قال بعضهم بإسكان الطاء (خُطْوات)
ومثل كلمة (بُيُوت) قرأ بعضهم بكسر الباء (بِيُوت)
وكلمة (خُفيه) قرأ بعضهم بكسر الخاء (خِفيه)
وكلمة (السُحْت) قرأ بعضهم بضم الحاء (السُحُت)
وهذة الأمثلة كثيرة تدخل ضمن الإختلاف في اللهجات
?
:: والخلاصة::
أن الحكمة في إنزال القرءان على هذة الأوجه أن العرب الذين نزل القرءان عليهم بلغتهم ألسنتهم مختلفة
لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل بعد أن قال له جبريل إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرءان على حرف فقال أسأل الله معافاتة ومغفرتة, فإن أمتي لاتطيق ذلك .. ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يردد المسأله حتى أذن الله له أن يقرأ أمتة القرءان على سبعة أحرف فكان صلى الله عليه وسلم يُقرأ كل قبيلة بما يوافق لغتها
وليس هذا من عند رسول الله بل تلقاه أيضاً من الله عز وجل فما أقرأ النبي حرفاً إلا بما تلقاه عن رب العالمين
لذلك ظن كثير من الناس أن هناك صلة وعلاقة بين الأحرف السبعة والقراء السبعة يعني يرى بعض الناس أن قراءة أي قارئ من القراء السبعة هي أحد الأحرف السبعة المذكورة في الحديث
فيزعمون مثلا أن قراءة نافع هي حرف وقراءة عاصم حرف وهكذا
ولكن هذا الرأي مخالفاً للصواب, ومخالفاً للإجماع لأسباب متعددة أهم هذه الأسباب أن الأحرف السبعة نزلت في أول الأمر للتيسير على الأمة ثم نسخ الكثير منها في العرضة الأخيرة مما جعل الخليفة عثمان رضي الله عنة بعد أن كتب المصاحف بعث بها إلى الأمصار وأمرهم بالقراءة مما يطابق هذه المصاحف وإحراق كل ما عداها من المصاحف
فالأحرف السبعة غير القراءات السبعة ولنا أن نقول أن قراءات الأئمة السبعة بل العشرة التي يقرأ بها الناس اليوم هي جزأ من الأحرف السبعة التي نزل بها القرءان ولكن هذه القراءات جميعها موافقة لخط مصحف من المصاحف العثمانية التي بعث بها عثمان إلى الأمصار بعد أن أجمع الصحابة عليها.
أما القراء العشر فهم:
1. عبد الله بن عامر الدمشقي
2. حمزة الكوفي
3. الكسائي الكوفي
4. نافع المدني
5. عبدالله بن كثير المكي
6. ابو عمرو البصري
7. ابو جعفر المدني
8. يعقوب الحضرمي البصري
9. خلف البزار الكوفي
10. عاصم الكوفي
منقول عن دروس دورة حفص عن عاصم بملتقى طالبات العلم(2/396)
إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي الكبير
ـ[أبو عبد الله المكي]ــــــــ[28 - 06 - 05, 01:14 ص]ـ
ما القول الفصل في السدي الكبير؟
أرجو من إخواننا الإفادة
ـ[أبو ابراهيم الكويتي]ــــــــ[28 - 06 - 05, 01:36 م]ـ
استعراض لأقوال أهل الجرح والتعديل فيه وأترك الفصل لأهل هذا الفن
إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي أبو محمد القرشي الكوفي الأعور مات سنة تسع وعشرين ومئة في ولاية بني مروان روى له الجماعة سوى البخاري
1 - وقال على بن المديني عن يحيى بن سعيد لا بأس م ما سمعت أحدا يذكره إلا بخير وما تركه أحد
2 - وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل السدي ثقة
3 - وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت يحيى بن معين عن السدي وإبراهيم بن مهاجر فقال متقاربان في الضعف
4 - قال وسمعت أبي قال قال يحيى بن معين يوما عند عبد الرحمن بن مهدي وذكر إبراهيم بن مهاجر والسدي فقال يحيى ضعيفان فغضب عبد الرحمن وكره ما قال
5 - وقال عمرو بن علي سمعت رجلا من أهل بغداد من أهل الحديث ذكر السدي يعني لعبد الرحمن بن مهدي فقال ضعيف
6 - قال عبد الرحمن وقال سفيان الثوري سألت يحيى بن معين عن السدي فقال في حديثه ضعف
7 - وقال أبو أحمد بن عدي سمعت بن حماد يقول قال السعدي هو كذاب شتام يعني السدي وقال أيضا حدثنا محمد بن صالح بن ذريج قال حدثنا جبارة قال حدثنا عبد الله بن بكير عن صالح بن مسلم قال مررت مع الشعبي على السدي وحوله شباب يفسر لهم القرآن فقام عليه الشعبي فقال ويحك لو كنت نشوان يضرب على استك بالطبل كان خيرا لك مما أنت فيه وقال أيضا حدئنا محمد بن أحمد بن حماد قال حدثني عبد الله بن أحمد قال حدثنا أبي قال حدثا أبو أحمد الزبيري قال حدئنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت قال سمعت الشعبي وقيل له إن إسماعيل السدي قد أعطي حظا من علم القرآن قال إن إسماعيل قد أعطي حظا من جهل بالقرآن وقال أيضا حدثنا زكريا الساجي قال حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا بن الأصبهاني قال حدثنا شريك عن سلم بن عبد الرحمن قال مر إبراهيم النخعي بالسدى وهو يفسر فقال أما إنه يفسر تفسير القوم
8 - وقال أبو زرعة لين
9 - وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به
10 - وقال النسائي فيما قرأت بخطه السدي إسماعيل بن عبد الرحمن صالح وقال في موضع آخر ليس به بأس وقال عبدان الأهوازي كان إذا قعد غطى لحيته صدره
وقال محمد بن أبان الجعفي عن السدي أدركت نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو سعيد الخدري وأبو هريرة وابن عمر كانوا يرون أنه ليس أحد منهم على الحال الذي فارق عليه محمدا صلى الله عليه وسلم إلا عبد الله بن عمر وقال محمد بن العباس بن أيوب الأخرم الحافظ لا ينكر له بن عباس د رأى سعد بن أبي وقاص
وقال أبو أحمد بن عدي له أحاديث يرودها عن عدة شيوخ وهو عندي مستقيم الحديث صدوق لا بأس به قال خليفة بن خياط
تهذيب الكمال للحافظ المزي
ـ[أبو ابراهيم الكويتي]ــــــــ[28 - 06 - 05, 01:41 م]ـ
راي الأمام الذهبي فيه
[391] إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكوفي عن بن عباس وأنس وطائفة وعنه زائدة وإسرائيل وأبو بكر بن عياش وخلق رأى أبا هريرة حسن الحديث قال أبو حاتم لا يحتج به مات 127 م 4
--------------
راي ابن حجر كما جاء في تهذيب التهذيب
قلت وقال حسين بن واقد سمعت من السدي فأقمت حتى سمعته يتناول أبا بكر وعمر فلم أعد إليه وقال الجوزجاني حدثت عن معتمر عن ليث يعني بن أبي سليم قال كان بالكوفة كذابان فمات أحدهما السدي والكلبي كذا قال وليث أشد ضعفا من السدي وقال العجلي ثقة عالم بالتفسير رواية له وقال العقيلي ضعيف وكان يتناول الشيخين وقال الساجي صدوق فيه نظر وحكى عن أحمد أنه ليحسن الحديث الا أن هذا التفسير الذي يجيء به قد جعل له إسنادا واستكلفه وقال الحاكم في المدخل في باب الرواة الذين عيب على مسلم إخراج حديثهم تعديل عبد الرحمن بن مهدي أقوى عند مسلم ممن جرحه بجرح غير مفسر وذكره بن حبان في الثقات وقال الطبري لا يحتج بحديثه(2/397)
تعليقات الشيخ عبد الله الجديع على مقال أسانيد التفسير للدكتور مساعد الطيار
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[28 - 06 - 05, 10:41 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فقد كتب الدكتور الفاضل مساعد الطيار حفظه الله مقالا حول أسانيد التفسير وكيفية التعامل معها فقرأت المقال وراسلت الشيخ الفاضل عبد الله الجديع حفظه الله وطلبت منه رأيه في هذا الموضوع وأرسلت إليه رابط مقال الدكتور مساعد فقرأ الشيخ المقال وأرسل إلي بتعليقاته فأرسلت بها للدكتور مساعد فسر بها وأشار إلى أنه استفاد منها وقال إن تعليقاته نفيسة وفيها فائدة وخير كثير وأكد الشيخ مساعد علي في ضرورة نشرها لتعم الفائدة ولعل بعض الأعضاء يشارك بما يفيد.
فأسأل الله أن يحفظ الشيخين ويبارك في علمهما وينفع بهما وهذ هو رابط كلام الدكتور مساعد
http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=244&highlight=%C3%D3%C7%E4%ED%CF+%C7%E1%CA%DD%D3%ED%D1
وهذه تعليقات الشيخ الجديع على المقال دون زيادة أو نقص
بسم الله الرحمن الرحيم
ملاحظات على مقال منشور في موقع (ملتقى أهل التفسير) باسم الشيخ الفاضل مساعد الطيار ومعنون بـ (صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما).
أقول أولاً وقد قرأت المقال:
صوَّر الشيخ الكريم النظر في أمر أسانيد التفسير ونقدها بين المعاصرين والسابقين، أن المعاصرين يتشددون، والسابقين لم يكونوا كذلك.
وأقول: إن عنى بالمعاصرين من اعتنى بعلم التفسير فهؤلاء فيما أعلم يستقون من جميع ما قيل قبلهم دون مراعاة للأسانيد أصلاً حتى في المرفوع في كثير من الأحيان. وإن عنى من تعرض لدراسة أسانيد التفسير فهذا ينقدها من جهة الأسانيد بحسب الصناعة الحديثية، دون التعرض غالباً إلى شأن الاعتداد بها أو عدمه في فهم القرآن، كصنيع الشيخ المحقق أحمد شاكر في نقد أسانيد "تفسير الطبري" مثلاً، ومن إخواننا الشيخ العالم سعد الحميد في تعليقه على القطعة التي نشرها من "سنن سعيد" في التفسير، والشيخ الفاضل حكمت بشير، وغيرهم.
والصناعة الحديثية تأبى أن تجعل جويبراً مثلاً ثقة، والضحاك عن ابن عباس متصلاً، هذا ما لا يصح في العلم بعد ثبوت ضده، وإنما أن يكون التسهيل في قبول تلك الأخبار واستعمالها فهذا باب آخر.
والواقع أن الجميع إذا جاء مقام التمحيص والاستدلال لا يقبل إلا ما يدل عليه عنده النظر الصحيح.
وهذه ملاحظات بدت لي حول مقال الشيخ الطيار وفقه الله:
قال: (والظاهر أن الاستفادة من هذه المرويات، وعدم التشدد في نقدها إسنادياً هو الصواب) ثم استدل لذلك بوجوه هي باختصار كالتالي:
1 - أنه لا يكاد يوجد مفسر اطرح هذه الروايات جملة بل قد يطرح بعضها لعدم صحتها عنده.
وأقول: هذا صحيح، وهو دليل على أن القبول عندما وقع فلمعنى لا يؤثر فيه جرح الناقل، كموافقة لأصل اللسان مثلاً، أو موافقة للدلالات العامة للقرآن، أو لمقاصد الدين، أو لكلام آخرين وبيانهم من المفسرين، فهو معتضد، لكنه ربما رده في حال أخرى.
وهذا القول من الشيخ ذاته دليل على أن نقد الرواية في التفسير كان مستعملاً عند أولئك المفسرين.
وإن كان التمثيل الذي مثل به كان غيره أولى منه، لأنه لا يصح أن يجعل من طريقة ابن مردويه مثلاً مقياساً لمنهج المفسرين حين وقع من مثله إيراد روايات هذا الإسناد، فمعروفٌ أن تفسير الكلبي كبير تندر آية لم يحك عنه فيها شيء، وترى ابنَ جرير لم يورد عنه إلا الحرف بعد الحرف، وفي أكثر ما يورده أن يكون قوله تابعاً، أو مرجوحاً عندَ ابنِ جرير، وهذا ابن أبي حاتم وهو أدق نظراً في الاختيار قد جانب تفسير الكلبي، فالتمثيل به ضعيف يبالغ في تسهيل شأنه، وحين سئل أحمد بن حنبل عنه قال: "من أوله إلى آخره كذب. فقيل له: فيحل النظر فيه؟ قال: لا". ويحيى بن معين كان يقول: "كتاب ينبغي أن يدفن". فتأمل!
إنما يصلح له التمثيل بروايات عطية العوفي والضحاك بن مزاحم وابن أسلم، وشبهها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/398)
2 – ذكر أن المفسرين اعتمدوا اعتمادًا واضحًا على هذه المرويات، سواءً أكانوا من المحررين فيه كالإمام الطبري وابن كثير، أم كانوا من نَقَلَةِ التفسير كعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. وهؤلاء قد أطبقوا على روايتها بلا نكير، مع علمهم التام بما فيها من الضعف. ولا يقال كما قد قال من قال: إن منهج الإمام الطبري في هذه الروايات الإسناد" إلخ.
وأقول: جملة مسلمة في صدرها، نعم خرجوا أو أوردوا تلك المرويات من قبيل ما سبق التمثيل به لا من قبيل روايات الكلبي التي ندر تخريجها أو عُدم في هذه الكتب، إنما هي الروايات التي تعود علل أسانيدها إلى الضعف من قبل الحفظ تارة كتفسير عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، وعطيَّة العوفي، أو من جهة الإرسال كتفسير الضحاك وعلي بن أبي طلحة. أما القول: (مع علمهم التام بضعفها) ففي هذا نظر أن يطلق في حق جميعهم دون تنصيص أو وقوف بين على عباراتهم المفيدة للعلم، فيمكن تسليم أن يكون الشأن كذلك في ابن أبي حاتم مثلاً، لكنه لا يسلم في عبد بن حميد الذي عرف عنه الحفظ ولم يعرف بالاعتناء بتمييز النقلة.
كذلك العبارة الأخيرة التي حكاها الشيخ عن بعضهم في أن ابن جرير كان يسند، ومن أسند فقد أحالك. فهي صحيحة في شأن أسانيد ابن جرير، فإنه لا يخفى على ناظر في الكتاب معالج له أن ابن جرير لم يكن ينتهج نقد الأسانيد، إنما كان يذكر كل ما وقف عليه من مذاهب قيلت قبله في تفسير الآية أو النص، ويسندها إلى أصحابها، ثم ينقد الرأي لا ينقد السند، ويختار من بينها ما يرجحه بالنظر والاستدلال لنفسه، لأن العبرة عنده وعند غيره ممن يستعمل الآثار بالمعاني ودلالاتها، لذا فإنه يقبل المعنى الصحيح دون مراعاة النقل ولا من قاله ممن يجوز على قوله الخطأ والصواب؛ لذا فربما رجح الرأي المنقول بالإسناد الضعيف على الرأي المنقول بالإسنادِ الصحيح. والمقصود: أن الإسناد بالنسبة له كان غير معني أصلاً بالنظر والتحقيق. ولم يكن العلم بمنهج ابن جرير هذا محتاجاً إلى التنصيص عليه من قبله ليصح القول به؛ لوضوحه من كتابه.
3 – استدل الشيخ بما جاء عن بعض أئمة الحديث في التسهل في حكاية الضعيف، وهذا لست أطيل بالتعليق برأيي فيه، إذ يمكن أن يراجع في كتابي "تحرير علوم الحديث" (2/ 1108) وإنما أزيد هنا القول:
لا ينبغي أن ينازع الشيخ الطيار وفقه الله في أن التشديد في نقد أسانيد التفسير لا ينبغي أن يكون كما يطلب في نقد أسانيد الحلال والحرام، لكن ذلك مشروط باعتبار نسبة الضعف التي يلغي مثلها اعتبار روايات مثل مقاتل والكلبي في التفسير.
كما ينبغي أن يراعى أن التساهل في النقل والحكاية غير الاعتماد.
وما حكاه عن الإمام يحيى القطان صواب في النقل عن هؤلاء وحكاية كلامهم، وليس فيه الاعتماد عليهم، وهؤلاء الممثل بهم في كلام يحيى ترك هو نفسه الرواية عن جميعهم، وإنما يعني أن بعض الأئمة كتب عنهم، والكتابة في مجردها ليست اعتماداً، فهذا الثوري كتب عن محمد بن السائب الكلبي ومع ذلك كان يقول: "عجباً لمن يروي عن الكلبي"، قال ابن أبي حاتم: فذكرته لأبي وقلت: إن الثوري قد روى عنه، قال: "كلا لا يقصد الرواية عنه ويحكي حكاية تعجباً فيعلقه من حضره ويجعلونه رواية عنه".
وأقول أيضاً: في عبارة يحيى القطان "هؤلاء لا يحمد حديثهم ويكتب التفسير عنهم" ما يدل على أن الذي يكتب إنما هو كلاهم هم في التفسير، لا ما يحدثون به عن غيرهم. وهذا لا إشكال فيه، فقد يكون فيه من البيان للقرآن من قبل المعتني به ما يزيل اللبس عنه، كما تعتمد مفردات اللغويين في بيان معانيه.
وليس من هذا سبب نزول، ولا قول لا يجري في مثله الاجتهاد، ولا رأي أفاد حكماً أو اعتقاداً، ولا رأي يحكى على خلاف الثابت، فهذا كله مقدوح فيه من جهة القدح في ناقله أو حاكيه، والمنقول منه بابه باب الحديث الذي يجانب فيه النقل عن هذا الصنف، وإن ذكر وجب ذكره مع البيان.
4 – ذكر الشيخ تفريق نقاد الحديث في شأن عدد من النقلة بين نقلهم للحديث واعتنائهم بعلم سواه، فيوثَّق أحدهم في فنه ويكون مجروحاً في الحديث مثلاً، وذكر أمثلة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/399)
وجميع ما ذكره لا ينازع في صحته حتى انتهى إلى ذكر ورش الراوي عن نافع، ثم قال: (فإذا كان ذلك واضحًا في علمِ القراءةِ، فإن علم التفسير لم يوجد له كتبٌ تخصُّ طبقات المفسرين وتنقدُ روايتهم على وجه الخصوصِ، بخلاف ما وُجِدَ من علم القراءة الذي تميَّزَ تميُّزًا واضحًا عند الترجمة لأحد القراء كما تلاحظُ في الأمثلة السابقةِ. ولذا لا تجد في الكلام عن المفسرين سوى الإشارة إلى أنهم مفسرون دون التنبيه على إمامتهم فيه وضعفهم في غيره كما هو الحال في نقد القراء، وإذا قرأت في تراجم المحدثين ستجد مثل هذه العبارات: (المفسر، صاحب التفسير).
وأقول: ثم مثل بأمثلة جميعها ليس فيها غير أن الشخص كان مفسراً أو صاحب تفسير، وهذا في التحقيق لا يدل على شيء مما قدم له الشيخ أن الشخص يكون غير قوي في الحديث مع ثقته وإتقانه في فن آخر، فمجرد وصف أحدهم بكونه كان صاحب تفسير لا يعني أكثر من كونه كان له مؤلف فيه، أو أنه نقله أو نقل صحيفة فيه عن غيره. وليس في هذا تعديل ولا من وجه من الوجوه في فن التفسير. نعم هي زيادة وصف له تعني اعتناءه بهذا الفن، لكن أين في هذا ما يفيد للاعتماد عليه؟ ما هذا إلا كما يقال في آخر: (صاحب تاريخ)، فهذا لا يغني في الاعتماد عليه في التاريخ دون النظر في أهليته.
5 – قال الشيخ: (ولعلَّ مما يبيح تساهل التعامل مع أسانيد المفسرين من جهة الإسناد أن كثيرًا من روايات التفسير روايات كتبٍ، وليست روايات تلقين وحفظٍ؛ لأنك لا تكاد تجد اختلافًا بين ما رواه نقلة هذه المرويات بهذه الأسانيد).
وأقول: رواية الكتاب تحتاج إلى الثبوت كما تحتاجها رواية الحفظ سواء، والصحيفة إذا انتهت مثلاً إلى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، فقد أتساهل مع أبي صالح كاتب الليث راويها وأقول روى كتاباً، وآخر لا يقبل في الأصل معاوية بن صالح، يتساهل معه في هذا لأنه كتاب، حتى يصل إلى علي بن أبي طلحة، فيقول: من أين له هذا عن ابن عباس، وهو لم يسمع منه؟ وكيف الصنيع بقول كقول أحمد بن صالح المصري حين سئل: "علي بن أبي طلحة ممن سمع التفسير؟ قال: من لا أحد"؟ أترى وجد تلك النسخة إن كانت كذلك عند آل ابن عبَّاسٍ؟ أم أخذها من بعض أصحابه؟ أم على قارعة الطريق؟ من بينه وبين ابن عباس فيها؟
والمقصود أن كونها نسخة لا يعطيها ميزة للقبول، إنما الكتاب الصحيح ميزة لقبول رواية من لم يكن متقن الحفظ إذا حدث منه، وليس هذا من ذاك.
6 – قال الشيخ: (اشتهر بعض هؤلاء الأعلام في التفسير إما رواية وإما دراية، ويجب أن لا ينجرَّ الحكم عليه في مجال الرواية إلى مجال الدراية، بل التفريق بين الحالين هو الصواب، فتضعيف مفسر من جهة الرواية لا يعني تضعيفه من جهة الرأي والدراية، لذا يبقى لهم حكم المفسرين المعتبرين، ويحاكم قولهم من جهة المعنى، فإن كان فيه خطأ رُدَّ، وإن كان صوابًا قُبِلَ. إذا تأمَّلت هذه المسألة تأمُّلاً عقليًّا، فإنَّه سيظهر لك أنَّ الرأي لا يوصف بالكذب إنما يوصف بالخطأ، فأنت تناقش قول فلان من جهة صحته وخطئه في المعنى، لا من جهة كونه كاذبًا أو صادقًا؛ لأن ذلك ليس مقامه، وهذا يعني أنَّك لا ترفضُ هذه الآراء من جهة كون قائلها كذابًا في الرواية، إنما من جهة خطئها في التأويلِ).
أقول: هذا الكلام دقيق غاية، وحسن جداً، وأوافق الشيخ عليه دون تردد، لكني لا أقبل وصفه من بعدِ أن مثَّل بالكلبي ومقاتل في آخرين خير منهما من ضعفاء المفسرين: (هم من أعلام مفسري السلف) فهذا وصف لا يخلو من اعتبار القدوة، ووالله ما مثل الكلبي ومقاتل يصلحان ههنا.
ومثَّل الشيخ بمثال أخذه على الشيخ حكمت بشير، وهو مثال جيد، وأنا أوافق الشيخ الطيار على ما قال.
7 – هذه النقطة السابعة أوافق الشيخ الطيار على ما ذكر فيها في أنه لا ينبغي اطراح ما في كتب التفسير من النقل تشدداً في نقل الأسانيد، لكني أقول: فيما كان من قبيل ما ذكر في الفقرة السابقة، وممن لم يوصف بالكذب من الضعفاء.
فإننا نستغني عن كلام مقاتل والكلبي ونستفيد من كلام سائر من حكي عنه التفسير من السلف، والثقات فضلاً عن الضعفاء فيهم كثر، فأين تفسير مجاهد؟ وأين الأسانيد الثابتة عن ابن عباس؟ وأين تفسير السدِّي؟ في ذلك تركة كبيرة وخير كثير. وهذا ابن جرير ما أعظم تفسيره، وما أقل ما أخرجه لصنف الكلبي؟
كذلك يجب اعتبار الفصل بين تفسير أحدهم، وبين نقله، فالنقل تجري فيه قواعد النقد، ويمكن أن يقع فيه التسهل، لكن بالنظر إلى ما يرجع إليه نوع ذلك النقل، فإن كان منتهاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفد حكماً جرت فيه شروط التخفيف في رواية الضعيف، وإن أفاد حكماً فلا والله حتى يثبت النقل دون شبهة، وإن انتهى إلى الصحابة كابن عباس وغيره فلا يخلو من أن يكون بيان لفظ فلا إشكال في قبوله ويكون من قبيل الرأي، وإن كان سبب نزول ولم يفد حكماً أمكن التسهل فيه، أما إن كان مثله لا يقال بالرأي فحكمه حكم الحديث المرفوع.
فهذا إن أتينا عليه على هذا الوجه خلص لنا منه تفسير كبير لكتاب الله، وهو الذي نجده في المأثور بحمد الله.
ثم ما ذكره الشيخ حتى الفقرة العاشرة في كلامه صحيح لا إشكال فيه.
هذه إشارات والله المستعان.
وكتب
عبدالله بن يوسف الجديع
في 17/ 4/1426
الموافق 25/ 5/2005
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/400)
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[02 - 08 - 05, 03:11 م]ـ
للرفع
ـ[جعفر بن مسافر]ــــــــ[05 - 08 - 09, 10:31 م]ـ
جزاك الله خير اخي ابوصفوت .. تعليقات قيمه.
ـ[أبو هر النابلسي]ــــــــ[06 - 08 - 09, 04:06 م]ـ
بارك الله فيك، وفي الشيخ الجديع ورده إلى الحق ردّا جميلا، وهناك لفتة طيبة هنا ألا وهي تواضع الشيخ الطيار جزاه الله خيرا
ـ[المساكني التونسي]ــــــــ[02 - 08 - 10, 05:00 ص]ـ
موضوع دسم جزاك الله خيرا أخي(2/401)
ما معنى الآيه
ـ[صالح بن علي]ــــــــ[28 - 06 - 05, 11:55 م]ـ
قال تعالى (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر)
ما معنى يقدر
هل قدرة الله فقدرة الله معلومة
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[29 - 06 - 05, 01:11 ص]ـ
أولا: قال ابن جرير في تفسير هذا المقطع من الآية الكريمة: (يقول تعالى ذكره: الله يوسع على من يشاء من خلقه في رزقه، فيبسط له منه، لأن منهم من لا يصلحه إلا ذلك.
وَيَقْدِرُ يقول: ويقتر على من يشاء منهم في رزقه وعيشه، فيضيقه عليه، لأنه لا يصلحه إلا الإقتار.)
ثانياً: لو أن السائل تأمل الآية جيداً لعرف معنى " يقدر" من غير أن يرجع إلى كتب التفسير؛ لأن في الآية ما يدل على معناها، وهو كلمية "يبسط".
قال الشيخ ابن عثيمين في تفسير سورة الكهف: (من فوائد علم التفسير: أنّ الشيء يعرَف بذكر قبيله المقابل له، ومنه قوله تعالى: {فانفروا ثباتٍ أو انفروا جميعاً} [النساء: 71]. {ثبات}: يعني "متفرقين" والدليل ذكر المقابل له (أو انفروا جميعاً)) انتهى.
فكلمة يقدر هنا مقابلة لكلمة يبسط، وإذا تبين أن معنى يبسط: يوسع، فمعنى يقدر: يُضيّق.
والله أعلم.
ـ[صالح بن علي]ــــــــ[30 - 06 - 05, 01:43 ص]ـ
جزاكم الله خير(2/402)
ما هو أفضل كتاب في علوم القرآن؟
ـ[صخر]ــــــــ[03 - 07 - 05, 03:53 ص]ـ
ما هو افضل كتاب في علوم القران
ـ[أبوحاتم]ــــــــ[08 - 07 - 05, 08:17 م]ـ
من أوسع كتب المتقدمين كتابا الزركشي والسيوطي والأخير جله من الأول.
ومن أحسن كتب المعاصرين كتاب الشيخ/ عبدالله الجديع "المقدمات الأساسية ... "
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[08 - 07 - 05, 09:06 م]ـ
عن تجربة وممارسة ..
أوسعها بلا منازع .. (الإتقان في علوم القرآن) للسيوطي .. فهو مرجع
أفضلها للمبتدئ رسالة السيوطي .. لشرح الشيخ عبد الكريم الخضير ـ حفظه الله تعالى ورعاه ـ
أفضلها و أمتعها لمن تقدم و مر برسالة السيوطي .. (مناهل العرفان) للزرقاني .. إذا ما جنبت منه الإسهاب في رد الشبهات .. و قد منّ الله تعالى عليّ و درسته مرتين و استخرجت منه فوائد جمة معظمها متعلقة بعلوم القرآن، و بعضها خارجة عن هذا العلم إلا أنها ماتعة فعلا
وفقكم الله تعالى
ـ[طلال العولقي]ــــــــ[08 - 07 - 05, 09:45 م]ـ
بارك الله فيكم وفي اجابات الاخوة
ولعلكم كذلك تستفيدون من الاخوة في ملتقى التفسير
http://tafsir.org/vb/forumdisplay.php?forumid=2(2/403)
ملاحظات عامة في موضوعات لطائف الوقوف
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[03 - 07 - 05, 04:14 م]ـ
هذه تنبيهات على أخطاء منهجية في بعض الموضوعات التي تتعلق بذكر لطائف الوقوف حملني على ذكرها ما رأيته من أخطاء و أوهام في بعض المنتديات الشرعية باسم هذا وقف لطيف:
1) الوقف عند كافة علماء الوقف تبع للمعنى والإعراب فينظر عند جميعهم في منزلة الوقف تماما وكفاية وحسنا وقبحا إلى ارتباط الكلام وتعلُّقِه ببعضه اعتمادا على تفسير الآية ومعانيها وإعرابها ولذلك فبعض الوقوف أتمُّ من بعض وبعضها أكفى من بعض وبعضها أحسن من بعض.
2) كثير من الوقوف التي ذكرها الإخوان إمّا أنْ تكون قبيحة عند جميع علماء الوقف أو ضعيفة أو جائزة لكنها دون الوقف التام و الكافي في مرتبتها فغيرها عند علماء الوقف أحسن منها وأولى.
3) قد يكون الوقف جائزا من جهة النحو مقبولا من جهة المعنى و يكون فيه لطافة ولا يدل هذا على تفضيله على ما هو أولى منه.
4) القارئ الجيد هو الذي يراعي عند وقفه المعنى فيقف على ما هو أكثر تبيانا للمعانى و على ما هو أبين لهدي القرآن و أجلى عند المستمعين وإذا كان في الآية موضع مختلف فيه عند العلماء لاختلافهم في المعنى فيأخذ بالقول الراجح إنْ كان له نظر واجتهاد في التفسير وإلا فيقلد ما هو مذكور في المصاحف التي طبعت بإشراف لجانٍ علمية كمصحف الملك فؤاد الأوّل ومصحف المدينة المنورة (مصحف خادم الحرمين الشريفين).
ومن الأمثلة المعروفة المشتهرة لاختلاف أنظار العلماء في اختيار الوقف المناسب بناء على اختلافهم في التفسير اختلافهم المعروف في الوقف على قوله تعالى: (و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم) فأكثر السلف و جماهير العلماء اختاروا الوقف على إلا الله و ذهبت طائفة إلى اختيار الوقف على (والراسخون في العلم) و الوقف على (إلا الله) هو الراجح بل هو الصحيح فيقف عليه القارئ، ويبتدئ بقوله: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به) وأدلَّة هذا مبيّنة في موضعٍ آخر و الأمثلة كثيرة يضيق المقامُ عن ذكر بعضها.
5) إخواني كتاب الله تعالى كما لا ينبغي أنْ تحمل معانيه في التفسير إلا على أصح وأفصح لغات العرب وأحسن ما تحتمله لغتهم كذلك ينبغي عند اختيار الوقوف مراعاة ذلك كله فلا يخترع قول يكون مخالفا لما يدل عليه المعنى وما يقتضيه سياق الكلام ومتى كان الوقف شاذا لم يصح أن يقال له لطيف إلا على معنى التجوُّز في الكلام.
6) دراسة أقسام الوقف و معانيها و النظر في أمثلته في بعض كتب التجويد و في بعض كتب علوم القرآن و مقدِّمات كتب الوقف و الابتداء كاف في إفهام الناظر اليقظ لأمَّهات مسائل هذا العلم.
و سأضرب مثلا بالوقف التام. لأنّ وقوف القارئ على التام إن أمكنه أحسن من الوقوف على غيره لكونه أبين للسامع و أوضح للمعنى و إن كان الوقف على الكافي و على بعض ما يُسمى في اصطلاحهم بالوقف الصالح أو الحسن سائغا حسنا.
7) فمثلا الوقف التامُّ عندهم هو: مالا يتعلَّق بشيء مما بعده من جهة المعنى ولا اللفظ كالوقف على آخر قصة والابتداء بغيرها وكالوقف على مثل قوله (وأولئك هم المفلحون) في سورة البقرة لأن قوله (إن الذين كفروا سواء عليهم) ليس متعلقا بقوله (أولئك هم المفلحون). و كمثل الوقف على (وهو بكل شئ عليم) والابتداء بقوله: (وإذ قال ربك للملـ ــــــكة)
و قد اختلفت عباراتهم اختلافا متقاربا في تعريف الوقف التام و كلها تدل على نفس المعنى: فقال بعضهم هو الذي يحسن القطع عليه والابتداء بما بعده لأنه لا يتعلق بشيء مما بعده. (المكتفى للحافظ الداني ص 140 و نِظَام الأداء في الوقف والابتداء ص 30) و قيل إنه: (ما انفصل مما بعده لفظا ومعنى): جمال القراء 2/ 563 و ينظر: النشر 1/ 225 - 226 وتنببيه الغافلين صـ 123 و غيرها.
وأمثلة الوقف التام كثيرة ذكرها العلماء و إذا رأى الإخوان أن أفرد موضوعا لشرح مصطلحات علماء الوقف والابتداء فسأفعل إن شاء الله تعالى.
و أنبه هنا على أنّ أرجح الأقوال في أقسام الوقف هو تقسيمه إلى أربعة أقسام: التام و الكافي و الحسن و القبيح.
، وهو ترجيح الإمام الداني رحمه الله وعزاه الزركشي للأكثر، ورجحه السخاوي وابن الجزري وابن الطحان الأندلسي و غيرهم و مع هذا فلا مشاحّة في الاصطلاح.
و ليت طابعي المصاحف قديما بنوا على هذا الاصطلاح و لكنْ كانت مراحل و أمور يطول ذكرها و قد اجتهد بعض أهل العلم فيها في القرنين الماضيين و الله يتولنا و سائر إخواننا بهدايته و رحمته و توفيقه لا حول و لا قوة لنا إلا به.
نسأله تعالى من خزائن فضله و عظيم إفضاله و كريم إنعامه.
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[06 - 07 - 05, 04:23 م]ـ
قال الإمام النكزاوي -و هو من أحسن المصنفين في فن الوقف و الابتداء و كتابه محقق في رسالة دكتوراة -: (ويسمى الذي يجوز الوقف عليه وقفَ الاختيار،لا وقف الاضطرار لأنّ القارئ إذا اضطر إلى الوقف إما لانقطاع نفس أو غيره فإنه يقف على أي موضع جاء، فإن كان وقف على موضع لا ينبغي الوقف عليه في حال الاختيار فليبتدأ بالكلمة الموقوف عليها إن كان ذلك لا يغير المعنى فإن كان ذلك يغير المعنى فليبتدأ بالكلمة التي قبلها ليصح به المعنى المراد في الآية) انتهى0 و ما ذكره الإمام النكزاوي متفق عليه و قد ذكره غير واحد من العلماء
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/404)
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[28 - 07 - 05, 07:02 م]ـ
للفائدة
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[20 - 11 - 05, 11:18 م]ـ
دراسة أقسام الوقف و معانيها و النظر في أمثلته في بعض كتب التجويد أو في بعض كتب علوم القرآن أو مقدِّمات كتب الوقف و الابتداء مفيد جدا
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[24 - 12 - 06, 03:12 م]ـ
و قد يقع من بعض الإخوان ذكر أمثلة للطائف الوقف يكون فيها خطأ ظاهر و تسستحسن لما فيها من معنى جديد بحسب ظنّ البعض ولاينبغي استحسانها لأنه لم يراعَ فيها النظر للمعنى الصحيح أو الراجح و لم يلتفت فيها للإعراب و كلام علماء الوقف و الابتداء ثم المفسرين مبني على النظر في المعاني، ولذا فيأمرون القارئ بأن يتخير لوقفه وقفاً أتم من جهة بيان المعنى و إفهام السامعين ...... ثم الوقف القبيح أنواع معروفة في محلها بينوا أنواعه و ضربوا له الأمثلة و بعض أنواعه له ضوابط
ـ[ابو الحارث الشامي]ــــــــ[25 - 05 - 07, 07:57 م]ـ
للرفع
رفع الله قدرك
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[13 - 12 - 07, 05:32 م]ـ
جزاك الله خيرا يا أبا الحارث. وأوصي الأخوان بقراءة موضوع الوقف و الابتداء من النشر لابن الجزري ومن مقدمة المكتفى.
ـ[أبو محمد أحمد بن عثمان]ــــــــ[22 - 12 - 07, 12:54 م]ـ
جزاك الله خيراً وأثابك الله على هذه المعلومات القيمة.
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[23 - 12 - 07, 11:37 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
من الأمثلة على الوقوف المتكلفة
الوقف على قوله تعالى: {قرت عين لي ولك} فيوقف على (لك) أو على قوله تعالى: {لا تقتلوه} كما هو قول الأخفش، فهذان الوقفان الصحيحان في الآية.
وهناك وقف غريب أنكره الأئمة وهو وقف روي عن ابن عباس رضي الله عنه فقد روى الفراء وابن الأنباري والداني من طريق محمد بن مروان السدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:
(إنها قالت {قرت عين لي ولك لا} ثم قال: {تقتلوه}) اهـ. ومعنى هذا أن الوقف على {قرت عين لي ولك لا} فيقف على {لا} ثم يبتدأ {تقتلوه}.
وهذه الرواية ساقطة رواية ودراية وفيها علل ثلاث كلها قوية تقتضي سقوطها ولذا ردها الأئمة كما سيأتي إن شاء الله تعالى ذكر كلامهم:
العلة الأولى:
ضعفها الشديد فإن هذه الطريق هي أوهى الطرق عن ابن عباس وربما سميت بسلسلة الكذب ()، لأن أباصالح هو باذام ويقال باذان مولى أم هانئ وقد ضعفه جماعة من الائمة () قال ابن عدي:
(لم أعلم أحدا من المتقدمين رضيه) اهـ. ()
وقال ابن معين:
ليس به بأس، و إذا روى عنه الكلبي فليس بشيء () و قال في الكاشف: (قال أبو حاتم وغيره لا يحتج به عامة ما عنده تفسير) اهـ. () وفي التقريب: ضعيف مدلس ().
وأما الكلبي فهو: محمد بن السائب بن بشر أبو النضر متروك وهو مع ذلك عالم بأنساب العرب وغيرها ().
وكذلك محمد بن مروان السدي الصغير فإنه متروك أيضا وهو أشد ضعفا ()، ولذا قال ابن النحاس بعد هذه الرواية ورواية الكلبي لا يحل لمسلم أن ينظر فيها لإجماع أهل العلم ممن يعرف الرجال على تكذيبه ().
العلة الثانية:
مخالفتها لما هو أصح منها بدرجات كثيرة عن ابن عباس قال ابن النحاس:
(والصحيح عن ابن عباس أنه قال قالت قرت عين لي ولك فقال فرعون أما لك فنعم وأما لي فلا فكان كما قال) اهـ. () والرواية الصحيحة عن ابن عباس رواها الطبري ().
العلة الثالثة:
أن المعنى على هذا الوقف لا يستقيم قال الفراء هو لحن () و قال أبوحاتم:
(لا تقتلوه كاف، ولا يلتفت إلى من لا علم له ولا فكر ثم يقول بجهله: {وقالت امرأت فرعون قرت عين لي} ثم يومئ إلى نفسه: {ولك لا} ثم يشير بيده ورأسه فيجب أن يقال له يا ((حمار)) فما معنى {تقتلوه عسى أن ينفعنا}) اهـ. ()
فالأئمة لم يعولوا على هذه الرواية ولم يلتفتوا إلى هذا الوقف ولم يروه () ومخالفته للظاهر وشدة التكلف فيه واضحة.
ولو أن هذا التعسف فتح في كتاب الله تعالى الذي هو الحجة والهداية لأمكن لكل متلاعب أن يضلل الناس بلا أساس علمي ومع أن هذا بعيد إن شاء الله تعالى عن تلاعب الباطنية لكن فيه شبهامن تأويلاتهم الباطلة لظهور مخالفته للمتبادر من الكلام.
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[01 - 05 - 08, 04:08 م]ـ
وهذا رابط مفيد فيه مشاركات لبعض الإخوان جزاهم الله خيرا في هذا المنتدى.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=127076
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[01 - 05 - 08, 04:35 م]ـ
وهذه رسالة في عدة موضوعات تتعلق بالوقف والابتداء وقد طبعتها دار ابن القاسم في الرياض قبل سنوات.
فتفضلوا ويمكن نشرها في مشكاة الإسلام وغيرها للفائدة أحسن الله عاقبتنا وعاقبتكم:
ـ[أبو عبد الرحمان القسنطيني الجزائري]ــــــــ[18 - 04 - 09, 02:06 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[أبو ضمام الجزائري]ــــــــ[05 - 06 - 09, 12:58 م]ـ
جزاك الله خيرا
سمعت من يقرأ:
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا) النازعات /42 - 45.
فيقرأ:
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساهَا (42) فِيمَ) يتوقف ثم يقرأ (أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا) , اي انت يا محمد (صلى الله عليه و سلم) من ذكراها.
فما صحة هذا الوقف و الابتداء؟
افيدونا و جزاكم الله خيرا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/405)
ـ[عامر بن بهجت]ــــــــ[20 - 06 - 09, 03:30 م]ـ
شيخنا الفاضل الدكتور/ عبد الله الميموني -حفظه الله-
انتفعت بموضوعكم نفع الله بكم وجزاكم خيرا وزادكم فضلا وتوفيقا
ـ[أبو ضمام الجزائري]ــــــــ[20 - 06 - 09, 08:16 م]ـ
جزاك الله خيرا
سمعت من يقرأ:
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا) النازعات /42 - 45.
فيقرأ:
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساهَا (42) فِيمَ) يتوقف ثم يقرأ (أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا) , اي انت يا محمد (صلى الله عليه و سلم) من ذكراها.
فما صحة هذا الوقف و الابتداء؟
افيدونا و جزاكم الله خيرا.
هل من مجيب بارك الله فيكم ...
ـ[ابو هبة]ــــــــ[21 - 06 - 09, 09:47 م]ـ
---------------------------
ـ[أبو الفهد العرفي]ــــــــ[21 - 06 - 09, 11:14 م]ـ
زاد الله الجميع من خيراته
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[26 - 06 - 09, 01:45 ص]ـ
جزاكم الله خيرا جميعا
الشيخ عامر بهجت - حفظكم الله ونفع بكم -
بالنسبة لسؤال الأخ أبي ضمام الجزائري هذا الوقف الذي ذكرتموه فيه لا يجوز وفيه تكلف ظاهر ويدل على ضعف معرفة الواقف عليه بقوانين اللغة وبمعاني كلام العرب.
ـ[أبو الوليد التويجري]ــــــــ[26 - 06 - 09, 03:25 م]ـ
بارك الله فيكم شيخنا الدكتور عبد الله.
هل هناك كتب تنصحون بها في هذا العلم للمبتدئ؟
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[28 - 06 - 09, 11:30 م]ـ
حياكم الله أبا الوليد التويجري
يمكن النظر في بعض شروح الجزرية - مقدمة ابن الجزري - ففيها باب للوقوف فينظر مثلا في شرح الشيخ زكريا الأنصاري و شرح ابن المصنف و شرح طاش كبري زاده الذي طبعه مجمع المللك فهد
و ينظر في بعض كتب علوم القرآن التي تضمنت الكلام على هذا ومنها الإتقان للسيوطي
و ينظر في مقدمة كتاب المكتفى للداني و غيرها.
ـ[أبو جعفر]ــــــــ[20 - 07 - 09, 01:55 ص]ـ
أحيانا نجد بعض القرآء يجتهد في وقف غير مشهور لأنه يفيد المعنى باجتهاده، وأود هنا أن أسأل هل يجوز الاجتهاد في هذا الباب أم يقتصر على ما ذكره العلماء، خاصة إذا كان الاجتهاد يخالف ما نص عليه العلماء من حيث مكان الوقف.
فمثلا عندنا إمام يقرأ في سورة المائدة في قصة ابني آدم، فيقرأ: " فأصبح من النادمين من أجل ذلك" فلا يقف على نهاية الآية ويقف عند كلمة ذلك، هل يجوز مثل هذا، وما دليل المنع؟
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[21 - 07 - 09, 12:10 ص]ـ
هذا الوقف الذي ذكرته وقف شاذ روي عن أحد أئمة القراء من السلف و قد بين ابن النحاس وغيره ضعفه
لأن (من أجل ذلك) متعلق بقوله (كتبنا ... ) بعده وأما (النادمين) فمتعلق بما قبله من ندمه بعد بعث الله الغراب الخ ...
والضابط أن لا يكون الوقف متعسفا يخالف ظاهر اللفظ وتفسير المفسرين. فالمطلوب مراعاة المعنى الأقرب حظا للصحة وتقريبه للقارئ والسامع بحسن الوصل والفصل، ومتى احتمل الكلام أكثر من معنى صحيح فلا تثريب والاختيار لأصحها مطلوب وليس المقصود إحداث معان جديدة بتتبع الشاذ الذي يؤدي إلى معنى جديد لكنه خاطئ مخالف للمعاني المحتملة المقبولة أو ينبني عليه فساد تركيب الكلام .. فالقرآن نزل بلسان عربي مبين ويحمل كلام الله على أقرب المعاني لكلام العرب وأصحها ...
ـ[مجدي فياض]ــــــــ[22 - 09 - 09, 08:48 م]ـ
ما قولكم في ذلك الوقف
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=186046
ـ[ابو عبد الرحمان عبد المعز]ــــــــ[04 - 10 - 09, 06:25 م]ـ
جزاك الله خيرا يا ابا محمد المطيري على هذه الفوائد القيمة اللهم اجعلها في ميزان حسناته
ـ[عبدالله بن فيصل آل زنان]ــــــــ[09 - 10 - 09, 11:20 م]ـ
جزاك الله خيراًونفع بك الإسلام والمسلمين
ـ[ابن علاوة]ــــــــ[10 - 10 - 09, 02:18 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/406)
قرأت ما كتبه الإخوة عن الوقف القبيح فأحببت أن أشير إلى أمر غفل عنه الكثير حتى البعض من رجالات العلم، مع أن أسلافنا ـ رحمهم الله ـ قد أوصوا طالب العلم بأن يحذر من الوقوع فيه، وهو الفصل بين المتلازمين أو الربط بين المنفصلين، وقد كتبت في هذا منذ سنوات فكان مما قلته في ذلك الوقت: ذكر أسلافنا أمورا ينبغي أن ينتبه إليها الكاتب أثناء تدوينه للعلوم؛ ومن هذه "الأمور" الآداب:
ـ عدم الفصل بين المتلازمين؛ كالمضاف والمضاف إليه، والصفة والموصوف؛ خاصة إذا كانت نتيجة الفصل تؤدي إلى تغيير المعنى؛ قال النووي في التقريب:
ويكره في مثل: عبد الله، وعبد الرحمن بن فلان كتابة عبد آخر السطر واسم الله مع ابن فلان أول الآخر وكذا يكره رسول آخره والله صلى الله عليه وسلم أوله، وكذا ما أشبهه
قال السيوطي في تدري الراوي (2/ 74): "ويكره في مثل عبد الله وعبد الرحمن بن فلان وكل اسم مضاف إلى الله تعالى كتابة عبد آخر السطر واسم الله مع ابن فلان أول الآخر وأوجب اجتناب مثل ذلك ابن بطة، والخطيب. ووافق ابن دقيق العيد على أن ذلك مكروه لا حرام.
وكذا يكره في رسول الله أن يكتب رسول آخره والله صلى الله عليه وسلم أوله.
وكذا ما أشبهه من الموهمات والمستشنعات؛ كأن يكتب قاتل من قوله: قاتل ابن صفية في النار في آخر السطر وابن صفية في أوله. أو يكتب فقال من قوله في حديث: "شارب الخمر فقال عمر: أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به" آخره، وما بعده أوله.
ولا يكره فصل المتضايفين إذا لم يكن فيه مثل ذلك؛ كسبحان الله العظيم يكتب سبحان آخر السطر، والله العظيم أوله، مع أن جمعهما في سطر واحد أولى".
وقد وقع في المصاحف التي بين أيدينا من هذا كثير، وكثير، وبعضها أبشع من بعض؛ ومن المصاحف التي وقفت فيها على ما هو من هذا مصحف الجزائر المكتوب بخط الخطاط الدكتور شريفي، وذلك في قوله تعالى: فَبَعَثَ الله غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْض المائدة: 31 حيث كتب الكاتب كلمة: "فَبَعَثَ" في نهاية السطر، وما بعدها في بداية السطر!!!!
وقد وقع هذا ـ أيضا ـ من كاتب مصحف أوقاف دبي، ولما أعلمتهم بذلك توقفوا عن إعادة طباعة المصحف مرة ثانية، وأرسلوا لي نسخة للقراءة وقد أخذوا بما يقرب من 60% مما كتبته لهم، وفي مقدمة ما صوبوه تلك الجملة فجزاهم الله عن كتابه وقرائه خير الجزاء.
وإنني لم أجد مصحفا التزم فيه كاتبه بهذه الدقيقة العلمية، ولو نظرنا في المصحف المتداول بين أيدي الأمة المكتوب بخط الخطاط عثمان طه لوجدنا فيه الكثير و الكثير، ومن ذلك: قوله: قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ البقرة: 124. فإن الوقوف عند "قال لا" قبيح جدا، وذلك من وجهين:
الأول: إنه يؤدي إلى أن ذرية إبراهيم لا تنال عهد الله.
الثاني: فيه إثبات نيل الظلمين لعهد الله، فإنه حينئذ يبتدئ بقوله: يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ من أجل ذلك لا يجوز الوقف على "لا" وما كان في معناه.
فكما لا يجوز الوقف على الكلمات التي تؤدي إلى المستشنع من المعاني كذلك لا يجوز فعل ذلك في الكتابة، فلا ينبغي أن يفصل بين المتلازمين، وأداة النفي والمنفي.
وقد استنكر ما هو من هذا الناس بمختلف مستوياتهم، ومن طريف ما حدث في هذا أنه حدثني ضابط من ضباط الجيش بالجزائر أن صديقا له من ضباط الشرطة أخبره أنه في يوم الأيام أتي مكتبه بمقر "دار الشرطة" في الفترة المسائية فوجد عنوان المقر "دار الشرطة" قد كتب كما يلي: "دار الشر"!!! فغضب غضبا شديدا ونادى: من كتب هذا؟! فقيل له فلان. فهدأ لأنه علم أنه لا يقصد شيئا، وإنما أوقعه في ذلك أنه لم ينتبه إلى معنى ما كتب، فقد بدأ الكتابة في الفترة الصباحية، وعند منتصف النهار ذهب للغداء ولم ينتبه إلى ما ترتب على توقفه عن الكتابة. لما علم الضابط ذلك قال لهم: وأين هو؟ قالوا ذهب يصلي. فقال لهم: عند ما ينتهي اطلبوه لي. فلما دخل عليه قال له: ما ذا كتبت يا بني؟ اذهب اقرأ ما كتبت وتعالى. فقرأ الرجل وعاد إليه. فقال له الضابط: يا بني خطك جميل، ولكن انتبه إلى معنى ما تكتب.
ولقد صدق الرجل يجب على الكاتب أن ينتبه إلى معنى ما يكتب، حتى لا تنقلب له المعاني ويقع في المستقبح.
ومن الأمثلة الموجودة في المصاحف التي بين أيدينا:
ـ قوله تعالى: وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ التوبة: 30 حيث أنهى الكاتب السطر التاسع بقوله: وَقَالَتِ النَّصَارَى وافتتح السطر العاشر بما بعده.
ـ قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ الأنبياء: 25 حيث أنهى السطر الأول من الصفحة 324 بقوله: نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ.
ـ قوله تعالى: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا الفرقان: 2 حيث ابتدأ الكاتب السطر الأخير من الصفحة: 359 بما يلي: يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ.
وفي مصحف المجمع الجديد ابتدأ السطر بـ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ
ـ قوله تعالى: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا نوح: 23 حيث ابتدئ السطر التاسع من ص 571 بما يلي: لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ.
وإنني والحمد لله قد عدلت ما وقفت عليه من هذا سواء في النسخة المنتشرة بين أيدي الناس، أو في المصاحف الخاصة التي أعددتها بنفسي، ولقد دعا لي الكثير من رجات العلم، ومنهم الدكتور أحمد المعصراوي، فإنه لما رأى المثال الأول قال لي: القبح فيه من وجهين.
وبناء عليه واتباعا لما أوصى به أهل العلم ـ رحمهم الله ـ ينبغي على الكاتب أن ينتبه لمعنى ما يكتب كما يجب ذلك على القارئ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/407)
ـ[ابو قتيبة البرجي]ــــــــ[03 - 12 - 09, 12:52 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[أبو عبد الله وعزوز]ــــــــ[04 - 12 - 09, 03:15 م]ـ
ما رأيكم في الوقف عند قوله تعالى (قتل الإنسان) فيقف ثم يقول بصيغة التعجب (ما أكفره)؟؟
ـ[أبو أسامة القحطاني]ــــــــ[09 - 03 - 10, 07:25 م]ـ
ما رأيكم في الوقف عند قوله تعالى (قتل الإنسان) فيقف ثم يقول بصيغة التعجب (ما أكفره)؟؟
هكذا كان يقف الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في قراءته , وكثير من طلابه يتبعه في ذلك.
ـ[عبدالله بن علي صغير]ــــــــ[09 - 03 - 10, 08:51 م]ـ
بارك الله بك
ـ[عبدالله بن علي صغير]ــــــــ[09 - 03 - 10, 08:52 م]ـ
موضوع جيد
ـ[أبو أسامة القحطاني]ــــــــ[09 - 03 - 10, 09:37 م]ـ
صليت مع أحد الإخوة فقرأ: {ءأنتم تخلقونه أم نحن} فوقف ثم ابتدأ: {نحن الخالقون}
فتناقشت معه في ذلك فقال سمعت المنشاوي يقرأ كذلك
قلت: لعل هذا الوقف يوهم الزيادة في القرآن , فكلمة {الخالقون} خبر جيء به للتوكيد , وإلا فإن الكلام يتم بدون ذكره.
والابتداء بقوله: {نحن الخالقون} يجعلها جملة اسمية تدل على الثبوت واللزوم , ولا بد حيئنذ من ذكر الخبر.
فما رأيكم؟
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[13 - 03 - 10, 12:26 ص]ـ
ما تفضل به بذكره الشيخ ابن علاوة من الاهتمام في الكتابة والطباعة بعدم الفصل بين المتضايفين الخ ما تفضل بذكره هذا في الحقيقة أنواع مختلفة و الأصل في مثل هذا أن لا يشدد فيه لكون الكاتب حين ينزل من سطر إلى سطر لا يقصد فصل الكلام عن بعضه بل ألجأه إلى ذلك مساحة الكتابة والطباعة فلا تثريب ولا نية للكاتب في مثل هذا القبح المتولد من نزوله من سطر إلى سطر واجتناب ما اشتد قبحه من ذلك أتم وأولى ولكن لا إنكار ولا تخطأة إلا من باب تطلب الأكمل وقد أحسنتم في تنبيههم سددكم الله.
وأما الوقوف في قوله تعالى (قتل الإنسان) فيقف ثم يقول (ما أكفره) فلا وقف هنا بل الوقف الكافي على قوله (ما أكفره) كذلك نص جماعة من علماء الوقف على أن الوقف عليه كاف منهم ابن النحاس وسواء كان المقصود التعجب كما هو الراجح أو الاستفهام أي ما الذي أكفره. والذي يوضح ذلك أن قوله: (ما أكفره) كالموضح المبين لسبب لعن الله له أي قتل لإنسان ما أشد كفره الخ.
وأما الوقف على قوله: (ءأنتم تخلقونه أم نحن) ثم يبتدأ: نحن الخالقون
فإن وقف على (نحن) ثم ابتدأ (الخالقون) فقبيح جدا إذ بأي شيء يتعلق (الخالقون) وأما إن ابتدأ بقوله (نحن الخالقون) فقبحه واضح أيضا إن كان قد وقف على قوله (أم) ثم ابتدأ بـ (نحن الخالقون) والمقصود أنه أين وقف مبتدأ بما ذكرتموه ففيه ضعف أو خطأ ظاهر لغة والقرآن يحمل على أحسن الوجوه والتمحل لا يفيد
جزاكم الله خيرا جميعاً
ـ[أبو عبد الله وعزوز]ــــــــ[15 - 03 - 10, 01:12 ص]ـ
وأما الوقوف في قوله تعالى (قتل الإنسان) فيقف ثم يقول (ما أكفره) فلا وقف هنا بل الوقف الكافي على قوله (ما أكفره) كذلك نص جماعة من علماء الوقف على أن الوقف عليه كاف منهم ابن النحاس وسواء كان المقصود التعجب كما هو الراجح أو الاستفهام أي ما الذي أكفره. والذي يوضح ذلك أن قوله: (ما أكفره) كالموضح المبين لسبب لعن الله له أي قتل لإنسان ما أشد كفره الخ.
شكرا على الإيضاح
لكن سواء قلنا تعجب أم غير تعجب
هو استفهام بمعنى نقول استفهام قصد به التعجب أو قصد به الانكار ونحو ذلك بودي تعقبون على كلامي .. ؟
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[15 - 03 - 10, 03:28 م]ـ
تكرم - حفظك الله بقراءة معاني ما و بتعرف الفرق بين ما التعجبية وبين ما الاستفهامية في كتب النحو(2/408)
فائدة: أول من ألف في علوم القرآن
ـ[العوضي]ــــــــ[14 - 07 - 05, 02:43 م]ـ
قال الشيخ الشريم - حفظه الله - في نظمه (النظم الحبير في علوم القرآن وأصول التفسير)
والمرزُبان سابقاً يداوي ... بسفره المعروفِ باسمِ الحاوي (1)
وبعده أبو الفرجْ والزركشي ... ثم السيوطي صارَ كالمرقش
________
1) أول من ألف في علوم القرآن كفن مستقل هو محمد بن خلف بن المرزبان (ت 309 هـ) وسمى كتابه (الحاوي في علوم القرآن).
ـ[العوضي]ــــــــ[14 - 07 - 05, 02:47 م]ـ
فائدة أخرى:
قال ابن بدران الدمشقي (أول من تصدى لشرح سندات الديون والكمبيالات على مصطلح الفرنجة العلامة الفاضل أحمد بن بك بن يوسف بن أحمد الحسيني المصري)
العقوة الياقوتية في جيد الأسئلة الكويتية , تحقيق عبدالستار أبو غدة ص 222(2/409)
التفسير الذى يبدأ به المبتدىء ما هو .... ؟؟
ـ[أبو حذيفة الحنبلىّ]ــــــــ[16 - 07 - 05, 09:12 ص]ـ
اخوانى بارك الله فيكم .....
ما هى كتب التفسير التى ينصح بها المبتدىء .. ؟؟
و ما رأيكم فى تفسير القاسمى .. ؟؟
و جزاكم الله خيرا
ـ[هشام بن سعد]ــــــــ[16 - 07 - 05, 09:58 ص]ـ
بسم الله والحمد لله
الأخ أبو حذيفة وفّقه الله للعلم النافع والعمل الصالح .. آمين
لا بُدَّ أن يكون التفسيرالمختار خالياً من المخالفات العقدية .. هذا أوّلاً. ثانياً: أن يكون التفسير على اسمه تفسير، أقصد أن يكون هذا التفسير كاشفاً ومُبيّناً لمعنى الآيات الكريمة، دون التطرّق إلى ما لا دخل له في التفسير من المسائل الفقهية والأوجه النحوية والقراءات .. ألخ. فهذه العلوم تؤخذ في مراحل متقدمة. وثالثاً: أن لا يكون التفسير مطوّلاً يَمَلُّ منه المبتدئ.
فانصحك أوّلا بتفسير زبدة التفسير ثم تفسير ابن سعدي، وإن شئت فخذ تفسير ابن سعدي فقط، ثم تفسير البغوي وتحاشا وجوه الإعراب والقراءات والإسرائليات ثم تفسير ابن كثير.
ـ[الساري]ــــــــ[16 - 07 - 05, 11:29 ص]ـ
أما تفسير القاسمي فقد سألت أحد طلبة العلم عنه فأخبرني أن فيه بعض المخالفات العقدية.
ـ[الساري]ــــــــ[16 - 07 - 05, 11:37 ص]ـ
ومن باب الفائدة:
اعلم أيها الأخ المبارك:
أن أفضل طريقة يُبدأ بها في علم التفسير هي طريقة: استخراج معاني غريب القرآن، ويُستعان فيها ببعض التفاسير المبسطة كزبدة التفسيرو تفسير ابن سعدي وغيرها.
وبالأنتهاء من هذه الخطوة، يصبح للشخص معجم خاص به في غريب القرآن.
وهي طريقة مجربة وذات نفع كبير، وقد آتت أكلها.
ـ[أبو حذيفة الحنبلىّ]ــــــــ[16 - 07 - 05, 03:13 م]ـ
بارك الله فيكم اخوتى ....
و لكن صراحة أشعر أنّ تفسير السعدى لا أجد متعة فى قرآئته أريد ما هو أعلى منه و خالى أيضا من المخالفات العقدية ...
و ان كانت هذه المخالفات فى مسائل الصفات و كذا فان شاء الله ما يشكل علينا نسأل فيه
بارك الله فيكم
ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[16 - 07 - 05, 03:24 م]ـ
ليست المتعة (!) في قراءة الكتاب تحدد فائدته وجودته!
وتفسير السعدي من أنفع الكتب، خاصةً للمبتدئ، وعلى المبتدئ أن يقرأه - وإن لم يجد متعةً، والأغلب أنه سيجد -، ثم بعدها يبحث عما هو أعلى منه.
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[16 - 07 - 05, 03:40 م]ـ
السعدي.
فيه نفع عظيم، للمبتديء، ولغيره، فهو من أنفس التفاسير، بعد المسندة.
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[16 - 07 - 05, 04:03 م]ـ
كما قال الإخوة، تفسير السعدي.
والتفسير الميسر نفيس جدا وقيم، وأثنى عليه شيخنا العلامة المفسر خالد بن عثمان السبت.
ـ[المستفيد7]ــــــــ[16 - 07 - 05, 04:12 م]ـ
في هذا الرابط جواب للسؤال الاول:
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=26&page=1&highlight=%C7%E1%CA%DD%C7%D3%ED%D1
وفي هذا الرابط تعريف بكتاب القاسمي في التفسير:
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=36&highlight=%C7%E1%CA%DD%C7%D3%ED%D1
ـ[أبو غازي]ــــــــ[16 - 07 - 05, 04:24 م]ـ
ماذا كان يقرأ طلبة العلم المبتدئون قبل أن يوجد تفسير السعدي والزبدة؟
ـ[أبو غازي]ــــــــ[16 - 07 - 05, 04:25 م]ـ
الأخ أبو حذيفة
يمكنك قراءة أحد مختصرات تفسير ابن كثير ولكن تجنب اختصار الصابوني.
ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[16 - 07 - 05, 04:28 م]ـ
ماذا كان يقرأ طلبة العلم المبتدئون قبل أن يوجد تفسير السعدي والزبدة؟
نحن نتكلم الآن بعدما وجد تفسير السعدي!
ـ[أبو غازي]ــــــــ[16 - 07 - 05, 04:31 م]ـ
سؤالي مرتبط بسؤال الأخ.
فقد يكون الكتاب الذي يقرأه طلبة العلم قبل تفسير السعدي أفضل من الأخير ويحوز على إعجاب الأخ السائل.
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[16 - 07 - 05, 04:35 م]ـ
لكل زمنٍ طلبة، ولكل زمنٍ كتاب، وما قصة تفسير الطبري مع تلامذته عنا ببعيدة!
ـ[أبو غازي]ــــــــ[16 - 07 - 05, 04:40 م]ـ
ما بالكم يا إخوة:)
أشعر أنكم تريدون أن تحملوا الناس على تفسير السعدي.
الأخ يسأل عن غيره.
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[16 - 07 - 05, 04:41 م]ـ
:)
عليه به.
ـ[أبو عدنان]ــــــــ[16 - 07 - 05, 04:59 م]ـ
لابد لطالب العلم من الانسجام مع الكتاب الذي يدرسه فهو أدعى لتحصيله، وعلى هذا قامت المدارس العلمية المتعددة والمتنوعة في مناهجها ومتونها التعليمية.
وأرشح للأخ السائل تفاسير الشيخ ابن عثيمين المطبوعة بالمؤسسة، إذ هي قريبة المأخذ عظيمة النفع واضحة العبارة.
فإذا وفّقتَ لمرحلة أعلى في دراسة التفسير،فاعلم أن العلوم كلها خادمة لكتاب الله تعالى.
فينبغي عليك الاحاطة بشئ منها حينئذ، كعلم النحو و الأصول والفقه والحديث وغيرها.
والله أعلم.
ـ[بيان]ــــــــ[16 - 07 - 05, 05:29 م]ـ
لقد كنا قديماً نقرأ على مشايخنا تفسير الجلالين على ما فيه من هنات، الا أنه للحق مثل المتن للتفسير بالنسبة للمتون في التخصصات الأخرى.
فتفسير الجلالين من أنفع التفاسير فعبارته رصينة بليغة توضح المعنى بأقصر عبارة.
الا أني أنبه أن يكون ذلك على شيخ سلفي ليوضح ما فيه من مخالفات عقدية.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/410)
ـ[قحنون]ــــــــ[16 - 07 - 05, 05:39 م]ـ
الأولى والله أعلم للمبتدئ في دراسه التفسيرأن يبتدئ بقراءه الكتب التي تبين وتوضح معاني مفردات القرأن الكريم وإذا انتهى من هذه الطريقه أصبح على علم بمعاني جميع كلمات القرآن الكريم. وهذه من أهم المراحل.
ثم تأتي مرحله الفهم الأجمالي للآيات ويفضل في ذلك قراءه تفسير السعدي رحمه الله. ثم بعد ذلك وليس أخيرا أقرأ التفاسير السلفيه المسنده كابن كثير رحمه الله.والله أعلم
ـ[ابو محمد 99]ــــــــ[16 - 07 - 05, 06:53 م]ـ
الشيخ مساعد الطيار استاذ التفسير اثنى ايضا على التفسير الميسر كخطوة اولى للمبتدئ
ـ[محمد براء]ــــــــ[16 - 07 - 05, 07:38 م]ـ
أخي أنا طالب علم مبتدىء مثلك ..
وكنت فعلا لفترة طويلة من الزمن متحير في أي تفسير أبدء؟؟
وبعد التفكير و الاستشارة .. هداني الله لهذه الطريقة:- ولا أدري ما رأيكم فيها -
وهي كالتالي:
اعتمدت كمنهج أساسي في دراستي على (تفسير السعدي) لأسباب كثيرة .. منها انه متوسط الحجم .. وسهل .. سلفي .. وفيه مادة تربوية جيدة يحتاجها كل طالب مبتدىء ... (والتربية من أعظم مقاصد القرآن) ..
لكن ينقصه أنه لا يذكر الأحاديث المتعلقة بالآيات .. من حيث التفسير وأسباب النزول .. وغير ذلك ..
ولذلك أضفت إليه (تفسير ابن كثير) رحمه الله تعالى .. لانه تفسير أثري مختصر .. وفيه لفتات جميلة .. ومادة فقهية جيدة أيضا ..
وأضفت إليه (صحيح أسباب النزول) للشيخ إبراهيم العلي رحمه الله تعالى .. (قراءة للأحاديث فقط .. لتعرف صحيح أسباب النزول من سقيمها) ..
ومن ثم أضفت لهذه الثلاثة (تفسير البيضاوي) بصفته تفسير بالرأي المقبول + المادة اللغوية التي فيه .. وفيه ميزات كثيرة جدا .. كما قال مؤلفه في مقدمته ((ينطوي على نكت بارعة ولطائف رائعة)) .. (مع الانتباه إلى أشعرية مؤلفه لكن هذا لا يمنعك من الاستفادة منه رحمه الله تعالى) ..
وكنت أحضر كراس أضع فيه غريب ألفاظ كل آية (أغلبها من البيضاوي) وملاحظات ولطائف من السعدي وابن كثير ...
ومنهجي في السور المدنية يختلف عن المكية .. ففي السور المكية إذا اكتفيت بالسعدي فإنه يكفي .. أما في السور المدنية فأنت بحاجة كبيرة لابن كثير .. للأسباب التي ذكرتها أعلاه ..
وإذا أضفت لهذا كله أن تقرا قبل شروعك في كل سورة من (الظلال) .. مقدمة تفسيره لها - أي السورة - لكي تفهم موضوع السورة ومحاورها وغير ذلك .. فهذا خير على خير ..
في اليوم تستطيع ان تقرأ تفسير سبع إلى عشر صفحات من المصحف بهذه الطريقة ..
فوائد هذه الطريقة:
- تحسن حفظك كثيرا لكتاب الله تعالى ..
- تفهم القرآن فهما إجماليا .. (الدليل و مدلوله)
- فوائد لغوية
وستشعر فوائد أخرى عند التطبيق ..
والله أعلم ..
ـ[أبو غازي]ــــــــ[17 - 07 - 05, 01:21 ص]ـ
لا تنسوا تفسير: " أيسر التفاسير ".
ـ[أبو عدنان]ــــــــ[17 - 07 - 05, 01:35 ص]ـ
أخي في الله أبا الحسنات الدمشقي عليه أمان الله،،،
إن كنت مستنصحاً فإني ناصح لك ..... احذر البيضاوي
قال ساجقلي زاده في كتابه (ترتيب العلوم):"وتفسير عمر البيضاوي مختصر الكشاف مع ما فيه من الزيادات، ولذا اختاره المتأخرون، لكن لما غلب على طبعه الفلسفة، دس في تفسيره كثيرا من عقائد الفلاسفةمما ينابذ الشريعة، فلا يجوز استعماله إلا لمن يعرف ما دسه من الفلسفة ويقدر على التخلص منه.
ثم إن ما دسه من الفلسفة أضر مما دسه الزمخشري من الاعتزال، كما يظهر لمن عرف ما دس هذا من الفلسفة وما دس ذاك من الاعتزال، ترى بعض من لا يميز عقائد الفلاسفة من عقائد المسلمين يدرس تفسير البيضاوي ويمر على ما دسه من عقائد الفلاسفة، ويظن أنها من عقائد الإسلام، فويلٌ له" انتهى منه ص166
فتأمل كلامه وتنبيهه، حفظك الله من الفتنة.
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[17 - 07 - 05, 01:44 ص]ـ
فقط أنبه علي اختصارات تفسير ابن كثير التي نصح بها أهل العلم، واعلاها عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير للعلامة المحدث المحقق الإمام أحمد بن محمد شاكر -رحمه الله -، إلا أنه لم يكمله، ويزعمون أنه أكمله، ولو صح فهي مجرد مسودة، حذف فيها ما رأه غير مناسب لاختصاره ... والله أعلم
ثم اختصار الشيخ محمد نسيب الرفاعي فهو جيد
والله الموفق
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[17 - 07 - 05, 07:05 ص]ـ
قلت مراراً، وأعيد هنا أيضاً: لم أجد أفضل من اختصار الشيخ محمد أحمد كنعان لتفسير ابن كثير، والمعنون بـ: فتح القدير تهذيب تفسير ابن كثير
ومن تأمله علم أنه يفوق اختصار الشيخ أحمد شاكر.
وأما اختصار الرفاعي فلا يقارن به؛ إذ اختصار الرفاعي تشويه لتفسير ابن كثير.
ـ[محمد براء]ــــــــ[17 - 07 - 05, 04:28 م]ـ
أخي في الله أبا الحسنات الدمشقي عليه أمان الله،،،
إن كنت مستنصحاً فإني ناصح لك ..... احذر البيضاوي
قال ساجقلي زاده في كتابه (ترتيب العلوم):"وتفسير عمر البيضاوي مختصر الكشاف مع ما فيه من الزيادات، ولذا اختاره المتأخرون، لكن لما غلب على طبعه الفلسفة، دس في تفسيره كثيرا من عقائد الفلاسفةمما ينابذ الشريعة، فلا يجوز استعماله إلا لمن يعرف ما دسه من الفلسفة ويقدر على التخلص منه.
ثم إن ما دسه من الفلسفة أضر مما دسه الزمخشري من الاعتزال، كما يظهر لمن عرف ما دس هذا من الفلسفة وما دس ذاك من الاعتزال، ترى بعض من لا يميز عقائد الفلاسفة من عقائد المسلمين يدرس تفسير البيضاوي ويمر على ما دسه من عقائد الفلاسفة، ويظن أنها من عقائد الإسلام، فويلٌ له" انتهى منه ص166
فتأمل كلامه وتنبيهه، حفظك الله من الفتنة.
حبذا لو أرشدتني لمواضع هذا (الدس)!!
أم أنه يستخرج بالمناقيش أيضا؟!
بالنسبة لمختصرات ابن كثير فلشيخنا الدكتور صلاح الخالدي اختصار لم ينشر بعد اسمه (تفسير ابن كثير: ترتيب وتهذيب)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/411)
ـ[عبد الرحمن عبد الله]ــــــــ[17 - 07 - 05, 09:25 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة ...
أفضل ما يبدأ به الطالب في التفسير ..
.
.
.
تفسير"توفيق الرحمن في دروس القرآن" للشيخ فيصل بن مبارك-رحمه الله-
الكتاب مكون من 313درس،كل درس يأخذ مقطع من القرآن على حسب ارتباط الآيات وهو تفسير ماتع إلى الغاية ومختصر ومستمد من تفسير الطبري و ابن كثير والبغوي، وقد نفذت من المكتبات جميع الطبعات وهو الآن تحت الطباعة بإشراف مكتبة (دار العاصمة) وخلال عشرة أيام سوف ينزل بالمكتبات.
قال عنه الشيخ/عبدالكريم الخضير-حفظه الله-" أول مايبدأ طالب العلم يقرأ في تفسير الشيخ فيصل بن مبارك فهو تفسير ماتع وكثير من طلاب العلم في غفلة عنه وهو خلاصة تفسير السلف ومستمد من تفسير الطبري و ابن كثير والبغوي، أما تفسر السعدي فهو تفسير إنشائي"انتهى.
المرجع/شريط"معالم في طريق طلب العلم" للشيخ/عبدالكريم الخضير-حفظه الله-
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[17 - 07 - 05, 11:20 م]ـ
كتبت بحمد الله تقريرا مفصلاً عن كتاب توفيق الرحمن في دروس القرآن قبل عشر سنوات، وهو جاهز عندي الآن مطبوعاً، وسينشر قريباً إن شاء الله في ملتقى أهل التفسير
وخلاصته عكس ما ذكر الشيخ الكريم عبدالكريم الخضير؛ فقد توصلت إلى أنه كتاب متواضع جداً، ولا يصلح إلا للعامة.
ـ[ابن المبارك]ــــــــ[18 - 07 - 05, 03:44 ص]ـ
سمعت الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في أحدى أشرطته ينصح بقرأة تفسير الجلالين لسهولته وأختصاره مع الحذر للمخالفات العقدية في الكتاب.
وهناك طبعة جديدة لتفسير الجلالين لدار السلام مع تعليقات للاخطاء العقدية للشيخ المباركفوري
ـ[أبو هياء]ــــــــ[19 - 07 - 05, 02:43 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة ...
أفضل ما يبدأ به الطالب في التفسير ..
.
.
.
تفسير"توفيق الرحمن في دروس القرآن" للشيخ فيصل بن مبارك-رحمه الله-
الكتاب مكون من 313درس،كل درس يأخذ مقطع من القرآن على حسب ارتباط الآيات وهو تفسير ماتع إلى الغاية ومختصر ومستمد من تفسير الطبري و ابن كثير والبغوي، وقد نفذت من المكتبات جميع الطبعات وهو الآن تحت الطباعة بإشراف مكتبة (دار العاصمة) وخلال عشرة أيام سوف ينزل بالمكتبات.
قال عنه الشيخ/عبدالكريم الخضير-حفظه الله-" أول مايبدأ طالب العلم يقرأ في تفسير الشيخ فيصل بن مبارك فهو تفسير ماتع وكثير من طلاب العلم في غفلة عنه وهو خلاصة تفسير السلف ومستمد من تفسير الطبري و ابن كثير والبغوي، أما تفسر السعدي فهو تفسير إنشائي"انتهى.
المرجع/شريط"معالم في طريق طلب العلم" للشيخ/عبدالكريم الخضير-حفظه الله-
والكتاب موجود في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض .. يمكنكم مطالعتة.
ـ[حمزة الكتاني]ــــــــ[19 - 07 - 05, 03:00 ص]ـ
للعلم فإن التفسير علم كامل، وهو مرجع الشريعة كما لا يخفى وأجل العلوم، وليس كتب مطالعة ومناغاة، ولذلك على طالب علم التفسير بعد المشاركة في العلوم الخادمة له من فقه ولغة وقراءات وغيرها، أن يبتديء بما ابتدأ به العلماء من قديم الزمان.
ولذلك عليه أن يدرس مقدمة في علوم التفسير كقواعد التفسير للسيوطي مثلا، ثم كتابا في التفسير مخدوم، واشتغل عليه العلماء ونقحوه، وهو تفسير الجلالين، وقد اعتمد عليه علماء المغرب حاشية العلامة عبد الرحمن بن محمد الفاسي الفهري المتوفى أوائل القرن الحادي عشر الهجري، فله عليه حاشية نفيسة.
ثم ينتقل إلى الكتب الأوسع؛ كالبيضاوي، وأبي السعود، ثم إلى ما هو أوسع منها. ويقوم الشيخ المدرس بالتنبيه للمخالفات العقدية والعلمية حيث وجدت.
وليعلم أن التفاسير عدة؛ منها ما تفرغ للتفسير بالمأثور، ومن أهم تلك الكتب تفسير الطبري، وابن كثير، والدر المنثور للسيوطي.
وتفسير بالمعقول: كتفسير الرازي، وأمثاله، إلى أن يصل العالم - لا طالب العلم - إلى أمثال تفسير طنطاوي جوهري.
وتفسير لغوي وبلاغي: كتفسير الزمخشري، والبيضاوي، وأمثالهما.
وتفسير استنباطي؛ كتفسير الألوسي وأشباهه ...
وتفسير فقهي: كتفسير ابن العربي المعافري، وتفسير القرطبي وأمثالها.
وتفسير فكري توعوي: كتفسير سيد قطب.
وتفسير تربوي حركي: كتفسير سعيد حوى ....
أما تفاسير المتأخرين، فمن حيث التفسير بالمأثور فإن تفسير السعدي مهم للغاية، وجامع بلغة لطيفة.
أما من حيث المختصرات؛ فتفسير الدكتور عمر الأشقر نفيس للغاية، وهو على نهج تفسير الجلالين ...
ومن التفاسير الجامعة والمختصرة: تفسير ابن عطية، وتفسير ابن جزي.
وقس على ما لم يذكر .... مع التنبيه أن التفسير علم وفن لا مطالعة وإنشاء ....
ـ[زوجة وأم]ــــــــ[28 - 08 - 06, 04:01 م]ـ
فيما يتعلق بمختصر تفسير ابن كثير
ماذا عن
المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير
(إعداد جماعة من العلماء بإشراف الشيخ صفي الرحمن المباركفوري)
هل يصلح لطالب العلم المبتدئ؟
وهل أجده على النت؟
وما رأيكم في أيسر التفاسير للجزائري للمبتدئ؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/412)
ـ[محب شيخ الإسلام]ــــــــ[28 - 08 - 06, 10:23 م]ـ
فضيلة شيخنا الشيخ المحقق صالح بن عبد الله العصيمي ينصح المبتدئ بالتفسير الميسر الصادر عن وزارة الشؤون الإسلامية في السعودية، وقد كان يباع قبل سنوات، وقد بحثت عنه فلم أجده إلا على الشبكة ...
وقد وضعته هنا لم أراد تحميله.
تنبيه / يوجد في الأسواق كتاب تفسير بنفس الاسم غير ماأردته هنا فليتنبه لذلك.
وعلى ذكر الكتاب فعلى من يجده مشكوراً أن يدلني عليه وأنا له شاكر.
ـ[أبو العبدين المصرى السلفي]ــــــــ[08 - 10 - 06, 07:20 م]ـ
بسم الله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم:
أحببت أن أشارك إخوانى الكرام ببعض الدرر من تفسير السعدى قرأتها مؤخرا ثم أعيد ذكر الآية فى السياق نظرا لترابط المعنى مع ماقبلها ومابعدها من الآيات فلتراجع فى التفسير لمن شاء.
من سورة آل عمران {186} {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}
يخبر تعالى ويخاطب المؤمنين أنهم سيبتلون في أموالهم من النفقات الواجبة والمستحبة، ومن التعريض لإتلافها في سبيل الله، وفي أنفسهم من التكليف بأعباء التكاليف الثقيلة على كثير من الناس، كالجهاد في سبيل الله، والتعرض فيه للتعب والقتل والأسر والجراح، وكالأمراض التي تصيبه في نفسه، أو فيمن يحب.
{ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} من الطعن فيكم، وفي دينكم وكتابكم ورسولكم.
وفي إخباره لعباده المؤمنين بذلك، عدة فوائد:
منها: أن حكمته تعالى تقتضي ذلك، ليتميز المؤمن الصادق من غيره.
ومنها: أنه تعالى يقدر عليهم هذه الأمور، لما يريده بهم من الخير ليعلي درجاتهم، ويكفر من سيئاتهم، وليزداد بذلك إيمانهم، ويتم به إيقانهم، فإنه إذا أخبرهم بذلك ووقع كما أخبر {قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيمانا وتسليما}
ومنها: أنه أخبرهم بذلك لتتوطن نفوسهم على وقوع ذلك، والصبر عليه إذا وقع؛ لأنهم قد استعدوا لوقوعه، فيهون عليهم حمله، وتخف عليهم مؤنته، ويلجأون إلى الصبر والتقوى، ولهذا قال: {وإن تصبروا وتتقوا} أي: إن تصبروا على ما نالكم في أموالكم وأنفسكم، من الابتلاء والامتحان وعلى أذية الظالمين، وتتقوا الله في ذلك الصبر بأن تنووا به وجه الله والتقرب إليه، ولم تتعدوا في صبركم الحد الشرعي من الصبر في موضع لا يحل لكم فيه الاحتمال، بل وظيفتكم فيه الانتقام من أعداء الله. {فإن ذلك من عزم الأمور} أي: من الأمور التي يعزم عليها، وينافس فيها، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم والهمم العالية كما قال تعالى: {وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}
آل عمران {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {185} لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {186} وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ {187} لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} {188}
ـ[أبو العبدين المصرى السلفي]ــــــــ[08 - 10 - 06, 07:24 م]ـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/413)
سورة النساء {66 - 68} {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}
يخبر تعالى أنه لو كتب على عباده الأوامر الشاقة على النفوس من قتل النفوس والخروج من الديار لم يفعله إلا القليل منهم والنادر، فليحمدوا ربهم وليشكروه على تيسير ما أمرهم به من الأوامر التي تسهل على كل أحد، ولا يشق فعلها، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يلحظ العبد ضد ما هو فيه من المكروهات، لتخف عليه العبادات، ويزداد حمدًا وشكرًا لربه.
ثم أخبر أنهم لو فعلوا ما يوعظون به أي: ما وُظِّف عليهم في كل وقت بحسبه، فبذلوا هممهم، ووفروا نفوسهم للقيام به وتكميله، ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا إليه، ولم يكونوا بصدده، وهذا هو الذي ينبغي للعبد، أن ينظر إلى الحالة التي يلزمه القيام بها فيكملها، ثم يتدرج شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى ما قدر له من العلم والعمل في أمر الدين والدنيا، وهذا بخلاف من طمحت نفسه إلى أمر لم يصل إليه ولم يؤمر به بعد، فإنه لا يكاد يصل إلى ذلك بسبب تفريق الهمة، وحصول الكسل وعدم النشاط.
ثم رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به، وهو أربعة أمور:
(أحدها) الخيرية في قوله: {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} أي: لكانوا من الأخيار المتصفين بأوصافهم من أفعال الخير التي أمروا بها، أي: وانتفى عنهم بذلك صفة الأشرار، لأن ثبوت الشيء يستلزم نفي ضده.
(الثاني) حصول التثبيت والثبات وزيادته، فإن الله يثبت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان، الذي هو القيام بما وعظوا به، فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الأوامر والنواهي والمصائب، فيحصل لهم ثبات يوفقون لفعل الأوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فعلها، وعند حلول المصائب التي يكرهها العبد. فيوفق للتثبيت بالتوفيق للصبر أو للرضا أو للشكر. فينزل عليه معونة من الله للقيام بذلك، ويحصل له الثبات على الدين، عند الموت وفي القبر.
وأيضا فإن العبد القائم بما أمر به، لا يزال يتمرن على الأوامر الشرعية حتى يألفها ويشتاق إليها وإلى أمثالها، فيكون ذلك معونة له على الثبات على الطاعات.
(الثالث) قوله: {وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا} أي: في العاجل والآجل الذي يكون للروح والقلب والبُدن، ومن النعيم المقيم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
(الرابع) الهداية إلى صراط مستقيم. وهذا عموم بعد خصوص، لشرف الهداية إلى الصراط المستقيم، من كونها متضمنة للعلم بالحق، ومحبته وإيثاره والعمل به، وتوقف السعادة والفلاح على ذلك، فمن هُدِيَ إلى صراط مستقيم، فقد وُفِّقَ لكل خير واندفع عنه كل شر وضير.
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {65} وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا {66} وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا {67} وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا {68} وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا {69} ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} {70}
ـ[محمد ابن ابى عامر]ــــــــ[08 - 10 - 06, 10:00 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اقترح اولا كتاب تفسير الجلالين - قرة العينين على تفسير الجلالين- للقاضى محمد كنعان
ويعتمد على شرح الشيخ المقدم عليه
ثانيا كتاب ايسر التفاسير للشيخ الجزائرى وعليه الشرح الصوتى للشيخ الجزائرى
ثالثا تفسير ابن كثير
والله اعلم
ـ[باسم الشافعي]ــــــــ[09 - 10 - 06, 01:20 ص]ـ
المأثور: مختصر بن كثير كبداية للشيخ شاكر من إصدار دار الوفاء ... وفي بدايته توضيح انه تم إخراجه من مسودة الشيخ رحمه الله ....
ثم السعدي و ايسر التفاسير للشيخ الجزائرى
ثم التفسير المنير لوهبة زحيلي
دعوياً وحركياً: الظلال _ لسيد قطب رحمه الله _ وكذلك الاساس في التفسير للشيخ سعيد حوى _ رحمه الله
والله اعلى واعلم
ـ[أبو اليقظان العربي]ــــــــ[09 - 10 - 06, 01:39 ص]ـ
أنا أقترح رأي الأخ محمد بن ابي عامر ..
لكن البداءة يجمع بين أيسر التفاسير للجزائري؛ والسعدي ..
ثم ينتقل الى مختصرات ابن كثير ..
والله أعلم وهو الهادي الى سواء الصراط.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/414)
ـ[لؤلؤة الإسلام]ــــــــ[12 - 11 - 06, 09:08 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
جزاكم الله خيراً على كل هذه الإقتراحات إلا أن الأمر إزداد حيرة!!
نرجو من الأخوة الكرام الإتفاق بعض الشيء على أي من التفاسير يبدأ بها المبتدئ؟؟
و هل إذا بدأ بتفسير الجلالين - قرة العينين على تفسير الجلالين - مع السماع لشرح الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم حفظه الله يكفي أم لابد من البدء بتفسير السعدي رحمه الله؟؟؟
و جزاكم الله خيراً
ـ[عصام البشير]ــــــــ[12 - 11 - 06, 09:29 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
نرجو من الأخوة الكرام الإتفاق بعض الشيء على أي من التفاسير يبدأ بها المبتدئ؟؟
و هل إذا بدأ بتفسير الجلالين - قرة العينين على تفسير الجلالين - مع السماع لشرح الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم حفظه الله يكفي أم لابد من البدء بتفسير السعدي رحمه الله؟؟؟
و جزاكم الله خيراً
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الاتفاق غير وارد ولا ممكن، لأن الأفهام تختلف، وهذا من أمور الاجتهاد التي لا يصح فيها حمل الناس على رأي واحد.
تفسير الجلالين مناسب جدا للمبتدئين، لكن آفته في المخالفات العقدية.
فمن كان يأمن على نفسه من أحابيل المبتدعة، فإنه يستفيد من الجلالين كثيرا.
أما شرح الشيخ المقدم فإن كان المقصود الذي على موقع طريق الإسلام فهو طويل جدا، وأخشى أن ينقطع النفَس، وتقصر الهمة، دون إدراك المراد منه.
فهو لا يلائم المبتدئين فيما أرى.
تفسير السعدي لطيف جدا، وسالم من المخالفات العقدية، ومناسب للمبتدئ. لكنه يركز على المعنى الإجمالي للآيات ولا يتطرق لشرح غريب القرآن وإعراب المشكل منه ونحو ذلك.
فلو جمعت بين السعدي والجلالين، لحصلت - بإذن الله تعالى - خيرا كثيرا، يؤهلك للمرور إلى درجة أخرى من القراءة في التفسير.
ثم أقول: من خالف في هذا كله واعتمد برنامجا آخر مخالفا، فلا ضير؛ لأن الفائدة حاصلة لا محالة، وإنما الكلام في الأفضل والأولى.
ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[12 - 11 - 06, 10:04 م]ـ
سئل الشيخ العلامة محمد صالح العثيمين رحمه الله عن أول كتب للتفسير يبدأ بها طالب العلم
فأجاب بأنه يجب على طالب العلم حفظ القرأن الكريم ثم بعد ذلك يبدأ يفسره بنفسه لأنه قد يفتح الله على يديك من المعاني ما تستفيد منه لاحقا، ثم بعد ذلك تفسير ابن كثير أو تفسير العلامة السعدي رحمه الله
وهذا هو عين الحق
ـ[عصام البشير]ــــــــ[12 - 11 - 06, 10:17 م]ـ
وهذا هو عين الحق
لو تركت هذا الجزم لكان أولى.
ـ[لصفر ربيعة]ــــــــ[12 - 11 - 06, 11:07 م]ـ
المعذرة،كيف يستقيم أن يفسر حديث العهد بالحفظ كتاب الله،الغالب أن الشيخ يقصد من استكمل الأدوات،وإلا فإن تفسير المبتدأ من أعظم الجرأة على كتاب الله.
ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[12 - 11 - 06, 11:36 م]ـ
لو تركت هذا الجزم لكان أولى.
نعم وعزة ربنا، أخطأ البرازيلي خطئا وأصاب شيخنا عصام البشير
ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[12 - 11 - 06, 11:44 م]ـ
المعذرة،كيف يستقيم أن يفسر حديث العهد بالحفظ كتاب الله،الغالب أن الشيخ يقصد من استكمل الأدوات،وإلا فإن تفسير المبتدأ من أعظم الجرأة على كتاب الله.
طبعا أنا لم أوضح كلامي لذلك أكرر الإعتذار
ومقصود كلام علامة القصيم رحمه الله تعالى ليس أن يفسر طالب العلم القراءن للناس، بل أن يفسره بما فهم هو من الأي ((يعني يفسره لنفسه)) ثم يراجع تفسير الأي عن طريق كتب التفسير المشهورة.
وهذا هو كلام الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله وهو حقا كلام جيد
ـ[أبو عبدالرحمن المقدسي]ــــــــ[13 - 11 - 06, 08:20 ص]ـ
كتاب زبدة التفسير من فتح القدير للدكتور الأشقر ما رأي الاخوة فيه؟؟؟
ـ[محب لأثر]ــــــــ[13 - 11 - 06, 10:56 ص]ـ
قال الأخ الفاضل عصام البشير:
((فلو جمعت بين السعدي والجلالين، لحصلت - بإذن الله تعالى - خيرا كثيرا، يؤهلك للمرور إلى درجة أخرى من القراءة في التفسير)).
وهذه طريقة جيدة كنت قد عملت بها في تفسير جزء عم فجعلت تفسير الجلالين كالمتن أكرره بتمعن وتفسير ابن سعدي كالشرح لهذا المتن وكانت طريقة ناجحة.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[13 - 11 - 06, 11:55 ص]ـ
قال الأخ الفاضل عصام البشير:
((فلو جمعت بين السعدي والجلالين، لحصلت - بإذن الله تعالى - خيرا كثيرا، يؤهلك للمرور إلى درجة أخرى من القراءة في التفسير)).
وهذه طريقة جيدة كنت قد عملت بها في تفسير جزء عم فجعلت تفسير الجلالين كالمتن أكرره بتمعن وتفسير ابن سعدي كالشرح لهذا المتن وكانت طريقة ناجحة.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى
طريقة جيدة
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[14 - 11 - 06, 03:24 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[أبو عبدالرحمن المقدسي]ــــــــ[20 - 11 - 06, 08:08 ص]ـ
كتاب زبدة التفسير من فتح القدير للدكتور الأشقر ما رأي الاخوة فيه؟؟؟
==========================
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/415)
ـ[أبو عمر القصيمي]ــــــــ[20 - 11 - 06, 09:34 م]ـ
أذكر أني سألت الشيخ عبدالله الغنيمان حفظه الله هذا السؤال:
ما أفضل مختصر لتفسير ابن كثير؟
فقال الشيخ: (تفسير ابن كثير هو زبدة ومختصر لا يحتاج إلى اختصار).
ـ[أم معاذ]ــــــــ[21 - 11 - 06, 02:18 م]ـ
طالب العلم المبتدىء .. لايحتاج مايشعب سيره ويشتت فهمه ولذلك من الجميل أن تكون له منهجية تبنى على مراحل يترقى من واحدة إلى أخرى .. حتى يكون العلم في ذهنه لطيفاً ونافعاً فيستقر
لينقله ويهيئه لما بعده ..
أنصح للمبتدىء بكتاب المفردات للراغب فهو ماتع ونافع ونصح به الشيخ صالح آل الشيخ:حصيلة
غنية من معاني المفردات في القرآن ومعناها في كل موضع تفتق ذهن المبتدىء للنهل أكثر
ولابأس أن يأخذ معه الجلالين فقد سمعت كما سمع أخي الفاضل /الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في أحدى أشرطته ينصح بقرأة تفسير الجلالين لسهولته وأختصاره مع الحذر للمخالفات العقدية في الكتاب.
وهناك طبعة جديدة لتفسير الجلالين لدار السلام مع تعليقات للاخطاء العقدية للشيخ المباركفوري
ولابأس إن كانت نهمتك لاتقف عند هذا أن تأخذ بكتاب المصباح المنير/وهو اختصار لتفسير ابن كثير
مختصر مفيد جداً
ولاتستغني عن تفسير السعدي لوقوفه مع فوائد جليلة تربوية إيمانية يحتاجها طالب العلم في فهمه لكتاب الله عزوجل ..
ـ[أبو حذيفه السلفي]ــــــــ[02 - 04 - 07, 11:32 ص]ـ
أخي ابي حذيفه لاشك ان تفسير العلامه السعدي هو من افضل التفاسير التي يبدأ بها طالب العلم في هذا الباب لانه يحمل من الميزات مالا يحمله غيره من التفاسير فانه والحمد لله خال من المخالفات العقديه ويمتاز ببساطة التفسير ويهتم بالتعريف وجزالة الالفاظ ويناقش المسائل الفقهيه بلا اطناب والتنبيه على فقه الايه في شتى علوم الشرع وهو متوفر بشكل واسع ويمكن ان يحصل عليه كل الطلاب فعليك به فأنه نقطة الابتداء والله أعلم
ـ[محمد جميل حمامي]ــــــــ[03 - 04 - 07, 03:05 ص]ـ
تفسير السعدي
او ابن كثير
حسب همتك
بارك الله فيكم
ـ[أبو يحيى المستور]ــــــــ[09 - 04 - 07, 05:48 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته:
يا إخواني الكرام! طالب العلم لابد له من أن يقرأ التفاسير التي ذكرتموها؛ لأن بعضها لا يغني عن بعض، فالمسألة مسألة وقت فقط، و إلا فلا ينبغي أن يستغني طالب العلم عن قراءة:
*ابن كثير، و الطبري، و ابن عطية، و السعدي، و الجلالين، القرطبي، البيضاوي، فتح القدير، البغوي ......
فسواء بدأ بالسعدي، أو زبدة التفسير فلا بأس - و الله أعلم -.
و بالنسبة إلى التفسير الميسر فلم أطلع عليه.
أما الجلالين فقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنه بمثابة المراجعة للمنتهي، و لا يصلح للمبتدي - و هذا مجرَّب - إضافة إلى ما فيه من المخالفات، فلا ينبغي البدء به و قد أغنانا الله عنه بغيره كالسعدي.
فإذا انتهى منه فلا يعدل بابن كثير شيئا (ط. عالم الكتب)، و لا أعني أنه أفضل من الطبري، بل به - ابن كثير - تعرف قيمته - الطبري - و هو يحتوي كثيرا من زبده، و كما ذكرت أن المسألة مسألة تدرج و مرحلية.
ثم هو يزيد من رسوخ العقيدة السلفية حتى إذا ما انتقل الطالب إلى غيره كان محصنا من التأويلات الفاسدة، و ضلالات يعض المفسرين كالاعتزال و غيره - أعاذنا الله و إياكم منها -.
ثم ينتقل إلى شيخ المفسرين و عمدتهم: الطبري (ط. عالم الكتب)
ثم فضل الله واسع (القرطبي، البغوي، ابن عطية، ... ) فلا يضيقه.
و عليه أن يصلح نيته أولا، و يكثر من الدعاء بأن يفقهه الله في الدين و أن يعلمه التأويل.
الخلاصة:
1 - زبدة التفسير. ط. النفائس أو
2 - السعدي.ط. ابن الجوزي.
3 - ابن كثير.ط. عالم الكتب
4 - الطبري.ط. عالم الكتب
ثم بقية التفاسير الأثرية، أو ما شاء ...
و الله الموفق أولا و آخرا.
ـ[عبد المعين]ــــــــ[18 - 04 - 07, 12:53 م]ـ
لسلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
في الحقيقة يا أخي أنا مثلك في بداية الطلب و بدايتي في علم التفسير كانت قبل أسبوع و طريقتي و هي من اجتهادي هي أن تحدد خمسة آيات لتفسرها و تقرأ في البداي.
(لباب النقول في أسباب النزول) للسيوطي. فتقرأ أسباب نزول الآيات.
و من ثم تقرأ تفسير الآيات من كتاب (تفسير الجلالين)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/416)
و من ثم تقرأ الآيات من تفسير (زبدة التفسير)
و من ثم تقرأ تفسير الآيات من كتاب (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)
و من ثم تنتقل الى تفسير ابن عثيمين و اسمه (ثفسير القرآن الكريم) و هو الأروع و الأفضل.
و في النهاية تكتب الآيات مع تفسيرها في و رقة خاصة من دون الاطلاع على الكتب و تحتفظ بها لنفسك لتراجعها.
هي شاقة و لكنك ستنجز لو نظمت و قتك و ستنهي القرآن في سنة بكل سهولة ...
أسأل الله أن يثبتني و اياك.
ـ[محمد بن صابر عمران]ــــــــ[18 - 04 - 07, 09:45 م]ـ
كتب التفسير المناسبة لهذا المستوى كثيرة، منها:
1. المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير، للشيخ المباركفوري.
2. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للشيخ العلامة السعدي.
3. زبدة التفسير من تفسير فتح القدير، للشيخ د. محمد بن سليمان الأشقر.
4. التفسير الوجيز للدكتور وهبة الزحيليي، ومعه أسباب النزول وقواعد الترتيل.
5. أيسر التفاسير، للشيخ أبي بكر الجزائري.
والذي أراه لعموم المسلمين أن يجمعوا بين كتابين هما:
- المصباح المنير، وهو تفسير مختصر يعتني بالآثار ويرتبها، وهو يفيد في بيان معنى الكلمة عند السلف، رضوان الله عليهم أجمعين. فإن كان المصباح المنير فيه عُسرٌ فـ"زبدة التفسير" للشيخ محمد الأشقر فيه نفع كبير.
- تيسر الكريم الرحمن، للشيخ السعدي، لأنه يعتني بالمعاني العامة، وبمسائل الإيمان والتربية ونحو ذلك. ويصرّح بالعقيدة الصحيحة وينبه على مخالفة المخالفين لها، وغيري ذلك مما يحتاجه عموم المسلمين.
فيقرأ أولاً في "المصباح المنير" أو "زبدة التفسير" فيأخذ معاني الكلمات ثم في تفسير السعدي فيأخذ المعاني العامة.
فإن شق على أحدٍ الجمع بين كتابين فعليه بكتاب "أيسر التفاسير" فإنه جمع بين بيان اللفظ والمعنى، وإن كان دون ما تقدم في التحرير لكنه مفيد، وقد نفع الله به في مشارق الأرض ومغاربها.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[20 - 04 - 07, 06:51 ص]ـ
تنبيه:
لا أنصح بقراءة الجلالين إلا على شيخ بصير به
ففيه عبارات مقتضبة لا يعيها كل أحد، منها ما يتعلق بعلم العقيدة، ومنها ما يتعلق بعلم التصريف، ومنها ما يقصد منه غير الظاهر.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[20 - 04 - 07, 06:54 ص]ـ
ونصيحتي:
1. أن تقرأ "توفيق الرحمن" للشيخ فيصل آل مبارك (وصية الشيخ عبدالكريم الخضير) .. وستجده ممتعاً بإذن الله.
2. ثم تفسير السعدي.
3. ثم تفسير أبي المظفر السمعاني. وهو نفيس
4. ثم القاسمي، (ولو جعلتهما للقراءة مع اثنين ممن حولك من طلبة العلم فهو أعون لك على إتمامهما بإذن الله).
5. ثم البغوي.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[20 - 04 - 07, 07:00 ص]ـ
تنبيه ثانٍ:
حبذا لو كان تفسير ابن كثير بعد ذلك كله؛ لأنه في الحقيقة موضوعٌ للعلماء، كما يقول الشيخ عبدالله بن العلامة محمد الأمين الشنقيطي.
وسيجد من قرأ ما سبق ذكرُه من التفاسير قبله فائدة كبيرة بعون الله تعالى.
وأما "أيسر التفاسير" و"زبدة التفسير" فرأيي الشخصي أنها لا تصلح لمن أراد خوض غمار هذا العلم، وهو يهدف إلى أن يؤصِّل علمه فيه.
ـ[أبو يوسف الحلبي]ــــــــ[19 - 12 - 09, 05:18 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هاكم اخوتي رابط تحميل زبدة التفسير للشيخ محمد سليمان عبدالله الأشقر رحمه الله تعالى وهو أحد تلاميذ الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وأخو الشيخ عمر الأشقر حفظه الله، مصوراً بصيغة Pdf والذي قام بتصويره الاخوة الأجلاء في المكتبة الوقفية جزاهم الله خيراً، وأسأل الله تعالى أن ينفع به كل قارئ، والكتاب رائع في بابه لطلبة العلم المبتدئين أو لعامة المسلمين الذين لا يجدون الوقت الكافي لقراءة المجلدات تلو المجلدات، وقد أثنى بعض المشايخ وطلبة العلم على الكتاب ولله الحمد والمنة.
http://www.waqfeya.com/book.php?bid=3553
لا تنسوني من دعوة في ظهر الغيب بارك الله فيكم.
ـ[أبو مالك الأثري السلفي]ــــــــ[25 - 12 - 09, 01:02 ص]ـ
لقد كنا قديماً نقرأ على مشايخنا تفسير الجلالين على ما فيه من هنات، الا أنه للحق مثل المتن للتفسير بالنسبة للمتون في التخصصات الأخرى.
فتفسير الجلالين من أنفع التفاسير فعبارته رصينة بليغة توضح المعنى بأقصر عبارة.
الا أني أنبه أن يكون ذلك على شيخ سلفي ليوضح ما فيه من مخالفات عقدية.
قام بالتنبيه على المخالفات والتأويلات مشكورًا: الشيخ أبو عبيدة هاني الحاج، وذلك ضمن سلسلة " التنبيهات الخاصة بالتفاسير "، وهذا العمل يحمل الرقم (1) من هذه السلسلة، وهو بعنوان " التبيين للمخالفات الواقعة في الجلالين "
وقدم له شيخنا الفاضل: د. سيد بن حسين العفاني
حفظ الله الجميع، ووفقنا وإياكم في الدارين وحفظنا من السوء
ـ[عزت المصرى]ــــــــ[25 - 12 - 09, 01:53 ص]ـ
نصيحتي أن تبدأ بأي مما ذكر لك لكن اجتهد ولا تكثر التلفت والتنقل من كتاب إلى كتاب وحدد لنفسك وقتا تنهي فيه الكتاب حسب وقتك واهتم بتدوين الفوائد والفرائد والله يو فقك ويسددك
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/417)
ـ[فلاح حسن البغدادي]ــــــــ[31 - 12 - 09, 10:26 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت تفسير الجلالين وزبدة التفسير وشيء من تفسير العلامة السعدي وأفضلها زبدة التفسير والله أعلم
وقال احد المشايخ من أتقن زبدة التفسير
فليقرأ بالتزامن ثلاثة تفاسير: تفسير ابن كثير وتفسير القرطبي وتفسير الأندلسي البحر المحيط فمن أحاط بها فقد جمع الحديث والفقه واللغة.
وقرائتها بالتزامن يعني قراءة السورة الواحدة في التفاسير الثلاثة معاً ليحيط بأوجهها
ومن استزاد فعليه بكتاب (في ظلال القرآن)
ليأخذ منه روح السورة ككل وسماتها ويشحن قلبه بالغيرة على هذا الدين
هذا والله تعالى أعلم
لا يتعلم العلم مستحيي ولا مستكبر
ـ[ابو جودى المصرى]ــــــــ[30 - 03 - 10, 11:57 ص]ـ
عليك بالتفسير الميسر طبعة الملك فهد
ـ[سليمان دويدار]ــــــــ[30 - 03 - 10, 04:18 م]ـ
كيفية دراسة التفسير لصالح آل الشيخ
الحمدلله وكفي والصلاة والسلام علي عباده الين اصطفي لاسيما عبده المصطفي وآله المستكملين الشرفا، وبعد:
فهذه محاضرة منيفة في كيفيةدراسة التفسير وانا أعلم أن أكثر الإخوة سمعوها لكن هي مفرغة عسي من دخل مجالسنا أن ينتفع بها وتكون عونا له علي دراسة التفسير وهي لسماحة شيخنا المبارك صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وإليك المحاضرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد لأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
فأسأل الله جل وعلا بي ولكم العلم النافع والعمل الصالح والقلب الخاشع والدعاء المسموع.
وأسأله سبحانه أن يُقِرّ العلم في قلوبنا، وأن ينور به بصائرنا، وأن يجعلنا ممن إذا علم عمل وإذا عَمل عمل على الصواب.
اللهم اجعل قلوبنا مخبتة إليك، واجعل جوارحنا سائرة على سنة نبيك صَلَّى الله عليه وسلم.
أما بعد:
كما هي العادة في إقبالة فصل من الفصول وابتداء الدروس في الفصل نبتدئ بمقدمة تتعلق بالعلم؛ بل هي في العلم ذاته يستفيد منها الحاضر والسامع.
ومن العلوم المهمة لطالب العلم جدا؛ بل هو أصل العلوم: علم معرفة معاني كلام الله جل وعلا الذي هو علم التفسير، وطالب العلم لا يسوغ أن يكون مقصرا في علم التفسير؛ لأن علم التفسير إليه ترجع جميع العلوم.
فأنت ترى في تفسير القرآن العقيدة في التوحيد بأنواعه الثلاثة، وفي الإيمان بالملائكة والرسل والكتب واليوم الآخر والقدر، وجميع مباحث الاعتقاد تجدها على التفصيل والإجمال في كتاب الله جل وعلا.
فالعناية بفهم معاني القرآن معناه العناية بهذا العلم بعلم العقيدة.
وكذلك آيات أخر كثيرة هي في الأحكام الفقهية في الحلال والحرام ومعرفة معانيه منزع الاستدلال منها على ما اشتملت عليه من أحكام هذا يحتاجه طالب العلم جدا، فالذي عنده الحجة من كلام الله جل وعلا لاشك أقوى ما يُحتج به كلام الله جل جلاله بما بينته السنة وفهمه السلف الصالح.
كذلك مباحث أصول الفقه تجدها أو تجد أصولها وأصول القواعد الشرعية تجدها في التفسير.
وكذلك القصص قصص الأنبياء، والتاريخ الصحيح الذي لا يخضع لنقل فمضنون هو في القرآن، وكل قدر من التاريخ للأمم السالفة زائدا على ما دلّ عليه القرآن أو دلت عليه السنة الصحيحة فإنه مضنون غير محقَّق، فإذا فهمت الآيات التي فيها ذكر الأولين من قصة آدم عليه السلام؛ بل ما قبل ذلك من قصة خلق السموات والأرض وما تَلا ذلك إلى بعثة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل والسيرة مع ذلك وجدت في كلام الصحابة على ذلك ما هو داخل في العلم الصحيح بالتاريخ، وما عداه فإنه مضنون، يقبل الصحة ويقبل الرّد.
كذلك إذا أتيت إلى ما يتعلّق بعلوم الغيبيات جميعا، العلوم الفلكية، أو ما يسمى عند كثير من المتأخرين علم الهيئة؛ يعني هيئة الأفلاك الأبراج تنقلاتها تحركات القمر في منازله وتحركات الشمس وحركة الأرض إلى آخر ذلك، هذا تجد أنهم بنوا كثيرا مما قالوه على نظريات مجردة، وسواء في ذلك النظريات اليونانية القديمة، أم النظريات الفلسفية التي نشأت في الإسلام، أم ما بعد ذلك إلى يومنا هذا وكل هذا راجع إلى الظن وإلى رؤية ظنية في مقدماتها، وبالتالي رؤية ظنية في نتائجها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/418)
أما ما في القرآن فهو الحق المطلق؛ لأنه الله جل وعلا هو الذي أخبر به، فمن علم معاني الآيات في ذلك بما فسّره السلف الصالح من دلالة الآيات وما فهموه من ذلك فإن هذا هو الحق المطلق في هذا، إذْ لا يمكن أن يجمعوا على شيء في معاني كلام الله مخالف للصواب.
كذلك ما يتعلّق بالعلوم الحياتية، العلوم الدنيوية، ما يتعلق بطبقات الأرض الجيولوجيا، أو الزراعة، أو ما يتصل بنوعية ما في البحار، أو طبقات الأرض، أو ما أشبه ذلك، ففي كلام الله جل وعلا أصول من لزمها سَلِمَ في مضايق الأنظار في مثل هذه المسائل.
وهكذا في العلوم علوم اللغة العربية فإنّ من علم التفسير أدرك العربية نحوا وأدركها من جهة المفردات وأدركها من جهة الأسلوب والأدب.
وكذلك العلوم الأخر علوم العربية الأخر مثل الصرف والاشتقاق إلى آخره.
علم السنة به يُعرف معاني القرآن، فالقرآن العظيم حجة الله على العالمين، والسنة بين له، فالدالّ هو الله جل وعلا، والدليل هو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمدلول عليه هو كلام الله جل وعلا وسنة المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهذا أجمع أهل السنة أن السنة مفسرة للقرآن ومبينة لمعانيه، فالحديث راجع إلى بيان القرآن العظيم، علوم السنة بلا علم القرآن والتفسير يساء فهمها.
فإذا جمع طالب العلم بين معرفة الحديث ومعرفة التفسير وما قاله أئمة السلف وقاله أئمة أهل العلم في فهم معاني كلام الله جل وعلا أصبح سائرا على مدارج طلب العلم الصحيح، بخلاف من يدرك هذا تفسيرا بلا سنة أو سنة بلا تفسير، تجد أن الخلل والنقص ظاهر في تصوره للعلم وللديانة وللقواعد الشرعية للفتوى إلى آخر ذلك.
فإذن الحاصل من هذا أنّ علم التفسير فيه كل العلوم، ولهذا نزع كل أصحاب فن من الفنون لتقرير فنهم إلى التفسير؛ بل نزع أصحاب الملل المختلفة أو الفرق المختلفة في هذه الأمة إلى التفسير لتقرير مذاهبهم، فللمعتزلة تفاسير، وللرافضة تفاسير، وللجهمية تفاسير، وللخوارج تفاسير، وهكذا في سائر الفرق كالأشاعرة والماتريدية، مع أنهم أقرب إلى السنة إلى الفرق السالفة التي ذكرنا؛ لكن لهم تفاسير ملؤوها بتقرير عقائدهم البدعية.
كذلك أهل الفقه تجد أنهم كتبوا في التفسير لتقرير مذاهبهم الفقهية، منهم من نزع إلى مذهبه الخاص، ومنهم من نزع إلى الحجة دون التقيد بمذهب. وهكذا في كثير من العلوم.
إذن فطالب العلم لابد له من العناية بكلام الله جل وعلا فوق كل عناية حفظا له وتدبرا ومعرفة وعلما بالتفسير وفهما لما اشتملت عليه الآيات من أحكام أو أخبار، فإن هذا هو الحجة التي تبقى مع طالب العلم، والله سبحانه وتعالى يحبّ من عباده الذين يفقهون كلامه «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» ? فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ? [التوبة:122]، هذا الدين إنما هو القرآن وما يسمعون ويرون من سنة المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا هو الدين.
والعلماء على اختلاف مشاربهم من جميع أصحاب الفنون إنما هم يقرِّبون للناس وييسرون فهم دلالات النصوص، يقولون للناس: هذا معنى النص، والعالم كلما عظُم علمه بمعنى الكتاب ومعنى السنة -معنى الآي ومعنى الأحاديث- عظمت درجته، ليس العالم في الإسلام هو الذي يقول من رأيه ويقول من جهة فهمه، ليست هذه مهمة العالم في الإسلام، ولا يُحمد عالم ينزع للناس برأي مجرّد لا يعلم عليه حجة من كتاب الله جل وعلا أو من سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من هدي الصحابة أو من الإجماع أو من القواعد العامة، إذا كان رأيا مجرَّدا فهذا هو الذي قال فيه علي رَضِيَ اللهُ عنْهُ فيما صح عنه في سنن أبي داوود وغيره: اتَّهموا الرأي في دين الله، ولو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من ظاهره. لأنّ الذي يلقى الأذى هو الأسفل فهو الأحق بالتطهير، لكن جاءت السنة بأن المسح للأعلى مع أنه الذي لا يناله الأذى، فعُلم بذلك أنّ الرأي في دين الله جل وعلا لا يُحمد أهله، وتكاثرت كلمات الصحابة وكلمات التابعين والأئمة في ذم الرأي وذم أهل الرأي؛ يعني الذين يقولون القول لا يعلمون حجته، يقولون القول هكذا بالأقيسة، بالنظر، بالاستحسان، بالميزاج، وهذا لا يجوز أن يخوضه من يخاف على نفسه؛ لأنه قد يدخل في القول على
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/419)
الله جل وعلا بلا علم، وذنبه عظيم لأنه قرين للشرك في كتاب الله جل وعلا ?وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ? [الأعراف:33].
إذن فلا بد من الإهتمام بالتفسير.
وإذا كان كذلك فالسؤال الذي يرد في هذا المقام: كيف نهتم بالتفسير؟ كثيرون يريدون أن يهتموا بالتفسير فكيف يهتمون بالتفسير.
نقول مثلا: اقرأ تفسير ابن كثير، اقرأ تفسير ابن جرير؛ لكن هذه القراءة لمعرفة تفسير الآية؛ لكن ليست تأصيلا لطلب علم التفسير.
وإذا كان كذلك فنقول: إن طالب العلم إذا أراد أن يفقه التفسير فإن أمامه درجات ومراتب:
المرتبة الأولى
أما الأولى فأن يعلم المفردات التي يكثر ورودها في القرآن، هناك ألفاظ يكثر مجيئها في القرآن، تتردد كثيرا، فهذه المرتبة الأولى يعلم معاني هذه المفردات.
وهذه المفردات كتبت فيها كتب، منها الكتب التي تسمى الوجوه والنظائر أو النظائر في التفسير، والوجوه والنظائر راجعة إلى الأسماء المشتركة والأسماء المتواطئة المعروفة في أصول الفقه.
فمثلا يقول في كلمة (السماء) جاءت في القرآن معناها في اللغة كذا.
السماء في اللغة معناها العلو، لقوله تعالى ?أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء? [إبراهيم:24]، ولقول الشاعر في وصف فرس:
وأحمر كالديباج أما سماؤه فَرَيَّا وأما أرضه فَمُحُول
يعني أن ظهره وهو ما علا منه مليان يعني امتلأ واكتنز باللحم ليكون أثبت لمعتليه وأما أرضه وهي قوائمه فمحول يعني دقيقة لتكون أمضى في الجري.
فإذا أصلها من جهة اللغة قال: ولقد وردت السماء في القرآن بكذا معنى أما الأول فهو كذا والثاني فهو كذا والثالث إلى آخره.
وأتت مجموعة (السماوات) ومعناها في القرآن واحد وهي هذه السماوات المعروفة.
هذه الكلمات التي يكثر ورودها الأرض السماء الماء الكفر الإيمان النفاق إلى آخره، إذا ضبط تفسيرها من كتب الوجوه والنظائر.
ومن أَمْثَلِها كتاب ابن الجوزي الوجوه والنظائر، وهو مطبوع في دار الرسالة طبعة جيّدة وهي أجود من الطبعة الهندية، الطبعة الهندية فيها أغلاط كثيرة، هذا يعطيك التلخيص، وهناك كتب كثيرة في هذا الموضوع يهتم بها طالب العلم.
هذه المرتبة الأولى في طلب العلم أن تدور مع الكلمات التي يكثر ورودها في القرآن.
فإذا ضبطت هذه الكلمات التي يكثر ورودها ومعانيها فإنّك قد علمت شيئا من التفسير كمرتبة أولى.
ثم تنتقل إلى الكلمات هذه شيئا فشيئا، منها ما ورد في القرآن وله خمسة عشر تفسيرا، وهي قليلة، ومنها ما له اثنا عشرة وجها، ومنها ما له عشرة، ومنها ما له ثمانية حتى تأتي في النهاية ما له وجه واحد.
فإذا أمضيت في هذه المرتبة أدركت أن هذه الكلمات التي جاء تردادها أو كَثُر ورودها في القرآن ضبطت تفسيرها فقد أحكمت جزءا من علم التفسير.
المرتبة الثانية
المرتبة الثانية متصلة أيضا بالمفردات، ولكنها ليست من جهة الوجوه والنظائر؛ وإنما من جهة الأصول والاشتقاق.
وهذه ينفعك فيها كتابان:
الكتاب الأول معجم مقاييس اللغة لابن فارس، فهو إن كان معجما في اللغة؛ لكن من جهة الأصل أصل المعنى الذي تدور عليه الكلمة قد أجاد فيه وأفاد.
فتبحث معنى الكلمة في معجم مقاييس اللغة، لذلك فالقرطبي مثلا أكثر من الرجوع إلى معجم مقاييس اللغة مما يؤصله من المعاني في التفسير.
والكتاب الثاني كتاب المفردات للراغب الأصفهاني، والمفردات مرتب وطُبع في مجلد واحد طبعة جيدة؛ بل طبعة ممتازة جدا، ولكن الراغب الأصفهاني متكلم أشعري، وله تفسير كبير هو لم يطبع منه إلا بعض مقدمة أو بعض السور؛ لكن من جهة معاني الكلمات واستعمالاتها في القرآن فإن فيه فوائد كثيرة، وخاصة في لطائف استخدام الألفاظ، كتاب الراغب تنتبه إلى أشعريته في التعريفات، إذا أتى يعرّف شيئا يعرّف كلمة يحد حدا، فهنا الحد تبع للتصور، وما حد إلا بعد التصور، ولهذا تقف عند حدوده وتعريفاته فلا تأخذ بها، ولكن إن فسر من جهة اللغة واستدل هذا مأمون عليه، وذلك راجع إلى لغوية بحتة.
الكتاب الثالث عمدة الحفاظ للسَّنين الحلبي وقد طبع سابقا في مجلدة واحدة، وطبع أخيرا مع شيء من التحقيق طبعة لا بأس بها في أربعة أجزاء لطيفة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/420)
هذا في المفردات من حيث هِيه.
إذا انتهيت من هذه الكتب، هناك كتب معاصرة تفيد في هذا، ومن أمثلها من جهة الكليات -كليات المعاني والاستعمال- كتاب معجم ألفاظ القرآن الكريم الذي أصدرته أظنّ الهيئة العامة للكتاب في مصر أو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر أو ما أشبه ذلك، المهم معجم ألفاظ القرآن الكريم طبع في مجلدين.
المرتبة الثالثة
المرتبة الثالثة في معرفة التفاسير أو الدخول في علم التفسير: أن ترتِّب مراجعتك في التفسير لمعرفة معنى الآية، وهذا ينبني على فهم التفاسير.
وكان لي محاضرة بعنوان مناهج المفسرين ربّما بعضكم سمعها، لا نطيل بتفصيل مدارس المفسرين ومناهج المفسرين وخصائص كل كتاب في التفسير تدخلها داخل هذه المرتبة؛ لأنك قبل أن تُطالع كتاب التفسير لابد أن تعرف منهجه، وهل مثلا من مدرسة التفسير بالرأي أم من مدرسة التفسير بالأثر؟ ما خصائصه؟ مميزاته؟ منهجه؟ قبل الدخول في التفسير إذا عرفته أحسنت استعماله.
لأن كتب التفسير جميعا لا تخلو من حالين: حال إجادة وحال ضعف، يأتي في آيات يجوّد الكلام، وفي آيات تبحث تفسيرها لا تجد، تجد أنه أسرع فلم يذكر شيئا.
وهذه راجعة إلى ضعف الإنسان من جهة، وإلى أن القرآن غالب لا مغلوب، على كثرة التفاسير لا يُغني تفسير عن تفسير، إلا أن يكون تفسير قد أختصر من تفسير آخر حرفيا؛ لكن الكتب التي ألفت على استقلال لا يغني بعضها عن بعض؛ لأن المفسر نجد أنه نشِط في موضع الآخر لم ينشط فيه، وهذه أنا جريته كثيرا وتعدد التفاسير يخدم في هذا.
ابن جرير وابن كثير، تجد ابن جرير في مواضع تكلم بكلام تستغرب كيف يميل إلى هذا الضعيف أو يقول به أو يرجحه، تجد أن ابن كثير يأتي فيردّ عليه في هذا الموضع ويطيل. أو هناك تجد أن كلامه في التفسير قليل على آية وتجد أن ابن كثير أطال النفس فيها.
وهكذا، إذا دخلت مدرسة التفسير الرأي يعني بالاجتهاد والاستنباط، وقد فصلنا بين الرأي المحمود والرأي المذموم وأن ما كان بالرأي المحمود يعني بالاجتهاد والاستنباط مع اكتمال الآلات فإنه لا بأس بذلك، تجد أن المفسرين بالرأي؛ يعني بالاجتهاد والاستنباط بعضهم يجيد في مكان ويَقل في مكان.
هنا في هذه المرتبة إذا عرفت مناهج المفسرين فأول ما ترجع إليه في كتب التفسير التفاسير الأُوَل يعني تتسلسل مع التفسير في المراجعة فيما أشكل على حَسَب الزمان، على حسب وفيّات المؤلفين.
فإذا أمكن أولا أن تطالع صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، فهذا أمثل ما يكون أول ما تراجع.
تراجع معلقات البخاري في التفسير عن ابن عباس وعن مجاهد وعن أصحاب ابن عباس أو عن ابن مسعود إلى آخر المشتهرين بالتفسير من الصحابة والتابعين فهذا أمثل.
ثم تنتقل إلى التفاسير المسندة تفسير عبد الرزاق، تفسير ابن أبي حاتم فيما وجد منه، تفسير ابن جرير ثم تسلسل مع الزمن.
هذا التسلل ليس الغرض منه أن تأخذ النتيجة، وإنما الغرض منه أن تتدرب على معرفة التفسير؛ لأن المفسِّر الذي أخذ عن من قبله وأورد كلام من قبله مع شيء من التصرّف أو أخذه وعبّر عنه، فأنت بمطالعتك لكلام الأول تعرف كيف تصرّف العالم المتأخر من علماء السلف -كابن جرير مثلا في عمله مع من قبله أو ابن كثير في عمله مع من قبله- كيف تصرفوا في كلام من قبلهم وصاغوه، فيُقيم لطالب العلم دُربة عملية في معرفة كيف يصوغ التفسير بصياغة أهل العلم.
لأننا وجدنا أن التفسير خَاضَ فيه الناس بما يُسمى المِزَاج، يعني هكذا هو خطر في باله هذا معنى الآية، هذا ظاهر الآية ولم يتدرب على هذا وليس من أهله، ولم يعانِ التفسير ويعانِ كاب التفسير حتى يكون عنده ما يقربه من فهم المعاني، وهذا لاشك أنّه يدخل في قوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ وإنْ أصاب» حتى ولو أصاب فإنه لم يصب عن علم وإنما أصاب اتفاقا، فقد أخطأ إذْ تجرأ على التفسير دون علم، وإن أصاب فلم يصب عن علم وبينة وحجة، ليس عنده ملكة في العلوم الشرعية العقيدة والفقه والحديث إلى آخره، ليس عنده ملكة في العربية، فمن أين أتاه الصواب؟ يكون أتاه الصواب اتفاقا، فإنه أخطأ وإن أصاب، حتى لا يتجرأ على ذلك ترتيب التفاسير في المراجعة كتعلم، هذا الآن منهج تعلم التفسير ليس منهج مراجعة لتفسير آية، تريد ترجع لتفسير آية أشكلت عليك راجع أحد
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/421)
التفاسير وينحلّ المعنى، ولكن تتعلم التفسير يكون بهذه الطريقة.
تمشي مع كتب التفسير بالأثر حتى تقف عند نهايتها.
تأتي إلى مدرسة التفسير بالاجتهاد بالرأي، ابتدأ هذه المدرسة من علماء الأثر ابن جرير، وأورد في تفسيره ما تفق في كتب من قبله مما يتعلق بتفسير القرآن؛ لذلك ابن جرير رحمه الله يُعدّ أول من خلط بين علوم التفسير بالأثر وعلوم التفسير بالرأي والاستنباط، تجد في تفسيره الأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين، وتجد فيها مباحث اللغة العربية، مباحث العقيدة، الرد على المخالفين، الرد على الملحدين، الرد على المبتدعة في الصفات، تجد فيه ما يخلط هذا وهذا، بخلاف ما لو رأيت: تفسير مثلا عبد الرزاق، تفسير الإمام أحمد في القطع التي نقلها ابن القيم وغيره عنه، تفسيره ابن أبي حاتم، تفسير ابن عبد بن حميد فيما وجد منه، إلى آخر التفاسير بالأثر، تجد أنها تفاسير أثرية محضة لم تخلط بالأثر اجتهادا؛ لكن ابن جرير خلط هذا وهذا.
فمنه تنطلق إلى رؤية عالم إمام سني سلفي في إدخال علوم الاجتهاد وعلوم العربية وعلوم الفقه والرد على المخالفين في التفسير كيف انضبط وكيف رد وما تفرع بعده.
هنا تأتي إلى من بعده وترى كيف توسعوا في تفسير الآية، فإذا رأيت علمه كيف أدخل علوما أخر لا صلة لها بالآية في تفسير الآية، تعرف مواطن الإجادة ومواطن الزلل، فيكون عندك علم بالتفسير بمدرستيه مدرسة التفسير بالأثر ومدرسة التفسير بالرأي.
المرتبة الرابعة
التفسير -وهذه المرتبة الرابعة- فيه مواضع مشكلة أشكلت على كثير من العلماء بل على أكثر العلماء؛ بل قال فيها شيخ الإسلام ابن تيمية لا تكاد تجد في التفاسير منها قولا صحيحا، وهذه مضايق لطالب العلم كبيرة، ولا زالت مضايق إلى الآن.
شيخ الإسلام ابن تيمية كتب مجلدة في ذلك طُبعت في مجموع فتاوى ابن تيمية، وهي موجودة في نسخة خطية، عندي منها صورة في بعض المكاتب أوربا كانت بعنوان: تفسير آي من القرآن أشكلت. وهذا العنوان منتزع من مقدمة شيخ الإسلام، وذكر فيها شيخ الإسلام بالمقدمة أن هناك آيات في القرآن أشكلت على أهل العلم فلا تجد فيها قولا صحيحا. طبعا هذا تفهمه مع فهمك لقواعد أو لأصول التفسير، لا تجد فيها قولا صحيحا لأن السلف ما تكلموا فيها مثلا، لو كان للسلف لو كان لهم كلام فيها لكان حجة في هذا الباب -نعني بالسلف الصحابة- أما التابعون فقولهم ليس حجة يجب المصير إليها في التفسير؛ ولكن يحسن المصير إليها فيما كان من جهة فهم القرآن والاستنباط، هذه المواضع التي أشكلت تدرك الصواب فيها بعد مراجعة التفاسير.
إذا أدركت الخطوات السابقة عرفتها عرفت الصواب، عرفت كيف أشكلت ولم؟ وحجة شيخ الإسلام حينما دخل في هذه المضايق ورجح ما رجح في تلك الآيات.
الذي يجب على طالب العلم بالتفسير أن:
أولا: يتجرأ على التفسير.
الثاني: أن يعلم أنّ التفسير هو تفسير هو تفسير كلام الحق جل وعلا، وهذا صاحب العقيدة يكون معه في قلبه هيبة إذا أراد أن يدخل هذا الميدان؛ لأنك تدخل لبيان معاني كلام الله جل وعلا، طالب العلم إذا أراد أن يشرح متن من المتون أعدّ له العدة وخاف وأصابه ما أصابه؛ لأنه كلام العلماء فكيف يُتجرأ على كلام الحق جل وعلا على كلام الله بالتفسير، وهو لم تكمل عنده الآلة لم يعلم كلام أهل العلم فيه، لم يكن عنده دربة لم يطلب العلم بالتفسير طلبا صحيحا.
الثالث: أن يتبرأ من العهدة ما أمكن بالإحالة على قول العلماء المأمونين بالتفسير قد الإمكان لا تأتي أنت بشيء ولا ترجح شيئا، قال العلماء هكذا، قال الإمام أحمد هكذا، قال ابن عباس رَضِيَ اللهُ عنْهُ هكذا، قال علي رَضِيَ اللهُ عنْهُ كيت وكيت، وهذا هو ما يكون لك من جهتك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كذا، قال ابن جرير كذا، رجح ابن جرير كذا، ابن كثير وافقه على ذلك.
المرتبة الخامسة والأخيرة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/422)
المرتبة الأخيرة في التفسير في العلم بالتفسير أن التفسير هداية للناس، والقرآن أنزل ليكون هاديا للناس ?إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ? [الإسراء:9]، فالقرآن ما نزل ليكون ميدانا لتقرير علوم نظرية أو علوم فرعية إنما نزل القرآن لهداية الناس بإصلاح الناس جميعا، القرآن نزل للعلم بالله جل وعلا، والعلم بما يحبه جل وعلا ويرضاه وما يسخطه سبحانه ويأباه، لعلم بالتوحيد توحيده سبحانه العلم، بالأحكام وما يتصل بذلك من أخبار الماضين ومستقبل الماضين والأحياء، والأمثال والعبر التي تصلح نفس الإنسان.
إذا كان كذلك فليُعلم أن القرآن حجة الله جل وعلا إلى قيام الساعة.
وإذا كان كذلك فهو هداية للناس إلى قيام الساعة.
وإذا كان كذلك فطالب العلم بالتفسير يجعل كلامه وتفسيره يناسب الزّمن الذي يعيش فيه، أما ممارسة الهوايات في العلوم فهذا يؤجر صاحبه عليه بحسب نيته؛ لكن ليس هو الغرض من علم التفسير، الغرض من طلب علم التفسير أن تتعلم هذا العلم لتهدي الناس بالقرآن.
ولهذا قال شيخ الإسلام في موضع كل داع أو مبلّغ أو هاد لا يهدي الناس بكلام الله جل وعلا وكلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه مقصِّر. أو كما قال؛ يعني أن كلّ هداية انطلاقها من كلام الله جل وعلا وكلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنّ السنة مبينة للقرآن والقرآن أُنزل للهداية وهما الحق الذي لا يعتريه نقص، وإذا كان الأمر على هذا فإن طالب العلم بالتفسير إذا ضبط المراتب السابقة ينطلق بالتفسير بما يناسب الزمن الذي يعيش فيه؛ لكن بالعلم لا بالجهل؛ لأن أناسا وعظوا ودعوا بالتفسير لكنهم عن جهل فوقعوا في استدلالات باطلة وبعضها ربما كان مكفرا من جهة نزعه لشيء لم يُقل به البتة، ومن جهة أنه غلط في فهم الآية أصلا فقلب الأمر، وربما أني أعرف بعض الأشياء في هذا.
إذن فطالب العلم بالتفسير إذا طلب هذا العلم وأحسنه فإن الغرض منه هداية الناس بالقرآن، وهذا يُلحظ من جهتين:
الجهة الأولى: أن الحق في التفسير واضح منته لا يظنّن ظان أنه سيخرج تفسيرا لم يعهد عن الأولين، هذا أمر مقطوع به؛ لأن الحق في هذه الأمة باقٍ، ولا يجوز أن يخلو زمن من الحق في مسألة من المسائل؛ بل إن قول القائل إن هذه الآية لم يفهمها المتقدمون جميعا. هذا لاشك أنه باطل من القول؛ بل إن قال: إنهم أجمعوا على الخطأ فيها أيضا هذا باطل من القول؛ لكن إن قال مثل ما قال شيخ الإسلام أشكلت على كثير من العلماء، أشكل على كثير أو الأكثر من العلماء؛ بل لا تكاد تجد في التفاسير على كثرتها القول الصواب فيها فيكون هذا من جهة التحقيق والعلو الذي يناسب شيخ الإسلام رحمه الله وأمثاله.
وأما نحن ومن على شاكلتنا فإنما قصارى جهد في الجهة الأولى هذه أن ننزع إلى فهم ما قاله العلماء فيمن قبلنا، نفهم ما قالوه إذا فهمنا ما قالوه، فتأتي الجهة الثانية أن تعبر عما قالوه بما يناسب الزمن، وهذا هو الذي جعل بعض الناس يخلط في مسألة تبليغ القرآن أو عرض التفسير، سواء في خطبة أو دعوة أو في محاضرة أو في كتاب أو في قصة إلى آخره، فينزع من جهة تحبيب الناس أو هداية الناس لا على ركون إلى علم صحيح، وهذا له أمثلة وربما تعلمون من ذلك أمثلة.
... أما الحق في نفسه فهو واضح منتهٍ، فأنت إذا عرضتَ الحق الواضح الذي أدركت عليه أو أدركته عمّن قبلك يعني من أهل العلم وقفت عليه بدليله وظهور حجته فعرضته للناس هذا هو الذي عليك، وهذا يختلف باختلاف الناس، ربما يكون عند فلان مثلا ضَعف في التعبير عن ما فهمه من التفسير، وعند الآخر سَيَلان في الذهن وفي التعبير وعن ما فهم من كلام أهل العلم فأثّر على الناس بالناس بالتفسير ما لم يؤثِّر الآخر هذا راجع إلى أسلوب نقل هداية القرآن.
ولهذا التصنيف في التفسير إذا لم يكن الغرض منه هداية الناس بالقرآن فلا حاجة لنا بالتفاسير، التفاسير منتهية، إذا كان الغرض منه هداية الناس بالقرآن، يوضح العقيدة الصحيحة من خلال القرآن، يوضح السلوك، الإيمان، يزكي النفس، يبين الأمثال التي في القرآن، القصص بأسلوب يناسب العصر ويناسب الناس، فإن هذا هو المطلوب، وهذه آخر مرتبة، وليست أول مرتبة، بعد أن يمشي في المراتب تلك بعد ذلك يكون عندنا من يؤثر في الناس بالقرآن، وهذا هو الذي نحتاجه؛ لأن هداية الناس بالقرآن يخضع لها الجميع.
وما أجمل قول شيخ الإسلام رحمه الله وهو في سجنه رحمه الله تعالى في آخر حياته إذ قال: ندمتُ على أني لم أجعل حياتي كلها في تفسير القرآن. لأن تفسير القرآن بمكن أن تدخل فيه جميع أنواع الهداية للناس واحتجاج المحتج عليك يكون ضعيفا، ذكرت معنى الآية بكلام أهل العلم، هذا معنى الآية وهذا كلام أهل العلم، إذا كان أنه يعترض يعترض على التفاسير، إذا كان يَعترض يعترض على الأئمة، ابن جرير رحمه أهل أجمعت الأمة على أنه إمام المفسرين حتى أصحاب البدع من الأشاعرة أجمعوا على أنه هو إمام المفسرين.
فإذن الهدايات كلها بأنواعها؛ يعني هداية الناس في أفرادهم في مجتمعاتهم هداية الأسر راجعة إلى هداية القرآن، فمن وُفق لفهم التفسير وعرضه عرضا صحيحا على الناس بالحجة والبيان فإنه يكون قد أوتي خيرا كثيرا.
هذه المراتب اجتهادية من واقع التجربة، وليست علما تأصيليا مطلقا، وإنما هي بداية في تأصيل علم التفسير؛ لأن علم التفسير لم يكتب فيه، لا في أصوله، أصول التفسير كتابة جيدة، ولا في مناهج المفسرين بعامة كتابة جيدة، ولا في مراتب أخذ العلم ومنهجية أخذ العلم.
فهي إذن خطوة، والذي ينبغي لطلاب العلم -كما ابتدأنا الحديث أن نختمه- الذي ينبغي على طلاب العلم أن يعتنوا كثيرا من معرفة معاني كلام الله جل وعلا فإنه والحق المطلق في جميع ما اشتمل عليه، فكل هداية وصواب ستجدها إن شاء الله تعالى في القرآن، إمّا على التفصيل وإما على الإجمال.
اللهم نوِّر قلوبنا بالقرآن واجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وجلاء همومنا وغُمومنا.
اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ومن عليه بتلاوته على الوجه الذي يرضيك عنا.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/423)
ـ[أبو اليقظان العربي]ــــــــ[26 - 07 - 10, 08:56 م]ـ
فهذا كلام حق لفضيلة الشيخ العلامة صالح آل الشيخ حول أشهر كتب التفسير وبيان حالها ومدى درجة الاستفادة منها.
وأرجو من المولى عز وجل ان يوفقنا لما فيه خير الدنيا و الاخرة ...
التحرير والتنوير لابن عاشور
"كتاب التحرير والتنوير فهو كتاب اعتنى به صاحبه بالبلاغة، ومؤلفه هو ابن عاشور أحد علماء تونس المشهورين في اللغة الحفاظ، وله مؤلفات في البلاغة، منها موجز في البلاغة نفيس جدا له مطبوع في تونس قديما وطبق قواعد البلاغة في تفسير القرآن؛ لكنه ما فرق في البلاغة بين البلاغة العربية السلفية وبين البلاغة المعتزلية الخلفية؛ فإن البلاغة قسمان:
-منها بلاغة، تعني النظر في علوم اللغة في القرآن على وَفق ما وضع من قواعد البلاغة ويكون هذا صحيحا، وهذا إذا كان على وفق علوم العرب وما قرره السلف وما قرر في العقائد فهذا لاشك من العلم النافع الغزير.
-ومنها أشياء مما أحدثه الناس بعد ذلك ولا يُحتاج إليها أصلا.
فهو خلط هذا؛ يعني طبق قواعد البلاغة وأسس البلاغة وتفصيلات البلاغة في القرآن وهو كتاب نافع للمتخصصين، أما طالب العلم المبتدئ، فلا يذهب إليه ولا يطّلع عليه؛ لأن فيه كثيرا من التأويلات والتحريفات التي في جنسه من كتب من لم يستق من عين عقيدة السلف رحمهم الله تعالى."
==============================
أيسر التفاسير للجزائري
وكتاب أيسر التفاسير للجزائري هو كتاب مختصر وعليه بعض الملاحظات؛ لكن في الجملة لا بأس به، وعليه بعض الملاحظات لاحظها عليه العلماء، ما يحتاج نمثل بأمثلة، موجودة الملاحظات، وهو في الجملة كتاب نافع سليم من البدع؛ لكن ربما نقل أشياء أو ظن أشياء من الحق وهي من أقوال أهل البدع أو من أقوال أهل العصر في المحدثات وتشبيه ما في القرآن من أخبار بما في العصر من مستجدات ووسائل ونحو ذلك.
===================================
في ظلال لقرآن
أما كتاب في ظلال القرآن فهو كتاب دعوي، ولا يصح أن يُنسب إلى كتب التفاسير
وإنما هو كما ذكر صاحبه في مقدمة كتابه أنه مشاعر له وتدبُّر في الآيات، فليس من كتب التفاسير؛ لأنه لم يفسر الآية على وفق تفاسير الذين اعتنوا بالتفسير، وإن كان يسمى تفسيرا في هذا العصر؛ لأنه كثرت كتب التفاسير التي على منواله.
هو كتاب رام صاحبه فيه أن يضع قواعد ومرجعا للدعاة ولمن يتأثرون بطريقته على القرآن الكريم، وكتابه في مواضع أحسن العبارة جدا مما يُستفاد منه، وفي مواضع أخر أساء العبارة لما فيه من تأويلات وما فيه من متابعة للمعتزلة أو متابعة للأشاعرة، وهو ليس عنده أمر واضح بل ربما انتقد السلف في اهتمامهم ببعض مسائل الاعتقاد كما ذكر في أول سورة الأنفال عند قوله: زَادَتْهُمْ إِيمَانًا? [الأنفال:2]، فإنه ظنّ أن مبحث أو ذكر أن مبحث زيادة الإيمان ونقصانه أنه مباحث علم الكلام، وهذا في أمثاله من المآخذات الكبيرة عليه، هذا في مسائل الصفات.
وهناك مسائل أخر كمسائل التكفير فإن عند مؤلفه وهو السيد قطب إبراهيم رحمه الله تعالى عنده كثير من الغلو في هذه المسائل،. ..... " [للاستزادة راجع المكتبة]
===========================
تفسير الفخر الرازي
"لهذا في هذه البلاد كان العلماء من قديم يمنعون التفاسير الضالة مثل تفسير الفخر الرازي مثلا أو مثل تفاسير الأشاعرة ونحوها تمنع من نحو عشرين ثلاثين سنة بعد ثلاثين يعني من عشرين سنة فأكثر أو نقول خمس وعشرون سنة فأكثر كانت تمنع تفاسير مثل تفسير الفخر الرازي لا يباع أصلا، وقد ذكر لي بعض علمائنا أنه لما كان يدرس التفسير على -يعني في الكليات- وكان يدرسهم الشيخ عبد الرزاق عفيفي حفظه الله ذكروا له أنه: لِمَ لا نرجع إلى تفسير الفخر الرازي ولتفسير فلان ولتفسير فلان؟ فقال لهم كلمة من بصير حاذق ناقد قال: "علماؤكم أرادوا لكم السلامة في دينكم، وتلكم الكتب فيها شوك وأنتم لا تحسنون الابتعاد عن الشوك، ولا استخراج الشوك". هذه كلمة معبرة نفيسة منه رحمه الله، مثل تفاسير الأشاعرة الكبيرة ما كانت تباع عندنا من قديم."
============================
تفسير الطبري
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/424)
"تفسير ابن جرير يعد الكتاب العظيم في التفسير ترى فيه البحث في القراءات، ترى فيه البحث في اللسان واللغة، ترى فيه الاحتجاج بأبيات العرب على المعاني، ترى فيه المباحث النحوية المختلفة والاحتجاج لأحد الأقوال بقول طائفة من النحاة ونحو ذلك، فالإمام ابن جرير خلط هذه العلوم في تفسيره، ترى فيه البحوث الفقهية عند بعض الآيات.
يعني أن كتاب ابن جرير رحمه الله تعالى يعد كتابا جامعا لعلوم التفسير"
===========================
تفسير الجلالين
الذي ينبغي على طالب العلم بالتفسير أن يعتني أولا بمعاني المفردات أن يعلم المعنى للمفردة؛ يعني في آية لا يعلم معنى الكلمة منها يذهب يبحث عن معنى هذه الكلمة في التفاسير المختصرة ومن التفاسير المختصرة التي تعتني ببيان بعض الكلمات تفسير الجلالين -الجلال المحلي والجلال السيوطي- على بدع في تفسيرهما.
لكن العلماء في هذه البلاد قد أقرؤوا على التفسير للطلاب في مرحلة المعاهد كما هو معلوم؛ وذلك لأن البدع التي فيه معلومة وهي قليلة بالنسبة للانتفاع الكثير الذي فيه، وإذا رام التفصيل أكثر له أن يستزيد يذهب إلى تفسير ابن كثير، إلى تفسير ابن جرير، إلى تفاسير أهل اللغة وهكذا."
=====================
س/ ما رأيك أن تكون القراءة مختصر الرفاعي لابن كثير؟
ج/" ليس بمناسب."
============================
الزمخشري, الثعلبي, الوجيز للواحدي
"وَفِي التَّفْسِيرِ مِنْ هَذِهِ الْمَوْضُوعَاتِ قِطْعَةٌ كَبِيرَةٌ مِثْلُ الْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ الثَّعْلَبِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ والزَّمَخْشَرِي فِي فَضَائِلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ سُورَةً سُورَةً فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
والثَّعْلَبِيُّ هُوَ فِي نَفْسِهِ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ وَدِينٌ وَكَانَ حَاطِبَ لَيْلٍ يَنْقُلُ مَا وُجِدَ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ مِنْ صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ وَمَوْضُوعٍ.
والْوَاحِدِيُّ صَاحِبُهُ كَانَ أَبْصَرَ مِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ ; لَكِنْ هُوَ أَبْعَدُ عَنْ السَّلَامَةِ وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ.
==============
تفسير الامام البغوي
والبغوي تَفْسِيرُهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ الثَّعْلَبِيِّ لَكِنَّهُ صَانَ تَفْسِيرَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ وَالْآرَاءِ الْمُبْتَدَعَةِ.
==================
حقائق التأويل للسلمي, تفسير ابن العربي, روح المعاني للآلوسي
"ثَم كتب كثيرة من جنس كتاب حقائق التأويل لأبي عبد الرحمن السلمي الصوفي المشهور وهو كتاب مطبوع، وكذلك كتاب التفسير تفسير القرآن المشهور لأبي بكر ابن العربي، وكذلك ما ذكره في الإشاريات الألوسي في أواخر كل مجموعة من الآيات يفسرها في كتابه روح المعاني، هذه تسمى التفاسير الإشارية.
والتفاسير الإشارية على أقسام:
القسم الاول: منها أن يكون المعنى الذي ذكروه صحيحا في نفسه؛ لكن كما قال شيخ الإسلام الآية لا تدل عليه، فتكون الآية مثلا في فتح من الفتوح في الجهاد، فيفسر الآية بفتح القلب؛ فتح باب المجاهدة في القلب، وأن هذا يعقب نصرا على الشيطان، فيجعل الجهاد جهاد القلب والنصر والغلبة -غلبة العدو الكافر الذي هو الشطيان-، هذا المعنى في نفسه صحيحا؛ لكن هو معنى لم يرد بالآية
القسم الثاني: أن يكون التفسير باطلا في نفسه
القسم الثالث: معاني يتوقف فيها لا يمكن أن تحكم عليها في نفسها بالصحة ولا بالبطلان، وذلك لاشتمالها على مصطلحات للصوفية، فيتوقف تصحيح المعنى أو إبطاله على فهم تلك المصطلحات.
وجميع هذه الأنواع الثلاثة والأقسام الثلاثة لا تمت إلى الآية بصلة لأنها من باب الإشاريات عندهم."
من المكتبة الالكترونية المفرغة
ـ[فلاح حسن البغدادي]ــــــــ[26 - 07 - 10, 11:43 م]ـ
بارك الله فيكم أبا اليقظان
ـ[أبو الفتح محمد]ــــــــ[27 - 07 - 10, 12:24 ص]ـ
تهذيب تفسير الجلالين للشيخ محمد لطفى الصباغ
ـ[أبو حنفى]ــــــــ[29 - 09 - 10, 11:01 م]ـ
[ QUOTE= أبومجاهدالعبيدي;185218] قلت مراراً، وأعيد هنا أيضاً: لم أجد أفضل من اختصار الشيخ محمد أحمد كنعان لتفسير ابن كثير، والمعنون بـ: فتح القدير تهذيب تفسير ابن كثير
ومن تأمله علم أنه يفوق اختصار الشيخ أحمد شاكر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أبا مجاهد
بارك الله فيكم وسدد خطاكم وعلمنا من علمكم
أرجو التكرم بإظهار مميزاته وكذلك عيوبه وبيان أسباب عدم انتشاره بين طلبة العلم وكيف استفيد منه ومتى، وجزاكم الله خير الجزاء
ـ[عبدالله محمد سعيد]ــــــــ[15 - 10 - 10, 12:24 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[محمد أمين حسيني]ــــــــ[15 - 10 - 10, 05:18 م]ـ
بارك الله فيكم اخوتى ....
و لكن صراحة أشعر أنّ تفسير السعدى لا أجد متعة فى قرآئته أريد ما هو أعلى منه و خالى أيضا من المخالفات العقدية ...
و ان كانت هذه المخالفات فى مسائل الصفات و كذا فان شاء الله ما يشكل علينا نسأل فيه
بارك الله فيكم
و أنا أيضا ..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/425)
ـ[محمد لمين الجزائر]ــــــــ[17 - 10 - 10, 12:22 م]ـ
تفسير ابن كثير
ـ[مساعد بن راشد العبدان]ــــــــ[21 - 10 - 10, 01:23 ص]ـ
كتاب التفسير الميسر للقرني رأيته يوضح الآية توضيحاً سهلاً سلساً تقرأ تفسير الآية كأنك تقرأ الآية وهو يحاكي تفسير الوزارة إلا أن تفسير القرني أوضح وتفسير الوزارة أضبط لأن تفسير القرني عليه ملاجظات جمعها بعضهم فليتنبه
ـ[الشيخ الدكتور يحيى فاضل عباس]ــــــــ[22 - 10 - 10, 10:51 م]ـ
السلام عليكم تفسير السعدي يمكن لطالب العلم في التفسير ان يبدء به
ـ[عبد الجبار القرعاوي]ــــــــ[22 - 10 - 10, 11:24 م]ـ
مأجور من نصح ومن شرح، جزاكم الله خيرا
ـ[الشيخ الدكتور يحيى فاضل عباس]ــــــــ[23 - 10 - 10, 01:06 ص]ـ
شكرا اخي وجزاك الله خيرا وبارك فيك
ـ[الشيخ الدكتور يحيى فاضل عباس]ــــــــ[23 - 10 - 10, 01:22 ص]ـ
شكرا اخي وجزاك الله خيرا وبارك فيك(2/426)
من هو أعلى أهل مصر إسنادا في القرآن الكريم
ـ[صالح العقل]ــــــــ[17 - 07 - 05, 10:16 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخواني الكرام:
من هو أعلى أهل مصر إسنادا في القرآن الكريم؟
جزاكم الله خيرا
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[17 - 07 - 05, 10:21 م]ـ
الحمد لله وحده ...
الشيخ عبدالباسط هاشم _ حلوان
الشيخ محمد عبدالحميد عبدالله _ الإسكندرية.
حفظهما الله ..
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[17 - 07 - 05, 10:27 م]ـ
الشيخ عبد الباسط حفظه الله يقطن بولاق أبو العلا، لا حلوان
فلعلها سبق قلم!
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[17 - 07 - 05, 10:30 م]ـ
وجزى الله خيرا أخونا الحبيب الأزهري السلفي، الذي نحبه في الله، والذي نتمنى أن نشرف بمقابلته ورؤيته، ونأمل أن يقبلنا من خلانه أو حتى اخوانه ....
ـ[صالح العقل]ــــــــ[17 - 07 - 05, 10:33 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي الكريم.
ـ[صالح العقل]ــــــــ[17 - 07 - 05, 10:36 م]ـ
هل يمكن القراءة عليهم؟
وهل تتفضل بتفصيل عناوينهم؟
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[17 - 07 - 05, 10:37 م]ـ
وإياك أخي الحبيب
وعلمنا الله وإياكم وجعلنا من أهل القرآن ... آمين
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[17 - 07 - 05, 10:39 م]ـ
ماشاء الله نحن نتسابق أخي صالح في الكتابة:)
سأرسل لك إن شاء الله ربما مساء اليوم أو غدا رقم هاتف الشيخ عبد الباسط وتسأله وتاخذ منه الوصف كاملا، لان الشرح يعني بالنسبة لي متعب بعض الشيء؟ وإن أحببت نذهب معا فلا بأس
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[17 - 07 - 05, 10:40 م]ـ
ماشاء الله نحن نتسابق أخي صالح في الكتابة:)
سأرسل لك إن شاء الله ربما مساء اليوم أو غدا رقم هاتف الشيخ عبد الباسط وتسأله وتاخذ منه الوصف كاملا، لان الشرح يعني بالنسبة لي متعب بعض الشيء؟
سؤال: هل أنت مصري أم مقيم في مصر أم زائر؟
:)
ـ[صالح العقل]ــــــــ[17 - 07 - 05, 11:09 م]ـ
أشكرك أخي أبا عبد الرحمن الدرعمي، على سرعة جوابك، وحسن ردك.
وجزاك الله خيرا.
وسأنتظر -إن شاء الله-.
ـ[ابن هشام المصري]ــــــــ[19 - 07 - 05, 04:14 م]ـ
هل هو أعلى إسناد
من الشيخ العلامة إبراهيم على شحاته السمنودى حفظه الله
ـ[صالح العقل]ــــــــ[19 - 07 - 05, 07:52 م]ـ
أرجو ممن لديه الإفادة، أن يفيد.
جزاكم الله خيرا.
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[29 - 07 - 05, 01:57 ص]ـ
هذا ما سمعته من أهل الشأن ... وللشيخ الفاضل خالد أبو الجود (يكتب باسم: أبو الجود)، والشيخ الحبيب وليد المنيسي (أبو خالد السلمي) كلام في الملتقى حول هذا .....
أظن عناوين المشاركات: (أعلى أهل الأرض إسنادا) و (ترجمة الشيخ عبد الباسط هاشم) .......
ـ[صالح العقل]ــــــــ[01 - 08 - 05, 02:08 م]ـ
هل أم السعد لها مثل هذا العلو في الإسناد؟!
وأين هي الآن؟
أرجو الإفادة.
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[02 - 08 - 05, 07:37 ص]ـ
هي في الأسكندرية .. أما الإسناد فلا أدري، فيسأل أهل الشأن .. لكن ما نقلته لك؛ من أن أعلى الأسانيد من طريق الشاطبية الشيخ بكري ومن طريق الدرّة الشيخين عبد الباسط هاشم بالقاهرة، والشيخ محمد عبد الحميد بالأسكندرية -حفظ الله الجميع- ذَكره أكثر من واحد من أصحاب القراءات كالشيخ السلمي والشيخ أبو الجود وغيرهما -بارك الله فيهم - ...
وهناك عدد ممن ترجم للشيخة الفاضلة .. على الشبكة ... راجع (إسلام أون لاين وملتقي أهل القرآن وأهل التفسير) ...
بارك الله فيك أخي الحبيب ... ويسر لك الخير حيثما كان ...
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[02 - 08 - 05, 01:38 م]ـ
هذه سلسلة إسناد المقرئة الشيخة أم السعد الإسكندرانية
تلقت الشيخة المسندة المعمّرة المقرئة أم السعد الإسكندرانية القراءات العشر من الشاطبية والدرة عن
(1) الشيخة نفيسة بنت أبو العلا وهي عن
(2) عبد العزيز علي كحيل وهو قرأ على
(3) عبد الله الدسوقي وهو عن
(4) شيخه علي الحدادي
(5) شيخ القراء بالديار المصرية الشيخ إبراهيم العبيدي
الذي قرأ على (6) شيخ الجامع الأزهر محمد بن حسن السمنودي المنير
الذي قرأ على (7) عليّ الرميلي
الذي قرأعلى (8) شيخ قراء زمانه محمد بن قاسم البقري
الذي قرأ على (9) شيخ قراء مصر عبد الرحمن بن شحاذة اليمني
الذي قرأ على (10) عليّ بن غانم المقدسي9
الذي قرأ على (11) محمد بن إبراهيم السمديسي
الذي قرأ على (12) الشهاب أحمد بن أسد الأميوطي
الذي قرأ على (13) الإمام الحافظ حجة القراء محمد بن محمد بن محمد بن الجزري الشافعي مؤلف النشر و الطيبة و غيرهما من المؤلفات المباركة
وهو قد قرأ على (14) عبد الرحمن بن أحمد البغدادي
الذي قرأ على (15) شيخ القراء بمصرمحمد بن أحمد الصائغ
الذي قرأ على (16) علي بن شجاع الكمال الضرير صهر الإمام الشاطبي
الذي قرأ على (17) الإمام أبي القاسم الشاطبي
الذي قرأ على (18) الإمام علي بن محمد بن هذيل البلنسي
الذي قرأ على (19) أبي داود سليمان بن نجاح
الذي قرأ على (20) الإمام أبي عمرو الداني
الذي قرأ برواية حفص على (21) طاهر بن غلبون
قال قرأت على (22) علي بن محمد الهاشمي
قال قرأت على (23) أحمد بن سهل الأشناني
قال قرأت على (24) أبي محمد عبيد بن الصباح
قال قرأت على (25) حفص بن سليمان
الذي قرأ على (26) عاصم بن بهدلة بن أبي النجود
الذي قرأ على (27) أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي
الذي أخذ عن (28) عثمان و علي و عبد الله بن مسعود و أبي بن كعب وزيد ثابت،
وأخذ هؤلاء رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي تلقى القرآن عن جبريل عليه السلام عن رب العزة جل شأنه.
وبين الشيخه ام السعد والنبي صلى الله عليه وسلم براوية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية 27 راويا وبذلك هي من الاسانيد العالية والله تعالى اعلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/427)
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[02 - 08 - 05, 01:52 م]ـ
أما عن الأسانيد العالية في القراءات لحد هذا الوقت
أعلى من نعرف في القراءات العشر الكبرى من طريق الطيبة الشيخان المقرئان الجليلان:
الشيخ المقري عبد الباسط هاشم عن (1) شمروخ محمد شمروخ، وهو عن (2) المتولي عن (3) الدري التهامي عن (4) سلمونة عن (5) إبراهيم العبيدي.
والشيخ المقري محمد عبد الحميد عبد الله خليل الإسكندراني عن (1) محمد عبد الرحمن الخليجي عن (2) عبد العزيز علي كحيل عن (3) عبد الله الدسوقي عن (4) علي الحدادي عن (5) إبراهيم العبيدي.
ومن قراء الطيبة المعتبرين يوجد ايضا
الشيخ محمد تميم الزعبي الحمصي والشيخ أيمن سويد الدمشقي عن (1) العلامة عبد العزيز عيون السود عن (2) العلامة علي بن محمد الضباع عن (3) الخطيب الشعار والشيخ الكتبي صهر المتولي وهما عن (4) المتولي عن (5) الدري التهامي عن (6) سلمونة عن (7) إبراهيم العبيدي.
وتلاميذ الزيات رحمه الله كثر.
أما العشر الصغرى فيوجد من هم في درجة الشيخين المذكورين عدد، أذكر منهم:
في مصر: الشيخة المسندة المعمّرة المقرئة أم السعد الإسكندرانية عن (1) الشيخة نفيسة بنت أبو العلا عن (2) عبد العزيز علي كحيل المذكور بسنده.
وفي الشام عدد، منهم: شيخ قراء دمشق الشيخ كريم راجح والشيخ بكري بن عبد المجيد الطرابيشي وأبو الحسن محي الدين الكردي ومحمد طه سكر الدمشقيون كلهم عن (1) محمود فايز الدير عطاني عن (2) محمد سليم الحلواني عن (3) والده أحمد الحلواني الكبير عن (4) أحمد المرزوقي عن (5) العبيدي.
وكذا المشايخ عبد الغفار الدروبي الجد ومحمد خالد الأشقر الغجري الحمصيان وأيمن رشدي سويد الدمشقي و محمد تميم الزعبي الحمصي أربعتهم عن (1) عبد العزيز عيون السود عن (2) محمد سليم الحلواني بسنده المتقدم.
وأعلا مما ذكر: الشيخ المعمّر المقري بكري بن عبد المجيد الطرابشي الدمشقي الذي قرأ القرآن الكريم ختمة كاملة بالقراءات السبع من طريق الشاطبية على الشيخ محمد سليم الحلواني، وأجازه به، بل وبكل مروياته، وعلى هذا فالشيخ بكري هو آخر من بقي من تلاميذ الشيخ محمد سليم الحلواني فيما نعلم،وهو أعلى القراء سنداً في الدنيا الآن حسب علمنا، والله أعلم، ثم إنّ الشيخ بكري بعد وفاة شيخه المذكور قرأ على تلميذ شيخه الشيخ محمود فايز الدير عطاني ختمة بالعشر الصغرى،
والعلم عند الله
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[02 - 08 - 05, 02:48 م]ـ
جزاكم الله خيرا على هذا التوضيح الشافي
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[02 - 08 - 05, 11:58 م]ـ
الحمد لله وحده ...
أخي الحبيب أبا عبدالرحمن الدرعمي .. أحبك الذي أحببتني له ..
بل أنا الذي أتشرف بمقابلتك والتعرف عليك. وأسعد لذلك ..
والمعذرة على التأخر في الرد، فإني قليلا ما أتصفح الملتقى مؤخرًا.
ـ[صالح العقل]ــــــــ[05 - 08 - 05, 06:18 م]ـ
شكر الله لكم جيعا، وبارك فيكم.
ـ[ابن مطرف الكناني]ــــــــ[29 - 09 - 06, 03:56 ص]ـ
أما عن الشيخ عبد الباسط هاشم فلا أرى بعد ما كتب في الملتقى حول إسناده عن شمروخ داعيا لذكر علو إسناده من طريقه، ويوجد في مصر الشيخ البركة الفاضل: عبد الفتاح بن محمد مدكور أخذ عن الإمام الضباع رواية حفص، وعن الشيخ عامر عثمان العشر الكبرى.
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[01 - 10 - 06, 03:59 ص]ـ
جزاكم الله خيرا شيخنا الكريم
ابن مطرف الكناني
أرجو منكم مشكورين غير مأمورين أن تترجموا
للشيخ عبد الفتاح بن محمد مدكور
بارك الله فيكم
ـ[عمر رحال]ــــــــ[02 - 11 - 06, 11:56 ص]ـ
ويوجد في مصر الشيخ البركة الفاضل: عبد الفتاح بن محمد مدكور أخذ عن الإمام الضباع رواية حفص، وعن الشيخ عامر عثمان العشر الكبرى.
في أي محافظات مصر؟ وهل من إطلالة على ترجمته - وفقك الله -؟
ـ[عبد الحميد فياض]ــــــــ[19 - 03 - 07, 01:53 ص]ـ
الاخوة الفضلاء اعزكم الله من الجدير بالذكر ان بعض اخواننا اعزهم الله
عند عد التسلسل المؤدى الى الرواية او القراءة لايضعون فى الحسبان ماذا قرا الشيخ وهل اجيز بختمة كاملة ام لا والختمة الكاملة افضل فاذا نظرنا الى الاسانيد المذكورة سابقا وجدنا ذكر ان الشيخ عد الرحمن اليمنى بينه وبين ابن الجزرى ثلاثة رجال لكن السؤال الذى يطرح نفسه من اى طريق هذا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/428)
والجواب ان الشيخ المرصفى رحمه الله ذكر فى كتابه هداية القارى ان العلامة عبد الرحمن اليمنى قرا على العلامة على بن غانم المقدسى للسبعة فقط وهذا المثبت فى كثير من اجازات المسجد الاحمدى وبها اجزت لكن المؤسف ان بعض العادين لاقرب السند واعلاه يجعلون هذا فى عد طرق الدرة والعشر الكبرى وهو الذى يرفضه العقل والنقل والمعروف من الاجازات وسير العلماء ان العلامة عبد الرحمن اليمنى قرا بالكبرى والصغرى على الشهاب احمد بن احمد بن عبد الحق السنباطى على العلامة شحاذة اليمنى الذى قرا العشر الصغرى على الشيخ احمد المسيرى المصرى المعروف بصهر الطبلاوى القارى على ناصر الدين محمد بن سالم الطبلاوى وقرا شحاذة بالكبرى على ناصر الدين الطبلاوى نفسه كما هو المذكور فى جميع الاسانيد والطبلاوى على شيح الاسلام زكريا الانصارى على (العقبى (السبعة) *والمخزومى (السبعة) *والقلقيلى (السبعة) والنويرى (الكبرى والصغرى) ,والاميوطى لااعلم السبعة ام زاد عليه الدرة لكن شيخ الاسلام لم يقرا الكبرى الا على النويرى المالكى وقرا العقبى على ابن الجزرى الى المفلحون فى البقرة جمعا للسبعة واجازه ابن الجزرى فكيف يد خل فى سند الدرة والطيبة وقرا العقبى الحتمة كاملة على غير ابن الجزرى وسنده الاخر مذكور بالملتقى اما الاميوطى والقلقيلى والمخزومى والنويرى كلهم قرءوا على ابن الجزرى فاذا كتبت سندا للدرة او الطيبة فاحتياطا ان نذكر قراءة شيح الاسلام على النويرى على ابن الجزرى وهو الاسلم اما للسبعة فلاحرج فى ذكر هولاء الخمسة لعدم حدوث الخلط حينئذ فالحاصل وجود ثلاثة رجال يقينا يين العلامة عبدالرحمن اليمنى وبين ابن الجزرى من السبعة فقط ومن الدرة والطيبة خمس رجال يقينا لكن السنباطى المذكور قرا على الجمال يوسف بن شيخ الاسلام على والده شيخ الاسلام فعلا بذلك السند درجة لكنا لانعرف للصغرى ام للكبرى فتكون للصغرى احتياطا * وكذلك قرا العلامة على والده فمات اثناء الجمع للسبع الىالاية 41 النساء*لكن السابقون كانوا لايجمعون الا بعد الافراد السبعة او للعشرة*والخلاصة انه ((بين العلامة عبدالرحمن اليمنى وبين ابن الجزرى. ثلاثة رجال من الشاطبية يقينا*واربعة من الدرة يقينا*وخمسة من الطيبة احتياطا للامانة وعدم الخلط*الا ان يثبت احد ان السنباطى قرا بالطيبة على الجمال يو سف وهو كذلك على والده شيخ الاسلام حتى يكون العدد اربعة*)) واحيرا اقول وبالله التوفيق ان اعلى اسنادا لحفص هو للشيخ الطرابيشى اما قول ان الشيخ محمد عبد الحميد السكندري يساويه من الكفاية او غيرها من طرق النشر فهذا خطا لانهم عدواعلى قراءة اليمنى على المقدسى ولم تكن الا من الشاطبية ** والله اعلم ** والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[21 - 03 - 07, 01:03 م]ـ
الاخوة الفضلاء اعزكم الله من الجدير بالذكر ان بعض اخواننا اعزهم الله
عند عد التسلسل المؤدى الى الرواية او القراءة لايضعون فى الحسبان ماذا قرا الشيخ وهل اجيز بختمة كاملة ام لا والختمة الكاملة افضل فاذا نظرنا الى الاسانيد المذكورة سابقا وجدنا ذكر ان الشيخ عد الرحمن اليمنى بينه وبين ابن الجزرى ثلاثة رجال لكن السؤال الذى يطرح نفسه من اى طريق هذا
والجواب ان الشيخ المرصفى رحمه الله ذكر فى كتابه هداية القارى ان العلامة عبد الرحمن اليمنى قرا على العلامة على بن غانم المقدسى للسبعة فقط وهذا المثبت فى كثير من اجازات المسجد الاحمدى وبها اجزت لكن المؤسف ان بعض العادين لاقرب السند واعلاه يجعلون هذا فى عد طرق الدرة والعشر الكبرى وهو الذى يرفضه العقل والنقل والمعروف من الاجازات وسير العلماء ان العلامة عبد الرحمن اليمنى قرا بالكبرى والصغرى على الشهاب احمد بن احمد بن عبد الحق السنباطى على العلامة شحاذة اليمنى الذى قرا العشر الصغرى على الشيخ احمد المسيرى المصرى المعروف بصهر الطبلاوى القارى على ناصر الدين محمد بن سالم الطبلاوى وقرا شحاذة بالكبرى على ناصر الدين الطبلاوى نفسه كما هو المذكور فى جميع الاسانيد والطبلاوى على شيح الاسلام زكريا الانصارى على (العقبى (السبعة) *والمخزومى (السبعة) *والقلقيلى (السبعة) والنويرى (الكبرى والصغرى) ,والاميوطى لااعلم السبعة ام زاد عليه الدرة لكن شيخ الاسلام لم يقرا الكبرى الا على النويرى المالكى وقرا العقبى على ابن الجزرى الى المفلحون فى البقرة جمعا للسبعة واجازه ابن الجزرى فكيف يد خل فى سند الدرة والطيبة وقرا العقبى الحتمة كاملة على غير ابن الجزرى وسنده الاخر مذكور بالملتقى اما الاميوطى والقلقيلى والمخزومى والنويرى كلهم قرءوا على ابن الجزرى فاذا كتبت سندا للدرة او الطيبة فاحتياطا ان نذكر قراءة شيح الاسلام على النويرى على ابن الجزرى وهو الاسلم اما للسبعة فلاحرج فى ذكر هولاء الخمسة لعدم حدوث الخلط حينئذ فالحاصل وجود ثلاثة رجال يقينا يين العلامة عبدالرحمن اليمنى وبين ابن الجزرى من السبعة فقط ومن الدرة والطيبة خمس رجال يقينا لكن السنباطى المذكور قرا على الجمال يوسف بن شيخ الاسلام على والده شيخ الاسلام فعلا بذلك السند درجة لكنا لانعرف للصغرى ام للكبرى فتكون للصغرى احتياطا * وكذلك قرا العلامة على والده فمات اثناء الجمع للسبع الىالاية 41 النساء*لكن السابقون كانوا لايجمعون الا بعد الافراد السبعة او للعشرة*والخلاصة انه ((بين العلامة عبدالرحمن اليمنى وبين ابن الجزرى. ثلاثة رجال من الشاطبية يقينا*واربعة من الدرة يقينا*وخمسة من الطيبة احتياطا للامانة وعدم الخلط*الا ان يثبت احد ان السنباطى قرا بالطيبة على الجمال يو سف وهو كذلك على والده شيخ الاسلام حتى يكون العدد اربعة*)) واحيرا اقول وبالله التوفيق ان اعلى اسنادا لحفص هو للشيخ الطرابيشى اما قول ان الشيخ محمد عبد الحميد السكندري يساويه من الكفاية او غيرها من طرق النشر فهذا خطا لانهم عدواعلى قراءة اليمنى على المقدسى ولم تكن الا من الشاطبية ** والله اعلم ** والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا على هذا التوضيح وهذه الفوائد
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/429)
ـ[شريف بن أحمد مجدي]ــــــــ[22 - 03 - 07, 01:55 م]ـ
ترجمة فضيلة الشيخ عبد الفتاح مدكور - حفظه الله -
http://www.alquraat.201mb.com/vb/showthread.php?t=22
ـ[محمد بن صابر عمران]ــــــــ[03 - 04 - 07, 01:45 ص]ـ
أعلى القراء سندًا في مصر بالا منازع هو الشيخ محمد عبد الحميد عبد الله الإسكندراني بل هو من أعلى الأسانيد في العالم من طريق الطيبة والدرة، وذلك بعد موت الشيخ الزيات رحمه الله والشيخة أم السعد رحمها الله، وبعد ان انكشف أمر الشيخ عبد الباسط بسنده المزعوم عن شمروخ.
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[10 - 04 - 07, 11:29 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[عبد الحميد فياض]ــــــــ[14 - 04 - 07, 01:58 ص]ـ
*اى استفسارات هذا رقمى0020100615909 لأنى طالب بكلية الطب ووقتى مشغول كى اجلس على الملتقى**انا حاصل على اجازات متعدده لخمس قراءات_نافع _عاصم_ابن كثير_ابن عامر_حمزه_بالاضافه الى حفص وقالون من الطيبه*يوجد معى نصوص اجازات قديمه ولا استطيع ان ارسلها اليكم لظروف.؟
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[أحمدالبيطري]ــــــــ[15 - 04 - 07, 11:34 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[عبد الحميد فياض]ــــــــ[16 - 04 - 07, 06:27 م]ـ
محمد بن صابر عمران; أعلى القراء سندًا في مصر بالا منازع هو الشيخ محمد عبد الحميد عبد الله الإسكندراني بل هو من أعلى الأسانيد في العالم من طريق الطيبة والدرة، وذلك بعد موت الشيخ الزيات رحمه الله والشيخة أم السعد رحمها الله، وبعد ان انكشف أمر الشيخ عبد الباسط بسنده المزعوم عن شمروخ.**
جزاكم الله خيرا
ـ[صلاح الدين السلفي]ــــــــ[18 - 04 - 07, 02:28 ص]ـ
الأخ الفاضل عبد الحميد فياض قلت:واحيرا اقول وبالله التوفيق ان اعلى اسنادا لحفص هو للشيخ الطرابيشى.
أقول: هل الشيخ الطرابيشي أعلى الناس إسنادا في العالم في حفص أم في القراءات السبع من الشاطبية؟ أرجوا الإجابة مع الدليل بارك الله فيك.
ـ[صالح العقل]ــــــــ[24 - 07 - 07, 02:20 ص]ـ
نفع الله بكم.
ـ[محمد بن صابر عمران]ــــــــ[29 - 07 - 07, 03:53 م]ـ
كنت أظن أن الشيخ محمد عبد الحميد عبد الله من أعلى الأسانيد وكذالك الشيخ عبد الباسط هاشم (أن صح سنده) لكن بعد البحث والتحري على الأسانيد وجدت أنه قد وجد أكثر من شيخ في مصر يشتركون في نفس الطبقة معهما فكل من أجازه الشيخ (الفاضلي علي أبو ليلة) رحمه الله بالصغرى أو الكبرى- وهم أكثر من واحد- قد على سنده وأصبح من طبقة الشيخ الزيات والشيخ محمد عبد الحميد عبد الله حيث أن الشيخ الفاضلي بينه وبين العبيدي ثلاث رجال فقط حيث قرأ الصغرى والكبرى على الشيخ إسماعيل إسماعيل أبو النور وهو على الشيخ عبد الله عبد العظيم الدسوفي وهو علىالشيخ علي الحداد وهو علىالشيخ العبيدي. وقد اطلعت على سنده ولا غبار عليه ألبتة
رد باقتباس
ـ[شكري محمود]ــــــــ[29 - 07 - 07, 07:09 م]ـ
كنت أظن أن الشيخ محمد عبد الحميد عبد الله من أعلى الأسانيد وكذالك الشيخ عبد الباسط هاشم (أن صح سنده) لكن بعد البحث والتحري على الأسانيد وجدت أنه قد وجد أكثر من شيخ في مصر يشتركون في نفس الطبقة معهما فكل من أجازه الشيخ (الفاضلي علي أبو ليلة) رحمه الله بالصغرى أو الكبرى- وهم أكثر من واحد- قد على سنده وأصبح من طبقة الشيخ الزيات والشيخ محمد عبد الحميد عبد الله حيث أن الشيخ الفاضلي بينه وبين العبيدي ثلاث رجال فقط حيث قرأ الصغرى والكبرى على الشيخ إسماعيل إسماعيل أبو النور وهو على الشيخ عبد الله عبد العظيم الدسوفي وهو علىالشيخ علي الحداد وهو علىالشيخ العبيدي. وقد اطلعت على سنده ولا غبار عليه ألبتة
أخي الكريم هل يمكن أن توضح أكثر؟
بارك الله فيك.
ـ[مهندس ماهر]ــــــــ[08 - 08 - 07, 04:24 م]ـ
أرجو من الأخ الذي يشكك في سند الشيخ عبدالباسط هاشم الإيضاح مع الدليل للضرورة
أرجو من الأخ الذي يشكك في سند الشيخ عبدالباسط هاشم الإيضاح مع الدليل للضرورة
أرجو من الأخ الذي يشكك في سند الشيخ عبدالباسط هاشم الإيضاح مع الدليل للضرورة
وجزاكم الله خيرا
ـ[أحمد يخلف]ــــــــ[08 - 08 - 07, 11:06 م]ـ
هل من مفيد اخوتي الكرام في شأن أعلى أهل مصر إسنادا في القرآن الكريم؟ على رواية ورش.
ـ[محمد مصطفى الوكيل]ــــــــ[09 - 08 - 07, 12:01 ص]ـ
أنصح كل من أراد أن يتعلم القراءات أولا حفظ المتون وإتقان الشروح والقراءة على شيخ مهما يكون سنده، أما أن يكون هم الإنسان البحث عن علو السند ولكن للأسف قد لا يحفظ متنا فضلا عن أن يتقن شرحه وتحريراته فهذا أظنه مما لا يبتغى به وجه الله، ونلاحظ أن أمر الإجازة أصبح موضة العصر، فتجد كثيرا من المجازيين لا يتقن حفظ القرآن، وتجد كثيرا من شيوخ الدنيا يتغالى في ثمن الإجازات ولا حول و لا قوة إلا بالله.
أخوكم المقرء محمد الوكيل
ـ[الخزرجي]ــــــــ[09 - 08 - 07, 01:08 ص]ـ
، فتجد كثيرا من المجازيين لا يتقن حفظ القرآن،
صدقت شيخي الكريم , بل أعرف ناس مجازين في العشر ويلحنون في الفاتحة ولايحفظون جزءاً واحداً من القرآن!!!!!!!!!!!!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/430)
ـ[أحمد يخلف]ــــــــ[09 - 08 - 07, 03:05 ص]ـ
هل يوجد شيخ يعطي الإجازة لغير الحافظ لكتاب الله، أعلم أن من شروط الإجازة في القرآن الحفظ ........
ـ[الخزرجي]ــــــــ[10 - 08 - 07, 07:25 ص]ـ
هل يوجد شيخ يعطي الإجازة لغير الحافظ لكتاب الله، أعلم أن من شروط الإجازة في القرآن الحفظ ........
نعم , هذا من أول الشروط ,ولكن هناك بعض العلماء _هداهم الله_ متساهلين جداً , فأنا كما ذكرت لكم أعرف أناس مجازين في العشر ولم يحفظوا جزء "عم"
ولا يعرفون أسماء القراء العشرة ولا يعرفون أحكام النون الساكنة والتنوين ويلحنون في الفاتحة , وهؤلاء أعرفهم معرفة شخصية جداً!!!!!!!!!!
ولكن الاجازات القرآنية خاصةً مازالت لها قيمتها إلى الآن , فمثل هذه الحالات النادرة لاتقلل من شأن الاجازة.
ـ[أبوسلمة السلفي]ــــــــ[11 - 08 - 07, 02:41 ص]ـ
نعم , هذا من أول الشروط ,ولكن هناك بعض العلماء _هداهم الله_ متساهلين جداً , فأنا كما ذكرت لكم أعرف أناس مجازين في العشر ولم يحفظوا جزء "عم"
ولا يعرفون أسماء القراء العشرة ولا يعرفون أحكام النون الساكنة والتنوين ويلحنون في الفاتحة , وهؤلاء أعرفهم معرفة شخصية جداً!!!!!!!!!!
ولكن الاجازات القرآنية خاصةً مازالت لها قيمتها إلى الآن , فمثل هذه الحالات النادرة لاتقلل من شأن الاجازة.
!!! ... من أغرب الأشياء التي رأيتها في حياتي ... !!!
ـ[أبو مسعود الجزائري]ــــــــ[11 - 08 - 07, 06:47 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بارك الله في أخوتي و جزاكم الله كل خير. اما فيما يخص نصيحة اخينا فيما يخص حفظ القران مع عدم طلب السند العالي فقد اصاب و اجاد. لكن اظيف اظافة لطيفة أن الإسناد العالي قربة من رب العالمين،وطلبه سنة من سنن سلفنا الصالح، و لذلك حرص طلاب العلم على تلقي العلم عمن عرف بعلو السند مع التمكن في العلم والتقوى والصلاح.
اذكر قصة الامام أبو زكريا يحيى بن معين رحمه الله: لما حضرت الوفاة الامام يحيى ابن معين, قيل له ماذا تشتهي , قال بيت خالي و سند عالي. هذا الامام الكبير يطلب سندا عاليا في الحديث فما بالك بكتاب الله عز و جل.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ـ[محمد بن صابر عمران]ــــــــ[13 - 08 - 07, 07:06 م]ـ
وقد وجدنا سندًا أخرًا في تفس طبقة الشيخ محمد عبد الحميد عبد الله حفظه الله و الشيخ الزيات رحمه الله وهو سند فضيلة الشيخ / علي سعيد رحال حيث قرأ على الشيخة / إنصاف محمد عبد السلام وهي عن الشيخ عبد العزيز كحيل السكندري
ـ[هيثم بن سعد ابن صعب]ــــــــ[13 - 08 - 07, 07:31 م]ـ
بارك الله فيكم
ـ[عمر رحال]ــــــــ[18 - 08 - 07, 07:31 ص]ـ
وقد وجدنا سندًا أخرًا في تفس طبقة الشيخ محمد عبد الحميد عبد الله حفظه الله و الشيخ الزيات رحمه الله وهو سند فضيلة الشيخ / علي سعيد رحال حيث قرأ على الشيخة / إنصاف محمد عبد السلام وهي عن الشيخ عبد العزيز كحيل السكندري
جزاكم الله خيرًا.
شيخ قراء الإسكندرية/ علي سعد رحال - حفظه الله تعالى -.
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[18 - 08 - 07, 04:02 م]ـ
هل يوجد إسناد في القرآن الكريم الآن فيه من الوسائط بين القارئ والنبي صلى الله عليه وسلم 24؟؟؟
ـ[عمرو صلاح الدين]ــــــــ[18 - 08 - 07, 05:49 م]ـ
ويوجد في مصر الشيخ البركة الفاضل: عبد الفتاح بن محمد مدكور أخذ عن الإمام الضباع رواية حفص، وعن الشيخ عامر عثمان العشر الكبرى. إذا كان الأمر كذلك فالسمنودي من طبقة عامر عثمان، وقد كان الضباع رئيسا للجنة الاختبار التي اختبرت السمنودي
كذلك الزيات والسمنودي وعامر عثمان كلهم من طبقة واحدة وأسانيدهم متقاربة
والضباع يروي عن واحد عن المتولي
وفي طبقة السمنودي وغيره الكثير من القراء المعروفين في مصر كالشيخ محمد عبد الحميد الإسكندراني وغيره
والأحوط أن لا يجزم الإنسان بشيء إلا بعد إحاطة كبيرة فالقراء لا حصر لهم وهناك الكثير منهم غير معروف، تجده في زوايا القرى والمدن وبعضهم يحمل أسانيد عالية جدا من نفس طبقة السمنودي وأمثاله من مشاهير المقرئين.
بل إن السمنودي نفسه لم يشتهر مثلما اشتهر تلميذه رزق خليل حبة شيخ عموم المقارئ المصرية السابق.
على الجميع سحائب الرحمة أحياءا وأمواتا
ـ[شكري محمود]ــــــــ[18 - 08 - 07, 07:40 م]ـ
وقد وجدنا سندًا أخرًا في تفس طبقة الشيخ محمد عبد الحميد عبد الله حفظه الله و الشيخ الزيات رحمه الله وهو سند فضيلة الشيخ / علي سعيد رحال حيث قرأ على الشيخة / إنصاف محمد عبد السلام وهي عن الشيخ عبد العزيز كحيل السكندري
هل من تعريف بالشيخ علي سعيد رحال؟
ومن شاركه في هذا السند؟
جزاك الله خيرا،،،
ـ[يحيى صالح]ــــــــ[18 - 08 - 07, 08:31 م]ـ
وممن أجازته الشيخة أم السعد بالقراءات العشر عبد الرحمن بن رفعت بن غنيم البطيخي بالإسكندرية شارع 30.
وقد أجازته ووالدته أيضا.
وهما يقومان الآن بالتحفيظ والإجازة بدار الإكرام قبلي السكة الحديد بسيدي بشر أمام محطة القطار.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/431)
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[19 - 08 - 07, 12:03 م]ـ
هل يوجد إسناد في القرآن الكريم الآن فيه من الوسائط بين القارئ والنبي صلى الله عليه وسلم 24؟؟؟
لعل أهل سوريا يتحفوننا بالجواب؛ فالمتوقع أن يكون هذا عندهم.
ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[27 - 08 - 07, 11:03 ص]ـ
هل من سند مما ثل بالجزائر جزاكم الله خيرا
ـ[الكاتب عبدالله]ــــــــ[17 - 10 - 07, 03:24 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[أبو معاذ الدرديري]ــــــــ[29 - 11 - 07, 05:01 م]ـ
نسيتم العلامة الشيخ سعد أبا طالب بالحوامدية من أقران هؤلاء بل بما أعلى منهم في السند
ـ[صلاح الدين السلفي]ــــــــ[30 - 11 - 07, 04:27 م]ـ
من قال لك أخي الفاضل إنه أعلى منهم في السند، وما دليلك، وما هو الضابط في علو السند، وجزاكم الله خيراً
ـ[عبدالرحمن المسيرى]ــــــــ[01 - 12 - 07, 05:18 م]ـ
فى ظنى والعلم عند الله تعالى ان الشيخ على رحال فى نفس مرتبة الشيخ عبدالباسط هاشم والشيخة ام السعد والشيخ محمد عبدالحميد
ـ[صالح العقل]ــــــــ[29 - 05 - 08, 05:13 م]ـ
الشيخ عبد الباسط حفظه الله يقطن بولاق أبو العلا، لا حلوان
فلعلها سبق قلم!
نعم الصواب: أن الشيخ عبد الباسط في بولاق أبو العلا.
ـ[السيد زكي]ــــــــ[02 - 06 - 08, 04:02 ص]ـ
جزاكم الله خيرا على هذه التطوافة الممتعة المفيدة وجعلم الله كلكم اهلا للعلو بالسند في الدنيا والاخرة
ـ[القصيمي]ــــــــ[29 - 06 - 08, 11:20 م]ـ
أثابكم الله ..
ـ[صالح العقل]ــــــــ[16 - 07 - 08, 09:43 م]ـ
كنت أظن أن الشيخ محمد عبد الحميد عبد الله من أعلى الأسانيد وكذالك الشيخ عبد الباسط هاشم (أن صح سنده)
لكن بعد البحث والتحري على الأسانيد وجدت أنه قد وجد أكثر من شيخ في مصر يشتركون في نفس الطبقة معهما فكل من أجازه الشيخ (الفاضلي علي أبو ليلة) رحمه الله بالصغرى أو الكبرى- وهم أكثر من واحد- قد على سنده وأصبح من طبقة الشيخ الزيات والشيخ محمد عبد الحميد عبد الله حيث أن الشيخ الفاضلي بينه وبين العبيدي ثلاث رجال فقط حيث قرأ الصغرى والكبرى على الشيخ إسماعيل إسماعيل أبو النور وهو على الشيخ عبد الله عبد العظيم الدسوقي وهو علىالشيخ علي الحداد وهو علىالشيخ العبيدي. وقد اطلعت على سنده ولا غبار عليه ألبتة
رد باقتباس
أرجو التفصيل في هذا الموضوع أخي الفاضل.
كما آمل التكرم بالإجابة على الأسئلة التالية:
- ترجمة الشيخ الفاضلي.
- من شاركه في الرواية في إسناده المذكور؟ وذكر بعض أقرانه المشهورين في الإسناد المذكور.
- ترجمة شيوخه إلى العبيدي.
جزاكم الله خيرا.
ـ[السنفراوي]ــــــــ[16 - 07 - 08, 10:19 م]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم.
ولا أرى غبارا في سند شيخ مشايخنا العلامة د / عبد الباسط حفظه الله وبارك في عمره.
ـ[صالح العقل]ــــــــ[19 - 07 - 08, 01:10 ص]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم.
ولا أرى غبارا في سند شيخ مشايخنا العلامة د / عبد الباسط حفظه الله وبارك في عمره.
آمين في طاعة الله.
جزاك الله خيرا أخي الفاضل.
لو تفيدنا بالرد على الشبهات المثارة باختصار.
ليستفيد الجميع.
بارك الله فيك.
ـ[أشرف سعد محمد]ــــــــ[20 - 10 - 09, 06:54 م]ـ
ايضا الشيخ محمد محمود محمد خليل الفراش وهو يسكن بسوق السمك بقرية البصراط مركز المنزله محافظه الدقهليه مصر و هو أعلى سند بمحافظة الدقهليه تليفونه 0507734756
ولقد ذهبت بنفسى الى الشيخ محمد محمود محمد خليل الفراش وقرأت عليه ختمة كامله وطلبت منه الاجازه فاجازنى ووجدته متواضعا تظهر عليه امارات الصلاح والتقوى وبينه وبين النبى 28شيخا وبذلك يكون بنفس طبقة الشيخ عبد الفتاح مدكور ولا اعلم احدا فى محافظة الدقهليه اعلى اسنادا منه اطال الله فى عمره وبارك لنا فيه وهو مازال حيا
ـ[أبو الوليد السلفي السكندري]ــــــــ[23 - 10 - 09, 03:57 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[أشرف سعد محمد]ــــــــ[24 - 10 - 09, 05:51 م]ـ
شيخى فضيلة الشيخ محمد محمود محمد خليل الفراش وهو يسكن بسوق السمك بقرية البصراط مركز المنزله محافظه الدقهليه مصر وتليفونه 0507734756 ويعمل امام وخطيب بادارة أوقاف المنزله وعضو بمقرأة مسجد بن تميم بمدينة المنزله يوم الأحد بعد العصر مباشرة وهو من أعلى الأسانيد بالديار المصريه وهو أعلى سند بمحافظة الدقهليه مصر فى حفص اذ أن بينه وبين ابن الجزرى 12شيخا وبينه وبين العبيدى 4 مشايخ وبينه وبين النبى 28 شيخا وهو بذلك يكون مساويا لسند الشيخ عبدالفتاح مدكور من طريق عثمان مراد والدكتور أيمن رشدى سويد من طريق عبد العزيز عيون السود ولقد ذهبت بنفسى الى الشيخ محمد محمود محمد خليل الفراش وقرأت عليه ختمة كامله ومتنى التحفة والجزريه حفظا وطلبت منه الاجازه فاجازنى ووجدته متواضعا تظهر عليه امارات الصلاح والتقوى اطال الله فى عمره وبارك لنا فيه وهو مازال حيا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/432)
ـ[شعيب أدم]ــــــــ[24 - 10 - 09, 06:28 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لكن أخي كيف يمكن الحصول على الإجازة العامة وأنا في سوريا ولا أستطيع الذهاب إلى مصر لضروف قاهرة
وهل يمكن أن تجيزنا أنت بقراء القرآن عليك من طريق السكايب
وهذا عنواني على السكايب وأتواجد يوميا بعد المغرب بتوقيت سوريا doha8384
أ {جو الإتصال بي على الإيميل ولك مني مفاجاءات سارة
ـ[مصطفى جعفر]ــــــــ[24 - 10 - 09, 06:39 م]ـ
يا شيخنا السوري شعيب أدم
السلام عليكم
إذا لم توفق مع الأخ أشرف نفع الله به
فعليك بالاتصال بالدكتور يحيى الغوثاني فهو سوري مقيم بالمدينة المنورة، وعنده علم كبير بالإجازات وعلو الإسناد فاتصل به، وهو مشرف منتدى البحوث القرآنية
سيدلك على الأعلى سندًا في سوريا وبذلك ممكن تحصل على سند من مصر عن طريق الشيخ أشرف
وسند سوري عن طريق من يدلك عليه الدكتور يحيى الغوثاني
منتدى البحوث القرآنية
ـ[صقر بن حسن]ــــــــ[25 - 10 - 09, 06:10 ص]ـ
محمد بن صابر عمران; أعلى القراء سندًا في مصر بالا منازع هو الشيخ محمد عبد الحميد عبد الله الإسكندراني بل هو من أعلى الأسانيد في العالم من طريق الطيبة والدرة، وذلك بعد موت الشيخ الزيات رحمه الله والشيخة أم السعد رحمها الله، وبعد ان انكشف أمر الشيخ عبد الباسط بسنده المزعوم عن شمروخ.**
جزاكم الله خيرا
الشيخ المقرئ العلامة عبدالباسط هاشم من كبار القراء الجامعين المتقنين، وسنده ثابت حفظه الله عن شمروخ عن المتولي.
ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
وهناك رد من الشيخ الدكتور السالم الجكني على من شكك في سند الشيخ عبدالباسط هاشم.
ـ[أشرف سعد محمد]ــــــــ[25 - 10 - 09, 04:23 م]ـ
من الممكن أن تقرأ على شيخى عن طريق السكاى بى بشرط توقيت سوريا الذى حددته متى يكون بتوقيت مصر ماهو ايميلك ايميلى / mmmkh1983@yahoo.com
ـ[أشرف سعد محمد]ــــــــ[25 - 10 - 09, 04:45 م]ـ
الاجابة من عدة أمور: الأول: عفوا ياأخ صقر فشيخى الشيخ العلامه محمد محمود محمد خليل الفراش من أعلى الأسانيد بالديار المصرية فى حفص من طريق الشاطبيه وليس من طريق الطيبه والدره كما ذكرت فشيخى بينه وبين العبيدى 4 مشايخ فما عدد الشيوخ الذى بين الشيوخ الذى ذكرتها وبين الشيخ العبيدى أنت وأنا نعرف الاجابة ولايحملك حبك وتقديرك لهذه المشايخ الذى ذكرتها على اعطاء كل ذى حق حقه
الثانى: عندما حكمت على الشيوخ الذى ذكرت بأنهم أعلى الأسانيد لا منازع فهل اطلعت على جميع أسانيد مصر حتى تحكم هذا الحكم
ـ[أشرف سعد محمد]ــــــــ[25 - 10 - 09, 10:04 م]ـ
الى الشيخ السورى شعيب ءادم هذا هو عنوان الشيخ محمد محمود محمد خليل الفراش على الاسكاى بى mmmkh1983 ومن الممكن القراءة عليه عن طريق الاسكاى بى ويجلس على الجهاز يوميا الساعة الثانية عشر ونصف أى بعد الظهر يوميا بتوقيت مصر
ـ[أبوعقيل]ــــــــ[25 - 10 - 09, 11:49 م]ـ
إخوتي هل أستطيع أن أعرف سند الأخوه التالين,,
سيد ساداتي الشنقيطي.
وغالب المزروع.
وجزاكم الله كل خير.
ـ[الحسن محمد حسن]ــــــــ[26 - 10 - 09, 12:15 ص]ـ
جزى الله الاخوة جميعا خيرا على هذه التوضيحات وملخص ذلك ان اعلى اهل مصر اسنادا فى وقتنا الحالى من طريقى الشاطبية والدرة هما الشيخان: مصباح بن ابراهيم ودن وزكريا بن عبد السلام الدسوقى حفظهما الله تعالى ومن طريق الطيبة الشيخان محمد عبد الحميد السكندرى وعبد الباسط هاشم حفظهما الله تعالى والله تعالى اعلم
الحسن بن محمد السكندرى
ـ[أشرف سعد محمد]ــــــــ[26 - 10 - 09, 02:02 م]ـ
هذا الكلام فيه مبالغة كبيرة قلت لك ماعدد المشايخ الذى بين الشيخ العبيدى والشيوخ الذى ذكرت الفرق بين شيخى وبين الشيخ العبيدى أربعة مشايخ
ـ[الحسن محمد حسن]ــــــــ[26 - 10 - 09, 11:10 م]ـ
بين الشيخين مصباح وزكريا وبين العبيدى ثلاثة رجال وبين الشيخين محمد عبد الحميد وعبد الباسط أربعة رجال فتنبه وهذا من طريق الشاطبية والدرة
الحسن بن محمد السكندرى
ـ[طه محمد عبدالرحمن]ــــــــ[27 - 10 - 09, 12:00 ص]ـ
الأخ أشرف حفظه الله هل ممكن ترجمة لشيخكم محمد خليل الفراش حفظه الله؟
ـ[عماد الجيزى]ــــــــ[27 - 10 - 09, 12:53 ص]ـ
باختصار: الشيخ محمدعبدالحميد عبدالله السكندرى أعلى القراء إسنادا فى العالم فى العشرالكبرى.
والشيخ بكرى الطرابيشى السورى أعلى القراء إسنادا فى العالم فى العشرالصغرى.
شيوخنا: محمدعبدالحميد، أم السعد، عبدالباسط هاشم، عبدالفتاح مدكور، على رحال
(والعهدة على ذكر بعض الإخوة لسنده) متساوون فى العشر الصغرى.
والعلمُ عند الله.
ـ[أشرف سعد محمد]ــــــــ[27 - 10 - 09, 01:24 م]ـ
شيخ الشيخ العلامه محمد محمود محمد خليل الفراش فى مرتبة الشيخ عبدالفتاح مدكور فشيخى بينه وبين النبى 28شيخا وبين الشيخ عبدالفتاح مدكور والنبى 28 وقد أرانى الشيخ محمد محمود محمد خليل الفراش اجازة شيخه له بعد قراءتى عليه ختمة كاملة برواية حفص عن عاصم واجازته لى وأنا أسكن بجواره و أزوره يوميا فى بيته
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/433)
ـ[أشرف سعد محمد]ــــــــ[27 - 10 - 09, 02:20 م]ـ
عفوا لقد قلت أن شيخى الشيخ العلامه محمد محمود محمد خليل الفراش من أعلى الأسانيد من طريق الشاطبيه وليس أعلى الأسانيد على الاطلاق فشيخى فى مرتبة الشيخ عبدالفتاح مدكور فشيخى بينه وبين النبى 28شيخا وبين الشيخ عبدالفتاح مدكور والنبى 28 وقد أرانى الشيخ محمد محمود محمد خليل الفراش اجازة شيخه له بعد قراءتى عليه ختمة كاملة برواية حفص عن عاصم واجازته لى وأنا أسكن بجواره و أزوره يوميا فى بيته ومن يريد منه شيئا يجلس على الجهاز وعنوانه على الاسكاى بى mmmkh1983 بعد الظهر يوميا بتوقيت مصر فالساعة الآن فى مصر الواحدة وعشرين دقيقه بعدالظهر فالرجاء بيان فرق الوقت
ـ[أشرف سعد محمد]ــــــــ[28 - 10 - 09, 09:24 م]ـ
الشيخ الفاضلى قرأ على عبدالله بن عبد العظيم الدسوقى على علىّ الحدادى على العبيدى هكذا اتصل سندى عن طريق شيخى ولم يذكر فى اجازة الفاضلى لشيخ شيخى أن الفاضلى قرأ على الشيخ اسماعيل
ـ[صالح عبد الرزاق]ــــــــ[29 - 10 - 09, 02:04 م]ـ
أخي أعتقد والله أعلم أن أعلى سند في مصر والعالم هو الشيخ زكريا الدسوقي
راجع المشاركة 46
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=171232
ـ[أشرف سعد محمد]ــــــــ[29 - 10 - 09, 02:16 م]ـ
أعلى الأسانيد بالعالم ومصر هم تلامذة الشيخ الفاضلى الذى قرأ شيخى على أحدهم وليس الشيخ زكريا وحده بل يدخل معه أقرانه ولقد قرأ شيخى على أحدهم
ـ[أشرف سعد محمد]ــــــــ[06 - 01 - 10, 06:54 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه أما بعد: فقد كثرت على الأسئلة من مختلف الأمصار والأقطار من داخل مصر وخارجها من محبى شيخى الشيخ محمد محمود محمد خليل الفراش أن أذكر لهم نبذة عنه فذهبت اليه فى منزله وكان لى معه هذا اللقاء وسألته هذه الأسئله:
} ت ما اسم فضيلتكم: اسمى محمد محمود محمد خليل الشهير بالفراش متى ولدت وأين: ولدت فى قرية البصراط مركز المنزله محافظة الدقهليه مصر، ولدت يوم الاثنين الموافق 26/ 9/1983م. على من حفظت القرءان: حفظت القرءان الكريم وعلم التجويد فى كتاب القرية على يد والدى الشيخ محمود محمد خليل الفراش ولكن بدون سند وكان يعمل حينئذ محفظا للقرءان فى معهد البصراط الابتدائى الازهرى ويعمل حالياً مدرساً للقراءات بمعهد قراءات بنين الجماليه دقهليه وأتممت حفظه وأنا ابن تسع سنوات وأذكر أن هذا اليوم كان يوم الجمعه ومن شدة فرحة أبى باتمامى حفظ القرءان الكريم ذبح كبشاً لله. وعندما بلغت الخامسة من عمرى تلقيت تعليمى الابتدائى والاعدادى فى معاهد القريه وتلقيت تعليمى الثانوى فى معهد الجماليه الاعدادى الثانوى وتلقيت تعليمى الجامعى فى كلية الدراسات الاسلاميه والعربيه. ماوظيفتك الان: أعمل اماما وخطيبا بأوقاف المنزله وعضو مقرأة مسجد بن تميم بمدينة المنزله أين تقرئ القرءان: أقرئ فى المسجد الكبيرفى قريتى. سمعت أن فضيلتكم من أعلى الأسانيد فى حفص من طريق الشاطبيه فهل هذا صحيح: نعم الحمد لله وهذا فضل الله يؤ تيه من يشاء فبينى وبين الامام ابن الجزرى 12 شيخا وبينى وبين الشيخ العبيدى 4 وسائط فقط. مارأى فضيلتكم فى من يشترط مبلغا كبيرا للحصول على الاجازه: لايجوز هذا لأن من الطلاب من لايستطيع دفع هذا المال فماذا يفعل فيضطر الى عدم القراءة لأنه لا يجد المال وبهذا يقتصر تعليم وتجويد القرءان على من لديه مال وفير فقط وأيضا ينبغى لحامل القرءان أن ينزه كلا م الله عن كونه يباع ويشترى لأن فى هذا تشبيه بالبضاعه التى يشتريها الانسان فهذا تاجر يتاجر بالقرءان ويجعله للتكسب وهذا لايجوز لنهى النبى عن الأكل بالقرءان وأعرف شخصا اتصل ببعض المشايخ أصحاب السند العالى للحصول على اجازة فى حفص وطلب منه خمسة ءالاف جنيه فكيف بمن أراد الحصول على اجازة فى القراءات العشر من هذا الشيخ ماذا يدفع خمسون ألف جنيه من يرحم اذا لم يرحم حامل القرءان ولقد اتصل علىّ بعض الطلاب من الأردن للحصول على حفص وأخبرنى بأن مشايخ مصر يتخذون الاجازة تجاره وهذا والله طعن فى حامل القرءان همه جمع المال وليس همه تعليم الناس. ماذا تقول للمشايخ: أقول لهم اتقوا الله ولا يكن همكم جمع المال وليكن همكم تعليم الناس فيبارك الله فى هذا المال حتى ولو كان قليلا هل لديك مشايخ اخرى: نعم بأسانيدهم الى النبى
ـ[أشرف سعد محمد]ــــــــ[03 - 02 - 10, 05:41 ص]ـ
شيخى الشيخ / محمد بن محمود بن محمد بن خليل الشهير بالفراش من أعلى الأسانيد بالديار المصريه فى حفص من طبقة الشيخ الزيات رحمه الله اذ أن بينه وبين ابن الجزرى 12شيخا وبينه وبين العبيدى 4 مشايخ وبينه وبين النبى 28 شيخا ويسكن بسوق السمك بقرية البصراط مركز المنزله محافظه الدقهليه جمهورية مصر العربيه وتليفونه 0507734756/ 0184778461 ويعمل امام وخطيب بادارة أوقاف المنزله وعضو بمقرأة مسجد بن تميم بمدينة المنزله يوم الأحد بعد العصر مباشرة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/434)
ـ[أم البخاري]ــــــــ[03 - 02 - 10, 07:51 ص]ـ
الأخ اشرف
كل كلامك مكرر ومكرر
ولم تذكر في كل مشاركاتك على من قرأ شيخك وشيخ شيخك على من قرأ
بل تكرر شيخي اعلى سندا وبينه وبين فلان اربعة
نرجو التوضيح
هكذا
1 ـ شيخك واسمه
2 ـ شيخ شخك واسمه وماذا قرا عليه
3
4
وهكذا
وشكرا
ـ[المتولى]ــــــــ[04 - 02 - 10, 01:26 م]ـ
شيخى الشيخ / محمد بن محمود بن محمد بن خليل الشهير بالفراش من أعلى الأسانيد بالديار المصريه فى حفص من طبقة الشيخ الزيات رحمه الله اذ أن بينه وبين ابن الجزرى 12شيخا وبينه وبين العبيدى 4 مشايخ وبينه وبين النبى 28 شيخا ويسكن بسوق السمك بقرية البصراط مركز المنزله محافظه الدقهليه جمهورية مصر العربيه وتليفونه 0507734756/ 0184778461 ويعمل امام وخطيب بادارة أوقاف المنزله وعضو بمقرأة مسجد بن تميم بمدينة المنزله يوم الأحد بعد العصر مباشرة
اخى الفاضل هذا سند اصبح منتشر جدا فى مصر ((ملحوظة سأتحدث عن العشر كاملة))
1 - كل من اخذ عن الشيخ زكريا ((ومنهم اخوك)) او الشيخ مصباح فهو فى سند شيخك وفى
رتبة الشيخ محمد عبد الحميد عبد الله و الشيخ عبد الباسط هاشم و الشيخة ام السعد رحمها الله
2 - كل من اخذ عن الشيخ الطرابيشى حفظه الله مساو لمن اخذ عنتلاميذ الشيخ الفاضلى فى السبع فقط لان الشيخ الطرابيشى فى الدرة سنده اقل درجة عن الشاطبية
واقول لك اخى الفاضل الاخوة يتكلمون عن اعلى سند عموما و عليه فنبدأ فى الحديث عن جامعى الكبرى و الصغرى ثم الصغرى فقط ثم من معهم السبع ثم اصحاب الروايات فقط
والله تعالى اعلى و اعلم
ـ[ابن حمص]ــــــــ[13 - 02 - 10, 09:13 ص]ـ
وقد وجدنا سندًا أخرًا في تفس طبقة الشيخ محمد عبد الحميد عبد الله حفظه الله و الشيخ الزيات رحمه الله وهو سند فضيلة الشيخ / علي سعيد رحال حيث قرأ على الشيخة / إنصاف محمد عبد السلام وهي عن الشيخ عبد العزيز كحيل السكندري
أخي الكريم الشيخة إنصاف يرحمها الله قرأ عليها الشيخان عبد الغفار الحفيد والشيخ محمد فيصل الدروبي بعض القرآن وذكرا أن الشيخة إنصاف لم تقرأ على كحيل بل كانت قراءتها على الشيخ الخليجي وعليه فالشيخ رحال ليس له علو على غيره ولمزيد من الإيضاح انظر مقالة طابت الطيبة لنا على الروابط:
http://abdulgaffar.com/ShowNews.php?id=541&dep=8
http://abdulgaffar.com/ShowNews.php?id=530&dep=8
http://abdulgaffar.com/ShowNews.php?id=512&dep=8
ـ[حمدان المطرى]ــــــــ[13 - 02 - 10, 11:11 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[أسامة فتوح حسين]ــــــــ[13 - 02 - 10, 11:16 م]ـ
اللهم اجعلنا من أهل القرآن
ـ[طه محمد عبدالرحمن]ــــــــ[14 - 02 - 10, 11:45 م]ـ
صدر حديثا كتاب:
تحفة الإخوان بما علا من أسانيد قراء هذا الزمان للشيخ حسن مصطفى الوراقي
كتاب رائع فصل فيه الشيخ حفظه الله أعلى القراء إسنادا فى عصرنا الحالي و حاول تصحيح الفكرة السائدة بأن الشيخ الزيات رحمه الله تعالى أعلى أهل الأرض إسنادا فى وقته و أن تلاميذه من بعده انفردوا بعلو الإسناد بأن هناك من هو أعلى من الشيخ الزيات رحمه الله إسنادا و هو الشيخ بكري الطرابيشي فى السبع من الشاطبية و تلاميذ الشيخ الفاضلى أبوليلة بعضهم فى العشر الصغرى كالشيخ زكريا الدسوقي رحمه الله و الشيخ مصباح ودن حفظه الله و الشيخ محمد يونس الغلبان فى السبع من الشاطبية و بقية تلاميذ الفاضلى فى بعض الروايات.
و أفاد بأن الشيخ الزيات رحمه الله لم ينفرد بالعلو من الكبرى ايضا بل شاركه فيه الشيخان الفاضلان زكريا الدسوقي رحمه الله و الشيخ محمد عبدالحميد السكندري حفظه الله [و الشيخ عبدالباسط هاشم حفظه الله على افتراض ثبوت إسناد شمروخ] ..
إلى غير ذلك من المباحث القيمة في هذا الكتاب الذى قرأته من أوله إلى آخره و أنصح كل قارىء و مقرىء و مهتم بالقراءات و الأسانيد أن يقتنيه ..
و الله أعلم.
ـ[أبو زكريا الأثري]ــــــــ[25 - 02 - 10, 11:30 ص]ـ
مواضيع جيدة ومفيدة.
ـ[أبو زكريا الأثري]ــــــــ[25 - 02 - 10, 11:32 ص]ـ
كتاب جيد في بابه وقد وصلت في القراءة فيه الى النصف.(2/435)
من نفائس " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " للعلّامة الشنقيطي رحمه الله تعالى
ـ[زياد عوض]ــــــــ[19 - 07 - 05, 07:47 ص]ـ
قال الشيخ رحمه الله تعالى:
قوله تعالى:" وصاحبهما في الدنيا معروفا"
هذه الآية الكريمة تدل على الأمر ببر الوالدين الكافرين،وفد جاءت آية اخرى
يفهم منها خلاف ذلك وهي قوله تعالى:" لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدّون من حآّد الله ورسوله "، ثم نص على دخول الآباء في هذا بقوله:"ولو كانوا اباءهم "
ووجه الجمع بينهما أنّ المصاحبة بالمعروف أعم من المودة،لأنّ الإنسان يمكنه إسداء المعروف
لمن يوده ومن لا يوده،والنهي عن الاخص لا يستلزم النهي عن الاعم،فكأنّ الله حذر من المودة المشعرة بالمحبة، والموالاة بالباطن لجميع الكفار يدخل في ذلك الآباء، وغيرهم، وأمر الانسان
بأن لا يفعل لوالديه إّلا المعروف وفعل المعروف،لا يستلزم المودة لان المودة من أفعال القلوب لا من أفعال الجوارح،ومما يدل لذلك إذنه صلّى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر الصديق أن تصل أمها وهي كافرة،وقال بعض العلماء: إنّ قصتها سبب لنزول قوله تعالى:" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين "0
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[19 - 07 - 05, 10:51 ص]ـ
فائدة نفيسة
جزاك الله خيرا
ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[19 - 07 - 05, 11:03 ص]ـ
المودة تكون بالقلب و تكون بالجوارح قال تعالى {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} النساء73
و قال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الروم21
فالمودة قد تكون ظاهرة كإظهار المنافقين و الكفار المودة للمؤمنين خوفا منهم و قد تكون باطنه و لا يظهر أثرها الواضح لعدم القدرة على إظهاره كحال المؤمن إذا كان في بلد كفر و يكتم إيمانه أو كحال المنافق إذا كان في بلد إسلام و لا يستطيع إظهار مودته للكفار.
و قد تكون باطنه و ظاهره كحال المؤمن في بلد الإسلام يستطيع إظهار مودته للمؤمنين و كحال الكافر في بلد الكفر يستطيع إظهار كفره و مودته للكفار.
المسألة الثانية: أن المودة على أقسام منها مودة طبيعية و مودة شرعية فالمودة الشرعية هي التي حرمها الله تعالى في كتابه بل حكم بكفر من وقع فيها كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ} الممتحنة1
و ذكر أهل التفسير أن سبب نزول هذه الآية مكاتبة حاطب بن أبي بلتعه لكفار قريش بمسير النبي صلى الله عليه و سلم و حاطب رضي الله عنه لم يكاتبهم حب فيهم و لا نصرة لهم و هو و لا شك يبغضهم و يتبرأ منهم و يعاديهم بل و يريد أن يقاتلهم مع النبي صلى الله عليه و سلم فأي مودة لهم في قلبه إنما كما ذكر هو رضي الله عنه بنفسه فقال (يا رسول الله، ما لي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله؟ ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها عن أهلي ومالي، وليس من أصحابك أحد إلا له هنالك من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله،) و صدقه النبي صلى الله عليه و سلم فقال ((صدق، ولا تقولوا له إلا خيرا) فدل على أن المودة المذكورة في الآية ليست المودة القلبية و إنما هي مودة ظاهرة لا تعلق لها بالقلب و مع ذلك هذه المودة الظاهرة منهي عنها قد تصل بصاحبها إلى الكفر إذا كانت من باب إعانة الكفار على المسلمين و مظاهرتهم عليهم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله (الأصل الثاني:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/436)
أن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة، ولا تتلازم عند الضعف، فإذا قوى ما في القلب من التصديق والمعرفة والمحبة لله ورسوله، أوجب بغض أعداء الله، كما قال تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء} [المائدة: 81]،وقال: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} [المجادلة: 22]. وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنبًا ينقص به إيمانه، ولا يكون به كافرًا، كما حصل من حاطب بن أبي بَلْتَعَة، لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1].
وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أُبَيّ في قصة الإفك، فقال لسعد بن معاذ: كذبت والله، لا تقتله، ولا تقدر على قتله، قالت عائشة: وكان قبل ذلك رجلاً صالحًا، ولكن احتملته الحَمِيَّة، ولهذه الشبهة سمى عمر حاطبًا منافقًا، فقال: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال: (إنه شهد بَدْرًا) فكان عمر متأولاً في تسميته منافقًا للشبهة التي فعلها.
وكذلك قول أسَيْد بن حُضَيْر لسعد بن عبادة، كذبت لعمر الله! لنقتلنه، إنما أنت منافق تجادل عن المنافقين، هو من هذا الباب. وكذلك قول من قال من الصحابة عن مالك بن الدُّخْشُم: منافق، وإن كان قال ذلك لما رأى فيه من نوع معاشرة ومودة للمنافقين.)
و قال {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} المجادلة22
و أما المودة الطبيعية فالأصل أنها غير محرمة إلا أن تجر إلى المحرم قال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الروم21
و معلوم أن هذه الآية عامة يدخل فيها الزواج من الكتابيات و المسلمات فالله تعالى جعل بين الأزواج مودة و رحمة و هذه المودة مودة مشروعة لا ممنوعة فلا يقول أحد أنه لا يجوز مودة الزوجات الكتابيات لأن الله تعالى حرمة مودة الكفار لأنه هذه المودة طبيعية لا شرعية.
و قال تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} الممتحنة8
و قال {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} لقمان15
فالمصاحبة بالمعروف من المودة و لكن مودة مشروعة لا ممنوعة قال تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} القصص56 قال ابن كثير رحمه الله (قال الزهري: حدثني سعيد بن المسيب عن أبيه, وهو المسيب بن حزن المخزومي رضي الله عنه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عم قل لا إله إلا الله, كلمة أحاج لك بها عند الله» فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعرضها عليه ويعودان له بتلك المقالة حتى كان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب, وأبى أن يقول لا إله إلا الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» فأنزل الله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} وأنزل في أبي طالب {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} أخرجاه من حديث الزهري, وهكذا رواه مسلم في صحيحه,) و الآية على ظاهرها و المراد بها المحبة الطبيعية.
و قال تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} آل عمران14
و الله أعلم.(2/437)
تفسير الحافظ ابن رجب لسورة الفاتحة
ـ[المقرئ]ــــــــ[31 - 07 - 05, 07:41 م]ـ
إخواني أهل الحديث:
ذكر المرداوي في الإنصاف في موضعين أن لابن رجب تفسيرا لسورة الفاتحة فهل وقف أحد على هذا التفسير
وقد رجعت إلى الجمع الذي جمعه طارق عوض الله فلم أجده فيه وإنما نقل شرحه في فتح الباري
والنصان الذان ذكرهما الحافظ غير موجودين فيه؟
المقرئ
ـ[المقرئ]ــــــــ[31 - 07 - 05, 08:49 م]ـ
النص الأول 2/ 48:
قال ابن رجب في تفسير الفاتحة وفي ثبوت هذه الرواية عن أحمد نظر
النص الثاني 8/ 357:
[واستحب بعض الأصحاب أن يحمد الله عقب الجماع قاله ابن رجب في تفسير الفاتحة قلت وهو حسن]
المقرئ
ـ[المقرئ]ــــــــ[21 - 06 - 07, 05:53 م]ـ
رأيت في هذا اليوم قطعة من هذا الكتاب
ولكن للأسف لم يوجد كله
ولما قرأت هذه القطعة عرفت منة الله على هذا الحافظ من سعة الاطلاع وقوة التأليف
ـ[رمضان أبو مالك]ــــــــ[21 - 06 - 07, 06:26 م]ـ
تفضَّل شيخنا الكريم / المقرئ.
تفسير سورة الفاتحة للحافظ ابن رجب - رحمه الله -.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=103214
وليته - رحمه الله - أكملها!
ـ[المقرئ]ــــــــ[22 - 06 - 07, 05:08 م]ـ
بارك الله فيكم ونفع بكم يا شيخ رمضان
وهو كما ذكرت لم يوجد كاملا وإلا فإن الأحكام الفقهية من أهم ما يكون كيف والباحث هو ابن رجب
شكرا مرة أخرى
ـ[محمد براء]ــــــــ[25 - 01 - 08, 01:45 ص]ـ
التفسير للأسف غير تام ..
قال المحقق: اعتمدت في إخراج هذا الجزء على نسخة وحيدة، وهي من محفوظات جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد حصلت على مصورة منها من «مكتبة الملك فهد الوطنية» بالرياض، وعدد أوراقها: 23 ورقة، وخطها: مقروء، ولم يكتب عليها اسم ناسخها، وهي ناقصة، فليس فيها سوى خمسة فصول جعلها المؤلف مقدمة لتفسير السورة، وأول الكلام على قوله تعالى: ?الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ?، وكتب على طرتها:
«كتبت هذه النسخة من نسخة أخرجت من الحريق لما أحرق تيمور لنك دمشق، فاحترق بعضها فكتبنا ما وجدنا منها».
وجاء في آخرها:
«يتلوه بقية الكلام عليها فيما بعد إن شاء الله تعالى».
فالعبارة الأولى تفيد أن هناك أشياء لم توجد من هذه الرسالة، والعبارة الثانية تدل على أن هناك أشياء وجدت ولم تكتب في هذه النسخة!
وقد وجدت في النسخة بياضات كثيرة في أثنائها، ويبدو -والله أعلم- أن أماكن هذه البياضات مما احترق منها، فلعل مراد الناسخ بقوله في العبارة الأولى: «فكتبنا ما وجدنا منها» أي: مما لم يحترق من وسط الكتاب، وأما آخر الرسالة فلعل الناسخ أرجأ كتابته إلى وقت آخر كما تفيده عبارته الأخيرة, فنسأل الله عز وجل أن يوفق للوقوف على ما تتم به هذه الرسالة كما وفق للوقوف على أولها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.(2/438)
سؤال عن تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله وأسكنه فسيح جناته-
ـ[عبد الرحمن عبد الله]ــــــــ[07 - 08 - 05, 09:03 ص]ـ
اخواني واحبتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل هناك تفسير كامل لشيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله وأسكنه فسيح جناته-
وهل هو ضمن الفتاوى أم لا
ولماذا لا نجد اهتمام من العلماء وطلبة العلم بتفسير شيخ الإسلام-رحمه الله وأسكنه فسيح جناته-، ودراسته. اذ أننا نجد الإهتمام بتفسير ابن كثير والسعدي وغيرها من التفاسير.
ـ[عبد الرحمن عبد الله]ــــــــ[08 - 08 - 05, 06:03 م]ـ
هل من مجيب؟
ـ[عبد الرحمن عبد الله]ــــــــ[09 - 08 - 05, 04:46 م]ـ
ارجوا الإفادة ..
ـ[أبو عبدالله الأثري]ــــــــ[09 - 08 - 05, 05:17 م]ـ
بارك الله فيك أخي
لا يوجد تفسير كامل لشيخ الإسلام رحمه الله, وإنما هناك تفسير لبعض القرآن في مجموع الفتاوى, وكذلك في كتاب له اسمه: تفسير آيات أشكلت
وأما بالنسبة لاهتمام العلماء؛ فلا يعني عدم تدريسهم له أنهم غير مهتمين به, ولكنهم يقدمون في التدريس كتب التفسير الأخرى لأنها للقرآن كاملا, ويقدمون تفسير السعدي لأنه مناسب للمبتدئين.
وإلا فتفسير شيخ الإسلام رحمه الله فيه من الدرر ما الله بها عليم.
والله أعلم
ـ[عبد الرحمن عبد الله]ــــــــ[09 - 08 - 05, 07:45 م]ـ
بارك الله فيك أخي وجزاك الله خيراً
لكن أنا سمعت أحد الضيوف في برنامج (صفحات من حياتي) على قناة المجد، ذكر أنه جمع تفسير شيخ الإسلام، وأظن الضيف من مصر.
ارجو الإفادة ..
ـ[أبو عبدالله الأثري]ــــــــ[09 - 08 - 05, 08:01 م]ـ
بارك الله فيك أخي
هناك عدة كتب جمعت تفاسير شيخ الإسلام رحمه الله
لكن فيما أعلم وحسبما ذكر الإخوة في المنتدى في بعض المشاركات السابقة أنها لا تحوي شيئا زائدا عما في مجموع الفتاوى وتفسير آيات أشكلت.
والله أعلم
ـ[محمد براء]ــــــــ[09 - 08 - 05, 08:09 م]ـ
أذكر أنني قرأت في ترجمة شيخ الإسلام أنه ألف تفسيرا اسمه (البحر المحيط) .. ؟
وربما فقد هذا الكتاب مع ما فقد من تراث شيخ الإسلام رحمه الله
وهناك للسيد الجلينيد كتاب اسمه (دقائق التفسير) جمع فيه كلام شيخ الإسلام في التفسير من كتبه المختلفة ..
ـ[أبو عبدالله الأثري]ــــــــ[09 - 08 - 05, 11:46 م]ـ
البحر المحيط لأبي حيان النحوي وهو معاصر لشيخ الإسلام
ـ[أم إلياس]ــــــــ[11 - 08 - 05, 12:35 ص]ـ
(دقائق التفسير) لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى.
من مكتبة مشكاة
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=25&book=498&PHPSESSID=658e614e63c2d406182436ba45d38562
ـ[قاسم القاهري]ــــــــ[11 - 08 - 05, 06:25 ص]ـ
هناك تفسير للفخر بن تيمية صاحب بلغة الساغب فى الفقه الحنبلي تمت طباعته من فترة طويلة قد يظن البعض انه للامام تقي الدين و العجيب انى قرأت مقدمته و كأن محققه و المشرف على اخراجه ما فطن لذلك و ظن ان شيخ الاسلام هو مؤلفه.
ـ[عبد الرحمن عبد الله]ــــــــ[11 - 08 - 05, 06:04 م]ـ
أخوتي وأحبتي جميعاً
أسأل الله العلي القدير
أن يحرم وجهي ووجوهكم على النار
ـ[الرايه]ــــــــ[10 - 11 - 05, 01:44 م]ـ
- في ملتقى أهل التفسير تحدث مجموعة من أعضاء هيئة التدريس وغيرهم عن هذا الموضوع بكلام مفيد.
تفضل الرابط
محاولات جمع تفسير شيخ الإسلام ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=4208)
ـ[أبو أسيد النجدي]ــــــــ[10 - 11 - 05, 03:00 م]ـ
يقال أن شيخ الإسلام كتب التفسير في سجنه في حوالي أكثر من ثلاثين مجلداً .. والله أعلم!
أذكر أن هناك كتاب جمع تفسير شيخ الإسلام اسمه (التفسير الكبير).
ولا أدري هل هو نفسه " دقائق التفسير " أم لا
ـ[العاصمي]ــــــــ[10 - 11 - 05, 03:07 م]ـ
" دقائق التّفسير " من جمع الجليند، و " التّفسير الكبير " من جمع عبد الرّحمان آل عميرة ...
ـ[حمزة الكتاني]ــــــــ[10 - 11 - 05, 03:49 م]ـ
الحمد لله؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تفسير كبير مفقود ذكره مترجموه، وإن لم تخني الذاكرة فهو في حوالي أربعين مجلدا ..
وقد قام أخونا ومفيدنا الشيخ إياد القيسي العراقي وأصحابة بجمع تفسير لابن تيمية من كتبه ومؤلفاته والناقلين عنه، بلغ اثني عشر مجلدا، وكان من المفروض أن يطبع ضمن مجموعة إصدارات "الحكمة" منذ سنوات، وقد رأيته هو ومجموعته يؤلفونه ويجمعونه، ولست أدري لماذا لم يصدر بعد؟ ..
وكذلك قاموا بجمع تفسير للحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى، ولست أدري لماذا لم يصدر بعد؟ ..
ـ[العاصمي]ــــــــ[10 - 11 - 05, 07:00 م]ـ
قد صدر ما جمعه إياد القيسيّ وأصحابه في 11 مجلّدا ...
الذي أذكره - الآن - أنّ ابن بطّوطة زعم أنّ شيخ الإسلام جمع تفسيرا كبيرا في نحو أربعين مجلّدا ...
ولم أر من تابعه على ذلك، بل الظّاهر أنّ هذا من جملة الهنبثات البطّوطيّة التي لا ينبغي أن يصغى إليها؛ لما بلي عليه من الكذب والمجازفة، عافاني الله وإيّاكم ممّا ابتلاه به ...
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/439)
ـ[العاصمي]ــــــــ[10 - 11 - 05, 07:34 م]ـ
قد صدر ما جمعه إياد القيسيّ وأصحابه في 11 مجلّدا ...
اعتذار ...
سيصدر قريبا - إن شاء الله تعالى - ما جمعه إياد القيسيّ وأصحابه في 11 مجلّدا، عن دار ابن الجوزيّ ...
ـ[عبدالله الميمان]ــــــــ[10 - 11 - 05, 07:39 م]ـ
وهل فيها زيادة على ما في كتب شيخ الإسلام رحمه الله المنشورة، أو هي مجرد جمع وترتيب؟
ـ[العاصمي]ــــــــ[10 - 11 - 05, 08:49 م]ـ
قال الشّيخ إبراهيم الحميضيّ - زاده الله توفيقا -:
" وقد أعارني الشيخ سعد الصميل - صاحب المكتبة - نسخة منه في أحد عشر مجلداً، فقرأته , واستفدت منه , ووجدته خيرَ ما جُمع في تفسير شيخ الإسلام؛ حيث تتبّع جامعوه تفسيره في جميع كتبه المطبوعة، مع بعض المخطوطات، بالإضافة إلى كتب تلاميذه؛ كابن القيّم، وابن كثير، وغيرهما , ولم يفتهم من تفسيره إلاّ القليل أو النادر , وعليه ملحوظات يسيرة بعثت بها إليهم , ووعدوا باستدراكها وغيرها قبل نشره , وإذا خرج هذا الكتاب إلى الأسواق يكون هو العمدة في هذا الموضوع ".
ـ[حمزة الكتاني]ــــــــ[10 - 11 - 05, 08:54 م]ـ
بل الظّاهر أنّ هذا من جملة الهنبثات البطّوطيّة التي لا ينبغي أن يصغى إليها؛ لما بلي عليه من الكذب والمجازفة، عافاني الله وإيّاكم ممّا ابتلاه به ...
عفوا؛ من غير قصة النزول التي نسبها لابن تيمية وثبت أن تلك الفترة كان معتقلا فيها، فهل وقفتم على كذبة أخرى من كذبات ابن بطوطة؟؟.
لأن محقق الرحلة والدنا العلامة الدكتور علي الكتاني رحمه الله تعالى تتبع رحلة ابن بطوطة بلدا بلدا، وزار معظم تلك البلاد أثناء تحقيقه للكتاب، وكثيرا من أخبار ابن بطوطة، تتبعها في الكثير من المظان، وكان - رحمه الله - يرفض دعوى كذبه، ويوثقه ويثني عليه ..
فإن كانت لكم شواهد أخرى أفيدونا بها مشكورين ...
ـ[العاصمي]ــــــــ[10 - 11 - 05, 11:31 م]ـ
سيطول المقام لو توفّرت على تقصّي هنبثاته ومجازفاته، وهي واضحة لائحة في تفاصيل وصفه، وتفاريع رصفه، وحسبي - الآن - أن أنقل كلمات لبعض المؤرّخين والباحثين؛ أجملوا فيها حاله، ولم يجملوا القول فيه ...
قال ابن خلدون في مقدّمة تاريخه الحفيل: " ورد بالمغرب لعهد السلطان أبي عنان من ملوك بني مرين، رجل من مشيخة طنجة، يعرف بابن بطّوطة، كان رحل منذ عشرين سنة قبلهما إلى المشرق، وتقلَّب في بلاد العراق واليمن والهند، ودخل مدينة دهلي، حاضرة ملك الهند - وهو السّلطان محمّد شاه -، واتّصل بملكها لذلك العهد - وهو فيروزجوه -، وكان له منه مكان، واستعمله في خطّة القضاء بمذهب المالكيّة في عمله، ثم انقلب إلى المغرب، واتّصل السلطان أبي عنان.
وكان يحدِّث عن شأن رحلته وما رأى من العجائب بممالك الأرض.
وأكثر ما كان يحدّث عن دولة صاحب الهند، ويأتي من أحواله بما يستغربه السامعون! مثل أنّ ملك الهند إذا خرج إلى السّفر، أحصى أهل مدينته من الرّجال والنّساء والولدان، وفرض لهم رزق ستّة أشهر، تدفع لهم من عطائه، وأنّه عند رجوعه من سفره، يدخل في يوم مشهود، يبرز فيه النّاس كافّة إلى صحراء البلد ويطوفون به، وينصب أمامه في ذلك الحقل منجنيقات على الظّهر، ترى بها شكائر الدّراهم والدّنانير على النّاس، إلى أن يدخل إيوانه، وأمثال هذه الحكايات = فتناجى النّاس بتكذيبه.
ولقيت أيّامئذ وزير السّلطان فارس ... البعيد الصّيت؛ ففاوضته في هذا الشّأن، وأريته إنكار أخبار ذلك الرّجل، لما استفاض في النّاس من تكذيبه ... " ...
وقد قال أحد الأفاضل:
" تكلم كثير من العلماء عن رحلة ابن بطوطة، وتناولوها بالنقد والتحليل والدراسة، وخلصوا أنها مجرد مذكرات كتبها المؤلف، ولا تعد توثيقاً أميناً يمكن الاعتماد عليه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/440)
فهذه الرحلة ليست من كتب التاريخ المعتبرة والمعتمدة، فضلاً عن مؤلفها الذي لم يكن معروفاً أنه من أهل الدراية والخبرة والعلم، وقد أثبت المحقق "حسن السائح" في تقديمه لكتاب (تاج المفرق في تحلية علماء المشرق) للشيخ خالد بن عيسى البلوي، أن ابن بطوطة ربما سمع باسم عالم من علماء البلد التي زارها؛ فيذكر اسمه في رحلته ولو لم يتصل به اتصالاً شخصياً، أو يقابله حقيقة، بل يستفيد مما سمعه، ويضمّنه رحلته، وكأنّه قابله أو شاهده، كما فعل في تونس حين ذكر علماً من أعلامها وهو ابن الغمّاز.
ومما يزيد الأمر وضوحاً .. أن رحلة ابن بطوطة تضمّنت أموراً يقطع العلم بكذبها، كما قال إنه زار بعض الجزر والبلدان التي فيها نساء ذوات ثديِ واحدة!!!
وبعض العجائب والخرافات التي حكاها في رحلته يقطع الإنسان بأنها مختلقة، ومجرّد أساطير يتناقلها الناس، ويسجّلها ابن بطّوطة وكأنّه شاهدها أو اتّصل بها!
.....
وإذا حققنا القول في ... كتاب الرّحلة، وأنصفنا مؤلّفه؛ فإنّنا قد نخلص إلى أنّ الكذب والتّلفيق والخرافات الموجودة في هذا الكتاب ليست من صنع ابن بطّوطة نفسه، بل من النّسّاخ، وهذا كثيرا ما يحصل، حتى الكتب السماوية السابقة قد دخلها من النسّاخ التحريف الكثير.
وقد نبه الحافظ الإمام ابن حجر إلى أن ابن بطوطة -رحمه الله- لم يكتب تفاصيل رحلته وإنما الذي كتبها وجمعها هو أبو عبدالله بن جزي الكلبي وهو من نمقها، وكان العلامة البلفيقي يتهمه بالكذب والوضع!!
وبالرجوع إلى نفس الرحلة نجد أن ابن جزي الكلبي يقول في المقدمة:
(ونقلت معاني كلام الشيخ أبي عبدالله بألفاظ موفية للمقاصد التي قصدها، موضحة للمعاني التي اعتمدها)!!!
ويقول في آخر الكتاب: (انتهى ما لخّصته من تقييد الشيخ أبي عبدالله محمد بن بطوطة).
وهذا يدل صراحة أن كتاب رحلة ابن بطوطة لم يصلنا بألفاظ مؤلّفه، بل الناقل نصّ على تدخّله في الألفاظ والكلمات ".
قال العاصميّ - عفا الله عنه -:
وحسب المنصف أن ينعم النّظر فيما افتراه وائتفكه على شيخ الإسلام ... وما أغرب به من وصف تفسير لم يخلق الله منه شيئا؛ ليتيقّن أنّه كاذب باهت مائن مفتر، يختلق الفشار ...
والذي يجتري على ذاك البهتان المبين؛ كيف يؤتمن ويصدّق فيما يرقمه من الأوابد الشّوارد؟!
وقد قال ذاك الفاضل الذي تقدّم نقلي عنه - قريبا -:
" وهذا المحقّق الدكتور "عليّ (بن) المنتصر الكتّانيّ" الذي حقق كتاب (رحلة ابن بطوطة) يقول عن هذه القصة: (هذا محض افتراء على الشّيخ - رحمه الله -؛ فإنّه كان قد سجن بقلعة دمشق قبل مجيء ابن بطّوطة إليها بأكثر من شهر، فقد اتّفق المؤرّخون أنّه اعتقل بقلعة دمشق لآخر مرّة في اليوم السّادس من شعبان سنة 726، ولم يخرج من السجن إلاّ ميّتاً، بينما ذكر المؤلّف - ابن بطوطة - في الصفحة 102 من كتابه أنّه وصل دمشق في التّاسع من رمضان)!! ".
قال العاصميّ - غفر الله ذنبه، وستر عيبه -:
فتأمّل كيف جزم محقّق رحلته بافترائه فيما زعم - مينا وبهتانا - أنّه عاينه ورآه!!
ورحم الله أبا البركات البلفيقي الذي أجمل حال ابن بطّوطة في قوله:
" هذا رجل لديه مشاركة يسيرة في الطلب، رحل من بلاده إلى بلاد المشرق يوم الخميس الثاني من رجب عام خمسة وعشرين وسبع مية، فدخل بلاد مصر والشام والعراق، وعراق العجم، وبلاد الهند والسند، والصين ... وبلاد اليمن، وحج عام ستة وعشرين وسبع مية. ولقي من الملوك والمشايخ عالماً، وجاور بمكة، واستقر عند ملك الهند؛ فحظي لديه، وولاّه القضاء، وأفاده مالاً جسيماً، وكانت رحلته على رسم الصوفية زيّا وسجيّة، ثم قفل إلى بلاد المغرب، ودخل جزيرة الأندلس، فحكى بها أحوال المشرق، وما استفاد من أهله؛ فكذب ...
(وقال): لقيته بغرناطة، وبتنا معه ببستان أبي القاسم بن عاصم ... وحدّثنا في تلك اللّيلة وفي اليوم قبلها عن البلاد المشرقيّة وغيرها، فأخبر أنّه دخل الكنيسة العظمى بالقسطنطنيّة العظمى، وهي على قدر مدينة، مسقّفة كلها، وفيها اثنا عشر ألف أسقف ".
نقله تلميذه ابن الخطيب في إحاطته، ثم ّ قال: " وأحاديثه في الغرابة أبعد من هذا، وانتقل إلى العدوة، فدخل بلاد السّودان، ثم تعرّف أن ملك المغرب استدعاه، فلحق ببابه، وأمر بتدوين رحلته ... ".
ومن نافلة القول: التّنبيه على أنّ هذا الباهت المائن، خرافيّ جلد، يتتبّع المشاهد والقبور، ويتبرّك بالأموات، أسأل الله - جلّ في علاه - أن يعصم كلّ مسلم من تقحّم هذه المقحمات ...
ـ[أبو توفيق]ــــــــ[11 - 11 - 05, 10:51 م]ـ
بوركت يا عاصمي ...
ـ[العاصمي]ــــــــ[11 - 11 - 05, 11:02 م]ـ
بارك الله فيك وعليك، أخي الفاضل أبا توفيق.
حللت أهلا، و نزلت سهلا.
مرحبا بك بين إخوانك؛ مفيدا و مستفيدا.
في انتظار مشاركاتك النافعة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/441)
ـ[أبو توفيق]ــــــــ[17 - 11 - 05, 12:53 ص]ـ
سجّلت معكم حديثا، ووددت لو أجد إلى حديثكم طريقا، فطرقت بابك يا عاصمي، فهلي من جوابك عن سؤالي من نصيب؟
أفدت كثيرا من مشاركاتك التي قرأت منها، فدلني أحسن الله إليك؛ كيف طلب العلم وقد مضى من العمر عام وثلاثون؟
دمتم لنا ...
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[27 - 01 - 06, 05:07 ص]ـ
ذكر المترجمون في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية أنه فسر آية واحدة من سورة محمد في أربع سنوات!!!
وهذه القصة تدل على طول نفسه رحمه الله في التفسير، وكلامه في بقية كتبه يدل على تبحره في هذا العلم وطول نفسه فيه.
فلا يستنكر - والله أعلم - أن يصنف في التفسير كتابا مطولا كالمذكور
هذا من جهة الجواز
أما من جهة الوجود فالأمر يرجع إلى الإثبات والوقوف عليه، والله تعالى أعلم.
ـ[أبو أبي]ــــــــ[27 - 01 - 06, 04:47 م]ـ
بورك فيكم ونفع بكم
ـ[معاذ القيسي]ــــــــ[29 - 03 - 06, 04:20 م]ـ
السلام عليكم
والدي هو صاحب التفسير في 11 مجلد ولم يصل لوالدي اي شي عن الملاحظات الحميضي ووالدي يريد اي ملاحظة قبل طبع الكتاب وقد تاخر الكتاب طبعه فانه اناه منذ سنين
وقد انها منذ سنين تفسير ابن القين مستدركا على تفسير الفاضل يسري السيد اكثر من 800 قطعة تفسيرية اضافة الاخطاء
ولكنه لم يجد من يطبعه
معاذ بن اياد بن عبد اللطيف القيسي البغدادي
ـ[معاذ القيسي]ــــــــ[29 - 03 - 06, 04:22 م]ـ
السلام عليكم
والدي هو صاحب التفسير في 11 مجلد ولم يصل لوالدي اي شي عن الملاحظات الحميضي ووالدي يريد اي ملاحظة قبل طبع الكتاب وقد تاخر الكتاب طبعه فانه انهاه منذ سنين
وقد انهى منذ سنين تفسير ابن القيم مستدركا على تفسير الفاضل يسري السيد اكثر من 800 قطعة تفسيرية اضافة الاخطاء
ولكنه لم يجد من يطبعه
معاذ بن اياد بن عبد اللطيف القيسي البغدادي
ـ[أبو مهند النجدي]ــــــــ[31 - 03 - 06, 03:42 ص]ـ
أخي معاذ جزاك الله خيراً
هذا رابط بالإمكان مراسلة الشيخ إبراهيم عليه
Ib1427@gawab.com
أو
http://www.tafsir.org/vb/member.php?find=lastposter&t=5040(2/442)
لماذا يسمى التفسير الكبير للرازي بمفاتيح الغيب
ـ[المنصور]ــــــــ[09 - 08 - 05, 04:11 م]ـ
أكره هذه التسمية، فهل سماه الرازي بهذا الاسم، وهل سبق أن تكلم عليها أحد العلماء.
وجزاكم الله تعالى خيراً،،،
ـ[أبو ابراهيم الكويتي]ــــــــ[09 - 08 - 05, 11:46 م]ـ
فقد ثبت بالنقل عن العلماء بأنه سماه بهذا الاسم
1 - الامام الذهبي في تاريخ الاسلام: وتفسيره الكبير في اثنتي عشرة مجلدة كبار سماه "فتوح الغيب" أو "مفاتيح الغيب". وفسر "الفاتحة" في مجلد مستقل
2 - ابن حجر في لسان الميزان:أسند عن ابن الطباخ أن الفخر كان شيعياً بقدم محبة أهل البيت لمحبة الشعية حتى قال في بعض تصانيفه: وكان علي شجاعاً بخلاف غيره وعاب عليه تصنيفه لتفسيره مفاتيح الغيب
3 - طبقات الشافعية ابن قاضي شهبة: ومن تصانيفه: تفسير كبير لم يتمه في اثنتي عشرة مجلدة كبيرة سماه مفاتيح الغيب
4 - فوات الوفيات ابن شاكر الكتبي:ومن تصانيفه ........ و"التجليات" و"مفاتيح الغيب" و"كتاب الحق"
أما قولك كلام العلماء فلم افهم مرادك فهل تقصد حفظك الله الكلام على مسمى الكتاب أم الكتاب نفسه كما أتمنى أن تستخدم خاصية البحث في المنتدى فهناك مواضيع طرحت سابقا قد تفيدك أكثر
ـ[المنصور]ــــــــ[11 - 08 - 05, 10:13 م]ـ
جزاك الله تعالى كل خير على الإجابة،
قصدي هل هذه التسمية جائزة، فمفاتيح الغيب عند الله تعالى، ولايعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.
فهل تكلم أحد العلماء حول هذه النقطة بالذات.
أكرر شكري لجميع من يعلم شيئا فيجيب.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[12 - 08 - 05, 04:20 ص]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
وهذه التسمية حفظك الله كما تفضلت غير مستساغة، بل فيها مخالفة لظاهر الآية، وليس ذلك بمستغرب على الرازي، فعنده كما لايخفاك عجائب وغرائب، وهذه فائدة وتنبيه نفيس من الشيخ عبدالله المنصور حفظه الله.
ـ[أبو ابراهيم الكويتي]ــــــــ[12 - 08 - 05, 03:23 م]ـ
وذكرها بكر ابو زيد في كتابه معجم المناهي اللفظية
مفاتيح الغيب:?
سمى الفخر الرازي تفسيره بذلك، وفي تعقبها وغيرها من أسماء بعض المؤلفات، يقول السكوني – رحمه الله تعالى –:
(ويقع في تسمية الكتاب، أسماءٌ غير جائزة، مثل تسمية بعض الكتب: ((الإسرى)). وتسمية بعضها: ((المعارج)). وهذا يوهم أن المصنِّف سُري به إلى السماء، فوجب منعه؛ لكونه يشير إلى مزاحمة النبي ? في ذلك.
ومن ذلك تسمية بعضها: ((مفاتيح الغيب)). وتسمية بعضها: ((الآيات البينات))؛ لأن ذلك يُوهم المشاركة فيما أنزله الله على نبيه، قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}.
وكذلك يوهم تسمية كتابه: ((مفاتيح الغيب)) المشاركة فيما عند الله تعالى، قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ}.
فليجتنب هذه التسميات، وما شاكلها من الموهمات) انتهى.
ـ[المنصور]ــــــــ[12 - 08 - 05, 08:23 م]ـ
الحمد لله، ولم أكن على علم بما ذكره الشيخ بكر شفاه المولى.
وأشكركم جميعاً على الإجابة.(2/443)
ما الفرق بين التفسير و التأويل
ـ[أبو أمير]ــــــــ[24 - 08 - 05, 03:20 ص]ـ
ما هو الفرق بين التفسير و التأويل ?
ـ[الزقاق]ــــــــ[24 - 08 - 05, 06:38 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
التأويل لغة من آل يؤول أي صار و أما اصطلحا فقد حده الفقهاء بأنه " إبداء احتمال في اللفظ مقصودٍ بدليل خارج عنه"
و أما التفسير فأصله من اللغة من الفسر و هو البيان. و الفرق بين التأويل و البيان أن يقال إن التفسير هو بيان اللفظ و أما التأويل فهو بيان المعنى. تطبيق ذلك على قوله تعالى "لا شك فيه" هو أن تقول أن تفسيره لا ريب فيه و أن تأويله لا شك فيه لأنه حق في نفسه فلا يجوز عليه الشك. هذا هو الفرق الظاهر بينهما كما استفدته من القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى" و ما يعلم تأويله إلا الله ... ".و زاد غيره أن التأويل يقتضي صرف المعنى عن الظاهر بدليل.
و أما الطبري فإنه حين يقول في تفسيره قول أهل التأويل فأنما يقصد المفسرين لا المعنى السابق.
و الله عز وجل أعلم
.................................................
رب اغفر لي ولأخي و أدخلنا في رحمتك إنك أنت التواب الرحيم.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[24 - 08 - 05, 08:15 ص]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
ولزيادة الفائدة حول هذه المسالة ينظر هذا الكتاب لمساعد الطيار
مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر.(2/444)
أي هذه التفاسير منهجها غير سليم؟
ـ[ممدوح السعودي]ــــــــ[25 - 08 - 05, 02:31 ص]ـ
ياإخواني دلوني أي هذه التفاسير على منهج السلف وأيها على غير منهج السلف الصالح؟؟:
1 - تفسير النسفي
2 - تفسير الواحدي
3 - تفسير أبي السعود
4 - تفسير الثعالبي
5 - تفسير الصنعاني
6 - تفسير الجلالين
7 - تفسير البيضاوي
8 - تفسير الطبري
9 - دقائق التفسير
آسف على الاطالة ولكن حتى أحذر كتب أهل البدع كما قال حذيفة: وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[25 - 08 - 05, 02:42 ص]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=23486
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[25 - 08 - 05, 02:51 ص]ـ
التفاسير التي ذكرتها في الغالب ليست على منهج السلف في باب الأسماء والصفات، ويستثنى منها
5 - تفسير الصنعاني والمقصود به عبدالرزاق بن همام الصنعاني
8 - تفسير الطبري
9 - دقائق التفسير وهو مجموع من كلام ابن تيمية
ـ[طويلب علم صغير]ــــــــ[25 - 08 - 05, 07:28 ص]ـ
جزى الله الشيخ عبدالرحمن الفقيه خير الجزاء
يمكنك يا اخى ايضا معرفة مناهج المفسرين على الرابط:
سلسلة كيف تقرأ وتتعلم علوم التفسير - للشيخ: عبد الله بن بدر عباس
http://islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=457&scholar_id=233(2/445)
حول كتاب التفسير لابن خزيمة
ـ[ابن وهب]ــــــــ[26 - 08 - 05, 01:03 م]ـ
قال الحاكم في المستدرك
(حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني و أخبرني أبو محمد بن زياد العدل في أول كتاب التفسير ثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصغاني ثنا خالد بن خداش ثنا عمر بن هارون عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ في الصلاة {بسم الله الرحمن الرحيم} فعدها آية {الحمد لله رب العالمين} آيتين {الرحمن الرحيم} ثلاث آيات {مالك يوم الدين} أربع آيات و قال: هكذا {إياك نعبد و إياك نستعين} و جمع خمس أصابعه
......
)
وقد ذكر الحاكم انه اخرج الحديث شاهدا لان عمر بن هارون ليس من شرط كتابه
وهذا الحديث خرجه الحاكم من كتاب التفسير لابن خزيمة
وان كان الحديث في موضع آخر من كتاب المختصر لابن خزيمة
ولكن الحاكم ينقل هنا من التفسير
والله أعلم بالصواب
يتبع
ـ[ابن وهب]ــــــــ[26 - 08 - 05, 02:19 م]ـ
قال البيهقي رحمه الله في شعب الإيمان
(و الأصل فيه
ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني عبد الله بن محمد بن زياد العدل ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال سمعت أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة يقول: سمعت عكرمة بن سليمان مولى بني شيبة يقول: قرأت على إسماعيل بن عبد الله المكي فلما بلغت الضحى قال لي كبر حتى تختم فإني قرأت على عبد الله بن كثير فأمرني بذلك قال: قرأت على مجاهد فأمرني بذلك و قال إنه قرأ على ابن عباس فأمره بذلك فأخبر ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب فأمره بذلك
قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله
أنا خائف أن يكون قد أسقط ابن أبي بزة أو عكرمة بن سليمان من هذا الإسناد شبلا يعني ابن إسماعيل و ابن كثير
)
انتهى
وهذا أيضا من التفسير لابن خزيمة
ـ[العاصمي]ــــــــ[26 - 08 - 05, 02:43 م]ـ
[ QUOTE= ابن وهب] [ COLOR=Blue] أنا خائف أن يكون قد أسقط ابن أبي بزة أو عكرمة بن سليمان من هذا الإسناد شبلا يعني ابن إسماعيل و ابن كثير
[/ QUOT
صوابه: ..... يعني (بين) إسماعيل و ابن كثير.
و أهلا و سهلا بالشيخ الفاضل المفضال ابن وهب، و لقد أمتعتنا بفوائدك النفيسة، أحسن الله جزاءك.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[26 - 08 - 05, 03:44 م]ـ
قال الإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد 2/ 507:
حدثنا محمد بن معمر، قال: ثنا روح قال: ثنا شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله في هذه الآية "لقد رأى من آيات ربه الكبرى" قال: "رأى رفرفاً أخضر، قد سد أفق السماء".
قال أبوبكر: خرجت بقية هذا الباب في كتاب التفسير وكذلك بقية تأويل قوله: (ولقد رآه نزلة أخرى) خرجته في كتاب التفسير. اهـ.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=29375#post29375
ـ[ابن وهب]ــــــــ[26 - 08 - 05, 07:17 م]ـ
جزاكم الله خيرا
قال ابن خزيمة في المختصر
(أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا عبد الجبار بن العلاء نا سفيان عن عمرو - وهو ابن دينار - قال: قرأ ابن عباس أنلزمكموها من شطر أنفسنا: من تلقاء أنفسنا
قد خرجت هذا الباب بتمامه في كتاب التفسير)
ـ[ابن وهب]ــــــــ[26 - 08 - 05, 09:31 م]ـ
تنبيه
على خطأ وقعت فيه
فقولي قال ابن خزيمة
(قال ابن خزيمة في المختصر
(أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا عبد الجبار بن العلاء)
الخ
الصواب أن يقال
فال ابن خزيمة
(نا عبد الجبار بن العلاء .. ز الخ
) (
والذي اوقعنا في هذا النسخ من النسخة الالكترونية دون حذف
وقد نبهني بعض الأفاضل الى هذا الخطأ
ولايخفى ان هذا حصل عند النسخ
والا فمما لايخفى علي أن ابابكر هو ابن خزيمة
وأنا أباطاهر هو حفيده الراوي عنه
واستغفر الله العظيم وأتوب إليه وجزى الله الشيخ الذي نبه الى هذا الخطأ
وهو كثير الوقوع في الملتقى وغيره
فننقل من مسند أحمد فنقول
ورواه أحمد في المسند
(حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبد الله حدثنا عمران يعني بن زائدة بن نشيط عن أبيه عن أبي خالد عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: يا بن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك
)
ولو قلنا في المسند وذكرنا هذا
(حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبد الله حدثنا عمران يعني بن زائدة بن نشيط عن أبيه عن أبي خالد عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: يا بن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك
)
لهان الأمر
لكن لو قلنا قال أحمد
(حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبد الله حدثنا عمران يعني بن زائدة بن نشيط عن أبيه عن أبي خالد عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: يا بن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك
)
كما وقع مني هنا عند قولي
قال ابن خزيمة
فهذا خطأ قبيح للقارىء
لانه قد لايتفطن لهذا فيوقع في الخطأ خصوصا ان كان من كتاب غير مشهور
ويعطي انطباع غير جيد للمتابع للملتقى
فهذا الخطأ ان وقع مع عدم العلم بكون عبد الله هو الراوي عن أحمد
فهو الخطأ الشنيع الذي لايمكن تبريره
ولكنه في الغالب من النوع الذي ذكرت
ومع هذا فهو قبيح
فانصح نفسي والاخوة بتحري الدقة في مثل هذا
وجزاكم الله خيرا(2/446)
هل هذه آية فعلا
ـ[الديولي]ــــــــ[08 - 09 - 05, 10:39 م]ـ
((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم))
السؤال هو: هل هذه فعلا كانت آية ثم نسخت؟
قال عبد الله الغماري
إن منه ما يخالف إسلوب القرآن، كقول الله تعالى ((الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ))
قال العلماء: قدمت الزانية في الذكر للإشارة إلى أن الزنا منها أشد قبحا، ولأن الزنا في النساء كان فاشيا عند العرب.
لكن إذا قرأت الشيخ والشيخة إذا زنيا، وجدت الزاني مقدما في الذكر على خلاف الآية، وهذا يقتضي أن تقديم أحدهما كان مصادفة، لا لحكمة، وهذا لا يجوز، لأن من المقرر المعلوم أن ألفاظ القرآن الكريم موضوعة وضعا حكيما، بحيث لو قدم أحدهما عن موضعه أو أُخر أختل نظام الآية
وقد تقرر في علم الأصول أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر وما لم يتواتر لا يكون قرآنا، والكلمات التي قيل بقرآنيتها ليست بمتواترة، فهي شاذة، والشاذ ليس بقرآن ولا تجوز تلاوته.
الذي أرجوه من الإخوه، أن يكون الرد علميا.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[18 - 09 - 05, 10:42 ص]ـ
هناك بحث مفيد في أحد ألأعداد الأولى لمجلة الحكمة، ونقل عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كلاما حول هذا.
ـ[أبو أويس الجزائري]ــــــــ[18 - 09 - 05, 05:24 م]ـ
هذه الآية كانت فعلا مما يقرأ في القرآن الكريم و بعد ذلك نسخها الله عز وجل تلاوة و ترك حكمها جار في الناس وهذا النوع ما يسمى عند العلماء بالمنسوخ تلاوة دون الحكم وراجع في ذلك الإتقان للسيوطي ومناهل العرفان للزرقاني ومباحث في علوم القرآن للأستاذ صبحي الصالح في باب الناسخ والمنسوخ
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[20 - 09 - 05, 09:30 ص]ـ
يحتاج الأمر أولا إلى إثبات صحة هذه اللفظة (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، ثم يأتي الكلام على معناها وغير ذلك.
وقد خرج الحديث وتكلم على طرقه الشيخ حمد بن إبراهيم العثمان في بحث له نشر بمجلة الحكمة العدد الخامس ص 277 - 282
قال في بداية البحث:
الحمد لله ربا العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد
كان الشيخ الفاضل العلامة محمد بن صالح العثيمين -حفظه الله- يشرح كتاب زاد المستقنع في الفقه الحنبلي -كتاب الحدود منه، وتكلم فضيلته عن الرجم في حق الزاني المحصن، وذكر حفظه الله أن هذا الحكم ثابت بالسنة لفظا وحكما، وأنه ثابت بالقرآن حكما وأن لفظه منسوخ، وذكر حفظه الله ما تناقله الفقهاء والمفسرون من أن الآية المنسوخة في الرجم هي (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم)
والشيخ حفظه الله بصير ناقد للنصوص لايقبلها إلا بعد تدبر وتمحيص، وأورد الشيخ حفظه الله إشكاللا على الآية المذكورة، فالشاب المحصن يرجم والشيخ غير المحصن لايرجم وإن بلغ من العمر عتيا. وهذا ما لا يفيده ظاهر الآية.
ووقع في قلبي -لما ذكر الشيخ كلامه حول الآية المذكورة- أن أجمع الأسانيد للآية، ويسر الله ذلك بعد زمن، ولله الحمد والمنة.
يتبع بإذن الله تعالى ....
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[22 - 09 - 05, 03:00 ص]ـ
تتمة بحث حمد العثمان
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attachment.php?attachmentid=21348&stc=1
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attachment.php?attachmentid=21349&stc=1
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attachment.php?attachmentid=21350&stc=1
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[22 - 09 - 05, 03:01 ص]ـ
مسند أحمد بن حنبل [جزء 5 - صفحة 183]
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن كثير بن الصلت قال كان بن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف فمروا على هذه الآية فقال زيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فقال عمر لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أكتبنيها قال شعبة فكأنه كره ذلك فقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد وإن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم
تعليق شعيب الأرنؤوط:
* رجاله ثقات رجال الشيخين غير كثير بن الصلت فقد روى له النسائي وهو ثقة
* قال البخاري في صحيحه حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله عن بن عباس رضي الله عنهما قال قال عمر: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف قال سفيان كذا حفظت ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده
قلنا (الأرناؤوط): قال ابن حجر في الفتح 12/ 143 وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية جعفر الفريابي عن علي بن عبد الله شيخ البخاري فيه فقال بعد قوله أو الاعتراف وقد قرأناها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فسقط من رواية البخاري من قوله وقرأ إلى قوله البتة ولعل البخاري هو الذي حذف ذلك عمدا فقد أخرجه النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان كرواية جعفر ثم قال لا أعلم أحدا ذكر في هذا الحديث الشيخ والشيخة غير سفيان وينبغي أن يكون وهم في ذلك قال الحافظ: وقد أخرج الأئمة هذا الحديث من رواية مالك ويونس ومعمر وصالح بن كيسان وعقيل وغيرهم من الحفاظ عن الزهري فلم يذكروها
* قال الأرناؤوط: هذا وقد قال قوم من أهل العلم فيما نقله عنهم الإمام أبو بكر الباقلاني في الانتصار بأن آيات القرآن لا تثبت إلا بالتواتر فهذا الحديث وأمثاله مما قيل فيه: إنه كان قرآنا ثم نسخ هي أخبار آحاد ليست مشهورة فضلا عن تكون متواترة. ولا يقطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/447)
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[16 - 10 - 05, 07:57 ص]ـ
وكلام الأرناؤوط السابق فيه نظر من ناحية اشتراطه للتواتر في الآيات المنسوخة اللفظ.
ـ[لطفي بن محمد الزغير]ــــــــ[16 - 10 - 05, 08:40 م]ـ
إن القول بشذوذ هذه الألفاظ قول لا دليل عليه، والغماري رحمه الله وغفر له عنده مذهب قبيح في الحكم بشذوذ ألفاظ وأحاديث، حيث إن كل ما لا يتماشى مع مشربه يعد شاذاً، أو خالف فيما يرى العقل، وهذا أودعه في كتابه الفوائد المقصودة في بيان الأحاديث الشاذة والمردودة، وحكم فيه بشذوذ عدد من أحاديث الصحيحين أو أحدهما بالرغم من أن بعضها يصل إلى درجة التواتر كما في حديث ((لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))، ولهذا فحكمه لا يُول عليه ههنا، أما فيما يتعلق بحديث الشيخ والشيخة، فلقد قمت بتخريجه تخريجاً أولياً، فثبت عندي أنه ورد عن عدد من الصحابة يصل إلى 9، ولسوف أكتب خلاصة بحثي في ذلك والذي سميته ((أحاديث نسخ التلاوة رواية ودراية))، وهو سيقدم للتحكيم إن شاء الله تعالى.
أما عن السؤال بأن هل هذه آية فعلاً، فهي وإن كانت نزلت قرآناً ثم نسخت فحكمها بعد ذلك ليس حكم القرآن، ولهذا فاحتجاج من احتج بأن هذا لا يشبه القرآن، أو أنه لم ينقل متواتراً فيكفي أن نجيب بأنه نقل كحديث وطبقت عليه معايير المحدثين لأنه زال عنه اسم القرآ، بنسخ تلاوته، ولهذا نجد الدقة في أقوال السلف: ((كان فيما يقرأ من القرآن، أو فيما يُتلى)) وهذا يدل على أنه لم يعد كذلك، ولهذا فلا داعي لكل هذا الخوف والفرق الذي وجدناه من البعض ليثبت بأن هذا شاذ أو لا نرى عليه سيما القرآن، بحجة الدفاع عن الدين وهم بذلك ينفون أحاديث في أعلى درجات الصحة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ـ[المخلافي]ــــــــ[16 - 10 - 05, 09:39 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[02 - 10 - 06, 08:23 ص]ـ
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (8)
أسانيد آية الرَّجم
"الشَّيخُ والشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُموهُما البَتَّة"
جمع ودراسة
الشيخ حمد بن إبراهيم العثمان
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
أسانيد آية الرَّجم
"الشَّيخُ والشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُموهُما البَتَّة"
جمع ودراسة
الشيخ حمد بن إبراهيم العثمان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد كان الشيخ الفاضل العلامة محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- يشرح كتاب «زاد المستنقع» في الفقه الحنبلي –كتاب الحدود منه- وتكلم فضيلته عن الرجم في حق الزاني المحصنن وذكر حفظه الله أن هذا الحكم ثابت بالسنة لفظًا وحكمًا، وأنه ثابت بالقرآن حكمًا وأن لفظه منسوخ، وذكر رحمه الله ما تناقله الفقهاء والمفسرون من أن الآية المنسوخة في الرجم هي: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم). والشيخ –رحمه الله- بصير ناقد للنصوص لا يقبلها إلا بعد تدبر وتمحيص، وأورد الشيخ – رحمه الله- إشكالًا على الآية المذكورة وقال:
إن حكم الرحم مناط بالإحصان، وليس بالشيخوخة كما في الآية المذكورة، فالشاب المحصن يرجم، والشيخ غير المحصن لا يرجم، وإن بلغ من العمر عتيًّا. وهذا لا يفيده ظاهر الآية.
ووقع في قلبي –لما ذكر الشيخ كلامه حول الآية المذكورة- أن أجمع الأسانيد المذكورة للآية، ويسر الله ذلك بعد زمن، ولله الحمد والمنة.
قال النسائي رحمه الله في السنن الكبرى (4/ 273): أخبرنا محمد بن منصور المكي قال: ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: سمعت عمر () يقول:
(قد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى إذا أحصن وكانت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف؛ وقد قرأناها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/448)
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (رقم 8725)، ومن طريقه ابن ماجه في السنن، (2553) وأصل الحديث مخرج في الصحيحين بأطول من هذا اللفظ، أما التنصيص على أن آية الرجم هي: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)؛ فهي من إفراد سفيان بن عيينة الزهري، وقد خالف سفيان ثمانيةٌ من أصحاب الزهري في روايتهم عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سمع عمر رضي الله عنه يقول: الحديث، وهؤلاء الثمانية هم:
1 - صالح بن كيسان؛ كما في صحيح البخاري (رقم 6830).
2 - يونس بن عبد الأعلى؛ كما في صحيح مسلم رقم (1691)، وسنن النسائي الكبرى (رقم 7158 - 4/ 247).
3 - هشيم؛ كما في مسند الإمام أحمد (1/ 29)، وسنن أبي داود رقم (4418).
4 - معمر؛ كما في مصنف عبد الرزاق رقم (13329)، ومسند الحميدي (1/ 15، 16)، وأحمد في مسنده (1/ 47)، والترمذي في جامعه رقم (1432).
5 - مالك؛ كما في موطئه ص (823)، والشافعي في الأم (5/ 154)، وأحمد في المسند (1/ 40)، والدارمي في مسنده (2/ 179)، والنسائي في الكبرى رقم (7158 – 4/ 274).
6 - عبد الله بن أبي بكر بن حزم؛ كما في «السنن الكبرى للنسائي» رقم (7159 – 4/ 274) بإسناد صحيح إليه.
7 - عقيل؛ كما في «السنن الكبرى للنسائي» (7160 – 4/ 274).
8 - سعد () بن إبراهيم؛ كما في مسند أحمد (1/ 50)، وسنن النسائي الكبرى (7151 – 4/ 272) بإسناد صحيح إليه.
وبهذا يتبين أن الآية: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) غير محفوظة في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المذكرو بالطريق السابق.
قال أبو عبد الرحمن النسائي رحمه الله في سننه الكبرى (2/ 273): لا أعلم أحدًا ذكر في هذا الحديث: (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة) غير سفيان، وينبغي أنه وهم، والله أعلم. اهـ.
والذي يدل أيضًا على ان سفيان بن عيينة لم يحفظه هو ما صرح به؛ كما في مسند الحميدي (1/ 16)، فقال: «سمعته من الزهري بطوله، فحفظت منه أشياء، وهذا مما لم أحفظ منها يومئذ». اهـ.
وقال العلامة مالك رحمه الله في «الموطأ» (ص824) عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه () يقول: «لمَّا صدر عمر بن الخطاب رضي الله عنه من منى أناخ بالأبطح، ثم كوم كومةً بعلجاء، ثم طرح عليها رداءه واستلقى، ثم مدَّ يديه إلى السماء» فقال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط. ثم قدم المدينة فخطب الناس، فقال: أيها الناس، قد سنَّت لكم السنن، وفُرضت لكم الفرائض، وتُركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يمينًا وشمالًا، وضرب بإحدى يديه على الأخرى ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم؛ أن يقول قائل: لا نجد حدَّين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا.
والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا () فارجموهما البتة) فإنا قد قرأناها».
رجاله ثقات، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، وقد اختلف في سماع سعيد بن المسيب من عمر رضي الله عنه، وقد ذكرت كلام أهل العلم في ذلك في دراستي لكتاب عمرو بن حزم رضي الله عنه (ص13 - 15).
وقد خالف يحيى بن سعيد الأنصاري داود بن أبي هند، فرواه عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه، ولم يذكر قوله: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، كما في مسند مسدد ()، و «الحلية» لأبي نعيم (3/ 95)، والله أعلم.
وقال النسائي في «السنن الكبرى» (4/ 270): أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح، أخبرني الليث بن سعد عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن أبي أمامة بن سهل أن خالته أخبرته قالت: لقد أقرانا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم: (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة).
ورواه النسائي في الكبرى أيضًا (4/ 271): أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ثنا ابن مريم قال: إن الليث قال: حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال به.
وهذا إسناد ضعيف آفته مروان بن عثمان الذي ضعفه أبو حاتم، وقال عنه النسائي: ومَنْ مروان بن عثمان حتى يصدق على الله عز وجل. اهـ، ثم هذه الآية تخالف في اللفظ ما رواه الثقات الحفاظ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/449)
وقال النسائي في السنن الكبرى (4/ 271 - رقم 7148): أخبرنا إسماعيل بن مسعود الجحدري، قال: ثنا خالد بن الحارس، قال: ثنا ابن عون عن محمد، قال: نبئت عن ابن أخي كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان وفينا زيد بن ثابت فقال زيد: كنا نقرأ (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، فقال مروان لا تجعله في المصحف، قال: ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان، ذكرنا ذلك وفينا عمر فقال: أنا أشفيك، قلنا: وكيف ذلك؟ قال: أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله، فأذكر كذا وكذا، فإذا ذكر آية الرجم فأقول: يا رسول الله أكتبني آية الرجم، قال: فأتاه فذكر آية الرجم، فقال: يا رسول الله أكتبني آية الرجم قال: (لا أستطيع).
إسناده ضعيف؛ لجهالة عين من نبأ محمد عن كثير بن الصلت.
وقال الإمام أحمد في المسند (5/ 132): ثنا خلف بن هشام، ثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن أبي كعب قال: كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة، فكان فيها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة).
إسناده حسن ورجاله معروفون مشهورون، قال ابن حزم في «المحلى» (11/ 235): «هذا إسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه». اهـ. وقال ابن كثير في تفسيره (3/ 465): «وهذا إسناد حسن». اهـ.
وتابع حماد بن زيد في روايته عن عاصم به كل من:
1 - منصور بن المعتمر؛ كما في «السنن الكبرى» للنسائي (4/ 271)، وصحيح ابن حبان (6/ 302).
2 - وحماد بن سلمة كما في صحيح ابن حبان (6/ 302) ومستدرك الحاكم (2/ 415).
3 - وسفيان الثوري كما في «المحلى» (11/ 234).
4 - وابن فضالة كما في مسند الطيالسي (ص 73).
قال ابن حزم في «المحلى» (11/ 235): «فهذا سفيان الثوري، ومنصور شهدا على عاصم ما كذبا، فهما الثقتان الإمامان البدران، وما كذب عاصم على زر، ولا كذب زر على أبي». اهـ.
وقال الإمام أحمد في المسند (5/ 183): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير، عن كثير بن الصلت قال: كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصحف، فمروا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، فقال عمر: لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبنها. قال شعبة: فكأنه كره ذلك.
فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم.
ورواه كل من: الدرامي (2/ 179)، أخبرنا محمد بن يزيد الرفاعي، ثنا العقدي، ثنا شعبة به.
والنسائي في الكبرى (4/ 270)، أخبرنا محمد بن المثني، حدثنا محمد به.
وإسناده حسن، وابن العاص هو سعيد، وقتادة أحد الثلاثة الذين كفانا شعبة تدليسهم، على أنه قد صرح بالتحديث من يونس بن جبير، كما في «السنن الكبرى» للبيهقي (8/ 211).
قال ابن حزم في «المحلى» (11/ 235): «وهذا إسناد جيد» اهـ.
وبالعودة إلى أصل المسألة، وهو أن حكم الرجم مناط بالإحصان، وليس بالشيخوخة، لا نجد أن مادة (شيخ) في لغة العرب تفيد الإحصان.
قال الجوهري في «الصحاح» (1/ 425): «شيخ: جمع الشيخ شيوخ وأشياخ وشيخة وشيخان ومشيخة ومشايخ ومشيوخاء، والمرأة شيخة».
قال أبو عبيد: «كأنها شيخة رقوب».
وقد شاخ الرجل يشيخ شيخًا بالتحريك، جاء على أصله، وشيخوخة وأصل الياء المتحركة سكنت؛ لأنه ليس في الكلام فعلول.
ثم قال: «وشيَّخَ تشييخًا، أي شاخ، وشيَّخته: دعوته شيخًا للتبجيل.
وتصغير الشيخ شُييخٌ وشييخٌ أيضًا بالكسر، ولا تقل شويخ». اهـ.
وقال ابن فارس في «معجم مقاييس» اللغة (3/ 234):
«شيخ الشين والياء والخاء كلمة واحدة، وهي الشيخ، تقول: هو شيخ، وهو معروف بين الشيخوخة والشيخ والتشييخ».
وقد قالوا أيضًا كلمة، قالوا: شيَّخت عليه. اهـ.
والجواب الأمثل والله أعلم، عن الإشكال المذكور هو أن نقول: إن قوله (الشيخ والشيخة) عام أريد به الخاص، وهو المحصن من الشيوخ، وإلى هذا أشار جماعة من السلف، قال الإمام مالك –رحمه الله- في «الموطأ» (ص824): «قوله (الشيخ والشيخة) يعني الثيِّب والثَّيبة». اهـ.
ولهذا كان يورد بعض الصحابة والتابعين لفظة (الشيخ) في مقابل الشاب المحصن مشيرين بذلك إلى مراد الآية، وهو المحصن من الشيوخ، قال أبو محمد بن حزم في «المحلى» (11/ 234):
«عن أبي ذر قال: الشيخان يجلدان ويرجمان والثيبان يرجمان، والبكران يجلدان وينفيان. وعن أبي ابن كعب قال: يجلدون ويرجمون يجلدون ولا يرجمون، وفسره قتادة قال: الشيخ المحصن يجلد ويرجم إذا زنى، والشاب المحصن يرجم إذا زنى، والشاب إذا لم يحصن زنى، وعن مسروق قال: البكران يجلدان وينفيان، والثيبان يرجمان، ولا يجلدان والشيخان يجلدان ويرجمان». اهـ.
أما الشاب المحصن، فالرجم ثابت في حقه إذا زنى بدلالة نصوص أخرى غير الآية المنسوخة لفظًا الثابتة حكمًا. كما في حديث عبادة بن الصامت الذي رواه مسلم في صحيحه (رقم 1690). وفي حديث المرأة التي زنى بها العسيف، فرجمها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها كانت محصنة، كما في صحيح البخاري (رقم 6827)، ومسلم (رقم 1697).
وفي رجم ماعز بن مالك وهو شاب، كما في صحيح البخاري (رقم 6815)، وصحيح مسلم (رقم 1318)، وفي رجم الغامدية وهي شابة، وليست شيخة؛ بدليل أنها كانت حبلى من الزنى، كما في صحيح مسلم (رقم 1695 - 23)، والله أعلم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=83455
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/450)
ـ[إبراهيم مسعود]ــــــــ[09 - 02 - 07, 09:49 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ حمد بن إبراهيم العثمان
حفظه الله
وقد خالف سفيان ثمانيةٌ من أصحاب الزهري في روايتهم عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سمع عمر رضي الله عنه يقول: الحديث، وهؤلاء الثمانية هم:
1 - صالح بن كيسان؛ كما في صحيح البخاري رقم 6830
2 - يونس بن عبدالأعلى؛ كما في صحيح مسلم رقم (1691)، وسنن النسائي الكبرى (رقم 7158 - 4/ 247).
......
قول الشيخ أن "يونس بن عبد الأعلى" روى عن الزهري ليس صحيحاً ... فيما أعلم.
فيونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم، فهو (لا شك) لم يرو عن الزهري، بينه وبين ابن شهاب الزهري رجلان.
أما تلميذ الزهري وصاحبه فهو "يونس بن يزيد الأيلي" واحد من أثبت من رووا عن الزهري عند يحيى بن معين، قال: أثبت النَّاس في الزُّهريِّ: مالك، ومَعْمَر، ويونُس، وعُقَيْل، وشُعَيْب بن أبي حمزة، وابن عُيَيْنَة.
كما في تهذيب الكمال.
توفي الإمام "محمد بن مسلم بن شهاب الزهري" سنة 124 (سنة أربع وعشرين ومئة).
وَوُلِدَ "يونس بن عبد الأعلي" سنة 170 (سبعين ومئة)، وتوفي سنة 264 (أربع وستين ومئتين).
فبين وفاة ابن شهاب وولادة يونس بن عبد الأعلى أكثر من أربعين عاماً.
فاختلط على الشيخ أكرمه الله الأمر، وسبحان من لا يَضِلُّ ولا يَنسَى.
الأمر الثاني:
قال الشيخ:
وقال الإمام أحمد في المسند 5/ 132: ثنا خلف بن هشام، ثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب قال: كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة، فكان فيها: (الشيخ والشيخة إذا زنيافارجموهما البتة.
لا ..
لم يقل الإمام أحمد حدثنا خلف بن هشام، ثم روى عنه هذه الرواية أن سورة الأحزاب كانت تعادل سورة البقرة.
هذه الرواية لم يروها الإمام، إنما هي من زوائد عبد الله بن أحمد وليست من رواية أحمد رحمهم الله جميعاً.
ففي المسند روايتان أن سورة الأحزاب كانت مثل سورة "البقرة" أو أكثر منها.
منهما هذه الرواية التي ذكرها الشيخ حمد، ورواية أخرى فيها يزيد بن أبي زياد.
وكلتا الروايتين لم يروهما الإمام أحمد.
وإنما هما من زيادات ابنه عبد الله.
والله تعالى أعلم.
ـ[إبراهيم مسعود]ــــــــ[10 - 02 - 07, 02:40 ص]ـ
**
ولم يرو هذا الحديث أن (سورة الأحزاب كانت قدر سورة البقرة) أحد من أصحاب الكتب الستة:
1 - لا البخاري
2 - ولا مسلم
3 - ولا الترمذي
4 - ولا أبو داود
5 - ولا النسائي في سننه الصغرى التي هي أحد الكتب الخمسة أو الستة.
6 - ولا ابن ماجة.
ولا الدارمي في سننه ومن العلماء من يراه أولى أن يكون سادس الكتب الستة.
ولا مالك في موطئه.
ولا أحمد في مسنده، كما رأينا ..
فهذه أمات كتب السنة لا ذكر فيها لهذا الحديث.
...........
أما آية الرجم .. وسؤال الأخ / الديولي الذي هو أصل الموضوع ...
((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيزحكيم))
السؤال هو: هل هذه فعلا كانت آية ثم نسخت؟
فالجواب عند الإمام أبي جعفر النحاس في كتابه [الناسخ والمنسوخ] في شأن آية الرجم، وغيرها مما قيل أنها تنزلت وكانت تتلى ثم نسخت، قال:
(ليس حكمُه حكمَ القرآن الذي نقله الجماعة عنالجماعة ولكنه سنة ثابتة ..
وقد يقول الإنسانُ كنتُ أقرأ كذا لغير القرآن، والدليل على هذا أنه قال ولولا أني أكره أن يقال زاد عمر في القرآنلزدتها (أ. هـ.
الإمام أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس أبو جعفر: (الناسخ والمنسوخ) الجزء الأول
فهي ليست من القرءان المتواتر الذي نقلته الأمة عن الأمة، وإنما هو من السنن التي أنزلها على رسوله، والأحكام التي أمر بالقضاء بها.
والله سبحانه أعلم.
**
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[10 - 02 - 07, 03:38 ص]ـ
التقديم والتأخير في كلتا الآيتين المنسوخة والمحكمة ليس مصادفة كما يزعم الغماري وإنما لحكمة
وذلك أن تسبب الشيخ في وقوع الزنا أكثر من تسبب الشيخة، فقدم الشيخ في الآية المنسوخة لهذه الحكمة، وسمى الله المحصن والمحصنة شيخا وشيخة تنفيرا، إذ يقبح أن يكون شيخ زانيا، كما في حديث ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم شيخ زان.
أما على سبيل العموم، فأكثر من يقع في الزنا الشباب، وتسبب المرأة في وقوع الزنا أكثر من تسبب الرجل، فقدمت الزانية على الزاني في الآية المُحكمة لهذه الحكمة.
ولذا فلا اعتراض على بلاغة الآية المنسوخة.
ـ[عمر فولي]ــــــــ[17 - 02 - 07, 01:33 ص]ـ
والسلام عليكم
((والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا () فارجموهما البتة) فإنا قد قرأناها».
رجاله ثقات، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، وقد اختلف في سماع سعيد بن المسيب من عمر رضي الله عنه، وقد ذكرت كلام أهل العلم في ذلك في دراستي لكتاب عمرو بن حزم رضي الله عنه (ص13 - 15 (
هناك إشكال في الحديث .. إذا كانت الآية منسوخة كيف يقول عمر ـ رضي الله عنه ـ والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى))؟؟؟؟
فالظاهر أن الآية ليست منسوخة عند عمر ـ رضي الله عنه ـ وهذا ظاهر من قوله: فإنا قد قرأناها!!!!
وقد أجاب ا. د/ سامي هلال عن الإشكال ـ وأنقل ما أذكره من القول ولعلي أرجع إلي المصدر لاحقا إن شاء الله ـ: بأن عمر ـ رضي الله عنه ـ لم يجد الآية مكتوبة عند أحد من الصحابة حيث كانا يشترطان ـ أي عمر وزيد " رضي الله عنهما " ـ لكتابة الآية أن تكون كُتبت بين يدي النبي صلي الله عليه وسلم، وتكون مكتوبة ـ علي الأقل ـ عند اثنين من الصحابة، أو شاهدان يشهدان أنها كُتبت بين يدي النبي صلي الله عليه وسلم، ولم يجدها عمر ـ رضي الله عنه ـ مكتوبة عند أحد من الصحابة ـ لأنه قد اختل ما اشترطوه من كتابة الآية عند اثنين ـ فقال مقولته لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب، ولو كانوا يشترطون الحفظ لكفي بأبي بكر وعمر وزيد ونفر من الصحابة لكتابة المصحف .. والله أعلم))
والسلام عليكم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/451)
ـ[محمد محمود يوسف]ــــــــ[17 - 02 - 07, 05:17 م]ـ
الحمد لله على ما حبى الله به هذه الأمة بهذا الكتاب الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ونحمد الله على هذا الدين العظيم.
ـ[إبراهيم مسعود]ــــــــ[21 - 02 - 07, 12:57 ص]ـ
*
الحمد لله
القول أن "آية الرجم" كانت من المنسوخ عند المسلمين، ولم تكن منسوخة عند عمر وأنه لم يجد شهوداً ليكتبها في المصحف، فليس صحيحاً، ويخالف ما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة، فيما أعلم.
فضلاً عن خطورة مفهومه.
فهذه الآية لم تكن مكتوبة عند عمر حتى يأتي بها، ويطلب لها شهوداً ... وهو لما نزلت أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليكتبها فَكَرِه النبي صلى الله عليه وسلم كتابتها ... كما جاء في الرواية التي رواها الإمام أحمد في مسنده عن محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة قال: عن قتادة قال: عن يونس بن جبير قال: عن كثير بن الصلت قال: كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف فمروا على هذه الآية فقال زيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فقال عمر: لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبنيها، قال شعبة فكأنه كره ذلك، فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد وإن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم.
فلم يكتبها عمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كَرِه ذلك، (ليس لأنه لم يجد شهوداً)
ولا يتخيل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كره كتابتها، ويعلم عمر ذلك، ثم يحاول كتابتها بعد ذلك، ولا يمنعه إلا عدم وجود هؤلاء الشهود.
كيف ... وعمر نفسه رضى الله عنه كان يكره كتابتها، لأن كتابتها زيادة على كتاب الله وهو (لا شك في ذلك) يكره أن يزيد في كتاب الله .. فقد روى الترمذي عن عمر رضي الله عنه قال:
(وَلَوْلَاأَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَزِيدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهُ فِي الْمُصْحَفِ فَإِنِّي قَدْ خَشِيتُ أَنْ تَجِيءَ أَقْوَامٌ فَلَا يَجِدُونَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَكْفُرُونَ بِهِ)
قَالَ الترمذي: حَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
فهو رضوان الله عليه يعرف أن كتابتها زيادة في كتاب الله، وليس تتميماً لكتاب الله!
ولا يتخيل كذلك أن تكون قرءاناً ويترك عمر كتابتها لعدم وجود شهود!! وهو من هو أحرص الناس على كتابة القرءان وجمعه، وهو الذي حض أبا بكر على ذلك، واستدعيا زيدَ بن ثابت، وأمراه بجمعه.
**
ـ[إبراهيم مسعود]ــــــــ[21 - 02 - 07, 01:02 ص]ـ
*
نقلنا عن الإمام أبي جعفر النحاس رحمه الله في كتابه (الناسخ والمنسوخ ج1) في آية الرجم ومثلها مما قيل فيه أنه كان قرءاناً ونُسِخَ .... نقلنا قوله:
(ليس حكمُه حكمَ القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة ولكنه سنة ثابتة ..
وقد يقول الإنسانُ كنتُ أقرأ كذا لغير القرآن، والدليل على هذا أنه قال ولولا أني أكره أن يقال زاد عمر في القرآن لزدتها) أ. هـ.
وهذه الرواية التي رواها الإمام أحمد في مسنده والمذكورة آنفاً،
عن كثير بن الصلت قال: كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف فمروا على هذه الآية فقال زيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فقال عمر: لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبنيها، قال شعبة فكأنه كره ذلك، فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد وإن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم.
هذه الرواية تؤيد ما ذهب إليه الإمام أبو جعفر النحاس من كون هذه الآيات لم تكن آياتٍ من القرءان، لأنه كما رأينا كره رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها، وهو عليه السلام كان يكره كتابة ما سوى القرءان.
كما روى مسلم (لَا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ ... )
ولو كانت قرءاناً لكتبها كما كان يكتب القرءان ويأمر كتبة الوحي بذلك، ولما كان كره من عمر ذلك، عندما سأله.
ثم ..
تأتي وقفتان مع الروايتين اللتين رويتا في شأن آية الرجم:
أولهما: هذه الرواية التي رويت في مسند الإمام أحمد رحمه الله.
وثانيهما: التي رويت في موطأ الإمام مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/452)
أما الإمام أحمد رضى الله عنه فقد روى أكثر من رواية في مسألة الرجم، وآية الرجم .. فقد روى عن هشيم بن بشير رواية الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن عمر ولا يوجد فيها جملة (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة .... ) وقد عرفنا أن كل روايات أصحاب الزهري عن الزهري ليس فيها هذه الجملة.
وروى عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك رضي الله عنهم عن الزهري رواية ابن عباس عن عمر وليس فيها الشيخ والشيخة، وهذه أسانيد صحيحة على شرط الشيخين (كما ذكر شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند).
وروى أحمد أيضاً عن هشيم من غير طريق الزهري .. رواها عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس عن عمر وأيضاً ليس فيها الشيخ والشيخة، وإسناده ضعيف (شعيب الأرناؤوط).
وروى عن معمر عن الزهري ..
وكذلك لا ذكر للشيخ والشيخة فيها، وإسناده صحيح على شرط الشيخين (شعيب الأرناؤوط).
وروى عن غير الزهري عن ابن عباس (شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس ... حديث خطبة عمر) وليس فيه الشيخ والشيخة. وإسناده صحيح على شرط الشيخين (الأرناؤوط)
وروى رواية عن عائشة عن آية الرجم ليس فيها ذكر للشيخ والشيخة.
وروى رواية عن عَليِّ رضى الله عنه وإقامته الحد على المرأة (شراحة) التي زنت وأن الرجم سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم وآية الرجم (وهو حديث ضعيف .. ضعفه الشيخ/ الأرناؤوط) .. ولم يُذكر في الرواية (الشيخ والشيخة)
وروى القصة نفسها (رجم عليِّ رضي الله عنه لشراحة) من طريق آخر وليس فيه الشيخ والشيخة أيضاً، قال فيه الأرنؤوط: صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير مجالد بن سعيد فمن رجال مسلم
وروى عن سعيد بن المسيب خطبة عمر رضي الله عنه وآية الرجم ولم يأت فيها (الشيخ والشيخة .. )
وقد رواها من طريقين إلى يحي بن سعيد الأنصاري، من طريق يزيد بن هارون، ويحي القطان، وكلاهما حديث صحيح على شرط الشيخين (شعيب الأرناؤوط)
فكل روايات الإمام أحمد رضي الله عنه لا يوجد فيها ذكرٌ لـ (الشيخ والشيخة .. )
إلا هذه الرواية، روايةكثير بن الصلت التي ذكرت قبل.
ما معنى ذلك؟
معنى ذلك أنه لا توجد "الشيخ والشيخة .. " في كل روايات الإمام أحمد التي جاء فيها ذكر آية الرجم إلا رواية واحدة وفيها كراهة النبي صلى الله عليه وسلم لكتابتها.
وماذا نرى في ذلك؟
نرى أن هذه الرواية التي رواها الإمام أحمد رضي الله عنه دليل أن جملة "الشيخ والشيخة إذا زنيا .. " ليست قرءاناً، ولم تكن قرءاناً ...
فالإمام وقد ساق لنا كل هذه الروايات (صحيحها وسقيمها) وليس فيها "الشيخ والشيخة .. " كأنه أراد بذلك أن يسوق لنا الدليل أنه لا وجود لها في الأحاديث التي صحت عنده والتي لم تصح.
والحديث الوحيد الذي أورده .. وفيه هذه الجملة .. هو في نفسه دليل أنها لم تكن مكتوبة في القرءان، ولم يأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها.
إذن ..
فماذا تكون "الشيخ والشيخة"؟
تكون كما ذكره الإمام أبو جعفر النحاس ونقلناه عنه:
(ليس حكمُه حكمَ القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة ولكنه سنة ثابتة ..
وقد يقول الإنسانُ كنتُ أقرأ كذا لغير القرآن، والدليل على هذا أنه قال "ولولا أني أكره أن يقال زاد عمر في القرآن لزدتها") أ. هـ.
أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس أبو جعفر: (الناسخ والمنسوخ) الجزء الأول
ونرى أن فعل الإمام أحمد ورواياته يؤيد ما ذهب إليه النحاس ...
والله تعالى أعلم.
ونتابع إن شاء الله تعالى.
*
ـ[عمر فولي]ــــــــ[21 - 02 - 07, 11:05 م]ـ
السلام عليكم
قولكم: " نرى أن هذه الرواية التي رواها الإمام أحمد رضي الله عنه دليل أن جملة "الشيخ والشيخة إذا زنيا .. " ليست قرءاناً، ولم تكن قرءاناً ... .. ))
هذا الكلام مخالف لما عليه الأئمة من أن أقل ما فيها أنها آية ثم نسخت:
قال صاحب تنوير الحوالك: وفسر النبي صلى الله عليه وسلم السبيل بالرجم في حق المحصن في حديث عبادة بن الصامت عند مسلم وقيل هو إشارة إلى آية الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما وهو مما نسخ تلاوته وبقي حكمه فرد أي مردود ... )) ا. هـ 1/ 602
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/453)
قال ابن حجر في الفتح: وَيُؤَيِّد ذَلِكَ مَا ثَبَتَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة مِنْ ذِكْرِ أَشْيَاء نَزَلَتْ مِنْ الْقُرْآن فَنُسِخَتْ تِلَاوَتهَا وَبَقِيَ حُكْمهَا أَوْ لَمْ يَبْقَ، مِثْل حَدِيث عُمَر " الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّة "ا. هـ 14/ 233
وقال أيضا: ...... فَقَالَ عُمَر: أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْخ إِذَا زَنَى وَلَمْ يُحْصَن جُلِدَ، وَأَنَّ الشَّابَّ إِذَا زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ رُجِمَ " فَيُسْتَفَاد مِنْ هَذَا الْحَدِيث السَّبَب فِي نَسْخ تِلَاوَتهَا لِكَوْنِ الْعَمَل عَلَى غَيْر الظَّاهِر مِنْ عُمُومهَا.)
وقال النووي: قَوْله: (فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ آيَة الرَّجْم قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا)
أَرَادَ بِآيَةِ الرَّجْم: (الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّة) وَهَذَا مِمَّا نُسِخَ لَفْظه وَبَقِيَ حُكْمه .. ) ا. هـ6/ 111
وفي عون المعبود: وَقِيلَ: هُوَ إِشَارَة إِلَى آيَة: (الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا) وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ مِمَّا نُسِخَتْ تِلَاوَته وَبَقِيَ حُكْمه؛))
وفي أصول السرخسي: فقد ثبت برواية عمر رضي الله عنه أن الرجم مما كان يتلى في القرآن على ما قال: لولا أن الناس يقولون إن عمر زاد في كتاب الله لكتبت على حاشية
المصحف: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة.
الحديث، فإنما كان هذا نسخ الكتاب بالكتاب.)) 2/ 71
وفي الأحكام للآمدي: وأما نسخ التلاوة دون الحكم، فما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: كان فيما أنزل الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله ورسوله فإنه منسوخ التلاوة دون الحكم.)) 2/ 142
وفي المستصفي للغزالي: وَأَمَّا نَسْخُ التِّلَاوَةِ فَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَارُ بِنَسْخِ تِلَاوَةِ آيَةِ الرَّجْمِ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِهَا، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ".1/ 245
وكذا في عند الفقهاء والأصوليين وغيرهما .. فكيف يقول النحاس بأنها لم تكن آية؟؟!!
وقولكم: (وَلَوْلَاأَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَزِيدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهُ فِي الْمُصْحَفِ فَإِنِّي قَدْ خَشِيتُ أَنْ تَجِيءَ أَقْوَامٌ فَلَا يَجِدُونَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَكْفُرُونَ بِهِ)
قَالَ الترمذي: حَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
فهو رضوان الله عليه يعرف أن كتابتها زيادة في كتاب الله، وليس تتميماً لكتاب الله!)
أولا: الأخبار تواترت أنها كانت قرآنا، وقوله: وَلَوْلَاأَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَزِيدَ) لأنهم اشترطوا الشهود كما سبق، ولما لم يجده عند أحد فقد أصبحت زيادة لأنهم لا يقبلون خبر الواحد في القرآن، هذا مع ما تواتر القول بقرآنية هذه الآية ثم أخذت حكم النسخ لما أسلفنا. والله أعلم
والسلام عليكم
ـ[إبراهيم مسعود]ــــــــ[23 - 02 - 07, 10:53 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
روى البخاري في صحيحه ... عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال:
( ... إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ) [صحيح البخاري: كتاب الحدود]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/454)
وفي كتاب الحدود أيضاً .. قال البخاري: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ: قَالَ عُمَرُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ. أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أَحْصَنَ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ قَالَ سُفْيَانُ كَذَا حَفِظْتُ أَلَا وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ.
رواه كذلك في كتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة" عن معمر عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس.
ورواه أيضاً مسلم وأبو داود والترمذي والدارمي وابن ماجه ومالك وغيرهم.
وبداية نقول:
أن البخاري رحمه الله لم يرو شيئاً فيه (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة جزاء بما كسبا .. ) إلى آخره.
فجملة "الشيخ والشيخة إذا زنيا ..... " هذه المنتشرة بيننا أنها كانت قرءاناً نسخ تلاوته، لا توجد عند البخاري
ولا مسلم
ولا الترمذي
ولا أبي داود
رحمهم الله جميعاً!
فهي لم ترو في أي كتاب من الكتب الخمسة.
فروايات البخاري كلها التي ذكرها في كتاب "الأحكام" أو كتاب "الحدود" أو كتاب "الاعتصام" من صحيحه لم يذكر في واحدة منها أن آية الرجم هي الشيخ والشيخة.
ومسلم روى في صحيحه حديث عمر في "آية الرجم" (كتاب الحدود) عن يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب وليس فيه "الشيخ والشيخة".
وروى الترمذي عن معمر عن ابن شهاب حديث عمر في آية الرجم (كتاب الحدود) وليس فيه "الشيخ والشيخة".
وروى أبو داود كذلك من طريق هشيم عن ابن شهاب حديث عمر في (آية الرجم) (كتاب الحدود) وليس فيه الشيخ والشيخة!
والنسائي ترك كل أحاديث الشيخ والشيخة فلم يرو منها شيئاً في مجتباه (سننه الصغرى).
فهذه الأصول الخمسة من كتب السنة ... ليس في رواية واحدة منها أن آية الرجم التي أنزلت هي (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ..... )
وبتعبير آخر نقول:
لا يوجد لآية الرجم نَصٌّ عند البخاري!
ولا يوجد لآية الرجم نَصٌّ عند مسلم!
ولا يوجد لآية الرجم نَصٌّ عند الترمذي!
ولا يوجد لآية الرجم نَصٌّ عند أبي داود!
ولا يوجد لآية الرجم نَصٌّ عند النسائي!
فلا يوجد إذن نَصٌّ واحد في أيٍّ من الكتب الخمسة لآية الرجم!
وليست (الشيخ والشيخ .. ) هي نَص آية الرجم عند هؤلاء الأئمة.
فهل يمكن أن يكون قرءانٌ أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وأوحي به إليه، وحفظه المسلمون وعملوا به، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، ولا تُعرف له رواية واحدة يطمئن لها أئمة الرواية والحديث أو نصٌ صحيح ليرووه في كتاب واحد من الكتب الخمسة؟
أليس هذا أمراً جديراً بالنظر والاعتبار؟!
أليس هذا أمراً حقيق أن يستوقف المسلم وهو يقرأ في أمر القرءان وتنزيله؟!
أن تخلو هذه الكتب جميعها .. البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبو داود، والنسائي .. وهي ما عرف عند علماء الحديث بالكتب الخمسة، أو الأصول الخمسة ... أن تخلو من (الشيخ والشيخة إذا زنيا ... ) وهي أسرع آية على الألسن إذا تكلمت في نسخ التلاوة .. وأسرع ما ينسب إلى كتاب الله أنها كانت من آيته .. ثم لم تعد منه؟!
أهكذا يكون التواتر؟
أهذا ما تعلمناه في علم الحديث؟!
قرءان كان يتلى ... تلاه المسلمون، ثم نسخ من بينهم .. وأمات الكتب الخمسة لا تأتيها رواية واحدة تصلح لئن تكتب فيها؟
فأين التواتر إذن الذي تميز به القرءان؟
وأين الصحابة الحفاظ؟
وأين الأمة المسلمة التي تتلو آيات الله طرفي النهار وزلفاً من الليل؟
وأين كتبة الوحي .. وصحفهم .. ماذا فعلوا في المكتوب فيها لَمَّا نسخت تلاوتها، ورفعت قراءتها؟
ماذا فعلوا في اللخاف "وهي صفائح الحجارة" أو الأكتاف التي كتبوا فيها .. هل كُسِّرت؟
وماذا فعلوا في العُسُب وأوراق الشجر، هل مزقت؟
ما وجدنا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بنسخ تلاوتها، ولا نسخها من الصحف، ولا دعا كتبة الوحي فأمرهم أن يمحوها.
ولا جاءت رواية واحدة فيها أنه صلى الله عليه وسلم أحضر الذين كتبوها فقال اعزلوا آية كذا من مكان كذا.
قرءان كان الصحابة يتلونه، ويصلون به، ويحكمون به، وينسخ بعد ذلك ولا نعرف كيف نسخ، وماذا كان بين الناس لما نسخ؟!
ولا خرج كتبة الوحي أو المسلمون يطوفون ينهون الناس عن قراءتها، وهم الذين طافوا المدينة يوم حرمت الخمر، فأهرقها الناس حتى جرت في سكك المدينة كما في الحديث!
ولا جاء أن فلاناً وجد آخر يقرأ بآية الرجم في الصلاة فزجره ونهاه، أو قال أما علمت أن رسول الله قد نسخها، أو أنه نهى عن تلاوتها، كما جاء في قصة عمر وهشام بن حكيم وقد سمعه يقرأ بحرف غير حرفه.
ولو كانت آية الرجم من القرءان ونسخت .. لن تكون المشكلة عند عمر رضي الله عنه إضافتها إلى القرءان، وخشيته لو أضافاها لقالوا زاد عمر ..
ولكن ستكون المشكلة كيف أخرجها المسلمون من القرءان لو كانت حقاً كانت آية منه، وكتبها المسلمون في القرءان ثم نسخت منه!!
لقد جاءت الأحاديث بوجود مشكلة أثارت الصحابة وهي أن الأجيال القادمة ربما أنكرت الرجم لأنها لن تجده في القرءان ... (قد خشيتُ أَنْ يطولَ بالناسِ زمانٌ، حَتَّى يقولَ القائلُ: مَا نَجِدُ الرَّجْمَ في كتابِ الله عَزَّ وَجَلَّ) .... حتى قال أنه هم بكتابتها على حاشيته، أو خاتمته، لكن لم تأتينا أحاديث بأن مشكلة كانت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعد مماته كيف يخرجون من القرآن آية الرجم.
.......
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/455)
ـ[إبراهيم مسعود]ــــــــ[23 - 02 - 07, 10:58 ص]ـ
حذفت للتكرار
ـ[إبراهيم مسعود]ــــــــ[23 - 02 - 07, 11:00 ص]ـ
تكرار الإرسال
ـ[إبراهيم مسعود]ــــــــ[23 - 02 - 07, 11:14 ص]ـ
...
لا تعرف الكتب الخمسة (الشيخ والشيخة إذا زنيا .... ) ولا ذكرتها كما عرفنا ... وهي أمات كتب السنة.
لكن روى ابن ماجة رحمه الله في سننه حديث عمر رضي الله عنه وذكر فيه (الشيخ والشيخة إذا زنيا ... )
وابن ماجة هو سادس الكتب الستة إذا أضفنا إلى الكتب الخمسة سادساً لها.
فقد روى في سننه في كتاب "الحدود" قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: "لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ مَا أَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ إِذَا أُحْصِنَ الرَّجُلُ وَقَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ حَمْلٌأَوِ اعْتِرَافٌ وَقَدْ قَرَأْتُهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ.
إذن واحد من الكتب الستة (وهو سنن ابن ماجة) جاءت في رواية آية الرجم المروية عن أمير المؤمنين عمر، جاء فيها (الشيخ والشيخة ... )
لكن:
هذه الرواية هي رواية سفيان بن عيينة عن ابن شهاب، وهي الرواية التي وهم فيها "سفيان" رحمه الله من بين أصحاب ابن شهاب ... كما قال النسائي: لا أعلم أن أحداً ذكر في هذا الحديث "الشيخ والشيخة" فارجموهما البتة غير "سفيان" وينبغي أنه وهم.
سنن النسائي الكبرى – الجزء الرابع.
وذكره عنه ابن حجر في الفتح الجزء الثاني عشر، ونقله لنا الشيخ حمد بن إبراهيم في تعقيبه على أسانيد آية الرجم.
فهذه الرواية المذكورة في سنن ابن ماجة، هي التي تركها الأئمة ورووا رواية غيره من أصحاب الزهري، كما ذكر عنهم ابن حجر فقال: (أخرج الأئمة هذا الحديث من رواية مالك ويونس ومعمر وصالح بن كيسان وعقيل وغيرهم من الحفاظ عن الزهري فلم يذكروها) .... أي لم يذكروا الشيخ والشيخة.
ابن حجر: فتح الباري ج12
وكما بين ذلك الشيخ حمد في جمعه لأسانيد آية الرجم.
إذن لا يوجد لدينا في كتب السنة الستة حديث واحد فيه (الشيخ والشيخة ... )
أما مسلم، والترمذي، وأبو داود فقد ذكرنا أصحاب الزهري الذين رووا عنهم عن الزهري.
وأما الإمام أحمد فقد روى رواية الزهري من طريق مالك.
ورواها من طريق معمر.
ورواها من طريق هُشَيم.
لكنه لم يرو من طريق سفيان.
والدارمي روى الرواية عن الزهري من طريق مالك، ولم يرو رواية سفيان.
لكن ماذا فعل الإمام البخاري؟
هل ترك رواية "سفيان" كما تركها الأئمة؟
لا .. لم يفعل ذلك.
لقد روىالإمام البخاري رواية سفيان بن عيينة عن الزهري!!
ولم يتركها كما تركها الأئمة "مسلم" و"الترمذي" و"أبو داود" و"أحمد" ..
لكنه لما رواها لم يرو فيها "الشيخ والشيخة"!
لقد أسقط من الرواية (الشيخ والشيخة ... )
قال ابن حجر: "ولعل البخاري هو الذي حذف ذلك عمدا"
رضي الله عنه ...
فلنعلم ... ولنتعلم من الأئمة رضوان الله عليهم.
النسائي ذكر رواية "سفيان" ثم أشار إلى "وَهْمِ" سفيان فيها ....
والبخاري روى رواية سفيان، وأسقط "الوهم" فيها.
روى البخاري الصحيح من الرواية الذي وافق فيه "سفيان" الأئمة من أصحاب الزهري، وأسقط "الشاذ" من الرواية فلم يروه، فكأنه أشار بفعله هذا على ضعف ما حذفه من رواية سفيان، وصحة ما أثبته.
ولئن دلَّ النسائي على ضعف ما في الرواية بقوله ..
فقد دلَّ البخاري على ضعفها بفعله.
وهذه طريقة البخاري رضي الله عنه لمن عرف علمه، وفقهه.
ثم أضف إلى ذلك أن "سفيان" رحمه الله (كما ذكر الشيخ حمد بن إبراهيم العثمان في جمعه للأسانيد) ذكر هو نفسه أن هذه الرواية مما غاب عنه فيها أشياء عن الزهري .. حتى نزل إسناده فيها عن شيخه، فروى عن معمر عن الزهري، كما ذكر الحميدي ونقل عنه.
مسند الحميدي الجزء الأول.
فقد روى الحميدي قال حدثنا سفيان حدثنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس قال سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول: أن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب وكان مما أنزل عليه آية الرجم فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.
قال: فقد سمعته من الزهري بطوله فحفظت منه أشياء وهذا مما لم أحفظ منها يومئذ.
فهذه إذن الكتب الستة لا يوجد فيها نصٌ لآية الرجم، ولم يذكر فيها "الشيخ والشيخة إذا زنيا ... "
اللهم إلا رواية ابن ماجة وقد عرفنا ما فيها.
وليس في "الدارمي" الشيخ والشيخة.
وفي كل روايات "أحمد" في مسند لا وجود للشيخ والشيخة، إلا رواية كثير بن الصلت وفيها كراهة النبي صلى الله عليه وسلم لكتابتها.
ونعود إلى الإمام أحمد ورواياته ... لنتعلم منه مرة أخرى رضوان الله عليه، سائلين الله تعالى أن يهدينا إلى الحق، ويرشدنا إلى الهدى، لا نبغي شيئاً سواه.
يتبع إن شاء الله.
......
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/456)
ـ[عمر فولي]ــــــــ[23 - 02 - 07, 01:06 م]ـ
السلام عليكم
إليك ما قاله الألباني ـ رحمه الله ـ في كتبه
2338 - (صحيح)
حديث عمر قال إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى فالرجم حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت به البينة أو كان الحبل أو الاعتراف وقد قرأتها " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم " متفق عليه
(سنن ابن ماجة)
2553 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن الصباح قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال قال عمر بن الخطاب لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل ما أجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة من فرائض الله ألا وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل وقامت البينة أو كان حمل أو اعتراف وقد قرأتها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.
تحقيق الألباني:
صحيح، الإرواء (2338)
والسلام عليكم
ـ[إبراهيم مسعود]ــــــــ[27 - 02 - 07, 01:45 ص]ـ
..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
................................
بسم الله الرحمن الرحيم
إذن هذه الكتب الستة .. ليس فيها "الشيخ والشيخة إذا زنيا" سواء في حديث عمر رضى الله عنه في مسألة آية الرجم، ولا فيما سواها من روايات.
فإن ابن ماجة لم يرو هذه الجملة في أيِّ من أحاديثه باستثناء هذه الرواية السابقة، ولا يوجد عنده بعد ذلك لا هو ولا الأئمة الخمسة ما يعرف بالشيخ والشيخة.
وإذا أضفنا إلى ذلك سنن الدارمي وقد علمنا أنه روى الرواية عن الزهري من طريق مالك، وهي الرواية الموافقة لكل روايات أصحاب الزهري في عدم ذكر "الشيخ والشيخة ... ".
وإذا علمنا كذلك أن ابن الصلاح، والنووي، وابن حجر كانوا يفضلون سنن الدارمي على سنن ابن ماجة ..
وقالوا: لو جعل سنن الدارمي سادسها لكان أولى.
كما في (الرسالة المستطرفة للكتاني)
أي سادس الكتب الستة، أصبح لدينا سبعة كتب من أصول كتب السنة لا وجود للشيخ والشيخة فيها.
عرفنا أن القول بأنه قد تواترت الأخبار بقرءانيتها ... قولٌ جانبه الصواب كثيراً.
أين هذا التواتر ونحن نبحث لها عن رواية واحدة في الكتب الستة فلم نجد لها رواية!
ولما قرأنا في مسند الإمام وجدناه لم يذكر في رواياته الكثيرة رواية واحدة فيها (الشيخ والشيخة إذا زنيا ... ) إلا رواية كثير بن الصلت عن زيد بن ثابت .. وقد عرفنا ما فيها، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كره كتابتها، ولم يأذن لعمر بذلك.
فكيف يقال أنها قرءان تواتر؟!!
ولا يخفى علينا جميعاً (والحمد لله)، ولا يخفى كذلك على أخي الفولي .. أن قول الشيخ الألباني رحمه الله عن حديث آية الرجم (متفق عليه) إنما أراد أصل الحديث، لا لفظه ... فلا يعقل ألا يروي البخاري ومسلم جملة (الشيخ والشيخة إذا زنيا ... ) ولا توجد في صحيحيهما، ولا يقرأها القارئ فيهما، ويسقطها البخاري أو يحذفها البخاري عمداً، كما قال ابن حجر .... ثم نقول نحن (الشيخ والشيخة ... ) متفق عليه!
أو نظن أن الشيخ الألباني رحمه الله أراد بـ (متفق عليه) هذه الجملة!
قلنا إنما أراد أصل الحديث ... وهو ما بينه الشيخ حمد بن إبراهيم في جمع الأسانيد، قال:
وأصل الحديث مخرج في الصحيحين بأطول من هذا اللفظ، أما التنصيص على أن آية الرجم هي: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)؛ فهي من إفراد سفيان بن عيينة الزهري، وقد خالف سفيان ثمانيةٌ من أصحاب الزهري .....
فأصل الحديث هو المخرج في الصحيحين ... أما التنصيص على أن آية الرجم هي الشيخ والشيخة فهي من إفراد سفيان التي خالف بها ثمانية من أصحاب الزهري ... هكذا قال الشيخ.
ثم قال بعدها ...
وبهذا يتبين أن الآية: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) غير محفوظة في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المذكور بالطريق السابق.
.......
ـ[إبراهيم مسعود]ــــــــ[27 - 02 - 07, 01:50 ص]ـ
..
كنا قد قرأنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ... الذي فيه قول عمر:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/457)
لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبنيها، قال شعبة فكأنه كره ذلك فقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد وإن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم.
وهذا الحديث قد رواه النسائي في سننه الكبرى قال:
جزء 4 - صفحة 271
7148 –
أخبرنا إسماعيل بن مسعود الجحدري قال ثنا خالد بن الحارث قال ثنا بن عون عن محمد قال نبئت عن بن أخي كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان وفينا زيد بن ثابت فقال زيد كنا نقرأ الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فقال مروان لا تجعله في المصحف قال فقال ألا ترى إن الشابين الثيبين يرجمان ذكرنا ذلك وفينا عمر فقال أنا أشفيكم قلنا وكيف ذلك قال أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله فاذكر كذا وكذا فإذا ذكر أية الرجم فأقول يا رسول الله أكتبني آية الرجم قال فأتاه فذكر ذلك له فذكر آية الرجم فقال يا رسول الله أكتبنيآية الرجم قال لا أستطيع
وقد رواه البيهقي في سننه الكبرى كذلك ... سنن البيهقي الكبرى جزء 8 - صفحة 211
ورأينا أن هذه الرواية تأتي مؤيدة لما قاله الإمام أبو جعفر النحاس من أن آية الرجم أو الشيخ والشيخة إنما هي من السنن والأحكام لا من القرءان الذي نقلته الجماعة عن الجماعة.
وننقل هنا ما كتبه الشيخ "شعيب الأرناؤوط" في تعليقه على هذا الحديث من تعليقاته على مسند الإمام
قال:
(وقول زيد: لا، ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان.
قال الشيخ الفاضل محمد الصادق إبراهيم عرجون رحمه الله في كتابه (محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) 4/ 119
"وهذا يفيد أن زيد بن ثابت لم يتحقق عنده أن ما سمعه من رسول الله صلى اله عليه وسلم من قول "الشيخ والشيخة" قرءان تجب كتابته في المصحف، ولهذا جاء ردُّه على مروان بأن هذا الكلام الذي يُزْعَم أنه قرءان لا يتفق معناه مع واقع التشريع المجمع عليه في حد الثيب سواء أكان شاباً أم شيخاً.
فتخصيص الرجم بالشيخ والشيخة لا وجه له، وهذا يخرجه من كونه قرءاناً تجب كتابته في المصحف.
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بعد أن قال له: أكتبني آية الرجم، "لا أستطيع" يشبه أن يكون قاطعاً في أن ما يُزعم من قولهم "الشيخ والشيخة" قرءان نزل ثم نسخ، كلام لا يعتمد فيه على شبه دليل، لأن قول عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أكتبني أو اكتب لي، ومعناهما: ائذن لي أن أكتبها.
وهذا بالقطع قبل أن تنسخ، لأنه لا يعقل من عمر ولا من غيره أن يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن له في كتابة ما نسخ.
وإذا كان هذا الطلب من عمر قبل النسخ، فلماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا أستطيع".
وفي رواية كأنه كره ذلك.
ويستفاد من هذا الحديث أن هذا الكلام "الشيخ والشيخة" ليس بقرءان منزل من عند الله، لأن إجماع الأمة على العمل بخلافه.
قال الإمام البخاري في صحيحه في الحدود باب الاعتراف بالزنى .. حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله عن بن عباس رضي الله عنهما قال قال عمر: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف قال سفيان كذا حفظت ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.
قلنا (الأرناؤوط): قال ابن حجر في الفتح 12/ 143 وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية جعفر الفريابي عن علي بن عبد الله شيخ البخاري فيه فقال بعد قوله أو الاعتراف وقد قرأناها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فسقط من رواية البخاري من قوله وقرأ إلى قوله البتة ولعل البخاري هو الذي حذف ذلك عمدا.
فقد أخرجه النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان كرواية جعفر ثم قال: لا أعلم أحدا ذكر في هذا الحديث الشيخ والشيخة غير سفيان وينبغي أن يكون وهم في ذلك. قال الحافظ: وقد أخرج الأئمة هذا الحديث من رواية مالك ويونس ومعمر وصالح بن كيسان وعقيل وغيرهم من الحفاظ عن الزهري فلم يذكروها.
قال الأرناؤوط: هذا وقد قال قوم من أهل العلم فيما نقله عنهم الإمام أبو بكر الباقلاني في (الانتصار) بأن آيات القرآن لا تثبت إلا بالتواتر، فهذا الحديث وأمثاله مما قيل فيه: إنه كان قرآنا ثم نسخ هي أخبار آحاد ليست مشهورة فضلا عن أن تكون متواترة. ولا يقطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها.
وقال العلامة الصادق عرجون تعليقاً على رواية البخاري السالفة: فهذا الحديث وهو من أعلى وأرفع الأسانيد لم يذكر فيه "الشيخ والشيخة" ومعناه كله منصب في إثبات حد الرجم للمحصن، وهو أمر مجمع عليه من الأمة سلفها وخلفها، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا طوائف من الخوارج والمعتزلة، فإنهم أنكروا حد الرجم، وقالوا: لم يكن الرجم في كتاب الله.
وقول عمر رضي الله عنه: "فبضل بترك فريضة أنزلها الله"، يحتمل أن المراد من إنزال الله إياها وحيه بها إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وحياً غير قرآني، فتكون فريضة الرجم ثابتة بوحي السنة، ويدل لذلك قول عمر رضي الله عنه: " ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن" بل يجب حمل كلام عمر على هذا الوجه السديد.
وهذه الحقيقة للرجم لا يلزم أن تكون ثابتة بنص قرآني، بل يكفي فيها أن تكون ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح، كما يستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه)
وفي قول عمر رضي الله عنه: "ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده" ما يقوي ما ذهبنا إليه من فهم قوله "فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله" لأن معناه فيضلوا بترك فريضة أوحى بها الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بضربٍ من ضروب الوحي غير القرآني.
فقام صلى الله عليه وسلم بتنفيذ ما أوحى به الله من حد الرجم، واتبعه من بعد الراشدون، والمتقون من ولاة أمر أمته صلى الله عليه وسلم.
إنتهى من تعليق الشيخ شعيب الأرناؤوط على المسند حديث رقم 21596
يتبع إن شاء الله ....
.....
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/458)
ـ[إبراهيم مسعود]ــــــــ[10 - 03 - 07, 06:58 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
في المشاركة 17
ثم ..
تأتي وقفتان مع الروايتين اللتين رويتا في شأن آية الرجم:
أولهما: هذه الرواية التي رويت في مسند الإمام أحمد رحمه الله.
وثانيهما: التي رويت في موطأ الإمام مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب.
أما الإمام أحمد رضى الله عنه فقد روى ....... إلى آخره.
...........
أما الإمام مالك فقد روى حديث آية الرجم من طريقين:
الأولى: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ حديث عمر في آية الرجم ولا ذكر فيها للشيخ والشيخة ...
وهذه الرواية جاء بها الإمام وليس فيها "الشيخ والشيخة" وافق فيها الإمام أصحابه من تلاميذ ابن شهاب الزهري.
الرواية الثانية: روى فيها الإمام عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عن عمر بن الْخَطَّابِ إِيَّاكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَتَبْتُهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا.
وهذه الرواية الثانية جاء فيها (الشيخ والشيخة فارجموهما .... ) ...
وفي التعليق على هذه الرواية يقال:
أولاً:
سماع سعيد بن المسيب لعمر رضي الله عنه مختلف فيه، (فأنكر صحة سماعه منه الجمهور كيحيى بن سعيد الأنصارى ويحيى بن معين وأبى حاتم الرازى وأثبت سماعه منه أحمد بن حنبل)
التقييد والإيضاح جزء 1 - صفحة 320
وقال ابن الصلاح:
(وقد قال بعضهم لا تصح له رواية عن أحد من العشرة إلا سعد بن أبى وقاص)
قال الحافظ العراقي:
قلت هكذا أبهم المصنف قائل ذلك والظاهر أنه أخذ ذلك من قول قتادة الذى رواه مسلم فى مقدمة صحيحه من رواية همام قال دخل أبو داود الأعمى على قتادة فلما قام قالواإن هذا يزعم أنه لقى ثمانية عشر بدريا.
فقال قتادة: هذا كان سائلا قبل الجارف لا يعرض فى شئ من هذا ولا يتكلم فيه، فوالله ما حدثنا الحسن عن بدرى مشافهة ولا حدثنا سعيد بن المسيب عن بدرى مشافهة إلا عن سعد بن مالك)
انتهى
التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح ... للحافظ زين الدين العراقي
وأيضاً: تدريب الراوي الجزء الثاني.
فرواية سعيد بن المسيب رحمه الله عن عمر فيها انقطاع عند جمهور أئمة الحديث ..
من هؤلاء الأئمة أصحاب سعيد بن المسيب نفسه (يحيى بن سعيد الأنصاري، وقتادة بن دعامة السدوسي)
ثانياً:
أن الإمام أحمد روى الحديث عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه من طريقين أخريين فلم يُذْكَر فيهما (الشيخ والشيخة إذا زنيا ... )
فقد روى رحمه الله قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى (هو ابن سعيد القطان) عَنْ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ إِيَّاكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ لَا نَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِوَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ وَقَدْ رَجَمْنَا.
فهذه الرواية عن يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب (نفس رواية مالك) عن عمر في آية الرجم، وليس فيها الشيخ والشيخة.
وروى أيضاً قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ (هو يزيد بن هارون) قال: أَنْبَأَنَا يَحْيَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: إِيَّاكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ وَأَنْ يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ.
وهذه الرواية أيضاً عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب في حديث عمر، وآية الرجم وليس فيها أيضاً الشيخ والشيخة.
فهاتان روايتان من طريق إمامين كبيرين من أئمة الحديث من شيوخ الإمام أحمد هما:
يحيى بن سعيد القطان
ويزيد بن هارون.
روى الإمام أحمد روايتهما عن سعيد بن المسيب وليس فيها (الشيخ والشيخة ... )
ولم يرو حديث سعيد عن طريق مالك ..
وقدم على رواية مالك رواية يحيى بن سعيد القطان، ورواية يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب.
ورواية الإمامين يحيى القطان، ويزيد بن هارون لحديث سعيد بن المسيب عن عمر والتي لا ذكر فيها للشيخ والشيخة موافقة لسائر الروايات التي رواها الأئمة عن ابن شهاب الزهري ... عن عمر.
بينما خالفت رواية مالك رحمه الله رواية الإمامين (يحيى القطان، ويزيد بن هارون) عن يحيى الأنصاري، خالفت أيضاً رواية الأئمة عن ابن شهاب.
بل خالفت رواية مالك نفسه، وهو أحد أصحاب ابن شهاب الزهري الذين رووا عنه الرواية.
نتانا نتنت تان
ولما روى أحمد رحمه الله عن مالك لم يرو له رواية سعيد بن المسيب عن عمر (على رغم أنه من القائلين
بصحة سماع سعيد بن المسيب لعمر رضي الله عنه .... )
كان يمكنه روايتها لأنها عنده متصلة لا انقطاع فيها.
وإنما روى لمالك روايته عن ابن شهاب والتي نعلم أنه لا وجود لهذه الجملة فيها، رواها من طريقين الأولى عن إسحاق بن عيسى الطباع قال حدثنا مالك بن أنس قال حدثني ابن شهاب .....
والثانية عن عبد الرحمن قال حدثنا مالك عن الزهري ...
فانظر ماذا فعل الإمام .. ترك رواية مالك التي فيها عن سعيد عن عمر وفيها "الشيخ والشيخة"
وروى رواية مالك عن ابن شهاب ..
وروى رواية سعيد بن المسيب عن إمامين آخرين غير مالك.
وهذا يدلك على حال "الشيخ والشيخة ... " عند الإمام.
فهذا من علم الإمام وفقه رضوان الله عليه، وعليهم جميعاً ...
...
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/459)
ـ[إبراهيم مسعود]ــــــــ[10 - 03 - 07, 07:29 ص]ـ
..
ثم نضيف ما علق به الشيخ/ حمد بن إبراهيم في دراسته وجمعه لأسانيد أحاديث الرجم .. قوله:
وقد اختلف في سماع سعيد بن المسيب من عمر رضي الله عنه، وقد ذكرت كلام أهل العلم في ذلك في دراستي لكتاب عمرو بن حزم رضي الله عنه (ص13 – 15)
ثم قال:
وقد خالف يحيى بن سعيد الأنصاري داود بن أبي هند، فرواه عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه، ولم يذكر قوله (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، كما في مسند مسدد ()، و «الحلية» لأبي نعيم (3/ 95)، والله أعلم.
انتهى من كلام الشيخ أكرمه الله.
فذكر الشيخ أن داود بن أبي هند روى عن سعيد بن المسيب حديث عمر فلم يرو في الرواية (الشيخ والشيخة ... ) كما جاء في رواية مالك عن سعيد بن يحيى الأنصاري.
والله تعالى أعلم ..
....(2/460)
مقدمة معالم التفسير عند السعدي
ـ[أبو مهند النجدي]ــــــــ[13 - 09 - 05, 03:57 م]ـ
مقدمة معالم التفسير عند السعدي (1)
د. محمد عمر دولة
الحمد لله الذي (علّم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان)، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، إنّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وبعد، فإنّ تفسير الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله -الموسوم بـ (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان) مدعاةٌ للفخر، ورائعةٌ من روائع هذا العصر؛ وذلك مما يزيد من ثقة هذه الأمّة بعلمائها، ويقينها بأنّ الخير فيها دائمٌ إلى يوم القيامة.
ولا ريب أنّ القارئ المتأمّل لهذا التفسير يجد فيه من الفائدة والانتفاع ما لم يكن يخطر له على بال؛ مما نبيِّن بعض معالمه فيما يلي:
الأول: أنّ هذا التفسير قد جاء موافقاً لروح العصر: في صِغَر حجمه، وخفّة حمله، وقلّة صفحاته؛ بحيث لم تبلغ ألفاً.
الثاني: أنّ (التيسير) قد أبدى من روعة التفسير والبيان ما أوحى بهذا العنوان: (روائحُ الوردِ المنبعثةُ من روائعِ السَّعْدي).
الثالث: أنّ هذا التفسير قد رُزِق حظّاً من اسمه؛ فكان ميسَّراً في عبارته سهلاً في معانيه. وقد شهد بذلك تلميذه العلامة العثيمين - رحمه الله - تعالى -[1].
الرابع: أنّ الشيخ عبد الرحمن السعدي قد اعتنى في كتابه بقضايا العقيدة الإسلامية على منهج السلف الصالح؛ فاهتم بإثبات الصفات [ص 49، 64، 94، 109، 132]، والأسماء الحسنى [ص 110]، وقضايا الإيمان مثل: دخول العمل في مسمى الإيمان [ص 71]، وعدم تخليد الموحّدين في النار [ص 46، 117]، وأنّ العبد قد يكون فيه خصلةُ كفرٍ وخصلةُ إيمان [ص 156]، وأدلّة التوحيد النقلية والعقلية [ص 125]، وخلق الجنة والنار [ص 46]، والرد على القدرية [ص 44]، وذكر صفات الأنبياء [ص 109، 110، 112]، والأدلّة على صحة النبوّات [ص 138].
الخامس: أنّ هذا التفسير قد عمل على ترسيخ الإيمان بالقدر، وبيان ثمراته كالتوكُّل على الله، والتسليم بحكمة الله - تعالى - في ذلك:
ـ فمن ذلك قوله في تفسير: (إنْ ينصرْكم الله فلا غالب لكم وإنْ يخذلْكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فلْيتوكّل المؤمنون) [آل عمران: 160]:"أي إنْ يُمددْكم الله بنصره ومعونته؛ (فلا غالب لكم)؛ فلو اجتمع عليكم مَن في أقطارها، وما عندهم من العَدَد والعُدَد؛ لأنّ الله لا مُغالبَ له، وقد قهر العبادَ وأخذ بنواصيهم؛ فلا تتحرّك دابّةٌ إلا بإذنه، ولا تسكن إلا بإذنه (وإنْ يخذلْكم) ويَكِلْكم إلى أنفسكم (فمن ذا الذي ينصركم من بعده)؛ فلا بُدّ أن تنخذلوا ولو أعانكم جميعُ الخلق؛ وفي ضمن ذلك الأمرُ بالاستنصار بالله، والاعتمادِ عليه، والبراءةِ من الحول والقوة؛ ولهذا قال: (وعلى الله فلْيتوكّل المؤمنون) ... ففي هذه الآية الأمرُ بالتوكّل على الله وحده، وأنه بِحَسَب إيمانِ العبد يكون توكّلُه" [ص 154 - 155].
ـ وكذلك قوله في تفسير: (أَوَ لما أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنَّى هذا قلْ هو من عند أنفسكم إنّ الله على كل شيء قدير) [آل عمران: 165]:"هذا تسليةٌ من الله - تعالى - لعباده المؤمنين، حين أصابهم ما أصابهم يوم أُحُد، وقُتِل منهم نحو سبعين ... (قلتم أنَّى هذا) أي من أين أصابنا ما أصابنا وهُزِمْنا؟ (قلْ هو من عند أنفسكم) حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تُحِبّون؛ فعودوا على أنفسكم باللّوم، واحذروا من الأسباب المُرْدية (إنّ الله على كل شيء قدير)؛ فإيّاكم وسوءَ الظنّ بالله؛ فإنّه قادرٌ على نصركم، ولكنْ له أتمّ الحكمة في ابتلائكم ومصيبتكم؛ (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منكم ولكن ليبلو بعضكم بعض) " [ص 156].
السادس: أنّ الشيخ قد وُفِّق في إحكام التعريفات والتقاسيم؛ مما يؤكّد مَلَكَته المنطقية، ومعرفته التربوية:
ـ فقد عرّف (الحكمة) بأنها:"وضع الشيء في موضعه اللائق به" [ص 49]، و"هي العلم النافع والعمل الصالح ومعرفة أسرار الشرائع ... فكمال العبد متوقِّفٌ على الحكمة؛ إذ كماله بتكميل قوّتيه العِلْميّة والعَمَليّة ... وبذلك يتمكن من الإصابة بالقول والعمل وتنزيل الأمور منازلها في نفسه وفي غيره؛ وبدون ذلك لا يُمكنه ذلك" [ص 115].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/461)
ـ وأما التقسيم المنطقي الذي يستفيد منه طالب العلم في الحفظ والفهم فحَدِّثْ ولا حرج؛ فقد ذكر (التربية العامة والخاصة) [ص 39]، و (هداية البيان والتوفيق) [ص 40]، و (مرض الشهوات والشبهات) [ص 42] , وبيّن أنّ (الفسق نوعان) [ص 47]، و (توبة الله على العبد نوعان) [ص 50]، و (إذن الله نوعان: قدريّ وشرعيّ) [ص 61]، و (الإحسان نوعان) [ص 148 - 149]، و (له ضدّان) [ص 57 - 178]، و (القنوت نوعان) [ص 64]، و (الحفظ نوعان) [ص 71]، و (المعيّة عامةٌ وخاصّةٌ)، و (الناس عند المصائب قسمان) [ص 76]، و (البدعة نوعان) [ص 77 - 88]، و (الدعاء نوعان والقرب نوعان) [ص 87]، و (الرزق دنيويٌّ وأُخرويٌّ) [ص 95]، و (الظلم ثلاثة أقسام) [ص 102]، و (معاملة الناس فيما بينهم على درجتين) [ص 105]، و (النفقة يعرض لها آفتان) [ص 114]، و (الخسران منه ما هو كفرٌ ومنه ما هو دون ذلك) [ص 48].
السابع: أنّ الشيخ قد اهتمّ بتربية النفوس وتزكية الأرواح؛ لعلمه بأنّ وظيفة الدعاة هداية الناس إلى الخير، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. وقد سجّل الشيخ - رحمه الله -مواعظَ بليغةً توجل منها قلوب الصالحين، وتذرف منها العيون؛ مما يدلّ على صلاحه، ورسوخ علمه:
ـ كما في قوله في تفسير (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكّيكم) [البقرة: 151]:"أي: يطهّر أخلاقكم ونفوسكم, بتربيتها على الأخلاق الجميلة, وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة, وذلك كتزكيتهم من الشرك إلى التوحيد, ومن الرياء إلى الإخلاص, ومن الكذب إلى الصدق, ومن الخيانة إلى الأمانة, ومن الكِبْر إلى التواضع, ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق, ومن التباغض والتهاجر والتقاطع إلى التحابّ والتواصل والتوادد, وغير ذلك من أنواع التزكية" [ص 74].
ـ وكما في قوله في تفسير (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة) [البقرة: 153]:"فالصبرُ هو: حبسُ النفسِ وكفُّها على ما تكره، فهو ثلاثة أقسام: صبرُها على طاعةِ الله حتى تؤدِّيَها، وعن معصيةِ الله حتى تتركَها، وعلى أقدارِ الله المؤلمة فلا تتسخّطها" [ص 75].
ـ ومثل قوله في تفسير (ولا يكلّمهم الله يوم القيامة) [البقرة 174]:"بل قد سخط عليهم، وأعرض عنهم؛ فهذا أعظم عليهم من عذاب النار! " [ص 82].
ـ وكذلك تعبيره عند قول الله - تعالى -: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابلٌ فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابلٌ فطل) [البقرة: 265] بقوله:"فيالله لو قُدِّر وجودُ بستانٍ في هذه الدار بهذه الصفة؛ لأسرعتْ إليه الهِمَم، وتزاحم عليه كلّ أحدٍ، ولحصل الاقتتال عنده، مع انقضاء هذه الدار وفنائها، وكثرة آفاتها وشدّة نَصَبها وعنائها؛ وهذا الثواب الذي ذكره الله كأنّ المؤمن ينظر إليه بعين بصيرة الإيمان، دائمٌ مستمرٌّ فيه أنواع المسرّات والفرحات؛ ومع ذلك تجد النفوسَ عنه راقدة، والعزائم عن طلبه خامدة! أتُرى ذلك زهداً في الآخرة ونعيمها؟ أم ضعف إيمان بوعد الله ورجاء ثوابه؟! وإلا فلو تيقّن العبد ذلك حقَّ اليقين، وباشر الإيمان به بشاشة قلبه؛ لانبعثتْ من قلبه مُزعِجات الشوق إليه، وتوجّهتْ هِمَم عزائمه إليه، وطوّعتْ نفسه له بكثرة النفقات؛ رجاء المثوبات! " [ص 114].
الثامن: أنّ الشيخ قد اهتم بشأن الموعظة البليغة، والذكرى النافعة؛ حتى يستفيد منها المسلمون في هذا العصر الذي طغتْ فيه المادّة، وقستْ فيه القلوب، وكثرت فيه المعاصي والخَبائث:
ـ فقد قال رحمه الله:"قوله - تعالى - (صُمٌّ) أي: عن سماع الخير, (بُكْمٌ) أي: عن النطق به, (عُمْيٌ) عن رؤية الحق, (فهم لا يرجعون)؛ لأنهم تركوا الحق بعد أن عرفوه, فلا يرجعون إليه" [ص 44].
ـ وقال عند قول الله - تعالى -: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) [البقرة: 42]:"من لَبَس الحق بالباطل؛ فلم يميِّز هذا من هذا، مع علمه بذلك، وكتم الحق الذي يعلمه وأُمِر بإظهاره؛ فهو من دُعاة جهنّم لأنّ الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم؛ فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين! " [ص 51].
ـ وقال عند قول الله - تعالى -: (ألم تعلم أنّ الله له ملك السموات والأرض):"فالعبدُ مُدَبَّرٌ مسخَّرٌ تحت أوامر ربّه الدينيّة والقدريّة؛ فما له والاعتراض؟! " [ص 62].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/462)
ـ وقال في تفسير (إني جاعلك للناس إماماً):"أي: يقتدون بك في الهدى, ويمشون خلفك إلى سعادتهم الأبدية, ويحصل لك الثناء الدائم والأجر الجزيل, والتعظيم من كل أحد. وهذه ـ لَعَمْر الله ـ أعظم درجة تنافس فيها المتنافسون, وأعلى مقام شمَّر إليه العاملون, وأكمل حالة حصّلها أولو العزم من المرسلين" [ص 65].
التاسع: أنّ الشيخ قد أُوتي من جمال الأسلوب وحلاوة اللغة ما يُوجب الحُبَّ، ويأخذ اللُّبَّ، ويسحر القلب؛ فجمع ـ لله درُّه ـ بين كمال المبنى وجلال المعنى: متمثِّلاً ما شرح به قول الله - تعالى -: (وإنّ فريقاً منهم ليكتمون الحقَّ وهم يعلمون) [البقرة: 146]:"فالعالم عليه إظهارُ الحقِّ وتبيينُه وتزيينُه، بكلِّ ما يقدِر عليه من عبارةٍ وبُرهانٍ ومثالٍ, وغير ذلك" [ص 72].
ـ فمن أمثلة ذلك قولُه - رحمه الله -في الذي استوقد ناراً:"فبينما هو كذلك إذ ذهب الله بنوره, فذهب عنه النور وذهب معه السرور, وبقي في الظلمة العظيمة والنار المحرقة, فذهب ما فيها من الإشراق, وبقي ما فيها من الإحراق, فبقي في ظلمات متعددة: ظلمة الليل, وظلمة السحاب, وظلمة المطر, والظلمة الحاصلة بعد النور, فكيف يكون حال هذا الموصوف؟ فكذلك هؤلاء المنافقون" [ص 44].
ـ ومنه قوله:"فيكون بذلك من الصالحين الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته" [ص 46].
ـ وكذلك قوله في تفسير: (فأينما تُوَلُّوا فثَمَّ وجه الله) [البقرة: 115]:"فيه إثباتُ الوجهِ لله - تعالى - على الوجه اللائق به - تعالى -، وأنّ لله وجهاً لا تُشبهه الوجوه" [ص 63 - 64].
ـ وقوله في تفسير (والسّحاب المسخَّر) [البقرة: 164]:"فيُنزله رحمةً ولُطفاً, ويصرفه عِنايةً وعطفاً, فما أعظمَ سلطانَه! وأغزرَ إحسانه! وألطفَ امتنانَه! " [ص 79].
ـ وقوله في تفسير (وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا) [البقرة: 170]:"فاكتفَوْا بتقليد الآباء, وزَهِدوا في الإيمان بالأنبياء! " [ص 81].
ـ وكذلك الحال فيما ينقله عن غيره بنقدٍ وذوقٍ؛ كقوله عليه رحمة الله في تفسير آل عمران (إنّ أوّل بيتٍ وُضع للناس لَلذي ببكّة مبارَكاً وهدىً للعالمين):"وقد رأيتُ لابن القيّم هاهنا كلاماً حسناً أحببتُ إيراده؛ لشدّة الحاجة إليه ... "فذكر مقالةً طويلةً في نحو صفحتين، جاء في آخرها"ولو لم يكن له شرفٌ إلا إضافته إياه إلى نفسه بقوله: (وطهِّرْ بيتي)؛ لكفى بهذه الإضافة فضلا وشرفاً، وهذه الإضافة هي التي أقبلت بقلوب العالمين إليه، وسلبت نفوسهم حباًّ له وشوقاً إلى رؤيته؛ فهذه المثابة للمحبِّين يثوبون إليه ولا يقضون منه وطراً أبداً! كلما ازدادوا له زيارةً ازدادوا له حبّاً وإليه اشتياقاً! فلا الوصال يشفيهم، ولا البعاد يسليهم. كما قيل:
أطوف به والنفس بعدُ مشوقةٌ ... إليهِ وهل بعد الطوافِ تدانِ؟!
وألثم منه الركن أطلب برد ما ... بقلبيَ من شوقٍ ومن هَيَمانِ!
فواللهِِ ما أزدادُ إلا صَبابةً ... ولا القلبُ إلا كثرة الخَفَقانِ! "
حتى ذكر اثني عشر بيتاً من عُيون الشعر! [ص 140 - 141].
العاشر: أنّ التيسير قد تضمّن روح الشفقة على الخلق، والعطف على الفقراء، ومحبّة المساكين؛ وهذا يبيّن لنا مقدار الوعي بضرورة الإصلاح الاجتماعي عند السعدي - رحمه الله - تعالى -:
ـ واسمعه حين يقول عند قول الله - تعالى -: (وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين) [البقرة: 177]:"ومن اليتامى الذين لا كاسب لهم، وليس لهم قوةٌ يستغنون بها؛ وهذا من رحمته - تعالى - بالعباد؛ الدالة على أنه - تعالى - أرحم بعباده من الوالد بولده، فالله قد أوصى العباد، وفرض عليهم في أموالهم الإحسان إلى من فُقِد آباؤهم؛ ليصيروا كمن لم يفقد والديه، (والمساكين) وهم الذين أسكنتهم الحاجة، وأذلّهم الفقر؛ فلهم حقٌّ على الأغنياء بما يدفع مَسْكَنَتهم، أو يخفّفها؛ بما يقدرون عليه وبما يتيسّر، (وابن السبيل) وهو الغريب المنقطع به في غير بلده؛ فحثّ الله عباده على إعطائه من المال ما يُعينه على سفره؛ لكونه مَظِنّة الحاجة، وكثرة المصارف؛ فعلى من أنعم الله عليه بوطنه وراحته وخوّله من نعمته، أن يرحم أخاه الغريب الذي بهذه الصفة على حَسَب استطاعته، ولو بتزويده أو إعطائه آلةً لسفره، أو دفع ما ينوبه من المظالم أو غيرها" [ص 83].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/463)
ـ وقال في تفسير (والصابرين في البأساء) [البقرة: 177]:"أي الفقر؛ لأنّ الفقير يحتاج إلى الصبر من وُجوهٍ كثيرةٍ: لكونه يحصل له من الآلام القلبيّة والبدنيّة المستمرّة ما لا يحصل لغيره؛ فإنْ تَنَعّم الأغنياء بما لا يقدر عليه تألّم، وإنْ جاع أو جاعتْ عيالُه تألّم، وإنْ أكل طعاماً غيرَ مُوافقٍ لهواه تألّم، وإنْ عري أو كاد تألّم، وإنْ نظر إلى ما بين يديه وما يتوهّمه من المستقبل الذي يستعدّ له تألّم، وإنْ أصابه البردُ الذي لا يقدر على دفْعه تألّم. فكل هذه ونحوها مصائبُ يُؤمَر بالصبر عليها، والاحتساب ورجاء الثواب عليها من الله" [ص 83].
ـ وقال - رحمه الله - في تفسير (وأحسنوا إنّ الله يُحبّ المُحْسنين) [البقرة 195]:"يدخل فيه الإحسان بالجاه بالشفاعات ونحو ذلك، ويدخل في ذلك الإحسان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم العلم النافع، ويدخل في ذلك قضاء حوائج الناس: من تفريج كرباتهم، وإزالة شدّاتهم، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، وإرشاد ضالّهم، وإعانة من يعمل عملاً، والعمل لمن لا يُحْسن العمل، ونحو ذلك مما هو من الإحسان الذي أمر الله به، ويدخل في الإحسان أيضاً الإحسان في عبادة الله" [ص 90].
ـ وقال في تفسير (زُيِّن للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوَّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسْن المآب) [آل عمران: 14]:"في هذا تسليةٌ للفقراء الذين لا قدرة لهم على هذه الشهوات التي يقدر عليها الأغنياء، وتحذيرٌ للمُغْترّين بها، وتزهيدٌ لأهل العقول النيِّرة بها" [ص 124].
الحادي عشر: أنّ الشيخ السعديَّ قد اعتنى بتفسير القرآن بالقرآن؛ حتى إنه ليذكّر طالب العلم بطريقة ابن كثير - رحمه الله -؛ وذلك ما يجعل التفسير أقرب ما يكون إلى تفسير السلف الصالح رضوان الله عليهم:
ـ فمن أمثلة ذلك قول السعدي في تفسير الفاتحة:"هذا (الصراط المستقيم) هو: (صراط الذين أنعمت عليهم) من النبيِّين والصّدّيقين والشهداء والصّالحين" [ص 39].
ـ وفي البقرة:"وفي قوله عن المنافقين: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً) بيانٌ لحكمته - تعالى - في تقدير المعاصي على العاصين؛ وأنه بسبب ذنوبهم السابقة, يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها، كما قال: (ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة)، وقال - تعالى -: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)، وقال - تعالى -: (وأما الذين في قلوبهم مرضٌ فزادتهم رجساً إلى رجسهم)؛ فعقوبة المعصية المعصيةُ بعدها, كما أنّ من ثواب الحسنة الحسنة بعدها, قال - تعالى -: (ويزيد الذين اهتدوا هدى) " [ص 42].
ـ وكذلك قول السعدي في آية التحدّي (وإن كنتم في ريبٍ مما نزّلنا على عبدنا) [البقرة: 23]:"في وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم, دلالةٌ على أنّ أعظم أوصافه - صلى الله عليه وسلم -, قيامه بالعبودية التي لا يلحقه فيها أحدٌ من الأولين والآخرين. كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء, فقال: (سبحان الذي أسرى بعبده)، وفي مقام الإنزال, فقال: (تبارك الذي نزَّل الفرقان على عبده) " [ص 46].
ـ وكذلك قوله:"وإذا كان لا أظلم ممن منع مساجد الله أن يُذكَر فيها اسمه؛ فلا أعظم إيماناً ممن سعى في عمارة المساجد بالعمارة الحسية والمعنوية، كما قال - تعالى -: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر). بل قد أمر الله برفع بيوته وتعظيمها وتكريمها، فقال - تعالى -: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) " [ص 63].
ـ وكذلك قوله:" (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلّمنا الله أو تأتينا آية) يعنون آيات الاقتراح التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة، التي تجرؤوا بها على الخالق، واستكبرا على رسله كقولهم: (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرةً)، (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك) الآية، وقالوا: (لولا أنزل معه ملك فيكون معه نذيراً أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة) الآيات، وقوله: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً) الآيات، فهذا دأبهم مع رسلهم, يطلبون آيات التعنت, لا آيات الاسترشاد" [ص 64].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/464)
الثاني عشر: أنّ هذا التفسير المبارك قد اهتم بذكر أساليب القرآن وطرائقه؛ مما يدلّ على مَلَكةٍ عاليةٍ من التدبُّر؛ فهو يذكر الأشباه والنظائر:
ـ كما في قوله:"كثيراً ما يجمع الله - تعالى - بين الصلاة والزكاة في القرآن؛ لأنّ الصلاة متضمِّنةٌ للإخلاص للمعبود, والزكاة والنفقة متضمِّنةٌ للإحسان على عبيده, فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود, وسعيه في نفع الخلق, كما أنّ عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه فلا إخلاص ولا إحسان" [ص 41].
ـ وقوله - رحمه الله -:"وكثيراً ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية، وكما في قوله - تعالى -: (ألا يعلم مَنْ خلق وهو اللطيف الخبير)؛ لأنّ خلقه للمخلوقات أدلّ دليل على علمه وحكمته وقدرته" [ص 48].
ـ وقوله - رحمه الله - في تفسير (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) [البقرة 38 - 39]:"في هذه الآيات وما أشبهها انقسام الخلق من الجنّ والإنس إلى أهل السعادة وأهل الشقاوة وفيها صفات الفريقين والأعمال الموجبة لذلك، وأنّ الجنّ كالإنس في الثواب والعقاب" [ص 50].
ـ وبيانه في تفسير (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) [البقرة: 43] أنّ في ذلك جمعاً"بين الأعمال الظاهرة والباطنة، وبين الإخلاص للمعبود والإحسان إلى عبيده، وبين العبادات القلبية والبدنية والمالية" [ص 51].
ـ كما أشار إلى"طريقة القرآن في ذكر العلم والقدرة عَقِبَ الآيات المتضمّنة للأعمال التي يُجازى عليها" [ص 69].
ـوأما عِنايته بطريقة القرآن في إزالة الأوهام من الأذهان؛ فحدِّثْ ولا حرج: فإنّ السعديَّ لا يكاد يغادر موضعاً من هذا القبيل إلا نصّ عليه [كما تراه في ص 54، 71، 73، 86، 89، 138، 155، 165].
الثالث عشر: أنّ السعديَّ - رحمه الله -قد سجّل في تفسيره تجاربَ نافعةً من آداب السلوك، وزهراتٍ يانعةً من فقه الدعوة:
ـ كما في قوله:"فإنّ النفوس مجبولةٌ على عدم الانقياد لمن يخالف قولُه فعلَه؛ فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجرَّدة" [ص 51].
ـ وكذلك قوله:"هكذا كلُّ مُبْطلٍ يحتج بآيةٍ أو حديثٍ صحيحٍ على قوله الباطلٍ؛ فلا بدّ أن يكون فيما احتَجّ به حجة عليه" [ص 57].
ـ ومنه قوله في تفسير (ولئن أتيتَ الذين أُوتوا الكتابَ بكلّ آيةٍ ما تبعوا قِبلتَك) [البقرة: 145]:"فالآياتُ إنما تنفع وتفيد مَن يتطلّب الحقَّ وهو مُشْتَبِهٌ عليه, فتوضح له الآيات البيّنات, وأما من جزم بعدم اتباع الحق فلا حيلة فيه" [ص 72].
الرابع عشر: أنّ المصنّف - رحمه الله -قد اعتنى بالمسائل الاجتماعيّة ومعرفة العوائد والسنن:
ـ كما في قوله:"من العوائد القدرية والحكمة الإلهية أنّ مَن ترك ما ينفعه وأمكنه الانتفاع به فلم ينتفعْ؛ ابتُلي بالاشتغال بما يضرّه! " [ص 60].
ـ وكما قال في تفسير (إذْ قالوا لنبيٍّ لهم ابعثْ لنا ملِكاً نُقاتلْ في سبيل الله) [البقرة: 246]:"لعلّهم في ذلك الوقت ليس لهم رئيسٌ يجمعهم؛ كما جرتْ عادة القبائل أصحاب البيوت، كل بيتٍ لا يرضى أن يكون من البيت الآخر رئيسٌ؛ فالتمسوا من نبيّهم تعيين ملكٍ يُرضي الطرفين، ويكون تعيينه خاصّاً لعوائدهم، وكانت أنبياء بني إسرائيل تسوسهم كلما مات نبيٌّ خلفه نبيٌّ آخر" [ص 107].
ـ وكما قال في تفسير (ليقطع طرفاً من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين) [آل عمران: 127]:"يُخْبر - تعالى - أنّ نصره عبادَه المؤمنين لأحد أمرين: إمّا أن يقطع طرفاً من الذين كفروا: أي جانباً منهم وركناً من أركانهم: إما بقتلٍ، أو أسْرٍ، أو استيلاءٍ على بلدٍ، أو غنيمة مالٍ؛ فيقوى بذلك المؤمنون ويذلّ الكافرون ... الأمر الثاني: أن يريد الكفار بقوّتهم وكثرتهم طمعاً في المسلمين ويُمنّوا أنفسهم ذلك ... فينصر الله المؤمنين عليهم ويردّهم خائبين لم ينالوا مقصودهم، بل يرجعون بخسارةٍ وغمٍّ وحسرةٍ؛ وإذا تأمّلتَ الواقع رأيتَ نصرَ الله لعباده المؤمنين دائراً بين هذين الأمرين، غيرَ خارجٍ عنهما: إما نصرٌ عليهم، أو خذلٌ لهم" [ص 146].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/465)
ـ وكما قال في تفسير (هم للكفر يومئذٍ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) [آل عمران: 167]:"هذه خاصّة المنافقين؛ يُظهرون بكلامهم وفِعالهم ما يُبطنون ضدّه في قلوبهم وسرائرهم" [ص 156].
الخامسَ عشر: أنّ الشيخ السعدي كان عارفاً بواقعه، وما يكيده أعداء الإسلام لهذا الدّين:
ـ كما تراه في تفسير قول الله - تعالى -: (ولا يزالون يُقاتلونكم حتى يردُّوكم عن دينكم إن استطاعوا):"هذا الوصفُ عامٌّ لكلّ الكفار: لا يزالون يُقاتلون غيرهم؛ حتى يردّوهم عن دينهم، وخصوصاً أهل الكتاب من اليهود والنصارى، الذين بذلوا الجمعيّات، ونشروا الدعاة، وبثُّوا الأطبّاء، وبنوا المدارس؛ لجذب الأمم إلى دينهم، وتدخيلهم عليهم كل ما يُمْكنهم من الشُّبَه التي تُشكِّكهم في دينهم" [ص 97].
ــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر مقدمة (تيسير الكريم الرحمن) [ص 11]، تحقيق عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، ط1، 1421هـ.
-----------------------------
-----------------------------
مقدمة معالم التفسير عند السعدي (2)
د. محمد عمر دولة
السادسَ عشر: أنّ هذا الشيخ الصالح قد بثّ في تفسيره روح الجهاد، ونصر فيه عقيدة الولاء للمسلمين والبراء من المشركين:
ـ فما أحسنَ قولَه في تفسير (ولا تقولوا لمن يُقتَل في سبيل الله أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لا تشعرون) [البقرة: 154]:"في هذه الآية أعظمُ حَثٍّ على الجهاد في سبيل الله وملازمةِ الصّبرِ عليه؛ فلو شعر العبادُ بما للمقاتلين في سبيل الله من الثواب لم يتخلّفْ عنه أحدٌ! ولكنّ عدمَ العلمِ اليقيني التامِّ هو الذي فتٍٍّّر العزائم، وزاد نومَ النائم، وأفاتَ الأجورَ العظيمة والغنائم؛ لِمَ لا يكون كذلك والله - تعالى - قد (اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون)؟! فواللهِ لو كان للإنسانِ ألفُ نفسٍ تذهب نفساً نفساً في سبيل الله, لم يكن عظيماً في جانب هذا الأجر العظيم؛ ولهذا لا يتمنى الشهداء بعد ما عاينوا من ثوابَ الله وحُسْنَ جزائه إلا أن يُرَدّوا إلى الدنيا حتى يقتلوا في سبيله مرةً بعد مرةً! " [ص 75].
ـ وكما في قوله في تفسير (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم) [البقرة: 216]:"وذلك مثل القعود عن الجهاد لطلب الراحة؛ فإنه شرٌّ؛ لأنه يعقب الخذلان وتسلّط الأعداء على الإسلام وأهله، وحصول الذلّ والهوان، وفوات الأجر العظيم، وحصول العقاب" [ص 97].
ـ وكما في قوله في تفسير (قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة) [آل عمران 13]:"فنصر الله المؤمنين وأيّدهم بنصره؛ فهزموهم ... وما ذاك إلا لأنّ الله ناصرٌ من نصره، وخاذلٌ من كفر به؛ ففي هذا عِبْرةٌ لأولي الأبصار: أي أصحاب البصائر النافذة والعقول الكاملة على أنّ الطائفة المنصورة معها الحقُّ والأخرى مُبْطِلةٌ، وإلا فلو نظر الناظر إلى مجرّد الأسباب الظاهرة والعَدد والعُدد؛ لجزم بأنّ غَلَبَة هذه الفئة القليلة لتلك الفئة الكثيرة من أنواع المحالات، ولكنْ وراء هذا السببِ المشاهدِ بالأبصار سببٌ أعظمُ منه لا يُدركه إلا أهلُ البصائر والإيمان بالله والتوكّلِ على الله والثقةِ بكفايته: وهو نصرُه وإعزازُه لعباده المؤمنين على أعدائه الكافرين" [ص 123].
ـ وما أحسنَ إشارتَه البديعة في تفسير (لتبلونّ في أموالكم وأنفسكم ولتسمعنّ من الذين أُوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإنّ ذلك من عزم الأمور) [آل عمران: 186]:"أي إن تصبروا على ما نالكم في أموالكم وأنفسكم من الابتلاء والامتحان وعلى أذيّة الظالمين، وتتقوا الله في ذلك الصبر؛ بأن تنووا به وجه الله والتقرّب إليه، ولم تتعدّوا في صبركم الحدَّ الشرعيَّ من الصّبر في موضعٍ لا يحلّ لكم فيه الاحتمالُ، بل وظيفتُكم فيه الانتقامُ من أعداء الله! " [ص 160].
السابعَ عشر: أنّ هذا التفسير قد تضمّن لفتاتٍ بارعةً وإشاراتٍ مُسْتَلهَمَةً من وحي السياق القرآني:
ـ مثل قول السعدي - رحمه الله -عند قول الله - تعالى -: (بل أكثرهم لا يؤمنون):"ولو صدق إيمانهم؛ لكانوا مثل من قال الله فيهم: (من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه) " [ص 60].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/466)
ـ وكذلك قوله في تفسير (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه وسعى في خرابها):"الحسّي والمعنوي؛ فالخراب الحسّي: هدمُها وتخريبُها وتقذيرُها، والخراب المعنوي: منعُ الذاكرين لاسم الله فيها! " [ص 63].
ـ وكذلك قوله في تفسير: (قولوا آمنّا بالله):"وفي قوله: (قولوا) إشارةٌ للإعلان بالعقيدة, والصدع بها، والدعوة لها؛ إذ هي أصل الدين وأساسه. وفي قوله: (آمنَّا) ونحوه مما فيه صدور الفعل منسوباً إلى جميع الأمة إشارةٌ إلى أنه يجب على الأمة الاعتصام بحبل الله جميعاً والحث على الائتلاف؛ حتى يكون داعيهم واحداً, وعملهم متحداً" [ص 67].
الثامنَ عشر: أنّ الشيخ السعدي قد أبان ملَكةً عظيمةً من دقة الاستنباط وروعة الاحتجاج؛ بما يذكِّر طالبَ العلم بتفنُّن البخاري في تراجم جامعه الصحيح:
ـ فقد قال - رحمه الله -في قول الله - تعالى -: (فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يُقيما حدود الله):"في هذا دلالةٌ على أنّه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يدخل في أمرٍ من الأمور خصوصاً الولايات الصغار والكبار؛ أن ينظر في نفسه؛ فإن رأى من نفسه قوّةً على ذلك، ووثق بها؛ أقدم، وإلا أحجم" [ص 103].
ـ واستنبط - رحمه الله -من قول الله - تعالى -: (قولوا آمنَّا) أنّ في ذلك"إشارة للإعلان بالعقيدة, والصدع بها، والدعوة لها؛ إذ هي أصل الدين وأساسه"، و"إشارة إلى أنه يجب على الأمة الاعتصام بحبل الله جميعاً والحث على الائتلاف؛ حتى يكون داعيهم واحداً, وعملهم متحداً, وفي ضمنه النهي عن الافتراق, وفيه أنّ المؤمنين كالجسد الواحد" [ص 67].
ـ ولك أنْ تتأمّل شفوف نظره؛ حيث قال في تفسير (فاستبقوا الخيرات) [البقرة: 148]:"يُستدَل بهذه الآية الشريفة على الإتيان بكل فضيلة يتصف بها العمل: كالصلاة في أول وقتها, والمبادرة إلى إبراء الذمة من الصيام والحج, والعمرة, وإخراج الزكاة, والإتيان بسنن العبادات وآدابها, فلله ما أجمعها وأنفعها من آية! " [ص 73].
التاسعَ عشر: أنّ الشيخ قد استفرغ الوُسْعَ في عُمْق التدبُّر للآيات، وشدّة العناية بالفوائد والعِظات:
ـ كيف وقد استنبط من آية الدَّيْن [البقرة: 282] خمسين فائدةً ثم قال مُعْتذراً:"فهذه الأحكام مما يُسْتنبَط من هذه الآية الكريمة على حَسَب الحال الحاضرة والفهم القاصر؛ ولله في كلامه حِكَمٌ وأسرارٌ يخصّ بها من يشاء من عباده" [ص 119].
ـ ولَكَ أن تتأمّل هذه العِبَر التربوية والسياسية والاجتماعية النفيسة التي استنبطها من قصة داود وجالوت في سورة البقرة:"
أولاً: أنّ اجتماع أهل الكلمة والحلّ والعقد، وبحثهم في الطريق الذي تستقيم به أمورهم وفهمه، ثم العمل به؛ أكبر سببٍ لارتقائهم وحصول مقصودهم.
ثانياً: أنّ الحقَّ كلما عُورِض وأُورِدَتْ عليه الشُّبَه ازداد وُضوحاً؛ وتميّز، وحصل به اليقين التام.
ثالثاً: أنّ العلم والرّأي مع القوّة المنفِّذة بهما كمال الولايات؛ وبفقدهما ـ أو بفقد أحدهما ـ نُقْصانها وضررها.
رابعاً: أنّ الاتّكال على النفس سببٌ للفشل والخذلان، والاستعانة بالله والصّبر والالتجاء إليه سبب النصر.
خامساً: أنّ من حكمة الله - تعالى - تمييز الخبيث من الطّيِّب، والصادق من الكاذب، والصابر من الجبان.
سادساً: أنه - تعالى - لم يكن ليذر العباد على ما هم عليه من الاختلاط وعدم التمييز.
سابعاً: أنّ من رحمته - تعالى - وسننه الجارية أن يدفع ضرر الكفار والمنافقين بالمؤمنين المقاتلين.
ثامناً: أنه لولا ذلك لفسدت الأرض؛ باستيلاء الكفر وشعائره عليها" [ص 109].
العشرين: أنّ الشيخ السعديَّ - رحمه الله - قد اعتنى بأصول الفقه:
ـ فقد ذكر الشيخ أنّ (المحرَّم نوعان) [ص 80]، وأنّ (النهي للتحريم) [ص 49].
ـ وأنّه (إذا ارتفع الجناح؛ رجع الأمر إلى ما كان عليه) [ص 82]، وقد نصّ على (الإباحة) [ص 80]، وأنّ (الضرورات تبيح المحظورات) [ص 82]، وأنّ (الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة) [ص 48]، وأنه (إذا أُبيح كلا الأمرين؛ فالتأخّر أفضل لأنه أكثر عبادةً) [ص 93].
ـ وأنّ (حكم الحاكم لا يبيح محرَّماً ولا يحرّم حلالاً) [ص 88]، و (النهي عن الجائز إذا كان وسيلةً إلى محرَّم) [ص 61، 104،108]، وأن ّ (إخبار التقرير يدلّ على الجواز) [ص 118].
ـ وأنّ (الأمر بالشيء نهيٌ عن ضدّه) [ص 57، 71].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/467)
ـ كما ذكر السعدي (العام) و (الخاص) [ص 84، 90، 92، 102]، والعام المخصوص [ص 104]، وأنّ (العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السبب) [ص 51، 65]، وأنّ (النكرة في سياق النفي تعمّ) [ص 57].
ـ كما ذكر (المطلق والمقيَّد) [ص 66، 70]، وأن ّ (حمل المطلق على المقيَّد مقدَّمٌ على إجراء العموم) [ص 106].
ـ كما نصّ على (الإجماع) [ص 70، 71]، و (النسخ) و (الحكمة) من تشريعه، و (إنكار اليهود له) [ص 62]، و (ما لا يدخله النسخ) [ص 57]، وأنه (لا يُصار إلى النسخ مع إمكان الجمع) [ص 85].
ـ وأنّ (الحكم يدور مع علّته وُجوداً وعَدَماً) [ص 77].
ـ كما ذكر (الرخصة) [ص 86، 87]، وأنه (إذا حصل بعض الأعذار التي هي مَظِنّة المشقّة؛ حصل التخفيف) [ص 120].
الحادي والعشرين: أنّ هذا التفسير قد اهتمّ بعلم المقاصد، والقواعد الشرعيّة:
ـ كما في قوله:"فالمنهيّات كلّها إمَا مضرّةٌ محضةٌ، أو شرّها أكبر من خيرها. كما أنّ المأمورات إما مصلحةٌ محضةٌ، أو خيرها أكبر من شرّها" [ص 61].
ـ وكذلك قوله عند قول الله - تعالى -: (لا تقولوا راعِنا):"وكان اليهود يريدون بها معنىً فاسداً؛ فانتهزوا الفرصة، فصاروا يخاطبون الرسول بذلك، ويقصدون المعنى الفاسد؛ فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة سدّاً لهذا الباب؛ ففيه النهيُ عن الجائز إذا كان وسيلةً إلى محرَّم" [ص 61]. ومنه قوله:"قد يُنهى عن كثرة الصداق؛ إذا تضمّن مفسدةً دينيّةً، وعدم مصلحةٍ تُقاوِم" [ص 173].
ـ وأشار إلى (مراعاة المصلحة) [ص 118]، وأنّ (ترتيب الصّدقات يرجع في ذلك إلى المصلحة) [ص 116]، وأنه (يُرْتكَب أخفَّ المفسدتين لدفع أعلاهما) [ص 89]، و (فعل أدنى المصلحتين؛ للعجز عن أعلاهما) [ص 156]، وأنّ (الوسائل لها حُكْم المقاصد) [ص 99، 103]، و (اعتبار المقاصد في الأقوال كما هي مُعْتَبَرَةٌ في الأفعال) [ص 101]، وأنه (إذا تزاحمت المصالح قُدِّم أهمّها) [ص 100].
ـ وقد ذكر بعض القواعد الشرعيّة، مثل: (من استعجل شيئاً قبل أوانه؛ عُوقِب بحرمانه) [ص 169].
الثاني العشرين: أنّ الشيخ السعديَّ قد وُفِّق في إدراك أسرار التراكيب؛ وما ذاك إلا لشدّة إلمامه بفنون البلاغة وقواعد اللغة وأسرار العربيّة:
ـ فالتفسير زاخرٌ بالصناعة اللغويّة المُعينة على فهم القرآن، فقد قال في تفسير (أولئك على هدى من ربّهم):"أي: على هدًى عظيم؛ لأنّ التنكير للتعظيم, وأيُّ هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمِّنة للعقيدة الصحيحة والأعمال المستقيمة ... وأتى بـ (على) ـ في هذا الموضع ـ الدَّالة على الاستعلاء, وفي الضلالة يأتي بـ (في) كما في قوله: (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين)؛ لأنّ صاحب الهدى مستعلٍ بالهدى, مرتفعٌ به, وصاحب الضلال منغمسٌ فيه محتَقَرٌ! " [ص 41].
ـ وقال في تفسير (ولئن اتبعتَ أهواءهم) [البقرة: 145]:"إنما قال: (أهواءهم)؛ ولم يقل (دينهم) لأنّ ما هم عليه مُجَرَّدُ أهويةِ نفسٍ، حتى هم في قلوبهم يعلمون أنه ليس بدينٍ، ومن ترك الدِّينَ اتبع الهوى ولا محالة؛ قال - تعالى -: (أفرأيتَ من اتخذ إلهه هواه) " [ص 72].
ـ وقال في تفسير (صبغةَ الله ومَن أحسنُ مِن الله صبغةً ونحن له عابدون):"في قوله: (ونحن له عابدون) بيانٌ لهذه الصبغة, وهي القيام بهذين الأصلين: الإخلاص والمتابعة ... والإخلاص: أن يقصد العبد وجه الله وحده في تلك الأعمال؛ فتقديم المعمول يُؤْذِن بالحصر" [ص 69]، كما ذكر أنّ التقديم للاهتمام [ص 167].
ـ كما ذكر الفروق اللغوية: بين (الجور) و (الجنف) و (الإثم) [ص 86]، وبين (كسب) و (اكتسب) [ص 120]، وبين (الخطأ) و (النسيان) [ص 120].
ـ ونصّ على أنّ من معاني (الاستفهام) التعجُّب والإنكار والتوبيخ [ص 48]، وأنّ (حتى) للغاية [ص 87]، و (كلما) تقتضي التكرار [ص 60]، و (الباء) للسببيّة [ص 136].
ـ واسم الفاعل يدلّ على الثبوت والاستقرار [ص 69، 72].
ـ كما ذكر الدلالة البلاغيّة لورود التخصيص بعد التعميم [ص 48، 50].
ـ ودلالة الإبهام وعدم التعيين؛ على إرادة العموم [ص 161، 176].
الثالث والعشرين: أنّ هذا التفسير قد زخر بالنظر الثاقب إلى أهميّة السياسة الشرعيّة، والمسائل الإدارية وضرورة أن يُعِدّ المسلمون الكفاءات اللازمة لأداء وظيفتهم الرساليّة:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/468)
ـ فقد ذكر - رحمه الله -أنّه بقوة الرأي والجسم"تتمّ أمور الملك؛ لأنه إذا تمّ رأيه وقوي على تنفيذ ما يقتضيه الرأي المصيب؛ حصل بذلك الكمال، ومتى فاته واحدٌ من الأمرين؛ اختلّ عليه الأمر، فلو كان قويَّ البدن مع ضعف الرأي حصل في الملك خرقٌ وقهرٌ ومخالفةٌ للمشروع: قوة على غير حكمة، ولو كان عالماً بالأمور وليس له قوةٌ على تنفيذها؛ لم يُفِدْه الرأي الذي لا يُنفّذه شيئاً" [ص 108].
ـ"اجتماع أهل الكلمة والحلّ والعقد، وبحثهم في الطريق الذي تستقيم به أمورهم وفهمه، ثم العمل به؛ أكبرُ سببٍ لارتقائهم وحصول مقصودهم"، وأنّ"العلم والرّأي مع القوّة المنفِّذة: بهما كمال الولايات؛ وبفقدهما ـ أو بفقد أحدهما ـ نُقْصانها وضررها" [ص 109].
ـ وكذلك قوله - رحمه الله -ـ الذي سبق ذكره ـ في قول الله - تعالى -: (فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يُقيما حدود الله):"في هذا دلالةٌ على أنّه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يدخل في أمرٍ من الأمور خصوصاً الولايات الصغار والكبار؛ أن ينظر في نفسه؛ فإن رأى من نفسه قوّةً على ذلك، ووثق بها أقدم، وإلا أحجم" [ص 103].
ـ ومن ذلك قوله - رحمه الله -في تفسير قول الله - تعالى -: (وما محمّدٌ إلا رسولٌ قد خلتْ من قبله الرسلُ أَفَإنْ مات أو قُتِل انقلبتم على أعقابكم) [آل عمران 144]:"في هذه الآية الكريمة إرشادٌ من الله - تعالى - لعباده أن يكونوا بحالةٍ لا يُزعزعهم عن إيمانهم ـ أو عن بعض لوازمه ـ فقدُ رئيسٍ؛ ولو عظُم، وما ذاك إلا بالاستعداد في كل أمرٍ من أمور الدّين بعدّة أُناسٍ من أهل الكفاءة فيه؛ إذا فُقِد أحدُهم قام به غيُره، وأن يكون عموم المؤمنين قصدهم إقامة دين الله، والجهاد عنه، بحسب الإمكان، لا يكون لهم قصدٌ في رئيسٍ دون رئيسٍ؛ فبهذه الحال يسْتتبّ لهم أمرهم، وتستقيم أمورهم" [ص 151].
ـ ومثل قوله عليه رحمة الله عند تفسير (فبما رحمة من الله لنت لهم):"الأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين؛ تجذب الناس إلى دين الله، وترغّبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح والثواب. والأخلاق السيّئة من الرئيس في الدين؛ تنفّر الناس عن الدين، وتبغّضهم إليه؛ مع ما لصاحبها من الذمّ والعقاب الخاصّ؛ فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول؛ فكيف بغيره؟! " [ص 154].
ـ ومن ذلك ذِكْرُهُ"ما في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية"؛ حيث قرّر"أنّ فيها تسميحاً لخواطرهم، وإزالةً لما يصير في القلوب عند الحوادث؛ فإنّ من له الأمر على الناس إذا جمع أهل الرأي والفضل وشاورهم في حادثةٍ من الحوادث، اطمأنت نفوسهم وأحبّوه، وعلموا أنه ليس بمستبدٍّ عليهم، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلّيّة العامّة للجميع؛ فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته؛ لعلمهم بسعيه في مصالح العموم؛ بخلاف من ليس كذلك فإنهم لا يكادون يحبّونه محبةً صادقةً، ولا يطيعونه، وإن أطاعوه فطاعةٌ غير تامّة ... " [ص 154].
ـ كما نصّ على منهج القرآن في الجمع"بين تعليم الأحكام، وما به تُنفَّذ الأحكام، وما به تُدرك فوائدها وثمراتها! " [ص 155].
ـ ومن ذلك قوله في تفسير (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتقى وأْتُوا البيوت من أبوابها) [البقرة: 189]:"يُستفاد من إشارة الآية أنه ينبغي في كلّ أمرٍ من الأمور أن يأتيه الإنسان من الطريق السّهل القريب الذي قد جعل له موصلاً: فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ينبغي أن ينظر في حالة المأمور، ويستعمل معه الرفق والسياسة التي بها يحصل المقصود أو بعضه، والمتعلّم والمعلّم ينبغي أن يسلك أقربَ طريقٍ وأسهلَه يحصل به مقصوده؛ وهكذا كلُّ من حاول أمراً من الأمور وأتاه من أبوابه وثابر عليه؛ فلا بد أن يحصل له المقصود بعون الملك المعبود" [ص 88 - 89].
الرابع والعشرين: أنّ السّعديَّ قد تميّز بطول النفَس، وسعة الباع في ذكر المعاني الكثيرة المحتَمَلة [كما تراه في ص 48، 65، 66،89، 113، 117، 131]:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/469)
ـ فقد قال في تفسير (واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة) [البقرة 231]:"أي السُّنّة اللَّذَيْن بيّن لكم بهما طرق الخير، ورغّبكم فيها وطرق الشرّ وحذّركم إياها، وعرّفكم نفسه ووقائعه في أوليائه وأعدائه، وعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون، وقيل: المراد بالحكمة أسرار الشريعة؛ فالكتاب فيه الحِكَم، والحكمة فيها بيان حكمة الله في أوامره ونواهيه. وكلا المعنيين صحيحٌ" [ص 103].
ـ وقال في تفسير (هذا بيانٌ للناس وهدى وموعظةٌ للمتقين) [آل عمران: 138]:"لأنهم هم المُنْتفعون بالآيات؛ فتهديهم إلى سبيل الرشاد، وتعظهم وتزجرهم عن طريق الغيّ، وأما باقي الناس فهي بيانٌ لهم، تقوم به عليهم الحجّة من الله؛ ليهلك من هلك عن بيِّنةٍ، ويحتمل أنّ الإشارة في قوله: (هذا بيانٌ للناس) للقرآن العظيم، والذكر الحكيم، وأنه بيانٌ للناس عموماً، وهدى وموعظةٌ للمتّقين خصوصاً، وكلا المعنيَيْن حقٌّ" [ص 149].
ـ وكذلك قوله في تفسير (وليُمحِّص الله الذين آمنوا) [آل عمران 119]:"يمحِّص بذلك المؤمنين من ذنوبهم وعيوبهم ... وليمحّص الله أيضا المؤمنين من غيرهم من المنافقين" [ص 50].
الخامس والعشرين: أنّ هذا التفسير الماتع قد حثّ على كل علمٍ نافعٍ: كقوله في شأن التاريخ عند قول الله - تعالى -: (يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ها أنتم هؤلاء حاججتم في ما لكم به علم فلِمَ تحاجّون فيما ليس لكم به علمٌ والله يعلم وأنتم لا تعلمون) [آل عمران 65 - 66]:"فيها ... حثٌّ على علم التاريخ، وأنه طريقٌ لردّ كثيرٍ من الأقوال الباطلة والدعاوى التي تُخالف ما عُلِم من التاريخ" [ص 134].
السادس والعشرين: أنّ السّعدي قد وُفِّق في عدم التعويل على الإسرائيليات، والانسياق وراء أوهام أهل الكتاب وأباطيلهم:
ـ فقد صرّح بمنهجه في ذلك بقوله:"اعلم أنّ كثيراً من المفسّرين ـ رحمهم الله ـ قد أكثروا في حشو تفاسيرهم من قصص بني إسرائيل، ونزّلوا عليها الآيات القرآنية، وجعلوها تفسيراً لكتاب الله، مُحْتجّين بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)). والذي أراه أنه وإن جاز نقل أحاديثهم على وجهٍ تكون مُفردةً غير مقرونةٍ، ولا منزّلةٍ على كتاب الله؛ فإنه لا يجوز جعلها تفسيراً لكتاب الله قطعاً إذا لم تصحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك أنّ مرتبتها كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تُكذِّبوهم))؛ فإذا كانت مرتبتها أن تكون مشكوكاً فيها، وكان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أنّ القرآن يجب الإيمان به، والقطع بألفاظه ومعانيه؛ فلا يجوز أن تُجْعَل تلك القصص المنقولة بالروايات المجهولة ـ التي يغلب على الظنّ كذبها أو كذب أكثرها ـ معانيَ لكتاب الله، مقطوعاً بها، ولا يستريب بها أحد؛ ولكن بسبب الغفلة عن هذا حصل ما حصل! " [ص 55 - 56]. وانظرْ كذلك [ص 112، 138].
السابع والعشرين: أنّ هذا التفسير قد استلهم رُوحَ السنةِ النبوية؛ حتى إنّ القاريء ليستحضر أحاديثَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بمجرَّد أن يسمع بعض المعاني التي يربط بها السعدي بين القرآن والسنة:
ـ كما مرّ في الكلام على الإسرائيليات، وكما في قوله - رحمه الله -في تفسير (لتكونوا شهداء على الناس) [البقرة: 143]:"ومن شهادة هذه الأمة على غيرهم أنه إذا كان يوم القيامة وسأل الله المرسلين عن تبليغهم, والأمم المكذِّبة عن ذلك, وأنكروا أنّ الأنبياء بلّغتهم, استشهدت الأنبياء بهذه الأمة, وزكّاها نبيّها" [ص 71]. فهذا يذكِّر طالب العلم بما رواه البخاري في كتاب (أحاديث الأنبياء) باب قول الله - عز وجل - (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه) [هود: 25]، وفي كتاب (التفسير) باب (وكذلك جعلناكم أُمّة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) [البقرة: 143]، وفي كتاب (الاعتصام بالكتاب والسنة) باب (وكذلك جعلناكم أُمّة وسطاً) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى - عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يُدعى نوحٌ يومَ القيامة فيقول: لبّيك وسعديْك يا ربّ! فيقول: هل بلّغتَ؟ فيقول: نعم. فيُقال لأمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ! فيقول: من يشهد لك؟ ـ وفي رواية الاعتصام: من شُهودُك؟ ـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/470)
فيقول: محمّدٌ وأُمّته؛ فيشهدون أنه قد بلّغ، ويكون الرسول عليكم شهيداً؛ فذلك قوله جل ذكره (وكذلك جعلناكم أُمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً).
ـ وكذلك قوله في تفسير (فلنُولّينّك قبلةً ترضاها) [البقرة: 144]:"أي: تحبّها وهي الكعبة, وفي هذا بيانٌ لفضله وشرفه - صلى الله عليه وسلم -, حيث إنّ الله - تعالى - يسارع في رضاه" [ص 71]؛ فإنّ هذه العبارة مُسْتوحاةٌ من قول أمّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنه -لما نزل (تُرْجي من تشاء منهن وتُؤوي إليك من تشاء) [الأحزاب: 51]:"ما أرى ربَّك إلا يُسارع في هواك"كما في الصحيحين.
الثامن والعشرين: أنّ الشيخ السعديَّ يلهج ـ كثيراً ـ في تفسيره بحمد الله وشكره على عظيم نعمائه؛ وهذا ـ لعمري ـ مما يزيد الأعمال بركةً وصلاحاً وفلاحاً؛ وما هذا التفسيرُ البديعُ إلا ثمرةً من ثمرات قول الله - تعالى -: (لئنْ شكرتم لأزيدنّكم):
ـ فمن أمثلة ذلك ما قاله السعديّ في تفسير (ومما رزقناهم يُنفقون) [البقرة: 3]:"في قوله: (رزقناهم) إشارةٌ إلى أنّ هذه الأموال التي بين أيديكم, ليست حاصلة بقوتكم ومِلْككم, وإنما هي رزق الله الذي خوَّلكم, وأنعم به عليكم, فكما أنعم عليكم وفضّلكم على كثير من عباده؛ فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم, وواسُوا إخوانكم المُعدَمِين" [ص 41].
ـ وما قاله في تفسير (ولأتمّ نعمتي عليكم) [البقرة: 150]:"قد أعطاه الله من الأحوال والنعم, وأعطى أمته, ما أتم به نعمته عليه وعليهم, وأنزل الله عليه: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي, ورضيتُ لكم الإسلام ديناً)؛ فللّه الحمدُ على فضله, الذي لا نبلغ له عَداً, فضلاً عن القيام بشكره" [ص 74].
ـ وكذلك في تفسير (ولعلكم تهدون) [البقرة: 150]:"أي: تعلمون الحق, وتعملون به؛ فالله تبارك و- تعالى - ـ من رحمته بالعباد ـ قد يسّر لهم أسبابَ الهداية غايةَ التيسير, ونبّههم على سلوك طُرُقها, وبيّنها لهم أتمَّ تبيين؛ حتى إنّ من جملة ذلك أنه يقيّض الحق للمعاندين له فيجادلون فيه, فيتضح بذلك الحق, وتظهر آياته وأعلامه ... ولولا الباطل ما اتضح الحق اتضاحاً ظاهراً؛ فلله الحمد على ذلك" [ص 74].
ـ وقوله في تفسير (فاذكروني أذكركم واشكروا لي) [البقرة: 152]:"أي: على ما أنعمتُ عليكم بهذه النعم, وصرفتُ عنكم صنوف النقم. والشكر يكون بالقلب: إقراراً بالنعم واعترافاً, وباللّسان: ذكراً وثناءً, وبالجوارح: طاعةً لله وانقياداً لأمره واجتناباً لنهيه؛ فالشكر فيه بقاءُ النعمة الموجودة، وزيادةٌ في النِّعَم المفقودة، قال - تعالى -: (لئن شكرتم لأزيدنّكم). وفي الإتيان بالأمر بالشكر، بعد النعم الدينية: من العلم، وتزكية الأخلاق، والتوفيق للأعمال، بيان أنها أكبر النعم، بل هي النِّعَم الحقيقيةُ التي تدوم إذا زال غيرها؛ وأنه ينبغي لمن وُفِّقوا لعلمٍ أو عملٍ أن يشكروا الله على ذلك؛ ليزيدهم من فضله، وليندفع عنهم الإعجاب؛ فيشتغلوا بالشكر! " [ص 74].
ـ وكذلك قوله في تفسير (إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار) [البقرة 164]:"أليس من القبيح بالعباد أن يتمتّعوا برزقه, ويعيشوا ببرّه, وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه؟! أليس ذلك دليلاً على حِلْمِهِ وصَبرِه وعفوِه وصَفحِه وعَميمِ لُطفِه؟! فله الحمد أولاً وآخراً, وظاهراً وباطناً." [ص 79].
التاسع والعشرين: أنّ الشيخ السعديَّ - رحمه الله -قد اعتنى بمفهوم الآيات، دون اقتصار على منطوقها؛ وفي هذا إثراءٌ لفقه دلالات القرآن:
ـ فمن ذلك قوله في تفسير (ويُحبّون أن يُحْمَدوا بما لم يفعلوا) [آل عمران 188]:"دلّت الآية بمفهومها على أنّ من أحبّ أن يُحمد ويُثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق؛ إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة: أنه غير مذمومٍ؛ بل هو من الأمور المطلوبة التي أخبر الله أنه يجزي بها المحسنين له الأعمال والأقوال، وأنه جازى بها خواصّ خلقه، وسألوها منه: كما قال إبراهيم - عليه السلام -: (واجعلْ لي لسانَ صدقٍ في الآخرين)، وقال: (سلامٌ على نوحٍ في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين)، وقد قال عباد الرحمن: (واجعلنا للمتقين إماماً)؛ وهي من نعم الباري على عبده، ومِنَنِهِ التي تحتاج إلى الشكر" [ص 161].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/471)
ـ ولـ (تيسير الكريم الرحمن) بحمد الله عنايةٌ فائقةٌ بالمفاهيم: مثل (مفهوم الموافقة) [ص 53، 72، 92]، و (مفهوم المخالفة): سواء كان وصفاً [ص 77، 113، 119]، أو شرطاً [ص 65، 102، 103]، أو ظرفاً [ص 91] ...
ـ وقد نبّه الشيخ - رحمه الله -على بعض المفاهيم المُلْغاة: مثل تقريره أنّ"القيد الذي خرج مخرج الغالب لا مفهوم له" [ص 173، 174].
الثلاثين: أنّ هذا التفسير الجليل قد شوّق الصالحين إلى بلوغ جنّات النعيم:
ـ فمن ذلك قوله في تفسير (الذين يظنّون أنهم ملاقو ربّهم وأنهم إليه راجعون) [البقرة: 46]:"فهذا الذي خفّف عليهم العبادات، وأوجب لهم التسلّي في المصيبات، ونفّس عنهم الكربات، وزجرهم عن فعل السيّئات؛ فهؤلاء لهم النعيمُ المقيمُ في الغرفات العاليات! " [ص 52].
ـ وكما جاء في قوله عند تفسير (أحياءٌ عند ربّهم يُرزقون) [آل عمران: 169]:"لفظ (عند ربّهم) يقتضي علوَّ درجتهم، وقربهم من ربّهم (يُرزقون) من أنواع النعيم الذي لا يعلم وصفه، إلا من أنعم به عليهم؛ ومع هذا (فرحين بما آتاهم الله من فضله) أي مغتبطين بذلك قد قرّتْ عيونهم، وفرحتْ به نفوسهم؛ وذلك لحُسنه، وكثرته، وعظمته، وكمال اللّذّة في الوصول إليه، وعدم المُنغِّص؛ فجمع الله لهم بين نعيم البدن بالرزق، ونعيم القلب والروح بالفرح بما آتاهم من فضله؛ فتمّ لهم النعيم والسرور! " [ص 157].
ـ وكذلك قوله في تفسير (فاستبقوا الخيرات) [البقرة: 148]:"ومن سبق في الدنيا إلى الخيرات فهو السابق في الآخرة إلى الجنات! " [ص 73].
نسألك اللهم يا ذا الجلال والإكرام: (تيسير) العلم النافع، والعمل الصالح، وأن توفقنا إلى معرفة (تفسيرِ كلام المنّان)، وأن تنفعنا، وتنفع بنا، وتجعلَنا سبباً لمن اهتدى، وأن تجمعَنا و (الشيخَ السعديَّ) في جنةِ الفردوس؛ إنك أنتَ (الكريم الرحمن):
"في جنّةٍ طابتْ وطاب نعيمها ... من كلّ فاكهةٍ بها زوجان
أنهارها تجري لهم من تحتهم ... محفوفةً بالنخل والرّمّان
غرفاتُها من لؤلؤٍ وزبرجدٍ ... وقصورُها من خالصِ العقيان
قُصرتْ بها للمتقين كواعبٌ ... شُبِّهنَ بالياقوتِ والمرجان
بيضُ الوُجوهِ شُعورُهنّ حَوالكٌ ... حُمْرُ الخدودِ عواتقُ الأجفان
فُلْجُ الثغورِ إذا ابتسمن ضواحكا ... هيفُ الخصورِ نواعمُ الأبدان
خُضرُ الثياب ثديهنّ نواهد ... صُفر الحليّ عواطرُ الأردانِ"
[نونيّة القحطاني ص 87 - 88]
والحمد لله والصلاة على رسول الله.(2/472)
لقاء مع علم من أعلام القراءة والتجويد الشيخ المقرئ محمود إدريس
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[20 - 09 - 05, 02:51 ص]ـ
لقاء مع علم من أعلام القراءة والتجويد
الشيخ المقرئ محمود إدريس
أجرى اللقاء: إبراهيم بن عبدالعزيز الجوريشي
حرصاً من مجلة الفرقان على تسليط الضوء على أهل القرآن، أهل الله وخاصته، كان لها هذا اللقاء مع علم من أعلام القرآن، وفارس من فرسان القراءة والإتقان، على يديه تخرج المئات من الحفظة المتقنين لكتاب الله تعالى. ذلكم هو فضيلة الشيخ المقرئ المجوّد المتقن محمود إدريس حفظه الله تعالى ونفع به.
الفرقان: بداية - فضيلة الشيخ - نحب أن تقدموا أنفسكم لقراء مجلة الفرقان.
الشيخ محمود: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. أنا أخوكم في الله محمود بن عبدالقادر بن إدريس بن ناصر عكاشة، وعرفت باسم " محمود إدريس "، من مواليد مدينة اللد بفلسطين - فكّ الله أسرها - في عام 1938م تقريباً. متزوج منذ سنة 1954م ورزقت باثني عشر مولوداً والحمد لله.
الفرقان: هلاّ حدثتنا عن بداية رحلتك مع القرآن الكريم؟
بدأت رحلتي مع القرآن الكريم في سنة 1959م وكنت حينها متزوجاً وعندي أولاد، حيث بدأت بالحفظ وكنت أتوق لفهم معاني الآيات القرآنية، فسألت بعضاً من المشايخ عن الكتب التي تعين على ذلك فأرشدوني إلى كتاب تفسير القرآن العظيم لابن كثير، فذهبت إلى السوق في مدينة الزرقاء وبحثت عنه فلم أجده، فذهبت بعد ذلك إلى إحدى المكتبات في عمان ووجدته وكانت المكتبات وقت ذاك قليلة شحيحة.
الفرقان: ذكرت - شيخنا الفاضل - أنك بدأت بحفظ القرآن الكريم، فما هي الطريقة التي اتبعتها في الحفظ؟
بعد أن اقتنيت تفسير ابن كثير بدأت أقرأ فيه، وكان نهجي في الحفظ أن أحفظ عشر آيات، فأقرأ تفسيرها وأفهمها ثم أنتقل إلى غيرها وهكذا. وبدأت أستمتع بالحفظ – وكان هذا بدافع مني وبهدى من الله تعالى لي، وكنت في هذه الطريقة أحاول أن أنتهج منهج الصحابة رضوان الله عليهم حيث كانوا يقرؤون عشر آيات فيعلمونها ويحفظونها ويعلمون بها. ووجدت نفسي مستمتعاً بالحفظ فتركت قراءة التفسير وركزت على الحفظ، فلما منّ الله علي بحفظ سورة البقرة، صرت في جدّ في عين نفسي ولسان حالي قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " كان أحدنا إذا حفظ سورة البقرة جدّ في أعيننا " أي كبر في أعيننا. ثم بدأت بعدها في حفظ سورة آل عمران، والقرآن ميسر كما تعلمون " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ". فهو ميسر حكماً وتعليماً وحفظاً وهكذا حتى أتممت الحفظ كاملاً في عام 1961م.
الفرقان: ما هي المرحلة التي تبعت حفظك للقرآن الكريم؟ والأعمال التي قمت بها؟
في أيام حفظي للقرآن الكريم كنت أتردد على مسجد عمر بن الخطاب في الزرقاء، وفي تلك الأيام حضر للمسجد شيخ مصري اسمه محمد الأمجد – رحمه الله تعالى - وكنت أحضر عليه دروس التفسير والوعظ والخطابة، وكان الشيخ محمد الأمجد - رحمه الله-داعية ملهماً يذكر القصة في درسه لو أعادها مراراً لا تملّ سماعها لجمال أسلوبه وقوة بيانه. ومن تعلقي وحبي للمسجد كنت أقوم مع بعض الإخوة بخدمة المسجد وتنظيفه، وكنت في حينها أملك محمصاً، وآثرت أن أعمل خادماً في المسجد، فأخذني الشيخ محمد الأمجد وسجلني خادماً في المسجد وكان عملي في مسجد عمر في سنة 1961م. ثم عملت مؤذناً ثم مدرساً للقرآن في دار القرآن الكريم في نفس المسجد، ثم قيّماً للمكتبة الإسلامية في المسجد، ثم إماماً وخطيباً فيه خلفاً لشيخي سعيد سمّور – رحمه الله – وذلك من عام 1972م حتى عام 1994. وقد عملت أيضاً في كلية الشريعة مدرساً لمادة التلاوة ودرّست أيضاً في جامعة آل البيت سنتين برفقة الدكتور محمد خالد منصور حفظه الله. وتنقلت بين عدة مساجد، حيث عملت إماماً في مسجد قرطبة ثم مسجد أبي حويلة، وأخيراً استقر بي المقام إماماً متطوعاً في مسجد ابن ماجة، ومدرساً للقرآن الكريم في دار قرآنه لوجه الله تعالى. وفي هذا العام أكرمني الله تعالى بأمور كثيرة أهمها: أنني أتممت حفظ القرآن الكريم، ووفقني الله لأداء فريضة الحج.
الفرقان: شيخنا الكريم حبذا لو أخبرتنا عن مشايخك الكرام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/473)
في عام 1961م حضر إلى مسجد عمر بن الخطاب شيخي وأستاذي المقرئ عبدالودود الزراري وكان رحمه الله وعاءً من العلم في اللغة العربية والقراءات والعلوم الشرعية حافظاً لمتونها عارفاً لفنونها ... فبدأت بالقراءة عليه في عام 1962م رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية وأتممت الختمة في يوم السبت 27 رجب 1385هـ الموافق 20 تشرين الثاني 1965م و أجازني رحمه الله بسنده المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن شيخه العلامة المقرئ عامر بن السيد عثمان رحمه الله تعالى. ولازمت الشيخ عبدالودود أكثر من ربع قرن حتى وفاته رحمه الله وأفدت منه كثيراً.
وأكرمني الله تعالى أيضاً بالقراءة على شيخي وأستاذي الشيخ سعيد بن حسن سمور رحمه الله رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية وأجازني بها بسنده من شيخه المقرئ عثمان سليمان مراد صاحب السلسبيل الشافي كما قد تلقيت عن الشيخ سعيد متن السلسبيل الشافي وشرحه وكانت الإجازة في يوم الأربعاء 1 محرم 1389هـ الموافق 19 آذار 1969م. فالشيخ عبدالودود والشيخ سعيد سمور شيخيّ في القراءة النحوية. أما عن مشايخي في غير هذه العلوم، فلقد درست الفقه على الشيخ الفاضل نوح القضاة والفرائض على الشيخ هود القضاة والتوحيد والحديث الشريف على الشيخ عبدالودود الزراري واللغة العربية من نحو وصرف على الأستاذ رجب القدسي والتفسير على الشيخ أكرم النواس ... وانتفعت بهؤلاء الأعلام وغيرهم.
الفرقان: متى بدأت تدرس وتقرئ القرآن وتعلم التجويد؟
بعدما أجازني شيخي عبدالودود جلست للإقراء والتدريس في جامع عمر بن الخطاب حيث أنشأت فيه داراً للقرآن الكريم ومكتبة إسلامية يعود فضل تأسيسهما لشيخي الكريم عبدالودود الزراري رحمه الله.
الفرقان: ذكرت أن الشيخ عبدالودود قد جمع القراءات العشر فهل أخذت عنه شيئاً منها؟
بعدأن أتممت حفصاً عن عاصم من طريق الشاطبية شرعت بحفظ متن الشاطبية على الشيخ عبدالودود وحفظت الأصول وبعضاً من الفرش للحروف، وعندما أردت أن أجمع القراءات على الشيخ لم يتيسر لي لشدة انشغال الشيخ وسفره خارج البلاد.
الفرقان: ماذا عن منهجية الشيخ عبدالودود والشيخ سعيد سمور في التدريس؟
بالنسبة للشيخ عبدالودود عندما قرأت عليه كان يقرئني في الحصة ربعاً واحداً حتى ختمت وكان يشترط الحفظ، وتلقيت عليه علم التجويد بدراسة نظم تحفة الأطفال والجزرية، أما عن الشيخ سعيد سمور قتلقيت عنه نظم السلسبيل الشافي وشرحه ونسخته عنه في 1968م وكتاب السلسبيل الشافي لمن فهمه، يغنيه عن كثير من الكتب والمتون فهو اسم على مسمى، فهو عبارة عن متن فيه متونة وشرح فيه ليونة. بعد ذلك قرأت عليه القرآن الكريم غيباً برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية.
الفرقان: كما نعلم شيخنا الكريم أن لكل شيخ تلاميذ، فماذا عن تلاميذكم؟
أما عن التلاميذ فلقد أكرمني الله تعالى أن يسر لي إقراء الكثير الكثير من خلقة حتى أنني لا أستطيع أن أحصيهم، وقد فاق عددهم المئتين، حيث كما ذكرت أنني بدأت بالتدريس والإقراء في دار القرآن الكريم منذ سنة 1965 إلى حد الآن والحمد لله، وقرأ عندي من الأردن وخارجها. ومن أشهرهم: "الشيخ ضيف الله أبوصعيليك، والشيخ أحمد رائق، والشيخ الدكتور إبراهيم الجرمي، والشيخ زياد إدريس الذي جمع القراءات فيما بعد عند الشيخ سعيد العنبتاوي رحمه الله، والشيخ مشهور العودات أيضاً من الذين جمعوا القراءات عند الشيخ سعيد العنبتاوي، والشيخ أنور الشلتوني، والشيخ طارق عصفور .. وغيرهم كثير .. "
الفرقان: شيخنا الكريم، هل هناك من تلاميذك من النساء؟
نعم، لقد أقرأت مجموعة من النساء وأذكر منهن: كوثر بنت عاطف، وطالبة أيضاً ختمت عندي اسمها (زاهدة) لم أسمع بمثل إتقانها ودقة تجويدها - سبحان من علمها - وهي تدرس بالسعودية.
الفرقان: ما هي منهجيتكم في التدريس والإقراء والإجازة؟
أقوم بالتدريس يوميّاً في المسجد بين المغرب والعشاء، وقد يكون هناك مواعيد مختلفة لطلاب متقدمين أو غير ذلك، أقرأ لكل طالب ربعاً من القرآن، والحافظ من حفظه يقرأ، وغير الحافظ يقرأ من المصحف الشريف، فإذا ما ختم أعطي الحافظ لكتاب الله إجازة وسنداً أما غير الحافظ فأعطيه إجازة فقط (شهادة) وإذا رأيت أن الطالب أصبح يتقن ويتميز فإنني أزيد من حصته في القراءة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/474)
الفرقان: ما هي أهم أعمال الشيخ وإنجازاته من تآليف ومصنفات؟
لا يوجد عندي مؤلف مكتوب أو كتاب منشور. وكنت قد سجلت برنامجاً من ثلاثين حلقة يعلّم أحكام التلاوة والتجويد كان يذاع بالإذاعة الأردنية، وأنوي بعون الله وتوفيقه أن أعيد تسجيل هذه الأحكام من جديد بصورة أفضل، وهناك مشروع أيضاً هو تسجيل مصحف صوتي برواية حفص بصوتي إن شاء الله. نسأل الله أن يعيننا عليه.
الفرقان: كما تعلم شيخنا الكريم أنه في الزرقاء كان هناك الشيخ سعيد العنبتاوي رحمه الله، فهل كان لك علاقة أو اتصال معه؟
الشيخ سعيد العنبتاوي - رحمه الله - كنت أتمنى أن آخذ عنه القراءات لكنه لم يتيسر لي ذلك لشدة انشغالي، وكان اجتماعي فيه بمديرية الأوقاف. والحمد لله فإن لي تلاميذ قد أخذوا القراءات عنه حيث كان الشيخ إذا سمع طلابي يعرف أنه من تلاميذ الشيخ محمود لإتقانهم وحسن أدائهم.
الفرقان: نحب أن نسأل عن قضية تجويدية وهي الإخفاء الشفوي والقلب، كيف تلقيتموه؟
بالنسبة لهذه المسألة فقد تلقيت عن شيخيّ عبدالودود الزراري وسعيد سمور - رحمهما الله - الإخفاء الشفوي والقلب بإطباق الشفتين، وأذكر أنني اجتمعت معهما في هذه المسألة وذكروا لي أن المتقنين من القراء يقرؤون بالإطباق، وإذا تتبعت تلاوة الشيخ الحصري تجد الأمر واضحاً في تلاوته، والله أعلم.
الفرقان: ما رأي الشيخ محمود في المصاحف الصوتية المسجلة؟
إن المآخذ على أكثر من سجلوا المصاحف بأصواتهم عدم مراعاة الوقف والابتداء في تلاوتهم، وكما نعلم أن هذا العلم مهم جداً لطالب علم التجويد والقراءة، وكنت قد قرأت أنه لا يجاز القارئ بالقراءة والإقراء حتى يكون عنده علم في الوقف والابتداء. والحقيقة أن المصحف المسجل بصوت الشيخ الحصري - رحمه الله - برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية فيه مراعاة ودقة في الوقف والابتداء.
الفرقان: شيخنا الكريم هل من كلمة أو نصيحة توجهها لقراء مجلة الفرقان ولأهل القرآن عامة؟
أوصيهم وأذكرهم بقوله تعالى: " ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله " وبقوله تعالى: " واتقوا الله ويعلمكم الله "، وكما نعلم أن هذا القرآن لا تنقضي عجائبه، فيجب على قارئ القرآن أن يتدبر ويتفكر ويفهم القرآن، وأن يراعي الوقف والابتداء، فإن ذلك مفتاح لفهم الآيات.
الفرقان: نشكر الشيخ محمود إدريس على هذه المقابلة الطيبة وعلى الفوائد التي أتحفنا بها، سائلين المولى عزوجل أن ينفع بكم ويجزيكم خير الجزاء.
ـ[حسام الدين الكيلاني]ــــــــ[05 - 11 - 05, 04:54 ص]ـ
جزاك الله خيراً، وأمتع بك طلبة العلم الشريف.
وأطال الله في عمر شيخكم الشيخ المقرئ محمود إدريس.
ـ[محمد ححود التمسماني]ــــــــ[05 - 11 - 05, 04:25 م]ـ
جزاكم الله خيرا
وبارك الله في عمر الشيخ محمود ادريس
ـ[يوسف بن عواد البردي]ــــــــ[27 - 01 - 06, 11:08 ص]ـ
هل لفضيلة الشيخ ختمة مسجلة؟(2/475)
الروضة الندية في تلخيص التأملات القرآنية (المجموعة1) للشيخ صالح المغامسي-حفظه الله-
ـ[أبو عباد]ــــــــ[29 - 09 - 05, 11:15 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد ....
الحمد لله على نعمه وآلائه وتوفيقه، فها نحن بعد أن كتبنا لكم في المرة الماضية المجموعة الثانية من أشرطة (التأملات القرآنية) لفضيلة الشيخ: صالح بن عوّاد المغامسي-حفظه الله تعالى ونفع الله بعلمه الإسلام والمسلمين- نكتب ونقدم لكم (الروضة النديّة في تلخيص التأملات القرآنية) المجموعة الأولى من الأشرطة، وهي من جهد أخي الحبيب: بدر بن علي الأسمري-حفظه الله-وهو من طلبة العلم في عنيزة في منطقة القصيم، وهو من المهتمِّين لمتابعة أشرطة الشيخ صالح المغامسي-حفظه الله-وهي من جهده، فحتى لو رجعت للأشرطة فهو لم يكتب كل شيء بل هي خاصة به؛ فهي استفادة خاصة به، لكنني آخذها منه للفائدة وإفادة الإخوان في هذا الملتقى المبارك.
أسأل المولى الكريم رب العرش الكريم أن ينفع بها قائلها ومفرّغها وكاتبها وقارئها وجميع المسلمين، وأن ينفع بالشيخ صالح المغامسي
-حفظه الله-الإسلام والمسلمين، فو الله إنني لأحبه في الله، وو الله لو قابلتُه لقبّلت رأسه، ويكفي أن عينه دامعة .. وكلامه مؤثر في النفوس
وهنيئا لكم يا أهل المدينة النبوية به، وهو عندكم، فخذوا منه العلم، وخذوا منه خشوعه، وأدبه مع العلماء، وهذا ظاهر في ثنايا كلامه.
نسأل الله لنا وله القبول في الدنيا والآخرة.
كتبه: أبو عباد الشمالي.
القصيم – عنيزة
من سكن ابن عثيمين-رحمه الله-للطلبة
ـ[أبو عباد]ــــــــ[29 - 09 - 05, 11:24 م]ـ
نقل الشيخ محمد عطيّة سالم-رحمه الله-عن شيخه الإمام الشنقيطي-رحمه الله-صاحب أضواء البيان، نقل عنه أنه سأل الشيخ عندما كان يفسِّر القرآن في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،قال له: إنك رجل ذو باع عظيم في العلم، فلماذا اخترت التفسير دون سائر العلوم مع قُدرتِك على إتيان كثير من المسائل وشرحها؟! فقال الشيخ-رحمه الله-وهو العارف بكتاب الله قال:"إن العلوم كلّها تفيء إلى القرآن".
- إن مما يُعين طالب العلم على طلب العلم بعد الاستعانة بالله أن يجد مادة علميّة يعقد عليها خنصره وبنصره.
- قال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون - الذي جعل الأرض فراشاً والسماء بناءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم ... } المناسبة: أن الله لمّا ذكر أصناف الخلق الثلاثة خاطبهم أجمعين بعبارة (يا أيها الناس) أراد الله من هاتين الآيتين أن يبيّن حقيقة البعث والنشور، وذكر في هذه الآيتين ثلاثة براهين على وجود البعث والنشور:
البرهان الأول: هو الإيجاد والخلق الأول، وهذا بقوله: {اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم} ومعلوم قطعاً أن من قدر على الخلق الأول قادر على الخلق الثاني، وهذا بيّنه الله في غير سورة، قال الله: {وضرب لنا مثلاً ونَسِيَ خلقَه} وقال الله جلّ وعلا: {فسيقولون من يُعيدنا قل الذي فطركم أوّل مرّة} فالاتّكاء في الدليل على الإيجاد الأول، هذا أول البراهين على أن هناك بعث ونشور.
الدليل الثاني: ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان، وفائدة الذكر: أن مَن قدر على خلق الأعلى قادر على أن يخلق ما هو دونه، والله-جلّ وعلا-خلق السماوات والأرض، فمن باب أولى قادر على أن يُحيَ الناس بعد موتهم، والدليل في القرآن {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس} وقال-جلّ وعلا-في يس: {أوَليس الله الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلُق مثلهم بلى وهو الخلاّق العليم}.
البرهان الثالث: القياس، وأن الله-جلّ وعلا-قال: {وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم} فالأرض كونها ميتة، وينزل عليها من السماء، أي من السحاب مطراً، فتُحْيِا من جديد هذا يدلّ على أن من أحياها قادر على أن يكون على يديه البعث والنشور، وهذا يفسّره القرآن قال الله جلّ وعلا: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليه الماء اهتزّت وربت إن الذي أحياها لمُحي الموتى إنه على كل شيء قدير} فبيّن سبحانه أن القادر على أن يُحيَ الأرض بعد موتها قادر بقدرته وعظمتِه وجبروته ورحمته وعزّته وسلطانه على أن يُحيَ الناس ويُعيدهم بعثاً ونشوراً بعد أن كانوا أمواتاً، فاجتمعت في
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/476)
هاتين الآيتين ثلاثة براهين على إثبات حقيقة البعث والنشور، وهذا تفسير مجمل للآيتين.
نكمل إن شاء الله تعالى البقيّة.
ـ[ماجد الودعاني]ــــــــ[01 - 10 - 05, 09:17 م]ـ
بارك الله فيك وفي صاحبك ورزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح ..
وجزى الشيخ صالح خير الجزاء ..
ـ[أبو عباد]ــــــــ[06 - 10 - 05, 02:46 ص]ـ
جزاك الله خيرا يا شيخ ماجد
نكمل ما تبقّى
- قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}.
هذا تلازم ما بين العبادة والتقوى، فالعبد إذا عَبَدَ الله اتّقاه، وإذا اتّقاه فقد عَبَدَه.
وقوله تعالى: {وأنزل لكم من السماء} ليس المقصود بها السماوات السبع، والمقصود به السحاب، لأنه بالقرينة الموجودة وهو أن المطر ينزل من أين؟! من السحاب.
{فأخرج به} الباء هنا سببية، أي فأخرجَ لكم بسبب الماء.
# لما قال الله جلّ وعلا هذه البراهين الثلاثة التي تدلّ على قدرته وعلى ربوبيّته وعلى أن لا ربّ غيره ولا إله سواه قال مطالباً عبادَه بقوله: {فلا تجعلوا لله أنداداً} الندّ هو الشريك-المثيل،
النظير-ولا يوجد لله شريك ولا ندّ ولا مثيل ولا نظير {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
- قوله: {وأنتم تعلمون}
قبل أن تتلوها لا تفهم أن {وأنتم تعلمون} هذه متعلقة بـ {فلا تجعلوا لله أنداداً} لأنك إذا علّقت {فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون} ونسيت أن هناك محذوف يصبح مفهوم الآية في ذهنك: لا تجعل لله أنداداً وأنت تعلم، كأنك تقول: يجوز أن تجعل لله ندّاً وأنت لا تعلم، وقطعاً ليس هذا مقصود القرآن لكن المعنى فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون يقيناً أنه ليس له أنداد.
ويُفهم من هذا أن الشرك-والعياذ بالله-أعظم الكبائر، وهو الذنب الذي لا يُغفَر أبداً، والناس قد لا يكون الشريك الذي اتّخذه صنماً يُعبَد، ولا يعبد عزرائيل ولا المسيح ولا غيرهما مما عبَدَه غيرُه في الجاهلية، لكن قد يعبد المرء هَوَاه، وقد يعبد المرء شيء آخر، ولا حاجة للتفصيل، بحيث يصبح هذا الشيء يتعلّق به القلب حتى يصرفه عن طاعة الله جلّ وعلا، فهذا قد جعل لله ندّاً سواء علِم أو لم يعلم، لكن لا يُقال بكفره كفراًً أكبر؛ لأن مسألة التكفير، هذه سيأتي الكلام عنها أمر يحتاج إلى تفصيل وإلى تأنٍ وإلى تبيّن.
نكما البقيّة إن شاء الله في وقت لا حق.
ـ[محمد الجهني]ــــــــ[12 - 11 - 05, 10:09 ص]ـ
بارك الله فيك أخي أبو عباد.
وجزاك الله خيرا.
أتمنى منك التعجيل بأنهائها.
أخوك محمد الجهني.
ـ[أبو عباد]ــــــــ[23 - 11 - 05, 07:09 ص]ـ
جزاك الله خيراً يا شيخ محمد.
وأسأل الله تعالى أن يوفق وينفع بالجميع
وقد انشغلت بالسفر في رمضان، واعتذر على التأخر لأننا الآن في اختبارات
وعلى حسب الوقت، نسأل الله الإعانة
نكمل ما وقفنا عليه:
يقول الشيخ صالح المغامسي-حفظه الله-:
- قال تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين - فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أُعِدّت للكافرين}.
هذه الآيات تسمى في لغة القرآن (آية التحدّي) وهي أوّل آيات التحدّي في القرآن حسب ترتيب المصحف، وآيات التحدّي في القرآن خمس، ومعنى آيات التحدّي: أن الله جلّ وعلا تحدّى العرب على فصاحتهم وبلاغتهم أن يأتوا بثل هذا القرآن.
آيات التحدّي في القرآن خمس:
الأولى: من سورة البقرة {وإن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ... }.
الثانية: وقول الله جلّ وعلا في الآية الثامنة والثلاثين من سورة يونس {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله ... }.
الثالثة: الآية الثالثة عشر من سورة هود، وهي قول الله جلّ وعلا {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ... }.
الرابعة: الآية الثامنة والثمانون من سورة الإسراء، قال الله جلّ وعلا {قل لَئِن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً}.
الخامسة: جاء في الآيتين الثالثة والثلاثين والأربعة والثلاثين في سورة الطور {أم يقولون تقوّلَه بل لا يؤمنون - فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين}.
اجتمع بهذا خمس آيات حسب ترتيب المصحف توالى بعضها بعضاً في تحدّي كفّار قريش.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/477)
- اختلف الناس لماذا لم يستطع العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن؟
ق1) قيل: لإعجازه في ذاته، هذا الذي لا ينبغي أن يقال غيره.
ق2) وقيل: لمفهوم الصِّرفَة، ومفهوم الصِّرفَة مسألة بلاغية قالها رجل معتزلي اسمه: (إبراهيم بن سيّار النظّام) قال: إن العرب قادرين على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لكن الله صَرَفَهُم؛ لحكمة أرادها على أن يأتوا بمثله، وهذا قول باطل. حتى مشايخ المعتزلة مثل إبراهيم النظّام خالفوه في مثل هذه المسألة، وإلاّ أجمع المسلمون على أن العرب عَجِزَت على أن تأتي بمثل هذا القرآن لنظْمِه؛ لأمور عديدة لا تحصى، ومن أراد أن يرجع لهذه المسألة في كتاب اسمه (النبأ العظيم) لرجل عالم اسمه: (محمد عبد الله دَرَّاز) من أئمة الدنيا، له قُدرة بلاغيّة، لكنه مات قبل أن يُكمِل الكتاب، لكن الكتاب موجود.
* تدلّ هذه الآيات على صدق رسالة نبيّنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،كما أن في قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزّلنا على عبدنا} أن مقام العبوديّة أرفعُ مقام وأجلّ منزلة.
- وكلمة (عبد) تأتي في الشرع واللغة على ثلاثة معانٍ:
الأول: عبدٌ، بمعنى مقهور، وهذا يستوي فيه المؤمن والكافر، كلّ الناس المؤمنون والكافرون عبيدٌ لله، والدليل: {إن كلّ مَن في السماوات والأرض إلاّ آتي الرحمن عبداً} هذه عبوديّة مطلقة يستوي فيها المؤمن والكافر والملائكة والجنّ والإنس.
الثاني: عبوديّة بالشرع، وهي ضد كلمة (حُرّ) قال الله تعالى: {الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد} هذا الذي يُسترقّ في الجهاد، ويُؤخذ كأسير، بصرف النظر عن لونه، فيُسمّى عبد في الشرع.
الثالث: عبدٌ بالطاعة والإتباع، وينقسم إلى قسمين:-
أ - طاعة لله، وهذا الذي يتنافس فيه عباد الله الصالحون.
ب - عبد لغير الله-أعاذنا الله-وهذا بابه واسع، ومنه قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:"تعِس عبد الدينار وعبد الدرهم"أي الذي يطيع هواه. يطيع ديناره. يطيع درهمه.
نكمل البقية لاحقاً إن شاء الله
ـ[أبو عباد]ــــــــ[02 - 12 - 05, 01:56 ص]ـ
يقول الشيخ صالح المغامسي-حفظه الله-:
- قوله: {وقودها الناس والحجارة}:
وقودها الناس فمعروف،
أما وقودها الحجارة، فللعلماء فيها قولان:
ق1) قوم قالوا: إن الحجارة هنا حجارة من كبريت في النار، هذا عليه الأكثرون، نرى أنه رأي مرجوح.
ق2) قوم قالوا: إن الحجارة هنا هي الأصنام التي كانوا يعبدونها في الجاهلية، فتُقرَن معهم في النار، وهذا هو الراجح-إن شاء الله-ودليلُه من القرآن: {إنكم وما تعبدون من دون الله حَصَبُ جهنّم أنتم لها واردون}.
- قال الله تعالى: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أُعِدّت للكافرين}
اتقوا النار بماذا؟!
بالإيمان والعمل الصالح، قال العلماء في قول الله جلّ وعلا أن النار أُعِدّت للكافرين: دليلٌ على أنه لا يخلد في النار موحّد، قال العالم السفّاريني وغيره-رحمهم الله جميعاً-: [وتحقيق المقال أن خلود أهل التوحيد في النار محال].
- قال تعالى: {وبشّر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار كلّما رُزِقُوا منها من ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رُزِقنا من قبل وأُتوا به متشابهاً ولهم فيها أزواج مطهّرة وهم فيها خالدون}.
هذه الآية فيها مُبشِّر وفيها مُبَشَّر، وفيها مُبشَّرٌ به وفيها سبب للبشارة.
أما المبشِّر: فهو النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومَن يقوم مقامه بعدَه من أمّته في الدعوة إلى الدين.
وأمّا المبشَّر: فهم المؤمنون.
وأما المبشَّر به: فهو الجنّات على ما وصَفَهَا الله جلّ وعلا.
وأما أسباب البشارة: فالإيمان والعمل الصالح.
تفصيل الآيات:
وبشّر: أي يا نبيّنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
جنّاتٍ: جاءت مجرورة؛ لأنها جمع مؤنث سالم منصوب بالكسرة نيابةً عن الفتحة؛ لأنه وقع اسماً لحرف الناسخ {أنّ} وأصل الكلام: أنّ جناتٍ لهم.
ثمّ ذكر الله وصف الجنات، فقال في أوّل وصْفِهَا {تجري من تحتها الأنهار} لم يذكر الله جلّ وعلا هنا ما هي الأنهار؟! وقلنا: إن القرآن يُفَسَّر بالقرآن، لكنه ذكر الأنهار في سورة [محمد]،وهي أنهار من ماء وأنهار من لبن وأنهار من خمر، وأنهار من عسل مصفّى.
- قوله: {كلّما رُزِقُوا منها من ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رُزِقنا من قبل}
للعلماء في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/478)
ق1) فريق يقولون: {قالوا هذا الذي رُزِقنا من قبل} أي في الدنيا؛ لأن (قَبْلُ) جاءت مضمومة منقطعة عن الإضافة، فلم يذكر الله جلّ وعلا المضاف إليه، فوَجَب إحرازه قدر الإمكان.
ق2) أن الثمار إذا أخذوا منها تُبْدَلُ بغيرها، فإذا رأوا الثاني قالوا: هذا مثل الأول الذي قطفناه من قبل؛ لتشابه ثمار الجنة، وما بين هذين يدور أكثر المفسّرين.
ق3) لكنّنا نقول-والله أعلم-:إن المعنى أن أهل الجنة إذا قطفوا ثمرة في أول النهار تُبْدَلُ بغيرها تُشبِهُهَا في آخر النهار، فإذا جاؤوا يقطفونها، فإذا أكلوها وجدوها تختلف عن الطعم الأول، وأظنّ الشوكاني-رحمه الله-في فتح القدير مَالَ إلى هذا القول، ولستُ متأكّد من هذا، ولكنه قول مذكور.
- {ولهم فيها أزواج مطهّرة وهم فيها خالدون} ولم يقل الله عزّ وجل مطهّرة من ماذا؟!
لفائدة عظيمة وهي: أنها مُطهّرة من كلّ شيء، مُطَهّرون في خَلْقِهِم، ومُطَهّرون في أخلاقِهِم.
- - ذكرى وتذكير:
الإنسان إذا أراد أن يقوم من الليل، فأضجعته نفسه ودَعَتْهُ نفسه الأمّارة بالسوء إلى أن يخلد إلى الفراش يتذكّر يوم الحشر ويوم الحساب ويوم يُقال لأهل الجنة: {كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيّام الخالية} يتذكر يوم أن يطرق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أبواب الجنة، فينادي الخازن: مَن أنت؟ فيقول: أنا محمّد، فيُقال: أُمِرت ألاّ أفتح لأحد قبلك، فيدخلها-عليه أفضل الصلاة والسلام-ثم يدخلها بعده الأخيار المؤمنون الأتقياء الأبرار من أمّتِه.
يتذكر المؤمن وهو يرى ما يثبّطه عن العمل الصالح ويدعوه إلى الشهوات، ويدعوه إلى أن يعصي الله جلّ وعلا خروجَ الناس من قبورهم حفاة عُراة غُرلاً بُهْماً، أشدّ ما يكونون إلى ماء يروي ظمأهم، فإذا خرجوا وجدوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على حوض يسمّى الحوض المورود فيُقبِل عليه-صلوات الله وسلامه عليه-المؤمنون الأتقياء من أمته، فيُرِدُون من حوضه، ويشربون من يده شربة لا يعطشون بعدها أبداً، إذا تذكّر الإنسان حال أهل الجنة، وما فيها من نعيم، وتذكّر حال أهل النار-عياذاً بالله-وما فيها من جحيم دعاهُ ذلكَ إلى زيادة الإيمان في قلبه، والمسارعة في الخيرات والإتيان في عمل الصالحات، ولن تلقى الله جلّ وعلا بشيء أعظم مِن سَرِيرَة صالحة وإخلاص في قلب، ومحبّة للمؤمنين وعدم بُغض لهم، لا في قلبك حسد ولا غلّ على مؤمن كائناً مَن كان، ترى مَن ترى من أَفْضَلَ الله جلّ وعلا عليه، فتسأل الله جلّ وعلا من فضله، ولا يخلو إنسان من عثرةٍ ولا من زلَلٍ ولا من خطأ، لكنّ المؤمن إذا آبَ إلى الله كَفّل الله جلّ وعلا به، قال الله جلّ وعلا في نَعْتِ خليلِه إبراهيم: {إن إبراهيم لأوّاه حليم} وقال الله جلّ وعلا عنه في آية أخرى: {إن إبراهيم لحليم أوّاه منيب} أي كثير الرجعة إلى الله، فكثرة التوبة والاستغفار والإنابة إلى الله مع الإيمان، والعمل الصالح، وهما مندِرَجتان فيه، كل ذلك يهيئ للمؤمن أن يدخل جنات النعيم. رَزَقَنا الله وإيّاكم إيّاها بأمنٍ وعفوٍ وعافيةٍ منه.
- الفسق يأتي على معنيين:
الأول: يأتي بمعنى الكفر، ويكون مخرجاً من الملّة، ومنه قول الله جلّ وعلا: {أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون}.
الثاني: ويأتي بمعنى الكبيرة أو العصيان الذي لا يخرج من الملّة، ومنه قول الله جلّ وعلا: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا} فهذا فسقٌ لا يُخرج من الملّة، وأصل الفسق الخروج، فكل من خرج عن طاعة الله فهو فاسق، والناس في هذا بلا شكّ درجات عدّة.
نكمل الباقي إن شاء الله تعالى ............. نسأل الله الإعانة .... نسأل الله تعالى علماً لايُنسَى
ـ[أبو عباد]ــــــــ[14 - 03 - 06, 09:45 ص]ـ
نأسف أحبتي على التأخر ......... وسنكمل بإذن الله تعالى
يقول الشيخ صالح بن عواد المغامسي-حفظه الله-:
- الفرق بين النبي والرسول:
أكثر المصنّفين في كتب العقيدة وغيرها يقول: إن النبي والرسول بينهما فرق، فكلّ رسول نبيّ وليس كل نبي رسول، ويقولون: إن الفرق إن الرسول أوحيَ إليه شرع، وأُمِر بتبليغِه، والنبي مَن أُوحِيَ إليه وحيّ ولم يؤمر بتبليغه، لكنه خلاف الصحيح، ولماذا خلاف الصحيح؟!
إن الله عزّ وجلّ أعزّ وأجلّ من أن يُوحِي إلى عبدٍ علماً، ويكون هذا العبد سريرَ الكتمان في صدر ذلك الرجل يموت بموته، ولا يُؤمَر ببلاغه،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/479)
هذا أمر يَتَنَافَى مع الشرع، وإن هذا التعريف غير مستقيم، ولا بدّ من تعريف مستقيم، فنقول: {إن الرسول مَن أُوحيَ إليه شرع جديد، وأمّا النبي فمَن بُعِثَ على تقرير شرع من قبلَه}.
- الرسل بشر لكنهم تميّزوا عن البشر بخصائص منها:
أوّلها وأعظمها: الوحي.
وثانيها: أنهم يُخيّرون عند الموت، ويُدفنون حيث يموتون، ولذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان يُخيّر، وسمعته عائشة-رضي الله عنها-وهو يقول:"بل الرفيق الأعلى" ودُفِن-عليه الصلاة والسلام- في نفس موطن موته في حجرة عائشة، كما هو ظاهر اليوم.
ثالثها: أن الأنبياء لا تأكل الأرض أجسادهم [قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك وقد أرِمْت؟! قال:"إن الله أوحى إلى الأرض أن لا تأكل أجساد الأنبياء"].
رابعها: أنهم أحياء في قبورهم حياة برزخية الله أعلم بها، وقد مرّ النبي-عليه الصلاة والسلام- على موسى وهو قائم يصلّي في قبره، كما أخبر-صلوات الله وسلامه عليه-.
- قال تعالى: {فضّلنا بعضهم على بعض} وهذه الآية محكمة صريحة واضحة أن التفضيل قائم بين الأنبياء، لكنّه ثبت عن نبيّنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الصحيحين من حديث أبي سعيد وغيره أنه قال:"لا تفاضلوا بين الأنبياء"وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:"لا تخيّروا بين الأنبياء".
إذاً يوجد بما يُسمّى بالنطاق العلمي: إشكال لا بدّ من حلّه،
أجاب العلماء –رحمهم الله-عن هذا بأجوبة من أشهرها:
ق1) أن هذا كان قبل أن يعلم-عليه الصلاة والسلام-إنه قال ذلك القول قبل أن يعلم بأن هناك تفاضل، وهذا أضعف الأقوال في حلّ الإشكال.
ق2) قال بعض العلماء::أن التفاضل يكون ممنوعاً في حالة أن يكون معتمداً على عصَبَة وحميّة، أي: يأتي كلّ مسلم يُناصر الرسول الذي من الأمّة التي هو فيها، وهذا القول مَالَ إليه كثير العلماء، وعندما نقول: {كثير} غير كلمة {أكثر}.عندما نقول: {كثير} لا يعني أن الغلبة
لكن قال به عدد غير محدود، أمّا {الأكثر} فإنّنا نوازي بين فريقين:
ق3) وممن أجاب عن هذا من العلماء الشيخ الإمام الشنقيطي في أضواء البيان، قال: إن حلّ هذا الإشكال أن يُقال: إن الأنبياء يتساوون في أصل النبوة، ويكون التفاضل في الأعطيات التي خصّ الله بها بعضهم على بعض.
ق4) قول ابن عطيّة-رحمه الله-كما نقله عنه القرطبي، وهو أصوَب الأراء فيما نعتقد، أنه قال-رحمه الله-:"إن التفاضل يكون ممنوعاً إذا كان مخصوصاً بين نبيّ بعينه ونبيّ آخر" أي مثل: موسى وعيسى، أو محمّد وإبراهيم، أو موسى ونوح، قال هذا ممنوع؛ لأن هذا يُورث شيئاً في الصدور، ولكن أن تبيّن فضل الله على نبي بخلاف ما عليه غيره من الأنبياء، هذا الذي أراده الله في قوله: {فضلنا بعضهم على بعض} وإلى هذا الرأي نَمِيل، والله تعالى أعلم.
- نكمل الباقي إن شاء الله تعالى .... نسأل الله الإعانة والسداد والتوفيق ..... ونسأله تعالى علماً لا يُنسى .... -
ـ[أبو مهند القصيمي]ــــــــ[16 - 03 - 06, 07:49 م]ـ
بارك الله فيك،،
ـ[أبو عباد]ــــــــ[22 - 03 - 06, 07:55 ص]ـ
أشكرك أخي أبو مهند القصيمي على المتابعة
نكمل ما تبقى من كلم الشيخ صالح-حفظه الله-:
يقول الشيخ صالح بن عواد المغامسي-حفظه الله-:
- قوله تعالى: {منهم من كلّم الله} إذا أُطلق التكليم ينصرف إلى موسى-عليه السلام- لأن الله قال: {إنّي اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} وقال الله: {وكلّم الله موسى تكليماً} لكن الذين كُلِّموا أكثر من واحد، الثابت منهم ثلاثة:1 -
1 - آدم-عليه الصلاة والسلام-،فقد ثبت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بسند صحيح أنه سئِلَ عن آدم: أنبيّ هو؟ قال:"نعم. نبيّ مُكلّم"وهذا نصّ في المسألة نفسها.
2 - موسى، بنصّ القرآن.
3 - محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ليلة الإسراء والمعراج.
- أفضل الأنبياء جملة:
أولوا العزم، قال الله تعالى: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} وهم خمسة، وقال أكثر العلماء على أنهم: نوح-وإبراهيم-وموسى-وعيسى-ونبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
- قال تعالى: {وأيّدناه بروح القدس}:
ق1) جمهور العلماء: على أن روح القدس المقصود به هنا: جبرائيل، ويؤيّده من السنة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال لحسّان:"أُهجُهُم، وروحُ القدس معك".
ق2) وذهب بعض العلماء كابن سعدي-رحمه الله-في تفسيره إلى أن المقصود بروح القدس: الإيمان واليقين في قلب عيسى ابن مريم.
- يقول الشيخ-حفظه الله-:قد يشقى الإنسان في زرعٍ طوال دهره فيحصدُه غيره، وقد يجمع الإنسان المال ليأكله فيموت ويأكلُه غيره.
- قال تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا ... } يسمّيه بعض العلماء نداء كرامة؛ لأن الله تعالى نعتَ فيه عبادَه بوصف، ونعت الإيمان أحبُّ نعت إلى قلوبهم.
- قال تعالى: {الحيّ القيوم} قال أهل العلم: كلّ أسماء الله الحسنى مردّها إلى معنى هذين الاسمين العظيمين.
- - ما معنى {الحيّ}؟
أن حياة الله حياة لم يسبقها عدم، ولا يلحقها زوال.
أما {القيوم}:
أنه جلّ وعلا مُستغني عن كلّ أحد، وكل أحد مفتقر إليه.
- العلوم أربعة:
1/ علم ماضي. 2/علم حاضر. 3/علم مستقبل. 4/علم لم يكن، لكن كيف يكون لو وقع.
وهذه الأربع كلهنّ يعلمهنّ الربّ-تبارك وتعالى-قال الله في هذه الآية: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} وهذا يشمل كلّ شيء، وكلّ علم.
أمّا العلم الرابع الذي قلناه: يعلم مالم يكن لو كان كيف يكون، فيدلّ عليه قوله: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلاّ خبالاً} هذه في المنافقين أنهم لو خرجوا لم يزيدوا المسلمين إلاّ خبالاً مع أن المنافقين لم يخرجوا، لكن الله أخبر لو كان منهم خروج كيف سيكون منهم الوضع.
وقال عن أهل النار: {ولو رُدُّوا لعادوا لما نُهُوا عنه .... } ومعلوم لكلّ مسلم أن أهل النار لن يخرجوا من النار، ولن يعودوا إلى الدنيا، لكن الله يخبر حتى لو عادوا على أي حال سيتصرفون.
نكمل الباقي ان شاء الله تعالى لاحقاً
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/480)
ـ[محمد الجهني]ــــــــ[03 - 04 - 06, 09:17 ص]ـ
بارك الله فيكم.
وأعانكم.
أخوكم.
ـ[سلطان العتيبي]ــــــــ[02 - 02 - 07, 11:29 م]ـ
قال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون - الذي جعل الأرض فراشاً والسماء بناءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم ... } المناسبة: أن الله لمّا ذكر أصناف الخلق الثلاثة خاطبهم أجمعين بعبارة (يا أيها الناس) أراد الله من هاتين الآيتين أن يبيّن حقيقة البعث والنشور، وذكر في هذه الآيتين ثلاثة براهين على وجود البعث والنشور:
. [/ COLOR]
أستغرب من قول الشيخ أن هاتين الآيتين سيقتا لبيان البعث والنشور مع أن السياق ظاهر في إثبات تفرد الله بالربوبية والألوهية.
ـ[علاء شاكر]ــــــــ[03 - 02 - 07, 05:27 ص]ـ
جزاكم الله كل خير ونفع بكم
متابعون معكم ان شاء الله
ـ[سلطان العتيبي]ــــــــ[07 - 02 - 07, 11:50 ص]ـ
أستغرب من قول الشيخ أن هاتين الآيتين سيقتا لبيان البعث والنشور مع أن السياق ظاهر في إثبات تفرد الله بالربوبية والألوهية.
أخي أباعباد ألا ترى أن ماذكرت خطأ بيِّن ظاهر؟(2/481)
هل هناك دراسة حول منهج واختيارات شيخ الإسلام ابن تيميه في التفسير
ـ[أبو مهند النجدي]ــــــــ[30 - 09 - 05, 07:59 ص]ـ
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الإخوة الأفاضل (وفقهم الله)
كلنا قرأ ما قاله شيخ الإسلام عن نفسه يقول رحمه الله: "ربما طالعت على الآية الواحدة نحو مائة تفسير، ثم أسأل الله الفهم وأقول: يا معلم آدم علمني" العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (26).ولا شك أن هذا سيميزه عن غيره فهل يعرف منكم أحد قد كتب في اختيارات شيخ الإسلام في التفسير أو كتب عن منهجه
والله يحفظكم
ـ[أبو مهند النجدي]ــــــــ[07 - 10 - 05, 03:31 م]ـ
كنت وضعت نفس المشاركة في ملتقى أهل التفسير فاجاب الشيخ عبدالرحمن الشهري وسأنقل نص كلامه
نعم أخي الكريم أبا مهند وفقكم الله
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتب في منهجه في التفسير واختياراته وترجيحاته عدد من الباحثين الفضلاء على النحو الآتي:
- ابن تيمية ومنهجه في تفسير القرآن، رسالة دكتوراه، للدكتور ناصر بن محمد الحميد، كلية أصول الدين بالرياض 1399هـ. ولم تطبع بعد.
- ابن تيمية ومنهجه في التفسير، رسالة ماجستير بكلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية للباحث علي سيف عبدالقادر. ولم تطبع بعد.
- اختيارات ابن تيمية في التفسير. (1) من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة النساء. جمعا ودراسة، رسالة دكتوراه للأخ الفاضل الدكتور محمد زيلعي هندي وفقه الله وهو الآن رئيس قسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بالطائف. ورسالته الآن تحت الطباعة بدار ابن الجوزي بالدمام.
- اختيارات ابن تيمية في التفسير. (2) للزميل الدكتور محمد بن عبدالعزيز المسند، رسالة دكتوراه.
- اختيارات ابن تيمية في التفسير. (3) للزميل الدكتور إبراهيم بن صالح الحميضي، رسالة دكتوراه.
وليت الزميلين الفاضلين الدكتور محمد المسند والدكتور إبراهيم الحميضي ينشران رسالتيهما في الدار نفسها وتخرج ككتاب واحد يشتمل على اختيارات ابن تيمية في التفسير.
وأجاب إبراهيم الحميضي
كتب في منهج الشيخ في التفسير عدد من الباحثين،ومما أفرد في ذلك ما يلي:
أ- ابن تيمية ومنهجه في تفسير القرآن , رسالة دكتوراه في جامعة الإمام محمد سعود الإسلامية أعدها الدكتور ناصر بن محمد الحميد , مطبوعة على الآلة الكاتبة في ألف ومائة صفحة وهي أوسع ما كتب في هذا الموضوع.
ب- ابن تيمية وجهوده في التفسير , لإبراهيم خليل بركة , رسالة ماجستير في جامعة الأزهر , وهي مطبوعة.
جـ- منهج ابن تيمية في تفسير القرآن , لصبري المتولي , رسالة ماجستير مطبوعة.
د- أصول التفسير بين ابن تيمية وغيره من المفسرين , لعبد الله ديرية أبتدون , رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية مطبوعة على الآلة الكاتبة.
هـ- منهج ابن تيمية في التفسير , لسعدي أحمد زيدان , رسالة دكتوراه في جامعة بغداد. ذكرها صاحب كتاب دليل الرسائل الجامعية في علوم شيخ الإسلام ابن تيمية.
وأما اختياراته في التفسير فقد قمت أنا واثنين من زملائي بجمعها ودراستها كما أشار إلى ذلك د. عبد الرحمن، يسر الله خروجها.
وأمَّا قوله: " رُبَّما طالعت في الآية الوحدة نحو مائة تفسير ثم أسأل الله الفهم ... ".
فمراده بذلك آيات معينة حصل فيها إشكال , وهذه الآيات المشكلة التي يطالع فيها هذا العدد الكبير من كتب التفسير ,ثم يسأل الله تعالى الهداية إلى معناها، حينما يذكرها فإنه يستوعب الأقوال المذكورة فيها , ويطيل النفس في الاستدلال , ومناقشة الأقوال وينص على الراجح فيها , ولذلك أمثلة كثيرة، وليس هذا منهجاً له في كل آية يفسرها , أو يستدل بها , وهذا أمر لا يخفى على أي ناظر في تفسيره. والشيخ في الغالب يعتمد على تفسير ابن الجوزي زاد المسير في علم التفسير, وكأنه يحفظ الكتاب عن ظهر قلب ,وهو أحياناً يصَّرح بذكره ,وأحياناً يسوق كلامه بنصَّه ولا يشير إلى ذلك.(2/482)
(10) مفاتيح لتحقيق التدبر الأمثل للقرآن.
ـ[المسيطير]ــــــــ[04 - 10 - 05, 07:44 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع مختصر من كتاب الشيخ الدكتور خالد اللاحم وفقه الله تعالى، ولأهميته -خاصة في شهر رمضان المبارك حيث إقبال القلوب على كتاب الله تعالى - فقد أعدت كتابته:
الكتاب من تأليف الشيخ الدكتور / خالد بن عبد الكريم اللاحم
أستاذ القرآن وعلومه المساعد
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
--------------------
سبب تأليف الكتاب
بعد إحدى المحاضرات سألني أحدهم:
كيف يكون النجاح بالقرآن؟
فقلت له: هذا سؤال كبير، وخاصة هذه الأيام التي فتن الناس فيها بهذا الفن مستندين في معظم طرحهم على كتب حضارات غير إسلامية، وصار المتسيد للحديث فيه لا يملكه إلا من حصل على شهادات أو دروات هناك، قلت له: هذا سؤال كبير وأخشى إن أجبت عنه إجابة سريعة أن أسئ إلى القرآن فلا بد من البيان المتكامل الواضح الذي يربط المفاهيم والمصطلحات بالواقع، ويوضح أن الأصل في تحقيق النجاح هو القرآن الكريم كلام رب العالمين، وما عداه: فإما أن يكون تابعا له وإلا فهو مرفوض، كان هذا السؤال هو سبب تأليف هذا الكتاب الذي حاولت فيه أن أبين كيفية تحقيق القوة والنجاح بمفهومه الشامل المتكامل لكل طبقات المجتمع ولجميع جوانب حياتهم.
----------------------------------
مقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فإن الوسيلة الأولى لإصلاح النفس وتزكية القلب والوقاية من المشكلات وعلاجها هو العلم، وعليه فمن أراد النجاح وأراد الزكاة والصلاح فلا طريق له سوى الوحيين الكتاب والسنة: قراءة وحفظا وتعلما.
ولو تأملنا في حال سلفنا الصالح بدءاً من النبي صلى الله عليه وسلم وانتهاءً بالمعاصرين من الصالحين لوجدنا أن القاسم المشترك بينهم هو قراءة القرآن في الصلاة عامة وفي صلاة الليل خاصة، والعمل المتفق عليه عندهم الذي لا يرون الإخلال به، ولا التفريط فيه حضراً ولا سفراً، صحة ولاسقماً؛ هو الحزب من القرآن، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل" رواه مسلم.
إن قراءة القرآن في صلاة الليل هي أقوى وسيلة لبقاء التوحيد والإيمان غضا طريا نديا في القلب، إنه المنطلق لكل عمل صالح آخر من صيام أو صدقة أو جهاد وبر وصلة. لما أراد الله سبحانه وتعالى تكليف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بواجب التبليغ والدعوة وهو حمل ثقيل جدا؛ وجهه إلى ما يعينه عليه وهو القيام بالقرآن: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً} [1 - 7 سورة المزمل].
لقد كثر في زماننا هذا الحديث عن النجاح والسعادة والتفوق والقوة، وكثرت فيه المؤلفات وكل يدعي أن في كتابه أو برنامجه الدواء الشافي والعلاج الناجع وأنه الكتاب الذي لا تحتاج معه إلى غيره، والحق أن هذا الوصف لا يجوز أن يوصف به إلا كتاب واحد هو القرآن الكريم.
ولعلاج هذه المشكلة أعني انصراف الناس عن القرآن الكريم واشتغال بعضهم بتلك المؤلفات بحثا عن السعادة والنجاح يجئ هذا البحث ليسهم في تبيين الحقائق وتوضيح الدقائق، و رسم الطريق الصحيح للمنهج السليم الذي ينبغي أن يتبعه المسلم في حياته.
إن العبد إذا تعلق قلبه بكتاب ربه فتيقن أن نجاحه و نجاته، سعادته وقوته في قراءته وتدبره تكون هذه البداية للانطلاق في مراقي النجاح وسلم الفلاح في الدنيا والآخرة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/483)
هذا البحث يتحدث عن الوسائل العملية التي تمكن بعون الله تعالى من الانتفاع بالقرآن الكريم، وهذه القواعد هي التي كان يسلكها سلفنا الصالح في تعاملهم مع القرآن الكريم، التي بسبب غفلة الكثيرين عنها أو بعضها أصبحوا لا يتأثرون ولا ينتفعون بما فيه من الآيات والعظات، والأمثال والحكم.
ومن أخذ بهذه الوسائل فإنه سيجد بإذن الله تعالى أن معاني القرآن تتدفق عليه، حتى ربما يمضى عليه وقت طويل لا يستطيع تجاوز آية واحدة من كثرة المعاني التي تفتح عليه، وقد حصل هذا للسلف من قبلنا والأخبار في هذا كثيرة مشهورة.
قال سهل بن عبد الله التستري: " لو أعطي العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم لم يبلغ نهاية ما أودع الله في آية من كتابه لأنه كلام الله وكلامه صفته وكما أنه ليس لله نهاية فكذلك لا نهاية لفهم كلامه .. وإنما يفهم كل بمقدار ما يفتح الله على قلبه وكلام الله غير مخلوق ولا يبلغ إلى نهاية فهمه فهوم محدثة مخلوقة " اهـ (مقدمة تفسير البسيط للواحدي (رسالة دكتوراه) وهذا كلام صحيح والتجربة والواقع يشهد بذلك فإن الناس يتفاوتون في فهمهم وإداركهم لآيات القرآن الكريم وتنزيلها على أمور حياتهم، وأيضا فإن الشخص نفسه قد ينفتح له فهم لبعض الآيات ويتأثر بها ويأتي في وقت آخر يقف أمام الآية وقد أغلقت دونه، يقف أمامها ويقول لقد تأثرت بهذه الآية يوما من الأيام فأين ذاك التأثر أين ذاك الفهم؟
إن فهم القرآن وتدبره مواهب من الكريم الوهاب يعطيها لمن صدق في طلبها وسلك الأسباب الموصلة إليها بجد واجتهاد أما المتكئ على أريكته المشتغل بشهوات الدنيا ويريد فهم القرآن فهيهات هيهات ولو تمنى على الله الأماني.
مادة هذا البحث ليست مجموعة نظريات أو فرضيات توضع كحلول للمشكلة المراد علاجها، إنما هو خطوات عملية، تحتاج إلى تدرج وتكرار حتى يصل المتعلم فيها إلى ما وصف من نتائج وثمار، قال ثابت البناني: " كابدت القرآن عشرين سنة ثم تنعمت به عشرين سنة " اهـ وما قاله ثابت البناني حق، فقف عند الباب حتى يفتح لك إن كنت تدرك عظمة ما تطلب فإنه متى فتح لك ستدخل إلى عالم لا تستطيع الكلمات أن تصفه ولا العبارات أن تصور حقيقته، أما إن استعجلت وانصرفت فستحرم نفسك من كنز عظيم وفرصة قد لا تدركها فيما تبقى من عمرك.
ـ[المسيطير]ــــــــ[04 - 10 - 05, 07:48 ص]ـ
قال حفظه الله:
رحلتي مع الكتاب
بدأت رحلتي مع هذا الكتاب منذ أن عقلت وأدركت أن الحياة مجاهدة ومصابرة وصراع بين الحق والباطل والخير والشر، وأن الثبات على الحق وتحصيل الخير لا بد له من جهد ومن عمل، كانت البداية مع:
كتاب الجواب الكافي أقرؤه كلما أحسست بضعف السيطرة على النفس وضعف الإرادة والوقوع في النقائص فكنت أجد فيه العلاج وانتفع به حينا من الدهر، ثم انتقلت إلى كتب المثقفين والمفكرين المعاصرين أمثال:
قوارب النجاة، وحديث الشيخ، وتربيتنا الروحية، جدد حياتك، وغيرها من كتب جعلتها قريبة مني أقرؤها لآخذ منها الزاد الروحي - على حد تعبير أولئك الكتَّاب -.
ثم جاءت فترة تعلقت بكتاب:
إحياء علوم الدين للغزالي ومختصر منهاج القاصدين لابن قدامه.
وفي المرحلة الجامعية كان التوجه نحو كتب الغرب والتي بدأت تغزو الأسواق من ذلك:
كيف تكسب الأصدقاء، دع القلق وابدأ الحياة، سيطر على نفسك، سلطان الإرادة وغيرها فكنت أرجع إليها كلما حصلت مشكلة أو احتجت لعلاج مسألة، وكنت قرأتها أكثر من مرة ولخصت ما فيها على شكل قواعد وأصول.
وفي حينها كان يتردد على خاطري سؤال محير: كيف يكون العلاج في مثل هذه الكتب ولا يكون في القرآن؟.
ثم تلتها مرحلة أخرى تعلقت بكتاب مدارج السالكين وخاصة بعدما طبع تهذيبه في مجلد واحد فكان رفيقي في السفر والحضر أقرأ فيه بهدف تقوية العزيمة ومجاهدة النفس.
ثم جاءت مرحلة لم يمض عليها سوى سنوات اتجهت إلى كتب وأشرطة القوة وتطوير الذات والتي بدأت تتنافس في جذب الناس فاشتغلت في الكثير منها طلبا للتطوير والترقية من ذلك:
كتاب العادات السبع، أيقظ قواك الخفية، إدارة الأولويات، القراءة السريعة، كيف تضاعف ذكائك، المفاتيح العشرة للنجاح، البرمجة اللغوية العصبية، كيف تقوي ذاكرتك .. كن مطمئنا، السعادة في ثلاثة شهور، كيف تصبح متفائلا، أيقظ العملاق الخ من قائمة لا تنتهي كنت أقرؤها أو أسمعها بكل دقة وأناة باحثا فيها عما عساه يغير من الواقع شيئا ويحصل به الانطلاق والتخلص من نقاط الضعف ولكن دون جدوى، وأحمد الله تعالى أنها كانت دون جدوى وأني نجوت من الفتنة بهذه المصادر البشرية للنجاح فكيف سيكون حالي لو كنت حصلت على النجاح من تلك الكتب ونسيت كتاب ربي إلى أن فارقت الحياة؟
إن السؤال المحير والذي يدعو للعجب والاستغراب: هل كان مثل هذا التخبط حصل من شخص يعيش في مجاهل أفريقيا أو أدغال آسيا ولم يبلغه القرآن؟ أو أنه حصل من شخص يحفظ القرآن وهو في المرحلة المتوسطة ومع هذا لم ينتفع به لأنه نسي هذه المفاتح.هذا هو السؤال المحير الذي كنت أبحث عن إجابته؟
فوجدتها والحمد لله وضمنتها هذا الكتاب فإياك أخي المسلم أن ترحل من هذه الدنيا ولم تذق ألذ وأطيب ما فيها إنه القرآن كلام الله الذي لا يشبه التنعم به أي نعيم على الإطلاق وهو حاصل بإذن الله تعالى لمن أخذ بهذه المفاتح التي هدي إليها سلفنا الصالح ففتحت لهم كنوز القرآن وبها فتحت لهم كنوز الأرض وخيراتها فكانوا خير أمة أخرجت للناس.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/484)
ـ[المسيطير]ــــــــ[04 - 10 - 05, 07:52 ص]ـ
محور البحث ومشكلته
نحن نؤمن ونصدق بقول الله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [(21) سورة الحشر]، ونقرأ قول الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [(23) سورة الزمر] وقوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [(124) سورة التوبة]
فهذا هو القرآن، ونحن نقرؤه، ولكن ما أخبر الله تعالى عنه من تأثير فإننا لا نجده!! فلماذا؟
القرآن هو القرآن وقد وصل والحمد الله إلينا محفوظا تاما مصونا من الزيادة والنقص.
أين الخلل؟ وأين المشكلة؟
في كل تأثير عندنا ثلاثة أركان: المؤثر، والمتأثر، والموصل.
فالموثر - وهو القرآن - أثره ثابت لا نشك فيه.
بقي الاحتمال في الأمرين الأخيرين: الموصل، والمتأثر.
المتأثر: هو قلب المتلقي القارئ. والموصل: هو القراءة والتدبر.
والبحث يحاول استكشاف الخلل في الجهتين. ويقترح الحلول المبنية على تجارب الناجحين في تحصيل الأثر والتأثير.
أيضا: حالة الفتح والفهم في وقت وإغلاقه في وقت آخر - وقد سمعت الشكوى من هذه الحال عند عدد من الأشخاص - تقرأ الآية في وقت فتتأثر بها وتنفتح لك فيها معان، ثم تعود إليها بعد فترة فتقف أمامها لا تذكر شيئا من تلك المعاني ولا تحس بذلك الاثر الذي حصل سابقا!! فما السر،وما هي الأسباب؟؟
هذا ما تحاول هذه الدراسة أن تجيب عنه وتشخصه وتصف له العلاج المناسب بإذن الله تعالى.
ـ[المسيطير]ــــــــ[04 - 10 - 05, 07:59 ص]ـ
خلاصة أخرى للبحث لتسهيل حفظ مضمونه
مفاتح تدبر القرآن عشرة مجموعة في قولك:
(لإصلاح ترتج)
(ل) قلب:
والمعنى أن القلب هو آلة فهم القرآن، والقلب بيد الله تعالى يقلبه كيف شاء، والعبد مفتقر إلى ربه ليفتح قلبه للقرآن فيطلع على خزائنه وكنوزه
(أ) أهداف أو أهمية:
أي استحضار أهداف قراءة القرآن؟ أي لماذا تقرأ القرآن.
(ص) صلاة:
أن تكون القراءة في صلاة.
(ل) ليل:
أن تكون القراءة والصلاة في ليل.أي وقت الصفاء والتركيز.
(أ) أسبوع:
أن يكرر ما يقرؤه من القرآن كل أسبوع.حتى لو لجزء منه.
(ح) حفظا:
أن تكون القراءة حفظا عن ظهر قلب بحيث يحصل التركيز التام وانطباع الآيات عند القراءة.
(ت) تكرار:
تكرار الآيات وترديدها.
(ر) ربط:
ربط الآيات بواقعك اليومي وبنظرتك للحياة.
(ت) ترتيل وترسل:
الترتيل والترسل في القراءة. وعدم العجلة إذ المقصود هو الفهم وليس الكم وهذه مشكلة الكثيرين وهم بهذا الاستعجال يفوتون على أنفسهم خيرا عظيما.
(ج) جهرا:
الجهر بالقراءة. ليقوى التركيز ويكون التوصيل بجهتين بدلا من واحدة أي الصورة والصوت.
فهذه وسائل وأدوات يكمل بعضها بعضا في تحقيق وتحصيل مستوى أعلى وأرفع في تدبر آيات القرآن الكريم والانتفاع والتأثر بها.
وإن مما يتأكد التنبيه عليه عدم قصر وحصر النجاح في تدبر القرآن على هذه المفاتح، فما هي إلا أسباب والنتائج بيد الله تعالى يعطيها من شاء ويمنعها من شاء.
فلا يعني - مثلا - إذا قلنا: من مفاتح تدبر القرآن أن تكون القراءة في ليل، أن قراءة النهار لا تفيد وملغاة.
وإذا قلنا: أن تكون القراءة في صلاة، أن القراءة خارج الصلاة لا تحقق التدبر.فالحصر والقصر غير صحيح بل القرآن كله مؤثر يؤثر في كل وقت وعلى أي حال متى شاء الله ذلك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/485)
وما أقوله إن هي إلا وسائل بحسب الاستقراء من النصوص وحال السلف وهي أسباب يسلكها كل مريد للانتفاع بالقرآن بشكل أكبر وأعمق وأشمل.وهي أسباب نذكر بها من حرم من تدبر القرآن وهو يريده، نقول له اسلك هذه الأسباب لعل الله إذا رأى مجاهدتك في هذا الأمر وعلم منك صدقك أن يفتح لك خزائن كتابه تتنعم فيها في الدنيا قبل الآخرة.
إن التلذذ بالقرآن لمن فتحت له أبوابه لا يعادله أي لذة أو متعة في هذه الحياة ولكن أكثرالناس لا يعلمون.
ـ[المسيطير]ــــــــ[05 - 10 - 05, 07:50 ص]ـ
تمهيد:
في معنى التدبر وعلاماته
أولا معنى التدبر:
قال:" الميداني: "التدبر هو التفكر الشامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة " اهـ (قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عزوجل 10)، ومعنى تدبر القرآن: هو التفكر والتأمل لآيات القرآن من أجل فهمه وإدارك معانيه وحكمه والمراد منه.
ثانيا: علامات التدبر:
ذكر الله تعالى في كتابه الكريم علامات وصفات تصف حقيقة تدبر القرآن وتوضحه بجلاء من ذلك:
{وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [(83) سورة المائدة]،
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [(2) سورة الأنفال]،
{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [(124) سورة التوبة]،
{قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [107 - 109: سورة الإسراء]،
{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [(73) سورة الفرقان]،
{وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [(53) سورة القصص]،
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [(23) سورة الزمر]
فتحصل من الآيات السابقة سبع علامات هي:
1 - اجتماع القلب والفكر حين القراءة.
2 - البكاء من خشية الله.
3 - زيادة الخشوع.
4 - زيادة الإيمان.
5 - الفرح والاستبشار.
6 - القشعريرة خوفا من الله تعالى ثم غلبة الرجاء والسكينة.
7 - السجود تعظيما لله عز وجل.
فمن وجد واحدة من هذه الصفات أو أكثر فقد وصل إلى حالة التدبر والتفكر، أما من لم يحصل أيا من هذه العلامات فهو محروم من تدبر القرآن ولم يصل بعد إلى شئ من كنوزه وذخائره.
قال إبراهيم التيمي: من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق ألا يكون أوتي علما لأن الله نعت العلماء .. ثم تلا قول الله تعالى: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [(107 - 109) سورة الإسراء]، وعن أسماء بنت أبي بكر _ما قالت: كان أصحاب النبي ‘ إذا قرئ عليهم القرآن كما نعتهم الله تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم " (تفسير الطبري 15/ 149).
ـ[المسيطير]ــــــــ[05 - 10 - 05, 08:04 ص]ـ
ثالثا: مفهوم خاطئ لمعنى التدبر:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/486)
إن مما يصرف كثيرا من المسلمين عن تدبر القرآن والتفكر فيه وتذكر ما فيه من المعاني العظيمة اعتقادهم صعوبة فهم القرآن وهذا خطأ لمفهوم تدبر القرآن وانصراف عن الغاية التي من أجلها أنزل، فالقرآن أولا كتاب تربية وتعليم، وكتاب هداية وبصائر لكل الناس، كتاب هدى ورحمة وبشرى للمؤمنين، كتاب قد يسر الله تعالى فهمه وتدبره كما قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر]،
قال ابن هبيرة: " ومن مكايد الشيطان تنفيره عباد الله من تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر فيقول هذه مخاطرة حتى يقول الإنسان أنا لا أتكلم في القرآن تورعا " (ذيل طبقات الحنابلة 3/ 273)،
قال الشاطبي:" فمن حيث كان القرآن معجزا أفحم الفصحاء وأعجز البلغاء أن يأتوا بمثله فذلك لا يخرجه عن كونه عربيا جاريا على أساليب كلام العرب ميسرا للفهم فيه عن الله ما أمر به ونهى " اهـ. (الموافقات3/ 805)
قال ابن القيم: " من قال إن له تأولا لا نفهمه ولا نعلمه وإنما نتلوه متعبدين بألفاظه ففي قلبه منه حرج " اهـ (التبيان في أقسام القرآن 144)،
ويقول الصنعاني: " فإن من قرع سمعه قوله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(20) سورة المزمل] يفهم معناه دون أن يعرف أن (ما) كلمة شرط، و (تقدموا) مجزوم بها لأنه شرطها، و (تجدوه) مجزوم بها لأنه جزاؤها، ومثلها كثير ... فياليت شعري! ما الذي خص الكتاب والسنة بالمنع عن معرفة معانيها وفهم تراكيبها ومبانيها .. حتى جعلت كالمقصورات في الخيام .. ولم يبق لنا إلاترديد ألفاظها وحروفها ... " اهـ (إرشاد النقاد إلى تيسير الإجتهاد 36)
إن الصحيح والحق في هذه المسألة أن القرآن معظمه واضح وبين وظاهر لكل الناس، كما قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه:
- وجه تعرفه العرب من كلامها.
- وتفسير لا يعذر احد بجهالته.
- وتفسير يعلمه العلماء.
- وتفسير لا يعلمه إلا الله "
(تفسير الطبري 1/ 75، مقدمة ابن تيمية 115)
ومعظم القرآن من القسمين الأولين. إن عدد آيات الاحكام في القرآن 500 آية، وعدد آيات القرآن 6236 آية.
إن فهم الوعد والوعيد والترغيب والترهيب والعلم بالله واليوم الآخر لا يشترط له فهم المصطلحات العلمية الدقيقة من نحوية وبلاغية وأصولية وفقهية. فمعظم القرآن بين واضح ظاهر يدرك معناه الصغير والكبير، والعالم والأمي، فحينما سمع الأعرابي قول الله تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [(23) سورة الذاريات] قال: من ذا الذي أغضب الجليل حتى أقسم. وحينما أخطأ إمام في قراءة آية النحل {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} [(26) سورة النحل] قرأها من تحتهم صوب له خطأه امرأة عجوز لا تقرأ ولا تكتب، إن القرآن بين واضح ظاهر وفهمه وفقهه وتدبره ليس صعبا بحيث نغلق عقولنا ونعلق فهمه كله بالرجوع إلى كتب التفسير، فنعمم حكم الأقل على الكل فهذا مفهوم خاطئ وهو نوع من التسويف في تدبر القرآن وفهمه.
إن إغلاق عقولنا عن تدبر القرآن بحجة عدم معرفة تفسيره، والاكتفاء بقراءة ألفاظه مدخل من مداخل الشيطان على العبد ليصرفه عن الاهتداء به.
وإذا سلمنا بهذه الحجة فإن العقل والمنطق والحزم والحكمة أنك إذا أشكل عليك معنى آية أن تبادر وتسارع للبحث عن معناها والمراد بها لا أن تغلق عقلك فتقرأ دون تدبر أو تترك القراءة.
ـ[المسيطير]ــــــــ[12 - 10 - 05, 01:11 ص]ـ
ملحوظة:
لن أتطرق للحواشي، وهي موجودة على رابط الكتاب.
-----------------
المفاتيح العشرة: لإصلاح ترتج
الأول: (ل) القلب
المبحث الأول: القرآن والقلب
المطلب الأول: القلب آلة فهم القرآن
الكلام في هذا المطلب - بإيجاز - من وجهين:
الأو ل: أن آلة فهم القرآن هو القلب.
الثاني: أن القلب بيد الله وحده لا شريك له.
فأما الوجه الأول:
فقد دل على ذلك نصوص كثيرة، الآيات القرآنية منها تزيد على مائة آية، وسأكتفي في هذا المبحث بذكر ثلاث منها مما هي صريحة الدلالة على المسألة، من ذلك قول الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} [(57) سورة الكهف]، وقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [(46) سورة الحج]، وقوله تعالى: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [(4) سورة الأحزاب]
وليس هذا مقام بسط هذه المسألة وتأصيلها وإنما المقصود التذكير بأن آلة تدبر القرآن وفهمه هو القلب وما يترتب على ذلك من أحكام مما يأتي الحديث عنه.
وأما الوجه الثاني: القلب بيد الله وحده لا شريك له يفتحه متى شاء ويغلقه متى شاء بحكمته وعلمه سبحانه {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهَِ} (24) سورة الأنفال]، وقد جعل لذلك أسبابا ووسائل من سلكها وفق ومن تخلف عنها خذل ويأتي بيان ذلك في المطلب التالي.
فتذكر وأنت تحاول فهم القرآن أن القلوب بيد الله تعالى، وأن الله يحول بين المرء وقلبه فليست العبرة بالطريقة والكيفية بل الفتح من الله وحده، وما يحصل لك من التدبر فهو نعمة عظيمة من الله تعالى تستوجب الشكر لا الفخر فمتى أعطاك الله فهم القرآن وفتح لك معانيه فاحمد الله تعالى وأساله المزيد، وانسب هذه النعمة إليه وحده، اعترف بها ظاهرا وباطنا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/487)
ـ[المسيطير]ــــــــ[12 - 10 - 05, 01:12 ص]ـ
المطلب الثاني:حب القلب للقرآن:
وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: علاقة حب القرآن بالتدبرمن المعلوم أن القلب إذا أحب شيئا تعلق به، واشتاق إليه، وشغف به. وانقطع عما سواه.
والقلب إذا أحب القرآن تلذذ بقراءته، واجتمع على فهمه ووعيه فيحصل بذلك التدبر المكين، والفهم العميق
وبالعكس إذا لم يوجد الحب فإن إقبال القلب على القرآن يكون صعبا، وانقياده إليه يكون شاقا لا يحصل إلا بمجاهدة ومغالبة، وعليه فتحصيل حب القرآن من أنفع الأسباب لحصول أقوى وأعلى مستويات التدبر.
والواقع يشهد لصحة ماذكرت فإننا مثلا نجد أن الطالب الذي لديه حماس ورغبة وحب لدراسته يستوعب ما يقال له بسرعة فائقة وبقوة، وينهي متطلباته وواجباته في وقت وجيز، بينما الآخر لا يكاد يعي ما يقال له إلا بتكرار وإعادة، وتجده يذهب معظم وقته ولم ينجز شيئا من واجباته.
المسألة الثانية: علامات حب القلب للقرآن
حب القلب للقرآن له علامات منها:
1 - الفرح بلقائه والجلوس معه أوقاتا طويلة دون ملل.
2 - الشوق إلى لقائه متى بعد العهد عنه وحال دون ذلك بعض لموانع، وتمني ذلك والتطلع إليه ومحاولة إزالة العقبات التي تحول دونه.
3 - كثرة مشاورته والثقة بتوجيهاته والرجوع إليه فيما يشكل من أمور الحياة صغيرها وكبيرها.
4 - طاعته، أمرا ونهيا.
هذه أهم علامات حب القرآن، فمتى وجدت فإن الحب موجود، ومتى تخلفت فحب القرآن مفقود، ومتى تخلف شئ منها نقص حب القرآن بقدر ذلك التخلف.
إنه ينبغي لكل مسلم أن يسأل نفسه هذا السؤال: هل أنا أحب القرآن؟
إنه سؤال مهم وخطير، وإجابته أشد خطرا،إنها إجابة تحمل معان كثيرة.
وقبل أن تجيب على هذا السؤال ارجع إلى العلامات التي سبق ذكرها لتقيس بها إجابتك وتعرف بها الصواب من الخطأ.
إن بعض المسلمين لو سئل هل تحب القرآن؟ يجيب: نعم أحب القرآن، وكيف لا أحبه؟ لكن هل هو صادق في هذا لجواب؟
كيف يحب القرآن وهو لا يطيق الجلوس معه دقائق، بينما تراه يجلس الساعات مع ما تهواه نفسه وتحبه من متع الحياة.
قال أبو عبيد: "لا يسأل عبد عن نفسه إلا بالقرآن فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله".
إننا ينبغي أن نعترف أولا أن الجواب: لا إذا لم توجد فينا العلامات السابقة. ثم نسعى في الحصول على الجواب: نعم. وهو ما سيتم بيانه في المسألة التالية.
ـ[المسيطير]ــــــــ[12 - 10 - 05, 01:14 ص]ـ
المسألة الثالثة وسائل تحقيقه
لتحصيل حب القلب للقرآن وسيلتان:
الوسيلة الأولى: التوكل على الله تعالى والاستعانة به
الاستعانة بالله تعالى وسؤاله سبحانه أن يرزقك (حب القرآن)، ومن ذلك الدعاء العظيم عن ابن مسعود _ قال: قال رسول الله ‘: " ما قال عبد قط إذا أصابه هم أو حزن: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وأبدله مكان حزنه فرحا قالوا يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هذه الكلمات قال أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن.
فيكرره كل يوم ثلاثا خمسا سبعا ويتحرى مواطن الإجابة ويجتهد أن يكون سؤاله بصدق وبتضرع وإلحاف وشفقة وحرص شديد أن يجاب وأن يعطى، إن بعض الناس لا يعرف الإلحاف في المسألة إلا في مطالبه الدنيوية المادية، أما الأمور الدينية فتجد سؤاله لها باردا باهتا هذا إن دعا وسأل.
ومن الاستعانة بالله في حصول تدبر القرآن ما شرع لقارئ القرآن من الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم، ومن البسملة في أوائل السور ففيها طلب العون من الله تعالى على تدبر القرآن عامة والسورة التي يريد قراءتها خاصة.
الوسيلة الثانية: فعل الأسباب:
وخير الأسباب وأنفعها في هذا المقام العلم ووسيلته: القراءة أو السماع:
أي القراءة عن عظمة القرآن مما ورد في القرآن والسنة، وأقوال السلف في تعظيمهم للقرآن وحبهم له. وأقترح على كل راغب في تحصيل حب القرآن أن يضع له برنامجا يتضمن نصوصا من القرآن والسنة واقوال السلف، فيها بيان لعظمة القرآن ومكانته، ويرتبها على مستويين: متن، وشرح، فالمتن يحفظ ويكرر، والشرح يقرأ ويفهم، ويتم ربط المعاني التي تضمنها الشرح بألفاظ المتن.
ويرجى بإذن الله تعالى لمن طبق هذا البرنامج أن يرزقه الله حب القرآن وتعظيمه والذي هو المفتاح الرئيس لتدبر القرآن وفهمه، وكل كلام يقال في هذا الموضوع فهو متوقف عليه، وهذا السر في أن الكثير منا يقرأ في هذا الموضوع ولا يخرج بأي نتائج إيجابية.فأكثر من القراءة عن القرآن، اقرأ باستمرار عن حال السلف مع القرآن وقصصهم في ذلك وأخبارهم.
ينبغي أن نعلم أن عدم حبنا للقرآن وتعظيمنا له سببه الجهل بقيمته، مثل الطفل تعطيه خمسائة ريال فيرفض ويطلب ريالا واحدا.فكذلك من لا يعرف قيمة القرآن يزهد فيه ويهجره ويشتغل بما هو أدنى منه.
لو أعلن عن كتاب من يختبر فيه وينجح يمنح عشرة مليارات؟ فكيف يكون حرص الناس وتعلقهم بهذا الكتاب وكيف يكون الطلب عليه والاشتغال بمذاكرته.
إن القرآن كتاب من ينجح فيه يمنح ملكا لا حدود له.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/488)
ـ[المسيطير]ــــــــ[12 - 10 - 05, 02:01 ص]ـ
المفاتيح العشرة: (لإصلاح ترتج)
الثاني: (أ) أهداف أو أهمية
تمهيد: في التنبيه إلى استحضار أهداف قراءة القرآن
معظم الناس إذا سالته لماذا تقرأ القرآن؟ يجيبك لأن تلاوته أفضل الأعمال ولأن الحرف بعشر حسنات والحسنة بعشر أمثالها، فيقصر نفسه على هدف ومقصد الثواب فحسب أما المقاصد والأهداف الأخرى فيغفل عنها.
والمشتغل بحفظ القرآن تجده يقرأ القرآن ليثبت الحفظ، الهدف تثبيت الحروف وصور الكلمات فتجده تمر به المعاني العظيمة المؤثرة فلا ينتبه لها ولا يحس ولا يشعر بها لأنه قصر همته وركز ذهنه على الحروف وانصرف عن المعاني. فهذا السبب في أنك قد تجد حافظا للقرآن غير عامل ولا متخلق به.وجمع الذهن بين اتجاهات ومقاصد متعددة في وقت واحد عملية تحتاج إلى انتباه وقصد وتركيز.
وفي أي عمل نعمله كلما تعددت النيات وكثرت كلما كان العمل أعظم أجرا وأكبر تأثيرا على العامل، مثل الصدقة على ذي الرحم: صدقة وصلة، ومثل النفقة على الأهل: نفقة وصدقة.
وقراءة القرآن يجتمع فيها خمس مقاصد ونيات كلها عظيمة وكل واحدة منها كافية لأن تدقع المسلم أن يسارع لقراءة القرآن ويكثر الاشتغال به وصحبته، وأهداف قراءة القرآن مجموعة في قولك:
(ثم شع)
الثاء: ثواب.
الميم: مناجاة، مسألة
الشين: شفاء.
العين: علم
العين: عمل
فمتى قرأ المسلم القرآن مستحضرا المقاصد الخمسة معا كان انتفاعه بالقرآن أعظم، وأجره أكبر، قال النبي ‘: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ". فمن قرأ القرآن يريد العلم رزقه الله العلم، ومن قرأه يريد الثواب فقط أعطي الثواب.قال ابن تيمية رحمه الله: " من تدبر القرآن طالبا الهدى منه تبين له طريق الحق "، وقال القرطبي: " فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه ‘ بنية صادقة على ما يحب الله أفهمه كما يجب، وجعل في قلبه نورا"هـ
ـ[المسيطير]ــــــــ[12 - 10 - 05, 02:07 ص]ـ
المطلب الأول: قراءة القرآن لأجل العلم
هذا هو المقصد المهم، والمقصود الأعظم من إنزال القرآن والأمر بقراءته، بل ومن ترتيب الثواب على القراءة:قال الله عزوجل: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [(29) سورة ص]، {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء]، {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الأَوَّلِينَ} [(68) سورة المؤمنون]. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [(37) سورة ق]
قال ابن مسعود _: " إذا أردتم العلم فانثروا هذا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين " اهـ،
وقال الحسن بن علي _: " إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقدونها في النهار " اهـ، وقال مسروق بن الأجدع - وهو من كبار تابعي الكوفة وأجمعهم لعلم الصحابة -: " ما نسأل أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن شئ إلا وعلمه في القرآن ولكن قصر علمنا عنه "، وقال عبد الله بن عمر: " لقد عشنا دهرا طويلا وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن فتنزل السورة على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فنتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره وما ينبغي أن يقف عنده منه ينثره نثر الدقل "اهـ
وقال الحسن البصري: " ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم فيم أنزلت وما أراد بها "
وعن عبد الله بن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: " عليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون، وبه تجزون، وكفى به واعظا لمن عقل " اهـ
وقال الحسن: " قراء القرآن ثلاثة أصناف:
- صنف اتخذوه بضاعة يأكلون به،
- وصنف أقاموا حروفه، وضيعوا حدوده واستطالوا به على أهل بلادهم واستدروا به الولاة كثر هذا الضرب من حملة القرآن لا كثرهم الله،
- وصنف عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم فركدوا به في محاريبهم وحنوا به في برانسهم واستشعروا الخوف فارتدوا الحزن فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث وينصر بهم علىالأعداء والله لهؤلاء الضرب في حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر " اهـ
قال أحمد بن أبي الحواري: "إني لأقرأ القرآن وانظر في آيه فيحير عقلي بها واعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم ويسعهم أن يشتغلوا بشئ من الدنيا وهم يتلون كلام الله أما إنهم لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه فتلذذوا به واستحلوا المناجاة لذهب عنهم النوم فرحا بما قد رزقوا ".
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/489)
ـ[المسيطير]ــــــــ[12 - 10 - 05, 02:13 ص]ـ
المسألة الثانية: العلم الذي نريده من القرآن:
ما العلم الذي نريده من القرآن؟ أهو علم الصناعة؟ أو الزراعة؟ الإدارة؟ علم الدين؟ علم الدنيا؟
يجيب ابن القيم على هذه المسألة المهمة بأبيات جميلة يقول فيها:
والعلم أقسام ثلاث ما لها ... من رابع والحق ذو تبيان
علم بأوصاف الإله وفعله ... وكذلك الأسماء للرحمن
والأمر والنهي الذي هو دينه ... وجزاؤه يوم المعاد الثاني
والكل في القرآن والسنن التي ... جاءت عن المبعوث بالقرآن
إننا نريد العلم الذي يحقق لنا النجاح في الحياة، يحقق لنا السعادة والحياة الطيبة، والنفس المطمئنة. والرزق الحلال الواسع، ويحقق لنا الأمن في الدنيا والآخرة، نريد العلم الذي يولد الإرادة والعزيمة، ويقضي على كل مظاهر الفشل والإخفاق في جميع مجالات الحياة إنه: العلم بالله تعالى والعلم باليوم الآخر، وعلم الأمر والنهي؛ هذه الأقسام الثلاثة التي ذكرها ابن القيم.
العلم بالله تعالى وأوله العلم المقتضي للا ستغفار قال الله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك}. فالعلم الذي يورث الاستغفار ويدفع إليه هو العلم المؤدي للنجاح، وكل علم لا يبعث على الاستغفار فليس هو المراد. وهذا العلم هو: علم لا إله الا الله، على وجه يحقق المقصود لفظا ومعنى، أما اللفظ دون المعنى فلا يحقق المراد والله أعلم.
قال ابن عباس في تفسير قول الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [(28) سورة فاطر]: هم الذين يعلمون أن الله على كل شئ قدير.
ولفظ العلم لفظ واسع جدا وإطلاقاته كثيرة، وهو لفظ جذاب، وكل يصطفيه لنفسه ويعتبر ما عداه ليس بعلم، ومن ذلك: أهل العلوم التجريبية يسمون معارفهم علما، ويسمون العلوم الأخرى - بما فيها علوم الدين-: أدبا ... الخ.
وكل ذلك يعتبر علما فكل معرفة علما ... لكن مجالاته متعددة، ويقيد فيقال علم كذا أما إذا أطلق العلم عند المسلمين وفي الكتاب والسنة خاصة فيراد به ماذكره ابن القيم.
وأيضا ساد عند الناس قصر العلم على قسم واحد منه وهو العلم بالحلال والحرام، وهذا خطأ شائع، فيقصرون كل فضل وارد في العلم على علم الفروع أي الفقه، أو المسائل الخلافية من علم الاعتقاد، أما الأصول المتفق عليها فيصرف اللفظ عنها، وقد تجد من يجادل في هذه الحقيقة.
لكن الصحيح أن العالم حقا هو من يخشى الله تعالى وإن كان لا يعرف كتابة اسمه، كما قيل:
ورأس العلم تقوى الله حقا ... وليس بأن يقال لقد رئستا
وقال ابن مسعود:"كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا.
ـ[المسيطير]ــــــــ[20 - 09 - 06, 11:24 م]ـ
للفائدة .............. يسر الله إكماله ممن بدأه ....... أو من غيره.
ـ[أبو عبد الله الدرعمي]ــــــــ[21 - 09 - 06, 02:52 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
قرأت الكتاب قبلا و هو كتاب قيم جدا
أنصح الناس به ..
ـ[أبو عبدالرحمن الغريب]ــــــــ[30 - 11 - 06, 05:16 م]ـ
الكتاب كاملا هنا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=506138#post506138
ولعلك أخي تكمل هذه النقولات فإن فيها تشجيع لمن لا يقرأ وتعاون على البر والتقوى.
ـ[المسيطير]ــــــــ[08 - 09 - 08, 01:44 ص]ـ
جزاكم الله خيرا.
أسأل الله أن يصلح فلوبنا، وأن يردنا إليه ردا جميلا.
ـ[أ. د.عبد الفتاح خضر]ــــــــ[08 - 09 - 08, 07:28 ص]ـ
نفع الله بما كتبتم أخي المسيطر ومن تلاكم الإسلام والمسلمين وجهدكم يذكر فيشكر
ـ[سلطان المطيري]ــــــــ[08 - 09 - 08, 03:03 م]ـ
جزاكم الله خيرا ونفع بكم
ـ[قيس بن سعد]ــــــــ[09 - 09 - 08, 01:04 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
و أنا أقرأ الكتاب و ادعوا الله لك من كل قلبي بالتوفيق
ـ[المسيطير]ــــــــ[20 - 09 - 08, 02:31 ص]ـ
المشايخ الأفاضل /
أ. د. عبدالفتاح خضر
سلطان المطيري
قيس بن سعد
جزاكم الله خير الجزاء، وأجزله، وأوفاه.
ـ[حمد القحيصان]ــــــــ[02 - 10 - 08, 01:03 ص]ـ
مِثْلَ هذا يَسْتَحِقُّ التَّثْبيتُ، فَوائِدٌ جَمَّةٌ عَظيمَةٌ.
اسْتَفَدْنا مِنْهُ أيُّما اسْتِفادَةٍ وَحُقَّ لِهذا المَوضوعِ أنْ يَبقى شامِخاً حَتى يَطولَ النَّفعُ القاصِيَ وَالدَّانِيَ
جَعَلَكَ اللهُ مِمَّنْْ كُتِبَ عِنْدَ إسْمِهِ مَعتوقٌ مِنَ النَّارِ.
ـ[المسيطير]ــــــــ[06 - 08 - 10, 02:09 م]ـ
للفائدة.
يسر الله إكماله ممن بدأه ... أو من غيره.
ـ[جمال العاتري]ــــــــ[07 - 08 - 10, 05:44 م]ـ
أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوب أقفالها ... الآية} اللهم ارزقنا تدبر القرآن ... جزاكم الله خيرا شيخنا المسيطير وكتب أجركم ...
متابعون ان شاء الله ...
ـ[أبوالفداء المصري]ــــــــ[09 - 08 - 10, 08:47 م]ـ
جزاكم الله خيرا
" ألم يعلم بأن الله يرى "
آية تهز الوجدان، وتفعل في النفس ما لا تفعله سلطات الدنيا كلها، إنها تضبط النوازع، وتكبح الجماح، وتدعو إلى إحسان العمل، وكمال المراقبة، فما أجمل أن يستحضر كل أحد هذه الاية إذا امتدت عينه إلى خيانة، أو يده إلى حرام، أو سارت قدمه إلى سوء، وما أروع أن تكون هذه الاية نصب أعيننا إذا أردنا القيام بما أيط بنا من عمل "
قاله د محمد الحمد من رسائل تدبر
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/490)
ـ[أبو محمد الأنصاري]ــــــــ[11 - 08 - 10, 01:49 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا المسيطير - حفظك الله وبارك في علمك وجهدك وعمرك
شيخنا الكريم لقد ضلعت في كتابة تلك الحلقات التي عنونت لها بعنوان الدكتور / خالد اللاحم " مفاتيح تدبر القرآن" وكتبت نحواً من سبع حلقات، مزحت فيها بين كلام الدكتور خالد - حفظه الله- وبين آخرين تكلموا في التدبر، ولم أعلم أني قد كفيت، فإن رأيت مشكوراً غير مأمور أن تراجع ما كتبته في هذا بالعنوان المشار إليه آنفاً، فإن رأيت أن أتم وإلا توقفت، أو أكمل على الموضوع الذي طرحتموه أنتم جزاكم الله خيرا.
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ـ[المسيطير]ــــــــ[11 - 08 - 10, 11:28 م]ـ
أخي الكريم ابن الكرام / أبامحمد الأنصاري
جزاك الله خير الجزاء، وأجزله، وأوفاه .. سنمضي أنا وأنت ويبقى ما كُتب .. فإن رأيتَ فيه فائدة - وهو كذلك - فاكتبه ..
وإن ميزتَ كلام الشيخ خالد عن غيره فهو أنسب .. لأجل الشيخ خالد اللاحم فقط.
وفقك الله وبارك فيك.(2/491)
سؤال عن كتاب وتعليقات ودرس الشيخ خالد السبت
ـ[ابو محمد 99]ــــــــ[06 - 10 - 05, 11:03 م]ـ
اخواني اين اجد كتاب قواعد التفسير للشيخ خالد السبت
وسمعت الشيخ يقول في احد اشرطته ان تعليقاته على تفسير سورة البقرة من مختصر تفسير بن كثير ستخرج قريبا فهل خرجت
وماذا عن دروسه حفظه الله وهل له درس شهري لمن اراد المجيء من خارج المنطقة
ـ[خالد العمري]ــــــــ[07 - 10 - 05, 12:21 ص]ـ
كتاب قواعد التفسير متوفر في الأسواق
والشيخ خالد له درس يومي بعد صلاة الفجر ,المصباح المنير إختصار تفسير ابن كثير
وعمدة الاحكام , يوم الاحد بعد المغرب
وكل جمعة بعد المغرب دروس في أعمال لقلوب(2/492)
أريد تفسير آيات الصيام من سورة البقرة من تفسير القرطبي
ـ[فلسطينية مسلمة]ــــــــ[07 - 10 - 05, 09:02 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لو تكرمتم اخوتي اريد تفسير ايات الصيام (سورة البقرة) من تفسير الجامع للامام للقرطبي
وجزاكم الله خيرا
ـ[عصام البشير]ــــــــ[07 - 10 - 05, 09:47 م]ـ
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (183)
فيه ست مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} لما ذكر ما كتب على المكلفين من القصاص والوصية ذكر أيضا أنه كتب عليهم الصيام وألزمهم إياه وأوجبه عليهم ولا خلاف فيه قال صلى الله عليه وسلم:
[بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج] رواه ابن عمر ومعناه في اللغة: الإمساك وترك التنقل من حال إلى حال ويقال للصمت صوم لأنه إمساك عن الكلام قال الله تعالى مخبرا عن مريم: {إني نذرت للرحمن صوما} أي سكوتا عن الكلام والصوم: ركود الريح وهو إمساكها عن الهبوب وصامت الدابة على آريها: قامت وثبتت فلم تعتلف وصام النهار: اعتدل ومصام الشمس حيث تستوي في منتصف النهار ومنه قول النابغة:
(خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وخيل تعلك اللجما)
أي خيل ثابتة ممسة عن الجري والحركة كما قال:
(كأن الثريا علقت في مصامها)
أي هي ثابتى في مواضعها فلا تنتقل وقوله:
(والبكرات شرهن الصائمة)
يعني التي لا تدور
وقال امرؤ القيس:
(فدعها وسل الهم ... عنك بجسرة ذمول إذا صام النهار وهجرا)
أي أبطأت الشمس عن الانتقال والسير فصارت بالإبطاء كالممسكة
وقال آخر:
(حتى إذا صام النهار واعتدل ... وسال للشمس لعاب فنزل)
وقال آخر:
(نعاما بوجرة صفر الخدو ... د ما تطعم النوم إلا صياما)
أي قائمة والشعر في هذا المعنى كثير
والصوم في الشرع: الإمساك عن المفطرات مع اقتران النية به من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وتمامه وكماله باجتنابه المحظورات وعدم الوقوع في المحرمات لقوله عليه السلام:
[من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه]
الثانية: فضل الصوم عظيم وثوابه جسيم جاءت بذلك أخبار كثيرة صحاح وحسان ذكرها الأئمة في مسانيدهم وسيأتي بعضها ويكفيك الآن منها في فضل الصوم أن خصه الله بالإضافة إليه كمت ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مخبرا عن ربه:
[يقول الله تبارك وتعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به] الحديث وإنما خص الصوم بأنه له وإن كانت العبادات كلها له الأمرين باين الصوم بهما سائر العبادات
أحدهما: أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات
الثاني: أن الصوم سر بين العبد وبين ربه لا يظهر إلا له فلذلك صار مختصا به وما سواه من العبادات ظاهر ربما فعله تصنعا ورياء فلهذا صار أخص بالصوم من غيره وقيل غير هذا
الثالثة:: قوله تعالى: {كما كتب} الكافي موضع نصب على النعت التقدير كتابا كما أو صوما كما أو على الحال من الصيام أي كتب عليكم الصيام مشبها كما كتب على الذين من قبلكم وقال بعض النحاة: الكاف في موضع رفع نعتا للصيام إذ ليس تعريفه بمحض لمكان الإجمال الذي فيه بما فسرته الشريعة فلذلك جاز نعته بـ كما إذ لا ينعت بها إلا النكرات فهو بمنزلة كتب عليكم صيام وقد ضعف هذا القول و ما في موضع خفض وصلتها: {كتب على الذين من قبلكم} والضمير في كتب يعود على ما واختلف أهل التأويل في موضع التشبيه وهي:
الرابعة: فقال الشعبي و قتادة وغيرهما: التشبيه يرجع إلى وقت الصوم وقدر الصوم فإن الله تعالى كتب على قوم موسى وعيسى صوم رمضان فغيروا وزاد أحبارهم عليهم عشرة أيام ثم مرض بعض احبارهم فنذر إن شفاه الله أن يزيد في صومهم عشرة أيام ففعل فصار النصارى خمسين يوما فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الربيع واختار هذا القول النحاس وقال: وهو الأشبه بما في الآية وفيه حديث يدل على صحته أسنده عن دغفل بن حنظلة [عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان على النصارى صوم شهر فمرض رجل منهم فقالوا لئن شفاه الله لنزيدن عشرة ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فاه فقالوا لئن شفاه الله لنزيدن سبعة ثم كان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/493)
ملك آخر فقالو لنتمن هذه السبعة الأيام ونجعل صومنا في الربيع قال فصار خسمين] وقال مجاهد: كتب الله عز وجل صوم شهر رمضان على كل أمة وقيل: أخذوا بالوثيقة فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما قرنا بعد قرن حتى بلغ صومهم خمسين يوما فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الفصل الشمسي قال النقاش: وفي ذلك حديث عن دغفل بن حنظلة والحسن البصري و السدي
قلت ولهذا ـ والله أعلم ـ كره الآن صوم يوم الشك والستة من شوال بإثر يوم الفطر متصلا به قال الشعبي: لو صمت السنة كلها لأفطرت يوم الشك وذلك أن النصارى فرض عليهم صوم شهر رمضان كما فرض علينا فحولوه إلى الفصل الشمسي لأنه قد كان يوافق القيظ فعدوا ثلاثين يوما ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالوثيقة لأنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما ثم لم يزل الآخر يستن بسنة من كان قبله حتى صاروا إلى خمسين يوما فذلك قوله تعالى: {كما كتب على الذين من قبلكم} وقيل: التشبيه راجع إلى أصل وجوبه على من تقدم لا في الوقت والكيفية وقيل: التشبيه واقع على صفة الصوم الذي كان عليهم من منعهم من الأكل والشرب والنكاح فإذا حان الأفطار فلا يفعل هذه الأشياء من نام وكذلك كان في النصارى أولا وكان في أول الإسلام ثم نسخه الله تعالى بقوله: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} على ما يأتي بيانه قاله السدي وأبو العالية و الربيع وقال معاذ بن جبل و عطاء: التشبيه واقع على الصوم لا على الصفة ولا على العدة وإن اختلف الصيامان بالزيادة والنقصان المعنى: {كتب عليكم الصيام} أي في أول الإسلام ثلاثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء {كما كتب على الذين من قبلكم} وهم اليهود ـ في قول ابن عباس ـ ثلاثة أيام وعاشوراء ثم نسخ هذا في هذه الأمة بشهر رمضان وقال معاذ بن جبل: نسخ ذلك بـ {أياما معدودات} ثم نسخت الأيام برمضان
الخامسة: {لعلكم تتقون} لعل ترج في حقهم كما تقدم و تتقون قيل: معناه هنا تضعفون فإنه لما قل الأكل ضعفت الشهوة وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي وهذا وجه مجازي حسن وقيل: لتتقوا المعاصي وقيل: هو على العموم لأن الصيام كما قال عليه السلام:
[الصيام جنة ووجاء] وسبب تقوى لأنه يميت الشهوات
السادسة: قوله تعالى: {أياما معدودات} اياما مفعول ثان بـ كتب قاله الفراء وقيل: نصب على الظرف لـ كتب أي كتب عليكم الصيام في أيام والأيام المعدودات: شهر رمضان وهذا يدل على خلاف ما روي عن معاذ والله أعلم
قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} فيه ست عشرة مسألة
الأولى: قوله تعالى: {مريضا} للمريض حالتان: إحداهما ـ ألا يطيق الصوم بحال فعليه الفطر واجبا الثانية: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة فهذا يستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل قال ابن سيرين: متى حصل الإنسان في حال يستحق بها اسم المرض فصح افطر قياسا على المسافر لعله السفر وإن لم تدع إلى الفطر ضرورة قال طريف بن تمام العطاردي: دخلت على محمد بن سيرين في رمضان وهو يأكل فلما فرغ قال: إنه وجعت أصبعي هذ ه وقال جمهور من العلماء: إذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه أو يخاف تماديه أو يخاف تزيده صح له الفطر قال ابن عطية: وهذا مذهب حذاق اصحاب مالك وبه يناظرون وأما لفظ مالك فهو المرض الذي يشق على المرء ويبلغ به وقال ابن خويز منداد: واختلفت الرواية عن مالك في المرض المبيح للفطر قال مرة: هو خوف التلف من الصيام وقال مرة: شدة المرض والزيادة فيه والمشقة الفادحة وهذا صحيح مذهبه وهو مقتضى الظاهر لأنه لم يخص مرضا من مرض فهو مباح في كل مرض إلا ما خصه الدليل من الصداع والحمى والمرض اليسير الذي لا كلفه معه في الصيام وقال الحسن: إذا لم يقدر من المرض على الصلاة قائما أفطر وقال النخعي وقالت فرقة: لا يفطر بالمرض إلا من دعته ضرورة المرض نفسه إلى الفطر ومتى احتمل الضرورة معه لم يفطر وهذا قول الشافعي رحمه الله تعالى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/494)
قلت: قول ابن سيرين أعدل شيء في هذا الباب إن شاء الله تعالى قال البخاري: اعتللت بنيسابور علة خفيفة وذلك في شهر رمضان فعادني إسحاق بن راهوية في نفر من أصحابه فقال لي: أفطرت يا أبا عبد الله؟ فقلت نعم: خشيت أن تضعف عن قبول الرخصة قلت: حدثنا عبدان عن ابن المبارك عن ابن جريج قال قلت لـ عطاء: من رأى المرض أفطر؟ قال: من أي مرض كان كما قال الله تعالى: {فمن كان منكم مريضا} قال البخاري: وهذا الحديث لم يكن عند إسحاق وقال أبو حنيفة: إذا خاف الرجل على نفسه وهو صائم إن لم يفطر أن تزداد عينه ودعا او حماه شدة أفطر
الثانية: قوله تعالى: {أو على سفر} اختلف العلماء في السفر الذي يجوز فيه الفطر والقصر بعد إجماعهم على سفر الطاعة كالحج والجهاد ويتصل بهذين سفر صلة الرحم وطلب المعاش الضروري أما سفر التجارات والمباحات فمختلف فيه بالمنع والإجازة والقول بالجواز أرجح وأما سفر العاصي فيختلف فيه بالجواز والمنع والقول بالمنع أرجح قاله ابن عطية ومسافة الفطر عند مالك حيث تقصر الصلاة واختلف العلماء في قدر ذلك فقال مالك: يوم وليلة ثم رجع فقال: ثمانية وأربعون ميلا قال ابن خويز منداد: وهو ظاهر مذهبه وقال مرة: اثنان وأربعون ميلا وقال مرة ستة وثلاثون ميلا وقال مرة: مسيرة يوم وليلة وروي عنه يومان وهو قول الشافعي وفصل مرة بين البر والبحر فقال في البحر مسيرة يوم وليلة وفي البر ثمانية وأربعون ميلا وفي المذهب ثلاثون ميلا وفي غير المذهب ثلاثة اميال وقال ابن عمرو وابن عباس و الثوري: الفطر في سفر ثلاثة أيام حكاه ابن عطية
الثالثة: اتفق العلماء على أن المسافر في رمضان لا يجوز له أن يبيت الفطر لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية بخلاف المقيم وإنما يكون مسافرا بالعمل والنهوض والمقيم لا يفتقر إلى عمل لأنه إذا نوى الإقامة كان مقيما في الحين لأن الإقامة لا تفتقر إلىعمل فافترقا ولا خلاف بينهم أيضا في الذي يؤمل السفر أنه لا يجوز له أن يفطر قبل أن يخرج فإن أفطر فقال ابن حبيب: إن كان قد تأهب لسفره وأخذ في أسباب الحركة فلا شيء عليه وحكي ذلك عن أصبغ و ابن الماجشون فإن عاقه عن السفر عائق كان عليه الكفارة وحسبه أن ينجو إن سافر وروى عيسى عن ابن القاسم أنه ليس عليه إلا قضاء يوم لأنه متأول في فطره وقال أشهب: ليس عليه شيء من الكفارة سافر أو لم يسافر وقال سحنون: عليه الكفارة سافر أو لم يسافر وهو بمنزلة المرأة تقول: غدا تأتيني حيضتي فتفطر لذلك ثم رجع إلى قول عبد الملك وأصبغ وقال: ليس مثل المرأة لأن الرجل يحدث السفر إذا شاء والمرأة لا تحدث الحيضة
قلت: قول ابن القاسم وأشهب في نفي الكفارة حسن لأنه ما يجوز له فعله والذمة بريئة فلا يثبت فيها شيء إلا بيقين ولا يقين مع الاختلاف ثم إنه مقتضى قوله تعالى: {أو على سفر} وقال أبو عمر: هذا أصح أقاويلهم في هذه المسالة لأنه غير منتهك لحرمة الصوم بقصد إلى ذلك وإنما هو متأول ولو كان الأكل مع نية السفر يوجب عليه الكفارة لأنه كان قبل خروجه ما أسقطها عنه خروجه فتأمل ذلك تجده كذلك إن شاء الله تعالى وقد روى الدار قطني: حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا إسماعيل بن إسحاق بن سهل بمصر قال حدثنا ابن ابي مريم حدثنا محمد بن جعفر أخبرني زيد بن اسلم قال: أخبرني محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب أنه قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر وقد رحلت دابته ولبس ثياب السفر وقد تقارب غروب الشمس فدعا بطعام فأكل منه ثم ركب فقلت له: سنة؟ قال نعم وروي عن أنس أيضا قال: قال لي أبو موسى: ألم أنبئنك إذا خرجت خرجت صائما وإذا دخلت دخلت صائما فإذا خرجت فاخرج مفطرا وإذا دخلت فادخل مفطرا وقال الحسن البصري: يفطر إن شاء في بيته يوم يريد أن يخرج وقال أحمد: يفطر إذا برز عن البيوت وقال إسحاق: لا بل حين يضع رجله في الرحل قال ابن المنذر: قول أحمد صحيح لأنهم يقولون لمن أصبح صحيحا ثم اعتل: إنه يفطر بقية يومه وكذلك إذا أصبح في الحضر ثم خرج إلى السفر فله كذلك أن يفطر وقالت طائفة: لا يفطر يومه ذلك وإن نهض في سفره كذلك قال الزهري و مكحول و يحيى الأنصاري و مالك و الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي واختلفوا إن فعل فكلهم قال يقضي ولا يكفر قال مالك: لأن السفر عذر
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/495)
طارىء فكان كالمرض يطرأ عليه ورو عن بعض أصحاب مالك أنه يقضي ويكفر وهو قول ابن كنانة والمخزومي وحكاه الباجي عن الشافعي واختاره ابن العربي وقال به قال: لأن السفر عذر طرأ بعد لزوم العبادة ويخالف المرض والحيض لأن المرض يبيح له الفطر والحيض يحرم عليها الصوم والسفر لا يبيح له ذلك فوجبت عليه الكفارة لهتك حرمته قال أبو عمر: وليس هذا بشيء لأن الله سبحانه قد أباح له الفطر في الكتاب والسنة وأما قولهم لا يفطر فإنما ذلك استحباب لما عقده فإن أخذ برخصة الله كان عليه القضاء وأما الكفارة فلا وجه لها ومن أوجبها فقد أوجب ما لم يوجبه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وقد روي عن ابن عمر في هذه المسألة: يفطر إن شاء في يومه ذلك إذا خرج مسافرا وهو قول الشعبي و أحمد و إسحاق
قلت: وقد ترجم البخاري رحمه الله على هذه المسألة باب من أفطر في السفر ليراه الناس وساق الحديث [عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بماء فرفعه إلى يديه ليريه الناس فافطر حتى قدم مكة ذلك في رمضان] وأخرجه مسلم ايضا عن ابن عباس وقال فيه: ثم دعا بإناء فيه شراب شربه نهارا ليراه الناس ثم أفطر حتى دخل مكة وهذا نص في الباب فسقط ما خالفه وبالله التوفيق وفيه أيضا حجة على من يقول: إن الصوم لا ينعقد في السفر روي عن عمر وابن عباس وأبي هريرة وابن عمر قال ابن عمر: من صام في السفر قضى في الحضر وعن عبد الرحمن بن عوف: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر وقال به قوم من أهل الظاهر واحتجوا بقوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} على ما يأتي بيانه وبما روى كعب بن عاصم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
[ليس من البر الصيام في السفر] وفيه أيضا حجة على من يقول: إن من بيت الصوم في السفر فله أن يفطر وإن لم يكن له عذر وإليه ذهب مطرف وهو أحد قولي الشافعي وعليه جماعة من أهل الحديث وكان مالك يوجب عيه القضاء والكفارة لأنه كان مخيرا في الصوم والفطر فلما اختار الصوم وبيته لزمه ولم لكن له الفطر فإن أفطر عامدا من غير عذر كان عليه القضاء والكفارة وقد روي عنه أنه لا كفارة عليه وهو قول أكثر أصحابه إلا عبد الملك فإنه قال: إن أفطر بجماع كفر لأنه لا يقوى بذلك على سفره ولا عذر له لأن المسافر إنما أبيح له الفطر ليقوى بذلك على سفره وقال سائر الفقهاء بالعراق والحجاز: إنه لا كفارة عليه منهم الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أبو حنيفة و سائر فقهاء الكوفة قاله أبو عمر
الرابعة: واختلف العلماء في الأفضل من الفطر أو الصوم في السفر فقال مالك و الشافعي في بعض ما روي عنهما: الصوم أفضل من قوي عليه وجل مذهب مالك التخيير وكذلك مذهب الشافعي قال الشافعي ومن اتبعه: هو مخير ولم يفصل وكذلك ابن علية لحديث أنس قال:
[سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم] خرجه مالك و البخاري و مسلم وروي عن عثمان بن ابي العاص الثقفي وأنس بن مالك صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما قالا: الصوم في السفر أفضل لمن قدر عليه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وروي عن ابن عمر وابن عباس: الرخصة أفضل وقال به سعيد بن المسيب و الشعبي و عمر بن عبد العزيز و مجاهد و قتادة و الأوزاعي و أحمد و إسحاق كل هؤلاء يقولون الفطر أفضل لقول الله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}
الخامسة: قوله تعالى: {فعدة من أيام} في الكلام حذف أي من يكن منكم مريض أو مسافرا فأفطر فليقض والجمهور من العلماء على أن أهل البلد إذا صاموا تسعة وعشرين يوما وفي البلد رجل مريض لم يصح فإنه يقضي تسعة وعشرين يوما وقال قوم منهم الحسن بن صالح بن حي: إنه يقضي شهرا من غير مراعاة عدد الأيام قال الكيا الطبري: وهذا بعيد لقوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} ولم يقل فشهر من أيام أخر وقوله: فعدة يقتضي استيفاء عدد ما أفطر فيه ولا شك أنه لو أفطر بعض رمضان وجب قضاء ما أفطر بعده بعدده وكذلك يجب أن يكون حكم إفطاره جميعه في اعتبار عدده
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/496)
السادسة: قوله تعالى: {فعدة} ارتفع عدة على خبر الابتداء تقديره فالحكم أو فالواجب عدة ويصح فعليه عدة وقال الكسائي: ويجوز فعدة أي فليصم عدة من أيام وقيل: المعنى صيام عدة فحذف المضاف وأقيمت العدة مقامه والعدة فعلة من العد وهي بمعنى المعدود كالطحن بمعنى المطحون تقول: أسمع جعجعة ولا أرى طحنا ومنه عدة المرأة {من أيام أخر} لم ينصرف أخر عند سيبويه لأنها معدولة عن الألف واللام لأن سبيل فعل من هذا الباب أن يأتي بالألف واللام نحو الكبر والفضل وقال الكسائي: هي معدولة عن آخر كما تقول: حمراء وحمر فلذلك لم تنصرف وقيل: منعت من الصرف لأنها على وزن جمع وهي صفة لأيام ولم تجىء أخرى لئلا يشكل بأنها صفة للعدة وقيل: إن {أخر} جمع أخرى كأنه أيام ثم كثرت فقيل: ايام أخر وقيل: إن نعت الأيام يكون مؤنثا فلذلك نعتت بأخر
السابعة: اختلف الناس في وجوب تتابعها على قولين ذكرهما الدار قطني في سننه فروى عن عائشة رضي الله عنها قالت:
نزلت فعدة من أيام أخر متتابعات فسقطت متتابعات قال هذا إسناد صحيح وروي عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه] في إسناده عبد الرحمن بن إبراهيم ضعيف الحديث وأسنده عن ابن عباس في قضاء رمضان صمه كيف شئت وقال ابن عمر صمه كما أفطرته واسند عن ابي عبيدة بن الجراح وابن عباس وابي هريرة ومعاذ بن جبل وعمرو بن العاص و [عن محمد بن المنكدر قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع صيام رمضان فقال: ذلك إليك أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن قضاه فالله أحق أن يعفو ويغفر] إسناده حسن إلا أنه مرسل ولا يثبت متصلا وفي موطأ مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: يصوم رمضان متتابعا من أفطره متتابعا من مرض أو في سفر قال الباجي في المنتقى يحتمل أن يريد الإخبار عن الوجوب ويحتمل أن يريد الإخبار عن الاستحباب وعلى الاستحباب جمهور الفقهاء وإن فرقه أجزأه وبذلك قال مالك و الشافعي والدليل على صحة هذا قوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} ولم يخص متفرقة من متتابعة وإذا أتى بها متفرقة فقد صام عدة من أيام أخر فوجب أن يجزيه ابن العربي: إنما وجب التتابع في الشهر لكونه معينا وقد عدم التعيين في القضاء فجاز التفريق
الثامنة: لما قال تعالى: {فعدة من أيام أخر} دل ذلك وجوب القضاء من غير تعيين لزمان لأن اللفظ مسترسل على الأزمان لا يختص ببعضها دون بعض وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:
يكون علي الصوم من رمضان فما استطيع أن أقضيه إلا في شعبان الشغل من رسول الله أو برسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية: وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا نص وزيادة بيان للآية وذلك يرد على داود قوله: إنه يجب عليه قضاءه ثاني شوال ومن لم يصمه ثم مات فهو آثم عنده وبنى عليه أنه لو وجب عليه عتق رقبة فوجد رقبة تباع بثمن فليس له أن يتعداها ويشتري غيرها لأن الفرض عليه أن يعتق أول رقبة يجدها فلا يجزيه غيرها ولو كانت عنده رقبة فلا يجوز له أن يشتري غيرها ولو مات الذي عنده فلا يبطل العتق كما يبطل فيمن نذر أن يعتق رقبة بعينها فماتت يبطل نذره وذلك يفسد قوله وقال بعض الأصوليين: إذا مات بعد مضي اليوم الثامي من شوال لا يعصي على شرط العزم والصحيح أنه غير آثم ولا مفرط وهو قول الجمهور غير أنه يستحب له تعجيل القضاء لئلا تدركه المنية فيبقى عليه الفرض
التاسعة: من كان عليه قضاء أيام من رمضان فمضت عليه عدتها من الأيام بعد الفطر أمكنه فيها صيامه فأخر ذلك ثم جاءه مانع منعه من القضاء إلى رمضان آخر فلا إطعام عليه لأنه ليس بمفطر حين فعل ما يجوز له من التأخير هذا قول البغداديين من المالكيين ويرونه قول ابن القاسم في المدونة
العاشرة: فإن أخر قضاءه عن شعبان الذي هو غاية الزمان الذي يقضي فيه رمضان فهل يلزمه لذلك كفارة أو لا فقال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق: نعم وقال أبو حنيفة و الحسن و النخعي و داود: لا
قلت: وإلى هذا ذهب البخاري لقوله ويذكر عن ابي هريرة مرسلا وابن عباس أنه يطعم ولم يذكر الله الإطعام إنما قال: {فعدة من أيام أخر}
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/497)
قلت: قد جاء عن ابي هريرة مسندا فيمن فرط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر قال: يصوم هذا مع الناس ويصوم الذي فرط فيه ويطعم لكل يوم مسكينا خرجه الدار قطني وقال: إسناد صحيح وروي عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
[في رجل أفطر في شهر رمضان من مرض ثم صح ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر قال: يصوم الذي أدركه ثم يصوم الشهر الذي أفطر فيه ويطعم لكل يوم مسكينا] في إسناده ابن نافع وابن وجيه ضعيفان
الحادية عشرة: فإن تمادى به المرض فلم يصح حتى جاء رمضان آخر فروى الدار قطني عن ابن عمر أنه يطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة ثم ليس عليه قضاء وروي أيضا عن ابي هريرة قال: إذا لم يصح بين الرمضانين صام عن هذا وأطعم عن الثاني ولا قضاء عليه وإذا صح فلم يصم حتى إذا أدركه رمضان آخر صام عن هذا وأطعم عن الماضي فإذا أفطر قضاه إسناد صحيح قال علماؤنا: وأقوال الصحابة على خلاف القياس قد يحتج بها وروي عن ابن عباس أن رجلا جاء إليه فقال: مرضت رمضانين؟ فقال له ابن عباس: استمر بك مرضك أو صححت بينهما؟ فقال: بل صححت قال: صم رمضانين وأطعم ستين مسكينا وهذا بدل من قوله: إنه لو تمادى به مرضه لا قضاء عليه وهذا يشبه مذهبهم في الحامل والمرضع أنهما يطعمان ولا قضاء عليهما على ما يأتي
الثانية عشرة: واختلف من أوجب عليه الإطعام في قدر ما يجب أن يطعم فكان أبو هريرة والقاسم بن محمد و مالك و الشافعي يقولون: يطعم عن كل يوم مدا وقال الثوري: يطعم نصف صاع عن كل يوم
الثالثة عشرة: واختلفوا فيمن أفطر أو جامع في قضاء رمضان ماذا يجب عليه فقال مالك: من أفطر يوما من قضاء رمضان ناسيا لم يكن عليه شيء غير قضائه ويستحب له أن يتمادى فيه للاختلاف ثم يقضيه ولو أفطره عامدا أثم ولم يكن عليه غير قضاء ذلك اليوم ولا يتمادى لأنه لا معنى لكفه عما يكف الصائم ها هنا إذ هو غير صائم عند جماعة العلماء لإفطاره عامدا وأما الكفارة فلا خلاف عند مالك وأصحابه أنها لا تجب في ذلك وهو قول جمهور العلماء قال مالك: ليس على من أفطر يوما من قضاء رمضان بإصابة أهله أو غير ذلك كفارة وإنما عليه قضاء ذلك اليوم وقال قتادة: على من جامع في قضاء رمضان القضاء والكفارة وروى ابن القاسم عن مالك أن من أفطر في قضاء رمضان فعليه يومان وكان ابن القاسم يفتي به ثم رجع عنه ثم قال: إن أفطر عمدا في قضاء القضاء كان عليه مكانه صايم يومين كمن أفسد حجة بإصابة أهله وحج قابلا فافسد حجة أيضا بإصابة أهله كان عليه حجتان قال أبو عمر: قد خالفه في الحج ابن وهب وعبد الملك وليس يجب القياس على اصل مختلف فيه والصواب عندي ـ والله أعلم ـ أنه ليس عليه في الوجهين إلا قضاء يوم واحد لأنه يوم واحد أفسده مرتين
قلت: وهو مقتضى قوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} فمتى أتى بيوم تام بدلا عما أفطره في قضاء رمضان فقد أتى بالواجب عليه ولا يجب عليه غير ذلك والله اعلم
الرابعة عشرة: والجمهور على أن من أفطر في رمضان لعلة فمات من علته تلك أو سافر فمات في سفره ذلك أنه لا شيء عليه وقال طاوس و قتادة في المريض يموت قبل أن يصح: يطعم عنه
الخامسة عشرة: واختلفوا فيمن مات وعليه صوم من رمضان لم يقضه فقال مالك و الشافعي و الثوري: لا يصوم أحد وقال أحمد و إسحاق و أبو ثور و الليث و أبو عبيد وأهل الظاهر: يصام عنه إلا أنهم خصصوه بالنذر وروي مثله عن الشافعي وقال أحمد و إسحاق في قضاء رمضان: يطعم عنه احتج من قال بالصوم بمارواه مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
[من مات وعليه صيام صام عنه وليه] إلا أن هذا عام في الصوم يخصصه ما رواه مسلم أيضا عن ابن عباس قال:
[جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أمي قد ماتت وعليها صوم نذر ـ وفي رواية صوم شهر ـ أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدى ذلك عنها قالت: نعم قال: فصومي عن أمك] احتج مالك ومن وافقه بقوله سبحانه: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وقوله: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وقوله: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} وبما خرجه النسائي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
[لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من حنطة]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/498)
قلت: وهذا الحديث عام فيحتمل أن يكون المراد بقوله: [لا يصوم أحد عن أحد] صوم رمضان فأما صوم النذر فيجوز بدليل حديث ابن عباس وغيره فقد جاء في صحيح مسلم أيضا من حديث بريدة نحو حديث ابن عباس وفي بعض طرقه:
[صوم شهرين أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها قالت: إنها لم تحج قط افأحج عنها؟ قال: حجي عنها] فقولها: شهرين يبعد أن يكون رمضان والله أعلم وأقوى ما يحتج به لـ مالك أنه عمل أهل المدينة ويعضده القياس الجلي وهو أنه عبادة بدنية لا مدخل للمال فيها فلا تفعل عمن وجبت عليه كالصلاة ولا ينقض هذا بالحج لأن للمال فيه مدخلا
السادسة عشرة: استدل بهذه الآية من قال: إن الصوم لا ينعقد في السفر وعليه القضاء أبدا فإن الله تعالى يقول: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} أي فعليه عدة ولا حذف في الكلام ولا إضمار وبقوله عليه الصلاة والسلام:
[ليس من البر الصيام في السفر] قال: ما لم يكن من البر فهو من الإثم فيدل ذلك على أن صوم رمضان لا يجوز في السفر والجمهور يقولون: فيه محذوف فأفطر كما تقدم وهو الصحيح لحديث أنس قال:
[سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم] رواه مالك عن حميد الطويل عن أنس وأخرجه مسلم عن ابي سعيد الخدري قال:
غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان فمنا من صام ومنا من أفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم
قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه} قرأ الجمهور بكسر الطاء وسكون الياء وأصله يطوقونه نقلت الكسرة إلى الطاء وانقلبت الواو ياء لإنكسار ما قبلها وقرأ حميد على الأصل من غير اعتلال والقياس الاعتلال ومشهور قراءة ابن عباس يطوقونه بفتح الطاء مخففة وتشديد الواو بمعنى يكلفونه وقد روى مجاهد يطيقونه بالياء بعد الطاء على لفظ يكيلونه وهي باطلة ومحال لأن الفعل مأخوذ من الطوق فالواو لازمة واجبة فيه ولا مدخل للياء في هذا المثال قال أبو بكر الأنباري: وأنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لأبي ذؤيب:
(فقيل تحمل فوق طاقك إنها ... مطبعة من يأتها لا يضيرها)
فأظهر الواو في الطوق وصح بذلك أن واضع الياء مكانها يفارق الصواب وروى ابن الأنباري عن ابن عباس يطيقونه بفتح الياء وتشديد الطاء والياء مفتوحتين بمعنى يطيقونه يقال: طاق وأطاق وأطيق بمعنى وعن ابن عباس أيضا وعائشة و طاوس وعمرو بن دينار يطوقونه بفتح الياء وشد الطاء مفتوحة وهي صواب في اللغة لأن الأصل يتطوقونه فأسكنت التاء وأدغمت في الطاء فصارت طاء مشددة وليست من القرآن خلافا لمن أثبتها قرآنا وإنما هي قراءة على التفسير وقرأ أهل المدينة والشام فدية طعام مضافا مساكين جمعا وقرأ ابن عباس طعام مسكين بالإفراد فيما ذكر البخاري و أبو داود و النسائي عن عطاء عنه وهي قراءة حسنة لأنها بينت الحكم في اليوم واختارها أبو عبيد وهي قراءة ابي عمرو وحمزة و الكسائي قال أبو عبيد: فبينت أن لكل يوم إطعام واحد فالواحد مترجم عن الجميع وليس الجميع بمترجم عن واحد وجمع المساكين لا يدرى كم منهم في اليوم إلا من غير الآية وتخرج قراءة الجمع في مساكين لما كان الذين يطيقونه جمع وكل واحد منهم يلزمه مسكين فجمع لفظة كما قال تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} أي أجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة فليست الثمانون متفرقة في جميعهم بل لكل واحد ثمانون قال معناه أبو علي واختار قراءة الجمع النحاس قال: وما اختاره أبو عبيد مردود لأن هذا إنما يعرف بالدلالة فقد علم أن معنى وعلى الذين يطقيونه فدية طعام مساكين أن لكل يوم مسكينا فاختيار هذه القراءة لترد جمعا على جمع قال النحاس: واختار أبو عبيد أن يقرأ فدية طعام قال: لأن الطعام هو الفدية ولا يجوز أن يكون الطعام نعتا لأنه جوهر ولكنه يجوز على البدل وابين منه أن يقرأ فدية طعام بالإضافة لأن فدية مبهمة تقع للطعام وغيره فصار مثل قولك: هذا ثوب خز
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/499)
الثانية: واختلف العلماء في المراد بالآية فقيل: هي منسوخة روى البخاري: وقال ابن نمير حدثنا الأعمش حدثنا عمرو بن مرة حدثنا ابن ابي ليلى حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها {وأن تصوموا خير لكم} وعلى هذا قراءة الجمهور يطيقونه أي يقدرون عليه لأن فرض الصيام هكذا: من أراد صام ومن أراد أطعم مسكينا وقال ابن عباس: نزلت هذه الاية رخصة للشيوخ والعجزة خاصة إذا أفطروا وهم يطيقونه الصوم ثم نسخت بقوله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} فزالت الرخصة إلا لمن عجز منهم قال الفراء: الضمير في يطيقونه يجوز أن يعود على الصيام أي وعلى الذين يطيقونه الصيام أن يطعموا إذا أفطروا ثم نسخ بقوله: {وأن تصوموا} ويجوز أن يعود على الفداء أي وعلى الذين يطيقون الفداء فدية وأما قراءة يطوقونه على معنى يكلفونه مع المشقة اللاحقة لهم كالمريض والحامل فإنهما يقدران عليه لكن بمشقة تلحقهم في أنفسهم فإن صاموا أجزأهم وإن افتدوا فلهم ذلك ففسر ابن عباس ـ إن كان الإسناد عنه صحيحا ـ يطيقونه بـ يطوقونه ويتكلفونه فأدخله بعض النقلة في القرآن روى أبو داود عن ابن عباس وعلى الذين يطيقونه قال: أثبتت للحبلى والمرضع وروى عنه {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} قال: كانت رخصة للشيخ الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا وخرج الدار قطني عنه أيضا قال: رخص للشيه الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه هذا إسناد صحيح وروي عنه أيضا أنه قال: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعما مكان كل يوم مسكنيا وهذا صحيح وروي عنه أيضا أنه قال لأم الولد له حبلى أو مرضع: أنت من الذين لا يطيقون الصيام عليك الجزاء ولا عليك القضاء وهذا إسناد صحيح وفي رواية: كانت له أم ولد ترضع ـ من غير شك ـ فأجهدت فأمرها أن تفطر ولا تقضي هذا صحيح
قلت: فقد ثبت بالأسانيد الصحاح عن ابن عباس أن الآية ليست بمنسوخة وأنها محكمة في حق من ذكر والقول الأول صحيح أيضا إلا أنه يحتمل أن يكون النسخ هناك بمعنى التخصيص فكثيرا ما يطلق المتقدمون النسخ بمعناه والله أعلم وقال الحسن البصري و عطاء بن أبي رباح والضحاك و النخعي و الزهري و ربيعة و الأوزاعي وأصحاب الرأي: الحامل والمرضع يفطران ولا إطعام عليهما بمنزلة المريض يفطر ويقضي وبه قال أبو عبيد و أبو ثور وحكى ذلك أبو عبيد عن أبي ثور واختاره ابن المنذر وهو قول مالك في الحبلى إن أفطرت فأما المرضع إن أفطرت فعليها القضاء والإطعام وقال الشافعي و أحمد: يفطران ويطعمان ويقضيان وأجمعوا على أن المشايخ والعجائز الذين لا يطقيون الصيام أو يطيقونه على مشقة شديدة أن يفطروا واختلفوا فيما عليهم فقال ربيعة و مالك: لا شيء عليهم غير أن مالكا قال: لو أطعموا عن كل يوم مسكينا كان أحب إلي وقال أنس وابن عباس وقيس بن السائب وأبو هريرة: عليهم الفدية وهو قول الشافعي واصحاب الرأي و أحمد و إسحاق اتباعا لقول الصحابة رضي الله عن جميعهم وقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} ثم قال: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} وهؤلاء ليسوا بمرضى ولا مسافرين فوجبت عليهم الفدية والدليل لقول مالك: أن هذا مفطر لعذر موجود فيه وهو الشيخوخة والكبر فلم يلزمه إطعام كالمسافر والمريض وروي هذا عن الثوري و مكحول واختاره ابن المنذر
الثالثة: واختلف من أوجب الفدية على من ذكر في مقدارها فقال مالك: مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم عن كل يوم أفطره وبه قال الشافعي وقال أب حنيفة: كفارة كل يوم صاع تمر أو نصف صاع بر وروي عن ابن عباس نصف صاع من حنطة ذكره الدار قطني وروي عن ابي هريرة قال: من أدركه الكبر فلم يستطع أن يصوم فعليه لكل يوم مد من قمح وروي عن أنس بن مالك أنه ضعف عن الصوم عاما فصنع جفنة من طعام ثم دعا بثلاثين مسكينا فأشبعهم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(2/500)
الرابعة: قوله تعالى: {فمن تطوع خيرا فهو خير له} قال ابن شهاب: من أراد الإطعام مع الصوم وقال مجاهد: من زاد في الإطعام على المد ابن عباس: فمن تطوع خيرا قال: مسكينا آخر فهو خير له ذكره الدار قطني وقال: إسناد صحيح ثابت و خير الثاني صفة تفضيل وكذلك الثالث و خير الأول وقرأ عيسى بن عمر ويحيى بن وثاب وحمزة و الكسائي يطوع خيرا مشددا وجزم العين على معنى يتطوع الباقون تطوع بالتاء وتخفيف الطاء وفتح العين على الماضي
الخاسمة: قوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} أي والصيام خير لكم وكذا قرأ أبي أي من الإفطار مع الفدية وكان هذا قبل النسخ وقيل:: وأن تصوموا في السفر والمرض غير الشاق والله أعلم وعلى الجملة فإنه يقتضي الحض على الصوم أي فاعلموا ذلك وصوموا
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون (185)
قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}
فيه إحدى وعشرون مسألة:
الأولى: قوله تعالى: {شهر رمضان} قال أهل التاريخ: أول من صام رمضان نوح عليه السلام لما خرج من السفينة وقد تقدم قول مجاهد: كتب الله رمضان على كل أمة ومعلوم أنه كان نوح أمم والله أعلم والشهر مشتق من الإشهار لأنه مشتهر لا يتعذر علمه على أحد يريده ومنه يقال: شهرت السيف إذا سللته ورمضان مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش والرمضاء (ممدودة): شدة الحر ومنه الحديث:
[صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال] خرجه مسلم ورمض الفصال أن تحرق الرمضاء فتبرك من شدة حرها فرمضان ـ فيما ذكروا ـ وافق شدة الحر فهو مأخوذ من الرمضاء قال الجوهري: وشهر رمضان يجمع على رمضانات وأرمضاء يقال إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فسمي بذلك وقيل: إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحة من الإرماض وهو الإحراق ومنه رمضت قدمه من الرمضاء أي احترقت وأرمضتني الرمضاء أي أحرقتني ومنه قيل: أرمضني الأمر وقيل: لأن القلوب تأخذ فيه من حرار الموعظة والفكرة في أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حر الشمس والرمضاء: الحجارة المحماة وقيل: هو من رمضت النصل أرمضه وأرمضه رمضا إذا دققته بين حجرين ليرق ومنه نصل رميض ومرموض ـ عن ابن السكيت ـ وسمي الشهر به لأنهم كانو يرمضون أسلحتهم في رمضان ليحاربوا بها في شوال قبل دخول الأشهر الحرم وحكى الماوردي أن اسمه في الجاهلية ناتق وأنشد للمفضل:
(وفي ناتق أجلت لدى حومة الوغى ... وولت على الأدبار فرسان خثعما)
و {شهر} بالرفع قراءة الجماعة على الابتداء والخبر {الذي أنزل فيه القرآن} أو يرتفع على إضمار مبتدأ المعنى: المفروض عليكم صومه شهر رمضان أو فيما كتب عليكم شهر رمضان ويجوز أن يكون شهر مبتدأ و {الذي أنزل فيه القرآن} صفة والخبر {فمن شهد منكم الشهر} وأعيد ذكر الشهر تعظيما كقوله تعالى: {الحاقة * ما الحاقة} وجاز أن يدخله معنى الجزاء لأن شهر رمضان وإن كان معرفة فليس معرفة بعينها لأنه شائع في جميع القابل قاله أبو علي: وروي عن مجاهد و شهر بن حوشب نصب شهر ورواها هارون الأعور عن أبي عمرو ومعناه: الزموا شهر رمضان أو صوموا و {الذي أنزل فيه القرآن} نعت له ولا يجوز أن ينتصب بتصوموا لئلا يفرق بين الصلة والموصول بخبر أن وهو خير لكم الرماني: يجوز نصبه على البدل من قوله {أياما معدودات}
الثانية: واختلف هل يقال رمضان دون أن يضاف إلى شهر فكره ذلك مجاهد وقال: يقال كما قال الله تعالى وفي الخبر:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/1)
ولا تقولوا رمضان بل انسبوه كما نسبه الله في القرآن فقال شهر رمضان وكان يقول: بلغني أنه اسم من أسماء الله وكان يكره أن يجمع لفظه لهذا المعنى ويحتج بما روي: رمضان اسم من أسماء الله تعالى وهذا ليس بصحيح فإنه من حديث ابي معشر نجيح وهو ضعيف والصحيح جواز إطلاق رمضان من غير إضافة كما ثبت في الصحاح وغيرها روى مسلم عن ابي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
[إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين] وفي صحيح البستي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[إذا كان رمضان فتحت له أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين] وروي عن ابن شهاب عن انس بن ابي انس أن أباه حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول فذكره قال البستي: أنس بن ابي أنس هذا هو والد مالك بن أنس واسم أبي أنس مالك بن ابي عامر من ثقات أهل المدينة وهو مالك ابن ابي عامر بن عمرو بن الحارث بن عثمان بن خثيل بن عمرو من ذي أصبح من أقيال اليمن وروى النسائي عن ابي هريرة قال: [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم] وأخرجه أبو حاتم البستي ايضا وقال: فقوله: [مردة الشياطين] تقييد لقوله: [صفدت الشياطين وسلسلت] وروى السنائي أيضا عن ابن عباس قال [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: إذا كان رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة] وروى النسائي أيضا عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[إن الله تعالى فرض صيام رمضان عليكم وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه] والآثار في هذا كثيرة كلها بإسقاط شهر وربما أسقطت العرب ذكر الشهر من رمضان
قال الشاعر:
(جارية في درعها الفضفاض ... أبيض من أخت بني إباض)
(جارية في رمضان الماضي ... تقطع الحديث بالإيماض)
وفضل رمضان عظيم وثوابه جسيم يدل على ذلك معنى الاشتقاق من كونه محرقا للذنوب وما كتبناه من الأحاديث
الثالثة: فرض الله صيام رمضان أي مدة هلاله وبه سمي الشهر كما جاء في الحديث:
[فإن غمي عليكم الشهر] أي الهلال وسيأتي وقال الشاعر:
(أخوان من نجد على ثقة ... والشهر مثل قلامة الظفر)
(حتى تكامل في استدارته ... في أربع زادت على عشر)
وفرض علينا عند غمة الهلال إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما وإكمال عدة رمضان ثلاثين يوما حتى ندخل في العبادة بيقين ونخرج عنها بيقين فقال في كتابه {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} وروى الأئمة الإثبات عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
[صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدد] في رواية [فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين] وقد ذهب مطرف بن عبد الله بن الشخير وهو من كبار التابعين و ابن قتيبة من اللغوين فقالا: يعول على الحساب عند الغيم بتقدير المنازل واعتبار حسابها في صوم رمضان حتى أنه لو كان صحوا لرؤي لقوله عليه السلام: [فإن أغمي عليكم فاقدروا له] أي استدلوا عليه بمنازلة وقدروا إتمام الشهر بحسابه وقال الجمهور: معنى فاقدروا له فأكملوا المقدار يفسره حديث أبي هريرة [فأكملوا العدة] وذكر الداودي أنه قيل في معنى قوله [فاقدروا له]: أي قدروا المنازل وهذا لا نعلم أحدا قال به ألا بعض أصحاب الشافعي أنه يعتبر في ذلك بقول المنجمين والإجماع حجة عليهم وقد روي ابن نافع عن مالك في الإمام لا يصوم لرؤية الهلال ولا يفطر لرؤيته وإنما يصوم ويفطر على الحساب: إنه لا يقتدى به ولا يتبع قال ابن العربي: وقد زل بعض أصحابنا فحكى عن الشافعي أنه قال: يعول على الحساب وهي عثرة لا لعا لها
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/2)
الرابعة: واختلف مالك و الشافعي هل يثبت هلال رمضان بشهادة واحد أو شاهدين فقال مالك: لا يقبل فيه شهادة الواحد لأنها شهادة على هلال فلا يقبل فيها اقل من اثنين أصله الشهادة على هلال شوال وذي الحجة وقال الشافعي و أبو حنيفة: يقبل الواحد لما رواه أبو داود [عن ابن عمر قال: تراءى الناس الهلال فأخبرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه] وأخرجه الدار قطني وقال: تفرد به مروان بن محمد عن ابن وهب وهو ثقة روى الدار قطني: أن رجلا شهد عند علي بن ابي طالب على رؤية هلال رمضان فصام أحسبه قال: وأمر الناس أن يصوموا وقال: أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان قال الشافعي: فإن لم تر العامة هلال شهر رمضان ورآه رجل عدل رأيت أن أقبله للأثر والاحتياط وقال الشافعي: بعد: لا يجوز على رمضان إلا شاهدان قال الشافعي: وقال بعض أصحابنا: لا أقبل عليه إلا شاهدين وهو القياس على كل مغيب
الخامسة: واختلفوا فيمن رأى هلال رمضان وحده أو هلال شوال فروى الربيع عن الشافعي: من رأى هلال رمضان وحده فليصمه ومن رأى هلال شوال وحده فليفطر وليخف ذلك وروى ابن وهب عن مالك في الذي يرى هلال رمضان وحده أنه يصوم لأنه لا ينبغي له أن يفطر وهو يعلم أن ذلك اليوم من شهر رمضان ومن رأى هلال شوال وحده فلا يفطر لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأمونا ثم يقول أولئك إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال قال ابن المنذر: وبهذا قال الليث بن سعد و أحمد بن حنبل وقال عطاء و إسحاق: لا يصوم ولا يفطر قال ابن المنذر: يصوم ويفطر
السادسة: واختلفوا إذا أخبر عن رؤية بلد فلا يخلو أن يقرب أو يبعد فإن قرب فالحكم واحد وإن بعد فلأهل كل بلد رؤيتهم روي هذا عن عكرمة و القاسم وسالم وروي عن ابن عباس وبه قال إسحاق وإليه أشار البخاري حيث بوب لأهل كل بلد رؤيتهم وقال آخرون إذا ثبت عند الناس أن أهل بلد قد رأوه فعليهم قضاء ما أفطروا هكذا قال الليث بن سعد و الشافعي قال ابن المنذر: ولا أعلمه إلا قول المزني والكوفي
قلت: ذكر الكيا الطبري في كتاب أحكام القرآن له: وأجمع أصحاب أبي حنيفة على أنه إذا صام أهل بلد ثلاثين يوما للرؤية وأهل بلد تسعة وعشرين يوما أن على الذين صاموا تسعة وعشرين يوما قضاء يوم وأصحاب الشافعي لا يرون ذلك إذ كانت المطالع في البلدان يجوز أن تختلف وحجة أصحاب أبي حنيفة قوله تعالى: {ولتكملوا العدة} وثبت برؤية أهل بلد أن العدة ثلاثون فوجب على هؤلاء إكمالها ومخالفتهم يحتج بقوله صلى الله عليه وسلم:
[صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته] الحديث وذلك يوجب اعتبار عادة كل قوم في بلدهم وحكى أبو عمر الإجماع على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلدان كالأندلس من خراسان قال: ولكل بلد رؤيتهم إلا ما كان كالمصر الكبير وما تقاربت أقطاره من بلدان المسلمين روى مسلم عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال:
فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ثم ذكر الهلال فقال: متي رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة فقال: أنت رأيته؟ فقلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه فقلت:
نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال علماؤنا قول ابن عباس هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة تصريح برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبأمره فهو حجة على أن البلاد إذا تباعدت كتباعد الشام من الحجاز فالواجب على أهل كل بلد أن تعمل على رؤيته بدون رؤية غيره وإن ثبت ذلك عند الإمام الأعظم ما لم يحمل الناس على ذلك فإن حمل فلا تجوز مخالفته وقال الكيا الطبري: قوله هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون تأول فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته] وقال ابن العربي: واختلفت في تأويل قول ابن عباس هذا فقيل: رده لأنه خبر واحد وقيل: رده لأن الأقطار مختلفة في المطالع وهو الصحيح لأن كريبا لم يشهد وإنما أخبر عن حكم ثبت بالشهادة ولا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/3)
خلاف في الحكم الثابت أنه يجزىء فيه خبر الواحد ونظيره ما لو ثبت أنه أهل ليلة الجمعة بأغمات وأهل بأشبيلية ليلة السبت فيكون لأهل كل بلد رؤيتهم لأن سهيلا يكشف من أغمات ولا يكشف من أشبيلية وهذا يدل على اختلاف المطالع
قلت: وأما مذهب مالك رحمه الله في هذه المسألة فروى ابن وهب وابن القاسم عنه في المجموعة أن أهل البصرة إذا رأوا هلال رمضان ثم بلغ ذلك إلى أهل الكوفة والمدينة واليمن أنه يلزمهم الصيام أو القضاء إن فات الأداء وروى القاضي أبو إسحاق عن ابن الماجشون أنه إن كان ثبت بالبصرة بأمر شائع ذائع يستغنى عن الشهادة والتعديل له فإنه يلزم غيرهم من أهل البلاد القضاء وإن كان إنما ثبت عند حاكمهم بشهادة شاهدين لم يلزم ذلك من البلاد إلا من كان يلزمه حكم ذلك الحاكم ممن هو في ولايته أو يكون ثبت ذلك عند أمير المؤمنين فيلزم القضاء جماعة المسلمين قال: وهذا قول مالك
السابعة: قرأ جمهور الناس شهر بالرفع على أنه خبر ابتداء مضمر أي ذلكم شهر أو المفترض عليكم صيامه شهر رمضان أو الصوم أو الأيام وقيل: ارتفع على أنه مفعول لم يسم فاعله بـ كتب أي عليكم شهر رمضان و رمضان لا ينصرف لأن النون فيه زائدة ويجوز أن يكون مرفوعا على الابتداء وخبره {الذي أنزل فيه القرآن} وقيل: خبره فمن شهد و الذي أنزل نعت له وقيل: ارتفع على البدل من الصيام فمن قال: إن الصيام في قوله {كتب عليكم الصيام} هي ثلاثة أيام وعاشوراء قال هنا بالابتداء ومن قال: إن الصام هناك رمضان قال هنا بالابتداء أو بالبدل من الصيام أي كتب عليكم شهر رمضان وقرأ مجاهد و شهر بن حوشب شهر بالنصب قال الكسائي: المعنى كتب عليكم الصيام وأن تصوموا شهر رمضان وقال الفراء: أي كتب عيكم الصيام أي أن تصوموا شهر رمضان قال النحاس: لا يجوز أن ينتصب {شهر رمضان} بتصوموا لأنه يدخل في الصلة ثم يفرق بين الصلة والموصول وكذلك إن نصبته بالصيام ولكن يجوز أن تنصبه على الإغراء أي الزموا شهر رمضان وصوموا شهر رمضان وهذا بعيد أيضا لأنه لم يتقدم ذكر الشهر فيغرى به
قلت: قوله {كتب عليكم الصيام} يدل على الشهر فجاز الإغراء وهو اختيار أبي عبيد وقال الأخفش: انتصب على الظرف وحكي عن الحسن و ابي عمرو إدغام الراء في الراء وهذا لا يجوز لئلا يجتمع ساكنان ويجوز أن تقلب حركة الراء على الهاء فتضم الهاء ثم تدغم وهو قول الكوفيين
الثامنة: قوله تعالى: {الذي أنزل فيه القرآن} نص في أن القرآن نزل في شهر رمضان وهو يبين قوله عز وجل: {حم * والكتاب المبين * إنا أنزلناه في ليلة مباركة} يعني ليلة القدر ولقوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} وفي هذا دليل على أن ليلة القدر إنما تكون في رمضان لا في غيره ولا خلاف أن القرآن أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر ـ على مابيناه ـ جملة واحدة فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا ثم كان جبريل صلى الله عليه وسلم ينزل به نجما نجما في الأوامر والنواهي والأسباب وذلك في عشرين سنة وقال ابن عباس: أنزل القرآن من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى الكتبة في سماء الدنيا ثم نزل به جبريل عليه السلام نجوما ـ يعني الآية والآيتين ـ في أوقات مختلفة في إحدى وعشرين سنة وقال مقاتل في قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} قال أنزل من اللوح المحفوظ كل عام في ليلة القدر إلى سماء الدنيا ثم نزل إلى السفرة من اللوح المحفوظ في عشرين شهرا ونزل به جبريل في عشرين سنة
قلت: وقول مقاتل هذا خلاف ما نقل من الإجماع أن القرآن انزل جملة واحدة والله أعلم وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
[أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان والتوارة لست مضين منه والإنجيل لثلاث عشرة والقرآن لأربع وعشرين]
قلت: وفي هذا الحديث دلالة على ما يقوله الحسن إن ليلة القدر تكون ليلة أربع وعشرين وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان هذا
التاسعة: قوله تعالى: {القرآن} القرآن: اسم لكلام الله تعالى وهو بمعنى المقروء كالمشروب يسمى شرابا والمكتوب يسمى كتابا وعلى هذا قيل: هو مصدر قرأ يقرأ قراءة وقرآنا بمعنى قال الشاعر:
(ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرآنا)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/4)
أي قراءة وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان عليه السلام يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا أي قراءة وفي التنزيل: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} أي قراءة الفجر ويسمى المقروء قرآنا على عادة العرب في تسميتها المفعول باسم المصدر كتسميتهم للمعلوم علما وللمضروب ضربا وللمشروب شربا كما ذكرنا ثم اشتهر الاستعمال في هذا واقترن به العرف الشرعي فصار القرآن اسما لكلام الله حتى إذا قيل: القرآن غير مخلوق يراد به المقروء لا القراءة لذلك وقد يسمى المصحف الذي يكتب فيه كلام الله قرآنا توسعا وقد قال صلى الله عليه وسلم:
[لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو] أراد به المصحف وهو مشتق من من قرأت الشيء جمعته وقيل: هو اسم علم لكتاب الله غير مشتق كالتوارة والإنجيل وهذا يحكى عن الشافعي والصحيح الاشتقاق في الجميع وسيأتي
العاشرة: قوله تعالى: {هدى للناس} هدى في موضع نصب على الحال من القرآن أي هاديا لهم {وبينات} عطف عليه و {الهدى} الإرشاد والبيان كما تقدم أي بيانا لهم وإرشادا والمراد القرآن بجملته من محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ ثم شرف بالذكر والتخصيص البينات منه يعني الحلال والحرام والمواعظ والأحكام وبينات جمع بينة من بان الشيء يبين إذا وضح {والفرقان} ما فرق بين الحق والباطل أي فصل وقد تقدم
الحادية عشرة: قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} قراءة العامة بجزم اللام وقرأ الحسن والأعرج بكسر اللام وهي لام الأمر وحقها الكسر إذا أفردت فإذا وصلت بشيء ففيها وجهان: الجزم والكسر وإنما توصل بثلاثة أحرف: بالفاء كقوله {فليصمه ومن} {فليعبدوا} والواو كقوله: {وليوفوا} وثم كقوله: {ثم ليقضوا} و شهد بمعنى حضر وفيه إضمار أي من شهد منكم المصر في الشهر عاقلا بالغا صحيحا مقيما فليصمه وهو يقال عام فيخصص بقوله: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر} الآية وليس الشهر بمفعول وإنما هو ظرف زمان وقد اختلف العلماء في تأويل هذا فقال علي ابن ابي طالب وابن عباس وسويد بن غفلة وعائشة ـ أربعة من الصحابة ـ وابو مجلز لاحق بن حميد وعبيدة السلماني: من شهد أي من حضر دخول الشهر وكان مقيما في أوله في بلده وأهله فليكمل صيامه سافر بعد ذلك أو أقام وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو في سفر والمعنى عندهم: من أدركه رمضان مسافرا أفطر وعليه عدة من أيام أخر ومن أدركه حاضرا فليصمه وقال جمهور الأمة: من شهد أول الشهر وآخره فليصم ما دام مقيما فإن سافر أفطر وهذا هو الصحيح وعليه تدل الأخبار الثابتة وقد ترجم البخاري رحمه الله ردا على القول الأول باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس:
[أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس] قال أبو عبد الله: والكديد ما بين عسفان وقديد
قلت: قد يحتمل أن يحمل قول علي رضي الله عنه ومن وافقه على السفر المندوب كزيارة الإخوان من الفضلاء والصالحين أو المباح في طلب الرزق الزائد على الكفاية واما السفر الواجب في طلب القوت الضروري أو فتح بلد إذا تحقق ذلك أو دفع عدو فالمرء فيه مخير ولا يجب عليه الإمساك بل الفطر فيه أفضل للتقوي وإن كان شهد الشهر في بلده وصام بعضه فيه لحديث ابن عباس وغيره ولا يكون في هذا خلاف إن شاء الله والله اعلم وقال أبو حنيفة وأصحابه: من شهد الشهر بشروط التكليف غير مجنون ولا مغمى عليه فليصمه ومن دخل عليه رمضان وهو مجنون وتمادى به طول الشهر فلا قضاء عليه لأنه لم يشهد الشهر بصفة يجب بها الصيام ومن جن أول الشهر وآخره فإنه يقضي أيام جنونه ونصب الشهر على هذا التأويل هو على المفعول الصريح بـ شهد
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/5)
الثانية عشرة: قد تقرر أن فرض الصوم مستحق بالإسلام والبلوغ والعلم بالشهر فإذا أسلم الكافر أو بلغ الصبي قبل الفجر لزمهما الصوم صبيحة اليوم وإن كان بعد الفجر استحب لهما الإمساك وليس عليهما قضاء الماضي من الشهر ولا اليوم الذي بلغ فيه أو أسلم وقد اختلف العلماء في الكافر يسلم في آخر يوم من رمضان هل يجب عليه قضاء رمضان كله أو لا؟ وهل يجب عليه قضاء اليوم الذي اسلم فيه؟ فقال الإمام مالك والجمهور: ليس عليه قضاء ما مضى لأنه إنما شهد الشهر من حين إسلامه قال مالك: وأحب إلي أن يقضي اليوم الذي أسلم فيه وقال عطاء و الحسن: يصوم ما بقي ويقضي ما مضى وقال عبد الملك بن الماجشون: يكف عن الأكل في ذلك اليوم ويقضيه وقال أحمد و إسحاق مثله وقال ابن المنذر: ليس عليه أن يقضي ما مضى من الشهر ولا ذلك اليوم وقال الباجي: من قال من أصحابنا إن الكفار مخاطبون بشرائع الإسلام ـ وهو مقتضى قول مالك و أكثر أصحابه ـ أوجب عليه الإمساك في بقية يومه ورواه في المدونة بن نافع عن مالك وقاله الشيخ أبو القاسم ومن قال من أصحابنا ليسوا مخاطبين قال: لا يلزمه الإمساك في بقية يومه وهو مقتضى قول أشهب وعبد الملك بن الماجشون وقاله بان القاسم
قلت: وهو الصحيح لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} فخاطب المؤمنين دون غيرهم وهذا واضح فلا يجب عليه الإمساك في بقية اليوم ولا قضاء ما مضى وتقدم الكلام في معنى قوله: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} والحمد لله
الثالثة عشرة: قوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر} قراءة جماعة اليسر بضم السين لغتان وكذلك العسر قال مجاهد و الضحاك: اليسر الفطر في السفر و العسر الصوم في السفر والوجه عموم اللفظ في جميع أمور الدين كما قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
[دين الله يسر] وقال صلى الله عليه وسلم:
[يسروا ولا تعسروا] واليسر من السهولة ومنه اليسار للغنى وسميت اليد اليسرى تفاؤلا أو لأنه يسهل له الأمر بمعاونتها لليمنى قولان وقوله: {ولا يريد بكم العسر} وهو بمعنى قوله: {يريد الله بكم اليسر} فكرر تأكيدا
الرابعة عشرة: دلت الآية على أن الله سبحانه مريد بإرادة قديمة أزلية زائدة على الذات هذا مذهب أهل السنة كما أنه عالم لعلم قادر بقدرة حي بحياة سميع بسمع بصير ببصر متكلم بكلام وهذه كلها معان وجودية أزلية زائدة على الذات وذهب الفلاسفة والشيعة إلى نفيها تعالى الله عن قول الزائغين وإبطال المبطلين والذي يقطع دابر اهل التعطيل أن يقال: لو لم يصدق كونه ذا إرادة لصدق أنه ليس بذي إرادة ولو صح ذلك لكان كل ما ليس بذي إرادة ناقصا بالنسبة إلى من له إرادة فإن من كانت له الصفات الإرادية فله أن يخصص الشيء وله ألا يخصصه فالعقل السليم يقضي بأن ذلك كمال له وليس بنقصان حتى إنه لو قدر بالوهم سلب ذلك الأمر عنه لقد كان حاله اولا أكمل بالنسبة إلى حاله ثانيا فلم يبق إلا أن يكون ما لم يتصف أنقص مما هو متصف به ولا يخفى ما فيه من المحال فإنه كيف يتصور أن يكون المخلوق أكمل من الخالق والخالق أنقص منه والبديهة تقضي برده وإبطاله وقد وصف نفسه جل وجلاله وتقدست أسماؤه بأنه مريد فقال تعالى: {فعال لما يريد} وقال سبحانه: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقال: {يريد الله أن يخفف عنكم} إذا أراد امرا فإنما يقول له كن فيكون ثم إن هذا العالم على غاية من الحكمة والإتقان والانتظام والإحكام وهو مع ذلك جائز وجوده وجائز عدمه فالذي خصصه بالوجود يجب أن يكون مريدا له قادرا عليه عالما به فإن لم يكن عالما قادرا لا يصح منه صدور شيء ومن لم يكن عالما وإن كان قادرا لم يكن له ما صدر منه على نظام الحكمة والأتقان ومن لم يكن مريدا لم يكن تخصيص بعض الجائزات بأحوال وأوقات دون البعض بأولى من العكس إذ نسبتها إليه نسبة واحدة قالوا: وإذ ثبت كونه قادرا مريدا وجب أن يكون حيا إذ الحياة شرط هذه الصفات ويلزم من كونه حيا أن يكون سميعا بصيرا متكلما فإن لم تثتب له هذه الصفات فإنه لا محالة متصف بأضدادها كالعمى والطرش والخرس على ما عرف في الشاهد والبارىء سبحانه وتعالى يتقدس عن أن يتصف بما يوجب في ذاته نقصا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/6)
الخامسة عشرة: قوله تعالى: {ولتكملوا العدة} فيه تأويلان: أحدهما: إكمال عدة الأداء لمن أفطر في سفره أو مرضه الثاني: عدة الهلال سواء كانت تسعا وعشرين أو ثلاثين قال جابر بن عبد الله قال النبي صلى الله عليه وسلم:
[إن الشهر يكون تسعا وعشرين] وفي هذ رد لتأويل من تأول قوله صلى الله عليه وسلم:
شهرا عيد لا ينقصان ورمضان ذو الحجة أنهما لا ينقصان عن ثلاثين يوما أخرجه أبو داود وتأوله جمهور العلماء على معنى أنهما لا ينقصان في الأجر وتكفير الخطايا سواء كانا من تسع وعشرين أو ثلاثين
السادسة عشرة: ولا اعتبار برؤية هلال شوال يوم الثلاثين من رمضان نهارا بل هو لليلة التي تأتي هذا هو الصحيح وقد اختلف الرواة عن عمر في هذه المسألة فروى الدار قطني عن شقيق قال: جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين قال في كتابه: إن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد شاهدان أنهما رأياه بالأمس وذكره أبو عمر من حديث عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش عن ابي وائل قال: كتب إلينا عمر فذكره قال أبو عمر: وروي عن علي بن أبي طالب مثل ما ذكره عبد الرزاق أيضا وهو قول ابن مسعود و ابن عمر وأنس بن مالك وبه قال مالك و الشافعي و أبو حنيفة و محمد بن الحسن و الليث و الأوزاعي وبه قال أحمد و إسحاق وقال سفيان الثوري و أبو يوسف: إن رؤي بعد الزوال فهو لليلة التي تأتي وإن رؤي قبل الزوال فهو لليلة الماضية وروي مثل ذلك عن عمر ذكره عبد الرزاق عن الثوري عن مغيرة عن شباك عن إبراهيم قال: كتب عمر إلى عتبة بن فرقد إذا رايتم الهلال نهارا قبل أن تزول الشمس لتمام ثلاثين فافطروا وإذا رأيتموه بعد ما تزول الشمس فلا تفطروا حتى تمسوا وروي عن علي مثله ولا يصح في هذه المسألة شيء من جهة الإسناد عن علي وروي عن سليمان بن ربيعة مثل قول الثوري وإليه ذهب عبد الملك بن حبيب وبه كان يفتى بقرطبة واختلف عن عمر بن عبد العزيز في هذه المسألة قال أبو عمر: والحديث عن عمر بمعنى ما ذهب إليه مالك و الشافعي و أبو حنيفة متصل والحديث الذي روي عنه بمذهب الثوري منقطع والمصير إلى المتصل أولى وقد احتج من ذهب مذهب الثوري بأن قال: حديث الأعمش مجمل لم يخص فيه قبل الزوال ولا بعده وحديث إبراهيم مفسر فهو أولى أن يقال به
قلت: قد روي مرفوعا معنى ما روي عن عمر متصلا موقوفا روته عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:
[أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما صبح ثلاثين يوما فرأى هلال شوال نهارا فلم يفطر حتى أمسى] أخرجه الدار قطني من حديث الواقدي قال: قال الواقدي حدثنا معاذ بن محمد الأنصاري قال: سألت الزهري عن هلال شوال إذا رؤي باكرا قال سمعت سعيد بن المسيب يقول: إن رؤي هلال شوال بعد أن طلع الفجر إلى العصر او إلى أن تغرب الشمس فهو من الليلة التي تجيء قال أبو عبد الله: وهذا مجمع عليه
السابعة عشرة: روى الدار قطني عن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
[اختلف الناس في آخر يوم من رمضان فقد أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالله لأهلا الهلال أمس عشية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا وأن يغدوا إلى مصلاهم] قال الدار قطني: هذا إسناد حسن ثابت قال أبو عمر: لا خلاف عن مالك وأصحابه أنه لا تصلى العيد في غير يوم العيد ولا في يوم العيد بعد الزوال وحكي عن أبي حنيفة واختلف قول الشافعي في هذه المسألة فمرة قال بقول مالك واختاره المزني وقال: إذا لم يجز أن تصلى في يوم العيد بعد الزوال فاليوم الثاني أبعد من وقتها وأحرى ألا تصلى فيه وعن الشافعي رواية أخرى أنها تصلى في اليوم الثاني ضحى وقال البويطي: لا تصلى إلا أن يثبت في ذلك حديث قال أبو عمر: لو قضيت صلاة العيد بعد خروج وقتها لأشبهت الفرائض وقد أجمعوا في سائر السنن أنها لا تقضى فهذه مثلها وقال الثوري و الأوزاعي و أحمد بن حنبل: يخرجون من الغد وقاله أبو يوسف في الإملاء وقال الحسن بن صالح بن حي: لا يخرجون في الفطر ويخرجون في الأضحى قال ابو يوسف: وأما في الأضحى فيصليها بهم في اليوم الثالث قال أبو عمر: لأن الأضحى أيام عيد وهي صلاة عيد وليس الفطر يوم عيد إلا يوم واحد فإذا لم تصل فيه لم تقض في غيره لأنها ليست بفريضة فتقضى وقال
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/7)
الليث بن سعد: يخرجون في الفطر والأضحى من الغد
قلت: والقول بالخروج إن شاء الله أصح للسنة الثابتة في ذلك ولا يمتنع أن يستثنى الشارع من السنن ما شاء فيأمر بقضائه بعد خروج وقته وقد روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس] صحح أبو محمد قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري و الشافعي و أحمد بن حنبل و إسحاق و ابن المبارك وروي عن عمر أنه فعله
قلت: وقد قال علماؤنا: من ضاق عليه الوقت وصلى الصبح وترك ركعتي الفجر فإنه يصليهما بعد طلوع الشمس إن شاء الله وقيل: لا يصليهما حينئذ ثم إذا قلنا: يصليهما فهل ما يفعله قضاء أو ركعتان ينوب له ثوابهما عن ثواب ركعتي الفجر قال الشيخ أبو بكر: وهذا الجاري على أصل المذهب وذكر القضاء تجوز
قلت: ولا يبعد أن يكون حكم صلاة الفطر في اليوم الثاني على هذا الأصل لا سيما مع كونها مرة واحدة في السنة مع ما ثبت من السنة روى النسائي قال: اخبرني عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا شعبة قال حدثني أبو بشر عن ابي عمير بن أنس عن عمومة له:
أن قوما رأوا الهلال فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يفطروا بعدما ارتفع النهار وأن يخرجوا إلى العيد من الغد وفي رواية: ويخرجوا لمصلاهم من الغد
الثامنة عشرة: قرأ ابو بكر عن عاصم وأبو عمرو ـ في بعض ما روي عنه ـ و الحسن و قتادة و الأعرج {ولتكملوا العدة} بالتشديد والباقون بالتخفيف واختار الكسائي التخفيف كقوله عز وجل: {اليوم أكملت لكم دينكم} قال النحاس: وهما لغتان بمعنى واحد كما قال عز وجل: {فمهل الكافرين أمهلهم رويدا} ولا يجوز ولتكملوا بإسكان اللام والفرق بين هذا وبين ما تقدم أن التقدير: ويريد لأن تكملوا ولا يجوز حذف أن والكسرة وهذا قول البصرين ونحوه قول كثير أبو صخر:
(اريد لأنسى ذكرها)
أي لأن أنسى وهذه اللام هي الداخلة على المفعول كالتي في قولك: ضربت لزيد المعنى ويريد إكمال العدة وقيل: هي متعلقة بفعل مضمر بعد تقديره: ولأن تكملوا العدة رخص لكم هذه الرخصة وهذا قول الكوفيين وحكاه النحاس عن الفراء قال النحاس: وهذا قول حسن ومثله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين} أي وليكون من الموقنين فعلنا ذلك وقيل: الواو مقحمة وقيل: يحتمل أن تكون هذه اللام لام الأمر والواو عاطفة جملة كلام على جملة كلام وقال أبو إسحاق إبراهيم بن السري: هو محمول على المعنى والتقدير: فعل الله ذلك ليسهل عليكم ولتكملوا العدة قال: ومثله ما أنشده سيبويه:
(بادت وغير آيهن مع البلى ... إلا رواكد جمرهن هباء)
(ومشجج أما سواء قذاله ... فبدا وغيب ساره المعزاء)
شادة يشيده شيدا جصصه لأن معناه بادت إلارواكد بها رواكد فكأنه قال: وبها مشجج أو ثم مشجج
التاسعة عشرة: قوله تعالى: {ولتكبروا الله} عطف عليه ومعناه الحض على التكبير في آخر رمضان في قول جمهور أهل التأويل واختلف الناس في حده فقال الشافعي: روي عن سعيد بن المسيب وعروة وأبي سلمة أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر ويحمدون قال: وتشبه ليلة النحر بها وقال ابن عباس: حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا وروي عنه: يكبر المرء من رؤية الهلال إلى انقضاء الخطبة ويمسك وقت خروج الإمام ويكبر بتكبيره وقال قوم: يكبر من رؤية الهلال إلى خروج الإمام للصلاة وقال سفيان: هو التكبير يوم الفطر زيد بن اسلم: يكبرون إذا خرجوا إلى المصلى فإذا انقضت الصلاة انقضى العبد وهذا مذهب مالك قال مالك: هو من حين يخرج من داره إلى أن يخرج الإمام وروى ابن القاسم وعلي بن زياد: أنه إن خرج قبل طلوع الشمس فلا يكبر في طريقه ولا جلوسه حتى تطلع الشمس وإن غدا بعد الطلوع فليكبر في طريقه إلى المصلى وإذا جلس حتى يخرج الإمام والفطر والأضحى في ذلك سواء عند مالك وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يكبر في الأضحى ولا يكبر في الفطر والدليل عليه قوله تعالى: {ولتكبروا الله} ولأن هذا يوم عيد لا يتكرر في العام فسن التكبير في الخروج إليه كالأضحى وروى الدار قطني عن ابي عبد الرحمن السلمي قال كانوا في التكبير في الفطر أشد منهم في الأضحى وروي عن ابن عمر:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى وروي عن ابن عمر: أنه كان إذا غدا يوم الأضحى ويوم الفطر يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى ثم يكبر حتى يأتي الإمام وأكثر أهل العلم على التكبير في عيد الفطر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم فيما ذكر ابن المنذر قال: وحكى ذلك الأوزاعي عن إلياس وكان الشافعي يقول إذا رأى هلال شوال: احببت أن يكبر الناس جماعة وفرادى ولا يزالون يكبرون ويظهرون التكبير حتى يغدوا إلى المصلى وحين يخرج الإمام إلى الصلاة وكذلك أحب ليلة الأضحى لمن لم يحج وسيأتي حكم صلاة العيدين والتكبير فيهما في {سبح اسم ربك الأعلى} و الكوثر إن شاء الله تعالى
الموفية عشرين: ولفظ التكبير عند مالك وجماعة من العلماء: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثا وروي عن جابر بن عبد الله ومن العلماء من يكبر ويهلل ويسبح أثناء التكبير ومنهم من يقول: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وكان ابن المبارك يقول إذا خرج من يوم الفطر: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا قال ابن المنذر: وكان مالك لا يحد فيه حدا وقال أحمد: هو واسع قال ابن العربي: واختار علماؤنا التكبير المطلق وهو ظاهر القرآن وإليه أميل
الحادية والعشرون: قوله تعالى: {على ما هداكم} قيل: لما ضل فيه النصارى من تبديل صيامهم وقيل: بدلا عما كانت الجاهلية تفعله من التفاخر بالآباء والتظاهر بالأحساب وتعديد المناقب وقيل: لتعظموه على ما أرشدكم إليه من الشرائع فهو عام وتقدم معنى {ولعلكم تشكرون}
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/8)
ـ[حسام الدين الكيلاني]ــــــــ[07 - 10 - 05, 10:15 م]ـ
جزاك الله خيراً، لقد كفيت ووفيت.
ـ[الأحمدي]ــــــــ[08 - 10 - 05, 12:10 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هذه أختي في الله
تفسير آيات الصيام من الجامع للقرطبي.
ـ[فلسطينية مسلمة]ــــــــ[08 - 10 - 05, 05:03 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..... ومبارك عليكم الشهر الكريم
الحمد لله الذي يسركم لي ولكني والله اخاف ان اثقل عليكم بطلباتي المتكررة
لا استطيع ان اقدم لكم شيئا الا الدعاء
فجزاكم الله خيرا وفرج كروبكم ويسر اموركم
امين
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته(3/9)
ساعدوني في ايجاد دراسة لمنهج الكشاف في تفسير سورة طه من الكشاف
ـ[العجوري]ــــــــ[15 - 11 - 05, 09:14 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخواني الاعزاء
هل من احدكم يساعدني في في دراسة حول (منهج الزمخشري في تفسير سورة طه من الكشاف) حيث انني احاول عقد مثل هذه الدراسة ولكنني اريد المساعدة منكم زملائي واخواني لا تنسوني بالردود وجزاكم الله خيرا
اخوكم في الله العجوري (ملتمس علم)
ـ[أبو أمينة]ــــــــ[22 - 11 - 05, 12:32 ص]ـ
أخي اعلم أن الزمخشري من العلماء الراسخين في علم البيان و المعاني فإن كان لك حظ من هذين العلمين فالأمر يسير إن شاء الله
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[25 - 11 - 05, 06:04 ص]ـ
أخي العجوري: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
للدكتور صالح الغامدي رسالة طُبعت في مجلدين بعنوان " المسائل الاعتزالية في تفسير الكشاف للزمخشري في ضوء ما ورد في كتاب الانتصاف لابن المنيّر - عرض ونقد "؛ أجاد فيها عن الرجل ومذهبه ومنهجه في التفسير. لعلك تُفيد منها.
(طبعتها دار الأندلس بحايل، ت 5333341
----
واستفد كذلك ممن صنف في مناهج المفسرين؛ كالذهبي المعاصر - رحمه الله -، والمغراوي.
وفقك الله.
ـ[أبو أكثم]ــــــــ[30 - 11 - 05, 10:10 ص]ـ
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?tMadhNo=0&tTafsirNo=2&tSoraNo=18&tAyahNo=1&tDisplay=yes&UserProfile=0
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[30 - 11 - 05, 11:31 ص]ـ
لشيخ البلاغيين العلامة الدكتور محمد أبو موسى -حفظه الله - كتاب مطبوع عن الكشاف بدار وهبة بالقاهرة، وهي رسالته للماجستير أو الدكتوراة ..... وهناك كتاب عن منهج الكشاف بدار المعارف بمصر
والكلام يطول ............ !
ـ[أبو أسلم العدوي]ــــــــ[30 - 11 - 05, 12:15 م]ـ
الدكتور / مصطفى الصاوي الجويني كانت إحدى رسالتيه عن الزمخشري ومنهجه في تفسيره الكشاف، وهي من مطبوعات منشأة المعارف بالإسكندرية، والكتاب ليس معي الآن حتى أعطيك بيانات الطبعة كاملة.(3/10)
من مِن الصحابة سمع القرآن كله من النبي صلى الله عليه وسلم؟؟.
ـ[صلاح الدين الشامي]ــــــــ[19 - 11 - 05, 12:09 ص]ـ
من مِن الصحابة سمع القرآن كله من النبي صلى الله عليه وسلم؟؟.
وهل منهم 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - من قرأ القرآن كله على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟؟
مع الاعتذار كون السؤال "قرآني" .. ولكن هو في الإسناد قبل كل شيء.
ودمتم لنا.
ـ[راجي رحمة ربه]ــــــــ[19 - 11 - 05, 12:27 ص]ـ
أحدهم هو سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه فقد سمع وعرض 70 سورة وعرض بقية القرآن كاملا بعد حفظه عن صحابي آخر هو مجمع بن جارية رضي الله عنه
كما في المسند برجال الصحيح
وفي الحديث إشارة لتقدم سيدنا مجمع بن جارية رضي الله عنه في الجمع والأخذ عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ـ[صلاح الدين الشامي]ــــــــ[19 - 11 - 05, 01:04 م]ـ
ماذا تقصد أخي بـ"سمع وعرض"؟؟ ....... لعله سمع السبعين -كما ورد-, ولكن هل قرأ السبعين والنبي يسمع؟؟.
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[19 - 11 - 05, 04:36 م]ـ
هم كثيرون
ومنهم زيد بن ثابت رضي الله عنه فقد ثبت في البخاري أنه حضر العرضة الأخيرة التي عرضها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على جبريل عليه السلام
وقد كنت أجبت بما يلي عن سؤال طرح في ملتقى أهل التفسير عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما هل كانا يحفظان القرآن كاملا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ فقلت:
الصحيح أن الخلفاء الراشدين كانوا يحفظون القرآن على زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال بهذا أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب القراءات وابن كثير في البداية وابن حجر في الفتح والسيوطي في الإتقان _ رحمهم الله _ وغيرهم، وأما حديث (لم يجمع القرآن إلا أربعة) فالمراد التمثيل وليس الحصر لأن الحديث له روايات مختلفة في كل رواية عد أربعة غير المذكورين في الرواية الأخرى، وفي بعض الروايات إلا خمسة، وفي بعضها إلا ستة، مما يدل على أنهم أكثر من أربعة، أو يكون المراد لم يجمع القرآن أي يحفظه بجميع قراءاته وأحرفه المنزلة إلا هؤلاء المذكورون، وهذا لا يمنع من وجود صحابة آخرين كانوا يحفظونه بقراءة واحدة أو أكثر لكن لم يجمعوا قراءاته، أو يكون المقصود أنه لم يجمعه من الخزرج إلا هؤلاء الأربعة وهذا لا ينفي وجود من جمع القرآن من المهاجرين وهذا الاحتمال الأخير هو الذي رجحه الحافظ ابن حجر رحمه الله.
قال السيوطي في الإتقان: " قال ابن حجر: وقد ظهر لي احتمال آخر وهوأن المراد بإثبات ذلك للخزرج دون الأوس فقط فلا ينفي ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين لأنه قال ذلك في معرض المفاخرة بين الأوس والخزرج كما أخرجه ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج فقال الأوس: منا أربعة: من اهتز له العرش سعد بن معاذ، ومن عَدَلَت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن أبي ثابت،ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومن حمته الدبر عاصم بن أبي ثابت: أي ابن أبي الأفلح، فقال الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم فذكرهم.
قال: والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الصحيح أنه بنى مسجداً بفناء داره فكان يقرأ فيه القرآن وهومحمول على ما كان نزل منه إذ ذاك.
قال: وهذا مما لا يرتاب فيه مع شدة حرص أبي بكر على تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وفراغ باله له وهما بمكة وكثرة ملازمة كل منهما للآخر حتى قالت عائشة: إنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيهم بكرة وعشياً.
وقد صح حديث يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وقد قدمه صلى الله عليه وسلم في مرضه إماماً للمهاجرين والأنصار فدل على أنه كان أقرأهم اه ـ.
وسبقه إلى نحوذلك ابن كثير ...
وأخرج النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو قال جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأه في شهر .. الحديث.
وأخرج ابن أبي داود بسند حسن بن محمد بن كعب القرظي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبيّ بن كعب وأبوالدرداء وأبوأيوب الأنصاري.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/11)
وأخرج البيهقي في المدخل عن ابن سيرين قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة لا يختلف فيهم: معاذ بن جبل وأبيّ بن كعب وأبوزيد واختلفوا في رجلين من ثلاثة: أبي الدرداء وعثمان وقيل عثمان وتميم الداري.
وأخرج هووابن أبي داود عن الشعبي قال: جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ستة: أبيّ ومعاذ وأبوالدرداء وسعيد بن عبيد وأبوزيد ومجمع بن جارية وقد أخذه إلا سورتين أوثلاثة.
وقد ذكر أبو عبيد في كتاب القراءات: القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعد من المهاجرين الخلفاء الأربعة ....... " اهـ
هذا بخصوص إثبات حفظهم للقرآن قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، أما الذين قالوا لم يكملوا حفظه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم يقولون أكملوا حفظه بعد وفاته، لأنه ثبت أن عمر رضي الله عنه كان يقرأ في صلاة الفجر بحوالي ستة أرباع بسورة يونس وهود ويوسف والنحل وأمثالها، وأنه كان يقرئ القرآن أيام خلافته ورحل أبو العالية ميمون بن مهران إلى عمر فقرأ عليه ثلاث ختمات، ذكر ذلك الحافظ الذهبي في السير، وكذلك كان عثمان وعليّ رضي الله عنهما يقرئان القرآن، كان عثمان بعد أن يصلي بالناس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يجلس في مؤخرة المسجد فيجتمع عليه الناس يقرؤون عليه القرآن، وكيف لا يُقرئ القرآن وهو راوي حديث (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)؟ فقد رواه البخاري عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقرئ الناس في الكوفة، ولم تمنع أعباء الخلافة الخلفاء الراشدين عن إقراء القرآن، وقرأ على كل من عثمان وعليّ جمعٌ كبيرٌ، وممن قرأ عليهما أبو عبد الرحمن السلمي، ورواية حفص عن عاصم يرجع سندها إليهما حيث إن عاصما قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي عنهما كما سبق، وثبت أن عثمان قرأ القرآن كله من حفظه في ركعة واحدة أوتر بها في المسجد الحرام حيث إنه بعد أن صلى العشاء قام فأوتر بركعة افتتح فيها بعد الفاتحة بالبقرة ثم بآل عمران واستمر في قراءته فلم يطلع عليه الفجر إلا وقد ختم القرآن، وقصة ختم عثمان القرآن في ركعة رواها الطبري والطحاوي وغيرهما بأسانيد صحيحة صححها النووي والألباني وغيرهما، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستن بسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وأن يلحقنا بهم في الصالحين.
__________________
أبو خالد وليد بن إدريس المنيسي السلمي
وبقية النقاش في الموضوع على هذا الرابط:
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=1299(3/12)
مقالات الشيخ مساعد الطيار في ملتقى أهل التفسير
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 09:30 م]ـ
نظرات في علوم القرآن
--------------------------------------------------------------------------------
نظرات في علوم القرآن
إن علوم القرآن من العلوم التي لم تنضج بعد، ولا زالت بحاجة إلى إعادة نظر، إضافة ونقد وتحرير.
وسأذكر في هذه السلسلة المباركة إن شاء الله طروحات تتعلق بهذا الموضوع، وستكون موضوعات متفرقة غير مرتبة، وسأطرح منها حسب ما يتيسر لي من الوقت في الكتابة فيه، وقد كنت أتمنى لو أسير على تصنيف السيوطي في الإتقان، وأذكر تحت كل موضوع يطرحه تلخيصًا لما يطرحه، ثم أطرح ما في جعبتي من تتميم واستدراك ونقد، لكن هذا يتطلَّب وقتًا لا أراه بين يدي الآن، وعسى الله أن ييسِّر لي ذلك مستقبًلا، إنه سميع مجيب.
وقبل الحديث عن هذه الموضوعات أذكر أنَّ من أبرز ما يحتاج إلى تجديد في هذا العلم:
الأولى: تحرير تأثر الكتابة في هذا العلم بما تحررت كتابته في العلوم الأخرى.
الثانية: حاجة هذا العلم إلى التجديد من جهة تحرير مصطلحاته بناءً على استقراء أمثلة الموضوعات في كلام السلف وتفاسيرهم.
الثالثة: وضع كشاف للنصوص الواردة عن السلف يكون مفهرسًا فهرسة موضوعية، بحيث يورد فيه كل الجزئيات المذكورة في كلام السلف حسب الموضوعات الدقيقة الجزئية الواردة في نصوصهم، وهذا العمل ـ لو تَمَّ ـ فإنه نفيسٌ جدًّا، وهو مما يفيد الباحثين في موضوعات علوم القرآن.
وسأطرح أمثلة تتعلق بالنقطة الأولى والثانية في الموضوعات التي ألقيها في هذه السلسلة، أما المسألة الثالثة، فأطرح فكرتها هنا؛ لأنها لن تمرَّ في هذه الموضوعات المطروحة:مثال:
روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:» لما نزلت: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) قلنا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه؟.
قال: ليس كما تقولون: (لم يلبسوا إيمانهم بظلم): بشرك، أو لم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) «.
يمكن فهرسة الموضوعات الموجودة في هذا الأثر على شكل الفوائد الآتية:
1 ـ أن الصحابة إذا أشكل عليهم شيء من القرآن سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم. (مشكل التفسير عند الصحابة).
2 ـ أن الصحابة كانوا يجتهدون في فهم المعنى، فإذا أشكل عليهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهاهم عن سلوك هذا السبيل، بل أرشدهم إلى معنى الآية. (اجتهاد الصحابة في التفسير في زمن النبي صلى الله عليه وسلم).
3 ـ أن الصحابة كانوا يرجعون إلى المعروف من لغتهم العربية، ففسروا الظلم بما يعرفون. (الأخذ بلغة العرب عند الصحابة)
4 ـ أنهم أخذوا بعموم الظلم، وهذا دليل على أنهم يرون أن ألفاظ القرآن علة العموم. (الأخذ بعموم اللفظ عند الصحابة)
5 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المرجع في بيان القرآن. (التفسير النبوي للقرآن)
6 ـ أن تفسير القرآن بالقرآن منهج صحيح لوروده عن النبي صلى الله عليه وسلم. (تفسير القرآن بالقرآن).
وأسأل التوفيق والإخلاص في القول والعمل.
أولاً: موضوع العموم والخصوص
لم يخرج من كَتَبَ في موضوع العموم والخصوص في الدراسات القرآنية من ربقة علم أصول الفقه، فصار الحديث في هذا الموضوع نسخة مكررة عما هو موجود في كتب أصول الفقه إلا في القليل النادر.
ويلاحظ على موضوع العموم والخصوص المطروح في علوم القرآن:
1 ـ أنه ـ في الغالب ـ يتعلق بعلم الأحكام الشرعية، وهذا في حقيقته جزء من مسألة العموم، وليس كل ما يتعلق بالعموم في القرآن.
2 ـ أنه لا يبعد أن يكون الموضوع المتعلق بالعموم والخصوص من جهة تعلقه بالأحكام الشرعية = أقلَّ من غيره مما ستراه منسيًا في بحث هذا الموضوع في علوم القرآن.
ملخص مبحث العموم والخصوص في كتاب الإتقان
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/13)
طرق السيوطي هذا الموضوع في النوع الخامس والأربعين من أنوع علوم القرآن (3: 43 ـ 51)، وبيَّن فيه تعريف العام، وألفاظ العموم وصيغة، وأقسام العام (العام الباقي على عمومه، والعام المراد به الخصوص، والعام المخصوص) وقد ذكر ستة فروق بين القسمين الأخيرين، ثم أورد مخصص الهام المتصل ومخصص العام المنفصل، ثم ذكر تخصيص القرآن بالسنة في فصل، ثم ذكر خمسة مسائل منثورة في تتعلق بالعموم والخصوص.
وجُلُّ ما ذكره في هذا النوع مأخوذ من كتب أصول الفقه، وقد أشار إلى هذه المسألة الدكتور حازم سعيد حيدر في كتابه النافع (علوم القرآن بين البرهان والإتقان)، قال:» وهذا النوع له ارتباط وثيق بأصول الفقه، لذلك قلَّ كتاب من كتب الأصول يخلو منه، لذا نقل السيوطي فيه عن البرهان في أصول الفقه لإمام الحرمين، وعن المستصفى للغزالي، والإبهاج في شرح المنهاج للسبكي، دون أن يسمِّيَها، ولكن سمَّى أصحابها ... «. (ص: 428 ـ 429).
ومن المباحث المرتبطة بالعموم ـ وهي غير موجودة في كتب علوم القرآن التي كتبت في هذا الموضوع ـ ما يأتي:
المسألة الأولى: الأصل في الأحكام الشرعية المذكورة في القرآن أنها على العموم، ويلحق بها الأخبار.
أما الأحكام الشرعية، فقد نصَّ الطبري (ت: 310) على أن السلف كانوا يرون أن حكم الله فيما أمر ونهى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم على العموم الظاهر دون الخصوص الباطن، قال ف تعليقه على قصة البقرة من سورة البقرة:» وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه من الصحابة والتابعين والخالفين بعدهم من قولهم إن بني إسرائيل لو كانوا أخذوا أدنى بقرة فذبحوها أجزأت عنهم ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم من أوضح الدلالة على أن القوم كانوا يرون أن حكم الله فيما أمر ونهى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم على العموم الظاهر دون الخصوص الباطن إلا أن يخص بعض ما عمه ظاهر التنزيل كتاب من الله أو رسول الله وأن التنزيل أو الرسول إن خص بعض ما عمه ظاهر التنزيل بحكم خلاف ما دل عليه الظاهر فالمخصوص من ذلك خارج من حكم الآية التي عمت ذلك الجنس خاصة وسائر حكم الآية على العموم على نحو ما قد بيناه في كتابنا كتاب الرسالة من لطيف القول في البيان عن أصول الأحكام في قولنا في العموم والخصوص وموافقة قولهم في ذلك قولنا ومذهبهم مذهبنا وتخطئتهم قول القائلين بالخصوص في الأحكام وشهادتهم على فساد قول من قال: حكم الآية الجائية مجيء العموم على العموم ما لم يختص منها بعض ما عمته الآية فإن خص منها بعض فحكم الآية حينئذ على الخصوص فيما خص منها وسائر ذلك على العموم
وذلك أن جميع من ذكرنا قوله آنفا ممن عاب على بني إسرائيل مسألتهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عن صفة البقرة التي أمروا بذبحها وسنها وحليتها رأوا أنهم كانوا في مسألتهم رسول الله ? موسى ذلك مخطئين، وأنهم لو كانوا استعرضوا أدنى بقرة من البقر إذ أمروا بذبحها بقوله: ?أن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة? فذبحوها كانوا للواجب عليهم من أمر الله في ذلك مؤدين وللحق مطيعين إذ لم يكن القوم حصروا على نوع من البقر دون نوع وسن دون سن ورأوا مع ذلك أنهم إذا سألوا موسى عن سنها فأخبرهم عنها وحصرهم منها على سن دون سن ونوع دون نوع وخص من جميع أنواع البقر نوعا منها كانوا في مسألتهم إياه في المسألة الثانية بعد الذي خص لهم من أنواع البقر من الخطأ على مثل الذي كانوا عليه من الخطأ في مسألتهم إياه المسألة الأولى وكذلك رأوا أنهم في المسألة الثالثة على مثل الذي كانوا عليه من ذلك في الأولى والثانية وأن اللازم كان لهم في الحالة الأولى استعمال ظاهر الأمر وذبح أي بهيمة شاءوا مما وقع عليها اسم بقرة وكذلك رأوا أن اللازم كان لهم في الحال الثانية استعمال ظاهر الأمر وذبح أي بهيمة شاءوا مما وقع عليها اسم بقرة عوان لا فارض ولا بكر ولم يروا أن حكمهم إذ خص لهم بعض البقر دون البعض في الحالة الثانية انتقل عن اللازم الذي كان لهم في الحالة الأولى من استعمال ظاهر الأمر إلى الخصوص ففي إجماع جميعهم على ما روينا عنهم من ذلك مع الرواية التي رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموافقة لقولهم دليل واضح على صحة قولنا في العموم والخصوص وأن أحكام الله جل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/14)
ثناؤه في آي كتابه فيما أمر ونهى على العموم ما لم يخص ذلك ما يجب التسليم له وأنه إذا خص منه شيء فالمخصوص منه خارج حكمه من حكم الآية العامة الظاهر وسائر حكم الآية على ظاهرها العام ويؤيد حقيقة ما قلنا في ذلك وشاهد عدل على فساد قول من خالف قولنا فيه وقد زعم بعض من عظمت جهالته واشتدت حيرته أن القوم إنما سألوا موسى ما سألوا بعد أمر الله إياهم بذبح بقرة من البقر لأنهم ظنوا أنهم أمروا بذبح بقرة بعينها خصت بذلك كما خصت عصا موسى في معناها فسألوه أن يحليها لهم ليعرفوها ولو كان الجاهل تدبر قوله هذا لسهل عليه ما استصعب من القول وذلك أنه استعظم من القوم مسألتهم نبيهم ما سألوه تشددا منهم في دينهم ثم أضاف إليهم من الأمر ما هو أعظم مما استنكره أن يكون كان منهم فزعم أنهم كانوا يرون أنه جائز أن يفرض الله عليهم فرضا ويتعبدهم بعبادة ثم لا يبين لهم ما يفرض عليهم ويتعبدهم به حتى يسألوا بيان ذلك لهم فأضاف إلى الله تعالى ذكره ما لا يجوز إضافته إليه ونسب القوم من الجهل إلى ما لا ينسب المجانين إليه فزعم أنهم كانوا يسألون ربهم أن يفرض عليهم الفرائض فتعوذ بالله من الحيرة ونسأله التوفيق والهداية «.
وأما الأخبار، فالظاهر أنها كالأحكام في العموم، لذا نشأ عند ابن جرير الطبري (ت: 310) قاعدة: الخبر على عمومه حتى يأتي ما يخصصه، وهذه القاعدة من أكثر القواعد التي اعتمدها الطبري (ت: 310) في ترجيحاته بين الأقوال.
ومن أمثلة ترجيحاته المعتمدة على العموم:
في قوله تعالى: ?وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ?] الذاريات: 22 [.
ذكر في معنى» وما توعدون «قولين عن السلف:
الأول: الخير والشر.
والثاني: الجنة والنار.
ثمَّ قال:» وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي القول الذي قاله مجاهد لأن الله عَمَّ الخَبَرَ بقوله: ?وما توعدون? عن كل ما وعدنا من خير أو شر، ولم يخصص بذلك بعضا دون بعض، فهو على عمومه كما عمَّه الله جل ثناؤه «. تفسير الطبري، ط: الحلبي (26: 206).
ومبحث العموم في أخبار الله، وترجيحات الطبري (ت: 310) من المباحث التي تصلح للترقية، وفيه فوائد لطيفة، منها:
معرفة الكمية التي حكم الطبري (ت: 310) فيها بالعموم.
معرفة العلل الموجبة للخصوص عند الطبري (ت: 310).
تطبيقات بعض العلل التي توجب التخصيص عند الطبري (ت: 310). إلى غير ذلك.
فائدة: لم يرد عن السلف مصطلح العموم والإطلاق المقابلان للتخصيص والتقييد، وهذان المصطلحان من تقييدات المتأخرين، بل كانت عباراتهم على عادتهم مؤدية للمعنى المراد دون التحديد بهذه المصطلحات، ولذا ورد عنهم في تفسير قصة البقرة عبارات متقاربة في أنهم لو أخذوا بقرة ما كانت لأجزأت عنهم.
المسألة الثانية: أن الأسباب لا تُخصِّص الألفاظ العامة، بل العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وهذه مسألة مشهورة مذكورة عند الأصوليين وغيرهم، لكن تطبيقاتها الكثيرة متناثرة في كتب التفسير، وهي صالحة بمفردها لأن تكون بحثًا مستقلاً، يُحرَّر فيها ما يتعلق بهذه القاعدة وما فيها من تطبيقات، ويناقش فيها ـ كذلك ـ القول القائل: العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ، والبحث في من قال به من العلماء، وثمرة الخلاف وأثره على التفسير، كل ذلك يكون من خلال التطبيقات الموجودة في التفسير.
ومن المفسرين الذين نصَّوا على قاعدة (العبرة بعموم اللفظ) الطبري (ت: 310):، قال:» ... مع أن الآية تنْزل في معنى فَتَعُمُّ ما نزلت به فيه وغيره فيلزم حكمها جميع ما عمته لما قد بينا من القول في العموم والخصوص في كتابنا كتاب البيان عن أصول الأحكام «. تفسير الطبري، ط: الحلبي (5: 9).
ويدخل في هذا المعنى ما يشمل المراد بالمعنى الذي قد يعبر عنه بعض السلف بالنُّزول، كالوارد في تفسير قوله تعالى: ?إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ? ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ?] الزمر: 30 ـ 31 [.
فقد ورد أنها في اختصام المؤمنين والكافرين والمظلوم والظالم.
وورد عن ابن عمر قال: نزلت علينا هذه الآية وما ندري ما تفسيرها حتى وقعت الفتنة فقلنا هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/15)
قال الطبري (ت: 310):» وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: عني بذلك: إنك يا محمد ستموت، وإنكم أيها الناس ستموتون، ثم إن جميعكم أيها الناس تختصمون عند ربكم: مؤمنكم وكافركم، ومحقوكم ومبطلوكم، وظالموكم ومظلوموكم حتى يؤخذ لكل منكم ممن لصاحبه قبله حق حقه.
وإنما قلنا: هذا القول أولى بالصواب؛ لأن الله عَمَّ بقوله: ?ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون? خطاب جميع عباده، فلم يخصص بذلك منهم بعضا دون بعض، فذلك على عمومه على ما عمَّه الله به.
وقد تنْزل الآية في معنًى ثم يكون داخلا في حكمها كل ما كان في معنى ما نزلت به «. تفسير الطبري، ط: الحلبي (24: 2).
ويدخل في هذا ما يحكونه من نزول بعض الآيات في عدد من الأشخاص، فإنه لا يلزم أن تكون نزلت فيهم، ولا أن تكون نزلت في أحدهم، والنظر ـ من جهة التفسير ـ في هذا الحال إلى صحة انطباق المذكورين على معنى الآية، ومن ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى: ?إن شانئك هو الأبتر?] الكوثر: 3 [.
فقد ورد أن الأبتر: العاص بن وائل، وقيل: عقبة بن أبي معيط.
وقد يكون أحدهما هو المعنيُّ بنُزول الآية، وقد يكونان معًا، وقد لا يكونان المعنيين قصدًا بنُزولها.
وفي جميع هذه الأحوال، فإنَّ هذان الشخصان ممن ينطبق عليهم وصف الشانئ للرسول ?، فهم ممن أبغضه، فجعله الله منقطعًا عن كل خير، والله أعلم.
ولأجل هذا، فإن الآية تعمُّ كل من كان مبغضًا لرسول الله ? من لدن أعدائه الأُوَلِ من قريش والعرب إلى يوم الدين.
قال الطبري (ت: 310):» وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله ـ تعالى ذكره ـ أخبر أن مبغض رسول الله ? هو الأقل الأذل المنقطع عقبه، فذلك صفة كل من أبغضه من الناس، وإن كانت الآية نزلت في شخص بعينه «. تفسير الطبري، ط: الحلبي (30: 330).
ملاحظة: في تحقيق السبب الذي نزلت الآية من أجله فائدة لا تدخل في مجال التفسير، بل في مجالات علمية أخرى، ولعلي أطرح هذه الفكرة في مقالة مستقلة، أذكر فيها متى تقع الحاجة إلى تحرير أسباب النُّزول، والله الموفق.
المسألة الثالثة: أنه يكثر في تفسير السلف للعمومات التمثيل لها:
وهذا الأسلوب التفسيري عندهم يعتبر من أكثر تفسيراتهم كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728) في رسالته في أصول التفسير، حيث قال في نوعي اختلاف التنوع:» ... وهذان الصنفان اللذان ذكرناهما في تنوع التفسير ـ تارة لتنوع الأسماء والصفات، وتارة لذكر بعض أنواع المسمى وأقسامه؛ كالتمثيلات ـ هما الغالب في تفسير سلف الأمة، الذي يُظنُّ أنه مختلف «. مقدمة في أصول التفسير، تحقيق عدنان زرزور (ص: 49).
وإذا كان التمثيل للعموم كثير في تفسير سلف الأمة فأين هو في مباحث العموم التي تُدرس في علوم القرآن؟!
إنَّ هذا الموضوع مما لا تكاد تجده في من بحث في العموم والخصوص؛ لأنَّ البحث فيه منتخب مما كُتِبَ في علم أصول الفقه، فغاب هذا المبحث المهم عن من كتب العموم والخصوص في علوم القرآن.
وفي هذا الموضوع بحثان مهمَّان:
الأول: كيف حُكِمَ على تفسيرات السلف للعموم بالتمثيلات أنها من قبيل المثال لا التخصيص؟
الثاني: إذا ثبت أنَّ تفسير السلف للعموم بالتمثيلات إنما هو على سبيل المثال لا على سبيل التخصيص، فهل يخالف ذلك قاعدة: الخبر على عمومه حتى يأتي ما يخصصه؟
أما الجواب عن الأول، فإن ذلك ظاهر بالاستقراء في تفاسيرهم، وبتنوع عبارة المفسر عن المعنى العام أحيانًا، فترد عنه عبارة على سبيل المثال، وترد عنه عبارة أخرى على سبيل المثال للعامِّ.
ومن أمثلة ما ورد من تنوع عبارة المفسر عن المعنى العام ما ورد عن ابن عباس (ت: 68) في تفسير قوله تعالى: ?وشاهد ومشهود?] البروج: 3 [، فقد ورد عنه العبارات الآتية:
1 ـ من طريق عطية العوفي: الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة.
2 ـ من طريق يوسف المكي عنه: الشاهد: محمد، والمشهود: يوم القيامة، وقرأ: ?ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود?.
3 ـ من طريق على بن أبي طلحة: الشاهد: الله، والمشهود: يوم القيامة.
4 ـ من طريق مجاهد: الشاهد: يوم عرفة، والمشهود: يوم القيامة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/16)
وإنما تنوعت العبارات عن ابن عباس (ت: 68) رضي الله عنهما؛ لأنه نحى إلى التمثيل لذلك الاسم العام، وهو الشاهد والمشهود، وإذا تأملت أقواله التفسيرية في الشاهد وجدتها مما ينطبق عليه وصف الشاهد وكذا أقواله في المشهود ينطبق عليها وصف المشهود.
ولو حملت عبارته على التخصيص لذهبت إلى تناقض الرواية عنه، كما يظن من جَهِلَ طريقة السلف في التفسير فحكم على هذا التنوع وأمثاله بالتناقض، وهو في الحقيقة ليس كذلك.
كما أنه قد ورد عن بعضهم الإشارة إلى هذا، قال الطبري:» حدثني يعقوب قال ثني هشيم قال أخبرنا أبو بشر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال في الكوثر: هو الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه.
قال أبو بشر: فقلت لسعيد بن جبير فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة قال فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه «. تفسير الطبري، ط: الحلبي (30: 321).
وأما الجواب عن الثاني، فإنه يقال: لا اختلاف بين الترجيح بقاعدة العموم والقول بالتمثيل، وإنما تُذكر القاعدة لئلا يُفهم أن هذه التمثيلات على سبيل التخصيص، وهذا يعني أن عباراتهم في التمثيل ليست حجة في تخصيص العامِّ إلا أن يَرِدَ في سياق العبارة ما يدلُّ على إرادة المفسر من السلف التخصيصَ.
وإذا ورد التخصيص للَّفظ العامِّ، وظهر ضعف التخصيص، فإنَّ القاعدة تكون من باب ردِّ التخصيص.
أما إذا حملتَ الأقوال على التمثيل، فإنَّ القول بالقاعدة يكون للتنبيه على العموم، والله أعلم.
المسألة الرابعة: تعميم اللفظ على عمومه الأعم دون تقييده بسياق الآية.
إن هذه المسألة من المسائل المهمة في هذا الموضوع، وهي مما يدخل ضمن موضوع الاستنباط؛ لأنَّ فيها العبور عما سيق اللفظ أو الجملة فيه إلى معانٍ تدخل فيهما بتجريدهما عن سياقهما الذي هما فيه.
ويظهر أن القياس هو الذي يمثِّل هذه المسألة؛ لأنَّ الخروج باللفظ أو الجملة عن سياقهما إدخالٌ لصور لم يدل عليها ظاهر اللفظة أو الجملة في السياق.
ويدخل في هذا المهيع من الصور:
1 ـ إدخال ما ليس في حكم الآية بها.
2 ـ الاستشهاد بالآية على ما لم تنْزل فيه.
3 ـ تنْزيل الآية على واقعة حدثت بعد نزول القرآن.
ومن أمثلة إدخال ما ليس في حكم الآية بها: ما ورد في تفسير قوله تعالى: ?الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون?] البقرة: 3 [، قال الراغب الأصفهاني (ت: بعد: 400):» فالإنفاق من الرزق ـ بالنظر العامي ـ: من المال؛ كما تقدَّم.
وأما بالنظر الخاصي: فقد يكون الإنفاق من جميع المعاون التي آتانا الله ـ عز وجل ـ من النعم الباطنة والظاهرة؛ كالعلم والقوة والجاه والمال. ألا ترى إلى قوله عليه السلام: إن علمًا لا يقال به، ككنْز لا يُنفق منه.
وبهذا النظر عدَّ الشجاعة وبذل الجاه وبذل العلم من الجود حتى قال الشاعر:
....................... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وقال آخر:
بحر يجود بماله وبجاهه والجود كل الجود بذل الجاه
وقال حكيم: الجود التامُّ: بذل العلم.
فمتاع الدنيا عرض زائل ينقصه الإنفاق. وإذا تزاحم عليه قوم ثَلَمَ بعضهم حال بعضٍ، والعلم بالضدِّ، فهو باق دائم، ويزكو على النفقة، ولا يثلم تناول البعض حال الباقين.
وإلى هذا ذهب بعض المحققين، فقال: ?ومما رزقناهم ينفقون?؛ أي: مما خصصناهم من أنوار المعرفة يفيضون. فعلى هذا [هو] عام في كل ذلك «. مقدمة جامع التفاسير، تحقيق أحمد حسن فرحات (ص: 158 ـ 159).
وهذا المثال ظاهر جدًّا، فسياق الآية كما هو ظاهر في الإنفاق المالي، بدلالة قرن النفقة بالصلاة، والذي يقرن بها غالبًا هو الزكاة، وبدلالة أن مصطلح النفقة في القرآن يغلب على النفقة المالية.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/17)
وعلى هذا جاء تفسير السلف مع اختلافهم في نوع النفقة المالية، هل هي النفقة الواجبة؛ أي الزكاة وما يجب من النفقة على الأهل، أم هي ما دون ذلك من النفقة المستحبة؟ وأقوالهم لم تخرج عن أن المراد بها الإنفاق المالي، وعلى هذا فالصواب أنَّ الآية في الإنفاق المالي قطعًا، لكن ما ذكره الراغب (ت: بعد:400) من أنه يدخل فيها جميع أنواع الإنفاق التي يبذلها المسلم من العلم والجاه والقوة وغيرها = غير مرادٍ إرادة أولية، وإدخاله إنما هو من باب تعميم اللفظ على عمومه الأعمِّ، وإخراجه من مدلول سياقه المالي، إلى غيره، فجعل الرزق يشمل جميع ما يعطيه الله العبد من النعم المعنوية والحسية، وتكون النفقة من هذه النعم كل بحسبها، والله أعلم.
ومن أمثلة الاستشهاد بالآية على ما لم تنْزل فيه، ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً)] الكهف: 54 [، فقد روى البخاري (ت: 256) في صحيحه، عن علي بن أبي طالب أن رسول الله ? طرقه وفاطمة بنت رسول الله ? ليلة، فقال: ألا تُصليان؟
فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا.
فأنصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته وهو مُوَلٍّ يضرب فخذه، ويقول: ?وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً «.
وهذه الآية نازلة في سياق الكفار، واستشهد بها الرسول ? على حالِ علي ?، لصدق هذا المقطع على حاله، والله أعلم.
ومن أمثلة تنْزيل الآية على واقعة حدثت بعد نزول القرآن، ما ورد عن علي بن أبي طالب ? في تفسير قوله تعالى: ?قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ? الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً?] الكهف: 103 ـ 104 [. فقد سأله عبد الله بن الكواء، فقال:» أنتم يا أهل حروراء «. وقال في رواية أخرى:» أنت وأصحابك منهم «. تفسير الطبري، ط: الحلبي (16: 34).
وتنْزيل السلف بعض الآيات على أهل البدع الذي حدثوا في عصرهم شهير ومتوافر، ويظهر التعميم في هذا الجملة في أنها تدلُّ على قوم يعملون، ويحسبون أنهم بهذا العمل من الصالحين المرضين لربهم، وهم في حقيقة الأمر من أهل الضلال الذين خسروا سعيهم، والخوارج مثال من أمثلة هؤلاء القوم، والله أعلم.
ملاحظة: قد سبق طرح موضوع الاستشهاد بالآيات التي نزلت في الكفار وتنْزيلها على المؤمنين في مقالة سابقة في هذا الملتقى. هنا
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=233
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 09:35 م]ـ
مُلَحُ التفسير ولطائفه (1)
--------------------------------------------------------------------------------
مُلَحُ التفسير ولطائفه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد، فقد أحببت أن أُشْرِكَ إخواني في الملتقى معي في موضوع حيوي يحرص عليه كثير ممن يقرأ في كتب التفسير، وهي ما يسمى بلطائف التفسير، أو ملحه، أو نكته، وقد يتوسَّع بعضهم فيسمِّيها فوائد، مع أن الفوائد أوسع مدلولاً من المصطلحات السابقة.
وما سأكتبه لكم إنما هو مفتاح لهذا الموضوع، ولا يبعد أن لو أخذه باحث وفتَّق أكمامه لخرج بزهر كثير، وثمر وفير، فكم من موضوع ينظر إليه ناظر مبدعٌ فيزيد وفيه، ثم يبدئ ويعيد، فإذا هو أمام موضوع مبتكر جديد؛ ينافس بجدَّتِه، ويعجبُ ناظره بجودته.
وسأجعل الموضوع على مسائل:
المسألة الأولى: تحليل المصطلحات السابقة:
أولاً: اللطائف:
ترجع مادة (لطف) إلى معنيين:
الأول: الدقة أو الخفاء، وهذا باب (لَطُفَ) بضم الطاء.
والثاني: الرفق، وهذا باب (لَطَفَ) بفتح الطاء.
ويجوز أن يكون المعنيان مرادين في اللطائف، وتكون تسميتها باللطائف لما فيها من الخفاء الذي لا يُدرك إلا بإمعان نظر، أوللترفُّقٍ في الوصول إلى اللطيفة، أو لاجتماعهما معًا فيها.
ثانيًا: المُلحُ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/18)
سمِّيت مُلَحًا لما فيها من الغرابة التي يستعذبها القارئ ويستلذُّها حتى تستولي على لُبِّهِ. قال الراغب في المفردات: ((ثمَّ استُعير من لفظ المِلح الملاحةُ، فقيل: رجل مليحٌ، وذلك يرجع إلى حسنٍ يغمض إدراكه)).
وكذا مُلَحُ الكلام وطرائفُه استعيرت من هذا الباب، ويظهر أنها أشبهت بحسنها الملح الذي يُحسِّنُ طعم الطعام ويزيِّنه.
ثالثًا: النُّكت:
سُمِّيتَ نُكتًا، لأنها تؤثِّر على لُبِّ قارئها، فأصل النَّكت يرجع إلى معنى التأثير اليسير على الشي، كما قال ابن فارس في مقاييس اللغة، ومن نكت الأرض: إذا ضربها بقضيب، فضربها بالقضيب يُحدِث أثرًا فيها، ومن قوله صلى الله عليه وسلم: ((نُكِتَ في قلبه نُكتةٌ سوداء))؛ لأنَّ الذنب يؤثر في القلب، فيكون من أثره نقطة سوداء تصير على القلب، والله أعلم.
وبعد هذا، فإن في التحليل اللغوي ما يحتاج إلى زيادة إفصاح وبحث، لكني جعلته مدخلاً لهذا الموضوع الذي يرغب فيه كثيرٌ من قارئ التفسير، وتراه يأخذُ بمجامع لُبِّهم، والله الموفق.
المسألة الثانية:مقام المُلح من العلم:
ذكرها الشاطبي في الموافقات (تحقيق:مشهور سلمان: 1: 107) المقدمة التاسعة من مقدمات كتابه، فقال: ((من العلم ما هو صُلْبٌ، ومنه ما هو مُلَحُ العلم لا من صُلبِه، ومنه ما ليس من صلب العلم ولا مُلَحه)). وقد فصَّل هذه الثلاثة، فارجع إليها تكرُّمًا.
المسألة الثالثة: قواعد في اللطائف والمُلَح والنكت:
أولاً: النكت لا تتزاحم.
المراد بذلك أنَّ اللفظة الواحد أو الجملة الواحدة يمكن أن تحتوي على أكثر من نكته، وهذه النكت لا تتعارض فيما بينها، وهي صحيحة كلُها، فيجوز أن تكون كلُّ هذه النُّكت مرادةً بهذا اللفظ أو هذه الجملة، ومن أمثلة ذلك:
قال الآلوسي: ((… ((فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا)) إخبار عن عاجل أمرهم وآجله من الضحك القليل في الدنيا والبكاء الكثير في الأخرى.
وإخراجه في صورة الأمر للدلالة على تحتم وقوع المخبر به، وذلك لأن صيغة الأمر للوجوب في الأصل والأكثر، فاستعمل في لازم معناه.
أو لأنه لا يحتمل الصدق والكذب بخلاف الخبر؛ كذا قرره الشهاب، ثم قال: فإن قلت: الوجوب لا يقتضي الوجود، وقد قالوا: إنه يعبر عن الأمر بالخبر للمبالغة لاقتضائه تحقق المأمور به، فالخبر آكد، وقد مرَّ مثله، فما باله عكس؟
قلت: لا منافاة بينهما كما قيل؛لأن لكل مقام مقالا، والنكت لا تتزاحم، فإذا عبر عن الأمر بالخبر لإفادة أن المأمور لشدة امتثاله كأنه وقع منه ذلك، وتحقق قبل الأمر كان أبلغ.
وإذا عبر عن الخبر بالأمر لإفادة لزومه ووجوبه كأنه مأمور به أفاد ذلك مبالغة من جهة أخرى)) (روح المعاني 10: 152)
وقال الطاهر ابن عاشور: ((والواو في قوله: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفؤاً أَحَدٌ) (الاخلاص:4) اعتراضية، وهي واو الحال، كالواو في قوله تعالى: (وَهَلْ يُجَازَى إِلاَّ الْكَفُورُ) (سبأ: من الآية17) فإنها تذييل لجملة: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا) (سبأ: من الآية17).
ويجوز كون الواو عاطفة إن جعلت الواو الأولى عاطفة، ويكون المقصود من الجملة إثبات وصف مخالفته تعالى للحوادث، وتكون استفادة معنى التذييل تبعًا للمعنى، والنكت لا تتزاحم)) (التحرير والتنوير 30: 620). (1)
وانظر أمثلة لمصطلح: النكت لا تتزاحم: روح المعاني (5: 122/ 10: 83/ 15: 341) التحرير والتنوير (28: 346).
ثانيًا: النكت لا يلزم منها الاطراد
المراد أن النكتة أو اللطيفة التي تستنبطها في سياق لا يلزم تُعارض بسبب ساق آخر خالف السياق الأول في النظم، لأن الاطراد ليس من شروط اللطائف والنكت، وقد نصَّ الآلوسي على ذلك، فقال: ((… ((وإذا شئنا بدلنا أمثالهم)) أي: أهلكناهم وبدلنا أمثالهم في شدة الخلق.
((تبديلا)) بديعا لا ريب فيه؛ يعني: البعث والنشأة الأخرى، فالتبديل في الصفات؛ لأن المعاد هو المبتدأ.
ولكون الأمر محققًا كائنا جيء بـ (إذا).
وذكر المشيئة لإبهام وقته، ومثله شائع، كما يقول العظيم لمن يسأله الأنعام: إذا شئتُ أحسِن إليك.
ويجوز أن يكون المعنى: وإذا شئنا أهلكناهم وبدلنا غيرهم ممن يطيع.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/19)
فالتبديل في الذوات، و (إذا) لتحقق قدرته تعالى عليه، وتحقق ما يقتضيه من كفرهم المقتضي لاستئصالهم، فجعل ذلك المقدور المهدد به كالمحقق، وعبر عنه بما يعبر به عنه.
ولعله الذي أراده الزمخشري بما نقل عنه من قوله: إنما جاز ذلك لأنه وعيد جيء به على سبيل المبالغة، كأن له وقتًا معينًا.
ولا يعترض عليه بقوله تعالى: ((وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم))؛ لأن النكات لا يلزم إطرادها فافهم والوجه الأول أوفق بسياق النظم الجليل)) (روح المعاني 29: 167).
ثالثًا: ما يكون نكتة في علم قد يكون متنا وصلبا في علم آخر.
وهذا يكثر في علم التفسير، من جهة اعتبار علم البلاغة ليس من علم التفسير، إذ المراد بالتفسير بيان المعنى، وما وراء ذلك من علوم الآية فإنه يخرج عن صلب التفسير ومتنه، ومنه علم البلاغة.
والملاحظ أن كثيرًا مما يطلق عليه المفسرون نكتًا ولطائف فإنه من علم البلاغة، وقد تتبعت هذين اللفظين عند الزمخشري والآلوسي وغيرهما، فظهر لي كثرة التعبير عن دقائق بلاغية باللطائف.
والمقصود أن النكات البلاغية واللطائف الأسلوبية تكون في علم التفسير من باب اللطائف والنكت، وتكون في علم البلاغة من المتن والصلب، والله أعلم.
رابعًا: النكات واللطائف ليس لها ضابط في ذاتها، ولا في قبولها فقد يكون ما تعده لطيفة يعده غيرك غير ذلك.
وقد أشار إلى ذلك الطاهر ابن عاشور في تفسيره لقوله تعالى: ((وثامنهم كلبهم)) من سورة الكهف، وتعليقه على من يرى أن هذه الواو هي (واو الثمانية)، فقال في نهاية حديثه في تفسير هذه الجملة: ((ومن غريب الاتفاق أن كان لحقيقة الثمانية اعتلاق بالمواضع الخمسة المذكورة من القرآن إما بلفظه، كما هنا وآية الحاقة، وإما بالانتهاء إليه كما في آية براءة وآية التحريم، وإما بكون مسماه معدودًا بعدد الثمانية، كما في آية الزمر.
ولقد يُعَدُّ الانتباه إلى ذلك من اللطائف، ولا يبلغ أن يكون من المعارف، وإذا كانت كذلك ولم يكن لها ضابط مضبوط فليس من البعيد عدُّ القاضي الفاضل منها آية سورة التحريم؛ لآتها صادفت الثامنة في الذكر، وإن لم تكن ثامنة في صفات الموصوفين، وكذلك لعَدِّ الثعلبي آية سورة الحاقة.
ومثل هذه اللطائف كالزهرة تُشَمُّ، ولا تُحَكُّ)) (التحرير والتنوير 15: 293).
ـــــــــــــــــــ
(1) ملاحظة: الآيات عند الطاهر على رواية قالون عن نافع. وفي المطبوع واو قبل ((لا تتزاحم)) والصواب حذفها.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=530
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 09:36 م]ـ
ملح التفسير ولطائفه (2)
--------------------------------------------------------------------------------
ملح التفسير ولطائفه (2)
قبل أن أبدأ الموضوع الذي سأطرحه في ذكر بعض المعتنين بملح التفسير ولطائفه، وذكر بعض النقول التي نصَّ العلماء على لطافتها = أذكر سؤالاً وجَّهه لي بعض الأصحاب، وهو: هل للملح واللطائف حدٌّ تُعرف به، بحيث يقال: إن هذه المعلومة من اللطائف، وتلك ليست من الطائف؟
وهو سؤالٌ وجيه، ومهم في هذا الباب، وليس عندي فيه غير بادي الرأي، وإني لأتمنى أن يتولى أحد الباحثين هذا الموضوع، ويوليه عنايته، ليخرج بفوائده.
والذي يمكن القول به الآن:
1 ـ أن ذلك مبني على معرفة صلب العلم أوَّلاً، فإذا تحدَّد صلب العلم، فإنه يمكن أن يفيد في معرفة ما وراء صلبه من اللطائف وغيرها.
2 ـ أن اللطائف إذا لم تعلم، فإنها لا تؤثر في فهم متن المسألة وأصلها، وإذا عُلِمت فإنها تزيد المسألة من جهة العلم بها لطيفةً، لا من جهة أصل المسألة.
3 ـ أنَّ اللطائف تختلف من حيث درجة القوة والقبول، فقد تكون بعضها من القوة بحيث يكاد يتفق عليها القراء، لما يرون من حسنها.
وقد يُختلَف في بعضها، وهذا ما يحتاج إلى بيان ضوابط قبول تلك اللطائف، ومعرفة طريقة تصحيحها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/20)
واللطائف كغيرها من مسائل أصل العلم، فشروط قبول القول في مسألة علمية يندرج على شرط قبول اللطائف، وإن كان قد يُتخفَّفُ في بعض ذلك؛ لأن اللطيفة ـ كما قال الطاهر ابن عاشور ـ كالزهرة تُشَمُّ ولا تُحكُّ، فإعمال التحقيق العلمي التامِّ لها قد يُخرجها من ملح العلم إلى ما دون ذلك.
ويظهر أن بعض الشروط لابدَّ منها، كأن تكون المعلومة المذكورة على أنها من الملح واللطائف صحيحة في ذاتها، وهذا الشرط لو طُبِّقَ على بعض ما سًمي بالملح واللطائف لربما زال عنها هذا الوصف.
وبعد هذا أرجع إلى الموضوعين اللذين خصصت لهما هذه المقالة.
أولاً: بعض المفسرين المعتنين باللطائف:
الزمخشري (ت: 538). في الكشاف.
الرازي (ت: 606) في التفسير الكبير.
البقاعي (ت: 885) في نظم الدرر.
أبو السعود (ت: 951) في إرشاد العقل السليم.
شيخ زاده (ت: 951) في حاشيته على البيضاوي.
الخطيب الشربيني (ت: 977) في السراج المنير.
الشهاب الخفاجي (ت: 1069) في حاشيته على البيضاوي.
سليمان الجمل (ت: 1204) في حاشيته على الجلالين.
الآلوسي (ت: 1270) في روح المعاني.
القاسمي (ت: 1332) في محاسن التأويل.
الطاهر بن عاشور (ت: 1393) في التحرير والتنوير.
ثانيً أمثلة للملح واللطائف:
1 ـ قال ابن عطية: ((والبسملة تسعة عشر حرفا.
فقال بعض الناس إن رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال الله فيهم: (عليها تسعة عشر) ترتب عددهم على حروف بسم الله الرحمن الرحيم لكل حرف ملك، وهم يقولون في كل أفعالهم: بسم الله الرحمن الرحيم، فمن هنالك هي قوتهم، وباسم الله استضلعوا.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذه من مُلَحِ التفسير وليست من متين العلم، وهي نظير قولهم في ليلة القدر: إنها ليلة سبع وعشرين مراعاة للفظة هي في كلمات سورة (إنا أنزلناه)
ونظير قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا؛ قول القائل: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فإنها بضعة وثلاثون حرفا؛ قالوا: فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول)). المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية الأندلسي (1: 61).
ومن باب التنبيه على ما يسمى بـ (الإعجاز العددي) أذكر بعض الأمور على سبيل البحث لا التقرير:
أولاً: أنه قد ورد في بعض آثار السلف اعتبار العدد في بعض الاستنباطات، لكنها ليست كثيرة، ولم يبنوا عليها معرفة المغيبات.
ثانيًا: أن ما ظهر من ذلك فإنه من الملح واللطائف، وليست من متين العلم كما ذكر ابن عطية.
ثالثًا: أن كثيرًا مما حُكمَ فيه بالإعجاز العددي يدخله التحكُّم، وذلك بعدِّ شيء وترك شيء ليوافق العددُ المسألةَ التي سيق من أجلها، ولو تتبع بعض المعتنين بهذا الباب طريقة أهل العدد هؤلاء، فلا أشكُّ أن سيجد كثيرًا من تحريف الأرقام لتوافق المسألة التي يريدون إثباتها.
رابعًا: أن هذه اللطائف المستنبطة من العدد ليست من التفسير في شيء، ولا يبنى عليها فهم معنى، بل هي من قبيل الاستنباطات.
خامسًا: أنه يكثر في ما يسمى بالإعجاز العددي القول على الله بغير علم، وهو قول بالرأي المحض، وخطؤه أكثر من صوابه، والله المستعان.
سادسًا: أن أي بحث في ما يسمى بالإعجاز العددي إذا دخل في باب المغيبات التي لم تأت بعد، فهو من باب ادعاء علم الغيب، وهذا من الأمور التي اختص الله بها، فلا يجوز الجزم به، ولا اعتماده.
2 ـ قال ابن كثير ((ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث، وتطييب له)). تفسير ابن كثير (1: 16).
3 ـ قال الزركشي: ((ومن لطائف سورة الكوثر أنها كالمقابلة للتى قبلها؛ لأن السابقة قد وصف الله فيها المنافق بأمور أربعة:
البخل.
وترك الصلاة.
والرياء فيها.
ومنع الزكاة.
فذكر هنا في مقابلة البخل: (إنا أعطيناك الكوثر)؛ أى: الكثير.
وفى مقابلة ترك الصلاة: (فصلِّ)؛ أي: دُمْ عليها.
وفى مقابلة الرياء: (لربك)؛ أي: لرضاه لا للناس.
وفى مقابلة منع الماعون: (وانحر)، وأراد به التصدق بلحم الأضاحى.
فاعتبر هذه المناسبة العجيبة)). البرهان في علوم القرآن، للزركشي (1: 39).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/21)
4 ـ قال الزركشي: (… المثال الثاني قوله تعالى: (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين)، قال: معناه: وما أنت مصدق لنا.
فيقال:
ما الحكمة في العدول عن الجناس وهلاَّ، قيل: وما أنت بمصدق لنا ولو كنا صادقين، فإنه يؤدي معنى الأول مع زيادة رعاية التجنيس اللفظي؟
والجواب:
أن في مؤمن لنا من المعنى ما ليس في مصدق، وذلك أنك إذا قلت: مصدق لي، فمعناه: قال لي: صدقت.
وأما مؤمن، فمعناه مع التصديق: إعطاء الأمن، ومقصودهم التصديق وزيادة، وهو طلب الأمن فلهذا عدل إليه.
فتأمل هذا اللطائف الغريبة والأسرار العجيبة فإنه نوع من الإعجاز)). البرهان في علوم القرآن، للزركشي (3: 454).
5 ـ قال أبو السعود قي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة:6).
قال: ((ومن لطائف الآية الكريمة أنها مشتملة على سبعة أمور، كلها مثنى:
طهارتان: أصل وبدل.
والأصل اثنان: مستوعب وغير مستوعب.
وباعتبار الفعل: غسل ومسح
وباعتبار المحل: محدود وغير محدود
وأن آلتهما: مائع وجامد.
وموجبهما: حدث أصغر وأكبر.
وأن المبيح للعدول إلى البدل: مرض وسفر
وأن الموعود عليهما تطهير الذنوب وإتمام النعمة)). تفسير أبي السعود (3: 11)
6 ـ قال الآلوسي في قوله تعالى: (قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (يوسف: من الآية25).
قال: ((… ولقد أتت في تلك الحالة التي يدهش فيها الفطن اللوذعي حيث شاهدها زوجها على تلك الهيئة بحيلة جمعت فيها غرضيها، وهما:
تبرئة ساحتها مما يلوح من ظاهر الحال.
واستنْزال يوسف عليه السلام عن رأيه في استعصائه عليها، وعدم مواتاته لها على مرادها؛ بإلقاء الرعب في قلبه من مكرها طمعا في مواقعته لها مُكْرَهًا عند يأسها عن ذلك مختارًا، كما قالت: (لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين).
ثم إنها جعلت صدور الإرادة المذكورة عن يوسف عليه السلام أمرًا محققًا، مفروغًا عنه، غنيًا عن الإخبار بوقوعه، وإن ما هي عليه من الأفاعيل لأجل تحقيق جزائها.
ولم تصرِّح بالاسم، بل أتت بلفظٍ عام تهويلاً للأمر، ومبالغةً في التخويف؛ كأن ذلك قانون مطَّردٌ في حق كل أحدٍ كائنَا من كان.
وذكرت نفسها بعنوان أهلية العزيز إعظامًا للخطب، وإغراءً له على تحقيق ما يتوخاه بحكم الغضب والحمية، كذا قرَّره غير واحد.
وذكر الإمام [يعني: الرازي] في تفسيره ما فيه نوع مخالفة لذلك حيث قال: إن في الآية لطائف:
أحدها: أن حبَّها الشديد ليوسف عليه السلام حملها على رعاية دقيقتين في هذا الموضع، وذلك لأنها بدأت بذكر السجن، وأخرت ذكر العذاب؛ لأن المحِبَّ لا يسعى في إيلام المحبوب.
وأيضا: إنها لم تذكر أن يوسف عليه السلام يجب أن يقابل بأحد هذين الأمرين، بل ذكرت ذلك ذكرًا كليًّا صونًا للمحبوب عن الذكر بالشر والألم.
وأيضا: قالت: (إلا أن يسجن)، والمراد منه: أن يُسجن يومًا أو أقل على سبيل التخفيف، فأمَّا الحبس الدائم فإنه لا يُعبَّر عنه يهذه العبارة، بل يقال: يجب أن يجعل من المسجونين ألا ترى أن فرعون كيف قال حين هدد موسى عليه السلام: (لئن اتخذت إلها لأجعلنك من المسجونين) …)). روح المعاني للألوسي (12: 218).
7 ـ قال عطية سالم في تكملة أضواء البيان: ((ومن اللطائف في قوله تعالى: (وإن تظاهرا عليه) إلى آخر ما سمعته من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه أنه قال: إن المتظاهرتين على رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأتان فقط تآمرتا عليه فيما بينهما، فجاء بيان الموالين له ضدهما كل من ذكر في الآية، فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة ما يدل على عِظَمِ كيدهن وضعف الرجال أمامهن، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى: (إن كيدكن عظيم)، بينما قال في كيد الشيطان: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا)
وقد عبر الشاعر عن ذلك بقوله:
ما استعظم الإله كيدهنه إلا لأنهن هن هنه)). أضواء البيان (8: 221)
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=577
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/22)
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 09:38 م]ـ
التعليق على أثر ابن عباس في تقسيم التفسير
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإنه مما نُقِل في تقسيم التفسير ما رُوِيَ عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس (ت: 68)، قال:» التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله «(1).
تفصيل هذه الأوجه:
الوجه الأول: ما تعرفه العرب من كلامها: يشمل هذا القسم ألفاظ القرآن، وأساليبه في الخطاب، وذلك لأنه نزل بلغتهم وعلى طرائقهم في الكلام.
وهذه الألفاظ والأساليب معلومةٌ لديهم غير خافية، وإن كان قد يخفى على أفراد منهم شيء منها، وذلك لغرابتها على مسمعه، أو لعدم اعتياده عليها في لغة قومه، كما خفي على ابن عباس بعض معاني مفرداته؛ كلفظ فاطر، فقد روى الطبري (ت: 310) عن مجاهد (ت: 104)، قال:» سمعت ابن عباس يقول: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض؛ حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: لصاحبه: أنا فطرتها؛ يقول: أنا ابتدأتها «(2).
والأساليب لما كانت على سنَنِهم في الكلام (3) لم يَخْفَ عليهم المراد بها، فيعلمون من قوله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (الدخان:49) أن هذا الخطاب خطاب امتهان وتهكم، وإن كانت ألفاظه مما يستعمل في المدح، وذلك لأن السياق يدل على معنى الامتهان.
وقد ورد عنهم في تفسير قوله تعالى: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (هود:87) أن قولهم له: (إنك لأنت الحليم الرشيد (أنه من باب الاستهزاء (4)، قال ابن عباس (ت: 68):» يقولون: إنك لست بحليم ولا رشيد «(5).
ومعرفة هذه الأساليب وإدراكها لم يكن منهم بجُهدٍ ولا تكلُّفٍ؛ إذ هي من صميم لغتهم التي يتحدثون بها، وإن لم ينصُّوا على كلِّ ما فيها من استعمالات (6).
وإنما ظهر لهذه الأساليب الفنُّ المدوَّنُ بعدُ باسم علم البلاغة لما احتاج المتأخرون إلى الوصول إلى تعلُّمِ طرائق العرب وتفننها في أساليب خطابها.
وقد يرد هنا سؤال، وهو لم لم يتكلَّم السلف في هذه الأساليب كما تكلموا في بيان مفرداته ومعانيه (7)؟
والجواب ـ والله أعلم ـ: له أكثر من وجه:
الأول: أنَّه لم تقم دواعي ذلك وأسبابه التي إنما ظهرت لما برز الحديث عن إعجاز القرآن، والمجادلة في ذلك، وإقامة الحجة على علُّوه وفصاحته أمام فئام من الزنادقة الذين طعنوا فيه من هذه الجهة.
الثاني: أنَّ المفردات لا يتمُّ فهم الخطاب بدون معرفتها، بخلافه كثير من الأساليب التي من جهِلها فإنه لا يخفى عليه المعنى.
الثالث: أنَّ الكثرة الكاثرة من علوم السلف إنما هي فيما يكون له ثمرة عملية لا نظرية فقط، وذلك ما لا يوجد في الكلام عن هذه الأساليب التي يغلب عليها الجانب النظري (8).
والوارد عنهم في بيان الأساليب أقل من الوارد عنهم في بيان الألفاظ، ويظهر أنهم لم يبينوها لعدم الحاجة إليها كما هو الحال في بيان الألفاظ التي لا يُفهم الكلام بدونها.
والأصل في هذا الوجه أنه من فروض الكفاية، إذ لا يجب على كل مسلم معرفة جميع المعاني اللغوية والأساليب الكلامية الواردة في القرآن، ولهذا قد يخفى على بعض الأكابر من الصحابة ـ فضلاً عن غيرهم ـ شيءٌ مما يرتبط بلغته، ومن ذلك ما رواه الطبري (ت: 310) بسنده أنس بن مالك، قال:»: قرأ عمر: (عبس وتولى) (عبس: 1) حتى أتى على هذه الآية: (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً) (عبس:31)
، قال: قد علِمنا ما الفاكهة، فما الأبُّ؟ ثمَّ أحسبه ـ شك الطبري ـ قال: إن هذا لهو التكلف «(9).
ويظهر أنه إنما خَفِيَ عليه لأنَّ هذا اللفظ مما لم يُستخدم في لهجة قريش، والله أعلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/23)
وإذا كان يُبنى على اللغة عملٌ فقهيٌّ فإنَّ معرفة تلك القضية اللغوية مما يكون في مجال الواجب؛ لأنه لا يقوم الحكم الفقهي إلا بمعرفة معنى اللفظِ، ومن أشهر الأمثلة التي يُمثَّلُ بها ما ورد في تفسير لفظ القُرْءِ من قوله تعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (البقرة: من الآية228)، والخلاف الوارد في معنى القروء ـ هل هي الحيض أم الأطهار ـ لا يُخرِج معرفة هذا اللفظ عن الواجب؛ أي أنه لابدَّ من معرفة المراد بها لغة ليبنى عليها الحكم ن سواءً اختير معنى الطهر أو معنى الحيض.
الوجه الثاني: ما لا يعذر أحد بجهله:
وهذا يشمل الأمر بالفرائض، والنهي عنه المحارم، وأصول الأخلاق والعقائد.
فقوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة:43)، وقوله: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران: من الآية97)، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183) لا يعذر أحد بجهل مثل هذه الخطابات وهو يقرأ القرآن.
وكذا يدخل فيه ما جاء من أمر بالصدق والأمانة والنهي عن الكذب والخيانة، وعن إتيان الفواحش، وغير هذه من الأوامر والنواهي المتعلقة بالأخلاق.
ويدخل فيه ما يتعلق بالعقائد؛ كقوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) (محمد: من الآية19)، وقوله:) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الانبياء:25)، وغيرها من الأوامر والنواهي المتعلقة بالتوحيد. هذه كلها داخلة في الواجب الذي يجب على المسلم تعلمه من التفسير.
الوجه الثالث: ما تعلمه العلماء.
ومما يشمله هذا القسم، ما تشابه منه على عامة الناس، سواءً أكان في الأحكام أم في المعاني.
وهذا القسم من فروض الكفاية.
وهو كثير في القرآن؛ لأن كل من خفي عليه معنى فإنه من المتشابه عنده، فيحتاج إلى أن يبحث أو يسأل عن ما خفي عليه فهم معناه.
الوجه الرابع: ما لا يعمله إلا الله، ومن ادعى علمه فقد كذب:
ويشمل هذا حقائق المغيبات، ووقت وقوعها.
فالدابة التي تخرج في آخر الزمان لا يعلم كيفها حقيقتها إلا الله، ولا يعلم وقت خروجها إلا الله. وهكذا سائر الغيبيات.
وهذا النوع غير واجب على أحد، بل من تجشم تفسيره فقد أثِمَ وافترى على الله، وادعى علمًا لا يعلمه إلا الله سبحانه (10).
……………………………… ..
(1) تفسير الطبري، ط: الحلبي (1: 34)، وإيضاح الوقف والابتداء (1: 101).
وقد اعتمد الطبري (ت: 310) على هذا الأثر في ذكر الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن، قال:» ... ونحن قائلون في البيان عن وجوه مطالب تأويله:
قال الله جل ذكره وتقدست أسماؤه، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون " (النحل: 44) وقال أيضاً جل ذكره: "وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون " (النحل: 64) وقال: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب،" (آل عمران: 7).
فقد تبين ببيان الله جل ذكره:
أن مما أنزل الله من القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم، ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم.
وذلك تأويل جميع ما فيه: من وجوه أمره واجبه وندبه وإرشاده، وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه، التي لم يدرك علمها إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته. وهذا وجه لا يجوز لأحد القول فيه، إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له تأويله، بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها، دالة أمته على تأويله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/24)
وأن منه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار. وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى ابن مريم، وما أشبه ذلك: فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا الخبر بأشراطها، لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه. وبذلك أنزل ربنا محكم كتابه، فقال: "يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون " (الأعراف: 187). وكان" نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شيئًا من ذلك، لم يدل عليه إلا بأشراطه دون تحديده بوقته كالذي روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه، إذ ذكر الدجال: إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه، وإن يخرج بعدي، فالله خليفتي عليكم "، وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول باستيعابها الكتاب الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده علم أوقات شيء منه بمقادير السنين والأيام، وأن الله جل ثناؤه إنما كان عرفه مجيئه بأشراطه، ووقته بأدلته.
وأن منه ما يعلم تأويله كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن. وذلك: إقامة إعرابه، ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة دون ما سواها، فإن ذلك لا يجهله أحد منهم. وذلك كسامع منهم لو سمع تاليًا يتلو: "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون* ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " (البقرة: 11، 12) لم يجهل أن معنى الإفساد هو ما ينبغي تركه مما هو مضرة، وأن الإصلاح هو ما ينبغي فعله مما فعله منفعة، وإن جهل المعاني التي جعلها الله إفساداً، والمعاني التي جعلها الله إصلاحًا. فالذي يعلمه ذو اللسان الذي بلسانه نزل القرآن من تأويل القرآن، هو ما وصفت: من معرفة أعيان المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة، دون الواجب من أحكامها وصفاتها وهيآتها التي خص الله بعلمها نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا يدرك علمه إلا ببيانه، دون ما استأثر الله بعلمه دون خلقه.
وبمثل ما قلنا من ذلك روي الخبر عن ابن عباس:
حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، قال: قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى ذكره.
قال أبو جعفر: وهذا الوجه الرابع الذي ذكره ابن عباس: من أن أحدًا لا يعذر بجهالته، معنى غير الإبانة عن وجوه مطالب تأويله. وإنما هو خبر عن أن من تأويله ما لا يجوز لأحد الجهل به. وقد روي بنحو ما قلنا في ذلك أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر في إسناده نظر:
حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت عمرو بن الحارث يحدث، عن الكلبي، عن أبي صالح، مولى أم هانىء، عن عبدالله بن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنزل القرآن على أربعة أحرف: حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به، وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء، ومتشابة لا يعلمه إلا الله تعالى ذكره، ومن ادعى علمه سوى الله تعالى ذكره فهو كاذب ".
(2) تفسير الطبري، ط: الحلبي (7: 159).
(3) ينظر في أساليب العرب في خطابها: مقدمة أبي عبيدة في مجاز القرآن، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، والصاحبي في فقه اللغة لابن فارس.
(4) ورد النصُّ بذلك عن ابن جريج وابن زيد عند الطبري (12: 103)، وعن ميميون بن مهران وقتادة عند ابن أبي حاتم (6: 2073).
(5) تفسير ابن أبي حاتم، تحقيق: أسعد محمد الطيب (6: 2073).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/25)
(6) يقول ابن القيم في زاد المعاد (5: 599):» ... فابن مسعود رضي الله عنه أشار بتأخر نزول سورة الطلاق إلى أن آية الاعتداد بوضع الحمل لآية البقرة إن كان عمومها مرادا أو مخصصة لها إن لم يكن عمومها مرادا أو للمراد منها أو مقيدة لإطلاقها وعلى التقديرات الثلاث فيتعين تقديمها على تلك وإطلاقها وهذا من كمال فقهه رضي الله عنه ورسوخه في العلم ومما يبين أن الفقه سجية للقوم وطبيعة لا يتكلفونها كما أن العربية والمعاني والبيان لهم كذلك فمن بعدهم فإنما يجهد نفسه ليتعلق بغبارهم وأنى له «.
(7) يقول الزمخشري في تعليقه على هذا السؤال:» ... وأما إغفال السلف ما نحن بصدده، وإهمالهم الدلالة على سننه، والمشي على جَدَدِه = فلأن القوم كانوا أبناء الآخرة، وإن نشأوا في حِجْر هذه الغادرة، ديدنهم قِصَرُ الآمال، وأخذ العلوم لتصحيح الأعمال، وكانوا يتوخون الأهم فالأهم، والأولى فالأولى، والأزلف فالأزلف من مرضاة المولى.
ولأنهم كانوا مشاغيل بجرِّ أعباء الجهاد، مُعَنِّين بتقويم صفات أهل العناد، معكوفي الهمم على نشر الأعلام لنصرة الإسلام، فكان ما بُعِثَ به النبي عليه الصلاة والسلام لتعليمه وتلقينه، وأُرسِلَ للتوقيف عليه وتبيينه = أهم عندهم مما كانوا مطبوعين على معرفته، مجبولين على تبين حاله وصفته، وكان ـ إذ ذاك ـ البيان غضًا طريًا، واللسان سليمًا من اللكنة بريًّا، وطرق الفصاحة مسلوكة سائرة، ومنازلهم مأهولة عامرة، وقد مهَّد عذرهم تعويل ما شاع وتواتر، واستفاض وتظاهر من عجز العرب وثبات العلم به ورسوخه في الصدور، وبقائه في القلوب على ممرِّ العصور ... «. إعجاز سورة الكوثر، للزمخشري، تحقيق: حامد الخفاف (ص: 62).
(8) ذكر الشاطبي (ت: 790) في مقدمات الموافقات أن السلف الصالح من الصحابة والتابعين لم يخوضوا في الأشياء التي ليس تحتها عمل، ينظر: الموافقات، تحقيق مشهور سلمان (1: 55).
(9) تفسير الطبري، ط: الحلبي (30: 59).
(10) وقد ذكر الماوردي (ت: 450) في النكت والعيون (1: 37 ـ 38) أثر ابن عباس، وعلق عليه، فقال:» ... أما الذي تعرفه العرب بكلامها، فهو حقائق اللغة، وموضوع كلامهم.
وأما الذي لا يُعذر أحد بجهالته، فهو ما يلزم الكافة في القرآن من الشرائع وجملة التوحيد.
وأما الذي يعلمه العلماء، فهو وجوه تأويل المتشابه وفروع الحكام.
وأما الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل، فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة.
وهذا التقسيم الذي ذكره ابن عباس صحيح، غير أن ما لا يُعذر أحد بجهالته داخل في جملة ما يعلمه العلماء من الرجوع إليهم في تأويله، وإنما يختلف القسمان في فرض العلم به، فما لا يُعذر أحد بجهله يكون فرض العلم به على الأعيان، وما يختص بالعلماء يكون فرض العلم به على الكفاية، فصار التفسير منقسمًا إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: ما اختص الله بعلمه؛ كالغيوب، فلا مساغ للاجتهاد في تفسيره، ولا يجوز أن يؤخذ إلا عن توقيف ...
والقسم الثاني: ما يرجع فيه إلى لسان العرب، وذلك شيئان: اللغة والإعراب ...
والقسم الثالث: ما يرجع فيه إلى اجتهاد العلماء، وهو تأويل المتشابه واستنباط الأحكام، وبيان المجمل، وتخصيص العام ... «. وقد ذكر تفصيلات في هذه الأقسام يحسن مراجعتها، ففيها فوائد.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=519
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 09:40 م]ـ
التفسير الموضوعي .. وجهة نظر أخرى
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/26)
فلقد كثر القول من بعض المعاصرين في التفسير الذي سارت عليه علماء الأمة منذ القديم، ورأوا أن عصر التفسير التحليلي ـ كما يسمونه ـ قد انتهى، وأن العصر بحاجة إلى تجديد الطريقة في عرض التفسير، وقد زعم بعضهم أن التفسير الموضوعي هو الذي يمكنه حلُّ المشكلات، والإجابة عن المعضلات، وأنه الأنسب إلى أسلوب العصر، وهذا ضرب من القول لا برهان له. بل هذا اللون من عرض الآيات والاستنباط منها مما يستفاد منه في المحاضرات والكلمات، والتفسير على الأسلوب المعهود باقٍ لا يمكن إزالته والبعد عنه.
ولا أدري لماذا يذهب من يصل إلى فكرة جديدة إلى نقد السابق أو نقضه لكي يُثبِت حُسْنَ ما عنده؟!
لماذا لا يكون المجدِّدُ في مثل هذه العلوم بانيًا لا هادمًا، ويكون ذاكرًا لما فعله سلفه، مستوعبًا لما قدَّموه مستفيدًا مما طرحوه، ولا يكون ممن يرى إمكانية ترك السابق والإتيان بما لا يمتُّ لهم بصلةٍ؟
لماذا يعرض بعض الباحثين فكرته التي وصل إليها بالتضخيم، والتعميم، وبدعوى أن سلوكها هو الذي ينفع الأمة الآن، وهو المنقذ لها من مشكلاتها وهمومها.
إن هذه النظرة التي قد تصدر من بعض الباحثين من غير قصد = يجب التنبيه عليها، وتصحيحها، كما يجب أن يُعلم أن تصحيحها والاستدراك عليها لا يعني التشنيع على أصحابها وإخراجهم من دائرة البحث العلمي، لكن الأمر يرجع إلى نقطتين:
الأول: انفعالات لا يمكن أن ينفكَّ عنها الناقد حينما يرى مثل هذه الأخطاء التي صارت تسري، ولا يرى من يقاومها، وهذه الانفعالات ردَّةُ فعلٍ على ما يقع من تلك الأخطاء، وكل ذلك راجع إلى الطبيعة البشرية التي فطر الله عليها الإنسان.
الثاني: أنَّ هذه الدعاوى كبيرة، وهي تُلزِم غيرها ـ فضلاً عن نفس طارحها ـ ما لا يلزم، بل قد تقام من أجل ذلك الندوات والمحاضرات، وتكتب الكتب والمقالات، وهي لا تستحقُّ هذا الزخم الهائل، ولو وُضِعت في مقامها لكان أولى.
ومن العجيب أنَّ بعض الأفكار المهمة، لا تلقى مثل هذا الاهتمام، وذلك من سرِّ من قدر الله الذي يقف المسلم بالتسليم.
إن التوازن والاعتدال في الطرح، وفي وضع الموضوعات في مواضعها مما يحسن أن نتناصح فيه، وأن لا يبخل بعضنا على بعض في ذلك؛ لأن من طبيعة البشر أنها إذا اتجهت إلى موضوع لا ترى غيره، وقد يراه غيرك، ويكون أولى مما أنت فيه، وهكذا.
التفسير الموضوعي نموذجًا
رأيت بعض الباحثين يرى أن دراسة القرآن على أسلوب التفسير الموضوعي ضرورة لازمة، ويقول ـ بعد ذكره لطريقة المفسرين السابقين ـ: (ولما كان ذلك كذلك كان السعي إلى منهج أشمل مطلوبًا، وأبلغ حجة، وأبين طريقًا؛ منهج يقضي بالتوقف عن عملية التجزئة في تفسير آيات هذا الكتاب، والاتجاه به اتجاهًا موضوعيًا = ضرورة لازمة).
وقال في موطن آخر: ( ... غاية الأمر أنني أدعو إلى التوقف عن التعامل التجزيئي مع القرآن الكريم، والاتجاه إلى تفسير القرآن تفسيرًا موضوعيًا.
إنني أهدف إلى بيان أن التفسير الموضوعي للقرآن هو الأليق والأنسب والأولى بالاتباع في هذا العصر سواء في ذلك التفسير الذي يعالج وحدة الموضوع في القرآن، أو ذلك الذي يعالج وحدة الموضوع في السورة، وهو الأنسب للتدريس في المؤسسات والمعاهد العلمية ... )
ويقول: (وحينما نقول: إن التفسير الموضوعي يجلي الحقائق القرآنية، ونعلم أن هذه الحقائق هي التي تهيئ فكر المسلم وقلبه للصلاح ندرك حينئذ أهمية التفسير الموضوعي ودوره في إحداث الوثبة الحضارية ... ).
ويقول آخر: ( ... لذا لا يمكن أن نجابه مشاكل العصر ومعطيات الحضارة إلا بأسلوب الدراسات الموضوعية للقرآن الكريم، أو بأسلوب التفسير الموضوعي).
وهذه المقولات من هؤلاء الفضلاء فيها تزيُّدٌ ظاهر، ودعوى عريضة تحتاج إلى برهان قوي، وحجة واضحة، ولو قيل: إن التفسير الموضوعي يمثل لبنة من لبنات معالجة شيء من القضايا والمشكلات بطريقة القرآن = لكان أقرب، لكن أن يكون هذا الأسلوب هو الأسلوب الأمثل، والأولى، فذلك دونه خرط القتاد.
ملحوظات على التفسير الموضوعي
أولاً: إن التفسير الموضوعي يدخل في باب الفوائد والاستنباطات، وليس من التفسير الذي هو بيان معني القرآن.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/27)
وبتأمُّلِ هذه الإضافة يظهر أن أمامك تفسير جديد، أي بيان معانٍ جديدة للقرآن من طريق موضوعاته.
لكن حينما تكشف عن ما كُتِبَ في التفسير الموضوعي ستجدُ أنها ترجِع إلى فوائد واستنباطات، وليس فيها بيان معني جديدة لآيات القرآن، وعلى هذا فنسبتها للتفسير غير دقيقة. بل الصحيح أنها (موضوعات قرآنية)، وهذا العنوان أدق من تسمية هذا اللون بالتفسير الموضوعي.
وما ذكرته لك هنا أرجو أن لا تتعجَّل بردِّه قبل أن تحدِّدَ معنى التفسير، وأن تطَّلِع على الإضافة التي أضافها من كتب في موضوع من الموضوعات باسم التفسير الموضوعي، ولك أن تتأمل إضافته، هل هي من باب التفسير، أو من باب الفوائد والاستنباطات؟
وحقيقة التفسير الموضوعي كما يأتي:
1 ـ جمع متفرق من الآيات التي تتحدث عن موضوعٍ أو لفظة أو جملة [يخرج عن هذا دراسة موضوع من خلال سورة]
2 ـ دراسة هذا المجموع بعد تبويبه
3 ـ استنتاج الفوائد، واستخلاص الهدايات والعِبَر من هذا المجموع.
ثانيًا: إن التفسير الموضوعي (بأنواعه الثلاثة) يُدرس من خلال القرآن، فهو بحث قرآني بحت، ولكن الملاحظ في دراسة الموضوع من خلال القرآن أن كثيرًا من الموضوعات لا يمكن بحثها من خلال القرآن فقط؛ لأنَّ صورة الموضوع لا تتمُّ بالنظر إلى القرآن فقط، بل لابدَّ من إضافة السنة وآثار السلف لبيان هذا الموضوع.
وعند تأمُّلِ بعض الموضوعات تجد أنها على ثلاثة أقسام:
الأول: قسم يمكن بحثه من خلال القرآن؛ لغزارة مادته، كإهلاك الأمم الكافرة من خلال القرآن.
الثاني: قسم لا يمكن بحثه من خلال القرآن لقلة مادته في القرآن؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الأسر وأحكامه، إذ الحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن الأسير في القرآن قليل، وهو في السنة أكثر.
الثالث: قسم تكثر مادته في القرآن وفي السنة، ويكون في تخصيص دراسته في القرآن فقط قصور في تصوُّرِ الموضوع بشمولية، كموضوع العلم، وموضوع الجهاد، وغيرها كثير.
وقد يقول قائل: إن الغرض من دراسة الموضوع من خلال القرآن طرح طريقة القرآن فقط؟
فالجواب: ثُمَّ ماذا، أليس الباحث سيبني أحكامًا وفوائد؟
فإذا كان كذلك فلابدَّ أن يحتاج إلى مصادر أخرى في بحثه، ومن أهمها السنة النبوية، وإلا كان بحثًا ناقصًا بلا ريب.
ثالثًا: منْزلة السنة وأقوال السلف في التفسير الموضوعي:
لقد أثَّر عنوان هذا اللون، وهو التفسير الموضوعي على التعامل مع أهم مصدرين من مصادر التفسير، وإذا تأملت ما سطَّره منظرو التفسير الموضوعي، وجدتهم لا يمكن أن ينفكوا عن السنة أو آثار السلف، لكن ما مقامهما، وكيف بتعاملون معهما؟
أما السنة، فقد جعلوها شارحة للقرآن، ولا يصحُّ أن يُنشأ عنصر من عناصر الموضوع القرآني من السنة.
وهذا التقييد من جهة الافتراض صحيح، لكنه سيُفقِد البحث في الموضوعات كثيرًا من الأمور المهمة بسبب الاقتصار على القرآن وحده، ولو رحتُ أضرب لك الأمثلة في ذلك لغدت كثيرةً لا حصر لها، ولأمثِّل لك بمثال واحدٍ يكون نبراسًا لغيره.
لو بحثت موضوع الصلاة، وقلت (الصلاة في القرآن) فإنك لا تستطيع أن تتحدَّث عن موضوع مهمٍّ في الصلاة، وهو زمن فرضية الصلوات الخمس ومكان ذلك الفرض؛ لأنك لا تجدُ في القرآن ما يشير إلى ذلك البتة. ومن ثَمَّ فأنك لو جعلت من عناصر بحثك: (مكان فرض الصلاة) لكان خطأً عند أصحاب التفسير الموضوعي؛ لأنه لا يوجد في القرآن ما يشير إلى هذا الموضوع، والعناوين لابدَّ أن تكون مستوحاة من الآيات لا من غيرها.
ولقد ساق الاقتصار على دراسة الموضوع من خلال القرآن إلى خلل في التعبير يظهر من لوازمه أن الاعتماد على القرآن وحده يكفي في تصور موضوع من الموضوعات الإسلامية، يقول أحدهم: (إننا إذا أردنا أن نبني المجتمع المسلم، فيجب أن نقيمه على الأسس والأصول القرآنية. وأكثر الشعوب قد انحرفت ـ من حيث لا تدري ـ عن هذه الأسس والأصول في أكثر مجالات الحياة. ولن تتحقق لها السعادة إلا برجوعها إلى تلك الأسس والأصول التي بات الناس في غفلة عنها بقصد أو بغير قصد.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/28)
فلغياب كثير من أسس القرآن وأصوله عن فهم الناس وسلوكهم آثرنا أن يكون البحث في التفسير الموضوعي مقتصرًا على القرآن الكريم فحسب، فإنه الوسيلة الوحيدة التي تصحح المواقف والمفاهيم المتعلقة بالوجود ودور الإنسان فيه، وما يتصل بذلك من حقائق ومبادئ) انتهى.
إذا كان يستطيع أخذ هذه الأمور من القرآن مباشرة فأين دور السنة؟
وهل يعني قوله هذا الناس قد فهموا أسس وأصول السنة، فلم يحتاجوا إلى بين ذلك لهم، وبقي عليهم بيان أسس وأصول القرآن فقط؟!
ألا يمكن أن يرد على هذا الكلام: ما الفرق بين القرآنيين الذي لا يرون الأخذ بالسنة لاعتقادهم باكتفاء القرآن ببيان كل شيء؟
إنني أقول بكل ثقة: إن من سلك في دراسة بعض الموضوعات الإسلامية الكبيرة أسلوب التفسير الموضوعي قد ألزم نفسه بما لا يلزم، وادخلها في مضايق هو في غنى عنها، فلماذا هذا التجزئة لمتلازمين لا ينفكان: الكتاب والسنة؟!
أما أقوال السلف (الصحابة والتابعون وأتباع التابعين) عندهم فهي كالسنة من جهة عدم إضافة عنوان بسبب قول من أقوالهم.
لكن الموضوع الذي لم يبينه أحد ممن اطلعت على كلامه في التفسير الموضوعي هو: كيف سيفهم معنى الآيات؟ هل سيعتمد على مصادر التفسير المعروفة، أو سيجتهد اجتهادًا خاصًّا خارج إطار هذه المصادر؟
لقد جاء الحديث عن الإفادة من تفسير السلف عند أصحاب التفسير الموضوعي كلامًا مبهمًا مجملاً لا يدلُّ على الأسلوب الذي سيتعامل به هؤلاء مع أقوالهم التي لا يمكن لمفسِّر جاء بعدهم أن ينفك عنها البتة.
وقد جعلوا تفاسير السلف مادة للتوضيح لا يُستقى منها عناوين موضوعات في البحث، وهذا فيه انفكاك من أمر لا ينفك البتة، خصوصًا إذا كان البحث في دراسة (لفظة أو جملة من خلال القرآن).
فمثلاً، لو كنت تبحث في موضوع (القنوت في القرآن)، وجعلت من عناوينك الرئيسة:
القنوت: الطاعة الدائمة
ثمَّ استدللت بقوله تعالى: ((كل له قانتون))، فإن السؤال الذي سيرد هنا: من أين استقيت عنوانك هذا؟
فالجواب: إما أن يكون من دلالة اللغة، وإما أن يكون من تفسير المفسرين، وكلا المصدرين عندهم لا يُبنى منه عنوان.
ففي مثل هذه الحال، هل يمكن الانفكاك من تفسير السلف؟!
أعود فأقول: إن طريقة التفسير الموضوعي هذه فيه إلزامٌ بما لا يلزم.
وهناك مسألة أخرى في تفسير السلف لم يبيِّنها أصحاب التفسير الموضوعي، وهي: كيف يتعامل مع اختلاف السلف في تفسير لفظة أو جملة من آية؟
هل سيُعرضُ عن الاختلاف ويختار ما يراه متوجِّهًا مع بحثه؟
هل سيناقش الاختلاف، ثمَّ يرجِّح ما يظهر له؟
وهل سيكون ترجيحه هذا موضوعيًا بحيث لا يكون للموضوع الذي اختاره تأثيرٌ على ترجيحه؟
وإذا كان الاختلاف من باب اختلاف التنوع الذي تحتمل الآية فيه الأقوال هل سيستدلُّ بها في مواضع متعدِّدة بحسب ما قيل في معناها من أقوال صحيحة؟
كل ذلك لم يُحرِّره أصحاب التفسير الموضوعي مع أنه لا يمكنهم أن ينفكَّوا عنه، وإنما اكتفوا من تفسير السلف بأن لا يضع عنوانًا مأخوذًا من تفسيرهم.
رابعًا: إن من يقرأ ما كُتِبَ في التفسير الموضوعي من جهتيه التنظيرية والتطبيقية سيجد عدم الاتفاق في كثيرٍ منه، فهذا يستدرك على هذا في التنظيرات، وذاك لا يرضى طريقة هذا في التطبيقات.
ولاشكَّ أن هذه الاستدراكات نابعة من جدَّةِ الموضوع، وعدم وضوحه منذ بداياته في النصف الثاني من القرن الرابع عشر، وهذا يعني أنَّ مجال الاستدراك لازال مستمرًّا.
خامسًا: إن طريقة كتابة التفسير الموضوعي سواء أكان موضوعًا من خلال القرآن أم كان موضوعًا من خلال سورة غير متفقٍ عليها.
فبعضهم ينحى في الكتابة إلى الأسلوب الأدبي والخطابي، فتراه يقلِّب عبارته، ويبدي ويعيد في ألفاظ ينتقيها، ويطيل الكلام في موضوع يمكن إجماله في سطر ونصف السطر.
وقد اطَّلعت على رسائل سارت على هذا الأسلوب، فاستغربت القصد إلى هذا التطويل في العبارات لأجل إثبات قضية يمكن إثباتها وبيانها بأقل مما الحال عليه في هذه الرسائل، حتى ظهر لي أن هذا الأسلوب مقصودٌ لذاته، ولا تتمُّ الرسالة إلا به. وهذا ـ في الحقيقة ـ من الحشو الذي يمكن الاستغناء عنه.
وبعضهم ينحى إلى تقرير المسألة تقريرًا علميًا مباشرًا بلا حشو عبارات لا داعي لها، وهذا هو السبيل الأمثل في العلم، لأن الأساليب الخطابية والأدبية لا مدخل لها في إثبات المسائل العلمية، وإنما قد توجد فيها كوجود الملح في الطعام، فإذا زادت فسد الكلام كما يفسد بزيادة الملح الطعام.
سادسًا: من طرائف ما وقع لي فيما يتعلق بهذا الموضوع أني كنت أتحدث مع أستاذ من أساتذة الثقافة الإسلامية في كلية الشريعة بالرياض، فقلت له: ألا يوج موضوعات علمية قدِّمت لكم وصار بينكم وبين قسم الدعوة بكلية الدعوة والإعلام منازعة في الموضوع، هل هو من موضوعات الثقافة الإسلامية أو من موضوعات الدعوة الإسلامية؟
فقال لي بل قد تكون المنازعة بين ثلاثة أقسام، وهي قسم القرآن وقسم الثقافة وقسم الدعوة، حينما يكون من موضوعات التفسير الموضوعي.
وأخيرًا أقول: إنني على غير قناعة بالمطروح في التفسير الموضوعي، لا من جهة الاصطلاح، ولا من جهة التنظير والتطبيق. وأتمنى لو صُحِّحَ مسار هذا الموضوع، إذ فيه نفع وفوائد كثيرة، لكن بعد ترشيده وتسديده.
أسأل الله أن يجعل هذا الكلام من باب النصح والتصويب لا من باب التثريب، وأسأله أن يرينا ـ جميعًا ـ الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=566
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/29)
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 09:42 م]ـ
سؤال عن احتواء جمع أبي بكر للأحرف السبعة
--------------------------------------------------------------------------------
لقد سألني الأخ الفاضل حسين المطيري الأستاذ بقسم الدراسات القرآنية عن جمع أبي بكر رضي الله عنه، هل يشمل الأحرف السبعة؟
وأقول إنَّ موضوع جمع القرآن من الموضوعات التي تحتاج إلى رسائل، وليست رسالة واحدة، وقد طرح الأستاذ محمد أبو زيد رسالته العلمية المعنونة بـ (جمع القرآن في مراحله التاريخية من العصر النبوي إلى العصر الحديث) في الأنترنت، وهو موجود في موقع الخيمة، وفيها فوائد نفيسة يحسن بمن له اهتمام بعلوم القرآن أن يرجع إليها.
وأعود فأقول: إن موضوع جمع المصحف عمومًا يرتبط بعدد من الموضوعات لا يمكن أن ينفكَّ عنها، وإلا كان البحث ـ في نظري ـ في نقص، وهذه الموضوعات:
1 ـ رسم المصحف.
2 ـ الأحرف السبعة.
3 ـ اختلاف القراءات القرآنية.
وإدراك هذه الأمور تحلُّ شيئًا كثيرًا من المشكلات الواردة على جمع المصحف.
ثمَّ إن بحث هذا الموضوع يحتاج إلى ثلاث مقدمات:
الأولى: جمع الآثار المتعلقة بجمع المصحف، والمتعلقة بالموضوعات الثلاثة التي سبق الإشارة إليها لأخذ ما يفيد منها في موضوع جمع المصحف.
الثانية: تصوُّر الواقع الذي كان عليه الصحابة رضي الله عنهم حال جمع المصحف في أزمنته المتعددة.
الثالثة: الاستنباط العقلي المبني على الآثار وتصوُّر الواقع.
وأعود إلى السؤال المطروح فأقول:
1 ـ إنَّ ما جمعه أبو بكر رضي الله عنه ليس فيه تفاصيل، ولا يمكن الجزم بشيءٍ إلا أنه جمع المصحف، والأصل أنَّ هذا المصحف يحتوي على القرآن النازل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومادام يحتويه فإنَّ إثبات الزيادة على كونه يحتوي أكثر من ذلك مما يحتاج إلى دليل خاصٍّ، وليس من دليل يدلُّ على ذلك.
2 ـ إنَّ افتراض اختلاف المكتوب في مصحف أبي بكر رضي الله عنه عما بقي من المكتوب من القرآن على اللخف والرقاع وغيرها أمر لا يدلُّ عليه دليلٌ أيضًا، والأصل أنَّ ما دوِّن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن النازل الثابت قراءته، وهو الذي جمعه أبو بكر رضي الله عنه في مصحف واحدٍ، فعمل أبي بكر رضي الله عنه إنما هو جمع متفرقٍ في مصحف واحدٍ.
وإنما أقول ذلك لأن الأمر عندي أنَّ ما يتعلق بالقرآن فإنَّ الأصل فيه التوقيف، وليس للرسول صلى الله عليه وسلم، بَلْهَ الصحابة رضي الله عنهم أي تدخُّلٍ فيه، وذلك في حروفه وطريقة أدائه وترتب آيِهِ وسوره.
وجَهْلُ بعض الصحابة رضي الله عنهم بشيء من ذلك، أو اجتهادهم رضي الله عنهم في ترتيب مصاحفهم على ترتيبٍ معيَّنٍ ـ إن صحَّ ـ فإنه لا يُخرج هذه الأمور عن كونها توقيفية، هذا هو الأصل عندي، ولست أرى أنه قد وقع من الصحابة رضي الله عنهم مخالفة لما كان من شأن القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الأمر أنهم لم يُلزَموا إلزامًا عامًّا بشيءٍ من أمر القرآن إلا في عهد عثمان رضي الله عنه.
3 ـ إنه مما لا خلاف فيه أنَّ كثيرًا من قراءات القرآن ترجع إلى أمورٍ صوتية لا يمكن كتابتها، فإن كانت هذه الصوتيات عند من يرى أنَّ أبا بكر جمع الأحرف السبعة، فإنه يخالف هذا الأصل؛ لنَّ هذا مما لا يمكن أن يُكتب، ومن ثَمَّ فإن أبا بكر لم يكتبه على الأحرف السبعة بل نقص عنده ما يتعلق بالصوتيات من الإمالة والإدغام وغيرهما.
4 ـ كما أنَّ من نقل رسم المصاحف العثمانية أشار بوضوح صريحٍ أنَّ بعض الكلمات القرآنية كُتِبَت على وجه واحدٍ في الرسم، وهي في القراءة تحتمل أكثر من وجه، وهذا يدلُّ على أمور، منها:
ـ أنَّ الرسم اصطلاح، وهم كتبوه على الوجوه المتغايرة التي يعرفونها، لذا وقع الاختلاف في كتابة بعض المتماثلات بوجوه مختلفة نظرًا لاختلاف التغاير في رسمها، ولا يلزم منه أمر آخر، كما اجتهد بعضهم في استنباط علاقة وجوه القراءة بتغاير الرسم، وهذا قد يحصل في بعض المواطن لكنه غير لازم في جميع تغاير الرسم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/30)
واختلاف التغاير في الرسم لازال حتى اليوم قائمًا بين الكَتَبَةِ، وهو محلُّ تطوِّرٍ يعرفه من قرأ في موضوع الإملاء عبر القرون، وهو اختلافُ تغايرٍ بحتٍ، واجتهادٌ من العلماء، والأمر فيه واسعٌ جدًّا، وارجع إلى اختلاف المعاصرين في كتابة لفظة (شئون / شؤون) وغيرها، وقس عليه في أمر تغاير الرسم.
ـ أن الكتبة من الصحابة لم يعتبروا اختلاف هذه الرسوم، وجعلوا القراء هي القاضية على الرسم؛ لذا تجدُ في كتاب (المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار) للداني (ت: 44) بابًا بعنوان (ذكر ما اتفقت على رسمه مصاحف أهل الأمصار من أول القرآن إلى آخره)، وقد ذكر فيه عددًا من كلمات القرآن كُتِبَت على وجه واحدٍ من الرسم، وسأذكر منها مثالين يحسن بك أن تراجعهما في كتب الرسم ليظهر لك صحة ما أقول:
الكلمة الأولى: ((الصراط)) فقد كُتِبَت في جميع المصاحف بالصاد، فيها ثلاث قراءات صحيحة، وهي مما حُكِمَ بتواترِه.
الأولى: بالسين وهي رواية قنبل عن ابن كثير المكي.
الثانية: بإشمام الصاد زايًا، وهي رواية خلف عن حمزة.
الثالثة: بالصاد كما رسمت في جميع المصاحف، وهي قراءة الباقين، وهم الجمهور (1).
فلو كان الرسم معتبرًا، فلا أقلَّ من أن يرسموا الصراط في مصحف بالصاد وفي مصحف بالسين، وإنما تركوا ذلك؛ لأنَّ القراءة قاضية على الرسم، وعندهم لا يؤخذ من الرسم طريقة القراءة، فالقراءة أولاً، والرسم تبعٌ.
الكلمة الثانية: ((ضنين))، وقد رُسِمت في جميع المصاحف بالضاد، وقرئت على وجهين:
الأول: بالظاء، وقرأ بها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي
الثانية: بالضاد، كما هي مرسومة في المصاحف، وقرأ بها الباقون من القراء السبعة.
وهاتان القراءتان لا يحتمل بعضهما البعض لا من جهة الرسم ولا من جهة المعنى، وهذا مما يدلُّك أيضًا على أنَّ الأصل في قراءة القرآن نقل حروفه قراءة، والرسم تبع له، ولا يلزم أن يوافق الرسم جميع المحفوظ الملفوظ من القرآن الكريم، والله أعلم.
وإذا تبيَّن لك هذا، فاعلم أنَّ مصحف أبي بكر رضي الله عنه قد كُتِبَ على صورة واحدةٍ، هذا هو الأصل، مع احتمال أن يكون قد رسمت بعض حروفه التي وقع فيها تغاير في المصحف نفسِه، في أي مكان منه إما في حواشيه، وإما أن تكتب الكلمات المتغايرة متتالية، وهذا لا يحكمه إلا الاطلاع المباشر على مصحف أبي بكر رضي الله عنه، وذلك ما لا سبيل إليه كما تعلم.
والمقصود من ذلك أنَّ كون أبي بكر رسمه على وجه واحد من الرسم فإنه لا يعني أنه أهدر وجوه القراءة الأخرى؛ لأنها مما يُتلقى من طريق القراء لا من الرسم فتأمَّل هذا.
وإذا كان ذلك كذلك، فلا يصحُّ أن يقال: إنَّ مصحف أبي بكر حوى الحرف السبعة، ولا أنَّه حوى ما بقي منها مما لم يُنسخ، إلا إذا عرَّف المتكلِّم بهذا مقصوده بالأحرف السبعة، والله الموفق.
واعلم أنَّ الموضوع طويل، ولا أراني ألممت إلا بمقصوده إلا على عجلٍ، وهو لا يروي غليلاً، ولا يشفي عليلاً، وأسأل الله أن يوفِّق بعض الباحثين لإعادة النظر في هذا الموضوع الخطير،و آخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــ
(1) قال السخاوي (ت: 643) في الوسيلة إلى كشف العقيلة (ص: 89): ((قلت: ورأيت في كتاب القراءات لأبي عبيد عند ذكر الصراط؛ قال أبو عبيد: والقراءة عندنا بالصاد؛ لاجتماع المصاحف في الأمصار كلها على الخطِّ بالصاد)).
وهذه طريقة من الترجيح معروفة قبل ابن جرير الطبري (ت: 310)، ولا أدري لماذا فُتِحت عين بعضهم على ابن جرير (ت: 310)، ولم تر أقوال الآخرين، وإنما سُقت هذا هنا لأنبه إلى حاجة هذا الموضوع إلى بحث مستفيضٍ، وهو من الموضوعات المهمة التي يحسن بالمتخصصين ألا يغضُّوا الطرف عنها، وأن يبحثه أكثر من متخصِّص لتتواطأ أقوالهم على تبيين هذه المسألة الشائكة المهمة، وأن يردوا تلك القالة المنكرة التي أُلصِقت بابن جرير الطبري الذي لم يكن بِدْعَا في هذا المنهج، بل سبقه علماء ولحقه علماء، وللموضوع جوانب أخرى تحتاج إلى بيان.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/31)
هذا، وقد ألَمَّ بجوانب متعلقة بتاريخها الأستاذ الباحث زيد بن علي مهدي بن أحمد مهارش في رسالته العلمية التي قدمها ـ لقسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بالرياض ـ لنيل درجة الماجستير، وهي بعنوان (منهج الإمام الطبري في القراءة وضوابط اختيارها في تفسيره).
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 09:47 م]ـ
التعليق على الوقف اللازم في قوله تعالى: (ماذا أراد الله بهذا مثلا)
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد طلب مني بعض الإخوة في هذا الملتقى أن أطرح بعض المسائل التي ناقشتها في رسالة الماجستير، وكانت بعنوان (وقوف القرآن وأثرها في التفسير)، وقد استحسنت هذه الفكرة، فرأيت أن أطرح منها ما تيسر.
وسأبدأ هذا الطرح بالتعليق على أول وقف لازم في مصحف المدينة النبوية، وهو الوقف الوارد في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ) (البقرة:26).
فأقول مستعينًا بالله:
الوقف اللازم في هذه الآية على قوله تعالى: (مثلاً) الثانية.
فما معنى الكلام بناءً على هذا الوقف؟
إن لزوم الوقف على قوله تعالى: (مثلاً) يدل على انفصال الجملة من قوله تعالى: (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً) عمَّا بعدها، فتمَّ هنا كلام الكفار.
ثم أعقبه الله جل ذكره ببيان فائدة المثل بقوله تعالى: (يضل به كثيراً و يهدي به كثيراً)، فهذا من الله ابتداءُ كلامٍ تعقيباً على قولهم، و رداً عليهم.
وما الإشكال الوارد في الوصل لو وصل القارئ؟
ولو وصل القارئ قوله تعالى: (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا و يهدي به كثيرا) لأوهَمَ أن قوله تعالى: (يضل به كثيراً …) من تمام قول الكفار.
وقد أورد المفسرون هذين المعنيين السابقين، و اختار أكثرهم الوقف على قوله تعالى: (مثلاً)، وأعلُّوا المعنى الثاني.
قال أبو جعفر الطبري: (يعني بقوله جل و عز: (يضل به كثيراً) يضل الله به كثيراً من خلقه , و الهاء في (به) من ذكر المثل، و هذا خبر من الله جل ثناؤه مبتدأ، و معنى الكلام أن الله يضل بالمثل الذي يضر به كثيراً من أهل النفاق و الكفر)) (1)
ثم استدل لصحة هذا الوقف بما جاء في سورة المدثر من قوله تعالى: (وليقول الذين في قلوبهم مرض و الكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل به من يشاء و يهدي من بشاء).
قال الطبري: ((وفيما في سورة المدثر من قول الله: (وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء) ما ينبئ عن أنه في سورة البقرة كذلك مبتدأ، أعني قوله: (يضل به كثيراً))) (2).
وقد تبع الطبريَّ في الاستدلال بهذه الآية على صحة الوقف في آيه البقرة أبو جعفر النحاس حيث قال: ((والأَولى في هذا ما قاله أبو حاتم، والدليل على ذلك ... )) (3). ثم ساق آيه المدثر.
و قال الشوكاني: ((وقوله: (يضل به كثيراً و يهدي به كثيراً) هو كالتفسير للجملتين السابقتين المصدرتين بـ (أما)، فهو خبر من الله سبحانه)) (4).
و قال ابن جزي الكلبي: (((يضل به) من كلام الله جواباً للذين قالوا ماذا أراد الله بهذا مثلا، وهو أيضاً تفسير لما أراد الله بضرب المثل من الهدى والضلال)) (5).
و ممن اختار هذا المعنى: السُّدِّيُّ، ومقاتل؛ كما نقل ذلك عنهما ابن الجوزي في تفسيره (6).
واختاره السجاوندي (7)، وأبو حيان في تفسيره (8)، ومن نقلتُ أقوالَهم فيما سبق.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/32)
و اختار المعنى الثاني ـ وهو أن يكون الكلام من تمام كلام الكفار ـ: الفراء (9) وابن قتيبة (10).
قال الفراء: ((وقوله: (ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيراً و يهدي به كثيراً)؛ كأنه قال ـ والله أعلم ـ: ماذا أراد الله بهذا بمثل ـ لا يعرفه كل أحد ـ يضل به هذا ويهدي به هذا. قال الله: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) (البقرة: من الآية26))) (11).
وقد اعتُرضَ على قول الفراء بما يأتي:
أن الكافرين لا يُقرُّون بأن في القرآن شيئاً من الهداية، ولا يعترفون على أنفسهم بشيء من الضلالة (12).
و قال أبو حيان ـ مناقشاً لهذا القول ـ: ((واختار بعض المعربين والمفسرين أن يكون قوله تعالى: (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) (البقرة: من الآية26) في موضع الصفة لمثل … فعلى هذا يكون من كلام الذين كفروا، وهذا الوجه ليس بظاهر؛ لأن الذي ذكر أن الله لا يستحيي منه هو ضرب مثلٍ ما؛ أيِّ مثلٍ كان: بعوضة أو ما فوقها، والذين كفروا إنما سألوا سؤال استهزاء وليسوا معترفين بأن هذا المثل يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً إلا إن ضَمَّن معنى الكلام: إن ذلك على حسب اعتقادكم وزعمكم أيها المؤمنون، فيمكن ذلك، ولكن كونه إخباراً من الله تعالى هو الظاهر)) (13).
أقوال علماء الوقف:
اختلف علماء الوقف في الحكم على هذا الموضع على أقوالٍ:
الأول: أنه تام، وبه قال أبو حاتم، وأبو جعفر النحاس (14).
الثاني: أنه حسن، وبه قال أبو العلا الهمذاني (15).
الثالث: أنه لازم، وهو قول السجاوندي (16).
الرابع: التفصيل بين الكفاية والجواز، وهو قول الأشموني، حيث قال: ((كافٍ، على استئناف ما بعده جواباً من الله للكفار. وإن جُعل من تتمَّةِ الحكاية عنهم كان جائزاً (17))) (18).
هذا، وقد سبق ذكر الوجه التفسيري المترجح، وهو قول الجمهور، حيث جعلوا قوله تعالى: (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) (البقرة: من الآية26) من قول الله استئنافاً للردِّ على الكفار. وبهذا الوجه يكون الفصل بين الجملتين بالوقف هو المرجَّح، وهذا يتناسب من حكم عليه بالتمام والكفاية واللزوم.
وكونه كافياً أقرب؛ لأن الجملة فيها ردٌّ على ما سبق من كلام الكفار، وبهذا تكون مرتبطة بما قبلها من جهة المعنى؛ لأن الحديث عن ضرب المثل لم يتمَّ بعد. والعلة التي ذكرها السجاوندي تجعل تخيُّر الوقف على هذا الموضع أولى، وإن كان كافياً.
أما حكم أبي العلاء الهمذاني عليه بأنه حسن , وكذا ما ذكره الأشموني من أنه إن جعل من تتمه الحكاية عنهم كان جائزاً فهو موافق لاختيار الفراء التفسيري , وقد سبق الرد عليه.
ــــــــــــــ
() تفسير الطبري 1: 181.
(2) تفسير الطبري 1: 181.
(3) القطع والائتناف 129.
(4) فتح القدير 1: 57، وهو بنصه في فتح البيان، لصديق خان 1: 94، وانظر: تفسير القرطبي 1: 209، وروح المعاني 1: 209.
(5) تفسير ابن جزي 1: 42.
(6) زاد المسير 1: 43.
(7) علل الوقوف 1: 89.
(8) البحر المحيط 1: 125.
(9) معاني القرآن 1: 23.
(10) انظر: زاد المسير 1: 43.
(1) معاني القرآن 1: 23.
(2) انظر: فتح القدير 1: 57، وفتح البيان 1: 94.
(3) البحر المحيط 1: 125.
(4) انظر: القطع والائتناف 129.
(5) الهادي إلى معرفة المقاطع والمبادي 1: 44.
(6) علل الوقوف 1: 89.
(7) قال الأشموني في منار الهدى (ص: 10) عن مصطلح الجائز: ((… ثمَّ الأصلح، وهو الذي يعبر عنه بالجائز)). ولم يشرح بأكثر من هذا.
(8) منار الهدى 37.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1027
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 09:49 م]ـ
(2) التعليق على الوقف اللازم على قوله تعالى (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم)
--------------------------------------------------------------------------------
قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (البقرة:118).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/33)
الوقف اللازم في هذه الآية على قوله تعالى: (مثل قولهم)، ومن ثَمَّ، فما بعدها مفصول عنها.
ويكون مقول القول محذوفاً، قد دلَّ عليه سباق الآية، وهو ما ذكره الله من قولِ الذين لا يعلمون: (لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية)، فمقولهم المحذوف: هو هذا الاقتراح.
ولو وصل القارئ قولَه تعالى: (مثل قولهم) بقوله تعالى: (تشابهت قلوبهم)؛ لتُوهِّم أن جملة: (تشابهت قلوبهم) هي مقولُ القَولِ، وليس الأمر كذلك، وبناءً عليه لَزِمَ الوقف على قوله: (مثل قولهم)؛ لِيُفهَم المعنى بالفصل.
قال شيخ زاده في حاشيته على البيضاوي: ((قوله: (تشابهت قلوبهم) استئناف على وجه تعليلِ تشابُهِ مقالتِهم بمقالةِ من قبلهم)) (1).
وقال الآلوسي في قوله: (تشابهت قلوبهم): ((والجملة مقررة لما قبلها)) (2).
وقال أبو حيان: (((تشابهت قلوبهم) الضمير عائد على الذين لا يعلمون والذين من قبلهم، لما ذكر تماثل المقالات، وهي صادرة عن الأهواء والقلوب، ذَكَرَ تماثلَ قلوبهم في العمى والجهل؛ كقوله تعالى: (أتواصوا به) (الذاريات: 53))) (3).
أقوال علماء الوقف:
اختلف علماء الوقف في الحكم على هذا الموضع على أقوالٍ:
الأول: أنَّ الوقف تامٌّ، وهو اختيار ابن مجاهد أحمد بن موسى (4)، والهمذاني (5).
الثاني: أنَّ الوقف كافٍ، وبه قال الأنصاري (6).
الثالث: أنه حسن، وهو قول الأشموني (7).
الرابع: أنه مطلق، وهو قول السجاوندي (8).
و الأَولى في الحكم هنا: الفصلُ بين الجملتين، للْعِلَّةِ المذكورة، وهي أن يُتَوَهَّمَ أنَّ قوله تعالى: (تشابهت قلوبهم) من مقول الكفار.
والصواب أن المقول محذوف، وأن هذه الجملة مستأنفة، وبهذا يكون قول الأشموني بأنه وقف حَسَنٌ غير صحيح، لأنه يلزم من ذلك التعلق الإعرابي وهو غير موجود.
ومع هذا الاستئناف هل الوقف من التام أو الكافي؟.
الأصحُّ أنَّ الوقف كافٍ؛ لأن السياق ما زال متصلاً بالحديث عن الكفار، ويؤكد ذلك الضمير في قوله: ((قلوبهم))، فهو يعود على الذين لا يعلمون والذين من قبلهم المذكورين في الآية. وبهذا تكون الآية مرتبطة بما قبلها في المعنى، واللهُ أعلمُ.
و أما حكم السجاوندي بأنه مطلق، فصحيح أيضًا؛ لأن جملة: (تشابهت قلوبهم) يصحُّ البدء بها، لأن ضابطَ الوقف المطلق عنده هو صِحَّةُ البَدْءِ بما بعد الوقف. والله أعلم.
ــــــــــــــــ
(1) حاشية شيخ زاده على البيضاوي 1: 402.
(2) روح المعاني 1: 370، وانظر: التحرير والتنوير 1: 689، فقد ذكر مثل ذلك.
(3) البحر المحيط 1: 367، وانظر: تفسير ابن جزي 1: 58.
(4) انظر: القطع والائتناف 161.
(5) الهادي في معرفة المقاطع والمبادي 1: 73.
(6) المقصد 47 ـ 48.
(7) منار الهدى 47 ـ 48.
(8) علل الوقوف 1: 121.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1065
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 09:50 م]ـ
(3) الوقف اللازم على قوله تعالى (ويسخرون من الذين آمنوا)
--------------------------------------------------------------------------------
قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (البقرة:212)
الوقف اللازم في هذه الآية على قوله تعالى: (ويسخرون من الذين آمنوا).
ولهذه الجملة احتمالان في الإعراب:
الأول: أن تكون معطوفة على جملة (زين للذين كفروا).
الثاني: أن تكون جملة حاليةً على تقدير: وهم يسخرون (1).
وبناءً على هذا الوقف، فإنَّ جملة: (والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة) محمولةٌ على الاستئناف.
ووجه الإشكال في الوصل بيَّنها السجاوندي، فقال:» ولو وصل صار (فوقهم) ظرفاً لـ (يسخرون)، أو حالاً لفاعل (يسخرون)، وقُبْحُهُ ظاهرٌ «(2).
والصواب من الإعرابِ أنَّ الواو عاطفة، وأن جملة (والذين اتقوا) معطوف على جملة (زين للذين كفروا) (3).
أقوال علماء الوقف:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/34)
اختلف علماء الوقف في الحكم على هذا الموضع على أقوال:
الأول: أنَّ الوقف كافٍ، وهو اختيار الداني (4)، والغزال (5).
الثاني: أن الوقف حسنٌ، وبهذا الوقف قال أبو جعفر النحاس (6)، وابن الأنباري (7)، والهمذاني (8)، والأنصاري (9)، والأشموني (10).
الثالث: أن الوقف لازم، وهو اختيار السجاوندي (11).
وأولى هذه الأقوال قول من قال: إنَّ الوقف حَسَنٌ؛ لأن جملة (والذين اتقوا) مرتبطة إعراباً بجملة (زين للذين كفروا) وهذا الرابطُ اللفظي الإعرابي يجعل الوقف حسناً.
ولِوُجودِ هذا الرابط اللفظي الإعرابي لا يصلح أن يكون الوقف كافياً، كما لا يصلح البدءُ بجملة (والذين اتقوا) الذي هو نتيجةُ الحكم باللازم.
أمَّا ما عَلَّلَ به السجاوندي فهو من البُعْدِ والتَّكلفِ بمكان؛ لأنَّ هذه العلة ـ لو صحَّت ـ لا يدركها إلا المتخصص في علم النَّحو. ويلزم من عِلَّتِهِ أنْ يُفهَم أنَّ جملة (الذين اتقوا) عطف على جملة (الذين آمنوا)، وأنَّ قوله: (فوقهم) ظرف لـ (يسخرون) أو حالٌ لفاعلِ (يسخرون)، وهذا لا يُدْرَكُ إلا بتأمل.
ولو بدأ القارئ من قوله تعالى: (زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة)، فوقف هنا، لكان واضحاً أنَّ الفوقية للمتقين وأنَّ الظرف (فوقهم) لا يتعلق بهذا الفعل البعيد عنه، وهو (يسخرون).
.......................................
(1) انظر: البحر المحيط 2: 130، والدر المصون 2: 372.
(2) علل الوقوف 1: 168.
(3) انظر: الجدول في إعراب القرآن 2: 362، وإعراب القرآن الكريم، لمحيي الدين درويش 1: 312.
(4) المكتفى 83.
(5) الوقف والابتداء 1: 268، وعبارته:» حسن «، وهي تعني الكافي عند غيره.
(6) القطع والائتناف 183.
(7) إيضاح الوقف 1: 549.
(8) الهادي في معرفة المقاطع والمبادي 1: 110.
(9) المقصد، بحاشية منار الهدى 58.
(10) منار الهدى 58.
(1 1) علل الوقوف 1: 168.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1123
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 09:52 م]ـ
هل أنكر ابن جرير قراءة متواترة أو ردَّها؟
--------------------------------------------------------------------------------
هل أنكر ابن جرير قراءة متواترة أو ردَّها؟
الحمد لله القائل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحبه الغرِّ الميامين، وعلى تابعيهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فإنَّ هذا الموضوع كان مما يشغلني منذ زمن، وكنت كلما أردت الكتابة فيه صرفتني عنه صوارف، وقد رأيت أنه لابدَّ من الإشارة التي تغني عن العبارة، وأنه لابدَّ من الذبِّ عن هذا الإمام العظيم الذي لا أدَّعي له العصمة ـ كلا وحاشا ـ وإنما المراد بيان منهجه الذي سار عليه في نقد القراءة، والذي لم يكن بدعًا فيه.
وهنا يحسن التنبيه على أمرين غير متلازمين، وهما:
الأول: احترام العالم وطريقته العلمية ورأيه الذي يذهب إليه.
والثاني: ردُّ رأيه إذا كان مخالفًا للصواب.
فالأولى لا يلزم منها قبول كلِّ رأي يصدر عنه، والثانية لا يلزم منها عدم احترامه وتقديره.
والمقصود هنا أنَّ المسلم مأمور باتباع الحقِّ لا الرجال، فإذا ظهر له أنَّ الحقَّ ليس مع هذا العالم بل مع غيره لزمه اتباع الحقِّ.
وقد تكوَّنت عندي خلال دراسة هذا الموضوع = أفكار في موضوع تواتر القراءات وما يتعلق بكتبها وتاريخها، وكذا موضوع القراءات عند الطبري، ولعل الله يعينني على إتمام تحريرها، وعرضها من خلال هذا الملتقى المبارك أو من خلال كتاب يجمع أشتات تلك المسائل، والله الموفق.
وأعود إلى أصل المسألة فأقول:
هل أنكر ابن جرير قراءة متواترة أو ردَّها؟
إنَّ الجواب عن هذا السؤال يلزم من البحث في أمرين:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/35)
الأول: مفهوم التواتر، وهذا يحتاج إلى بحث مستفيضٍ مستقلٍّ؛ لأنه قد أصابه غبشٌ وعدمُ وضوحٍ، فالتواتر في كل علم يختلف، ولا تكاد تجدُ هذه العبارة في كتب السابقين، وإنما تجد عندهم: (قراءة العامة / القراءة المستفيضة / القراءة المشهورة / قراءة قراء الأمصار) وغيرها من المصطلحات التي تدلُّ على شيوع القراءة وانتشارها، أمَّا لفظ التواتر فلم أقف عليه عند من قبل الطبري (ت: 310)، ولا عند ابن مجاهد (ت: 324) الذي سبَّع السبعة، ولا عند الداني (ت: 444) في كتابه التيسير، الذي اعتمده الشاطبي (ت: 590) ونَظَمَهُ في قصيدته اللامية التي صارت تُعرف بالشاطبية. وإنما جاء هذا المصطلح متأخِّرًا بعد تسبيع السبعة بزمنٍ.
فابن مجاهد (ت: 324) يقول في كتابه السبعة (ص: 49): ((والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة والبصرة والشام هي القراءة التي تلقوها عن أوَّليهم تلقِّيًا، وقام بها كل في مصر من هذه الأمصار رجلٌ ممن أخذ من التابعين، أجمعت الخاصة والعامة على قراءته وسلكوا فيها طريقه، وتمسكوا بمذهبه)).
وقال في موطن آخر من مقدمته لهذا الكتاب (ص: 87): ((… فهؤلاء سبعة نفرٍ من أهل الحجاز والعراق والشام، خلفوا في القراءة التابعين، وأجمعت على قراءتهم العوامُّ من أهل كلِّ مصر من الأمصار، إلا أن يستحسن رجل لنفسه حرفًا شاذًّا فيقرأ به، من الحروف التي رُويت عن بعض الأوائل منفردة، فذلك غير داخلٍ في قراءة العوامِّ، ولا ينبغي لذي لبٍّ أن يتجاوز ما مضت عليه الأمة والسلف بوجه يراه جائزًا في العربية، أو مما قرأ به قارئ غير مجمع عليه)).
استطراد: من باب المناسبة أدعو الإخوة المتخصصين في العلوم إلى إقامة مدارسات في مقدمات كتب العلوم، ففيها نفائس وقواعد وفوائد لا تُحصى، كما أنها تبيِّن مناهج المؤلفين وشيئًا من مصطلحاتهم وعباراتهم، وقد لمست ذلك في قراءتي لبعض مقدمات كتب التفسير وغيرها من كتب التخصص مع بعض الأصحاب، وفقني الله وإياكم إلى الصواب.
وقال الداني (ت: 444) في التيسير (ص: 2): ((… ويتضمن من الروايات والطرق ما اشتهر وانتشر عند التالين، وصحَّ وثبت عند المتصدرين من الأيمة المتقدمين)).
وهؤلاء الأئمة السبعة الذين تلقت العامة قراءتهم بالقبول، قد يرد عنهم حروف مفردة لم يقبلها العلماء، وهي خارج القراءة العامة التي أقرأ بها الإمام منهم، لذا لا يُعدُّ كل ما روي عنهم في درجة واحدة من القبول، بل ما كان معروفًا بالنقل من الطرق المعتبرة عند أهل هذا الشأن.
وإنما أُشير لهذا ليُعلم أنَّ الحكم بقبول قراءتهم إنما هو فيما اختاروه وأقرءوا به العامة وانتشر، دون تلك الأفراد التي لا يخلو منها إمام منهم.
وإذا تأملت ما ذكره هؤلاء العلماء من أسانيد القراءة وجدتها تقف عند هؤلاء السبعة، فهي في حقيقتها أفراد، لكن لما تلقتها الأمة بالقبول فإنها صارت قراءة مستفيضة مشهورة، وهذا لو كان هو الضابط بدل التواتر لكان، لكن للفظ التواتر سلطان يحتاج إلى تحريرٍ.
ولعلك على خُبرٍ بنِزاع ـ ليس هذا محلُّه ـ وهو ما المتواتر من السبعة، هل هو أفراد القراءات أم مجموعها؟ وهذا من الموضوعات التي تحتاج إلى تنبيه ليتبصَّر به من يكتب في موضوع تواتر القراءات.
وإنه ليس من شكٍّ اليوم بصحة ما تلقته الأمة من كتاب ربها وقرأته على مرِّ العصور بقراءتها العشر التي تلقتها بالقبول جيلاً عن جيلٍ، ولا أودُّ أن يُفهم طرح هذه المسألة للنقاش أن في الأمر شكًّا في تواتر القراءات اليوم، وإنما المراد النظر إلى القراءات في كلِ جيل، والاعتذار لما وقع من بعض العلماء العارفين من ردِّ بعض القراءات، وأنهم إنما ردُّوها بأسلوبٍ علميٍّ مناسب لما تلقوه من القراءات، وليس عن هوى أو جهلٍ منهم.
ولا يصلح اليوم الاستدلال بردِّ هؤلاء العلماء للقراءات اليوم بعد قيام الحجة بقبولها واعتماد تواترها بعد تسبيعها أو تعشيرها.
والأمر أطول مما صورته لك هنا، أسأل الله أن يوفق من يكتب فيه كتابة مستفيضة تجلِّي غامضه، وتبيِّن طرائق العلماء في كلِّ عصر في تلقي القراءة، وكيف وصلت إلى ما وصلت إليه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/36)
الثاني: هل ثبت أن ابن جرير أثبت تواتر قراءة ثمَّ أنكرها، فإن كان ثبت ذلك، فهنا الملامة تقع، والإنكار عليه يصح.
لكن الأمر بخلاف ذلك، فما ردَّه أو اعترض عليه لم يكن مما ثبتت استفاضته وشهرته عنده، بل هو عنده في حكم الشاذ الذي لا يُعترضُ به على المستفيض من القراءة.
ومن عباراته في هذا المقام ـ وهي كثيرة:
1 ـ (وما انفرد به من كان جائزًا عليه السهو والغلط، فغير جائز الاعتراض به على الحجة) تحقيق شاكر 16: 4.
2 ـ (الحفاظ الثقات إذا تتابعوا على نقل شيء بصفة، فخالفهم واحد منفرد ليس له حفظهم = كانت الجماعة الأثبات أحقَّ بصحة ما نقلوا من الفرد الذي ليس له حفظهم) تحقيق شاكر 9: 566.
ولأضرب لك مثالاً تطبيقيًّا ناقش فيه ابن جرير قراءة حُكِمَ عليها بالتواتر بعده، فقد أورد في قوله تعالى: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (آل عمران:36).
قال: ((واختلف القرأة في قراءة ذلك، فقرأته عامة القراء: (وَضَعَتْ)، خبرًا من الله ـ عز وجل ـ عن نفسه أنه العالم بما وضعت من غير قِيلِها: (رب إني وضعتها أنثى).
وقرأ ذلك بعض المتقدمين: (والله أعلم بما وضعتُ)، على وجه الخبر بذلك عن أم مريم أنها هي القائلة: والله أعلم ـ بما ولدت ـ مِنِّي.
وأولى القراءتين بالصواب: ما نقلته الحجة مستفيضة فيها قراءته بينها، لا يتدافعون صحتها، وذلك قراءة من قرأ: (والله أعلم بما وضعتْ)، ولا يُعْتَرَضُ بالشاذِّ عنها عليها)) تفسير الطبري، تحقيق د/ عبد الله التركي (5: 336).
والقراءة التي اختارها هي قراءة نافع وابن كثير وحفص عن عاصم وأبي عمرو وحمزة والكسائي.
والقراءة التي حكم عليها بالشذوذ هي قراءة أبي بكر عن عاصم وابن عامر.
والقراءتان بالنسبة لنا قراءتان سبعيَّتان مقبولتان بلا إشكال، لكن كانت القراءة الأخرى بالنسبة للطبري (ت: 310) شاذَّةً لمخالفتها قول الجمهور من القراء، وقراءة الجمهور عنده معتبرة، وهو يحكيها على أنها إجماعٌ والإجماع حجة، وما خالف الإجماع من قول الواحد والاثنين فلا اعتبار به عنده، وعلى هذا سار في حكاياته للإجماع في التفسير والقراءات وغيرهما.
وعلى هذا فهو سائر على منهجٍ علميٍّ صحيح، لكن النتيجة التي حكم بها يخالفه غيره فيها، وقول غيره هو المقدم، وهم جمهور علماء القراءة الذين قبلوا هذه القراءة التي شذَّذها.
ومن هنا أقول: إنَّ الحكم بشذوذ القراءة عند الطبري وغيره مما يحتاج إلى دراسة وبحث عميق.
وأعود فأقول: إنه إذا كان يحكم على القراءة بالشذوذ بالنسبة إلى ما وصله من علم بهذه القراءة، فكيف يقال إنه ينكر القراءة المتواترة، أو أنه يردها؟!
هل أثبت الطبري تواترها ثمَّ طعن فيها وردَّها؟!
ولو تنبَّه من اعترض على ابن جرير إلى هذه المسألة لما أصدر هذا الحكم، وهو أنَّ ابن جرير ينكر القراءات المتواترة، أو يعترض عليها وينتقدها.
ثمَّ إنَّ ابن جرير له منهجٌ علميٌّ واضح في نقد القراءات، وهذا المنهج الذي تبِعه لم يكن بدعًا فيه، بل سار عليه فيه من قبله، كما سار عليه من بعدَه.
وقد أشار إلى طرفه في كتابه الجامع، قال أبو عبد الله المنتوري (ت: 834) في كتابه شرح الدرر اللوامع في أصل مقرأة نافع (2: 864): ((وقال الطبري في الجامع: ثم كل من اختار حرفًا من المقبولين من الأئمة المشهورين بالسنة والاقتداء بمن مضى من علماء الشريعة = راعى في اختياره:
الرواية أوَّلاً.
ثمَّ موافقة المصحف الإمام ثانيًا.
ثم العربية ثالثًا.
فمن لم يراع الأشياء الثلاثة في اختياره لم يُقبل اختياره، ولم يتداولْه أهل السنة والجماعة)).
وهذه الأصول الثلاثة التي أشار إليها هي التي سار عليها العلماء في توثيق القراءة ونقدها، ولهم في ذلك نصوص وتطبيقات يعرفها من قرأ في كتب القراءات وتوجيهها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/37)
وهذا المنهج الذي سار عليه الطبري في قبول القراءة أو نقدها منهج علميُّ معتبر عند غيره، وقد أفاض في بيان ذلك الباحث (زيد بن علي مهارش) المحاضر بكلية المعلمين بجيزان في رسالته الماتعة (منهج ابن جرير الطبري في القراءات وضوابط اختيارها في تفسيره) تحت باب بعنوان (ضوابط اختيار القراءة عند الطبري).
ولولا خشية الإطالة لذكرت لك من عبارات العلماء ما تواطأت مع عبارته في اعتبار هذه الشروط الثلاثة.
ولأجل صحة الرواية ردَّ قراءة ابن عامر ولم يقبلها، وقد علل لذلك فقال: ((وقد زعم بعضهم أن عبد الله بن عامر أخذ قراءته عن المغيرة بن أبي شِهاب المخزومي وعليه قرأ الْقُرْآن، وأن المغيرة قرأ على عثمان رضي الله عنه.
وهذا غير معروف عن عثمان، وذلك أنا لا نعلم أن أحدا ادعى أنَّ عثمان أقرأه الْقُرْآن، بل لا نَحْفَظ عنه من أحرف الْقُرْآن إلا أحرفا يسيرة، ولو كان سبيله في الانتصاب لأخذ القرآن على من قرأ عليه السبيل التي وصفها الراوي عن المغيرة بن أبي شهاب ما ذكرنا، كان لا شك قد شارك المغيرة في القراءة عليه والحكاية عنه غيره من المسلمين، إما من أدانيه وأهل الخصوص به، وإما من الأباعد والأقاصي، فقد كان له من أقاربه وأدانيه من هو أمس رحماً، وأوجب حقا من المغيرة، كأولاده وبني أعمامه ومواليه وعشيرته من لا يحصي عدده كثرة، وفي عدم مدعي ذلك عن عثمان الدليل الواضح على بطول قول من أضاف قراءة عبد الله بن عامر إلى المغيرة بن أبي شهاب، ثم إلى أن أخذها المغيرة بن أبي شهاب عن عثمان قراءة عليه.
وبعدُ، فإنَّ الَّذِي حكى ذلك وقاله رجل مجهول من أهل الشام لا يعرف بالنقل في أهل النقل، ولا بالْقُرْآن في أهل الْقُرْآن، يقال عراك بن خالد المري، ذكر ذلك عنه هشام بن عمار، وعراك لا يعرفه أهل الآثار ولا نعلم أحدا روى عنه غير هشام بن عمار.
وقد حدثني بقراءة عبد الله بن عامر كلها العباس بن الوليد البيروتي وقال حدثني عبد الحميد بن بكار عن أيوب بن تميم عن يحي بن الحارث عن عبد الله بن عامر اليحصبي أن هذه حروف أهل الشام التي يقرءونها.
فنسب عبد الله بن عامر قراءته إلى أنها حروف أهل الشام في هذه الرواية التي رواها لي العباس بن الوليد، ولم يضفها إلى أحد منهم بعينه، ولعله أراد بقوله: إنها حروف أهل الشام أنه قد أخذ ذلك عن جماعة من قرائها، فقد كان أدرك منهم من الصحابة وقدماء السلف خلقا كثيرا، ولو كانت قراءته أخذها كما ذكر عراك بن خالد عن يحي بن الحارث عنه عن المغيرة بن أبي شهاب عن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يكن ليترك بيان ذلك إن شاء الله تعالى مع جلالة قدر عثمان، ومكانه عند أهل الشام، ليُعَرِّفهم بذلك فضل حروفه على غيرها من حروف القراء)). نقلاً عن مقال للشيخ أحمد بن فارس السلوم في ملتقى أهل الحديث.
وقال أبو عمرو الداني في كتاب جامع البيان (مخطوط / لوحة 28): ((وقد كان محمد بن جرير الطبري فيما أخبرنا الفارسي عن عبد الواحد بن عمر عنه يضعِّف اتصال قراءة ابن عامر ويُبْطِل مادتها من جهتين:
إحداهما: أن الناقل لاتصالها مجهول في نقلة الأخبار …في حملة القرآن وهو عراك بن خالد المقرئ، وأنه لم يرو عنه غير هشام بن عمار وحده.
والثانية: أن أحدًا من الناس لم يَدَّعِ أن عثمان أقرأه القرآن، قال: ولو كان سبيله في الانتصاب؛ لأخذ القرآن على من قرأه عليه السبيل التي وصفها الراوي عن المغيرة، كان لا شك قد شارك المغيرة في القراءة عليه والحكاية عنه غيره من المسلمين؛ إما من دانيه وأهل الخصوص، وإما من الأباعد منه والأقاصي، فقد كان له من أقاربه وأدانيه من هو أمس به رحما وأوجب حقا من المغيرة؛ كأولاده وبني أعمامه ومواليه وعشيرته، ومن الأباعد من لا يُحصى عدده كثرة.
وفي عدم مدعي ذلك على عثمان ـ رضي الله عنه ـ الدليلُ الواضحُ على بُطُولِ قولِ من أضاف قراءة عبد الله بن عامر إلى المغيرة بن شهاب، ثم إلى أن أخذها المغيرة عن عثمان قراءة عليه)) انتهى.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/38)
وهذا الموقف من الطبري من جهة علمية مقبول، أي: أنه لم يردَّ القراءة من باب الجهل أو الهوى، وإنما ردَّها لاعتبار علميٍّ مقبول من جهة البحث، لكن النتيجة التي توصَّل إليها غير صحيحة، ولم يقبلها العلماء الذين اعتبروا قراءة ابن عامر ورضوها، وقد تلقها الناس بالقبول.
فالذي استنكره الطبري من السند، وهو عراك بن خالد قد عرفه غيره ووثَّقه في النقل، ومن عرف حجة على من لم يعرف.
وعراك له رواية في الحديث، وقد ذكره المحدثون في تراجمهم، ومن أوسع تراجمه ما ذكره المزي في تهذيب الكمال، وقد ذكر من روى عنهم، وهم:
إبراهيم بن أبي عبلة، وإبراهيم بن وثيمة النصري، وأبوه خالد بن يزيد المري، وأبو أمية عبد الرحمن بن السندي مولى عمر بن عبد العزيز، وعبد الملك بن أبان، وعثمان بن عطاء الخرساني، ويحيى بن الحارث الذِّماري، وقرأ عليه القرآن.
ثمَّ ذكر من رووا عنه، وهم:
أبو الوليد أحمد بن عبد الرحمن بن بكار الدمشقي، وأبو الفضل الربيع بن ثعلب المقرئ، وقرأ عليه القرآن، وعبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان المقرئ، ومحمد بن ذكوان الدمشقي، ومحمد بن وهب بن عطية السلمي، ومروان بن محمد الطاطري، وموسى بن عامر المريّ، وهشام بن عمار، وقرأ عليه القرآن.
ونقل المزيُّ عن المقرئ أبي علي أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني، قال: عراك بن خالد من المشهورين عند أهل الشام بالقراءة والأخذ عن يحيى بن الحارث، وعن أبيه، وعن غيره بالضبط عنهم. (ينظر: تهذيب الكمال 5: 149).
ومن كان هذا حاله في الآثار والقرآن، فقد ارتفعت عنه الجهالة التي حكم بها الطبري رحمه الله، فما كان بالنسبة له مجهولاً لا يُعرف، كان بالنسبة لغيره معروفًا موثَّقًا في نقل القراءة، والله أعلم.
وممن اعترض عليه وردَّ قوله أبو عمرو الداني فقد انتقده بعد سياقه لاحتجاج الطبري السابق، كما لذا نبَّه الشاطبي إلى عدم الاغترار بنقد الطبري لقراءة ابن عامر.
ولا شكَّ عندنا اليوم أنَّ قراءة ابن عامر من القراءات المقبولة المتلقاة جيلاً بعد جيل بالرضا والقبول، وأنَّ قول الطبري ـ مع جلالته ـ غير مقبولٍ فيها، وإن كان بالنسبة له هو عنده وجه في عدم قبولها؛ لأنَّ سندها لم يتصل عنده.
ثُمَّ أعود فأقول: إنَّ أوَّل ما يجب على من زعم أنَّ ابن جرير أنكر قراءة متواترةً أن يُثبتَ تواترها عند ابن جرير أوَّلاً، ثمَّ يُسلَّم له تعبيره هذا.
أما أن يُحكَّم ابن جرير إلى مصطلح لم ينشأ إلا بعده، فإن هذا مما لا يخفى بطلانه علميًّا، وهذه مسألة تعود إلى معنى التواتر في القراءات، ومتى نشأ الحكم بتواتر السبعة أو العشرة.
فتسبيع السبعة أو تعشير العشرة والحكم عليها أنها هي القراءات المتواترة، أو السبعة متواترة والثلاثة الأخرى مشهورة ـ على اختلافٍ لا أثر له في صحة قراءتهم ـ إنما جاء بعد ابن جرير، والحكم عليه بشيء جاء بعده ظاهر الفساد.
وأرجو ـ بعد هذا ـ أن يتضح الموقف الصحيح من الإمام الطبري في ردِّه للقراءات التي حكم العلماء بقبولها، وهو عدم الاعتداد بردِّه وإنكاره لها، لكن لا يقال إنه أنكر قراءة متواترةً، والله الموفق.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=991
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 10:36 م]ـ
ترجيح المعني بقوله تعالى (ومن أظلم ممن منع مساجد الله) بين ابن جرير وابن كثير
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد عنَّ لي أن أكتب في منهج ابن جرير الطبري (ت: 310)، واحترت في كيفية البداية في ذلك، ثمَّ رأيت أن أكتب ما أكتبه متفرقًّا متنقلاً بين أودية هذا الكتاب العظيم (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) الذي لم يكتب عن منهج الإمام فيه كتابة حقَّة حتى الآن.
وقد رأيت أن أذكر في هذه الحلقة آية وقع فيها خلاف في الترجيح بين ابن جرير (ت: 310) وابن كثير الدمشقي (ت: 774)، وأبين فيها عن شيء من منهج ابن جرير فيما يتعلق بترجيحه بالسياق.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/39)
قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة:114).
أورد الإمام في تفسير الآية قولين:
القول الأول: أن المراد بهم النصارى، والقائلون بهذا اختلفوا على رأيين في معنى المنع والخراب:
الرأي الأول: أنهم كانوا يطرحون فيه الأذى ويمنعون الناس أن يصلوا فيه، وقد رواه مجاهد
الرأي الثاني: أنهم النصارى الذين أعانوا بختنصر على اليهود، خربوا المسجد ومنعوا من الصلاة فيه، وهذا مسند إلى قتادة والسدي.
وأما ابن عباس فقال هم النصارى، ولم يذكر معنى الفساد ولا الخراب.
القول الثاني: أنهم قريش حين منعوا رسول الله يوم الحديبية من البيت، ورواه عن ابن زيد.
ثم قال: ((وأولى التأويلات التي ذكرتها بتأويل الآية قول من قال عنى الله عز وجل بقوله ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه النصارى وذلك أنهم هم الذين سعوا في خراب بيت المقدس وأعانوا بختنصر على ذلك ومنعوا مؤمني بني إسرائيل من الصلاة فيه بعد منصرف بختنصر عنهم إلى بلاده
والدليل على صحة ما قلنا في ذلك قيام الحجة بأن لا قوم في معنى هذه الآية إلا أحد الأقوال الثلاثة التي ذكرناها وأن لا مسجد عنى الله عز وجل بقوله وسعى في خرابها إلا أحد المسجدين إما مسجد بيت المقدس وإما المسجد الحرام
وإذ كان ذلك كذلك وكان معلوما أن مشركي قريش لم يسعوا قط في تخريب المسجد الحرام وإن كانوا قد منعوا في بعض الأوقات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الصلاة فيه = صح وثبت أن الذين وصفهم الله عز وجل بالسعي في خراب مساجده غير الذين وصفهم الله بعمارتها إذ كان مشركو قريش بنوا المسجد الحرام في الجاهلية وبعمارته كان افتخارهم وإن كان بعض أفعالهم فيه كان منهم على غير الوجه الذي يرضاه الله منهم
وأخرى أن الآية التي قبل قوله ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه مضت بالخبر عن اليهود والنصارى وذم أفعالهم والتي بعدها نبهت بذم النصارى والخبر عن افترائهم على ربهم ولم يجر لقريش ولا لمشركي العرب ذكر ولا للمسجد الحرام قبلها فيوجه الخبر بقول الله عز وجل ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه إليهم وإلى المسجد الحرام
وإذ كان ذلك كذلك فالذي هو أولى بالآية أن يوجه تأويلها إليه هو ما كان نظير قصة الآية قبلها والآية بعدها إذ كان خبرها لخبرهما نظيرا وشكلا إلا أن تقوم حجة يجب التسليم لها بخلاف ذلك وإن اتفقت قصصها فاشتبهت.
فإن ظن ظان أن ما قلنا في ذلك ليس كذلك إذ كان المسلمون لم يلزمهم قط فرض الصلاة في المسجد المقدس فمنعوا من الصلاة فيه فيلجئون توجيه قوله ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه إلى أنه معني به مسجد بيت المقدس فقد أخطأ فيما ظن من ذلك
وذلك أن الله جل ذكره إنما ذكر ظلم من منع من كان فرضه الصلاة في بيت المقدس من مؤمني بني إسرائيل وإياهم قصد بالخبر عنهم بالظلم والسعي في خراب المسجد، وإن كان قد دل بعموم قوله: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه) أن كل مانع مصليًا في مسجد لله فرضا كانت صلاته فيه أو تطوعا وكل ساع في إخرابه فهو من المعتدين الظالمين)).
واعترض ابن كثير الدمشقي (ت: 774) على هذا فقال: ((ثم اختار بن جرير القول الأول واحتج بأن قريشا لم تسع في خراب الكعبة وأما الروم فسعوا في تخريب بيت المقدس.
قلت والذي يظهر والله أعلم القول الثاني كما قاله بن زيد وروي عن ابن عباس لأن النصارى إذا منعت اليهود الصلاة في البيت المقدس كان دينهم أقوم من دين اليهود وكانوا أقرب منهم ولم يكن ذكر الله من اليهود مقبولا إذ ذاك لأنهم لعنوا من قبل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون وأيضا فانه تعالى لما وجه الذم في حق اليهود والنصارى شرع في ذم المشركين الذين أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة ومنعوهم من الصلاة في المسجد الحرام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/40)
وأما اعتماده على أن قريشا لم تسع في خراب الكعبة فأي خراب أعظم مما فعلوا أخرجوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه واستحوذوا عليها بأصنامهم وأندادهم وشركهم كما قال تعالى: (وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون)، وقال تعالى: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين)، وقال تعالى: (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليما).
فقال تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله)، فإذا كان من هو كذلك مطرودا منها مصدودا عنها فأي خراب لها أعظم من ذلك وليس المراد من عمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط إنما عمارتها بذكر الله فيها وإقامة شرعه فيها ورفعها عن الدنس والشرك)).
فيه مسائل:
الأولى: اعتماد ابن جرير على الآثار والواقع والسياق في ترجيح ما ذهب إليه، فحجته الأولى الآثار التي حكاها عن الجمهور، وهي التي يشهد له الواقع التاريخي، وذلك أنه قد وقع لبيت المقدس خرابٌ ومنع من الصلاة.
والحجة الثانية السياق، حيث إن الآيات قبلها في أهل الكتاب، ولم يجر للعرب ذكر فتصرف الآية إليهم.
وكون الآية تصدق على العرب لا يعني أنها نزلت بشأنهم أولاً، وهذا الذي يريده الإمام رحمه الله، والذي يدل على ذلك أنه قال في آخر كلامه: ((وذلك أن الله جل ذكره إنما ذكر ظلم من منع من كان فرضه الصلاة في بيت المقدس من مؤمني بني إسرائيل وإياهم قصد بالخبر عنهم بالظلم والسعي في خراب المسجد، وإن كان قد دل بعموم قوله: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه) أن كل مانع مصليًا في مسجد لله فرضا كانت صلاته فيه أو تطوعا وكل ساع في إخرابه فهو من المعتدين الظالمين)).
وهذا يعني أنه يرى إدخال العرب وغيرهم ممن يصدق عليهم هذا الوصف، ولكن تحريره هنا رحمه الله: من المَعْنِيِّ بالآية أولاً.
أما ابن كثير فعكس المسألة، وجعل دخول النصارى في معنى الآية محتملاً لأجل العموم، قال: ((قلت وهذا لا ينفي أن يكون داخلا في معنى عموم الآية فإن النصارى لما ظلموا بيت المقدس بامتهان الصخرة التي كانت تصلى إليها اليهود عوقبوا شرعا وقدرا بالذلة فيه إلا في أحيان من الدهر أشحن بهم بيت المقدس وكذلك اليهود لما عصوا الله فيه أيضا أعظم من عصيان النصارى كانت عقوبتهم أعظم والله أعلم)).
وصارت المسألة هنا: من المَعْنِيِّ بالآية أولاً مع اتفاقهما رحمهما الله على تعميم الآية، ولا شكَّ أن السياق يدل على ما قاله ابن جرير رحمه الله تعالى.
الثانية: الذي يظهر من كلام ابن كثير الدمشقي (ت: 884) أنه لم يعرِّج على الحجة الثانية، وهي السياق، ويبدو أن سبب ذلك طول كلام ابن جرير، وأنه أخَّر هذه الحجة، فقرأ أول الاحتجاج ولم يتنبه لها، والله أعلم، إذ لو انتبها لها لردَّها، كما ردَّ الأولى. (ينظر تعليق محمود شاكر على هذه الآية / 2: 523).
الثالثة: إن من يقرأ كلام ابن جرير في هذا الموضع وفي غيره يحسن به ألا يتعجَّل في فهم عبارة ابن جرير حتى يقرأه بعناية؛ نظرًا لأمور، منها:
1 ـ طول الفصل في الجمل.
2 ـ طول الاحتجاج، كما هو الحال هنا.
3 ـ وصفه للقول الذي يخالفه وبيان حججه، وقد يشوبه طول أيضًا، ثم يكرُّ إلى القول الذي يراه صوابًا فيبيِّن حججه له، ومن عباراته في هذا الباب قوله ـ بعد كلام طويل في خبر رواه السدي عن أشياخه عند قوله تعالى ((أتجعل فيها من يفسد فيها ـ: (وهذا الذي ذكرناه هو صفة مِنَّا لتأويل الخبر، لا القول الذي نختاره في تأويل الآية).
وهذا الاستدراك منه في محلِّه؛ لأنَّ طول كلامه قد يقطع المرء عن إتمامه، فيظن أن ابن جرير يرجح هذا القول، ولكن الأمر ليس كذلك.
وأخيرًا، فإن أثر الاعتماد على السياق يظهر جليًّا عند ابن جرير الطبري، وقد استعمل دلالة السياق استعمالاً واسعًا، وبرز عنده في مجالات متعددة، وقد كتب فيه الأخ الفاضل عبد الحكيم القاسم ـ وفقه الله ـ المحاضر بقسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بالرياض رسالة علمية نال بها درجة الماجستير.
وسيأتي إن شاء الله بعض القضايا السياقية عند ابن جرير، والله الموفق.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1180
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/41)
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 10:37 م]ـ
مفهوم النسخ عند الطبري وأثره على تعليقاته على تفسير السلف، مع بيان مصطلحهم في ذلك
--------------------------------------------------------------------------------
مفهوم النسخ عند الطبري وأثره على تعليقاته على تفسير السلف، مع بيان مصطلحهم في ذلك
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن تفسير ابن جرير معين لا يكاد ينضب من الموضوعات القرآنية المتناثرة فيه، وهي بحاجة إلى تنقيب وكشف عن مكنوناتها.
ولقد حرصت على أن أطرح في هذا المقال مثالاً لذلك، غير أني قبل أن أبدأ به أذكر لك ـ أيها القارئ الكريم ـ ملحوظة لابدَّ منها عند من يريد النقل من ابن جرير، وهي حاجتك إلى النقل الطويل لكي تتضح المسألة كما طرحها هذا الإمام، وذلك مني اعتذار عما قد تجده من طول في النقل أثناء دراسة مسألة من المسائل التي طرحها الإمام رحمه الله تعالى.
وبعد هذه المقدمة أقول: لقد كان ابن جرير رحمه الله تعالى فقيهًا أصوليًّا، وقد كتب في أصول الأحكام أسماه (البيان عن أصول الأحكام)، وقد نصَّ عليه في كتاب التفسير في غير ما موضع، ومنها قوله: ((وقد دللنا في كتابنا كتاب البيان عن أصول الأحكام)).
وقد كان إذا مرَّ بموضوع له علاقة بأصول الأحكام ـ كالنسخ مثلاً ـ أشار إلى أنه قد توسع فيه في كتابه هذا، وأعرض عن التفصيل في كتاب التفسير.
وإليك هذه المواضع أمثلة على ذلك:
1 ـ قال: ((وغير جائز ادعاء خصوص في آية عام ظاهرها إلا بحجة يجب التسليم لها لما قد بينا في كتابنا كتاب البيان عن أصول الأحكام)) ط: الحلبي / 1: 508.
2 ـ وقال: ((وأولى الأقوال بالصواب في قوله: (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) أن يقال هو عام في كل ما قضاه الله وبرأه لأن ظاهر ذلك ظاهر عموم وغير جائز إحالة الظاهر إلى الباطن من التأويل بغير برهان لما قد بينا في كتابنا كتاب البيان عن أصول الأحكام)) ط: الحلبي / 1: 510.
3 ـ وقال: (( ... وإنما قلنا ذلك لأن الله تعالى ذكره قال: (ومتعوهن)، فأمر الرجال أن يمتعوهن وأمره فرض إلا أن يبين تعالى ذكره أنه عنى به الندب والإرشاد لما قد بينا في كتابنا المسمى بلطيف البيان عن أصول الأحكام لقوله (وللمطلقات متاع بالمعروف) ... )) ط: الحلبي / 2: 536.
ومن الموضوعات التي لم يمكنه إغفال جوانب منها في تفسيره موضوع النسخ؛ لكثرة وروده في تفسيرات السلف، فما المصطلح الذي سار عليه ابن جرير، وما أثر ذلك على تعليقاته على مصطلح السلف في النسخ.
أولاً: تعريف النسخ عند ابن جرير:
قال: ((يعني جل ثناؤه بقوله: (ما ننسخ من آية) إلى غيره فنبدله ونغيره.
وذلك أن يحول الحلال حراما والحرام حلالا والمباح محظورا والمحظور مباحا ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة، فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ
وأصل النسخ من نسخ الكتاب وهو نقله من نسخة إلى أخرى غيرها فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره إنما هو تحويله ونقل عبارته عنه إلى غيره
فإذا كان ذلك معنى نسخ الآية فسواء إذا نسخ حكمها فغير وبدل فرضها ونقل فرض العباد عن اللازم كان لهم بها أوفر حظها فترك أو محي أثرها فعفي ونسي إذ هي حينئذ في كلتا حالتيها منسوخة
والحكم الحادث المبدل به الحكم الأول والمنقول إليه فرض العباد هو الناسخ يقال منه نسخ الله آية كذا وكذا ينسخه نسخا والنسخة الاسم)). ط: الحلبي / 1: 475.
وقال: ((وإنما قلنا ذلك أولاهما بالصواب لأن القائلين أن حكم هذه الآية منسوخ زعموا أنه نسخ بقوله: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله)، وقد دللنا في كتابنا كتاب البيان عن أصول الأحكام أن النسخ لا يكون نسخا إلا ما كان نفيا لحكم غيره بكل معانيه حتى لا يجوز اجتماع الحكم بالأمرين جميعا على صحته بوجه من الوجوه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع)). ط: الحلبي / 6: 246
وقال: ((النسخ لا يكون في حكم إلا ينفيه بآخر له ناف من كل وجوهه)) ط: الحلبي 3: 149.
ثانيًا: لا بدَّ للنسخ من دلالة تدلُّ عليه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/42)
قال: (( ... لأن دعوى المدعي نسخ آية يحتمل أن تكون غير منسوخة بغير دلالة على صحة دعواه تحكم والتحكم لا يعجز عنه أحد)) ط: الحلبي / 2: 190.
وقال: (( ... فإذ كان قوله عز وجل: (فأينما تولوا فثم وجه الله) محتملا ما ذكرنا من الأوجه، لم يكن لأحد أن يزعم أنها ناسخة أو منسوخة إلا بحجة يجب التسليم لها؛ لأن الناسخ لا يكون إلا بمنسوخ، ولم تقم حجة يجب التسليم لها بأن قوله: (فأينما تولوا فثم وجه الله) معني به: فأينما توجهوا وجوهكم في صلاتكم فثم قبلتكم ... )) ط: الحلبي / 1: 505.
ثالثًا: النسخ في الأحكام أما الأخبار فلا تُنسخ:
قال الطبري: (( ... وذلك أن يحول الحلال حراما، والحرام حلالا، والمباح محظورا، والمحظور مباحا، ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة، فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ)) ط: الحلبي / 1: 475.
وقال: (( ... والأخبار لا يكون فيها نسخ، وإنما النسخ يكون في الأمر والنهي)). ط: الحلبي / 30: 12
أثر عدم العمل بمفهوم النسخ الاصطلاحي عند الطبري:
المثال الأول:
قال الطبري: ((وقد روي عن مقاتل بن حيان في ذلك ما حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي قال ثنا عمرو بن أبي سلمة قال سألت أبا معاذ الخرساني عن قول الله: (لابثين فيها أحقابا)، فأخبرنا عن مقاتل بن حيان، قال: منسوخة، نسختها: (فلن نزيدكم إلا عذابا).
ولا معنى لهذا القول؛ لأن قوله: (لابثين فيها أحقابا) خبر، والأخبار لا يكون فيها نسخ، وإنما النسخ يكون في الأمر والنهي)). ط: الحلبي /30: 12.
ولو حُمِلَ كلام مقاتل بن حيان على مفهوم النسخ عند السلف ـ وهو مطلق الرفع لشيءٍ من معنى الآية أو حكمها، وهو أعم من المصطلح الذي ذكره الطبري ـ لما كان في الأمر إشكالٌ، ويكون مراد مقاتل أنَّ الآية الأخرى تبين أنهم إذا انتهوا من عذابٍ في هذه الأحقاب، فإنه يزاد عليهم العذاب بعد ذلك، ويكون قول مقاتل من باب بيان المجمل، وبيان المجمل نوع من النسخ الذي يقع في الآية على مصطلح النسخ عند السلف.
المثال الثاني:
قال الطبري: ((حدثنا أبو كريب قال ثنا عثمان بن سعيد قال ثنا خالد عن حسين بن قيس عن عكرمة عن بن عباس في قوله: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم)، قال: نسختها: (قالوا سمعنا وأطعنا).
وهذا قول لا معنى له لأن نسخ الأحكام من قِبَلِ الله جل وعز لا من قبل العباد وقوله: (قالوا سمعنا وأطعنا) خبر من الله عن عباده المؤمنين وأنهم قالوه، لا نسخ منه)) ط: الحلبي / 2: 344.
وهذا القول المذكور عن ابن عباس مشكلٌ يحتاج إلى بيانٍ، فأقول:
1 ـ إن النسخ الذي ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما ليس النسخ الاصطلاحي عند ابن جرير، وذلك ظاهر بلا ريب.
2 ـ أن مصطلح النسخ عند ابن عباس ـ وغيره من السلف ـ له ثلاثة أحوال:
الأول: أن يراد به نسخ حكمٍ شرعي بحكم شرعي آخر، كما هو النسخ الاصطلاحي عند المتأخرين.
الثاني: أن يكون المراد بالنسخ رفع جزء من حكم أو خبرٍ، ويكون ذلك بتخصيص عموم، أو تقييد مطلق، أو بيان مجمل، أو استثناءٍ.
أورد الطبري عن ابن جريج، قال: ((قال الله تعالى ذكره: (من كفر بالله من بعد إيمانه)، ثم نسخ واستثنى فقال: (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها غفور رحيم))) ط: الحلبي / 14: 183. وكذا رواه عن الحسن وعكرمة في الآية نفسها. وينظر عن ابن عباس (18: 110).
وهذا نص صريح واضح في ترادف النسخ والاستثناء عندهم، وقس عليه غيره من المصطلحات الأخرى.
الثالث: أن يُنسخ توهمُ معنى غير مراد بالآية (ينظر: فتاوى شيخ الإسلام 13:272 ـ 273).
وذلك مثل ما رواه مسلم عن أبي هريرة، قال: ((لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير) اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جثوا على الركب، وقالوا: يا رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/43)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
فلما أقر بها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).
فلما فعلوا ذلك نسخها الله، فأنزل الله: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا))).
فعبارة أبي هريرة: (نسخها)، أي: نسخ المعنى المتوهم في الآية الأولى.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (14: 106): (( ... والمقصود هنا أن قوله تعالى: (وإن تبدوا ما فى انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله)) حق، والنسخ فيها هو رفع فَهْمِ من فَهِمَ من الآية ما لم تدل عليه، فمن فَهِمَ أن الله يكلف نفسا ما لاتسعه، فقد نسخ الله فهمه وظنَّه، ومن فَهِمَ منها أن المغفرة والعذاب بلا حكمة وعدل فقد نسخ فهمه وظنه، فقوله: (لايكلف الله نفسا إلا وسعها) ردُّ للأول. وقوله: (لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت) رد للثاني ... )).
وقال في الفتاوى (14: 69): ((وكثير من السلف يريد بلفظ النسخ رفع ما يُظن أن الآية دالة عليه)).
وهذا المثال الوارد عن أبي هريرة يمكن أن يدخل في بيان المجمل، غير أنه يقع فيه فهم غير مراد فتأتي الآية الأخرى ببيان المراد، فيرتفع المعنى الذي ألقي في نفوسهم، بخلاف المجمل الذي لا يبين المراد منه أولاً.
فإذا وقع فهم لها منه ثم جاء البيان بآية أخرى، فهو من القسم الثالث، وإن لم يقع فهم أوليُّ، بل كان المعنى مشكلاً مطلقًا، ثم جاء البيان بآية أخرى فهو من قبيل المجمل.
والذي يدل على نسخ المعنى الذي يقع في الأفهام، قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الحج:52).
3 ـ إذا تبينت أحوال النسخ عند السلف، فالذي يظهر لي أن ابن عباس قد أغرب في عبارته، وأن مراده أن يرفع توهم وقوع النكوص عن هذا الأمر المكروه، وعدم الرضا به من الصحابة الكرام، إذ قوله تعالى: (سمعنا وأطعنا) فيه إشارة إلى وقوع امتثال الأمر، والآية فيها إلماح بغير ذلك في قوله (وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم)، إذ قد يقع في الذهن احتمال عدم الرضا أو العمل، فأراد ابن عباس أن ينفي هذا الاحتمال، وأن يبين أن الصحابة كان أمرهم على الامتثال.
وهذا التخريج ـ مع غرابته ـ مطروح للمدارسة في فهم عبارة ابن عباس رضي الله عنه، وباب تخريج الأقوال أوسع من باب الاستدلال.
ويظهر من هذا المثالين أنَّ الإمام الطبري رحمه الله تعالى لم يكن يُعْمِلُ مصطلح السلف في النسخ، ولذا كان يعترض على مثل هذا المثال، وفي هذا فائدة علمية ذات خطر، وهي أن تعرف مصطلح كلِّ قوم، ولا تحمل كلامهم على مصطلح غيرهم، فتقع في الخطأ.
مسألة متممة لمبحث النسخ عند السلف:
يقع السؤال عن كيفية إدراك أن السلف أرادوا بلفظ النسخ غير النسخ الاصطلاحي؟
والجواب أن يقال:
إن كان النص الذي ورد عليه لفظ النسخ خبرًا، فاحمله على مطلق الرفع لجزء من معنى الآية، ويمكن أن يصطلح عليه بالنسخ الجزئي.
ثم ابحث عن الأنسب له من تقسيمات المتأخرين، فقد يكون تقييد مطلق، وقد يكون بيان مجمل، وقد يكون تخصيص عامٍّ، وقد يكون استثناءً من مستثنى منه.
ولا يصح بحال أن يكون مرادهم بالنسخ هنا النسخ الكلي للمعنى؛ لأن هذا النسخ الكلي لا يأتي إلا في الأحكام.
وإن كان النص الذي ورد عليه لفظ النسخ حُكمًا شرعيًا، فإنه لا يُصار إلى الحكم بمراد الواحد منهم أنه أراد النسخ الكلي في اصطلاح المتأخرين إلا إذا دلت عبارته على ذلك، أما إذا كانت عبارةً مطلقة فالأولى حملها على المناسب لها من تقسيمات المتأخرين من تقييد مطلق، أو بيان مجمل، أو تخصيص عامٍّ، أو استثناءً من مستثنى منه.
أما إذا كان النص مما ثبت فيه النسخ بلا إشكال، فالصحيح أن تُحمل عبارتهم على النسخ الاصطلاحي الكلي، والله أعلم.
ومن حرَّر النسخ على هذا السبيل بان له أنَّ النسخ الاصطلاحي الكلي لم يكن كثيرًا عند السلف، خلافًا لما توهمه بعض المعاصرين من كثرته عنهم، وراح يردُّ أقوالهم، ويخطِّئ أفهامهم.
والسبيل في التعامل مع أقوال السلف أن تبحث العلل والأسباب الموجبة لهم بهذا القول أو ذاك، وعدم الردِّ لها إلا بعد أن تنفذ السبل في قبول رأيهم أو توجيهه، ذلك أنَّ هؤلاء أعلم منا بكتاب الله، وأتقى منا لله، فلا يُشنَّع عليهم بسبب أقوالٍ لم نفهم نحن مرادهم بها، ولا أدركنا فقههم فيها، والاعتذار لهم في أقوالهم، وتخريجها على المخرج الحسن هو السبيل الأمثل الأقوم، والله الموفق.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1229
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/44)
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 10:39 م]ـ
نظرة في صفات الحروف
--------------------------------------------------------------------------------
بمناسبة طرح الأستاذ فرغلي لتجويد الحروف، وبيان ما يقع من الخطأ في نطقها، حيث رأيته يذكر صفات كل حرف من الحروف، أقول:
إن صفات الحروف من الموضوعات المهمة في الدراسات الصوتية التجويدية، وبمعرفتها يتبن كثير من الفوائد الصوتية؛ كمعرفة أسباب قلب حرف إلى حرف آخر ـ مثلاً ـ وإدغام حرف في حرفٍ، وغيرها من الفوائد.
وعندي في صفات الحروف تساؤلات، منها:
1 ـ هل الصفات التي تُدرس من خلال الجزرية ثفات متفق عليها بحيث لا يُزاد عليها ولا ينقص منها؟
2 ـ ما حال الصفات التي ذكرها السابقةن، ولم يتعرض لها ابن الجزري، كالصفات التي ذكرها مكي بن أبي طالب في كتابه الرعاية.
إن المتأمل في الصفات التي ذكرها ابن الجزري يجد الملحوظات الآتية:
أولاً: إن بعض الصفات لا علاقة لها بالصوت، ولا تؤثر في طريقة خروج الحرف، وهي صفة الذلاقة وضدها الإصمات، فهاتان الصفتان لهما علاقة بالعربية، حيث يعرف العربي من الحرف المُعرَّب أو الأعجمي، كما نصَّ على ذلك الخليل في كتاب العين، قال: (( ... فإذا وردت عليك كلمة رابعية أو خماسية مُعرَّاة من حروف الذلق أو الشفوية، ولا يكون في تلك الكلمة من هذه الحروف حرف واحد أو اثنان أو فوق ذلك؛ فاعلم أن تلك الكلمة محدثة مبتدَعة ليست من كلام العرب؛ لأنك لست واجدًا من يسمع من كلام العرب كلمة واحدة رباعية او خماسية إلا وفيها من حروف الذلق والشفوية واحد أو اثنان أو أكثر ... )) العين 1: 52.
وحروف الذلق والشفوية عنده هي (ر ل ن ف ب م) ثلاثة ذلقية، وهي (ل ن ر) وثلثة شفوية (م ب ف) العين 1: 51.
وما كان هذا شأنه من أمر الصفة، فهو بمعزل عن أن يكون له تأثيرٌ في صوت الحرف.
وإذا كان كذلك فذكره في صفات الحروف فضلة، بل لا داعي له، والله أعلم.
ثانيًا: من الصفات ما يكون له أثر في قوة الحرف دون أن يكون له أثر مباشر في نطقه، فالهمس ـ مثلاً ـ لو نُطِقَ حرف من حروفه بدونه لم يخرج هذا الحرف، أما الإطباق، فلا يُتصَّورُ عدم الإتيان به، وكذا الانفتاح، لذا لا تجد مقرئًا يُدرِّس التجويد يقول للمتعلم أطبق هذا الحرف أو افتح هذا الحرف.
وذكر الإطباق والانفتاح إنما يفيد في معرفة الحروف التي اشتملت على صفات قوية وصفات ضعيفة.
والذي يظهر لي الآن أنه لو لم تُذكر هاتان الصفتان فإنهما لا تؤثِّران في أداء الحرف من الجهة الصوتية بخلاف ترك الهمس أو الشدة وما يضادهما، أو ترك القلقلة، فإن لتركها أو العمل بها أثر في نطق الحرف، والله أعلم.
ثالثًا: تذكر صفات بعض الحروف، ولا يُحرَّر المراد بالكيفية، فالصفير ـ مثلاً ـ في السين والصاد والزاي هل المطلوب الإتيان بالحرف مصفورًا واضح الصفير، أم المراد أنهما قابلان للصفير؟
والمراد بكلامي هنا: مالمقدار المطلوب في هذه الصفة؟
فأنت تقول للمتعلم: قلقل حرف القاف، ولا تراك تقول له: اصفر حرف الصاد.
رابعًا: صفة الانحراف التي في اللام والراء من حقها أن تُذكر في المخارج دون الصفات، ولا أثر لمعرفة هذه الصفة في باب الصفات، ومما يدل على ذلك ما يقع من الغفلة عن التنبيه على مخرج اللام بدقَّة بسبب عدم الكلام عن الانحراف في مخرج اللام، فإنهم يصفون مخرج اللام فيقولون: أدنى حافة اللسان إلى منتهاها مع ما يحاذيها من اللثة العليا.
ويصفون مخرج النون فيقولون: طرف اللسان تحت مخرج اللام قليلاً مع ما يليه من لثة الأسنان العليا.
لاحظ قولهم: تحت مخرج اللام، واللام لا تخرج من طرف اللسان بل من حافته، فمن أين جاءت تحتية الطرف للام؟
جاءت هذه من كونه يقع للام بعد استوائها في هذا المخرج المذكور انحرافٌ للطرف، فيعمل الطرف مع الحافة عند خروج اللام، فالحافة أصل في المخرج وعمل الطرف بسبب الانحراف عند نطق اللام.
فقولهم تحت مخرج اللام غير دقيق، إذ لابدَّ من تقييدة بعبارة المنحرف، فيقال: تحت مخرج اللام المنحرف؛ لأنه هو الذي يكون تحته مخرج النون.
أما في الراء، فهم يشيرون ـ في الغالب ـ إلى الانحراف الكائن في الراء، حيث ينحرف من الطرف إلى ظهره، وقد يسميه بعضهم رأس ظهر الطرف.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/45)
وإذا تأملت هذه الصفة في الحرفين فإنك لا تجد لها أثرًا في النطق إذ الانحراف مرتبط بالمخرج، فلو نُطقَا بغير الانحراف لانعدم الحرف أصلاً، فلو استغنيَ عن ذكرهما بالإشارة إليهما في الحديث عن مخرج اللام والراء.
خامسًا: أغفل ابن الجزري رحمه الله تعالى في ذكر الصفات صفة مهمة، وهي الغنة، ومن حقها أن تُذكر في الصفات لأثرها الواضح في النطق.
سادسًا: ألا يمكن صياغة الصفات صياغة تتناسب مع ما يكون له أثر في النطق، وترك الصفات التي ليس لها أثر مباشرٌ فيه؛ لأنَّ أهم ما في معرفة الصفات كيفية النطق بالحرف العربي نطقًا سليمًا، فلو جُعل هذا هو المعيار في ذكر الصفات لاختُزلت بعض الصفات، ولم يبق منها إلا ما له أثر ظاهر في النطق.
ولا يقال: إن في هذا تغييرًا لما هو مألوفٌ منذ قرون، فهذا التغيير خاضع للاجتهاد، ولا زال العلماء يحررون في العلوم، ويستدرك بعضهم على بعضٍ دون أن يكون في ذلك غضاضة. ولو قيل مثل هذا لابن الجزري لما ترك الصفات التي أوصلها مكي إلى قرابة الأربعين صفة، لكنه حرَّر واجتهد، وكل مشكور مأجور.
بل إنني أدعو إلى صياغة علم التجويد صياغة تتناسب مع التطبيق، وتقلل من التنظيرات والعلل التي ليست من صلب هذا العلم، وكذا ما دخله من اجتهادات متأخرة صار العمل عليها عند بعض المقرئين، وليس فيها سند عن المتقدمين ممن ألف في هذا العلم، وهذه مسألة أراها مهمة للغاية للتجديد في طرح هذا العلم، وتقريبه بصورة واضحة مشرقة بعيدة عن التعقيد والتطويل الذي لا يفيد كثيرين ممن يريدون تعلم هذا العلم.
ولموضوع علم التجويد كلام غير هذا أرجو أن ييسر الله طرحه في هذا الملتقى، والله الموفق.
رجاء: أرجو من الإخوة الكرام المشاركة الهادفة والنقد البناء، والأخذ والعطاء بصدر رحب وسعة بال واحتمال للرأي المقابل والردِّ بالحجج العلمية دون التهويش والأساليب الخطابية التي لا تفيد في ثبوت العلم.
وإني لأرجو أن تكون هذه سمة هذا الملتقى في جميع طروحاته، والله يتولانا جميعًا، ويجعلنا ممن يريد وجهه، ويخدم كتابه إنه سمبع مجيب.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 10:41 م]ـ
عبارات السلف في الوقف والابتداء
--------------------------------------------------------------------------------
عبارات السلف في الوقف
إنَّ من يكتب في علم من العلوم الإسلامية يحرص على رفع علمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجد في كلامه ما يدُّل عليه نزل إلى الصحابة، فإن لم يجد نزل إلى التابعين، ثمَّ أتباعهم.
كما أن حديثهم عن العلم قد يكون نصًّا، وقد يكون إشارة.
والحديث هنا سيكون منصبًّا على المنثور من أقوال السلف في علم الوقف والابتداء، ومن الأمثلة الواردة عنهم ما يأتي:
1 ـ قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء: 83).
عن ابن عباس، قال: ((قوله: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان): فانقطع الكلام «تفسير الطبري، ط: الحلبي (5: 183).
2 ـ قال تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران: 83).
قال السيوطي: ((وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس (أسلم من في السموات) قال: هذه مفصولة. (ومن في الأرض طوعا وكرها))). الدر المنثور (2: 254).
3 ـ قوله تعالى: (َالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ). (الحديد: 19).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/46)
عن ابن عباس في قوله: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون) قال: هذه مفصولة (وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ).
وعن أبي الضحى: (أولئك هم الصديقون)، ثم استأنف الكلام فقال: (والشهداء عند ربهم).
وعن الضحاك قال: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون) هذه مفصولة، سماهم الله صديقين بأنهم آمنوا بالله وصدقوا رسوله، ثم قال: (وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ). الآثار في تفسير الطبري، ط: الحلبي (27: 230 ـ 231).
4 ـ قوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ 0 وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَام) (الرحمن: 26 ـ 27).
قال السيوطي: ((وصح عن الشعبي أنه قال: إذا قرأت: (كل من عليها فان) فلا تسكت حتى تقرأ: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام). قلت: أخرجه ابن أبي حاتم)) الإتقان (1: 222).
5 ـ قوله تعالى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ) (الرعد: 17).
قال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول: (((أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) قال: ما أطاقت ملأها فاحتمل السيل زبدا رابيا، قال: انقضى الكلام، ثم استقبل، فقال: (ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله) قال: المتاع: الحديد والنحاس والرصاص وأشباهه (زبد مثله) قال: خبث ذلك مثل زبد السيل. قال: وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض فأما الزبد فيذهب جفاء، قال: فذلك مثل الحق والباطل)) تفسير الطبري، ط: الحلبي (13: 135).
6 ـ قوله تعالى: (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) (الذاريات: 17).
قال الطبري: ((حدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ يقول أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك يقول في قوله: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون): قال الله: (إن المتقين في جنات وعيون) إلى (محسنين)؛ كانوا قليلا، يقول: المحسنون كانوا قليلا، هذه مفصولة، ثم استأنف فقال: (من الليل ما يهجعون). تفسير الطبري، ط: الحلبي (26: 199).
7 ـ قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ) (محمد: 20 ـ 21).
قال الطبري: ((حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فأولى لهم) قال: هذه وعيد، (فأولى لهم)، ثم انقطع الكلام، فقال: (طاعة وقول معروف))). تفسير الطبري، ط: الحلبي (26: 55).
8 ـ قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الأعراف: 189 ـ 190).
عن السدي قال: ((هذا من الموصول والمفصول؛ قوله: (جعلا له شركاء فيما آتاهما) في شأن آدم وحواء، ثم قال الله تبارك وتعالى: (فتعالى الله عما يشركون)، قال: عما يشرك المشركون، ولم يعنهما)) تفسير الطبري، ط: الحلبي (9: 149).
قال السيوطي: ((وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: (فتعالى الله عما يشركون) هذه فصل بين آية آدم خاصة في آلهة العرب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/47)
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حاتم عن أبي مالك في الآية قال: هذه مفصولة، أطاعاه في الولد. (فتعالى الله عما يشركون) هذه لقوم محمد)).الدر المنثور (3: 626).
9 ـ قوله تعالى: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِين) (النحل: 30).
قال الداني: ((حدثنا محمد بن عبد الله المري، قال حدثنا أبي، قال حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا أبو داود، حدثنا يحيى بن سلام في قوله: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً)؛ أي: أنزل خيرًا، قال: ثمَّ انقطع الكلام، ثم قال الله تعالى:: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا): آمنوا) فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة): الجنة)).المكتفى (ص: 350 ـ 351).
ملاحظات على عبارات السلف الواردة في الوقوف:
1 ـ أن الوقف عند مفسري السلف تابع للمعنى (أي: التفسير)، كما يظهر من الروايات الواردة عنهم.
والمراد أنهم نبهوا على الوقف لارتباطه بالتفسير، فهم فهموا المعنى، ثمَّ حكوا الوقوف بناءً على ما فهموا، فالتفسير أوَّلاً، والوقف ثانيًا.
ولم يظهر في آثارهم ارتباط هذه العبارات بالقراءة، سوى ما ورد عن الشعبي، لكن يمكن الاستفادة من هذه المرويات في تأصيل هذا العلم، والتنبيه على وروده عن السلف، واعتنائهم به على أنه أثر من آثار التفسير، والله أعلم.
2 ـ أن مفسري السلف لم يتتبعوا الوقوف في القرآن كما تتبعه من جاء بعدهم.
3 ـ أنَّ مصطلحات الوقف المتعددة لم تظهر عند مفسري السلف.
4 ـ أنه يمكن أن يُذكر من عبارات السلف ما يكون عنوانًا لهذا العلم، ومن العناوين المستنبطة من عباراتهم:
القطع والاستئناف. المقطوع والموصول. المقطوع والمفصول. الموصول والمفصول.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1631
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 10:42 م]ـ
(1) نظرات في المعرَّب (الطور)
--------------------------------------------------------------------------------
(1) نظرات في المعرَّب (الطور)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأثناء قراءاتي في أراء بعض المُحدَثين فيما يتعلق بما يُسمَّى (المُعرَّب) صرت أتأمل في الألفاظ التي ترد في قصص الأنبياء، فظهر لي بعض اللطائف، وسأجتهد في تسطير هذه اللطائف في مقالات متتابعة في هذا الملتقى، والله الموفق.
لفظ (الطور)
ورد لفظ (الطور) في عشرة مواطن في القرآن الكريم، وهي كالآتي:
ـ (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور) موضعان في البقرة (63، 93).
ـ (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدًا) النساء: 154.
ـ (وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا) مريم: 52.
ـ (قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن) طه: 80.
ـ (وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن) المؤمنون: 20.
ـ (آنس من جانب الطور نارًا) القصص: 29.
ـ (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) القصص: 64.
ـ (والطور * وكتاب مسطور) الطور: 1 ـ 2.
ـ (والتين والزيتون * وطور سينين) التين 1 ـ 2).
والطور هو الجبل، ويدل على ذلك أن الله قد ذكر رفع الطور فوق بني إسرائيل، وأخذ الميثاق، فقال في سورة البقرة (63): (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون)، وقال في سورة البقرة (93): (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا)، وقال في النساء: (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم)، ولما ذكر رفع الطور في سورة الأعراف (171) قال: (وإذ نتقنا فوقهم الجبل كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون)، فدلَّ هذا على أن الطور هو الجبل، وهذا من باب الألفاظ المتعددة التي تُطلق على مسمَّى واحدٍ.
والملاحظُ على لفظة الطور في القرآن:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/48)
1 ـ أنها وردت في قصة موسى عليه السلام.
2 ـ أنها وردت في الجزء الشمالي من جزيرة العرب.
والذي يظهر ظنًّا ـ والله أعلم ـ أن إطلاق الطور على الجبل في عهد موسى عليه السلام كان شهيرًا، يوازي إطلاق لفظ الجبل، فذكر الله ما كان منطوقًا عندهم في وقتهم.
ويكون إطلاق الطور على جبل بعينه؛ كالطور الذي كلَّم الله عليه موسى عليه السلام، أو الطور الذي ووُعِد عنده بنو إسرائيل، أو أن الطور ما يكون فيه نبات، فإن ذلك كله من باب إطلاق اللفظ المطلق على فرد من أفراده، وذلك معروف من أساليب العرب في الخطاب، وقد ورد في القرآن؛ كقوله تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم)، و لا تخرج هذه الأقوال في الطور به عن أن يكون المراد به الجبل.
ولا يقال: إن من كان في ذلك الوقت لم يكونوا عربًا، فكيف حَكَمْتَ بذلك؟
والجواب عن ذلك أن يقال: إن العربية قديمة جدًّا، ولا يماري في ذلك إلاَّ ممارٍ جَدِلٌّ لا يريد الوصول إلى الحقِّ، وأُلْمحُ إليك بتلميح سريع جدًّ:
1 ـ النبي صالح عليه السلام من أنبياء العرب الذين ظهروا في جزيرة العرب، واسمه مأخوذ من مادة (صَلَحَ)، وهي مادة ـ كما ترى ـ عريقة قديمة، وغيرها كثيرٌ جدًّا.
والنبي صالح عليه السلام سابق للنبي إبراهيم عليه السلام، ومن باب أولى أن يكون سابقًا لبني إسرائيل، فالعربية قديمة جدًّا، وهي قبل هؤلاء بلا مراء.
2 ـ أنه قد ذكر المؤرخون أنه قد خرجت خمس هجرات ضخمة من جزيرة العرب إلى شمالها في بلاد العراق والشام، وكانت أوائلها قديمة جدًّا، وقد استوطنت هذه الشعوب العربية المهاجرة من جنوب الجزيرة ووسطها مناطق الشمال في العراق والشام، وتناسلوا فيها وأقاموا حضارات لازالت بعض آثارها شاهدة عليهم. بل انطلقوا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وعمروا أجزاء من شواطئه، كما عمروا مصر وليبيا، وحالهم في ذلك كحالنا نحن العرب اليوم من الامتداد والاتساع.
لكن الذي حصل ـ مع الأسف ـ أنَّ منطقتنا العربية قد غُرِّبت في دراساتنا، فصرنا نتلقَّف ما يمليه الأساتذة المستشرقون دون وعي لما حصل منهم من تزييف لتاريخ هذه المنطقة العريق عروبةً لغة وتاريخًا، والله المستعان.
ومن الملاحظ أنهم اعتمدوا الأسماء التي وردت في التوراة على أنها أسماء لا خلاف فيها، وأنهم أقوامٌ متعدِّدوا الجنسيات لا علاقة بينهم، كما لا علاقة بين العربي والهندي، والعربي والبريطاني. والأمر ليس كذلك، فهم شعوب عربية تتحدث لغة مشتركة، وينفرد كلٌّ منهم بلهجته الخاصة، كما هو الحال يوم نزلت الرسالة، والحال التي نعيشها اليوم.
وهذا موضوع قد طرحه بعض المعاصرين، ووضحوه وضوحًا بيِّنًا، منهم الدكتور محمد بهجت القيسي في كتابه المتميِّز (ملامح في فقه اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية).
والمقصود أنَّ لفظ الطور مما نطق به موسى عليه السلام، وهو مما بقي من الألفاظ العربية في اللهجة السائدة في عصره، ونطق به العرب من بعده، والله أعلم.
ولا تفهم من قولي هذا أن موسى عليه السلام كان يتكلم لغة العرب التي استقرت ونزل بها القرآن، وإنما كان يتكلم بلغة عربية قديمة فيها أصول اشتقاق الألفاظ التي نطق بها العرب، وإن كان قد يختلف طريق نطقها عما هو عليه نطق من قاربه من الشعوب العربية الأخرى، كما أنه ـ بلا شكٍّ ـ يخالف اللغة التي نزل بها القرآن نطقًا ونحوًا، وإن اتفق معها جذورًا، والله أعلم.
هذا وللحديث بقية، والله الموفق.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1788
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 10:43 م]ـ
(2) نظرات في المعرب (موسى عليه السلام في مدين)
--------------------------------------------------------------------------------
(2) (نظرات في المعرَّب) موسى عليه السلام في مدين
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/49)
قال تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (القصص: 23 ـ 28).
أولاً: مدين قرية عربية، وهي في شمال الجزيرة على الجانب المقابل لمصر.
وهذا يعني أنَّ سكانها عربٌ يتكلمون العربية وقت موسى عليه السلام.
والملاحظ أنَّ موسى عليه السلام لم يحتج إلى ترجمانٍ للحديث مع المرأتين.
ولا يقال: إن وجود الترجمان محتملٌ، إذ إن ذلك يلزم منه أن موسى عليه السلام صار يتكلم لغته ويبحث عمن يعرفها ثمَّ ذهب إلى المرأتين ووقع الخطاب، ثم جاءت البنت وكلمت الترجمان، ثم كلم الترجمان موسى عليه السلام ... الخ.
لا شكَّ أن تصور ذلك وافتراضه غير مرضيٍّ.
كما أن افتراض أنهم تكلموا بلغة الإشارة والرموز غير وجيه كذلك.
فإذا كان موسى عليه السلام قد كلَّمهما مباشرة دون ترجمان، فما اللغة المشتركة التي كانوا يتحدثونها.
الذي يبدو ـ ظنَّا ـ أنها عربية تلك الزمان، كانت مثل ما هي عليه اليوم لهجات العرب في مصر والجزيرة والشام والعراق، حيث يمكن أن يتخاطب أولئك بلهجاتهم، ويفهم بعضهم من بعضٍ.
فهل يا تُرى يحتاج المصري اليوم إلى ترجمان له إذا دخل مدينة ينبع؟
الذي يبدو أن الحال كان كما هو عليه اليوم، وإنما الأمر لا يعدو لهجات يتكلم بها كل أهل منطقة.
لا تستغرب ذلك، فهل هناك ما يدل على غيره؟
هل كانت مصر في يوم من الأيام بمعزل عن الاتصال بهذه البقعة العربية من جزيرة العرب؟
إذن كيف اختار موسى مدين، وجاء إليها إلا أن يكون هناك تواصل بينها وبين مصر.
واسمح لي أن أسألك عن لغة موسى ما هي؟
وكأني بك ستقول: العبرية (سيأتي حديث عنها في مقال لاحق إن شاء الله).
وأقول لك: من أين تولدت هذه اللغة؟
وهل بقيت لغة يعقوب عليه السلام وأبنائه الاثني عشر صامدة أمام لغة المصريين حتى زمن موسى عليه السلام (يُقدَّر الزمن بين موسى ويوسف عليهما السلام بستة قرونٍ تقريبًا)؟
لا يمكن تصوُّر هذا البتة، إلا أن يكونوا في معزل تامٍّ عن مجتمعهم، وذلك ما لم يكن.
ولعلك تقول: إن لغة العبادة بين بني إسرائيل يمكن أن تكون بقيت.
فأقول لك: حتى لو بقيت هذه اللغة، فإنها لا تعدو ثلة من الأحبار قَرَأَةِ الكتب، أما عامة بني إسرائيل فسيتكلمون باللغة التي تسيطر على المدينة التي يقطنونها، كما هو الحال فيهم لما سكنوا جزيرة العرب انتظارًا لنبي آخر الزمان، لعله أن يخرج منهم.
إن الموضوع كما ترى شائك متشابك، لكن يكفيني أن أدعوك معي إلى التفكير من جديد في هذا الموضوع.
تنبيهان:
الأول: لا يصحُّ أن الذي نزل عنده موسى هو النبي شعيب عليه السلام، لبعد ما بينهما في الزمن، وإن كان اسمه شُعيبًا، فلعله غير النبي عليه السلام، وقد حقق ذلك جمع من العلماء، منهم شيخ الإسلام في رسالة خاصة في ذلك، وهي في الجزء الأول من اجمع المسائل والرسائل الذي حققه الدكتور محمد رشاد سالم رحمه الله.
الثاني: اسم زوجة موسى عليه السلام (صِفُّورة)، وهو اسم عربي دخله التحوير، والأصل (عصفورة)، وقد ذكر مؤلفو (قاموس الكتاب المقدس / ص: 544) هذه المعلومة، فقالوا:» صِفُّورة: اسم مدياني معناه عصفورة «.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/50)
وينتج عن لطيفة، وهي علاقة العرب ببني إسرائيل، فالعرب أخوال لأولاد موسى من عصفورة بنت شيخ مدين.
وليست هذه أول علاقة، فما بالهم يحسدوننا ويكرهون كل شيء عربي؟!
ثانيًا: كما لم يحتج موسى إلى ترجمان بينه وبين المرأتين، فكذلك لم يحتج إليه في مخاطبة والدهما من باب أولى، والعقد الذي تمَّ بين موسى وشيخ مدين كان مدة ثمان سنين أو عشرة، وقد قضى موسى العشرة كلها، لكن الملاحظ هنا أنه جاء بعبارة (ثماني حِجَج) جمعُ حجة، فمن أين جاء التعبير عن هذا بهذا.
1 ـ إنَّ شيخ مدين ممن يؤرخون بالحجِّ؛ تلك الشعيرة العظيمة التي بقيت آثارها في العرب دون من سواهم، وإن كان الأنبياء بعد إبراهيم قد حجوا كما ثبت في آثارٍ ليس هذا محلُّ ذكرها، وكان من بين من حجَّ موسى عليه السلام.
وكل ذلك مصداق لقوله تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج:27).
2 ـ أن موسى عليه السلام قد فهم عن شيخ مدين ما يقصده من عبارة (حِجج)، وهذا يشير إلى معرفة موسى عليه السلام آنذاك بهذه الشعيرة، وإن كان لا يمكن الجزم بذلك.
ومن الأمور التي تدعو إلى القول بمعرفته بالحج آنذاك أن دعوة إبراهيم بالحج كانت لبنيه وغيرهم، وبنو إسرائيل من أبنائه، ولا يُتصوَّر أن لا يكون عندهم علمٌ بالحجِّ، كما لا يخلو أن يكون في حديثهم إشارة إليه، وقد يكون موسى سمعها قبل نبوته، فهو مع كونه في بيت فرعون كان مختلطًا ببني إسرائيل في مصر، والله أعلم.
لكنك حينما لا تجد هذه الشعيرة في كتبهم، فإن ذلك مما يخفونه من باب العداء للعرب ولكل ما هو عربي، وذلك أمر قد طبعوا أنفسهم عليه من دهور سالفة، ولولا خشيت الاستطراد لذكرت أمثلة لذلك.
3 ـ أنه لا يبعد أن يكون اللفظ الذي تلفظ به شيخ مدين (حِجَج) كما ننطقه اليوم أو قريبًا منه، فالحج قديمٌ جدًّا.
فعدم تكرر هذا المدلول (حجج) في القرآن، واختياره في هذا الموطن واختصاصه به، مع وجود ما يقوم مقامه كل هذا مما يُستأنس به لما قلت من كونه هو ما نطق به شيخ مدين، والله أعلم بغيبه.
وللحديث بقية
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1817
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 10:45 م]ـ
(3) (نظرات في المعرَّب) عربية في بيت فرعون
--------------------------------------------------------------------------------
(3) (نظرات في المعرَّب) عربية في بيت فرعون
لازلت أيها القارئ الكريم أريد أن ألفت انتباهك إلى عراقة العرب وماضيهم وحضارتهم وتأثيرهم في الأمم، الأمر الذي يريد أعداء العرب والمسلمين من يهود والمستشرقين وغيرهم ممن تبعهم عن قصد أو غير قصد.
وأن أصل بك إلى عمق هذه اللغة الشريفة في التاريخ القديم، وأنها إن لم تكن أسبق اللغات، فهي من أسبقها، وسيظهر ذلك في حلقات قادمة إن شاء الله.
ولأذكر لك اليوم خبرًا غريبًا، وهو أن امرأة فرعون عربية الاسم، وهذا يعني أنها عربية الأصل، ولا يبعد أن يكون زوجها كذلك، وسيأتي التنبيه إليه.
إن اسم امرأة فرعون (آسية)، وقد ورد هذا الاسم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ورد عنه اسم أبيها، وهو (مزاحم)، وهذان الاسمان ينضحان بالعربية كما ترى، وإليك بعض الآثار الواردة في اسم امرأة فرعون.
1 ـ روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كَمُلَ من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام)، وفي الصحيحين غير هذا الحديث في اسمها.
2 ـ وروى أبو داود عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير نساء العالمين مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم)
3 ـ وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، فآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/51)
4 ـ ذكر أبو داود حدثنا موسى بن اسماعيل حدثنا داود يعني ابن الفرات عن علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون).
5 ـ وروى النسائي في فضائل الصحابة، قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد قال أنا غندر قال أنا شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة الهمداني عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون).
وفي اسمها واسم أبيها أحاديث وآثارٌ غير هذه تركتها اختصارًا.
وقد جاء في ضبط اسمها في الإكمال لابن ماكولا (1: 92): ((وأما آسية بعد الهمزة ألف بكسر السين المبهمة وفتح الياء المعجمة باثنتين من تحتها؛ فهي آسية بنت مزاحم امرأة فرعون)).
وقد تسمى بها من العرب نساء، ورد في تكملة الإكمال (1: 138): ((وأما آسية بكسر السين المهملة وفتح الياء المعجمة من تحتها باثنتين، فهي آسية بنت فرج الجرهمية نزلت من مكة الحجون حديثها عند عبد الله بن جراد ذكرها أبو نعيم في معرفة الصحابيات)).
أما احتمالات معنى هذا الاسم، كما هو وارد في كتب اللغة فما يأتي:
1 ـ أن يكون الاسم مأخوذًا من: أسوت الجرح؛ أي: داويته، وسمِّي الطبيب الآسي لذلك، وكذا المرأة آسية.
2 ـ أو يكون من أسوت بين القوم؛ أي: أصلحت بينهم، فهو آسي، وهي آسية.
3 ـ أو هو من الأسى؛ أي: الحزن، فهو آسي، وهي آسية.
4 ـ أو من أساه في مصيبته؛ أي: عزَّاه، فهو آسي، وهي آسية.
5 ـ والآسية من البناء: المحكم.
6 ـ والآسية: الدعامة، يُدعم بها البناء.
7 ـ والآسية: السارية.
قال الجوهري: وأهل البادية يسمون الخاتنة آسية كنايةً.
(ينظر في هذا مادة (أ س ي) من مقاييس اللغة، وتاج العروس، وغيرهما.
ولا أظنُّ أن تأصيل هذا الاسم بحاجة إلى أكثر من هذا، فهو واضحُ العربية.
أما اسم أبيها (مزاحم)، فأوضح من أن يؤصَّل عربية، وهو مأخوذٌ من مادة (زحم).
والمقصود: أنَّ زوجة فرعون عربية الاسم، وكذا اسم أبيها، وهذا يدلُّ على أنها من العربِ، وكما قلت: لا يبعد أن يكون زوجها فرعون عربيًا، وكذا وردت عروبته في المصادر الإسلامية، ولعلي أذكره في حلقة لاحقة، والله الموفق.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1838
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 10:46 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
(4) (نظرات في المُعرَّب) آدم في السماء.
كما قلت لك سابقًا: لقد كنت أُأَخِّر الحديث عن هذه القضية ريثما أرتب قراءاتي فيها، غير أن الوقت يمضي يومًا بعد يومٍ، ولا أجد متسعًا من الوقت أتفرغ فيه لإعادة قراءاتي فيه، وترتيب هذا الموضوع من جديد.
ولما كان الأمر كذلك رأيت أن أدلِي بما في دلوي من معلومات متناثرة في هذا الموضوع راجيًا من الله أن يتمم لي بركة العلم والوقت، فأستطيع إعادة تسطير هذا الموضوع مرة أخرى بما يتناسب مع أهميته ومشكلاته وما فيه من فوائد ونفائس ظهرت لبعض المعاصرين حين دخلوا في موازنة بين اللغات القديمة، فخرجوا بشيءٍ جديد في مادته.
وقد احترت في هذا الموضوع من أين أبدأُ به، وما ترتيبي فيه، لكني رأيت أن أُجري القلم بما ينصب عليه من الذهن، ثم يكون ترتيب الموضوع فيما بعد إذا انتهى طرحه في هذا الملتقى.
آدم في السماء
خلق الله المخلوقات: ملائكة وجِنًّا، وأرضًا وسماءً، وأخرج منافع الأرض، وهيَّئها للساكن الجديد، ثمَّ خلقه، خلق آدم من تراب الأرض التي سيسكنها، فجلَّ الله في حكمته، وتعالى في سلطانه.
فما مدلول هذا الاسم؟
ذكر ابن جرير عن بعض السلف أنه سُمِّي آدم من أديم الأرض؛ لأنه خلق من مجموع تربتها، كما وردت بهذا الآثار، ومن الآثار الواردة في كونه سمِّي نسبةً إلى أديم الأرض:
1 ـ أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (بعث رب العزة ملك الموت، فأخذ من أديم الأرض؛ من عذبها ومالحها، فخلق منه آدم، ومن ثم سمي آدم؛ لأنه خلق من أديم الأرض)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/52)
2 ـ وقال ابن جرير: وحدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا عمرو بن ثابت عن أبيه عن جده عن علي قال: (إن آدم خلق من أديم الأرض؛ فيه الطيب والصالح والرديء، فكل ذلك أنت راء في ولده الصالح والرديء).
قال الطبري ـ معلقًا على هذين الأثرين وغيرهما ـ الأرض: ((وقد روي عن رسول الله خبر يحقق ما قال من حكينا قوله في معنى آدم)) ثم ساق بسنده إلى رسول الله، قال: (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب).
ثم قال الطبري: ((فعلى التأويل الذي تأول آدم من تأوله بمعنى أنه خلق من أديم الأرض يجب أن يكون أصل آدم؛ سُمِّي به أبو البشر كما سمي أحمد بالفعل من الإحماد وأسعد من الإسعاد فلذلك لم يجر ويكون تأويله حينئذ آدم الملك الأرض يعني به أبلغ أدمتها وأدمتها وجهها الظاهر لرأي العين كما أن جلدة كل ذي جلدة له أدمة ومن ذلك سمي الإدام إداما لأنه صار كالجلدة العليا مما هي منه ثم نقل من الفعل فجعل اسما للشخص بعينه)).
وقد قيل في اسم أصل اسم آدم أقوال أخرى، ونُسِب إلى لغات ترجع في نهايتها إلى اللغة العروبية الأم. (انظر: تاج العروس، مادة (أدم)، وحاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي (2: 124 ـ 125)).
وليس هذا مجال الاستطراد في هذا، إذ يكفي وضوح الاشتقاق العربي في هذا الاسم، إذ اللغات الأخرى المذكورة، وهي السريانية أو العبرية ترجع إلى اللغة العربية الأولى: لغة الاشتقاق التي سيرد الإشارة إليها عبر هذه الجزئية.
واسم آدم لم يتغيِّر عند أصحاب الكتب السماوية، فهو بهذا الاسم بعينه عندهم، وهذا يشير إلى اللغة الأولى التي تكلم بها آدم عليه السلام، وأنها لغة اشتقاق تتوالد فيها الكلمات من أصول ثابتة، قد يموت بعضها فينسى، وقد يبقى بعضها باهتة الدلالة غير معروف الأصل، وقد يستمر كثير منها في اللغة الخالدة الباقية، وهو المتمثل في لغات عرب الجزيرة الذين بقيت في لغتهم فكرة الاشتقاق وما زالت مستمرةً، مع ملاحظة الاختلاف في طريقة الاشتقاق، ومحل هذا كتب فقه اللغة.
وإذا كنت تستغرب أن يكون اسم آدم مشتقٌّ من أديم الأرض الذي هو أصل مادته، فاسمع هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
روى الإمام أحمد بسنده إلى إبراهيم بن عبد الله بن قارض أن أباه حدثه أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وهو مريض، فقال له عبد الرحمن رضي الله عنه: وصلتك رحم. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: أنا الرحمن خلقت الرحم، وشققت لها اسما من اسمي، فمن يصلها أصله، ومن يقطعها أقطعه فأبُتُّه، أو قال من يَبُتُّها أبُتُّه).
وروى الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: أنا الرحمن، وهي الرحم شققت لها من اسمى؛ من يصلها أصله، ومن يقطعها أقطعه فأبتُّه).
ألا ترى دلالة الاشتقاق واضحة في علاقة الرحِمِ بالرحمن، إنها لغة الاشتقاق، تلك اللغة النامية الخالدة، فتأمل جيدًا هذه الحيثية فإنها أصل في تأصيل لغة العرب، وبيان قدمها في التاريخ.
ومما يستأنس به في هذا الباب من الأخبار ما رواه الطبري عن ابن عباس قال: ((فأخرج إبليس من الجنة حين لعن وأسكن آدم الجنة فكان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها فنام نومة فاستيقظ وإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه، فسألها: من أنت؟
فقالت: امرأة.
قال: ولم خلقتِ؟
قالت: تسكن إلي.
قالت له الملائكة ـ ينظرون ما بلغ علمه ـ: ما اسمها يا آدم؟
قال: حواء.
قالوا: ولم سميتَ حواء؟
قال: لأنها خلقت من شيء حي)) تفسير الطبري ط: الحلبي ج: 1 ص: 214
ففي هذا الخبر ترى أن آدم اشتق اسم زوجه من معنى الحياة؛ لأنها خُلِقت من حيٍّ.
أضف إلى ذلك ما رواه مسلم بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب، فسلم على أولئك النفر ـ وهم نفر من الملائكة جلوس ـ فاستمع ما يجيبونك، فإنها تحيَّتك وتحيَّة ذريتك.
قال: فذهب، فقال: السلام عليكم.
فقالوا: السلام عليك ورحمة الله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/53)
قال: فزادوه ورحمة الله)). صحيح مسلم ج: 4 ص: 2183.
يقول الله لآدم: فإنها تحيتك وتحية ذريتك، وأنت ترى أن السلام باقٍ في أصحاب الديانات السماوية.
وأنت تعلم أن السلام اسم من أسماء الله، كما ورد في قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الحشر:23)
وإليك بعض الأمثلة.
1 ـ راجع في القرآن تحية الله لأوليائه، وتحية الملائكة للأنبياء، والتحية التي يتلقى بها الملائكة المؤمنين يوم القيامة، ومن أمثلتها:
قوله تعالى: (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (يس:58).
قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (هود:69).
قوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد: 23 ـ 24).
قوله تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:32).
وكل هذا راجع إلى معنى اسم السلام سبحانه، وهو أثر من آثاره، فهو الذي يسلِّم على عبادة بالقول، ويسلِّمهم من الشرور.
وإذا أخذت بعين الاعتبار أن الأسماء لا تتغير بتغير اللغة التي نُقِل إليها، وإنما قد يحدث لها بعض التحوير الذي يتناسب مع لهجة اللغة التي انتقل إليها الاسم = ظهر لك أنَّ أسماء الله ثابتة له منذ الأزل، وأنه قد نطق بها الملائكة وآدم في السماء، فالله والرحمن والسلام قد وردت في هذه الآثار، مما يُستنتج منه أنها هكذا كانت تُنطق في ذلك الحين، وليس هناك ما يدل على سوى ذلك، خصوصًا إذا أضفت ما ورد من اشتقاق الرِّحِم من اسم الرحمن.
2 ـ من أسماء أنبياء بني إسرائيل (سليمان عليه السلام)، وفيه معنى السلام، وهو مأخوذ من مادة (سلم)، وقد جاء في قاموس الكتاب المقدس (ص: 481) ما نصه: ((سليمان: اسم عبري معناه: رجل سلام). وارجع إلى تحليل أكثر لهذا الاسم في كتاب العلم الأعجمي في القرآن مفسرًا بالقرآن لرؤوف أبو سعدة (2: 159 وما بعدها) = تجد وضوح عربية هذا الاسم، وأنه جاء على صيغة العربية المنطوق بها آنذاك.
3 ـ ورد في صحيح مسلم في قصة موسى مع الخضر ما نصُّه: (( ... قال يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلاً مسجى عليه بثوب، فسلم عليه موسى.
فقال له الخضر: أنَّى بأرضك السلام.
قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل)) (صحيح مسلم ج: 4 ص: 1848). وهذا يدخل في تفسير قول الله لآدم: (فإنها تحيتك وتحية ذريتك)، والسلام ـ فيما يظهر ـ مما بقي عند أصحاب الديانات السماوية، كما ذكرت لك سابقًا.
أقول هذا من باب الاحتمال والظنِّ والله أعلم.
4 ـ لازال اليهود إلى اليوم يقولون (شالوم) بمعنى السلام، وهم يُشيِّنون السين (أي: يجعلون السين شينًا).
ومن باب الاستطراد أيضًا تجد أحبارهم وقساوسة النصارى يقولون في خاتمة دعائهم (آمين) إلى اليوم، فمن أخذ من مَنْ إلا أن تكون اللغة بينهم واحدة المصدر.
وإنني أدعو إلى بحث فكرة الاشتقاق عند مفسري السلف واللغويين، فإنه سيظهر بجمع المواد التي حُكي فيها الاشتقاق فوائد جمَّة، قد تدلنا على خيوطٍ في أصول العربية القديمة تلك اللغة الشريفة التي مرَّت بعصور من التطور والتحوُّر، لكنها لم تتغير في أصولها الاشتقاقية.
وإني أُدرِك أن بعض الاشتقاقات التي ذكرها مفسرو السلف قد يُعترضُ عليها وتُضعَّف، بل قد يحكم بعضهم على بعض هذه التحليلات الاشتقاقية بالسذاجة، لكن النظر هنا إلى وجود أصل هذه الفكرة، ووردها عندهم، وإدراكهم لها، ومن الأمثلة على هذه الاشتقاقات عند المفسرين:
1 ـ عن أبي العالية قال: ((إنما سمي العِجْل لأنهم عجلوا، فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى)) (تفسير الطبري ط: الحلبي 1: 283).
2 ـ قال مقاتل: ((تفسير آدم عليه السلام لأنه خلق من أديم الأرض، وتفسير حواء لأنها خلقت من حي، وتفسير نوح لأنه ناح على قومه، وتفسير إبراهيم: أبو الأمم، ويقال: أب رحيم، وتفسير إسحاق لضحك سارة، ويعقوب، لأنه خرج من بطن أمه قابضًا على عقب العيص، وتفسير يوسف زيادة في الحسن، وتفسير يحيى: أحيي من بين ميتين؛ لأنه خرج من بين شيخ كبير وعجوز عاقر صلى الله عليهم أجمعين)). تفسير مقاتل (3: 53).
هذا، وسيأتي الحديث عن هؤلاء الأعلام الكرام الذين ذكرهم مقاتل، وبيان أصول عربية هذه أسمائهم إن شاء الله.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1898
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/54)
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 10:48 م]ـ
(5) (نظرات في المعرب) العبرانيون وإبراهيم العبراني
--------------------------------------------------------------------------------
إن التوغل في التاريخ القديم صعب للغاية، غير أنَّ هناك إشارات ودلالات يهتدي بها من يريد إثبات قضية ما.
واليوم أطرح لكم شيئًا يتعلق بعروبة إبراهيم عليه السلام، وأبين لكم نقد النظرية العبرية المزعومة، فأقول:
لقد عاش إبراهيم حياته الأولى في العراق، وحصل له ما حصل مع قومه عبدة النجوم والأصنام على السواء، ثمَّ هاجر عليه السلام من العراق ومع زوجه سارَّة (لاحظ عروبة هذا الاسم)، وابن أخيه لوط (لاحظ عروبة هذا الاسم).
فمن هم قوم إبراهيم عليه السلام؟
سكن قوم إبراهيم في (أور: مدينة بالقربة من البصرة الآن) في جنوب العراق، وهي منطقة عربية منذ القدم، قامت إليها هجرات عربية من الجزيرة العربية على مراحل مختلفة الزمن.
وقد ظهر أنبياء في جزيرة العرب قبل إبراهيم، منهم نوح، وصالح، وهود، وشعيب، ثمَّ جاءت رسالة إبراهيم بعد ذلك.
فالعرب سابقون لإبراهيم قطعًا ـ فيما لو فُرِضَ أنه ليس بعربي ـ لا يخالف في ذلك إلاَّ مجادل لا يريد الوصول إلى الحق.
ويكاد يجمع مؤرخو الحضارات القديمة اليوم أنَّ الشعوب التي سكنت منطقة العراق والشام ومصر وشمال القارة الإفريقية وساحل البحر الأحمر من جهة أفريقية، يكادون يجمعون على أنهم شعوب عربية خرجت من جزيرة العرب. (ينظر على سبيل المثال: دراسات تاريخية لنجمد معروف الدواليبي)
لكنَّ بعضهم ـ مع الأسف ـ يستخدم مصطلح (السامية) للدلالة على تلك الشعوب، ويجعل العرب قسمًا منهم، وهذا منه مكابرة وبعدٌ عن الحقِّ.
ومصطلح السامية قد ظهر زيفه وبطلانه بما لا يحتاج إلى كبير إعمال ذهن، وعلي أطرح نقده في مقال لاحق (ينظر: نقد النظرية السامية، ج1، أسطورة النظرية السامية: توفيق سليمان، دار دمشق للطباعة والنشر، ط 1، 1982م).
أما الكلدانيون الذين تُنسب إليهم هذه المدينة، فكانت لغتهم الأكادية (ينظر: معجم الحضارات السامية، مادة كلدانيون).
والأكادية هي أحد اللغات العروبية القديمة التي خرجت من جزيرة العرب مع هؤلاء الكلدانيين الذين استقروا في جنوب العراق اليوم (ينظر في اللغة الأكادية العربية كتاب: ملامح فقه اللهجات العربيات من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية، للدكتورمحمد بهجت القيسي).
تنبيه: هكذا جاءت قراءة الغربيين لهذه المادة (كلدان) بالكاف، ولا يبعد أن تكون مأخوذة من مادة (خَلَدَ)، وليس (كلد)، وأنت على خُبرٍ بأن الغربيين لا ينطقون لفظ الخاء، بل يبدلونه بحرف الكاف.
وإذا كان من مادة خلد، فهو واضح العربية بلا ريب، ويكونون هم الخالديون، بنو خالد، الخالدي، والله أعلم.
ومادة (كلد) عربية أيضًا، وهي تدل على صلابة في الشيء، ومن اسم الحارث بن كَلَدَة الطبيب العربي المشهور (ينظر في هذه المادة: مقاييس اللغة لابن فارس).
كما أن مادة الأكاديين قد تكون قراءتها الصحيحة (عكاديين) من مادة (عكد)، ويرجع ابن فارس أصل هذه المادة إلى التجمع والتراكم. (ينظر مقاييس اللغة، مادة: عكد).
وأنت على خُبرٍ أيضًا بأنَّ قراء الغرب للغتنا لا ينطقون العين، بل يُبدلونها ألفًا.
أما (أكد) في لغة العرب، فالهمزة منقلبة من الواو، كما ذكر ابن فارس في مقاييس اللغة، مادة (أكد).
تنبيه: قد يخطر ببالك استفسار؛ هذا نصُّه:
لِمَ جعلت اللغة العربية المدونة أصلاً في فهم تلك اللغات العروبية القديمة؟
وهذا سؤال مهم جدًّا، ولعلي آتي على شيء منه في مقالة مستقلَّة أبين فيها بعض ظواهر اللغة العربية كالاشتقاق، والقلب والبدل وغيرها من الظواهر، وأنها طريق إلى فهم معاني تلك الكلمات التي في اللغات العروبية القديمة، التي قد يكون مات فيها أصل الكلمة أو معناها، وانظر على سبيل المثال تفسير (وفومها) عند الفراء في معانيه، وعنه الطبري في تفسيره، والأزهري في تهذيب اللغة.
أعود إلى موضوع المقالة، وهو عروبة إبراهيم وعبرانيته، فأقول:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/55)
1 ـ إنَّ اسم إبراهيم قد اختلفت في أصله الآراء، وكثرت في النظر في اشتقاقه، فمنهم من جعله (أب رحيم)، ومنهم من جعله (آب رام؛ أي: أبو العلا)، ومنهم من جعله من مادة (بره)، أي صاحب البرهان ... الخ من تحليل لهذا الاسم. (ينظر في هذا: العلم الأعجمي في القرآن مفسرًا بالقرآن، لرؤوف أبو سعدة، ومعرب القرآن عربي أصيل للدكتور جاسر أبو صفية، ومقالة بعنوان: تأصيل عروبة إبراهيم، لأحمد نصيف الجنابي، مجلة الضاد، بغداد، ج2: 1409 ـ 1989).
ولكني إلى اليوم لم أصل إلى ما تطمئن إليه نفسي من أصل اشتقاق هذا الاسم العربي، أما من له صلة قرابة بإبراهيم (آزر، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، سارة، هاجر، لوط) فإني سآتي ـ إن شاء الله ـ على بيان عروبتهم.
2 ـ هل كان إبراهيم عبرانيًّا؟
لقد خرج إبراهيم بمن معه من لعراق، ثمَّ اتَّجه إلى الشام، فأين كان مسكنه؟
الذي يظهر من سيرته أنه سكن بادية الشام، وأنه كان صاحب بقر؛ لأنه جاء بعجل حنيذ لأضيافه، ولأنه كان ساكنًا في بادية الشام، وكان عابرًا إليها من العراق سُمِّي (إبرام العبراني).
فأصل الكلمة عربيٌ صحيح، مأخوذ من مادة (عبر) التي تدلُّ على الانتقال من مكان إلى مكان كما هو حال إبراهيم عليه السلام الذي عبر من (أور الكلدانيين) إلى بادية الشام.
ويظهر أنَّ العبراني ـ آنذاك ـ كانت له إطلاقات، منها:
1 ـ أنها تُطلق على الذي يعبر إلى شيء كما هو أصل دلالة اللفظة، وكذا كان حال إبراهيم حيث عبر إلى بادية الشام.
2 ـ أنه ساكن البادية، وكذا كان حال إبراهيم عليه السلام، حيث استقرَّ ببادية الشام، وكان يتنقَّل إلى ما جاورها من المدن طلبًا للتجارة، كما ذهب إلى مصر في رحلته المعروفة.
والذي يدلُّ على ذلك ما ورد في سورة يوسف لما جاء بأبويه إلى مصر، قال تعالى: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف:100)، فإبراهيم وذريته (إسحاق وابن يعقوب وأبناء يعقوب) كانوا في البادية كما هو نصُّ الآية (وجاء بكم من البدو).
ولا يلزم من كونهم كانوا في البادية عيب أو نقيصة، بل تلك كانت مشيئة الله لهم، والله يفعل ما يشاء لا معقِّب لحكمه.
وكما أنَّ بداوتهم ليس فيها نقيصة، فليس على إبراهيم أبي الأنبياء من نقيصة من كونه لم يؤمن به في وقته كثيرٌ، بل لم يُذكر أنه آمن به ـ وهو من هو في الفضل من بين الأنبياء ـ سوى زوجه وهاجر وأبنائه منهما ولوط.
ومن هذا تعرف أنَّ الوصف بالعبرانية لا يعني قومية معينة، ولا لغة مستقلة محددة مطلقًا، بل هو وصف لحال إبراهيم من بين الشعوب التي نزل بجوارها.
3 ـ إذا كان هذا الوصف هو لحال إبراهيم عليه السلام، فإنه يُعلم أنَّ هذا الوصف قد بقي في أحفاده من نسل إسحاق من بعده، فهم عبروا أيضًا إلى مصر، وهم بهذا يُسمون بالعبرانيين لأجل هذه الدلالة الوصفية فحسب.
4 ـ وإذا رجعنا إلى لغة إبراهيم عليه السلام، فإننا لن نجدها لغة مستقلَّة مغايرة مغايرةً تامةً لغة سكان الشام آنذاك، ومما يستأنس به في هذا أنَّ الله سبحانه وتعالى أرسل لوطًا إلى قرى سدوم وعمورة وغيرها، ولو لم يكن يعرف لسانهم لما صَلُحَ لأن يبعث لهم، والله تعالى يقول: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (إبراهيم:4)، فدلَّ هذا على أنَّ لسان لوط ولسان من أُرسِل إليهم واحدٌ، وهو اللسان الذي يتكلم به أصحاب هذه المنطقة في عراقهم وشامهم ومصرهم وجزيرتهم العربية كما هو الحال اليوم في توحًّدِ اللغة.
5 ـ وُلِدَ لإبراهيم ولدان: إسماعيل، وقد سكن مع أمه هاجر المصرية (لاحظ عربية اسمها) في مكة، وسيأتي إن شاء الله حديثًا عنها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/56)
ثمَّ وُلِدَ له ابن إسحاق الذي بقي عنده في بادية الشام، ووُلِدَ لإسحاق يعقوب، ووُلِدَ ليعقوب بنوه الاثنا عشر، ومكث هؤلاء في البلدية كما هو نصُّ الآية السالفة، وكانت لغتهم بلا ريب هي لغة أبيهم يعقوب، وجدهم إسحاق، وجد أبيهم إبراهيم، ولم تكن لهم لغة خاصة مستقلة البتة.
ثمَّ نزلوا إلى مصر، وسكنوا فيها فعاشروا الناس وخالطوهم إلى عهد موسى عليه السلام (بين يوسف وموسى نحو أربعمائة سنة ونيف كما في أسفارهم)، فهل يا تُرى بقوا على لغة آبائهم التي دخلوا بها ولم يتأثَّروا بلغة المصريين؟!
إنَّ الذي يظهر لي أنَّ العبرية وصف لهم من جهة القومية لا اللغة بقي ملتصقًا بهم، ومعناه كما ذكرتُ لك سابقًا، أما اللغة التي يتحدثون بها فإنما هي بمثابة لهجة من اللهجات العروبية آنذاك، ولا تخرج عن ذلك القطر العربي الكبير.
فالعبرانيون بمعنى: الذين يعبرون، أو بمعنى البدو الرُّحَّل هو المعنى المراد بهم، لكن هؤلاء أوتوا القدرة على تبديل وتحريف الأشياء، كيف لا، وقد حرَّفوا كلام الله وشرعه، فانطلى على كثيرين أن لهم لغة مستقلَّة، وأنَّ لها حروفًا خاصًّة، ورسمًا خاصًا، وليس الأمر كذلك، فهم من بيئة عربية لم يخرجوا منها، وإنما الأمر يرجع إلى تقادم عهدهم عن اللغة العربية المعيارية التي نزل بها القرآن.
وقد تقول: إنَّه ورد في البخاري في وصف ورقة بن نوفل: (وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب).
فأقول لك: نعم هو كتاب عبراني، وله رسمه الخاصُّ لكنه لم يكن خاصًّا بهم فقط، بل هم استفادوه من غيرهم، وهو لا يخرج عن اللغات العروبية ولا الرسم المتعارف عليه عندهم. وهذا مبحث يحتاج إلى مزيد بسط ليس هذا محلُّه، وهو يتعلق باللغات التي جاء النصُّ عليها في كتبهم، كما يتعلق بالوقت الذي دُوِّنت فيه هذه الكتب، ونوع اللغة (اللهجة العروبية) التي كانوا يتحدثونها آنذاك، ونوع الرسم الذي رُسِمت به، وذلك ما لم يكن خاصًّا بهم كما سيظهر إن شاء الله في بحث هذه الجزئية بحثًا مستقلاًّ.
وللحديث بقية.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=2050
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 10:51 م]ـ
الاستشهاد بالآيات في غير ما نزلت فيه وتَنْزِيلِ آياتِ الكُفَّارِ عَلَى المُؤْمِنِينَ
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ن وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فأشكر حرص الإخوة القائمين على ملتقى أهل التفسير لاستضافتي في موقعهم، وطلبهم المشاركة الفعلية معهم، وأرجو أن ييسر الله لي ذلك، وأن ينفعني وإياهم، وأن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتنا يوم أن نلقاه.
وقد رأيت أن أبدأ أول مشاركة بمقال نشرته في مجلة مواكب التي تصدر عن الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة (ع 12، جمادى الأولى 1423).
الاستشهاد بالآيات في غير ما نزلت فيه وتَنْزِيلِ آياتِ الكُفَّارِ عَلَى المُؤْمِنِينَ
يكثر استشهاد الوعاظ وغيرهم بآيات مساقاتها الكاملة لا تدلُّ على ما استشهدوا به، كما فعل بعضهم بوضع رسمٍ للدشِّ (اللاقط الفضائي)، وكتب تحتها جزءَ آيةٍ، وهي قوله تعالى: (;يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) الحشر: 2
ولو نظرت إلى مساق الآية كاملاً لعلمت أنَّه في يهود بني النظير، وانها تذكر ما حصل لهم لما حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجهم من حصونهم المنيعة، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ) الحشر: 2
فهل يصحُّ هذا الاستدال وأمثاله؟
هذا ما سأجتهد في تأصيله في هذه المقالة الموجزة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/57)
إنَّ في الموضوع جانبان متقاربان:
الأول: الاستشهاد بجزء من الآية في غير ما وردت من أجلِه في الأصل.
الثاني: تنْزيل الآية على واقعة حادثةٍ، وجعلُها مما يدخل في معنى الآيةِ.
فهل يوجد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة ومن بعدهم ما يدلُّ على صحَّةِ هذا العملِ؟
1 ـ في تفسير قوله تعالى: (وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) الكهف: 54، يورد بعض المفسرين ما ورد في خبر علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فقال: ألا تُصَلِّيان؟!
فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك، ولم يرجع إليَّ شيئًا، ثم سمعته وهو مُوَلٍّ يضرب فخذه ويقول: (وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) الكهف: 54 أخرجه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم.
وإذا رجعت إلى مساق الآيات التي ورد فيها هذا الجزء من الآية وجدته حديثًا عن الذين كفروا، قال تعالى: (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً، وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً، وَرَأى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً، وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً، وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً، وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً، وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) الكهف: 51 ـ 58
ومن هذه السياقات يتضح أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم اقتطع هذا الجزء الذي يصدق على حال علي رضي الله عنه، ولا يعني هذا أنَّه ممن اتصف بباقي تلك الصفات المذكورات أبدًا.
2 ـ في تفسير قوله تعالى: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا) الأحقاف: 20 [1]، ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ عمر رضي الله عنه رأى في يد جابر بن عبد الله درهمًا فقال: ما هذا الدرهم؟
قال: أريد ان أشتري لحمًا لأهلي قَرِمُوا إليه.
فقال: أفكلما اشتهيتم شيئًا اشتريتموه؟! أين تذهب عنكم هذه الآيةُ: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا) الأحقاف: 20.
والآية التي يستشهد بها أمير المؤمنين جاءت في سياق التقريع والتوبيخ للكافرين، وليست في سياق المؤمنين، قال تعالى: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُون) الأحقاف: 20، ومع ذلك استشهد بها أمير المؤمنين ونزَّلها على أهل الإيمان.
وهناك عدَّة آثارٍ ستأتي لاحقًا، والمراد مما مضى أنَّ أصل هذا الموضوع موجودٌ في السنة وأقوال الصحابة.
إذا تأمَّلت هذه المسألةُ وجدت أنها ترجع إلى أصلٍ من أصولِ التفسيرِ، وهو التفسيرُ على القياسِ، والمرادُ به: إلحاقُ معنًى باطنٍ في الآيةِ بظاهرِها الَّذي يدلُّ عليه اللَّفظُ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/58)
قالَ ابن القيِّم (ت: 751): (وتفسيرُ النَّاسِ يدورُ على ثلاثةِ أصولٍ:
تفسيرٌ على اللَّفظِ، وهو الَّذي ينحو إليه المتأخِّرونَ.
وتفسيرٌ على المعنى، وهو الَّذي يذكرُهُ السَّلفُ.
وتفسيرٌ على الإشارةِ والقياسِ، وهو الَّذي ينحو إليه كثيرٌ من الصُّوفيَّةِ وغيرِهم). [2]
والتفسير على القياس موجودٌ في تفسيرِ السلفِ؛ لكنَّه أقلُّ من القسمين الآخَرين. ومن أمثلتِه، ما ورد في قوله تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أزَاغَ الله) الصف: 5، أنها نزلتْ في الخوارجِ. [3]
فالمفسِّر انتزع هذا المقطع من الآيةِ، ونزَّله على الخوارجِ الذين لم يكونوا عند نزولِ هذه الآياتِ، وإنما جاءوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وانقطاع الوحي، وإذا نظرتَ إلى سياقِ الآيةِ، وجدتَ أنه في الحديثِ عن بني إسرائيل، وأنهم هم الموصوفون بهذا الوصف، قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) الصف: 5
والمفسِّرُ هنا إنما أراد أنْ يُنبِّه إلى دخولِ الخوارجِ في حكمِ هذه المقطع من الآيةِ، وأنهم مثالٌ لقومٍ مالوا عن الحقِّ، فأمالَ اللهُ قلوبهم جزاءً وفاقاً لميلِهم، وتنْزيل ذلك المقطع من الآية على الخوارجِ إنما هو على سبيلِ القياسِ بأمرِ بني إسرائيلَ، وليس مراده أنهم هم سبب نزولها، فهذا لا يقول به عاقل.
وعلى هذا يُقاسُ ما وردَ عن السلفِ في حكايةِ نزولِ بعض الآياتِ في أهلِ البدعِ، وأنهم أرادوا التنبيه على دخولهم في حكم الآيةِ، لا أنهم هم المعنيون بها دون غيرهم، خاصةً إذا كانَ المذكورون غيرُ موجودينَ في وقتِ التنْزيل؛ كأهلِ البدعِ الذينَ نُزِّلتْ عليهم بعضُ الآياتِ، واللهُ أعلمُ.
قال الشاطبي: (…كما قاله القاضي إسماعيل ـ في قوله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيءٍ) الأنعام: 159 بعد ما حكى أنها نزلت في الخوارج ـ: وكأنَّ القائل بالتخصيص، والله أعلم،لم يقل به بالقصد الأول، بل أتى بمثالٍ مما تتضمنه الآية؛ كالمثال المذكور، فإنه موافق لما قال، مشتهراً (كذا) في ذلك الزمان، فهو أولى ما يمثل به، ويبقى ما عداه مسكوتاً عن ذكره عند القائل به، ولو سئل عن العموم لقال به.
وهكذا كل ما تقدم من الأقوال الخاصة ببعض أهل البدع، إنما تحصل على التفسير، ألا ترى أن الآية الأولى من سورة آل عمران إنما نزلت في قصة نصارى نجران؟! ثمَّ نُزِّلت على الخوارج، حسبما تقدم، إلى غير ذلك مما يذكر في التفسير، إنما يحملونه على ما يشمله الموضع بحسب الحاجة الحاضرة لا حسب ما يقتضيه اللفظ لغةً.
وهكذا ينبغي أن تفهم أقوال المفسرين المتقدمين، وهو الأولَى لمناصبهم في العلم، ومراتبهم في فهم الكتاب والسنة). [4]
وفي قوله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الأنفال: 71 قال ابن عطيَّةَ (ت: 542): (وأما تفسير الآية بقصة عبد الله بن أبي السرح، فينبغي أن يُحرَّرَ، فإن جُلبتْ قصةُ عبد الله بن أبي السرح على أنها مثالٌ، كما يمكن أن تُجْلَبَ أمثلةٌ في عصرنا من ذلك، فحسنٌ. وإن جُلبت على أنَّ الآية نزلت في ذلك، فخطاٌ؛ لأنَّ ابن أبي السرحِ إنما تبيَّن أمره في يوم فتح مكة، وهذه الآية نزلت عَقِيبَ بدرٍ). [5]
وفي قوله تعالى: (فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) الفجر: 15 ـ 20
قال ابن عطية (ت: 542): (ذكر الله تعالى في هذه الآية ما كانت قريش تقوله وتستدلُّ به على إكرام الله تعالى وإهانته لعبده، وذلك أنهم كانوا يرون أن من عنده الغنى والثروة والأولاد، فهو المُكرَم، وبضدِّه المهانُ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/59)
ومن حيثُ كان هذا المقطع غالباً على كثير من الكفار، جاء التوبيخُ في هذه الآية لاسم الجنسِ؛ إذ قد يقع بعض المؤمنين في شيء من هذا المنْزع [6]، ومن ذلك حديث الأعرابِ الذين كانوا يقصدون المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم، فمن نال منهم خيراً، قال: هذا دين حسنٌ، ومن نال منهم شرٌّ، قال: هذا دين سوءٍ). [7]
وقال ابن عطية (ت: 542) في قوله تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) الأنبياء: 1: (وقوله تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ) عامٌّ في جميع الناسِ، وإن كان المشارُ إليه في ذلك الوقت كفار قريشٍ، ويدلُّ على ذلك ما بعدها من الآياتِ، وقوله: (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ)؛ يريد: الكفار.
قال القاضي أبو محمد [8] رحمه الله: (ويتَّجِهُ من هذه الآيةِ على العُصاةِ من المؤمنين قِسْطُهُم.
وقوله تعالى: (ما يأتيهم) وما بعدها مختصٌّ بالكفارِ). [9]
وقال في قوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يونس: 12).
وقوله: (مرَّ) يقتضي أن نزولها في الكفار، ثم هي بَعْدُ تتناول كل من دخل تحت معناها من كافرٍ أو عاصٍ). [10]
وقد ذكر الشنقيطي (ت: 1393) ـ في معرضِ ردِّه على التقليدِ ـ آياتٍ في النهي عن التقليدِ، فقال: (… وقال جل وعز: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ) الزخرف: 23 ـ 24، فمنعهم الاقتداء بآبائهم من قبول الاهتداء، فقالوا: إنا بما أرسلتم به كافرون.
وفي هؤلاء ومثلهم قال الله عزَّ وجل: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) الأنفال: 22، وقال: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ) البقرة: 166 ـ 167، وقال عز وجل ـ عائباً لأهل الكفر وذامّاً لهم ـ: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون) [11]، وقال: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا) الأحزاب: 67، ومثل هذا في القرآن كثير في ذمِّ تقليد الآباء والرؤساء.
وقد احتجَّ العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفرُ أولئك [12] من الاحتجاج بها؛ لأنَّ التشبيه لم يقع منهم من جهة كفرِ أحدهما وإيمانِ الآخرِ، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجةٍ للمقلِّد، كما لو قلَّد رجلٌ، فكفرَ، وقلَّدَ آخرٌ، فأذنبَ، وقلَّدَ آخرٌ في مسألةِ دنياه، فأخطأ وجهها، كان كلُّ واحدٍ ملوماً على التقليدِ بغيرِ حجةٍ؛ لأنَّ كل تقليدٍ يشبه بعضه بعضًا، وإن اختلفت الآثامُ). [13]
ومن هذه النقولِ يتحصَّلُ ما يأتي:
1 ـ أنَّ مثلَ هذه التفاسيرِ أو الاستشهادات إنما جاءتْ على سبيلِ القياسِ.
2 ـ أنَّ هذا الأسلوبَ معروفٌ في السنة وآثار السلف ومن جاء بعدهم من العلماءِ، ولذا حكموا بإبطالِ التقليدِ اعتمادًا على الآياتِ النازلةِ في الكفارِ.
3 ـ أنَّ القياسَ إنما هو بالاتصافِ بشيءٍ من أوصافِ الكفارِ التي قد تقع من عموم الناسِ. أما الأوصاف التي تختصُّ بوصف الكفرِ الأكبر؛ كنواقض الإسلام العشرة التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فهذه لو عمل بشيء منها فإنه يخرج عن مسمى الإيمان إلى الكفر، ولا يدخل في ما سيق البحث من أجله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/60)
وليس يلزمُ من تنْزيلِ الحكمِ بشيءٍ من أوصافِ الكفارِ على أحدِ العصاةِ، أنه مُتَّصفٌ بكاملِ أوصاف الكفارِ، وإلاَّ لكان الكلامُ عن كفارٍ، لا عن مؤمنينَ، وهذا ما وضَّحه الشنقيطيُّ (ت: 1393) في المثال الذي ذكره في حكمِ التقليدِ.
ضوابط وتنبيهات في مسألة الاستشهاد وما جرى مجراها:
أولاً: يحسُنُ ذكرُ مدلولِ الآيةِ المطابقِ، وهو أنها نازلةٌ في الكفارِ، وأنه يُستفادُ منها أنَّ من اتصف بهذه الصفةِ من المسلمينَ، فأنه يُلحقُ بحكم الكفارِ، ولكنْ كلٌّ بِحَسَبِه، فهذا كافرٌ كفراً محضاً، وهذا مسلمٌ عاصٍ وافق الكفارَ في هذه الصفةِ، واللهُ أعلمُ.
ثانيًا: إنَّ من سلكَ هذا الطريقَ، فإنه لا يصحُّ أنْ يقصِرَ الآيةَ على ما فسَّرَ به قياساً، ولو فعلَ لكانَ فِعْلُه تحكُّماً بلا دليلٍ، كما هو حالُ أهل البدعِ، والتَّحَكُّمُ لا يَعجزُ عنه أحدٌ.
ثالثًا: يلزمُ أن يكونَ بين معنى الآيةِ الظاهرِ وبين ما ذكرَه من الاستشهاد أو التفسيرِ قياساً ارتباطٌ ظاهرٌ، وإلاَّ كانَ الاستشهاد بالآية أو حملُها على التفسيرِ القياسيِّ خطأً.
وليعلم أنَّ الاستشهاد أشبهَ حكاية الأمثال التي يتمثَّلُ بها الناس في محاوراتهم، مع ملاحظة الفارقِ بين الأمرين كما سيأتي، فكم من الناس يتمثَّل بقول الشاعر:
تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد
وخراش في هذا البيت كلب صيدٍ، وقد يحسبه السامعون اسم رجلٍ، والاستشهاد به على أنه كلب ليس يعني أبدًا أنَّ المستشهد عليه يكون كلبًا، فالمثل يُحكى كما قيل، ويستفاد منه في الأحوال المشابهة لأصل المثل، ولا يعني هذا التماثل في كل شيء.
غير أنَّ الاستشهاد بالآية القرآنية يلزم منه معرفة الأصل الذي تدلُّ عليه الآيةُ، وإلاَّ لما أمكن إدراك وجه الشبه بين المستشهَد به والمستشهَدِ عليه.
كما يلزم إثبات ذلك الأصل والقولَ به، ثمَّ الاستدلال به بعد ذلك، وهذا لا يلزم في المثلِ، فكم من مثل تنَزِّله على واقعة معيَّنة، وأنت لا تعرف أصل حكاية هذا المثلَ، ولا يضير هذا شيئًا إن كنت تعرف مكان ضربه، وهذا ما لا يتأتَّى مع آيات القرآن.
ومما يُنبَّه عليه هنا أنه لا يجوز الاستشهاد بالقرآن في مواطن الهزل، فهذا حرام لا يجوز القول به، ومثله الاقتباس الذي يعمله بعض الشعراء في شعرهم، فيدخلون مقطعًا من آيةٍ في مواطن هزلية أو غير لائقة بالقرآن، فيجب الحذر من ذلك؛ لنه من المحرمات، فالقرآن جِدٌّ كلُّه ليس فيه هزل، كما قال تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ، وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) الطارق: 14
وأخيرًا، يجبُ أن يُعلمَ أنَّ هذا الاستشهاد أو حمل الآية على التفسير بالقياس أنه من التفسيرِ بالرأي، ولذا يلزمُ الحذرُ منه، والتأكُّدُ من صحةِ حملِ الآيةِ عليه.
ـــــــــ
* الحواشي:
(1) انظر الدر المنثور (7:445 - 446) وقد أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم والبيهقي، كما أورد السيوطي عدة آثار عن عمر بن رضي الله عنه في نفس المعنى (7:446 - 447).
(2) التبيان في أقسام القرآن، تحقيق طه شاهين ص 51
(3) ورد ذلك عن أبي أمامة، انظر تفسير الطبري. ط. الحلبي (28:86 - 87)
(4) الاعتصام للشاطبي، تحقيق محمد رشيد رضا (1:103)
(5) المحرر الوجيز، ط. قطر (6:386 - 387)
(6) نقل الطاهر بن عاشور هذه الجملة عن ابن عطية، ولم يعترض عليها، انظر: التحرير والتنوير (30:326 - 327)
(7) المحرر الوجيز، ط. قطر (10:122)
(8) هو ابن عطية.
(9) المُحرر الوجيز، ط. قطر (10:122)
(10) المحرر الوجيز، ط. قطر عند تفسير الآية.
(11) كذا وردت عند الشيخ، وفي هذا وهم لأنه جمع بين آيتين من سورتين مختلفتين فيهما القصة نفسها، والآيات التي تصلح لغرضه ما في سورة الشعراء من قوله تعالى: (واتل علهم نبأ إبراهيم .. ) إلى قوله: (قالوا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون). الشعراء:69 - 74
(12) يقصد فكر المقلدين من الكفار الذين نزلت الآيات حاكية أمرهم في تقليد الآباء والرؤساء.
(13) أضواء البيان (7:490 - 491)
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=46
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 10:59 م]ـ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/61)
المفردة القرآنية .. المراحل التي تمرُّ بها حال تفسيرها (1 _ 5)
--------------------------------------------------------------------------------
المفردة القرآنية .. المراحل التي تمرُّ بها حال تفسيرها
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله الطيبين، وعلى صحبه الكرام، وعلى من تابعهم إلى يوم القيام، أما بعد:
فقد أدرتُ الفِكْرَ في المفردة القرآنية، فظهر لي في دراستي لها عدد من الموضوعات التي قد تكون مطروقة لكنها تحتاج إلى جمع في مكان واحدٍ يتعلق بالمفردة القرآنية، التي قد تختصُّ ببعض المعاني التي لا تجدها في دراسة الدارسين للغة العرب.
ومما طرأ لي في هذا الموضوع أنَّ ألفاظ القرآن لا تخرج عن خمس مراحل، وهي:
الأول: أن تأتي اللفظة على الأصل الاشتقاقي.
الثاني: أن تأتي اللفظة على الاستعمال الغالب عند العرب، وفي هذه الحال يكون فيها معنى الأصل الاشتقاقي.
الثالث: أن يكون للفظة استعمال سياقيٌّ، وهو ما استفاد منه أصحاب (الوجوه والنظائر) فركَّبوا كتبهم منه.
والاستعمال السياقي قد يرجع إلى أصل اللفظة الاشتقاقي، وقد يرجع إلى المعنى الغالب في استعمال اللفظة عند العرب، وهو على كلِّ الأحوال لا يخلو من الأصل الاشتقاقي.
الرابع: المصطلح الشرعي، وهذا كثير في القرآن، والمقصود به أن يكون استخدام اللفظ في القرآن والسنة على معنى خاصٍّ؛ كالصلاة والزكاة والحج والجهاد، وغيرها.
والمصطلح الشرعي لا بدَّ أن يكون راجعًا من جهة المعنى إلى الأصل الاشتقاقي، وقد يكون راجعًا إلى أحد المعاني التي غلب استعمال اللفظ فيها عند العرب.
الخامس: المصطلح القرآني، وهو أخصُّ من المصطلح الشرعي ومن الاستعمال السياقي؛ لأنَّ المراد به أن يكون اللفظ في القرآن جائيًا على معنى معيِّنٍ من معاني اللفظِ، فيكون معنى اللفظ الأعم قد خُصَّ في القرآن بجزء من هذا المعنى العامٍّ، أو يكون له أكثر من دلالة لغوية فتكون أحد الدلالات هي المستعملة لهذا اللفظ في القرآن.
وسأتحدَّث عن كل نوع من هذه الأنواع المذكورة، وأضرب له أمثلة، وأسأل الله المعونة والتوفيق والسداد.
أولاً: الأصل الاشتقاقي للَّفظة.
يعتبر الاعتناء بالأصل الاشتقاقي للفظة من المسائل المهمة لمن يدرس التفسير، لحاجته الماسَّة لدقة توجيه التفسيرات التي تُفسِّر بها اللفظة القرآنية.
ولا تكاد تخلو لفظة قرآنية من وجود أصل اشتقاقي، ومعرفته تزيد المفسِّر عمقًا في معرفة دلالة الألفاظ ومعرفة مناسبة تفسيرات المفسرين لأصل هذا اللفظ.
ولم تخل تفسيرات السلف من الإشارة إلى مسألة الاشتقاق، فتجد في تفسيراتهم التنبيه على هذه المسألة اللغوية المهمة، ومن ذلك ما رواه الطبري (ت: 310) وغيره في تفسير قوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) (البقرة: من الآية31)، فقد أورد عن ابن عباس (ت: 68) أنه قال: ((بعث رب العزة ملك الموت فأخذ من أديم الأرض؛ من عذبِها ومالحها، فخلق منه آدم، ومن ثَمَّ سُمِّي آدم؛ لأنه خلق من الأرض)).
وفي تفسير غريب لأبي العالية (ت: 93) في تفسيره لقوله تعالى: (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ) (البقرة: من الآية51) قال: ((إنما سُمِّي العجل؛ لأنهم عَجِلُوا فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى)).
وممن له في تفسيره شيء من العناية بهذا الباب مقاتل بن سليمان (ت: 150)، ومن غريب ما ورد عنه في الاشتقاق قوله: ((تفسير آدم عليه السلام؛ لأنه خُلِق من أديم الأرض، وتفسير حواء؛ لأنها خُلِقت من حيٍّ، وتفسير نوح؛ لأنه ناح على قومه، وتفسير إبراهيم: أبو الأمم، ويقال: أبٌ رحيم، وتفسير إسحاق؛ لضحِك سارَّة، ويعقوب؛ لأنه خرج من بطن أمه قابض على عقب العيص، وتفسير يوسف: زيادة في الحسن، وتفسير يحيى: أحيي من بين ميتين؛ لأنه خرج من بين شيخ كبير وعجوز عاقر، صلى الله عليهم أجمعين)). تفسير مقاتل بتحقيق د / عبد الله شحاته (3: 53).
وممن عُنيَ بأصل الاشتقاق من اللغويين ابن قتيبة (ت: 276)، في كتابيه (تأويل مشكل القرآن)، و (تفسير غريب القرآن).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/62)
ومن ذلك قوله: ((أصل قضى: حَتَمَ، كقول الله عز وجل: (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت) (الزمر: من الآية42)؛ أي: حَتَمَه عليها.
ثُمَّ يصير الحتم بمعانٍ؛ كقوله: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الاسراء: من الآية23)؛ أي: أمر؛ لأنه لما أمر حتم بالأمر.
وكقوله (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ) (الإسراء: من الآية4)؛ أي: أعلمناهم؛ لأنه لما اخبرهم أنهم سيفسدون في الأرض، حتم بوقوع الخبر.
وقوله: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات) (فصلت: من الآية12)؛ أي: فصنعهن.
وقوله: (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاض) (طه: من الآية72)؛ أي: فاصنع ما أنت صانع.
ومثله قوله: (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيّ) (يونس: من الآية71)؛ أي: اعملوا ما أنتم عاملون ولا تُنظِرون.
قال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما** داود أو صَنَعُ السوابغ تبَّع
أي: صنعهما داود وتُبَّع.
وقال الآخر في عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
قضيت أموًا ثم غادرت بعدها** بوائج في أكمامها لم تُفَتَّقِ.
أي: عملت أعمالاً؛ لأنَّ كل من عمل عملاً وفرغ منه فقد حتمه وقطعه.
ومنه قيل للحاكم: قاض؛ لأنه يقطع على الناس الأمور ويحتِم.
وقيل: قُضِيَ قضاءك؛ أي: فُرِغ منه أمرك.
وقالوا للميت: قد قضى؛ أي: فرغ.
وهذه كلها فروع ترجع إلى أصل واحدٍ)). تأويل مشكل القرآن (ص: 442).
ويظهر أنَّ ابن فارس (ت: 395) قد استفاد منه هذه الفكرة، فصنَّف كتابه العظيم (مقاييس اللغة) منتهجًا بذلك ما كان قد طرحه ابن قتيبه (ت: 276) في كتابيه السابقين. ينظر: مقدمة السيد أحمد صقر لكتاب تأويل مشكل القرآن (ص: 83).
كما عُنيَ الراغب الأصفهاني (ت: 400) بأصل الاشتقاق في كتابه (مفردات ألفاظ القرآن).
ثمَّ إنك تجد لأصل الاشتقاق منثورات في كتب اللغويين، ككتاب الاشتقاق للأصمعي (ت: 215)، وابن دريد (ت: 321)، وغيرها من كتب أهل اللغة.
وممن كان لهم بذلك عناية واضحة أبو علي الفارسي (ت: 377)، وتلميذه ابن جني (ت: 392)
وليس المقصد التأريخ لهذه المسألة العلمية، وإنما ذكرت إشارات منه.
وقد يكون للفظة أصل واحد تدور عليه تصريفات الكلمة في لغة العرب، وقد يكون لها أكثر من أصل.
ومن أمثلة الألفاظ القرآنية التي يكون لها أصل واحدٌ لفظ (الأليم)، قال ابن فارس (ت: 395): ((الألف واللام والميم أصل واحدٌ، وهو الوجع))، وعلى هذا فإنَّ تَصَرُّفَات مادة (أَلَمَ) ترجع إلى هذا المعنى الكلي، فكل تقلُّباته في القرآن وفي استعمال العرب يعود إلى معنى الوجع؛ كقوله تعالى: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (البقرة:10)
وقوله تعالى: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:104).
أهمية معرفة أصل الاشتقاق:
معرفة أصل اشتقاق اللفظ يفيد في جمع جملة من المفردات القرآنية المتناثرة بتصريفات متعددة تحت معنى كليِّ واحد، وهذه المعرفة تسوق إلى تفسير اللفظ في سياقه، بحيث يُعبَّر عنه بما يناسبه في هذا السياق، ويعبر عنه بما يناسبه في السياق الآخر، وكلها ترجع إلى هذا المعنى الاشتقاقي الكليِّ.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ 0 وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) (الانشقاق: 17 ـ 18)، فمادة (وسق) تدلُّ على جمع وضمِّ واحتواء، ولفظت وسق واتسق مشتقة منها، فمعنى الآية الأولى: والليل وما جمع وحوى وضمَّ من نجوم وغيرها.
ومعنى الآية الأخرى: والقمر إذا اجتمع واكتمل فصار بدرًا.
وبهذا تكون مادة اللفظتين من أصل واحد، وهو الجمع والضمُّ.
ومنها لفظ (أيد) بمعنى قوَّى، وقد ورد لهذا الأصل عدة تصريفات، منها:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/63)
قوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (المائدة:110).
وقوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة:22).
وقوله تعالى: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص:17).
وقوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (الذريات:47).
وقوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) (البقرة:87).
فالمعنى الذي ترجع إليه الألفاظ (أيدتك / أيَّدهم / أيدناه / ذا الأيد / بأيد) كلها ترجع إلى معنى القوة. (قويتك / قواهم / قويناه / ذا القوة / بقوة).
ومنها قوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا) (البقرة: من الآية255)، وقوله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ) (التكوير:8).
فلفظ: لا يؤوده بمعنى: لا يُثقِله.
والموؤودة هي البنت التي تُدفنُ وهي حيَّة، وإذا أرجعت اللفظ إلى أصل اشتقاقه، وجدت أنها إنما سُمِّت موؤودة؛ لأنها أُثقِلت بالتراب حتَّى ماتت، فرجعت اللفظة إلى أصل الثِّقَلِ، فصارت لفظتي (يؤوده، والموؤودة) ترجعان إلى أصل واحد، وهو الثِّقَلُ.
وللحديث بقية ….
==================================================
المفردة القرآنية .. المراحل التي تمرُّ بها حال تفسيرها (2)
--------------------------------------------------------------------------------
ثانيًا: أن تأتي اللفظة على الاستعمال الغالب عند العرب.
إنَّ اللغة كائن حيٌّ متولد، ومن أبرز ما في لغة العرب كثرة تصرفات الألفاظ المنبثقة من الأصل اللغوي الكلي للفظة، والمراد هنا أنه يغلب استعمال أحد هذه التصريفات اللفظية على معنى مشهور متبادرٍ بين المخاطبين، فإذا وقع في الكلام فإنَّ الذهن ينصرف إليه، لكن قد يأتي تفسيرٌ آخر للكلامِ بناءًا، على أنَّ هذا التصريف في اللفظة يرد بمعنى آخر، فيُحمل الكلام عليه.
ولأضرب لك مثلاً يوضح مرادي من ذلك:
مادة (ثَوَبَ) أصل صحيح واحد، وهو العود والرجوع، قاله ابن فارس في مقاييس اللغة. وزاد الراغب الأصفهاني في مفرداته قيدًا في معنى العود والرجوع، فقال: ((أصل الثوب: رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها، أو إلى الحالة المقدَّرة المقصودة بالفكرة … فمن الرجوع إلى الحالة الأولى قولهم: ثاب فلان إلى داره … ومن الرجوع إلى الحالة المقدَّرة المقصودة بالفكرة: الثوبُ، سُمِّي بذلك لرجوع الغزل إلى الحالة التي قُدِّرت له (1)، وكذا ثواب العمل …)).
وقد ورد استعمال العرب للفظة (أثاب) ولفظة (الثواب) في الجزاء على العمل، وقد ورد في القرآن من هذين عدد من الآيات؛ منها:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/64)
قوله تعالى: (فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة:85).
وقوله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح:18).
وقوله تعالى: (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:148).
وقوله تعالى: (أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف:31).
وقوله تعالى: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً) (مريم:76).
وغلب استعمال لفظة (الثياب) على الملبوسات، وقد ورد في القرآن في عدة آيات؛ منها:
قوله تعالى: (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (هود:5).
وقوله تعالى: (أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف:31).
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النور:58).
ويُستفاد من معرفة غلبة استعمال الهرب للفظة ما بمعنى من المعاني أن تُحمَل على هذا المعنى حال اختلاف التفسير، ومن ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) (المدثر:4)، فقد ورد في معنى الثياب في هذه الآية أقوال، منها:
1 ـ أنها الثياب الملبوسة، ويشهد لهذا غلبة استعمال هذا اللفظ بهذا التصريف عن العرب على ما يُلبس.
2 ـ وقد فسَّر بعضهم الثياب بالفعل والعمل، والمراد: أصلح عملك، واجعله خالصًا لله، وقد ورد هذا الإطلاق عن العرب، فكان الرجل إذا كان خبيث العمل، قالوا: فلان خبيث الثياب، وإذا كان حسن العمل، قالوا: فلان طاهر الثياب، قاله أبو رُزين (تفسير الطبري).
وهذا المعنى مركبٌ من تصوُّرِ مادتين لغويتين، وهما: الثوب، واللبس، فلما كان العمل يتلبس به الإنسان كما يتلبس بثوبه الذي يلبسه، عبَّروا عن الثوب بالعمل من أجل هذا المعنى، والله أعلم.
وكأنَّ في العمل معنى العود؛ وكأنه تُصِّورَ أنَّ الإنسان يعمل العمل، ثمَّ يعود إليه، ففيه أصل معنى مادة الثوب، وهي العَودُ، والله أعلم.
3 ـ وفسَّر آخرون بأن المراد بالثياب: النفس، والمعنى: طهر نفسك من المعاصي والدَّنس.
ومنه ما نُسِب إلى ليلى الأخيلية، قالت:
رموها بأثواب خفاف فلا ترى لها شبهًا إلا النعام المًنَفَّرا
والمراد رموا الركاب بأبدانهم؛ أي: ركبوا الإبل.
ولا يبعد أنهم سمَّوا الأبدان أثوابًا لكثرة ملابستها للأثواب، وهذا من طرائق تسميات الأشياء عند العرب، فكثرة الملابسة تنقل الاسم من المعنى المتبادر المعروف إلى معنى آخر، حتى يصير اسمًا له، وبهذا يكون من معاني اللفظة.
وهذا من دقيق تاريخ الألفاظ، وهو علمٌ عزيزٌ، ونيله صعبٌ، وأغلبه من الظَّنٍ أو غلبته على حسب ما يتحرَّر في دراسة كل لفظ من الألفاظ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/65)
ومن تسميته للشيء بما يلابسه أو ينتج عنه ما ورد من تسميته النوم بردًا، وعليه حُملَ قوله تعالى: (لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً) (النبأ:24)؛: لا يذوقون نومًا ولا شرابًا، وإنما سمَّوا النوم بردًا؛ لأنَّ النائم يبرد جسمه، والله أعلم.
ومن ذهب إلى هذا التفسير فإنَّ قوله ـ من جهة التفسير ـ يتضمَّنُ قول من قال: أصلح عملك؛ لأنَّ إصلاح العمل جزءٌ من تطهير النفس، والله أعلم.
لكن لو ذهب مرجِّح إلى ترجيح معنى الثياب الملبوسة في هذه الآية لغلبة هذا الاستعمال على معنى اللفظة عند العرب، وكونه هو الظاهر المتبادر في تفسيرها لجاز، وهو مذهبٌ صحيح في ترجيح هذا المعنى.
مثالٌ آخر:
مادة (لبس) أصل صحيح واحد يدل على مخالطة ومداخلة، قاله ابن فارس في مقاييس اللغة. وجعل الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن أصل اللبس: السَّتر (2)، والذي يظهر من هذه المادة أن أصلها ما ذهب إليه ابن فارس، وما قاله الراغب إنما هو أثر من آثار أصل هذه المادة، وليس هو أصلها، فلاختلاط والمداخلة مظِنَّةُ السَّتر، ويمكن أن بقال: كل مخالطة يقع فيها سَتْرٌ، ولا يلزم أنَّ كل سترٍ يكون فيه مخالطة.
ومما ورد من تصريفات الألفاظ من هذه المادة في القرآن: (لباس / لبسنا / يلبسون / تلبسون / يلبسكم / لبس / لبوس)
ومما جاء على أصل معنى المادة في القرآن:
قوله تعالى: (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:42).
وقوله تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) (الأنعام:9).
وقوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82).
وأشهر المعاني والإطلاقات في هذه المادة يعود إلى الثياب الملبوسة، ومنها:
قوله تعالى: (يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ) (الدخان:53).
وقوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (لأعراف:26).
وقوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (لأعراف:27).
وقوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) (فاطر:33).
وقد غلب هذه الاستعمال ـ وهو الثياب الملبوسة ـ على هذه المادة، حتى كاد أن يكون أصلاً لها، لذا ترى أنَّ التشبيه يقع بها في بعض موارد لفظ اللبس، ومن ذلك قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) (البقرة:187).
وقوله تعالى: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) (لأعراف:26).
وقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً) (الفرقان:47).
وقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً) (النبأ:10).
وقوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112).
وكلُّ هذه السياق نُظِرَ فيها إلى معنى الثياب الملبوسة، ووقع تنظير هذه المعاني في هذه السياقات بها، وعلى سبيل المثال: جُعِلَ الليل بمخالطته للناس وتغطيته لهم كاللباس الذي يخالطهم ويغطيهم، وقس على ذلك غيرها من الآيات الأخرى.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/66)
والمعنى الأصلي لهذه اللفظة، وهو المخالطة والمداخلة لم يتأخر في أي استعمال من هذه الاستعمالات، وإن كان قد يغيب؛ لأنَّ النظر في السياقات إلى الاستعمال، وليس إلى أصل الاشتقاق.
وللحديث بقية
ـــــــــــــــــــ
(1) يمكن أن يكون تسمية الثوب من معنى آخر ذكره ابن فارس، قال: ((والثوب الملبوس محتمل أن يكون من هذا القياس؛ لأنه يلبس ثم يلبس ويثاب إليه)).
(2) مسألة اختلاف العلماء في أصل المادة مما أرجأت الحديث عنه لأنظر هل له أثر في بيان المعاني واختلافها في السياقات القرآنية، أو أنَّ الاختلاف ليس له أثر من هذه الجهة، وإن ظهر لي فيها شيءٌ فإني سأطرحه لاحقًا إن شاء الله.
==============================================
المفردة القرآنية .. المراحل التي تمرُّ بها حال تفسيرها (3)
ثالثًا: الاستعمال السياقي
هذه هي المرحلة الثالثة التي تقع للمفردة القرآنية، فأي كلمة لها في سياقها معنى مراد، قد يكون خارج المعنى اللغوي المطابق، وهذا المعنى المراد للكلمة في هذا السياق قد يكون في أكثر من سياق قرآني، وقد لا يكون له إلا سياق واحد.
ومن الاستعمال السياقي انطلقت كتب الوجوه والنظائر (1) في تعيين الوجوه للألفاظ القرآنية، لذا تعدَّدت الوجوه للفظ الواحد الذي يعود إلى معنى لغوي واحدٍ؛ لأنه لا اعتبار لأصل اللفظ ولا لاستعمال العرب في تحديد الوجوه إلا إذا كان هو المعنى المراد في السياق.
ومن أمثلة ذلك في كتب الوجوه والنظائر:
ـ قال الدامغاني (ت: 478): ((تفسير إفك على سبعة أوجه: الكذب. عبادة الأصنام. ادعاء الولد لله تعالى. قذف المحصنات. الصرف. التقليب. السحر.
فوجه منها: الإفك؛ يعني: الكذب، قوله تعالى في سورة الأحقاف: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) إلى قوله: (فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ) (الأحقاف: من الآية11)؛ يقولون: كَذِبٌ تَقَادَم، ونظيره فيها: (وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ) (الأحقاف: من الآية28)، ونحوه كثير.
والوجه الثاني: إفك: عبادة الأصنام، قوله تعالى في سورة والصافات: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ) (الصافات: 85 ـ 86)؛ يعني: عبادة آلهةٍ دون الله.
والوجه الثالث: الإفك: ادعاء الولد لله تعالى، قوله تعالى في سورة الصافات: (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (الصافات: 151 ـ 152).
والوجه الرابع: الإفك: قذف المحصنات، قوله تعالى في سورة النور: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) (النور: من الآية11)؛ يعني: بهتان عائشة رضي الله عنها.
والوجه الخامس: الإفك: الصرف، قوله تعالى في سورة والذاريات: (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) (الذريات:9)، كقوله تعالى في سورة الأحقاف: (لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا) (الاحقاف: من الآية22)؛ أي: لتصرفنا، ونحوه كثير.
والوجه السادس: الإفك: التقليب، قوله تعالى في سورة والنجم: (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى) (النجم:53)، كقوله تعالى في سورة الحاقة: (وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ) (الحاقة: من الآية9).
والوجه السابع: الإفك: السحر، قوله تعالى في سورة الشعراء: (تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) (الشعراء: من الآية45).)) (الوجوه والنظائر للدامغاني / تحقيق: فاطمة يوسف / ص: 72 ـ 74).
وإذا رجعت إلى تحليل هذه اللفظة من جهة الاشتقاق والاستعمال العربي ظهر لك ما يأتي:
1 ـ قال ابن فارس: (الهمزة والفاء والكاف أصل واحد يدلُّ على قلب الشيء وصرفه عن وجهه) (مقاييس اللغة / مادة: أفك).
وزاد الراغب قيدًا في أصل المادة، فقال: (كل مصروف عن وجهه الذي يحقُّ أن يكون عليه، ومنه قيل للرياح العادلة عن المهابِّ: مؤتفكة …). (المفردات: ص: 79).
وهذا يعني أنَّ هذه الدلالة الأصلية ستكون موجودة في جميع الوجوه المذكورة، وهي كذلك:
فالكذب فيه معنى القلب والصرف، فهو قلب للحق باطلاً، وللباطل حقًّا.
وعبادة الأصنام قلب لعبادة الحقيقة إلى العبادة الباطلة.
وادعاء الولد لله تعالى قلب للحقيقة التي هي الوحدانية إلى الإشراك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/67)
وقذف المحصنات قلب للحقيقة، حيث يجعل العفيفات زانيات.
وأما الصرف والتقليب فهو المعنى الأصلي للفظة.
والسحر: فيه قلب للحقائق، وجعل الباطل حقًّا والحقَّ باطلاً.
2 ـ وإذا رجعت إلى استعمال العرب للإفك، فإنه يغلب إطلاقه على أشدِّ الكذبِ، ويرجع إلى هذا المعنى الوجه الأول والثاني والثالث والرابع.
فالرابع مثلاً، وهو قذف المحصنات، إنما ذُكِر وجهًا مستقلاً نظرًا لأن المراد بالإفك في هذا الموضع الافتراء الذي افتراه المنافقون في حقِّ بيت النبوة، حيث قذفوا عائشة رضي الله عنها، وهو في النهاية عائد إلى الكذب، وإنما جاء التعبير عنه يقذف المحصنات؛ لأنَّ مراد المؤلف هنا بيان المراد بالإفك من جهة الاستعمال السياقي وليس بيان معناه من جهة اللغة.
كما يرجع إلى هذا المعنى الوجه السابع، وهو السحر؛ لأنَّ الآية التي استدل بها لهذا الوجه تدلُّ على هذا، وهي قوله تعالى: (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) (الشعراء:45)، أي: ما يكذبونه من العصي والحبال التي يسحرون بها أعين الناس فيخيل للناس أنها ثعابين، وهي ليست كذلك.
وأما الألفاظ: (يؤفك / تأفكنا / المؤتفكات)، فإنها تأتي بمعنى الصرف والقلب الذي هو أصل معنى اللفظ، ولذا فالوجه الخامس والسادس معناهما واحدٌ، ولا داعي لجعلهما وجهين متغايرين.
ولو تُتُبِّعت أقوال المفسرين في تفسير الألفاظ لوجدتهم كثيرًا ما يبينون المراد باللفظ في سياقه دون ردِّه إلى معناه اللغوي، وعلى هذا الأسلوب جمهور تفسير السلف، وهو ما يُعبَّر عنه (بالتفسير على المعنى).
وعلى سبيل المثال، لو رجعت إلى تفسير قوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) (لأعراف:117)، فإنك ستجد في تفسير السلف ليأفكون:
1 ـ يكذبون، وذلك قول مجاهد، وهو بيان لمعنى الإفك من جهة الاستعمال اللغوي، وهو مراد في الآية.
2 ـ حبالهم وعصيهم، وهذا قول الحسن، وهذا بيان للمراد من جهة السياق، فالذي يأفكونه؛ أي يكذبون به هو حبالهم وعصيُّهم.
ولا تنافي بين القولين، فالأول بين المعنى المراد من جهة اللغة، والثاني بين المعنى المراد من جهة السياق، والله أعلم.
والنظر إلى الاستعمال السياقي للفظة جعل بعض المفسرين يحكمون بالخطأ على بعض التفاسير، وليست تلك التخطئة بسديدة؛ لأنَّ المفسر غير ملزم دائمًا ببيان المعنى من جهة اللغة، بل قد يكون بيان اللفظة من جهة اللغة في مثل هذا الحال من الاستطراد الذي لا يحتاجه المقام.
والنظر إلى الاستعمال السياقي لا ينفك عنه اللغوي الذي يقصد بيان الألفاظ القرآن وعربيته، بله مفسرو السلف الذين يكثر في تفسيرهم الاعتناء ببيان المعاني دون تحرير الألفاظ من جهة اللغة، ومن أمثلة ذلك تفسير أبي عبيدة كمعمر بن المثنى البصري (ت: 210) لقوله تعالى: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْل) (البقرة: من الآية191)، قال: ((أي: الكفر أشدُّ من القتل في أشهر الحُرُمِ؛ يقال: رجلٌ مفتونٌ في دينه؛ أي: كافر)). (مجاز القرآن / 1: 68).
ولو ذهب أبو عبيدة إلى التفسير اللغوي، لقال: الفتنة: الامتحان والاختبار، لكنه ذهب إلى تفسير المراد بالفتنة في هذا السياق، وهو الكفر، والله أعلم.
وقد يجمع بين التفسير على اللفظ والتفسير على المعنى، وذلك في مثل قوله تعالى: (وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) (الأعراف: من الآية24)، قال: ((إلى وقت يوم القيامة، وقال:
وما مِزَاحُكَ بَعْدَ الحِلْمِ والدِّينِ وقد علاكَ مَشِيبٌ حين لا حين
أي: وقت لا وقت)). (مجاز القرآن / 1: 212).
فقوله: ((إلى وقت)) هذا بيان لغوي لمعنى الحين.
وقوله: ((يوم القيامة)) هذا بيان للمراد بالحين على التعيين في هذا السياق، وهذا تفسير معنى.
وهناك فرع لمسألة التفسير على المعنى اللغوي والتفسير على المعنى السياقي لعلي أطرحه لاحقًا إن شاء الله.
وللحديث بقية.
ـــــــــــــــ
(1) قد يسمى هذا العلم بالأشباه والنظائر، وهذه التسمية فيها نظر، وقد بيَّنته في كتابي (التفسير اللغوي للقرآن الكريم: ص: 89 ـ 90
=================================================
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/68)
المفردة القرآنية .. المراحل التي تمرُّ بها حال تفسيرها (4)
رابعَا: المصطلح الشرعي:
يراد بالمصطلح الشرعي ما جاء بيان معناه في لغة الشارع سواءً أكان ذلك في القرآن أم كان في السنة النبوية.
وكلام الشارع مبني على بيان الشرعيات لا على بيان اللغات، لذا استخدم ما تعرفه العرب من كلامها وزاد عليه معاني أو خصَّص ألفاظًا على معنى معيَّن، وهذا يُعرف من جهة الشرع، وهو ما يسمى بالتعريف الشرعي، فنقول مثلاً:
تعريف الصلاة لغة، ونبين فيه أصل معنى اللفظ واستعمالات العرب لهذا اللفظ في لغتها.
تعريف الصلاة شرعًا، ونبين استعمال الشارع للصلاة، وهو أنه نقلها من المعنى اللغوي المعروف إلى معنى زائد أو مخصوص بأعمال وأفعال مخصوصة سمَّاه صلاةً.
والمعنى الشرعي لا ينفكُّ عن أصل اللفظ في لغة العرب، وهو موجودٌ فيه غير أنه يزيد عليه بتحديدات شرعية لم تعرفها العرب من قبل.
ولقد برز عند العلماء بسبب هذا قاعدة تقديم المعنى الشرعي على المعنى اللغوي عند وجود احتمال التعارض بين المعنيين في سياق واحد، وسبب ذلك أنَّ الشارع معنيٌّ ببيان الشرع لا بيان اللغات.
ومن أوضح أمثلة احتمال التعارض بين المعنى الشرعي والمعنى اللغوي ما ورد في قوله تعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) (التوبة: من الآية84)، إذ السياق يحتمل المعنيين، فقد يكون المراد: لا تدع لهم، وهو معنى الصلاة في أصل اللغة.
وقد يكون المراد لا تصلِّ عليهم صلاة الجنازة، وهو المعنى الشرعي المخصوص، وهو المقدَّم هنا.
لكن الصلاة على المؤمنين قد وردت في سياق آخر، ولا يُراد بها الصلاة الشرعية، بل الصلاة بمعناها اللغوي، وهو الدعاء، وذلك في قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (التوبة: من الآية103).
فالصلاة المأمور بها هنا هي الدعاء، بدلالة قول عبد الله بن أبي أوفى كما في صحيح البخاري (ج: 4 ص: 1529): قال: ((… ثم كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أتاه قوم بصدقة قال: اللهم صلِّ عليهم. فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صَلِّ على آل أبي أوفى)).
فدلَّ هذا الحديث أنَّ صلاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمن جاء بصدقته ليست صلاة مخصوصة، بل هي مجرد الدعاء لهم، ولو كانت صلاة مخصوصة كصلاة الجنائز أو غيرها لبيَّنها الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله.
وفِعْلُه هنا ـ وهو نوع من التفسير النبوي، وهو ما يسمَّى بتأوُّل القرآن ـ دلَّ على أنَّ المراد المعنى اللغوي.
وهذا الموضوع ـ وهو المصطلح الشرعي ـ من الموضوعات المهمة، وقد تطرَّق إليه علماء العقائد وعلماء أصول الفقه، لكن الملاحظ أنَّ كثيرًا منهم قد يحيد عن المعنى الشرعي في بعض الأبواب، ويدَّعي بقاءها على المعنى اللغوي؛ لشبهة وقعت له في ذلك الباب، ومن أوضح الأمثلة في ذلك قصر المرجئة مسمَّى الإيمان في الشرع على التصديق دون دخول الأعمال في مسمَّاه، وهذا مخالف للشرع الذي بين دخول الأعمال في مسمى الإيمان، وكذا فهم السلف ذلك.
ولهذا لو قال قائلٌ: إنَّ المراد بالصلاة: الدعاء فقط، بناءً على المعنى اللغوي، كما جعل ذلك مسمى الإيمان على المعنى اللغوي عند الشارع؛ لأنَكَر عليه ذلك، واحتجَّ عليه بورود الشرع بمعنى الصلاة، فإذا كان ذلك كذلك عنده، فإنه يُحتجُّ عليه بورود مسمى الإيمان على العمل، والنصِّ على دخولها فيه.
وهذا الموضوع يطول الحديث عنه، وهو يؤخذ من كتب الاعتقاد، ولعل الإشارة هنا كافية في الدلالة على المقصود.
هذا، وقد كُتِبَ في المعنى الشرعي كتابات كثيرة، وأشير هنا إلى دراسة معاصرة جيدة في هذا الباب، وهي (التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن) تأليف الأستاذ عودة خليل أبو عودة.
ولعلك تلاحظ من خلال الحديث السابق أن مستوى تفسير اللفظ بالمصطلح الشرعي أخصُّ من المستويات السابقة، فكلُّ لفظة لها مصطلح شرعي متميز لها أصل واستعمال في لغة العرب، ولا يلزم من كل لفظٍ في لغة العرب أن يكون له مصطلح شرعي خاصٌّ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/69)
ومن باب الفائدة، فإنَّ بعض الباحثين يخلط بين المعنى الاصطلاحي في العلوم والمعنى الشرعي، فيقول مثلاً: تعريف المعجزة شرعًا.
وهذا خطأ؛ لأنَّ هذا اللفظ ليس من مصطلحات الشارع ولا استخدمها، والصواب أن يقال: تعريف المعجزة اصطلاحًا؛ أي: فيما اصطلح عليه العلماء الذين بحثوا المعجزة.
والمراد أنه لا يُنسب إلى اصطلاح الشرع إلا ما نصَّ عليه أو كان موجودًا فيه على معنى مستقلٍّ عن المعنى اللغوي.
أما اصطلاحات العلماء في العلوم ـ وإن كانت في بعض العلوم الشرعية التي لها مساس بالأصلين: الكتاب والسنة ـ فإنها لا يصلح أن يُطلق عليه مسمى المصطلح الشرعي؛ لأنَّ ذلك من مصطلح العالم وليس من مصطلح الشارع.
=================================================
المفردة القرآنية (5) المصطلح القرآني
قد يكون اللفظ القرآني له وجه واحدٌ في الاستعمال العربي، ولا يرد في الشرع زيادة على هذا المعنى، كما هو الحال في المصطلح الشرعي، بل ترى أن اللفظ باقٍ على استعماله العربي، وهذا كثيرٌ جدًا في القرآن الكريم، ومن أمثلة ذلك لفظ (مَزَجَ)، فقد ورد في القرآن في مواضع، وهي:
قوله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً) (الانسان:5)، وقوله تعالى: (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً) (الانسان:17)، وقوله تعالى: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) (المطففين:27).
ولفظة (مزج) لا تخرج عن معناها الذي يدلُّ على خلط الشيء بغيره، وهذا لا يدخل في المصطلح القرآني؛ لأنَّ المراد بالمصطلح القرآني أن يكون له تخيُّرٌ دلالي للفظة تتعدَّد فيها الدلالة اللغوية، أو أن يكون للفظة مدلول واسع فيستخدمها القرآن في مدلول خاصٍّ بعينه دون ما سواه.
وإذا كان استعمال اللفظة القرآنية على وجه واحد، ولها في اللغة معنى واسع أو أن لها أكثر من مدلول، فإنه يمكن إطلاق (المصطلح القرآني) أو (عادة القرآن)، أو (طريقة القرآن) على استعمال هذه اللفظة.
ومن هنا يمكن أن يقسم الموضوع إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون للفظة في اللغة مدلول واسع، فيخصُّ القرآن من هذا المدلول استعمالاً خاصًّا لهذه اللفظة، كلفظ (وصف) فهو لفظ يشمل كل موصوف، وإنما يدرك كون المادة في الصدق أو الكذب من السياق، فلا يُخصُّ إلا به.
ومن أمثلة ذلك مادة (وصف)، فمدلول لفظة (وصف) تعمُّ مطلق الوصف للأشياء سواءً أكان الوصف كاذبًا، أم كان الوصف صادقًا، وإذا نظرت في موارد هذه اللفظة في القرآن، فإنك تجدتها تجيء فيما يكون من باب الكذب، وليس لمطلق الوصف أو لصادقه.
قال تعالى: (وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) (يوسف:18).
وقال تعالى: (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) (النحل:62)
وقال تعالى: (وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام:139).
وتنظر الآيات الآتية (الأنعام: 100 / يوسف: 77 / النحل: 116 / الأنبياء: 18، 22، 112 / المؤمنون: 19، 96 / الصافات: 159، 180 / الزخرف: 82).
قال شيخ الإسلام (( ... فان الصفة عندهم قائمة بالموصوف ليست مجرد قول الواصف إن قاله من يقول: إن الصفة هي الوصف، وهى مجرد قول الواصف، فالواصف إن لم يكن قوله مطابقا كان كاذبا، ولهذا إنما يجيء الوصف في القرآن مستعملا في الكذب بأنه وصف يقوم بالواصف من غير أن يقوم بالموصوف شيء كقوله سبحانه: (سيجزيهم وصفهم) (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) (ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى) (سبحان ربك رب العزة عما يصفون).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/70)
وقد جاء مستعملا في الصدق فيما أخرجاه في الصحيحين عن عائشة: أن رجلا كان يُكثِر قراءة (قل هو الله أحد)، فقال النبي: سلوه لم يفعل ذلك؟
فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحبُّها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه ... )).مجموع الفتاوى ج: 6 ص: 118 ـ 319.
ومن الأمثلة كذلك مادة (فرى)، قال الراغب: ((الفريُ: قطع الجلد للخرز والإصلاح، والإفراء للإفساد، والافتراء فيهما، وفي الإفساد أكثر، وكذلك استعمل في القرآن في الكذب والشرك والظلم، نحو: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيما) (النساء: 48)، (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) (النساء: 50)، (افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا) (الأنعام: 140)، (وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) (المائدة: 103)، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ) (يونس: 38)، (وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِب) (يونس: 60)، (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) (هود: 50)، (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً) (مريم: 27))). مفردات ألفظ القرآن (ص: 634)
ينظر أيضًا في مفردات الراغب الأصفهاني لفظ (زعم: 380، الذوق 332).
الثاني: أن يكون للفظة أكثر من مدلول على سبيل الاشتراك اللفظي اللغوي، لكن الوارد من هذا الاشتراك أحد المعاني.
ومن ذلك لفظة (شَطْرَ)، فلها في اللغة ثلاثة أصول:
الأول: يدل على نصف الشيءِ.
الثاني: يدل على المواجهة، أو الاتجاه للشيء.
الثالث: يدل على البعد
(ينظر: مقاييس اللغة، مادة شطر، وقد جعلها على أصلين، حيث جعل الثاني والثالث أصلاً واحدًا).
والذي ورد في القرآن من هذه المعاني الثلاثة المعنى الثاني، وهو الاتجاه، وقد ورد في قوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (البقرة:144)).
وقوله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة:149).
وقوله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (البقرة:150)
ومن اللطائف في هذه المادة أنها لم ترد في القرآن إلا في التوجه إلى الكعبة، كما ترى في هذه الآيات الكريمات.
أما أن يكون للفظة أكثر من مدلول في لغة العرب، ويرد التفسير بها، فهذا كثير جدًّا، وقد يرد التفسير بها في موطن دون موطن، كما هو الحال في الوجوه، وقد يُختلف في تفسير اللفظ في ذاته، فيَحملُه مفسر على معنى، ويحمله آخر على معنى آخر، مثل تفسير لفظ (سجرت، عسعس، كورت) وغيرها، وهذا النوع خارج عن المراد بهذا الموضوع.
وهاهنا تنبيهات:
الأول: أنَّ ألفاظ المصطلح القرآني للفظة أقل بكثير من (المصطلح الشرعي) أو (الوجوه والنظائر).
الثاني: أن السبيل إلى معرفة (المصطلح القرآني) الاستقراء التامُّ للفظة في مواردها، والتأكدُّ من أنها جاءت على وجه واحدٍ لا غير، أما إذا كان لها أكثر من وجه، فإنها تخرج من هذا، وتكون من باب (الوجوه والنظائر) كلفظ البعل ـ مثلاً ـ فالبعل في القرآن الزوج إلا قوله تعالى: (أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ) (الصافات:125)، فإنه أراد صنمًا.
والآيات التي ورد فيها البعل بمعنى الزوج هي: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) (النور: من الآية31).
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً) (النساء: من الآية128).
(قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) (هود:72).
وبهذا ينتهي الحديث الأول عن المفردة القرآنية، وسيتبعه إن شاء الله حديث آخر عن علاقة اللفظ بالمعنى المفسِّر لها عند المفسرين، أسأل الله أن يبارك في الوقت والعلم، حتى يخرج هذا البحث، والله الموفق.
وقبل أن أنهي الحديث: أشكر الإخوة الذين تابعوا هذا الموضوع، وأخصُّ منهم من كان له تعليق عليه، فلكم جميعًا من الله الجزاء الأوفى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=925
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/71)
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 11:04 م]ـ
نفائس الوزير ابن هبيرة في تعليقاته على بعض الآيات
--------------------------------------------------------------------------------
الإخوة الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد فتح الأخ الفاضل أبو مجاهد زاوية مفيدة في هذا الملتقى، وأعاد عنوانها للتوافق مع مضمونها أكثر، ولتكون واضحة لمن أراد أن يشارك فيها.
أقوال في التفسير من غير كتب التفسير (مع التنبيه على فوائد تهم الباحثين في هذا المجال)
وهذه الزاوية نفيسة جدًّا، لأنك قد تجد في كتابٍ من كتاب الأدب، أو من كتب التاريخ، أو من كتب التراجم، أو غيرها = تعليقات على بعض الآيات هي كالشوارد التي لا يمكن أن تُعقَل بعقالٍ إلا عقال التقييد، وقد كفانا الأخ الفاضل أبو مجاهد في هذا الملتقى مكان عقلِ هذه الفوائدِ، فكل من ظفر بصيد طرحه في هذه الزاوية، حتى يجتمع لأرباب هذا التخصص فوائد هذه الشوارد في مكان واحد يرتادونه، وينهلون منه.
وإني أستأذنه في طرح هذه المشاركة مستقلة، لطولها، ثمَّ يمكن بعد ذلك ضمُّها إلى زاويته المباركة.
وهذا الصيد الذي أقدمه لكم من نفائس الوزير الحنبلي ابن هبيرة (ت: 560)، وهي تدلُّ على فكر ثاقب، ونظر عميق، وتدبر في كتاب الله، وسعة اطلاعٍ في العلم، وسأرتبها مرقمة، وسأحذف مما ذكره المصدر ما لا علاقة له بالآيات، وهو صالح لأن يخرج في كراسٍ صغير مع التعليق عليه، وموازنته بما ذكره غيره من العلماء في الآيات التي أظهر فيها فوائد والله الموفق.
قال ابن رجب في ذيل الطبقات 1/ 264
قال ابن الجوزي في المقتبس:
(1) سمعت الوزير يقول: الآيات اللواتي في الأنعام (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [الأنعام: من الآية151] محكمات، وقد اتفقت عليها الشرائع، وإنما قال في الآية الأولى: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [البقرة: من الآية73] في الثانية: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام: من الآية152] وفي الثالثة: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: من الآية21]؛ لأن كل آية يليق بها ذلك، فإنه قال في الأولى: (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) [الأنعام: من الآية151] والعقل يشهد أن الخالق لا شريك له، ويدعوا العقل إلى بر الوالدين، ونهى عن قتل الولد، وإتيان الفواحش؛ لأن الإنسان يغار من الفاحشة على ابنته وأخته، فكذلك هو، ينبغي أن يجتنبها، وكذلك قتل النفس، فلما لاقتت هذه الأمور بالعقل، قال: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ولما قال في الآية الثانية: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ) [الأنعام: من الآية152] والمعنى: أذكر لو هلكت فصار ولدك يتيماً، واذكر عند ورثتك، لو كنت الموروث له، واذكر كيف تحب العدل لك في القول؟ فاعدل في حق غيرك، وكما لا تؤثر أن يخان عهدك فلا تخن، فلاق بهذه الأشياء التذكر، فقال: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام: من الآية152] وقال في الثالثة: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) [الأنعام: من الآية153]، فلاق بذلك اتقاء الزلل، فلذلك قال: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: من الآية21].
(2) قال: وسمعته يقول في قوله تعالى: (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [صّ: من الآية80] قال: ليس هذا بإجابة سؤاله، وإنما سأل الانتظار، فقيل له: كذا قدر، لا أنه جواب سؤالك، لكنه مما فهم.
(3) وسمعته يقول في قوله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا) [التوبة: من الآية51] قال: إنما لم يقل: ما كتب علينا؛ لأنه أمر يتعلق بالمؤمن، ولا يصيب المؤمن شيء إلا وهو له، إن كان خيراً فهو له في العاجل، وإن كان شراً فهو ثواب له في الآجل.
(4) وسمعته يقول في قوله تعالى: (حِجَاباً مَسْتُوراً) [الاسراء: من الآية45] قال أهل التفسير: يقولون: ساتراً، والصواب: حمله على ظاهره، وأن يكون الحجاب مستوراً عن العيون فلا يرى، وذلك أبلغ.
(5) وسمعته يقول في قوله تعالى: (وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ) [الكهف: من الآية39] قال: ما قال: ما شاء الله كان ولا يكون، بل أطلق اللفظ؛ ليعم الماضي والمستقبل والراهن.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/72)
(6) قال: وتدبرت قوله تعالى: (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) [الكهف: من الآية39] فرأيت لها ثلاثة أوجه.
أحدها: أن قائلها يتبرأ من حوله وقوته، ويسلم الأمر إلى مالكه.
والثاني: أنه يعلم أن لا قوة للمخلوقين إلا بالله، فلا يخاف منهم؛ إذ قواهم لا تكون إلا بالله، وذلك يوجب الخوف من الله وحده.
والثالث: أنه رد على الفلاسفة والطبائعيين الذين يدعون القوى في الأشياء بطبيعتها، فإن هذه الكلمة بينت أن القوىّ لا يكون إلاَّ بالله.
(7) وسمعته يقول في قوله تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً) [الكهف:97] قال (التاء) من حروف الشدة، تقول في الشيء القريب الأمر: ما استطعته، وفي الشديد: ما استطعته، فالمعنى: ما أطاقوا ظهوره لضعفهم، وما قدروا على نقله لقوته وشدته.
(8) وسمعته يقول في قوله تعالى: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا) [طه: من الآية15] قال: المعنى إني قد أظهرت حين أعلمت بكونها، لكن قاربت أن أخفيها بتكذيب المشرك بها، وغفلة المؤمن عنها، فالمشرك لا يصدق كونها، والمؤمن يهمل الاستعداد لها.
(9) قال: وقرأت عليه ما جمعه من خواطره، قال: قرأ عندي قارئ، قال: (هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي) [طه: من الآية84] فأنكرت في معنى اشتقاقها، فنظرت فإذا وضعها للتنبيه، والله لا يجوز أن يخاطب بهذا، ولم أر أحداً خاطب الله عز وجل بحرف التنبيه إلا الكفار، كما قال الله عز وجل: (رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ) [النحل: من الآية86]، (رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا) [لأعراف: من الآية38] وما رأيت أحداً من الأنبياء خاطب ربه بحرف التنبيه، والله أعلم.
فأما قوله: (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) [الزخرف:88] فإنه قد تقدم الخطاب بقوله: يا رب، فبقيت (ها) للتمكين، ولما خاطب الله عز وجل المنافقين، قال: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [النساء: من الآية109] وكرم المؤمنين بإسقاط (ها) فقال: (هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ) [آل عمران: من الآية119] وكان التنبيه للمؤمنين أخف.
(10) وسمعته يقول في قوله تعالى: (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ) [الانبياء: من الآية110] المعنى: أنه إذا اشتدت الأصوات وتغالبت فإنها حالة لا يسمع فيها الإنسان. والله عز وجل يسمع كلام كل شخص بعينه، ولا يشغله سمع عن سمع.
(11) قال: وقوله: (قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) [الانبياء: من الآية112] قال: المراد منه: كن أنت أيها القائل على الحق؛ ليمكنك أن تقول: احكم بالحق، لأن المبطل لا يمكنه أن يقول: احكم بالحق.
(12) وقال في قوله تعالى: (لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) [النور: من الآية53] قال: وقع لي فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن المعنى: لا تقسموا واخرجوا من غير قسم، فيكون المحرك لكم إلى الخروج الأمر لا القسم؛ فإن من خرج لأجل قسمه ليس كمن خرج لأمر ربه.
والثاني: أن المعنى نحن نعلم ما في قلوبكم، وهل أنتم على عزم الموافقة للرسول في الخروج؟ فالقسم هاهنا إعلام منكم لنا بما في قلوبكم. وهذا يدل منكم على أنكم ما علمتم أن الله يطلع على ما في القلوب.
والثالث: أنكم ما أقسمتم إلا وأنتم تظنون أنا نتهمكم، ولولا أنكم في محل تهمة ما ظننتم ذلك فيكم. وبهذا المعنى وقع المتنبي، فقال:
وفي يمينك ما أنت واعده ما دل أنك في الميعاد متهم
(13) وسمعته يقول في قوله تعالى: (أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ) [الفرقان:8] قال: العجب لجهلهم حين أرادوا أن يلقى إليه كنز أو تكون له جنة. ولو فهموا علموا أن كل الكنوز له وجميع الدنيا ملكه. أو ليس قد قهر أرباب الكنوز، وحكم في جميع الملوك؟ وكان من تمام معجزاته أن الأموال لم تفتح عليه في زمنه؛ لئلا يقول قائل قد جرت العادة بأن إقامة الدول، وقهر الأعداء بكثرة الأموال، فتمت المعجزة بالغلبة والقهر من غير مال، ولا كثرة أعوان، ثم فتحت الدنيا على أصحابه، ففرقوا ما جمعه الملوك بالشره، فأخرجوه فيما خلق له، ولم يمسكوه إمساك الكافرين،
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/73)
ليعلموا الناس بإخراج ذلك المال: أن لنا داراً سوى هذه، ومقراً غير هذا.
وكان من تمام المعجزات للنبي ?: أنه لما جاءهم بالهدى فلم يقبل، سلّ السيف على الجاحد، ليعلمه أن الذي ابتعثني قاهر بالسيف بعد القهر بالحجج.
ومما يقوي صدقه أن قيصر وكبار الملوك لم يوفقوا للإيمان به؛ لئلا يقول قائل: إنما ظهر لأن فلان الملك تعصب له فتقوى به، فبان أن أمره من السماء لا بنصرة أهل الأرض.
(14) وقال في قوله تعالى: (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ) [الفرقان: من الآية19] قال: المعنى: فقد كذبكم أصنامكم بقولكم؛ لأنكم ادعيتم أنها الآلهة وقد أقررتم أنها لا تنفع فإقراركم يكذب دعواكم.
(15) وقال في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ) [الفرقان: من الآية20] قال: فهو يدل على فضل هداية الخلق بالعلم، ويبين شرف العالم على الزاهد المنقطع؛ فإن النبي ? كالطبيب، والطبيب يكون عند المرضى، فلو انقطع عنهم هلكوا.
(16) وسمعته يقول في قوله تعالى: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ) [النمل: من الآية19] قال: هذا من تمام برّ الوالدين. كأن هذا الولد خاف أن يكون والده قصرا في شكر الرب عز وجل، فسأل الله أن يلهمه الشكر على ما أنعم به عليه وعليهما؛ ليقوم بما وجب عليهما من الشكر إن كانا قصرا.
(17) وسمعته يقول في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ) [القصص: من الآية80] قال: إيثار ثواب الآجل على العاجل حالة العلماء، فمن كان هكذا فهو عالم. ومن آثر العاجل على الآجل فليس بعالم.
(18) وسمعته يقول في قوله تعالى: (مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ) [القصص: من الآية71] وفي الآية التي تليها: (أَفَلا تُبْصِرُونَ) [القصص: من الآية72] قال: إنما ذكر السماع عند ذكر الليل والإبصار عند ذكر النهار؛ لأن الإنسان يدرك سمعه في الليل أكثر من إدراكه بالنهار، ويرى بالنهار أكثر مما يرى بالليل.
وقال المبرد: سلطان السمع في الليل، وسلطان البصر في النهار.
(19) وسمعته يقول في قوله تعالى: (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) [فاطر: من الآية3] قال: فطلبت الفكر في المناسبة بين ذكر النعمة وبين قوله تعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) [فاطر: من الآية3] فرأيت أن كل نعمة ينالها العبد فالله خالقها، فقد أنعم بخلقه لتلك النعمة، وبسوقها إلى المنعم عليه.
(20) وسمعته يقول في قوله تعالى: (إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى) [سبأ: من الآية46] قال: المعنى: أن يكون قيامكم خالصاً لله عز وجل، لا لغلبة خصومكم، فحينئذ تفوزون بالهدى.
(21) وسمعته يقول في قوله تعالى: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) [يّس: من الآية20] وفي الآية الأخرى: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى) [القصص: من الآية20] فرأيت الفائدة في تقديم ذكر الرجل وتأخيره: أن ذكر الأوصاف قبل ذكر الموصوف أبلغ في المدح من تقديم ذكره على وصفه؛ فإن الناس يقولون: الرئيس الأجل فلان، فنظرت فإذا الذي زيد في مدحه، وهو صاحب يس أمر بالمعروف، وأعان الرسل، وصبر على القتل، والآخر إنما حذر موسى من القتل، فسلم موسى بقبوله مشورته. فالأول هو الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر، والثاني هو ناصر الآمر بالمعروف. فاستحق الأول الزيادة. ثم تأملت ذكر أقصى المدينة، فإذا الرجلان جاءا من بُعد في الأمر بالمعروف، ولم يتقاعدا لبعد الطريق.
(22) وسمعته يقول في قوله تعالى: (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي) [يّس: من الآية 26ـ27] قال: المعنى: يأتيهم يعلمون بأي شيء وقع غفرانه. والمعنى: أنه غفر لي بشيء يسير فعلته، لا بأمر عظيم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/74)
(23) وسمعته يقول في قوله تعالى: (إِنَّ هَؤُلاءِ لَيَقُولُونَ. إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ. فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) [الدخان: من الآية 34ـ37] قال: ربما توهم جاهل أنهم لم يجابوا عما سألوا، وليس كذلك؛ فإن الذي سألوا لا يصلح أن يكون دليلاً على البعث؛ لأنهم لو أجيبوا إلى ما سألوا لم يكن ذلك حجة على من تقدم، ولا على من تأخر، ولم يزد على أن يكون لمن تقدم وعدا، ولمن تأخر خبراً، اللهم إلا أن يجيء لكل واحد أبوه، فتصير هذه الدار دار البعث. ثم لو جاز وقوع مثل هذه كان إحياء ملك يضرب به الأمثال أولى، كتبع، لا أنتم يا أهل مكة، فإنكم لا تعرفون في بقاع الأرض.
(24) وسمعته يقول في قوله تعالى: (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) [غافر: من الآية7] قال: علمت الملائكة أن الله عز وجل يحب عباده المؤمنين، فتقربوا إليه بالشفاعة فيهم. وأحسن القرب أن يسأل المحب إكرام حبيبه، فإنك لو سألت شخصاً أن يزيد في إكرام ولده لارتفعت عنده، حيث تحته على إكرام محبوبه.
(25) وسمعته يقول في قوله تعالى: (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً) [الواقعة: من الآية65] (لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً) [الواقعة: من الآية70] قال: تأملت دخول اللام وخروجها، فرأيت المعنى: أن اللام تقع للاستقبال، تقول: لأضربنك، أي فيما بعد، لا في الحال. والمعنى (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ. لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً) [الواقعة: من الآية 63ـ65] أي: في مستقبل الزمان إذا تم فاستحصد، وذلك أشد العذاب، لأنها حالة انتهاء تعب الزراع، واجتماع الدين عليه، لرجاء القضاء بعد الحصاد، مع فراغ البيوت من الأقوات.
وأما في الماء: فقال: (لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً) [الواقعة:70] أي الآن؛ لأنا لو أخرنا ذلك لشرب العطشان، وادخر منه الإنسان.
(26) وسمعته يقول في قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) [الممتحنة: من الآية5] قال: المعنى: لا تبتلينا بأمر يوجب افتتان الكفار بنا، فإنه إذا خذل المتقي ونصر العاصي فتن الكافر، وقال: لو كان مذهب هذا صحيحاً ما غلب …
(27) وذكر صاحب سيرة الوزير قال: سمعته يقول في قوله تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى. قَالَ هِيَ عَصَايَ) [طه:18ـ17] قال: في حمل العصا عظة؛ لأنها من شيء قد كان نامياً فقطع، فكلما رآها حاملها تذكر الموت.
قال: ومن هذا قيل لابن سيرين رحمه الله: رجل رأى في المنام أنه يضرب بطبل؟ فقال: هذه موعظة؛ لأن الطبل من خشب قد كان نامياً فقطع، ومن أغشية كانت جلود حيوان قد ذبح. وهذا أثر الموعظة.
(28) وسمعته يقول في قوله تعالى: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [البقرة: من الآية10] قال: المريض يجد الطعوم على خلاف ما هي عليه، فيرى الحامض حلواً، والحلو مراً. وكذلك هؤلاء يرون الحق باطلاً، والباطل حقاً …
(29) قال وسمعته يقول في قوله تعالى: (إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) [المدثر:25] قال: العرب لا تعرف ذا ولا هذا إلا في الإشارة إلى الحاضر. وإنما أشار هذا القائل إلى هذا المسموع. فمن قال: إن المسموع عبارة عن القديم، فقد قال: هذا قول البشر …
(30) وكان يقول في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا) [الأنعام: من الآية123] إنه على التقديم والتأخير، أي: جعلنا مجرميها أكابر …
(31) وقال: الحبس غير مشروع إلا في مواضع.
أحدها: إذا سرق فقطعت يمينه، ثم سرق فقطعت رجله، ثم سرق: حبس ولم يقطع، في إحدى الروايتين.
الثاني: أمسك رجل رجلاً لآخر فقتله: حبس الممسك حتى يموت، في إحدى الروايتين أيضاً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/75)
الثالث: ما يراه الإمام كفَّا لفساد مفسد؛ لقوله تعالى: (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ) [صّ:38] وما يراه أبو حنيفة في قطاع الطريق، فإنه يحبسهم حتى يتوبوا، فأما الحبس على الدين فمن الأمور المحدثة، وأول من حبس فيه شريح القاضي، وقضت السنة في عهد رسول الله ? وأبي بكر وعمر وعثمان: أنه لا يحبس على الدين، ولكن يتلازم الخصمان.
فأما الحبس الذي هو الآن فإني لا أعرف أنه يجوز عند أحد من المسلمين. وذلك أنه يجمع الجمع الكثير في موضع يضيق عنهم، غير متمكنين من الوضوء والصلاة، ويتأذون بذلك بحره وبرده. فهذا كله محدث. ولقد حرصت مراراً على فكه، فحال دونه ما قد اعتاده الناس منه، وأنا في إزالته حريص والله الموفق.
(32) وقال في حديث الزبير في شراج الحرة: فيه جواز أن يكون السقي للأول، ثم الذي بعده. إلا أن هذا في النخل خاصة، وما يجري مجراه. وأما الزرع وما لا يصبر على العطش أكثر من جمعة ونحو ذلك: فإن الماء يتناصف فيه بالسوية، كما قال تعالى: (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) [القمر: من الآية28].
(33) وقال في سورة الضحى لما توالى فيها قسمان، وجوابان مثبتان، وجوابان نافيان، فالقسمان: (وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) [الضحى: 1ـ2] والجوابان النافيان: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) [الضحى:3] والجوابان المثبتان: (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى: 4ـ5].
ثم قرر بنعم ثلاث، وأتبعهن ثلاث: كل واحدة من الوصايا شكر النعمة التي قوبلت بها.
فإحداهن: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى) [الضحى:6] وجوابها: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى:9].
والثانية: (وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى) [الضحى:7] فقابلها بقوله: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) [الضحى:10] وهذا لأن السائل ضال يبغي الهدى.
والثالثة: (وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى) [الضحى:8] فقابلها بقوله: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى:11].
وإنما قال: (وَمَا قَلَى) [الضحى: من الآية3] ولم يقل: وما قلاك؛ لأن القلى بغض بعد حب، وذلك لا يجوز على الله تعالى. والمعنى: وما قلى أحداً قط، ثم قال: (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى) [الضحى:4] ولم يقل: خير من الإطلاق. وإنما المعنى خير لك ولمن آمن بك.
وقوله: (فَآوَى) [الضحى: من الآية6] ولم يقل: فآواك، لأنه أراد: آوى بك إلى يوم القيامة …
(34) وقد ذكر الوزير في كلامه على شرح حديث: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " وهو الذي أفرد من كتابه (الإفصاح) فوائد غريبة.
فذكر في أول كلامه: أن اختصاص المساجد ببعض أرباب المذاهب بدعة محدثة، فلا يقال: هذه مساجد أصحاب أحمد، فيمنع منها أصحاب الشافعي، ولا بالعكس؛ فإن هذا من البدع. وقد قال تعالى في المسجد الحرام: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) [الحج: من الآية25] وهو أفضل المساجد …
انتهى، ولله الحمد والمنة.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=541
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 11:06 م]ـ
مسائل علوم القرآن بين النقل والاجتهاد
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وعدتكم في مقالة (الطريق إلى حل الأحرف السبعة (1)) أن أطرح لكم هذا الموضوع. وهو ـ في نظري ـ قد لا يكون خافيًا على كثيرين، لكني أذكره من باب التذكرة. ومعرفة هذه القضية من الأصول التي يحسن لدارس علوم القرآن أن يعرفها؛ لأنه سيضطر إليها في بعض المسائل العلمية المتعلقة بهذا العلم.
لكن يحسن أيضًا أن ينتبه إلى أنَّ بعض الاحتمال العقلي الذي يُورد في بعض المسائل يقرب أو يبعد بحسب نوع ذلك الاحتمال. وأتمنى أن يوفق الله أحدنا في هذا الملتقى لاستنباط ضوابط الاحتمالات العقلية التي تقبل في علوم القرآن.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/76)
وأذكر ضابطًا ـ على سبيل المثال ـ: أن يكون الاحتمال العقلي موافقًا للواقع المدروس في قضية من القضايا.
فمن أمثلة ما يخالف واقع القضية المدروسة بعض ما طُرِح في تخريج أثر أنس بن مالك، حيث قال: ((مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قال: ونحن ورثناه)) وفي رواية عن قتادة قال: ((سألت أنس بن مالك رضي الله عنه من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
قال: أربعة؛ كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد)).
والأثران رواهما البخاري، وفيهما إشكال من جهة الحصر، ومن جهة الاختلاف في الرابع من جامعي القرآن هل هو أبي بن كعب، أو أبو الدرداء.
وقد خُرِّج قول أنس في هذا الحصر بأن المراد بالجمع الكتابة لا الحفظ.
وهذا التخريج لا يتوافق مع ما حصل من جمع القرآن في عهد أبي بكر، ثم عثمان، إذ لو كان ذلك التخريج صحيحًا لجاء لهذا الجمع الذي عندهم ذكر أثناء جمعه في هين العهدين. فهو مخالف لواقع كتابة المصحف فيما يبدو، والله أعلم.
ومن باب الاستطراد، وكون الشيء بالشيء يُذكر = أقول: إن دراسة مصطلحات السلف في العلوم مما يحتاج إلى عناية، ولا أدري هل بُحث هذا أم لا، ومن أمثلة هذه المصطلحات في علوم القرآن عند السلف مصطلح الجمع، ومصطلح القُّرَّاء الذي كانوا يطلقونه على الفقهاء منهم فيما يبدو، وهو محل بحث، عسى الله أن ييسر لأحد الإخوة في هذا الملتقى أن يبحثه.
وأعود إلى صلب الموضوع، فأقول:
إذا نظرت إلى علوم القرآن وسبرتها فإنه سيظهر لك ما يأتي:
أولاً: أنَّ جملة من مسائله نقلية لا مجال فيها للرأي، كنقل القراءات التي قُرِئَ بها، وأسباب النُّزول الصريحة، ومبهمات القرآن، وفضائل الآيات والسور.
فلا مجال للقول بأن حرف كذا يقرأ بكذا إلا بأثر، ولا مجال للحكم بأن سبب نزول الآية كذا إلا بالنقل، ولا مجال لتحديد أن المراد بالشجرة التي أكل منها آدم إلا بالنقل، ولا مجال للقول بفضل سورة من السور إلا بالنقل.
والمقصود هنا أن طريقة الوصول إلى هذه المعلومة من طريق النقل، ولا يقع فيها الاجتهاد، وليس المقصود هنا تحرير صحة المنقول، فهذا مجاله مجال آخر.
ثانيًا: أن جملة منها الأصل فيها نقلي، لكن إذا انعدم النقل قام القياس والاجتهاد المبني على النقلي؛ كعلم المكي والمدني.
قال السيوطي (ت: 911):» وقال الجعبري: لمعرفة المكي والمدني طريقان: سماعي، وقياسي.
فالسماعي: ما وصل إلينا نزوله بأحدهما.
والقياسي: كل سورة فيها: يا أيها الناس فقط، أو كلا، أو أولها حرف تَهَجٍّ سوى الزهراوين والرعد، أو فيها قصة آدم وإبليس سوى البقرة = فهي مكية.
وكل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية مكية.
وكل سورة فيها فريضة أو حَدٌّ فهي مدنية «(الإتقان 1: 48).
ثالثًا: وأن بعضًا من علومه مبني على الاجتهاد المحض؛ كعلم تناسب الآي والسور، وعلم إعجاز القرآن.
وإذا كان ذلك كذلك، فإن بعض المسائل العلمية في علوم القرآن قد تكون من باب الاجتهاد المستند إلى النصوص، أو إلى الواقع الذي المرتبط بالمسألة، أو إلى غيرها من القرائن التي يستند إليها المجتهد في بيان بعض مسائله وتحريرها.
ومن ثمَّ، فلا تثريب على من تكلم عن هذه المسائل التي تعتمد على الاستنباط والاستدلال ما دام كلامه مبنيًا على علم، كما هو الحال في غيره من العلوم التي يقع فيها الاجتهاد.
وقد يكون اختلاف في فهم المنقول، فيحمله بعضهم على معنى، ويحمله آخر على معنى، وهذا سائغ ومقبول من الاختلاف، وهو من باب اختلاف التنوع الذي يقع فيه الباحثون، فلا تثريب في ذلك، ولا يزال الاختلاف في هذه الأمة قائمًا، وهو محمود ما دام فيه سعة صدر وأفق، وتقبُّلٍ للقول الآخر في محالِّ الاجتهاد، وذلك الذي يثري العلم، ويزيد المتعلمين.
بل إن تقبل أقوال الآخرين المبنية على الاجتهاد من أول ما يحسن بطالب العلم تعلمه والتأدب به، وأن لا يكون مقلدًا لقول فلان؛ لأنه فلان، بل يكون متبعًا؛ أي متبصرًا بما قال، عارفًا به، قادرًا على الدفاع عنه، وعلى التعبير به.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/77)
وأرجو أن يتَّسم هذا الملتقى بحسن التنوع في طرح الآراء، وتقبُّل الاجتهادات مع الأدب الجمِّ بين أصحابه، والله الموفق.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=198
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 11:09 م]ـ
قراءة حفص عن عاصم ليست من مرويات الطبري في القراءات
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فكنت قد طرحت في هذا الملتقى موضوعًا يتعلق بالقراءات عند ابن جرير، وخلصت فيه إلى أن ابن جرير لا يردُّ قراءةً متواترةً، وعللت ذلك الأمر بما تجده على هذا الرابط.
واليوم ظهر لي أن ابن جرير الطبري لم يكن عنده سند بقراءة حفص عن عاصم، وإني أستبيحكم أيها القراء الكرم عذرًا في أن أذكر لكم قصة هذه الفائدة:
كنت يوم الثلاثاء الموافق (17: 9: 1424) أكتب في تفسير (جزء تبارك) تفسيرَ قوله تعالى: (نَزَّاعَةً لِلشَّوَى) (المعارج:16)، فقرأت في تفسير الطبري ط: دار هجر (23: 216) ما نصُّه: (( ... والصواب من القول في ذلك عندنا أن لظى الخبر ونزاعة ابتداء فذلك رفع ولا يجوز النصب في القراءة لإجماع قراء الأمصار على رفعها ولا قارئ قرأ كذلك بالنصب وإن كان للنصب في العربية وجه)).
فاستغربت قولَه هذا؛ لأنَّ قراءة حفص بنصب (نزاعةً)، والطبري يقول: ((ولا قارئ قرأ كذلك بالنصب، وإن كان للنصب في العربية وجه))، وعلقت عليه بأن كلامه يشير إلى أنه لم يكن عنده سندٌ بقراءة حفص عن عاصم.
ثمَّ رأيت من الغد الشيخ المقرئ محمد بن عوض زايد الحرباوي أستاذ القراءات في قسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بالرياض، فعرضت عليه كلام الطبري، فاستغربه، فذكرت ما توقعته من كون سند حفص ليس من مرويات الطبري.
فقال لي: لو رجعت إلى كتابي (مفردات القراءات العشرة من طريق الشاطبية والدرة) إلى قراءة ((معذرةً)) بالنصب فإنها من مفردات حفص، ونظرت ماذا يقول فيها، فلما اطلعت على كتابه ـ وهو نفيس في هذا الباب ـ تتبعت كل مفردات حفص، وقرأت تعليقات الطبري عليها، فظهر لي بجلاءٍ ما توصلت إليه ـ وسيظهر لك ـ أيها القارئ الكريم ـ من خلال الأمثلة التي سأستعرضها لك إن شاء الله.
وأثناء بحثي في هذه المفردات وعرضها على تفسير الطبري اتصل بي الأخ الباحث حسين المطيري أستاذ القرآن بقسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بالرياض، فعرضت عليه ما توصلت له، فطرب له واستحسنه، وذكر لي فائدة نفيسة تتعلق بطريقي عاصم، وهو أن طريق شعبة هو المقدم عند المتقدمين، ولعل هذا يشير إلى عدم ورود سند حفص عند الطبري، وهذه الفائدة نصٌّ لابن مجاهد في كتاب السبعة (ص: 71)، قال فيه: ((وإلى قراءة عاصم صار بعض أهل الكوفة وليست بالغالبة عليهم؛ لأن أضبط من أخذ عن عاصم أبو بكر بن عياش ـ فيما يقال ـ لأنه تعلمها منه تعلما خمسا خمسا.
وكان أهل الكوفة لا يأتمون في قراءة عاصم بأحد ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش، وكان أبو بكر لا يكاد يُمَكِّن من نفسه من أرادها منه، فقلَّتْ بالكوفة من أجل ذلك، وعَزَّ من يحسنها، وصار الغالب على أهل الكوفة إلى اليوم قراءة حمزة بن حبيب الزيات)).
وإذا تأملت هذا النصَّ ظهر لك أن قراءة حفص عن عاصم في وقت الطبري (ت: 310) الذي كان في طبقة شيوخ ابن مجاهد (ت: 324) لم يكن لها قبول كغيرها.
وبعد ذكري لك قصة هذه الفائدة أذكر لك أمثلة من تفسير الطبري تدلُّ على أنه لم يكن عنده سند حفص عن عاصم:
المثال الأول: قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) (الكهف:59).
قال الطبري: ((واختلفت القراء في قراءة قوله: (لمهلكهم):
فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق (لِمُهْلَكِهم) بضم الميم وفتح اللام، على توجيه ذلك إلى أنه مصدر من أهلكوا إهلاكا
وقرأه عاصم (لِمَهْلَكهم) بفتح الميم واللام على توجيهه إلى المصدر من هلكوا هلاكا ومهلكا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/78)
وأولى القراءتين بالصواب عندي في ذلك قراءة من قرأه (لِمُهْلَكهم) بضم الميم وفتح اللام؛ لإجماع الحجة من القراء عليه، واستدلالا بقوله: (وتلك القرى أهلكناهم)؛ فأن يكون المصدر من (أهلكنا) إذ كان قد تقدم قبله أَولى)). تفسير الطبري، ط: دار هجر (15: 306 ـ 307).
في هذا المثال ذكر قراءتين فقط: الأولى قراءة الجمهور، والثانية قراءة عاصم، وهي من طريق شعبة بن عياش.
ولم يذكر القراءة الثالثة، وهي قراءة حفص عن عاصم (لِمَهْلِكِهم) بفتح الميم وكسر اللام.
ولو كانت عنده لما تركها، وقد ذكر قراءة عاصم بنصِّها.
المثال الثاني: قوله تعالى (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) (مريم:25).
قال الطبري: ((واختلف القرأة في قراءة قوله: (تساقط):
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والبصرة والكوفة (تَسَّاقط) بالتاء من تساقط وتشديد السين بمعنى تتساقط عليك النخلة رطبا جنيا ثم تدغم إحدى التاءين في الأخرى فتشدد، وكأن الذين قرؤوا ذلك كذلك وجهوا معنى الكلام إلى: وهزي إليك بجذع النخلة تسَّاقط النخلة عليك رطبا جنيَا.
وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة: (تَسَاقط) بالتاء وتخفيف السين، ووجهوا معنى الكلام إلى مثل ما وجَّهه إليه مشددوها غير أنهم خالفوهم في القراءة.
وروي عن البراء بن عازب أنه قرأ ذلك: (يَسَّاقط) بالياء.
حدثني بذلك أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا يزيد، عن جرير بن حازم، عن أبي إسحاق، قال سمعت البراء بن عازب يقرؤه كذلك.
وكأنه وجه معنى الكلام إلى: وهزي إليك بجذع النخلة يتساقط عليك رطبًا جنيًا.
وروي عن أبي نهيك أنه كان يقرؤه (تُسقِط) بضم التاء وإسقاط الألف.
حدثنا بذلك بن حميد قال ثنا يحيى بن واضح قال ثنا عبد المؤمن قال: سمعت أبا نهيك يقرؤه كذلك. وكأنه وجه معنى الكلام إلى: تسقط النخلة عليك رطبا جنيا.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن هذه القراءات الثلاث؛ أعني: تَسَّاقط بالتاء وتشديد السين، وبالتاء وتخفيف السين وبالياء وتشديد السين قراءات متقاربات المعاني قد قرأ بكل واحدة منهن قراء أهل معرفة بالقرآن فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب الصواب فيه ... )). تفسير الطبري ط: دار هجر (15: 513 ـ 514).
وهذه القراءات ليس فيها ـ كما ترى ـ قراءة حفص عن عاصم (تُساقِط) بضم التاء وكسر القاف، ولو كانت عنده لذكرها، وهو كما رأيت ذكر قراءات شاذة، والله أعلم.
المثال الثالث: (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْب) (القصص: 32).
قال الطبري: ((واختلفت القرأة في قراءة ذلك:
فقرأته عامة قرأة أهل الحجاز والبصرة (من الرَّهَبِ) بفتح الراء والهاء.
وقرأته عامة قرأة الكوفة (من الرُّهْب) بضم الراء وتسكين الهاء.
والقول في ذلك: أنهما قراءتان متفقتا المعنى، مشهورتان في قراء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب)) تفسير الطبري ط: دار هجر (18 246).
ولم يذكر قراءة حفص بفتح الراء وتسكين الهاء (من الرَّهْبِ)، ولو كانت عنده لذكرها، والله أعلم.
المثال الثالث: قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) (الأحزاب: 13).
قال الطبري: ((والقرأة على فتح الميم من قوله: (لا مَقَامَ لكم) بمعنى لا موضع قيام لكم. وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها؛ لإجماع الحجة من القرأة عليها.
وذُكِرَ عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قرأ ذلك: (لا مُقَام) لكم بضم الميم يعني لا إقامة لكم)). تفسير الطبري، ط: دار هجر (19: 43).
ولم يورد أن هذه القراءة التي نسبها إلى أبي عبد الرحمن السلمي قرأ بها عاصم من طريق حفص، ولو كانت عنده لذكرها، ومن ثَمَّ، فإنه لا يصحُّ في مثل هذا المقام أن يقال: إن الطبري ردَّ قراءة حفص عن عاصم؛ لأنه لا يعلمها، والله أعلم.
المثال الخامس: قوله تعالى: (أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً) (غافر: 37).
قال الطبري: ((وقوله: (فأطلع إلى إله موسى) اختلف القرأة في قراءة قوله: (فأطلع):
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/79)
فقرأت ذلك عامة قرأة الأمصار (فأطلعُ) بضم العين ردًّا على قوله: (أبلغُ الأسباب) وعطفا به عليه.
وذُكِر عن حميد الأعرج أنه قرأ (فأطلعَ) نصبًا جوابا لِـ (لعلِّي)، وقد ذكر الفراء أن بعض العرب أنشده:
عل صروف الدهر أو دُولاتها
يدلننا اللمة من لَمَّاتِها
فتستريحَ النفس من زفراتها
فنصب فتستريحَ على أنها جواب لِلَعَلَّ
والقراءة التي لا أستجيز غيرها الرفعُ في ذلك؛ لإجماع الحجة من القراء عليه)). تفسير الطبري، ط: دار هجر (20: 326 ـ 327).
وهذه القراءة التي نسبها إلى حميد، ولم يستجزها هي قراءة حفص عن عاصم، ولكنه لم يذكرها عنه؛ لأنها ليست عنده روايةً، وهذه كسابقتها، فلا يقال: عن الطبري ردَّ قراءة حفصٍ عن عاصمٍ، وإنما يصح ذلك لو انه نصَّ على هذا السند من الرواية ثمَّ ردَّه، والله أعلم.
وبعد هذه الأمثلة لعله يظهر لك جليًّا أن قراءة حفص عن عاصمٍ لم تكن من مرويات الطبري رحمه الله تعالى، لذا لا يُشنَّع عليه بردِّ القراءة التي انفرد بها حفص، بزعم أنها قراءة حفص عن عاصم، وأنها متواترة، فتأمل ذلك جيِّدًا تسلم من عيبِ هذا الإمام بما ليس فيه.
وقبل أن أختم هذا البحث أذكر مسألة، ثمَّ مسردًا لانفرادات حفص لتراجع تعامل الطبري معها إن شئت.
أولاً: المسألة العلمية:
إذا ثبت أنَّ الطبري لم يُسند قراءة عاصم من طريق حفص، وليست هذه الرواية من مروياته في القراءة، فإنه لا يحسن رسم الكلمة التي انفرد بها حفص على ما يوافق قراءته؛ لأن الإمام الطبري لا يفسر القرآن برواية حفص عن عاصم، وسأذكر لك مثالاً يوضِّح وقوع اللبس على محقِّقي تفسير الطبري الفضلاء في دار هجر.
في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْعَالِمِينَ) (الروم:22).
قال الطبري (( ... (وألوانكم)؛ يقول: واختلاف ألوان أجسامكم.
(إن في ذلك لآيات للعالمين)؛ يقول: إن في فعله ذلك كذلك لعبرا وأدلة لخلقه الذين يعقلون أنه لا يعيبه إعادتهم لهيئتهم التي كانوا بها قبل مماتهم من بعد فنائهم.
وقد بينا معنى العالَمين فيما مضى قبل)) تفسير الطبري، ط: دار هجر (18: 479).
لقد قرأ المحققون الفضلاء لفظ (العالَمين) بكسر اللام هكذا (العالِمين)، ثمَّ أعادوا إلى ما ذكر الطبري أنه مضى قبل، وذلك ـ كما ظنوا ـ (ص: 407) من هذا الجزء، وهو قوله تعالى: (وما يعقلها إلا العالمون) (العنكبوت: 43).
وهذا لا يتناسب مع قراءته التي دلَّ عليها بتفسيره حيث قال: ((لعبرة وأدلة لخلقه ... )) وهؤلاء هم العالَمون بفتح اللام، لا العالِمون بكسرها، والله أعلم.
ثانيًا: مفردات حفص من كتاب مفردات القراء العشرة من طريق الشاطبية والدرة، للأستاذ محمد بن عوض زايد الحرباوي:
1 ـ هُزُوا، وجميع ما ورد مثله / بالواو بدلا من الهمزة، وضم الزاي.
2 ـ يُرجعون (آل عمرن: 83) / بياء الغيبة مضمومة.
3 ـ يجمعون (آل عمران: 157) / بياء الغيبة، والباقون بالتاء.
4 ـ سوف يؤتيهم (النساء: 152) / بالياء، والباقون بالنون.
5 ـ استَحَقَّ (المائدة: 107) / بفتح التاء والحاء، والباقون بضم التاء وكسر الحاء.
6 ـ تَلْقَفُ (الأعراف: 117، طه: 69، الشعراء: 45) / بسكون اللام مع تخفيف القاف.
7 ـ معذرةً (الأعراف: 164) / بنصب التاء، والباقون بالرفع.
8 ـ مُوهِنُ كيد (الأنفال: 18) / بسكون الواو مع تخفيف الهاء، وحذف التنوين وجرِّ الكيد.
9 ـ معيَ عدوًّا (التوبة: 83) / فتح الياء، وأسكنها الباقون.
10 ـ متاعَ (يونس: 23) / بنصب العين، ورفعها الباقون.
11 ـ ويوم يحشرهم (يونس: 45) / بياء الغيبة، والباقون بالنون.
12 ـ من كلٍ زوجين (هود: 40) / بتنوين (كلٍ) والباقون بترك التنوين.
13 ـ يا بني (يوسف: 6) / بفتح الياء.
14 ـ دأَبًا (يوسف: 47) / بفتح همزة (دأَبا) والباقون بالسكون.
15 ـ نوحي إليهم (يوسف: 109) وفي النحل والأنبياء / بالنون مع كسر الحاء، والباقون بالياء مع كسر الحاء.
16 ـ ليَ عليكم (إبراهيم: 22) / فتح الياء من (ليَ)، والباقون بسكونها.
17 ـ ورجِلِك (الإسراء: 64) بكسر الجيم، والباقون بسكون الجيم.
18 ـ لمَهلِكهم (الكهف: 59) / بفتح الميم وكسر اللام، وشعبة بفتح الميم واللام، والباقون بضم الميم وفتح اللام.
19 ـ تُسَاقِط (مريم: 25) / بضم التاء وتخفيف السين وكسر القاف.
20 ـ إن هذان (طه: 63) / بسكون النون في إن. وهذان بالألف مع تخفيف النون.
21 ـ قال رب احكم (الأنبياء: 112) إثبات الألف في قال، والباقون بحذف الألف على سبيل الأمر (قُل).
22 ـ سواءً (الحج: 25) بنصب الهمزة، والباقون برفعها.
23 ـ والخامسةَ أن غضب (النور: 9) / بنصب التاء من (الخامسةَ)، والباقون بالرفع.
24 ـ تستطيعون (الفرقان: 19) بتاء الخطاب، والباقون بياء الغيبة.
هذه بعض الانفرادات، وبعضها تركته لأنه ذُكر في النقول السابقة، وبعضها مما يتعلق بالأداء، وهو مما لا يعتني به الطبري.
وأخيرًا أُشير إلى ملحوظة تحتاج إلى استقراءٍ آخر لعلي أنقله من رسالةِ ماجستير في اختيار أبي عبيد للباحث عبد الباقي سيسي.
ويظهر لي ـ وهو مما يحتاج إلى دراسة فاحصة ـ أن الطبري كوفي الأصول يعتمد على علمائهم، فاعتمد على الفراء في الإعراب، واعتمد على أبي عبيد في القراءة، والله أعلم.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1071
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/80)
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 11:13 م]ـ
الطريق إلى حل مشكلة الأحرف السبعة (1)
--------------------------------------------------------------------------------
الطريق إلى حل مشكلة الأحرف السبعة (1)
إن هذا الموضوع من أعظم مشكل علوم القرآن، ولا أُرى أنه يُختلف في ذلك.
ومهما تعدد الدراسات فيها، وتكاثر الآراء حول المراد بها، فإنه يبقى في نفس القارئ أسئلة لا يرى لها حلاًّ.
وإن تعدد الدراسات من الأمور المحمودة في البحث العلمي؛ لأنَّ العقول تختلف في نظراتها، وفي طريقة عرضها، وفي استنباطاتها، وقد يوجد جزء من الحق في هذه المسألة عند باحث، ويوجد جزء آخر عند غيره، وهكذا.
وأذكر أنَّ الأخ الفاضل محمد بن عبد العزيز الخضيري طرح سؤالاً على أحد أساتذتنا أثناء الدراسات العليا لإعداد درجة الماجستير، فقال: لماذا لا يكون مثل هذا الموضوع وغيره من الموضوعات المشكلة محلَّ بحثٍ في الدراسات العليا؟
فكان من جواب الأستاذ الدكتور أن قال بأن هذا الموضوع مشكل، ولا يوجد له حلُّ، ودراسته إنما هي تكرار لما كُتبَ.
وهذا الموضوع وأمثاله من أبرز وأهم الموضوعات التي تصلح للنقاش والدراسة في الدراسات العليا؛ لأن مناقشة مثل هذا الموضوع بحدِّ ذاته مفيد للدارس، فضلاً عما يمكن أن يفتح عليه من الرأي الصائب الذي قد يخرج به.
ولست أرى أن الموضوع قد انتهى بقول فلان، بل لا زال الموضوع بحاجة إلى بحثٍ، وأعمال من سبق إنما هي مفاتيح للدراسة، وبعضها أوفر فائدة من بعض.
وإذا كان ذلك كذلك، فإني سأطرح لك ـ أيها القارئ الكريم ـ خلاصة ما توصلت إليه في قراءة هذا الموضوع، وإني لأسأل الله التوفيق في القول والعمل.
أولاً: إنَّ الدراسات المتقدمة والمتأخرة قد تناولت هذا الموضوع بطرق شتى، وسأذكر نوعين من الدراسات المعاصرة من باب بيان أمثلة لهذه الدراسات، وليس من باب استقرائها.
الدراسة الأولى: دراسة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ في كتابه (حديث الأحرف السبعة).
وقد تميَّزت هذه الدراسة بالاستقراء لحديث الأحرف السبعة ودراسة سنده، ثم استقراء أراء العلماء في المراد بها مع الاستدراك على كل قول بما فيه من وجوه الضعف.
وبعد استدراكاته هذه خلُص إلى رأيه المتميز في المراد بالأحرف السبعة، وشرحه مبينا مأخذ كل قيد ذكره في التعريف. ومن أهم ما يحسن التنبه له في هذا الرأي أنه اعتمد على نص الحديث في استنباط معنى الأحرف، وهذه سابقة جيدة تفكُّ شيئًا كبيرًا من معنى هذه الأحرف.
ثم طرح بعد ذلك الحكمة من الأحرف السبعة، ثم ذكر فصولاً تتعلق بالقراءات وصلتها بالأحرف السبعة، وما يتعلق بتواترها، ثم ما يتعلق بمعنى الاختيار وحقيقته.
وتُعدُّ هذه الدراسة أنفس ما كُتِب في هذا الموضوع.
وإني لأنوه هنا بأن هذا المنهج الذي سلكه الشيخ عبد العزيز في طريقة دراسة الأحرف هو المنهج السديد في دراسة كثير من موضوعات علوم القرآن المعلَّقة أو الناقصة بحثًا، حيث يتم جمع الآثار المتعلقة بالموضوع، ثم يقوم الباحث بدراسة تلك النصوص واستنباط الفوائد والأحكام منها.
وسأعرض لكم لاحقًا ـ إن شاء الله ـ أمرًا يتعلق بعلوم القرآن، وهو (علوم القرآن بين الآثار والاستنباط)، وسأطرق فيه ما يمكن أن يكون فيه الرأي من هذه الموضوعات.
الدراسة الثانية: دراسة الدكتور حسن ضياء الدين عتر في كتابه (الأحرف السبعة ومنْزلة القراءات منها).
وهي دراسة واسعة للأحرف السبعة، ومن أبرز ما فيها أن المؤلف أنه يذكر الحديث، ثم يذكر ما يحمله الحديث من فوائد متعلقة بالموضوع.
وهذه طريقة حسنة في دراسة الموضوع، وفي الكتاب مسائل وفوائد كثيرة تتعلق بهذا الموضوع، وهو من الكتب المفيدة في هذا الموضوع، وإن كان المؤلف لم يخرج فيه عن أن الأحرف السبعة سبع لغات هي أشهر وأفصح لغات العرب أنزل الله القرآن بها (ص: 177).
الدراسة:
المسألة الأولى:
لقد نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، وبقي في المدينة مدة من الزمن يقرأ بما كان يقرأ به في مكة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/81)
ولم ينْزل عليه الترخيص بالقراءة بالأحرف السبعة إلا في المدينة، كما هو ظاهر من حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار، قال: فأتاه جبريل عليه السلام، فقال:» إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف.
فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك.
ثم أتاه الثانية، فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين.
فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك.
ثم جاءه الثالثة، فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف.
فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك.
ثم جاءه الرابعة، فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا «. رواه مسلم.
وقد أفاد هذا الحديث ما يأتي:
1 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرف المراد بالحرف الذي يراد القراءة به، لذا استزاد تخفيفًا على الأمة.
ولما كان عارفًا بهذه الأحرف، فإنه قد علَّمها الصحابة رضي الله عنهم، وقرؤوا بها، ويشهد لذلك ما وقع لعمر بن الخطاب مع حكيم بن حزام في قراءته لسورة الفرقان.
وهذا فيه ردٌّ على من يزعم أنَّ الأحرف السبعة من المتشابه. وذلك صحيح إن كان المراد به أنه متشابه على قائلة، أما أن يكون متشابهًا على كل أحد، فلا.
2 ـ أن الأمر بالقراءة بهذه الأحرف كان في المدينة بدلالة قوله:» أضاة بني غفار «، وهو موضع بالمدينة، ويشهد له ما روي من طريق آخر أن جبريل لقيه عند أحجار المِرَى أو أحجار المِراء، وهي قباء كما في النهاية في غريب الأثر لابن الأثير.
3 ـ أن العدد سبعة مقصودٌ، وليس المراد به التكثير، بدلالة التدرج الذي ذُكِر في الحديث، ولو كان العدد غير مقصود لما كان لهذا التدرج معنى، بل لجاء الأمر بالقراءة على سبعة أحرف من أول الأمر.
4 ـ أن القراءة كانت على حرف واحدٍ قبل نزول هذا التيسير، وهذا الحرف كان يوافق لغة قريش (ينظر: سنن القراء ومناهج المجودين: 32).
وهذا متوافق مع طبيعة الرسالة؛ لأنَّ الرسول يرسل بلسان قومه، وينْزل الكتاب عليه بلسانهم، ولسان قريش معروف مشهور بين العرب بسبب الحجِّ الذي يقومون به إلى مكة، فكان كثير منهم يمكنهم القراءة به، والله أعلم.
ولا تعجل عليَّ هنا باستنباط أنَّ الأحرف هي لغات، فليس الأمر كذلك على إطلاقه، بل هناك تفصيل سيأتي في حينه.
5 ـ إن نزول الأحرف السبعة قد كان متأخِّرًا، وقد ذكر الشيخ عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ أنه كان بعد فتح مكة، حيث بدأت قبائل العرب على اختلاف ألسنتها ولهجاتها تدخل في دين الله أفواجًا. (سنن القراء ومناهج المجودين: 32).
وهذا الوقت الذي نزلت فيه الأحرف السبعة هو أنسب الأوقات بالنسبة لتلك الوفود التي سترد المدينة وتتعلم القرآن، فكان من تيسير الله أن أنزل تلك الأحرف تيسيرًا لهم، كما ورد في الحديث، وهذا التيسير لا زال مستمرًا حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=191
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 11:16 م]ـ
تفسير يحيى بن سلام ومختصَراه
--------------------------------------------------------------------------------
كنت قد شاركت في دورة علمية في الدمام قبل ما يزيد على ثلاث سنوات، وكانت عن كتب التفسير، وما يتعلق بها، متتبعًا المطبوع منها خلال القرون، وكنت أدون ملاحظات سريعة لتكون منطلقًا لي في الإلقاء، وكان مما دونته هذه المعلومات عن تفسير يحيى بن سلام وتفسير هود بن محكم وتفسير ابن أبي زمنين، وقد رأيت أن أضعها هنا، وإن تيسر لي بعد ذلك قراءة متأنية لتفسير يحيى، فلعي أضيفها إن شاء الله.
تفسير القرآن ليحيى بن سلام البصري (ت: 200)
1 ـ أخذ يحيى بن سلام عن علماءِ البصرةِ نحاتِها ولغوييها ومفسِّريها، لذا ورد في كتابه بعض المسائل الإعرابية، وهو بذلك يُعدُّ من أوائل من أدخلوا الإعراب في التفسير الشامل للقرآن.
2 ـ اعتمد الإسناد في روايته عن المفسرين، وقد يورد بعض الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/82)
3 ـ روى عن الحسن (ت: 110)، وقتادة (ت: 117) فأكثر عنهما، وروى عن مجاهد (ت: 104)، وعكرمة (ت: 105)، والكلبي (ت: 146)، وغيرهم.
4 ـ اعتنى بالقراءات فأوردها وأورد توجيهها.
في قوله تعالى: (وما هو على الغيب بضنين)، قال: (((وما هو على الغيب): الوحي. (بضنين): ببخيل يبخل عليكم به، وبعضهم يقرأ (بظنين؛ أي: بمتهم)) تفسير ابن أبي زمنين (5: 101).
5 ـ يصدِّر تفسيره أو تعليقه أو استنباطه بقوله: ((قال يحيى)).
ومن ذلك ما ورد في قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (النور: 61)
قال: (((لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ): تفسير قتادة، قال: منعت البيوت زمانًا، كان الرجل لا يتضيَّف أحدًا ولا يأكل في بيت غيره تأثُّمًا من ذلك.
قال يحيى: بلغني أن ذلك حين نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل) (النساء: 29).
قال قتادة: فكان أول من رخَّص الله له الأعمى والأعرج والمريض، ثمَّ رخَّص لعامَّة المؤمنين (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم) إلى قوله: (أو صديقكم).
فقوله: (أو ما ملكتم مفاتحه) قال بعضهم: هم المملوكون الذين هم خزنة على بيوت مواليهم.
وقوله: (صديقكم) قيل للحسن: الرجل يدخل على الرجل ـ يعني: فيأكل منه صديقه ـ فيخرج الرجل من بيته، ويرى الآخر الشيء من الطعام في البيت، فيأكل منه؟
فقال: كُلْ من طعام أخيك.
قال يحيى: لم يذكر الله في هذه الآية بيت الابن، فرأيت النبي عليه السلام إنما قال: (أنت ومالك لأبيك) من هذه الآية)) تفسير القرآن لابن أبي زمنين (3: 247).
6 ـ وليحيى بن سلام (ت: 200) في تفسيره اختيارات، وقد ذكرها بعض المفسرين؛ كالماوردي (ت: 450)، ومن نقل عن الماوردي؛ كابن الجوزي (ت: 597)، والقرطبي (ت: 671).
7 ـ مع قِدَمِ هذا التفسير، وكونه مسندًا إلى المفسرين، فإنَّك لا تجد عنه نقلاً في كتب التفسير المسندة؛ كتفسير الطبري (ت: 310)، وابن أبي حاتم (ت: 327)، وغيرهما، ولم يُفِد منه السيوطي (ت: 911) في الدر المنثور، مع أنه نقل في آخره عن ابن حجر قوله: ((ومنها تفسير يحيى بن سلام المغربي، وهو كبير في نحو ستة أسفار، أكثر فيه النقل عن التابعين وغيرهم،، وهو لين الحديث، وفيما يرويه مناكير كثيره، وشيوخه مثل سعيد بن أبي عروبة ومالك والثوري)) الدر المنثور (8: 701 ـ 702)، وقد نقله عن العجاب في بيان الأسباب لابن حجر (1: 219).
8 ـ وفي نقل الماوردي (ـ: 450) من تفسير يحيى، وذكر اختياراته، ما يستأنس به أن تفسيره قد دخل بغداد بعد الطبري (ت: 310)، وابن أبي حاتم (ت: 327)، واستفاد منه الماوردي (ت: 450).
************************************
تفسير القرآن لهود بن مُحَكِّم الهواري الإباضي
1 ـ لم يذكر استفادته من تفسير يحيى ابن سلام، مع انه اعتمده، ويكاد أن يكون مختصرًا له، مع ما أضاف إليه هود، كما أشار إلى ذلك محقق الكتاب.
2 ـ قال محقق الكتاب: (( ... فالملاحظ أنه يحذف الأحاديث التي لم تصحَّ عنده، والتي لا تتفق مع أصول مذهبه.
لقد حذف أحاديث في تفسير قوله تعالى من سورة مريم، الآية 87: (لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً)، وهي أحاديث في الشفاعة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/83)
وحذف أحاديث متتابعة في تفسير قوله تعالى من أوائل سورة الحجر: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ)، وهي أحاديث حول من سُمُّوا بالجهنميين، أو بعتقاء الرحمن، لم تصحَّ عنده كذلك)) مقدمة بلحاج بن سعيد شريفي محقق تفسير هود بن محكم (1: 37).
3 ـ حذف الإسناد، واختصر كثيرًا من الآثار، وقد عدَّها محقق الكتاب من عيوب تفسير هود.
4 ـ يذكر كلام يحيى بقوله: (قال بعضهم)، وقد يذكر هذه العبارة عن غيره.
5 ـ أدخل بعض أراء الإباضية من فقه واعتقاد في مختصره هذا، وقد تتبعه المحقق، وبين مواطن ذلك، قال المحقق بلحاج: ((إذا وردت كلمة (أصحابنا) من الشيخ الهواري، فإنما يقصد بها علماء الإباضية، وسيذكرهم بأسمائهم عند تفسير بعض آيات الإحكام خاصة؛ يذكر جابر بن زيد، وأبا عبيد مسلم بن أبي كريمة.
ويزيد أحيانًا: (والعامة من فقهائنا).)) حاشية مقدمة تفسير هود بن محكم (1: 81).
6 ـ ومن أمثلة ما يغيره من تفسير ابن سلام ليوافق مذهبه، ما ورد في تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض)، فقد ورد تفسير يحيى له، فقال: (لا تشركوا). كذا ورد عند ابن أبي زمنين (1: 122)، ويُنظر ما قاله محقق تفسير هود.
وورد في تفسير هود بن محكم (1: 84): ((قوله: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض) بالعمل بالمعصية)).
قال المحقق بلحاج: (( ... وهذا تفسير ابن سلام ولا شكَّ، وما جاء من تغيير في التأويل أو من زيادة مما أثبته من (د و ق و ع)، فهو للشيخ هود الهواري.
وهذا نموذج من عمله في كامل الكتاب، فما جاء في تفسير ابن سلام موافقًا لأصول الإباضية أثبته، وما خالفها حذفه وأثبت مكانه ما وافق رأي الإباضية في مسألة الإيمان والكفر، وفي مسائل أخرى من مسائل الخلاف)) حاشية مقدمة تفسير هود بن محكم (1: 81).
7 ـ هذا التفسير الذي سار على مذهب الإباضية يُعدُّ أول تفسير لهم، كما نصَّ على ذلك المحقق، فقال: (( ... إننا لا نعلم للإباضية تفاسير كاملة لكتاب الله قبل الهواري إلا تفسيرًا يُنسبُ إلى الإمام عبد الرحمن بن رستم وآخر إلى الإمام عبد الوهاب، وليس ببعيد أن يكون الهواري قد اطَّلع عليهما. وليس بين أيدينا الآن ـ فيما بحثت وعلمت ـ شيء من تفسيريهما حتى نتمكن من المقارنة بين هذه التفاسير، ونخرج بجواب شافٍ في الموضوع.
أما أبو المنيب محمد بن يانس، المفسر الذي ناظر المعتزلة، فلم يؤثر عنه انه ترك أثرًا مكتوبًا في التفسير)) حاشية مقدمة تفسير هود بن محكم (1: 85).
أقول: وأنا أشك أن يكون قد اطلع على هذين التفسيرين إن كانا موجودين فعلاً، إذ ما الداعي إلى أن يختصر تفسيرًا لا يوافق مذهبه، ويعدل عن التفاسير الموافقة لمذهبه؟!
حالة الاستفادة من الكتاب:
? بما أن المؤلف إباضي المعتقد، فيمكن دراسة أثر هذا المذهب على التفسير من خلال تفسير هود بن محكِّم.
? الموازنة بين ابن أبي زمنين
******************************************
تفسير القرآن العزيز للأمام أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زَمَنِين، شيخ قرطبة، الإمام الزاهد القدوة (ت: 399).
1 ـ تفسيره من التفاسير المتوسطة.
2 ـ هو تهذيب لتفسير يحيى بن سلام البصري (ت: 200)، وقد ذكر سبب اخصتاره في أمور:
أ ـ وجود تكرار كثير في تفسيره.
ب ـ ذكره لأحاديث يقوم علم التفسير بدونها.
ج ـ قلة نشاط أكثر الطالبين للعلوم في زمانه.
3 ـ وقد زاد على تفسير يحيى (ت: 200) بعض الزيادات، وهي:
أ ـ ما لم يفسره يحيى.
ب ـ أضاف كثيرًا مما لم يذكره من اللغة والنحو على ما نقل عن النحويين وأصحاب اللغة السالكين لمناهج الفقهاء في التأويل.
وقد ميَّز زياداتها بأن بدأها بقوله: (قال محمد).
مميزات التفسير:
1 ـ قِدَمُ التفسيرِ، واعتماده على تفسير متقدم يُعنى بآثار السلف، وتفسير يحيى بن سلام البصري (ت: 200).
2 ـ كون مؤلفه من أهل السنة والجماعة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/84)
ومن أمثلة ذلك ما ورد في تفسيره لقوله تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت: 3) قال: (((ولقد فتنا): اختبرنا. (الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا) بما أظهروا من الإيمان. ?وليعلمن الكاذبين?؛ يعني: الذين يظهرون الإيمان، وقلوبهم على الكفر، وهم المنافقون، وهذا علم الفعال.
قال محمد: معنى علم الفعال: العلم الذي تقوم به الحجة، وعليه يكون الجزاء، وقد علم الله الصادق من والكاذب قبل خلقهما).
3 ـ سلاسة عبارته، ووضوحها.
4 ـ ما فيه من الاختصار.
5 ـ ما فيه من الزيادات المهمة، كالاستشهاد للمعاني اللغوية بالشعر، ومن ذلك تفسيره لقوله تعالى: (وأذنت لربها وحقت)، قال: ((قال محمد: يقال: أذِنتُ للشيءِ آذَنُ أَذَنًا: إذا سمعت. قال الشاعر:
صمٌّ إذا سمعوا خيرًا ذُكرتُ به وإن ذُكِرتُ بسوءٍ عندهم أذِنوا) (5: 111).
منهجه في التفسير:
1 ـ اختصار تفسير يحيى.
2 ـ اختصار إسناده.
3 ـ حذف المكرر منه.
4 ـ إضافة زيادات عليه من جهة اللغة والنحو وتوجيه القراءة.
من أمثلة اللغة:
في قوله تعالى: (ولا تصعر خدك للناس)، قال: (((ولا تصاعر خدك للناس) لا تعرض بوجهك عنهم استكبارًا.
قال محمد: ومن قرأ: (تصعر) فعلى وجه المبالغة، وأصل الكلمة من قولهم: أصاب البعير صَعَرٌ: إذا أصابه داءٌ فلوى منه عنقه) (3: 375).
ومن أمثلة الإعراب:
في قوله تعالى: (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه)، قال: ((قال محمد: من قرأ جواب بالنصب جعل (أن قالوا) اسم كان)) (3: 344).
وفي قوله تعالى: (فإياي فاعبدون)، قال: ((قال محمد: (فإياي) منصوب بفعل مضمر، الذي ظهر تفسيره؛ المعنى: فاعبدوا إياي فاعبدون)) (3: 351)
وممن نصَّ على بعض من أفاد منه في اللغة والنحو: أبو عبيدة (تفسير ابن أبي زمنين 3: 360)،والزجاج (تفسير ابن أبي زمنين 3: 364).
5 ـ اعتمد على أبي عبيد في توجيه القراءة، ومن ذلك قوله:
((قال محمد: قرأ نافع: (الأيكة)، وكذا قرأ التي في قاف. وقرأ التي في الشعراء وفي ص: (ليكة) بغير ألف ولام، ولم يصرفهما، فيما ذكر أبو عبيد، وقال: وجدنا في بعض التفاسير أنَّ (ليكة) اسم القرية التي كانوا فيها، و (الأيكة): البلاد كلها)) (2: 390).
وفي قوله تعالى: (هذا الذي كنتم به تدعون)، قال: ((قال محمد: ذكر أبو عبيد أن من القراء من قرأ: (الذي كنتم به تدْعون) خفيفة؛ لأنهم كانوا يدعون بالعذاب في قوله: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عنك فأمطر علينا حجارة) الآية، قال: وقرأ أكثرهم (تدَّعون) بالتشديد، وقال: هي القراءة عندنا، والتشديد مأخوذ من التخفيف. (تدْعون) تفعلون، و (تدَّعون) تفتعلون، مشتقة منه)) (5: 16).
حال الاستفادة من الكتاب:
1 ـ الكتاب يصلح للقراءة المنتظمة، ولسهولة عبارته، فإنه يصلح للمبتدئين، ولمن يريد الاطلاع العام على التفسير.
ويمكن دراسة موضوعات في هذا الكتاب، ومنها:
2 ـ منهج ابن أبي زمنين في زياداته على ابن سلام.
3 ـ منهج يحيى بن سلام من خلال مختصر ابن أبي زمنين.
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=3358
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 11:20 م]ـ
النكت على الإتقان في علوم القرآن
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين المبعوث للثقلين، محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين، وصحابته الغرِّ الميامين، وعلى تابعيهم ومن تبعهم إلى يوم الدين، أما بعد:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/85)
فقد كان يُلحُّ عليَّ بعض الأصحاب في فتح درس في علوم القرآن؛ نظرًا لخلوِّ مدارس المساجد من هذه المادة الهامَّة، وكنت أقدِّم رجلاً وأُأخِّر أخرى؛ تهيُّبًا لهذا الموضوع، وخشية من ازدحام الوقت فيضعف التحضير لهذه المادة العلمية، وما زلت أُمنِّي النفس به، وأرجو أن يحصل، حتى كان ما كان، إذ ألحَّ عليَّ أخوين كريمين من أهل مكة في أن أفتح درسًا شهريًّا في الإتقان يكون في يوم واحد منه بواقع ثلاثة دروس، فاستجبت لهما تحت إلحاحهما، وتركت الأمر لله يفعل ما يشاء.
ولما رأيت الأمر يتوجَّه عمدت إلى جلسة التفسير التي أعقدها في تفسير الطبري، فاقترحت على من يحضر معي أن نجعل نصف ساعة للإتقان نتدارسه ونعلق عليه بما يمُنُّ الله به، فكان ولله الحمد نافعًا مفيدًا. واستمر الحال كذلك حتى بدأت بإلقاء هذه الدروس في مكة المكرمة، فكانت بدايتها في شهر محرم من سنة 1426، حيث ألقيت ثلاثة دروس في مقدمة تشمل (علوم القرآن .. المصطلح ومراحل النشأة والكتب)، وقد ظهر لي في ألقائها فوائد جديدة تتعلق بعلوم القرآن، فلله الحمد والمنَّة، ثم ألقيت في شهر صفر من هذا العام ثلاثة دروس، وقد شملت مقدمة كتاب الإتقان، والنوع الأول من أنواع علوم القرآن (المكي والمدني)، وقد رأيت ـ بعد الاستشارة ـ أن أطرح في الملتقى خلاصة ما ألقيه من هذه الدروس على أسلوب التعليق والنُّكت، فأذكر ذلك في نقاطٍ لتكون أيسر وأضبط.
وإني إذ أطرح ذلك لأرجو أن يُتحفني إخواني باقتراحاتهم حول دراسة هذا الكتاب الذي صار أصلاً من أصول كُتب علوم القرآن، وأتمنى أن يسددوا ما يرون من نقص فيما أكتب، والله أسأل لي ولكم التوفيق والسداد.
هذا، وقد سمَّيت هذه التعليقات بهذا العنوان:
النكت على الإتقان في علوم القرآن
تيمُّنًا بفعل أسلافنا من العلماء، ولأنَّ المقصود ليس شرح الكتاب بحذافيره، وإنما التعليق على ما يحتاج إلى تعليق، والتنبيه على لطائف وفوائد ومستدركات، فأسأل الله في ذلك المعونة التوفيق، إنه سميع مجيب.
قال السيوطي:
(1:4) ولقد كنت في زمان الطلب أتعجب من المتقدمين إذ لم يدونوا كتابا في أنواع علوم القرآن كما وضعوا ذلك بالنسبة إلى علم الحديث فسمعت شيخنا أستاذ الأستاذين وإنسان عين الناظرين خلاصة الوجود علامة الزمان فخر العصر وعين الأوان أبا عبد الله محيي الدين الكافيجي مد الله في أجله وأسبغ عليه ظله يقول:» قد دونت في علوم التفسير كتابا لم أسبق إليه «، فكتبته عنه، فإذا هو صغير الحجم جدا وحاصل ما فيه بابان الأول في ذكر معنى التفسير والتأويل والقرآن والسورة والآية والثاني في شروط القول فيه بالرأي وبعدهما خاتمة في آداب العالم والمتعلم فلم يشف لي ذلك غليلا ولم يهدني إلى المقصود سبيلا.
التعليق:
1 ـ الكافيجي: محمد بن سليمان (ت: 879) لُقِّب بذلك لكثرة اشتغالة بالكافية في النحو لابن الحاجب.
2 ـ يُفهم من قوله:» مد الله في أجله وأسبغ عليه ظله «يشير إلى أن السيوطي كتب كتابة قبل وفاة شيخه؛ أي قبل سنة 879، والله أعلم.
3 ـ جاء عنوان كتاب الكافيجي في أحد النسخ التي اعتمد عليها محقق الكتاب ناصر بن محمد المطرودي (التيسير في قواعد علم التفسير).
4 ـ استفاد السيوطي من كتاب الكافيجي ـ على صغر حجمه ـ في كتابية التحبير والإتقان.
5 ـ اختزل السيوطي ذكر عناوين كتاب شيخة، وكذا ذكر أنواع العلوم التي تطرَّق إليها، أو أشار إليها، ويظهر هذا بقراءة ما دوَّنه الكافيَجي، وموازنته بعرض السيوطي لكتاب (التيسير في قواعد علم التفسير).
فالباب الأول: الذي قال عنه السيوطي:» الأول في ذكر معنى التفسير والتأويل والقرآن والسورة والآية «فيه عدد من المسائل المتعلقة بعلوم القرآن، منها: حكم التفسير بالرأي، والعلوم التي يحتاج إليها المفسر، وإعجاز القرآن، ووجوب التواتر في نقل القرآن، وشروط القراءة الصحيحة، والمحكم والمتشابه، ونزول القرآن، وأسباب النُّزول «. أفاده محقق كتاب التيسير.
قال السيوطي:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/86)
(1: 4) قال:» ثم أوقفني شيخنا شيخ مشايخ الإسلام قاضي القضاة وخلاصة الأنام حامل لواء المذهب المطلبي علم الدين البلقيني رحمه الله تعالى على كتاب في ذلك لأخيه قاضي القضاة جلال الدين سماه (مواقع العلوم من مواقع النجوم) فرأيته تأليفا لطيفا ومجموعا ظريفا ذا ترتيب وتقرير وتنويع وتحبير.
قال في خطبته قد اشتهرت عن الإمام الشافعي رضي الله عنه مخاطبة لبعض خلفاء بني العباس فيها ذكر بعض أنواع القرآن يحصل منها لمقصدنا الاقتباس وقد صنف في علوم الحديث جماعة في القديم والحديث وتلك الأنواع في سنده دون متنه وفي مسنديه وأهل فنه وأنواع القرآن شاملة وعلومه كاملة فأردت أن أذكر في هذا التصنيف ما وصل إلى علمي مما حواه القرآن الشريف من أنواع علمه المنيف وينحصر في أمور
الأمر الأول مواطن النزول وأوقاته ووقائعه وفي ذلك اثنا عشر نوعا المكي المدني السفري الحضري الليلي النهاري الصيفي الشتائي الفراشي النومي أسباب النزول أول ما نزل آخر ما نزل
الأمر الثاني السند وهو ستة أنواع المتواتر الآحاد الشاذ قراءات النبي e الرواة الحفاظ
الأمر الثالث الأداء وهو ستة أنواع الوقف الابتداء الإمالة المد تخفيف الهمزة الإدغام
الأمر الرابع: الألفاظ وهو سبعة أنواع الغريب المعرب المجاز المشترك المترادف الاستعارة التشبيه.
الأمر الخامس المعاني المتعلقة بالأحكام وهو أربعة عشر نوعا العام الباقي على عمومه العام المخصوص العام الذي أريد به الخصوص ما خص فيه الكتاب السنة ما خصصت فيه السنة الكتاب المجمل المبين المؤول المفهوم المطلق المقيد الناسخ والمنسوخ نوع من الناسخ والمنسوخ وهو ما عمل به من الأحكام مدة معينة والعامل به واحد من المكلفين
الأمر السادس: المعاني المتعلقة بالألفاظ وهو خمسة أنواع الفصل الوصل الإيجاز الإطناب القصر.
وبذلك تكملت الأنواع خمسين ومن الأنواع ما لا يدخل تحت الحصر الأسماء الكنى الألقاب المبهمات فهذا نهاية ما حصر من الأنواع هذا آخر ما ذكره القاضي جلال الدين في الخطبة ثم تكلم في كل نوع منها بكلام مختصر يحتاج إلى تحرير وتتمات وزوائد مهمات فصنفت في ذلك كتابا سميته التحبير في علوم التفسير ضمنته ما ذكر البلقيني من الأنواع مع زيادة مثلها وأضفت إليه فوائد سمحت القريحة بنقلها
التعليق:
1 ـ علم الدين البلقيني: صالح بن عمر بن رسلان (ت: 868).
2 ـ جلال الدين البلقيني: عبد الرحمن بن عمر بن رسلان (ت: 824).
3 ـ تقسيم البلقيني (ت: 824) من أنفس التقاسيم، حيث عمدَ إلى نوعٍ كلي ثم ذكر ما يندرج تحته.
4 ـ يظهر أثر التصنيف في العلوم على تقسيم البلقيني (ت: 824) لأنواع علوم القرآن في أمرين
الأول: أنه أراد أن يناظر بعلوم الحديث، فيجعل كتابًا يحتوي على علوم القرآن كما هو الواقع في علوم الحديث.
وهذا الأمر قد سبق إليه الزركشي (ت: 794) كما سيأتي، و أشار إليه السيوطي في خطبة كتابه الإتقان بقوله:» ولقد كنت في زمان الطلب أتعجب من المتقدمين إذ لم يدونوا كتابا في أنواع علوم القرآن كما وضعوا ذلك بالنسبة إلى علم الحديث «.
كما أشار إلى ذلك في مقدمة كتابه التحبير فقال:» وإن مما أهمل المتقدمون تدوينه حتى تحلى في آخر الزمان بأحسن زينة علم التفسير الذي هو كمصطلح الحديث فلم يدونه أحد لا في القديم ولا في الحديث حتى جاء شيخ الإسلام وعمدة الأنام علامة العصر قاضي القضاة جلال الدين البلقيني رحمه الله تعالى فعمل فيه كتابه مواقع العلوم من مواقع النجوم «.
الثاني: أنَّ من الأقسام الستة ما هو من علوم مشاركة، وليس من صلب علوم القرآن، وقد أخذ من هذه العلوم مصطلحاتها، فذكرها، وإليك التفصيل:
قوله:» الأمر الثاني السند وهو ستة أنواع المتواتر الآحاد الشاذ قراءات النبي الرواة الحفاظ «هذا التقسيم مأخوذ من مصطلح الحديث.
قوله:» الأمر الرابع: الألفاظ وهو سبعة أنواع الغريب المعرب المجاز المشترك المترادف الاستعارة التشبيه «. هذا مأخوذ من علوم اللغة.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/87)
قوله:» الأمر الخامس المعاني المتعلقة بالأحكام وهو أربعة عشر نوعا العام الباقي على عمومه العام المخصوص العام الذي أريد به الخصوص ما خص فيه الكتاب السنة ما خصصت فيه السنة الكتاب المجمل المبين المؤول المفهوم المطلق المقيد الناسخ والمنسوخ نوع من الناسخ والمنسوخ وهو ما عمل به من الأحكام مدة معينة والعامل به واحد من المكلفين «. هذا مأخوذ من علم أصول الفقه.
قوله:» الأمر السادس: المعاني المتعلقة بالألفاظ وهو خمسة أنواع الفصل الوصل الإيجاز الإطناب القصر «. هذا مأخوذ من علم البلاغة.
5 ـ قول البلقيني في الأمر الرابع:» المعاني المتعلقة بالأحكام «، يمكن الاصطلاح عليها بعبارة (عوارض الألفاظ).
6 ـ قول البلقيني في الأمر السادس:» المعاني المتعلقة بالألفاظ «يمكن الاصطلاح عليها بعلم البلاغة، أو ينبَّه أنها من جهة البلاغة × لأنه مرَّ في الأمر الرابع قوله:» الألفاظ، وهي سبعة أنواع ... «.
قال السيوطي:
(1: 6):» هذا آخر ما ذكره القاضي جلال الدين في الخطبة ثم تكلم في كل نوع منها بكلام مختصر يحتاج إلى تحرير وتتمات وزوائد مهمات فصنفت في ذلك كتابا سميته (التحبير في علوم التفسير) ضمنته ما ذكر البلقيني من الأنواع مع زيادة مثلها وأضفت إليه فوائد سمحت القريحة بنقلها
وقلت في خطبته أما بعد فإن العلوم وإن كثر عددها وانتشر في الخافقين مددها فغايتها بحر قعره لا يدرك ونهايتها طود شامخ لا يستطاع إلى ذروته أن يسلك ولهذا يفتح لعالم بعد آخر من الأبواب ما لم يتطرق إليه من المتقدمين الأسباب وإن مما أهمل المتقدمون تدوينه حتى تحلى في آخر الزمان بأحسن زينة علم التفسير الذي هو كمصطلح الحديث فلم يدونه أحد لا في القديم ولا في الحديث حتى جاء شيخ الإسلام وعمدة الأنام علامة العصر قاضي القضاة جلال الدين البلقيني رحمه الله تعالى فعمل فيه كتابه مواقع العلوم من مواقع النجوم فنقحه وهذبه وقسم أنواعه ورتبه ولم يسبق إلى هذه المرتبة فإنه جعله نيفا وخمسين نوعا منقسمة إلى ستة أقسام وتكلم في كل نوع منها بالمتين من الكلام فكان كما قال الإمام أبو السعادات ابن الأثير في مقدمة نهايته كل مبتدئ لشيء لم يسبق إليه ومبتدع أمرا لم يتقدم فيه عليه فإنه يكون قليلا ثم يكثر وصغيرا ثم يكبر
فظهر لي استخراج أنواع لم يسبق إليها وزيادة مهمات لم يستوف الكلام عليها فجردت الهمة إلى وضع كتاب في هذا العلم وأجمع به إن شاء الله تعالى شوارده وأضم إليه فوائده وأنظم في سلكه فرائده لأكون في إيجاد هذا العلم ثاني اثنين وواحدا في جمع الشتيت منه كألف أو كألفين ومصيرا فني التفسير والحديث في استكمال التقاسيم إلفين وإذ برز نور كمامه وفاح وطلع بدر كماله ولاح وأذن فجره بالصباح ونادى داعيه بالفلاح سميته (التحبير في علوم التفسير).
ثمَّ ذكر فهرس الأنواع التي كتبها في التحبير، ثم قال (1: 10):» وهذا آخر ما ذكرته في خطبة التحبير وقد تم هذا الكتاب ولله الحمد من سنة اثنتين وسبعين وكتبه من هو في طبقة أشياخي من أولي التحقيق «.
التعليق:
1 ـ أن السيوطي جعل كتاب البُلقيني أصلاً لكتابه التحبير، وزاد عليه زيادات.
2 ـ أن اطلاع السيوطي على كتاب البلقيني كان متقدِّمًا جدًّا، حيث اعتمده في التحبير، وهو قبل الإتقان.
وقد ذكر سنة الانتهاء من كتاب التحبير، وهي (872)، ويلاحظ أن شيخه الكافيجي توفي سنة (879)، وقد قال عنه:» مد الله في أجله «مما يعني أنَّ تأليف الإتقان كان بين سنة (872) وسنة (879).
3 ـ كان المقصد من تأليف التحبير ما ذكره في قوله (1: 6):» فظهر لي استخراج أنواع لم يَسبِق إليها وزيادة مهمات لم يستوف الكلام عليها فجردت الهمة إلى وضع كتاب في هذا العلم وأجمع به إن شاء الله تعالى شوارده وأضم إليه فوائده وأنظم في سلكه فرائده «.
وهذا يعني أنه يريد تكميل كتاب البلقيني فقط، ولم يدَّعِ أنه سبق سبقًا مطلقًا إلى ما زاده على البلقيني، بل هو ـ في أغلب زياداته ـ ناقلٌ.
وردت عبارة:» لم يسبق «في التحبير على النحو الآتي:» لم أُسبق «، ويظهر لي أن ما في الإتقان أدق؛ لأنه بنى كتابه على كتاب البلقيني، فهو يوازن زياداته وسبقه به، وليس بمطلق سبقه غيره من العلماء، والله أعلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/88)
4 ـ يلاحظ أنه في مقدمته للتحبير، وذكره للأنواع نصَّ على الزيادات التي زادها على البلقيني، ولما نقلها إلى الإتقان لم ينصَّ على هذه الزيادات.
5 ـ يمكن القول بأن أغلب كتاب البلقيني بين يدينا، وذلك بتجريد زيادات السيوطي التي نصَّ عليها.
6 ـ كما اعتمد السيوطي على كتاب البلقيني وزاد عليه في التحبير، فإنه اعتمد عليه اعتمادًا كليًّا في كتابه (النُّقاية)، فذكر أنواع البلقيني نفسها، ولم يزد عليها، وبهذا يمكن موازنة الأنواع وأمثلتها بين ما ذكره في التحبير وما ذكره في رسالة أصول التفسير من كتاب النُّقاية.
قال السيوطي:
(1: 10):» ثم خطر لي بعد ذلك أن أؤلف كتابا مبسوطا ومجموعا مضبوطا أسلك فيه طريق الإحصاء وأمشي فيه على منهاج الاستقصاء هذا كله وأنا أظن أني متفرد بذلك غير مسبوق بالخوض في هذه المسالك فبينا أنا أجيل في ذلك فكرا أقدم رجلا وأؤخر أخرى إذ بلغني أن الشيخ الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي أحد متأخري أصحابنا الشافعيين ألف كتابا في ذلك حافلا يسمى البرهان في علوم القرآن فتطلبته حتى وقفت عليه فوجدته قال في خطبته:
لما كانت علوم القرآن لا تحصى ومعانيه لا تستقصى وجبت العناية بالقدر الممكن ومما فات المتقدمين وضع كتاب يشتمل على أنواع علومه كما وضع الناس ذلك بالنسبة إلى علم الحديث فاستخرت الله تعالى وله الحمد في وضع كتاب في ذلك جامع لما تكلم الناس في فنونه وخاضوا في نكته وعيونه وضمنته من المعاني الأنيقة والحكم الرشيقة ما بهر القلوب عجبا ليكون مفتاحا لأبوابه عنوانا على كتابه معينا للمفسر على حقائقه مطلعا على بعض أسراره ودقائقه وسميته البرهان في علوم القرآن وهذه فهرست أنواعه ... «.
ثم ذكر سبعة وأربعين نوعًا ثم قال:» واعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلا ولو أراد الإنسان استقصاءه لاستفرغ عمره ثم لم يحكم أمره ولكن اقتصرنا من كل نوع على أصوله والرمز إلى بعض فصوله فإن الصناعة طويلة والعمر قصير وماذا عسى أن يبلغ لسان التقصير.
هذا آخر كلام الزركشي في خطبته
التعليق:
1 ـ أنه حين تصنيف كتابه التحبير لم يكن اطلع على برهان الزركشي (ت: 794).
2 ـ من تقدم وفاة الزركشي على شيخ شيوخ السيوطي جلال الدين البلقيني (ت: 824)، وعلى شيخ السيوطي الكافيجي (ت: 879)، وادعاؤهما عدم الاطلاع على مؤلف سابق في هذا العلم = ما يدل على عدم اطلاعهما على كتاب الزركشي، والله أعلم.
3 ـ أنه قصد تأليف الإتقان بعد انتهائه من التحبير، وبعد اطلاعه على البرهان للزركشي.
4 ـ أن الزركشي لم يذكر سابقًا له ابتدع هذا التصنيف، وبهذا يكون أول من قصد جمع علوم القرآن جمعًا مستوعبًا.
5 ـ توافق الزركشي والبلقيني وكذا السيوطي في التنظير بعلوم الحديث في التأليف.
6 ـ من أهداف تأليف كتاب البرهان أن يكون معينًا للمفسر على حقائقه، ومطلعًا على بعض أسراره ودقائقه.
قال السيوطي (1: 14):» ولما وقفت على هذا الكتاب ازددت به سرورا وحمدت الله كثيرا وقوي العزم على إبراز ما أضمرته وشددت الحزم في إنشاء التصنيف الذي قصدته فوضعت هذا الكتاب العلي الشان الجلي البرهان الكثير الفوائد والإتقان ورتبت أنواعه ترتيبا أنسب من ترتيب البرهان وأدمجت بعض الأنواع في بعض وفصلت ما حقه أن يبان وزدته على ما فيه من الفوائد والفرائد والقواعد والشوارد ما يشنف الآذان وسميته ب الإتقان في علوم القرآن وسترى في كل نوع منه إن شاء الله تعالى ما يصلح أن يكون بالتصنيف مفردا وستروى من مناهله العذبة ريا لا ظمأ بعده أبدا وقد جعلته مقدمة للتفسير الكبير الذي شرعت فيه وسميته ب مجمع البحرين ومطلع البدرين الجامع لتحرير الرواية وتقرير الدراية ومن الله استمد التوفيق والهداية والمعونة والرعاية إنه قريب مجيب وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهذه فهرست أنواعه ... «.
ثم قال بعد أن عدَّها (1: 17 ـ 18):» فهذه ثمانون نوعا على سبيل الإدماج ولو نوعت باعتبار ما أدمجته في ضمنها لزادت على الثلاثمائة «.
التعليق:
1 ـ الفرح بالمواطأة من دأب العلماء، فإنَّ ذلك يدل على صحة السلوك في العلم، وعدم الانفراد والشذوذ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/89)
2 ـ ترتيب الإتقان جاء نتيجة لعدد من ترتيبات سابقة له، وذلك في ترتيب البلقيني والزركشي وترتيبه هو في التحبير.
3 ـ عمل السيوطي في الترتيب ـ فيما يراه أنسب من البرهان ـ على:
ـ إدماج بعض الأنواع في بعض.
ـ فصل ما حقُّه أن يُبان.
ـ الزيادة على ما عند الزركشي.
وبهذا صارت الأنواع عنده ثمانين نوعًا، وعند البلقيني خمسين نوعًا، وعنده في التحبير مائة واثنين، وعند الزركشي سبعة وأربعين نوعًا.
4 ـ صلاحية كل نوع من الأنواع بالإفراد في التأليف، مما يعني ثراء هذه الأنواع، وإمكانية التفصيل والزيادة عليها.
5 ـ كما أنه يمكن بفصل هذه الأنواع وتشقيقها أن تصل إلى أكثر من الثلاثمائة، وكذا عمد ابن عقيلة المكي في كتابه الزيادة والإحسان حيث شقَّق وفرَّق ما جمعه السيوطي.
6 ـ أن السيوطي جعل كتابه هذا مقدمة لتفسيره الكبير (مجمع البحرين ومطلع البدرين الجامع لتحرير الرواية وتقرير الدراية)، وكأنه يشير بهذا إلى علاقة علوم القرآن بما يطرحه المفسرون في كتبهم كما مضت إشارة الزركشي له، والله أعلم.
وهذا يقودنا إلى معرفة ما يحتاجه المفسر في صلب التفسير، وإدراك المعنى المراد من الخطاب، وما يحتاجه في مسائل التفسير من علوم تتعلق بالسورة أو بالآية، وإن لم يٌبنَ عليها فهم مباشرٌ في المعنى؛ إلا أنها تُعدُّ من علوم القرآن.
قال السيوطي (1: 18):» وغالب هذه الأنواع فيها تصانيف مفردة وقفت على كثير منها.
ومن المصنفات في مثل هذا النمط وليس في الحقيقة مثله ولا قريبا منه وإنما هي طائفة يسيرة ونبذة قصيرة فنون الأفنان في علوم القرآن لابن الجوزي وجمال القراء للشيخ علم الدين السخاوي والمرشد الوجيز في علوم تتعلق بالقرآن العزيز لأبي شامة والبرهان في مشكلات القرآن لأبي المعالي عزيزي بن عبد الملك المعروف بشيذلة وكلها بالنسبة إلى نوع من هذا الكتاب كحبة رمل في جنب رمل عالج ونقطة قطر في حيال بحر زاخر
وهذه أسماء الكتب التي نظرتها على هذا الكتاب ولخصته منها «.
وذكر أنواعها، وهي: الكتب النقلية، وكتب جوامع الحديث والمسانيد، وكتب القراءات وتعلقات الأداء، وكتب اللغات والغريب والعربية وإعراب، وكتب الأحكام ومتعلقاتها، وكتب الإعجاز وفنون البلاغة، وكتب الرسم، وكتب جامعة، وتفاسير غير المحدِّثين.
التعليق:
1 ـ قوله:» وغالب هذه الأنواع فيها تصانيف مفردة وقفت على كثير منها «. سيذكرها عند كل نوع من هذه الأنواع، وهذا يدل على سعة اطلاعه على الكتب المفردة في هذا العلم الذي قصد جمعه.
2 ـ ذكر بعض الكتب التي جمعت بعض أنواع علوم القرآن، لكنها لم تستوعب، وهذه الكتب هي:
ـ فنون الأفنان لابن الجوزي (ت: 597).
ـ جمال القراء للسخاوي (ت: 643).
ـ المرشد الوجيز في علوم تتعلق بالقرآن العزيز لأبي شامة (ت: 665).
ـ البرهان في مشكلات القرآن لأبي المعالي عزيزي بن عبد الملك المعروف بشيذلة (ت: 494).
وهذه الكتب سبق طرحها في اللقاءات السابقة تحت عنوان (الجمع الجزئي)، وقد فات السيوطي منها بعضها وقد سبق ذكر بعضها في الدروس السابقة.
3 ـ هذه المراجع المتنوعة تدلُّ على أنَّ جمع علوم القرآن جمعًا كليًّا لم يطرأ إلا متأخِّرًا، وكانت تلك المراجع زادًا يتزود به السيوطي لتنظيم أنواع علوم القرآن، وإبراز موضوعاتها ومسائلها.
4 ـ يلاحظ أنه لم يذكر كتب أصول الفقه مع رجوعه إليها في تقرير المباحث المتعلقة بعوارض الألفاظ من تخصيص العام وتقييد المطلق وغيرها.
ملحوظات عامة على السيوطي ومنهجه في كتاب الإتقان:
أولاً: يلاحظ أنه لم يُعن ـ كما لم يُعن غيره من المتقدمين ـ بتعريف علوم القرآن كفنٍّ مدوَّنٍ.
ثانيًا: غلب على السيوطي في كتابه الجمع دون التحرير، فالتحري الموجود ٌليل بالنسبة للمنقول.
ثالثًا: وقع في تشقيق بعض أنواع علوم القرآن مما يمكن أن يكون تحت مسمى واحدٍ.
رابعًا: ذكر بعض أنواع العلوم التي هي من جنس واحدٍ، ولم يستوعب ما يماثلها في الباب.
خامسًا: اختلاف المصطلح الذي استخدمه السيوطي في كتبه الثلاثة:
1 ـ علم التفسير في كتابه (التحبير في علم التفسير)، وكتابه (النُّقاية).
2 ـ علوم القرآن في كتابه (الإتقان في علوم القرآن).
سادسًا: مما يحمد للسيوطي في كتابه هذا:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/90)
1 ـ جمع المتفرق، وهذا مقصد من مقاصد التصنيف.
2 ـ في هذا الجمع حفظ نصوص من كتب مفقودة.
3 ـ ذكر المؤلفات في أنواع علوم القرآن.
4 ـ نسب الكتب إلى مؤلفيها، بحيث يستفاد منه في إثبات الكتاب إلى مؤلفه.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=3281
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 11:34 م]ـ
ملخص في منهج الطبري في تفسيره
--------------------------------------------------------------------------------
الإخوة الكرام:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فأقدم لكم ملخصًا موجزًا يصف طريقة ابن جرير في كتابه، وهو من باب التذكرة، إذ الكلام المفصل على منهج هذا الإمام لا يحتمله هذا المقام، وما لا يُدركُ كله لا يُترك جُلُّه من أجل عدم إدراك الكلِّ.
أملى ابن جرير كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن على تلاميذه من سنة (283) إلى سنة (290)، ثمَّ قُرئ عليه سنة (306)، وقد أطبق العلماء على الثناء على كتابه.
وقد قدَّمَ الطبريُّ لتفسيرِه بمقدمة علميَّةِ حشدَ فيها جملة من مسائل علوم القرآن، منها: اللغة التي نزل بها القرآن والأحرفُ السبعة، والمعربُ، وطرق التفسيرِ، وقد عنون لها بقوله: (القول في الوجوه التي من قِبَلِها يُوصلُ إلى معرفةِ تأويلِ القرآنِ)، وتأويل القرآنِ بالرأي، وذكر من تُرضى روايتهم ومن لا تُرضى في التَّفسيرِ.
ثمَّ ذكر القولَ في تأويلِ أسماء القرآنِ وسورِه وآيه، ثمَّ القول في تأويلِ أسماء فاتحة الكتابِ، ثمَّ القول في الاستعاذةِ، ثُمَّ القول في البسملةِ.
ثمَّ ابتدأ التفسيرَ بسورة الفاتحة، حتى ختم تفسيرَه بسورةِ النَّاسِ.
ـ كان يُجزِّئ الآيةَ التي يُريدُ تفسيرَها إلى أجزاء، فيفسرها جماة جملة، ويعمدُ إلى تفسير هذه الجملة، فيذكر المعنى الجملي لها بعدها، أو يذكره أثناء ترجيحه عن كان هناك خلاف في تفسيرها.
ـ إذا لم يكن هناك خلاف بين أهل التأويل فسَّر تفسيرًا جُمْلِيًا، ثم قال: وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ـ وإذا كان بين أهل التأويل خلاف، فقد يذكر التفسير الجملي، ثم ينص على وجود الخلاف، ويقول: واختلفَ أهلُ التَّأويلِ في تأويلِ ذلكَ، فقال بعضهم فيه نحوَ الذي قلنا فيه
ـ وقد يذكر اختلاف أهل التأويل بعد المقطع المفسَّرِ مباشرةً، ثمَّ يذكر التفسير الجملي أثناء ترجيحه.
ـ ومن عادته أن يُترجمُ لكل قولٍ بقوله: فقال بعضهم ….، ثمَّ يقول: ذكر من قال ذلك، ثمَّ يذكر أقوالهم مسندًا إليهم بما وصله عنهم من أسانيد.، ثمَّ يقول: وقال غيرهم، وقال آخرون …، ثمَّ يذكر أقوالهم، فإذا انتهى من عرضِ أقوالِهم، رجَّحَ ما يراه صوابًا، وغالبًا ما تكون عبارته: قال أبو جعفر: والقول الذي هو عندي أولى بالصواب، قول من قال، أو يذكر عبارة مقاربةً لها، ثمَّ يذكر ترجيحَه، ومستندَه في الترجيحِ، وغالبًا ما يكون مستندُه قاعدةً علميَّة ترجيحيَّةً، وهو مما تميَّزَ به في تفسيرِه.
ـ اعتمدَ أقوال ثلاث طبقات من طبقات مفسري السلف، وهم الصحابة والتابعون وأتباع التابعين، ولم يكن له ترتيب معيَّن يسير عليه في ذكر أقوالهم، وإن كان يغلب عليه تأخير الرواية عن ابن زيد (ت: 182).
ـ ويحرص على ذكر ما ورده عنهم بالإسناد إليهم، ولو تعدَّدت الأسانيد في القول الواحد.
ـ وقد يورد قول الواحد منهم ويعتمده إذا لم يكن عنده غيره.
ـ ولم يخرج في ترجيحاته عن قول هذه الطبقات الثلاث إلا نادرًا، وكان شرطه في كتابه أن لا يخرج المفسر عن أقوال هذه الطبقات الثلاث (ينظر: تفسير الطبري، ط: الحلبي 1: 41).
ـ ولهذا ردَّ أقوال أهل العربية المخالفة لأقوال السلف أدنى مخالفةٍ، ولم يعتمد عليها إلا إذا لم يرد عن السلف في مقطع من مقاطع الآية شيء (ينظر تفسيره للواو في قوله (والذي فطرنا) فقد اعتمد ما ذكره الفراء من احتمالات).
وإذا ذكر علماء العربية فإنه لا يذكر أسماءهم إلا نادرًا، وإنما ينسبهم إلى علمهم الذي برزوا فيه، وإلى مدينتهم التي ينتمون إليها، كقوله:» قال بعض نحويي البصرة «.
وغالب ما يروي عنهم مما يتعلق بالإعراب.
ـ اعتمد الطبري النظر إلى صحة المعنى المفسَّرِ به، وإلى تلاؤمه مع السياق، وقد كان هذا هو المنهج العامَّ في تفسيره، وكان يعتمد على صحة المعنى في الترجيح بين الأقوال.
ـ وكان لا يبين درجة إسناد الآثار إلا نادرًا، ولم يكن من منهجه نقد أسانيد التفسير، كما أنه لم يعمد إلى ما يقال من طريقة: من أسندك فقد أحالك.
ـ وكان ـ في الغالب ـ لا يفرق بين طبقات السلف في الترجيح، وقد يقدم قول أتباع التابعين أو التابعين على قول الصحابي.
ـ وإن كان في بعض المواطن يقدم قول الصحابة، خصوصًا فيما يتعلق بالنُّزول.
ـ يقدم قول الجمهور على قول غيرهم، وقد يعدُّه إجماعًا، ويَعُدُّ القول المخالف لهم شاذًّا.
ـ يَعُدُّ عدم قول السلف بقولٍ دلالة على إجماعهم على تركه، ويرجح بهذه الحجة عنده.
ـ لم يلتزم بالأخذ بقول الصحابي في الغيبيات.
ـ لم يُعْرِضْ عن مرويات بني إسرائيل لأنه تلقاها بالآثار التي يروي بها عن السلف، وقد يبني المعنى على مجمل ما فيها من المعنى المبيِّن للآية (ينظر: تفسير الطبري، ط: الحلبي: 1: 274).
ـ يؤخر أقوال أهل العربية، ويجعلها بعد أقوال السلف، وأحيانًا بعد ترجيحه بين أقوال السلف.
ـ لا يقبل أقوال اللغويين المخالفة لأقوال السلف، ولو كان لها وجه صحيح في المعنى.
هذا ما أردت التنبيه عليه من منهج الطبري، وقد بقي بعض المسائل لعل الله أن يمن بكتابتها ـ خصوصًا ما يتعلق بالقراءات ـ والله الموفق.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=95
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/91)
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 11:37 م]ـ
رأي آخر في الإسرائليات في كتب التفسير
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا الصباح (السبت 2/ 3/1424) كنت أود أن أُتحف هذا الملتقى الرائع بموضوع، فتذكرت كلامًا كنت علَّقته على موضوع الإسرائيليات أثناء شرحي لرسالة شيخ الإسلام في أصول التفسير ـ أسأل الله أن ييسر طباعتها ـ فرأيت أن أنقل لكم ما شرحت به كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى. ولما نظرت إليه وجدته طويلاً جدَّا، فأعتذر لكم سلفاً عن هذا الطول الذي قد ينسي آخرُهُ أولَه في مثل صفحات ملتقى أهل التفسير على الإنترنت.
وأفيدكم أني قد وجدت ما كتبه الأخ الفاضل أبو بيان زاده الله بيانًا، فأعجبني طرحه، إذ الموافقة بين ما سأطرحه وما طرحه متمثلة في شيء كثير، والحمد لله على مثل هذه المواطآت العلمية التي تريح الباحث حينما يجد أن غيره ـ بلا مواطأة واتفاق مسبق ـ قد توصل إلى ما توصل إليه هو.
كما أشكر الأخ الفاضل أحمد البريدي الذي طرح سؤالاً في سلسلته في هذا الملتقى (مشكل التفسير) حول أثر ابن عباس في النهي عن سؤال أهل الكتاب، وقد وعدته بالإجابة على هذا الأثر أثناء لقاء تمَّ بيننا، كما أنَّ في حديثي هذا إجابة أخرى عنه.
وهذا أوان الشروع في الحديث عن الإسرائيليات، وهو مجتزءٌ من حديثٍ قبله.
.......
أولاً: أن بعض أخبار بني إسرائيل منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً صحيحًا، ولا ريب في قبول هذه الأخبار، حتى لو كانت فيما لا يقوم عليه علم أو عمل، كاسم صاحب موسى أنه الخَضِرُ.
ثانياً: أنَّ أخبار بني إسرائيل على ثلاثة أحوال:
- أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح.
- والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه. والضابط في القبول والردِّ في هذا هو الشرع، فما كان موافقًا قُبِلَ، وما كان مخالفًا لم يُقبل.
ويدل لذلك أمثلة، منها ما رواه الطبري (ت: 310) عن سعيد بن المسيب، قال: قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود: أين جهنم؟
فقال: البحر.
فقال: ما أراه إلا صادقًا، (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ)، (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ) مخففة «[تفسير الطبري، ط: الحلبي (27: 18)]. فصدَّقه أمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه؛ لوجود ما يشهد له من القرآن.
وما رواه البخاري (ت: 256)، قال: وقال أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار، فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب. صحيح البخاري ج: 6 ص: 2679
وقد يقع الردُّ من بعض الناس لبعض الإسرائيليات بدعوى مخالفة الشرع، ولا يكون ذلك صحيحًا في الحقيقة؛ لأنَّ ما ينسبه إلى الشرع قد لا يكون صحيحًا، بل هو رأي عقلي محضٌ وقع فيه شبه عنده أنه من الشرع، ويظهر ذلك جليًا فيما يتعلق بعصمة الأنبياء، إذ معرفة حدود هذه العصمة قد دخله التخريج العقلي، والتأويل المنحرف بدعوى تنْزيه الأنبياء، فظهر بذلك مخالفة ظاهر القرآن.
- والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه.
ويلاحظ في هذا القسم أنه تجوز حكايته، وعلى هذا عمل السلف في التفسير وغيره، ولم يقع النكير على هذا بينهم إلا بسبب الإكثار من الرجوع إليهم، أو بسبب تصديقهم فيما يقولون. كما يلاحظ أنَّ غالب هذا القسم مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني.
وهذه الأخبار قد تكون منقولة عن الصحابة، وما كان كذلك فالنفس إليه أسكن، وقد تكون منقولة عن التابعين، وهذا النقل أقل في القبول من المنقول عن الصحابي لاعتبارات، منها:
1 ـ أنَّ المنقول عن الصحابة أقل من المنقول عن التابعين.
2 ـ احتمال أن يكون رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عمن أخذها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
3 ـ أن جزم الصحابي بما يقوله لا يتصور معه أنه نقله عن بني إسرائيل.
ويلاحظ هنا أنَّ ضابط العقل أو الغرابة ليس مما يُتفقُ عليه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/92)
ففي تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) الأحزاب: 69، ورد الخبر الآتي:
إن موسى كان رجلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا، لا يُرَى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستَتِر هذا التستر إلا من عيب بجلده: إما برصٌ، وإما أُدْرَةٌ، وإما آفةٌ.
وإن الله أراد أن يُبَرِّئه مما قالوا لموسى، فَخَلا يومًا وحده، فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عَدَا بثوبه، فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عُرْيانا أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون.
وقام الحجر، فأخذ ثوبه، فلبسه، وطَفِقَ بالحجر ضربًا بعصاه، فوالله إن بالحجر لندبًا من أثر ضربه ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا، فذلك قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) الأحزاب: 69.
فهذا الخبر لا تخفى غرابته، وقد لا يحتمل العقل تصديقه، لكن إذا علِمت أنه خبر صحيح مرويٌّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري (ت: 256) وغيره = سلَّمت لذلك الخبر، وأدركت أنه خبر حقيقي واقع، مع ما فيه من الغرابة.
وليس يعني هذا أن يُقبل كل خبرٍ مع ما فيه من الغرابة، لكن المراد أنَّ الغرابة ليست ضابطًا كافيًا في ردِّ مثل هذه الأخبار، والله أعلم.
ومن الأمور التي يحسن التنبه لها أنَّ رواية السلف للإسرائيلية ـ خصوصًا الصحابة ـ لا يعني قبول ما فيها من التفاصيل، ومرادهم بها بيان مجمل ما ورد في القرآن بمجل ما ذُكِرَ في القصة، دون أن يلزم ذكرهم لها إيمانهم بهذه التفاصيل التي تحتاج في نقلها إلى سند صحيح، وذلك عزيز جدًّا فيما يرويه بنو إسرائيل في كتبهم
وقد ورد عنهم أنهم يميزون كذبها ويعرفونه، ولا يصدقون كل ما يُروى لهم من الإسرائيليات، وإن كان الذي يذكرها لهم محله الصدق عندهم، ومن ذلك ما ورد في خبر الخليفة معاوية بن أبي سفيان.
قال البخاري (ت: 256): وقال أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار، فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب صحيح البخاري ج: 6 ص: 2679
قال ابن حجر:» وقال ابن حبان في كتاب الثقات: أراد معاوية أنه يخطئ أحيانا فيما يخبر به، ولم يُرِدْ أنه كان كذابًا.
وقال غيره: الضمير في قوله لنبلو عليه للكتاب لا لكعب، وإنما يقع في كتابهم الكذب؛ لكونهم بدَّلوه وحرَّفوه.
وقال عياض: يصح عوده على الكتاب، ويصح عوده على كعب وعلى حديثه، وإن لم يقصد الكذب ويتعمده؛ إذ لا يشترط في مسمى الكذب التعمد، بل هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، وليس فيه تجريح لكعب بالكذب.
وقال ابن الجوزي: المعنى: إن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذبًا، لا أنه يتعمد الكذب، وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار «[فتح الباري (13: 335)]
بعض الأمور التي تتعلق بالإسرائليات:
إن من يستقري الإسرائيليات التي وردت عن السلف، سيجد الأمور الآتية:
1 ـ أنها أخبار لا يبنى عليها أحكام عملية.
2 ـ أنه لم يرد عن السلف أنهم اعتمدوا حكمًا شرعيًا مأخوذًا من روايات بني إسرائيل.
3 ـ أنه لا يلزم اعتقاد صحتها، بل هي مجرد خبر.
4 ـ أنَّ فيها ما لم يثبت عن الصحابة، بل عن من دونهم.
5 ـ أن تعليق الأمر في بعض الإسرائيليات على أنه لا يقبلها العقل أمر نسبي، فما تراه أنت مخالف للعقل، قد يراه غيرك موافق للعقل.
6 ـ أن الكثرة الكاثرة في هذه الإسرائيليات لا يوضح أمرا يتعلق بالتفسير بل يكون التفسير واضحا بدونها وقد يكون معلوما من حيث الجملة والإسرائيلية لاتفيد فيه زيادة ولا قيد.
7 ـ أن هذه الإسرائيليات من قبيل التفسير بالرأي.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/93)
إن كون الإسرائيليات مصدرًا يستفيد منه المفسر في حال بيان معنى كلام الله لا يعني أن تقبلَ كلَّ ما يُفسَّر به هذا من طريق هذا المصدر، فهذه الإسرائيليات كالتفسير باللغة، وليس كل ما فسِّر به من جهة اللغة يكون صحيحًا، وكذلك الحال هنا.
ولما كان التفسير بالرأي قد يقع في ربط آية بآية، وربط حديث بآية، فكذلك يقع بربط قصة إسرائيلية بآية، مع ملاحظة الفرق بين هذه المصادر من جهة قوة الاعتماد عليه، والوثوق به من حيث هو، لا من حيث الربط الذي يكون بالاجتهاد، والاجتهاد قد لا يصح ولو كان من باب تفسير آية بآية.
وإذا كان المراد بالتفسير بيان المعنى، فاعتبر الإسرائيلية مثالاً في التفسير لبيان المعنى، وليست حاكمة على النص القرآني، ولا قاطعةً بهذا المعنى دون غيره من المعاني المحتملة، ولست ملزمًا بقبولها.
ولاحظ أن بعض الآية التي فُسِّرت بالإسرائيليات معروفة المعنى على جهة الإجمال، والمراد بها واضح لا لبس فيه، لكن يقع المراد بتعيين هذا المجمل، هل هو ما جاء في القصة الإسرائيلية، أو هو غير ذلك.
وإذا جعلت نظرك إلى أصل القصة دون تفاصيلها التي لا يمكن أن تضبط من طريق الإسرائيليات، واعتبرت هذا الجزء الجملي فيها، وجعلته مما يوضح معنى الآية، كما يمكن أن توضحه بأي قصة أخرى ترد عليك، فإنك تسلم من إشكالية القول بالاعتماد على الإسرائيليات، وإني لأرجو أن يكون هذا هو منهج السلف في هذه الإسرائيليات، وأنهم يستشهدون بها، ولا يعتمدون عليها، والله أعلم.
ولأضرب لك مثالاً يُحتذى، وهو ما ورد في تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ) [ص: 34].
قال ابن كثير:» قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم يعني شيطانا ثم أناب أي رجع إلى ملكه وسلطانه وأبهته قال ابن جرير وكان اسم ذلك الشيطان صخرا قاله ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة وقيل آصف قاله مجاهد وقيل صرد قاله مجاهد أيضا وقيل حقيق قاله السدي وقد ذكروا القصة مبسوطة ومختصرة «. تفسير ابن كثير ج: 4 ص: 35
ثم ذكر القصة عن بعض السلف، ثم قال:» وأرى هذه كلها من الإسرائيليات، ومن أنكرها ما قاله ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالوا حدثنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (وألقينا علىكرسيه جسدا ثم أناب) قال أراد سليمان عليه الصلاة والسلام أن يدخل الخلاء فأعطى الجرادة خاتمه وكانت الجرادة امرأته وكانت أحب نسائه إليه فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها هاتي خاتمي فأعطته إياه فلما لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين فلما خرج سليمان عليه السلام من الخلاء قال لها هاتي خاتمي قالت قد أعطيته سليمان قال أنا سليمان قالت كذبت ما انت بسليمان فجعل لا يأتي أحدا يقول له أنا سليمان إلا كذبه حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة فلما / رأى ذلك سليمان عرف أنه من أمر الله عز وجل قال وقام الشيطان يحكم بين الناس فلما أراد الله تبارك وتعالى أن يرد على سليمان سلطانه ألقى في قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان قال فأرسلوا إلى نساء سليمان فقالوا لهن تنكرن من سليمان شيئا قلن نعم إنه يأتينا ونحن نحيض وما كان يأتينا قبل ذلك فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له ظن أن أمره قد انقطع فكتبوا كتبا فيها سحر وكفر فدفنوها تحت كرسي سليمان ثم أثاروها وقرءوها على الناس وقالوا بهذا كان يظهر سليمان على الناس ويغلبهم فأكفر الناس سليمان عليه الصلاة والسلام فلم يزالوا يكفرونه وبعث ذلك الشيطان بالخاتم فطرحه في البحر فتلقته سمكة فأخذته وكان سليمان عليه السلام يحمل على شط البحر بالأجر فجاء رجل فاشترى سمكا فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فدعا سليمان عليه الصلاة والسلام فقال تحمل لي هذا السمك فقال نعم قال بكم قال بسمكة من هذا السمك قال فحمل سليمان عليه الصلاة والسلام السمك ثم انطلق به إلى منزله فلما انتهى الرجل إلى بابه أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فأخذها سليمان عليه الصلاة والسلام فشق بطنها فإذا الخاتم في جوفها فأخذه فلبسه قال فلما لبسه دانت له الجن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/94)
والانس والشياطين وعاد إلى حاله وهرب الشيطان حتى لحق بجزيرة من جزائر البحر فأرسل سليمان عليه السلام في طلبه وكان شيطانا مريدا فجعلوا يطلبونه ولا يقدرون عليه حتى وجدوه يوما نائما فجاءوا فبنوا عليه بنيانا من رصاص فاستيقظ فوثب فجعل لا يثب في مكان من البيت إلا انماط مع الرصاص قال فأخذوه فأوثقوه وجاءوا به إلى سليمان عليه الصلاة والسلام فأمر به فنقر له تخت من رخام ثم أدخل في جوفه ثم سد بالنحاس ثم أمر به فطرح في البحر فذلك قوله تبارك وتعالى ولقد فتنا سليمان والقينا على كرسيه جسدا ثم أناب يعني الشيطان الذي كان سلط عليه.
إسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قوي، ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس رضي الله عنهما ـ إن صح عنه ـ من أهل الكتاب، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه الصلاة والسلام، فالظاهر أنهم يكذبون عليه [إن كذب اليهود على أنبياء الله أمر ظاهر لمن قرأ أسفارهم، وهم يتعمَّدون الحطَّ من مقام الأنبياء ليسلم لهم ما يرتكبونه من الذنوب، وكأنهم يريدون أن يقولوا: إن هذا مما لم يسلم منه الأنبياء فضلا عمن هو دونهم. ومن العجيب من أخبارهم أنهم يصفون داود بالملك دون النبي، وهم يتجاهلون وصفه بالنبوة عن قصد؛ إما لأن زمنه هو الزمن الذي عزَّ فيه اليهود، وصاروا ذوي شأن وبسطة، وإما لأن يجعلوا ما يصفونه به زورًا وبهتانًا محطًّا لهم في الاقتداء به متى شاءوا، أو تركه متى شاءوا؛ لأنه ليس بنبي.
هذا، ومفهوم النبوة وما يتعلق بها من الأوصاف التي كانوا يطلقونها على بعض الأنبياء ـ كالكاهن وغيره ـ مما يحتاج إلى بحث لمعرفة أثر هذا المفهوم على اعتقادهم وعملهم]
ولهذا كان في هذا السياق منكرات من أشدها ذكر النساء، فإن المشهور عن مجاهد وغير واحد من أئمة السلف أن ذلك الجني لم يسلط على نساء سليمان، بل عصمهن الله عز وجل من تشريفا وتكريما لنبيه عليه السلام.
وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف رضي الله عنه كسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم وجماعة آخرين وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب «.تفسير ابن كثير ج: 4 ص: 36تفسير ابن كثير ج: 4 ص: 37
وقد أورد البخاري في ترجمة سليمان عليه السلام من أخبار الأنبياء في صحيحه تفسير الجسد بالشيطان، وأورد أيضًا الحديث الآتي:
حدثنا خالد بن مخلد حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة؛ تحمل كل امرأة فارسًا يجاهد في سبيل الله.
فقال له صاحبه: إن شاء الله، فلم يقل، ولم تَحْمِل شيئًا إلا واحدًا ساقطًا أحد شقيه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قالها لجاهدوا في سبيل الله.
قال شعيب وابن أبي الزناد تسعين، وهو أصح «. صحيح البخاري ج: 3 ص: 1260
وقد حكى الثعلبي (ت: 427) أنَّ بعض المفسرين جعل هذا الحديث تفسيرًا للجسد في الآية. [الكشف والبيان (8: 206 ـ 207)]
تحليل التفسير:
إنَّ أمامك في هذه الآية عددًا من الروايات الإسرائيلية الواردة عن السلف، ومعها خبرٌ صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر هنا هو النظر في معنى الآية، والمراد بالفتنة التي فتنها سليمان عليه السلام، وليس النظر هنا إلى صحة الأخبار، وإنما إلى صحة حمل هذه الأخبار على فتنة سليمان عليه السلام، لبيان ما وقع فيه سليمان عليه السلام.
فأيهما أولى: التفسير بمجمل الروايات التي وردت عن السلف، أو التفسير بهذا الحديث الوارد في أخبار سليمان عليه السلام؟
إن حمل الآية على هذا أو ذاك من باب الرأي، لكن أيهما أنسب في فهم الآية، وسياقها؟
إنَّ مجمل الأخبار التي حكاها المفسرون أنَّ الشيطان سُلِّط على سليمان عليه السلام، وأنه بلغ من تسليطه أن سلبه ملكه، وأنكره الناس، حتى عاد إليه ملكه وانتقم من هذا الشيطان العاتي.
وعلى هذا المجمل وردة روايات المفسرين، وهو قول الجمهور منهم، حتى إنه لا يكاد يوجد خلاف بين السلف على هذا المجمل من القصة، والسياق يشير إليه، وذلك لأنه لما طلب المُلْكَ الذي لا ينبغي لأحد من بعده، كان منه تحكمه في الشياطين، ولم يكن قبل فتنه معصومًا عن تسلطهم عليه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/95)
وليس في هذا الأمر غرابة؛ لأن الله يبتلي عباده بما يشاء، ويبتلى الرجل على قدر دينه، وكون الله قد قدَّر تسلط بعض الشياطين على الأنبياء، فإن ذلك مما لا ينكره إلا من تجرَّد من قبول الأخبار، إذ قد صح الخبر بلا نكير أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سُحِرَ، وكان سحره فيما يتعلق ببشريته دون نبوته، وما السحر إلا تسلط من الشيطان، وكان ذلك من البلاء الذي قدَّره الله على أفضل خلق صلى الله عليه وسلم، ثمَّ نجَّاه منه.
فإذا كان هذا مستقرًا عنك بلا نكير، ولم تكن ممن يرد الأخبار الصحاح التي وردت في مثل هذا المقام، فمالذي يدعوك إلى إنكار أصل القصة التي وردت في فتنة سليمان، وأنه كان فيها تسليط للشيطان عليه، لكن ما مدى هذا التسليط، وما التفاصيل التي حصلت، فهذا مما لا يمكن إدراكه إلا بخبر معصوم، والخبر المعصوم ليس موجودًا في هذه الروايات، لذا كان انتقاد هذه التفاصيل دون أصلها.
أما ما رواه البخاري (ت: 256) من خبر سليمان عليه السلام، فلا يصلح أن يكون تفسيرًا للآية، قال الطاهر بن عاشور (ت: 1393):» وليس في كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك تأويل هذه الآية. ولا وضع البخاري ولا الترمذي الحديث في التفسير في كتابيهما.
قال جماعة: فذلك النصف من الإنسان هو الجسد الملقى على كرسيه، جاءت به القابلة، فألقته له وهو على كرسيه، فالفتنة على هذا خيبة أمله، ومخالفة ما أبلغه صاحبه.
وإطلاق الجسد على ذلك المولود؛ إما لأنه وُلِدَ ميتًا، كما هو ظاهر قوله: شق رجل، وإما لأنه كان خلقه غير معتاد، فكان مجرد جسد.
وهذا تفسير بعيدٌ؛ لأن الخبر لم يقتض أن الشقَّ الذي ولدته المرأة كان حيًّا، ولا أنه جلس على كرسي سليمان.
وتركيب هذه الآية على ذلك الخبر تكلُّف «. [التحرير والتنوير (23: 260)]
وبعد هذا، لو لم يكن عندك خبر من أخبار بني إسرائيل، ولا غيره من الآثار، فهل يخفى عليك البيان الجملي، والمعنى المراد بالآية؟
لا أظنَّ أن ذلك يخفى عليك، فأنت ستدرك المعنى والمراد دون الاعتماد على مرويات بني إسرائيل التي تتميز بذكر تفاصيل في القصة قد تزيد المعنى وضوحًا، دون أن تكون أصلاً في فهم المعنى.
ويصعب الأمر في تفسير الآية حين لا يرد عن السلف إشارة إلى غير الإسرائيليات، وفيها ما فيها من الغرابة والنكارة، ومن ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ % إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ % إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ % قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ % يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) ص: 21 ـ 26
قال ابن كثير (ت: 774):» قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذة من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديث لا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه.
ويزيد، وإن كان من الصالحين، لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة، فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة، وأن يرد علمها إلى الله عز وجل، فإن القرآن حق، وما تضمن فهو حق أيضًا «. [تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، تحقيق: سامي السلامة (7: 60)]
ولم يتكلم ابن كثير (ت: 774) على هذه الآيات، ولا ذكر قصتها. وما ذلك إلا لكونها مشكلة عنده رحمه الله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/96)
أما القصة، فقد ذكرها غيره، وهم كثير، ومن رواياتها:
قال الطبري (ت: 310):» حدثني محمد بن سعد قال ثني أبي قال ثني عمي قال ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله: (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) قال: إن داود قال: يا رب قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما لوددت أنك أعطيتني مثله.
قال الله: إني ابتليتهم بما لم أبتلك به، فإن شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم به وأعطيتك كما أعطيتهم.
قال: نعم.
قال له: فاعمل حتى أرى بلاءك.
فكان ما شاء الله أن يكون، وطال ذلك عليه، فكاد أن ينساه، فبينا هو في محرابه، إذ وقعت عليه حمامة من ذهب، فأراد أن يأخذها، فطارت إلى كوة المحراب، فذهب ليأخذها، فطارت، فاطَّلع من الكوة، فرأى امرأة تغتسل، فنَزل نبي الله من المحراب، فأرسل إليها، فجاءته، فسألها عن زوجها وعن شأنها، فأخبرته أن زوجها غائب، فكتب إلى أمير تلك السرية: أن يؤمره على السرايا؛ ليهلك زوجها، ففعل، فكان يصاب أصحابه وينجو، وربما نُصروا، وإن الله عز وجل لما رأى الذي وقع فيه داود أراد أن يستنقذه، فبينما داود ذات يوم في محرابه إذ تسوَّر عليه الخصمان من قِبَلِ وجهه، فلما رآهما وهو يقرأ فزع وسكت.
وقال: لقد استُضعفت في ملكي حتى إن الناس يستورون علي محرابي.
قالا له: لا تخف، خصمان بغى بعضنا على بعض، ولم يكن لنا بُدٌّ من أن نأتيك، فاسمع منا.
قال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة أنثى، ولي نعجة واحدة، فقال: أكفلنيها؛ يريد أن يُتَمِّمَ بها مئة، ويتركني ليس لي شيء، وعزني في الخطاب.
قال: إن دعوتُ ودعا كان أكثر، وإن بطشتُ وبطش كان أشد مني، فذلك قوله: (وعزني في الخطاب).
قال له داود: أنت كنت أحوج إلى نعجتك منه (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) إلى قوله: (وقليل ما هم)، ونسي نفسه، فنظر الملكان أحدهما إلى الآخر حين قال ذلك، فتبسم أحدهما إلى الآخر، فرآه داود، وظن أنما فُتِنَ، فاستغفر ربه، وخَرَّ راكعًا، وأناب أربعين ليلة حتى نبتت الخضرة من دموع عينيه، ثم شدد الله له ملكه «. [تفسير الطبري، ط: الحلبي (23: 146)]
هذه أخفُّ الروايات في شأن هذا الابتلاء الذي أصيب به داود عليه السلام، وهي كما ترى فيها ما فيها.
وورد في الروايات الأخرى أنَّ الرجل قُتِلَ في الغزو بسبب طلب داود من أمير حربه أن يجعله ممن يتقدمون بالتابوت؛ لأنَّ من يتقدم به لا يجوز له أن يفر حتى يموت أو يضعه بين يدي العدو وينجو، وإن كان الغالب على حملة التابوت الموت.
فلما تقدم الرجل بالتابوت كان ممن مات، فلما انتهت عِدَّةُ امراته تقدم إليها داود عليه السلام فتزوجها.
حاشية: [ينظر ـ على سبيل المثال ـ في هذه القصة: تفسير الطبري، ط: الحلبي (23: 147 ـ 150)، ويلاحظ أن الرواية الإسلامية لهذه الإسرائيلية قد خلت من البهتان الذي ألصقته يهود بنبي الله داود من أنه زنى بالمرأة ـ والعياذ بالله ـ وزوجها في الغزو، ثم أنه
قدمه في حملة التابوت ... القصة.
فهذا من البهتان العظيم الذي يستحيا من ذكره في حقِّ أصفياء الله، وإنما أوردته لأنه يُظهِر أن الذين نقلوا الإسرائيليات لم ينقلوا كل ما فيها من البهتان، والله أعلم.]
وهذا الخبر مشهور في بني إسرائيل، وهو في أسفارهم كما هو مروي عن السلف، لكن من دون ذكر اتهامه عليه السلام بشنيعة الزنا، وظاهر أن السلف تلقوه منهم، وأنهم لم يذكروا هذه التهمة الباطلة.
وجائز أن يكون للقصة أصل صحيح، لكن زيد عليها زيادات أبعدتها عن الصحة، وليس ذلك بغريب على أمة قتلت الأنبياء وكذبت عليهم، هذا فضلا عن تقادم العهد، وعدم تدوين مثل هذه الأخبار وقت وقوعها ولا بُعيده، مما يعطي فرصة لدخول مثل هذه التفاصيل الغريبة.
ولو أُخِذَ الأمر على أنه أراد أن تكون هذه المرأة زوجةً له، وأنه تمنى أن لو قُتِلَ زوجها في سبيل الله، ولكن الله لم يقدِّر له الموت، كما هو ظاهر الرواية السابقة عن ابن عباس (ت: 68)، فأرسل الله له الملائكة على صورة المختصمين في أمر النِّعاج ـ وهي إشارة للزوجات ـ ليُبَيِّنوا له ما وقع فيه من الخطأ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/97)
وهذا القدر يدخل في النطاق البشري، ولا يوجد ما يمنع وقوعه من النبي سوى الرأي بأنه مما يُخلُّ بالمروءة، وقد يكون هذا الأمر مما يجوز في شريعتهم، فالشرائع تختلف.
وداود عليه السلام لم يقتله، ولا أمر بذلك، وإنما كان هو في الغزو، والغزاة إنما يذهبون للجهاد، وهم متيقنون بالموت.
والموت في سبيل الله شرف يطلبه كل مسلم، فقدَّمه لذلك الشرف حرصًا منه على هذه المرأة، فكان في ذلك الخطأ، والله أعلم.
ولقد كان داود غنيًا عن مثلها، لكن الله ابتلاه، ولله أن يبتلي عباده بما شاء، فأي مانع من أن تكون البلوى على هذه الصورة؟
هذا، والله أعلم بما كان. ولو كان، فهل يلزم أن تكون هذه القصة هي المرادة من هذه الآيات.
خذ الآيات على ظاهرها، وفسِّرها بهذا الظاهر، دون أن يكون في ذهنك مثل هذه القصة، ماذا سيكون التفسير؟
يقول الله تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ) ص: 21؛ أي: هل جاءك خبر من بني إسرائيل حين قفزوا إلى بيت داود، ودخلوا عليه، وهو في مكان عبادته.
ولو كانوا ملائكة لما احتاجوا أن يقفزوا، فكان في قوله تعالى: (تسوروا المحراب) إشارة واضحة أنهم من البشر، كما أنَّ في الإخبار عنهم أنهم خصمة إشارة إلى وقوع أمر يتخاصمون عليه، وهو شأن هذه الغنم، وأنهم لم يكن لهم بدُّ من فعل ذلك الأمر المشين، وهو تسور المحراب على داود، وليس ذلك الخُلقُ بغريب على قَتَلَتِ الأنبياء.
فالموضوع في نظرهم لا يستحق بلغ درجة لا يُحتمل معها الانتظار، ففعلوا ما فعلوا، ولم يراعوا حرمة بيت داود، ولا وقته الذي لم يكن فيه مستعدًّا لتلقي الخصوم.
ولا زال حال بعض الناس اليوم على هذا، فتراه يتصل على المفتي في أي ساعة من ليل أو نهار يطلب الفتوى، وليس في نظره همُّ ولا شغل غيرها، وهو غير مراع لآداب الوقت، والمناسب منه في طلب الفتوى.
قوله تعالى: (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ) ص: 22.
لقد كان من الطبعي أن يخاف داود عليه السلام هؤلاء الداخلين عليه محرابه في ساعة لا يستقبل فيها أحدًا، لكنهما بادراه بما يريدان، وهو ما شغلهم، وجعلهم يأتونه في هذا الوقت الغريب، وأعلماه بأنهما متخاصمان، وطلبا منه على سجية بني إسرائيل المتعنتة أن يحكم بينهم بالحق ولا يميل مع أحدهما على الآخر، وأنَّى لنبي الله داود عليه السلام الذي أوتي الحكمة وفصل الخطاب أن يَحيف على المتخاصمين، لكنها هِنَةٌ من أخلاق بني إسرائيل الذين قالوا لموسى، وهو يأمرهم أن يذبحوا البقرة: (أتتخذنا هزوا) البقرة: 67، وأنَّى لنبي الله موسى أن يهزأ.
قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) ص: 23
هذه هي الخصومة، خصومة بين صاحبي نعاج، وهي نعاج حقيقة، فمجتمع داود عليه السلام مجتمع رعوي زراعي، يدل على ذلك تلك الخصومة التي ذكره الله سبحانه في سورة الأنبياء بين أصحاب الغنم وأصحاب الحرث، قال تعالى: (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ) الأنبياء: 78
وهذه المشكلة حصلت بين أصحاب الماشية، ولتصور الحدث أحكي لك واقع الحدث تخيُّلاً لا تحقيقًا؛ لتقريب تلك الصورة التي وقعت:
هذان جاران، أحدهما يملك تسعة وتسعين نعجة، والآخر يملك نعجة واحدة، ومن عادة أهل القرى أن تسرح ماشيتهم مع الراعي حتى المساء، فإذا عادت في المساء دخلت تلك النعجة المنفردة مع نعاج صاحبه الكثيرة.
ثمَّ يأتي صاحب النعجة ليخرج نعجته من بين نعاج صاحبه، فتخيل ماذا يحدث من إزعاج صاحب النعاج كل ليلة حينما يدخل صاحب النعجة ليخرج نعجته من بين تلك النعاج.
لما كان الحال كذلك، قال له صاحب النعاج: أكفلنيها؛ أي: اجعلها في كفالتي، تبقى مع نعاجي، وتأكل وتشرب، دون أن تزعجني كل ليلة وتزعج نعاجي.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/98)
لكن صاحب النعجة رجل مُتَعَنِّتٌ، ضيِّق الفهم، فركب رأسه ورأى أنَّ في هذا تجنٍ عليه، ومضايقة له في نعاجه، وكان رجلاً خَصِمًا، فخاصم، وكان هو المتحدث عند داود عليه السلام، فانطلق في الشكاية، وأظهر أنه صاحب حقٍّ، مع أن صاحبه يريد أن يَبَرَّه، ولم يزد عن قوله: أكفلنيها، ولكنه زعم أن صاحب النعاج قد غلبه في الخطاب والمخاصمة.
ثمَّ تكلَّم داود مستعجلاً في الحكم في القضية قبل أن يسمع حجة الرجل الآخر، فقال: (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ) ص: 24، وبهذا الاستعجال، وعدم سماع الخصم الآخر، وقع داود في ما يستحق عليه المعاتبة، ثم استدرك عجلته في القضية، فأدرك أنها الفتنة التي اختبره الله بها، فاستغفر ربه، وخر راكعً منيبًا لربه.
ثم قال الله معقبًا على قضية الخصوم: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) ص: 26، فالمقدمة للقصة، وتضاعيفها وتعقيبها كله في الحكم والقضية، ولا يظهر لأمر المرأة شيء، فقد جاءت المقدمة منوهةً بما أعطى الله داود من الحكمة وفصل الخطاب في قوله تعالى: (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) ص: 20، ثم ذكر بعدها قضية الخصوم الذين تسوروا المحراب، ثمَّ عقَّب بتذكير داود بأن الله جعله خليفة في الأرض وأمره له بأن يحكم بين الناس بالحق، هذا هو ظاهر الآيات، والله أعلم بالصواب.
مسائل تتعلق بالإسرائليات:
أولاً: تعليق الأمر بالإسرائيلية دون راوي الإسرائيلية.
إن الخبر الغيبي إذا كان مرتبطًا بقصص بني إسرائيل على سبيل الخصوص، فإن الأولى أن يقال فيه: فيه شبه الخبر الإسرائيلي، حتى يتوقف فيه، دون أن يكون التعليق على راوي الخبر، فلا يقال: يتوقف فيه لأنه من رواية ابن عباس (ت: 68)، وهو مشهور بالأخذ عن أهل الكتاب؛ لأن هذا يلزم منه التوقف في كل خبر غيبي يرويه ابن عباس (ت: 68)، إذ سيقال: يتوقف في هذا النقل؛ لأن ابن عباس (ت: 68) يروي عن بني إسرائيل، وعند التحقيق لا تجد الأمر كذلك.
والوارد عن الصحابة له خصوصية، كما قال شيخ الإسلام (ت: 728):» ... وما نُقِل في ذلك عن الصحابة نقلاً صحيحًا، فالنفس إليه أسكن مما نُقِل عن بعض التابعين؛ لأن احتمال أن يكون سمعه ومن النبي صلى الله عليه وسلم أو من بعض من سمعه منه أقوى، ولأن نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين، ومع جزم الصحابي بما يقوله، كيف يقال: إنه أخذه عن أهل الكتاب، وقد نُهوا عن تصديقهم «. [مقدمة في أصول التفسير، تحقيق: عدنان زرزور (ص: 58)]
وابن عباس (ت: 68) قد اشتهر أخذه عن بني إسرائيل، وصحَّ عنه بعض الأمور الغيبية، فلو عُمِلَ بهذه القاعدة لما قٌبِلَ قوله فيها، ولكنَّ الأمر على خلاف ذلك، فقد قُبِلَ قوله، وأُخِذَ به، ومن ذلك ما ورد عنه في الكرسي، قال عبد الله بن احمد بن حنبل: حدثني أبي، نا ابن مهدي، عن سفيان، عن عمار الدُّهْنِي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره «. [السنة (2: 454)، وقد روي في غير ما كتاب من كتب السنة]
فإذا أعملت هذه القاعدة، وهي أن من عُرِفَ بالأخذ عن بني إسرائيل، وكنت ممن ظهر له أن ابن عباس (ت: 68) قد أخذ عنهم، فإنك ستتوقف في دلالة هذا الخبر، وهذا ما لم يعمل به أهل السنة، بل تلقوا خبره بالقبول، وأثبتوا به هذه العقيدة التي يتضمنها الخبر.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/99)
وأخذ ابن عباس (ت: 68) عن أهل الكتاب مما لا يحتاج إلى إثبات، لكن الأمر الذي يحتاج إلى بحث ما ورد عنه في صحيح البخاري (ت: 256)، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد، أخبرنا ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل إليكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث، تقرءونه محضًا لم يُشَبْ، وقد حدَّثكم أن أهل الكتاب بدَّلوا، وغيَّروا، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلاً، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، لا والله، ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذى أنزل إليكم «.
فما مراده من هذا النهي؟
لقد حرصت على تتبع هذا الأثر عن ابن عباس لعلي أظفر بشرح يبين مقصوده، لكني لم أظفر بشيء في ذلك، وقد اجتهدت في تبيُّن الاحتمالات التي جعلت ابن عباس (ت:68) يقول هذا، مع أنه قد ورد عنه الأخذ عن بني إسرائيل، فظهر لي منها:
أولاً: أن يكون يريد الأحكام والعقائد دون غيرها من الأخبار؛ لأن هذين الأمرين لا يجوز أن يؤخذا عن غير المعصوم في خبره.
أما الأخبار الأخرى فإنها مما لا يلزم تصديقه ولا تكذيبه، ولا يُبنى عليها علم، وليس فيها هدى، قال ابن كثير (ت: 747):» ثم ليعلم أن أكثر ما يتحدثون به غالبه كذب وبهتان لأنه قد دخله تحريف وتبديل وتغيير وتأويل وما أقل الصدق فيه ثم ما أقل فائدة كثير منه لو كان صحيحا قال ابن جرير 213 حدثنا ابن بشار أبو عاصم أخبرنا سفيان عن سليمان ابن عامر عن عمارة بن عمير عن حريث بن ظهير عن عبد الله هو ابن مسعود قال لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل فإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وفي قلبه تالية تدعوه إلى دينه كتالية المال «.
ثانيًا: أن يكون رأيًا متأخرًا له.
ثالثًا: أنه رأى كثرة الرجوع إليهم، فأراد أن يسد هذا الباب.
ثانيًا: معرفة المصدر الذي نقلت منه الإسرائيلية.
ثالثًا: الموقف من كتب التفسير التي تروي الإسرائيليات.
لا تخلو كتب التفسير التي تنقل أخبار بني إسرائيل من حالتين:
الأولى: أن تنقل من كتب أهل الكتاب مباشرة، كما تجده في كتاب التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور (ت: 1393).
الثانية: أن تكون كتب التفسير تنقل بالرواية عمن نقل هذه الإسرائيليات، وعلى هذا أغلب كتب التفسير، كتفسير ابن جرير الطبري (ت: 310)، والكشف والبيان للثعلبي (ت: 427)، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير (ت: 774)، وغيرها من كتب التفسير التي تعنى بالمأثور عن السلف.
وهذا النوع من كتب التفسير قد يوجه النقد إلى أصحابها بأنهم يروون الإسرائيليات، ولا ينقدونها.
وإذا تأمَّلت هذه النقود مليًّا، وجدتها لا توجَّه إلى هؤلاء المفسرين فحسب؛ لأنهم نقلوا ما وجدوا في الآثار عن السلف، لكنه في حقيقته يعود إلى نقد منهج السلف في التعامل مع هذه الإسرائيليات، وذكرهم لها في تفاسيرهم.
إن هذا هو نتيجة نقد الكتب التي تذكر الإسرائيليات ولا تنقدها، فهل يقع اللوم على المفسر الذي نقل المرويات، أو يقع على الذين تُروى عنهم من السلف؟!
إن وجود الإسرائيليات ليس عيبًا يخدش قيمة التفسير، وليس من الأخطاء لتي يتحملها المؤلفون في التفسير حينما ينقلون ما بلغهم عن مفسري السلف، وقد أشار إلى ذكر القاسمي (ت: 1332) تحت قاعدة بعنوان (قاعدة في قصص الأنبياء والاستشهاد بالإسرائيليات)، قال:» ... فإذً لا يخفى أن من وجوه التفسير معرفة القصص المجملة في غضون الآيات الكريمة، ثم ما كان منها غير إسرائيلي؛ كالذي جرى في عهده صلى الله عليه وسلم، أو أخبر عنه، فهذا تكفل ببيانه المحدثون، وقد ررو بالأسانيد المتصلة، فلا مغمز فيه.
وأما ما كان إسرائيليًا، وهو الذي أخذ جانبًا وافرًا من التنْزيل العزير، فقد تلقى السلف شرح قصصه، إما مما استفاض على الألسنة ودار من نبئهم، وإما من المشافهة عن الإسرائيلين الذين آمنوا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/100)
وهؤلاء كانوا تلقفوا أنباءهم من قادتهم؛ إذ الصحف كانت عزيزة لم تتبادلها الأيدي كما هو في العصور الأخيرة. واشتهر ضنُّ رؤسائهم بنشرها لدى عمومهم، إبقاءً على زمام سيطرتهم، فيروون ما شاءوا غير مؤاخَذين ولا مناقَشين، فذاع ما ذاع.
ومع ذلك فلا مغمز على مفسرينا الأقدمين في ذلك، طابق أسفارهم أم لا، إذ لم يألوا جهدًا في نشر العلم وإيضاح ما بلغهم وسمعوه؛ إما تحسينًا للظن في رواة تلك الأنباء لا يروون إلا الصحيح، وإما تعويلاً على ما رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي عن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:» بلغوا عني ولول آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج «. ورواه أبو داود بإسناد صحيح عن أبي هؤيرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:» حدثوا عن بني إسرائي ولا حرج «. فترخَّصوا في روايتها كيفما كانت، ذهابًا إلى أن القصد منها الاعتبار بالوقائع التي أحدثها الله تعالى لمن سلف؛ لينهجوا منهج من أطاع، فإُثنِي عليه وفاز، وينكبوا عن مهيع من عصى فحقت عليه كلمة العذاب وهلك. هذا ملحظُهم رضي الله عنهم.
وقد روى الإمام أحمد بن حنبل أنه كان يقول:» إذا روينا في الأحكام شددنا، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا «. فبالأحرى القصص. وبالجملة: فلا ينكر أن فيها الواهيات ـ بِمَرَّة ـ والموضوعات؛ مما استبان لمحققي المتأخرين.
وقد رأيت ممن يدعي الفضل ـ الحطَّ من كرامة الإمام الثعلبي ـ قدَّسي الله سره العزيز ـ لروايته الإسرائيليات، وهذا ـ وايم الحقِّ ـ من جحد مزايا ذوي الفضل ومعاداة العلم، على أنه ـ قُدِّس سرُّه ـ ناقل عن غيره، وراوٍ ما حكاه بالأسانيد إلى أئمة الأخبار، وما ذنب مسبوق بقول نقله باللفظ، وعزاه لصاحبه؟!
فمعاذًا بك اللهم من هضيمة السلف ... «. [محاسن التأويل (1: 41 ـ 42)]
رابعًا: بعض قصص القرآن لا يوجد في كتب بني إسرائيل.
إن دراسة الإسرائيليات الواردة عن السلف تحتاج إلى موازنة مع القصص الغيبية الأخرى التي يُقطع بأنها لم ترد عن بني إسرائيل، وليست من أخبارهم؛ كقصص قوم هود وقوم صالح وقوم شعيب، ويُنظر هل ورد فيها عنهم أخبار عجيبة وغريبة أم لا؟
إن ورود غرائب في قصص هؤلاء الأنبياء لا يمكن أن يكون مأخوذًا عن بني إسرائيل قطعًا؛ لأنه لا يوجد في أخبار بني إسرائيل غير نبأ آدم ونوح وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب ويوسف، ثم أخبار أنبياء بني إسرائيل بدءًا بموسى عليه السلام.
أما غيرهم من الأنبياء في الأمم الأخرى ـ خصوصًا العرب الذين كانوا يحقدون عليهم ـ فلا يوجد لهم ذكر في أسفارهم.
والله الموفق
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=150
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 11:42 م]ـ
نعم .. مصطلح السامية فرضية خرافية
--------------------------------------------------------------------------------
لقد اطلعت على ما نقله الأخ الكريم عبد الرحمن الشهري من مقال في مجلة الفرقان للدكتور عودة الله منيع القيسي تحت عنوان ((فرضيَّّة (الشعوب الساميّة، واللغات الساميّة (فرضيّةٌ خرافيةٌ لا أصل لها))، وأحببت أن أشارك في هذا الموضوع بشيء كان في نفسي أن اكتب عنه منذ زمن، لكن هذا المقال دفعني إلى أن أحرر هذه المقالة الموجزة التي تواطئ ما ذهب إليه الدكتور الفاضل، فكلامه صحيح بلا ريب، لا يخفى على من يقرأ في تاريخ هذه المنطقة العريقة في القِدم.
إن من العجيب أن تكون الفرضية حقيقة، مع اليقين بأنها فرضية، والأعجب من هذا أن تتحول إلى ولاء وبراء بامتياز خاصٍ لليهود فقط.
إنه استغلال اليهود الذي تميزوا به، فحصروا هذا المصطلح الخرافي عليهم، ونقلوه إلى مصطلح سياسي يعادون عليه من يعادون، وإن كانوا ساميين ـ كالعرب ـ على مصطلحهم هذا، لكن الإعلام له سيطرته الغالبة التي تحول الصادق كاذبًا، والكاذب صادقًا، وترى كثيرًا من الناس يصدقونهم، فياللعجب!.
وهذه الكذبة في هذه المصطلح التي اخترعها المستشرق اللاهوتي (شلوتزر)، وهي نسبة إلى سام بن نوح عليه السلام.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/101)
يقول: (( ... من المتوسط إلى الفرات، ومن بلاد النهرين إلى شبه جزيرة العرب تسود كما هو معروف لغة واحد وعليه فالسوريون والبابليون والعبريون والعرب كانوا أمة واحدة، والفينيقيون والحاميون أيضًا تكلموا بهذه اللغة التي أود أن أدعوها ساميَّة)) (نقلاً عن معرب القرآن عربي أصيل للدكتور جاسر أبو صفية / ص: 12).
وقد اعترض عليه المستشرق الفرنسي بيرو روسي في كتابه (مدينة إيزيس التاريخ الحقيقي للعرب / ترجمة فريد جحا ص: 18)، فقال: ((إننا نعرف عندما نتكلم عن الوطن العربي أننا في سبيلنا إلى معارضة نظرية مقدسة تجعل العربي شخصية صحراوية انبثقت في التاريخ في عهد غير محدد أو معروف.
لقد كتبت دائرة معارف الإسلام: ((إن عهود العرب الأولى في التاريخ غامضة جدًّا، إننا لا نعرف من أين أتوا، ولا ماهو وجودهم البدائي)).ولكن شيئًا وحيدًا يبدو مؤكدًا لكاتب المقال، وهو انهم ساميون. وهاهو ذا التفسير الهزيل الهزيل، التعبير الخالي من الحقيقة، من أي معنى، تعبير فارغ إلى حدِّ أن دائرة معارف الإسلام هذه نفسها لم تستطع أن تضع تعبير ((الساميين)) على مائدة البحث.
وهل هناك ضرورة لإضافة أن تعبير (سامي) لم يرد ذكره بين مفردات اللغة الإغريقية أو اللاتينية؟!
وما يقال في هذا المجال طويل، إننا لن نجد هذا التعبير قبل نهاية القرن الثامن عشر، وذلك أن العالم (أ.ل. شلوتسر) هو الذي صاغ هذا النعت (السامي) في مؤلف نشره عام 1781، وأعطاه هذا العنوان (فهرس الأدب التوراتي والشرقي)، كأن الأدب التوراتي ليس شرقيًّا ... ))
وهذه التسمية مرجعها أسفار بني إسرائيل، حيث يعدُّون لنوح ثلاثة أبناء: سام، وحام، ويافث، ويقسمون الشعوب عليهم، وهذا فيه نظر ليس هذا محله.
ويجعلون شعوب السامية متكونة من (الآشورية البابلية والآرامية والعبرية والعربية والحبشية وغيرها).
وإذا تأملت أماكن عيش هذه الشعوب، فإنه سيظهر أربعة مناطق: (جزيرة العرب، والحبشة، والعراق، والشام).
وهذا التقسيم يوحي لك بأن هذه الشعوب تتكلم لغات مختلفة، وإن كانوا يقولون بأن أصلها واحد، وهو السامية المزعومة، التي لا يُعرف لها كنه ولا صفة.
ولو تأملنا المصادر التي يعتمدها هؤلاء الدارسون لوجدنا الأول عندهم هو أسفار بني إسرائيل (الموسومة عندهم بالكتاب المقدس)، فهم يجعلون هذا الكتاب، ولغتهم العبرية المزعومة الأساس في دراسة هذه المنطقة لغة وتاريخًا.
وقد يزيد بعض الباحثين ما يجدونه من أثريات قد دُّوِّن فيها شيء من الأخبار أو التاريخ، لكنهم يدرسونها حسب المنظور التوراتي فحسب.
وقد قابل هؤلاء باحثون لا دينيون فاعترضوا على كل ما هو توراتي، وأظهروا زيف بعض أقاصيص هذه الأسفار المكذوبة، لكن لأجل هذا المنطلق غير الديني أوقعهم في تكذيب أخبار صحيحة قد وردت في كتاب ربنا وسنة نبينا الصحيحة، وإن كانوا احسنوا في ردِّ بعض خرافات بني إسرائيل.
أما نحن المسلمين ـ وياللأسف ـ فقلَّ أن تجد عندنا باحثين متخصصين في هذه الأمور ينطلقون من تراثنا العريق الذي قد صُحِّح فيه شيء من أخبار هؤلاء.
ولهذا أقول: إننا ـ نحن المسلمين ـ بحاجة إلى إبراز المنهج العلمي الإسلامي القائم على العدل، وإيضاح الحقِّ، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة: 8)، لكي لا تأخذنا العاطفة وردة الفعل في ردِّ كل ما مصدره يهوديُّ أو نصراني (1).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/102)
وإنني من خلال قراءتي في هذا الموضوع وما يدور حوله = أحسُّ بأن الموضوع بحاجة ماسَّة إلى متخصصين يتخصصون فيه؛ لأن تاريخ منطقتنا العربية ولغاتها القديمة من جزيرتها وعراقها وشامها ومغربها قد كُتِب بأيدي أناس خارجين عن المنطقة وليس لهم علم بلغتها، هذا على أحسن الأحوال، وإن كان كثيرٌ ممن كتب في ذلك لا يخلو من تزيييف متعمد من توراتيين يهود أو مستشرقين، والاستدلال لهذه المسألة يطول، وهو يصلح أن يكون بحثًا أكاديميًّا لمن يكون متخصصًا في الآثار أو اللغة أو التاريخ، فهذه المجالات الثلاثة لا يستغني الدارسون فيها عن بعضهم البعض.
ولئلا يطول الموضوع أُلمح إلى بعض القضايا المتعلقة بهذا المصطلح، فأقول:
1 ـ لا ريب أن المصدر الوحيد لهذه التسمية (وكذا تقسيم الشعوب) هو أسفار بني إسرائيل، وهي ـ كما لا يخفاك ـ ينقصها التوثيق، ولا تصلح لأن تكون المصدر الوحيد فقط.
وقد ورد في كتاب (مدخل إلى الكتاب المقدس، تأليف جماعة من النصارى، إصدار دار الثقافة) (ص: 23): ((كاتب التكوين مجهول، لكن العهد الجديد يدلنا ضمنًا على أن كاتبه هو موسى، ولم يعترض أحد على هذا المفهوم حتى العصر الحديث .. كما لا نعرف كيف كُتب هذا السفر، لكن من المعقول أن نرى موسى كمحرر استطاع أن يضم عددًا كبيرًا من القصص والحقائق التي قد يكون بعضها قد أصبح شائعًا قبل تاريخ تدوينه)).
وهذا الكلام فيه من الضعف والسقطات ما يُغني عن التعليق عليه.
2 ـ أن سفر التكوين يذكر أمرًا يتعلق بامتياز سام على ابني نوح الآخرين (يافث وحام)، فصار سام هو المقدَّم عند اليهود، وينسبون أنفسهم إليه.
3 ـ أن جميع الشعوب ـ كما في أسفارهم ـ قد خرجت من أبناء نوح عليه السلام.
4 ـ أن الناس كانوا على لغة واحدة، حتى بنوا أرض بابل، فكان ما كان من بلبلة الله لألسنتهم ـ كما تزعم هذه الأسفار ـ، وذلك بعد فترة من عيش أبناء أحفاد أولاد نوح.
وبعد هذه النقاط المأخوذة من أسفارهم يقع سؤال؟
لماذا نُسِبت اللغة وهذه الشعوب إلى سام، وقد وقع تبلبل ألسنة الناس؟
كيف عُرِفت هذه اللغات، وكيف أمكن الناس أن يتفاهموا عليها؟!
هل اللسان الذي كان يتكلم به الناس قبل البلبلة المزعومة هو اللسان السامي؟!
إذا كان اللسان هو السامي، فأين إخوة سام، ولم لم تُنسب إليهم لغات؟ لماذا أُهملوا كل هذا الإهمال؟!
أين نوح عليه السلام، ولم لم تكن نسبة اللسان إليه بدلاً من سام؟
هل يُنسب الأب إلى لغة ابنه كما وقع في كتاب (قاموس الكتاب المقدس)، فقد ورد فيه (ص: 982): ((نوح: اسم سامي معناه: راحة)).
ليس هناك إلا الافتراض والتحكُّم، والتحكُّم لا يعجز عنه أحدٌ.
ولعلك تتساءل: أين أخبار بني نوح في أسفار بني إسرائيل؟
لا عليك، فإن الأسفار إنما هي أسفار بني إسرائيل، ولا شأن لها بغير أخبارهم، وإن كانوا ساميين ـ على زعمهم ـ فهم قد خرجوا من دائرة الاصطفاء الذي يزعمون أنه صار في سام وأولاده، ثم اختير من أولاده إبراهيم، ثم اختير من أولاد إبراهيم إسحاق، ثم في يعقوب وأبنائه، وعليهم وقف الاصطفاء فلم يتغير ولم يتبدل كما يزعمون، لذا قلَّ أن تجد خبرًا عن غيرهم في أسفارهم، كما أنك تجد أنه بعد ذكر نوح وأبنائه انتقل الحديث إلى إبراهيم دون ذكر ما كان بينهما من التاريخ الطويل، فياللعجب كيف أغفلوا تاريخ أجدادهم؟!
وانظر ما يقوله مؤلفو كتاب (مدخل إلى الكتاب المقدس) عن سفر التكوين (ص: 23): ((أهمية سفر التكوين: ... ويتحدث سفر التكوين عن بداية العالم والإنسان والمجتمع والعائلات والأمم، وبداية الخطيئة والخلاص، وبصفة خاصة هو يتكلم عن بداية نشأة الجنس العبراني)).
أقول: كم يمثل الجنس العبراني من بين تلك الشعوب التي ذكروها؟ ولماذا أهملوا كل الأجناس، واعتنوا بهذا الجنس القليل جدًّا، ألا يدل هذا على أنهم لا يرون غيرهم، وأنهم هم أصحاب الامتياز؟
إن الموضوع طويل جدًّ، ولا يكفي أن أقرر لك ما يتعلق به في مثل هذا المقال، لكن ألفت نظرك إلى بعض الأمور، منها:
1 ـ إن وجود الأخطاء والتحريفات والكذب في أسفار اليهود واضح وضوح الشمس في رائعة النهار، ولا ينكر ذلك إلا مكابرٌ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/103)
2 ـ إن وصول أسفار اليهود إليهم غير متصل السند البتة، وهم يعرفون ذلك بيقين، ويعلمون أنهم فقدوا التوراة في السبي البابلي، وان الكاتب عزرا قد أملاها، لأنه ـ كما قيل ـ كان يحفظ التوراة.
ولا يخفاك ما قاله أصحاب كتاب (المدخل إلى الكتاب المقدس) بشأن سفر التكوين.
3 ـ إن هذه الأسفار إنما هي ـ في أغلبها ـ أخبار كُتِبت لأحداث شاهدها أشخاص، أو وردت إليهم شفاهًا عمن حدثت له، وبهذا فهي لا تمثِّل كلام الله الموحى به، سوى بعض ما في الأسفار الخمسة، وبعض الأسفار التي فيها بقايا وحي، ومع ذلك لا يمكن الجزم به جزمًا يقينيًّا.
والدليل على أنه بقي عندهم شيء من الوحي، خبر اليهودي واليهودية الذين زنيا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلوا ما في التوراة من حكم الزنى،والقصة معروفة.
4 ـ إن هذه الأسفار لا يصلح أن تكون المصدر الوحيد لأخذ الاسم أو الحدث، كما حصل في أخذ مصطلح السامية منها.
وإذا كان ولابدَّ من أخذ التسمية منه، فلم لم يكن (النوحية)؟
ما لغة نوح الأب؟
هل تغيرت لغة أبنائه عنه حتى تسمى لغة بعضهم سامية، وبعضهم غير سامية؟
وأحب أن تلحظ أن لغة نوح هي لغة من سبقه من أبائه، وهي لغة (عروبية) فيها أسماء عربية نعرف اشتقاقها وأصلها في لغتنا المعيارية التي نزل القرآن بها، فقد قال تعالى عن قوم نوح ((وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)) (نوح: 23)، وهذه أسماء عربية، فماذا ياترى تكون لغة نوح وقومه؟ أليست تلك اللغة العروبية الاشتقاقية التي بقيت في جزيرة العرب صافية أكثر منها في بلاد العرب الأخرى؛ في عراقهم وشامهم ومصرهم ومغربهم العربي منذ القِدم؟
وتلك قضية تحتاج إلى مقال مستقلٍ لعل الله ييسر بكتابته بتفصيل يدل على الحقيقة فيه، والله الموفق.
إن مما يحسن أن يعلمه القارئ أن أسفار بني إسرائيل تكره كل شيء عربيٍّ كائنًا ما كان هذا العربي، وسأذكر لك بعض الدلائل من كتبهم:
1 ـ الكنعانيون جعلوهم من نسل حامٍ المغضوب عليه مع أنهم ساميون ـ في مصطلحهم ـ فهم من سكان منطقة الساميين وليسوا من مناطق الحاميين، وإنما أخرجوهم كرهًا لهم لأنهم عرب يشهد بذلك التاريخ، وهم الجبارون الذين كانوا في زمن موسى فكرهوا محاربتهم، وجبنوا عن لقائهم.
2 ـ عندهم أن إخوة يوسف باعوا أخاهم يوسف للإسماعيليين، ولا يخفاك أن إسماعيل سكن جزيرة العرب، وهو عمُّ هؤلاء الذين يبيعون يوسف عليه السلام، أفيُعقل أن يخفى عليهم أبناء عمهم ولا يعرفونهم؟!
3 ـ أنهم حرفوا العهد الذي جعله الله لأبناء إبراهيم، وجعلوه لهم، وأنكروا كل فضيلة لإسماعيل، حتى لقد زعموا أن إسحاق هو الذبيح الذي له العهد، مع أن فيما كتبوه ما يدل على كذبهم.
ولقد سرت هذه العداوة عند بعض الغربيين من الباحثين المستشرقين المتأثرين بالدراسات التوراتية، فعلى سبيل المثال: جعلوا اللغات الآرية مقابل اللغات السامية، وجعلوا ممن ينطق بالآرية (الهند وأروبة) التي قد يُطلق عليها (الهندوروبية)، وزعموا أن بينها أواصر لغوية مشتركة، فانظر كيف ابتدعوا بأنفسهم إلى من يفصل بينهم وبينه مسافات، وتركوا العرب الذين تربطهم بهم أواصر لغوية وتاريخية،
وإذا كان الغرب يرجع إلى السامية، ولا يريدها، فلم لم يخترعوا اسمًا لهم من أولاد نوح كما اخترعوا السامية، لم لمَ يقولوا لهذه اللغة الآرية (يافثية) نسبة إلى يافث بن نوح الذي يجعلون من نسله اليونايين والناضوليين؟! (2)
وما ذاك إلا حاجة في نفوسهم، وإلا فأين بُعث موسى وعيسى، ألم يُبعثا في الشرق، فلم البعد عن الشرق والارتباط بشرق الشرق؟!
أإلى هذا الحدِّ وصل الحقد والحسد؟!
هذا، ولقد اجتهد اليهود في إثبات صحة كتبهم من خلال البحث في الأثريات، لكن لم يجدوا شيئًا، فصاروا يتشبثون بهذه المزاعم التي يصدرونها بين الفينة والفينة كالسامية التي صاروا يوالون ويعادون عليها، وكأنها أصل الشعوب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/104)
إن نظرت عابرة لتاريخ الأنبياء تدلنا على أن العرب عريقون في أعماق التاريخ، فنوح عربي بدلالة ما ذكرت لك من أسماءٍ عربية لأصنام قومه التي كانوا يعبدونها، وهود عليه السلام وقومه عاد عربٌ، وصالح عليه السلام وقومه ثمود عرب، وشعيب عليه السلام وقومه أصحاب مدين عرب.
فنوح ـ عليه السلام ـ قبل السامية المزعومة التي صنعوها وتحاكموا إليها، ومن جاء بعده من الأنبياء المذكورين ـ عليهم السلام ـ كانوا قبل إبراهيم عليه السلام، وقبل بروز العبرية المزعومة التي يتكلم بها بنو إسرائيل.
فكيف تُغفل تلك الأمة العظيمة التي كانت لها هجرات خمس كبرى إلى أرض الهلال الخصيب وأرض الشام منذ القِدم، ويُتناسى تاريخها، وتُتناسى لغتها، ليؤخذ بمصطلح مخترعٍ ليس عليه دليل علمي؟!
إننا أما تراث تاريخي ولغوي قد لُعِب به، ودُرس بغير لغته التي تمتلك ثمانية وعشرين حرفًا بخلاف اللغات التي دُرست بها آثار هذه المنطقة، فنقصها ست حروف، فلو سلمت القراءات من الخطأ من جهة، فإنها لن تسلم بفقدانها هذه الأحرف التي تفكُّ كثيرًا من غموض مدونات الآثار.
واعتمادًا على السامية المزعومة، فإن الضاد ستنطق دالاً، والعين ستنطق ألفًا، والخاء ستنطق كافًا، والطاء ستنطق تاءً ... الخ من ألفاظ الحروف التي لا تعرفها كثير من لغات الغرب، فانظر مدى الخطأ الذي سيقرؤه الذي يريد البحث في تاريخ المنطقة القديم ولغاتها القديمة؟.
وبعد فإن الموضوع له ذيول تحتاج إلى فكٍّ وتحليل، ولكن الوقت لا يُسعف بأكثر من هذا الآن، ولعل الله ييسر لي أن أبسط الموضوع؛ فإن له علاقة بالمعرَّب من جهة، فأسأل الله التوفيق والسداد، والبركة في العمر لخدمة كتابه الكريم.
ــــــــــــــــ
(1) من القضايا المهمة في هذا الباب أن تعرف أن أبناء يعقوب الذين من نسلهم بنو إسرائيل كانوا أبناء عمِّ لأبناء إسماعيل عليهم السلام، فالجد واحد، وهو إبراهيم عليه السلام، فوشائج القربى بين العرب وبينهم جاءت من هذا الباب فقط، ولا يعني هذا أننا نقبل كل ما هو إسرائيلي، لكن قد يغفل بعض الكاتبين حينما يكتبون عن أولاد يعقوب أو عن بني إسرائيل، وكأنهم يكتبون عن قوم لا علاقة لهم بالعرب من قريب ولا من بعيد.
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن إبراهيم وبنيه كانوا يتكلمون عربية ذلك الزمان، فأم إسماعيل اسمها هاجر، وهذا لفظ عربي صريح، وهي من مصر، وإبراهيم من العراق، وقد نزل بها إلى مكة، وقابلت قبيلة جرهم، وتخاطبت معها، ولم تحتج إلى ترجمان، وقد اشتقت اسم ولدها إسماعيل من (يسمع إئيل) كما ورد في كتبهم، ونزل إبراهيم لابنه إسماعيل، وخاطب زوجتيه ولم يحتج إلى ترجمان.
وإذا نظرت إلى اسم ابن أخي إسماعيل وجدته (يعقوب)؛ أي الذي يعقب ويخلف غيره، وهو قد عقب أباه، كما قال تعالى (ومن وراء إسحاق يعقوب) فتأصيل هذا الاسم في العربية قريب المأخذ لمن تأمله، وهذا كله يدلك على وجود تلك اللغة الاشتقاقية العربية العريقة التي كانت سائدة في هذه المنطقة منذ القدم، وإن اختلفت وتحورت وتطورت إلا أنها لا تخرج عن لغة الاشتقاق. ولعله يأتي المقام لإكمال حلقات المعرَّب لآتي على هذه الأسماء وأبين علاقتها بالعربية المعيارية التي نزل بها القرآن الكريم.
(2) أشار إلى هذه الفكرة بيرو روسي في كتابه / مدينة إيزيس التاريخ الحقيقي للعرب، ترجمة فريد جحا (ص: 19).
(ملاحظة: هذه الترجمة لهذا الكتاب سيئة جدًّا، ولا أدري هل تُرجم ترجمة أخرى، ففي الكتاب نقد لنظريات غربية في تعاطيها مع الشرق العربي).
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=3741
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 11:50 م]ـ
نظرة في تفسير الطبري طبعة دار هجر / تحقيق الشيخ عبد الله التركي
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/105)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه، أما بعد، فقد طلب مني الإخوة الكرام في موقع ثمرات المطابع أن أكتب لهم ما رأيت في تحقيق الإخوة الأفاضل في دار هجر لكتاب جامع البيان عن تأويل آي القرآن، فاستعنت بالله، وكتبت ما يأتي:
أولاً: مميزات هذه الطبعة:
1 ـ الاعتماد على نسخة فريدة لم تَعتمِد عليها الطبعات السابقة، وتدارك كثير من السقط الموجود في المطبوع.
لقد كنت أترقب صدور هذه الطبعة بفارغ الصبر، لما سمعت من وجود نسخة لم يسبق أن وقف عليها من حقق الطبعات السابقة، وكنت أن تحلَّ بعض الإشكالات التي كنت أرى أنها بسبب سقط في العبارة، وقد كان ذلك، إذ ظهر في هذه الطبعة أن كثيرًا مما وقع الإشكال فيه كان بسبب السقط في النسخة المطبوعة، ومن ذلك على سبيل المثال (27: 47 من طبعة الحلبي) ووازنها بطبعة دار هجر (22: 20)، ومثال آخر (27: 59 من طبعة الحلبي) ووازنها بطبعة دار هجر (22: 50).
2 ـ وضع أجزاء وصفحات طبعة البابي الحلبي ـ وهي الأكثر تداولاً بين الناس ـ على الحاشية اليمنى أو اليسرى من الصفحة، وفي ذلك الصنع فائدة لمن يريد أن يوازن بين التحقيقين، أو تكون عنده النسخة القديمة فيعرف مقابلها من التحقيق الجديد.
وهذا العلم يُحبَّذُ أن يجعل في كل تحقيق جديد لكتاب سارت طبعة من طيعاته بين الناس، لتكون الفائدة منه أعمُّ، ولا يفقد طالب العلم ما كان له من تعليقات على الطبعة القديمة.
3 ـ وضع السور والآيات المفسَّرة في المجلد على كعب المجلد، وهذا يسهِّل الرجوع إلى الموضع الذي يريده الباحث.
4 ـ ذكر فروق النُّسخ، وذلك يجعل للقارئ فرصة التخيُّر والاجتهاد، فيما لو رأى أن ما اختاره المحققون ليس مما يحالفه الصواب.
5 ـ تخريج الأحاديث، وبعض الآثار، وهو مع وجازته يفيد في عملية البحث العلمي، ويقرِّب المعلومة لمن يريد أن يتوسع في التخريج.
6 ـ شرح المفردات الغريبة التي تحتاج إلى شرح.
7 ـ تخريج القراءات تخريجًا موجزًا.
ومن حيث العموم فالحواشي لم تكن مثقلة بما لا يفيد، وهذا من محاسن التحقيق من هذه الجهة.
وأحب أن اختم هذه المميزات بشكر الشيخ الفاضل معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي على جهوده المشهودة في خدمة كتب التراث، وما قام به من إخراج لكتب كبار، وتيسير توزيعها على طلبة العلم، وذلك جهد يشكر له ويذكر، ويحبذا لو وُجِدَ مثله ممن يقومون بخدمة التراث وإخراجه على هذا السبيل.
ثم أقول إن توجيه ملحوظات على هذا العمل العظيم لا تغمطه حقه، ولا تنقص من قدره، بل يكفيه ما ففيه من المميزات، لكن لكل رأي خاصٌّ في إخراج الكتاب، وإني إذ أقدِّم رؤيتي المتواضعة ـ التي أرجو أن تكون رؤية موفقة ـ أتمنى أن يُستفاد منه علميًا.
ثانيًا: لما كان كل جهد بشري عرضة للاختلاف في طريقة إخراجه، فإني رأيت بعض الملحوظات التي كان يحسن بهذه النسخة أن تتولاها، خصوصًا أن المتوقع بعد صدورها أن لا يكون بعدها تحقيق لهذا الكتاب.
ومن هذه الملحوظات:
1 ـ عدم الاستفادة من تعليقات آل شاكر، مع ما فيها من ثروة علمية لا تخفى على من قرأ في طبعة محمود شاكر رحمه الله، إذ كان له عناية فائقة بالتحقيق والتعليق على كتب التراث، وله في ذلك منهج نفيس لا يخفى على من يقرأ في تراثه.
ومن الملاحظ أن المحققين استفادوا كثيرًا من تحقيقه، وإن لم يشيروا إليه، ويظهر هذا جليًّا بموازنة عمل المحققين بين القسم الذي حققه محمود شاكر والقسم الذي لم يحققه.
2 ـ عدم بيان المصطلحات النحوية التي يستعملها الطبري، وقد كان بيان هذه المصطلحات مما اعتنى به محمود شاكر رحمه الله، وكم كنت أتمنى لو وجِدَ هذا التعريف بالمصطلحات ليكون قارئُ التفسير على علمٍ بها خصوصًا، وأن الطبري يتبع مصطلحات النحو الكوفي، وهي مخالفة للمصطلحات الدارجة اليوم.
3 ـ عدم الاستفادة من تحقيق الدكتورة هدى قراعة لكتاب معاني القرآن للأخفش، وتظهر فائدة عملها في هذا الكتاب في إرجاعها لنقول الطبري من معاني القرآن للأخفش، وتحديدها بالصفحات، كما قامت في الفهارس بوضع فهرس خاصٍّ بهذه النقول.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/106)
كما أنه لم يتابع في نقوله النحوية واللغوية بما عند الفراء في معانيه، وقد استفاد الطبري من كتاب الفراء كثيرًا، بل يظهر أنه عمدة عنده.
هذا، وقد ظهر لي من خلال الموازنة أن الطبري ينقل من معاني القرآن للفراء، وقد ينص عليه أحينًا، كما قد تتبعه محمود شاكر في المواطن التي حققها.
وينقل كذلك من مجاز القرآن لأبي عبيدة، وكذلك تتبعها محمود شاكر في المواطن التي حققها.
وينقل من الأخفش، وهو ما تكفلت به الدكتورة هدى قراعة، وجعلت له جدولاً في فهارس معاني القرآن.
وإذا نقل عنهم قلَّ أن ينص على أسمائهم، بل ينسبه إلى أهل العربية أو اللغة أو النحو من البصرة أو الكوفة.
وهناك نصوص لم أعثر عليها في هذه الكتب الثلاثة، ولعلها للكسائي أو قطرب أو غيرهما، والله أعلم.
وتظهر فائدة إرجاع هذه النقول إلى أصولها أنَّ الطبري قد يحكيها أحيانًا بالمعنى، فتستغلق العبارة، فإذا عاد القارئ إلى الأصل الذي نقلها منه الطبري اتضحت عبارته.
4 ـ عدم ترقيم الآثار.
5 ـ عدم القيام بالفهارس التي هي أهمُّ من الفهارس الموجودة في التحقيق، ومن هذه الفهارس المهمة: فهرس اللغة، فهرس الغريب، فهرس أساليب العرب، فهرس مصطلحات الطبري، فهرس قواعد الترجيح، فهرس الفوائد العلمية.
6 ـ كان من المحبذ لو أدرجت استدراكات ابن عطية وابن كثير على الطبري، فهما ممن كان لهما عناية بكتابه، ولهما عليه استدراكات علمية مفيدة.
7 ـ ومن المحبذ لو وضعت النسخ التي اعتمدت في التحقيق في جدول يذكر فيه اسم النسخة والمواضع التي تحتويها النسخ.
8 ـ صِغَرُ الهوامش الجانبية، مع أن القارئ لا يخلو من حاجته للتعليق على هذا الكتاب، فلو كانت الحواشي أوسع لاستفيد منها في التعليق.
9 ـ كان يمكن أن يستعاض عن هذا الحجم الكبير، ويمكن أيضًا أن تُدخل تعليقات آل شاكر المهمة، واستدراكات ابن عطية وابن كثير = لو كان إخراج الكتاب فنيًّا على غير هذه الصورة، ومن المعلوم أن الأمور الطباعية قد تطورت، حتى لقد ظهر تفسير ابن عطية وابن الجوزي وابن كثير وغيرها في مجلد واحد.
وليس المراد أن يكون إخراجه مضغوطًا مثل هذه الكتب، لكن المراد أن تحقيق ذلك ممكن، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك أن تقوم بالموازنة بين طبعة دار الغرب لمعجم الأدباء الذي يتألف من سبع مجلدات، سابعها فهارس، مع الطبعة القديم التي كانت في عشرين جزءًا، وهي بلا فهارس علمية.
وطبعة دار الغرب أجمل وأرقى من تلك، فهلا كانت طبعة تفسير الطبري بمثل هذا المقاس، واستفيد من الحواشي النافعة التي تضاف إليها.
10 ـ من المصادر التي اعتمدت في هذه الطبعة كتاب التبيان للطوسي، وقد جاء ذكره في المراجع (26: 1336) كالآتي: التبيان في تفسير القرآن (شيعي) لشيخ الطائفة الطوسي.
والملحوظة أن الإحالات عليه ترد في مرويات عن السلف كمرويات مجاهد وقتادة وغيرهما. ولا أدري ما القيمة العلمية في كون الطوسي ذكر هذه المرويات، وهي موجودة عند الطبري بالإسناد؟!
ينظر ـ على سبيل المثال ـ بعض الإحالات إليه في المجلد (22) الصفحات (11، 54، 133، 152، 165، 166) وغيرها كثير.
وهذا الكتاب ليس من كتب التفسير المعتمدة عند أهل السنة حتى يُذكر، والإرجاع إليه في قضية لا تخصه بحيث يقال إنها لا توجد إلا فيه. وحبذا لو ألغيت هذه الترجيعات.
11 ـ لقد شارك في هذا العمل مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر، وهذا يعني أن الذي قام بالعمل فريق، وفي مثل النوع من العمل يفضَّل ذكر الفريق الذي شارك، ويبين ما قام به كل واحد من أعضائه، وهذا أولى من عدم ذكرهم مع ما لهم من جهد، كما أنَّ فيه توكيدًا وإقناعًا للقارئ خصوصًا إذا عرفت تخصصات هؤلاء العاملين.
ومن باب الفائدة فإني أذكر كتابًا سار على هذا الأسلوب، وشدَّما أعجبني بحسن إخراجه، وببيان ما قام به كل واحد من فريق العمل، وهو كتاب العود الهندي عن أمالي في ديوان الكندي، لعبد الرحمن بن عبيد الله السقاف.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/107)
وقد ذُكِرَ في صفحة مستقلة أعضاء العمل، ومهمة كل واحدٍ منهم، ولقد كان إخراجه بديعًا يناسب ما في هذا التأليف من الإبداع والحُسن. وكم أتمنى أن يحرص ناشرو الكتب الإسلامية على حسن الإخراج للكتب، فكم من كتاب يعينك على القراءة بحسن إخراجه.
12 ـ كم كنت أود لو كانت المقدمة للكتاب تتناسب مع جلالة مؤلفة وعظمة تأليفه، وأن يستخرج منهجه من خلال ما قام به المحققون؛ إذ الكلام عن منهجه جاء وصفيًا خاليًا من الأمثلة مع تيسرها لمن قام بتحقيقه، وبقي معه مدة من الزمن.
ولقد وقع في الحديث عن منهجه بعض الأخطاء أحببت أن أذكر أهمها، فمنها:
? جاء في ص 50:» فالترجيح بالروايات هو أقوى مرجحات الطبري لما يختاره من المعاني التي يستنبطها «.
أقول لم يكن هذا هو المنهج العام الذي سار عليه الطبري، بل كان يرجح بعض الروايات التي فيها ضعف، فهو ينظر إلى المعنى أكثر من نظره للإسناد أو لطبقة المفسر، إلا في حالات قليلة، وهذا ظاهر من منهجه.
? وجاء في الصفحة نفسها:» وكان الأولى به أن يتحرى نقد الأسانيد؛ خاصة أنه ساق كثيرًا من الإسرائيليات، ولعل دافعه إلى ذلك أنه ساق السند بتمامه، ومن أسند لك فقد حمَّلك أمانة البحث عن رجال الإسناد، وبالتالي فقد أخلى عهدته ... «.
على هذا الكلام ملحوظتان:
الأولى: أن اشتراط التحري في أسانيد التفسير ليس هو المنهج الذي قام عليه منهج المحدثين الذين فرقوا بين أحاديث الحلال والحرام والمرفوعات وغيرها، بل لقد نصوا على قبول الروايات التفسيرية على ما فيها من ضعف، وعمل المحدثين والمفسرين على هذا، والطبري مثال لذلك، لذا لا تجد عنده نقد أسانيد مرويات التفسير إلا نادرًا، لأن هذه الروايات مما تلقاه العلماء بالقبول، وعملوا بها في فهم كلام الله، ولا يُعترض عليها إلا في حالة وقوع نكارة تدعو إلى تحري الإسناد.
ومن أقوال أئمة الحديث في ذلك ما ذكره البيهقي في مقدمة كتابه العظيم (دلائل النبوة):
قال عبد الرحمن بن مهدي:» إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال = تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال. وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام = تشدَّدنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال «(دلائل النبوة / 1: 43).
قال يحيى بن سعيد القطان:» تساهلوا في التفسير عن قومٍ لا يوثِّقونهم في الحديث، ثمَّ ذكر ليث بن أبي سليم، وجويبر بن سعيد، والضحاك، ومحمد بن السائب؛ يعني: الكلبي.
وقال: هؤلاء يُحمد حديثهم (كذا، ولعل الصواب: لا يحمد)، ويُكتب التفسير عنهم «(دلائل النبوة للبيهقي / 1: 35 ـ 37) ..
قال البيهقي:» وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم لأن ما فسروا به؛ ألفاظه تشهد لهم به لغات العرب، وإنما عملهم في ذلك الجمع والتقريب فقط «(دلائل النبوة / 1: 37).
وقال البيهقيُّ (ت: 458):» … وأما النوع الثاني من الأخبار، فهي أحاديث اتفق أهل العلم بالحديث على ضعف مخرجها، وهذا النوع على ضربين:
ضرب رواه من كان معروفًا بوضع الحديث والكذب فيه، فهذا الضرب لا يكون مستعملاً في شيء من أمور الدين إلا على وجه التليين.
وضرب لا يكون راويهِ متَّهمًا بالوضع، غير أنه عُرفَ بسوء الحفظِ وكثرة الغلطِ في روايته، أو يكون مجهولاً لم يثبت من عدالته وشرائط قبول خبره ما يوجب القبول.
فهذا الضرب من الأحاديث لا يكون مستعملاً في الأحكام، كما لا تكون شهادة من هذه صفته مقبولةً عند الحكَّام. وقد يُستعمل في الدعوات، والترغيب والترهيب، والتفسير، والمغازي؛ فيما لا يتعلق به حكمٌ «(دلائل النبوة / 1: 33 ـ 34).
وإذا عُرِفَ هذا، فإن ما ذُكر من الكلام على الأسانيد الدائرة الضعيفة (ص: 187) مع أنه عن بعض الأسانيد، فإنه لا فائدة فيه من جهة العمل التفسيري؛ لأن هذه الأسانيد التي حكم عليها بالضعف مما اشتهر أخْذُ المفسرين به، وقد سبق بيان أن منهج المحدثين قبول هذه الروايات في التفسير، والله أعلم.
الثانية: أن الطبري لم يَسِرْ على قاعدة من أسند فقد حمَّلك البحث عن الإسناد، والدليل على ذلك ما سبق من أنه اعتمد على هذه الروايات في بيان كلام الله، ولم ينتقدها، ولو كان إنما ذكرها فقط لجاز أن يقال بهذا، مع أني أرى انه لا يقال به إلا بنص صريح من المؤلف أنه أراد هذه القاعدة في منهجه، وذلك ما لا تجده عند ابن جرير لا نصًّا ولا استقراءً، بل منهجه مخالف لها، والله أعلم.
وهناك بعض الملحوظات في الكلام على منهج الطبري في الإسرائيليات والقراءات، اتركها لضيق المقام.
وأخير أقول: إن هذا الكتاب كتابٌ للأمة، وأرى أن المشاركة في تحسينه بأي صورة من الواجبات، وأرجو أن يكون هذا التحقيق الذي خرج له هو التحقيق الإمام الذي ليس له ما بعده، وما ذكرته فمن باب النصح والحرص على هذا الكتاب العظيم، وما توفيقي إلا بالله.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=159
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/108)
ـ[نياف]ــــــــ[23 - 11 - 05, 11:58 م]ـ
(6 نظرات في المعرب) اللغة الأم لغة الاشتقاق / مهداة لابن الشجري
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت قد كتبت حلقات تحت عنوان (نظرات في المعرب)، وهذه الحلقة ـ التي أهديها للأديب الفاضل ابن الشجري تقديرًا لطرائفه الأدبية التي أتحفنا بها في هذا الملتقى ـ أرى أن فيها بيانًا لفكرة الحلقات السابقة، ولقد حرصت فيها على إيضاح الفكرة قد المستطاع، وإني لأشكر مشرفنا الفاضل عبد الرحمن الشهري الذي قرأ هذه المقالة قبل نشرها، وأبدى بعض الملحوظات، واقترح عليِّ أن اكتب بعض المراجع التي تفيد في هذه الفكرة، ولعلي أخصص مقالة مستقلة أتكلم فيها عن بعض الكتب التي عُنيت بهذا الموضوع ليتكامل طرح هذه الفكرة مع مراجعها، والله أسأل أن يعيننا، وأن يبارك لنا في شهر رمضان المبارك قيامه وصيامه ودعاءه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللغة الأم لغة اشتقاق
لا يخفى على الباحث في أصل اللغات الخلاف بين العلماء هل هي بتوقيف أو هي بالمواضعة والاجتهاد؟ ولقد ذهب كل فريق من العلماء إلى رأيٍّ أيَّده بدلائل نقلية أو عقلية.والذي يظهر لي أن أصلها بتوقيف من الله، ثم إنها يدخلها المواضعة بين البشر.
أما التوقيف فدليله أن آدم أبا البشر كان في السماء يخاطب ربَّه، ويخاطب ملائكته، ويخاطب زوجه بكلام قد ألهمه الله إياه، كما يشير إليه قوله تعالى: (وعلَّم آدم الأسماء كلها)، إذ لا يمكن أن يكون ذلك إلا بأن يعبِّر عن هذه الأسماء بكلام يُفهم عنه، وهذا الكلام المركَّب من حروف إنما أُلهمه في أول الأمر.
وفي السنة النبوية ما يشير إلى هذا أيضًا، فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال: الحمد لله، فحمد الله بإذن الله، فقال له ربه: يرحمك ربك. يا آدم، اذهب إلى أولئك الملائكة ـ إلى ملأ منهم جلوس ـ فسلِّم عليهم، فقال: السلام عليكم فقالوا: وعليكم السلام ورحمة الله، ثم رجع إلى ربه فقال: هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم) رواه الترمذي وابن حبان وغيرهما بسند صحيح.
فهذا يدل على الإلهام لأول الكلام، إذ لا يعقل وجود حيين متقابلين بدون أن تكون بينهما لغة للتفاهم فيما بينهم؛ أيًّا كانت هذه اللغة التي يتفاهمون بها.
وإذا كان أصل اللغة إلهامًا فلا يعني هذا أن البشر لا يوَلِّدون كلامًا، ويفتعلون مصطلحات، بل الأمر كذلك من التوليد في اللغة التي يتكلمون بها.
واللغة فيها ما يُولَد وفيها ما يموت وفيها ما يُبعث بعد موته أو تناسيه، ولكل من هذه أسبابه التي يتسبب عنها.
فاختلاف البيئة ـ مثلاً ـ سبب في نشوء بعض الأسماء، فليس ما يُستخدم في بادية نجد كالذي يستخدم في حاضرتها، ولا الذي يستخدم في بادية نجد وحاضرتها كالذي يستخدم في جنوب الجزيرة أو شمالها أو شرقها أوغربها، فالبيئة لها أثر في إحداث الأسماء وتوليد بعض المعاني، وصرف بعض الدلالات إلى معنى خاص بها عند القوم يخالفهم فيها غيرهم، وهذا أمر ظاهر بالموازنة بين كلام القبائل ودلالاته.
واندثار بعض الآلات التي كانت تُستخدم سبب في موت بعض الأسماء، وهذا ما تشهده اليوم من موت أسماء كانت تُستعمل، فتُركت بسبب ترك الناس لتلك الآلات التي كانوا يستخدمونها. وقد تموت في منطقة وتبقى في منطقة، بل قد تموت في الجزيرة العربية وتبقى في شمالها. وكل هذا وغيره مما يحدث للغة إنما يقوم على التتبع والاستقراء للألفاظ التي يستخدمها الناس في كلامهم. أما اللغة الأم فكيف يمكن لها البقاء والاستمرار؟
وجواب هذا السؤال أن (لاشتقاق) هو أكبر عنصر في بقاء اللغة الأم التي تحدث بها أبونا آدم لما خلقه الله سبحانه، ثم نزل بها إلى الأرض لما نزل، وتكلم بها هو وبنوه من بعده.
واللغة العربية التي نزل بها القرآن وهي حاضرة بين يدي عرب الجزيرة تشهد أنها متولدة عن هذه اللغة الأم (لغة الاشتقاق) فالأحرف الثماني والعشرين الأصلية، وما عداها من الحروف الفرعية تشهد بثراء اللغة العربية من جهتين:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/109)
ـ عدد الحروف الذي يتولد عنه عدد من المعاني لا تكاد تُحصر، ففي العربية أحرف لا تكاد توجد في لغة من لغات العالم؛ كالحاء، الذال، الصاد، الضاد، الطاء، الظاء، وانظر كم من الكلمات التي تتولد في دخول هذه الأحرف في تركيب الكلمة.
ـ نماذج متكاثرة ومتناثرة من الصوتيات التي كان يؤديها العرب؛ كإشمام الكسرة الضمةَ في مثل (قِيل، غِيض)، والإمالة في مثل (والضحى) ... الخ من الأمور الصوتية التي يطول الحديث عنها.
ولا يبعد أن تكون هذه الصوتيات تولدة شيئًا فشيئًا حتى صارت إلى ما آلت إليه، واندثر منها ما اندثر بفعل عوامل عديدة.
ولأسوق لك مثالاً يتبين لك به ذلك:
لو أخذت مادة (ح ر م)، وقلَّبتها على الاشتقاق الأكبر، لظهر لك منها ستُّ مواد: (حرم، حمر، مرح،محر، رحم، رمح) وكل هذه المواد مستخدم في لغة العرب، فلو رجعت إلى أي معجم من معاجم العرب الكبرى؛ كلسان العرب لابن منظور، لوجدت لكل مادة من هذه المواد اشتقاقًا أصغر، فلو أخذت (حرم) لوجدت من الاشتقاق الأصغر لهذه المادة الشيء الكثير: (حرَّم، أحرم، يحرم، يحرِّم، إحرام، حرام، حُرمة، حرمات .... ).
وهنا تنبيهات:
الأول: أن الباحثين اختلفوا هل أصل الكلمات ثنائي أو ثلاثي، والخلاف لا يؤثر على الفكرة التي طرحتها لك؛ لأن الأصل الثلاثي كثير جدًّا، مما يجعل القول بأنه أصل في كثير من ألفاظ اللغة صحيح بلا ريب، ووجود بعض الكلمات يكون أصلها ثنائي لا يعني ان كل ألفاظ اللغة كذلك.
الثاني: أن بعض المواد أسعد من غيرها في كثرة الاشتقاق الأصغر، فلو نظرت إلى ما اشتقه العرب من (حرم) لوجدته أكثر من اشتقاقاتهم لمادة (محر).
الثالث: أن تقليب الكلمة على الاشتقاق الأكبر يُظهر أن بعض المواد لم تستخدمه العرب، وعدم استخدامها لا يلزم منه عدم وجوده في لغات سابقة لها، ولها علاقة بها.
الرابع: أن بعض المواد تُستخدم في منطقة أكثر من استخدامها في منطقة أخرى. وكل هذه الأمور تظهر بالاستقراء والموازنة.
والمقصود أنَّ البحث التاريخي في اللغات يثبت ثراء العربية بأحرفها، فهل هي امتداد لتلك (اللغة الاشتقاقية الأم)؟
لننظر المصادر التي يمكن الاعتماد عليها في إثبات ذلك:
ـ القرآن الكريم.
ـ السنة النبوية.
ـ تاريخ العرب وأشعارها.
ـ تفسير السلف ومن جاء بعدهم من العلماء.
ـ أسفار بني إسرائيل.
ـ اللُّقى من أحافير وورق بردى وكتابات على جبال أو صخور أو غيرها.
ـ الدراسات اللغوية المعاصرة الموازنة بين اللغات القديمة، مع ما يشوب بعضها من جهل أو تحريف في بعض الأحيان، وقد يكون تحريفًا مقصودًا يُظهِر خبث طوية صاحبه.
والحق أن هذه الدراسات ـ على ما فيها ـ كانت من مفاتيح إثبات تلك اللغة الاشتقاقية من حيث لا يدري بعض من كتب في الموازنة بين تلك اللغات القديمة، وسيظهر جانب منه في بعض ما سأذكره في هذا الموضوع من معلومات.
ولست أريد في ذكر هذه المصادر أن أبيِّن مدى الاعتماد عليها، وكيف عددناها مصدرًا، وإنما مرادي التنبيه عليها هنا فحسب، مع ملاحظة أن كثيرًا من دارسي اللغات القديمة لا يعتمدون على القرآن والسنة وأخبار العرب (ومنها آثار السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم)، بل لا يرجعون إليها البتة؛ لأن كثيرًا من دارسي هذه اللغات ينطلقون من منطلقات توراتية صهيونية، يريدون بذلك إثبات صحة ما في أسفار بني إسرائيل، والانتصار للصهيونية العالمية فحسب، وليس البحث العلمي الجاد المحايد هو هدفهم الرئيس، وهذا ظاهر من طريقة بحوثهم التي يغلفونها بغلاف البحث العلمي، وفيها من المغالطات في البدهيات فضلا عن غيرها ما فيها.
وليس العجب من هؤلاء أن يكتبوا، فهم بين معتقد لهذه الأفكار مدافعٍ عنها، وبين مدفوع له حسابه، فاشتروه ليقوم بهذا الدور، لكن العجب ممن يملكون حضارة ضاربة بأوتادها في عمق التاريخ كيف ينطلي عليهم مثل هذه الترهات التي تُلبَّس بلباس البحث العلمي؟!
وإن الأمر في هذا لذو شجون، ولا أريد أن أستطرد فيه لكيلا أخرج عن صلب الموضوع الذي أريد أن أوقِّفك عليه.
* كيف سارت اللغة؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/110)
لو نظرت إلى اللغة العربية التي نزل بها القرآن ـ والحديث في تفاريع ذلك يطول ـ لخرجت بفائدة مهمة، وهي ان القرآن ثبَّت اللغة المتداولة آنذاك، فوقفت اللغة العربية على أكمل صورها التي وصلت إليها، وتنادى العلماء لجمعها وحفظها، فكانت علوم العربية الأساسية من لغة ونحو وصرف، وصارت هذه اللغة معيارية يقاس عليها، ويوزن بها لمعرفة الصحيح من الضعيف من الباطل، وصار في مصطلحات العلماء اللغة الكثيرة، واللغة القليلة، واللغة الشاذة ... الخ.
ومع ثراء ما جمعه اهل اللغة إلا أنهم لم يستطيعوا جمع كل كلام العرب، بل ندَّ عنهم منه شيء بشهادة جمع من العلماء المعتنين بهذا الشأن؛ كأبي عمرو بن العلاء، والكسائي، أبي عبيد القاسم بن سلام، وغيرهم.
ولغة العرب إبَّان نزول القرآن لغة يقاس عليها ما قبلها وما بعدها من كلام العرب، فهي من أكبر الأدلة على أصول كثيرٍ من لغات المنطقة التي نُسبت إلى أقوام أو بلدان؛ كالكنعانيين أو الفينيقيين أو البابليين، أو الآشوريين أو الأكاديين أو الآراميين أو التدمريين أو النبطيين ... الخ من الألقاب التي اطلقت على أقوام عاشوا في شمال جزيرة العرب: عراقها وشامها، بل يتعدى إلى مصر وساحل البحر الأبيض المتوسط إلى بلاد المغرب كما هي جغرافية العرب اليوم.
وقد قام جمع من الباحثين بهذا العمل، فبيَّنوا أصول لغات بعض هذه الأقوام بالقياس على عربية التنزيل، فبرزت أبحاثٌ فائقة في الجدَّة والعلمية الموضوعية، وإن كان الإغراق في مثل هذه البحوث لا يخلو من تكلف إلا أن ثبوت أصل المسألة كافٍ في التدليل عليها.
ونحن اليوم نرى كلام عامة العرب في جميع أقطارهم، فيظهر للدارس ارتباط كثير من العامي بأصوله الفصحى، وإن اختلف من حيث أداؤه أو تصريفه وخلوه من الإعراب، وذلك أمر واضح عند من يقرأ في البحوث التي تُعنى بردِّ العامِّي إلى الأصيل من كلام العرب.
والمقصود أن لغة العرب التي حُفِظت لنا اليوم دليل واضح على ارتباطها بأم اللغات، وارتباط غيرها بها، على أنها مرحلة من مراحل تطور اللغة الأم وتفرعها في محيط الاشتقاق.
والحق: إن دراسة تلك الروابط يعوزها كثيرٌ من فقه اللغات التي تحدثت بها تلك الشعوب قديمًا، ولقد كُتِب في ذلك كتابات كثيرة، لكن شاب كثيرًا منها ما ذكرت لك سابقًا، ومن أكبر ذلك الشَّوب أنهم اخترعوا مصطلح (السامية) ليطلقوه على شعوب منطقتنا العربية، وعلى لغاتها، فجعلوا السامية أصلا تتفرع منه لغات شمالية وجنوبية، وجعلوا منها: العربية والعبرية والحبشية والأكادية والبابلية والآشورية والكنعانية ... الخ. وهذا التقسيم غير صحيح البتة، وقد نقده باحثون، وأظهروا زيفه وبطلان، وإن اغتر به آخرون أو رأى غيرهم أن لا أهمية تُذكر في هذا المصطلح، فساروا عليه (1).
* نظرة تحليلية لبعض المفردات الواردة في القرآن لأقوام عريقين في القِدم:
إذا جعلت اللغة المعيارية التي ارتضاها العلماء للقياس عليها، وكذا ما حُكي من لغات عربية استهجنوها؛ إذا جعلنا هذه اللغات (اللهجات) أصلاً نستفيد منه في تبيُّنِ مسار هذه اللغة وقِدمها (2)، فإننا سنجد ذلك واضحًا ساطعًا في أسماء نُقلت إلينا كان يتكلم بها أقوام يفصل بينهم وبين لغة العرب القرون الطويلة.
1 ـ نوح وقومه:
يقول الله تعالى: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)
تأمَّل أسماء هذه الأصنام، ألا تظهر لك عربيتها واضحة بينة؟
أفي عروبة هذه الأسماء شكُّ؟ أكان قوم نوح سيسمون أصنامهم ـ التي هي أسماء رجال صالحين كانوا قبلهم ـ بغير لغتهم؟
ألا يدلك هذا على أنَّ قوم نوح كانوا يتكلمون العربية؟
لكن هذه العربية التي تكلموا بها لا يلزم أن تتفق مع اللغة المعيارية التي بين يديك اليوم، إذ قد تختلف في طريقة التصريف والإعراب وغيرها، لكن أصول الكلمات واحدٌ لا يتغير، أنها لغة الاشتقاق.
2 ـ عاد قوم هود
يقول تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) وقوم عاد لا خلاف في عروبتهم، ولفظ (عاد، وهود) واضح العروبة، وأصلهما من العَودِ والهَود.
3 ـ ثمود قوم صالح
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/111)
قال تعالى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ)، وقوم ثمود لا خلاف في عروبتهم، واسم نبيهم واضح العروبة، وهو من مادة (صلح)، وكذا اسم القبيلة من مادة (ثمد) والثمد: الماء القليل.
4 ـ مدين قوم شعيب
ولا خلاف في عروبتهم، ولا زال اسم مدين شاهدًا إلى اليوم، مما يدل على عروبته، واسم (شعيب) واضح العروبة، وهو من مادة شعب.
وهذه الشعوب وأنبياؤها كانوا في جزيرة العرب ـ على خلاف في موطن نوح وقومه ـ وما ذكرته لك ـ مع قِلَّتِه ـ شاهد على اتصال لغة العرب المعيارية بهذه اللغات التي كانت قبلها، وأنها لا زالت تحتفظ بالاشتقاق من هذه اللغات القديمة، وانت على خُبر بما كان بين نوح وآدم من الزمن، وهو عشرة قرون، فانظرإلى أي زمن ارتقت لغة العرب من جهة الزمان، بل إنها لترقى إلى أكثر من هذا كما أشرت في مقالي (آدم في السماء).
هل في هذه النظرية هدم لباب العجمة الذي يعتمده النحويون واللغويون؟
فإن قلت: ألا ترى أن قولك هذا فيه إبطالٌ لباب العجمة الذي يذكره النحويون واللغويون، وأنك تركت ما ذكره بعض العلماء من حكاية العجمة لبعض هذه الأسماء؟
فالجواب: إني لا ألغي ذلك البتة؛ لأن قياس العجمة إنما هو بالنسبة للغة العربية إبان نزول القرآن، وهي اللغة المعيارية التي ارتضاها اللغويون وقاسوا عليها، فما كان خارجًا عن مقاييسها عدُّوه أعجميًا على التفصيل المعروف عندهم.
وإذا تأملت ما خرج عن هذه اللغة، وحُكِم بعجمته، فإنه لا يعدو الأمور الآتية:
1 ـ أن تكون أصوله عربية قد ماتت، فلم تُستخدم في لغة العرب الذين نزل القرآن بلغتهم (اللغة المعيارية).
2 ـ أن تكون أصول الكلمة عربية، لكنها تحوَّرت ثمَّ رجعت إلى اللغة المعيارية بما وصلت إليه من تحوير، فصارت عجمتها من هذا الباب.
3 ـ أن تكون الكلمة قد وُلِدت في غير العربية، فتكون عجمتها ظاهرة بلا ريب.
وما أحكيه هنا هو في النوعين الأولين، فالقول بعجمة الألفاظ لا ينفي الأصل العربي لها، ولعلي أحكي لك مثالاً يدلك على رحلة الكلمة من العربية إلى التعجيم إلى رجوعها إلى العرب معجمة.
اسم (إسحاق) هو بمعنى (يضحك) أو قد يكون أحد مشتقاته (كالضاحك، وإن كان على المبالغة فهو الضحاك) لكن ما علاقة اسمه بمدلول الضحك؟
1 ـ أصل الاسم (يضحك) على زِنة الفعل، وأنت تعلم أن زنة الفعل مستعمل في أسماء عربية في اللغة المعيارية، مثل (يزيد).
2 ـ السين منقلبة عن الصاد المنقلبة عن الضاد (يسحق ــــ يصحق ــــ يضحق)
3 ـ القاف منقلبة عن الكاف (يضحق ــــ يضحك).
4 ـ الألف زائدة (يسحاق).
5 ـ قلبت الياء إلى همزة (إسحاق).
ولو أنِست بقوله تعالى: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ) واعتبرته في هذه التسمية لما بعُد عنك الوصول إلى هذا المعنى، وإذا أضفت إلى ذلك ما تنبَّه إليه أصحاب (قاموس الكتاب المقدس ص: 66)، قالوا: ((إسحاق، ومعناه بالعبرية (يضحك)، وهو ابن إبراهيم وسارة ... )). وكذا أضاف هذا المعنى أصحاب (التفسير التطبيقي للكتاب المقدس ص: 46) عند الحديث عن البشارة (تكوين: 17). وفي قولهم هذا إشارة إلى عربية هذا الاسم من حيث لا يعلمون.
وهذه الرحلة التي تَمُرُّ بها الكلمة ليست غريبة على من يقرأ في موضوع اللغات، ويتبين له ما يقع للكلمة من رحلة من لغة العرب حتى تعود إليها معجَّمة، ولا زلت أضرب بمثلين معاصرين مشهورين من الأسماء:
الأول: كرزاي، أصله: (قرضاي)، فحصل للقاف قلب إلى الكاف، وللضاد قلب إلى الزاي، وبعضهم يقلبها إلى الدال، وتجد هذا الاسم العربي الصريح في صحفنا بأحد الأسماء الثلاثة (قرضاي، كرزاي، قرداي) والاسم (قرضاي) هاجر إلى الغرب، ثمَّ رجع إلينا معجَّمًا بأحد لفظين (كرزاي) أو (قرداي)، وأصلهما ـ كما ترى ـ عربي صريح.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/112)
الثاني: مهاتير، أصله: (مُحاضِر)، وتراهم يجعلون الضمة فتحة، لجهلهم بأصل الاسم، والحاء قد قُلبت إلى (هاء)، والضاد قد قلبت إلى (تاء)، وزيدت كسرة الضاد لما قُلبت إلى (تاء) فصارت (ياءً)، كما ترى.
وتحليل الأسماء المتحوِّرة يحتاج إلى مبادئ ليتفق معي فيها القارئ، ويقبل ما أذكره له، لكني هنا ذكرت لك النتيجة فقط، وإلا فالأمر يرجع إلى (علم الصوتيات)، وذلك علم قَلَّ من يكتب فيه من المتخصصين مع أهميته البالغة في فهم قضايا مرتبطة بأصول اللغة.
* نظرة تحليلية لبعض الأسماء التي تسمَّى بها أقوام سابقون للعرب الذين نزل القرآن بلغتهم:
1 ـ إسماعيل، أصله (يسمع إيل)، فهو من مادة (سمع)، وإيل لفظ يُطلق على الله، فهو كقولك: يسمع الله، وهذا التركيب لا زال يستعمل إلى وقتنا الحاضر، فأنت تسمع أسماء مثل (جاد الله، جاد الحق) وغيرها من المصادر التي تضاف إليه، مثل (حبيب الرحمن، ولي الله)، وذلك أمر غير غريب.
وهذا الاسم قد أُخِذَ من الحَدَثِ الذي وقع لأم إسماعيل، حيث ورد في (سفر التكوين: 16): ((وأضاف ملاك الرب: هوذا أنت حامل، وستلدين ابنا تدعينه إسماعيل؛ لأن الرب قد سمع صوت شقائك)، وقد ورد في كتاب (التفسير التطبيقي للكتاب المقدس / ص: 44) عبارة (ومعناه: الله يسمع) بين قوسين؛ تفسيرًا لاسم إسماعيل، وهذا تأصيل لعروبة هذا الاسم من حيث لا يشعرون.
2 ـ يعقوب: أصله من مادة (عقب)، وهو الذي يعقب، فهو العاقب، وقد وردت الإشارة بذلك في قوله تعالى: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) ألا تلاحظ كيف سُمِّي من الحدث الذي قام فيه، وهو كونه يخلف أباه (أي: يعقبه)، فقد بُشِّرت (سارة) ببشارتين: الولد وولد الولد.
3 ـ سليمان: أصله من مادة (سلم)، وكانوا ينطقونه بالشين، وهذا أحد التبديلات التي تقع في بعض اللغات العروبية القديمة، وقد ورد في (دائرة المعارف الكتابية 4: 419) ما نصه: ((سليمان: هو الملك الثالث لإسرائيل، واسم سليمان مشتق من (شالوم) العبرية، ومعناها (سلام أو مسالم) ... )).
وقد نبَّهوا في مادة (سلام ـ سلامه) (4: 409) إلى أنَّ كلمة (شالوم) تعني: سلام، وهي تُستخدم في التحية المألوفة بين الأصدقاء، والسؤال عن صحتهم، كما تستخدم عند الوداع.
ولعلك على ذُكْرٍ بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يجيبونك فإنها تَحِيَّتك وتحية ذريتك قال فذهب فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله قال فزادوه ورحمة الله قال فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن)). رواه مسلم 4: 2183.
وليس السين وحدها التي تنقلب إلى شين، بل في لغتهم أحرف اخرى تنقلب؛ كالحاء في الرحمن تكون (الرخمن)، وغيرها مما يُعرف بموازنة لغاتهم بلغة العرب.
مسألة: إذا كان الأمر على هذه الصورة، فلم لم ينتبه له المتقدمون؟
أقول: بل لقد كان في كلامهم إشارات، وكانت من باب العلم الظني،، ولم يكن عندهم ثمت أبحاث في تأصيل الموضوع أكثر من القول باشتراك اللغات في اللفظ، ولم يكن يدور في خلدهم أن هذا الاشتراك يقود إلى أصل واحدٍ، وأن العربية هي بقايا هذا الأصل، ومن أقرب مذاهبهم إلى ما ذكرت لك ما ذهب إليه الطبري في الباب الذي عقده في مقدمة تفسيره، وعنوانه: (القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم)، وخلاصة رأيه في ذلك: أن من نسب من السلف بعض الألفاظ إلى غير لغة العرب، فليس مراده أنها ليست من لغة العرب، بل هي ألفاظ نطقت بها العرب، ووافقها في نطقها غيرهم. (جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ط: دار هجر: 1: 13).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/113)
لكن البحث الموازن بين اللغات اليوم أظهر حقيقة ارتباط اللغات القديمة في موطن الوطن العربي الذي نراه اليوم باللغة العربية التي نزل بها القرآن، لكن بعض هؤلاء الباحثين من المستشرقين والتوراتيين يُخفون هذه الحقيقة، فهم لا يريدون أن يذكروا للعرب أيَّ مَحمَدَة، فكيف يصفونهم بأنهم يملكون خصائص اللغة الأم؟.
ولو فتَّشت في مثل كتاب (قاموس الكتاب المقدس) لوجدت بعض الكلمات التي يرجعونها إلى العربية، وفيها ما هو واضح التقارب معها،، وهي لا تختلف إلا في طريقة النطق فحسب وإليك هذا المثال:
1 ـ (ص: 192): ((بنيامين: اسم عبري، معناه (ابن اليد اليمين، أو ابن اليُمن)، وهو ابن يعقوب من امرأته راحيل، وكان أصغر إخوته)).
ولعل هذا الاسم لا يحتاج إلى كبير تحليل، كما أن طريقة نطقة قريبة جدًّا من طريقة اللغة المعيارية (لغة العرب وقت نزول القرآن).
2 ـ (قاموس الكتاب المقدس /ص: 201): ((بيت جامول: اسم عبري معناه (بين الجمل) مدينة في موآب)).
3 ـ (قاموس الكتاب المقدس /ص: 203): ((بيت صيدا: اسم آرامي معناه (بيت الصيد) ... )).
4 ـ (قاموس الكتاب المقدس /ص: 204): ((بيت عنيا: اسم آرامي معناه (بيت البؤس، البائس) ... )). عنيا = العني = العناء.
5 ـ (قاموس الكتاب المقدس /ص: 207): ((البيريون: اسم عبري معناه: (أهل الآبار)، وهو اسم عائلة)).
6 ـ (قاموس الكتاب المقدس ص: 226): ((تُوما: اسم آرامي معناه (توأم) ... )).
ولأقف مع هذه الفقرة، فأشرح ما فيها:
الآرامية كما ذكروا (ص: 43): ((إحدى اللغات السامية الشمالية))، وقد أشاروا إلى أن الكتاب المقدس كُتِب باللغة الآرامية، وفي (ص: 44) ذكروا ما نصه: ((وقد تكلم السيد المسيح اللغة الارامية، ووردت بعض أقواله في العهد الجديد في هذه اللغة، مثلاً: مرقس 5: 41 (طليثا قومي)، مرقس 7: 34 (أفثا)، مرقس: 15: 43 (الوي الوي لم شبقتني))).
وموضوع استخدام الآرامية يمكن الاطلاع عليه في كتب فقه اللغة وتاريخها، لكن تلاحظ ثبوت استخدامها في كتابهم، وعلى لسان المسيح عليه السلام، فما هي اللغة الآرامية؟
ألا تلاحظ ذلك التقارب الشديد بين ألفاظ الآرامية وما تعرفه من لغتك العربية الشريفة؟
إن اللغة الآرامية تمثِّل لهجة من لهجات هذه اللغة الاشتقاقية التي ذكرتها لك سابقًا، ولم تخرج عنها، وإنما وقع اختلاف في طريقة صيغة الكلمة.
ولننظر إلى لفظ (تُوما) كيف صار (توأم)، إن الألف التي في آخر (توما) إنما هي (أل) التعريف فيما تعرفه من لغتك اليوم، ولو تتبعت منطقة الشام بفروعها الأربع (سوريا، والأردن وفلسطين ولبنان) لوجدت كثيرًا من المواطن تنتهي بهذه الألف (حيفا، يافا، صيدا ... )، ولأذكر لك تفسيرًا من تفسيرات السلف أشار إلى هذا المعنى في تفسير قوله تعالى: (بأكواب وأباريق)، قال الضحاك: ((الأكواب: جرار ليست لها عرى، وهي بالنبطية كوبا))، والنبطية لغة من اللغات العربية الشمالية، وهي مرتبطة بالآرامية، وقد نبَّه أصحاب (قاموس الكتاب المقدس ص: 44) إلى ذلك، وسموها: الآرامية النبطية.
ولفظ (كوبا) الآرامي = الكوب، وهو لفظ عربي، وهذا يعني أن اللغة الآرامية والنبطية مرتبطة باللغة الاشتقاقية التي بقيت في لغة العرب التي نزل بها القرآن.
يقول الدكتور محمد بهجت قبيسي في كتابه (ملامح فقه اللهجات العروبيات / ص: 344) ـ ضمن فقرة ((أهم ملامح اللهجة العربية الآرامية): ((عَرَفت اللاحقة الألف كأداة تعريف؛ مثل (حرستا) بمعنى (الحارسة)، وقاديشا، بمعنى القادوس: التقديس)).
ولعلك إن استغربت وضع (أل) التعريف الذي جاء ألفًا لاحقة للاسم، فإنك لا تستغرب أن بعض العرب يجعل (ام) بدل (ال)، وفي هذه اللهجة جاء الحديث المشهور (ليس أم بر أم صيام في أم سفر)، وأصله في الصحيح بلفظ (ليس من البر الصيام في السفر) (3)، وهذه اللهجة لا زالت يُتحدَّث بها في بعض قبائل جنوب الجزيرة العربية، فإذا كان هناك أكثر من صيغة لأل التعريف، فلا تستبعد أن تكون تلك من الصيغ التاريخية لهذه اللغة، لكنها ماتت، فلا تُستعمل، وبقيت آثارها شاهدة عليها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/114)
وإذا كانت هذه الآرامية لغة المسيح، وقد قال: (الوي الوي لم شبقتني)، وهي بعربيتنا اليوم (إلهي إلهي لم سبقتني)، وفي (إنجيل متى 27): ((إيلي إيلي لم شبقتني ((أي: إلهي إلهي لماذا تركتني)))) التفسير التطبيقي للكتاب المقدس: 1968، وينظر تحليل عميق قوي لهذه العبارة في كتاب (العلم الأعجمي في القرآن)، للأستاذ رؤوف أبو سعدة (2: 283 ـ 285).
أقول: إذا كانت هذه لغته، وهي لغة عربية قديمة قبل لغة القرآن، أفلا يجوز أن تقول: إن اللغة التي تحدث بها عيسى عليه السلام منحدرة من تلك اللغة الاشتقاقية، وهي مرحلة من مراحل تلك اللغة التي وصلت إلى ما وصلت إليه من لغة القرآن.
يذكر الدكتور محمد بهجت قبيسي (ص: 344) أن كلمات اللغة الآرامية ومفرداتها بجذورها حافظت عليها العربية العدنانية نحو (2، 86 %) من كلماتها.
ولنرجع إلى قوله تعالى: (ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد)، لقد قالها عيسى أمامهم، وسمعوا هذا الاسم، وعرفوا معناه؛ لأنه من لغتهم، والذي يدل على معرفتهم بمعناه دقَّة ترجمة المترجم من الآرامية إلى اليونانية، حيث ترجمها إلى (برقليطس= periqlytes) ، وبعضهم يحذف لاحقة التذكير اليونانية، فيقول: (برقليط) أو (فرقليط)، أو (الفارقليط) كلها بمعنى واحد، لكنك ـــ مع الأسف ـــ لا تجد هذه الكلمة في الطبعات العربية، وإنما تجد في بعضها (المُعَزِّي)، وفي بعضها (المعين)، وقد جاء في (التفسير التطبيقي للكتاب المقدس ص: 2226): ((وعندما يأتي المعين الذي سأرسله لكم من عند الأب، روح الحق الذي ينبثق من الأب، فهو يشهد لي، وتشهدون لي أنتم أيضًا؛ لأنكم معي منذ البداية)).
يقول البروفسور عبد الأحد داود في كتابه النفيس (محمد صلى الله عليه وسلم كما في كتاب اليهود والنصارى/ ص: 197، 198): ((إن كلمة (برقليطوس) تعني من الناحية اللغوية البحته: (الأمجد والأشهر والمستحق للمديح) ... والاسم مركب من مقطعين:
الأول: peri ، الثاني: kleitos، ويكتب ( periqlytos) أو ( perqleitos) مما يعني تمامًا اسم أحمد باللغة العربية؛ أي: أكثر ثناءً وحمدًا، ولنا أن نتساءل ما هي الكلمة الأصلية التي استخدمها المسيح بلغته العبرية أو الآرامية ... ومن المدهش أن الوحي قد ميز بين صيغة أفعل التفضيل من غيرها؛ أي (أحمد) من (محمد)، ومن المدهش أيضًا أن هذا الاسم الفريد لم يُعط لأحد من قبل إذ حُجِز بصورة معجزة لخاتم الأنبياء والرسل وأجدرهم بالحمد والثناء، ذلك أن اسم (برقليطوس) لم يُطلق على أي يوناني قط، كما أن اسم أحمد لم يُطلق على أي عربي قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم)).
وأقف هنا لئلا يطول الموضوع، فيملَّ، ويخرج عن المقصود، وأعود فأختصرة الفكرة التي وصلت إليها فأقول:
إنَّ اللغة الأم التي تكلم بها آدم عليه السلام في السماء، ونزل بها إلى الأرض لغة تتميز بما يأتي:
1 ـ الاشتقاق (بنوعيه) الذي جعلها تتولد وتتنامى كما يتوالد الناس، ويقع فيها ولادة وموت وبعث، وما يستعمل في قوم قد يستعمل بمعنى آخر في آخرين، وما يموت عند قوم يبقى معروفًا عند آخرين.
2 ـ هذه اللغة تمتلك ثمانية وعشرين حرفًا أصليًّا، وهي التي بقيت في لغة العرب، ونزل بها القرآن، وأما أخوات اللغة العربية المعيارية من اللغات العربية القديمة، فإنها كلما ابتعدت عن موطنها الأصلي (جزيرة العرب) بدأت تفقد شيئًا من خصائصها، وكلما ابتعد قوم وانعزلوا على مرِّ السنين ابتعد لحنهم عن اللغة الاشتقاقية الأم، فتولدت عندهم لغات جديدة بعيدة عن اللغة الأم إلا من بقايا كلمات هنا وهناك.
3 ـ صارت منطقة العراق والشام ومصر منطقة صراع حضاري، فيأتيها من كان هاجر بعيدًا فابتعدت لغته عن اللغة الاشتقاقية الأم، ويأتي أصحاب هذه اللغة الاشتقاقية، ويقع صراع والغالب يحكم بلغته، وكانت الغلبة في كثير من الأحيان للعرب الخارجين من جزيرتهم العربية، وقد ذكر المؤرخون لهم خمس هجرات عربية كبرى، آخرها ما قام به الصحابة رضي الله عنهم من فتح بلاد فارس والروم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/115)
4 ـ في منطقة الصراع هذه بقيت ملامح اللغة الأم، وصار الأمر في لغة هذه المناطق على مرِّ العصور تعمد إلى القلب والإبدال بين بعض الحروف، والتبديل الصوتي لبعض الحروف، وصيغة الكلمة، وبقاء حروف المد او حذفها، وإشباع الحركات فيتولد منها أحرف مد ... الخ من القضايا اللغوية التي تُعرف من القراءة في كتب فقه اللغات القديمة.
.......................................
(1) ينظر عن السامية في هذا الملتقى:
- نعم .. مصطلح السامية فرضية خرافية.
- فرضيّةُ (الشعوب الساميّة، واللغات الساميّة) فرضيّةٌ خرافيةٌ لا أصل لها.
(2) ينظر تحليل بعض الأسماء في مقالات (المعرب) السابقة:
- نظرات في المعرَّب (الطور) (1)
- نظرات في المعرب (موسى عليه السلام في مدين) (2)
- (نظرات في المعرَّب) عربية في بيت فرعون (3).
- (نظرات في المُعرَّب) آدم في السماء (4)
- (نظرات في المعرب) العبرانيون وإبراهيم العبراني (5)
(3) قال الكتاني في نظم المتناثر: (وفي رواية لأحمد من حديث كعب بن عاصم المتقدم (ليس من أم بر أم صيام في أم سفر) وهذه لغة لبعض أهل اليمن يجعلون لام التعريف ميما، فيحتمل أنه عليه السلام خاطب بها هذا الأشعري؛ لأنها لغته، ويحتمل أن يكون الأشعري نطق بها على ما أَلِف من لغته، فحُمِلَت عنه على ما نطق به. قال ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي: وهذا الثاني أوجه عندي، والله أعلم).
تنبيه: قرأ أخي الفاضل عبد الرحمن الشهري هذا المقال قبل طرحه، وأضاف هذه الفائدة، فقال: (بخصوص لغة عيسى عليه السلام لو أشرت في الحاشية - لمن أراد التوسع - إلى ما كتبه الدكتور عبدالعزيز شهبر في بحثه (لغة المسيح عيسى بن مريم ورسالته» ضمن كتاب (لغات الرسال وأصول الرسالات» من ص 105 - 155، ولعله يتحفنا بشيء من مضمون هذه الصفحات، فالكتاب ليس عندي.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4044
ـ[نياف]ــــــــ[24 - 11 - 05, 12:01 ص]ـ
الحال مع القرآن في رمضان
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل في كتابه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة:185). والقائل: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ × فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ × أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (الدخان:3 ـ5). والقائل: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر:1).
والصلاة والسلام على رسوله الكريم الذي خصَّه الله بوحيه، وأنْزل عليه خير كتبه، القائل: (خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه)، ثمَّ أُتمِّم الصلاة على آل البيت الأطهار، وعلى أصحابه البررة الأخيار، ثمَّ على التابعين لهم ما تعاقب الليل والنهار، أما بعد:
فلقد خصَّ الله هذا الشهر الكريم بخصائص؛ منها: أنه أفضل شهور السنة، وفيه ليلة القدر، وفيه نزل القرآن.
ونزول القرآن بنوعيه الجملي والابتدائي كان في ليلة القدر.
أما الجملي فقد أخبر عنه ابن عباس (ت: 68) رضي الله عنهما بقوله: " أنزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا، فكان الله إذا أراد أن يُحدِث في الأرض شيئًا أنزل منه، حتى جمعه ". وهذا القول ثابت عن ابن عباس، وله روايات متعددة.
وأما ابتداء النُّزول، فقد نُسِب للشعبي (ت: 103)، وهو الذي يدل عليه ظاهر القرآن في قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان) (البقرة: من الآية185).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/116)
وقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (الدخان:3).
وهداية الناس والبيان الهدى لهم، ونذارتهم إنما هي في القرآن النازل على محمد صلى الله عليه وسلم.
وليس يمتنع أن يُراد المعنيان معًا في هذه الآيات، فتكون دالَّة على النُّزولين؛ إذ ليس بينهما تعارض ولا تناقض، والقولان إذا صحَّا في تفسير الآية، والآية تحتملهما، ولم يكن بينهما تعارض، فإنه يجوز حمل الآية عليها كما قرَّره العلماء.
وعلى كل حال فإن التلازم بين القرآن وشهر رمضان ظاهر في هذه الآيات، فَشَرُفَ الشهر بنُزول القرآن فيه، لذا صار يُسمى: شهر القرآن.
أحوال الناس في قراءة القرآن
يقع سؤال بعض الناس عن أيهما أفضل، قراءة القرآن بتدبر، أو قراءته على وجه الحدر، والاستزادة من بكثرة ختمه إدراكًا لأجر القراءة؟
وهاتان العبادتان غير متناقضتين ولا متشاحَّتين في الوقت حتى يُطلب السؤال عن الأفضل، والأمر في هذا يرجع إلى حال القارئ، وهم أصناف:
- الصنف الأول: العامة الذين لا يستطيعون التدبر، بل قد لا يفهمون جملة كبيرة من آياته، وهؤلاء لاشكَّ أن الأفضل في حقِّهم كثرة القراءة.
وهذا النوع من القراءة مطلوب لذاته لتكثير الحسنات في القراءة على ما جاء في الأثر: ((لا أقول " ألم " حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)).
-الصنف الثاني: العلماء وطلبة العلم، وهؤلاء لهم طريقان في القرآن:
الأول: كطريقة العامة؛ طلبًا لتكثير الحسنات بكثرة القراءة والخَتْمَاتِ.
الثاني: قراءته قصد مدارسة معانيه والتَّدبر والاستنباط منه، وكلٌّ بحسب تخصصه سيبرز له من الاستنباط ما لا يبرز للآخَر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأعود فأقول: إنَّ هذين النوعين من القراءة مما يدخل تحت تنوع الأعمال في الشريعة، وهما مطلوبان معًا، وليس بينهما مناقضة فيُطلب الأفضل، بل كلُّ نوعٍ له وقته، وهو مرتبط بحال صاحبه فيه.
ولا شكَّ أنَّ الفهم أكمل من عدم الفهم، لذا شبَّه بعض العلماء من قرأ سورة من القرآن بتدبر كان كمن قدَّم جوهرة، ومن قرأ كل القرآن بغير تدبر كان كمن قدَّم دراهم كثيرة، وهي لا تصلُ إلى حدِّ ما قدَّمه الأول.
ومما يحسن التنبيه على أمور تتعلق بتلاوة القرآن في رمضان:
الأمر الأول:
أن يتعرف المرء على نفسه، فليس الناس ذوي حال واحدة في العبادة، لكن من الخسارة أن يمرَّ على المسلم رمضان ولم يختم فيه القرآن، وتلك سُنَّةٌ سنَّها جبريل ـ عليه السلام ـ في مراجعة القرآن في رمضان مع رسول صلى الله عليه وسلم، وهي سنة ماضية عند المسلمين منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم.
والملاحظ أنَّ كثيرًا من الناس ينشطون في أول الشهر في أعمال الخير، ومنها تلاوة القرآن، لكن سرعان ما يفترون بعد أيام منه، وترى فيهم الكسل عن هذه الأعمال باديًا.
ولأجل هذا فمن اعتاد من نفسه هذا الأسلوب فإن الأَولى له أن يرتِّب قراءته، ويخصِّص لكل يومٍ جزءًا، فإنه بهذا سيختم القرآن مرَّة في هذا الشهر، ولو استمرَّ على هذا الأسلوب في كل شهور السنة لاستطاع ذلك، والأمر يرجع إلى العزيمة والإصرار.
ولو أنَّ المسلم خصَّص لكل وقت من أوقات الصلوات الخمس أربع صفحاتٍ، فإنه سيقرأ في اليوم عشرين صفحة، وهذا ما يعادلُ جزءًا كاملاً في المصاحف الموجَّه المكتوبة في خمسة عشر سطرًا في الصفحة؛ كمصحف المدينة النبوية.
وبهذه الطريقة يكون مداومًا على عملٍ من أعمال الخير غير منقطع عنه، و"أحبَّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ " كما قال صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثاني:
يحسن بمن يقرأ القرآن عمومًا، وبمن يقرأه في رمضان على وجه الخصوص = أن يكون معه تفسير مختصرٌ يقرأ فيه ليعلم معاني ما يقرأ، وذلك أدعى إلى تذوُّق القراءة والإحساس بطعم قراءة القرآن، وليس من يدرك المعاني ويعلمها كمن لا يدركها.
ومع أهمية هذا الأمر، فإنك ترى كثيرًا من قارئي القرآن يغفل عنه، ولو خَصَّصَ القارئُ لنفسه كتابَ تفسيرٍ مختصرًا يرجع إليه على الدوام لأدرك كثيرًا من معاني القرآن.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/117)
ولقد عُني المسلمون في هذا العصر بتأليف بعض التفاسير المختصرة، تجد ذلك في بعض بلدان المسلمين، ومنها بلاد الحرمين التي أصدرت وزارتها للشؤون الإسلامية كتاب (التفسير الميسر) وهو اسم على مسمى، وهذا التفسير مع أنَّ الغرض منه الإفادة في الترجمة، إلا أنه نافع لعامة من يريد أن يعرف المعنى الجملي للآيات، ولا يعرف فضل الجهد الذي بُذِل فيه، والقيمة العلمية التي يحتويها إلا من مارس التعامل مع اختلاف المفسرين.
والمقصود أن يحرص المسلم على أن يكون له تفسير من هذه المختصرات يقرأ فيه ويداوم عليه كما يقرأ القرآن ليجتمع له في قراءته الأداء وفهم المعنى.
الأمر الثالث:
في حال قراءة القرآن تظهر ـ على وجه الخصوص عند طلاب العلم ـ بعض الفوائد أو بعض المشكلات، ولابدَّ من التقييد لهذه الفوائد أو المشكلات؛ لئلا تضيع.
إن هذا القرآن لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الردِّ، وبما أنه قرآن كريم مجيد (أي: ذا شرف في مبناه ومعناه، وذا سعة وفضل في مبناه ومعناه)، فإن ما يتعلق به من المعاني والاستنباطات كذلك، فهي معانٍ واستنباطات شريفة لشرف ذلك الكتاب، وكثيرة متسعة لا يحدُّها حدٌّ لمجد ذلك الكتاب.
ولما كان هذا حاله، فَلَكَ أن تتصور: كم من الفوائد التي ستكون بين يدي طلاب العلم لو أن كل عالمٍ كتب ما يتحصَّل له من التدبر أو المشكلات أثناء قراءته لكتاب الله تعالى؟!
الأمر الرابع:
إن القراءة بالليل من أنفع العبادات، وكم من عبادة لا تخرج لذتها للعابدين إلا في وقت الظلمة، لذا كان أهم أوقات اليوم الثلث الأخير من الليل، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إذا كان ثلث الليل الآخر ينْزل ربنا إلى سماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطية؟
هل من مستغفر فأغفر له؟ …)).
وكثيرًا ما نغفل عن عبادة الليل خصوصًا في رمضان ـ مع ما يحصل منا من السهر ـ وتلك غفلة كبيرة لمن حُرِم لذة عبادة الليل.
فَشَمِّرْ عن ساعد الجِدِّ، وأدركْ فقد سبق المشمرون قبلك، ولا تكن في هذه الأمور ذيلاً بل كن رأسًا، والله يوفقني وإياك لكما يحب ويرضى.
ولو رتَّب المسلم لنفسه برنامج قراءة للقرآن كل ليلة؛ لارتبط بعبودية لله، ولم يكن في لَيلِهِ من الغافلين، لا جعلني الله وإياك منهم.
ومما قد يغيب عن أذهاننا في أيامنا هذه: أيامِ الإضاءةِ الليلية التي قلبت الليل إلى نهار، فانقلبت بذلك فطرة الله التي فطر الناس عليها بجعله الليل لهم سباتًا يرتاحون فيه، أقول إنه قد يغيب عنا لذة العبادة في الظلمة، لذا لو جرَّب المسلم قراءة القرآن من حفظِه أو الصلاة النافلة الليلية بلا إضاءة، فإن في ذلك جمعًا لهمِّه، وتركيزًا لنفسه؛ لأن البصر يُشغِل المرء في قراءته أو صلاته.
ومن جرَّب العبادة في الظلمة وجدَ لذة تفوق عبادته وهو تحت إضاءة الكهرباء.
الأمر الخامس:
إن من فوائد صلاة التراويح في رمضان سماع القرءان من القراء المتقنين، ومن أصحاب الأصوات النَّدية، الذين يقرؤون القرآن ويؤثِّرون بقراءتهم على القلوب، فتراك تجد بقراءتهم أثرًا في قلبك، فاحرص على من يتَّصف بهذه الأوصاف، واعلم أن الناس في قبول الأصوات ذوو أذواق، فلا تَعِبْ قارئًا لأنه لا يُعجِبك؛ فإن ذلك من الغيبة بمكان، لكن احرص على من تنتفع بقراءته، وهذا مطلب يُحرصُ عليه، ومقصد يُتوجَّه إليه.
وهاهنا استطرادٌ من باب الفائدة والتذكير أُوَجِّهُه إلى الكرام أئمة الصلوات الذين يؤمون الناس في التراويح الذين منَّ الله عليهم بما أعطاهم من الحفظ وحسن الصوت والقدرة على الأداء المتميِّز في القراءة والتأثير على الناس، أقول لهم: احرصوا على أن يكون تأثيركم على الناس في سماعهم لكم قراءةَ كلام ربكم، وإياكم أن يكون تأثيركم عليهم في دعاء القنوت فقط، فإنَّ في ذلك خللاً كبيرًا، وأنتم حين تعمدون إلى ذلك تغرسون في الناس ذلك الخلل؛ إذ كيف يكون تأثرُ الناس بكلام الناس، ولا يكون تأثرهم بكلام ربِّ الناس، سبحان الله! أليس ذلك أمر عجيب يحتاج إلى مدارسة وحلِّ له؟
ألستم تلاحظون الاستعداد النفسي لبعض الأئمة ولكثير من المصلين للقنوت أكثر من استعدادهم لسماع كلام ربهم؟!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/118)
ألا تلاحظون أنَّ بعض الأئمة يغيِّرون طبقات صوتهم، ويُلحِّنون في قنوتهم استجلابًا لقلوب المأمومين، ودعوة لهم إلى البكاء والخشوع؟!
أين ذلك كله حال قراءة كلام الله سبحانه، أين ذلك حال سماع كلام الله سبحانه؟
ذلك ما تُسكب له العبرات، وتخشع له النفوس الصالحات، وتَخِفُّ به الأرواح الطاهرات، فاحرص على الخشوع والتأثر بكلام ربك الذي تكَّلم به فوق سبع سموات، وسمعه منه جبريل رسول ربِّ البريَّات، وأداه كما سمعه لخير الكائنات محمد صلى الله عليه وسلم. وهاأنت تسمع من إمامِك ما تكلَّم الله به في عليائه، أفلا يكون ذلك كافيًا في حضور القلوب، واقشعرار الجلود ثمَّ ليونتها بعد ذلك، وطمأنينة النفوس؟!
إنه كلام الله، إنه كلام الله، فأدرك معنى هذه الكلمة أيها المسلم.
الأمر السادس:
يسأل كثيرون عن كيفية التأثر بالقرآن، ولماذا لا نخشع في صلواتنا حين سماع كلام ربِّنا؟
ولا شكَّ أن ذلك عائدٌ لأمور من أبرزها أوزارنا وذنوبنا التي نحملها على ظهورنا، لكن مع ذلك فلا بدَّ من وجود قدرٍ من التأثر بالقرآن، ولو كان يسيرًا، فهل من طريق إلى ذلك؟
إنَّ البعد عن المعاصي، وإصلاح القلب، وتحليته بالطاعات هو السبيل الجملي للتأثر بهذا القرآن، وعلى قدر ما يكون من الإصلاح يبرز التأثُّر بالقرآن.
والتأثر بالقرآن حال تلاوته يكون لأسباب متعددة، فقد يكون حال الشخص في ذلك الوقت مهيَّئًا، وقلبه مستعدًا لتلقي فيوض الربِّ سبحانه وتعالى.
فمن بكَّر للصلاة، وصلى ما شاء الله، ثمَّ ذكر الله، وقرأ كتاب ربِّه، ثمَّ استمع إلى الذكر فإنَّ قلبه يتعلق بكلام الله أكثر من رجلٍ جاء متأخِّرًا مسرعًا خشية أن تفوته الصلاة، فأنَّى له أن تهدأ نفسه ويسكن قلبه حتى يدرك كلام ربِّه، ويستشعر معانيه؟!
ومن قرأ تفسير الآيات التي سيتلوها الإمام واستحضر معانيها، فإنَّ تأثره سيكون أقرب ممن لا يعرف معانيها.
ومن قدَّم جملة من الطاعات بين يدي صلاته، فإنَّ خشوعه وقرب قلبه من التأثر بكلام ربِّه أولَى ممن لم يفعل ذلك.
وإنك لتجد بعض المسرفين على أنفسهم ممن هداهم الله قريبًا يستمتعون ويتلذذون بقراءة كلام ربه، وتجدهم يخشعون ويبكون، وما ذاك إلا لتغيُّر حال قلوبهم من الفساد إلى الصلاح، فإذا كان هذا يحصل من هؤلاء فحريٌّ بمن سبقهم إلى الخير أن يُعزِّز هذا الجانب في نفسه، وأن يبحث عن ما يعينه على خشوعه وتأثره بكلام ربِّه.
الأمر السابع:
يسأل كثير من المسلمين، كيف أحافظ على طاعاتي التي منَّ الله عليَّ بها في رمضان، فإنني سرعان ما ينقضي الشهر أبدأ بالتراجع عن هذه الطاعات التي كنت أجد لذة وحلاوةً في أدائها؟
إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رسم لنا منهجًا واضحًا في كل الأعمال، وقد بيَّنه بقوله: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ))، ولو عملنا بهذا الحديث في جميع عباداتنا لحافظنا على الكثير منها، ولما صرنا كالمنبتِّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى.
فلو اعتمد المسلم في كل عبادة عملا يوميًّا قليلاً يزيد عليه في وقت نشاطه، ويرجع إليه في وقت فتوره؛ لكان ذلك نافعًا له، فالمداومة على العبادة ـ ولو كانت قليلة ـ أفضل من إتيانها في مرات متباعدة أو هجرانها بالكلية.
فمن أدَّى فرائضه، والتزم بالسنن الرواتب، ثمَّ زاد عليها من أعمال العبادة ما شاء، فإنه يدخل في محبوبية الله التي قال فيها: ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبَّه)).
ففي صلاة الليل يحرص أن لا ينام حتى يصلي ثلاث ركعات، ولو كانت خفيفات، فإن أحسَّ بنشاط زاد، وإلا بقي على هذه الثلاث.
وفي قراءة القرآن يعتمد قراءة جزءٍ كل يوم، حتى إذا بلغ تمام الشهر، فإذا به قد ختم القرآن.
وفي الصيام يعتمد ثلاثة أيام من كل شهر، وإن استطاع الزيادة زاد، لكن لا ينقص عن الأيام الثلاثة.
وفي النفقة يعتمد مبلغًا ـ ولو يسيرًا ـ بحيث لا يمرُّ عليه الشهر إلا وقد أنفقه.
وهكذا غيرها من العبادات، يعتمدُ القليل أصلاً، ويزيد عليه في أوقات النشاط، فإذا قصرت همته رجع إلى قَلِيلِه، فيبقى في عباداته من غير كلفة ولا مشقة ولا نسيان وإهمال، أسأل الله أن يوفقني وإياكم إلى ما يحبُّ ويرضى، ويجعلنا من أهل القول والعمل.
وإذا تأملت رمضان وجدته أشبه بمحطةٍ يتزوَّد منها الناس وقودهم، وهو محطة الصالحين الذين يفرحون ببلوغه فيتزودون منه لعباداتهم في الدنيا، ولجنتهم في الأخرى، وهو محضن تربوي فريد يدخله كل المسلمين: مصلحوهم وصالحوهم وعصاتهم، فهلاَّ استطعنا اغتنام هذا الشهر؟.
وأخيرًا:
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يرفع البلاء عن هذه الأمة، وأن يهدي قادتها لما يُحبُّ ويرضى، وأن يرينا في هذا الشهر انتصارات للمسلمين في كلِّ مجال من مجالات الحياة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1004
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/119)
ـ[نياف]ــــــــ[24 - 11 - 05, 12:03 ص]ـ
نظرة في نشأة علوم القرآن الكريم
--------------------------------------------------------------------------------
نظرة في نشأة علوم القرآن الكريم
أثناء تعليقي على كتاب الاتقان للسيوطي، جمعت مقدمة في تاريخ علوم القرآن، فظهر لي في بحث النشأة معلومات جديدة من جهة تقسيم النشأة، وطرائق العلماء في التدوين في علوم القرآن، وما حدث لهذا المصطلح من تعدد في المرادات، فأحببت أن تشاركوني فيها الرأي؛ لأني سأعمد إلى تأليف كتاب مستقل في نشأة علوم القرآن الكريم، وقد جمعت بعض الأفكار، وسأطرح بعضها ملخصة لعلها تفيد كاتبها وقارئها، فأقول:
إن مما يحسن تقريره أول الأمر أنني سأبحث عن مصطلح علوم القرآن كما نشأ تاريخيًّا، وليس كما استقرَّ في أذهننا من خلال ما كتبه الزركشي (ت: 794) أو السيوطي (ت: 911)؛ لأنه بسبب تصورنا عن علوم القرآن من خلال ما كتباه قد يَمُرُّ ما يعارضه فلا يُنتبه إليه؛ لأن الأفكار المسبقة التي كوَّنَّها من خلال غلبة هذا علينا = قويةٌ ومؤثرةٌ بحيث صار العقل ينكر ما يتعارض مع هذه الأفكار أو يتجاهلها، فإذا دخلتْ هذه الموضوعات إلى محل النقاش والجدل العلمي بان ما فيها من حاجة إلى تحرير وتنقيح.
وقد ظهر أثر استقرار المصطلح على ثلاثة أمور:
الأول: الغفلة عن تعدد إطلاقات هذا المصطلح عند العلماء، حيث ظهر لي أنهم يطلقونه مرة على علم القراءات، ومرة على التفسير، ومرة على جملة علوم القرآن، ودونك بعض الأمثلة من كتب التراجم:
1 ـ قال عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت: ((سمعت الشعبي ـ وقيل له: إن اسماعيل السدي قد أعطي حظا من علم القرآن ـ قال: إن اسماعيل قد أعطي حظا من جهل بالقرآن)).
2 ـ عن الأصمعي قال: ((قال لي أبو عمرو: لو تهيأ لي أن أفرغ ما في صدري من العلم في صدرك لفعلت. لقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كُتِبَتْ ما قدر الأعمش على حملها، ولولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قُرىء لقرأت كذا وكذا، وذكر حروفًا)) معرفة القراء الكبار 1: 103.
3 ـ قال عمارة بن زيد المدني: ((كنت صديقا لمحمد بن الحسن، فدخلت معه إلى الرشيد، فسأله عن أحواله، فقال: في خير يا أمير المؤمنين، ثم تسارَّا، فسمعت محمد بن الحسن يقول: إن محمد بن إدريس الشافعي يزعم أنه للخلافة أهل.
قال: فغضب الرشيد، وقال: عليَّ به. فأُتِي به، حتى وقف بين يدي الرشيد، فَكَرِهَ الرشيد أن يعجل عليه من غير امتحان، فقال له: هيه؟ قال: وما هيه يا أمير المؤمنين، أنت الداعي وأنا المدعو. وأنت السائل وأنا المجيب.
قال: فكيف علمك بكتاب الله؟ فإنه أولى أن يُبتدأ به؟ قال: جمعه الله في صدري وجعل جنبي دفتيه.
قال: فكيف علمك به؟ قال: أي علم تريد يا أمير المؤمنين؟ أعِلْم تأويله أم عِلْم تنزيله؟ أم مَكِّيُّه أم مدنيُّه؟ أم ليليه أم نهاريه؟ أم سفريه أم حضريه؟ أم هجريه أم عربيه.
فقال: له الرشيد: لقد ادعيت من علوم القرآن أمرا عظيما)). تاريخ دمشق. (51: 319 ـ 320).
الثاني: عدم الاعتداد في أول مؤلَّف بما لا يحمل مصطلح (علوم القرآن).
إذا كانت العبرة في مصطلح علوم القرآن بما كُتب لا بعنوان المكتوب، فإن (فهم القرآن) للحارث المحاسبي (ت: 243) هو أول ما دُوِّن في علوم القرآن؛ لأنَّ موضوعاته كلها في علوم القرآن، وهي (فضائل القرآن، فضائل القراء، فقه القرآن، المحكم والمتشابه، النسخ ـ وهو أطولها ـ التقديم والتأخير، الإضمار، الحروف الزوائد، المفصَّل والموصول).
أما إذا كنا نبحث عن كتاب معنون بعلوم القرآن أو أحد مرادفاته، فإن ظهورأول مدون في علوم القرآن سيتأخر، وفي ذلك التأخير نظر؛ لأن الأصل مادة الكتاب وليس عنوانه فقط، لذا عدَّ بعض الباحثين المعاصرين كتاب (جمال القراء وكمال الإقراء) للسخاوي (ت: 643) من كتب علوم القرآن ـ وإن لم يرد في عنوانه هذا المصطلح، لكنه يتضمن جملة من علوم القرآن المتعلقة بالإقراء ـ، فلم لم يعدوا كتاب (فهم القرآن) من كتب علوم القرآن.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/120)
ومما يلاحظ على بعض الكتب التي ذكرت في عنوانها (علوم القرآن) أو احد مرادفاتها أنها كتب تفسير؛ أي أنها سارت على طريقة تفسير الآيات تفسيرًا تحليليًا، وهي لا تختلف في طريقتها عن كتب التفسير الأخرى، ككتاب (الجامع لعلم القرآن)، للرماني (ت: 384)، وكتاب (اللباب في علوم الكتاب)، لابن عادل الحنبلي (ت: 880).
الثالث: عدم ذكر مؤلفات ـ كانت حلقة من حلقات الكتابة في علوم القرآن ـ سارت على تفسير الآيات وذكرت جملة من علوم القرآن ذكرًا مقصودًا، وهي على نوعين:
النوع الأول: أن يكون المؤلف رتَّب كتابه ترتيبًا يُظهر بعض علوم القرآن، كما فعل الحوفي (ت: 430)، والمهدوي (ت: 440)، وغيرهما.
وإليك مقدمة المهدوي (ت 440)، قال ـ في كتابه (التحصيل لما في التفصيل الجامع لعلوم التنزيل) ـ: ((وأنا مبتدئ إن شاء الله في نظم هذا المختصر الصغير، مجتهد أن أجمع فيه جميع اغراض الجامع الكبير من الأحكام المجملة، والآيات المنسوخة، واحكامها المهملة، والقراءات المعهودة المستعملة، والتفسير والغريب والمشكل والإعراب والمواعظ والمثال والآداب، وما تعلق بذلك من سائر علو م التنزيل المحتملة للتأويل، ويكون المحذوف من الأصل ما أنا ذاكره في هذا الفصل فأحذفه من الحكام الذي هي أصول الحلال والحرام أكثر تفريع المسائل المنثورة مما ليس بمنصوص في السورة، وأقتصر من ذكر الاختلاف على الأقوال المشهورة، وأذكر الناسخ والمنسوخ بكماله وأورده مختصرًا على أتم أحواله، وأذكر القراءات السبع في الروايات التي اقتصر عليها اهل الأمصار، سوى من لم يبلغ مبلغهم من الاشتهار إلا ما اختلاف فيه بين السبعة القراء، فإني أذكره منسوبًا إلى بعض من روى عنه القراء ليعرف من هذا الاختصار ما هو من القراءات المروية مما لم يُقرأ به قارئ، وإن كان جائزًا في العربية، وأذكر من مسائل الإعراب الخفية ما يحتاج إليه، مما اختلف القراء فيه، او كان جائزًا في المقاييس العقلية، فإذا أكملت السورة من هذا المختصر جمعت في آخره أصول القراءات واختصار التعليل فيها، وأصول مواقف القراءة ومبادئها؛ ليجمع ـ بعون الله وتوفيقه ـ هذا الاختصار ما لم تجمعه الدواوين الكبرى، ولتكون أغراض الجامع مضمنة فيه، ومجملة في معانيه.
وأجعل ترتيب السور مفصلاً، ليكون أقرب متناولاً، فأقول: القول من أول سورة كذا إلى موضع كذا منها، فأجمع من آيِهَا عشرين آية أو نحوها، بقدر طول الآية وقصرها.
ثم أقول الأحكام والنسخ وأذكرهما.
ثم أقول التفسير فأذكره.
ثم اقول القراءات فأذكرها.
ثم أقول الإعراب فأذكره.
ثم أذكر الجزء الذي يليه حتى آتي على آخر الكتاب إن شاء الله على ما شرطته فيه، وأذكر في آخر كل سورة موضع نزولها، واختلاف اهل المصار في عددها، وأستغني عن تسمية رؤوس آيها، وأبلغ غاية الجهد في التقريب والقصد ... )).
(التحصيل، تحقيق الفاتحة والبقرة، تحقيق علي بن محمود بن سعيد هرموش، رسالة مرقومة على الآلة الكاتبة ص: 5 ـ 6).
النوع الثاني: أن يذكر المؤلف من مقاصده الإلمام ببعض علوم القرآن، لكنه يذكرها منثورةً خلال تفسيره للآيات، وليس كسابقه الذي يرتب كل نوع على حده، وإليك مثالٌ لمؤلف قصد هذا المقصد:
كتاب (البستان في علوم القرآن)، لأبي القاسم هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم الجهيني الحموي (ت: 738)
قال الحموي: ((أما بعد: فهذا كتاب (البستان في علوم القرآن)، قصدت فيه الاختصار مع البيان، وجمع الفوائد مع الإتقان، راجيًا به ـ لي ولمحصليه ـ الغفران، والرحمة من الله والرضوان، ويشتمل على أنواع من علوم الكتاب العزيز؛ المسمى بالفرقان:
النوع الأول: معرفة تفسير غريب اللفظ والمعنى، وأسباب النُّزول، والقصص، وما صحَّ من المنسوخ على ما ذهب إليه في ذلك كل من يُعتمد عليه.
النوع الثاني: معرفة المبهمات من الأسماء والأنساب، وضمائر الغيبة والخطاب، والعدد، والمدد، واختلاف الأقوال في ذلك ...
الثالث: معرفة قراءات الأئمة السبعة رحمة الله عليهم، ولكل إمام منهم راويان ...
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/121)
الرابع: معرفة الوقوف والموقوف عليه إن لم يتوقف فهمه على ما بعده وبالعكس، فالوقف لازم إن اختلَّ المعنى بالوصل، وتامٌّ إن لم يختل، ولم يكن للثاني تعلق بالأول ...
الخامس: معرفة خط الإمام مصحف عثمان بن عفان ...
السادس: معرفة عدد آي كل سورة (العدد الكوفي)، وكونها مكية أو مدنية أو مختلفًا فيها، وذلك مذكور في أول كل سورة.
السابع: معرفة رؤوس الآيات وأخماسها وأعشارها، والمختلف في كونه آية أو غير آية بين الكوفيين وغيرهم ...
الثامن: معرفة أجزائه الثلاثين وأخماسها وأنصافها وأنصاف أسداسها وأسباع القرآن وأرباع الأسباع ... ))، ثم شرع في تفسير الاستعاذة والبسملة والفاتحة حتى ختم كتابه بتفسير سورة بالناس.
(البستان في علوم القرآن / مخطوط بمكتبة الحرم المكي، لوحة 1 أ ـ ب).
ولا يعني أن هذه التفاسير تختلف في مادتها العلمية عن التفاسير السابقة، لكن المقصود أن مؤلفيها قد رتبوها ترتيبًا متوافقًا مع أنواع علوم القرآن، أو قصدوا ذكر جملة من علوم القرآن قصدًا مباشرًا، وهذا مما لا يحسن إغفاله في نشأة علوم القرآن.
...............
ومن باب تتميم الفائدة في هذا الموضوع أذكر ما يأتي:
أولاً: إن هناك إضافات مرادفة لعلوم القرآن يحسن التنبه لها، وهي (علم القرآن، علوم التنزيل، علم التنزيل، علوم الكتاب، علم الكتاب) إذ قد يرد في كتب التراجم أو في عناوين بعض الكتب أحد هذه الألفاظ.
ثانيًا: إن أضافة علوم للقرآن تحتمل أن يكون المراد به أي معلومة تنتسب للقرىن او تخرج منه، ومن ثمَّ فإن علوم القرآن على هذا المعنى لا يمكن حصرها، بل هي مما يتنامى مرة بعد مرة، وهذا المعنى افضافي ليس هو المراد عند من كتب في علوم القرآن، وإن كان بعضهم قد يشير إليه إشارة من باب التنبيه عليه فحسب.
ثالثًا: إنَّ علوم القرآن التي استقرَّت التسمية عليها الآن تشمل جملة العلوم:
ـ المنبثقة منه، كعلم القراءات.
ـ أو المتعلقة به ويشترك معه فيها غيره، إما لكونه نصَّا تشريعيًّا فتشترك معه السنة في بعض الموضوعات؛ كالناسخ والمنسوخ والعام والخاص وغيرها من مسائل أصول الفقه.
وإما لكونه نصًّا عربيًا، فتشترك معه علوم العربية والبلاغة؛ كعلم غريب القرآن من جهة المعنى اللغوي، وعلم إعجاز القرآن من جهة المعنى البلاغي.
وستلاحظ أن طرح هذه العلوم في كتب علوم القرآن قد اتخذ صورًا متعددة.
رابعًا: إن بعض الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن بعض أصحابه تشير إلى (علوم القرآن)، وإن لم تبيِّن المراد به على وجه التحديد، وإليك بعض هذه الأحاديث والآثار:
1 ـ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما لما قال: ((اللهم فقه في الدين، وعلمه الكتاب)) رواه البخاري وغيره.
وهذا الحديث يشير إلى أن للكتاب علومًا والرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لابن عمه في أن يعلمه الله إياها، ولقد تحقق ذلك له، وصار ترجمان القرآن، وأكثر الصحابة تفسيرًا له.
2 ـ قوله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه)) رواه البخاري.
وهذا يشملُ جُملةَ علومِ القرآنِ من قراءته وحفظه وتفسيره وغيرِها؛ لأنَّه خبر مطلقٌ غير محدَّدٍ بنوعِ من أنواع تعلُّمِ القرآنِ وتعليمه.
3 ـ من الآثار ما رواه ابن أبي شيبة بسنده عن أبي البختري عن علي قالوا: أخبِرْنا عن عبد الله.
قال: علم القرآن والسنة، ثم انتهى، وكفى بذلك علمًا «().
وهذه الأضافات (علم القرآن، علوم القرآن، علم الكتاب، علوم الكتاب، علم التنزيل، علوم التنزيل) أو ما يشير إليها في الأحاديث والآثار تحتاج إلى دراسة مستقلة؛ لاستجلاء المراد بها.
........................
فائدة: قال ابن خير الإشبيلي (ت: 575) في (فهرسة ما رواه عن شيوخه): ((ذكر ما رويته عن شيوخي رحمهم الله من الدواوين المؤلفة في علوم القرآن)) ص: 23.
وقد ذكر كثيرًا من كتب القراءت وما يتصل بها، وكتب التفسير وغيرها، ومما ذكر فيها ما يأتي: ((كتاب البرهان في علوم القرآن، في مائة سفر، لأبي الحسن الحوفي ... )) ص: 71.
ونستفيد من هذا النقل فائدتان:
الأولى: النظر في أنواع علوم الكتب التي ضمنها ابن خير فهرسة ما رواه في علوم القرآن، فيظهر لنا مراده بعلوم القرآن، وهو على ما استقر عليه المصطلح عندنا.
الثاني: أن الاختلاف في تسمية كتاب الحوفي (ت: 430) لازالت قائمة تحتاج إلى تحرير، فابن خير يروي الكتاب بسنده إلى المؤلف، ويسميه بهذا الاسم، لا باسم (البرهان في تفسير القرآن) كما جاء في بعض المصادر، وقد قال ابن خير في آخر روايته لهذا الكتاب: (( ... قال شريح بن محمد: وحدثني به أيضًا ـ إجازة ـ الفقيه أبو محمد عبد الله بن إسماعيل بن محمد بن خزرج اللخمي رحمه الله، قال أجازني أبو الحسن علي بن إبراهيم بن علي الحوفي المقرئ النحوي جميع روايته وأوضاعه بخط يده على يدي أبي صاحب الوردة في ربيع الآخر سنة 421)) ص 71.
وهذ يفيد في معرفة زمن تأليف كتاب البرهان، وانه متقدم على تاريخ هذه الإجازة.
تنبيه: ورد في مطبوعة فهرست ابن خير (الجوفي) بالجيم، وهو تصحيف، والله أعلم.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4006
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/122)
ـ[نياف]ــــــــ[24 - 11 - 05, 12:06 ص]ـ
تدبر القرآن
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فيكثر في شهر رمضان الحديث عن تدبر القرآن، وقد سمعت في هذا الشهر أحاديث عنه، فرأيت أن أطرح بعض اللفتات في هذا الموضوع، فأقول مستعينًا بالله.
1 ـ يغفل بعض الناس عن أن تطلُّب فهم الآية على وجهها الصحيح نوع من التدبر، والحقيقة أنه أصل من أصول تدبر القرآن إذ على الفهم السليم تُبنى الفوائد والاستنباطات السليمة في الغالب.
2 ـ إن استنباط الفوائد العلمية بعمومها هو نوع من تدبر القرآن، وهذا مما قد يغفل بعض الناس عن إدخاله في التدبر، ولو قرأت لمثل السهيلي (ت: 581) في كتابه (نتائج الفكر) لوقفت على عجب من العجب في استنباط دقائق المعاني من كتاب الله تعالى، يطرب لها الباحثون عن لطائف الآيات ودقائقها.
ولعلي أسوق لك من كتابه هذا ما يشجعك على اقتناء كتب هذا العلم الفذِّ، فمن فوائده الماتعة:
ــ قال السهيلي: (فإن قيل: كيف جاز (سبح اسم ربك الأعلى) (واذكر اسم ربك)، والمقصود بالذكر والتسبيح هو الرب تبارك وتعالى، لا اللفظ الدال عليه؟
قيل: هذا سؤال قد كعَّ (جبن وضعف) عنه أكثر المحصلين، ونكتة عجز عنها أكثر المتأولين ... والقول السديد في ذلك ـ والله المستعان ـ أن نقول: الذكر على الحقيقة محله القلب؛ لأنه ضد النسيان، والتسبيح نوع من الذكر، فلو أطلق التسبيح والذكر لما فهم منه إلا ذلك، والله ـ عز وجل ـ إنما تعبدنا بالأمرين جميعًا، ولم يتقبل من الإيمان إلا ما كان قولا باللسان، واعتقادًا بالجنان، فصار معنى الآيتين على هذا: اذكر ربك، وسبح ربك بقلبك ولسانك، ولذا أقحم الاسم تنبيهًا على هذا المعنى حتى لا يخلو الذكر والتسبيح من اللفظ باللسان، لأن الذكر بالقلب متعلَّقه المسمى المدلول عليه بالاسم دون سواه، والذكر باللسان متعلَّقه اللفظ مع ما يدل عليه؛ لأن اللفظ لا يراد لنفسه، فلا يتوهم أحد أن اللفظ هو المسبَّح دون ما يدل عليه من المعنى، هذا ما لا يذهب إليه خاطر، ولا يتوهمه ضمير، فقد وضحت تلك الحكمة التي من أجلها أقحم ذكر الاسم، وأنه به كملت الفائدة، وظهر الإعجاز في النظم، والبلاغة في الخطاب، فهذه نكتة لمن تدبرها خير من الدنيا بحذافيرها، والحمد لله على ما فهَّم وعلَّم)) نتائج الفكر، تحقيق: محمد إبراهيم البنا (ص: 44 ـ 45).
3 ـ يفهم بعض الناس أن التدبر هو تنزيل الآيات على واقعه، وأنه متى وجد مصداق معنى الآية أو شيئًا مما يشير إلى واقعه في الآية، قال: هذا التدبر، ولعمر الله إنه لمحقٌّ، لكن من دون قصر التدبر على هذه الصورة.
وقد وجدت أن هذه الصورة تقوم على القياس والمثال، فالمتدبر الذي يربط الآية التي لا ينتبه كثيرون إلى مرماها الذي وصل إليه، المستخرج من القرآن أحكام واقعه اليومي = مما يَمُرُّ به أو بإخوانه المؤمنين أو غيرهم من الكافرين في شرق الأرض وغربها، = إنما يقوم بنوع من أعلى أنواع التدبر.
وبهذا النوع يولع كثير من الناس، ولا ملامة في ذلك، بل ذلك عين ما يريده المسلم المصدق بكتاب ربه، المتفهم لمعاني كلامه ومراميه العظام، وإليه يشمر الكاتبون في التدبر، وإنما أردت التنبيه على كونه يقوم على قياس الواقع بالآية، ثم ربطه بها على انه مثال مما تتحدث عنه الآية أو تشير إليه، وقد سقت في هذا الملتقى مثالاً من أول سورة القصص، وقد علق عليه أخي عبد الرحمن الشهري بمثل ذلك، وكل ذلك داخل في باب القياس والتمثيل.
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4114
4 ـ قد يختلط على المتأمل مرحلة التأثر بالقرآن، ويظنها من التدبر، وهي في الحقيقة ليس كذلك، لأن التدبر ـ في حقيقته ـ عملية عقلية بحته، يجريها المتدبر لكلام الله، فيخرج ببعض الفوائد والاستنباطات.
أما التأثر بالقرآن الذي حكاه الله تعالى في قوله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)، فإن هذا له أسباب متعددة منها التدبر، وفهم المعنى، والحالة التي يكون عليها التالي لكتاب الله، والحالة التي يكون عليها السامع وغير ذلك.
وأخيرًا، أحذر نفسي وإخواني من أن الكلام في الآيات تفهمًا وتدبرًا على غير المنهاج الصحيح هو من القول على الله بغير علم، وقد قال الله تعالى في هذا (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) فالحذر الحذر من الكلام في القرآن بلا علم، لئلا ندخل في ما حرَّم الله.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يفتح لنا من كتابه الكريم ما انغلق علينا حفظًا، وفهمًا، وتدبرًا، وعملاً.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4130
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/123)
ـ[نياف]ــــــــ[24 - 11 - 05, 12:10 ص]ـ
لطائف قرآنية من قصة موسى في سورة القصص (1)
--------------------------------------------------------------------------------
قوله تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)
1 ـ إن من فطنة العدو أو الحاكم الظالم الجائر أن يجعل أهل الدولة التي يتسلط عليها شيعًا، يستعين بإحداهن على الأخرى، وذلك الديدن تجده اليوم في تسلط العدو على العراق، وكيف استفاد من جعل أهلها شيعًا، فاستضعفوا طائفة على حساب قوة طوائف أخرى.
2 ـ عبَّر عن الذبح بالفعل المضارع المضعَّف، وفي ذلك فائدتان:
الأولى: أن المضارع يفيد حدوث هذا الذبح وتجدده مرة بعد مرة، كلما جاء موجبه، وهو ولادة المولود الذكر من بني إسرائيل.
الثانية: أن في التضعيف إفادة التكثير، أو المبالغة في هذا الفعل.
3 ـ قابل الأبناء بالنساء، وفي ذلك سرٌّ لطيف، فإنه إنما يستفاد من إبقاء البنات إلى أن يكبرن، ويصرن نساءً يستطعن الخدمة عند فرعون وقومه، أما في حال صغرهن فلا يُستفاد منهن، وقد تنبَّه إلى هذا المعنى ابن جريج المكي (ت: 150) ففسَّر هذا المعنى فقال: ((قوله: {ويستحيون نساءكم} قال: يسترقون نساءكم))، فذهب إلى لازم إبقائهن احياء كما أشار إليه قوله تعالى (نساءكم)
3 ـ إن الفساد في فرعون متأصل ومستمرٌّ؛ لذا جاء التعبير عن إفساده بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستقرار (إنه كان من المفسدين)، وأكِّدت هذه الجملة بحرف التأكيد (إنَّ).
قوله تعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُون)
1 ـ جاءت الأفعال: (نريد، نمن، نجعلهم، نمكن لهم) على صيغة واحدة، وهي الفعل المضارع المبدوء بنون العظمة، والدال على الاستقبال، وفيها إشارة إلى الاختيار الإلهي المحض لهؤلاء القوم في أن ينصرهم الله ويمكنهم ممن اضطهدهم وآذاهم، لكن متى حصل لهم؟
لقد عاشوا أول أمرهم مضطهدين من فرعون وقومه، ثمَّ أنقذهم الله بموسى وهارون، ولكن ذلك الجيل الذي عاش حياة الذل لمَّا يتأدب بأدب النبوة، ويتربَّى بترتبية الرسالة الموسوية؛ إذ لما طُلِب منهم ـ بعد خروجهم من مصر ـ أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم ترددوا، وراجعوا موسى في ذلك، حتى انتهى بهم الأمر إلى أن يقولوا: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون). يا للخزي والعار لقوم يقولون لنبيهم هذا القول.
إن هذا الجيل المهزوم لم يكن له شرف حمل الرسالة، والحصول على الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم فترة من الزمن، فضرب الله عليهم عقوبته بالتيه في صحراء سيناء أربعين سنة، عاشوا فيها، فمات من مات من جيل الهزيمة، ووُلِد جيل عاش شظف العيش، ومارس شدائد الحياة الصحراوية، فكان الفتح على يديه بعد أن انتقل موسى وهارون إلى الرفيق الأعلى في زمن التيه، فانظر؛ كم الفرق بين الوعد وتحقيقه؟ ولكن الناس يستعجلون النصر.
وإذا تأملت واقعنا اليوم وجدتنا نعيش شيئًا من واقع تلك الأمة المخذولة التي ضُرب عليها التيه، واستكانت للراحة والدعة، وكرهت معالي الأمور التي لا تأتي إلا بعد الكدِّ والجدِّ والتعب، فلا ترانا نزاحم على القوة العظمى، ونقنع بالدون والهوان، فأخشى أن نكون ـ ونحن بهذا الحال ـ لسنا جيل النصر، والله غالب على أمره، والأمر كما قال تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)، ولن يأتي ذلك إلا بالتغيير (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فإذا حصل ذلك جاء الجيل الذي أشار اله إليه بقوله تعالى (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/124)
وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، فأسأل الله العظيم أن لا يحرمنا فضله، وأن يجعلنا ممن يُؤتاه.
2 ـ في الفعل (نُري) من قوله تعالى (ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) قراءتان: (نُري) (يَرى)، ومؤدى المعنيين في القراءتين واحد، فهو سبحانه يريهم فيرون، فالفعل من الله ابتداء تقدير، ومنهم تحقق وحدوث.
3 ـ في قضاء الله لطف وخفاء عجيب لا يمكن إدراكه إلا بعد وقوعه، فانظر كيف توعَّد فرعون وهامان وجنودهما، فقال: (ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)، فقدَّر الله ـ من حيث لا يشعرون، ولا يستطيعون ردَّ قضائه مهما بلغوا من قوة أو علم ـ أن يكون بيت فرعون حاضنًا لعدوِّه الذي سينهي أمره، فبالله عليك، أترى قوة في الأرض تستطيع إدراك هذا القدر قبل وقوعه، فتتقيه، وتأمل ما يقال ـ بغض النظر عن دقته وصحته ـ من مساعدة أمريكا للأفغان في حربهم على الروس، وكيف انتهى الأمر بأولئك أن حاربوا أمريكا التي كانت تمدهم بالسلاح، ولله فيما يقدر أسرار ولطائف.
ولو قرأت في التاريخ، ونظرت في قصص من حولك، لوجدت مثل تلك الصورة، فكم من امرئ أنعم على عبد من عباد الله، وكان ذلك العبد سببًا في هلاكه وزوال أمره وموته؟
قوله تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)
1 ـ لقد جاء الولد المختار من بني إسرائيل الذي سيكون هلاك فرعون وقومه على يديه، جاء وهم يقتلون الأبناء، فانظر لطف الله، ورعايته، ودقيق قدره في تخليص موسى عليه السلام من القتل؟
2 ـ أرأيت لو كنت متجرِّدًا من معرفة ذا الخبر، وقيل لك: إن امرأة وضعت ابنها في تابوت، وألقته في النهر، تريد له الأمان، أفكنت ترى ذلك من العقل والحكمة في شيء؟!
إن هذا الموضوع لو كان عُرِض عليَّ وعليك، لقلنا: إنه مجانب للعقل والحكمة.
لكن الذي أمر بذلك هو من يعلم السرَّ وأخفى، ألقته في اليمِّ، وسار التابوت برعاية الله له، فهو الذي أمر، فأنَّى لمخلوق أن يؤذي هذا الرضيع، وتابوته يتهادى بين مياه النهر؟!
3 ـ إن في إرضاعها لموسى أول الأمر سرٌّ لطيف، وهو أن هذا الطفل سيتذكر ذلك الثدي الذي أرضعه الحليب أول مرة، فإذا عُرض على المراضع لم يأنس بها، وانتظر ما بقي في ذاكرته الطفولية من ذلك الثدي الأول؛ إنه إلهام الله، وتقديره الخفي الذي لَطُف فدقَّ، ولَطَفَ فرفق.
4 ـ اشتملت الآية على لطائف من تنويع الخطاب، ففيها أمران (أرضعيه، فألقيه)، وفيها نهيان (لا تخافي، ولا تحزني)، وفيها بشارتان (رادُّه، وجاعلوه).
5 ـ اشتمل النهيان على الماضي والمستقبل، فقوله: (لا تخافي) أي عليه فيما يستقبله من قدر، وقوله (ولا تحزني) على فقده.
6 ـ تأمَّل البشارتين كيف جاءتا مؤكَّدتين تأكيدًا بليغًا يتناسبان مع موقف تلك الأم المفطورة في ولدها (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) فإن للتوكيد، ومجيء (رادوه، وجاعلوه) على اسم الفاعل بدلاً من الفعل لتكون الجملة اسمية، فتدل على الثبوت.
يالَ قلب تلك الأم المسكينة، ألقت ابنها في اليم، وأصبح قلبها خاليًا من كل شيء سوى ذكر موسى، فكادت ـ ولم تفعل ـ أن تخبر بأنه ابنها، وليكن ما يكن، لكنَّ لله أمرًا لابدَّ أن يمضي على تقديره، فربط على قلب الأم؛ ثبَّتها وصبَّرها حين لات صبر، ثم بدأت تفعل الأسباب، فقالت لأخته: اتبعي أثره، وانظري أمره، فكان ما كان من رجوعه، وتحقق وعد الله لها، فيالها من فرحة عاشتها أم موسى، وهنيئًا لها البشارة الثانية بالرسالة.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4114
ـ[نياف]ــــــــ[24 - 11 - 05, 12:13 ص]ـ
تصنيف العلوم المتعلقة بعلوم القرآن
--------------------------------------------------------------------------------
تصنيف المتلقة المتعلقة بعلوم القرآن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/125)
إن موضوع تصنيف العلوم وترتيبها في كتابةِ علوم القرآن من البحوث المهمة، وهو يحتاج إلى نظر بعد نظرٍ، وتقويمٍ إثر تقويم، وهو مجال واسع لإبداء الملاحظة، ولتنوُّع الرأي.
ولقد سبق أن فتحت باب هذا الموضوع في كتاب (أنواع التصنيف المتعلقة بتفسير القرآن) ثمَّ بدا لي ـ بعد النظر والتقليب في هذا الأمر ـ ما أنا عارضه عليك في هذه الأسطر القادمة، مع يقيني أنه ما زال يمثل رأيًا من الآراء التي قد تتغير مع زيادة البحث أو الملاحظات التي ترد عليه.
وقبل الدخول في تصنيف علوم القرآن وترتيبها أذكر مسألتين متعلقتين بهذا الموضوع، وهما:
الأولى: متى يُعدُّ علم ما أنه من علوم القرآن؟
الثانية: ما الفرق بين علوم القرآن والموضوعات التي تطرَّق إليها القرآن؟
وبعد تحرير هاتين المسألتين سأنطلق إلى الحديث عن ترتيب علوم القرآن.
أولاً: متى يُصنف علم ما في علوم القرآن؟
مما يلاحظ أنَّه لا يوجد ميزان دقيق يُعرف به ما هو من علوم القرآن مما ليس من علومه، لذا أدخل بعض الناس علوم الفلسفة في علوم القرآن، كما أدخل آخرون علوم الطب والكون وغيرها في علوم القرآن.
إن بعض علوم القرآن واضحة الدخول فيه، لكن في بعض ما يُنسبُ إليه من العلوم نظرٌ، والأمر يحتاج إلى ضوابط لمعرفة ما يدخل في علوم القرآن مما لا يدخل.
وقد أشار الشاطبي (ت: 790) إلى بعض الضوابط، فقال:» ... فإذًا تفسير قوله:?أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها? الآية] ق: 6 [بعلم الهيئة الذي ليس تحته عمل = غير سائغ.
ولأن ذلك من قبيل مالا تعرفه العرب، والقرآن إنما نزل بلسانها وعلى معهودها، وهذا المعنى مشروح في كتاب المقاصد بحول الله.
وكذلك القول في كل علم يعزى إلى الشريعة لا يؤدى فائدة عمل ولا هو مما تعرفه العرب فقد تكلف أهل العلوم الطبيعية وغيرها الاحتجاج على صحة الأخذ في علومهم بآيات من القرآن وأحاديث عن النبي ?، كما استدل أهل العدد بقوله تعالى: ?فاسأل العادين?] المؤمنون 113 [.
وأهل الهندسة بقوله تعالى: ?أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها? الآية] الرعد 17 [.
وأهل التعديل النجومي بقوله: ?الشمس والقمر بحسبان?] الرحمن: 5 [.
وأهل المنطق في أن نقيض الكلية السالبة جزئية جزئية موجبة بقوله: ?إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ?] الأنعام: 91 [ ... «(الموافقات، للشاطبي، تحقيق: مشهور حسن آل سلمان (1: 59 ـ 60)).
وقال:» العلوم المضافة إلى القرآن تنقسم على أقسام:
قسم هو كالأداة لفهمه واستخراج ما فيه من الفوائد، والمعين على معرفة مراد الله تعالى منه؛ كعلوم اللغة العربية التي لا بد منها، وعلم والقراءات، والناسخ والمنسوخ، وقواعد أصول الفقه، وما أشبه ذلك، فهذا لا نظر فيه هنا.
ولكن قد يدعى فيما ليس بوسيلة أنه وسيلة إلى فهم القرآن، وأنه مطلوب كطلب ما هو وسيلة بالحقيقة، فإن علم العربية، أو علم الناسخ والمنسوخ، وعلم الأسباب، وعلم المكي والمدني، وعلم القراءات، وعلم أصول الفقه = معلوم عند جميع العلماء أنها معينة على فهم القرآن.
وأما غير ذلك، فقد يعدُّه بعض الناس وسيلة أيضا ولا يكون كذلك، كما تقدم في حكاية الرازي في جعل علم الهيئة وسيلة إلى فهم قوله تعالى: ?أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج?] ق: 6 [.
وزعم ابن رشد الحكيم في كتابه الذي سماه بـ» فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال «أن علوم الفلسفة مطلوبة؛ إذ لا يفهم المقصود من الشريعة على الحقيقة إلا بها.
ولو قال قائل: إن الأمر بالضِّدِّ مما قال لما بَعُدَ في المعارضة.
وشاهد ما بين الخصمين شأن السلف الصالح في تلك العلوم؛ هل كانوا آخذين فيها أم كانوا تاركين لها أو غافلين عنها؟ مع القطع بتحققهم بفهم القرآن يشهد لهم بذلك النبي ? والجَمُّ الغفير، فلينظر امرؤ اين يضع قدمَه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/126)
وثَمَّ أنواع أُخَرُ يعرفها من زوال هذه الأمور، ولا ينبئك مثل خبير، فأبو حامد ممن قتل هذه الأمور خبرة، وصرَّح فيها بالبيان الشافي في مواضع من كتبه «. (الموافقات، للشاطبي، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان (4: 198 ـ 199)، وينظر: (1: 59)، (2: 109 ـ 131)).
ويمكن تلخيص هذه الضوابط التي ذكرها الشاطبي (ت: 790) فيما يأتي:
الأول: أن يكون العلم مما يعرفه العرب.
وقد أخرج بهذا الضابط العلوم التي لم تنشأ عند العرب ولا عرفتها؛ كعلم الفلسفة. ويلحق به علم المنطق وغيرهما من العلوم التي لم يكن للعرب بصرٌ بها، فإن مثل هذه العلوم لا يمكن أن تكون من علوم القرآن على الإطلاق. وهي تخرج ـ كذلك ـ بالضابطين الآتيين أيضًا.
الثاني: أن يكون للسلف فيها اعتناء.
وهذا يظهر في جملة من علوم القرآن، كعلم أسباب النُّزول، وعلم المكي والمدني، وعلم الناسخ والمنسوخ.
ولو زيد في هذا الضابط قيد يكون بمثابة الدرجة الثانية، وهو أن يكون لها أصل في كلام السلف، فالعلم إن لم يكن مما اعتنى به السلف، فلا أقلَّ من أن يكون له ذكرٌ في علومهم؛ كعلم مبهمات القرآن.
الثالث: أن يكون وسيلة لفهم القرآن.
وقد عدَّ منها علم العربية أو علم الناسخ والمنسوخ وعلم الأسباب وعلم المكي والمدني وعلم القراءات وعلم أصول الفقه، وغالب هذه العلوم من وسائل فهم القرآن؛ أي: تفسيره.
ويمكن أن يضاف إلى ذلك معرفة ما يتعلق به من أحوال؛ لأنَّ بعض علومه قد تكون مقدمات نظرية له، كعلم الوحي، وقد تكون معلومات نظرية منبثقة منه؛ كعدِّ الآي مثلاً.
وهذه العلوم لا أثر لها على فهمه إذا كان بمعنى التفسير؛ لأن جهلها لا يؤثر على التفسير، لكنها من علوم القرآن التي لا تنفكُّ عنه ولا توجد في غيره.
وهذا يعني أن يضاف قيد رابع، وهو:
رابعًا: أن يكون منبثقًا منه، لا ينتسب إلى غيره.
وهذا يدخل فيه جملة من العلوم المتعلقة به من جهته هو ولا تتعلق بغيره من العلوم؛ كرسم المصحف، ونقطه وضبطه، وأسماء سوره، وتجزئاته، وغير ذلك من العلوم التي لا توجد في غيره.
ثانيًا: ما الفرق بين علوم القرآن وموضوعاته؟
للعلم إطلاق واسع بحيث يشمل كل معلوم، لكن المراد هنا العلوم التي صار لها مسمَّى خاصًّا؛ كما يقال: علم النحو، وعلم اللغة ...
ويطلق العلم في الاصطلاح على المسائل المضبوطة ضبطًا خاصًّا، وهو يشمل جملة من الأصول والمسائل التي تجتمع في موضوع كليٍّ واحد.
أما الموضوعات، فإنها جملة المسائل التي تُطرَح في هذا العلم، كموضوع المبتدأ والخبر في علم النحو.
وقد يتكوَّن من موضوع منها علمًا، إذا اتسعت مسائله وصار له مبادئ وأصول تجمع هذه المسائل.
ويرجع ذلك إلى أمرين:
الأول: تنوع المسائل المطروحة في الموضوع.
الثاني: اصطلاح المصطلحين على تسمية هذه المسائل المعينة بالعلم الفلاني.
ولعله من الواضح أنه لا يلزم أن يكون كل موضوع تحدث فيه القرآن داخلاً في علوم القرآن، فورود بعض الآيات في بعض العلوم لا يعني أنَّ هذه العلوم من علوم القرآن، ومن أمثلة ذلك:
ورود عدد من الآيات في النجوم؛ لا يجعل علم النجوم من علوم القرآن.
وورود عدد من الآيات في البحار؛ لا يجعل علم البحار من علوم القرآن.
فهذه الآيات الورادة في هذين المثالين وغيرهما من أمثلة الموضوعات التي تطرق إليها القرآن؛ لم يتطرق إليها القرآن على أنها علوم تجريبية بحته، التي سبيلها الفرض والتخمين، ثم الوصول إلى الحقيقة بعد ذلك. كلا، لقد تحدث عنها القرآن على أنها من أدلة التوحيد أو غيره، وجاءت لإثبات قضايا عقدية، ولا يمكن أن تخالف هذه الحقيقةُ الكلاميةُ (أي: آيات القرآن) الحقيقةَ الكونيةَ؛ لأن الخالق للكون هو المخبرُ عنه بأنه كذا وكذا؛ فلاتحاد المصدر الذي ينبعان منه، لم يكن بين هذه الحقائق المقروءة والحقائق المشاهدة تفاوت ولا تناقض.
لقد طرق القرآن موضوعات كثيرة، واستُنبط منه عدَدًا من العلوم التي نُسِبت إليه، فمتى يمكن أن يُعدَّ الموضوع الذي تطرق إليه علمًا لا موضوعًا قرءانيًا؟
لأضرب لك مثلاً وضح المراد بهذا التساؤل:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/127)
يكثر الحديث في القرآن عن إهلاك الأمم المخالفة لشريعة، وقد يستنبط الباحث موضوعًا في ذلك، ويعنونه بـ» هلاك الأمم في القرآن أسبابه ونتائجه «، فهل يمكن أن يقال: علم هلاك الأمم، على أنه من علوم القرآن.
لا شكَّ أنك ستقف أمام هذا وترفضُه، وستكون غير مقتنعٍ بدخول مثل هذا الموضوع في علوم القرآن العامَّة، وإنك لو سِرْتَ على هذا المنهج لَغَدَت علوم القرآن كثيرةً كثرةً لا يمكن ضبطها ولا عدُّها، فأي بحث في موضوعات القرآن التي طرقها، فهي على هذا الأسلوب من علومه.
لكن لو قيل لك: علم قصص القرآن، فإنك ستجد لذلك قبولاً في نفسك أكثر من الموضوع الأول، فما الضابط في الأمر في مثل هذا؟
يظهر أنَّ الأمر نسبيٌّ، فمثلُ قصصِ القرآن، وأمثال القرآن، وأقسام القرآن، وجدل القرآن يمكن أن تكون موضوعاتٍ قرآنية، ويمكن أن تكون علومًا مستقلة ضمن علوم القرآن.
ومن خلال تتبع بعض علوم القرآن التي جمعها الزركشي (ت: 794) في كتاب (البرهان في علوم القرآن)، والسيوطي (ت: 911) في كتاب (الإتقان في علوم القرآن)، وما أحدثه الباحثون المعاصرون من علوم مستقلة طرحوها في كتبهم = لم أجد ضابطًا واضحًا في إدخال علم من العلوم الجزئية في علوم القرآن.
ولو أَخَذْتَ ـ على سبيل المثال ـ علوم القرآن المطروحة في كتابي الزركشي (ت: 794) والسيوطي (ت: 911)، وفهرستها؛ لظهر تباين الكتابين في نوع العلوم التي كتبوا فيها.
وهذا التباين إنما كان بسبب الاجتهاد في تصنيف هذه العلوم وعدِّها من علوم القرآن، مع ملاحظة أن الحرص على تكثير هذه العلوم ـ مع أن بعضها قد يدخل في بعض ـ كان سببًا آخر من أسباب هذا التباين.
ويلاحظ أنَّ المراد بالعلم الموصوف به جملة علوم القرآن ليس العلم المذكور بحدوده عند المناطقة، لذا لا يقال فيه هل هو من قبيل التصديقات أو من قبيل التصورات؟
وتعريف العلم عند المناطقة لا يتمشى مع علوم الشريعة البتة، ومن أخذ بحدودهم في ذلك فإنه قد يخرج بعض العلوم الإسلامية عن مسمى العلم، كما فعل الطاهر بن عاشور (ت: 1393)، قال:» هذا، وفي عَدِّ التفسير علمًا تسامح؛ إذ العلم إذا أُطلِق، إما أن يراد به نفس الإدراك ... وإما أن يراد به الملكة المسماة بالعقل، وغما أن يراد به التصديق الجازم، وهو مقابل الجهل ... «(التحرير والتنوير (1: 12)).
ويمكن أن يوجَّه النظر إلى اعتبار علم من العلوم التي هي خارجة عما ذكرت سابقًا إلى كون هذا العلم المذكور من مقاصد القرآن، وأنه مقصود لذاته، فإذا ظهر أنه مقصد من مقاصد القرآن ومقصود لذاته جاز أن يُفردَ عِلْمًا مستقلاً؛ كعلم قصص القرآن الذي ينتشر انتشارًا واضحًا في سورٍ كثيرة من سورِ القرآن، وهو أسلوب من الأساليب التي يُتوصَّل بها إلى غايات وعظية وتقريرات عقدية، وهدايات تربوية.
وإذا وازنت بين طرح القرآن للقصص وبين طرحه لجملة من مسائل العلم التجريبي المنتشرة في القرآن من عالم البحار والفلك والحيوان والنبات، وغيرها = فإنه سيظهر لك جليًّا مَيْزُ الموضوعات وافتراقها في الغايات.
تصنيف علوم القرآن وترتيبها:
كما لم يكن هناك ضابط في إدخال علم من العلوم في علوم القرآن، فإنه لم يوجد كذلك تصنيف لهذه العلوم ولا ترتيب منطقيٌّ لها، بحيث يجمع أشباهها ونظائرها، ويرتب أولها على آخرها.
ومن الاجتهادات في ترتيب علوم القرآن وتصنيفها ما قام به البُلْقِيني (ت: 824) في كتابه مواقع العلوم من مواقع النجوم، قال:» ... وأنواع القرآن شاملة، وعلومه كاملة، فأردت أن أذكر في هذا التصنيف ما وصل إلى علمي مما حواه القرآن الشريف من أنواع علمه المنيف، وينحصر في أمور:
الأمر الأول: مواطن النُّزول وأوقاته ووقائعه، وفي ذلك اثنا عشر نوعًا:
المكي، المدني، السفري، الحضري، الليلي، النهاري، الصيفي، الشتائي، الفراشي، النومي، أسباب النُّزول، أول ما نزل، آخر ما نزل.
الأمر الثاني: السند، وهو ستة أنواع:
المتواتر، الآحاد، الشاذ، قراءات النبي، الرواة، الحفاظ.
الأمر الثالث: الأداء، وهو ستة أنواع:
الوقف، الابتداء، الإمالة، المد، تخفيف الهمزة، الإدغام.
الأمر الرابع: الألفاظ، وهو سبعة أنواع:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/128)
الغريب، المعرب، المجاز، المشترك، المترادف، الاستعارة، التشبيه.
الأمر الخامس: المعاني المتعلقة بالأحكام، وهو أربعة عشر نوعًا:
العام الباقي على عمومه، العام المخصوص، العام الذي أريد به الخصوص، ما خص فيه الكتاب السنة، ما خصصت فيه السنة الكتاب، المجمل، المبين، المؤول، المفهوم، المطلق، المقيد، الناسخ، والمنسوخ، نوع من الناسخ والمنسوخ وهو ما عمل به من الأحكام مدة معينة والعامل به واحد من المكلفين.
الأمر السادس: المعاني المتعلقة بالألفاظ، وهو خمسة أنواع:
الفصل، الوصل الإيجاز، الإطناب، القصر.
وبذلك تَكَمَّلت الأنواع الخمسين.
ومن الأنواع ما لا يدخل تحت الحصر الأسماء الكنى الألقاب المبهمات «(الإتقان (1: 5 ـ 6)).
وهذا الترتيب من أجمع ما وقع في تصنيف علوم القرآن وترتيب نظائرها تحت علم عامٍّ يجمعها، وإن لم يسمِّ هذه العلوم بمسمًّى واضح، كما هو ظاهر من الأمور الستة التي جعلها أصلا يرجع إليها خمسون علمًا من علوم القرآن.
وعلوم القرآن بحاجة إلى أمرين:
الأول: تصنيف المتناظرات في العلم تحت مسمى علم واحد، فيجمع ما بتعلق بنُزول القرآن تحت (علم نزول القرآن)، وما يتعلق بأداء القرآن يجمع تحت (علم أداء القرآن)، وما يتعلق بأحكام القرآن يجمع تحت (علم أحكام القرآن).
الثاني: ترتيب العلوم في الصنف الواحد، ثم ترتيب هذه الأصناف في علوم القرآن بحيث لا تؤخذ معلومة تحتاج إلى علم لم يؤخذ قبلها، بل تتناسق المعلومات الواحد تلو الآخر، فيردُّ إلى ما سبق دون الحاجة إلى شرحٍ مستطرد لمعلومة ستأتي فيما بعد.
ومن أمثلة ذلك أن يُدرس موضوع (الأحرف السبعة) قبل موضوع (القراءات القرآنية)، كما أنه يُدرس أيضًا قبل موضوع (جمع القرآن)؛ لأنه إذا درس هذين الموضوعين قبل موضوع (الأحرف السبعة)، فإن سيُضطر إلى الاستطراد في معرفتها لاحتياج هذين الموضوعين لها، وإلا لبقيت (الأحرف السبعة) طلاسم يحال إليها لا يعرف منها سوى المصطلح شيئًا.
ولقد نظرت بتأمُّلٍ إلى العلوم التي يشتملها عِلْمُ علوم القرآن، فظهر لي أنه يمكن تقسيمها إلى قسمين:
القسم الأول: العلوم الناشئةُ منه، وهي ما كانت متعلقةً به تعلقًا مباشرًا، ولا تخرج إلا منه، ومن هذه العلوم:
1 ـ علم نزول القرآن، وأحواله.
2 ـ علم القراءات، وما يرجع إلى كيفية أدائه، وآداب تلاوته وأحكامها.
3 ـ علم جمع القرآن وتدوينه.
4 ـ علم الرسم والضبط.
5 ـ علم عدِّ الآي.
6 ـ علم فضائل القرآن.
7 ـ علم خصائص القرآن.
8 ـ علم مبهمات القرآن.
9 ـ علم سوره وآياته.
10 ـ علم الوقف والابتداء.
11 ـ علم المكي والمدني.
12 ـ علم أسباب النُّزول.
13 ـ علم التفسير، ويدخل فيه جملة من العوم المرتبطة بالتفسير؛ كأصول التفسير، وطبقات المفسرين ومناهج المفسرين وغيرها.
14 ـ علم أمثال القرآن.
15 ـ علم أقسام القرآن.
16 ـ علم الوجوه والنظائر.
القسم الثاني: العلوم المشتركة مع غيره من العلوم، وهي على قسمين:
الأول: العلوم المرتبطة به كنصِّ شرعيٍّ تؤخذُ منه الأحكامُ التشريعية، ويشاركه فيها الحديث النبويُّ؛ لأجل هذه الحيثيةِ، وقد نشأ عن دراستهما من هذه الجهة علم الفقه وعلم أصول الفقه، فما كان في هذين العلمين من موضوعات مشتركة مع علوم القرآن؛ فإنها ترجع إلى كونه نصٌّ تشريعيٌّ، والله أعلم.
ومن هذه العلوم:
1 ـ علم الأحكام الفقهية.
2 ـ علم الناسخ والمنسوخ.
3 ـ علم العام والخاص.
4 ـ علم المطلق والمقيد.
5 ـ علم المجمل والمبين.
6 ـ علم المحكم والمتشابه.
وهذه العلوم ترتبط بعلم الفقه وأصوله، وبعلم الحديث كذلك، ولا يعني هذا أنَّ هذه العلوم أصلٌ في هذا العلم وفرعٌ في ذاك، وإنما هي متعلقة بالنصِّ الشرعي سواءً أكان قرءانًا أم سنة، وبحثها في هذه العلوم يتفق في مسائل ويختلف في أخرى تبعًا لمنهج كلِّ علمٍ، والله أعلم.
ومن ثَمَّ فإنه يمكن أن تُدرس بعض علومه فيما طُرِح في كتب العلوم الأخرى، ثُمَّ الموازنة بين هذا العلم في علوم القرآن وفي كتب العلوم الأخرى؛ كعلم الناسخ والمنسوخ في كتب علوم القرآن وكتب أصول الفقه، أو علم أحكام القرآن في كتب أحكام القرآن وكتب الفقهاء، وهكذا.
الثاني: العلوم المرتبطة به باعتباره نصًّا عربيًّا، وهذه العلوم تعتبر من العلوم الخادمة له: ويدخل في ذلك جملة من علوم الآلةِ؛ كعلم النحو، وعلم البلاغة، وعلم الصرف.
ويدخل فيه:
1 ـ علم معاني القرآن.
2 ـ علم متشابه القرآن.
3 ـ علم إعراب القرآن.
4 ـ علم أساليب القرآن.
5 ـ علم لغات القرآن، ويشمل ما نزل بغير لغة الحجاز، وما نزل بغير لغة العرب، وهو ما يسمى بالمعرَّب.
6 ـ علم غريب القرآن.
ويشاركه في ذلك أي نصٍّ عربيٍّ من نثرٍ أو شعرٍ، مع مراعاة قدسيَّةِ القرآن وإعجازه، وأنه ـ مع كونه نصًّا عربيًّا ـ لا يلزم أن يرد فيه كل ما ورد عن العرب، ولا أن يُحمل على غرائب ألفاظهم وأساليبهم.
وتقسيم هذه العلوم ضمن مجموعات متجانسة تحت أمر كليٍّ مما يمكن أن تتعدَّد فيه الاجتهادات، وليس في ذلك مشاحَّة، بل في الأمر سعة ظاهرة.
__________________
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
attyyar@hotmail.com
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=242
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/129)
ـ[الساري]ــــــــ[24 - 11 - 05, 07:21 ص]ـ
جزاك الله خيرا
وهذا الموضوع في ملف وورد(3/130)
منهج القرآن الكريم في تأصيل أخلاق التعامل المالي (دراسة تفسيرية تحليلية)
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[30 - 11 - 05, 04:29 ص]ـ
منهج القرآن الكريم في تأصيل أخلاق التعامل المالي
(دراسة تفسيرية تحليلية)
للباحث: كامل محمود الشرباتي
تم في قسم القرآن والسنة بكلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية/الجامعة الإسلامية العالمية – ماليزيا مناقشة رسالة الدكتوراة المقدمة من الباحث كامل محمود الشرباتي وهي بعنوان: (منهج القرآن الكريم في تأصيل أخلاق التعامل المالي (دراسة تفسيرية تحليلية)).وقد تألفت لجنة المناقشة من: الدكتور محمد بهاء الدين حسين – مشرفا، والأستاذ الدكتورسعاد يلدريم - مناقشا والدكتور ليث سعود جاسم – رئيسا ومناقشا، والدكتور سوهرين محمد صولحين – مناقشا. وبعد المناقشة منح الباحث درجة الدكتوراة بتقدير امتياز في التفسير وعلوم القرآن الكريم.
ويعزو الباحث سبب اختياره لهذا الموضوع إلى حاجة الواقع الإسلامي المعاصر إلى دراسة متخصصة تتعلق بجوانب التعامل المالي من وجهة نظر قرآنية، تسعى لتوضيح القيم الإسلامية الراقية المتعلقة بهذا المجال، وإلى حاجة مكتبة التفسير القرآني خصوصاً إلى دراسة موضوعية تحليلية تستقرئ آيات القرآن الكريم، وتبرز الأخلاق التي أكد عليها القرآن الكريم في موضوع التعامل المالي، والمنهج والأسلوب الذي اتبعه في تأصيل هذه الأخلاق وترسيخها في التعامل بين الناس.
ملخص الرسالة:
قام الباحث باستخدام المنهج الاستقرائي والتحليلي للدراسة ومن ثم قام بتقسيم الدراسة إلى بابين بالإضافة إلى الفصل التمهيدي والخاتمة والتوصيات وفهارس البحث، فبعد أن مهد للبحث، تناول الباحث في الباب الأول: العناصر النظرية لأخلاق التعامل المالي في القرآن، متناولا مفهوم المال في المنظور القرآني،وعناصر المنهج القرآني في بيان أخلاق التعامل المالي، و أساليب القرآن الكريم في الدعوة إلى أخلاق التعامل المالي.
أما الباب الثاني فقدم الباحث نماذج تطبيقية لأخلاق التعامل المالي في القرآن الكريم، وذلك من خلال أخلاق التعامل المالي في ميدان الكسب، كالوفاء بالكيل والميزان، و تحريم التعامل بالربا، و تحريم أكل المال بالباطل،والتحذير من الانشغال بالتجارة عن ذكر الله تعالى. ومن خلال أخلاق التعامل المالي في ميدان الإنفاق، كتحرّي الطيّب في الإنفاق، واجتناب المنّ والأذى، و الاعتدال في الإنفاق،وذم البخل والتنفير منه. وأشار الباحث أيضا إلى أهمية أخلاق التعامل المالي في المداينة،ككتابة الدَّيْن، والإشهاد على الدَّيْن.
وقد توصل الباحث في ختام الدراسة إلى النتائج التالية:
? اعتنت الدراسة بالبحث في الأحكام الخُلُقية؛ لأنها أقدر على ضبط السلوك الإنساني من الأحكام القانونية؛ ذلك أن النية أمر جوهري فيها؛ ومجالها أرحب وأوسع من مجال القانون؛ حيث تتوجه إلى الظاهر والباطن؛ ومصدر الإلزام فيها داخلي ذاتي؛ كما أنها تسعى إلى الإحسان، لا مجرد إقامة العدل.
? كانت مظاهر الفساد والظلم والانحراف في التعامل المالي منتشرة عند العرب الجاهليين إبان مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن الكريم، فقد كان المجتمع يعاني سوء توزيع الثروة، وسعة الهوة بين الأغنياء والفقراء، وانتشار التعامل بالربا، وظهور أشكال من الانحراف في شؤون البيع والشراء، كما كانت مظاهر الظلم فاشية في شأن أموال اليتامى والنساء وتقسيم الميراث. فكانت مهمة القرآن الكريم هي التصدي لهذه المظاهر ومعالجتها بأسلوبه المتميز، ومنهجه الفريد.
? اهتم القرآن الكريم بشأن المال، فذكره في مواضع عديدة من آياته، ونسبه الله سبحانه وتعالى إلى نفسه العليّة تشريفاً وتكريماً، وتنويهاً بالمالك الحقيقي للمال، الذي له الحق في بيان أحكامه وأخلاق التعامل به. ومن مظاهر اهتمام القرآن الكريم بالمال أمره بحفظه من الضياع والتلف، وتشريع أخلاق التعامل به كسباً وإنفاقاً واستثماراً وادخاراً، واتباع منهج حكيم في التأكيد على هذه الأخلاق وترسيخها في أذهان الناس.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/131)
? نظرة القرآن الكريم إلى المال نظرة واقعية متوازنة، فالمال مال الله تعالى، والعباد مستخلفون فيه، وهو قوام الحياة، وحبه فطري وغريزي في الإنسان، والمال في نظر القرآن الكريم خير فلا يذم لذاته، وإنما للعوارض التي تطرأ في استعماله، وهو وسيلة لا غاية، وهو متاع الحياة الدنيا وزينتها، وينطوي على عناصر الفتنة والابتلاء، والمال ليس أساس التفاضل بين الناس، ولا علامة رضا الله تعالى، كما أنه لا يُغني في الآخرة شيئاً، حيث ينتهي أثره بانقضاء الحياة الدنيا.
? ابتدأ القرآن الكريم خطواته في الحث على التزام أخلاق التعامل المالي بذم مظاهر الانحراف والفساد في السلوك البشري، ولم يترك البشر حيارى في هذا المجال، بل أرشدهم إلى البديل الفاضل، ودعاهم إلى التزام مكارم الأخلاق ومحاسنها، القائمة على الإحسان والتكافل والتعاون.
? تدرج القرآن الكريم في تشريعه لبعض أخلاق التعامل المالي، فاتخذ بشأنها إجراءات تمهيدية، بإيحاءات وإشارات إلى ما يتجه إليه أمر التشريع، وذلك لخلخلة ارتباط النفوس بما اعتادت عليه من مساوئ الأخلاق، خصوصاً تلك الأخلاق التي أصبحت جزءاً من واقع الحياة وسلوك الناس اليومي، بحيث يكون النهي عنه دفعة واحدة عسيراً على النفوس، وقد لا يحقق الهدف المنشود من التشريع، من حُسْن الالتزام وتنفيذ الأوامر.
? ربط القرآن الكريم بين أخلاق التعامل المالي وبين العقيدة في كثير من المواضع، فالعقيدة هي الأساس الذي تنبني عليه جميع نظم الإسلام، وهي الدافع والباعث على الاستجابة والانقياد لأحكام القرآن الكريم، وقد جاء ذلك عن طريق التذكير بالإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، وتقرير زوال الدنيا وبقاء الآخرة، والأمر بالتقوى في ثنايا التوجيهات الخُلُقية المتعلقة بالشؤون المالية، والتذكير بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا في سياق الآيات وخواتيمها؛ بعثاً على استحضار عظمته وخشيته وقدرته ورقابته على جميع تصرفات الفرد.
? ربط القرآن الكريم بين أخلاق التعامل المالي وبين المقاصد التي تُحققها، والآثار التي تترتب على الالتزام بها، فالإنسان مجبول على تكرار السلوك الذي يحسّ بأثره في حياته وواقعه. والآثار التي أشار إليها القرآن الكريم لا تقتصر على الجانب الروحي الأخروي متمثلاً في الثواب وحُسْن العاقبة فحسب، بل تشمل الآثار القريبة المحسوسة في الحياة الدنيا، بما فيها مظاهر من الكسب المادي، والخير الدنيوي للفرد والمجتمع.
? أدرج القرآن الكريم أخلاق التعامل المالي في سياق الأحكام التكليفية الأخرى؛ للتدليل على مساواتها مع بقية أحكام القرآن وتشريعاته، فهي في مستوى واحد من القوة التكليفية؛ ولبيان عدم إمكانية الفصل بين أحكام العبادات وأحكام المعاملات، وبين شؤون الدنيا وشؤون الآخرة.
? أدرج القرآن الكريم أخلاق التعامل المالي في سياق القصص القرآني؛ وذلك لفاعليه هذا الأسلوب وتأثيره في مشاعر الناس وأحاسيسهم، ففيه عناصر التشويق والإثارة، كما يعطي القدرة على استحضار المشاهد، واستذكار الأوامر والتوجيهات، وحُسْن الاعتبار والاتعاظ بمضامين القصص.
? استعمل القرآن الكريم أسلوب الترغيب والترهيب في دعوته لالتزام أخلاق التعامل المالي، فالإنسان ميّال بفطرته إلى جلب الخير لنفسه ودفع الشر عنها، وقد جاء الترغيب متعلقاً بالجانب المادي والجانب المعنوي لحياة الناس، ومرتبطاً بمنافع الدنيا وخيرات الآخرة.
? استخدم القرآن الكريم في حثه على التزام أخلاق التعامل المالي أسلوبي الأمر والنهي، فإن لهما قوة تكليفية واضحة، تدل على أن الفعل مطلوب طلباً جازماً، وذلك يدفع إلى تنفيذ الأوامر والمسارعة للعمل، وقد استعمل القرآن الكريم الأوامر والنواهي المباشرة وغير المباشرة، كما استعمل الإيحاءات والإشارات والدلالات الخفية، كل على مقتضى الحال والمصلحة.
? استعمل القرآن الكريم أسلوب التصوير بضرب الأمثال وسَوْق الاستعارات في مجال تأصيل أخلاق التعامل المالي، فالتصوير يقرّب المعاني للأذهان، ويحوّل المعاني اللغوية المجردة إلى مشاهد محسوسة، فيسهل استحضارها في الأذهان في أثناء التعامل اليومي، لا سيما وأن مجال التعامل بالمال محفوف بالغفلة والذهول عن الأوامر والنواهي.
? كرر القرآن الكريم بعض الأخلاق المتعلقة بشؤون التعامل المالي، تأكيداً عليها، وترسيخاً لها في الأذهان، فقد أثبت أسلوب التكرار جدواه في استحضار المعاني وتذكّرها، والاهتمام بالتوجيهات، وقد جاء ذلك عن طريق تكرار بعض المعاني المتعلقة بالتصرفات المالية، وعن طريق تكرار بعض القصص القرآني المتضمن عظات تتعلق بأخلاق التعامل المالي.
? تراوح أسلوب القرآن الكريم في بيانه لأخلاق التعامل المالي بين الإجمال والتفصيل، فأجمل بيانه في القضايا التي تقبل التطور، ويدخلها الاجتهاد، وتختلف باختلاف الزمان والمكان، فأشار في هذا المجال إلى المبادئ الكلية، والقواعد الأساسية، بينما فصّل القول في المجالات المالية التي لا تقبل الاجتهاد والتطور، ولا يدخلها التجديد، ولا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، فاتبع أسلوب التفصيل الدقيق في هذا المجال.
? تبين من الدراسة التطبيقية أن القرآن الكريم اتبع منهجاً واضح المعالم، حكيم الإجراءات في تأصيله لأخلاق التعامل المالي، وقد ظهرت مفردات هذا المنهج في النماذج التي تمت دراستها، ولم يكن من ضرورات المنهج انطباق جميع عناصره وأساليبه على كل خُلُق من أخلاق التعامل المالي، بل إن اطراد المنهج في مجمل القرآن الكريم دليل كافٍ على وجوده.(3/132)
العلامة حسين خطاب (ت 1408هـ)
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[30 - 11 - 05, 05:16 ص]ـ
العلامة حسين خطاب (ت 1408هـ)
--------------------------------------------------------------------------------
العلامة حسين خطاب (ت 1408هـ)
هو العلامة حسين خطاب الميداني الدمشقي، ولد بدمشق، وبدأ حياته عاملاً في صنع دلات القهوة، ثم تلقفه الشيخ حسن حبنكة الميداني – رحمه الله – لما لمس فيه من أمارات النجابة، والذكاء فصار من طلاب العلم في جامع "منجك" في حي الميدان، وصار ينهل فيه من شتى فروع العلم والمعرفة.
وقد منحه الله فصاحة اللسان وحسن البيان، فكان من الخطباء البارزين منذ نعومة أظفاره، حفظ القرآن الكريم وجوده على الشيخ محمود فائز الدير عطاني (نسبة إلى دير عطية)، واتصل بشيخ القراء – في وقته – الشيخ محمد سليم الحلواني وحفظ الشاطبية تمهيداً لجمع القراءات، إلا أن وفاة الشيخ محمد سليم حالت دون ذلك، فاتصل بولده، الشيخ أحمد الحلواني الحفيد، وجمع عليه القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة، ثم جمع بعد ذلك العشر الصغرى أيضاً على الشيخ محمود فائز الديرعطاني، ثم اتصل بالشيخ عبدالقادر قويدر العربيلي ()، فجمع عليه العشر الكبرى من طريق طيبة النشر.
وكان رحمه الله حسن السمت، لطيف المعشر، على صلة بالمجتمع، يرشد الناس ويعظهم، لم يراء لحاكم ولم يكتم كلمة الحق على اختلاف اتجاه الحكام الذين عاصرهم.
قرأ عليه الكثير من أهل الشام، وجمعت عليه القراءات العشر الكبرى قبيل وفاته أختان من بنات دمشق () وأخذ عنه الشيخ عبدالرزاق الحلبي الدمشقي القراءات من طريق الشاطبية والدرة، وطريق الشاطبية وحدها كل من الشيخ حسين الحجيري والشيخ محمد الخجا الدمشقي ()، ولم يقرأ عليه جمعاً بالكبرى أحد من الرجال، أما من تلقى عنه التجويد، وتصحيح التلاوة فيخطئهم العد.
وكان له مجالس علمية في بيته وفي مسجد "منجك" في التفسير والتوحيد والتجويد والفقه والحديث والنحو والصرف وعلوم البلاغة وغيرها من العلوم الشرعية، وعينه القراء شيخاً لهم بعد وفاة شيخ القراء الدكتور الطبيب الجراح محمد سعيد الحلواني، وقد ألف العلامة حسين خطاب عدة مصنفات في القراءات (). توفي رحمه الله 12 شوال ثمان وأربعمائة وألف من الهجرة. ()
مصدر الترجمة:
العناية بالقرآن الكريم وعلومه
من بداية القرن الرابع الهجري إلى عصرنا الحاضر
د. نبيل بن محمد آل إسماعيل
قسم القرآن وعلومه
كلية أصول الدين - بالرياض(3/133)
ما رأيكم في التفسير الوجيز للشيخ و هبة الزحيلي
ـ[ابو عادل المصري]ــــــــ[28 - 12 - 05, 03:58 ص]ـ
السلاموا عليكم
إخواني الكرام سؤال عندي تفسير للشيخ وهبة الزحيلي و ألاحظ فيه الإيجاز و التنظيم
و لكن ما رأيكم في هذا التفسير؟؟
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[28 - 12 - 05, 05:32 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
للفائدة أخي الكريم:
ـ[ابو عادل المصري]ــــــــ[30 - 12 - 05, 09:40 ص]ـ
اخي جزاك الله خيرا
ـ[أبو هاشم]ــــــــ[30 - 12 - 05, 02:11 م]ـ
التفسير الوجيز مفيد ومختصر
ـ[بيان]ــــــــ[30 - 12 - 05, 04:13 م]ـ
السلام عليكم
التفسير جيد ومختصر، إلا أنه في الصفات على منهج الأشاعرة في التأويل.
ـ[ابن أبي عبدالتسميني]ــــــــ[01 - 04 - 06, 05:38 م]ـ
أشعري.
http://www.zuhayli.net/fatawa_p64.htm#12
هل من البدعة الدعاء بعد الصلاة؟.
من السنة الثابتة لا البدعة الدعاء عقب الصلاة بالإفراد أو الجماعة خلافاً للوهابية، فقد روى الحاكم وغيره وهو حديث حسن ما معناه: إذا دعا المؤمن الصالح وأمَّن الآخرون على دعائه كان ذلك أقرب للإجابة.
وإن الله ليغضب إذا صلى الإنسان ولم يدع ربه، كالعامل يعمل دون أجر.(3/134)
ما معنى الإستثناء الموجود في الآية (لا يمسه إلا المطهرون)
ـ[ابو نعيم النجار]ــــــــ[01 - 01 - 06, 08:22 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
الحمد لله
يقول الله تعالى {إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون} الآية
وأنا أقرأ بعض أقوال المفسرين لهذه الآية تبادر إلى ذهني هذا السؤال
إذا كان المقصود حسب أقوال بعض المفسرين بالمطهرين الملائكة فما معنى الإستثناء الموجود في الآية {لا يمسه إلا المطهرون} , إذ من المعلوم أن الملائكة كلهم مطهرون؟! فلماذا جاء الإستثناء هنا؟
هل سؤالي هذا صحيح بدءا؟ وإذا كان كذلك فما يكون الجواب إذن؟ إذ كما تعلمون فهم هذا الأمر يحتاج إلى معرفة بمنطوق ومفهوم الآية وبدلالة الإستثناء في اللغة وبغيره من العلوم الشيء الذي لا يمكن أن أدعيه.
وبارك الله تعالى فيكم
ـ[أبو هاشم]ــــــــ[01 - 01 - 06, 09:47 م]ـ
عليك بمراجعة كتب التفسير وكتب نفسير آيات الأحكام فالخلاف في هذه المسألة طويل
ـ[محمد بن ياسر]ــــــــ[02 - 01 - 06, 12:20 ص]ـ
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم القول في هذه كما قال المفسرون رحم الله الجميع لأن الحق سبحانه وتعالى قال المطهرو ن وقال عن الانسان المسلم المتطهرون وقال عن المؤمن الطاهر فالاستثناء اذن في الاية خاص بالملائكة الموكلون بالكتابة كما قال عن الكتاب أنه مكنون حتى عن غيرهم من الملائكة رغم أن الكل مطهر فهذا لفضلهم والله أعلم أفيدونا جزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله(3/135)
أرجو منكم إجابتي عن حكم قراءة القرآن دون فهم معانيه؟
ـ[أبو خالد بن أحمد]ــــــــ[15 - 01 - 06, 01:18 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوتي الأعزاء أريد أن أسألكم سؤالاً وأرجو منكم الإجابة بسرعة:
ما حكم قراءة القرآن من غير فهم لبعض معاني كلماته مثل الكلمات التي لا تعرف معانيها فما حكم قراءة القرآن في هذه الحالة وماذا تنصحون من كان هذا حاله؟
أرجو الإجابة مع ذكر الدليل الشرعي.
وجزاكم الله عني كل خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[16 - 01 - 06, 02:59 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وفقك الله.
فتاوى نور على الدرب (نصية): التفسير
السؤال: أحسن الله إليكم هذه رسالة من المستمع عثمان علي العميرين من الثانوية التجارية بالرياض يقول هل يثاب الإنسان الذي يقرأ القرآن ولو لم يفهم معانية؟
الجواب
الشيخ: القرآن الكريم مبارك كما قال الله تعالى (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) فالإنسان مأجور على قراءته سواء فهم معناه أم لم يفهم، ولكن لا ينبغي للمؤمن أن يقرأ قرآناً مكلفاً بالعمل به بدون أن يفهم معناه فالإنسان لو أراد أن يتعلم الطب مثلاً ودرس كتب الطب فإنه لا يمكن أن يستفيد منها حتى يعرف معناها وتشرح له بل هو يحرص كل الحرص على أن يفهم معناها من أجل أن يطبقها فما بالك بكتاب الله سبحانه وتعالى الذي هو شفاء لما في الصدور وموعظة للناس أن يقرأه الإنسان بدون تدبر وبدون فهم لمعناه ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزن عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعاً فالإنسان مثاب ومأجور على قراءة القرآن سواء فهم معناه أم لم يفهم ولكن ينبغي له أن يحرص كل الحرص على فهم معناه وأن يتلقى هذا المعنى من العلماء الموثوقين في علمهم وأماناتهم فإن لم يتيسر له عالم يفهمه المعنى فليرجع إلى كتب التفسير الموثوقة مثل تفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير وغيرهما من التفاسير التي تعتني بالتفسير الأثري المروي عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_6439.shtml
ـ[أبو خالد بن أحمد]ــــــــ[19 - 01 - 06, 01:11 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكرك أخي الفهم الصحيح وجزاك الله عني كل خير.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[19 - 01 - 06, 02:12 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
وهذا رابط حول الموضوع
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=224904#post224904(3/136)
الإجازة في القرآن الكريم (إبراهيم الجوريشي)
ـ[أهل الحديث]ــــــــ[18 - 01 - 06, 07:10 م]ـ
ملتقى أهل الحديث > منتدى العلوم الشرعية التخصصي > الإجازة في القرآن الكريم
--------------------------------------------------------------------------------
تسجيل الدخول View Full Version : الإجازة في القرآن الكريم
--------------------------------------------------------------------------------
إبراهيم الجوريشي16 - 09 - 2005, 01:24 PM
الإجازة
في القرآن الكريم
بقلم الشيخ المقرئ: أسامة حجازي كيلاني – رحمه الله
منقول من كتابه هل التجويد واجب؟
معناها:
هي عملية النقل الصوتي للقرآن الكريم من جيل إلى جيل، وفيها يشهد المجيز أن تلاوة المجاز قد صارت صحيحة مئة بالمائة بالنسبة للرواية – أو الروايات – التي أجازه بها، ثم يأذن له بأن يقرأ ويُقرئ غيره القرآن الكريم.
مشروعيتها:
الأصل فيها: قول الله تعالى: ? وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ?
[النمل: 6]
ومادة (تلقى) من اللقيا، فيها لقاء بين اثنين، هما المتلقي – بكسر القاف – والمتلقى منه – بفتحها – فأمرُ هذا القرآن في تلقيه مبني على ذلك، تلقى جبريل من الله تعالى، وتلقى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من جبريل، وتلقى الصحابة رضي الله عنهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرج البخاري في (فضائل القرآن) في ((صحيحهِ)) عن مسروق: ذكر عبد الله ابن عمرو، عبد الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأُبي بن كعب ".
فهؤلاء المذكورون، اثنان منهم من المهاجرين، وهما: عبد الله بن مسعود، وسالم ابن معقل.
أما عبد الله بن مسعود الهذلي- رضي الله عنه- فهو الملقب بـ ((ابن أم عبد)) كما في الحديث: " من أحب أن يقرأ القرآن غضاَ كما أُنزل .... فليقرأه بقراءة ابن أم عبد ".
وذلك أنه تلقى القراءة مشافهة من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتقنها، وكان مع ذلك حسن الصوت، قوي التأثير، بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع منه آيات؛ منها قوله تعالى: ? فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ? [النساء: 41].
وثبت عنهُ في ((الصحيح)) أنه – رضي الله عنه- قال: " والله .... لقد أخذتُ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة، والله ... لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم ".
فسيدنا عبدالله بن مسعود كان من أقرإ الصحابة وأعلمهم بالقرآن، وأحسنهم إتقاناً لقراءته، وأعلمهم بالعرضة الأخيرة، ولعل هذا هو السر في تقديم النبي صلى الله عليه وسلم له على باقي الأربعة.
وأما سالم بن معقل: فهو مولى أبي حذيفة بن عتبة، وكان سالم من السابقين الأولين، وقد روى البخاري أنه كان يؤم المهاجرين بقباء لما قدموا من مكة وفيهم عمر ابن الخطاب، واستدل البخاري بذلك على جواز إمامة العبد.
واثنان من المذكورين من الأنصار، وهما: معاذ، وأُبي.
أما معاذ: فهو ابن جبل الخزرجي الأنصاري أبو عبدالله الرحمن.
وأما أُبي: فهو ابن كعب النجاري الخزرجي الأنصاري، أبو المنذر، سيد القراء بعد رسول الله ?.
وقد مات ابن مسعود وأُبي في خلافة عثمان، ومات معاذ في خلافة عمر، واستشهد سالمُ مع مولاهُ أبي حذيفة في وقعة اليمامة في خلافة أبي بكر، رضي الله عن الجميع.
يدل هذا الحديثُ على ثلاثة أمور:
الأمر الأول: قراءة القرآن تؤخذ بالتلقي من أفواه المقرئين، وهذا معنى الإجازة الذي تقدم.
والأمر الثاني: مشروعية تحري الضابطين من أهل القرآن للأخذ عنهم والتلقي منهم؛ فهذا القرآن لا يؤخذ عن كل أحد.
والأمر الثالث: محبة أهل القرآن، القراء الحافظين المتقنين على وجه الخصوص؛ لأن صدورهم أوعية لكتاب الله تعالى، وهم في إتقانه وقراءته كالملائكة الكرام البررة.
وهنا يرد سؤال:
لم خص النبي ? هؤلاء الأربعة في الحديث السابق، بينما في الصحابة قراء كثيرون غيرهم؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/137)
والجواب: أنه برز من الصحابة من القراء غير هؤلاء المذكورين كثيرون مثل: زيد بن ثابت، وأبي موسى الأشعري، وأبي الدرداء، ومن الخلفاء الأربعة قرأ الناس على يد عثمان بن عفان – ثم شغلته الخلافة – وعلى بن أبي طالب.
ولو نظرت في كتاب ((معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار)) للإمام الذهبي، المتوفي سنة (748) رحمه الله تعالى .... لرأيت الطبقة الأولى الذين عرضوا على رسول الله ?.
فذكر:
1 - عثمان بن عفان.
2 - على بن أبي طالب.
3 - أُبي بن كعب.
4 - عبدالله بن مسعود.
5 - زيد بن ثابت الأنصاري.
6 - أبا موسى الأشعري.
7 - أبا الدرداء الأنصاري.
إذن .... فقوله ?: " خذوا القرآن من أربعة " ... ليس على وجه الحصر، إنما خص هؤلاء الأربعة بالذكر تقديماً لهم على غيرهم في ذلك الوقت، أي: وقت صدور هذا الحديث من رسول الله ?، وهذا لا يمنع أن يوجد بعدهم مثلهم أو أقرأُ منهم.
فزيد بن ثابت من أقراءِ الصحابة وأعلمهم بالقرآن، وأعرفهم بالعرضة الأخيرة، إضافةً إلى خبرته بكتابة القرآن، حيث كان يكتب الوحي لرسول الله ?، وعاش زمناً حتى قرأ عليه كثيرون وانتفع به أمم، فقد توفي سنة (42هـ)، وقيل: (43 هـ)، وقيل: (45 هـ).
وأبو موسى الأشعري، عبدالله بن قيس: من أهل اليمن من بني الأشعر، قَدِمَ المدينة بعد فتح خيبر، مات سنة (42هـ)، وهو ابن نيفٍ وستين سنة بالكوفة، وقيل بمكة.
وأبو الدرداء، عويمر بن زيد، مات في خلافة عثمان، قيل: لسنتين بقيتا من خلافته، رضي الله تعالى عنهم.
فإذا شهد المُقرئ لمن يقرأُ عليه بأن قراءتهُ صحيحةٌ، وأذن له أن يُقرئ غيرهُ .... فهذا هو معنى (أجازهُ بالقرآن الكريم).
* * *
شروط الإجازة في القرآن الكريم:
1 - حفظُ القرآن الكريم كاملاً، حفظاً مُتقناً؛ وذلك لأن رجال السند قد وَصَلَنا القرآن عن طريقهم، وكل واحدِ منهم قرأ على شيخه غيباً من حفظه، من مشايخنا إلى رسول الله ? فالسند مسلسل بالقراءة عن ظهر قلب.
ومن يقرأُ من المصحف في هذه الأيام دون أن يحفظ غيباً، ثم يريد إجازة في القرآن ... فقد خالف هيئة التلقي التي وصلنا القرآن بها، وهي: التسلسل بالقراءة عن ظهر [قلب]، مع الضبط والإتقان في التجويد.
فالقراءة بالنظر في المصحف، وإن كانت مضبوطة مع التجويد، لكن ينقصها التلقي عن ظهر [قلب]، حتى يبقى جميع السند مسلسلاً بهذه الصفة.
ومن قرأ من المصحف نظراً مع التجويد الكامل، ثم أراد منا إجازةً ... فلا بأس أن نعطيه (شهادة في تجويد القرآن) نبين فيها بأن فلاناً قد قرأ القرآن الكريم كلهُ نظراً من المصحف مع التجويد الكامل والضبط التام، نشهد له بذلك، ونسأل الله تعالى أن يوفقه لحفظ القرآن عن ظهر قلبٍ ليتلقى عن ظهر قلب.
وذلك حتى نميز بين من تلقى عن ظهر قلبٍ، وبين من قرأ نظراً من المصحف، وليبقى للإجازة ميزتها وقدرها.
2 - حفظ منظومة ((المقدمة الجزرية)) في التجويد، وفهم شرحها؛ وذلك لأن نقل القرآن قد كان ضمن ضوابط وقيود معينة، من حيث مخارج الحروف وصفاتها مفردة ومجتمعة، لهذا تحتم على طالب الإجازة معرفة هذه الضوابط وحفظها، وقد جرت عادة القراء على حفظ منظومة ((المقدمة الجزرية)) في التجويد، لإمام القراء ابن الجزري – رحمه الله تعالى – لكونها حوت معظم أحكام التجويد،، ثم تحتم عليهم معرفة معانيها وفهم شرحها؛ لتكون مرجعاً لهم تحفظُ تلاوتهم من اللحن، فتلتقي الروايةُ مع الدراية.
3 - قراءة القرآن كاملاً، حرفاً حرفا، من أول الفاتحة إلى آخر الناس، مع مراعاة جميع أحكام التجويد من حيث المخارج والصفات، وغير ذلك مما هو معلوم.
وما يفعله بعضهم من قراءة أحد الطلاب عليه شيئاً من القرآن ثم يجيزه .. فهذا لا يصح في القرآن، إلا إذا نص (بأن فلاناً قرأ من كذا إلى كذا وأجزته بذلك).
أما أن يقرأ بعض القرآن ثم يجيزه بجميع القرآن وهو لا يعلمُ عن قراءته باقي القرآن شيئاً ... فهذا لا يصحُ؛ لأن في القرآن ألفاظاً لم ترد إلا مرة واحدةً، وضبطها يحتاج لانتباه وتيقظ.
انظر إلى أداء الإشمام والروم في كلمة ? تَأمَنَّا ? بسورة يوسف.
وانظر إلى أداء الإمالة الكبرى في كلمة ُ? مَجريهَا ? بسورة هود.
وانظر إلى أداء التسهيل في كلمة ? أَعجَمِيٌ ? بسورة فصلت.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/138)
فهذه بعض الألفاظ التي لم تتكرر في القرآن، كيف يشهدُ الشيخُ للطالب بأن أداءه صحيحٌ لهذه الكلمات وهو لم يسمعها منه ولم يضبطها له؟
والله تعالى يقول: ? سَتُكتبُ شَهَدَتُهُم و يُسئلونَ ? [الزخرف: 19].
4 - تدريب المجيز المجاز على الإقراء؛ لأن القراءة شيءٌ، والإقراء شيءٌ آخر، كما تقدم معنا سابقاً.
فكم ممن يُحسنُ القراءة ولا يُحسن الإقراء، فينبغي للمجيز أن يدرب طالبهُ على الإقراء، وذلك بأن يأتي بطالب جديد في التلاوة ويأمر المجيز المجاز بأن يستخرج أخطاء هذا الطالب أمامه ويُدقق له في قراءته ويصححا له نحو الهيئة التي تلقاها من مجيزه، فإن استطاع ذلك .. فهو أهلٌ لأن يقرئ غيره، وإن لم يستطع ذلك ... فلا يحق للمجيز أن يأذن له بأن يُقرئَ حتى يصير أهلاً للإقراء، وإلا .. سنرى انحرافاً في أداء القرآن والتجويد، سببه عدم الأهلية للإقراء.
ولا تنس أن الإجازة تتضمن شهادة المجيز للمجاز بأن قراءته صارت صحيحةً، والإذن له بأن يُقرئَ غيرهُ.
وأنت تعجبُ من بعض الإخوة المجيزين، عندما يُجيزون بعض الطلاب بمجرد سرد القرآن الكريم كاملاً، وحفظه ((الجزرية)) وقراءة شرحها، فيكتبُ له: (أجزته بأن يقرأ ويُقرئَ في أي مكان نزل، وفي [أي] قطر حل، ويُقرئَ من شاء ومتى شاء وفي الوقت الذي يشاء)، والطالب المجاز لا يستطيع أن يُقرئَ غيره، ولا يستطيع أن يصحح خطأ غيره، بل لا يستطيع أن يستكشف الخطأ أين هو. فهل هذا جائز؟
وما دام أن أُستاذهُ لم يعرف مقدرته في الإقراء ... فكيف يأذن له بالإقراء؟
إذا علمت ذلك .. ظهر لك السبب في أن بعض المُجازين قراءتهم غير منضبطة ومليئة بالأخطاء، مع أنهم يحملون (إجازة في القرآن الكريم) !
وإذا أردت أن تعرف قيمة التدريب لمن يريد التعليم أو الإقراء أو إبلاغ الدعوة ... فانظر كيف أمر الله تعالى سيدنا موسى بإلقاء العصا ثم أخذها عندما ناداه بالواد المقدس، ثم بعد ذلك أمره بإلقائها وأخذاه أمام فرعون، قال الإمام القرطبي:
(قوله تعالى: ? قال ألقها يا موسى ? لما أراد الله أن يدربه في تلقي النبوة وتكاليفها .. أمره بإلقاء العصا ? فألقاها ? موسى، فقلب الله أوصافها وأعراضها، وكانت عصا ذات شُعبتين فصارت الشعبتان لها فماً، وصارت حيةً تسعى؛ أي: تنتقلُ وتمشي وتلتقمُ الحجارة ... ثم قال: فأخذها بيده فصارت عصا كما كانت أول مرة، وهي سيرتها الأولى، وإنما أظهر له هذه الآية لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون .. ).
فانظر إلى الذين يقفزون إلى كراسي الوعظ والإرشاد وإلى التدريس والإقراء، دون تدريب سابق، وتجربة وخبرة، كيف يخالفون منهج الله تعالى في الدعوة إلى دينه، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
أركان الإجازة في القرآن الكريم:
1 - مُجيز: وهو الشيخُ الذي يسمعُ القرآن كله من الطالب مع التجويد والضبط التام، وقد تقدمت شروط الشيخ في الفصل الأول، فارجع إليه.
2 - مُجاز: وهو الطالب الذي يقرأُ أمام الشيخ ويتلقى منه القرآن.
3 - مُجازٌ به: وهو القرآن العظيم الذي هو كلام الله تعالى المنزل على رسول الله ? باللسان العربي، للإعجاز بأقصر سورة منه، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس.
4 - سَنَندٌ: وهم الرجال الذي نقلوا لنا القرآن العظيم مشافهةً، كل واجد منهم قرأ على شيخه، وشيخهُ على شيخه، وهكذا إلى رسول الله ?، عن سيدنا جبريل، عن رب العالمين تبارك وتعالى، منتهى السلسلة في القراءة.
قال الإمام ابن الجزري – رحمه الله تعالى – في كتاب ((النشر)):
(ولما خص الله تعالى بحفظه من شاء من أهله .. أقام له أئمةً ثقات، تجردوا لتصحيحه، وبذلوا أنفسهم في إتقانه، وتلقوه من النبي ? حرفاً حرفا، لم يُهملوا منه حركة ولا سكوناً، ولا إثباتاً ولا حذفاً، ولا دخل عليهم في شيءٍ منه شكٌ ولا هم ... )
وهذا هو السبب الذي جعلنا نقول في معنى الإجازة: (وفيها يشهد المجيز أن تلاوة المُجاز قد صارت صحيحةً مئة بالمائة).
تسعٌ وتسعون بالمائة درجةٌ ممتازة في غير (الإجازة في القرآن).
أما في الإجازة ... فلا يُقبلُ إلا مئةٌ بالمائةِ، وسأوضح لك ذلك:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/139)
في سندنا بالقرآن بيننا وبين رسول الله ? (28) رجلاً – ولله الحمد – قد نقلَ القرآن كل واحدٍ منهم لمن بعده، وهكذا حتى وصلنا، فلو تساهل كلُ واحدٍ من هؤلاء بواحد بالمائة في القراءة في النقل ... لكان نقل القرآن من الصحابة إلى التابعين (99%)، ومن التابعين لمن بعدهم (98%) وإلى من بعدهم (97%) وهكذا حتى يصل إلينا بنسبة (72%)، فما رأيكم بقرآنٍ وتجويدٍ وضبطٍ نسبتهُ (72%)؟!.
هذا إن تساهلت كل طبقة بواحدٍ بالمائة فقط، فما بالك لو زاد التساهل؟
لكن – بحمد الله تعالى – لم يقع هذا التساهل، وقد وصلنا القرآن العظيم مضبوطاً بكل حركة وسُكون، وغنة وقلقة، ومد وقصر، وتفخيم وترقيق، محفوظاً من كل تغيير وتبديل.
? إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ?.
فاحرص أن تكون ممن يحفظ الله بهم القرآن، واحذر أن تكون من الذين يتساهلون بنقل القرآن.
قال الله تعالى: ? إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ?.
وقال: ? فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ?.
آدابُ الإجازة في القرآن الكريم:
أولاً: آدابُ الشيخ (المجيز):
1 - الإخلاص: أن يقصد بذلك مرضاة الله تعالى، ولا يقصد به توصلاً على غرضٍ من أغراض الدنيا، من مالٍ أو رياسةٍ أو وجاهةٍ أو غير ذلك.
2 - الحذر من قصده التكثر بكثرة طلابه.
3 - الحذر من كراهته قراءة طلابه على غيره من ينتفع به.
4 - التخلق بالأخلاق الحميدة، وخاصة التواضع للطالب.
5 - تنظيف الظاهر والباطن.
6 - الرفق بمن يقرأُ عليه، والترحيب به، والإحسان إليه، وعدم استخدامه في الحاجات الخاصة.
7 - الاعتناء بمصالح الطالب، وبذل النصيحة له.
8 - تفريغ القلب حال الإقراء من الشواغل.
9 - تقديم الأول فالأول في الإقراء إذا ازدحموا.
10 - تفقد من يغيب منهم.
11 - عودةُ من يمرض منهم.
12 - توسيع مجلس القراءة.
13 - تدريب الطالب على القراءة ببعض أجزاء من القرآن؛ حتى يتأهل للبداية بختم الإجازة، الذي يجبُ أن يكون خالياً من الأخطاء في حال التلقي.
14 - اختبار الطالب بالوقف على كل كلمة يصعبُ الوقف عليها على غير المتعلم.
مثل: ? حَاضِرِى ? من قوله: ? حاضرى المسجد الحرام ?.
و ? وَيَمحُ ? من قوله: ? وَيَمحُ الله الباطل ?.
إلى غير ذلك من الكلماتِ الكثيرة .....
15 - اختبارُ الطالب بالابتداء بالكلمات التي يصعب الابتداء بها على غير المتعلم.
مثل: ? اجتُثَّت ?، ? امشُوا ?، ? لْئيكة ?، ? لِيَقطَعَ ?.
إلى غير ذلك من الكلمات الكثيرة .....
16 - اختبار الطالب بوصل الكلمات التي يصعب وصلها على غير المتعلم.
مثل: ? ما هِيَه نار ?، ? طُوى اذهب ?، ? أحدٌ الله الصمد ?، ? لم يَتَسَنَّه وانظر ?، ? بسم الله الرحمن الرحيم ألهاكم التكاثر ?.
إلى غير ذلك من الكلمات الكثيرة ......
17 - تدريب الطالب على مراتب القراءة الثلاث، ولا بأس بأن يقرأ الثلث الأول من القرآن بمرتبة التحقيق، والثلث الثاني بمرتبة التدوير، والثلث الأخير بالحدر، فيكون قد أتقن المراتب كلها.
وذلك لأننا شاهدنا بعض الذين يتقنون القراءة بالتحقيق أو بالتدوير لا يُتقنونها بالحدر؛ لأن شيخهم لم يدربهم على هذه المرتبة، وهي ضرورية في المراجعة والمدارسة وفي صلاة التراويح وقيام الليل.
ثانياً: آدابُ الطالب (المجاز):
1 - الإخلاص.
2 - التخلق بالأخلاق الحميدة، وخاصة التواضع لأستاذه.
3 - تنظيف الظاهر والباطن.
4 - تفريغ القلب من الشواغل أثناء القراءة.
5 - التأدب مع معلمه ولو كان أصغر منه سناً أو شهرة، وأن ينظر إليه بعين الاحترام.
6 - أن لا يتعلم إلا ممن هو أهل للإقراء، وإلا لن يستفيد شيئاً.
7 - التأدب مع رفقة الشيخ وحاضري مجلسه.
8 - أن لا يقرأ على الشيخ حال شغلِ قلبِ الشيخ أو مللهِ، أو غمهِ، أو فرحهِ، أو جوعهِ، أو عطشهِ، أو نعاسهِ، أو قلقهِ، ونحو ذلك مما يشق معه على الشيخ الانتباه لقراءة الطالب، فيفوت قدرٌ من القراءة بلا تصحيح ولا أداءٍ صحيح، وربما أخطأ الطالبُ فلم يتنبه له الشيخ.
9 - تحمل جفوة الشيخ؛ لأن من لم يصبر على ذلك التعلم بقي عمره في عماية الجهالة.
10 - الحرص على التعلم في جميع الأوقات التي تناسب الشيخ، لا التي تتناسب مع الطالب.
11 - عدم حسد أحداً من رفقته؛ وطريقة ذلك: أن يعلمَ أن حكمة الله تعالى اقتضت جعل الفضيلة في هذا، فينبغي أن لا يعترض عليها ولا يكره حكمه أرادها الله تعالى ولم يكرهها.
12 - أن لا يعجب بنفسه بما حصله؛ وطريقة ذلك: أنه لم يحصل له ما حصل بحوله وقوته، وإنما هو من فضل الله (ومن فضله عليك أن خلق ونسب إليك) فالفضل له سبحانه وتعالى.
ومن أراد المزيد من هذه الآداب ... فعليه بكتاب ((التبيان في آداب حملة القرآن)) – رحمه الله تعالى – فهو من أعظم ما كُتبَ في هذا الباب.
--------------------------------------------------------------------------------
المقدادي17 - 09 - 2005, 01:31 PM
جزاك الله خيرا
--------------------------------------------------------------------------------
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/140)
ـ[أبو هاشم]ــــــــ[05 - 10 - 06, 07:46 م]ـ
جزاكم الله خيراً
ـ[عبد اللطيف الحسيني]ــــــــ[22 - 03 - 08, 12:11 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[جعفر المراكشي]ــــــــ[23 - 03 - 08, 02:27 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[أبو حفص الشاطي]ــــــــ[22 - 10 - 10, 09:20 م]ـ
هل يوجد شيخ يمكن القرأة عليه عن طريق النت
ـ[أبو أنس الاسنوى]ــــــــ[22 - 10 - 10, 10:18 م]ـ
هل يوجد شيخ يمكن القرأة عليه عن طريق النت
اين الهمة ياطلبة العلم كل شئ اصبح الشيخ نت حتي الاجازة في كتاب الله،معني الاجازة لاينبغي ان نحصره في القراءة علي الشيخ فقط بل معناها اكبر من ذلك 1 تادب باداب الشيخ2
تربية الشيخ للطالب وتعليمه الصبر الي غير ذلك من الاخلاق الحميدة.
فهل كل هذا يستطيع الطالب ان يتعلمه من النت؟
عذرا يااباحفص فما قصدت الا النصح اسالكم الدعاء والسلام عليكم.
ـ[أبو حفص الشاطي]ــــــــ[23 - 10 - 10, 01:05 ص]ـ
الاخ الفاضل بارك الله لك على هذه النصيحة
والله لا أريد الخوض بالتفاصيل لكن لوعرف لعذرة وارجو منك دائما أن تلتمس العذر قبل أن تصدر حكما
والله لو يوجد شيخ أقرأ عنده واتعلم الادب منه ماترددت لحظة
ادع الله ان يفرج على اخوانك
ـ[أبو حفص الشاطي]ــــــــ[23 - 10 - 10, 01:09 ص]ـ
الاخ الفاضل بارك الله لك على هذه النصيحة
والله لا أريد الخوض بالتفاصيل لكن لوعرفت لعذرت وارجو منك دائما أن تلتمس العذر قبل أن تصدر حكما
والله لو يوجد شيخ أقرأ عنده واتعلم الادب منه ماترددت لحظة
ادع الله ان يفرج على اخوانك
ـ[أبو أنس الاسنوى]ــــــــ[23 - 10 - 10, 02:30 ص]ـ
اسال الله العظيم ان يفرج عنك ماانت فيه وعذرا علي جهلي وخطئي ................
ـ[أبو الحجاج علاوي]ــــــــ[23 - 10 - 10, 08:01 ص]ـ
كلام طيب جدا
وفي نظري لا بأس أن يقرأ الطالب على شيخه عبر الشبكة لأنها من وسائل نقل العلم
وإن كان الأفضل والأولى الجثو على الركب بين يدي المشايخ والعلماء وكما ذكر الأخ سابقا ليس الأمر مجرد قراءة ففي الجلوس مع المشايخ كثير فوائد وأهمها تربية الشيخ لطلابه
والله أعلى وأعلم
ـ[السيد السيد على]ــــــــ[23 - 10 - 10, 02:01 م]ـ
بارك الله فيك بركة الشيخ لا تلمسها الابالجلوس بين يديه والترحال الى الشيوخ افضل من التعلم من النت هذا رايى يسرالله امرك
ـ[المسلمة لله]ــــــــ[27 - 10 - 10, 03:08 ص]ـ
كلام طيب جدا
وفي نظري لا بأس أن يقرأ الطالب على شيخه عبر الشبكة لأنها من وسائل نقل العلم
وإن كان الأفضل والأولى الجثو على الركب بين يدي المشايخ والعلماء وكما ذكر الأخ سابقا ليس الأمر مجرد قراءة ففي الجلوس مع المشايخ كثير فوائد وأهمها تربية الشيخ لطلابه
والله أعلى وأعلم
جزاكم الله خيرا
ـ[فاطمةالزهراء]ــــــــ[29 - 10 - 10, 01:01 ص]ـ
وفقنا الله جميعا
ـ[أحمد عبدالله العنزي]ــــــــ[29 - 10 - 10, 09:40 م]ـ
ماشاء الله عليك معلومات مهمة وقيمة بارك الله فيك ونفع بك
ـ[أحمد العنزي السلفي]ــــــــ[29 - 10 - 10, 10:13 م]ـ
جزاكم الله خير ونسأل الله أن يجعلنا ممن اذا قرأ القرأن خشع وتدبر واذا سمعه اعتبر وارتدع(3/141)
ابن كثير وكتابه التفسير (أبو مهند النجدي)
ـ[أهل الحديث]ــــــــ[19 - 01 - 06, 09:18 ص]ـ
ملتقى أهل الحديث > منتدى العلوم الشرعية التخصصي > ابن كثير وكتابه التفسير
--------------------------------------------------------------------------------
تسجيل الدخول View Full Version : ابن كثير وكتابه التفسير
--------------------------------------------------------------------------------
أبو مهند النجدي13 - 09 - 2005, 10:48 AM
ابن كثير وكتابه التفسير
عبد الغني الغرابي
الإمام الحافظ ابن كثير الدمشقي من أكثر المفسِّرين ثقة في نفوس المسلمين منذ العصر الذي عاش فيه وإلى أيام الناس هذه وعند أتباع المذاهب المختلفة لأهل السُّنَّة والجماعة، نظراً لما يمثله هذا الإمام الكبير من الاعتدال والتوسط والواقعية، مما جعل العلماء وطلبة العلم يعتمدون عليه في بحوثهم ومؤلفاتهم ودراساتهم المتصلة بموضوع التفسير بشكل خاص، وعلوم القرآن بشكل عام، وجعل الكثير من العلماء يهتمون باختصاره وتلخيصه وخدمته، فمن هو ابن كثير، وما هي قيمة كتابه التفسير؟
أولاً: ابن كثير (1):
هو الإمام الحافظ المؤرّخ الفقيه عماد الدِّين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير القَيسيّ البُصروي الدمشقي.
ولد في قرية القرْيَة) (2) من قرى بُصرى من أرض الشام في الجنوب الشرقي من سورية سنة 701) هـ، ومات أبوه سنة 703) هـ (3) فانتقل مع أخ له إلى دمشق سنة 706) هـ وفيها نشأ، فسمع الشيخ شهاب الدِّين أحمد بن أبي طالب بن نْعِمَة بن حسن الصَّالحي الحجَّار ابن الشِّحْنَة المتوفى سنة 730) هـ، والشيخ إسحاق ابن يحيى بن إسحاق الآمدي المتوفى سنة 725) هـ، والشيخ علم الدِّين القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي المتوفى سنة 739) هـ، والحافظ جمال الدِّين أبا الحجَّاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف المِزِّى المتوفي سنة 742) هـ، و شيخ الإسلام تقي الدِّين أبا العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تَيْميَّة الحرَّاني الدمشقي المتوفى سنة 728) هـ.
وكان لملازمته شيخ الإسلام ابن تيميَّة، والشيخين علم الدِّين البرزالي، والحافظ المِزِّي أكبر الأثر في تكوين شخصيته، فقد تأثر في جوانب الفكر والعقيدة والاجتهاد والتفسير بشيخه ابن تيميَّة، بينما تأثر في دراسته للتاريخ والحديث بشيخيه المِزِّي والبرزالي.
وأجازه من مصر عدد من العلماء الأعلام.
وكان ابن كثير كثيرَ الاستحضار، قليل النسيان، جيد الفهم، يشارك في العربية، وينظم نظماً وسطاً، ومن نظمه قوله:
تُمُرُّ بنا الأيَامُ تَتْرَى وإنَّمَا ... نُسَاقُ إلى الآجالِ والعَيْنُ تَنْظُرُ
فلا عائدٌ ذاكَ الشَبابُ الذي مَضَى ... ولا زَائلٌ هذا المشيبُ المُكَدّرُ
أقوال العلماء فيه:
ذكره الحافظ الذهبي في"المعجم المختص"فقال عنه: الإمام المُحدِّث المفتي البارع.
ووصفه بحفظ المتون وكثرة الاستحضار جماعة منهم الحُسيني وابن العراقي.
وقال ابن حجّي: ما اجتمعت به قط إلا استفدت منه، وقد لازمته ست سنين.
وقال ابن حبيب: إمام ذوي التسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل، سمع وصنَّف، وأطرب الأسماع بأقواله وشنَّف (4)، وحدَّث وأفاد، وطارت أوراق فتاويه في البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رئاسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير.
وقال ابن حجر: كان كثير الاستحضار، وسارت تصانيفه في البلاد في حياته، وانتفع الناس به بعد وفاته، ولم يكن على طرييق المحدثين في تحصل العوالي وتمييز العالي من النازل ونحو ذلك من فنونهم، وإنما هو من مُحَدِّثي الفقهاء.
وعقب الحافظ السيوطي على كلام الحافظ ابن حجر هذا في"طبقات الحفاظ"بقوله: قلت: العمدة في علم الحديث معرفة صحيح الحديث من سقيمه، وعلله واختلاف طرقه ورجاله جرحاً وتعديلاً، وأما العالي والنازل ونحو ذلك، فهو من الفضلات لا من الأصول المهمة.
أهم مصنَّفاته:
صنَّف ابن كثير عدداً كبيراً من المصنَّفات في التاريخ والحديث والتفسير، والسيرة، منها:
1 - البداية والنهاية:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/142)
وهو كتاب عظيم القدر، انتفع به العلماء على مرّ الأيام، وتداولته أيدي الباحثين في كل مكان من أطراف العالم الإسلامي الكبير، تكلم فيه عن أحوال الدنيا منذ بدء الخليقة، وتطرق فيه إلى الحديث عن سير الأنبياء، وتحدث فيه بتوسع وإسهاب عن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأرَّخ للفترة التي تلت حياته - صلى الله عليه وسلم - منذ عهد الخلفاء الراشدين وحتى نهاية سنة 767) هـ بتوسع مفيد، وانتهى فيه إلى الكلام عن الفتن التي ستظهر بين يدي الساعة، وقد طبع هذا الكتاب العظيم في مصر منذ فترة طويلة وصورت طبعته عدة مرات، ولكنها خلت من التحقيق والتدقيق والتخريج والضبط والتوثيق والفهرسة المفصلة المفيدة النافعة، وذلك ما حملنا على القيام بتحقيقه تحقيقاً علمياً يتناسب وقيمة الكتاب الكبرى، فتقاسمنا أجزاءه مع عدد من الأساتذة الباحثين وشرعنا نعمل في تحقيقه لصالح دار ابن كثير بدمشق وفق منهج للتحقيق وضعه والدنا وأستاذنا المحدِّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وسوف يقوم والدنا الجليل بمراجعة نصوص الأحاديث الواردة في جميع أجزاء الكتاب، وسينشر بجميع أقسامه لأول مرة.
2 - تفسير القرآن العظيم:
وهو من أهم كتبه، ويعد من خيرة كتب التفسير التي اعتمد أصحابها في تفسير آيات الكتاب العزيز على أحاديث رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في المقام الأول، ولقد كتب لهذا السِّفر العظيم القبول والانتشار في عموم الأقطار والإسلامية.
3 - جامع المسانيد والسنن:
ويعد من خيرة مصنّفات ابن كثير في الحديث النبوي، وهو من أواخر الكتب التي صنَّفها إن لم يكن آخرها، وقد توفي - رحمه الله -دون أن يتمه، وقد شرع بتحقيقه صديقنا الفاضل الدكتور عبد الملك بن عبد اللَّه بن دهيش من أعيان مكة المكرمة، وقد أخرج منه أربعة مجلدات كبيرة إلى الآن ولا زال يتمم عمله في تحقيقه وإخراجه.
4 - ذكر مولد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ورضاعه:
وهو عبارة عن رسالة صغيرة، وقد خصصه للكلام عن مولد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ورضاعه باختصار، فقام بسرد الروايات المتعلقة بموضوعه، معولاً في النقل على كتب السيرة النبوية ومستعيناً ببعض المصنفات الحديثة التي عنيت بإيراد أحاديث تخص موضوع الكتاب وما يتصل به من الموضوعات الأخرى، وقد قمنا بتحقيقه بالاشتراك مع الأستاذ ياسين محمد السوَّاس، ونشرته دار ابن كثير بدمشق سنة 1407هـ= 1987م)
5 - الفصول في اختصار سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
ويعتبر من المُصنَّفات المختصرة القيمة التي تحدثت عن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - باختصار مفيد نافع للعام والخاص وذلك في القسم الأول منه، وأما القسم الثاني فقد تكلم فيه عن أحواله وشمائله وخصائصه - صلى الله عليه وسلم - باختصار نافع مفيد أيضاً، الأمر الذي جعله محبباً إلى الناس جميعاً. وقد طبع هذا الكتاب أول مرة في مصر طبعة سقيمة غير محققة، ثم طبع للمرة الثانية في دمشق بتحقيق الدكتورين محمد العيد الخطراوي ومحيي الدين مستو، وهي طبعة جيدة محررة متقنة مفهرسة نافعة، كتب لها الانتشار فأعيد طبعها عدة مرات آخرها عن دار ابن كثير بدمشق ومكتبة دار التراث بالمدينة المنورة.
وفاته:
مات ابن كثير يوم الخميس الواقع في 26/ شعبان/ من سنة 774) هـ، فخرجت دمشق كلها خلف جنازته، و دفن إلى جوار شيخه شيخ الإسلام ابن تيميَّة بمقبرة الصوفية، - رحمه الله تعالى - وأحسن إليه.
ثانياً: كتابه التفسير (5):
واسمه"تفسير القرآن العظيم"وهو من خيرة التفاسير التي اعتمد أصحابها في التفسير على صحيح المنقول من تفسير القرآن بالقرآن أو بالسُّنَّة لأنها مبينة لكتاب اللَّه - تعالى -، أو بما قاله كبار الصحابة والتابعين لأنهم تلقوا ذلك عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وهذا المنحى يحرص على الإتيان بالآثار الواردة في معنى الآية فيذكرها، ولا يجتهد في بيان معنى من غير أصل ويتوقف عمّا لا طائل تحته ولا فائدة في معرفة ما لم يرد فيه نقل صحيح، وقد اقتفى ابن كثير أثر الإمام محمد بن جرير الطبري في"تفسيره"حيث أورد فيه الأحاديث والآثار بالأسانيد إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام والتابعين، وقدَّم لتفسيره بمقدمة طويلة هامة أبان فيها عن رأيه في شؤون التفسير حيث يقول:"فإن قال قائل: فما
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/143)
أحسن طرق التفسير؟ فالجواب: إن أصح الطريق إلى ذلك أن يفسَّر القرآن بالقرآن فما أُجمل في مكان فإنه قد بُسط في موضع آخر فإن أعياك ذلك فعليك بالسُّنَّة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - تعالى - كل ما حكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو مما فهمه من القرآن. قال اللَّه - تعالى -: وأنزلنا إليك الذكر لتُبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم) (6) ولهذا قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:"أَلا إني أُوتيت القرآن ومثله معه" (7) يعني السُّنَّة، والسُّنَّة أيضاً تنزل عليهم بالوحي كما ينزل القرآن إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن، وقد استدل الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع بيان ذلك".
وابن كثير يرجح في"تفسيره"بعض الأقوال على بعض، ويضعف بعض الروايات ويصحّح بعضها الآخر، ويساعد على ذلك خبرته بعلوم الحديث ومصطلحه، وينقل عن التفاسير الأخرى التي تقدمته، كتفسير الطبري، وتفسير أبي حاتم، وتفسير ابن عطية، وغير ذلك من التفاسير الأخرى.
ويبيّن ابن كثير -رحمه الله- معاني الآيات القرآنية ويدخل باختصار في المناقشات الفقهية، واستنباط الأحكام، ويُنبِّه إلى ما ورد من التفسير بالمأثور من منكرات الإسرائليات، ويحذر منها إجمالاً تارة، وعلى وجه التعيين والبيان لبعضها تارة أخرى، ويتحاشى المباحث الإعرابية وفنون البلاغة والاستطراد للعلوم الأخرى.
فمثلاً عند تفسيره لقوله - تعالى - في الآية (67) وما بعدها من سورة البقرة إن اللَّه يأمركم أن تذبحوا بقرة ... ) إلى آخر القصة، نراه يقص لنا قصة طويلة وغريبة عن طلبهم للبقرة المخصوصة، وعن وجودهم لها عند رجل من بني إسرائيل كان من أبرّ الناس بأبيه .. الخ، ويروي كل ما قيل في ذلك عن بعض علماء السلف .. ثم بعد أن يفرغ من هذا كله يقول ما نصه:"وهذه السياقات عن عبيدة وأبي العالية والسُّدِّي وغيرهم فيها اختلاف، والظاهر أنها مأخوذة من كتب بني إسرائيل، وهي مما يجوز نقلها ولكن لا تصدَّق ولا تكذب، فلهذا لا يعتمد عليه إلا ما وافق الحق عندنا، واللَّه أعلم.
ومثلاً عند تفسيره لأول سورة ق نراه يعرض لمعنى هذا الحرف في أول السورة ق) ويقول:" ... وقد روي عن بعض السَّلف أنهم قالوا: ق جبل محيط بجميع الأرض يقال له جبل قاف، وكأن هذا -والله أعلم- من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم مما لا يصدّق ولا يكذّب، وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاف بعض زنادقتهم، يلبّسون به على الناس أمر دينهم، كلما افترى في هذه الأمة مع جلاله قدر علمائها وحفاظها وأئمتها أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما بالعهد من قدم، فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى وقلّة الحفّاظ النقاد فيهم، وشربهم الخمور وتحريف علمائهم عنهم في قوله - صلى الله عليه وسلم -:"وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" (8) فيما قد يجوزه العقل، فأما فيما تحيله العقول ويحكم فيه بالبطلان ويغلب على الظنون كذبه، فليس من هذا القبيل، والله أعلم.
كما يلاحظ على ابن كثير أنه يدخل في المناقشات الفقهية، ويذكر أقوال العلماء وأدّلتهم عندما يشرح آية من آيات الأحكام، وإن شئت أن ترى مثالاً لذلك فارجع إليه عند قوله - تعالى - في الآية 185) من سورة البقرة: .. فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفرٍ فعدّة من أيام أخر .. ) فإنه يذكر أربع مسائل تتعلق بهذه الآية، ويذكر أقوال العلماء فيها، وأدلتهم على ما ذهبوا إليها.
وهكذا يدخل ابن كثير في خلافات الفقهاء، ويخوض في مذاهبهم وأدلتهم كلما تكلم عن آية لها تعلق بالأحكام، ولكنه مع هذا مقتصد مقل لا يسرف كما أسرف غيره من فقها المفسرين.
وبالجملة، فإن"تفسير ابن كثير"من خير ما كتب في التفسير المأثور، وقد شهد له بعض العلماء بالخيرية، فقال السيوطي في"ذيل تذكرة الحفاظ"والزرقاني في"شرح المواهب اللدنية"إنه لم يؤلف على نمطه مثله.
ويمكن تلخيص مميزات تفسير ابن كثير في النقاط التالية:
أ- الاعتماد على النصوص في التفسير.
ب- يبدأ في تفسير الآية بذكر المعنى العام لها ثم يذكر الآراء في ذلك.
ج- يذكر أسباب النزول حين يبين الأحكام المستنبطة من الآيات لأن معرفة السبب سبيل إلى معرفة المسبب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/144)
د- ذكره للأحاديث وبيان رواتها ومن خرَّجها من أصحاب المصادر في مصنفاتهم.
هـ- إيراده للآراء والرد عليها، فابن كثير يورد الآراء في تفسير الآيات ويرجح أو يرد عليها.
و- ذكره للناسخ والمنسوخ لما لهذا الأمر من تبيين الحكم ومعرفة ما آل إليه، والعلم بهذا أمر ضروري لكل من يتصدى لكتاب الله - تعالى - في استبيانه معانيه وإيضاح أحكامه.
ز- تحذيره من أهل الكتاب والروايات الإسرائيلية.
ومع ذلك كله مما أشرنا إليه من حسنات هذا"التفسير"العظيم الشأن فإنه لم يسلم من بعض الانتقاد فيما يتصل بإيراده بعض الإسرائيليات، يضاف إلى ذلك عدم تحريه الاستيعاب لما نقل في تفسير بعض الآيات من كلام أهل اللغة، والكمال للَّه وحده.
مختصرات التفسير وملخصاته:
ونظراً لشهرة"تفسير ابن كثير"بين جماهير المسلمين واستحسانهم لمنهج مؤلِّفه بالإجمال، فقد اتجهت جهود عدد من العلماء في العصر الحديث نحو تلخيصه واختصاره.
1 - وأول تلك الاختصارات هو"عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير"للعلاَّمة المحدِّث المحقّق للشيخ أحمد محمد شاكر المصري، المتوفى سنة 1377هـ= 1957م) ولكنه لم يكمل عمله في اختصاره ووصل فيه إلى قوله - تعالى -: ليُحقَّ الحَقَّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون) (9) وهو ما يعدل ربع التفسير تقريباً، ولو أنه تممه لكان أحسن مختصراته دون شك وريب، ومع ذلك فهو عظيم النفع والفائدة على حاله التي تركه عليها، ونسأل الله - تعالى - أن يلهم أحد شيوخ العلم في هذا العصر إلى إتمام ما بدأ به العلاَّمة الشيخ أحمد محمد شاكر في اختصاره له وعلى منهجه.
2 - وثاني تلك المختصرات أهمية مختصر الأستاذ الشيخ محمد نسيب الرفاعي الحلبي المتوفى سنة 1413هـ= 1992م) والمسمى"تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير"وتأتي أهميته من حرص مختصره على الإتيان بما هو صحيح من الروايات والأحاديث والآثار مما أورده ابن كثير"تفسيره"قدر الإمكان، يضاف إلى ذلك صفاء الرجل وبعده عن الشطط والمبالغة إلى حد بعيد، ويقع مختصره في أربع مجلدات.
3 - وثالث تلك المختصرات أهمية مختصر الأستاذ محمد علي الصابوني ويقع في ثلاث مجلدات والمسمى"مختصر تفسير ابن كثير"وهو مختصر جيد لولا ما انتقد عليه من إيراد الكثير من الروايات الضعيفة.
طبعات تفسير ابن كثير:
لقد طبع"تفسير ابن كثير"طبعات عديدة في مصر ولبنان والسعودية، وكل طبعة من تلك الطبعات تمتاز عن غيرها بمزايا مختلفة، وبعضها أحسن من بعض بنسب مختلفة تتبع قيمة الجهود المبذولة فيها وحرص الناشر على إخراجها الإخراج الذي يليق بمثل هذا الكتاب العظيم.
--------------------------------------------------------------------------------
ـ[فيصل الخريصي]ــــــــ[19 - 01 - 06, 10:51 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي .. اهل الحديث
أسأل المولى عز وجل ان لا يحرمك الأجر(3/145)
العلاقة الصوتية بين الضاد والظاء (إسلام معروف)
ـ[أهل الحديث]ــــــــ[19 - 01 - 06, 09:19 ص]ـ
ملتقى أهل الحديث > منتدى العلوم الشرعية التخصصي > العلاقة الصوتية بين الضاد والظاء
--------------------------------------------------------------------------------
تسجيل الدخول View Full Version : العلاقة الصوتية بين الضاد والظاء
--------------------------------------------------------------------------------
إسلام معروف13 - 09 - 2005, 02:50 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
سؤال من /
السيد عبد الفتاح السيد سلامة
(عضو رابطة القراء العامة بالقاهرة)
إلى
السادة / رؤساء لجان مراجعة المصحف الشريف بالأزهر الشريف ووزارة الأوقاف المصرية وجميع لجان المراجعة في البلاد الإسلامية والعربية
السؤال الأول والأخير:
هل مراجعة المصحف الشريف مراجعة خطية فقط؟
أم خطية وصوتية معًا؟
بماذا تفسرون. عللوا. اذكروا السبب. لماذا؟
(حرف. الضاد المسموع الآن على ألسنة القراء في الإذاعة المصرية والإذاعات العربية والإسلامية وأئمة المساجد في مصر والحرمين الشريفين في مكة والمدينة {إلا من رحم الله، وقليل ما هم} يخرج من طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا من نفس مخرج الدال والتاء والطاء {أدْ ـ أضْ} شديدة: أي لا يمكن جريان صوتها حال إسكانها مع أن مخرجها الصحيح أنها من حافة اللسان من أمام الأضراس، مستطيلة،. رخوة.: أي يمكن جريان صوتها حال إسكانها {أسْ ـ أشْ}، لأن الحروف الشديدة ثمانية هي: {أجد، قط، بكت} " الهمزة والجيم. إلخ "، والحروف التي بين الشدة والرخاوة خمس هي: (لنْ عمرْ) والله الموفق.
(وجزى الله خيرا كل من ساهم في الإجابة على هذا السؤال)
### أخي الكريم موضوع مخرج الضاد أخذ أكبر من حجمه، وسبق نقاشه في الملتقى مرارا، وأنت نفسك وفقك الله لك في الملتقى 15 موضوعا أنزلتها كلها عن الضاد، ومعظم ما فيها مكرر، وكان بالإمكان إضافة ما يستجد لديك على نفس المواضيع السابقة، ولا يصح أن يفرغ طالب العلم نفسه لمسألة واحدة من مسائل العلم، ولا أن يتعصب لرأيه ويسفه غيره من الأقوال المعتبرة، فرجاءً استعمل محركات البحث، وأضف مالديك إن كان فيه شيء جديد على الموضوعات السابقة، وجزاكم الله خيراً
المشرف
###
--------------------------------------------------------------------------------
إسلام معروف13 - 09 - 2005, 03:01 AM
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ِ)
ـــــــــــــ
(الدّين النصيحة)
مقدمة
الحمدُ لله الذي شرح صدور عباده المؤمنين برحمته وأضاء عقول الموحدين بحكمته، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً وبعد:
فهذه كلمة لابد منها تبرئة للذمة ونصيحة للأئمة قصدي منها تصحيح صلاة الأمة.
يقول الله تبارك وتعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) (الأحزاب: 72).
هكذا أراد الله واقتضت مشيئته أن تكون هاتان الصفتان الظلم والجهل هما منشأ كل إنسان غير أن الله تبارك وتعالى أدرك هذا الإنسان برحمته وحكمته فجعل لهذا الإنسان عقلاً ليستعين به على محو هاتين الصفتين المذمومتين فيمحو الظلم بالعدل ويمحو الجهل بالعلم وعلى قدر توفيق الله تبارك وتعالى للعبد في استخدام ذلك العقل في محو هاتين الصفتين يكون كماله أو نقصانه.
(الموضوع)
قول النبي صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم) فمن هو القارئ؟ ومن هو الأمي؟
من المعلوم أن:
القارئ لغة هو: من يقرأ ويكتب.
والأمي لغة هو: من لا يقرأ ولا يكتب.
أما اصطلاحاً عند الفقهاء فالأمر يختلف:
ـــــــــــــــــــــــــ
فالقارئ هو: من يحسن الفاتحة وإن كان لا يقرأ ولا يكتب.
والأمي هو: من لا يحسن الفاتحة وإن كان يقرأ ويكتب.
ولكل منهما أحكام تخصه. سنوضحها بعون الله تعالى.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/146)
غير أني أريدُ أن أوضح حقيقة هامة قد تخفى على الكثير منا الآن وهي أن الفقهاء عندما ذكروا هذا التصنيف (القارئ والأمي) عنوا الإنسان الذي بذل الجهد في التعلم ليمحو الصفة التي نشأ عليها وهي الجهل. أما الإنسان الذي لم يبذل جهدًا ولم يفرغ وسعًا في طلب العلم ليمحو الجهل الذي هو عليه فجميع أفعاله باطلة مردودة حابطة الأثر بإجماع.
يقول الإمام العلامة / أحمد بن رسلان في متن الزبد:
فعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن
وكل من بغير علم يعمل أعماله مردودة لا تقبل
أعلمُ يقيناً أن كثيرًا من سماسرة الفقهاء فضلاً عن غيرهم لن يرضيهم هذا الكلام لأنهم اتخذوا الكثرة العددية درعًا واقيًا لهم ليحطموا أمامه أي دليل ولقد أصبح لهم مبدأ سمعته من الكثير منهم هو (كن مع الأكثرية تنجو)!
علمنا أن القارئ عند الفقهاء هو من يحسن الفاتحة.
س 1 ـ ما معنى يحسن الفاتحة؟
س 2 ـ لماذا اختصت الفاتحة بالذكر دون غيرها؟
ج 1 ـ معنى يحسن الفاتحة:
أن يهتم بها القارئ فيقرأها مجودة بأن يخرج كل حرف من مخرجه الصحيح مع إعطاءه حقه من الصفات اللازمة ومستحقه من الصفات العارضة مراعيًا للمدود الطبيعية سواء في آخر الكلمة مثل: الرحيم، الدّين، نستعين فالقارئ يأتي بهذا المد في حالة القصر بمقدار حركتين ولا إشكال في ذلك والحمد لله.
أما المشكلة الكبرى والخطأ الجسيم يكمن في المد الذي في وسط الكلمة مثل كلمة الرحمن فيوجد ألف بين الميم والنون، هذا الألف ساقط عند الكثير من القراء ولا يوجد سبب لحذفه فيجب أن يأخذ حقه من المد حركتين مثل ياء الرحيم، وكذلك يوجد ألف في لفظ الجلالة بسم الله بين اللام والهاء هذا الألف محذوف من الخط ثابت في اللفظ خوف اشتباه الكلمة باللاهي الذي هو الساهي ضد المنتبه، فيجب إعطاء هذا المد حقه حركتين، وكذلك باقي الكلمات مثل: إيّاك، الصراط، صراط، الذين (الياء)، المغضوب (الواو)، أما كلمة (الضالّين) فحرف المد هنا وهو الألف يلزم مده بمقدار ست حركات ولا خلاف على ذلك والحمد لله، غير أني أريدُ أن أبينُ أن حركات المد الست تعد على أصبع السبابة وحده فالقبض حركة، والبسط حركة أخرى بين التأني والإسراع، وليعلم الجميع بأن الزيادة أو النقصان في هذا المد تعد من اللحن الجلي وأن من زاد أو نقص في هذا المد فقد أساء وظلم وارتكب لكبيرة. وأسمع الكثير من الأئمة الآن يقرءون الفاتحة بقصر المد العارض للسكون حركتين في كل كلماتها إلا كلمة (الضالّين) فيأتي بالياء الأخيرة أربع حركات أو ست وربما أكثر من ذلك، ولا أجدُ سببًا واحدًا صريحًا لتخصيص هذا الموضع بهذا المد، لكن لكثرة تفشي ذلك الخطأ وانتشاره وجدتُ لهُ سببًا معنويًا لا يفطن إليه كثير من الناس وهو أن هذا الإمام يريد أن ينبه المصلين أنه قد انتهى من قراءة الفاتحة وعليهم أن يقولوا الآن آمين!!! وليس العجب أن ترى أمرًا معوجًا ولكن العجب أن ترى أمرًا مستقيمًا.
هناك مشكلة أخرى تعلقت بالبسملة يجب التنبيه عليها وهي:
هل نجهر بالبسملة في القراءة الجهرية أو نسر بها؟
هذه المسألة عند الفقهاء من المسائل التي فيها خلاف فمن جهر بالبسملة فقراءته صحيحة، ومن أسر بالبسملة فقراءته صحيحة، وأدلة المسر أقوى عند الكثير منهم من أدلة الجهر. إذاً أين المشكلة؟
المشكلة الآن تكمن في معنى (الإسرار)، أجدُ الإمام يقرأ وخاصة في الركعة الثانية الله أكبر .. الحمد لله رب العالمين متصلة بالتكبير دون أدنى فاصل في الزمن وإذا ما سئل هذا الإمام عن البسملة قال: بسملت في سري وهو في هذه الحالة لم يفرق بين الإسرار وحديث النفس.
فما معنى الإسرار وما هي حقيقته؟
لقد بين العلماء ذلك فقالوا: إن أقل السر هو:
(صوت مشتمل على أحرف يخرج من لسان المتكلم تسمعه أذنه على الأقل وما دون ذلك فهو حديث نفس).
وقد تفشى ذلك الخطأ الآن وانتشر، لذلك أرى على الرغم من أن أدلة المسر بالبسملة أقوى إلا أن الجهر بها الآن أولى حتى لا تسقط البسملة من الفاتحة وهي إحدى آياتها فتبطل الصلاة بدونها، وذلك للحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/147)
((إذا قرأتم الحمد لله فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم فهي أم الكتاب وهي السبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها)) {صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 1183 وصحيح الجامع برقم 729}.
وفي ذلك يقول الشيخ العلامة / أحمد بن رسلان رحمه الله تعالى:
والحمد لا في ركعة لمن سُبق ببسم والحروف والشدّ نطق
لو أبدل الحرف بحرف أبطلا وواجب ترتيبها مع الولا
ويقول صاحب كفاية الأخيار "" ما نصه:
(واعلم أن القادر على قراءة الفاتحة يتعين عليه قراءتها في حال القيام وما يقوم مقامه ولا يقوم غيرها مقامها لما مر من الأدلة ولا يجوز ترجمتها عند العجز للإعجاز يستوي في تعيينها الإمام والمأموم والمنفرد في السرية وكذا في الجهرية، وفي قويل لا تجب على المأموم في الجهرية بشرط أن يكون يسمع القراءة فلو كان أصم أو بعيدًا لا يسمع القراءة لزمه على الراجح، وتجب قراءة الفاتحة بجميع حروفها وتشديداتها فلو أسقط حرفاً أو خفف مشدداً أو أبدل حرفًا بحرف سواء في ذلك. الضاد. وغيره لم تصح قراءته ولا صلاته، ولو لحن لحناً يغير المعنى كضم تاء أنعمت أو كسرها أو كسر كاف إياك لم يجزئه وتبطل إن تعمد وتجب إعادة القراءة إن لم يتعمد).
ج 2 ـ اختصت الفاتحة بالذكر دون سواها لأن الفاتحة هي ركن الصلاة الأعظم ولا تصح الصلاة بدونها والأدلة على ذلك لا تخفى على أحد.
أما الأمي فهو الذي يعجز عن قراءة الفاتحة على وجه صحيح بعد تعلمه بسبب العجز كمن يأتي بالراء ياء أو الدال تاء، فهذا صلاته صحيحة لنفسه ولمن هو مثله وإن اختلف سبب أميتهم. ولا يصح أبدًا أن يكون هذا الأمي إمامًا لقارئ بآي حال من الأحوال، وصلاة القارئ خلف الأمي باطلة بإجماع.
وفي ذلك يقول الشيخ العلامة / أحمد بن رسلان رحمه الله تعالى:
يؤم عبد وصبي يعقل وفاسق لكن سواهم أفضل
لا امرأة بذكر ولا المخل بحرف من فاتحة بالمكتمل
وفي ذلك يقول صاحب كفاية الأخيار "" ما نصه:
(وأما اقتداء القارئ، وهو هنا من يحسن الفاتحة بالأمي وهو هنا من لا يحفظها. ففي صحة إقتدائه به قولان الجديد الأظهر لا تصح لقوله صلى الله عليه وسلم ((يؤم القوم أقرؤهم)) فلا يجوز مخالفته بجعله مأمومًا، ولأن الإمام بصدد أن يتحمل عن المأموم القراءة لو أدركه راكعًا، والأمي ليس من أهل التحمل ويدخل في الأمي الأرت الذي يدغم حرفًا في حرف في غير موضع الإدغام، والألثغ وهو الذي يبدل حرفًا بحرف كالراء بالغين والكاف بالهمزة، وكذا لا يصح الإقتداء بمن بلسانه رخاوة تمنعه من التشديد، ثم محل الخلاف هو في من لم يطاوعه لسانه أو طاوعه ولم يمض زمن يمكن التعلم فيه أما إذا مضى زمن يمكن التعلم فيه وقصر بترك التعليم فلا يصح الإقتداء به بلا خلاف لأن صلاته حينئذ مقضية كصلاة من لم يجد ماءًا ولا ترابًا، ويصح اقتداء أمي بأمي مثله كاقتداء المرأة بالمرأة).
*****************************
وفي هذا القدر كفاية لمن شرح الله صدره برحمته وأضاء عقله بحكمته فعلم الفرق بين التواتر للقرآن وبين التوارث للقرآن، وميّز بين صحة الإسناد وبين الالتزام بما كان عليه الأباء والأجداد، والتزم بالتلقي الصحيح وتجنب التلقين الفاسد القبيح ووضح له الفرق بين حقيقة الإتباع وبين التقليد الأعمى الذي وقع فيه أكثر الناس.
والله الهادي وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا والحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كاتبه محبكم:
السيد عبد الفتاح السيد سلامة.
(وجزى الله خيرا كل من ساهم في نشر هذه الرسالة) وإليكم الرسالة منسقة على الوورد
--------------------------------------------------------------------------------
إسلام معروف13 - 09 - 2005, 03:27 AM
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ِ)
ـــــــــــــ
مقدمة
الحمدُ لله الذي افتتح بالحمد كتابه وأجزل لمن جوده ثوابه والصلاة والسلام على خير من رتل القرآن وأراد لنا الخير فقال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، فجزاه الله عنا خير ما جزى به نبيًا عن قومه ورسولاً عن أمته
وبعد:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/148)
إن من رحمة الله بعباده أن تولى حفظ كتابه فقال تعالى ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ))، وحفظ القرآن العظيم اقتضى بالضرورة حفظ اللغة العربية لأن القرآن الكريم لا يمكن أن ينطق بغير هذا اللسان العربي الفصيح قال تعالى: ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ))، وقال جل ذكره ((إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ))
هذا شرف للغة العربية ولكل من انتسب إليها أن كان كلام رب العالمين بهذه اللغة المباركة، لذلك فاللغة العربية محفوظة بحفظ الله للقرآن الكريم.
ولكن كيف يتم هذا الحفظ على مر العصور والأزمان؟
إنهم السادة العلماء أصحاب المسئولية الذين أوقفوا حياتهم لبيان الحق من الباطل وكشف الزيف بالحجة والدليل، فصنفوا المتون وأرسوا القواعد وبذلوا في ذلك كل غال ونفيس فاستحقوا بذلك شرف الصحبة مع الملائكة حيث قال الله تبارك وتعالى ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُواْ الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) وكفاهم فخرًا أن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل)).
بهؤلاء العلماء حفظ الله الدين وحفظ بهم القرآن وحفظ بهم السنة وحفظ بهم اللغة، فلا يمكن لعاقل أن يتجاهل ما ذكروه أو يتغافل عن الذي بينوه أو يتعامى عن الذي حذروا منه ووضحوه، ولله در القائل:
ولولا رواة الدين ضاع وأصبحت معالمه في الآخرين تبيد
همو هاجروا في جمعها وتبادروا إلى كل أفق والمرام كؤود
وقاموا بتعديل الرواة وجرحهم فدام صحيح النقل وهو جديد
بتبليغهم صحت شرائع ديننا حدود تحروا حفظها وحدود
وصح لأهل النقل منهم حجاجهم فلم يبق إلا عاند وحقود
وحسبهمو أن الصحابة بلغوا وعنهم رووا لا يستطاع جحود
فمن حاد عن هذا اليقين فمارق مُريد لإظهار الشكوك مَريد
ولكن إذا جاء الهدى ودليله فليس لموجود الضلال وجود
وإن رام أعداء الديانة كيدها فكيدهمو بالمغزيات مكيد
لذلك كان لزامًا على كل باحث في أي مسألة من مسائل هذا الدين أن يرجع إلى هؤلاء العلماء متجردًا من الأهواء هدفه الأول والأخير إرضاء رب العالمين.
ونحن في هذا المقام بصدد مسألة ((التشابه بين حرفي الضاد والظاء)) وهذه المسألة لها في التاريخ القديم جذور عميقة وهي قائمة حتى الآن، وقد كتب فيها السادة العلماء الأعلام كثيرًا من مؤلفاتهم حتى وصفها أحدهم بأنها مسألة ((طويلة الذيل))، ولكن ما دام الخطأ مستمرًا فلابد من البيان والتحذير لأن الخطأ مهما طال لا يصح بالتقادم أبدًا والبيان فرض دائم ((لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)).
إن اهتمام العلماء القدامى بحرفي الضاد والظاء لم يكن لإثبات التشابه الصوتي بينهما لكونهما يشتركان في خمس صفات! فصوت الضاد ثابت وصوت الظاء ثابت، غير أن المشكلة كانت تكمن في نطق الضاد مكان الظاء أو نطق الظاء مكان الضاد، فكان هذا الاهتمام وتلك الرعاية من السادة العلماء لحرف الضاد لما يترتب عليه من صحة الصلاة وبطلانها لكونه ذكر في فاتحة الكتاب مرتين، ولكونه مشتبه في السمع بالظاء
وهذا التشابه في أصوات الحروف لم ينحصر في اللغة العربية وحدها، ولكنه في كثير من اللغات الأخرى فنجدُ في اللغة الإنجليزية مثلاً التشابه الصوتي واقع وواضح بين حرفي (ال B ) و (ال P ) فالصوت في الحرفين من جنس واحد، ولم يستغرب ذلك عندهم، ولم يستهجن عند بعضهم ولا مشقة لديهم في نطقه. فلماذا إذاً هذا التعنت لدينا الآن تجاه التشابه بين صوتي الضاد والظاء؟
إن حرف (ال P ) له صوت خاص به وصورة يكتب بها، وحرف (ال B ) له صوت خاص به وصورة يكتب بها ولا نجد عندهم أدنى مشكلة في النطق على الرغم من أن (ال P ) و (ال B ) من مخرج واحد واتفقتا في جميع صفاتهما إلا صفة واحدة وهي صفة الجهر وضدها الهمس فحرف (ال P ) مهموس وحرف (ال B ) مجهور.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/149)
فلماذا عند الكثير منا الآن ومن قديم الزمان هذا الهوس وذلك الاستغراب الذي كاد أن يؤدي إلى طمس نطق حرف الضاد الصحيح ومحوه من الوجود لولا أن الله غالب على أمره وهو الذي تولى حفظ كتابه وكلامه ولم لا وهو القائل سبحانه وتعالى ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)).
ليعلم الجميع بأن الحقيقة ثابتة وظاهرة وستجدُ يومًا من ينصرها وينتصر بها وأن كل ما خالفها هراء وأهواء وهذا هو السبب المباشر في تلك المفاسد التي عانينا منها المصائب الجسام وصدق الله العظيم حيث يقول:
((وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ)).
علمنا أن اهتمام العلماء القدامى بحرفي الضاد والظاء كان هدفه الأول والأخير صحة الصلاة، ولكن بكل أسف تغيّر ذلك المسار الآن فبعد أن كانت المسألة ((فقهية)) أصبحت عندنا الآن مسألة صوتية أو مسألة تاريخية أو مسالة ثقافية كما زعم بعضهم بأن الدّين ثقافة.
وهكذا صار أكثر من كتبوا في هذه المسألة في زماننا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فأجدُ من أنكر التشابه الصوتي بين حرفي الضاد والظاء واصدر رسالة زعم مصنفها أنها دراسة تجويدية، لغوية، تاريخية، أصولية تحت مسمى (إعلام السادة النجباء أنه لا تشابه بين الضاد والظاء) وذلك في عام 1408 هـ / 1988م ولقب اسمه بالدكتور والحمد لله فقد رد أستاذي وأستاذه ومعلمي ومعلمه وشيخي وشيخه الشيخ العلامة / عبد الحليم بدر وكذلك أستاذي ومعلمي الشيخ العلامة / عبيد الله الأفغاني على هذه الرسالة وعلى مؤلفها ردًا صوتيًا فلا داعي هنا لإعادة ما ذكروه، غير أني لي سؤال واحد عند مؤلف هذه الرسالة الأصولية!
وهو متى حصلت يا دكتور على هذه الدرجة العلمية وفي أي علم كانت؟!.
وبكل أسف أجدُ الآن من يسعى لإثبات الصوت الصحيح للضاد فلم يجد إلا التشابه بينها وبين الظاء في الصفات ليثبت التشابه الصوتي بينهما وأصدر في ذلك مجلدًا ضخمًا بتاريخ 1426 هـ / 2005 م تحت مسمى (الحجة الوضاء في إثبات الشبه بين الضاد والظاء) ولقد ذكر أخونا في مقدمة هذا المجلد بعضًا من السادة العلماء مادحًا لهم وهذا شيء طيب حتى وقع نظري على السادس منهم فقال فيه أخونا محمود عبد الرحمن مؤلف ذلك المجلد ص 6 ما نصه
6 ـ فضيلة الدكتور / أسامة عبد الله خياط ـ إمام وخطيب المسجد الحرام الذي قرأ الكتاب واستحسنه:
جزى الله عنا بالخيرات آل خياط أولئك أهل الله والصفوة الملا
أولو البر والإحسان والصبر والتقى حلاهم بها جاء القرآن مفصلا
وتصفحتُ ذلك الكتاب فلم أجدُ كلمة واحدة لذلك الدكتور!
وهنا لابد لي من سؤال أتوجه به إلى أخينا محمود عبد الرحمن (مدرس القراءات!!) في أي آية من آيات القرآن الحكيم أجدُ ذكر (آل خياط)؟!
وهذه الأبيات السابقة مأخوذة من أبيات في نظم الشاطبية رحم الله مصنفها حيث يقول:
فيا أيها القاري به متمسكًا مجلاً له في كل حال مبجلاً
هنيئًا مريئًا والداك عليهما ملابس أنوار من التاج والحلا
فما ظنكم بالنجل عند جزائه أولئك أهل الله والصفوة الملا
أولو البر والإحسان والصبر والتقى حلاهم بها جاء القرآن مفصلا
عليك بها ما عشت فيها منافسًا وبع نفسك الدنيا بأنفاسها العلا
جزى الله بالخيرات عنا أئمة لنا نقلوا القرآن عذبًا وسلسلا
فهل في هذا الكلام ما يشير من قريب أو بعيد إلى آل خياط؟!
ولقد اتصل بي أخونا محمود عبد الرحمن (مدرس القراءات) هاتفيًا من مكة المكرمة يوم الجمعة 1/ 4 / 2005 م ليعرف رأيي في هذا الكتاب فأقول له بعد اطلاعي عليه وما ذكرته آنفًا: إن هذا الكتاب نوع من الإستجداء الرخيص!
وإذا جاز لمثلي أن يبدي رأيًا فيما كتبه أخونا محمود عبد الرحمن فإني أعلق على تعليق طويل كتبه في ص 149 شارحًا رأي الدكتور / محمد حسن جبل فقال أخونا في أخر هذا التعليق ما نصه:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/150)
(لقد استطاع أستاذنا العلامة الدكتور جبل أن يقدم لنا بتذوقه السليم خلاصة ما كتبه علماء اللغة وأئمة القراءات المتقدمين منهم والمتأخرين عن حقيقة الشبه بين الضاد والظاء من خلال بيانه الساطع لكيفية النطق بحرف الضاد، فأثبت مخرجه الصحيح ثم بين المراحل التي يمر بها اللسان أثناء النطق بحرف الضاد والصفة التي تنشأ عن كل مرحلة من تلك المراحل، ثم تطرق إلى طرف اللسان وحدد موقعه، والنقطة التي ينتهي إليها عند إخراج الضاد مما لم يسبقه في ذلك إلا سيبويه، حيث حدد طرف اللسان مع الضاد بأنه بين طرف اللسان مع اللام وموقعه مع الضاد فقد فصل المراحل التي يمر بها اللسان وأكد أن دوره لم يقتصر على إخراج حرف الضاد من حافتيه أو إحداهما بل يشترك معهما كل من أقصى اللسان، ووسط اللسان، وطرف اللسان ومن خلال هذا الوصف الدقيق اتضحت لنا أهم الصفات التي يتميز بها حرف الضاد). أهـ
ونسب أصل هذا الوصف إلى الأئمة القدماء، وحتى يبين لنا أخونا على وجه التحديد من صاحب هذا الوصف
أقول:
[إن اللسان الذي يستطيع أن يخرج صوت حرف الضاد الصحيحة من حافتي اللسان أو إحداهما، مشتركًا مع أقصى اللسان، ووسط اللسان، وطرف اللسان، ليس لسان قارئ، وإنما هو لسان. . . .]!؟
وإذا كان الاختلاف في الرأي لا يفسد الود بين الأحبة، وبما أن الدّين النصيحة إذاً:
فليعلم أخونا محمود عبد الرحمن وكل من نحا نحوه: أن من أراد أن يكسب في الدنيا كل شيء خسر في الآخرة كل شيء.
انتبهوا أيها السادة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
إن كل خريج معهد من معاهد القراءات أو كلية من كليات القرآن الكريم وليس له شيخ خاص تلقى عليه القرآن الكريم وختمه كاملاً من أول سورة الفاتحة وحتى أخر سورة الناس حفظًا غيبًا لا قراءة نظر فقط مع شرح متن من المتون
لم يتحقق عنده شرط التواتر ومنقطع الإسناد.
وذلك بسبب الطريقة التي يتم بها التعليم في تلك المعاهد وهذه الكليات فالدارس يتلقى القرآن الكريم على أكثر من شيخ على حسب سنوات الدراسة، ولا يقرأ الطالب ولا يحفظ القدر المخصص حفظه على الشيخ كاملاً، وإنما يكتفى ببعض الأسئلة التحريرية والشفوية، مثل المسابقات الرمضانية، ولا يخفى على أحد نسب الغياب في تلك المعاهد نتيجة لعدم تفرغ الطلبة، وبالتالي غياب السادة المشايخ المدرسين، والحال أصبح مؤسفًا (إذا حضر الشيخ غاب الطالب، وإذا حضر الطالب غاب الشيخ)، وبعد أشهر معدودات يتخرج مدرس القراءات! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
بكل أسى وأسف أقول:
إن كل طالب تخرج على هذا الوصف ليس مدرس قراءات وإنما هو مدرس الثعلب فات. . فات. . وف. . إلخ.
ولله در القائل:
واكرم الأستاذ ذا الإرشاد خير أب فهو لكل شادي
فاخدم له فالاقتباس رق وإن تكن كالتبر وهو الورق
واستفته وإن يكن بقالا وانظر إلى المقال لا من قالا
وقد سبق أخونا هذا كثيرًا ممن كتبوا عن الضاد والظاء وأصبحت هذه المسألة في هذا الزمان ((سبوبّة)) للتكسب والتربح فمن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ كتاب الفوائد التجويدية في شرح المقدمة الجزرية تأليف / عبد الرزاق بن علي بن إبراهيم موسى (عضو اللجنة العلمية لمراجعة مصحف المدينة النبوية وعضو لجنة الإشراف على التسجيلات القرآنية بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة سابقاً، فقد رفض هذا العالم العلامة واستنكر بيان السادة العلماء الذين أجريت معهم الحوار حول النطق الصحيح لحرف الضاد مستغربًا للأدلة التي استندوا إليها وذلك في الصفحات من ص 115: 128 مدعيًا أنه تتلمذ على أيديهم وكان يقضي معهم أغلب الأوقات في معهد القراءات! وسبب الرفض والاستنكار هو أنهم لم يخبروه بذلك!!
فقال سامحه الله في الصفحة رقم (124) ما نصه:
(ومما يجدر التنبيه إليه أنه ظهر في الآونة الأخيرة أشرطة كاسيت مسجل عليها حوار مع بعض الشيوخ يزعمون فيها أن النطق بالضاد ظاء أمر مجمع عليه، وأنه النطق الصحيح مما أحدث فتنة بين الناس وتشويشًا على القراء بين آونة وأخرى. نقول للأستاذ الذي أجرى هذا الحديث ومن بينهم الأستاذ سيد عبد الفتاح سلامة:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/151)
إن الشيوخ الذين أجريت معهم هذا الحديث منهم شيوخ لنا حضرنا عليهم ومنهم زملاء لنا حضرنا معهم في معهد القراءات أيضًا. أما الشيوخ الذين حضرنا عليهم ممن سجلوا هذا الحوار معك فهو الشيخ إبراهيم شحاتة السمنودي أطال الله عمره وكذا الشيخ سليمان إمام الصغير. وهذان العالمان حضرنا عليهما وكنا نقضي معهما أغلب أوقاتنا في معهد القراءات وخارجه، فلم نسمع أحدًا منهم ينطق بهذه الضاد الظائية ولا أقرؤا بها طلابهم) أهـ. هل ترى يا شيخنا أن ذلك سببًا علميًا للرفض؟ وأتوقع والعلم عند الله أن الشيخ العلامة / إبراهيم السمنودي لم يخبرك بهذه المسألة لأنه ربما لم يراك أهلاً لها.
ولله در القائل:
من منح الجهال علمًا أضاعهُ ومن منع المستوجبين فقد ظلما
ولي سؤال واحد عند ذلك الشيخ العلامة والمراجع الفهامة وهو: كيف تتجرأ يا شيخنا وتمسك قلمًا وورقة وتكتب رأيًا في هذه المسألة مخالفاً لرأي أستاذك الشيخ العلامة / إبراهيم علي شحاتة السمنودي الذي اعترفت بأنك تلميذه؟ خاصة وأنك لم تذكر أي دليل سوى أنه لم يخبرك بذلك! فهل هذا هو أدب التلميذ مع أستاذه؟ إنني الآن لست بحاجة يا شيخنا لكي أشرح وأبين لك بعضًا من هذه الآداب لأنني أحتسبك الآن ممن مضى زمن تعليمه، وإن كنت لا تعلم هذه الآداب ألم تعلم مبدأ نساء قريتكم (اللي مالوش كبير يشتري له كبير) فمن كبيرك الذي استندت إليه في رفضك لهذه المسألة؟ لماذا لم تذهب يا شيخنا إلى شيخك وأستاذك الشيخ / إبراهيم السمنودي الذي قضيت معه أغلب الأوقات وأحلى السهرات لكي تخبره بما سمعته وتناقشه وتراجعه إن شئت!؟ وهو حي يرزق حتى الآن وبابه مفتوح لجميع خلق الله بدلاً من التخبط في سراديب الظلام والتعبد بالأوهام 2 ـ كتاب صدر في المملكة العربية السعودية بتاريخ 1421هـ / 2000 م للأستاذ / محمد عبد الحكيم بن سعيد العبد الله، ووالده مدرس في جامعة أم القرى واقتبس كل ما كتبه الشيخ / عبد الرزاق بن علي بن إبراهيم موسى وذلك في الصفحات 48، 49، 50، 51 ولولا طول الكلام وما فيه من افتراء لذكرته بنصه، وسبحان ربي العظيم، نفس الإدعاء الذي زعمه الشيخ / عبد الرزاق ادعاه الأستاذ / محمد عبد الحكيم! فقد زعم أيضًا أنه تتلمذ على الشيخ العلامة / إبراهيم السمنودي وقضى معه أحلى الأوقات في معهد القراءات وخارجه!
فقال جزاه الله بما يستحق في الصفحة رقم (49، 50) ما نصه:
(ومما يجدر الإشارة إليه أنه ظهر في الآونة الأخيرة بعض الأشرطة المسجل عليها حوارات مع بعض الشيوخ يزعمون فيها أن النطق بالضاد ظاءً أمر مجمع عليه، وأنه النطق الصحيح مما أحدث فتنة وتشويشًا على القراء بين آونة وأخرى. نقول للأستاذ الذي أجرى هذا الحوار وهو الأستاذ سيد عبد الفتاح سلامة:
إن الشيوخ الذين أجريت معهم هذا الحديث منهم شيوخ لنا حضرنا عليهم، ومنهم زملاء لنا حضرنا معهم حلقات العلم في معهد القراءات، أما الشيوخ فهم الشيخ إبراهيم شحاتة السمنودي، والشيخ سليمان إمام الصغير، وهذان العالمان حضرنا عليهما وكنا نقضي معهما أغلب الأوقات في معهد القراءات وخارجه، فلم نسمع أحدًا منهما ينطق بهذه الضاد الظائية ولا أقرأا بها طلابهما) أهـ فردي عليه هو نفس ردي على الشيخ / عبد الرزاق بن علي ولكني أزيده بحكمة اقتبستها له تقول:
(أعمى قاد أعمى كلاهما يسقط في حفرة)، وليعلم أستاذي محمد عبد الحكيم بأن (كل من ضل في نفسه وأضل غيره فإنما هو شيطان).
3 ـ كتاب الجامع في علم التجويد تأليف الأستاذ نبيل علي مراجعة الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف من ص 222: 231. وأقول للأستاذ نبيل علي: لك الحق كل الحق فيما كتبت، فلا تثريب عليك، غير أني أذكر مراجع كتابك الجامع بقول الله تبارك وتعالى:
((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ، إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)).
ولله در القائل:
أسماء مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/152)
هذا قليل ذكرته من المؤلفات التي ظهرت بعد نشر الأشرطة المسجل عليها أقوال العلماء وردي على هؤلاء ينحصر في جملة واحدة:
[عند الله تجتمع الخصوم، وحسبي الله ونعم الوكيل]
فإلى أخينا محمود عبد الرحمن مدرس القراءات هذا ومن نحا نحوه أقول
إن التشابه بين صفات حرفين لا يلزم أبدًا التشابه الصوتي بينهما والدليل على ذلك أنني أجدُ حروفًا اتحدت وتطابقت صفاتها ولم تتشابه أصواتها في السمع مثالاً على ذلك:
حرفي / التاء والكاف نجد أنهما اتحدا في الصفات الآتية:
أ ـ الهمس ب ـ الشدة
ج ـ الإستفال د ـ الانفتاح
هـ ـ الإصمات
حرفي / الدال والجيم نجد أنهما اتحدا في الصفات الآتية:
أ ـ الجهر ب ـ الشدة
ج ـ الاستفال د ـ الانفتاح
هـ ـ الإصمات وـ القلقلة
حرفي / النون والميم نجد أنهما اتحدا في الصفات الآتية:
أ ـ الجهر ب ـ (بين الشدة والرخاوة)
ج ـ الاستفال د ـ الانفتاح
هـ ـ الذلاقة و ـ الغنة
حرفي / الحاء والثاء نجد أنهما اتحدا في الصفات الآتية:
أ ـ الهمس ب ـ الرخاوة
ج ـ الاستفال د ـ الانفتاح
هـ ـ الإصمات
حرفي / الخاء والهاء نجد أنهما اتحدا في الصفات الآتية:
أ ـ الهمس ب ـ الرخاوة
ج ـ الاستفال د ـ الانفتاح
هـ ـ الإصمات
حرفي / الخاء والثاء نجد أنهما اتحدا في الصفات الآتية:
أ ـ الهمس ب ـ الرخاوة
ج ـ الاستفال د ـ الانفتاح
هـ ـ الإصمات
حرفي / الهاء والثاء نجد أنهما اتحدا في الصفات الآتية:
أ ـ الهمس ب ـ الرخاوة
ج ـ الاستفال د ـ الانفتاح
هـ ـ الإصمات
حرفي / ياء (وسط اللسان) و (واو الشفتين) نجد أنهما اتحدا في الصفات الآتية:
أ ـ الجهر ب ـ الرخاوة
ج ـ الاستفال د ـ الانفتاح
هـ ـ الإصمات
فهل يوجد أدنى تشابه صوتي لهذه الأحرف التي اتحدت في صفاتها ولم تتشابه فقط؟!
إذاً التشابه الصوتي بين الضاد والظاء ليس سببه التشابه في الصفات أبدًا، بل هو آية من آيات الله
ثم إنني أتوجهُ بسؤال إلى كل معلم للقرآن الكريم استنكر النطق الصحيح للضاد بسبب التشابه الصوتي بينها وبين الظاء، وأقولُ له: كيف تقرأ الصاد المشماه صوت الزاي في رواية خلف وخلاد؟
حيث قال الشاطبي رحمه الله:
(. . . والصاد زايًا اشمها لدى خلف واشمم لخلاد الاولا)
لذلك أنبهُ وأحذرُ كل معلم للقرآن الكريم من المبدأ الذي اتخذه جل المعلمين إلا من رحم الله، ألا وهو (احفظ ثم جود)، فهذا المبدأ هو أصل البلاء والسبب المباشر في تلك المفاسد التي نعاني بسببها المصائب الجسام، فكم من طالب حفظ ولم يجود، ومعلوم بأن القرآن بغير تجويد ليس بقرآن، ولقد بينا الدليل على ذلك في غير هذا الموضع، فأي شيء حفظ هذا الطالب، هل من إجابة عند أصحاب ذلك المبدأ؟، ثم يزعمون بأن الطفل الصغير لن يتمكن من تصحيح الأحكام، والمخارج، والصفات إلا بعد حفظ الكلمات على أي وصف كانت، ومثل هذا الطفل في المدارس التجريبية واللغات يتقن ويجيد اللغات الأخرى دون كلفة أو مشقة حرصًا من والديه على مستقبله ورزقه،وطلاقة اللسان عند الأطفال لم تنحصر في أطفال تلك المدارس فقط، ولتنظروا معي إلى أطفال قرية (نزلة السمان) بمحافظة الجيزة كيف يتعاملون مع جميع خلق الله عند زيارتهم للأهرامات مع اختلاف ألسنتهم وهم أميّون لا يقرءون ولا يكتبون ولا يلحنون في حرف واحد في اللغات التي يتحدثون بها؟ فلماذا هذا العجز عند مشايخنا الإجلاء؟ لذلك فإن كل شيخ يتهاون في ذلك الأمر فهو خائن للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وحرصنا على دين هذا الطفل أهم وأولى من حرصنا على رزقه
ثم هناك مشكلة أخرى يجب أن ننتبه إليها وهي الابتداء في تعليم التجويد بأحكام النون والتنوين، والمدود إلخ، وهذا أمر فيه مفاسد كبيرة وخطيرة، لأن الطالب في هذه الحالة يلقن الأحكام بدون معرفة أسبابها، فلا يعلم سبب الإدغام، أو سبب الإظهار، وهذا لا يتضح للطالب إلا بعد دراسة مخارج الحروف، وصفاتها، وهذا الباب أهملناه وجعلناه آخر أبواب التجويد، وأصبح من نفل المسائل عند الكثير من المعلمين، وهذا من البلاء المبين. ولقد انتبه سيدنا ابن الجزري رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء إلى هذا الأمر وحذر من الوقوع فيه فقال رحمه الله تعالى في أول نظم المقدمة الجزرية:
إذ واجب عليهم محتم قبل الشروع أولاً أن يعلموا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/153)
مخارج الحروف والصفات ليلفظوا بأفصح اللغات
وأنبه وأحذر أئمة المساجد (فالإمام ضامن) ومن أوليات ذلك الضمان إقامة الصلاة لا تأدية الصلاة، ومن ضمان إقامتها قراءة الفاتحة، ولا تصح الفاتحة بدون صحة مخارج حروفها وهذا الأمر. فرض عين بالنسبة للإمام سواء من الناحية العملية أو العلمية ثم البلاء المبين في الأئمة العارفين بصحة هذه الأحكام لكنهم بكل أسف استغلوا جهل العوام وكثرتهم ليكون ذلك ساترًا لهم في الدنيا، فرفعوا عقولهم من الخدمة، واعتقد أنهم لو انتبهوا إلى خطورة هذا الأمر ومسئوليته سواء بالنسبة إلى الصلاة نفسها، أو إلى عبادتهم في أنفسهم، أو بالنسبة لتحملهم كافة النتائج المترتبة على صلاة كل من صلى خلفهم، لو اعتقد الإمام مدى هذه الخطورة، وعظيم المسئولية لاختلف الأمر تمامًا. وأحذر كل قارئ أنعم الله عليه بقراءة الفاتحة قراءة صحيحة وخاصة حرف الضاد من استمراره في الصلاة خلف كل إمام يلحن في الفاتحة، لأن ذلك سيؤدي حتمًا ولابد إلى العودة إلى الضاد المصرية الفاسدة، وصدق الله العظيم حيث يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) وقوله عز وجل:
(قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)
وبكل أسف كم من راو عن أحكام الصلاة وأهميتها ولا يطبق من ذلك شيئًا!؟.
والحق ما قاله أنس رضيّ الله عنه:
(العلماء همتهم الرعاية، والسفهاء همتهم الرواية)
والآن ليسأل كل واحد منا نفسه: هل اهتمامي بصلاتي رعاية أم رواية؟
ولله در القائل:
العلم مغرس كل فضل فاجتهد أن لا يفوتك فضل ذاك المغرس
واعلم بأن العلم ليس يناله من همه في مطعم أو ملبس
واحرص لتبلغ فيه حظاً وافرًا واهجر له طيب المنام وغلس
لتعز حتى إن حضرت بمجلس كرمت فيه وكنت صدر المجلس
إن الخلي من العلوم مقامه عند النعال له صموت الأخرس
كلمة أخيرة لابد منها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعلمُ أن ما سبق من كلامي فيه قسوة وشدة، وأنه يوجد أساليب أخرى كثيرة يستطيع الداعي من خلالها أن يقول ما يشاء.
ولكن الدافع إلى هذا الأسلوب هو حسم هذه القضية.
وأن ينتبه ويفكر كل من أراد أن يكتب عن حرف الضاد (حبيبتي) ألف مرة ومرة قبل أن يبسط ورقة أو يمسك قلمًا أو حتى يتكلم عن هذا الموضوع، وأنه لن يخلو زمان أو مكان حتى قيام الساعة من محب للضاد مدافع عنها، محبة واحتسابا، لا منفعة واكتسابا.
ورحم الله الشاطبي حيث يقول:
تخيرهم نقادهم كل بارع وليس على قرآنه متأكلا
وذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء من عباده، ونعمة عظمى نحمدُ الله تبارك وتعالى أن خصنا بها والحمدُ لله رب العالمين وخير ختام هو ما أرشدنا إليه الرحمن حيث قال
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
واستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محب الضاد وخادمها
ثم محبكم
السيد عبد الفتاح السيد سلامة
السبت / 7 من ربيع أول 1426 هـ
16 من أبريل 2005 م
(وجزى الله خيرا كل من ساهم في نشر هذه الرسالة) وإليكم الرسالة منسقة على الوورد
--------------------------------------------------------------------------------
ـ[عمر فولي]ــــــــ[08 - 01 - 07, 10:13 م]ـ
السلام عليكم
أخي الكريم السيد عبد الفتاح
لا شك أن قضية الضاد الظائية قضية شائكة، وأنا معك أن الرد علي قضية الرخاوة ليس ردا قويا، ولكن يا أخي ألا تري أنكم تعتمدون في هذه القضية علي نصوص الأئمة فقط في نطق الحروف بخلاف ما هو متداول بين القراء الآن؟؟
والذين يقولون بالضاد الظائية من الشيوخ قلة قليلية جدا مقارنة بمن يقولون بالضاد الحالية.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/154)
وأنا قد قرأت بالضاد الظائية علي الشيخ عبد الله الجوهري، حتي بحثت فيما بعد فوجدت أن الأسلم أن نقول بالضاد الحالية .. وهذا ليس إلزاما، ولكني سأحاول طرح بعض الشبهات لعلي أجد عندك ردا شافيا ـ دون تعصب ـ.
بالنسبة لنصوص الأئمة التي تقول بالتشابه بين الضاد والظاء وبرخاوة الضاد، مع أن ما نقرأ به الآن ضاد شديدة. وهذا هو المعتمد الرئيسي عند الظائيين.
أقول: لو أن المعتمد في الصوت النصوص فقط إليك بعض النصوص التي تخالف المنطوق اليوم وللأسف هي أصرح وأنتم لا تقولون بها:
: نص سيبويه:" ولولا الإطباق لصارت الطاء دالا " ننظر ماذا يقول علماء التجويد.
قال مكي:" كذلك لولا الإطباق والاستعلاء اللذان في الطاء لكانت دالا .. " الرعاية صـ99
قال عبد الوهاب القرطبي:" ولولا الإطباق الذي في الطاء لصارت دالا ولولا الجهر الذي في الدال لصارت تاء فأحسن تخليصها منهما " الموضح 76
قال المرعشي:" .. ويفترق الطاء عن الدال بالإطباق والاستعلاء والتفخيم، فلولا هذه الثلاثة لكانت دالا، ولولا أضدادها في الدال لكانت طاء .. " جهد المقل صـ 57
وقال أيضا:" واحذر عن إعطاء الطاء همسا كما يفعله بعض الناس، حتى إذا أزلت إطباقه وتفخيمه علي ما لفظوا به يصير تاء، وحق الطاء أن يكون بحيث إذا أزلت إطباقه وتفخيمه يصير دالا " الدراسات الصوتية صـ 213
قال المقدسي في بغية المرتاد:" أما الضاد الذي يشبه الدال المفخمة والطاء المهملة الذي ينطق به أكثر المصريين ولنسمه بالضاد الطائية " من كتاب الدراسات الصوتية لغانم قدوري صـ209
قال ابن الجزري في التمهيد:" ومنهم من لا يوصلها إلي مخرجها بل يخرجها دونه ممزوجة بالطاء المهملة لا يقدرون علي غير ذلك وهم أكثر المصريين وبعض أهل المغرب .. " صـ 82
قال الصفا قسي في كتابه " تنبيه الغافلين .. : " قال في التمهيد: ومن الناس من لا يوصلها إلي مخرجها بل يخرجها ممزوجة بالطاء وهم أكثر أهل مصر وبعض أهل المغرب " انتهي وفي قوله لا يقدر صوابه لا يعرف إذ المعلوم أنهم غير عاجزين عن ذلك بل لو علموا لتعلموا .. وقوله بعض أهل المغرب يريد الأقصى وأما الأدنى فإنهم يبدلونها ظاء معجمة كما تقدم وليس هذا مختصا بأهل مصر والغرب بل يفعله كثير ممن يدعي العلم ومعرفة علم التجويد .. " أ. هـ صـ87
وسيبويه عدّ الطاء التي كالطاء من الحروف الغير مستحسنة
هذه نصوص لا يمكن ردها تؤكد أن الضاد الحالية هي الطاء القديمة ويكفيك في صحة هذا القول ما قاله المقدسي في بغية المرتاد:" أما الضاد الذي يشبه الدال المفخمة والطاء المهملة الذي ينطق به أكثر المصريين ولنسمه بالضاد الطائية " من كتاب الدراسات الصوتية لغانم قدوري صـ209
والشاهد " ولنسمه بالضاد الطائية "
وأريد أن أطرح سؤالا: أي حرف لو نزعنا منه الإطباق ننطقها دالا؟؟ لاشك أنه الضاد الحالية.
ثم انظر أخي الكريم إلي قول العلامة ابن الجزري في عدم قدرة المرء النطق بهذه الضاد دون السليقة
قال ابن الجزري في التمهيد:" واعلم أن هذا الحرف خاصة إذا لم يقدر الشخص علي إخراجه من مخرجه بطبعه لا يقدر عليه بكلفة ولا بتعليم " ا. هـ صـ 82
فأين أخي السليقة والطبيعة التي تربي عليها هؤلاء الشيوخ في نطق الضاد؟؟؟؟!!!!!!
ثم انظر أخي إلي هذا النص الآخر:
أقول لهم: فلو خرجتم من الطاء فماذا تقولون في جهر الهمزة؟؟ ... وصفها سيبويه بالجهر وهي عند المحدثين ليست مجهورة. كتاب " الدراسات الصوتية عند علماء التجويد " صـ 207
وقال د/ عبد الصبور:" فقد ذكر القدماء وإمامهم سيبويه أن أصوات القاف والطاء والهمزة ـ من بين الأصوات المجهورة، فإذا استثنينا الهمزة لثبوت عدم معرفة القدماء بطبيعتها (ولا حرج ولا تثريب عليهم في ذلك) .. " علم الأصوات صـ112
أقول: وهكذا ضاعت الهمزة الحقيقية التي وصفها القدامى من الكلام فَلَيتهم يصفوها لنا كما نطقوها بالوصف في الضاد والطاء وغيرها فلماذا أخذوا بما قاله القراء المعاصرون في الهمزة رغم مخالفتها لوصف سيبويه والقراء قديما؟؟ فدل علي أن تلقي القراء عمدة وأساس في هذا العلم.
والسؤال هل للضاد المصرية أصل؟؟
قال د/محمد حسن حسن جبل فى كتابه "المختصرفى أصوات اللغة العربية " ــ وهو ممن يقولون بالضاد القريبة من الظاء ــ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/155)
" ... وتكون فى هذا النطق المتخفف كالضاد المصرية التى تشبه "الدال المفخمة" وشاهد وقوع هذا النطق مبكرا قول الأغلب العجلى ــ حين استنشده عامل عمر بن الخطاب رضى الله عنه ـــ
أرجزا تريد أم قصيدا ـــ وروى: أم قريضا ـــ
لقد سألت هينا موجودا
أم هكذا بينهما تعريضا
كلاهما أجيد مستريضا
فمقابلة الضاد فى القافية بالدال فى كلمتى "قصيدا" وموجودا" أو الأخيرة فقط يعنى أنه كان يحس أنهما متقاربان وكأنهما سواء ــوهذا لايكون إلا بنطق الضاد شديدة. ولهذا الأمر قيمته، إذ يعنى أن الضاد المصرية ــ الدال المخمة الشديدة ــ لها أساس قديم فصيح.
وأيضا نجد في وصف ابن سينا بخروج الضاد أنها شديدة. ا. هـ
انظر معانى القرآن للفراء 1/ 140،وشرح القصائد السبع لابن الأنبارى 516، ولسان العرب (روض)
أقول: وما دام أنها ثبتت فى لهجات العرب جاز القراءة بها وخاصة فى هذا الحرف ووصف ابن سينا للضاد بالشدة ليس مخالفا للعلماء بل هي لغة موجودة يتناقلها الناس وإن كانت قديما قليلة وانظر إلي قول د/ جبل:" ولهذا الأمر قيمته، إذ يعنى أن الضاد المصرية ــ الدال المفخمة الشديدة ــ لها أساس قديم فصيح." ود/ جبل من المتعصبين للضاد الظائية.
وابن سينا أحد علماء القرن الخامس الهجري حيث قال في كتابه " أسباب حدوث الحروف " ما نصه: وأما الضاد فإنها تحدث عن حبس تام عندما تتقدم موضع الجيم وتقع في الجزء الأمل إذا أطلق أقيم في مسلك الهواء رطوبة وحدة أو رطوبات تتفقع من الهواء الفاعل للصوت ويمتد عليها منحبسا حبسا ثانيا ويتفقأ فيحدث شكل الضاد " ا. هـ 18
انظر رحمك الله كيف وصفها بالانحباس أي الشدة.
دل أن بعض العرب كانوا يقولون بالضاد الحالية، كما كان هناك بعض العرب يقولون (مدح) والبعض (مده) وكلاهما من المدح وهو الثناء
ولا أريد أن أطيل عليك أخي الكريم
وأريدك أن تجلس مع نفسك ولا يكن همك الرد والجواب فقط ولكن سل نفسك:
لماذا أخذنا بنصوص الضاد الظائية؟ ولم نأخذ بنصوص الطاء ـ رغم أنها أصرح ـ؟؟
ونفس السؤال في الهمزة المجهورة
أما ما نقلته عن الشيخ عبد الرزاق علي موسي هذا بعض رده وقد أجاب في الكتاب علي الشبهات فمن الإنصاف ألا نقطف من كلام العلماء ثم نتهمهم.
والسلام عليكم(3/156)
مصادر القراءات عند أبي عبد الله القرطبي في تفسيره (ابن وهب)
ـ[أهل الحديث]ــــــــ[19 - 01 - 06, 09:37 ص]ـ
ملتقى أهل الحديث > منتدى العلوم الشرعية التخصصي > مصادر القراءات عند أبي عبد الله القرطبي في تفسيره
--------------------------------------------------------------------------------
تسجيل الدخول View Full Version : مصادر القراءات عند أبي عبد الله القرطبي في تفسيره
--------------------------------------------------------------------------------
ابن وهب30 - 08 - 2005, 08:42 PM
مصادر القراءات عند أبي عبد الله القرطبي في تفسيره
--------------------------------------------------------------------------------
المقرئ01 - 09 - 2005, 10:49 PM
بارك الله فيكم شيخنا ابن وهب وجزاكم الله خيرا:
أستأذنكم في التقدم بين يديك وأشارك في هذا الموضوع المفيد:
تنوعت مصادر القرطبي في تفسيره في ذكره للقراءات فهو يذكر القراءات المتواترة والقراءات الشاذة ويذكر الرواة عن الأئمة العشرة من غير طريق الراويين المشهورين
ولعلي أذكر أمثلة قادمة في مشاركات قادمة
غير أنه أحيانا يقع في أوهام في نسبة القراءة إلى صاحبها وأحيانا يذكر القراءات ولايذكر أحد القراءات المتواترة وأعتقد أن هذا بسبب تنوع مصادره وقدمها
فغيره من المفسرين كالسمين الحلبي والنسفي وغيرهما اهتموا في تفسيرهم على القراءات المتواترة وأحيانا يذكرون غيرها لكنهم اعتنوا بالقراءات المتواترة عند ذكر الخلاف في القراءات غالبا
وسأذكر في مشاركة قادمة بعض مصادره بإذن الله
المقرئ
--------------------------------------------------------------------------------
المقرئ01 - 09 - 2005, 11:32 PM
ممن اعتمد القرطبي عليه في تفسيره: الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي في ذكر القراءات وتوجيهها
ومن المعلوم أن المهدوي له عناية فائقة في علوم القرآن عامة وعلم القراءات خاصة
ولا ننسى ما حدث بينه وبين أبي عمرو الداني مما لا يسلم منه الأقران غالبا
وقد نقل منه وأكثر النقل من كتبه
فمثلا قال القرطبي في موضع: وفيها سبع قراءات من أرادها وجدها في التحصيل وغيره]
وقال أيضا: (وقال الليث وأبو حنيفة ولاشافعي الضرب في الحدود كلها وفي التعزير مجردا ممدودا إلا حد القذف فإنه يضرب وعليه ثيابه وحكاه المهدوي في التحصيل عن مالك]
والتحصيل هذا من أعظم كتب المهدوي واسمه: التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل]
وهذا الكتاب من عنوانه عظيم النفع في علوم القرآن وهو مختصر لكتابه (التفصيل) وقصته فيما ذكروا أنه لما ألفه انبهر الناس من قوته فقالوا ليس له واختبروه وأخذوا منه الكتاب وطلبوا منه تأليف غيره ففعل ذلك وطلب غيره فألف له التحصيل وهو كالمختصر منه وله قصة عجيبة هذا الكتاب
والمهدوي إمام من الأئمة المعتبرين وقد ذكره الشاطبي في قصيدتيه (الحرز) و (ناظمة الزهر)
فقال في الحرز:
وإخفاؤه فصل أباه وعاتنا .... وكم من فتى كالمهدوي في أعملا
وقال في ناظمة الزهر:
ولكنني لم أسر إلا مظاهرا .... بجمع ابن عمار وجمع أبي عمرو
وابن عمار هو المهدوي
وقد تكرر ذكر هذا الإمام في تفسير القرطبي إما نقلا لقراءة أو توجيها لإعراب أو ذكرا لمعنى ونحوها
المقرئ
--------------------------------------------------------------------------------(3/157)
المنهج التعليمي عند المقرئين (إبراهيم الجوريشي)
ـ[أهل الحديث]ــــــــ[19 - 01 - 06, 09:39 ص]ـ
ملتقى أهل الحديث > منتدى العلوم الشرعية التخصصي > المنهج التعليمي عند المقرئين
--------------------------------------------------------------------------------
تسجيل الدخول View Full Version : المنهج التعليمي عند المقرئين
--------------------------------------------------------------------------------
إبراهيم الجوريشي30 - 08 - 2005, 10:07 AM
المنهج التعليمي عند المقرئين
________________________________________
مقدمة في المنهج التعليمي
عند المقرئين
د. جايد زيدان مخلف
((سمع الأحنف بن قيس التميمي أحدهم يقول: التعلم في الصغر كالنقش في الحجر، فرد الأحنف قائلا: الكبير اكبر عقلا ولكنه اشغل قلبا)).
البيان والتبيين للجاحظ
- 1 -
كان المقرئون هم الروَّادَ الأوائل في نشر المعرفة والتعليم، وعلى أيديهم نشأت العلوم اللسانية من نحو وصرف ومعاجم وبلاغة، والعلوم الشرعية من تفسير وفقه وحديث وما شابه ذلك، ولكن أحدا لم يحدثنا في مقام واحد عن المنهج الذي اتبعه أولئك المقرئون في مسيرتهم التعليمية، فكانت الحاجة ماسة إلى بحث يجمع الشتات المتفرقة في موضع واحد، وإعادة النظر في هذا الأسلوب المتبع في التعليم، ومدى الإفادة منه في الوقت الحاضر، والتدبر في أثر هذا الأسلوب في تقويم اللسان عند السابقين، واستشراق الصعوبة التي يعانيها طلاب اللغة العربية في الوقت الحاضر، بحيث لا يتمكن من تقويم لسانه من لحن في اعراب، أو حرج في تلفظ، كلُّ هذا يستدعي التوقف وتقليب النظر في الموضوع، علنا أن نهتدي إلى ما يخدم أبناءنا الطلبة في هذا المضمار.
فالقصد الذي ينزع اليه البحث إذن هو الكشف عن المنهج الذي أُتِّبِعَ في تعليم القرآن وحفظه واستظهاره، ومدى صلاحية هذا المنهج للوقت الحاضر، وما الأضرار التي لحقت النشئ من ترك هذا المنهج من ضعف عام في سليقة هذه اللغة، وعدم استقامة اللسان على الفصحى، وعدم القدرة على الكتابة بصورة صحيحة تتوخى فيها استقامة العبارة ودقة التركيب، وضبط القراءة المعبرة عن المعنى.
فهو يرمي إلى علاج داء استشرى، ويصلح أن يكون مقدمة لباحثين يتوغلون في جزئيات الموضوع، إذ أن السابقين كانوا قد تركوا لنا شذرات في صفة هذا المنهج نجدها في كتب التفسير والتراجم، ومن هذه الشذرات صُغتُ هذه المقدمة.
- 2 -
والأصول الأولى للمنهاج الذي اتبع في اقراء القرآن يلتمسه الباحث من آي الذكر الحكيم، والاخبار التي أحيط بها ذلك النزول من قبيل تلك الاشارات التي تتعلق بالآيات التي يمكن بسط القول فيها، وأولها قوله تعالى: {إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم}.
حيث ذكر الرازي في قوله تعالى {إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم} مسائل:
أولها: (قال بعضهم: إقرأ أولا لنفسك، والثاني للتبليغ، أو الأول للتعلم من جبريل، والثاني للتعليم ... ) ().
فنجد منذ بدء نزول الآيات الأولى كان هناك منهج في تعلم القرآن وتعليمه، وتلقينه تلقينا، حيث أن جبريل حتى أعاد قراءتها عليه، ونقشت في قلبه، بعد أن غطه?عليه السلام - لم يدع الرسول للاستقبال والتلقي:?ثلاث مرات، والغط: هو العصر الشديد، وذلك ليهيء نفس الرسول قال تعالى: {وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم} [سورة النمل آية 6]، ومن معاني ?التلقي التلقين، قال ابن منظور: (والرجل يلقى الكلام: أي يلقنه) ()، فالرسول لقن القرآن من جهة جبريل عليه السلام ثم أعاد هذه القراءة على جبريل وعرفها عليه يسير وفق هذين الأمرين، التلقي? (وعرض الشيء عليه أراه إياه) () فكان تعلم الرسول والعرض.
ويرافق التلقي أمور، منها: الاستماع التام، والتدبر، وعدم العجلة، والتدرج، وعدم النسيان لغرض التطبيق العملي لمفهوم القرآن، والقرآن يتحدث عن هذه الأمور جميعا.
قال تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} [الأعراف آية:204]، وقال: {أفلا يتدبرون القرآن} [النساء آية 82]، قال ابن كثير: (يقول تعالى آمرا لهم بتدبر القرآن، وناهيا لهم عن الاعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة) ().
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/158)
وقال الزمخشري: (تدبر الأمر: تأمّلَهُ، والنظر في أدباره، وما يؤول اليه في عاقبته ومنتهاه، ثم استعمل في كل تأمل، فمعنى تدبر القرآن؛ تأمل معانيه وتبصر ما فيه) (). وهذا التدبر والفهم للمعاني يتطلب التريث وعدم العجلة في قراءته، قال تعالى: {لا تحرك لسانك لتعجل به، إنا علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرآناه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا بيانه} [سورة القيامة في كيفية تلقيه?آية 16 - 19]، قال ابن كثير: (هذا تعليم من الله عز وجل لرسوله الوحي من الملك، فإنه كان يبادر إلى أخذه، ويسابق الملك في قراءته، فأمره الله عز وجل - إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له، وتكفل الله له أن يجمعه في صدره، وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه، وأن يبينه له ويفسره ويوضحه، فالحالة الأولى: جمعه في صدره، والثانية: تلاوته، والثالثة: تفسيره وايضاح معناه) ().
وذكر الرازي في قوله تعالى: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} مسألتين:
الأولى: جعل قراءة جبريل عليه السلام قراءته، وهذا يدل على الشرف العظيم لجبريل عليه السلام.
والثانية: لا ينبغي أن تكون قراءتك مقارنة لقراءة جبريل، ولكن يجب أن تسكت حتى يتم جبريل عليه السلام القراءة، فإذا سكت جبريل فخذ أنت بالقراءة) ().
والقرآن لم ينزل مرة واحدة كالكتب السماوية السابقة، وإنما أنزل متدرجا، لأجل فهمه وتطبيقه، ولأجل تعليمه وتثبيته في النفوس، قال تعالى: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً} أي أنزل آية آية مبينا مفسرا، ولهذا قال {لتقرأه على الناس} أي لتبلغه للناس وتتلوه عليهم، {على مكث}، أي مهل {ونزلناه تنزيلا} [سورة الإسراء آية 106]، أي؛ شيئا بعد شيء، وهذا دال على تدريج نزوله ليسهل حفظه وفهمه () حيث كان يبين أوله وآخره ثلاث وعشرون سنة.
ومما يقتضيه هذا التطبيق العملي للقرآن أن يكون مستحضرا في الذهن وأن لا ينساه، لذلك كان من أوائل ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى} [سورة الأعلى آية 6]، وفي هذا بشارة من الله سبحانه لرسوله أنه سيقرؤه القرآن ولا ينساه، وقد ذكرت في كيفية ذلك الاقراء والتعليم وجوه:
أحدها: أن جبريل عليه السلام سيقرأ عليك القرآن مرات حتى تحفظه حفظا لا تنساه.
ثانيا: انا نشرح صدرك ونقوي خاطرك حتى تحفظ في المرة الواحدة حفظا لا تنساه.
ثالثا: انه تعالى أمره في أول السورة بالتسبيح، فكأنه تعالى قال: واظبْ على ذلك ودم عليه، فإنا سنقرئك القرآن الجامع لعلوم الأولين والآخرين، ويكون فيه ذكرك وذكر قومك، ونيسرك لليسرى، وهو العمل به.) ().
وهذه الأمور التي ذكرها العلماء تقتضي المواظبة والتكرار لما يقرأ، لذلك كانت الخطوة الثانية في التعليم وهي (العرض) مهمة في سبيل الثبات والديمومة على الحفظ، لذلك كان جبريل عليه السلام يعارضه في قراءة القرآن كل سنة في رمضان مرة، وفي العام عارضه بها مرتين، وكانت العرضة الأخيرة هي التي عليها المصحف الذي?الذي قبض فيه بين أيدينا ().
وبعد هذا وذاك ففي القرآن تيسير من الله لحفظه وتعلمه حيث قال: {ولقد يسرنا القرآن للذكر} [القمر آية:17]، وذكر العلماء وجوها لهذا التيسير منها:
1 - تيسير حفظه حيث لم يكن قبل القرآن شيء من كتب الله يحفظ عن ظهر قلب.
2 - تيسير الاتعاظ به حيث أتى به بكل حجة.
3 - جعله يعلق بالقلوب، ويستلذ في السماع، فلا يسأم.
حيث تحداهم به، ولا يسع أحد انكاره فهو?4 - جعله معجزة لرسول الله تذكرة لكل أحد ().
يتلخص من هذه الأصول التي يتلمسها الباحث في المنهاج الذي انه كان مبنيا على أمرين هما: التلقي والعرض.?اتبع في تعلم الرسول
ويرافق هذين الأمرين أمور هي:
1 - الانصات والاستماع التام وعدم التعجيل حتى يتم جبريل عليه السلام قراءته.
2 - التدرج في الحفظ وعدم تجاوز الآيات ذوات العدد.
3 - فهم المعاني وإدراك المطلوب من الآيات القرآنية.
4 - العمل مع العلم، وهو المنهج بأن خلقه القرآن.?التطبيقي لما يوحى، حيث وصف الرسول
5 - التكرار لما قرأه، والمواظبة على ذلك لئلا ينسى.
- 3 -
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/159)
هذه الأصول الأولى هي التي إتبعها الرسول في تعليم أصحابه القرآن وزاد على ذلك أن أمرهم بكتابته، إذ ما كان شيء من القرآن? الكريم ينزل إلا أمر كتاب الوحي بإثباته، فكانت الكتابة خير عامل مساعد لتعليم القرآن، علما أن الكثير منهم كان يعتمد ذاكرته في الحفظ دون أن يعرف الكتابة، إذ وهبهم الله قلوبا حافظة وألسنة لافظة.
ففي قصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جاء إلى بيت أخته فاطمة وفيه زيد، كان الصحابي الجليل خباب بن الأرت - رضي الله عنه - يقرئهما سورة طه في صحيفة () ومن اهتمامه بالكتابة جعل فداء الأسير من قريش بعد معركة بدر تعليم عشرة من صبيان المدينة الكتابة.
قد?وكان رسول الله رسم لهم المنهج في تعليم القرآن على نحو ما قال أبو عبد الرحمن السلمي: (حدثني الذين كانوا يقرئوننا: عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب - رضي الله كان يقرئهم عشر آيات، فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى?عنهم - أن رسول الله يتعلموا ما فيها من العمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعمل معا) (). وهؤلاء الذين وغيرهم كثير. () ?ذكرهم كانوا قد جمعوا القرآن الكريم على عهد رسول الله
فكان رسول الله يقرئ بعضا، ويسمع من بعض، ويطلب من بعض أن يقرأ عليه. فهذا أبى بن كعب يأتيه رسول الله، ويقول له: ((إني أمرت أن أقرأ عليك، وفي لفظ؛ إني أقريك القرآن، قال: الله سماني لك، قال: نعم، فبكى أبي)) ().
وهذا أبو موسى قراءته،?الأشعري ((كان من نجباء الصحابة، وكان من أطيب الناس صوتا، سمع النبي فقال: لقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود)) ().
وهذا عبد الله بن مسعود (أقرأ علي فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك?يقول: ((قال لي رسول الله أنزل؟ قال: نعم، أحب أن أسمعه من غيري. فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [سورة النساء آية:41] فقال: حسبك، فإذا عيناه تذرفان)) ().
وابن مسعود هو الذي كان يقول: ((حفظت سبعين سورة)) ().?من في رسول الله
هذه الروايات تطلعنا على الأسلوب الذي كان في تعليم أصحابه، حيث كان يقرئهم، ويطلب منهم القراءة عليه فيجيزهم?يتبعه الرسول على ذلك، ويسمع منهم، ويتأثر بقراءتهم، ويشجعهم على ذلك ويمتدحهم، والرواية الأخيرة تطلعنا على كثرة التكرار لما يقرأه عليهم، إذ لم يكن ابن مسعود رضي الله عنه ليحفظ سبعين سورة من الرسول مباشرة مرة واحدة، أو مرتين في قراءة الآيات، بل سمعها منه مرات عديدة حتى حفظها.
وكان يشجعهم في تعليم غيرهم ويوجههم إلى ذلك حيث كان يدفع بمن يدخل في الاسلام إلى أصحابه لتعليمه القرآن، ويوضح هذا ما ذكره الصحابي الجليل عبادة بن الصامت إذ يقول كان رسول دفعه إلى رجل? يُشغل فإذا قدم رجل مهاجر إلى رسول الله ?الله رجلا، وكان معي في البيت، أعشيه عشاء أهل?منا يعلمه القرآن، فدفع إلى رسول الله البيت، فكنت أقرئه القرآن، فانصرف انصرافه إلى اهله، فرأى أن عليه حقا، فأهدى إلي فقلت ما ترى يا?قوسا لم أر أجود منه عودا، ولا أحسن منه عطفا، فأتيت رسول الله رسول الله فيها؟ قال: جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها) ().
هذه الرواية تفيد بعد أن رسم لهم المنهج في التعليم مرنهم على تعليم غيرهم،?أمورا: منها أن الرسول وتحفيظهم إياه بالتكرار لضبطه. وأنه نهاهم عن أخذ الأجرة على قراءة القرآن ليكون أخلص للقرآن في الدعوة، وأدعى إلى تجريد النفوس مما عند الناس طلبا لما عند الله، يحدوهم حديثه الشريف ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) () , كما كان يبعث بمن يتقنون القرآن إلى الأمصار والبوادي من أحياء العرب الذين يدخلون في الاسلام، يعلمونهم إلى المدينة?القرآن، ويفقهونهم في الدين، فهذا مصعب بن عمير بعث به رسول الله بعد بيعة العقبة (وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الاسلام، ويفقههم في الدين، فكان يسمي المقرئ بالمدينة مصعب) (). وهكذا كان يفعل بالصحابة من الذين أتقنوا القرآن في أحياء العرب حيث يبعث بهم معلمين ومرشدين.
- 4 -
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/160)
وبعد وفاة الرسول واتساع رقعة الاسلام احتاجت الديار المفتوحة إلى من يقوم بإقرائها وتعليمها? القرآن، وأحكام الاسلام، فكان القادة يبعثون إلى الخلفاء ليوفدوا من يعلم الناس القرآن، فهذا يزيد بن أبي سفيان أحد قادة الجيوش الاسلامية التي فتحت ديار الشام يكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطلب منه أن يعينه برجال من القراء ليعلموا الناس الداخلين في الاسلام، فيوجه اليه ثلاثة من الصحابة هم: معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، فيقيم عبادة بن الصامت في حمص، ويقيم أبو الدرداء في دمشق، ويقيم معاذ بن جبل في فلسطين، يعلمون الناس القرآن ويفقهونهم في الدين (). كما أرسل عمر بن الخطاب عبد الله بن مسعود إلى الكوفة، وأبا موسى الأشعري إلى البصرة ().
هؤلاء الصحابة هم الذين أرسوا قواعد مدارس إقراء القرآن في الأمصار الإسلامية، فهذا أبو الدرداء يلي قضاء دمشق، يقول عنه سويد بن عبد العزيز: (كان أبو الدرداء إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، وعلى كل عشرة عريفا، ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره، فإذا غلط أحدهم يرجع إلى عريفه، وإذا غلط عريفهم يرجع إلى أبي الدرداء يسأله عن ذلك، وكان ابن عامر عريفا على عشرةِ، كذا قال سويد، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر) (). ومثل هذا جرى في البصرة والكوفة وبقية ديار الاسلام المفتوحة تسير عملية تعليم القرآن مع الفتوحات لتعليم الداخلين في الاسلام، إذ لا تصح العبادة إلا بقراءة القرآن، وكان كل منهم يحرص على تعلمه والتعبد به، والقرآن الكريم هو الذي وحّد ألسنتهم بعد توحيد اعتقادهم، واخذه بسنة التدرج التي درجت عليها الشريعة في معظم أحكامها؛ إذ كان العرب قبائل متناوئة المحال وكان يصعب عليهم قراءته بلغة قريش ولغة الفصحاء من ((إن?العرب التي أُنْزل فيها القرآن، فكانت رخصة الأحرف السبعة بنص حديث الرسول هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف فأقرءوا ما تيسر منه)) () علاجا لهذه المسألة، وأخذا لهم بسنن التدرج، ويعلل ابن قتيبة ذلك بقوله: (ولو أن كل فريق من هؤلاء أمر أن يزول عن لغته، وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا، لاشتد ذلك عليه، وعظمت المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة، وتذليل للسان، وقطع للعادة، فأراد الله برحمته ولطفه أن يجعل لهم متسعا في اللغات ومتصرفا في الحركات) () ولكن بعد اختلاطهم وتمازجهم وتأثرهم بلغة القرآن الجامعة، وتكرارهم لقراءته، أخذت تزول هذه اللهجات المتباينة بعد اجتماعهم على المصحف الامام الذي كتب في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث بعث مع كل نسخة من هذا المصحف بمقرئ يقرئ الناس بها ويعلمها، وعلى أيدي هؤلاء الذين أخلصوا أنفسهم لإقراء القرآن نشأت العلوم اللسانية والشرعية.
- 5 -
فكان من القراء أبو الأسود الدؤلي الذي قام بنقط المصحف نقط الأعراب، وتعد عملية نقط المصحف العملية الأولى في نشأة النحو العربي.
وكان أبو عمرو بن العلاء سيد القراء في البصرة واحد القراء السبعة يعد رأساً للمدرستين البصرية والكوفية في النحو، إذ تتلمذ على يديه نحاة البصرة والكوفة.
وكان الكسائي أحد القراء السبعة وراس المدرسة الكوفية النحوية
والمنهاج الذي اتبعه في تعليم أصحابه، من أخذهم?هؤلاء المقرئون هو المنهاج نفسه الذي اتبعه رسول الله بسنة التدرج، فكان منهم من يقرأ عليهم آية آية، ومنهم من يقرأ خمسا خمسا، ومنهم من يقرأ عشرا عشرا.
والتدرج لم يكن في المقدار الذي يحفظه المتعلم فقط، الذي كانت تراعى فيه الفروق المقروئة، بل تعدى ذلك إلى النوعية في اتقان القرآن من ادغام أو عدمه والى همز أو تسهيل ووقف وابتداء، أو فتح وإقالة، وما شابه ذلك من أمور يقتضيها تجويد القرآن وتلاوته وضبط أحكامه، فمثلا كان أبو عمرو بن العلاء إذا قرأ عليه المبتدئ لا يحاسبه في أمور الادغام كما لو قرأ عليه المنتهي، قال أبو معشر الطبري: (واعلم أن أبا عمرو كان يميز هذا التمييز على المنتهي، فإذا كان القارئ مبتدئا لا يبالي وقف بالامالة أم بغير الامالة) ().
(والمبتدئ هو من شرع في الافراد إلى أن يفرد ثلاثا من القراءات، والمتوسط: إلى أربع أو خمس، والمنتهي: هو من عرف من القراءات أكثرها واشهرها) ().
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/161)
فعلى هذا نجد أن التدرج كان قائما في كل العصور، ولكن التدرج عند المتقدمين كان في المقدار الذي يحفظه المتعلم من الآيات، والتطبيق العملي لما احتوته الآيات من الأحكام، ولكن حين نشأ المتعلمون في ظل الاسلام، كان سلوكهم العملي يأخذونه من أهليهم ومجتمعهم الذي ربي على الاسلام، فصار التدرج ليس في العدد فقط، وانما كان في ضبط الألفاظ وتقويم اللسان على ذلك، إضافة إلى القدرة على الحفظ والاستيعاب.
والمنهاج في الكيفية تعددت اشكاله، منهم من كان يجيد القراءة والكتابة، فيعرض قراءته على المشايخ فييزيونه بعد تصويب ما كان يخطئ فيه، ومنهم من كان يتلقاه تلقيا - أي يلقنه تلقينا -، ومنهم من كان يكتفي بالسماع ويضبط مصحفه على ما يسمع، من ذلك ما حدث به خلف بن هشام الأسدي قال كان الكسائي إذا كان شعبان وضع له منبر فقرأ هو على الناس في كل يوم نصف سبع، يختم ختمتين في شبعان ... ) () وكان الناس يضبطون مصاحفهم على قراءته.
ومنهم من كان لا يكتفي بقراءته عليهم إذا كثر عليه الناس بل كان يطلب منهم ترديد ما قرأه عليهم لفظة لفظة، وهذا ما ذكره السيوطي عن ابن الجزري إذ يقول:
(يحكى أن الشيخ شمس الدين بن الجزري، لما قدم القاهرة وازدحمت عليه الخلق لم يتسع وقته لإقراء الجميع، فكان يقرأ عليهم الآية ثم يعيدونها عليه دفعة واحدة فلم يكتف بقراءته) (). ويظهر من هذا أن الترديد الجماعي هو استثناء لعلة كثرة الناس الذين يقرءون عليه، وضيق الوقت الذي لا يسمع له بإقراء كل على انفراد، والأصل لطالب القراءة أن يلقن القراءة ثم يعرض ما لقنه على شيخه فيسمع منه ويصحح له إلى أن يتقن القراءة فيجيزه بها. وبهذه الطريق اتقنوا القراءات وحفظوها في سن مبكرة، يقول سليم (سمعت حمزة يقول: أحكمت القراءة ولي خمس عشرة سنة) () وكثير غيره أتقن القراءة بهذه السن أو اقل من ذلك أو اكثر.
وتعليم القرآن للصبيان يكون عن طريق الاستظهار فالمنهج بطبيعته يتجه إلى التعليم اللفظي، ويعتمد على الذاكرة، وعلى الأخص إذا عرفنا أن القرآن وهو أهم المعلوم يجب حفظه بألفاظه دون تحريف أو تبديل، لهذا السبب كانت الطرق التعليمية التي أوصى بها القابسي - أبو الحسن علي بن محمد بن خلف الفقيه القيراني ت 433هـ - لا تخرج عن الطرق الموصلة إلى جودة الحفظ وعدم النسيان فيما يختص بالقرآن، وعنده أن طرق الحفظ ثلاث؛ التكرار، والميل، والفهم) ().
وهذه الأمور الثلاثة التي أكدها القابسي تثبت النصوص في صدور المتعلمين. إذ التكرار يرسخ الحفظ، والميل اليها يكون بالترغيب في الثواب الذي أعده الله لمعلمي القرآن ومتعلميه، والفهم لهذه الأحكام يثبتها أكثر باقترانها بالعمل، لأن الفهم يعين على التطبيق، فيكون ذلك سلوكا للمتعلم، وسجية له في قراءته وانطباعه على الصحيح.
فالحديث الشريف ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) هو الذي اقعد أبا عبد الرحمن السلمي أربعين سنة في مسجد الكوفة يعلم الناس القرآن.
والرغبة عند المعلم والمتعلم تكون أقوى وأفضل، خاصة إذا كانت عقيدة راسخة في النفوس، والقرآن الذي وحَّد اعتقاد العرب المسلمين أولا، ووحد السنتهم ثانيا، لقادر اليوم على علاج ألسنتهم من اللحن الذي طغى على عامتهم وخاصتهم.
وهذا المنهاج الذي اتبع في تعليم القرآن كأنه تطبيق للمقولة العربية الشهيرة التي سمعها الأحنف بن قيس التميمي من أحدهم (التعلم في الصغر كالنقش في الحجر).
وكان رد الأحنف عليه صحيحا أيضا إذ قال: (الكبير اكبر عقلا، ولكنه أشغل قلبا) ()
فتعليم العربية وتقويم اللسان يكون بإقراء القرآن وتلقينه للصبيان أولا، لأن الصبيان في هذه السن المبكرة قادرون على الاستظهار أو الحفظ، ومتى ثبتوا على ذلك الحفظ وتقدمت بهم السن اصبحوا قادرين على التحليل والفهم، وإدراك دقائق الأمور، فيكون تعلم العلوم العربية كالنحو والصرف والبلاغة ... ميسورا سهلا، لأن المتعلم الذي يقرأ القرآن ويحفظه أو يحفظ منه، ويضبط ما يحفظ ويقرأ، يطبع على اللفظ الصحيح، والاعراب الصحيح، ويكون له سجية لا تقبل الخطأ بسهولة، وهو يملك الامثلة الكثيرة على كل أمر من هذه العلوم وجزيئاتها.
وهجران هذا المنهج هو الذي أدى إلى الضعف العام الذي نراه بين الخاصة والعامة، والعلاج لهذا الضعف يكون بالرجوع إلى ذلك المنهج الذي اثبت نجاحه على مدى العصور السالفة، التي تخرج فيها فحول الشعراء والأدباء والفقهاء والقراء والمفسرون ... ، والافادة من هذا المنهج بما يوائم روح العصر، من استخدام الأجهزة الحديثة المتقدمة التي تعين على تثبيت تلك النصوص في أذهان المتعلمين، لتكون لهم الأساس المتين في تعلم العربية.
فخلاصة الموضوع والنتائج التي يؤدي اليها:
المنهج الذي اتبع في تعليم القرآن هو التلقي والعرض وتراعى في ذلك أمور أهمها:
التدرج ومراعاة الفروق الفردية بين طالبي القراءة، والتدرج يشمل عدد الآيات التي يحفظها كل يوم مع ضبط أحكام التجويد، إذ حساب المبتدي خلاف حساب المنتهي.
والتكرار المستمر لما يقرأ الطالب، لأن ترك القراءة يؤدي إلى النسيان، في حين التكرار يثبت ما تعلمه في صدره، ويصبح له سجية ملازمة في حفظه.
والرغبة الصادقة من المعلم والمتعلم في إقراء القرآن، لأنه عقيدة راسخة في النفوس لنيل الثواب والأجر المترتب على ذلك.
وحفظ القرآن ورسوخه في الأذهان يؤدي إلى امتلاك خزين كبير من صنوف الأمثلة لكل فروع العربية من نحو وصرف وبلاغة وأدب رفيع، ويسهل تعلمها واستقامة اللسان على ذلك.
والفهم والتطبيق العملي لما في القرآن يؤدي إلى السلوك المستقيم المنسجم مع ما تعلمه الطالب في حياته، وهذا يؤدي إلى الرضا الذي ترتاح له النفوس وتطمئن اليه الخواطر.
مجلة الحكمة
--------------------------------------------------------------------------------(3/162)
الأحرف السبعة إبراهيم الجوريشي
ـ[أهل الحديث]ــــــــ[19 - 01 - 06, 09:56 ص]ـ
ملتقى أهل الحديث > منتدى العلوم الشرعية التخصصي > الأحرف السبعة
--------------------------------------------------------------------------------
تسجيل الدخول View Full Version : الأحرف السبعة
--------------------------------------------------------------------------------
إبراهيم الجوريشي20 - 08 - 2005, 06:15 AM
على مائدة القرآن الكريم
الأحرف السبعة
بقلم: الدكتور محمد خالد منصور
كلية الشريعة / الجامعة الأردنية
العدد (43) من مجلة الفرقان/جمعية المحافظة على القران الكريم-الأردن
نزل القرآن الكريم على سبعة أحرف كما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقبل إيراد الروايات، وبيان معناها، ينبغي بيان معنى الحرف. فالأحرف جمع حرف، والحرف من كل شيء طرفه وشفيره وحَدُّه، وَوَاحِدُ حروف التهجي، والناقة الضامرة أو المهزولة أو العظيمة، ومسيل الماء. وعند النحاة: ما جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل (1). ومن معاني الحرف في اللغة: الوجه، كقوله تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) (الحج: 11)، والمراد بالحرف هنا: الوجه، أي النعمة والخير، وإجابة السؤال والعافية، فإذا استقامت له الأحوال اطمأنّ وعَبَدَ الله، وإذا تغيرت عليه وامتحنه بالشدة والضر ترك العبادة (2).
وقال الأزهري: (وكل كلمة تقرأ على وجوه من القرآن تسمى حرفاً. يقرأ هذا في حرف ابن مسعود، أي: قراءة ابن مسعود) (3).
الأحاديث الواردة في أنّ القرآن نزل على سبعة أحرف:
لقد تواترت الروايات الواردة في نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف عند المحدثين (4)، وهذه بعض الروايات:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويَزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف (5).
2 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يُقْرِئْنِيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أن أُساوره في الصلاة (6)، فانتظرته حتى سلَّم، ثمّ لَبَّبْتُه بردائه (7)، فقلت: من أقرأك هذه السورة؟! قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت له: كذبتَ، فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرؤها، فانطلقت أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إني سمعتُ هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تُقْرِئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله يا عمر. اقرأ يا هشام، فقرأ هذه القراءة التي سمعته يقرؤها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ يا عمر. فقرأتُ القراءة التي أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسَّر منه (8).
3 - عن أُبيِّ بن كعب قال: كنتُ في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إنَّ هذا قرأ قراءة أنكرتُها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرءا، فحسَّن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غَشِيني ضربَ في صدري، ففضت عرقاً، وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فَرَقاً، فقال لي: يا أُبَيُّ، أُرسل إليَّ أن أقرأ القرآن على حرف فرددتُ إليه أن هَوِّنْ على أمتي، فردَّ إليَّ الثانية: اقرأه على حرفين، فرددتُ إليه أن هوّن على أمتي، فرد إليَّ الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرتُ الثالث ليوم يرغب إليَّ الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم (9).
معنى الأحرف السبعة:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/163)
هل نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم على معنى الأحرف السبعة؟ وهل نصَّ أحد من رواة الحديث على ذلك؟ وهل عرف الصحابة الكرام رضي الله عنهم - وهم الصدر الأول - معناها؟ أم أن معناها كان غير واضح لديهم؟!
أما الجواب عن السؤالين الأولين، فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على معنى الأحرف السبعة، ولا نصَّ أحد من رواة الحديث كذلك.
قال ابن العربي: (لم يأتِ في معنى هذه السبع نص ولا أثر، واختلف الناس في تعيينها (10)).
أما أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم عرفوا معناها أو لم يعرفوا، فنقول بادئ بَدْء: بأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولا شك أن الأمة وقتئذ محتاجة لمعرفة معنى الأحرف السبعة لكي تتمكن من الإتيان بالرخصة- وهي القراءة وفق الأحرف السبعة - وقد عمل الصحابة بهذه الرخصة.
ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم لم يبيّنوا حقيقتها لأحدِ أمرين لا ثالث لهما:
الأمر الأول: أن معنى هذه الأحرف السبعة واضح عندهم مما جعلها غير محتاجة للبيان والتفسير؛ ولذلك لم يرد في شيء من روايات الحديث - على تعددها وكثرتها - أن أحداً سأل عن معناها، وقد اطلعوا عليها وعملوا بها، وهذا أقرب الأمرين إلى النصوص الواردة في معنى الأحرف السبعة.
الأمر الثاني: أن معنى هذه الأحرف السبعة غير واضح عندهم مع تَعَسُّرِ فَهْمِهَا لكثرتها وتَشَعُّبِ فروعها مما احتاج مع ذلك إلى بحث واستقصاء قام به اللاحقون، وهذا قول يتناقض ومعنى الرخصة والتوسعة على الأمة، فقد فهموا معناها وعملوا بها، وحصل المقصود منها (11).
ولابد من التنبيه على أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ليست هي القراءات السبع التي اشتهرت في الأمصار باتفاق القراء (12)، بل هي جزء من الأحرف السبعة، وقد نقل ابن الجزري عن غير واحدٍ من العلماء أنهم كرهوا ما فعله ابن مجاهد، فقال: (ولذلك كره كثير من الأئمة المتقدمين اقتصار ابن مجاهد على سبعة من القراء، وخطَّؤوه في ذلك، وقالوا: ألا اقتصرَ على دون هذا العدد أو زاده أو بيَّن مراده ليَخْلُصَ من لا يعلم من هذه الشبهة؟!) (13).
ورغم تعدد وجهات النظر التي يوردها القدماء في معنى الحديث، والتي بلغ بها السيوطي نحواً من أربعين قولاً، فإن الحديث -بمختلف رواياته- لا ينص على شيء منها (14)، وكذلك فإنه لم يثبت من وجه صحيح تعيين كل حرف من هذه الأحرف، وكثير منها غير معروف النسبة إلى عالم معين وإنما هي مجرد استنتاج تحتمله الروايات .. ثم إن فهم معنى الحديث لا يمكن أن يكون في اتجاهه الصحيح إذا تخطى الدائرة التي تشير إليها روايات الحديث، وهي أن الخلاف كان في حدود ألفاظ التلاوة، وأن الرخصة التي كان يتحدث عنها الحديث لا تتجاوز حدود القراءة .. ومن هنا يمكن القول بأن الرخصة الواردة في الحديث ليست شيئاً سوى هذه الوجوه المختلفة للتلاوة التي ينقلها القراء جيلاً عن جيل حتى تنتهي إلى الصحابة الذين سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم. (15).
والرأي الذي يظهر أنه منسجم ومتوافق والأحاديث الواردة في معنى الأحرف السبعة، هو الذي توصل إليه الدكتور عبدالعزيز بن عبدالفتاح القارئ بدقة وتفصيل، وهو أن الأحرف السبعة: (وجوه متعددة متغايرة منزلة من وجوه القراءة، يمكنك أن تقرأ بأي منها فتكون قد قرأت قرآناً منزلاً. والعدد هنا مراد، بمعنى: أن أقصى حَدٍّ يمكن أن تبلغه الوجوه القرآنية المنزلة هو سبعة أوجه، وذلك في الكلمة القرآنية الواحدة ضمن نوع واحد من أنواع الاختلاف والتغاير، ولا يلزم أن تبلغ الأوجه هذا الحد في كل موضع من القرآن) (16).
وهو قريب مما توصل إليه الدكتور عبدالصبور شاهين بقوله: (ما يمثِّل اختلاف اللهجات وتباين مستويات الأداء الناشئة عن اختلاف الألسن وتفاوت التعليم، وكذلك ما يشمل اختلاف بعض الألفاظ وترتيب الجمل بما لا يتغير به المعنى المراد).
أمثلة للأحرف السبعة:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/164)
1 - قوله تعالى: (مالك يوم الدين) (الفاتحة: 4)، فيه قراءتان متواترتان صحيحتان. القراءة الأولى: (مالك) بالألف بعد الميم، وهي قراءة عاصم والكسائي ويعقوب وخلف، والقراءة الأخرى: (مَلِك) بغير ألف، وهي قراءة نافع وأبي عمرو وابن كثير وابن عامر وحمزة وأبي جعفر (17). فهذان الوجهان يعتبران من الأحرف السبعة التي نزلت تخفيفاً على الأمة، وبلغت هنا حرفين.
2 - قوله تعالى: (فلا تقل لهما أف) (الإسراء: 23)، فيه ثلاثة أوجه متواترة صحيحة، وهي: الوجه الأول: تشديد الفاء مع كسرها منونة (أفٍّ). وهي رواية نافع، وحفص عن عاصم، وأبي جعفر. والوجه الثاني: فتح الفاء من غير تنوين تخفيفاً (أفَّ)، وهي قراءة ابن كثير، وابن عامر، ويعقوب. والوجه الثالث: كسر الفاء من غير تنوين (أفِّ)، وهي قراءة باقي العشرة (18). ففي هذا المثال تعتبر الأوجه الثلاثة من جملة الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، وبلغت هنا ثلاثة أحرف.
الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف (19):
يمكن تلمس الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف بالنظر في الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في معناها، وبما تتضمنه من اختلاف أوجه القراءة على النحو التالي:
1 - تيسير القراءة والحفظ على قوم أميين؛ فقد كانت العرب قبائل متعددة، وكان بينها اختلاف وتباين في اللهجات واللغات وطريقة الأداء، فلو ألزمت الأمة بكيفية واحدة من كيفيات القراءة لشقّ ذلك على مجموع الأمة، وإن كان يخدم بعضها (20).وهو تحقيق لقول الله عز وجل: (ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر) (القمر: 17).
2 - إعجاز القرآن في معانيه وأحكامه، فتقَلُّبُ الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات فيه زيادة في المعنى، وفيه دلالة على الأحكام التي يستنبطها الفقهاء.
3 - تعدّ هذه الأحرف من خصائص هذه الأمة، ومن المناقب التي امتازت بها عن غيرها من الأمم؛ لأن كتب الأمم السابقة كانت تنزل على وجه واحد، وإنه من أعظم الخصائص لهذه الأمة أن الله عز وجل تكفّل بحفظ كتابها، وهو على خلاف كتب الأمم السابقة، فقد وكل الله تعالى حفظها لهم فحرّفوها وضيّعوها.
ويترتب عليه: أن الله تعالى تكفّل بحفظ سائر الأحرف القرآنية التي أنزلها؛ لأن كل حرف منها بمنزلة الآية فضياع شيء منها واندثاره يعني أن بعض أبعاض القرآن ضاعت، أو اندثرت. وهذا يتنافى مع مقتضى الحفظ الرباني للقرآن (21).
كما أن في اختلاف القراءات نهاية البلاغة، وكمال الإعجاز، وغاية الاختصار، وجمال الإيجاز؛ إذ كل قراءة بمنزلة الآية؛ إذ كان تنوع اللفظ بكلمة تقوم مقام آيات، ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حدتها لم يخف ما كان في ذلك من التطويل (22).
4 - أن الأحرف السبعة حفظت لغة العرب من الضياع والاندثار، فقد تضمنت خلاصة ما في لغات القبائل العربية من فصيح وأفصح (23).
5 - أن في الأحرف السبعة برهاناً واضحاً ودلالة قاطعة على صدق القرآن، فمع كثرة وجوه الاختلاف والتنوع لم يتطرق إليه تضاد، ولا تناقض، ولا تخالف، بل كله يصدق بعضه بعضاً، ويبين بعضه بعضاً، وبعضه يشهد لبعض على نمط واحد، وأسلوب واحد، وهذا دليل قاطع على أنه من عند الله عز وجل نزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
6 - أن نزول القرآن على سبعة أحرف فيه بيان لفضل الأمة المحمدية بتلقيها كتاب ربها هذا التلقي، والاعتناء به هذه العناية، وفيه إعظام لأجور الأمة المحمدية، ذلك أنهم يفرغون جهدهم في حفظ القرآن الكريم، وتتبع معانيه، واستنباط الحكم والأحكام من دلالة كل لفظ من ألفاظ الأحرف السبعة، وإنعامهم النظر في الكشف عن التوجيه والتعليل والتخريج للروايات القرآنية، وبيان وجهها في العربية، وكشف وجه الفصاحة فيها، ولا ريب في أن هذه أجور عظيمة لهذه الأمة في خدمة كتاب الله عز وجل، ومن ناحية أخرى فإن انشغال أبناء الأمة الإسلامية في تدارس وحفظ القرآن والتمييز بين متشابهاته أمر مقصود ليبقى كل حافظ على اتصال بالقرآن الكريم وتعاهدٍ له، وكذا يقال بالنسبة للعناية بقراءاته وتتبعها وبيان وجوهها، فإن ذلك يؤدي إلى انشغال الأمة بتعلم القرآن وتعليمه وبذلك يستمر تعلقهم به قراءة وتدبراً وعملاً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/165)
7 - أن في الأحرف السبعة بياناً لظهور سرّ الله تعالى في توليه حفظ كتابه العزيز، وصيانة كلامه المنزل، فقد قيّض الله عز وجل في كل عصر وفي كل مصر من يحفظون كتاب الله عز وجل، بأوجهه المختلفة.
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
1 - طاهر أحمد الزاوي، ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة (1: 537)، والرازي، مختار الصحاح ص 148.
2 - ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري (9: 24).
3 - ابن منظور، لسان العرب (4: 88)
4 - انظر حديث الأحرف السبعة للدكتور عبدالعزيز بن عبدالفتاح القارئ، ص 27.
5 - رواه البخاري ومسلم.
6 - أي آخذ برأسه في الصلاة. انظر: ابن حجر العسقلاني. فتح الباري بشرح صحيح البخاري 9: 25) حديث رقم (4992).
7 - أي: جمعت عليه ثيابه عن لَبَّتَيْهِ أي: موضع نحره، وموضع القلادة من الصدر؛ لئلا يتفلت مني.
8 - رواه البخاري ومسلم.
9 - رواه مسلم.
10 - الزركشي، البرهان في علوم القرآن (1: 212).
11 - د. عبدالعزيز القارئ، حديث الأحرف السبعة وصلته بالقراءات القرآنية، ص 77 - 78، وانظر نحواً من هذا الكلام بصورة موجزة مقتضبة: د. محمد سالم محيسن، القراءات وأثرها في علوم العربية (1: 26).
12 - وهي قراءة نافع المدني، وابن كثير المكي، وابن عامر الشامي، وأبي عمرو البصري، والكوفيين الثلاثة: عاصم وحمزة والكسائي.
13 - انظر هذه المسألة في عامة كتب القراءات وعلوم القرآن، ومنها: ابن الجزري، النشر في القراءات العشر (1: 36)، وابن الجزري، منجد المقرئين، ص 54، ومكي بن أبي طالب، الإبانة عن معاني القراءات، ص 38، وما بعدها، ومناع القطان، مباحث في علوم القرآن، ص 162.
14 - وهي لا تخلو من مناقشة وأخذ ورد؛ ولذلك سأكتفي بذكر الرأي المختار في معنى الأحرف السبعة.
15 - غانم قدوري، رسم المصحف، ص 142 - 144، وقريب منه ما ذكره الدكتور عبدالعال سالم مكرم، القراءات القرآنية وأثرها في الدراسات النحوية، ص 27.
16 - د. عبدالعزيز القارئ، حديث الأحرف السبعة، ص 78 - 79، وقد توصل إلى النتيجة ذاتها في الجملة الدكتور محمد المجالي في بحثه المنشور في مجلة دراسات في العدد (23) بعنوان: (معنى الأحرف السبعة)، وقد اقترح الدكتور حازم الكرمي اختصار هذا التعريف، بحذف بعض مفرداته. انظر: علوم القرآن بين البرهان والإتقان، ص 173.
17 - ابن مهران، الغاية في القراءات العشر، ص 75، وابن الجزري، النشر في القراءات العشر (1: 273).
18 - ابن الجزري، النشر في القراءات العشر (2: 306 - 307)، وابن الجزري، تحبير التيسير، ص 135.
19 - ابن الجزري، النشر في القراءات العشر (1: 52 - 53).
20 - الزرقاني، مناهل العرفان (1: 145).
21 - د. عبدالعزيز القارئ، حديث الأحرف السبعة وصلته بالقراءات القرآنية، ص 96.
22 - ابن الجزري، النشر في القراءات العشر (1: 52).
23 - د. عبدالعزيز القارئ، حديث الأحرف السبعة وصلته بالقراءات القرآنية، ص 102.
--------------------------------------------------------------------------------
علي بن ابراهيم20 - 08 - 2005, 02:17 PM
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
للرفع
--------------------------------------------------------------------------------
أبو عمار المليباري21 - 08 - 2005, 02:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم. أحسنت يا اخي إبراهيم على هذا النقل المفيد. وكذلك أقر الدكتور القارئ الشيخُ الدكتو / عبدالقيوم السندي في كتابه القيم (صفحات في علوم القراءات).
وأنصح طلبة العلم باقتناء هذا الكتاب، فهو مفيد جداً في بابه، ويزيل كثيراً من الإشكالات حول القراءات.
--------------------------------------------------------------------------------
ـ[أبو عبدالله الشرقي]ــــــــ[02 - 04 - 07, 02:42 ص]ـ
السؤال: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنزل القرآن على سبعة أحرف)؟ رواه أحمد والترمذي.- مع إعطاء أمثلة السبعة أحرف المقصودة في الحديث؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن أقرب الأقوال في معنى الأحرف السبعة: أنها سبعة أوجه من وجوه التغاير كما سنوضح ذلك _إن شاء الله_.
وهذا القول اختاره كثير من المحققين في هذا الشأن كأبي الفضل الرازي، وابن قتيبة، والباقلاني، وابن الجزري والسخاوي، ومكي بن أبي طالب، وأبي عمرو الداني، وغيرهم.
أما حصر هذه الأوجه فلا يخلو من إشكال؛ لأن مبنى ذلك على الاستقراء، وهو استقراء ناقص باعتبار أن عثمان _رضي الله عنه_ جمع الناس على حرف واحد وهو حرف قريش، ومن ثم لم تصل إلينا جميع الأحرف السبعة، وإنما بعضها.
وغاية ما هنالك أن نمثل على وجوه التغاير هذه فنقول مثلاً: من ذلك: اختلاف الأسماء بالإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، نحو (أمانتهم) و (أماناتهم)، وكالاختلاف في وجوه الإعراب، نحو (ما هذا بشراً) و (ما هذا بشرٌ)، والاختلاف في التصريف، نحو: (ربَّنا باعِد بين أسفارنا) و (ربُّنا باعَد بين أسفارنا)، وهكذا ما كان بتغيير حرف، نحو (يعملون) و (تعملون) إلى غير ذلك من الأوجه التي يحصل بها التغاير. والله أعلم.
فضيلة الشيخ د. خالد بن عثمان السبت
المصدر / http://www.almoslim.net/rokn_elmy/show_question_main.cfm?id=16971
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/166)
ـ[ابو أحمد سليمان]ــــــــ[02 - 04 - 07, 07:51 ص]ـ
السؤال: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنزل القرآن على سبعة أحرف)؟ رواه أحمد والترمذي.- مع إعطاء أمثلة السبعة أحرف المقصودة في الحديث؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن أقرب الأقوال في معنى الأحرف السبعة: أنها سبعة أوجه من وجوه التغاير كما سنوضح ذلك _إن شاء الله_.
وهذا القول اختاره كثير من المحققين في هذا الشأن كأبي الفضل الرازي، وابن قتيبة، والباقلاني، وابن الجزري والسخاوي، ومكي بن أبي طالب، وأبي عمرو الداني، وغيرهم.
أما حصر هذه الأوجه فلا يخلو من إشكال؛ لأن مبنى ذلك على الاستقراء، وهو استقراء ناقص باعتبار أن عثمان _رضي الله عنه_ جمع الناس على حرف واحد وهو حرف قريش، ومن ثم لم تصل إلينا جميع الأحرف السبعة، وإنما بعضها.
وغاية ما هنالك أن نمثل على وجوه التغاير هذه فنقول مثلاً: من ذلك: اختلاف الأسماء بالإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، نحو (أمانتهم) و (أماناتهم)، وكالاختلاف في وجوه الإعراب، نحو (ما هذا بشراً) و (ما هذا بشرٌ)، والاختلاف في التصريف، نحو: (ربَّنا باعِد بين أسفارنا) و (ربُّنا باعَد بين أسفارنا)، وهكذا ما كان بتغيير حرف، نحو (يعملون) و (تعملون) إلى غير ذلك من الأوجه التي يحصل بها التغاير. والله أعلم.
فضيلة الشيخ د. خالد بن عثمان السبت
المصدر / http://www.almoslim.net/rokn_elmy/show_question_main.cfm?id=16971
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=90863
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=94528
ـ[ابو أحمد سليمان]ــــــــ[05 - 04 - 07, 01:09 م]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=90863
في مشاركةٍ في الرابط أعلاه يقول أبو خالد الأثري:
"هذا بحث مختصر كنت قد أعددته في الرد على الكاشاني الشيعي صاحب الصافي في مفدمته الثامنة الذي خلط حقا بباطل في مسألة السبعة أحرف وطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلم في المسألة بكلام قبيح يندى له جبين الإسلام ورجائي من الأخوة أن يتمعنوا ما في هذا الكتاب من فوائد مع التمحيص التام لهذه المسألة جليلة القدر ولو بينتم ما عسى أكون قد وقعت فيه من خطأ فهذا مما يزيد حبي واحتفائي بكم بل هو مرماي وما أهدف إليه وجزاكم الله خير الجزاء".
فهل تتكرمون على أخيكم بتعريفه بالأستاذ الكريم "أبو خالد الأثري" كاتب البحث؟ .. ما اسمه الصريح؟
وأين نشر هذا البحث بدايةً؟(3/167)
نظم الآيات المنسوخة للسيوطي، وشرحها للشنقيطي
ـ[أهل الحديث]ــــــــ[19 - 01 - 06, 10:01 ص]ـ
ملتقى أهل الحديث > منتدى العلوم الشرعية التخصصي > نظم الآيات المنسوخة للسيوطي، وشرحها للشنقيطي
--------------------------------------------------------------------------------
تسجيل الدخول View Full Version : نظم الآيات المنسوخة للسيوطي، وشرحها للشنقيطي
--------------------------------------------------------------------------------
خالد الفارس18 - 08 - 2005, 02:08 AM
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد نظم الإمام السيوطي ـ رحمه الله ـ الآيات المنسوخة في القرآن، وقد وضع عليها الإمام الشنقيطي ـ رحمه الله ـ شرحاً لها، كما هو مذكور في تتمة الشيخ عطية محمد سالم ـ رحمه الله ـ لأضواء البيان (9/ 699)، وهذا نسخ للأبيات مع شرحها، سائلاً الله تبارك وتعالى أن ينفع بها، إنه جواد كريم.
قال الإمام السيوطي ـ رحمه الله ـ في الإتقان في علوم القرآن (2/ 50):
قَدْ أكْثَرَ النَّاسُ في المَنْسُوخِ مِنْ عَدَدِ
وأدْخَلُوا فِيهِ آياً لَيْسَ تَنْحَصِرُ
وهَاكَ تَحْرِيرَ آيٍ لا مَزِيدَ لَهَا
عِشْرِينَ حَرَّرَهَا الحُذَّاقُ والكُبَرُ
آيُ التَّوَجُهِ حَيْثُ المَرْءُ كانَ وإِنْ
يُوصِي لأهْلِيهِ عِنْدَ المَوْتِ مُحْتَضِرُ
وحُرْمَةُ الأكْلِ بَعْدَ النَّوْمِ مَعْ رَفَثٍ
وفِدْيَةٍ لِمُطِيقِ الصَّوْمِ مُشْتَهِرُ
وحَقُّ تَقْوَاهُ فِيمَا صَحَّ فِي أَثَرٍ
وفي الحَرامِ قِتَالٌ للأُلَى كَفَرُوا
والاعْتِدَادُ بِحَوْلٍ مَعْ وَصِيَّتِهَا
وأنْ يُدَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ والفِكَرُ
والحِلْفُ والحَبْسُ للزَّانِي وتَرْكُ أُولِي
كُفْرٍ وإشْهَادُهُمْ والصَّبْرُ والنَّفَرُ
ومَنْعُ عَقْدٍ لِزَانٍ أوْ لِزَانِيَةٍ
ومَا عَلَى المُصْطَفَى في العَقْدِ مُحْتَظَرُ
ودَفْعُ مَهْرٍ لِمَنْ جَاءَتْ وآيَةُ نَجْـ
ـوَاهُ كَذَاكَ قِيَامُ الليْلِ مُسْتَطَرُ
وزِيدَ آيَةُ الاسْتِئْذَانِ مِمَّا مَلَكَتْ
وآيَةُ القِسْمَةِ الفُضْلَى لِمَنْ حَضَرُوا
الشرح
آيُ التَّوَجُهِ حَيْثُ المَرْءُ كانَ وإِنْ
يُوصِي لأهْلِيهِ عِنْدَ المَوْتِ مُحْتَضِرُ
(آيُ التَّوَجُهِ): يشير إلى قوله تعالى {فأينما تولوا فثم وجه الله} منسوخة على رأي ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بقوله تعالى {فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام.
(وإِنْ يُوصِي لأهْلِيهِ): أشار به إلى أن آية {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية} الآية، منسوخة، قيل: بآية المواريث، وقيل: بحديث ((لا وصية لوارث))، وقيل: بالإجماع، حكاه ابن العربي.
وحُرْمَةُ الأكْلِ بَعْدَ النَّوْمِ مَعْ رَفَثٍ
وفِدْيَةٍ لِمُطِيقِ الصَّوْمِ مُشْتَهِرُ
(وحُرْمَةُ الأكْلِ بَعْدَ النَّوْمِ مَعْ رَفَثٍ) يشير إلى أن آية {كتب عليكم الصيام} المتضمنة حرمة الأكل والجماع بعد النوم كما في صوم من قبلنا؛ منسوخة بآية {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}.
(وفِدْيَةٍ لِمُطِيقِ) يشير إلى أن آية {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} منسوخة بآية {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، وقيل: محكمة، و " لا " مقدرة، يعني: وعلى الذين لا يطيقونه.
وحَقُّ تَقْوَاهُ فِيمَا صَحَّ فِي أَثَرٍ
وفي الحَرامِ قِتَالٌ للأُلَى كَفَرُوا
(وحَقُّ تَقْوَاهُ) يشير إلى أن قوله تعالى {اتقوا الله حق تقاته} منسوخ بقوله {فاتقوا الله ما استطعتم}، وقيل: محكمة.
(وفي الحَرامِ قِتَالٌ) يشير إلى أن قوله تعالى {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه}، وقوله {ولا الشهر الحرام} منسوخان بقوله تعالى {وقاتلوا المشركين كافة} الآية، أخرجه ابن جرير عن عطاء بن ميسرة.
والاعْتِدَادُ بِحَوْلٍ مَعْ وَصِيَّتِهَا
وأنْ يُدَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ والفِكَرُ
(والاعْتِدَادُ بِحَوْلٍ مَعْ وَصِيَّتِهَا) يعني أن قوله تعالى {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم} الآية، منسوخ بقوله {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/168)
(وأنْ يُدَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ والفِكَرُ) يشير إلى قوله تعالى {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} منسوخ بقوله تعالى {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}.
والحِلْفُ والحَبْسُ للزَّانِي وتَرْكُ أُولِي
كُفْرٍ وإشْهَادُهُمْ والصَّبْرُ والنَّفَرُ
(والحِلْفُ) أي المحالفة، يشير إلى قوله تعالى {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} منسوخة بقوله تعالى {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} الآية.
(والحَبْسُ للزَّانِي) يشير إلى أن قوله تعالى {فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت} منسوخ بقوله تعالى {فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}.
(وتَرْكُ أُولِي كُفْرٍ) يشير إلى قوله تعالى {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} منسوخ بقوله تعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل الله}.
(وإشْهَادُهُمْ) يشير إلى أن قوله تعالى {أو آخران من
غيركم} منسوخ بقوله تعالى {واشهدوا ذوي عدل منكم}.
(والصَّبْرُ) يشير به إلى قوله تعالى {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} الآية، منسوخ بما بعده وهو قوله تعالى {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين}.
(والنَّفَرُ) يشير إلى أن قوله تعالى {انفروا خفافاً وثقالاً} منسوخ بقوله تعالى {ليس على الضعفاء ولا على المرضى} الآية، أو {ليس على الأعمى حرج} الآية، أو قوله تعالى {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} الآية.
ومَنْعُ عَقْدٍ لِزَانٍ أوْ لِزَانِيَةٍ
ومَا عَلَى المُصْطَفَى في العَقْدِ مُحْتَظَرُ
(ومَنْعُ عَقْدٍ لِزَانٍ أوْ لِزَانِيَةٍ) يشير إلى قوله تعالى {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} الآية، منسوخ بقوله تعالى {وانكحوا الأيامى منكم} الآية.
(ومَا عَلَى المُصْطَفَى في العَقْدِ مُحْتَظَرُ} يشير إلى قوله تعالى {لا يحل لك النساء من بعد} الآية، منسوخ بقوله تعالى {إنا أحللنا لك أزواجك} الآية.
ودَفْعُ مَهْرٍ لِمَنْ جَاءَتْ وآيَةُ نَجْـ
ـوَاهُ كَذَاكَ قِيَامُ الليْلِ مُسْتَطَرُ
(ودَفْعُ مَهْرٍ لِمَنْ جَاءَتْ) يشير إلى أن قوله تعالى {فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} منسوخ، قيل: بآيات السيف، وقيل: بآيات الغنيمة.
(وآيَةُ نَجْوَاهُ) يشير إلى أن قوله تعالى {فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} منسوخ بقوله تعالى {فإن لم تجدوا ف (وآية نجواه) يشير إلى أن قوله تعالى {فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} منسوخ بقوله تعالى {فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم}، وبقوله {فإن لم تفعلوا وتاب الله عليكم}.
(كَذَاكَ قِيَامُ الليْلِ) يشير إلى أن قوله {يا أيها المزمل قم الليل} منسوخ بقوله تعالى {علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤا ما تيسر من القرآن}، وبقوله تعالى {فاقرؤا ما تيسر منه}.
وهذا الناسخ أيضاً منسوخ بالصلوات الخمس.
وزِيدَ آيَةُ الاسْتِئْذَانِ مِمَّا مَلَكَتْ
وآيَةُ القِسْمَةِ الفُضْلَى لِمَنْ حَضَرُوا
(وزِيدَ آيَةُ الاسْتِئْذَانِ مِمَّا مَلَكَتْ) آية الاستئذان {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} والأصح فيها عدم النسخ، لكن تساهل الناس بالعمل بها.
(وآيَةُ القِسْمَةِ) {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه} والصحيح فيها أيضاً عدم النسخ.
ومثال نسخ الناسخ: آخر سورة المزمل، فإنه منسوخ بفرض الصلوات الخمس.
وقوله {انفروا خفافاً وثقالا} فإنه ناسخ لآية الكف، منسوخ بآية العذر.
قال الشيخ عطية محمد سالم ـ رحمه الله ـ:
تمت بحول الله رسالة فضيلة الشيخ محمد الأمين المختصرة في بيان أبيات السيوطي الرمزية تقريباً في هذا الفن، وهي على إيجازها واختصارها كافية شافية للطالب الدارس، أملاها عليَّ فضيلته في ذي الحجة سنة 1373هـ.
أما المدرس والباحث المدقق والمناقش للأقوال فإن هناك المطولات لتتمة البحث لبيان إثبات النسخ على منكريه، وبيان حكمة النسخ، وبيان أقسامه، وقوة الناسخ من كتاب أو سنة، ومراتبه من شدة إلى ضعف والعكس، إلى غير ذلك.
--------------------------------------------------------------------------------
عبدالرحمن الفقيه18 - 08 - 2005, 09:33 AM
جزاكم الله خيرا.
--------------------------------------------------------------------------------
ـ[أبوعمير الحلبي]ــــــــ[29 - 01 - 06, 11:35 ص]ـ
جزاك الله خيرا و نفع بك دينه
ـ[ابو الحسن الأكاديري]ــــــــ[29 - 01 - 06, 10:27 م]ـ
جزاك الله خيرا و نفع بكم
ـ[أبو أمينة]ــــــــ[01 - 03 - 06, 06:10 م]ـ
أخي الأكاديري ذكر لي في مغربكم الكريم العزيز أن طالبة تقوم ببحث عن الإمام الدارقطني وقد زكاها بعض أساتيذة الحديث فهل من أخبار عنها وعن رسالتها
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/169)
ـ[حامد الحنبلي]ــــــــ[05 - 03 - 06, 06:36 م]ـ
جزاكم الله خيرا
لكن شرح الشيخ رحمه الله تعال مأخوذ بحروفه تقريبا من كلام السيوطي في الاتقان
وقد كنت أود خدمة هذه القصيدة وعليها شرح الشيخ ثم توقفت لما تبين لي ما ذكرت
ـ[بن سالم]ــــــــ[06 - 03 - 06, 12:00 ص]ـ
... جَزَاكُم اللهُ خَيراً.
ـ[عمر عبدالتواب]ــــــــ[17 - 04 - 07, 12:02 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[ابو الحسن الأكاديري]ــــــــ[18 - 04 - 07, 04:13 ص]ـ
أخي الأكاديري ذكر لي في مغربكم الكريم العزيز أن طالبة تقوم ببحث عن الإمام الدارقطني وقد زكاها بعض أساتيذة الحديث فهل من أخبار عنها وعن رسالتها
لا علم لي فيما سألت عنه و إن وقفت على شيء وفيت به إن شاء الله
ـ[سالم عدود]ــــــــ[24 - 06 - 07, 11:55 م]ـ
جزاك الله خيرا و نفع بكم(3/170)
ساعدوني أحبة الكرام على هذه الآية التفاسير الواردة في قوله تعالى (إنك لا تسمع الموتى)
ـ[ابن القاضي الأثري]ــــــــ[27 - 01 - 06, 11:41 م]ـ
التفاسير الواردة في قوله تعالى (إنك لا تسمع الموتى)
ـ[أم حنان]ــــــــ[28 - 01 - 06, 08:39 م]ـ
بسم الله ... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
يقول الإمام الشوكانى فى تفسير (فتح القدير): (إنك لا تسمع الموتى): لأنه إذا علم أن حالهم كحال الموتى فى انتفاء الجدوى بالسماع أو كحال الصم الذين لا يسمعون ولا يفهمون ولايهتدون صار ذلك سببا قويا فى عدم الإعتداد بهم شبه الكفار بالموتى الذين لا حس لهم ولا عقل وبالصم الذين لايسمعون المواعظ ولا يجيبون الدعاء الى الله.
ويقول ابن القيم فى تفسير بدائع التفسير: وأما إماتة قلوبهم ففى قوله (إنك لاتسمع الموتى)
وقوله (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها) الأنعام
وقوله (لينذر من كان حيا) يس. وقوله (وما أنت بمسمع من فى القبور)
فوصف الكافر بأنه ميت وأنه بمنزلة أصحاب القبور وذلك لأن القلب الحى هو الذى يعرف الحق ويقبله ويحبه ويؤثره على غيره فإذا مات القلب لم يبق فيه إحساس ولا تمييز ولا إرادة للحق وكراهة للباطل بمنزلة الجسد الميت الذى لا يحس بلذة الطعام والشراب وألم فقدهما وكذلك وصف سبحانه كتابه ووحيه بأنه روح لحصول حياة القلب به فيكون القلب حيا ويزداد حياة بروح الوحى فيحصل له حياة على حياة ونور على نور نور الوحى على نور الفطرة (يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده).
ـ[عمر الإمبابي]ــــــــ[30 - 01 - 06, 02:33 م]ـ
قال الإمام الطبري -رحمه الله-:
وقوله {إنك لا تسمع الموتى} يقول: إنك يا محمد لا تقدر أن تفهم الحق من طبع الله على قلبه فأماته لأن الله قد ختم عليه أن لا يفهمه {ولا تسمع الصم الدعاء} يقول: ولا تقدر أن تسمع ذلك من أصم الله عن سماعه سمعه {إذا ولوا مدبرين} يقول: إذا هم أدبروا معرضين عنه لا يسمعون له لغلبة رين الكفر على قلوبهم لا يصغون للحق ولا يتدبرونه ولا ينصتون لقائله ولكنهم يعرضون عنه وينكرون القول به والاستماع له.
ويقول أيضاً عند تفسيره لقول الله تعالى {فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين}:
يقول تعالى ذكره {فإنك} يا محمد {لا تسمع الموتى} يقول: لا تجعل لهم أسماعا يفهمون بها عنك ما تقول لهم وإنما هذا مثل معناه: فإنك لا تقدر أن تفهم هؤلاء المشركين الذين قد ختم الله على أسماعهم فسلبهم فهم ما يتلى عليهم من مواعظ تنزيله كما لا تقدر أن تفهم الموتى الذين قد سلبهم الله أسماعهم بأن تجعل لهم أسماعا
وقوله {ولا تسمع الصم الدعاء} يقول: وكما لا تقدر أن تمسع الصم الذين قد سلبوا السمع الدعاء إذا هم ولوا عنك مدبرين كذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء الذين قد سلبهم الله فهم آيات كتابه لسماع ذلك وفهمه
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله {فإنك لا تسمع الموتى}: هذا مثل ضربه الله للكافر فكما لا يسمع الميت الدعاء كذلك لا يسمع الكافر {ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} يقول: لو أن أصم ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يسمع.
وقال الإمام ابن كثير -رحمه الله-:
أي لا تسمعهم شيئا ينفعهم فكذلك هؤلاء على قلوبهم غشاوة وفي آذانهم وقر الكفر.
وقال الإمام القرطبي -رحمه الله-:
قوله تعالى: {فإنك لا تسمع الموتى} أي وضحت الحجج يا محمد لكنهم لإلفهم تقليد الأسلاف في الكفر ماتت عقولهم وعميت بصائرهم فلا يتهيأ لك إسماعهم وهدايتهم وهذا رد على القدرية.
وقال الإمام البيضاوي -رحمه الله-:
{إنك لا تسمع الموتى} تعليل آخر للأمر بالتوكل من حيث إنه يقطع طعمه عن مشايعتهم ومعاضدتهم رأسا وإنما شبهوا بالموتى لعدم انتفاعهم باستماع ما يتلى عليهم كما شبهوا بالصم في قوله: {ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} فإن إسماعهم في هذه الحالة أبعد وقرأ ابن كثير {ولا يسمع الصم}.
وقال الإمام السيوطي -رحمه الله- فى (الدر المنثور):
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله انك لا تسمع الموتى قال: هذا مثل ضربه الله للكافر كما لا يسمع الميت كذلك لا يسمع.
وقال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله- فى (زاد المسير):
قوله تعالى إنك لا تسمع الموتى قال المفسرون هذا مثل ضربه الله للكفار فشبههم بالموتى.
وقال الإمام النحاس -رحمه الله- فى (معاني القرآن):
أي إنهم بمنزلة الموتى والصم لأنهم لا يقبلون لمعاندتهم.
وقال الراغب الأصفهاني -رحمه الله- فى (مفردات القرآن):
لا تفهمهم لكونهم كالموتى في افتقادهم بسوء فعلهم القوة العاقلة التي هي الحياة المختصة بالإنسانية.
وأنصحك أخي بكتاب (الآيات البينات فى عدم سماع الأموات على مذهب الحنفية السادات)
للشيخ نعمان الآلوسي -رحمه الله- وأظن أنك ستجد فيه بغيتك -إن شاء الله-، وهذا رابط التحميل:
http://www.saaid.net/book/3/639.zip
نفعك الله به.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/171)
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[30 - 01 - 06, 11:51 م]ـ
قال ابن جرير حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله {فإنك لا تسمع الموتى}: هذا مثل ضربه الله للكافر فكما لا يسمع الميت الدعاء كذلك لا يسمع الكافر {ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} يقول: لو أن أصم ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يسمع
هذا الأثر ذكره الأخ عمر الأمبابي ضمن كلام ابن جرير في مشاركته النافعة وأحب أن أضيف أن سنده صحيح
وينبغي هنا التنبه لأمر مهم جداً وهو أن كل عالم لا يرى سماع الأموات فهو يرى ضمناً تحريم الإستغاثة بهم إذ كيف يجيز الإستغاثة بمن لا يسمع؟!
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[27 - 09 - 06, 01:15 ص]ـ
قال ابن جرير حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله {فإنك لا تسمع الموتى}: هذا مثل ضربه الله للكافر فكما لا يسمع الميت الدعاء كذلك لا يسمع الكافر {ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} يقول: لو أن أصم ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يسمع
هذا الأثر ذكره الأخ عمر الأمبابي ضمن كلام ابن جرير في مشاركته النافعة وأحب أن أضيف أن سنده صحيح
وينبغي هنا التنبه لأمر مهم جداً وهو أن كل عالم لا يرى سماع الأموات فهو يرى ضمناً تحريم الإستغاثة بهم إذ كيف يجيز الإستغاثة بمن لا يسمع؟!
تصحيحي للسند كان قبل وقوفي على نص يحي بن سعيد القطان في نفيه سماع سعيد بن أبي عروبة التفسير من قتادة
ونفي قتادة لسماع الأموات ثابتٌ في الصحيح وذلك عند كلامه على حادثة القليب
ـ[مصطفى سعيد]ــــــــ[31 - 07 - 07, 02:39 ص]ـ
ابن القاضي الأثري; التفاسير الواردة في قوله تعالى (إنك لا تسمع الموتى)
حدد فكرتك ومقصودك من السؤال فأجيبك ان شاء الله
ـ[مصطفى سعيد]ــــــــ[07 - 08 - 07, 03:18 م]ـ
" الصم ,الصم اذا ولوا مدبرين, الموتى ,من فى القبور ,"هل يمكن القول بأن هؤلاء فى أحوال مختلفة وما يجوز على هؤلاء لايجوز على اولئك؟
وما الفرق بين الموتى والأموات؟ و"من فى القبور "هل هم موتى أم أموات؟
وتعريف الموت _الذي اختلف فيه الناس حتى الآن-قد يجلى المسألة. فهل من باحث لها؟(3/172)
الدعوة بالتفسير
ـ[طارق الحربي]ــــــــ[21 - 02 - 06, 12:23 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاشتغال بكلام الله تعالى تعلما وتعليما من أشرف وأعز المشاغل والمناهل للداعية وطالب العلم بله المجاهد يقول الله جل ذكره "وجاهدهم به جهادا كبيرا".
الداعية يعالج الواقع، ومعالجة الواقع مظنة الاجتهادات والآراء والأفكار التي ربما وفق الداعي الى نهجها أو لم يوفق.
القرآن في أكثر آياته له مساس بالواقع، أقرب لنهل الفكرة والمنهج، أدعى للقبول، أضمن وأحصن للداعية أن تجرفه متاهات إشتغاله بالواقع بآثارها فيقع في غيبوبة المصلحين التي أولها إغفاءة مداراة وآخرها غطيط مداهنة.
فهل نتدارس معاشر طلبة العلم ومحبيه حول أفضل الطرق لتدريس التفسير لطلبته، وأفضلها لدعوة الناس إلى الله تعالى بتفقيههم معاني كتاب ربنا جل وعلا التي سميتها الدعوة بالتفسير وبالسنة الموضحة له وبالسيرة المرضية للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الذي كان خلقه كتاب ربه القرآن.
وتأملوا عبارة ندم شيخ الاسلام التي كتبها في سجنه الذي مات فيه رحمه الله ورضي عنه:
وندمت في تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن.
جعل الله القرآن ربيع قلوبنا آمين.
ـ[طارق الحربي]ــــــــ[21 - 02 - 06, 06:45 م]ـ
أينكم أهل القرآن؟
قال ابن القيم:
فما أشدها حسرة، وأعظمها غبنة، على من أفنى أوقاته في طلب العلم، ثم يخرج من هذه الدنيا ومافهم حقائق القرآن، ولاباشر قلبه أسراره ومعانيه، فالله المستعان.
وتأملها مع عبارة الندم لشيخه! رحمهما الله وأفسح الله لهما في قبريهما وملأها عليهما نورا.
ـ[طارق الحربي]ــــــــ[24 - 02 - 06, 07:36 م]ـ
ومن ذلك:
هل الأولى أن ينهج المعتني بالتفسير درسه حسب ترتيب السور في المصحف، أم حسب الآيات التي يختارها بحيث تكون أشد مواطأة للواقع والبيئة التي يقيم فيها الداعية درسه، وينشر دعوته.
والله المستعان.(3/173)
مآخذ على مواضع في الوقف عند بعض القراء
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[04 - 03 - 06, 05:51 م]ـ
مآخذ على مواضع في الوقف عند بعض القراء
أ. د. مصطفى رجب
مصر
عُرف عن بعض مشاهير القراء المصريين أنهم "درسوا" الألحان الموسيقية على هذا الملحّن أو ذاك. وأن "النغم" أو "الطرب" أصبح مقصوداً لذاته بعد أن كان المقصود الأول من تحسين التجويد، هو تحقيق الخشوع، وإيصال المعاني الدلالية العميقة للآيات الكريمة إلى النفوس فتهلع، وإلى القلوب لتخشع، فتلين الجلود لذكر الله وما تستمع إليه من الحق.
وبدل أن يعنى كبار القراء بعلم جليل من علوم الأداء الصوتي وهو علم "الوقف والابتداء"، وجدنا مشاهيرهم يتهافتون على علوم الموسيقى فيدرسون مقامات الصبا والبياتي والرست التي لا نرى لها صدى في تراثنا العربي القديم إلا صدى مرتبطاً بسيرة القيان والمخنّثين ممن كانوا يغنّون في مجالس اللهو والخلاعة أيام بعض الماجنين من حكام الدولتين الأموية والعباسية على نحو ما نرى في كتب الأدب العربي القديم.
وعلم "الوقف والابتداء" علم عظيم الأهمية لكل من يقرأ القرآن الكريم تعبداً أو تعلماً أو تعليماً، ولذلك تنازع البحثَ فيه علماءُ التفسير والقراءات والنحاةُ والبلاغيون، وظهرت فيه مؤلفات كثيرة، وهذه المؤلفات منها ما هو مطبوع مثل:
1. إيضاح الوقف والابتداء لأبي بكر بن الأنباري: نال به الباحث محيي الدين رمضان درجة الماجستير من جامعة عين شمس.
2. القطع والائتناف لأبي جعفر النحاس، نال به الباحث أحمد خطاب درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة.
3. المكتفى في الوقف والابتداء لأبي عمرو الداني، نال به الباحث جايد زيدان مخلف درجة الماجستير من جامعة الأزهر.
4. منار الهدى في بيان الوقف والابتداء للأشموني، وهو مطبوع.
5. معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء للشيخ محمود خليل الحصري.
ومنها كتب مخطوطة لم يصل إلى علمنا أنها طبعت – على أهميتها – مثل كتاب علم الدين السخاوي (علم الاهتداء في الوقف والابتداء)، و (تجويد التلاوة وتحقيق القراءة) للداني وغيرهما.
أسباب الخطأ:
ولأخطاء القراء في الوقف والابتداء أسباب كثيرة يمكننا إجمالها في نقاط هي:
أ. الرغبة في الظهور بمظهر القارئ الطويل النَفَس (بفتح الفاء) فتجد القارئ حين يجود آية طويلة ينقطع نَفَسه فيضطر للوقوف في موضع لا يصح الوقوف عليه.
ب. أن كتب الوقف والابتداء وكتب القراءات عموماً لم تذكر لنا على سبيل الحصر مواضع الوقف في القرآن الكريم كله. ولم ينقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته إلا النزر اليسير.
جـ. أن مواضع الوقف خاصة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم النحو، لأن القراء الأوائل جميعاً كانوا من النحاة كأبي الأسود الدؤلي، وابن أبي إسحاق الحضرمي، وعيسى بن عمر، وأبي عمرو بن العلاء، والكسائي وغيرهم. وقد اجتهد هؤلاء في محاولة وضع قواعد عامة للوقف فقالوا مثلاً: "كل كلمة تعلقت بما بعدها –بحيث أصبح ما بعدها متمماً لمعناها- لا يوقف عليها "كالمضاف والمضاف إليه، والمنعوت دون نعته، والشرط دون جوابه، والمؤكد دون توكيده ... إلخ. ومعلوم أن احتراف القراء في عصرنا الحاضر يعتمد على جمال الصوت وإتقان المقامات الموسيقية، ولا ينظر القارئون ولا من يختارونهم إلى علوم النحو ولا يولونها اهتماماً يُذكر.
د. أن بعض القراء يحتال للوقوف متوهماً أن في هذا الموضع الذي يقف عليه إبداعاً وإعجازاً تبعاً لهوى نفسه، بلا نظر إلى الحكم الإعرابي النحوي.
أمثلة شهيرة:
1. قرأ قارئ معروف بجمال صوته آيات من سورة البقرة أعجبت جمهوره فصاح الجمهور وناح، فكررها وأعادها، ونقلها عنه مقلدوه حتى صارت من "تراث القراءة المعاصرة"!! وهي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) [البقرة: 183] ووصلها بما بعدها ووقف على قوله تعالى: (أياماً معدودات) [البقرة: من الآية 184]. وهذا وقف قبيح جدّاً؛ لأنه جعل الظرف الزماني (أياماً معدودات) متعلقاً بالفعل السابق له (تتقون) فيصبح المعنى أن الهدف من فرض الصوم هو اتقاء الله أياماً معدودات لا غير هي أيام رمضان.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/174)
فهذا مثال للوقف الشنيع الذي يخرج بكتاب الله وآياته عن الفهم الصحيح الواجب لها. ولو اكتفى القارئ بالوقوف على رأس الآية (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) لكفى وشفى، لكنها الرغبة الذميمة في إظهار طول النَفََس، وفتنة الخنوع بما يظهره الغوغاء من الإعجاب والتصايح والتواجد. وصدق الله تعالى حين وصف جهلاء مكة وعبادتهم الزائفة فقال: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) [الأنفال: 35].
2. وقرأ قارئ شهير قوله تعالى في سورة القصص: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقصًّ عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين) [القصص: 25]. فوقف القارئ الشهير عند قوله تعالى (تمشي) واستأنف القراءة متفنناً هكذا: (على استحياء قالت ... ).
والقارئ الشهير هنا لم يفرّق بين نوعين من الوقف: الوقف التام والوقف الكافي. فالوقف التام غالباً ما يكون في الفواصل ورؤوس الآي. كقوله تعالى: (وأولئك هم المفلحون) [البقرة: من الآية 5]، ثم يبتدئ فيقول: (إن الذين كفروا) [البقرة: من الآية 6]، وكذلك قوله تعالى: (وجعلوا أعزة أهلها أذلة) [النمل: من الآية 34]. فيقف القارئ عليها وهذا وقف تام، ثم يبدأ فيقول: (وكذلك يفعلون) [النمل: من الآية 34] لأن هذه الجملة الأخيرة من كلام الله تعالى، أما كلام بلقيس فنهايته (أذلة).
فالوقف التام هو الذي يحسن القطع عنده والابتداء بما بعده، لأنه لا يتعلق شيء مما بعده به، أما الوقف الكافي فيحسن القطع عنده أيضاً والابتداء بما بعده، غير أن ما بعده متعلق به تعلقاً معنويّاً لا لفظيّاً، كما لو قرأ قارئ قوله تعالى: (حُرّمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً) [النساء: 23] ثم وقف على قوله تعالى: (حُرّمت عليكم أمهاتكم) ثم ابتدأ بما بعدها لأن ذلك كله معطوف بعضه على بعض.
وهناك أنواع قبيحة من الوقف قد يخرج القارئ بها عن دين الإسلام لو تعمد ذلك الوقف كما ذهب إلى ذلك أبو عمرو الداني في كتابه "المكتفى" كما لو وقف هكذا (قال رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون وأخي هارون) [القصص: 33 - 34]، أو لو وقف هكذا (إن الله لا يهدي ... ) [غافر: من الآية 28]. لكن إذا نقطع نَفَسه وجب عليه أن يرجع إلى ما قبله مرة أخرى ويصل الكلام بعضه ببعض.
وفي المثال السابق الذي وقف فيه القارئ على قوله تعالى: (على استحياء) هذا وقف كافٍ، ولكن الابتداء يجب أن يكون من قوله تعالى (قالت إن أبي يدعوك ... ) لكنه لو أعاد فقال (على استحياء قالت إن أبي يدعوك ... ) يكون قد جعل الجار والمجرور (على استحياء) متعلقاً بالقول، وتعلق الاستحياء إنما هو بالمشي لا بالقول. وقد ضعف الابتداء بهذه الطريقة الإمام النيسابوري والشيخ محمود خليل الحصري وغيرهما.
3. وقرأ قارئ شهير من سورة لقمان قوله تعالى: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) [لقمان: 13] فوقف على قوله تعالى: (لا تشرك) ثم ابتدأ هكذا (بالله إن الشرك لظلم عظيم) وقد استنكر هذا الوقف الإمام السيوطي رحمه الله في "الإتقان" فذهب إلى أن أكثر الأقسام [جمع قسم بفتح القاف والسين] في القرآن الكريم المحذوفة الفعل لا تكون إلا بالواو مثل قوله تعالى: (والفجر) [الفجر: 1] وقوله تعالى: (والضحى) [الضحى: 1] فإذا ورد الفعل الدال على القسم جاء القسم بالباء بدل الواو كما في قوله تعالى: (وأقسموا بالله) [النور: من الآية 53] وقوله تعالى: (فلا أقسم بالشفق) [الانشقاق: 16] ومن ثم كان من الخطأ الوقوف على قوله تعالى: (يا بني لا تشرك) ثم البدء بما يوحي بالقسم (بالله إن الشرك لظلم عظيم). وكذلك من وقف على قول السيد المسيح عليه السلام (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي) [المائدة: من الآية 116]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/175)
ثم بدأ هكذا (بحقٍّ إن كنت قلته فقد علمته).
نماذج للوقف المرفوض شرعاً:
على القارئ أن يتذوق تمام المعنى حين يتلو كتاب الله تعالى، فلا يقف إلا حين يجد المعنى قد تم. وتمام المعنى إنما يكون باستغناء الكلام بعضه عن بعض. وما لم يتحر القارئ ذلك؛ فقد يقع في إثم عظيم، كما لو قرأ مثلاً قوله تعالى من سورة الإسراء: (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً) [الإسراء: 105] فوقف بعد قوله تعالى: (وما أرسلناك) فيكون هذا الوقف نافياً لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم. كذلك لو وقف على كلمة المصلين من قوله تعالى: (فويل للمصلين) [الماعون: 4] مع أنها رأس آية، إلا أن ما بعدها مكمل لمعناها، والأصل أن الصلاة صفة مدح، وإنما خرجت هنا عن المدح لما ورد من أوصاف بعدها في قوله تعالى: (الذين هم عن صلاتهم ساهون) [الماعون: 5]. وكذلك لو رغب قارئ في إظهار طول نَفَسه قوله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين) [الأنفال: 38] فوقف هكذا (إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا) فإنه بذلك يكون قد ساوى في المغفرة بين من انتهى عن المعصية ومن عاد إلى ارتكابها وهذا يخرج بالنظم القرآني عن أصل معناه وإنما الواجب عليه أن يقف على كلمة (سلف)، ثم يبدأ تلاوته من قوله تعالى: (وإن يعودوا).
اختلاف الوقف باختلاف القراءات:
ومن الفتن الشنيعة التي أولع بها بعض القراء في عصرنا فتنة الجمع بين القراءات في تلاوة واحدة، مع أن العلماء قديماً وحديثاً أجمعوا على كراهة ذلك وذهب بعضهم إلى حرمته، وأجازوه في حالة التعليم فقط. وهذا الحكم معروف للقراء كافة، إلا أن بعضهم يقرأ جملة من الآيات على قراءة ثم يعود فيقرأها على قراءة ثانية. ولكننا نسمع بعضهم يكرر الآية الواحدة، وأحياناً يكرر الكلمة الواحدة، بعدة قراءات، ولا يدفعه إلا هذا الصنيع الممقوت إلا صياح الجهلة من الدهماء.
وهذه الفتنة – أعني فتنة جمع القراءات في التلاوة الواحدة – تؤدي إلى فتنة أخرى تتعلق بالوقف والابتداء. فمثلاً: الوقف في قوله تعالى: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع والسجود). [البقرة: 125] إنما يكون على قوله تعالى: (وأمنا) يكون تامّاً على قراءة من قرأ (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) [البقرة: من الآية 125] بكسر الخاء على أنها فعل من الاتخاذ، أما قراءة نافع وابن عامر (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) بفتح الخاء فلا يجوز فيها الوقوف على قوله تعالى: (وأمنا) لأن الاتخاذ بصيغة الفعل الماضي إخبار عن الناس، فالكلام متصل لفظاً ومعنى، لأن الفعل (واتخَذوا) حالة كونه ماضياً، هو معطوف على ما قبله ... والله تعالى أعلى وأعلم ..
منقول: http://www.hoffaz.org/forqan/F2006/F49/furqan49-05.htm
ـ[حسام الدين الكيلاني]ــــــــ[04 - 03 - 06, 07:02 م]ـ
جزاكم الله كل خير.
ـ[ابو الحسن الأكاديري]ــــــــ[04 - 03 - 06, 07:09 م]ـ
جزاكم الله كل خير
ـ[أبو الحسن عبيد]ــــــــ[31 - 10 - 06, 09:02 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[القعقاع محمد]ــــــــ[04 - 11 - 06, 02:55 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[حسن باحكيم]ــــــــ[24 - 11 - 06, 10:24 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[شريف بن أحمد مجدي]ــــــــ[25 - 11 - 06, 02:53 ص]ـ
جزاك الله كل خير شيخنا الحبيب
ـ[محمودالجندى]ــــــــ[01 - 07 - 10, 12:07 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما شاء الله لا قوة إلا بالله، جزاكم الله خيرًا شيخنا الحبيب، بارك الله فيكم، والله لقداستمتعت بهذا الكلام
---------------------
شيخنا بارك الله فيكم عندى سؤال؟؟؟؟
ما رأيكم فى الوقف على (ذو العرشْ) ثم الابتداء (المجيدُ فعال لما يريد) ............. ؟؟؟؟؟
وما رأيكم فى الوقف على (فِيمْ) ثم الابتداء (أنت من ذكراها) .................... ؟؟؟؟؟
--------------
أنا شخصيًّا لا يعجبنى مثل هذا النوع من الوقف، مع احتجاج الكثيرين ممن يفعلونه بما ذكره العلامة الأشمونى فى منار الهدى
بارك الله فيكم أرجو معرفة رأيكم، ورأى الإخوة الأفاضل فى المنتدى العامر
ـ[المتولى]ــــــــ[01 - 07 - 10, 03:33 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما شاء الله لا قوة إلا بالله، جزاكم الله خيرًا شيخنا الحبيب، بارك الله فيكم، والله لقداستمتعت بهذا الكلام
---------------------
شيخنا بارك الله فيكم عندى سؤال؟؟؟؟
ما رأيكم فى الوقف على (ذو العرشْ) ثم الابتداء (المجيدُ فعال لما يريد) ............. ؟؟؟؟؟
وما رأيكم فى الوقف على (فِيمْ) ثم الابتداء (أنت من ذكراها) .................... ؟؟؟؟؟
الوقف على: ذو العرش على قراءة من يرفع المجيد ليس فيها شىء ولكن المنع هنا على قراءة من يقرأ بالخفض فى المجيد
الوقف على: فيم فيه تمحل وتعنت والله اعلم فالاستفهام هنا لم يتم على قول من قال انها للإستفهام و جملة انت من ذكراها استئنافية
ولو كان المراد ما قالوا لكان السياق: انت من ذكراها مباشرة او لتم السؤال كما قال تعالى
عم يتساءلون
والله تعالى اعلى و اعلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/176)
ـ[محمودالجندى]ــــــــ[02 - 07 - 10, 11:22 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحبتى الكرام
صليت العشاء الليلة فى مسجد الشعيبى بجدة (مسجد الشيخ عبد الله بصفر - حفظه الله)
لكن صلى بنا إمام آخر
وبدأ بداية استقبحتها جدًّا، و لا حول ولا قوة إلا بالله
{الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحيوة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون}
حيث وقف على (هذا) وبدأ {وما كانوا بآياتنا يجحدون}
-----------
حيث ما فعله من وجهة نظرى تحويل ما الموصولة إلى ما النافية، والله أعلم
فما رأى مشايخنا الأفاضل؟(3/177)
والأخذ بالتجويد حتم لازم
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[14 - 03 - 06, 10:11 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
أخوة الملتقى رعاكم الله , اضطلعت على بعض مواضيع ملتقاكم الكريم فيما يخص الترتيل، فكانت بعض المواضيع تتكلم عن حكم ترتيل الأحاديث والأدعية http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=18835&highlight=%CA%CC%E6%ED%CF كما في القنوت http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?s=&threadid=4394 أو ترتيل المتون أو الكلام http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=73287. .
وقد تعرضت لحكم ترتيل القرآن - أي تجويده - ضمناً. فذهب بعضهم إلى وجوبه وخالفهم بعض آخر إلى عدم وجوبه. ولو ألقينا نظرة إلى قول ابن الجزري رحمه الله حين قال:
والأخذ بالتجويد حتم لازم ......... من لم يجود القرآن آثم
لأنه به الإله أنزلَ ......... وهكذا منه إلينا وصلَ
فدليله على وجوب التجويد: أنّه أنزل مجوداً بالصورة المعروفة في القراءات ... ثم أنه وصل إلينا عن طريق أئمة القراءة عل الصورة التي أنزل عليها .. وهذا دليل قوي يحتاج إلى رد مناسب لمن لا يرى وجوب تجويد القرآن.
أضف إلى ذلك قوله تعالى: ورتل القرآن ترتيلا .. والأمر يقتضي الوجوب .. ومعرفة الترتيل وكفيته لا يتوصل إليها باجتهاد بل بالمشافهة .. وقد ورد إلينا القرآن بالتواتر مجوداً كما هو معلوم.
ثم المشافهة - لا الكتابة - هي الطريقة الصحيحة لأخذ القرآن .. قال تعالى: وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم. فتلقاه محمد صلى الله عليه وسلم من جبريل عليه السلام ومنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا ريب أنه وصل إلينا بالكيفية نفسها.
ثم ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه حين كان يعلم القرآن، فقرأ رجل قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين ... ولم يمد: الفقراء، فقال له ابن مسعود ما هكذا علمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلى أن علمها أن يمدها أربع حركات أو خمس كما هو معلوم في علم التجويد .. فإن صح الخبر يستدل%
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[17 - 03 - 06, 12:08 ص]ـ
آسف على الأخطاء وإليكم الموضوع بعد تعديله ..
والأخذ بالتجويد حتم لازم ......... من لم يجود القرآن آثم
لأنه به الإله أنزلَ ......... وهكذا منه إلينا وصلَ
فدليله على وجوب التجويد: أنّه أنزل مجوداً بالصورة المعروفة في القراءات ... ثم أنه وصل إلينا عن طريق أئمة القراءة عل الصورة التي أنزل عليها .. وهذا دليل قوي يحتاج إلى رد مناسب لمن لا يرى وجوب تجويد القرآن.
أضف إلى ذلك قوله تعالى: ورتل القرآن ترتيلا .. والأمر يقتضي الوجوب .. ومعرفة الترتيل وكفيته لا يتوصل إليها باجتهاد بل بالمشافهة .. وقد ورد إلينا القرآن بالتواتر مجوداً كما هو معلوم.
ثم المشافهة - لا الكتابة - هي الطريقة الصحيحة لأخذ القرآن .. قال تعالى: وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم. فتلقاه محمد صلى الله عليه وسلم من جبريل عليه السلام ومنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا ريب أنه وصل إلينا بالكيفية نفسها.
ثم ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه حين كان يعلم القرآن، فقرأ رجل قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين ... ولم يمد: الفقراء، فقال له ابن مسعود ما هكذا علمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلى أن علمه أن يمدها أربع حركات أو خمس كما هو معلوم في علم التجويد .. فإن صح الخبر يستدل به على وجوب التجويد لقوله ما هكذا علمنيها رسول الله. فالواجب قراءتها كما تعلمها وعلمها .. ثم أن المد أو عدم المد لا يغير المعنى فلا وجه لإنكار القراءة بغير المد إلا إذا كان المدواجبا ..
وهو مد واجب لأن جميع القراءات الواردة التي وصلت ألينا أوجبت المد من أربع إلى خمس حركات ولم تأت أي قراءة بالاكتفاءبمدها حركتين .. فوجب المد بالمقدار الوارد ..
والله أعلم.
ـ[أبو معاذ الفاتح]ــــــــ[17 - 03 - 06, 01:54 ص]ـ
جزاك الله خيرًا على مجهودك الطيب المبارك
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[17 - 03 - 06, 07:28 ص]ـ
أخي الكريم أبا معاذ جزاك الله خيراً. ووفقني وإياك لصالح لقول والعمل.
هناك - إخواني - نقطة أحب أن أضيفها في الموضوع .. وأرجو ألا تفهم خطأً وتُأول إلى غير ما قصدته: أعني بذلك قضية التخصص الشرعي في علم شرعيٍ ما، ألا تنبغي مراعاتها. لا تقليلاً من مكانة علمائنا أبداً ولكن الفقه يؤخذ من الفقهاء وتفسير القرآن من أهل التفسير والأصول من الأصوليين وهكذا .. كما هو الحال في العلوم الأخرى كالنحو والعروض و غير ذلك .. فهل نرضى بأخذ حكم فقهي - مثلاً - من أحد أئمة القراءة .. خالفه الفقهاء فيه أو أنه خالفهم .. إذا كيف نأخذ حكم التجويد من الفقهاء أو المحدثين مثلاً وقد خالفوا أئمة القراءة.
لو راعينا هذا الجانب هنا لقلنا حكم التجويد (وجوباً أو استحباباً) نأخذه من أئمة القراءة، فهم ناقلوا هذا القرآن إلينا تواتراً .. ومعلوم أنهم يرون وجوب التجويد كما هو واضح في قول الإمام اين الجزري:
والأخذ بالتجويد حتم لازم ...... من لم يجود القرآن آثم
ثم ساق دليله رحمه الله:
لآنه به الإله أنزلا ...... وهكذا منه إلينا وصلا
والله أعلم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/178)
ـ[عبد القادر المغربي]ــــــــ[17 - 03 - 06, 12:37 م]ـ
المسألة ليست مسلمة،
للشيخ الألباني، رحمه الله، كلمة مطولة في حكم التجويد، ضمن سلسلة الهدى و النور، خلاصتها أن مسألة الوجوب او الإستحباب يلزمها بحث فقهي سلفي طويل.
و أعطى الشيخ كمثال على ذلك مسألة مد "مالك" في سورة الفاتحة، و كذلك مسألة الوقف.
فما ثبت في علم الحديث ثبت خالفه في بعض القراءات. و إن تيسر أن أفرغ كلام الشيخ أو مقاطع منه فسأفعل إن شاء الله.
و العثيمين رحمه الله سئل أكثر من مرة في سلسلة نور على الدرب و أجاب أن التجويد مستحب، و ليس بواجب.
و لابد أن نثبت أيضا ان كل القواعد، و بشكل سلفي، قد ثبتت. فالعديد من الوقوف تم ابتداعها، خطأ أو عمدا لا يهم، كما في بعض المصاحف المغربية.
و هل كل قواعد التجويد على نفس الدرجة؟ يعني يأثم من تركها؟ او بعضها يأثم تاركه و بعضها يكره تركها؟ ...
و للمسألة بحث إن شاء الله
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[17 - 03 - 06, 10:27 م]ـ
الأخ الكرم عبد القادر .. نعم ليست مسلمة.
ولا خلاف أن تجويده أفضل .. حتى عند من لا يرى الوجوب. أما بالنسبة للقراءات فقد أفاض علماء القراءات في بيان المتواتر من الشاذ .. وجعلوا شروطاً لقبول الرواية كما أوضحت مؤلفاتهم رحمهم الله ..
أما القدر الواجب إن كان ثمة، فهو ما يميز القرآن عن غيره .. فالأحكام التجويدية إنما كانت بالاستقراء كما هو حال كثير من العلوم .. هناك من الدقائق ما لا يدركه إلا المتقنون .. والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها .. أما أحكام التجويد الظاهرة الواضحة فالأخذ بها حتم لازم .. والله أعلم.
أتمنى أن تتحفنا ببعض ما عندك .. رعاك الله.
ـ[أبو زكريا الشافعي]ــــــــ[18 - 03 - 06, 12:17 م]ـ
.
لو راعينا هذا الجانب هنا لقلنا حكم التجويد (وجوباً أو استحباباً) نأخذه من أئمة القراءة، فهم ناقلوا هذا القرآن إلينا تواتراً .. ومعلوم أنهم يرون وجوب التجويد كما هو واضح في قول الإمام اين الجزري:
والأخذ بالتجويد حتم لازم ...... من لم يجود القرآن آثم
ثم ساق دليله رحمه الله:
لآنه به الإله أنزلا ...... وهكذا منه إلينا وصلا
والله أعلم.
أخي الكريم. عملا بقاعدة التخصص التي قلتها فإن من يقول على شئ حلال أو حرام أو مستحب هم الفقهاء. فهم من يستنبطون من النصوص الحكم الشرعي للمسئلة لا القراء
هذا و الله اعلم
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[18 - 03 - 06, 05:24 م]ـ
الأخ الكريم أبا زكريا حفظك الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وجزاك خيراً على تعقيبك.نعم أخي الكريم. عملا بقاعدة التخصص التي قلتها فإن من يقول على شئ حلال أو حرام أو مستحب هم الفقهاء. فهم من يستنبطون من النصوص الحكم الشرعي للمسئلة لا القراء ..
أوافقك وذلك في المسائل الفقهية وهم المستنبطون .. أما في مسألة التجويد يجب أو لا يجب فالعلم لدى القراء الناقلون .. فليس للفقيه أن يقول لا تجوز هذه القراءة في قراءة حفص عن عاصم مثلاً أو لا تجوز في قراءة فلان .. إذ الفقهاء المتخصصون في الفقه - فقط - لم ينقلوا كيفية القراءة ولم يحيطوا بها .. مثلاً الفقيه لا يقول في العروض يجب أن تكون على التفعيلة الفلانية ولا يجوز تغييرها إلا إن كان مع فقهه عالما بالعروض.
وعلى كل فالإمام الجزري - رحمه الله - لم يكن عالماً في التجويد والقراءات فحسب بل كان عالماً في التفسير والحديث والفقه وأصوله والتوحيد والبلاغة والنحو والصرف واللغة وغيرها، وقد ولي القضاء بدمشق كما ولي القضاء بشيراز. وممن تلقى عنهم الحديث والفقه والأصول والمعاني والبيان خلق كثير من شيوخ مصر منهم، الشيخ ضياء الدين سعد الله القزويني، وأذن له بالإفتاء سنة 778هـ، والشيخ صلاح الدين محمد بن إبراهيم بن عبدالله المقدسي الحنبلي، والإمام المفسر المحدث الحافظ المؤرخ أبي الفداء إسماعيل بن كثير صاحب التفسير المعروف، وهو أول من أجاز له بالإفتاء والتدريس سنة 774هـ، وكذلك شيخ الإسلام البلقيني سنة 785هـ .. (انظر موضوع من هو ابن الجزري) لأخينا أبي عبد الله السلفي حفظه الله.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=8559
والله أعلم.
ـ[أبو زكريا الشافعي]ــــــــ[18 - 03 - 06, 06:25 م]ـ
بارك الله فيك. فيقول المقرئ هذا خطأ و ليس قرأن, ولكن جزئية هذا حرام اي إن قرأتها هكذا تأثم ....... مازال الأمر غير واضح عندي. اجد القراء (أنظر هداية القارئ للمرصفي) يذكر الادلة الشرعية و يستنبط منها الحكم .... اليس هذا ما يفعله الفقيه. انا لا اتكلم على ابن الجزي و لكن اتكلم على فعل من هم قراء و ليسوا فقهاء. ارجو التوضيح
ـ[أبو هداية]ــــــــ[18 - 03 - 06, 09:10 م]ـ
الحمد لله
أخي الفاضل: أبا الحسن، للفائدة فهناك رواية أخرى للبيت يرجحها بعض المحققين، وهي أقرب للصواب من جهة المعنى، لأنها أعم
والأخذ بالتجويد حتم لازم ... من لم يصحح القرآن آثم.
وجزاك الله خيراً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/179)
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[18 - 03 - 06, 09:49 م]ـ
الأخ الكريم، أبا زكريا. وفيك بارك الله .. قول المقرئ هذا خطأ وليس بقرآن؛ يدخل القراءة تحت دائرة التحريم إن كان ملما بالقراءة التي يتكلم عنها، أو يعلم بأنها غير صحيحة. كذلك إن قال - أي القارئ - تأثم إن قرأتها هكذا وقصد القراءة الخطأ فهو كما قال ..
واستنباط الأحكام في المسائل الفقهية للفقهاء بلا نزاع. والقراء الذين لا يعلمون عن الاستنباط في الأحكام لا يخرجون عن قراءاتهم التي تلقوها .. وليس لهم في الفقه ..
بالمقابل فإني قصدت الفقهاء الذين ليست لديهم إجازة أعني لم يتلقوا القراءة بالأسانيد .. هل نأخذ أقوالهم بدون مناقشة أدلتهم .. وعلى كل فلننتظر ما يجود به علينا أخونا عبد القادر لعل الأمر يتضح .. أرجو المعذرة لركاكة ردي هنا ..
---
الأخ الفاضل، أبا هداية، حكمك بأنها الأقرب للصواب من جهة المعنى، لأنها أعم؛ غير مسلم، إذ أن قول ابن الجزري - رحمه الله -: من لم يجود القرآن آثم، نسخة معتمدة وهي التي عليها الإجازة، كما أن عليها شرح الأئمة الكبار المتقدمين كشرح ابن الناظم وشرح المشايخ كخالد الأزهري و زكريا الأنصاري وملا علي القاري.
كما أن شروحهم في رواية: من لم يصحح القرآن آثمُ .. يصححُ: يعني يصححه مجوداً كما في شرح المتقدمين كالشيخ زكريا الأنصاري ..
ثم تأمل قوله في صدر البيت الذي لم يختلف فيه: والأخذ بالتجويد حتم لازمُ .. إذ ذكر (التجويد) ..
جزاك الله خيراً على إضافتك ..
ـ[نجيب أبو عبد الرحمن]ــــــــ[19 - 03 - 06, 12:44 ص]ـ
أما الجزري رحمه الله تعالى فقد ثبت أنه قال من لم يجود القرآن آثم فلامجال لردها بناءا على النتيجة ولكن على الطالب أن يناقش هذه المسألة علميا لا بالعطفة أو التقليد
ولكن أريد أن أنبه على أمور وهي
1 - أن كلام محمد بن الجزري فليس وحيا حتى نتاحكم إليه ولهذا فالأولى أخي أبي الحسن أنك تستدل على مخالفيك بقوله تعالى (ورتل القرآن ترتيلا)
2 - وقفة عند قوله لم يجود القرآن فقد يكون المراد والله أعلم ماجاء في الآية (ورتل القرآن) أي تغن به لقوله صلى الله عليه وسلم (من لم يتغن بالقرآن فليس منا) وقوله (زينوا القآن بأصواتكم)
3 - وقفة أخرى عند قوله واجب فقد اختلف أهل العلم في مسألة الوجوب على قولين بين قائل بالوجوب العيني وقائل بالوجوب الكفائي
4 - إن الإمام ابن الجزري شافعي المذهب فقهيا والشافعية رجحوا الوجوب العيني فأخذ بالمذهب
5 - لابد أن لايهدر الخلاف في مثل هذه المسائل فتبقى المسألة بين قولين ولايجزم بأحدها
6 - أن المفرط الذي تمكن من تعلم الأحكام ولم يتعلم لا شك أنه قد جانب الصواب وهو على غلط أما الذي لم يتيسر له ذلك فيدخل في قوله صلى الله عليه وسلم (000 ومن قرأ القرآن وهو يتتعتع في فله أجران)
والعلم عند ربي (وقل رب زدني علما)
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[19 - 03 - 06, 06:32 م]ـ
أخي الكريم، أبا عبدالرحمن حفظك الله. أحسنت بارك الله فيك. فكلام ابن الجزري - رحمه الله رحمة واسعة - ليس قرآناً يحتكم إليه. ولكن الأدلة كما تعلم نقلية وعقلية. وأنا لم استدل بقوله: (من لم يجود القرآن آثم)، على وجوب التجويد ولكني ذكرت البيت الذي يليه وقلت: فدليله على وجوب التجويد: أنّه أنزل مجوداً بالصورة المعروفة في القراءات ... ثم أنه وصل إلينا عن طريق أئمة القراءة على الصورة التي أنزل عليها .. وهذا دليل قوي يحتاج إلى رد مناسب لمن لا يرى وجوب تجويد القرآن.
فكما ترى، أني أخذت بدليله لقوة حجته ولم أر رداً مناسباً.
وقد ذكرت قوله تعالى (ورتل القرآن تلاتيلا)، قلت: والأمر يقتضي الوجوب .. ومعرفة الترتيل وكفيته لا يتوصل إليه باجتهاد بل بالمشافهة .. وقد ورد إلينا القرآن بالتواتر مجوداً كما هو معلوم.
أما قولك في الآية: والمراد والله أعلم ... تعنّ به!! فيردُ عليه سؤال: كيف يتغنّى به؟ هل يتغنّى به كيف شاء؟ أم أنّ هناك قواعد معروفة نقلت إلينا تواتراً .. والجواب: أن هناك قواعد نقلت بالتواتر. بقي هل يجب التقيد بها أم له الخروج عنها؟ وهذا لب موضوعنا رحمك الله.
أما قولك عن الوجوب العيني والكفائي فقد أجاب عليه مشايخ القراءة - رحمهم الله - إذ أنهم قد صرحوا بأن تعلم التجويد ودراسته نظرياً؛ على الكفاية. أما تطبيقه (التجويد) لمن أراد قراءة القرآن فعلى الوجوب .. ولنا أن نناقش أدلتهم!!
ثم أن الإمام ابن الجزري وإن أخذ بالمذهب فقد أورد الدليل ولم يكتف بالتقليد ... وقولك بعدم الجزم بأحدهما لا أدري كيف نطبقه؟ إذ أن التجويد إما أن يكون واجب يؤثم تاركه أو مستحب .. ولا يكون الاستحباب وجوبا.
ولي تعليق على قولك الأخير في النقطة رقم 6 إن بسر الله أعود له .. وجزاك الله خيراً على مأفدتنا به زادني الله وإياك علماً نافعاً.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/180)
ـ[حازم المصري]ــــــــ[19 - 03 - 06, 06:35 م]ـ
للحافظ ابن حجر كلام ماتع في المسألة في شرحه لحديث عمر بن الخطاب الذي أخرجه البخاري:
أنزل القرءان على سبعة أحرف .... الحديث
فليراجع.
ـ[أبو هداية]ــــــــ[19 - 03 - 06, 11:47 م]ـ
الحمد لله
(للمدارسة فقط)
مجرد الفعل من الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يدل على الوجوب، وفي الحديث ((من أراد أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليقرأه على قرآءة ابن أم عبد)) مما يدل على أن قراءة الصحابة متفاوته في الالتزام بالقراءة المجودة.
وجزاكم الله خيراً.
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[20 - 03 - 06, 07:23 م]ـ
الأخ الكريم حازم المصري حفظك الله وجزاك خيراً. على الإحالة.
ـ[محمد فوزي الحفناوي]ــــــــ[21 - 03 - 06, 12:38 م]ـ
السلام عليكم
أرجو أن نتدارس المسألة ولا نتوغل في من له أحقية الفتوى فيها ,فلو رجحنا من له الأحقية فسوف تصادفنا مسألة التحقيق في العلماء هذا من القراء وليس من الفقهاء فالأفضل أن تفرش أدلة الكل
ولي إقتراح من الأخوة الأفاضل أن يتبيوا الفروع المتداخلة في السؤال قبل الخوض فيه ليسهل الجواب بإذن الله العليم, فيقال:
ما المقصود بالتجويد المحتوم الأخذ به؟
1 - أهو ضبط القرآن على أحد الروايات وعدم خلط رواية بأخرى كأن يضبط رواية ورش عن نافع.
2 - أو أوسع من ذلك بضبط القرآن على أحد القراءات فلا يخلط قراءة بأخرى, ولو أدخل بين روايات القراءة الواحدة, كأن بضبط قراءة نافع ويدخل بين رواية ورش وقالون.
3 - أم نتوسع أكثر بقراءة القرآن على ما وافق لغة العرب ولهجتهم ولم يخلط بين المعاني, ولو أدخل بين القرآت والروايات المتنوعة؟
فإن كان الأول أو الثاني أو الثالث فما المقصود بمن لم يجود الآثم؟
4 - أهو القارئ لنفسه.
5 - أو القارئ للناس (الإمام والخطيب) و المعلم.
فإن كان الرابع أو الخامس فمن هو؟
6 - أهو القادر على التعلم ومفرّط
7 - أو العاجز عن التحصيل
فتكون الإجابة على ستة مسائل مركبة من:1+4+6 و 7
1+5+6 و 7
2+4+6 و 7
2+5+6 و 7
3+4+6 و 7
3+5+6 و 7
فإرجو المشاركة والإجابة على كل مسئلة وبورك فيكم
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[21 - 03 - 06, 08:03 م]ـ
الأخ الكريم أبا هداية هداني الله وإياك إلى طريق الخير والرشاد.
مجرد الفعل من الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يدل على الوجوب، ولكن!! أرأيت إن كان لم يخرج عن ذلك الفعل!! هل نستدل عليه بالوجوب .. بغض النظر عن باقي الأدلة الأخرى لمن يرى وجوب التجويد ..
مجرد الفعل لا يدل على الوجوب، نعم .. لكن في مسألتنا (قراءة القرآن) لم تصلنا رواية متواترة إلا وهي مجوّدة .. فهل نجيز قراءة القرآن كما تقرأ الأخبار أو كما تروى الأشعار؟ انظر إلى ما أورده الشيخ أبو بكر آل زيد في تبديع من يقرأ ببعض السجدة وبعض الإنسان في صلاة فجر الجمعة .. وقبله ابن القيم رحمه الله .. استدلوا بعدم فعله - صلى الله عليه وسلم - لذلك وتقيده بتمام قراءته للسورتين ..
وفي الحديث ((من أراد أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليقرأه على قرآءة ابن أم عبد)) مما يدل على أن قراءة الصحابة متفاوته في الالتزام بالقراءة المجودة .. متفاوتة في الإتقان ولكن كلها _ القراءات الواردة عتهم رضي الله عنهم - مجودة .. ويدل الحديث قبل ذلك على أن نقرأه كما قرأ ابن أم عبد وهذه القراءات التي بين أيدينا عن طريقه رضي الله عنه كلها وردت بالتجويد كما وردت جميع القراءات الصحيحة المتواترة بالتجويد ..
جزاك الله خيراً على إضافاتك المفيدة ..
ـ[سرمد المغربي]ــــــــ[21 - 03 - 06, 11:06 م]ـ
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
ما رأي فضيلتكم في تعلم التجويد والالتزام به؟ وهل صحيح ما يذكر عن فضيلتكم من الوقوف بالتاء في نحة (الصلاة - الزكاة)؟
فأجاب قائلا: لا أرى وجوب الالتزام بأحكام التجويد التي فصلت بكتب التجويد، وإنما أرى أنها من باب تحسين القراءة، وباب التحسين غير باب الإلزام، وقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مداً قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم.
والمد هنا طبيعي لا يحتاج إلى تعمده والنص عليه هنا يدل على أنه فوق الطبيعي.
ولو قيل: بأن العلم بأحكام التجويد المفصلة في كتب التجويد واجب للزم تأثيم أكثر المسلمين اليوم، ولقلنا لمن أراد التحدث باللغة الفصحى: طبق أحكام التجويد في نطقك بالحديث، وكتب أهل العلم، وتعليمك، ومواعظك.
وليعلم أن القول بالوجوب يحتاج إلى دليل تبرأ به الذمة أمام الله عز وجل في إلزام عباده بما لا دليل على إلزامهم به من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو إجماع المسلمين وقد ذكر شيخنا عبد الرحمن بن سعدي في جواب له أن التجويد حسب القواعد المفصلة في كتب التجويد غير واجب.
وقد أطلعت على كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حول حكم التجويد قال فيه ص 50 مجلد 16 من مجموع ابن قاسم للفتاوى: " ولا يجعل همته فيما حجب به أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن إما بالوسوسة في خروج حروفه، وترقيمها، وتفخيمها، وإمالتها، والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط وغير ذلك فإن هذا حائل للقلوب قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه، وكذلك شغل النطق بـ " أأنذرتهم " وضمالميم من " عليهم " ووصلها بالواو وكسر الهاء، أو وضمها ونحو ذلك، وكذلك مراعاة النغم وتحسين الصوت ".ا. هـ.
وأما ما سمعتم من أني أقف بالتاء في نحو " الصلاة - والزكاة " فغير صحيح بل أقف في هذا وأمثاله على الهاء
http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_17907.shtml
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/181)
ـ[أبو هداية]ــــــــ[21 - 03 - 06, 11:18 م]ـ
الحمد لله
أخي الفاضل: أبا الحسن الشرقي، جزاك الله خيراً على الفائدة، وعلى حسن أدبك، ودماثة خلقك.
غفر الله لي ولك.
ـ[أبو معاذ الأسمري]ــــــــ[22 - 03 - 06, 08:30 ص]ـ
ذكر بعض المتخصصين في علم القرءات
الدكتور ابر اهيم الدوسري
ان مقصود ابن الجزري هو الوجوب الصناعي وليس الشرعي الذي ياثم بتركه
مع التاكيد على نطق الحروف من مخارجها الصحيحه
ولكن القول بوجوب مسائل الصفات والادغام والاظهارونحوها قول بعيد
ذكرها في شرح المقدمه الجزريه
ـ[ابن القاضي الأثري]ــــــــ[22 - 03 - 06, 10:26 ص]ـ
جزاكم الله خيراً
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[22 - 03 - 06, 05:28 م]ـ
أخي الفاضل، محمد فوزي الحفناوي بارك الله في مسعاك و حقق على الخير مناك ..
المقصود بالتجويد: العلم الذي يعنى بكيفية قراءة القرآن. وهو كما عرفوه اصطلاحاً: إعطاء كل حرف حقه ومستحقه ... الخ. والخلط بين القراءات والروايات في الصلاة أو قراءة الإنسان أو حتى في الرواية من طرق مختلفة، كأن تخلط في قراءة حفص عن عاصم بين مد المنفصل وقصره؛ مما يعتبر من التلاعب بالقرآن الكريم، إلا إن كان في نحو مقام التعليم أو التذاكر أو العرض أو الاختبار .. وعلى كل فهذا الأمر خارج عن موضوعنا،،، وذلك لأن القراءات المتواترة بأسانيدها الصحيحة المعتبرة – من غير استثناء فيما أعلم – قد وردت مجوّدة ووصلت إلينا كذلك، وستصل بإذن الله إلى من هم بعدنا غضة طرية، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
والموضوع المثار لا يعني قراءةً بعينها، ولكن يعني بالكيفية للقراءة أي (مجوّدة) لما سبق ذكرها بأنها – كلّها – جاءت كذلك،،، هل نلتزم بها أم نفعل كما نشاء، فنمد اللازم مثلاً والذي أجمعت القراءات على أنه يمد ست حركات. نمدّه مرة حركتين ومرة أربع حسب المقام والتلحين بحجة التغني. أونمد ما لا مد فيه، كمن يمد لفظ الجلالة (الله) عند اللام!! وبأذني سمعت إماماً يقرأ قوله تعالى (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه) فمد (به) ست حركات .. يعني لا التزام بالتجويد .. هذا هو محل نقاشنا .. فمن لا يرى الالتزام بالتجويد يقول لا بأس .. ومن قال بوجوبه يعتبر القاريء متلاعباً!
أما من المقصود بالتأثيم؟ فالسابع (العاجز عن التحصيل) خارج عن دائرة التأثيم عند الفريقين، إذ أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها .. والسادس (القادر على التعلم وفرّط) فثمرة الخلاف أن: من يرى وجوب التقيد بالكيفية (التجويد) يؤثمه لوقوع التفريط منه .. ومن يرى عدم وجوب التجويد فلا يؤثّمه إذ التجويد عنده شيء زائد فلا شيء في تركه .. والعلم عنده تعالى ..
أمّا تفريقك بين القارئ لنفسه و القارئ للناس إماماً أو خطيباً والمعلم فلا وجه له - ربما -!! إذ القارئ قارئٌ، أياً كان: لنفسه أو غيره، مع الانتباه - أخي الكريم - إلى مراتب القراءة عند أهل الاختصاص، فهناك فرق بين مرتبة التحقيق والحدر، ولا يخفى ذلك على أمثالك ..
جزيت خيراً على مشاركتك القيمة وحسن عرضك لنقاط مهمة تحصر نقطة الخلاف وتوضحها ..
ـ[نجيب أبو عبد الرحمن]ــــــــ[22 - 03 - 06, 11:32 م]ـ
أخي الشرقي أشرق الله وجهك بنور القرآن
أما بعد ألا ترى أن قولك تلاعب بالقرآن فيه نوع مجازفة فهلا دللتنا على عالم استعمل هذا التعبير
إنك تعلم أكثر مني أن القرآن إنما أنزل على أحرف سبعة أي على لغات عربية سبعة كما قال ابن الجزي في التقريب تحت باب سبعة أحرف وماهذه السبعة إلا من باب قوله تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) أما التخليط بين القراءات فلاحرج فيه كما حقق هذا الإمام الألباني رحمه الله
نعم الأحكام أنفسها هي محل النقاش أما الجمع أو الخلط فهذا كله كلام المولى تبارك وتعالى هكذا سمعه جبريل بكل رواياته وطرقه ووجوهه
أخي أبا الحسن هلا تأملت تعريف علي رضي الله عنه للتجويد إذ قال هو مخارج الحروف ومعرفة الوقوف
رجاء من الإخوة أن ينسبوا الأقوال والأحكام إلى أهلها حتى لا نضيع الوقت فيما لاينبغي فالوقت ذهب إن ذهب ذهب
اللهم أرنا الحقّ حقا وارزقنا اتباعه
ـ[عبد القادر المغربي]ــــــــ[23 - 03 - 06, 12:19 م]ـ
و هذه فتوى للشيخ الألباني رحمه الله،
الشريط 289 الدقيقة 49:31
سئل الشيخ عن القراءة بدون تجويد خاصة إذا أراد أن يقرأ ورده أو أراد المراجعة، هل يجب التجويد في القراءة أم لا يجب؟
إجابة الشيخ:
التجويد أخي، فيه تجويد و فيه ترتيل. التجويد معناه كما نعلم جميعا أنه مثلا الغنة الإخفاء و الإدغام هذا يمكن و لو بالإستعجال، فلا يجوز أن تقلب الإظهار إلى إقلاب أو الإقلاب إلى إدغام أو ما شابه ذلك سواء قرأت هردا كما قال بن مسعود في بعض الروايات كهرد الشعر أو قرأت كما قال الله تعالى في القرآن و رتل القرآن ترتيلا. هذا لابد أن يحافظ عليه
المقصود أنه بدون غنة أو بدون مدود من أجل السرعة،
المد المتصل ستة و أقله أربعة فلابد من أربعة، المد الطبيعي حركتين ما بيجوز حركة من أجل العجلة و هكذا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/182)
ـ[عبد القادر المغربي]ــــــــ[23 - 03 - 06, 12:23 م]ـ
و هذه كلمة مطولة يوضح فيها الشيخ الألباني المسألة:
الشريط 372 الدقيقة 29:54
سئل الشيخ عن أحكام التجويد فالبعض يعتبرها واجبا و يؤثمون من لم يتعلمها تعلما، و البعض الآخر قد يتساهل فيها و يتهاون في أمرها. فالسؤال هنا أولا ما رأيكم في قول من قال بوجوبها و أثم تاركها، و ثانيا ما رأيكم في مشروعية هذه الأحكام؟ و الأدلة عليها من الكتاب و السنة والآثار السلفية. و قد ثبت عن بعض السلف أو بعض الأئمة أن بعضهم كره الإمالة و بعضهم كره الإدغام الثقيل. و كذلك كلام لبعض الأئمة المتأخرين مثل الذهبي غيره و لهم كلام في من يتنطعون في قراءة القرآن و يكلفون تلفا شديدا في إخراج الحروف، تكلف يحتاج أيضا إلى بيان حكمه؟
الشيخ
أقول و بالله التوفيق أن أحكام التلاوة و التجويد شأنها عندي شأن الأحكام الواردة في المذاهب. فبعض هذه الأحكام من حيث ثبوتها لها دليل من الكتاب و السنة، و تارة إجماع الأمة، و بعضها بالقياس و الإجتهاد، و الإجتهاد و القياس معرض للخطأ و للصواب. هذا من حيث الثبوت و من حيث الحكم فبعض هذه الأحكام كما لا يخفاكم هي واجبة، أو فريضة، يأثم مخالفها أو تاركها وبعضها من السنة، يثاب فاعلها و لا يعاقب تاركها. و بعض هذه الأحكام خاصة ما كان منها قد صدر عن العلماء المتأخرين الذين غلب عليهم الجمود على التقليد فيقع منهم استحسان بعض الأحكام و هي بدعة مخالفة للسنة، هذه التفصيل الموجود في الأحكام الفقهية موجود تماما في الأحكام التجويدية إذا صح التعبير.
و من المؤسف أننا لا نجد في كتب الحديث بابا، عفوا كتابا فضلا عن أننا لا نجد فصل، فضلا عن أننا لا نجد بابا خاصا يتعلق بهذه الموضوع الذي تسأل عنه. و لذلك فالأمر، ليكون الإنسان في ذلك على بينة، يحتاج ما يحتاجه العالم الفقيه فيما يتعلق بالأحكام الشرعية من المعرفة بالتفسير و بالحديث متنا و إسنادا، حتى يتمكن من تمييز ما له دليل أولا و ما ليس له دليل و ثانيا أن يعرف أحكام المسائل التي تعرض لها الكتاب و السنة. يجب أن يكون عالما بالكتاب و السنة و بالآثار السلفية، و هذا طريقه ميسر كما تعلم، مذلل، بحيث يستطيع العالم أو طالب العلم المجد المجتهد، أن يصل إلى معرفة ما هو في صدد البحث عنه من الأحاكم الشرعية. أما ما يتعلق بالأحكام المتعلقة بعلم التجويد فذلك صعب جدا و لذلك فالجواب عندي، أنه يجب أن يكون عندنا علماء بالتجويد، و هؤلاء لهم وجود و الحمد لله، لكن في علمي ليس لدينا علماء في علم التجويد سلفيين، كما يوجد عندنا في الأحكام الشرعية، لأننا بهؤلاء العلماء نستطيع الإجابة عن سؤالك ذي الشقين. هل كل هذه الأحكام لها أدلة من الكتاب و السنة؟ ثم هل كلها بمثابة واحدة فهي واجبة يأثم تاركها أو هناك أحكام واجبة شيء منها واجب و شيء منها مستحب، إذا أخل بهذا الشيء المستحب لا يحاسب و لا يعاقب بخلاف ما إذا أخل بالقسم الأول. الذي يتكمن من الإجابة عن مثل هذا السؤال هو العالم المجود السلفي. لأنني أعتقد أن التلاوة أو القراءة على الأحكام: أحكام التجويد، مأخذها التلقي، وليس مأخذها كالأحكام الفقهية تأخذ من الكتب مباشرة، إن لم يكن لطالب العلم شيخ متمكن في العلم بالكتاب و السنة. أنا مثلا لست متخصصا في علم التجويد و لا أستطيع أن أدعي ما ليس لي، فأقول مثلا مثلا أن المد الطبيعي فهو واجب، أنا أقول هذا في نفسي لكن لا أستطيع أن أفتي به، خشية أن يكون هناك عند المتخصصين في علم التجويد دليل يلزم القارئ بأن يمد المد المتصل أربع حركات أو ست حركات و المد المتصل خمس حركات. يمكن أن يكون عن هذا المتخصص دليل يلزمني أنا بأن أقول بمثل ما كنا قرأناه حينما ختمنا القرآن على بعض العلماء هناك. أما أن نقول هذا و اجب أو هذا مستحب ليس بواجب فهذا يتولاه المتخصصون في هذا العلم. و لذلك فأنا أتمنى أن يكون بعض طلبة العلم الذين نراهم الآن منكبون على علم الحديث إقبالا عجيبا جدا و يهملون العلوم الأخرى، منها مثلا علم التفسير، منها علم التجويد. لأن تخصص هؤلاء في هذا العلم سيكون فتحا جديدا في علم التجويد لأن العلماء الموجودين اليوم ما في عندهم ثقافة سلفية، أنه يجب أن يرجع في كل مسألة إلى كتاب الله و إلى حديث رسول الله، و لذلك فهم لا يحرصون أن
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/183)
يميزوا هل صحت هذه القراءة أم لم تصح، هل هذا الحكم واجب أو مستحب ... ما يهمهم. أما إذا نشأ جيل من الشباب السلفي و تخصص في دراسة علم التجويد فسيكون سببا كما قلت آنفا في فتح جيد في هذا العلم الذي يختلف فيه العلماء كما ذكرت خاصة في هذه البلاد و بصورة أخص البلاد النجدية. لأنه البلاد النجدية قبل محمد عبد الوهاب ما كانوا شيئا مذكورا. ولذلك فلا يعرف فيهم علماء متخصصون في كل علم و بالتالي لا يعرف منهم علماء كالعلماء الموجودين في مصر، في سورية، في الأردن، بل في باكستان و غيرها يحسنون قراءة القرآن على الأحكام التجويدية، بغض النظر ما حكمها ما دليلها. ولذلك نسمع حينما طفنا خاصة في الشهرين السابقين، لابد أنك سمعت، أنا جئت عمرة، كنا نصلي في بعض المساجد فنرى تفاوتا كبيرا بين بعض الأئمة و آخرين، بعضهم يقرأ قراءة جيدة و أفهم أنهم تلقوا القراءة هذه عن بعض علماء التجويد و بعضهم كالعامة لا يحسنون قراءة القرآن. فالمقصود يجب أن يتخصص ناس مؤسسين على الدعوة السلفية ليقدموا جوابا عن مثل هذا السؤال. لكن أنا مطمئن تماما أن واجب من لا علم عنده أن يتبع من كان علم عنده في مسألة ما، فمثلا فيما يتعلق بالأحكام الشرعية ليس لعامة الناس أن يقولوا لا هذا مو صحصح و هذا مش معقول ... لا، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، هذول علماء التجويد في هذا العلم هم أهل الذكر. فإذا قالو مثلا أحكام التجويد كلها للوجوب و كلها تلقيناها عن مشايخنا بالتوارث خلفا عن سلف فيجب على الآخرين من أمثالنا أن يتبعوهم فيما يقولون الشأن في ذلك كالأحكام الشرعية يجب على كل مسلم أنن يفهموا الحكم الشرعي بطريق دراسته الشرعية إن كان دارسا، أو إن كان أميا أن يسأل العالم و يفتيه و يعمل به، فإذا خالف يكون عاصيا. لأنه الله يقول فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، فهو ليس بالعالم ليس بالعالم حتى يسأل نفسه فهو يركب راسه و يفتيها بما عنده من جهل، فكما أن هذا لا يجوز في الأحكام و عليه أن يسأل أهل العلم فكذلك لا يجوز في التجويد و عليه أن يسأل أهل العلم، و كما أنه فيما يتعلق بالأحكام إذا سأل عالما و عمل بفتواه، ثم تبين له فيما بعد أن هذه الفتوى مخالفة لدليل من الكتاب و السنة يجب أن يرجع عنها إلى ما قام الدليل عليه من الكتاب و السنة. كذلك يجب لعلماء التجويد أن يسألوا و أن يفتوا بما عندهم، أصابوا أم أخطأوا هذا أولا بينهم و بين ربهم. ثانيا بالنسبة لنا نتبعهم لأنه ليس لنا خيار بأن ندع العلماء المتخصصين إلى جهلنا نحن بهذا العمل. فعلينا أن نتبع. فإذا ظهر لنا أن في هذا لإتباع شيئ من المخالفة بالدليل الشرعي خالفناهم و اتبعنا الدليل الشرعي.
أضرب لك مثلا اليوم القراء عمليا يختلفون: منم مثلا من يقف عند رؤوس الآي الفاتحة يقرأها آية، آية، و هذا من السنة كما تعلم، منهم من لا يفعل ذلك، قد يصل آية بأخرى و بخاصة إذا كانت الأخرى من حيث المعنى متممة للأولى، و هنا يوصل و كأنه يري ذلك واجبا و الدليل على ذلك أننا نجد في المصاحف المطبوعة حتى اليوم و بخاصة ما كان منها مطبوعا في اسطنبول نجد إشارات لا، لا تقف، مثل قوله تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، فويل للمصلين، لا: أي لا تقف، و لذلك فعلا جمهورهم لا يقف، لأنهم يأخذون المسألة بالعقل و بالمعنى. فما موقف علماء التجويد و القراءة بالنسبة لهذا المثال القدامى، و الراجح عند الجمهور أنه لا يصل آية بأخرى، لأن هذا خلاف السنة، لكن للمتأخرين الذين لا يهمهم دراسة أحكام التجويد على ضوء ما ثبت في السنة يقولون لا نحن الراجح وصل آية بالأخرى مادام الوقوف يفسد المعنى.
فهنا استطعنا أن نخالف جماهير القراء اليوم و أ ن قول الوصل خلاف السنة و القف هو السنة. لكن يا ترى كما حكم من وصل؟ هل أثم أم ترك السنة التي لا يعاقب تاركها و يثاب فاعله؟ هون بأ بدك إنسان معلم عارف بأحكام التجويد و بأدلة هذه الأحكام، هو الذي يستطيع أن يعطيك الجواب الثاني عن السؤال الثاني. نحن نقول السنة الفصل لكن ما حكم الوصل؟ لا ندري لأننا ما وجدنا جواب هذا السؤال في ما اطلعنا عليه من السنة. و لكن من الممكن للمتخصص أن يجد جوابا لهذا السؤال. كذلك مثلا بعضهم كما تعلم في السور القصار إذا ما انتهى من قراءة مثلا و الضحى بيكبر، بيقول الله
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/184)
أكبر هذا أيضا لا أصل له من السنة،
لكن يقولون أنه متواتر بالإسناد
هو هذا ما يدخل في كلامي السابق لابد لنا كمن دراسة، نقول من الذي يستطيع أن يقول أن هذا متواتر، هو العالم المطلع على علم القراءة و التجويد اطلاعا يشبه اطلاع العالم على أدلة المسائل المختلف فيها من الكتاب و السنة.
و كيف نثبت هذا التواتر؟
بالتلقي، لذلك أقول أن الأمر يحتاج إلى متخصص متأصل فيه مبدأ تحري الخلاف و تحري الصواب مما اختلف فيه العلماء. و على ذلك فقس هناك أحكام كثيرة و كثيرة جدا، ضربت أنت مثلا في مثل الإدغام مثلا و نحوه، هل هذا الإدغام فعلا كان الرسول عليه السلام يفعله؟ يحتاج إلى دراسة، فإذا ثبت أنه كان يفعله، يحتاج إلى دراسة ثانية ما حكمه؟ ممكن أن أقول أن حكم هذه الغنة مثلا هو كحكم مناسك الحج الأصل فيه الوجوب إلا ما قام الدليل على عدمه في بعض مناسك الحج، فأقول الأصل فيما قرأه الرسول عليه السلام أو في الوجه الذي قرأه عليه الصلاة و السلام أنها للوجوب لأنه القرآن هكذا أنزل، و هكذا لقنه جبريل للرسول عليه السلام، فالأصل الوجوب إلا إذا قام الدليل على غيره فهو ليس بواجب، نحن اليوم صلينا العصر في ذالك المسجد ما استطعت في أي ركعة من الركعتين الأخيرتين أن أقرأ الفاتحة ولا نصفها فقعدت أتساءل في نفسي هذا الإمام شو بيقرأ القرآن ..... صوتها فهذه مشكلة. فيجب إذن على هؤلاء الأئمة أن يتلقوا قراءة القرآن من أهل القراءة ثم بعد ذلك يبحث إن استطاع عن حكم هذه الأحكام أهي فريضة أم هي سنة. يحتاج هذا في الواقع كما قلت لك متخصصا ولست بهذا المتخصص، لكن أقد هذه البيانات بصورة عامة. و إذا كان لابد للجاهل من أن يقلد فيجب أن يقرأ كما يلقن، و كما يسمع، فإذا تبين له أن فيما سمع خطأ تبين له بالحجة و البرهان رجع عنه كما هو الشأن في الأحكام الشرعية هذا يمكنني أن أقول بالنسبة لهذا السؤال.
ـ[نجيب أبو عبد الرحمن]ــــــــ[23 - 03 - 06, 12:41 م]ـ
جزاك الله عبد القادر
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[23 - 03 - 06, 01:12 م]ـ
الأخ الكريم أبا هداية جزاك الله خيراً وهداني وإياك لما اختلف فيه من الحق ..
=-----=
الأخ المحترم أبا عبد الرحمن جزاك الله خيراً وزادني وإياك علماً .. وأستغفر الله العظيم من كل صغيرة وكبيرة .. أما قولي تلاعب فعلى مذهب من يرى عدم جواز الخلط .. ولم أقرأ هذه العبارة إلا أنه بإمكانك الرجوع إلى صريح النص في الكلم المختلف فيه عن حفص للشيخ علي الضباع رحمه الله ولعل فيه فائدة ..
هناك من رأي بجوازه عموما حتى في الصلاة كشيخ الإسلام رحمه الله ولابن الجزري رحمه الله تفصيل في ذلك .. وموضوع الخلط خارج ما قصدته في طرح موضوعي هذا فأرجو ألا يتشعب بنا الحديث ويذهب القصد فلا نبلغ الفائدة .. نعوذ بالله من الجهل والجدل .. وأستغفر الله تعالى عما قلته!! فجزاك الله خيراً ونفعنا بعلمك آمين ..
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[23 - 03 - 06, 01:20 م]ـ
أخي الكريم، سرمد المغربي: جزيت خيراً على نقلك لفتوى شيخنا الكريم رحمه الله رحمة واسعة وجعل الفردوس منزله، آمين ..
وشيخنا الحبيب ممن يرى عدم الوجوب كما نقلته،،، وسمعتُ بأنه رأى قبل موته – رحمه الله – بوجوبه – أي التجويد - فيما هو معلوم من أحكامه الظاهرة من غنن و مدود ونحوها،، ولا يوجب ما لا يعلمه إلا المتقنون، كتكرير الراء ومراتب التفخيم .. وسوف أتأكد بإذن الله أو أنقل كلام من حضر ذلك المجلس (بالمدينة المنورة) إن أمكن أو من نُقل إليه إن شاء الله .. وليس في ذلك قطع للمسألة .. والله أعلم بصحة ذلك!
أما ما ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مداً قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم.فدليل لمن يرى وجوب التجويد أيضاً. وقول الشيخ رحمه الله: والمد هنا طبيعي لا يحتاج إلى تعمده والنص عليه هنا يدل على أنه فوق الطبيعي.لا يسلم به بل يرد فيه على الشيخ، إذ أن المد الطبيعي مقداره حركتان، ولكن الحركتين تختلف بين مرتبتي الحدر والتحقيق علما بأن كليهما لا يخل بالتجويد. وبإمكانك التمييز بينهما إن كنت ممن يمد المد الطبيعي طبيعياً .. ولم ترد قراءة متواترة ولا شاذة بمد الطبيعي أكثر
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/185)
من قدره .. والنص إنما يدل على مراتب التلاوة لا على مد الطبيعي أكثر من حركتين .. فمن يحكم بمقدار الحركتين، إنما هو من تلقّاها بسنده إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ...
يقول رحمه الله: ولو قيل: بأن العلم بأحكام التجويد المفصلة في كتب التجويد واجب للزم تأثيم أكثر المسلمين اليوم ... هذا الكلام يساق للرد به على من قال بوجوب العلم بأحكام التجويد المفصّلة في كتب التجويد ... ولم يقل بذلك أحدٌ. حتى مشايخ القراءة، بل الوارد عنهم وجوب التطبيق والفرق بينهما كبير جداً .. فالأول على الكفاية حتى لا يضيع هذا العلم الذي إنما يؤخذ بالتلقي لا بالجتهاد. والثاني (تطبيق الاحكام) فرض عين لمن أراد قراءة القرآن ..
وقوله رحمه الله: ولقلنا لمن أراد التحدث باللغة الفصحى: طبق أحكام التجويد في نطقك بالحديث، وكتب أهل العلم، وتعليمك، ومواعظك. فقياسٌ مع الفارق، إذ أنا متعبدون بالقرآن دستورا وتلاوة بخلاف الحديث. إذ لم يقل أحد أن الحديث كالقرآن وأنا متعبدون بتلاوته وأن بكل حرف عشر حسنات .. ثم أن التجويد ثبت بالاستقراء وهو مما يختص بلفظ آي الله تعالى لا يشاركه الحديث النبوي في ذلك. قال تعالى (ورتل القرآن ترتيلاً). ولو أمرنا بترتيل الحديث لامتثلنا. بل على العكس، لو قال قائل لا تطبق التجويد في غير القرآن لأنه إنما ورد للقرآن لا لغيره، فالتزم بذلك؛ لكان لقوله وجه. وهو خارج ما نحن بصدده هنا.
قال ابن الجزري رحمه الله تعالى:
لأنّه به الإله أنزلا ****** وهكذا منه إلينا وصلا
وليس بينه وبين تركه ***************** إلا رياضة امرئ بفكه
جزاك الله خيراً على إتحافك لنا بفتوى الشيخ أسكنه الله الفردوس الأعلى، آمين.
------
عودة إلى الأخوة بإذن الله وأرجو المعذرة على التقديم والتأخير في الردود جزاكم الله خيراً ..
ـ[أبو زكريا الشافعي]ــــــــ[23 - 03 - 06, 01:24 م]ـ
عملا بقول الشيخ الالباني نرجع للمتخصخين. هم قسموا اللحن في القراءة الي قسمان جلي و خفي. و ذالك الخفي هو ما يختص بمعرفته اهل التجويد كالادغام و المدود بخلاف الجلي كالاخلال بحركة ,كأن تقلب الفتحة ضمة أو الاخلال بمبني الكلمة, فقالوا هذا حرام و اختلفوا في اللحن الجلي فمنهم من قالوا يحرم (كالشيخ المرصفي في هداية القاري) و منهم من قال لا يحرم كألملا علي القاري و زكريا الانصاري في شرحهما على الجزرية. و الخلاف معروف و مشهور
قال الخاقاني في الخاقانية (هي اول منظومة تجويد تألف)
فكن عافا باللحن كيما و ما للذي لا يعرف اللحن من عذر
و قول السمنودي
اللحن قسمان قسم جلي و خفي كل حرام مع خلاف في الخفي
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[23 - 03 - 06, 01:29 م]ـ
أخي الكريم عبد القادر .. أحييك على هذا الجهد المبارك والله أسأل أن يوفقك لسعادة الدارين .. كلام الشيخ واضح ولي تعليق ولكن بعد أن أرد على الإخوان ..
أثلجت صدري بنقلك - يعلم الله - لك دعوات خالصة بالتوفيق والسداد .. وجزاك الله خيراً ..
ـ[عبد القادر المغربي]ــــــــ[23 - 03 - 06, 01:31 م]ـ
خلاصة كلام الشيخ الألباني رحمه الله أننا نسلم لصاحب الإختصاص لأننا في حكم المقلدين، و لكن إن تبين خطأ رأي صاحب الإختصاص بالدليل من الكتاب و السنة، فنتبع حينذاك الدليل و ندع قول صاحب الإختصاص.
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[23 - 03 - 06, 01:36 م]ـ
أخي الكريم، أبا معاذ الأسمري رعاه الله.
قول القائل: ان مقصود ابن الجزري هو الوجوب الصناعي وليس الشرعي الذي ياثم بتركه
مع التاكيد على نطق الحروف من مخارجها الصحيحه؛ بعيد إذ يرد عليه قوله: من لم يجود القرآن آثم .. ولا أعلم أن هناك إثما صناعياً ..
وقولك: ولكن القول بوجوب مسائل الصفات والادغام والاظهارونحوها قول بعيد
أقول: هذا ما نحن بصدده، رزقني الله وإياك العلم النافع والعمل الصالح ..
--------------
أخي الكريم، ابن القاضي الأثري .. وجزاك الله خيراً على تعقيبك وحسن دعائك ..
ـ[محمد فوزي الحفناوي]ــــــــ[01 - 04 - 06, 05:59 م]ـ
السلام عليكم
معذرتا على التأخر بسبب إنقطاع الخط في منطقتنا
أخي الشرقى جزاك الله كل خير ولي ملاحظات على كلامك
1 - قولك:وعلى كل فهذا الأمر خارج عن موضوعنا ......
فأنا أعني ما أقول لأن موضوعنا هنا حكم التجويد:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/186)
فالمعلوم أن الخلاف بين القراءات يكون في ضبط في بعض الرسم وفي الحركات وفي أحكام التجويد
ونعني هنا الخلاف في أحكام التجويد أي مخارج الحروف وأحكام المدود والإدغامات والإخفاء والإمالة بأنواعها ...
ولهذا لما سأل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إمام لايصحح قراءته
فأجاب رحمه الله: الحمد لله أما كونه لا يصحح الفاتحة فهذا بعيد جدا فان عامة الخلق من العامة والخاصة يقرأون الفاتحة قراءة تجزىء بها الصلاة فان اللحن الخفى واللحن الذى لا يحيل المعنى لا يبطل الصلاة وفى الفاتحة قراءات كثيرة قد قرىء بها فلو قرأ عليهم و عليهم عليهم أو قرأ الصراط و السيراط و الزراط فهذه قراءات .........
فلاحظ ذكر نوعين من الخلاف ضبط الحركة والتجويد (صلة عليهم وإنحراف مخرج الصاد)
ولذلك وقع الخلاف ماهو الواجب في التجويد
فكثير من المحققين على أن الواجب هو المتفق عليه بين القراء وهو قليل بالمقارنة مع المختلف فيه كالأجماع على إظهار النون عند الحروف الحلقية والمد الطبيعي ...... فهذا واجب يأثم تاركه لأنه يخرج عن المنقول الينا من النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا أنكر الإمام أحمد على بعض القراء المعاصرين له بعض الإدغامات والإمالات وعلل ذلك مرة بعدم وجودها في لغة العرب ومرة بإحداثها وعدم قراءة من قبله بها .. ففي إغاثة اللهفان:
وقال الفضل بن زياد إن رجلا قال لأبي عبدالله فما أترك من قراءته (أحد القراء) قال الإدغام والكسر ليس يعرف في لغة من لغات العرب, وسأله عبدالله ابنه عنها فقال أكره الكسر الشديد والإضجاع وقال في موضع آخر إن لم يدغم ولم يضجع ذلك الإضجاع فلا بأس به وسأله الحسن بن محمد بن الحارث أتكره أن يتعلم الرجل تلك القراءة قال أكرهه أشد كراهة إنما هي قراءة محدثة وكرهها شديدا حتى غضب وروى عنه ابن سنيد أنه سئل عنها فقال أكرهها أشد الكراهة قيل له ما تكره منها قال هي قراءة محدثة ما قرأ بها أحد - إغاثة اللهفان1 - 161
وأما المختلف فيه والذي فيه مذهبان كإظهار الميم الساكنة عند الباء او إخفاءها وإدغامات بعض الحروف و الترقيقات والإمالات ..... فهذا كله من المنقول الينا فيه توسعة إن شاء الله ولكن تجويد القرآن على رواية لاشك أنه أفضل ومطلوب (واجب صناعي) لحفظ تجويد القراءة المنقولة
قال في نهاية القول المفيد للشيخ مكي نصر رحمه الله ص10:الواجب في علم التجويد قسمان شرعي وهو ما اجمع عليه القراء كأحكام النون الساكنة والمدود المتفق عليها فهذا يأثم تاركه المخل به ويفسق ........ وواجب وصناعي وهو ما كان من مسائل الخلاف .... اهـ
2 - وأما قولك: أمّا تفريقك بين القارئ لنفسه و القارئ للناس إماماً أو خطيباً والمعلم فلا وجه له ...
التفريق بين القارئ لنفسه وللناس فهذا فيه كلام لإهل العلم من عدة نواحي من ذلك للشيخ العثيمين رحمه الله فتوى في عدم القراءة للعامة بما لايعرفونه حتى لا تقل هيبة القرآن في قلوبهم – فلو الإخوة يذكروننا بموضعها فأني نسيتها لطول المدة- وأنا حضرت لإمام قرأ للناس القارعة بسكتا ت حمزة وإضجاعه فأنكر العامة ذلك وأصبح محل تنكيت رغم أن الآيات لا تختلف في الضبط النحوي. وكذا المعلم للأولاد الواجب نجنيبهم اللحن
- وهذا كله مع مراعاة عدم مؤاخذة العاجز
فالمسألة متشعبة ومتداخلة كما نبهت فلو الأخوة يفيدوددنا في هذا الموضوع
ملاحظة:
وجوب التجويد قال به العديد قبل ابن الجزري وأشدّهم أبو العز القلانسي المتوفي 356 هـ القائل:
يا سائلا تجويد ذا القرآن ... فخذ هديت عن أولي الإتقان
تجويده فرض كما الصلاة ... جاءت به الأخبار والآيات
وجاحد التجويد فهو كافر ... فدع هواه إنه لخاسر
وغير جاحد الوجوب حكمه ... معذّب وبعد ذاك إنه
يؤتى به لروضة الجنات ... كغيره من سائر العصاة
إن الصلاة منهم لا تقبل ... ولعنة المولى عليهم تنزل
...... الخ
نستغفر الله لي ولإخواني من كل ذنب أو زلل ونسأله ان يتغمدنا برحمته الواسعة.
ـ[سعيد الحلبي]ــــــــ[01 - 04 - 06, 11:13 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مباحثة رائعة وفقكم الله
ولكن الحكم بالوجوب وغيره إنما هو للفقهاء (من باب التخصص)
أكرمك الله أبا الحسن
بيت ابن الجزري صحته
والأخذ بالتجويد حتم لازم ** من لم يجود القران آثم
بتخفيف القران
مع أن جل المشائخ ينطقونها كما أثبتم
وهو خطأ من أثر التصحيف
وجزاكم الله خيرا
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[10 - 04 - 06, 07:22 م]ـ
الأخ الكريم، سعيد الحلبي عصمني الله وإياك ..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. والأخذ بالتجويد حتم لازم ... من لم يجود القران آثمُ
هكذا وصلت إلينا بالسند الصحيح إلى قائلها - كما أثبتّه في ردك - رحمه الله. فجزاك الله خيراً على التنبيه. وأما من لبس لديه سند فقد ينطقها كما أثبتها في بداية موضوعي، والحديث ذو شجون.
كذلك التجويد قد ورد بالسند الصحيح المتواتر إلى المعصوم صلى الله عليه وسلّم. وإذ عنينا بأن نأخذ الكلام كما قيل عمن قاله من الناس (مع عدم اختلاف المعنى) إذ: من لم يجود القرآن آثمُ أو: من لم يجود القران آثم. لا تختلف معنىً ولا وزناً. ولكن وجب الرجوع إلى الأصل.
والخطأ ليس جراء التصحيف ولكن لعدم تلقيه مشافهة.
أقول: إذ ا اعتنينا بذلك في كلام المخلوق؛ ففي كلام الخالق من باب أولى مع الفارق الكبير. أضف إلى ذلك أن القرآن الكريم يختلف، إذ أنه قرآن مقري ومتلو على صفة معينة يجب التقيد بها. والتلقي هو الطريقة لأخذ هذا القرآن وتلاوته. والمكتوب وحده لا يمكن القارئ من الأتيان بح صحيحا.
جزاك الله خيراً.
--------
الأخ الكريم محمود الحفناوي رفع الله قدره، أعذرني على التأخير فلي عودة بإذن الله على تعليقك لا حرمت الأجر ك.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/187)
ـ[سعيد الحلبي]ــــــــ[10 - 04 - 06, 10:02 م]ـ
جزاكم الله خيرا
وأفهم ما ترمي إليه
ومحل مناقشته هناك لا هنا
لئلا نخرج الأمر عن مساره
========
وأما قولك أفاض الله عليك خيره
من لم يجود القرآن آثمُ أو: من لم يجود القران آثم. لا تختلف معنىً ولا وزناً. ولكن وجب الرجوع إلى الأصل.
فأنبهك بارك الله فيك إلى ان الوزن يختلف
لأن الأولى من الرجز
والثانية خارجة عن أوزان العرب ولغتهم
التي هي الأصل الذي يبنى عليه بشرط السلامة
وإن شئت مزيد بيان زدتك إن شاء الله
وفقكم الله ورعاكم
ـ[أبو الأم]ــــــــ[10 - 04 - 06, 10:33 م]ـ
سمعنا من بعض معلمينا ..
ان احدهم سال الشيخ الشنقيطي عن حككم ترك التجويد ..
فغضب الشيخ ..
وكان من جوابه ...
الذي يجعلك تقرأ المد في (كهيعص) كاف ها يا عين صاد ..
يجعلك تقرأ غيرها من المدود ..
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[11 - 04 - 06, 08:31 م]ـ
جزاكم الله خيرا
وأفهم ما ترمي إليه
ومحل مناقشته هناك لا هنا
لئلا نخرج الأمر عن مساره
========
وأما قولك أفاض الله عليك خيره
من لم يجود القرآن آثمُ أو: من لم يجود القران آثم. لا تختلف معنىً ولا وزناً. ولكن وجب الرجوع إلى الأصل.
فأنبهك بارك الله فيك إلى ان الوزن يختلف
لأن الأولى من الرجز
والثانية خارجة عن أوزان العرب ولغتهم
التي هي الأصل الذي يبنى عليه بشرط السلامة
وإن شئت مزيد بيان زدتك إن شاء الله
وفقكم الله ورعاكم
ما أرمي إليه - بارك الله فيك - متعلق بموضوعي هنا لا غيره من المواضيع فلعلك لم تستوعب ما أرمي إليه. أو لعلي عجزت عن إفهامك. فعذراً والكريم مثلك يقبل العذر.
أما الأوزان إن كانت خارجة عن البحور المعروفة فلا ضير إذ الشاهد ما زال قائما. أما خارجاً عن لغة العرب! فلم أفهم ذلك. ولعلي أعود إلى وزن الأبيات لتزداد معرفتي. ولا تبخل بما يمكن أن تجود به فنحن لذلك أهل إن شاء الله.
سررت بردك أخي الكريم.
ـ[سعيد الحلبي]ــــــــ[12 - 04 - 06, 01:16 ص]ـ
وفقك الله تعالى وبارك فيكم
أما قولي خارج عن أوزان العرب ولغتهم
فالثانية محض خطأ
ولعله من أثر الغفلة
وفقنا الله وإياكم إلى الحق
=======
وأما بالنسبة للوزن
فقوله رحمه الله
من لم يجو /ود القرا /ن آثم
مستفعلن متفعلن متفعلن
وأما الأخرى
من لم يجو / ود القرءا / ن آثم
مستفعلن * مفاعيلن * متفعلن
وهذا وزن غريب ليس في بحور الشعر مثله
هدانا الله وإياك إلى الصراط المستقيم
وجعلنا وإياك من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
ولا أتهمك باعجز عن إفهامي
وإنما أتهم نفسي بالقصور
رعاك الله تعالى
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[14 - 04 - 06, 06:27 م]ـ
الأخ الكريم، سعيد الحلبي جزاك الله خيراً ونفع بعلمك ..
---------
الأخ الكريم، أبو الأم حفظه الله. الحروف المقطعة في أوائل السور دليل آخر على وجوب التجويد إذ كيف تُقرأ تلك الحروف بدون التجويد .. إذا فالتجويد واجب ..
---------
من الرد 25 للأخ عبد القادر المغربي جزاه الله خيراً:
و هذه فتوى للشيخ الألباني رحمه الله،
الشريط 289 الدقيقة 49:31
سئل الشيخ عن القراءة بدون تجويد خاصة إذا أراد أن يقرأ ورده أو أراد المراجعة، هل يجب التجويد في القراءة أم لا يجب؟
إجابة الشيخ:
التجويد أخي، فيه تجويد و فيه ترتيل. التجويد معناه كما نعلم جميعا أنه مثلا الغنة الإخفاء و الإدغام هذا يمكن و لو بالإستعجال، فلا يجوز أن تقلب الإظهار إلى إقلاب أو الإقلاب إلى إدغام أو ما شابه ذلك سواء قرأت هردا كما قال بن مسعود في بعض الروايات كهرد الشعر أو قرأت كما قال الله تعالى في القرآن و رتل القرآن ترتيلا. هذا لابد أن يحافظ عليه
المقصود أنه بدون غنة أو بدون مدود من أجل السرعة،
المد المتصل ستة و أقله أربعة فلابد من أربعة، المد الطبيعي حركتين ما بيجوز حركة من أجل العجلة و هكذا.
أعتقد أن فتواه واضحة بوجوب التجويد ويؤخذ من قوله: فلا يجوز أن تقلب الإظهار إلى إقلاب أو الإقلاب إلى إدغام أو ما شابه ذلك .. ز
وقوله: المقصود أنه بدون غنة أو بدون مدود من أجل السرعة، المد المتصل ستة و أقله أربعة فلابد من أربعة، المد الطبيعي حركتين ما بيجوز حركة من أجل العجلة و هكذا.
ـ[ابو الحسن الشرقي]ــــــــ[28 - 08 - 06, 01:20 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
أعود إلى إجابة الشيخ الألباني رحمه الله ولا خلاف أنه من الفقهاء، يقول:
التجويد أخي، فيه تجويد و فيه ترتيل. التجويد معناه كما نعلم جميعا أنه مثلا الغنة الإخفاء و الإدغام هذا يمكن و لو بالإستعجال، فلا يجوز أن تقلب الإظهار إلى إقلاب أو الإقلاب إلى إدغام أو ما شابه ذلك سواء قرأت هردا كما قال بن مسعود في بعض الروايات كهرد الشعر أو قرأت كما قال الله تعالى في القرآن و رتل القرآن ترتيلا. هذا لابد أن يحافظ عليه ((لاحظ قوله: فلا يجوز أن تقلب الإظهار إلى إقلاب أو الإقلاب إلى إدغام أو ما شابه ذلك. إلا يدل على أنه يرى وجوب التجويد!! فلا يجوز أن تقلب الإظهار، أي: يجب أن تجعل الإقلاب إقلاباً)).
المقصود أنه بدون غنة أو بدون مدود من أجل السرعة، المد المتصل ستة و أقله أربعة فلابد من أربعة، المد الطبيعي حركتين ما بيجوز حركة من أجل العجلة و هكذا. ((قوله رحمه الله: فلا بد من أربعة. أي: يجب مدها إلى أربعة حركات. وهذا ما يوافق القراءة بالتجويد في حكم المتصل وسمي بالمد الواجب لاتفاقهم على أربعة حركات)).
مابين الأقواس من كلامي لا من كلامه رحمه الله.
هل اعتقادي في محله أم أنه مجرد وهم!!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/188)
ـ[أبو أحمد الهمام]ــــــــ[28 - 08 - 06, 11:07 ص]ـ
سألت الشيخ القارئ عبد المحسن القاسم -امام المسجد النبوي- عن زيادة المد الطبيعي عن الحركتين فقال
لا بأس اذا لم يغير المعنى
والشيخ لايرى وجوب التجويد
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[28 - 08 - 06, 12:15 م]ـ
الذي توصلت إليه بعد طول بحث في هذه المسألة هو:
حكم التجويد: فرض كفاية على عامة المسلمين من جهة العلم به. وأما من جهة التطبيق والعمل فحكمه يحتاج إلى تفصيل:
فالتجويد الذي يتوقف عليه صحة النطق بالحرف، ويترتب على الإخلال به تغيّر مبنى الكلمة أو فساد معناها؛ فتطبيقه واجب على كل من يقرأ القرآن الكريم. ويدخل في هذا القسم إخراج الحروف من مخارجها، وتحقيق صفاتها اللازمة التي تتميز بها. فمن أخل بشيء من ذلك فقد أخل بالواجب، وهو آثم إذا كان قادراً ولم يجوّد.
وعلى هذا يحمل قول الإمام ابن الجزري- رحمه الله- في نظمه:
والأخذ بالتجويد حتم لازم
من لم يصحح القرآن آثم
لأنه به الإله أنزلا
وهكذا منه إلينا وصلا
ودليل هذا من القرآن الكريم: قول الله تعالى: ? وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ?.فأمر الله تعالى هنا بالترتيل، وأكد الأمر بالمصدر: {تَرْتِيلاً} تنبيهاً لأهميته، وأنه مما لا بد منه للقارىء.
وأما ما زاد على ذلك من التجويد الذي لا يترتب على تركه إخلال بالنطق، ولا تغيير للمعنى، كبلوغ الغاية في تحقيق الصفات والأحكام، وضبط مقادير الغنة والمدود ضبطاً دقيقاً ونحو ذلك؛ فتطبيقه مستحب، ولا يأثم تاركه. والله أعلم.
ـ[عمر فولي]ــــــــ[28 - 08 - 06, 03:02 م]ـ
حفظ الله للقرآن
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله_ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا. أما بعد ...
فإخواني في الله .. هذا البحث من سلسلة بحوث تشمل التأصيل الصحيح لهذا العلم العظيم.
وبداية أقول:إن أعظم ما وهبه الله للعباد أنه أوكل لنفسه حفظ كتابه بعيدا عن أيدي البشر، حيث حرفت الأمم السالفة كتبها وغيروا أحكامها ولذلك خص الله هذه الأمة بهذه المزية قال تعالي: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} وقال أيضا: {لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} وقال: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً} إذن هو محفوظ من قبل رب العالمين ولكن ما هو المحفوظ من القرآن؟ وكيفية حفظه؟ وما حكم الاختلاف في أحكام التجويد؟ وهل الاختلاف في هذه الأحكام ـ أي أحكام التجويد ـ ينافي حفظ الله للقرآن؟ فهذه الأسئلة سوف أحاول الإجابة عليها ـ بحول الله ـ مدعما قولي بأقوال علمائنا وسلفنا الصالح ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ.
والسبب الذي دعاني لهذه السلسلة في التأصيل اعتقاد بعض البسطاء ممن دخلوا في هذا العلم أن الاختلاف في مسائل التجويد قد يصل إلي حد تبديع المخالف،وكل يجعل من نفسه إماما وعالما وهو فقير لا يعلم أنه يضع نفسه في مخالفة الأئمة أخذا منه بظاهر أقوال بعض علماء التجويد،ولما وجدت أن الجميع يستدل بقوله تعالي:" {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} قلت أبحث عن تفسير هذه الآية وما هي أقوال المفسرين وأيضا الأصوليين في الآية،وأعلم أن النتيجة التي وصلت إليها ـ تبعا لكثير من العلماء ـ ستكون صدمة للبعض خاصة أدعياء العلم،ومن قالوا بالتغير الصوتي في القرآن بمجرد أن نطقوا حكم الميم أو النون والتنوين مع الباء بفرجة، ومجرد الخلاف في كلمة "نذر" هل الراء مرققة أو مفخمة وهكذا سائر أحكام الخلاف فيمن هو من قبيل الهيئة، ولنبدأ بسرد أقوال المفسرين في قوله تعالي {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون}.
قال الطبري:" قوله تعالى ذكره: (إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ) وهو القرآن (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) قال: وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل مَّا ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه، والهاء في قوله: (لَهُ) من ذكر الذكر."
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(3/189)