوجه والله أعلم أن يكون من باب حتى يلج الجمل في سم الخياط الأعراف 40 لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى الدخان 56 وأشار إليه سلمه الله يريد الفاضل الطيبي وذكر أنه وقف بعد ذلك على نص من قبل الزجاج انتهى / صفحة 106 / يريد أنه تقيد بالمحال في الآيتين وعصاة الموحدين داخلون في السعادة فإنهم خالدون في الجنة وإن تأخر دخولهم إياها فإنه من المعلوم أن الداخلين إلى الجنة لا يدخلون دفعة واحدة بل يدخلون أرسالا بل فيها من يسبق إليها بمقدار خمسمائة عام كما ثبت ذلك في فقراء المهاجرين والذي رجحه الفخر الرازي بعد سرده للأقوال وتعقبه لها ان عصاة الموحدين داخلون في الأشقياء محكوم عليهم بهذا الحكم وقوله إلا ما شاء ربك يوجب أن لا يبقى حكم الخلود لبعض الأشقياء ولما ثبت ان الخلود واجب للكفار وجب أن يقال الذين زال حكم الخلود عنهم هم الفساق من أهل الصلاة وهذا الكلام قوي في هذا الباب انتهى / صفحة 107 / وأقول يرد عليه في هذا الوجه الذين استقوا إلى ما اورده هو على من قال إن معنى الاستثناء في آية أهل النار أنهم ينقلون من عذابها إلى الزمهرير فإنه أورد عليه ما أسلفناه من أنه يقتفي أن لا يحصل العذاب بالزمهرير إلا بعد انقضاء مدة السموات والأرض فيقال عليه هذا عين ما قاله هناك أنه يلزم ان لا يخرج عصاة من الموحدين عن النار إلا بعد انقضاء مدة السموات والأرض
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/342)
ولا دليل عليه بل الأدلة قائمة على خلافه كما قدمناه في التثنية مما سبق فالحق مل قدمناه لك من أن إيراده غير وارد على من أورده ولا لازم له لبطلانه في نفسه هذا وكلام الفخر الرازي هذا هو كلام المفسرين من أئمة السنة وذكره سعد الدين في شرحه على التلخيص لأنه جعل الاسثناء في الآيتين معا لإخراج عصاة الموحدين وآن المراد بعدم خلودهم في الجنة فراقهم له ايام عذابهم وأنهم داخلون في السعداء باعتبار الايمان وفي الأشقياء بسبب المعاصي ولكن فيه ما / صفحة 108 / عرفت من أن الاستثناء إنما هو من المحكوم عليهم بدخول الجنة خالدين فيها وعصاة الموحدين قبل دخولهم لا يصح في حقهم الاستثناء كما عرفته وقد نبه على هذا المحقق الشريف في حواشيه على المطول حيث قال أقول الخلود إنما هو بعد دخول الجنة فكيف ينقضي بما سبق على الدخول فالصواب أن يقال الاستثناء الأول محمول على ما تقدم من أن فساق المؤمنين لا يخلدون في النار وأما الثاني فهو محمول على أن أهل الجنة لهم سوى نعيمها ما هو أجل وأكبر وهو رضوان الله عز وجل وبقاؤه لا على أن فيهم بعضا يخرج انتهى ولا ى
ص 108:
أن كلامه في الاستثناء الثاني هو كلام صاحب الكشاف بعينه وأنه يرد عليه ما أورده صاحب الإتحاف وقد سبق لنا رده كما عرفت وهكذا يرد عليه ما أورده صاحب الكشاف كما سبق قريبا أيضا فالأحسن أن يقال ان الاستثناء في آية الجنة من باب حتى يلج الجمل في سم الخياط تقييد بالمحال وان من دخل الجنة لا يخرج منها أبدا بدليل الاجتماع المعلوم ضرورة من الدين وبدليل قوله تعالى عطاء غير / صفحة 109 / مجذوذ وفي آية أهل النار محمول على ما ذكر من خروج الموحدين ولا يقال أن هذا يوجب اختلاف في نظم الكلام حيث عدل بالاستثناء الثاني عما حمل عليه الاستثناء الأول مع أنهما سيقا مساقا واحدا لأنا نقول قد دفع الشريف هذا الإيراد لأنه ورد ما وينهي إليه بقوله الأول محمول على الظاهر وقد عدل بالثاني عنه بقرينة واضحة مما ذكرنا فلا إشكال ولا اختلاف إذا عرفت حقيقة هذه الأقوال التي حققها الاستدلال وأساطين المفسرين وعيون العيون من المحققين عرفت أن آية الاستثناء كما قال صاحب الكشاف من المعضلات وقد اختلفت فيه كما رأيت أذهان المحققين الأثبات وقد سبق قول ابن القيم في آية الاستثناء في أهل الجنة أنه على كل تقدير أن الاستثناء فيه من المتشابه وأن المحكم قوله تعالى عطاء غير مجذوذ هود 108 وظلها دائم وآيات الخلود التي وردت في الكتاب العزيز فلك أن تقول بغير هذا القول في آية الاستثناء في أهل النار انه من المتشابه وان المحكم خالدين فيها وما هم منها بمخرجين الحجر 48 والآيات المصرحة بخلود / صفحة 110 / أهل النار في القرآن كثيرة جدا وسيأتي عد بعضها فيرد المتشابه وهي آية الاستثناء إلى المحكم وقد حكم الله بخلود اهل النار في النار وتواترت الأحاديث بإخراج عصاة الموحدين وقد ورد الاستثناء فلا ندري ما أراد الله هل بإخراج العصاة من الموحدين كما قال جماهير أهل السنة وهو المروي عن ابن عباس كما أسلفناه عنه أو هو قريب أو هو عين المراد أو أراد به أمرا استأثر الله بعلمه فنقول آمنا بالله كل من عند ربنا آل عمران 76 وقد اخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله تعالى إلا ما شاء ربك فإن الله أعلم ثنيته على ما وقعت وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال قد أخبرنا الله بالذي شاء لأهل الجنة فقال عطاء غير مجذوذ ولم يخبرنا بالذي شاء لأهل النار وأخرج ابن المنذر عن أبي وائل أنه كان إذا سئل عن الشئ في القرآن قال قد اصاب الله به الذي اراده هذا وإذا عرفت ما القينا عليك عرفت انه لم يتم ما أدعاه ابن / صفحة 111 / تيمية في الآية وأنه أريد بالاستثناء فناء أهل النار فإنه قول في الآية بلا دليل ولا قال به من السلف أحد ولا من الخلف وأنه ليس في يد شيخ الإسلام شئ لا من كتاب ولا من سنة ولا من صحابي كما قررناه فليس في يديه إلا دعوى بغير برهان لا يقول فيها دون دق الشأن ولا يعتمد عليها أهل الاتقان وعرفت أنه ما صفا قول قائل في الاستثناء في آية أهل النار عن كدر الإشكال وأن الأقوال فيه كلها أراء محضة إلا القول بأنه أريد به عصاة الموحدين فإنه قول قويم قد قاله بحر الأئمة وحبرها المدعو له بتعليم التأويل ابن عباس كا أسلفناه ودلت عليه
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/343)
أدلة أثرية وقرئن من قرآنية فالقول به قويم ولا يدخل تحت التفسير بالرأي الذي ورد الوعيد على من قال في القرآن برأيه فلا يقال إنه يتعين في الوقف عن ذلك الخوض والإيمان بما أراده الله ورد علمه إليه ثم استدل شيخ الإسلام على سعة رحمة الله تعالى أنها أدركت أقواما ما فعلوا خيرا وساق أحاديث دالة على أن الرحمة أدركت من كان من عصاة الموحدين كما ستعرفه وليس من محل النزاع فمن الأدلة التي ساقها على مدعاه قصة الذي امر أهله ان يحرقوه ويذروه في الرياح في البر والبحر خشية أن يعذبه الله قال فقد / صفحة 112 / شك في المعاد فأحياه الله تعالى قال فهذا لم يعمل خيرا قط وأدركته رحمة الله تعالى / صفحة 113 / واقول هذا ليس من محل النزاع فهذا مؤمن بالله عالم بأن الله يعذب من عصاه وقد وقع من خوفه وخشية أمره بتحريقه ففي قلبه خير وإن لم يعمل خيرا قط ولذلك الخير أدركته رحمة الله واستدل أيضا على مدعاه بما أخرجه أحمد في مسنده من حديث الأسود بن سريع مرفوعا يأتي أربعة يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في فترة أما الأصم فيقول رب قد جاء الإسلام وما أسمع شيئا وأما الأحمق فيقول رب جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر وأما الهرم فيقول ربجاء بن الإسلام وما أعقل شيئا وأما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني من رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل عليهم ليدخلوا النار قال فوالذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما / صفحة 114 / وأقول ليس الحديث أيضا في محل النزاع إذ هو في فناء النار ودخول اهلها أهلها الجنة وهؤلاء الثلاثة الأولون ليسوا بمشركين فإنهم كانوا في دار الدنيا غير فين
ص 114:
فلم يتحقق منهم أنهم كانوا مشركين وليسوا ممن دخل النار ثم فنيت وهم فيها والرابع الذي مات في الفترة مخاطب بشرع من قبله بنص قوله تعالى وإن من أمة إلا خلا فيها نذير فاطر 24 والحديث لم يذكره شيخ الإسلام بتمامه وهو حديث مشكل ولا حاجة لنا إلى الكلام عليه بعد بيان أنه ليس من محل النزاع ثم استدل شيخ الإسلام بحديث رواه ابن المبارك من حديث أبي / صفحة 115 / هريرة مرفوعا أن رجلين دخلا النار واشتد صياحهما فقال الرب جل جلاله أخرجوهما فقال لأي شئ اشتد صياحكما فقالا فعلنا ذلك لترحمنا فقال رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما في النار فيلقي أحدهما نفسه فيجعلها عليه بردا وسلاما ويقوم الآخر فلا يلقي فيقل له الرب ما منعك أن تلقي نفسك كما ألقى صاحبك فيقول رب إني أرجو أنك لا تعيدني فيها بعد أن أخرجتني منها فيقول لك رجاؤك فيدخلان جميعا الجنة برحمة الله وأقول هذا كما تراه في إخراج العصاة من الموحدين فإنه لا يقول ابن تيمية أن يخرج الكفار من النار كما يقول غيره / صفحة 116 / ثم ساق حديثا ثالثا مثل هذا الحديث ليس من محل النزاع ثم تعرض لأدلة القائلين بعدم فناء النار فقال لهم ست طرق أحدها الإجماع على عدم فنائها قال والإجماع غير معلوم إنما يظنه في هذه المسألة من لم يعرف النزاع فيها وقد عرفت النزاع قديما وحديثا قال ولو كلف هذه مدعي الاجماع أن ينقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم أنه قال النار لا تفنى لم يجد إلى ذلك سبيلا ونحن قد نقلنا عنهم التصريح بخلاف ذلك فما وجدنا عن واحد منهم خلاف ذلك وأقول قد عرفت أنه نقل عن ستة من الصحابة عبارات لا تدل على مدعاه وهو فناء النار بنوع من الدلالات كما أوضحناه ولا يصح نسبته لتلك الدعوى إلى واحد من أولئك السنة فلم يوجد لأحد مما وجدنا عن واحد من الصحابة أنه يقول بفناء النار كما أنه لا يوجد قائل من الصحابة انه يقول بعدم فناء النار فإن هذه المسألة وهي فناء النار لا تعرف في عصر الصحابة ولا دارت بينهم فليس نفي ولا إثبات بل الذي عرفوه فيها هو ما في الكتاب والسنة من خلود أهل النار ابدا وأن أهلها ليسوا منها بمخرجين وعرفوا ما ثبت من خروج عصاة الموحدين / صفحة 117 / عرفت هذا عرفت أن دعوى فناء النار أو عدم فنائها قول للصحابة دعوى باطلة إذ هذه الدعوى لا توجد في عصرهم حتى يجمعوا عليها نفيا أو إثباتا نعم القول الذي دل عليه القرآن من خلود النار أهلها فيها أبدا يتضمن القول عنهم بما تضمنه القرآن ودل عليه الأصل فيما أخبر الله به عن الدارين الأخروين سنة البقاء فلا يحتاج مدعي عدم الفناء إلى الدليل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/344)
على ذلك الأصل ثم قال الثاني أي من الستة الأدلة للقائلين بعدم الفناء أن القرآن دل على ذلك دلالة قاطعة فإنه تعالى أخبر أنه عذاب مقيم المائدة 37 وأنه لا يفتر عنهم الزخرف 75 وانه لا يزيدهم إلا عذابا وأنهم خالدين فيها أبدا وأنهم وما هم بخارجين من النار البقرة 167 وما هم منها / صفحة 118 / بمخرجين وإن الله حرم الجنة على الكافرين وأنهم لن يدخلوا الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وإن عذابها كان غراما الفرقان 65 قال والجواب ان هل كله مسلم وأنهم لا يخرجون منها وأنه لا يفتر عنهم العذاب ما دامت باقية وليس محل النزاع إنما محل النزاع لا تفنى النار قال وهذه النصوص تقضي بخلودهم في النار ما دامت باقية هذا جوابه واقول قد عرفت أنه لا يتم هذا الجواب ما لم يؤخذ بأدلة ناهضة على فناء النار ولم يقم دليل على ذلك قال الطريق الثالث من أدلة القائلين بعدم فناء النار أن السنة / صفحة 119 / المستفيضة أخبرت بخروج من في قلبه ادنى ذرة من إيمان دون الكفار فأحاديث الشفاعة كلها صريحة في خروج الموحدين دون الكافرين قال الجواب أن هذا لا شك فيه وهو إنما يدل على ما قلناه من خروج الموحدين فيها وهي باقية ويبقى المشركون ما دامت باقية واقول الجواب ما سلف ثم قال الطريق الرابعة للقائلين بعدم فناء النار أوقفنا الرسول على ذلك وعلمناه من دينه ضرورة كما علمنا دوام الجنة وأجاب بأنه لا ريب أن الكفار باقون فيها ما دامت باقية هذا هو المعلوم من دينه ضرورة وأما كونها أبدية لا تفنى كالجنة فمن أين في القرآن والسنة دليل واحد على ذلك واقول الدليل يتوجه على من ادعى الفناء ولم يأت شيخ الإسلام بشئ واحد والأصل هو خلود النار وأبديتها عمرو كما دل عليه الكتاب والسنة فلا يحتاج مدعي عدم الفناء إلى دليل آخر بعد هذا الأصل قال والدليل الخامس من أدلة القائلين بفناء النار أن في عقائد / صفحة 120 / أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان لا يفنيان ابدا والقول بفنائها من أقوال أهل البدع قال والجواب أنه لا ريب أن القول بفنائها قول أهل البدع وأما القول بفناء النار وحدها فقد اوجدناكم من قال به من الصحابة وتفريقهم بين الجنة والنار فكيف تقولون إنه من قول أهل البدع وأقول لأنه يصدق عليه رسم البدع
ص 120:
ففي القاموس البدعة بالكسر الحدث في الدين بعد الإكمال أو ما أحدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأهواء والأعمال انتهى والمعلوم انه لم يقع في ذلك العصر قول بفناء النار ودخول الكفار جنات تجري من تحتها الأنهار ولا أوجدنا شيخ الإسلام مع تبحره في العلوم وسعة اطلاعه على أقوال السلف والخلف على قول واحد من الصحابة بفناء النار ودخول الكفار الجنات وإن كان كذلك فالقول به بدعة قطعا قال والدليل السادس للقائلين بعدم فناء النار أن العقل يقضى بخلود / صفحة 121 / الكفار ثم قرر وجه الاستدلال بما حاصله أنه مبني على أن المعاد وإثابة النفوس المطيعة وعقوبة النفوس العاصية مما يعلم بالعقل كما يعلم بالسمع قال كما دل عليه القرآن في غير موضع كإنكاره تعالى على من زعم أنه يخلق خلقه عبثا وانهم إليه لا يرجعون وأنه يتركهم سدى لا يثيبهم ولا يعاقبهم وأن ذلك يقدح في حكمته وكماله وأنه ينسبه إلى ما لا يليق ثم قرره تقريرا آخر وأجاب عنه بقوله واما حكم العقل بتخليد اهل النار فيها فإخبار عن العقل بما ليس عنده فإن المسألة من المسائل التي لا تعلم إلا بخبر الصادق ثم إن العقل دل على المعاد والثواب والعقاب إجمالا وأما تفصيلا فلا يعلم إلا بالسمع وقد دل السمع على دوام ثواب المطيعين واما عقاب العصاة فدل دلالة قاطعة على انقطاعه في حق الموحدين وأما دوامه وانقطاعه في حق الكفار فهو من معترك النزال فمن كان السمع في جانبه فهو أعلم بالصواب قلت وهو تحقيق حسن إلا أني لا أدري من الذين قالوا إن العقل حكم بخلود العصاة في النار فإن اشد الناس بهم الوعيدية والمعتزلة إلا القليل وأكثرهم قائلون بأن العقل يقضي بحسن العفو / صفحة 122 / عن الكفار لولا ورود السمع بان الله لا يغفر أن يشرك به هذا وقد انتهت المناظرة التي ساقها ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام بين الفريقين ومن له نباهة وهو من أولي الألباب لا يخفى عليه بعدما قررناه وجه الصواب ثم ساق شيخ الإسلام من الأدلة على مدعاه فقال مستدلا إن الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/345)
خلق عباده على الفطرة وخلقهم حنفاء فلو خلوا وفطرهم لما نشأوا إلا على التوحيد قال والأشقياء غيروا الفطرة إلى ضدها واستمروا على ذلك التغيير ولم تغن عنهم الآيات والنذر في هذه الدار فأتاح الله لهم آيات أخر وأقضية وعقوبات فوق التي كانت في الدنيا يستخرج الخبث والنجاسة التي لا تزول بغير النار فإذا زال موجب العقاب وسببه زال العذاب وبقي مقتضى الرحمة لا معارض له وأراد بمقتضى الرحمة الميثاق الذي أخذ عليهم بالإيمان وهم في عالم الذر وأقول لا شك أنه يدخل النار من كفار الجن والشياطين أمم لا / صفحة 123 / يحصون بل ربما يدعى أنهم أكثر من كفار بني آدم وما ذكره شيخ الإسلام من عود أهل النار بعد زوال خبيث الكفر إلى الفطرة والإقرار الذي كان في عالم الذر إن ساعدناه عليه ثم له في من اقر في عالم الذر بالربوبية من بني آدم لا غير ودعواه فناء النار وأن سكانها وأهلها يدخلون الجنة وهو حكم عام لكل من دخل النار والدليل خاص ببعض بني آدم وإنما قلناه إن ساعدناه لأنه قد ثبت في الأحاديث ان الكفار لم تشملهم الفطرة والإقرار بالربوبية في عالم الذر لم يكن إلا كرها فليس لهم حظ من فطرة الله التي فطر الناس عليها كما أخرجه احمد والبخاري ومسلم من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ما في الأرض اكنت مفتديا به فيقول نعم فيقول قد اردت منك أهون من ذلك قد اخذت عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي والتعقيب بالفاء يشعر بأن الإباء كان عند أخذ الميثاق عليه وهو في ظهر أبيه ان لا يشرك في الدنيا ويوضح ذلك ما اخرج ابن عبد البر في التمهيد من طريق السدي عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وناس من الصحابة في الآية إن الله مسح صفحة ظهر آدم فأخرج فيها ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ كهيئة الذر ومسح صفحة / صفحة 124 / ظهره اليسرى فأخرج منها ذرية سوداء كهيئة الذر فذلك قوله أصحاب اليمين ما أصحاب اليمين الواقعة 27 واصحاب الشمال ما أصحاب الشمال الواقعة 41 ثم اخذ الميثاق فقال ألست بربكم قالوا بلى الأعراف 172 فأعطاها طائفة طائعين وطائفة كارهين على وجه التقية إلى أن قال وذلك قوله تعالى وله اسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها آل عمران 83 وهذا المعنى كثير في الأحاديث ومنه حديث الغلام الذي قتله الخضر أخرج مسلم وابو داود والترمذي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن مردويه عن أبي بن كعب عنه صلى الله عليه وسلم قال الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا ولو أدرك لأرهق ابويه طغيانا وكفرا وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن ابن عباس مثله نعم أحاديث كل مولود يولد على الفطرة وإنما ابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه أحاديث ثابتة في الصحيحين وغيرهما وتفسير الفطرة بالدين منصوص عليه فلا / صفحة 125 /
ص 125:
بد من الجمع بين الأحاديث بتخصيص أحاديث الفطرة ونحوها وهي أحاديث كثيرة من الجانبين وهي كلها في بني آدم ثم لك ان تجمع بين أحاديث عموم الفطرة وحديث أنس الذي عند أحمد والشيخين الذي أسلفناه بأن نقول الكل على الفطرة أي فطرة الإقرار بالتوحيد من أقر تقية كرها ومن أقر طوعا حقيقة كذلك فيتم العموم ثم إن المقربين تقية اجتالتهم الشياطين كما في لفظ الحديث وهودهم قبل الآباء ونصروهم ومجسوهم واقتادوهم يحيى وانقادوا لهم وللشياطين لما في طبائعهم الخبيثة من أول وهلة حين أقروا تقية تجتمع الأحاديث والله أعلم ثم قال شيخ الإسلام فإذا أخذت النار مأخذها منهم وحصلت الحكمة المطلوبة من عذابهم فإن العذاب لم يكن سدا وإنما كان لحكمة مطلوبة فإذا / صفحة 126 / حصلت تلك الحكمة لم يبق في التعذيب أمر يطلب واقول لم يقم شيخ الإسلام دليلا على أن الحكمة المطلوبة لله في تعذيب الكفار هي زوال النجاسة الكفرية وخبثه الذي لا يزول إلا بعذاب النار وإنما قال ذلك تظننا منه وتحسبا الرحمن تفرع عن اعتقاده فناء النار وقد أورد على نفسه سؤالا فقال إن قيل سبب التعذيب لا يزول إلا إذا كان عارضا كمعاصي وكان الموحدين أما ما كان لازما كالكفر والشرك فإن أثره لا يزول كما لا يزول السبب وقد اشار الله تعالى إلى ذلك فقال ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه الأنعام 28 إخبارا بأن نفوسهم وطبائعهم لا تقبل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/346)
غير الشرك وإنها غير قابلة للإيمان أصلا قال تعالى ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا الإسراء 72 فأخبر أن ضلالهم عن الهدى دائم لا يزول / صفحة 127 / مع معاينتهم الحقائق التي أخبرت بها الرسل وقال لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون الأنفال 23 فهذا يدلك على أنه ليس فيهم خير يقتضي الرحمة ولو كان فيهم خير لما ضيع عليهم أثر وهو يدل على أنه لا خير فيهم هنالك أيضا وأجاب بقوله لعمر الله إن هذا أقوى ما يتمسك به في هذه المسألة ولكن هل هذا الكفر والخبث والتكذيب امر ذاي روى لهم زواله مستحيل ام هو أمر عارض طارئ على الفطرة قابل للزوال وليس بأيديكم ما يدل على استحالة زواله وأنه أمر ذاتي قد اخبر الله أنه فطر عباده على الحنفية وان الشياطين اجتالتهم عنها فلم يفطرهم على الكفر والتكذيب وانما فطرهم على الإقرار بخالقهم ومحبته وتوحيده وإذا كان هذا الحق الذي فطروا عليه قد امكن زواله بالكفر والشرك كان زوال الكفر والشرك بضده أولى وأحرى ولا ريب أنهم لو ردوا على تلك الحال لعادوا لما نهوا عنه لكن من أين لكم أن تلك الحال لا تزول ولا تبدل بنشأة أخرى ينشؤهم عليها تبارك وتعالى / صفحة 128 / أقول قد دار جواب هذا الإيراد والذي أقر أنه من أقوى ما يتمسك به المخالف على أن الكفار مخلوقون على الفطرة أي فطرة الذين الحنيف وهو التوحيد وقد سمعت من حديث ابن عباس وابن مسعود وغيرهم أنها لم تشملهم الفطرة ولا وقع منهم الإقرار بالوحدانية في عالم الذر إلا تقية ثم هب أن الفطرة شاملة لبني آدم كما قال تعالى لأملأن جهنم من الجنة والناس اجمعين هود 119 والفطرة إنما هي للناس كما في الآية والحديث إنهم خلقوا حنفاء فاجتالتهم الشياطين فإن ساعدناه على أن الناس مفطورون على التوحيد فيما يصنع بالجن والشياطين وهم من جملة من تفنى عنهم النار ويدخلون الجنة أيزعم أنهم مفطورون على التوحيد مخلوقون حنفاء فمن اجتالهم ولم فإنهم هم الذين اجتالوا بين العباد فهذا وارد على عمومهم الفطرة مع التسليم والمماشاة وأما قوله فمن اين لكم أنه لا يزول قلنا من إخبار الله في الآيات التي ساقها في صدر السؤال ولعدم الدليل على زوال ما كانوا عليه وكفى دليلا على عدم زوال نجاسة الكفر وخبث الشرك ودرن التكذيب بالنار قوله تعالى / صفحة 129 / ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه إلا أنه قال شيخ الإسلام إن هذا الإخبار منه تعالى عنهم قبل دخولهم النار فإنه تعالى قال ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب إلى قوله ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه أي لو ردوا من شفير جهنم قبل دخولها لعادوا لما نهوا عنه من التكذيب والكفر وذلك لازم لهم لم يزل عنهم خبث الشرك فإنه لا يزول إلا بدخول النار قلت قد حكى الله عنهم أنهم يقولون وهم بين أطباقها يصلونها ربنا اخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون المؤمنون 107 وانه يقول في جوابهم اخسئوا فيها ولا تكلمون المؤمنون 108 فلم يجبهم تعالى وقد ذاقوا العذاب واعترفوا بالظلم إلا بقوله اخسئوا فيها لا تكلمون ولم يقل ابقوا حتى تطهروا من خبث الكفر ولعل شيخ الإسلام يقول لم يكن عند هذا الاعتراف قد طهرت تلك النفوس من خبث الشرك وجوابه إن هذه الدعوى من العنت وتقريره أن زوال خبث الشرك والكفر بالنار من عيب تفرع عن دعوى الفناء للنار والأصل بقاؤه ما لم يقم عليه دليل كما عرفت / صفحة 130 / ثم استدل على ذلك المدعى اديث
.................................................. ..........
- إبطال أدلة فناء النار- محمد بن إسماعيل الصنعاني ص 130:
الشفاعة الثابتة في الصحيحين وغيرها وفيها أن الله يقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قال فهذا يدل على إخراج قوم لم يكن في قلوبهم خير قط كما يدل له السياق فإن لفظ الحديث هكذا أخرجوا من في قلبه مثقال ذرة من خير فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول الله شفعت الملائكة وشفعت النبيون وشفعت المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة الحديث قال فهذا السياق يدل على أن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير ومع هذا فأخرجتهم الرحمة / صفحة 131 / أقول الحديث ليس من محل النزاع فإنه في إخراج أقوام من النار وهي باقية وقد قرر شيخ الإسلام فيما سلف
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/347)
أنه لا يخرج منها الكفار وهي باقية وإن كان إنما استدل به عليه بعموم الرحمة ثم يقال الحديث دل على أن الملائكة أخرجت من علمت في قلبه مثقال ذرة من خير ولا دليل أنهم يعلمون كل من في قلبه مثقال ذرة من خير فإنهم لا يعلمون من أحوال القلوب إلا ما أعلمهم الله كما قال تعالى يعلمون ما تفعلون الانفطار 12 فهم يعلمون أفعالنا لا ما انطوت عليه قلوبنا ولهذا وردت الأحاديث انهم يصعدوون أهل بالعمل يرونه حسنا ويرد فيقول الله إن فاعله أراد به كذا وكذا أي من الرياء ونحوه فأخرج البزار والطبراني في الأوسط والدارقطني والأصبهاني في الترغيب والترهيب من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى يوم القيامة بصحف مختمة فتنتصب بين يدي الله فيقول ألقوا هذه واقبلوا هذه فتقول الملائكة وعزتك ما كتبنا إلا ما عمل فيقول الله إن هذا كان لغير وجهي وأنا لا أقبل اليوم إلا ما ابتغي به وجهي / صفحة 132 / وهذا الحديث فيه الإخبار بان الملائكة قالت لم نذر فيها خيرا أي أحدا فيه خير والمراد ما علموه بإعلام الله ويجوز أن يقال لم يعلمهم بكل من في قلبه خير وأنه بقي من أخرجهم بقبضته ويدل له أن لفظ الحديث أنه أخرج بالقبضة من لم يعملوا خيرا قط فنفى العمل ولم ينف الاعتقاد وفي حديث الشفاعة تصريح بإخراج قوم لم يعملوا خيرا قط ويفيد مفهومه أن في قلوبهم خيرا ثم سياق الحديث يدل على أنه أريد بهم أهل التوحيد لأنه تعالى ذكر الشفاعة للملائكة والأنبياء والمؤمنين ومعلوم أن هؤلاء يشفعون بعصاة أهل التوحيد فإنه لا يقول ابن تيمية ولا غيره أنه يشفع للكفار بقرائن القبض التي قبضها الرب في عصاة الموحدين والأليق بالسياق أنها أيضا فيهم وقد اخرج البيهقي في / صفحة 133 / الشفاعة من حديث جابر مرفوعا فيه اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فاخرجوا إلى ان قال ثم يقول الله تعالى الآن أخرجوا بعلمي وحلمي فيخرج أضعاف ما أخرجوا وأضعافه فقوله تعالى بعلمي يدل على أنه علم قوما في قلوبهم الخير لم تعلمهم الملائكة وهب أنا ساعدناه وأن تعالى أخرج قوما من الكفار من النار أين هذا من محل النزاع وهو فناء النار وإدخال من كان فيها من الكفار الجنة ثم قال شيخ الإسلام مستدلا أيضا إن العبد إذا اعترف بذنوبه حقيقة الاعتراف المتضمن لنسبة السوء والظلم واللوم إليه والحمد والرحمة والكمال المطلق لربه وفي كل وقت يستعطف ربه ويستدعي رحمته وإذا أراد الله أن يرحم عبده ألقى ذلك في قلبه لا سيما إذا اقترن بذلك عزم العبد على ترك المعاودة وعلم الله ذلك من داخل قلبه وسويدائه فإنه لا يختلف عن الرحمة فإذا علمت تلك النفوس الخبيثة أن العذاب أولى لها وأنه لا يليق بها سواه ولا تصلح إلا له فقد ذابت تلك الخبائث وتلاشت وتبدلت وبذل وانكسار وثناء على رب العالمين تبارك وتعالى لم يكن في حكمته أن يستمر العذاب بعد ذلك إذ قد تبدل شرها / صفحة 134 / بخيرها وشركها بتوحيدها حديث وكبرها بخضوعها عند وذلها وأقول قال الله تعالى مخبرا عن المشركين واعترافهم المذكور وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير الملك 10 و 11 فهذا نص في اعترافهم الإعتراف الحقيقي فإنه لا يطلق تعالى على ما ليس باعتراف أنه اعتراف ثم قال فسحقا لأصحاب السعير أي بعدا لهم عن الرحمة والإغاثة والغفران فهذا نص في وجه هذا القول الذي قاله تظننا وقال تعالى لما قالوا وهم في دركات النار أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون المؤمنون 107 فاعترفوا بظلمهم وأخبروا عن عزيمتهم أنهم لا يعودون أي إن عدنا إلى ما كنا فيه من الكفر والتكذيب كما يفيده لفظ العود ولم يجب عليهم تعالى إلا بقوله اخسئوا فيها ولا تكلمون المؤمنون 108 وأخرج الترمذي والبيهقي من حديث أبي الدرداء مرفوعا وفيه إن أهل النار ينادون خزنة جهنم ثم يدعون مالكا ثم يقولون / صفحة 135 / ادعوا ربكم فلا أحد خير من ربكم فيقولون ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون المؤمنون 106 - 107 فيجيب عليهم الرب اخسئوا فيها ولا تكلمون المؤمنون 108 فعند ذلك يئسوا من كل خير وعند ذلك أخذوا في فير
.................................................. ..........
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/348)
- إبطال أدلة فناء النار- محمد بن إسماعيل الصنعاني ص 135:
والشهيق والويل ثم يقال وقد قال الله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء في آيتين من سورة النساء 48 و 116 وهو غير مقيد بزمان ولا حال فيجب الوقوف والتسليم في هذا المقام والاعتراف بالعجز عن إدراك حكمة الحكيم العلام فكيف يقول شيخ الإسلام لم يكن في حكمته أن يستمر بها العذاب وأين للعقول الاطلاع على أسرار حكمته وكيف لها / صفحة 136 / الوصول إلى معرفة عجائب ملكوته وجبروته ثم أخذ شيخ الإسلام يستدل بأحاديث آخر الناس خروجا من النار وأحاديث أدنى الناس منزلة في الجنة وهي أحاديث واضحة في عصاة الموحدين ولا حاجة إلى سردها فهي معروفة في محالها ثم قال مستدلا على مدعاه أنه تعالى يخبر عن العذاب أنه عذاب يوم عقيم ووعذاب يوم عظيم وعذاب يوم أليم الزخرف 65 ولا يخبر عن النعيم أنه نعيم يوم ولا في موضع واحد وأقول ورد عذاب يوم عظيم في قصة صالح في قوله لقومه ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم الشعراء 156 والمراد به اليوم الذي أخذهم فيه العذاب بالدنيا وهو العقاب / صفحة 137 / القريب الذي أوعدهم به في قوله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب هود 64 قال تعالى فلما جاء امرنا نجينا صالحا إلى قوله ومن خزي يومئذ هود 66 أي يوم أخذهم العذاب العظيم القريب فهو يوم من أيام الدنيا وورد عذاب يوم عظيم في قصة شعيب فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم الشعراء 189 وورد عذاب يوم عقيم في قوله تعالى ولا يزال الذين كفروا في مرية منه الآية إلى قوله أو يأتيهم عذاب يوم عقيم الحج 55 وفسر بيوم بدر كما أخرجه ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس وأخرجه أيضا ابن مردويه عن أبي بن كعب وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن ابي حاتم عن سعيد بن جبير واخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة فهذه كلها من أيام الدنيا وهب أنه ورد ذلك في صفة عذاب الآخرة فإنه قد ثبت بنص القرآن أنهم لابثون فيها أحقابا والحقب كما ذكره ابن تيمية في هذه المسألة خمسون ألف سنة قال أخرجه الطبراني من / صفحة 138 / حديث أبي أمامة مرفوعا والأحقاب جمع وأقله ثلاثة يعني مائة ألف سنة وخمسين ألف سنة هذا وقد رد في أهل الجنة إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون يس 55 وهذا تقييد لنعيمهم لأنه وكونهم فاكهين والفاكهة المتنعم المتلذذ ومعلوم أنهم في شغل فاكهون أبدا الآباد وقال تعالى يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الزخرف 68 فإن قيل اراد به مبدء زوال الخوف والحزن قلنا كذلك عذاب يوم أريد به مبدأه وحينئذ فلا دليل بالتقييد مطلق الزمان فمن ايام الآخرة ليس لها قيد به من نعيم ولا عذاب بل أريد به مطلق الزمان فإن أيام الآخرة ليس لها مقدار فمتى أطلق اليوم أطلقه على مطلق المدة هذا يوم لا / صفحة 139 / ينطقون المرسلات 35 هذا يوم الفصل الصافات 21 هذا يومكم الذي كنتم توعدون الأنبياء 103 اليوم نختم على أفواههم يس 65 إني جزيتهم اليوم بما صبروا المؤمنون 111 وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون الحج 47 في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة المعراج 4 فليس المراد من الجميع اليوم المعروف للمقدار المذكور قطعا ومن اطلاقه على مطلق المدة قوله في قصة عاد انى اخاف عليكم عذاب يوم عظيم (الشعراء 135 أخبرنا) ثم يبينه في (الحاقة) بقوله واما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية الى قوله ثمانية ايام حسوما (6 و 7) فهذا تفسير لليوم العظيم بأيام وليالي وبهذا يعلم ضرورة أنه إذا أطلق اليوم في تقييد الأمور الأخروية علم يقينا انه مطلق الزمان ولا تحديد له ولا تعيين ولا نهاية إلا بدليل وقد كان أعجبني استدلاله بما ذكر من تقييد عذاب الآخرة باليوم في آيات وعدم تقييد نعيم الجنة ولا في آية فلما حققته وجدته لا شئ نفيا وإثباتا أما إثباتا فإنه ما ثم دليل على مدعاه وأما نفيا فإنك قد سمعت ما سقناه من تقييد نعيم أهل الجنة فاليوم كما قال الله في الجنة ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود ق 34 انتهى / صفحة 140 / وق انتهى إلى هنا ما اجلب إليه شيخ الإسلام من خيل الأدلة ورجلها وكثيرها وقلها ودقها وجلها وأجرى فيها قلمه ونشر فيها علمه وأتى بكل ما قدر عليه من قال وقيل واستنفر كل قبيل وجيل وسردها تلميذه ابن قيم الجوزية وقال في
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/349)
آخرها هذه نهاية أقدام الفريقين في هذه المسألة ولعلك لا تظفر بها في غير هذا الكتاب قلت وقد سقنا أدلته النظرية والأثرية يا ولم نترك منها إلا ما كان مكررا وتكلمنا على تفصيلها وتجميلها لو بما هدانا الله إليه وله الحمد من غير عصبية مذهبية ولا متابعة أشعرية ولا معتزلية بل بما أشهدتنا أنوار الأدلة واعلم أن هذه المسألة التي أتى بها شيخ الإسلام هي فرع عن مسألة خلق الأشقياء التي حار فيها أرباب النوى وتحير فيها فرسان الأذكياء وترددت حولها أذهان الفطانا يكون وتفرع عنها أقوال اقشعرت منها جلود الأمة الفضلاء طائفة
ص 140:
أوهم الجهل بذلك إلى الإقدام على نفي حكمة الله في أقواله وهم غلاة الأشعرية وأخطأوا في ذلك ورد عليهم الأئمة الأعلام من أهل مذهبهم وغيرهم من علماء الأنام وآخر من بين ما / صفحة 141 / في كلامهم من الاختلال وما في نفيهم الحكمة من الداء العضال المحقق العلامة نزيل حرم الله صالح بن مهدي المقبلي في كتابه العلم الشامخ ولواحقه وفي أبحاثه المسددة ونقلت كلامه ورددت عليه في إيقاظ الفكرة وطائفة أقدموا على أن الله ليس بقادر على هداية الكافر لأنه خلق على هيئة لا يقبل اللطف معهما وهم غلاة المعتزلة وقد رد عليهم الأئمة من أهل التحقيق وأبانوا أنه قول بالقبول غير حقيق وأن فيه من الشناعة والبشاعة ما لا يليق وأما ابن تيمية ومن تابعه فأثبتوا الحكمة وعموم قدرة الله على كل شئ وقال بما سمعت من فناء النار وأنه تعالى خلق الأشقياء ليتفضل عليهم بعفوه ورحمته ولقد أصاب بإثبات الأمرين الذين نفاهما غيره ولكنه غير وجه الحكم وحكم بفناء النار ولم ينهض له دليل على ذلك كما عرفته وقد اشار السيد العلامة الكبير محمد بن إبراهيم الوزير إلى هذه الثلاثة الأقوال وإلى ما تفرع عليها من الدعاوي في إثبات الإجادة في الإرادة حيث قال / صفحة 142 / ولما أتى ذكر الخلود بناره على جوده في ذكره والجوازم تعاظم شأن الخلد في النار كل من تفكر في أسماء رب العوالم يشير إلى ما قاله ابن تيمية من أن صفاته تعالى من الرضا والرحمة صفتان ذاتيتان فلا منتهى لرضاه وأن سخطه وعذابه ليسا من صفات ذاته التي يستحيل انعكافه مع عنها كعلمه وحياته والعفو أحب إليه من الانتقام والرحمة أحب إليه من العقوبة والرضى أحب إليه من الغضب والفضل احب إليه من العدل ثم إن النعيم والثواب من مقتضى رحمته ومغفرته وبره وكرمه ولذلك يضيف ما ذكر إلى نفسه وأما العذاب والعقاب فإنهما من مخلوقاته ولذلك لا يسمى بالمعذب والمعاقب بل يفرق بينهما فيجعل هذا من أوصافه وهذا من مفعولاته من الآية الواحدة كقوله تعالى نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الأليم الحجر 49، 50 وقال إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم الأعراف 167 ومثلها في آخر الأنعام فما كان من مقتضى أسمائه وصفاته فإنه يدوم بدوامها ولا سيما إذا كان محبوبا له في أسمائه وصفاته وأما الشر وهو العذاب فلا يدخل في أسمائه / صفحة 143 / وصفاته وإن دخل في مفعولاته لحكمة إذا حصلت زال وفني بخلاف الخير فإنه سبحانه دائم المعروف ولا ينقطع معروفه أبدا على الدوام وليس من موجب أسمائه وصفاته أنه لم يزل معاقبا على الدوام غضبان على الدوام فتأمل هذا تأمل فقيه في اسماء الله فإنه يتضح لك باب من أبواب معرفته ومحبته ثم اشار السيد محمد إلى ما تفرع من معارضته ما يفيده صفات جوده وفضله وما صرح به من خلود الكفار فأشار إلى الوعيد بقوله فمن قائل بالخلد من أجل كثرة ال وعيد به في المنزلات القواصم وذلك لأنهم حكموا بعموم الخلود لمن دخل النار من عصاة الموحدين والكفار والمسألة مبسوطة في علم الكلام وما لها وعليها مما اثاره المحققون الأعلام وأشار إلى من قال بالتخصيص لآيات الخلود بقوله ومن قائل أن الخصوص مقدم وساعده أسماء أحكم حاكم / صفحة 144 / فإنه أشار إلى من قال إن الأحاديث الواردة في سعة رحمة الله وصفاته تعالى من أنه أرحم الراحمين وورود آية الاستثناء تخصص آيات الوعيد وأراد بهذا البيت ما تشتمل عليه مقالة ابن تيمية إذ هي عائدة إلى القول بتخصيص آيات الوعيد بالخلود ويبعد فناء النار كما دل عليه قوله وثالثها المنصور يرجى لمسلم ومن عاند الإسلام ليس بسالم فإنه أراد أن ثالث الأقوال في المسألة التفصيل وهو أن التخصيص من الوعيد يرجى للمسلم ومن عاند الإسلام وهم الكفار فلا يشمله التخصيص من الوعيد وإن قصرت عبارته عن هذا الحكم لعدم مساعدة النظم فهو مراده فجعل الأقوال ثلاثة بقاء الوعيد على عمومه من غير تخصيص عصاة الموحدين والكفار تخصيص الموحدين لا غير وهذا هو الذي سبق عن ابن عباس في تفسير آية هود ثم قال مشيرا إلى منشأ مقالة كل من القائلين وان الحاصل له المحافظة على قاعدة تعود إلى تعظيم الله جل وعلا قوله فمن قاصد تعظيمه لو رعى له من الجبروت الحق عز التعاظم / صفحة 145 / فهذه إشارة إلى الوعيدية وأنهم قصدوا بالقول بالتخليد في النار لكل من دخلها تنزيه الله عن خلف الوعد الذي أفاده قوله ما يبدل القول لدي (ق: 29) ونحوه اشار إلى منشأ ما ذهب
تمت.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/350)
ـ[أبومعاذ النجدي]ــــــــ[13 - 04 - 03, 02:59 ص]ـ
أحسنت على الموضع أجدت وأفدت.
ـ[أبوعمير الحلبي]ــــــــ[17 - 02 - 06, 09:43 ص]ـ
أوصيك بقراءة كتاب (رفع الأستار عن أدلة القائلين بفناء النار) بتحقيق الألباني فإن للألباني فيها مقدمة نافعة. سددك الله.
ـ[أبومعاذ النجدي]ــــــــ[06 - 01 - 07, 04:34 م]ـ
وللفائدة رد فضيلة الشيخ المحديث سليمان العلوان على فضيلة الشيخ الزاهد عبد الكريم الحميد في كتابه: (تنبيه المختار على عدم صحة القول بفناء النار عن الصحابة الأخير)، على هذا الرابط:
http://saaid.net/Warathah/Al-Alwan/index.htm
ـ[فيصل]ــــــــ[07 - 01 - 07, 08:10 ص]ـ
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله
مسألة:
هل النار باقية؛ أو تفنى؟ ذكر بعض العلماء إجماع السلف على أنها تبقى، ولا تفنى؛ وذكر بعضهم خلافاً عن بعض السلف أنها تفنى؛ والصواب أنها تبقى أبد الآبدين؛ والدليل على هذا من كتاب الله عزّ وجلّ في ثلاث آيات من القرآن: في سورة النساء، وسورة الأحزاب، وسورة الجن؛ فأما الآية التي في النساء فهي قوله تعالى: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً * إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً} [النساء: 168، 169]؛ والتي في سورة الأحزاب قوله تعالى: {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً * خالدين فيها أبداً} [الأحزاب: 64، 65]؛ والتي في سورة الجن قوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً} [الجن: 23]؛ وليس بعد كلام الله كلام؛ حتى إني أذكر تعليقاً لشيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله على كتاب "شفاء العليل" لابن القيم؛ ذكر أن هذا من باب: "لكل جواد كبوة؛ ولكل صارم نبوة". وهو صحيح؛ كيف إن المؤلف رحمه الله يستدل بهذه الأدلة على القول بفناء النار مع أن الأمر فيها واضح؟! غريب على ابن القيم رحمه الله أنه يسوق الأدلة بهذه القوة للقول بأن النار تفنى! وعلى كل حال، كما قال شيخنا في هذه المسألة: "لكل جواد كبوة؛ ولكل صارم نبوة"؛ والصواب الذي لا شك فيه. وهو عندي مقطوع به. أن النار باقية أبد الآبدين؛ لأنه إذا كان يخلد فيها تخليداً أبدياً لزم أن تكون هي مؤبدة؛ لأن ساكن الدار إذا كان سكونه أبدياً لابد أن تكون الدار أيضاً أبدية ..
وأما قوله تعالى في أصحاب النار: {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} [هود: 107] فهي كقوله تعالى في أصحاب الجنة: {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} [هود: 108] لكن لما كان أهل الجنة نعيمهم، وثوابهم فضلاً ومنَّة، بيَّن أن هذا الفضل غير منقطع، فقال تعالى: {عطاءً غير مجذوذ} [هود: 108]؛ ولما كان عذاب أهل النار من باب العدل، والسلطان المطلق للرب عزّ وجلّ قال تعالى في آخر الآية: {إن ربك فعال لما يريد} [هود: 107]؛ وليس المعنى: {إن ربك فعال لما يريد} [هود: 107] أنه سوف يخرجه من النار، أو سوف يُفني النار ..
http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_16812.shtml
وهنا فتوى أخرى له:
http://www.islamtoday.net/questions/show_question_*******.cfm?id=11864
وهنا بحث وجدته عن تحقيق نسبة القول بفناء النار لابن تيميه وابن القيم:
http://www.islamlight.net/index.php?option=com_remository&Itemid=29&func=counter&filecatid=140
والكتب والأبحاث كثيرة في هذا كثيرة لكن هناك بحث قوي للغاية لا أستحضر من كتبه الآن، وحقه أن يوضع في الشبكة، فإن رجعت لمكتبتي إن شاء الله أتيت باسمه
ـ[مجاهد بن رزين]ــــــــ[07 - 01 - 07, 03:25 م]ـ
السلام عليكم
هناك كتاب عنوانه يدافع عن ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله من اتهامهم بالقول بفناء النار ولن أستحضر اسمه فإذا بحثته في google ولعلك تجده
الأخ السريلكني
mujahidhuzaim@yahoo.com
ـ[مجاهد بن رزين]ــــــــ[07 - 01 - 07, 04:01 م]ـ
السلام عليكم
وهذا ذاك الكتاب للشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله اضغط الرابط وهذا الكتاب غير الذي في الرابط الأعلى
http://up.9q9q.net/up/index.php?f=JiHvSR33X
الأخ السريلكني
mujahidhuzaim@yahoo.com(24/351)
الجامع حول الإرجاء ومسائل الكفر والإيمان
ـ[عبدالله بن عبدالرحمن]ــــــــ[12 - 04 - 03, 07:21 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فقد اطلعت على رد الأخ الشيخ محمد بن سالم الدوسري على الأخ: الشيخ: علي بن حسن الحلبي في اعتراضاته على فتوى اللجنة الدائمة في موضوع الإرجاء أقول:
أولا: قد أجاد الشيخ محمد في ذلك الرد حيث استدرك على الشيخ علي بن حسن كثيراً مما فاته نقله عن أهل العلم الذين استند إلى أقوالهم وأما التشكيك في فتوى اللجنة فلا مجال له لأنها صدرت باتفاق الأعضاء وتوقيعاتهم.
ثانيا: على الشيخ علي حسن وإخوانه لما كانوا ينتسبون إلى السلف في مسألة الإيمان أن يكتفوا بما كتبه السلف في هذه المسألة ففيه الكفاية فلا حاجة إلى كتابات جديدة تبلبل الأفكار وتكون موضعاً للأخذ والرد في مثل هذه المسألة العظيمة فالفتنة نائمة لايجوز إيقاظها لئلا يكون ذلك مدخل لأهل الشر والفساد بين أهل السنة.
ثالثا: على الأخ الشيخ علي بن حسن إذا كان ولابد من نقل كلام أهل العلم أن يستوفى النقل من أوله إلى آخره ويجمع كلام العالم في المسألة من مختلف كتبه حتى يتضح مقصوده ويرد بعض كلامه إلى بعض ولا يكتفي بنقل طرف ويترك الطرف الآخر لأن هذا يسبب سوء الفهم وأن ينسب إلى العالم مالم يقصده.
وختاماً أسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه
صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد: فقد قرأت هذه الرسالة المسماة بـ (رفع اللائمة عن فتوى اللجنة الدائمة) للأخ الفاضل الشيخ محمد بن سالم الدوسري، وفقه الله، وموضوعها: الرد على الأخ الشيخ: علي حسن عبدالحميد/ في اعتراضاته ورده على فتوى اللجنة الدائمة، في المملكة العربية السعودية في مسألة الإرجاء في كتابيه: " صيحة نذير " و " التحذير من فتنة التكفير "، وذلك أن اللجنة الدائمة بينت على سبيل الإجمال ما تضمنه هذان الكتابان من أخطاء في مسائل الإيمان والتكفير، وفي نقله لكلام أهل العلم نقلا مبتورا، ليستدل به على ما ذهب إليه من أن الإيمان لا يكون إلا بالقلب، والكفر لا يكون إلا بالاعتقاد والتكذيب والاستحلال.
ولقد أجاد الشيخ محمد الدوسري في تتبعه لأخطاء علي حسن عبدالحميد، وبين وفقه الله ما قرره أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان ومسمى الكفر، وأن الإيمان يكون بالقلب وباللسان وبالجوارح، وأن الكفر يكون بالقول وبالفعل وبالاعتقاد وبالشك.
ولقد حاول الشيخ علي حسن عبدالحميد أن يستدل بأقوال أهل العلم - لكن بعد بترها – لمذهب المرجئة من أن الإيمان لا يكون إلا بالقلب، وأن الكفر لا يكون إلا بالقلب، وهو مذهب باطل مخالف لنصوص الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة وأهل العلم.
فالواجب على الأخ علي حسن عبدالحميد أن يرجع إلى الحق فيقبله، وأن يكتب رسالة يوضح فيها رجوعه إلى مذهب أهل السنة والجماعة، فالرجوع إلى الحق فضيلة، (وقل الحق ولو على نفسك) (وقل الحق ولو كان مرا) والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وما زال العلماء قديماً وحديثاً يقبلون الحق ويرجعون إليه، ويُعد ذلك من فضائلهم وعلمهم وورعهم، وقد قال عمر بن الخطاب ? في الكتاب الذي كتبه لأبي موسى الأشعري ? في القضاء (ولا يمنعنك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه رأيك وهديت فيه إلى رشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل).
ولو رجع الأخ علي حسن عبدالحميد: إلى مذهب أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان ومسمى الكفر، وأن كلاً منهما يكون بالاعتقاد وبالقول وبالفعل، لكان ذلك دليلاً على فضله وعلمه وورعه في قبوله للحق، وإقتدائه بالأئمة والعلماء، ولكان في رجوعه قطعاً لدابر هذه الفتنة – فتنة الإرجاء – التي استشرى ضررها، وانتشر شررها في أوساط الشباب، وأحدثت لكثير منهم بلبلة في أذهانهم وتشكيكاً في اعتقادهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/352)
أسأل الله تعالى أن يوفق الأخ علي حسن عبدالحميد للرجوع إلى الصواب، وقبول الحق، ونشر معتقد أهل السنة والجماعة في مسائل الإيمان والكفر، بما آتاه الله من فصاحة وبلاغة وقوة وتأثير في الأسلوب.
وأسأل الله تعالى للأخ محمد بن سالم الدوسري التوفيق والسداد، وأن ينفع بهذا الرد الذي كتبه، وأن ينفع بكتاباته وردوده، وأن يجعله مباركاً أينما كان، وأن يزيل برده هذا اللبس الذي حصل لبعض الناس في هذه المسألة.
وأسأل الله لي ولأخواني طلبة العلم، العلم النافع والعمل الصالح، والثبات على الحق، ولزوم معتقد أهل السنة والجماعة في مسائل الدين والإيمان والإسلام جليّها وخفيّها، وأن يتوفانا على الإسلام، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبدالله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
قاله وكتبه
عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
20/ 5 / 1422هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، وصلوات الله وسلامه على عبده المصطفى: نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أهل الوفا، أما بعد:
فقد أصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء – زادها الله توفيقاً وهدى – فتواها رقم 21517 وتاريخ 14/ 6/1421هـ بشأن كتابي الأخ علي بن حسن بن عبدالحميد الحلبي "التحذير من فتنه التكفير" و " صيحة نذير" وبيّنت على سبيل الإيجاز والإشارة ما تضمنه هذان الكتابان من أخطاء في مسائل الإيمان، وتركت التفصيل؛ لأن هذا جاء على سبيل الفتوى، لا على سبيل الردّ والنقض.
وكان الأولى بمثله الإذعان للحق، وهو يعلم أن من صدرت منهم الفتوى علماء أجلاّء أكثر منه علماً، وأكبر منه سنّاً، وأقدم منه في معرفة العقيدة فلو أنه كتب في ذلك كتاباً يشكرهم فيه، ويدعو لهم، ويعلن فيه رجوعه عن تلك الأخطاء؛ لقطع دابر الفتنة، ولأكْبَرَ ذلك الموقف منه الكبير والصغير، ولكنه ضد ذلك فعل، فقد بادر بالردّ على اللجنة ردًّا يعلق فيه أخطاءه بغيره، متنصِّلاً من تبَِعَاتِ ما خطَّته أناملُه في هذين الكتابين، مردداً هذه العبارات ومثيلاتها: (هو كلام فلان، وليس فيه من كلامي أدنى شيء)، (ليس في كتابَّي المذكورين البحث في هذه المسألة مطلقاً)، (فأين موضع الاعتراض وملحظ النقد والانتقاد؟!)، (فأين الحصر؟! وأين موضع النقد؟!)، (فأين الحصر وكيف كان سبيله؟!)، (فأين التحريف؟!)، (فماذا يفهم من هذه النصوص؟! وأين التقوُّلُ على شيخ الإسلام في تعليقي عليها، وليس هو إلا تلخيصاً لها وضبطاً لأصولها؟!)، (فأين التقوُّلُ والكلام هو الكلام؟!)، (فإن كان ثمَّةَ مناقشة أو مؤاخذة فعليه رحمه الله لا على الناقل عنه)، (فأين التعليق؟! و أين التحميل؟!) (فليس هو من كلامي أصلاً!)، (فأين التحميل؟! أين التحميل؟!)، (فأين التهوين؟! أين التهوين؟!). . .، إلخ ما هنالك من عباراته المزوَّقة دائماً بعلامات الاستفهام والتعجب التي يملأ بها مؤلفاته، بحيث أصبحت علماً عليه، ولم أقرأ لأحد ممن ألف من يحشد هذه العلامات كحشده، وهي علامات الانفعال كما هو معلوم في عرف المؤلفين والمحققين.
والمهم من هذا كله: أن من يقرأ ردَّه هذا، ولم يتبيَّن حقيقة الأمر، قد يغتّر بأسلوبه في الردّ، وبراعته في الألفاظ، وأسلوبه في التمويه، فيشك في مصداقية اللجنة، ويتهمها بالتقوُّل عليه، وظلمه، وبهتانه، وهذا الذي يرمي إليه بكتابته هذه، بحيث أصبحنا نسمع من يعدّ هذه الفتوى صدرت من واحد بعينه من أعضاء اللجنة، وصدّق عليها الباقون بلا معرفة ولا رويَّة!! دَعْكَ من أعوانه ومن على شاكلته، فإن الأمر قد تعدّاهم إلى بعض الفضلاء، وبعض أهل العلم من هذا البلد! فإذا اهتزّت ثقة الناس بعلمائهم إلى هذا الحدّ، فبمن تكون الثقة؟! ولو كان منصفاً لنظر إلى هذه المفسدة على الأقل، ولم ينتصر لنفسه، وإن كان يرى أنه على الحق، فمصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/353)
وهذه الرسالة - (رفع اللائمة عن فتوى اللجنة الدائمة) – التي كتبها أخونا الفاضل الشيخ / محمد بن سالم الدوسري – حفظه الله – جاءت لتضع النقاط على الحروف؛ إشفاقاً على من أحسن الظن برد الأخ علي الحلبي، ورأى أن اللجنة قد تعدّت عليه، وكشفاً للتمويه الذي يحسنه الأخ المذكور.
فمن ذلك على سبيل المثال: نقله لعبارات بعض الأئمة التي يفهم منها حصر الكفر في الاعتقاد، فيسوقها مستدلاً بها، ويترك كلام هذا الإمام في مواطن كثيرة من كتبه، وفيه ما يزيل اللبس الذي قد يعلق من الاقتصار على تلك العبارة فقط.
ومن ذلك: تسويده دائماً لكل كلمة أو عبارة يرد فيها ذكر الاعتقاد أو الجحود أو نحوهما من العبارات التي يستدل بها على أن الكفر لا يكون إلا بالجحود والاعتقاد، ويحاول التمويه على الناس بنسبة ذلك لبعض الأئمة،فينقل عبارة الإمام التي يتحدث فيها عن أن الكفر يكون بالعمل، ويكون بالجحود والعناد، فيكتب العمل بالخط العادي، ويكتب الجحود والعناد بالخط المسوَّد جداً، وهذا له أثره على القارئ كما هو معلوم، ثم بعد ذلك يزعم أنه مجرّد ناقل لكلام الأئمة، وليس له في هذا النقل أدنى شيء! فهَلاّ ترك كلام الأئمة – إذ نَقَلَه – على حاله؟ وهَلاّ نَقَلَ كلامه كله سواء كان له أو عليه؟ ورحم الله عبدالرحمن بن مهدي حيث يقول: (أهل السنة يكتبون مالهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم) (1) ومخالفة الأخ علي الحلبي لأهل السنة في بعض مسائل الإيمان معروفة عنه منذ قيامه على طبع كتاب مراد شكري "إحكام التقرير لأحكام مسألة التكفير"، وسعيه في نشره، وإن اجتهد في تبرئة ساحته منه بعد صدور قرار اللجنة الدائمة بشأنه، وقد بيَّنْتُ له - بمحضر من الاخوة آنذاك - تحمُّلَه تبعةَ الكتاب وأن عليه أن يعلن بكل وضوح رأيه في تلك المسائل التي تضمنها الكتاب، وأن يدع عنه التدليس على الناس، فوعدَ ولم يَفِ.
ولا أريد قطعك - أخي القارئ – عن هذه الرسالة التي دلّت على أن اللجنة الدائمة الموفَّقة ما ذكرت شيئاً في فتواها المذكورة إلا وله وجود في كتابَي الأخ علي الحلبي، فهمه من فهمه، وجهله من جهله، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه
سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز آل حميِّد
في 6/ 4 / 1422 هـ
ـ[عبدالله بن عبدالرحمن]ــــــــ[12 - 04 - 03, 07:24 م]ـ
أسئلة وأجوبة
في
الإيمان والكفر
لفضيلة الشيخ
عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
الأستاذ المشارك بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه أما بعد:
فقد أذنت بطباعة هذه الأسئلة والأجوبة بعد قراءتها، رجاء أن ينفع الله بها والله الموفق.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
المؤلف
عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
22/ 3 / 1422هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه ........ أما بعد:
فهذه بعض الأسئلة التي عرضت على فضيلة الشيخ / عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي –حفظه الله – في مسائل الإيمان والكفر وأجاب عليها بهذه الأجوبة نسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها في موازين حسناته.
السؤال الأول:
بم يكون الكفر الأكبر أو الردة؟ هل هو خاص بالاعتقاد والجحود والتكذيب أم هو أعم من ذلك؟
فقال الشيخ غفر الله له:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبدالله ورسوله نبينا وإمامنا وقائدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ........ أما بعد:
فإن الكفر والردة – والعياذ بالله – تكون بأمورٍ عدة:
- فتكون بجحود الأمر المعلوم من الدين بالضرورة.
- وتكون بفعل الكفر.
- وبقول الكفر.
- وبالترك والإعراض عن دين الله ?.
فيكون الكفر بالاعتقاد كما لو اعتقد لله صاحبة ًأو ولداً أو اعتقد أن الله له شريك في الملك أو أن الله معه مدبرٌ في هذا الكون أو اعتقد أن أحداً يشارك الله في أسمائه أو صفاته أو أفعاله أو اعتقد أن أحداً يستحق العبادة غير الله أو اعتقد أن لله شريكاً في الربوبية فإنه يكفر بهذا الاعتقاد كفراً أكبر مخرجاً من الملة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/354)
ويكون الكفر بالفعل كما لو سجد للصنم أو فعل السحر أو فعل أي نوع من أنواع الشرك كأن دعا غير الله أو ذبح لغير الله أو نذر لغير الله أو طاف بغير بيت الله تقرباً لذلك الغير فالكفر يكون بالفعل كما يكون بالقول.
•ويكون الكفر بالقول كما لو سب الله أو سب رسوله ? أو سب دين الإسلام أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله ? أو بدينه، قال الله تعالى في جماعة في غزوة تبوك استهزؤوا بالنبي ? وبأصحابه: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُم ْ) فأثبت لهم الكفر بعد الإيمان فدل على أن الكفر يكون بالفعل كما يكون بالاعتقاد ويكون بالقول أيضاً كما سبق في الآية فإن هؤلاء كفروا بالقول.
• ويكون الكفر بالجحود والاعتقاد وهما شيء واحد وقد يكون بينهما فرق فالجحود كأن يجحد أمراًَ معلوماً من الدين بالضرورة كأن يجحد ربوبية الله أو يجحد ألوهية الله أو استحقاقه للعبادة أو يجحد ملكاً من الملائكة أو يجحد رسولاً من الرسل أو كتاباً من الكتب المنزلة أو يجحد البعث أو الجنة أو النار أو الجزاء أو الحساب أو ينكر وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب الحج أو وجوب الصوم أو يجحد وجوب بر الوالدين أو وجوب صلة الرحم أو غير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة وجوبه أو يجحد تحريم الزنا أو تحريم الربا أو تحريم شرب الخمر أو تحريم عقوق الوالدين أو تحريم قطيعة الرحم أو تحريم الرشوة أو غير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة تحريمه.
• ويكون الكفر بالإعراض عن دين الله والترك والرفض لدين الله كأن يرفض دين الله بأن يعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعبد الله فيكفر بهذا الإعراض والترك قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) وقال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ).
فالكفر يكون بالاعتقاد ويكون بالجحود ويكون بالفعل ويكون بالقول ويكون بالإعراض والترك والرفض.
ومن أُكره على التكلم بكلمة الكفر أو على فعل الكفر فإنه يكون معذوراً إذا كان الإكراه ملجئاً كأن يُكرهه إنسان قادر على إيقاع القتل به فيهدده بالقتل وهو قادر أو يضع السيف على رقبته فإنه يكون معذوراً في هذه الحالة إذا فعل الكفر أو تكلم بكلمة الكفر بشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان، أما إذا اطمئن قلبه بالكفر فإنه يكفر حتى مع الإكراه نسأل الله السلامة والعافية.
فالذي يفعل الكفر له خمس حالات:
1 - إذا فعل الكفر جاداً فهذا يكفر.
2 - إذا فعل الكفر هازلاً فهذا يكفر.
3 - إذا فعل الكفر خائفاً فهذا يكفر.
4 - إذا فعل الكفر مكرهاً واطمئن قلبه بالكفر فهذا يكفر.
5 - إذا فعل الكفر مكرهاً واطمئن قلبه بالإيمان فهذا لا يكفر لقول الله تعالى (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ@ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).
السؤال الثاني:
هناك من يقول: (الإيمان قول وعمل واعتقاد لكن العمل شرط كمال فيه)، ويقول أيضاً: (لا كفر إلا باعتقاد)، فهل هذا القول من أقوال أهل السنة أم لا؟
الجواب:
ليست هذه الأقوال من أقوال أهل السنة، أهل السنة يقولون: الإيمان هو قول باللسان وقول بالقلب وعمل بالجوارح وعمل بالقلب، ومن أقوالهم: الإيمان قول وعمل؛ ومن أقوالهم: الإيمان قول وعمل ونية، فالإيمان لابد أن يكون بهذه الأمور الأربعة:
1 - قول اللسان وهو النطق باللسان.
2 - قول القلب وهو الإقرار والتصديق.
3 - عمل القلب وهو النية والإخلاص.
4 - عمل الجوارح.
فالعمل جزء من أجزاء الإيمان الأربعة، فلا يقال: العمل شرط كمال أو أنه لازم له فإن هذه أقوال المرجئة، ولا نعلم لأهل السنة قولاً بأن العمل شرط كمال.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/355)
وكذا قول من قال: (لا كفر إلا باعتقاد) فهذا قول المرجئة، ومن أقوالهم: (الأعمال والأقوال دليلٌ على ما في القلب من الاعتقاد) وهذا باطل، بل نفس القول الكفري كفر ونفس العمل الكفري كفر كما مر في قول الله تعالى (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ@لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) أي: بهذه المقالة
السؤال الثالث:
هل الأعمال ركن في الإيمان وجزء منه أم هي شرط كمال فيه؟
الجواب:
الإيمان قول باللسان وقول بالقلب وعمل بالقلب وعمل بالجوارح كما سبق.
ولا يقال: إنها شرط كمال أو إنها خارجة عن الإيمان أو إنها لازم من لوازم الإيمان أو من مقتضى الإيمان أو هي دليل على الإيمان إذ كل هذه من أقوال المرجئة.
السؤال الرابع:
ما أقسام المرجئة؟ مع ذكر أقوالهم في مسائل الإيمان؟
الجواب:
المرجئة طائفتان:
الطائفة الأولى: المرجئة المحضة أو الغلاة وهم الجهمية وزعيمهم الجهم بن صفوان فإن الجهم بن صفوان اشتهر بأربع عقائد بدعية هي:
1 - عقيدة نفي الصفات وأخذها عنه الجهمية.
2 - عقيدة الإرجاء وأخذها عنه المرجئة.
3 - عقيدة الجبر – أي أن العبد مجبور على أعماله – وأخذها عنه الجبرية.
4 - عقيدة القول بفناء الجنة والنار.
فهذه أربع عقائد خبيثة اشتهر بها الجهم.
والمرجئة المحضة عقيدتهم في الإيمان أنه مجرد المعرفة، أي مجرد معرفة الرب بالقلب، فمن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن، ولا يكون الكفر إلا إذا جهل ربه بقلبه، وبهذا ألزمهم العلماء بأن إبليس مؤمن؛ لأنه يعرف ربه قال الله تعالى عن إبليس (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ويكون فرعون أيضاً مؤمن لأنه يعرف ربه بقلبه، قال تعالى عنه وعن قومه
(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)
وذكر ابن القيم – رحمه الله تعالى – في الكافية الشافية فصلاً طويلاً في بيان معتقد المرجئة المحضة وقال: إنه أخفى هذا مدة ثم أظهره وبيّن أن عقيدتهم مجرد معرفة الرب بالقلب وأنه لو فعل الأعمال الكفرية مع ذلك فلا تؤثر في إيمانه، فلو سبَّ الله أو سبَّ الرسول ? أو سبَّ دين الإسلام وقتل الأنبياء والمصلحين وهدم المساجد وفعل جميع المنكرات فلا يكفر ما دام يعرف ربه بقلبه وهذا هو أفسد قول قيل في تعريف الإيمان، وهو قول أبي الحسين الصالحي من القدرية.
ويليه في الفساد قول الكرّامية القائلين: بأن الإيمان هو النطق باللسان فقط، فمن شهد أن لا إله إلا الله بلسانه فإنه يكون مؤمناً ولو كان مكذباً بقلبه ويسمونه مؤمناً كامل الإيمان وإن كان مكذباً بقلبه فهو مخلد في النار فيلزمهم على هذا أن المؤمن الكامل الإيمان مخلدٌ في النار وهذا من أعظم الفساد وهو يلي قول الجهم في الفساد.
الطائفة الثانية: مرجئة الفقهاء وهم أهل الكوفة كأبي حنيفة – رحمه الله – وأصحابه وأول من قال بأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان هو حماد بن أبي سليما ن شيخ الإمام أبي حنيفة، وأبو حنيفة له روايتان في حد الإيمان:
الأولى: أنه تصديق القلب وقول اللسان، وهذه الرواية عليها أكثر أصحابه.
والثانية: أن الإيمان هو تصديق القلب فقط وأما قول اللسان فهو ركن زائد خارج عن مسمى الإيمان.
وعلى هذه الرواية يوافق قول الماتريدية أن الإيمان هو تصديق القلب فقط.
ولكن الأعمال مطلوبة عندهم كالصلاة والزكاة والصوم والحج فالواجبات واجبات والمحرمات محرمات ومن فعل الواجب فإنه يستحق الثواب والمدح ومن فعل الكبائر فإنه يستحق العقوبة ويقام عليه الحد، ولكن لا يسمونه إيماناً. يقولون:الإنسان عليه واجبان: واجب الإيمان وواجب العمل ولا يدخل أحدهما في مسمى الآخر.
وجمهور أهل السنة يقولون: العمل من الإيمان وهو جزء منه فالأعمال واجبة وهي من الإيمان، ومرجئة الفقهاء يقولون: الأعمال واجبة وليست من الإيمان، ولهذا قال من قال بأن الخلاف بينهم وبين جمهور أهل السنة خلاف لفظي، وقال بهذا شارح الطحاوية والصواب أنه ليس لفظياً.
السؤال الخامس:
هل خلاف أهل السنة مع مرجئة الفقهاء في أعمال القلوب أو الجوارح لفظيٌ أم معنوي؟
الجواب:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/356)
قال بعضهم إن الخلاف بين مرجئة الفقهاء وأهل السنة خلاف لفظي وقال بهذا شارح الطحاوية ابن أبي العز – رحمه الله – قال: إن الخلاف بين جمهور أهل السنة وأبي حنيفة وأصحابه خلاف لفظي والنزاع نزاع ٌ في أمرٍ اسمي لفظي لا يترتب عليه فسادٌ في الاعتقاد وقال: إن الدليل على أن الخلاف بينهم لفظي أن كلاً من الطائفتين يقولون: الأعمال واجبة وكلاً من الطائفتين يقولون: إن المسلم إذا فعل الواجبات أثيب عليها ومن ترك شيئاً من الواجبات أو فعل المحرمات فإنه يعاقب ويقام عليه الحد، ولكن النزاع بينهم في أنه هل هذا الواجب هو من الإيمان أو ليس بإيمان؟ قال بالأول جمهور أهل السنة وقال بالثاني أبو حنيفة وأصحابه ولكن عند التأمل والنظر لا يجد طالب العلم أن الخلاف لفظيٌ من جميع الوجوه، صحيح أنه لا يترتب عليه فساد في الاعتقاد لكن له آثار تترتب عليه، من هذه الآثار:
1 - أن جمهور أهل السنة وافقوا الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى فتأدبوا مع النصوص، ومرجئة الفقهاء وافقوا الكتاب والسنة معناً وخالفوهما لفظاً، ولا يجوز للمسلم أن يخالف النصوص لا لفظاً ولا معنى. قال الله تعال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ @ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ@ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً) فبين الله تعالى أن هذه الأعمال كلها من الإيمان، فوجل القلب عند ذكر الله هذا عمل قلبي، وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن عمل قلبي (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) عمل قلبي ويشمل أيضاً أعمال الجوارح من فعل الأسباب والإنفاق مما رزقهم الله، كل هذه الأشياء سماها إيماناً. وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وثبت في الصحيحين عن النبي ? أنه قال: (الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة) وفي رواية البخاري: (بضعٌ وستون شعبة فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان) فهذا من أقوى الأدلة في الرد على المرجئة فجعل النبي ? الإيمان بضعاً وسبعين شعبة ومثّل لقول اللسان بكلمة التوحيد على أنها من قول اللسان ومثّل لعمل الجوارح بإماطة الأذى عن الطريق ومثّل لعمل القلب بالحياء؛ لأن الحياء خلقٌ داخلي يحمل الإنسان على فعل المحامد وترك القبائح. فأعلى شعب الإيمان كلمة التوحيد وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وبينهما شعب متفاوتة منها ما يقرب من شعبة الشهادة ومنها ما يقرب من شعبة الإماطة، فالصلاة شعبة والحج شعبة والزكاة شعبة والصوم شعبة وبر الوالدين شعبة وصلة الأرحام شعبة والجهاد في سبيل الله شعبة والأمر بالمعروف شعبة والنهي عن المنكر شعبة والإحسان إلى الجار شعبة، إلى غير ذلك من الشعب، فهذه كلها أدخلها النبي ? في مسمى الإيمان فكيف يقال إن الأعمال خارجة عن مسمى الإيمان، وكذلك من أقوى الأدلة أيضاً على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان حديث وفد عبد القيس في الصحيحين وذلك أن وفد عبد القيس جاءوا إلى النبي ? فقالوا: يا رسول الله، إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر وإنا لن نخلص إليك إلا في الشهر الحرام فمرنا بأمر فصل نعمل به ونخبر به من ورائنا فقال ?: (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خُمس ما غنمتم) ففسر الإيمان بأعمال الجوارح وهذا دليل واضح صريح على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان. فجمهور أهل السنة تأدبوا مع النصوص وأدخلوا الأعمال في مسمى الإيمان ومرجئة الفقهاء وافقوا النصوص في المعنى لكن خالفوها في اللفظ ولا يجوز للإنسان مخالفة النصوص لا في
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/357)
اللفظ ولا في المعنى بل الواجب موافقة النصوص لفظاً ومعنى.
2 - أن خلاف مرجئة الفقهاء مع جمهور أهل السنة فتح باباً للمرجئة المحضة الغلاة فإن مرجئة الفقهاء لما قالوا: (إن الأعمال ليست من الإيمان وإن كانت واجبة) فتحوا باباً للمرجئة المحضة فقالوا: الأعمال ليست واجبة وليست مطلوبة ولهذا قال المرجئة المحضة: الصلاة والصوم والزكاة والحج هذه كلها ليست بواجبة ومن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن كامل الإيمان ويدخل الجنة من أول وهلة والأعمال ليست مطلوبة والذي فتح لهم الباب مرجئة الفقهاء.
3 - أن مرجئة الفقهاء باختلافهم مع جمهور أهل السنة فتحوا باباً للفُسَّاق والعصاة فدخلوا معه، فلما قال مرجئة الفقهاء: إن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص وهو التصديق وإيمان أهل الأرض وأهل السماء واحد؛ دخل الفساق فيأتي الفاسق السكير العربيد ويقول: أنا مؤمن كامل الإيمان؛ إيماني كإيمان جبريل وميكائيل وكإيمان أبي بكر وعمر، فإذا قيل له: كيف تقول إن إيمانك كإيمان أبي بكر وعمر وأبو بكر له أعمال عظيمة؟ قال: الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، أنا مصدِّق وأبو بكر مصدِّق، وجبريل مصدِّق وأنا مصدِّق فإيماني كإيمانهم، وهذا من أبطل الباطل، ولهذا جاء في الحديث: (لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح) والمراد ما عدا الرسل عليهم الصلاة والسلام، فكيف يقال إن الإيمان واحد وأن إيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد.
4 - مسألة الاستثناء في الإيمان وهو قول القائل: (أنا مؤمن إن شاء الله) فمرجئة الفقهاء يمنعون الاستثناء في الإيمان؛ لأن الإيمان شيء واحد هو التصديق، فيقولون: أنت تعلم أنك مصدِّق بالقلب فكيف تقول: أنا مؤمن إن شاء الله. إذاًََ أنت تشك في إيمانك، ولهذا يسمون المؤمنين الذين يستثنون في إيمانهم الشكَّاكة، فأنت تعلم في نفسك أنك مصدِّق كما تعلم أنك قرأت الفاتحة وكما تعلم أنك تحب الله ورسوله ? وتبغض اليهود فكيف تقول: إن شاء الله، بل قل: أنا مؤمن؛ اجزم ولا تشك في إيمانك. وأما جمهور أهل السنة فإنهم يفصِّلون فيقولون: إن قال القائل: (أنا مؤمن إن شاء الله) يقصد الشك في أصل إيمانه فهذا ممنوع؛ فأصل الإيمان التصديق، وأما إن نظر إلى الأعمال والواجبات التي أوجبها الله والمحرمات التي حرمها الله ورأى أن شعب الإيمان متعددة والواجبات كثيرة فالإنسان لا يزكِّي نفسه ولا يقول بأنه أدّى ما عليه؛ بل يتهم نفسه بالتقصير ويزري على نفسه فإذا قال: (أنا مؤمن إن شاء الله) فإن الاستثناء راجع إلى الأعمال، فهذا لا بأس به بل حسن أن يقول: إن شاء الله. وكذلك إذا أراد عدم علمه بالعاقبة وأن العاقبة لا يعلمها إلا الله فلا بأس بالاستثناء، وكذلك إذا أراد التبرك بذكر اسم الله فلا بأس.
فهذه من ثمرات الخلاف وإن كان لا يترتب عليه فساد في العقيدة ولكن هذه ثمرات
تدل على أن الخلاف ليس لفظياًََ.
السؤال السادس:
ما حكم من ترك جميع العمل الظاهر بالكلية وهو يقر بالشهادتين ويقر بالفرائض ولكنه لا يعمل شيئاً ألبته فهل هذا مسلم أم لا؟ علماً بأنه ليس له عذر شرعي يمنعه من القيام بتلك الفرائض؟
الجواب:
هذا لا يكون مؤمناً، فالذي يزعم أنه مصدِّق بقلبه ولا يقر بلسانه ولا يعمل؛ لا يتحقق إيمانه؛ لأن هذا إيمان كإيمان إبليس وكإيمان فرعون؛ لأن إبليس أيضاً مصدِّق بقلبه، قال الله تعالى (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) وفرعون وآل فرعون قال الله تعالى عنهم: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً) فهذا الإيمان والتصديق الذي في القلب لابد له من عمل يتحقق به فلابد أن يتحقق بالنطق باللسان ولابد أن يتحقق بالعمل؛ فلابد من تصديق وانقياد، وإذا انقاد قلبه بالإيمان فلابد أن تعمل الجوارح، أما أن يزعم أنه مصدِّق بقلبه ولا ينطق بلسانه ولا يعمل بجوارحه وهو قادر فأين الإيمان؟!! فلو كان التصديق تصديقاً تاماً وعنده إخلاص لأتى بالعمل، فلابد من عمل يتحقق به هذا التصديق وهذا الإيمان؛ والنصوص جاءت بهذا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/358)
كما أن الذي يعمل بجوارحه ويصلي ويصوم ويحج لابد لأعماله هذه من إيمان في الباطن وتصديق يصححها وإلا صارت كإسلام المنافقين؛ فإن المنافقين يعملون؛ يصلون مع النبي ? ويجاهدون ومع ذلك لم يكونوا مؤمنين؛ لأنه ليس عندهم إيمان وتصديق يصحح هذا العمل، فلابد من أمرين لصحة الإيمان:
- تصديق في الباطن يتحقق بالعمل.
- وعمل في الظاهر يصح بالتصديق.
أما تصديق في الباطن دون عمل فأين الدليل عليه؟ أين الذي يصححه؟ أين الانقياد؟.
لا يمكن أن يكون هناك تصديق صحيح لا يصلي صاحبه ولا ينطق بالشهادتين وهو يعلم ما أعد الله لمن نطق بالشهادتين ولمن تكلّم بكلمة التوحيد من الثواب، ولما أعدّ الله للمصلين من الثواب ولمن ترك الصلاة من العقاب، فلو كان عنده تصديق صحيح وإيمان صحيح لبعثه على العمل، فلو كان عنده تصديق صحيح وإيمان صحيح لأحرق الشبهات والشهوات؛ فترك الصلاة إنما يكون عن شبهة والمعاصي إنما تكون عن شهوة والإيمان الصادق يحرق هذه الشهوات والشبهات.
وهذا يدل على أن قلبه خالٍ من الإيمان الصحيح وإنما هو لفظ باللسان نطق به ولم يتجاوزه، وإلا لو كان عنده تصديق بقلبه أو إقرار بقلبه فقط ولم يتلفظ؛ فقول القلب لم يتجاوز إلى أعمال القلوب وإلى الانقياد فالمقصود أن الذي يزعم أنه مصدِّق بقلبه ولا يعمل بجوارحه هذا هو مذهب الجهمية.
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: يعسر التفريق بين المعرفة والتصديق المجرد. فيعسر التفريق بين المعرفة بالقلب والتصديق الذي ليس معه شيء من أعمال الجوارح؛ ويقول هذا هو إيمان الجهمية – نسأل الله العافية -. فالذي يزعم أنه مؤمن ولا ينطق بلسانه ولا يعمل بجوارحه مع قدرته هذا هو مذهب الجهمية، فلابد من عمل يتحقق به هذا التصديق كما أن الذي يعمل لابد له من تصديق في الباطن يصححه.
السؤال السابع:
هل تصح هذه المقولة: (أن من قال: الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص فقد برئ من الإرجاء كله حتى لو قال: لا كفر إلا باعتقاد وجحود)؟
الجواب:
المقولة الثانية تنقض المقولة الأولى فقوله: (الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص) هذا حق وهو قول أهل السنة والجماعة، لكن قوله بعد ذلك: (لا كفر إلا باعتقاد وجحود) هذا ينقض المقالة الأولى، فكما أن الإيمان يكون بالقول والعمل والاعتقاد فكذلك الكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد فلابد أن تصحح المقولة الثانية فتكون: (والكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد) أما بقاء هذه المقولة على حالها فإنها تنقض الأولى.
السؤال الثامن:
هل هذا القول صحيح أم لا: (أن سب الله وسب الرسول ? ليس بكفر في نفسه، ولكنه أمارة وعلامة على ما في القلب من الاستخفاف والاستهانة)؟
الجواب:
هذا القول ليس بصحيح، بل هو قول المرجئة وهو قول باطل، بل إن نفس السب كفر ونفس الاستهزاء كفر كما قال تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ @ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) فأثبت لهم الكفر بعد الإيمان بهذه المقالة ولم يقل إن كنتم تعتقدون في قلوبكم شيئاً، فالله تعالى أطلق الكفر عليهم بهذه المقالة، فدل على أن القول بأن كلام الكفر أو قول الكفر ليس بكفر بل هو علامة على ما في القلب هذا باطل، فالقلب لا يعلم ما فيه إلا الله تعالى والكفر يكون بالقلب ويكون بالقول ويكون بالعمل، والمقصود أن هذه المقالة تتمشى مع مذهب المرجئة.
السؤال التاسع:
ما حكم من يسب الله ورسوله ويسب الدين فإذا نُصح في هذا الأمر تعلَّل بالتكسب وطلب القوت والرزق، فهل هذا كافر أم هو مسلم يحتاج إلى تعزير وتعذيب؟ وهل يقال هنا بالتفريق بين السب والساب؟
الجواب:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/359)
لا أدري ما معنى التعلل بالتكسب وطلب القوت؟! إن كان المراد أنه إذا قيل له تعلَّم الدين يتعلَّل بالكسب، التعلُّم شيء آخر لكن الآن نحكم عليه بهذا السب ونقول: من سب الله أو سب رسوله ? أو سب الدين فإن هذا كفر باتفاق أهل السنة والجماعة، أما مسألة التعلل بالكسب وطلب القوت إذا قيل له تعلم دينك؛ فهذا التعلل باطل ويجب على الإنسان أن يتعلم ما يقيم به دينه؛ كما أنه يطلب الكسب والقوت فيجب عليه أن يتعلم دينه؛يتعلم ما يصح به إيمانه؛ يتعلم ما أوجب الله عليه من الاعتقاد الصحيح وأن الله مستحق للعبادة وحده؛ وما أوجب الله عليه من الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج، فهذا التعلل لا وجه له. فإذا قيل له: تعلَّم ما أوجب الله عليك أو اسأل العلماء عن مقالتك هل هي كفر أم غير كفر تعلل بالكسب فهذا باطل؛ لأن الكسب لا يمنع الإنسان من تعلم دينه وتعلم أن هذه المقالة كفرية أو يسأل عنها؛ لأن الكسب لا يأخذ وقتاًََ كثيراً والكسب له أوقات واسعة وليس هناك فرق بين السب والساب فنقول: من سب الله أو سب الرسول ? أو سب دينه فهو كافر والساب كافر؛ لأنه لا عذر له في هذا، والذي يعذر فيه إنما هي الكلمات التي فيها إيهام؛ فهذا الذي يفرق فيها بين المقالة والقائل فلو تكلم الإنسان بكلم موهمة أو كلمة يحتمل أن يكون لصاحبها عذر فهذا الذي يقال فيه بالفرق بين المقالة والقائل فيقال: المقالة كفرية والقائل لا يكفر إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع وقامت عليه الحجة؛ أما من سب الله وسب رسوله ? وسب دينه فهذا أمر واضح لا إشكال في كفره.
السؤال العاشر:
إذا سب الله أو سب رسوله ? أو سب الدين وتعلَّل بالتكسب والرزق؛ مقصوده المجاملة كأن يقول: إذا سببت الله سيأتيني الرزق والدنيا.
الجواب:
لا شك في كفر هذا؛ لأنه كما سبق أنه من فعل الكفر قاصداً وعامداً فإنه يكفر؛ ومن فعل الكفر هازلاً فإنه يكفر ومن فعله خائفاً فإنه يكفر؛ وإذا فعله لقصد المال فهذا كافر بنص الآية قال الله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) @ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ .... ) الآية.
فأخبر الله بأن لهم حظاً من الدنيا فقدَّموا حظ الدنيا، فالآية نصٌ في هذا الصنف من الناس وأنه إنما فعل الكفر تفضيلاًَ وإيثاراً للدنيا على الآخرة فيكون داخلاً في هذه الآية.
السؤال الحادي عشر:
ما هو القول فيمن نصب الأصنام والأضرحة والقبور وبنى عليها المساجد والمشاهد وأوقف عليها الرجال والأموال وجعل لها هيئات تشرف عليها ومكَّن الناس من عبادتها والطواف حولها ودعائها والذبح لها؟
الجواب:
هذا مشرك نسأل الله السلامة والعافية، فمن نصب الأصنام فهو مشرك وإذا أوقف عليها الأوقاف أو الأموال أو دافع عنها فيكون أيضاً كافر صادٌ عن سبيل الله فهذا جمع بين الكفرين؛ فعل الكفر بنفسه وصدَّ عن دين الله حينما جعل الأموال وأوقف الأوقاف ومنع الناس من دين الله وهو داخل في قوله تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ) وهذا من المفسدين في الأرض كفر بنفسه وصدَّ عن دين الله نسأل الله السلامة.
السؤال الثاني عشر:
هل تصح الصلاة خلف إمام يستغيث بالأموات ويطلب المدد منهم أم لا؟
الجواب:
هذا الرجل كافر، الذي يستغيث بالأموات ويطلب المدد منهم ويسألهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات هذا مشرك ولا تصح الصلاة خلفه والصلاة خلفه باطلة؛ ومن صلى خلفه ولم يعلم حاله فإنه إذا علم يعيد الصلاة وهذا بإجماع المسلمين أن الصلاة لا تصح خلف المشرك، لكن الخلاف بين العلماء في صحة الصلاة خلف الفاسق؛ فالحنابلة وجماعة يمنعون الصلاة خلفه ويقولون: لا تصح، وآخرون يقولون: تصح مع الكراهة، والصواب أنها تصح ولكن الصلاة خلف العدل أولى؛ هذا إذا كان موحِّداً لكنه فاسق، أما المشرك فلا تصح الصلاة خلفه بالإجماع.
السؤال الثالث عشر:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/360)
هناك بعض الأحاديث التي يستدل بها البعض على أن من ترك جميع الأعمال بالكلية فهو مؤمن ناقص الإيمان كحديث (لم يعملوا خيراً قط) وحديث البطاقة وغيرها من الأحاديث؛ فكيف الجواب على ذلك؟
الجواب:
ليس في هذه الأحاديث حجة لهذا القائل فمن ترك جميع الأعمال بالكلية وزعم أنه يكتفي بما في قلبه من التصديق كما سبق فإنه لا يتحقق إيمانه إلا بالعمل، وأما أحاديث الشفاعة وأن المؤمنين الموحدين العصاة يشفع لهم الأنبياء والأفراط والشهداء والملائكة والمؤمنون وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته؛ يخرج قوماً من النار لم يعملوا خيراً قط، قال العلماء: المعنى (لم يعملوا خيراً قط) أي زيادة على التوحيد والإيمان ولابد من هذا؛ لأن النصوص يُضم بعضها إلى بعض وقد دلت النصوص على أن الجنة حرامٌ على المشركين وقد ثبت في الصحيح أن النبي ? أمر منادياً ينادي في بعض الغزوات: (أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة) ولما أمّر أبابكر في الحج في السنة التاسعة من الهجرة أرسل معه مؤذنين يؤذنون منهم أبوهريرة وغيره يؤذنون في الناس بأربع كلمات منها: ((لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عهد فهو إلى عهده ومن لم يكن له عهد فهو إلى أربعة أشهر)) وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يدخل الجنة كافر قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) فهذه نصوص محكمة وهذا الحديث يُرد إليها والقاعدة عند أهل العلم: أن المتشابه يُرد إلى المحكم.
ولا يتعلق بالنصوص المتشابهة إلا أهل الزيغ كما قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) وثبت في الحديث الصحيح عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: ((إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)) وأما أهل الحق فإنهم يردون المتشابه إلى المحكم ويفسرونه به وهذا الحديث فيه اشتباه لكنه يرد إلى المحكم من النصوص الواضحة المحكمة في أن المشرك لا يدخل الجنة وأن الجنة حرام عليه.
فلا يمكن أن يكون معنى الحديث: ((لم يعملوا خيراً قط)) أنهم مشركون وليس عندهم توحيد وإيمان وأنهم أخرجهم الله إلى الجنة فهذا لا يمكن أن يكون مراداً وإنما المراد ((لم يعملوا خيراً قط)) أي زيادة على التوحيد والإيمان وكذلك حديث البطاقة ليس فيه أنه مشرك وإنما فيه أنه موحِّد ففيه أنه: ((يؤتى برجل ويخرج له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر سيئات ويؤتى له ببطاقة فيها الشهادتان فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة)) ومعلوم أن كل مسلم له مثل هذه البطاقة وكثير منهم يدخلون النار، لكن هذا الرجل لما قال هاتين الشهادتين قالها عن إخلاص وصدق وتوبة فأحرقت هذه السيئات فثقلت البطاقة وطاشت السجلات.
السؤال الرابع عشر:
ما حكم من يدعو غير الله وهو يعيش بين المسلمين وبلغة القرآن، فهل هذا مسلم تلبس بشرك أم هو مشرك؟
الجواب:
هذا الشخص مشرك؛ لأنه غير معذور إذا كان يعيش بين المسلمين لقول الله - ?-: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، وقال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) فمن بلغه القرآن وبلغته الدعوة وفعل الشرك وهو يعيش بين المسلمين فإنه مشرك. وقال بعض أهل العلم: إن الشخص إذا كان يخفى عليه ما وقع فيه من الشرك بسبب دعاة الضلال والإشراك وبسبب كثرة المضلين حوله وخفي عليه الأمر فإنه في هذه الحالة يكون أمره إلى الله - ? - فيكون حكمه حكم أهل الفترة إذا لم يعلم ولكنه إذا مات يعامل معاملة المشركين فلا يُغسَّل ولا يُصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/361)
فالمقصود أن الأصل أنه لا يعذر لكن لو وجد بعض الناس خفي عليه بسبب دعاة الشرك والضلال ولم يعلم قد يقال إنه معذور في هذه الحالة وأمره إلى الله تعالى، وبكل حال يجب عليه أن يطلب الحق ويتعرف عليه ويسعى له كما أنه يسعى في معيشته ويسأل عن طرق الكسب فيجب عليه أن يسأل عن دينه ويسأل عن الأمر الذي أشكل عليه وكونه لم يسمع الحق ولم يقبل الحق وتصامم عن سماع الحق فليس هذا عذراً له؛ هذا هو الأصل.
السؤال الخامس عشر:
هل يشترط في إقامة الحجة فهم الحجة فهماً واضحاً جلياً أم يكفي مجرد إقامتها؛ نرجو التفصيل في ذلك مع ذكر الدليل؟
الجواب:
الواجب إقامة الحجة على من كان عنده شبهة وكذلك المشرك إذا أقيمت عليه الحجة فقد زال عذره بمعنى أن يبلغه الدليل ويعلم أن هذا الأمر فيه دليل من كتاب الله وسنة رسوله ? ولا يشترط فهم الحجة فإن الله أخبر أن المشركين قامت عليهم الحجة ومع ذلك لم يفهموها فهماً واضحاً ولكنهم قامت عليهم الحجة ببلوغها؛ نزل القرآن وسمعوه وجاءهم النذير ? وأنذرهم واستمروا على كفرهم فلم يعذرهم ولهذا قال الله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وقد بعث الرسول، وقال تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) فاشترط في إقامة الحجة البلاغ، وقال ?: ((والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار)) وقال تعالى في وصف الكفار: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ومع ذلك قامت عليهم الحجة فأخبر أن مثلهم مثلُ من يسمع الصوت ولا يفهم المعنى كمثل الغنم التي ينعق لها الراعي فتسمع الصوت ومع ذلك قامت عليهم الحجة، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) ولم يقل حتى يتبين؛ بل قال: (حَتَّى يُبَيِّنَ) وهذا هو قيام الحجة، فإذا فهم الحق وعرف هذا الدليل وعرف الحجة فقد قامت عليه الحجة ولو لم يفهمها؛ فلا يشترط فهمها وهذا الذي تدل عليه النصوص وهو الذي قرره أهل العلم.
السؤال السادس عشر:
هل تكفير شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – للطائفة الممتنعة من أداء شعيرة الزكاة حين فعل هذا ما ارتد من العرب لأجل جحدهم للوجوب أم لأجل مجرد المنع وعدم الالتزام بالأداء؟
الجواب:
أهل الردة الذين ارتدوا بعد موت النبي ? أقسام؛ منهم من رجع إلى الأصنام والأوثان فعبدها ومنهم من أنكر نبوة النبي ? وقال: لو كان نبياً ما مات؛ وهؤلاء كفار لا إشكال فيهم، ومنهم من منع الزكاة والصحابة قاتلوهم جميعاً ولم يفرِّقوا بينهم وسموهم المرتدين؛ والذي منع الزكاة قال العلماء إنما كفر لأنه إذا منعها وقاتل عليها دل على جحوده إياها لأنه فعل أمرين: منعها وقاتل عليها، أما إذا منعها ولم يقاتل عليها فإنها تؤخذ منه ويؤدَّب ولا يكفر، ولكن إن منعها وقاتل عليها فإنه يكفر؛ لأن هذا دليل على جحوده والمرتدون الذين منعوا الزكاة منعوها وقاتلوا عليها فدل على أنهم جحدوها ولهذا عاملهم الصحابة معاملة المرتدين وسموهم مرتدين كلهم وقاتلوهم، لا فرق بين من أنكر نبوة محمد ? أو عبد الأصنام أو من جحد الزكاة لأنه جحد أمراً معلوماً من الدين بالضرورة.
السؤال السابع عشر:
ما حكم من يقول بأن من قال: أن من ترك العمل الظاهر بالكلية بما يسمى عند بعض أهل العلم بجنس العمل أنه كافر؛ أن هذا القول قالت به فرقة من فرق المرجئة؟
الجواب:
لا أعلم أن هذا القول قالت به المرجئة ولكن لابد من العمل كما سبق لأن من أقر بالشهادتين فلابد أن يعمل لأن النصوص التي فيها الأمر بالنطق بالشهادتين وأن من نطق بالشهادتين فهو مؤمن مقيّدة بقيود لا يمكن معها ترك العمل وقد ثبت في الحديث الصحيح عنه ? أنه قال: ((من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة)) وقوله: ((خالصاً من قلبه)) هذا ينفي الشرك؛ لأن الإخلاص ينافي الشرك ومن ترك العمل فهو مشرك لأنه عابدٌ للشيطان ولأنه معرض عن دين الله؛ ومن أعرض عن دين الله كفر؛ وكذلك جاء في الأحاديث: ((من قال لا إله إلا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/362)
الله مخلصاً)) وفي بعضها: ((صادقاً من قلبه)) وفي بعضها: ((مستيقناً بها قلبه)) وفي بعضها: ((وكفر بما يعبد من دون الله)) فهذه النصوص التي فيها أن من نطق بالشهادتين فهو مؤمن مقيدة بهذه القيود التي لا يمكن معها ترك العمل فلابد أن يكفر بما يعبد من دون الله؛ ومن لم يعمل فإنه معرض عن دين الله وهذا نوع من أنواع الردة؛ فمن لم يعمل مطلقاً وأعرض عن الدين لا يتعلمه ولا يعبد الله فهذا من نواقض الإسلام قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) فلابد أن يعمل فإذا قال: لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه وقالها عن إخلاص وفي بعضها ((وهو غير شاك)) فلابد أن يعمل ولا يمكن أن يتكلم بكلمة التوحيد عن صدق وإخلاص ولا يصلي أبداً وهو قادر لأنه إذا ترك الصلاة دل على عدم إخلاصه ودل على عدم صدقه ودل على أن قلبه ليس مستيقناً بها ولو كان قلبه مستيقناً بها وكان عنده يقين وإخلاص وصدق لابد أن يعمل فإن لم يعمل دل على عدم إيمانه وعدم يقينه وعدم إخلاصه وعدم صدقه ودل على ريبه وشكه وهذا واضح من النصوص.
السؤال الثامن عشر:
ما حكم تنحية الشريعة الإسلامية واستبدالها بقوانين وضعية كالقانون الفرنسي والبريطاني وغيرها مع جعله قانوناً ينص فيه على أن قضايا النكاح والميراث بالشريعة الإسلامية؟
الجواب:
هذه مسألة فيها كلام لأهل العلم وقد ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله – أن من بدَّل الشريعة بغيرها من القوانين فإن هذا من أنواع الكفر ومثَّل لذلك بالمغول الذين دخلوا بلاد الإسلام وجعلوا قانوناً مكوناً من عدة مصادر يسمى (الياسق) وذكر كفرهم وذكر هذا أيضاً الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله – فقد قال في أول رسالته ((تحكيم القوانين)): ((إن من الكفر المبين استبدال الشرع المبين بالقانون اللعين)) فإذا بدَّل الشريعة من أولها إلى آخرها كان هذا كفراًَ من أنواع الكفر والردة، وقال آخرون من أهل العلم: إنه لابد أن يعتقد استحلاله ولابد أن تقام عليه الحجة وذهب إلى هذا سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز - رحمه الله – وقال: إنه لابد أن تقوم عليه الحجة لأنه قد يكون جاهلاً بهذا الأمر وليس عنده علم؛ فلابد أن يبين له حتى تقوم عليه الحجة فإذا قامت عليه الحجة فإنه يحكم بكفره، والمقصود أن هذه المسألة مسألة خطيرة وهذا إذا لم يكن لمن وضع القانون أعمال كفرية أخرى أما إذا كان تلبَّس بأنواع من الكفر الأخرى فهذا لا إشكال فيه، لكن هذا مفروض في شخص لم يتلبَّس بشيء من أنواع الكفر؛ فهل يكون هذا كفراً أكبر بمجرد تبديله الدين كما ذكر هذا الحافظ ابن كثير والشيخ محمد بن إبراهيم - رحمهما الله – وغيرهما من أهل العلم، أو أنه لابد من إقامة الحجة وبيان أن هذا الأمر كفر فإذا قامت عليه الحجة حكم بكفره.
السؤال التاسع عشر:
هل تكفير السلف - رضوان الله عليهم – للجهمية كفر أكبر مخرج من الملة أم هو كفر دون كفر ويراد منه الزجر والتغليظ فقط؟
الجواب:
تكفير العلماء والأئمة والسلف للجهمية تكفير أكبر مخرج عن الملة؛ وذكر العلاَّمة ابن القيِّم – رحمه الله تعالى – أنه كفرهم خمسمائة عالم فقال:
ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان
واللالكائي الإمام قد حكاه عنهمُ بل قد حكاه قبله الطبراني
وقد قال العلماء: إن الجهمية خارجون من الثنتين والسبعين فرقة الذين قال فيهم النبي ?: ((وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)) وكونهم خارجين عن الثنتين والسبعين فرقة يدل على أن مرادهم الكفر الأكبر لأن فرق الأمة الثنتين والسبعين فرقة متوعدة بالنار وهي فرقٌ مبتدعة،وقالوا: الجهمية خارجون عن الفرق الثنتين والسبعين وكذلك القدرية الغلاة وكذلك الرافضة فهذه الفرق الثلاث خارجون من الثنتين والسبعين فرقة؛ لأن الجهمية نفوا الأسماء والصفات؛ ونفي الأسماء والصفات ينتج العدم؛ فشيء لا اسم له ولا صفة؛ لا وجود له إلا في الذهن نسأل الله العافية، فشيء لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا مباين له ولا محايث له ولا منفصل عنه وليس له سمع ولا بصر ولا قدرة ولا إرادة ولا علم ماذا يكون؟!! هذا مستحيل؛ ولهذا كان كفرهم كفراً أكبر مخرجاً عن الملة.
السؤال العشرون:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/363)
ما وجه قولهم: (إنه تكفير للزجر)؟
الجواب:
يعني أنه كفر أصغر، زجر عن العمل وإن كان ليس بمخرج من الملة؛ أي يُنهى عنه صاحبه ويقال له: إنه كفر، حتى يرتدع عن هذا العمل لا أنه كفر أكبر.
السؤال الحادي والعشرون:
هل إطلاقات السلف في تكفير أعيان الجهمية كتكفير الشافعي لحفص الفرد حين قال بخلق القرآن فقال له الشافعي: كفرت بالله العظيم؛ كما نقل ذلك اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، وكتكفير الجهم بن صفوان وبشر المريسي والنظَّام وأبو الهذيل العلاّف كما ذكر ذلك ابن بطة في الإبانة الصغرى يراد منه تكفير أعيان هؤلاء أم تكفير ألفاظهم لا أعيانهم؟
الجواب:
الظاهر أن المراد تكفير أعيانهم لما خصوهم بالذكر، وكذلك الشافعي ظاهره أنه ناظره وأقام عليه الحجة، أما لو أريد التكفير بالعموم فهو مثل قول بعضهم: الجهمية كفار، أما تخصيص أعيان بعينهم يقابلون الأئمة ويناظرونهم فهذا تكفير بأعيانهم والعلماء لهم في تكفير الجهمية أقوال فمنهم من كفر الغلاة ومنهم من كفرهم بإطلاق ومنهم من بدّعهم بإطلاق، فهؤلاء الأفراد الذين وقفوا أمام الأئمة وناظروهم؛ الظاهر أنهم كفروهم بأعيانهم؛ لأن الحجة تكون قد قامت عليهم.
السؤال الثاني والعشرون:
ترد بعض الاصطلاحات في كتب أهل السنة مثل: (الالتزام – الامتناع – كفر الإعراض) فما معنى هذه الاصطلاحات؟
الجواب:
الالتزام: ظاهرة الالتزام أن يلتزم بأحكام الشريعة ويأتي بما أمر الله به وينتهي عما نهى الله عنه.
والامتناع: أي يمتنع عما أمر الله به؛ وهذا فيه تفصيل فإذا امتنع عن شيء يكون تركه كفراًَ يكون كفراً وإن امتنع عن شيء لا يصل لحد الكفر يكون معصية، ومن كفر الامتناع امتناع إبليس عن السجود لآدم قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) فإبليس إباؤه كفر.
وكفر الإعراض: كما سبق معناه الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعبد الله.
السؤال الثالث والعشرون:
ما معنى قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الناقض الثالث من نواقض الإسلام: (من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحَّح مذهبهم فهو مثلهم)؟
الجواب:
معنى هذا أن من اعتقد أن المشركين على حق أو توقَّف في ذلك فهو كافر؛ لأنه لم يكفر بالطاغوت؛ لأن التوحيد لابد فيه من أمرين:
الأمر الأول: الكفر بالطاغوت.
الأمر الثاني: الإيمان بالله.
وهذا هو معنى: ((لا إله إلا الله)) وأن معناها: لا معبود بحقٍ إلا الله.
((لا إله)) كفر بالطاغوت ((إلا الله)) إيمان بالله، فمن لم يكفر المشركين أو اليهود أو النصارى أو الوثنيين أو توقف في كفرهم فهو كافر بالله، لابد أن يجزم ويعتقد كفرهم فمن قال: ((إن اليهود والنصارى على دين سماوي وكذلك المسلمون على دين سماوي وكلهم على حق)) فهذا كافر؛ لأنه لم يكفِّر المشركين فلابد أن يعتقد أن اليهود والنصارى كلهم على باطل وأنهم كفار فإن شك أو توقَّف كان هذا الشك أو التوقف منه ناقضاً من نواقض الإسلام ويكون كافراً بالله؛ وكذلك لو صحَّح مذهبهم وقال: النصارى على حق واليهود على حق ومن أحب أن يتدين باليهودية أو النصرانية أو بالإسلام فله ذلك فهذا كافر لأنه صحَّح مذهبهم.
السؤال الرابع والعشرون:
من قال: (إن اليهود والنصارى بلغتهم دعوة الإسلام مشوَّهة فما نكفرهم) فما حكم هذا القول؟
الجواب:
ليس ذلك بصحيح؛ بل بلغتهم الدعوة على عهد النبي ? وبلَّغهم النبي ? بنفسه والصحابة بلغوهم بأنفسهم والدعاة بلغوهم بأنفسهم والأئمة؛ فشيخ الإسلام بلغهم بنفسه، فالقول بأنه لم تبلغهم الدعوة باطل.
السؤال الخامس والعشرون:
من قال: (إخواننا النصارى)!!! فما حكم هذا القول؟
الجواب:
إذا كان يعتقد أن دينهم صحيح وأن مذهبهم صحيح وأنهم على حق وأنه يوافقهم في دينهم فهذا كفر وردة، وأما لو قال: (إخواننا النصارى) غلطة أو سبقة لسان أو خطأ أو له شبهة فقد لا يكفر؛ فهذا فيه تفصيل.
السؤال السادس والعشرون:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/364)
ما حكم من يقول: (إن الشخص إذا لم يكفر النصارى لعدم بلوغ آية سورة المائدة: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ... ) فإنه لا يكفر حتى يعلم بالآية)؟
الجواب:
هذا فيه تفصيل؛ إذا كان هذا الشخص لا يعلم أن النصارى على باطل فهذا لابد أن تقام عله الحجة؛ أما إذا كان يعلم أنهم على باطل وأن الله كفَّرهم ولا تخفى عليه النصوص فهو كافر؛ لأنه لم يكفِّر المشركين.
السؤال السابع والعشرون:
ما الدليل على مشروعية شروط شهادة: أن لا إله إلا الله، من العلم والانقياد والصدق والإخلاص والمحبة والقبول واليقين، وما الحكم فيمن يقول (تكفي شهادة أن لا إله إلا الله بمجرد قولها دون هذه الشروط)؟
الجواب:
سبق بيان أن كلمة التوحيد لابد لها من شروط وأن هذه الشروط دلَّت عليها النصوص؛ قال ?: ((من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة)) وفي بعض الروايات: ((صدقاً من قلبه)) وفي بعضها: ((وكفر بما يعبد من دون الله)) والانقياد لابد منه؛ لأنه لابد من العمل لأن هذه الشروط تقتضي الانقياد وكذلك القبول، فهذه الشروط التي دلَّت عليها النصوص من الإخلاص وعدم الشك والريب والصدق واليقين؛ هذه تستلزم القبول والمحبة، فدلَّت هذه النصوص على أن هذه الشروط لابد منها فمن قال: لا إله إلا الله بلسانه ولم يلتزم بشروطها من الإخلاص والصدق والمحبة والانقياد فهو مشرك والنبي ? يقول: ((من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرُم ماله ودمه وحسابه على الله)) وهذا لم يكفر بما يعبد من دون الله ومعنى ذلك أنه لم يأت بهذه الشروط فانتقضت هذه الكلمة حيث قالها بلسانه ونقضها بفعله؛ لأن (لا إله إلا الله) معناها: لا معبود بحقٍّ إلا الله، فإذا عبد غير الله نقض هذه الكلمة؛ وكذلك إذا قال: (لا إله إلا الله) عن كذب ولم يقلها عن صدق فهذا منافق؛ كفَّره الله تعالى بقوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) وقال تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) فتبين بهذا أن هذه الشروط دلَّت عليها النصوص وأنه إذا انتفت هذه الشروط فلابد أن يقع في الشرك؛ والمشرك كافر بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) وقال: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) وقال: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) وقال: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وقال: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) فإذا لم يلتزم بهذه الشروط وقع في الشرك وإن قالها ولم ينقد لحقوقها صار مشركاً أيضاً؛ لأنه صار معرضاً عن دين الله، فتبين بهذا أن هذه الشروط دلَّت عليها النصوص وأن هذه الكلمة لابد فيها من هذه الشروط وإلا فلا فائدة منها.
السؤال الثامن والعشرون:
نرجو تفسير قوله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ ... ) الآية تفسيراً مفصَّلاً مع بيان حكم الإكراه في هذه الآية؟
الجواب:
هذه الآية بيَّن الله تعالى فيها أنَّ من كفر بالله من بعد إيمانه فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم لأنه استحب الحياة الدنيا على الآخرة ويشمل ذلك:
- من كفر بالله جاداً وقاصداً.
- ويشمل من كفر بالله هازلاً ولاعباً وساخراً.
- ويشمل من كفر بالله خائفاً.
- ويشمل من كفر بالله مكرهاً واطمئن قلبه بالكفر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/365)
لأن الله تعالى لم يستثنِ من الكفر إلا من فعل الكفر مكرهاً واطمئن قلبه بالإيمان؛ وبيَّن الله أن ماعدا هذا الصنف من الناس فإنه يكون كافراً لأنه مستحبٌ للحياة الدنيا على الآخرة؛ فمن كفر بالله قاصداً فقد استحب الحياة الدنيا على الآخرة؛ ومن كفر هازلاً فقد استحب الحياة الدنيا على الآخرة؛ ومن كفر خائفاً فقد استحب الحياة الدنيا على الآخرة؛ ومن كفر مُكرهاً واطمئن قلبه بالكفر فقد استحب الحياة الدنيا على الآخرة؛ قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) فلا يهديهم الله لكفرهم وضلالهم نسأل الله العافية.
السؤال التاسع والعشرون:
هناك من يفرِّق بين الإكراه بالقول والإكراه بالفعل ويقول الآية جاءت في الإكراه في القول فقط وأما الفعل فلا إكراه فيه؟
الجواب:
الصواب أنه لا فرق بينهما مادام أن الإكراه مُلجئٌ لا اختيار له فيه؛ كأن يضع ظالم السيف على رقبته ويقول: اسجد للصنم وإلا قتلناك، لكن المُكره بالفعل ينبغي له أن ينوي بعمله التقرُّب لله؛ فمثلاً: إذا أُكره للسجود للصنم فإنه ينوي السجود لله؛ لأنهم لا يملكون قلبه وتكون الصورة صورة السجود للصنم وقلبه مطمئنٌ بالإيمان فلا يضره ذلك.
السؤال الثلاثون:
ما حكم موالاة الكفار والمشركين؟ ومتى تكون هذه الموالاة كفراً أكبر مخرج من الملة؟ ومتى تكون ذنباً وكبيرة من كبائر الذنوب؟
الجواب:
موالاة الكفار والمشركين إذا كان ذلك تولياً لهم فهو كفر وردة وهي محبتهم بالقلب وينشأ عنه النُصرة والمساعدة بالمال أو بالسلاح أو بالرأي قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال الله تعالى: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) وقال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ... ) الآية، فتولي الكفار كفر وردة؛ لأن أصل التولي المحبة في القلب ثم ينشأ عنها النُصرة والمساعدة.
أما الموالاة فهي كبيرة من كبائر الذنوب وهي معاشرة الكافر ومصادقتهم والميل إليه والركون إليه ومساعدة الكافر الحربي بأي نوع من أنواع المساعدة ولهذا ذكر العلماء أنه لو ساعده ببري القلم أو بمناولته شيئاً يكون هذا موالاة ومن كبائر الذنوب، أما الكافر الذمي الذي بينه وبين المسلمين عهد فلا بأس بالإحسان إليه لكن الكافر الحربي لا يُساعد بأي شيء، والمقصود أن التولِّي الذي هو المحبة والنُصرة والمساعدة كفر وردة وأما الموالاة والمعاشرة والمخالطة في غير ما يرد من يأتي إلى ولاة الأمور من الرسل وأشباههم مما تدعوا الحاجة إليه فهذا كبيرة من كبائر الذنوب.
السؤال الحادي والثلاثون:
ما هي نصيحتكم لطلبة العلم لمن أراد ضبط مسائل التوحيد والشرك ومسائل الإيمان والكفر؟ وما هي الكتب التي تكلمت عن هذه المسائل وفصَّلتها؟
الجواب:
نصيحتي لطلبة العلم العناية بطلب العلم والحرص عليه وحضور حلقات ودروس العلماء وقراءة الكتب النافعة ككتب الإمام محمد بن عبدالوهاب وأئمة الدعوة وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم، والشيخ محمد بن عبدالوهاب له رسالة في كفر تارك التوحيد اسمها ((مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد)) وكذا ((الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة)) لعبدالله بن محمد بن عبدالوهاب؛ وابن القيم له مؤلفات كثيرة في هذا، وشيخ الإسلام بيَّن كثيراًََ من ذلك في الفتاوى والعلماء في كل مذهب فالحنابلة والشافعية والمالكية والأحناف يبوِّبون في كتب الفقه باباً يسمونه: باب حكم المرتد؛ وهو الذي يكفر بعد الإسلام؛ ويذكرون أنواعاً من الكفر القولية والفعلية والاعتقادية فينبغي الرجوع إليها، ومن أكثر من كتب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/366)
في هذا من الأنواع الأحناف فقد كتبوا في باب حكم المرتد أنواعاً كثيرة قد يوصلونها إلى أربعمائة مكفِّر وذكروا أن من أنواع الكفر: تصغير المسجد أو المصحف على وزن مسيجد أو مصيحف فينبغي لطلبة العلم أن يعتنوا بهذا؛ وكتاب ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) فيها مجلد أيضاً في الكفر وأنواعه، والمصادر والمراجع متوفرة والحمد لله.
السؤال الثاني والثلاثون:
ما حكم من يقول: (ليس هناك تكفير للمعين مطلقاً)؟
الجواب:
هذا ليس بصحيح؛ المُعيَّن يُكفَّر، نحن نكفِّر اليهودي بعينه والنصراني بعينه ومن قامت عليه الحجة يكفر بعينه، لأن معنى هذا الكلام وهو عدم تكفير المُعيَّن أنه لا يكون هناك كافر؛ ومن قامت عليه الحجة ممن فعل الكفر والنصراني واليهودي والوثني يكفَّرون ومن كانت عنده شبهة فإنها تزال الشبهة.
السؤال الثالث والثلاثون:
هل يعذر الذي يدعو غير الله أو يستغيث بغير الله لجهله؟
الجواب:
سبق أن تكلمنا على مثل هذا وأن الأصل أنه لا يعذر إذا كان يعيش بين المسلمين وبلغته الدعوة ولكن إذا كان يُلبَّس عليه بسبب علماء السوء وعلماء الباطل فإنه يزال عنه الشبهة ويبين له والأصل أن هذا إنما هو في أهل الفترة، أما بعد مبعثه ? ومن يعيش بين المسلمين فالأصل أنه لا يعذر ومن يدعو غير الله أو يستغيث بغير الله في الغالب أنه يدعو عن عناد وأنه لا يجهل هذا.
السؤال الرابع والثلاثون:
هل هناك فرق بين من يحب الكفار لدينهم ومن يحب بعض الكفار لدنياهم؟
الجواب:
إن كان يحبهم لدنياهم محبة طبيعية كأن يكون قريبه أو لأجل مال فهذه موالاة؛ وإن أحبهم لدينهم فهذا كفر وردة.
السؤال الخامس والثلاثون:
نرجو التفصيل في مسألة العذر بالجهل؟
الجواب:
مسألة العذر بالجهل بيَّنها العلماء - رحمهم الله – وفصَّلها ابن القيِّم - رحمه الله – في طريق الهجرتين وفي ((الكافية الشافية)) وذكرها أئمة الدعوة كالشيخ عبدالله أبابطين وغيرهم وذكر ابن أبي العز شيئاً منها في ((شرح الطحاوية)) وخلاصة القول في هذا: أن الجاهل فيه تفصيل: فالجاهل الذي يمكنه أن يسأل ويصل إلى العلم ليس بمعذور فلابد أن يتعلم ولابد أن يبحث ويسأل، والجاهل الذي يريد الحق غير الجاهل الذي لا يريد الحق، فالجاهل قسمان:
الأول: جاهل يريد الحق.
والثاني: جاهل لا يريد الحق؛ فالذي لا يريد الحق غير معذور حتى ولو لم يستطع أن يصل إلى العلم؛ لأنه لا يريد الحق، أما الذي يريد أن يعلم الحق فهذا إذا بحث عن الحق ولم يصل إليه فهو معذور، والمقصود أن الجاهل الذي يمكنه أن يسأل ولا يسأل أو يمكنه أن يتعلم ولا يتعلم فهو غير معذور؛ أما الجاهل الذي لا يمكنه أن يتعلم فهو على قسمين:
- جاهل لا يريد الحق فهو غير معذور.
- وجاهل يريد الحق ثم بحث عنه ولم يحصل عليه فهذا معذور، والله أعلم.
السؤال السادس والثلاثون:
هل هناك فرق بين المسائل التي تخفى في العادة وبين التي لا تخفى كمسائل التوحيد؟
الجواب:
نعم، الجهل الذي يعذر فيه الجاهل لا يعذر في الأشياء الواضحة؛ إنما الجاهل الذي يُعذر يُعذر في الأشياء التي تخفى على مثله؛ فلو كان هناك إنسان يعيش بين المسلمين ثم فعل الزنا فلما عوقب قال: إني جاهل؛ فلا يقبل منه لأن هذا أمرٌ واضح؛ أو تعامل بالربا وهو يعيش بين المسلمين لا يقبل منه أو عبد الصنم وهو يعيش بين المسلمين في مجتمع موحِّد لا يقبل منه؛ لأن هذا أمر واضح، لكن لو أسلم كافر في مجتمع يتعامل بالربا ويرى الناس يتعاملون بالمعاملات الربوية ثم تعامل بالربا وقال إنه جاهل؛ فهذا مثله يجهل هذا الشيء، أو نشأ في بلاد بعيدة ولم يسمع بالإسلام وليس عنده وسائل هذا معذور، أما الإنسان الذي يفعل أمراً معلوماً واضحاً وهو بين المسلمين فهذا لا يُعذر، فلابد أن تكون المسألة التي يُعذر فيها دقيقة خفية تخفى على مثله ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين في قصة الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه وجمع أهله حينما حضرته الوفاة وقد كان مسرفاً على نفسه فجمع أولاده عند وفاته وقال: أي أبٍ كنت لكم؟ فأثنوا خيراً، فقال لهم:إنه لم يفعل خيراً قط وإن الله إن بعثه ليعذبنه عذاباً شديداً فأخذ المواثيق على بنيه أنه إذا مات أن يحرقوه ثم يسحقوه ثم يذروه في البر؛ وفي بعض الروايات يذرُّوا نصفه في البر ونصفه في البحر وقال: لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً شديداً ففعلوا به ذلك؛ وفي الحديث أن الله أمر كلاً من البر والبحر أن يجمع ما فيه وقال الله له: قم فإذا هو إنسانٌ قائم فقال له: ما حملك على ذلك؟ قال: خشيتك يا رب؛ فرحمه الله، وهذا الحديث فيه كلام لأهل العلم فبعض العلماء يقول: هذا في شرع من قبلنا، وأُجيب بأجوبة ولكن أصح ما قيل فيه ما قرَّره شيخ الإسلام ابن تيمية: أن هذا الرجل إنما فعل ذلك عن جهل وأنه ظن أنه يفوت الله إذا وصل لهذه الحالة، فالرجل غير منكر للبعث وغير منكر لقدرة الله وهو يعلم أنه لو تُرِك ولم يُحرق ولم يُسحق فإن الله يبعثه؛ يعتقد هذا، لكنه أنكر كمال تفاصيل القدرة وظن أنه إذا وصل لهذه الحالة وأُحرق وسُحق وذُرّ أنه يفوت على الله ولا يدخل تحت القدرة، والذي حمله على ذلك ليس هو العناد ولا التكذيب وإنما الجهل مع الخوف العظيم فغفر الله له، فلو كان عالماً ولم يكن جاهلاً لم يُعذر ولو كان معانداً لم يُعذر ولكنه ليس معانداً ولا عالماً فاجتمع فيه الجهل والخوف العظيم؛ فرحمه الله وغفر له؛ فهذه مسألة خفية دقيقة بالنسبة إليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/367)
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[12 - 04 - 03, 07:26 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم لعل من المناسب أن أضع لكم هذا الكتاب الذي ألفه العلامة عبدالرحمن البراك وهو:
جواب في الإيمان و نواقضه
الحمد لله الذي منَّ على من شاء بالإيمان، و صلى الله و سلم على عبده و رسوله و آله و صحبه و من تبعهم بإحسان و سلم تسليماً .. أما بعد:
فقد سأل بعضُ طلاب العلم عن مسألة كثر فيها الخوض في هذه الأيام، و صورة السؤال: هل جنس العمل في الإيمان شرط صحة أو شرط كمال، و هل سوء التربية عذر في كفر من سب الله أو رسوله؟
و الجواب أن يقال: دل الكتاب و السنة على أن الإيمان اسم يشمل:
1 - اعتقاد القلب، و هو تصديقه، و إقراره.
2 - إقرار اللسان.
3 - عمل القلب، و هو انقياده، و إرادته، و ما يتبع ذلك من أعمال القلوب كالتوكل، و الرجال، و الخوف، و المحبة.
4 - عمل الجوارج – و اللسان من الجوارح – و العمل يشمل الأفعال و التروك القولية أو الفعلية.
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداًً) النساء: 136.
و قال تعالى (فآمنوا بالله و رسوله و النور الذي أنزلنا و الله بما تعملون خبير) التغابن: 8.
و قال تعالى (آمن الرسول بما أُنزل إليه من ربه و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسوله) البقرة: 285.
و قال تعالى (إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم، و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً و على ربهم يتوكلون [2] الذين يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون [3] أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم و مغفرة و رزق كريم) الأنفال: 2 - 4.
و قال تعالى (ليس البر أن تولوا وجوهكم قِبَلَ المشرق و المغرب و لكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر و الملائكة و الكتب و النبيين و آتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب و أقام الصلاة و آتى الزكاة و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتقون) البقرة: 177.
و قال تعالى (و من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان و لكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله و لهم عذاب عظيم) النحل: 106.
و قال تعالى (و ما كان الله ليضيع إيمانكم) البقرة: 143.
و الآيات في هذا المعنى كثيرة.
و في " الصحيحين " عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لوفد عبد القيس لما اتوا إليه، قال (من القوم؟ أو من الوفد؟) قالوا: ربيعة، قال (مرحباً بالقوم – أو بالوفد – غير خزايا و لا ندامى) فقالوا: يا رسول الله، إنما لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر الحرام، و بيننا و بينك ه1ا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا، و ندخل به الجنة، و سألوه عن الأشربة فأمرهم بأربع، و نهاهم عن أربع، أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال (أتردون ما الإيمان بالله وحده؟) قالوا: الله و رسوله أعلم.
قال (شهادة أن لا إله إلا الله، و أن محمداً رسول الله، و إقام الصلاة، و إيتاء الزكاة، و صيام رمضان، و أن تعطوا من المغنم الخمس، و نهاهم عن أربع: عن الحنتم، و الدباء، و النقير، و المزفت – و ربما قال: المقير – و قال (احفظوهن و أخبروا بهن من وراءكم).
و في " الصحيحين " عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (الإيمان بضع و ستون شعبة و الحياء شعبة من الإيمان).
و في " الصحيحين " عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سُئل: أي العمل أفضل؟ فقال (إيمان بالله و رسوله)، قيل: ثم ماذا؟ قال (الجهاد في سبيل الله) قيل: ثم ماذا؟ قال (حج مبرور).
و في " صحيح مسلم " عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، و ذلك أضعف الإيمان).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/368)
و قد استفاض عن أهئمة أهل السنة – مثل: مالك بن أنس، و الأوزاعي، و ابن جريج، و سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، و وكيع بن الجراح، و غيرهم الكثير – قولهم (الإيمان قول و عمل).
و أرادوا بالقول: قول القلب و اللسان، و بالعمل: عمل القلب و الجوارح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " العقيدة الواسطية " (ومن أصول أهل السنة و الجماعة أن الدين والإيمان قول و عمل، قول القلب واللسان، و عمل القلب، واللسان، والجوارح)
فظهر أن اسم الإيمان يشمل كل ما أمر الله به و رسوله من: الاعتقادات و الإرادات، و أعمال القلوب، وأقوال اللسان، و أعمال الجوارح أفعالاً و تروكاً، فيدخل في ذلك فعل الواجبات و المستحبات، وترك المحرمات، والمكروهات، وإحلال الحلال، و تحريم الحرام.
و هذه الواجبات والمحرمات، بل و المستحبات والمكروهات، على درجات متفاوتة تفاوتاً كبيراً.
وبهذا يتبين أنه لا يصح إطلاق القول بأن العمل شرط صحة أو شرط كمال بل يحتاج إلى تفصيل؛ فإن اسم العمل يشمل عمل القلب وعمل الجوارح، و يشمل الفعل و الترك، و يشمل الواجبات التي هي أصول الدين الخمسة، وما دونها، و يشمل ترك الشرك و الكفر و ما دونهما من الذنوب.
فأما ترك الشرك و أنواع الكفر والبراءة منها فهو شرط صحة لا يتحقق الإيمان إلا به.
و أما ترك سائر الذنوب فهو شرط لكمال الإيمان الواجب.
وأما انقياد القلب – وهو إذعانه لمتابعة الرسول صلى الله عليه و سلم و ما لابد منه لذلك من عمل القلب كمحبة الله ورسوله، و خوف الله و رجائه – و إقرار اللسان – و هو شهادة أن لا إله إلا الله، و أن محمد رسول الله – فهو كذلك شرط صحة لا يحقق الإيمان بدونهما.
وأما أركان الإسلام بعد الشهادتين فلم يتفق أهل السنة على أن شيئاً منها شرط لصحة الإيمان؛ بمعنى أن تركه كفر، بل اختلفوا في كفر من ترك شيئاً منها، و إن كان أظهر و أعظم ما اختلفوا فيه الصلوات الخمس، لأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، و لما ورد في خصوصها مما يدل على كفر تارك الصلاة؛ كحديث جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (بين الرجل و بين الشرك و الكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه و غيره، و حديث بريده بن الحصيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه نو سلم (إن العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه أصحاب السنن.
وأما سائر الواجبات بعد أركان الإسلام الخمسة فلا يختلف أهل السنة أن فعلها شرط لكمال إيمان العبد، و تركها معصية لا تخرجه من الإيمان.
و ينبغي أن يعلم أن المراد بالشرط هنا معناه الأعم، و هو ما تتوقف الحقيقة على وجوده سواء كان ركناً فيها أو خارجاً عنها، فما قيل فيه هنا أنه شرط للإيمان هو من الإيمان.
و هذا التفصيل كله على مذهب اهل السنة، والجماعة فلا يكون من قال بعدكم كفر تارك الصلاة كسلاً أو غيرها من الأركان مرجئاً، كما لا يكون القائل بكفره حرورياً.
و إنما يكون الرجل من المرجئة بإخراج أعمال القلوب و الجوارح عن مسمى الإيمان فإن قال بوجوب الواجبات، و تحريم المحرمات، و ترتب العقوبات فهو قول مرجئة الفقهاء المعروف و هو الذي أنكره الأئمة، و بينوا مخالفته لنصوص الكتاب و السنة.
و إن قال: لا يضر مع الإيمان ذنب، و الإيمان هو المعرفة، فهو قول غلاة المرجئة الجهمية و هم كفار عند السلف.
و بهذا يظهر الجواب عن مسألة العمل في الإيمان هل هو شرط صحة أو شرط كمال، و مذهب المرجئة في ذلك و هذا و لا أعلم أحداً من الأئمة المتقدمين تكلم بهذا، و إنما ورد في كلام بعض المتأخرين.
و بهذا التقسيم و التفصيل يتهيؤ الجواب عن سؤالين:
أحدهما: بم يدخل الكافر الأصلي في الإسلام، و يثبت له حكمه؟
والثاني: بم يخرج المسلم عن الإسلام، بحيث يصير مرتداً؟
فأما الجواب عن الأول:
فهو أن الكافر يدخل في الإسلام، ويثبت له حكمه بالإقرار بالشهادتين (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) فمن أقر بذلك بلسانه دون قلبه ثبت له حكم الإسلام ظاهراً، و إن أقر بذلك ظاهراً و باطناً كان مسلماً على الحقيقة و معه أصل الإيمان، إذ لا إسلام إلا بإيمان، و لا إيمان إلا بإسلام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/369)
و هذا الإقرار الذي تثبت به حقيقة الإسلام يشمل ثلاثة أمور: تصديق القلب، وانقياده، ونطق اللسان؛ و بانقياد القلب و نطق اللسان يتحقق الإقرار ظاهراً و باطناً، و ذلك يتضمن ما يعرف عن أهل العلم بالتزام شرائع الإسلام؛ و هو الإيمان بالرسول صلى الله عليه و سلم و بما جاءه به و عقدُ القلب على طاعته، فمن خلا عن هذا الالتزام لم يكن مقراً على الحقيقة.
فأما التصديق: فضده التكذيب و الشك و الإعراض.
وأما الإنقياد: فإنه يتضمن الاستجابة، والمحبة، والرضا والقبول، وضد ذلك الإباء، و الاستكبار و الكراهة لما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم.
و أما النطق باللسان: فضده التكذيب و الإعراض، فمن صدق بقلبه و كذب بلسانه فكفره كفر جحود، و من أقر بلسانه دون قلبه فكفره كفر نفاق.
فنتج عن هذا ستة أنواع من الكفر كلها ضد ما يتحقق به أصل الإسلام و هذه الأنواع هي:
1 - كفر التكذيب.
2 - كفر الشك.
3 - كفر الإعراض.
4 - كفر الإباء.
5 - كفر الجحود.
6 - كفر الإعراض.
و من كفر الإباء و الاستكبار: الامتناع عن متابعة الرسول صلى الله عليه و سلم، و الاستجابة لما يدعو إليه، و لو مع التصديق بالقلب و اللسان، و ذلك ككفر أبي طالب، و كفر من أظهر الاعتراف بنبوة النبي صلى الله عليه و سلم من اليهود و غيرهم.
وأما جواب السؤال الثاني:
وهو ما يخرج به المسلم عن الإسلام بحيث يصير مرتداً، فجماعه ثلاثة أمور:
الأول: ما يضاد الإقرار بالشهادتين، و هو أنواع الكفر الستة المتقدمة، فمتى وقع من المسلم واحد منها نقض إقراره و صار مرتداً.
الثاني: ما يناقض حقيقة الشهادتين (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله):
أ- فحقيقة شهادة أن لا إله إلا الله: الكفر بالطاغوت و الإيمان بالله، و هذا يشمل التوحيد بأنواعه الثلاثة:
توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء و الصفات.
و هذا يتضمن الإيمان بأنه تعالى رب كل شيء و مليكه، و أنه ما شاء كان، و ما لم يشأ لم يكن، و انه الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه، و أنه الموصوف بكل كمال والمنزه عن كل نقص، وأنه كما وصف نفسه و كما وصفه رسوله صلى الله عله و سلم من غير تعطيل ولا تمثيل، على حق قوله تعالى (ليس كمثله شيء و هو السميع البصير) الشورى:11.
و إقراده مع ذلك بالعبادة، و البراءة من كل ما يعبد من دونه.
و جملة ما يناقض التوحيد امور:
1 - جحد وجود الله، وهذا شر الكفر و الإلحاد و هو مناقض للتوحيد جملة، و منه القول بوحدة الوجود.
2 - اعتقاد أن مع الله خالقاً، ومدبراً، و مؤثراً مستقلاً عن الله في التأثير و التدبير، و هذا هو الشرك في الربوبية.
3 - اعتقاد أن لله مثلاً في شيء من صفات كماله، كعلمه، وقدرته.
4 - تشبيهه تعالى بخلقه في ذاته أو صفاته أو أفعاله، كقول المشبه: له سمع كسمعي، وبصر كبصري، ويدخل في ذلك وصفه بالنقائص كالفقر و البخل و العجز، و نسبة الصاحبة و الولد إليه.
5 - اعتقاد أن أحداً من الخلق يستحق العبادة مع الله، و هذا هو اعتقاد الشرك في الألهية، و لو لم يكن معه عبادة لغير الله.
و هذه الأمور الخمسة كلها تدخل في كفر الاعتقاد و شرك الاعتقاد.
6 - عبادة أحد مع الله بنوع من أنواع العبادة، و هذا هو الشرك في العبادة سواء اعتقد أنه ينفع و يضر، أو زعم أنه واسطة يقربه إلى الله زلفى، و من ذلك السجود للصنم.
و الفرق بين هذا و الذي قبله أن هذا من باب الشرك العملي المناقض لتوحيد العمل الذي هو إفراد الله بالعبادة، و ذاك من باب الشرك في الاعتقاد المنافي لاعتقاد تفرد الله بالإلهية و استحقاق العبادة.
و لما بين الاعتقاد و العمل من التلازم صار يعبر عن هذا التوحيد بتوحيد الإلهية، وتوحيد العبادة، وعن ضده بالشرك في الإلهية، أو الشرك في العبادة.
7 - جحد أسماء الله و صفاته أو شيء منها.
8 - السحر، و يشمل:
* ما يفرَّق به بين المرء و زوجه كسحر أهل بابل.
* ما يسحل أعين الناس حتى ترى الأشياء على غير حقيقتها كسحر سحرة فرعون.
* ما يكون بالنفث في العقد كسحر لبيد بن الأعصم و بناته.
و هذه الأنواع تقوم على الشرك بالله بعبادة الجن أو الكواكب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/370)
و أما السحر الرياضي و هو: ما يرجع إلى خفة اليد و سرعة الحركة، و السحر التمويهي و هو: ما يكون بتمويه بعض المواد بما يظهرها على غير حقيقتها فهذان النوعان من الغش و الخداع و ليسا من السحر الذي هو كفر.
ب - حقيقة شهادة أنَّ محمداً رسول الله: أن الله أرسله إلى جميع الناس بالهدى و دين الحق، وأنه خاتم النبيين، وأنه الصادق المصدوق في كل ما أخبر به، وأن هديه صلى الله عليه و سلم خير الهدي، و أن الإيمان به، وطاعته، ومحبته، وأتباعه واجب على كفر أحد.
و جملة ما يناقض حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله أمور:
1 - جحد رسالته صلى الله عليه و سلم، أو تكذيبه، أو الشك في صدقه.
2 - جحد ختمه للنبوة، أو دعوى النبوة بعده صلى الله عليه و سلم، أو تصديق مدعيها، أو الشك في كذبه.
3 - جحد عموم رسالته صلى الله عليه و سلم، و من ذلك اعتقاد أنه رسولٌ للعرب خاصة، أو دعوى ذلك، أو أن اليهود و النصارى لا يجب عليهم اتباعه، أو أن أحداً يسعه الخروج عن شريعته صلى الله عليه و سلم كالفيلسوف أو العارف من الصوفية و نحوهما.
4 - تنقص الرسول صلى الله عليه و سلم، و عيبه في شخصه، أو في هديه و سيرته.
5 - السخرية من الرسول صلى الله عليه و سلم، والاستهزاء به، او بشيء مما جاء به من العقائد، والشرائع.
6 - تكذيبه صلى الله عليه و سلم في شيء مما أخبر به من الغيب مما يتعلق بالله، أو يتعلق بالملائكة، والكتب و الرسل و المبدأ و المعاد و الجنة و النار.
ج – ما يناقض حقيقة الشهادتين جميعاً، و يشمل أموراً:
1 - التكذيب بأن القرآن من عند الله، أو جحد سورة، أو آية، أو حرف منه، أو أنه مخلوق، أو أنه ليس كلام الله.
2 - تفضيل حكم القانون الوضعي على حكم الله، ورسوله، أو تسويته به، أو تجويز الحكم به و لو مع تفضيل حكم الله و رسوله.
3 - تحريم ما أحل الله، ورسوله، و تحليل ما حرم الله، ورسوله، أو الطاعة في ذلك.
تنبيه: ينبغي أن يعلم:
أولاً: أن ما تقدم من أنواع الردة منه ما لا يحتمل العذر كجحد وجود الله، وتكذيب الرسول صلى الله عليه و سلم، فهذا يكفر به المعين بكل حال.
و منه ما يحتمل العذر بالجهل، أو التأويل ..
مثل: جحد شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم من الأخبار و الشرائع، و هذا لا يكفر به المعين إلا بعد إقامة الحجة عليه.
ثانياً: أن من أظهر شيئاً مما تقدم من أنواع الردة جاداً أو هازلاً أو مداهناً أو معانداً في خصومة – أي غير مكره – كَفَرَ بذلك لقوله تعالى (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان .. الآية) النحل: 106.
و من ذلك: إظهار السجود للصنم مجاملة للمشركين، وطلباً للمنزلة لديهم، والنيل من دنياهم، مع دعوى أنه يقصد بذلك السجود لله أو لا يقصد السجود للصنم، فإنه بذلك مظهرٌ لكفر من غير إكراه، فيدخل في عموم قوله تعالى (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان .. الآية) النحل: 106.
الثالث: ما يلزم منه لزوماً ظاهراً و يدل دلالة ظاهرة على عدم الإقرار بالشهادتين باطناً ن و لو أقر بهما ظاهراً و ذلك يشمل أمور:
1 - الإعراض عن دين الإسلام، لا يتعلمه، و لا يعمل به، ولا يبالي بما ترك من الواجبات، و ما يأتي من المحرمات، و لا بما يجهل من أحكام.
و ينبغي أن يعلم أن المكلف لا يخرج من كفر الإعراض – المستلزم لعدم إقراره – بفعل أي خصلة من خصال البر، وشعب الإيمان، فإن من هذه الخصال ما يشترك الناس في فعله – كافرهم و مؤمنهم – كإماطة الأذى عن الطريق، وبر الوالدين، و أداء الأمانة.
و إنما يتحقق عدم هذا الإعراض، و السلامة منه بفعل شيء من الواجبات التي تختص بها شرعية الإسلام التي جاء بها الرسول صلى الله عليه و سلم – كالصلاة و الزكاة و الصيام و الحج – إذا فعل شيئاً من ذلك إيماناً واحتساباً، قال شيخ الإسلام بن تيمية (فلا يكون الرجل مؤمناً بالله و رسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه و سلم) من " مجموع الفتاوى " (7/ 621).
ملاحظة: هكذا وردت العبارة في " الفتاوى "، و لعل المناسب للسياق (مع عدم فعل شيء).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/371)
2 - أن يضع الوالي قانوناً يتضمن أحكاماً تناقض أحكام قطعية من أحكام الشريعة معلومة من دين الإسلام بالضرورة، و يفرض الحكم به، و التحاكم إليه، ويعاقب من حَكَمَ بحكم الشريعة المخالف له، و يدعي مع ذلك الإقرار بوجوب الحكم بالشريعة – شريعة الإسلام – التي هي حكم الله و رسوله.
و من ذلك هذه الأحكام الطاغوتية المضادة لحكم الله و رسوله:
أ) الحكم بحرية الاعتقاد فلا يقتل المرتد، ولا يستتاب.
ب) حرية السلوك، فلا يجبر أحد على فعل الصلاة، و لا الصيام، و لا يعاقب على ترك ذلك.
ج) تبديل حد السرقة – الذي هو قطع اليد – بالتعزير و الغرامة.
د) منع عقوبة الزانيين بتراضيهما إلا لحق الزوج أو نحو ذلك مما يتضمن إباحة الزنا و تعطيل حدِّه من الجلد و الرجم.
هـ) الإذن بصناعة الخمر، و المتاجرة فيه، و منع عقوبة شاربه.
3 - تولي الكفار من اليهود و النصارى، و المشركين، بمناصرتهم على المسلمين، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء بعضهم أولياء بعض و من يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) المائدة: 51.
4 - أن يترك المسلم الصلاة دائماً بحيث لا يصلى إلا مجاملة للناص إذا كان بينهم، و لو بغير طهارة، فإن ترك الصلاة على هذا الوجه لا يصدر ممن يقر بوجوبها في الباطن، فكفر بترك الإرار بوجوب الصلاة؛ لا بمطلق ترك الصلاة الذي اختلف فيه أهل السنة، و لهذا يجب أن يفرق بين هذا و بين من يصلي لكنه لا يحافظ عليها فيتركها أحياناً و يقص في واجباتها، كما يدل على ذلك حديث عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول (خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من أتى بهن و لم يضيع من حقهن شيئاً – استخفافاً بحقهن – كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، و من لم يأت بهن جاء و ليس عنده له عند الله عهد، إن شاء عذبه، و إنشاء أدخله الجنة).
قال شيخ الإسلام بن تيمية في " مجموع الفتاوى " (22/ 49):
(فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، و يموت على هذا لا إصرار، والترك، فهذا لا يكون مسلماً، لكن أكثر الناس يصلون تارة، و يتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، و هؤلاء تحت الوعيد، و هم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن حديث عبادة بن الصامت .... – و ذكر الحديث – فالمحافظ عليها الذي يصليها في مواقيتها كما أمر الله تعالى، و الذي يؤخرها أحياناً عن وقتها، أو يترك واجباتها، فهذا تحت مشيئة الله تعالى، و قد يكون لهذا نوافل يكمل بعها فرائضه كما جاء في الحديث).
و قال – رحمه الله – في الأمراء الذين أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أنهم يؤخرون الصلاة عن وقتها كما في " مجموع الفتاوى 22/ 61 " (و إن قيل – و هو الصحيح – أنهم كانوا يفوتونها فقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم الأمة بالصلاة في الوقت، و قال: أجعلوا صلاتكم معهم نافلة، و نهى عن قتالهم .. و مؤخرها عن وقتها فاسق و الأمة لا يقاتلون بمجرد الفسق .. و هؤلاء الأئمة فساق و قد أمر بفعلها خلفهم نافلة) اهـ بتصرف.
5 – و منها تعمد إلقاء المصحف في الحش أو البول عليه، أو كتابته بالنجاسة، لا يصدر عمن يقر بأنه كلام الله – عز وجل – قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في " مجموع الفتاوى 7/ 616 " (و لا يتصور في العادة أن رجلاً يكون مؤمناً بقلبه، مقر بأن الله أوجب عليه الصلاة، مقرا بأن الله أوجب عليه الصالة، ملتزماً لشرعية النبي صلى الله عليه و سلم وما جاء به، يأمره ولي الأمر بالصلاة، فيمتنع حتى يقتل، و يكون مع ذلك مؤمناً في الباطن، قد لا يكون إلا كافراً، و لو قال: أنا مقر بوجوبها، غير أني لا أفعلها كان هذا القول مع هذه الحال كذباً منه، كما لو أخذ يلقي المصحف في الحش و يقول: أشهد أن ما فيه كلام الله، أو جعل يقتل نبياً من الأنبياء و يقول: اشهد أنه رسول الله، و نحو ذلك من الأفعال التي تنافي إيمان القلب، فإذا قال: أنا مؤمن بقلبي، مع هذه الحال كان كاذباً فيما أظهره من القول).
أما قول السائل: (و هل سوء التربية عذراً في كفر من سب الله أو رسوله؟)
فالجواب:
أن سب الله و رسوله من نواقض الإسلام البينة، لأنه استهانة بالله و رسوله، و ذلك من يناقض ما تقتضيه الشهادتين من تعظيم لله و رسوله.
و سوء التربية ليس عذراً للمكلف في ترك واجب، و لا فعل محرم من سائر المحرمات فضلاً عما هو من أنواع الكفر بالله.
و لو صح ان سيء التربية عذر في شيء من ذلك لكان أولاء اليهود و النصارى و غيرهم معذورين في تهودهم، و تنصرهم، و هذا لا يقوله مسلم، و من قال ذلك فهو كافر يُعرّف و يستتاب، فإن تاب و إلا وجب قتله مرتداً.
و في الصحيحن عن أبي هريرة أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، و ينصرانه، و يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، فهل تحسون فيها من جدعاء؟) ثم يقول أبو هريرة: و أقرؤوا إن شئتم (فِطْرَتَ الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) الروم: 30.
و قال تعالى (بل قالوا إنا جدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مهتدون) الزخرف: 22.
هذا و أسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه، و أن يحبب غلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، و يكره إلينا الكفر و الفسوق و العصيان، و يجعلنا من الراشدين، إنه تعالى سميع الدعاء، و صلى الله على نبينا محمد، و على آله و صحبه و سلم.
كتبه فضيلة الشيخ
عبدالرحمن بن ناصر البراك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/372)
ـ[عبدالله بن عبدالرحمن]ــــــــ[12 - 04 - 03, 07:26 م]ـ
أسئلة وأجوبة
في
مسائل الإيمان والكفر
لفضيلة الشيخ الدكتور
صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان
عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد .. فهذه أسئلة مهمة من طلاب العلم والدعاة إلى الله إلى شيخنا الفاضل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تعالى وبارك فيه وفي علمه، ونفع به الإسلام والمسلمين .. نقدمها إليه رجاءً منه بالإجابة بما يفتح الله عليه من الكتاب والسنة لعل الله أن ينفع بها:
السؤال الأول:
بمَ يكون الكفر الأكبر أو الردّة؟ هل هو خاص بالاعتقاد والجحود والتكذيب، أم هو أعم من ذلك؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن مسائل العقيدة مهمة جداً، ويجب تعلم العقيدة بجميع أبوابها وجميع مسائلها وتلقيها عن أهل العلم، فلا يكفي فيها إلقاء الأسئلة وتشتيت الأسئلة فيها، فإنها مهما كثرت الأسئلة وأجيب عنها، فإن الجهل سيكون أكبر. فالواجب على من يريد نفع نفسه ونفع إخوانه المسلمين أن يتعلم العقيدة من أولها إلى آخرها، وأن يلم بأبوابها ومسائلها، ويتلقاها عن أهل العلم ومن كتبها الأصيلة، من كتب السلف الصالح .. وبهذا يزول عنه الجهل ولا يحتاج إلى كثرة الأسئلة، وأيضاً يستطيع هو أن يبين للناس وأن يعلم الجهّال، لأنه أصبح مؤهلاً في العقيدة.
كذلك لا يتلقى العقيدة عن الكتب فقط .. أو عن القراءة والمطالعة، لأنها لا تؤخذ مسائلها ابتداءً من الكتب ولا من المطالعات، وإنما تؤخذ بالرواية عن أهل العلم وأهل البصيرة الذين فهموها وأحكموا مسائلها ..
هذا هو واجب النصيحة ..
أما ما يدور الآن في الساحة من كثرة الأسئلة حول العقيدة ومهماتها من أناس لم يدرسوها من قبل، أو أناس يتكلمون في العقيدة وأمور العقيدة عن جهل أو اعتماد على قراءتهم للكتب أو مطالعاتهم، فهذا سيزيد الأمر غموضاً ويزيد الإشكالات إشكالات أخرى، ويثبط الجهود ويحدث الاختلاف، لأننا إذا رجعنا إلى أفهامنا دون أخذ للعلم من مصادره، وإنما نعتمد على قراءتنا وفهمنا، فإن الأفهام تختلف والإدراكات تختلف .. وبالتالي يكثر الاختلاف في هذه الأمور المهمة. وديننا جاءنا بالاجتماع والائتلاف وعدم الفرقة، والموالاة لأهل الإيمان والمعاداة للكفار .. فهذا لا يتم إلا بتلقي أمور الدين من مصادرها ومن علمائها الذين حملوها عمن قبلهم وتدارسوها بالسند وبلغوها لمن بعدهم .. هذا هو طريق العلم الصحيح في العقيدة وفي غيرها، ولكن العقيدة أهم لأنها الأساس، ولأن الاختلاف فيها مجال للضلال ومجال للفرقة بين المسلمين.
والكفر والردّة يحصلان بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام، فمن ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام المعروفة عند أهل العلم فإنه بذلك يكون مرتداً ويكون كافراً، ونحن نحكم عليه بما يظهر منه من قوله أو فعله، نحكم عليه بذلك لأنه ليس لنا إلا الحكم بالظاهر، أما أمور القلوب فإنه لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. فمن نطق بالكفر أو فعل الكفر، حكمنا عليه بموجب قوله وبموجب نطقه وبموجب فعله إذا كان ما فعله أو ما نطق به من أمور الردّة.
السؤال الثاني:
هناك من يقول: " الإيمان قول واعتقاد وعمل، لكن العمل شرط كمال فيه "، ويقول أيضاً: " لا كفر إلا باعتقاد " .. فهل هذا القول من أقوال أهل السنة أم لا؟
الجواب:
الذي يقول هذا ما فهم الإيمان ولا فهم العقيدة، وهذا هو ما قلناه في إجابة السؤال الذي قبله: من الواجب عليه أن يدرس العقيدة على أهل العلم ويتلقاها من مصادرها الصحيحة، وسيعرف الجواب عن هذا السؤال.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/373)
وقوله: إن الإيمان قول وعمل واعتقاد .. ثم يقول: إن العمل شرط في كمال الإيمان وفي صحته، هذا تناقض!! كيف يكون العمل من الإيمان ثم يقول العمل شرط، ومعلوم أن الشرط يكون خارج المشروط، فهذا تناقض منه. وهذا يريد أن يجمع بين قول السلف وقول المتأخرين وهو لا يفهم التناقض، لأنه لا يعرف قول السلف ولا يعرف حقيقة قول المتأخرين، فأراد أن يدمج بينهما .. فالإيمان قول وعمل واعتقاد، والعمل هو من الإيمان وهو الإيمان، وليس هو شرطاً من شروط صحة الإيمان أو شرط كمال أو غير ذلك من هذه الأقوال التي يروجونها الآن. فالإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح وهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
السؤال الثالث:
هل الأعمال ركن في الإيمان وجزء منه أم هي شرط كمال فيه؟
الجواب:
هذا قريب من السؤال الذي قبله، سائل هذا السؤال لا يعرف حقيقة الإيمان. فلذلك تردد: هل الأعمال جزء من الإيمان أو أنها شرط له؟ لأنه لم يتلق العقيدة من مصادرها وأصولها وعن علمائها. وكما ذكرنا أنه لا عمل بدون إيمان ولا إيمان بدون عمل، فهما متلازمان، والأعمال هي من الإيمان بل هي الإيمان: الأعمال إيمان، والأقوال إيمان، والاعتقاد إيمان، ومجموعها كلها هو الإيمان بالله عز وجل، والإيمان بكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره.
السؤال الرابع:
ما أقسام المرجئة؟ مع ذكر أقوالهم في مسائل الإيمان؟
الجواب:
المرجئة أربعة أقسام:
القسم الأول: الذين يقولون الإيمان وهو مجرد المعرفة، ولو لم يحصل تصديق .. وهذا قول الجهمية، وهذا شر الأقوال وأقبحها، وهذا كفر بالله عز وجل لأن المشركين الأولين وفرعون وهامان وقارون وإبليس كلٌ منهم يعرفون الله عز وجل، ويعرفون الإيمان بقلوبهم، لكن لما لم ينطقوه بألسنتهم ولم يعملوا بجوارحهم لم تنفعهم هذه المعرفة.
القسم الثاني: الذين قالوا إن الإيمان هو تصديق القلب فقط، وهذا قول الأشاعرة، وهذا أيضاً قول باطل لأن الكفار يصدقون بقلوبهم، ويعرفون أن القرآن حق وأن الرسول حق، واليهود والنصارى يعرفون ذلك: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) فهم يصدقون به بقلوبهم! قال تعالى في المشركين: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) .. فهؤلاء لم ينطقوا بألسنتهم، ولم يعملوا بجوارحهم مع إنهم يصدقون بقلوبهم فلا يكونون مؤمنين.
الفرقة الثالثة: التي تقابل الأشاعرة وهم الكرَّامية، الذين يقولون: إن الإيمان نطق باللسان ولو لم يعتقد بقلبه، ولا شك أن هذا قول باطل لأن المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار يقولون: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله بألسنتهم، ولكنهم لا يعتقدون ذلك ولا يصدقون به بقلوبهم، كما قال تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ @ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، قال سبحانه وتعالى: (يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)
الفرقة الرابعة: وهي أخف الفرق في الإرجاء، الذين يقولون إن الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان ولا يدخل فيه العمل وهذا قول مرجئة الفقهاء وهو قول باطل أيضا.
السؤال الخامس:
هل خلاف أهل السنة مع مرجئة الفقهاء في أعمال القلوب أو الجوارح؟ وهل الخلاف لفظي أو معنوي؟ نرجو من فضيلتكم التفصيل.
الجواب:
خلافهم في العمل، خلاف مرجئة الفقهاء مع جمهور أهل السنة هو اختلاف في العمل الظاهر، كالصلاة والصيام والحج، فهم يقولون إنه ليس من الإيمان وإنما هو شرط للإيمان، إما شرط صحة وإما شرط كمال، وهذا قول باطل كما عرفنا.
والخلاف بينهم وبين جمهور أهل السنة خلاف معنوي وليس خلافاً لفظي، لأنهم يقولون إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص بالأعمال، فلا يزيد بالطاعة ولا ينقص بالمعصية .. وإيمان الناس سواء لأنه عندهم التصديق بالقلب مع القول باللسان! وهذا قول باطل.
السؤال السادس:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/374)
ما حكم من ترك جميع العمل الظاهر بالكلية لكنه نطق بالشهادتين ويقر بالفرائض لكنه لا يعمل شيئاً البتة، فهل هذا مسلم أم لا؟ علماً بأن ليس له عذر شرعي يمنعه من القيام بتلك الفرائض؟
الجواب:
هذا لا يكون مؤمناً، من كان يعتقد بقلبه ويقر بلسانه ولكنه لا يعمل بجوارحه، عطّل الأعمال كلها من غير عذر هذا ليس بمؤمن، لأن الإيمان كما ذكرنا وكما عرفه أهل السنة والجماعة أنه: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، لا يحصل الإيمان إلا بمجموع هذه الأمور، فمن ترك واحداً منها فإنّه لا يكون مؤمناً.
السؤال السابع:
هل تصح هذه المقولة: " من قال الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص فقد بريء من الإرجاء كله حتى لو قال لا كفر إلا باعتقاد وجحود "؟
الجواب:
هذا تناقض!! إذا قال لا كفر إلا باعتقاد أو جحود فهذا يناقض قوله إن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، هذا تناقض ظاهر، لأنه إذا كان الإيمان قول باللسان واعتقاد الجنان وعمل بالجوارح وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية … فمعناه أنه من تخلى من شيء من ذلك فإنه لا يكون مؤمناً.
السؤال الثامن:
هل هذا القول صحيح أم لا: (أن من سب الله وسب الرسول ? ليس بكفر في نفسه، ولكنه أمارة وعلامة على ما في القلب من الاستخفاف والاستهانة)؟
الجواب:
هذا قول باطل، لأن الله حكم على المنافقين بالكفر بعد الإيمان بموجب قولهم: (ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أجبن عند اللقاء) يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأنزل الله فيهم قوله سبحانه وتعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ @ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)، فكفّرهم بهذه المقالة ولم يشترط في كفرهم أنهم كانوا يعتقدون ذلك بقلوبهم، بل إنه حكم عليهم بالكفر بموجب هذا المقالة. وكذلك قوله تعالى: (وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) فرتب الكفر على قول كلمة الكفر.
السؤال التاسع:
ما حكم من يسب الله ورسوله ويسب الدين فإذا نُصح في هذا الأمر تعلَّل بالتكسب وطلب القوت والرزق، فهل هذا كافر أم هو مسلم يحتاج إلى تعزير وتأديب؟ وهل يقال هنا بالتفريق بين السب والساب؟
الجواب:
لا يجوز للإنسان أن يكفر بالله بالقول أو بالفعل أو بالاعتقاد ويقول إن هذا لأجل طلب الرزق، فالرزق عند الله سبحانه وتعالى، والله جل وعلا يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)، فالرزق بيد الله عز وجل، والله جل وعلا حكم بالكفر على من آثر الدنيا على الآخرة، قال سبحانه وتعالى في وصف المرتدين والمنافقين: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، فحكم عليهم بأنهم تركوا إيمانهم بسبب أنهم يريدون أن يعيشوا مع الناس ويكونوا مع الناس، (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ)، فلو توكلوا على الله لرزقهم الله عز وجل.
السؤال العاشر:
ما هو القول فيمن نصب الأصنام والأضرحة والقبور، وبنى عليها المساجد والمشاهد، وأوقف عليها الرجال والأموال، وجعل لها هيئات تشرف عليها، ومكَّن الناس من عبادتها والطواف حولها ودعائها والذبح لها؟
الجواب:
هذا حكمه أنه يكفر بهذا العمل، لأن فعله هذا دعوة للكفر.
إقامته للأضرحة وبناؤه لها ودعوة الناس إلى عبادتها وتنصيب السدنة لها، هذا يدل على رضاه بهذا الأمر، وعلى أنه يدعو إلى الكفر ويدعوا إلى الضلال والعياذ بالله.
السؤال الحادي عشر:
هل تصح الصلاة خلف إمام يستغيث بالأموات ويطلب المدد منهم أم لا؟
وماذا عن رجل يكذب ويتعمد الكذب و يؤذي الصالحين ويؤم الناس. هل يقدم في الصلاة إذا عرف عنه الكذب والفسوق؟
الجواب:
لا تصح الصلاة خلف المشرك الذي شركه شرك أكبر يخرج من الملة، ودعاء الأموات والاستغاثة بهم، هذا شرك أكبر يخرج من الملّة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/375)
فهذا ليس بمسلم لا تصح صلاته في نفسه ولا تصح صلاة من خلفه، إنما يشترط للإمام أن يكون مؤمناً بالله وبرسوله، ويكون عاملاً بدين الإسلام ظاهراً وباطناً.
أما الرجل الأخر وما يفعله فهذه كبائر من كبائر الذنوب: الكذب، واكتساب الكبائر التي دون الشرك وأذية المسلمين .. هذه كبائر من كبائر الذنوب، لا تقتضي الكفر، ولا ينبغي أن يُنصَّب إماماً للناس، لكن من جاء ووجدهم يصلون وهو يصلي بهم، يصلي خلفه ولا يصلي منفرداً، إلى أن يجد إماماً صالحاً مستقيماً فيذهب إليه.
السؤال الثاني عشر:
هناك بعض الأحاديث التي يستدل بها البعض على أن من ترك جميع الأعمال بالكلية فهو مؤمن ناقص الإيمان .. كحديث (لم يعملوا خيراً قط) وحديث البطاقة وغيرها من الأحاديث؛ فكيف الجواب على ذلك؟
الجواب:
هذا من الاستدلال بالمتشابه، هذه طريقة أهل الزيغ الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ)، فيأخذون الأدلة المتشابهة ويتركون الأدلة المحكمة التي تفسرها وتبينها .. فلا بد من رد المتشابهة إلى المحكم، فيقال من ترك العمل لعذر شرعي ولم يتمكن منه حتى مات فهذا معذور، وعليه تحمل هذه الأحاديث .. لأن هذا رجل نطق بالشهادتين معتقداً لهما مخلصاً لله عز وجل، ثم مات في الحال أو لم يتمكن من العمل، لكنه نطق بالشهادتين مع الإخلاص لله والتوحيد كما قال صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله فقد حرم دمه وماله) .. وقال: (فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)، هذا لم يتمكن من العمل مع انه نطق بالشهادتين واعتقد معناهما وأخلص لله عز وجل، لكنه لم يبق أمامه فرصة للعمل حتى مات فهذا هو الذي يدخل الجنة بالشهادتين، وعليه يحمل حديث البطاقة وغيره مما جاء بمعناه، والذين يُخرجون من النار وهم لم يعملوا خيراً قط لأنهم لم يتمكنوا من العمل مع أنهم نطقوا بالشهادتين ودخلوا في الإسلام، هذا هو الجمع بين الأحاديث.
السؤال الثالث عشر:
ما حكم من يدعو غير الله وهو يعيش بين المسلمين وبلغه القرآن، فهل هذا مسلم تلبس بشرك أم هو مشرك؟
الجواب:
من بلغه القرآن والسنة على وجه يستطيع أن يفهمه لو أراد ثم لم يعمل به ولم يقبله فإنه قد قامت عليه الحجة، ولا يعذر بالجهل لأنه بلغته الحجة، والله جل وعلا يقول: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ)، سواء كان يعيش مع المسلمين أو يعيش مع غير المسلمين .. فكل من بلغه القرآن على وجه يفهمه لو أراد الفهم ثم لم يعمل به فإنه لا يكون مسلماً ولا يعذر بالجهل.
السؤال الرابع عشر:
هل يشترط في إقامة الحجة فهم الحجة فهماً واضحاً جلياً أم يكفي مجرد إقامتها؟ نرجو التفصيل في ذلك مع ذكر الدليل؟
الجواب:
هذا ذكرناه في الجواب الذي قبل هذا، أنه إذا بلغه الدليل من القرآن أو من السنة على وجه يفهمه لو أراد .. أي بلغه بلغته، وعلى وجه يفهمه، ثم لم يلتفت إليه ولم يعمل به فهذا لا يعذر بالجهل لأنه مفرِّط.
السؤال الخامس عشر:
هل تكفير شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – للطائفة الممتنعة من أداء شعيرة الزكاة - حين فعل هذا من ارتد من العرب - لأجل جحدهم للوجوب أم لأجل مجرد المنع وعدم الالتزام بالأداء؟
الجواب:
هذا فصّل فيه أهل العلم، قالوا إن مانع الزكاة إن كان يجحد وجوبها فهذا كافر ويقاتل قتال ردة، وأما إن كان منعه لها من أجل بخل وهو يعتقد وجوبها فهذا يقاتل حتى يخضع لأداء الزكاة فلا يحكم بكفره، فيقاتل امتناعاً لمنعه الزكاة حتى تؤخذ منه. وأما ما نُسب إلى الشيخ تقي الدين ابن تيمية إلى أنه كفرهم مطلقاً فأنا لم أطلع على هذا الكلام.
السؤال السادس عشر:
ما حكم تنحية الشريعة الإسلامية واستبدالها بقوانين وضعية كالقانون الفرنسي والبريطاني وغيرها، مع جعله قانوناً ينص فيه على أن قضايا النكاح والميراث بالشريعة الإسلامية؟
الجواب:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/376)
من نحّى الشريعة الإسلامية نهائياً وأحل مكانها القانون فهذا دليل على أنه يرى جواز هذا الشيء، لأنه ما نحاها وأحل محلها القانون إلا لأنه يرى أنها أحسن من الشريعة، ولو كان يرى أن الشريعة أحسن منها لما أزاح الشريعة وأحل محلها القانون، فهذا كفر بالله عز وجل.
أما من نص على أن قضايا النكاح والميراث فقط تكون على حسب الشريعة، هذا يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، يعني يحكّم الشريعة في بعض، ويمنعها في بعض، والدين لا يتجزأ، تحكيم الشريعة لا يتجزأ، فلا بد من تطبيق الشريعة تطبيقا كاملاً، ولا يطبق بعضها ويترك بعضها.
السؤال السابع عشر:
ما حكم من يقول بأن من قال: أن من ترك العمل الظاهر بالكلية بما يسمى عند بعض أهل العلم بجنس العمل أنه كافر؛ أن هذا القول قالت به فرقة من فرق المرجئة؟
الجواب:
هذا كما سبق. أن العمل من الإيمان، العمل إيمان، فمن تركه يكون تاركاً للإيمان، سواء ترك العمل كله نهائياً فلم يعمل شيئاً أبداً، أو أنه ترك بعض العمل لأنه لا يراه من الإيمان ولا يراه داخلاً في الإيمان فهذا يدخل في المرجئة.
السؤال الثامن عشر:
هل تكفير السلف - رضوان الله عليهم – للجهمية، كفر أكبر مخرج من الملة أم هو كفر دون كفر والمراد منه الزجر والتغليظ فقط؟
الجواب:
تكفير السلف للجهمية تكفير بالكفر الأكبر لأنهم جحدوا كلام الله عز وجل، قالوا: كلام الله مخلوق، وجحدوا أسماء الله وصفاته فهم معطلة، وهم مكذبون لما في القرآن وما في السنة من إثبات أسماء الله وصفاته، وأيضاً يعتقدون بالحلول وأن الله تعالى حال في كل مكان تعالى الله عمّا يقولون. فمقالاتهم تقتضي الكفر الأكبر، فتكفير السلف لهم هو من التكفير بالكفر الأكبر، إلا من كان جاهلاً مقلداً اتبعهم وهو يظن أنهم على حق ولم يعرف مذهبهم ولم يعرف حقيقة قولهم فهذا قد يعذر بالجهل.
السؤال التاسع عشر:
هل إطلاقات السلف في تكفير أعيان الجهمية كتكفير الشافعي لحفص الفرد حين قال بخلق القرآن فقال له الشافعي: كفرت بالله العظيم؛ كما نقل ذلك اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، وكتكفير الجهم بن صفوان وبشر المريسي والنظَّام وأبو الهذيل العلاّف كما ذكر ذلك ابن بطة في الإبانة الصغرى … يراد منه تكفير أعيان هؤلاء أم تكفير ألفاظهم لا أعيانهم؟
الجواب:
من نطق بالكفر أو فعل الكفر فإنه يكفر بعينه، فمن فعل الكفر أو نطق به وهو ليس ممن يعذر بالجهل فإنه يكفر بعينه، ونحكم عليه بالكفر.
السؤال العشرون:
ترد بعض الإصطلاحات في كتب أهل السنة مثل: الالتزام، الإقناع، كفر الإعراض، فما معنى هذه المصطلحات؟
الجواب:
الكفر أنواع: منه كفر الإعراض وكفر التكذيب ومنه كفر الجحود، كل هذه أنواع من الكفر، فالكفر ليس نوعاً واحداً وإنما هو أنواع. وأيضا الكفر ينقسم إلى كفر أكبر مخرج من الملة، وكفر أصغر لا يخرج من الملّة، فلا بد من دراسة هذه الأمور ومعرفتها بالتفصيل، فالكفر ليس على حد سواء.
السؤال الحادي والعشرون:
ما معنى قول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الناقض الثالث من نواقض الإسلام: " من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم فهو مثلهم "؟
الجواب:
أي نعم هو كذلك، لأنه رضي بما هم عليه ووافقهم على ما هم عليه، فمن لم يكفرهم أو رضي بما هم عليه أو دافع دونهم فإنّه يكون كافراً مثلهم، لأنه رضي بالكفر وأقرّه ولم ينكره.
السؤال الثاني والعشرون:
ما حكم من يقول: (إن الشخص إذا لم يكفر النصارى لعدم بلوغ آية سورة المائدة: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ... } فإنه لا يكفر حتى يعلم بالآية)؟
الجواب:
ليس تكفير اليهود والنصارى قاصراً على سورة المائدة، بل تكفيرهم كثير في القرآن، وأيضاً كفرهم ظاهر من أقوالهم وأفعالهم وما في كتبهم التي يتدارسونها، مثل قولهم: المسيح ابن الله، أو قولهم إن الله ثالث ثلاثة، وقولهم إن الله هو المسيح ابن مريم، أو قول اليهود إن عزيراً ابن الله، أو أن الله فقير ونحن أغنياء أو يد الله مغلولة .. أو غير ذلك مما هو موجود في كتبهم التي في أيديهم، فكفرهم ظاهر في غير سورة المائدة.
السؤال الثالث والعشرون:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/377)
ما الدليل على مشروعية شروط شهادة: أن لا إله إلا الله، من العلم والانقياد والصدق والإخلاص والمحبة والقبول واليقين، وما الحكم في من يقول " تكفي شهادة أن لا إله إلا الله بمجرد قولها دون هذه الشروط "؟
الجواب:
هذا إمّا أنه مضلل، يريد تضليل الناس وإمّا أنه جاهل يقول ما لا يعلم. فلا إله إلا الله ليست مجرد لفظ، بل لا بد لها من معنى ومقتضى، ليست مجرد لفظ يقال باللسان. والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله)، أو قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)، إلا بحق لا إله إلا الله .. فلم يكتف بمجرد قولهم لا إله إلا الله إذا لم يلتزموا بحقها وهو العمل بمقتضاها ومعرفة معناها، فليست لا إله إلا الله مجرد لفظ يقال باللسان .. ومنها تؤخذ هذه الشروط العشرة التي ذكرها أهل العلم.
السؤال الرابع والعشرون:
نرجو تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} الآية تفسيراً مفصَّلاً مع بيان حكم الإكراه في هذه الآية؟
الجواب:
هذه الآية تدل على أن من نطق بكلمة الكفر مكرهاً عليها وهو غير معتقد لها، وإنما قالها ليتخلص بها من الإكراه فإنه معذور. كما في قصة عمّار بن ياسر رضي الله عنه لمّا أجبره المشركون على أن يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآذوه وأبوا أن يطلقوه حتى يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فتكلم بلسانه بما يطلبون منه، وجاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كيف تجد قلبك؟ قال: أجد في قلبي الإيمان بالله ورسوله، فأنزل الله تعالى (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ @ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ)
فإذا قال الإنسان كلمة الكفر مكرهاًَ عليها يريد التخلص من الإكراه فقط ولم يوافقه بقلبه فإنها رخصة رخص الله فيها للمكره، وهذه خاصة بالمكره دون غيره. وكذلك في قوله: (إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) أي من الكفار، فهذا في الإكراه، وأما في غير الإكراه فلا يجوز موافقتهم ولا إعطائهم ما يطلبون من كلام الكفر أومن فعل الكفر.
السؤال الخامس والعشرون:
ما حكم موالاة الكفار والمشركين؟ ومتى تكون هذه الموالاة كفراً أكبر مخرجاً عن الملّة؟ ومتى تكون ذنباً وكبيرة من كبائر الذنوب؟
الجواب:
الله جلّ وعلى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، وقوله سبحانه: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)، فيجب معاداة الكفار وبغضهم وعدم مناصرتهم على المسلمين، وقطع الصلة معهم من ناحية المودة والمحبة وبغض ما هم عليه من الكفر، كل هذا يجب على المسلم أن يقاطعهم فيه وأن يبتعد عنهم ولا يحبهم ولا يناصرهم على المسلمين ولا يدافع عنهم ولا يصحح مذهبهم، بل يصرح بكفرهم وينادي بكفرهم وضلالهم ويحذر منهم.
السؤال السادس والعشرون:
ما هي نصيحتكم لطلبة العلم لمن أراد ضبط مسائل التوحيد والشرك ومسائل الإيمان والكفر؟ وما هي الكتب التي تكلمت عن هذه المسائل وفصَّلتها؟
الجواب:
هذا أشرنا إليه في مطلع الأجوبة، بأن المعتمد في هذا كتب السلف الصالح. فعليه أن يراجع كتب سلف هذه الأمة من الأئمة الأربعة وقبلهم الصحابة والتابعون وأتباعهم والقرون المفضلة، وهذا موجود في كتبهم ولله الحمد، في كتب الإيمان وكتب العقيدة وكتب التوحيد المتداولة المعروفة عن الأئمة الكبار رحمهم الله، مثل كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب الإمام ابن القيم، وكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب .. وكتب السلف الصالح: مثل كتاب الشريعة للآجري، والسنة لعبدالله بن الإمام أحمد، والسنّة للخلال، ومثل كتاب العقيدة الطحاوية وشرحها للعز بن أبي العز … كل هذه من كتب أهل السنة ومن العقائد الصحيحة الموروثة عن السلف الصالح فليراجعها المسلم. ولكن كما ذكرنا لا يكفي الاقتصار على مطالعة الكتب وأخذ العلم عنها بدون معلم وبدون مدرس، بل لا بد من اللقاء مع العلماء ولابد من الجلوس في حلقات التدريس، إما الفصول الدراسية وإما في حلق العلم في المساجد ومجالس العلم، فلا بد من تلقي العلم عن أهله سواء في العقيدة أو في غير العقيدة، و لكن العقيدة الحاجة أشد في هذا لأنها هي الأساس، ولأن الغلط والخطأ فيها ليس كالخطأ والغلط في غيرها.
وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/378)
ـ[عبدالله بن عبدالرحمن]ــــــــ[12 - 04 - 03, 07:31 م]ـ
الرَدّ الأَسْمَى
على
القَوْلِ الأَسْنَى
كتبها
العبدالكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بُعث رحمة للعالمين. وبعد:
فقد كتب الأخ أحمد بن صالح الزهراني كتاباً صدر عام 1419هـ بعنوان ((ضبط الضوابط في الإيمان ونواقضه)) ضمنه اعتقاد المرجئة المذموم في أن العمل الظاهر شرط كمال في الإيمان، وقد أصدرت اللجنة الدائمة بياناً وتحذيراً من الكتاب قالت عنه: ((كتاباً يدعو إلى مذهب الإرجاء المذموم، لأنه لا يعتبر الأعمال الظاهرة داخلة في حقيقة الإيمان)) وكان ذلك برئاسة الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله وعضوية كلٍ من: آل الشيخ والغديان والفوزان وبكر أبوزيد.
ثم يفاجئنا الزهراني مرة أخرى بكتاب آخر بعنوان: ((القول الأسنى في الحد الأدنى)) يؤكد فيه معتقده الإرجائي الردي، في الوقت الذي كنا نعتقد أنه سيهتدي بهدي السلف ويتبع منهجهم ويقتفي أثرهم ويحذو حذو علمائهم. ولما كانت أدلته في هذا الكتاب لا تختلف كثيراً عن أدلته في سابقه، ولما كان الجديد منها سبق أن طرحه هو بنفسه على ساحات الحوار ورد عليه أهل السنة الغيورون على منهج السلف الصالح دون أن يكون هناك أي تراجع منه إلى الحق فإني رأيت أن الرد العلمي على الأدلة دليلاً دليلاً لا طائل تحته ولا فائدة مرجوة منه، فعدلت عن ذلك بطرح مسائل من كتابه هذا ((القول الأسنى)) بينت عوارها وتناقضها بما سميته ((الرد الأسمى على القول الأسنى)) وكان ذلك في ثلاث وثلاثين مسألة: وقبل البدء في عرضها والتعليق عليها أحب أن أنبه إلى نقطتين:
الأولى: أنني سأمر على الكتاب صفحة صفحة من أوله إلى آخره وكلما وجدت كلاماً له يحتاج إلى تعليق نقلته وجعلته مسألة وعلقت عليها.
الثانية: أعتذر سلفاً للقارئ مما يجد من تكرار لبعض الكلام والتعليقات وما ذلك إلا لأن الكتاب يكرر نفس الفكرة والخطأ والتناقض وسوء فهم عبارات السلف فاقتضى ذلك التكرار للرد عليه.
المسألة الأولى:
قال غفر الله له: ((ولم يشذّ في ذلك إلاّ فرقتان، هوّنت من شأن الكلمة، كلمة التّوحيد، فأمّا إحداهما فأفرغتها من محتواها وجرّدتها من لوازمها، وظنّت أنّ النّجاة المطلقة والأمن المطلق يحصل لمن قالها ولو لم يعمل، وهؤلاء هم المرجئة. وأمّا الأخرى فزعمت أنّها لا قيمة لها في ذاتها، وأنّ قيمة الكلمة في العمل بإطلاق، فكفّرت مرتكب الكبيرة وتارك الفرائض، وزعمت أنّه خالد مخلّد في النّار، وأتبعت ذلك بتطبيق كافّة أحكام المرتد في حقه، وهؤلاء هم الخوارج الحروريّة كلاب النّار.))
التعليق: يوهم -هداه الله- أن ليس ثمت إلا هاتين الفرقتين:
الأولى: المرجئة وهم عنده من ظن أن النجاة المطلقة تحصل لمن قال كلمة التوحيد ولو لم يعمل.
والثانية: الخوارج الذين كفروا مرتكب الكبيرة وتارك الفرائض، وفي هذا من التدليس والتلبيس ما فيه.
فأولاً نقول له وماذا عن الفرقة التي تقول أن النجاة تحصل لمن قال كلمة التوحيد ولو لم يعمل هل هي من المرجئة أم لا؟ طبعاً سيقول لك لا! لأنه من هذه الفرقة فهو يقول بالنجاة ولو لم يعمل لكن ليست النجاة المطلقة، لأن الزهراني ومن نحا نحوه يرون نجاة من قال كلمة التوحيد ولو لم يعمل شيئاً، لكنه لا يرى النجاة المطلقة –يعني يعذب ثم يخلد في الجنة- وهذه الفرقة لم يذكرها مع وجودها. فنقول له وماذا عمن عدها من المرجئة هل هو من الخوارج كلاب النار وقد علمت قبل قليل من قال بذلك من العلماء المعاصرين.
وثانياً: لماذا الخلط بين من كفر مرتكب الكبيرة ومن كفر تارك الفرائض مع أن الأول من الخوارج بالإجماع والثاني قال به بعض أهل السنة، أهو الجهل أم التدليس على الجهلة؟! أحلاهما أمرهما.
المسألة الثانية:
أطال في الكلام عن الخوارج وسمات الخوارج وكأن الخلاف بينه وبينهم فقط مع أنه كما مرَّ معك الخلاف بينه وبين كبار العلماء وعلى رأسهم الإمام عبدالعزيز بن باز فتأمل!!
المسألة الثالثة:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/379)
تحت عنوان: ((الحدّ الأدنى للإسلام)) قال: ((هذه هي الصّورة الّتي أودّ الحديث عنها وهي رجل ينطق بالشّهادتين مقرّاً بها قلبُه ولم يأت بناقض لها، هل هو تحت المشيئة أم لا؟)) التعليق: لو كان مقراً بها حقاً لأتى بمقتضياتها، وما رأيك لو قال قائل: رجل ينطق بالشّهادتين مقرّاً بها قلبُه وأتى بناقض لها ألا يعتبر هذا تناقضاً؟! فهذا كهذا، لأن مخالفك يعد ترك عمل الجوارح بالكلية ناقضاً من نواقض الإيمان.
المسألة الرابعة:
ثم قال: ((وبعض النّاس يجعل هذه الصّورة وهميّة لا تقع في الشّاهد، ويستدلّ بكلامٍ لشيخ الإسلام رحمه الله كقوله: (ولهذا فرض متأخّروا الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها، وهو أنّ الرّجل إذا كان مقرّاً بوجوب الصّلاة فدُعي إليها فامتنع واستُتيب ثلاثاً مع تهديده بالقتل فلم يصلّ حتّى قتل، هل يموت كافراً أو فاسقاً؟ وهذا فرضٌ باطل، فإنّه يمتنع أن يكون الرّجل يعتقد أنّ الله فرضها عليه وأنّه يعاقبه على تركها ويصبر على القتل مقابل أن لايسجد لله من غير عذر، هذا لايفعله بشرٌ قط، بل لا يُضرب أحدٌ ممّن يقرّ بوجوبها إلاّ صلّى) التعليق: ما رأيك لو قتل وهو مقرٌ بها قلبه هل تكفره؟ فإن قلت: يمتنع، قلنا لك: وذاك الذي لم يعمل العمل الظاهر مطلقاً يمتنع أن يكون مقراً بقلبه، فدليلك على امتناع ذاك هو دليلنا على لمتناع هذا.
المسألة الخامسة:
ثم قال: ((ولكنّ النّصوص من الكتاب والسّنّة دالّةٌ كذلك على أنّ من تركه مع بقاء أصل الإيمان لديه وهو التّصديق بقلبه والإقرار بلسانه داخل في عموم المشيئة، وأنّه من الموحّدين الّذين يخرجون من النّار بشفاعة الشّافعين ورحمة أرحم الرّاحمين000)) التعليق: قلت: الزهراني أتي من حيث أتى الخوارج، فالخوارج اعتمدوا على آيات و أحاديث مطلقة في الوعيد فأجروها على ظاهرها دون أن يجمعوا بينها وبين نظائرها من أحاديث الوعد، والزهراني اعتمد على أحاديث مطلقة في الوعد دون أن يجمع بينها وبين نظائرها في الوعيد وسترى هذا أخي القارئ واضحاً جلياً مما سيأتي من مسائل وتعليقات عليها، والله المستعان والوسط عزيز إلا على من أعزه الله بهدي السلف.
المسألة السادسة:
ثم قال: ((وهاك بيانه من الكتاب والسّنّة وأقوال الأئمّة والنّظر الصّحيح:)) ولم يستشهد إلا بآية واحدة وهي قوله تعالى: {إِنَّ الله لَاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ باللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء:116]
التعليق: أين الشاهد هنا؟ فإن قال: الشاهد أن الله جعل الشرك وحده هو الذي لا يغفر أما غيره فهو تحت المشيئة ومن ذلك ترك أعمال الجوارح لأنها ليست شركاً. قلنا له يلزمك أن تقول سب الله ورسوله وسائر النواقض تحت المشيئة لأنها ليست شركاً. فإن قلت هذه نواقض قلنا وتلك أيضاً نواقض. فإن قلت هذه كفر ولا فرق بين الكفر والشرك قلنا وتلك كفر أيضاً وكل ما تقوله عن النواقض الفعلية ينطبق عليك هنا في النواقض التركية. فأين الشاهد من الآية؟!
المسألة السابعة:
ثم قال: ((ومن السنة أحاديث الشّهادتين:. قوله صلى الله عليه وسلم: (من مات لايشرك بالله شيئاً دخل الجنّة). . قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد قال لا إله إلاّ الله ثمّ مات على ذلك إلاّ دخل الجنّة، قال أبوذر: وإن زنى وإن سرق؟ قال وإن زنى وإن سرق). . قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال لاإله إلاّ الله أنجته يوماً من دهره أصابه قبل ذلك ما أصابه).
وجه الدّلالة: دلالة أحاديث الشّهادتين على عدم كفر تارك العمل الظّاهر من أوجه:
أوّلها: أنّها تشترك في قيد واحد على اختلاف ألفاظها وتعدد مخارجها، وهو قول: لا إله إلاّ الله، وفُسّر هذا في الأحاديث الكثيرة جداً بقوله: (لا يشرك بالله شيئاً)،كما في حديث جابر وغيره، وهذا القيد منطبق تماماً على من قالها وترك الشرك ولو لم يعمل من الخير شيئاً، ومن قال إنّها لا تكفي فقد استدرك على النّبيّ)) وفي موطن آخر قال: ((في ذلك اتّهامٌ للنّبي صلى الله عليه وسلم بالتّقصير في البيان)).
التعليق: أولاً: هذه أحاديث الشهادة الواحدة وليس الشهادتين، والمؤلف يرى أن الأحاديث تؤخذ على (ظاهرها المحض) وهذا لفظ عبارته -كما سيأتي- فهل سيأخذها هنا على ظاهرها المحض أم أنه حسب الهوى؟!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/380)
ثانياً: يقال عن الحديث الأول ما قيل عن الآية.
ثالثاً: الحديث الثاني والثالث فيهما: ((من قال لا إله إلا الله)) وليس فيهما ((وأن محمداً رسول الله)) فما رأي المؤلف فيمن لم يقلهما؟ فإن قال: المقصود الشهادتين قلنا له كيف عرفت ذلك؟ أليس من أحاديث أخر؟ فإن قال: بلى، كان هذا حجة عليه في استشهاده بحديث البطاقة وحديث ((لم يعمل خيراً قط)) كما سيأتي.
رابعاً: قوله: ((ومن قال إنّها لا تكفي فقد استدرك على النّبيّ)) فهل هو يقول أن هذه الكلمة وحدها (لا إله إلا الله) بدون (وأن محمداً رسول الله) تكفي؟! أم أنه سيستدرك على النبي؟! وهل لو قال لا تكفي يكون قد اتّهم النّبي صلى الله عليه وسلم بالتّقصير في البيان؟!
المسألة الثامنة:
ثم قال: ((أنّ النّبيّ عندما أراد أن يبيّن القيود اللازمة لكون الشّهادتين نافعة في النجاة من الخلود أو لدخول الجنة مطلقاً قيّدها بالصّدق القلبي فقط)) ثم استشهد بحديث محمود بن الرّبيع عن عتبان: ((أليس يشهد أن لا إله إلا الله فلما كان في الثالثة قالوا إنه ليقوله، قال والذي بعثني بالحق لئن قالها صادقا من قلبه لا تأكله النار أبدا وفي رواية البخاري: ((فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)) يعني مخلصاً فيها صادقاً ومدار هذا على القلب.
التعليق:
عوداً على التصديق القلبي، هل يكون من ترك جميع أعمال الجوارح لا صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا صدقة ولا حج ولا ذكر ولا قراءة قرآن ولا أي خير أو عمل صالح يبتغي به وجه الله؛ هل يقال عن هذا أنه يشهد أن لا إله إلا الله صادقاً من قلبه؟! وهل يقال عنه أنه قالها يبتغي بذلك وجه الله؟! هل يقول هذا من يعرف منهج أهل السنة في الإيمان ويعرف علاقة الظاهر بالباطن؟! ثم نقول له مرة أخرى ما رأيك فيمن يقول كما في الحديث: ((لا إله إلا الله صادقاً من قلبه)) ويقولها ((يبتغي بذلك وجه الله)) لكن لا ينطق بالشهادتين هل تنجيه؟!
المسألة التاسعة:
استشهاده بحديث: ((وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه)). يقال فيه ما قيل في سابقه.
المسألة العاشرة:
استشهاده بحديث: ((ما من نفس تموت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله يرجع ذاكم إلى قلب موقن إلا غفر الله لها)) ويقال فيه ما قد قيل من قبل، وأي يقين في قلب لم تخضع جوارحه ولم تعبد الله قط بأي وجه من وجوه العبادة؟! وتذكر أخي القارئ وأنت تقرأ هذا الكلام ما ذكرته لك من أن الزهراني هذا أوتي من حيث أوتي الخوارج من تغليب أحاديث على أخرى دون الجمع بينها كما هو منهج الراسخين في العلم من أهل السنة والجماعة، وسأذكرك بهذا بين فينة وأخرى حتى يظهر ذلك لك جلياً.
المسألة الحادية عشر:
استشهاده بحديث: ((انطلق بهما وبشّر من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا لإله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه فبشّره بالجنّة)) ويقال فيه ما قد قيل من قبل، وأي استيقانٍ هذا، من قلب لم تخضع جوارحه ولم تعبد الله قط بأي وجه من الوجوه؟!
المسألة الثانية عشر:
ثم قال: ((وفي هذه النصوص لم يذكر العمل، بل ذكر الصدق في قوله: أن يصدق لسانه قلبه، ولم يقل: يصدق عمله قوله))
التعليق:
وأيضاً لم يذكر هنا عمل القلب فما تقول؟!
المسألة الثالثة عشر:
ثم قال: ((وممّا يدلّ على أنّ تلك الأحاديث على ظاهرها المحض))
التعليق:
سبق أن ذكرت لك أخي القارئ في المسألة الخامسة أن الزهراني هذا أوتي من حيث أوتي الخوارج شعر أم لم يشعر، فهم قد أتوا بأحاديث الوعيد كحديث ((لا يدخل الجنة من فعل كذا وكذا000)) وقالوا: تلك الأحاديث على ظاهرها المحض وكفروا مرتكب الكبيرة ولم ينظروا إلى قوله تعالى مثلاً: {إِنَّ الله لَاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} والزهراني أخذ أحاديث الوعد وقال: ((تلك الأحاديث على ظاهرها المحض)) بل الخوارج اطردوا وهو اضطرب كما مرَّ معك. فتأمل هذا جيداً فإنه يتكرر كثيراً.
المسألة الرابعة عشر:
ثم قال: ((الشّهادة وحدها منجية من الخلود في النّار)) نقول له الشهادة أم الشهادتان وهل تلك الأحاديث التي فيها الشهادة وحدها نجريها على ظاهرها المحض أم لا؟
المسألة الخامسة عشر:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/381)
ثم قال معلقاً على حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: ((انطلق بهما وبشّر من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه فبشّره بالجنّة)): ((وشيءٌ آخر: وهو أنّ حمل الحديث على أنّ الشّهادتين لا تنفع إلاّ بعمل يفقد الحديث أهمّيّته))
التعليق:
لاحظ هو الآن يتكلم عن حديث فيه ((يشهد أن لا إله إلاّ الله)) وليس فيه ((وأن محمداً رسول الله)) فلم لم يجره على ظاهره المحض؟ فإن قال: كلمة التوحيد إذا أفردت يفهم منها الشهادتان وهذا ديدن السلف، قلنا له هذا صحيح وكذلك إذا ورد في الحديث: (صادقاً من قلبه) أو (موقناً بها قلبه) أو (إلا بحقها) فهموا منه العمل القلبي والبدني، أما قرأت حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه في مانعي الزكاة وكيف جعل الزكاة وهي عمل بدني من أعمال الجوارح من حقها؟!
المسألة السادسة عشر:
ثم قال تعقيباً على الحديث نفسه: ((إنّ للشّهادتين ميزةٌ خاصّة، وهي أنّها سبب لدخول الجنّة ولو بعد حين على أيّ حال كان عليه الإنسان مادام لم ينقض معناها))
التعليق:
أولاً: من أين لك بالشهادتين وليس في الحديث إلا شهادة واحدة؟
ثانياً: من أين لك أن الشهادة سبب في دخول الجنة ما لم ينقض معناها وليس في الحديث ذكر شئ من ذلك؟ فأين جريان الحديث على الظاهر المحض؟
ثالثاً: مخالفك يرى أن ترك جميع أعمال الجوارح من نواقض معنى الشهادة فما أنت قائل؟
المسألة السابعة عشر:
ثم طنطن كثيراً حول حديث: ((لم يعمل خيراً قط))
التعليق:
كنت قد رددت عليه قبل مدة برد موجز أعيده هنا للفائدة، فأقول: توجيه الأحاديث التي فيها: (لم يعمل خيراً قط)
الوجه الأول: التمسك بعموم هذه اللفظة يلزم منه عدم تكفير تارك جنس عمل القلوب. لأن كلاهما يطلق عليه عمل فهذا عمل القلب وهذا عمل الجوارح. فإن قيل جنس عمل القلب موجود في الحديث وهو الخشية من الله، قيل وجنس عمل الجوارح موجود كذلك وهو ذكره لله.
الوجه الثاني: أنه يصح في اللغة والشرع إطلاق لفظ لم يعمل خيراً أو شيئاً بصيغة النكرة في سياق النفي ولا يعنون به النفي بالكلية، قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الإيمان (ص 41): ((000 فإن قال قائل: كيف يجوز أن يقال: ليس بمؤمن، واسم الإيمان غير زائل عنه؟ قيل: هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير المتستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا عمله على غير حقيقة، ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله: ما صنعت شيئاً ولا عملت عملاً، وإنما وقع معناه هاهنا على نفي التجويد لا على الصنعة نفسها، فهو عندهم عامل بالاسم، وغير عامل في الاتقان، حتى تكلموا به فيما هو أكثر من هذا .... وقد وجدنا مع هذا شواهد لقولنا من التنزيل والسنة)). وقال ابن خزيمة في كتاب التوحيد (2/ 732): ((هذه اللفظة (لم يعملوا خيراً قط) من الجنس الذي يقوله العرب، ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل {لم يعملوا خيراً قط} على التمام والكمال لا على ما أوجب عليه وأمر به وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي)) أ. هـ. وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/ 27): ((لأن ما لم يتم ينفى كقوله للذي أساء في صلاته (صل فإنك لم تصل) فنفي الإيمان حيث نفي من هذا الباب)) أ. هـ.
الوجه الثالث: جاء في السنة إطلاق (لم يعمل خيراً قط) على من عمل بعض أعمال الجوارح، كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان ممن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً ... ) الحديث وفيه: (فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط). فالمجيء المصحوب بالتوبة من أعمال الجوارح والقلوب ومع هذا قيل في حقه (لم يعمل خيراً قط) وأذكرك أخي القارئ بطريقته في عدم جمعه بين الأحاديث كطريقة الخوارج في تعاملهم مع أحاديث الخوف والوعيد.
المسألة الثامنة عشر:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/382)
ثم أورد حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- وهو حديثٌ طويلٌ نسوق منه موضع الشّاهد، قال عليه الصّلاة والسّلام: (حتّى إذا خلص المؤمنون من النّار، 000 فيقبض قبضةً من النّار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط 000قال: فيخرجون كاللّؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنّة، هؤلاء عتقاء الله الّذين أدخلهم الجنّة بغير عمل عملوه ولاخير قدّموه) وهذا الحديث قمّةٌ ليس بعدها إلاّ انحدار، وحقٌّ ماوراءه إلاّ الباطل، فانظر إلى هذه الصّورة المشرقة لرحمة الله تعالى، وإلى التّدرّج في إخراج العصاة من النّار ابتداءً بأهل العمل الظّاهر من صلاة وصوم وحج حتّى من ليس معهم إلاّ كلمة التّوحيد دون عملٍ عملوه.
التعليق:
أولاً: هذا المنحدر الذي زعم هو الذي سلكه علماؤنا الأجلاء وعلى رأسهم ابن باز رحمه الله. وهذا الذي سماه الزهراني باطلاً هو ما يقولون به وهو يعلم ذلك يقيناً. فتفكر في جرأته على العلماء –ومن رأى مني قسوة عليه في الرد فليتذكر قسوته عليهم وإن لم يسمهم-. ثانياً: من أين لك يا زهراني أن ليس معهم إلا كلمة التوحيد وليس في الحديث ذكر لها البتة، ثم أليست هي من العمل الظاهر، أليست هي تلفظ بالشهادة أم هي تصديق قلبي فقط، فإن قلت بل هي من عمل الظاهر فلماذا لم تدرجها مع قولك: من صلاة وصوم وحج 000لِمَ لَمْ تقل وتلفظٍ بالشهادة؟ وإن قلت بل هي تصديق قلبي-ولا اخالك- فقد وقعت فيما وقعت فيه الجهمية.
ثالثاً: ثم كيف تجمع بين قولك أن معهم كلمة التوحيد وبين قوله في الحديث: (ولا خير قدموه) وهل هناك قول أو عمل هو أخير من كلمة التوحيد؟! بل هي الخير كله، فكيف يقال عمن قال كلمة التوحيد أنه لم يقدم خيراً؟! أم أن للحديث معنى غير الذي فهمته؟ راجع: المسألة السابقة.
المسألة التاسعة عشر:
أورد حديث: (وعزّتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجنّ من قال لاإله إلاّ الله) فلو كان مع هؤلاء شيء من أعمال الجوارح لذكره النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولأخرجه مع من قبله ولكنّه صريحٌ أنّه إنّما استأذن ربّه تعالى في قومٍ لم يجد معهم إلاّ كلمة التّوحيد وأنعم بها.
التعليق:
مرة أخرى ما رأي الزهراني لو قال قائل: لو كان مع هؤلاء شهادة أن محمداً رسول الله لذكره النّبيّ صلى الله عليه وسلم.؟! وما رأي الزهراني لو استشهد الخارجي بحديث ظاهره الخلود في النار لمرتكب المعصية وقال لو كان هذا ينجيه لذكره النبي صلى الله عليه وسلم. لكنا نقول له وللخارجي ما هكذا يا سعد تورد الإبل، والأحاديث تُجمع ويوفق بينها ولا تضرب ببعضها.
المسألة العشرون:
ثم قال –وليته ما قال-: ((وقبلاً أريد بيان أمر هام: وهو أنّ ثقل الأعمال يوم القيامة في الميزان ليس بكثرتها، بل بما يقوم بقلب فاعلها من الأعمال القلبيّة الّتي تزيد في وزن العمل أو تنقصه سلباً أو إيجاباً. فالحسنات يثقلها في الميزان ما يقوم بقلب فاعلها من يقيٍن وإخلاصٍ ورجاءٍ وخوفٍ واتّباعٍ للسّنّة، وكلّما زاد الإخلاص واليقين زاد ثقل العمل في الميزان وكلّما نقصا خفّ وزن العمل في الميزان. وكذلك السّيّئات، فإنّ ثقلها في الميزان وخفّتها راجعٌ إلى ما قام بقلب فاعلها يوم فعلها: فالاستخفاف والتّهاون والإصرار وعدم تحديث النّفس بالخوف من الله والاستغفار والتّوبة، كلّ هذه أمور تزيد من ثقل الذّنب في الميزان))
التعليق:
هذا سرُّ وقوعه فيما وقعت فيه المرجئة، فأهل السنة والجماعة يقولون الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذه الزيادة والنقصان في الإيمان ليس على ما يقوم بقلب الفاعل فحسب بل بحسب زيادة هذه الطاعات والمعاصي، فمن تزكى لا كمن تزكى وذكر اسم ربه وصلى، ومن زنا مرة لا كمن زنا مرتين، ومن زنا فقط لا كمن زنا وشرب الخمر، وهكذاكلما زادت أعمال الجوارح زاد الإيمان أو نقص بحسب كونها طاعات أو معاصٍ. كما أنه كلما زادت أعمال القلوب زاد الإيمان أو نقص بحسب كونها إخلاص ويقين 000أو استخفاف وتهاون. فتأمل هذا جيداً فإنه مهم جداً، فإذا تبين لك هذا علمت وجه خطئه في قوله: ((ثقل الأعمال يوم القيامة في الميزان ليس بكثرتها، بل بما يقوم بقلب فاعلها من الأعمال القلبيّة)) ومشابهته لاستهانة المرجئة بعمل الجوارح وصدق فيهم قول سفيان الثوري -رحمه الله-: ((تركت المرجئة الإسلام أرق من ثوب سابري)) وهي الثياب الرقيقة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/383)
المسألة الحادية والعشرون:
ثم ذكر حديث البطاقة وقال: وهاك قول ابن كثير رحمه الله بعد أن أورد الحديث: ((وهذا دال على أن العلم قد يُرفع من الناس في آخر الزمان ... وهم يقولون: لا إله إلا الله فهم يقولونها على وجه التقرب إلى الله عزوجل فهي نافعة لهم وإن لم يكن عندهم من العمل الصالح والعلم النافع غيرها000))
التعليق:
سبحان الله لا ينقضي عجبي وأنا أقرأ لأخينا الزهراني هذا، كيف يفهم النصوص، وكيف يستشهد بما لا شاهد فيه بل قد يكون دليلاً عليه، فكلام ابن كثير هنا بعد رفع العلم وماذا بعد رفع العلم إلا الجهل، والجهل كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة من موانع التكفير فهذا الذي وقع في ناقض من نواقض الإيمان سواءً عملاً أم تركاً لو وقع فيه جهلاً منه في زمن رفع فيه العلم ولا يعلمون فيه ما صلاة ولا زكاة ولم يبق فيه إلا كلمة التوحيد أنكفره؟ وهل يصح أن يقاس هذا على من يعيش في بلد الإسلام والتوحيد والعلم والعمل أيضاً وهو لا يعمل أي شيء من أعمال الإسلام؟! سبحان الله ما أسوأ الجهل كيف يودي بصاحبه المهالك.
المسألة الثانية والعشرون:
ثم ذكر حديث الجارية المشهور وفيه: ((فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ قالت: في السّماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله فقال له: اعتقها فإنّها مؤمنة)) ثم قال: ((أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إنّما أخبر عن تلك الأمة بالإيمان الظّاهر الّذي عُلّقت به الأحكام الظّاهرة، وإلاّ فقد ثبت عنه أنّ سعداً لمّا شهد لرجل أنّه مؤمن قال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (أو مسلم)، وكان يظهر من الإيمان ما تظهره الأمة وزيادة، فيجب أن يُفرّق بين أحكام المؤمنين الظّاهرة الّتي يحكم بها على النّاس في الدّنيا، وبين حكمهم في الآخرة بالثّواب والعقاب))
التعليق:
يقال له هنا: أليس في هذا استدراك على النبي صلى الله عليه وسلم، أليس فيه اتهام له بالتقصير في البيان، كما هي قاعدتك؟
المسألة الثالثة والعشرون:
ثم قال: ((ثمّ تأمّل معي هذا الدّليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه). تأمّل قوله: من أخيه، فقد أثبت له الأخوّة الإيمانيّة مع قوله في الحديث (وإن لم تكن له حسنات) فماذا يعني هذا؟ ألا يدلّ على أنّ المؤمن قد يوافي الله بلا حسنات ولا عمل صالح إلاّ توحيده؟.))
التعليق:
أولاً: في الحديث لم تكن له حسنات وليس فيه لم يأت بحسنات، فهو قد يكون أتى بحسنات وأخذت منه وأعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته حتى لم تكن له حسنات فيؤخذ من سيئات خصمه وتطرح عليه.
ثانياً أليست أعمال القلوب حسنات فهل هذا وافى الله بلا شيء من أعمال القلوب؟! ثالثاً: مَن مِن العلماء فهم ما فهمته من هذا الحديث؟ ثم يقال له ما قد قيل من قبل بضرورة الجمع بين الأحاديث وعدم ضربها ببعض.
المسألة الرابعة والعشرون:
((ثم نقل كلام عدد من الأئمة وهم: الزّهري، أحمد، الطّبري، ابن بطّة، البيهقي، ابن مندة، محمّد بن نصر، ابن عبدالبر، ابن حزم، الحميدي، النّووي، أبي يعلى، ابن تيميّة، ابن القيّم، ابن رجب، ابن كثير، ابن حجر، ابن الوزير، السّفّاريني، المقبلي، القاسمي، ثم زعم أن هذا مذهب جمهور أهل الحديث)) ولا يعنيني الرد على ما نقله هنا، فقد كفانا ذلك أخونا السلفي الشيخ (الموحد) بارك الله فيه في سلسلة فريدة لم تنته بعد، تطرق فيها لما نقله من أقوال العلماء وردَّ عليها واحداً واحداً، لكني سأقف معه وقفتين ليعلم القارئ كيف يعمل الهوى بصاحبه: الأولى: زعمه أن هذا مذهب جمهور أهل الحديث، وبعد الرجوع لمن نقل عنهم هذا الزعم من أئمة أهل الحديث كما هو المفترض وإذا به ينقل عن البيهقي، والبيهقي كما هو معلوم فيه أشعرية والأشاعرة مرجئة في الإيمان والمتأثر بمنهجهم متأثر بمنهج المرجئة ولا شك، فلا أدري ألا يعلم الزهراني عقيدة البيهقي، أم يعلم لكن لايعلم أن الأشاعرة مرجئة في الإيمان، أمران أحلاهما مرٌ، أم يعلم ذلك ثم يدلس على القراء حتى يثبت أن ما هو عليه هو مذهب جمهور أهل الحديث، هذا إن سلمنا له أن البيهقي نقل هذا عن جمهور أهل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/384)
الحديث والواقع أن النقل الذي نقله عن البيهقي وأردفه بنقل آخر عن محمد بن نصر لاعلاقة له بمسألة النزاع وهي ترك جنس العمل البتة. فتأمل!!
الثانية: زعمه أن هذا مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا من المضحكات والمكابرات، وقد كنت فتحت معه حواراً لمناقشة أقوال العلماء الذين أوردهم وقلت له نبدأ بشيخ الإسلام فإن ثبت أنه يرى ما تراه انقطع الحوار ورجعت عن قولي وإلا فيلزمك أن تعترف بأن هذا ليس مذهب شيخ الإسلام واستمر الحوار أياماً ثم انقطع عن الحوار ولم يحر جواباً فيما أوردته عليه من كلام شيخ الإسلام والعجيب أنه لم يورد كلام شيخ الإسلام الذي أوردته عليه، لا عند نقله أقوال العلماء التي تؤيده تحت عنوان (سلف هذا القول) ولا تحت عنوان (توجيه كلام الأئمّة الّذي يُفهم منه تكفير تارك العمل) وقد كنت والله أظن أنه سيأتي بكلام ابن تيمية الذي أوردته عليه ثم يوجهه، لكن كعادة أهل البدع يأخذوا ما لهم ويدعوا ما عليهم، وسأورد هنا بعض ما نقلته له من كلام ابن تيمية ولم يورده مع علمه به ثم هو يتبجح بضم شيخ الإسلام مع الذين يقولون بعدم كفر تارك جنس العمل فياسبحان الله!! قال شيخ الإسلام عليه رحمة الله: ((وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجباً ظاهراً ولا صلاة ولا زكاة ولا صياماً ولا غير ذلك من الواجبات ... )) انظر: مجموع الفتاوى (7/ 621)، وقال أيضاً: (( ... وهنا أصول تنازع الناس فيها، منها: أن القلب، هل يقوم به تصديق، أو تكذيب ولا يظهر قط منه شيء على اللسان والجوارح، وإنما يظهر نقيضه من غير خوف؟ فالذي عليه السلف والأئمة، وجمهور الناس أنه لابد من ظهور موجب ذلك على الجوارح. فمن قال: أنه يصدق الرسول، ويحبه، ويعظمه بقلبه، ولم يتكلم قط بالإسلام، ولا فعل شيئاً من واجباته، بلا خوف، فهذا لا يكون مؤمناً في الباطن، وإنما هو كافر ... )) انظر: مجموع الفتاوى (14/ 120) وقال أيضا: ((000إن حقيقة الدين هو الطاعة و الإنقياد و ذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط، فمن لم يفعل لله شيئاً فما دان لله ديناً، و من لا دين له فهو كافر)) انظر: شرح العمدة (2/ 86) فهل بعد هذه النقول الصريحة يقول عاقل منصف أن شيخ الإسلام لا يرى كفر من ترك جنس الأعمال، اللهم رحماك رحماك!!
المسألة الخامسة والعشرون:
قال تحت عنوان (جنس العمل): ((يعتقد بعض النّاس أنّ المراد بجنس العمل هو العمل الظّاهر فقط أي أعمال الجوارح وهذا خطأ بلاريب، فإنّ المراد من هذا الاصطلاح كلّ ما دخل تحت مسمّى عمل ممّا أمر الله به ورسوله، وهذا يشمل نوعين من الأعمال، أحدهما عمل القلب وهو أصل الإيمان، والآخر عمل الجوارح وهو من الإيمان قطعاً، فمن ترك جنس العمل أي عمل القلب وعمل الجوارح فهذا الّذي لا يمكن أن يتصوّر معه إسلام أو إيمان، لأنّ من هذا حاله لم يبق معه إلاّ التّصديق أو المعرفة والتّفريق بينهما عسير كما قال شيخ الإسلام))
التعليق:
سبحان الله كيف يعمل الهوى بصاحبه انظر كلامه قبل صفحات قال: ((التّعبير بأعمال القلب تعبيرٌ حادث هو من تصنيف العلماء من باب محاجّة المرجئة، وأمّا إذا ذُكر العمل في النّصوص الشّرعيّة فالمقصود به العمل الظّاهر أي عمل الجوارح وإنّما يُعبّر عن العمل القلبي في النّصوص بالإيمان) وهنا يقول إذا ذكر العمل فالمقصود به عمل القلب والجوارح فأي القولين نأخذ؟ ثم إننا نقول كما يقول إذا انتفى عمل القلب وعمل الجوارح لا يمكن أن يتصوّر معه إسلام أو إيمان لكن نزيد على ذلك ونقول: وإذا انتفى عمل الجوارح انتفى عمل القلب لارتباط الظاهر بالباطن وهذا ما صرح به ابن تيمية بقوله: ((ما يقوم بالقلب من تصديق وحب لله ورسوله وتعظيم، لابد أن يظهر على الجوارح، وكذلك بالعكس ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن)) وبقوله عن المرجئة: ((لكنّهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم وإن أدخلوها لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضاً فإنّها لازمة لها أيضاً))
المسألة السادسة والعشرون:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/385)
عدم فهمه لكلام العلماء بل قل لويه لأعناق كلامهم حتى تطاوع فهمه، نقل قول ابن تيمية رحمه الله قوله: ((وبهذا تعرف أنّ من آمن قلبه إيماناً جازماً امتنع أن لا يتكلّم بالشّهادتين مع القدرة، فعدم الشّهادتين مع القدرة مستلزمٌ انتفاء الإيمان القلبي التّام، وبهذا يظهر خطأ جهم ومن اتّبعه في زعمهم أنّ مجرّد إيمان بدون الإيمان الظّاهر ينفع في الآخرة فإنّ هذا ممتنع، إذ لا يحصل الإيمان التّام في القلب إلاّ ويحصل في الظّاهر موجبه بحسب القدرة ... )) وقد جعل كلمة التام بخط أسود عريض وفسرها بمعنى الإيمان الكامل أو الواجب، والسؤال هنا هل الذي لا ينطق بالشهادتين مع القدرة يكون إيمانه صحيح لكن غير كامل؟ أم نقول إيمانه غير صحيح؟ الجواب البدهي أن نقول من لم ينطق بالشهادتين مع القدرة فلا إيمان له أي إيمانه مردود عليه غير مقبول غير صحيح، هذا الإيمان عبر عنه ابن تيمية بالإيمان القلبي التام فما معنى التام هنا؟ وقارن ذلك بما فهمه الزهراني يظهر لك مدى فهمه لكلام العلماء.، فإذا علمت أن معنى التام هنا أي الصحيح المقبول ثبت لك أن ابن تيمية يقول يمتنع أن يكون للعبد إيمان تام (صحيح) دون أن يكون منه إيمان ظاهر وهو عمل الجوارح. ومثال آخر، نقل عن شيخ الإسلام قوله: ((لكنّهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم وإن أدخلوها لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضاً فإنّها لازمة لها أيضاً)). فعلق الزهراني: ((فثبت بهذا أنّ المحكّ وأنّ موضع النّزاع الحقيقي مع المرجئة هو عمل القلب)) - نقول ثور يقول احلبوه- ابن تيمية يقول أعمال القلوب مستلزمة لأعمال الجوارح فيأتي الزهراني ويقول: فثبت أن المحك وموضع النزاع مع المرجئة هو عمل القلب، ويقف، وكان الأولى إنصافاً أن يكمل فيقول: المحك و موضع النّزاع 000هو عمل القلب المستلزم لعمل الجوارح! أي أن أعمال الجوارح داخلة في النزاع بين أهل السنة والمرجئة بدليل أنهم لا يقولون الإيمان يزيد وينقص وأهل السنة يقولون يزيد بطاعات الجوارح والقلب وينقص بمعاصي الجوارح والقلب، كما مرَّ في المسألة العشرين.
المسألة السابعة والعشرون:
ثم قال: ((وفي الحقيقة، فإنّ القول بزيادة الإيمان ونقصانه أكبر دليل على ماقرّرناه في حقيقة الإيمان وحدّه الأدنى، لأنّ السّلف القائلون بأنّه ينقص، لم يبيّنوا إلى أيّ حدّ ينقص إيمان المؤمن، وليس في الشّرع حدٌّ ينتهي إليه إيمان المؤمن، إلاّ النّطق بالشّهادتين مع القدرة فقد دلّ عليه النّصّ والإجماع، وإلاّ انتفاء الإيمان القلبي الّذي لايدلّنا عليه شيء غير الوقوع في النّاقض))
التعليق:
قلت: في هذا الكلام مغالطات عدة، منها: قوله ((أن السلف القائلون بأنّه ينقص، لم يبيّنوا إلى أيّ حدّ ينقص إيمان المؤمن)) وهذا غير صحيح فقد بينوا أنه ينقص حتى ينعدم أي لا يبقى منه شيء، وكل ما كان قابلاً للنقص كان قابلاً للعدم فهو ينقص وينقص وينقص حتى لا يبقى منه شيء. ومنها قوله: ((وليس في الشّرع حدٌّ ينتهي إليه إيمان المؤمن)) وأنا لا أعلم من أين يأتي هذا الرجل بهذه الاطلاقات كيف يقول ليس في الشرع حد ينتهي به إيمان المؤمن؟! الشرع حدًّ إيمان المؤمن بحدود يخرج بها عنه كالشرك به سبحانه والوقوع في ناقض من نواقض الإسلام والتي منها عدم التصديق والاعتقاد القلبي وعدم التلفظ بالشهادتين وترك جميع أعمال الجوارح، لذلك قال السلف: الإيمان قول وعمل واعتقاد، فحدوه بهذه الحدود فمن لم يقل أو يعتقد أو يعمل فقد خرج عن حدود الإيمان ودخل في حدود الكفر والعياذ بالله.
المسألة الثامنة والعشرون:
قوله: ((رابعاً: أنّ المعارض غفل عن حقيقة مهمّة، وهي أنّ تارك العمل مازال عنده إيمان ظاهر وهو النّطق بالشّهادتين، وترك الشّرك، ولاشكّ أنّ ترك الشّرك أعظم الأعمال وأحبّها إلى الله وبه يستحق العبد الشّفاعة والخروج من النّار، وأنت ترى أنّ هذا إيمان ظاهر دال على وجود الإيمان الباطن وإن كان ضعيفاً وبهذا تزول شبهة من ظنّ أنّ القول بإسلام من ترك العمل الظاهر يتعارض مع قاعدة أهل السنة في التلازم بين الظاهر والباطن))
التعليق:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/386)
في هذا الكلام استغفال للقارئ وإيهامه أن أهل السنة يعنون بالتلازم بين الظاهر والباطن، أن الظاهر هو النطق بالشهادتين وترك الشرك، وهذا غير صحيح فهم يعنون بالظاهر عمل الجوارح والأبدان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ((ما يقوم بالقلب من تصديق وحب لله ورسوله وتعظيم، لابد أن يظهر على الجوارح، وكذلك بالعكس ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن)) ويقول: (( ... لكنهم (أي المرجئة) إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح - أيضاً - فإنها لازمة لها)) ويقول: (( ... وهنا أصول تنازع الناس فيها، منها: أن القلب، هل يقوم به تصديق، أو تكذيب ولا يظهر قط منه شيء على اللسان والجوارح، وإنما يظهر نقيضه من غير خوف؟ فالذي عليه السلف والأئمة، وجمهور الناس أنه لابد من ظهور موجب ذلك على الجوارح. فمن قال: أنه يصدق الرسول، ويحبه، ويعظمه بقلبه، ولم يتكلم قط بالإسلام، ولا فعل شيئاً من واجباته، بلا خوف، فهذا لا يكون مؤمناً في الباطن، وإنما هو كافر ... )) ولاحظ كيف فرَّق بين الجوارح واللسان بقوله ((ولا يظهر قط منه شيء على اللسان والجوارح)) ويقول: ((و أيضا فإخراجهم العمل يشعر أنهم أخرجوا أعمال القلوب أيضا وهذا باطل قطعا فإن من صدق الرسول وأبغضه وعاداه بقلبه وبدنه فهو كافر قطعا بالضرورة وإن أدخلوا أعمال القلوب في الإيمان أخطأوا أيضا لامتناع قيام الإيمان بالقلب من غير حركة بدن)) ويقول: ((وإذا قام بالقلب التصديق به والمحبة له لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما في القلب ولازمه ودليله ومعلوله))، فممن نأخذ فهم قاعدة أهل السنة في التلازم بين الظاهر والباطن من الزهراني أم من ابن تيمية؟!.
المسألة التاسعة والعشرون:
ثم تكلم كلاماً عقلياً عن تصور المسألة لا داعي للتعليق عليه.
المسألة الثلاثون:
ثم تكلم عن نواقض الإيمان يريد بذلك نفي التهمة عنه بمشابهة المرجئة، ونسي أن التهمة تلحقه لا بسبب خطئه في نواقض الإيمان العملية كما هو الحال عند بعض مرجئة العصر، لكن بسب عدم تكفيره لتارك جنس أعمال الجوارح، لذلك لا داعي للتعليق على كلامه هنا، لأننا نتفق معه في الجملة وليست موضع نزاع.
المسألة الحادية والثلاثون:
قال راداً على من اشترط العمل للإيمان: ((فإنّ قوله يستلزم الدّور، فإنّ العمل يُشترط له الإيمان لصحّته، فإذا كان العمل لا يصحّ إلاّ بالإيمان والإيمان لا يصحّ إلاّ بالعمل كان هذا دوراً وهو باطل عند العقلاء.))
التعليق:
المؤلف يشترط النطق بالشهادتين مع التصديق فماذا لو قال له قائل: هذا يستلزم الدَّور، فإن التصديق تُشترط له الشهادتان وبدونهما لا يصح، والشهادتان يشترط لهما التصديق وبدونه لا تصح، فكان هذا دوراً، وهو باطل عند العقلاء؟! ولكن انظر إلى كلام ابن تيمية وقارنه بما سماه الزهراني باطل عند العقلاء لتعرف من هم العقلاء، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: ((اشترط الله للأعمال الصالحة الإيمان، واشترط للإيمان الأعمال الصالحة، فقال فى تحقيق ذلك: {فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه} وقال فى تحقيق الإيمان بالعمل: {ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى})) مجموع الفتاوى (7/ 333)، فما يقول الزهراني الآن، أمَّا آن له أن يعود ويرجع؟
المسألة الثانية والثلاثون:
ثم نفى أن يكون العمل الظاهر –عمل الجوارح- شرط صحة أو ركن للإيمان يكفر تاركه، مستشهداً بعدم كفر تارك الصوم مع أنه من أركان الإسلام، وهذا من المضحكات أيضاً ومن المغالطات فهو من أوائل من يعلم أن هذا ليس موضع النزاع معه وأن هذه تسمى أركان الإسلام أو الفرائض أو المباني الأربعة وأن في كفر تاركها خلاف بين أهل السنة، والخلاف معه حول تارك جنس العمل فما أدري لماذا يستغفل الزهراني قرَّاءه ويستخف بعقولهم؟ اللهم عفوك.
المسألة الثالثة والثلاثون:
ثم تكلم عن حكم ترك الصلاة وعن الحكم بغير ما أنزل الله، وهما أيضاً ليستا محل نزاع معه والخلاف فيهما مشهور، لذلك لا أرى داعٍ للتعليق عليهما اختصاراً للوقت، إلا أني أقول لم يوفق فيهما للصواب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/387)
اللهم وفقنا لما تحب وترضى، واهدنا سبل الرشاد، وجنبنا البدع والفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلي اللهم على خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ـ[عبدالله بن عبدالرحمن]ــــــــ[12 - 04 - 03, 07:40 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه مجموعة من ((الفتاوى والبيانات)) التي صدرت من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء يضمها موضوع واحد وهو ((التحذير من ظاهرة الإرجاء وبعض الكتب الداعية إليه))، وفيها ـ أيضاً ـ تحذير المسلمين من الاغترار والوقوع في شراك المخالفين لما عليه جماعة المسلمين ـ أهل السنة والجماعة ـ.
اللهم احفظ علينا ديننا وإيماننا؛ نقياً من كل شرك وشبهة وبدعة وضلالة، آمين.
الناشر
فتوى رقم (21436) وتاريخ 8/ 4 / 1421هـ.
((في التحذير من مذهب الإرجاء،وتحقيق النقل عن شيخ الإسلام فيه)).
الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده ..
وبعد:
فقد اطَّلَعَت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من عدد من المستفتين المقيدة استفتاءاتهم بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (5411) وتاريخ 7/ 11/1420هـ. ورقم (1026) وتاريخ 17/ 2/1421هـ. ورقم (1016) وتاريخ 7/ 2/1421هـ. ورقم (1395) وتاريخ 8/ 3/1421هـ. ورقم (1650) وتاريخ 17/ 3/1421هـ. ورقم (1893) وتاريخ 25/ 3/1421هـ. ورقم (2106) وتاريخ 7/ 4/1421هـ.
وقد سأل المستفتون أسئلة كثيرة مضمونها:
(ظهرت في الآونة الأخيرة فكرة الإرجاء بشكل مخيف، وانبرى لترويجها عدد كثير من الكتَّاب، يعتمدون على نقولات مبتورة من كلام شيخ الإسلام بن تيمية، مما سبب ارتباكاً عند كثير من الناس في مسمِّى الإيمان، حيث يحاول هؤلاء الذين ينشرون هذه الفكرة أن يُخْرِجُوا العمل عن مُسمَّى الإيمان، ويرون نجاة من ترك جميع الأعمال. وذلك مما يُسَهِّل على الناس الوقوع في المنكرات وأمور الشرك وأمور الردة، إذا علموا أن الإيمان متحقق لهم ولو لم يؤدوا الواجبات ويتجنبوا المحرمات ولو لم يعملوا بشرائع الدين بناء على هذا المذهب.
ولا شك أن هذا المذهب له خطورته على المجتمعات الإسلامية وأمور العقيدة والعبادة
فالرجاء من سماحتكم بيان حقيقة هذا المذهب، وآثاره السيئة، وبيان الحق المبني على الكتاب والسًُّنَّة، وتحقيق النقل عن شيخ الإسلام بن تيمية، حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه. وفقكم الله وسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)).
* وبعد دراسة اللجنة للإستفتاء أجابت بما يلي:
هذه المقالة المذكورة هي: مقالة المرجئة الذين يُخْرِجُون الأعمال عن مسمى الإيمان، ويقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب، أو التصديق بالقلب والنطق باللسان فقط، وأما الأعمال فإنها عندهم شرط كمال فيه فقط، وليست منه، فمن صدَّق بقلبه ونطق بلسانه فهو مؤمن كامل الإيمان عندهم، ولو فعل ما فعل من ترك الواجبات وفعل المحرمات، ويستحق دخول الجنة ولو لم يعمل خيراً قط، ولزم على ذلك الضلال لوازم باطلة، منها: حصر الكفر بكفر التكذيب والإستحلال القلبي.
* ولا شك أن هذا قولٌ باطلٌ وضلالٌ مبينٌ مخالفٌ للكتاب والسنة، وما عليه أهل السنة والجماعة سلفاً وخلفاً، وأن هذا يفتح باباً لأهل الشر والفساد، للانحلال من الدين، وعدم التقيد بالأوامر والنواهي والخوف والخشية من الله سبحانه، ويعطل جانب الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويسوي بين الصالح والطالح، والمطيع والعاصي، والمستقيم على دين الله، والفاسق المتحلل من أوامر الدين ونواهيه، مادام أن أعمالهم هذه لا تخلّ بالإيمان كما يقولون.
ولذلك اهتم أئمة الإسلام - قديماً وحديثاً - ببيان بطلان هذا المذهب، والرد على أصحابه وجعلوا لهذه المسألة باباً خاصاً في كتب العقائد، بل ألفوا فيها مؤلفات مستقلة، كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - وغيره.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/388)
* قال شيخ الإسلام - رحمه الله - في العقيدة الواسطية: (ومن أصول أهل السنة والجماعة: أن الدين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية).
* وقال في كتاب الإيمان: (ومن هذا الباب أقوال السلف وأئمة السنة في تفسير الإيمان، فتارة يقولون: هو قول وعمل، وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية، وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية واتباع سنة، وتارة يقولون: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، وكل هذا صحيح).
* وقال رحمه الله: (والسلف اشتد نكيرهم على المرجئة لمَّا أخرجوا العمل من الإيمان، ولا ريب أن قولهم بتساوي إيمان الناس من أفحش الخطأ، بل لا يتساوى الناس في التصديق ولا في الحب ولا في الخشية ولا في العلم، بل يتفاضلون من وجوه كثيرة).
* وقال رحمه الله: (وقد عدلت المرجئة في هذا الأصل عن بيان الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان، واعتمدوا على رأيهم وعلى ما تأولوه بفهمهم للغة، وهذا طريق أهل البدع). انتهى.
* ومن الأدلة على أن الأعمال داخلة في حقيقة الإيمان وعلى زيادته ونقصانه بها، قوله تعالى:
((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)) [الأنفال 2 - 4].
وقوله تعالى: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)) [المؤمنون 1 - 9].
وقوله الرسول صلى الله عليه وسلم ((الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)).
* قال شيخ الإسلام - رحمه الله – في كتاب الإيمان أيضاً: (وأصل الإيمان في القلب وهو قول القلب وعمله، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد. وما كان في القلب فلابد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دلَّ على عدمه أو ضعفه. ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه، وهي تصديق لما في القلب ودليل عليه وشاهد له، وهي شعبة من الإيمان المطلق وبعض ُُله).
* وقال أيضاً: (بل كل مَنْ تأمل ما تقوله الخوارج والمرجئة في معنى الإيمان، علم بالاضطرار أنه مُخالف للرسول، ويعلم بالاضطرار أن طاعة الله ورسوله من تمام الإيمان، وأنه لم يكن يجعل كل من أذنب ذنباً كافراً. ويعلم أنه لو قُدِّرَ أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن نُؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك ونُقر بألسنتنا بالشهادتين، إلا أنا لا نُطيعك في شيء مما أمرت به ونهيت عنه، فلا نصلي ولا نحج ولا نصدق الحديث ولا نؤدي الأمانة ولا نفي بالعهد ولا نصل الرحم ولا نفعل شيئاً من الخير الذي أمرت به. ونشرب الخمر وننكح ذوات المحارم بالزنا الظاهر، ونقتل مَنْ قدرنا عليه مِنْ أصحابك وأمتك ونأخذ أموالهم، بل نقتلك أيضاً ونُقاتلك مع أعدائك. هل كان يتوهم عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: أنتم مؤمنون كاملوا الإيمان، وأنتم أهل شفاعتي يوم القيامة، ويرجى لكم أن لا يدخل أحد منكم النار. بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم: أنتم أكفر الناس بما جئت به، ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك) انتهى.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/389)
* وقال أيضاً: (فلفظ الإيمان إذا أُطلق في القرآن والسنة يُراد به ما يراد بلفظ البر وبلفظ التقوى وبلفظ الدين كما تقدم. فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، فكان كل ما يحبه الله يدخل في اسم الإيمان. وكذلك لفظ البر يدخل فيه جميع ذلك إذا أُطلق، وكذلك لفظ التقوى، وكذلك الدين أو الإسلام. وكذلك رُوي أنهم سألوا عن الإيمان، فأنزل الله هذه الآية: ((ليس البر أن تولوا وجوهكم)) [البقرة 177]. إلى أن قال: (والمقصود هنا أنه لم يثبت المدح إلا إيمان معه عمل، لا على إيمان خال عن عمل).
فهذا كلام شيخ الإسلام في الإيمان، ومن نقل غير ذلك فهو كاذب عليه.
* وأما ما جاء في الحديث: أن قوماً يدخلون الجنة لم يعملوا خيراً قط، فليس هو عاماً لكل من ترك العمل وهو يقدر عليه. إنما هو خاص بأولئك لعُذر منعهم من العمل، أو لغير ذلك من المعاني التي تلائم النصوص المحكمة، وما أجمع عليه السلف الصالح في هذا الباب.
* هذا واللجنة الدائمة إذ تبيِّن ذلك فإنها تنهى وتحذر من الجدال في أصول العقيدة، لما يترتب على ذلك من المحاذير العظيمة، وتوصي بالرجوع في ذلك إلى كتب السلف الصالح وأئمة الدين، المبنية على الكتاب والسنة وأقوال السلف، وتحذر من الرجوع إلى المخالفة لذلك، وإلى الكتب الحديثة الصادرة عن أناس متعالمين، لم يأخذوا العلم عن أهله ومصادره الأصيلة. وقد اقتحموا القول في هذا الأصل العظيم من أصول الاعتقاد، وتبنوا مذهب المرجئة ونسبوه ظلماً إلى أهل السنة والجماعة، ولبَّسوا بذلك على الناس، وعززوه عدواناً بالنقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - وغيره من أئمة السلف بالنقول المبتورة، وبمتشابه القول وعدم رده إلى المُحْكم من كلامهم. وإنا ننصحهم أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يثوبوا إلى رشدهم ولا يصدعوا الصف بهذا المذهب الضال، واللجنة - أيضاً - تحذر المسلمين من الاغترار والوقوع في شراك المخالفين لما عليه جماعة المسلمين أهل السنة والجماعة.
وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، والفقه في الدين.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
عضو
عبد الله بن عبد الرحمن الغديان
عضو
بكر بن عبد الله أبو زيد
عضو
صالح بن فوزان الفوزان
الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
الفتوى رقم (7150)
الردة تكون بالقول والفعل والإعتقاد والشك.
السؤال: يُقال أن الردة قد تكون فعلية أو قولية، فالرجاء أن تبينوا لي باختصار واضح أنواع الردة الفعلية والقولية والإعتقادية؟
الجواب: الردة هي الكفر بعد الإسلام. وتكون بالقول والبفعل والإعتقاد والشك، فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته أو بعض كتبه أو رسله أو سب الله أو رسوله، أو جحد شيئاً من المحرمات المجمع على تحريمها أو استحله أو جحد وجوب ركن من أركان الإسلام الخمسة أو شك في وجوب ذلك أو في صدق محمد صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء. أو شك في البعث أو سجد لصنم أو كوكب ونحوه -
فقد ارتد عن دين الإسلام. وعليك بقراءة أبواب حكم الردة من كتب الفقه الإسلامي فقد إعتنوا به رحمهم الله.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
نائب رئيس اللجنة عبد الرزاق عفيفي
الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز
عضو / عبد الله بن قعود
عضو / عبد الله بن غديان
فتوى رقم (20212) وتاريخ 7/ 2/1419 هـ
في التحذير من كتاب ((إحكام التقرير في أحكام التكفير))
لمراد شكري
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
وبعد
فقد إطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي / إبراهيم الحمداني، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (942) بتاريخ 1/ 2/1419هـ.
وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه:
((سماحة مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ / عبد العزيز بن باز .. سلمه الله .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/390)
يا سماحة الشيخ نحن في هذه البلاد / المملكة العربية السعودية في نعم عظيمة، ومن أعظمها نعمة التوحيد، وفي مسألة التكفير نرفض مذهب الخوارج ومذهب المرجئة.
وقد وقع في يدي هذه الأيام كتاب باسم ((إحكام التقرير في أحكام التكفير)) بقلم / مراد شكري الأردني الجنسية. وقد علمت أنه ليس من العلماء، وليست دراسته في علوم الشريعة، وقد نشر فيه مذهب غلاة المرجئة الباطل. وهو أنه لا كفر إلا كفر التكذيب فقط.
وهو - فيما نعلم - خلاف الصواب وخلاف الدليل الذي عليه أهل السنة والجماعة والذي نشره أئمة الدعوة في هذه البلاد المباركة.
وكما قرر أهل العلم: في أن الكفر يكون بالقول وبالفعل وبالإعتقاد وبالشك.
نأمل إيضاح الحق حتى لا يغتر أحد بهذا الكتاب، الذي أصبح ينادي بمضمونه الجماعة المنتسبون للسلفية في الأردن والله يتولاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)).
وبعد دراسة اللجنة للإستفتاء أجابت بأنه:
بعد الإطلاع على الكتاب المذكور وُجد أنه متضمن لما ذُكر من تقرير مذهب المرجئة ونشره. من أنه لا كفر إلا كفر الجحود والتكذيب، وإظهار هذا المذهب المُردي باسم السنة والدليل وأنه قول علماء السلف. وكل هذا جهل بالحق، وتلبيس وتضليل لعقول الناشئة.
بأنه قول سلف الأمة والمحققين من علمائها، وإنما هو مذهب المرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب. والإيمان عندهم: هو التصديق بالقلب
والكفر: هو التكذيب فقط.وهذا غلو في التفريط، ويُقابله مذهب الخوارج الباطل الذي هو غلو في الإفراط في التكفير.
وكلاهما مذهبان باطلان مُرديان من مذاهب الضلال وترتب عليهما من اللوازم الباطلة ما هو معلوم.
وقد هدى الله أهل السنة والجماعة إلى القول الحق والمذهب، والإعتقاد الوسط
بين الإفراط والتفريط: من حرمة عرض المسلم، وحرمة دينه وأنه لا يجوز تكفيره إلا بحق قام الدليل عليه.
وأن الكفر يكون بالقول والفعل والترك والإعتقاد والشك. كما قامت على ذلك الدلائل من الكتاب والسنة.
لما تقدم:
فإن هذا الكتاب لا يجوز نشره وطبعه، ولا نسبة ما فيه من الباطل إلى الدليل من الكتاب والسنة،ولا أنه مذهب أهل السنة والجماعة، وعلى كاتبه وناشره إعلان التوبة إلى الله فإن التوبة تغفر الحوبة.
وعلى من لم ترسخ قدمه في العلم الشرعي أن لا يخوض في مثل هذه المسائل.
حتى لا يحصل من الضرر وإفساد العقائد أضعاف ما كان يؤمله من النفع والإصلاح.
وبالله التوفيق ..
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ....
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس / عبد بن عبدالله بن باز
نائب الرئيس / عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل شيخ
عضو / عبد الله بن عبد الرحمن الغديان
عضو / بكر بن عبد الله أبو زيد
عضو / صالح بن فوزان الفوزان
بيان وتحذير
من كتاب ((ضبط الضوابط)).
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
وبعد.
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الكتاب الموسوم بـ:
((ضبط الضوابط في الإيمان ونواقضه)) تأليف المدعو / أحمد بن صالح الزهراني.
فوجدته كتاباً يدعو إلى مذهب الإرجاء المذموم، لأنه لا يعتبر الأعمال الظاهرة داخلة في حقيقة الإيمان.
وهذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة:
من أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وعليه:
فإن هذا الكتاب لا يجوز نشره وترويجه، ويجب على مؤلفه وناشره التوبة إلى الله عز وجل، ونحذر المسلمين مما احتواه هذا الكتاب من المذهب الباطل حمايةً لعقيدتهم واستبراءً لدينهم، كما نحذر من اتباع زلات العلماء فضلاً عن غيرهم من صغار الطلبة الذين لم يأخذوا العلم من أصوله المعتمدة، وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ....
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس / عبد بن عبدالله بن باز
نائب الرئيس / عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل شيخ
عضو / عبد الله بن عبد الرحمن الغديان
عضو / بكر بن عبد الله أبو زيد
عضو / صالح بن فوزان الفوزان
بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بشأن كتاب بعنوان: (الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/391)
لكاتبه خالد على العنبري
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على كتاب بعنوان:
(الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير) لكاتبه خالد على العنبري
وبعد دراسة الكتاب اتضح أنه يحتوي على إخلال بالأمانة العلمية
فيما نقله عن علماء أهل السنة والجماعة. وتحريف للأدلة عن دلالتها التي تقتضيها اللغة العربية ومقاصد الشريعة.
ومن ذلك ما يلي:
1)) تحريفه لمعاني الأدلة الشرعية، والتصرف في بعض النصوص المنقولة عن أهل العلم، حذفاً أو تغييراً على وجه يُفهم منها غير المراد أصلاً.
2)) تفسير بعض مقالات أهل العلم بما لا يوافق مقاصدهم.
3)) الكذب على أهل العلم، وذلك في نسبته للعلامة محمد بن إبراهيم آل شيخ - رحمه الله - ما لم يقله.
4)) دعواه إجماع أهل السنة على عدم كفر من حكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام
إلا بالإستحلال القلبي كسائر المعاصي التي دون الكفر. وهذا محض إفتراء على أهل السنة، منشؤه الجهل أو سوء القصد نسأل الله السلامة والعافية.
وبناء على ما تقدم، فإن اللجنة ترى تحريم طبع الكتاب المذكور ونشره وبيعه، وتُذكر الكاتب بالتوبة إلى الله تعالى ومراجعة أهل العلم الموثوقين لتعلم منهم ويبينوا له زلاته، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والثبات على الإسلام والسنة.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عبد الله بن عبد الرحمن الغديان
عضو
بكر بن عبد الله أبو زيد
عضو
صالح بن فوزان الفوزان
الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل شيخ
فتوى رقم (21435) بتاريخ 8/ 4/1421هـ
في التحذير من كتاب:
(حقيقة الإيمان بين غلو الخوارج وتفريط المرجئة).
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
وبعد
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء درست ما ورد إليها من الأسئلة المقيدة لدي الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم: (802)، (1414)، (1709) بتاريخ:
9/ 2/1421، 8/ 3/1421، 18/ 3/1421 هـ. عن كتاب بعنوان: ((حقيقة الإيمان بين غلو الخوارج وتفريط المرجئة)). لعدنان عبد القادر، نشر جمعية الشريعة بالكويت.
فأفتت اللجنة _ بعد الدراسة _ أن هذا الكتاب ينصر مذهب المرجئة الذين يخرجون العمل عن مسمى الإيمان وحقيقته، وأنه عندهم شرط كمال، وأن المؤلف قد عزز هذا المذهب الباطل، بنقول عن أهل العلم، تصرف فيها بالبتر والتفريق وتجزئة الكلام، وتوظيف الكلام في غير محله، والغلط في العزو، كما في (ص / 9): إذ عزا قولاً للإمام أحمد - رحمه الله تعالى - وإنما هو لأبي جعفر الباقر، وجعل عناوين لا تتفق مع ما يسوقه تحتها، منها في (ص / 9) إذ قال: ((أصل الإيمان في القلب فقط من نقضه كفر)). وساق نصاً من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لا يتفق مع ما ذكره، ومن النقول المبتورة: بتره لكلام ابن تيمية (ص / 9) عن الفتاوى (7/ 644، 7/ 377) ونقل (ص / 17) عن عدة الصابرين لإبن القيم، وحذف ما ينقض ما ذهب إليه من الإرجاء، وفي (ص / 33) حذف من كلام ابن تيمية من الفتاوى (11/ 87) وكذا في (ص / 34) من الفتاوى (7/ 638، 639)، وفي (ص / 37) حذف من ابن تيمية في الفتاوى (7/ 494)، وفي (ص/ 38) حذف تتمة كلام ابن القيم من كتاب الصلاة (ص/59) وفي (ص/ 64) حذف تتمة كلام ابن تيمية في ((الصارم المسلول)) (3/ 971). إلى آخر ما في هذا الكتاب من مثل هذه الطوام، مما ينصر مذهب المرجئة، وإخراجه للناس باسم مذهب أهل السنة والجماعة، لهذا فإن هذا الكتاب يجب حجبه وعدم تداوله. وننصح مؤلفه أن يراجع نفسه، وأن يتقي الله بالرجوع إلى الحق والإبتعاد عن مواطن الضلالة والله الموفق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
عضو عبد الله بن عبد الرحمن الغديان
عضو
بكر بن عبد الله أبو زيد
عضو
صالح بن فوزان الفوزان
الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل شيخ
فتوى رقم (21517) بتاريخ 14/ 6/1421 هـ.
في التحذير من كتابي ((التحذير من فتنة التكفير))، ((صيحة نذير)).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/392)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
وبعد
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء اطلعت على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من بعض الناصحين من إستفتاآت مقيدة بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم: (2928)، (2929) بتاريخ: 13/ 5/ 1421 هـ. ورقم (2929) وتاريخ 13/ 5 / 1421 هـ.بشأن كتابي ((التحذير من فتنة التكفير))، ((صيحة نذير)) لجامعهما / علي حسن الحلبي، وأنهما يدعوان إلى مذهب الإرجاء، من أن العمل ليس شرط صحة في الإيمان. وينسب ذلك إلى أهل السنة والجماعة، ويبني هذين الكتابين على نقول لشيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ بن كثير وغيرهما رحم الله الجميع.
ورغبة الناصحين بيان ما في هذين الكتابين ليعرف القراء الحق من الباطل .. إلخ ..
وبعد دراسة اللجنة للكتابين المذكورين، والإطلاع عليهما تبين للجنة أن كتاب:
((التحذير من فتنة التكفير)) جمع / علي حسن الحلبي فيما أضافه إلى كلام العلماء في مقدمته وحواشيه يحتوي على ما يأتي:
1 - بناه مؤلفه على مذهب المرجئة البدعي الباطل، الذين يحصرون الكفر بكفر الجحود والتكذيب والإستحلال القلبي، كما في ص / 6 حاشية /2 وص/22،
وهذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة: من أن الكفر يكون بالإعتقاد وبالقول وبالفعل وبالشك.
2 - تحريفه في النقل عن ابن كثير - رحمه الله تعالى - في: ((البداية والنهاية: 13/ 118)) حيث ذكر في حاشيته ص / 15 نقلاً عن ابن كثير: ((أن جنكيز خان ادعى في الياسق أنه من عند الله وأن هذا هو سبب كفرهم))، وعند الرجوع إلى الموضع المذكور لم يوجد فيه ما نسبه إلى ابن كثير - رحمه الله تعالى -.
3 - تقوله على شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه اللع تعالى - في ص / 17 - 18 إذ نسب إليه جامع الكتاب المذكور: أن الحكم المبدل لا يكون عند شيخ الإسلام كفراً إلا إذا كان عن معرفة واعتقاد واستحلال. وهذا محض تقول على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فهو ناشر مذهب السلف أهل السنة والجماعة ومذهبهم، كما تقدم وهذا إنما هو مذهب المرجئة.
4 - تحريفه لمراد سماحة العلامة الشيخ / محمد بن ابراهيم آل شيخ - رحمه الله تعالى - في رسالته: تحكيم القوانين الوضعية. إذ زعم جامع الكتاب المذكور: أن الشيخ يشترط الإستحلال القلبي، مع أن كلام الشيخ واضح وضوح الشمس في رسالته المذكورة على جادة أهل السنة والجماعة.
5 - تعليقه على كلام من ذكر من أهل العلم بتحميل كلامهم مالا يحتمل،
كما في الصفحات 108 حاشية / 1،109 حاشية /21، 110 حاشية / 2.
6 - كما أن في الكتاب التهوين من الحكم بغير ما أنزل الله، وبخاصة في ص / 5 ح /1،بدعوى أن العناية بتحقيق التوحيد في هذه المسألة فيه مشابهة للشيعة - الرافضة - وهذا غلط شنيع.
7 - وبالإطلاع على الرسالة الثانية ((صيحة نذير)) وُجد أنها كمُساند لما في الكتاب المذكور - وحاله كما ذُكر -.
فإن اللجنة الدائمة ترى أن هذين الكتابين: لا يجوز طبعهما ولا نشرهما ولا تداولهما لما فيهما من الباطل والتحريف. وننصح كاتبهما أن يتقي الله في نفسه وفي المسلمين، وبخاصة شبابهم.
وأن يجتهد في تحصيل العلم الشرعي على أيدي العلماء الموثوق بعلمهم وحُسن معتقدهم. وأن العلم أمانة لا يجوز نشره إلا على وفق الكتاب والسنة. وأن يقلع عن مثل هذه الآراء والمسلك المزري في تحريف كلام أهل العلم، ومعلوم أن الرجوع إلى الحق فضيلة وشرف للمسلم. والله الموفق.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
عضو عبد الله بن عبد الرحمن الغديان
عضو
بكر بن عبد الله أبو زيد
عضو
صالح بن فوزان الفوزان
الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل شيخ
التحذير من كتاب ((هزيمة الفكر التكفيري)) لخالد العنبري
بقلم فضيلة الشيخ صالح الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
مجلة الدعوة عدد 1749 - 4ربيع الآخر 1421
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه .. وبعد:
((وضوح عقيدة أهل السنة))
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/393)
فإن عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة واضحة صافية، لا لبس فيها ولا غموض، لأنها مأخوذة من هدي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قد دونت أصولها ومبانيها في كتب معتمدة توارثها الخلف عن السلف، وتدارسوها وحرروها وتواصوا بها وحثوا على التمسك بها، كما قال عليه الصلاة والسلام ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى))، وهذا أمر لا شك فيه ولا جدال حوله.
((ظهور نابتة تنازع عقيدة أهل السنة في الإيمان))
إلا أنه ظهرت في الآونة الأخيرة نابتة من المتعالمين جعلت أصول هذه العقيدة مجالاً للنقاش والأخذ والرد، ومن ذلك قضية الإيمان وإدخال الإرجاء فيه، والإرجاء كما هو معلوم .. عقيدة ضالة تريد فصل العمل وإخراجه عن حقيقة الإيمان، بحيث يصبح الإنسان مؤمنًا بدون عمل، فلا يؤثر تركه في الإيمان انتفاءً ولا انتقاصًا، وعقيدة الإرجاء عقيدة باطلة قد أنكرها العلماء وبينوا بطلانها وآثارها السيئة ومضاعفاتها الباطلة.
وآل الأمر بهذه النابتة إلى أن تشنع على من لا يجاريها ويوافقها على عقيدة الإرجاء ويسمونهم بالخوارج والتكفيريين، وهذا قد يكون لجهلهم بعقيدة أهل السنة والجماعة، التي هي وسط بين مذهب الخوارج الذين يكفرون بالكبائر التي هي دون الكفر، وهو مذهب باطل، وبين مذهب المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان معصية وإن كانت كبيرة.
فأهل السنة والجماعة يقولون: إن مرتكب الكبيرة ـ التي هي دون الكفر ـ لا يكفر كما تقوله الخوارج، ولا يكون مؤمنًا كامل الإيمان كما تقوله المرجئة، بل هو عند أهل السنة مؤمن ناقص الإيمان، وهو تحت المشيئة، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه، كما قال تعالى ((إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) النساء 48
نقد كتاب ((هزيمة الفكر التكفيري))
وقد وصل إليَّ كتاب بعنوان ((هزيمة الفكر التكفيري)) تأليف خالد العنبري، قال فيه: (فما زال الفكر التكفيري يمضي بقوة في أوساط شباب الأمة منذ أن اختلقته الخوارج الحرورية)
وأقول: التكفير للمرتدين ليس من تشريع الخوارج ولا غيرهم، وليس هو فكرًا كما تقول، وإنما هو حكم شرعي، حَكمَ به الله ورسوله على من يستحقه، بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام القولية أو الإعتقادية أو الفعلية، والتي بينها العلماء في باب أحكام المرتد، وهي مأخوذة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالله قد حكم بالكفر على أناس بعد إيمانهم، بارتكابهم ناقضًا من نواقض الإيمان، قال تعالى ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66))) سورة التوبة، وقال تعالى ((وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ)) التوبة 74.
وقال عليه الصلاة والسلام: ((بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة))، وقال ((فمن تركها فقد كفر))، وأحبر تعالى أن تعلم السحر كفر، فقال عن الملكين اللذين يعلمان السحر ((وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ)) البقرة 102.، وقال تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ أمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ أمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً)) النساء 137.
وفرق بين من كفره الله ورسوله وكفره أهل السنة والجماعة اتباعًا لكتاب الله وسنة رسوله، وبين من كفرته الخوارج والمعتزلة ومن تبعهم بغير حق، وهذا التكفير الذي هو بغير حق هو الذي يسبب القلاقل والبلايا من الاغتيالات والتفجيرات، أما التكفير الذي يُبنى على حكم شرعي، فلا يترتب عليه إلا الخير ونصرة الحق على مدار الزمان، وبلادنا بحمد الله على مذهب أهل السنة والجماعة في قضية التكفير، وليست على مذهب الخوارج.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/394)
ثم قال العنبري: {فالواجب في الكفر البواح وهو الكفر المجمع عليه التكفير، والتوقف عنه إرجاء خطير}.
أقول: الكفر البواح هو كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم: ما عليه برهان من الكتاب والسنة والإجماع يأتي به بعد الاستدلال بالكتاب والسنة، نعم إذا كان الدليل محتملاً فهذا لا يجزم بأحد الاحتمالات من غير مرجح، أما إذا كان الدليل نصًا فهذا هو البرهان الذي لا يُعدَل عن القول بموجبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((عندكم فيه برهان)).
والعلماء المعتبرون مجمعون على تكفير من كفره الله ورسوله، ولا يقولون بخلاف ذلك ولا عبرة بمن خالفهم.
ثم جاء في الكتاب المذكور في حاشية (ص27): {التبديل في الحكم في اصطلاح العلماء هو:الحكم بغير ما أنزل الله على أنه من عند الله، كمن حكم بالقوانين الفرنسية وقال:هي من عند الله أو من شرعهِ تعالى، ولا يخفى أن الحكام بغير ما أنزل الله اليوم لا يزعمون ذلك، بل هم يصرحون أن هذه القوانين محض نتاج عقول البشر القاصرة، والتبديل بهذا المعنى الذي يذهب إليه أهل الغلو كفر بإجماع المسلمين)) كذا قال.
ونقول: هذا التبديل الذي ذكرت أنه كفر بإجماع المسلمين، هو تبديل غير موجود، وإنما هو افتراضي من عندك، لا يقول به أحد من الحكام اليوم ولا قبل اليوم، وإنما هناك استبدال هو اختيار جعل القوانين الوضعية بديلة عن الشريعة الإسلامية، وإلغاء المحاكم الشرعية، وهذا كفر أيضًا، لأنه يزيح تحكيم الشريعة الإسلامية وينحيها نهائيًا، ويُحل محلها القوانين الوضعية، فماذا يبقى للإسلام؟! وما فعل ذلك إلا لأنه يعتنقها ويراها أحسن من الشريعة، وهذا لم تَذكره، ولم تبين حكمه، مع أنه فصل للدين عن الدولة، فكان الحكم قاصر عندك على التبديل فقط، حيث ذكرت أنه مجمع على كفر من يراه، وكان قسيمه وهو الاستبدال، فيه خلاف حسبما ذكرت، وهذا إيهام يجب بيانه.
ثم قال العنبري في رده على خصمه: {أنه يدعي الإجماع على تكفير جميع من لم يحكم بغير ما أنزل الله بجحود أو غير جحود}.
وأقول: كفر من حكم بغير ما أنزل الله لا يقتصر على الجحود، بل يتناول الاستبدال التام، وكذا من استحل هذا العمل في بعض الأحكام ولو لم يجحد، أو قال: إن حكم غير الله أحسن من حكم الله، أو قال: يستوي الأمران، كما نص على ذلك أهل العلم، حتى ولو قال: حكم الله أحسن ولكن يجوز الحكم بغيره، فهذا يكفر مع أنه لم يجحد حكم الله وكفره بالإجماع.
ثم ذكر الكاتب في آخر كتابه هذا: أن هناك فتوى لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، يُكَفِّر فيها من حكم بغير ما أنزل الله مطلقًا ولا يفصل فيها، ويستدل بها أصحاب التكفير على أن الشيخ لا يفرق بين من حكم بغير شرع الله مستحلاً ومن ليس كذلك، وأن الشيخ ابن باز سُئل عنها فقال: محمد بن إبراهيم ليس بمعصوم فهو عالم من العلماء .. إلخ ما ذكر.
ولم يذكر العنبري نص فتوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم التي أشار إليها، وهل قُرئ نصها على الشيخ ابن باز أو لا؟!، ولا ذكر المرجع الذي فيه تغليط الشيخ ابن باز لشيخه، وإنما نقل ذلك عن مجلة الفرقان، ومجلة الفرقان لم تذكر نص فتوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، ولم تذكر في أي كتب الشيخ ابن باز تغليطه لفتوى شيخه، ولعلها اعتمدت على شريط، والأشرطة لا تكفي مرجعًا يُعتمد عليه في نقل كلام أهل العلم، لأنها غير محررة، وكم من كلام في شريط لو عُرِضَ على قائله لتراجع عنه، فيجب التثبت فيما ينسب إلى أهل العلم.
هذا بعض ما ظهر لي من الملاحظات على الكتاب المذكور، وعلى غيره ممن يتكلمون ويكتبون في هذه الأصول العظيمة التي يجب على الجميع الإمساك عن الخوض فيها، والاستغناء بكتب العقائد الصحيحة الموثوقة التي خلفها لنا أسلافنا من أهل السنة والجماعة، والتي تدارسها المسلمون جيلاً بعد جيل في مساجدهم ومدارسهم، وحصل الاتفاق عليها والاجتماع على مضمونها، ولسنا بحاجة إلى مؤلفات جديدة في هذا.
وختامًا نقول: إننا بريئون من مذهب المرجئة، ومن مذهب الخوارج والمعتزلة، فمن كفره الله ورسوله فإننا نكفره، ولو كرهت المرجئة، ومن لم يكفره الله ولا رسوله فإننا لا نكفره، ولو كرهت الخوارج والمعتزلة، هذه عقيدتنا التي لا نتنازل عنها ولا نساوم عليها ـ إن شاء الله تعالى ـ ولا نقبل الأفكار الوافدة إلينا، وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ[عبدالله بن عبدالرحمن]ــــــــ[12 - 04 - 03, 07:56 م]ـ
كتاب ((ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة "القسم الأول")) للدكتور/ عبد الله القرني
http://www.dorar.net/htmls/files/dh...attakfeer01.zip
كتاب "نواقض الإيمان القولية والعملية" للدكتور/عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف. الطبعة الأولى سنة 1414هـ، نشر دار الوطن، [القسم الأول: المقدمة والتمهيد والباب الأول "النواقض القولية"]
http://www.dorar.net/htmls/files/nawaqdh01.zip
التوسط والاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول أوالفعل أوالاعتقاد
http://www.dorar.net/htmls/files/sbook1.zip
سؤال وجواب عن حاطب بن أبي بلتعة –رضي الله عنه-
http://www.dorar.net/htmls/fullarti.asp?aid=26
سمات المرجئة والخوارج وأهل الغلو
http://www.dorar.net/htmls/fullarti.asp?aid=19
من موقع الدرر السنية
http://www.dorar.net/htmls/mbooks.asp#97
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/395)
ـ[عبدالله بن عبدالرحمن]ــــــــ[16 - 04 - 03, 01:56 م]ـ
الهداية للشيخ عبدالرحمن عبدالخالق (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للهِ ربِّ العالمين، إله الخَلْقِ أجمعين، ربِّ العرش الكريم، الملك الحق المبين، الذي أرسل رُسله الكرام للدعوة إلى صراطه المستقيم، والدين القويم دين الإسلام العظيم الذي لا يقبل الله من أحد سواه يوم الدين قال تعالى:?إِنَّ الدِّينَ عندَ اللهِ الإسلامُ?، وقال تعالى:?ومَنْ يَبْتَغِ غيرَ الإسلامِ ديناً فلن يُقْبَلَ منه وهو في الآخرةِ من الخاسرين?، وقال تعالى: ?وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاعَ بإذنِ اللهِ?.
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ونذيراً للناس أجمعين، وبشيراً لعباد الله المؤمنين القائل: " من أَطاعَني دخلَ الجنةَ، ومن عصاني فقد أَبَى ".
والسلام والرِّضوان على أصحابه الغُرِّ الميامين، الذين لَبَّوْا نداءَه، وأطاعوا أمره، واستجابوا لله ورسوله؛ فأقاموا الدين، وقاتلوا الكُفْرَ والكافرين، وكانوا كما وصفهم الله: ?محمدٌ رسولُ اللهِ والذين معَهُ أَشِدَّاءُ على الكفارِ رُحماءُ بينَهم تَرَاهُم رُكَّعاً سُجَّداً يَبتغون فضلاً من اللهِ ورِضواناً سيماهُم في وُجوهِهِم من أثرِ السُّجودِ ذلك مَثَلُهُم في التوراةِ ومَثَلُهُم في الإنجيلِ كزرعٍ أخرجَ شَطْأَهُ فآزَرَهُ فاسْتَغْلَظَ فاستوى على سُوقِهِ يُعجِبُ الزُّرَّاعَ ليغيظَ بِهِمُ الكفارَ وعد اللهُ الذينَ ءامنوا وعملوا الصالحاتِ منهُم مَغفرةً وأجراً عظيماً?.
ومن بعده? قاتلوا المرتدين مانعي الزكاة المفرقين بين الصلاة والزكاة، والزاعمين أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله، فقاتلوهم قتال الكافرين، واستحلوا منهم الدماء والأموال والأولاد، وأجمعوا كلهم على كفر تارك الصلاة؛ فحفظوا بذلك حقيقة الدين فاستحقوا موعود الله بالنصر والإعزاز والتمكين: ?وعدَ اللهُ الذينَ ءامنوا منكم وعملوا الصالحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأرضِ كما استخلفَ الذين من قبلِهم ولَيُمَكِّنَنَّ لهم دينَهُمُ الذي ارتَضَى لهم ولَيُبَدِّلَنَّهُم من بعدِ خوفِهِم أمْناً يَعْبُدونَني لا يُشرِكون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون?.
أما بعدُ:
فإنه قد نشأ في المسلمين في أواخر عهد الصحابة، ولم يكن أحد منهم صحابياً. من زعم أن الإيمان الذي ينجو به صاحبه من الخلود في النار هو شهادةُ أن لا إله إلا الله: قولُها باللسان، والإقرارُ بها في القلب فقط، وإنه إذا لم يعمل عملاً قط من الأعمال الصالحة اختياراً لا اضطراراً: لا صلاة، ولا زكاة، ولا حجاً، ولا عُمْرَة، ولا بَرَّ والديه، ولا وَصَلَ أرحامَه، ولا اغتسل من جنابة، أو تَطَهَّرَ من نجاسة، ولم يَأْتَمِرْ بأمر من أوامر الله قط، فإن كل ذلك لا ينقض أصل إيمانه، ولا يُخْرِجُه من ملة الإسلام.
وكذلك لو فعل كل المُكَفِّرات، وارتكب جميع الموبِقات، فسجد لغير الله، ودعا غيرَ الله، وأحلَّ ما حرَّمَ الله، وحرَّم ما أحلَّ الله، وحكم في كل أَمْرِه، وأمرِ غيره بحكمِ غيرِ اللهِ، بل ولو سبَّ اللهَ، وسبَّ رسولَه، وسبَّ دينَه، ولكن فعل ذلك كله في ظاهر الأمر، ولم يكن يعتقد هذا بقلبه فإنه -في زعمهم- يبقى على الإيمان، ولا يخرج منه إلى الكفران!!
وزعموا أن هذا الذي لم يسجد لله سجدة، ولم يأتمر بأمر واحد من أوامره، وفعل كل هذه المكفرات، زعموا أن رحمة الله في الآخرة تنالُه، وأنه من أهل شفاعة الرحمن، وأنه وإن عُذِّبَ يوماً في النار إلا أنه تُدْرِكُه الشفاعة ما دام أنه كان يشهد أن لا إله إلا الله بقلبه ولسانه.
وأقول: لما ظهر هذا المذهب الخطير، والمقالة الكافرة الفاجرة في أهل الإسلام؛ قام التابعون وتابعوهم بإحسان وأئمة الإسلام وأهل الحديث والسنة والجماعة فصاحوا بأهل هذه المقالة في كل مكان؛ فكفروهم، وحذروا من مذهبهم الخبيث الذي يهدم الدين من أساسه، ويُفرغُ الإسلام من اسمه وموضوعه وغايته. وسَمَّوْا أهل هذه المقالة باسم بِدْعَتِهِم وهي بدعة الإِرْجاء.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/396)
وعرف أهل السنة الإيمان بأنه حقيقة مركبة من قول اللسان، وتصديق الجنان، وعمل الجوارح، وأن واحداً منها لا ينفك عن الآخر. وردوا مقالة أهل الإرجاء بكلام الله وكلام رسوله، وإجماع الصحابة؛ وبما استقر في بداهة العقول من استحالة الجمع بين النقيضين: إذ كيف يجتمع الكفر والإيمان في قلب واحد. وكيف يكون مع الإعراضِ والعناد والعصيان والإصرار الإيمان والإسلام والإذعان؟؟
وهذه البدعة القديمة جاء اليوم من يجددها، ويخرجها للناس بحلة جديدة، ولباس جديد، وليته أخرجها بمسماها القديم (الإرجاء)، بل انتحل لها مسمى اعتقاد أهل السنة، وعقيدة سلف الأمة!!
لما رأيت ذلك كان من واجبي بيان هذا الأمر الخطير، وتحذير الأمة من هذا المعتقد الضال، الذي يؤدي في النهاية إلى تكذيب الله، وتكذيب رسوله، والخروج عن إجماع الأمة، وهدم أركان الدين والملة، والتعلق مع ذلك بأماني الرحمة والمغفرة غروراً وتغريراً.
والله المستعان، وعليه وحده التكلان، والحمد لله على توفيقه في البدء والختام، وسميت هذه الرسالة: (البرهانُ على أنَّ تاركَ العملِ - اختياراً - فاقِدٌ لأصل الإيمانِ، وأنَّ الكفرَ كما يكونُ بالقلبِ، يكونُ بالعملِ واللسانِ).
وكتبه
عبدالرحمن بن عبدالخالق
الكويت: جمادي الآخرة سنة 1421هـ
الموافق 14 من شهر أغسطس سنة 2000م
التعريفُ بالبدعة المُسمَّاةِ بدعةَ الإِرجاء:
قبل الدخول إلى ما نحن بِصَدَدِهِ من البرهان أنَّ تارك العمل اختياراً فاقدٌ للإيمان، وأن الكفر كما يكون بالقلب فإنه كذلك يكون بالعمل الظاهر واللسان.
أقول قبل الدخول في موضوع هذه الرسالة أحب أن أُعَرِّفَ بدعةَ الإرجاء ليكون القارئ والمستمع -إن شاء الله- على علم بأبعاد هذه البدعة الخطيرة، وآثارها المدمرة، ومن ثَمَّ يعرف كيفية الرد عليها، فأقول: بحمدِ الله:
الدِّينُ الذي بُعِثَتْ بهِ الرُّسُلُ:
الدين الذي بعثت به الرسل هو الإسلام لله، وهو يَتَلَخَّصُ في كلمتين: سمع وطاعة، قال تعالى مُعَرَّفاً له: ?وقالوا سَمِعْنا وأَطَعْنا? فالسمعُ هو الإيمانُ بكلامِ اللهِ، وتصديقهُ، والطاعةُ هي الإذعانُ لأمرِ اللهِ، والقيامُ به.
وهذا بمجموعه هو الإيمان كما شهد به الله لنبيه وصحابة نبيه، فقال?: ?آمنَ الرسولُ بما أُنزِلَ إليهِ من ربِّهِ والمؤمنونَ كلٌّ آمنَ باللهِ وملائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بينَ أحدٍ من رُسُلِهِ وقالوا سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفرانَكَ ربَّنا وإليكَ المصيرُ?.
هذا هو الإيمان، وهو أيضاً الإسلام، لأن الإسلام هو الاستسلام لله بالإيمان به وطاعته، وهو دينُ الرسلِ جميعاً الذي لا يَقبلُ اللهُ من أحدٍ سِواهُ.
وأما من أتى بالسمع وحده، وترك الطاعة فقد كفر كما كان الشأنُ من إبليس فقد سمع وعصى، واليهود الذين قالوا: ?سَمِعْنا وعَصَيْنا?، ومن أتى بالطاعة فوافق الأمرَ ولكنه لم يسمعْ كلامَ اللهِ ولم يُصَدِّقْه، فقد كفر أيضاً كالنصارى الضالين.
ومن ردَّ كلام الله، فلم يَسْمَعْه، وترك الأمرَ كذلك فقد كذَّب وعصى كفرعون ومن على شاكلته، قال الله جل وعلا عنه: ?فكذَّبَ وعصى? كذَّب خبرَ الله بأنه سبحانه ربُّ العالمين، وأنَّ موسى رسولٌ من عنده، وعصى أمرَ الله فلم يُرْسِلْ بني إسرائيل.
المرجئة من هم؟
قوم ظهروا بعد عصر الصحابة، ولهم أقوال كثيرة في معنى الإيمان، ولكنهم يجتمعون على الفصل بين العمل والإيمان؛ إذ جعلوا العمل خارجاً عن مسمى الإيمان، وعن حقيقته أو أصله …
منهم مَن قال: الإيمان هو الإقرار بالقلب فقط، ومنهم مَن قال: الإيمان هو الشهادة باللسان فقط. ومنهم من قال: الإيمان هو الإقرار بالقلب واللسان فقط. ومنهم من قال بل الإيمان هو المعرفة بالله فقط.
وأما الأعمال الصالحة كالصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، وبر الوالدين، وصدق الحديث .. الخ فعندهم أنها فقط تزيد درجة المؤمن، ولا يزداد بها العبد إيماناً؛ لأن الإيمان عندهم هو التصديق، والعبد إما مُصَدِّق وإما مُكّذِّب، فإن كان مصدقاً فلا يزداد بالصلاة والصوم وسائر الأعمال تصديقاً، وإذا لم يعملها كلها فلا تضره ما دام أنه مُصَدِّقٌ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/397)
وأما المعاصي كقتل النفس التي حرم الله، والزنا، وشرب الخمر، وسائر الموبقات فمنهم مَن قال: لا تضر المؤمن (حسب تعريفهم السابق) شيئاً، فلو فعل كل منكر، وارتكب كل كبيرة مادام يشهد أن لا إله إلا الله فإنها لا تضره. بل يدخل الجنة مع أول الداخلين.
ومنهم من قال: بل تضره، وقد يعذب عليها، ولكنه يصير بعد ذلك إلى الجنة.
وأما المعاصي التي هي كُفر وشِرك فإنهم قالوا إذا فعلها المؤمن (حسب تفسيرهم) ظاهراً فقط ولم يعتقدها فإنه يظل على الإيمان، وإن اعتقدها فقد كفر.
موقف الخوارج والمعتزلة من الإيمان:
والمذهب المقابل لمذهب الإرجاء السابق هو ما ذهب إليه الخوارج، فإنهم جعلوا عمل الدين كله شرطاً في صحة الإيمان، فمَن نقض شيئاً من العمل الواجب فإنه يكفر، ومن فعل كبيرة من المعاصي كالزنا والسرقة كفر ... والكفر عندهم كُفْرٌ مُخَلِّدٌ في النار خلوداً لا انقطاع له.
والفرق بين الخوارج والمعتزلة فَرْقٌ شكلي في التسمية فقط؛ فإن الخوارج قالوا: مَن ارتكب كبيرة فقد كفر، وهو مُخَلَّدٌ في النار إن مات عليها. وأما المعتزلة فقالوا: مَن ارتكب كبيرة فإنه لا يكون مؤمناً ولا كافراً بل في منزلة بين منزلة الكفر والإيمان (منزلة بين المنزلتين)، وإن مات على ذلك فهو مُخَلَّدٌ في النار خُلودَ الكافرين.
موقف أهل السنة والجماعة من مُسمَّى الإيمان:
وأما أهل السنة والجماعة فإنهم عَرَّفُوا الإيمان بأنه: قول باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالجوارح. ولا يكون العبد مؤمناً إلا بهذه الثلاث. وقالوا: العمل جزء من الإيمان، وإذا انتفى العمل كله انتفى الإيمان كله.
وقالوا: العبد يزداد بالطاعة إيماناً، وينقص إيمانه بالمعصية، فليس تصديق الملائكة والنبيين، كتصديق مَن دونهم من صالح المؤمنين والصِّدِّيقين، ومن دونهم من عوام المؤمنين ... وهناك الإيمان واليقين، وحقُّ اليقين، وعَيْنُ اليقين.
وقالوا: المعاصي التي هي دون الكفر لا يخرج بها المؤمن من الإيمان، ولو كانت كبيرة كالقتل، والزنا، وشرب الخمر ... وإن مات صاحبها عليها ولم يتب منها فأمره فيها إلى الله: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه في النار، ولكنه لا يخلد فيها خُلودَ الكافرين.
وأما المعاصي التي حكم الله على فاعلها بالكفر فمنها ما هو كفر أكبر ينقل عن الملة، ومنها ما هو كفر أصغر لا ينقل عن الملة، ولا يخلد صاحبها في النار خلود الكفار.
وقالوا: إن من العمل الصالح الذي فرضه ما يلزم من وجوده وجود الإيمان، ومن انتفائه انتفاء الإيمان، وهو الصلاة، (ولم يكن صحابة رسول الله يرون شيئاً من الأعمال تَرْكُهُ كُفر إلا الصلاة).
وقالوا إن الكفر كما يكون بالقلب فهو كذلك يكون بكلام اللسان، فمَنْ سبَّ اللهَ، أو رسولَه، أو دين الإسلام فهو كافر، وإن اعتقد خلاف ذلك، ومن ردَّ كلامَ الله، أو كلام رسوله بلسانه فهو كافر. وكذلك يكون الكفر بالعمل فمَن أهان القرآن فداسَهُ بِقَدَمِه، أو سجدَ لغير الله دون إِكراه فهو كافر ... الخ
موقف أصحاب المذهب المُلَفَّقِ المعاصر للإرجاء:
وقد نشأ اليوم مذهب مُلَفَّقٌ هو في حقيقته مذهب أهل الإرجاء والجهمية قديماً، ولكن أصحابه يحاولون إلباسه لباس مُعْتَقَدِ أهلِ السنة والجماعة.
وخلاصة هذا المذهب ما يلي:
قولهم أن الإيمان قول وعمل، فيتوهم المستمع والقاري لكلامهم أنهم يعنون عمل الجوارح، ولكنهم يقولون: العمل المطلوب للإيمان هو عمل القلب من التصديق والإذعان، وأما أعمال الجوارح فهي لا تدخل في أصل الإيمان، ولكنها من الإيمان الواجب، أو المستحب، ولا يكون المؤمن كافراً إذا ترك أعمال الجوارح كلها: فلم يُصلِّ، ولم يَصُمْ، ولم يُزَكِّ، ولم يحج، ولم يعمل عملاً قط من الأعمال الظاهرة، بل ولو لم يغتسل من جنابة قط، ولم يوجه وجهته نحو القبلة قط!! وهذه مقالة غُلاةِ المرجئة قديماً، وأضاف بعضهم إلى هذا المذهب القديم القول: إن الكفر لا يكون إلا بالقلب، فإذا كان من الأعمال الظاهرة، فلا يُكّفَّرُ بها صاحبها إلا أن يعتقدها بقلبه. فلو سَبَّ الله، أو سبَّ رسولَه، أو دين الإسلام، أو سجد لغير الله، أو أهان كتاب الله، أو فعل المُكَفِّراتِ فإنه لا يكفر بشيء من ذلك إذا عمله ظاهراً فقط، ولم يعتقده في قلبه!!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/398)
وهذه ضميمة أُخرى من أقوال غُلاة المرجئة أضافوها لبدعتهم وانتَحلوها. وأضاف بعضُهم شنيعة أُخرى فقال: إن مَن كان عنده أصل الإيمان، وهو النُّطْقُ بالشهادة والاعتقاد بقلبه، فلا تَضُرُّهُ المعصية يوم القيامة بل يدخل الجنة مع أول الداخلين. كما في حديث البطاقة -حسب زعمهم- فرجعوا بذلك إلى قول الجهمية في مسمى الإيمان.
وهذا المذهب المُلَفَّقُ من مقالات غُلاةِ المرجئة والجهمية، ومرجئة الفقهاء. نموذج خطير جداً للإرجاء المعاصر. فمن قال بكل عناصره فقد جمع أسوأ أنواع الإرجاء، وقال بقول غلاتهم قديماً، بل خرج إلى الجهمية الخالصة. وأما مَنْ قال بأن المعاصي تضر، وأن صاحبها معرض للعذاب فإن إرجاءه يكون كإرجاء الفقهاء مما نقل عن الحسن بن محمد ابن علي بن أبي طالب، ومقاتل بن سليمان. وأبي حنيفة وحماد بن سلمة ... وغيرهم ...
موضوع هذه الرسالة:
وموضوع هذه الرسالة ليس تفصيل كل هذه المذاهب ولكن لبيان قضيتين أساسيتين فقط:
الأولى: أن من ترك العمل بالجوارح اختياراً فقد نقض أصل الإيمان.
الثانية: أن الكفر كما يكون بالقلب فإنه كذلك يكون بالعمل واللسان.
أولاً: تكفير الأئمة قائل هذه المقالة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتاب الإيمان: " وقال حنبل: حدثنا الحميدي قال: وأُخبرتُ أن ناساً يقولون: من أقر بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت، ويصلي مستدبرَ القبلة حتى يموت، فهو مؤمن مالم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه إذا كان مقراً بالفرائض واستقبال القبلة. فقلت: هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين، قال الله تعالى:?وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين?. وقال حنبل: سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل يقول: من قال هذا فقد كفر بالله، ورد على الله أمره وعلى الرسول ما جاء به عن الله ".
ثانياً: ابن القيم -رحمه الله- يرد هذه البدعة في أبيات معدودات:
رد الإمام ابن القيم -رحمه الله- هذه البدعة المنكرة بأبيات من نونيته، فإنه أوجز هذه البدعة، وبين حقيقتها وشناعتها في تسع أبيات فقط من ألفيته العظيمة المعروفة بالنونية:
قال ابن القيم -رحمه الله-:-
وكذلك الإرجاءُ حينَ تُقِرُّ بالمعبودِ تصبحُ كاملَ الإيمانِ
فارمِ المصاحفَ في الحُشوشِ وخرِّبِ البيتَ العتيقَ وجِدَّ في العصيانِ
واقتل إذا ما استطَعْتَ كلَّ موحِّدٍ وتَمَسَّحَنْ بِالقِسِّ والصُّلبانِ
واشتُم جميعَ المرسلينَ ومن أَتَوا من عندهِ جَهْراً بلا كتمانِ
وإذا رأيت حجارةً فاسجدْ لها بل خُرَّ للأصنامِ والأوثانِ
وأَقِرَّ أن اللهَ جلَّ جلالهُ هو وحدَهُ البادي لذي الأكوانِ
وأَقِرَّ أن رسولَهُ حقاً أتى من عندهِ بالوحي والقرآنِ
فتكونَ حقاً مؤمناً وجميع ذا وِزرٌ عليكَ وليس بالكفرانِ
هذا هو الإرجاءُ عند غلاتِهِم من كل جهمِيٍّ أخي الشيطانِ
وخلاصة معنى أبيات ابن القيم رحمه الله:
أنه عرف الإرجاء بأنه الإقرار بالمعبود فقط!! وذلك أن من المرجئة من قال: إن الإيمان هو الإقرار بالقلب فقط، ومنهم من قال باللسان فقط، وهو قول غلاتهم، ومنهم من قال الإقرار بالقلب، والشهادة باللسان فقط، وبذا تكون مؤمناً كامل الإيمان لأن الإيمان عندهم هو التصديق؛ فمادام أنه مصدق فهو مؤمن كامل الإيمان ..
ولازم قولهم بل نص أقوالهم أن من رمى المصاحف في أماكن النجاسات، أو هدم بيت الله الحرام (الكعبة)، واجتهد في معصية الله ورسوله، وقتل المؤمنين الموحدين، وتمسَّحَ بالقساوسة متبركاً بهم، وبالصلبان معظماً ومتبركاً بها، وشتم جميع المرسلين، ومن أرسلهم، وسجد للحجر والصنم، فإنه لا يكفر كفراً ناقلاً عن الملة مادام أنه في قلبه مؤمن بالمعبود، وتكون الأعمال السابقة كلها كفر ظاهري فقط يحاسب عليها، ولا يخلد في النار بسببها!! وذكر ابن القيم في بيته الأخير أن هذه عقيدة الجهمية إخوان الشياطين.
الرد التفصيلي لهذه البدعة الشنيعة:
أولاً: لا دخول للجنة إلا بالإيمان والعمل الصالح:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/399)
القرآن كله شاهد أن لا نجاة للعبد يوم القيامة من النار إلا بالإيمان والعمل الصالح، والآيات في هذا كثيرة جداً، ومن قال: إن النجاة من النار تكون بمجرد لفظ الإيمان، وإقرار القلب بهذا اللفظ دون العمل مما فرضه الله وأوجبه: من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج، وبر، وطاعة لله ورسوله، فقد كذب آيات الله.
ففي القرآن أكثر من تسعين موضعاً جاء فيها الإيمان مقترناً بالعمل الصالح، وأن دخول الجنة يكون بهما معاً، ومن ذلك قوله تعالى:?وبَشِّرِ الذينَ ءامنوا وعملوا الصالحات أنَّ لهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ?.
وقوله تعالى:?إن الذينَ ءامنوا والذينَ هادُوا والنصارى والصابِئين مَنْ آمنَ باللهِ واليومِ الآخرِ وعمِلَ صالحاً فلهم أجرُهم عند ربِهِم ولا خوْفٌ عليهم ولا هم يحزنون?. وهذه الآية لسنة الله في الجزاء للأمم جميعاً، أي أن كل الأمم حسابها عند الله أن من آمن منهم، وعمل صالحاً، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومفهوم هذه الآية أن من لم يكن كذلك، لم يكن كذلك.
وقوله تعالى:?فمَنْ كان يرجُو لقاءَ ربِهِ فلْيَعْمَلْ عملاً صالحاً ولا يُشْرِكْ بعبادَةِ ربِّهِ أحداً?. وقوله تعالى:?إن الذينَ ءامنوا وعملوا الصالحات كانتْ لهم جناتُ الفِرْدَوْس نُزُلاً?. وقوله تعالى:?والعصرِ ? إن الإنسانَ لفي خُسرٍ ? إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوْا بالحق وتواصوْا بالصبْر?.
وكذلك السنة، فإن السنة كلها مبينة أن النجاة إنما تكون بالطاعة لله ورسوله، ومن ذلك حديث النبي الجامع عن أبي هريرة أن رسولَ اللّه ? قال: «كلّ أمتي يَدخلونَ الجنة إلا من أبى. قالوا: يا رسولَ اللّه ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخلَ الجنة، ومن عصاني فقد أبى». فكيف يكون من عصى الله ورسوله أبداً، ولم ينفذ أمراً له مطلقاً من أهل الجنة، ولو يوماً من عمره؟
وضرب النبي ? مثلاً لذلك، قال جابرُ بن عبد اللّه يقول: جاءت ملائكة إلى النبيّ ? وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العينَ نائمةٌ والقلبَ يقظانُ، فقالوا: إِن لِصاحبكم هذا مثلاً، قال: فاضربوا له مثلاً. فقال بعضهم: إِنه نائمٌ، وقال بعضهم: إن العينَ نائمةٌ والقلبَ يقظان، فقالوا: مثلهُ كمثل رجلٍ بَنى داراً، وجَعَلَ فيها مأدُبةً، وبَعثَ داعياً، فمن أجاب الداعيَ دخلَ الدارَ، وأكلَ من المأدبة، ومن لم يجبِ الداعيَ لم يدخل الدار ولم يأكل منَ المأدبة. فقالوا: أولوها له يَفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم إنّ العينَ نائمةٌ والقلبَ يقظانٌ، فقالوا: فالدارُ الجنة، والداعي محمدٌ ?، فمن أطاعَ محمداً فقد أطاعَ اللّه، ومن عصى محمداً صلى الله عليه وسلم فقد عصى اللّه، ومحمدٌ فَرَقٌ بينَ الناس». ومعنى الحديث أن من لم يطع الرسول، وخالف أمره لم يدخل جنة الله، وفي هذا أعظم الرد على المرجئة القائلين بأن من عصى الله ورسوله طيلة حياته، ولم ينفذ له أمراً أنه يدخل الجنة.
ثانياً: التلازم بين إيمان القلب و عمل الجوارح:
البرهان الثاني على أن عمل الجوارح من الإيمان هو أن المؤمن حقاً بقلبه لا بد وأن يدفعه ذلك إلى الطاعة، وأما من ترك الطاعة أبداً ولم يمتثل لأمر الله وأمر رسوله مطلقاً فلا يمكن أن يكون مؤمناً بقلبه، وإن ادعى الإيمان بلسانه.
والقرآن شاهد على ذلك أن لا إيمان في القلب لِمَنْ لا يستجيب لله بجوارحه. ومن ذلك قوله تعالى:?إنما المؤمنون الذين إذا ذُكِرَ اللهُ وجلت قلوبُهُم وإذا تُلِيَتْ عليهم آياتُهُ زادَتْهُم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ? الذين يقيمون الصلاةَ ومما رزقناهم ينفقون ? أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجاتٌ عند ربهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ?. فدل ذلك على أن من يخاف الله بقلبه، ويزداد إيمانه مع ذكره، وتنزل آياته، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة فهو المؤمن على الحقيقة، الصادق في دعوى الإيمان، ومفهوم هذا أن من لم يكن كذلك فهو كاذب في دعوى الإيمان، ومثل هذه الآية قوله تعالى:?إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون?.
فذلك أن الإيمان الحق الصادق هو ما استلزم اليقين الصحيح والعمل الصالح ..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/400)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- موضحاً هذا المعنى في كتاب الإيمان: " ومما يدل من القرآن على أن الإيمان المطلق مستلزم للأعمال قوله تعالى:?إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذُكّروا بها خَرُّوا سُجَّداً وسَبَّحوا بحمدِ ربِهِمْ وهم لا يستكبرون?. فنفى الإيمان عن غير هؤلاء، فمن كان إذا ذُكِّرَ بالقرآن لا يفعل ما فرضه الله عليه من السجود لم يكن من المؤمنين، وسجود الصلوات الخمس فرض باتفاق المسلمين، وأما سجود التلاوة، ففيه نزاع، وقد يحتج بهذه الآية من يوجبه، لكن ليس هذا موضع بسط هذه المسألة، فهذه الآية مثل قوله:?إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم? وقوله:?إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم?، وقوله?إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه?، ومن ذلك قوله تعالى:?عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ? لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين ? إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون?.
وهذه الآية مثل قوله:?لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوَادُّون من حادَّ الله ورسوله?، وقوله:?ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتَّخَذُوهُمْ أولياء?. بين سبحانه أن الإيمان له لوازم، وله أضداد موجودة تستلزم ثبوت لوازمه وانتفاء أضداده، ومن أضداده موادة من حاد الله ورسوله، ومن أضداده استئذانه في ترك الجهاد، ثم صرح بأن استئذانه إنما يصدر من الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ودل قوله:?والله عليم بالمتقين? على أن المتقين هم المؤمنون ".
ثالثاً: تارك العمل مطلقاً - يسلب الإيمان -:
وقد أجمع سلف الأمة أن إيمان القلب مستلزم لعمل الجوارح، وأن من ترك العمل بالجوارح مطلقاً فهو كاذب في دعوى الإيمان، بل إنه يسلب الإيمان بعدم الاستجابة، كما قال تبارك وتعالى عن الكفار?ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طُغْيانِهِم يعمهون?. وقال سبحانه عن اليهود?وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فقليلا ما يؤمنون?.
وحذر الله المؤمنين من ترك الاستجابة، فقال لهم:?يا أيها الذين ءامنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون?. وهذه أصرح الآيات في أن الله يعاقب من لا يستجيب لأمره بطمس بصيرته، ورده إلى الكفر، والحيلولة بينه وبين الإيمان، كما فعل بإبليس الذي امتنع عن السجود لآدم ?، وكما فعل بفرعون الذي علم الحق، فلما رده ولم يذعن طبع الله على قلبه، وطمست بصيرته، وكما فعل بالمنافقين:?مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون?، وكما فعل باليهود:?فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الكافرين?.
وكذلك من زعم بلسانه أنه مؤمن بالله ورسوله، ولكنه لم يفعل شيئاً مما أمره الله به، ولم ينته عن شيء مما نهاه الله عنه؛ فكيف يكون عنده أصل الإيمان، أو في قلبه مثقال ذرة من خير ... فلو كان مؤمناً حقاً لفعل.
وهذا ما أجمع عليه أهل السنة والجماعة من أن العمل جزء من الإيمان ولازمه، ومقتضاه، وأنه لا يكون إيمان بغير عمل.
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الأمر في مواطن كثيرة من كتبه فمن ذلك في العقيدة الأصفهانية:
" وأيضاً فإن تصديق القلب يتبعه عمل القلب؛ فالقلب إذا صدق بما يستحقه الله تعالى من الألوهية، وما يستحق الرسول من الرسالة تبع ذلك ?لا محالة- محبة الله سبحانه ورسوله ? وتعظيم الله ? ورسوله، والطاعة لله ورسوله أمر لازم لهذاالتصديق لا يفارقه إلا لعارض من كبر أو حسد أو نحو ذلك من الأمور التي توجب الاستكبار عن عبادة الله تعالى، والبغض لرسوله ?، ونحو ذلك من الأمور التي توجب الكفر ككفر إبليس وفرعون وقومه واليهود وكفار مكة وغير هؤلاء من المعاندين الجاحدين، ثم هؤلاء إذا لم يتبعوا التصديق بموجبه من عمل القلب واللسان وغير ذلك، فإنه قد يطبع على قلوبهم حتى يزول عنها التصديق كما قال تعالى: {وإذ قال موسى لقومه لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/401)
الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم? فهؤلاء كانوا عالمين، فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم، وقال موسى لفرعون:?لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر? وقال تعالى: ?وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب? إلى قوله تعالى:?كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار? وقال تعالى:?وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ? ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون?.
فبين سبحانه أن مجيء الآيات لا يوجب الإيمان بقوله تعالى?وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ? ونُقلبُ أفئدَتَهم وأبصارهم? أي فتكون هذه الأمور الثلاثة أن لا يؤمنوا وأن نقلب أفئدتهم وأبصارهم وأن نذرهم في طغيانهم يعمهوم أي وما يدريكم أن الآيات إذا جاءت تحصل هذه الأمور الثلاثة، وبهذا المعنى تبين أن قراة الفتح أحسن. وأن من قال أن المفتوحة بمعنى لعل فظن أن قوله:?ونقلبُ أفئدتِهم? كلام مبتدأ لم يفهم معنى الآية، وإذا جعل ونقلب أفئدتهم داخلاً في خبر أن تبين معنى الآية فإن كثيراً من الناس يؤمنون، ولا تقلب قلوبهم لكن يحصل تقليب أفئدتهم وأبصارهم، وقد لا يحصل، أي فما يدريكم أنهم لا يؤمنون؟ والمراد: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون، بل نقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة، والمعنى وما يدريكم أن الأمر بخلاف ما تظنونه من إيمانهم عند مجيء الآيات، ونذرهم في طغيانهم يعمهون، فيعاقبون على ترك الإيمان أول مرة بعد وجوبه عليهم إما لكونهم عرفوا الحق وما أقروا به، وتمكنوا من معرفته فلم يبطلوا معرفته، ومثل هذا كثير.
والمقصود هنا أن ترك ما يجب من العمل بالعلم الذي هو مقتضى التصديق قد يفضي إلى سلب التصديق والعلم كما قيل: " العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل " وكما قيل: " كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به، فما في القلب من التصديق بما جاء به الرسول ? إذا لم يتبعه موجبه ومقتضاه من العمل قد يزول؛ إذ وجود العلة يقتضي وجود المعلول، وعدم المعلول يقتضي عدم العلة، فكما أن العلم والتصديق سبب للإرادة والعمل فعدم الإرادة والعمل سبب لعدم العلم، والتصديق ثم إن كانت العلة تامة فعدم المعلول دليل يقتضي عدمها، وإن كانت سبباً قد يختلف معلولها كان له بخلفه أمارة على عدم المعلول قد يختلف مدلولها، وأيضاً فالتصديق الجازم في القلب يتبعه موجبه بحسب الإمكان كالإرادة الجازمة في القلب، فكما أن الإرادة الجازمة في القلب إذا اقترنت بها القدرة حصل بها المراد، أو المقدور من المراد لا محالة فإذا كانت القدرة حاصلة، ولم يقع الفعل كان الحاصل هي لا إرادة جازمة، وهذا هو الذي عُفِيَ عنه.
فكذلك التصديق الجازم إذا حصل في القلب تَبِعَهُ عملٌ من عمل القلب لا محالة لا يتصور أن يَنفَّكَ عنه، بل يتبعه الممكن من عمل الجوارح. فمتى لم يتبعه شيء من عمل القلب علم أنه ليس بتصديق جازم، فلا يكون إيماناً، لكن التصديق الجازم قد لا يتبعه عمل القلب بتمامه لعارض من الأهواء كالكِبْرِ والحسد ونحو ذلك من أهواء النفس لكن الأصل أن التصديق يتبعه الحب، وإذا تخلف الحب كان لضعف التصديق الموجب له، ولهذا قال الصحابة: كل من يعصي الله فهو جاهل، وقال ابن مسعود: " كفى بخشية الله علماً، وكفى بالاغترار جهلاً "، ولهذا كان التكلمُ بالكفرِ من غير إكراهٍ كفراً في نفس الأمر عند الجماعة وأئمة الفقهاء حتى المرجئةِ خلافاً للجهمية ومن اتبعهم، ومن هذا الباب سبُّ الرسولِ ? وبُغضُهُ، وسبُّ القرآنِ وبُغضُهُ، وكذلك سبُّ اللهِ سبحانَه وبُغضُهُ، ونحو ذلك مما ليس من باب التصديق والحب والتعظيم والموالاة، بل من باب التكذيبِ والبغضِ والمعاداةِ والاستخفافِ.
ولما كان إيمان القلب له موجباتٌ في الظاهر؛ كان الظاهر دليلاً على إيمان القلب ثبوتاً وانتفاء، كقوله تعالى?لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادّ الله ورسوله? وقوله ??ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء? وأمثال ذلك ".
رابعاً: الذي أراده الله من العباد هو الإيمان والعمل الصالح:
تفصيل الإمام أبي ثور لمذهب المُرجِئة والزامهم الحُجَّةَ، وأنَّ مَن لم يعمل فهو كافر:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/402)
وأخبرنا محمد بن أحمد البصير قال أخبرنا أحمد بن جعفر قال ثنا إدريس بن عبدالكريم المقري قال سأل رجل من أهل خراسان أبا ثور عن الإيمان، وما هو يزيد وينقص؟ وقولٌ هو؟ أو قولٌ وعملٌ؟ وتصديقٌ وعملٌ؟ فأجابه أبو ثور بهذا فقال أبو ثور: سألتَ رحمك الله، وعفا عنا وعنك عن الإيمان: ما هو؟ يزيد وينقص؟ وقولٌ هُوَ؟ أو قول وعمل؟ وتصديق وعمل؟ فأخبرك بقول الطوائف، واختلافهم: فاعلم -يرحمنا الله وإياك- أن الإيمان تصديق بالقلب، والقول باللسان، وعمل بالجوارح، وذلك أنه ليس بين أهل العلم خِلاف في رجل لو قال: أشهد أن الله عز وجل واحد، وأن ما جاءت به الرسل حق، وأُقِرُّ بجميع الشرائع، ثم قال ما عقد قلبي على شيء من هذا، ولا أصدق به أنه ليس بمسلم.
ولو قال: المسيح هو الله، وجحد أمر الإسلام، وقال: لم ينعقد قلبي على شيء من ذلك أنه كافر بإظهار ذلك، وليس بمؤمن، فلما لم يكن بالإقرار إذا لم يكن مع التصديق مؤمناً، ولابالتصديق إذا لم يكن معه الإقرار مؤمناً حتى يكون مصدقاً بقلبه مقراً بلسانه، فإذا كان التصديق بالقلب، وإقرار باللسان، كان عندهم مؤمناً، وعند بعضهم لا يكون حتى مع التصديق عمل، فيكون بهذه الأشياء إذا اجتمعت مؤمناً. فلما نَفَوْا أن الإيمان شيء واحد وقالوا يكون بشيئين في قول بعضهم، وثلاثة أشياء في قول غيرهم، لم يكن مؤمناً إلا بما اجتمعوا عليه من هذه الثلاثة الأشياء، وذلك أنه إذا جاء بالثلاثة أشياء؛ فكلهم يشهد أنه مؤمن، فقلنا بما اجتمعوا عليه من التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، فأما الطائفة التي زعمت أن العمل ليس من الإيمان، فيقال لهم: ما أراد الله عز وجل من العباد إذ قال لهم:?أَقِيمُوا الصلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ? إلا الإقرار بذلك، أو الإقرار والعمل؟ فإن قالت: إن الله أراد الإقرار، ولم يرد العمل فقد كفرت عند أهل العلم مَن قال: إن الله لم يرد من العباد أن يصلوا، ولا يؤتوا الزكاة، فإن قالت: أراد منهم الإقرار والعمل، قيل: فإذا أراد منهم الأمرين جميعاً لم زعمتم أنه يكون مؤمناً بأحدهما دون الآخر، وقد أرادهما جميعاً؟
أرأيتم لو أن رجلاً قال: اعمل جميع ما أمر الله، ولا أُقِرُّ به أيكون مؤمناً؟ فإن قالوا: لا. قيل لهم: فإن قال: أقر بجميع ما أمر الله به ولا أعمل منه شيئاً، أيكون مؤمناً؟ فإن قالوا: نعم. قيل لهم: ما الفرق وقد زعمتم أن الله عز وجل أراد الأمرين جميعاً؟ فإن جاز أن يكون بأحدهما مؤمناً إذا ترك الآخر جاز أن يكون الآخر إذا عمل ولم يُقِرَّ مؤمناً؛ لا فرق بين ذلك.
فإن احتجَّ فقال: لو أن رجلاً أسلم، فأقر بجميع ما جاء به النبي ?، أيكون مؤمناً بهذا الإقرار قبل أن يجيء وقت عمل؟ قيل له: إنما نطلق له الاسم بتصديقه أن العمل عليه بقوله أن يعمله في وقته إذا جاء، وليس عليه في هذا الوقت الإقرار بجميع ما يكون به مؤمناً، وقال أقر ولا أعمل لم نطلق له اسم الإيمان وفيما بينا من هذا ما يُكْتَفَى به.
خامساً: إجماع سلف الأمة أن الإيمان قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان:
أجمع سلفُ الأمة أن الإيمانَ حقيقةٌ مركبةٌ من عناصر ثلاث: شهادةٌ باللسان، وتصديقٌ بالقلب بمعنى هذه الشهادة، وعملٌ بالجوارح، واتفقوا على أنه إذا تخلف عُنْصُرٌ من هذه العناصر تَخَلَّفَ الإيمان، وانتقضَ، ولم يكن لصاحبه إيمان قط .. فإذا لم ينطق بالشهادتين مع الإقرار بهما في قلبه فهو كافر لامتناعه عن الإقرار ظاهراً، ولو كان مِمَّا يعمل مع الإقرار بعضُ أعمالِ الإيمان كما كان الشأن في أبي طالب فإنه كان مُقِرّاً بقلبه أن دين النبي حق، وكان مِمَّنْ يعمل بعض أعمال الإيمان من محبة النبي والدفاع عنه، وإن لم تكن له نية خالصة في ذلك، فقد كان هذا لِلْحَمِيَّةِ والقرابة. ومات كافراً لما امتنع عن النطق بالشهادتين.
ومن نطق بالشهادتين، ولم يكن مقراً بها في قلبه، وعمل أعمال الإسلام من صلاة، وصيام، وزكاة فهو منافق كافر، وهو شَرٌّ من الكافر المُعْلِن للكفر ..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/403)
من ادَّعى بلسانه أنه مؤمن، ونطق بالشهادتين، وزعم أنه مصدِّقٌ بها في قلبه، ولكن امتنع من كل أوامر الله، فلم يُطِعْها، وفعل ما حرم الله عليه، وترك ما أوجب الله عليه، فهو كافر، وهذه هي حقيقة بدعة المرجئة الذين قالوا: الإيمان قولٌ باللسان، وتصديق بالقلب فقط، والأعمال لا تدخل في مُسَمَّى الإيمان. وقالت الجهمية مثل قولهم إلا أنهم قالوا: عَمَلُ القلبِ هو المعرفة فقط.
وأهل السنة جعلوا الإيمانَ قولاً وعملاً، قولاً باللسان، وعملاً بالقلب والجوارح فهو معنى قوله تعالى:?سَمِعْنا وأَطَعْنا?، وقد نقل شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب الإيمان إجماع أهل العلم على ذلك، وتفسيرهم لمعنى قولهم أن الإيمان قولٌ وعملٌ فقال: " قال الحميدي: سمعتٌ وكيعاً يقول: أهلُ السنةِ يقولون: الإيمانُ قَوْلٌ وعَمَلٌ، والمرجئة يقولون: " الإيمان قول ". والجهمية يقولون:" الإيمانُ معرِفةٌ ". وفي رواية أُخرى عنه: وهذا كفر. قال محمد بن عمر الكلابي: سمعتُ وكيعاً يقول: الجهميةُ شَرٌّ من القَدَرِيَّةِ، قال: وقال وكيع: المرجئة الذين يقولون: " الإقرارُ يُجزِئُ عن العمل "؛ ومن قال هذا فقد هَلَكَ؛ ومن قال: النية تُجزِئُ عن العمل، فهو كفر، وهو من قول جهم، وكذلك قال أحمد بن حنبل.
ولهذا كان القول: أن الإيمان قول وعمل عند أهل السنة من شعائر السنة، وحكى غير واحد الإجماع على ذلك، وقد ذكرنا عن الشافعي -رضي الله عنه- ما ذكره من الإجماع على ذلك قوله في (الأم): وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: إن الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر؛ وذكر ابن أبي حاتم -في مناقبه: سمعتُ حرملة يقول: اجتمع حفص الفرد، ومصلان الأباضي عند الشافعي في دار الجروي، فتناظرا معه في الإيمان، فاحتج مصلان في الزيادة والنقصان، وخالفه حفص الفرد، فحمى الشافعي، وتقلد المسألة على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فطحن حفصاً الفرد، وقطعه.
وروى أبو عمرو الطلمنكي بإسناده المعروف عن موسى بن هارون الحمال قال: أملى علينا إسحاق بن راهويه أن الإيمان وقول وعمل يزيد وينقص، لا شك أن ذلك كما وصفنا، وإنما عقلنا هذا بالروايات الصحيحة، والآثار العامة المحكمة؛ وآحاد أصحاب النبي ? والتابعين؛ وهلم جراً على ذلك، وكذلك التابعين من أهل العلم على شيء واحد لا يختلفون فيه، وكذلك في عهد الأوزاعي بالشام، وسفيان الثوري بالعراق، ومالك بن أنس بالحجاز، ومعمر باليمن، على ما فسرنا وبَيَّنَّا، أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
وقال إسحاق: مَن تركَ الصلاةَ مُتَعَمِّدَاً حتى ذَهَبَ وقتُ الظُّهْرِ إلى المغرب، والمغرب إلى نصف الليل، فإنه كافرٌ بالله العظيم، يُستتابُ ثلاثةِ أيامٍ، فإن لم يرجعْ، وقال: تركها لا يكون كفراً، ضُرِبَتْ عُنُقُه -يعني تاركها. وقال ذلك - وأما إذا صلى وقال ذلك، فهذه مسألة اجتهاد، قال: واتبعهم على ما وصفنا من بعدهم من عصرنا هذا أهل العلم، إلا مَن باين الجماعة، واتبع الأهواء المختلفة، فأولئك قوم لا يَعبأُ الله بهم لما باينوا الجماعة.
سادساً: أئمة التابعين قائلون بأن الإيمان قول وعمل:
قال أبو عبيد القاسم بن سلام الإمام -وله كتاب مصنف في الإيمان، قال-: هذه تسميةُ مَن كان يقول: الإيمانُ قولٌ وعملٌ يزيدُ وينقصُ. من أهل مكة: عبيد بن عمير الليثي، عطاء بن أبي رباح، مجاهد بن جبر، ابن أبي مليكة، عمرو بن دينار، ابن أبي نجيح، عبيد الله بن عمر، عبدالله بن عمرو بن عثمان، عبدالملك بن جريح، نافع بن جبير، داود بن عبدالرحمن العطار، عبدالله بن رجاء.
ومن أهل المدينة: محمد بن شهاب الزهري، ربيعة بن أبي عبدالرحمن، أبو حازم الأعرج، سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف، يحيى بن سعيد الأنصاري، هشام بن عروة بن الزبير، عبيدالله بن عمر العمري، مالك بن أنس، محمد بن أبي ذئب، سليمان ابن بلال، عبدالعزيز بن عبدالله -يعني الماجشون-، عبدالعزيز بن أبي حازم.
ومن أهل اليمن: طاووس اليماني، وهب بن منبه، معمر بن راشد، عبدالرزاق بن همام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/404)
ومن أهل مصر والشام: مكحول، الأوزواعي، سعيد بن عبدالعزيز، الوليد بن مسلم، يونس بن يزيد الأيلي، يزيد بن أبي حبيب، يزيد بن شريح، سعيد بن أبي أيوب، الليث بن سعد، عبدالله بن أبي جعفر، معاوية بن أبي صالح، حيوة بن شريح، عبدالله ابن وهب.
ومَن سكن العواصم وغيرها من الجزيرة: ميمون بن مهران، يحيى بن عبدالكريم، معقل بن عبيدالله، عبيد الله بن عمرو الرقي، عبدالملك بن مالك، المعافي بن عمران، محمد بن سلمة الحراني، أبو إسحاق الفزاري، مخلد بن الحسين، علي بن بكار، يوسف ابن أسباط، عطاء بن مسلم، محمد بن كثير، الهيثم بن جميل.
ومن أهل الكوفة: علقمة، الأسود بن يزيد، أبو وائل وسعيد بن جبير، الربيع بن خيثم، عامر الشعبي، إبراهيم النخعي، الحكم بن عتيبة، طلحة بن مصرف، منصور بن المعتمر، سلمة ابن كهيل، مغيرة الضبي، عطاء بن السائب، اسماعيل بن أبي خالد، أبو حيان، يحيى بن سعيد، سليمان بن مهران الأعمش، يزيد بن أبي زياد، سفيان بن سعيد الثوري، سفيان بن عيينة، الفضيل بن عياض، أبو المقدام، ثابت بن العجلان، ابن شبرمة، ابن أبي ليلى، زهير، شريك بن عبدالله، الحسن بن صالح، حفص بن غياث، أبو بكر بن عياش، أبو الأحوص، وكيع بن الجراح، عبدالله بن نمير، أبو أسامة، عبدالله بن إدريس، زيد ابن الحباب، الحسين بن علي الجعفي، محمد بن بشر العبدي، يحي بن آدم ومحمد ويعلى وعمرو بنو عبيد.
ومن أهل البصرة: الحسن بن أبي الحسن، محمد بن سيرين، قتادة بن دعامة، بكر ابن عبدالله المزني، أيوب السختياني، يونس بن عبيد عبدالله بن عون، سليمان التيمي، هشام بن حسان الدستوائي، شعبة بن الحجاج، حماد بن سلمة، حماد بن زيد، أبو الأشهب، يزيد بن إبراهيم، أبو عوانة، وهب بن خالد، عبدالوارث بن سعيد، معتمر ابن سليمان التيمي، يحيى بن سعيد القطان، عبدالرحمن بن مهدي، بشر بن المفضل، يزيد بن زريع، المؤمل بن إسماعيل، خالد بن الحارث، معاذ بن معاذ، أبو عبدالرحمن المقري.
ومن أهل واسط: هشيم بن بشير، خالد بن عبدالله، علي بن عاصم، يزيد بن هارون، صالح بن عمر بن علي بن عاصم.
ومن أهل المشرق: الضحاك بن مزاحم، أبو جمرة، نصر بن عمران، عبدالله بن المبارك، النضر بن شميل، جرير بن عبدالحميد الضبي.
قال أبو عبيد: هؤلاء جميعاً يقولون: الإيمان يزيد وينقص؛ وهو قول أهل السنة المعمول به عندنا.
سابعاً: عشرة من أئمة الفقه في الأمة يقولون: الإيمان قول وعمل:
قال الإمام اللالكائي: وأخبرنا محمد بن أحمد، أخبرنا عثمان بن أحمد، قال ثنا حنبل قال: ثنا الحميدي، قال: ثنا يحيى بن سليم، قال: سَأَلتُ عَشَرَةً من الفُقَهاء عن الإيمان؟ فقالوا: قَولٌ وعَملٌ. سألتُ سفيان الثوري، فقال: قولٌ وعملٌ. وسألتُ ابن جريج فقال: قولٌ وعملٌ. وسألتُ محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان فقال: قولٌ وعملٌ. وسألتُ المثنى ابن الصباح فقال: قولٌ وعملٌ. وسألتُ نافع بن عمر بن جميل فقال: قولٌ وعملٌ. وسألتُ محمد بن مسلم الطائفي فقال: قولٌ وعملٌ. وسألتُ مالك ابن أنس فقال: قولٌ عملٌ. وسألتُ سفيان بن عيينة فقال: قولٌ وعملٌ.
وأخبرنا محمد بن أحمد، قال: ثنا عثمان بن أحمد، قال: ثنا حنبل، قال: ثنا الحميدي، قال: سمعتُ وكيعاً يقول: أهلُ السنة يقولون: الإيمانُ قولٌ وعملٌ.
أخبرنا عبيدالله بن محمد بن أحمد، قال: نا أحمد بن خلف، قال: ثنا محمد بن جرير، قال: ثنا علي بن سهل الرملي، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: سمعتُ الأوزاعي ومالك بن أنس وسعيد بن عبدالعزيز يُنْكرونَ قولَ من يقول: إنَّ الإيمانَ قولٌ بِلا عملٍ ويقولون: لا إيمانَ إلا بعمل: ولا عملَ إلا بإيمانٍ.
وأخبرنا محمد بن أحمد، أخبرنا عثمان، قال: ثنا حنبل، فقال: حدثني أبو عبدالله يعني أحمد، قال: ثنا أبو سلمة الخزاعي، قال: قال مالك بن أنس، وشريك، وأبو بكر بن عياش، وعبدالعزيز بن أبي سلمة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد: الإيمانُ المعرفةُ والإقرارُ والعملُ. أهـ
ثامناً: إجماع الصحابة على أنَّ تاركَ الصلاةِ كافرٌ الكفرَ الأكبرَ الناقِل عن الملةِ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/405)
أجمع الصحابة جميعُهم على أنَّ تَرْكَ الصلاة كُفْرٌ أكبَرُ ناقِلٌ عن المِلَّةِ. وهذا مِن أصرح الأدلة على أن تاركَ العَمَلِ اختياراً ليسَ في قلبِهِ ذرةٌ من إيمان. وأن الصلاة شرط في صحة الإيمان، وأنها من العمل اللازم لوجود الإيمان في القلب. فتركُ الصلاة شعبةٌ من شعبِ الكفرِ لقول النبيِ ? عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ ? يَقُولُ: «بَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ الشّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصّلاَةِ». ولقوله ? عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: سمعتُ رسولَ الله ? يقولُ: «العهدُ الذي بينَنَا وبينهُم الصلاةُ؛ فَمَنْ تَرَكَها فقد كَفَر». وعن ابنِ عُمَرَ أَنّ رسولَ اللّهِ ? قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ الناسَ حتّى يَشْهَدوا أَنْ لا إِلهَ إِلاّ اللّهُ، وأنّ محمداً رسولُ اللّهِ، ويُقِيموا الصلاةَ، ويُؤْتُوا الزّكاةَ. فإذا فَعَلوا ذلكَ عَصَموا مِنّي دِماءَهُم وأموالَهُم إِلاّ بِحَقّ الإِسلام، وحسابُهم عَلَى اللّه».
ولأن الله سبحانه وتعالى جعلها مع الزكاة علامة وشهادة للإيمان، فقال سبحانه وتعالى في شأن المشركين من العرب الذين أمر الله بإمهالهم أربعة أشهر، فإما الإيمانُ أو القتلُ قال الله تعالى:?فإذا انسلخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقتُلوا المشركينَ حيثُ وَجَدْتُموهُم وخُذُوهُمْ واحْصُرُوهُمْ واقْعُدوا لَهُمْ كلَّ مَرْصَدٍ فإنْ تابوا وأقاموا الصلاةَ وآتوا الزكاةَ فخلُّوا سبيلَهُم إن اللهَ غفورٌ رحيمٌ?.
فلما جعل الله إقامتهم للصلاة، وإيتاءَهم للزكاة شرطاً لِلْكَفِّ عنهم، وعدم قَتْلِهِم وقِتالِهِم عَلِمْنا أن الصلاةَ والزكاةَ شرطٌ في صحةِ الإيمانِ.
ومن أجل ذلك أجمع الصحابة جميعُهم على كُفرِ تاركِ الصلاةِ ولا يُعْلَمُ منهم مُخَالفٌ واحد، ولذلك لما عزمَ الصِّدِّيقُ على قتال مانِعي الزكاة قال له الصحابة: كيف تقاتل قوماً يشهدون أن لا إله إلا الله ويصلون؟ فقال: لأقاتلن من فرق بين الصلاةِ والزكاةِ.
فقاس لهم الزكاة التي اختلفوا في حكم مانعها على الصلاة التي لم يختلفوا قط في كُفرِ تاركِها. وإجماع الصحابةِ حُجَّةٌ على الحق، لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يُتصورُ في بداهة العقول أن يجتمع في قلبٍ واحدٍ الإيمانُ باللهِ، وتركُ الصلاةِ أبداً ودوماً، مع ما فيها من الوعيد، وبيانِ كُفرِ تاركِها، وأمرِ المؤمنين بقتله وقتاله ... والمناداة بها خمس مرات في كل يوم وليلة.
ولا شك أن حَمْلَ كفر تارك الصلاة على المعصية التي هي دون الكفر الناقل عن الملة حَمْلٌ غير صحيح للأسباب الآتية:
1) أن الرسول ? قد جعل ذلك علامة فارقة بين الكفر والإيمان، وتمييزاً لأهل النفاق عن أهل الإسلام. فالمنافق الذي يدَّعي الإيمان، وهو كافِرُ القلب الصلاةُ تُظْهِرُ حَقِيقَتَهُ، فإن صلى كان ذلك دليلاً على إيمانه، وإن لم يُصْلِ كان هذا دليلاً على كفرِهِ.
فقولُ الرسول: «العهدُ الذي بيننا وبينهُم» أي بيننا وبين المنافقين، والعهد هو شهادتُهُم ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هذه الشهادة عهدٌ منهم على الإيمان بالله ورسوله فإن صَلُّوا كان هذا دليلاً على التزامِهِم بالعهدِ الذي قَطَعوه على أنفسهِم، وشهدوا به، وإن لم يُصَلُّوا كان هذا دليلاً على نَقضِهِم العهدَ، وبرهاناً على كفرِهم!! فأيُّ دليلٍ أصرح على كفرِ تاركِ الصلاةِ كفراً ناقلاً عن الملةِ من هذا؟!
والذين يقولون: يبقى على الإسلام مع تركه للصلاة، فمع مخالفتهم للحديث يهدمون الفارق الأعظمَ بين المنافق نفاقاً اعتقادياً (أعني كافر الباطن) وبين المسلم. فإن المنافق نفاقاً اعتقادياً لا توجدُ شعيرة من شعائر الإسلام تُظهِرُه واضحاً للمسلمين إلا تَركهُ للصلاة. فمَن قال: لا يكفرُ أيضاً مع تركه للصلاة، لم يُبقِ هناكَ علامةً قط بين المنافق نفاقاً اعتقادياً وبين المسلم وبهذا يتمتع هذا المنافق في أوساط المسلمين بكل منافع الإسلام، فيعيش بينهم آمِناً، مع كفرِ قلبهِ، وفسادِ عقيدتِهِ.
فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كُفرِ تاركِ الصلاة:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/406)
" وسُئِلَ -رحمه الله- عن تاركِ الصلاة من غير عُذر، هل هو مسلم في تلك الحال؟ فأجاب: أما تارِكُ الصلاةِ: فهذا إن لم يكن مُعتَقِداً لوجوبها فهو كافر بالنَّصِّ والإجماع، لكن إذا أسلمَ ولم يَعْلَمْ أن اللهَ أوجبَ عليه الصلاة، أو وجوب بعض أركانها: مثل أن يصلي بلا وضوء، فلا يعلم أن الله أوجب عليه الوضوء، أو يصلي مع الجنابة فلا يعلم أن الله أوجب عليه غسل الجنابة، فهذا ليس بكافر، إذا لم يَعْلَمْ.
لكن إذا عَلِمَ الوجوب: هل يجب عليه القضاء؟ فيه قولان للعلماء في مذهب أحمد ومالك وغيرهما. قيل: يجب عليه القضاء، وهو المشهورُ عن أصحاب الشافعي وكثيرٍ من أصحاب أحمد، وقيل: لا يجبُ عليه القضاء وهذا هو الظاهر.
وعن أحمد في هذا الأصل روايتان منصوصتان فيمن صلَّى في معاطن الإبل، ولم يكن يعلم النهي، ثم علم، هل يُعيد؟ على روايتين، ومن صلى ولم يتوضأ من لُحومِ الإبل، ولم يكن عَلِمَ بالنهي، ثم عَلِمَ. هل يعيد؟ على روايتين.
وقيل: عليه الإعادة: إذا ترك الصلاة جاهلاً بوجوبها في دار الإسلام دون دار الحرب، وهو المشهورُ من مذهب أبي حنيفة، والصائم إذا فعل ما يفطر به جاهلاً بتحريم ذلك: فهل عليه الإعادة؟ على قولين في مذهب أحمد. وكذلك من فعل محظوراً في الحج جاهلاً.
وأصل هذا: أن حكم الخطاب: هل يثبت في حق المكلف قبل أن يبلغه؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره. قيل: يثبت. وقيل: لا يثبت. وقيل: يثبت المبتدأ دون الناسخ. والأظهر أنه لا يجب قضاء شيء من ذلك، ولا يثبت الخطاب إلا بعد البلاغ، لقوله تعالى:?لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ومَنْ بَلَغَ?، وقوله:?وما كُنَّا مُعَذِّبينَ حتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً?، ولقوله:?لِئَلاَّ يَكُونَ للناسِ على اللهِ حُجَّةٌ بعدَ الرُّسُلِ? ومِثلُ هذا في القرآن مُتَعَدِّدٌ، بَيَّنَ سُبحانَهُ أنه لا يُعاقبُ أحداً حتى يبلغه ما جاءَ به الرسول.
ومَنْ عَلِمَ أنَّ محمداً رسول الله، فآمن بذلك، ولم يَعْلَم كثيراً مما جاء به، لم يُعَذِّبْهُ الله على مالم يَبْلُغْه، فإنه إذا لم يُعَذِّبْهُ على تَرْكِ الإيمانِ بعد البلوغِ. فإنه لا يُعذِّبْهُ على بعض شرائِطِه إلا بعد البلاغ أولى وأحرى، وهذه سنة رسول الله ? المستفيضة عنه في أمثال ذلك.
فإنه قد ثبت في الصحاح أن طائفة من أصحابه ظنوا أن قوله تعالى:?الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ? هو الحبل الأبيض من الحبل الأسود، فكان أحدهم يربط في رجله حبلاً، ثم يأكل حتى يتبين هذا من هذا فبين النبي ?: أن المرادَ بياضُ النهارِ وسوادُ الليلِ، ولم يأمُرْهُم بالإعادة.
وكذلك عمرُ بن الخطاب وعمَّارُ أَجْنَبَا، فلم يُصَلِّ عمرُ حتى أدركَ الماءَ، وظن عمَّارُ أنَّ الترابَ يَصِلُ إلى حيثُ يَصِلُ الماء، فتَمَرَّغَ كما تَمَرَّغُ الدابة، ولم يأمر واحداً منهم بالقضاء، بل أمره بالتيمم في المستقبل.
وكذلك المستحاضَة قالت: إني اُسْتحاضُ حَيْضَةً شديدةً تمنعني الصلاةَ والصوم، فأَمَرَها بالصلاةِ زمنَ دمِ الاستحاضةِ، ولم يَأْمُرْها بالقضاءِ.
ولما حُرِّمَ الكلام في الصلاة تَكَلَّمَ معاوية بن الحكم السلمي في الصلاة بعد التحريم جاهلاً بالتحريم، فقال له: " إنَّ صلاتَنا هذه لا يَصْلُحُ فيها شيءٌ مِن كلامِ الآدَمِيِّينَ " ولم يأمره بالإعادة.
ولما زِيدَ في صلاة الحَضَر حين هاجر إلى المدينة، وكان من كان بعيداً عنه: مثل من كان بمكة، وبأرض الحبشة يُصَلُّون ركعتين، ولم يأمرهم النبي بإعادة الصلاة.
ولما فرض الله شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ولم يبلغِ الخبرُ من كان بأرض الحبشة من المسلمين، حتى فات ذلك الشهر لم يَأْمُرْهُم بإعادة الصيام.
وكان بعض الأنصار - لمَّا ذهبوا إلى النبي ? من المدينة إلى مكة قبل الهجرة - قد صلى إلى الكعبة معتقداً جواز ذلك قبل أن يُؤْمَرَ باستقبال الكعبة، وكانوا حينئذ يستقبلون الشام، فلما ذُكِرَ ذلك للنبي ?، أمره باستقبال الشام، ولم يأمره بإعادة ما كان صلى.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/407)
وثبت عنه في الصحيحين أنه سُئِلَ - وهو بالجعرانة: عن رجل أحرم بالعمرة، عليه جُبَّةٌ، وهو مُتَضَمِّخٌ بالخلوق، فلما نزل عليه الوحي قال له: " إنزع عنك جُبَّتَكَ، واغسلْ عنكَ أثرَ الخلوقِ، واصنع في عُمْرَتِكَ ما كنتَ صانعاً في حَجِّكَ ". وهذا قد فعل محظوراً في الحج، وهو لُبْسُ الجبة، ولم يأمره النبي ? على ذلك بدم، ولو فعل ذلك مع العِلْمِ لَلَزِمه دم.
وثبت عنه في الصحيحين أنه قال للأعرابي المسيء في صَلاتِه: " صَلِّ فإِنَّكَ لم تُصَلِّ -مرتين أو ثلاثاً - فقال: والذي بَعَثَكَ بالحقِّ ما أُحسِنُ غير هذا، فَعَلِّمْنِي ما يجزيني في الصلاة، فعَلَّمَهُ الصلاةَ المجزية " ولم يأمره بإعادة ما صَلَّى قبلَ ذلك، مع قوله ما أُحْسِنُ غير هذا، وإنما أمره أن يُعِيدَ تلك الصلاة؛ لأن وقتَها باقٍ، فهو مُخَاطَبٌ بها، والتي صَلاَّهَا لم تبرأ بها الذِّمَّةُ، ووقتُ الصلاةِ باقٍ.
ومعلوم أنه لو بلغ صبي، أو أسلم كافر، أو طَهُرتْ حائض، أو أفاق مجنون، والوقت باق لزمتهم الصلاة أداءً لا قضاءً، وإذا كان بعد خروج الوقت فلا إثم عليهم. فهذا المسيء الجاهل إذا علم بوجوب الطمأنينة في أثناء الوقت فوجبت عليه الطمأنينة حينئذ، ولم تجب عليه قبل ذلك؛ فلهذا أمره بالطمأنينة في صلاة ذلك الوقت، دون ما قبلها.
وكذلك أمرُهُ لمن صلى خلف الصف أن يُعيد، ولمن ترك لُمْعَةً من قدمِهِ أن يعيد الوضوء والصلاة، وقولُه أولاً: "صلِّ فإنك لم تصلِّ " تبين أن ما فعله لم يكن صلاة، ولكن يعرف أنه كان جاهلاً بوجوب الطمأنينة، فلهذا أمره بالإعادة ابتداءً، ثم علَّمهُ إياها، لما قال: والذي بعثك بالحق لا أُحسنُ غير هذا.
فهذه نصوصه - ? - في محظورات الصلاة والصيام والحج مع الجهل فيمن ترك واجباتها مع الجهل، وأما أمره لمن صلَّى خلف الصف أن يُعيد فذلك أنه لم يأتِ بالواجبِ مع بقاء الوقت. فثبتَ الوجوبُ في حقه حين أمره النبي ? لبقاء وقت الوجوب، ولم يأمره بذلك مع مُضِيِّ الوقت.
وأما أمْرهُ لمن ترك لمعة في رجله لم يصبها الماء بالإعادة، فلأنه كان ناسياً، فلم يفعل الواجب، كمَن نسي الصلاة، وكان الوقت باقياً، فإنها قضية معينة بشخص لا يمكن أن يكون في الوقت وبعده. أعني أنه رآى في رجل رجل لمعة لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة، رواه أبو داود. وقال أحمد بن حنبل حديث جيد.
وأما قوله: " ويْلٌ للأعقاب من النار " ونحوه. فإنما يدل على وجوب تكميل الوضوء ليس في ذلك أمر بإعادة شيء، ومن كان أيضاً يعتقد أن الصلاة تسقط عن العارفين، أو عن المشايخ الواصلين، أو بعض أتباعهم، أو أن الشيخ يصلي عنهم، أو أن لله عباداً أسقط عنهم الصلاة، كما يُوجدُ كثير من ذلك في كثير من المنتسبين إلى الفقر والزهد، واتباع بعض المشايخ والمعرفة، فهؤلاء يُسْتَتَابونُ باتفاق الأئمة، فإن أقرُّوا بالوجوب، وإلا قُتِلوا، وإذا أصرُّوا على جحد الوجوب حتى قُتِلوا، كانوا من المرتدين، ومن تاب منهم وصلى لم يكن عليه إعادة ما ترك قبل ذلك في أظهر قَوْلَي العلماء، فإن هؤلاء إما أن يكونوا مرتدين، وإما أن يكونوا مسلمين جاهلين للوجوب.
فإن قيل: إنهم مرتدون عن الإسلام، فالمرتد إذا أسلم لا يقضي ما تركه حال الردة عند جمهور العلماء، كما لا يقضي الكافر إذا أسلم ما ترك حال الكفر باتفاق العلماء، ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في أظهر الروايتين عنه، والأُخرى يَقضِي المرتدُّ. كقول الشافعي والأول أظهر.
فإن الذين ارتدوا على عهد رسول الله ? كالحارث بن قيس، وطائفة معه أنزل الله فيهم:?كيفَ يَهْدِي اللهُ قوماً كَفَروا بَعْدَ إيمانِهِم? الآية، والتي بعدها. وكعبدالله ابن أبي السرح، والذين خرجوا مع الكفار يوم بدر، وأنزل فيهم:?ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ للذينَ هاجَروا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنوا ثُمَّ جاهدُوا وصَبَرُوا إنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِها لغفورٌ رحيمٌ?. فهؤلاء عادوا إلى الإسلام، وعبدالله بن أبي السرح عاد إلى الإسلام عام الفتح، وبايعه النبي ? ولم يأمر أحداً منهم بإعادة ما ترك حال الكفر في الردة، كما لم يكن يأمر سائر الكفار إذا أسلموا.
وقد ارتد في حياته خلقٌ كثير اتبعوا الأسود العنسي الذي تَنَبَّأَ بصنعاء اليمن، ثم قتله الله، وعاد أولئك إلى الإسلام، ولم يُؤْمَروا بالإعادة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/408)
وتَنَبَّأَ مُسيْلمةُ الكذاب، واتبعه خَلْقٌ كثير، قاتلهم الصِّدِّيقُ والصحابة بعد موته حتى أعادوا من بقي منهم إلى الإسلام، ولم يأمر أحداً منهم بالقضاء، وكذلك سائر المرتدين بعد موته.
وكان أكثر البوادي قد ارتدوا ثم عادوا إلى الإسلام، ولم يأمر أحداً منهم بقضاء ما ترك من الصلاة، وقوله تعالى?قُلْ للذينَ كفروا إنْ ينتَهُوا يُغفرْ لهم ما قَد سَلَف? يتناولُ كلَّ كافر.
وإن قيل: إن هؤلاء لم يكونوا مرتدين، بل جُهَّالاً بالوجوب، وقد تقدم أن الأظهر في حق هؤلاء أن يستأنفوا الصلاة على الوجه المأمور، ولا قضاءَ عليهم، فهذا حكم من تركها غير مُعْتَقِدٍ لوجوبها.
وأما من اعتقد وجوبَها مع إصراره على الترك: فقد ذكر عليه المفرِّعُون من الفقهاء فروعاً:
أحدها هذا، فقيل عند جمهورهم: مالك والشافعي وأحمد. وإذا صبر حتى يُقْتَلَ فهل يُقْتلُ كافراً مُرتداً، أو فاسقاً كفُسَّاق المسلمين؟ على قولين مشهورين. حُكِيَا روايتين عن أحمد، وهذه الفروع لم تنقل عن الصحابة، وهي فروعٌ فاسدة، فإن كان مُقِراً بالصلاة في الباطن، معتقداً لوجوبها، يمتنع أن يصر على تركها حتى يُقتل، وهو لا يصلي هذا لا يُعْرفُ من بني آدم وعادتهم؛ ولهذا لم يقع هذا قط في الإسلام، ولا يُعْرف أن أحداً يعتقد وجوبها، ويُقالُ له إنْ لم تُصَلِّ وإلا قتلناك، وهو يُصِرُّ على تَرْكِها، مع إقراره بالوجوب، فهذا لم يقع قط في الإسلام.
ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل لم يكن في الباطن مقراً بوجوبها، ولا ملتزماً بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين، كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا، ودلَّتْ عليه النصوص الصحيحة. كقوله ?: " ليس بين العبد وبين الكفر إلا تَرْكُ الصلاة " رواه مسلم. وقوله: " العهدُ الذي بينَنَا وبينَهُم الصلاةُ فمَن تركها فقد كفر".
وقول عبدالله بن شقيق: كان أصحابُ محمدٍ لا يَرَوْن شيئاً من الأعمال تَرْكُهُ كفر إلا الصلاة، فمن كان مُصِرّاً على تركها حتى يموت لا يسجد لله سجدة قط، فهذا لا يكون مسلماً مُقِراً بوجوبها، فإن اعتقاد الوجوب، واعتقاد أن تاركها يستحق القتل هذا داعٍ تامٌّ إلى فِعلها، والداعي مع القُدرة يُوجب وجود المقدور، فإذا كان قادراً ولم يفعل قط علم أن الداعي في حقه لم يوجد. والاعتقاد التام لعقاب التارك باعث على الفعل، ولكن هذا قد يعارضه أحياناً أمور توجب تأخيرها وترك بعض واجباتها، وتفويتها أحياناً.
فأما من كان مُصِرّاً على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلماً؛ لكن أكثر الناس يُصَلُّون تارة، ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن حديث عبادة عن النبي ? أن قال: " خمسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ على العبادِ في اليومِ والليلةِ، مَنْ حافَظَ عليهن كان له عَهْدٌ عندَ الله أنْ يُدْخِلَه الجنةَ، ومَنْ لم يحافظْ عليهن لم يكنْ له عَهْدٌ عندَ الله، إن شاءَ عَذَّبَهُ وإن شاءَ غَفَرَ له ".
فالمحافظ عليها الذي يصليها في مواقيتها، كما أمر الله تعالى، والذي ليس يُؤَخِّرُها أحياناً عن وقتها، أو يترك واجباتها، فهذا تحت مشيئة الله تعالى، وقد يكون لهذا نوافل يُكْمِلُ بها فَرَائِضَه، كما جاء في الحديث. أهـ
تفصيل المذاهب في كفر تارك الصلاة من كلام الشيخ محمد بن صالح العثيمين -حفظه الله-
حَقَّقَ فضيلةُ الشيخ محمد بن صالح العثيمين حُكمَ تاركِ الصلاة في شرحه الممتعِ على زاد المستقنعِ ننقلُه هنا بلفظه.
المتن: ?ومَنْ جَحَدَ وُجُوبَها كفَرَ، وكذا تارِكُها تَهَاوناً، ودعاهُ إمامٌ أو نائِبهُ فَأَصَرَّ وضاقَ وقتُ الثانيةِ عنها، ولا يُقْتَلْ حتى يستتابَ ثلاثاً فيهما?.
الشرح: قوله: (ومَنْ جَحَدَ وُجُوبَها) أي: وجوب الصلاة المجمع على وجوبها وهي: الصلوات الخمس والجمعة؛ لأنه مُكَذِّبٌ لله ورسوله وإجماع المسلمين القَطْعِي، فأي كفر أعظم من هذا؟ ! وحتى لو جحد وجوبها وصلَّى، وكذا لو جحد وجوبَ بعضها، وكذا لو جحد وجوب ركعة واحدة فإنه يكفر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/409)
وكذا لو جحد وجوب رُكنٍ واحد فقط، كفر إذا كان مُجْمَعاً عليه، واستثنى العلماء من ذلك ما إذا كان حديثَ عهدٍ بكفر وجحد وجوبَها، فإنه لا يكفر، لكن يُبَيَّنُ له الحق، فإذا عرض له الحق على وجه بَيِّنٍ ثم جَحَد كَفَر، وفي هذه المسألة التي استثناها العلماء دليل على أنه لا فرق بين الأمور القطعية في الدين، وبين الأمور الظنية في أن الإنسان يُعْذَرُ بالجهل فيها.
قوله: (وكذا تاركُها تَهَاوُناً، ودعاهُ إمامٌ أو نائِبُه، فأَصَرَّ وضاقَ وقتُ الثانية عنها) فَصَلَ هذه المسألةَ عن الأُولى؛ لأن هذه لها شروط، فإذا تَرَكَها تَهاوناً وكسلاً مع إقراره بفرضيتها، فإنه كَفَرَ كُفْراً أكبرَ مُخْرِجاً عن الملةِ، ولكن بشرطين:
الأول: (دَعَاهُ إمامٌ أو نائِبُهُ).
الثاني: قوله (وضاقَ وقتُ الثانيةِ عنها) فإنه يكفر، وعليه فإذا ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها، فإنه لا يكفر، وظاهره أنه سواء كانت تُجْمَعُ إلى الثانية أو لا تُجْمَعُ، وعلى هذا فمذهب الإمام أحمد المشهور عند أصحابه أنه لا يمكن أن يحكم بكفر أحد ترك الصلاة في زماننا لأنه إذا لم يَدْعُهُ الإمام لم نَتَحَقَّقَ أنه تركها كسلاً. إذ قد يكون معذوراً، لكن إذا دعاه الإمامُ وأصرَّ، عَلِمْنا أنه ليس معذوراً.
وأما تضايق وقت الثانية دون الأُولى؛ فلأنه قد يَظُنُّ جواز الجمع من غير عذر. فلاحتمال هذا الظن لا نحكم بكفره.
ولكن القول الصحيح بلا شك ما ذهب إليه بعض الأصحاب من أنه لا أثر لدعوة الغمام؛ لعدم وجود الدليل، وأيضاً في المسألة الأخرى - وهي ما إذا ترك الصلاة جحوداً - هل تقولون لا يكفر إلا إذا دعاهُ الإمامُ؟ واحتمالُ العذر فيها كاحتمال العذر في تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً.
وقال بعض العلماء: يكفر بترك فريضة واحدة، ومنهم مَن قال: بفريضتين، ومنهم من قال بترك فريضتين إن كانت الثانية تُجْمَعُ إلى الأُولَى، وعليه فإذا ترك الفجر فإنه يكفر بخروج وقتها، وإن ترك الظهر، فإنه يكفر بخروج صلاة العصر.
والذي يظهر من الأدلة أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة دائماً، فإن كان يصلي فرضاً أو فرضين فإنه لايكفر، وذلك لقول النبي ?: " بينَ الرجلِ وبينَ الكفرِ تركُ الصلاةِ فمنْ تركَها فقدْ كَفَر "، فهذا ترك صلاةً لا الصلاةَ، ولأن الأصل بقاء الإسلام، فلا نُخْرِجُهُ منه إلا بيقين؛ لأن ما ثبت بيقين لا يَرتفعُ إلا بيقين؛ فأصل هذا الرجل المعين مسلم.
وقال بعض العلماء: لا يكفر تاركها كسلاً.
وقولُ الإمام أحمد: بتكفير تارك الصلاة كسلاً، هو القولُ الراجحُ، والأدلة تدل عليه من كتاب اللهِ وسنةِ الرسولِ، وأقوالِ السلفِ، والنظرِ الصحيحِ.
أما الكتابُ: فقوله تعالى عن المشركين:?فإِنْ تابُوا وأقامُوا الصلاةَ وآتَوُا الزكاةَ فإِخوانُكُم في الدِّينِ .. ?. فاشترط الله للتوبة ثلاثة شروط، فإذا لم تتحقق فليس بمسلم، وذلك لأن أُخُوَّةُ الدين لا تنتفي بالمعاصي وإن عَظُمَتْ، أما تاركُ الزكاةِ فمن العلماء مَن التزمَ بذلك، وقال: بأنه كافر، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، ولكن يمنع هذا القول ما ثبت في صحيح مسلم فيمن آتاه الله مالاً من الذهب والفضة ولم يؤد الزكاة، " ثم يُقضَى بين العباد فيُرى سبيلُه إما إلى الجنةِ وإما إلى النار ". وهذا يدل على أنه ليس بكافر؛ إذ لو كان كذلك لم يجد سبيلاً إلى الجنة.
وأما من السنة: فقال النبي ?: " بينَ الرجلِ وبينَ الشِّركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ " وقال: " العهدُ الذي بيننا وبينهُم الصلاةُ فمن ترَكَها فقد كَفَر ". والبينيةُ تَقتَضِي التمييزَ بين الشيئين، فهذا في حَدٍّ، وهذا في حَدٍّ.
وقوله من الحديث " الكفر " أتى بأل الدال على الحقيقة، وأن هذا كفرٌ حقيقي وليس كفراً دون كُفر، وقد نبه على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم، فلم يقل ?: " كفر "، كما قال: " اثنتان في الناس هما بهم كفر". وإنما قال: " بين الرجل وبين الشرك والكفر " يريدُ بذلك الكفرَ الحقيقيَّ والكُفرَ المخرجَ عن الملة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/410)
وأما أقوال الصحابة: فإنها كثيرة، رُوِيَتْ عن ستة عشر صحابياً منهم عمر بن الخطاب، ونُقِلَ عن عبدالله بن شقيق وهو من التابعين عن أصحاب النبي ? عموماً القول بتكفير تارك الصلاة، فقال: كان أصحاب النبي ? لا يَرَوْنَ شيئاً من الأعمالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غير الصلاة. ولهذا حَكى الإجماعَ إسحاقُ بنُ راهوية الإمامُ المشهورُ فقال: ما زال الناسُ من عهدِ الصحابةِ يقولون إن تاركَ الصلاةِ كافر.
وأما النظر: فإنه يقال: إن كل إنسان عاقل في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان يداوم على ترك الصلاة، وهو يعلم بشأنها، وأنها فُرِضَتْ في أفضل مكان، وخُفِّفَتْ، ولا بد فيها من طهارة بدون خلاف بخلاف الأعمال الثانية فإن فيها خلافاً، ولا بد للإنسان أن يتخذ فيها زينة، فكيف يشهد أن لا إله إلا الله، ويحافظ على ترك الصلاة، إن كانت شهادةٌ كهذه تِستلزِمُ أن يَعْبُدَه في أعظمِ العباداتِ، فلا بُدَّ من تصديق القولِ بالفعل، فلا يمكن للإنسان أن يَدَّعي شيئاً وهو لا يفعلُه، بل هو كاذب عندنا، ولماذا نكفره في النصوص التي جاءت بتكفيره مع أنه يقول لا إله إلا الله، ولا نُكَفِّرُهُ في ترك الصلاة مع أن النصوص صريحة في كفره؟ ما هذا إلا تناقض، ولا يمكن أن نحمل نصوص التكفير على من تركها جاحداً وهو بنفسه لا يقول به، فإن الإنسانَ لو صلَّى الصلاة كاملة وهو جاحد فإنه كافر، ولهذا لما قيل للإمام أحمد في قوله تعالى:?ومن يَقتُلْ مُؤمِناً مُتَعَمِّدَاً? الآية: إن هذا فيمن استحل قَتْلَ المسلم قال: سبحان الله من استحل قتل المسلم فهو في النار سواء قتله أو لم يقتله، وهذا مثله، وأنت حملتَ الحديث على هذا فقد حَرَّفْتَهُ من وجهين:
أولاً: حملتَ دلالته على غير المراد، ثانياً: أبطلتَ دلالتَهُ فيمن جحدَ وهو يُصلِّي.
وهذا من باب الاعتقاد ثم الاستدلال، والذي يحكم بالكفر والإسلام هو الله عز وجل.
بقي أن يقال: هناك أحاديث تُعارضُ مَن يقول بالكفر؟ أولاً: يجب أن نعرف ما معنى المعارضة قبل أن نقول بها، ولهذا نقول: حَقِّقْ قَبْلَ أنْ تُنَمِّقْ، هل جاء حديث أو آية تقول: من ترك الصلاة فليس بكافر أو نحوه؟ لو جاءت على مثل هذا الوجه قلنا هذه معارضة، ولكن لم يأت. فالنصوص التي عارضوا بها تنقسم إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: ما لا دليل فيه أصلاً للمسألة مثل استدلال بعضهم بقول الله تعالى:?إنَّ اللهَ لا يَغفِرُ أنْ يُشركَ بِهِ ويَغفرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ? فإن معنى قوله:?ما دون ذلك? ما هو أقلُّ من ذلك، وليس معناه ما سوى ذلك، بدليل أنَّ من كذب بما أخبر الله به ورسوله فهو كافر كفراً لا يُغفرُ، وليس ذنبه من الشرك، ولو سَلَّمْنَا أن معنى?ما دون ذلك? ما سِوَى ذلك؛ لكانَ هذا من باب العامِّ المخصوص بالنصوص الدالة على الكفر بما سِوَى الشرك والكفر المُخْرِجِ عن الملة من الذَّنبِ الذي لا يُغفرُ، وإن لم يكن شركاً.
القسم الثاني: عامٌّ مخصوص بالأحاديث الدالَّة على كفر تاركِ الصلاة مثل قوله ? في حديث معاذ بن جبل: " ما من عبدٍ يَشهدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسولُ اللهِ إلا حرَّمَهُ اللهُ على النارِ ". وهذا أحد ألفاظِه، وورد نحوه من حديثِ أبي هريرة وعبادة ابن الصامت وعتبان بن مالك ?.
القسم الثالث: عامٌّ مُقَيَّدٌ بما لا يمكن معه ترك الصلاة مثل: قوله ? في حديث عتبان بن مالك: " فإنَّ اللهَ حَرَّمَ على النارِ من قالَ لا إلهَ إلا اللهُ يَبْتَغي بذلكَ وجهَ اللهِ ". وقوله ? في حديث معاذ: " ما مِن أحدٍ يشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأن محمداً رسولُ اللهِ صِدْقاً من قلبهِ إلا حَرَّمَهُ اللهُ على النارِ ". فَتَقْييدُ الإتيانِ بالشهادتين بإخلاص القصدِ وصدقِ القلبِ يمنعُهُ من تَرْكِ الصلاةِ، إذ ما من شخص يَصْدُقُ في ذلك، ويُخْلِصُ إلا حَمَلَهُ صِدْقُهُ وإخلاصُهُ على فِعل الصلاة ولا بد، فإن الصلاة عمودُ الإسلام، وهي الصلةُ بين العبدِ وربه، فإذا كان صادقاً في ابتغاء وجهِ الله، فلا بد أن يفعل ما يُوصِلُه إلى ذلك، ويتجنب ما يحولُ بينه وبينه، وكذلك من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه فلا بد أن يحمله ذلك الصِّدْقُ على أداءِ الصلاةِ مُخْلِصاً بها للهِ تعالى مُتَّبِعاً فيها رسولَ اللهِ ?، لأن ذلك من مُستَلزَماتِ تلك الشهادةِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/411)
الصادقةِ.
القسم الرابع: ما ورد مُقَيَّداً بحالٍ يُعْذَرُ فيها بترك الصلاة، كالحديثِ الذي رواه ابن ماجه عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسولُ اللهِ ?: " يَدْرُسُ الإسلامُ كما يَدْرُسُ وَشْيُ الثوبِ " الحديث، وفيه: " وتَبقى طوائِفُ من الناس: الشيخُ الكبيرُ، والعجوزُ، يقولون: أَدْرَكْنا آباءَنا على هذه الكلمةِ لا إلهَ إلا اللهُ، فنحنُ نقولهُا، فقال له صلة: ما تُغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يَدرُون ما صلاةٌ، ولا صيامٌ، ولا نسكٌ، ولا صدقةٌ، فأعرض عنه حذيفة، ثم ردَّها عليه ثلاثاً كُلُّ ذلك يُعرِضُ عنه حذيفة، ثم أقبل في الثالثة، فقال: يا صلة تُنجيهم من النار ثلاثاً ". فإن هؤلاء الذين أنجتهم الكلمة من النار كانوا معذورين بترك شرائع الإسلام؛ لأنهم لا يدرون عنها، فما قاموا به هو غاية ما يقدرون عليه، وحالهم تشبه حال من ماتوا قبل فرض الشرائع، أو قبل أن يتمكنوا من فعلها، أو كَمَنْ مات عقيب شهادته قبل أن يتمكن من فعل الشرائع، أو أسلم في دار الكفر قبل أن يتمكن من العلمِ بالشرائع.
والحاصل أن ما استدل به مَن لا يرى كُفْرَ تاركِ الصلاة لا يقاوِمُ ما استدلَّ به من يَرَى كفره؛ لأن ما استدل به أولئك: إما ألا يكون فيه دلالة أصلاً، وإما أن يكون مقيداً بوصف لا يأتي معه ترك الصلاة، أو مُقَيَّداً بحالٍ يُعْذَرُ فيها بترك الصلاة، أو عاماً مخصوصاً بأدلة تكفيره.
فإذا تبين كفره بالدليل القائم السالم عن المعارض المقاوم وجب أن تَتَرَتَّبَ أحكامُ الكفر والردة عليه ضرورةً لأن الحُكمَ يدورُ مع عِلَّتِهِ وُجوداً وعَدماً.
والقولُ بعدمِ تكفيرِ تاركِ الصلاةِ إفسادٌ في الأرض؛ لأنك لو قلتَ للناس على ما فيهم من ضعف الإيمان: إنَّ تركَ الصلاةِ ليس بكفرٍ تركوها، والذي لا يُصَلِّي لا يَغْتَسِلُ من الجنابة، ولا يَسْتَنْجِي إذا بال، فيصبح الإنسان على هذا بهيمةً ليس هَمُّهُ إلا أَكْل وشُرْب وجِمَاع فقط، والدليل قائم، وهو سالم عن المعارض القائم المقاوم تماماً والحمد لله. أهـ.
تاسعاً: المفاسد المترتبة على القول بأن الإيمان هو الشهادة والإقرار فقط، وأن ترك العمل لا ينقض أصل الإيمان:
هذه جملة من المفاسد التي ترتبت على اعتقاد المرجئة:
1) إعطاء المنافقين السلاح لهدم الإسلام: إعطاء المنافقين أعظم الفرص لاجتثاث الإسلام وإبادته والتسلط عليه. فإن عدم اعتبار الأعمال الظاهرة وخاصة الصلاة شرطاً للإسلام يجعل المنافق حُراً من أن لا يصلي أو يصوم أو يزكي أو يظهر شيئاً من الإسلام، وهو مع ذلك مأمن أن يصفه المسلمون بالكفر أو ينسبوه إليه أو يجروا عليه أحكام الكفار بل تجري عليه أحكام المسلمين، فيتولى أعظم الولايات عندهم كالولاية العظمى، والولايات الأخرى إمارة، وقضاءً، ويتزوج من نساء المسلمين، ويطلع على عوراتهم، بل ويستطيع أن يفعل كل الكفر وهو يدعي أنه مع ذلك لا يفعله اعتقاداً، وفي كل ذلك يعامل معاملة المؤمن، بزعم أن عنده أصل الإيمان ... وهذا يؤدي إلى اجتثاث الإسلام وإبادته.
والخلاصة: أن أصحاب هذا القول (المرجئة) يقدمون للكفار المنافقين أعظم خدمة، وييسرون مهمتهم في إبطال الدين بأن يقولوا لهم: لا عليكم إذا لم تصلوا أو تزكوا أو تحجوا أو تصوموا، أو تقوموا بأي عمل من أعمال الإسلام، بل ولا عليكم أن تعملوا بالكفر كله فتحكموا بغير ما أنزل الله، وتبدلوا الشرائع، وتقتلوا المسلمين، وتوالوا الكافرين، وتضربوا بيد من حديد على كل مظهر للدين، فإنكم مع ذلك تظلوا مؤمنين ومسلمين ومن كفركم فهو من الكافرين، بل وأنتم يوم القيامة عتقاء أرحم الراحمين!!
وبهذا سَهَّل هؤلاء (المرجئة) مهمة المنافقين فبعد أن كانوا يخفون كفرهم ويظهرون الإسلام تقيةً وخوفاً فيصلون مع المسلمين، ويجاهدون معهم، وتؤخذ منهم الزكاة رغماً عنهم، وينفقون وهم كارهون ... إذا بهم يأمنون أن يكشف نفاقهم ويعرف كفرهم فإنهم وإن لم يصلوا قط فهم مسلمون مؤمنون، وإن لم يعملوا شيئاً قط من أحكام الإسلام يظلون مؤمنين، بل وإن أظهروا كل أنواع الكفر فهم ما زالوا مؤمنين عند المؤمنين ما داموا أنهم يقولون قولاً بألسنتهم إنهم مسلمون!! فانظر أي بلاء جر هؤلاء على الإسلام!!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/412)
وانظر كيف أراد هؤلاء المرجئة أن يبطلوا كلام الله في المنافقين الذين لا استدلال عليهم إلا بعملهم الظاهر. فالمنافقون لا يعرفون إلا بتأخرهم عن الصلاة، وإبطائهم عن الجهاد، ولمزهم وغمزهم بالمؤمنين وتحريفهم للكلم عن مواضعه، وموالاتهم لأعداء المسلمين، وكذبهم، وإخلافهم العهود، وخيانتهم الأمانة، وفجرهم في خصومهم مع المؤمنين ... وإذا فعل المنافقون بعض ذلك عرفوا بالنفاق، وأخذ المسلمون منهم الحذر، وميز المؤمنون صفهم عن صفهم ... {قل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتوا معي عدواً إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين?. وجاء هؤلاء المرجئة المعاصرون على درب إخوانهم السابقين فقالوا بل من يشهد أن لا إله إلا الله وادعى الإسلام فإنه يكون مؤمناً عنده أصل الإيمان وإن ترك كل ما أمره الله به من الفرائض والواجبات والمستحبات، وفعل كل ما نهاه الله عنه من الخبائث والمنكرات!!
سبحانك هذا بهتان عظيم، وكذب وافتراء على الله رب العالمين.
2) نقض الأحكام التي تأمر أهل الإسلام بالحكم بالكفر على من أظهر الكفر:
من أعظم مفاسد هذه العقيدة أعني القول بأن من شهد بلسانه أنه مسلم وأقر قلبُه بذلك فهو مؤمن وإن لم يأت بأي من أعمال الإيمان الظاهرة لا صلاة، ولا زكاة، ولا صياماً، ولا حجاً .. بل ومن فعل كل المكفرات والمنكرات إذا لم يعتقدها!! أقول من مفاسد هذه المقالة أيضاً أن الأحكام التي أمر الله أهل الإيمان أن يجروها على الناس في الظاهر تبطل، فمن ذلك قتال من لم يظهر الصلاة فعن حُميدٍ قال: سمعتُ أنساً ? يقول: «كان رسولُ الله ? إذا غزا قوماً لم يُغِرْ حتّى يُصبحَ، فإن سمعَ أذاناً أمْسَك، وإن لم يَسمَعْ أذاناً أغارَ بعدَ ما يُصبح. فَنزَلْنا خَيبرَ ليلاً».
وأرسل النبي ? من يقتل من تزوج امرأة أبيه وأمر أن يخمس ماله، فقتله قتلة الكافر، ولم يورث ماله ورثته، وإنما جعل ماله غنيمة.
وعلى هذا سار أصحابه من بعده فقاتلوا وقتلوا من تمالئوا على منع الزكاة، وقاتلوهم قتال الكفار، وكذلك وأجمعوا جميعهم على كفر تارك الصلاة، واتفقوا على وجوب قتله، وسار أئمة الإسلام على ذلك فقتلوا كل من أظهر مكفراً، وأفرد المسلمون باباً في الفقه لحكم المرتد والزنديق. فالمرتد من فعل مكفراً لا مسوغ له فيه أو ارتد عن دين الإسلام إلى دين آخر. والزنديق من قال في الإسلام مقالة الكفر وإن ادعى أنه مسلم.
والخلاصة أن إجراء أحكام الكفر على من جاء بمكفر ظاهر لا تأويل له إلا الكفر قد جاء به القرآن والسنة، وأجمع عليه الصحابة ..
وجاء هؤلاء فأرادوا نقض هذا الأصل الأصيل الذي هو باب لحراسة الدين، وبه يتميز صف المسلمين عن صف الكافرين فأرادوا هدم هذا الأصل، وإزالة هذه الحراسة للدين، وفتحوا الطريق أمام جميع الكفار والمنافقين ممن يقولون قولاً بألسنتهم لا تصدق قلوبهم، فيزعمون أنه لا يشترط لصحة الإيمان عمل ظاهر غير النطق بالشهادتين. وأن هذا الأصل لا ينتقض بترك صلاة، ولا زكاة، ولا حج ولا بأي عمل من أعمال الكفر مالم يعتقده فاعله!! وبهذا يستطيع أي كافر أن يقوم بهدم الإسلام، فيحل كل المحرمات ويحرم ما شاء من الواجبات والمباحات، وليس عليه إلا أن يدعي بلسانه أنه من أهل الإسلام فلا يكفر بذلك ولا يخرج من دائرة المسلمين ...
3) هل أخطأ الصحابة في قتالهم لمانعي الزكاة، وإجماعهم على كفر تارك الصلاة:
من لازم قول المرجئة أن الصحابة رضوان الله عليهم قد أخطئوا في قتالهم مانعي الزكاة قتال الكفار والمرتدين وفي إجماعهم على كفر تارك الصلاة، ومن ذهب هذا المذهب فقد خالف إجماع الأمة وفارق جماعة المسلمين.
4) تفريغ الدين من محتواه:
من أعظم الفساد الذي يحدثه هذا المذهب البغيض مذهب أهل الإرجاء أنه يفرغ الإسلام من محتواه، ويفقده حقيقته ومضمونه ومعناه، إذ يجعله مجرد قول يجري على اللسان وزعم كاذب لصاحب هذا القول أن مصدق بقلبه ... وأن من أتى هذا فعنده أصل الإيمان، وأنه وإن لم يستجب لله في أمر قط لا فعلاً ولا تركاً فإنه يبقى مع ذلك مؤمناً تناله مشيئة الرحمن، ويلحقه حتماً العتق من النار والغفران.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/413)
وهذا يجعل حقيقة الدين الذي أرسلت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب وقامت من أجله المعركة العظيمة بين أهل الإيمان وأهل الكفر شيئاً لا يستحق كل هذا الذي يبذل فيه من جهاد. ولا يكون للإسلام معنى إذ الإسلام هو الاستسلام لله بالطاعة، فمن لم يطع قط كيف يكون مسلماً؟! ولا يكون للعبادة معنى لأن العبادة تعني الذل والخضوع، وإذا كان المطلوب في نهاية الأمر هو مجرد كلمة يقولها اللسان، مع الادعاء بأنها توافق ما في القلب فإن العبادة هنا تفقد معناها، ولا يبقى هناك أي مضمون لقوله تعالى?وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون? ولا يكون للإيمان معنى حقيقي في نفسه فكيف يسمى مؤمناً ويبقى مؤمناً من لا يستجيب لله قط في عمل!! ويفعل الكفر كله مع ادعائه أنه من أهل الإيمان!!
5) تفريغ الوعيد من مضمونه ومعناه:
موقف المرجئة من المعاصي: منهم من قال: إن من عنده أصل الإيمان لا يضره ذنب قط .. بل يدخل الجنة مع أول الداخلين، ما دام أنه قال بلسانه لا إله إلا الله وشهد بها في قلبه. وقد أصبح هذا مذهباً لعدد ممن يدعون السلفية زاعمين أنه مفهوم حديث صاحب البطاقة ونصه: عن عَبْدَ الله بنَ عَمْرِو بنِ العَاص ? يَقُولُ: قال رَسُولَ الله ?: «إِنّ الله سَيُخَلّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَتِي عَلَى رُؤُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاّ، كُلّ سِجِلٍ مِثْلُ مَدّ البَصَرِ ثُمّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئَاً؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحافِظُونَ؟ فيَقُولُ لاَ يَا رَبّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ لاَ يَا رَبّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ يَا ربّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَع هَذِهِ السّجِلاّتُ؟ فَقَالَ فَإِنّكَ لاَ تُظْلَمُ. قالَ: فَتُوْضَعُ السّجِلاّتُ فِي كِفّةٍ وَالِبطَاقَةُ في كِفّةٍ فَطَاشَتْ السّجِلاّتُ وَثَقُلَت البِطَاقَةُ، ولا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ الله شَيْءٌ».
ومنهم من قال: لا بل المعصية والكبائر تصر صاحبها أصل الإيمان وهو عندهم من شهد بلسانه وأقر بقلبه. في أنه قد يدخل بها النار، ويعذب بها إذا لم يغفرها الله له ولكن حتما لا يخلد في النار خلود الكفار بل يخرج منها بشفاعة الأنبياء والمرسلين وشفاعة أرحم الراحمين.
فأما القائلون بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب فهم مكذبون لله ورسوله وذلك أن الله توعد بالعقوبة على الذنب صغيره وكبيره. فالشرك والكفر لا يغفره الله لمن جاء به يوم القيامة. وما دونهما فقد توعد الله أهل الإيمان على صغير الذنب وكبيره بعقوبات في الدنيا والآخرة.
فمن قائل: لا يعاقب مرتكب الذنب من أهل التوحيد في الآخرة فقد كذب الله ورسوله. وأبطل وعيد الله للعصاة. وحصر آيات الوعيد على المعصية لا يمكن في هذه الرسالة المختصرة. فمن الآيات الجامعة في هذا قوله تعالى?ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً?. وسواءاً هنا نكرة تعم كل سوء، والسوء من السيئة ... وقوله تعالى?فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ? ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره? وليس بعد ذلك تحذير فإذا كانت المؤاخذة والمحاسبة في الآخرة على مثقال الذر في الخير والشر فالأكبر من ذلك من باب الأولى، وأما الوعيد على الكبائر فكثير جداً في القرآن كقوله تعالى?ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً?. وعلى السرقة قوله تعالى?والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءاً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم?. وعلى الغلول?وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون?. وعلى الربا قوله تعالى?الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس .. ? وقيل في تفسيرها: يقومون يوم القيامة على هذه الحال. وفي رمي المحصنات يقول الله تعالى?إن الذين يرمون المحصنات المؤمنات الغافلات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم?. وقوله تعالى في آكل مال اليتيم ?إن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/414)
الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً?.
وقد توعد الله بالعقوبة على صغائر الإثم من هو عظيم في الإيمان كالرسل والأنبياء ومن هو من عموم أهل الإيمان بل الوعيد بالعقوبة وتضعيفها للعظيم في الإيمان والكبير في المنزلة أعظم من عقوبة من دونه في العلم والإيمان. قال تعالى لرسوله:?ولو لا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات? أي عذاباً مضاعفاً في الدنيا وعذاباً مضاعفاً في الآخرة. وقال سبحانه وتعالى?يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً?.
وأما أحاديث الوعيد لأهل المعاصي فأكثر من أن تحصر بل لا تكاد ذنباً ذكره الرسول ? إلا وذكر ما يترتب عليه من العقوبة في الدنيا والآخرة. فمن ذلك قوله ?: عن عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُسِرّ إلَيْكَ؟ قَالَ فَغَضِبَ وَقَالَ: مَا كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُسِرّ إلَيّ شَيْئاً يَكْتُمُهُ النّاسَ. غَيْرَ أَنّهُ قَدْ حَدّثَنِي بِكَلِمَاتٍ أَرْبَعٍ. قَالَ فَقَالَ: مَا هُنّ؟ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: قَالَ «لَعَنَ اللّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ. وَلَعَنَ اللّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللّهِ. وَلَعَنَ اللّهُ مَنْ آوَىَ مُحْدِثاً. وَلَعَنَ اللّهُ مَنْ غَيّرَ مَنَارَ الأَرْضِ». وقوله ?: عَنْ جَابِرٍ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَرّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ. فَقَالَ: «لَعَنَ اللّهُ الّذِي وَسَمَهُ».
وإخباره ? «عُذّبَتِ امرأةٌ في هِرّةٍ حَبَسَتْها حتى ماتَتْ جوعاً، فدَخَلَتِ فيها النارَ، قال: فقال ـ والله أعلم ـ: لا أنتِ أطعَمْتِها ولا سقَيْتِها حينَ حبَسْتِها، ولا أنتِ أرسَلْتِها فأكَلَتْ من خَشاشِ الأرضِ».
عن سَمُرَة بن جنْدب رضيَ الله عنه قال: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعني مما يكثرُ أَن يقول لأصحابِهِ: هل رأى أَحدٌ منكم من رُؤيا؟ قال: فيَقصّ عليه ما شاء الله أن يَقصّ. وإِنه قال لنا ذاتَ غَداةٍ: إِنّه أتاني الليلةَ آتِيان وإِنهما ابتعثاني وإِنهما قالا لي: انطلِق. وإِني انطلقتُ معهما، وإِنا أَتينا على رجل مَضْطجع. وإِذا آخرُ قائم عليهِ بصخرةٍ، وإِذا هو يَهوي بالصخرةِ لِرَأسهِ فيَثْلغ رأسَهُ فيتدَهدَه الحجر ها هنا، فيتبعُ الحجرَ فيأخُذُه فلا يَرجع إِليه حتى يَصحّ رأسُه كما كان، ثمّ يَعودُ عليه فيفعل به مثلَ ما فَعَلَ به المرّةَ الأولى. قال قلتُ: لهما: سُبحانَ الله، ما هذانِ؟ قال قالا لي: انطلِقْ انطلِق، فانطَلَقْنا فأتينا على رجل مستَلْقٍ لِقَفاهُ، وإِذا آخرُ قائمٌ عليهِ بِكلوبٍ من حديد، وإِذا هو يأتي أَحدَ شِقي وَجههِ فيُشرشِر شِدْقه إِلى قَفاه، ومِنْخَره إِلى قَفاه، وعَينَه إلى قفاه، قال: وربما قال: أبو رجاء فيشُقّ. قال: ثمّ يتحوّل إِلى الجانب الاَخر فيفعَل به مثل ما فَعل بالجانب الأوّل، فما يَفرُغ من ذلك الجانب حتى يَصحّ ذلك الجانب كما كان، ثمّ يعودُ عليه فيفعل مثلَ ما فعلَ المرّةَ الأولى. قال قلتَ: سبحانَ الله ما هذان؟ قال قالا لي: انطلقْ انطلق، فانطلقنا فأتَينا على مثل التنّور، قال: وأَحسِبُ أَنه كان يقول: فإِذا فيه لَغَطٌ وأَصواتٌ. قال: فاطلعْنا فيه فإذا فيه رجالٌ ونساء عراةٌ، وإِذا هم يأتيهم لَهَبٌ من أسفلَ منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضَوْضَوا قال: قلتُ لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلِق انطلق. قال: فانطلَقْنا فأَتَينا على نهر حسِبتُ أَنه كان يقولُ أَحمر مثل الدم، وإِذا في النهر رجلٌ سابحٌ يَسبَح، وإِذا على شَط النهر رجلٌ قد جَمَعَ عندَه حجارة كثيرةً، وإِذا ذلك السابحُ يسبحُ ما يسبحَ، ثمّ يأتي ذلك الذي قد جمعَ عندهُ الحجارةَ فيغفرَ له فاهُ فيلقمُهُ حجراً فينطلقُ يسبَح ثمّ يرجعُ إِليه، كلما رَجَعَ إليه فغَرَ له فاهُ فألقمه حجراً. قال: قلت لهما: ما هذانِ؟ قال: قالا لي: انطلِقْ انطلق. قال: فانطلَقْنا فأَتَينا على رجل كريهِ المرآةِ كأكرهِ ما أنتَ راءٍ رجلاً مَرآةً، وإِذا عندَهُ نار يَحُشّها ويَسعى حَولها. قال قلتُ لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/415)
انطلِقْ، انطلِق. فانطلَقْنا فأَتَينا على روضةٍ معَتمّة فيها من كلّ لَونِ الرّبيع، وإِذا بينَ ظهرَي الروضةِ رجلٌ طويلٌ لا أكادُ أرى رأسَه طولاً في السماء، وإِذا حَولَ الرجل من أكثرِ ولدانٍ رأيتهم قطّ. قال: قلتُ لهما: ما هذا، ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلِقْ، انطلِقْ. فانطلَقنْنا فانتهينا إلى روضةٍ عظيمة لم أَرَ روضةٍ قط أَعظمَ منها ولا أحسنَ. قال: قالا لي: ارْقَ، فارتقيْت فيها قال: فارتقَيْنا فيها فانتهَيْنا إِلى مدينة مبنيّة بلبِنِ ذهبٍ ولبنِ فضة، فأتَينا بابَ المدينةِ فاستفَتحنا ففتحَ لنا، فدَخلناها فتلقانا فيها رجالٌ شَطرٌ من خَلْقِهم كأحسنِ ما أنتَ راءٍ وشَطرٌ كأقبح ما أنتَ راءٍ، قال: قالا لهم: اذهبوا فقَعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهرٌ معترِض يَجري كأَنّ ماءه المحضُ من البياض فذهَبوا فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذَهَبَ ذلك السوءُ عنهم فصاروا في أَحسَنِ صورة. قال: قالا لي: هذه جنةُ عَدْنٍ وهذاكَ منزلك. قال: فسمَا بصَري صُعُداً، فإذا قصرٌ مثلُ الرّبابةِ البيضاء. قال: قالا لي هذاكَ منزِلك، قال: قلت لهما: باركَ الله فيكما. ذَراني فأدخُله، قالا: أما الاَن فلا، وأَنتَ داخِله. قال: قلت لهما: فإني قد رأيتُ منذ الليلةِ عَجباً، فما هذا الذي رأيت؟ قال قالا لي: أما إِنا سنُخبرُك: أَما الرجلُ الأولُ الذي أتيتَ عليه يُثلَغ رأسه بالحجر فإِنه الرجلُ يأخذُ القرآن فيرفضهُ وينامُ عن الصلاة المكتوبة. وأَما الرجلُ الذي أتيتَ عليه يشرشَرُ شِدقه إلى قفاه ومنخَرُه إلى قفاه وعَينه إلى قفاه فإنه الرجلُ يَغدو من بيته فيكذِبُ الكذِبَةَ تبلغُ الاَفاق. وأما الرجالُ والنساءُ العراةُ الذين في مثلِ بناءِ التنور فهمُ الزّناة والزواني. وأما الرجلُ الذي أتيتَ عليه يَسبح في النهر ويُلقم الحجرَ فإنه آكِلُ الرّبا. وأَما الرجلُ الكريه المرآةِ الذي عندِ النار يَحشّها ويَسعى حولها فإنه مالكٌ خازنٌ جهنم. وأما الرجلُ الطويلُ الذي في الروضة فإِنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم. وأَما الولدانُ الذي حَولهُ فكلّ مولودٍ ماتَ على الفِطرة. قال: فقال بعضُ المسلمين: يارسولَ الله وأولادُ المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين. وأَما القومُ الذين كانوا شَطرٌ منهم حسناً وشطرٌ قبيحاً فإنهم قومٌ خَلَطوا عملاً صالحاً وآخرَ سَيّئاً تجاوَزَ الله عنهم».
عن ابنِ عَبّاسٍ قال: مَرّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إنّهُما يُعَذّبَانِ وَمَا يُعَذّبَانِ في كَبِيرٍ أَمّا هَذَا فَكَانَ لا يسْتنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنّمِيمَةِ، ثُمّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقّهُ باثْنَيْنِ، ثُمّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِداً وَعَلَى هَذَا وَاحِداً وقال: لَعَلّهُ يُخَفّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» قال هَنّادٌ: يَسْتَتِرُ مكانَ يَسْتَنْزِهُ.
وقول هؤلاء بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب، وظنهم أن من قال لا إله إلا الله بلسانه مصدقاً بها في قوله سيدخل الجنة دون عذاب رد وتكذيب للقرآن وأحاديث النبي?. وإبطال لحقيقة الوعيد ... ومن ثم هو إبطال للدين كله. لأنه إذا لم يكن في الآخرة من عقوبة على الذنب لكل من شهد بلسانه فقط أن لا إله إلا الله وكان مقراً بذلك في قلبه فلم العمل إذن؟ ولماذا نترك السيئات؟ إذا كانت هي باطلة الآن في الدنيا، ولا يحاسب عنها العبد في الآخرة ما دام أنه من أهل التوحيد في زعمهم فحقيقة هؤلاء تكذيب لله ورسوله، وإبطال للدين.
6) إضلال عوام المؤمنين:
من المفاسد العظيمة لهذه العقيدة -عقيدة الإرجاء- كذلك أنها تضل عوام المؤمنين، وتوهمهم، أن مطلوب الدين في نهاية الأمر، ليس إلا شهادةً باللسان وإقراراً بالقلب فقط، وأن من أتى بذلك فهو من أهل النجاة في الآخرة حتماً إن لم يقم بأي عمل صالح، بل وإن فعل كل الخطايا والموبقات، بل والكفر والشرك وهو لا يعتقده (انظر)!!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/416)
ومن أجل ذلك يتركون الصلاة والزكاة والصوم وسائر الأعمال ويقولون الإيمان بالقلب!! ولا يعلمون أن الإيمان يستلزم العمل الصالح، وأنه لا إيمان بلا عمل، وأن ترك الصلاة كفر، وأن من ترك صلاة العصر وحدها لمرة واحدة فقد حبط عمله، ويفعل العامة المعاصي التي نهى الله عنها معتمدين على فكر الإرجاء السابق، ولا يعلمون أن المستحل كافر (والاستحلال هو الرضى بالمعصية، والظن أن الله لا يعاقب عليها) ولا يعلمون أن الإباء كفر، وترك الأمر كبراً وعناداً كفر وفعل المعصية استحلالاً كفر، وأن الإعراض عن الدين كفر، وأن من ظن أنه يسعه ولا بأس عليه أن يفعل ما نهى الله عنه فقد كفر، وكل ذلك كفر ناقل عن الملة.
ويقع العامة في هذه الأنواع الغليظة من الكفر الناقل عن الملة بأقوال هؤلاء الجهال المفسدين الذي حصروا الإيمان في الشهادة باللسان، وتصديق الجنان. حسب زعمهم.
7) تحريف كلام الله وكلام رسوله عن مواضعه، واللجوء إلى التأويل الباطني، وصرف الكلام عن مقاصده:
من مفاسد عقيدة الإرجاء بكافة درجاتها أن أصحابها لا بد وأن يلجئوا إلى التأويل الباطني، وصرف كلام الله وكلام رسوله عن مقاصده، وتحريف الكلم عن مواضعه ... وهذا هو الشأن في كل من ابتدع عقيدة تخالف الحق لابد وأن يصطدم بالآيات والأحاديث التي تخالف بدعته وعقيدته الباطلة، فيلجأ إلى صرف الكلام عن مقاصده، وتفسيره بغير معناه، وتأويله تأويلاً باطنياً ملتوياً، ومنهم من يلجأ إلى التحريف اللفظي والمعنوي فيكون مع الذين يحرفون الكَلِمَ من بعد مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا.
وأهل الإرجاء الذين لا يدخلون العمل في صلب الإيمان ويجعلوه جزءاً من حقيقته، بل يخرجون العمل كله عن مسمى الإيمان، ويحصروا الإيمان فقط في قول اللسان وتصديق الجنان ... هؤلاء يصدون بنصوص القرآن والسنة التي تجعل العمل جزءاً من الإيمان وأنه إيمان بغير طاعة لله ورسوله. وأن النجاة ودخول الجنة لا يكون إلا بذلك. فيتعمدون إلى الإعراض عن كلام الله وكلام رسوله في الوعيد، ويحرفون ما وصاهم الله به من عصاه في مواطن بالكفر بأن المقصود بذلك كفر لا ينقل عن الملة، ولا ينقض أصل الإيمان. وأنه لا ينقض أصل الإيمان إلا انتفاء التصديق فقط!!
وكما يلجئون إلى تحريف الكلم عن مواضعه وتأويله بغير معناه يلجئون كذلك إلى تخطئة الصحابة في قتالهم للمرتدين، وإجماعهم على كفر تارك الصلاة كفراً ناقلاً عن ملة الإسلام، ويلجأ بعضهم إلى الكذب على أئمة الإسلام وتفسير كلامهم بغير معناه، وتحويله عن مقاصده وهكذا تولد هذه البدعة لأصحابها - بالضرورة كالشأن في سائر البدع - إنحرافاً آخر وهو ليّ النصوص وتحريفها، وتفسيرها بغير معناها، بل وقد يؤدي إلى الكذب على الله ورسوله، وصحابته والتابعين لهم بإحسان.
هذا إلى جانب ما تحدثه هذه البدعة في الأمة الإسلامية من تمكين المنافقين، وإفساد الدين.
الباب الثاني: حقيقة الكفر:
إعلم - أخي المؤمن - هداني الله وإياك صراطه المستقيم ودينه القويم أن الكفر يكون تارة بالقلب مع خلاف الظاهر ويكون أحياناً بالظاهر وحده، مع مخالفة القلب، ويكون أحياناً بالظاهر والباطن، أعني بالقلب والعمل.
فمن فعل الكفر الظاهري الذي ليس له تفسير إلا الكفر فهو كافر ظاهراً وباطناً، وإن ادعى أن باطنه بخلاف ذلك.
وإليك الدليل على كل ذلك:
1 - فرعون وقومه أظهروا الكفر مع تصديقهم للرسل بقلوبهم:
هذا فرعون رأس الكفر كان موقناً بقلبه أن موسى رسول الله وأن الآيات التي التي أجراها الله على يديه إنما هي آيات الله ولكنه رد الحق تكذيباً وعناداً وكبراً، قال تعالى عن قوم فرعون?وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً? واليقين هو أعظم درجات العلم مع يقين قوم فرعون أن هذه الآيات من الله إلا أنهم لم يؤمنوا بها كبراً وعلواً كما قال تعالى عنهم?أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون? فهذا الذي منعهم من إظهار الإيمان.
وقال موسى لفرعون?لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر، وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً?.
2) إبليس كفر بالله علواً وكبراً:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/417)
أول معصية عصى الله بها معصية إبليس اللعين الذي قيل له اسجد فقال: لا أسجد!! فإبليس لم يكن مكذباً للأمر الإلهي، ولا جاحداً له وإنما امتنع عن السجود فقط علواً وكبراً وظناً منه أنه أفضل من المسجود له. قال?أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين? فكان كفره بامتناعه عن السجود وإظهاره العلو والكبر، وإبائه عن طاعة الله سبحانه وتعالى.
3 - مشركو العرب مقرون في قلوبهم:
كثير من مشركي العرب كذب النبي مع يقين قلوبهم أنه رسول الله حقاً وصدقاً، وأنه ليس كاذباً فيما ادعاه من النبوة والرسالة، وإنما منعهم من الإيمان الكبر والحسد، قال تعالى عنهم?فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون?.
المستهزئ بالدين يكفر ظاهراً وباطناً:
أكفر الله المستهزئين بالدين وإن كانوا قد فعلوه على وجه اللهو واللعب، قال تعالى عنهم: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين? فهؤلاء لما وقع منهم الاستهزاء وهو قولهم في القراء " ما رأينا مثل قرائنا أرحب بطوناً وأجبن عند اللقاء " جعل الله قولهم هذا استهزاءاً منهم بالله وآياته ورسوله، فإن القرآن يشرف من يحمله، ويدعوه إلى كل خير، فلعل هؤلاء لم يكن مقصودهم الاستهزاء بالله منزل القرآن، ولا آيات القرآن ولا الرسول معلم القرآن، وإنما كان مقصدهم مجرد الاستهزاء بهؤلاء الحملة للقرآن الكريم، ولكن استهزاءهم بالضرورة يقع على الله وآياته ورسوله سواءً عرفوا ذلك أو لم يعرفوه عندما استهزءوا ...
وعلى كل حال فقد أكفرهم الله. وأخبرهم أنهم قد كفروا بعد إيمانهم -وهذا واضح- من أن الكفر هنا مخرج من الملة وقد وقع على أمر ظاهري لم يواطئه القلب.
سب الله أو رسوله كفر ظاهراً وباطناً:
وقد أجمع أهل الإسلام في كل عصورهم إلا أصحاب هذه البدعة -الإرجاء- أن سبَّ الله ورسوله ودينه كفر ناقل عن الملة سواءً فعله صاحبه جاداً أو هازلاً ...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:" إن من سبَّ الله أو سبَّ رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل ".
وقد قال الإمام أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، المعروف بابن راهويه - وهو أحد الأئمة، يعدل بالشافعي وأحمد -: " قد أجمع المسلمون أن من سبَّ الله أو سبَّ رسوله ? أو دفع شيئاً مما أنزل الله أو قتل نبياً من أنبياء الله أنه كافر بذلك وإن كان مقراً بما أنزل الله ".
وكذلك قال محمد بن سحنون - وهو أحد الأئمة من أصحاب مالك، وزمنه قريب من هذه الطبقة -: " أجمع العلماء أن شاتم النبي? المنتقص له كافر، والوعيد جارٍ عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفر وعذابه كَفَر ".
وقد نص على مثل هذا غير واحد من الأئمة، قال أحمد في رواية عبدالله في رجل قال لرجل ياابن كذا وكذا -أعني أنت وَمَن خلقك -: هذا مرتد عن الإسلام نضرب عنقه، وقال في رواية عبدالله وأبي طالب: " من شتم النبي? قتل، وذلك أنه إذا شتم فقد ارتد عن الإسلام، ولا يشتم مسلمٌ النبيَّ ? "، فبين أن هذا مرتد، وأن المسلم لا يتصور أن يشتم وهو مسلم.
وكذلك نقل عن الشافعي أنه سُئل عمن هَزَل بشيء من آيات الله تعالى أنه قال: هو كافر واستدل بقول الله تعالى:?قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين? [التوبة 66].
وكذلك قال أصحابنا وغيرهم: من سبَّ الله كفر، سواء كان مازحاً أو جاداً لهذه الآية، وهذا هو الصواب المقطوع به.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/418)
وقال القاضي أبو يعلى في "المعتمد": من سبَّ الله أو سبَّ رسوله فإنه يكفر، سواء استحل سبَّه أو لم يستحله، فإن قال:" لم أستحل ذلك " لم يقبل منه في ظاهر الحكم، رواية واحدة، وكان مرتداً؛ لأن الظاهر خلاف ما أخْبَرَ؛ لأنه لا غرض له في سبَّ الله وسبَّ رسوله إلا أنه غير معتقد لعبادته غيرُمصدق بما جاء به النبي ?، ويفارق الشاربَ والقاتلَ والسارقَ إذا قال:" أنا غير مستحل لذلك " أنه يصدق في الحكم، لأن له غرضاً في فعل هذه الأشياء مع اعتقاده تحريمها، وهو ما يتعجل به من اللذة، قال: وإذا حكمنا بكفره فإنما نحكم به في ظاهر من الحكم، فأما في الباطن فإن كان صادقاً فيما قال فهو مسلم، قلنا في الزنديق: " لا تقبل توبته في ظاهر الحكم ".
وذكر القاضي عن الفقهاء أن سابّ النبي ? إن كان مستحلاً كفر، وإن لم يكن مستحلاً فسق، ولم يكفر كسابِّ الصحابة، وهذا نظير ما يحكى أنه بعض الفقهاء من أهل العراق أفتى هارونَ أميرَ المؤمنين فيمن سبَّ النبيَّ ? أن يجلده، حتى أنكر ذلك مالك، وردَّ هذه الفُتْيا مالك، وهو نظير ما حكاه أبو محمد بن حزم أن بعض الناس لم يكفر المستخفَّ به.
وقد ذكر القاضي عياض بعد أن ردَّ هذه الحكاية عن بعض فقهاء العراق والخلاف الذي ذكره ابن حزم بما نقله من الإجماع عن غير واحد، وحَمَلَ الحكاية على أولئك لم يكونوا ممن يُوثَقُ بفتواه لميل الهوى به، أو أن الفتوى كانت في كلمة اختلف في كونها سبّاً، أو كانت فيمن تاب، وذكر أن السابَّ إذا أقر بالسبِّ ولم يتب منه قتل كفراً؛ لأن قوله إما صريح كفر كالتكذيب ونحوه، أو هو من كلمات الاستهزاء أو الذم، فاعترافُه بها وتركُ توبته منها دليلٌ على استحلاله لذلك، وهو كفر أيضاً، فهذا كافر بلا خلاف.
وقال في موضع آخر: " إن من قتله بلا استتابة فهو لم يره رِدَّةً، وإنما يوجب القتل فيه حداً وإنما نقول ذلك مع إنكاره ما شهد عليه به أو إظهاره الإقلاعَ عنه والتوبةَ، ونقتله حداً كالزنديق إذا تاب ".
قال: " ونحن وإن أثبتنا له حكم الكافر في القتل فلا نقطع عليه بذلك، لإقراره بالتوحيد، وإنكاره ما شُهد به عليه، أو زعمه أن ذلك كان منه ذهولاً ومعصية وأنه مُقْلع عن ذلك نادم عليه ". قال: وأما من علم أنه سبَّه معتقداً لاستحلاله فلا شك في كفره بذلك، وكذلك إن كان سبُّه في نفسه كفراً كتكذيبه أو تكفيره ونحوه؛ فهذا مالا إشكال فيه، وكذلك من لم يُظهر التوبة واعترف بما شُهِدَ به وصمم عليه فهو كافر بقوله واستحلاله هَتْكَ حرمة الله أو حرمة نبيه، وهذا أيضاً تثبيت منه بأن السبَّ يكفر به لأجل استحلاله له إذا لم يكن في نفسه تكذيباً صريحاً.
وهذا موضع لابُدَّ من تحريره، ويجب أن يعلم أن القول بأن كفر السابِّ في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السبَّ زلَّةٌ منكرة وهفوة عظيمة، ويرحم الله القاضي أبا يعلى، وقد ذكر في غير موضع ما يناقض ما قاله هنا، وإنما وقع مَنْ وقع في هذه المَهْواة بما تلقوه من كلام طائفة من متأخري المتكلمين - وهم الجهمية الإناث الذين ذهبوا مذهب الجهمية الأولى في أن الإيمان هو مجرد التصديق الذي في القلب وإن لم يقترن به قولُ اللسان ولم يقتض عملاً في القلب ولا في الجوارح - وصرح القاضي أبو يعلى هنا، قال عَقِبَ أن ذكر ما حكيناه عنه: " وعلى هذا لو قال الكافر: أنا معتقد بقلبي معرفة الله وتوحيده، لكني لا آتي بالشهادتين كما لا آتي غيرها من العبادات كسلا. لم يحكم بإسلامه في الظاهر، ويحكم به باطناً "، قال: وقول الإمام أحمد " من قال إن المعرفة تنفع في القلب من غير أن يتلفظ بها فهو جهمي " محمولٌ على أحد وجهين؛ أحدهما: أنه جهمي في ظاهر الحكم، والثاني: على أن يمتنع من الشهادتين عناداً؛ لأنه احتج أحمد في ذلك بأن إبليس عَرَفَ ربه بقلبه ولم يكن مؤمناً.
ومعلومٌ أن إبليس اعتقد أن لا يلزم امتثال أمره تعالى (بالسجود) لآدم، وقد ذكر القاضي في غير موضع أنه لا يكون مؤمناً حتى يصدِّقَ بلسانه مع القدرة وبقلبه، وأن الإيمان قول وعمل، كما هو مذهب الأئمة كلهم: مالك، وسفيان، والأوزاعي، والليث، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، ومن قبلهم وبعدهم من أعيان الأمة.
وليس الغرض هنا استفياء الكلام في الأصل، وإنما الغرض البينة على ما يختص هذه المسألة، وذلك من وجوه:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/419)
الرد على من قال: لا يُكَفَّرُ إلا السابُّ المستحل:
أحدها: أن الحكاية المذكورة عن الفقهاء أنه إن كان مستحلاً كفَرَ، وإلا فلا، ليس له أصل، وإنما نقلها القاضي من كتاب بعض المتكلمين الذين نقلوها عن الفقهاء، وهؤلاء نقلوا قول الفقهاء بما ظنوه جارياً على أصولهم، أو بما قد سمعوه من بعض المنتسبين إلى الفقه ممن لا يعدُّ قولُه قولاً، وقد حكينا نصوص أئمة الفقهاء وحكاية إجماعهم عمَّن هو من أعلم الناس بمذاهبهم، فلا يظن ظان أن في المسألة خلافاً يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد، وإنما ذلك غلط، لا يستطيع أحد أن يحكي عن واحدٍ من الفقهاء أئمة الفتوى هذا التفصيل البتة.
الوجه الثاني: أن الكفر إذا كان هو الاستحلال فإنما معناه اعتقاد أن السبَّ حلال، فإنه لما اعتقد أن ما حرمه الله تعالى حلال كفر، ولا ريب أن من اعتقد في المحرمات المعلوم تحريمها أنه حلال كَفَرَ، لكن لا فرق في ذلك بين سبِّ النبيِّ وبين قذف المؤمنين والكذب عليه والغيبة لهم إلى غير ذلك من الأقوال التي علم أن الله حرمها؛ فإنه من فعل شيئاً من ذلك مستحلاً كفر، مع أنه لا يجوز أن يقال: من قذف مسلماً أو اغتابه كفر، ويعني بذلك إذا استحله.
والوجه الثالث: أن اعتقاد حل السبِّ كفرٌ، سواء اقترن به وجود السبِّ أو لم يقترن، فإذاً لا أثر للسب في التكفير وجوداً وعدماً، وإنما المؤثر هو الاعتقاد، وهو خلاف ما أجمع عليه العلماء.
الوجه الرابع: أنه إذا كان المكفر هو اعتقاد الحل فليس في السب ما يدل على أن الساب مستحل، فيجب أن لا يكفر، لا سيما إذا قال " أنا أعتقد أن هذا حرام، وإنما أقول غيظاً وسفهاً، أو عبثاً أو لعباً " كما قال المنافقون?إنما كنا نخوض ونلعب?.
وكما إذا قال: إنما قذفت هذا وكذبت عليه لعباً وعبثاً، فإن قيل لا يكونون كفاراً فهو خلاف نص القرآن، وإن قيل يكونون كفاراً فهو تكفير بغير موجب إذا لم يجعل نفس السبِّ مكفراً، وقول القائل: أنا لا أصدقه في هذا لا يستقيم؛ فإن التكفير لا يكون بأمر محتمل، فإذا كان قد قال: " أنا أعتقد أن ذلك ذنب ومعصية وأنا أفعله " فكيف يكفر إن لم يكن ذلك كفراً؟
ولهذا قال سبحانه?لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم? ولم يقل قد كذبتم في قولكم إنما كنا نخوض ونلعب، فلم يكذبهم في هذا العذر كما كذبهم في سائر ما أظهروه من العذر الذي يوجب براءتهم من الكفر لو كانوا صادقين، بل بين أنهم كفروا بعد إيمانهم بعد هذا الخوض واللعب.
الدليل على كفر السابِّ مطلقاً:
وإذا تبين أن مذهب سلف الأمة ومن اتبعهم من الخلف أن هذه المقالة في نفسها كفر استحلها صاحبها أو لم يستحلها فالدليلُ على ذلك جميع ما قدمناه في المسألة الأولى من الدليل على كفر السابِّ مثل قوله تعالى?ومنهم الذين يؤذون النبي? وقوله تعالى:?إن الذين يؤذون الله ورسوله? وقوله تعالى?لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم?.
ومما ذكرناه من الأحاديث والآثار فإنما هو أدلة بينة في أنَّ نفس أذى الله ورسوله كُفْر، مع قطع النظر عن اعتقاد التحريم وجوداً وعدماً: فلا حاجة إلى أن نعيد الكلام هنا بل في الحقيقة كلُّ ما دل على أن السابَّ كافر وأنه حلال الدم لكفره فقد دل على هذه المسألة؛ إذ لو كان الكفر المبيح هو اعتقاد أن السبَّ حلال لم يجز تكفيره وقتله، حتى يظهر هذا الاعتقاد ظهوراً تثبت بمثله الاعتقادات المُبيحَةُ للدماء.
شبهتان للمرجئة وللجهمية:
ومنشأ هذه الشبهة التي أوجبت هذا الوهم من المتكلمين ومن حذا حذوهم من الفقهاء أنهم رأوا أن الإيمان هو تصديق الرسول فيما أخبر به، ورأوا أن اعتقاد صدقِهِ لا ينافي السبَّ والشتم بالذات، كما أن اعتقاد إيجاب طاعته لا ينافي معصيته؛ فإن الإنسان قد يهينُ من يعتقد وجوب إكرامه، كما يتركُ ما يعتقد وجوب فعله، ويفعل ما عتقد وجوب تركه، ثم رأوا أن الأمة قد كفَّرت السابَّ، فقالوا: إنما كفر لأن سبه دليل على أنه لم يعتقد أنه حرام، واعتقادُ حلِّه تكذيب للرسول، فكفر بهذا التكذيب لا بتلك الإهانة، وإنما الإهانة دليل على التكذيب، فإذا فرض أنه في نفس الأمر ليس بمكذب كان في نفس الأمر مؤمناً، وإن كان حكم الظاهر إنما يجري عليه بما أظهره؛ فهذا مأخذ المرجئة ومعتضديهم، وهو الذين يقولون: " الإيمان هو الاعتقاد والقول "وغلاتهم وهم الكرامية الذين يقولون: " مجرد القول وإن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/420)
عَرِي عن الاعتقاد "، وأما الجهمية الذين يقولون: " هو مجرد المعرفة والتصديق بالقلب فقط وإن لم يتكلم بلسانه ". فلهم مأخذ آخر، وهو أنه قد يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فإذا كان في قلبه التعظيم والتوقير للرسول لم يقدح إظهارُ خلاف ذلك بلسانه في الباطن، كما لا ينفع المنافقَ إظهارُ خلافِ ما في قلبه في الباطن.
الجواب على الشبهة الأولى:
وجواب الشبهة الأولى من وجوه:
أحدها: أن الإيمان وإن كان أصلُه تصديق القلب فذلك التصديق لابدَّ أن يوجب حالاً في القلب وعملاً به، وهو تعظيم الرسول وإجلاله ومحبته، وذلك أمر لازم كالتألم والتنعم عند الإحساس بالمؤلم والمنعم، وكالنفرة والشهوة عند الشعور بالملائم والمنافي، فإذا لم تحصل هذه الحال والعمل في القلب لم ينفع ذلك التصديق ولم يُغْن شيئاً، وإنما يمتنع حصوله إذا عارضه معارض من حَسَدِ الرسول والتكبر عليه أو الإهمال له وإعراض القلب عنه، ونحو ذلك، كما أن إدراك الملائم والمنافي يوجب اللذة والألم إلا أن يُعارضه معارض، ومتى حصل المعارض كان وجود ذلك التصديق كعدمه، كما يكون وجود ذلك كعدمه، بل يكون ذلك المعارض موجباً لعدم المعلول الذي هو حال في القلب، وبتوسُّطِ عدمه يزول التصديق الذي هو العلة فينقلع الإ‘يمان بالكلية من القلب، وهذا هو الموجب لكفر مَنْ حسد الأنبياء، أو تكبر عليهم، أو كره فراق الإِلْفِ والعادة، مع علمه بأنهم صادقون وكفرهم أغلظ من كفر الجهال.
الثاني: أن الإيمان وإن كان يتضمن التصديق فليس هو مجرد التصديق، وإنما هو الإقرار والطمأنينة، وذلك لأن التصديق إنما يعرض للخبر فقط، فأما الأمر فليس فيه تصديق من حيث هو أمرٌ، وكلام الله خبرٌ وأمرٌ، فالخبر يَستوجب تصديق المخبر، والأمر يَستوجب الانقياد، والاستسلام، وهو عمل في القلب جماعُه الخضوعُ والانقياد للأمر، وإن لم يفعل المأمور به، فإذا قوبل الخبر بالتصديق، والأمر بالانقياد؛ فقد حصل أصل الإيمان في القلب، وهو الطمأنينة والإقرار، فإن اشتقاقه من الأمنِ الذي هو القرار والطمأنينية، وذلك إنما يَحصلُ إذا استقر في القلب التصديق والانقياد، وإذا كان كذلك فالسبُّ إهانة واستخفاف، والانقياد للأمر إكرام وإعزاز، ومحالٌ أن يُهينَ القلبُ من قد انقاد له وخضع واستسلم أو يستخفَ به؛ فإذا حصل في القلب استخفاف واستهانة وامتنع أن يكون فيه انقياد أو استسلام، فلا يكون فيه إيمان، وهذا هو بعينه كُفْرُ إبليس، فإنه سمع أمرَ الله فلم يكذب رسولاً، ولكن لم ينقد للأمر، ولم يخضع له، واستكبر عن الطاعة؛ فصار كافراً، وهذا موضعٌ زاغَ فيه خَلْق من الخَلَف: تخيل لهم أن الإيمان ليس في الأصل إلا التصديق، ثم يَرَوْنَ مثل إبليس وفرعون ممن لم يصدر عنه تكذيب أو صدر عنه تكذيب باللسان لا بالقلب وكفره من أغلظ الكفر فيتحيرون، ولو أنهم هُدُوا لما هُدي إليه السلف الصالح لعلموا أن الإيمان قول وعمل، أعني في الأصل قولاً في القلب، وعملاً في القلب.
فإن الإيمان بحسب كلام الله ورسالته، وكلام الله ورسالته يتضمن إخباره وأوامره، فيصدق القلب إخباره تصديقاً يوجبُ حالاً في القلب بحسب المصدق به، والتصديق هو من نوع العلم والقول، وينقاد لأمره ويستسلم، وهذا الانقياد والاستسلام هو من نوع الإرادة والعمل، ولا يكون مؤمناً إلا بمجموع الأمرين؛ فمتى ترك الانقياد كان مستكبراً فصار من الكافرين، وإن كان مصدقاً للكفر أعم من التكذيب يكون تكذيباً وجهلاً، ويكون استكباراً وظلماً، ولهذا لم يوصف إبليس إلا بالكفر والاستكبار، دون التكذيب، ولهذا كان كُفْرُ من يعلم مثل اليهود ونحوهم من جنس كُفْرِ إبليس، وكان كُفْرُ من يجهل مثل النصارى ونحوهم ضلالاً وهو الجهل.
ألا ترى أن نفراً من اليهود جاءوا إلى النبي ? وسألوه عن أشياء، فأخبرهم، فقالوا: نشهد أنك نبي ولم يتَّبِعوه، وكذلك هِرَقْل وغيره، فلم ينفعهم هذا العلم وهذا التصديق؟
ألا ترى أن من صدق الرسول بأنَّ ما جاء به هو رسالة الله وقد تضمنت خبراً وأمراً فإنه يحتاج إلى مقامٍ ثانٍ، وهو تصديقه خبرَ الله وانقيادُه لأمر الله، فإذا قال: "أشهد أن لا إله إلا الله " فهذه الشهادة تتضمن تصديق خبره والانقياد لأمره " وأشهد أن محمداً رسول الله " تضمنت تصديق الرسول فيما جاء به من عند الله؛ فبمجموع هاتين الشهادتين يتم الإقرار.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/421)
فلما كان التصديق لابدَّ منه في كلتا الشهادتين -وهو الذي يتلقى الرسالة بالقبول- ظنَّ من ظنَّ أنه أصل لجميع الإيمان، وغَفَلَ عن أصل الآخر لابدَّ منه وهو الانقياد، وإلا فقد يصدق الرسول ظاهراً وباطناً ثم يمتنع من الانقياد للأمر؛ إذ غايته في تصديق الرسول أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من الله سبحانه وتعالى كإبليس، وهذا مما يبين لك أن الاستهزاء بالله أو برسوله ينافي الانقياد له، لأنه قد بلغ عن الله أنه أمر بطاعته؛ فصار الانقياد له من تصديقه في خبره.
فمن لم يَنْقَدْ لأمره فهو إما مكذِّب له، أو ممتنع عن الانقياد لربه، وكلاهما كُفر صريح، ومن استخف به واستهزأ بقلبه امتنع أن يكون منقاداً لأمره؛ فإن الانقياد إجلال وإكرام، والاستخفاف إهانة وإذلال، وهذان ضدان، فمتى حصل في القلب أحدهما انتفى الآخر؛ فعلم أن الاستخفاف والاستهانة به ينافي الإيمان منافاة الضد للضد.
الوجه الثالث: أن العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرمه عليه واعتقاد انقياده لله فيما حرمه وأوجبه فهذا ليس بكافر؛ فأما إن اعتقد أن الله لم يحرمه أو أنه حرمه لكن امتنع من قبول هذا التحريم وأبى أن يُذْعِنَ لله وينقاد فهو إما جاحد أو معاند، ولهذا قالوا: من عصى مشتهياً لم يكفر عند أهل السنة والجماعة، وإنما يكفره الخوارج، فإن العاصي المستكبر وإن كان مصدقاً بأن الله ربه فإن معاندته له ومحادَّته تنافي هذا التصديق.
وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر بالاتفاق؛ فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه، وكذلك لو استحلها من غير فعل، والاستحلالُ اعتقاد أن الله لم يحرمها، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها، هذا يكون لخللٍ في الإيمان بالربوبية، ولخللٍ في الإيمان بالرسالة، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم، ويعاند المحرم، فهذا أشد كفراً ممن قبله، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقَبَهُ الله وعذَّبه.
ثم إن هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقُدْرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمرداً أو اتباعاً لغرض النفس، وحقيقته كفر؛ هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقر بذلك، ولا ألتزمه، وأبغض هذا الحقَّ وأنفر عنه، فهذا نوع غير النوع الأول، وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوءٌ من تكفير مثل هذا النوع، بل عقوبته أشد، وفي مثله قيل " أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالمٌ لم ينفعه الله بعلمه " - وهو إبليس ومن سلك سبيله - وبهذا يَظهرُ الفرق بين العاصي فإنه يعتقد وجوبه ذلك الفعل عليه ويحبُّ أنه يفعله، لكن الشهوة والنفرة منعته من الموافقة، فقد أتى من الإيمان بالتصديق، والخضوع والانقياد، وذلك قولٌ وقول لكن لم يكمل العمل.
وأما إهانة الرجل من يعتقدُ وجوبَ كرامته كالوالدين ونحوهما فلأنه لم يهن من كان الانقياد له والإكرام شرطاً في إيمانه، وإنما أهان من إكرامه شرطٌ في بِرِّهِ وطاعته وتقواه، وجانَبَ الله والرسول إنما كفر فيه لأنه لا يكون مؤمناً حتى يصدق تصديقاً يقتضي الخضوع والانقياد، فحيث لم يَقْتَضِه لم يكن ذلك التصديق إيماناً، بل كان وجوده شراً من عدمه؛ فإن مَنْ خُلِقَ له حياة وإدراك، ولم يرزق إلا العذاب؛ كان فَقْدُ تلك الحياة والإدراك أحبَّ إليه من حياة ليس فيها إلا الألم، وإذا كان التصديق ثمرته صلاح حاله وحصول النعم له واللذة في الدنيا والآخرة، فلم يحصل معه إلا فساد حاله والبؤس والألم في الدنيا والآخرة كان أن لا يُوجد أحَبَّ إليه من أن يوجد.
وهنا كلام طويل في تفصيل هذه الأمور، ومَنْ حَكَّمَ الكتابَ والسنةَ على نفسه قولاً وفعلاً نَوَّر اللهُ قلبه تبين له ضلالُ كثير من الناس ممن يتكلم برأيه فيه سعادة النفوس بعد الموت وشقاوتها، جرياً على منهاج الذين كذَّبوا بالكتاب وبما أرسلَ الله به رسلَه، ونبذوا الكتاب وراء ظهورهم، واتباعاً لما تتلوه الشياطينُ.
الجواب على الشبهة الثانية:
وأما الشبهة الثانية فجوابها من ثلاثة أوجُه:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/422)
أحدها: أن من تكلم بالتكذيب والجَحْد وسائر أنواع الكفر من غير إكراه على ذلك فإنه يجوز أن يكون مع ذلك في نفس الأمر مؤمناً، ومن جوز هذا فقد خلع ربْقَةَ الإسلام من عنقه.
الثاني: أن الذي عليه الجماعة أن من لم يتكلم بالإيمان بلسانه من غير عذر لم ينفعه ما في قلبه من المعرفة، وأن القول من القادر عليه شَرْطٌ في صحة الإيمان، حتى اختلفوا في تكفير من قال: (إن المعرفة تنفع من غير عمل الجوارح) وليس هذا موضع تقرير هذا.
وما ذكره القاضي رحمه الله من التأويل لكلام الإمام أحمد فقد ذكر هو وغيره خلاف ذلك في غير موضع، وكذلك مادلّ عليه كلام القاضي عياض؛ فإن مالكاً وسائر الفقهاء من التابعين ومَنْ بعدهم -إلا من ينسب إلى بدْعَة- قالوا: الإيمان قول وعمل، وبَسْطُ هذا له مكان غير هذا.
الثالث: أن من قال: " إن الإيمان مجرد معرفة القلب من غير احتياج إلى النطق باللسان" يقول: لا يفتقر الإيمانُ في نفس الأمر إلى القول الذي يوافقه باللسان، لا يقول إن القولَ الذي ينافي الإيمان لا يبطله، فإن القول قولان: قولٌ يوافق تلك المعرفة، وقول يخالفها، فَهَبْ أن القول الموافق لا يشترط، لكن القول المخالف ينافيها، فمن قال بلسانه كَلِمةَ الكُفْر من غير حاجة عامداً لها، عالماً بأنها كلمةُ كفر فإنه يكفرُ بذلك ظاهراً وباطناً، ولأنا لا نجَوِّزُ أن يقال: إنه في الباطن يجوزُ أن يكون مؤمناً، ومن قال ذلك فقد مَرَقَ من الإسلام، قال تعالى?من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكرِه وقلبُهُ مطمئنٌ بالإيمان ولكن من شرَحَ بالكفرِ صدراً فعليهم غضبٌمن الله ولهم عذابٌعظيمٌ?.
ومعلوم أنه لم يرد بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط، لأن ذلك لا يكره الرجل عليه، وهو قد استثنى من أُكره ولم يرد من قال واعتقد، لأنه استثنى المُكرَهَ وهو لا يكره على العِقد والقول، وإنما يكره على القول فقط، فعلم أنه أراد من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضبٌ من الله وله عذاب عظيم وأنه كافرٌ بذلك إلا من أُكره وهو مطمئنٌ بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدراً من المكرهين فإنه كافرٌ أيضاً، فصار من تكلَّم بالكفر كافراً إلا من أُكره فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان ".
وقال تعالى في حقِّ المستهزئين?لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم?. فبين أنهم كفارٌ بالقول مع أنهم لم يعتقدوا صحته، وهذا باب واسع، والفِقْهُ فيه ما تقدم من أن التصديق بالقلب يمنع إرادة التكلم وإرادة فعل فيه استهانة واستخفاف، كما أنه يوجب المحبة والتعظيم، واقتضاؤه وجودَ هذا وعَدَمَ هذا أمرٌ جرَتْ به سنة الله في مخلوقاته، كاقتضاء إدراك الموافق للذة وإدراك المخالف الألم، فإذا عُدِم المعلول كان مستلزماً لعدم العلة، وإذا وجد الضد كان مستلزماً لعدم الضد الآخر؛ فالكلام والفعل المتضمن للاستخفاف مستلزم لعدم التصديق النافع ولعدم الانقياد والاستسلام فلذلك كان كُفْراً.
واعلم أن الإيمان، وإن قيل هو التصديق، فالقلب يصدق بالحق، والقول يصدق في القلب، والعمل يصدق القول، والتكذيب بالقول مستلزم للتكذيب بالقلب، ورافع للتصديق الذي كان في القلب؛ إذ أعمال الجوارح تؤثر في القلب كما أن أعمال القلب تؤثر في الجوارح، فإنما قام به كفر تعدى حكمه إلى الآخر، والكلام في هذا واسع، وإنما نبهنا على هذه المقدمة.
نصوص العلماء الدالَّة على أن السبَّ كفر وحكمه القتل:
ثم نعود إلى مقصود المسألة فنقول:
قد ثبت أن كلَّ سبٍّ وشتمٍ يبيحُ الدم فهو كُفْرٌ وإن لم يكن كلّ كُفْرٍ سبَّاً، ونحن نذكر عبارات العلماء في هذه المسألة:
قال الإمام أحمد: " كلُّ مَنْ شتم النبيَّ ? أو تنقَّصه -مسلماً كان أو كافراً- فعليه القتل، وأرى أن يقتل ولا يستتاب ".
وقال في موضع آخر: " كلُّ من ذكر شيئاً يعرض بذكر الرب سبحانه وتعالى فعليه القتل، مسلماً كان أو كافراً، وهذا مذهب أهل المدينة ".
وقال أصحابنا: التعريض بسبِّ الله وسبِّ رسوله? رِدَّة، وهو موجب للقتل، كالتصريح، ولا يختلف أصحابنا أن قَذْفَ أمِّ النبي? من جملة سبِّه الموجب للقتل وأغلظ؛ لأن ذلك يُفضي إلى القدحِ في نسبه، وفي عبارة بعضهم إطلاق القول بأن من سبَّ أمَّ النبي ? يُقتل، مسلماً كان أو كافراً، وينبغي أن يكون مُرَادهم بالسبِّ هنا القذف، كما صرح به الجمهور، لما فيه من سبِّ النبي ?.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/423)
وقال القاضي عياض: " جميعُ من سبَّ النبي ? أو عابه أو ألْحَقَ به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو خَصْلة من خصاله أو عرض به شبهة بشيء على طريق السبِّ له والإزراء عليه أو البغض منه والعيب له فهو سابٌّ له، والحكم فيه حكم السابّ: يقتل، ولا تَسْتَثْنِ فصلاً من فصول هذا الباب عن هذا المقصد، ولا تَمْتَرِ فيه، تصريحاً كان أو تلويحاً، وكذلك من لعنه، أو تمنَّى مَضَرَّةً له، أو دعا عليه، أو نسب إليه ما لا يليقُ بمنصبه على طريق الذم، أو عيَّبه في جهته العزيزة بسُخْفٍ من الكلام وهُجْرٍ ومنكرٍ من القول وزورٍ، أو عيَّره بشيء مما يجري من البلاء والمحنة عليه، أو غَمَصَهُ ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهود لديه "، قال: " وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن أصحابه وهلم جراً ".
وقال ابن القاسم عن مالك: " من سبَّ النبي? قُتل، ولم يُستتب، قال ابن القاسم: أو شتمه، أو عابه، أو تنقصه، فإنه يقتل كالزنديق، وقد فَرَضَ الله توقيره.
وكذلك قال مالك في رواية المدنيين عنه: " من سبَّ رسولَ الله ? أو شتمه أو عابه أو تنقصه قُتل، مسلماً كان أو كافراً، ولا يستتاب ".
وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: " من قال إن رداء النبيِّ ? -وروي بُرْدَهُ- " وسخ " وأراد به عيْبَه قُتِل ".
وروى بعض المالكية: " إجماع العلماء على أن من دعا على نبيٍّ من الأنبياء بالويل أو بشيءٍ من المكروه أنه يقتل بلا استتابة ".
وذكر القاضي عياض أجوِبَةَ جَماعةٍ من فقهاء المالكية المشاهير بالقتل بلا استتابة في قضايا متعددة أفتى في كل قضية بعضهم:
منها: رجل سمع قوماً يتذاكرون صفة النبي ? إذ مرَّ بهم رجل قبيح الوجه واللحية، فقال: تريدون تعرفون صفته؟ هذا المار في خلقه ولحيته ".
ومنها: رجل قال: " النبيُّ ? أسْوَد ".
ومنها: رجل قيل له: " لا، وحق رسول الله " فقال: فعل الله برسول الله كذا وكذا، ثم قيل له: ما تقول يا عدو الله، فقال أشد من كلامه الأول، ثم قال: إنما أردت برسول الله العقرب، قالوا: لأن ادِّعاء التأويل في لفظٍ صُراح لا يقبل؛ لأنه امتهان، وهو غير مُعَزِّرٍ لرسول الله ولا مُوَقِّرٍ له، فوجبت إباحة دمه ".
ومنها عَشَّار قال: أدوا شك (؟) إلى النبي، أو قال: إن سألْتُ أو جهلْتُ فقد سئل النبي وجهل.
ومنها: مُتَفَقّهٌ كان يستخفُّ بالنبيِّ ?، ويسميه في أثناء مناظرته " اليتيم وخَتَنَ حَيْدَرة"، ويزعم أن زُهْدَه لم يكن قصداً، ولو قَدَرَ على الطيبات لأكلها، وأشباه هذا.
قال: فهذا الباب كله مما عدَّه العلماء سبّاً وتنقصاً، يجب قتل قائله، لم يختلف في ذلك متقدمهم ومتأخرهم، وإن اختلفوا في سبب حكم قتله.
وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه فيمن تنقصه أو برىء منه، أو كذبه: " إنه مرتد "، وكذلك قال أصحاب الشافعي: " كل من تعرَّض لرسول الله ? بما فيه استهانة فهو كالسبِّ الصريح؛ فإن الاستهانة بالنبيِّ كُفر، وهل يتحتم قتله أو يسقط بالتوبة؟ على الوجهين، وقد نصَّ الشافعيُّ على هذا المعنى.
فقد اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف على أن التنقص له؛ كُفرٌ مبيحٌ للدم، وَهُمْ في استتابته على ما تقدم من الخلاف، ولا فرق في ذلك بين أن يقصد عيْبَه لكن المقصود شيء آخر حَصَلَ السبُّ تبعاً له أو لا يقصد شيئاً من ذلك، بل يهزل ويمزح أو يفعل غير ذلك.
فهذا كله يشترك في هذا الحكم إذا كان القولُ نفسُه سبّاً، فإن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يَهْوِي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب، ومن قال ما هو سبٌّ وتنقص له فقد آذى الله ورسوله، وهو مأخوذ بما يؤذي به الناسَ من القول الذي هو في نفسه أذى وإن لم يقصد أذاهم، ألم تسمع إلى الذين قالوا?إنما كنا نخوض ونلعب? فقال الله تعالى?أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم?.
وهذا مثل من يَغضبُ فيذكر له حديث النبيِّ ? أو حكم من حكمه أو يُدعى إلى سنته فيلعن ويقبح ونحو ذلك، وقد قال الله تعالى?فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما?.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/424)
فأقسم سبحانه بنفسه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموه ثم لا يجدوا في نفوسهم حرجاً من حُكمه؛ فمن شاجر غيره في حكم ... وحرج لذكر رسول الله ? حتى أفحش في منطقه فهو كافر بنصِّ التنزيل، ولا يُعذر بأن مقصودَه ردُّ الخصم؛ فإن الرجل لا يؤمن حتى يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وحتى يكون الرسولُ أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين.
ومن هذا الباب قول القائل: إن هذه لَقِسمَةٌ ما أريد بها وجه الله، وقول الآخر: إعْدِلْ فإنكَ لَمْ تَعْدِلْ، وقول ذلك الأنصاري: أَنْ كانَ ابنَ عمَّتِكَ، فإن هذا كفر محض، حيث زعم أن النبي ? إنما حكم للزبير لأنه ابنُ عمَّتِهِ، ولذلك أنزل الله تعالى هذه الآية، وأقسم أنهم لا يؤمنون حتى لا يجدوا في أنفسهم حرجاً من حكمه، وإنما عفا عنه النبيُّ ? كما عفى عن الذي قال: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، وعن الذي قال: إعدل فإنك لم تعدل، وقد ذكرنا عن عمر ? أنه قتل رجلاً لم يرض بحكم النبي ?، فنزل القرآن بموافقته، فكيف بمن طعن في حكمه؟
وقد ذكر طائفة من الفقهاء -منهم ابن عقيل، وبعض أصحاب الشافعي- أن هذا كان عقوبته التعزير، ثم منهم من قال: لم يعزره النبيُّ ? لأن التعزير (غير) واجب، ومنهم من قال: عفا عنه لأن الحق له، ومنهم من قال: عاقبه بأن أمر الزبير أن يسقي ثم يَحْبِسَ الماء حتى يرجع إلى الجدر، وهذه أقوال رديِّةٌ، ولا يستريب من تأمل في أن هذا كان يستحق القتل بعد نص القرآن أن من هو بمثل حاله فليس بمؤمن.
فإن قيل: ففي رواية صحيحة أنه كان من أهل بدر، وفي الصحيحين عن علي عن النبي ? أنه قال: " وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم " ولو كان هذا القول كفراً للزم أن يغفر الكفر، والكفر لا يغفر، ولا يقال عن بدري: إنه كفر.
فيقال: هذه الزيادة ذكرها أبو اليمان عن شعيب، ولم يذكرها أكثر الرواة؛ فيمكن أنه وَهم، كما وقع في حديث كعب وهلال بن أمية أنهما لم يشهدا بدراً، وكذلك لم يذكره ابن اسحاق في روايته عن الزهري، ولكن الظاهر صحتها.
فنقول: ليس في الحديث أن هذه القصة كانت بعد بدر، فلعلها كانت قبل بدر، وسمي الرجل بدرياً لأن عبدالله بن الزبير حدَّث بالقصة بعد أن صار الرجل بدرياً؛ فعن عبدالله بن الزبير عن أبيه أن رجلاً من الأنصار خاصمَ الزبير عند رسول الله ? في شَراجِ الحرة التي يسقُون بها النخل، فقال الأنصاري: سرِّحِ الماء يمر، فأبى عليه، فاختصما عند رسول الله ?، فقال رسول الله ? للزبير: " اسْقِ يازبير ثم أرسل الماء إلى جارِكَ "، فغضب الأنصاري ثم قال: يا رسول الله أن كان ابنَ عمَّتِك، فتلوَّن وجه النبي ?، ثم قال للزبير: " اسْقِ يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر " فقال الزبير: والله لأني أحسب هذه الآية نزلت في ذلك?فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكومك فيما شجر بينهم?.
وفي رواية للبخاري من حديث عُروة قال: فاسْتَوَعَى رسول الله ? حينئذ حقّه، وكان رسول الله ? قبل ذلك قد أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري، فلما أحْفَظَ الأنصاريُّ رسولَ الله ? استوعى رسولُ الله ? للزبير حقّه في صريح الحكم. وهذا يقوي أن القصة متقدمة قبل بدر؛ لأن النبيَّ ? قضى في سيل مهزور أن الأعلى يسقي ثم يحبس الماء حتى يبلغ الماء إلى الكعبين؛ فلو كانت قصة الزبير بعد هذا القضاء لكان قد عُلم وجه الحكم فيه، وهذا القضاء الظاهر أنه متقدم من حين قدم النبي?؛ لأن الحاجة إلى الحكم فيه من حين قدم، ولعل قصة الزبير أوجَبَتْ هذا القضاء.
وأيضاً فإن هؤلاء الآيات قد ذكر غير واحد أن أولها نزل لما أراد بعض المنافقين أن يحاكم يهودياً إلى ابن الأشرف، وهذا إنما كان قبل بدر لأن ابن الأشرف ذهب عقب بدر إلى مكة، فلما رجع قُتِل، فلم يستقر بعد بدر بالمدينة استقراراً يُتحاكم إليه فيه، وإن كانت القصة بعد بدر فإن القائل لهذه الكلمة يكون قد تاب واستغفر وقد عفا له النبي? عن حقه، فغفر له، والمضمون لأهل بدر إنما هو المغفرة: إما بأن يستغفروا إن كان الذنب مما لا يغفر إلا بالاستغفار أو لم يكن كذلك، وإما بدون أن يستغفروا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/425)
ألا ترى قدامة بن مظعون -وكان بدرياً- تأول في خلافة عمر ما تأول في استحلال الخمر من قوله تعالى?ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا? حتى أجمع رأي عمر وأهل الشورى أن يستتاب هو وأصحابه؛ فإن أقروا بالتحريم جلدوا، وإن لم يقروا به كفروا، ثم إنه تاب وكاد ييأس لعظم ذنبه في نفسه، حتى أرسل إليه عمر? بأول سورة غافر، فعلم أن المضمون للبدريين أن خاتمتهم حسنة، وأنهم مغفور لهم وإن جاز أن يصدر عنهم قبل ذلك ما عسى أن يصدر، فإن التوبة تجبُّ ما قبلها.
وإذا ثبت أن كل سبّ -تصريحاً أو تعريضاً- موجب للقتل فالذي يجب أن يعتنى به الفرق بين السبِّ الذي لا تقبل منه التوبة والكفر الذي تقبل منه التوبة فنقول:
الفرق بين السبِّ والكفر:
هذا الحكم قد نِيطَ في الكتاب والسنة باسم أذى الله ورسوله، وفي بعض الأحاديث ذكر الشتم والسب، وكذلك جاء في ألفاظ الصحابة والفقهاء ذكر السب والشتم، والاسمُ إذا لم يكن له حدّ في اللغة كاسم الأرض والسماء والبحر والشمس والقمر، ولا في الشرع كاسم الصلاة والزكاة والحج والإيمان والكفر، فيجب أن يرجع في حده إلى العرف كالقبض والحرز والبيع والرهن والكري ونحوها، فيجب أن يرجع في الأذى والسبِّ والشتم إلى العرف، فما عدَّه أهلُ العرف سبّاً وانتقاصاً أو عيباً أو طعناً ونحو ذلك فهو من السب، وما لم يكن كذلك فهو كفر به، فيكون كفراً ليس بسبٍّ، حكم صاحبه حكم المرتد إن كان مظهراً له وإلا فهو زنديق، والمعتبر أن يكون سباً وأذى للنبي ? وإن لم يكن سبَّاً وأذى لغيره.
فعلى هذا كل ما لو قيل لغير النبي ? أوجب تعزيراً أو حداً بوجه من الوجوه فإنه من باب سبِّ النبيِّ ? كالقذف واللعن وغيرهما من الصور التي تقدم التنبيه عليها، وأما ما يختص بالقدح في النبوة فإن لم يتضمن إلا مجرد عدم التصديق فهو كفر محض، وإن كان فيه استخفاف واستهانة مع عدم التصديق فهو من السب، وهنا مسائل اجتهادية يتردد الفقهاء هل هي من السبِّ أو من الردة المحضة، ثم ما ثبت أنه ليس بسبٍّ فإن استسربه صاحبه فهو زنديق حُكمه حكم الزنديق، وإلا فهو مرتد محض، واستقصاء الأنواع والفرق بينها ليس هذا موضعه ".
الاستهانة بالدين، والاستهزاء به، وسب الرسول، ونسبة الولد لله، وترك الصلاة كسلاً مكفرات عملية ناقلة عن الملة:
فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية:
السؤال الثاني والثالث من الفتوى (9104):
س: تفسيرهم الكفر المخرج من الملة بالجحود فقط، وترك الصلاة كسلاً غير جاحد، أم هناك كفر مخرج من الملة بدون جحود؟
ج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه .. وبعد: تفسير الكفر المخرج من الملة بالجحود فقط غير صحيح فإن إنكار المسلم حكماً اجتهادياً اختلف فيه الأئمة لا يعتبر كفراً، بل يعذر في ذلك الإتيان به والإعراض عن النطق بالشهادتين مع القدرة على ذلك وكترك الصلوات الخمس عمداً أو كسلاً لا جحوداً.
س: اعتبارهم تارك الصلاة كافراً كفراً عملياً والكفر العملي لا يخرج صاحبه من الملة إلا ما استثنوه من سب الله تعالى وما شابهه فهل تارك الصلاة مستثنى وما وجه الاستثناء؟
ج: ليس كل كفر عملي لا يخرج من ملة الإسلام، بل بعضه يخرج من ملة الإسلام وهو ما يدل على الاستهانة بالدين به كوضع المصحف تحت القدم وسب رسول الله ? مع العلم برسالته ونسبة الولد إلى الله والسجود لغير الله وذبح قربان لغير الله، ومن ذلك ترك الصلوات المفروضة كسلاً لقول النبي ?: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب ? وقوله ?: " بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " خرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب الثالث
كل من عصى الله فهو معرض للعقوبة إلا أن يعفو الرحمن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/426)
اعلم -رحمني الله وإياك- أن كل معصية للرب الإله العظيم الذي لا إله إلا هو فإنها تلزم صاحبها الإثم، وترهنه العقوبة، ولو كان فاعل الإثم والمعصية ملكاً مقرباً، أو نبياً مرسلاً، أو ولياً صالحاً، وسواء كان هذا الإثم صغيراً أو كبيراً، قال تعالى في شأن ملائكته الذين زعم الكفار أنهم بنات الله تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً:?وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ? لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ? يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ? وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ?.
وقال تعالى في شأن رسله وأنبيائه الصالحين من ذرية إبراهيم ?:?وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ? وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا، وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ? وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ? وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ? وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ? ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ?.
والشاهد في الآية قوله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ? بعد ذكره سبحانه وتعالى أنهم الذين اجتباهم الله واصطفاهم وهداهم.
وقال تعالى لرسوله محمد ?:?وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ?.
وكما حصل التهديد بالعقوبة على الشرك. فإن التهديد بالعقوبة على ما دون الشرك واقعة أيضاً، كما قال الله لآدم ?:?فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى?. وهذا وعيد بالخروج من الجنة على المعصية التي هي دون الشرك. وقد كان؛ فإن الله الرب الإله العظيم أخرج آدم من الجنة بمعصيته التي لم تكن شركاً، وتاب عليه من العقوبة الأكبر لما تاب ورجع إلى الله?فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ?.
وقد قال الله لرسوله محمد ?:?وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً ? إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا?.
وقد قال رسول الله ? لأصحابه يوم بدر لما قبلوا فداء الأسرى: " لقد أريت عذابكم دون هذه الشجرة ".
والأحاديث والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً. وحسبك الآيات التي تبين القاعدة العامة لذلك وهو قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا?. وقوله تعالى:?فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ? وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ?.
وقوله تعالى:?وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ?.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(24/427)