عاشت الجزيرة العربية قبيل عهد الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ حالة سيئة في جميع الحالات الدينية، والعلمية، والسياسية، والأمنية، والاجتماعية والاقتصادية، والصحية [37] .
فمن الناحية الدينية: فإن الجزيرة العربية قبيل عهد الملك عبد العزيز قد أصابها ما أصاب الجميع من وهن العقيدة، وتفشي الجهل، والبدع، والضلالات، وإن كان بعض أهل الجزيرة قد وفقهم الله تعالى لتصحيح العقيدة، واتباع مذهب السلف الصالح، وترك البدع والشركيات، وذلك للأثر الذي تركته دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نفوسهم.
والحقيقة أن منطقة الحجاز كانت أسوأ حالاً من الناحية الدينية ـ حيث جلب الحُكام السابقون عن طريق اتصالهم بالسلاطين العثمانيين ـ عادات وتقاليد أعجمية لا تقرها الشريعة الإسلامية [38] .
أما عن الحالة العلمية: فإنه على الرغم من بعض الحلقات والدروس العلمية في الحرمين الشريفين، وفي بعض المساجد الأخرى، وعلى الرغم من تميز وسط الجزيرة بصفاء العقيدة واستقامة المنهج، واعتماد العالم والمتعلم على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى الرغم من وجود بقية من العلماء الذين تعلَّموا على أيدي أئمة الدعوة وتلامذتهم الذين قامت عليهم دعائم الدولة السعودية في سابق عهدها. فإنه على الرَّغم من ذلك كله، فإن هؤلاء العلماء كانوا من القلة بحيث أن بعض القرى ـ فضلاً عن البادية ـ لا يوجد بها من يقرأ أو يكتب، لانشغال الناس بكسب قوتهم، علاوة على عدم الأمن وكثرة قُطاع الطرق، وكان ذلك مانعاً للبعض من الرحلة في طلب العلم إلى المدن التي يتوافر فيها العلماء مثل مكة، والمدينة، والرياض، ونحوها.(40/194)
وأما من الناحية السياسية: فإن الجزيرة العربية في المدة التي سبقت تولّي الملك عبد العزيز زمام الأمور، في فوضى سياسية، يعمها الانقسام والتناحر والحروب، حيث أصبحت نجد كلها تبعاً لآل الرشيد، وفي الحجاز كان الشريف تابعاً للأتراك، وكانت السلطة غير منظمة في عهد الأتراك، فالوالي العثماني له حكمه، وللشريف حكمه، ولشيخ الحرم حكمه، ولرئيس العسكر حكمه، وذلك في مكة والمدينة.
وكانت في الأحساء حامية تابعة للأتراك أيضاً..
أما جنوب الجزيرة (عسير وجيزان) فكان يتبع الدولة العثمانية تارة، وتارة أخرى كان يستقل به أهلها، كإمارة آل عائض والإدريسي.
وهكذا كانت الجزيرة العربية قبيل عهد الملك في انقسام وتمزق، وكانت هدفاً لمؤامرات الدول الغربية والاستعمارية، التي كانت تستهدف استعمار ما بقي من العالم الإسلامي عامة، والعالم العربي خاصة [39] .
وأما عن الأمن: في الجزيرة العربية قبيل الملك عبد العزيز، فإنه كان مفقوداً، والناس يغلب عليهم التمزُّق والتفرُّق والانقسام، فيما بين بعضهم البعض، وفيما بينهم وبين المتجاوين في البلدان.
وكان حبل الأمن مضطرباً. فالقبائل في غارات مستمرة تقاتل بعضها بعضاً، لا يستقر لها حال، ولا يهدأ لها بال، والدماء تُسفك وتُراق لأتفه الأسباب، والانتقام والأخذ بالثأر هو شغلها الشاغل، فلا أمن ولا أمان، بل فوضى وعدوان [40] .
وكان الخوف شديداً، وقد عمَّت الفوضى والسلب والنهب والقتل وإزهاق الأرواح، فالحروب تقع بين القبائل ـ في البادية وبين القرى ـ لأتفه الأسباب، أو بسبب الطمع والنهب، وكان البدو يتحاكمون إلى العرف، والحضر يحارب بعضهم بعضاً. إذ ليس هناك سلطة قوية تسيطر على الأمور وتردع الظالم وتنصر المظلوم.
وكانت الانقسامات الإقليمية والغزوات القبلية، والحروب الأهلية من الأمور الشائعة. وقد جلب النزاع والتقاتل بين الأفراد والقبائل للأهالي المحن والويلات.(40/195)
وكانت الطرق محفوفة بالمخاطر من قطاع الطرق، فلا يذهب مسافر من جهة إلى أخرى إلا بعد الجهد والمشقة.
وكان من أشهر الأسباب التي ساهمت في زعزعة الأمن والاستقرار التنازع من أجل المراعي وموارد المياه والأخذ بالثأر.
وكانت رحلة الحج في سلسلة من المشقات، بل كانت نوعاً من المغامرة والمجازفة بعد أن انتشرت جرائم اللصوص، وعصابات قُطاع الطريق على الحاج بيت الله الحرام، وكان الناس يحذّرون المسافرين من أخطار الطريق، وكان من يريد الحج يودع أهله وداع مفارق لا عودة له بسبب سوء حالة الأمن واضطرابه، وكانوا يقولون: "الذَّاهب للحج مفقود، والعائد منه مولود" [41] .
حتى إنّه ليروى أن أحد قطاع الطرق قتل حاجا، وحين فتشه لم يجد معه سوى ريال واحد، فقالوا له: أتقتله من أجل ريال؟ فقال بلا خجل: الريال أحسن منه.
هكذا كانت الحال إذن، حياة الحاج لا تساوي ريالاً واحداً [42] .
أما في غير مواسم الحج فقد كانت جرائم القتل بصفة خاصة منتشرة في العهد الماضي بسبب عادة الأخذ بالثأر، ولم يكن الموتور يتورع عن الأخذ بثأره والانتقام من غريمه في رابعة النهار، وعلى مسمع ومشهد من الناس، وهو لا يكتفي بذلك بل يتفاخر ويتباهى بالانتقام من خصمه. يروي العقيد الميمان: أن عمدة قباء بالمدينة المنورة ـ وهو عدل ثقة ـ أبلغه بأنه في العهد الماضي كانت مسألة الثأر شائعة في البوادي المقيمة بالمدينة والقرى المجاورة لها، وأنه في يوم من الأيام بينما كان شخص يتناول الشاي في أحد المقاهي في وسط المدينة في رابعة النهار أطلق عليه شخص آخر عياراً نارياً من بندقيته كان يحملها فقضى عليه. وعندما حاول الناس القبض عليه صاح فيهم قائلاً (سداد. سداد) يعني أخذه بثأره، فتركوه مراعاة للعرف والتقاليد السائدة، ولم تمض سوى أيام قلائل حتى أُخذ بثأر المجني عليه من القاتل نفسه في رابعة النهار وفي وسط المدينة [43] .(40/196)
وأما الحالة الاجتماعية والاقتصادية: فإن الحياة القبلية ونظامها كانت هي الأساس في ذلك الوقت، وكان منطق القوة والعنف والإغارة، وقطع الطريق يمثل السبيل الوحيد ـ في الغالب ـ للحصول على المال والثراء.
وبوجهٍ عام كانت المعيشة في تلك الفترة قاسية جداً، وكان القوت الرئيس هو التمر والبُرّ، وأحياناً اللبن.
وأحياناً تحلُّ بالناس مجاعات تبلغ من القوة درجة أن بعضهم يأكل العشب وأوراق الشجر، وجلود الحيوانات، الأمر الذي حمل البعض إلى الهجرة خارج البلاد من أجل الحصول على القوت.
وأما الحالة الصحية: فقد انتشرت الأمراض والأوبئة التي كانت تفتك بالأسر والجماعات، ولا علاج في تلك الفترة سوى النار وبعض الأخلاص من الأعشاب على أيدي بعض الأشخاص المتطببين.
وكانت بعض الأمراض المعدية ـ كالكوليرا ـ تدخل البيت فلا تبقي فيه شخصاً واحداً على قيد الحياة إلى حد أنهم قد لا يجدون لبعضهم نعشاً يُحمل عليه [44] .
وإنه نتيجة إلى هذه الإشارة عن الظروف التي كانت تعيشها الجزيرة العربية قبل الملك عبد العزيز من انتشار الجهل، ووهن في العقيدة، وتفشي البدع والمنكرات.
وما كانت فيه من فوضى سياسية يعمها الانقسام والتناحر والحروب، وما كانت فيه من فرقة مستحكمة بين الأفراد والجماعات.
وما كان يعانيه الناس من فقدان للأمن في طول البلاد وعرضها، وما كانوا فيه من خوف وذعر، وسلب ونهب، وقطع للطريق، وسفك للدماء، وأخذ بالثأر، دون وجود الوالي القادر العادل الذي يردع الظالم وينصر المظلوم. بالإضافة إلى ما يعانيه الناس من قلة التعليم، ومن قسوة المعيشة، وانتشار الأمراض والأوبئة التي كانت تفتك بالناس وليس لها من العلاج سوى الكي بالنار وبعض الأعشاب.(40/197)
لذا فإنّ العلماء والمصلحين ومجتمع الجزيرة العربية كان في تطلع وترقب ولهف وشوف لقيام دولة قوية تصحح العقيدة، وتنشر الدين الصحيح، وتقضي على البدع والمنكرات، وتطبق الشريعة السمحة، وتقيم الأمن والعدل في ربوع البلاد [45] . وتجمع الشمل، وتوحد الصفوف، وتؤلف بين القلوب، وتعيد المهابة والعزة للأمة الإسلامية.
وقد هيأ الله سبحانه وتعالى للملك عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ الأسباب لإيقاظ هذه البلاد من غفوتها، ولتقوم نهضة إسلامية جديدة قوية، فقام الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ رحمهم الله ـ متّبعاً سنة آبائه في نصرة عقيدة السلف الصالح، وإعزاز أهل الدين والحق، واستعادة مكاسب آبائه من ذلك، وتجديد مجدهم، وإحياء سنتهم الراشدة.
وقد تميز طموح الملك عبد العزيز الشخصي في دفع القوة الوطنية إلى شدة الإصرار على إعادة بناء الدولة السعودية في حدود الأُطُر الدينية والسياسية والاجتماعية التي سارت عليها الدولة السعودية في دورها الأول.
فكان هذا الإصرار ـ مضافاً إليه مجموعة مقومات بناء الدولة ـ بمثابة قوة الدفع اللازمة لتكوين البناء السياسي الجديد [46] .
ومما يؤيد هذا شهادة الشيخ محمد مغيربي ـ وهو أحد المعاصرين للمجتمع في تلك الفترة ـ فقد صوَّر ذلك بقوله:
"أما العامل الأقوى في نجاح هذه الدعوة بتلك المدة القصيرة، فسببه يرجع على الأكثر، إلى ما كانت عليه القبائل من الفوضى بتفشي الجهل، وتأثير المطامع، فأدى ذلك إلى تجاوز كل منهم على حقوق الآخرين، وانعدام الأمن على الأرواح، والأموال، وبما أن حالة كهذه غير طبيعية في الأقوام والشعوب، أصبح كل فرد فيهم يتطلب الطمأنينة، ويلتمس سبيل السلام، فجاءت هذه الدعوة مطابقة لعقليتهم واستعدادهم الفكري، ورغبتهم المفقودة" [47] .
الفصل الثالث
شخصية الملك عبد العزيز وتوحيد المملكة(40/198)
المبحث الأول: شخصية الملك عبد العزيز وأثرها في توحيد المملكة:
اتصف الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بصفات الرجل المسلم، المؤمن بربه، الواثق به، وكان قوي الإيمان، صلب العقيدة، ملازماً لطاعة الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، جاعلاً نصب عينيه مراقبة الله وإخلاص العبادة له.
ومن أقواله ـ رحمه الله ـ التي تدل على ثقته بالله جل وعلا، وشدة توكله عليه قوله: "إذا أراد المسلمون والعرب قتال عدوهم فإن أعدوا له آلة واحدة من آلات الحرب، أعدّ أعداؤهم مئات وألوفاً، ولكن قوة واحدة إذا أعدها المسلمون لا يمكن أعداؤهم أن يأتوا بمثلها، هي إيمانهم بالله وثقتهم به، هذه القوة لا قِبَل لأحدٍ بها" [48] .
ويقول ابنه الملك فيصل ـ رحمه الله ـ عن قوة إيمان والده: "أول المزايا التي يتصف بها والدي قوة الإيمان، فما رأيته منذ نشأت قد ضعف إيمانه بالله، أو تخلى عن ثقته بنصر الله" [49] .
وكان ـ رحمه الله ـ عادلاً يحكم بالشريعة الإسلامية، وينصر المظلوم، ويعاقب الظالم، وكان لا يتهاون في إنفاذ الحق على أي شخص حتى ولو كان من أقرب الناس إليه.
يقول ـ رحمه الله ـ: "إن من واجب الراعي أن يكون ناصحاً لرعيته، فيمنع عنهم الظلم، ويحذرهم من نتائج الظلم والعدوان، ومن واجب الرعية أن تكون ناصحة لولي أمرها…" [50] .
وفي هذا يقول ابنه الملك فيصل ـ رحمه الله ـ: "إن والدي لا يفرّق بيننا وبين أبناء شعبه، وليس للعدالة ميزانان: يزن بأحدهما لأبنائه، ويزن بآخر لأبناء الشعب، فالكل سواء عنده، والكل أبناؤه" [51] .(40/199)
وكان الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ حكيماً في معالجة الأمور، يقود شعبه بقلبه، وإذا استحكمت الأمور استعمل الفكر والرأى قبل السيف، هذا هو منهج الملك عبد العزيز.. يؤكده أنه في اليوم الذي أرسى فيه أول لبنة في بناء المملكة.. يوم فتح الرياض في شوال سنة 1319هـ، لم يُرسل رجاله المحاربين، ولم يسلّ سيفه على أعدائه، ولكنه مضى على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم القائل لأهل مكة حينما فتحها: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" [52] .
وكان ـ رحمه الله ـ بطلاً مغواراً، وشجاعاً لايُبارى، لا يخشى في الحق لومة لائم، وكان يتقدم الجموع أثناء القتال، ليُلقِي الرعب في نفوس أعدائه، ويرفع الحماس بين رجاله. وكان رأيه سابقاً لشجاعته، وبُعد نظره وسعة أُفقه، وقوة حكمته. وكان ينشد بيتي المتنبي:
هو أول وهي المحل الثاني
الرأي قبل شجاعة الشجعان
بلغت من العليا كل مكان [53]
فإذا هما اجتمعا لنفس مرة
وكان ـ رحمه الله ـ كثير التواضع، ليّن الجانب، يظهر أمام رعيته بأنه واحد منهم، له مالهم، وعليه ما عليهم، ولم يكن يتفاخر بملبسه أو مسكنه [54] .
وكان عفوّاً عند المقدرة، وقد لازمته هذه الصفة حتى توفاه الله، فقد عفا عن أناس ناصبوه العداء مدة طويلة، وأضمروا الشر لمملكته في كثير من المواقف، وكانت مواقفهم تتطلب إنزال أشد العقوبات بحقهم، ولكن الملك عبد العزيز يسدل ستار الصلح، فيعفو عنهم، والأمثلة على ذلك كثيرة [55] .
ومن الصفات الحميدة التي كان يتحلى بها: صفة الوفاء، فقد كان محبا لأصدقائه القدماء، وفيّاً معهم، وكان يتفقد أحوالهم، ويكافئهم بالمنح والعطايا [56] .
وقد وهب الله الملك عبد العزيز ذاكرة قوية فذّة، فقد كان ذكيّاً فطناً في كل ما يقرأه أو يسمعه أو يقوله أو يفعله. وكان حاضر البديهة، حسن الاستشهاد.(40/200)
وكان ـ رحمه الله ـ مطلعا على أمور دولته، وأحوال رعيته، ويعدُّ توجيهاته بشأن كل قضية أو مسألة، فهو المتخذ للقرارات، والموجه بتنفيذها.
وكان ـ رحمه الله ـ كثير الاهتمام في استقصاء الحوادث، وتتُّبع الأخبار العالمية بصورة عامة، والبلاد العربية والإسلامية بصورة خاصة. فكان يقرأ معظم الصحف العربية يومياً، ويتابع الإذاعات الكبرى في أوقاتها [57] .
فهذه الصفات العظيمة، والسجايا الكريمة، والروح المؤمنة الصادقة، التي يندر وجودها مجتمعة في غير شخصية الملك عبد العزيز من عظماء التاريخ المعاصر، كان لها الأثر العظيم في مودة الناس له، والترحيب به، والالتفاف تحت رايته. فمكن الله له، وتمّ له توحيد المملكة العربية السعودية، وأتاح الله لأهل الجزيرة عهداً سعيداً، عامراً بالعدل، والرخاء، ورغد العيش، عزيزاً بالأمن والإيمان.
وعن تديُّن الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وأثره في محبة الناس له، يقول الدكتور عبد الله العثيمين في بحث نشره في مجلة الدارة عن الملك عبد العزيز: "إنّ من مؤهلات الملك عبد العزيز التديُّن وهذا التدين ذو مظهرين:
أحدهما: سلوكه الشخصي إذ كان محافظاً على أداء الواجبات والسنن الدينية.
وثانيهما: مناداته بالإسلام عقيدة صافية وعملاً ملتزماً.
ولاشك أن التدين عامل قوة للفرد يكسبه صفات جليلة، في طليعتها الثقة بالله والتوكل عليه، وكان لتدين الملك عبد العزيز بمظهريه، أثره البعيد في استقطاب أكثرية سكان المنطقة التي بدأ فيها تأسيس حكمه، ذلك أنّ سكان نجد كانوا يُكنُّون مودة للدين، وكان حبُّ الدعوة الخيرة التي تبنتها الدولتان السعوديتان الأولى والثانية لا يزال متغلغلاً في أفئدتهم.. [58] .
المبحث الثاني: سير الملك عبد العزيز على منهج السلف الصالح:(40/201)
وجاء أبو الملوك الميامين، الملك الراشد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية وموحد كيانها، وباني مجدها ونهضتها، مؤكداً سيره على خطى السلف الصالح في نصرة الدعوة إلى العقيدة الصحيحة، والتمسك بأحكام الشريعة الإسلامية والحرص على تحكيمها في جميع المجالات.
قال رحمه الله: "عقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح، ونحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق عندنا بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا… هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يدعو إليها، وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل خالصة من كل شائبة، منزهة من كل بدعة، فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها. وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن ومصائب" [59] .
ومن أقواله ـ رحمه الله ـ في هذا الصدد: "… على أنه في آخر الأمر أظهر الله شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، ثم بعدهما محمد بن عبد الوهاب ـ رحمهم الله ـ ونفع بهم الإسلام والمسلمين، وخصوصاً محمد بن عبد الوهاب، عندما اندرست أعلام الإسلام، وكثرت الشبهات والبدع، فلما رأى أسلافنا موافقة أقوالهم وأفعالهم لِما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبلوا ذلك وقاموا بما أظهره الله على أيديهم، ونحن إن شاء الله على سبيلهم ومعتقدهم، نرجو أن يحيينا على ذلك ويميتنا عليه".. إلى أن قال: "ومن أشكل عليه شيء من الأمور فليردّه إلى طالب العلم المنصوب عندكم بأمر الولاية ورضى المشايخ" [60] .(40/202)
ومن أقواله ـ رحمه الله ـ: "أنا داعية لعقيدة السلف الصالح، وعقيدة السلف الصالح هي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما جاء عن الخلفاء الراشدين. أما ما كان غير موجود فيها، فأرجع بشأنه إلى أقوال الأئمة الأربعة، فآخذ منها ما فيه صلاح المسلمين" [61] .
"أنا مسلم، وأحب جمع كلمة الإسلام والمسلمين، وليس أحب عندي من أن تجتمع كلمة المسلمين ولو على يد عبد حبشي، وإنني لا أتأخر عن تقديم نفسي وأسرتي ضحية في سبيل ذلك" [62] .
"أنا بذمَّتكم وأنتم بذمتي. إن الدين النصيحة. أنا منكم وأنتم مني. هذه عقيدتنا في الكتب بين أيديكم، فإن كان فيها ما يخالف كتاب الله، فردونا عنه، واسألوا عما يشكل عليكم فيها، والحكم بيننا كتاب الله وما جاء في كتب الحديث والسنة" [63] .
وقال رحمه الله أمام المؤتمر الإسلامي الذي دعا إليه، وعقد أولى جلساته يوم الاثنين 26 ذي الحجة 1344هـ:
"أيها الإخوان: إني لا أريد علوّاً في الأرض ولا فساداً، ولكن أريد الرجوع بالمسلمين إلى عهدهم الأول، عهد السعادة والقوة، عهد الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، لا شيء يجمع القلوب ويوحدها سوى جعل أهوائها تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم".
وأضاف يقول: "إننا لا نُكْرِه أحداً على اعتناق مذهب معين، أو السير في طريق معين في الدين… ولكن لا أقبل بحالٍ من الأحوال التظاهر بالبدع والخرافات التي لا يعتبرها الشرع وتأباها الفطرة السليمة، لا يسأل أحد عن مذهبه أو عقيدته، ولكن لا يصح أن يتظاهر أحد بما يخالف إجماع المسلمين أو يثير فتنة عمياء.." [64] .
ولما أراد السفر لفتح مكة قال رحمه الله: "إني مسافر إلى مكة لا للتسلط عليها، بل لرفع الظلم عنها، والمغارم التي أرهقت كاهل عباد الله، إنّي مسافر إلى حرم الله لبسط أحكام الشريعة وتأييدها، فلن يكون هناك بعد اليوم سلطان إلاّ للشرع".(40/203)
وأضاف قائلاً: "الذي أبغيه من هذه الديار أن نعمل بما في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم" [65] .
يقول محمد جلال كشك: "المصادر التي وصفت رحلة الملك الأولى من الرياض إلى مكة، وتناقلتها صحافة العالم الإسلامي، جدَّدت أحلام العودة لمجد وفضائل القرون الأولى للحضارة الإسلامية، فقد كانت رحلة شبيهة برحلات سلاطين الجهاد، أو جيش المرابطين: الجند في تسبيح وتهليل وتسابق على التضحية والفداء، وإيثار المسلم لأخيه المسلم، والقيادات تقسم وقتها ما بين تلاوة القرآن، وتفسير الحديث، أو قراءة التاريخ العربي، وشعر العرب، والأعداء في سُكْرٍ ورقص وتدخين، وابن شريفهم يدهش لرؤية الإخوان يُصلُّون خلال المعركة" [66] .
ومن تصريحاته لوفد العلماء الهنود: "أعترف أمام الله وأمام كل المسلمين بأني لا أريد إلا العودة إلى دين الإسلام الصحيح القويم، البعيد عن العقائد الوثنية التي ليست من الإسلام في شيء، وأنّ عقائدي هي عقائد أجدادي الأطهار الأتقياء، عاداتنا هي عاداتهم، شعائرنا هي شعائرهم، وإننا نعود في كل شيء لأحكام القرآن والسنة، ونحاول أن نعيش كما عاش الخلفاء الراشدون، وكل ما نطمع فيه أن يتحد العلماء المسلمون فيتحد العالم الإسلامي، نريد أن يكون اتحادنا قوياً متيناً، وأن يخضع العالم الإسلامي خضوعاً تاماَ لأحكام القرآن والسنة" [67] .
وفي يوم 1 ربيع الأول سنة 1346هـ جمع كبار الموظفين في الدولة وخطب فيهم خطاباً رائعاً، ومما جاء فيه:(40/204)
"تعلمون أن أفضل الأعمال كلمة حق تقال، وأن أفضل الأعمال معرفة الحق واستعماله، والمجالس يجب أن تكون للنصيحة والإرشاد. نحن نريد أن نسير إلى الأمام، ولكن بأقدام ثابتة، وعلى ضوء النهار، إنّ رأينا واعتقادنا وآمالنا في السير إلى الأمام، يجب أن يكون وفق ما كان عليه نبينا عليه الصلاة والسلام، وما كان عليه السلف الصالح، فما كان موافقاً للدين في أمور الدنيا سرنا عليه، وما كان مخالفاً للدين نبذناه.." [68] .
ومن خطبة له في مكة أيضا: "يُسموننا بالوهابيين، ويُسمُّون مذهبنا بالوهابي، باعتبار أنه مذهب خاص. وهذا خطأ فاحش، نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض.
نحن لسنا أصحاب مذهب جديد، أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح.
نحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق عندنا بين الأئمة مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا" [69] .
ومن أقواله المأثورة: "نحن دعاة إلى التمسك بالدين الخالص من كل بدعة، نحن دعاة إلى العروة الوثقى" [70] .
فهذه أقواله ـ رحمه الله ـ واضحة صريحة في تمسكه بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، ودعوته إلى ذلك، لا تحتاج إلى تعليق، وسيأتي المزيد في بحث تقريره للعقيدة السلفية ونشرها في الفصل الرابع إن شاء الله تعالى.
المبحث الثالث: توحيد الملك عبد العزيز للمملكة:(40/205)
بدأ توحيد المملكة العربية السعودية بفتح الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ للرياض في 5 شوال سنة 1319هـ، وبعد أن استتب الأمن فيها انطلق منها لتوحيد بقية أجزاء المملكة تحت راية التوحيد، وتوالت الفتوحات والإصلاحات الاجتماعية، حتى أصبحت جميع أقاليم البلاد دولة موحدة باسم المملكة العربية السعودية في 21 من جمادى الأولى عام 1351هـ[71] . وأصبح لقب موحدها وباني مجدها (ملك المملكة العربية السعودية) .
وقد بذل الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ الكثير والكثير من الجهد والجهاد في سبيل الوصول إلى توحيد المملكة، إذ خاض ـ رحمه الله ـ أكثر من أربعين معركة [72] . واستمرت أكثر من ثلاثين عاماً. وذلك من أجل إعلاء كلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، ومن أجل إقامة هذا الصرح الشامخ والكيان الكبير.
وبذلك الجهد العظيم استطاع ـ رحمه الله ـ أن يؤسس في قلب الجزيرة العربية وعلى أطرافها أعظم دولة إسلامية في العصر الحديث، قامت على أساس العقيدة الصحيحة المستمدة من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنهج السلف الصالح، تُناصرُ الحق والعدل، وتقيم الأمن والاستقرار، وتُسخر كل إمكانياتها في خدمة الإسلام والمسلمين.
وكان ـ رحمه الله ـ يُحب الخير والسلام لبلاده، وشعبه، وكل المسلمين. ومن أقواله:
"ليس لدينا أحب من السلام يغمر هذه الربوع، فنحن لسنا طالبين حرب، ولا نشهر سلاحنا إلاّ في وجه من يبادرنا بالسلاح، لقد آن لهذه البلاد الحبيبة أن تعرف السكينة، وتنعم بالسلام، فلنوحد صفوفنا وسلاحنا وكلمتنا" [73] .
ويرى ـ رحمه الله ـ أنّ أساس الوحدة والائتلاف إنما يكون في توحيد الله تعالى، والقيام بما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أقواله في هذا:
"إن الذي يجمع شملنا ويوحد بيننا هو الالتفاف حول كلمة التوحيد والعمل بما أمر الله به ورسوله" [74] .(40/206)
لقد سخر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ كل عمره وجهده العظيم في خدمة دينه وأمته، وعمل على كل ما يهم الأمة ويؤثر في حاضرها ومستقبلها، وركز على العقيدة، والأمن والوحدة، والحكم بما أنزل الله، ونشر العلم، وتوطين البادية، والإصلاح الاجتماعي، وأجرى مصالح الناس والأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصح للمسلمين.
وكان ـ رحمه الله ـ شخصية قيادية، وتاريخية فذة، وصاحب تجارب متنوعة القدرات، وكان صاحب خلق ثابت في التعامل مع الآخرين. وكان يواجه الناس مواجهة صريحة واضحة، فكان مثلاً حيّاً في الصدق والوفاء، والإخلاص في القول والعمل، والتحلي بمكارم الأخلاق، وعلى هذا الأساس جمع حوله أبناء البلاد، فوحَّد الأمة، وآخى بين أفرادها وجماعاتها، مدنها وقراها، حاضرها وباديتها، وجميع أقاليمها وجهاتها.
وجاهد في سبيل تعزيز هذه الوحدة، وتوطيد دعائمها، وتقوية أواصرها، وحسّن العلاقة الاجتماعية بين أفرادها، وغرس روح المحبة والمودة بينهم، وأسهم في علاج المشكلات بحكمة بالغة.
وليس في مقدور الباحث أن يحيط بأبعاد شخصية الملك عبد العزيز وأعماله وعبقريته وسداد رأيه. حيث كان ـ رحمه الله ـ يزن الأمور بموازين دقيقة، وبفضل من الله تعالى وعونه وتوفيقه استطاع أن يؤسس بنياناً شامخاً، ويقيم صرحاً كبيراً أساسه تقوى الله، واتباع الكتاب والسنة، ويضع نهضة حضارية ما زال أبناء هذا البلد يسعدون بنعيمها ويعيشون في ظلالها تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين.
لقد مكّن الله تعالى للملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ في الأرض، ووطَّد له فيها، لمَّا قام بدين الله، وتحكيم شرعه، ونشر عقيدة السلف الصالح، وبث الوعي الديني، والقضاء على البدع والمنكرات.(40/207)
قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [75] .
وقال عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئا..} [76] .
يقول الإمام ابن كثير ـ رحمه الله ـ عند هذه الآية: "هذا وعد من الله تعالى لرسوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي أئمة الناس والولاة عليهم وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمناً وحكماً فيهم" [77] .
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله ـ: "هذا من وعوده الصادقة التي شوهد تأويلها ومخبرها، فإنه وعد من قام بالإيمان والعمل الصالح من هذه الأمة، أن يستخلفنهم في الأرض، فيكونوا هم الخلفاء فيها المتصرفين في تدبيرها، وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وهو دين الإسلام الذي فاق الأديان كلها، وارتضاه لهذه الأمة لفضلها وشرفها، ونعمته عليها، بأن يتمكنوا من إقامته، وإقامة شرائعه الظاهرة والباطنة، في أنفسهم وفي غيرهم…"إلى أن قال: "ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة، مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح، فلابد أن يوجد ما وعدهم الله" [78] .
ويمكن إيجاز بعض الأعمال والجهود الهامة التي قام بها الملك عبد العزيز وكان لها الأثر الكبير في تأسيس قواعد المملكة، وإيجاد وحدة مترابطة ومتماسكة بين أفراد هذا الوطن الغالي في الفصل التالي(40/208)
--------------------------------------------------------------------------------
[1] انظر مقدمة الشيخ عبد العزيز بن باز على كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب للشيخ أحمد بن حجر آل أبو طامي ص3ـ4.
[2] انظر: تاريخ نجد، لحسين بن غنام، تحرير وتحقيق د0 ناصر الدين الأسد ص87، وعنوان المجد في تاريخ نجد، لعثمان بن بشر 1/12.
[3] انظر: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي، للدكتور صالح بن عبد الله العبود ص511ـ512.
[4] انظر: مقدمة الشيخ عبد العزيز بن باز على كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب للشيخ أحمد بن حجر آل أبو طامي ص4.
[5] عنوان المجد 1/14.
[6] المرجع السابق، وانظر: الأصول الثلاثة.
[7] عنوان المجد 1/14.
[8] في آفاق التربية الوطنية في المملكة العربية السعودية، د0 سليمان الحقيل ص18.
[9] تاريخ المملكة العربية السعودية، د0 عبد الله العثيمين 1/149ـ150.
[10] انظر: عنوان المجد لابن بشر 1/49، تاريخ نجد ـ المسمى روضة الأفهام ـ لابن غنام ص129.
[11] انظر: تاريخ نجد، لابن غنام ص483.
[12] عنوان المجد لابن بشر 1/126.
[13] المرجع السابق 1/127.
[14] المرجع السابق 1/129.
[15] الأمن الذي نعيشه، لحسين عبد الحي قزاز 1/25ـ26.
[16] انظر: عنوان المجد 1/58ـ59.
[17] انظر: تاريخ نجد المسمى روضة الأفكار والأفهام، لحسين بن غنام ص197ـ198.
[18] انظر: في آفاق التربية الوطنية في المملكة العربية السعودية، للدكتور سليمان الحقيل ص19.
[19] عنوان المجد في تاريخ المجد 2/8.
[20] في آفاق التربية الوطنية في المملكة العربية السعودية، للدكتور سليمان الحقيل، ص19ـ20، تاريخ الدولة السعودية، للدكتورة مديحة درويش ص58.(40/209)
[21] انظر: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، للدكتور صالح بن عبد الله العبود، ص560، 566، 568، 569، 575.
[22] الدولة السعودية الأولى، عبد الرحيم عبد الرحمن ص63، دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د0 محمد السلمان ص78.
[23] آل عمران: 103.
[24] الدرر السنية 7/242.
[25] الدرر السنية 7/245.
[26] الدرر السنية 7/268.
[27] عنوان المجد لابن بشر 1/58ـ59.
[28] تاريخ نجد المسمى روضة الأفكار والأفهام لابن غنام ص197ـ198.
[29] انظر: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي، للدكتور صالح بن عبد الله العبود ص590ـ591.
[30] انظر: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي، للدكتور محمد بن عبد الله السلمان ص76.
[31] تاريخ نجد لابن غنام ص87، عنوان المجد لابن بشر 1/12.
[32] عنوان المجد لابن بشر 2/56ـ57.
[33] انظر: المرجع السابق 2/60.
[34] الملك الراشد ص362.
[35] المرجع السابق ص371.
[36] المصحف والسيف لمحي الدين القابسي، ص62، ط2، دار الناصر، الرياض.
[37] انظر الكتاب القيم "الدعوة في عهد الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ"للدكتور محمد بن ناصر الشثري 1/35ـ50، وص 120 وما بعدها.
[38] انظر: تاريخ مكة لأحمد السباعي 1/216، ط6، سنة 1404هـ، وكتاب من شيم الملك عبد العزيز، لفهد المارك 3/297ـ298.
[39] انظر: السعوديون والحل الإسلامي، لجلال كشك ص25ـ26.
[40] انظر: حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز، لرابح لطفي جمعة ص49.
[41] انظر: حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز، لرابح لطفي جمعة ص42.
[42] انظر: الأمن الذي نعيشه، لحسين عبد الحي قزاز 1/25.(40/210)
[43] انظر حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز، لرابح لطفي جمعة ص49، نقلاً عن بحث في القصاص في الإسلام وأثره في استتباب الأمن واستقراره في المملكة العربية السعوية، للعقيد جميل الميمان ص26.
[44] من شيم الملك عبد العزيز، لفهد المارك 3/252ـ257.
[45] انظر هذا التطلع في تاريخ المملكة العربية السعودية، للدكتور عبد الله العثيمين 2/25، 28، 48، 59، 62، 137، 176، 183.
[46] مصادر تاريخ البلاد السعودية، لعبد الفتاح أبو عليه ص2، ط1، دار المريخ، سنة 1399هـ.
[47] وهابية اليوم لمحمد مغيربي المدني ص21، ط تركيا، سنة 1342هـ.
[48] الملك الراشد، لعبد المنعم الغلامي ص319، شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز 2/796.
[49] من حياة الملك عبد العزيز للأحيدب ص37.
[50] الملك الراشد ص347.
[51] من حياة الملك عبد العزيز للأحيدب ص39، شبه الجزيرة للزركلي 2/23.
[52] انظر: الأموال للأبي عبيد القاسم بن سلام ص143، وسيرة ابن هشام 3/412، وزاد المعاد لابن القيم 2/184.
[53] شرح ديوان المتنبي، وضعه عبد الرحمن البرقوني 4/307، دار الكتاب العربي، بيروت، 1407هـ، 1986م.
[54] انظر: من حياة الملك عبد العزيز للأحيدب ص41.
[55] الملك الراشد ص336.
[56] المرجع السابق ص339ـ340.
[57] الملك الراشد ص329، في آفاق التربية الوطنية ص37.
[58] مجلة الدارة، العدد الرابع، السنة الحادية عشرة، 1406هـ.
[59] جريدة أم القرى، ذو الحجة 1347هـ، وانظر: الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز ص217.
[60] نجد وملحقاته وسيرة عبد العزيز… لأمين الريحاني ص435ـ436 ط3.
[61] الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز ص216.
[62] المرجع السابق ص216.
[63] الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز ص217.
[64] الملك الراشد لعبد المنعم الغلامي، ص47ـ49.(40/211)
[65] الرحلة الملكية، كتبها الشيخ يوسف ياسين، جمع وتنقيح عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، ص20، وانظر: تاريخ المملكة العربية السعودية لسيد محمد إبراهيم ص207.
[66] السعوديون والحل الإسلامي ص32.
[67] الملك الراشد ص 50.
[68] الملك الراشد ص359.
[69] الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز ص217.
[70] المصحف والسيف لمحي الدين القابسي، ص62، ط.2، دار الناصر، الرياض.
[71] انظر: الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز ص158.
[72] في آفاق التربية الوطنية، للدكتور سليمان الحقيل، ص28.
[73] عبد العزيز آل سعود وعبقرية الشخصية الإسلامية، د0 عبد العزيز شرف، ص38.
[74] الملك والمملكة والمنهج، د0 عبد الله بن عبد المحسن التركي ص74.
[75] الحج: 41.
[76] النور: 55.
[77] تفسير ابن كثير 3/314.
[78] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان 3/412ـ413.(40/212)
تابع لأثر الدعوة السلفية في توحيد المملكة العربية السعودية
الفَصْلُ الرَّابع
أثرُ الدَّعْوَة السَّلَفِيَّة في توحيد المملكة
المبحث الأول: اتِّخاذ الملك عبد العزيز الكتاب والسُنَّة دستوراً لبلاده:
اتَّخذ الملك عبد العزيز - رحمه الله - كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم دستوراً لبلاده، ومنهجاً لرعيته، وذلك لاعتقاده أنَّه لن يُصْلِح هذه الأُمَّة إلاَّ ما صلح به أولها، وأنَّه لن يكون للمسلمين عِز ولا نصر ولا تمكين في الدنيا، ولا فوز ولا نجاة في الآخرة، إلاَّ بامتثال أوامر الله تعالى وطاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، واجتناب ما نهى الله عنه ورسولُه صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [1] .
وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [2] .
وقد كانت تعليماته الأساسية التي أصدرها ونُشِرَت في جريدة أُمِّ القرى يوم 21 صفر 1345 هـ: "جميع أحكام المملكة تكون منطبقة على كتاب الله وسُنَّة رسوله، وما كان عليه الصحابة والسَّلَف الصَّالِح" [3] .
ولخَّص الملك عبد العزيز - رحمه الله - منهجه لبناء المجتمع السعودي في عبارةٍ واحدةٍ، ضمَّنها كُلّ ما زخرت به حياته من أعمالٍ وإصلاحاتٍ فقال: "دستوري، وقانوني، ونظامي، وشعاري دين مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، فإمَّا حياة سعيدة على ذلك، وإمَّا موتة سعيدة " [4] .(40/213)
وكان - رحمه الله - كُلَّما سُئِلَ عن دستور بلاده أجاب: "دستورنا القرآن"، وهو يعني تقيُّده هو ومملكته بأحكام الشرع الإسلامي المستمدَّة من معاني القرآن، وما لم يكن فيه فمن حديث رسوله وعمله، وما لم يكن فيهما، فمن قضاء أصحابه وسيرتهم، وما لم يكن فمن منهج أهل العدل ... " [5] .
وقال - رحمه الله – لوفد العلماء الهنود: "أعترف أمام الله وأمام كُلِّ المسلمين بأني لا أريد إلاَّ العودة إلى دين الإسلام الصحيح القويم، البعيد عن العقائد الوثنية التي ليست من الإسلام في شيء، وأنَّ عقائدي هي عقائد أجدادي الأطهار الأتقياء، عاداتنا هي عاداتهم، شعائرنا هي شعائرهم، وإنَّنا نعود في كُلِّ شيء لأحكام القرآن والسُنَّة، ونحاول أن نعيش كما عاش الخلفاء الراشدون، وكُلّ ما نطمع فيه أن يتَّحِدَ العلماء المسلمون، فيتحد العالم الإسلامي، نريد أن يكون اتحادنا قوياً متيناً، وأن يخضع العالم الإسلامي خضوعاً تامّاً لأحكام القرآن والسُنَّة" [6] .
وكان - رحمه الله - يدعو الله - جلَّ وعلا - بأنْ ينصره ويؤيده، مستشعراً قوله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [7] .
ومن دعائه: " اللَّهُمَّ إنَّك تعلم إن كان ما أُقسم اليمين عليه هو عقيدتي التي أعتقد أن تؤيدني وتنصرني.. وإن كنت تعلم أنَّ ما أُقسم عليه مخالفاً لما أعتقد أن تكفي المسلمين سوئي.. اللهم إنَّك تعلم أني أحبُّ مَنْ تحبّ وأبغضُ مَنْ تبغض" [8] .
وعن الأخذ بالمدنيّة والحضارة الحديثة يقول الملك عبد العزيز - رحمه الله -: "أمَّا التمدُّن الذي فيه حفظ ديننا وأعراضنا وشرفنا، فمرحباً به وأهلاً. وأمَّا التمدُّن الذي يؤذينا في ديننا وأعراضنا فو الله لن نرضخ له ولن نعمل به، ولو قُطِّعَت مِنَّا الرِّقاب ".(40/214)
وقال: "إني أرى كثيراً من الناس ينقمون على ابن سعود، والحقيقة ما نقموا مِنَّا إلاَّ لا تباعنا كتاب الله وسُنَّة رسوله، ومنهم مَن عاب علينا التمسُّك بالدين وعدم الأخذ بالأعمال العصرية، فأمَّا الدين فو الله لا أغير شيئاً مِمَّا أنْزَلَ الله على لسان رسوله الكريم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، ولا أتبع إلاَّ ما جاء به، وليغضب علينا مَنْ شاء، وأمَّا الأمور العصرية التي تعيننا وتفيدنا، ويبيحها دين الإسلام، فنحن نأخذها ونعمل بها، ونسعى في تعميمها، ولا مدنية أحسن وأفضل من مدنية الإسلام" [9] .
وبهذا نجد أنَّ الملك عبد العزيز اتَّخذ كتاب الله تعالى، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم - دستوراً يعمل به ويطبق أحكام شريعته السمحة في جميع أنحاء المملكة، وعلى الجميع من كبير وصغير، وبدو وحضر، باعتبار أن الشريعة الإسلامية تدعو إلى مكارم الأخلاق، وتدعو إلى التعايش الاجتماعي في أمنٍ وسلام، ومحبَّةٍ ووئام. وقد تقبَّل المجتمع هذا النظام بكُلِّ محبة وارتياح.
يقول سيد مُحَمَّد إبراهيم: "لقد كان من أهم أسباب نجاح الملك
عبد العزيز - رحمه الله - هو تمسكه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم..وما كادت الأمور تستقر في بلاده حتى اتخذ من كتاب الله دستوراً يعمل بموجبه، ويطبق أحكام الشريعة الإسلامية السمحة، ووقف إلى جواره أبناء الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوَهَّاب يوضِّحون للناس أمور دينهم، ويحكمون بما أمر الله به" [10] .(40/215)
وهكذا نرى أنَّ الملك عبد العزيز - رحمه الله - قد اتخذ القرآن الكريم والسنة النبوية منهجاً ودستوراً لبلاده، وأقام دولته على العقيدة الصحيحة، وعلى قواعد الإسلام التي تدعو إلى كُلِّ خير ونعمة وفضل، ولذا جلب الله له الخيرات الكثيرة، والنعم العظيمة، كما هي سُنَّته في خلقه بأنَّ كُلَّ من استظلَّ في ظِلِّه، واهتدى بهديه، وتمسَّك بشرعه بصدقٍ وإخلاص، أنعمَ الله عليه بالنعم الدنيوية، غير ما ادَّخر له من النعم الأخروية.
المبحث الثاني: تقريب الملك عبد العزيز للعلماء ومشاركتهم:
إنَّ للعلم والعلماء في الإسلام مكانة عظيمة، ومنزلة رفيعة، فإنَّ اللهَ تعالى استشهد العلماء على ما شهد به على وحدانيته، فقال جلَّ وعلا: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْط} [11] .
وقد أشاد الله بذكر الذين أوتوا العلم، ورفع درجاتهم في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [12] .
والعلماء أعرف الناس بالله تعالى، وأشدهم منه خشية، فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف. قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [13] . والعلماء ورثة الأنبياء، كما في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ العلماء ورثة الأنبياء وإنَّ الأنبياء لم يُوَرِّثوا ديناراً ولا درهماً، وإنَّما وَرَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر" [14] . إلى غير ذلك مِمَّا جاء في فضلهم والثناء عليهم.
والعلماء هم مصابيح الهدى، وحماة الحق، وأنصار دين الله تعالى.(40/216)
وفي عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - قيَّض الله للدعوة السَّلَفِيَّة علماء ربانيين، ودعاة صالحين، يقومون بالدَّعْوَة إلى الله تعالى وفق هدي كتاب الله عزَّ وجلَّ، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنهج السَّلَف الصَّالِح، من تقرير العقيدة الصحيحة، وإرشاد الناس إلى ما يفيدهم في دنياهم وآخرتهم، وكانوا يستخدمون الأسلوب الأمثل في الدَّعْوَة إلى الله، ممتثلين قوله سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [15] . ولم يكونوا رحمهم الله - يكتفون بالتعليم، أو الوعظ والإرشاد، أو القضاء والإفتاء، بل كانوا يؤلفون الكتب القيمة والرسائل المفيدة، وخاصّةً في بيان العقيدة الصحيحة وشرحها، والرد على أهل البدع والأهواء، ونقض أقوالهم الباطلة، وتفنيد افتراءاتهم على الدَّعْوَة السَّلَفِيَّة وأهلها.
وقد اهتم الملك عبد العزيز - رحمه الله - بأولئك العلماء الأجِلاَّء، فقرَّبهم إليه، وأكرمهم [16] ، لا سيما آل الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوَهَّاب - رحمهم الله - وذلك عرفاناً منه بفضلهم، وتقديراً لعلمهم، وعظيم جهودهم في الدَّعْوَة.
وكان - رحمه الله - يستقبل العلماء، ويجتمع بهم في كُلِّ يوم خميس من كل أسبوع، في جلسة عامَّة مفتوحة في قصره، وكانت له توجيهات إسلامية، وفي موسم الحج كان يلتقي بكبار العلماء والزعماء في العَالَم الإسلامي، ويناقش معهم القضايا الإسلامية، ومسائل العقيدة.
وكان - رحمه الله - عوناً للعلماء - بعد عون الله تعالى، فهو - رحمه الله - لم يألُ جهداً في تسخير كُلِّ إمكانيات دولته في سبيل تعليم الناس أمور دينهم، ونشر العقيدة السَّلَفِيَّة بينهم.(40/217)
ولا شكَّ أنَّ الملك عبد العزيز - رحمه الله - كان كأسلافه، عقيدته سلفية، وكان نصيراً لعقيدة السَّلَف، ويستشير العلماء في أمور الدين، وينفِّذ أحكامهم، ويعمل بنصائحهم وفتاويهم، مع أنَّه ذو فكرٍ سديدٍ، وإدراكٍ عميقٍ، واعتقادٍ سليمٍ، مبني على استقلال في الشخصية، وحُرِّيةٍ في الاختيار، وقوة في الإرادة، وإمضاء في العزيمة، وسعة في الأفق، ويشاركهم في التوجيه والنصائح والإرشاد، والدَّعْوَة إلى عقيدة السَّلَف الصَّالِح.. [17] . مِمَّا يدل على علمه ورسوخ قدمه في عقيدة السَّلَف الصَّالِح، وأنَّ عليها اعتقاده - رحمه الله تعالى - لكنَّه مع ذلك يدرك أهمية العَالِم المُتَخَصِّص، المعروف بالدِّيانة والصِّدق ويضعه في مكانه، ويعلم أنَّ ذلك هو المنهج الصواب [18] .
ولا ريب أنَّ لتقريب الملك عبد العزيز - رحمه الله - للعلماء الرَّبَّانيين المعروفين بالصدق والإخلاص، وحسن الديانة والمعتقد، كان له الأثر البالغ في بَثِّ الوعي الدِّيني بين الناس، وتعريفهم بالمعتقد الصحيح، كما كان له الأثر الكبير في تطبيق الشريعة والفصل في القضايا المهمة وكشف الشُّبَه، مِمَّا نتج عنه تجنُّب المخاطر ودروب الهلاك والفُرْقة والانقسام.
وقد سار أبناءُ الملك عبد العزيز البررة مِنْ بعده، على هذه السُنَّة المباركة في إكرام العلماء وطلبة العلم. فرحم الله مَنْ مضى إلى رَبِّه، وحفظ الله خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده، والنَّائب الثاني.
المبحث الثالث: تقرير الملك عبد العزيز للدعوة السَّلَفِيَّة ونشرها:(40/218)
إنَّ دعوة الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوَهَّاب السَّلَفِيَّة التي نادت بتصحيح العقيدة، وتصفيتها من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، لم تزل تنمو وتتسع بعد وفاة الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوَهَّاب، والإمام مُحَمَّد بن سعود - رحمهما الله - حتى بلغت في أوائل القرن الثالث عشر الهجري مبلغاً عظيماً على يد الأمير سعود المعروف بالكبير، فقد رفرفت أعلام التوحيد على ربوع منطقة نجد كلها حتى بلغت أطراف سوريا والعراق وعُمان، ووجدت تقبُّلاً كبيراً في كثيرٍ من بلاد المسلمين.
إلاَّ أنَّه بسبب نشر الدعاية السيئة ضِدّ هذه الدَّعْوَة السَّلَفِيَّة في البلاد الإسلامية عادت مظاهر الشرك والخرافات والبدع تظهر من جديد، وكثر الاعتقاد في الأشجار والأحجار والبناء عليها، والتبرُّك بها والنذر لها والاستعاذة بالجِنّ والذبح لهم.. والحَلف بغير الله إلى غير ذلك من أنواع الشِّرْك الأصغر والأكبر [19] .
وَلَمَّا مكَّن الله للملك عبد العزيز من تقلّد مهام الأمور في البلاد، كان أوَّل اهتماماته تقرير العقيدة السَّلَفِيَّة ونشرها بين الناس، والذَّب عن حياضها، واعتبرها القاعدة الرئيسة في حياة المسلمين، وذلك لأنَّ تصحيح العقيدة هو الأساس، فشهادة أن لا إله إلاَّ الله، وأنَّ مُحَمَّداً رسول الله هي أوَّل أركان الإسلام، والرسل أوَّل ما دعوا الأمم دعوهم إلى التوحيد، وتصحيح عقائدهم، فالتوحيد هو أساس دعوة الأنبياء من أوَّلهم إلى آخرهم، قال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [20] .
وقال تعالى عن الأنبياء عليهم السلام: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [21] . فجميع الأعمال من العبادات والتصرُّفات تنبني على العقيدة، وبدون التوحيد، لا فائدة من الأعمال مهما كان نوعها.(40/219)
ومن هذا يتبيَّن ما لتصحيح العقيدة من أهمية بالغة، وهي أولى أوليات الدَّعْوَة، فأوَّل ما تقوم الدَّعْوَة على تصحيح العقيدة، ومن هذا بدأ الملك عبد العزيز - رحمه الله - دعوته وجهاده.
فقد كان - رحمه الله - مُحِبّاً للتوحيد مخلصاً لله فيه. وكان يبني عليه كُلّ قراراته وتصرُّفاته، على نفسه وعلى رعيَّته.
وما من شكٍّ أنَّ العقيدة السَّلَفِيَّة الصَّحيحة التي تدعو إلى عبادة الله وحده، وترك البدع والخرافات، فإنَّها تدعو أيضاً إلى المحبَّة والتآلف بين القلوب واجتماع الكلمة ووحدة الصَّف، وعدم التنازع والتفرُّق، وهذا ما يدعو إليه الكتاب والسُنَّة في كثيرٍ من الآيات البينات والأحاديث الصحيحة.
والصِّفة الأكثر أهمية - وزناً وعمقاً - في شخصية الملك عبد العزيز - رحمه الله - أنَّه رجل عقيدة قبل كُلِّ شيء ومؤدى ذلك أنَّ جميع الخصائص والصفات الأخرى تستمد من العقيدة قوتها وأثرها.
ومن الأدلة الواضحة والجلية على محبته للتوحيد وتمسُّكه به وإخلاصه له وإعلانه أنْ اختار الشهادتين شعاراً لرايته وعَلَماً لمملكته.
ومن أقواله - رحمه الله - في هذا قوله لخالد بن لؤي: "كلمة التوحيد لا إله إلاَّ الله مُحَمَّد رسول الله، اللَّهم صَلِّ وسلِّم وبارك عليه، إني والله، وبالله، وتالله، أُقَدِّم دمي ودم أولادي وكُلَّ آل سعود فداءً لهذه الكلمة لا أضنُّ به" [22] .
ومن أقواله: "أنا داعية أدعو إلى عقيدة السَّلَف الصَّالِح،
وهي التمسُّك بكتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم وما جاء عن الخلفاء الراشدين ... " [23] .(40/220)
ويقول - رحمه الله - " إنِّي أفضِّل أن أكون على رأس جبل آكل من عشب الأرض أعبد الله وحده، على أن أكون ملكاً على سائر الدنيا وهي على حالتها من الكفر والضلال، اللَّهُمَّ إنَّك تعلم أني أُحِبُّ مَنْ تُحِبّ وأبغض مَنْ تبغض. إننا لا تهمنا الأسماء ولا الألقاب، وإنَّما يهمنا القيام بحق واجب كلمة التوحيد " [24] .
وأوصى - رحمه الله - ولي عهده، فقال: "تعقد نيتك على ثلاثة أمور:
أولاً: نية صالحة وعزم على أن تكون حياتك وأن يكون ديدنك إعلاء كلمة التوحيد.
ثانياً: عليك أن تجتهد في النظر في شؤون الذين سيوليك الله أمرهم بالنصح سِرّاً وعلانية، والعدل في المحب والمبغض، وتحكيم الشريعة في الدقيق والجليل والقيام بخدمتها باطناً وظاهراً.
ثالثاً: عليك أن تنظر في أمر المسلمين عامَّة ... " [25] .
إنَّ كُلَّ فكر الملك عبد العزيز وطموحه هو تحقيق العقيدة الصحيحة، ورفع راية التوحيد عالية خفَّاقة على أرض الجزيرة العربية، وتطبيق الشريعة الإسلامية على هدي الكتاب والسُنَّة النبوية، واتباع طريق السَّلَف الصَّالِح، ونشر العدل بين الناس، وإقامة الحدود.
فالملك عبد العزيز – رحمه الله - لم يكن مجرَّد طالب للملك والجاه في الدنيا، بل كان صاحب عقيدة ودين، يجد في ذلك سعادته في الدنيا، ونسأل الله تعالى أن يرزقه سعادة الآخرة.. يقول في وصيته لولي عهده أيضاً: "واعلم أنَّنا نحن آل سعود ما أخذنا هذا الأمر بحولنا وقوتنا، وإنَّما مَنَّ به الله علينا بسبب كلمة التوحيد لا إله إلاَّ الله مُحَمَّد رسول الله" [26] .(40/221)
وكان - رحمه الله - لا يولِّي أميراً على بلد أو جيش أو يُعَيِّن قاضياً إلاَّ ويوصيه بتقوى الله، والتزام الإسلام، والدَّعْوَة إليه، وكثيراً ما كان يردِّد: "اللهمَّ إنْ كان قصدي إعلاء كلمة الله، ونصرة الإسلام والمسلمين، فأرجو منك التوفيق والتأييد والنصر، وإن كان قصدي خلاف ذلك فأرجو منك أن تريحني بالموت العاجل" [27] .
ولا ريب أنَّ الله تبارك وتعالى أعزَّ الإسلام والمسلمين بظهور الملك عبد العزيز - رحمه الله - الذي أسَّسَ دولته على قواعد التوحيد، ووقف أمام تيارات الشرك والخرافات البدعية، ولم يجامل أو يداهن أحداً في سبيل عقيدته بل عقد العزم على تطهير الجزيرة من كُلِّ ما يفسد على الناس عقيدتهم، وهذا العمل لم يقدم عليه إلاَّ مَنْ ملأ التوحيدُ قلبَه، وأنار الله بصيرته للعمل به، والدَّعْوَة إليه.
المبحث الرَّابع: القضاء على أسباب الشرك ومحاربة الأفكار الهدَّامة:
إنَّ من فضل الله تعالى وتوفيقه على أهل هذه البلاد خاصَّة، وأهل الأرض عامَّة أن جعل هذه البلاد موطنا لدعوة التوحيد، ومنطلقاً لهذه الدَّعْوَة حيث جعل فيها بيته الحرام، فيه آياتٌ بينات مقام إبراهيم ومَن دخله كان آمناً. قال تعالى {إنَّ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّة مُبَارَكاً وهُدَىً لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [28] .
حيث دعا إبراهيم عليه السلام إلى التوحيد، وأمر بتطهير البيت العتيق للطائفين والقائمين والركَّع السجود، وعلى أرض هذه الجزيرة العربية دعا هود وصالح، ودعا خاتم الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة والسلام - إلى كلمة التوحيد. ودعا الصحابة رضوان الله عليهم، والتابعون لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.(40/222)
وامتداداً لجهود الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوَهَّاب، والإمام مُحَمَّد بن سعود، قام الملك عبد العزيز - رحمه الله - بالدَّعْوَة إلى التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده، وسعى إلى القضاء على جميع الأسباب المفضية إلى الشِّرْك والبدع والخرافات المنتشرة في ذلك الوقت، مثل البناء على القبور، وتعظيمها، والتبرك بها، إلى غير ذلك مِمَّا يؤدِّي إلى الشرك بالله تعالى.
ومن ذلك أنَّ الملك عبد العزيز - رحمه الله - حينما دخل جده سنة 1344هـ، كان من أوائل الأعمال التي قام بها هدم قبَّة حواء - المزعومة - وإبطال البدع التي كانت سائدة في ذلك الزَّمان، والتي كان يتقرِّب بها النَّاس - كما يظنون - إلى الله تعالى.
ومن ذلك هدم صنم ذي الخَلَصَة في منطقة تَبَالة وهي بلد باليمن [29] .
إنَّ مظاهر الشرك مع شدة تحريم الإسلام لها، ووعيد أصحابها بالخلود في نار جهنَّم يوم القيامة إن لم يتوبوا إلى الله تعالى قبل الموت، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [30] .
فإنَّها أيضاً تدل على التخلُّف العقلي، وسذاجة عابديها في الدنيا. والإسلام يريد من العبد أن يتوجَّه إلى الله وحده، ليكون قويّاً عزيزاً.
يقول الملك عبد العزيز - رحمه الله -: "إنَّ سبيل رقي المسلمين هو التوحيد الخالص، والخروج من أسر البدع والضلالات، والاعتصام بما جاء في كتاب الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم" [31] .
لقد وفَّق الله موحِّد المملكة الملك عبد العزيز - طَيَّب الله ثراه - أنْ وحَّد الناس على عبادة ربهم، حتى أنَّه وحَّدهم في تأدية صلاتهم، بعد أن كانوا يتَّخذون جماعات متعدِّدة في المسجد الحرام.(40/223)
قال المعصومي: "لَمَّا تشرّفت بمكَّة سنة 1353هـ انشرح قلبي برؤية الكعبة المشرَّفة - زادها الله تشريفاً وتعظيماً - وَلَمَّا شهدت توحيد الجماعة في الصلوات الخمس، زادني سروراً على سرور؛ لاضمحلال بدعة تعدُّد الجماعات في هذا المسجد الشريف، وكذا هدم قباب القبور التي كانت من أضَرّ الأشياء على عقيدة المسلمين" [32] .
محاربة الأفكار الهدَّامة:
وعلى الرَّغم من الأدلة الواضحة على صفاء الدَّعْوَة السَّلَفِيَّة ونقائها، فإنَّها لم تسلم من مكر أصحاب الأفكار والمذاهب الهدَّامة.
وقد ابتلي العالم الإسلامي في العقد التاسع من القرن الثالث عشر الهجري بكثيرٍ من التيارات الوافدة، كالقومية، والعلمانية، والاشتراكية، وغيرها من المذاهب المعادية للإسلام.
وهذه المبادئ تعادي الإسلام بما تشتمل عليه من نظم لا تتَّفِق مع مبادئه السامية.
وقد زرع أعداءُ الإسلام لهذه الأفكار والمذاهب الهدَّامة دعاةً بين المسلمين هم من الكُفَّار ثُمَّ من تلامذتهم من المسلمين. فجنَّد أصحاب هذه الأفكار أقلامهم لترويج تلك الأفكار، وأغرقوا الشعوب بسيلٍ من الشعارات التي لا محتوى لها، ولا مضمون وراءها، كالتغيير الثوري، ومجتمع الكفاية، والتقدُّمية، وغير ذلك من الشعارات التي أجادها هؤلاء الذين سَمُّوا أنفسهم تقدُّميين، ولم تجن الشعوب العربية من وراء ذلك شيئاً.
وفي المقابل يصفون دعاة الإسلام بالرجعية، ويزعمون أنَّ الإسلام هو سبب تأخُّر المسلمين، والمطالبة بإقصاء علماء الدين باعتبارهم عوائق في طريق التقدُّم والتطور.
وكان هناك مَنْ يطالب بإلغاء المحاكم الشرعية وسيادة القانون الوضعي، ومنع تعدُّد الزوجات، وأن تمنح الفتاة الحرية الكاملة، بحيث تفعل ما تريد، ولو كان في ذلك مخالفة للشرع.(40/224)
والمملكة العربية السُّعُودِيَّة باعتبارها واحدة من البلاد العربية والإسلامية، تتأثَّر بما يوجد على الساحة العربية والإسلامية سلباً وإيجاباً، بل إنَّ هذه البلاد كانت مستهدفة بهذه الأفكار، لعلمهم بما تتمتَّع به من زعامة في العالم الإسلامي، حيث أنَّها بلاد الحرمين، ومهبط الوحي، وقلعة الإسلام.
لكن بفضل الله تعالى، ثُمَّ بجهود الملك عبد العزيز - رحمه الله – ومن حوله من علماء الدَّعْوَة السَّلَفِيَّة، وقفت هذه الدَّعْوَة المباركة سدَّاً منيعاً أمام تلك الأفكار والمذاهب الهدَّامة من الوصول إلى البلاد؛ وذلك لاقتناع الملك عبد العزيز - رحمه الله - بأنَّ تلك المذاهب أجنبية وغريبة على معتقد بلاده.
وفي الوقت نفسه اهتمَّ الملك عبد العزيز بمنع الكتب والنشرات المخلة بالأخلاق والعقائد من دخولها إلى البلاد، حتى أنَّه أمر بوضع نظام للجمارك لضبط هذه الكتب والنشرات [33] .
وكان رحمه الله - يهدف من وراء هذه الإجراءات أن يحفظ للشباب عقيدته صافية نقية.
وقد نجح الملك عبد العزيز في ذلك، حيث ثبت فشل تلك المذاهب والأفكار في البلاد التي تبنتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً. وسلمت بلاده من تلك الأمراض الفَتَّاكة، وقد سار أبناؤه البررة من بعده على هذا المنهج، ومعهم فقهاء وعلماء الدَّعْوَة السَّلَفِيَّة، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
المبحث الخامس: نشر العلم وطباعة الكتب القَيِّمة:
إنَّ المتتبِّع لتاريخ الدَّولَة السُّعُودِيَّة منذ نشأتها، يلاحظ أنَّها دولة تعليمية لا يكاد ينفصل فيها جانب الجهاد في سبيل الله لنشر الدَّعْوَة الإسلامية عن جانب التعليم ونشر العلم.
إلاَّ أنَّ التعليم - في بداية الأمر - كان على نطاقٍ ضَيِّقٍ، وكانت الأُمية هي الغالبة، بل كان التعليم معدوماً في بعض مناطق البادية [34] .(40/225)
ولعلَّ السبب في ذلك يعود إلى قسوة المعيشة، وقلة الأمن، وندرة المعلِّمين المتفرِّغين، نظراً للظروف السائدة في ذلك الوقت.
لذا فقد أدرك الملك عبد العزيز - رحمه الله - أنَّ الجهل بابٌ واسعٌ للفوضى في شتَّى مناهج الحياة. ورأى - رحمه الله - أنَّ المنهج الصحيح في بناء المجتمع المسلم هو محاربة هذا الدَّاء اللَّدود. وذلك بنشر العلم واعتماده وسيلة رئيسه للقضاء على الجهل والتخلُّف، وطريقاً إلى الاطلاع على منجزات العصر الحديث، والأخذ بأسباب التقدُّم والتطور، مِمَّا لا يتعارض مع العقيدة.
وكان اهتمام الملك عبد العزيز - رحمه الله - بنشر العلم والمعرفة، أحد الإنجازات العظيمة، حيث حقَّق اهتمامه بهذا الجانب الذي حظي بدعمه المادِّي والمعنوي نجاحاً كبيراً.
ومن وصاياه لطلبة العلم قوله - رحمه الله - لخريجي معهد الطَّائف، الذين قدموا للسَّلام عليه في مكَّة يوم 7 صفر سنة 1350 هـ:
" أنتم أوَّل ثمرة من غرسنا الذي غرسناه بالمعهد، فاعرفوا قدر العِلْمِ واعملوا به، لأنَّ العلم بلا عمل كشجرة بلا ثمر" [35] .
ويقول - رحمه الله - "قليلٌ من العِلْمِ يُبَارك فيه خير من كثيرٍ
لا يبارك فيه، والبركة في العمل" [36] .
وقد مرَّ التعليم في عهد الملك عبد العزيز بمرحلتين:
المرحلة الأولى: تبدأ بعد فتح الملك عبد العزيز - يرحمه الله - للرياض في 5 شوال سنة 1319هـ، ويتركَّز اهتمامه في هذه المرحلة بإرسال الوعاظ والمرشدين إلى البادية ليعلِّمُوهم أمور دينهم، ويغرسوا في نفوسهم روح العلم والإخاء، وطمأنينة الأمن والاستقرار.
وذلك عن طريق "الهجر"، وبناء المساجد فيها، وبناءً عليه يمكن اعتبار إنشاء الهجر أوَّل محاولة للتعليم قام بها الملك عبد العزيز في هذا المجال [37] .(40/226)
هذا بالإضافة إلى وجود بعض الكتاتيت التي كانت منتشرة في بعض المدن والقرى، حيث تقوم بتعليم الصغار القرآن الكريم، والقراءة والكتابة، وكان بعضهم يتخذ من زوايا المساجد أماكن للتدريس.
المرحلة الثانية: وتبدأ بعد ضم الملك عبد العزيز للحجاز، حيث أنشئت "مديرية المعارف العامَّة " في مكة سنة 1344هـ، ووضعت برنامجها الواسع لجميع المراحل التعليمية، وفتحت مدارس جديدة في سائر أنحاء البلاد.
ثُمَّ تحوَّلت هذه المديرية مع اتساع النشاط التعليمي إلى وزارة
سنة 1373هـ، وأُنِيطَت - آنذاك - بصاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز - حيث أخذ سموه في بذل قصارى الجهود في إشباع رغبات البلاد من مناهل العلم والمعرفة [38] .
لقد سار التعليم في عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - على الأُسُس الثابتة، والأهداف السامية، وأهمها اهتمامه بالعقيدة الصحيحة، ونبذ البدع والخرافات التي ليست من الدين في شيء، والاهتمام بالعلوم الشرعية، واللغة العربية، كأساسٍ لبناء الفرد المسلم.
وقد حققت هذه الجهود الموفَّقة للمواطن السعودي التزود بالعلم، وغرس روح الإخاء الإسلامي، وحفظته من الانزلاق في مهاوي الجريمة، أو ارتكاب العادات السَّيئة.
لقد أدرك الملك المؤسِّس - رحمه الله - أنَّ حكمه في إقامة مجتمع عربي مسلم متحضِّر، لن يتحقَّق إلاَّ بالتزود بالعلم، فعمل رحمه الله على نشره.
وقدَّم لطلاَّبه الكتب والأدوات المدرسية بدون مقابل، وكذلك خصَّص لهم المكافآت لتشجيعهم على حَلِّ مشكلاتهم في حال غربتهم عن مدنهم وقراهم.
وليس من المبالغة إذا قلنا إنَّ الملك عبد العزيز - يرحمه الله - قد وضع كُلّ الإمكانيات المتاحة، وبذلَ كُلَّ غالٍ ونفيسٍ في سبيل نشر العلم ومحو الأمية، والقضاء على الجهل والتخلُّف الذي كان سائداً في عموم البلاد.(40/227)
وكان - رحمه الله - يرغب في أن يسير بالتعليم خطوات أكثر إلى الأمام، وبطريقةٍ أكثر تنظيماً، لولا انشغاله في تلك المرحلة بأمورٍ كثيرة، منها سعيه المتواصل لتوحيد أجزاء البلاد، وبناء صرح الوحدة السياسية للدولة، واهتمامه بنشر الأمن والعدل في كافَّة المناطق الخاضعة له، والعمل على تنمية الموارد الاقتصادية لهذا الكيان الكبير.
وإنَّ ما نشهده اليوم من نهضةٍ تعليمية شامخة، تستمد أُسسها ومقوماتها من مؤسِّس هذا الوطن القائد الباني الملك عبد العزيز – رحمه الله – الذي وضع أسسها ومقومهاتها، ونفذها من بعده أبناؤه البررة بكُلِّ عزمٍ وقوة وحرصٍ واهتمام، حيث بلغ عدد الجامعات في المملكة ثماني جامعات [39] ، وبلغ عدد الطُلاَّب والطالبات في مراحل التعليم أكثر من ثلاثة ملايين طالب وطالبة، وبلغ عدد المدارس والمعاهد والكليات الآلاف في جميع أنحاء المملكة، ووصل التعليم إلى ذروة تقدُّمه في وقتنا الحالي، تحت رعاية ودعم خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - الذي بذل أعظم الجهود وأفضلها من أجل أن تتمكَّن البلاد في أسرع وقتٍ ممكنٍ من مسايرة الركب العالمي في كافَّة المجالات العلمية، مع التزامها بالعقيدة الصحيحة.
طباعة الكتب وإخراج المؤلَّفات القَيِّمة:
ونظراً لأهمية الكتاب في التثقيف ونشر الدَّعْوَة السَّلَفِيَّة، فقد اتجه الملك عبد العزيز - رحمه الله - إلى طبع الكتب وإخراج المؤلَّفات القيمة التي تهتم بالعقيدة السَّلَفِيَّة وتطهيرها من أدران الشرك والبدع، طبع في الفترة الأولى من حكمه عِدَّة كتب، من مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، والإمام أحمد بن حنبل، والشيخ مُحَمَّد بن عبد الوَهَّاب، وغيرهم من علماء الإسلام.
وكانت هذه الكتب تشتمل على كتب في التفسير، والحديث، والدَّعْوَة، والفقه، والتاريخ، والأدب، وغير ذلك مِمَّا يجد - رحمه الله - في طباعته ونشره خدمة للدعوة السَّلَفِيَّة.(40/228)
وقد وُزعت هذه الكتب القيمة على الناس في داخل البلاد وخارجها مجّاناً [40] .
وكان الملك عبد العزيز يأخذ في طبع ونشر هذه الكتب بما يشير به عليه العلماء أو المستشارون، ومن المعروف أن جلساء الملك عبد العزيز هم من صفوة الرجال علماً وأدباً ورجاحة عقل. ومما لاشك فيه أنّ ما يلاحظ اليوم من استنارة ظاهرة في عقائد المسلمين، إنّما هو ناشئ عن هذه الدعوة المباركة التي مازالت تواصل دورها وتؤتي ثمارها في أنحاء الأرض.
المبحث السادس: تطبيق الشريعة وإقامة الحدود:
لقد أدرك الملك عبد العزيز - رحمه الله - بثاقب بصره، وبُعْد نظره، أنَّ الناس عامة لا يمكن أن يصلح لهم أي نظام غير النظام الرباني، وقد كان لهذا الإدراك الأثر الكبير في نجاح جميع أموره في توحيد المملكة، وذلك لأنَّ كون الشريعة من عند الله يحمل الناس على احترامها، وطاعة أوامرها، وإنَّ في هذه الطاعة قربة إلى الله تعالى، ولا يخفى على أحدٍ أثر الشريعة الإسلامية في مجال العبادات والمعاملات من تحقيق المصالح بين الناس، وتنظيم العلاقة بينهم.
لذلك اعتمد الملك عبد العزيز - يرحمه الله - الشريعة الإسلامية في جميع أعماله وتصرفاته من أجل توحيد المملكة، وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار فيها، وحقن الدماء التي كانت تُرَاق في الماضي، وإقامة نهضة شاملة، في حدود ما تجيزه الشريعة السمحة.
وذلك امتثالاً لقوله تعالى - مخاطباً رسوله مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمر فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [41] .
وقوله عزَّ وجلَّ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [42] .(40/229)
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله، وسُنَّتي" [43] .
وقد طبَّق الملك عبد العزيز - يرحمه الله - الشريعة الإسلامية في بلاده غير مبالٍ بحملات التشكيك التي كانت تثار ضِدّ قدرة الشريعة الإسلامية على مواكبة الحضارة الحديثة، والوفاء بمتطلَّبات الحياة العصرية، وتدعو إلى الأخذ بالقوانين الوضعية، والأنظمة الحديثة.
وإنَّ من نافلة القول أن نقول: إنَّ الملك عبد العزيز لم يأت بنظامٍ جديد، ولم يُشرّع قانوناً، بل الذي عمله أنَّه طَبَّق أحكام القرآن والسُنَّة النبوية على الناس في مملكته، وأيقظ في النفوس وازع الإيمان بالله تعالى، والالتزام بما شرعه لعباده.
ولهذا قال - رحمه الله - عندما أراد السفر إلى مكَّة: "إنِّي مسافرٌ
إلى مكَّة لا للتسلُّط عليها، بل لرفع المظالم والمغارم التي أرهقت كاهل
عباد الله، إني مسافر إلى حرم الله لبسط أحكام الشريعة وتأييدها، فلن يكون هناك بعد اليوم سلطان إلاَّ للشرع " [44] .
ويذكر الأحيدب عن تمسُّك الملك عبد العزيز - رحمه الله - بالإسلام وشدَّة خوفه من الله، وتنفيذه للشريعة فيقول: "إنَّه لم يفرِّط في أي ركنٍ من أركان الإسلام طول حياته، وأنَّ مجالسه الصباحية والمسائية كانت عامرة بذكر الله من الدروس الدينية في الحديث والتفسير، والحكم الإسلامية، وأنَّه كان يرتجف خشيةً من الله حين يقول له أيُّ فرد من راعاياه (خف الله يا عبد العزيز) لأنَّه كان خاضعاً للشريعة السمحة، حريصاً على تنفيذ أحكامها، متمسِّكاً بها، مؤمناً بأنَّ خير المسلمين، بل خير البشر أجمعين، في اتِّباع تعاليم الإسلام وأخلاقه وهدايته" [45] .(40/230)
وقد أوصى الملك عبد العزيز - يرحمه الله - العلماء ورجال القضاء فقال: "إنَّ كتاب الله ديننا ومرجعنا، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دليلنا وفيه كُلّ ما نحتاجه من خيرٍ وإرشاد، ونحن من جانبنا سنحرص إن شاء الله كل الحرص على إقامته واتباعه وتحكيمه في كُلِّ أمر من الأمور" [46] .
وكتب - رحمه الله - إلى العاملين في الهيئات بالمهام الموكلة إليها في مجال العبادات والمعاملات وأحكام الشريعة، ومِمَّا جاء في ذلك:
1 - إلزام الناس بالمحافظة على الصلوات الخمس في جماعة وحض الناس على تعلُّم الدين، والقيام على أهل المنكرات.
2 - جباية الزكاة وصرفها في مصارفها التي أمر الله بها والتحقُّق من أدائها على الوجه المشروع، وإنْ ظهر لهم منع أحد من إخراج الزكاة تؤخذ منه على الوجه الشرعي متحرِّين العدل.
3 - صيام شهر رمضان ومنع أي مظهر يتنافى مع طبيعة هذا الركن العظيم من أركان الإسلام.
4 - تفقُّد ما ظهر من معاملات الناس وكشف التعامل الربوي منها والعقود الفاسدة؛ فما عثروا عليه يخالف الشرع أبطلوه وأدَّبوا صاحبه.
5 - تأديب من وجد منه غش أو خيانة أو بخس في المكاييل والموازين حسب الحال ... إلى غير ذلك [47] .
وقد ألغى - رحمه الله - جميع القوانين التي كانت سائدة في السابق، وأصدر العلماء فتوى بتاريخ 8شعبان سنة 1345هـ، ومِمَّا جاء فيها: "وأمَّا القوانين فإنْ كانَ موجوداً منها شيء فيُزَال فوراً ولا يحكم إلاَّ بالشرع المطهَّر" [48] .
وعندما بدأ الملك عبد العزيز في تأسيس المملكة رأى إنَّ من أول واجباته إقامة حدود الله على كُلِّ مَن اعتدى على النفس أو الدين أو النسل أو العقل أو المال.(40/231)
وبتطبيق الحدود تمكَّن الملك عبد العزيز من استئصال الجريمة في المجتمع، وعاش النَّاسُ في أمنٍ وعدلٍ منقطع النَّظير. بعد أنْ كانت الجزيرة العربية مسرحاً للفوضى والنَّهب والسَّلب وقطع الطريق، إذ أصبح كُلُّ مَنْ فيها آمناً على نفسه مطمئناً على أهله وماله، يشهد لذلك كُلُّ مقيم على أرضها.
ومن أجل سلامة تطبيق الشريعة الإسلامية، أنشأ الملك عبد العزيز - رحمه الله - رئاسة القضاء، وكان من مسؤولياتها تدقيق الأحكام الشرعية الواردة إليها ... ويهدف هذا الإجراء إلى التأكُّد من أنَّ كُلَّ حكم يتخذ فيما يتعلَّق بالحدود، يتمُّ وفق تعاليم الشريعة الإسلامية.
وأودُّ أن أُؤكِّد مرّةً أخرى بأنَّ سِرَّ نجاح الملك عبد العزيز - رحمه الله - في إقامة هذه المملكة المباركة، وهذا الكيان الكبير، يعود في المقام الأول - بعد توفيق الله تعالى وفضله - إلى رغبة الملك عبد العزيز الصادقة والمخلصة في قيام دولة تلتزم العقيدة الصحيحة، وتنفِّذ الشريعة، وتقيم الجهاد، فكان له ما أراد، وسار أبناؤه البررة من بعده على نفس المنهاج.
المبحث السابع: الأخذ بمبدأ الشورى:
ومن الأُسُس التي انتهجها الملك عبد العزيز - رحمه الله - وقامت عليها المملكة العربية السُّعُودِيَّة، الأخذ بمبدأ الشُّورى، والاسترشاد بآراء العلماء وأصحاب الخبرة.
ومن الأدلَّة على أهمية الشورى ووجوبها قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [49] .
وقوله عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [50] .(40/232)
ومَنْ يتتبَّع كتب التراث الإسلامي يجد أنَّ كتب التفسير والحديث والتاريخ زاخرة بالأمثلة الدَّالَّة على أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر من مشورة أصحابه.
والشورى تكون في جميع الشئون العامة للأمَّة المسلمة، غير أنَّ الشورى لا تكون في أي قضية ورد فيها نص من القرآن الكريم أو السُنَّة النبوية.
كما إنَّه لا يجوز أن ينتهي رأي المستشارين إلى نتيجة تخالف نَصّاً من النصوص التشريعية الواردة في القرآن الكريم، والسُنَّة الشريفة.
أمَّا عدا هذين القيدين، فإنَّ كُلَّ أمر لم يرد فيه نص يمكن أن يكون محلاًّ للشورى إذا كان الأمر يتعلَّق بمسألة أو قضية تُعَدُّ من الشئون العامَّة للأمَّة.
وعملاً بتوجيهات القرآن الكريم الذي أمر بالمشاورة والحث عليها، فإنَّ الملك عبد العزيز - رحمه الله - لم يؤثر عنه أنَّه انفرد بأمرٍ من الأمور دون أن يستشير خاصّته وأركان دولته، وذوي العلم والرأي فيها، رغم ما هو معروف عنه من بعد النظر وأصالة الرأي والتفكير [51] .
وقد جاء في كتاب شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز تحت عنوان: "التعليمات الأساسية". أمَّا التعريف بالدَّولَة وشكلها وترتيباتها الإدارية وما إلى ذلك، فأوَّل نظام وضع لها كانت مادَّته من إملاء عبد العزيز بمكَّة في 16 صفر 1345 هـ، ونشر في الجريدة الرسمية يوم 21 صفر، باسم التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية " ... "ونصَّت الفقرة (2) على العبارة التالية: "الدَّولَة، دولة ملكية، شورية، إسلامية، مستقلة في داخليتها وخارجيتها [52] .(40/233)
وقد شكَّل الملك عبد العزيز - رحمه الله - مجلس الشورى عام 1346هـ، وأوضح مهمة عضو مجلس الشورى بكُلِّ دقَّة وأمانة، يقول – رحمه الله: "دعوناكم لانتخاب أعضاء لمجلس الشورى الجديد، فالواجب يقتضي أن لا يتقاضى الإنسان في مثل هذه الحالة إلى قلبه، لأنَّ القلب دائماً ميَّال، يجب أن تنتخبوا الأكفاء من أهل الخبرة بحيث إذا قام هذا المجلس على أساسٍ قويٍّ تجني البلاد من ورائه الفوائد الجزيلة، يجب أن تنتخبوا مَنْ تعتقدون فيهم الإخلاص في العمل، والمقدرة في الدفاع عن حقوق الأهلين، لأنَّ الحكومة تأخذ حقها على كُلِّ حال، أمَّا الأهلون فهؤلاء أعضاء مجلس الشورى هم الذين سيكونون وكلاء عن الشعب، فإنْ أحسنتم اختيارهم وانتقاءهم أحسن هؤلاء الدفاع عن حقوقهم، فأحسنتم بذلك للبلاد والعباد" [53] .
ونلاحظ أنَّ مجلس الشورى قد نشط في أعماله، وكثيراً ما كانت تضاف له صلاحيات جديدة، خلال كُلِّ دورة من دورات تشكيله التي كانت تستغرق عاماً أو عامين أو أكثر، وكان له أحياناً سلطة رقابية على الجهاز الحكومي وعلى تطبيق بعض النُّظُم، ومدى ملائمتها للشرع [54] .
وظلَّ المجلس يؤدِّي دوره بنشاط خلال فترة كانت البلاد بحاجة ماسَّة إلى جهوده، للإشراف على وضع نظم وتعليمات تتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، كي تلتزم بها الأجهزة والهيئات الحكومية التي بدأت في النمو والتزايد والاتساع حسب حاجة البلاد.
وقد اكتمل نظام مجلس الشورى في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - حيث أصدر أمراً ملكياً بذلك في 27/8/1412 هـ.(40/234)
وقد كان لنظام الشورى الذي اتخذه الملك عبد العزيز - رحمه الله - واقتفى أثره من بعده أبناؤه البررة، أكبر الأثر فيما تعيشه المملكة من تطور كبير في شتى المجالات، قائمٌ على التعاون بين ولاة الأمر والمواطنين، ومن خلال هذا المبدأ اكتسبت المملكة الصدق والوضوح والتثبت في كافة تعاملها مع الآخرين.
المبحث الثامن: توطين البادية والمؤاخاة بين القبائل:
كان المجتمع القَبَلِي في الجزيرة العربية - قبل عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - يغلب عليه التنافس والتنازع، فكُلُّ قبيلة لها زعامة مستقلة، وتتنافس مع القبيلة المجاورة لها في موارد المياه وأماكن الرعي. وبين هذه القبائل من العداوة والمعارك والأخذ بالثأر، مَا يجعل الحروب لا ينطفئ لهيبها وبدلاً من الوحدة والائتلاف، كان الشِّقَاق والنزاع بينها لا نهاية له،
ولا حدود.
وكان من أهم خصائص البادية في ذلك الوقت ميلهم إلى الحُرِّية المطلقة، وعدم الخضوع لأي أنظمة سوى أعراف القبيلة وقوانينها.
يقول فهد المارك: " إنَّ مَنْ يعرف العهد الماضي الذي عاشه أولئك البدو، كيف كانت عليه حياتهم الاجتماعية التي موجز ما يُقَال عنها، أنَّها قامت على التعصُّب القَبَلِي الجاهلي الأعمى، وافتراس قويّهم لضعيفهم، واستباحة ما يقع بأيديهم عن طريق ما يُعْرَف بالغزو ... " [55] .
ونظراً لكون البدو يُشَكِّلون نسبة كبيرة من سُكَّان شبه الجزيرة، وأنَّ لذلك خطره على مبادئ الدَّعْوَة السَّلَفِيَّة؛ حيث أنَّهم ورثوا تقاليد وعادات تتنافى مع العقيدة الصحيحة.(40/235)
لذلك فقد أدرك الملك عبد العزيز الدَّاء، وعالجه بسياسة حكيمة، حين رأى - رحمه الله - أهمية تنظيم حياة البادية، ليوظِّف قدراتهم وطاقاتهم في بناء الدَّولَة الفتية، فشرع في توطينهم، وتشجيعهم على الاستقرار فيما يُسَمَّى "بالهجر"وبعث إليهم الدعاة والمعلِّمين لتعليمهم وإرشادهم. وذلك لأنَّ معيشة البداوة وما فيها من غزوٍ وسلبٍ وتفرُّقٍ وسفكٍ للدِّماء، لا يمكن أن تقوم معها حياة دينية ولا دنيوية صحيحة مستقرَّة.
وقد انتشرت هذه الهجر حتى زادت على المائة خلال فترةٍ وجيزة، وكانت أول الهجر التاريخية الشهيرة هي "هجرة الأرطاوية"التي بُنِيَت سنة 1330هـ[56] .
وقد نجح العلماء والمرشدون الذين وجَّههم الملك عبد العزيز رحمه الله إلى الهجر في إعادة نور التوحيد وترسيخ العقيدة السلفية الصحيحة في سُكَّان هذه الهجر.
فأثمر هذا النجاح الوحدة والائتلاف والتعاون بين القبائل على أساس عقيدة التوحيد، وبتوفيقٍ من الله تعالى أُزِيلَت جميع مظاهر الشِّرك، واستنار الناس بالعلم، وأصبحت الهجر موطناً ومنطلقاً للتوحيد.
يقول حافظ وهبة: "إنَّ من أعظم المشروعات الإصلاحية التي قام بها الملك عبد العزيز: مشروع تحضير البادية وإقطاعهم الأراضي للسكنى والزراعة، وتعليم المبادئ الدينية ومكارم الأخلاق، ولا شكَّ أنَّه حصل نجاح عظيم لإصلاحات الملك عبد العزيز، وإقبال على دين الله خاصّةً من البدو الرُّحل، فقد أقبلوا على الهجر يبنونها بمساعدة الملك عبد العزيز، ويبني لهم المساجد، ويبعث إليهم المشايخ والأئمة وطلبة العلم يُعَلِّمونهم دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حتى تَمَّ تهجيرهم، وأقبل الناس على بناء حضارة إسلامية، وأغدق الله عليهم من نعمه الكثيرة في الدين والدنيا، والعلم، والقراءة، والأمن، والاستقرار، وما لا يحصى من النعم" [57] .(40/236)
وبهذه الجهود المثمرة، والإصلاحات الاجتماعية العظيمة، والموفقة، يتبيَّن لنا أنَّ الملك عبد العزيز قد عالج الجهل بالتعليم، وعالج الفقر بتوفير سُبُل الرِّزق الحلال، وعالج العداوة والنزاعات القَبَلِيَّة، وظاهرة الأخذ بالثأر، بتحقيق التآخي والألفة والمحبة والثقة، وعالج التفرقة بالاتحاد والائتلاف، "ومنع الغزو بين القبائل، وأحلَّ الإخاء والسلام والأمن بين الجميع" [58] .
كُلُّ ذلك جمعاً للكلمة، وعملاً بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [59] .
وكان ذلك تأسِّياً بالنبي صلى الله عليه وسلم حينما آخى بين أصحابه - رضوان الله تعالى عليهم -، من المهاجرين والأنصار.
لقد غرس الملك عبد العزيز - رحمه الله - في هذه الأرض الطيبة وحدة الصَّف، ووحدة الكلمة تحت راية التوحيد، وفي ظلِّ الدَّعْوَة السَّلَفِيَّة توحَّدت الأقاليم، وتوحَّدت الجماعات، حتى أصبحت المملكة نموذجاً رائعاً، ومثلاً حياً للوحدة الوطنية الإيمانية، وحدة تعي واجباتها نحو ربها، ونحو ولاة أمرها، ونحو بلادها ومجتمعها.
قال عزَّ وجلَّ {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [60] .
المبحث التاسع: القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
يُعَبَّرُ عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في اصطلاح السَّلَف بالحِسْبة حيث عرَّفوها بأنَّها أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله [61] .(40/237)
والأمر في اللغة ضِدّ النهي، قال تعالى: {وأُمرنا لنُسْلم لربِّ العالمين} [62] .
والمعروف شرعاً: اسم جامع لكُلِّ ما عرف من طاعة الله والتقرُّب إليه والإحسان إلى الناس، وكُلّ ما ندب إليه الشرع في المقومات والمحسنات، وهو من الصفات الغالبة [63] .
والنهي لغةً: المنع، والزجر، وهو خلاف الأمر.
والمنكر لغةً: الإنكار والجحود [64] .
والمنكر شرعاً: كُلّ ما قبَّحه الشرع وحرَّمه وكرهه فهو منكر [65] .
وقيل: ما عرف قبحه شرعاً وعقلاً [66] .
ومن الأدلة على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأهميته، قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [67] . وقوله عزَّ وجلَّ: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [68] . وقوله سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [69] .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإنْ لم يستطع فبلسانه، فإنْ لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" [70] . وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه فتدعونه فلا يستجيب لكم" [71] . إلى غير ذلك من الأدلة الواردة في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأهميته، وفي فضله، وفضل القائمين به.(40/238)
وعندما فتح الملك عبد العزيز - رحمه الله - مدينة الرياض سنة 1319هـ، واستقرَّت الأمور نسبياً، كلَّف بعض الشيوخ الأفاضل، ليقوموا على ولاية الاحتساب، ومِنْ ثَمَّ فقد تَمَّ تنظيم أمور هذه الولاية.
وقام الملك عبد العزيز - رحمه الله - بتزويد المحتسب ببعض الرجال من أعوانه وجنوده، واتسع نطاق الحسبة ليشمل تولي أمورها في المنطقة الوسطى والشرقية والحدود الشمالية، مِمَّا استدعى إيجاد مقر دائم للرئيس العام بمدينة الرياض.
ونظراً لكون الدَّولَة السُّعُودِيَّة قامت على أُسُس إسلامية سلفِيَّة، ولإيمان الملك عبد العزيز - رحمه الله - بأهمية دور ولي الأمر في تنظيم ولاية الحِسْبة والقيام عليها، ورغبةً منه في حماية الشريعة الإسلامية، والحفاظ على الأخلاق العامَّة للمجتمع، فقد تمَّ على يديه تأسيس أول هيئة لنظام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمكَّة المكرَّمة سنة 1344هـ.
وقد تشكَّلت الهيئة من علماء مكة ونجد.. وكان الهدف من إنشائها هو مراقبة تنفيذ أحكام الشرع وإقامة الشعائر، وحثّ الناس على الطاعة [72] .
وجاء في قرار إنشائها البنود التالية:
1 - تتبع المعاملات والعادات، فما وافق الشرع منها تقره، وما خالفه تزيله.
2 - منع البذاءة اللسانية التي تعوَّدها السوقة.
3 - حث الناس على أداء الصلوات الخمس جماعة.
4 - مراقبة المساجد من جهة أئمتها ومؤذنينها ومواظبتهم، وحضور الناس بها، وغير ذلك من دواعي الإصلاح.
5 - أن تتخذ في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جميع الوسائل الموصلة إلى ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة. وإذا أعياها أمرٌ من الأمور رفعت مذكرة إلى ولي الأمر لإجرائه [73] .
وقد كان من الأمور الجديرة بالإشارة والإعجاب أن أنشأ الملك عبد العزيز - يرحمه الله - هذه الهيئة وهو لا يزال يخوض غمار توحيد أقاليم المملكة.(40/239)
ومع أنَّه لا يمكن إغفال الأثر الذي ترتَّب على تأسيس هذه الهيئة، إلاَّ أنَّه لا يمكن إغفال جهود الملك عبد العزيز - رحمه الله - الشخصية في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمتمثِّلة في رسائله ومناصحته للأمراء وعامَّة الناس، بوجوب التزام الطاعات، والانتهاء عن المنكرات.
وقد عرف عن الملك عبد العزيز - رحمه الله - أنَّه كان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، متمسكاً بأحكام الشريعة الإسلامية، قولاً وعملاً، في كافة المجالات، عاملاً بما يحقِّق المصلحة لبلاده وشعبه، محبّاً للعلماء كثير التوجيه والنُّصْح والإرشاد لهم، إيماناً منه بأنَّ محبة الخير لإخوانه كمحبته لنفسه [74] .
وقال - رحمه الله - في اجتماعٍ له بموظفي الدَّولَة: "نحن وضعنا جماعة تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، فبلاغاتها ومقرراتها تشمل الجميع على السواء، وأنتم يا جماعة الموظفين أحق الناس باتباع أوامرها واجتناب منهياتها، فإنَّكم أنتم المكلفون بتنفيذها، فإذا كنتم لا تبدأون بأنفسكم وتكونون قدوة صالحة للناس يصعب تطبيقها وتنفيذها" [75] .
ومن الجدير بالذِّكر أنَّ التطور الذي شهدته الدَّولَة السُّعُودِيَّة في عهد الملك عبد العزيز، والنمو الذي حدث في النواحي السياسية والإدارية في البلاد - بعد التوحيد - أظهرت مجالات أخرى ذات صلة بمجالات الاحتساب، منها: الجهات القضائية المختلفة، والجهات الأمنية المختلفة.
إنَّ مهمَّة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، هي مهمة الرسل والمؤمنين بالله تعالى، وذلك بالدَّعْوَة إلى الله بالترغيب والترهيب، والنصح، والإرشاد، والتذكير، والتبليغ، وإظهار الدين، وإقامته كما أراد الله ورسله، وإعلاء كلمة الله، والتعاون على البرِّ والتقوى بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.(40/240)
وإنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص هذه الأُمة التي تمتاز بها على سائر الأمم، كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [76] .
فاتَّصفت بالخيرية، لأنَّ الله قد هيَّأ لها من الأسباب والدلائل والآيات ما يمكِّنها من القيادة الرائدة لهداية العالم المملوء بالشرور وضروب الفساد. والأمة الإسلامية ما دامت مهيأة لهذه القيادة، فينبغي أن تكون مطيعة لله، جاعلة من شريعته منهجاً للحياة في كُلِّ المجالات.
والملك عبد العزيز - رحمه الله - قام بهذا الواجب الشرعي، فمكَّن الله له في الأرض، وبعث له خزائنها، وما ذلك إلاَّ لقيامه بمقومات التمكين من عبادة الله وحده، ونبذ البدع والخرافات، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من الأعمال الصَّالِحة.
قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [77] .
وقال سبحانه: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [78] .
المبحث العاشر: التعاون بين الراعي والرعية:
وإنَّ من آثار الدَّعْوَة السَّلَفِيَّة في توحيد المملكة ما استنه الملك عبد العزيز - رحمه الله - من سُنَّةٍ حسنة، حيث فتح باب مكتبه وباب قصره لأي مواطن يرغب الاتصال به.(40/241)
وقد كتب منشوراً، وعلَّقه بالحرم النبوي الشريف، جاء فيه: "من عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود.. إلى شعب الجزيرة العربية، على كُلِّ فردٍ من رعيتنا يُحِسّ أنَّ ظلماً وقع عليه، أن يتقدَّم إلينا بالشكوى. وعلى كُلِّ مَنْ يتقدَّم بالشكوى، أن يبعث بها بطريق البرق أو البريد المجاني على نفقتنا، وعلى كُلّ موظَّف بالبريد، أن يتقبَّل الشكاوى من رعيتنا ولو كانت موجهة ضد أولادي، أو أحفادي، أو أهل بيتي. لا أريد في حياتي أن أسمع عن مظلوم، ولا أريد أن يحملني الله وزر أحد، أو عدم نجدة مظلوم، أو استخلاص حق مهضوم، ألا قد بلَّغت، اللَّهُمَّ فاشهد" [79] .
وكان - رحمه الله - حريصاً على الاهتمام بشؤون رعيته، ورعاية جميع مصالحهم، والسؤال عن أحوالهم، وتفقد شؤونهم، ومدّ يد العون لهم في نوائبهم، وإكرام كبرائهم، والعطف على فقرائهم ومحتاجيهم، وكان يدفع ديون السجناء والمعسرين، ويأمر بإطلاق سراحهم، كان يختلط بجميع طبقات الشعب، الفقير والغني، والجاهل والمتعلِّم، وكان للعلماء مجلس خاص، يجتمع بهم ويستفتيهم في بعض الأمور، فتأتيه الفتوى في الحال وخاصّةً في تنفيذ الحد الشرعي في جرائم الحدود ... [80] .
ومن خطبةٍ له في المدينة المنورة سنة 1346هـ: "إنَّني أعتبر كبيركم بمنزلة الوالد، وأوسطكم أخاً، وصغيركم ابناً، فكونوا يداً واحدة، وألِّفوا بين قلوبكم، لتساعدوني على القيام بالمهمة الملقاة على عاتقنا".
"إنَّني خادم في هذه البلاد العربية، لنصرة هذا الدين، وخادم للرعية. إنَّ الملك لله وحده، وما نحن إلاَّ خدم لرعايانا، فإذا لم ننصف ضعيفهم، ونأخذ على يد ظالمهم، وننصح لهم، ونسهر على مصالحهم، فنكون قد خُنَّا الأمانة المودعة إلينا ".
"إنَّنا لا تهمنا الأسماء ولا الألقاب، وإنَّما يهمنا القيام بحق الواجب لكلمة التوحيد، والنظر في الأمور التي توفر الرَّاحة والاطمئنان لرعايانا ... ".(40/242)
إلى أن قال: "إنَّ من حقِّكم علينا النُّصْح لنا، فإذا رأيتم خطأً من موظَّف، أو تجاوزاً من إنسان، فعليكم برفع ذلك إلينا لننظر فيه، فإذا لم تفعلوا ذلك فقد خنتم أنفسكم ووطنكم وولاتكم" [81] .
ويقول - رحمه الله: "فليس بيننا وبين أحد حجاب، فباب قصرنا مفتوحٌ لكُلِّ إنسان، ونحن ولله الحمد ما زلنا نوصي مأمورينا كلهم بتمشية أمور الناس، وتسهيل مصالح الرعية" [82] .
ويقول - رحمه الله: "يعلم الله أنَّ كُلَّ جارحة من جوارح الشعب تؤلمني، وكُلَّ شعرة منه يمسها أذى تؤذيني، وكذلك الشعب فإنَّه يتألم إذا أصابني أي شيء، ولكن المصلحة العامَّة تضظرني بأنْ أقضي على مَنْ لا يصغى للنصح والإرشاد، وأن أتجرَّع ألم ذلك حفظاً لسلامة المجموع" [83] .
ويقول - رحمه الله: "إنَّ على الشعب واجبات، وعلى ولاة الأمور واجبات، أمَّا واجبات الشعب فهي الاستقامة، ومراعاة ما يرضي الله ورسوله، ويصلح حالهم، والتآلف والتآزر مع حكوماتهم فيما فيه رقي بلادهم وأمنهم، وينصحونهم ويخدمونهم، ويقومون بكُلِّ ما فيه مصلحة المسلمين وفائدتهم.
إنَّ خدمة الشعب واجبة علينا، لهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا، ونرى أنَّ مَنْ لا يخدم الشَّعب ويخلص له فهو ناقص" [84] .
ومن هذا يتبيَّن لنا أنَّ الأسلوب السلفي الذي انتهجه الملك عبد العزيز في الاهتمام بشؤون الرعية، والقيام بمصالح الشعب، والقرب منهم، والعمل على حلِّ مشاكلهم، وقضاء حوائجهم، والعدل بينهم، كان له الأثر البالغ في محبة الشعب لمليكه، وتعاونهم معه بجدٍ وإخلاص في توحيد المملكة.
وعلى هذا المنهج سار أبناء الملك عبد العزيز البررة، فأبوابهم مفتوحة للجميع، واهتمامهم بالوطن والمواطن ليس له حدود، فآذانهم صاغية، وعيونهم ساهرة من أجل راحة الجميع، وخيرهم واصل للصغير والكبير، ولم يقتصر ذلك على المواطن والمقيم، بل تجاوز ذلك إلى جميع أبناء المسلمين في كُلِّ مكان.(40/243)
يقول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - موضِّحاً للعلاقة بين الحاكم والمحكوم في المملكة: "فنحن نعتبر أنفسنا جزءاً من هذا الشعب، وليس هناك تمايز بين الكبير والصغير، فأبواب المسئولين مفتوحة لأي مواطن" [85] .
الخاتمة
وبعد حمد الله على فضله وتوفيقه بإتمام هذا البحث المتواضع، أودّ أن أقتطف أهم النتائج التالية:
1 - إنَّ العقيدة هي القاعدة الأساس لهذا الدين، وهي مناط النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة.
2 - إنَّ الدَّعْوَة إلى منهج السَّلَف الصَّالِح أمرٌ يجب اتباعه والأخذ به، وذلك هو طريق الطائفة المنصورة، وهو طريق أهل السُنَّة والجماعة، المتمسكين بكتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - والتابعين وأئمة الهدى من قديم الدَّهر وحديثه.
3 - إنَّ دعوة الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوَهَّاب - رحمه الله - هي في حقيقتها دعوة لإحياء عقيدة السَّلَف الصَّالِح، قامت على الكتاب والسُنَّة وفهم السَّلَف الصَّالِح.
4 - إنَّ أئمة الدور السعودي الأول، قد ناصروا دين الله، وإكرام علماء السُنَّة، وساروا على المنهج السلفي الذي سلكه الإمام مُحَمَّد بن سعود والإمام الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - في بيان العقيدة الصحيحة، ونبذ الشرك والبدع والخرافات، وإقامة الجهاد على أعداء الإسلام وأعداء الدَّعْوَة.
كما أنَّ الدَّعْوَة السَّلَفِيَّة ظلَّت قوية منصورة طيلة حكم الدَّولَة السُّعُودِيَّة الثانية.(40/244)
5 - إنَّ هذه الدَّعْوَة المباركة التي قام بها الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوَهَّاب وأيدها ونصرها الإمام مُحَمَّد بن سعود، لم تسلم من حروب شنَّها عليها أعداؤها أعداء الدين، ولكن الله تعالى ناصر دينه، ومعلي كلمته، ومتم نوره ولو كره الكافرون. قال تعالى: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الارْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الامْثَالَ} [86] .
فحقَّق الله لعباده المؤمنين وعده بالنصر والتمكين على يد الملك عبد العزيز ابن عبد الرحمن آل سعود - رحمهم الله.
6 - إنَّ دور العلماء السلفيين، والسمعة الطيبة للدولة السعودية في عهودها السابقة، وتطلع مجتمع الجزيرة العربية إلى قيام دولة تصحح العقيدة، وتطبق الشريعة، وتقيم الأمن والعدل بين الناس، عوامل ساهمت في قيام المملكة العربية السُّعُودِيَّة.
7 - إنَّ الصفات التي تحلَّى بها الملك عبد العزيز - يرحمه الله - من قوة إيمانه بالله، وثقته به، وتوكله عليه، وملازمته لطاعة ربه، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإخلاص العبادة لله وحده، وما تحلَّى به - رحمه الله - من حكمة في معالجة الأمور، وشجاعة، وقوة في الرأي وبُعْد في النظر والعفو عند المقدرة، وتواضع ووفاء لأصدقائه، وغيرها من صفات عظيمة وسجايا كريمة، كان لها الأثر الكبير في مودَّة الناس له، والترحيب به، والالتفاف تحت رايته.
8 - إنَّ تصحيح العقيدة، واتخاذ المنهج السليم القائم على الكتاب والسُنَّة على فهم السَّلَف الصَّالِح، وإخلاص العمل له وحده، وتجريد المتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم لهي من أعظم الأسباب التي تحقق للمسلمين ألفتهم، وتوحّد صفوفهم، وتعينهم على لزوم الجماعة التي أمروا بها.(40/245)
وقد استطاع الملك عبد العزيز - يرحمه الله - بفضل الله وعونه وتوفيقه أنْ يؤسِّس المملكة العربية السُّعُودِيَّة على هذه الأُسُس، وأن يوحدها تحت راية التوحيد، التي رفعها عالية خفَّاقة على أرض الجزيرة العربية، فأعزَّ الله به أهلها بعد أن كانوا في ذلة، وأغناهم بعد فقرهم، وعلَّمهم بعد جهلهم، وأمَّنهم بعد خوفهم، وجعلهم في المقدِّمة بعد تخلُّفهم.
9 - لقد بذل الملك عبد العزيز - يرحمه الله - الكثير والكثير من الجهد والجهاد في سبيل الوصول إلى توحيد المملكة، ومِنْ أجل إعلاء كلمة لا إله إلاَّ الله مُحَمَّد رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ومن أجل إقامة هذا الصرح الشامخ والكيان الكبير، وعمل على كُلِّ ما يُحَقِّق الخير لأمَّته، ويؤثر في حاضرها ومستقبلها.
فاتَّخذ - رحمه الله - كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم دستوراً لبلاده، ومنهجاً لرعيته، وقرَّب العلماء لاستشارتهم في أمور الدين، وتنفيذ أحكامهم، والعمل بنصائحهم وفتاويهم، مع ما عُرِفَ عنه - رحمه الله - من فكرٍ سديدٍ، وإدراكٍ عميق، واعتقادٍ سليمٍ، وحُرِّيةٍ في الاختيار، وقوة في الإرادة، وسعة في الأفق، ويشاركهم في التوجيه والنصائح، والدَّعْوَة والإرشاد إلى عقيدة السَّلَف الصَّالِح. لأنَّه يدرك أهمية العَالِم المُتَخَصِّص، ويعلم أنَّ ذلك هو المنهج الصحيح.(40/246)
وركَّز - رحمه الله - على العقيدة السَّلَفِيَّة، وحمايتها، والذَّبِّ عن حياضها، والوقوف بقوة وحزم أمام الأفكار والمذاهب الهدَّامة، واهتمَّ بنشر العلم، وتوطين البادية، والمؤاخاة بين القبائل، وتطبيق الشريعة، وإقامة الحدود، وتحقيق الأمن والاستقرار، والأخذ بمبدأ الشورى، والأمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنُّصح للمسلمين، واتَّخذ سياسة الباب المفتوح، والاهتمام بشئون الرعية، ورعاية مصالح الشعب، والعمل على حَلِّ مشاكله، وقضاء حوائجه. مِمَّا كان له الأثر البالغ في محبَّة الشعب لراعيه وولي أمره، وتعاونه معه بجد وإخلاص في توحيد البلاد والعمل على رقيها وتقدُّمها.
وليس في مقدور الباحث أن يحيط بأبعاد شخصية الملك عبد العزيز، وعبقريته، وأعماله، وسداد رأيه.
ولكن من المعلوم أنَّ الملك عبد العزيز لَمَّا قام بدين الله، والعمل بكتابه، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحكيم شرعه، ونشر عقيدة السَّلَف الصَّالِح، مكَّن الله تعالى له في الأرض، واستطاع بفضل الله تعالى وعونه وتوفيقه، أن يؤسِّس بنياناً شامخاً، ويقيم صرحاً كبيراً، ويضع نهضةً حضارية ما زال أبناء هذا البلد العزيز يسعدون بنعيمها، ويعيشون في ظلالها، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، وولي عهده الأمين الأمير عبد الله، والنائب الثاني الأمير سلطان.
لذا فإنَّه يجب علينا أنْ نتمسَّك بعقيدتنا الصحيحة التي قامت عليها هذه الدَّولَة المباركة، فما نعيشه من أمنٍ واستقرارٍ ورخاءٍ إنَّما هو بفضلٍ من الله تعالى، ثُمَّ بالتمسك بهذه العقيدة، وتطبيق أحكامها. وأن نشكر الله تعالى على ما نحن فيه من نعمةٍ عظيمة، فإنَّ دوام النِّعَم واستمرارها مرهونٌ بشكرها، وذلك بشكر المنعم بها، وهو الله تعالى، ثُمَّ بشكر ولاة الأمر الذين تحقَّقت على أيديهم - بتوفيقٍ من الله وفضل - هذه النِّعَم.(40/247)
كما أنَّه يجب على كُلِّ مَن يقيم على أرض هذه البلاد الطيبة، أن يجعل من نفسه رجل أمن، سواء كان فلاَّحاً، أو عاملاً، أو تاجراً أو موظَّفاً، أو معلِّماً، أو طالباً، أو غيره، لأنَّ النعمة التي نعيشها ليست لشخصٍ دون آخر، وإنَّما هي نعمةٌ للجميع. كما يجب علينا أن نصون عقول شبابنا مِنْ آثار الغزو الفكري، والأفكار الهدَّامة، والحفاظ على عقيدتهم صافية نقية.
وفي الختام أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، أن يديم علينا أمننا وإيماننا، وأن يوفِّق ولاة أمرنا لِمَا يحبه ويرضاه، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا مُحَمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رَبِّ العالمين
--------------------------------------------------------------------------------
[1] النور: 51
[2] الأحزاب: 36
[3] شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز 1/354
[4] الملك الرَّاشِد ص 382
[5] شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز 1/353
[6] الملك الرَّاشد ص 50
[7] جزء من الآية 7 من سورة مُحَمَّد.
[8] الملك الراشد ص 366، تاريخ المملكة العربية السُّعُودِيَّة، لصلاح الدين المختار 2/515-516
[9] السعوديون والحل الإسلامي 30-31، وعاهل الجزيرة، لعبد الرحمن نصر ص 220
[10] تاريخ المملكة العربية السُّعُودِيَّة، ص 204
[11] آل عمران: 18
[12] المجادلة: 11
[13] فاطر: 28
[14] سنن أبي داود 4/58، كتاب العلم، رقم 3641، الترمذي 5/49 كتاب العلم، رقم 2682، ابن ماجه 1/81 المقدّمة رقم 123
[15] النحل: 125
[16] انظر: شبه الجزيرة، لخير الدين الزركلي 2/741
[17] انظر: الدرر السنية 11/156، 160، 171، 174(40/248)
[18] انظر: عقيدة الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوَهَّاب السَّلَفِيَّة وأثرها في العالم الإسلامي، للدكتور صالح بن عبد الله العبود، ص 596
[19] انظر: الدَّعْوَة في عهد الملك عبد العزيز، للدكتور مُحَمَّد ناصر الشثري 1/269 بتصرف.
[20] النحل: 36
[21] الأنعام: 88
[22] الملك الرَّاشد ص 362
[23] الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، ص 216، الملك الراشد ص 371
[24] انظر: منهج الملك عبد العزيز في السياسة الدولية وأثره في العلاقات السُّعُودِيَّة المصرية، للدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي ص 38
[25] الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز للزركلي ص 159
[26] انظر الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم للقصيمي، ص 23، ط 2، 1989م.
[27] من تاريخ الملك عبد العزيز ومواقفه النادرة، لسعد الرويشد، ص 9
[28] آل عمران: 96 - 97
[29] انظر: الدَّعْوَة في عهد الملك عبد العزيز، د. مُحَمَّد بن ناصر الشثري 1/277
نقلاً عن تعليقات الشيخ مُحَمَّد بن بليهد على كتاب صفة جزيرة العرب للهمداني ص 285، ط. السعادة بمصر، سنة 1953م بتصرُّف.
[30] النساء: 48
[31] جريدة أم القرى، العدد 333 في ذي الحجة سنة 1394 هـ.
[32] انظر: الدَّعْوَة في عهد الملك عبد العزيز، د. مُحَمَّد بن ناصر الشثري 1/275
عن مختصر ترجمة حال مُحَمَّد سلطان المعصومي ص 95
[33] انظر: الدَّعْوَة في عهد الملك عبد العزيز، د. محمد بن ناصر الشثري 1/177 نقلاً عن جهود الملك عبد العزيز في خدمة العقيدة، للشيخ عبد العزيز آل الشيخ ص 31
[34] انظر: الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز ص 171، الشيخ مُحَمَّد بنعبد الوَهَّاب للدكتور عبد الله صالح العثيمين، ص 16، مطبوعات دارة الملك عبد العزيز سنة 1403 هـ.
[35] الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز ص 332(40/249)
[36] الدَّعْوَة في عهد الملك عبد العزيز، د. محمد بن ناصر الشثري 1/233
[37] انظر: الملك الرَّاشِد ص 296
[38] انظر: شبه الجزيرة للزركلي 1/648، معجزة فوق الرمال، لأحمد عسه ص781
[39] في يوم 9/1/1419هـ – وأثناء الزيارة التفقدية لصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله ابن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني – لمنطقة عسير – أعلن معالي وزير التعليم العالي صدور الأمر السامي الكريم لخادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – بدمج فرعي جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، وجامعة الملك سعود، في جامعة واحدة جديدة تحت اسم جامعة الأمير عبد الله بن عبد العزيز. عقب ذلك أعلن صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز – إطلاق اسم الملك خالد بن عبد العزيز على هذه الجامعة قائلاً: "بسم الله الرحمن الرحيم. لخالد بن عبد العزيز آل سعود في نفوسنا مكانة مميزة، لذلك أُعلن تسمية هذه الجامعة باسمه بدلاً من اسمي". وبذلك تصبح جامعة الملك الخالد الجامعة الثامنة بالمملكة.
صحيفة الجزيرة، العدد 9352 بتاريخ 10/1/1419هـ ص1،8.
[40] انظر: شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز 2/1029 - 1033، الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز 338-340، من حياة الملك عبد العزيز ص253-256، الملك الراشد ص386-390.
[41] الجاثية: 18
[42] النساء: 65
[43] رواه مالك في الموطأ 2/899، والحاكم في المستدرك 1/93، وأصله في صحيح مسلم 2/890 عن جابر رضي الله عنه.
[44] حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز، لعبد المنعم الغلامي ص 83، الرحلة الملكية: كتبها الشيخ يوسف ياسين، جمع وتنقيح عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ ص20
[45] من حياة الملك عبد العزيز ص 24-25
[46] حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز، لعبد المنعم الغلامي ص 84(40/250)
[47] الدَّعْوَة في عهد الملك عبد العزيز إلى العاملين بهيئات الأمر بالمعروف، مخطوطة بدارة الملك عبد العزيز برقم 192.
[48] الدرر السنية 5/319
[49] آل عمران: 159
[50] الشورى: 38
[51] انظر: الملك الرَّاشِد ص 196
[52] شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، للزركلي 1/353-354
[53] انظر: الملك الرَّاشِد ص 358
[54] البلاد العربية السُّعُودِيَّة، فؤاد حمزة، ص 104
[55] من شيم الملك عبد العزيز 3/194
[56] انظر: من حياة الملك عبد العزيز للأحيدب ص 190 بتصرُّف.
[57] جزيرة العرب في القرن العشرين ص 289
[58] انظر: الملك الرَّاشِد ص 307
[59] آل عمران: 103
[60] الأنفال: 63
[61] انظر: الأحكام السلطانية للماوردي ص240، والأحكام السلطانية لأبي يعلى الحنبلي ص 284 - 287
[62] الأنعام: 71
[63] انظر: لسان العرب 9/240، النهاية في غريب الحديث والأثر 3/216، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الماضي والحاضر، لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن مُحَمَّد آل الشيخ ص 7
[64] لسان العرب 15/343-344
[65] المرجع السابق.
[66] تيسير الكريم الرحمن، للشيخ عبد الرحمن بن سعدي 1/406
[67] آل عمران: 104
[68] الحج: 41
[69] آل عمران: 110
[70] صحيح مسلم 1/69 كتاب الإيمان، رقم 78، وسنن أبي داورد 1/677، كتاب الصلاة، رقم 1140، وسنن الترمذي 4/469-470، كتاب الفتن، رقم 2172، وسنن النسائي 8/111، كتاب الإيمان، رقم 508، وسنن ابن ماجه 1/406، كتاب إقامة الصلاة، رقم 1275
[71] سنن الترمذي 4/468 أبواب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رقم 2169.
[72] انظر: الملك عبد العزيز ووضع قواعد التنظيم القضائي في المملكة، ص 24(40/251)
[73] انظر: أصدق البنود في تاريخ عبد العزيز آل سعود ص 211
[74] انظر: الملك عبد العزيز ووضع قواعد التنظيم القضائي في المملكة، ص 31
[75] انظر: الدَّعْوَة في عهد الملك عبد العزيز، د. محمد بن ناصر الشثري 1/332، نقلاً عن جريدة أُمِّ القرى، العدد 142 في 6 ربيع الأول 1346 هـ.
[76] آل عمران: 110
[77] النور: 55
[78] الحج: 41
[79] المصحف والسيف لمحي الدين القابسي ص 293، الدَّعْوَة في عهد الملك عبد العزيز، د. مُحَمَّد بن ناصر الشثري 1/129-130
[80] في آفاق التربية الوطنية، د. سليمان الحقيل ص 49
[81] انظر: الملك الرَّاشِد ص 360
[82] انظر: الملك الرَّاشِد ص 358
[83] انظر: الملك الرَّاشِد ص 381
[84] انظر: الملك الرَّاشِد ص 377
[85] مجلة المنهل، العدد 346 السنة 51 المجلَّد 46 ص 53
[86] الرعد: 17(40/252)
العدد 109
فهرس المحتويات
1- كلمة العدد: تحرير المجلة
2- جهود الملك عبد العزيز - رحمه الله - في تحقيق مفهوم الجماعة
... تابع (1)
معالي الدكتور صالح بن عبد الله بن عبد الرحمن العبود
3- الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز وأثره في توحيد البلاد
... تابع (1)
... تابع (2)
د/ خالد محمد الصاعدي
4- الإصلاحات الداخلية في عهد الملك عبد العزيز
... تابع (1)
... تابع (2)
د / عبد العزيز بن صالح الغامدي
5- جهود الملك عبد العزيز في نشر التعليم العام بالمدينة النبوية
... تابع (1)
... تابع (2)
صالح بن عبد الله البركات الغامدي
6- التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية: د/ محمد بن يوسف أحمد عفيفي
7- اهتمام المملكة العربية السعودية بمنهج علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي
د/ أحمد بن سعيد علي الغامدي
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م(40/253)
كلمة العدد
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين؛ نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد؛ فما تزال البلاد تحتفي بمرور مائة عام على قيام الدّولة السّعوديّة الحديثة؛ على يد بطل التّوحيد والبناء: الملك عبد العزيز - يرحمه الله - الّذي سطّر بأحرف من نور على صفحات التّاريخ ملحمة رائعة؛ تعدّ - بحقّ - من أعظم الإنجازات في التاريخ.
لقد ظهر الملك عبد العزيز والجزيرة تئنّ وترزح تحت كثير من الويلات! فمظاهر الشّرك على رؤوس الأشهاد! والتّخلّف والجهل والفوضى أمور عمّت البلاد، والخوف والجوع هما حديث الحاضر والباد!.
فاستطاع - بتوفيق الله ثمّ بما حباه من حكمة وفطنة - مغالبة هذه الظروف، والوقوف أمامها والتّصدّي لها، والقضاء عليها، بإيمان قويّ، وصلابة رأي، وسداد فكر؛ فأقام هذا الكيان العظيم (المملكة العربيّة السّعوديّة) وحقّق الوحدة، وجمع الأمّة على كلمة سواء، وأرسى قواعد السّياسة الحكيمة لهذه البلاد؛ واضعاً نصب عينيه قول الله - عزّ وجلّ: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} .
في ظلّ هذه المناسبة يصدر هذا العدد الخاصّ (الثّاني) من مجلّة الجامعة الإسلاميّة؛ مشتملاً على أبحاث تناولت جوانب مشرقة من حياة هذا القائد العبقريّ الفذّ؛ فمن موضّح جهوده في تحقيق مفهوم الجماعة، ومن دارس للجانب الدّينيّ في حياته، وجهوده في نشر العلم والتعليم، وإقامته لنظام الحسبة، ومن مشيد بالإصلاحات العظيمة؛ الّتي عمّت أرجاء البلاد؛ فنعم في ظلّها القاصي والدّاني، والعاكف فيها والباد.(40/254)
وما من باحث تناول سيرة الملك عبد العزيز؛ إلاّ ووجد ما يضيفه إلى من سبقه، فسيرته وأعماله مادّة خصبة للدّارسين، وشجرة وارفة الظلال للمستظلّين.
نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يحفظ على هذه البلاد إيمانها وأمنها، ويوفّق قادتها لما يحبّه ويرضاه، وينصرهم بالدّين، وينصر الدّين بهم، ويجمع كلمة المسلمين على الحقّ؛ إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
(التحرير)(40/255)
جهود الملك عبد العزيز
في نشر التعليم العام
بالمدينة النبوية
(دراسة تاريخية)
إعداد
صالح بن عبد الله البركات الغامدي
الأستاذ المساعد في كلية الدعوة وأصول الدين
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
فتعدُّ المدينة النبوية مركزاً هاماً في تاريخ التربية والتعليم في العالم الإسلامي، كيف لا؟ وهي المدرسة التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، فأصبحت مركزاً للعلم تخرج فيه العلماء والفقهاء والقادة، حيث انتشروا رسلاً للعلم في بقاع المعمورة كافة فنوّروها بنشر رسالة التوحيد.
ولم يمض عصر إلا وقد كانت هذه البقعة معمورة بأهل العلم والتقوى.
وتعتبر الفترة منذ دخول المدينة النبوية العهد السعودي الزاهر سنة 1343هـ وحتى وفاة الملك عبد العزيز يرحمه الله سنة 1373هـ فترة مهمة للتطور الهائل الذي تحقق للتربية والتعليم في المدينة، بتوفر الإمكانات والوسائل نتيجة للاهتمام الكبير الذي تُوليه الدولة للعلم وطلابه، فهي مرحلة تستحق الدراسة لنتمكن من تتبع ذلك التطور التعليمي والمتغيرات التي لحقت به.
الهدف من البحث(40/256)
لقد قام التعليم العام ـ النظامي أو الحكومي ـ خلال هذه الفترة بدور بارز في تطور حركة التعليم لأنه يمثل أسس النهضة التعليمية الحديثة في بلادنا. ولذا جاء هذا البحث محاولة متواضعة للتعريف باهتمام الملك المؤسس ـ يرحمه الله ـ بالعلم والتعليم، وإيضاح جهوده الخيرة في نشره من خلال الحديث عن وضع أصول التعليم الحكومي في المملكة الحجازية عامة وفي المدينة النبوية خاصة، وما لحق ذلك من وضع القواعد الأساسية لحركة التعليم في المملكة بعد توحيدها وذلك للاستفادة في إلقاء الضوء على بعض مظاهر النهضة التعليمية العامة في المدينة. والهدف من هذا البحث هو إبراز حالة التعليم العام الذي شهدته المدينة في تلك الفترة وذلك من خلال التتبع التاريخي لنشأة التعليم في المدينة حتى عام 1373هـ. مع مراعاة التسلسل الزمني للأحداث دون التركيز على الجانب التربوي، لأن ذلك خارج عن موضوع البحث.
حدود الدراسة
وحيث لا يتسع المجال لتشخيص كل ما يتعلق بالتعليم في المدينة في هذا العهد المبارك، فقد وضعت للبحث حدوداً زمانية وحدوداً مكانية؛ فاقتصر على الفترة المحددة من سنة 1343هـ إلى مطلع سنة 1373هـ. كما اقتصر على المدينة النبوية: مدينة، وليس محافظة أو منطقة تعليمية أو إدارية.
واقتصر على التعليم العام دون التعليم الخاص أو دور المسجد النبوي في الحركة الثقافية للمجتمع المدني، لأن كلاً منهما يستحق دراسة مستقلة.
وقد عُنيت بتراجم الأعلام الواردة في البحث، لاعتقادي أن ذكر علوم الرجال ومعالم حياتهم مدارس للأجيال، واستشعاراً للواجب تجاه هؤلاء العلماء بحفظ تاريخهم بالترجمة لهم خدمة لدينهم وإحياء لذكرهم.
وقد جعلته في مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة:
المبحث الأول: اهتمام الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بالتعليم وحرصه على نشره.
المبحث الثاني: لمحة تاريخية عن نشأة مديرية المعارف في الحجاز وتطورها، وظهور نظام التعليم العام.(40/257)
أولاً: نشأة مجلس المعارف وتطوره.
ثانياً: الهيئة الإدارية واختصاصها.
ثالثاً: هيئة التفتيش واختصاصها.
رابعاً: مكتب المعارف.
خامساً: نبذة عن نظام التعليم وتطوره في الحجاز في عهد الملك عبد العزيز.
المبحث الثالث: إنجازات مديرية المعارف في المدينة.
أولاً: معتمدية مديرية المعارف في المدينة.
ثانياً: مدارس المرحلة الابتدائية التابعة لمديرية المعارف:
أ/ المرحلة الأولى: التحضيرية: ومدارسها:
1) المدرسة التحضيرية الأولى
2) المدرسة التحضيرية الثانية
3) مدرسة قباء التحضيرية
4) مدرسة الجرف التحضيرية
5) مدرسة العوالي التحضيرية.
ب/ المرحلة الثانية: الابتدائية: ومدارسها:
1ـ المدرسة الناصرية.
2ـ المدرسة المنصورية.
3ـ مدرسة النجاح النموذجية.
4ـ مدرسة أبيّ بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم.
5ـ المدرسة السعودية الابتدائية بقباء.
6ـ المدرسة السعودية الابتدائية بالقبلتين.
7ـ المدرسة السعودية الابتدائية بذي الحليفة.
8ـ مدرسة الحسين بن علي.
9ـ مدرسة حمزة بن عبد المطلب.
10ـ مدرسة صقر الجزيرة.
11ـ المدرسة الفيصلية.
12ـ المدرسة المحمدية.
جـ/ المرحلة المتوسطة والثانوية:
1ـ مدرسة طيبة الثانوية.
2ـ المعهد العلمي السعودي بالمدينة المنورة.
الخاتمة.
ومن المعلوم أن يكون لكل بحث ظروف معينة، ويقابل الباحث عقبات ومشكلات معينة أيضاً، فالمشكلة الرئيسية التي واجهتني في هذا البحث هي عدم وجود مادة تاريخية لأكثر المدارس الأولى التي أسست في عهد مديرية المعارف في المدينة. وعدم وضوح التقسيم النوعي والكمي للمدارس التحضيرية والابتدائية والقروية بدرجة كافية، فضلاً عن أن جميع المصادر والمراجع لم تهتم بذلك التقسيم، وإنما قدمت إحصائيات لأعداد المدارس ونموها. وسيجد القارىء فجوات خلال البحث لم أستطع ملأها لندرة المادة العلمية التي تفي بالغرض، وأحسب أنني بذلت جهدي وقدمت عرضاً شاملاً لتاريخ التعليم العام في المدينة خلال فترة البحث.(40/258)
ولا يسعني هنا إلا أن أقدم شكري إلى كل من تعاون معي في إخراج هذا البحث، وأخص بالذكر منهم: فضيلة عميد شئون المكتبات بالجامعة الإسلامية، وفضيلة مدير الإدارة بالعمادة، ومدراء المدارس الذين أفادوني في جمع شيء من مادة البحث. كما أشكر كل من ورد اسمه في هذا البحث وقدم لي فائدة علمية خطية أو شفهية.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم ومنّ علينا بالتوفيق والسداد. والحمد لله رب العالمين.
المؤلف:
في 20/ 12/ 1418هـ.
المبحث الأول
اهتمام الملك عبد العزيز رحمه الله بالتعليم، وحرصه على نشره
كان الملك عبد العزيز - يرحمه الله - على نهج سلفه في تبني العقيدة السلفية والذود عنها وحمايتها وتأييدها بالمال والرجال والنفس (1) .
(وكم كان ـ يرحمه الله ـ وهو في مقام القوة يشرح للرعية أنه على منهج السلف الصالح في العقيدة، وأنه يعتقد أن أصل الدين كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، فهم السلف الصالح، ثم الأئمة الأربعة من بعدهم المقتدى بهم عند جميع المسلمين من أهل السنة حيث لا خلاف بينهم في أصل الدين من توحيد الله تعالى في ربوبيته وفي ألوهيته وأسمائه وصفاته، وما بينهم من اختلاف فهو في الفروع، وما ذاك إلا من حرصهم على التمسك بالكتاب والسنة واستخراج معانيها كل منهم على قدر ما آتاه الله من الفهم والعلم والفقه في الدين، وكلهم إن شاء الله على حق ومن حذا حذوهم وسلك طريقهم) .
__________
(1) المغراوي: العقيدة السلفية في مسيرتها التاريخية (رسالة دكتوراه في قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية، 1406هـ) ص:895(40/259)
وكان يدافع عنها في خطبه الارتجالية التي كان يلقيها، ومن ذلك ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ قوله في حفلة مع العلماء (أشاع الترك الشيء الكثير عن عقائدنا، وشنّعوا عليها من قبل، وكذلك فعل من جاء بعدهم. وبلغني أنهم قالوا في جملة ما كذبوه عنا أننا لا نصلي على محمد صلى الله عليه وسلم وأننا نعد الصلاة عليه شركاً بالله، نعوذ بالله من ذلك! أو ليست الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم ركناً من أركان الصلاة، وأنها لا تتم بغيرها؟ ..)
وقال في خطبة له بمكة (يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا بالوهابي، باعتبار أنه مذهب خاص. وهذا خطأ فاحش، نشأ عن الدعاية الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض. ونحن لسنا أصحاب مذهب جديد، أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح)
بل كان داعية ومعلماً لهذه العقيدة فقال في خطبة له: (أنا داعية لعقيدة السلف الصالح، وعقيدة السلف الصالح هي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله وما جاء عن الخلفاء الراشدين. أما ما كان غير موجود فيها فأرجع فيها بشأنه إلى أقوال الأئمة الأربعة، فآخذ منها ما فيه صلاح المسلمين)(40/260)
وقد وصفه ابنه البار خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - بقوله: (إنه مربٍ كبير، ودائماً عندما نكون في حضرة الملك عبد العزيز يكون التركيز الأساسي هو كيف يوضح لنا مفهوم العقيدة الإسلامية.. فإن توجيهاته أو حديثه معنا كأبناء له ينصب على إيضاح مفهوم العقيدة الإسلامية إذا تمسك بها الإنسان أو تركها. وكان موجهاً عظيماً رحمه الله وحريصاً أن تؤدى الواجبات التي فرضها رب العزة والجلال علينا، لذلك أدى واجبه رحمة الله عليه من هذه الناحية وأوضح لنا الطرق والأساليب التي على أساسها يستطيع الإنسان أن يكيف نفسه ويكونها) (1) .
__________
(1) من حديث لخادم الحرمين حفظه الله في اللقاء الذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض يوم الأربعاء غرة شعبان 1404هـ. أبو راس: الملك عبد العزيز والتعليم ص:9.(40/261)
وقال - يحفظه الله - في كلمة ألقاها في حفل افتتاح المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبد العزيز موضحاً اهتمام الملك عبد العزيز بالتعليم: (إن تاريخ الملك عبد العزيز رحمه الله لم يكن تاريخ توحيد وتأسيس كيان كبير فحسب، بل كان تاريخ عطاء وبناء وتنمية على أسس علمية ومنهجية فنية تؤمن بالعلم، كما تؤمن بالإيمان، وتنطلق من الاهتمام بالإنسان والعناية به باعتباره العمود الفقري للتنمية والعطاء، فرغم ضآلة الدخل وضعف الاقتصاد العالمي وآثاره وانعكاساته على المملكة في ذلك الوقت، إلا أن التعليم كان في أول اهتمامات الملك عبد العزيز حيث جعله غاية واحدة تجسدت في الالتزام بتعاليم الشريعة سلوكاً ومنهاجاً، كما تجسدت في الاهتمام بالإنسان خُلُقياً ودنيوياً ابتغاء دفعه بطريقة واعية وحكيمة إلى تصور آثار التعليم وإيجابياته، ومن ثَمّ الإقبال الذاتي عليه. ومنذ ما يقرب من الستين سنة حضر رحمه الله تخرج دفعة من طلبة أحد المعاهد العلمية فخاطبهم بوجدان الأب وحنانه قائلاً: إنهم أول ثمرة من الغرس الذي غرسه وأن عليهم أن يعرفوا قدر ما تلقوه من العلم، وأن يعلموا أن العلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر، وأنّ العلم كما يكون عوناً لصاحبه يكون عليه، وأن من عمل به يكون عوناً له ومن لم يعمل به يكن عوناً عليه، وليس من يعلم كمن لا يعلم، وقليل من العلم يبارك فيه خير من كثير لا يبارك فيه، والبركة في العمل ... ثم قال رحمه الله مخاطباً تلك الغرسة الصاعدة:
لقد بعث صفوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم من العرب ونزل عليه أمين السماء في بلاد العرب بقرآن عربي غير ذي عوج، فليعرف قدر ذلك، وليحتفظ بديننا ولغتنا وبلادنا ونحبها حباً جماً..
لقد كانت هذه الكلمات وتلك الغرسات انطلاقة كبيرة، ومنهاجاً علمياً، وركيزة أساسية لمئات الألوف من أبنائنا وبناتنا الذين يتسابقون اليوم إلى عشرات الجامعات والكليات وآلاف المدارس والمعاهد الفنية في هذه البلاد.(40/262)
ولما كانت العقيدة الصحيحة هي العلم الذي يُبتغى ويُبذل في طلبه كل نفيس ـ إضافة إلى علوم الشريعة الأخرى والعلوم المساعدة على مواكبة العصر ـ اهتم يرحمه الله بالعلم والتعليم، وأولاه عناية خاصة في وقت مبكر منذ أن استقر له الأمر في الرياض بعد فتحها. وكان يعتبره من الأولويات التي لا تقبل التأخير، حيث كان ذواقاً للعلم، طالباً للمعرفة، محباً لهما، مقدراً أهميتهما رغم مشاغله الكثيرة.
ولذا فقد اختار الشيخَ عبد الله بن حسن آل الشيخ مقرئاً في مجلسه ومفتياً وواعظاً وإماماً في الصلاة، لأنه أراد لمجلسه أن يكون مجلس علم ومعرفة، ثم اختاره رئيساً للجنة المشرفة على التدريس وتنظيمه في المسجد الحرام سنة 1347هـ حين استتب له الأمر في الحجاز.
كان – يرحمه الله – يحب العلماء ويحترمهم ويجلسهم على مائدته الخاصة تكريماً لهم وتعظيماً. (وكان يقدمهم على إخوانه وأبنائه وكبار جلسائه، ويصغي إلى آرائهم ويبالغ في إكرامهم، ولكبارهم هيبة في نفسه لا يصطنعها ولا يستعملها وهم يبادلونه هذه العاطفة النبيلة) . وكان يعلي من شأنهم، فقد سمح للمفتشين بمديرية المعارف بركوب السيارات، وكان هذا الأمر شيئاً عظيماً، لأن السيارات في تلك الأيام لم يكن يتحصل عليها إلا الأمراء.
ولم ينس - يرحمه الله - فضل أساتذته عليه، فقد علم أثناء زيارته للكويت عام 1354هـ (أن معلماً له كان يقرأ عليه القرآن في أيام طفولته موجود بها فاستدعاه، ولاطفه ومنحه ثلاثة آلاف روبية) .
وقد حظي علماء المدينة منه بكريم عنايتة ورعايته وفائق احترامه وتقديره، لما شرفوا به من علم واسع ونصح وورع وزهد وعفّة، وما اتصفوا به من تتبع المناقب والابتعاد عن المثالب، وما عرفوا به من حبهم لهذه البلاد وقادتها، وحبهم في بنائها والدفاع عنها. وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:(40/263)
1 ـ فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي الجكني الذي نال تقدير وإعجاب أهل العلم والفضل في هذه البلاد وعلى رأسهم جلالة الملك عبد العزيز الذي أمر أن تمنح الجنسية السعودية لجميع من ينتمي إلى الشيخ إكراماً له وثقة به.
2ـ فضيلة الشيخ أبو بكر بن عمر الداغستاني قاضي بلدة ينبع البحر في عهد الملك عبد العزيز، وصاحب الثقة والمكانة المرموقة عند الحكومة وعند أهل المدينة على السواء، حتى إن أمير المدينة في ذلك العهد كان يرشحه للأعمال المهمة والنافعة للوطن ... وكان يوفد من قبل أهل المدينة لمقابلة جلالة الملك عبد العزيز في الرياض وفي مكة.
3ـ فضيلة الشيخ عمار بن عبد الله بن طاهر الجزائري، الذي وصف احتفاء الملك عبد العزيز به وبتلاميذه عندما وصلوا إلى الحجاز، فقال: (وقد وجدت أنا ومن هاجر معي من التلاميذ من جلالة الملك المعظم إمام المسلمين الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه، وأسكنه فراديس الجنان مع الصالحين الأبرار؛ وجدنا منه كل مساعدة وإكرام إلى أن وصلنا إلى المدينة المنورة في الخامس من ربيع الأول سنة 1354هـ) .
وبلغ حرصه على التعليم أنه كان يقوم بزيارات مفاجئة يتفقد فيها سير العمل بالمدارس، وفي إحدى زياراته لمدرسة الأمراء في الرياض اجتمع حوله التلاميذ، ولاحظ في ثوب أحدهم بقعة كبيرة من الحبر يحاول إخفاءها، فقال له: لا تخفها هذا عطر المتعلمين.(40/264)
ومما يدل على مقدار اهتمامه بالتعليم ورغبته الجادة الصادقة في نشر العلم (أنه في الأيام الأولى من دخوله مكة تم عقد أول اجتماع تعليمي حينما دعا في جمادى الأولى من عام 1343هـ 1924م العلماء في مكة إلى اجتماع عام حثهم فيه على نشر العلم والتعليم وعلى تنظيم التوسع فيه) . ووجه – يرحمه الله - جهوده إلى بث الروح الدينية في النفوس وتثبيت العقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص في قلوب النشء، وانشأ المدارس والمعاهد بمختلف مراحلها في المدن ومعظم القرى، واستقدم لها بعض الأساتذة الأكفاء من مصر، وأمر بتوفير الكتب الدينية وطباعتها على حسابه الخاص، وتوزيعها على طلاب العلم في جميع المناطق، ورتب المخصصات للعلماء والمدرسين والوعاظ والمرشدين، ومنح المكافآت لطلاب العلم تشجيعاً لهم على المثابرة على طلب العلم، وصار يبعث البعوث إلى الخارج وينفق عليهم بسخاء، وعمل على تعضيد بعض أهل العلم على تأسيس وإنهاض المدارس الأهلية بمختلف الوسائل، فانتشر العلم برعايته في طول البلاد وعرضها، وأخذت تتبوأ مركزها بين الأمم، وأدرك الناس ثمرة العلم فأصبح الشباب يتهافت على طلبه، ويبذل المساعي للالتحاق بالبعثات الخارجية بجد واجتهاد، بعد أن كان يساق إليه سوقاً.
وفي سنة 1344هـ زار بنفسه مدرسة الفلاح والمدرسة الفخرية بمكة، وتبرع لكل منهما بمعونة مالية، فكانت تلك التفاتة كريمة منه - يرحمه الله -شجعت المحسنين المتنورين في افتتاح مدارس أهلية أخرى في غير مكة من مدن المملكة مساهمة في نشر التعليم.(40/265)
لقد أدرك ـ يرحمه الله ـ جهل الناس بحقيقة الاختلاف بين أئمة المذاهب الإسلامية الأربعة، وعدم علمهم (أنه ليس أحد منهم يتعمد مخالفة رسول صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته، دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أن كل واحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وجد لأحد قول، قد جاء حديث صحيح بخلافه، فلا بد له من عذر في تركه، فهو إما أنه لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، أو أنه لا يعتقد إرادة تلك المسألة بذلك القول، أو أنه يعتقد أن ذلك الحكم منسوخ.
أما إذا ترك أحد منهم الحديث، فلا بدّمن وجود سبب في تركه، فهو إما أن الحديث لم يبلغه، أو أنه قد بلغه ولكن لم يثبت عنده، أو أنه اعتقد ضعفه باجتهاد قد خالفه فيه غيره، أو أنه التزم شروطاً خاصة في الأخذ به يخالفه فيها غيره، أو أنه قد بلغه ولكن نسيه، أو عدم المعرفة بدلالته ... ) (1) .
ورأى ـ يرحمه الله ـ جهل الناس بنزاهة مقصد هؤلاء الأئمة، وبخدمتهم لهذا الدين خدمة عظيمة؛ فقد بذلوا جهدهم وكل ما في وسعهم في استنباط الأحكام الشرعية، ولا هدف لهم إلا إصابة الحق وإرضاء الله جل شأنه، ونهوا الناس عن التقليد، ودعوهم إلى الأخذ بالدليل، وبما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبرؤوا عن رأيهم إذا خالفه.
__________
(1) ينظر ابن تيمية: رفع الملام (ص:3ـ27) بتصرف.(40/266)
ورأى ما ترتب على هذا الجهل من تعصب وتقليد أعمى لمذهب بعينه في ما ارتآه صاحب المذهب وإن ضعف دليله، ومناوأة ما يعارضه وإن قوي دليله. فتركوا التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذهبت قدسية الحق وحُجب نوره، وتطور الأمر إلى الصراع بين أتباع المذاهب وأدى هذا إلى النيل من الأئمة مع أنهم معذورون، وتفرقت الأمة شيعاً، وانتهى بها إلى تعصب مقيت لم يعرفه سلفنا الصالح ولا الأئمة المجتهدون أنفسهم. ولذلك أمر ـ يرحمه الله ـ رجال التعليم في هذه البلاد أن يهتموا بتدريس الفقه المقارن دراسة تغوص وراء أدلة الفقهاء حتى يتبين الرأي الراجح بالدليل ليمكن الأخذ به، وقطع الجدل من حوله. مع التركيز على فقه الإمام أحمد، (لأنه يُعنى بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من غيره من الأئمة) .
وقد ظهر هذا التوجه الصحيح للملك عبد العزيز - يرحمه الله - من خلال رده على طلب عبد الظاهر أبو السمح تأسيس مدرسة دار الحديث المكية سنة 1352هـ حيث جاء فيه قوله (… فإذا كان المدرسة التي تريدون فتحها أنه يُعَلَّم فيها الحديث والفقه وبالأخص فقه الإمام أحمد وعدم الإعابة على أحد من الأئمة فهذا نحن ممنونين فيه ونوافق عليه، فإن كان تخشى أن يصير اعتراض أو كلام يشوش الأمة كلها فهذا لا فائدة فيه، فأنت يجب عليك أن تتراجع مع الشيخ عبد الله بن حسن في ذلك وتنظرون في الأصلح وتقررون قراراً اعتمد عليه، فبهذا تفتح المدرسة ونحن نساعد في كل شيء، نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه الخير والسداد في الأقوال والأفعال، هذا ما يلزم بيانه، والله يحفظكم، والسلام. في 1 صفر1352هـ) .(40/267)
لقد حظيت المدينة النبوية باهتمام المؤسس الموحد الملك عبد العزيز - يرحمه الله - منذ استلامها من الأشراف (يوم السبت التاسع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1344هـ) ، وقد نبع هذا الاهتمام من المكانة الدينية والعلمية الرفيعة التي تحظى بها المدينة عند المسلمين على مرّ العصور والأزمان، فهي دار الهجرة وعاصمة الإسلام الأولى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عهد خلفائه الراشدين، وهي الجامعة الأولى التي تعلم بها الصحابة رضي الله عنهم على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما كانت العقيدة الصحيحة أصل العلم والتعليم في هذه البلاد، فقد عمل – يرحمه الله - مع أهل المدينة على إزالة البدع والخرافات التي كانت بها، حيث أصدر علماؤها ومنهم مفتو المذاهب الأربعة ـ أثناء زيارته الأولى لها سنة 1345هـ ـ فتوى لهدم القباب المقامة على الأضرحة، وهدم القبور العالية، وأصدروا فتوى حول آداب زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم تلغي البدع التي سادت من قبل، وتقرر آداب الزيارة وفق منهج السنة النبوية، وقد وقع في الفتاوى كل من الشيخ إبراهيم البري عن الحنفية، والشيخ زكي برزنجي عن الشافعية، والشيخ حميدة بن الطيب عن الحنبلية، والشيخ محمد صادق العقبي عن المالكية.
إن لهذا العمل سمة تربوية وتعليمية تحكي مقدار اهتمام الملك عبد العزيز – يرحمه الله – بأسس التربية والتعليم، ويبرز حقيقة مهمة وهي أن المنطلق الحقيقي لكل إصلاح وتقدم في هذه البلاد يعتمد أساساً على نشر العلم الشرعي على أسس إسلامية متينة، والقضاء على الجهل والأمية قضاء مبرماً، ومن هذا المنطلق جاءت السياسة التعليمية محققة للآمال والطموحات التي أرادها - يرحمه الله - لشعبه.(40/268)
لقد أكد - يرحمه الله - حرصه الشديد على أن تكون مناهج التعليم في هذه البلاد منبثقة من الإسلام الذي تدين به هذه الأمة عقيدة وعبادة وخلقاً وشريعة وحكماً ونظاماً متكاملاً للحياة، كما هو واضح في وثيقة تأسيس الإدارة العامة للمعارف في المملكة الحجازية والتي جاء فيها: (فرض الدقة والاعتناء بأصول الدين الحنيف في كافة المملكة الحجازية) ولكنه في الوقت نفسه لم يهمل العلوم التجريبية والتطبيقية مثل الهندسة والجبر والكيمياء والفيزياء وغيرها، بل أكد عليها بصراحة ووضوح، وراعى التوازن بينها وبين العلوم النقلية الشرعية.
وكان أول منهج دراسي طبق في عهد الملك عبد العزيز سنة 1345هـ وأهم ما تميز به هذا المنهج الآتي:
1ـ العناية بالعلوم الدينية حتى يتخرج الطالب متمسكاً بتعاليم دينه الحنيف.
2ـ الحرص على أن يتعلم الطالب القدر الكافي من العلوم التي تمكنه من خدمة وطنه.
3ـ التأكيد على تنمية الروح العربية الإسلامية.
4ـ الحرص على العقيدة الإسلامية، والعناية بتنمية الاتجاهات الإيحابية وخاصة حب الوطن.
وارتبط هذا المنهج بالكتب الدراسية المقررة على الطلاب، فدرس طلاب المرحلة التحضيرية كتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية بدلاً من السنوسية والجوهرة للباقلاني والرسالة لمحمد عبده، وكذا كتاب شروط الصلاة، ومختصر بلوغ المرام. ودرس طلاب السنة الثالثة الابتدائية كتاب كشف الشبهات بتمامه في عام 1349 وكان يعتمد على كتاب لمعة الاعتقاد في التوحيد وكتاب العمدة في الفقه في ظل منهاج عام 1355هـ. وهذا يدل على التعديل الكبير الذي أحدثه الملك عبد العزيز - يرحمه الله - على المناهج المقررة في المدارس التي كانت موجودة في العهد الهاشمي وخاصة فيما يتعلق بدراسة التوحيد والعقيدة.(40/269)
ثم سار على هذا المنهج القويم أبناؤه البررة من بعده وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - الذي كان أول وزير للمعارف سنة 1373هـ، وتجلى ذلك للعيان في وثيقة (سياسة التعليم في المملكة) الصادرة عام 1390هـ (والتي تضم 236 مادة تشمل الأسس العامة التي يقوم عليها التعليم في المملكة وغايته وأهدافه العامة، ومراحل التعليم والتخطيط لها، ووسائل التربية والتعليم والأجهزة القائمة على التعليم) .
فقد نصت المادة (232) على (أن التعليم بكافة أنواعه ومراحله وأجهزته ووسائله يعمل لتحقيق الأغراض الإسلامية، ويخضع لأحكام الإسلام ومقتضياته، ويسعى إلى إصلاح الفرد والنهوض بالمجتمع خلقياً وفكرياً واجتماعياً واقتصادياً) .
كما تنص المادة (18) من سياسة التعليم على بيان غايته وهي: (فهم الإسلام فهماً صحيحاً متكاملاً وغرس العقيدة الإسلامية ونشرها، وتزويد الطالب بالقيم والتعاليم الإسلامية، وبالمثل العليا، وإكسابه المعارف والمهارات المختلفة، وتنمية الاتجاهات السلوكية البناءة، وتطوير المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وتهيئة الفرد ليكون عضواً نافعاً في بناء مجتمعه) .
المبحث الثاني
لمحة تاريخية عن نشأة مديرية المعارف في الحجاز وتطورها وظهور نظام التعليم العام(40/270)
أدرك الملك عبد العزيز - يرحمه الله - بثاقب بصيرته وصائب نظره أن عظمة الأمم لا تقاس بكثافة سكانها ولا باتساع رقعة أرضها أو بكثرة مواردها وثرواتها، ولكن تقاس بقدرها وما وصلت إليه من تقدم وعلم وتفوق تقني، وبقدر ما تقدم للبشرية من معطيات حضارية، وبالتالي فإن تقدم ونهضة هذه البلاد ومواكبتها للعصر مرهونة بتطور التربية والتعليم فيها. فأكرم أهلها بإصدار المرسوم الملكي الخاص بقيام مديرية المعارف العامة غرة شهر رمضان سنة 1344هـ وبالتحديد بعد عام واحد من دخوله مكة المكرمة وهو لم يزل ملك الحجاز وسلطان نجد فقط بحيث لم يستكمل توحيد معظم شبه الجزيرة تحت راية سلطانه.فكانت النواة الأولى لنظام التعليم الحديث في هذه البلاد فقد تقرر في صلاحيتها (الإشراف على جميع مدارس البلاد) وبدأ التدريس في مدارسها في غرة محرم سنة 1345هـ.
وكان إنشاء هذه المديرية قد سبق صدور التعليمات الأساسية التي صدرت في 21/2/1345هـ (1926م) وهي التعليمات التي وضعت نظام الحكم والإدارة. وهذا يدل دلالة واضحة على أن الملك عبد العزيز - يرحمه الله - أراد أن يؤسس الدولة الحديثة على أساس علمي سليم، وتعليم وظيفي يتطلبه المجتمع السعودي الحديث. كما أن هذا يشير أيضاً إلى أن منهجه التربوي يقوم على أساس بناء القدرة المادية عن طريق القوة الفكرية المبنية على أساس علمي وتعليمي حديث.(40/271)
وعندما صدرت هذه التعليمات قدمت في مادتها الثالثة والعشرين وثيقة تأسيس الإدارة العامة للمعارف في مملكة الحجاز وتنص على (نشر العلوم والمعارف والصنايع وافتتاح المكاتب والمدارس والمعاهد العلمية مع فرض الدقة والاعتناء بأصول الدين في كافة المملكة الحجازية وترتبط بالنيابة العامة) . وهذا النص يظهر اهتمام الملك عبد العزيز بالعلوم النقلية الشرعية والعلوم التجريبية التطبيقية العقلية على حد سواء مع مراعاة التوازن بينها حتى لاتطغى ناحية على ناحية، وتحديد مسؤليات هذه الإدارة وربطها بجهة نائب الملك في الحجاز الذي كان في حينه الأمير فيصل بن عبد العزيز.
وعندما بدأ التدريس في مدارسها في غرة المحرم سنة 1345هـ لم يكن عدد مدارسها يزيد على اثنتي عشرة مدرسة أميرية وأهلية في العاصمة ـ مكة ـ وملحقاتها، ويبلغ عدد تلاميذها 700 طالب، وكانت موازنتها عند بدء تأسيسها عبارة عن 5665 جنيهاً أي 133300 ريال سعودي، ثم ارتفعت عام 1347هـ إلى 14791جنيهاً. وفي عام 1348هـ إلى 23140 (1) .
ووصلت ميزانيتها إلى أعلى رقم لها في آخر سنة لها 1373 في عهد الملك عبد العزيز - يرحمه الله - وهو عشرون مليون ريال سعودي، تقارب أربعة ملايين دولار ونصف المليون (2) .
ولما أعلن الملك عبد العزيز تأسيس المملكة العربية السعودية في 22/5/ 1351هـ ازداد توسع صلاحيات مديرية المعارف، (فلم تعد وظيفتها قاصرة على الإشراف على التعليم في الحجاز بل على جميع شؤون التعليم في المملكة جميعها، فيما عدا التعليم العسكري) . وهكذا أصبحت المديرية مسؤولة عن نشر التعليم والإشراف عليه وإدارته.
__________
(1) فؤاد حمزة: البلاد العربية السعودية ص:227
(2) الزركلي: شبه الجزيرة 1/ 646 بتصرف(40/272)
واستمرت على ذلك حتى تحولت إلى وزارة بتاريخ 18 ربيع الثاني سنة 1373هـ حيث صدر مرسوم ملكي بتوقيع الملك سعود - يرحمه الله - يقضي بتأسيس وزارة المعارف في المملكة واختياره الأمير فهد بن عبد العزيز - خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله - وزيراً لها (لكي يتولى الشؤون المتعلقة بالمعارف والنهوض بالتعليم إلى المستوى اللائق بالبلاد) .
وقد تولى إدارة مديرية المعارف منذ تأسيسها عدد من أبناء هذه البلاد من ذوي الكفاءة والمعرفة، كان أولهم الشيخ صالح بن بكري شطا، إلا أنه لم يستمر فيها أكثر من سنة، ثم حل محله على التعاقب:
الشيخ محمد كامل القصاب من سنة 1345هـ حتى سنة 1346هـ
الشيخ محمد ماجد الكردي من سنة 1346هـ حتى سنة 1347هـ
ثم الشيخ حافظ وهبة من سنة 1347هـ حتى 1347هـ علاوة على وظيفته الأصلية كمستشار لجلالة الملك، وكان الشيخ محمد أمين فودة (1) معاوناً أول له ثم أصبح مديراً للمعارف من سنة 1347هـ حتى سنة 1352هـ حيث عُين رئيساً للقضاة.
ثم الشيخ إبراهيم الشورى من سنة 1352هـ حتى سنة 1354هـ
ثم الشيخ محمد طاهر بن مسعود الدباغ من سنة 1355هـ حتى سنة 1364هـ
ثم الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع من سنة 1364هـ حتى سنة 1373هـ
أولاً: نشأة مجلس المعارف وتطوره
__________
(1) محمد أمين فودة، ولد سنة 1307هـ اشتغل مدرساً بمدرسة الفلاح والمدرسة الرشيدية العثمانية بمكة، إذ كان يحسن اللغة التركية، تقلد في العهد السعودي وظائف إدارية وقضائية، توفي سنة 1365هـ. كتبي: الفودة رائد الحكمة ص:31، وعبد الجبار: سير وتراجم ص:278ـ 281(40/273)
صدر الأمر الملكي الكريم رقم 7 في 27/1/1346هـ بالموافقة على نظام مجلس المعارف بتوصية من لجنة التفتيش والإصلاح التي شكلها الملك عبد العزيز - يرحمه الله - للنظر في أمور الجهاز الإداري والعمل على إصلاحها. واشتمل هذا النظام على تشكيل مجلس للمعارف مهمته الإشراف على شؤون التعليم ووضع الأنظمة الخاصة به، وأن يكون مؤلفاً من ثمانية أعضاء عدا الرئيس الذي هو مدير المعارف بحكم منصبه، يكون أربعة من كبار الموظفين بالإدارة، وأربعة من أهل العلم غير الموظفين، ويعين الجميع بأمر ملكي.
وتتلخص صلاحيات هذا المجلس في إقرار موازنة إدارة المعارف العمومية، والموافقة على تعيين المدرسين الذين يرشحهم المدير، والإشراف على المدارس وبرامج التعليم، ودراسة حالة الكتاتيب ووضع التقارير بخصوص إصلاحها، وانتخاب الكتب المدرسية للمدارس الحكومية.
وعين أول مجلس للمعارف برئاسة مدير المعارف الشيخ كامل القصاب في الثاني من شهر صفر سنة 1346هـ وعضوية كل من: الشيخ صالح شطا، والشيخ عبد الله حمدوه، والشيخ أمين فودة، والشيخ ناصر التركي، والدكتور عبد الغني، والشيخ محمد نور فطاني، والشيخ ماجد الكردي، والشيخ علي مالكي.
وقد كُلِّف هذا المجلس بالعمل على توحيد التعليم في الحجاز وجعل التعليم مجاناً وإجبارياً. ووضع نظام تعليمي يكون فيه التعليم من أربع مراحل هي: التحضيري، والابتدائي، والثانوي، والعالي.
وفي 19محرم عام 1347هـ انعقد مجلس المعارف للنظر في تطوير المدارس الابتدائية، وتلبية احتياجاتها من المعلمين والأدوات، وتخصيص معلميها في المواد التي يدرسونها، وتسهيل أمور البعثات العلمية، وإدخال اللغة الأجنبية، وتطوير المعهد العلمي.
ثانياً: الهيئة الإدارية واختصاصها
تشكلت هذه الهيئة من المفتش الأول والمفتش الثاني والمفتش الثالث، ورئيس مكتب المعارف، ومدير المعهد العلمي السعودي بمكة، ومدير مدرسة تحضير البعثات.(40/274)
وتختص بوضع التقارير الخاصة بخطط المعارف، ووضع مشروع مناهج التعليم، وتوزيع المدرسين على المدارس، ووضع تقارير عن المدرسين المؤهلين، واقتراح منح مدارس جديدة.
ويترأس مدير المعارف اجتماعات هذه الهيئة مرتين كل أسبوع، وفي حالة تغيبه يرأسها المفتش الأول.
ثالثاً: هيئة التفتيش واختصاصها:
تتكون هذه الهيئة من المفتش الأول الذي يعتبر رئيساً لها، ويعاونه تسعة من المفتشين يكون عددهم قابلاً للزيادة أو النقص حسب اللزوم، ويعتبر المفتش الأول مسؤولاً أمام مدير المعارف عن تنفيذ واجبات هيئة التفتيش. (وتختص بالتفتيش على المدارس والنظر في بيانات دوام الأساتذة، ومتابعة تطبيق المناهج، والإشراف على أعمال الامتحانات، ومراقبة سير التعليم بالمدارس، والتحقيق فيما يحدث من مخالفات) .
رابعاً: مكتب المعارف:
يتولى إدارته رئيس الكتاب وهو الذي يقوم بجميع الأمور التي توكل إليه من قبل مدير المعارف العامة.. ويتولى أعمال المحاسبة للمديرية، وأمور شعبة البعثات وما يتعلق بحفظ جميع الأوراق والملافّ وتنظيمها وترتيبها بحيث تسهل مراجعتها (1) .
وقد ظل هذا النظام هو النظام الرسمي المعمول به حتى نهاية عهد مديرية المعارف وتأسيس وزارة المعارف. ولكننا نلاحظ مع ذلك أن السنوات بين 1357هـ وهي سنة صدور النظام وعام 1373هـ وهو عام تأسيس وزارة المعارف قد شهدت تغيرات لم تضمن في نظام جديد، ولكنها حدثت بالتدريج في أعمال مديرية المعارف وعلاقتها بالمجلس.
خامساً: نبذة عن نظام التعليم وتطوره في المملكة الحجازية في عهد الملك عبد العزيز
__________
(1) انظر تفاصيل النظام في جريدة أم القرى، العدد 693 الصادر يوم الجمعة في 17/ 1/ 1357هـ (الموافق 18 مارس سنة 1938م) ص: 3. والملك عبد العزيز والتعليم ص: 263، 264. ويتكون من ثمانية فصول و43 مادة. الأنصاري: التعليم في المدينة ص:358(40/275)
لما قامت مديرية المعارف عام 1344هـ أبقت على مرحلة الدراسة التحضيرية التي عرفها أهل الحجاز في العهد العثماني ثم في العهد الشريفي من بعده، وأبقت على مدارسها، وجعلتها مرحلة لازمة في سلم التعليم النظامي تسبق المرحلة الابتدائية، وجعلت الدراسة بها ثلاث سنوات.
وفي سنة 1346هـ صدر أمر الملك عبد العزيز بتأسيس مجلس للمعارف مهمته الأولى وضع نظام تعليمي موحد في الحجاز، والسعي لجعل التعليم الابتدائي إجبارياً ومجانياً، والنص على أن يتكون التعليم من أربع مراحل، وهي:
1/المرحلة التحضيرية؛ ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات.
2/ المرحلة الابتدائية؛ ومدة الدراسة فيها أربع سنوات.
3/ المرحلة الثانوية؛ والمقصود بها في ذلك الوقت مرحلة الدراسة بعد الابتدائي، وكانت مدة الدراسة بها أربع سنوات زيدت فيما بعد سنة أخرى توجيهية.
4/ المرحلة العليا أو الجامعية.
(وفي عام 1362هـ جرى تغيير في عدد سنوات المرحلة الابتدائية بحيث أصبحت ست سنوات، وذلك بدمج المرحلة التحضيرية مع المرحلة الابتدائية، وضم السنة الأخيرة منها إلى المرحلة الإعدادية (المتوسطة) وانقسمت المرحلة الثانوية إلى قسمين:إعدادي (متوسط) وثانوي كل منها ثلاث سنوات، وذلك بعد ضم السنة الأخيرة من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الإعدادية (المتوسطة) وفي العام نفسه كان هناك اختباران للشهادة الابتدائية؛ أحدهما للنظام القديم ـ ثلاث سنوات أربع سنوات ـ والآخر على نظام الابتدائية ست سنوات)(40/276)
ومما يجدر ذكره أن العهد السعودي لم يرث أية مدرسة متوسطة أو ثانوية من العهود السابقة في بلاد الحجاز، ولذلك كان التعليم الثانوي الحكومي الذي ظهر في شبه الجزيرة العربية في القرن الرابع عشر الهجري هو من منجزات العهد السعودي بلا شك، وقد ظهر في وقت مبكر من قيام هذا العهد حيث تولته مديرية المعارف ابتداءً من سنة 1345 أي بعد عام واحد من قيامها، وكان ذلك بتأسيس المعهد العلمي السعودي بمكة.
كما أصدرت مديرية المعارف نظاماً للمدارس الأهلية سنة 1357هـ ونظاماً للمدارس القروية الابتدائية التي تقوم في القرى البعيدة من المدن سنة 1364هـ وتم إلغاء هذا النظام عام 1374هـ (1) وأصدرت نظاماً للدروس الخصوصية للمدارس الثانوية سنة 1371هـ.
ولمديرية المعارف تجارب أولى في افتتاح المدارس الليلية، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، بل أسهمت في وضع اللبنات الأولى للتعليم العالي بإنشاء كلية الشريعة بمكة عام 1369هـ وكلية المعلمين بمكة التي بدأت الدراسة فيها عام 1372هـ (2) .
وفي أواخر عهد مديرية المعارف سنة 1372هـ حدث تعديل في السلم التعليمي في المملكة وأصبحت مراحل التعليم العام كما يلي:
أ/ مرحلة التعليم الابتدائي وتتفرع منها:
1/ مدارس تحفيظ القرآن الكريم، ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات.
2/ المدارس القروية، ومدة الدراسة فيها أربع سنوات.
3/ المدارس الابتدائية، ومدة الدراسة فيها ست سنوات.
ب/ التعليم الثانوي ـ والمقصود به في ذلك الوقت: الدراسة بعد المرحلة الابتدائية ـ وينقسم إلى قسمين:
1/ التعليم الثانوي العام؛ ومدة الدراسة فيه ست سنوات بعد إتمام الشهادة الابتدائية.
__________
(1) انظر تفصيلات النظامين في كتاب الملك عبد العزيز والتعليم ص:279ـ 281
(2) الحقيل: نظام وسياسة التعليم في المملكة ص: 18(40/277)
2/ التعليم الثانوي الديني؛ ويتمثل في دار التوحيد بالطائف، ونوع من المعاهد الثانوية يعرف باسم المعاهد العلمية السعودية، يلتحق بها حملة الشهادة الابتدائية، ومدة الدراسة فيها خمس سنوات، وقد بلغ عدد هذه المعاهد عام 1372هـ ـ 1373هـ أربعة معاهد في مكة، والمدينة، وعنيزة، وشقراء.
جـ/ التعليم المهني المتوسط، ومدة الدراسة فيه ثلاث سنوات ويلتحق به حملة شهادة إتمام الدراسة الابتدائية، وكان يتمثل في ذلك الوقت 1371هـ ـ 1372هـ في المدرسة الصناعية بجدة التي تأسست عام 1367هـ
د/ معاهد إعداد المعلمين، وكانت على مرحلتين:
1/ معاهد بعد إتمام الدراسة الابتدائية، ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات
2/ معاهد بعد إتمام الدراسة الثانوية القسم الخاص بدراسة المعلمين الثانوي، ومدة الدراسة فيها أربع سنوات
هـ/ التعليم العالي، ويتمثل حينذاك في التالي:
1/ كلية الشريعة بمكة، ومدة الدراسة فيها أربع سنوات.
2/ كلية المعلمين، ومدة الدراسة فيها أربع سنوات.
3/ البعثات التي ترسلها المملكة إلى الخارج، وكانت في ذلك الوقت مركزة على جامعات مصر، والجامعة الأمريكية ببيروت، وبعض البعثات إلى أمريكا وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا.
المبحث الثالث
إنجازات مديرية المعارف في المدينة
لقد شيد الملك المؤسس نظام التعليم في هذه البلاد على أسس إسلامية نبيلة تنطلق من الاهتمام بالتوحيد الخالص والعلوم الإسلامية واللغة العربية والعلوم الأخرى المساعدة، وسار بهذا النظام قدماً، وأمدّ القائمين عليه بكل ما لديه من عون مادي ومعنوي حتى تحققت الأهداف المتوخاة منه. وبناء على هذا المنهج الواضح سارت مديرية المعارف وحققت - بتوفيق الله تعالى - في سنوات عمرها من 1344هـ إلى 1373هـ الكثير من الإنجازات التعليمية في المملكة على الرغم من إمكاناتها المحدودة وبخاصة في ظل أوضاع اقتصادية متواضعة. ومن أهم إنجازاتها في المدينة النبوية:(40/278)
أولاً: إنشاء معتمدية المعارف بالمدينة:
كانت مديرية المعارف تشرف على التعليم وإدارته في الحجاز _ فقط _ منذ نشأتها سنة 1344هـ وحتى سنة 1356هـ عندما صدر نظامها الجديد الذي يقضي بتوسيع مسؤولياتها عن نشر التعليم وإدارته في المملكة العربية السعودية. وبهذا التوسع أصبحت الحاجة قائمة لأن يكون للمديرية فروع وممثليات ترتبط بها في المدن والمناطق التي وصلها التعليم الحكومي،ولذلك نص النظام الأساسي لمديرية المعارف العامة في المادة التاسعة والثلاثين منه على أن (يكون لمدير المعارف العامة في غير العاصمة ـ مكة ـ معتمدون يكون كل منهم مسؤولاً أمام مدير المعارف العامة عن إدارة شؤون المدارس والمؤسسات العلمية في منطقته ويشرف على سير التدريس بموجب المناهج المقررة ويراقب سلوك الموظفين والمعلمين ويعمل بموجب أنظمة المعارف والتعليمات الصادرة إليه ويعين له كاتب ومساعدون عند اللزوم) .
فشرعت مديرية المعارف في تأسيس عدة معتمديات، (يشرف على كل منها شخص من رجال التربية والتعليم يلقب بـ "معتمد المعارف " وهو مسؤول عن مختلف شئون التعليم في منطقته ومراقبة سير الدراسة، واتباع التعليمات والتوجيهات التي تبعث بها مديرية المعارف، ولكنه لا يتصرف في الأمور إلا بعد الاستئذان أو الرجوع إلى المديرية العامة، ولايسمح لمدارس المناطق المرتبطة بمعتمدي المعارف الاتصال بالإدارة العامة مباشرة إلا عن طريقهم) . ومعتمد المعارف يعمل على اطراد نمو مدارس منطقته وترقيتها، وهو يمثل حلقة وصل بين المديرية والمدارس، كما أنه بمثابة مدير المعارف في منطقته.(40/279)
لقد كانت معتمدية المعارف بالمدينة من أوائل المعتمديات تأسيساً عام 1345هـ (1) وكان لها الإشراف على المدارس في داخل المدينة وعلى كتاتيبها ومدارس ينبع البحر. وقد ترأسها لفترة قصيرة القاضي الفاضل الشيخ أحمد كماخي ويساعده كل من الشيخ عثمان حافظ، والشيخ محمد عبد الجواد. ثم تولى أمرها عام 1346هـ الشيخ عبد القادر شلبي بأمر من مدير المعارف حينذاك الشيخ محمد كامل القصاب بالإضافة إلى إدارته للمدرسة الابتدائية الأميرية (الناصرية حالياً) . ثم أصبحت هذه المدرسة بمثابة معتمدية لمديرية المعارف في المدينة حتى عام 1360هـ حيث كانت المعتمدية أشبه ما تكون بوظيفة فخرية رغم أن لها مكافأة سنوية قدرها ثلاثمائة ريال.
واستمر الشيخ عبد القادر في مهمته حتى نهاية عام 1347هـ حيث استقال وجلس للتدريس في منزله إلى أن توفي (2) .
ثم أشرف عليها محمود الحمصي حتى عام 1350هـ ثم خلفه السيد أحمد صقر لمدة عشر سنوات وذلك حتى عام 1360هـ. وهو العام الذي استقلت فيه المعتمدية عن المدرسة الناصرية، وظلت مستقلة حتى أصبحت إدارة للتعليم عام 1374هـ.
(وفي 19/ 2/ 1361هـ صدرت الموافقة السامية رقم: (2463) بإسناد وظيفة معتمدية المعارف بالمدينة إلى الشيخ عثمان حافظ) .
وعندما عاد الشيخ محمد سعيد دفتردار إلى المدينة بعد حصوله على الشهادة العالية وإجازة التدريس من مصر، عينته مديرية المعارف بمكة معتمداً للمعارف بالمدينة عام 1362هـ بالدرجة الرابعة، وظلّ معتمداً حتى أواخر عام 1373هـ وهو أول من سمي بـ (معتمد المعارف بالمدينة المنورة) .
ثم تحولت من معتمدية إلى مديرية للتعليم، وكان أول مدير لها الأستاذ عبد العزيز بن محمد بن علي الربيع - يرحمه الله - إلى عام 1402هـ.
__________
(1) ابن دهيش: التعليم الحكومي، ص 40 بتصرف.
(2) قارن وزارة المعارف: المدرسة الناصرية ص: 38 والأنصاري: التعليم في المدينة ص:397 وأحمد مرشد: طيبة وذكريات الأحبة 2/63(40/280)
ثانياً: مدارس المرحلة الابتدائية بالمدينة التابعة لمديرية المعارف
يقصد بالتعليم الابتدائي في المصطلح التربوي المعاصر؛ ذلك التعليم الذي يعالج التلميذ بالتربية من سن السادسة إلى سن الثانية عشرة، أي في الست السنوات الأولى من حياته التعليمية المدرسية على أساس أن السنوات من سن السادسة إلى سن الثانية عشرة تكوّن مرحلة متميزة من مراحل نمو الطفل.
وقد حرصت مديرية المعارف أن يكون التعليم في هذه المرحلة مبنياً على أهداف إسلامية سامية لأنها القاعدة الأساسية للهرم التعليمي إذ يتزود منه مراحل التعليم التي تليه.
كان التعليم الابتدائي منذ قيام مديرية المعارف سنة1344هـ وحتى عام 1358هـ يشتمل على مرحلتين:
أ/ المرحلة الأولى: التحضيرية الأميرية (وهي التي تؤهل الطالب للالتحاق بالمرحلة الابتدائية) . وكانت هذه المرحلة معروفة في المدينة منذ العهد العثماني، فكان بها أربع مدارس تحضيرية يتكون كل منها من أربع فصول. كما عرفها أهل المدينة خلال العهد الشريفي، فكانت مدة الدراسة بها سنتان، ويدرّس فيها – باللغة العربية – مبادىء التجويد ومبادىء العلوم الدينية (الفقه والتوحيد) والإملاء العربي، والقراءة العربية، ومبادىء الحساب، والخط.
ولما قامت مديرية المعارف في هذا العهد الزاهر أبقت هذه المرحلة وعملت على تطويرها وتحسين مستوى التعليم فيها؛ فجعلت مدة الدراسة فيها ثلاث سنوات، وجعلتها مرحلة لازمة على الطالب تسبق مرحلة الدراسة الابتدائية، ويقبل فيها الطالب من سن السادسة، ويمكن في بعض الحالات قبول الطالب في سن الخامسة إذا كانت لديه مقدرة كافية على حفظ الدروس وفهمها.
وقد لقيت هذه المرحلة قبولاً في القرى والهجر البعيدة عن المدن، فكانت أكثر انتشاراً، وبذلك تحققت سياسة الملك عبد العزيز - يرحمه الله - التي تهدف إلى محاربة الجهل المتفشي في القرى والهجر النائية أكثر منه في المدن.(40/281)
وكانت الدولة - رعاها الله - تشجع طلاب هذه المرحلة وتتفقد أحوالهم، وتوزع على الفقراء منهم الأموال لمساعدتهم على تحصيلهم الدراسي. (ففي عام 1348هـ تم توزيع خمسة جنيهات إنجليزية ونصف على أحد عشر طالباً فقيراً بالمدرسة التحضيرية بالمدينة بواقع نصف جنيه إنجليزي لكل طالب، وطالبت مديرية المعارف في مكاتبتها عدد (821) وتاريخ 21/8/1348هـ بعمل جدول بتوزيع هذه المبالغ يوقع عليه كل طالب قرين اسمه بالاستلام كما يصادق عليه مدير المدرسة الابتدائية بالمدينة وهيئة المدرسة. وطلبت المديرية من مدير المدرسة بعد ذلك أن يشتري للتلاميذ بهذه المبالغ ما يلزمهم من الكسوة من ثوب وسروال وكوت وصُمادة وعقال وشطافة إن أمكن) .
وقد لقي هذا الاهتمام والتشجيع صداه عند أهل المدينة فأقبلوا على إلحاق أبنائهم بهذه المرحلة، وطلب بعض المعلمين في الكتاتيب أن ينضموا هم وكتاتيبهم إلى المرحلة التحضيرية، كما حدث للشيخ محمد بن سالم المعلم في أحد كتاتيب المدينة، ووافق مجلس المعارف على ضم كُتّابه بالمدرسة، وجعله معلماً فيها براتب خمسة جنيهات في الشهر اعتباراً من صفر سنة 1348هـ.
وكان بالمدينة عدد من مدارس هذه المرحلة التي استمر التدريس فيها حتى عام 1361هـ حيث تم دمجها في المرحلة الابتدائية ـ كما سبق إيضاحه ـ وهي:
1ـ المدرسة التحضيرية الأولى "المنصورية الابتدائية حالياً"أسست عام 1344هـ في غرف الحرم النبوي الشمالية، ثم انتقلت لتستقر في غُرف الدور السفلي من مبنى المدرسة الابتدائية الأميرية (الناصرية حالياً) بباب المجيدي. ويبدو لي أنها انتقلت إلى هذا المقر قبل عام 1349 بوقت قريب لأنها كانت (تعاني من ضيق هذا المقر وتكدس الطلاب في فصولها، حتى إن عدد تلاميذ الفصل الأول من السنة الأولى في هذا العام 1349هـ كان 54 تلميذاً، مما خشي منه مدير المدرسة الابتدائية على صحة التلاميذ، وعدم استفادتهم الفائدة التعليمية المطلوبة) .(40/282)
وذكر الأستاذ أحمد علي أسد الله أنه زارها سنة 1353 وكان مديرها الأستاذ ماجد أنور عشقي فوجد فصولها مزدحمة بالطلاب، وعددهم حسب إفادة المدير (130) طالباً. كان الحاضر منهم (100) تلميذ.
وفي عام 1359هـ نقلت إلى بيت الشريف شاهين بحوش الأشراف، على شارع يفصل بينها وبين مبنى البلدية القديم وقد أزيلت هذه المباني في توسعة خادم الحرمين الشريفين للمسجد النبوي، فكان جزء منها يطل على حوش الأشراف والجزء الآخر على سوق الصباغة.
(وفي عام 1360/1361هـ وفي مبنى حوش الأشراف تحول مسماها إلى المدرسة المنصورية الابتدائية ومديرها السيد ماجد عشقي يرحمه الله) (1) .
2ـ المدرسة التحضيرية الثانية التي كانت ضمن المدرسة الابتدائية، كان عدد طلابها في عام 1348هـ (158) طالباً وزاد عددهم إلى (165) طالباً في عام 1349هـ، وقيل: (172) ويظهر من كشوف صرف الرواتب لعام 1347هـ أن المعلم الأول بها هو الشريف محمد العربي وكان يتقاضى راتباً قدره (550) قرشاً أميرياً في الشهر، وأن المعلم الثاني بها هو الشيخ محمد الكتامي وكان يتقاضى راتباً قدره (440) قرشاً أميرياً في الشهر. وبقيت هذه المدرسة في مرحلتها هذه حتى دمجت في المرحلة الابتدائية عام 1361هـ وأطلق عليها اسم المدرسة الناصرية.
3ـ مدرسة قباء التحضيرية، كان المعلم بها سنة 1347هـ الشيخ عبد الكريم الكردي، يتقاضى راتباً شهرياً قدره (330) قرشاً أميرياً من مالية معتمدية المعارف بالمدينة، وكان بها بواب واحد يتقاضى عام 1346 جنيهاً واحداً في الشهر. وكان عدد طلابها في عام 1349هـ (21 طالباً) .
4ـ مدرسة الجرف التحضيرية الأميرية، كان المعلم بها سنة 1347هـ الشيخ محمد علي الكراني، يتقاضى راتباً شهرياً قدره (330) قرشاً أميرياً من مالية معتمدية المعارف بالمدينة. وكان بها بواب واحد يتقاضى عام 1346هـ جنيهاً واحداً في الشهر. وكان بها ستة طلاب في عام 1349هـ.
__________
(1) مرشد: طيبة 1/148،214.(40/283)
5ـ مدرسة العوالي التحضيرية، كان بها معلم واحد سنة 1346هـ يتقاضى راتباً شهرياً قدره أربعة جنيهات إنجليزية، وبواب واحد يتقاضى في العام نفسه جنيهاً واحداً في الشهر.
(واستجابة للإقبال المتزايد من التلاميذ على ذلك النوع من التعليم في المدينة، افتتح في عام 1352هـ فرعان للمدرسة التحضيرية في قباء، والباب الشامي في إحدى غرف الحرم النبوي العليا التابعة للمعارف، وذلك لتعليم الهجاء فقط. وكل من نجح من تلاميذها يرجع إلى المدرسة التحضيرية الأميرية الأصلية) .
وأشار الأستاذ أحمد أمين مرشد إلى تأسيس المدرسة التحضيرية الثانية في المقر الأول للمدرسة التحضيرية الأولى ـ المنصورية حالياً ـ في الجهة الشمالية من المسجد النبوي، ثم نُقِلت إلى المقر الثاني للمدرسة التحضيرية الأولى في الطابق السفلي للمدرسة الأميرية ـ الناصرية حالياً ـ بباب المجيدي بعد أن نقلت المدرسة التحضيرية الأولى إلى موضع آخر.
ب/ المرحلة الثانية الابتدائية: وهي أساس التعليم الذي يتزود الطالب من خلاله بالمعارف والخبرات والمهارات الأساسية التي يحتاج إليها في مجتمعه قبل أن يتحمل مسؤولياته الكاملة في مرحلة الرشد والنضج. وقد عرفت المدينة هذه المرحلة منذ العهد العثماني أيضاً، فكان بها ثلاث مدارس ابتدائية تشمل كل مدرسة ستة فصول.(40/284)
كان أولها تأسيساً المدرسة (الرشدية) ، فكانت بمستوى المرحلة المتوسطة، وفي العهد الشريفي أسست المدرسة (الراقية) سنة 1340هـ، وهي مرحلة بعد التحضيرية، فالطلاب الذين يتخرجون من المدرسة التحضيرية يلتحقون بالمدرسة الراقية. وكلاهما في المدرسة الإعدادية التي سميت (الناصرية) في العهد السعودي وكانت (بين المسجد النبوي وباب المجيدي في المكان الذي كان يسمى بالمناصع) .وكانت مدة الدراسة فيها أربع سنوات، يدرس فيها باللغة العربية: القرآن الكريم، والتجويد، والتفسير، والتوحيد، والفقه، والنحو، والصرف، والبلاغة، والأدب، والتمرن على الخطابة، والإملاء والقراءة، والتاريخ، والجغرافيا، والحساب، ومبادىء الهندسة، وأصول مسك الدفاتر، وحسن الخط، والرياضة.
وكانت أول وآخر دفعة تخرجت فيها سنة 1342هـ وعميدها حينذاك الشيخ عبد القادر الشلبي. وما كان التعليم في هذه المدرسة وغيرها من المدارس الحكومية في عهد الأشراف إلا قشوراً وسطحياً وضئيلاً، وكان مظهراً أكثر منه مخبراً، وكان الإنفاق عليه ضئيلاً. وقد ذكر الشيخ محمد بهجة البيطار في رحلته إلى نجد والحجاز سنة 1338هـ أنه زار المدينة والتقى الشيخ عبد القادر الشلبي الطرابلسي مدير المعارف حينذاك فدارت بينهما مذاكرات في شأن الدروس العربية وأهميتها ومكانتها، فذكر له من أمر المعارف ما ساءه أمره، ولم يسره ذكره. إلا أن من محاسنهم في هذا الجانب تعريب التعليم وجعله مجاناً.(40/285)
وما أن دخلت المدينة في حكم الملك عبد العزيز حتى حظيت بنصيب وافر من إنشاء المدارس الابتدائية، بلغ عددها في عهد مديرية المعارف 1344ـ1373 ثنتي عشرة مدرسة،كان أكثرها ظهوراً في السنوات الست الأخيرة من عهد المديرية، وهو تطور ملفت للنظر يوضح إلى أي مدى بذلت الدولة جهوداً كبيرة في مجال التعليم عندما توفرت لها الأموال اللازمة نتيجة لتزايد عائدات البترول في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وقد شهد التعليم الابتدائي نقلة نوعية في مستواه استهدف تعهد العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس الطلاب ورعايتهم بتربية إسلامية سليمة ومتكاملة في أخلاقهم وأبدانهم وعقولهم ولغتهم وانتمائهم إلى أمتهم الإسلامية.
ولا شك أن لنظرة أهل المدينة الواعية إلى أهمية العلم والتعليم ولاستعدادهم الذهني المسبق للإقبال عليه إسهام في تحقيق هذا المستوى من خلال مرافق التعليم المختلفة.
وسأحاول إلقاء الضوء على الجانب التاريخي والإداري لهذه المدارس حتى عام 1373هـ تاريخ انتهاء فترة البحث.
1ـ المدرسة الناصرية: بدأ التعليم النظامي في هذه المرحلة بالمدينة في هذا العهد الميمون بتأسيس أول مدرسة حكومية حديثة عام 1344هـ هي المدرسة الابتدائية الأميرية التي ساهمت بفعالية كبيرة في النهضة التعليمية الحديثة التي تعيشها بلادنا. أنجبت رجالاً أكفاء انتشروا في أرجاء الوطن فشغلوا مناصب هامة، وشاركوا بمجهوداتهم في جميع الميادين في سبيل الرفعة به في مصاف الدول المتقدمة.
أسست في مقرها الأول في الطابق العلوي من مبنى قديم يرجع إلى العهد العثماني، عبارة عن فناء تحيط به الحجرات من جهاته الثلاث، مبني بالحجر ومدخله مطرز بالحجارة بشكل جميل، مستكمل المرافق الأساسية، ويتوفر به الأثاث المدرسي والمقاعد.(40/286)
يقع في الشمال الشرقي من المسجد النبوي قبل التوسعة السعودية الأولى. ويعتقد الأستاذ أمين مرشد ـ وقد درّس بالمدرسة التحضيرية في هذا المقر سنة 1353هـ ـ أنه كان (جهة باب النساء الشرقي المؤدي إلى شارع الملك عبد العزيز سابقاً) (1) .
وهذا المقر هو نفسه الذي كانت به المدرسة الابتدائية النظامية التي كانت في أواخر العهد العثماني، ثم كانت به المدرسة (الراقية) في أواخر عهد الأشراف وبقيت في هذا المبنى حتى أُدخل في مشروع توسعة الحرم النبوي الأولى في هذا العهد عام 1372هـ. حيث نُقِلت إلى مقرها الثاني (في طرف الساحة الغربي بجانب عين الساحة) (2) .
لقد زارها في مقرها الأول بعض الأساتذة الأفاضل وسجلوا بعض مرئياتهم وانطباعاتهم التي خرجوا بها، ومنهم: الأستاذ أحمد علي أسد الله، الذي زارها في شهر جمادى الآخرة سنة 1353 ـ زيارة خاصة ـ أثناء رحلته إلى المدينة، ودخل القسم الابتدائي في الطابق الأعلى من المبنى فاستقبله مديرها الأستاذ أحمد صقر، وأطلعه بنفسه على فصولها الأربعة لكل سنة دراسية فصل واحد، وبها ثمانون تلميذاً.
__________
(1) مرشد: طيبة 1/214.
(2) مرشد: طيبة 1/214.(40/287)
ثم دخل مكتبتها فوجدها تحوي كتباً قيمة جمعت بين الكتب العلمية القديمة والحديثة، وشاهد بها مجموعة كبيرة من الخرائط العلمية التي تستخدم في درس النبات والحيوان والعلوم، ونموذجاً من الجبس لصدر الإنسان مع بيان كل جزء من أجزاء الصدر في حجمه ولونه الطبيعيين، ورأى في إحدى خزانات المكتبة نموذجاً مجسماً للمجموعة الشمسية بما فيها الأرض والقمر وبقية الكواكب، وذلك لشرح حدوث الليل والنهار والفصول الأربعة والكسوف والخسوف. وربما لا توجد هذه الوسائل في مدارس كثيرة في ذلك الوقت، كما شاهد مع هذه الوسائل نماذج فنية جميلة في الرسم والتلوين والأشكال من صنع طلبة المدرسة في عهد الأتراك، وقد دلت هذه الموجودات الفنية على أن هذه المدرسة كانت في عهد الأتراك من أرقى المدارس الحديثة في الحجاز.
وذكر الأستاذ أحمد إبراهيم الذي زارها عام 1356هـ أنها تتكون من مدير وستة أساتذة وخادمين، ولها من المرتب الشهري مبلغ (5560) قرشاً أميرياً مع المتفرقة. وعدد تلاميذها (74) طالباً. ولاحظ قِدَم مبناها وأنه غير ملائم للدراسة.
وكانت بمثابة معتمدية للمعارف في المدينة منذ تأسيسها عام 1344هـ وحتى عام 1360هـ مديرها مسئول أمام مدير المعارف عن إدارة شئون المدارس والمؤسسات العلمية في منطقته، ويشرف على سير التدريس بموجب المناهج المقررة، ويراقب سلوك الموظفين والمعلمين ويعمل بموجب أنظمة المعارف العامة والتعليمات الصادرة إليه.
وكانت المدرسة ـ بحكم مركزها ـ تستقبل ضيوف إدارة المعارف عند وصولهم المدينة وتقدم لهم ما يحتاجونه حسب إمكاناتها المتاحة. ففي عام 1356 استقبلت بعثة الجامعة المصرية، والجامعة الأزهرية، وأنزلتهم مبنى المدرسة ... ثم أقامت لهم حفلة وداع حضرها عدد من رجال التعليم بالمدينة، وتخللها كلمة لمديرها الأستاذ أحمد صقر، ثم قام بعده عدد من الخطباء فأجادوا في خطبهم إلقاءً وموضوعاً.(40/288)
كان أول اختبار عقد للشهادة الابتدائية في هذه المدرسة عام 1348هـ وكان يسمى (الاختبار النهائي العام) ولما دمجت المدرسة التحضيرية الثانية بها عام 1361ـ1362 وأطلق عليها اسم المدرسة الابتدائية الناصرية وأصبحت مدة الدراسة فيها ست سنوات، كان هناك اختباران للشهادة الابتدائية: اختبار للسنة الرابعة الابتدائية (السابعة بالنسبة للمرحلة الابتدائية) والناجحون يلتحقون بالسنة الثانية الثانوية، واختبار للسنة السادسة الابتدائية، ويلتحق الناجحون بالسنة الأولى الثانوية والتي أسست في العام نفسه.
وقد تعاقب على إدارتها عدد من الأساتذة الأفاضل، أذكر منهم:
1ـ فضيلة الشيخ عبد القادر شلبي عين مديراً سنة 1344، ويوقع عنه الأستاذ محمد سالم الحجيلي. واستمر حتى عام 1347هـ حين أحيل إلى التقاعد بناءً على طلبه.
2ـ فضيلة الشيخ محمود الحمصي مديراً من عام 1347 إلى عام 1350هـ وقد ظهرت كفاءته العالية ومواهبه الحكيمة في إدارته للمدرسة وفي عهده كان أول اختبار للشهادة الابتدائية في المملكة.
3ـ فضيلة الشيخ السيد أحمد صقر مديراً من عام 1350 إلى عام 1360هـ.
4ـ فضيلة الشيخ محمد بن محمد عبد الكريم الأزهري، مديراً من عام 1361 إلى عام 1370هـ.
5 ـ فضيلة الشيخ عبد الفتاح خليل كردي، مديراً من عام 1370 إلى عام 1373هـ.(40/289)
وبلغ عدد طلاب المدرسة (42) طالباً عند افتتاحها في عام 1344هـ يعلمهم (3) مدرسين، (وكانت الدولة تشجع طلابها وبخاصة الفقراء منهم، فقد وزعت مديرية المعارف في عام 1348هـ على خمسة طلاب فقراء بالمدرسة أموالاً بواقع نصف جنيه انكليزي لكل طالب منهم لشراء ما يلزم من كسوة ... كما حدث مع زملائهم في المدرسة التحضيرية) (1) . ونتيجة للدعم والتشجيع من الدولة للتعليم في هذه المدرسة أقبل أهل المدينة عليه فصاروا يطلبونه لأبنائهم ويلحقونهم بها حتى زاد عدد طلابها في عام 1373هـ ليصبح (353) طالباً يعلمهم (11) مدرساً.
2 ـ المدرسة المنصورية: في العام الذي تأسست فيه المدرسة الناصرية عام 1344هـ أسست المدرسة المنصورية. وكانت ذات مرحلة تحضيرية في الست عشرة سنة الأولى، حملت خلالها اسم المدرسة التحضيرية الأولى.
وفي عام 1360هـ أضيف للمدرسة التحضيرية الأولى التي كانت الدراسة بها ثلاث سنوات سنة رابعة فأصبحت مرحلة ابتدائية، وأطلق عليها اسم المدرسة المنصورية الابتدائية نسبة إلى سمو الأمير منصور بن عبد العزيز - يرحمه الله -، الذي عرف عنه الاهتمام بتأسيس المدارس النظامية لنشر التعليم فهو أول من أنشأ مدرسة عامة منظمة بمدينة الرياض.
وأخذ تشكيلها في مساره وهي في مقرها الثالث ببيت الشريف شاهين بجوار مبنى البلدية الذي هدم في توسعة خادم الحرمين الشريفين لعمارة المسجد النبوي. (فزيد عدد فصولها من أربعة إلى خمسة فصول في عام 1361هـ وفي عام 1362هـ زيد فصل سادس، وتخرج منها في هذا العام الدفعة الأولى من المتخرجين) .
__________
(1) الجوادي وعزت: تطور التعليم، التعليم الابتدائي ص:123.(40/290)
نُقلت المدرسة من مقرها الثالث إلى منزل بسوق القماشة لامرأة تركية تسمى (زكية إسلام) جوار منزل بكر رضوان. ثم نُقِلت إلى دار الترجمان فوق دكان البغدادي بالعنبرية على مقربة من مسجد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم إلى رباط بهرام آغا أمام دار السيد حمزة غوث على مقربة من المجمع الحكومي السابق، ثم إلى المبنى الحالي العائد لوقف المغاربة الكبير شمال مبنى ثانوية طيبة والذي لا زالت به متطلعة إلى مبنى حكومي تتوفر فيه جميع الإمكانيات والتجهيزات والوسائل المدرسية يريحها من عناء الترحال الذي انعكس سلباً على وثائقها وسجلاتها القديمة.
وقد تعاقب على إدارتهابعد الشيخ ماجد عشقي عدد من الأساتذة الأفاضل، أذكر منهم:
1) فضيلة الشيخ صالح الأخميمي مديراً من عام 1364هـ حتى عام 1369/ 1370هـ.
2) فضيلة الشيخ أمين مرشد، مديراً من عام 1370 حتى عام 1371/ 1372هـ.
3) فضيلة الشيخ عبد الحميد السناري مديراً من عام 1373حتى عام 1374هـ.
وبلغ عدد طلاب فصولها الستة سنة 1362هـ (72) طالباً يعلمهم (7) معلمين، وزاد إقبالهم عليها حتى وصلوا عام 1373إلى (342) طالباً يعلمهم (13) معلماً، وما حصلت تلك الزيادة التي فاقت أربعة أضعافها عن عام 1362هـ لولا الله ثم الدعم المستمر من قبل الحكومة الرشيدة للتعليم وطلابه في جميع مناطق المملكةعامة وفي المدينة خاصة.
3) مدرسة النجاح النموذجية:(40/291)
أسسها الأستاذ عمر عادل في منتصف شعبان عام 1353 برخصة رسمية من مديرية المعارف العامة، وقد حظيت بالتشجيع والدعم من صاحب الجلالة الملك عبد العزيز، ومن أمير المدينة آنذاك الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم.. أما الهدف من تأسيسها فإنه (المساهمة في نشر العلم وخدمة القرآن الكريم وبث الثقافة الإسلامية بين ناشئتها) كما أنها مدرسة أهلية لأبناء بلدة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم ينشئها مؤسسها لجنسية مخصوصة ولا لخدمة طائفة معينة، وللكل الحق في الإشراف عليها ومؤازرتها وتعضيدها ومساعدتها وإرشادها حتى تقوى على النهوض في تحقيق غايتها.
وقد بدأت المدرسة بغرفة واحدة في الدور السفلي من منزل المؤسس الواقع بحي باب المجيدي وذلك لقلة الطلاب من جهة، ولقلة الدخل من جهة أخرى. ثم غرفتين، وبلغ عدد أوائل الطلبة وهي مرحلة تحضيرية خمسة عشر طالباً.وبعد ازدياد عدد الطلاب وقف بعض أهل الخير مع مؤسسها فاستأجروا منزل أسعد المطل على شارع العينية من الجهة الجنوبية، وعلى زقاق الطوال من الجهة الشمالية. ثم نُقلت إلى مبنى آخر في شارع العينية (وكان يطل مباشرة على الشارع نفسه، وخلال الفسحة يقضي الطلاب وقتهم فوق أسطح دكاكين العينية) (1) .
ثم نُقلت إلى منزل السيد حسن الصافي بالساحة، ثم إلى منزل السيد علي الذهبي جوار بستان الفيروزية بحي السحيمي. ولما تركها المؤسس عمر عادل عام 1359هـ وسلمها لمعتمد المعارف بمنطقة المدينة أصبحت تابعة لمديرية المعارف العامة كمدرسة حكومية استأجرت لها المديرية مبنى جوار مسجد السبق، وبقيت فيه ما يقرب من 37 سنة. وفي عام 1396هـ نُقلت إلى مبنى الشيخ عبد الله الفوزان في الداودية. وفي منتصف عام 1404هـ نُقلت إلى مبناها الحكومي الحديث الواقع في شارع أبي بكر الصديق (الخط النازل) وتتوفر فيه جميع الإمكانيات والوسائل والتجهيزات المدرسية.
__________
(1) مرشد: طيبة 2/145، 3/210.(40/292)
وكانت الدراسة فيها تتكون من قسمين: الأول منهما تحضيري ومدة الدراسة فيه ثلاث سنوات، والقسم الثاني الابتدائي ومدة الدراسة فيه أربع سنوات. وبالمدرسة شعبة تُعنى بتحفيظ القرآن الكريم لأن ذلك من غاياتها الأصلية، وقد درس في هذه الشعبة منذ تأسيس المدرسة عام 1353هـ حتى عام 1357 (51) طالباً حفظ منهم القرآن الكريم (11) طالباً بنهاية عام 1357هـ، وبها شعبة للأشغال اليدوية النافعة يتمرن فيها الطلاب. وفي عام 1356هـ افتتحت المدرسة قسماً ليلياً يقوم بتدريس اللغة الإنجليزية، بلغ عدد تلاميذه عند الافتتاح عشرين تلميذاً وتولى التدريس لهم (عمر علي عبد الله) خريج الجامعة المصرية وجامعة برستول بانجلترا. وذكر الأستاذ أحمد عيسى إبراهيم الذي زار المدرسة في ذلك العام أن مديرها حينذاك الأستاذ عمر عادل طلب منه أن يعطي التلاميذ درساً في اللغة الإنجليزية لغياب الأستاذ عمر علي عبد الله فحقق مطلبه.
ولاحظ ضعف مستوى طلاب السنة الرابعة في هذه المادة، وإقبال طلاب السنة الثانية على دراستها بشوق. وذكر أن المدرسة بحاجة إلى كفايات علمية ترفع مستوى التعليم فيها.(40/293)
ولما كانت المدرسة من المشاريع الخيرية التي لا يمكن لمؤسسها أن يقوم بها بمفرده طلب من سكان المدينة تشكيل مجلس إداري ينظر في مصالح المدرسة ويشرف على سيرها ويقوم بمساعدة مؤسسها على النهوض بأعبائها، فلبوا طلبه وقام فريق منهم بتشكيل مجلس إدارة لها لا يقل عن سبعة أعضاء برئاسة الشيخ عبد العزيز الخريجي وذلك في شعبان سنة 1355هـ. فقام هذا المجلس بأجل الخدمات للمدرسة. وكان يشرف على النواحي المالية ويستقبل الدعم المادي والعيني من محبي الخير والإحسان من داخل المدينة وخارجها. وبلغ واردها في شهر رجب عام 1357هـ (3907) ريال، واستمر هذا المجلس في مهمته حتى تحولت إلى مدرسة حكومية. حين تسلمتها معتمدية المعارف بمنطقة المدينة في شوال عام 1359هـ ومن ذلك الوقت أصبحت تسمى مدرسة النجاح النموذجية.
وقد اتبعت المدرسة منذ تأسيسها منهج مديرية المعارف العامة في تدريس طلابها وفق الخطط الدراسية التي وضعت لطلاب المرحلة التحضيرية.
أما خطة الدراسة في المرحلة الابتدائية فكانت المدرسة تسير على المنهج الصادر عام 1349هـ ثم أخذت بالمنهج والخطة والمعدلة عام 1355هـ واستمرت مديرية المعارف في هذه الخطة حتى دمجت المرحلة التحضيرية مع الابتدائية عام 1361هـ حيث طبقت المديرية في مدرسة النجاح نظام المرحلة الابتدائية ـ وهي لاتزال تؤدي دورها ضمن مدارس منطقة المدينة ـ.
وقد تعاقب على الإشراف عليها وإدارتها بعد الأستاذ عمر عادل عدد من الأساتذة الأفاضل أذكر منهم:
1 ـ الأستاذ عثمان حلمي تولى الإشراف على المدرسة حين استقال الشيخ عمر عادل من إدارتها عام 1360هـ وحتى تكوّن مجلس للإشراف عليها، فأوكل المجلس أمر إدارتها إلى الشيخ عبد الغني مشرف.(40/294)
تابع لجهود الملك عبد العزيز في نشر التعليم العام بالمدينة النبوية
2 ـ ذكر الأستاذ أحمد بشناق (أنه عُيّن مديراً لمدرسة النجاح الابتدائية عام 1360هـ وكانت في مبناها في شارع العينية على يمين المتجه من باب السلام إلى المناخة) .
3 ـ الشيخ عبد الغني مشرف تولى إدارتها عام 1360هـ.
4 ـ الشيخ ضياء الدين رجب مديراً إلى عام 1360هـ.
5 ـ الشيخ ماجد أنور عشقي. مديراً من عام 1364هـ إلى عام 1378هـ. ثم تتابع على إدارتها عدد من المديرين الأفاضل قادوا المدرسة بكل حكمة وسداد رأي وأثروا تاريخها العريق بخبراتهم الواسعة.
وقد كان الإقبال شديداً من أهالي المدينة على تسجيل أبنائهم في هذه المدرسة لمستواها التعليمي الجيد، وللدعم والتشجيع الذي يلقاه الطلاب من المدرسة، ولمزاولتها النشاطات غير المنهجية مثل الحفلات الثقافية والرحلات، وقد بلغ عدد طلابها عام 1358هـ (250) طالباً وهو عدد كبير في تلك الفترة وفي مدرسة أهلية لم يتجاوز عمرها أربع سنوات.
وزارها في عام 1359هـ وفد جمعية الهداية الإسلامية بدمشق برئاسة محمود ياسين، فأقامت المدرسة احتفالاً كبيراً لهم يوم الاثنين 5 ربيع الثاني 1359هـ تخلله عدد من الفقرات كان آخرها كلمة رئيس الجمعية، ختمها بدعوة الحضور إلى التضامن مع المدرسة وتقديم المساعدات لها فأخذ القوم في التبرع وخرجوا مودعين بأكثر مما استقبلوا من حفاوة واحترام.
4 ـ مدرسة أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم:
تعتبر هذه المدرسة امتداداً لمدرسة القراءات السعودية التي أسسها الشيخ أحمد ياسين الخياري عام 1367هـ كأول مدرسة تُعنى بكتاب الله الكريم.(40/295)
وكانت بداية تأسيسها فصول ملحقة بثانوية طيبة بدار الخزينة جوار المسجد النبوي. ويبدو أنها نُقلت بعد ذلك إلى مقرها الثاني بحوش الجمال بالساحة، ثم نُقلت إلى جوار مسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وظلت بمقرها هذا حتى عام 1377هـ حيث نُقلت إلى مبنى مستأجر بباب الشامي. كان المبنى كبيراً، وكانت مدرسة النجاح تقابل هذا المبنى وفيها ازدحام كبير، فتم نقل ستة فصول بمدرسيها إلى مدرسة القراءات، وسميت القسم الابتدائي وكان ذلك عام 1378هـ وتعتبر هذه الفصول نواة مدرسة عبد الله بن رواحة الابتدائية والتي انفصلت أخيراً في مبنى مستقل لها في عام 1388هـ، وأصبح طلابها يدرسون على نظام التعليم العام، وبقي الطلاب الذين يدرسون على نظام القراءات في مدرسة تأسست لهذا الغرض وهي مدرسة (أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم) والتي تعتبر امتداداً لمدرسة القراءات السعودية.
ثم نُقلت مدرسة أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم إلى (بضاعة) وأصبحت في مقرها هذا تضم المراحل الثلاث الابتدائية والمتوسطة والثانوية. ثم إلى مبنى مستأجر في الحرة الشرقية، ثم إلى مبنى آخر في طريق المطار النازل جوار مؤسسة النقد العربي السعودي.
ولما زاد عدد الطلاب في كل مرحلة، تم فصل المرحلة الابتدائية ونقلت إلى مقر وقف المدرسة الكشميرية بحي النصر وذلك في عام 1408هـ. وفي عام 1413هـ نُقلت إلى مبناها الحكومي الحالي الواقع على طريق عثمان بن عفان رضي الله عنه (العيون سابقاً) بحي النصر.
كان الشيخ أحمد ياسين الخياري أول مدير لها وقد استمر حتى عام 1380هـ خلفه عدد من المشايخ والأساتذة التربويين الذي بذلوا جهوداً موفقة في سبيل تحقيق أهدافها السامية، فارتقوا بها في درجات السمو والرفعة حتى وصلت إلى المستوى الذي يليق بمكانتها، وأضحت اليوم صرحاً من صروح العلم والمعرفة التي تُعنى بكتاب الله الكريم في هذه البلاد.
5 ـ المدرسة السعودية الابتدائية بقباء:(40/296)
أسست عام 1368هـ في مبنى تعود ملكيته للدولة، مساحته (400) متر مربع تقريباً ويتكون من (13) غرفة؛ عشر غرف للدراسة وثلاث غرف للإدارة، يقع جنوب مسجد قباء، وقد أزيل هذا المبنى في مشروع توسعة خادم الحرمين الشريفين لمسجد قباء عام 1405هـ فنُقلت المدرسة إلى مبنى مستأجر في حي العصبة وما زالت فيه إلى الآن.
وكانت الدراسة فيها حين افتتاحها وفق نظام ومنهج المدارس القروية الصادر عام 1364هـ الخاص بالقرى والمدن الصغيرة التي لا تحتوي على عدد كبير من الطلاب، لأن منطقة قباء حينذاك تعد ضاحية من ضواحي المدينة، أما الآن فإنها متصلة بالمدينة وتعد من أحيائها. وكانت تسمى (المدرسة القروية بقباء) ويبدو أن هذه المدرسة لم تستمر طويلاً على نظام المدارس القروية لأن المادة الثالثة منه نصت (على أنه إذا وصل عدد طلاب مدرسة قروية إلى ستين طالباً فأكثر تصبح هذه المدرسة ابتدائية ـ بدلاً من قروية ـ ويطبق عليها المنهج الابتدائي، ويكون معلموها بعدد فصولها) (1) . ثم إنه قد تم إلغاء هذا النظام عام 1374هـ ـ وهو عهد وزارة المعارف ـ لزوال دواعيه بعد أن تحسنت أحوال القرى والأرياف وتهيأ لها الكثير من وسائل الراحة، وأصبحت المدارس الابتدائية ابتداءً من العام المذكور خاضعة لمنهج دراسي موحد.
بلغ عدد تلاميذ المدرسة (34) طالباً عند افتتاحها في عام 1368هـ يعلمهم معلم واحد، وتزايد عدد الطلاب في عام 1373هـ ليصبح (134) طالباً في خمسة فصول يعلمهم (4) معلمين وطنيين. وكان مديرها في ذلك العام الأستاذ مصطفى الأماسي - يرحمه الله - ومن المعلمين الأستاذ عبد العزيز إدريس.
__________
(1) السلوم: تاريخ الحركة التعليمية 3/ 75، وأبو راس: الملك عبد العزيز والتعليم ص:281.(40/297)
6 ـ المدرسة السعودية الابتدائية بالقبلتين: أسست عام 1368هـ. (وكانت مدرسة أهلية على حساب أهل الخير وفق نظام المدارس القروية، وذلك رغبة في تعليم أبناء ضاحية القبلتين. وبدأت الدراسة بعشرة طلاب في مسجد القبلتين، ثم نُقلت في غرفة واحدة بجوار المسجد. وتولى التدريس الأستاذ محمد عكاشة إبراهيم محرم، ويعاونه الأستاذ عبد الرحمن الينبعاوي، واستمر التدريس فيها على هذا النظام حتى عام 1375هـ حيث حُولت إلى نظام ابتدائي مدته ست سنوات دراسة) .
7 ـ المدرسة السعودية الابتدائية بذي الحليفة: أسست عام 1368هـ.
8 ـ مدرسة الحسين بن علي بالعوالي: أسست عام 1369هـ (1) .
9 ـ مدرسة حمزة بن عبد المطلب: أسست عام 1372هـ في مبنى طينيّ قديم تحت مسمى (مدرسة العيون الابتدائية) ثم نُقلت إلى مبنى مستأجر مبني من الإسمنت بجوار مؤسسة الأورفلي حالياً بطريق سيد الشهداء، وسميت (مدرسة أحد الابتدائية بضواحي المدينة) وفي عام 1384 نُقلت إلى مبناها الحكومي الحالي الواقع غرب مقبرة شهداء أحد وأصبحت تحت مسمى (مدرسة حمزة بن عبد المطلب) .
وبلغ عدد طلابها عام 1373هـ (37) طالباً تزايد في عام 1416هـ ليصبح (542) طالباً، يعلمهم (24) معلماً.
وقد تعاقب على إدارتها عدد من الأساتذة الأفاضل أذكر منهم الأستاذ حسن ياسين محمد قادري الذي تولى إدارتها عام 1374هـ.
10ـ مدرسة صقر الجزيرة: أسست عام 1373هـ.
11ـ المدرسة الفيصلية: أسست عام 1373هـ.
__________
(1) ناجي الأنصاري: التعليم في المدينة ص:463، ولم أجد أي مادة علمية مدونة عن المدرستين رغم محاولاتي الجادة للحصول على ذلك.(40/298)
12ـ المدرسة المحمدية: أسست عام 1373هـ في الجزء الجنوبي من حوش منصور، وتولى إدارتها بعد افتتاحها الأستاذ الفاضل محمد الطيب إدريس، وظل مديراً لها حتى عام 1379هـ. نُقلت المدرسة من مقرها الأول إلى عمارة بين طريقي قباء الطالع والنازل، ثم نُقلت إلى مبنى مقابل لمقرها الأول على يمين طريق قباء النازل، واستقرت أخيراً في مبناها الحكومي في أرض البحر.
وقد بلغ عدد الطلبة الناجحين في الصف الأول الابتدائي عام 1373هـ (20) طالباً والناجحين في الصف الثاني (9) طلاب، والناجحين في الصف الثالث من العام نفسه (12) طالباً.
جـ/ المرحلة المتوسطة والثانوية:
(كان التعليم المتوسط للبنين حتى عام 1373هـ جزءاً من المرحلة الثانوية التي كانت مدة الدراسة بها ست سنوات، وكان الطلاب يحضرون امتحاناً عاماً لشهادة الكفاءة المتوسطة في نهاية السنة الثالثة، ثم يدرس الناجحون فيها لمدة ثلاث سنوات أخرى هي الرابعة والخامسة والسادسة، ويحصل الناجحون في نهاية السنة السادسة على الشهادة التوجيهية) (1) .
ويأتي هذا المستوى من التعليم حلقة اتصال بين التعليم الابتدائي والتعليم العالي. كما أنه في الوقت نفسه يمثل المصدر الرئيسي الذي يمد التعليم العالي بالطلاب من حملة شهادة المعاهد العلمية والمدارس الثانوية بقسميها العلمي والأدبي. ولذلك يمكن اعتبار التعليم المتوسط والثانوي هو القاعدة الرئيسية التي بُني عليها التعليم العالي المتخصص.
(ولذلك نجد أن جلالة الملك عبد العزيز - يرحمه الله - يهتم بهذه المرحلة التعليمية لأنها امتداد للسلم التعليمي الذي أراد جلالته توفيره لأبناء شعبه، تحقيقاً لأهدافه السامية وهي محاربة الجهل والفقر والمرض) . ففتحت المدارس الثانوية والمعاهد، ووضعت الأنظمة التعليمية ذات الصبغة الإسلامية في ظل إشراف وتخطيط مديرية المعارف العامة.
__________
(1) السلوم: تاريخ الحركة التعليمية 3/ 111.(40/299)
وفي الصفحات التالية عرض موجز لتأريخ مؤسستين تعليميتين أقامتهما مديرية المعارف لمرحلة ما بعد الابتدائية، وهما: مدرسة طيبة الثانوية، والمعهد العلمي السعودي بالمدينة.
1ـ مدرسة طيبة الثانوية:
كانت مدرسة تحضير البعثات بمكة أول مدرسة ثانوية بالمملكة، وكان لافتتاحها أثره الكبير عند المواطنين في مختلف مناطق المملكة؛ لأن ذلك يعني بداية مرحلة جديدة، وفتح آفاق واسعة أمام خريجي المرحلة الابتدائية الذين يتطلعون إلى مواصلة تعليمهم وخدمة وطنهم وأمتهم.
وبدأ إقبال الطلاب عليها من مناطق المملكة، وكانت المدينة المنورة واحدة من المدن التي توفد خريجي مدارسها إلى مكة، وهم كثيرون إذا ما قورنوا ببقية مدن المملكة الكبيرة في ذلك الوقت، والطالب الملتحق بمدرسة تحضير البعثات عليه أن يتحمل وعثاء السفر ومتاعب ونفقات لا يستطيعها. لذلك بدت فكرة المطالبة بفتح مدرسة ثانوية بالمدينة المنورة، فتقدم بعض أعيان المدينة بموافقة من وكيل الإمارة الشيخ عبد الله السديري بطلب إلى جلالة الملك عبد العزيز - يرحمه الله - لافتتاح مدرسة ثانوية في المدينة، فوافق - يرحمه الله - رغم كثرة الصعوبات وقلة الإمكانات، فكان ذلك برهاناً عملياً لاهتمامه بالعلم والمعرفة، وتهيئة أبناء البلاد للاضطلاع بمسؤولياتهم تجاه نهضة بلادهم ورقيها وتقدمها، وإيمانه بما للعلم من قوة وتأثير في صقل مدارك الناس وتغير مفاهيمهم وتوسيع نظرتهم وتطلعاتهم.
وقد خص المدينة المنورة دون غيرها من مدن المملكة الأخرى بهذه المدرسة التي تعتبر الثانوية الأولى في المدينة والثانية على مستوى المملكة لقيمتها ومكانتها في نفسه، ولوجود رجال العلم والمعرفة الأكفاء فيها الذين يمكن الاعتماد عليهم في عملية تأسيس المدرسة وقيامها بواجبها حتى تكون في مستوى مسؤوليتها رغم قلة الإمكانات المادية.(40/300)
وحين موافقته انتدبت مديرية المعارف الشيخ محمد صادق الكردي في 5 شوال 1362هـ لافتتاح المدرسة، واستأجر غرفتين في دار من دور السنبلية بخارج باب المجيدي بمبلغ قدره ستون ريالاً لأشهر شوال وذي القعدة وذي الحجة من عام 1362هـ، واستعار سبورتين من مدرسة النجاح الابتدائية، وكذلك بعض المقاعد، وانتدب المدرسين من المدرسة الأميرية ومدرسة النجاح كما أحضرت المكاتب والكراسي من المنازل.
وبدأت الدراسة يوم الثلاثاء 12/11/ 1362هـ بفصلين:
1 ـ إعدادي: قُبل به طلاب الشهادة الابتدائية على النظام الجديد. وكان عددهم (33) طالباً.
2 ـ سنة أولى: قُبل بها طلاب الشهادة الابتدائية على النظام القديم. وكان عددهم (18) طالباً.
كان المبنى الذي تشغله في أول سنواتها ضيقاً ولايستوعب الطلاب فجرى استئجار دار أخرى ملاصقة لها مع بداية العام الدراسي 1364هـ واستقرت بها إلى نهاية 1367هـ حيث نُقلت لضيق مبناها إلى جناح خاص من مبنى دار الخزينة الكبيرة التي عمرتها الأوقاف. ومن خلال هذا المبنى الواسع استطاعت المدرسة أن تحقق كثيراً من أهدافها وأن تثبت وجودها في تحقيق رسالتها لطلابها.
وفي شهر شعبان من عام 1371هـ نُقلت المدرسة إلى مبنى مستأجر بباب المجيدي، وكان مبنى ضيقاً لا يتسع لفصولها رغم أنه يحتوي على اثنتي عشرة غرفة، وبقيت بذلك المبنى حتى بداية عام 1375هـ حيث انتقلت إلى مقرها الحالي بباب العنبرية.
(تولى إدارتها عند تأسيسها فضيلة الأستاذ محمد سعيد دفتردار، وكان قد حصل على الشهادة العالية مع إجازة التدريس من الأزهر) (1) . وقد جمع بين إدارة المدرسة ومعتمدية المعارف، واستمر حتى عام 1369هـ حيث تم فصل المعتمدية عن المدرسة واستقل بإدارة المعتمدية، وتولى الأستاذ أحمد بوشناق إدارة المدرسة الثانوية منذ ذلك التاريخ حتى أحيل إلى التقاعد عام 1394هـ.
2ـ المعهد العلمي السعودي بالمدينة المنورة:
__________
(1) ابن دهيش: التعليم الحكومي ص:85.(40/301)
كان المعهد العلمي السعودي ثاني مؤسسة تعليمية في المدينة بعد المرحلة الابتدائية، أسس عام 1369هـ، وكان ملحقاً مع المدرسة الناصرية في باب المجيدي، وفي عام 1371هـ نُقل إلى مبناه في شارع السحيمي بجوار الفيروزية، ثم إلى مبنى مستأجر في الجنان بمنطقة باب المجيدي وذلك في عام 1378هـ وأخيراً نُقل إلى مبنى حكومي في شارع سيد الشهداء عام 1380هـ حيث جرى تصفيته في عام 1380هـ.
وقد أسس على غرار المعهد العلمي السعودي الذي أسس في مستهل عام 1345هـ في مكة المكرمة، وكان الهدف من تأسيسه هو رغبة الدولة في إعداد معلمين متخصصين للتدريس في المدارس الابتدائية التي تزايد عددها في المدن والقرى، وتزويد الدوائر الحكومية بالموظفين المؤهلين.
وكان يقبل بهذا المعهد كل من حصل على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية أو ما يعادلها. وتنقسم الدراسة فيه إلى مرحلتين:
1ـ المرحلة الأولى: وتشمل ثلاث سنوات، يدرس الطالب خلالها ألواناً من مواد الثقافة الدينية واللغة العربية والمواد الاجتماعية والرياضيات، وفي نهاية السنة الثالثة يمنح الطالب الناجح شهادة القسم التجهيزي، وسميت فيما بعد (شهادة الكفاءة للمعاهد العلمية) .
2ـ المرحلة الثانية: وتشمل السنتين الأخيرتين من المعهد، وتسمى قسم المعلمين الثانوي. يدرس فيها الطالب بجانب المواد المذكورة، التربية وعلم النفس، ومواد فنية أخرى، ويمنح الطالب (شهادة إتمام الدراسة الثانوية للمعاهد العلمية) . وكانت الدراسة في هذا المعهد مجانية، وتصرف الكتب والأدوات المدرسية للطلبة مجاناً، وعلاوة على ذلك فقد كان الطالب يمنح إعانة شهرية قدرها أربعون ريالاً للثلاث سنوات الأولى، وستون ريالاً للسنتين الأخيرتين. وأول دفعة تخرجت فيه عام 1374هـ وقد تولى إدارته منذ تأسيسه الشيخ محمد عبد الكريم السناري واستمر مديراً له حتى تصفيته عام 1381هـ، وكان يشمل أيضاً معهد المعلمين.(40/302)
وكان المعهد العلمي آنذاك مضرب الأمثال في جميع نواحي النشاط والجمعيات المختلفة، تخرج منه العديد من أبناء طيبة الذين خدموا بلادهم ولازالوا في مختلف المجالات وفي أرفع المناصب. وقد كان المعهد يضم أيضاً طلاب علم من مختلف الدول الإسلامية الذين كانوا يبتعثون للدراسة فيه.
ولم يقتصر عمل معتمدية المعارف بالمدينة على الإشراف على المدارس الحكومية بل امتد إلى الإشراف والتوجيه الفني والإداري على الكتاتيب والمدارس الأهلية. واهتمت بتعليم أدلاء الحجاج (المزوِّرين) وإعدادهم لتوجيه الحجاج للزيارة الشرعية.
فكتب مدير المعارف إلى سمو النائب العام لجلالة الملك الأمير فيصل بن عبد العزيز بشأن افتتاح مدرسة أدلاء الحجاج (المزوِّرين) برقم 470 وتاريخ 22/4/1347هـ وبرقم 499 في 25/4/ 1347هـ فصدرت موافقة جلالة الملك عبد العزيز بإنشاء هذه المدرسة على غرار مدرسة المطوِّفين بمكة وذلك لرفع مستوى أدلاء الحجاج المعرفي والسلوكي. وبدأت الدراسة في مقر المدرسة بالمسجد النبوي، وكان وقت الدراسة صباحاً ومساءً طوال أيام الأسبوع ما عدا الخميس مساءً، واشتمل المنهج على دراسة الفقه والتوحيد والأخلاق، وتعليم الأدلاء آداب الزيارة الشرعية وتحذيرهم من البدع. ولكل مادة دراسية منها ثلاث ساعات أسبوعياً، ما عدا الأخلاق ساعتان أسبوعياً. وفي نهاية العام الدراسي يعقد للطلبة امتحان لتقييم مستواهم العلمي.
الخاتمة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:(40/303)
فقد أوضح لنا البحث إدراك الملك عبد العزيز يرحمه الله أثر العلم في صياغة الأمة وقوتها وصمودها، وقيمته في رقيها وتقدمها، وآثار الجهل في تفرقها وتصدع بنيانها، فقدّر أهمية العلم واعتبر التعليم من الأولويات التي لا تقبل التأخير. ومنذ أن دخل الحجاز والتعليم يحتل قمة تفكيره، فوضع الأسس الإسلامية والأهداف النبيلة لحركة التعليم وبذل ما لديه من دعم مادي ومعنوي لتنفيذ ذلك. وتحقق في هذا المجال الكثير من آماله وطموحاته رغم قلة إمكاناته حينذاك وكثرة مشاغله الإصلاحية.
وحظيت المدينة النبوية بنصيب وافر من اهتمامه العلمي، فتحقق الكثير مما اختطه ورسمه لنخبة من رجال الفكر والمعرفة بها: ففتحت المدارس في مراحل التعليم التحضيري والابتدائي والثانوي.
بدأت المرحلة الابتدائية بمدرسة واحدة عام 1344هـ وصلت في عام 1373هـ إلى اثنتي عشرة مدرسة، وأسست أول مدرسة ثانوية بالمدينة عام 1362هـ والثانية على مستوى المملكة، وأصبح التعليم مجاناً، والكتب والأدوات المدرسية تقدم لجميع الطلاب وفي مختلف المراحل الدراسية بدون مقابل، وتقدم المكافآت المالية والعينية للطلاب وذلك لتشجيعهم على مواصلة دراستهم وخدمة وطنهم وأمتهم. كل ذلك حققه الملك عبد العزيز من أجل راحة المواطن، ولتسهيل الحياة عليه، وليتعلم ويصبح لبنة صالحة قوية في بناء هذا الكيان الكبير المملكة العربية السعودية.(40/304)
لا يزال التعليم العام في المدينة في تلك الفترة بحاجة ماسة إلى جهود الباحثين لدراسة تاريخه والكشف عن بعض جوانبه الغامضة، ومن يجري مقارنة مع الدراسات التي تناولت تاريخ التعليم في مكة - مثلاً - يجد الاختلاف واضحاً من حيث كمية وحجم الدراسات التي أنجزت، وبدون شك سيلاحظ أن المدينة المنورة من أقل المناطق التي ركز عليها الباحثون، والأدهى من ذلك إذا حاولنا معرفة تاريخ التعليم لبعض المدارس ضمن منطقة المدينة كمدرسة ذي الحليفة أو مدرسة الحسين بن علي بالعوالي فالمشكلة ستكون أصعب وأكبر من التي قبلها حيث لا نجد دراسات موضوعية من هذا النوع، والسبب الرئيسي يعود إلى عدم توفر المادة العلمية التي توضح ما يراد معرفته وما يحب الباحث أو القارىء إدراكه عن أجزاء مختلفة من تاريخ التعليم في طيبة الطيبة.
وبهذه المناسبة أدعو إدارة التعليم بالمدينة المنورة إلى الاهتمام بهذه الفترة من تاريخ التعليم، وأن تسخر إمكانياتها لتدوينه وإيضاح جميع جوانبه، وأن تخصص قسماً في مكتبة الإدارة (لتاريخ التعليم في المدينة في عهد مديرية المعارف العامة) .
كما أن الباحثين والقراء يتطلعون بكل شوق إلى الموسوعة التعليمية التي تعتزم وزارة المعارف إصدارها بمناسبة الاحتفاء بمرور مائة عام على فتح مدينة الرياض.
وقد أخبرني بعض الأساتذة المكلفين بإعداد ما يخص التعليم في المدينة في هذه الموسوعة أن الموسوعة بصدد الطبع، وسوف تصدر إن شاء الله تعالى في مطلع العام القادم.(40/305)
تابع لجهود الملك عبد العزيز في نشر التعليم العام بالمدينة النبوية
فهرس المصادر
1) آل الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن حسن: لمحات عن التعليم وبداياته في المملكة العربية السعودية، ط1، شركة العبيكان، الرياض، 1412هـ.
2) ابن تيمية: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ط1، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة.
3) أبو الخير: عبد الله مرداد؛ المختصر من كتاب نشر النور والزهر في تراجم أفاضل مكة من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر، اختصار وترتيب: محمد سعيد العامودي، وأحمد علي، نادي الطائف الأدبي.
4) أبو راس: عبد الله سعيد، وبدر الدين الديب: الملك عبد العزيز والتعليم، ط1، شركة العبيكان، الرياض، 1407هـ.
5) أبو مازن: عبد الحميد بن محمد: نبذة تاريخية عن مدرسة أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة (مخطوط لدى المؤلف) .
6) الأحمد: محمد بن عبد العزيز: نداء عام من علماء بلد الله الحرام، عني به: محمد عبد العزيز الأحمد، دار الوطن، الرياض.
7) أسد الله؛ أحمد علي: ذكريات، ط1، نادي الطائف الأدبي، 1397هـ.
8) الأنصاري: ناجي محمد حسن عبد القادر؛ التعليم في المدينة المنورة من العام الهجري الأول إلى 1412هـ، دراسة تاريخية وصفية تحليلية، ط1، دار المنار، القاهرة، 1414هـ 1993م.
9) إبراهيم محمد إبراهيم: التعليم النظامي وغير النظامي في المملكة العربية السعودية بين الماضي والحاضر، ط1، عالم المعرفة، جدة، 1405هـ ـ 1985م.
10) ابن دهيش: عبد اللطيف بن عبد الله: التعليم الحكومي المنظم في عهد الملك عبد العزيز نشأته وتطوره، ط1، مكتبة الطالب الجامعي، مكة المكرمة، 1407هـ 1987م.
11) بدر: عبد الباسط بدر: التاريخ الشامل للمدينة المنورة، ط1، 1414هـ 1993م.
12) البسام: عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح: علماء نجد خلال ستة قرون، ط1، مكتبة النهضة الحديثة، مكة، 1398هـ(40/306)
13) بغدادي: عبد الله عبد المجيد: الانطلاقة التعليمية في المملكة العربية السعودية، أصولها ـ جذورها ـ أولياتها، ط2، دار الشروق، جدة، 1406هـ.
14) البليهشي: محمد صالح: مدرسة طيبة الثانوية، ط1، الشركة السعودية للأبحاث والنشر 1415هـ.
15) البليهشي: محمد صالح: المدينة اليوم، ط1، 1402هـ، النادي الأدبي بالمدينة.
16) البيطار: محمد بهجة البيطار الدمشقي: الرحلة النجدية الحجازية، صور من حياة البادية 1338هـ ـ 1920م.
17) التركي: عبد الله بن عبد المحسن: الملك عبد العزيز والمملكة العربية السعودية، المنهج القويم في الفكر والعمل، ط2، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، 1409هـ 1989م.
18) الجاسر: حمد الجاسر: تحقيق رسائل في تاريخ المدينة، ط1، دار اليمامة، الرياض، 1392هـ.
19) حافظ: عبد السلام هاشم حافظ: المدينة المنورة في التاريخ دراسة شاملة، ط3، نادي المدينة الأدبي، 1402هـ ـ 1982م.
20) حافظ: عثمان: صور وذكريات عن المدينة المنورة، ط1،مطابع الفرزدق، الرياض، 1403هـ1983م.
21) حسن الجوادي، وأحمد عزت عثمان: تطور التعليم بالمملكة العربية السعودية، الجزء الأول: التعليم الابتدائي، الطبعة الأولى، 1406هـ.
22) الحافظ: محمد مطيع. ونزار أباظة: تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري، قدم له: الدكتور شكري فيصل، ط1، دار الفكر، دمشق، 1406هـ 1986م.
23) الحقيل: سليمان بن عبد الرحمن: نظام وسياسة التعليم في المملكة العربية السعودية، ط2، الرياض، 1414هـ.
24) الحقيل: سليمان بن عبد الرحمن: التعليم الابتدائي في المملكة العربية السعودية، ط1،المؤلف، الرياض، 1410هـ.
25) الحيدري: دخيل الله عبد الله: التعليم الأهلي في المدينة المنورة من سنة 1344هـ إلى 1404هـ دراسة تاريخية وصفية، النادي الأدبي، المدينة المنورة، 1412هـ 1992م.(40/307)
26) الخريصي: هشام بن عبد العزيز: شارع العنبرية، المؤلف، ط1، 1415هـ 1994م طبع بمطابع مؤسسة المدينة للصحافة (دار العلم) بجدة.
27) الخطيب: عدنان الخطيب: محمد بهجة البيطار حياته وآثاره، مطبعة الحجاز بدمشق، 1397هـ ـ 1976م.
28) الخياري: أحمد ياسين: أمراء المدينة وحكامها من عهد النبوة وحتى اليوم، ط1، 1382هـ.
29) الخياري: ياسين أحمد ياسين: صورة من الحياة الاجتماعية بالمدينة منذ بداية القرن الرابع عشر الهجري وحتى العقد الثامن منه. ط1/ دار العلم، جدة، 1413هـ.
30) الدائرة للإعلام المحدودة: الموسوعة الثقافية الشاملة للمملكة العربية السعودية، معجم الأدباء والكتاب، الجزء الأول، ط1، 1410هـ.
31) رضا: محيي الدين صالح: رحلتي إلى الحجاز في عام 1353هـ ـ 1935م، مطبعة المنار، مصر، 1354هـ.
32) الزاحم: عبد الله بن محمد: قضاة المدينة المنورة من عام 1363 إلى عام 1418هـ، ط1، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، 1418هـ 1998م.
33) الزركلي: خير الدين، شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، ط3، دار العلم للملايين، بيروت، 1985.
34) الزركلي: خير الدين: الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، ط6، دار العلم للملايين، بيروت، 1984م.
35) الزليباني: عبد العزيز بن عبد الرحمن: مدرسة النجاح النموذجية وخمسة وستون عاماً من العطاء، من 1353هـ ـ إلى 1418هـ (مخطوط) لدى المؤلف.
36) الزليباني: عبد العزيز بن عبد الرحمن: مدرسة النجاح في سطور (مطوية)
37) الزيد: عبد محمد: من روادنا التربويين المعاصرين، ط1، المؤلف، جدة، 1404هـ 1984م.
38) زيدان: محمد حسين: ذكريات العهود الثلاثة، ط1، مطابع الفرزدق، الرياض، 1408هـ.
39) زيدان: محمد مصطفى: التعليم الابتدائي في المملكة العربية السعودية، جدة، دار الشروق، بدون تاريخ.(40/308)
40) السلوم: أحمد بن إبراهيم: الإدارة التعليمية في المملكة العربية السعودية، ط1/ 1406هـ.
41) السلوم: أحمد بن إبراهيم: التعليم العام في المملكة العربية السعودية، ط2، مطابع انترناشنال كرافيكس، واشنطن الولايات المتحدة، 1411هـ 991م.
42) السنبل: عبد العزيز السنبل: نظام التعليم في المملكة، ط3، كلية التربية، جامعة الملك سعود، الرياض، 1412هـ
43) سِلم: أحمد سعيد: المدينة المنورة في القرن الرابع عشر الهجري، بحوث تاريخية واجتماعية واقتصادية وعمرانية وعادات وتقاليد،ط1، دار المنار، القاهرة، 1414هـ.
44) سِلم: أحمد سعيد، موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين خلال ستين عاماً 1350ـ 1410هـ ط1، 1412هـ 1992م نادي المدينة الأدبي.
45) الشامخ: محمد عبد الرحمن: التعليم في مكة والمدينة آخر العهد العثماني، دار العلوم، الرياض، 1393هـ.
46) الشثري: محمد بن ناصر: الدعوة في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله، ط1/1417هـ.
47) شراب: محمد محمد حسن: المعالم الأثيرة، دار القلم والدار الشامية، دمشق وبيروت، ط1/1411هـ.
48) شلبي: علي محمد: تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية، ط1، دار القلم، الكويت، 1407هـ.
49) الشنقيطي: عبد الله محمد بابا: عقد الجمان من أضواء البيان، ط1، دار روضة الصغير، الرياض، 1413هـ.
50) عبد الجبار: عمر: سير وتراجم بعض علمائنا في القرن الرابع عشر للهجرة، ط3، الكتاب العربي السعودي، تهامة، جدة، 1403هـ 1982م.
51) عبد الرحمن صالح عبد الله: تاريخ التعليم في مكة المكرمة، ط1، دار الفكر، 1392هـ 1973م.
52) عبد الغني: عارف أحمد: تاريخ أمراء المدينة المنورة، دار كنان، دمشق.
53) عمر عادل: عادل حافظ إبراهيم: الإيضاح لملخص أعمال مدرسة النجاح، مكتبة ومطبعة الشيمي، الاسكندرية، 1357هـ.
54) عيسى: أحمد إبراهيم: الحجاز في عام 1356 هجرية، ط1، مطبعة الاعتماد بشارع حسن الأكبر بمصر، 1357هـ.(40/309)
55) فؤاد حمزة: البلاد العربية السعودية، ط2، مكتبة النصر الحديثة، الرياض، 1388هـ.
56) الفوزان: إبراهيم فوزان الفوزان: إقليم الحجاز وعوامل نهضته الحديثة، ط1، مطابع الفرزدق، الرياض، 1408هـ 1981م.
57) القاضي: محمد بن عثمان بن صالح؛ روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين، ط1، مطبعة الحلبي الرياض،1400هـ
58) كتبي: أنس يعقوب إبراهيم، أعلام من أرض النبوة، المؤلف، ط1، 1414هـ 1993م المدينة المنورة
59) كتبي: زهير محمد: الفودة رائد الحكمة، ط2، مكة المكرمة، 1413هـ.
60) مجموعة من المعلمين بمدرسة حمزة بن عبد المطلب، تقرير عن مدرسة حمزة بن عبد المطلب (مخطوط)
61) المجذوب: محمد المجذوب: علماء ومفكرون عرفتهم، ط2، عالم المعرفة، جدة، 1403هـ.
62) مرشد: أحمد أمين صالح: طيبة وذكريات الأحبة، ط1، دار البلاد، جدة، 1413هـ.
63) المغامسي: وصل بن حامد: نبذة مختصرة حول المدرسة المنصورية بالمدينة المنورة، (مخطوط) .
64) المغراوي: العقيدة السلفية في مسيرتها التاريخية. رسالة دكتوراه في قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية، قسم المخطوطات.
65) مغربي: محمد علي: ملامح الحياة الاجتماعية في الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة، ط1، الكتاب العربي السعودي، جدة/ 1402هـ.
66) مغربي: محمد علي: أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة، ط1، دار تهامة، جدة، 1401هـ 1981م.
67) وزارة المعارف: السجل العام لموظفي وطلاب ومباني المدرسة السعودية بقباء.
68) وزارة المعارف: معالم التطور في نظام التعليم الابتدائي في المملكة العربية السعودية.
69) وزارة المعارف، مركز المعلومات الإحصائية والتوثيق التربوي: المدرسة الناصرية بالمدينة من 1344ـ 1394هـ، الرياض، 1394هـ.
70) ياسين: مأمون محمود: الرحلة إلى المدينة وطريق الحج، ط1، دار نعمة للطباعة، بيروت، 1407هـ 1987م
المجلات والدوريات والمؤتمرات والمحاضرات(40/310)
71) التميمي: إبراهيم عبد الواحد: ابتدائية القبلتين.. قصة حياة مثيرة (جريدة المدينة – الاقتصادية – العدد 13101، الأربعاء 15 ذو الحجة 1419هـ) .
72) الحقيل: سليمان بن عبد الرحمن: جوانب مضيئة لمسيرة التعليم في عهد الملك عبد العزيز (مجلة الدارة، العدد الرابع، السنة الحادية عشرة، رجب 1406هـ) .
73) خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز: كلمة في حفل افتتاح المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبد العزيز (مجلة الدارة، العدد الرابع، السنة الحادية عشرة، رجب، 1406هـ) .
74) الخطيب: عبد الحميد: تطور التعليم بالمملكة العربية السعودية (مجلة المنهل، ذو القعدة، 1365هـ) .
75) الدفتردار: محمد سعيد: من أعلام المدينة المنورة؛ فضيلة الشيخ أبو بكر بن عمر الداغستاني (مجلة المنهل، جمادى الأولى، 1389هـ) .
76) الدفتردار: محمد سعيد: من أعلام المدينة المنورة؛ فضيلة الشيخ عمار بن عبد الهلالي (مجلة المنهل، شعبان، 1389هـ) .
77) سالم: عطية بن محمد: ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (في الجزء التاسع من أضواء البيان. وهي من محاضرة ألقيت في موسم ثقافات الجامعة الإسلامية.
78) صحيفة أم القرى (الأعداد: 1، 137، 138، 434،693) .
79) العبود: صالح بن عبد الله: الملك عبد العزيز؛ من صفاته القيادية العزم والإرادة (المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبد العزيز، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود في الفترة من 1ـ5 ديسمبر 1985م) .
80) عطار: مصطفى حسين: الملك عبد العزيز والتعليم (المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبد العزيز، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود في الفترة من 1ـ5 ديسمبر 1985م) .
81) فايد: محمود عبد الوهاب: الشريعة والاجتهاد وخطر العصبية المذهبية على وحدة المسلمين (المؤتمر العالمي الثاني لتوجيه وإعداد الدعاة، المدينة المنورة، الجامعة الإسلامية، في الفترة من 28 ـ30 ربيع الأول 1404هـ) .(40/311)
82) مجلة المنهل: جـ 7، م 27، رجب 1386هـ ترجمة أحمد علي أسد الله.
83) النقشبندي: عبد الحق: الشيخ عبد القادر شلبي (مقال نشر بمجلة المنهل، السنة 48 ـ المجلد 44 ـ رمضان وشوال 1402هـ يوليه وأغسطس 1982م.(40/312)
التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية
إعداد
د. محمد بن يوسف أحمد عفيفي
الأستاذ المساعد بقسم التربية
كلية الدعوة وأصول الدين
محتويات البحث
المقدمة 394
- المبحث الأول: ويشتمل على: 397
أولاً – الإطار العام للبحث:
موضوع البحث.
أهمية البحث.
مصطلحات البحث.
منهج البحث.
حدود البحث.
ثانياً – الدراسات السابقة.
- المبحث الثاني: (تاريخ التعليم الخاص في المملكة) ويشتمل على: …… 400
بداية ظهور التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية.
تطور التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية.
نشأة إدارة التعليم الخاص.
المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص – نشأتها وتطوّرها.
- المبحث الثالث: ويشتمل على ما يلي: 407
أولاً - تعريف بمعاهد التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية.
معاهد النور.
معاهد الأمل.
معاهد التربية الفكرية.
ثانياً – أهم أوجه الرعاية التي تقدمها الدولة لطلاب التعليم الخاص.
النتائج. 417
التوصيات. … 417
... ـ الخاتمة. 419
... ـ المراجع. 420
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل: {لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيِضِ حَرَجٌ …} الآية (1) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي – يرحمه الله – في تفسير هذه الآية: "ليس على هؤلاء جناح في ترك الأمور الواجبة التي تتوقف على واحد منها. وذلك كالجهاد ونحوه مما يتوقف على بصر الأعمى أو سلامة الأعرج أو صحة المريض".
__________
(1) سورة النور: آية 61. وسورة الفتح: آية 17.(40/313)
فالإسلام الدين السمح، راعى هذه الفئة من المجتمع مراعاة خاصة تتناسب وظروفهم الصحية، وما ابتلوا به من فقد لبعض الحواس، بل أوجب دفع كل ما يؤلمهم ويشعرهم بالنقص عن الأسوياء، قال الضحاك في تفسير الآية الكريمة السابقة: "كان الناس قبل البعثة يتحرجون من الأكل مع هؤلاء – المبتلين بفقد بعض حواسهم – تقذراً وتعززاً ولئلا يتفضلوا عليهم فأنزل الله الآية السابقة". والآية الكريمة بهذا المعنى فيها توجيه تربوي هام وهو: احترام هذه الفئة وتقديرهم والعطف عليهم، وهذا جانب مشرق من جوانب ديننا الإسلامي الحنيف الذي يدين به جميع سكان المملكة العربية السعودية، بعكس ما هو معمول به في بعض الدول تماماً حيث ينظر إلى المريض الذي لا يرجى برؤه، والمصاب بإعاقة من أنواع الإعاقات على أنه عبء ثقيل على مجتمعه يرهقه مادياً ولا يستفيد منه في المقابل بأي شيء فقد تناولت الأوساط الطبية والتشريعية هذه الأيام قضية في غاية الأهمية وهي ما يسمى (قتل الرحمة) . فقد أصدر (هربرت هندن) وهو طبيب نفساني هولندي في أواخر عام 1996م كتاباً باسم (إغراء الموت) أشار فيه إلى أن الانتحار بمساعدة الطبيب أمر مصرح به قانوناً في هولندا منذ سنوات، وهو يري أن العلاج الهولندي القاضي بقتل المريض أو المعوُق الذي لا أمل في شفائه هو الحل الأمثل لتخليص مثل هؤلاء من آلامهم وللتخفيف من أعباء علاجهم، واستغلال الخدمات الطبية والرعاية المقدمة لهم في علاج المرضى المؤمل في شفائهم، ويذهب ضحية قتل الرحمة في هولندا حوالي (2300) شخص سنوياً.(40/314)
وانطلاقاً مما جاءت به الشريعة الإسلامية من كفالة ورعاية جميع المواطنين فقد اهتمت حكومة المملكة العربية السعودية برعاية وتعليم ذوى الحاجات الخاصة، فقدمت لهم المال، والرعاية الصحية، والرعاية الاجتماعية، والتعليم، وفرص العمل الكريم، وساعدتهم على الاندماج مع باقي أفراد المجتمع، لذا فإن اهتمام حكومة المملكة العربية السعودية بالتعليم الخاص جديرٌ بأن يُكتب عنه، وأن يحتل مكانه اللائق به بين الإنجازات العملاقة التي حققتها المملكة في مجال التربية والتعليم، وتحقيق الرفاهية لسائر أبناء الوطن.
وقد اختار الباحث الكتابة في هذا الموضوع لأنه يخص تعليم فئة قليلة في المجتمع- ذوي الحاجات الخاصة - التي ربما لم يعرف الكثير من الناس بما حظيت به من اهتمام ورعاية وتعليم من قبل الدولة – أيَّدها الله – وقد قُسم البحث إلى ثلاثة مباحث:
المبحث الأول – اشتمل على بيان بموضوع البحث، وأهميته، وتعريف بمصطلحاته ومنهجه، ثم عرضٍ لأهم الدراسات السابقة التي أفاد منها الباحث.
المبحث الثاني – تضمن عرضاً تاريخياً للتعليم الخاص في المملكة العربية السعودية منذ ظهوره حتى الآن.
المبحث الثالث – أُفرد للتعريف بمعاهد التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية (معاهد النور- معاهد الأمل – معاهد التربية الفكرية) ، والتعريف بأهم أوجه الرعاية التي تقدمها الدولة للمعوقين.
تلا ذلك عرضاً لأهم النتائج والتوصيات.
وفي نهاية هذه المقدمة يتوجه الباحث بالشكر لله عزَّ وجل ثم لسعادة المربي الفاضل الأستاذ/ صويلح بن عمران دهيثم مدير معهد التربية الفكرية بالمدينة المنورة على ما قدمه من تعاون، وما زود به الباحث من مراجع في مجال البحث فجزاه الله خير الجزاء، كما يشكر الزملاء بقسم التربية في كلية الدعوة وأصول الدين على ما قدموه من مراجع ونصائح أفادت الباحث كثيراً.
المبحث الأول
أولاً – الإطار العام للبحث.
* موضوع البحث:(40/315)
يتناول البحث الحديث عن تاريخ التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية، وما بذلته حكومة المملكة العربية السعودية من جهود من أجل رعاية وتعليم فئة معينة من المجتمع ابتليت بفقد بعض الحواس.
* أهمية البحث:
يُعرف بعض الباحثين ذوى الحاجات الخاصة بالحائرين، أو المحرومين؛ لأنهم حرموا من أشياء كثيرة بسبب الإعاقة، ومن الأشياء التي حرموا منها كثرة الكتابة عنهم والتعريف بتعليمهم بخلاف القضايا التربوية المختلفة في التعليم العام التي لا تكاد تخلو منها صحيفة من الصحف اليومية، فما يكتب عن التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية يُعد – من وجهة نظر الباحث – قليلاً رغم ما يحظى به هذا النوع من التعليم من اهتمام ورعاية ودعم من الدولة؛ لذا رغب الباحث في الكتابة عن هذا النوع من التعليم وتقديمه للقارئ.
* مصطلحات البحث:
1- التربية الخاصة:
التربية الخاصة فرع من فروع التربية العامة وهي: (نمط من الخدمات، والبرامج التربوية تتضمن تعديلات خاصة سواء في المناهج، أو الوسائل، أو طرق التعليم، استجابة للحاجات الخاصة لمجموع الطلاب الذين لا يستطيعون مسايرة متطلبات برنامج التربية العادية. وعليه فإن خدمات التربية الخاصة تقدم لجميع فئات الطلاب الذين يواجهون صعوبات تؤثر سلبياً على قدراتهم على التعلم، كما أنها تتضمن ـ أيضاً ـ الطلاب ذوي القدرات والمواهب المتميزة. ويطلق اصطلاحاً على تلك الفئات مفهوم ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة) .
2 ـ التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية:
هو فرع من فروع التعليم بوزارة المعارف، والرئاسة العامة لتعليم البنات، يختص بتربية وتعليم الأفراد من الجنسين الذين يعانون من إعاقات حسية، مثل كف البصر، أو الصمم، أو جسدية مثل: الشلل، أو عقلية: مثل التخلف العقلي، أو غير ذلك من الإعاقات الاجتماعية، أو العاطفية، أو النفسية التي تمنعه عن مسايرة أمثاله من الأصحاء.(40/316)
ويقصد بالتعليم الخاص في هذا البحث تعليم المكفوفين المتمثل في معاهد النور، وتعليم الصم المتمثل في معاهد الأمل، وتعليم محدودي الذكاء المتمثل في معاهد التربية الفكرية.
3- ذوو الحاجات الخاصة:
هم: كل من لديهم قصور جسمي، أو نفسي، أو عقلي، أو خِلقي يمثل عقبة في سبيل قيامهم بواجبهم في المجتمع ويجعلهم قاصرين عن الأفراد الأسوياء الذين يتمتعون بسلامة الأعضاء وصحة وظائفها. كما يندرج أيضاً تحت هذا المصطلح ذوي القدرات والمواهب المتميزة.
* منهج البحث:
استخدم الباحث المنهج التاريخي؛ لمناسبته للموضوع. فحاول تتبع تاريخ التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية منذ نشأته إلى الآن وهو ما يعرف بوصف ظاهرة معينة في الواقع.
حدود البحث:
سوف يقتصر الحديث في هذا البحث على (التعليم الخاص) الذي تقدمه حكومة المملكة العربية السعودية للطلاب، وتشرف عليه وزارة المعارف.
ثانياً- الدراسات السابقة:
رجع الباحث إلى الكثير من الأبحاث للإفادة منها في كتابة هذا البحث، منها:
1- أبحاث المؤتمر الأول للجمعية السعودية الخيرية لرعاية الأطفال المعوقين في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بالرياض في الفترة من 12-16 جمادى الأولى لعام 1413هـ.
2- بحوث وتقارير ووثائق المؤتمر العام الخامس للجنة الشرق الأوسط لشؤون المكفوفين في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1402هـ.
3- إصدارات وزارة المعارف عن التعليم الخاص مثل:
أـ أربعون عاماً من عمر التعليم في وزارة المعارف 1373-1413هـ سمات وملامح.
ب ـ جهود وزارة المعارف في مجال المعوقين خلال عقد هيئة الأمم المتحدة لمشاركة العجزة والمعوقين في الحياة العملية 1982-1992م.
ت ـ تطور خطط تعليم البنين في المملكة العربية السعودية خلال خطط التنمية 1390- 1412هـ.
المبحث الثاني
* بداية ظهور التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية:(40/317)
إن نشأة التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية قديمة جداً بدأت بجهود مخلصة من المعاهد العلمية، ففي عام 1371هـ فتح المعهد العلمي بالرياض أبوابه واحتضن الطلبة المكفوفين في فصول خاصة أطلق عليها (التعليم الخاص) .
وكان الطالب الكفيف في هذه الفصول يُعفى من بعض المواد، مثل: الرياضيات، والجغرافيا ويقتصر على مواد التربية الإسلامية، واللغة العربية وبعض المواد النظرية الأخرى.
واستمر فتح الفصول الدراسية للمكفوفين في كل من دار التوحيد بالطائف، وكلية الشريعة بمكة المكرمة، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
ثم في عام 1372هـ وأوائل 1373هـ بدأ ثلاثة من الأشخاص هم:
1. محمد بن سعد بن حسين
2. محمد بن عبد الرحمن المفدى
3. علي السويد
بتعلم طريقة (برايل) ، وانضم إليهم فيما بعد (عبد الله الغانم) .
واستمرت هذه الجهود الفردية منحصرة في هؤلاء الأشخاص في تعلم وتعليم طريقة (برايل) حتى عام 1377هـ حيث سُمح لهم بفتح فصول مسائية ملحقة بكلية اللغة العربية بالرياض، والتحق بها بعض المكفوفين، والمبصرين من منسوبي المعاهد العلمية والكليات في ذلك الوقت.(40/318)
واستمرت هذه الجهود تنمو وينتشر خبرها بين الأوساط في المجتمع، فجاءت الاستجابة السريعة من وزارة المعارف، وتمثلت هذه الاستجابة في منح هؤلاء الأشخاص مدرسة (جبرة) الابتدائية في الفترة المسائية لتكون مقراً لتعليم المكفوفين طريقة (برايل) ، وكان ذلك عام 1378هـ. ومنحت الوزارة المشرفين على تعليم المكفوفين في هذه المدرسة إعانات مالية، وكان مقدار الدفعة الأولى (7) آلاف ريال، وفي الدفعة الثانية تضاعف المبلغ إلى (14) ألف ريال؛ لتسهم هذه الإعانات المالية في تأمين بعض المستلزمات والوسائل التعليمية الخاصة بهذه الطريقة. وفي عام 1378هـ زار الملك سعود – يرحمه الله – هذه المدرسة للاطلاع عن كثب على هذه الطريقة، وقد سره ما شاهده من أساليب التعلم الجديدة فأصدر توجيهاته الكريمة بمنح مقر دائم لهذه المدرسة يقع في حي الظهيرة بالرياض.
* تطور التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية
استمر الحال على ذلك حتى عام 1380هـ حيث أصبح لدى وزارة المعارف القناعة التامة بهذا النوع من التعليم. فعمدت إلى ضم المعهد إليها وتحولت الفصول المسائية إلى معهد نهاري سمي (معهد النور بالرياض) له ميزانية خاصة ضمن ميزانية وزارة المعارف، وتم افتتاحه رسمياً في أول جمادى الأولى عام 1380هـ التحق به في تلك السنة حوالي (110) طالباً.(40/319)
وفي عام 1382هـ قررت وزارة المعارف تعميم الفائدة من هذه المعاهد في أنحاء المملكة جميعها فافتتحت معهدين جديدين أحدهما في مكة المكرمة، والآخر: في مدينة عنيزه. وكانت وزارة المعارف قد هيّأت ظروف افتتاح هذين المعهدين بإقامة دورة مسائية في (معهد النور بالرياض) لتدريب مدرسين سعوديين للعمل في هذه المعاهد سعياً وراء الاكتفاء الذاتي. حيث تخرَّج في هذه الدورة (25) مدرساً من الذين يحملون شهادة معاهد المعلمين، والذين عملوا في حقل التعليم لمدة ثلاث سنوات بعد تخرجهم. وقد تم تعيين هؤلاء جميعاً في هذه المعاهد بدرجات أعلى من درجاتهم العادية التي كانوا عليها وذلك تشجيعاً لهم للعمل في حقل التعليم الخاص.
ومنذ ذلك الحين زيد في رواتب معلمي التعليم الخاص كبدل طبيعة عمل لدعمهم، وتشجيعهم على الإخلاص والعطاء والصبر على تعليم هذه الفئة من أبناء وطننا الغالي.
* نشأة إدارة التعليم الخاص:
منذ ذلك الوقت أصبح التعليم الخاص محل اهتمام ورعاية الدولة، ففي عام 1382هـ أصدر وزير المعارف معالي الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ – يرحمه الله – قراراً بإنشاء أول إدارة للتعليم الخاص لتتولى مسؤوليات التخطيط لبرامج التعليم الخاص والإشراف عليها ومتابعة تطورها.
وقد قامت هذه الإدارة بجهود متواصلة في مساعدة المعوقين وتقديم التعليم لهم، ففي عام 1383هـ تم افتتاح معهدٍ للمكفوفين في (الهفوف) ثم افتتح معهد الأمل للصم في (الرياض) عام 1384هـ، وفي العام نفسه افتتح معهد للكفيفات في (الرياض) وذلك تطبيقاً لمبدأ إتاحة فرص التعليم لجميع المواطنين الذكور والإناث على السواء، وفي عام 1387هـ تم افتتاح معهدين للمكفوفين أحدهما في (المدينة المنورة) والآخر في (القطيف) .
ولقد روعي في افتتاح هذه المعاهد تغطية حاجات المناطق التعليمية بناءً على الإحصائيات الواردة لإدارة التعليم الخاص.
* المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص نشأتها وتطورها:(40/320)
في عام 1392هـ تطورت إدارة التعليم الخاص إلى مديرية عامة ذات أقسام متخصصة حيث أصبح اسمها (المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص) تضم ثلاثة أقسام هي:
1. إدارة تعليم المكفوفين.
2. إدارة تعليم الصم.
3. إدارة التربية الفكرية.
تهدف هذه الإدارات إلى تحقيق أهداف التعليم الخاص بشكل عام على النحو التالي:
1. تربية وتعليم المعوقين بوسائل تتناسب مع قدراتهم ومواهبهم واستعداداتهم ومع نوعية الإعاقة الموجودة لدى الفرد.
2. تدريب الحواس المتبقية لدى المعوق تدريباً يجعله يعتمد عليها ويستفيد منها في اكتساب الخبرات المتنوعة والمعارف المختلفة.
3. تقديم الخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية المناسبة للمعوقين كي يتكيفوا مع المجتمع الذي يعيشون فيه تكيفاً يشعرهم بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات تجاه هذا المجتمع.
4. تعديل الاتجاهات الخاطئة لأسر هؤلاء الأطفال وذلك بالتعاون الدائم بين المنزل والمدرسة.
5. تأهيل من لا يستطيع مواصلة الدراسة في الأقسام النظرية الأكاديمية تأهيلاً مهنياً بحيث يكتسب مهارة مهنية معينة تناسب قدرته على كسب عيشه مستقلاً معتمداً على نفسه.
وبعد إنشاء المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص بأقسامها الثلاثة، وتحديد الأهداف السالفة بدأ ينتظم التعليم الخاص بصورة أفضل ووضعت خطط للتطوير والتوسع في افتتاح معاهد التعليم الخاص بفروعها المختلفة حتى بلغ عدد معاهد التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية (69) معهداً في مناطق المملكة الإدارية المختلفة والجدول في الصفحة التالية يوضح التوسع الكمي وانتشار معاهد التعليم الخاص في مناطق المملكة العربية السعودية المختلفة. ثم تطورت المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص وتغير اسمها إلى (الأمانة العامة للتعليم الخاص) ، وأخيراً عُدِّل هذا الاسم إلى (الأمانة العامة للتربية الخاصة) .(40/321)
جدول يوضح انتشار التعليم الخاص في مناطق المملكة المختلفة في العام 1417-1418هـ
المناطق الإدارية
الإدارة التعليمية
عدد مدارس التربية الخاصة
عدد الفصول
عدد الطلاب
عدد المعلمين
الرياض
الرياض
11
166
1530
332
الخرج
2
16
122
29
الزلفي
1
2
22
5
وادي الدواسر
3
3
26
3
مكة المكرمة
مكة المكرمة
3
42
376
92
الطائف
3
32
295
60
جده
6
99
975
194
القنفذة
1
1
6
2
الليث
4
4
26
3
المدينة المنورة
المدينة المنورة
3
43
351
80
ينبع
1
1
16
4
القصيم
القصيم
3
38
293
72
الرس
1
3
30
4
عنيزه
1
5
42
9
الشرقية
الشرقية
4
46
390
92
الأحساء
5
68
544
128
حفر الباطن
2
11
80
20
عسير
عسير
3
48
443
91
حائل
حائل
2
9
73
19
تبوك
تبوك
2
23
199
42
الجوف
الجوف
2
9
47
17
القريات
2
5
39
8
جيزان
جيزان
2
20
171
38
نجران
نجران
2
9
70
15
المجموع
69
703
6166
1359
يبين الجدول السابق ما يلي:
1 ـ أن متوسط عدد الفصول في مدارس التعليم الخاص للبنين في المملكة (10) فصول تقريباً في كل مدرسة.
2 ـ متوسط عدد الطلاب في كل فصل (9) طلاب تقريباً.
3 ـ خصص لكل فصل عدد (2) من المعلمين.
وهذه الأرقام عبارة عن مؤشر إحصائي يؤكد ما يحظى به التعليم الخاص في المملكة من رعاية فقد وُفر له جميع الاحتياجات اللازمة: من عدد المدارس، والفصول، ووفرة في عدد المعلمين بحيث يحظى كل طالب بما يحتاجه من وقت المعلم خصوصاً وأن تعليم ذوى الحاجات الخاصة يحتاج إلى جهد وصبر ووقت طويل نظراً لإمكانيات وقدرات وظروف الطلاب الجسمية والنفسية.
المبحث الثالث
أولاً - معاهد التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية
يُقدم التعليم الخاص في المملكة من خلال ثلاثة معاهد هي:
معاهد التعليم الخاص
معاهد النور
معاهد الأمل
معاهد التربية الفكرية
أ – معاهد النور:(40/322)
تعليم المكفوفين هو نواة التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية – كما سبق – وقد حظي هذا النوع من التعليم الخاص برعاية فائقة من قبل المسؤولين يقيناً منهم بإمكانات وقدرات الكفيف الفذة التي منحه الله إياها، ولأن الحاجة إلى العقول المبصرة أشد من الحاجة إلى العيون المبصرة. قال تعالى: {أَفَلمْ يَسِيُرواْ في الأَرضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ أذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور} (1)
قال ابن كثير – يرحمه الله – في تفسير هذه الآية أي: ليس العمى عمى البصر، وإنما العمى عمى البصيرة، وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر، ولا تدري ما الخبر، ثم أورد قول الشاعر:
يامن يصيخ إلى داعي الشقاء وقد
نادى به الناعيان الشيب والكبر
إن كنت لاتسمع الذكرى ففيم ترى
في رأسك الواعيان السمع والبصر
ليس الأصم والأعمى سوى رجل
لم يهده الهاديان العين والأثر (2)
وخطط وزارة المعارف في المملكة العربية السعودية طموحة جداً قد تجاوزت حد تعليم الإنسان الكفيف إلى مجال تثقيفه وبناء قدراته العقلية فأنشأت من أجله معاهد النور بمراحلها الثلاث: الابتدائية والمتوسطة والثانوية. والدراسة بهذه المدارس تعادل الدراسة في مراحل التعليم العام من حيث مراحلها، وعدد سنوات كل مرحلة، وشهاداتها معادلة لشهادات التعليم العام.
__________
(1) سورة الحج: آية 46.
(2) ابن كثير، مرجع سابق، ج3، ص238.(40/323)
(تقدم هذه المعاهد البرامج التربوية، والتأهيلية، والثقافية للمكفوفين من البنين، والبنات إلى جانب الرعاية الصحية، والاجتماعية، والنفسية، وتسير معظم معاهد النور على نظام المدارس الداخلية حيث تضم المعاهد قسماً داخلياً يقيم فيه ويُفيد من خدماته الطلبة والطالبات الملتحقين بالمعهد من خارج المدينة التي هو فيها ويوفر للطلبة في السكن الداخلي: التغذية، والملابس إلى جانب الخدمات الترفيهية، والأنشطة المناسبة) .
وحالياً تطبق الوزارة أسلوب الدمج الكامل للطلاب المكفوفين في المرحلة الثانوية بالتعليم العام بعد أن أثبتت الدراسات التربوية نجاحه في تعليم المكفوفين.
وقد عملت الوزارة على تطوير تعليم المكفوفين والرقي به وذلك من خلال ما يلي:
1 ـ تطوير خطط ومناهج الدراسة بمعاهد النور بالمراحل التعليمية المختلفة، بحيث تضمنت إدخال مادة (فن التحرك وإدراك الاتجاهات) في المرحلة الابتدائية، وتدريس مادة (الآلة الكاتبة) بالمرحلتين المتوسطة والثانوية، وإدخال مادة (الحاسب الآلي) في المرحلة الثانوية.
2 ـ قيام المكتبة المركزية الناطقة بتسجيل المقررات الدراسية الجديدة والمعدلة على أشرطة كاسيت وتزويد كافة معاهد النور بنسخة منها كي تكون في متناول المدرسين والطلاب.
3 ـ إنشاء مرحلة تحضيرية للأطفال المكفوفين من سن خمس سنوات بهدف تهيئة الطفل الكفيف تربوياً، ونفسياً، واجتماعياً، للتعليم بالمرحلة الابتدائية وتدريب حواسه، وحاسة اللمس لديه بوجه خاص، وإكسابه مهارات الحياة الاجتماعية اليومية.
ولم تكن هناك فرص عمل أمام الخريج من المرحلة الثانوية لمعاهد النور إلا العمل مدرساً لطلاب المرحلة الابتدائية في معاهد النور نفسها، ونادراً في المدارس الابتدائية في التعليم العام. وهذا غير كاف لدمج الكفيف في المجتمع، وتوظيف واستغلال باقي حواسه، وتحقيق الاستفادة القصوى من قدراته وإمكانياته التي منحها الله إياه.(40/324)
إلى أن جاء قرار مجلس الوزراء الكريم رقم 15 وتاريخ 26/2/1400هـ الذي أتاح للحاصلين على المرحلة الثانوية من المكفوفين فرصة الالتحاق بالجامعات في إحدى التخصصات المناسبة لظروفهم في الكليات النظرية تشجيعاً لهم على إكمال دراستهم الجامعية؛ حتى تكون لهم فرص العمل ميسورة بشكل أوسع وأفضل.
وبالفعل كان هذا القرار حكيماً فقد حقق أكثر هؤلاء الدارسين تفوقاً كبيراً في دراستهم الجامعية. نتج عنه أن أُتيحت لهم فرص عمل كثيرة بعد تخرجهم من الجامعة على سبيل المثال: (التدريس في المرحلتين المتوسطة والثانوية في مدارس التعليم العام – القضاء – الإمامة والخطابة – الترجمة الفورية – الخدمة الاجتماعية) .
هذا ما يخص الكفيف، أو الكفيفة وهما في سن التعليم النظامي (6ـ18) سنة، أما من فاتهم سن التعليم فقد أنشأت من أجلهم (أقساماً مهنية سارت الدراسة فيها وفق منهج خاص يعلمهم القراءة والكتابة ودروساً ثقافية تهدف إلى دمجهم في المجتمع إلى جانب تدريبهم على الصناعات التقليدية للمكفوفين مثل أشغال الخيزران والنسيج ونحوها وبهذا يكونون أعضاء فاعلين في المجتمع.
ب – معاهد الأمل للصم:
يعرف الطفل الأصم بأنه من فقد السمع كلياً أو جزئياً ولا يتكلم. واهتمام الدولة برعاية وتعليم الطفل الأصم قديم (فقد أنشئت أول معهدين للأمل للبنين والبنات في الرياض عام 1384هـ تلا ذلك معهدا الأمل للبنين والبنات في جدة عام 1393هـ ثم معهد الأمل المتوسط المهني بالرياض عام 1393هـ ثم معهد الأمل بالأحساء عام 1395هـ تلاه معهدا الأمل للبنين والبنات بالمدينة المنوَّرة عام 1397هـ.) (1)
__________
(1) النشرة السنوية لمعهد الأمل للبنات بالمدينة المنورة، 1397-1398هـ، مطابع التاج.(40/325)
وتسير الدراسة في معاهد الأمل على أساس الأخذ بالاتجاهات التربوية الحديثة في تعليم المعوقين؛ لذا فإن نظام التعليم في معاهد الأمل يبدأ بالمرحلة الابتدائية ومدة الدراسة فيها (8) سنوات وتعد السنتان الأولى والثانية مرحلة إعداد وتهيئة لتعليم اللغة والنطق مبكراً قبل أن يفقد جهاز النطق قدرته.
وتطبق في معاهد الأمل مناهج تساير مناهج التعليم العام مع مراعاة حالة الطفل من حيث النطق، وعند حصول الطالب على الشهادة الابتدائية ينتقل إلى المرحلة المتوسطة المهنية ومدة الدراسة بها (3) سنوات يدرس الطالب خلالها مناهج ثقافية ومهنية متطورة ذات تخصصات مختلفة تتناسب وطبيعة الدارس منها: الآلة الكاتبة، وأعمال الكهرباء بالنسبة للبنين، والتفصيل، والخياطة، والتريكو الآلي واليدوي، والتدبير المنزلي بالنسبة للبنات.
وتوفر وزارة المعارف لمعاهد الأمل أحدث الأجهزة الفنية، والوسائل المعينة المناسبة لمثل هؤلاء الطلاب.
وحيث إن من شروط القبول في معاهد الأمل أن لا يقل سن القبول في المرحلة التحضيرية عن أربع سنوات ولا يزيد عن ست سنوات. فإن الدولة لم تغفل كبار السن من الصم والبكم الذين لا تتوفر فيهم شرط القبول فأنشأت من أجلهم (قسم للتأهيل المهني لكبار السن من الصم والبكم ومدة التدريب به أربع سنوات ويشتمل على أقسام: النجارة، والتنجيد، والتفصيل، والخياطة، وصناعة الجلود والأحذية) .(40/326)
وبهذا يندمج الأصم مع المجتمع، ويتفاعل معه ويشعر بأنه عنصر فعّال فيه يقدم خدمات لأفراده من خلال المهنة التي اكتسبها، وفي الوقت نفسه يتوفر له عمل شريف يحفظ له ماء وجهه ويوفر له من المال ما يسد احتياجه واحتياج أسرته، بدلاً من أن يُنظر إليه نظرة الشفقة والعطف من المجتمع. خصوصاً وأن الأصم يشعر بعزلة شديدة عن المجتمع لأنه فقد وسائل الاتصال بالمحيطين به: النطق والسمع معاً. فينشأ منذ الصغر في عزلة عن الأقران والرفاق مما يسبب له آثاراً نفسية سيئة تزيلها الأهداف السامية والجهود المخلصة لمعاهد الأمل للصم.
ج - معاهد التربية الفكرية:
معاهد التربية الفكرية في المملكة العربية السعودية هي النوع الثالث من معاهد التعليم الخاص ويلتحق بها فئة من الطلاب حالتهم أصعب من حالة الطلاب المكفوفين، والطلاب الصم؛ لأنهم ابتلوا بنقص في الذكاء، والإدراك الذي لا يجعلهم كالأطفال العاديين، وقد يكون هذا النقص شديداً مما يجعل تعليمهم فيه نوع من التحدي الذي يحتاج إلى بذل مزيد من الجهد والصبر. وقد أخذت حكومة المملكة على عاتقها رعاية وتعليم المواطنين جميعهم فأنشأت من أجلهم معاهد التربية الفكرية التي تهدف إلى ما يلي: (1)
1 ـ تنمية قدرة الطفل من هذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة على التعامل مع الآخرين عن طريق الاشتراك في المواقف والخبرات الاجتماعية المناسبة المتكررة بهدف تحقيق التوافق الاجتماعي، وذلك عن طريق برنامج نشاط اجتماعي، يعتمد على المشاركة والمساهمة في مواقف مشوقة.
2 ـ غرس القيم الدينية والخلقية الإسلامية السائدة في المجتمع.
__________
(1) وزارة المعارف المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص مناهج مرحلة التهيئة (التحضيرية) والمرحلة الابتدائية لمعاهد التربية الفكرية (93/1394هـ) ص1.(40/327)
3 ـ تحقيق التكيف والتوافق الانفعالي والشعور بالأمن وتنمية الثقة بالنفس والاستقلال الذاتي للطفل في الأسرة والمعهد، والاهتمام بالتوجيه والإرشاد النفسي لتحقيق الصحة النفسية للطفل.
4 ـ تنمية الوعي الصحي، واكتساب العادات الصحية السليمة، واكتساب المهارات اللازمة، لاتقاء وتجنب الحوادث، وطرق الوقاية والعلاج والإسعاف الأولي.
5 ـ اكتساب المهارات الأكاديمية الأساسية من قراءة وكتابة وحساب وغيرها.
6 ـ اكتساب المعرفة والمهارات اللازمة للقيام بالأعمال اليومية مثل استخدام المواصلات والتعامل بالأرقام.
7 ـ اكتساب القدرة على شغل وقت الفراغ عن طريق برامج النشاط الترفيهي.
8 ـ تنمية القدرة على الكلام والنطق الصحيح.
9 ـ تنمية القدرة البصرية والسمعية والحركية والعضلية والمهارات اليدوية.
10 ـ تعد معاهد التربية الفكرية مراكز توعية للمجتمع عامة ولأولياء الأمور خاصة بخصائص وقدرات الأطفال الدارسين في هذه المعاهد لتحقيق التعامل السليم معهم.
وبعد التحاق الطفل بمعهد التربية الفكرية يبدأ الدراسة بمرحلة التهيئة ومدتها سنتان، وهي بمثابة إعداد الطفل للدراسة والاندماج مع زملائه، يليها المرحلة الابتدائية، ومدة الدراسة بها ست سنوات، يتلقى الطلاب – كل حسب قدراته العقلية وظروفه الخاصة – بعض الخبرات من قراءة، وكتابة، ومعلومات عامة بجانب إكسابهم المهارات الأساسية، والاتجاهات السلوكية، والاجتماعية السليمة، وهناك منهج متكامل، وكتب مطبوعة، خاصة بطلاب معاهد التربية الفكرية ترسل من الأمانة العامة للتربية الخاصة.
وبعد هذه المرحلة يلتحق الطالب بالمرحلة المهنية، وتبلغ مدة الدراسة بها أربع سنوات، يدرب الطالب فيها على إحدى المهن المناسبة لقدراته واستعداداته وميوله.(40/328)
ونظراً لكون الاختبارات- بمعناها المعروف- لا تناسب هذه الفئة من الطلاب؛ لذا فإنهم يخضعون لعملية تقويم مستمرة، على مدار السنة تشمل جوانب شخصية الطفل وتحصيله الدراسي، وفي نهاية العام الدراسي وبناء على التقارير الفنية للمدرسين والاخصائيين يحدد مدى نمو قدرات الطالب ودرجة تحصيله. فينقل إلى الصف التالي أو يعيد في الصف نفسه.
وقد تطور نظام الامتحانات مؤخراً في معاهد التربية الفكرية فأصبح هناك اختبارات شهرية وفصلية، لكنها مبسطة جداً في الكم والكيف حسب ما تسمح به قدرات الطلاب وإمكانياتهم الذهنية.
ثانياً - أهم أوجه الرعاية التي توفرها الدولة لطلاب التعليم الخاص:
بعد هذا التعريف بنظام الدراسة بمعاهد (التعليم الخاص) في المملكة العربية السعودية، وما بذلته الدولة في ذلك، بقي أن نتعرف على الخدمات الأخرى التي قدمتها الدولة لذوي الحاجات الخاصة؛ لتمكينهم من توسيع المشاركة والاندماج مع أقرانهم العاديين وهي على النحو التالي:
أ – أوجه الرعاية المختلفة:
1- الرعاية الاجتماعية:
يؤدي المشرف الاجتماعي أو المرشد الطلابي دوراً مهماً في توجيه الخدمات التي يحتاجها الطالب المعوق بالتعاون مع المدرسين، والمسؤولين عن برامج الرعاية بالمعهد، ومن خلال الأقسام الداخلية الملحقة بمعاهد التعليم الخاص، فإن الدولة وفرت متطلبات الإقامة، والإعاشة الكاملة للطلبة مجاناً.
2- الرعاية الطبية والصحية:
تُزود الوحدات الصحية الملحقة بمعاهد التعليم الخاص بالأجهزة، والأطباء، والفنيين المؤهلين لإجراء الفحوص، وصرف العلاج، والتحويل إلى المستشفيات التخصصية الحكومية لمن تتطلب حالته ذلك.
3 – الرعاية المالية:
تصرف الدولة لكل طالب منتظم بالدراسة بمعاهد التعليم الخاص مكافأة شهرية على مدار العام بما في ذلك شهور الإجازة الصيفية، وتختلف في مقدارها حسب المرحلة التعليمية وحسب إقامته بمفرده أو مع أسرته.
4- الأنشطة غير الصفية:(40/329)
وتشمل تنظيم المسابقات الثقافية، والرياضية، والفنية مع طلاب التعليم العام، وفي المنافسات التي تنظم خارج المملكة، كما تشمل المشاركة في المعارض الفنية وحضور الندوات وزيارة المعالم والمؤسسات العامة في المنطقة وتنظيم البرامج الحرة من خلال رحلات ترفيهية وتثقيفية لأهم معالم المملكة.
ب - الحقوق والامتيازات والتسهيلات التي تقدمها الدولة لذوي الحاجات الخاصة:
صدر الكثير من التشريعات والقرارات والتوصيات التي تهدف إلى تمكين المعوقين من المشاركة بما لديهم من قدرات واستعدادات في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. ليعيشوا باستقلالية وباعتماد على الذات وعلى قدم المساواة مع إخوانهم من أفراد المجتمع.
ومن أبرز هذه الحقوق والامتيازات ما يلي:
1-التعيين والتشغيل:
هيأت الدولة فرص التوظيف والتشغيل للمعوقين المؤهلين بمختلف مستويات التأهيل العلمي، والمهني في الوظائف الحكومية إضافة إلى تشغيل نسبة من المعوقين المؤهلين لاتقل عن 2% في المؤسسات الأهلية التي لايقل عدد العمال بها عن خمسين عاملاً، وتفريغ المدرسين المكفوفين للدراسة الجامعية مع احتفاظهم بوظائفهم.
2- الإعانات والمنح:
أصدرت الدولة أكثر من قرار بشأن تخصيص إعانة مالية تقدر بـ (50) ألف ريال لكل شخص معوق، مؤهل مهنياً للقيام بمشروع فردي أو جماعي وتطبيقاً لمبدأ التكافل الاجتماعي أصدرت الدولة قراراً يقضي بصرف إعانة نقدية للمعوق الذي لا يستفيد من برامج التعليم أو التأهيل أو الذي لا يستطيع الحصول على دخل يكفي نفقات حياته، وتتراوح هذه الإعانة ما بين ستة آلاف ريال وعشرة آلاف ريال سنوياً.
3 ـ في مجال النقل والمواصلات:
أصدرت الجهات المختصة في المملكة أكثر من قرار يقضي بتخفيض أجور السفر والانتقال على الطائرات، والبواخر، والقطارات، ووسائل النقل الجماعي الحكومية لأفراد هذه الفئة بواقع (50 %) .(40/330)
هذا إلى جانب الكثير من القرارات التي تمكن المعوقين من الوصول إلى الجهات الحكومية وتسهل تحركاتهم داخلها بحرية وأمان وقضاء أمورهم بأنفسهم.
نتائج البحث:
أسفر البحث عن عدة نتائج أهمها:
1 ـ إن ظهور التعليم الخاص في المملكة قديم، وإن لم يكن يسمى بهذا الاسم.
2 ـ إن اهتمام حكومة المملكة العربية السعودية برعاية وتعليم ذوي الحاجات الخاصة نابع من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.
3 ـ حرص حكومة المملكة العربية السعودية على توفير التعليم لجميع المواطنين: الأسوياء وغيرهم.
4 ـ حرص حكومة المملكة العربية السعودية على توفير الحياة الكريمة لجميع المواطنين ويتمثل في توفير التعليم الفني لمن فاته التعليم النظامي من الأسوياء وغيرهم.
التوصيات:
في نهاية البحث يود الباحث أن يقدم للقارئ مجموعة من التوصيات أهمها ما يلي:
1 ـ أن يصبر والدا الطفل المبتلى بنقص في بعض حواسه على ما قدره الحكيم الخبير، وأن يعتقدا يقيناً بأن صبرهم على هذا الابتلاء جزاؤه الخير في الدنيا والآخرة إن شاء الله، وليتذكرا دائماً الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في فضل الصبر وأجر الصابرين، ويعلمانها للطفل، لأن ذلك يساعده على الرضى والراحة النفسية فتهدأ نفسه ويبدأ يتكيف مع مجتمعه وقد أورد الإمام ابن القيم – يرحمه الله – عشر قواعد، ينشأ عن اتباعها الصبر على البلاء. (1)
2 ـ إذا كان تعاون الوالدين مع مدارس أبنائهم مهماً لنجاح الأبناء وتفوقهم، فإنه في حالة الطفل من ذوي الحاجات الخاصة أهم؛ لأن الوالدين يتعلمان من المعهد الطرق والوسائل التي تعين على تعليم الطفل والأخذ بيده حتى يتغلب على المشكلات النفسية والعضوية للإعاقة التي يعاني منها.
__________
(1) انظر هذه القواعد في كتاب (طريق الهجرتين وباب السعادتين) لابن القيم، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ب ت ص 276-278.(40/331)
3 ـ أن يخلص معلمو التعليم الخاص في عملهم، وأن يصبروا على تعليم هؤلاء الأطفال محتسبين الأجر والثواب من الله.
4 ـ الطفل من هذه الفئة جزء لا يتجزأ من المجتمع؛ لذا فإن المجتمع يتحمل جزءاً من مسؤولية علاجه وتعليمه؛ فيجب على وسائل الإعلام المختلفة أن تبث الوعي اللازم بين أفراد المجتمع بأن هذا الطفل ليس مريضاً بل هو عضو فعال في المجتمع وسوف يسهم في دفع عجلة نمو المجتمع وتطوره بضرب أمثلة من العلماء والمفكرين الذين فقدوا بعض حواسهم وأجرى الله على أيديهم الخير الكثير، فتقبل المجتمع للطفل -لاشك - سيسهم في حل المشكلة.
5 ـ وفرت الدولة الكثير من الخدمات للمعوقين في مختلف المرافق العامة التي تعينه على ممارسة حياته بيسر وسهولة فيجب عليهم المحافظة عليها.
6 ـ يجب على الأسوياء المحافظة على ما أعدته الدولة من مرافق لذوي الحاجات الخاصة وعدم استخدامها.
الخاتمة
تناول البحث الحالي موضوع التعليم الخاص في المملكة العربية السعودية نشأته، وتطوره، وما وصل إليه الآن من توسع وانتشار، وما بذلته حكومة المملكة العربية السعودية من دعم سخي لجميع أبناء هذا الوطن وما وفرته لهم من سبل العيش الكريم وفي مقدمة ذلك التعليم على الرغم من الصعوبات التي تحول دون توفير فرص التعليم للجميع كتعليم أبناء المناطق النائية جداً مثلاً، وتعليم ذوي الحاجات الخاصة ممن قدر الله وابتلوا بفقد البصر، أو السمع، أو بنقص الذكاء فهم بسبب هذه الإعاقة يحتاجون إلى تعليم خاص يشمل كافة جوانب العملية التعليمية: المباني، والمناهج الدراسية، والوسائل التعليمية المستخدمة، وطرق التدريس، وقبل كل ذلك يحتاجون إلى معلم من نوع خاص معد إعداداً تربوياً خاصاً يؤهله لتعليم هذه الفئة متلمساً نقاط القوة فيما تبقى لديهم من حواس ليركز عليها حتى يتعلم الطفل على يديه ما يفيده في أمور دينه أولاً ثم ما يساعده على التغلب على إعاقته، والتكيف مع باقي أفراد المجتمع.(40/332)
وقد أثمرت الجهود المبذولة ـ ولله الحمد ـ وأصبح الإنسان المعوق يحظى بمكانه المناسب في المجتمع بعد ما قدمت الدولة له من تعليم ورعاية.
وفي الختام يتوجه الباحث بالدعاء لله عز وجل أن يبارك في المسؤولين في هذا الوطن الغالي، على رعايتهم واهتمامهم بجميع فئات المجتمع، وأن يوفق المخلصين الذين بذلوا وقتهم وجهدهم في مساعدة ذوى الحاجات الخاصة بتربيتهم وتعليمهم، وأن يمن بالشفاء على المبتلين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المراجع
ـ القرآن الكريم
ـ ابن كثير (تفسير القرآن العظيم) دار المعرفة بيروت، ط1، 1406هـ.
ـ ابن القيم (طريق الهجرتين وباب السعادتي) دار الكتب العلمية، بيروت، ب ت.
ـ ابن منظور (لسان العرب) دار صادر، بيروت، 1412هـ.
ـ المكتب الإقليمي لشؤون المكفوفين، بحوث وتقارير ووثائق المؤتمر العام الخامس للجنة الشرق الأوسط لشؤون المكفوفين، الرياض، 1402هـ.
ـ النشرة السنوية لمعهد الأمل للبنات في المدينة المنورة، مطابع التاج في المدينة المنورة، 1397-1398هـ.
ـ حمد السلوم (تاريخ الحركة التعليمية في المملكة العربية السعودية، تطور التعليم) ج3، ط3، مطابع فيرفاكس واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية، 1411هـ.
ـ عبد الرحمن سالم الخلف (تطور تعليم المكفوفين في المملكة) مجلة التوثيق التربوي، وزارة المعارف،العدد (28) ،عام 1407هـ.
ـ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) دار ابن الجوزي، الدمام، ط1،1415هـ.
ـ عبد المجيد عبد الرحيم، تنمية (الأطفال المعاقين) دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة، ط1،ب ت.
ـ فاروق الروسان (سيكولوجية الأطفال غير العاديي) ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط2، 1416هـ.
ـ مجلة عالم الإعاقة، تصدر عن مجلس العالم الإسلامي للإعاقة والتأهيل، العدد الأول، السنة الأولى، ذو القعدة، 1418هـ – مارس 1988م.(40/333)
ـ وزارة المعارف (التطوير التربوي، مركز المعلومات الإحصائية والتوثيق التربوي) خلاصة إحصائية عن تعليم البنين عام 1417-1418هـ.
ـ وزارة المعارف (تطور التعليم في المملكة العربية السعودية) تقرير وطني، مركز المعلومات الإحصائية والتوثيق التربوي، الرياض، 1417هـ.
ـ وزارة المعارف، المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص، مناهج مرحلة التهيئة (التحضيرية) والمرحلة الابتدائية لمعاهد التربية الفكرية. 1393-1394هـ,
ـ وزارة المعارف، دليل التعليم الخاص، المديرية العامة لبرامج التعليم الخاص، 1401 هـ.
ـ وزارة المعارف، قصة التعليم الخاص، إدارة التعليم الخاص، ب ت.
ـ وزارة المعارف، مركز المعلومات الإحصائية والتوثيق، مجلة التوثيق التربوي العدد (13) عام 1397هـ.
ـ يوسف القريوتي وآخرون (المدخل إلى التربية الخاصة) دار القلم، دبي، ط1،1416هـ.(40/334)
اهتمام المملكة العربية السعودية
بمنهج علوم التربية الإسلامية
في مرحلة التعليم الإبتدائي
إعداد
د/ أحمد بن سعيد علي الغامدي
الأستاذ المشارك بقسم التربية بكلية الدعوة وأصول الدين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فالمملكة العربية السعودية، مهبط الوحي، ومنبع الرسالة المحمدية، شرفها الله تعالى بوجود الحرمين الشريفين فيها - مكة المكرمة والمدينة المنورة - تعمل على حفظ دعوة الإسلام، وصيانة دولته التي ارتبط كيانها بإعلاء كلمة الله تعالى والعمل بشريعته، وقد أولت بالغ اهتمامها بمناهج التربية والتعليم من أجل تربية جيل مسلم يفهم الإسلام فهماً صحيحاً عقيدة وشريعة.
ويعتبر التعليم الإبتدائي فيها القاعدة الأساسية التي يرتكز عليها التعليم في جميع مراحله اللاحقة، وهو الحد الأدنى من المعلومات والمهارات والخبرات التي يجب على الطالب أن يحصل عليها ليكون فرداً صالحاً قادراً على أن يضطلع بمسؤولياته الفردية والإجتماعية.
وهذه دراسة حول موضوع (اهتمام المملكة العربية السعودية بمنهج علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي) تم تقسيم خطة الدراسة فيها إلى الموضوعات التالية:
ـ أهمية البحث وأهدافه.
ـ منهج البحث.
ـ حدود الدراسة.
ـ المصطلحات المستخدمة.
ـ الدراسات السابقة.
ـ الأسس والمبادئ التي يرتكز عليها نظام التعليم في المملكة العربية السعودية.
ـ أهداف التعليم في المرحلة الإبتدائية في المملكة العربية السعودية.
ـ أهمية دراسة علوم التربية الإسلامية.
ـ مكانة منهج علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي.
ـ عرض وتحليل خطة الدراسة لمرحلة التعليم الإبتدائي ويشمل:
1 ـ المواد وأهميتها والزمن المقرر لها.
2 ـ تحليل المحتوى والمضمون لمواد علوم التربية الإسلامية.(40/335)
3 ـ مدى مراعاة المحتوى لبعض المبادىء التنظيمية التربوية الهامة.
ـ النتائج والتوصيات.
أهمية البحث وأهدافه:
موضوع هذا البحث هو التعرف على منهج علوم التربية الإسلامية الذي يدرسه الطلاب في مرحلة التعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية بعرضه وتحليله، حيث يدرس الطالب العديد من المواد الشرعية التي تؤهله إلى فهم دينه والتفقه فيه ومعرفة دوره في الحياة، وخصوصاً أن هذه المرحلة هي مرحلة التأسيس والبناء وهي تشكل القاعدة الأساسية التي يرتكز عليها إعداد الطلاب للمراحل الدراسية التي بعدها.
وتتضح أهمية هذا البحث وأهدافه الرئيسة في النواحي التالية:
1- يعد التعليم الإبتدائي من المراحل التعليمية ذات الأثر الكبير في توجيه الطالب في مرحلة الطفولة وهي تشتمل على مرحلتين:
أ- مرحلة الطفولة الوسطى والتي يقضي فيها الولد عمره من سن السادسة حتى سن الثامنة.
ب- مرحلة الطفولة المتأخرة والتي يقضي فيها الولد عمره من سن التاسعة حتى سن الثانية عشرة.
ولذا عمل كافة المربين على العناية بكافة مظاهر النمو لديه الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية واللغوية والحركية والانفعالية فهي مرحلة هامة لغرس القيم والأخلاق والتدريب على الممارسات السلوكية والعملية والتزود بالمهارات والقدرات الأساسية.
2- إن كل أمة من الأمم تحرص على أن يكون للتربية قواعد وأسس تقوم عليها فإذا كانت أسس التربية في بعض المجتمعات تقوم - مثلاً - على الإيمان بالماديات ونفي الروحيات وعدم الإيمان بالغيب بقطع صلة الطالب بربه تعالى فإن أسس التربية في بعض المجتمعات الأخرى ترتكز على الانحلال والحرية والاستغلال الرأسمالي والتطلع إلى مطالب الحياة الدنيا الفانية والاستغراق في الملذات والشهوات.(40/336)
3- ومن الأهداف الرئيسة لهذه الدراسة بيان اهتمام المملكة العربية السعودية بمنهج علوم التربية الإسلامية لما لهذه العلوم من مكانة عظيمة في إعداد النشء وتربيته التربية الصالحة وما للمناهج التربوية في التعليم الإبتدائي من دور عظيم في تنمية قدرات الطلاب وإبراز مواهبهم واستعداداتهم وتلبية حاجتهم.
منهج البحث:
... استخدم الباحث المنهج الوصفي في عرض منهج علوم التربية الإسلامية لمرحلة التعليم الإبتدائي ووصف خطة الدراسة المتبعة في هذه المرحلة بعد جمع المعلومات وتنظيمها كما استخدم المنهج التحليلي لتفسير المعلومات وتحليلها والمقارنة بينها وتقديمها بصورة مترابطة تحقق غرض الدراسة وهدفها مع الاستعانة ببعض الجداول والعمليات الإحصائية المبسطة.
حدود الدراسة:
تعتمد هذه الدراسة على حدود معينة تبرز في النواحي التالية:
أولاً: الحد الموضوعي:
ويمثله منهج علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي والخطة الدراسية المطبقة حالياً والتي تشمل مقررات متعددة لمواد التربية الإسلامية.
ثانياً: الحد النوعي والمكاني:
ويمثله التعليم الإبتدائي للبنين دون البنات في المملكة العربية السعودية.
ثالثاً: الحد العمري:
يمثله المرحلة التعليمية الأساسية في حياة الطالب وهي مرحلة التعليم الإبتدائي والتي تمتد من مرحلة الطفولة الوسطى (من سن السادسة إلى سن الثامنة) حتى مرحلة الطفولة المتأخرة (من سن التاسعة إلى سن الثانية عشرة) .
المصطلحات المستخدمة:
استخدم الباحث عدة مصطلحات في هذا البحث يمكن بيان معانيها على النحو التالي:
المنهج:(40/337)
المنهج والمنهاج والنهج هو الطريق الواضح البين قال تعالى { ... لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا ... } (1) ويأتي المنهج بمعنى السبيل أيضاً وهو الطريق على الأصح قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ... } (2) .
يقول الإمام ابن كثير - رحمه الله - هو الطريق الواضح السهل والسنن والطرائق.
ومن ذلك قول الشاعر:
ونهج سبيلي واضح لمن أهتدى
ولكنها الأهواء عمت فأعمت
وفي المجال التربوي يقصد «بالمنهج» الطريق أو السبيل الواضح الذي يسلكه المربي مع من يربيهم لتنمية معارفهم ومهاراتهم وخبراتهم وتعديل سلوكهم على أساس الدين الإسلامي الحنيف.
المنهج الدراسي:
يمكن التفريق بين مفهوم المنهج في معناه الضيق ومفهوم المنهج في معناه الواسع الشامل.
فالأول يعني: مجموعة المواد الدراسية التي يؤديها المعلم قاصرة على المعلومات والمعارف ضمن خطة الدراسة عبر السنوات المختلفة.
والثاني يعني: مجموعة الخبرات والنشاطات التي تقدمها المؤسسة التربوية تحت إشرافها للطلاب بقصد احتكاكهم بها وتفاعلهم معها مؤدياً ذلك إلى تحقيق النمو الشامل لديهم.
فالأول يفرق المعارف والمعلومات التي يتضمنها إلى مواد دراسية منفصلة لا يرتبط بعضها ببعض مع عدم اهتمامه بالنشاطات والخبرات، وعدم تلبيته لميول المتعلم وحاجاته، وتلبية متطلبات المجتمع، والآخر يراعي هذه الأمور مع ضروريات أخرى.
التربية الإسلامية:
بناء وتنشئة المُربَّى في جميع جوانبه الجسمية والعقلية والروحية على أساس الدين الإسلامي الحنيف ليحقق العبودية الكاملة لله تعالى.
علوم التربية الإسلامية: ...
المقررات الدراسية التي تقدم للطالب في الصفوف الدراسية خلال مرحلة التعليم الإبتدائي وهي:
__________
(1) سورة المائدة، الآية (48) .
(2) سورة الأنعام، الآية (153) .(40/338)
1- القرآن الكريم وتجويده. ... ... 2- التفسير.
3- التوحيد. ... ... ... ... ... 4 - الحديث.
5- الفقه. ... ... ... ... ... 6- السلوك والتهذيب.
السلم التعليمي للتعليم العام في المملكة العربية السعودية: ...
يقصد بالسلم التعليمي في الإصطلاح التربوي: معرفة عدد السنوات التي يقضيها الطالب من عمره في التعليم وهي أن يمر الطالب بالمراحل التالية:
أ- ست سنوات يقضيها في التعلم في مرحلة التعليم الإبتدائي بعد أن يكمل السادسة من عمره.
ب- ثلاث سنوات يقضيها في التعلم في مرحلة التعليم المتوسط (الإعدادي) .
ج- ثلاث سنوات يقضيها في التعلم في مرحلة التعليم الثانوي.
وقد تتبع بعض الدول سلماً تعليمياً مختلفاً في عدد سنوات الدراسة حيث يقضي ... الطالب من عمره في التعلم مدة أربع سنوات في مرحلة التعليم الإبتدائي.
الدراسات السابقة:
رجع الباحث إلى الدراسات والبحوث التالية للاستفادة منها في هذا البحث والتي تتناول مناهج علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي على الرغم من قلتها.
أولاً: مناهج علوم التربية الإسلامية في التعليم الإبتدائي والمتوسط رسالة دكتوراه عام 1409هـ من شعبة الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة للباحث عبد الرحمن بن محمد عبد المحسن الأنصاري.
ثانياً: الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية -الكتاب السنوي الثالث- التعليم الإبتدائي ودوره في تنمية المهارات الأساسية لدى التلاميذ (مجموعة من البحوث العلمية المتنوعة المتعلقة بالتعليم الإبتدائي) جامعة الملك سعود عام 1411هـ-1991م.
ثالثاً: فتحي يونس تقويم منهج التربية الإسلامية في المرحلة الإبتدائية بدولة الإمارات العربية المتحدة -الناشر/ دار وليد للطباعة- 1982م القاهرة.(40/339)
رابعاً: أميرة ذيب فياض -تقويم منهج التربية الإسلامية في الصف الرابع الإبتدائي للبنات- بحث مكمل لمتطلبات درجة الماجستير في المناهج وطرق التدريس -جامعة أم القرى- كلية التربية -قسم المناهج وطرق التدريس- العام الجامعي 1402هـ-1403هـ.
الأسس والمبادئ التي يرتكز عليها نظام التعليم في المملكة العربية السعودية
أصدرت اللجنة العليا لسياسة التعليم في المملكة العربية السعودية في عام 1390هـ - 1970م وثيقة سياسة التعليم كإعلان رسمي من الدولة يفصل هذه الأسس والمبادئ، وقد جاءت في سبعة وعشرين أساساً يشير الباحث إلى بعضها على سبيل الاستشهاد وليس الحصر مما له علاقة وارتباط بموضوع البحث.
الأسس العامة التي يقوم عليها التعليم:
1- الإيمان بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
2- التصور الإسلامي الكامل للكون والإنسان والحياة، وإن الوجود كله خاضع لما سنّهُ الله تعالى، ليقوم كل مخلوق بوظيفته دون خلل أو اضطراب.
3- الحياة الدنيا مرحلة انتاج وعمل، يستمد فيها المسلم طاقاته عن إيمان وهدى للحياة الأبدية الخالدة في الدار الآخرة، فاليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل.
4- الرسالة المحمدية هى المنهج الأقوم للحياة الفاضلة التي تحقق السعادة لبني الإنسان ... وتنقذ البشرية مما تردت فيه من فساد أو شقاء.
5- المُثل العُليا التي جاء بها الإسلام لقيام حضارة إنسانية رشيدة بنّاءة تهتدي برسالة ... محمد صلى الله عليه وسلم لتحقيق العزة في الدنيا، والسعادة في الدار الآخرة.
6- الإيمان بالكرامة الإنسانية التي قررها القرآن الكريم وأناط بها القيام بأمانة الله في الأرض، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (1) .
__________
(1) سورة الإسراء، الآية (70) .(40/340)
7- فرص النمو مهيأة أمام الطالب للمساهمة في تنمية المجتمع الذي يعيش فيه ومن ثم الإفادة من هذه التنمية التي شارك فيها.
8- طلب العلم فرض على كل فرد بحكم الإسلام؛ ونشره وتيسيره في المراحل المختلفة واجب على الدولة بقدر وسعها وإمكانياتها.
9- العلوم الدينية أساسية في جميع سنوات التعليم الإبتدائي والمتوسط والثانوي بفروعه، والثقافة الإسلامية مادة أساسية في جميع سنوات التعليم العالي.
10- توجيه العلوم والمعارف بمختلف أنواعها وموادها منهجاً وتأليفاً وتدريساً وجهةً إسلاميةً في معالجة قضاياها والحكم على نظرياتها وطرق استثمارها حتى تكون منبثقة من الإسلام متناسقة مع التفكير الإسلامي السديد.
11- الاستفادة من جميع أنواع المعارف الإنسانية النافعة على ضوء الإسلام للنهوض بالأمة ورفع مستوى حياتها «فالحكمة ضالة المؤمن أنىّ وجدها فهو أولى الناس بها» .
12- الثقة الكاملة بمقومات الأمة الإسلامية وأنها خير أمة أُخرجت للناس والإيمان بوحدتها على اختلاف أجناسها وألوانها وتباين ديارها قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (1) .
13- الارتباط الوثيق بتاريخ أمتنا وحضارة ديننا الإسلامي والإفادة من سير أسلافنا.
14- التضامن الإسلامي في سبيل جمع كلمة المسلمين وتعاونهم ودرء الأخطار عنهم.
15- احترام الحقوق العامة التي كفلها الإسلام وشرع حمايتها حفاظاً على الأمن وتحقيقاً لاستقرار المجتمع المسلم في الدين والنفس والنسل والعرض والعقل والمال.
16- شخصية المملكة العربية السعودية متميزة بما خصها الله به من حراسة مقدسات الإسلام وحفاظها على مهبط الوحي واتخاذها الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ودستور حياة، واستشعار مسؤوليتها العظيمة في قيادة البشرية بالإسلام وهدايتها إلى الخير.
__________
(1) سورة الأنبياء، الآية (92) .(40/341)
17- الدعوة إلى الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها بالحكمة والموعظة الحسنة من واجبات الدولة والأفراد وذلك هداية للعالمين وإخراجاً لهم من الظلمات إلى النور.
18- القوة في أسمى صورها وأشمل معانيها قوة العقيدة وقوة الخلق وقوة الجسم "فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير".
ومن خلال هذه الوثيقة نرى أن هذه الأسس العامة التي يقوم عليها التعليم في المملكة العربية السعودية مستمدة من شريعة الإسلام الدين الحق الذي لايقبل الله تعالى ديناً سواه كما قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ... } (1) وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2) حيث يقرر سبحانه وتعالى في الآية الثانية أن كل دين غير الإسلام باطل، وإن من يطلب ديناً غيره لن يقبل منه بحال ويخسر في الآخرة خسراناً كبيراً.
أهداف التعليم في المرحلة الإبتدائية في المملكة العربية السعودية:
حددت وثيقة التعليم الصادرة من اللجنة العليا لسياسة التعليم أهداف التعليم في المرحلة الإبتدائية.
ومن خلال تصنيف هذه الأهداف يتبين اهتمامها بالمعرفة الشرعية واكتساب الفضائل والأخلاق الحميدة وهي على النحو التالي:
1- تعهد العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفس الطفل ورعايته بتربية إسلامية متكاملة في خلقه وجسمه وعقله ولغته وانتمائه إلى أمة الإسلام.
2- تدريبه على إقامة الصلاة وأخذه بآداب السلوك والفضائل.
3- تنمية المهارات الأساسية المختلفة وخاصة المهارة اللغوية والمهارة العددية والمهارة الحركية.
4- تزويده بالقدر المناسب من المعلومات في مختلف الموضوعات.
5- تعريفه بنعم الله عليه في نفسه وفي بيئته الاجتماعية والجغرافية ليحسن استخدام النعم وينفع نفسه وبيئته.
__________
(1) سورة آل عمران، الآية (19) .
(2) سورة آل عمران، الآية (85) .(40/342)
6- تربية ذوقه البديعي وتعهد نشاطه الابتكاري، وتنمية تقدير العمل اليدوي لديه.
7- تنمية وعيه ليدرك ماعليه من واجبات وما له من حقوق في حدود سنه وخصائص المرحلة التي يمر بها وغرس حبه لوطنه والإخلاص لولاة أمره.
8- توليد الرغبة لديه في الازدياد من العلم النافع والعمل الصالح وتدريبه على الاستفادة من وقت فراغه.
9- إعداد الطالب لمايلى هذه المرحلة من مراحل حياته.
أهمية دراسة علوم التربية الإسلامية:
1- توجه علوم التربية الإسلامية الطالب نحو معرفة دين الإسلام فهو الشريعة التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى لخلقه فإن عملوا بها واتبعوا ماجاء فيها نالوا السعادة الدنيوية والأخروية وإن تركوها وراء ظهورهم ولم يعملوا بها أدركهم الشقاء في الدنيا والعقاب الشديد في الآخرة قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1) .
2- تغرس علوم التربية الإسلامية في الطالب العقائد الصحيحة فيعلم أن الله تعالى خالقه ورازقه ومنعم عليه ويؤمن بأن الرب سبحانه وتعالى هو المتفرد بالخلق والملك والتدبير، ويؤمن بأن الله تعالى هو المعبود المستحق للعبادة قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ... } (2) ويؤمن بكل ما ورد في القرآن الكريم والحديث الصحيح من صفات الله تعالى التي وصف نفسه بها ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم على الحقيقة من غير تأويل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ويؤمن بأركان الإيمان وهي: الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
__________
(1) سورة الأنعام، الآية (153) .
(2) سورة البينة، الآية (5) .(40/343)
3- تصون علوم التربية الإسلامية فطرة الولد من الزيغ والانحراف حيث يولد على الفطرة النقية الصافية فطرة الإسلام قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (1) .
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء" (2) . وهذه الفطرة التي زودها الله تعالى لخلقه هي براءة المولود وسلامته واستعداده للتوحيد والإسلام ومعرفة الله تعالى مؤهلاً لقبول الحق. ولولا المحرفين لهذه الفطرة لما عاند مخلوق ربه فيما أرسل به رسله عليهم الصلاة والسلام.
وقد أشار إلى هذه المعاني ابن تيمية رحمه الله في كتبه.
وقال ابن الأثير رحمه الله: "إن الإنسان يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيئ لقبول الدين فلو تُرك عليها لاستمر على لزومها وإنما يعدل عنه من يعدل بالآفة من آفات البشر والتقليد".
4- تكسب علوم التربية الإسلامية الطالب الأخلاق الحميدة، والسجايا الرفيعة، والفضائل الكريمة، التي تمكنه من إقامة العلاقات الحسنة مع كافة الناس، وبالأخلاق الحسنة تقوى صلة الطالب بربه تعالى، وقد ذكر العلماء مبادئ حسن الخلق في معاملة الخالق والخلق وأجملوها في الأمور التالية:
حسن الخلق في معاملة الخالق: تجمع في ثلاثة أمور:
أ- تلقي أخبار الله بالتصديق.
ب- تلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق.
ج- تلقي أقداره بالصبر والرضا.
وحسن الخلق مع الخلق: تجمعها هذه الأمور الثلاثة.
وهي قول للإمام الحسن البصري رحمه الله: "كف الأذى، وبذل الندى، وطلاقة الوجه".
__________
(1) سورة الروم، الآية (30) .
(2) رواه البخاري- كتاب الجنائز ج (1) /1292/456 واللفظ له، ورواه مسلم- كتاب القدر ج (4) /2658/2047.(40/344)
5- يرى علماء الإسلام أهمية تدريس علوم التربية الإسلامية للناشيء وضرورتها وفرضيتها لأنها العلم العيني - الفرضي - الذي يجب على المسلم معرفته والتفقه فيه وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" (1) فبدونها يصبح ميتاً لاحياة فيه كالإنسان بلا روح. وقد ذكر العلماء من ضمن قواعدهم قولهم: مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ وعلى هذا الأساس تعليم علوم التربية الإسلامية واجب عظيم ومسؤولية هامة لأنها الوسيلة لتطبيق الواجبات والفرائض الدينية على علم وبصيرة وتعويد الناشىء المسلم على أداء كافة العبادات منذ نعومة أظفاره.
6- تزيل علوم التربية الإسلامية عن الطالب الجهل عن نفسه لأن الأصل فيه الجهل وعدم العلم لقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2) فإذا تعلم هذه العلوم الدينية رفع الجهل عن نفسه ونال خشية الله عز وجل.
... قال الإمام أحمد رحمه الله: "العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته"قالوا: كيف ذلك؟ قال: "ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره".
... وينبغي له أن يُعلِّم نفسه أولاً، ثم يعمل بعلمه ثانيا، ثم يُعلِّم غيره فتتعدى منفعته ليس على نفسه فقط بل على مجتمعه وأمته وينال بفعله هذا أجراً عظيماً ويصبح من العلماء المجاهدين الربانيين وإذا نظرنا إلى مناهج علوم التربية الإسلامية نرى أنها ليست كبقية المناهج الأخرى تبدأ عند فترة زمنية معينة ثم تنتهي في فترة أخرى لأنها من العلم الذي يلازم الإنسان طوال حياته منذ صباه حتى وفاته.
__________
(1) رواه البخاري- كتاب العلم ج (1) - 71/39، ورواه مسلم- كتاب الزكاة ج (2) -1037/718.
(2) سورة النحل، الآية (78) .(40/345)
7- تكوين الوازع الديني أو الضمير الخلقي والمسئولية الربانية في نفس الطالب فيكون ذا بصيرة عقلية وعلمية للتمييز بين الخير والشر، والحق والباطل، والطيب والخبيث، والحسن والقبيح وتحفيزه إلى المسارعة في فعل الخيرات والعمل الصالح.
مكانة منهج علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي:
إن منزلة ومكانة علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي تتضح من الرجوع إلى الخطة الدراسية المعمول بها حالياً حيث تهتم وزارة المعارف وهى الجهة المشرفة على التعليم العام في المملكة العربية السعودية بعلوم التربية الإسلامية اهتماماً كبيراً ولم يكن توزيع هذه المواد ووضع أهدافها وتوجيهاتها في الخطة الدراسية يسير بطريقة تلقائية عفوية وبصورة اجتهادية لاتقوم على أسس تربوية نظامية بل إن الحقيقة على خلاف ذلك.
عرض وتحليل خطة الدراسة لمرحلة التعليم الإبتدائي:
في عام 1345هـ الموافق 1926م جرى إعداد أول منهج دراسي للمدرسة الإبتدائية قبل تأسيس المملكة العربية السعودية وكان من أهم خصائصه عنايته بالعلوم الدينية فقد صمم ليخرج طلاباً متمسكين بتعاليم دينهم الحنيف.(40/346)
وفي عام 1349هـ صدر منهج جديد وخطة جديدة للمدارس الإبتدائية وقد أدخلت إلى هذه الخطة مواد ومقررات جديدة وأضيفت إليها تعديلات كثيرة عبر مرور سنوات عديدة حتى قيام وزارة المعارف السعودية في عام 1373هـ-1953م ثم رأت الوزارة تعديل الخطة الدراسية في المرحلة الإبتدائية والبدء بتأليف كتب دراسية لها وذلك عام 1375هـ الموافق 1955م وقد استمرت هذه الخطة مطبقة حتى عام 1377هـ حيث جرى تعديلها بعد ذلك بإدخال مواد جديدة وحذف أخرى ثم جرى وضع منهج جديد للمرحلة الإبتدائية في عام 88/1389هـ-1969م ثم صدر قرار اللجنة العليا لسياسة التعليم بتطبيق خطة دراسية جديدة للمرحلة الإبتدائية ابتداء من العام الدراسي 1399هـ الموافق 1979م حتى استقرت أخيراً الخطة الدراسية لمرحلة التعليم الإبتدائي كما يوضحها الجدول الآتي:
الخطة الدراسية للمرحلة الابتدائية في التعليم العام للبنين في المملكة العربية السعودية
المواد
الفرع
الصفوف الدراسية
العلوم الدينية
الأول
الثاني
الثالث
الرابع
الخامس
السادس
الفصل الأول*
الفصل الثاني
القرآن
7
7
7
7
7
3
3
التجويد
-
-
-
-
-
1
1
التوحيد
-
1
1
1
1
2
2
الفقه
-
1
1
1
1
2
2
الحديث
-
-
-
-
-
1
1
السلوك والتهذيب
2
-
-
-
-
-
-
المجموع
9
9
9
9
9
9
9
علوم اللغة العربية
الهجاء والكتابة
-
-
7
-
-
-
-
القراءة والمطالعة
12
11
-
3
3
2
2
الأناشيد والمحفوظات
-
-
2
2
1
1
1
الإملاء
-
-
-
2
2
1
1
الخط
-
-
-
1
1
1
1
التعبير والإنشاء
-
-
-
1
1
1
1
القواعد
-
-
-
-
1
2
2
المجموع
12
11
9
9
9
8
8
الاجتماعيات
جغرافيا
-
-
-
-
1
1
1
التاريخ
-
-
-
-
1
1
1
المجموع
-
-
-
-
2
2
2
الرياضيات
2
4
4
4
5
5
5
العلوم والتربية الصحية
-
1
2
2
2
3
3
الرسم والأشغال
2
1
2
2
1
1
1
التربية الرياضية
3
2
2
2
2
2
2
المجموع الكلي
28
28
28
28
30
30
30(40/347)
* وفق الخطة المعدلة والتي تم تعميمها على جميع طلاب الصف الأول الإبتدائي إعتباراً من العام الدراسي 1416/1417هـ
وسوف يتم تناول دراسة خطة الدراسة لعلوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي في الجوانب التالية:
أولاً: المواد وأهميتها والزمن المقرر لها.
ثانياً: تحليل المحتوى والمضمون لمواد علوم التربية الإسلامية.
ثالثاً: مدى مراعاة المحتوى لبعض المبادئ التنظيمية التربوية الهامة.
أولاً: المواد وأهميتها والزمن المقرر لها:
1- مواد علوم التربية الإسلامية التي يدرسها الطالب في مرحلة التعليم الإبتدائي:
الصف الدراسي
مواد علوم التربية الإسلامية التي يدرسها الطالب في مرحلة التعليم الإبتدائي
الزمن
الأول
القرآن الكريم – التوحيد – الفقه – السلوك والتهذيب
9 حصص
الثاني
القرآن الكريم – التوحيد – الفقه
9 حصص
الثالث
القرآن الكريم – التوحيد – الفقه
9 حصص
الرابع
القرآن الكريم – التوحيد – الفقه
9 حصص
الخامس
القرآن الكريم – التجويد – التوحيد – الفقه - الحديث
9 حصص
السادس
القرآن الكريم – التجويد – التوحيد – الفقه - الحديث
9 حصص
المجموع
54 حصة
2- أن ماخصص لدراسة علوم التربية الإسلامية يبلغ أربع وخمسون (54) حصة.
وذلك من جملة مايدرسه الطالب في جميع السنوات الست التي يقضيها في المرحلة الإبتدائية وقد بلغ مايدرسه من الساعات (الحصص) في جميع المواد الدراسية ماعدا علوم التربية الإسلامية مائة واثنتين وعشرين (122) حصة. ... وخصص لكل سنة دراسية لدراسة علوم التربية الإسلامية تسع حصص، ابتداءً من السنة الأولى حتى السنة السادسة.
3- أن نسبة مايدرسه الطالب من علوم التربية الإسلامية من عدد الحصص الكلية لبقية المواد يتضح في الجدول الآتي:
جدول رقم (1) (ما يدرسه الطالب من علوم التربية الإسلامية)
عدد الساعات (الحصص)
النسبة
عدد (الحصص) لمواد علوم التربية الإسلامية في جميع السنوات.
54 حصة
30.7(40/348)
عدد (الحصص) لبقية المواد التي يدرسها الطالب في جميع السنوات.
122 (حصة)
69.3
المجموع
176حصة
100%
وهذه النسبة التي تشكل 30.7% تدلنا على أن ثلث مايقدم للطالب تقريباً في هذه المرحلة من مواد يدرسها هى لمواد علوم التربية الإسلامية وهذا يتمشى مع السياسة التعليمية للمملكة العربية السعودية ومع أهدافها لمرحلة التعليم الإبتدائي.
4- أن عدد (حصص) علوم اللغة العربية تعادل مايدرسه الطالب من علوم التربية الإسلامية تقريباً حيث يدرس الطالب (55) حصة أو (54) حصة.
وهذا يعني أن نسبتها في الخطة الدراسية يعادل 30.7% فإذا أضفنا ذلك إلى نسبة مايتعلمه الطالب من مواد علوم التربية الإسلامية فإن النسبة تصل إلى 61.4% وهذا يتعدى نصف الخطة الدراسية لمنهج المرحلة الإبتدائية في المملكة أي نصف المقرر الدراسي الذي يقدم للطالب خلال رحلته الدراسية التي تستمر ست سنوات من عمره ومن المعلوم أن اللغة العربية ليست مادة دراسية مستقلة لوحدها وإنما هى وسيلة لتمكين الطالب من فهم كافة المواد والعلوم الأخرى ومن أهمها علوم الشريعة الإسلامية فيعرف الطالب من خلالها الأحكام وأدلتها وفهم الموضوعات والحقائق الشرعية ودلالاتها ومقاصدها، وتأدية المعاني على الوجه الصحيح المقبول وليتدبر القرآن الكريم ويفهم معانيه قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِين بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (1) .
ولا يمكن أن نتصور انفصال تعلم اللغة العربية عن تعلم علوم التربية الإسلامية فإن العلم بالتعلم، والتعلم باللغة، وهذا يؤكد ويرسخ العناية الشاملة من الاهتمام والربط بين اللغة العربية وبين علوم التربية الإسلامية حيث أخذت النصيب الأكبر من الخطة الدراسية كما يتضح في الجدول التالي:
جدول رقم (2)
عدد الساعات (الحصص)
__________
(1) سورة الشعراء، الآيات (من 192 إلى 195) .(40/349)
النسبة المئوية
عدد (الحصص) لمواد علوم التربية الإسلامية في جميع السنوات.
54 (حصة)
30.7
عدد (الحصص) لمواد علوم اللغة العربية في جميع السنوات.
54 (حصة)
7, 30
المجموع
108 (حصة)
61.4
عدد (الحصص) لبقية المواد التي يدرسها الطالب في جميع السنوات.
68 (حصة)
38.6
5- يظهر من خلال استعراض الخطة الدراسية لمواد علوم التربية الإسلامية أنها مواد دراسية أساسية في جميع السنوات يدرسها الطلاب ويقدمون فيها اختباراً في نهاية كل فصل دراسي يترتب عليه نجاحهم أو رسوبهم وتحسب درجات اختبارهم في هذه المواد ضمن مجموع درجاتهم للمواد الأخرى التي يدرسونها على خلاف ما يوجد في بعض الدول التي تدرس العلوم الإسلامية تحت مسمى مادة واحدة يطلق عليها «الثقافة الإسلامية» أو «التربية الإسلامية» وليست لها أهمية في مجموع درجات الطالب.
6- خلت الخطة الدراسية لمرحلة التعليم الإبتدائي من الزمن المخصص للنشاطات الصفية واللاصفية، ومن هنا لابد أن يطبق الطالب عمليا مادرسه من موضوعات دينية ويمارسها في سلوكه اليومي ويظهر أثرها في علاقته مع معلميه ومع زملائه من الطلاب.
ثانياً: تحليل المحتوى والمضمون لمواد علوم التربية الإسلامية:
إن دراسة محتوى ومضمون مواد علوم التربية الإسلامية لابد أن يرتبط بدراسة موضوعات الكتاب المدرسي الذي يدرسه الطالب، وهذا ما سوف يتم دراسته في هذا البحث والتركيز عليه ويعتبر من أهم عناصر المنهج، أما ماذكره أصحاب الخبرة والإختصاص من التربويين من ارتباط عناصر المنهج الأخرى ببعض كالطرق والأساليب المتبعة في التدريس والتقويم والأسس والأهداف التربوية فلن يتم دراستها في هذا البحث إلا بالقدر اليسير الضروري وهو ليس من أغراض هذه الدراسة.
الموضوعات التي يدرسها الطلاب في جميع مواد علوم التربية الإسلامية
جدول رقم (3) الموضوعات التي يدرسها الطالب في (مادة القرآن الكريم)
السنة الدراسية
الموضوعات التي يدرسها الطالب
الأولى(40/350)
الحفظ/ يحفظ الطلاب من سورة الناس إلى آخر سورة الزلزلة مع حفظ سورة الفاتحة.
التلاوة/ يتلو الطلاب من سورة البينة إلى آخر سورة الفجر.
الثانية
الحفظ/ يحفظ الطلاب من أول سورة البينة إلى آخر سورة الفجر.
التلاوة/ يتلو الطلاب من أول سورة الغاشية إلى آخر سورة النبأ.
الثالثة
الحفظ/ يحفظ الطلاب من أول سورة الغاشية إلىنهاية سورة البروج.
التلاوة/ يتلو الطلاب الجزأين التاسع والعشرين والثامن والعشرين.
الرابعة
الحفظ/ يحفظ الطلاب من أول سورة الإنشقاق إلى نهاية سورة المطففين.
التلاوة/ يتلو الطلاب الأجزاء التالية: السابع والعشرين، والسادس والعشرين، والخامس والعشرين.
الخامسة
الحفظ/ يحفظ الطلاب سورتي الإنفطار والتكوير.
التلاوة/ يتلو الطالب الأجزاء التالية: الرابع والعشرين، والثالث والعشرين، والثاني والعشرين.
السادسة
الحفظ/ يحفظ الطلاب سورتي عبس والنازعات.
التلاوة/ يتلو الطلاب الأجزاء التالية: الحادي والعشرين، والعشرين، والتاسع عشر.
جدول رقم (4) الموضوعات التي يدرسها الطالب في (مادة التجويد)
السنة الدراسية
الموضوعات التي يدرسها الطالب
الرابعة
أحكام النُّون الساكنة والتنَّوين (الإظهار، الإدغام، الإقلاب، الإخفاء، حكم النون والميم المشدَّدتين، أحكام اللامات والسواكن.
الخامسة
دراسة الموضوعات السابقة، أحكام الميم الساكنة، الإخفاء وحروفه، الإدغام وحروفه، الإظهار وحروفه، المد وأقسامه.
السادسة
المد وأقسامه (المد الطبيعي، المد المتصل، المد المنفصل، مد البدل، المد العارض للسكون، مد اللين، المد اللازم الكلمي، المد اللازم الحرفي) اللامات السواكن.
من العرض السابق لمنهج مادتي القرآن الكريم والتجويد في المرحلة الإبتدائية يتبين لنا الآتي:(40/351)
1- اعتنت المملكة العربية السعودية ممثلة في وزارة المعارف بتدريس القرآن الكريم لأنه منبع كل خير، وأساس كل بر، يربى العقول، ويطهر النفوس فهو كتاب الله تعالى المصدر الأول للعقيدة والتشريع وقد دأب المسلمون منذ فجر الإسلام على تدريسه أولادهم منذ الصغر.
2- يحفظ الطالب من القرآن الكريم في مرحلة التعليم الإبتدائي مايقارب الجزء الواحد من سورة الناس إلى نهاية سورة النازعات.
3- يتلو الطالب من القرآن الكريم في مرحلة التعليم الإبتدائي اثني عشر جزءاً من سورة الناس حتى سورة الفرقان أي أكثر من ثلث القرآن الكريم.
4- إذا تمت مقارنة بين مايدرسه الطالب في المرحلة الإبتدائية من القرآن الكريم وبين مايدرسه الطالب في مدارس تحفيظ القرآن الإبتدائية لوجدنا أن هناك فرقاً شاسعاً في المقررين فالطالب في مدارس تحفيظ القرآن يحفظ ويتلو من سورة الناس إلى نهاية سورة الكهف أي خمسة عشر جزءاً، مع العلم أنه يدرس بجانب ذلك جميع المواد الدراسية الأخرى التي يدرسها زميله في المدارس الإبتدائية في التعليم العام.
5- تمكين الطالب منذ الصغر من معرفة أحكام التجويد الرئيسة والتدريب عليها التزاماً بقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} (1) ليتلو تلاوة متأنية يتمثل فيها حسن الأداء، وإخراج الحروف من مخارجها الصحيحة، ودقة الضبط، ومراعاة مواضع الوقف لإبراز المعنى.
__________
(1) سورة المزمل، الآية (4) .(40/352)
6- من الآثار التربوية التي تعود على الطالب من خلال دراسته للقرآن الكريم وتجويده لينبت نباتاً حسناً، ترسيخ المعتقدات والمفاهيم الإسلامية لهذا الدين الحنيف، وسعة العلم والتفوق على الأقران، والسمت الحسن والسلوك القويم، وشحذ الذاكرة والذهن وسرعة البديهه، وتنمية بعض المهارات كالقراءة الصحيحة، والقدرة على الحفظ والتذكر، وتعويده الفصاحة التي تعد من أهم المهارات في هذه المرحلة، فينشأ الطالب نطقه صحيحاً سليماً مجيداً لمخارج الحروف، بعيداً عن الانحرافات النطقية التي تنشأ من البيئة التي يعيش فيها، وقد دلت الأبحاث على أن الطالب في هذه المرحلة العمرية يكون عاجزاً عن الأداء الصحيح لعدم تكيف تجاويف الفم وعضلاته وعضلات اللسان مع اللغة ولهذا فإن دراسة القرآن الكريم وتجويده تعود عليه بفوائد عظيمة في صحة النطق والفصاحة (1) .
جدول رقم (5) الموضوعات التي يدرسها الطالب في (مادة التوحيد)
السنة الدراسية
الموضوعات التي يدرسها الطالب
الأولى
معرفة الرب سبحانه وتعالى، معرفة دين الإسلام، معرفة النبي صلى الله عليه وسلم.
الثانية
رسالة للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تشمل الموضوعات الآتية: الأصول الثلاثة، العبادة، مراتب الدين، الإسلام وأركانه، معنى الشهادتين، الإيمان، الإحسان.
الثالثة
__________
(1) انظر: دراسة د/ سعيد بن فالح المغامسي- دور القرآن الكريم في تنمية مهارات القراءة والكتابة لدى تلاميذ المرحلة الإبتدائية، ودراسة د/ محمد رواس قلعة جي- دور القرآن الكريم في تنمية المهارات الأساسية لتلاميذ المرحلة الإبتدائية- الكتاب السنوي الثالث- الجمعية السعودية للعلوم والتربية النفسية ص233 وص395.(40/353)
رسالة للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تشمل الموضوعات الآتية: معرفة الرب بآياته ومخلوقاته، معنى الله، معنى العبادة، الكفر بالطاغوت، العروة الوثقى، معنى لا إله إلا الله، معرفة النبي صلى الله عليه وسلم، الدين أصله وقاعدته، أركان الإسلام، أركان الإيمان، الإحسان.
الرابعة
رسالتان للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تشمل الموضوعات الآتية: تعريف التوحيد وأقسامه الثلاثة، الإسلام وأركانه ومعنى الشهادتين، أركان الإيمان، الإحسان، أنواع العبادة، الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، معنى الرشد والغي.
الخامسة
الأصول الثلاثة وأدلتها للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (مسائل في العلم والعمل) المسائل الثلاث التي يجب معرفتها والعمل بها، معنى الحنيفية، أنواع العبادة وأدلتها، البعث والحساب، إرسال الرسل عليهم السلام.
السادسة
دراسة ثلاث رسائل للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
الرسالة الأولى تشمل موضوعات عديدة منها: الحكمة من خلق الخلق، العبادة، أقسام التوحيد، الشرك وأنواعه، الكفر وأنواعه، النفاق وأنواعه.
الرسالة الثانية تشمل الموضوعات التالية: القواعد الأربع في بعض المسائل العقدية المتعلقة بالكفار، الشفاعة وأنواعها.
الرسالة الثالثة تتعلق موضوعاتها بنواقض الإسلام العشرة.
من العرض السابق لمنهج مادة التوحيد في المرحلة الإبتدائية يتبين لنا الآتي:
1- أن مايدرسه الطالب من موضوعات لهذه المادة يتمشى مع السياسة التعليمية للمملكة التي نصت على التالي (غاية التعليم في هذا البلد الكريم فهم الإسلام فهماً صحيحاً متكاملاً وغرس العقيدة الإسلامية ونشرها وتزويد الطالب بالقيم والتعاليم الإسلامية وبالمثل العليا) .(40/354)
ويتمشى مع أهداف التعليم الإبتدائي للمملكة فقد جاء الهدف الأول منها على النحو التالي: (تعهد العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفس الطفل ورعايته بتربية إسلامية متكاملة في خلقه وجسمه وعقله ولغته وانتمائه إلى أمة الإسلام) .
2- أن موضوعات هذا المنهج تدور حول ترسيخ وتثبيت عقيدة التوحيد في نفوس الطلاب؛ هذه العقيدة التي تقوم على مذهب أهل السنة والجماعة والسلف الصالح والفرقة الناجية والتي عليها مدار الدين والنجاة.
3- جاء عرض الموضوعات العلمية لمادة التوحيد للسنة الأولى بطريقة مشوقة عن طريق الحوار - السؤال والجواب -.
أما في السنة الثانية فقد جاءت عناصر الموضوع في جمل قصيرة سهلة المضمون يسهل حفظها.
أما في السنة الثالثة فقد اعتمدت الطريقة التي اتبعت في السنة الأولى وهى طريقة -السؤال والجواب-.
أما في السنة الرابعة فقد اعتمدت طريقة الشرح والتفصيل نوعاً ما، وهذا ما يناسب خصائص النمو لدى الولد في هذه المرحلة من القدرة على القراءة الجيدة والحفظ وسعة الخيال وفهم المعاني المجردة والأمور الغيبية.
أما في السنتين الخامسة والسادسة فقد حشدت موضوعات المادة بالأدلة لكل موضوع من القرآن والسنة تبعاً لطريقة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في تأليف رسائله وإذا نظرنا إلى المنهج في جميع السنوات الست فإننا نجده خالياً من التمرينات والتطبيقات التي تعين التلميذ على حفظ المادة وفهمها على خلاف مادتي الفقه والتجويد مثلاً.
جدول رقم (6) الموضوعات التي يدرسها الطالب في (مادة الفقه)
السنة الدراسية
الموضوعات التي يدرسها الطالب
الأولى
الوضوء، كيفية الوضوء، الصلاة، التشهد الأول، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، التشهد الأخير، الصلوات المفروضة وعدد ركعاتها، مبطلات الصلاة.
الثانية(40/355)
الاستنجاء والاستجمار، صفة الوضوء، نواقض الوضوء، الصلوات المفروضة وكيفيتها، دعاء الاستفتاح، التشهد والصلاة على النبيصلى الله عليه وسلم، مبطلات الصلاة.
الثالثة
آداب قضاء الحاجة، الاستنجاء والاستجمار، شروط الوضوء، فروض الوضوء، أوقات الصلاة، شروط الصلاة، أركان الصلاة، واجبات الصلاة.
الرابعة
الوضوء وشروطه ونواقضه، شروط الصلاة، الأذان والإقامة، أركان الصلاة وأدلتها، تفسير سورة الفاتحة، التشهد والصلاة على النبيصلى الله عليه وسلم.
الخامسة
أقسام المياه، المسح على الخفين، التيمم، أداب المشي إلى الصلاة، صفة الصلاة، الأشياء المكروهة في الصلاة، مسنونات الصلاة، سجود السهو، صلاة الجماعة، أحكام الإمامة، من يعذر في ترك الجمعة والجماعة، صلاة أهل الأعذار، السنن والرواتب، أوقات النهي عن الصلاة.
السادسة
باب صلاة الجمعة، صلاة العيدين، صلاة الكسوف، صلاة الاستسقاء، صلاة الجنائز، باب الزكاة، باب الصوم، باب الحج، أركان الحج، أركان العمرة.
من العرض السابق لمنهج مادة الفقه في المرحلة الإبتدائية يتبين لنا الآتي:
1- أن ما يدرسه الطالب من موضوعات لهذه المادة يتمشى مع أهداف التعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية وقد دلت بعض الأهداف على تحقيق المطالب التالية: (تدريب الطالب على إقامة الصلاة وأخذه بآداب السلوك والفضائل، توليد الرغبة لديه في الازدياد من العلم النافع والعمل الصالح، تنمية وعيه ليدرك ما عليه من واجبات وما له من الحقوق في حدود سنّه) .(40/356)
2- إن الناظر لمنهج مادة الفقه عبر السنوات الست التي يدرسها الطالب في مرحلة التعليم الإبتدائي يلاحظ التركيز على موضوعات الطهارة، والوضوء، وأداء الصلاة، التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام وهذا من أجل تعويد الطالب منذ الصغر على أداء الفرائض والواجبات الدينية، وإذا كانت الصلاة لا تلزم الصغير لعدم تكليفه بها فإن منهج التربية في الإسلام يوجب على كل من يتولى رعاية الطفل والإشراف عليه أن يدربه على أداء الصلاة ويعوده ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع".
... وهذا التعويد المبكر لإقامة الصلاة الذي يتناسب مع هذه المرحلة التعليمية يكسب الطالب العديد من الخصال الخيرة، والصفات الحسنة كالطاعة والنظام، والعفة والطهارة، والطمأنينة والسكينة، والحيوية والنشاط، واستحضار عظمة الله عز وجل ودوام الصلة به، والشعور بحلاوة الإيمان، فتتأصل في نفسه هذه العبادة العظيمة وتضيء له من نورها في طريق حياته ومستقبله.
3- عرضت المسائل العلمية لمادة الفقه وفق مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله دون الرجوع إلى رأي المذاهب الأخرى فالطالب في هذه المرحلة لا يُمكِّنه سِنّه من عرض الموضوع ومناقشته على ضوء المذاهب الفقهية الأخرى والتعرض للآراء المتعددة في المسألة الواحدة والترجيح بينها، والتي قد تشوش فهمه للمادة، وقد رجع مؤلفوا منهج المادة إلى عدة مراجع هامة في المذهب كزاد المستقنع لموسى الحجاوي، والروض المربع لمنصور البهوتي، والمغني لابن قدامة.(40/357)
4- كما جاء عرض موضوعات الكتاب في السنة الأولى بطريقة مشوقة عن طريق الحوار -السؤال والجواب- حيث وضعت العناوين باللون الأخضر وكتبت الأسئلة باللون الأزرق والإجابة باللون الأسود وهذا الإخراج الفني بتعدد الألوان ماهو إلا وسيلة تعليمية جذابة تساعد الطالب على الحفظ والاستذكار والفهم وتعينه على الانتباه والتركيز.
أما في السنة الثانية فقد اتبعت نفس الطريقة وهى طريقة الحوار في تقديم المحتوى، وفي السنوات الأخرى من السنة الثالثة حتى السنة السادسة اختلفت الطريقة من أسلوب الحوار إلى طريقة أخرى تتضح في الفقرة التالية.
5- عرض المعلومات في جمل قصيرة أو طويلة واضحة المعنى بعيدة عن التعقيد مع شرح للمصطلحات الفقهية وربطها بالواقع المعاصر والاستعانة بالوسائل التعليمية.
... وهذه بعض الأمثلة التي تدل على ذلك:
أ- دخول الوقت: لكل صلاة من الصلوات الخمس وقت معين من الليل والنهار ولكل وقت بداية ونهاية حسب الترتيب التالي:
الصلوات ... ... أول الوقت ... ... ... ... آخره
الظهر ... من زوال الشمس عن وسط السماء ... إلىأن يصيرظل كل شيء مثله
ورُسم في الكتاب وسيلة إيضاحية عبارة عن شجرة وشمس مشرقة وأرض فضاء ثم ظل هذه الشجرة وقد كتب على هذه اللوحة مايلي: (طول الشجرة 1.5سم والظل 1.5سم) .
ب- عرضت وسيلة إيضاحية لبيان موقف الإمام والمأمومين اثناء الصلاة في عدة أشكال توضيحية الأولى منها تبين موقف الإمام في جماعة من الرجال، والثانية تبين موقف الإمام إذا كان المأموم واحداً والثالثة تبين موقف الإمام إذا صلى برجل وامرأة والرابعة تبين موقف الإمام والمأمومين في مسجد يضم الرجال والنساء.
ج- توضيح معاني بعض المصطلحات مثل:
... الاستنجاء والاستجمار- الحاقن والحاقب - فرض الكفاية وفرض العين- المسبوق (صلوا في رحالكم) . القلتان = 5 قرب =15 تنكة = 270 لتراً = 0.25 طن.(40/358)
.. نصاب الذهب أحد عشر جنيها سعوديا وثلاثة أسباع الجنية ويساوي 85 جراماً ونصاب الفضة مائتا درهم وتساوي (56) ريالاً سعودياً.
6- أما من ناحية التدريبات والتطبيقات للمقرر فقد خلا منها منهج مادة الفقه في الثلاث السنوات «الأولى والثانية والثالثة» أما في السنوات الثلاث الأخرى «الرابعة والخامسة والسادسة» فقد ضمت بعض التدريبات والتمارين المفيدة لموضوعات المقرر والتي تعين الطالب على حفظ المادة وفهمها واستذكارها.
جدول رقم (7) الموضوعات التي يدرسها الطالب في (مادة الحديث)
السنة الدراسية
الموضوعات التي يدرسها الطالب
الخامسة
يدرس الطالب عشرين حديثاً تدور حول أركان الإسلام وأحكامه وآدابه.
الفصل الدراسي الأول يضم من الأحاديث:
الحديث الأول بعنوان «الإخلاص في العمل» إلى الحديث العاشر بعنوان «فضل زيارة المريض» .
أما الفصل الدراسي الثاني فيضم من الأحاديث:
الحديث الحادي عشر بعنوان «النظافة في الإسلام» إلى الحديث العشرين بعنوان «فضل الغَرْسِ والزرع» .
السادسة
يدرس الطالب عشرين حديثاً تدور حول العقيدة الإسلامية والدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.
الفصل الدراسي الأول يضم من الأحاديث:
الحديث الأول بعنوان «الإيمان والإستقامة» إلى الحديث العاشر بعنوان «فضل تعلم القرآن وتعليمه» .
أما الفصل الدراسي الثاني فيضم من الأحاديث:
الحديث الحادي عشر بعنوان «تأثير الأصدقاء على الإنسان» إلى الحديث العشرين بعنوان «وجوب محبة المسلم لأخيه» .
من العرض السابق لمادة الحديث في المرحلة الإبتدائية يتبين لنا الآتي:(40/359)
1- أن مايدرسه الطالب من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد مايدعو إليه المقرر الدراسي من أهداف وتوجيهات لبيان أهمية السنة النبوية كمصدر هام من مصادر التشريع الإسلامي فقد جاء في البند الحادي عشر ما يلي «أن يدرك التلاميذ أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المصدر الثاني في التشريع الإسلامي» فليست أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا لبيان ماجاء في القرآن الكريم وبيان التفاصيل التي لم ترد فيه قال تعالى: { ... وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (1) .
وقد وردت الأدلة الكثيرة على حجيتها فهى المصدر الثاني من مصادر الشريعة الإسلامية يستمد من فيضها العقيدة، ومن نبعها الأحكام والتشريعات، ويستقي منها أسس التربية وأصول الفضائل والأخلاق الحميدة، قال تعالى: { ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ... } (2) .
2- اشتمل محتوى المادة على الكثير من آداب السلوك الإسلامي وفضائله ولاشك أن تحلى الطالب في هذه المرحلة بتلك الآداب والفضائل يزيد في جمال سلوكه، ويعزز من محاسنه ويحبب شخصيته ويدنيه من القلوب والنفوس كما أرشد إلى ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام رضي الله عنهم فقال لهم: "إنكم قادمون على إخوانكم فأحسنوا لباسكم، وأصلحوا رحالكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس، فإن الله لا يُحب الفُحشَ ولا التفحَّش" (3) .
وهذه بعض الأمثلة على سبيل الاستشهاد وليس الحصر لتلك الآداب التي يدرسها الطلاب في هذا المقرر:
__________
(1) سورة النحل، الآية (44) .
(2) سورة الحشر، الآية (7) .
(3) رواه أبو داود –كتاب اللباس- ج (4) - 4089/348-350.(40/360)
آداب قضاء الحاجة، النهي عن المسألة، حق الجار على الجار، التحذير من الغضب، بر الوالدين وتحريم عقوقهما، من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه، فضل زيارة المريض، النظافة في الإسلام، الكلمة الطيبة صدقة، النهي عن تعذيب الحيوان، من آداب الأكل، من أداب العطاس، الترغيب في الصدق والتحذير من الكذب، تحريم الغيبة، فضل السلام والأمر بإفشائه، فضل الغَرْس والزَّرْع، الإيمان والاستقامة، الحياء مفتاح كل خير، فضل الذكر، حسن الخلق، محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، العفو والتسامح، تحريم الهجر في الإسلام، فضل تعلم القرآن وتعليمه، تأثير الأصدقاء على الإنسان، حفظ اللسان واليد من التعدي، وجوب طلب العلم، حق الطريق، آداب الاستئذان، الرحمة بالناس.
3- إن طريقة عرض الدروس صارت في الكتاب المقرر على وتيرة واحدة وهي تمثل الخطوات التالية:
أ- قراءة نص الحديث.
ب- التعريف براوي الحديث.
ج- بيان معاني الكلمات الواردة في الحديث.
د- ذكر التوجيهات والفوائد المستنبطة من الحديث.
وقد خلت من المعنى الإجمالي للحديث وهى خطوة هامة عند تعرض المعلم لشرح الحديث شرحاً إجمالياً لطلابه وعند تحضيره لدرسه في كراسة التحضير واتباعه الخطوات التالية في التحضير (التمهيد-المقدمة-العرض-الاستنباط والملخص-التقويم) .
4- يحتاج معلم المادة إلى توضيح بعض الطرق العملية وتزويده بها حتى يستعين بها عند شرحه للدروس مثل:
أ- أن يطلب من الطلاب بيان معاني الكلمات من قبلهم وأن يضعوها في جمل مفيدة حيث أن هذا الأسلوب يؤدي إلى رسوخ معناها في أذهانهم.
ب- أن يعطي المعلم الفرصه للتلاميذ للتوصل بأنفسهم إلى الأحكام والآداب والفضائل والسلوكيات التي يشتمل عليها الحديث لتنمية مهارة استنباط الأحكام الشرعية العملية لديهم من الأحاديث النبوية الشريفة.
ج- أن يربط المعلم تلك الآداب والأحكام بواقع الحياة لكي يتمثلها ويطبقها التلاميذ في حياتهم العامة والخاصة.(40/361)
ثالثاً: مدى مراعاة المحتوى لبعض المبادئ التنظيمية التربوية الهامة:
إذا نظرنا لمحتوى مواد علوم التربية الإسلامية في المرحلة الإبتدائية فإننا نستطيع أن ندرك مراعاته لبعض الأسس والمبادئ التربوية التنظيمية التي توافق وتناسب هذه المرحلة التعليمية، وقبل البحث عن هذه المبادئ التربوية لابد أن نتطرق إلى تعريف المحتوى فقد ذكر الخبراء بأنه القدر من المعارف والمعلومات والخبرات والمهارات والقيم التي يقع عليها الأختيار من قبل المختصين والتي تحقق النمو الشامل للمربّي والتي تم ترتيبها وفق تنظيم معين.
وهناك تنظيمان رئيسان لترتيب المعارف والخبرات داخل المحتوى هما:
أ- التنظيم المنطقي:
ويقصد به الترتيب للخبرات والمعلومات التي يضمها المحتوى وفق المادة نفسها بحيث يبين بعضها بعضاً بصوره استنباطية أو وفق أساس معين يتمثل في التتابع الزمني كأن تسير هذه المعلومات من القديم إلى الحديث، أو من السهل إلى الصعب، أو من البسيط إلى المعقد، أو غيره من أسس الترتيب.
وقد راعى منهج علوم التربية الإسلامية لمرحلة التعليم الإبتدائي في المملكة هذا التنظيم مراعاة جيدة ففي مادة التوحيد مثلاً للصف الأول يترقى تعليم الطفل من معلومات مبسطة سهلة تأتي بطريق الحوار على النحو التالي:
س1) من ربك؟ ج1) ربّي الله، س2) ما دينك؟ ج2) ديني الإسلام، س3) من الرسول الذي أرسله الله إلينا؟ ج3) الرسول هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
إلى معلومات عالية المستوى والدقة وتحتاج إلى فهم عميق في الصفين الخامس والسادس ومثال ذلك:
توحيد الألوهية هو توحيد الله تعالى بأفعال العباد كالدعاء، والنذر، والنحر، والرجاء، والخوف، والتوكل والرغبة والرهبة والإنابة.(40/362)
توحيد الأسماء والصفات هو الإيمان بكل ما ورد في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة من أسماء الله وصفاته التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم على الحقيقة وعدم التعرض لها بشيء من التكييف أو التعطيل واعتقاد أن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وهناك مثال آخر لمادة الفقه حيث يُراعى هذا الترتيب المنطقي في تقديم موضوعات المادة فيدرس الطالب أولاً موضوعات الطهارة وأداب قضاء الحاجة، ثم يلي ذلك معرفة الوضوء وشروطه وفروضه، ثم يلي ذلك معرفة الصلاة وشروطها وأركانها وواجباتها، وذلك في الأربع السنوات الأولى من هذه المرحلة حتى إذا أتمها يأخذ في السنتين الأخيرتين الخامسة والسادسة بعض الموضوعات الفقهية بصورة موسعة لصلاة العيدين وصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء وموضوعات الزكاة والصوم والحج والعمرة، كما يُعنى عند تدريس الوضوء أن يسبقه دراسة أحكام الطهارة وعند تدريس الصلاة لابد أن يسبقها أحكام الطهارة والوضوء وهكذا.
ونلاحظ من خلال استعراض المحتوى الدراسي لمنهج علوم التربية الإسلامية أنه راعى مايلي:
أ- الأصول العقدية في الإسلام التي يجب أن يعتنقها التلاميذ.
ب- المواقف التعبدية التي تؤدي بالولد أن يمارس عباداته بصورة صحيحة.
ج- الخبرات التعليمية والتطبيقية التي تؤدي بالتلاميذ إلى تغيير وتعديل في سلوكهم وإكسابهم العادات والمهارات والقيم النافعة والأخلاق الإسلامية.
ب - ... التنظيم النفسي:
... التنظيم السابق يراعي محتوى المادة العلمية وترتيبها منطقياً أما التنظيم النفسي فإنه يراعى حاجات المتعلم وميوله واهتماماته وهو يهتم بكل ما يتصل بالطفل ويؤدي إلى تكوينه السليم.(40/363)
وعند بناء محتوى المنهاج فإنه يؤخذ في الاعتبار الاستعانة بهذين النوعين على الرغم من اختلافهما فيذكر أحد الخبراء والمختصين في المناهج أنه لاتبني المقررات الدراسية على مجرد التنظيم المنطقي للمادة الدراسية بل يراعى التنظيم النفسي (السيكولوجي) للتلميذ.
ويذكر أحدهم أن كثيراً من النقد الذي يوجه إلى مناهج المادة الدراسية يتسم بالمبالغة ذلك أن أحداً من دعاة المناهج لم يناد بسلبية التلاميذ أو إهمال الأهداف التربوية وعدم العناية بالنواحي العملية والتطبيقات السلوكية بل إن مراعاة هذه المبادىء جميعاً يمكن أن يتم في إطار مناهج المادة.
ويقارن بعض المختصين في المناهج الدراسية بين التنظيمين فيذكرون: أنه يحدث أحياناً تعارض بين المادة وبين الاعتبارات النفسية حين تتطلب هذه الاعتبارات نظاماً معيناً يرفضه منطق المادة، ويؤكدون على أن هذا التعارض غير موجود أصلاً أو أنه نادر جداً إذا كان موجوداً حسب قولهم، وذلك أن منطق المادة ومبادىء التنظيم النفسي قائمان على نفس الأساس وهو تسهيل الفهم على الدارس.
ومراعاة منهج علوم التربية الإسلامية للتعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية لجانب التنظيم النفسي نجده واضحاً من خلال تعليمات المنهج وتوجيهاته العامة للمواد وعلى ضوء الخبرات التعليمية المتضمنة في الكتب الدراسية.
فقد تضمن المحتوى الدراسي تشجيع الرغبات والميول والهوايات والأنشطة اللاصفية كما يتم إشباع ذلك عن طريق تكوين جماعات الأنشطة المدرسية: كجماعة البر والإحسان، وجماعة المكتبة الدينية، وجماعة نشر الدعوة الإسلامية، وجماعة الإذاعة المدرسية.(40/364)
ومن الحقائق المعلومة أن معلم التربية الإسلامية له دور كبير في توجيه سلوك التلاميذ وإكسابهم الحقائق والمعلومات الصحيحة وتدعيم القيم الدينية والاتجاهات وطرق التفكير عن طريق النشاطات السابقة، وعن طريق أخذ الطلاب إلى خارج المدرسة لمشاهدة آيات الله وقدرته في هذا الكون من أجل ترسيخ الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى وعن طريق دروس الفقه بتطبيق بعض الدروس عملياً في موضوعات الوضوء والتيمم والصلاة، والبيع والشراء واستخدام القصص الدينية لغرس المثل والفضائل.
ومن المراعاة النفسية أن غرس محتوى علوم التربية الإسلامية ينمي في نفوس التلاميذ الشعور الديني والعواطف الدينية كعاطفة الحب في الله، وعاطفة الخوف من الله تعالى إذ أنهما من أكبر الدوافع والحوافز اللتان يمكن استخدامهما في فعل الطاعات وتنفيذ المأمورات وترك المنهيات دون اللجوء إلى سلطة أو سطوة أو حاجة إلى عقاب لتنفيذ الأوامر والنواهي والتزام النظام والقانون.
ومن الأمور الهامة التي راعاها المحتوى الدراسي لعلوم التربية الإسلامية مراعاته للحاجات النفسية للطالب كالحاجة إلى المحبة والرضا، والحاجة إلى التقدير والمكانة الإجتماعية، والحاجة إلى النجاح والإنجاز، والحاجة إلى الاستقلال والحاجة إلى الفهم والمعرفة.
ولا شك إن من أهم الحاجات النفسية التي يجب اشباعها مايسمى (بالحاجة إلى الأمن) فليس هناك أقدر من إشباع هذه الحاجة وتحقيق الاستقرار النفسي والصحة النفسية للطالب من تدريس وتعليم علوم التربية الإسلامية وقد قال الله تعالى: { ... أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (1) .
وقد ذكر علماء النفس أن الولد منذ الصغر يحتاج إلى الرعاية والكفالة من قبل والديه وممن حوله من الإخوة والأقارب خصوصاً في مرحلة التعليم الأولى فإن لم يتحقق له ذلك فقد شعوره بالأمن واكتنفه الخوف فكان ذلك من أقوى العوامل للإصابة بالأمراض النفسية.
__________
(1) سورة الرعد، الآية (28) .(40/365)
ومن المبادئ التربوية التي روعيت في محتوى منهج علوم التربية الإسلامية للمملكة العربية السعودية المبادئ التالية:
أ - الاستمرار:
وهو يعني تكرار عناصر المنهاج الدراسي خلال سنوات الدراسة المختلفة بحيث تزداد صعوبة المادة كلما انتقل التلميذ من مرحلة إلى أخرى (أي من سنة دراسية إلى سنة دراسية أخرى) والأمثلة على ذلك واضحة كما ظهر في الجداول السابقة والتي تبين ترتيب موضوعات الكتاب المقرر الذي يدرسه الطالب في كل مرحلة.
ب - ... التتابع: ...
وهو أن تكون الخبرة الحالية التي اكتسبها التلاميذ مبنية على ماسبقها من خبرات وأن تكون هذه الخبرة أساساً لخبرات لاحقة، وإذا نظرنا إلى منهج علوم التربية الإسلامية في المملكة نرى أن مبدأ التتابع يتمثل تمثلاً واضحاً في الموضوعات التي يدرسها الطالب في الكتاب المقرر وعلى سبيل المثال موضوعات مادة التوحيد.
نرى الطالب يدرس في الصف الأول: معرفة الرب سبحانه وتعالى، ومعرفة دين الإسلام، ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم فهذه المعرفة القائمة في الصف الأول تعتمد على مبدأ السهولة وتزداد صعوبة وعمقاً في المراحل الأخرى كما يظهر في الجدول السابق الذي يبين ترتيب موضوعات الدراسة التي يدرسها الطالب في الكتاب المقرر.
ج - التكامل:(40/366)
ويقصد به أن ترتبط الخبرات والمعارف بعضها ببعض وتقوى العلاقات بين المواد الدراسية «وحدة المعرفة» فالموضوعات التي يدرسها الطالب في مادة القرآن الكريم يجب أن تساند موضوعات مادة التوحيد، والموضوعات التي يدرسها الطالب في مادة الحديث يجب أن تساند موضوعات مادة الفقه، فيمكن لنا أن نشرك كل خبرات المنهج ومعارفه في تنمية معرفة الطالب بأحكام الصلاة وآدابها والمحافظة على أدائها عن طريق دراستها من خلال جميع مواد وعلوم التربية الإسلامية في وحدة واحدة فيدرس الطالب في القرآن الكريم الآيات التي تحث على الصلاة وتبين حكمها وفضلها، ويدرس في الحديث النبوي أحكام الصلاة وأوقاتها وآدابها، ويدرس في الفقه آراء الفقهاء في واجباتها وسننها، وهكذا في جميع الموضوعات.
وهذا المبدأ لم يطبق تطبيقاً شاملاً في منهج المرحلة الإبتدائية في المملكة نظراً لتبويب المنهج في صورة مواد مستقلة على خلاف التنظيم المنهجي المسمى «منهج الوحدات» وقد أُخذ هذا الأمر في الاعتبار في توصيات الدراسة.
والله ولي التوفيق.
النتائج
من خلال ما تقدم يتضح بعد عرض وتحليل قضايا وعناصر البحث النتائج والتوصيات التالية:
1- حرص المملكة العربية السعودية واهتمامها بتعليم علوم التربية الإسلامية في مرحلة التعليم الإبتدائي، فهي تنظر إليه بأنه تكليف رباني تتشرف بحمله وتبليغه، فالرسالة في التعليم الإسلامي تؤكد على تلازم العلم والعمل به.
2- إدراك المملكة العربية السعودية أهمية العلم في بناء الأمة وقوتها، وقيمته في رقيها وتقدمها، وهو من أولى الأوليات في خطتها التنموية وفي نهضتها، وأن الجهل له آثار كبيرة وخطيرة في الفرقة والخلاف والتأخر الحضاري.(40/367)
3- أن علوم التربية الإسلامية في المنهج الدراسي لمرحلة التعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية، تشكل جزءاً كبيراً لا يستهان به ضمن منهج الدراسة للطالب وهي نسبة 30.7% من كامل المنهج الدراسي الذي يقدم له في هذه المرحلة.
التوصيات
1- العناية ببعض القضايا المعاصرة وإدخالها ضمن منهج علوم التربية الإسلامية في المرحلة الإبتدائية، والتي تهدف إلى تأكيد وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها، وتقوية الروابط بينها، وإيقاظ الشعور الإسلامي لديها، ووضع الحلول والمعالجة لمشكلات المجتمع المسلم.
2- إدخال بعض التحسينات على منهج علوم التربية الإسلامية والتي تتعلق بالآتي: تخصيص وقت للنشاط، استخدام الوسائل والتقنيات الحديثة، الاهتمام بالتطبيقات التربوية عن طريق المشاهدة والرحلات، استخدام أساليب متنوعة في التقويم.
3- إتباع منهج الوحدات فهو من أفضل التنظيمات المنهجية لعلوم التربية الإسلامية ففيه يختار الخبراء موضوعاً معيناً يُتخذ أساساً لوحدة مترابطة يدرسها الطلاب تشمل مواد التربية الإسلامية مجتمعة - القرآن الكريم والتوحيد والتفسير والحديث والفقه - وهذا ما دعا إليه جهاز التطوير التربوي في الإدارة العامة للمناهج حيث جاء ما نصه "ونود أن نلفت النظر إلى تبويب مناهج المرحلة الإبتدائية في صورة مواد مستقلة لا يعني انفصال بعضها عن بعض وإنما يقصد به بيان الحد الأدنى الذي ينبغي أن يحصل عليه التلميذ من المعرفة في مختلف مجالات الدراسة في هذه المرحلة من التعليم".(40/368)
4- العناية التامة بتدريس مادة تفسير القرآن الكريم فإن المتتبع لخطة الدراسة في مرحلة التعليم الإبتدائي لايجد لهذه المادة ساعات مخصصة مستقلة لها ولذا يستحسن إضافة المادة إلى خطة الدراسة ضمن منهج الوحدات الذي سبق الإشارة إليه مع الاهتمام بأن تكون هذه الموضوعات سهلة ميسرة لتفسير آيات القرآن الكريم وقد حثت توصيات المؤتمرات التعليمية الإسلامية على ذلك وجاء فيها مايلي: (العناية التامة بالقرآن الكريم حفظاً وتلاوة وفهماً باعتبار ذلك اللبنة الأولى لتكوين عقيدة المسلم وأخلاقه وأفكاره وتصوراته) .
5- العناية التامة بتدريس مادة السيرة النبوية وضمها إلى وحدة علوم التربية الإسلامية بدلاً من وحدة العلوم الإجتماعية للأسباب الآتية:
أ- دراسة السيرة النبوية من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية.
ب- قدرة معلمي علوم التربية الإسلامية على تدريس المادة من حيث إعدادهم المهني والتخصصي الذي أكسبهم قدراً عالياً ومعرفة واسعة بالعلوم الإسلامية.
ج- إن دراسة السيرة النبوية من قبل معلمي العلوم الإجتماعية قد يؤدي إلى عرض موضوعات المادة بصورة تاريخية خالية من العبر والمواعظ والتوجيه والتهذيب.
6- ضرورة إعادة النظر في خطط الدراسة ومناهجها التعليمية من قبل الجهات المشرفة على التعليم في العالم الإسلامي بإقامتها وبنائها على هدي القرآن الكريم والسنة النبوية والاستفادة من تجربة المملكة العربية السعودية لتدريس علوم التربية الإسلامية.
7- التأكيد على جميع المتخصصين في التوجيه، والإشراف التربوي، والتعليم من خبراء ومعلمين على أن قدرة الطالب العلمية لاتقاس بكثرة معلوماته وإنما بآثارها في سلوكه وعباداته ومعاملاته وتفاعله مع مجتمعه.
بحوث مقترحة
يمكن للباحثين في العلوم التربوية استكمالاً للدراسة الحالية إجراء البحوث التالية:(40/369)
1) دراسة تتبعية تحليلية للأهداف العامة والخاصة التربوية للتعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية.
2) دراسة تتبعية تحليلية للطرق وأساليب التدريس واستخدام الوسائل التعليمية في التعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية.
3) دراسة تتبعية وتحليلية لأساليب التقويم وأدواته في التعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية.
والله الموفق،،،
المراجع
أولاً: القرآن الكريم وتفسيره.
- ... ابن كثير:
... تفسير القرآن العظيم- الطبعة الأولى- الناشر/ دار الحديث- عام 1408هـ-1988م القاهرة.
ثانياً: كتب السنة وشروحها:
- ... ابن الأثير:
... النهاية في غريب الحديث- تحقيق/ طاهر أحمد الزواوي ومحمود الطناحي- الناشر/ دار الفكر للنشر والتوزيع- بيروت.
- ... أبو داود:
... سنن أبي داود ومعالم السنن للخطابي- إعداد/ عزت عبيد دعاس وعادل السيد- الطبعة الأولى- الناشر/ دار الحديث 1388هـ-1969م حمص.
- ... البخاري:
... صحيح البخاري- إشراف/ مصطفى ديب البغا- الطبعة الأولى- الناشر/ دار القلم- عام1401هـ-1981م بيروت.
- ... مسلم:
... صحيح مسلم- تحقيق/ محمد فؤاد عبد الباقي- الناشر/ دار إحياء التراث العربي عام 1374هـ-1954م القاهرة.
ثالثاً: مراجع عامة:
- إبراهيم محمد الشافعي – راشد حمد الكثيري – سر الختم عثمان علي:
المنهج المدرسي من منظور جديد – الطبعة الأولى – الناشر / مكتبة العبيكان – عام 1417هـ – 1996م – الرياض.
- ... ابن عثيمين:
... كتاب العلم- إعداد/ فهد بن ناصر السليمان- الطبعة الأولى- الناشر/ دار الثريا للنشر 1417هـ-1996م الرياض.
- ... أحمد سعيد الغامدي:
... دراسات في التربية الإسلامية- الطبعة الأولى- الناشر / دار العلوم والحكم- عام 1415هـ-1995م المدينة المنورة.
- ... أحمد عزت راجح:
... أصول علم النفس- الطبعة الثانية عشرة- الناشر/ دار المعارف- عام 1979م القاهرة.
- حامد عبد السلام زهران:(40/370)
علم النفس النمو –الطبعة الرابعة– الناشر/ عالم الكتب –1977م– القاهرة.
- حمد بن إبراهيم السلوم:
... التعليم العام في المملكة العربية السعودية - الطبعة الثانية – عام 1411هـ-1991م واشنطن.
- خليفة على السويدي – خليل يوسف الخليلي:
المنهاج (مفهومه وتصميمه وتنفيذه وصيانته) الطبعة الأولى –الناشر/ دار القلم، عام 1417هـ –1977م- دبي.
- الدمرداش عبد المجيد سرحان:
المناهج المعاصرة –الطبعة الخامسة- الناشر/ مكتبة الفلاح – عام 1405هـ –1985م – الكويت.
- سعيد بامشموس، نور الدين عبد الجواد:
... التعليم الإبتدائي- دراسة منهجية- الناشر/ دار البلاد- بدون تاريخ- جدة.
- ... سليمان بن عبد الرحمن الحقيل:
... التعليم الإبتدائي في المملكة العربية السعودية- الطبعة الثانية- الناشر/ دار الشبل للنشر والتوزيع- عام 1414هـ-1993م الرياض.
- ... عبد الرحمن النحلاوي:
... أعلام التربية في تاريخ الإسلام «ابن تيمية» الطبعة الأولى- الناشر/ دار الفكر للطباعة والنشر- عام 1406هـ-1986م دمشق.
- عبد اللطيف فؤاد إبراهيم:
المناهج أسسها وتنظيماتها وتقويم أثرها –الطبعة السادسة- الناشر/مكتبة مصر- 1984م- القاهرة.
- علي إبراهيم الزهراني – عبد الحي عمر فلاته:
النمو الإنساني ومراحله في المنهج الإسلامي –الطبعة الأولى- الناشر/دار الخضيري للنشر والتوزيع –عام 1419هـ المدينة المنورة.
- فوزي طه إبراهيم ورجب أحمد الكلزة:
... المناهج المعاصرة- الطبعة الأولى- الناشر/ مطابع الفن- عام 1983م
القاهرة.
- ... محمد صلاح الدين مجاور، فتحي عبد المقصود الديب:
... المنهج المدرسي أسسه وتطبيقاته التربوية- الطبعة الخامسة- الناشر/ دار القلم- عام 1401هـ- 1981م الكويت.
- ... محمد عبد العليم مرسي:
... المعلم والمناهج وطرق التدريس- الطبعة الأولى- الناشر / دار عالم الكتب للنشر والتوزيع- عام 1405هـ-1985م الرياض.
- ... محمد عزت عبد الموجود وآخرون:(40/371)
.. أسياسيات المنهج وتنظيماته- الناشر/ دار الثقافة للطباعة والنشر- عام 1978هـ-1979م.
- ... محمد مصطفى زيدان:
... التعليم الإبتدائي بالمملكة العربية السعودية- الطبعة الثانية- الناشر/ دار الشروق- عام 1405هـ-1985م جدة.
- محمود أحمد شوق:
أساسيات المنهج المدرسي ومهماته – الطبعة الأولى- الناشر/ دار عالم الكتب – 1416هـ –1995م – الرياض.
- مقداد بالجن:
... توجيه المتعلم إلى معالم طرق تعليم العلوم الإسلامية- الطبعة الأولى- الناشر/ دار عالم الكتب- عام 1413هـ-1992م الرياض.
رابعاً: الوثائق الرسمية والكتب المدرسية:
- ... وزارة التعليم العالي:
... توصيات المؤتمرات التعليمية الإسلامية العالمية الأربع- المركز العالمي للتعليم الإسلامي- جامعة أم القرى- الطبعة الأولى 1403هـ-1983م مكة المكرمة.
- ... وزارة المعارف:
... تطور التعليم في المملكة العربية السعودية- إعداد مركز المعلومات الإحصائية والتوثيق التربوي- عام 1417هـ-1996م الرياض.
- ... وزارة المعارف:
... سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية- الطبعة الثانية- عام 1394هـ-1974م، الرياض.
- ... وزارة المعارف:
... منهج التعليم الإبتدائي لمدارس البنين- الطبعة الثانية- الناشر/ شركة العبيكان للطباعة والنشر- عام 1408هـ-1988م الرياض.
- ... وزارة المعارف:
أ- كتاب الطالب للصف الأول الإبتدائي لمادتي التوحيد والفقه- الإدارة العامة للمناهج- طبعة عام 1418هـ-1997م.
ب- كتاب الطالب للصف الثاني الإبتدائي لمادتي التوحيد والفقه- الإدارة العامة للمناهج- طبعة عام 1418هـ-1997م.
ج- كتاب الطالب للصف الثالث الإبتدائي لمادتي التوحيد والفقه- الإدارة العامة للمناهج- طبعة عام 1418هـ-1997م.
د- كتاب الطالب للصف الرابع الإبتدائي للمواد (التوحيد- الفقه- التجويد) الإدارة العامة للمناهج- طبعة عام 1416هـ-1995م.(40/372)
هـ - ... كتاب الطالب للصف الخامس الإبتدائي للمواد (التوحيد- الفقه- الحديث- التجويد) الإدارة العامة للمناهج- طبعة عام 1416هـ-1995م.
و كتاب الطالب للصف السادس الإبتدائي للمواد (التوحيد- الفقه- الحديث- التجويد) الإدارة العامة للمناهج- طبعة عام 1418هـ-1997م.
- الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية:
الكتاب السنوي الثالث – التعليم الإبتدائي ودوره في تنمية المهارات الأساسية لدى التلاميذ – جامعة الملك سعود – كلية التربية – عام 1411هـ – 1991م – الرياض.
- مجلة التربية:
مركز البحوث التربوية والمناهج بوزارة التربية – الكويت – العدد الثامن والعشرون – السنة التاسعة – يناير عام 1999م.(40/373)
جهود الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ
في تحقيق مفهوم الجماعة
إعداد
معالي الدكتور
صالح بن عبد الله بن عبد الرحمن العبود
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خاتم الأنبياء والرسل، لا نبي بعده ولا رسول، بعثه الله إلى الناس كافة، ينذرهم من الشرك ووسائله وأسبابه، ويحذرهم من البدعة والفرقة، والمشاقة والتنازع، ويدعوهم إلى التوحيد وتحقيقه، واتباع السنة، والسمع والطاعة، ولزوم الجماعة، فلا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها عنه، ثم توفاه الله إليه، وأبقى دينه، وافترض طاعته على الجن والإنس، إلى يوم القيامة، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الباعث وأسباب اختيار الموضوع:
أما بعد: ـ(40/374)
فإن الباعث لهذا البحث، هو مناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، فلقد مرت مائة عام على عود الله بعائدته الجميلة على أهل التوحيد، والسنة والجماعة، فأضاء التاريخ السعودي بالملك عبد العزيز، تاريخ العلم والإيمان، والعدل والأمان، تاريخ النور والتوحيد، بعد انطفاء حلت معه ظلمات الجهل والفرقة، والشرك والبدعة، فعاد الله بعائدته الكريمة على أهل الإسلام، في أرض الحرمين وما جاورهما، باسترداد عبد العزيز عام 1319هـ رياض التوحيد، أرضه وأرض آبائه وأجداده، أنصار توحيد الله عز وجل، وإفراده بالعبادة، فقام لله تعالى إماماً حنيفاً، وللدين سلطانا نصيراً، وللمسلمين قدوة وعزاً، يسير على منهج سلفه الصالح، من أهل السنة والجماعة، في العمل على توحيد كلمة المسلمين، وتوثيق تضامنهم وتعاونهم على البر والتقوى، والأخذ بأسباب حياتهم السعيدة، ومصالحهم الأكيدة في الدنيا والدين، مع المحافظة على صفاء العقيدة الإسلامية، وتنقيتها من شوائب الشرك والبدع والخرافة والوهم، وسائر المعوقات الجاهلية، وأسباب الفرقة، حتى وصل بالمملكة العربية السعودية، على هذا المنهج القويم، والصراط المستقيم، إلى مرسى الأمن والإيمان، ومعقل السمع والطاعة، ومأرز السنة والجماعة، فلله الحمد والمنة.
إنها لنعمة من الله تعالى عظمى، تستوجب الحمد لله تعالى والشكر، والتأمل الطويل لتذكير أنفسنا، وتذكير أجيالنا الناشئة واللاحقة، بأسباب هذه النعمة العظمى ليستديموها بعدم التفريط بأسبابها، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.(40/375)
وقد نشأ جيل جديد، وجد نفسه في نعمة هذه الوحدة والجماعة، ولم يكن قد عرف ضدها، وأخشى أن يلهو ويغتر، وينسى سبب نعمته، فتنتقض عليه عروتها الوثقى، وتنقطع به أسباب أمنه وهدايته، وتحل عليه بديلاتها، من عوامل الفرقة والخوف، وأسباب الرعب والدمار، ومروجات الكذب وتكذيب الحق والشر، مما يغزوه به الشياطين، عبر الأقمار الصناعية وغيرها من عقائد الكفار وأفكارهم.. (1) .
ولقد بلينا في هذا الزمن على الخصوص، بغزو ماكر، بمناهج دعوية، تتزيا بلباس الدعوة الإسلامية، وهي دخيلة عليها، لأنها تخلط الحق بالباطل، والسنة بالبدعة وتستمرئ عداوة أهل التوحيد وأنصاره، وموالاة أهل الشرك وأعوانه، ومن ذلك: أنها تدعو إلى اعتقاد أنه ليس للمسلمين الآن جماعة، ذات ولاية وبيعة شرعية (2) ويبنون ذلك المعتقد الفاسد، على ما يؤصلونه من الباطل في مفهوم الجماعة، من أنها إنما تطلق في النصوص الشرعية إطلاقين لاغير:
إطلاق من حيث البناء والكيان، وإطلاق من حيث المنهج والطريقة.
فمن حيث البناء والكيان: "فالجماعة هي التي اتفقت الآراء فيها على إمام واحد بعقد بيعة، ... فهذه هي التي يحرم الخروج عليها، وهي التي قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيها لحذيفة رضي الله عنه: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم " الخ "
__________
(1) ينظر: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، وأثرها في العالم الإسلامي، ط المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، ص15.
(2) ينظر: كتاب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، دراسات حول الجماعة والجماعات، تأليف عبد الحميد هنداوي ط2/ عام 1416هـ، 15-19. نشر: مكتبة التابعين بالقاهرة.(40/376)
ويترتب على ذلك التأصيل المخترع: اعتقاد فاسد، وعمل باطل خطير، خلاصته: أن الجماعة غير موجودة الآن! لأن الآراء منذ قرون عديدة لم تتفق على إمام واحد بعقد بيعة، وأنه "يجب على المسلمين السعي لإيجاد هذه الجماعة، وتنصيب الإمام المتفق على بيعته، إذ أن تنصيب الإمام، الذي هو رأس بناء الجماعة، أمر مجمع على وجوبه (1) .
أي: وفي سبيل ذلك الواجب، لا يحرم الخروج على حكومة المملكة العربية السعودية، لأن الآراء لم تتفق كلها على إمامها بعقد بيعة!.
ولكن قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأمة الإسلامية ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، واحدة منها هي الجماعة، فدل ذلك على أن الافتراق واقع لا محالة، كما دل على استمرار وجود الجماعة مع وقوع الافتراق، ووجود وحدة المملكة العربية السعودية وإمامها، هو وجود الجماعة التي هي على الحق قائمة ظاهرة منصورة - ولله الحمد والمنة - لا يجوز الخروج عليها، ولا منازعتها في سلطانها، ولا تفريق جماعتها، لأن ذلك بغي وظلم، بل مروق من الدين، والعياذ بالله.
ويترتب على هذا التأصيل المخترع الباطل، ما تسميه بعض الجمعيات الدعوية ضابطاً لشرعية عمل أي جماعة دعوية أخرى، وهو: أن يكون عملهم "مما يؤيد الإمام العام، ويكون عونا له، في الواجبات التي ألقاها الله على عاتقه، من إقامة شرع الله في الأرض، والجهاد في سبيله ".
__________
(1) ينظر: المرجع السابق.(40/377)
ولكن هذا الإمام العام غير موجود، إلا في الذهن، ولا ينبغي أن يشتبه علينا وجود الذهن بوجود العين، فنظنهما واحداً، إذ وجود الذهن، لا حقيقة له فيما خرج عن الذهن، كوجود الإمام العام، فإنما وجوده في الذهن فقط، أمنية، نسأل الله تعالى تحقيقها، لكن لا يصح تحقيقها بأن يكون عمل جمعية الدعوة إلى الله تعالى لتأييد إمام معدوم العين، وتعتقد أن الله تعالى ألقى على عاتق هذا المعدوم واجبات، من إقامة شرع الله في الأرض، والجهاد في سبيله، فالله تعالى لا يلقي واجباً على عاتق معدوم، فكيف نعتقد ذلك ونعمل له؟!، هذا هو ما تعمله الرافضة وتعتقده في الإمام المعصوم تماماً، وذلك عقيدة فاسدة، وعمل باطل.
وإنما يصح تحقيق تلك الأمنية عن طريق العمل الصالح، المبني على العقيدة الصحيحة، المطابقة للواقع، بتأييد إمام موجود، وجود عين، وإن لم يكن عاماً، فسيكون عاماً بسلوك هذا الطريق،كما لو تم ذلك بتأييد ولي الأمر في المملكة العربية السعودية، الإمام السعودي، وإعانته على الواجبات التي ألقاها الله على عاتقه، من إقامة شرع الله، وحج بيت الله الحرام، والجهاد في سبيله.
وأما الإطلاق الثاني على زعم هؤلاء: فهو إطلاق الجماعة من حيث المنهج والطريقة، قالوا: وهذه لا يمكن حصرها في واحدة من الجماعات الإسلامية القائمة الآن، المعروفة بأسمائها وقادتها ونظمها وأعضائها (1) ، يعني كالإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ، وحزب التحرير، وغيرها، لأنها كلها ليست إلا وسائل للدعوة جائزة وعلى هذا قالوا: إنه لا يضير المسلم، أن يختار من هذه الجماعات ـ التي ليست إلا وسيلة للدعوة ـ جماعةً، يراها أقرب إلى الحق والصواب (2) !.
__________
(1) ينظر: كتاب الغلو في الدين، تأليف عبد الرحمن اللويحق ط4/ عام 1417هـ، ص205-210.
(2) ينظر: المرجع السابق.(40/378)
والدعوة إلى هذا دعوة إلى التفرق من غير شك، لأنها دعوة إلى جماعات متعددة متباينة، فيها الجهمية والمعتزلة والأشعرية والماتريدية، والصوفية والخوارج والمرجئة، ولفظ خبر الرسول صلى الله عليه وسلم يرد ذلك، فإن قوله: "واحدة"ينافي التعدد، فتعين أن تكون الجماعة واحدة، لا جماعات، هم أهل السنة والجماعة (1) .
لكن مع الأسف ينطلق هؤلاء الدعاة في دعوتهم إلى الله بزعمهم، من ذلك المنطلق الفاسد، فيأتون إلى الناس من دعوتهم بجهالة وبغي، وبدعة وضلالة، ويسلكون مسلك الخوارج، المارقة من الدين، يبغضون أهل الإسلام ويقاتلونهم، ويدعون أهل الأوثان ويسالمونهم.
فيلزم التصحيح، وأرجو أن يوفقنا الله بهذا البحث لشيء من التصحيح.
ومن دواعي البحث: اعتقاد بعض الناس، من ذلك المنطلق الفاسد، أننا في زمان الواجب فيه الاعتزال، وأخذاً من قوله في حديث حذيفة قال: "قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال صلى الله عليه وسلم: "فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " (2) .
__________
(1) ينظر: التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية، تأليف العلامة عبد العزيز بن ناصر الرشيد، ط2/ص13.
(2) انظر: البخاري مع الفتح13/35(40/379)
فأحب أن أنبه بهذا البحث على أن ذلك لم يأت زمنه بعد، ولا يعلم متى يأتي زمانه إلا الله تعالى، وأنه من المعلوم قطعا، أن زماننا هذا، لا ينطبق عليه حكم الاعتزال، كما يروجه دعاة الضلال، لأن المسلمين اليوم لهم جماعة وإمام، هي: المملكة العربية السعودية وإمامها، التي ترفع راية التوحيد، ولا يعبد تحت تلك الراية، وداخل سلطانها، إلا الله، وحده لا شريك له، ويحكم أهلها بشريعة الله، ولا تستحل فيها الحرمات والمحرمات، ولا تزال قائمة على هذا، بالحق ظاهرة منصورة ولله الحمد والمنة، لا يجوز لمسلم أن يدعو أحدا من رعاياها إلى اعتزالها، بشبهة أننا في زمان ليس فيه للمسلمين جماعة ولا إمام.
ومن دواعي هذا البحث أيضا أننا بحاجة ماسة، لتسليط ضوء العقيدة الإسلامية في مفهوم الجماعة، على وحدة المملكة العربية السعودية، بالبحث العلمي، والتوضيح والبيان، كما أخذ الله ميثاق الذين أوتوا العلم، ليبينُنَّهُ للناس ولا يكتمونه، ولئلا يُنطلق في الدعوة إلى وحدة الأمة الإسلامية، من فراغ في العقيدة، وجحد للحق وبطر، وغمط لجهود الملك عبد العزيز رحمه الله الخيرة، في تحقيق مفهوم الجماعة.
هذا ولم أر فيما كتب عن الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ على كثرته، من كتب عن جهوده في تحقيق المفهوم الشرعي للجماعة، بهذا الشكل والمضمون.
فلأجل ذلك اتجهت للبحث في جهود الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ في تحقيق مفهوم الجماعة، وأسأل الله تعالى ذا الجلال والإكرام، الذي لا إله غيره، أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، مقبولا لديه يوم الدين، وأن يعين بمنه وكرمه على إتمامه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وأصحابه، والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين..
الخطة(40/380)
بما أن مفهوم الجماعة في حد ذاته مختلف فيه، بين كثير من المعاصرين، كما أشرت إليه في المقدمة، أصبح من ضروريات بيان جهود الملك عبد العزيز في تحقيق مفهوم الجماعة البدء ببيان مفهوم الجماعة على ضوء الكتاب والسنة، لنجعل ذلك أصلاً يرجع إليه في تقدير تلك الجهود وتقييمها، لذا بدأت به، ولأن جهود الملك عبد العزيز في تحقيق مفهوم الجماعة مرتبطة ببيان موقع الدول السعودية من صفة الجماعة ومفهومها ارتباطاً لا يمكن فصله، فبيان جهود الملك عبد العزيز لا يتم بغيره، لذا أعقبت بيان مفهوم الجماعة، ببيان موقع الدول السعودية من صفة الجماعة ومفهومها، ثم حسن بيان جهود الملك عبد العزيز، في تحقيق مفهوم الجماعة، المراد شرعا، فتألفت الخطة من:
المقدمة السابقة التي تضمنت ذكر الباعث لهذا البحث وأسباب اختياره. وثلاثة فصول:
الفصل الأول: في بيان مفهوم الجماعة، على ضوء الكتاب والسنة.
والفصل الثاني: في بيان موقع الدول السعودية، من صفة الجماعة.
والفصل الثالث: في بيان جهود الملك عبد العزيز رحمه الله في تحقيق مفهوم الجماعة.
والخاتمة، وثبت المراجع وفهرس.
الفصل الأول
مفهوم الجماعة
تعريفها لغة، واصطلاحا، والمراد بها، استمرار بقاء وجودها، ضرورة تعيينها.
تعريف الجماعة:
في اللغة:(40/381)
الجماعة لغة: هي الاجتماع، وضدها الفرقة، ولفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين (1) ، من جمع المتفرق، قال الفراء: فإذا أردت جمع المتفرق، قلت: جمعت القوم فهم مجموعون، قال الله تعالى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} هود:103 والأمة هي الجماعة، قال الأخفش: هي في اللفظ واحد، وفي المعنى جمع وتقول: جمعت الشيء، إذا جئت به من هاهنا وهاهنا، وأجمعتُه، إذا صيرته جميعا، وأجمع أمره أي جعله جميعا، بعد ما كان متفرقا، والإجماع هو الإحكام والإعداد والعزيمة على الأمر، قال الله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} يونس: 71.
أي أجمعوا أمركم مع شركائكم (2) .
وفي الاصطلاح: هم المجتمعون على الاستمساك بالكتاب والسنة، الذين يؤثرون كلام الله تعالى، على كلام كل أحد، ويقدمون هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، على هدي كل أحد، فالتمسك بالكتاب والسنة، وعقد الاجتماع والعهد على ذلك، والوفاء به، وعدم نقضه، يفيد الاجتماع والائتلاف، واكتمال القوة واستحكامها، فلا تتناقض، فالجماعة هنا هم المجتمعون على الحق، وإن كانوا قليلا، وكان المخالف لهم كثيرا، فإن يد الله معهم، لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم، قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} النحل: 120.
قال أهل التفسير: الأمة، هو: من كان مؤمناً وحده، هو الإمام الذي يقتدى به (3) .
__________
(1) ينظر: العقيدة الواسطية، ص34 ط5، 1347هـ، القاهرة، عنيت بنشره المطبعة السلفية ومكتبتها، لصاحبيها محب الدين الخطيب، وعبد الفتاح قتلان
(2) ينظر: تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، 282-370هـ
(3) ينظر: مجموعة التوحيد النجدية، ص25-26، ط/السلفية 1375هـ.(40/382)
وفي حديث حذيفة بن اليمان قوله: "قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك" (1) يعني: فإنك باعتزال تلك الفرق، حيث لم يكن لهم جماعة ولا إمام، تكون أنت على ما كانت عليه الجماعة، وإن كنت وحدك، قال ميمون بن مهران: قال ابن مسعود رضي الله عنه:"الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك ".
وقال نعيم بن حماد:" إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذ "ذكره البيهقي وغيره. (2)
وقد أخطأ من عرف الجماعة أنها أهل الحديث والأشعرية والماتريدية، فإن لفظ الحديث فيما رواه أبو داود (3) بسنده إلى معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة وهي الجماعة "، يرد ذلك، فإن قوله: "واحدة" ينافي التعدد، فتعين أن تكون الجماعة هم أهل الحديث، قال أحمد: "إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم "قال القاضي عياض: "إنما أراد أحمد، أهل السنة والجماعة، ومن يعتقد مذهب أهل الحديث.
والجماعة، هي: حبل الله، قال ابن مسعود: "أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وما تكرهون في الجماعة، خير مما تحبون في الفرقة " وقال عبد الله بن المبارك:
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا
منه بعروته الوثقى لمن دانا
__________
(1) انظر: البخاري مع الفتح13/35
(2) سنن أبي داود، كتاب السنة، باب شرح السنة، الحديث رقم (4597) .
(3) سنن أبي داود، كتاب السنة، باب شرح السنة، الحديث رقم (4597) .(40/383)
وحبل الله تعالى، هو: التوحيد، هو: إفراد الله تعالى بالعبادة، هو: الإسلام، هو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وعدم الابتداع، قال الله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} البقرة:256.
وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} آل عمران:31،32.(40/384)
وأساس الجماعة وأصلها، هو: الاعتصام بحبل الله تعالى، كما قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} آل عمران: 103-107.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قال ابن عباس: "تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والضلالة " "ولهذا كان أبو أمامة الباهلي وغيره يتأولها في الخوارج.
فالله تعالى قد أمر المؤمنين كلهم أن يعتصموا بحبله جميعا، ولا يتفرقوا، وقد فسر حبله بكتابه وبدينه وبالإسلام وبالإخلاص وبأمره وبعهده وبطاعته، وبالجماعة، وهذه كلها منقولة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وكلها صحيحة فإن القرآن يأمر بدين الإسلام وذلك هو عهده وأمره وطاعته، والاعتصام به جميعا إنما يكون في الجماعة، ودين الإسلام حقيقته الإخلاص لله ".(40/385)
وأخرج مسلم وأحمد ومالك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال " (1) .
ففي هذا الحديث النبوي الشريف، البدء بأساس الجماعة وأصله، "أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً"، والاعتصام بحبل الله، الذي هو الجماعة، وعدم التفرق، ومناصحة ولي الأمر، وهذه الثلاث قد نص عليها في حديث رواه الإمام أحمد في المسند بإسناد جيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"نضر الله امرءاً سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه،ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث خصال لا يَغِلُّ عليهن قلب مسلم أبدا: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط بهم من ورائهم … " الحديث. وجاء هذا الحديث بأسانيد بعضها صحيحة، وبعضها حسنة، وبعضها معلولة، عن جماعة من الصحابة، فهو متواتر (2) ، وقد جمعت هذه الخصال الثلاث، ما يقوم به دين الناس ودنياهم، قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: "ولم يقع خلل في دين الناس ودنياهم إلا بسبب الإخلال بهذه الثلاث أو بعضها ".
وفي غير ذلك من نصوص الكتاب والسنة كثير، يدل قطعا على أن أصل الجماعة وأساسه، هو: الإخلاص لله تعالى واتباع السنة، ومناصحة ولي الأمر، والاعتصام بحبل الله جميعاً، وعدم التفرق.
__________
(1) صحيح مسلم 2/1340، رقم 10/1715.، الموطأ 2/990، رقم 20.
(2) ينظر: رسالة، دراسة حديث: نضر الله امرءاً …، للشيخ عبد المحسن العباد، الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم والتحذير من مفارقتهم، للشيخ عبد السلام بن برجس، ط1/1418هـ، ص16-28.(40/386)
وبما قدمنا يتضح معنى الجماعة ومفهومها في الاصطلاح الشرعي، وبقي أن نبين المراد الشرعي بالجماعة، فإلى ذلك في المبحث الآتي:
المراد الشرعي بالجماعة:
قال ابن جرير الطبري: "والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة "، وذكره الإمام الشاطبي؛ في كتابه الاعتصام عن الإمام ابن جرير الطبري أنه قال:
"الجماعة: جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير "، قال: "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزومه، ونهى عن فراقه، فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم، لأن فراقهم لا يعدو إحدى حالتين:(40/387)
إما للنكير عليهم في طاعة أميرهم، والطعن عليه في سيرته المرضية لغير موجب، بل بالتأويل في إحداث بدعة في الدين، كالحرورية التي أمرت الأمة بقتالها، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم مارقة من الدين. وإما لطلب إمارة من انعقاد البيعة لأمير الجماعة، فإنه نكث عهد، ونقض عهد بعد وجوبه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"من جاء أمتي ليفرق جماعتهم فاضربوا عنقه كائنا من كان "، وقال صلى الله عليه وسلم:"إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه"، وفي رواية أخرى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان "وفي رواية: "فاقتلوه" (1) ، وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما " (2) . قال الطبري: "فهذا معنى الأمر بلزوم الجماعة. قال: وأما الجماعة التي إذا اجتمعت على الرضا بتقديم أمير كان المفارق لها ميتا ميتة جاهلية فهي الجماعة التي وصفها أبو مسعود الأنصاري، وهم معظم الناس وكافتهم من أهل العلم والدين وغيرهم، وهم السواد الأعظم. قال الطبري: وقد بين ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فروي عن عمرو بن ميمون الأودى قال: قال عمر - حين طعن - لصهيب: صلِّ بالناس ثلاثا، وليدخل علي عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن، وليدخل ابن عمر في جانب البيت وليس له من الأمر شيء، فقم يا صهيب على رؤوسهم بالسيف، فإن بايع خمسة ونكص
__________
(1) ينظر: في صحيح مسلم كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، 2/1479،1480، رقم 59،60/1852، وسنن أبي داود، كتاب السنة، باب في قتل الخوارج رقم الحديث 4762.
(2) صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب إذا بويع لخليفتين، 2/1480 رقم 61/1853.(40/388)
واحد فاجلد رأسه بالسيف، وإن بايع أربعة ونكص رجلان فاجلد رؤوسهما حتى يستوثقوا على رجل. قال: فالجماعة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزومها وسمى المنفرد عنها مفارقا لها، نظير الجماعة التي أوجب عمر الخلافة لمن اجتمعت عليه، وأمر صهيبا بضرب رأس المنفرد عنهم بالسيف، فهم في معنى العدد المجتمع على بيعته وقلة العدد المنفرد عنهم.
قال: وأما معنى الخبر الذي ذكر فيه أن لا تجتمع الأمة على ضلالة فمعناه أن لا يجمعهم على إضلال الحق فيما أنابهم من أمر دينهم حتى يضل جميعهم عن العلم ويخطئوه، وذلك لا يكون في الأمة"انتهى.
قال الشاطبي:"هذا تمام كلامه ـ يعني الطبري ـ وهو منقول بالمعنى وتحر في أكثر اللفظ، وحاصله أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة، وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنة، خارج عن معنى الجماعة المذكورة في الأحاديث المذكورة، كالخوارج ومن جرى مجراهم ".
وهذا الأثر عن عمر الذي فيه، أنه قال: "فقم يا صهيب على رؤوسهم بالسيف "الخ، رواه الطبري في تاريخ الأمم والملوك، ورواه غيره بألفاظ أخرى صحيحة الإسناد، تدل على ما أراده الطبري، من الاستدلال بهذا الخبر، لما قرره من الأصح لمعنى الجماعة، منها:
رواية ابن سعد بسنده عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر، وذكر قصة قتل عمر، وفيها أن عمر قال أمهلوا، فإن حدث بي حدث "فليصل لكم صهيب ثلاث ليال، ثم أجمعوا أمركم، فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه"، وصحح إسنادها الحافظ ابن حجر في موضعين من الفتح.(40/389)
ورواية ابن سعد الأخرى بسنده عن عمرو بن ميمون، وفيها قول عمر لصهيب: "صل بالناس ثلاثا، وليخل هؤلاء القوم في بيت، فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه "، وكلتاهما رواهما ابن سعد في الطبقات ورواها الحارث في مسنده عن يحيى بن أبي بكير ثنا إسرائيل، وروى نحوها ابن أبي شيبة، عن وكيع عن إسرائيل وذكر الحافظ ابن حجر هذا الأثر في الفتح، وأن لهذه الرواية شاهدا من حديث ابن عمر، قال:"أخرجه ابن سعد بإسناد صحيح "، كما ذكر أيضا ما يختص برواية جويرية بن أسماء بن عبيد لخبر قتل عمر رضي الله عنه، وفيه قول عمر: "ويتبع الأقل الأكثر، ومن تأمر من غير أن يؤمر فاقتلوه"
وننقل توضيحاً لشيخ الإسلام ابن تيمية لهذه المسألة لأهميته، في معرض تفنيده قول الرافضي في عمر رضي الله عنه أنه: " أمر بقتل من خالف الأربعة، وأمر بقتل من خالف الثلاثة، منهم: عبد الرحمن "، قال: فيقال: هذا من الكذب المفترى، ولو قدر أنه فعل ذلك، لم يكن عمر قد خالف الدين، بل يكون قد أمر بقتل من يقصد الفتنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من جاءكم وأمركم على رجل واحد، يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان" (1)
والمعروف عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بقتل من أراد أن ينفرد عن المسلمين ببيعة بلا مشاورة لأجل هذا الحديث، وأما قتل الواحد المتخلف عن البيعة إذا لم تقم فتنة، فلم يأمر عمر بقتل مثل هذا، ولا يجوز قتل مثل هذا". .
__________
(1) المسند، ط الحلبي،5/341، وانظر: صحيح مسلم كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، 3/1479،1480، سنن أبي داود 4/334، كتاب السنة، باب في قتل الخوارج.(40/390)
وقال شارح العقيدة الطحاوية (1) : "وقد ساق البخاري رحمه الله قصة قتل عمر رضي الله عنه وأمر الشورى والمبايعة لعثمان في صحيحه، فأحببت أن أسردها كما رواها بسنده عن عمرو بن ميمون، فسردها، وفيها أن عمر قال: "ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط.. "فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن، يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء، كهيئة التعزية له، فإن أصابت الإمرة سعدا فذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة "إلى قوله: "فلما فرغ من دفنه، اجتمع هؤلاء الرهط، فقال: عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، قال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن، فقال عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه، فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إلي، والله علي أن لا آلو عن أفضلكم؟ قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما، فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقدم في الإسلام ما قد علمت، فبالله عليك لئن أمرتك لتعدلن؟ ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن؟ ثم خلا بالآخر، فقال: له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق، قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه، وبايع له علي، وولج أهل الدار، فبايعوه"
وذكر شارح الطحاوية رواية البخاري الأخرى عن حميد بن عبد الرحمن عن المسور بن مخرمة، وفيها قوله:"فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم مال الناس إلى عبد الرحمن، حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع أولئك الرهط "
وفيها أن عبد الرحمن قال:"أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلا ".
__________
(1) شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، تحقيق وتعليق الدكتور عبد الله التركي، وزميله، ص712-720(40/391)
قال في فتح الباري: "ويؤخذ منه بطلان قول الرافضة وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن الإمامة في أشخاص بأعيانهم … ففي رضا الجميع بما أمرهم به، دليل على أن الذي كان عندهم من العهد في الإمامة أوصاف، من وجدت فيه استحقها، وإدراكها يقع بالاجتهاد، وفيه أن الجماعة الموثوق بديانتهم، إذا عقدوا عقد الخلافة لشخص بعد التشاور والاجتهاد، لم يكن لغيرهم أن يحل ذلك العقد، إذ لو كان العقد لا يصح إلا باجتماع الجميع، لقال قائل لا معنى لتخصيص هؤلاء الستة، فلما لم يعترض منهم معترض بل رضوا وبايعوا، دل ذلك على صحة ما قلناه". وذكر ابن العربي المالكي بأنه: "لو عقده بعضهم لجاز، ولم يحل لأحد أن يعارض ".
ذكر ابن حجر من زيادة المدايني أن عمر: " قال لأبي طلحة: إن الله قد نصر بكم الإسلام، فاختر خمسين رجلا من الأنصار واستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم "، وذكر ذلك السيوطي عن أنس قال:"أرسل عمر إلى أبي طلحة الأنصاري قبل أن يموت بساعة، فقال: كن في خمسين من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى، فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت، فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحدا يدخل عليهم، ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم". وقال ابن حجر: "وفيه أن الشركاء في الشيء إذا وقع بينهم التنازع في أمر من الأمور، يسندون أمرهم إلى واحد ليختار لهم، بعد أن يخرج نفسه من ذلك الأمر" وقال ابن المنير: "في الحديث دليل على أن الوكيل المفوض له أن يوكل وإن لم ينص له على ذلك، لأن الخمسة أسندوا الأمر لعبد الرحمن وأفردوه به فاستقل مع أن عمر لم ينص لهم على الانفراد".
ففي القصة نرى أن عمر رضي الله عنه بين مفهوم الجماعة ومعناه، والتزمت الأمة به، حتى صار عبد الرحمن وحده هو الجماعة، فقال لعلي:"فلا تجعلن على نفسك سبيلا "قال ابن حجر: "أي من الملامة، إذا لم توافق الجماعة". .(40/392)
وبيان عمر رضي الله عنه لمفهوم الجماعة ومعناها، وهو الخليفة الراشد، الذي أمرنا بالاقتداء به، كما في حديث حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللَّذين من بعدي: أبي بكر وعمر " رواه أهل السنن، يفيد العلم الضروري والاعتقاد الصحيح، بأنه المراد شرعاً كما قرره الإمام الطبري.
ونذكر موقفا لعبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، يؤكد معنى الجماعة المراد شرعاً، الذي بينه عمر رضي الله عنه، وقرره ابن جرير الطبري، رحمه الله، فيما رواه مسلم عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع (بن الأسود العدوي القرشي) حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "من خلع يدا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية" (1) .
وعبد الله بن مطيع كان ممن خلع يزيد وخرج عليه، وكان يوم الحرة قائد قريش، كما كان قائد الأنصار عبد الله بن حنظلة الأنصاري، إذ خرج أهل المدينة لقتال الجيش الذي بعثه يزيد لقتالهم وأخذ البيعة له، فظفر أهل الشام بأهل المدينة، وكان ما كان من أمر الحرة، من الفتن والمفاسد، بسبب خلعهم أيديهم من طاعة يزيد وعدم بيعتهم له، وقد انعقدت له الإمامة، بوصية الإمام قبله أمير المؤمنين معاوية، وبايعه من بايعه لذلك، وأصبح الذين في طاعته هم الجماعة.
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة، 2/1478، رقم الحديث 58/1851.(40/393)
والخلاصة: أن المراد الشرعي بالجماعة، في كل وقت وزمان: هم جماعة من المسلمين موثوق بديانتهم، تم اجتماعهم على تأمير إمام موافق للكتاب والسنة، وعقدوا له البيعة على ذلك، ولم يسبقوا بجماعة أخرى، فعقدهم صحيح، ولو لم يجتمع عليه الجميع، وليس لغيرهم أن يحل ذلك العقد، وهذا هو ما قرره الإمام ابن جرير الطبري فيما تقدم من قوله:"فالجماعة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزومها وسمى المنفرد عنها مفارقاً لها، نظير الجماعة، التي أوجب عمر الخلافة لمن اجتمعت عليه، وأمر صهيبا بضرب رأس المنفرد عنهم بالسيف، فهم في معنى العدد المجتمع على بيعته وقلة العدد المنفرد عنهم ".
وحيث يتضح المراد الشرعي بالجماعة مما تقدم، بقي أن نبين ضرورة تعيين الجماعة، فإلى ذلك في المبحث الآتي:
ضرورة تعيين الجماعة:
حيث لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة، وهذه الثلاثة متلازمة، آخذ بعضها ببعض، لا قيام للإسلام إلا بهذه الثلاثة، ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة وإمامهم، والسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب الظهر وأخذ المال، أمرا يدل على الوجوب، ونهى عن الخروج على الجماعة ومفارقتها، نهيا يدل على التحريم، وقد بوب الإمام النووي لأحاديث صحيحة وردت في صحيح مسلم، تدل على هذا دلالة قاطعة، فقال: "باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة "، كما وردت أدلة أخرى تفيد العلم اليقيني بهذا الحكم في الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار، وحيث لا يمكن القيام بفعل هذا الواجب، وترك هذا المحرم إلا بتعيين الجماعة، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
إذاً: فلابد من تعيين الجماعة ومعرفتها، ليتحقق القيام بواجب لزومها، ولزوم إمامها، والاقتداء بها والاعتصام بذلك من تركها وفراقها المحرم.(40/394)
قيل لعبد الله بن المبارك: "من الجماعة الذين ينبغي أن يقتدى بهم"؟ قال: "أبو بكر وعمر"- فلم يزل يحسب حتى إلى محمد بن ثابت والحسين بن واقد ـ فقيل: "هؤلاء ماتوا: فمن الأحياء؟ ، قال: "أبو حمزة السكري".
ومحمد بن ثابت، والحسين بن واقد، وأبو حمزة السكري، كل منهم فرد في زمانه، وليسوا من المبشرين بالجنة، لكن يقتدى بهم، فتوفر مفهوم الجماعة في كل واحد منهم، فعين الإمام ابن المبارك كل واحد منهم بصفة الجماعة، التي يقتدى بها كل في زمانه، مما يدل على استمرار وجود الجماعة باستمرار وجود المسلمين، وأنه لابد من تعيين الجماعة ليتسنى لزومها وعدم مفارقتها.
وعن إسحاق بن راهويه نحو مما قال ابن المبارك ".
ولا يعني هذا التعيين حصر الحق والهدى والنجاة لفرد معين من هؤلاء، أو الحكم لكل واحد منهم بعينه بالجنة أو النار، كما يظنه بعض من ساء فهمه أو ساء قصده، ولم يعترض أحد من الأئمة على هذا التعيين، لأنه هو المتعين ولابد منه، فبدونه كيف تعرف الجماعة؟ وكيف يؤدى الواجب من ملازمتها، ويجتنب الحرام من مفارقتها، والخروج على طاعة إمامها؟ إنه بدون تعيين الجماعة، ينطلق المسلمون والدعاة إلى الله تعالى، من فراغ في الاعتقاد الإسلامي، ويأتون إلى الناس بجهالة وبدعة وضلالة، كما هو رأي الخوارج ومسلكهم.
إذاً: فتعيين الجماعة من ضروريات الدين، ومن أصول العقيدة، وحيث لابد من إتمامه ببيان استمرار وجودها، فإلى ذلك في المبحث الآتي.
استمرار وجود الجماعة:(40/395)
لقد بعث الله تعالى رسوله العربي محمدا صلى الله عليه وسلم، من هذه الجزيرة العربية، إلى الناس كافة، إلى الثقلين، الجن والإنس عموما، ينذرهم عن الشرك ويدعوهم إلى كلمة التوحيد، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، على حين فترة من الرسل، وعلى حين تفرق بين الناس، خصوصا العرب، فقد كانوا في تفرق شديد، وفي ضلال مبين، كما وصفهم الله عز وجل بقوله: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ، في قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} آل عمران:164، وفي قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} الجمعة: 2.
فأنعم الله بفضله ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أنعم على المستجيبين للنبي صلى الله عليه وسلم، القائلين بكلمة التوحيد من العرب، على الخصوص بالإلفة والاجتماع، اجتمعت قلوبهم وقوالبهم وتألفت بالتوحيد على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
كما قال تعالى يخاطبه: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الأنفال:63.(40/396)
وقوله: {حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، أي الله وحده لا شريك له، يكفيك ويكفي من اتبعك من المؤمنين.
فكانوا مؤتلفين ومجتمعين بتأليف الله بينهم بالتوحيد، اجتمعت قلوبهم وقوالبهم بذلك، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاكتملت لهم القوة في العلم والعمل، ودانت لهم العرب بهذه الكلمة، وملكوا بها العجم، كما وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا سادة العالم، في مشرقه ومغربه، سادوه بكلمة التوحيد، قروناً من الزمان، حتى حدث النقص في تحقيق كلمة التوحيد، في الأجيال التي جاءت بعدهم، بسبب اتباع من اتبع منهم الأهواء المخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي سبب المحدثات في الدين، التي يتعبد بها أصحابها، فحصل الاختلاف والتفرق والتقاتل والضعف بسبب ذلك.
كما روى ابن أبي عاصم من طرق متعددة، وأبو داود عن معاوية رضي الله عنه، قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فذكر: "إن أهل الكتاب قبلكم تفرقوا على اثنتين وسبعين فرقة في الأهواء، ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة في الأهواء، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، ألا وإنه يخرج في أمتي قوم، يهوون هوى، يتجارى بهم ذلك الهوى، كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يدع منه عرقا، ولا مفصلا إلا دخله " (1) . وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر "أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة -يعني الأهواء- كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة".
__________
(1) انظر: السنة لابن أبي عاصم ج1ص7-9، ص32-36.(40/397)
فوقع بسبب اتباع الأهواء كثير من أنواع الشرك في المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: "يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدر كتهم لأقتلنهم قتل عاد"، رواه البخاري في مواضع من صحيحه، ورواه غيره، وفي صحيح البخاري أيضا في كتاب الفتن: "باب تغير الزمان حتى يعبدوا الأوثان "وفيه حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة"، وذو الخلصة: طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية.
وبسبب وقوع هذه الأهواء الشركية في هذه الأمة، حصل تفرقهم في الدين، فصار فيهم الفشل وذهاب الريح والضعف، كما يشهد بذلك الواقع طبقا لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم ومن الأمثلة التاريخية، لما وقع في الأمة من الشرك، مثل الذي ذكره الشيخ قاسم من أئمة الحنفية، في شرح درر البحار، من النذر لغير الله، وأنه كفر، ومثل ما ذكره الأذرعي، من أئمة الشافعية، في: "قوت المحتاج شرح المنهاج"، وما ذكره أبو شامة، من أئمة الشافعية أيضا، وما ذكره الطرطوشي من أئمة المالكية، وما ذكره أبو الوفاء ابن عقيل، وابن القيم، من أئمة الحنابلة، وغير هؤلاء العلماء، كثير، كلهم صرحوا بأن الأعمال الشركية قد عمت بها البلوى، وشاعت في كثير من البلاد الإسلامية، وأن المشاهد والأبنية على القبور قد كثرت، وكثر الشرك عندها وبها، حتى صار كثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، بل أعظم شركا عندها وبها (1) .
__________
(1) ينظر: الدرر السنية، 1/308-314.(40/398)
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله في قرة عيون الموحدين: "وقد وقع الأكثر من متأخري هذه الأمة في هذا الشرك الذي هو أعظم المحرمات، كما وقع في الجاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، عبدوا القبور والمشاهد والأشجار والأحجار والطواغيت والجن، كما عبد أولئك اللات والعزى ومناة وهبل وغيرها من الأصنام والأوثان، واتخذوا هذا الشرك دينا، ونفروا إذا دعوا إلى التوحيد أشد نفرة، واشتد غضبهم لمعبوداتهم، كما قال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} الزمر:45، إلى أن قال الشيخ ابن حسن: "وقد وقع ما أخبربه النبي صلى الله عليه وسلم بعد القرون الثلاثة يعني من غربة الإسلام وافتراق الأمة فلهذا عم الجهل بالتوحيد الذي هو أصل دين الإسلام، فإن أصله أن لا يعبد إلا الله، وأن لايعبد إلا بما شرع، وقد ترك هذا وصارت عبادة الأكثرين مشوبة بالشرك والبدع "
ثم قال رحمه الله: "لكن الله تعالى وله الحمد لم يخل الأرض من قائم له بحجته، وداع إليه على بصيرة، لكي لا تبطل حجج الله وبيناته التي أنزلها على أنبيائه ورسله، فله الحمد والشكر على ذلك "ويعني بذلك الفرقة الناجية، الذين هم الجماعة، الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: "وهذا الحديث قد صح من طرق، كما ذكره العماد ابن كثير وغيره من الحفاظ، وهو في السنن وغيرها، ورواه محمد بن نصر في كتاب الاعتصام ".(40/399)
وهؤلاء الجماعة الباقية على القيام لله بحجته الرسالية، التي بعث بها محمدا ز، هم الذين يلتزمون وصية رسول الله عليه وسلم، بالاعتصام بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، ويتبعونها ظاهرا وباطنا، عند حدوث الاختلافات الكثيرة، كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا:يا رسول الله! كأنها موعظة مودع، فأوصنا، قال: "أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم، فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة" رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وكما في حديث حذيفة فيما أخرجه البخاري ومسلم، في صحيحيهما، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت يا رسول الله: صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا. قلت فماذا تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " (1)
وفي هذا الحديث دلالة على استمرار وجود الجماعة وإمامهم، رغم غلبة الشر.
__________
(1) انظر: البخاري مع الفتح13/35(40/400)
نعم: إنه بفضل الله ورحمته لا تزال هذه الجماعة باقية إلى قيام الساعة، كما روى البخاري من حديث معاوية رضي الله عنه، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" (1) وكما روى مسلم في صحيحه: " لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة " (2) . فلله الحمد والمنة.
وقد قيض الله لدين محمد صلى الله عليه وسلم، من يبعثه على رأس كل مائة سنة، مجددا لما اندرس من معالم الدين،كما قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" (3) .
قال الشيخ ابن باز: "هذا الحديث إسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، وقد صححه الحاكم والحافظ العراقي، والعلامة السخاوي وآخرون ".
ومعنى تجديد الدين، هو أن الدين يخلق في النفوس، وينسى في القلوب، ويندرس في مجتمعات الناس، فيأتي من يدعوهم إلى العودة إلى أصول دينهم، بما يظهر ويبين لهم من معالم الدين التي نسوها، والسنن التي أماتوها في نفوسهم، فإذا أراد الله بهم خيرا قبلوا دعوته، ونصروها وعملوا بها، ففي المستدرك للحاكم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم، كما يخلق الثوب الخلق، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم " قال الحاكم: حديث لم يخرج في الصحيحين، رواته مصريون ثقاة، وأقره الذهبي في التلخيص، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد، في باب تجديد الإيمان (4) ، والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
__________
(1) صحيح البخاري مع فتح الباري: 6/632، وصحيح مسلم، ص1524.
(2) صحيح مسلم: ج1/ص128.
(3) سنن أبي داود ج2/كتاب الملاحم باب1ص424
(4) مجمع الزوائد 1/52، سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 4/113، ح1585.(40/401)
قال العراقي في أماليه: "حديث حسن من طريقيه (1) .
فليس معنى تجديد الدين، أن يؤتى بدين جديد، فإن الدين عند الله هو الإسلام، الذي أنزل الله فيه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يوم عرفة في حجة الوداع قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} فقد أكمله وأتم به نعمته، فلا يزيده ولا ينقصه أبدا، ورضيه فلا يسخطه أبدا.
إذا: هذه الجماعة لا يزال وجودها مستمرا، ما وجد المسلمون، وإن تفرقوا إلى فرق، فإن ذلك لا يعني عدم وجود الواحدة، المستثناة، التي هي الجماعة، فلا يزال وجود الجماعة مستمراً، إلى قيام الساعة، أي ساعة المؤمنين، بقبض أرواحهم، لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لا تجتمع على ضلالة، فلا تجتمع على التفرق في الأهواء الشركية أو البدعية، بل لابد أن تكون منها جماعة على التوحيد والسنة، كلما مضت خلفتها جماعة أخرى على هذا المنهج الحق، إلى قيام الساعة كما تقدم إيضاحه. وبهذا نكون قد أنهينا مباحث الفصل الأول، في مفهوم الجماعة، فإلى الفصل الثاني في موقع الدول السعودية من صفة الجماعة.
الفصل الثاني
موقع الدول السعودية من صفة الجماعة
إذا تقرر العلم باستمرار وجود جماعة المسلمين، في كل زمان إلى قيام الساعة، كلما مضت جماعة خلفتها أخرى، فمن ذلك وجود الجماعة السعودية، وأئمتها المجددين، القائلين بكلمة التوحيد، القائمين على تطبيق مقتضاها من شريعة الله، بعون الله وتوفيقه، المتبعين لمنهج أهل السنة والجماعة، فالجماعة السعودية، في دولها المتعاقبة، عرفت منذ إشراقة تاريخها، بتحقيق التوحيد، الذي هو حق الله على العبيد، وبتجديد ما اندرس من معالمه، وبعقد الجماعة عليه، وعلى ذلك قامت دولهم، وعرفت كل دولة منها في العالم كله، بأنها دولة التوحيد.
__________
(1) فيض القدير 2/323/1957.(40/402)
وكان آل سعود قبل قيامهم بنصرة التوحيد، لا يختلفون عن كثير من الأسر النجدية الأخرى، كآل معمر في العيينة، وآل دواس في الرياض، وغيرهم.
فلما أنعم الله بقيامهم بنصرة التوحيد أشرق نور تاريخ حكمهم القوي الصالح وبفضل الله تعالى تمكنوا ـ في أقل من عشرين سنة ـ من أن يجددوا ما اندرس من معالم الجماعة، وأن يمدوا سلطان دولة التوحيد السعودية، من الشام والعراق شمالاً، حتى اليمن جنوباً، ومن البحر الأحمر غرباً، حتى الخليج العربي شرقا، ووصل نفوذ دولتهم وأثرها الطيب خارج جزيرة العرب، وصارت القبائل العربية تدفع إليها الزكاة، وقد كانت أوائلها تمتنع من دفعها لأبي بكر، ولكن جعل الله لهم الإمامة في الدين، والاستخلاف في الأرض، كما استخلف الذين من قبلهم، رغم كثرة الخصوم وشراستهم، من الملوك والأمراء وعلماء السوء، وأهلك الله هؤلاء الخصوم وأزال ملكهم وورثه أنصار التوحيد من آل سعود.
فكأن ذلك العهد العظيم، الذي جرى بين الأمير محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، بأن يكون الدم بالدم، والهدم بالهدم، من أجل إظهار دين الله ونصرته، هو ترجمان هذا الالتحام المصيري القدري، للأسرة السعودية المباركة بعقيدة السلف الصالح، التحاماً أصبح مرتكز دولتها، ومبدأ حكومتها، ومعقد الجماعة عليها.
ولذا فإن المسلمين على الحقيقة، لا ينسون لهذه الأسرة السعودية تاريخها المجيد ولا يرتابون في صدق وفائها للإسلام والمسلمين، ولا يمكن أن تطمئن نفوسهم بذلك لغيرهم، نلمس ذلك من شهادة الأحداث التاريخية، والوقائع الكونية، شهدوا مراراً غياب هذه الأسرة عن الحكم، فرأوا ضعف العقيدة الإسلامية، والغدر لمنهج الشريعة، والتفرق وعدم الأمن والاستقرار، وذاقوا ذل العسف الجائر، وطغيان الظلم المظلم.
موقع الدولة السعودية الأولى من صفة الجماعة:(40/403)
بدأت الدولة السعودية الأولى تتصف بصفة الجماعة، منذ أن استقبل الأمير محمد بن سعود، شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، في الدرعية سنة (1158هـ) وأحسن استقباله حيث سار إليه برجله في مكانه في بيت ابن سويلم، وأظهر تعظيمه والاحتفال به؛ فسلم عليه ورحب به، وأبدى له غاية الإكرام والتبجيل، وأخبره أنه يناصره ويمنعه من عدوه بما يمنع نساءه وأولاده، وقال له أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة، على حين أن الشيخ جاء إلى الدرعية مخذولاً غير مرغوب فيه من الأمراء وملك الأحساء، صاحب النفوذ، ومن سائر الحكام في وقته، لأن ما يدعو إليه من تجديد الدين ينافي ما هم عليه من سيادة الطاغوت القائمة على البغي والجهل بل إن أول من نزل إليه الشيخ في الدرعية تبرم به خوفاً من الأمير محمد بن سعود، فانتقل الشيخ إلى تلميذه أحمد بن سويلم في الدرعية أيضا، وذلك أن الشيخ لما كان في العيينة قد ساعده أميرها عثمان بن معمر في أول الأمر، فأمر الشيخ بهدم القباب والمساجد المبنية في الجبيلة على قبور الصحابة رضي الله عنهم، وقطع الأشجار التي تنتابها الخلق في كل ساعة، فبادر عثمان بذلك وخرج الشيخ معه وجماعتهم، فهدموا تلك المساجد المبنية عليها، وأزالوا تلك المشاهد المصروفة إليها العبادة، ومحق ما في العارض من المعبودات من دون الله تعالى، ولم يزل رحمه الله مقيما في بلد العيينة، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويعلم الناس دينهم ويقيم الحدود حتى أمر برجم الزانية فرجمت، فشاع ذلك واستبان، فاستنكرته قلوب الطغاة، وعجوا مطبقين بأنه ساحر كذاب، وحكموا بكفره ومن معه من الأصحاب، وجدوا في التحريش عليه، وأرسلوا بذلك إلى الحرمين الشريفين والبصرة وغيرهما، وكثر القيل والقال من أهل البدع والضلال، وشكوا شيخهم رئيس بني خالد، فكتب إلى عثمان يأمره بقتله، أو إجلائه.(40/404)
فخرج الشيخ متوجهاً إلى الدرعية غير مرغوب فيه، ومع هذا أحسن الأمير الراشد محمد بن سعود استقباله، كما تقدم ذكره، ومشى إليه برجله، بخلاف ما تقتضيه سياسة الإمارة، لكنه آثر إحياء السنة السلفية، والسياسة الشرعية، في تعظيم العلماء لوجه تعالى فأحيا الله قلبه وشرح صدره لدعوة الشيخ، وقال له: أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة، فثبت الله إمارته، وأرسى له ولأولاده من بعده دعائم الإمامة والملك، قال له الشيخ: وأنا أبشرك بالعز والتمكين، وهذه كلمة لا إله إلا الله، من تمسك بها، وعمل بها، ونصرها، ملك بها البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وأنت ترى نجداً وأقطارها، أطبقت على الشرك والجهل والفرقة وقتال بعضهم لبعض، فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون، وذريتك من بعدك) فقال له الأمير الراشد: (يا شيخ! إن هذا دين الله ورسوله، الذي لاشك فيه، وأبشر بالنصرة لك، ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد) ولكن أريد أن أشترط عليك اثنتين:
الأولى: نحن إذا قمنا في نصرتك، والجهاد في سبيل الله، وفتح الله لنا ولك البلدان أخاف أن ترحل عنا وتستبدل بنا غيرنا.
الثانية: إن لي على أهل الدرعية قانونا آخذه منهم في وقت الثمار، وأخاف أن تقول: لا تأخذ شيئا.
فقال الشيخ: أما الأولى: فابسط يدك، الدم بالدم والهدم بالهدم.
وأما الثانية: فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك الله من الغنائم ما هو خير منها، وتبايعا على ذلك في قصة تاريخية معروفة.
وكانت لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب جهود علمية، في ترسيخ مفهوم الجماعة، فمن ذلك قوله:(40/405)
"اختلفوا في الجماعة والافتراق، فذهب الصحابة ومن معهم إلى وجوبها، وأن الإسلام لا يتم إلا بها، وذهبت الخوارج ومن معهم إلى الأخرى وإنكار الجماعة، ففصل الكتاب بينهم، بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} الآية، آل عمران:103.
وقال أيضا: "الأئمة مجمعون من كل مذهب، على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على إمام واحد ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم ".
وقال أيضا "من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا، ولو كان عبدا حبشيا، فبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيانا شائعا ذائعا، بوجوه من أنواع البيان شرعا وقدرا، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم، فكيف العمل به ".
وقال بلسان العامة: "وبعد يجيئنا من العلوم، أنه يقع بين أهل الدين والأمير بعض الحرشة تحرشات وهذا شيء ما يستقيم عليه دين، والدين هو الحب في الله والبغض فيه، فإن كان الأمير ما يجعل بطانته أهل الدين، صار بطانته أهل الشر، وأهل الدين عليهم جمع الناس على أميرهم، والتغاضي عن زلته، وهذا أمر لابد منه من أهل الدين، يتغاضون عن أميرهم، وكذلك الأمير يتغاضى عنهم، ويجعلهم مشورته وأهل مجلسه، ولا يسمع فيهم كلام العدوان، وترى الكل من أهل الدين والأمير، ما يعبد الله أحد منهم إلا برفيقه، فأنتم توكلوا على الله، واستعينوا بالله على الائتلاف والمحبة واجتماع الكلمة، فإن العدو يفرح إذا رأى أن الكل ناقل على رفيقه، والسبب: يرجو عود الباطل".(40/406)
وكان هذا المعنى قد فقهه الأئمة من آل سعود، فقد سئل الإمام عبد العزيز ابن محمد بن سعود: "هل تصح الإمامة في غير قريش "؟، فأجاب: "الذي عليه أكثر العلماء، أنها لا تصح في غير قريش إذا أمكن ذلك، وأما إذا لم يمكن ذلك واتفقت الأمة على مبايعة الإمام، أو اتفق أهل الحل والعقد عليه، صحت إمامته ووجبت مبايعته، ولم يصح الخروج عليه، وهذا هو الصحيح الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة، كقوله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد حبشي…" (1) .
ومن يتأمل مواقف الأمير الإمام محمد بن سعود، تدله دلالة قاطعة، على رجاحة عقله وبعد نظره، وقوة إيمانه وتوكله على الله، وأن الله بفضله قد اختاره وأولاده لنصرة هذا الدين، والإمامة فيه، والتفاف الجماعة عليه، فكم ناوأه الأمراء والملوك، وجيوش الأعداء الكثيرة، وتكالبوا عليه بعد إيوائه الشيخ ونصرته دعوته، ورموه عن قوس واحدة من قريب وبعيد، فصبر على الجهاد في سبيل الله، وبذل نفسه وإمارته، وأولاده، وقتل من قتل من أولاده ورجاله، ولا يزال صابرا وفاء بالعهد وإيمانا واحتسابا لما عند الله في الدار الآخرة، خلافا لما يشيعه أعداء العقيدة الإسلامية، كذبا وزورا، من أنه ضعيف الشخصية، وأنه لا يتخذ القرار الحاسم بنفسه، أو أنه ذو أطماع سياسية، يريد الملك والاستيلاء والسيطرة، كما هو شأن أمراء العرب في عهده، ولكن الحقيقة أنه أمير راشد، وإمام فذ، ذو شخصية قوية بالله ورأي مستقل، يتمتع بمواهب سياسية وإدارية فائقة متميزة.
__________
(1) الدرر السنية، ط /5/1416هـ / مجلد 9/5 – 7.(40/407)
ونعود إلى قصة ذلك اللقاء المبارك بين الشيخ والأمير، فنقول: لما تم ذلك الوفاق التاريخي القدري، بين العالم الرباني والأمير الراشد على نصرة التوحيد، اكتمل عقد القوة العلمية والعملية لجماعة المسلمين، وقامت الدولة السعودية الأولى على ذلك، بإمامة الأمير الراشد محمد بن سعود، وجد واجتهد في القيام بنصرة التوحيد والقضاء على الشرك والبدع والخرافات، والسير على منهج أهل السنة والجماعة حتى توفاه الله تعالى سنة 1179هـ رحمه الله تعالى.
وقد تولى الإمامة بعد وفاته ابنه الإمام عبد العزيز، وكان أشهر من أبيه، فقد استتب له الأمر تسعة وثلاثين عاما، وأدخل جميع نجد في طاعته، والأحساء والقطيف وعمان، والحرمان الشريفان بقيادة ابنه سعود، ووصلت غزواته مشارف الشام، وكربلاء في العراق، واليمن، وكان عالما عادلا ورعا، وشجاعا مقداما، قتله رافضي من أهل النجف في العراق، جاء متنكرا باسم عثمان، بدسيسة من والي بغداد، قتله غدرا وهو قائم يصلي العصر بالناس، في مسجد الطريف في الدرعية، سنة 1218هـ رحمة الله عليه.
وبويع بالإمامة ابنه سعود، وكان قائدا عظيما، وعالما جليلا، ذكيا يحسن الخط والقراءة، فصيحا إذا تكلم أنصت له الكل، وفارسا مغوارا وحاكما عادلا، لا تأخذه في الله لومة لائم، تولى ملك أهل السنة والجماعة، وجند جنودا تزيد على أربعمائة ألف ما بين فارس وراجل، حتى خضعت له جميع أنحاء الجزيرة العربية، واستتب الأمن في جميع ربوعها، وحاول مناهضة ملوك الدنيا في سبيل إعلاء كلمة الله وإخضاع ممالكها للسنة والجماعة، وبارزته السلطنة العثمانية بالعداء والقتال، وجيشت الجيوش الكثيرة ضده فهزمها هزيمة شنيعة، وكان مدة حياته لم تهزم له راية، وعليه من الأبهة والهيبة والجلال ما يبهر العقول، ثم توفي رحمه الله سنة 1229هـ وكانت ولايته إحدى عشرة سنة.(40/408)
ثم خلف الإمام سعود ابنه الإمام عبد الله، "فسار سيرة والده، إلا أن اخوته لا يوافقونه على إرادته، وكان لا يخالفهم، ونازعه أخوه فيصل بن سعود، فكان يأمر وفيصل يأمر، فتفرقت كلمتهم، وضعفت شوكتهم، ونفر منهم فئام من العرب، واتسع الخرق في قوتهم، فحاربتهم الدولة المصرية، وانحاز إلى المصريين أكثر العرب من نجد والحجاز واليمن والعراق والشام "، وبسبب الذنوب، وضعف تحقيق التوحيد والسنة والجماعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتفرق أنصار التوحيد فيما بينهم، ضعفت القوة بعد أن كانت مجتمعة موحدة، فطمع الأعداء وتوالت الحملات المصرية التركية في زحفها على أهل التوحيد والسنة والجماعة إلى أن وصلت تلك الجيوش الظالمة الدرعية وبعد حصار وقتال استمر سنة كاملة، استسلم الإمام عبد الله، عام 1233هـ، وقتل في تركيا شنقاً رحمه الله تعالى، ولم تطل مدة حكمه أكثر من أربعة أعوام، كما قتل في الدرعية الشيخ سليمان بن عبد الوهاب رحمه الله، صاحب تيسير العزيز الحميد، شرح كتاب التوحيد، وقتلوا من قتلوا، وأسروا من أسروا، حقدا على العلماء، وأهل السنة والجماعة.
قال الشيخ عبد العزيز بن معمر شعرا:
وكم قتلوا من عصبة الحق فتية
هداة وضاة ساجدين وركعا
وكم دمروا من مربع كان آهلاً
فقد تركوا الدار الأنيسة بلقعا
إلى أن قال:
عسى وعسى أن ينصر الله ديننا
ويجبر منا اليوم ماقد تصدعا
إلى قوله:
إلهي فحقق ذا الرجاء وكن بنا
رؤوفا رحيما مستجيبا لنا الدعا (1)
وقد استجاب الله الدعاء، وحقق الرجاء، كما سنبينه فيما يأتي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
__________
(1) عنوان المجد في تاريخ نجد، لابن بشر: 2/34،35، وفي ط المعارف ص43-45.(40/409)
وفي الختام: أنقل ملخصا تاريخيا لهذا الدور وموقعه من الجماعة، عن عالم جليل هو الشيخ العلامة عبد الله بن عبد اللطيف رحمهما الله تعالى، في رسالة له إلى بعض المشايخ الكرام بعد أن ذكَّر بنعمة الله بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى التوحيد، قال عن مناصرة محمد بن سعود وأبنائه للشيخ في دعوته ما نصه: "ووازره (أي آزره) على ذلك من سبقت له من الله سابقة السعادة، فأقبل على معرفة ما عنده من العلم وارده، من أسلاف آل مقرن الماضين، وآبائهم المتقدمين، رحمهم الله رحمة واسعة، وجزاهم عن الإسلام خيرا، فما زالوا من ذلك على آثار حميدة، ونعم عديدة، يصنع لهم تعالى من عظيم صنعه، وخفي لطفه ما هداهم به إلى دينه، الذي ارتضاه لنفسه، واختص به من شاء كرامته وسعادته من خلقه، وأظهر لهم من الدولة والصولة ما ظهروا به على كافة العرب، وغدت لهم الرياسة والإمامة رتبة تدرس بمجرد السابقة والعادة، لا تزاحمهم فيها العرب العرباء، ولا يتطاول إليها بنو ماء السماء، وصالحهم يرجو فوق ذلك مظهرا، وجاهلهم يرتع في ثياب مجد لا يعرف من حاكها ولا درى، فلم يزل الأمر في مزيد … ".
والخلاصة: أن صفة الجماعة المرادة شرعا، قد تحققت في هذا الدور، الدولة السعودية الأولى. وإلى بيان موقع الدولة السعودية الثانية من صفة الجماعة فيما يلي:
موقع الدولة السعودية الثانية من صفة الجماعة(40/410)
لقد استجاب الله الدعاء، وحقق الرجاء، وعاد الله الكريم بعائدته على أهل السنة والجماعة، فقامت الدولة السعودية الثانية أيضا بصفة الجماعة، بإمامة الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، سنة 1238هـ، حين أقبل من بلد الحلوة واحتل عرقة، وفي سنة 1240هـ هجم على الحامية التركية في الرياض، واستولى على الرياض، وواصل جهاده حتى استولى على جميع أنحاء نجد، والأحساء والقطيف وعمان، ودخلت تحت طاعته، ودانت له بالإمامة، حبا وكرامة، فقد كان عادلا في الرعية، حكيما شجاعا مقداما سخيا كريما، كثير الخوف من الله، وقدم عليه من مصر ابنه فيصل بن تركي، وشيخ الإسلام في وقته الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، وغيرهم، واستمر حكمه خمس عشرة سنة، وكان قد خرج من الدرعية على إثر تخريب غزاة الترك لها بغير حق، وما نقموا من أهلها آل سعود إلا أن يقولوا ربُّنا الله، وأراد أعداء التوحيد، أن لا تقوم دولتهم، جماعة للمسلمين مرة أخرى، بل أقسموا على ذلك، كما قال احمد بن مشرف في قصيدة له:
وأقسم قوم أنها دولة مضت
وليس لما قد فات عود ولا رد
وقلنا لهم نصر الإله لحزبه
به جاء في القرآن والسنة الوعد
فعادت كما كانت بفضل ورحمة
من الله مولانا له الشكر والحمد
فهذا إمام المسلمي مؤيدا له
النصر والإقبال والحل والعقد(40/411)
ثم قتله ابن عمه مشاري طمعا في الإمارة، وخلفه على الإمامة من بعده ابنه الإمام فيصل بعد أن قتل قاتل أبيه، عام 1249هـ واستتب له الأمر أربع سنوات بعد مقتل أبيه، غير أن الدولة العثمانية، ما كانت لتترك نصيراً للتوحيد كفيصل هذا، إلا أنها أدركت ثقة المسلمين بآل سعود فأرادت خديعتهم، وأوعزت لوالي مصر أن يوجه إسماعيل باشا بعساكر كثيرة، مصحوبا بخالد بن سعود، ممن حمل بعد كارثة الدرعية، إلى مصر وهو صغير، وترعرع في كنف محمد علي، وتمصر.. فجيء به، وجعل أميرا على نجد، من قبل الأتراك، وذلك في عام 1253هـ. غير أن أصحاب العقيدة السلفية لم ينخدعوا، فلم يستتب له الأمر، وكانت نهايته أن داخله الخوف، فخرج قاصدا الأحساء، ثم خرج منها هاربا إلى الدمام، ثم إلى الكويت فالقصيم، ومن ثم إلى مكة حيث مات فيها، واستتب الأمر للإمام فيصل مرة أخرى، مدة ثلاث وعشرين سنة، لم ينازعه فيه منازع، وكان ذا أخلاق شريفة، ومكارم حميدة، عادلا في رعيته، حليما حكيما، محبا للعلم وطلابه، موقرا للعلماء، كثير الخوف من الله، أحبته الرعية لعفته ودينه وشجاعته وعدله وإنصافه، وكانت الجماعة سعيدة في حكمه، لما من الله عليهم به من أمن ورخاء، بلا فتن ولا قلق ولا اضطراب إلى أن توفاه الله عام 1282هـ. وهو جد الملك عبد العزيز رحمهم الله.
قال الشيخ العلامة عبد الله بن عبد اللطيف رحمهما الله تعالى، في رسالته إلى بعض المشايخ الكرام ما نصه: "ثم إن الله سبحانه وتعالى من فضله ورحمته، جمع المسلمين على إمام واحد، وحصل لهم من الأمن، والراحة والعافية، وكف أيدي الظلمة، ما لا يخفى ".(40/412)
ثم بعد وفاة الإمام فيصل، بايع الناس ابنه عبد الله وهو أكبر أبنائه بالإمامة، ولكن لم يمض عام واحد، حتى حصل بينه وبين أخيه سعود اختلاف، فخرج سعود من الرياض غاضبا منازعاً لأخيه الإمام الأمر، فبعث الإمام عبد الله على أثره اثنين من العلماء يسترضونه، كما كتب له الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، وغيره من مشايخ الدعوة، ينصحونه بالعودة، وترك الشقاق والفتن، ولكنه أبى وأصر على المنازعة، فاستغل أعداء السنة والجماعة هذا النزاع، وانقسم الناس، وحصلت الفرقة في الجماعة، وزاد الأمر سوءا، أن تدخلت العساكر التركية من قبل والي بغداد مدحت باشا، بسبب استنجاد الإمام عبد الله بهم على قتال أخيه، فتدخلت لغير مصلحة الطرفين، وضد مصلحة أهل التوحيد، فاحتلوا الأحساء ودعوا إليها الإمام عبد الله، فلبى الدعوة وحضر ومعه أخوه عبد الرحمن وابنه تركي، فأكرموهم في الظاهر، وهم يضمرون لهم عكس ذلك، وجاء مدحت باشا إلى الأحساء، عام1289هـ، وهم بالقبض على الإمام عبد الله ومن معه، وتسفيرهم للخارج، فهربوا إلى الرياض بحيلة، وتكالب الأعداء، وطمع ابن رشيد، فاستولى على الرياض في نهاية الأمر، تحت سيادة الأتراك، وهكذا حصل الفشل وذهاب الريح ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
موقع الدولة السعودية الثالثة من صفة الجماعة
لقد أراد الأتراك أن يذلوا الإمام عبد الرحمن بن فيصل، حتى يساعدوه على خصمه ابن رشيد، وينصبوه أميرا على الرياض، تحت ولاية الحكومة العثمانية، ويدفع لهم ضريبة الخضوع، ستة آلاف ريال سنويا، فرفض ذلك بإباء وشمم، ورأى أن من الهوان: الرضا ببقاء نفوذ هم في بلاد التوحيد، فخرج بأسرته وفيها ابنه عبد العزيز، من الرياض، عام 1308هـ تقريبا، خرجوا لأنهم قوتلوا وأخرجوا من دولتهم وحكمهم في ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربُّنا الله.(40/413)
ثم عاد الله عليهم وعلى أسرة التوحيد بعائدته، عاد الله عليهم بعودة عبد العزيز لاستنقاذ الرياض، عام 1319هـ
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} الحج: 38-41.
لقد دافع الله عنهم إذ قوتلوا، وأُذن لهم بأنهم ظلموا، فنصرهم الله عز وجل وألف قلوب أهل التوحيد عليهم، وجمع أهل السنة بهم، وأهلك الخونة من أعدائهم، قُتِل ابن رشيد وطُرد الأتراك، ودُحر أعداء التوحيد والطاعة، ومفارقو السنة والجماعة، ومكن الله لهم في الأرض، فأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور، وقامت على ذلك، جماعة المسلمين، دولة التوحيد، (المملكة العربية السعودية) ، بتأسيس الملك العادل، الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، أسسها على التوحيد راسخة البنيان، دائمة البقاء إن شاء الله تعالى. وسيأتي تفصيل بيان جهوده في تحقيق مفهوم الجماعة في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى.(40/414)
قال الشيخ العلامة عبد الله بن عبد اللطيف رحمهما الله تعالى، في رسالته إلى بعض المشايخ الكرام، بعد أن ذكر وقوع تلك المحنة، التي وصفها ـ بصدق ـ بأنها فتنة عم شرها وطار شررها، وتفرق الناس فيها أحزابا وشيعا، ما بين ناكث لعهده، خالع لبيعة إمامه، بغير حجة ولا برهان، بغضا للجماعة، ومحبة للفرقة والشناعة، وبين مجتهد لما رأى إمامه صدر مكاتبة للدولة، وبين واقف عند حده، يلوح بين عينيه "إلا أن تروا كفرا بواحا"، والرابع ضعيف العنان، خوار الجنان، مع هؤلاء تارة، ومع الآخرين تارة يتبع طمعه قال: "وكل فرقة من هذه الفرق، تضلل الأخرى، أو تفسقها، أو تكفرها، بل وتنتسب إلى طالب علم تأتم به وتقلده، وتحتج بقوله عياذا بالله من ذلك والمعصوم من عصمه الله، وحساب الجميع على الله وهو أعلم بسرائرهم، وسيحكم بينهم سبحانه بعلمه "، ثم بين أن الله أذهب ذلك بالعود إلى الجماعة، يعني بقيام الملك عبد العزيز، وهذا نص مقاله: "ثم أذهب الله ذلك بقيام الجماعة، وتجديد الأخوة الإسلامية، وذهاب الشحناء، وعاد الأمر إلى ما كان عليه من ثبوت الإمامة، والدعوة إلى الجماعة، وتجديد العهود والمواثيق على ذلك، فحمدنا الله تعالى وسألناه المزيد من فضله ورحمته، وكنا مغتبطين، وأذهب الله عنا هباء الشبهات، وأطفأ نار تلك الضلالات …".
وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، والشيخ عمر بن سليم، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، بعد أن ساقوا الأدلة على وجوب السمع والطاعة في غير معصية:(40/415)
"إذا تقرر ذلك فليعلم أن الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل، قد ثبتت بيعته وإمامته، ووجبت طاعته على رعيته، فيما أوجب الله من الحقوق، فمن ذلك: أمر الجهاد، ومحاربة الكفار ومصالحتهم، وعقد الذمة معهم، فإن هذه الأمور من حقوق الولاية، وليس لآحاد الرعية الافتيات أو الاعتراض عليه في ذلك، فإن مبنى هذه الأمور على النظر في مصالح المسلمين العامة والخاصة، وهذا الاجتهاد والنظر موكول إلى ولي الأمر ".
هذا حق، وإن الذي نعتقده في قلوبنا، وندين به لربنا، وهو معلوم من دين الإسلام بالضرورة، "أنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة " كما ورد في حديث موقوف له حكم الرفع، رواه الدارمي بسند يحتج به، عن تميم الداري قال:"تطاول الناس في البناء في زمن عمر، فقال عمر:"يا معشر العُريب الأرض، الأرض، إنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة، فمن سوده قومه على الفقه كان حياة له ولهم، ومن سوده قومه على غير فقه كان هلاكا له ولهم ".
فإذا علم هذا، وعلمنا أن هذه الأمور الثلاثة متلازمة، آخذ بعضها ببعض، فلا قوام للإسلام، ولجماعة المسلمين، ولأمرهم إلا بهذا.
وعلمنا أننا في المملكة العربية السعودية، ننعم بتلك الثلاثة المتلازمة، ننعم بالإسلام، وبجماعة المسلمين، تحت ولاية إسلامية، بصفة لا نظير لها في أي بلد آخر ـ ولله الحمد والمنة ـ علمنا أن مفهوم الجماعة المراد من النصوص الشرعية، ينطبق تماما على الدول السعودية، وعلى المملكة العربية السعودية خصوصا، فإن أهل الحل والعقد من علماء المسلمين، وأمرائهم وأعيانهم، بايعوا عبد العزيز على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أميرا وسلطانا وملكاً وإماماً، ليس فوق سلطانه إلا سلطان الله تعالى، وكذلك تمت البيعة لمن بعده، للملك سعود، ثم للملك فيصل، ثم للملك خالد، رحمهم الله.(40/416)
ثم لخادم الحرمين الشريفين، الملك فهد، أطال الله عمره، وأعانه على العمل الصالح، وأيده بنصره وتوفيقه، وشد أزره بولي عهده الأمين، الأمير عبد الله، وبالنائب الثاني الأمير سلطان، وبإخوانهم وأبنائهم ورعيتهم، وألف بين قلوبهم على التوحيد، وجمع كلمتهم على الهدى والسنة، وأعزهم بالإسلام، وأعز الإسلام بهم، وأعاذهم من التفرق والاختلاف، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
الخلاصة: ومن خلال ما قدمنا ندرك أن أئمة التوحيد من آل سعود، هم امتداد لاستمرار وجود الجماعة بالمفهوم المراد شرعا وقدراً، على مر تاريخ الإسلام والمسلمين، ولا يعني هذا حصر الإسلام في السعودية فقط، وإنما المقصود بيان أنه لا توجد جماعة بإمام يقودها بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبويع على ذلك في غير هذه البلاد السعودية التي يحكم قادتها بكتاب الله تعالى متبعين في ذلك منهج السلف الصالح، أما الطائفة الناجية المنصورة فلا يخلو منها بلد من بلدان المسلمين، ولله الحمد والمنة، فكل بلد فيها جماعة على المنهج الذي وصف به الرسول صلى الله عليه وسلم الطائفة الناجية، ولكن ليس لهم إمام يقوم فيهم بتطبيق شرع الله تعالى كما هو واقع الحال ما عدا هذه البلاد السعودية، فهي الجماعة التي لها إمام يقودها بالكتاب والسنة، وانعقدت له البيعة شرعية قدرية بذلك، وانطبق عليها المعنى المراد من بيان عمر رضي الله عنه، لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة، وقدمنا تخريجه في الصفحة السابقة، ولله الحمد والمنة.(40/417)
تابع لجهود الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ في تحقيق مفهوم الجماعة
الفصل الثالث
جهود الملك عبد العزيز في تحقيق مفهوم الجماعة
إذا تحققنا فيما مضى من البحث، مفهوم الجماعة، والمراد الشرعي بالجماعة، وأنها الاجتماع على التمسك بالكتاب والسنة، وأن من استمسك بذلك فهو المراد بالجماعة، وإن كان وحده، وتحققنا اتصاف الدول السعودية بصفة الجماعة، ندرك أن جميع جهود الملك عبد العزيز رحمه الله، في تأسيس المملكة العربية السعودية هي تحقيق لمفهوم الجماعة، المراد شرعاً وقدراً.
وإننا لنرى ثمرة جهوده ماثلة للعيان، نراها في واقع وحدة المملكة العربية السعودية، ونرى إمامته الجامعة ماثلة في الحياة في خادم الحرمين الشريفين، وفي ولي عهده، وفي النائب الثاني،وفي أبنائه وأحفاده، وكل حسب موقعه من المسئولية، نرى فيه شخص عبد العزيز، ونرى في مجلسه مجلس عبد العزيز الإمام الجامع المجدد لما اندرس من معالم الجماعة، ونراه واقعاً ماثلاً في وحدة أبنائه وأحفاده واجتماعهم على منهجه، زادهم الله توفيقاً وائتلافاً ومحبة، وأعزهم بالإسلام، وأعز الإسلام بهم، ومشاهدة الواقع الحي، أبلغ من الحديث والكتابة عنه، فليس الخبر كالمعاينة.(40/418)
ولو أراد باحث أن يستقصي الحديث عن تلك الجهود العظيمة، فإنه لا يمكنه ذلك، في مثل هذا البحث، كما أن استقصاء الحديث عنها سرداً، قد يكون مملاً ولن يكون مفيداً، بقدر ما تفيده المعاينة والمشاهدة والتأمل الواعي المنصف، لواقع المملكة العربية السعودية، على ضوء مفهوم الجماعة المراد شرعا وقدراً، فلذا: لم يكن مجرد سرد الحديث عن تلك الجهود واستقصائه مقصوداً بهذا البحث، ولكن المقصود هو أن نتبين ببحثنا هذا ارتباط مرتكزات تأسيس المملكة العربية السعودية، بالمفهوم المراد شرعا وقدرا للجماعة، وانطباق ذلك المفهوم على وحدة المملكة العربية السعودية ليكون دليلاً بيناً، على صدق جهود الملك عبد العزيز رحمه الله، في تحقيق مفهوم الجماعة، وتصحيحاً لمفاهيم خاطئة، طالما عانى منها أبناء الأمة، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا به.
لذا جعلت هذا الفصل يدور على العناصر والمرتكزات التالية:
1- فضل الله تعالى وتوفيقه.
2- الحاجة إلى تحقيق مفهوم الجماعة.
3- الاستجابة للحاجة في تحقيق مفهوم الجماعة.
وإلى تفاصيل ذلك:
1- فضل الله وتوفيقه:(40/419)
فضل الله علينا وتوفيقه بأن خلقنا ورزقنا، ولم يتركنا هملاً، لا نؤمر ولا ننهى، بل أرسل إلينا رسولاً هو محمد صلى الله عليه وسلم، أرسله الله بالهدى ودين الحق، وأن الله تعالى لا يرضى أن يُشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب عنده، ولا نبي مرسل، فضلاً عن غيرهما من سائر المخلوقات، فإذا لم يرض بأن يُعبد من كان قريبا منه كالملائكة، ومن كان نبيا مرسلا وهم أفضل الخلق فغيرهم بطريق الأولى، لأن العبادة لا تصلح إلا لله وحده، فكما أنه المتفرد بالخلق والرزق والتدبير، فهو المستحق للعبادة وحده دون من سواه، وجعل الله طاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم طاعة له ومعصيته معصية له، فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} المزمل:15-16.
وعلى هذا الأصل ينبني الولاء للجماعة أهل التوحيد والسنة، والبراء من مخالفيها ومعاديها، أهل الشرك والبدعة والفرقة، لأنهم يحادون الله ورسوله، أي أنهم في حدِّ إبليس وجنوده، والجماعة في حدِّ الله ورسوله، قال الله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} المجادلة: آخرها.(40/420)
ومن فضل الله علينا ورحمته، استمرار حفظه لهذا الدين بوجود هذه الجماعة وإمامهم، إلى قيام الساعة، رغم غلبة الشر والفرقة أحيانا، فلا تزال هذه الجماعة باقية إلى قيام الساعة، قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر:9. وكما روى البخاري من حديث معاوية رضي الله عنه، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" [1] وكما روى مسلم في صحيحه: "لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة " [2] . فلله الحمد والمنة.
وقد قيض الله لدين محمد صلى الله عليه وسلم، من يبعثه على رأس كل مائة سنة، مجدداً لما اندرس من معالم الدين،كما قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" [3](40/421)
وعبد العزيز رحمه الله من هؤلاء المجددين للإسلام، المقيمين لجماعته، فكان فضل الله تعالى وتوفيقه لعبد العزيز، أن امتن عليه ووفقه للقيام بخدمة الكتاب والسنة، وخدمة المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ مقدسات المسلمين التي لا نظير لها في الوجود في جلب الخير ودفع الشر، وفي تأليف الجماعة والبعد عن الفرقة، فالقرآن العظيم كلام الله تعالى المبين، سواء كان محفوظاً في الصدور أو في المصاحف، أو متلواً بالألسن وبالاتباع العملي، رصيد مضمون لا مثيل له، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشخصه لا نظير له في الأشخاص ولا نبي بعده، وقبره بالمدينة، ودينه باق إلى يوم القيامة، وسنته محفوظة موجودة في الحياة العملية، وهديه صلى الله عليه وسلم معلوم، وهو خير الهدي، وبيت الله الحرام، لا نظير له في بيوت الله في الأرض، لا يتولاه إلا المتقون، قال تعالى: {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ} الأنفال:34، المتقون: الذين يريدون أن تكون كلمة الله هي العليا، ولا يخشون إلا الله.
والله تعالى بفضله قد أعطى عبد العزيز بسطة في الجسم وفي العلم وفي العقل والذكاء وفي قوة الإرادة والوفاء، وفي صدق القول والصراحة، وفي التواضع بعظمة والسماحة بنبل ورفعة، يقول: "لست ملكا بمشيئة أجنبية، بل أنا ملك بمشيئة الله ثم بمشيئة العرب الذين اختاروني وبايعوني، على أنها ألقاب وأسماء، فما أنا إلا عبد العزيز، قال العرب إنني ملك، فرضيت قولهم وشكرت ثقتهم، وفي اليوم الذي لا يريدونني زعيما لهم، أعود إلى الصف وأحارب معهم بسيفي، كأصغر واحد فيهم دون أن ينال نفسي شيء من الغضاضة " [4] هذه هي سيرة أبطال الصحابة، وروح خالد بن الوليد لما انثنى بعد عزله من قيادة المسلمين، جنديا عاديا يقاتل معهم العدو، دون أي غضاضة، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم.(40/422)
يقول رئيس جماعة أنصار السنة محمد حامد الفقي في صفته الشخصية: "فهو أفخم من رأيت من الرجال، قامة مديدة، وأكتاف عريضة، وصدر رحب، وجسم كله قوة، وكله نشاط وحركة، وعقل قوي، وجنان ذكي، وفكر متوقد، وبديهة حاضرة، وقلب يسع كل الرجال والحوادث فلا يتزلزل، ولا يهن ولا يضعف بشيء منها، فهو كالجبل الراسي، ولسان فصيح ومنطق قوي، وقول يصيب المحز، وحكم رائعة، وبلاغة تفحم السامع، وتقوده بخيط من حرير، فإذا هو طوع هذا الخطيب العظيم، ويد سخية، لا تعرف للمال قيمة إلا ادخار المثوبة عند الله، ثم امتلاك أعناق الرجال وقلوبهم، فهو لا يعرف "لا "ولا يخطر في باله أن يقولها لأي سائل، ولا أن يرد بها على أي مسترفد فضله، أو مجتد من كرمه، اللهم إلا فيما ينال من كرامة دينه "إلى أن يقول: "سجايا فطر الله عليها عبد العزيز … والعدل الذي فتح بابه لكل مظلوم … والصراحة في الحق لا يخشى فيه أحدا، ويحبه من كل أحد، ولا يدخر في نصره وسعا، وقوة الذاكرة التي تعي الحوادث والمسائل العلمية، مفصلة فلا يند منها شيء، فيجمع شتاتها، ويقرنها ببعضها، ويستخلص منها التجارب: يرسم بها خطط عمله، وأساليب حكمه، ونظم مملكته، ورحمة وحنان على الضعيف والصغير يحس معه رحمة الأبوة، وحنان المؤمن الذي قلبه مرآة ينطبع فيها شعور كل إخوانه وإحساساتهم، فيفرح بما يفرحون، ويتألم مما يتألمون …" [5](40/423)
وقد امتن الله عليه بأن شرح صدره للإسلام، وأكرم به المسلمين عموما وآل سعود خصوصا، ليرد اعتبار الجماعة وليقيم به الحجة، ووفقه الله بأن جرت أحداثُ قدَرِه سبحانه وفق مراده رحمه الله، لتحقيق مفهوم الجماعة، في الوقت والمكان المناسبين، وكان عبد العزيز حظ السعوديين وعزهم، فقد "كانوا ضلالاً فهداهم الله به،وكانوا جهالاً فعلمهم الله به، وكانوا متفرقين فجمعهم الله به، وكانوا ضعافا فقواهم الله به، وكانوا فقراء فأغناهم الله به، وكانوا أذلة مقهورين فأعزهم الله به، ومنحهم استقلالهم " [6] ، ويقول الشاعر محمد بن عثيمين:
خبيئة الله في ذا الوقت أظهرها
وللمهيمن في تأخيرها شان
ودعوة وجبت للمسلمين به
أما ترى عمهم أمن وإيمان [7]
وفق الله عبد العزيز رحمه الله لأن يقوم لله تعالى ويأخذ بحظه ونصيبه في أداء حقوق هذه الخصوصيات التي تفضل الله بها عليه وعلى أمته السعودية.
وأنجح الله جهوده في تحقيق مفهوم الجماعة، وكان توفيق الله للسعوديين بالملك عبد العزيز وجهوده، وبورثته من أبنائه البررة وجهودهم بالمحافظة على بناء الجماعة، وترسيخ دعائمها أمام الأحداث المتجددة.
ولقد كان عبد العزيز يدرك توفيق الله تعالى له، فيلهج بشكر الله دائما، وهذا أيضا من التوفيق.
قال رحمه الله: "الشريعة كلها خير، وإن الله سبحانه وتعالى أنزل الكتب، وأرسل الرسل ووضع فيها ما أمرهم به وما نهاهم عنه..
والأمر لا يتم إلا بمسألتين:
الأولى: التوفيق.. والتوفيق لا يكون إلا بالله. {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ} هود:88 والإنسان بلا توفيق لا يستطيع أن يعمل شيئا.
والثانية: الاجتماع والائتلاف.. وهذان هما أساس كل شيء
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} آل عمران: 103. [8](40/424)
وكان من توفيق الله له، أن يدرك حاجة الأمة لإقامة الجماعة بالمفهوم المراد شرعاً، وقد وفقه الله قدراً وكوناً، بتأسيس المملكة العربية السعودية وتوحيدها على توحيد الله بالعبادة، وتشييد بنائها بالعمل الصالح، ولقد من الله تعالى على أهل هذه المملكة العربية السعودية، ملكاً وشعباً، بذلك على الخصوص.
ومن توفيق الله تعالى أن شملت وحدة المملكة العربية السعودية ما يزيد على أربعة أخماس شبه الجزيرة العربية، من مناطق متباعدة، وقبائل متفرقة، وشعوب مختلفة، وأجناس متعددة، فتتمثل في وحدة المملكة العربية السعودية، تركيبة العالم الإسلامي كله، مع ارتكازها على الأصول الأربعة، رغم أن العرب والأعراب: "أصعب الأمم انقيادا، بعضهم لبعض، للغلظة فيهم والأنفة، وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة، فقلما تجتمع أهواؤهم، ولا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية، من نبوة أو ولاية، أو أثر عظيم من الدين على الجملة، فإذا كان الدين، بالنبوة أو الولاية، كان الوازع لهم من أنفسهم، وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم، فسهل انقيادهم واجتماعهم، وذلك بما يشملهم من الدين، المذهب للغلظة والأنفة، الوازع عن التحاسد والتنافس، فإذا كان فيهم النبي أو الولي الذي يبعثهم على القيام بأمر الله، يذهب عنهم مذمومات الأخلاق، ويأخذهم بمحمودها، ويؤلف كلمتهم لإظهار الحق، تم اجتماعهم، وحصل لهم الملك والتغلب" [9] وكم عانى منهم المصلحون ما عانوا، فمن توفيق الله تعالى لهم، أن هيأ عبد العزيز رحمه الله للقيام فيهم مقام الولي، الذي يجمعهم بجهوده الموفقة، على القيام بأمر الله، وتحقيق توحيده، الذي هو حقه على عبيده، ويذهب عنهم بتربيته مذمومات الأخلاق، وأسباب التفرق والتنازع، ويأخذهم بمحمودها، ويؤلف كلمتهم لإظهار الحق، فتم توطينهم من البداوة والحفاء، وتم توحيدهم بوحدة المملكة العربية السعودية، وحصل اجتماعهم على استقلالها عن أي نفوذ أجنبي،(40/425)
فأصبح الوازع لهم من أنفسهم، وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم، وتلاشى التعالي والتكبر بوجود الإمام المرجع القوي للجميع، فسهل انقيادهم، وتوافقت أهواؤهم، على إمامة عبد العزيز، بما أقام فيهم من حدود شرع الله تعالى، وجدد لهم من معالم دينه، المذهب للغلظة والأنفة، الوازع عن التحاسد والتنافس، فحصل له ولأبنائه توحيد العرب على ولايتهم الدينية، وإمامتهم الراشدة.
وأصبحت وحدة المملكة العربية السعودية النموذج الفريد، من تركيبة العالم الإسلامي، والنواة الوحيدة للوحدة الإسلامية الكبرى، والفئة الثابتة للمجاهدين، والجماعة الأم للجامعة الإسلامية العظمى، كيف لا؟ وقد ضمت مهبط وحي الله تعالى إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، ومنطلق دعوته صلى الله عليه وسلم إلى توحيد الله الذي هو حقه على عبيده، ضمت مكة المكرمة، والمسجد الحرام، قبلة المسلمين، ومناط حجهم، الركن الخامس من أركان الإسلام، وضمت المدينة المنورة، المنورة بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجده وحرمه الشريف، ومثوى جثمانه الطاهر صلى الله عليه وسلم.
ضمت مهد الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي جاء بتمام الرسالات النبوية وكمالها، بالوحي الإلهي العظيم المبين، بقسميه الكتاب والسنة، وبيت الله الحرام، بيت التوحيد، وقبلة المسلمين، ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم، آخر مسجد بناه نبي، وهما المسجدان، اللذان يأرز إليهما الإيمان، كما تأرز الحية إلى جحرها.(40/426)
وقد وظفت وحدة المملكة العربية السعودية، لخدمة الكتاب والسنة، كتاب الله الذي هو كلامه، وكلامه خير الكلام، وأحسن الحديث، والسنة هدي رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي، هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخدمة المسجد الحرام، أول بيت للتوحيد وضع للناس، لا قبلة للمصلين غيره، ومهوى أفئدة المسلمين، والمسجد النبوي الشريف، في دار الهجرة والنصرة، ومأرز السنة والإيمان والسكينة، معالم لا نظير لها كما قدمنا في جلب الخير ودفع الشر، وتحقيق مفهوم الجماعة، والبعد عن الفرقة، وقد خدمتها جهود الملك عبد العزيز رحمه الله، حتى أصبحت المملكة العربية السعودية بذلك المناط التعبدي للحج العظيم، والمهوى الصحيح للأفئدة والقلوب السليمة، والمعقل الأمين للجماعة المنصورة، توفيق من الله تعالى لا نظير له، فله الحمد والمنة.
ومن توفيق الله أنها جغرافياًّ تقع في القلب العالمي، تقع على البحر الأحمر غربا، وعلى الخليج العربي شرقا، اللذين يربطان بين البحر الأبيض المتوسط، وبين البحر العربي، المتصل بالمحيط الهندي والهادي الباسفيك فأصبح موقعُها وسطاً، وملتقى لجميعِ الطرق العالمية، ومساحتُها أكبر من أوربا الغربية، بالإضافة إلى بريطانيا، بمقدار الضعفِ تقريبا.
وقد حباها الله على يد عبد العزيز بالموارد الاقتصادية الضخمة من أرضها، وأهمها البترول، ذو الأثر الفاعل في الاقتصاد العالمي، والمعادن الأخرى، والزراعة، والمواشي والأسماك، وغيرها، مما أغناها الله سبحانه وتعالى به عن غيرها.
تركيبة فريدة، وموقع فريد، وكنز ثمين، وثروة عالية، وآية على ميراث النبوة بينة، وعلامة واضحة على توفيق الله تعالى، بتحقيق الملك عبد العزيز مفهوم الجماعة بالتوحيد، اقتداء بما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كرامة من كرامات أولياء الله جرت على يد عبد العزيز، وامتداد لمعجزة النبي صلى الله عليه وسلم.(40/427)
ومن توفيق الله تعالى وقبوله، أن تمر مائة عام على عود الله بعائدته الجميلة على أهل التوحيد، والسنة والجماعة، وإضاءة التاريخ السعودي بالملك عبد العزيز، بعد انطفاء حلت معه ظلمات الجهل والفرقة، فعاد الله بعائدته الكريمة على أهل الإسلام في أرض الحرمين وما جاورهما، باسترداد عبد العزيز عام 1319هـ رياض التوحيد، أرضه وأرض آبائه وأجداده أنصار توحيد الله عز وجل، وقيامه لله تعالى إماما للمتقين راشداً، وسلطانا للدين نصيراً، وقدوة للمسلمين وعزاً، يسير على منهج سلفه الصالح أهل السنة والجماعة، في العمل على توحيد كلمة المسلمين، وتوثيق تضامنهم وتعاونهم على البر والتقوى، وتحقيق مفهوم الجماعة، والأخذ بأسباب حياتهم السعيدة، ومصالحهم الأكيدة في الدنيا والدين، مع المحافظة على صفاء العقيدة الإسلامية، وتنقيتها من شوائب الشرك والبدع والخرافة والوهم، وسائر المعوقات الجاهلية.
حتى وصل بالمملكة العربية السعودية إلى مرسى الأمن والإيمان، راسخة في التوحيد، ثابتة في البناء، على هدي الكتاب والسنة، ومنهج السلف الصالح، يتعاقب فيها على منهجه ورثته، ولله الحمد والمنة.
تمر مائة عام، وتحقيق التوحيد، الذي هو حق الله على العبيد، لا يزال رباط وحدة المملكة، وآخِيَّةُ [10] اجتماعها، ولن يزال كذلك إن شاء الله تعالى.
يمضي قرن من الزمان والمملكة العربية السعودية تحتل المكانة الدينية في العالم الإسلامي مكان القلب من الجسد، سواء في البناء وتوحيد الكيان، أو في التربية والتعليم، أو في الحكم والإدارة، أوفي التنفيذ والتطبيق منذ نشأة بنائها إلى استكماله وتطويره، من لدن المؤسس الملك عبد العزيز، ثم أبنائه الملوك سعود وفيصل وخالد رحمهم الله، إلى عهد باني نهضتها خادم الحرمين الشريفين الملك المفدى فهد بن عبد العزيز حفظه الله وأمده بعونه وتوفيقه.(40/428)
تمر مائة عام والمملكة العربية السعودية، تعتبر بحق، المثال الواقعي للتضامن الإسلامي الشامل، والنواة الموجودة، لوحدة المسلمين العظمى، والمعقل ذا الوجود العيني الآمن لجماعتهم الكبرى.
إن مرور مائة عام على هذا لهو من توفيق الله للحق، وشاهد كوني على الصدق، وإن توفيق الله تعالى لعبد العزيز وللسعوديين عموما، ولمن جاء بعده، في تحقيق مفهوم الجماعة، وترسيخها وبنائها، بوحدة المملكة العربية السعودية، قضية متفق عليها.
2 - الحاجة إلى تحقيق مفهوم الجماعة(40/429)
كل إنسان هو محتاج بذاته، فقير بذاته، إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، ومن ذلك حاجته للجماعة في دينه ودنياه، لكن قد لا يشعر بالحاجة إلى جماعة المسلمين، إلا المسلم الذي يرفع الجهل عن نفسه بالعلم الشرعي ويلزم نفسه بالهدي النبوي، وقد يشعر المسلم بحاجته وفقره، ولكن لا يستطيع دفع ذلك، إلا أنه يوحد احتياجه وافتقاره لله رب العالمين، الأحد الصمد، الحي القيوم، الغني الحميد، فيجمع الله شمله ويسد حاجته ويغنيه، أما غير المسلم فلجهله وظلمه، فإنه يدين لدنياه، ويكفيه من المجتمع ما يؤمن له دنياه، ويشرك باحتياجه إلى غير الله تعالى، ويمزق همه، ويفرق دينه، فلا يحصل على جمع ولا غنى، وبيان ذلك أن كل ما سوى الله من حي وغيره ليس له من نفسه وجود ولا عدم، بل هو مخلوق، وكل مخلوق فقير محتاج بذاته إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، والمنفعة للحي من جنس النعيم واللذة، والمضرة هي من جنس الألم والعذاب، فلا بد من مقصود محبوب ينتفع ويلتذ به، مطلوب وجوده، ولابد من مكروه مبغض، يضر وجوده ويؤلم ويعذب، مطلوب عدمه، ولابد من الوسيلة إلى حصول المحبوب، ودفع المكروه، وهذه أمور ضرورية للعبد بل ولكل حي، لا يقوم وجوده وصلاحه إلا بها، ويجب أن يكون الله تعالى دون ما سواه هو المقصود المعبود المدعو المطلوب، وأن يكون الله تعالى دون ما سواه، هو المستعان على المطلوب وعلى دفع المكروه، كما أرشد الله إلى ذلك في الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، فيجب أن يكون الله تعالى دون ما سواه هو المعبود المستعان، حيث إن ما سوى الله تعالى فقير محتاج بذاته، ليس بيده لنفسه فضلا عن غيره نفع ولا ضر، قال الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ(40/430)
الْخَبِيرُ} الأنعام:17-18 وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} يونس:107.
وفقر العبد وحاجته إلى الإسلام، إلى أن يعبد الله وحده، ويستعين به وحده، لا يشرك به شيئا، علماً وعملاً، فقر عظيم وحاجة شديدة، وليس لحاجته وفقره نظير يقاس به، ولكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الطعام والشراب، غير أن الحاجة إلى الإسلام أعظم وأشد، فإنه لو فقد الطعام والشراب قد لا يفقد إلا حياته الدنيا فقط، وقد تكون حياة شقية، أما لو فقد الإسلام فإنه يفقد سعادته في حياته الدنيا والأخرى، وحيث لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة، فالحاجة إلى الجماعة بالمفهوم المراد شرعا هي نفس الحاجة إلى الإسلام.
ومما يؤكد الحاجة إلى الجماعة، أن الشارع الحكيم أوجب على العبد أن يصبر على ما يراه من الأمير مكروها من معصية الله، لزوما للجماعة واعتصاما بها من التهلكة، وبعدا عن ميتة الجاهلية، كما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" من رأى من أميره شيئاً يكرهه، فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية" [11] .
والحاجة إلى عصمة الدم لا تخفى، وهي في لزوم الجماعة متحققة، كما روى مسلم بسنده عن عبد الله قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا ثلاثة نفر التارك الإسلام المفارق للجماعة، والثيب الزاني، والنفس بالنفس " [12] .(40/431)
ومما يؤكد الحاجة إلى الجماعة، هو أن يد الله على الجماعة، ومن فارقها فالشيطان معه، كما روى النسائي بسند جيد عن عرفجة بن شريح الأشجعي قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب الناس فقال: "إنه سيكون بعدي هنات وهنات فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد أن يفرق أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم كائنا من كان فاقتلوه فإن يد الله على الجماعة فإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض" [13] .
فالجماعة نجاة، والفرقة هلكة، ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار، قال ابن مسعود رضي الله عنه في خطبته:"أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وما تكرهون في الجماعة، خير مما تحبون في الفرقة " أخرجه الحاكم في المستدرك وابن جرير في تفسيره، والآجري في الشريعة [14] .
وقال ابن المبارك رحمه الله:
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا
منه بعروته الوثقى لمن دانا
كم يدفع الله بالسلطان معضلة
عن ديننا رحمة منه ودنيانا
لولا الخلافة لم تؤمن لنا سبل
وكان أضعفنا نهبا لأقوانا [15]
وفي لزوم الجماعة وإمامها سعادة الدنيا والدين، به تنتظم الحياة الاجتماعية، ويحصل الأمن على العرض والمال والدم، وتتحقق مصالح المجتمع في معاشهم ومعاد هم ويستعينون بالجماعة على إظهار دينهم، وطاعة ربهم، كما قال علي رضي الله عنه: "إن الناس لا يصلحهم إلا إمام، بر أو فاجر، إن كان فاجرا، عبد المؤمن ربه، وحمل الفاجر فيها إلى أجله "، وقال الحسن البصري في الأمراء: هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة والجماعة، والعيد والثغور والحدود "وقال أيضا: "والله ما يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا أو ظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن والله إن طاعتهم لغيظ ـ أي للأعداء ـ وإن فرقتهم لكفر"ذكر ذلك عن الحسن الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم.(40/432)
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في بداية ذكره مسائل الجاهلية: "هذه أمور خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما عليه أهل الجاهلية من الكتابيين والأميين، مما لا غنى للمسلم عن معرفتها:
فالضد يظهر حسنه الضد
وبضدها تتبين الأشياء
فأهم ما فيها وأشدها خطراً عدم إيمان القلب بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن انضاف إلى ذلك استحسان ما عليه أهل الجاهلية تمت الخسارة "والعياذ بالله كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} آية:52 العنكبوت قال: "المسألة الأولى: أنهم يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله وعبادته يريدون شفاعتهم عند الله، كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} آية: 18، يونس، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} آية: 3، الزمر، قال: "وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى بالإخلاص، وأخبر أنه دين الله الذي أرسل به جميع الرسل، وأنه لا يقبل من الأعمال إلا الخالص، وأخبر أن من فعل ما يستحسنونه فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار، وهذه هي المسألة التي تفرق الناس لأجلها بين مسلم وكافر، وعندها وقعت العداوة، ولأجلها شرع الجهاد، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} آية:39، الأنفال.(40/433)
الثانية: أنهم متفرقون في دينهم، كما قال تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} آية 32، الروم، وكذلك في دنياهم، ويرون ذلك هو الصواب، فأتى بالاجتماع في الدين بقوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} آية:13، الشورى، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} آية: 159، الأنعام، وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} آية 32، الروم، ونهانا عن التفرق في الدين بقوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} آية:104 آل عمران، ونهانا عن مشابهتهم بقوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} آية: 105 آل عمران.
الثالثة: أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة، والسمع والطاعة ذل ومهانة، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بالصبر على جور الولاة، وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة، وغلظ في ذلك وأبدى وأعاد، وهذه الثلاث التي فيه، جمع بينها فيما ذكر عنه في الصحيحين أنه قال:"إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن لا تعبدوا إلا الله ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم " [16] .(40/434)
قال الشيخ:"ولم يقع خلل في دين الناس ودنياهم إلا بسبب الإخلال بهذه الثلاث أو بعضها " [17]
وقال أيضا: يبين الضرورة إلى الجماعة ولو كانت صغرى، "الأئمة مجمعون من كل مذهب، على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على إمام واحد ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم" [18]
وقال أيضا "من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا، ولو كان عبدا حبشيا، فبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيانا شائعا ذائعا، بوجوه من أنواع البيان شرعا وقدرا ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم، فكيف العمل به " [19] .
إلى غير ذلك من النصوص الشرعية المحكمة، وأقوال العلماء، التي تبين مدى الاحتياج إلى الجماعة، وضرورة تحقيقها.
وقد كانت حاجة الناس في الجزيرة العربية إلى الجماعة والسمع والطاعة، والأمن والاستقرار شديدة، فالحجاز ونجد وما حولهما من البلدان لم تنعم بالجماعة على المفهوم المراد شرعا، أي لم تنعم بحكم صالح قوي يوحد أجزاءها، ويحكم سير الأحداث فيها بعلم وعدل، ويوجِد فيها أمنا شاملا، وسياسة رشيدة مستقرة، مثل ما نعمت به في ظل دول أنصار التوحيد من آل سعود، منذ حكم الأخيضريون اليمامة وما حولها في سنة 253هـ تقريبا.
وكل هذا جرى قبل توحيد الملك عبد العزيز أرض المملكة حرسها الله.(40/435)
وكل ذلك كان قبل قيام دولة أنصار التوحيد من آل سعود، ويعود في غيبتها مما يؤكد الحاجة الملحة إلى جماعة المسلمين السعودية، وإلى جهود الملك عبد العزيز في إقامة الجماعة، بتوحيد المملكة العربية السعودية، وذكرنا أن المسلمين على الحقيقة لا تطمئن نفوسهم لغير هذه الأسرة السعودية المباركة، لأنهم من خلال الأحداث التاريخية والوقائع الكونية، قد شهدوا مراراً غياب هذه الأسرة السعودية عن الحكم فرأوا في غيابها ضعف العقيدة الإسلامية، والغدر لمنهج الشريعة، والتفرق عن الجماعة، وعدم الأمن والاستقرار، وذل العسف الجائر، وطغيان الظلم المظلم، مما يؤكد الحاجة إلى أنصار التوحيد من آل سعود، وإلى جهود الملك عبد العزيز رحمه الله في تحقيق مفهوم الجماعة على الخصوص، ولا ينسى المنصفون لهذه الأسرة السعودية، فضلها وتاريخها المجيد، كما لا يرتابون في وفائها للإسلام والمسلمين.(40/436)
ونزيد هنا بيانا عن مسيس الحاجة من واقع الحال في الحجاز ونجد وغيرهما، وأنه قد عاد إلى الحال التي ذكرنا وأسوأ، قبل ظهور الملك عبد العزيز، وقيام دولة التوحيد على يديه، المملكة العربية السعودية،كما هو المشهور من الرواية بل المتواتر منها، وكما يشهد لذلك الواقع المشاهد الآن، الذي بقي على حاله من الفرقة وضعف الأمن والإيمان، في خارج المملكة العربية السعودية فنقول: كان في الواقع مما ينافي تحقيق التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، مظاهر خطيرة على الإيمان والأمن، كالأضرحة والمشاهد الشركية، والقباب المقامة على القبور المعظمة، التي يطاف حولها ويعكف، وتقصد للتبرك بها، وطلب قضاء الحوائج، وتفريج الكربات عندها، في مكة نفسها، كالقباب التي كانت في المعلاة في الحجون، على قبر خديجة وغيره، وفي الحلقة القديمة على قبر المستسقي، وقبر العلوية قريب من باب مكة، وقبر الشيخ أبو سرير وضريحه، بزاوية كانت معروفة في آخر سوق الندى، والقبر الشهير بالمظلوم، والزوايا المنسوبة إلى الصوفية وما فيها من الأضرحة والخرافات التي تنسج حولها، وفي طريق النورية قبة على ما يزعمونه قبر ميمونة، وفي الزيمة قبة على قبر الرشيد، وغير ذلك، كما في المدينة في البقيع وغيره، القباب التي كانت على قبور الصحابة، وفي أحد كانت القبة المشهورة على قبر حمزة، وغير ذلك، هذا في مكة والمدينة، وهما معقل التوحيد ومأرز الإيمان، فكيف في غيرهما، لاشك أنه أكثر بكثير، ففي نواح عديدة، كانت القباب على القبور، والأماكن والأشجار والأحجار والغيران، والطواغيت، التي تقصد للدعاء والتبرك وذبح القربان، وغير ذلك مما لم ينزل الله به من سلطان، وإنما هي مظاهر للبدع والشرك التي يدعو إليها الشيطان، يتخذ منها بعض الناس سُلَّما لسلب الأموال، عن طريق سدانتها، والشعوذة والدجل على ضعاف العقول والجهلة، خاصة من الحجاج والغرباء، ولما كانت هذه الأمور الواقعة(40/437)
منافيةً للإيمان، ولا لها من ينكرها ويغيرها، كانت بيئتُها مرتعاً لاضطراب الأمن وعدمه، ومرتعاً لنشاط أهل الشرك وجفاة الأعراب، ومنافقي العرب، وعلوج العجم، في النهب والسلب، والقتل وقطع الطريق، والاحتيال والنصب، بمختلف الطرق الملتوية، وأساليب الدجل والشعوذة، وانتشرت جرائم الحرامية، وعصابات قطع الطريق على حجاج بيت الله الحرام، وسلب أموالهم، ونهب بضائعهم وأمتعتهم، من قبل البدو والعربان والأدلاء والمطوفين والجمالة، فكان الحاج فضلاً عن غيره، عرضةً لكل ألوان التعدي، على العرض والدم والمال، والنهب والعبث بالحرمات، من الضرب والقتل والسرقة والخطف، وسوء الأدب والصياح والصخب، واتخاذ شتى أنواع الخداع والحيل لاستغفال الحاج والغريب، عن أمتعته وثيابه ونفقته، أو استدراجه بعيدا عن رفاقه، ليقضى عليه بضربة عصا أو خنجر أو طلقة نار، فتخمد أنفاسه، وعند ئذٍ يعريه الحرامي من ثيابه، وينتزع حزامه ويفر به إلى الجبال، وربما كان هذا الحرامي أحدَ الجماميل أو الحراس أو الأدلاء، (حاميها حراميها) ، وقد لا يجد مع ضحيته مالاً، فلا يتأسف إلا على رصاصته! ولذا أصبح الحج سلسلة من المشقات، بل نوعاً من المغامرة والمجازفة، وكان الناس يحذرون المسافرين والحجاج منهم، من أخطار الطريق، وكان من يريد الحج يودع أهله وداع مفارق لا يرجو العودة، بسبب اضطراب الأمن، وسوء أحواله، وكانوا يقولون:"الذاهب للحج مفقود، والعائد منه مولود " وأصبح هذا القول مثلاً، يرويه الأجداد، الذين أدركوا هذا الواقع [20] .(40/438)
وقال الأمير شكيب أرسلان: "توالت على بلاد الإسلام المقدسة قرون وأحقاب، كانت فيها أشد البلاد افتقارا إلى الإصلاح وأقربها إلى الفوضى، وأقلها أمنة سبل، وراحة سكان، وأكثرها عيثا وفسادا، وكانت هذه الحالة فظيعة جدا، مخجلة لكل مسلم، مرمضة لكل مؤمن، حجة ناصعة للأجانب على المسلمين، الذين لا يقدرون أن ينكروا ما في الحجاز من اختلال السبل، واضطراب الحبل، مع كونه هو مهد الإسلام، ومركز الحجيج العام في كل عام، إلى بيت الله الحرام والمشاعر العظام، ومهوى قلوب يتأجج بها الغرام، لزيارة مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام
كان الأجانب يستظهرون بهذه الحالة على دعوى أن الإسلام لا يلتئم مع العمران، وأنه هو والفوضى توأمان، وأنه لو كان دينا عمرانيا لما كانت تكون هذه الحالة السيئة في مركزه، ولما عجز عن إقامة العدل في مأرزه.
وحقيقة الحال هي: أن تلك الفوضى لم تنشأ إلا عن إهمال العمل بقواعد الشرع الإسلامي، وعن إرخاء العنان لبعض الأمراء الذين كانوا يلون أمر الحجاز، مدلين على الناس بما لهم من النسب النبوي الشريف، الذي كان يحول بين سلاطين الإسلام وبين تشديد الوطأة عليهم أو إرهاف الحد فيهم، وقد كان هذا من خطل الرأي، ومن التقصير في جانب الشرع، فإن الشريعة الإسلامية لا تعرف نسبا ولا حسبا، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} .(40/439)
إلى أن قال: "ولهذا كان سلاطين الإسلام من وقت إلى آخر، ينذرون من أمراء الحرمين من كانوا يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، ولقد ذهب مثلا ذلك الكتاب الذي كتبه أحد سلاطين مصر من المماليك، إلى أحد أمراء مكة المكرمة وهو الذي يقول فيه: "اعلم أن الحسنة في نفسها حسنة، وهي من بيت النبوة أحسن، والسيئة سيئة، وهي من بيت النبوة أسوأ، وقد بلغنا أنك بدلت حرم الأمن بالخيفة، وأتيت ما يحمر له الوجه وتسود الصحيفة، فإن وقفت عند حدك، وإلا أغمدنا فيك سيف جدك ".
إلى أن قال: "قد بقيت مع الأسف أحوال الحجاز غير مستوية وأعراب البادية يسطون على الحجاج، وليس لداء معرتهم علاج، وكانت كل من الدولة العثمانية والدولة المصرية ترسل طوابير من الجند النظامي مصحوبة بالمدافع وسائر آلات القتال لأجل خفارة قوافل الحج، وتؤدي إلى زعماء القبائل الرواتب الوافرة، وكل هذا لم يكن يمنع الأعراب ومن لا يخاف الله من الدعار من تخطف الحجاج في كل فرصة تلوح لهم، وكثيرا ما كانت قافلة الحج تضطر إلى الرجوع، وقد فاتها الحج أو الزيارة، بعد أن قصدوا ذلك من مكان سحيق، وتكلفوا بذل الأموال، وتجشموا مشاق الأسفار، في البر والبحر، فكانوا يذوبون من الشوق على ما فاتهم، ويتحرقون من الوجد، ويبكون بصيب الدمع، والناس بأجمعهم يحوقلون، ويقولون: ليس لها من دون الله كاشفة، ذاهبين إلى أن سطو الأعراب هؤلاء داء عضال، لا تنفع فيه حيلة، ولا وسيلة، وقد عمت بهم البلوى، وإلى الله المشتكى، وهكذا توالت القرون والحقب، والناس على هذا الاعتقاد لا يتزحزحون " [21] .
وكان التعصب المذهبي قد بلغ ذروته، حتى وصل بهم إلى أن تقام في المسجد الحرام أربع جماعات في الصلاة المفروضة، لكل أهل مذهب جماعة وإمام ومقام، وقد رأيت أبنية هذه المقامات في المسجد الحرام، وهذا وأمثاله لاشك له الأثر البالغ في تفريق جماعة المسلمين، وتمزيق صفوفهم.(40/440)
وهكذا كان الواقع في العالم الإسلامي، في الحجاز وفي غيره، في الشرق وفي الغرب، وفي الشمال وفي الجنوب، كان هذا هو الواقع قبيل ظهور الملك عبد العزيز فكانت الحاجة داعية، والضرورة ملحة، لقيام الملك الإمام عبد العزيز، بإقامة الجماعة وتأسيس دولة التوحيد، المملكة العربية السعودية، وقد أدرك ذلك حتى العامة والبدو الذين لم يأخذوا قدرا كافيا من العلم والحضارة، وربما من الذين ألفوا عدم الاستقرار.
روى أحد كبار السن: أنهم ذهبوا إلى الكويت وكانوا ثلاثة رجال، وبينهم شاعر من البادية، يريدون التعرف إلى أولاد الإمام عبد الرحمن الفيصل، فزاروه رحمه الله وطلبوا منه أن يرسل معهم من يوصلهم إلى أولاده، ليسلموا عليهم، فأرسل شخصا، قال الراوي: "وبعد السلام على عبد العزيز وأخيه محمد ـ رحمهما الله ـ أخذ محمد يهيئ القهوة، وعبد العزيز بجواره، وكانا شابين لا تتجاوز سن أكبرهما ثمانية عشر عاما، وكان عبد العزيز نحيلا قليل الكلام، أخذ يسألنا باقتضاب:"من تكونون؟ ومن أي المناطق أنتم؟ "فأخبرناه بمناطقنا، ثم أخذ عبد العزيز يسألنا، عن أحوال البلاد،وعن الأحداث، والأمن هناك "وهل حكم الشرع نافذ فيكم؟ …"ثم وقف البدوي الشاعر، وقال: يا عبد العزيز، عندي قصيدة، فرد عليه: "فيمن؟ قال: فيك، قال: أنا! هنا في الكويت! غريب مجهول! ليس لي دور في شيء! تمدحني بالشجاعة؟ لم أفعل شيئاً، بالكرم؟ أنا لا أملك مالاً، حالي مستور، ثم إن القصائد الجيدة كلَها قلتَها في الأمير محمد بن رشيد"، قال الراوي: "فرد عليه الشاعر، ونحن نسمع: إني واحد من شعرائك ومن رجالك يا عبد العزيز، فأنا شاعر الرجال، والبلاد اليوم في حاجة إليك، اسمعها تقول لك: وأنشد بصوت مرتفع:
عبد العزيز ابطيت واخلفت ظني
وكثر البطا يحدث على الرجل خذلان
يمير [22] دوك فتوقها وضَحَن
تبينت لأاهل الدلايل والأذهان" [23](40/441)
استجاب عبد العزيز رحمه الله لفضل الله وتوفيقه، ولبى حاجة البلاد والعباد، إلى تحقيق مفهوم الجماعة، وقام بجهوده الموفقة العظيمة لإقامة الجماعة وتحقيق مفهومها على ضوء الكتاب والسنة، فإلى توضيح ذلك بالمبحث التالي:
3- الاستجابة
أي استجابة الملك عبد العزيز بجهوده المباركة الموفقة، لداعي حاجة الأمة، واستجابة الأمة لهذه الجهود، وتفاعلها معها.
لقد بذل عبد العزيز الملك الإمام رحمه الله جهودا عظيمة لتحقيق مفهوم الجماعة، وذلك بالأمور الآتية:
أـ توحيد المملكة بالإخلاص واتباع السنة:
حقق الملك عبد العزيز التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، في نفسه أولا، وجاهد لإعلاء كلمة التوحيد، والحرص عليها، ويعتمد في جميع أعماله على الله وحده لا شريك له، فلما حقق التوحيد غاية ووسيلة، سهل الله له طريقه، ونصره على أعدائه.
قال عبد العزيز رحمه الله: "أسست هذه المملكة، من دون معين.. وكان الله القدير وحده معيني وسندي، وهو الذي أنجح أعمالي " [24] ، يروي الزركلي قال: أخبرني أحد ضباط القصر الملكي، قال: رأيت الملك عبد العزيز، في الهزيع الأخير من الليل، عند صلاة الفجر، يتمسك بأستار الكعبة ويدعو الله، بهذا الدعاء العجيب: "اللهم إن كان في هذا الملك خير لي وللمسلمين، فأبقه لي ولأولادي، وإن كان فيه شر لي وللمسلمين فانزعه مني ومن أولادي " [25](40/442)
وحد الملك عبد العزيز المملكة العربية السعودية، على أساس الاعتصام بالكتاب والسنة، في تحقيق التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وتطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الحدود، فحرص على استقلال المملكة، وعدم قبوله أي تدخل أجنبي، وعدم قبول أي امتياز، أو استثناء، يناقض الإسلام، لأحد دون أحد، مهما كان. وإن جهود الملك عبد العزيز رحمه الله في تحقيق مفهوم الجماعة، تتلخص في توحيده المملكة العربية السعودية على التوحيد، الذي هو حق الله على العبيد، ورفعه لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم على ربوعها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله [26] ، فانفردت دولته، المملكة العربية السعودية، بذلك الميراث النبوي، راية الجماعة، التي لا يشاركها فيها جماعة أخرى، ولا دولة أخرى، ولا تنكس لأي سبب تنكس له الرايات الأخرى.
إن العرب خاصة لا تدين لأحد بغير كلمة التوحيد، (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) . وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه حين دعاهم إلى الإسلام، ذكر ابن كثير في تفسيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: لعمه أبي طالب ورهطٍ من قريش فيهم أبو جهل، إجابةً لأبي طالب حين قال له: "يا ابن أخي! هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم، وقد سألوك أن تكف عن شتم آلهتهم، ويدعوك وإلهك، قال صلى الله عليه وسلم: "يا عم! أفلا أدعوهم إلى ما هو خير لهم؟ قال: وإلام تدعوهم؟ قال صلى الله عليه وسلم: " أدعوهم أن يتكلموا بكلمة يدين لهم بها العرب، ويملكون بها العجم " فقال أبو جهل من بين القوم: ما هي وأبيك لنعطينكها وعشر أمثالها، قال صلى الله عليه وسلم "تقولون: لا إله إلا الله "، فنفروا.(40/443)
قال ابن كثير: وفي رواية ابن جرير قال صلى الله عليه وسلم: "يا عم! إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية "، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقال القوم: كلمة واحدة! نعم وأبيك عشرا! فقالوا: وما هي؟ وقال أبو طالب: وأي كلمة هي يا ابن أخي؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لا إله إلا الله "، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون "أجعل الآلهة إلها واحدا؟ إن هذا لشيء عجاب "قال ابن كثير: ورواه أحمد والنسائي والترمذي، وقال الترمذي: حسن [27]
والشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لمشيخة قومه: "لا إله إلا الله "، "كلمة تدين لكم بها العرب، وتملكون بها العجم، أو تؤدي لكم بها العجم الجزية ".
يعني أن العرب إنما تدين بالسمع والطاعة لأهل التوحيد، وبالتوحيد يكون العرب أئمة وملوكاً، وهذا هو ما يشهد به الواقع التاريخي!
فلقد كانت العرب تأنف أن يعطي بعضها بعضا طاعة الإمارة، كما قال الشافعي رحمه الله: "كل من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة، وكانت تأنف أن يعطيَ بعضُها بعضاً طاعةَ الإمارة" [28] .
"فلما دانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالطاعة، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير الرسول صلى الله عليه وسلم فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر، الذين أمَّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا طاعة مطلقة، بل طاعة مستثناةً، فيما لهم وعليهم " [29] .
فقال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} يعني ـ والله أعلم ـ إلى ما قال الله والرسول، فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاءٌ نصاً فيهما ولا في واحد منهما، رُدوه قياساً على أحدهما [30] .(40/444)
وهذا هو سر اجتماع العرب على إمامة آل سعود من أول أمرهم، منذ أحسن الأمير الراشد محمد بن سعود استقبال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقد أخرج من العيينة وجاء إلى الدرعية غير مرغوب فيه، كما تقدم ذكره، ومشى الأمير إليه برجله بخلاف ما تقتضيه سياسة الإمارة، لكنه آثر إحياء السنة السلفية، والسياسة الشرعية، في تعظيم العلماء لوجه الله تعالى، فأحيا الله قلبه وشرح صدره لدعوة الشيخ، وقال له: أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة فثبت الله إمارته، وأرسى له ولأولاده من بعده، دعائم الإمامة والملك، وجمع قلوب العرب والمسلمين بكلمة التوحيد عليهم - وأجابه الشيخ وهو في حال مهاجر مستضعف، لا يملك من الدنيا شيئا، بقوله: وأنا أبشرك، بالعز والتمكين، وهذه كلمة: لا إله إلا الله، من تمسك بها وعمل بها ونصرها، ملك بها البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وأنت ترى نجداً وأقطارها، أطبقت على الشرك والجهل والفرقة وقتال بعضهم لبعض، فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون، وذريتك من بعدك [31] ، فقال له الأمير الراشد: (يا شيخ! إن هذا دين الله ورسوله، الذي لاشك فيه، وأبشر بالنصرة لك، ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد) [32] .
هذا هو السر الذي وفق الله آل سعود للأخذ به، فاجتمعت عليهم الجماعة، وهو السر الذي أخذ به عبد العزيز فنجحت به جهوده في تحقيق مفهوم الجماعة، ولقد كان لدى عبد العزيز واضحاً جلياً، في قوله وعمله.(40/445)
أما في قوله: ففي مثل قوله رحمه الله بعد كلام له تاريخي: "بل إنه في آخر الأمر، أظهر الله شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، ثم من بعدهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهم الله، ونفع الله بهم الإسلام والمسلمين، لما اندرست أعلام الإسلام، وكثرت الشبه والبدع، مخصوص محمد بن عبد الوهاب فلما رأوا أسلافنا موافقتهم في أقوالهم، وأفعالهم لما جاء في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قبلوا ذلك، وقاموا به، وأظهره الله على أيديهم، ونحن إن شاء الله على سبيلهم ومعتقدهم، نرجو أن الله يحيينا على ذلك، ويميتنا عليه" [33]
وأما في عمله: ففي مثل ما قام به من توحيد المملكة العربية السعودية، على الإسلام بعد ما كانت عليه الحال من الشتات والشقاء والفرقة، كما وصفنا، وتطبيقه الشريعة الإسلامية في ربوعها، فلله الحمد والمنة.
وصدق الشاعر السلفي محمد بن عثيمين، حين قال يخاطبه:
تلألأت بك للإسلام أنوار
كما جرت بك للاسعاد أقدار
إن الذي قدر الأشيا بحكمته لما يريد من الخيرات يختار
والعبد إن صلحت لله نيته
لا بد يبدو لها في الكون آثار
إلى أن قال:
تألفت بك أهواء مفرقة
تأججت بينهم من قبلك النار
فأصبحوا بعد توفيق الإله لهم
بعد الشقا والجفا في الدين أخيار
إلى أن قال:
كنا نمر على الأموات نغبطهم
من قبله إذ تولى الأمر أشرار
فالآن طابت به الأيام إذ أخذت
به لأهل الهدى والدين أوتار [34]
لقد أحيا السنة النبوية، وأمات البدعة الشيطانية، وأخذ بمبدأ الشورى والمواجهة والحوار وسياسة الباب المفتوح، والمطارحة مع الإنصاف وسلامة المقصد والثبات على البصيرة، كما أخذ بالأسباب النافعة في الدنيا والدين.
ب ـ التربية والتعليم:(40/446)
ومن جهوده رحمه الله اهتمامه بالتربية والتعليم وتوعية الأمة بمصلحتهم في كل مناسبة، بالقول والفعل، من ذلك أنه رحمه الله وجه نداءً عاماً إلى الإخوان يذكرهم فيه بنعمة الإسلام، وما مضى عليه أسلافهم من الأعراب، من انحرافهم عن الدين، وما يأتونه من الأمور التي تغضب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن استحلال الدماء، ونهب الأموال، وترك فرائض الإسلام، ليقيدوا نعمة الله عليهم بشكره واتباع أمره واجتناب نهيه وفق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ويبين أن أصل الدين كتاب الله تعالى، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، فهم السلف الصالح، ثم الأئمة الأربعة من بعدهم، الأئمة المقتدى بهم، لا خلاف بينهم في أصل الدين، من توحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، فمن خالفه معتقدا بطلانه، فليس على شيء من الدين، والعياذ بالله من ذلك، ولا يقال عن هذا إنه مكذب للمشايخ، بل مكذب لكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم مضى رحمه الله يحذر من التفرق في الدين، وتتبع الخلافات فيه، فإن هذا من أعظم أسباب الهلاك، ويبين أنهم في زمن، تشعبت فيه الأمة الإسلامية وكثرت فيها الفرق وفشت فيها البدع، ودنس وجه الدين بما ليس منه، وكثرت فيه شبه الضالين المضلين، غير أنه بحمد الله لم يخل زمان من قائم لله في أمر دينه، ينفي عنه غلو الغالين وانتحال المبطلين، أولئك هم علماء الدين، وهم ورثة الأنبياء، وهم الحافظون لدين الله تعالى، حيث أقامهم لذلك: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، وكل يدعي أنه القائم لله بحفظ دينه، ولكن ميزان العدل في ذلك هو اتباع النبي الكريم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه} ، ثم قال رحمه الله: إني أرشدكم إلى أعظم قائم لله تعالى في نصر دينه، بعد(40/447)
الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، وذلك بعد أن كثرت الملل والنحل، وتشعبت الأهواء، وتفرق الناس شيعاً، كل حزب بما لديهم فرحون، ذلك هو شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ومن هو على طريقتهم في الدعوة والتحقيق إلى يوم القيامة، فقد قام هذان الشيخان بما أوجبه الله على العلماء، من بيان الحق وعدم كتمانه، ولم تأخذهما في الله لومة لائم، … فهذه كتبهما بحمد الله بين أيديكم، قد سهل الله نشرها بعد أن كانت مدفونة في زوايا الترك والإهمال، فعليكم بمطالعتها، فإنها بأدلة الكتاب والسنة تجلو عن القلوب صداها، وبمآثر الصحابة وهديهم تميط عن الأبصار غشاها،ثم قال رحمه الله: وهذا شيخنا ـ يعني الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ ذلك الإمام الوحيد في زمانه، الجليل القدر رحمه الله تعالى، قد قام بما قام به هذان الشيخان، من الدعوة إلى تحقيق التوحيد لله تعالى، في أسمائه وصفاته وتوحيده في ألوهيته، بإفراده بالعبادة له وحده لا شريك له بجميع أنواعها، وهذا التوحيد هو أصل بعثة الرسل من نوح إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} الأنبياء:25، وهذا التوحيد هو أصل الأصول للدين، الذي لا يجوز التقليد فيها، فعليكم بالتفقه في دينكم، واتباع نبيكم صلى الله عليه وسلم، وسلفكم الصالح، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة، وقد تقدم لكم البيان بأننا في الأصل على القرآن، وفي الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ويحثهم على أن يكونوا فيما يأتونه من أمر دينهم على بصيرة، ويستدل بقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، وقوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} ، ويقول لهم: فمن كان منكم يؤمن(40/448)
بالله واليوم الآخر، وقصده في هجرة البداوة، وانتسابه إلى الخير طلب رضا الله تعالى، والتماس ما عنده من الثواب لمن تاب إليه وأناب، فلا يتمسك أحدكم بأمور دينه برأيه، وليس الدين بالاستحسان، فكل طريق إلى الحق غير طريق نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه مسدود، وكل عمل على غير سنته فهو إلى صاحبه مردود، فاتبعوا ولا تبتدعوا، وقاربوا فمن سار على الدرب وصل، قال: وهذا ما يجب لكم علينا من النصيحة، فمن خالف ما بيناه لكم بقول أو فعل فذمتنا وذمة المسلمين منه بريئة ولا يأمن البطش بنفسه وبحلاله، ومن أنذر فقد أعذر انتهى. [35](40/449)
علم نافع وقول سديد، وخطاب بليغ، وبيان مبين، وتشخيص صحيح لأمراض المجتمع، ووصفة صادقة للدواء، من ملك إذا قال فعل، وإذا وعد وفى، وقد كان اهتمامه رحمه الله بالعلم والعلماء، وتقديره للعلماء، يأخذ عليه أولوية أعماله، قرب العلماء العاملين، والمصلحين الصادقين، وأهل الرأي والمشورة وأولي الأحلام والنهى، وجعلهم أهل مشورته وخاصته، وأكرمهم ورفع منزلتهم، وكان يشاركهم عن علم ودراية البحث العلمي والبيان والنصيحة، وإظهار معالم منهج السلف الصالح في تطبيق الشريعة الإسلامية، لإقامة الجماعة، وتحصيل النجاة والسعادة، وتجنيبها دروب الهلاك وسبل الغواية والتفرق، وفي كل نائبة يجتمع بالعلماء، ويجمعهم على اختلاف مشاربهم، للمذاكرة والمطارحة، وإزالة ما قد يكون بينهم من فجوات، ويكون بينهم وبين الرعية من تباعد، بسبب الشبهات التي يبثها المغرضون، فصار لهؤلاء العلماء والمصلحين الصادقين، جهود كبيرة وأفكار صالحة، كان لها الأثر العظيم، في رأب الصدع، وجمع الكلمة، وتوحيد القوة، ودحض أسباب الفرقة، ونبذ عوامل الخلاف، والتوعية الراشدة، وتنبيه الأمة إلى حاجتها لجهود هذا الإمام الفذ عبد العزيز، والالتفاف حوله على منهجه السليم، وقد تواكب هذا بيقظة الشعور والإحساس بالحاجة، والتوعية المناسبة مع جهود الملك عبد العزيز، فأثمرت كل الخير ولله الحمد والمنة.(40/450)
ومن أمثال هؤلاء العلماء والمصلحين، ذاك العالم الجليل الشيخ العلامة عبد الله بن عبد اللطيف رحمهما الله تعالى، الذي سبق أن أشرت إلى رسالته إلى بعض المشايخ الكرام وذكرت طرفا منها، ذكَّر فيها بنعمة الله تعالى ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسلام وظهوره، ثم شخص أسباب الكفر وبينها، وأهمها موانع في النفوس من أهواء وإرادات فاسدة، ورياسات لا يقوم ناموسها، ولا يحصل مقصودها إلا بمخالفة الحق وترك الاستجابة له، وهذا هو المانع في كل زمان ومكان، ولولا ذلك، ما اختلف من الناس اثنان، ولا اختصم في الإيمان بالله وإسلام الوجه له خصمان، ثم تطرق إلى تذكيرهم باختصاص الله إياهم بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى التوحيد، وأثنى على مناصرة الإمام محمد بن سعود وأبنائه للشيخ في دعوته وقال: إن الله تعالى يصنع لهم من عظيم صنعه، وخفي لطفه ما هداهم به إلى دينه، الذي ارتضاه لنفسه، واختص به من شاء كرامته وسعادته من خلقه، وأظهر لهم من الدولة والصولة ما ظهروا به على كافة العرب، وغدت لهم الرياسة والإمامة رتبة معلومة بمجرد السابقة والعادة، لا تزاحمهم فيها العرب العرباء، ولا يتطاول إليها بنو ماء السماء، وصالحهم يرجو فوق ذلك مظهرا، وجاهلهم يرتع في ثياب مجد، لا يعرف من حاكها ولا درى فلم يزل الأمر في مزيد … ثم يصف ما حدث من فتن الشهوات والشبهات ما أفسد على الناس الأعمال والإرادات، وجرى من الابتلاء والتطهير ما يعرفه الفطن الخبير، ثم بعد وصفه تلك المحنة والتفرق وصفا يشخص الحاجة ويشعر بها، يقول عن قيام الجماعة على يد الملك عبد العزيز: "ثم أذهب الله ذلك بقيام الجماعة، وتجديد الأخوة الإسلامية، وذهاب الشحناء، وعاد الأمر إلى ما كان عليه من ثبوت الإمامة والدعوة إلى الجماعة، وتجديد العهود والمواثيق على ذلك، فحمدنا الله تعالى وسألناه المزيد من فضله ورحمته، وكنا مغتبطين، وأذهب الله(40/451)
عنا هباء الشبهات، وأطفأ نار تلك الضلالات …"ثم لما رأى بوادر منازعة الإمام الملك عبد العزيز،جعل رحمه الله يحذر هؤلاء العلماء خاصة لأنه بصلاحهم تصلح العامة، فيحذرهم ناصحاً لهم من بوادر بدرت تريد الشقاق وفل جمع المسلمين، إلى أن قال: فاستأنف النهار يا ابن جبير قبل أن تنفرج ذات البين بينكم معشر العلماء، ويضلل بعضكم بعضا، أو يفسقه أو يكفره، فتكونوا بذلك فتنة لجاهل مغرور، أو ضحكة لذي دهاء وفجور، تستباح بذلك أعراضكم ولا ينتفع بعلمكم، فاعقدوا لذلك محضرا، ولو طال منا ومن بعضكم لأجله سفر، للنظر فيما يصلح الإسلام، وتقوم به الحجة، ولو لم يعمل به عامل، تسدوا بذلك عنكم باب الفرقة، نصحا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فإني والله لا إخال الجرح يندمل، ولا الحية تموت إلا أن يشاء ربي شيئا، ولذلك لكثرة الطلاب لهذا الأمر، فقد وقع بكثرتهم البأس وأعضل، واحتاج العقل للنظر فيما هو الأصلح لدينه، والأرضى لربه، بالاجتماع على الأسد فالأسد، والأصلح فالأصلح، فإن الشيطان متكئ على شماله، متحيل بيمينه، فاتح حصنه لأهله، يدأب بين الأمة بالشحناء والعداوة، عناداً لله ولرسوله ولدينه، تأليبا وتأنيبا، يوسوس بالفجور، ويدلي بالغرور، ويزين بالزور، ويمني أهل الفجور والشرور، يوحي إلى أوليائه بالباطل، دأبا منه منذ كان، وعادة له منذ أهانه الله في سالف الأزمان، لا ينجوا منه إلا من أحب الآجل، وغض الطرف عن العاجل، وقط هامة عدو الله وعدو الدين، باتباع الحق والعمل به، رضي ذلك من رضيه، وسخطه من سخطه [36](40/452)
ومن هؤلاء العلماء الشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ سعد بن حمد ابن عتيق، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، والشيخ عمر بن سليم، وسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، فقد وجهوا نصيحة للناس لما رأوا بوادر بدرت من بعض المتحمسين للدين من غير فقه، فوجهوا لهم نصيحة بينوا فيها وجوب السمع والطاعة في غير معصية الله، وساقوا الأدلة على ذلك، ثم قالوا:
"إذا تقرر ذلك فليعلم أن الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل، قد ثبتت بيعته وإمامته، ووجبت طاعته على رعيته، فيما أوجب الله من الحقوق، فمن ذلك: أمر الجهاد، ومحاربة الكفار ومصالحتهم، وعقد الذمة معهم، فإن هذه الأمور من حقوق الولاية، وليس لآحاد الرعية الافتيات أو الاعتراض عليه في ذلك، فإن مبنى هذه الأمور على النظر في مصالح المسلمين العامة والخاصة، وهذا الاجتهاد والنظر موكول إلى ولي الأمر " [37]
ومن هؤلاء الشاعر السلفي محمد بن عثيمين حيث يقول:
فيا معشر الإخوان دعوة صارخ
لكم ناصح بالطبع لا متخلق
يود لكم ما يمتنيه لنفسه
ويعلم أن الحب في الله أوثق
تحاموا على دين الهدى مع إمامكم
وكونوا له بالسمع جندا توفقوا
وإياكم والافتراق فإنه
هو المهلك الدنيا وللدين يوبق
فو الله ثم الله لا رب غيره
يمين امرئ لا مفتر يتملق
لما علمت نفسي على الأرض مثله
إماما على الإسلام والخلق يشفق [38]
ولقد جد الإمام عبد العزيز في التربية والتعليم، وفتح المدارس والمعاهد ودور العلم وكلية الشريعة بمكة، وبنى الهجر وبعث الدعاة والوعاظ والمعلمين، وأجرى لهم المرتبات الكبيرة، وللطلبة المكافآت والتشجيع، وطبع الكتب السلفية النافعة الكثيرة على نفقته، ووزعها على القضاة وطلبة العلم مجانا، وبذل الغالي والنفيس في سبيل تعليم رعيته ما ينفعهم في دنياهم ودينهم. فجزاه الله خير الجزاء.(40/453)
جـ - القضاء على الفتن:
حين غاب آل سعود عن الحكم، عمت الفتنة بلاد المسلمين، واشتدت فرقتهم، ولم يعد لهم جماعة، خصوصا بعد ما أعلن الأتراك تخليهم عن مسمى الإسلام على مستوى الدولة، بعد أن كانوا قد تخلوا عن حقيقته والحكم به، وأعلنوا أن دولتهم علمانية، وزعموا أنهم ألغوا الخلافة الإسلامية، على يد زعيمهم أتاتورك.
وصار أهل الشر يحاربون أهل الإسلام الخالص، أهل التوحيد والسنة، حربا شديدة لاهوادة فيها، أحاطت بالمسلمين من كل جانب، يسيرون عليهم قوات البغي والطغيان، من جهة الحجاز واليمن، ومن جهة الشام، ومن جهة القطيف والأحساء، للقضاء على صفوة المسلمين، والقضاء على عقيدتهم الإسلامية الصحيحة، حاصروا أهل التوحيد من كل الجهات، وأرادوا القضاء عليهم باسم الإسلام، والإسلام من كل ذلك براء [39] .
وأصبحت الفتنة عامة طامة، بفقد الجماعة، بالمفهوم المراد شرعا، وهو جماعة المسلمين الذين اجتمعوا على إمام بايعوه بالإمارة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والسمع والطاعة بالمعروف في المنشط والمكره، حسب القدرة والاستطاعة، إذ لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة.
لذا امتشق عبد العزيز رحمه الله الحسام، حتى لا تكون فتنة، بدءاً باسترداد الرياض وسائر المغتصبات، ودفاعاً عن المقدسات.
فجئت بالسيف والقرآن معتزما
تمضي بسيفك ما أمضاه قرآن
حتى انجلى الظلم والإظلام وارتفعت
للدين في الأرض أعلام وأركان [40]
حتى أقام للمسلمين جماعتهم، بتوحيد المملكة العربية السعودية على التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وتطبيق شريعته فيها.(40/454)
وأورد شهادة عدل، من قلم صدق، يبين لنا كيف قضى عبد العزيز على الفتن، كتب أمير البيان شكيب أرسلان تحت عنوان: هكذا ـ إذا توجهت الهمم ـ الإصلاحات المعنوية والمادية، في البلاد المقدسة، وبعد أن وصف ما كانت تعانيه البلاد المقدسة من فتن وفوضى وفساد، على توالي القرون والحقب، حتى أصبحت في اعتقاد الناس داءً عضالاً، لا تنفع فيه حيلة ولا وسيلة، وقد عمت البلوى، والناس لا يتزحزحون عن هذا الاعتقاد، قال: "إلى أن آل أمر الحجاز إلى الملك عبد العزيز بن سعود منذ بضع عشرة سنة، فلم تمض سنة واحدة، حتى انقلب الحجاز من مسبعة تزأر فيها الضواري، في كل يوم بل في كل ساعة، إلى مهد أمان وقرارة اطمئنان، ينام فيها الأنام بملء الأجفان، ولا يخشون سطوة عاد ولا غارة حاضر ولا باد، وكأن أولئك الأعراب الذين روعوا الحجيج مدة قرون وأحقاب لم يكونوا في الدنيا، وكأن هاتيك الذئاب الطلس تحولت إلى حملان، فلا نهب ولا سلب ولا قتل ولا ضرب، ولو شاءت الفتاة البكر الآن أن تذهب من مكة إلى المدينة، أو من المدينة إلى مكة أو إلى أية جهة من المملكة السعودية، وهي حاملة الذهب والألماس والياقوت والزمرد ما تجرأ أحد أن يسألها عما معها، ما من يوم إلا وتحمل إلى دوائر الشرطة لُقَطٌ متعددة، ويؤتى بضوال فقدها أصحابها في الطرق، وأكثر من يأتي بها الأعراب أنفسهم خدمة للأمن العام، وإبعاداً للشبهة عنهم وعن ذويهم، فسبحان محول الأحوال، ومقلب القلوب، ووالله لا يوجد في هذا العصر أمن يفوق أمن الحجاز، لا في الشرق ولا في الغرب، ولا في أوروبا ولا في أمريكا، وقد تمنى المستر كراين الأمريكي صديق العرب الشهير في إحدى خطبه أن يكون في وطنه أمريكا الأمن الذي رآه في الحجاز واليمن، وكل من سكن أوروبة وعرف الحجاز في هذه الأيام يحكم بأن الأمنة على الأرواح والأعراض والأموال في البقاع المقدسة هي أكمل وأشمل وأوثق أوتادا، وأشد أطنابا منها في(40/455)
الممالك الأوربية والأمريكية، فأين أولئك الذين كانوا يقولون إن الأعراب لا يقدر على ضبطها إنسان، وأن سكان الفيافي هم غير سائر البلدان، فهاهو ذا ابن سعود قد ضبطها بأجمعها في مملكته الواسعة، ومحا أثر الغارات والثارات بين القبائل، وأصبح كل إنسان يقدر أن يجوب الصحارى وهو أعزل، ويدخل أرض كل قبيلة دون أن يعترضه معترض، أو يسأله سائل إلى أين هو غاد أو رائح، ولو قيل لبشر: إن بلادا كان ذلك شأنها من الفزع والهول وسفك الدماء وقطع الطرق، قد مرد أهلها على هذا البغي وهذا العدوان، من سالف الأزمان، وأنه يليها ابن سعود، فلا تمضي على ولايته سنة واحدة، حتى يطهرها تطهيرا ويملأها أمنا وطمأنينة، لظن السامع أنه يسمع أحلاماً أو خرافات، أو اتهم القائل في صحة عقله. ولكن هذا قد صار حقيقة كلية، وقضية واقعية، في وقت قصير، وما أوجده إلا همة عالية، وعزمة صادقة، وإيمان بالله، وثقة بالنفس، وعلم بأن الله تعالى مؤيد من أيده، ناصر من نصره يحث على العمل، ويكافئ العامل، ويكره اليأس ويقول لعباده: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} .
وقد سرت بشرى الأمان الذي شمل البلاد المقدسة الحجازية، فعمت أقطار الإسلام، وأثلجت صدور أبنائه، وارتفعت عن الحجاز معرة تلك المعرة، التي طالما وجم لها المسلمون، وذلك بقوة إرادة الملك عبد العزيز بن سعود والتزامه حدود الشرع " [41] .(40/456)
امتشق عبد العزيز رحمه الله الحسام، حتى لا تكون فتنة، بدءاً باسترداد الرياض وسائر المغتصبات، ودفاعاً عن المقدسات، فلما أقام دولة العقيدة، كما مر وصفها، وصارت المملكة بذلك أنموذج الدولة الإسلامية، ومرتكز جماعتهم، والقدوة الرائدة للمسلمين في تطبيق الشريعة الإسلامية، أصبحت مواصلة القتال وسيلة لأن يتحول إلى قتال فتنة، لأن كثيرا من المسلمين مع الأسف واقع تحت تأثير الاستعمار الأجنبي، يوالون عدوهم، ويعادون أهل ملتهم، كالأكثرية، من مسلمي الهند، وغيرهم في المستعمرات البريطانية والفرنسية والإيطالية وغيرها، وقد كان مسلمو الهند الموالين للإنجليز يطالبون الحكومة البريطانية بإخراج عبد العزيز من الحجاز، ويفتون بسقوط فريضة الحج عن المسلمين، أو بتأجيلها، لأن عبد العزيز وليها، فلو واصل عبد العزيز القتال بعد أن أقام للمسلمين جماعتهم، لكان قتالا من أجل إدخال عامة المسلمين في هذه الجماعة، وهذا الغرض ليس موجبا للقتال، وليس لازما لاسيما إذا كان يترتب عليه من المفاسد ما هو أعظم من المصلحة، ولو واصل عبد العزيز القتال لذلك، لقاتلته الدول الاستعمارية بالمسلمين أنفسهم، ولصار القتال قتال فتنة، ولتحول الجهاد إلى حرب أهلية بين المسلمين أنفسهم، لأن البلاء من المسلمين أنفسهم، قال الأمير شكيب أرسلان: "لقد أصبح الفساد إلى حد أن أكبر أعداء المسلمين هم المسلمون، وأن المسلم إذا أراد أن يخدم ملته أو وطنه، قد يخشى أن يبوح بالسر من ذلك لأخيه، إذ يحتمل أن يذهب هذا إلى الأجانب المحتلين فيقدم لهم بحق أخيه الوشاية التي يرجو بها بعض الزلفى، وقد يكون أمله بها فارغا، ولله در الملك ابن سعود حيث يقول:"ما أخشى على المسلمين إلا من المسلمين، ما أخشى من الأجانب كما أخشى من المسلمين " [42] ، وقال محمد رشيد رضا مضيفاً إلى ما نقله شكيب أرسلان عن الملك عبد العزيز كما تقدم:"وقال (أي الملك عبد العزيز(40/457)
) في محفل حافل بحجاج الأقطار ـ وقد طالبه مصري أزهري بمحاربة الانكليز والفرنسيس المعتدين على المسلمين ذاكرا عداوتهم لهم ـ:"الانكليز والفرنسيس معذورون إذا عادونا، لأنه لا يجمعنا بهم جنس ولا دين ولا لغة ولا مصلحة، ولكن المصيبة التي لا عذر لأحد فيها أن المسلمين أصبحوا أعداء أنفسهم، وأنا والله لا أخاف الأجانب، وإنما أخاف من المسلمين، فلو حاربت الانكليز لما حاربوني إلا بجيش من المسلمين " [43] . قال الأمير شكيب: "وهو كلام أصاب كبد الصواب، فإنه ما من فتح فتحه الأجانب من بلاد المسلمين إلا كان نصفه أو قسم منه على أيدي أناس من المسلمين، منهم من تجسس للأجانب على قومه، ومنهم من بث لهم الدعاية بين قومه، ومنهم من سل السيف في وجه قومه، وأسال في خدمتهم دم قومه " [44] .
قلت: لذا ترك عبد العزيز مواصلة القتال حتى لا يكون قتال فتنة.
فلما أقام دولة العقيدة، وصارت المملكة بذلك أنموذج الدولة الإسلامية، والقدوة الرائدة في تطبيق الشريعة الإسلامية ترك مواصلة القتال حتى لا يكون قتال فتنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكل ما أوجب فتنة وفرقة فليس من الدين، سواء كان قولا أو فعلا، ولكن المصيب العادل عليه أن يصبر عن الفتنة، ويصبر على جهل الجهول وظلمه إن كان غير متأول، وأما إن كان ذاك متأولا فخطؤه مغفور له، وهو فيما يصيب به من أذًى بقوله أو فعله له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور له، وذلك محنة وابتلاء في حق ذلك المظلوم، فإذا صبر على ذلك، واتقى الله كانت العاقبة له، كما قال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} آل عمران:120.(40/458)
وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} آل عمران: 186. فأمر سبحانه بالصبر على أذى المشركين وأهل الكتاب مع التقوى، وذلك تنبيه على الصبر على أذى المؤمنين بعضهم لبعض، متأولين كانوا أو غير متأولين " [45]
وليس أحب من جمع كلمة المسلمين لدى عبد العزيز، والصبر على التضحية في سبيل ذلك، قال عبد العزيز ـ رحمه الله: "أنا مسلم، وأحب جمع كلمة الإسلام والمسلمين، وليس عندي أحب من أن تجتمع كلمة المسلمين، وإنني لا أتأخر عن تقديم نفسي وأسرتي في سبيل ذلك " [46]
ومع حبه لجمع كلمة الإسلام والمسلمين، لم يطلب أن يصير خليفة على المسلمين، خشية أن تقع الفتنة، ولعدم اتفاق المسلمين، ولوقوعهم تحت تأثير الاستعمار الأجنبي، ولتفرقهم تفرقاً لا يمكن معه إقامة واجب الخلافة.
قال رحمه الله: "يقولون إنني أطلب أن أصير خليفة على المسلمين.
أنا ما ادعيت هذا ولا طالبت به، لأن على الخليفة واجبا هو تنفيذ أوامر الدين، على كل فرد من أفراد المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، فهل هناك من رجل يستطيع أن ينفذ ذلك على المسلمين في هذه الأيام " [47] .
ويتحدث عن سبب ذلك، وأنه هو اختلاف المسلمين أنفسهم، وتفريقهم لدينهم في الخلافة حتى دمروه.
قال رحمه الله: " أتعرفون ما دمر الدين، وأكثر الفتن بين المسلمين؟ .. لم يكن ذلك إلا من اختلاف المسلمين، وعدم اتفاق كلمتهم.. " [48](40/459)
نعم تفرقوا طرائق، وأهملوا طريقة الكتاب والسنة، إلا قليلاً منهم، فتسلط عليهم الأجانب يستعمرونهم ويتصرفون فيهم، بسبب من هؤلاء المسلمين المفارقين للجماعة، أنفسهم، لا من هؤلاء الأجانب. كما قال رحمه الله: "ومن خطل الرأي الذهاب إلى أن الأجانب هم سبب هذه التفرقة وهذه المصائب.. إن سبب بلايانا من أنفسنا لا من الأجانب، يأتي أجنبي إلى بلد ما، فيه مئات الألوف بل الملايين من المسلمين، فيعمل عمله بمفرده! فهل يعقل أن فرداً في مقدوره أن يؤثر على ملايين من الناس إذا لم يكن له من هذه الملايين أعوان يساعدونه ويمدونه بآرائهم وأعمالهم؟ كلا ثم كلا.. فهؤلاء الأعوان هم سبب بليتنا ومصيبتنا.. أجل هؤلاء الأعوان هم أعداء الله وأعداء أنفسهم.
إذاً فاللوم واقع على المسلمين أنفسهم وحدهم لا على الأجانب.. إن البناء المتين لا يؤثر فيه شيء مهما حاول الهدامون هدمه، إذا لم تحدث فيه ثغرة تدخل فيها المعاول، وكذلك المسلمون، لو كانوا متحدين متفقين لما كان في مقدور أحد خرق صفوفهم وتمزيق كلمتهم.. " [49]
ثم يبين رحمه الله الطريق الصحيح للخلاص فيقول: "إن المسلمين بخير إذا اتفقوا، وعملوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ليتقدم المسلمون للعمل بذلك، فيتفقون فيما بينهم على العمل بكتاب الله وسنة نبيه، وبما جاء فيهما، والدعوة إلى التوحيد الخالص، فإنني حينذاك أتقدم إليهم فأسير وإياهم جنبا إلى جنب، في كل عمل يعملونه، وفي كل حركة يقومون بها.. والله إنني لا أحب الملك وأبهته، ولا أبغي إلا مرضاة الله والدعوة إلى التوحيد،.. ليتعاهد المسلمون فيما بينهم على التمسك بذلك وليتفقوا، فإني أسير وقتئذ معهم لا بصفة ملك، أو زعيم أو أمير بل بصفة خادم.. أسير أنا وأسرتي وجيشي وبنو قومي، والله على ما أقول شهيد، وهو خير الشاهدين" [50] .(40/460)
ويقول أيضاً: " وما هو الطريق الذي اتفق عليه المسلمون، وجاهدوا فيه وتأخرت عنهم؟ .. أنا أتأخر وأتقدم بقدر الحاجة، ولا أعمل عملا أخرب به بلادي" [51] .
وفي هذا الرد البليغ، الذي يصدقه الواقع، على الذين يتهمونه -رحمه الله- ظلما، بأنه إنما قاتل لأنه طالب ملك دنيوي، وترك القتال في سبيل الله، خوفاً على ملكه.
والحقيقة أنه قاتل وجاهد في سبيل الله لئلا تكون فتنة، بعدم الجماعة، دولة التوحيد، المملكة العربية السعودية، وترك مواصلة القتال، لما رأى أن الفتنة تكمن في مواصلة القتال، لإلزام جميع المسلمين، بالدخول في الجماعة، والسمع والطاعة وإقامة الخلافة وإمامتها العظمى، وأن ذلك يجر من الشر ما هو أعظم من تركه، بعد أن قام عبد العزيز بما يجب عليه قدرا وشرعا، من إنقاذ مهد الإسلام، ومشرق نوره، مكة والمدينة، وبسط الأمن والاستقرار في ربوعهما، وتأمين الحاج والزائر، وإقامة وحدة المملكة على التوحيد، نواةً لوحدة المسلمين العظمى، ومثالاً لقدوتهم، إن هم أرادوا، ورفعوا عنهم ركام الجهل، بالقرآن والحكمة، واجتنبوا الظلم بعدل السنة النبوية، ففي إكراههم على الوحدة العظمى مفسدة راجحة، حرب أهلية بين المسلمين مدمرة، وقتال فتنة يستطير شرها، ويعم جميع المسلمين، فدرأ عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أعظم الشرين باحتمال أدناهما، وانصرف لبناء وحدة مملكته، وترسيخ دعائمها على تحقيق مفهوم الجماعة، المستمسكة بالكتاب والسنة، وإقامة التوحيد الخالص، ونبذ الشرك بعبادة الله تعالى، وإن خالفها من خالفها من الفرق الإسلامية المفارقة وناوأها، فإن ذلك لا يضيرها ولا يضرها، بمشيئة الله تعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال من أمتي أمة، قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك " [52] .(40/461)
أما إذا اعتدى معتدٍ وبغى، يريد تمزيق وحدة المملكة، وتفريق جماعتها، فلن يسمح له بحول الله وقوته، كما قال عبد العزيز: "في بلاد العرب والإسلام أناس يساعدون الأجنبي على الإضرار بجزيرة العرب والإسلام وضربها في الصميم، وإلحاق الأذى بنا.. ولكن لن يتم لهم ذلك إن شاء الله وفينا عرق ينبض " [53] .
يروي رئيس أنصار السنة الشيخ محمد حامد الفقي عنه فيقول: سمعته يوما وقد دخل عليه البطل خالد بن لؤي رحمة الله عليه عقب إطفاء فتنة الدويش، يقول له: "اسمع يا خالد، اسمعوا يا الإخوان، أنا عندي أمران لا أتهاون في شيء منهما، ولا أتوانى في القضاء على من يحاول النيل منهما ولو بشعرة: الأول كلمة التوحيد، لا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، إني والله وبالله وتالله أقدم دمي ودم أولادي وكل آل سعود فداء لهذه الكلمة لا أضن به. والثاني هذا الملك الذي جمع الله به شمل العرب بعد الفرقة، وأعزهم بعد الذلة، وكثرهم بعد القلة، فإني كذلك لا أدخر قطرة من دمي في سبيل الذود عن حوضه. وقد عودني الله سبحانه وتعالى من كرمه وفضله أن ينصرني على كل من أراد هذا الملك أو دبر له كيدا، لأني جعلت سنتي ومبدأي أن لا أبدأ أحدا بالعدوان، بل أصبر عليه وأطيل الصبر على من بدأني بالعداء، وأدفع بالحسنى ما وجدت لها مكانا، وأتمادى في الصبر حتى يرميني البعيد والقريب بالجبن والضعف، حتى إذا لم يبق للصبر مكان ضربت ضربتي فكانت القاضية، وكانت الآية على ما عودني الله من فضله، والحمد لله رب العالمين " [54]
وصدق عبد العزيز، وصدق ورثته من بعده، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فصدقهم الله تعالى، وله الحمد والمنة.(40/462)
وهكذا قضى عبد العزيز رحمه الله على الفتن، وطهر بلاده منها، وجنب بلاده عنها، قاتل الجموع، ولم يخف ولم يهن، وضحى بكل ما يملك، حتى لا تكون فتنة، وترك القتال لئلا يكون القتال فتنة، وكان نتيجة ذلك: (المملكة العربية السعودية) نواة الوحدة الإسلامية الكبرى، ومعقل جماعتهم، ولله الحمد والمنة.
الخاتمة
تحققنا فيما مضى من البحث، مفهوم الجماعة، والمراد الشرعي بالجماعة، وأنها الاجتماع على التمسك بالكتاب والسنة، وأن من استمسك بذلك فهو المراد بالجماعة، وإن كان وحده، وضرورة تعيين الجماعة ليتحقق الواجب من لزومها، ولزوم إمامها، واجتناب المحرم من فراقها والخروج عليها، إذ لا يتحقق الواجب ويجتنب المحرم بدون تعيينها، وبيان استمرار وجودها إلى قيام الساعة، كما تحققنا اتصاف الدول السعودية بصفة الجماعة، وبذلك ندرك أن جميع جهود الملك عبد العزيز رحمه الله، في تأسيس المملكة العربية السعودية هي تحقيق لمفهوم الجماعة، المراد شرعاً وقدراً.
إن جهود الملك عبد العزيز - رحمه الله - قد نجحت بتوفيق الله تعالى، في تحقيق مفهوم الجماعة، من خلال إقامته وحدة المملكة العربية السعودية، على اتباع الكتاب والسنة، ونال بذلك رتبة الإمامةِ في الدين، المجددِ لما اندرس من معالمه، فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه خير ما جزى به مصلحاً عن إصلاحه.(40/463)
ومن هنا نرى أن شعوب المملكة العربية السعودية وقبائلها، رعاةً ورعية، قد استجابوا قدراً وشرعاً، لما تفضل الله تعالى به على الملك عبد العزيز، من جهود مباركة في تحقيق مفهوم الجماعة، فالتزموا السنة والجماعة، وتمسكوا بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم بتقوى الله والسمع والطاعة، حتى صارت المملكة بتوفيق الله وفضله، معقد جماعة المسلمين، ونواة وحدتهم العظمى، كما هو الواقع، ويدل على ذلك من الواقع أيضا، أن كل من حقق الإسلام والسنة، وتمسك بمنهج السلف الصالح وأهل الحديث، ونبذ الأهواء والبدع، وعلم تاريخ المملكة على حقيقته، في جميع أنحاء الأرض، نراهم ولا سلطان للمملكة عليهم، يستجيبون لإصلاحات هذه المملكة، ويعتبرونها قبلتهم، وقلب الإسلام النابض، وقدوتهم، وسوادهم الأعظم، ومركز ثقلهم.
فقد اتصفت المملكة العربية السعودية، بصفة الجماعة شرعا وقدراً، وملكها هو إمام المسلمين في سلطانه، يجب أن يطاع بالمعروف، ويحرم الخروج عليه، ومن خرج عليه، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، فإن مات فميتته جاهلية، ويلقى الله ولا حجة له، وجزاؤه في الدنيا أن يضرب عنقه بالسيف حتى الموت [55] .
وسيبقى تحقيق مفهوم الجماعة، في وحدة المملكة العربية السعودية، إن شاء الله تعالى، حتى يأتي أمر الله، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأنفال:53. وقال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} الرعد:11.(40/464)
نسأل الله تعالى أن لا يغير نعمه علينا، وأن يرزقنا العفو والعافية، إنه ولي ذلك وموليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين.
ثبت المراجع
(أ)
1- أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب وغيرها، كتبه وتحدث به في نادي أنصار السنة المحمدية، محمد حامد الفقي، ط/ النهضة بمصر سنة 1354هـ.
2_ الآداب الشرعية والمنح المرعية لشمس الدين، أبي عبد الله: محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي، مكتبة ابن تيمية للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة
3- الأربعين النووية، ضمن [مجموعة الحديث] ، ط 1389هـ – 1969م، مطابع: الحكومة – الرياض
4- الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والتحذير من مفارقتهم، تأليف عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم، ط2، 1419هـ.
5- الاستقامة، ط1، 1/37-38.
6- الاعتصام،للعلامة المحقق: أبو إسحاق: إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي، الغرناطي، مطبعة السعادة، القاهرة.
7- البدر الطالع،للشوكاني.
8- البلاد العربية والدولة العثمانية، ساطع الحصري، ط2، 1960م دار العلم للملايين - بيروت.
9- التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية، تأليف العلامة عبد العزيز بن ناصر الرشيد، ط2 / مطبعة السعادة بمصر.
10- الدرر السنية في الأجوبة النجدية،جمع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط1
11- الدرر السنية في الأجوبة النجدية،جمع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط2/1385هـ.
12- الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط 5/1416هـ.
13- الرسالة، للإمام الشافعي، تحقيق أحمد محمد شاكر.
14- السنة، لمحمد بن نصر المروزي، (202-294هـ) ، ط: مطابع دار الفكر بدمشق، بدون تاريخ الطبع، نشر دار الثقافة الإسلامية بالرياض.(40/465)
15- السنة، لابن أبي عاصم، الحافظ: أبي بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني ت278هـ، ط1/1400هـ – 1980م، المكتب الإسلامي – بيروت.
16- الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حياته وفكره، للدكتور عبد الله بن صالح العثيمين، نشر دار العلوم الرياض.
17- الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن، محاضرة للشيخ صالح آل الشيخ.
18- العقد الثمين، من شعر محمد بن عثيمين،محمد بن عبد الله بن عثيمين، جمعه ورتبه وشرح ألفاظه: سعد بن عبد العزيز بن رويشد، ط دار المعارف
19- العقيدة الواسطية، ط5، 1347هـ، القاهرة، عنيت بنشره المطبعة السلفية ومكتبتها، لصاحبيها محب الدين الخطيب، وعبد الفتاح قتلان
20- الغلو في الدين،تأليف عبد الرحمن اللويحق، ط4/ عام 1417هـ.
21- المصحف والسيف، مجموعة من خطابات وكلمات جلالة الملك عبد العزيز آل سعود،جمع وإعداد محيي الدين القابسي، دار الصحراء السعودية للنشر والتحقيق، ط4، 1418هـ، 1997م.
22- الملك الراشد، جلالة المغفور له عبد العزيز آل سعود، ط2.عبد المنعم الغلامي، الرياض دار اللواء للنشر والتوزيع 1400هـ –1980م.
23- الموطأ، لإمام الأئمة، وعالم المدينة: مالك بن أنس رضي الله عنه، ط الإلكترونية / صخر.
24- الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، خير الدين الزركلي، ط2، بيروت 1392هـ
25- انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية، محمد كمال جمعة.
(ت)
26- تاريخ الخلفاء، للإمام جلال الدين أبو الفضل: عبد الرحمن بن أبي بكر المصري الشافعي، المشهر بالسيوطي.
27- تاريخ الدولة السعودية الأولى، للدكتور منير العجلاني.
28- تاريخ المملكة العربية السعودية في ماضيها وحاضرها، تأليف صلاح الدين مختار، منشورات دار الحياة بيروت.(40/466)
29- تاريخ ملوك آل سعود، تأليف سعود بن هذلول، ط 2، 1402هـ، مطابع المدينة، الرياض.
30- تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) ، للإمام الحافظ أبو الفداء: إسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي، ت 774هـ، ط3، الاستقامة بالقاهرة، 1376هـ.
31- تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، 282-370هـ، تحقيق وتقديم عبد السلام محمد هارون، ومراجعة محمد علي النجار، دار القومية العربية للطباعة 1384هـ – 1964م.
(ج)
32- جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير ابن جرير الطبري) ، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (224 – 310هـ) ، ط2، 1373هـ، مطبعة الحلبي بمصر.
(ح)
33- حاشية كتاب التوحيد، لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي (1312 – 1392هـ، ط/3.
34- حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز،تأليف رابح لطفي جمعة،.
35- حقيقة الدعوة إلى الله تعالى وما اختصت به جزيرة العرب، وتقويم مناهج الدعوات الوافدة إليها،بقلم سعد بن عبد الرحمن الحصين ط2/1413هـ.
36- حكم الانتماء للشيخ بكر أبو زيد، ط2.
(د)
37- دراسة حديث: نضر الله امرءاً سمع مقالتي… رواية ودراية، للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، ط1، 1401هـ.
38- دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية، لمحمد كمال جمعة.
39- ديوان ابن مشرف،للشيخ أحمد بن علي بن مشرف الأحسائي، تلميذ المؤرخ حسين بن غنام، ط3، 1370هـ، مطبعة السنة المحمدية.
(ر)
40- روضة الأفكار والافهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام (تاريخ نجد) ، للشيخ حسين بن غنام، ط1، 1386هـ، مطبعة الحلبي بمصر.
(س)
41- سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها،محمد ناصر الدين الألباني، منشورات المكتب الإسلامي.(40/467)
42- سنن أبي داود،للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السجستاني، ط الإلكترونية/صخر.
43- سنن ابن ماجه، للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد، ط الإلكترونية / صخر.
44- سنن الترمذي، للإمام أبي عيسى: محمد بن عيسى بن سورة، ط: الإلكترونية / صخر.
45- سنن الدارمي، للإمام أبي محمد: عبد الله بن عبد الرحمن الحافظ الدارمي، ط/ الإلكترونية، صخر.
46- سنن النسائي، للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب الخراساني القاضي، ط الإلكترونية / صخر.
(ش)
47- شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز: علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي (731 – 792) ، تحقيق وتعليق الدكتور عبد الله التركي، وزميله.
(ص)
48- صحيح الإمام البخاري، الإمام أبو عبد الله: محمد بن إسماعيل البخاري، ط/ الإلكترونية / صخر.
49- صحيح مسلم، للإمام أبي الحسين: مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206 – 261هـ) ، ط/ الإلكترونية، صخر.
(ع)
50- عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، وأثرها في العالم الإسلامي، صالح بن عبد الله العبود، ط1، المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية
51- عنوان المجد في تاريخ نجد، عثمان بن عبد الله بن بشر، ت1288هـ، حققه وعلق عليه عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ بأمر من وزارة المعارف بالمملكة العربية السعودية سنة 1394هـ ط3/ 1394هـ، دون ذكر مكان الطبع، واسم المطبعة.
52- عنوان المجد في تاريخ نجد، من سنة 700 – 1267هـ، عثمان بن عبد الله ابن بشر، ت1288هـ، ط/ المطبعة السلفية بمكة المكرمة 1349هـ.
(ف)(40/468)
53- فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، للحافظ أحمد بن علي بن محمد بن حجر الكناني العسقلاني (773 – 852هـ) ، تصحيح وتحقيق وإشراف ومقابلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، ط / السلفية بمصر، بدون تاريخ الطبع، وعدد الطبعة.
(ك)
54- كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، دراسات حول الجماعة والجماعات، تأليف عبد الحميد هنداوي ط2/ عام 1416هـ، نشر: مكتبة التابعين بالقاهرة.
(ل)
55- لسراة الليل هتف الصباح، الملك عبد العزيز، دراسة وثائقية، عبد العزيز ابن عبد المحسن التو يجري، ط3، 1998م، مؤسسة دار الريحاني للطباعة والنشر، بيروت – لبنان.
56- لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم، تأليف: الأمير شكيب أرسلان، عضو المجمع العلمي العربي في سورية، ط1965م، منشورات دار مكتبة الحياة – بيروت.
(م)
57- مثير الوجد، في أنساب ملوك نجد، راشد بن علي بن جريس الحنبلي، ط السلفية بالقاهرة، عام 1379هـ،
58- مجموعة التوحيد النجدية، ط/السلفية 1375هـ.
59- مجموعة التوحيد النجدية - مسائل الجاهلية، ط السلفية، القاهرة، 1375هـ.
60- مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ، للشيخ حمد الجاسر، ط1، 1386هـ، منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر.
61- مسند الإمام أحمد بن حنبل، الإمام أبو عبد الله: أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، ط الإلكترونية / صخر
62- مقدمة ابن خلدون، للعلامة عبد الرحمن بن خلدون، المكتبة التجارية بالقاهرة، لصاحبها مصطفى محمد.
63- منهاج السنة،لشيخ الإسلام ابن تيمية، ط: جامعة الإمام.
64- منهج الجمعية، للدعوة والتوجيه، (جمعية إحياء التراث الإسلامي) ، ط2/ عام 1417هـ.
(ن)(40/469)
65- نجد وملحقاته وسيرة الملك عبد العزيز، أمين الريحاني، ط3،دار الريحاني بيروت 1964م
(هـ)
66- هامش ص10 من كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، عقيدته السلفية، ودعوته الإصلاحية، وثناء العلماء عليه، تأليف أحمد بن حجر آل بوطامي آل بن علي، تقديم وتصحيح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ط/الحكومة بمكة 1395هـ.
(ي)
67- يقظة العرب (تاريخ حركة العرب القومية) ، جورج انطونيوس، ترجمة: د. ناصر الدين الأسد، وزميله، نشر بالاشتراك مع مؤسسة فرنكلين، بيروت – نيويورك 1966م، ط2، دار العلم للملايين – بيروت.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] صحيح البخاري مع فتح الباري: 6/632، وصحيح مسلم، ص1524.
[2] صحيح مسلم: ج1/ص128.
[3] سنن أبي داود ج2/كتاب الملاحم باب1ص424، قال الشيخ ابن باز: "هذا الحديث إسناده جيد، رجاله كلهم ثقات"، وتقدم في حاشية 4 ص41، من هذا البحث.
[4] الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، تأليف خير الدين الزركلي، ط2، ص141.
[5] أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب وغيرها، كتبه وتحدث به في نادي أنصار السنة المحمدية، محمد حامد الفقي، ط/ النهضة بمصر سنة 1354هـ ص110-113.
[6] ينظر الملك الراشد ص400.
[7] العقد الثمين ص70.
[8] المصحف والسيف ص79.
[9] ينظر: المقدمة، لابن خلدون ص151.
[10] الآخية، والأخية: بالمد والتشديد: عود يعرض في الحائط.. تشد إليه الدابة، قال الأزهري: وسمعت العرب تقول للحبل الذي يدفن تحت الأرض مثنيا ويبرز طرفاه الآخران.. شبه حلقة وتشد به الدابة: أخية. انظر: تهذيب اللغة ج7/620،621.
[11] صحيح البخاري، الفتن رقم 6531، ومسلم الإمارة رقم 3438.(40/470)
[12] ورواه البخاري، كتاب الديات، رقم 6370، وأحمد رقم 24301، ورواه غيرهم.
[13] سنن النسائي كتاب تحريم الدم رقم 3954.
[14] نقلا عن: الأمر بلزوم جماعة المسلمين للشيخ عبد السلام بن برجس ص38.
[15] الآداب الشرعية لابن مفلح 1/175،176.
[16] صحيح مسلم، الأقضية، رقم 3236، مسند أحمد، باقي مسند المكثرين رقم 8444، موطأ مالك، كتاب الجامع، رقم 1573.
[17] مسائل الجاهلية، ضمن مجموعة التوحيد النجدية، ط السلفية، القاهرة، 1375هـ، ص236-237.
[18] الدرر السنية، ط /5/1416هـ / مجلد 9/5 – 7.
[19] المصدر السابق.
[20] وينظر: حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز تأليف رابح لطفي جمعة، ص39-51.
[21] ينظر: لماذا تقدم المسلمون ولماذا تأخر غيرهم، تأليف الأمير شكيب أرسلان، عضو المجمع العلمي العربي في سورية، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت 1965م، ص163-166.
[22] يمير: يا أمير.
[23] لسراة الليل هتف الصباح، عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري، ص86-87.
[24] الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، خير الدين الزركلي، ط2، ص141.
[25] الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، ط2 ص334.
[26] ينظر: حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم، ط/3، ص60-61، فقد قال:روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، ولواؤه أبيض، وعن أبي هريرة: مكتوب فيه لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
[27] تفسير ابن كثير 4/27،28، وهو في مسند أحمد، مسند بني هاشم، برقم 1904، وبرقم 3244، وفي سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن برقم 3156، وقال الترمذي حسن صحيح.
[28] الرسالة للإمام الشافعي، تحقيق أحمد محمد شاكر، ص80
[29] المصدر السابق.
[30] ينظر: الرسالة للإمام الشافعي تحقيق أحمد شاكر ص80-81، والسنة، لمحمد بن نصر المروزي، ص7.(40/471)
[31] انظر: ابن بشر، " عنوان المجد (ج1/11،12) ، وطبع وزارة المعارف، (1/24) ، وروضة ابن غنام، (1/3)
[32] ابن بشر، عنوان المجد 1/12.
[33] عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري، لسراة الليل هتف الصباح، الملك عبد العزيز، دراسة وثائقية، ص526. وانظر: نجد وملحقاته، وسيرة الملك عبد العزيز … أمين الريحاني ط3، ص435-436.
[34] العقد الثمين، من شعر محمد بن عثيمين، جمعه ورتبه وشرح ألفاظه سعد بن عبد العزيز ابن رويشد، ص108-110.
[35] تاريخ المملكة العربية السعودية في ماضيها وحاضرها، تأليف صلاح الدين المختار، منشورات دار الحياة بيروت، 2/152-155، وينظر الدرر السنية، لابن قاسم ط2، 7/305-308.
[36] ينظر: نص الرسالة كاملا، في الدرر السنية، 7/265-272، عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي، ط/المجلس العلمي، الجامعة الإسلامية، ص578-580، 596-599.
[37] الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع ابن قاسم، ط2/1385هـ، 7/283،292.
[38] العقد الثمين، من شعر محمد بن عثيمين، جمعه ورتبه وشرح ألفاظه سعد بن عبد العزيز بن رو يشد ص122-123.
[39] ينظر: المصحف والسيف ص58،59. وتاريخ ذلك فهو شاهد لا يجحد.
[40] العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين، ص84-85.
[41] ينظر: لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟ تأليف الأمير شكيب أرسلان، عضو المجمع العلمي العربي في سورية، منشورات دار مكتبة الحياة بيروت 1965م.
[42] ينظر: لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم، ص63.
[43] ينظر: المصدر السابق، حاشية رقم 1.
[44] ينظر المصدر السابق.
[45] الاستقامة، ط1، 1/37-38.
[46] المصحف والسيف ص84.
[47] المصدر السابق ص85.
[48] المصدر السابق ص74.
[49] المصدر السابق ص55-56.
[50] المصدر السابق ص56.(40/472)
[51] المصدر السابق ص76.
[52] تقدم ذكره وتخريجه، أول هذا البحث ص30.
[53] المصدر السابق ص56.
[54] أثر الدعوة الوهابية، المرجع السابق ص110،111.
[55] ينظر: الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والتحذير من مفارقتهم، تأليف عبد السلام ابن برجس آل عبد الكريم، ص70.(40/473)
الجانب الديني
في حياة الملك عبد العزيز
وأثره في توحيد البلاد
إعداد
الدكتور/ خالد محمد الصاعدي
بسم الله الرحمن الرحيم
((الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز، وأثره في توحيد البلاد))
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستنّ بسنته إلى يوم الدين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .
أما بعد: فليس ثمة شك أن قيام المملكة العربية السعودية، وتوحيدها تحت هذا الاسم، يعدّ من الأحداث التاريخية الهامة في تاريخنا الإسلامي الحديث، لما لهذا الحدث من أهمية كبيرة وآثار بعيدة المدى، حيث ظهرت من خلال هذا التوحيد على الساحة الدولية دولة إسلامية عربية حديثة، جُمِع فيها شمل الجزيرة العربية ووُحِّد معظم أجزائها، وذلك يوم الخميس الموافق للحادي والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 1351هـ،على يد موحد هذا الكيان الشامخ الملك: "عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد ابن سعود".(40/474)
ولا شك أن لهذه الجزيرة العربية أهمية كبيرة ودوراً إيجابياً كبيراً في الاهتمام بالإسلام والمسلمين وما ينفعهم في دينهم ودنياهم ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، لما لهذه الجزيرة العربية من مركزية في العالم الإسلامي، بوصفها مهد الحضارة الإسلامية، وأرض الحرمين الشريفين، اللذين تتعلق بهما قلوب المسلمين أينما كانوا، الأمر الذي يجعل أثر أي تطور حضاري لهذه الجزيرة يمتد إلى بقية أرجاء العالم الإسلامي الذي كان أغلبه يعاني من وطأة الاستعمار وتسلطه وآثاره.
من هذا المنطلق كانت الملحمة التاريخية العظيمة التي صنعها الملك عبد العزيز ـ بعد توفيق الله تعالى ومشيئته وفضله ـ فوحّد هذا الكيان الكبير وأنقذه ـ بفضل الله تعالى ـ من غياهب التشتت والضياع إلى مرافئ الوحدة والأمن والأمان والرقي والحضارة المتأصلة بثوابت الدين وصدق الإيمان وركائز العلم.
ولا شك أن ذلك لم يكن ليتم لولا فضل الله تعالى ثم تمسك الملك عبد العزيز بدينه وإيمانه العظيم بالله واستعانته به ـ جلّ شأنه ـ وتطبيقه حكم الله ـ تعالى ـ وجعل دستور هذه البلاد القرآن الكريم والسنة النبوية، واهتمامه العظيم بالجانب الديني في أقواله وأفعاله، ومعاملاته، واهتمامه بالمسلمين، وتطبيقه لمنهج الإسلام عقيدةً وشريعةً وعملاً، وحبه للعلم وتقديره للعلماء، الأمر الذي مكّن له في هذه الأرض بقدرة الله تعالى وقوته.
وهذا ما سوف ألقي الضوء عليه ـ إن شاء الله تعالى ـ من خلال هذا البحث الموسوم بـ: "الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز، وأثره في توحيد البلاد"
أسأل الله العلي القدير أن يكون هذا البحث محققاً للهدف المنشود الذي من أجله كُتب، وأن يعصمنا من الزلل في القول والعمل، وأن يرزقنا الإخلاص والتوفيق، والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السيل.
((شخصية الملك عبد العزيز))(40/475)
ولد الملك عبد العزيز في مدينة الرياض عام 1293هـ ـ 1876م، وقيل عام 1297هـ ـ 1880م، وكانت ولادته في وقت تحالفت فيه الشدائد ضد أسرته، فنشأ نشأة قاسية كان لها أثر كبير في تغلبه على الصعاب التي لاقاها في مستقبل حياته.
وقد تتلمذ في مطلع حياته على يد شيخ من أهل الخرج، كان مقيماً في الرياض اسمه "عبد الله الخرجي"وتعلم على يديه مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ سوراً من القرآن الكريم، ثم تلقن بعض أصول الفقه والتوحيد على يد الشيخ "عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب"، كما تعلم مبادئ الفروسية على يد والده، عندما رحل من الرياض إلى الكويت سنة 1309هـ، وكان يحكمها الشيخ "مبارك الصباح".
كان ـ رحمه الله ـ طويل القامة، عريض المنكبين، صحيح الجسم، مهيب الطلعة، متناسب الأعضاء، حسن الوجه، أبيض البشرة، أسود الشعر، خفيف اللحية والعارضين، بارز الصدر، مفتول الساعدين والساقين، قسمات وجهه تدل على البشاشة والسماحة، والذكاء والنبوغ والفراسة، جهوري الصوت، الابتسامة لا تكاد تفارق شفتيه.
في الكويت فكر الفتى عبد العزيز فيما حل بالأمة من ضياع ديني وأمني، فالعقيدة استبيحت حوزتها، وكادت تمحى معالمها، وأصبح ضعيف الناس نهباً لقويهم، فكان يراوده الأمل في تطهير العقيدة مما ران عليها من أدران الشرك والانحراف، وفي بسط الأمن في ربوع وطنه، وعندما اشتد ساعده رأى أن يحوّل الأمل إلى حقيقة، فزحف إلى الرياض مع أربعين من أهل بيته وأقربائه وأخلص الرجال وأصدقهم، وتمكن بفضل الله ـ تعالى ـ ثم بواسطتهم من استعادة الرياض في 5 شوال 1319هـ.(40/476)
ولا شك أن عملية استرداد الرياض، وما دار فيها من أحداث، تظل من أروع ما عرفه تاريخ المملكة في ميدان البطولة والتضحيات، وتعتبر مصدر فخر واعتزاز للملك عبد العزيز الذي استعان بالله ـ تعالى ـ ثم بقناعته وإيمانه بالقضية التي خرج من أجلها، وهي إعادة توحيد البلاد من جديد تحت راية آل سعود، فكان له ما أراد بتوفيق الله تعالى.
وعندما نتعرف على الكيفية التي أتم بها الملك عبد العزيز توحيد هذا الكيان على أساس من العقيدة الإسلامية، فإننا نجده وقد حرص على تطبيق الشريعة الإسلامية وأحكامها، فكان نصر الله الذي وعد به عباده المؤمنين في محكم التنزيل: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} ، فقد انطلق يحمل شعار التوحيد ويتخذ القرآن منهجاً وسلوكاً، إلى جانب النوايا الحسنة الصادقة التي تستهدف توحيد هذا الكيان وجمع شتاته، فكان ـ رحمه الله ـ كثير الصلاة والتعبد، وكان من عادته أن ينهض قبل الفجر بساعة فيقرأ ما تيسر من القرآن الكريم، فإذا أذّن المؤذن أدى فريضة الصلاة، ثم ينصرف إلى بيته فيقرأ ـ أيضاً ـ شيئاً من القرآن الكريم وبعض الأوراد الصحيحة، ثم تعرض عليه بعض الأمور العاجلة فيبتّ فيها.(40/477)
وهكذا نلحظ أن من هدى القرآن الكريم جاءت شخصية الملك عبد العزيز لتحقق للأمة الحاجة الماسة إلى القائد الذي يهتدي بهدى القرآن، وقد جاءت هذه الشخصية في وقت كان الشعور الواحد، والغرض المتحد هما أساس الوحدة المعنوية والصلة النفسية اللتين اعتمد عليهما الملك عبد العزيز في بناء الدولة الإسلامية، وذلك عندما تحالف جده الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب على نشر كلمة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أراد الله لهذه الأمة خيراً بأن كتب لهذه الجهود كامل النصر والتأييد والتوفيق في جميع المعارك التي خاضتها حتى غمرت هذه الدعوة أرجاء الجزيرة العربية، وظهرت دعوة سلفية تدعو الناس إلى الدين وإخلاص العبادة لله وحده، ونبذ ما شاب العقيدة من مظاهر الشرك، ومنذ يومئذٍ مضى آل سعود في نشر العقيدة السلفية، وفتح البلاد المجاورة باسم الدعوة، فقامت دعوتهم على هذا الأساس، وبسطوا نفوذهم على جميع أنحاء الجزيرة العربية تقريباً.(40/478)
وهكذا سار الملك عبد العزيز ـ طيّب الله ثراه ـ على نهج من سبقه، وسلك طريق الدعوة إلى الله، ومناصرة الحق والعدل والذب عن العقيدة، واتخذ القرآن منهجاً وسلوكاً، وانطلق يحمل شعار التوحيد ويحكم القرآن والسنة ويطبق شريعة الله الخالدة، وقاد السفينة نحو الخير والإصلاح والاستقرار ونشر العلم، وحفلت سيرته وحياته بالجهاد والبناء والعطاء، فلقد سخر جهوده في خدمة الدين والأمة، وركز اهتمامه على قضايا الإصلاح والأمن والوحدة والنهضة والبناء والتعليم والمعرفة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى غرس في هذه الأرض الطيبة المباركة أعظم وحدة في تاريخ هذه البلاد، فقد حوّل ـ بتوفيق الله ـ ضعفها إلى قوة، وتمزقها وتشتتها إلى كيان كبير قوي راسخ مؤثر، حتى أصبحت المملكة العربية السعودية اليوم نموذجاً رائعاً ومثلاً فذاً حقيقياً، لأنها نموذج شامخ للدولة التي تقوم على أساس الشريعة الإسلامية، وتأخذ بحظها الوافر من الحضارة والمدنية وأسباب التقدم والازدهار.
وهكذا كان الملك عبد العزيز مؤمناً بالله حق الإيمان، متوكلاً عليه حق التوكل، يتقيه في كل أموره، في حروبه وفتوحاته، في معاملته لأهالي البلاد التي يفتحها، يتبع أوامر الشريعة بكل تفاصيلها، كان صادق النية في كل آماله وطموحاته فلقد كان يبغي وجه الله وإعلاء راية التوحيد ونشر الدعوة الإسلامية بعيداً عن البدع والمستحدثات التي انحرفت بالدين، ولقد جعل الملك عبد العزيز الدين هدفاً له ومطلباً عظيماً، بحيث كلما وسّع ورسّخ ملكه عظمت خدمته للإسلام بما كان يقوم به من أعمال. ولهذا وفقه الله وسدد خطاه ونصره وأيده لأنه لم يكن يعتبر الملك إلا وسيلة لرفع شأن دين الإسلام وتطبيق شرائعه السمحة، مصداقاً لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (1) .
__________
(1) سورة العنكبوت؛ آية: 69.(40/479)
وهكذا يكون أثر العقيدة الإسلامية الصحيحة، عقيدة السلف الصالح، لأنها قطب رحى المسلمين، فعند تحقيقها تماماً، يهيئ الله ـ تعالى ـ لمن يفعل ذلك التمكين والإمامة في الأرض، وهذا وعد الله ـ تعالى ـ لا يخلف الله الميعاد، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1) .
((الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز من خلال أقواله رحمه الله))
نستطيع أن نسبر أغوار شخصية الملك عبد العزيز الفذة، من خلال الأحاديث والكلمات والخطابات التي قالها وكتبها في حياته لرسم سياسة المملكة ومنهجها، ومخاطبة المواطنين والرؤساء والملوك، حيث نستعين بها لإلقاء الضوء على جوانب شخصيته الدينية، فمن أولى المزايا التي تميز الملك عبد العزيز ما كان يتمتع به من قوة الإيمان بالله ـ تعالى ـ، حيث ظهر حرص الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ على الالتزام بالشريعة الإسلامية في أقواله وأفعاله، وفي نفسه وشخصه، وفي كتاباته وآرائه السياسية وغيرها، حتى أصبح مضرباً للأمثال في العدل والحكم، منصفاً للمظلوم آخذاً الحق له، لا يخشى في الحق لومة لائم، مطبقاً للشريعة الإسلامية بحذافيرها على الصغير والكبير، والغني والفقير، لا فرق عنده بين أحد أفراد أسرته، وبين أحد أفراد الشعب كلهم في الحق سواء، كان ورعاً تقياً، يزرع لآخرته ويتزود لدار البقاء.
والآن إلى توضيح الجانب الديني في أقواله رحمه الله:
__________
(1) سورة النور؛ آية: 55.(40/480)
لقد ذكرت أكثر الكتب التي ترجمت للملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أن دراسته للقرآن الكريم بدأت منذ سن الخامسة، وأنه تمكن من ختم القرآن في عامه الحادي عشر، حيث قرأه كاملاً على الشيخ محمد بن مصيبيح، وكان شغوفاً جداً بالتفسير والعلوم الدينية.
يقول الشيخ سليمان بن سحمان: "علمت من الملك عبد العزيز أنه يحفظ أجزاءً من القرآن الكريم، ويحفظ (الرحبية) في الفرائض، وتعلم (زاد المعاد) في الفقه، ويحفظ من كتب الأحاديث (الأربعين النووية) ، و (بلوغ المرام) ، وكان يحب قراءة (البداية والنهاية) لابن كثير، و (تاريخ الرسل والملوك) للطبري، و (السيرة) لابن هشام، و (المغني) و (الشرح الكبير) و (الإنصاف) ، و (تفسير ابن كثير) ، و (البغوي) ، وكان يحب من الشعر ما تميز بالطابع الإسلامي والنصائح".
ولا شك أن رجلاً بهذه النشأة الدينية في صغره، لحريٌّ به أن يجعل الجانب الديني أهم أهدافه، بل أهم أعمدة حكمه لمملكته، حيث كان منذ الأيام الأولى من حياته حتى نهايتها مسلماً تقياً ورعاً ملتزماً بتعاليم الإسلام السمحة.
فمن جملة أقواله المأثورة ـ رحمه الله ـ والدالة على تمسكه بالعقيدة السلفية قوله: "إنني رجل سلفي وعقيدتي هي السلفية التي أمشي بمقتضاها على الكتاب والسنة ... ، وإنني أودّ أن نفنى أنا وأولادي في سبيل الله، المسلم لا يبيت في فراشه إلا على نية الجهاد".
ومن خطبة له يقول: "أنا مبشر أدعو لدين الإسلام، ولنشره بين الأقوام".
"أنا داعية لعقيدة السلف الصالح، وعقيدة السلف الصالح هي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله وما جاء عن الخلفاء الراشدين، أما ما كان غير موجود فيها، فأرجع بشأنه إلى أقوال الأئمة الأربعة، فآخذ منها ما فيه صلاح المسلمين".
"أنا مسلم وأحب جمع كلمة الإسلام والمسلمين، وليس أحب عندي من أن تجتمع كلمة المسلمين ولو على يد عبد حبشي، وإنني لا أتأخر عن تقديم نفسي وأسرتي ضحية في سبيل ذلك".(40/481)
ومما يؤكد تمسكه بالجانب الديني في أقواله، والتزامه بالإسلام وتعاليمه، قوله: "أما نحن فلا عز لنا إلا بالإسلام، ولا سلاح لنا إلا التمسك به، وإذا حافظنا عليه حافظنا على عزنا وسلاحنا".
ويقول: "ليس لهذا الملك وعظمته عندي من قيمة، وإنما الذي أحبه وأريده هو رضا الله تعالى".
ويروي بعض من ترجم للملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أنه شوهد وهو يتعلق بأستار الكعبة ويدعو الله قائلاً: "اللهم إن كان هذا فيه مصلحة للمسلمين فأبقه لي ولأولادي من بعدي، وإن كان فيه شر للمسلمين فانزعه مني ومن أولادي من بعدي".
ولاشك أن هذا المنطق العظيم لا يصدر إلا عن شخصية إسلامية عظيمة، عمر قلبه بالإيمان والتقى والورع والزهد.
ويقول في موضع آخر: "أنا مسالم ومدافع، أنا مسالم للناس وأحب النصيحة قبل كل شيء، لأن الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
وقد أعلن الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ مراراً على الملأ بأن دستور المملكة العربية السعودية هو تنفيذ ما جاء في الكتاب والسنة، وحرص بنفسه على الوقوف والمتابعة لتنفيذ هذه الأسس، وأقسم على الإخلاص لهذا المبدأ قائلاً: "اللهم إنك تعلم أني أحب من تحب، وأبغض من أبغضت، اللهم إن كنت تعلم أن ما سأقسم عليه اليمين هو عقيدتي التي أعتقد أن تؤيدني وتنصرني، وإن كنت تعلم أن ما أقسم عليه مخالف لما أعتقد، أن تكفي المسلمين سوء هذا العمل".
ومما يؤكد اهتمامه برعيته المبني على إيمانه بالله وتقواه لربه ـ جلّ شأنه ـ قوله: "إنني خادم في هذه البلاد العربية لنصرة هذا الدين، وخادم للرعية، إن الملك لله وحده، وما نحن إلا خدم لرعايانا، فإذا لم ننصف ضعيفهم، ونأخذ على يد ظالمهم، وننصح لهم، ونسهر على مصالحهم، فنكون قد خُنَّا الأمانة المودعة إلينا".
"إننا لا تهمنا الأسماء ولا الألقاب، وإنما يهمنا القيام بحق الواجب لكلمة التوحيد، والنظر في الأمور التي توفر الراحة والاطمئنان لرعايانا".(40/482)
"أوصيكم بالتناصح فيما بينكم، وأوصيكم بالتحاب، وإن بابي مفتوح لكل واحد منكم".
"يعلم الله أن كل جارحة من جوارح الشعب تؤلمني وكل أذى يمسها يؤذيني".
"إن من حقكم علينا النصح لنا، فإذا رأيتم خطأً من موظف، أو تجاوزاً من إنسان، فعليكم برفع ذلك إلينا لننظر فيه، فإذا لم تفعلوا ذلك فقد خنتم أنفسكم ووطنكم وولاتكم".
"إن خدمة الشعب واجبة علينا، لهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا، ونرى أن من لا يخدم شعبه ويخلص له فهو ناقص".
ويقول: "التباعد بين الراعي والرعية يدع مجالاً للنفعيين، فيجعلون الحق باطلاً، ويصورون الباطل حقاً".
"إنني أعتبر كبيركم بمنزلة الوالد، وأوسطكم أخاً، وصغيركم ابناً، فكونوا يداً واحدة، وألفوا بين قلوبكم، لتساعدوني على القيام بالمهمة الملقاة على عاتقنا".
ومن كلماته التي توضح المنهج الذي سار عليه الملك عبد العزيز وانتهجته المملكة العربية السعودية حتى الوقت الراهن، قال حين دخل مكة: "نحن دعاة ولسنا بحكام، دعاة لدين الله، والإخلاص لعبادة الله، ولم نقدم من ديارنا إليكم إلا انتصاراً لدين الله".
ويقول أيضاً: "أنا قوي بالله ـ تعالى ـ ثم بشعبي، وشعبي كلهم كتاب الله في رقابهم، وسيوفهم بأيديهم، يناضلون ويكافحون في سبيل الله، ولستُ أدَّعي أنهم أقوياء بعددهم أو عدّتهم، ولكنهم أقوياء ـ إن شاء الله ـ بإيمانهم".
كما قال ـ رحمه الله ـ في مقدمة خطبة ارتجلها في منى يوم 10 ذي الحجة 1359هـ: “ {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم} ، فإذا أردتم أيها المسلمون النجاح والفلاح في دينكم ودنياكم ومعاشكم، فكونوا مؤمنين غير منافقين، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وكونوا عباد الله إخواناً، واعلموا أن الله يعطي الدنيا للبار والفاجر، ولا يعطي الدين إلا للبار، فأدعوكم جميعاً إلى الإخلاص للدين أولاً، وإلى التآخي والتناصح والجمع بين القلوب ثانياً".(40/483)
ومن أقواله المؤيدة لما سبق في هذا الخصوص: "إننا نعتصم بحبل الله ومن اعتصم بالله فهو حسبه".
ومن أقواله الدالة على ثقته بالله ـ تعالى ـ وإيمانه القوي واطمئنانه لنصر الله تعالى لعباده المؤمنين، قوله: "إذا كنا نعتقد أن النصر وقف على العدد والعدة، فعلينا ألاّ نمضي خطوة واحدة في هذا السبيل، أما إذا كنا نؤمن بأن النصر بيد الله، فيؤتيه من يشاء، فقد وعدنا الله بالنصر في قوله ـ جلّت قدرته ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} فما علينا إلا أن نثق بوعده ونعتمد عليه وحده وحاشا أن يخذلنا أو يتخلى عنا ... ".(40/484)
ومن جملة اهتماماته بالتوحيد الخالص ونبذه للبدع والشركيات والضلالات، والاعتصام بما جاء في كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قوله: "إنني والله لا أحب إلا من أحب الله خالصاً من الشرك والبدع، وأنا والله لا أعمل إلا لأجل ذلك، ولا يهمني أن أكون ملكاً أو فقيراً، ووالله ثم والله إني لأفضل أن أكون على رأس جبل آكل من عشب الأرض وأعبد الله وحده من أن أكون ملكاً على سائر الدنيا وما فيها، إنني أفخر لكل من يخدم الإسلام ويخدم المسلمين وأعتز بهم، بل أخدمهم وأساعدهم وأؤيدهم، وإنني أمقت كل من يحاول الدرس على الدين وعلى المسلمين ولو كان من أسمى الناس مقاماً وأعلاهم مكانة، إنني أدعو المسلمين جميعاً إلى عبادة الله وحده، والرجوع للعمل بما كان عليه السلف الصالح، لأنه لا نجاة للمسلمين إلا بهذا، وأسأل الله ـ تعالى ـ أن يوفقنا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه، إن المسلمين لا يرقون ولا ينهضون بالبهرجة والزخارف، إن سبيل رقي المسلمين هو التوحيد الخالص والخروج من أسر البدع والضلالات، والاعتصام بما جاء في كتاب الله على لسان رسوله الكريم، إن تقدم المسلمين ونهوضهم هو من الأمور التي ما برحنا ندعو إليها ـ إن شاء الله ـ ولا نهوض للمسلمين بغير الرجوع إلى دينهم والتمسك بعقيدتهم الصحيحة والاعتصام بحبل الله، والطريق إلى ذلك واضح لمن أراد سلوكه، وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بالتوحيد الخالي من الشرك والبدع، والعمل بما يأمرنا به الدين، لأنه لا فائدة من قولٍ بلا عمل".
وقوله أيضاً: "نحن دعاة إلى التمسك بالدين الخالي من كل بدعة".(40/485)
ويقول ـ رحمه الله ـ في إحدى خطبه التي ألقاها في القصر الملكي بمكة المكرمة في أول ذي الحجة عام 1347هـ: "إن المسلمين بخير إذا اتفقوا، وعملوا بكتاب الله وسنة رسوله، ليتقدم المسلمون للعمل بذلك، فيتفقون فيما بينهم على العمل بكتاب الله وسنة نبيه وبما جاء فيهما، والدعوة إلى التوحيد الخالص، فإنني حينئذ أتقدم إليهم فأسير وإياهم جنباً إلى جنب في كل عمل يعملونه، وفي كل حركة يقومون بها ... ، والله إنني لا أحب الملك وأبهته ولا أبغي إلا مرضاة الله والدعوة إلى التوحيد ... ، ليتعاهد المسلمون فيما بينهم على التمسك بذلك، وليتفقوا فإنني أسير وقتئذ معهم لا بصفة ملك أو أمير أو زعيم، بل بصفة خادم، أسير معهم أنا وأسرتي وجيشي وبنو قومي، والله على ما أقول شهيد، وهو خير الشاهدين".
ما أروع هذه الكلمات التي تؤكد عظم الإيمان في النفس البشرية، واستحواذ العقيدة الإسلامية على فكره وحياته كلها، بل إن العقيدة كانت القاسم المشترك الأعظم في جميع خطاباته وكلماته وأحاديثه ومواقفه، حيث يقول في ذلك: " ... فعقيدة التوحيد هذه هي التي تنجينا مما نحن فيه من محن ومصائب".
وقد عزا ـ رحمه الله ـ سر فتوحاته وانتصاراته إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مما يؤكد سلامة المنهج وحسن المعتقد، حيث يقول: "لقد خرجت وأنا لا أملك شيئاً من حطام الدنيا ومن القوة البشرية، وقد تألّب عليّ الأعداء، ولكن بفضل الله وقوته تغلبت على أعدائي وفتحت هذه البلاد، ولم يكن عندي من العتاد سوى قوة الإيمان وقوة التوحيد".
وما يُدَلِّل على التزامه بالتوحيد الخالص عقيدة وسلوكاً: أنه كان في إحدى زياراته للخرج في أواخر عام 1363هـ دخل عليه شاعر من أهل نجد، وفي يده قصيدة استأذنه في إلقائها وابتدأ بمطلعها:
أنت آمالنا ومنك الرجاء..
فصاح الملك: "تخسأ، تخسأ، ولمح في المجلس الشيخ حمد الجاسر، فقال له: خذه علّمه التوحيد يابن الجاسر ".(40/486)
فالملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ يدرك أن هذه الألفاظ من معاني توحيد الألوهية، ومن أنواع العبادة التي لا يجوز صرف شيء منها أو نسبته لغير الله تعالى.
ويروي فهد بن محمد الربيعان أن رجلاً قابل الملك عبد العزيز وهو خارج من مسجد العيد، وشرع يمتدحه بكلمات منها:
يا ملك الملوك أنت ملاذنا ويا سيد السادات يا سيد البشر
فغضب الملك عبد العزيز غضباً شديداً، ووقف يؤنب الرجل بقوله: "ملك الملوك هو الله ـ جل جلاله ـ فهو ملاذنا وإليه منقلبنا، وسيد البشر هو: محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، والشرك بالله ظلم عظيم، والكذب والنفاق حرام"، فانصرف الرجل وهو يتصبب عرقاً من الخجل.
وهكذا تكون العقيدة الصحيحة العميقة في نفس الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وعدم تهاونه في ذلك أو تأثره بقول مادح أومداهن، وعدم السكوت على ما يخالف تعاليم الشريعة الإسلامية السمحة أو يقدح في العقيدة، والتنبيه لذلك وأخذ الحيطة والحذر.
وكان دائماً يقول ـ رحمه الله ـ: "أنا شخص ليس يهمني سوى إقامة كلمة التوحيد".
وبهذا الإخلاص لله والنهج السلفي خاض الملك عبد العزيز معركة التجديد والتمدن ببراعة وورع وتقوى لله، وفي هذا الصدد يقول: "إن التمدين الذي فيه حفظ ديننا وأعراضنا وشرفنا مرحباً به وأهلاً، وأما التمدين الذي يؤذينا في أدياننا وأعراضنا وشرفنا، فوالله لن نذعن له، ولن نعمل به، ولو قطعت منا الرقاب".(40/487)
وهذا القول يؤكد بجلاء على ما كان يتمتع به الملك عبد العزيز من نظرة ثاقبة وبعد نظر، حيث أن الأخذ بما هيأ الله ـ تعالى ـ وسخره من الوسائل الحضارية الحديثة، والإفادة بما لدى العالم الآخر من مخترعات وتقنيات، كاستعمال البرق (التلغراف) ، والتلفون، والسيارات، والطائرات، والدراجات، وأمثالها من الوسائل الحضارية، ومن ذلك أنه لما انتشر استعمال المذياع أنشأ محطة للإذاعة اللاسلكية بجدة، لتكون أداة للتوجيه السليم، وإيصال صوت المملكة إلى العالم الخارجي، وكانت الإذاعة قد بدأت ببث برامجها المنتظمة في تمام الساعة الواحدة بعد ظهر يوم الأحد التاسع من ذي الحجة عام 1368هـ، وكانت أول كلمة تذاع من خلالها هي كلمة الملك عبد العزيز، التي ألقاها نيابة عنه سمو الأمير فيصل، وجاء فيها: "أحمد الله الذي جعل هذا البلد الحرام مثابة للناس وأمناً، أحمده وأشكره، والشكر لنعمائه أن يسر للناس حج بيته العتيق، وجعل قلوبهم تهفو إليه، ليشهدوا منافع لهم، وتتآلف قلوبهم بذكر الله في هذه البقاع الطاهرة التي كانت منزلاً للوحي لهدي الناس أجمعين، وأصلي على رسول الله الذي بعثه بالهدى ودين الحق، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نخاطب إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من هذا البلد الحرام في هذا اليوم المبارك، ونتناصح ونتواصى بالبر والتقوى، وندعو الجميع للتمسك بكتاب الله وإخلاص العبادة له".
وكان رحمه الله يقول: "لا مانع من أن نأخذ من غيرنا المفيد، فالحكمة ضالة المؤمن". وهكذا كانت الإذاعة عاملاً مهماً للاتصال بالمسلمين، وتوضيح أمور العقيدة لهم من خلال البرامج الدينية التي كانت تمثل القدر الأكبر من مدة الإرسال، حيث وصلت نسبتها كما يذكر أحد الباحثين إلى 75% من جملة البرامج، بينما كانت النسبة الباقية للأخبار والتحاليل الإخبارية المحلية والعربية والعالمية.(40/488)
وعن مدى تأثير الإذاعة في المجتمع السعودي خاصة وفائدتها المرجوة، يقول الدكتور محمد عوض إبراهيم: "استطاعت ـ أي الإذاعة ـ أن تقف لمظاهر الانحراف والتسيب بالمرصاد، لتواجه السلوكيات الشاذة والبالية باستمرار، وذلك من طريق إذاعة أخبار الحوادث من قتل وسرقة ... الخ، وإقامة الحدود، وتطبيق الشريعة الإسلامية".
وكان يواجه ـ رحمه الله ـ من يعترض عليه في استعمال الوسائل الحديثة كاللاسلكي وغيره، برأي العلماء، حيث طلب منهم أن يوضحوا رأي الإسلام في ذلك، فأفتى العلماء بأنهم لم يجدوا في القرآن أو السنة أو قول أحد العلماء ولا من أخبار العارفين دليلاً على التحريم، وأن من يقول بالتحريم يفتري على الله الكذب ونبرأ إلى الله منه.
وكان يقول دوماً للعلماء: "إياكم أيها العلماء أن تكتموا شيئاً من الحق تبتغون بذلك مرضاة وجهي، فمن كتم أمراً يعتقد أنه يخالف الشرع فعليه من الله اللعنة، ... أظهروا الحق وبينوه وتكلموا بما عندكم ... ".
وكان يقول: "هل هناك أعظم من التمدن الذي ورد في كتاب الله".
وهكذا تتجلى لنا النية الصادقة الخالصة، والغرض النبيل، والعمل الصادق، واليقين بما عند الله ـ تعالى ـ، لذلك أخذ الله بيده ووفقه في جميع أموره وفتوحاته، مصداقاً لقوله ـ تعالى ـ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} .(40/489)
وتقوى الله ـ تعالى ـ لها صلة وثيقة في القول والعمل، وقد اشتهر عن الملك عبد العزيز أنه ملك فعال، ولا شك أن الملك الفعال خير من الملك القوال، وفي ذلك يقول الملك عبد العزيز من مأثور كلماته: "أنا لست من رجال القول الذين يرمون اللفظ بغير حساب، فأنا رجل عملي إذا قلت فعلت، وعيب عليّ في ديني وشرفي أن أقول قولاً لا أتبعه بالعمل، لأن هذا شيء ما اعتدت عليه ولا أحب أن أتعوده أبداً" (1) . ويقول: "إن كل كلام لا يتبعه فعل فهو باطل، ولا صلاح للمسلمين إلا باتحادهم واتفاق الكلمة على توحيد ربهم"، والملك عبد العزيز كثيراً ما يؤكد على الصراحة وارتباطها بالصدق في الشخصية الإسلامية حينما يقول: "يجب على كل إنسان أن يقول ما في ضميره بصراحة تامة، وألاّ يخشى في الحق لومة لائم".
ومما يضاف إلى تلك الكلمات الخالدة العظيمة الدالة على إخلاصه لله وحده، وتمسكه بعقيدته الإسلامية، خطبته الشهيرة عندما دخل مكة المكرمة، حيث كتب إلى جميع الملوك والأمراء المسلمين يخبرهم أنه سوف ينتقل إلى مكة غير باغٍ ولا آثم، ودعاهم إلى إرسال من يمثلوهم في المؤتمر الذي سيعقد في مكة لنشر الإسلام بين الأمم الإسلامية، ففي تلك الخطبة يقول: "إني مسافر إلى حرم الله لبسط أحكام الشريعة وتأييدها، فلن يكون بعد اليوم سلطان إلا الشرع، ويجب أن نطأطىء جميع الرؤوس له، ... ، ثم استطرد قائلاً: "الذي أبغيه من هذه الديار أن نعمل بما في كتاب الله وسنة نبيه في الأمور الأصلية، أما في الأمور الفرعية، فاختلاف الأئمة رحمة".
__________
(1) عبد العزيز شرف: الملك عبد العزيز آل سعود وعبقرية الشخصية الإسلامية (419) .(40/490)
ومن خطبة له بمكة يقول: "أنا بذمتكم وأنتم بذمتي، والدين النصيحة، أنا منكم وأنتم مني، هذه عقيدتنا في الكتب بين أيديكم، فإن كان فيها ما يخالف كتاب الله، فردوه علينا، وما أشكل عليكم منها فسلونا عنه، والحكم بيننا وبينكم في كتاب الله وحده، وما جاء في كتب الحديث والسنة".
ويقول: "ما كنا عرباً إلا بعد ما كنا مسلمين، كنا عبيداً للعجم، ولكن الإسلام جعلنا سادة، ليس لنا فضيلة إلا بالله وطاعته واتباع محمد، ويجب أن نعرف حقيقة ديننا وعربيتنا ولا ننساهما ".
"كل حرية باطلة إلا حرية الإسلام، والإنسان لا ينفع إلا بالدين، ونحن لا نبغي محاربة أوروبا، وإنما نطلب حقوقنا باتحادنا، فنعتصم بالله، والإسلام أكبر وسيلة وأكبر حصن، هو أكبر مزايا الحسب والنسب، فيجب على المسلم محبة دينه وشعبه ووطنه".
وفي خطبة أخرى ارتجالية، كسائر خطبه التي يلقيها، يعلن الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ جملة الخلاف الذي يحمل السلاح من أجله، وصلة ذلك بالعقيدة الإسلامية، حيث يقول: "يقولون أننا لا نصلي على محمد، وأنا نعد الصلاة عليه شرك بالله، نعوذ بالله من ذلك، ويقولون أننا ننكر شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، معاذ الله أن نقول هذا، وإنما نطلب من الله أن يشفع فينا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونقول: اللهم شفع فينا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} ، وندعو الله أن يشفع فينا الولد الصغير، ونقول: اللهم اجعله فرطاً لأبويه، ولا نطلب الشفاعة من الطفل، وأما محبة الأولياء الصالحين فمن ذا الذي يبغضهم؟ ولكن محبتهم الحقيقية هي العمل بما عملوا به واتباع سنتهم في التقوى، هذا الذي نحن عليه، وهذا الذي ندين لله به، فإن كان عندكم ما ينقضه في كتاب أو سنة فأتونا به لنرجع إليه". ثم قال: "أعيذكم بالله من التقية، لا تكتموا علينا شيئاً".(40/491)
وهذا يوضح المعتقد الصحيح والمنهج السليم الذي كان يتجلى في شخص الملك عبد العزيز رحمه الله، حيث كان همه الأوحد إعلاء كلمة الدين وتمسكه به، يقول في ذلك: "كل همي موجهٌ لإعلاء كلمة الدين وإعزاز المسلمين".
وكان يقول في جملة حديث له: " ... آمر بما أمر به الإسلام، ناهٍ عما نهى عنه الإسلام، غير منتصر لآبائي وأجدادي، أو لنعرة جاهلية أو لمذهب من المذاهب غير الكتاب والسنة".
ويقول ـ أيضاً ـ: "إنني ـ إن شاء الله ـ أحب أن يكون دين الله منصوراً، وكلمته هي العليا، ودينه هو الظاهر، وأن الله ـ تعالى ـ يديم علينا وعليكم نعمة التوحيد".
ويدلل على تمسكه بالجانب الديني في حياته كلها قوله: " ... فالحياة التي تسير على أساس الدين هي القوة، أما الحياة التي تسير على غير الدين، فهي كالمطر الذي يقع على السبخة فلا يجدي ولا يثمر".
وكان يدعو ـ رحمه الله ـ في الوقت نفسه إلى الأخذ بأسباب القوة في مختلف الأنشطة والأصعدة، وعدم الركون والاستكانة، فيما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، عملاً بقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} .
وبالتوحيد الخالص أقام هذا الملك ـ موحد هذا الكيان الشامخ ـ ملكه عقيدة وسلوكاً، ففي شهر جمادى الأولى عام 1343هـ اجتمع خمسة عشر من علماء مكة بسبعة من علماء نجد، وأصدر علماء مكة بياناً جاء فيه: "قد حصل الاتفاق بيننا وبين علماء نجد في مسائل أصولية منها:
ـ إن من جعل بينه وبين الله وسائط من خلقه يدعوهم ويرجوهم في جلب نفع أو دفع ضر فهو كافر حلال الدم والمال.
ـ وإن البناء على القبور واتخاذ السرج عليها وإقامة الصلاة فيها بدعة محرمة في الشريعة الإسلامية.
ـ وإن من سأل الله بجاه أحد من خلقه فهو مبتدع مرتكب حراماً".(40/492)
ولا شك أن هذه الأمور المتقدمة تعتبر أساساً مهماً في عقيدة المسلم، يجب أن يلتزم بها، ويبتعد عما يخدش في دينه أو يؤثر في عقيدته، وهكذا يكون ـ أيضاً ـ الحوار البناء الهادف بمباركة وموافقة من الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ حيث إن هذا البيان كان بطلب من أحد علماء الحجاز، فقد قال للملك عبد العزيز: "اجمعنا بعلماء نجد نتباحث وإياهم في الأصول والفروع"، فأجابه الملك: "قريباً تجتمعون".
ومن هنا يتضح لنا أن الملك عبد العزيز كان يركز بقوة على منهج السلف الصالح في العقيدة، وتمسكه بتعاليم القرآن والسنة، وتأييده لعلماء الشرع في هذا الجانب الهام، وكان يقول ـ رحمه الله ـ: "إن أفضل البقاع هي التي يقام فيها شرع الله، وأفضل الناس من اتبع أمر الله".
ومن جملة أقواله ـ أيضاً ـ الدالة على شدة تمسكه بالجانب الديني والتزامه بالمنهج السلفي، خطبته الشهيرة في غرة ذي الحجة 1347هـ عندما خطب الحجيج بمكة، فقال: "يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا الوهابي باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش، نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض، نحن لسنا أصحاب مذهب جديد، أو عقيدة جديدة، ولم يأتِ محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله، وما كان السلف الصالح، ونحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق عندنا بين الأئمة مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا".(40/493)
ومن خطبة له بمكة ـ أيضاً ـ سنة 1352هـ يقول: "هذه عقيدتنا في الكتب التي بين أيديكم، فإن كان فيها ما يخالف كتاب الله، فردونا عنه، والحكم بين وبينكم كتاب الله وما جاء في كتب الحديث والسنة، إننا لم نطع (ابن عبد الوهاب) وغيره إلا فيما أيدوه بقول من كتاب الله وسنة رسوله، وقد جعلنا الله أنا وآبائي وأجدادي مبشرين بالكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح، ومتى وجدنا الدليل القوي في أي مذهب من المذاهب الأربعة، رجعنا إليه وتمسكنا به، وأما إذا لم نجد دليلاً قوياً أخذنا بقول الإمام أحمد، فهذا كتاب "الطحاوية"في العقيدة الذي نقرؤه، وشرحه للأحناف، وهذا تفسير ابن كثير وهو شافعي".
من خلال هذه الخطب يتضح تركيز الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ على منهج السلف الصالح في العقيدة، وما كان عليه الصحابة ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ والتابعون لهم بإحسان، ثم الأئمة الأربعة المقتدى بهم، ويؤكد على جهود الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأن المملكة العربية السعودية مدينة بالفضل بعد الله تعالى لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجهوده المخلصة وتحقيقه لتوحيد الله تعالى في أسمائه وصفاته، وتوحيده في ألوهيته بإفراده العبادة لله وحده لا شريك له، فهو حامل لواء العقيدة السلفية، وما كان لها من آثار عظيمة في العالم الإسلامي، فحريٌّ به أن يوصف بـ: "داعية التوحيد والتجديد في العصر الحديث".(40/494)
هذه هي نماذج فقط من خطب الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وأقواله الدالة على شدة تمسكه بالجانب الديني من خلال تلك الخطب والأقوال المختارة، فقد استطاع بقوة إيمانه بالله، وصفاء عقيدته، ونقاء سريرته، وحسن منهجه ومقصده، أن يتغلب على كل العقبات والصعوبات التي اعترضته في سبيل توحيد الجزيرة العربية، فكان شخصية فذة بكل المعايير والمقاييس، كان ينصح دوماً رعيته بتقوى الله ـ تعالى ـ والإقلاع عن المعاصي والمحافظة على الصلوات في جماعة وأداء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان يحرص على أن يعاهده أتباعه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان كلما سئل عن دستور بلاده، يقول: "دستورنا القرآن الكريم"،فقد أكمل المسيرة التي بناها آباؤه من قبل، وفي ذلك يقول الشيخ الدكتور صالح بن سعد اللحيدان في محاضرة له بعنوان "حقيقة دعوة التوحيد": "إن البدع المفسقة والبدع التي هي فوق ذلك والجهالات التي تسود معظم الجزيرة، ما كانت لتذهب لولا فضل الله ـ تعالى ـ ثم الثمار القوية الجادة التي ظهرت من خلال حكمة وعقل الإمام محمد بن سعود الذي ناصر الحق وحماه ودعا إليه ولم يزل الأمر على هذا ـ بحمد الله ـ حتى تسلم الأمانة الملك عبد العزيز الذي أكمل ما بناه آباؤه بقوة عاقلة حكيمة قلَّ نظيرها، فسعى إلى تشييد العلم وتأصيله بحفظ العلم والعلماء وتقديرهم وحمايتهم بروح الفهم وعمق النظرة وإدراك الواقع، ولم يزل هذا كذلك تترا حتى أصبح الأمر على ما هو عليه من صدق الدعوة وسلامة طريقها ونزاهة هدفها، فلا يحق لمغرض أو حاسد أو جاهل أن يقول غير الحق، فالباطل هو الباطل ترده الفطرة السليمة وحقائق الحال منذ ثلاثمائة عام تقريباً".(40/495)
وهكذا كانت أقوال الملك عبد العزيز دالة ومؤكدة على التزامه بالشريعة الإسلامية وصدق النية والإخلاص لله ـ تعالى ـ في أقواله وأفعاله، ورغم جرأته في الحق وتواضعه الجمّ إلا أنه كان صارماً حازماً في تطبيق حكم الشرع، ضعيفاً أمام خشية الله ـ تعالى ـ والخوف منه، استطاع بعد أن مكنه الله في الأرض أن يقيم حدود الله، وأن يطبق شرعه على الأسس الثابتة المستمدة من الكتاب والسنة، مصداقاً لقوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} . وقوله جلّ شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
وهكذا تكون الشخصية الإسلامية الفذة المتصفة بقوة الإيمان وقوة التوحيد قولاً وعملاً، يؤكد ذلك قوله دائماً: "لقد أعطانا الله من الدنيا الشيء العظيم لا بحولنا ولا بقوتنا وإنما بحول الله وقوته".(40/496)
تابع لجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز وأثره في توحيد البلاد
((الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز من خلال أفعاله ومواقفه ـ رحمه الله ـ))
كان الملك عبد العزيز يتمسك بعقيدة التوحيد قولاً وعملاً، ويدعو إليها، ويقول: "إن كل كلام لا يتبعه فعل فهو باطل"،فكان يبني على هذا الأساس العظيم كل قراراتِه وتصرفاته، حتى وصف بأنه "الإسلامي الداعية للحل الإسلامي".
فالعقيدة إذاً أغلى ما يملك الملك عبد العزيز، وكان يطلب ممن يلي الأمر التزام المنهج نفسه، فقد أوصى رحمه الله ولي عهده، فقال: "تعقد نيتك على ثلاثة أمور:
أولاً: نية صالحة، وعزم على أن تكون حياتك وأن ديدنك إعلاء كلمة التوحيد ونصر دين الله، وينبغي أن تتخذ لنفسك أوقاتاً خاصة لعبادة الله والتضرع بين يديه في أوقات فراغك، تعبّد إلى الله في الرخاء تجده في الشدة، وعليك بالحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثانياً: عليك أن تجدّ وتجتهد في النظر في شؤون الذين سيوليك الله أمرهم بالنصح سراً وعلانية والعدل في المحب والمبغض، وتحكيم الشريعة في الدقيق والجليل، والقيام بخدمتها باطناً وظاهراً، وينبغي ألا تأخذك في الله لومة لائم.
ثالثاً: عليك أن تنظر في أمر المسلمين عامة ... ، أوصيك بعلماء المسلمين خيراً، احرص على توقيرهم ومجالستهم وأخذ نصيحتهم، واحرص على تعليم العلم لأن الناس ليسوا بشيء إلا بالله ثم بالعلم ومعرفة هذه العقيدة، احفظ الله يحفظك".
وهكذا يقترن القول بالفعل في سبيل التوحيد الذي يعتبره الملك عبد العزيز القاعدة الرئيسة في حياة المسلمين، وكان يقظاً لكل لفظ يجرح هذا التوحيد، يتجلى ذلك في قوله: "وكلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، إني والله وبالله وتالله أقدم دمي ودم أولادي، وكل آل سعود فداءً لهذه الكلمة لا أضن بها".(40/497)
وهو في سبيل هذه العقيدة يقف أمام تيارات الوثنية والخرافات الشركية دون مداهنة أو مجاملة، حتى وإن كان في هذه المداهنة كسباً سياسياً، أو مغنماً شعبياً، يوضح ذلك الدكتور عبد الله التركي بقوله في كتابه "الملك عبد العزيز والمملكة المنهج القويم في الفكر والعمل": "عُرف عن كثير من الساسة الذين يهمهم الكسب السياسي ـ فحسب ـ أنهم يجاملون الناس ويداهنون العامة في أمور العقائد، بل إن منهم من يشارك العامة خرافاتها ووثنياتها رغبة في الشعبية وطلباً للتأييد، وكان من مقتضيات المجاراة العرفية في منطق السياسيين الذين يضحون بالعقيدة من أجل أهوائهم السياسية أن يجاري الملك عبد العزيز بعض الأعراف وطوائف من العوام في البدع والخرافات التي تنال من جلال التوحيد، ولكنه لم يفعل لأن التوحيد أغلى وأسمى وأعظم من أي اعتبار آخر".
ومن فرط اهتمامه وإحساسه بمعاني التوحيد، يقظته القوية لأي قول يجرح التوحيد أو يخل بالعقيدة، حيث التقى يوماً بزعيم عربي وفي أثناء الحديث أراد هذا الزعيم التأكيد على مسألة معينة، فقال مخاطباً الملك عبد العزيز: "وحياة رأسك، فرمقه الملك عبد العزيز بنظرة موحدة، وقال له: قل والله".(40/498)
وكان الملك عبد العزيز قد عقد العزم على تطهير الجزيرة العربية من كل عرف فاسد أو تقليد أو عادة أو خرافة تفسد على الناس عقيدتهم، وهذا الفعل لا يستخدمه ولا يقوم به إلا داعية موحد لا يقايض على التوحيد بشيء، ونحن لا نتعجب من ذلك إذا ما وقفنا على الجانب الديني في أفعاله ـ رحمه الله ـ يظهر ذلك في حرصه على القيام بالواجبات الشرعية وسياق برنامجه اليومي، فهو يطبق ما يقول بأفعاله، فهو يحرص على توجيه الناس إلى العقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص لله عز وجل علماً وعملاً، كي يكون قدوة حسنة في أفعاله، ومن هنا يكون تأثيره أكثر، فمن أمثلة جوانبه السلوكية والعملية التي كان لها تأثيرها في نفوس الناس وبالتالي تحقيق القدوة الحسنة حرصه ـ رحمه الله ـ على إقامة الصلاة جماعة في المسجد في أوقاتها، حتى في مباحثاته السياسية مع الأوروبيين كان يتوقف لأداء الصلاة.
ومن آثار تمسكه بالجانب الديني في أفعاله ـ رحمه الله ـ أنه كان يكره الغيبة في مجلسه، ويمنع المغتاب من حضور مجلسه مرة أخرى إن لم يقلع عن ذلك،وهذا يدل على تقواه لله ـ تعالى ـ حيث كان البرنامج اليومي للملك عبد العزيز يبدأ بصلاة الفجر وينتهي بصلاة العشاء وكان يتوقف وقت الصلاة في أسفاره، وكان يصلي زيادة على الفروض السنن الرواتب والنوافل، حيث يقوم كل ليلة في الثلث الأخير من الليل يصلي ويتلو القرآن، أو يقرأ في ورد خاص به إلى أن يؤذن المؤذن فيصلي السنة، ثم يصلي الفجر جماعة، ثم ينام قليلاً، وحينما يستيقظ تعرض عليه الأعمال التي تحتاج إلى سرعة البت، وفي نهاية يومه له مجلس عام يجلس فيه قارئ يقرأ من كتب مختلفة في الحديث والتفسير والسيرة والتاريخ والأدب.(40/499)
وكان بعد أن ينتهي من كل صلاة يدعو الله قائلاً: "رب أجرني من النار"، ويكررها، ثم يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير"، ويكررها، ثم يقول: "رب اغفر لي ولوالدي".
ويروي الزركلي عن أحد المقربين إلى الملك عبد العزيز قوله: أخبرني أحد ضباط القصر الملكي، قال: رأيت الملك عبد العزيز في الهزيع الأخير من الليل عند صلاة الفجر قائماً عند الكعبة ويدعو الله قائلاً: "اللهم إن كان هذا الملك خيراً لي وللمسلمين فأبقه لي ولأولادي، وإن كان فيه شر لي وللمسلمين فانزعه مني ومن أولادي".
ومثل هذا الدعاء لا يأت إلا من رجل متمسك بأمور دينه، عنده قوة إيمان بالله، وحرص على القيام بأمور رعيته وأمته خير قيام، متديناً مستقيماً، ولهذا يروى عن الملك عبد العزيز أنه في اجتماعه المشهور مع الملك (فيصل بن الحسين) ملك العراق عام 1348هـ، اشترط الملك ألا يحضر مجلساً تعزف فيه موسيقى أو يشرب فيه دخان.
وكان ـ رحمه الله ـ حتى في حروبه يلتزم بتقوى الله ـ تعالى ـ فقد عرف عنه أنه لا ينتهي من معركة إلا تضرع إلى الله ـ تعالى ـ بالصلاة والشكر والبكاء، وكان يطلب من جنوده عدم مخالفتهم لتعاليم الإسلام في معاملتهم لأهل البلد الذي تدور فيه رحى الحرب والقتال، فمن ذلك توصيته لجنوده عندما اقترب من أسوار بريدة قائلاً: "إننا هاجمون على البلد فاحذروا أن تؤذوا من لا يعترضكم، أو تسيئوا إليهم بشيء، حاربوا من حاربكم، وسالموا من سالمكم، أما البيوت فلا تدخلوها، والحريم لا يعتدى عليهن، ومن يعتدي عليهن يعتدى عليه"، وتم له فتح بريدة بعد عام 1322هـ ـ 1904م.(40/500)
وكان يحرص على تفقد أولاده في الصلاة، فإذا تخلف أحد أبنائه عن الصلاة أمر بسجنه هو وخدمه فترة من الوقت، ويذكر عبد الحميد الخطيب في كتابه "الإمام العادل"أنه زار مدرسة الأمراء في الرياض سنة 1355هـ، فلاحظ أحد أبناء الملك عبد العزيز الصغار يبكي، فسأله مدير المدرسة عن سبب بكائه، فقال: "إن أخاي أدخله والدي السجن لأنه لم يصل الصبح مع الجماعة".
وكان ـ رحمه الله ـ صارماً حازماً في تطبيق أحكام الشرع، مما يؤكد قوة تمسكه بالجانب الديني في أفعاله ـ رحمه الله ـ دون مجاملة أو مداهنة لأحد، حتى وإن كان المتدخل في الأمر أحد أبنائه، وقد أورد الزركلي قصة ذلك الرجل القاتل الذي التجأ للأمير عبد الله الفيصل الذي حاول التوسط عند الملك ليقبل أهل القتيل الدية، ولكن الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أصر على أن يجعل هذا الأمر بسماح أهل القتيل وتنازلهم عن القصاص بطوعهم واختيارهم ـ ابتغاء الأجر والثواب من الله تعالى ـ فلما حصل التنازل، تنازل هو عن الحق العام، لأنه في يده.
وهكذا نلحظ أن الملك عبد العزيز كان حريصاً على التمسك بالجانب الديني مهما كلفه ذلك من مصاعب وتضحيات، في سبيل رضا الله ـ تعالى ـ وتقواه، وكان يدعو إلى ذلك بقوله وفعله، وقد اقتدى به عدد كبير من دعاة التوحيد في العالم العربي والإسلامي، حيث كانوا يأتون ويجلسون إليه ويأخذون من أقواله ونصائحه، بل تعدى ذلك إلى الدعم المادي والمعنوي لهؤلاء الدعاة لنصرة هذه العقيدة، ومن هؤلاء الدعاة الشيخ محمد رشيد رضا مؤسس مجلة "المنار"التي نشرت مقالات التوحيد ومحاربة الشركيات، والشيخ محمد حامد الفقي، والشيخ محمود الألوسي، وغيرهم.(41/1)
إذاً فالجانب الديني والمتمثل في العقيدة هو أغلى ما يملك الملك عبد العزيز، وأعظم كنز يكتنزه قلبه، فهو يقول: "إن سبيل رقي المسلمين هو التوحيد الخالص والخروج من أسر البدع والضلالات والاعتصام بما جاء في كتاب الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم".
ويقول الدكتور عبد الله التركي: "لما ظهر الملك عبد العزيز بدعوة التوحيد ودين الحق استطاع بعون الله ثم بوسيلة الشوكة والسلطان أن يحمي حمى التوحيد من كل ما يخالفه ويزاحمه من عقائد وعادات وأعراف ومظاهر وأساليب".
ومن جملة أقوال الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أيضاً في هذا الجانب: "توحيدي هذه البلاد إنما جاء بقوة الإيمان وقوة التوحيد، وإن أحب ما عليّ أن تجتمع كلمة المسلمين حول كلمة التوحيد والعمل بما أمر الله به ورسوله".(41/2)
وكان منهج الملك عبد العزيز دائماً المطابقة بين الفكر والإنجاز، والقول والعمل، فكان يحرص ـ رحمه الله ـ على حماية المملكة من أن يتسلل إليها شيء من عقائد الكفار من نصارى ويهود وشيوعيين وغيرهم، يروي محمد ناصر الشتري في كتابه "الدعوة في عهد الملك عبد العزيز"عن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ـ النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام ـ قال: "عينني والدي الملك عبد العزيز أميراً على الرياض، وفي ذات يوم استدعاني على عجل، فحضرتُ مسرعاً، فقال: "أيدخل الشيوعيون بلادي وأنا على قيد الحياة؟! كأنه رأى في المنام أنه يوجد في الرياض شيوعي، قال: فأحضرنا إليه جوازات الأجانب الموجودين في الرياض حيث كانت جوازات الأجانب في ذلك الوقت تبقى عند أمير المنطقة إلى أن يغادر الأجنبي، وكان الأجانب في ذلك الوقت قلة، قال: فلما أحضرنا الجوازات إليه، فنظر في صور أصحابها فأخرج منها جوازاً، وقال: هذا هو، قال الأمير: فبحثنا عنه فوجدناه في أحد أحياء مدينة الرياض وإذا هو شيوعي، كما ذكر الملك عبد العزيز، فرحّل خارج المملكة.
وهذا الموقف يؤكد التزامه ـ رحمه الله ـ بالشريعة الإسلامية، وحماية بلاده من أعداء هذا الدين القويم، وحرصه الشديد في سبيل ذلك.
ومن جملة اهتماماته بالجانب الديني في أفعاله ومواقفه، والدالة على حمايته جانب التوحيد والعقيدة الإسلامية، حرصه الشديد على إزالة جميع مظاهر الشرك، مثل البناء على القبور وتعظيمها مما يؤدي إلى صرف شيء من العبادة لها، ومن ذلك أمره ـ رحمه الله ـ بهدم صنم ذي الخلصة في منطقة "تبالة"قرب بيشة، حيث هدم بواسطة عامل الملك عبد العزيز على تلك الناحية "عبد العزيز ابن إبراهيم"ونكّل بسدنتها وتوعدهم بالقتل إذا عادوا لبنائها.(41/3)
ويجب ـ هنا ـ أن نوضح أنّ ما ذكره "حافظ وهبة"في كتابه "جزيرة العرب في القرن العشرين"أن الملك عبد العزيز هدم بعض المساجد المقامة على القبور مداراة للمتشددين، غير صحيح إطلاقاً، لأن إقامة المساجد على القبور من البدع في الدين التي تجب إزالتها، حيث أن بناء المساجد على القبور يؤدي في الغالب إلى تعظيم صاحب القبر تعظيماً يصل إلى الشرك، ولذلك شددّ النبي صلى الله عليه وسلم في التحذير من ذلك قائلا: "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، وتمسكاً بالقاعدة الأصولية (سد الذرائع) ، ومن مواقفه ـ أيضاً ـ الدالة على فهم الملك عبد العزيز لتعاليم الدين الحنيف، عندما جاء مبعوث البابا في زيارة للملكة وقال للملك عبد العزيز: نريد أن نبني كنيسة في الظهران مقابل أن نعترف بحقوقكم في فلسطين، وأن نساعدكم مادياً ومعنوياً، فغضب الملك عبد العزيز غضباً شديداً وتغيّر حاله من شدة الغضب، ثم قال له: "أما حقوقنا فلسنا بحاجة لاعترافه فيها فنحن في غنى عنه، وأما دعمنا مالياً ومعنوياً فالله لنا، وأما الكنيسة فلا أسمح أنا ومن في صلبي بأن توضع كنيسة في جزيرة العرب"، وكان الذي يقوم بالترجمة بين البابا والملك عبد العزيز، هو عبد العزيز بن معمر، حيث كان يتقن الإنجليزية.
كذلك من مواقفه، حينما توفي الملك جورج الخامس ملك بريطانيا عام 1356هـ،1936م، قامت الدول بتنكيس أعلام بلادها، فرفض الملك عبد العزيز ذلك بشدة قائلاً: "كيف ينكس علم يحمل شهادة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله".(41/4)
كما أمر ـ رحمه الله ـ بمنع دخول الخمر إلى المملكة بأية صفة كانت، وأمر كذلك بمعاقبة من يفعل ذلك سواء من السعوديين أو غيرهم، فإن كان من السعوديين يجلد مائة جلدة ويسجن لمدة عام، وإن كان من غير السعوديين يطرد من البلد فوراً، وهذا الموقف يؤكد إلى أي حد كان رحمه الله متمسكاً بالجانب الديني في أقواله وأفعاله، ويبرهن في الوقت نفسه على أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، ومن هنا كان الملك عبد العزيز يحرص أشد الحرص على أن يكون نظام الحكم في المملكة وفق منهج الإسلام، وفي ذلك يقول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد ـ حفظه الله ـ: "حرص الملك عبد العزيز على إنفاذ منهج الإسلام في الحكم والمجتمع، مهما كانت الصعوبات والتحديات ... ".
ويقول ـ حفظه الله ـ عن والده أيضاً: "يشهد التاريخ أن تطبيق الشريعة الإسلامية كان مبدأً أساسياً في حياته رحمه الله ... ، وبذلك عرفت هذه البلاد تحكيم الشريعة الإسلامية الخالدة في الدقيق والجليل، وأصبحت مثالاً صادقاً في استتباب الأمن والاستقرار".
وكان الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بجانب ما تقدم من مواقف خالدة وعظيمة يحب الصراحة والوضوح وقول الحق، فعندما سأل مرة جلساءه في موسم الحج عن الأسعار وعن أحوال المسلمين، فأخذ الحضور يطمئنون الملك بأن الأوضاع جيدة، والحال ممتازة، لكن أحد الحاضرين، وهو الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار كان صريحاً جريئاً، حيث قال: الحق أن الناس في تعب والأسعار مرتفعة، وقلة من الناس في يسر ورخاء، أما الأكثرية ففي شدة وعسر، فما كان من الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ إلا أن قال له:"بارك الله فيك، أشهد أنك الصادق"، وهذا من باب التناصح في الخير وقول الحق الذي يعتبر من ملامح المنهج القويم الذي كان يسير عليه الملك عبد العزيز، ويدعو إليه.(41/5)
والملك عبد العزيز كان يدرك أهمية الجانب الديني الذي يجب أن تحتله المملكة العربية السعودية، حيث الأماكن المقدسة لدى المسلمين عامة، مما جعلها ذات أهمية استراتيجية من خلال هذا الطابع المميز، الأمر الذي يستوجب بالضرورة أن يكون تطويره لذلك مرتبطاً أساساً بتطوير عملية أداء المسلمين لفريضة الحج وتسهيل أدائهم لهذه الفريضة، ومراقبة ما يجري في موسم الحج، لا سيما الأمور التي لا تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، أو لها مساس بالعقيدة، حيث قام ـ رحمه الله ـ بإلغاء رسوم الحج على الحجاج سنة 1371هـ، وكان لهذا القرار صداه وأثره في العالم الإسلامي آنذاك، كما قام بإنشاء مصنع كسوة الكعبة المشرفة عام 1346هـ.
وكان الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ يدعو إلى العقيدة السلفية عالمياً عن طريق استغلال مواسم الحج في الدعوة وإيصال العقيدة الخالية من كل الشوائب إلى البلدان المختلفة عن طريق الدعوة ونشر الكتب الإسلامية وتوزيعها على البلدان الإسلامية مجاناً، وكانت له مأدبة كبرى يلتقي فيها بعلماء الدول والحجاج يتبادلون من خلالها الأحاديث المتعلقة في العقيدة والعبادة، ويدعوهم فيها إلى إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ ومن جملة ذلك خطبته ـ رحمه الله ـ في جموع المسلمين من حجاج بيت الله الحرام، حيث قال: "المسلم لا يكون إسلامه صحيحاً إلا إذا أخلص العبادة لله وحده، يجب أن يتدبر المسلمون معنى "لا إله إلا الله"يجب على الإنسان ألا يشرك مع الله في عبادته نبياً مرسلاً ولا ملكاً مقرباً، يجب أن يتبع المسلمون القول بالعمل، أما القول المجرد فلا يفيد، ما فائدة رجل يقول: "لا إله إلا الله"ولكن يشرك ما دون الله في عبادته، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) .إن الإشراك مع عبادة الله كفر، وليس بعد الكفر ذنب، إن دين الله ظاهر كالشمس لا لبس فيه ولا تعقيد".
__________
(1) سورة النساء؛ آية:48.(41/6)
ثم ختم ذلك بقوله: "إن من أعظم الأوامر توحيد الله ـ جل وعلا ـ توحيداً منزهاً عن الشرك".
وفي هذه الخطبة يتجلى بوضوح المنهج القويم القائم على التوحيد الخالص والتحذير من الشرك، والذي كان ينتهجه الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ ويدعو إليه، بل يعتبره نوره الذي يمشي به، ويدعو سائر الأمة إليه.
ومن مواقفه العظيمة في مواسم الحج، والدالة على تمسكه بالجانب الديني في أفعاله، وعدم مداهنته لأحد في أمور العقيدة، مهما كان وزنه، منعه ـ رحمه الله ـ للمحمل المصري من المجيء إلى مكة، وذلك بعد حج عام 1344هـ، حيث كان المحمل يأتي على جمل يتهادى بين الجموع، تحيط به موسيقاه وعساكره ودباباته، فتصايح الناس: "الصنم، الصنم"وتهافتوا يرشقونه بالحجارة وهم بملابس الإحرام، وكاد ينشب القتال بين الجانبين، لولا توسط الملك عبد العزيز بين الجموع، فانكف الناس، وهدأ الوضع، وأمر الملك عبد العزيز بحجز المحمل عن الأنظار، وأصدر أمراً بمنع مجيء المحمل إلى الحج مرة أخرى، الأمر الذي أدى إلى تكدر العلاقات بين مصر والمملكة فترة من الزمن، لا سيما في عهد الملك فؤاد، وبعد أن تولى الحكم ابنه الملك فاروق سنة 1355هـ، تحسنت العلاقات، واستمر منع المحمل المصري من المجيء للحج، لأنه بدعة في الدين، لم يكن في عهد النبوة ولا الصحابة والتابعين، ولا الدولتين الأموية والعباسية.(41/7)
وهذا موقف عظيم للملك عبد العزيز يدل على اهتمامه بتصحيح العقيدة وحرصه الشديد على تأصيلها في نفوس المسلمين مهما كلفه ذلك من تضحيات، حيث أن الملك فؤاد عندما علم بذلك أمر بمنع إرسال كسوة الكعبة وأوقاف الحرمين في الديار المصرية،رغم حاجة المملكة المادية في ذلك الوقت، ولكن في سبيل العقيدة الإسلامية والذب عنها يهون لدى الملك عبد العزيز كل غالٍ وعزيز، ومن كان مع الله ـ تعالى ـ بصدق نية وحسن معتقد، فالله ـ عز وجل ـ كفيل بنصرته ورزقه والتمكين له، وهذا ما حصل للملك عبد العزيز بتوفيق الله تعالى وتأييده له، وهو في نفس الوقت امتحان وابتلاء للمؤمنين الصادقين، فليس لدى الملك عبد العزيز أعظم من إقامة كلمة التوحيد، والتمسك بالدين الخالي من كل بدعة، كما حصل في موقفه من المحمل المصري الآنف الذكر، والله يؤيد بنصره من يشاء.
يقول الملك عبد العزيز مؤكداً ما ذكرناه ومطبقاً له: "إن أساس التشريع والأحكام لا يكون إلا في كتاب الله، ومما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم، أو ما أقره علماء الإسلام عن طريق القياس أو أجمعوا عليه مما ليس في كتاب أو سنة".
وهذا ما فعله رحمه الله في قضية المحمل، حيث دعا إلى تحكيم الشرع فيه، من خلال حديث أدلى به لصحفي مصري سنة 1354هـ، جاء فيه قوله: "لا خلاف بيني وبين مصر، وأمر المحمل متروك إلى الدين وإلى حكام الشرع، في مصر علماء علينا أن نستفتيهم، وأنا معهم فيما يأتون به من الكتاب أوالسنة، أبلغ مصر عني أن حكومتي على استعداد لكل تساهل تطلبه الحكومة المصرية يتفق مع الشرع".
فمرد الأمور جميعها لدى الملك عبد العزيز إلى أحكام الشريعة الصالحة لكل زمان ومكان. وهو إلى جانب صلته بالله ـ تعالى ـ وخوفه منه، له صلة به تعالى لا حدود لها، لأنه كان منذ نشأته، وفي جميع أدوار حياته قد لازم طاعة ربه عز وجل.(41/8)
ومن مواقفه ـ أيضاً ـ في مواسم الحج وحرصه ـ رحمه الله ـ في سبيل إعلاء كلمة الدين، وجهوده في تأصيل العقيدة الإسلامية عالمياً، مخاطبته لحجاج الهند، حيث قال ـ بعد أن حمد الله وأثنى عليه ـ: "إن أول ما يلزمنا من الإسلام هو كلمة الشهادتين، ومعنى الشهادة "لا إله إلا الله"إنها تفيد إثبات وحدانية الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا يوجد إنسان غير مذنب لأن العصمة لله وحده، ولكن الذنوب على درجات منها ما لا يمكن معه صفح أو غفران، وهو الشرك بالله"، وهكذا نرى أن جهاد الملك عبد العزيز كان يرتكز أولاً على تحقيق التوحيد، لأنه كان رجلاً موحداً مخلصاً ملتزماً بمنهج السلف الصالح في توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، لا يدعو غير الله، ولا يسأل غير الله، ولا يشرع ما لم يأذن به الله.
ومن جملة جهوده ـ رحمه الله ـ في مجال الاهتمام بالعقيدة الإسلامية وتصحيحها عالمياً إضافة إلى ما تقدم، هو اجتهاده الكبير في إخراج المؤلفات القيمة التي تهتم بنشر العقيدة السلفية الخالصة من أدران الشرك، مثل كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية، وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وغيرها، وإيصالها إلى أيدي الناس وطلبة العلم في البلدان المختلفة، وقد قاربت الكتب التي طبعت على نفقته المائة كتاب على اختلاف أحجامها، وطبع بعضها في مصر والشام والهند.
وكان ـ رحمه الله ـ لا يألو جهداً في تقديم الدعم المادي لجهود بعض العلماء العلمية وتأييده وتشجيعه لذلك، ومن هؤلاء فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ المفتي العام للمملكة العربية السعودية حالياً ـ والشيخ عبد الله القرعاوي ـ رحمه الله ـ في جنوب المملكة، ودعوته الإصلاحية فيها، وكان الملك عبد العزيز يحرص على تشجيع طلبة العلم ودعمهم، لا سيما بعد ظهور التعليم الحديث في المملكة وتطوره.(41/9)
وكان يتابع ـ رحمه الله ـ كل اتجاه إسلامي صحيح، في أنحاء العالم الإسلامي، ويقدره ويشجعه، ومن ذلك الأزهر في مصر، حيث كان ينصح الملك فاروق بقوله: "قوتان في مصر يجب أن تكسبهما: الأزهر والجيش، وأنت لا تستطيع قهرهما ولا الحكم بدونهما، فاحرص على كسبهما". وهذا يدل على محبته للمسلمين في كل مكان ومناصحته لهم فيما يخدم مصلحة الإسلام والمسلمين، ويعلي كلمة الله في الأرض.
وكان ـ رحمه الله ـ رغم انشغاله بهموم المسلمين ومتابعته لأحوالهم ومناصحته لهم لم يغفل عن الأوضاع الداخلية في المملكة، لا سيما ما يتعلق بالأمور الدينية والعقيدة الإسلامية، فقد اهتم بهذا الجانب كثيراً، فأنشأ ما يسمى بـ "مشروع الهجر"وهو توطين البادية وتحضيرهم، فقد كان لمعيشة الملك عبد العزيز فترة من الزمن في البادية بعد سقوط الدولة السعودية الثانية أثره الكبير في معرفة مشكلات البدو، وبالتالي كان يدرك خطر جهلهم بالدين والعقيدة لاسيما فيما يتعلق ببعض العادات والتقاليد التي تتنافى مع الشرع، لذلك كان في طليعة أهدافه وتطلعاته أن يجمع شمل هذه القبائل، فأسس لها هذا المشروع العظيم، بعد أن شخص الداء وعرف الدواء، ولا شك أن لمشروع الهجر أهداف متنوعة، سواء كانت دينية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو عسكرية أو اقتصادية.(41/10)
ولكن الهدف الديني يبدو أنه كان ضمن أهم العوامل التي كان يهدف إليها الملك عبد العزيز من هذا المشروع حيث يتمثل في تآخي هذه القبائل مع بعضها البعض تحت رابطة الإيمان والأخوة الإسلامية وتعليمهم مبادئ الدين الإسلامي الحنيف على الوجه الصحيح المستمد من كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لأن الملك عبد العزيز كان على يقين تام بأن البادية لن تستقيم أحوالها إلا بالاستقرار وتقويم ما اعوج من عادات وتقاليد لا تمتّ إلى الإسلام بصلة، فكان أن قام بهذا المشروع الذي أطلق عليه اسم (الهجر) لكونها ترتبط دينياً واجتماعياً وحضارياً بمفهوم الانتقال من حال إلى حال، وكانت أولى هذه الهجر "الأرطاوية"وهي هجرة كبيرة تقع بالقرب من المجمعة، وخُصِّصت لمطير، وتضم أيضاً عشيرة العريمات، ثم كانت هجرة الغطغط لعتيبة، ودخنة لحرب، ولينة لعشائر شمر، وغيرها، ثم توالى بعد ذلك إنشاء الهجر لتصل إلى أكثر من 122 هجرة.
وفكرة إنشاء الهجر فكرة جديدة لم يسبق أحد بها الملك عبد العزيز، وهي خطوة جريئة لم يسبق لها من قبل، فأصلح أحوالهم وأكرمهم، فاستقامت أمورهم، وأمر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بحفر الآبار لهم، ووفر لهم آلات الفلاحة والزراعة، وجعل لقبائل البادية سجلاً في ديوانه، وسهل لكل منها سبل الاتصال به وبأمراء المقاطعات، ثم تعددت الأعمال التي يزاولها أهل الهجر إذ شملت الزراعة والصناعة والتجارة والرعي والوظائف الحكومية، بعد أن كان ليس لهم مورد سوى طريق الرعي فقط.(41/11)
والذي يهمنا هنا في موضوع "الهجر" وتوطين البادية، ما يتعلق في البحث، وهو الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز، حيث يتجلى ذلك في أن حياة البدو والغزو والسلب والتفرق وسفك الدماء والعادات المخالفة، لا تقوم معها حياة دينية ولا دنيوية مستقرة، فأخذ الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ يسكنهم هذه الهجر ويشجعهم على التعليم الديني وتلقي علوم دينهم، والتعمق في فهم العقيدة السلفية وأصولها، ومختصرات الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ذلك على أيدي المشايخ والدعاة وأئمة المساجد وطلبة العلم الذين كان يبعثهم الملك عبد العزيز إلى تلك الهجر، يعلمونهم الدين، ويعمقون في أنفسهم التوحيد وفرائضه، وما أوجبه الله وما حرمه، فاستجاب البادية لدعوتهم، وأصبحت الهجر منطلقاً للتوحيد وموطناً للتحضر، ونجح العلماء في إعادة نور التوحيد من جديد لهذه الهجر، فأثمر هذا النجاح عن وحدة قوية بين القبائل على أساس عقيدة التوحيد، وتسموا بالإخوان دلالة على رفع الفروق بينهم وصيرورتهم إخواناً في الله، وأصبحوا جنوداً مهيئين دائماً لخوض ساحات الوغى والقتال في سبيل رفع راية التوحيد، يسيرون بأمر قائدهم العظيم الملك عبد العزيز آل سعود في أي وقت شاء، واتخذوا كلمة (أنا أخو من طاع الله) شعاراً لهم،ولا شك أن هذا العمل العظيم الذي قام به الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ يدل دلالة أكيدة على شدة تمسكه بالجانب الديني واهتمامه بشؤون رعيته الحاضرة والبادية قريبهم وبعيدهم، وهذا يؤكد ما أشرنا إليه سابقاً، وهو أن شخصية الملك عبد العزيز كانت محبة للتوحيد متمسكة به، ولها أثرها في الناس، وليس أدل على ذلك بأن تجسدت هذه العقيدة في جميع إنجازاته، وخاصة ذلك المجهود العظيم الذي تجلى في ترسيخ العقيدة الصحيحة بين أهل البادية، حتى ذكر غير واحد من مؤرخي الغرب أن عملية توطين البادية التي جرت في صدر العهد السعودي تعد أكبر عملية توطين منظم في تاريخ البشرية. والفضل(41/12)
ما شهدت به الأعداء.
وفي هذا الصدد يقول حافظ وهبه: "إن من أعظم المشروعات الإصلاحية التي قام بها الملك عبد العزيز: مشروع تحضير البادية وإقطاعهم الأراضي للسكنى والزراعة، وتعليم المبادئ الدينية ومكارم الأخلاق". ولا شك أنه حصل نجاح عظيم لإصلاحات الملك عبد العزيز وإقبال على دين الله خاصة من البدو الرحل، فقد أقبلوا على الهجر يبنونها بمساعدة الملك عبد العزيز، ويبني لهم المساجد، ويبعث إليهم المشايخ والأئمة وطلبة العلم يعلمونهم دين الله الذي جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى تم تهجيرهم وأقبل الناس على بناء حضارة إسلامية، وأغدق الله عليهم من نعمه الكثيرة في الدين والدنيا، والعلم والقراءة، والأمن والاستقرار، وما لا يحصى من النعم".
وكان من نتيجة توطين البادية ومشروع الهجر، وتأصيل العقيدة الإسلامية والتوحيد الخالص في نفوس أبناء القبائل التي كانت متعادية متناحرة، ما ذكره الزركلي بقوله: " ... وكانت النتيجة ما نراه، يسير الأعزل المنفرد راكباً أو راجلاً يحمل الذهب والفضة والقراطيس المالية، فيطوف شبه الجزيرة، سهولها وحزونها، وعامرها وغامرها، فلا يعترضه من أهلها معترض ولا يخاف صولة طامع أو وثبة لص".
وهذا من فضل الله تعالى لعباده المؤمنين الصادقين الذين يعبدونه ولا يشركون به شيئاً، وتوفيقه جلت قدرته للملك عبد العزيز عندما أعانه ووفقه لمثل هذا المشروع العظيم فأحيى السنة المحمدية وقمع البدعة المحدثة.(41/13)
والآن ننتقل إلى جانب من الجوانب الدينية الهامة، وقد أولاه الملك عبد العزيز اهتماماً كبيراً، كيف لا، وهو يمثل ركيزة هامة من ركائز الدين الإسلامي، بل إن الله ـ تعالى ـ امتنّ على هذه الأمة الإسلامية به، وجعله من خصائصها، ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول الله تعالى في محكم كتابه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (1) . ويقول جلّ شأنه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2) . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (3) . والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، الأمر الذي يؤكد على أهميته ومكانته في الدين.
__________
(1) سورة آل عمران؛ آية:110.
(2) سورة آل عمران؛ آية:104.
(3) الحديث صحيح، رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان [صحيح مسلم بشرح النووي (2/21ـ25) ] .(41/14)
وقد عُرف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قديماً في التاريخ الإسلامي باسم "الحسبة"، وقد أولاه الملك عبد العزيز جُلَّ جهد واهتمامه ـ كما أسلفت ـ فيذكر المؤرخون الذين كتبوا عن الحسبة في الدولة السعودية أن تأسيس أول هيئة رسمية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تم في عصر الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ، فاختار نخبة من العلماء الأفاضل لهذا الرسالة السامية، فأمروا بالمعروف ودعوا إلى الخير والصلاح والفضيلة بالوعظ والإرشاد، وجعل مهمتها تتبع الأمور من جهة المعاملات والعادات، فما وافق الشرع أقروه، وما خالفه أزالوه ومنعوه، وحث الناس على أداء الصلوات الخمس جماعة في المسجد، ومراقبة المساجد من جهة الأئمة والمؤذنين ومواظبتهم وحضور الناس بها، ومنع البذاءة اللسانية، والضرب بيد من حديد على يد كل فاجر وفاسق ومكابر، وغير ذلك من دواعي الإصلاح.(41/15)
ولا شك أن الدولة تمنح رجالها حق السلطة التنفيذية في حدود معينة كي يتمكنوا من حمل الناس على الالتزام بأوامر الشرع والوقوف عند نواهيه، وعندما فتح الملك عبد العزيز الرياض سنة 1319هـ كان العلماء يقومون بواجبهم في الاحتساب على مستوى فردي تطوعاً لله ـ عزوجل ـ ومن أولئك الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ (ت:1354هـ) ، وكان رجلاً مهيب الجانب، ثم بعد أن استقرت الأمور نسبياً واتسعت نظم الحكم كلف الملك عبد العزيز الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ليقوم على ولاية الاحتساب، وزوده بأعضاء يساعدونه في مهمته منهم: الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ، والشيخ عبد الرحمن بن إسحاق آل الشيخ، والشيخ عبد اللطيف ابن إبراهيم آل الشيخ، ثم اتسع نطاق الحسبة ليشمل تولي أمورها في المنطقة الوسطى والشرقية والحدود الشمالية، واستكمالاً للمسيرة في حقل الإصلاح الديني أصدر الملك عبد العزيز أمراً بعد دخوله للحجاز بتأسيس أول هيئة رسمية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحجاز بعد مكاتبات تمت بينه وبين رئيس القضاة في إقليم الحجاز الشيخ "عبد الله بن بليهد"الذي كلف باختيار رئيس الهيئة والمعاونين، وقد تشكلت الهيئة من علماء مكة ونجد برئاسة الشيخ "عبد الله الشيبي"ومعه ثمانية أعضاء من أهل مكة وأربعة أعضاء من أهل نجد، وهذا يدل على أن الملك عبد العزيز رأى في تكوين هذه الهيئة أن تكون من مقومات الوحدة والاستقرار الفكري للدولة، وكان الأساس في إنشاء هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مراقبة تنفيذ أحكام الشرع وإقامة الشعائر، وحث الناس على الطاعة وأداء الصلوات الخمس جماعة، وأن تتخذ في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جميع الوسائل الموصلة إلى ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، وإذا أعياها أمر من الأمور رفعت مذكرة إلى ولي الأمر لإجراء اللازم.(41/16)
وهكذا عمم الملك عبد العزيز نظام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليشمل جميع مناطق المملكة وفي كل مدينة منها، وقد كان للعمل الذي بذلته ـ ولا تزال تبذله ـ هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأثر الحسن المحمود في إصلاح المجتمع وحماية الأخلاق والقضاء على الفساد بصوره المختلفة، بتأييدٍ ودعمٍ من الدولة، فَسَادَ الأمن والطمأنينة أنحاء المملكة، حيث كان القائمون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينتشرون أيام الملك عبد العزيز في جميع أنحاء البلاد يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويرشدون الناس إلى الخير، وإلى أداء الصلاة في مواعيدها المحددة في المساجد، فيطوفون بالأسواق، وإذا ما أُذِّنَ للصلاة في أي وقت من أوقاتها أخذوا يرددون "الصلاة الصلاة"ـ كما هو الحال الآن ولله الحمد ـ.
ثم شمل عملهم نواحي أخرى غير الصلاة، فكانوا يراقبون الموازين والمكاييل في الأسواق، وكذلك مراقبة أي مخالف للنظم الدينية في الطرق العامة.
ومن هنا أصبحت هناك هيئة يقوم هدفها الأساسي على غرس القيم الشرعية ومقاومات المخالفات، وتحويل الدعوة من نماذج فردية متناثرة إلى نظام عام يسود المجتمع ويقف صامداً في وجه عوامل الهدم بالوسائل العلمية والجهود المؤثرة والتعاون المخلص لتحقيق الهدف المنشود المؤدي إلى الخير والفلاح.(41/17)
ويحسن بنا أن نختم في هذا الصدد بكلمة العقيد "جميل محمد الميمان"حول هذا الجانب الهام وهو الرجل الذي عمل في مجال الأمن في المملكة فترة من الزمن ولذا فحديثه عن تجربة قريبة وبالتالي يؤخذ في الاعتبار، وهذا نص حديثه: "بصفتي أحد رجال الأمن في المملكة العربية السعودية أسجل هنا بكل صراحة كلمة حق هي أنه لولا وجود هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقيامها بواجبها ورسالتها السامية دون كلل أو ملل بتأييد من الحكومة لكانت المجتمعات السعودية في وضع مخل أخلاقياً ولما أمن المواطن على عرضه، وهي بما تقوم به من أعمال جليلة هادفة إلى الخير والإصلاح ومحاربة الرذيلة بصورها المختلفة ... ،لا يسعني إلا أن أتوجه بالدعاء إلى الله بطلب الرحمة والغفران لمؤسس الدولة السعودية الملك عبد العزيز الذي أمر بإنشاء هذه الهيئات".
وهذه الشهادة من أحد رجال الأمن تعد من مآثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي لا تزال ـ ولله الحمد ـ تؤدي رسالتها على الوجه الأكمل بدعم وتأييد من ولاة الأمر في هذه المملكة التي تطبق أحكام الشريعة الإسلامية وتدعم العقيدة السلفية، وهذا من فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.(41/18)
ولا يفوتنا في هذا المقام، ونحن نتحدث عن الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز من خلال أفعاله ومواقفه، أن نعرّج على عدل الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ لارتباطه الوثيق بجملة أفعاله ومواقفه، فقد كان الملك عبد العزيز ملكاً عادلاً يكره الظلم ويقاومه بكل السبل، وقد نعمت المملكة العربية السعودية بالتمسك بالشريعة الإسلامية قولاً وعملاً، وتطبيق الحدود الشرعية في أرضها وعلى شعبها بكل دقة، الأمر الذي جعل الأمن والاستقرار والرخاء هو السمة المميزة لهذه البلاد ـ بفضل الله وتوفيقه ـ لذلك نجد أن الفرق كبير والبون شاسع عندما نقارن الوضع الأمني في المملكة مع أقوى الدول في العالم وأعظمها تطوراً وصناعة واقتصاداً، وفي هذا الصدد يقول صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني: "إن هذه البلاد ولله الحمد تستمد دستورها وقيمها من كتاب الله وسنة رسوله، وتحافظ على عقيدتها الإسلامية التي لولاها لكنا مثل غيرنا في المسلك والهوى، فيجب علينا شكر الله على نعمه الجزيلة، وأولها نعمة الإسلام والأمن والاستقرار التي نعيش فيها، فما دمنا متمسكين بعقيدتنا الإسلامية، فلن نضيع بإذن الله".(41/19)
ومع شدة تمسك حكومة المملكة العربية السعودية بتطبيق حدود الشريعة الإسلامية ماضياً وحاضراً ـ ولله الحمد ـ إلا أنها دائماً ما تتعرض، ولا تزال تتعرض لحملات النيل والتشويه والهجوم الشرس من بعض المنظمات والهيئات التي تدعي وتتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان، وقد ذكر صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، "أن المملكة مستهدفة من الأعداء لأنها متمسكة بالشريعة الإسلامية التي هي دستورنا الحقيقي الذي نحكم به من خلال كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا من فضل الله على هذا الشعب وعلى قيادة هذا البلد، لهذا نحن نحارب ـ والحديث لا يزال لسمو الأمير نايف ـ من وسائل إعلام الأعداء بكل الوسائل".
ومع كل تلك الحملات والادعاءات بقيت ـ ولله الحمد ـ المملكة العربية السعودية هي قدوة المسلمين في هذا الجانب، تحاول أن تحذوَ حذوها الدول الإسلامية الأخرى وتستفيد من منهجها العظيم المستمد من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والذي كان يحرص الملك عبد العزيز من خلاله على تطبيق أحكام الشريعة على الجميع، لا فرق بين كبير وصغير، وغني وفقير، فلم يسمع بتميز شخص عن آخر أمام حدود الله، وهو القائل: "إن التفاضل لا يكون إلا بالتقوى، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، كلكم لآدم وآدم من تراب".
ومن الأمثلة الدالة على عدل الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وأن الجميع أمام الشريعة سواء، أن أحد أفراد أسرته ضرب أحد الجنود فاستدعاه في الحال وانهال عليه ضرباً ليشعره بأن الجميع سواء في الحقوق والمعاملات، لافرق بين جندي وأمير، صغير وكبير.(41/20)
والملك عبد العزيز لم يكن يعتمد في تثبيت الأمن وإقراره في البلاد على قوة الأجهزة الأمنية فقط، ـ بعد الله تعالى ـ بل كان يعتمد على حزمه وصرامته في تطبيق الشريعة الإسلامية والتي كانت تطبق بكل دقة، ثم يصدق الملك عبد العزيز عليها بنفسه، ولذلك اعتبر بعض الباحثين أن من أعمدة شخصية الملك عبد العزيز النزاهة والعدل، لأن تعامله مع كل إنسان بدءاً من البسطاء من الناس إلى الزعماء والملوك الأجانب، كان يتسم بالنزاهة التامة والصراحة الكاملة، وكان أحد الشعارات المؤثرة لديه "لا يدوم الملك بدون عدالة"ولكونه ـ رحمه الله ـ متديناً مستقيماً مطبقاً لأحكام الشرع، لم يقم بأي محاولة لاستثناء نفسه من أحكام الشرع، فكان إذا أقام أي إنسان من رعاياه دعوى ضده، عيّن وكيلاً عنه ليتحاكم معه لدى قاضٍ يثق بحياده، وكان يخضع لحكم الشرع مهما كانت نتيجته.
وهكذا فالعدل أساس الملك ـ كما يعبر أمين الريحاني ـ فهو يقول موضحاً عدل الملك عبد العزيز واستتباب الأمن في بلاده: "إذا كان العدل أساس الملك، فالأمن أول مظهر من مظاهره، بل ما وجدت خارج نجد بلاداً تتمثل فيها هذه الحكمة "العدل أساس الملك"ذاك التمثل الصحيح الشامل، ذاك التمثل المعجب المخيف معاً، عدل ابن سعود كلمة تسمعها في البحر والبر، وما عدل ابن سعود غير الشرع ... ".
ثم أوضح الريحاني أن من يدخّن مثلاً يجلد، وكذلك من لا يصلي، أما أحكام الشرع فمعروفة إلا أنها تُنَفَّذ بلا تردد ولا محاباة، ولا يعرف ابن سعود في سبيل العدل كبيراً أو غنياً، كل الأيدي الأثيمة عند الحاكم سواء، وكل الرؤوس سواء عند السياف.(41/21)
ثم أورد بعض النماذج على تطبيق العدل وحفظ الأمن في عهد الملك عبد العزيز، ومن هنا كانت مقاومة الجريمة في المملكة ناجحة بدرجة كبيرة، ولذا كان المجرم يقبض عليه في وقت قصير جداً من ارتكاب جريمته دون جهد وعناء، وقد قبض أحد خدم الملك عبد العزيز على قاتلين في تثليث في المنطقة الجنوبية واقتادهما على بعير واحد إلى الرياض، الأمر الذي يؤكد ما نقول. ومن مواقفه الدالة على عدله وحزمه في تطبيق أحكام الشرع دون مجاملة أو تمييز، ما حدث في عهده ـ رحمه الله ـ من أن ثلاثة أشخاص من أسرٍ لها وزنها ومكانتها في البلاد اشتركوا في قتل صديق لهم عمداً بعد شربهم الخمر، فأحيلوا إلى المحكمة الشرعية الكبرى فأصدرت حكماً بإعدامهم بعد استيفاء شروط قتلهم، فتدخل أعيان ووجهاء البلاد لإنقاذ حياتهم، والتمسوا من الملك تأجيل تنفيذ حكم فيهم لمدة أسبوع واحد حتى يتسنى لهم بذل الجهود والتوسط لدى أولياء المقتول في سبيل الحصول على تنازلهم عن حقهم الشخصي مقابل أي مبلغ من المال يطلبونه، فما كان منه ـ رحمه الله ـ إلا أن أمر بسرعة تنفيذ حكم القتل في القتلة الثلاثة، ونُفِّذ فيهم الحكم ضرباً بالسيف، وعُلقوا في موضع بارز على واجهة مقر الأمن العام المواجه للحرم المكي الشريف، ولم يأبه بمكانة أهل الجناة ولا بمنزلة أعيان ووجهاء البلاد الذين توسطوا في تأجيل تنفيذ عقوبة القتل، وكان قتلهم بعد ثمانية أيام فقط من الإمساك بهم واعترافهم.
ولاشك فقد كان لتنفيذ حكم القتل في هؤلاء القتلة أعمق الأثر في استتباب الأمن وقمع المجرمين والقضاء على المفسدين، ويؤكد ـ أيضاً ـ تمسك الملك عبد العزيز بالجانب الديني في أفعاله المتمثل في هذه العدالة والمساواة بين الجميع أمام أحكام الشريعة الإسلامية الغراء.(41/22)
وقد بلغ من فرط تعلق الملك عبد العزيز بالعدل وكرهه للظلم وحرصه الشديد على إشاعة العدل بين المواطنين ورغبته في أن تصل إليه شكوى المظلوم في أي منطقة من بلاده الواسعة، أن كتب بلاغاً عاماً للشعب عند دخوله الحرم النبوي الشريف سنة 1372هـ، وعلقه مخاطباً فيه شعبه يقول فيه: "من عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود إلى شعب الجزيرة العربية، على كل فرد من رعيتنا يحس أن ظلماً وقع عليه، أن يتقدم إلينا بالشكوى، وعلى كل من يتقدم بالشكوى أن يبعث بها بطريق البرق أو البريد المجاني على نفقتنا، وعلى كل موظف بالبريد أو البرق أن يتقبل الشكاوى من رعيتنا، ولو كانت موجهة ضد أولادي أوأحفادي أو أهل بيتي، وليعلم كل موظف يحاول أن يثني أحد أفراد الرعية عن شكواه مهما تكن قيمتها أو حاول التأثير عليه ليخفف من لهجتها أننا سنوقع عليه العقاب الشديد، لا أريد في حياتي أن أسمع عن مظلوم ولا أريد أن يحملني الله وزر ظلم أحد، أو عدم نجدة مظلوم أو استخلاص حق مهضوم، ألا قد بلغت، اللهم فاشهد".
فأي عدل هذا الذي يذكرنا ويقربنا من العهود الزاهية من الحكم الإسلامي، وهكذا يقترن القول بالعمل، وله مواقف ومآثر تؤكد ذلك، فهو الذي يقول في إحدى خطبه: "الناس أحرار في مآكلهم ومشاربهم ومرازقهم ونزههم، ومن أُعتدي عليه فليراجعني لأنصفه، ولو جاءني أي إنسان وقال: إن ولدي فيصل أخذ مالي واعتدى عليّ، فإن رآني أنصفته منه علم أني أقول وأصدق في القول، وإن رآني أهملته، وساعدتُ ولدي على ظلمه فعند ذلك يكون له الحق عليّ ... ".(41/23)
وهكذا يكون حمل الأمانة وتحمل المسؤولية التي كان يتمتع بها الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وهذا لا يتأتى إلا من رجل ملأ الإيمان قلبه، وقرن القول بالعمل، ولذا مكّن الله ـ تعالى ـ له في الأرض ونصره ووفقه في جميع أموره، لأنه كان صادقاً مع الله، وما عاهد عليه، ينشد الحق، ويطبق العدل، وينصف المظلوم، وهو القائل: "إن باب العدل مفتوح للجميع على السواء، والناس كلهم كبيرهم وصغيرهم أمامه سواء حتى يبلغ الحق مستقره".
ويقول ـ أيضاً ـ مخاطباً بعض جلسائه: "قد فاتكم أن الراعي مسؤول عن رعيته، وقد فاتكم أن صاحب السيادة لا يستقيم أمره إلا بالعدل والإحسان ... ".
ويوضح الملك عبد العزيز قمة العدل وشموليته بقوله: "إنني مستعد للنظر في كل شكاية موقع عليها بإمضاء صاحبها، ومستعد زيادة على ذلك أن أقابل صاحب الشكاية إذا كانت لديه بيانات شفهية لا يحب كتابتها ... ".
وهكذا يكون القائد الذي يقتدي بهدي القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله وأفعاله، فلم يخرج الملك عبد العزيز عما جاء في القرآن الكريم وهدت إليه السنة، فكانت أعماله تتطابق مع أقواله، ومع ما قاله وحثّ عليه الحكماء والعارفون بعوامل ازدهار الحكم والملك، فالحكماء قالوا: "إمام عادل خير من مطر وابل"فكان ـ رحمه الله ـ مضرب المثل بعدله، في وقتٍ ندر فيه من يحكم بالعدل".
وقال الحكماء ـ أيضاً ـ: "مما يجب على السلطان أن يلتزمه العدل في ظاهر أفعاله لإقامة أمر سلطانه، وفي باطن ضميره لإقامة دينه"، وكان الملك عبد العزيز عادلاً في ظاهره وباطنه، ولم يكن ـ وهو الشجاع ـ ما يظهره غير ما يبطنه، والشجاعة في هذا الميدان أشرف منها في ميدان القتال، فَلِمَ يخفي غير ما يظهر، وهو الواثق من تصرفه؟! .(41/24)
وقفت ذات يوم امرأة مسنة على باب قصره ـ رحمه الله ـ تشكو إليه أمر قضية في ميراث لها، وقالت: ليس لي من يدافع عن حقوقي، فناداها الملك عبد العزيز وأخذ ما بيدها من الأوراق ووعدها بأنه سيكون وكيلاً عنها في الدفاع، وبالفعل نظر في الحجج التي بيدها، وأرسل القضية إلى المحكمة الشرعية، وأخذ يسأل كل يوم عن تلك القضية حتى قررت المحكمة في شأنها، وأبلغ المرأة بالحكم، وأمر بإنفاذه.
هكذا يكون الإمام العادل والحاكم المنصف الذي يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، كان يدرك الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أن هذه الدنيا فانية، وأن المرء لا ينفعه إلا صالح العمل، وصدق النية، والإخلاص لله ـ تعالى ـ في القول والعمل، وكان كذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ.
وكان ـ رحمه الله ـ من شدة تدينه وقوة إيمانه وخوفه من الله ـ تعالى ـ ومراقبته له، يستدين من المواطنين ويوثق هذا الدين ويكتبه، وذلك في بعض أيام العسر التي مرت على هذه البلاد، ولكن الملك عبد العزيز ورجاله ظلوا أقوياء بإيمانهم بالله وثقتهم بنصره ـ تعالى ـ وحسن توكلهم عليه ـ جل شأنه ـ ثم بقوة الإرادة والعزيمة، التي لا تثني الرجال الأقوياء عن تحقيق مآربهم وبلوغ أهدافهم، بعد تأييد الله ـ تعالى ـ وتوفيقه لهم.
ونكتفي بذكر رسالة واحدة تدل على ما ذكرناه آنفاً أوردها الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري، ـ أحد معاصري الملك عبد العزيز ـ تقول الرسالة:
"بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إلى من يراه، السلام وبعد: أخذنا من ناصر ابن حمد بن غيث 1300 ريال وعشرة أريل سلفة، أيضاً أخذنا منه 108 ريالات وخمس ليرات".
(ختم الملك عبد العزيز)(41/25)
ويعلق على هذه الرسالة الشيخ عبد العزيز التويجري بقوله: "هذه وثيقة تشير إلينا وإلى الأجيال الآتية أن هذا هو عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل في عسره ويسره، في عزيمته التي لا تهزم، في ورعه وأمانته على حقوق الناس البسطاء، والسؤال الذي يرد ويجب أن يرد على خاطر كل إنسان: أهذا المبلغ البسيط جداً قد حل مشكلة لعبد العزيز؟ وهل سد عوزاً؟ وهل وهل ... ؟ نطرح الأسئلة ونتركها لمن يستطيع أن يجيب عنها، أترى هذا المبلغ حاجة ليلة واحدة أم ليالٍ؟ الله أعلم، ولكن نقول: رحمك الله يا عبد العزيز، مع هذا كله خرجت من محنك وآلامك وعسرك إلى يسرنا الذي تعيشه بلادنا اليوم رخاءً وأمناً وعدلاً وشريعةً ... ".
ونحن بدورنا نقول: إن من يتق الله ـ تعالى ـ يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ويبدل الله بعد عسره يسراً، وبعد ضيقه فرجاً، وما ذاك إلا من جملة الابتلاءات التي يبتلي الله بها أنبياءه وأولياءه وعباده المتقين.
((الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز المتعلق بعنايته بالعلم وتقديره للعلماء))(41/26)
كان التعليم في بداية عهد الملك عبد العزيز يقوم على نظام التعليم القديم (التقليدي) المعروف بـ "الكتاتيب"ثم حلقات المساجد، ثم الرحلات لطلب العلم، وكانت تلك الكتاتيب منتشرة في شتى مدن وقرى نجد، ولكن التعليم الحديث لم يبدأ إلا بعد ضم الملك عبد العزيز للحجاز سنة 1344هـ، وذلك لوجود بعض المدارس الحكومية والأهلية التي أنشأتها الدولة العثمانية في مكة والمدينة، واهتم الملك عبد العزيز بذلك اهتماماً كبيراً فأصدر أمراً بإنشاء "مديرية المعارف"التي بدأت تزاول نشاطها غرة رمضان سنة 1344هـ، وحتى تكتمل مهام هذه المديرية وتؤدي رسالتها التعليمية على الوجه المطلوب في جميع أرجاء المملكة، أنشئ العديد من الإدارات التعليمية في مختلف المناطق، يتبع كلاً منها عدد من المدارس المتدرجة، وقد شهد النظام التعليمي تطوراً كبيراً في عهد الملك عبد العزيز، فانتشرت المدارس الابتدائية ومدارس محو الأمية، للحد من مشكلة الأمية، ومدارس دور الأيتام، وأنشئت المدارس الأهلية، فظهرت مدرسة الفلاح والنموذجية بجدة، والصولتية والترقي والفخرية بمكة المكرمة، ودار الحديث بالمدينة، ومدرسة الصحراء بالمسيجيد، وغيرها. ثم ظهرت في عهده ـ رحمه الله ـ المعاهد التي كانت النواة الحقيقة لإنشاء جامعات المملكة، ومن هذه المعاهد نذكر: المعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة، وهو يعادل الدراسة الثانوية، ومعاهد المعلمين المتوسطة والعالية، والمعاهد الليلية، ومعهد الرياض العلمي الذي كان نواة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ولا ننسى "دار التوحيد"بالطائف، والتي كان الملك عبد العزيز يهتم شخصياً بها، وقد تخرج في هذه الدار العريقة التي أسسها علامة الشام الشيخ محمد بهجت البيطار، علماء أكفاء، في علوم الدين واللغة العربية، أسند إليهم القضاء في المملكة، ثم أنشئت ـ أيضاً ـ "كلية الشريعة"بمكة المكرمة، ومدرسة تحضير البعثات التي كانت تعد الطلبة وتؤهلهم لمواصلة(41/27)
التعليم في الخارج، وذلك لتسهيل مهمة بعث الطلاب إلى مصر للدراسة في الجامعات المصرية. إلى غير ذلك من الأعمال المجيدة التي قام بها الملك عبد العزيز في إصلاح التعليم ودعم المسيرة التعليمية لنشر العلم والمعرفة، لما لذلك من أثر إيجابي، فهي الأساس والمنطلق الحقيقي لنهضة الأمة، والتصدي للبدع والخرافات، وتنقية العقيدة الإسلامية من الشوائب، والحرص على إقامة التوحيد الخالص لله ـ عز وجل ـ قولاً وعملاً.
وفي هذا المقام يحسن بنا أن نذكر أن الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ لم تشغله حروبه في سبيل توحيد البلاد، وكذلك مختلف الأمور السياسية عن طلب العلم وتشجيعه ودعمه، فقد كان ينتقي عدداً من الكتب لتقرأ عليه في التوحيد والتفسير والحديث والتاريخ وغيرها، مثل كتاب "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد"و "تفسير الطبري"، و"تفسير ابن كثير"، و "مسند الإمام أحمد"و"رياض الصالحين"و"سيرة ابن هشام"و"البداية والنهاية" و"السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية"لشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرها من الكتب التي أثرت ثقافة الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ.
ولمعرفته ـ رحمه الله ـ بأهمية العلم ومكانته وتأثيره وصقله لشخصية المرء وفائدته، حرص على تعليم أبنائه، كي يكون قدوة لهم ولغيرهم، فأنشأ لهم (مدرسة الأمراء) في مدينة الرياض، ولكي يؤكد الاتجاه السلفي في التعليم الحديث أنشأ (دار التوحيد) في الطائف سنة 1364هـ، ـ كما أسلفت ـ ثم استمرت عنايته بالتعليم الحديث حتى قطعت المملكة شوطاً كبيراً في هذا الجانب المهم، ثم أكمل المسيرة أبناؤه البررة، حتى وصل التعليم وتطوره إلى ما نحن عليه اليوم ولله الحمد والمنة.(41/28)
أما عن تقديره ـ رحمه الله ـ للعلماء فقد كانت لهم المكانة المرموقة عنده، حيث كان يكبرهم ويجلهم ويبالغ في إكرامهم ويقدمهم على إخوانه وأبنائه وكبار جلسائه ويصغي إليهم ويأخذ بآرائهم، ويلجأ إليهم في الأمور الدينية والتشريعية التي تحتاج إلى توضيح وتفسير، وكانت مجالسه مجالس علم، له جلسة علم معهم بعد صلاة العشاء في القرآن وتفسيره، وجلسة كل يوم خميس من كل أسبوع، كما كان يلتقي في موسم الحج ببعض علماء البلدان الإسلامية، ويناقش معهم القضايا التي تهم الأمة الإسلامية، ومن أولئك الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الأزهر، والشيخ محمد رشيد رضا، صاحب المنار، والشيخ محمود شكري الألوسي، من العراق، والشيخ محمد الفقي، من مصر، والشيخ بهجة البيطار من الشام، وشكيب إرسلان من لبنان، وغيرهم، كما بثّ الدعاة والمرشدين إلى العالم الإسلامي. وكان يحترم العلماء كثيراً ويوقرهم، ويشعر بهيبة بعضهم منهم، حتى أنه كان يقول: "ما لقيت الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، إلا تصبّب العرق من إبطي" وذلك من هيبة العلم وتوقير العلماء.
وكانت لديه بصيرة علمية، حيث كان يحب الانتفاع بالعلوم الحديثة، فيأخذ من الحضارة والمدنية أفضل ما فيها ليطبقها في بلاده، ويترك منها ما يخالف الإسلام، ومع ذلك يؤمن بأن العلم وحده لا يكفي بدون عمل، ويحسن بنا أن نتمعن في مستهل كلمته التي وجهها إلى خريجي المعهد العلمي السعودي الذين استقبلهم وقال لهم:
"أيها الأبناء، إنكم أول ثمرة من غرسنا الذي غرسنا بالمعهد، فاعرفوا قدر ما تلقيتموه من العلم، واعلموا أن العلم بلا عمل كشجرة بلا ثمر".(41/29)
ومما يُدلل على تمسكه بالجانب الديني في مجال العلم والعلماء، عنايته واهتمامه بطباعة كتب السلف خدمة للدعوة السلفية ونشرها في الأقطار الإسلامية، مما كان له الأثر الكبير في نشر الوعي الإسلامي والثقافة الإسلامية الصحيحة، ولذلك لم يغفل ـ رحمه الله ـ عن تشجيع العلم والعلماء وذلك بطبعه نفائس من كتب العلوم الإسلامية أو شرائها وتوزيعها مجاناً خدمة للعلم وأهله، داخل المملكة وخارجها، وكان سخياً في الإنفاق على هذا العمل الخيري العظيم، لأنه يرجو ما عند الله ـ تعالى ـ من الثواب العظيم والأجر الكبير من خلال نشر وتوزيع هذه الكتب الإسلامية، وأثرها العظيم في تصحيح العقيدة الإسلامية، وترسيخ التوحيد الخالص في نفوس الناس سلوكاً وعملاً.
وكانت هذه الكتب تطبع في الداخل، وبعضها طبع في مصر والشام والهند، لأن المطابع الداخلية لم تفي بطباعة تلك الكتب الكثيرة، حيث لم تكن هناك سوى ثلاث مطابع بمكة، وثلاث أخرى في جدة، ومطبعة واحدة في المدينة اشتُريت من مصر سنة 1355هـ.
والآن نوضح أهم هذه الكتب التي طبعت ووزعت على نفقة الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ: ففي الفقه وأصوله طُبع كتاب "المغني والشرح الكبير"لموفق الدين وشمس الدين ابني قدامة في اثني عشر مجلداً، وقد قال الشيخ محمد رشيد رضا عنه: "إنه إذا يسّر الله ـ تعالى ـ لكتاب المغني من يطبعه فأنا أموت آمناً على الفقه الإسلامي أنه لا يموت".(41/30)
وقد تحققت ـ بحمد الله ـ أمنية الشيخ محمد رشيد رضا، بطبع الملك عبد العزيز لهذا الكتاب وغيرها من الكتب الإسلامية. وطبع كذلك كتاب "روضة الناظر"لابن قدامة، و"كشاف القناع"للبهوتي، و"زاد المستقنع"و"عمدة الفقه"لموفق الدين ابن قدامة، و"مناقب الإمام أحمد"لابن الجوزي، و"العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية"لابن عبد الهادي، وكتاب"التوحيد وإثبات صفة الرب عزوجل"، لابن خزيمة، و"مجموعة التوحيد"للشيخ محمد بن عبد الوهاب وآخرين، و"فتح المجيد شرح كتاب التوحيد"لعبد الرحمن بن حسن، و"مجموعة المتون في الفقه والتوحيد"لبعض علماء نجد، و"الثلاثة الأصول والأربعة القواعد"للشيخ محمد بن عبد الوهاب، و"مجموعة رسائل وفتاوى"لشيخ الإسلام ابن تيمية، و"مجموعة الرسائل والمسائل النجدية"لجماعة من علماء نجد، و"الدرر السنية في الأجوبة النجدية"لجماعة من علماء نجد، وكتاب "التوسل والوسيلة" و"منهاج السنة"وعلى هامشه كتاب "موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول"وهما لابن تيمية، و"شرح العقيدة الطحاوية"و"مناسك الحج على المذاهب الأربعة"لابن حسن وابن مانع، و"تفسير القرآن الكريم"للإمامين ابن كثير والبغوي، و"أوضح البرهان في تفسير أم القرآن" للمعصومي، و"البداية والنهاية"لابن كثير، و"طبقات الحنابلة"لابن أبي يعلى، و"روضة الأفكار تاريخ ابن غنام"، وكتاب "السنة"لعبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل، و"جامع الأصول" لابن الأثير، و"شرح تهذيب سنن أبي داود"لابن القيم، و"معالم السنن"للخطابي، و"مختصر السنن"للمنذري، و"عمدة الأخبار في مدينة المختار"لأحمد بن عبد الحميد العباسي، و"يسر الإسلام" لمحمد رشيد رضا، و "تاريخ القرآن الكريم وغرائب رسمه وحكمه"لمحمد طاهر الكردي، ومن كتب الردود: “الصواعق المرسلة” لابن قيم الجوزية، وكتاب "تأسيس التقديس في كشف تلبيس دواد بن جرجيس” للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن حسن، وكتاب “ الألسنة الحداد في كشف شبهات علوي(41/31)
الحداد"للشيخ سليمان بن سحمان، وغيرها من الكتب الكثيرة التي طبعت على نفقته في الهند ومصر لم يذكر عليها اسمه إلا ما جاء على بعض مطبوعاته في الهند من أنها: "طبعت على نفقة من قصده الثواب من رب الأرباب".
وكانت للملك عبد العزيز مكتبته الخاصة، وهي خير شاهد على ما ذكرناه سابقاً، حيث تعكس مدى اهتمامه بعلوم الدين الإسلامي وكتب العقيدة ودعوته المستمرة للتمسك بمبادئ الشرع والعمل بأحكامه، وتحتوي المكتبة على 1551 مجلداً في شتى فروع العلم والمعرفة، بالإضافة إلى الموسوعات العلمية، وقد لقيت مكتبة الملك عبد العزيز اهتماماً بالغاً، كان لجامعة الملك سعود شرف استلامها، فاهتمت بتجليد مجموعاتها للحفاظ عليها، وعندما أنشئت "دارة الملك عبد العزيز"بالمرسوم الملكي رقم م/45 وتاريخ 5/8/1392هـ، انتقلت المكتبة إلى الدارة، ووضعت بقاعة مستقلة وقد رُتِّبت موضوعاتها واستكملت فهارسها، وتضم المكتبة المكتب الذي أهداه إليه الرئيس الأمريكي ترومان في عام 1370هـ ـ 1950م، رحم الله الملك الصالح المؤسس وجزاه عن خدمته لدينه وأمته خير الجزاء.(41/32)
تابع لجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز وأثره في توحيد البلاد
((الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز المتعلق بسياسته الخارجية))
من المعلوم أن للملك عبد العزيز مواقف وآراء سياسية كثيرة ومؤثرة، ونحن لن نستطيع من خلال هذا البحث أن نستوفي جميع هذه الجوانب السياسية من لقاءات وآراء ومواقف سجلها التاريخ لهذا الرجل العظيم في أقواله وأفعاله ومواقفه، كان لها أبلغ الأثر في التوجهات السياسية، واحترام الآخرين للأمة الإسلامية.
ولكنني من خلال هذه المواقف والآراء والأقوال السياسية، سأقتصر على الجانب الديني المتعلق بآرائه ومواقفه السياسية ـ رحمه الله ـ لصلتها بالبحث.
فالحقيقة أن الملك عبد العزيز كان دائماً ينادي بجمع كلمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وتوحيد صفوفهم وتضامنهم ومؤازرتهم بعضهم لبعض، حتى لا يكون الإسلام عرضة للحاقدين، وأهل الكفر الذين يريدون أن ينالوا منه ومن جميع المسلمين، ولذلك نجد في معظم أقوال وخطب الملك عبد العزيز نداءه الصادر عن إيمانه بالله ـ تعالى ـ وتمسكه بدينه الحنيف، ويحسن بنا أن نأخذ من أقواله التالية ما يؤكد على ما نقول:
يقول الملك عبد العزيز: "إذا أراد المسلمون والعرب قتال أعدائهم، فإن هم أعدوا آلة واحدة من آلات الحرب، أعدّ لهم أعداؤهم مئات وألوفاً، ولكن قوة واحدة إذا أعدها المسلمون لا يمكن أعداؤهم أن يأتوا بمثلها هي إيمانهم بالله وثقتهم به، هذه القوة لا قِبَلَ لأحدٍ بها".(41/33)
ويقول أيضاً: "وكل ما ندعو إليه هو جمع كلمة المسلمين واتفاقهم ليقوموا بواجبهم أمام ربهم وأمام بلادهم، والذي نشهد الله عليه ونحن أوسطكم في الإسلام وأوسطكم في العروبة أننا ما ننام ليلة إلا وأمر المسلمين يهمنا كما يهمنا أمر إخواننا السوريين وإخواننا الفلسطينيين وإخواننا العراقيين، وإخواننا المصريين، تهمنا حالتهم ويهمنا أمرهم، ويزعجنا كل أمر يدخل عليهم منه ذل أو خذلان، كما تهمنا جميع بلاد المسلمين، وإننا نرجو الله أن يوقظ المسلمين من غفلتهم ليتعاضدوا ويتعاونوا".
ويقول في موضع آخر: "إن أحب الأمور إلينا أن يجمع الله كلمة المسلمين".
ولحرصه الشديد على تكاتف المسلمين وتعاضدهم، وأثر ذلك في مواجهة الأعداء يقول ـ رحمه الله ـ: "إذا كان المسلمون والعرب في منعة من التعاضد والتكاتف، فليست هناك قوة في مقدورها مهاجمتهم وإذلالهم".
وكان يحذر دائماً من الأشخاص الذين يسعون في الخفاء لتحقيق أهدافهم الشخصية وأغراضهم السياسية على حساب إلحاق الضرر بالمسلمين والنيل منهم وتفريق كلمتهم، فيقول في هذا الصدد: "إن المسلمين ينقصهم معرفة الزعماء والأشخاص ونفسياتهم، لأن هناك أشخاصاً من المسلمين يتظاهرون بالغيرة والتضحية وهم في حقيقة الأمر على عكس ذلك، يتظاهرون بالغيرة ويسعون في الخفاء لتنفيذ مآربهم الشخصية والتجسس على حال إخوانهم وهذا أمر يؤسف له، لأن الأضرار التي لحقت بالمسلمين والعرب جاءت من هذه الطريقة".
ومن أقواله الدالة على بعد نظره واعتزازه بدينه، وأن لا عز للعرب إلا بالتمسك بهذا الدين العظيم قوله ـ رحمه الله ـ: "ما كنا عرباً إلا بعدما كنا مسلمين، كنا عبيداً للعجم، ولكن الإسلام جعلنا سادة، ليس لنا فضيلة إلا بالله وطاعته، واتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ويجب أن نعرف حقيقة ديننا وعربيتنا ولا ننساهما".(41/34)
ويؤيد ذلك قوله: "أنا مسلم وأحب جمع كلمة الإسلام والمسلمين، وليس أحب عندي من أن تجتمع كلمة المسلمين، ولو على يد عبدٍ حبشي، وإنني لا أتأخر عن تقديم نفسي وأسرتي ضحية في سبيل ذلك".
وقوله كذلك: "أنا عربي وأحب قومي والتآلف بينهم وتوحيد كلمتهم، ولا أتأخر عن القيام بكل ما فيه المصلحة للعرب وما يوحد أشتاتهم ويجمع كلمتهم".
لقد كان للملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ موقف واضح حول التضامن الإسلامي وتوحيد كلمة المسلمين، من خلال أقواله ومواقفه السياسية، والحديث عن التضامن الإسلامي لا ينفك بأي حال من الأحوال عن العقيدة الإسلامية، فهما صنوان متجاوران لا يفصل بينهما فاصل، وهذا ما كان يدركه الملك عبد العزيز تمام الإدراك، فهو لا يجاهد ولا يناضل إلا لإعلاء كلمة الله والذود عن راية التوحيد، وتكشف رسائله إلى الرؤساء العرب واتصالاته برجال المسلمين والعرب عن دعوته للتضامن الإسلامي وحثه على التآخي، محذراً في الوقت نفسه من الأخطار التي تحيط بالأمة الإسلامية، داعياً لهم أن يغيروا ما بأنفسهم حتى يغير الله ـ تعالى ـ حالهم إلى الأحسن، ويؤكد أن المسلمين هم أنفسهم مصدر البلاء الذي أصابهم وليس الأجانب، إذا لم يلتزموا بكتاب الله ـ تعالى ـ وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعدم النظر والحرص على المصالح الخاصة والمنافع الذاتية، ولرفع هذا البلاء يطرح الملك عبد العزيز حَلَّيْن لا ثالث لهما لتحقيق التضامن الإسلامي المنشود، والحلاّن هما: الاعتصام بحبل الله، والأخذ بأسباب القوة في كل شيء، ويوضح ـ رحمه الله ـ ما يهدف إليه بقوله: "ما دمر الدين أكثر من الفتن بين المسلمين، لم يكن ذلك إلا من اختلاف المسلمين وعدم اتفاق كلمتهم، وإذا أعدنا النظر إلى أيام الإسلام الأولى، وما افتتحوا من أقطار، وما كسروا من أصنام، وما نالوا من خير عميم، نجد هذا كله ما حصل إلا باجتماع الكلمة على الدين والإخلاص في العمل والخلوص في النية".(41/35)
"إن أحب الأمور إلينا أن يجمع الله كلمة المسلمين، فيؤلف بين قلوبهم، وأن يجمع كلمة العرب، فيوحد غاياتهم ومقاصدهم، ليسيروا في طريق واحد يوردهم موارد الخير، فإلى مثل هذا التضامن أدعو المسلمين إليه والعمل به".
وكان يحرص ـ رحمه الله ـ على متابعة أوضاع المسلمين، لاسيما الأقليات الإسلامية الموجودة في بعض دول العالم، الأمر الذي يؤكد محبته لإخوانه المسلمين، ومتابعته لأحوالهم النابعة من تمسكه بدينه والقيام بشرائعه، يتجلى ذلك في قوله: "وأما حقوقنا على الدول، ففيما يتعلق بهذه الديار، نطلب منهم أن يسهلوا السبل إلى هذا الديار المقدسة للحجاج والزوار والتجار والوافدين، ثم إن لنا عليهم حقاً فوق هذا كله وهو أهم شيء يهمنا مراعاته، وذلك أن لنا في الديار النائية والقصية إخواناً من المسلمين ومن العرب نطلب مراعاتهم وحفظ حقوقهم، فإن المسلم أخو المسلم، يحنو عليه كما يحنو على نفسه في أي مكان كان ... ".
وهكذا يكون الإيمان بالله ومحبة الخير للمسلمين النابعة من تقواه لربه ـ عز وجل ـ وشعوره القوي بأن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ـ كما ورد في الحديث ـ.
والواقع أن هناك مرتكزات أساسية للسياسة التي تنتهجها المملكة منذ عهد الملك عبد العزيز حتى الآن تقوم على ثلاثة أسس وهي:
أولاً: الالتزام بالدعوة السلفية والنهج السلفي وإقامة كلمة التوحيد.
ثانياً: المحافظة على الوحدة الداخلية.
ثالثاً: التوجه العربي والإسلامي وتقوية الصلات مع الدول المجاورة.(41/36)
وهذه الأسس والمرتكزات نلحظها من خلال رسائله وكلماته السياسية، حيث أن المملكة تتبوأ مركزاً إسلامياً رفيعاً لوجود الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، وتطبيق حكومتها للشريعة الإسلامية، فهو يحرص على تقرير هذه الناحية في آرائه ورسائله السياسية التي يكثر فيها الوصية بتقوى الله ـ عز وجل ـ وتحكيم الشرع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحذر في تلك الرسائل من التعامل بالربا، ويحذر من النفاق والكذب، ويرد التهم الموجهة للدعوة السلفية التي تناصرها الدولة السعودية وهي دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما كان يتعهد الحرمين الشريفين بالعناية والاهتمام، وكان يحرص على مستقبل الحجاز بعد ضمه وإبعاده عن أي توجهات سياسية،هذا فيما يتعلق بسياسته الداخلية.
أما سياسته الخارجية وإبراز الجانب الديني فيها، فقد تحدثت عن شيء منها في الصفحات السابقة، لا سيما فيما يتعلق بحرصه الشديد على توحيد كلمة المسلمين ودعوته للتضامن الإسلامي وتحذيره من أعداء المسلمين داخلياً وخارجياً. ويجدر بنا أن نعرّج على بعض مواقفه السياسية الدالة على إخلاصه لدينه وأمته وشجاعته النادرة في ذلك التي أدت إلى فرض احترام زعماء العالم له واستجابتهم لمطالبه وتقديرهم لآرائه، كالرئيس الأمريكي "روزفلت"و"ترومان"الذي خلفه في رئاسة أمريكا، و"تشرشل"رئيس الوزراء البريطاني، وغيرهم، مع إقامة علاقات متوازنة مع القوى الخارجية دون غلو أو تفريط.
فنراه ـ مثلاً ـ يرفض تنكيس علم بلاده، حينما توفي الملك "جورج الخامس"ملك بريطانيا سنة 1356هـ، وقال كلمته المشهورة "كيف ينكس علم يحمل شهادة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"واكتفى بالتعزية فقط. ورفضه كذلك إقامة كنائس في المملكة رغم محاولة مندوب البابا إقناعه بذلك وإغرائه.(41/37)
ومن مواقفه كذلك في هذا المجال رفضه الانضمام إلى عصبة الأمم المتحدة، وذلك لأنها قبلت الانتداب البريطاني على فلسطين، وموافقتها على وعد بلفور ـ وزير خارجية بريطانيا ـ في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، أما هيئة الأمم المتحدة فقد أسرع الملك عبد العزيز لانضمام المملكة إليها، لأن نظامها يختلف عن سابقتها، فهو قائم على الحق والعدل والسلام بين دول العالم المختلفة آنذاك.
كذلك نراه يحتج بشدة على موقف الولايات المتحدة من هجرة اليهود إلى فلسطين سنة 1357هـ، علماً أن علاقته مع أمريكا في ذلك الوقت في أول تحسنها بعد نجاح الشركات الأمريكية في اكتشاف البترول في المملكة. ولم يهتم بتحذير بريطانيا له في أن يسلم إليهم رشيد عالي الكيلاني، لأنه عربي مسلم، التجأ واستجار بالملك عبد العزيز الذي يلتزم بالمبادئ الدينية والقيم العربية الأصيلة.
أما مواقفه من قضية فلسطين فهي أكثر من أن تذكر وأشهر من أن تنكر، ذلك أن تلك المواقف التاريخية العظيمة نابعة من تمسكه بالدين، والتزامه بالاتجاه الإسلامي القويم، والعقيدة الإسلامية الراسخة، فعندما سُئل ـ رحمه الله ـ عن رأيه في قضية فلسطين أجاب بقوله: "إنني أتمنى لفلسطين كل خير وسعادة لأنها بلد عربي، وفيها المسجد الأقصى وهو المسجد الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى"، ولكن مصيبة العرب من أنفسهم ومن تخاذلهم، والذي أتمناه أن يجمع الله كلمة العرب ليسلموا من شرور أنفسهم، فهم بتخاذلهم آذوا أنفسهم أكثر مما آذاهم الأجنبي".(41/38)
ويقول ـ أيضاً ـ موضحاً اهتمامه بالقضية الفلسطينية: "كنت ولا زلت أضع قضية فلسطين في قلبي، وأعمل لخيرهم، وأرجو الله أن يوفقني لما فيه الحق، وإنني دائم الاتصال بمن في يده الأمر ... ، ولست أخدم هذه القضية حباً لفلسطين فحسب، بل بدافع الإيمان بالدين الحنيف، فضلاً عن أن قضية فلسطين هي قضية العرب كلهم".
ومن خلال هذا التصريح يتضح أن الملك عبد العزيز كان دائم الاتصال بزعماء العالم بشأن هذه القضية التي تهم المسلمين جميعاً، لأن أراضيها أحد مقدسات المسلمين، وكان يؤكد لهم في رسائله واجتماعاته بهم بعدم أحقية اليهود في أرض فلسطين، وأن ما يطلبه اليهود فيها ليس إلا ظلماً واعتداءً لم يسبق له مثيل، ففي رسالة وجهها إلى البريطانيين حول إحلال اليهود في فلسطين يقول فيها: "لو قلت لكم إن هناك ذرة واحدة في جسدي لا تدعوني إلى قتال اليهود، لكنت أكذب، لو ذهبت كل أملاكي وتوقف نسلي لكان أسهل عليّ من أرى موطن قدم لليهود في فلسطين".(41/39)
وكان حريصاً على ألا يترك مجالاً أو فرصة يتحدث فيها إلا وتحدث عن قضية فلسطين، ولنورد مقتطفات من خطابه الذي ألقاه في المأدبة الكبرى التي أقامها لكبار الحجاج سنة 1364هـ، حيث ركز في ذلك الخطاب على القضية الفلسطينية أمام جميع ممثلي الدول الإسلامية في الحج، يقول ـ رحمه الله ـ: "إن مسألة فلسطين هي أهم ما يشغل أفكار المسلمين والعرب، وقد سبق لي أن تكلمت مع أركان الحكومة البريطانية، كما تحدثت مطولاً مع الرئيس روزفلت، وذكرت بكل صراحة الحيف الذي أصاب إخواننا عرب فلسطين والعنت والقهر اللذين خضعوا لهما، وطلبت إنصاف عرب فلسطين إن لم يكن بالمساعدات الفعلية، فعلى الأقل بالوقوف على الحياد وعدم مساعدة اليهود عليهم، ... وإن الحق والعدل والإنصاف يقضي بعدم إعانة اليهود على العرب، وأنا لا أخشى اليهود لأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ضرب عليهم الذلة والمسكنة إلى يوم القيامة، فإذا كنا متمسكين بمعتقدنا، عاملين بأوامر ديننا بإذن الله لا نخشى اليهود ولا نبالي بهم لأن الله ـ تعالى ـ معنا وهو ناصر دينه ومعلي كلمته إن شاء الله ... ".
وفي هذا الخطاب يتجلى لنا مدى تمسك الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بالجانب الديني وثقته بالله تعالى ونصره المؤزر لعباده المؤمنين الصادقين، واهتمامه بقضايا أمته ومقدساتها.
ومن جملة مواقفه تجاه قضية فلسطين تحذيره للرئيس الأمريكي روزفلت من الأخطار التي تنجم عن التفكير بفلسطين كوطن يأوي إليه اليهود، وذلك عندما حاول روزفلت أن يقنع الملك عبد العزيز بأن يكون أكثر تساهلاً في السماح بهجرة حرة لليهود في فلسطين بدعوى المعاناة القاسية التي تعرض لها اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، فكان جوابه له بقوله: "أعطوا اليهود وأحفادهم من بيوت الألمان الذين اضطهدوهم"، وقال له ـ أيضاً ـ في رسالة أخرى: "إن العرب واليهود بعد وعد بلفور المشؤوم لا يمكن أن يتعايشوا لا في فلسطين ولا في أي بلد عربي آخر".(41/40)
وهكذا قاوم الملك عبد العزيز بكل حزم وشدة جميع مناشدات الرئيس الأمريكي السماح بهجرة حرة لليهود في فلسطين، حتى استطاع أن يحصل على وعد الرئيس روزفلت باسم الولايات المتحدة بألا تقف بلاده ضد أي خطوة معادية للعرب، وألا تساعد الصهيونية ضدهم، حيث يقول في رسالة وجهها للملك عبد العزيز مؤكداً الوعد الذي قطعه: " ... وإنه لما يسرني أن أجدد لجلالتكم التأكيدات التي تبلغتموها سابقاً بخصوص موقف حكومتي وموقفي كرئيس للسلطة التنفيذية فيما يتعلق بقضية فلسطين، وأن أعلمكم أن سياسة هذه الحكومة في هذا المضمار غير متغيرة".
ولم يغير هذا الوعد المقطوع بينهما إلا موت الرئيس روزفلت، وتجاهل خلفه الرئيس ترومان ما قطعه سلفه من عهود باسم حكومته، رغم تبادل الرسائل بينهما في هذا الشأن.
وله ـ رحمه الله ـ موقف آخر جدير بالذكر هنا لعلاقته بموضوع فلسطين، مع رئيس الوزراء البريطاني تشرشل عندما التقى الاثنان في الفيوم في مصر بعد اجتماع الملك عبد العزيز مع الرئيس روزفلت في البحيرات المرة، وكانت رواية الملك عبد العزيز للقاء كما يلي:
"إن تشرشل بدأ يتحدث معي مظهراً ثقته الكبيرة بنفسه، وبدا وكأنه يلوح لي بعصا غليظة قائلاً لي: إن إنجلترا أيدتني في الأيام الصعبة وتطلب مني أن أساعدها في موضوع فلسطين، وقال لي: إن عليّ أن أقود المعتدلين العرب إلى حل وسط مع الصهيونية، وهو يتوقع مني أن أساعد على تهيئة الرأي العام العربي لقبول تنازلات لليهود، ثم أجبته وقلت له: "لم أنكر إطلاقاً صداقتي لبريطانيا، وكصديق فإني قدمت ما أستطيع عندما كان الحلفاء يحاربون عدوهم، وقلت له: إن ما يقترحه عليّ ليس مساعدة لإنجلترا أو الحلفاء، ولكنه بالنسبة لي عمل من أعمال الخيانة لرسول الله ولكل المسلمين المؤمنين، وأنا لا أوافق على تنازل للصهيونيين، فضلاً عن أقنع غيري ... ".(41/41)
والحقيقة أن هذه المواقف العظيمة والتاريخية لا تستغرب من الملك عبد العزيز فهو مسلم حق، وعربي صميم، لا يتهاون في أمر يمس عقيدته ودينه وحقه المشروع، فهو يرفض هذه التنازلات ولا يستكين أمام الضغوطات وإن كان من يفاوضه أمثال روزفلت وتشرشل، لأنه يؤمن بأن القضايا المصيرية لا تتلاعب بها السياسات ولا تخضعها للمساومة، وهكذا يكون الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
يتضح لنا مما تقدم أن الملك عبد العزيز من خلال لقائه بالرئيس روزفلت وتشرشل وغيرهم وتبادله الرسائل معهم واتصالاته السياسية، قد شرح جميع أبعاد القضية الفلسطينية من شتى جوانبها التاريخية والدينية والحضارية، وفنّد مزاعم العدو الصهيوني وأباطيله الواهية، وساق الحجج والأدلة والبراهين التي تثبت الحق الشرعي للعرب في فلسطين على مر العصور، كل ذلك تؤكده الرسائل الثابتة التي يمكن الرجوع إليها كوثائق تاريخية.
فالملك عبد العزيز كان يرى في فلسطين أنها أرض عربية إسلامية، ليس لليهود حق فيها، وكان ـ رحمه الله ـ له رأي صائب في قضية فلسطين لم يأخذ به العرب، ويتمثل في أمرين:
أولهما: إعلان حكومة فلسطينية بمجرد ترك الإنجليز للسلطة فيها.
ثانيهما: تسليح الفلسطينيين وتركهم يدافعون عن بلادهم بأنفسهم.
ولا شك أن لهذين الأمرين أبعادهما السياسية التي لا تخفى، وتؤدي في الوقت نفسه لتحقيق الغاية المنشودة في مثل هذه القضايا السايسية المتوترة.(41/42)
ولا يفوتنا في هذا المقام، ونحن نتحدث عن مواقفه تجاه قضية فلسطين وارتباطها بالجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز أن نذكر موقفه العظيم من محاولة اليهود تقديم رشوة كبيرة له مقابل بيع فلسطين لليهود والتخلي عنها وإجلاء سكانها العرب، ويتعهد اليهود لقاء ذلك بدفع مبلغ عشرين مليون جنيه عن طريق زعيم الصهيونية العالمية (وايزمان) ، يتضح ذلك في نص الرسالة التي وجهها الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ إلى الرئيس الأمريكي آنذاك روزفلت ومنها ما يلي:
"أما الشخص الذي هو الدكتور وايزمان فهذا الشخص بيني وبينه عداوة خاصة، وذلك لما قام به نحو شخصي من جرأة مجرمة بتوجيهه إليّ من دون جميع العرب والمسلمين تكليفاً دنيئاً لأكون خائناً لديني وبلادي، الأمر الذي يزيد البغض له ولمن ينتسب إليه، وهذا التكليف قد حدث في أول سنة من هذه الحرب ـ أي الحرب العالمية الثانية ـ إذ أرسل إليّ شخصاً أوروبياً معروفاً يكلفني أن أترك مسألة فلسطين وتأييد حقوق العرب والمسلمين فيها، ويسلمني عشرين مليون جنيه مقابل ذلك، وأن يكون هذا المبلغ مكفولاً من طرف فخامة الرئيس روزفلت نفسه، فهل من جرأة ودناءة أكبر من هذه، وهل من جريمة أكبر من هذه الجريمة؟ يتجرأ عليها هذا الشخص بمثل هذا التكليف، ويجعل فخامة الرئيس كفيلاً لمثل هذا العمل الوضيع".(41/43)
وهكذا يثبت التاريخ عبر حقائقه الثابتة أن الرشوة أحد أسلحة اليهود قديماً وحديثاً، ولكن ما يلبث هذا السلاح الدنيء أن يعود عليهم بالفضيحة والخزي والخذلان، وهل يظن هؤلاء أن الملك عبد العزيز سيخون دينه وأمانته ويلطخ يديه بذهب اليهود المدنس، وهو صاحب المواقف الراسخة في هذا الشأن وغيره النابعة من صدق إيمانه وإخلاصه لدينه وأمته، وبذلك فشلت محاولة اليهود رشوة الملك عبد العزيز وشراء حياده، كما فشلت محاولتهم الأولى مع السلطان العثماني عبد الحميد الثاني حينما حاول زعيم الحركة الصهيونية "نيودورهيرتزل"رشوته مالياً مقابل بيع فلسطين لليهود.(41/44)
علماً بأن المملكة كانت تمر بأزمة مالية واقتصادية شديدة أثناء ذلك العرض حتى اضطرت للاقتراض، وذلك قبل تصدير البترول، وكذلك الدولة العثمانية حينما عرض هيرتزل على السلطان عبد الحميد، كانت هي الأخرى تمر بضائقة مالية شديدة، ومع ذلك لم يقبل كلا الزعيمين المسلمين رشوة اليهود،وفشلت مساعيهم السيئة، وفضحهم الله وكشف وسائلهم الخطيرة بقوة الإيمان وصدق التوكل وحسن المعتقد ورباطة الجأش. وكانت القضايا العربية والإسلامية هي الشاغل الأساسي للملك عبد العزيز وهاجسه الذي يؤرق مضجعه، لذلك لم يقف الملك عبد العزيز عند حد تأييده لقضية فلسطين ومواقفه المشهودة في ذلك، بل شمل القضايا التي تخص سوريا ولبنان، وكذلك قضية مصر حيث وقف وراءها حينما اشتد الخلاف بينها وبين انجلترا سنة 1947م، عندما كانت تطالب بالجلاء التام عن بلادها بعد أن انضمت إلى الأمم المتحدة، وأصبحت عضواً من أعضائها، وكان له رأي ـ أيضاً ـ في مشكلة السودان مع مصر وبريطانيا، حيث رأى أن يترك للسودانيين حق تقرير مصيرهم بأنفسهم،كما كان يدعم الحركات العربية والإسلامية التحررية ضد الاستعمار الغربي مادياً ومعنوياً ويحرص على ذلك، كدعمه للنضال التونسي ضد الاستعمار الفرنسي، ولمصر ضد الإنجليز، ولليبيا ضد الاستعمار الإيطالي، لأنه كان يكره أي نفوذ أو خضوع أو استعمار للأجنبي، ولما اضطر ـ رحمه الله ـ لإبرام معاهدة القطيف أو دارين مع بريطانيا، ضاق بها ذرعاً ولم يكن يتمسك ببنودها إلا قليلاً، حتى نجح في إلغائها في معاهدة جدة سنة 1345هـ، وهذا يدل على حرصه الشديد على استقلال بلاده من أي نفوذ أجنبي، ولذا كان يقول: "لا نقبل المساومة في مسألتين: دين الله واستقلال البلاد، ولو قاتلنا أهل الأرض كلهم عليهما".(41/45)
ويؤكد حرصه على مصلحة بلاده وقوفه على الحياد في الحربين العالميتين الأولى والثانية، كي لا يعرض استقلال البلاد للخطر من جراء انضمامه لحلف دون آخر، فلم تقطع المملكة علاقاتها الدبلوماسية مع ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، كما أقامت المملكة علاقات دبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي نهاية الحرب اجتمع مع الرئيس الأمريكي روزفلت، ومع رئيس وزراء بريطانيا تشرشل، وبذلك استطاع ـ بتوفيق الله تعالى ـ ثم بدهائه ونظرته الثاقبة للأمور وبعده السياسي أن يحمي بلاده من أي استعمار غربي، ويؤكد في الوقت نفسه أهمية المملكة ودورها الديني والسياسي والاقتصادي، وبذلك تبوأت المملكة منذ ذلك الحين وحتى الوقت الحاضر ـ بحمد الله ـ أهمية عالمية وثقلاً سياسياً ودوراً مؤثراً في صنع القرارات الدولية.
وهذه المواقف مجتمعة تؤكد قوة الجانب الديني في حياته السياسية، واهتمامه الكبير بمصالح المسلمين والعرب النابع من إيمانه بالله وتمسكه بعقيدته الإسلامية الخالصة، لذلك كان التوفيق من الله ـ تعالى ـ حليفه، حيث لم يخسر قضية سياسية واحدة منذ استرداده الرياض عام 1319هـ، واستطاع أن يقيم علاقات متوازنة مع القوى العالمية وأن يحصل على مقاصده بكل اتزان وروية وحكمة دون خوف أو تهور أو ميل مع كفة دون أخرى، وهذا من توفيق الله ـ تعالى ـ وفضله، وما وهبه إياه من حنكة ودهاء.
((أثر الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز في توحيد البلاد))(41/46)
سبق وأن تطرقت من خلال التعليقات السابقة في ثنايا هذا البحث للأثر العظيم الذي تركه الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز وألقى بظلاله الوارفة على توحيد هذا الكيان الشامخ، وذلك عندما تحدثت عن الجانب الديني في أقواله وشخصيته الدينية وأفعاله وأعماله العظيمة وعلاقته بالعلم وتقديره للعلماء وطبعه للكتب الدينية ونشرها في الداخل والخارج، ومواقفه السياسية من خلال اتصالاته ورسائله وإدراكه لدور المملكة ومركزها الديني والسياسي والاقتصادي.
من هذا المنطلق يتضح لنا أن الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ كان مؤمناً بالله تعالى، مخلصاً لدينه وأمته، صادقاً فيما يقول ويفعل، وكان ذا ثقافة إسلامية عريقة وعميقة ومتنوعة، ولذا علم أن الغاية العظمى من وجود الإنسان في هذه الأرض هي عبادة الله وحده لا شريك له، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} ، فالتزم منهجاً واضحاً متكاملاً هو منهج شريعة الإسلام، والاعتصام بحبل الدين الإسلامي الحنيف، وتطبيق الشريعة الإسلامية، ولا شك أن رجلاً هذه سيرته وهذا منهجه وتلك قيمه وأخلاقه وشيمه، كان حرياً أن يُوفق من عندالله ـ تعالى ـ وتذلّل أمامه الصعاب، ويُمكَّن له في الأرض، ومن هنا نجح ـ بتوفيق الله ـ في توحيد أجزاء الجزيرة وضم بعضها إلى بعض تحت راية التوحيد وحكم الشريعة، فمن كانت نيته خالصة لله ـ تعالى ـ صادقة في تحقيق الآمال التي غايتها إلى الله ـ تعالى ـ فسوف يكون التوفيق والنصر حليفه في كل شيء، فمن اعتمد على الله وتوكل عليه بعقيدة راسخة ومنهج سليم وإيمان صادق فسيمُنّ الله عليه بالنصر والتأييد.
يقول الله ـ تعالى ـ في محكم كتابه العزيز: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} .
ـ {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} .(41/47)
ـ {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} .
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في معرض تفسيره لهذه الآية: "أخبر الله تعالى أن العاقبة للتقوى فمن سلطه الله على العباد من الملوك وقام بأمر الله كانت له العاقبة الحميدة والحالة الرشيدة".
فالملك عبد العزيز كان يعلم غاية الدولة الإسلامية وهدف التمكين في الأرض، لذلك كان موفقاً في كل شؤونه، في غزواته وفتوحاته ومواقفه، لقد تعرض للأهوال والأخطار، ولكن الله ـ تعالى ـ كافأه خيراً وعزاً وتوفيقاً، فأسس هذه الدولة الشامخة القوية، دولة أبهرت القوى الدولية لكونها دولة إسلامية جديدة فتية سليمة العقيدة، تستقطب المسلمين حولها، تبعث فيهم الثقة بالنفس والاعتزاز بهذا الدين القويم، فاستتب الأمن وعم الخير، وانتهى عصر الفوضى والاضطراب، فكانت ولا زالت بفضل الله تعمل في سبيل إعلاء شأن الإسلام ورفع راية التوحيد. {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} .
وحسب الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أنه كان الإمام العادل …والقائد الموفق والناصر لدين الله، والعامل المجد المخلص للإسلام والمسلمين، المستعين بالله الواحد العزيز، فكان الله معه، وكان التوفيق حليفه في شتى الميادين، فتوحدت البلاد وارتفع شأنها، لأنه جاهد لتكون كلمة الله هي العليا، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (1) .
__________
(1) سورة العنكبوت؛ آية:69.(41/48)
لقد امتلأ قلب الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بخشية الله ـ تعالى ـ وحرص على تطبيق أحكام الشريعة، فلم يتخل عن دينه الإسلامي، ولم يغض الطرف عن الكتاب والسنة، ولم يهمل تطبيق الشريعة، فقد آمن الرجل بأن رسالة هذه البلاد واستقرارها يكمن في تطبيق شرع الله، وأن خيرها في اتباع الكتاب والسنة، فاغترف من ينبوع العقيدة الإسلامية واتبع المنهج الإسلامي القويم، فكان لذلك الجانب الديني، أثره العظيم ودوره الكبير في توحيد البلاد وردها إلى الجادة المستقيمة، فقامت هذه الدولة القوية العزيزة بتأييد الله تعالى لها، تقيم للدين أركانه، وترفع راية الإسلام وتظهر برهانه، على يد موحد هذا الكيان الذي اعتمد على الله ـ تعالى ـ واتخذ الكتاب والسنة شريعة ومنهاجاً، فدانت له البلاد قاصيها ودانيها، وخفق الأمن في ربوع المملكة، وبرهن الملك عبد العزيز بتطبيق الشريعة أنها صالحة لكل زمان ومكان، وبقيت المملكة قدوة المسلمين في تطبيق أحكام الشرع، فأنعم الله ـ تعالى ـ عليها بنعم كثيرة وخيرات وفيرة، وكفل لها الحياة الآمنة المستقرة التي وعد الله تعالى بها عباده المؤمنين الصادقين، بقوله جل شأنه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1) .
مما تقدم يتضح أبعاد الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز وأثره الكبير في توحيد هذه البلاد التي شرفها الله برعاية بيته الحرام ومسجد رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام.
__________
(1) سورة النور؛ آية:55.(41/49)
ولنختم هذا الأثر الديني بهذه الكلمة للملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ التي تحلل لنا هذا الاتجاه القويم والأساس المتين الذي كان يتمتع به ـ بفضل من الله وتوفيقه ـ:
"ليس خافيكم ما منّ الله به على هذا الوطن من نعم، أولها: هذه العقيدة وهي كلمة التوحيد وعبادة الله، والبراءة مما سواه، والثاني: كما قال الله تعالى ـ: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} ، والثالث: تقويم الشريعة للضعيف والقوي".
((الخاتمة))
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:(41/50)
فقد منّ الله ـ تعالى ـ عليّ بإتمام هذا البحث عن الجانب الديني في حياة الملك عبد العزيز وأثره في توحيد البلاد، وقد تحدثت من خلال الصفحات السابقة عن شخصية الملك عبد العزيز الدينية وبرنامجه اليومي وحرصه على تلاوة القرآن الكريم وقراءة الكتب الدينية ومجالسة العلماء وتخصيص جزء من وقته الثمين لمجالسة العلماء ليقرأ عليه عدد من الكتب في التوحيد والتفسير والحديث والسياسة الشرعية والتاريخ وغيرها، حتى أصبح لذلك دور كبير في ثقافة الملك عبد العزيز العامة، وكان يقوم كل ليلة في الثلث الأخير من الليل يقرأ القرآن ويصلي إلى أن يؤذن المؤذن لصلاة الفجر، وكان يكثر الوصية بتقوى الله تعالى وتحكيم شرع الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحذر من البدع والشركيات والبناء على القبور وكل ما يخدش العقيدة قولاً وعملاً، وكان يستغل موسم الحج في الدعوة وإيصال العقيدة الخالية من الشوائب إلى البلدان المختلفة عن طريق الدعوة ونشر الكتب وتوزيعها مجاناً فكان موفقاً ملهماً محبوباً، عمر ما بينه وبين ربه بصدق الإيمان وإخلاص النية وحسن المعتقد وسلامة المنهج، فتوحد هذا الكيان الشامخ تحت مسمى "المملكة العربية السعودية"وحلّ الأمن محل الخوف، وأمن العباد واستقرت البلاد في ضوء أحكام الشريعة الغراء، فكان قيام هذه الدولة العظيمة نعمة ومنة وفضلاً من الله ـ تعالى ـ ورحمة وبركة على العالم الإسلامي كله، ومثالاً حياً لصلاح الشريعة الإسلامية نظاماً ومنهاجاً، ولا تزال ـ بحمد الله تعالى ـ تحت قيادة رشيدة إسلامية من أبناء هذا الرجل العصامي العظيم أحد أبطال الإسلام.(41/51)
لقد علم الملك عبد العزيز أن هذه البلاد هي موطن التوحيد الأول وأن أعظم عمل حققه الرسول صلى الله عليه وسلم هو التمكين لعقيدة التوحيد والقضاء على الشرك بالقول والعمل، وأدرك ـ رحمه الله ـ أن الله ـ تعالى ـ يهيئ لدعوة التوحيد رجالاً يصلحون ما فسد من أمور العقيدة ويصححون المفاهيم الخاطئة حول ذلك، وعلم أن الدعوة الإصلاحية التي رفع لواءها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ قد جددت معنى التوحيد في الجزيرة وخارجها، تلك الدعوة السلفية التي كانت تهدف إلى تصحيح عقيدة المسلمين مما شابها من أدران الشرك والبدع والخرافات والعودة إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإقامة مجتمع إسلامي يحكم بشرع الله ويقيم حدوده، وفق أحكام الشريعة الإسلامية وقد قيض الله ـ تعالى ـ لهذه الدعوة من نصرها وأيدها وأخلص لها وهو جد الملك عبد العزيز الأعلى الإمام محمد بن سعود ـ رحمه الله ـ الذي نصر الدعوة، فانصهرت هذه القيادة الإدارية مع الدعوة السلفية فكان النصر والتوفيق والتمكين والعز والمجد حليفها.
ومن هنا حرص الملك عبد العزيز وأبناؤه من بعده على تبني هذه الدعوة السلفية، كما تبناها أسلافهم من آل سعود في الدولتين السعودية الأولى والثانية، وهكذا تميزت هذه الأدوار الثلاثة بالشخصية الإسلامية وفق المنهج الإسلامي القويم الصالح لشؤون البلاد وأحوال العباد، ففتح الله على هذه الدولة كنوز الأرض وزادها الله بسطة في العلم والصحة والرفاهية والجاه والأمن والاستقرار والتمكين.(41/52)
كل ذلك لم يكن ليتم لولا فضل الله ـ تعالى ـ ثم تمسك قادة هذه البلاد ـ في أدوارها الثلاثة ـ بالجانب الديني العظيم، والاعتصام بحبل الله المتين واتباع المنهج القويم والدفاع عن عقيدة التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، وأخص بالذكر الملك عبد العزيز الذي أوضحت من خلال هذا البحث قوة تمسكه بالدين في شخصه وفي أقواله وخطبه وفي أعماله وأفعاله وتعامله مع أسرته والناس، وعلاقته بالعلم وتقديره للعلماء وعدله النموذجي النادر، وفي آرائه ورسائله السياسية وعلاقات بلاده بالقوى الخارجية، والتزامه بالسياسة الثابتة لقضايا المسلمين، فقد حمل على عاتقه قضية فلسطين ودافع عنها ووقف بقوة أمام هجرة اليهود إلى فلسطين، من خلال رسائله واتصالاته ولقاءاته بزعماء الدول الكبرى ذات العلاقة، وكان يحرص دوماً على التضامن الإسلامي، والوحدة العربية، وما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين والعرب. وهو ما أوضحته مفصلاً من خلال هذا البحث.
ويحسن بنا في ختام هذا البحث الذي يتناول شخصية الملك عبد العزيز في الجانب الديني وأثره في توحيد البلاد، أن نورد هنا جزءاً من حديث خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ بمناسبة صدور النظام الأساسي للحكم، وذلك لعلاقتها وارتباطها بموضوع البحث، حيث يقول ـ وفقه الله ـ:
"حرص الملك عبد العزيز على إنفاذ منهج الإسلام في الحكم والمجتمع مهما كانت الصعوبات والتحديات ويتلخص هذا المنهج في إقامة المملكة العربية السعودية على الركائز التالية:
أولاً: عقيدة التوحيد التي تجعل الناس يخلصون العبادة لله وحده لا شريك له ويعيشون أعزة مكرمين.
ثانياً: شريعة الإسلام التي تحفظ الحقوق والدماء، وتنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتضبط التعامل بين أفراد المجتمع وتصون الأمن العام.
ثالثاً: حمل الدعوة الإسلامية ونشرها حيث إن الدعوة إلى الله من وظائف الدولة الإسلامية وأهمها.(41/53)
رابعاً: إيجاد بيئة عامة صحية صالحة مجردة من المنكرات والانحرافات، تعين الناس على الاستقامة والصلاح، وهذه المهمة منوطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
خامساً: تحقيق الوحدة الإيمانية التي هي أساس الوحدة السياسية والاجتماعية والجغرافية.
سادساً: الأخذ بأسباب التقدم وتحقيق النهضة الشاملة التي تيسر حياة الناس ومعاشهم، وتراعي مصالحهم في ضوء هدي الإسلام ومقاييسه.
سابعاً: تحقيق الشورى التي أمر الإسلام بها ومَدَح من يأخذ بها، إذ جعلها من صفات المؤمنين.
ثامناً: أن يظل الحرمان الشريفان مطهرين للطائفين والعاكفين والركع السجود، كما أرادهما الله، بعيدين عن كل ما يحول دون أداء الحج والعمرة والعبادة على الوجه الصحيح، وأن تؤدي المملكة هذه المهمة قياماً بحق الله وخدمة للأمة الإسلامية.
تاسعاً: الدفاع عن الدين والمقدسات والوطن والمواطنين والدولة.
هذه هي الأصول الكبرى التي قامت عليها المملكة العربية السعودية".
وهكذا قام الملك عبد العزيز بجهود عظيمة مباركة في تطبيقه للشريعة الإسلامية الغراء ودعوته إلى التوحيد الخالص، وكان لذلك أثره العظيم في توحيد هذه البلاد، حتى تبوأت هذا المركز المرموق بين دول العالم وتحققت لها الخيرية التي أرادها الله ـ تعالى ـ لهذا الأمة إن شاء الله تعالى.(41/54)
كانت شخصية الملك عبد العزيز شخصية فريدة في تاريخنا المعاصر، أثمرت أطيب الثمرات التي نتمتع بشهدها وحلاوتها وننعم بخيرها وأمنها ورغدها وحضارتها بفضل الله ـ تعالى ـ كان الملك عبد العزيز شخصية فذة بكل المعايير والمقاييس، كان فذاً إذا حارب وقاتل، فذاً إذا عفا وسامح وصالح، فذاً في بناء الدولة على الوئام وحسن التدبير وبلوغ الهدف. فعلينا أن نشكر الله ـ تعالى ـ ونحمده، ونذكر ذلك للملك المؤسس الباني فيشكر وندعو الله ـ تعالى ـ له بالمغفرة والرحمة والرضوان، فقد سجل له التاريخ صفحات من نور، رحم الله الملك عبد العزيز رحمة واسعة وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، اللهم احفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، واحفظ لنا دنيانا التي فيها معاشنا، واحفظ لنا ولجميع المسلمين هذه البلاد وأمنها ورخاءها واجعلنا هداة مهتدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
((فهرس المصادر والمراجع))
ـ القرآن الكريم.
ـ السنة النبوية.
أولاً: المصادر العربية والمعربة المطبوعة
1ـ أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحقيق: صلاح الدين المنجد، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1396هـ ـ 1976م.
1ـ أحمد عبد الغفور عطار: صقر الجزيرة (مجلدان) الطبعة الخامسة، 1399هـ.
2ـ أحمد عبد الغفور عطار: محمد بن عبد الوهاب، طبعة 1399هـ.
3ـ أحمد عسه: معجزة فوق الرمال، طبعة 1965م.
4ـ أحمد بن محمد بن هارون الخلال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحقيق: عبد القادر أحمد عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1406هـ ـ1986م.
5ـ أمين الريحاني: ملوك العرب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الثانية، 1986م.(41/55)
6ـ أمين سعيد: تاريخ الدولة السعودية من محمد بن سعود إلى عبد الرحمن الفيصل (1158 ـ 1307هـ) وعهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل (1319 ـ1373هـ) مطبوعات دارة الملك عبد العزيز.
7ـ حافظ وهبه: جزيرة العرب في القرن العشرين، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، الطبعة الخامسة، 1387هـ ـ1967م.
8ـ حافظ وهبه: خمسون عاماً في جزيرة العرب، طبعة 1380هـ.
9ـ خير الدين الزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة السادسة، 1984م.
10ـ خير الدين الزركلي: شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثالثة، 1985م.
11ـ خير الدين الزركلي: الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة، 1984م.
12ـ رابح لطفي جمعة: حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز، من مطبوعات دارة الملك عبد العزيز، الرياض، 1402هـ.
13ـ ساعد العرابي الحارثي: الملك عبد العزيز رؤية عالمية، دار القمم للإعلام، الطبعة الأولى، الرياض، 1415هـ.
14ـ سعود بن سعد الدريب: الملك عبد العزيز ووضع قواعد التنظيم القضائي في المملكة، دار المطبوعات الحديثة، جدة، الطبعة الأولى، 1408هـ، 1988م.
15ـ صالح بن عبد الله العبود: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي، نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى،1408هـ.
16ـ صلاح الدين المختار: تاريخ المملكة العربية السعودية في ماضيها وحاضرها، دار مكتبة الحياة بيروت.
17ـ طالع عبد الله عسيري: بحوث منسيّة، دار العلم للطباعة والنشر.
18ـ عبد الحميد الخطيب: الإمام العادل عبد العزيز آل سعود، طبعة 1954م.
19ـ عبد الرحمن بن سبيت السبيت وآخرون: من وثائق الملك عبد العزيز، مطابع الحرس الوطني، الرياض، طبعة 1410هـ ـ 1990م.(41/56)
20ـ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، من مطبوعات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، 1398هـ.
21ـ عبد العزيز شرف ومحمد إبراهيم شعبان: عبد العزيز آل سعود وعبقرية الشخصية الإسلامية، الطبعة الأولى، 1403هـ ـ1983م.
22ـ عبد العزيز بن محمد الأحيدب: من حياة الملك عبد العزيز، الطبعة الأولى.
23ـ عبد العزيز بن محمد الأحيدب: ظاهرة الأمن في عهد الملك عبد العزيز، الطبعة الأولى.
24ـ عبد الله آل قعود: أثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة الأمة، دار العاصمة، الرياض، طبعة 1410هـ ـ 1990م.
25ـ عبد الله أبو راس وبدر الدين أديب: الملك عبد العزيز والتعليم، الطبعة الأولى.
26ـ عبد الله بن صالح العثيمين: تاريخ المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1404هـ ـ 1981م.
27ـ عبد الله بن عبد المحسن التركي: المملكة العربية السعودية المنهج القويم في الفكر والعمل، الزهراء للإعلام العربي، الطبعة الثانية، 1409هـ ـ 1989م.
28ـ عبد القادر بن حبيب الله السندي: رسالة السنة النبوية وشبهات بعض الناس حولها.
29ـ عبد الكريم زيدان: أصول الدعوة، مكتبة المنارة الإسلامية، طبعة1410هـ 1981م.
30ـ عبد المنعم الغلامي: الملك الراشد عبد العزيز آل سعود، دار اللواء، الرياض، الطبعة الثانية، 1400هـ ـ1980م.
31ـ عثمان بن بشر: عنوان المجد في تاريخ نجد، مكتبة الرياض الحديثة.
32ـ علي البرماوي: قلعة الإسلام ومؤسسها العظيم، دار الزهراء، الرياض، طبعة:1402هـ ـ 1982م.
33ـ فاروق عبد المجيد السامرائي: مناهج العلماء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دار الوفاء، جدة.
34ـ فؤاد حمزة: البلاد العربية السعودية، طبعة 1388هـ.
35ـ فهد بن عبد العزيز الكليب: الرياض ماضٍ تليد وحاضر مجيد، دار الشبل للنشر والتوزيع والطباعة، الرياض، الطبعة الأولى، 1410هـ.(41/57)
36ـ محمد إبراهيم رحمو: أضواء حول الاستراتيجية العسكرية للملك عبد العزيز وحروبه، طبعة خاصة للحرس الوطني، الرياض، 1403هـ ـ 1983م.
37ـ محمد بهجة الأثري: محمد بن عبد الوهاب داعية التوحيد والتجديد في العصر الحديث، الطبعة الثانية، 1406هـ.
38ـ محمد جلال كشك: السعوديون والحل الإسلامي، الطبعة الثالثة،1402هـ 1982م.
39ـ محمد حسين زيدان: عبد العزيز والكيان الكبير، بدون تاريخ.
40ـ محمد بن عبد الله السلمان: توحيد المملكة العربية السعودية وأثره في الاستقرار الفكري والسياسي والاجتماعي، مطابع مؤسسة المدينة للصحافة (دار العلم) بجدة، الطبعة الأولى، 1416هـ.
41ـ محمد بن عبد الله السلمان: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي، طبعة 1407هـ.
42ـ محمد المانع: توحيد المملكة العربية السعودية، ترجمة الدكتور عبد اله العثيمين، الطبعة الأولى، 1402هـ.
43ـ محمد ناصر الشتري: الدعوة في عهد الملك عبد العزيز (مجلدان) ، الطبعة الأولى، 1417هـ ـ 1997م.
44ـ محمد منير البديوي: المتوكل على الودود عبد العزيز آل سعود، طبعة 1397هـ.
45ـ محمود شاكر: شبه جزيرة العرب (نجد) ، المكتب الإسلامي، بيروت، طبعة:1396هـ1976م.
46ـ منير العجلاني: تاريخ البلاد العربية السعودية، دار الكتاب العربي، مطابع دار الغد، بيروت.
47ـ موسى بن حاسر السهلي: الشيخ عبد الله القرعاوي ودعوته في جنوب المملكة العربية السعودية، طبعة 1413هـ.
48ـ موضي بنت منصور بن عبد العزيز آل سعود: الملك عبد العزيز ومؤتمر الكويت، تهامة للنشر، الطبعة الأولى، 1402هـ ـ1982م.
ثانياً: الدوريات العلمية
49ـ أسامة الألفي: حكايات عن عبد العزيز يرويها أبناؤه وأحفاده ومعاصروه، مجلة اليمامة، العدد:820، ذو الحجة 1404هـ.
50ـ بركات بله: قضية الأسبوع، مجلة اليمامة، عدد:820، ذو الحجة 1404هـ.(41/58)
51ـ جمعان عايض الزهراني: الرشوة من الوسائل الصهيونية، صحيفة المدينة المنورة، عدد:12611، في 23/6/1418هـ.
52ـ حسني عبد الحافظ: الملك عبد العزيز والنقلة الحضارية للجزيرة العربية، مجلة الفيصل، عدد:252، جمادى الآخرة 1418هـ.
53ـ زيد بن عبد المحسن الحسين: عبد العزيز في ذاكرة الوطن، مجلة الفيصل، عدد:252، شهر جمادى الآخرة 1418هـ.
54ـ سعد بن عبد الله المليص: الوطن وعصر التكنولوجيا الحديثة، صحيفة البلاد، عدد:15064، في 23/5/1418هـ.
55ـ سعود بن سعد الدريب: الملك عبد العزيز ووضع قواعد التنظيم القضائي في المملكة، مجلة الدارة، العدد الأول، السنة الثانية عشرة، شوال 1406هـ.
56ـ سعود بن سعد الدريب: المنهجية السلفية وإقامة الدولة العصرية، مجلة الحرس الوطني، العدد: الخامس والثلاثون، السنة السادسة، محرم 1406هـ.
57ـ صالح اللحيدان: حقيقة دعوة التوحيد، صحيفة المدينة المنورة، العدد:12725، في23/10/1418هـ.
58ـ عبد الإله ساعاتي: دولة المؤسسات ومواجهة التحديات، صحيفة المدينة المنورة، عدد:12605، في 17/6/1418هـ.
59ـ عبد العزيز الخويطر: تراث وإرث نعتز به، المجلة العربية، عدد: 170، السنة الخامسة عشرة، شهر ربيع الأول، 1412هـ.
60ـ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري: لسراة الليل هتف الصباح، الملك عبد العزيز دراسة وثائقية، صحيفة الشرق الأوسط، عدد:6903، في 22/10/1997م.
61ـ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري: الملك عبد العزيز وفلسطين، صحيفة الشرق الأوسط، عدد: 6898، في 17/10/1997م.
62ـ عبد الله بن حمد الحقيل: اليوم الوطني يوم مشرق الصفحات، مجلة المجلة العربية، عدد:170، شهر ربيع الأول، 1412هـ.
63ـ عبد الله بن حمد الحقيل: في ذكرى اليوم الوطني، مجلة الحرس الوطني، العدد:35، السنة السادسة، محرم 1406هـ.(41/59)
64ـ عبد الله بن حمد الحقيل: عناية الملك عبد العزيز بالعلم واهتمامه بالعلماء، مجلة الدارة، العدد الثاني، السنة الثالثة عشرة، محرم 1408هـ.
65ـ عبد الله بن حمد الحقيل: وميض من سيرة الملك عبد العزيز، ظاهرة توطين البادية، مجلة الدارة، العدد الثاني، السنة الحادية عشرة، محرم 1406هـ.
66ـ علي منسي الزهراني: الدعاء لباني هذا الكيان، صحيفة المدينة المنورة، عدد: 12605، في 17/6/ 1418هـ.
67ـ فؤاد نصر الدين حسين: الملك عبد العزيز أول الخالدين في الموسوعة الذهبية، المجلة العربية، العدد:108، السنة العاشرة، محرم 1407هـ.
68ـ فهد الربيعان: من شمائل الملك عبد العزيز، المجلة العربية، العدد:84، السنة الثامنة، محرم 1405هـ.
69ـ مجلة الدارة، شهر رجب، 1406هـ ـ من خطاب الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود في افتتاح المؤتمر العالمي عن الملك عبد العزيز في شهر ربيع الأول 1406هـ.
70ـ مجلة اليمامة، العدد:820، شهر ذي الحجة 1404هـ، ملف خاص عن اليوم الوطني للملكة تحت عنوان: "كلمات خالدة تنقش في كتب التاريخ لأسد الصحراء".
71ـ مجلة اليمامة: كتب ومخطوطات نادرة تضمها مكتبة الملك عبد العزيز، العدد: 820، شهر ذي الحجة 1404هـ.
72ـ مجلة اليمامة، العدد:820، شهر ذي الحجة 1404هـ، مل خاص عن اليوم الوطني للملكة، بعنوان: "عبد العزيز الصقر القادم من الصحراء".
73ـ محمد ردادي: التاريخ السعودي والملحمة الأدبية، مجلة الحرس الوطني، العدد:33، السنة السادسة، ذو القعدة 1405هـ.
74ـ محمد عوض إبراهيم: الإذاعة في عهد الملك عبد العزيز آل سعود، مجلة الدارة، العدد الرابع، السنة الخامسة عشرة، شهر رجب 1410هـ.
75ـ محمد بن عبد الله السلمان: الهجر ودورها في الإصلاح الاجتماعي في عهد الملك عبد العزيز، مجلة الفيصل، العدد:252، جمادى الآخرة 1418هـ.(41/60)
الإصلاحات الداخلية
في
عهد الملك عبد العزيز
إعداد
د / عبد العزيز بن صالح الغامدي
تمهيد
الحمد لله القائل في محكم التنزيل {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} الحج آية 41.
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله الذي وجه أمته إلى معرفة عظم المسئولية والقيام بالأمانة وأداء الواجب من كل مسلم،كل وما استرعاه الله ـ عز وجل ـ من رعية، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ مبيناً مسئولية الإمام العادل، وحاثاً على الرفق بالرعية: "كلكم راع فمسئول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" (1) وبعد فمن نعم الله ـ عز وجل ـ على الجزيرة العربية وأهلها ظهور الدعوة السلفية التى قام بها الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ، بمؤازرة ومناصرة من الأمير الراشد محمد بن سعود ـ رحمه الله ـ، هذه الدعوة المباركة التي أعادت المسلمين إلى دينهم الصحيح ومعالم سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم على منهج سلف الأمة الصالح رضي الله عنهم أجمعين.
__________
(1) البخاري. الصحيح 1/215.(41/61)
وقد كان من ثمرات هذه الدعوة السلفية المباركة ظهور الدولة السعودية بأدوارها الثلاثة المتتابعة، وقد بدأ الدور الثالث بظهور الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ رحمه الله ـ، حيث استطاع بفضل الله وتوفيقه إحياء ملك آل سعود باستعادته لمدينة الرياض في (1319هـ) ، وانطلق بعد ذلك بعزيمة قوية في توحيد أجزاء الجزيرة العربية، ولمّ شتات قبائلها،وجمعها على الدين الإسلامي الحنيف تحت راية الإسلام الخالدة وشهادة التوحيد الخالص لله ـ عز وجل ـ …لا إله إلا الله محمد رسول الله …
والحديث عن الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ وإنجازاته يحتاج إلى مجلدات وذلك لأن هذه الشخصية وهبها الله ـ عز وجل ـ قوة الإيمان وحسن الإدارة ومؤهلات القيادة اعترف بقدرها ومكانتها، ودورها في أحداث ذلك العهد البعيد قبل القريب.
لقد استطاع الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ حمل الأمانة، وقيادة الأمة، وتحقق على يديه بفضل الله ـ عز وجل ـ لهذه البلاد المباركة الأمن والاستقرار والرخاء والطمأنينة، فالحديث عنه حديث عن تأسيس دولة، وكتابة تاريخ، وحديث عن بناء وعطاء، وتنمية وتضحية في سبيل نشر الدين الحنيف وتهيئة الفرد المسلم لأداء رسالته في هذه الحياة.
والحديث عن الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ وإصلاحاته الداخلية حديث لا يتوقف فهو يشبه المعين العذب والمورد الذي لا ينضب؛ فسيرة الملك عبد العزيز - يرحمه الله -، وأحداث عصره وأعماله موضوع خصب للكتاب والمؤلفين.(41/62)
وعند التأمل في الإصلاحات الداخلية للملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ فإننا سنجد قائمة طويلة بتلك الإصلاحات التي اهتم بها في فترة حكمه، ومثل هذا المقام لا يتسع للحديث عن جميع تلك الإصلاحات بالتفصيل، وذلك لكثرتها وتعددها، وحرص الملك عبد العزيز - يرحمه الله - على بناء دولته ووضع أسس قوية تقوم عليها في نهضتها الحديثة في شتى نواحي الحياة الدينية والاجتماعية والتعليمية والاقتصادية فكان - رحمه الله - يسابق الزمن للارتقاء ببلاده وأهلها ومسايرة التطور والتقدم الذي تمر به الدول والشعوب المجاورة مع اهتمامه بالمحافظة على الشخصية الإسلامية والتمسك بالدين الحنيف، وفيما يلي أشير إلى أهم الإصلاحات الداخلية في عهد الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ وجعل الجنة مأواه.
(1) الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية
من أهم الأعمال الجليلة التي قام بها الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ التمسك بالدين الإسلامي الحنيف، وإقامة شعائره، وتطبيق الشريعة الإسلامية وعدم مخالفة أمر الله ـ عز وجل ـ وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد أكد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ هذا التوّجه المبارك بتعظيم شعائر الدين في حياته الخاصة والعامة، ولا غرابة في هذا التمسك بالدين فهو سليل أسرة كريمة اشتهرت بالعلم والدعوة قبل اشتهارها بالملك والإمارة.
وقد كان الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ في توجيهاته المستمرة لرجال الدولة وأعوانه وأبناء مملكته يشدد في الحث على التمسك بالدين الإسلامي الحنيف، واتباع هدي خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، ويحثهم على الإخلاص فيما أوكل إليهم من أعمال ويأمرهم بمراقبة الله ـ عز وجل ـ في كل حين.(41/63)
وعند ما سئل الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ عن دستور بلاده؟ أجاب السائل بقوله: “دستورنا القرآن، وهو يعني تقيده هو ومملكته بإحكام الشرع الإسلامي المستمدة من أحكام القرآن، ومالم يكن فيه فمن حديث رسوله صلى الله عليه وسلم وعمله، وما لم يكن فيهما فمن قضاء أصحابه رضي الله عنهم وسيرتهم، وما لم يكن فمن نهج أهل العدل والعقل والسيرة الحسنة من سلف الأمة الصالح وما لم يكن ففي النظم التي يقررها أهل الاختصاص بما يوافق الدين الإسلامي الحنيف ".
فعلى هذا الأساس المتين قامت المملكة العربية السعودية بعد توحيدها على يد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، فتحقق له بفضل الله ـ عز وجل ـ العزة والتمكين في الأرض، والقوة والنصر والغلبة على أعدائه.
وقد كان الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ في خطبه ولقاءاته الخاصة والعامة يوضح للجميع أن التمسك بالإسلام والعمل به سبب للنصر على الأعداء والتمكين في الأرض وتحقيق الخير في الدارين وذلك إيمانا منه ـ رحمه الله ـ بما أخبر الله ـ عز وجل ـ في كتابه العزيز ووعد به عباده المؤمنين في قوله تعالى {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} الحج أية41.
ومما ورد في خطبة ألقاها الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ في مكة المكرمة بتاريخ 19صفر 1356هـ قوله:(41/64)
" أن الحياة المجردة عن الدين والزاخرة بأنواع القوة ليست حياة وإنما الحياة في الدين والتمسك به وإقامة حدود الله، فالحياة التي تسير على أساس الدين الحنيف هي القوة. إن الدين الإسلامي في نظري هو أساس الرقي"، وأضاف ـ رحمه الله ـ: "وإن الإسلام ملك علينا قلوبنا وكل جوارحنا ونسأل الله أن يميتنا على الإسلام وأن يحفظنا بالإسلام ويحفظ بنا وبالمسلمين الإسلام"، وقال ـ طيب الله ثراه وأكرم مثواه ـ: "إن الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله هو القوة فلا تنفع قوة بلا دين فنحن كما ندعو للتمسك بالدين ندعو للأخذ بأسباب القوة لا لإلحاق الضرر بالغير وإنما للدفاع عن ديننا وبلادنا وشعبنا.."، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ... } الأنفال أية 60.
وقال -طيب الله ثراه - في خطبة أخرى: "ويجب على الناس أن يعتصموا بحبل الله قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} آل عمران أية103.
فالاعتصام بالله من صالح النفوس،وبه يحصل الأمن والاطمئنان على النفس والمال، وهو الحصن الحصين،وإن الفضيلة في اتباع القرآن وما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. (1) .
__________
(1) محيي الدين القابسي. المصحف والسيف. 116.(41/65)
وقال ـ رحمه الله ـ في خطبة ثالثة مبينا أهمية الدين الإسلامي في حياة الدول والشعوب ومكانة العقيدة الإسلامية الصحيحة في حياة المسلم وحقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ التي يُسب بها من قبل خصومه فقال: "ومن اتخذ الدين نبراسا له أعانه الله ومن تركه خلف ظهره خذله الله". إنني رجل سلفي وعقيدتي السلفية التي أمشي بمقتضاها على الكتاب والسنة...."، وقال - رحمه الله - في خطبة أخرى "إننا لم نطع ابن عبد الوهاب ولا غيره إلا بما أيدوه بقول من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم"، …"ويقولون إننا وهابية والحقيقة أننا سلفيون محافظون على ديننا، ونتبع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس بيننا وبين المسلمين إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم (1) .
إن المقتطفات السابقة من خطب الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ تبين لنا بوضوح اعتزازه بدينه وعقيدته ومحافظته على شعائر الإسلام واهتمامه بدعوة الأمة الإسلامية شعوبا وحكومات للتمسك بدينهم، وعلى هذا المنهج الراشد أقام أركان دولته التي انتشرت في أرجائها العقيدة الإسلامية الصحيحة، والنظرة الصائبة للحياة والإنسان والكون، واستمر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ مدة ملكه لا تأخذه في دين الله ـ عز وجل ـ وفي تمسكه بإسلامه لومة لائم. يحمل همّ الأمة الإسلامية مهما بعدت عنه أقطار شعوبها، ويكثر من الدعاء لها بالنصر على الأعداء واجتماع الكلمة واتحاد الصف في ظل رسالة الإسلام الخالدة التي تدعو المسلمين إلى الاجتماع والوحدة وتحذرهم من عاقبة الخلاف والفرقة.
__________
(1) محيي الدين القابسي. المصحف والسيف.129.(41/66)
وقد سار أبناء الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ على نهجه، واتخذوا توجيهاته نبراساً لهم تعينهم بعد الله ـ عز وجل ـ على القيام بالواجب نحو الدين الإسلامي الحنيف، وأداء الأمانة التي تشرفوا بحملها تجاه الإسلام والأمة الإسلامية منطلقين من ثوابت راسخة لنصرة الإسلام ونشره في أنحاء المعمورة، ومناصرة قضايا المسلمين في كل زمان ومكان..
(2) نشر العدل في دولته
لقد كان الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ كارها للظلم ولأهله، حريصا على منع وقوعه على أحد من رعيته، وأكد هذا الموقف من خلال أعماله وخطبه وتوجيهاته السديدة التي أعلن فيها براءته من الظلم،وخوفه من الوقوف بين يدي الله ـ عز وجل ـ ومما نقل عنه في تحذيره من الظلم قوله: "لا أريد في حياتي أن أسمع عن مظلوم، ولا أريد أن يحملني الله وزر ظلم أحد، أو عدم نجدة مظلوم، أو استخلاص حق مهضوم، ألا قد بلغت ... اللهم فأشهد. .."
ومما ورد في خطبة له ألقاها بالمدينة المنورة …"إنّ الملك لله وحده، وما نحن إلا خدم لرعايانا، فإذا لم ننصف ضعيفهم، ونأخذ على يد ظالمهم، وننصح لهم، ونسهر على مصالحهم نكون قد خنا الأمانة المودعة إلينا…"
ولم يقف الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ عند هذا الحد في اهتمامه بنشر العدل بين رعيته، وتأكيده على منع الظلم في أنحاء دولته فقد أصدر إعلاناً مكتوباً،وأمر بوضعه في مكان بارز على أحد جدران المسجد النبوي بالمدينة ونصه: "من عبد العزيز بن عبد الرحمن إلى شعب الجزيرة العربية، على كل فرد من رعيتنا يحس أن ظلماً وقع عليه أن يتقدم إلينا بالشكوى، وعلى كل من يتقدم بالشكوى أن يبعث بها بطريق البرق أو البريد المجاني على نفقتنا".(41/67)
وتحقيقاً للعدل ونشره بين الناس أنشأ الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ ديوان المظالم " ليتمكن كل مظلوم من رفع ظلامته لهذا الديوان وليتم إنصافه من ظالمه، والنظر في قضيته مهما كانت "، وكان تأسيس هذا الديوان من الأعمال الجليلة الهامة التي اعتنى بها الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ في مرحلة بناء دولته على اتباع الحق ونشر العدل ومنع الظلم. .
(3) العناية بالقضاء
"لا تخفى على أحد أهمية القضاء في حياة الناس، فبواسطته يتم حل المنازعات والخلافات بين الناس طبقا لما جاء به الشرع الحنيف قال ـ عز وجل ـ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ…} المائدة أية 49.
والقضاء من الوظائف الحكومية التي يعتمد عليها الناس في حل المنازعات واستيفاء الحقوق والإشراف على الأوقاف وتنفيذ الوصايا …. " وقد اهتم الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بعد توحيد أجزاء مملكته بالقضاء الشرعي واختيار القضاة الأكفاء علماً وعملاً وتقوى وورعاً لتولى ذلك العمل، وكان يظهر للقضاة الاحترام والتقدير؛ مما يؤكد حرصه ـ رحمه الله ـ على تحقيق العدل في دولته وبين رعيته، وكانت أحكام القضاء تستمد من القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وكان لتنفيذ أحكام الشرع وما يقرره القضاء الأثر الفاعل والطيب في تحقيق الأمن في نواحي المملكة العربية السعودية.
وبعد فترة قصيرة من حكم الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ تم وضع النظم الإدارية للهيئات القضائية في البلاد السعودية بهدف نشر العدل، وحفظ الحقوق، وحماية العدالة، ومما تم استحداثه في شئون القضاء ومهام القضاة تطوير الإدارة القضائية بالمملكة العربية السعودية، فأصبحت تشتمل على الأقسام التالية:
الإدارات المرتبطة بالقضاء
أولاً: رئاسة القضاء:
وهي أكبر منصب قضائي في الدولة ومقرها في مكة وتتألف الرئاسة من: -(41/68)
أ- رئيس القضاة/ وهو المرجع الأعلى للدوائر المرتبطة به، وهو ـ أيضا ـ مرجع الإفتاء فيما يتعلق بالمصالح الحكومية.
ب- معاون رئيس القضاة / وهو يقوم بمساعدة رئيس القضاء في أعماله، وينوب عنه عند غيابه.
ج- هيئة التدقيقات الشرعية / وتتألف من رئيس القضاة ومعاونه وأعضاء رئاسة القضاء، وتقوم بتدقيق الأحكام الشرعية الواردة لرئاسة القضاء. .
د- ديوان رئاسة القضاء / ويشتمل هذا الديوان على الأقسام الإدارية التابعة لرئاسة القضاة مثل التحرير والمحاسبة وغيرها.
ثانياً: روابط برئاسة القضاة بعض الإدارات الحكومية الأخرى ومنها:
أ- دائرة تفتيش المحاكم / حيث تم تخصيص مفتش على المحاكم الشرعية في كل منطقة من مناطق المملكة العربية السعودية.
ب - كُتاب العدل / واختصاصهم في ضبط الإقرارات المختلفة، والوكالات،والمبايعات والوصايا والكفالات، وتقوم هذه الإدارة بتسجيلها لديها وإصدار الصكوك فيها.
ج - بيوت المال / وتهتم هذه الإدارات بحفظ أموال الغائبين والقاصرين الذين لا أوصياء لهم، وتقوم ـ أيضا ـ بضبط التركات وتقسيمها على الوجه الشرعي بعد صدور الحكم بذلك من رئاسة القضاة.
د - هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر / واختصاص هذه الهيئات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق الشرع، ولهذه الهيئات تعليمات تسير بموجبها. .
هـ - المرشدون / وهم ينتشرون في المدن والقرى والبوادي والمساجد يقومون بإرشاد الناس إلى ما فيه صلاح دينهم وتوجيههم إلى العقيدة السلفية الصحيحة، وتعليمهم أحكام الدين الإسلامي الحنيف.
ومن خلال هذا التنظيم لأعمال القضاء والإدارات المرتبطة به تم وضع الأسس المتينة التي قام عليها النظام القضائي بالبلاد السعودية مستنداً على الحكم بكتاب الله ـ عز وجل ـ وسنة رسوله ـ ز ـ وساعد هذا التنظيم الجديد، وهذا الاهتمام بالعدل من قبل الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ على اطمئنان الناس على أموالهم وأعراضهم. .(41/69)
وقد أولت المملكة العربية السعودية منذ قيامها وتوحيدها على يد الملك عبد العزيز يرحمه الله القضاء الكثير من الاهتمام والرعاية، وأعلن للجميع أن النظام القضائي في المملكة قد أسس على تحكيم الشريعة الإسلامية في كافة الأمور، والأحوال الشخصية المدنية منها والجنائية، وأصبحت المملكة العربية السعودية بفضل الله ـ عز وجل ـ مضرب المثل في تطبيق الشريعة الإسلامية، وقوة نظامها القضائي واستقلاليته.
(4) الاهتمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
تم تأسيس أول هيئة رسمية للإمر بالمعروف والنهي عن المنكر على يد الملك عبد العزيز يرحمه الله وذلك بعد ما استقرت أحوال الدولة السعودية، وتم تكليف الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ ليقوم على ولاية الاحتساب مع اختيار بعض الأعوان والمساعدين لوالي الحسبة، وقام الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بتزويد المحتسب ببعض الرجال من أعوانه وجنوده لمساعدته في عمله.
وبناء على الإجراءات التي اتخذها الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه وأكرم مثواه ـ أصبحت الحسبة ولاية رسمية، وللمحتسب مقر دائم، وتوزعت المسئوليات والأعمال بين الرئاسة والفروع التي أنشئت، وأصبح لوالى الحسبة شرطة خاصة،وسجن يؤدب فيه المذنبين، ودوريات تقوم بعملها كل في حدود الاختصاصات النوعية والمكانية خلال ساعات الليل والنهار (1) .
__________
(1) محمد الشثري. الدعوة في عهد الملك عبد العزيز 1/323، 324.(41/70)
وكان للملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ جهوده الشخصية في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال رسائله ومناصحته للأمراء،ولرجال الدولة والخاصة والعامة بوجوب التزام الطاعات والانتهاء عن المنكرات، وكان ـ يرحمه الله ـ القدوة الحسنة فيما يأمرهم به وينهاهم عنه، فقد عرف بأنه آمر بالمعروف ناه عن المنكر، متمسك بأحكام الشريعة الإسلامية قولاً وعملاً في كافة المجالات، عامل بما يحقق المصلحة لدينه ولبلاده ولشعبه، وكان محباً للعلماء كثير التوجيه والنصح والإرشاد لهم؛ إيماناً منه بأن محبة الخير لإخوانه كمحبته لنفسه.
وقد ظهرت نتائج اهتمام الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعنايته بإنشاء الهيئات الإدارية التي تقوم بهذا الأمر من خلال ما تحقق من جهود لحماية الأخلاق والآداب العامة، والمحافظة على قيم المجتمع المسلم بالبلاد السعودية، وكذلك في مجال حماية الشباب المسلم من مظاهر الانحراف، ومساعدته على مقاومة المنكرات.
(5) تطبيق الشورى
لم يؤثر عن الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ أنه أنفرد بأمر من الأمور، أو عمل من الأعمال دون أن يستشير خاصته ورجال دولته، وذوي العلم والرأي فيها، رغم ما هو معروف عنه من بعد النظر، والذكاء وأصالة الرأي والتفكير، وذلك لاهتمامه بوصية القرآن الكريم حيث أمر الله ـ عز وجل ـ بالمشاورة وحث عليها، قال تعالى: {.. وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} . آل عمران أية 159.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} الشورى أية 38.(41/71)
ولأجل تثبيت هذا المبدأ على قواعد متينة وراسخة، أمر الملك عبد العزيز - رحمه الله - بعد دخوله مكة بإنشاء مجلس ينظر في شئون البلاد، وصدر الأمر الملكي بإعلان تأسيس مجلس الشورى في سنة 1345هـ، وأن يختار أعضاؤه من بين علماء البلاد وأعيانها، وأصحاب الرأي والتدين؛ للنظر فيما يعود بالنفع على البلاد، وتم تحديد واجبات مجلس الشورى والمهام المنوطة به.
وتعاهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ مجلس الشورى بعد إنشائه بالمتابعة والتوجيه والاجتماع بأعضائه من حين لآخر، وتذكيرهم بعظم الأمانة والمسئولية المناطة بهم، وحثهم على مواصلة العمل لما فيه فائدة البلاد ومواطنيها، وأعلن الملك عبد العزيز في افتتاحه لأعمال مجلس الشورى أن الأساس الذي قامت عليه هذه البلاد- حماها الله – هو الشرع الإسلامي ومما ورد في كلمته … "إنكم لتعلمون أن أساس نظامنا وأحكامنا هو الشرع الإسلامي، وأنتم في تلك الدائرة أحرار في سنّ كل نظام وإقرار العمل الذي ترونه موافقاً لصالح البلاد على شرط أن لا يكون مخالفا للشريعة الإسلامية؛ لأن العمل الذي يخالف الشرع لن يكون مفيداً لأحد، والضرر في السير على غير الأساس الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم".(41/72)
وخاطب الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أعضاء مجلس الشورى في إحدى جلساته الافتتاحية لعام 1355هـ فقال بعد حمد الله عز وجل والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ".. لقد قضت حكمة الله باجتماع المسلمين للنظر في مصالحهم باتباع ما أمر به واجتناب ما نهى عنه، وأمرنا بالتعاون على البر والتقوى والتشاور والتناصح في مصالح العباد، حيث قال في محكم التنزيل: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ …} ، وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ:"الدين النصيحة …" ولذلك حرصنا منذ الساعة الأولى على تأسيس مجلسكم الموقر؛ ليكون همزة الوصل بين الراعي والرعية،والترجمان الصادق بين الحاكم والمحكوم … وقد انتهت بالأمس الدورة الخامسة ولله الحمد قام المجلس خلالها بالمهمة الملقاة على عاتقه فكان مثال الجد والنشاط في أعماله، وموفقاً في قراراته التي كان لها أحسن الأثر في سير الأمور، والنهوض بالبلاد نحو الرقي والعمران، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه مرضاته، وأن يهدينا إلى طريق الخير والفلاح إنه على كل شيء قدير …"
ولقد حظي مجلس الشورى بهذه العناية والاهتمام منذ إنشائه على يد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ إدراكاً منه لأهمية الشورى، ومكانتها في الدولة الإسلامية، وفي الوقت الحاضر جدد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ الثقة بمجلس الشورى ومسئولياته ومهامه، فشهد مجلس الشورى في هذا العهد الزاهر المبارك إعلان الانطلاقة الجديدة، ليواصل هذا المجلس مسيرة البناء والعطاء لصالح المواطن والوطن، وليشارك في النهضة السعودية المباركة التي بدأها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ.
(6) تحقيق الأمن في بلاده(41/73)
إن من يعرف حالة الجزيرة العربية قبل حكم الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ يدرك عظم العمل الذي قام به ذلك القائد الفذ ـ طيب الله ثراه ـ لتحقيق الأمن في أنحاء دولته، فقد كان يتعذر التنقل من موضع إلى آخر، بسبب الخوف على النفس والمال والعرض، فكم أزهقت من أرواح، وكم نهبت من أموال في حوادث أصبحت ـ ولله الحمد والمنة ـ في طي النسيان.
لقد أهتم الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بتحقيق الأمن للمواطنين، ولحجاج بيت الله الحرام وللوافدين، وصار الأمن في بلاده من أول اهتماماته، وأولاه عنايته ورعايته، فشدد النكير على العابثين والخارجين على أحكام الشريعة الغراء، ونفّذ فيهم الحدود الشرعية التي نص عليها القرآن الكريم مهما كانت منزلة المحكوم عليه ومكانته.
وهكذا طهّر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بلاده من الشرور، وحوادث الإجرام، وتضاءلت تلك الحوادث بسرعة فائقة، واختفت إلى أدنى قدر إذا قورنت بما يقع في الدول الأخرى في العالم، والمملكة العربية السعودية ـ ولله الحمد والمنة ـ هي الدولة الوحيدة التي انفردت عن بقية بلاد العالم بهذا الأمن المنقطع النظير، وظاهرة الأمن في البلاد السعودية لم يوفق إليها ملك من الملوك، أو أمير من الأمراء،أو حاكم من الحكام في مملكة من الدنيا في العصر الحديث غير الملك عبد العزيز يرحمه الله.(41/74)
وإن ما يعيشه أبناء المملكة العربية السعودية، ومن يفد إليها في الوقت الحاضر من أمن على النفس والمال والعرض لهو ثمرة من ثمار غرس الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وأصبح الأمن المجال الرحب الواسع الذي يتحدث عنه الآخرون بإعجاب وتقدير للتجربة السعودية المباركة في تحقيق الأمن للمواطن والمقيم، لقد نشر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ لواء الأمن فوق ربوع البلاد السعودية مدنها وسهولها وأنجادها، حيث يسير الناس مشاة أو ركباناً، وتسير القوافل تحمل الأموال من جهة إلى أخرى؛ تخترق السهول والجبال ليلاً أو نهاراً ولا يسمع باعتداء وقع أو سرقة حدثت.
ولما تزايدت المسؤوليات والمهام المرتبطة بالأمن في عهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ احتاجت إلى تنظيم تلك المسؤوليات وتوزيع المهام، فشملت:
أ- إدارة الأمن العام:
حرصاً من الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ على نشر الأمن في بلاده أمر بإنشاء إدارة الأمن في سنة 1344هـ، وجعل مقرها مكة المكرمة، وهي مؤلفة من أقسام ومراكز موزعة في أنحاء المملكة مرجعها جميعاً مدير الأمن العام.
ولم تقف جهود الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ عند حد في محاولته لتحقيق الأمن في أنحاء المملكة العربية السعودية، فتمت الاستفادة من وسائل الأمن الحديثة، وإرسال البعثات إلى خارج البلاد لدراسة العلوم الأمنية، وتمت الاستعانة بالخبراء الفنيين المختصين في الأمن وعلومه من بعض الدول العربية.(41/75)
ولإعداد رجال الأمن السعوديين، وتحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة أعداد المتخصصين في هذا المجال المهم أصدر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ أوامره في سنة 1355هـ بإنشاء مدرسة للشرطة لإعداد القوى البشرية الوطنية العاملة في المجالات الأمنية، والتدريب العسكري، والطب الشرعي، والأنظمة الإدارية وفنون الرماية،والفروسية وقيادة العربات والدراجات البخارية وغيرها من العلوم التي يحتاجها رجل الأمن في ذلك العصر، وتشجيعاً من الحكومة السعودية للطلاب على الدراسة في مدرسة الشرطة خصصت لهم مكافأة شهرية، مع تأمين السكن والكسوة العسكرية مدة دراستهم.
وقد تخرج من هذه المدرسة عدد كبير من الطلاب الذين تدرجوا في وظائفهم حتى شغلوا وظائف مهمة في مديرية الأمن العام، وأثبتوا كفاءة ومقدرة مقرونة بالإخلاص في العمل.
وقد كانت مدرسة الشرطة التي أمر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بإنشائها في مكة النواة الأولى للمعاهد والكليات المتخصصة في العلوم الأمنية التي أنشئت فيما بعد على مراحل زمنية متقاربة، وأصبحت تؤمن للقطاعات الأمنية السعودية ما تحتاجه من القوى البشرية المؤهلة، التي أسند إليها تحقيق الأمن للوطن والمواطن والمقيم.
ب - إدارة المطافئ:(41/76)
ظهرت الحاجة لإنشاء أول مصلحة للمطافئ والإنقاذ لتقديم العون والمساعدة وحماية الأرواح والممتلكات وتقليل الأضرار والمخاطر، خاصة في ظل ما نعمت به المملكة العربية السعودية من تقدم وازدهار، ونهضة عمرانية بعد إعلان توحيدها على يد الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ ولاستكمال بناء الأجهزة الأمنية وفق النظم الحديثة تأسست في مناطق المملكة العربية السعودية مصلحة باسم (مصلحة المطافئ) ، وكانت في بداية الأمر مرتبطة بأقسام الشرطة في المدن الكبيرة مثل مكة والمدينة والرياض وجده والطائف وغيرها، وتم تزويد هذه المصلحة بأحدث ما وصل إليه العلم في ذلك الوقت من سيارات وآليات، وأسندت إدارة (مصلحة المطافئ) إلى ضباط وجنود من المواطنين الذين تلقوا تعليمهم في هذا المجال من فرق المطافئ في مصر،فكان أبناء المملكة لا يقلون كفاءة ولا تدريباً عن غيرهم، ممن يعمل في هذا المرفق الحيوي المهم في الإطفاء والإنقاذ في الدول الأخرى.
(7) الاهتمام بوحدة الدولة
حرص الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بعد استعادته لمدينة الرياض على توحيد أجزاء الجزيرة العربية، ولمّ شتاتها وجمع كلمة أهلها على الإسلام الدين الحق الذي ارتضاه لهم رب العالمين وأرسل به خاتم الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وقد أدرك الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بفطنته وذكائه الأخطار التي تحيط بالأمة الإسلامية، وما يكيده الأعداء للمسلمين لإضعافهم، والتسلط عليهم وعلى خيرات بلادهم خاصة في ظل الظروف التي كانت تمر بها بعض البلاد الإسلامية التي وقعت تحت حكم الاستعمار البغيض.(41/77)
ورأى الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ أنه لا منجا للمسلمين إلا باجتماع الكلمة، واتحاد الصف، والتمسك بالدين والاعتصام به واللجوء إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ، والاستعانة به والتوكل عليه،وبذلك يتحقق لهم الخير في الدارين، وينصرهم الله على أعدائهم ويجعل للمسلمين القوة والعزة، والغلبة على أولئك الأعداء.
وكان الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ يؤكد على هذه المفاهيم العظيمة وتلك الغايات السامية في خطبه وأحاديثه، وفي لقاءاته بالمواطنين وبغيرهم من القادة والرؤساء والزعماء والوفود الذين يلتقي بهم من حين لآخر، سواء في المناسبات الخاصة أو العامة ومما نقل عنه في هذا الشأن قوله ـ رحمه الله ـ: "أنا مسلم وأحب جمع كلمة الإسلام والمسلمين، وليس أحب عندي من أن تجتمع كلمه المسلمين، وإنني لا أتأخر عن تقديم نفسي وأسرتي تضحية في سبيل ذلك ".
ومما قاله ـ أيضا ـ في خطبة ارتجلها أمام حجاج بيت الله الحرام في منى بتاريخ 10 ذي الحجة 1359 هـ:
"فإذا أردتم أيها المسلمون النجاح والفلاح في دينكم ودنياكم، ومعاشكم فكونوا مؤمنين غير منافقين، واعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا وكونوا عباد الله إخوانا ….."
"…. فأدعوكم جميعا إلى الإخلاص للدين أولاً، وإلى التآخي والتناصح والجمع بين القلوب ثانياً …"
"…. نحن معشر المسلمين ضعفاء بأنفسنا أقوياء بالإسلام، فاتخذوا من اتحادكم قوة… "(41/78)
لقد كانت وحدة الأمة الإسلامية أمنية من أمنيات الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ وقد بذل النصح للأمة الإسلامية في بيان أهميتها وفي الدعوة إليها، وبذل جهده للمشاركة في تحقيقها من خلال شروعه في توحيد أجزاء مملكته وجمع شتاتها لتكون بإذن الله من الأسباب المساعدة على وحدة الأمة الإسلامية، وليكون توحيد المملكة العربية السعودية الأنموذج الفريد والمثال الذي يحتذى به عند بقية الشعوب الإسلامية وليكون هذا المشروع الكبير الذي تحقق على يديه ـ طيب الله ثراه ـ دليلاً قوياً على أهمية الاجتماع واتحاد الكلمة وهو ما دعا إليه الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ وطبقه في حياته عملياً وتركه واقعاً مشاهداً أمام الأعيان عبر الأجيال.
"فقد وحّد الملك عبد العزيز عرب الجزيرة، وجمع شتاتها وعشائرها توحيداً تاماً؛ لأنه طهّر جسمها من الأمراض، وجعلها شعبا واحداً قابلاً للنهوض والتقدم والسير مع الأمم، وجعل لها كياناً سياسياً،وشيّد دولة عربية إسلامية حديثة اعترفت بها جميع دول الأرض ".
"ولا يقدر مجهودات الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ حق قدرها إلا الواقفون على أحوال البلاد العربية، الخابرون لشؤونها، فهم وحدهم يعرفون ما للملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ من فضل بعد الله ـ عز وجل ـ على الجزيرة العربية وعلى أهلها، حيث تحقق له ولدولته ولشعبه بتوفيق من الله ـ عز وجل ـ في وقت قصير ما يحتاج غيره لتحقيقه قرونا وأزمنه طويلة "
لقد سار الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ في حركة البناء والأعمار بخطي واثقة، ووجد أن الوضع بحاجة إلي توحيد مملكته، فلا يبقى هناك ما اسمه الحجاز ونجد وملحقاتها، ولاحظ إن الوحدة يجب أن تكون شاملة في كل شيء، وعلى هذا الأساس اصبح اسمها (المملكة العربية السعودية) وفي 17 صفر 1351 هـ صدر الآمر الملكي باعتماد الاسم الجديد "(41/79)
"وبنجاح الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ في توحيد بلاده، ولمّ شعب الجزيرة العربية تحت لوائه سكب في أعماق الأمة الناشئة، والدولة القادمة أقوى عوامل التراص، وأسباب التماسك، وهي التقيد الشديد بأحكام القرءان الكريم "
(8) العناية بالحرمين الشريفين
ارتبط تاريخ الأمة الإسلامية بالمسجد ارتباطا وثيقا، وذلك لأن الإسلام لم يقصر رسالة المسجد على أداء الصلاة فحسب، بل جعل للمسجد مكانة عظيمة تخدم المجتمع المسلم، فبجانب أداء الصلاة فيه فهو موطن لتلاوة وتدبر كتاب الله ـ عز وجل ـ قال تعالى ـ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ …} . النور آية 36–37.
والمسجد مدرسة للتعليم والتهذيب، ومجلس صلح وقضاء، وملتقى للتعاون على البر والتقوى، ومحل للتشاور بين المسلمين والتناصح فيما بينهم، ومركز القيادة العسكرية وعقد الألوية للجيوش المجاهدة في سبيل الله، ومكان لاستقبال الوفود التي كانت تقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قبل ذلك كله مكان لإعلان العبودية الخالصة لله ـ عز وجل ـ قال تعالى ـ: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} . الجن أية 18.
فرسالة المسجد في الإسلام رسالة توحيد لله عز وجل وهدى وحق وخير، ورسالة دعوة وأخوة ووحدة بين المسلمين، واعتصام بحبل الله المتين، قال تعالى ـ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً …} آل عمران أية103.(41/80)
وحرصاً من الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ على تحقيق المسجد لرسالته الخالدة اهتم بعمارة بيوت الله والعناية بها،وفي مقدمة تلك المساجد المسجد الحرام بمكة، والمسجد النبوي بالمدينة.
وتعتز المملكة العربية السعودية ملكا وحكومة وشعباً بتشرفها بخدمة الحرمين الشريفين ورعايتهما، وكان الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ يولى أهمية كبيرة لخدمة الحرمين الشريفين وتوفير سبل الراحة لحجاج بيت الله الحرام، وزائري مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من نتائج هذا الاهتمام وتلك العناية الكبيرة تمكن الملايين من المسلمين من أداء مناسك الحج والعمرة والزيارة في أمن وأمان واطمئنان.
ومنذ عهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ وجهود المملكة العربية السعودية تتضاعف عاماً بعد عام للعناية بالأماكن المقدسة، وتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن وفيما يخص اهتمام الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ وعنايته بالحرمين الشريفين يمكن إيجازه فيما يلي:
(أ) المسجد الحرام بمكة المكرمة:
أقبلت جموع المسلمين من شتى بقاع الأرض لأداء مناسك الحج،خاصة بعد توحيد المملكة العربية السعودية على يد عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ حيث نعم الحجاج والعمّار والزّوار بالأمن والاطمئنان، وتسامع المسلمون بما أصبحت عليه البلاد السعودية بعد توحيدها فتطلّعوا إلى أداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، وقد نتج عن تزايد أعداد القادمين إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة أن ضاق الحرمان بتلك الأعداد المتزايدة عاماً بعد عام.
وما أن اطلع الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ على حقيقة الأوضاع في المسجد الحرام حتى أذاع في عام 1368 هـ بلاغاً عاماً وجهه إلى العالم الإسلامي تضمن البشرى باعتزامه توسعة الحرمين الشريفين.(41/81)
وكانت هذه التوسعة من أعظم ما شرع فيه الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ حيث بدأت الاستعدادات وإجراء الدراسات لذلك المشروع المهم لتوسعة المسجد الحرام، ولكن المنية لم تمهله فقد وافاه الأجل في سنة 1373هـ قبل أن يكتمل ذلك الإنجاز الكبير.
وقد تولى الإشراف على تلك المشروعات التي أمر بها الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ نجله وخلفه من بعده الأمير سعود ـ رحمه الله ـ وبدأ العمل الفعلي في التوسعة السعودية الأولى للمسجد الحرام في ربيع الثاني 1375هـ، وتم تعيين لجنة عليا للإشراف على العمل برئاسة الأمير فيصل بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ ولجنة أخرى لتقدير التعويضات التي ستدفع لأصحاب الأملاك التي يقتضي المشروع إزالتها، ولجنة ثالثة لمراقبة التنفيذ، ثم وحدت تلك اللجان في لجنة واحدة باسم (اللجنة التنفيذية العليا) ، وتم إنشاء مكتب بإسم (مكتب صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود لتوسعة المسجد الحرام وتجديد عمارته) .
وبانتهاء المرحلة الأولى من التوسعة السعودية تم بناء المسعى بطابقيه بطول 394.5 متراً وعرض 20 متراً، وارتفاع الطابق الأول 12 متراً والطابق الثاني 9 أمتار، وجعل للمسعى ممران في اتجاهين مع ممر وسطى في اتجاهين للساعين على الكراسي المتحركة، واستطاع الحجاج لأول مرة السعي بين الصفا والمروة بأمان بدون أن يختلطوا مع الباعة أو المارة، وتم ـ أيضاً ـ الانتهاء من بعض الأعمال والخدمات حول المسجد الحرام التي تحتاجها التوسعة، وتم إضاءة المسجد الحرام بالإضاءة الكهربائية الحديثة، وشملت الإضاءة الأعمدة المقامة حول المطاف،ومداخل المسجد الحرام ومآذنه، وقد بلغت تكلفة هذه التوسعة (000/000/800) ريال.(41/82)
وقد استمرت جهود الدولة السعودية في عمارة المسجد الحرام والعناية به وتحسين الخدمات والمرافق التي يحتاجها، حتى كانت التوسعة السعودية الثانية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ حيث تشرف بوضع حجر الأساس لتلك التوسعة في 9 صفر 1409هـ، وبانتهاء هذه التوسعة المباركة أصبح المسجد الحرام معداً لاستيعاب أكثر من مليون ونصف مصلٍ في أوقات الذروة، وبلغ ما أنفقته الحكومة السعودية ـ أيدها الله ـ على هذا المشروع والخدمات المساندة له من ساحات وجسور وأنفاق وسلالم كهربائية وشبكة إذاعة داخلية، ونظام إطفاء للحريق، ودورات مياه حوالي 12 مليار ريال، وأصبح المسجد الحرام من أهم الإنجازات السعودية التي تقدمها للمسلمين الذين يؤمون البيت العتيق من كل فج عميق.
(ب) المسجد النّبوي بالمدينة المنورة:
بعد ما أعلن الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ عزمه على توسعة وعمارة الحرمين بدأ بالمسجد النبوي، وكان ذلك في سنة 1368 هـ، وبدأ هذا المشروع المبارك بدراسات هندسية شاملة للمسجد النبوي وما يجاوره لتحديد ما ينبغي عمله بأفضل درجة ممكنة من الجودة والإتقان.
وتم استدعاء المهندسين المختصين من مصر والباكستان لوضع التصاميم اللائقة بهذا المشروع، وبعد انتهاء تلك الدراسة الهندسية رفع المهندسون تقاريرهم الهندسية إلى الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ فحظيت لديه بالقبول، وبادر بإصدار أمره ببدء العمل، واعتماد المبالغ المالية لتوسعة المسجد النبوي وعمارته وصيانته، ولتعويض أصحاب الأملاك التي تقرر إزالتها لصالح المشروع.(41/83)
وقد استمرت الأعمال التمهيدية حتى أوائل سنة1373 هـ ومن خلالها تم هدم الأبنية المحيطة بالمسجد النّبوي، ونقل أنقاضها، والبدء بحفر الأساسات لمشروع التوسعة، وقد تفضل الملك سعود ـ رحمه الله ـ في ربيع الأول 1374 هـ برعاية حفل وضع حجر الأساس الذي حضره ممثلون عن الدول الإسلامية وسفرائها وجموع كبيرة من المواطنين.
وتعتبر التوسعة العزيزية التي قام بها الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ أكبر توسعة تمت في تاريخ المسجد النّبوي منذ بنائه حتى ذلك الوقت، حيث وصلت مساحته إلى 6024 متراً، وأضيفت إليه مئذنتان إحداهما في الركن الشمالي الغربي والأخرى في الركن الشمالي الشرقي.
ولم تتوقف عناية الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ بالمسجد النّبوي عند هذا الحد، فقد أصدر أوامره بإنشاء ميادين عديدة في المدينة، وفي ظل عنايته ورعايته بالمدينة وسكانها نفذت بها الطرق العديدة، وأنشأ المستشفى الذي يعرف بمستشفى الملك عبد العزيز، وأنشأ داراً للمحكمة الشرعية، وأمر ـ رحمه الله ـ ببناء مقر للمكتبة العامة،وأمر بإنشاء مطار حديث في الشمال الشرقي للمدينة، وغيرها من المنشآت المهمة التي شرع في بنائها بالمدينة في أعوامه الأخيرة وأكملت بعد وفاته ـ يرحمه الله ـ وتدل هذه الأعمال على شدة عنايته، وكثرة اهتمامه بالمسجد النّبوي، وحرصه على تقديم أفضل الخدمات لمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.(41/84)
واستمرت العناية السعودية بالمسجد النّبوي حتى وقتنا الحاضر الذي شهد أعظم وأكبر توسعة عبر التاريخ، فقد أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ أيده الله ـ ببدء هذه التوسعة المباركة، وتفضل بنفسه بوضع حجر الأساس في 9 صفر 1405 هـ، وبعد سنوات قليلة من العمل المتواصل تم بحمد الله وتوفيقه إنجاز هذه التوسعة التي أصبحت وما حولها من مرافق وخدمات في غاية من التنظيم الذي يفوق الوصف، مما هيأ المسجد النّبوي على استيعاب الأعداد الكبيرة من الحجاج والزوّار في كل عام (1) .
إن ما تقدم غيض من فيض حيث تبين هذه المشاريع المباركة في مكة والمدينة عناية ملوك آل سعود الكرام بالحرمين الشريفين خاصة، وبيوت الله عامة،ولاسيما خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ فقد أولاها توسعة وعمارة وصيانة ومحافظة على مكانتها وقدسيتها عند المسلمين لتحقق الرسالة التي بنيت من أجلها، ولم تتوقف هذه العناية بالمساجد داخل المملكة العربية السعودية فحسب بل شملت المساجد في خارجها أيضاً، فتم بناء العديد من المساجد والمراكز الإسلامية، وزودت بما يعينها على أداء رسالتها في نشر رسالة الإسلام الخالدة، ودعوة الناس إلي دين الله عز وجل، وأصبحت تلك المساجد والمراكز الإسلامية التي أنشئت على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ منارات هدى، ومشاعل هداية تنير للبشرية طريق الخير والصلاح، وتعينهم على أسباب الفلاح.
(ج) مصنع كسوة الكعبة المشرفة:
أمر الله ـ عز وجل ـ خليله إبراهيم وابنه إسماعيل ـ عليهما السلام ـ برفع قواعد البيت العتيق بمكة وقد أشار الله ـ تبارك وتعالى ـ إلى ذلك في كتابه العزيز بقوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} البقرة آية 127.
__________
(1) عمارة المساجد إصدار وزارة الإعلام 66.(41/85)
ومنذ ذلك الحين وللبيت العتيق حرمته،وللكعبة المشرفة قدسيتها، وعلى مر العصور الإسلامية كان الملوك والسلاطين في البلاد الإسلامية يتسابقون إلى العناية بالكعبة المشرفة من خلال إرسال الكسوة في كل عام أثناء موسم الحج.
وقد اهتم الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بصنع كسوة للكعبة المشرفة بعدما امتنعت الحكومة المصرية في سنة 1343 هـ عن إرسال الكسوة مع المحمل المصري كما هو متبع من السابق في كل عام، وإظهاراً لتعظيم البيت الحرام، وحرصا على العناية بالكعبة المشرفة، وتلافيا لتكرار امتناع الحكومة المصرية من إرسال الكسوة قرر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ إنشاء وبناء مصنع لكسوة الكعبة المشرفة في مدينة مكة المكرمة، وقبل اكتمال بناء مصنع الكسوة امتنعت الحكومة المصرية عن إرسال كسوة الكعبة للمرة الثالثة، مما اضطر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ إلى استنفار كل من في مكة المكرمة من عمال نسيج، وخياطين ومطرزين وخطاطين، فأنكب هؤلاء جميعاً في العمل ليلا ونهاراً، حتى استطاعوا خلال سبعة أيام بلياليها من إنتاج الكسوة التي وضعت على الكعبة المشرفة في 10ذي الحجة 1346 هـ، وحملت هذه الكسوة لأول مرة عبارة… (صنعت بمكة المكرمة بأمر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود) .
ومنذ ذلك الوقت أصبحت كسوة الكعبة ـ ولله الحمد والمنة ـ تنتج في المصنع الخاص بها في مكة المكرمة، وأصبح هذا المصنع من الإنجازات السعودية المباركة الجليلة التي أمر بها الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ ضمن اهتمامه وعنايته بقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم.
(9) العناية بالأوقاف العامة(41/86)
اهتم الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بالمحافظة على الأوقاف العامة التي خصصت للأعمال الخيرية من خدمة للحرمين الشريفين بمكة والمدينة، وعمارتهما أو غير ذلك من أبواب البر المتعددة، ورعاية لهذه الأوقاف العامة أمر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بإنشاء إدارة خاصة بأعمال الأوقاف في كل من المدن التالية مكة، المدينة، جدة.
وتم تنظيم العمل بهذه الإدارات وتطويرها بصدور الأمر الملكي بتاريخ 27 ذي الحجة 1354 هـ القاضي بربط إدارة الأوقاف العامة وفروعها المختلفة بمدن المملكة بمدير عام مقره بمكة، حيث يتولى المدير العام الإشراف المباشر على فروع إدارات الأوقاف بالمدن الأخرى، وتم تنظيم العمل في هذه الإدارات فيما يخص ريع الأوقاف، وتوزيع الصدقات تحت إشراف لجنة مركزية تابعة لإدارة الأوقاف العامة، وقد زودت هذه الإدارات بما تحتاجه من الموظفين لمتابعة سير العمل فيها بما يحقق الهدف من إنشائها.
(10) العناية بحجاج بيت الله الحرام
سعى الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ سعيا حثيثا منذ أن تولى الملك نحو تحقيق الراحة للحجاج الوافدين إلى بيت الله الحرام من جميع أنحاء العالم الإسلامي، واهتم بإزالة كافة أسباب شكاوى الحجاج السابقة، وتحقيقاً لهذه المقاصد السامية لخدمة حجاج بيت الله الحرام أصدر أمره بإنشاء (مديرية شؤون الحج العامة) .
وبذل الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ في سبيل الحج وتأمين طرقه، وتيسير أداء هذا الركن للحجاج كل ما يملك من جهد، وكان ـ رحمه الله ـ يتابع بنفسه قيام مديرية شؤون الحج العامة والإدارات التابعة لها بالأعمال التي كُلّفت بها،حرصا منه على راحة حجاج بيت الله الحرام، ولاستشعاره بعظم المسئولية أمام الله ـ عز وجل ـ عن هذه الأماكن المقدسة، واهتمامه بزوّارها على مدى العام (1) .
__________
(1) الزركلي. شبه الجزيرة العربية.1335، بتصرف.(41/87)
وقد اهتمت إدارة شؤون الحج العامة بعد إنشائها بأقسامها المختلفة وبالتعاون مع الأجهزة الحكومية الأخرى المعنية بشؤون الحج بمساعدة حجاج بيت الله الحرام على أداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام،من خلال توزيع الأعمال والمهام، ووضع الخطط المناسبة لاستقبال مئات الألوف من الحجاج من خارج المملكة ومن داخلها، ومراقبة تحركاتهم منذ وصولهم حتى مغادرتهم للبلاد السعودية بعد انتقالهم بين مكة والمدينة وغيرها من المدن السعودية التي تمر بها قوافل الحجيج في رحلتهم المباركة في كل عام.
ومن المهام الجسام التي كلفت بها إدارة شؤون الحج في عهد الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ استقبال الحجاج عند وصولهم من المنافذ البرية أو البحرية أو الجوية لتيسير الإجراءات لهم، ثم بعد ذلك تهيئة الأماكن لنزولهم، ثم مراقبة تنقلاتهم وتنظيم أمورهم حتى في أثناء تأدية المناسك بالمشاعر المقدسة.
وحرصاً على راحة حجاج بيت الله الحرام أثناء تنقلهم بين مكة والمدينة قامت مديرية شؤون الحج بالإشراف على تنظيم رحلات السفر بين المدينتين المقدستين، وهيأت للمسافرين مناهل المياه العذبة أثناء الطريق، وأقامت مخيمات في المحطات الرئيسة لاستراحة الحجاج أثناء السفر، ويضاف إلى ذلك إقامة المخيمات الحكومية لفقراء الحجاج، ولإرشاد التائهين عن خيامهم ورعاية التائهين في مخيمات عرفات ومنى، وتقديم ما يحتاجونه من طعام وشراب حتى يصل كل منهم إلى مقره، واهتمت مديرية شؤون الحج العامة بالنواحي الإعلامية لتوجيه الحجاج وإرشادهم، فأنشأت محطة إذاعة خاصة لبث النشرات الحكومية عن الحج والحجاج، والتعليمات الهامة التي يحتاجها الحجاج، ولإعلان أسماء الحجاج التائهين حرصاً على وصولهم إلي مطّوفيهم في أسرع وقت ممكن….(41/88)
وبعد توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ تزايدت أعداد الحجيج سنة بعد أخرى نتيجة لما عمّ البلاد السعودية من أمن وأمان واستقرار شجع المسلمين على التوافد للأماكن المقدسة لأداء هذه الفريضة بعد ما تيسرت الوسائل، وأمنت الطرق وتهيأت الخدمات،وعم الخير أرجاء البلاد السعودية.
ولم تتوقف همة الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ عند حد في سبيل تيسير أداء شعائر الحج، فنجده ـ حرصاً منه على راحة حجاج بيت الله الحرام وتخفيفا عليهم من الأعباء المالية ـ، يصدر أوامره الملكية الكريمة بإعفاء الحجاج من الرسوم المالية التى كانت تؤخذ منهم باسم رسوم الحج، وإلغاء تلك الرسوم المالية تخفيفا على المسلمين، ومساعدة لهم في تأدية هذا الركن العظيم، وعن ذلك الحدث المهم يقول يوسف ياسين: سُمع الملك عبد العزيز وهو يقول: أمنيتي في حياتي أن أسقط عن المسلمين رسوم الحج، وما لبث الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أن قال ليوسف ياسين: أبرق إلى ابن سليمان بإعفاء الحجاج من الرسوم … وأبرقت إليه، فجاءه ابن سليمان يقول للملك عبد العزيز: يا طويل العمر ثلاثون مليون ريال، من أين أعوضها للميزانية؟ فأجابه الملك عبد العزيز: دبّر نفسك … وكان الإعفاء.
وقد اجتهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ في تقديم الخدمات لحجاج بيت الله الحرام حيث أصدر أمره بإلغاء امتياز نقل الحجاج لشركة السيارات العربية واحتكارها لهذا العمل منذ سنوات سابقة، والسماح للشركات الأخرى بالمشاركة في نقل الحجاج، وجعل نقل الحجاج مباحاً لجميع الشركات يخضع للمنافسة فيما بينها.(41/89)
واهتم الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بالطريق الذي يصل بين مكة وجدة اهتماماً كبيراً، وأولاه عناية فائقة، وذلك لأهمية هذا الطريق الذي يسلكه حجاج بيت الله الحرام وقاصدو البلد الحرام، وانطلاقاً من مسئوليته عن هذه البقاع المقدسة اهتم بهذا الطريق واتخاذ الأسباب التي تخفف من معاناة المسافرين بين مكة وجدة، ومن أهم الضروريات التي يحتاجها المسافر هي تأمين المياه خاصة في طرق الحج.
وأعلن الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ أنه سيبذل جهده في سبيل راحة وطمأنينة حجاج بيت الله الحرام وقال في هذا الشأن: "… إنني ـ إن شاء الله تعالى ـ سأبذل جهدي فيما يؤمن البلاد المقدسة ويجلب الراحة والاطمئنان لها….
واتبع الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ القول العمل، فأنشأ عدداً من الأسبلة ومناهل المياه التي تؤمن حاجة المسافرين من المياه بين مكة وجدة رغبة منه في الأجر والثواب من الله ـ عز وجل ـ، خاصة بعد اتساع العمران بين مكة وجدة، وزيادة حركة التنقل بينهما، وتزايد نهضة البلاد السعودية التي بدأت تنمو بعد توحيدها على يد الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ، فظهرت الحاجة إلى بناء تلك الأسبلة في مواقع متقاربة على الطريق بين مكة وجدة وهي:
1 ـ سبيل أم القرون.
2 ـ سبيل حداء.
3 ـ سبيل المقتلة.
وقد صممت تلك الأسبلة بحيث يجد الحاج والمسافر المياه الباردة من خلال طريقة البناء المتبعة التي تساعد على تبريد المياه لإرواء ظمأ المارين والمسافرين، ورغبة للثواب والأجر من رب العالمين.(41/90)
لقد لاقت هذه المشروعات والخدمات الخاصة بالحج التي أمر بها الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ الاستحسان لدى وفود الحجاج لما لها من أثر طيب في راحتهم والتيسير عليهم لأداء مناسك الحج، فلهجت الألسنة بشكر الله ـ عز وجل ـ، ثم بالدعاء لمن كان سببا في التخفيف عنهم، والتيسير عليهم ألا وهو الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ، ومازالت وفود الحجيج ـ ولله الحمد والمنة – حتى وقتنا الحاضر تنعم بما وفرته حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ من تسهيلات وإنجازات، وخدمات عديدة لتهيئة الأجواء المناسبة لتأدية هذه الفريضة العظيمة، والإنجازات السعودية في هذا الشأن تتحدث عن نفسها، وهي دليل على الرعاية السخية من الحكومة السعودية للحرمين الشريفين، والمشاعر المقدسة ولضيوف الرحمن حجاج بيت الله الحرام وذلك من خلال إنشاء الطرق السريعة الواسعة، وتقديم الخدمات الطبية المتكاملة ترافق الحجاج حيثما نزلوا، بالإضافة إلى القوى البشرية التي جنّدت وأعدت لراحتهم منذ وصولهم حتى مغادرتهم، والحديث عن الخدمات التي تقدمها الدولة لشؤون الحج حديث ذو شجون حيث أصبح الشعار الذي تتنافس فيه الإدارات الحكومية المرتبطة بشؤون الحج وتسعى لتحقيقه … (خدمة الحاج شرف لنا) .
(11) نشر الكتب النافعة
اعتنى الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بنشر الكتب المفيدة النافعة، وذلك حرصاً منه على نشر العلم النافع الذي يساعد على العمل الصالح فوّجه عنايته الخاصة إلى طبع الكتب القيمة، والاهتمام بنشر كتب العلوم الإسلامية التي ألفها العلماء من سلف الأمة الصالح رحمهم الله تعالى.(41/91)
وبهذا الاهتمام المتواصل من الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ حظي الكتاب في عهده بعناية فائقة وهو يبني دولة العلم والإيمان المرتبطة بروح الإسلام، فأحيا بذلك العمل معالم الدين الإسلامي الحنيف، وحافظ على تعاليمه في غمرة جهوده المباركة لنشر العلم ومحاربة الجهل.
وقد كانت أوامر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ تصدر بين الحين والآخر بطباعة الكتب وتحقيق ما لم يطبع من المخطوطات الإسلامية،وتوزيعها مجانا في أرجاء دولته وفي أنحاء العالم الإسلامي على نفقته الخاصة، وكانت أعداد كبيرة من هذه الكتب تصل من مطابع مصر والشام والهند ولم يذكر عليها اسم الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وإنما يكتفي بالعبارة التالية:
(طبعت على نفقة من قصده الثواب من رب الأرباب) .
وقد أشارت المصادر التاريخية التي تحدثت عن هذه الشخصية الفذة إلى قائمة بالكتب التي أمر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بطباعتها، وتوزيعها في العلوم الإسلامية المختلفة مثل العقيدة، التفسير، الحديث، الفقه وأصوله، الفتاوى والردود والخطب، المناسك، الوعظ، الفتاوى، التاريخ، الأدب.
وكان في مقدمة المؤلفات القيمة التي طبعت على نفقة الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ: كتب شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم، وكتب الإمام أحمد بن حنبل، ومؤلفات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وكتب أبنائه وأحفاده وتلاميذه، وغيرها من كتب ومؤلفات علماء السلف الصالح ـ رحمهم الله تعالى ـ.
وكان للملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ مجلس عام عامر بالعلماء والمشايخ، حيث يحضر مجلسه العديد من علماء الإسلام الذين يدينون بالعقيدة السلفية الصحيحة ويتلى في ذلك المجلس آيات من القرءان الكريم، ثم يتبع ذلك دروس في الحديث والسيرة والتاريخ والأدب، ويشارك الحاضرون من أهل العلم والمعرفة في ذلك المجلس وما يحصل فيه من مناقشات وتساؤلات.(41/92)
ومما يوضح ويبين الجهود المباركة للملك عبد العزيز يرحمه الله في نشر العلم مكتبته الخاصة فهي، خير شاهد على اهتمامه بالعلم ومنزلته عنده، فتلك المكتبة تدل على عنايته بنشر المعرفة والعلم الصحيح وحرصه رحمه الله على تنقية العقيدة الإسلامية من الخرافات والبدع ببيان معالم الدين الإسلامي الحنيف، ونشر معالم السنة النبوية.
ولقد كانت مكتبة الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ ومحتوياتها من الكتب المتنوعة، وجهوده البارزة في نشر الكتب المفيدة في داخل البلاد السعودية وخارجها هي النواة الأولى لظهور المكتبات العلمية الخاصة في أنحاء المملكة العربية السعودية، وهي من الأدلة على اهتمام الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بالعلم والعلماء وعنايته بنشر الكتب مما حقق نتائج طيبة في إظهار العقيدة الإسلامية الصحيحة حتى أطلق على ذلك العهد الذي بدأه الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ بعهد النهضة العلمية نتيجة لإنفاقه بسخاء لنشر العلم الصحيح وخدمة الإسلام والدعوة الإسلامية والمسلمين بما تم طبعه وتوزيعه مجاناً على المسلمين من تلك الكتب المفيدة النافعة.
ولم يقف الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ عند نشر الكتب فقط بل نجده في حرص بالغ على حماية العقيدة الإسلامية الصحيحة. ولنشر معتقد سلف الأمة الصالح ومنهجهم ـ رحمهم الله تعالى ـ ولحماية أبناء الأمة من المذاهب الضالة والآراء الفاسدة، ولبقاء العقيدة صافية نقية من الشوائب يصدر أوامره بعدم السماح بدخول الكتب والنشرات المخالفة لمعتقد أهل السنة والجماعة إلى داخل المملكة العربية السعودية، مما يدل على غيرته الدينية، واهتمامه بالمحافظة على العقيدة الإسلامية الصحيحة وحماية جانبها مما يخالفها من المذاهب الضالة والآراء الفاسدة.(41/93)
تابع لإصلاحات الداخلية في عهد الملك عبد العزيز
(12) العناية بالطباعة والصحافة
في ظل النهضة المباركة التي شهدتها البلاد السعودية في عهد الملك عبد العزيز آل سعود ـ يرحمه الله ـ ظهرت الحاجة إلى وسائل الطباعة الحديثة التي يعتمد عليها في نشر العلم وتعميمه، ولتأمين تلك المطابع الحديثة أصدر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ أوامره بإحضار مطابع حديثه لمختلف المدن، واستقدم لها الأيدي العاملة، وأنواع الورق والمعدات اللازمة، وعرف من تلك المطابع مطبعة الحكومة في مكة المكرمة التي أنشئت لتأمين ما تحتاجه الدولة وإداراتها الحكومية المختلفة من المطبوعات في ذلك الوقت.
ونظراً لحاجة الحكومة السعودية لصحيفة رسمية تكون وسيلة لنشر الإعلانات والبيانات الحكومية، ولإبلاغ ما تريد الدولة إيصاله إلى المواطنين من تعليمات وتوجيهات أصدر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أوامره في سنة 1343هـ بإصدار جريدة (أم القرى) في مكة المكرمة، "وهى جريدة أسبوعية عدد صفحاتها أربع، ولكنها تصدر بثماني صفحات أو أكثر من ذلك في المناسبات، وكانت هذه الجريدة تطبع في مطابع الحكومة، وتنشر فيها البلاغات والإعلانات الحكومية الرسمية وتضيف إليها طائفة من الأنباء الداخلية والعالمية، والمقالات في الشؤون الدينية وشؤون الصحة والأدب والاجتماع… "
وتبع هذه الخطوة صدور بعض الصحف الأهلية، فظهرت صحيفة (صوت الحجاز) في سنة 1350 هـ، ثم صدرت صحيفة (المدينة المنورة) في سنة 1356 هـ، وصدرت بعد ذلك في البلاد السعودية مجلات شهرية لكل منها طابعها الخاص الذي يُميزها عن غيرها من المطبوعات وفي مقدمتها: مجلة الحج، مجلة المنهل، مجلة اليمامة.(41/94)
وتتابع ظهور الإصدارات الصحفية والإعلامية اليومية والأسبوعية والشهرية والفصلية، مما يدل على اهتمام الحكومة السعودية بهذا الجانب الإعلامي الهام خاصة بعدما أخذ في التطور والانتشار في حركة متوافقة مع النهضة المباركة التي تمر بها البلاد السعودية بعد توحيدها على يد الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ (1) .
(13) تنظيم إدارات الدولة
تحمّل الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ تبعات الفترة الزمنية السابقة لعهده، وما تركته تلك الحقبة الزمنية من آثار سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وغيرها، لذا حرص ـ رحمه الله ـ بعد توحيد المملكة على إقامة دولته المباركة على أسس راسخة قوية الأركان، واهتم بالنهوض بدولته، فسابق الزمن معتمداً على الله عز وجل في خطوات الوحدة والبناء والتطوير في كافة المجالات التي تحتاجها دولته الحديثة.
وقد استطاع الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بتوفيق من رب العزة والجلال إقامة دولة مهابة الجانب يقر لها الجميع بالاحترام والتقدير، وحمل الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ مسئولية هذه الدولة المترامية الأطراف فحقق الله ـ تبارك وتعالى ـ على يديه لأهلها الأمن والاطمئنان، والتقدم والازدهار، فغدت المملكة العربية السعودية بعد سنوات من حكمه محط الأنظار، وأصبحت التجربة السعودية في الوحدة والبناء محل إعجاب وإكبار نظراً لما وصلت إليه المملكة العربية السعودية، في هذا الوقت القصير، وما قطعته من مراحل كبيرة وخطوات عظيمة في طريقها للتقدم، ومسايرة الحضارة الحديثة في مختلف المجالات.
__________
(1) المصدر السابق.1027.(41/95)
"لقد بدأ الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ خطواته التنظيمية الإدارية لدولته بتحديد ملامح الدولة ونظام الحكم فيها والمنهج الذي تسير عليه، وتحديد مرجع جميع السلطات الإدارية وهو الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الذي كان كل شيء في الدولة، ليس لأحد من أعوانه أو أمرائه أن يتصرف في أمر أو شأن داخلي أو خارجي قبل عرضه عليه…. "
واهتم الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بتنظيم أحوال ديوانه، وتحديد المهام الداخلية والخارجية التي يحتاجها سير العمل الإداري في دولته بذلك الوقت.
وفي مقدمة ما عنى به الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ في خطواته المباركة لتنظيم شؤون الدولة، وتوزيع المهام الإدارية والمسئوليات واصطفاء الأكفّاء، اختيار نجله سمو الأمير سعود بن عبد العزيز لولاية العهد، واختيار نجله سمو الأمير فيصل بن عبد العزيز للنيابة عن الملك في الحجاز، ثم رئاسة مجلس الشورى ثم تعينيه وزيراً للخارجية، وهي أول وزارة أنشئت في المملكة العربية السعودية.
ثم تتابع إنشاء الوزارات في عهد الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وكانت هذه الوزارات المختلفة تستمد سلطانها مباشرة منه، ويتصل كل منها بالملك عبد العزيز شخصياً، وأهم الوزارات التي ظهرت الحاجة إلي إنشائها في عهده هي:
وزارة الخارجية، وزارة المالية، وزارة الدفاع، وزارة الداخلية، وزارة الصحة.
وحرصاً من الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ على متابعة شؤون دولته، ومراقبة سير أعمال الإدارات الحكومية رأى أن يكون لوزرائه مجلس يعقدونه للتداول في المهام العامة للدولة، وافتتح الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أول اجتماع لمجلس الوزراء في عهده بمدينة الرياض يوم الأحد 3 ذي الحجة 1372 هـ، ثم أصدر أمره في 3 صفر 1373 هـ بجعل مجلس الوزراء تحت رئاسة ولي العهد سمو الأمير سعود بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ.
(14) بناء الجيش السعودي(41/96)
بذل الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ جهوداً عظيمة بعد إعلان قيام المملكة العربية السعودية لتحقيق أهدافه وأمنياته، فعمل بعزيمة قوية لا تعرف الكلل أو الملل لنشر الدعوة الإسلامية، وإقامة شعائر الدين، وبسط العدل والأمن والاستقرار في دولته بعد توحيد أجزائها.
"وقد تنبه الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ إلى أن هذه الدولة التي أقامها بعون من الله ـ عز وجل ـ لا بد لها أن تكون قوية الجانب، تقترن الهيبة في النفوس عند سماع اسمها، خاصة وأنه يعيش في عصر لا يعترف إلا بالأقوياء، ولبناء قوة الدولة اهتم الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بجيشه وقواته العسكرية التي رافقته في معاركه ضد خصومه، وشاركته في مراحل بناء هذا الصرح المبارك، وكان يطلق على هذه المجموعات (جيش الجهاد) ، ويتكون من حاضرة أهل نجد بالإضافة إلى جيش الإخوان الذي يتكون من القبائل التي سكنت الهجر فكانت تشبه الثكنات العسكرية، وقد شاركت هذه المجموعات مع الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ في حروبه بدافع الولاء للدين الحنيف ثم للقيادة، وكانت أسلحة هذه المجموعات متفاوتة من فرد لآخر كل حسب استطاعته، فبعضهم يحمل البندقية، وبعضهم الرماح، وبعضهم السيوف، وغيرهم الخناجر " وظل هذا الوضع سائداً حتى عام 1348 هـ حين رأي الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أهمية بناء الجيش السعودي وتطويره ومجاراة التقدم في صناعة الأسلحة فأمر بتكوين إدارة للأمور العسكرية، فكان ذلك إيذانا بغرس نواة للجيش النظامي السعودي.
وقد بدأت مراحل البناء مباشرة وأثمرت تلك النواة الأولى في سنة 1349 هـ، حيث أقيم في مدينة جدة أول استعراض للقوة العسكرية السعودية أمام الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ وكانت تلك القوة مؤلفة من المجموعات التالية:
1 – فوج المدفعية.
2 – فوج المشاة.
3 – فوج الرشاش.(41/97)
وبدأت هذه القوات العسكرية النظامية تأخذ طريقها في النمو شيئا فشيئاً إلى جانب جيش الجهاد وجيش الأخوان.
وفي سنة 1354 هـ بلغت القوات النظامية حداً اقتضى إنشاء وكالة لشؤون الدفاع، ومديرية للأمور العسكرية، وتم إلغاء المجموعات غير النظامية ما عدا جيش الجهاد، وأصبحت القوات السعودية النظامية الحديثة تضم ثلاثة أنواع هي:
1 – سلاح المشاة.
2 – سلاح المدفعية.
3 – سلاح الفرسان.
وتم تنظيم الجيش السعودي على أساس كتائب وألوية وزعت إلى مجموعات تبعا للوضع الجغرافي للدولة السعودية على النحو التالي:
1 – المنطقة المركزية.
2 – المنطقة الجنوبية الغربية.
3 – المنطقة الجنوبية الشرقية.
4 – المنطقة الشرقية الشمالية.
5 – المنطقة الغربية الشمالية.
وبموجب قرار إنشاء وكالة الدفاع فقد جعل مقرها مدينة الطائف، وتبعا لذلك أصبحت هذه المدينة المقر الرئيس للجيش السعودي، وتم إحداث مجموعات عسكرية للقيام بواجبات الأمن في كل من المدن التالية:
مكة، المدينة، جدة، أبها، ينبع، تبوك، العلا، الوجه.
ولما كانت تطلعات القائد الأعلى الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ تهدف إلى بناء قوة عسكرية قوية بإيمانها بالله ـ عز وجل ـ، وفي تمسكها بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولديها قدرات عسكرية، ومهارات متقدمة تعتمد على التعليم والتدريب،أمر بإنشاء المدرسة العسكرية، وتم الاستفادة من الخبرات العسكرية لضباط عسكريين من دولة سوريا لتأسيس تلك المدرسة، وتعتبر هذه المنشأة العسكرية من جملة المنجزات المهمة التي تمت في عهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بإشراف من وكالة الدفاع.(41/98)
وبعد هذه الخطوات كانت النقلة الكبيرة بإعلان إنشاء وزارة الدفاع حيث صدر أمر الملك عبد العزيز – رحمه الله - في 1ربيع الثاني 1365 هـ بإنشائها وتعيين أول وزير لها وهو سمو الأمير منصور بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ وبتعيينه بدأت النهضة العسكرية الحديثة للجيش السعودي، فقد خصص موازنة مالية ثابتة لوزارة الدفاع تضاعفت سنة بعد أخرى، وأرسل البعثات العسكرية التعليمية إلى مصر وغيرها من البلدان، وتم استقدام الخبرات العسكرية المختلفة لتدريب أفراد الجيش السعودي على أنواع من الأسلحة الحديثة، وتبع ذلك افتتاح المدارس العسكرية في مختلف أنواع الأسلحة وإقامة المصانع العسكرية، والورش الهندسية، وتطوير الخدمات الطبية بإنشاء المستشفى العسكري بالطائف.
وفي خطوة من الخطوات المهمة لتطوير الجيش السعودي تم استحداث سلاح الطيران وإنشاء مدرسة خاصة به، وتم إيفاد بعض خريجيها لمواصلة الدراسة في الدول المتقدمة في مجال علوم الطيران، وفي عهد الأمير منصور بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ واصلت وزارة الدفاع خطواتها في بناء القوات العسكرية السعودية من حيث الهيئات الإدارية، والقدرات البشرية، والآليات العسكرية.
وعلى هذا النهج من العناية والاهتمام بالجيش السعودي استمر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ مدة حكمه، فنالت القوات المسلحة السعودية نصيبا وافراً من التطوير والتجديد في مختلف تشكيلاتها العسكرية، وفي مختلف مواقعها المتعددة في أنحاء المملكة العربية السعودية لتكون بإذن الله قوة لنصرة الحق وردع الباطل.
(15) العناية بالتعليم
للعلم والتعليم أهمية خاصة في حياة الأمم والشعوب، وقد اهتم الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بالعلم والتعليم وأولاه عناية كبيرة، "وأغدق على العلم وأهله في جميع أنحاء الجزيرة العربية، وقدّر العلماء، وجعل لهم الصدارة الأولى في نهضته المباركة ".(41/99)
إن التطور الكبير الذي شهدته البلاد السعودية في عهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ شمل جميع جوانب الحياة، ولا يزال ذلك العهد وذلك القائد الفذ ـ طيب الله ثراه ـ موضع إعجاب وتقدير،ومثار بحث وكتابة وإشادة بين الأفراد والدول.
لقد اعتمد الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ في نهضته التعليمية على أمر مهم اجتهد في العناية به، وبيان أهميته لشعبه ولأبناء الأمة الإسلامية ألا وهو التوجيه إلى تعلم التوحيد الخالص لله ـ عز وجل ـ، والعمل به، ونبذ البدع والخرافات التي ليست من الدين الحق في شيء، وحرصا منه على تحقيق هذا الهدف بدأت النهضة العلمية والحركة التعليمية في البلاد السعودية بواسطة إرسال العلماء إلى أنحاء المملكة، لتعليم الناس أصول الدين الإسلامي الحنيف الذي هو سبب الخير في الدارين، وسبب للحياة الطيبة وكانت هذه أولى الخطوات المباركة لنشر العلم والتعليم بين المواطنين في عهده.
وفي المرحلة التالية من مراحل اهتمام الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بالتعليم، أصدر أمره في سنة1344 هـ بإنشاء إدارة حكومية يطلق عليها (إدارة المعارف العامة) ، تختص بما يتعلق بشؤون التربية والتعليم، يتولى الإشراف عليها مدير عام، ومعاون للمدير العام مع الأقسام الإدارية الأخرى التي تحتاجها هذه الإدارة.
وبعد إنشاء (إدارة المعارف العامة) بدأت هذه الإدارة الحكومية في القيام بمسئولياتها تجاه التعليم، ووضعت القواعد ضمن نشاطها الواسع لجميع مراحل التعليم، وفتحت مدارس جديدة في أنحاء المملكة، وتم تقسيم البلاد السعودية ـ حماها الله ـ إلى عدة مناطق تعليمية، يشرف على كل منطقة معتمد للمعارف يساهم في تنظيم تلك المدارس، ويشرف على سير العمل فيها.(41/100)
وبالرغم من العقبات التي واجهها الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ سواء الاقتصادية أو الاجتماعية ألا أنه مضى قدماً في خطواته لنشر العلم في أنحاء مملكته، "وقد كانت الحركة التعليمية التي بدأها الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ حركة حديثة الملامح بالنسبة للجزيرة العربية، وتعتبر تطوراً جذرياً لمفاهيم التعليم السابقة التي كانت على أهميتها مقصورة على التعليم الديني، حيث قام الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بإدخال التعليم الحديث على نطاق واسع ودعا إليه وشجع المواطنين على الإقبال عليه ".
وبهذه الهمة القوية والعزيمة الصادقة قام التعليم بالمملكة العربية السعودية في عهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ على أربعة أسس وهي:
الأول: المدارس الحكومية في المدن والقرى.
الثاني: المرشدون في الهجر وبين القبائل.
الثالث: البعثات في الخارج.
الرابع: التعليم الأهلي، ويظهر أثر هذه الأسس في الناحية التعليمية فيما يلي:
أ – المدارس الحكومية (النظامية) :
اهتم الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ ببناء هذه المدارس،وقد شملت مراحل التعليم المختلفة في ذلك الوقت ومنها:
1 – المدارس الابتدائية، ومدة الدراسة فيها ست سنوات.
2 – المدارس الثانوية، ومدة الدارس فيها خمس سنوات.
3 – المدارس العالية وأهمها:
أ – المعاهد العلمية / وتم إنشاء أول هذه المعاهد، وهو المعهد العلمي السعودي بمكة في سنة 1344هـ، وهو بمثابة النواة الأولى لبناء معاهد علمية مماثلة في مختلف مدن المملكة.
ب – دار التوحيد/ وهي المدرسة التي أسست في مدينة الطائف سنة 1364هـ لأعداد متخرجين أكفاء في العلوم الدينية؛ لإسناد وظائف القضاء في المملكة إليهم،والقيام بما يتطلبه واجبهم الديني من الوعظ والإرشاد بعد تخرجهم.
ج – كلية الشريعة/ وقد تم افتتاحها في سنة 1369هـ في مكة المكرمة، واهتمت هذه الكلية بتدريس العلوم الدينية واللغة العربية.(41/101)
د – دور المعلمين / وقد أنشئت هذه المعاهد لأعداد المعلمين لمواجهة النهضة العلمية المباركة التي تشهدها البلاد السعودية، والتوسع الكبير في نشر العلم وتعميمه.
ب – المرشدون:
وأما المرشدون (المطاوعة) فينحصر نشاطهم التعليمي بين أهل الهجر ومواطن القبائل، وكانوا يختارون في الغالب من متعلمي تلك الهجر والمدن القريبة من تلك القبائل، وكان المرشد يقوم بوظيفة المعلم، فيبدأ بتعليم القرءان الكريم وأركان الإسلام، والعبادات والمعاملات، ومبادئ القراءة والكتابة، وما يحتاجه الطالب في أمور دينه ودنياه..، ويُعد المرشد واعظ تلك الهجر أو القبيلة، وخطيب مسجدها، وإمامها في صلواتها، والمرجع الديني لأهل الهجر أو القبيلة.
ج – البعثات:
أما البعثات فقد هيأت الحكومة السعودية ـ وفقها الله لكل خير ـ منذ وقت مبكر الفرصة لأبنائها لطلب العلم، ومواصلة الدراسة والتحصيل العلمي في خارج البلاد للاستفادة من المعاهد العلمية الموجودة بالدول الأخرى، ولتهيئة الطلاب السعوديين لتلك الغاية تم إنشاء (مدرسة تحضير البعثات) بمكة في سنة 1354 هـ، وقد وضع لهذه المدرسة المنهج الخاص بحيث تكفى شهادتها لدخول حاملها في المعاهد العليا والكليات الجامعية في مصر أو غيرها من الدول، وقد زودت مدرسة تحضير البعثات بهيئة تدريسية عرفت بالكفاءة في مجال التربية والتعليم.
وبعد فترة زمنية بدأت طلائع خريجي مدرسة تحضير البعثات تصل إلي مصر لإكمال الدارسة في التخصصات التي تحتاجها المملكة العربية السعودية في نهضتها المباركة على يد الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ، وقد تكفلت الحكومة السعودية بالنفقات اللازمة لدراسة أولئك المبتعثين.
وتتابعت الأوامر الملكية السامية من الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بإيفاد هؤلاء الخريجين في بعثات تعليمية، لدراسة مختلف التخصصات في عدد من الدول، فوصل عدد الطلاب المبتعثين في سنة 1369هـ ما يقارب (192) طالباً.(41/102)
د – التعليم الأهلي:
والمراد بهذا النوع من التعليم المدارس الأهلية التي أنشئت قبل العهد السعودي الزاهر، وقد اهتم الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بالمدارس الأهلية التي انتشرت في كل من مكة والمدينة، وجدة، وكان للتعليم الأهلي أثره الواضح في تطور المملكة فمعظم القائمين بالأعمال الحكومية في وظائف الدولة في عهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ هم من خريجي تلك المدارس الأهلية.
لقد حظيت المدارس الحكومية والمدارس الأهلية وطلابها بالدعم والتشجيع والرعاية من الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ، فقد كانت مراحل التعليم المختلفة مجاناً وتحملت الدولة السعودية – ومازالت حتى وقتنا الحاضر – الأعباء المالية المتزايدة عاماً بعد عام لإنشاء المدارس، وتأمين احتياجات مديرية المعارف، ولصرف المساعدات المالية للطلاب لإعانتهم على طلب العلم ومواصلة الدراسة في مراحل التعليم المختلفة.
وـ التعليم الفني والتدريب المهني:
ويضاف إلى ما سبق المدارس المهنية التي أمر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بإنشائها لإعداد القوى البشرية التي تحتاجها الإدارات الحكومية في مختلف المجالات المهنية والفنية ومنها على سبيل المثال:
المدارس العسكرية، المدارس الصناعية وخاصة صناعة تكرير النفط، المدارس الخاصة بالهاتف والبرق والاتصالات وشؤون البريد، وكانت الدولة السعودية ـ أيدها الله ـ توفد بعض الطلاب من خريجي هذه المدارس في بعثات تعليمية لتلقى الجديد في هذه العلوم والمهن والتخصصات الفنية حسب حاجة الإدارات الحكومية في ذلك الوقت.(41/103)
وهكذا سادت المملكة العربية السعودية نهضة تعليمية مباركة بتوجيه ومتابعة وعناية واهتمام من الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ، وقد زادت أعباء التعليم واتسعت عناية الدولة بالشؤون التعليمية مما أدى إلى إنشاء (وزارة المعارف) وكان أول من تولى هذه الوزارة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ وفي فترة وزارته أنشئت جامعة الملك سعود، واستمر في بناء المدارس في ظل اهتمامه ببناء الوطن وتعليم المواطن،وقد آتت جهود خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ أيده الله ـ ثمارها يانعة في عصرنا الحاضر،حيث تشهد المملكة العربية السعودية نهضة تعليمية عظيمة من خلال الجامعات المنتشرة في أنحاء البلاد، والكليات الجامعية المتخصصة للبنين والبنات، والصروح العلمية المتعددة في مختلف التخصصات، التي تشارك في البناء الذي وضع أسسه رائد التعليم الأول، وباني النهضة التعليمية في البلاد السعودية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ.
(16) توطين البادية *
ومن الإصلاحات الهامة في عهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ اهتمامه بأهل البادية، فقد اتخذ ـ رحمه الله ـ الخطوات الأولى لتوطين البادية،ورعايتهم من الناحية الدينية والاجتماعية والتعليمية والاقتصادية وغيرها.
واستطاع الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بهذه الفكرة الناجحة أن يخرج هذا المشروع إلى حيز التنفيذ متخطياً جميع ما كان يعترضها من صعوبات ومشاق حتى تمكن من تحقيق أكبر وأعمق تغيير اجتماعي شهدته الجزيرة العربية منذ عدة قرون.
لقد كان هم الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ أن يجد أبناء المملكة قد أخذوا أماكنهم في قيادة أمتهم على أسس من الدين الإسلامي الحنيف، وليتبؤوا مكانهم بين شعوب العالم، فكانت خطوته الإصلاحية الأولى لتوطين البادية سعيا لتحقيق تلك الغاية.(41/104)
إن مشروع توطين البادية يعطينا صورة واضحة عن مدى سعة أفق الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ، وبعد نظره حينما اهتم بالنواحي المدنية والاقتصادية والاجتماعية التي بواسطتها يمكن تحسين أحوال مجتمعه الذي غلبت على فئات كبيرة منه حياة البداوة.
وبفضل الله وتوفيقه استطاع الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أن يحدث نقلة كبيرة من خلال فكرة توطين البادية، فغيّر أسلوب حياتهم من حالة التنقل إلى الاستقرار، مع الاشتغال بالزراعة وما اعتادوا عليه من تربية الماشية، وقد رضيت القبائل السكنى في تلك الهجر الصغيرة، وبنوا البيوت حول الآبار، وعملوا بالزراعة بعد أن يسر لهم الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ ما يحتاجونه من الآلات وأمدهم بالمساعدات اللازمة.
وكانت الأعمدة الأساسية لإقامة وبناء تلك الهجر هي:
1- المسجد، 2- المسكن، 3- تأمين الماء، ثم العامل الأهم التي قامت عليه تلك الهجر وهو مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، والسير على منهج السلف الصالح ـ رحمهم الله تعالى ـ، ويبدأ في تأسيس هذه الهجر ببناء المسجد ثم تبنى المساكن من حوله، وتتسع الهجرة بعد ذلك شيئاً فشيئاً حسب عدد سكانها.
ويتم تحديد المكان بواسطة الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ حيث يعين بقعة من الأرض تتوفر فيها المياه لقبيلة من القبائل فتنتقل إليها، وتبدأ في بناء البيوت في ذلك الموضع، وكان الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ يساعد مالياً في بناء البيوت الجديدة، فأسست أول هجرة في سنة 1330هـ في (الأرطاوية) ، وأصبحت فيما بعد أكبر الهجر وأهمها، ثم تبعها في كل سنة هجرة جديدة لقبيلة من القبائل، حتى زادت أعدادها على سبعين هجرة، وعرف سكانها بـ (الإخوان) إشارة إلى أواصر الأخوة الإسلامية التي ربطت فيما بينهم، وروح المحبة والتعاون والتناصر التي تجمع بينهم.(41/105)
وقد ظهرت بعد فترة من الزمن من بناء هذه الهجر بعض مظاهر الكسل على بعض أهلها نتيجة لانشغالهم بدراسة الدين والإقبال على العلم والتعلم حتى امتلأت بهم مساجد تلك الهجر، فعالج الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ تلك المظاهر بحكمة وبعد نظر عن طريق العلماء والدعاة إلى الله الذين انتشروا بين هذه الهجر بأمر من الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ لتوجيه أهل الهجر إلى طلب العلم النافع والعمل الصالح، وحثهم على طلب الرزق والسعي في الأرض، وإرشادهم إلى خير الدين والدنيا،وأنه لابد من العلم والعمل، وإعلامهم بأن العمل في الزراعة أو الصناعة أو التجارة لا يتعارض مع الدين الحنيف، وبيان "أن المؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف"…
وبتنفيذ الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ لفكرة توطين البادية تحققت نتائج هامة، أثرت في حياة القبائل من الناحية الدينية والاجتماعية والاقتصادية ومن أهم هذه النتائج:
1 ـ انتشار تعاليم الدين الإسلامي الحنيف بين سكان هذه الهجر، وإقبالهم على التفقه في الدين،والعلم الشرعي وأداء العبادات على علم وبصيرة بواسطة العلماء والدعاة إلى الله عز وجل.
2 ـ انتشار الأمن في ربوع الجزيرة العربية بعد توحيدها على يد الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وتم القضاء على أسباب الفوضى والمنازعات بين القبائل، وساعد ذلك الأمن والاستقرار على ازدهار الحركة الاقتصادية في البلاد السعودية.
3 ـ أوجدت فكرة توطين البادية الشعور بالمواطنة والولاء للدولة، والسمع والطاعة لولى الأمر، وانتهت ـ بحمد الله ـ أسباب الفتن والخلافات بين القبائل، والتعصب للقبيلة بين الأفراد والمجموعات.(41/106)
4 ـ أوجد مشروع توطين البادية قوة عسكرية دينية شاركت في جهود الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ في توحيد المملكة العربية السعودية، وكانت هذه القوة العسكرية على أكمل استعداد للتحرك مع الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ في حملاته العسكرية، وكانت جنداً في وقت الشدائد وأيدٍ عاملة في وقت السلم.
5 ـ أظهرت فكرة توطين البادية حرص الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ واهتمامه بشئون رعيته، وعنايته بمصالحهم وبما يحقق لهم الحياة الكريمة من خلال تقديمه للمساعدات المختلفة لسكان تلك الهجر، وسؤاله الدائم عن أحوالهم، ولا غرابة إذ احتل موحد الجزيرة العربية الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ مكانة كبيرة في نفوس مواطنيه، وذلك لما أبداه ـ طيب الله ثراه ـ من عناية بهم ورعاية لأحوالهم، فقد أعلن أنه يعتبر كبيرهم بمنزلة الوالد، وأوسطهم أخاً، وصغيرهم ابناً….
(17) العناية بالخدمات البلدية
اقتضت النهضة المباركة الشاملة التي شهدتها البلاد السعودية في عهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ إنشاء إدارات حكومية تهتم بالشئون البلدية لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين، وقد اتجهت عناية الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ ضمن جهوده المباركة لتنظيم الأعمال الحكومية فأنشأ فيما بعد ماعرف بـ (البلديات) في كل من مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والرياض، وجدة، والطائف، والظهران، وجيزان، وغيرها من المدن السعودية الأخرى.
وقد جعلت لهذه البلديات صفتان مزدوجتان:
الصفة الأولى: حكومية تتمثل في نظامها الإداري والمالي، وطرق جباية الرسوم والضرائب، وفي تعيين رؤساء البلديات وكبار موظفيها.
الصفة الثانية: أهلية تتمثل في مجالسها البلدية التي يجري اختيارها عن طريق الانتخابات.(41/107)
وحدد المرجع لهذه البلديات في سائر أنحاء المملكة العربية السعودية، وهم حكامها الإداريون، ماعدا بلدية مكة المكرمة فمرجعها النيابة العامة بالحجاز (نائب الملك) ولها اختصاصات انفردت بها عن بلديات المدن الأخرى.
وقد توسعت الخدمات البلدية التي تقدمها هذه البلديات، وزادت المسئوليات بسبب الخطى المباركة التي خطتها حكومة المملكة العربية السعودية في طريق نهضتها الحديثة، فجمعت تلك البلديات بين الأعمال البلدية، ومصالح التنظيم في المدن السعودية، ومن أهم الأعمال التي كلفت بها البلديات: المسئولية عن تنظيم المدينة ونظامها وإنارتها، ومراقبة الإنشاءات والمباني، وتوسعة الطرق، ونزع الملكيات لتوسعة الطرق بعد اتخاذ الإجراءات النظامية، وإحصاء العقارات وترقيمها، ومراقبة الأسعار بالأسواق، ومنع الاحتكار، ومراقبة المخابز والمأكولات والمشروبات غير الصالحة للاستعمال، إلى غير ذلك من الأعمال والخدمات البلدية التي تحتاجها المدن في العصر الحديث.
(18) الرعاية الصحية
اهتم الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بالصحة العامة للمواطنين والوافدين لبلاده، وكانت العناية بالصحة من أبرز ما عرف عن الملك عبد العزيز - يرحمه الله - حتى وصف بأنه من أشد الناس شعوراً بالواجب في هذا المجال.
وبهذه العناية الملكية بالشئون الصحية انتقلت المملكة العربية السعودية إلى عهد جديد ظهرت فيه الخدمات الصحية لتشمل الحواضر والبوادي، فقد أصدر الملك عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ أوامره باستقدام الأطباء من البلاد المجاورة الذين وضعوا النواة الأولى للتنظيم الصحي في البلاد السعودية، وبذلك الاهتمام بالصحة انتهت الحقبة الزمنية التي كان الناس فيها يعتمدون على المعالجة الطبية بواسطة الأعشاب، وطرق العلاج البدائي التي هي في غاية من الخطورة في كثير من الأحيان.(41/108)
وبعد صدور أمر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ في سنة 1344هـ بإنشاء (مديرية الصحة العامة) تطورت الخدمات الصحية،وأخذت هذه المديرية خطوات إلى الإمام، فأنشأت المستشفيات الحكومية، والمستوصفات الطبية في أنحاء البلاد، واستقدمت الأطباء في التخصصات المتعددة، وأحضرت الأدوية والعلاجات اللازمة مع التوسع في استخدام أساليب الفحص والعلاج الحديث.
ولإدراك الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ لحجم المسئولية أمام الله ـ عز وجل ـ عن مئات الألوف التي تقدم إلى مكة لحج بيت الله الحرام زاد من استقدام أهل الاختصاص بالطب والجراحة من الأقطار القريبة والبعيدة لتأمين الرعاية الصحية لضيوف الرحمن، وهم يؤدون هذا الركن من أركان الإسلام.
ولتزايد الحاجة للخدمات الصحية أمر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بإنشاء (وزارة الصحة) يتولى شئونها صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الفيصل آل سعود، وقد بدأت هذه الوزارة مهامها بجد ونشاط من خلال تقسيم المملكة العربية السعودية إلى مناطق صحية من أهمها:
منطقة صحة مكة، منطقة صحة المدينة، منطقة صحة الرياض، منطقة صحة جدة، وقامت بإنشاء مراكز طبية في مدن المملكة تحت إشراف تلك المناطق الصحية، وبذلت وزارة الصحة جهودها المكثفة لإعداد القوى البشرية الوطنية العاملة في الخدمات الطبية، فتم إرسال الشباب السعودي لدراسة العلوم الطبية بجميع فروعها في الجامعات المصرية والأوربية والأمريكية، فيعودون إلى بلادهم أعضاء عاملين في الخدمات الطبية.(41/109)
ونالت البوادي نصيبها من الخدمات الطبية التي عمت أنحاء المملكة، فأنشئت إدارة خاصة تضم مجموعة من الأطباء المتنقلين يقومون بجولات طبية في البادية، وتقديم الأدوية والأمصال اللازمة للبدو الرحل، وقد زودت هذه الإدارة بما تحتاجه من أدوية وخيام وسيارات. وحرصا على تقديم هذه الوزارة للخدمات الطبية والرعاية الصحية لحجاج بيت الله الحرام تم اتخاذ التدابير الطبية اللازمة من خلال:
أ - إنشاء المحاجر الصحية في الموانئ والمطارات وغيرها من منافذ قدوم الحجاج، وقد تم رعاية هذه المحاجر الطبية وفقا للأنظمة الصحية.
ب - إقامة مراكز طبية في الأماكن المقدسة التي ينزل بها الحجاج أثناء رحلة الحج في منى، وعرفات، ومزدلفة، وداخل مكة وغيرها من الأماكن مع تقديم المساعدة الطبية لمن يحتاجها من الحجاج المرضى، ونقلهم بين المشاعر المقدسة مراعاة لحالتهم الصحية.
لقد كان الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ حريصاً على تأمين الرعاية الصحية ليستفيد منها أكثر عدد من المواطنين والمقيمين وحجاج بيت الله الحرام، ومما يؤكد هذا الحرص أنه كان يقوم من وقت لآخر بجولات تفقدية على تلك المستشفيات والمراكز الطبية، ويصدر أوامره بعمل ما تحتاجه من إصلاحات، وبناء المرافق والعيادات، وتأمين المستلزمات الطبية بالإضافة إلى صدور الأوامر الملكية من حين لآخر بإنشاء المستشفيات الحكومية في المدن السعودية فأنشئ في عهده:
مستشفى الملك عبد العزيز بمكة، مستشفى الملك عبد العزيز بالرياض، مستشفى الملك عبد العزيز بجدة، مستشفى الملك عبد العزيز بالمدينة، وبذلك عاشت المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ نهضة صحية عمت الحواضر والبوادي السعودية لتأمين الصحة للجميع.
(19) تنمية الاقتصاد السعودي(41/110)
أبدى الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ اهتمامه بالناحية الاقتصادية، وذلك لرغبته في تنظيم الشؤون المالية للدولة السعودية بهدف تقوية دعائم الدولة، ولاقتناعه بأن تنظيم الدولة وفق الدين الإسلامي سيكفل بإذن الله ـ عز وجل ـ لأبناء البلاد الأمن والرخاء،إذ إن الدين الإسلامي دين ودولة وفطرة سليمة نظم العلاقة بين أفراد المجتمع المسلم.
ولم تكن للشؤون المالية في بداية توحيد الدولة السعودية إدارة منظمة خاصة بها، وإنما أنشئت في كل مدينة إدارة لجباية الزكاة يتولى الأشراف عليها الحاكم الإداري ومرجعه الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ، وتبع ذلك صدور أمر الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ القاضي بربط الإدارات المالية المتفرقة في مدن المملكة في إدارة واحدة، فأنشئت في 17 ربيع الآخر 1346هـ (مديرية المالية العامة) ومقرها مكة المكرمة.
وخلال فترة قصيرة من حكم الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ ظهرت ملامح الدولة السعودية، فأصبحت دولة إسلامية بنيت على أسس الشريعة الإسلامية، وبدأ ـ رحمه الله ـ بتنظيم الشئون المالية لدولته بالاعتماد على أن مديرية المالية وفروعها هي بيت مال المسلمين تحفظ فيها الزكاة والرسوم المتحصلة التي كانت تعتبر أهم الموارد المالية للدولة السعودية في بداية حكم الملك عبد العزيز يرحمه الله.
وفي شهر جمادى الآخرة 1348هـ جعلت هذه المديرية (وكالة المالية العامة) ، ثم بعد فترة زمنية رأي الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ أن تكون للشئون المالية في دولته وزارة واسعة النطاق ذات نظام خاص، فأنشأ وزارة المالية سنة 1351هـ، وصدر نظام المالية، ومازالت هذه الوزارة تتسع باتساع أعمالها، وزيادة مهامها المالية، وانتشار فروعها الإدارية في مدن المملكة.
وظهرت خبرة الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ في الشئون المالية من خلال سياسته المالية لتصريف أمور الدولة السعودية، وتميزت هذه السياسة باتجاهين هما:(41/111)
1 ـ تحديد المصادر المالية للدولة.
2 ـ تنظيم إجراءات الإنفاق للدولة.
وإدراكا من الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ لأهمية الاتجاه الأول أنشأ مجلساً مهمته تدقيق الأوراق الرسمية،والمعاملات المالية والإدارية للدولة.
ولما زادت ـ بفضل الله تبارك وتعالى ـ الواردات المالية للدولة السعودية بعد اكتشاف النفط، وكثر التعامل بين المملكة العربية السعودية وبين المؤسسات الاقتصادية في الداخل والخارج رأى الخبراء في الشئون المالية حماية الصندوق الحكومي والأسواق التجارية من تقلبات حركة النقد العالمية وأثرها في النقد السعودي،ولما عرض الرأي على الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ أمر بإنشاء (مؤسسة النقد العربي السعودي) ، بموجب الأمر الملكي الصادر في 25 رجب 1371هـ.
وقد أشار الأمر الملكي إلى أهمية إنشاء هذه المؤسسة لخدمة النقد الرسمي للدولة، ولما تقتضيه المصلحة العامة، وتم إعلان نظام هذه المؤسسة والمهام المالية الموكلة إليها،وختم نظام مؤسسة النقد بالمادة التي تنص على أنه لا يحق لهذه المؤسسة أن تأتي بأي عمل يتعارض مع قواعد الشرع الحنيف.
ومما تقدم عن اهتمام الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بالاقتصاد الوطني، والشئون المالية للدولة يظهر لنا حرصه على إيرادات الدولة المالية ونفقاتها، وتتبين لنا ملامح السياسة المالية في عهده حيث كانت غاية الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ تحقيق الأمن الاقتصادي للدولة السعودية وتحقيق الأمن الاجتماعي للمواطنين، وشدة عنايته واهتمامه باستمرار الدولة السعودية المباركة في تقديم الخدمات العامة التي تحتاجها الإدارات الحكومية، وبقاء الخدمات التي يحتاجها المجتمع السعودي في ذلك الوقت من خلال التوازن بين إيرادات الدولة ونفقاتها ليضمن بذلك استمرار العمل والبناء والنهضة المباركة الشاملة في أنحاء بلاده.
(20) الاهتمام بالاتصالات الحديثة(41/112)
اهتم الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بأن يكون لبلاده الحظ الأوفر من وسائل الاتصال الحديثة، وكان في مقدمة ما وّجه الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ إليه جهده إنشاء مصلحة حكومية خاصة بشئون الاتصالات، وأمر ـ يرحمه الله ـ بإعداد الإدارات الحكومية التي تحتاجها تلك المصلحة في كافة أنحاء المملكة العربية السعودية.
واهتم الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بالخدمة الهاتفية فتم إيصالها إلى الإدارات الحكومية، والمنازل والمحلات التجارية في كل من مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والرياض، وجدة، والطائف، وعسير، والأحساء، ولتقديم أفضل الخدمات للمستفيدين من هذه الخدمة الحيوية الهامة تم ابتعاث عدد كبير من الدارسين إلى كل من مصر وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فعادوا من تلك البلدان بعد إتقانهم لشئون الهاتف الفنية، وأمر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بإنشاء أربع مدارس للتعليم والتدريب على أعمال الهاتف واللاسلكي في كل من مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والرياض، وبعد فترة أصبح جميع مدرسي اللاسلكي والهاتف في المملكة من المواطنين السعوديين، وكذلك جميع أعمال المراكز الهاتفية كلها في أيدي السعوديين.
وقد ظهر بوضوح نتائج هذا الاهتمام الذي أبداه الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بوسائل الاتصالات الحديثة من خلال تغطية أطراف البلاد السعودية بشبكة من الاتصالات السلكية واللاسلكية، والاتصالات الهاتفية، والخدمات البرقية والبريدية، بالإضافة إلى ربط الإدارات الحكومية المختلفة بواسطة تلك الخدمات الهامة، وقد ساعدت وسائل الاتصال على حفظ الأمن، ونهضة البلاد السعودية من الناحية العمرانية، وازدهار الحركة التجارية، فضلا عن التواصل عبر تلك الوسائل بين المواطنين مما أدى إلى تقوية الروابط الاجتماعية فيما بينهم.
(1 2) الاهتمام بالمواصلات الحديثة
(أ) الطرق البرية:(41/113)
كانت أقاليم البلاد السعودية مفككة الأوصال لا يربط أجزاءها من وسائل المواصلات غير الإبل والخيل، وكانت الطرق غير معّبدة وغير صالحة للسير، فكان المسافر يلاقي في طريقه كثيراً من العقبات والمصاعب، ولإدراك الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ لأهمية الطرق الحديثة لما لها من أثر في تنمية المملكة العربية السعودية، وتطويرها اهتم ـ رحمه الله ـ بالمواصلات اهتماماً كبيراً، مما ساعد على ازدهار بلاده وزيادة الحركة التجارية، واستتاب الأمن فيها، واستقرار أوضاعها.
ولاستمرار تلك النهضة السعودية المباركة أمر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بتأسيس مصلحة عرفت باسم (مصلحة الطرق والمخابرات اللاسلكية) وجعلها تابعة لوزارة المالية، وكلف هذه المصلحة بالعمل على تذليل مصاعب التنقلات، وحركة السفر من خلال شق الطرق وتعبيدها،وإدخال وسائل النقل والمواصلات الحديثة، وربط أجزاء البلاد السعودية بعضها ببعض، وقد قامت هذه المصلحة بما عهد إليها، وبذلت في سبيل تحقيق رغبة الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ جهوداً كبيرة، ونفذت مشاريع متعددة لتسهيل حركة النقل والتنقل في أنحاء المملكة.
ومن أهم الطرق التي أولاها الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ عنايته واهتمامه الطرق التي يسلكها حجاج بيت الله الحرام أثناء تنقلهم بين مكة والمدينة وجدة، فكانت أمنيته أن يرى الطرق ممهدة بين جده والمدينة ومكة تخفيفاً عن حجاج بيت الله الحرام وغيرهم مما كانوا يلاقونه من مشاق في سفرهم، وتنقلهم بين تلك المدن.(41/114)
وقد سعى ـ رحمه الله ـ في تحقيق تلك الأمنية فأمر بإنشاء ذلك الطريق بالاتفاق مع شركة عالمية تقوم بتعبيد الطريق وفرشه بالإسفلت، ونص المشروع على إنجاز ذلك الطريق في سنة 1373هـ، وتوفي الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ قبل ذلك الموعد فلم تقر عينه بالسير على هذا الطريق بين جدة المدينة الذي أنجز وفق أحسن الأساليب المتبعة في إنشاء الطرق في ذلك الوقت.
وقد حظيت القرى التي مر بها هذا الطريق بالعناية والاهتمام، وتم بواسطة هذا الطريق المهم ربطها ببعض مما حقق لها التقدم والازدهار، ومواكبة النهضة الشاملة التي تعيشها البلاد السعودية.
وبعد اتساع حركة النقل والمواصلات وتزايد أعمالها تم تحويل (مصلحة الطرق) إلى (وزارة المواصلات) ، فأخذت هذه الوزارة في العمل المتواصل وإنجاز المشاريع الهامة في مجال المواصلات البرية بين مدن المملكة ومنها: طريق مكة - منى - عرفات، طريق مكة - جده، وطريق مكة - الطائف، وطريق جدة - المدينة، وطريق مكة - الرياض. وغيرها من الطرق البرية الحديثة التي هيأت للمسافرين التنقل المريح، وخففت عن حجاج بيت الله الحرام ما كانوا يجدونه من المشاق أثناء تنقلهم بين المشاعر المقدسة.
(ب) النقل الجوى:(41/115)
تعتبر الخطوط الجوية العربية السعودية ثمرة من الثمرات اليانعة التي وضع غرسها المبارك الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ، وهي إحدى إنجازاته انطلاقاً مما كان يبديه من اهتمام فائق بوسائل المواصلات المختلفة في عهده، ومحاولته الاستفادة منها لخدمة المساحات الشاسعة التي تتألف منها المملكة العربية السعودية، وعندما ظهرت الحاجة لتأمين الطائرات لنقل الركاب بين مدن المملكة واقترح المتحمسون لهذه الفكرة جمع التبرعات لشراء الطائرات اللازمة كان الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ قي مقدمة المتبرعين لهذا المشروع المهم، وشارك في التبرع ولي عهده الأمير سعود ونائبه الأمير فيصل ـ رحمهما الله ـ، ووصلت التبرعات إلى أكثر من ثلاثة ملايين ريال، فتم شراء ثلاث طائرات أطلقت عليها أسماء المدن الرئيسة بالمملكة وهي: مكة -المدينة -الرياض.
وإسهاماً من الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ في خدمة المواطنين وضع الطائرة الخاصة به التي أهديت إليه من الرئيس الأمريكي (روزفلت) في عام 1365هـ وضعها في خدمة المواطنين لمساعدتهم على التنقل بواسطتها، وبذلك بدأ عصر ازدهار الطيران والنقل الجوي في المملكة العربية السعودية.
ولما تزايدت الحاجة للنقل الجوى واعتماده وسيلة أولية في تأمين الاتصال بين مناطق المملكة العربية السعودية، أمر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بشراء طائرتين، فكانت هذه الطائرات الست هي النواة الأولى للأسطول الجوى الذي تملكه الخطوط الجوية العربية السعودية في الوقت الحاضر، وتم استخدام هذه الطائرات في نقل المسافرين، وحمل البريد بين المناطق الوسطى والشرقية والغربية من المملكة.(41/116)
وأمر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بشراء المزيد من الطائرات المختلفة بين الحين والآخر، مما ساعد على ربط المملكة العربية السعودية داخلياً وبالعالم حولها خارجياً عبر الرحلات الجوية التي كانت تنطلق من المطارات السعودية في الرياض وجدة والظهران، وبهذا الاهتمام الذي أبداه الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بالطيران والنقل الجوى أصبحت الخطوط الجوية السعودية إحدى أقدم مؤسسات الطيران في العالم العربي.
(ج) الموانئ البحرية:
اهتم الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بالموانئ السعودية على ساحل البحر الأحمر، وساحل الخليج العربي، وأبدى رغبته في تطوير هذه الموانئ، وربطها مع بعضها البعض بواسطة السفن البخارية التي أمر ـ رحمه الله ـ بشراء أعداد منها، بالإضافة إلى زوارق بحرية صغيرة، وقد زاد عدد هذه السفن بشراء أعداد جديدة منها لتحقيق رغبة الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ.
وقد اعتنى الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بميناء جده لأهميته حيث إنه محطة وصول الحجاج وطريقهم إلى بيت الله الحرام بمكة، وليخفف مما كان يجده الحجاج عند وصولهم إلى ميناء جده من مشاق،وذلك بسبب عجز الميناء عن استقبال السفن البخارية الكبيرة، واضطرار الحجاج إلى ركوب قوارب صغيرة حتى يصلوا إلى ميناء جدة، وفي ذلك مشقة عليهم لتعرضهم لحرارة الشمس، وتعريضهم للخطر في نزولهم وصعودهم.
وتلافياً لتلك الأخطار أمر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ في المحرم سنة 1366هـ بتطوير ميناء جدة، وبعد سنوات قلائل من العمل المستمر افتتح هذا الميناء في جمادى الآخر 1369هـ، وبافتتاحه ظهر نجاح هذا المشروع الهام، وبعد نظر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ باهتمامه بهذا الميناء الذي أصبح يستقبل باخرة للركاب وأخرى للبضائع في وقت واحد، وألحق بهذا المشروع المباني الخاصة بالإدارات الحكومية ذات العلاقة بنقل البضائع، وخدمة حجاج بيت الله الحرام.(41/117)
واهتم الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بميناء الدمام على ساحل الخليج العربي وأصبح يطلق عليه (ميناء الملك عبد العزيز) ، وهو من الموانئ التجارية الهامة، وتم ربط هذا الميناء بخط السكك الحديدية الذي يصل إلى مدينة الرياض، فسهلت بهذا الاتصال حركة النقل التجارية بين المدينتين، بالإضافة إلى أن ميناء الدمام أصبح الطريق الوحيد لنقل وتصدير البترول بعد اكتشافه.
(د) السكك الحديدية:
أبدى الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ خلال زيارته لدولة مصر إعجابه بالطرق التي تسير عليها القطارات البخارية، وبعد عودته إلى بلاده أخذ يردد الحديث عن سكك الحديد التي رآها، ولماذا لا يكون في البلاد السعودية منها مثل ما هو موجود في غيرها؟
وبعد زيادة النشاط التجاري ونشاط حركة النقل بين الرياض والدمام خاصة بعد ظهور النفط، وصعوبة الطريق البري بين المدينتين تطلع الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ إلى وسيلة أخرى تقطع تلك المفاوز، وتساءل لماذا لا يكون بين ميناء الدمام وبين الرياض العاصمة قطار حديدي؟
وبدأ الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بدراسة تنفيذ الفكرة فعلياً، وتم في شهر شعبان 1365هـ عقد لقاء بينه وبين رؤساء بعض الشركات، وأمرهم بدراسة إنشاء سكة حديدية من الثغر السعودي الشرقي مدينة الدمام إلى قلب الجزيرة العربية مدينة الرياض.
ونظراً لما أبداه الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ من حماس شديد ورغبة قوية تجاه هذا المشروع الحيوي الهام،فقد بدء العمل في إنشاء ذلك الخط الحديدي الذي يصل بين الخليج ومدينة الرياض، وبتاريخ 19 محرم 1371هـ وصلت عربات هذا القطار إلى النقطة المحددة له بمدينة الرياض، وأقيم احتفال كبير بهذه المناسبة حضره الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ والأمراء والوزراء والأعيان وغيرهم.(41/118)
ولأهمية هذا الإنجاز فقد تعاهده الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بالعناية والاهتمام من خلال تفقده لمحطات القطار، وما يحتاجه من تطوير، ومتابعته لما ينضم للخدمة من عربات جديدة.
وكانت همة الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أكبر وعزيمته أقوى من الاكتفاء بهذا الخط الحديدي الذي ربط بين الدمام والرياض، فقد تطلع إلى استمرار العمل لإيصال هذا الخط الحديدي من الرياض إلى جده، ففي عام 1372هـ وجه الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ وزارة المالية باتخاذ التدابير لاعتماد هذا المشروع الذي يربط شرق البلاد السعودية بغربها، وتم تكليف لجنة فنية لاختيار المواضع التي تصلح لمرور هذا الطريق الحديدي، بالإضافة إلى وضع التصاميم اللازمة لذلك المشروع.
(22) وسائل الإعلام
لا تخفى أهمية الوسائل الإعلامية للدول في العصر الحديث، فهي الناطق الرسمي لكل دولة، ومصدر الأخبار الموثوقة لما يحدث في تلك الدول، وإدراكاً من الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ لأهمية وسائل الإعلام فقد أولاها اهتماما خاصاً حرصاً منه على نشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وإيصال صوت الحق إلى أبعد مدى ممكن عبر الإذاعة السعودية.(41/119)
وقد افتتحت محطة الإذاعة بالمملكة العربية السعودية بكلمة للملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ ألقاها نيابة عنه نائب الملك في المنطقة الغربية الأمير فيصل بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ في يوم الوقفة بعرفات 9ذي الحجة 1368هـ في تمام الساعة الواحدة بالتوقيت الغروبي ومما ورد في تلك الكلمة الافتتاحية: "الحمد لله الذي جعل هذا البيت الحرام مثابة وأمنا، كما أحمده وأشكره والشكر من نعمائه أن يسر للناس حج بيته العتيق، وجعل قلوبهم تهفو إليه ليشهدوا منافع لهم، وتتألف قلوبهم بذكر الله في هذه البقاع الطاهرة التي كانت منزلاً للوحي لهدى الناس أجمعين،وأصلى واسلم على رسول الله الذي بعثه بالهدى ودين الحق، ….وبعد فإنه ليسرنا أن نخاطب إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من هذا البيت الحرام،في هذا اليوم المبارك ونتناصح ونتواصى بالبر والتقوى وندعو الجميع للتمسك بكتاب الله،وإخلاص العبادة له وحده كما أمرنا ربنا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ...
وقد أنشئت مباني محطة الإذاعة في مدينة جدة، وهي تضاهي أحسن المحطات العالمية، وبإنشائها تهيأ للمواطن الاستماع إلى ما يلقى ويبث من آي الذكر الحكيم والنصائح الدينية، وإلى ما يدعو إلى تهذيب النفوس، والثقافة العامة من دروس وخطب ومحاضرات حسب المناهج المقررة لتلك الإذاعة.
وتم تكليف وزارة المالية بالإنفاق على شئون هذه المحطة الإذاعية وفق المخصصات التي رصدت لتمويل المحطة للقيام بالمهام الموكلة إليها.
ونظراً لتوسع الخدمات الإذاعية فيما بعد، تم إنشاء محطة إذاعية ثانية في مكة المكرمة، تفضل بافتتاحها الأمير فيصل بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ نيابة عن والده الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ وذلك بتاريخ 1محرم 1371هـ.
ولما اتسعت أعمال الإذاعة، وزادت أهمية وسائل الإعلام، اقتضت المصلحة إنشاء (وزارة الإعلام) ، ومقرها مدينة الرياض في سنة 1382هـ.(41/120)
تابع لإصلاحات الداخلية في عهد الملك عبد العزيز
(23) تأمين الخدمات الضرورية
أ - مشاريع تأمين المياه:
اهتم الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بتوفير المياه الصالحة للشرب، واجتهد في التخفيف من معاناة المواطنين في بعض المناطق من بلاده خاصة التي تعاني من نقص في موارد المياه مثل مكة والمدينة، وهما المدينتان اللتان تتشرفان باستضافة حجاج بيت الله الحرام، وزوّار مسجد رسوله صلى الله عليه وسلم في كل عام.
وعندما دخل الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ الحجاز كان الناس يستقون من (عين زبيدة) *، فصرف عنايته إليها، وأصدر أوامره بالعناية بمواردها وزيادة الجهات التي تستفيد من مياه عين زبيدة، وتم تحديث مجرى مياهها في داخل مكة بواسطة أنابيب لنقل المياه، وتم إيصال الماء إلى عرفات، وزيدت نقاط توزيع الماء في الطريق العام، والطرق الفرعية وعلى الطرق الأخرى التي يسلكها حجاج بيت الله الحرام، وأمر الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بإيصال المياه إلى مزدلفة، وتم بناء الأحواض الكبيرة في منى وملئها بالمياه بواسطة آلة بخارية تنقل الماء من مجرى عين زبيدة إلى منى، وكانت هذه الأحواض المائية الكبيرة تملأ قبل موسم الحج بشهر استعداداً لوصول الحجاج إلى ذلك المكان وبقائهم فيه أيام التشريق.
وحظيت المدينة النبوية بالرعاية والعناية في عهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ وذلك بتعهد أهم مصادر المياه بالمدينة وهي (العين الزرقاء) * بالإصلاح والتطوير، فتم ترميم مجرى هذه العين من منبعها في غربي مسجد قباء إلى داخل المدينة، وتم في عهد الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ زيادة مساحة هذه العين، والاستفادة من مصادر المياه المجاورة للموقع، وعندما كان الماء ينخفض في وقت الصيف تم تأمين آلة لرفع الماء إلى مستوى مجرى العين، وتم إنشاء إدارة تتولى الإشراف على شئون (العين الزرقاء) وتعهدها بالإصلاح والتجديد.(41/121)
وقد شمل هذا الاهتمام من الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ بتأمين المياه الصالحة للشرب للمواطنين مواضع أخرى من البلاد السعودية في الحاضرة والبادية، ففي الرياض على سبيل المثال أصدر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أوامره في سنة 1371هـ بإجراء الماء من ضواحي مدينة الرياض على بعد 20كم، وإيصاله إليها، وأمر بحفر الآبار الإضافية، ووضعت المضخات الحديثة لدفع المياه إلى العاصمة السعودية.
وفي مدينة جدة ما أن علم الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بشدة معاناة المواطنين من قلة المياه، حتى أصدر أوامره في سنة 1365هـ بتأمين المياه من عيون مرّ الظهران المعروف حاليا (بوادي فاطمة) من خلال الأنابيب المخصصة لنقل المياه، وتم صرف تعويض مالي لأصحاب المياه عوضا لهم عما يؤخذ من مياه ينابيعهم، وبهذا العمل الجليل أصبح يصل مدينة جده في كل يوم (605 ألف جالون) ، وأنفق على هذا المشروع ما يقارب (6 ملايين ريال) وسمى بـ (العين العزيزية) نسبة إلى الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ واعترافا بما قام به من أجل تأمين المياه مع شدة الحاجة إليها، وقد وجدت بقية مناطق المملكة هذا الاهتمام من قبل الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ، فكانت المشاريع الخاصة بكل مدينة.
وأما البوادي ففي كثير من أنحاء البادية الجرداء أعان الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ على الإكثار من حفر الآبار الارتوازية، وتأمين الآلات الحديثة، وتوجيه رجال المالية بالحكومة السعودية بتقسيط أثمانها تيسيراً على المواطنين والمزارعين، فانتشرت هذه الآبار في المدن والقرى والبوادي، لقد عمل الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ ما استطاع من جهد ومال لتوفير المياه للمواطنين في أرجاء مملكته الصحراوية في أكثر أجزائها.(41/122)
وإن ما تبذله الدولة السعودية _ أيدها الله_ في الوقت الحاضر من جهود وما تبذله من نفقات من أجل تأمين المياه الصالحة للاستعمال في كل مدينة وقرية إنما هو إكمال لما بدأه الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ، ومواصلة لمسيرة البناء والعطاء والرخاء التي ينعم بها المواطن السعودي.
ب - مشاريع تأمين الكهرباء
وفيما يخص الطاقة الكهربائية فقد اهتم الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بهذا المصدر المهم الذي لا غنى للناس عنه في العصر الحديث، وفي خطوة من خطوات الإصلاح والبناء التي قام بها الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أصدر أوامره بتأمين الكهرباء لمدينة الرياض في سنة 1367هـ، وذلك بواسطة مولدات للطاقة الكهربائية تم شراؤها من الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد كانت هذه المرحلة التي بدأها الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ هي النواة الأولى لمحطة توليد الكهرباء في الرياض عاصمة مملكته، وفي سنة 1368هـ أضيفت إليها آلات جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية، وذلك لتأمين احتياجات المواطنين من التيار الكهربائي، وتم إضاءة البيوت والطرقات بالإضافة إلى الاستفادة من الطاقة الكهربائية في استخراج المياه من الآبار، ولغيرها من الأغراض الأخرى المتعددة التي تعتمد في تشغيلها على القوى الكهربائية (1) .
(24) تأسيس الشركات الوطنية
لاحظ المواطنون في المملكة العربية السعودية أن بلادهم قد نهضت في جميع مرافق الحياة، وأخذت تسير في ركاب التقدم والحضارة، فأيدوا فكرة الأعمال المشتركة، وأقبلوا بحماس على المساهمة والمشاركة في رفع شأن البلاد السعودية في ميادين الصناعة والتجارة والعمران، وفق توجيهات الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ الذي كان له الفضل الأول بعد الله ـ عز وجل ـ في هذه النهضة الحديثة للبلاد السعودية.
__________
(1) المصدر السابق 850.(41/123)
ونتيجة لهذه التوجيهات تأسست في المملكة عدة شركات وطنية، ومؤسسات تجارية وصناعية، مما كان له الأثر في ازدهار البلاد ومشاركة الأفراد وأصحاب الأموال في تلك النهضة بما يعرف بالعمل المشترك أو العمل الجماعي، وقد سدّت تلك المشاريع الوطنية فراغاً كبيراً من حاجات البلاد، وحدّت من وسائل الاستغلال، وتسرب الأموال إلى خارج البلاد، وفتحت أبواب العمل والكسب لأعداد كبيرة من المواطنين، ويمكن لمن يريد ويرغب المشاركة في هذه المؤسسات الوطنية الاكتتاب في رؤوس أموالها بالعملة السعودية.
وفي مقدمة الشركات الوطنية التي ظهرت في عهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ:-
1 ـ الشركة العربية للتوفير والاقتصاد.
2 ـ الشركة الاقتصادية الوطنية.
3 ـ الشركة السعودية الكهربائية.
4 ـ الشركة العربية للطبع والنشر.
5 ـ الشركة العربية للسيارات.
وهناك قائمة بالشركات الوطنية التي انتشرت في أنحاء المملكة لتشارك بنشاطها في النهضة السعودية المباركة التي بدأت في عهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ، حيث ذلل الصعاب وأزال العقبات أمام إنشاء تلك الشركات الوطنية، وكانت هذه الشركات الوطنية السعودية المساهمة ثمرة من ثمار تلك الإصلاحات الداخلية المهمة التي اعتنى بها الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ، بعد توحيد البلاد السعودية واستقرار أوضاعها، واطمئنان المواطنين في ظل مسيرة الرخاء والأمن والعطاء.
(25) إلغاء الضرائب
ومن الإصلاحات الداخلية التي اهتم بها الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ إلغاؤه للضرائب والرسوم الجمركية، حيث تعد المملكة العربية السعودية ـ ولله الحمد والمنة ـ من أقل ممالك العالم من ناحية فرض الضرائب والرسوم على المواطنين والمقيمين.(41/124)
وفي بداية عهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ ظل جزء كبير من نفقات الحكومة السعودية في الحجاز وبعض مدن المملكة تتم من خلال ضرائب الجمارك على أساس النظام العثماني القديم بواقع قرش واحد على كل طرد من البضائع التي تدخل البلاد السعودية.
وعندما وضعت الحكومة السعودية أول قائمة بالجمارك في سنة 1357هـ، لم تلبث أن تناولت يد الرفق والإشفاق،ومحاولة تنشيط الصناعة والزراعة والبناء تلك التعرفة الجمركية أما بالتخفيض في المقدار أو الإعفاء نهائيا.
وبعد فترة زمنية من تطبيق هذه التعرفة الجمركية، ورعاية لأحوال المواطن السعودي، وتقديراً لما كانت تمر به البلاد السعودية من نهضة حديثة في جميع المجالات، تم تخفيض الضريبة الجمركية على الأقوات كالأرز والحنطة والدقيق والذرة والتمور والسكر بنسبة 50%، وإضافة على ذلك تم إعفاء مواد البناء كالحديد والخشب والإسمنت وغيرها من جميع الرسوم والضرائب التي كانت مقررة عليها، كما أعفيت أدوات الإضاءة بالكهرباء ومضخات المياه، والآلات الزراعة المتنوعة، وأعفيت الكتب الدينية والعلمية ودفاتر تلاميذ المدارس من الضريبة.
لقد عالج الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ حاجة الدولة السعودية المالية وحال رعيته وقلة ذات اليد التي تغلب على أكثرهم بحكمة وإنسانية وبطريقة تعتمد على عدم إرهاق المواطن السعودي بالضرائب العالية وتجنب إثقال كاهل المواطن بتلك الرسوم، والعمل على التخفيف عن الرعية فلم يكلف شعبه بما يرهقهم من المساهمة المالية مع شدة الأحوال الاقتصادية التي مرّت بها الدولة السعودية قي الفترة الأولى من حكمه، بل نجده يجتهد في العناية بهم والإشفاق عليهم وذلك بإلغائه لتلك الرسوم والضرائب، فعوّضه الله خيراً منها وأغناه عنها من واسع فضله وكرمه عز وجل.
(26) حسن إدارته لشئون دولته(41/125)
حرص الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ على حسن إدارة دولته بعد توحيدها، وذلك لإيمانه بعظم المسئولية التي تحملها والأمانة الكبيرة التي تولاها بعد إعلانه ملكاً على البلاد السعودية، فاجتهد ـ رحمه الله ـ في تحقيق التوازن في إدارة شئون رعيته التي تتألف من قبائل البادية وأهل الحاضرة، وكان تعامله مع الصديق يختلف عن تعامله مع غيره من الناس.
واعتمد الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ في أسلوبه على التوازن بين إعطاء الثقة الكاملة في رجاله وأعوانه، وبين لزوم جانب الحذر واليقظة والحزم، والاحتفاظ ببعض جوانب الإدارة المهمة للدولة السعودية في يده.
وقد استطاع الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ بهذا الأسلوب الإداري الفريد أن يوجد الثقة المتبادلة بينه وبين رجال دولته وأعوانه من جهة، ورعيته من جهة ثانية، وذلك من خلال الاهتمام بالأسس التالية:
1- اختيار أمير المنطقة:
فمن جهة الإدارة المدنية التي يتولاها أحد الأمراء من أبناء الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ أو غيرهم، كانت السلطة المدنية التنفيذية بيد الأمير الذي يمثل الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وفي حدود الصلاحيات التي تمنح لأمير كل مدينة، وكان الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ يختار الأمير المناسب حسب أهمية المدينة وموقعها، وما يحيط بها من أخطار محتملة من خصومه في ذلك الوقت.
ولابد للأمير المرشح للإمارة أن تتوفر فيه بعض الصفات التي كان الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ يتلمسها في أمرائه، وفي مقدمتها الأمانة والصدق واليقظة والنشاط، وهذه الشروط وإن كانت مطلوبة دائما إلا أنه في حاجة ماسة إليها في فترة بناء الدولة السعودية في عهده، وكان الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ لا يفرط فيمن تتوافر فيه تلك الصفات ولا يتوانى في عقاب من يخُل بها من رجال الدولة أو أعوانه أو أمرائه.
2 – اختيار القضاة:(41/126)
إكمالاً لهذا التنظيم الإداري الرائع الذي اتبعه الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ اهتم بالسلطة القضائية في بلاده، فاختار القضاة المؤهلين، فكانت السلطة القضائية بيد القاضي في إطار أحكام الشريعة الإسلامية التي تحكم الجميع بما فيهم الأمير أيضاً.
3- اختيار مشايخ القبائل:
أما الطريقة التي اتبعها الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ لكسب ولاء القبائل التي تخضع لحكمه، فنجده يختار رئيس القبيلة وبحكم علاقة الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ مع القبائل في بلاده، ومعرفته لرجالها وعاداتها وتقاليدها استطاع أن يجعل رؤساء تلك القبائل واسطة بينه وبينها، وأن يكونوا عوناً له في معالجة ما يحدث من خلافات في تلك القبيلة أو من أفرادها.
وبعد فترة زمنية يسيرة من توحيد المملكة العربية السعودية زادت الأعباء الإدارية على الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ حيث أمنت السبل، وازدهرت التجارة، وانتشر العمران، بظهور المدن الحديثة، وانتشار القرى وتزايدت الهجر وعم الأمن والاستقرار البلاد السعودية، وذلك نتيجة طبيعية لذلك الأسلوب الذي اتبعه الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ في إدارته لشؤون بلاده، ورعاية شؤون مواطنيه.
وفي مواجهة لتلك النقلة الشاملة المباركة التي شهدتها المملكة العربية السعودية في جميع المجالات، ورغبة منه في الاستفادة من قدرات أبنائه، وتدريبهم على شئون الإدارة والحكم لمشاركته في الأعباء الإدارية للدولة، أصدر الملك عبد العزيز رحمه الله أمره بتعين ابنه الأمير سعود ـ يرحمه الله ـ ولياً للعهد، وتعيين ابنه فيصل نائباً عاماً للملك وذلك ليساعداه في إدارة شئون البلاد.
وحرصاً من الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ على تطوير وتيسير عمل الإدارات الحكومية للدولة السعودية تم الاستعانة بالموظفين الذين لديهم الخبرة في الأعمال الإدارية التي كانت تحتاجها الإدارات الحكومية في عهده.(41/127)
ومع هذه التنظيمات الإدارية ظل الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ هو مصدر الإدارة الأول في الدولة، وله كلمة الفصل واتخاذ القرار الأخير فيما يرفع إليه من أعوانه ورجال دولته لا يغيرّ كلمته ورأيه إلا الشرع الحنيف، فكان الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ يبت فيما يعرض عليه من الأمور الإدارية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية إلا ما يكون من اختصاص الشرع فإنه يحيله إليه.
وبعد الإشارة إلى أهم الإصلاحات الداخلية التي قام بها الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ، وجهوده الموفقة والمباركة في مسيرة العمل والبناء والنهضة والنماء، فإن تلك الإصلاحات والإنجازات المباركة للوطن والمواطن لم تكن سهلة وميسرة قريبة المنال، بل كانت تلك المهمة شاقة، ولكن الله ـ عز وجل ـ هيأ للملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ ما أعانه على تنفيذها من قوة وقدرة، وعزم وصبر ومصابرة حتى استطاع ـ بتوفيق الله ـ القيام بتلك الإصلاحات الداخلية وبما وهبه الله من صفات القيادة وحسن الإدارة التي أعانته على بناء صرح دولته، والإحسان إلى رعيته ومن أهم تلك الصفات الشخصية:
1 ـ التقيد بالدين الحنيف وقوة التدين الشخصي / فقد كان الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ محافظاً على الواجبات الدينية، ومتقيداً بأحكام الإسلام في سلوكه الشخصي، وفي أقواله وأفعاله، وظهر أثر هذا التدين في ثقته بالله ـ عز وجل ـ، والتوكل عليه وتحمله لتلك الشدائد والمشاق في مراحل توحيد المملكة العربية السعودية، وخطوات بناء الدولة.
2 ـ قوة العزيمة والإرادة / ومما يؤكد هذه الصفة مثابرته للوصول إلى تحقيق هدفه المنشود، فلم يكن ـ رحمه الله ـ يفتر عن العمل لتحقيق ذلك الهدف حتى يصل إليه، ما لم يتضح له في أثناء عمله أن غيره أفضل منه، فحينئذ تتضح مرونته المعهودة، وحنكته الفائقة، وينتقل إلى الأمر الأفضل له.(41/128)
3 ـ حسن الخلق / فقد كان الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ يتحلى بصفات حميدة مثل الكرم، والسخاء، وحسن الاستقبال، وحسن التعامل، وحب الخير للآخرين، وكان ذا شخصية متميزة، عرف بطيب المعشر وحضور البديهة، ووضوح التفكير، وقوة الإقناع.
4 ـ كثرة المشاورة / وذلك مما يدل على رجاحة عقل الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ حيث كان دائم المشورة لذوي الرأي مما جلب مودتهم، ومحبتهم للملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ وإحساسهم بمكانتهم عنده، ودورهم في الإنجاز ومشاركتهم في بناء الدولة، وقد اتبع الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أسلوباً فريداً في الاستماع للآراء من ذوي الخبرة في المجالات المختلفة، ثم كان يتأمل آراءهم بفطنة ويختار ويقرر ما يراه مناسباً، وكان يقبل المشورة من أعوانه ورجال دولته وإن لم يطلبها إذا رأى أنها صائبة ونافعة.
5 ـ حسن اختيار الرجال / لقد كان الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ من أمهر القادة في اختيار الرجال والأعوان الذين يعملون معه في إدارة دولته، وكان أكثر الذين اختارهم لمساعدته في إدارة شئون مملكته أهلاً للإعمال التي كلّفوا بها، وأهلاً للمسئولية التي أنيطت بهم في ظل تلك الظروف التي مرت بها الدولة السعودية في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه.
الخاتمة(41/129)
مما تقدم من بيان لأهم الإصلاحات الداخلية في عهد الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ، يظهر لنا العمل الكبير الذي قدمه موحد الجزيرة العربية لدينه الحنيف، ولأمته الإسلامية ولشعبه، فقد حمل الأمانة بقوة وعزم، واجتهد في بناء وتطوير بلاده ونشر الأمن وتحقيق الرخاء للمواطنين، وهذه الإصلاحات خير دليل وأقوى برهان،وهي إنجازات عظيمة تحتاج الوقوف عندها، والتأمل في نتائجها لأخذ الفوائد والدروس، وهي إصلاحات حدثت في وقت قصير بالنسبة لأعمار الشعوب والدول، وقد تحققت هذه الإصلاحات بفضل الله ـ تبارك وتعالى ـ ثم بفضل ما عرف به الملك عبد العزيز آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ، من النية الصالحة، وقوة الإيمان، وصدق الاتكال على الله ـ عز وجل ـ، والاعتماد على النفس، وكانت هذه الإصلاحات ولازالت وستظل بإذن الله المثال الحي للدولة الحديثة التي تتمسك بدينها الحنيف، وتسعى للتطور والتقدم، وتأخذ من الحضارة ما تحتاجه مما لا يتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وأصبحت المملكة العربية السعودية ديناً وعقيدة،وقيادة حكيمة، ووطناً ومواطناً- بحمد الله - محل إعجاب وتقدير واحترام للتجربة السعودية في الوحدة والبناء التي وضع قواعدها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ، ورفع معالم بنيانها أبناؤه من بعده فكانوا خير خلف لخير سلف.(41/130)
ولازالت هذه الإعمال وتلك الإنجازات المباركة التي بدأها موحد الجزيرة العربية الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ تجد العناية والاهتمام من أبنائه الكرام الذين حملوا الأمانة من بعده، وتسلموا قيادة الأمة، وتشهد المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر وفي هذا العهد الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ مواصلة العمل وإكمال خطط البناء في كافة نواحي الحياة، من اهتمام بنشر الدين الإسلامي الحنيف، وعناية بشئون الدعوة الإسلامية، ورعاية للحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة وغيرهما من الأماكن المقدسة، وعمارة لبيوت الله ـ عز وجل ـ في داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، وخدمة لحجاج بيت الله الحرام، وقاصدي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واهتمام بالعلم واحترام للعلماء، ونهوض بالاقتصاد الوطني، وتأمين للرعاية الصحية والخدمات الطبية، وعناية بالزراعة والصناعة، وتحقيق للأمن والاستقرار والطمأنينة والرخاء، ورعاية وعناية بالمواطن السعودي الذي يعتبر الركيزة المهمة واللبنة الأولى في هذا البناء المبارك.(41/131)
وختاماً أسال الله ـ عز وجل ـ أن يجعل تلك الإصلاحات والإنجازات خالصة لوجهه الكريم، وأن يجزل الأجر والمثوبة ويجعلها في موازين حسنات من كان سبباً فيها ـ بعد الله تبارك وتعالى ـ ألا وهو موحد الجزيرة العربية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ طيب الله ثراه وأكرم مثواه ـ، ثم لمن شارك بجهده ووقته وماله ورأيه في إنجازها، وأساله ـ تبارك وتعالى ـ أن يديم علينا نعمة الإسلام والإيمان، ويديم على هذا البلد المبارك الأمن والاستقرار والاطمئنان، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ، وأساله ـ عز وجل ـ أن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأن يصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، وأن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير وأن يجعل الموت راحة لنا من كل شر، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فهرس المصادر والمراجع
* الأصالة والمعاصرة ـ فؤاد فارسي.
* آل سعود – أحمد علي
* تاريخ المملكة العربية السعودية – صلاح الدين مختار
* تاريخ ملوك آل سعود – سعود بن هذلول
* تاريخ نجد الحديث – أمين الريحاني
* توحيد المملكة العربية السعودية – محمد المانع
* الدعوة في عهد الملك عبد العزيز – محمد بن ناصر الشثري
* شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز – خير الدين الزركلي
* علماء نجد خلال ستة قرون – عبد الله البسام
* المصحف والسيف – محيي الدين القابسي
* الملك الراشد – الغلامي
* الملك عبد العزيز والتعليم – عبد الله أبو راس وبدر الدين الديب
* مجلة الدارة عدد ربيع الأول 1395هـ، (الجذور الأولى لمشروعات توطين البادية – عبد الفتاح أبو علية) .
* مجلة الدارة عدد 4 رجب 1398هـ، (قضاة نجد في العهد السعودي –منصور الرشيدي) .(41/132)
* مجلة الدارة عدد محرم 1406هـ (ظاهرة توطين البادية – عبد الله الحقيل) .
* مجلة الدارة عدد 4 رجب 1406هـ (أسلوب الملك عبد العزيز في الإدارة – عبد العزيز الخويطر) .
* مجلة الدارة عدد 4 رجب 1398هـ، (تكوين القوة العسكرية في عهد الملك عبد العزيز – عقيل ضيف الله القويعي) .
* مجلة الدارة عدد محرم 1406هـ، (السياسة المالية في عهد الملك عبد العزيز- صالح الشعيبي) .
* مجلة الدارة عدد 4 رجب 1406هـ، (عوامل نجاح الملك عبد العزيز في توحيد البلاد – عبد الله العثيمين) .
* مجلة الدارة عدد 4 شوال 1406هـ (الملك عبد العزيز ووضع التنظيم القضائي في المملكة – سعود الدريب) .
* مجلة الدارة عدد ربيع الآخر 1407هـ – (توسعة المسجد النبوي في العهد السعودي) .
* مجلة الدارة عدد محرم 1408هـ، (عناية الملك عبد العزيز بالعلم واهتمامه بالعلماء – عبد الله الحقيل) .
* مجلة الدارة عدد شوال 1412هـ، (كلمة خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – بمناسبة صدور أنظمة الحكم) .
* مجلة الدارة عدد ربيع الآخر 1414هـ (أسبلة الملك عبد العزيز – عادل غباشى) .
* مجلة الدارة عدد ربيع الآخر 1414هـ، (قراءة في مكتبة الملك عبد العزيز – عبد الله الحقيل) .
* المجلة العربية عدد محرم 1413هـ (لمحات عن التعليم وبداياته – عبد العزيز بن عبد الله الشيخ) .
* المجلة العربية عدد شوال 1418هـ.
إصدارات إعلامية
1- إعمار المساجد
2- الحرمان الشريفان
3- عمارة المساجد ...
4- في خدمة ضيوف الرحمن
5- وطن ومواطن ... ... ...(41/133)
العدد 110
فهرس المحتويات
1- كلمة العدد: تحرير المجلة
2- دعائم التمكين للمملكة العربية السعودية
... تابع (1)
... تابع (2)
... تابع (3)
الدكتور/ حمد بن حمدي الصاعدي
3- منهج الملك الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمه الله - في تحقيق الوحدة ونبذ الفرقة
... تابع (1)
... تابع (2)
د/ غازي بن غزاي بن عبد العزيز المطيري
4- كتابة العدل "ولاية التوثيق" في المملكة العربية السعودية
... تابع (1)
... تابع (2)
... تابع (3)
د/ عبد الله بن محمد بن سعد الحجيلي
5- الشيخ الإمام عبد الله بن عبد اللطيف وجهوده التعليمية في عهد الملك عبد العزيز
... تابع (1)
عبد المحسن بن محمد بن عبد المحسن المنيف
6- الفكر التربوي في رسائل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وخطاباته
... تابع (1)
للدكتور/ طارق بن عبد الله حجّار
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م(41/134)
كلمة العدد
تقديم
بسم الله، والحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله؛ محمّد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد؛ فهذا هو العدد الثّالث من (مجلّة الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة) الّذي يصدر خلال سنة المناسبة الحاليّة المباركة؛ الّتي يحتفي فيها أبناءُ المملكة بمرورِ مائة عام على دخول الملك عبد العزيز (رحمه الله) الرّياضَ؛ في الخامس من شهر شوّال من عام 1319هـ، وانطلاقِ تأسيس المملكة على العقيدة الصّحيحة، وتطبيق أحكام الشّريعة على الوجه الذي أراده الشّارع الحكيم؛ عبر جهود متّصلة من الكفاح والبناء والتطوير؛ من عهد المؤسّس (رحمه الله) إلى عهد خادم الحرمين الشّريفين (يحفظه الله) .
ويتضّمن هذا العددُ، مثل العددين السّابقين، بحوثاً في هذه المناسبة تستحضر - في النّفوس - شيئاً ممّا أفاء الله به على المملكة وأبنائها من نعم كثيرة لا تحصى، وترصد شيئاً من جهود وإنجازات المؤسّس (رحمه الله) وأبنائه من بعده، والتّذكير بأنّ هذه البلاد قامت على الدّعوة والدّولة معاً، وأنّها ما تزال تسير على ذات المنهج القويم، وتحرص على المحافظة على مكتسباتها، وأنّ ذلك هو أساس التّمكين في الأرض، وشرط العاقبة الحسنة، والنّجاة، والحياة السّعيدة في الدّنيا والآخرة (إن شاء الله) .
والحمد لله أوّلاً وآخراً.
وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وآله وصحبه أجمعين.
(التّحرير)(41/135)
تابع لكتابة العدل
المبحث السابع
شروط الموثق "كاتب العدل"عند الفقهاء
عرفنا مما سبق أن ولاية التوثيق ولاية شرعية وخطة من الخطط الدينية الكاملة، وقد تكون جزئية، فتضاف إلى غيرها من الولايات الدينية، وهذه الإضافة لا حصر لها في الشرع، بل هي تنظيم إداري سائغ ذائع من عهد الصحابة رضوان الله عليهم إلى عصرنا الحاضر.
لهذا يشترط في تولي هذه الولاية الشرعية ما يشترط في كل الولايات الدينية، وهذا عرض لأهم مقولات الفقهاء، قال الفقيه العلامة إبراهيم بن يحيى الغرناطي ما نصه:
"يعتبر في الموثق عشر خصال متى عري عن واحدة منها لم يجز له أن يكتبها وهي:
1-أن يكون مسلماً.
2- عاقلاً.
3- مجتنباً للمعاصي.
4- سميعاً.
5- بصيراً.
6- متكلماً.
7- يقظاً.
8- عالماً بفقه الوثائق.
9- سالماً من اللحن.
10- وأن تصدر عنه بخط بين يقرأ بسرعة وسهولة وبألفاظ بينة غير محتملة ولا مجهولة" [1] .
وزاد غيره: "أن يكون عالماً بالترسيل؛ لأنها صناعة إنشاء فقد يرد عليه ما لم يسبق بمثاله، ولا حُدى على منواله، وكذلك ينبغي أن يكون له حظ من اللغة وعلم الفرائض، والعدد، ومعرفة النعوت والشيات، وأسماء الأعضاء والشجاج، وهذه الشروط قلما تجتمع اليوم في أحد، وقصاراهم اليوم حفظ نصوص الوثائق" [2] .
وقال ابن لبابة [3] : "ينبغي لمرسّم الوثائق أن لا يخلو من ثلاثة:
1- فقه يعقد به الوثيقة، ويضع كل شيء منها موضعه.
2- ترسيل يحضر به شأنها. 3- نحو لاجتناب اللحن فيها".
وقد حكى الإمام ابن القاص الإجماع عند الإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي على شروط معتبرة في كاتب القاضي، وهي في كاتب العدل أليق، وهو بها أجدر، وهذه الشروط حكاها الإمام ابن القاص الشافعي فقال:(41/136)
"أجمع الشافعي والكوفي -أي أبو حنيفة- على أن لا يجوز للقاضي أن يتخذ كاتباً لأمور المسلمين في القضاء إلا مسلماً، عدلاً، جائز الشهادة، حرّاً، بالغاً،..، وأن يكون فصيحاً، عالماً بلغات الخصوم، ضابطاً لتغيير العجمية إلى العربية، فقيهاً، فطناً متيقظاً لا يؤتى عن جهالة، عاقلاً لا يخدع بغيره، نزهاً عن الطمع لا يستمال بهدية، قوي الحفظ قائم الحروف، عالماً بمواضع التدليس في الخط، ضابطاً لنُظُمها، لا يلتبس على خطه تسعة بسبعة، ولا ثلاث بثلاثين، ولا خمس عشر بخمس وعشرين" [4] .
وقال الإمام الطرابلسي الحنفي [5] : "إن شروط الكاتب عند بعض العلماء أربعة هي:
1- العدالة. 2- العقل.
3- الرأي. 4- الفقه".
وقال المتيطي: "ينبغي للموثق أن يكون -مع ذلك مما مضى- عارفاً بالحلال والحرام، بصيراً بالسنن والأحكام، وما توجبه تصاريف الألفاظ وأقسام الكلام، ويطالع مع ذلك من أجوبة المتأخرين وما جرى به العمل بين المفتين، ما يكون له أصلاً يعتمد عليه، ويرجع في نوازل الأحكام إليه" [6] .
ويقول الإمام ابن فرحون ما نصه:
"ينبغي أن يكون فيه من الأوصاف ما نذكره وهو أن يكون حسن الكتابة، قليل اللحن، عالماً بالأمور الشرعية، عارفاً ما يحتاج إليه من الحساب والقسم الشرعية، متحلياً بالأمانة، سالكاً طريق الديانة والعدالة، داخلاً في سلك الفضلاء، ماشياً على نهج العلماء الأجلاء" [7] .
ويقول العلامة النويري عن شروط كاتب الشروط:(41/137)
"ينبغي أن يكون كاتب الحكم والشروط عدلاً ديناً، أميناً، طلق العبارة، فصيح اللسان، حسن الخط، ويحتاج مع ذلك إلى معرفة علوم وقواعد تعينه على هذه الصناعة، لابدَّ له منها ولا غنية له عنها وهي: أن يكون عارفاً العربية والفقه، متفنناً في علم الحساب، ومحرراً القسم والفرائض، درباً بالوقائع، خبيراً بما يصدر عنه من المكاتبات الشرعية، والإسجالات الحكمية على اختلاف أوضاعها، وأن يكون قد أتقن صناعة الوراقة، وعلم قواعدها، وعرف كيفية ما يكتب في كل واقعة وحادثة، من الديون على اختلافها، والحوالات والشركات، والقراض والعارية والهبة، والنحلة والصدقة والرجوع، والتملك والبيوع والرد بالعيب والفسخ، والشفعة والسلم، والمقابلة والقسمة والمناصفة، والإجارات على اختلافها، والمساقاة، والوصايا، والشهادات على الكوافل بالقبوض، والعتق والتدبير، وتعليق العتق، والكتابة، والنكاح، وما يتعلق به، وإقرار الزوجين بالزوجية عند عدم كتاب الصداق، واعتراف الزوج بمبلغ الصداق، والطلاق، وتعليق الطلاق، وفسخ النكاح، ونفي ولد الجارية، والإقرار باستيلاد الأمة، والوكالات والمحاضر، والإسجالات، والكتب الحكمية، والتقاليد، والأوقاف، وغير ذلك" [8] .
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنَّه يشترط في الكاتب سواء أكان كاتب العدل "العدالة"أو كاتب القاضي يشترط فيه ما يشترط في القاضي.
قال الإمام ابن مازة الحنفي في معرض شرحه كتاب القاضي للإمام الخصاف ما نصه:(41/138)
"يشترط أن يكون ورعاً مسلماً؛ لأن عمل الكتابة من جنس القضاء، فيشترط في الكاتب ما يشترط في القاضي" [9] ، وشروط القاضي متفاوتة كثرة وقلة عند الفقهاء وأشهرها عشرة، كما حصرها الإمام التمرتاشي الحنفي فقال: شروط القاضي: "العقل، والإسلام، والحرية، والنظر، والنطق، والسلامة من حد القذف، فلا يجوز تعيين المجنون، والصبي، والكافر، والعبد، والأعمى، والأخرس، والمحدود في القذف، والسمع، وليس بشرط على الأصح حتى يجوز تولية الأطروش. ." [10] .
وما ذهب إليه الإمام ابن مازة هو ما ترجح لدي في شروط كاتب العدل لهذا سردت في هذا البحث أهم هذه الشروط مستدلاً بأقوال الفقهاء؛ لأن كتابة العدل ولاية، فيشترط فيها ما يشترط في ولاية القاضي، أما إن كان كاتب العدل تابعاً لولاية القاضي غير مستقلٍّ عنه، فلا أقل من توفر أدنى الشروط، وهي الشروط الواجبة في كل من تولى أدنى ولاية، والإمام ابن تيمية قد بين لنا أن كل ولاية مهما صغرت فهي ولاية شرعية ينطبق عليها ما ينطبق على الولاية الكبرى حيث يقول: "والدعاوي: التي يحكم فيها ولاة الأمور، سواء سموا قضاة أو ولاة، أو تسمى بعضهم في بعض الأوقات ولاة الأحداث، أو ولاة المظالم، أو غير ذلك من الأسماء العرفية الاصطلاحية، فإن حكم الله تبارك وتعالى شامل لجميع الخلائق، وعلى كل من ولي أمر الأمة أو حكم بين اثنين أن يحكم بالعدل والقسط. .." [11] .(41/139)
فالإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى عمق مفهوم الولاية الشرعية وجعل أعلاها الملك والخلافة وأدناها الحكم بين اثنين، وكل الولايات الإسلامية ولايات شرعية، كما وضح ذلك في مواطن كثيرة في فتاواه، فمن تولى ولاية فعليه الحكم بالعدل والقسط، ويجب على ولاة الأمر أَلاَّ يولوا أي والٍ إلا من اجتمعت فيه شروط الولاية الشرعية، وذلك لعظم حاجة الناس للوالي، أيّاً كان نوعه، والذي ترجح لديّ بعد هذا العرض أن شروط الكاتب ما رجحه بعض الفقهاء كالغرناطي وابن مازة وغيرهما، وهي مجملة كالتالي:
1- الإسلام. 2- الحرية.
3- العقل. 4- الفقه.
5- العدالة. 6- الذكورة.
7- السمع. 8- البصر.
9- النطق.
10- الورع وجزالة الرأي وحسن الضبط.
فهذه الشروط العشرة مستفادة مما نص عليه الفقهاء في شروط القاضي، وشروط كاتب الوثائق "العدل"، وهي شروط واجبة فيمن تصدى لهذه الولاية العظيمة التي أضحت اليوم في عصرنا الحاضر من أهم الولايات الشرعية، وحاجة كافة الناس لخدماتهم أكثر من حاجتهم للقضاة، فلاشك اليوم أن كل فرد في المجتمع قد استفاد من أعمالهم الجليلة، باستخراج وكالة، أو إفراغ صك، وغير ذلك، وهذا هو المعمول به اليوم والمطبق في المملكة العربية السعودية، وسأفردها إن شاء الله في مبحث مستقل في الفصل القادم [12] .
المبحث الثامن
آداب كاتب الوثائق الشرعية "كاتب العدل"(41/140)
ذكر الفقهاء مجموعة من الآداب المستحب أن يتحلى بها الموثق، وهذه الآداب هي خلال مثالية نتمنى أن يتحلى بها كل موثق، ولكنها ليست شرطاً في صحة الولاية، واهتمام فقهاء الإسلام بهذه الآداب الإسلامية نابع من اهتمام الفقهاء بالأخلاق الإسلامية التي جاء بها الشرع الشريف، ومحاولة بثها بين الناس، وإرشاد كل من تصدى لقيادة الناس أن يكون مثالاً حيّاً في حسن تطبيقه للآداب الإسلامية، والحجة قائمة عليه بما قاله الفقهاء، والناحية التطبيقة مناطة بالوالي القائم بالأمر، وهذه بعض آداب كاتب العدل [13] :
1- التحلي بالتقوى في السر والعلن، وأن يكتب كما علمه الله سبحانه وتعالى، وهذا أمر صريح تضمنته آية التوثيق التي جاءت في محكم التنزيل.
2- وأن يحيط علماً بعلوم الوثائق والشروط، فيعرف فقهها، وأحكامها، وعللها، وطرائقها، ويحيط بعلومها التي فصّلها الفقهاء حسب اصطلاح العصر الذي يعيش فيه.
3- النصيحة لمن استعمله من ولاة الأمر، فالدين النصيحة، وكذلك للمسلمين المراجعين له، وكلمة: "الدين النصيحة"شاملة لحقوق الخالق وحقوق الخلق فهي من جوامع الكلم.
4- الاحتراز من الألفاظ المحتملة والمبهمة، حتى ينقطع النزاع ويرتفع التخاصم؛ لأن الإبهام في الأسماء والاحتمال في الألفاظ مؤذن بالنزاع في مستقبل الأيام.
5- أن يكون من أهل العلم والدين متحليّاً بحلية الأمانة، عالماً بالأمور الشرعية؛ لأن الله سبحانه وتعالى أناط ولاية التوثيق بالعلم عندما قال: {أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} (البقرة/ 282) .
6- أن يكون حسن الخط، حاوياً طرفاً كبيراً من علم العربية؛ وذلك لأن رداءة الخط قد توقع في المحذور.
يقول الأسيوطي عن حسن الخط:(41/141)
"ينبغي للموثق..، أن يحسن خطه، ولا يقرطم الحروف، ولا يداخلها في بعضها مداخلة تسقط بها بعض الحروف، أو تخل المعنى، أو تؤدي إلى خلل في اللفظ المشهود به، ولا يقيد موضع الأطلاق، كما لا يطلق موضع التقيد، فإن ذلك إخلالٌ بالعقود، وسبب لحصول الضرر من ضياع حقوق المسلمين، وإتلافها أو بعضها" [14] .
7- أن يكون سالكاً مسلك الفضلاء، متحلياً بآداب النجباء في هديه كله، من قول أو فعل أو ملبس أو زِي، ماشياً على نهج العقلاء في تصرفاته كلها؛ لأن العيون إليه ناظرة، والألسن بأفعاله ناطقة، فرحم الله امرءاً دفع الغيبة عن نفسه.
8- أن يكون عارفاً بعلوم الفرائض الشرعية وقسمتها -إذا كانت إليه- ومراتب الحساب، متصرفاً في بسط مجموعها، وموضوعها، وتبين أصولها وفروعها.
9- الابتعاد عن التلبس بالكذب، ومعاشرة الأراذل والأسافل ومجاوبتهم، والمشي معهم، أو التلطف بهم، فإن القرين إلى المقارن ينسب.
10- أن يميز بين الخصوم، ويعرف المشهود من المشهود له، ولا يتكلم مع الأخصام والشهود إلا بالقضايا المعروضة لديه، ولا يبطن قضية مع أحد الخصمين يكون للآخر فيها حقّاً، فإن ذلك يؤدي إلى الاتهام في النصيحة، وربما جرت المباطنة مع أحد الخصمين إلى زيادة المخاصمة، وعادت بالضرر العميم في الحال أو المآل.
11- أن يسمع كلام الشهود على الترتيب، ويلزم من أخل به بالوقوف عند حده حتى يأذن له، وينبه على ذلك الصواب برفق، ويمنع تنازع الخصوم في المجلس؛ لأن ذلك يكسر الحرمة ويزيل الهيبة.(41/142)
12- التأني عند الكتابة وعدم الإسراع عند الشروع فيها، فلا يوقع الشهادة من الشهود إلا بما يقع عليه الاتفاق بينهم، فإن ذلك يقطع التنازع بين الخصمين، وربما يكون المشهود عليه ضعيفاً، فإذا اشتغل الشاهد في الكتابة ربما أغمى عليه، واستمر مغمياً عليه إلى أن يموت، فيفوت المقصود، وهذا يدل على أن يراعي الكاتب أحوال المراجعين من الناحية الجسمية والعقلية، فلا يكلف أحداً ما لا يطيق من الانتظار أو الوقوف مدداً طويلة؛ لأن ذلك يوقع في المحذور الشرعي.
13- أن يلتزم بحسن الأدب في الخطاب، ودعوة الشهود، ومخاطبه المراجعين، فيلين لهم القول بغير ضعف، ولا يرفع الصوت بلا سبب جوهري، فإذا أساء أحد منهم الأدب أدبه بحسب الحال الواقعة قوة أو ضعفاً.
14- ينبغي للموثق أن يعرف مقادير الناس، فينزلهم منازلهم، ويكتب لكل شخص ما يناسبه من الألقاب اللائقة به من الخليفة أمير المؤمنين، أو السلطان، أو مقدمي الألوف، أو أرباب الوظائف.، أو أرباب الأقلام والسيوف، أو أمراء الأجناد والمناطق أو السادات القضاة، أو فقهاء المذاهب الأربعة، ومن في درجتهم ممن هو موصوف بالعلم والدين والفضل، وينوه بذكر البيوت العريقة، فيذكر نعته ولقبه بحسب ما يعرف الموثق من مقامه.
ويكتب للنساء بما يليق بهن، ويكتب لأهل الذمة والعهد بما يليق بهم، على طريقة علماء التوثيق المتقدمين والمتأخرين، ويراعي دوماً الاصطلاح المتفق عليه في عصره.
15- ينبغي للموثق أن يتحفظ أو يُحَصّل في ضبط أنواع من الحُلَى مما هو أشهر في الإنسان، ويراجع أبواب الحُلَى عند أهل اللغة والفقه إذا احتاج إلى ذلك، فإن استعملها نفعته، وإن تركها اعتماداً على معرفة الخصوم فما تضره، هذا ما جرى عليه الأسلاف قبل عصرنا، أما الآن فالاعتماد على الوثائق الرسمية الموضحة الصادرة من إدارات الأحوال المدنية.(41/143)
16- ينبغي للموثق أن يتزيَّا بزي الصالحين في عصره، في اللباس والسمت والكلام، وقد جرى العرف في بعض العصور أن يلزم القضاء والمعدلين بزي معين، فقد كان الزي في العصر العباسي الأسود، وفي العصر المملوكي يلبسون الطرحة، وهي من القماش الأبيض، وفي عصرنا تلبس العباءة أيّاً كان نوعها.
لهذا يستحب له أن يلبس الزي الذي يلبسه القضاة والكتاب في عصره؛ لأنه به أليق، ولمنصبه أهيب، وحتى يعرفه الداخل عليه من النظرة الأولى، ويكون لحاله وقع في النفوس، وهيبة في القلوب، وهذا هو الحال اللائقة به، وبأمثاله من أصحاب الولايات الدينية.
17- أن يحذر من كتابه وثيقة نكاح أو عقد صداق في خرق الحرير، أو أي شيء محرم شرعاً بل بحسب ما نصت عليه التعليمات المرعية؛ لأنه باب من أبواب الإسراف، وإضاعة المال، وإن كان يجوز للمرأة لبس الحرير، والتحلي بالذهب، ولكن يلبس فيما يكون لبساً وتحلياً شرعيّاً، وأن يحذر كتابة الصداق في خرق الحرير؛ لأنه من باب الفخر والخيلاء والمباهاة، بل يكتب وثائق النكاح في الأوراق والرق وغير ذلك من المباح شرعاً، وفي عصرنا الحاضر يجب على العاقد الموثق أن يلتزم بالتعليمات المبلغة له من المحكمة حول هذا الشأن.
18- الحذر من أن يكتب سطراً أو سطرين ثم يترك بياضاً خارجا عن العادة لأن هذا من باب إضاعة المال والسرف والخيلاء، وإن كان ذلك في رق أو ورق، ولو لم يكن فيه إلا مخالفة السلف الماضيين -رحمهم الله تعالى- لكان فعله ذلك قبيحاً، فكيف به مع مصادمته للنصوص الشرعية المانعة من السرف والخيلاء.(41/144)
19- يحذر كاتب عقود الأنكحة أن يحضر للكتب في موضع فيه منكر، أو عند من يتعاطى ذلك جهراً، مثل شرب الخمر، وضرب المغاني، أو كشف الوجوه والمعاصم، أو يكون ثمت نساء متبرجات، سواء اختلطن بالرجال أم لا؛ لأن الموثق منسوب إلى الخير والصلاح والعلم، أو أحدهما، ودخوله هذه الأماكن فيه قدح في سمعته، وصلاحه وعلمه؛ لأنه يجب عليه تغيير ذلك، وأقل درجات التغيير امتناعه عن الحضور، يقول الإمام ابن الحاج: "إن من أعظم المفاسد المترتبة على حضوره وهي كثيرة جدّاً مفسدتان عظيمتان:
أحدهما: سقوط عدالته في نفسه، وإذا سقطت عدالته بطلت عقوده.
الثانية: أنه قدوة، فيقع العوام بسبب تعاطيه ذلك اعتقاد جواز فعله في الشرع" [15] .
20- ينبغي للكاتب إذا رأى في الكتاب أو السجل خللاً أن ينهي ذلك إلى القاضي بأسلوب مؤدب، وتصرف لبق، حتى يغير ما سها عنه القاضي، ولا يذكر ذلك على سبيل التعليم للقاضي، بل على سبيل الإرشاد عليه.
21- ينبغي للكاتب ألاّ يفشي سرّاً استودع، ولا يتحدث عنه بكذب، ولا يغتاب أحداً، وأن يشاور من هو أعلى منه درجة، ولا يقطع أمراً دونه.
22- ينبغي للكاتب أن يتفقد ما كتب، ويتصفح عمله المرة تلو المرة، فكل عمل معرض للخطأ والتصحيف، ويحاول أن يكون عمله في منتهى الإتقان والضبط، حتى يأمن الوقوع في خلل ما يكتبه، ويدونه، ويمضيه من الأحكام التي تبقى على مر الدهور وكر العصور.
المبحث التاسع
شروط صحة كتابة الوثيقة الشرعية عند الفقهاء
إذا صدرت الوثيقة في أي تصرف شرعي صحيح من قبل كاتب الوثائق متضمنة الشروط التي نص عليها الفقهاء فهي وثيقة شرعية صحيحة، وإن خالفت تلك الشروط فتعتبر لاغيه، والتصرف المتضمنة له غير صحيح، وهذه أهم الشروط التي نص عليها الفقهاء [16] :
الشرط الأول:(41/145)
أن تصدر الوثيقة الشرعية من والٍ مأذون له من قبل ولي الأمر بإصدار الوثائق الشرعية، مهما كان نوعها أو موضوعها، سواء أكان هذا الوالي قاضياً أم كاتباً للعدل أم غيرهما.
وأن تكون مستوفية كل التعليمات النظامية المبلغة لهم من جهة الوزارة التابعين لها، أو من قبل رئاسة مجلس الوزراء أو الملك.
وأن يستوفي كافة الأشهادات الشرعية، والتصديقات الرسمية، مذيلة بالتوقيع والختم الذاتي على الوثيقة، ووجود الختم الرسمي الخاص بتلك الإدارة القضائية من محكمة أو كتابة عدل أو غيرها.
وهذا الشرط مأخوذ من الواقع التطبيقي المعاصر الذي نراه ويعمل به اليوم في تلك المؤسسات القضائية.
الشرط الثاني:
أن تكون الوثيقة مشتملة على تعريف المتصرف من بائع أو مشتري، أو مؤجر أو مستأجر، أو راهن أو مرتهن ونحو ذلك، بحيث يتميز عن بقية الناس بحسب الغالب في العادة أو النظام المعمول به في الدولة.
وعبء تحديد شخصية المتصرف كانت في أوائل الدولة الإسلامية خاصة القرون الثلاثة الأولى من الأعباء العظيمة التي أرهقت كاهل الحكام والقضاة والموثقين؛ لعدم وجود ما نعرفه في عصرنا من (بطائق الأحوال الشخصية) التي تحدد شخصية الطالب تحديداً دقيقاً في الحياة وعند الوفاة.
وفي هذا المقام نص الفقهاء جميعاً قديماً وحديثاً على أنه لابد من تحديد شخصية المتصرف بما يدل عليه دلالة واضحة جلية لا لبس فيها ولا غموض، لهذا قال الفقهاء: "إن كان المتصرف مشهوراً بالاسم اكتفى بذكر اسمه، بدون ذكر اسم الأب أو الجد، وذلك كشريح وعطاء وأمثالهما، وإن لم يكن المتصرف مشهوراً بالاسم وجب تعريفه بذكر اسمه واسم أبيه (عند أبي يوسف) ، ووجب ذكر اسم أبيه واسم جده مع اسمه (عند أبي حنيفة ومحمد) ، وهذا ما به أصل التعريف.(41/146)
يقول الإمام ابن فرحون عن الشاهد وتعريفه عند القاضي أو الموثق: "ينبغي للقاضي إذا شهد الشاهد عنده أن يكتب شهادته، واسمه ونعته وقبيلته، ومسكنه ومسجده الذي يصلي فيه، والسنة والشهر الذي شهد فيه، ثم يرفع ذلك عنده ويودعه في ديوانه، فقد يحتاج المشهود له إلى شهادته، فربما زاد الشاهد منها أو نقص، وفائدة تسميته ونعته أنه قد يتسمى له أحد بغير اسمه، ممن هو في الناس عدل، فإذا سأل عنه وبعث السؤال إلى مسجده ومسكنه بالاسم والنعت والنسب. كشف بالسؤال شخصية المنتحل، وتحقق من شخصية كل طالب" [17] ، وهذا واجب مناط بكل كاتب قاضٍ أو كاتب عدل أو كاتب ضبطٍ أو غيرهم.
الشرط الثالث:
أن تكون الوثيقة مشتملة على تعريف المتصَرّف فيه من مبيع أو مستأجر أو مرتهن وغير ذلك، فإذا كان عقاراً كان لابد من أن يُعرفه بذكر حدوده الأربعة، ثم يذكر مكانه في المدينة أو القرية أو البلدة ثم يذكر المحلة، ويذكر السكة التي يطل عليها، مبتدءاً من الأعم ثم الأخص؛ لأن العام يتميز بالخاص دون العكس، ثم يكتب الحدود الأربعة من الجهات الأربع، حتى يكون التعريف به حاصلاً على جميع أقوال الأئمة، وإن كان هنالك خلافٌ واقعٌ بينهم؛ لأن بعض الفقهاء قد يكتفي بذكر ثلاثة ويكون الرابع بمسامتة أحد الحدين المقابلين له، ولكن الوثيقة يأخذ فيها بجانب أحوط الوجوه، ويتحرز فيها عن الخلاف، ثم يشرع في وصفه ووصف حدوده وصفاً شاملاً مانعاً من الاشتباه بغيره.
وإذا كان المتصرف فيه عقاراً بأنواعه المختلفة من الدور والمزارع والدكاكين والأسواق ونحو ذلك فعل مثل ما فعل في العقارات مما مضى بيانه.(41/147)
أما إن كان المتصرف فيه عيناً آخر، أو الكتابة على رهن أو دين في الذمة أو قرض أو سلم، أو غير ذلك، فلابد من ذكر شروط صحة التصرف المتفق عليها عند الفقهاء في كل نوع منها، وقد يحتاج إلى ذكر الوزن أو النوع أو نحو ذلك، بحسب نوع ذلك المتصرف فيه ذهباً كان أو فضة أو جواهر أو حيوانات أو زروع أو ثمار ونحو ذلك.
وهذا يحتاج من الكاتب الاطلاع الواسع على مقالات الفقهاء حول أحكام صحة التصرف في كل نوع من هذه الأنواع الماضي ذكرها.
الشرط الرابع:
أن تكون الوثيقة مشتملة على التعريف بالثمن في البيوع تعريفاً جامعاً مانعاً من الجهالة والنزاع، فإن كان نقداً كتب النقد ووصفه وصفاً دقيقاً، فيقول مثلاً: "بألف ريال، عربي سعودي"في عصرنا؛ لأن الريال قد يشتبه بغيره من عملات الريال في الدول الأخرى، فينص عليه بذكر صفته، "أنه عربي سعودي"، وكذلك إذا كان بالدولار أو الجنيه، فيذكر نوعه واسم الدولة المصدرة له.
وإن كان المبيع حبوباً ذكر نوعها وصفتها ومقدارها، فإذا كان المبيع قمحاً يقول: "قمح سعودي، أبيض أو أسود" ومقداره كذا بالكيلو أو الطن أو غير ذلك من الأوزان المستعملة في عصره وبلده، أو البلد المشترى منه.
وهذا يجري في كل تصرف من التصرفات الشرعية، أن يكون جارياً على الشروط الصحيحة التي نص عليها الفقهاء خوفاً من التزوير، وحذراً من الجهالة ووقوع التنازع، الذي يتسبب في الضرر للطرفين من كافة الجهات.
الشرط الخامس:
أن يكتب الموثق الوثيقة مراعياً فيها إزالة الوهم بقدر الإمكان، منعاً لما عساه أن يوجد النزاع بين المتعاملين، لهذا يكتب في الوثيقة مراعياً فيها الشرط المذكور لأجل حسم النزاع في المستقبل، وضمان حق كل طرف من الطرفين، ومنعاً للالتباس المتوقع حصوله بينهما في المستقبل.(41/148)
مثاله: إذا كانت الوثيقة وثيقة شراء لدار، يكتب في وثيقة الشراء: (أن فلان الفلاني اشترى جميع أو كامل الدار) ؛ لأن الالتباس قد يحصل في الشراء فقد يكون الشراء لجزء منها، أو نحو ذلك، ولهذا يزيل ما يتوهم، أو قد يقع في ذهن الشاري أن المراد البعض من الثلث أو الثلثين أو الأرباع ونحو ذلك.
الشرط السادس:
أن يراعي الموثق عند كتابة الوثيقة حفظ كافة حقوق المتعاملين؛ لأنه مؤتمن على الصياغة، فتجب أن تكون الوثيقة شاملة، ومحيطة بحقوق كافة أطرافها، خوفاً من وجود ما قد يتسبب في نقضها، أو تغليب حق أحد الطرفين على الآخر، فإزالة أسباب الشقاق والإسقاط في المستقبل تجب مراعاتها في كل وثيقة تكتب في كل تصرف من التصرفات الشرعية.
مثال: "إذا كان المبيع داراً أو استحقاق دار، يفضل أن يكتب: (أنها تنتهي إلى الحد الفلاني من حدود الأرض المباعة) ، حتى إذا اشتراها أحد بعد ذلك كانت صورة العقار واضحة لديه كل الوضوح.
وإذا كان التصرف بيعاً من الأفضل أن يقول: (وحصل التفرق بينهما بأبدانهما، عن تراض منهما جميعاً، وإنفاذاً منهما له) ، ونحو ذلك.
والمقصود من هذا الشرط ذكر بعض الشروط التي نص عليها الفقهاء في صحة المبيع أو المشترى؛ لأنه لو لم يقر أحدهما بصحة البيع أو الشراء، لقام بنقض البيع يوماً من الدهر، وقد استغل العقار –مثلاً- وحاول الرجوع بالثمن على البائع، فيحدث خلاف جديد مستحق لنظر القاضي ومراجعة المحاكم، وهذا الشيء يمكن تلافيه حال كتابته الوثيقة، بأن تكون مشتملة على ما يمنع النزاع المستقبلي بأي صورة من الصور، خالية من كل ما قد يؤثر في صحتها وصحة ما اشتملت عليه من التصرفات التي قد يظهر ضررها في الحوادث والأيام المقبلة.
الشرط السابع:(41/149)
الاحتراز عند كتابة الوثيقة من ذكر ما يترتب عليه فساد التصرف الذي اشتملت عليه الوثيقة الشرعية، وذلك بذكر المجمع عليه من أقوال الفقهاء وترك ما فيه نزاع بينهم، أو بذكر الراجح من المذهب، أو التعليمات والأنظمة الجاري العمل بها في الدولة التي صدرت الوثيقة فيها، وأصدرتها مؤسساتها القضائية أو الإدارية.
وهذا الشرط يبين أهمية علم الوثائق، وعظمه مسؤولية كاتبها؛ لأنه يجب عليه أن يراعي كل قيد أو شرط أو نحوهما، مما يترتب على ذكره فساد التصرف الذي كتبت الوثيقة به، فإنه يجب التحرز عنه، محافظة على صحة التصرفات الشرعية، لهذا كان من المستحسن جدّاً ألاّ يتعرض لكتابة الوثائق إلا من كان خبيراً بها، عالماً بأوجه الخلاف فيها، محيطاً بما يلزم لصحتها من شروط، مطلعاً على الأشياء التي تفسدها، خوفاً من كتابتها على غير وجهها، فيؤدي ذلك إلى فساد التصرفات المشتملة عليها، وفي هذا من الضرر ما لا يخفى على كل عاقل ومجرب ومطلع مراجع.
الشرط الثامن:
أن تكون الوثيقة مشتملة على ذكر ما يفيد صحة التصرف الذي كتب به، ونفاذه ولزومه، وخلوه مما يفسده.
لهذا نرى أن متقدمي علماء الشروط من علماء الحنفية يكتبون في وثيقة الشراء الكلمات التالية: "شراء صحيحاً باتاً بتاتاً، لا شرط فيه ولا خيار ولا فساد عدة وفاء، ولا على وجه الرهن أو التلجئة، بل بيع المسلم من المسلم".
وهذا تصرف حسن، وعمل شرعي ناجح، وفيه أخذٌ بجانب الاحتياط خوفاً من الاحتيال عليها في المستقبل بادعاء فساد العقد، أو أن الدار المباعة موقوفة مثلاً، أو غير ذلك من الدعاوى الباطلة أو الكيدية التي توقع الشقاق والنزاع بين المتعاملين، وتعطل كثيراً من الحقوق وما أكثرها اليوم!، وهذا ما جاء في بعض الوثائق النبوية وهي وثيقة شراء قال فيها: "بيع المسلم للمسلم" [18] ، فهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم راعى جانب الاحتياط، ولنا في رسول الله أسوة حسنة.(41/150)
الشرط التاسع:
أن تكون الوثيقة مشتملة على ذكر أن المتصرف يملك حق التصرف الشرعي، وأن هذا التصرف صدر منه في حال نفاذ تصرفاته، وصحة بدنه وكمال عقله، وأنه غير مكره ولا ملجأ، بل صدر التصرف منه طواعية بدون إكراه أو جبر، بل حصل بطوعه ورضاه، وأنه لا علة به من مرض أو غيره مما يمنع نفاذ تصرفاته البدنية، وصحة إقراراته الشرعية، هذا كُلُّه لأجل ألاّ يكون هنالك مدخل شرعي لنقض صحة التصرف من جانب المتصرفين أو أحدهما، بدعوى علة المرض أو الإكراه أو الحجر أو السفه وغير ذلك من الموانع الشرعية المانعة من التصرفات القولية أو الفعلية.
الشرط العاشر:
أن تشتمل الوثيقة الشرعية على شهادة الشهود العدول على صحة ما صدر من تصرف كتب في الوثيقة، وأخذ توقيعهاتهم بجانب اسم كل واحد منهم، أما محل ذكر شهادة الشهود، هل تكون في أول الوثيقة أو في وسطها أو في آخرها بجانب توقيع القاضي أو كاتب العدل، فالأمر سيان والنتيجة واحدة.
والأفضل أن تكتب في ذيل الوثيقة كما جرى به العمل في عصرنا خاصة في وثائق الوكالات والرهون ونحوها، وأما في غيرها كوثائق البيوع فتكون في وسط الوثيقة بعد ذكر أهم شروط صحة الوثيقة.
ولابد من ذكر أسماء الشهود الثلاثية أو الرباعية كما جرى به العمل اليوم، وذكر أرقام وثائقهم الشخصية -حفائظ النفوس-، وهذا جار العمل به منذ القدم.
وأن ينص على أن الشهود وقفوا على حقيقة التصرف، وتكتب شهاداتهم بذلك على الإثبات له، وقد علموه علم اليقين بالإقرار الجاري أمام أعينهم من كلا المتعاقدين، أداء للشهادة على وجهها، وتحريا للصدق والأمانة، ويكتب في نهاية الوثيقة "شهد الشهود المسلمون بجميع ما في هذا الكتاب"بما علموه ووقفوا على حقيقة من إقرار المتعاقدين وبما لم يقفوا على حقيقته.
الشرط الحادي عشر:(41/151)
يجب أن تكون الوثيقة مشتملة على تاريخ التصرف الذي تضمنه، بذكر اليوم، والشهر والسنة، ومكان صدور الوثيقة وذلك دفعاً للاشتباه والالتباس والتزوير.
ويكتب التاريخ في نهاية الوثيقة، وقد جرى العمل عند الموثقين أن يقولوا: "وذلك كله صدر أو جرى في يوم كذا في شهر كذا في سنة كذا"، وبعض الموثقين يجعله في صدر الوثيقة فيقول: "في يوم كذا، في شهر كذا، في سنة كذا"، أمام الموثق الفلاني في المحلة الفلانية، أو القاضي الفلاني في المحلة الفلانية وهكذا، ولابد أن يكون تاريخ اليوم والشهر والسنة بموجب التاريخ الهجري المحمدي، إلا إذا كانت الوثيقة سوف تستعمل في بلاد أخرى فيستعمل فيها تاريخاً آخراً، كما في عصرنا وهو -التاريخ الميلادي- فلا بأس من ذكره، مؤخراً بعد التاريخ الهجري، والله أعلم.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الوثائق الغرناطية / ق 3/) .
[2] شرح الوثائق الفرعونية: ص4.
[3] المصدر السابق.
[4] أدب القاضي له: 1/117.
[5] معين الحكام: ص19.
[6] شرح الوثائق الفرعونية: ص5.
[7] تبصرة ابن فرحون: 1/282.
[8] نهاية الأرب: 9/1-2.
[9] شرح أدب القاضي: 1/244.
[10] مسعفة الحكام: 1/195 -210.
[11] مجموع الفتاوى: 35/389.
[12] انظر ص80 من البحث.
[13] مستفاد من كتاب جواهر العقود (1/7) وما بعدها بشيىء من التصرف.
- وكتاب المدخل لابن الحاج: 2/162 وما بعدها (مع تصرف يسير) .
[14] انظر جواهر العقود 1/12.
[15] انظر المدخل لابن الحاج: 2/163.
[16] انظر المصادر التالية:
- الأصول القضائية في الموافقات الشرعية لعلي قراعه الصفحات (290-298) بتصرف.
- مذكرات في علم التوثيق/ أحمد الفاضلي: الصفحات (39-48) .(41/152)
- الأنظمة واللوائح والتعليمات إصدار وزارة العدل السعودية، 1400هـ.
[17] تبصرة الحكام: 1/56.
[18] انظر ص262 من البحث.(41/153)
تابع لكتابة العدل
الفصل الثاني
(كتابة العدل) "ولاية التوثيق"في المملكة العربية السعودية
وفيه المباحث التالية:
المبحث الأول: حالة القضاء والتوثيق عند ظهور الملك عبد العزيز.
المبحث الثاني: مراحل تطور أنظمة (كتابة العدل) في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله.
المبحث الثالث: شروط كتاب العدل "الموثقين"ودرجاتهم الوظيفية.
المبحث الرابع: أعمال كتاب العدل "التوثيق" وصلاحيتهم واختصاصاتهم.
المبحث الخامس: مسميات وظائف كتابة العدل وواجباتهم.
المبحث السادس: الفئات التي منع كاتب العدل من التوثيق لهم.
المبحث السابع: المذهب المعمول به في أنظمة كتاب العدل (الموثق) .
المبحث الثامن: أنواع الوثائق الشرعية الصادرة من كتابات العدل.
المبحث التاسع: الطرق المرعية في إصدار وتحرير الوثائق الشرعية.
المبحث العاشر: نظام إصدار الوكالات الشرعية بالحاسب الآلي.
المبحث الحادي عشر: الارتباط بين كتابات العدل والمحاكم.
المبحث الثاني عشر: فروع كتابات العدل في المملكة العربية السعودية.
المبحث الثالث عشر: أنشطة كتابات العدل بالمملكة العربية السعودية.
المبحث الرابع عشر: العقوبات النظامية المترتبة على تزوير الوثائق الشرعية.
"كتابة العدل"ولاية التوثيق في المملكة العربية السعودية
تمهيد:
مقدمة تاريخية موجزة عن الأحوال الإدارية عند ظهور الملك عبد العزيز.
اصطلح المؤرخين كافَّة أن يقسموا الأدوار التي مرت بها الدولة السعودية منذ قيامها على يد الإمام محمد بن سعود رحمه الله، إلى ثلاثة أدوار تاريخية هي:
الدولة السعودية الأولى: 1157 - 1233هـ
الدولة السعودية الثانية: 1240 - 1308هـ.(41/154)
الدولة السعودية الثالثة: وتبدأ من قيام الملك عبد العزيز –رحمه الله تعالى- بفتح الرياض في 5/10/1319هـ ويُعَدُّ فتح الرياض البداية الحقيقة لظهور الدولة السعودية المعاصرة؛ لأن فتح الرياض كان نقطة الارتكاز لانطلاق جيوش الجهاد لتحرير بقية أجزاء الدولة السعودية، وهذه حقيقة تاريخية لا ينكرها إلا جاهل لم يقرأ التاريخ مطلقاً، والوقائع التاريخية المشابهة لهذا الفتح كثيرة لعل أبرزها صورة، وأشهرها ذكراً، وأصدقها حقيقة، فتح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم للمدينة، فقد ذكرت عائشة -رضي الله عنها-: "أن المدينة فتحت بالقرآن"، ولما وقعت المعاهدة بين النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وزعماء الأنصار في بيعتي العقبة، وتحقق النبي صلى الله عليه وسلم من شدة عقدة العهد ومتانته، أذن لأصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، وأرسل إليهم "مصعب بن عمير"معلماً ومرشداً، فكانت المدينة بداية الانطلاقة الكبرى للفتوح الإسلامية التي سارت مشرقة ومغربة، وعلى ذلك فقس في كل الدُّولِ الإسلامية التالية لها، كالدولة الأموية أو العباسية وغير ذلك.
فلابد إذن من نقطة ارتكاز وموقع حصين مأمون، يكون بداية الانطلاق لتحرير جزيرة العرب في عهد عبد العزيز، فوقع اختياره على المدينة الحصينة الرياض، فمنها انطلقت الجيوش السعودية لتحرير أغلب الجزيرة العربية من براثن الأعداء، وظلمات الجهل، والفتن العمياء، وبالاستقراء التاريخي نجد أن الرياض مؤهلة لتكون بداية الفتح لأسباب كثيرة أهمها ما يلي:
(1) الرياض تتمتع بمزايا كثيرة تؤهلها لتكون محور ارتكاز العملية الجهادية، فهي عاصمة الأجداد، وبها أكثر الموالين للملك، وأهلها عمدة جيش تحرير البلاد من الغاصبين والطامعين.
(2) بعد الرياض عن مراكز القوى القوية التأثير في بداية الانطلاق، كحائل وهي مركز لآل الرشيد، أو الحجاز مركز الأشراف وغيرهما.(41/155)
(3) الموقع الجغرافي الرائع لمدينة الرياض وسهولة الوصول إليها من كافة الجهات الأربع.
(4) يجب على القائد المحارب المدرب، أن يجعل نقطة البداية موقعاً يعرفه كما يعرف نفسه، حتى تمكنه هذه المعرفة الدقيقة، من مواجهة كافة الاحتمالات المستقبلية المتوقعة.
(5) وقبل هذا وبعده عمق الإيمان في قلب القائد الفاتح فالإيمان بِسموِّ الهدف، دافع قوي مؤثر، وفي التاريخ أمثلة كثيرة ورائعة لقادة الفتح الإسلامي وهم القدوة لكل قائد في كل عصر وزمان، فها هو خالد بن الوليد، يرمي نفسه في المهالك وهو يردد "الشهادة أغلى الأماني"، ورغم هذا يموت على فراشه، فالملك عبد العزيز - رحمه الله تعالى - أقدم على فتح الرياض بمغامرة جريئة في عرف المؤرخين فريدة في نوعها عبر التاريخ الإسلامي، ولكن الله سلم، وحفظ تلك الفئة، وله في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في بدر، وكانت بدر هي الفرقان بين الحق والباطل، وكانت الرياض هي الفيصل بين عهد الفرقة والضياع والتحزب والجهل، وعهد التوحيد والإصلاح والبناء والعلم والتطور والانطلاقة الكبرى إلى القرن الحادي والعشرين، بدولة قوية الأساس، ثابتة الأركان، عظيمة النمو، غنية بحكامها وأهلها ومالها، فكانت أنموذجاً عجيباً في هذا العالم المليء بالفتن والانحلال والتحزب والتدهور، فريدة في تلاحم القائد مع الشعب، عظيمة في مؤسساتها الحكومية والأهلية، وإداراتها التنظيمية والأمنية والحربية والقضائية والإدارية، لهذا كله فلا عجب أن يسميها بعض الكتاب "معجزة فوق الرمال"، وهي مقوله حق وصدق.
المبحث الأول
حالة القضاء والتوثيق عند ظهور الملك عبد العزيز(41/156)
كان القضاء في مناطق الحجاز وعسير والأحساء يسير وفق أحكام النظام القضائي العثماني، من حيث التنظيم، أما من حيث الواقع فإن استبداد أمراء تلك المناطق، والنزاعات الحاصلة بين السلطة العثمانية الممثلة في الحاميات التركية المنتشرة في تلك الأنحاء، وبين الحكام الإداريين، ألقى بظلال من الشك والريبة، وعدم سلطة الأنظمة إلا في بعض الجوانب اليسيرة كتنظيم بيع العقار وإفراغه، ونحو ذلك.
أما غالب جزيرة العرب فهي لا تخضع لسلطان عدا بعض الإمارات المنتشرة في بعض أجزاء جزيرة العرب، كالأدارسة في الجنوب وآل رشيد في حائل بالشمال وما حولها.
وفيما يلي تلخيص لحال القضاء في الجزيرة العربية عند بدء ظهور الملك عبد العزيز رحمه الله.
(1) قضاء متأثر بالنظام القضائي العثماني في مناطق الحجاز وعسير والأحساء، والمذهب المطبق المذهب الحنفي، إلى جانب بعض المذاهب الأربعة خاصة المذهب الشافعي والحنبلي في الحجاز ونجد.
(2) قضاء عشائري قائم على العادات والأعراف والتقاليد البدوية السائدة بينهم، وهذا النظام العرفي مطبق عند كافة قبائل الجزيرة العربية في الحجاز ونجد، والشمال والجنوب، وتقع مسؤلية تطبيقه على القاضي البدوي المشهود له بالحكمة والخبرة في العادات العرفية وضمان شيوخ القبائل في تلك المناطق.
وفي الغالب تتم العملية القضائية عند قضاء البادية بدون تسجيل، وقد يلجأ بعض القضاة إلى كتابة محضرٍ بما حصل، ويشهد عليه من حضر من زعماء القبائل، ويحتفظ به زعيم القبيلة المعتدى عليها، وقد رأيت نماذج من مثل هذه الأحكام في كتاب "فصول من تاريخ قبيلة حرب للبدراني".
يقول الأستاذ / صالح الجودي واصفاً بعض الإجراءات القضائية البدوية:(41/157)
"وقد علمت من بعض كبار السن، أنه إذا اتفق البدو في بعض أطراف الجزيرة العربية من منطقة الحجاز، على التقاضي على يد قاض معين، يقدم كل واحد منهم "معدال"، وهو: "عبارة عن آله من آلات الحرب كالسيف أو الخنجر أو البندقية"، ونادراً ما تقدم مبالغ مالية، وذلك لقلتها، وإهانتها أمام السلاح، على اعتبار أن السلاح أهم من المال ... ، ويوضع هذا "المعدال" ... ، لدى شخص القاضي، وبشهادة شهود يضمن به تنفيذ ما حكم به عند قناعتهم به، وهو أشبه بالكفيل..، وبعد التنفيذ يعادلهم ذلك المعدال" [1] .
أما في الجهات التي تخضع لسلطان الدولة العثمانية، ففيها محاكم قائمة لها قضاؤها وكتبتها وسجلاتها الخاصة بها، وفق النظام القضائي المعمول به في الدولة العثمانية، وقد رأيت في أرشيف محكمة المدينة المنورة شيئاً من هذه السجلات الصادرة في العصر العثماني، وبعض العصور قبله إذْ أقدم الصكوك الموجود فيها صادرة (في القرن العاشر الهجري) ، بداية العام 963هـ فما بعده إلى عصرنا الحاضر.
المبحث الثاني
مراحل تطور أنظمة (كتابة العدل) في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله
بإطلالة سريعة على تاريخ القضاء في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الملك عبد العزيز، وحتى تأسيس المملكة العربية السعودية، يتضح لنا جليّاً حالة ولاية التوثيق في العصور الماضية، وهذا موجز لأحوالها قبل ظهور الملك عبد العزيز وتأسيس دولة التوحيد المعاصرة.
ففي جزيرة العرب ومنذ عصر قديم، ضعفت الولاية السياسية على جزيرة العرب، من قبل الدول الإسلامية الماضية كالدولة العباسية ودولة المماليك والدولة العثمانية، وكان لهذا الضعف السياسي تأثيره العظيم على كل النواحي السياسية والإدارية والاجتماعية والأمنية..، الخ.(41/158)
لهذا قامت دول صغيرة متناثرة في أطراف جزيرة العرب على امتداد التاريخ الإسلامي، إلى قيام الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله-، والإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، فاهتمت الدولة السعودية الأولى بنشر الأمن في كافة البقاع التي تخضع لسلطانها، وانتشر القضاة من تلاميذ الشيخ وتلاميذ تلاميذه في أنحاء الجزيرة العربية، وكان القضاء في عصرهم كما كان في العهد النبوي والعصر الأموي، يجلس القاضي في المساجد أو في الأماكن المحددة له من قبل الإمام، ويفصل بالقضية شفاهاً بحضور الخصوم، وتحصل القناعة من قبل أطراف الدعوى، ناهيك بقلة الكتاب والكتبة في تلك العصور الماضية.
وعلى هذا المنوال نسجت الدولة السعودية الثانية.
أمّا في عهد الملك عبد العزيز خاصة بعد فتحه لمدينة الرياض، واستعادته لملك آبائه وأجداده، وانشغاله في الغزوات الجهادية لتحرير الجزيرة العربية من الجهل والفقر والخوف، واستغرقت هذه الجهود المباركة ردحاً من الزمن، لذا أرى أنه لابد من تقسيم تاريخ ولاية التوثيق إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: التوثيق قبل تدوين النظم:
وتبدأ هذه المرحلة من تاريخ فتح الرياض 5/10/1319هـ، وتنتهي بفتح الحجاز وقيام مؤسسات الدولة الحديثة، على أنظمة متنوعة شاملة، لكافة أعمال الدولة في شتى مؤسساتها الإدارية في ذلك الوقت، وقد اتسمت هذه المرحلة الماضية، وهي مرحلة تأسيس الدولة، بصفات خاصة بها، أملتها الظروف المحيطة بها، وهي مرحلة الغزوات الجهادية لتحرير الأراضي السعودية من المحتلين والطامعين وغيرهم.(41/159)
ورغم هذا الانشغال العظيم بتوحيد البلاد، لم يهمل الملك عبد العزيز الولايات القضائية بشتى أنواعها، من قضاء أو حسبه أو كتابة عدل، فكان الملك يصحب في معيته القاضي الخاص به، وإليه توكل كل القضايا المحالة من الملك عبد العزيز للبت فيها، أما بقية المناطق الإدارية في الدولة السعودية ففي كل صقع منها قاض مبعوث من الملك عبد العزيز رحمه الله، عهد إليه بكافة الأعمال القضائية.
وقد اتسمت هذه المرحلة بعدم تسجيل كافة القضايا المنظورة، وذلك لأمور أهمها بساطة المشكلات المتنازع فيها، وندرة الورق، وعدم وجود أنظمة تحكم سير المحاكمات، وتنظم كتابه العدل، وغيرها من الدوائر القضائية.
يقول الشيخ حسن آل الشيخ عن هذه المرحلة التي أسماها "القضاء قبل تدوين النظم".
"القاضي في نجد - لا يميزه عن غيره مظهر أو هيبة، فهو على ما اعتاده الناس منه، يقضي بين المتخاصمين في داره حيث يسكن، فهي داره ومجلس قضائه، والناس يقصدونهم في أغلب ساعات الليل والنهار ... ، أما إذا كانت القضية المنظورة لديه من قبيل الأملاك المبيعة أو المرهونة أو الموهوبة، فهو يعمد إلى رصد ما أجراه حيالها، من إقرار البائع أو الراهن أو الواهب، بما باعه أو رهنه أو وهبه، ويذكر حدوده، وخلاصة الحكم فيه بثبوت نوع الحكم، ويختمه كما ابتدئه بحمد الله وإيضاح اسمه ولقبه والصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم يسلمها للمشتري أو المرهون أو الموهوب، (صاحب الحق فيها) ، مالم يكن القاضي كفيفاً (لا يبصر) فإن كتابة هذه المحاضر أو الصكوك إن أن جاز يطلق عليها هذان الاسمان، أو مايسمونها هنالك "بالمخاليص"، بيد القاضي وينصرف المتبايعان في امتنان وغبطه" [2] .
وهكذا نرى أن التوثيق في ذلك العصر أشبه ما يكون بسندات ورقيه صادرة من قبل القاضي، تكون في يد المحكوم له، وهذا ما جرى عليه العمل في كثير من العصور الإسلامية السالفة.(41/160)
المرحلة الثانية:- مرحلة إصدار أنظمة التوثيق (كتابة العدل) ومراحلها المتنوعة:
تبدأ هذه المرحلة من دخول الحجاز تحت سلطان الملك عبد العزيز، فبعد فرض سلطانه عليه، قام الملك عبد العزيز في هذه المرحلة الدقيقة، بإصدار مجموعة من التعليمات والأنظمة، تبلغ إلى مقام النيابة العامة في الحجاز، ومما صدر في عام 1345هـ مما له علاقة بالتوثيق، الإدارة السنية رقم 1166 في 27/12/1345هـ المبلغة لمقام النيابة العامة ومما تضمنته: "إن أحكام القانون العثماني لا زالت جارية إلى الآن، لأننا لم نصدر إرادتنا بإلغائها، ووضع أحكام جديدة مكانها، لذا نوافق على اقتراحاتكم بشأن استمرار أحكام هذا القانون، ونطلب منكم أن تبلغوا رئاسة القضاة، والحكام الإداريين بالملحقات بضرورة الامتناع عن إجراء إفراغ العقار إلى الأجانب، وتوقيف الإجراءات المعروضة الآن ... " [3] .(41/161)
من خلال هذه النصوص يتضح أن أحكام القانون العثماني المطبق في الحجاز قبل دخولها في سلطان الملك عبد العزيز جار العمل به، لأنه لابد في هذه المرحلة الدقيقة من استمرار العمل بالقوانين المرعية المطبقة قبل الوضع الجديد، حتى يتسنى للدولة السعودية سن الأنظمة البديلة، وهذا شيىء لابد منه، حتى تقوم الإدارات الحكومية كافةً بشتى أنواعها بأعمالها في تسيير مصالح الناس حتى يأتي البديل، خوفاً من فراغ في الأنظمة يُعطِّل المصالح والإدارات، وهذا ما حذر منه علماء الإدارة والسياسة. ويحتوي هذا النص على أول إشارة إلى ما يتعلق بأنظمة التوثيق في الدولة السعودية فيما يتعلق بالأراضي الحجازية، حيث تضمنت الإدارة السنية منع إفراغ العقار للأجانب من غير رعايا الدولة السعودية، وما أفرغ قبل صدور هذه الإرادة السامية يعمل كشف مفصل يحصره، لترى الدولة ما يجب اتخاذه في هذا الشأن من إلغاء أو إمضاء، وبعد أن قام الملك عبد العزيز بإنشاء مجلس الشورى عام 1344هـ عهد إليه بسن الأنظمة بمختلف أنواعها.
فقام مجلس الشورى بإعداد مجموعة من النظم التي تتعلق بالقضاء الشرعي، من سنه 1345 إلى 1357هـ، ونشرت قراراته في كتاب مرتب على السنين، وهذه المجموعة بترتيبها التاريخي تبين الأطوار التي مرت فيها أنظمة كتابات العدل، وفيما يلي استعراض موجز لبعض الأنظمة المتعلقة بكتابات العدل، ليطلع القاريء على المراحل التنظيمية التي مرت بها هذه الإدارات الشرعية التوثيقية، حسب ما احتوته مجموعة النظم الشرعية والأنظمة الصادرة في تلك المرحلة.
1) ما تضمنه الفصل الرابع من المرسوم الملكي الصادر في 4/2/1346هـ[4] وفيه:
أ - تحديد وظائف كاتب العدل وهي كما يلي:
1) تحرير الوثائق التجارية والتصديق عليها.
2) تحرير السندات المالية والتصديق عليها.
3) تحرير الوكالات والوصايا والتصديق عليها.(41/162)
4) تحرير العقود العقارية والتصديق عليها.
5) تحرير الإنذارات.
ب- يسير كاتب العدل في أعماله الداخلية في اختصاصاته طبقا لنظام يضعه مجلس الشورى.
ج- يتكون مكتب كاتب العدل في مكة من رئيس وكاتب ومساعد له، وفي المدينة من كاتب، وفي الملحقات يتولى القاضي الشرعي كتابة العدل.
2) صدور نظام كتاب العدل بالأمر السامي بالموافقة على هذا النظام، بتاريخ 26/صفر/ 1346هـ[5] .
ويتكون النظام من ثلاثين ماده.
- المواد من (1 - 12) تنص على كيفية نصب كاتب العدل، وشروط وكيفية اختياره، وتحليفه ونحو ذلك.
- المواد (13 - 28) تنص على تحديد وظائف كتاب العدل وطريقة عملهم.
- المواد (29 - 30) تنص على إيضاح رسوم كتاب العدل.
3) صدر قرار هيئة القضاة برقم 112 وتاريخ 21/7/1347هـ المقترن بالتصديق السامي رقم 1878 في تاريخ 8/8/1347هـ يوضح المرجع الفقهي لكتاب العدل ويتضمن هذا القرار ما يلي:
1 - لا يجري كاتب العدل عقد بيع الوفاء نزولاً على المنصوص عليه من مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
2 - أن يكون مجرى الصكوك منطبقاً على المفتى به من المذهب المشار إليه.
3 - إذا وجدت مشقة أو مخالفة لمصلحة العموم في المفتى به من مذهب الإمام أحمد بن حنبل، نظر إلى ما نصت عليه المذاهب الأخرى.
4 - المراجع التي يجب أن يكون عليها المدار من كتب المذاهب هي:-
أ - شرح المنتهى
ب - شرح الإقناع
فما اتفقا عليه أو انفرد به أحدهما فهو المتبع، وما اختلف فيه فالعمل بما في المنتهى، وفي حالة عدم وجودهما يكون العمل بما في الزاد والدليل.
أما إذا لم يجد كاتب العدل النص المراد في الشرحين، فلا بأس من أن يطلبه في المبسوطات من كتب المذهب، مع ملاحظة الأخذ بالراجح من الأقوال.(41/163)
4) صدور ملحق نظام كتاب العدل بقرار مجلس الشورى رقم 368 وتاريخ 4/12/1347هـ المتوج بالتصديق السامي رقم 384 وتاريخ 3/2/1348هـ، وتضمن هذا الملحق تحديد الرسوم المأخوذة عند إصدار بعض الوثائق الشرعية في ذلك الوقت.
ومثله قرار مجلس الشورى عدد 543 في 233/7/1348هـ المقترن بالتصديق العالي رقم 1043 في 21/7/1348هـ، المتضمن تحديد ثمن الصكوك الشرعية الخاصة بكتابة العدل.
5) صدور قرار مجلس الشورى رقم 243 في 20/4/1350هـ المقترن بالتصديق العالي رقم 1538 وتاريخ 29/4/1350هـ، بصدد تنظيم وتحديد شرط تملك الأجانب العقار في الحجاز.
6) صدور نظام تركيز مسؤليات القضاء الشرعي بالأمر السامي رقم 32/1/3 وتاريخ 4/1/1357هـ
واحتوى هذا النظام على الأبواب التالية:
الباب الأول / رئاسة القضاة.
الباب الثاني / تفتيش المحاكم الشرعية.
الباب الثالث / قضاء المحاكم الشرعية.
الباب الرابع / كتاب المحاكم الشرعية.
الباب الخامس / المحاضرة.
الباب السادس / كتاب العدل.
الباب السابع / دوائر بيت المال.
الباب الثامن / مواد عمومية.
ويتكون هذا النظام من (282) مادة، وقد احتوى الباب السادس المواد الخاصة بكتاب العدل وهي المواد (201 - 229) المتضمنة تحديد اختصاصات وصلاحيات كتاب العدل وواجبات المعاون لهم، ومسجل الصكوك، ومقيد الأوراق، والمبيض واختصاصاته وصلاحيته.
7) صدور نظام كتاب العدل بالأمر السامي رقم 11083 وتاريخ 19/8/1364هـ ويتكون هذا النظام من الفصول التالية.
1) الفصل الأول / كتاب العدل ويشمل المواد (1-7) .
2) الفصل الثاني / وظائف كتاب العدل وواجباتهم وصلاحيتهم.
ويشتمل على المواد (8-21)
3) الفصل الثالث / رسوم كتاب العدل ويشتمل على المواد (22 - 34) .
4) الفصل الرابع / المعفو من رسم كتاب العدل ويشتمل على المادة (35) .(41/164)
5) الفصل الخامس / أحكام عامة ويشتمل على المواد (36 - 48) .
ثم صدر الأمر السامي الكريم رقم 9143 وتاريخ 22/6/1372هـ بشأن إعفاء الصكوك الشرعية من الرسوم، وتعديل المواد التي نصت على الرسوم.
8) صدور نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي (الجديد) بالأمر السامي رقم 109 وتاريخ 24/1/1372هـ.
ويتكون هذا النظام من (258) مادة، في ثمانية أبواب، واختص الباب السادس: بكتاب العدل، ويتضمن المواد (177 – 205) المنظمة لأعمال كتاب العدل، ويتكون من الفصول التالية:
- كتاب العدل / (177) تبين هذه المادة تعريف كتابة العدل وارتباطها.
- الفصل الأول / كاتب العدل واختصاصاته المواد (178 - 200) .
- الفصل الثاني / معاون كاتب العدل. (المواد (201 - 202) .
- الفصل الثالث / مسجل الصكوك ومقيد الأوراق المادة (203) .
- الفصل الرابع / المبيض واختصاصه وصلاحيته المادتان (204 - 205) .
9) صدور نظام القضاء بالأمر السامي رقم م/64 وتاريخ 14/7/1395هـ، ويتكون هذا النظام من (102) مادة، في سبعة أبواب وفصول.
ويتضمن الباب الخامس المواد المتعلقة بكتاب العدل، ويشتمل على الفصول التالية:
الفصل الأول / شروط تعيين كتاب العدل ومؤهلاتهم.
ويشمل المواد (90 - 95)
الفصل الثاني / اختصاصات كتاب العدل والتفتيش عليهم.
ويشتمل على المواد (93 - 95)
الفصل الثالث / قوة الأوراق الصادرة من كتاب العدل.
ويشتمل على المادة (96) فقط.
هذا عرض لأهم الأنظمة المتعلقة بكتابات العدل منذ صدور أول نظام لها إلى وقتنا الحاضر، وفي المباحث التالية عرض لأهم ما احتوته الأنظمة والتعليمات السارية المفعول المطبقة في عصرنا الحاضر مما يخص كتاب العدل.
المبحث الثالث
شروط كتاب العدل "الموثقين" ودرجاتهم الوظيفية(41/165)
يعين كاتب العدل من قبل وزير العدل، لأنه عندما أنشئت وزارة العدل، صدر الأمر الملكي رقم1/126 وتاريخ 13/8/1390هـ القاضي بأن يباشر وزير العدل الصلاحية المحدودة لرئيس القضاة، ويكون رئيساً لمجلس القضاء الأعلى وله الصلاحيات المحددة لرئيس القضاء فيما سبق، وهي ما نصت عليها المادة الثانية من نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي الصادر عام 1372هـ ونصها "أن رئيس القضاء هو رئيس الدائرة الرئيسة، وصاحب الرقابة التامة على المحاكم وكتاب العدل من الوجهة الشرعية [6] ... " الخ.
وبناء على هذه الصلاحيات الممنوحة له أصدر لائحة تحديد مؤهلات شغل وظائف كتاب العدل، وقبل عرض هذه اللائحة لابد من ذكر شروط كتاب العدل، وهذه الشروط هي الشروط الواجب توفرها في تعيين القضاة، كما نصت عليه المادة الثالثة من لائحة تحديد مؤهلات شغل وظائف كتاب العدل، وهذا نص المادة: "يشترط فيمن يشغل وظيفة كاتب عدل أن تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في المادة (37) من نظام القضاء، على أن يجتاز من لا يحمل الحد الأدنى من المؤهل العلمي حسب ما ورد في الفقرة (د) من المادة (37) من نظام القضاء الامتحان الذي تجريه وزارة العدل باشتراك الديوان العام للخدمة المدنية".
وقد نصت المادة (37) [7] من نظام القضاء على ما يلي:
"يشترط فيمن يولى القضاء:
أ - أن يكون سعودي الجنسية.
ب - أن يكون حسن السيرة والسلوك.
ج- أن يكون متمتعا بالأهلية الكاملة حسب ما نص عليه شرعاً.(41/166)
د – أن يكون حاصلاً على شهادة أحد كليات الشريعة بالمملكة العربية السعودية أو شهادة أخرى معادلة لها، بشرط أن ينجح في الحالة الأخيرة في امتحان خاص تعده وزارة العدل، ويحوز في حالة الضرورة تعين من اشتهر بالعلم والمعرفة من غير الحاصلين على الشهادة المطلوبة، وألاَّ يكون قد حكم عليه بحد أو تعزير، أو في جرم مخل بالشرف، أو صدر بحقه قرار تأديبي بالفصل من وظيفة عامة، ولو كان قد رد إليه اعتباره" [8] .
تبين لائحة تحديد مؤهلات شغل وظائف كتاب العدل المعتمدة بموجب خطاب معالي رئيس الديوان العام للخدمة المدنية رقم 4/ن/10/44/36 في 30/10/1398هـ، وخطاب معالي وزير العدل رقم 53/5/خ في 6/10/1399هـ.
والصادر بناء على أحكام المادة (91) من نظام القضاء والتي تقضي بما يلي:
"مع مراعاة ما جاء في المادة (90) التي تقضي فيمن يعين كاتب عدل أن تتوفر فيه الشروط المطلوبة في تعيين القضاة - تحدد مؤهلات شغل فئات ووظائف كتاب العدل بلائحة تصدر باتفاق بين وزارة العدل وديوان الموظفين العام"-، وهذه بعض نصوص اللائحة المذكورة [9] .
مادة (1) تعتبر وظائف كتاب العدل ضمن المجموعة العامة للوظائف الإدارية وتصنف كالتالي:
- كاتب عدل بالمرتبة السابعة.
- كاتب عدل بالمرتبة الثامنة.
- كاتب عدل بالمرتبة التاسعة.
- كاتب عدل بالمرتبة العاشرة.
- كاتب عدل بالمرتبة الحادية عشرة.
مادة (2) تكون الخبرة المعتبرة لشغل وظائف كتاب العدل هي الخبرة المكتسبة في أعمال كتابة العدل أو الأعمال القضائية في المحاكم الشرعية بالمملكة، أو الأعمال القضائية النظيرة، أو في تدريس المواد الدينية أو في أعمال كتابة الضبط أو السجل في المحاكم وكتابات العدل في المملكة.(41/167)
مادة (3) نصت على شروط من يشغل وظيفة كاتب العدل (وسبق ذكرها فيما مضى) أما المواد من (4) حتى المادة (8) فتنظم طريقة تعيين كتاب العدل وتحديد المؤهلات المطلوبة لشغل كاتب عدل من المرتبة السابعة وحتى المرتبة الحادية عشرة.
وأهم الشروط المطلوبة للتعيين على وظيفة كاتب عدل هي:
1- الحصول على الشهادة الجامعية في الشريعة وما يعادلها، ثم الماجستير، ثم الدكتوراه في نفس التخصص بحسب علو الدرجة.
2- الخبرة العملية في أعمال كتابة العدل فكلما زادت الخبرة علت الدرجة.
المادة (9) عالجت أوضاع الموظفين الذين يشغلون وقت العمل بهذه اللائحة وظيفة كاتب عدل ولا تتوفر لديهم المؤهل العلمي المطلوب.
المادة (10) نصت على مراعاة ما ورد في نظام القضاء من أحكام، فيما لم يرد منه نص في هذه اللائحة، ويخضع كتاب العدل لجميع الأحكام الواردة في نظام الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية.
المبحث الرابع
أعمال كتاب العدل "التوثيق" وصلاحيتهم واختصاصاتهم
أنيطت بكتاب العدل مهام عظيمة، وواجبات حقوقية جسيمة، فكل فرد من أفراد الدولة يحتاج لكاتب العدل، إما لإفراغ صك مبايعه، أو رهنه، أو إصدار وثيقة مهما كان نوعها من وكالة أو توكيل، أو استقدام أو نحو ذلك.
ومع فشو التجارة وكثرتها، وانتشار الأموال وتداولها، أصبحت الحاجة إليهم أكثر من ذي قبل، فتجد أن ردهات وغرف دوائر العدل ممتلئة بالمراجعين رغم سعتها، وعظم المباني التي تشغلها.
ونصت المادة (8) من نظام كتاب العدل الصادر بالأمر السامي بالموافقة عليه برقم 11083 وتاريخ 19/8/1364هـ وعلى ما يلي:
تقوم دوائر العدل وما قام مقامها في الجهات التي ليس بها كاتب عدل بالأعمال التالية:
أ - تحرير الوثائق التجارية والتصديق عليها.
ب - تحرير السندات المالية على اختلاف أنواعها والتصديق عليها.(41/168)
ج- تحرير الوكالات والوصايا والإقرارات بالعزل من الوكالة وخلافها، والتصديق عليها.
د - تحرير العقود على اختلاف أنواعها والتصديق عليها.
هـ – تحرير المقاولات والإنذارات وتبليغها، عقود الرهونات والتصديق عليها.
و تسجيل خلاصة الصكوك الصادرة من المحاكم الشرعية.
ز- تسجيل الشركات بموجب نظامها "مؤقتاً".
ح – تقرير الفروع من المسقفات السلطانية والتصديق عليها.
هذه هي أهم الأعمال التي نص عليها النظام الآنف الذكر، ولا يخفى على كل مطلع أن الأنظمة تصدر تباعاً، وقد يطرأ عليها كل عام نوع من التحديث أو الإلغاء أو الإضافة بحسب ما تمليه الحاجة.
وهذا عرض لأهم الصلاحيات والاختصاصات المناطة بهم كما نصت عليها المواد من المادة رقم (178) حتى المادة (200) من نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي [10] .
1- النظر في الإقرارات، وكل ما نصت عليه التعليمات الخاصة بكتاب العدل، وضبطه في الدفتر المخصص له، مع مراعاة ما قضى به النظام، من أخذ توقيع المتعاقدين، وغير ذلك كالمعرفين، وما شاكل ذلك، والتوقيع بالدفتر الذي حصل به الإقرار المذكور، بما يدل على أن ذلك حصل وبإجازته (المادة /178) .
2- إصدار الصكوك المتعلقة بالإقرارات والعقود المذكورة، وتنظيمها تنظيماً شرعياً وفق مذهب الإمام أحمد، إلا ما نصت عليه التعليمات والأوامر بأن يكون تنظيمه على مذهب مخصوص، والتوقيع على الصكوك بتوقيعه الذاتي، وختم الدائرة الرسمية بجانب توقيعه (المادة / 179) .
3- إحالة الصكوك التي تصدر لديه إلى المسجل لتسجيلها بالسجل حرفياً بعد مطابقتها منه ومن المسجل، على أن يوقع في سجل المعاملة المذكورة هو والمسجل (المادة / 180) .
4- السير في معاملاته طبق نظام كتاب العدل المبلغ إليهم بحينه، وعدم إهمال شيىء منه، وهو مسؤول حال مخالفته ذلك، (المادة / 181) .(41/169)
5- لا يجوز لكاتب العدل أن يسجل معاملة أو تقريرا يخالف الوجه الشرعي، وإذا صدر ذلك منه فيكون مسؤولا عن ذلك، (مادة / 182) .
6- لا يجوز لكاتب العدل أن يعبر عن أحد المتعاقدين أو غيرهما من أرباب المعاملات بما لا تفيده عباراته، ولا أن يغير أقواله، وأن يكون سلوكه مع أرباب المعاملات كسلوك القضاة معهم، (المادة / 183) .
7- يجب على كاتب العدل أن يرصد الإقرارات والعقود وما عطف على ذلك بخط واضح، وليس له أن يمسح أو يحك فيما بضبطه ولا أن يحرر شيئا بين الأسطر، وإذا دعت الضرورة إلى شيىء من ذلك فيضرب عليه بصورة يمكن معها قراءة ما ضرب عليه، ويشير فيها من الضبط إلى ذلك كتابه حسب الأصول، ويأخذ توقيع الطرفين على ذلك بحضور الموقعين (المادة /184) .
8- أن كاتب العدل هو المرجع لجميع المعاملات الواردة إلى دائرة كتاب العدل، والصادرة عنه، وهو المسئول عن جميع موظفي الدائرة المذكورة، وهو المسؤول عن تطبيق التعليمات والنظم المبلغة إلى دائرته (المادة /185) ، ولا يخفى أن كتابة العدل اليوم بها مجموعة من الكتاب يتفاوت عددهم قلة وكثرة بحسب المناطق الإدارية في المملكة، ولكل دائرة كتاب عدل رئيس ومساعد، وهم يتولون تنفيذ ما تضمنته هذه المادة.
9- يجوز إعطاء صور مستخرجة من السجل لطالبها، إذا تحقق كاتب العدل من صفة استحقاقه شرعاً فيعطى المطلوب بعد الختم والتصديق (المادة/186) .
10- يصدر كاتب العدل الأمر على المسجل بالشرح على هوامش السجلات والصكوك بما تقتضيه المعاملات الصادرة لديه أو لدى غيره، ثم يختم السجل والصك بختم الدائرة الرسمي، والتوقيع عليهما كتوقيعه وتوقيع المسجل بعد المقابلة (المادة/ 188) .
11- إن طريقة الشرح على الصكوك الصادرة لدى كتاب العدل أو القضاء، وكذلك التهميش على سجلاتها بما وقع لديه بينتها (المادة /189) .(41/170)
12- يجب على كاتب العدل التثبت من الصكوك والمستندات المبرزة من المتعاقدين، أو أحد الطرفين المستند إليها في الإقرار، من كونها صالحة للاستناد إليها، ولم يطرأ عليها ما يوجب إلغاء مفعولها، والتحقيق من كونها خاليةً من أي شبهة أو تزوير، سواء أكان الصك أو المستند صادراً من إدارته أم من غيرها، وعالجت موضوع الصكوك المزورة حين اكتشافها وطريقة إلغائها (المادة/ 190) .
13- يجب على كاتب العدل حفظ الختم الرسمي لدائرته، الذي تختم به الصكوك، وأن يختم به الصكوك بجانب توقيعه الذاتي، وأن مهمة حفظه من أهم واجباته (المادة/ 191) .
14- يمنع كاتب العدل من تسجيل صك أو معاملة أو الأمر بتسجيلهما في السجل مالم تكن صادرة منه، أو من معاونه (المادة/ 193) .
كما تضمنت هذه المادة كيفية التصرف بالمعاملات غير المستكملة إذا مات كاتب العدل.
15- إن كيفية ضبط الإقرارات والمصادقة عليها ممن لا يستطيع الحضور إلى دوائر كتاب العدل عالجتها (المادة /194) من هذا النظام.
16- لا يجوز لكاتب العدل أن يضبط إقرارا ليس من اختصاصه، بل يجب أن يحيله إلى الجهة المختصة، وإن فعل ذلك فلا اعتبار لعمله، ويكون مسؤولا عن هذا العمل (المادة/ 195) .
17- يمنع كاتب العدل من ضبط إقرار أو تنظيم معامله في غير البلد الداخل في اختصاصه، ومن خالفها فعمله باطل، ويكون مسؤولا عن فعله هذا (المادة/ 196) .
18- إن الطلبات العاجلة، التي لا تحتمل التأخير ويجب فيها المبادرة والإسراع كمريض يخشى موته، ونحو ذلك بينتها (المادة/ 197) من هذا النظام.
19- يجب على كاتب العدل التوقف عن إجراء المعاملات التي فيها محاكمات جارية حتى تنتهي المحاكمة، أما إن كان المعارض ليس لديه الوثائق المعتبرة، فيكمل المعاملة، ويفهَّم المعارض بمراجعة الجهات المختصة (المادة / 198) .(41/171)
20- يلزم كاتب العدل اتخاذ دفتر حسب الأصول لتسليم الصكوك الصادرة منه، والتي تمت إجراءاتها إلى أصحابها، وأخذ توقيعهم على تسلمها في الدفتر المخصص لذلك، (المادة/199) .
21- يعهد كاتب العدل لمعاونه بالقيام بما هو موضح في المواد الماضية، وأن عليه القيام بذلك ما عدا التصديق على الإقرارات الصادرة من الطرفين، فلا تكون إلا لديه بالذات وموقعه منه، (المادة/ 200) .
هذه أهم الصلاحيات التي تضمنها النظام المشار إليه فيما سبق، وهي مواد دقيقة متضمنة للإجراءات النظامية داخل كتابات العدل، ولا زالت سارية المفعول إلى الآن، وقد ذكرت بعض المواد بنصها لأهميتها والبعض الآخر ذكرت أهم ما نصت عليه، لأن الهدف هو إبراز أهم الاختصاصات والصلاحيات النظامية الممنوحة لهؤلاء الموثقين، واطلاع القاريء الكريم عليها، ومن أراد الاستزادة فعليه بمراجعة نص النظام.
المبحث الخامس
مسميات الوظائف الإدارية والكتابية بكتابات العدل وواجبا تها
لقد مر الحديث عن صلاحيات كاتب العدل وواجباته، وهي صلاحيات في مجملها تقوم على الإشراف العام على إدارة كتابة العدل، والأمر على كتاب الإدارة بإنهاء معاملات الناس بسهولة ويسر، حسب اللوائح والنظم المرعية، والتوقيع والختم على المعاملات الصادرة من إدارته بالإجازة، ونظراً لكثرة الأعمال الكتابية التي تحتاجها إدارات كتابة العدل، زودت تلك الإدارات بعدد وافر من الكتاب تحت مسميات متعددة، وهذا عرض لها ولاختصاصاتها.
أولا: معاون كتاب العدل وواجباته:
فصلت المواد (201 - 202) من نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي اختصاصات معاون كاتب العدل وواجباته ومنها:
1- أن يقوم المعاون بمهام كاتب العدل طيلة غيابه، ويكون المعاون مسؤولا عمَّا يجري تحت تصرفه خلال غياب كاتب العدل.(41/172)
2- أن لمساعد كاتب العدل كامل الصلاحيات في ضبط الإقرارات في ضبوطها بعد تصحيحها في جميع ما هو من صلاحيات كاتب العدل.
ثانياً: مسجل الصكوك ومقيد الأوراق:
نصت المادة (203) من النظام المشار إليه آنفاً: "إن اختصاصات مسجل الصكوك ومقيد الأوراق في إدارات كتابات العدل مثل اختصاصات وصلاحيات مسجل الصكوك ومقيد الأوراق بالمحاكم الشرعية، والتي فصلها النظام في المواد (143 - 160) ، والمواد (129 - 139) الخاصة بمقيد الأوراق.
ثالثاً: المبيض واختصاصاته وصلاحياته:
بينت المواد (204 - 205) من النظام الماضي اختصاصات المبيض في إدارات كتابات العدل وهي:
1- تبييض الصكوك وجميع المحررات الصادرة، وكل ما يلزم نسخه في الدائرة، وتحرير الكشوف لأية جهة كانت، بخط جميل.
2- صلاحياته واختصاصاته كاختصاص وصلاحية المبيض في المحاكم الشرعية، والتي بينتها المواد (140 - 142) من النظام.
3- القيام بكل ما يعهد إليه كاتب العدل أو معاونه ضمن صلاحيتهما.
هذه أهم الوظائف الإدارية والكتابية التي تشتمل عليها دوائر كتابات العدل في المملكة العربية السعودية، كما بينها نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي، والملاحظ أن إدارات كتابات العدل ينطبق عليها النظام المنظم لإدارات المحاكم الشرعية، لذا لا نرى فروقاً كبيرة خاصة في مسميات الوظائف الإدارية أو الكتابية وأعمال الكتاب، فالنظام القضائي يشملهم جميعاً، إنما الفروق في أن نوعيات القضايا المنظورة عند القضاة تخالف الواجبات التي تأديها كتابات العدل في المملكة العربية السعودية.
المبحث السادس
الفئات التي منع كاتب العدل من التوثيق لهم(41/173)
نص الفقهاء في كتبهم أن القاضي لا يجوز له أن يقضي لأصوله مهما علوا، ولا لفروعه مهما نزلوا، وكذلك لأقاربه الذين هم تحت كنفه كوصيه ووليه، أو لمحبيه كالصديق الملاطف والزوج وغير ذلك، وذلك لشدة الشفقة عليهم بداعية الطبع الجبلي بالمحبة لهم، وإبعاداً للتهمة وسوء ظن الوالي الشرعي به.
وكتابة العدل (ولاية التوثيق) إحدى الوظائف القضائية التي ينطبق على ولاتها ما ينطبق على القضاة؛ لذا جاء في الأمر السامي رقم 1738 في 29/7/1360هـ المبني على قرار مجلس الشورى رقم (232 في 3/12/1359هـ) أن تحل المادة التالية محل المادة (40) من نظام كتاب العدل ونص المادة المذكورة ما يلي:
"لا يجوز لكاتب العدل أن يحرر أو يصدر الأوراق المتعلقة بمصلحته الذاتية، أو المتعلقة بأصوله وفروعه من النسب، بل يقوم بهذه الوظيفة في جميع الأعمال المنصوص عليها في المادة الثامنة من هذا النظام قاضي البلد، وتجري المعاملة لديه في ضبوط المحكمة، وتسجل في سجلاتها، تحت ختم القاضي وتوقيعه، وفي الوقت نفسه يسجل نص العقد في دائرة كتابة العدل في نفس الدفاتر المتخذة لأفعاله، ويوقع عليها نفس القاضي باعتبار أنها صورة طبق الأصل المسجل في سجلات محكمته ويستوفى على ذلك رسم كتابة العدل فقط، وفي الجهات التي يقوم فيها الحاكم الشرعي بوظيفة كاتب العدل يتولى هذا العمل رئيس كتاب محكمة تلك البلدة".
المبحث السابع
المذهب المعمول به في أنظمة كتاب العدل (الموثق)
المذهب الحنبلي هو المذهب السائد في المملكة العربية السعودية، وأغلب الأنظمة مستقاة من هذا المذهب، ومنها أنظمة كتابة العدل (الموثق) .
لذا نصت المادة رقم (179) من نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي في الباب السادس الخاص بكتاب العدل على ما يلي:(41/174)
"إصدار الصكوك المتعلقة بالإقرارات والعقود المذكورة في نظام كتاب العدل وتنظيمها تنظيماً شرعيّاً وفق مذهب الإمام أحمد، إلا ما نصت عليه التعليمات والأوامر بأن يكون تنظيمه على مذهب مخصوص...." [11]
ومن هذا المادة ترى أن المملكة العربية السعودية تأخذ الأحكام التنظيمية التي تنظم الدوائر الشرعية فيها من المذاهب الأربعة ما فيه المصلحة الراجحة، علاوة على الأصل المعمول به المغلب وهو مذهب الإمام أحمد، وأصول مذهب الإمام أحمد لا تخفى على طالب العلم من حيث الصحة والرجحان.
وحرص الملك عبد العزيز على جعل الشريعة الإسلامية بمذاهبها الأربعة مصدراً للتشريع، وذم التعصب المذهبي في الصحيفة الرسمية؛ لذا قال في خطاب عام موجه لكافة الشعب السعودي والأمة الإسلامية عامة: "وقد جعلنا الله، أنا وآبائي وأجدادي مبشرين ومعلمين بالكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح، لا نتقيد بمذهب دون آخر، ومتى ما وجدنا الدليل الأقوى في أي مذهب من المذاهب الأربعة رجعنا إليه وتمسكنا به، أما إذا لم نجد دليلاً قويّاً، أخذنا بقول الإمام أحمد فهذا كتاب الطحاوية في العقيدة الذي نقرؤه وشرحه للأحناف، وهذا تفسير ابن كثير وهو شافعي ... ، " [12] .
ولا شك أن ما قاله الملك عبد العزيز هو الحق والصواب الذي لا محيد عنه.
المبحث الثامن
أنواع الوثائق الشرعية الصادرة من كتابات العدل
عهد إلى إدارات كتابة العدل منذ إنشائها في عهد الملك عبد العزيز مهمة إصدار الوثائق الشرعية بمختلف أنواعها، فقد نص الأمر السامي الكريم الصادر بتاريخ 4/2/1346هـ على وظائف كاتب العدل، ومما جاء في المادة الثامنة عشرة منه:
"أن وظائف كاتب العدل كما يلي:
أولاً: تحرير الوثائق التجارية والتصديق عليها.
ثانياً: تحرير المستندات المالية والتصديق عليها.
ثالثاً: تحرير الوكالات والوصايا والتصديق عليها.(41/175)
رابعاً: تحرير العقود العقارية والتصديق عليها.
خامساً: تحرير الإنذرات" [13] .
ونظراً لمسيس الحاجة إلى كتابة العدل، وعلاقتها الوثيقة بالحاجيات الأساسية لكل مواطن، من حيث الحصول على صك للسكنى، أو التوكيل لحاضر أو غائب، أو تأسيس شركة، ونحو ذلك، توسعت وزارة العدل في إنشاء إدارات كتابة العدل في كل مناطق المملكة العربية السعودية، وأغلب مدنها وقراها.
وفي السنوات الأخيرة زاد الطلب كثيراً على كتابات العدل، نتيجة طبيعية للنهضة الشاملة في المملكة العربية السعودية في شتى جوانب الحياة، وخاصة مع التوسع في البناء والتعمير وإنشاء الشركات العامة والخاصة، وزيادة حركة البيع والشراء، ولمواجهة هذا الكم الهائل من الطلبات قامت وزارة العدل في مواجهة هذا الأمر بتعداد كتابة العدل في المدن الكبرى، فقد نص تعميم معالي وزير العدل رقم 14/12/ت في 12/10/96 على ما يلي: "فنظرا لتضخم أعمال كتابات العدل في المدن الرئيسية، وحرصاً على تخفيف الضغط عن تلك الإدارات، فقد بحثت الوزارة موضوع اختصار خطوات العمل وتبسيط الإجراءات، وبعد استطلاع رأي الهيئة القضائية العليا، وأراء المختصين إلى جانب أراء كتاب العدل في هذا الموضوع، وبعد المناقشة والتمحيص تقرر ما يلي:
أولاً: يسند لفرع كتابة عدل الرياض، ويقاس عليه ما يستحدث من فروع مستقبلا، جميع الأعمال المستعجلة كالوكالات، والأقارير العائدة للبنوك الحكومية، وأقارير التنازل والكفالات، والوصايا الداخلة في اختصاص كاتب العدل، مع ملاحظة شمولها بالنماذج المطبوعة ذات القسيمتين بحيث يوقع عليها من جميع الأطراف، وكاتب الضبط وكاتب العدل، وتكون إحداهما متحركة تعطى لصاحبها، والأخرى ثابتة وتحفظ في كتابة العدل، وما عدا ذلك فيكون من اختصاص كتابة العدل الأولى في المدن التي يوجد بها أكثر من كتابة عدل واحدة" [14](41/176)
وهذه الفقرة الأولى من هذا التعميم كما ترى وضحت تمام التوضيح اختصاصات كل من كتابة العدل الثانية وما تقوم به، وبينت اختصاصات كتابة العدل الأولى وما عهد إليها من اختصاصات، وقد جاء في الكتاب الإحصائي الصادر من وزارة العدل ما نصه: "ونتيجة للتطور الذي تشهده المملكة العربية السعودية خلال السنين الأخيرة في شتى الميادين، وتزايد النشاط الاقتصادي وأنواع التعامل بين الأفراد والمؤسسات، فقد زادت أعمال كتابات العدل مما حدا بالوزارة إلى افتتاح المزيد من كتابات العدل؛ لمواجهة هذا النمو مع فتح كتابتي عدل بالمدن الرئيسة، بحيث تختص الأولى بإفراغ المبايعات والهبات والمنح، والثانية تختص بالوكالات والأقارير" [15] .
وهذا حصر لأهم أنواع الوثائق التي تقوم فروع كتابة العدل في المملكة العربية السعودية بإصدارها بحسب ما جاء في تعميم معالي وزير العدل رقم 14/12/ت في 12/10/96هـ[16] .
1) عقود الشركات [بالتصديق عليها] .
2) إقرار بمبلغ.
3) إقرار باستلام مبلغ.
4) إقرار بتنازل.
5) إقرار بكفالة أو فكها.
6) إقرار برهن أو فك رهن البنوك الأهلية.
7) إقرار بتعديل اسم.
8) إقرار بوصيه.
9) إقرار بتنازل عن إصابات.
10) إقرار باستلام دية.
11) إقرارات منح أملاك الدولة.
12) إقرارات منح أمانة مدينة الرياض [أو أي أمانة أخرى] .
وتضمن التعميم الماضي تقسيم الصلاحيات والاختصاصات بين كتابتي العدل الأولى والثانية، فخص كل واحدة منهما بما يلي:
أولاً: اختصاص كتابة العدل الأولى:
1) توثيق عقود الشركات
2) الإقرار بمبلغ.
3) الإقرار باستلام مبلغ.
4) الإقرار برهن أو فك رهن.
5) الإقرار برهن للبنوك الأهلية أو الحكومية.
6) الإقرار بتعديل اسم.
7) الإقرار باستلام دية.
8) الإقرار بمنح أملاك الدولة.
9) الإقرارات بمنح أمانة الرياض.(41/177)
ثانياً: اختصاصات كتابات العدل الثانية ما عدا ما مَرّ من الأقارير والوكالات ومنها:
1) الوكالات الشرعية.
2) أقارير الكفالات وفكها.
3) أقارير الوصايا.
4) أقارير التنازل.
ويدخل ضمن وثائق الأقارير (أقارير التنازل عن الجنسية) و (أقارير التنازل عن الأصابات المرورية) ، و (الأقارير بالوصية) ونحوها [17] .
المبحث التاسع
الطرق المرعية في إصدار وتحرير الوثائق الشرعية لدى كتابات العدل السعودية
هذه نبذ متسلسلة في ذكر الطرق المتبعة، في الحصول على الوثائق الشرعية بمختلف صورها وأنواعها، التي تقوم بإصدارها وتحريرها إدارات كتابتي العدل الأولى والثانية، في بعض مناطق المملكة العربية السعودية.
وسوف أقصر الحديث على ذكر الطرائق المتبعة في استخراج والحصول على نوعين فقط من أنواع الوثائق والصكوك التي تقوم كتابات العدل بإصدارها، والتي سبق أن ذكرت أسماء أنواعها على التفصيل في المبحث السابق.
أولاً: الإجراءات المتبعة في إصدار توكيل شرعي بموجب الحاسب الآلي لدى كتابة العدل الثانية:
هذا عرض مبسط جدّاً للإجراءات المتبعة، مستقى من فضيلة رئيس كتابة العدل الثانية بالمدينة المنورة، وهذه أهم خطوات إصدار الوثيقة:
1- يقوم طالب الوكالة بمراجعة الموظف المختص بإدارة كتابة العدل الثانية، المكلف بمعرفة نوعية الوكالة أو الوثيقة المراد الحصول عليها، ويتأكد الموظف المختص من وجود كل الأوراق الثبوتية معه، والتي سوف يقوم فضيلة كاتب العدل بطلبها منه عند الإصدار، ووجود شهود الحال معه حال تقديمه الطلب مشافهة للموظف المختص.
2- يقوم الموظف المختص بتسجيل طلب الطالب، ونوعية الصك المطلوب في جهاز الحاسب الآلي الخاص بإدارة كتابة العدل الثانية.(41/178)
3- يقوم جهاز الحاسب الآلي باختيار وترتيب الإحالات إلى فضيلة المشايخ كتاب العدل القائمين بالعمل في إدارة العدل الثانية، وعددهم في الغالب بين ثمانية إلى عشرة كتاب عدل، وهذه الإحالات مبرمجة مسبقاً من قبل وزارة العدل، ويحدد الجهاز نوعية الوثيقة المطلوبة التي قام الموظف المختص بإدخالها في الجهاز بعد التأكد من صحة وكمال الطلبات النظامية.
4- يقوم جهاز الحاسب الآلي بإصدار ورقة إحالة للطالب، فيقوم الموظف المختص بالحاسب الآلي، بمنحها للطالب الذي يقوم بدوره بالذهاب إلى فضيلة كاتب العدل الموضح اسمه ورقم مكتبه في ورقة الإحالة.
5- يقوم فضيلة كاتب العدل بمراجعة كافة الأوراق الثبوتية التي يحملها الطالب، والتأكد من شخصية الموكل والشاهدين، والتأكد من أوراقهم الثبوتية الرسمية، مع التثبت من صحة تصرف الموكل، وصحة الإقرار بالتوكيل، ونحو ذلك.
6- يقوم كاتب العدل بإحالة الطلب وصاحبه إلى كاتب الضبط الخاص به، مع إيضاح نوع الوكالة المطلوبة، ويقوم كاتب الضبط بتسجيل الوكالة في جهاز الحاسب الآلي الخاص بكاتب العدل.
7- بعد استكمال إدخال المعلومات عن طريق كاتب الضبط في جهاز الحاسب الآلي بكاتب العدل، يعود الطالب مرة أخرى إلى كاتب العدل الذي يقوم بمراجعة صحة تحرير الوكالة في جهاز الحاسب الآلي الخاص به، وذلك من خلال شاشة الجهاز المأمور بإصدار الوثيقة.
8- يقوم كاتب العدل بإصدار الوثيقة المطلوبة من خلال جهاز الحاسب الآلي مكونة من أساس وصورة، ويأمر أصحاب العلاقة من موكل وشهود بالتوقيع على الصورة لتحفظ في أرشيف كتابة العدل، أما الوثيقة الأصلية فسيقوم بتسليمها للطالب.
9- يقوم فضيلة كاتب العدل بمراجعة الوثيقة الأصلية مرة أخرى بعد الإصدار، والطبع على ورق صقيل جميل معد من قبل وزارة العدل، فإذا تأكد من صحتها قام بالتوقيع عليها ووضع خاتمه الذاتي الخاص به بجانب توقيعه الأصلي.(41/179)
10- تحال الوثيقة بعد التوقيع من فضيلة كاتب العدل الذي قام بإصدارها، إلى فضيلة رئيس كتابة العدل الثانية، فيقوم بختم الوثيقة بالختم الرسمي لإدارة كتابة العدل الثانية، ثم تسلم الوثيقة مستكملة الإجراءات إلى الطالب، وبهذا تنتهي إجراءات إصدار الوثيقة من قبل إدارات كتابة العدل الثانية [18] ، وهذه الطرائق تتكرر غالباً في كل وثيقة مصدرة من إدارات كتابات العدل الثانية.
ثانيا/ الإجراءات المتبعة في نقل ملكية العقار لدى كتابة العدل الأولى:
إذا أراد صاحب عقار بيع عقاره لأحد المشترين فتتم نقل ملكية العقار عن طريق إدارات كتابة العدل الأولى في المناطق التي يوجد بها العقار، ولا يمكن إفراغ عقار من مالك إلى آخر مشترٍ في أي إدارة عدل لا يوجد العقار تحت سلطتها، كأن يكون العقار في الطائف ويتم بيعه وإفراغه في المدينة المنورة مثلاً.
فهذا التصرف قد منعته التعليمات المرعية، في أنظمة كتابات العدل والقضاء في المملكة العربية السعودية، أما إذا كان العقار موجوداً في نطاق صلاحية كتابة العدل الأولى فالطريقة المتبعة في إفراغ العقار ونقل ملكيته من بائع إلى مشترٍ، كالتالي:
1- يقوم البائع بمراجعة فضيلة رئيس كتابة العدل الأولى، حاملا صك ملكية العقار.
2- يقوم رئيس كتابة العدل الأولى بإحالة البائع إلى أحد أصحاب الفضيلة كتاب العدل الموجودين تحت رئاسته، وعددهم يترواح بين (8-10) كاتب عدل.
3- يقوم كاتب العدل الذي أحال إليه فضيلة رئيس كتاب العدل طلب الإفراغ بالتأكد من صحة الصك الذي يحمله البائع من التزوير أو التلف، ثم بعد تأكده من ذلك، يقوم كاتب العدل بإرفاق نموذج طلب الكشف على السجل الأصلي لهذا الصك، (انظر/ النموذج المرفق ص104) .
4- يقوم المراجع بحمل الصك الشرعي الخاص بعقاره، مع نموذج طلب الكشف الموقع من رئيس كتابة العدل الأولى، بمراجعة قسم السجلات.(41/180)
5- يقوم رئيس قسم السجلات بالتأكد من سلامة السجل الأصلي لصك المبايعة، من أي إجراء شرعي يفسد البيع، كالبيع السابق، أو الرهن لآخر ونحو ذلك، فإذا تأكد من سلامة السجل أشّر عليه بما يفيد ذلك.
6- يعود الطالب أدارجه مرة أخرى إلى فضيلة كاتب العدل المختص بإفراغ العقار المحدد من قبل رئيس كتابة العدل الأولى.
7- عند وصول الطلب لكاتب العدل يقوم بتقييد الطلب، ويحدد وقتاً لسماع الإقرار وضبطه، ثم يتثبت كاتب العدل من شخصية البائع والمشتري والشاهدين، وذلك بالاطلاع على ما يحملونه من أوراق رسمية، ومن سلامة التصرف الشرعي فيما لوكان البائع أو المشتري أو أحدهما وكيلاً أو وليّاً أو وصيّاً، مع التثبت من صحة أهلية كل من البائع والمشتري.
8- التثبت من الصكوك والوثائق المثبتة للملكية، وذلك بمطابقتها على سجلاتها، إذا كانت في الإدارة، أو بعثها مصحوبة بمذكرة رسمية لمصادرها لتطبيقها وإعادتها مرة أخرى إلى كتابة العدل الأولى.
9- إذا توافرت الشروط الشرعية، واستكمال الإجراءات النظامية، وثبوت سريان مفعول الصك المراد إفراغه، يتم بعد ذلك سماع إقرار البائع بالبيع، وقبض الثمن، وإقرار المشتري بقبول الشراء واستلامه المبيع في محله، والتصرف فيه والرضا به، وذلك بحضور المعرفين شاهدي الحال، ثم يضبط ذلك بدفتر الضبط، ويؤخذ توقيع الجميع على ذلك.
10- التصريح بصحة البيع وثبوته، وإفراغ الملكية باسم المشتري، والتوقيع والختم على ذلك بدفتر الضبط.
11- يخرج الصك اللازم المثبت لذلك، ويوقع ويختم من كاتب العدل، ثم يقوم كاتب الضبط بكتابة رقم وتاريخ وصحيفة وجلد وعام الضبط، على ظهر الصك، ويوقع على ذلك، ويدرج ذلك في فهرس الضبط.
12- يحال الصك لتسجيله عن طريق مدير الإدارة أو رئيس الكتاب، فيبعثه مدير الإدارة أو رئيس الكتاب رسمياً إلى المسجل ليقوم بتسجيله.(41/181)
13- يقوم المسجل بتسجيل الصك بدفتر السجل حرفيا، ثم يضع على ظهره رقم وتاريخ وصحيفة وجلد وعام تسجيله، ثم يدرج ذلك بفهرس السجل، ويوقع على ظهر الصك، ثم يقوم المقابل بمقابلة الصك على سجله، فإذا وجده مطابقاً وقع على ظهره بما يفيد المقابلة، وبعد ذلك يعاد الصك إلى كاتب العدل عن طريق مدير الإدارة، أو رئيس الكتاب ليتم الإشارة في الضبط بتسجيله لكيلا يخرج مرة أخرى، وكذا للتأشير على الطلب بما تم.
14- يجري التهميش على الصكوك، أو الوثائق التي بني عليها الإجراء بانتقال الملكية، ويشار لرقم وتاريخ الصك الأخير، وينقل ذلك في هوامش سجلاتها إن كانت في نفس الإدارة وإلا بعثت رسميّاً لمصادرها للتهميش على هوامش سجلاتها وإعادتها.
15- يجري ختم الصك بالختم الرسمي، ويسلم للمشتري أو وكيله الشرعي، بعد أن يودع بدفتر تسليم الصكوك، ويوضع على الصك رقم وتاريخ تسليمه، ويؤخذ توقيع المستلم على الاستلام.
إذا عادت الصكوك والوثائق المهمش على سجلاتها، ضمت بملف الطلب، ثم يحفظ الطلب ومرفقاته لدى مأمور الإضبارات بعد بعثه إليه رسميّاً.
16- إذا كان المبيع جزءاً من الصك، فبعد أن يهمش على الصك الذي بني عليه يسلم الصك لصاحبه، بعد أخذ توقيعه على استلامه، ثم يحفظ سند استلام الصك المذكور بملف الطلب [19] .
بسم الله الرحمن الرحيم
المملكة العربية السعودية الرقم:-
وزارة العدل التاريخ:-
كتابة العدل الأولى بالمدينة المرفقات:-
الموضوع
المكرم/رئيس قسم السجلات بكتابة العدل الأولى بالمدينة المنورة المحترم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته(41/182)
اعتمدوا الكشف والبحث في السجلات والقيودات لديكم عن الصك رقم [] وتاريخ [/ / 14هـ] الصادر من كتابة العدل بالمدينة والإفادة عما إذا كان لا يزال ساري المفعول أو عليه شروحات تؤثر على مفعوله وهل صاحب الصك من الأشخاص المطلوب البحث والتحري عن أملاكهم للإفادة عن ذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،.
رئيس كتابة العدل الأولى بالمدينة المنورة
يقدم مع التحية لفضيلة رئيس كتابة عدل المدينة المنورة حيث تحقق لدي أن واقع السجلات والقيودات بأن الصك لا يزال ساري المفعول ولم يطرأ أي شروحات تؤثر على مفعوله وأن صاحب الصك لم يسجل لدينا في القائمة المطلوب البحث والتحري عن أملاكهم. للإحاطة بذلك، والله يحفظكم،،،
رئيس قسم السجلات
الاسم:-
التوقيع:-
المكرم المحترم،،،
بعد التحية للاطلاع على ما جاء بشرح قسم السجلات وإكمال اللازم حسب المتبع، والله يحفظكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
رئيس كتابة العدل الأولى بالمدينة المنورة
--------------------------------------------------------------------------------
[1] مضامين القضاء البدوي قبل العهد السعودي ص 104.
[2] النظام القضائي في المملكة العربية السعودية لحسن آل الشيخ - ص 32.
[3] مجموعة النظم والتعليمات / ص 8.
[4] مجموعة النظم والتعليمات ص 142.
[5] مجموعة النظم والتعليمات ص (143- 148) المصدر السابق ص (150) .(41/183)
[6] نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي / ص 3.
[7] نظام القضاء / ص 12 - 13.
[8] نظام القضاء ص 12 - 13.
[9] الأنظمة واللوائح والتعليمات / ص 7 - 8.
[10] انظر الصفحات (22 - 25) من النظام المذكور بعاليه.
[11] نظام تركيز مسؤوليات القضاء ص 22.
[12] التطور التشريعي في المملكة العربية السعودية لمحمد عبد الجواد / ص 85.
[13] لمحات حول القضاء في المملكة العربية السعودية لعبد العزيز آل الشيخ، ص 150.
[14] وزارة العدل (الأنظمة واللوائح والتعليمات) ص 71.
[15] الكتاب الإحصائي التاسع عشر (1415، ص 181) .
[16] وزارة العدل (الأنظمة والتعليمات واللوائح) ص 72 - 73.
[17] انظر قسم الملاحق فهنالك نماذج مختارة لعدد من الوثائق الشرعية التي تصدرها كتابات العدل.
[18] المعلومات الماضية أملاها علي فضيلة رئيس كتابة العدل الثانية بالمدينة المنورة فضيلة الشيخ خالد الحصين.
[19] المعلومات الماضية أملاها علي فضيلة كاتب العدل الشيخ مريشيد راشد البذيلي - أحد كتاب العدل في كتابة العدل الأولى بالمدينة المنورة.(41/184)
تابع لكتابة العدل
نظام إصدار الوكالات الشرعية بالحاسب الآلي
جاء في كتيب أصدرته وزارة العدل بعنوان (الحاسب الآلي في وزارة العدل) ذكر المبررات التي حدت بالوزارة إلى استحداث نظام إصدار الوكالات الشرعية بالحاسب الآلي ومما تضمنته النشرة ما يلي:
"نظراً لازدياد أعداد السكان، وتنوع النشاطات الاقتصادية والتجارية، وكثرة الشركات المساهمة، وتنامي حركة البيع والشراء، فقد ازدادت الرغبة في الحصول على الوكالات الشرعية وارتفعت بمعدلات متسارعة في كل عام إذ بلغت مثلاً صكوك الوكالات الشرعية التي أصدرتها كتابة عدل الرياض الثانية - على سبيل المثال - أكثر من مائة وعشرة آلاف وكالة عام 1416هـ.
كل هذا استلزم الشروع في إدخال الحاسب الآلي في أعمال كتابة العدل الثانية، لذا عمدت الوزارة إلى البدء في إعداد هذا النظام والأعمال المصاحبة له" [1] .
وتضمنت تلك النشرة ذكر أهم المزايا والفوائد التي جناها المواطن، والوزارة من تشغيل نظام أعمال كتابة العدل بالحاسب الآلي ومنها:
1- الحصول على تقارير آنية دقيقة عن عدد المراجعين وإنتاجية كل موظف، مما يفيد في معالجة أي قصور إن وجد سواء بزيادة القوى العاملة أو تعديل الإجراءات المتبعة.
2- سهولة مراقبة العمل من قبل المسؤولين بالوزارة وذلك بالدخول على النظام الآلي، لغرض التعرف على سير العمل بشكل عام، أو تفصيل حسب الحاجة.
3- توحيد نصوص الوكالات للجميع، حيث إنها مخزنه بالحاسب الآلي خلاف السابق الذي كان يعتمد على نص وتعبير كاتب الوكالة.
4- إخراج وكالات مطبوعة بشكل جيد وخط واضح.
5- سهولة حصر الأشخاص من التوكيل أو الشهادة عندما ترد عليهم ملحوظات عليها من قبل الجهات المختصة خلافاً لما هو قائم حالياً.(41/185)
6- سرعة وسهولة الاستفسار عن أي معلومة تم تخزينها خلال ثوانٍ مقارنة بالفترة المطلوبة في السابق.
7- سهولة تصحيح نص الوكالة بالإضافة أو التعديل، في حالة الخطأ خلاف السابق الذي يتطلب إعادة كتابة الوكالة مرة أخرى.
8- التوزيع العادل للعمل بين أصحاب الفضيلة كتاب العدل.
9- المحافظة على سرية العمل حيث لا يمكن الإطلاع على المعاملات إلا من قبل الموظف المختص [2] .
وهذا النظام يعمل به الآن في كل من كتابات العدل في الرياض والمدينة المنورة، وسيطبق مع مرور الزمن في كافة كتابات العدل الثانية في كافة مناطق المملكة العربية السعودية.
نموذج صك وكالة صادر من كتابة عدل بواسطة الحاسب الآلي
المصدر: نشرة الحاسب الآلي في وزارة العدل.
المبحث الحادي عشر
الارتباط بين كتابات العدل والمحاكم
كانت كتابات العدل منذ إنشائها مرتبطة بالمحاكم الشرعية فقد نصت المادة (201) من نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي، الصادر بالأمر السامي برقم 32/1/3 وتاريخ 4/1/1357هـ على ما يلي:
"دوائر كاتب العدل ملحقة بالدوائر الشرعية، ضمن صلاحياتها الممنوحة لها في نظامها المنصوص...." [3] .
ولم يختلف الأمر في الإصدار الجديد لهذا النظام، الصادر بالتصديق العالي رقم 109 في 24/1/1372هـ عما سبق عرضه أعلاه، كما هو منصوص عليه في المادة (177) من نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي الجديد
وكان لرئيس القضاة كامل الإشراف على المحاكم الشرعية وكتاب العدل وبيوت المال، كما نصت عليه المادة الثانية من نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي الصادر عام 1372هـ
ولما أنشئت وزارة العدل صدر الأمر الملكي رقم أ/126 وتاريخ 13/8/1390هـ ويقضى الأمر بأن يكون وزير العدل يباشر الصلاحيات المحددة فيما مضى لرئيس القضاة، وأن يكون رئيساً لمجلس القضاء الأعلى(41/186)
وعندما صدر نظام القضاء الأخير رقم م/64 وتاريخ 14/7/1395هـ نصت المادة السادسة أن رئيس الهيئة العامة لمجلس القضاء هو وزير العدل
ثم صدر الأمر السامي الملكي رقم م/76 في 14/10/1395هـ الذي عدل بعض نصوص نظام القضاء ومن التعديلات التي أدخلت في النظام إنشاء وظيفة جديدة مسماها (رئيس مجلس القضاء الأعلى) وعهد إليه برئاسة المجلس بدلاً من وزير العدل [4]
وجاء في المادة (87) أن وزارة العدل تتولى الإشراف الإداري والمالي على المحاكم والدوائر القضائية الأخرى، ومنها كتابات العدل.
ثم صدر تعميم معالي وزير العدل رقم 124/12/ت في 19/5/93هـ، بشأن ارتباط كتاب العدل بالمحاكم، ومما جاء فيه:
- حكم إدارة العدل في أي منطقة، حكم إحدى المحاكم في تلك الجهة، فهي مرتبطة برئاسة المحاكم مثل المحاكم الفرعية والمحاكم المستعجلة.
- كتابات العدل في جهة فرع الوزارة بالمنطقة الغربية تعتبر مرتبطة بالفرع.
- كتابات العدل الموجودة في البلدان المرتبطة محاكمها رأساً بالوزارة المجمعة والخرج والأفلاج والحوطة وأمثالها تكون مرتبطة بقاضي البلد.
- كتابة العدل بالرياض تبقى على وضعها في الارتباط بالوزارة لقربها منها.
- الارتباط بين كتابات العدل والوزارة يكون في الشؤون المكتبية والوظيفة.
- المخابرات الرسمية العادية مع الدوائر الأخرى كالإمارة والبلدية والدوائر ذات العلاقة بأعمال كتابة العدل يكون من تلك الدوائر
- وكتابات العدل رأساً من غير واسطة [5]
المبحث الثاني عشر
فروع كتابات العدل في المملكة العربية السعودية(41/187)
عندما أُنشِئت كتابات العدل لأول مرة كانت محصورة في بعض المناطق كالرياض وجدة ومكة والمدينة، ونظراً للزيادة المطردة في عدد السكان، وحاجة البلاد والعباد إلى خدمات هذه الدوائر الشرعية، والإرتباط الوثيق بينها وبين الناس، فلابد لكل فرد من أفراد المجمع أن تعن له حاجة إليها من وكالة أو إفراغ أو رهن، وخلاف ذلك فقد حرصت حكومة خادم الحرمين الشريفين على تعميم كتابات العدل في كافة أنحاء المملكة العربية السعودية، فبعد أن كانت محدودة بعدد أصابع اليد، أضحت اليوم تغطي كافة أنحاء البلاد، ووصل عدد فروعها إلى (121) فرعاً، وهذا بيان بأسماء كتابات العدل بالمملكة العربية السعودية كما وضحها الكتاب الإحصائي الثامن عشر الصادر عام 1415 - 1995م (انظر البيان المرفق بعدد كتابات العدل في المملكة العربية السعودية خلال العام 1415هـ) .
بيان بكتابات العدل بالمملكة خلال عام 1415هـ
التسلسل
اسم الكتابة
التسلسل
اسم الكتابة
التسلسل
اسم الكتابة
منطقة الرياض
محافظة القويعية
27
كتابة عدل نفي
1
كتابة العدل الأولى بالرياض
16
كتابة عدل القويعية
منطقة القصيم
2
كتابة العدل الثانية بالرياض
17
كتابة عدل الرين
28
كتابة العدل الأولى ببريدة
3
كتابة عدل الخرج
18
كتابة عدل رويضة العرض
29
كتابة العدل الثانية ببريدة
4
كتابة عدل الدلم
محافظة وادي الدواسر
30
كتابة عدل عنيزة
5
كتابة عدل حوطة بني تميم
19
كتابة عدل وادي الدواسر
31
كتابة عدل الرس
6
كتابة عدل الحريق
20
كتابة عدل السليل
32
كتابة عدل البكيرية
7
كتابة عدل الحلوة
محافظة سدير
33
كتابة عدل الخبراء
8
كتابة عدل شقراء
21(41/188)
كتابة عدل المجمعة
34
كتابة عدل المذنب
9
كتابة عدل ضرمى
22
كتابة عدل حوطة سدير
35
كتابة عدل الأسياح
10
كتابة عدل ثادق
محافظة الأفلاج
36
كتابة عدل البدائع
11
كتابة عدل حريملاء
23
كتابة عدل الأفلاج
37
كتابة عدل عيون الجواء
12
كتابة عدل الزلفي
محافظة الدوادمي
منطقة حائل
13
كتابة عدل الدرعية
24
كتابة عدل الدوادمي
38
كتابة عدل حائل
14
كتابة عدل المزاحمية
25
كتابة عدل عفيف
39
كتابة عدل بقعاء
15
كتابة عدل مرات
26
كتابة عدل ساجر
40
كتابة عدل الحائط والحويط
(تابع) بيان بكتابات العدل بالمملكة خلال عام 1415هـ
التسلسل
اسم الكتابة
التسلسل
اسم الكتابة
التسلسل
اسم الكتابة
منطقة الحدود الشمالية
منطقة المدينة المنورة
67
كتابة عدل رابغ
41
كتابة عدل عرعر
53
كتابة العدل الأولى بالمدينة المنورة
68
كتابة عدل الخرمة
42
كتابة عدل رفحاء
54
كتابة العدل الثانية بالمدينة المنورة
69
كتابة عدل الليث
43
كتابة عدل طريف
55
كتابة عدل ينبع
70
كتابة عدل ميان
منطقة الجوف
56
كتابة عدل خيبر
محافظة القنفذة
44
كتابة عدل سكاكا
57
كتابة عدل الحناكية
71
كتابة عدل القنفذة
45
كتابة عدل القريات
58
كتابة عدل العلا
72
كتابة عدل العرضية الجنوبية
46
كتابة عدل دومة الجندل
منطقة مكة المكرمة
73
كتابة عدل القوز
47
كتابة عدل طبرجل
59
كتابة العدل الأولى بمكة(41/189)
منطقة الباحة
منطقة تبوك
60
كتابة العدل الثانية بمكة
74
كتابة عدل الباحة
48
كتابة العدل الأولى بتبوك
61
كتابة العدل الأولى بجدة
75
كتابة عدل المندق
49
كتابة العدل الثانية بتبوك
62
كتابة العدل الثانية بجدة
76
كتابة عدل قلوة
50
كتابة عدل الوجه
63
كتابة العدل الأولى بالطائف
77
كتابة عدل بالجرشي
51
كتابة عدل أملج
64
كتابة العدل الثانية بالطائف
78
كتابة عدل المخواة
52
كتابة عدل تيماء
65
كتابة عدل تربة
منطقة عسير
66
كتابة عدل رنيه
79
كتابة العدل الأولى بأبها
(تابع) بيان بكتابات العدل بالمملكة خلال عام 1415هـ
التسلسل
اسم الكتابة
التسلسل
اسم الكتابة
التسلسل
اسم الكتابة
80
كتابة العدل الثانية بأبها
95
كتابة عدل أبي عريش
المنطقة الشرقية
81
كتابة عدل خميس مشيط
96
كتابة عدل بيش
108
كتابة العدل الأولى بالدمام
82
كتابة عدل بالقرن
97
كتابة عدل المسارحة
109
كتابة العدل الثانية بالدمام
83
كتابة عدل النماص
98
كتابة عدل ضمد
110
كتابة العدل الأولى بالخبر
84
كتابة عدل رجال ألمع
99
كتابة عدل فرسان
111
كتابة العدل الثانية بالخبر
85
كتابة عدل بيشة
100
كتابة عدل صامطة
112
كتابة عدل حفر الباطن
86
كتابة عدل محائل
منطقة نجران
113
كتابة عدل القطيف
87
كتابة عدل المجاردة
101
كتابة عدل نجران
114
كتابة عدل الخفجي
88(41/190)
كتابة عدل السراة
102
كتابة عدل شرورة
115
كتابة عدل صفوى
89
كتابة عدل أحد رفيدة
محافظة الأحساء
116
كتابة عدل بقيق
90
كتابة عدل ظهران الجنوب
103
كتابة العدل الأولى بالأحساء
117
كتابة عدل رأس تنورة
91
كتابة عدل تثليث
104
كتابة العدل الثانية بالأحساء
118
كتابة عدل الجبيل
منطقة جازان
105
كتابة عدل المبرز
119
كتابة عدل قربة
92
كتابة العدل الأولى بجازان
106
كتابة عدل الجفر
120
كتابة عدل سيهات
93
كتابة العدل الثانية بجازان
107
كتابة عدل العيون
94
كتابة عدل صبياء
المبحث الثالث عشر
أنشطة كتابات العدل بالمملكة العربية السعودية
تؤدي كتابات العدل في المملكة العربية السعودية خدمات جليلة، لا يستغني عنها أي مواطن أو مقيم على أراضي المملكة العربية السعودية، إذ تقوم بإصدار صكوك انتقال الملكية العقارية لمواطني المملكة، وإصدار الوكالات الشرعية للمواطنين، وغيرهم من المقيمين، وإصدار الأقارير والمبايعات، وشهادات الضمان، وغير ذلك من الوثائق الشرعية المتنوعة.(41/191)
ونتيجة للتطور الذي تشهده المملكة العربية السعودية خلال السنين الأخيرة، في شتى الميادين وتزايد النشاط الاقتصادي، وتعدد أنواع التعامل بين الأفراد والمؤسسات، ازدادت أعمال كتابات العدل، مما حدا بوزارة العدل إلى افتتاح العديد من كتابات العدل، لمواجهة هذا النمو المطرد، سواء أكان ذلك في زيادة عدد كتابات العدل في المدن الرئيسية، أم في فتح كتابات عدل في مدن أخرى لا توجد بها كتابة عدل، وفي حالة فتح كتابتي عدل بالمدن الرئيسة جرى تخصيص كل إدارة منهما بإصدار أنواع من الوثائق المقصورة عليها:
- بحيث تخصص كتابة العدل الأولى بإفراغ المبايعات والهبات والمنح.
- وتختص الثانية بالوكالات والأقارير ونحوها.
أما الجهات التي لا توجد بها كتابات عدل، فإن القضاة يقومون
بأعمال كتاب العدل، إلى جانب أعمالهم الأساسية، مما يخفف عن المواطنين أعباء التنقل من مدينة إلى أخرى.
وقد أوضح الكتاب الإحصائي التاسع عشر أن مجموع ما أنجزته كتابات العدل بالمملكة العربية السعودية خلال عام 1415هـ (905911) صكّاً شرعيّاً مقارنة بالعام الذي قبله وهو (980054) ، أي: بنقص قدره (74143) صكّاً، وكانت أنواع الصكوك الصادرة من كتابات العدل ذلك العام كالتالي:
1- 139953 صك مبايعه 2- 671727 صك وكاله.
3- 18338 صك رهن. 4- 45638 صك أقارير.
5- 30255 صكوك أخرى متنوعة [6]
وفيما يلي البيانات الخاصة الموضحة لأعداد الصكوك، ونشاط كتابات العدل على مستوى المناطق والمحافظات، خلال عام 1415هـ (انظر البيان المرفق بأعداد الصكوك الشرعية الصادرة من كتابات العدل خلال الأعوام 1406 -1415هـ) .
جدول يوضح أعداد الصكوك الصادرة من كتابات العدل بالمملكة من عام 1406هـ وحتى عام 1415هـ
م
السنة
مبايعات(41/192)
وكالات
رهونات
أقارير
صكوك أخرى
المجموع
1
1406هـ
77566
276090
27864
68584
24185
474289
2
1407هـ
80628
326595
29372
55042
30343
521980
3
1408هـ
91627
362373
25244
54390
37605
571239
4
1409هـ
94470
406648
19636
52377
18304
591435
5
1410هـ
124110
465876
27378
54876
21303
693543
6
1411هـ
88447
493704
16868
44629
22395
666043
7
1412هـ
160216
612630
16875
63475
61892
915088
8
1413هـ
197528
617053
23520
42259
40478
920838
9
1414هـ
213094
642703
25932
47351
50974
980054
10
1415هـ
139953
671727
18338
45638
30255
905911
جدول يوضح نشاط كتابات العدل على مستوى المناطق أو المحافظات خلال عام 1415هـ
م
اسم المنطقة/ المحافظة
مبايعات
وكالات
رهونات
أقارير
صكوك أخرى
المجموع
عدد كتاب العدل
عدد كتاب العدل
1
منطقة الرياض
128525
2750
6979
310
170730
51
15
2
منطقة مكة المكرمة
139213
4194
6730
2582
173799
42
12
3
منطقة المدينة المنورة
54773
759
6801
3282
74343
20
6
4
المنطقة الشرقية
64929
1585
5202
1569
111677
21
13
5
منطقة القصيم
40339
730
3744
163
54230
16
10
6
منطقة عسير(41/193)
52243
734
3369
4024
67009
22
13
7
منطقة جازان
19296
837
574
-
22789
13
9
8
منطقة حائل
2608
20219
514
1095
128
24564
6
3
9
منطقة تبوك
2075
23486
305
1268
4861
31995
8
5
10
منطقة الجوف
1946
18733
2963
1411
-
25053
6
4
11
منطقة الباحة
739
12838
62
1517
430
15586
6
5
12
منطقة الحدود الشمالية
1366
12862
348
439
5095
20110
4
3
13
محافظة الأحساء
7634
28630
1073
3389
6927
47653
9
5
14
محافظة نجران
1182
9184
124
771
-
11261
3
2
15
محافظة القنفذة
257
4536
54
81
-
4928
3
3
16
محافظة الدوادمي
1189
13601
214
482
626
16112
5
4
17
محافظة سدير
1001
4442
114
904
-
6461
4
2
18
محافظة الأفلاج
346
5223
51
122
257
5999
2
1
19
محافظة وادي الدواسر
589
11108
270
544
-
12511
4
2
20
محافظة القويعية
660
7567
657
216
1
9101
2
3
المجموع
139953
671727
18338
45638
30255
905911
247
120
المبحث الرابع عشر
العقوبات النظامية المترتبة على تزوير الوثائق الشرعية(41/194)
قامت حكومة جلالة الملك في المملكة العربية السعودية، منذ توحيدها بتوفير كافة الصكوك الشرعية في دوائر المحاكم الشرعية وكتابات العدل في شتى مناطق المملكة العربية السعودية، وهذه الصكوك تصرف مجانا لذوي العلاقة بعد استكمال الإجراءات النظامية من تحرير وتوقيع وختم، أما الصكوك والوثائق الشرعية غير المستعملة فتحفظ لدى الجهات المختصة في المحاكم وكتابات العدل، وتحظى كافة الأوراق الرسمية والخاصة بالحماية من قبل الدولة -أعزها الله- كما هو الحال عند كل الدول في كافة أنحاء العالم، وذلك لأهميتها العظيمة للأفراد والسلطات معاً.
والاستعمال الرسمي والفردي للأوراق الصادرة من الجهات الحكومية لها أهمية كبرى في عصرنا الحاضر، لذا سنت الدولة الأنظمة التي تدعم الثقة بتلك المحررات الشرعية، حكومية كانت أو خاصة، حتى يتسنى لكل فرد التعامل بها والاحتجاج فيها، دون شك أو ريب في سلامتها وحجيتها.
وإذا تفشى التزوير في مجتمع ما، لعدم وجود الحماية الجنائية المقررة نظاماً، أو لعدم قيام السلطات بالجهود الضبطية الكافية لمواجهة هذه الجرائم وضبط مرتكبيها، فإن الثقة في الأوراق الرسمية أو الخاصة سوف تفقد أهميتها لدى العامة والخاصة، وسوف يؤثر ذلك سلباً على سلامة التعامل بها، وستكون لها آثارًا غير محمودة في المجتمع التي تفشت فيه، وهي أضرار لا تخفى على أحد.
لذا صدر نظام مكافحة التزوير بموجب المرسوم الملكي رقم 114 في 26/11/1380هـ، وقد بينت مواد هذا النظام، عقوبة كل من تجرأ على تزوير الأوراق الحكومية بشتى صورها وأنواعها، والمحررات الخاصة، وكذلك الأوراق النقدية وغيرها، وبيان العقوبات النظامية على من قام بالتزوير منفردًا كان أو شريكًا مع غيره، سعوديّاً أو غير سعودي، إذا وقع هذا التزوير في أرض المملكة العربية السعودية.(41/195)
وقبل صدور هذا النظام كان الأمر متروكاً للقاضي الشرعي في تطبيق العقوبة الشرعية التعزيرية وفق ما أدى إليه اجتهاده على ضوء الفقه الإسلامي.
وبعد صدور هذا النظام، عهد إلى إدارة ديوان المظالم في المملكة العربية السعودية النظر في الدعاوي المرفوعة ضد المزورين؛ لأن حق إيقاع العقوبة والفصل فيها من اختصاصاته، كما نصت على ذلك (المادة الثامنة) : الموضحة لاختصاصات ديوان المظالم، فقد نصت الفقرة (و) من هذه المادة على أن من اختصاصه الفصل في: "الدعاوي الجزائية الموجهة ضد المتهمين بارتكاب جرائم التزوير المنصوص عليها نظاماً" [7] .
وقد أوضحت المادتان (5،6) صور الجرائم التي يعاقب عليها نظام مكافحة التزوير وهذا نص المادتين الخامسة والسادسة:
أولا: نص المادة (5) من نظام مكافحة التزوير "كل موظف ارتكب أثناء وظيفته تزوير بصنع صك إداري مخطوط لا أصل له، أو محرف عن الأصل عن قصد، أو بتوقيعه إمضاء أو خاتماً أو بصمة أصبع مزورة، أو أتلف صكاً رسمياً أو أوراقاً لها قوة الثبوت، سواء كان الإتلاف كليّاً أو جزئيّاً، أو زور شهادة دراسية، أو شهادة خدمة حكومية أو أهلية، أو أساء التوقيع على بياض أو تمن عليه، أو بإثباته وقائع وأقوال كاذبة على أنها وقائع صحيحة، وأقوال معترف بها، أو بتدوينه بيانات وأقوال غير التي صدرت عن أصحابها، أو بتغير أو تحريف الأوراق الرسمية، والسجلات والمستندات بالحك أو الشطب، أو بزيادة كلمات أو حذفها وإهمالها قصدًا، أو بتغيير الأسماء المدونة في الأوراق الرسمية والسجلات، ووضع أسماء غير صحيحة، أو غير حقيقية بدلاً عنها، أو بتغيير الأرقام في الأوراق أو السجلات الرسمية، بالإضافة أو الحذف أو التحريف، عوقب بالسجن من سنة إلى خَمْسِ سنوات" [8] .(41/196)
ثانياً: نص المادة السادسة "يعاقب الأشخاص العاديون الذين يرتكبون الجرائم المنصوص عليها في المادة السابقة (5) أو الذين يستعملون الوثائق، والأوراق المزورة والأوراق المنصوص عليها في المادة السابقة (5) على علم من حقيقتها بالعقوبات المنصوص عليها في المادة المذكورة، وبغرامة مالية من ألف إلى عشرة آلاف ريال" [9] ، ومن استعراض هاتين المادتين نخلص إلى ذكر بعض الجرائم التي يعاقب عليها هذا النظام مما يتعلق بالدوائر الشرعية ومنها:
أ - الصكوك الشرعية بكافة أنواعها.
ب - الأختام الخاصة بالدوائر الشرعية.
ج - الأقوال الكاذبة.
د - الإثباتات القولية أو الخطية الكاذبة.
هـ - تغيير أو تحريف الأوراق الرسمية أو السجلات أو المستندات بالحك أو الشطب أو الزيادة أو الحذف أو الإهمال قصداً.
و تغيير الأسماء المدونة في الأوراق الرسمية أو السجلات أو وضع أسماء غير صحيحة أو غير حقيقية بدلا عنها.
ز - تغيير الأرقام في الأوراق والسجلات الرسمية بالإضافة أو الحذف أو
التحريف، وقد أوضحت المادتان الخامسة والسادسة عقوبة كل من أقدم
على ارتكاب شيءٍ من الجرائم الماضي ذكرها، وهذه العقوبات هي:
1- الموظف العام يعاقب بالسجن من سنة إلى خمس سنوات.
2- الأشخاص العاديون يعاقبون بالسجن الماضي ذكره، ويضاف إلى ذلك عقوبة مالية مقدارها ألف إلى عشرة آلاف ريال.
3- الموظف العام الذي ارتكب جريمة تزوير تعتبر هذه الجريمة في حقه من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة، لذا تنطبق بحقه لوائح نظام الخدمة المدنية التي تنص على الفصل من الوظيفة الحكومية، والحرمان من العودة إليها مرة أخرى إلا بعد مضي ثلاث سنوات: (انظر: البند (30/16/ج) من لوائح نظام الخدمة المدنية بالمملكة العربية السعودية) .(41/197)
وأختم الحديث بالتذكير بالوعيد الشديد الوارد على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم في حق التزوير والمزورين وشهادة الزور، حيث قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت" أخرجه الشيخان [10] .
فالتزوير بالقول أو بالفعل من الكبائر التي غلظ الشارع فيها العقوبة في الدنيا والآخرة، قال الشيخ ابن حجر الهيثمي: "لا فرق في كون شهادة الزور كبيرة بين قليل المال وكثيرة، فطماً عن هذه المفسدة القبيحة الشنيعة جدّاً التي جعلت عدلاً للشرك" [11] ، والمزور ما زور صكاً أو غيره إلا للاستيلاء على أموال الناس بالباطل، وأكلها بدون وجه حق، وهذا كله من المظالم المحرمة في الشريعة العادلة، والتي رتب على الفاعل لها العقوبات التعزيرية الزاجرة في الدنيا والعقوبة الشديدة في الآخرة.
الخاتمة
وفي ختام هذا البحث أحب أن أنوه بأهم النتائج المستخلصة منه:
1- نشأة ولاية التوثيق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذ عهد للزبير بن العوام، وجهم بن الصلت بكتابة أموال الصدقات ... "، وكان المغيرة بن شعبة والحصين بن نمير يكتبان المداينات والمعاملات".
2- استمرت هذه الولاية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا الحاضر وعلى مدار كافة العصور الإسلامية الماضية، ومن هنا انعقد الإجماع على جوازها في كافة العصور الإسلامية.
3- لابد من توفر الشروط الواجبة التي ذكرها الفقهاء في كاتب العدل عند تعيينه وتوليته لهذه الولاية الشريفة، أما الشروط المستحبة فيحسن الاتصاف بها من قبله.
4- يستحب لكاتب الوثيقة التحلي بالآداب الإسلامية التي يندب إلى التحلي بها من كل ذي ولاية.(41/198)
5- شروط صحة كتابة الوثيقة شروط معتبرة عند فقهاء الإسلام، فلا يعقد تلك الشروط إلا من اتصف بالفقه، وعليه أن يكتبها كما علمه الله عز وجل.
6- لم تعرف الجزيرة قبل الملك عبد العزيز التوثيق الرسمي لغلبة الجهل على أغلب أهلها وكثيرة الفتن والنزاعات في شتى أصقاعها، وعدم وجود دولة تنظم أحوالها.
7- أول من رتب أمور وأحوال الموثقين "كتاب العدل"، هو الملك عبد العزيز -رحمه الله- بعد توحيده لأجزاء شبه الجزيرة العربية، فسن الأنظمة المنظمة لأعمال التوثيق في المملكة العربية السعودية، وهذا التنظيم لم تعرفه الجزيرة العربية منذ ألف سنة مضت.
8- المملكة العربية السعودية من أوائل الدول العربية التي اهتمت بسن الأنظمة ومنها أنظمة التوثيق "كتابة العدل"، ولازال الكثير من هذه الأنظمة إلى اليوم هو المعمول به لدى ولاة التوثيق (كتاب العدل) في كافة أنحاء المملكة العربية السعودية.
9- احتوت أنظمة التوثيق (كتاب العدل) مئات المواد المنظمة لأمور وشئون كتاب العدل في كافة أعمالهم الإدراية والوظيفية والمالية ونحو ذلك.
10- اشترطت الأنظمة في من يتولى هذه الولاية العظيمة الشروط التي نص عليها نظام القضاء في حق من يعين قاضياً في المملكة العربية السعودية، وهذا يدل دلالة أكيدة على أهمية هذه الولاية الشرعية الجليلة، ومكانتها السامية في المملكة العربية السعودية.
11- إن وزارة العدل هي الوزارة المسؤولة عن تنظيم أعمال كتاب العدل وإصدار التعاميم المنظمة لشؤونهم في كافة مناطق المملكة العربية السعودية.
12- تسعى وزارة العدل دوماً في تطوير وتحسين أداء موظفي كتاب العدل لما لهذا التطوير من آثار إيجابية على الوطن والمواطن.
13- أن الإجراءات المتبعة في إصدار الوثائق إجراءات سهلة وميسورة متضمنة الرفق بالمواطن، والإسراع في تحقيق مطالبة.(41/199)
14- إن وزارة العدل تقوم دوماً بدراسة الوثائق الشرعية وصياغتها وطرق إصدارها، مراعية في ذلك حاجة المواطن في سرعة الإصدار، وتحقيق المقاصد الشرعية في جودة صياغة الوثائق، وخلوها من الخلل.
15- قامت حكومة خادم الحرمين الشريفين بفتح وتعداد كتابات العدل في المناطق الكبرى في المملكة العربية السعودية، وفتح إدارات أخرى في كافة مدن وقرى المملكة العربية السعودية، وعينت لهذه الإدارات مشايخ كرام مؤهلين في كافة جوانب العلمية والإدارية.
16- إن الوثائق الشرعية المعدة من قبل وزارة العدل وتقوم بإصدارها كتابات العدل، وثائق شرعية محمية من قبل الدولة، لهذا سنت العقوبات الرادعة لكل من تسول له نفسه الإقدام على العبث بها وتزويرها.
الملاحق
مجموعة مختارة من الوثائق الشرعية التي تصدرها وزارة العدل وتقوم كتابات العدل باعتمادها ومنحها للطالبين
أولاً: نماذج من الوثائق الصادرة من كتابة العدل الأولى:
1- نموذج لوثيقة كفالة لصالح البنك الزراعي العربي السعودي.
2- نموذج لوثيقة رهن لصالح صندوق التنمية الصناعية السعودي.
3- نموذج لوثيقة رهن لصالح صندوق التنمية العقارية.
4- نموذج لوثيقة رهن لصالح بنك التسليف السعودي.
5- نموذج لصك منحة أرض صريحة.
6- نموذج لصك بيع أرض.
7- نموذج لصك تنازل عن أرض حكومية مباعة لمواطن.
1- نموذج لوثيقة كفالة لصالح البنك الزراعي العربي السعودي.
2- نموذج لوثيقة رهن لصالح صندوق التنمية الصناعية السعودي.
3- نموذج لوثيقة رهن لصالح صندوق التنمية العقارية
4- نموذج لوثيقة رهن لصالح بنك التسليف السعودي
5- نموذج لصك منحة أرض صريحة
6- نموذج لصك بيع أرض
7- نموذج لصك تنازل عن أرض حكومية مباعة لمواطن(41/200)
ثانياً: نماذج من الوثائق الشرعية الصادرة من كتابة العدل الثانية:
1- نموذج صك وكالة عامة.
2- نموذج صك وكالة خاصة.
3- نموذج صك وكالة استقدام عمالة من خارج المملكة العربية السعودية.
4- نموذج وكالة شرعية في قبض الرواتب والعوائد والمقررات.
5- نموذج صك تنازل عن جنسية.
6- صك أقارير التنازل لدى كاتب العدل.
7- صك وصايا.
8- فسخ وكالة.
1- نموذج صك وكالة عامة
2- نموذج صك وكالة خاصة
3- نموذج صك وكالة استقدام عمالة من خارج المملكة العربية السعودية
4- نموذج وكالة شرعية في قبض الرواتب والعوائد والمقررات
5- نموذج صك تنازل عن جنسية
6- صك أقارير التنازل لدى كاتب العدل
7- صك وصايا
8- فسخ وكالة
أهم المراجع والمصادر
- أحكام القرآن، للإمام أبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص، حققه/ محمد الصادق قمحاوي، نشر/ دار إحياء التراث العربي، 1405هـ.
- الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، للإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس الصنهاجي الشهير بالقرافي، ت684هـ، نشر/ المكتب الثقافي في القاهرة، الطبعة الأولى، 1989م.
- أدب القاضي، للإمام أحمد أبي أحمد الطبري الشهير بابن القاص، ت335هـ، تحقيق/ حسين خلف الجبوري، نشر/ مكتبة الصديق، الطائف، الطبعة الأولى 1409هـ.
- الأشباه والنظائر، تأليف/ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، ت911هـ، نشر/ مكتبة مصطفى البابي الحلبي بمصر، 1378هـ.
- الأصول القضائية في المرافعات الشرعية، للشيخ/ علي قراعة، مطبعة النهضة بمصر، الطبعة الثامنة، 1344هـ.
- الأموال، لحميد بن زنجوية ت251هـ، تحقيق/ د. شاكر فياض، نشر/ مركز الملك فيصل للبحوث، الطبعة الأولى، 1406هـ.(41/201)
- الأموال، للحافظ أبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى 224هـ، تحقيق/ محمد خليل هراس، نشر/ مكتبة الكليات الأزهرية، ودار الفكر، القاهرة، عام 1401هـ.
- بدائع السلك في طبائع الملك، تأليف، أبي عبد الله بن الأزرق ت896هـ، تحقيق/ علي سامي النشار، نشر/ وزارة الثقافة العراقية 1978م.
- تاريخ القضاعي، للإمام محمد بن سلامه القضاعي ت454هـ، تحقيق/ جميل عبد الله المصري، نشر/ جامعة أم القرى، 1415هـ.
- تبصرة الحكام، للقاضي إبراهيم بن علي بن فرحون ت799هـ، مراجعة/ طه عبد الرؤف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، ط، الأولى، 1406هـ.
- التطور التشريعي في المملكة العربية السعودية، تأليف/ د، محمد عبد الجواد محمد، مطبعة جامعة القاهرة، والكتاب الجامعي، 1977م.
- تفسير القرآن الحكيم، محمد رشيد رضا، دار المعرفة بدون، الطبعة الثانية.
- التنظيم القضائي في المملكة العربية السعودية، تأليف/ حسن عبد الله آل الشيخ، ط، الأولى، تهامة، 1403هـ.
- التنبيه والإشراف، لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي، طبع مدينة ليدن، بمطعة بريل سنة 1893م، مصوره دار صادر، بيروت.
- الجامع لأحكام القرآن، للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، نشر دار الكاتب العربي 1387هـ عن الطبعة الثانية الصادرة من دار الكتب المصرية.
- جوهرة العقود ومعين القضاة والشهود، لشمس الدين محمد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي، تحقيق/ محمد حامد الفقي، مصورة عن الطبعة الأولى، الطبعة الثانية، تصوير دار الأندلس/ جدة.
- الحاسب الآلي في وزارة العدل، نشر وزارة العدل، طبع في مطابع العصر الرياض.
- روضة القضاة وطريق النجاة، للعلامة أبي القاسم علي بن محمد الرحبي السمناني، تحقيق/ د، صلاح الدين الناهي، نشر مؤسسة الرسالة بيروت، ودار الفرقان عمان، الطبعة الثامنة، عام 1404هـ.(41/202)
- شرح أدب القاضي للخصاف، تأليف/ عمر بن عبد العزيز بن مازه ت536هـ، تحقيق/ محمد هلال السرحان، مطبعة الإرشاد بغداد.
- الشروط والوثائق والسجلات، (شروط الجلالي) ، مخطوط في عارف حكمت، برقم (155/254) .
- شرح الوثائق الفرعونية، للقاضي عبد السلام محمد الهواري، طبع الشركة المغربية، عام 1368هـ.
- الطرق الحكمية، للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية ت751هـ، تحقيق/ بشير عيون، نشره مكتبة المؤيد، بيروت، 1410هـ.
- الفروق، للإمام أبي العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي المشهور بالقرافي المتوفى 684هـ، عالم الكتب، بيروت، بدون تاريخ.
- قضاة قرطبة، لأبي عبد الله محمد بن الحارث الخشني ت361هـ، نشر الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966م.
- القواعد والفوائد الأصولية، لأبي الحسن علاء الدين علي بن عباس الحنبلي ت803هـ، تحقيق/ محمد حامد الفقي، نشر/ دار الكتب العلمية بيروت، ط، الأولى 1403هـ.
- الكتاب الإحصائي، التاسع عشر 1415هـ لوزارة العدل، نشر وزارة العدل، قسم الإحصاء، طبع مطابع مرامر، الرياض 1417هـ.
- لمحات حول القضاء في المملكة العربية السعودية، تأليف/ عبد العزيز عبد الله بن حسن آل الشيخ، بمطابع دار الستين الرياض، ط، الأولى 1411هـ.
- مجموعة اللوائح التنفيذية لنظام الخدمة المدينة، الرياض، محرم 1399هـ.
- مجموعة النظم والتعليمات المصدقة والمراسيم بالمملكة، من عام 1345 - 1356هـ، نشر مكة المكرمة في 17/9/1357هـ.
- مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد/ العاشر، السنة الثالثة، محرم - صفر- ربيع الأول 1412هـ، "وثائق ونصوص" "نظام ديوان المظالم".
- المدخل، للإمام محمد بن محمد بن محمد العبدلي ت737هـ، نشر دار التراث القاهرة.(41/203)
- المدخل الفقهي العام، تأليف/ مصطفى أحمد الزرقا، مطبعة طربين بدمشق، 1387هـ.
- مذكرات في علم التوثيق، تأليف/ أحمد الفاضلي، مطبعة مخيمر القاهرة، عام 1384هـ.
- مسعفة الحكام على الأحكام، لمحمد بن عبد الله أحمد التمرتاشي، تحقيق/ د/ صالح عبد الكريم الزيد، مكتبة المعارف الرياض، ط الأولى 1416هـ.
- مضامين القضاء البدوي قبل العهد السعودي، تأليف/ صالح غازي الجودي، الطبعة الأولى، 1412هـ، مطبوعات نادي الطائف الأدبي.
- معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء، تأليف/ د، نزيه حماد، نشر الدار العلمية/ الرياض، والمعهد العالمي للفكر، الطبعة الثالثة 1415هـ.
- معلمة الفقه المالكي، تأليف/ عبد العزيز بن عبد الله، دار الغرب الإسلامي، ط، الأولى 1403هـ.
- معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام، تأليف/ علي بن خليل الطرابلسي، الطبعة الثانية، 1393هـ.
- مقدمة ابن خلدون، للعلامة عبد الرحمن بن خلدون ت808هـ، نشر دار التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الرابعة.
- نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي، نشر مطابع الحكومة الأمنية، الطبعة الرابعة.
- نظام تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية، نشر مطابع الحكومة الأمنية الرياض، 1398هـ.
- نظام الحكم في الشريعة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، تأليف/ ظافر القاسمي، الطبعة الأولى، 1398هـ، دار النفائس، بيروت.
- نظام القضاء، نشر مطابع الحكومة الأمنية، الرياض، 1402هـ.
- نظام مكافحة التزوير، نشر مطابع الحكومة الأمنية، الرياض 1401هـ.
- نهاية الأرب في فنون الأدب، تأليف/ شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري ت733هـ، نسخة مصورة من طبعة دار الكتب، نشر وزارة الثقافة بمصر.(41/204)
- الوثائق الغرناطية، لأبي إسحاق إبراهيم بن يحيى الغرناطي، مخطوط في مكتبة الحرم المدني الشريف برقم (33/1/80) .
- وزارة العدل والأنظمة واللوائح التعليمات، نشر وزارة العدل السعودية، طبع عام 1400هـ.
- الولاية على النفس في الشريعة الإسلامية، تأليف/ صالح جمعة الجبوري، مؤسسة الرسالة/ بيروت، 1976م.
- الولاية العامة للمرأة في الفقه الإسلامي، د، محمد طعمه القضاة، نشر دار النفائس، عمان، الأردن، 1418هـ.
[1] ص 13 من الكتيب المذكور بعاليه.
[2] انظر المصدر السابق الصفحات 14-16.
[3] مجموعة النظم القضائية ص 107.
[4] التنظيم القضائي في المملكة العربية السعودية لحسن آل الشيخ ص 57.
[5] وزارة العدل الأنظمة والمواد والتعليمات ص 82.
[6] الكتاب الإحصائي السادس عشر / ص 181.
[7] مجلة البحوث الفقهية المعاصرة (نظام ديوان المظالم ومذكرته الإيضاحية) ص 179.
[8] نظام مكافحة التزوير / ص 16.
[9] المصدر السابق، ص 16.
[10] صحيح البخاري: 5/261 - صحيح مسلم 2/81 - 82 - الترمذي: 4/397 - النسائي: 7/88.
[11] الزواجر: 2/193.(41/205)
الشيخ الإمام
عبد الله بن عبد اللطيف وجهوده التعليمية في
عهد الملك عبد العزيز
عبد المحسن بن محمد بن عبد المحسن المنيف
الأستاذ المشارك بقسم الفقه
بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية
مقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [1] .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [2] .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [3] .
أما بعد فهذه ترجمة للإمام العالم الناسك الشيخ عبد الله بن الشيخ الإمام عبد اللطيف بن الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب مع بيان جهوده التعليمية في عهد الملك عبد العزيز والذي دعاني إلى جمعها ما يأتي:
أولاً: أن هذا الإمام قام بمؤازرة الإمام المفخم والملك عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن بن الإمام فيصل بن الإمام تركي بن عبد الله بن الإمام محمد بن سعود الذي رفع الله به أعلام الشريعة بعد أفول شموسها وانطماس معالمها [4] .(41/206)
ثانياً: أن هذا الإمام يعتبر المجدد الثالث للدين في البلاد السعودية حيث قام بتجديد الدين في أول عهد الملك عبد العزيز.
ثالثاً: إنني لم أقف على ترجمة مفردة لهذا الإمام حسب علمي.
لهذه الأسباب رغبت القيام بجمع ترجمته من مظانها وسميتها:
الإمام الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وجهوده التعليمية في عهد الملك عبد العزيز وقد رتبتها على ثلاثة فصول وخاتمة.
الفصل الأول: حياة الشيخ الإمام الشخصية.
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده وكنيته.
المبحث الثاني: صفاته الحميدة.
المبحث الثالث: ثناء العلماء عليه.
المبحث الرابع: وفاته ومن رثاه.
الفصل الثاني: حياة الشيخ الإمام العلمية وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: ذكر مشائخه.
المبحث الثاني: ذكر تلاميذه.
المبحث الثالث: مسيره إلى حائل.
الفصل الثالث: جهوده التعليمية في عهد الملك عبد العزيز.
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: مبايعته للملك عبد العزيز.
المبحث الثاني: جلوسه للتدريس وثمرة ذلك.
المبحث الثالث: بذله النصيحة.
المبحث الرابع: توطين البادية وإرسال الدعاة لهم.
والخاتمة في ملخص ترجمته.
هذا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده والنائب الثاني وإخوانهم الميامين لكل خير، وأن يبارك في جهودهم لصالح الإسلام والمسلمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه الفقير إلى الله تعالى
عبد المحسن بن محمد بن عبد المحسن المنيف
الأستاذ المشارك بقسم الفقه
بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية
الفصل الأول(41/207)
حياة الشيخ الإمام الشخصية
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده وكنيته.
المبحث الثاني: صفاته الحميدة.
المبحث الثالث: ثناء العلماء عليه.
المبحث الرابع: وفاته ومن رثاه.
المبحث الأول
اسمه ونسبه ومولده وكنيته
هو الإمام العالم الناسك الورع الزاهد فخر الإسلام مفتي الديار النجدية الشيخ عبد الله بن الشيخ الإمام عبد اللطيف بن الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب [5] بن الشيخ سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ريّس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب بن قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبة بن سنيع بن نهشل بن شداد بن زهير بن شهاب بن ربيعة بن أبي سود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان [6] .
وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام حفظه الله: "وهذا النسب إلى عقبة منقول بالتواتر، ومن خطوط علماء الوهبة المعتبرين المجمع على علمهم وثقتهم واطلاعهم؛ من أمثال الشيخ سليمان بن علي والشيخ أحمد بن محمد بن بسام والشيخ أحمد بن محمد البجادي والشيخ أحمد بن محمد بن حسن القصير والشيخ عبد المحسن بن شارخ المشرفي والشيخ محمد بن أحمد القاضي.
ومن عقبة إلى إلياس منقول عن ثقات النسابين والمؤرخين من أمثال العالم النسابة ابن الكلبي صاحب الجمهرة في الأنساب وياقوت الحموي الكاتب" [7] .(41/208)
قدم والده الإمام عبد اللطيف من مصر إلى الرياض في عام 1264هـ ولمّا استقر في مدينة الرياض بضعة أشهر، وجلس لطلاب العلم فيها، عرف الإمام فيصل بن الإمام تركي آل سعود ووالده الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن غزارة علمه، وسعة اطلاعه، وقوة عارضته، وقدرته على المناظرة، فبعثاه إلى الأحساء؛ لتقرير عقيدة السلف، ونشر دعوة التوحيد فقدم الشيخ الإمام عبد اللطيف الأحساء في عام 1264هـ وأقام بها سنتين يوضح طريقة السلف وينشر دعوة التوحيد [8] ، وفي أثناء جلوسه في الأحساء تزوج بنت الشيخ العلامة الفقيه عبد الله بن الشيخ أحمد الوهيبي قاضي الأحساء المتوفى سنة 1263هـ فأنجبت منه الشيخ الإمام عبد الله [9] ، فقد ولد رحمه الله في مدينة الهفوف بالأحساء سنة 1265هـ[10] .
فنشأ رحمه الله أول ما نشأ في بيت جده لأمه وقد كان خاله الشيخ الفقيه عبد الرحمن بن الشيخ عبد الله الوهيبي خلف والده في قضاء الأحساء بعد وفاته.
فقرأ الشيخ في هذا البيت القرآن حتى حفظه عن ظهر غيب [11] .
ثم أتى به والده الشيخ الإمام عبد اللطيف من الأحساء إلى الرياض وهو في الرابعة عشرة من عمره [12] .
وكنيته أبو عبد الملك [13] .
المبحث الثاني
صفاته الحميدة
يتصف الشيخ الإمام عبد الله بن عبد اللطيف بصفات عديدة والتي وقفت عليه من صفاته رحمه الله ما يأتي:
1 ـ كان رحمه الله عليه من الهيبة والوقار ما لا يخفى على من قابله [14] .
2 ـ كان رحمه الله حسن الأخلاق، ذا رأي ودهاء، ومعرفة، قليل الإهتمام بالدنيا مفوضاً أمره إلى الله عز وجل [15] .
3 ـ كان رحمه الله لا يُوفِّر جانبه عمن قصده قريباً كان أو بعيداً ولا يدخر شفاعته عمن اعتمده برياً أو بحرياً ضعيفاً أو شديداً، ينتابه الأمراء والملوك والعلماء وأثنى عليه القريب والبعيد [16] .
4 ـ كان رحمه الله يتصف بالاتزان وحصافة الرأي والإخلاص في الدعوة [17] .(41/209)
5 ـ كان رحمه الله جواداً كريماً جلب إليه جوده وحسن أخلاقه محبة الناس وتقديرهم له فشاع له الذكر الجميل [18] .
6 ـ كان رحمه الله يعتمد في معيشته على الله عز وجل، ثم على الحرث من الزراعة والنخل، وما يصله به الشيخ قاسم بن محمد بن ثاني حاكم قطر [19] .
وكان هذا الشيخ أعني حاكم قطر على مذهب الإمام أحمد، وكان فيه محبة لمجدد الدعوة شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب ولأنجاله ولمن أواهم ونصرهم، يرى رأيهم ويقول بقولهم ومات رحمه الله عام 1331هـ[20] .
المبحث الثالث
ثناء العلماء عليه
قد أثنى على الشيخ الإمام عبد الله بن عبد اللطيف جمع من أهل العلم، ومما وقفت عليه ما يأتي:
1 ـ قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم في ترجمته ما نصه: "هو الإمام العلامة الشهم الثقة الفهامة محي السنة قامع البدعة الزاهد الورع العابد ذو العقل الكامل والخلق الحافل أوحد العصر في أنواع الفضائل أبو عبد الملك شيخ الإسلام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف" [21] .
2 ـ قال الشيخ المؤرخ عبد الرحمن بن محمد بن ناصر في حوادث سنة 1339هـ ما نصه: "وفيها توفي الإمام العالم الناسك الورع الزاهد فخر الإسلام مفتي الديار النجدية الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف" [22] .
3 ـ قال الشيخ المؤرخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ ما نصه: "هو الإمام العالم الجليل مفتي الديار النجدية ومحيي الآثار السلفية علامة نجد وزعيمها الإسلامي في زمنه الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف" [23] .
4 ـ قال الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن البسام حفظه الله في ترجمته ما نصه: "الشيخ العلامة والحبر الفهامة الإمام عبد الله بن عبد اللطيف" [24] .
5 ـ قال الشيخ محمد بن عثمان القاضي حفظه الله ما نصه: "هو العالم الجليل المدقق الشيخ عبد الله عبد اللطيف" [25] .
المبحث الرابع(41/210)
وفاته ومن رثاه
لم يزل الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف موضع الإجلال والتقدير والإعجاب من الولاة والعلماء ومن دونهم من الخاصة والعامة إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الجمعة في العشرين من شهر ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف عن أربع وسبعين سنة قضى معظمها في نشر العلم وبث الدعوة وصلى عليه الناس بالمسجد الجامع الكبير بالرياض، وكانوا جمعاً غفيراً وغصت الأسواق بالمشيعين، وخرج معه إلى المقبرة خلق كثير على رأسهم جلالة الملك الإمام المفخم عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل سعود رحمه الله، وقبروه في مقبرة العود بجوار والده الشيخ عبد اللطيف وجده الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله جميعاً وغفر لهم [26] .
وقد رثاه الجم الغفير، فممن وقفت عليه أنه رثاه ما يأتي:
1 ـ سماحة الشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم آل الشيخ فقد رثاه بقصيدة تبلغ جملة أبياتها خمسة وخمسين بيتاً [27] .
2 ـ الشيخ العلامة سليمان بن سحمان فقد رثاه بقصيدة تبلغ أربعاً وثلاثين بيتاً [28] .
3 ـ الشيخ العلامة عبد اللطيف بن الشيخ إبراهيم آل الشيخ فقد رثاه بقصيدة تبلغ خمساً وعشرين بيتاً [29] .
4 ـ الشيخ الأديب محمد بن عبد الله بن عثيمين فقد رثاه بقصيدة تبلغ ثلاثاً وعشرين بيتاً [30] .
5 ـ الشيخ العلامة إسحاق بن الشيخ حمد بن عتيق فقد رثاه بقصيدة [31] .
6 ـ الشيخ العلامة ناصر بن سعود بن عيسى شويمي فقد رثاه بقصيدة تبلغ اثنين وعشرين بيتاً [32] .
7 ـ الشيخ الأديب محمد بن عبد الله بن بليهد فقد رثاه بقصيدتين:
الأولى: تبلغ ثلاثاً وستين بيتاً [33] . والثانية: تبلغ اثنين وأربعين بيتاً.
وهذه القصيدة مخمسة وتبلغ مخمساتها إحدى وعشرين [34] .
8 ـ سماحة الشيخ العلامة عمر بن الشيخ حسن آل الشيخ فقد رثاه بقصيدة مؤثرة طويلة تبلغ مائة بيت [35] .(41/211)
حياة الشيخ الإمام العلمية
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: ذكر مشائخه.
المبحث الثاني: ذكر تلاميذه.
المبحث الثالث: مسيره إلى حائل.
المبحث الأول
ذكر مشائخه
تلقى الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف العلم على جهابذة العلماء الذين أدركهم وممن وقفت عليه من مشائخه ما يأتي:
1 ـ جده الشيخ الإمام المجدد الثاني عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب (1193 ـ 1285هـ) :
ومن مشائخه: جده شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب، وأعمامه المشائخ عبد الله وحسين وعلي أبناء شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب.
وقد قام بتجديد الدين في عهد الإمام تركي بن عبد الله آل سعود وابنه الإمام فيصل [36] . وقد درس عليه حفيده الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف [37] .
2 ـ والده الشيخ الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن (1225 ـ 1293هـ)
من مشائخه: جده لأمه وعم والده الشيخ الإمام عبد الله بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ووالده الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن، والشيخ أحمد بن حسن بن رشيد الحنبلي، والشيخ إبراهيم الباجوري شيخ الجامع الأزهر في زمنه.
وقد قام بمؤازره الإمام فيصل بن تركي مع والده، كما خلف والده في الزعامة العلمية والدينية في آخر الدولة السعودية الثانية [38] .
وقد قرأ الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف على والده في التوحيد والفقه والحديث والتفسير [39] .
3 ـ الشيخ العلامة حمد بن عتيق (1227 ـ 1301هـ)
من مشائخه: الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن، وابنه الشيخ الإمام عبد اللطيف.
وقد ولاه الإمام فيصل بن الإمام تركي آل سعود قضاء الخرج، ثم الحلوة، ثم نقل منها إلى قضاء الأفلاج واستقر بها وجلس لطلاب العلم يقرأون عليه فتخرج به خلائق لا يحصون كثرة [40] .(41/212)
وممن أخذ عنه الشيخ الإمام عبد الله بن عبد اللطيف؛ وذلك أنه لما توفي والده سنة 1293هـ استوحش لفقده فسافر إلى الأفلاج وأقام بها ثلاث سنوات قرأ خلالها على الشيخ حمد بن عتيق، ثم عاد إلى وطنه [41] .
4 ـ الشيخ العلامة عبد الرحمن بن عبد الله بن عدوان (1229ـ1285هـ)
من مشائخه: الفقيه محمد بن مقرن الودعاني، وقد عينه الإمام فيصل آل سعود قاضياً في مدينة الرياض [42] . وقد أخذ عنه الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف [43] .
5 ـ الشيخ العلامة عبد العزيز بن صالح المرشدي (1241ـ1324هـ)
من مشائخه: الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن وابنه الشيخ الإمام عبد اللطيف.
وقد ولاه الإمام فيصل بن الإمام تركي آل سعود قضاء مقاطعة سدير، ثم نقله إلى قضاء مدينة الرياض [44] .
وقد أخذ عنه العلم الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف [45] .
6 ـ الشيخ العلامة الفقيه محمد بن إبراهيم بن محمد المحمود (1250ـ1333هـ)
من مشائخه: الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن وابنه الشيخ الإمام عبد اللطيف.
وقد عينه الإمام فيصل بن الإمام تركي آل سعود قاضياً في وادي الدواسر، ثم نقل إلى قضاء ضرماء ثم نقله الإمام عبد الله بن فيصل آل سعود إلى قضاء مدينة الرياض [46] ، وقد درس عليه الشيخ الإمام عبد الله بن عبد اللطيف [47] .
7 ـ الشيخ الفقيه فارس بن حمد بن محمد بن فارس بن عبد العزيز بن محمد ابن إسماعيل بن رميح [48] (ت:1285هـ)
وقد درس عليه الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف [49] .
8 ـ الشيخ الواعظ عبد الله بن حسين المخضوب (1230ـ1317هـ)
من مشائخه: الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن وابنه الشيخ الإمام عبد اللطيف، وقد عينه الإمام فيصل بن تركي قاضياً في الخرج [50] . وقد درس عليه الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف [51] .(41/213)
9 ـ الشيخ العلامة عبد العزيز بن محمد بن شلوان:
من أهل الرياض والمتوفى في آخر القرن الثالث عشر الهجري.
ومن مشائخه الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن وابنه الشيخ الإمام عبد اللطيف والشيخ العلامة حمد بن عتيق.
وقد عينه الإمام فيصل بن الإمام تركي آل سعود قاضياً في الرياض.
وقد درس عليه الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف [52] .
هذا ما وقفت عليه من مشائخه رحم الله الجميع وأسكنهم فسيح جناته.
المبحث الثاني
ذكر تلاميذه
أخذ عنه العلم خلق كثير من كبار العلماء وجهابذتهم وغيرهم.
وممن وقفت عليه من تلاميذه ما يأتي:
هذا وقد قدمت ذرية شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب في الذكر لأنهم أئمتنا وأما غيرهم فقد رتبتهم على الحروف الهجائية.
1 ـ ابنه الشيخ عبد الملك (ت 1322هـ)
وكان رحمه الله شهماً شجاعاً كريماً فاضلاً قُتل في وقعة البكيرية التي حصلت بين الملك عبد العزيز وعبد العزيز بن متعب بن رشيد، وكان غازياً مع الملك عبد العزيز [53] .
وقد أخذ العلم عن والده [54] .
2 ـ ابنه الشيخ صالح
ولم أقف له على ترجمة وقد درس على والده [55] .
3 ـ ابنه الشيخ عبد اللطيف (ت 1374هـ)
وكان رحمه الله جواداً كريماً له معرفة تامة بالأنساب وفيه صراحة متناهية، وهو والد الشيخ المؤرخ عبد الرحمن مؤلف مشاهير علماء نجد وغيرهم [56] . وقد درس على والده [57] .
4 ـ ابنه الشيخ محمد: (ت 1386هـ)(41/214)
أخذ العلم عن والده وعن عميه الشيخ محمد بن عبد اللطيف والشيخ عمر بن عبد اللطيف، وقد أنعم الله عليه بالمال الكثير واشتهر – رحمه الله - بالكرم [58] . وقد ذكر صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود ما نصه: "فقد حدثني الشيخ محمد بن عبد الله بن عبد اللطيف خال والدي الملك فيصل قال: يوم قتل ابن رشيد في معركة روضة مهنا أخذت خاتم ابن رشيد إلى الملك عبد العزيز وهنأته بالنصر" [59] .
5 ـ عمه الشيخ المحدث إسحاق بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن (1276ـ1319هـ)
أخذ العلم عن أخيه الشيخ الإمام عبد اللطيف وابن أخيه الشيخ الإمام عبد الله والشيخ العلامة حمد بن عتيق [60] .
6 ـ أخوه الشيخ العلامة إبراهيم بن الشيخ عبد اللطيف (1280-1329هـ)
أخذ العلم عن والده، وعن الشيخ الإمام عبد الله بن عبد اللطيف، والشيخ العلامة حمد بن فارس.
وقد عينه الملك عبد العزيز قاضياً في مدينة الرياض عام 1321هـ[61] .
7 ـ أخوه الشيخ عبد العزيز بن الشيخ الإمام عبد اللطيف
أخذ العلم عن والده وعن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف [62] ولم أقف له على ترجمة.
8 ـ أخوه الشيخ العلامة محمد بن الشيخ عبد اللطيف (1282-1367هـ)
أخذ العلم عن والده، وعن أخيه الشيخ الإمام عبد الله، والشيخ العلامة محمد بن محمود، وقد عينه الملك عبد العزيز قاضياً في الوشم ثم في الرياض [63] .
9 ـ أخوه الشيخ عمر بن الشيخ عبد اللطيف (1284-1365هـ)
أخذ العلم عن أخيه الشيخ الإمام عبد الله، وعن الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم بن محمود، وقد شارك الملك عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل سعود معظم غزواته، وقد ولاه الملك عبد العزيز الخطابة في الجامع الكبير بمدينة الرياض [64] .
10 ـ أخوه الشيخ العلامة عبد الرحمن بن الشيخ عبد اللطيف (1288-1366هـ)(41/215)
أخذ العلم عن أخيه الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة محمد بن إبراهيم بن محمود، والشيخ العلامة حمد بن فارس، وقد عينه الملك عبد العزيز قاضياً لساجر، ثم عينه قاضياً في عروى عام 1342هـ.
وقد صحب الملك عبد العزيز في دخوله مكة المكرمة عام 1343 هـ، ثم عينه الملك عبد العزيز آل سعود قاضياً في الخرج عام 1350هـ إلى عام 1357هـ[65] .
11 ـ ابن أخيه سماحة الشيخ العلامة محمد بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد اللطيف (1311-1389هـ)
أخذ العلم عن والده، وعن عمه الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة سعد بن عتيق، وقد عينه الملك عبد العزيز آل سعود خلفاً لعمه الشيخ عبد الله في الفتيا والتدريس وإمامة مسجده المعروف بدخنه في مدينة الرياض.
وهو رئيس قضاة المملكة العربية السعودية من عام 1378هـ إلى وفاته، وهو أيضاً مفتي المملكة العربية السعودية في زمنه رحمه الله وأسكنه فسيح جناته [66] .
12 ـ ابن أخيه الشيخ العلامة الفرضي عبد اللطيف بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد اللطيف (1315-1386هـ)
أخذ العلم عن عمه الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة حمد بن فارس، والشيخ سعد بن الشيخ حمد بن عتيق، وقرأ الفرائض على الشيخ الفرضي عبد الله بن محمد بن راشد الجلعود وتبحر في هذا العلم حتى اشتهر به رحمه الله. وقد تولى إدارة المعهد العلمي بالرياض عند افتتاحه عام 1370هـ ثم صار مديراً عاماً للمعاهد والكليات، ثم نائباً للرئيس العام للكليات والمعاهد العلمية [67] .
13 ـ ابن أخيه الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللطيف (1315-1393هـ)(41/216)
أخذ العلم عن والده، وعن عمه الشيخ الإمام عبد الله بن عبد اللطيف، وعن الشيخ سعد بن حمد بن عتيق وكان – رحمه الله – زاهداً ورعاً، وله مساهمة في نشر العلم حيث طبع على نفقته كتباً كثيرة ورشح للقضاء وامتنع عن توليه [68] .
14 ـ الشيخ العلامة صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين بن شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب (1287-1372هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة حمد بن فارس، والشيخ العلامة محمد بن إبراهيم بن محمود، وقد غزا مع الملك عبد العزيز آل سعود عدة غزوات وفي عام 1337هـ ولاه الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله قضاء مدينة الرياض وقراها للحضر، ثم ضم إليه قضاء البوادي في عام 1349هـ واستمر في القضاء إلى عام 1352هـ[69] .
15ـ الشيخ عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن (1298-1407هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة حمد بن فارس والشيخ العلامة سعد بن عتيق [70] .
16 ـ الشيخ عبد الملك بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد الملك بن الشيخ حسين بن شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب.
أخذ العلم عن والده، وعن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف [71] . ولم أقف له على ترجمة.
17 ـ سماحة الشيخ العلامة الفقيه عبد الله بن الشيخ حسن بن الشيخ حسين بن الشيخ علي بن الشيخ حسين بن شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب (1287-1378هـ)
أخذ العلم عن والده، وعن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ المحدث إسحاق بن الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن والشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق.(41/217)
وقد غزا مع الملك عبد العزيز غزوات كثيرة وحضر معه فتح مدينة حائل عام 1340هـ، وقد عينه الملك عبد العزيز إماماً وخطيباً للمسجد الحرام، ثم عينه في عام 1346هـ رئيساً للقضاة بالحجاز، واستمر في ذلك حتى وفاته رحمة الله وأسكنه فسيح جناته [72] .
18 ـ سماحة الشيخ العلامة عمر بن حسن بن حسين بن علي بن حسين بن شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب (1319-1395هـ)
أخذ العلم عن والده، وعن الشيخ الإمام عبد الله بن عبد اللطيف، والشيخ سعد بن حمد بن عتيق، وقد ولاه الملك عبد العزيز رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنجد عام 1345هـ ثم ضم إليه المنطقة الشرقية [73] .
19 ـ الشيخ حسين بن حسن بن حسين بن علي بن حسين بن شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب (1284-1329هـ) .
أخذ العلم عن والده، وعن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ محمد بن إبراهيم بن محمود [74] .
20 ـ الشيخ علي بن الشيخ عبد العزيز بن محمد بن الشيخ علي بن شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب.
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ الإمام عبد اللطيف [75] . ولم أقف له على ترجمة.
21 ـ الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد بن علي بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ الإمام عبد اللطيف [76] . ولم أقف له على ترجمة.
22 ـ الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد بن علي بن شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب (ت 1362هـ)
وكان رحمه الله طالب علم مجتهداً عابداً ورعاً، وقد أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف [77] .
23 ـ الشيخ إبراهيم بن حسين.
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف [78] . ولم أقف له على ترجمة.
24 ـ الشيخ إبراهيم بن سليمان بن ناصر الراشد (1320-1371هـ)(41/218)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ الفرضي عبد الله بن محمد بن راشد الجلعود، وقد عينه الملك عبد العزيز قاضياً في الشعيب والمحمل ثم في الخرمة ثم في الرياض [79] .
25 ـ الشيخ أحمد بن عبد العزيز بن صالح المرشدي (1291-1359هـ)
أخذ العلم عن والده، وعن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة سعد بن الشيخ حمد بن عتيق. وقد تولى قضاء الجوف [80] .
26 ـ الشيخ حمد بن محمد بن موسى من أهل البير (ت 1357هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف. وقد تولى القضاء في رنية [81] .
27 ـ الشيخ حمد بن مزيد آل مزيد من أهل المجمعة (1311-1407هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز العنقري. تولى القضاء في قبه ثم في الرياض [82] .
28 ـ الشيخ حمود بن حسين الشغدلي من أهل حائل (1295-1391هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ صالح ابن سالم البنيان. وقد تولى قضاء حائل [83] .
29 ـ الشيخ سالم بن ناصر بن مطلق بن محمد الحناكي (1291-1379هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة محمد بن عبد الله بن سليم، والشيخ صالح بن قرناس، والشيخ العلامة سعد بن عتيق، وقد عينه الملك عبد العزيز قاضياً في الرس عام 1340هـ، ثم عينه قاضياً في دخنه بالقصيم ثم قاضياً في حريملاء ثم في الخرج [84] .
30 ـ الشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق (1277-1349هـ)
أخذ العلم عن والده، وعن الشيخ الإمام عبد الله بن عبد اللطيف [85] ، والشيخ صديق بن حسن خان، والشيخ نذير حسين، والشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى.(41/219)
وقد تولى قضاء الأفلاج، ثم نقله الملك عبد العزيز إلى قضاء مدينة الرياض، وذلك في عام 1329هـ، ليتولى قضاء البادية واستمر في ذلك حتى وفاته رحمه الله [86] .
31 ـ الشيخ سعد بن سعود بن مفلح (1301-1379هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ سعد ابن عتيق. وقد تولى القضاء في الأفلاج ثم في وادي الدواسر [87] .
32 ـ الشيخ العلامة المجاهد سليمان بن سحمان بن مصلح بن حمدان الخثعمي (1266-1349هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن، وعن ابنه الشيخ الإمام عبد اللطيف.
وأخذ أيضاً عن زميله الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، وله اليد الطولى والقدم المعلى في التأليف والرد والقصائد في الدفاع عن العقيدة السلفية. ومن مؤلفاته المشهورة: الأسنة الحداد في الرد على علوي الحداد، وكشف غياهب الظلام في أوهام جلاء الأوهام، والضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق [88] .
33 ـ الشيخ العلامة سليمان بن عبد الرحمن بن محمد بن حمدان من أهل المجمعة (1317 تقريباً – 1397هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة سعد بن الشيخ حمد بن عتيق، والشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز العنقري. ولي القضاء في الطائف، ثم صار عضواً في رئاسة القضاء بمكة، ثم تولى القضاء في المدينة، ثم في المجمعة، ثم بعد إعفائه من القضاء في المجمعة انتقل إلى مكة المكرمة وجلس للتدريس في المسجد الحرام إلى وفاته رحمه الله، كما ألف مؤلفات كثيرة منها (الدر النضيد على أبواب التوحيد) [89] .
34 ـ الشيخ العلامة سليمان بن عبد الرحمن بن محمد بن عمر العمري (1298-1374هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة محمد بن عبد الله بن سليم، والشيخ العلامة صالح بن عثمان القاضي.(41/220)
وقد عينه الملك عبد العزيز آل سعود قاضياً في المدينة المنورة عام 1345هـ، ثم نقله في عام 1359هـ إلى حريملاء ثم نقله قاضياً في الأحساء في آخر عام 1360هـ واستمر في ذلك حتى عام 1373هـ[90] .
35 ـ الشيخ صالح بن سالم البنيان (1256-1330هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن عبد اللطيف وهو أكبر منه سناً، والشيخ عوض الحجي، وقد تولى القضاء في حائل [91] .
36 ـ الشيخ صالح بن مطلق من أهل حوطة بني تميم (1305-1380هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة سعد بن الشيخ حمد بن عتيق، تولى القضاء في الخرج ثم في حوطة بني تميم عام 1367هـ، ثم قضاء حفر الباطن عام 1371هـ إلى عام 1375هـ[92] .
37 ـ الشيخ عبد الرحمن بن حسين.
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف [93] . ولم أقف له على ترجمة.
38 ـ الشيخ عبد الرحمن بن سالم الدوسري.
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف [94] . ولم أقف له على ترجمة.
39 ـ الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن خريف من الوهبة من تميم (1310-1390هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة سعد بن الشيخ حمد بن عتيق، والشيخ إبراهيم بن سليمان المبارك. وقد جلس في حريملاء للتدريس [95] .
40 ـ الشيخ العلامة عبد الرحمن بن علي بن عودان (1315-1374هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة حمد بن فارس، والشيخ العلامة سعد بن الشيخ حمد بن عتيق.
وقد عينه الملك عبد العزيز قاضياً في منطقة السر، ثم ضم إليه قضاء الوشم، ثم عينه قاضياً في عنيزة ثم في الرياض [96] .
41 ـ الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن حمد الدواد (1300-1355هـ)(41/221)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، وقد ولي قضاء الخرمة [97] .
42 ـ الشيخ العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم (1319-1392هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة سعد بن الشيخ حمد بن عتيق، وهو جامع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، وجامع فتاوى ورسائل علماء نجد الأعلام وذلك في الدرر السنية [98] ، وله مؤلفات كثيرة منها حاشية على الروض المربع شرح زاد المستقنع.
43 ـ الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن مبارك.
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، وقد تولى قضاء الدرعية وإمارتها [99] . ولم أقف له على ترجمة.
44 ـ الشيخ عبد العزيز بن الشيخ حمد بن عتيق (1279-1359هـ)
أخذ العلم عن والده، وعن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، وعن الشيخ نذير حسين.
وقد تولى القضاء في الأفلاج، ثم في وادي الدواسر، ثم في الأفلاج مرة ثانية واستمر في ذلك حتى وفاته رحمه الله [100] .
45 ـ الشيخ المعمر عبد العزيز بن صالح المرشد من أهل الرياض (1310-1417هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن عبد اللطيف، والشيخ العلامة حمد ابن فارس، والشيخ العلامة سعد بن الشيخ حمد بن عتيق [101] .
46 ـ الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الرحمن بن ناصر البشر (1275-1359هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ محمد بن إبراهيم بن محمود.
عينه الملك عبد العزيز قاضياً في بريدة، ثم عينه قاضياً في الأحساء، ثم في الرياض [102] .
47 ـ الشيخ عبد العزيز بن عبد الله النمر (ت1337هـ)
أخذ العلم عن جده لأمه شيخ الإسلام عبد الرحمن بن حسن، وعن خاله عبد اللطيف، وعن ابنه الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، وقد جلس رحمه الله للتدريس [103] .(41/222)
48 ـ الشيخ العلامة عبد العزيز بن محمد الشثري (1305-1387هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة سعد بن الشيخ حمد بن عتيق، والشيخ إبراهيم بن عبد الملك آل الشيخ.
وقد عينه الملك عبد العزيز قاضياً في الرين عام 1337هـ واستمر في القضاء إلى عام 1373هـ[104] .
49 ـ الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ حمد بن عتيق (1282-1350هـ)
أخذ العلم عن والده، وعن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، وعن أخيه الشيخ العلامة سعد بن عتيق.
وقد عينه الملك عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل سعود قاضياً في رنية [105] .
50 ـ الشيخ الأديب عبد الله بن أحمد العجيري (1275-1352هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، وعن أخيه الشيخ العلامة إبراهيم بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ حمد بن فارس، وكان - رحمه الله - مولعاً بكتب الأدب، وله إلمام ودراية بالأنساب.
وقد صحب الملك عبد العزيز في كثير من رحلاته [106] .
51 ـ الشيخ عبد الله بن حمد بن عبد الله الحجازي (ت1347هـ)
أخذ العلم عن الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة محمد بن إبراهيم بن محمود، والشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق، وقد عينه الملك عبد العزيز قاضياً في بلدان المحمل (ثادق وما حولها) [107] .
52 ـ الشيخ عبد الله بن الشيخ حمد بن علي بن عتيق (1284-1342هـ)
أخذ العلم عن والده، وعن أخيه الشيخ سعد، والشيخ عبد العزيز، وأخذ أيضا عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، وقد عينه الملك عبد العزيز مرشداً وواعظاً في هجرة الغطغط [108] .
53 ـ الشيخ عبد الله بن حمد بن محمد الدوسري (ت1350هـ)(41/223)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة إبراهيم بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة حمد بن فارس. وقد جلس رحمه الله في مدينة الرياض للتدريس، وكان له باع واسع في الأدب والتاريخ والسير والمغازي [109] .
54 ـ الشيخ عبد الله بن خلف بن راشد بن خلف (1265-1344هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف وهو من أقرانه، والشيخ عبد العزيز بن صالح المرشدي. وقد عينه الملك عبد العزيز قاضياً في حائل [110] .
55 ـ الشيخ عبد الله بن رشيدان.
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، وعن الشيخ العلامة سعد بن عتيق [111] .
ولم أقف له على ترجمة.
56 ـ الشيخ العلامة عبد الله بن سليمان بن سعود البليهد (1284-1359هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، وعن الشيخ العلامة محمد بن عبد الله بن سليم، والشيخ محمد بن عبد الله بن دخيل.
وقد عينه الملك عبد العزيز في البكيرية والرس والخبراء والبدائع عام 1333هـ قاضياً، ثم في عام 1342هـ عينه قاضياً في حائل، ثم عينه في عام 1344هـ رئيساً للقضاة بمكة، ثم في عام 1345هـ عينه قاضياً في حائل [112] .
57 ـ الشيخ عبد الله بن سليمان السياري.
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف.
وقد تولى القضاء في القويعية [113] .
58 ـ الشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز العنقري (1287-1373هـ)(41/224)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ محمد بن إبراهيم بن محمود، والشيخ حمد بن فارس وقد عينه الملك عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل سعود قاضياً في سدير عام 1324هـ وسكن مدينة جلاجل، ثم في عام 1326هـ ضمت إليه المجمعة فانتقل إليها وسكنها فصار - رحمه الله - قاضياً لجميع منطقة سدير واستمر في القضاء إلى عام 1360هـ. وكان - رحمه الله - إلى جانب اشتغاله بالقضاء يقوم بالتدريس ونشر العلم [114] .
59 ـ الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الوهاب بن زاحم (1300-1374هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة حمد بن فارس، والشيخ العلامة سعد بن الشيخ حمد بن عتيق، والشيخ المؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى، والشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز العنقري.
وقد عينه الملك عبد العزيز قاضياً في الداهنة عام 1336هـ، ثم في عام 1357هـ عينه قاضياً في مدينة الرياض، ثم في عام 1363هـ عينه رئيساً لمحكمة المدينة واستمر في ذلك إلى وفاته رحمه الله [115] .
60 ـ الشيخ عبد الله بن علي بن عبد الله بن محمد بن الشيخ عبد الله بن سليمان بن حماد من أهل الرياض.
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، وكان - رحمه الله - إماماً للإمام عبد الله بن الإمام فيصل آل سعود، وقد اشتهر رحمه الله باهتمامه بشراء الكتب وجمعها [116] .
61 ـ الشيخ عبد الله بن علي بن محمد بن يابس من أهل القويعية (1313-1389هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ حمد ابن فارس، والشيخ سعد بن عتيق، والشيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن بن بشر.
ثم إنه انتقل إلى مصر عام 1343هـ، فأخذ عن علماء الأزهر وسكن مصر، ثم جاء إلى مدينة الرياض للزيارة فوافته منيته فيها [117] .(41/225)
62 ـ الشيخ عبد الله بن فيصل الودعاني (ت 1349هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ حسن بن الشيخ حسين آل الشيخ، وقد تولى القضاء في حريملاء [118] .
63 ـ الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن فدا (1272-1337هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة محمد بن عمر بن سليم، والشيخ العلامة محمد بن عبد الله بن سليم [119] .
64 ـ الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليم (1287-1351هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ محمد بن عمر بن سليم.
وقد عينه الملك عبد العزيز قاضياً في البكيرية عام 1328هـ، ثم عينه عام 1331هـ قاضياً في بريدة، واستمر في ذلك حتى وفاته.
وكان رحمه الله يقوم بنشر العلم والتدريس والإفتاء بالقصيم [120] .
65 ـ الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عثمان الدخيل (1260-1324هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن، وعن ابنه الشيخ عبد اللطيف، كما أخذ العلم أيضاً عن الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف وهو من أقرانه، كما أخذ العلم عن الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم، وقد رحل إلى المذنب بناء على طلب أهلها فاستمر عندهم قاضياً ومفتياً ومدرساً إلى وفاته رحمه الله [121] .
66 ـ الشيخ عبد الله بن محمد بن فنتوخ.
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف [122] .
ولم أقف له على ترجمة.
67 ـ الشيخ عبد الله بن محمد بن منصور المطرودي (1311-1361هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة عبد الله بن الشيخ محمد بن سليم، والشيخ العلامة سعد بن عتيق، والشيخ العلامة صالح بن عثمان القاضي، وكان يحفظ صحيح البخاري عن ظهر غيب [123] .(41/226)
68 ـ الشيخ عبد الله بن مسلم بن عبد الله التميمي (1268-1341هـ) .
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف وهو من أقرانه، وقد صحبه في مسيره إلى حائل، كما أخذ العلم عن الشيخ محمد بن إبراهيم بن محمود، والشيخ صالح بن سالم البنيان.
وقد تعين قاضياً في حائل، كما جلس للتدريس لطلاب العلم يستفيدون منه [124] .
69 ـ الشيخ عبد الله بن مطلق بن فهيد الفهيد (1312-1377هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة سعد بن الشيخ حمد بن عتيق، والشيخ العلامة صالح بن عثمان القاضي [125] .
70 ـ الشيخ عثمان بن أحمد بن عثمان بن بشر (1294-1367هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز العنقري، وقد تولى القضاء في الأسياح [126] .
71 ـ الشيخ عثمان بن حمد بن مضيان من أهل بريدة (1290-1366هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ محمد بن عبد الله بن سليم، والشيخ سعد بن حمد بن عتيق.
وقد تولى القضاء في أبي عريش عام 1353هـ إلى عام 1358هـ، ثم قاضياً في محايل من أعمال عسير واستمر في ذلك حتى وفاته رحمه الله [127] .
72 ـ الشيخ علي بن زيد بن غيلان من أهل جلاجل (1283-1370هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري.
وقد تولى القضاء في قرية ثم في الأرطاوية [128] .
73 ـ الشيخ العلامة المحدث علي بن ناصر أبو وادي (1273-1361هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن، وعن ابنه الشيخ الإمام عبد الله، والشيخ المحدث نذير حسين، والشيخ المحدث صديق حسن خان.
وقد جلس رحمه الله للتدريس في عنيزه [129] .(41/227)
74 ـ الشيخ العلامة عمر بن الشيخ محمد بن سليم (1299-1362هـ)
أخذ العلم عن والده، وعن الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف.
وقد ولاه الملك عبد العزيز قضاء مدينة بريدة وتوابعها بعد وفاة أخيه الشيخ عبد الله عام 1351هـ، واستمر في ذلك إلى وفاته، وكان يقوم بجانب القضاء بالتدريس والإفتاء وإمامة الجامع الكبير ببريده، فتخرج عليه أفواج من طلبة العلم رحمه الله وأسكنه فسيح جناته [130] .
75 ـ الشيخ عيسى بن حمود المهوس (1254-1350هـ)
أخذ العلم عن الشيخ العلامة عبد العزيز بن صالح المرشدي، والشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف وهو أكبر منه سناً، والشيخ العلامة حمد بن فارس [131] .
76 ـ الشيخ فالح بن عثمان الصغير (1287-1356هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة إبراهيم بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة حسن بن الشيخ حسين آل الشيخ، وقد تولى القضاء في الداهنة ثم في الزلفي [132] .
77 ـ الشيخ فوزان بن سابق الفوزان (1275-1373هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، وعن ابنه الشيخ الإمام عبد الله، والشيخ سليمان بن مقبل، والشيخ العلامة محمد بن عمر بن سليم.
وقد عينه الملك عبد العزيز في السلك الدبلوماسي حيث عينه معتمداً له في دمشق، ثم مفوضاً له في مصر [133] .
78 ـ الشيخ العلامة فيصل بن عبد العزيز المبارك (1313-1377هـ)(41/228)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة حمد بن فارس، والشيخ العلامة سعد بن عتيق، والشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز العنقري، والشيخ العلامة محمد بن فيصل المبارك، وقد غزا مع الملك عبد العزيز عدة غزوات، وقد تولى القضاء في البلدان التالية: تثليث ثم أبها ثم بيشه ثم تربه ثم الخرمة ثم أبها ثم القنفذة ثم قرية ضرماء ثم الجوف وبقي في الجوف ما يقارب من عشرين عاماً [134] .
79 ـ الشيخ مبارك بن عبد المحسن بن باز (1303- أواخر القرن الرابع عشر هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف والشيخ إسحاق بن عبد الرحمن وقد تولى القضاء في الحلوه وبيشه والأرطاوية ورنية والطائف ومقاطعة الشعيب [135] .
80 ـ الشيخ محمد بن إبراهيم بن محمد البواردي (1320-1404هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة حمد بن فارس، والشيخ سعد بن الشيخ حمد بن عتيق، والشيخ ناصر بن عيسى شويمي.
وقد تعين قاضياً في الصرار عند العجمان، ثم نقل إلى الجبيل ثم إلى ساجر ثم في شقراء، ثم نقل قاضياً في المحكمة المستعجلة بالرياض، ثم قاضياً في محكمة التمييز بالرياض إلى عام 1392هـ[136] .
81 ـ الشيخ محمد بن عبد العزيز بن عياف المقرن (1312-1389هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة حمد بن فارس، والشيخ العلامة سعد بن عتيق، وقد جلس للتدريس في مدينة الرياض، وكان غزير العلم واعظ زمانه ولمواعظه أعظم الأثر في النفوس [137] .
82 ـ الشيخ محمد بن عبد العزيز بن محمد الرشيد (1311-1395هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة حمد بن فارس، والشيخ العلامة سعد بن عتيق، والشيخ العلامة عمر بن محمد بن سليم.(41/229)
وقد عينه الملك عبد العزيز عام 1348هـ قاضياً في الرس، ثم في عام 1364هـ عينه قاضياً في الخرمة [138] .
83 ـ الشيخ العلامة محمد بن عثمان بن محمد الشاوي (1313-1354هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة عبد الله بن الشيخ محمد بن سليم، والشيخ الفرضي عبد الله بن محمد بن راشد الجلعود، والشيخ العلامة حمد بن فارس، والشيخ العلامة سعد بن عتيق.
وقد عينه الملك عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل سعود في عام 1333هـ قاضياً في هجرة سنام، ثم نقل منها إلى القضاء في هجرة الغطغط، وقد حضر عدداً من الغزوات بصفته قاضياً للغزاة من أهل الغطغط، ثم في عام 1349هـ عينه قاضياً في تربة، ثم نقله إلى القضاء في شقراء إلى أن توفي بها رحمه الله [139] .
84 ـ الشيخ محمد بن علي بن محمد البيز (1313-1392هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ العلامة المؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى.
وقد عينه الملك عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل سعود قاضياً في مستعجلة جده عام 1351هـ، وفي عام 1353هـ عينه قاضياً في محكمة جدة ثم عينه رئيساً للمحكمة الكبرى بالطائف عام 1372هـ[140] .
85 ـ الشيخ محمد بن فيصل بن حمد المبارك (1284-1365هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ محمد بن ناصر المبارك والشيخ العلامة حمد بن فارس، والشيخ العلامة سعد بن عتيق، وقد غزا مع الملك عبد العزيز آل سعود تسع غزوات كان فيها شجاعاً مقداماً بالإضافة إلى كونه مستشاراً وإمام ومفتي الجيش، فقد كان جامعاً بين العلوم الدينية والسياسية [141] .
86 ـ الشيخ محمد بن ناصر بن مطلق الحناكي (1293-1387هـ)(41/230)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ المحدث إسحاق بن الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن، والشيخ العلامة حمد بن فارس والشيخ العلامة سعد بن الشيخ حمد بن عتيق، والشيخ محمد بن عبد الله بن سليم.
وقد تعين قاضياً في عام 1347هـ في الرس، وفي عام 1350هـ نقله إلى الشبيكية إلى عام 1352هـ، وفي عام 1369هـ تعين قاضياً في الخاصرة إلى عام 1374هـ[142] .
87 ـ الشيخ العلامة ناصر بن سعود بن عيسى الشويمي (1285-1350هـ)
أخذ العلم عن الشيخ العلامة علي بن عبد الله بن عيسى، والشيخ العلامة أحمد بن إبراهيم بن عيسى، والشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف.
وقد جلس للتدريس في جامع شقراء وولي إمامته وخطابته، فصار عالم البلد والمرجع إليه في الإفتاء [143] .
88 ـ الشيخ يعقوب بن محمد بن سعد من أهل حائل (1252-1320هـ)
أخذ العلم عن الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف وهو أكبر منه سناً، وقرأ أيضاً على والده الشيخ محمد بن سعد [144] .
هذا ما وقفت عليه من تلاميذه رحمهم الله جميعاً.
المبحث الثالث
مسيره إلى حائل
طلب الأمير محمد بن عبد الله بن رشيد من الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف أن يرحل إليه في حائل؛ للانتفاع به في نشر العلم في مدينة حائل، فوافق على ذلك فرحل إلى حائل في آخر عام 1308هـ[145] .
وقد ذكر الشيخ العلامة المؤرخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام - حفظه الله - مسير الشيخ الإمام عبد الله إلى حائل وتكريم الأمير محمد بن رشيد له، وهذا نص ما كتبه حفظه الله في ذلك:(41/231)
"حدثني بعض الثقات قال: بينما راكان بن حثلين شيخ قبيلة العجمان سائر إلى الأمير محمد بن رشيد، ومعه وفد كبير من زعماء العجمان بزي فاخر ودلّ ناعم وأبهة وعظمة، وإذا بركب قليل يسايرهم في الطريق لا يزيدون عن سبع ركاب، وكل ما عليهم وما تحتهم عادي، حتى إذا قرب الركب الكبير الزاهي والركب الصغير المتواضع من مدينة حائل جاء واحد من الركب القليل إلى الأمير راكان فسلمه خطاباً إلى الأمير محمد بن رشيد، وقال: "يُسلّم عليك الشيخ، ويقول: ربما أنهم يسبقوننا في دخول البلد فليسلمه إلى الأمير محمد بن رشيد".
وراكان لم يعرف من هو الشيخ مُرْسِل الكتاب، فلما دخل راكان حائلاً وسلم على الأمير محمد بن رشيد واحتفى به سلمه الخطاب المُرْسَل معه، فما أن قرأه محمد بن رشيد حتى أخذ يردد وصل الشيخ وصل الشيخ، وذهل عن ضيفه راكان وشغل عنه.
وأمر بتدبير المراسيم التي ينبغي أن يقابل بها الشيخ، وكان من ذلك أن يُعدّ كوكبة من الخيل عليها أمراء آل رشيد، ليكونوا معه عند استقبال الشيخ خارج مدينة حائل.
فلما وصل الشيخ عبد الله واستقر في البيت المُعدّ له ولأصحابه وفرغ الأمير محمد بن رشيد لضيوفه العاديين، قال لراكان أعذرنا إن حصل شيء من قلة أدب المجالسة والمؤانسة فقد صادف قدومك قدوم الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف علينا.
فقال راكان: نأسف إننا تسايرنا نحن والشيخ خمسة أيام ولم نعرفه؛ لنأنس به في سفرنا". انتهى كلامه حفظه الله [146] .
وقد تقدم أن الشيخ عبد الله بن مسلم بن عبد الله التميمي صحبه في هذه الرحلة [147] .
وقد جلس الشيخ الإمام عبد الله بن عبد اللطيف سنة كاملة في مدينة حائل معززاً محترماً، وجلس طيلة هذه المدة يدرس العلم فأخذ عنه علم العقائد والتوحيد والحديث والتفسير غالب علماء حائل ولازموه ملازمة تامة [148] .(41/232)
وقد تقدم ذكر من وقفت عليه من علماء حائل الذين تتلمذوا على الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف في مدينة حائل وهم: الشيخ حمود بن حسين الشغدلي، والشيخ صالح بن سالم البنيان، والشيخ عبد الله بن خلف بن راشد الخلف، والشيخ عيسى بن حمود المهوس، والشيخ يعقوب بن الشيخ محمد بن سعد [149] .
وبعد ذلك أنعم عليه الأمير محمد بن عبد الله الرشيد بالهبات وأعاده إلى وطنه مكرماً عام 1309هـ[150] .
[1] سورة آل عمران آية 102.
[2] سورة النساء آية 1.
[3] سورة الأحزاب آية 70،71.
[4] انظر: عنوان السعد والمجد في أخبار الحجاز ونجد المجلد الأول لوحة 17.
[5] انظر: الدرر السنية 12/96 وعنوان السعد والمجد في أخبار الحجاز ونجد المجلد الأول لوحة 180، ومشاهير علماء نجد وغيرهم ص129.
[6] انظر: في سلسلة نسب شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما يأتي: تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد ص125،126 وص112،212 وسقط من النسب عنده: مسعود، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 12/3. وعنوان السعد والمجد في أخبار الحجاز ونجد المجلد الأول لوحة605. لكنه جعل بدل أحمد بن راشد: راشد بن أحمد وسقط من النسب عنده: بن أبي سود وبريد والد محمد. وأبدل حنظلة بعدي وجعل بدل زيد مناه: زيد بن عبد مناه. ومشاهير علماء نجد وغيرهم ص20. وعلماء نجد خلال ستة قرون 1/25 لكن سقط عندهما من سلسلة النسب: بريدة والد محمد، وعقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية ص68ـ73.
[7] علماء نجد خلال ستة قرون 1/25، وانظر: تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد ص212 وعنوان السعد والمجد في أخبار الحجاز ونجد المجلد الأول لوحة 6،7.
[8] انظر: مشاهير علماء نجد ص94، 95.
[9] انظر علماء نجد 2/225، 226 وروضة الناظرين 1/334،335(41/233)
[10] انظر: الدرر السنية 12/96 ومشاهير علماء نجد وغيرهم ص129 وعلماء نجد 1/72.
[11] انظر: مشاهير علماء نجد وغيرهم ص129، وعلماء نجد خلال ستة قرون 1/72،73
[12] انظر: علماء نجد وغيرهم ص129 وروضة الناظرين 1/163. وذكر الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم في الدرر السنية 12/97 أنه قدم الرياض عام 1172هـ أي وعمره سبع سنوات.
[13] انظر: الدرر السنية 12/96.
[14] انظر: عنوان السعد والمجد المجلد الأول لوحة 181.
[15] انظر: المصدر السابق.
[16] انظر: الدرر السنية 12/97.
[17] انظر: مشاهير علماء نجد وغيرهم ص135.
[18] انظر: المصدر السابق.
[19] انظر: المصدر السابق ص130.
[20] انظر: عنوان السعد والمجد في أخبار الحجاز ونجد المجلد الأول لوحة 123،124.
[21] الدرر السنية 12/96.
[22] عنوان السعد والمجد في أخبار الحجاز ونجد المجلد الأول لوحة 180.
[23] مشاهير علماء نجد وغيرهم ص129.
[24] علماء نجد خلال ستة قرون 1/72.
[25] روضة الناظرين 1/360،361
[26] مشاهير علماء نجد ص137، 138. وانظر عنوان السعد والمجد في أخبار الحجاز ونجد المجلد الأول لوحة 182، 183.
[27] انظر: القصيدة كاملة في عنوان السعد والمجد في أخبار الحجاز ونجد المجلد الأول لوحة 183 والدرر السنية 12/99ـ101.
[28] انظر: القصيدة كاملة في الدرر السنية 12/101ـ103.
[29] انظر: القصيدة كاملة في الدرر السنية 12/103ـ104.
[30] انظر: القصيدة كاملة في مشاهير علماء نجد ص139ـ141.
[31] انظر: تاريخ اليمامة 5/46.
[32] انظر: القصيدة كاملة في الدرر السنية 12/104.
[33] انظر: القصيدة كاملة في ابتسامات الأيام في انتصارات الإمام ص330ـ333.
[34] انظر: القصيدة كاملة في ابتسامات الأيام في انتصارات الإمام ص336ـ339.(41/234)
[35] انظر: مشاهير علماء نجد وغيرهم ص18 وص139.
[36] انظر: عنوان المجد 2/20ـ26 وعقد الدرر ص51ـ58 والدرر السنية 12/60ـ66، ومشاهير علماء نجد وغيرهم ص78ـ86.
[37] انظر: عنوان السعد والمجد في أخبار الحجاز ونجد المجلد الأول لوحة 180، والدرر السنية 12/97، ومشاهير علماء نجد ص129، وعلماء نجد 1/56.
[38] انظر: عقد الدرر ص77،78، والدرر السنية 12/66ـ75، ومشاهير نجد وغيرهم ص93ـ121.
[39] مشاهير علماء نجد ص129 وانظر: عنوان السعد والمجد في أخبار الحجاز ونجد المجلد الأول لوحة 180، والدرر السنية: 12/97، وعلماء نجد 1/72، 73.
[40] انظر: الدرر السنية 12/77ـ79 ومشاهير علماء نجد وغيرهم ص244ـ254، وعلماء نجد 1/228ـ232.
[41] مشاهير علماء نجد وغيرهم ص129 وروضة الناظرين 1/361 وانظر: الدرر السنية 1/97، وعلماء نجد 1/228، 229.
[42] انظر: علماء نجد 2/396، 397، وروضة الناظرين 1/206، 207.
[43] انظر: الدرر السنية 12/97، وعلماء نجد 1/72، وروضة الناظرين 1/273ـ275.
[44] انظر: علماء نجد 2/469،470، وروضة الناظرين 1/273 ـ 275.
[45] انظر: الدرر السنية 12/97، وعلماء نجد 1/72.
[46] انظر: مشاهير علماء نجد وغيرهم ص270، 271، وعلماء نجد خلال ستة قرون 3/783ـ786.
[47] انظر: الدرر السنية 12/97، وعلماء نجد 3/785، وروضة الناظرين 1/361.
[48] انظر: علماء نجد 1/233، 234، وتاريخ اليمامة 5/66.
[49] انظر: الدرر السنية 12/97، وعلماء نجد 1/72، وروضة الناظرين 1/361. وعلماءنجد ط2، 5/358، 359.
[50] انظر: علماء نجد 2/530ـ532.
[51] انظر: الدرر السنية 12/97 وروضة الناظرين 1/361.
[52] انظر: روضة الناظرين 1/261.
[53] انظر: مشاهير علماء نجد ص138.
[54] انظر: الدرر السنية 12/98.
[55] انظر: المصدر السابق.
[56] انظر: مشاهير علماء نجد ص138.(41/235)
[57] انظر: الدرر السنية 12/98.
[58] انظر: الدرر السنية 12/98، ومشاهير علماء نجد ص138، وروضة الناظرين 2/302، 303، وتاريخ اليمامة5/219.
[59] مسرد تاريخ الفيصل ص2.
[60] انظر: الدرر السنية 12/98، ومشاهير علماء نجد وغيرهم ص122، وعلماء نجد 1/219، وروضة الناظرين 1/74ـ76.
[61] انظر: عقد الدرر ص78، والدرر السنية 12/82-86و98، ومشاهير علماء نجد وغيرهم ص125، 126، وعلماء نجد خلال ستة قرون 1/126-130.
[62] انظر: الدرر السنية 12/72و98.
[63] انظر: الدرر السنية 12/72و98، ومشاهير علماء نجد وغيرهم ص146، 147، وعلماء نجد 3/849، 850، وروضة الناظرين 2/267-272.
[64] انظر: مشاهير علماء نجد وغيرهم ص144، وروضة الناظرين 1/363، وتاريخ اليمامة 5/191.
[65] انظر: الدرر السنية 12/98، ومشاهير علماء نجد وغيرهم ص145، وروضة الناظرين 1/209-211، والأعلام للزركلي 3/311، وتاريخ اليمامة 5/109.
[66] انظر: الدرر السنية 12/98، ومشاهير علماء نجد ص169-184، وعلماء نجد خلال ستة قرون 1/88-97، وروضة الناظرين 2/316-322 ومقدمة فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 1/9-23.
[67] انظر: الدرر السنية 12/98، ومشاهير علماء نجد وغيرهم ص164-168، وعلماء نجد خلال ستة قرون 2/494، 495، وروضة الناظرين 1/313-315.
[68] انظر: الدرر السنية 12/98، وروضة الناظرين 1/240-242، وتاريخ اليمامة 5/110.
[69] انظر: الدرر السنية 12/98، ومشاهير علماء نجد ص148-151، وعلماء نجد 1/356، 357، وروضة الناظرين 1/363.
[70] انظر: الدرر السنية 12/98، وروضة الناظرين 1/363، وتاريخ اليمامة 5/111. وعلماء نجد ط2، 3/24، 25.
[71] انظر: الدرر السنية 12/98، واتحاف اللبيب في سيرة الشيخ عبد العزيز من محمد الشثري ص73، 86.(41/236)
[72] انظر: مشاهير علماء نجد وغيرهم ص152-163، وعلماء نجد خلال ستة قرون 1/82-87.
[73] انظر: مشاهير علماء نجد ص152-163، وعلماء نجد 3/741-744.
[74] انظر: مشاهير علماء نجد ص127، 128، وعلماء نجد 1/219.
[75] انظر: الدرر السنية 12/98.
[76] انظر: الدرر السنية 12/98.
[77] انظر: الدرر السنية 12/98 ومشاهير علماء نجد ص123، 124.
[78] انظر: الدرر السنية 12/99.
[79] انظر: الدرر السنية 12/99، وعلماء نجد 1/112-115.
[80] انظر: تاريخ اليمامة 5/29.
[81] انظر: الدرر السنية 12/99 ومشاهير علماء نجد ص132، وعلماء نجد ط2، 2/106، 107.
[82] انظر: مشاهير علماء نجد وغيرهم ص132، والإفادات عن ما في تراجم علماء نجد لابن بسام من التنبيهات ص127128،، وتاريخ اليمامة 5/57.
[83] انظر: مشاهير علماء نجد ص427، وعلماء نجد 1/244، 245.
[84] انظر: الدرر السنية 12/99، ومشاهير علماء نجد ص132، وعلماء نجد 1/76، وروضة الناظرين 1/116-119.
[85] قد اعتبره من تلاميذه الشيخ عبد الله بن خميس في تاريخ اليمامة 5/92،93 وأما غيره ممن ترجمه لم يذكره ومما يؤيد ما ذكره الشيخ عبد الله بن خميس ما ذكره الشيخ سعد مع جمع من المشائخ بقولهم: "وآخر من قام بهذا الأمر شيخنا الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف"انظر الدرر السنية 11/131.
[86] انظر: الدرر السنية 12/93-96، ومشاهير علماء نجد ص323-328، وعلماء نجد 1/266-269، ومقدمة الشيخ عبد الرحمن بن سحمان لكتابه نيل المراد ص7،8.
[87] انظر: الدرر السنية 12/99. وعلماء نجد ط2، 2/228،229.
[88] انظر: الدرر السنية 12/87-93 ومشاهير علماء نجد ص290-323، وعلماء نجد 1/279-281.(41/237)
[89] انظر: الدرر السنية12/99، والافادات ص129، ومعلومات شفهية من الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله التويجري، وروضة الناظرين 1/149-151، ومقدمة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد لكتابه (هداية الأريب الأمجد لمعرفة أصحاب الرواية عن أحمد) ص ج-ن.
[90] انظر: مشاهير علماء نجد ص391، وعلماء نجد 1/288، 289، وروضة الناظرين 1/138-140.
[91] انظر: مشاهير علماء نجد ص267-269، وعلماء نجد 2/349-351.
[92] انظر: تاريخ اليمامة 5/97.
[93] انظر: الدرر السنية 12/99.
[94] انظر: الدرر السنية 12/98، ومشاهير علماء نجد ص132، وعلماء نجد 1/76.
[95] انظر: تاريخ اليمامة 5/104.
[96] انظر: مشاهير علماء نجد ص388-390، وعلماء نجد 2/401-403.
[97] انظر: الدرر السنية 12/98، ومشاهير علماء نجد ص133، وعلماء نجد 1/77. وعلماء نجد ط2، 3/157-162.
[98] انظر: مشاهير علماء نجد ص432-434، وعلماء نجد 2/414-416.
[99] انظر: مشاهير علماء نجد ص133، وعلماء نجد 1/77.
[100] انظر: الدرر السنية 12/98 ومشاهير علماء نجد ص133، وعلماء نجد 2/451-453، وروضة الناظرين 1/280،281، وتاريخ اليمامة 5/117.
[101] انظر: الدرر السنية 12/92، 93،99. وعلماء نجد ط2، 3/372-375) .
[102] انظر: الدرر السنية 12/99، ومشاهير علماء نجد ص343، وعلماء نجد 2/471،472، وروضة الناظرين 1/282-286.
[103] انظر: الدرر السنية 12/99، ومشاهير علماء نجد ص133، وعلماء نجد 1/77. جريدة الرياض عدد 11022 وتاريخ 6/5/1419هـ ترجمة له بقلم عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر.
[104] انظر: روضة الناظرين 1/295-299، وإتحاف اللبيب في سيرة الشيخ عبد العزيز ص23، 32، 77، 89، 179، 180.
[105] انظر: الدرر السنية 12/78، 94، 99، وروضة الناظرين 1/312، 313، وتاريخ اليمامة 5/35.
[106] انظر: علماء نجد 2/514-516، وتاريخ اليمامة 5/142.(41/238)
[107] انظر: روضة الناظرين 1/387 وتاريخ اليمامة 5/148.
[108] انظر: الدرر السنية 12/94، 99، وعلماء نجد 2/528، 529، وتاريخ اليمامة 5/150.
[109] انظر: روضة الناظرين 1/388، وتاريخ اليمامة 5/149.
[110] انظر: مشاهير علماء نجد ص132، وعلماء نجد 2/537، 538.
[111] انظر: الدرر السنية 12/94، 95، ومشاهير علماء نجد ص133.
[112] انظر: الدرر السنية 12/99، ومشاهير علماء نجد ص 344-351، وعلماء نجد 2/542-549، وروضة الناظرين 1/397-405.
[113] انظر: الدرر السنية 12/98، 99، ومشاهير علماء نجد ص133 وعلماء نجد ط2، 4/155-161.
[114] انظر: مشاهير علماء نجد ص381-383، وعلماء نجد 2/582-587، والافادات ص123-133، وروضة الناظرين 2/9-13، وتاريخ اليمامة 5/158-159 ومعلومات شفهية من عم والدي علي بن محمد بن حمد بن محمد بن حمد بن منيف.
[115] انظر: مشاهير علماء نجد ص387، وعلماء نجد 2/588-591، وروضة الناظرين 2/14-17، وتاريخ اليمامة 5/162، 163، والشيخ عبد الله بن زاحم وجهوده في عهد الملك عبد العزيز ص19-63.
[116] انظر: انجاز الوعد بذكر الاضافات والاستدراكات على من كتب عن علماء نجد ص81، 82.
[117] انظر: مشاهير علماء نجد ص343، وروضة الناظرين 2/37-40، وتاريخ اليمامة 5/164.
[118] انظر: الدرر السنية 12/87، 98. وعلماء نجد ط2، 4/378-380.
[119] انظر: مشاهير علماء نجد ص273، 274، وعلماء نجد 2/638-341، وروضة الناظرين 1/357-360.
[120] انظر: مشاهير علماء نجد ص329، 330، وعلماء نجد 2/623-626.
[121] انظر: مشاهير علماء نجد ص265، وعلماء نجد 1-76 و2/617-619، وروضة الناظرين 1/352-354.
[122] انظر: علماء نجد 1/77.
[123] انظر: روضة الناظرين 2/7-9.
[124] انظر: تاريخ اليمامة 5/170، 171.
[125] انظر: روضة الناظرين 2/26-29.(41/239)
[126] انظر: روضة الناظرين 2/99-101، وتاريخ اليمامة 5/173.
[127] انظر: مشاهير علماء نجد ص133 و259، وعلماء نجد 1/77 و2/624. وروضة الناظرين 2/98، 99.
[128] انظر: مشاهير علماء نجد ص133، والافادات ص127، 131، ومدينة جلاجل ص73.
[129] انظر: روضة الناظرين 2/126-128.
[130] انظر: مشاهير علماء نجد ص357-362، وعلماء نجد 3/745-748، وروضة الناظرين 2/136-141.
[131] انظر: روضة الناظرين 2/148، 149.
[132] انظر: الدرر السنية 12/84، 87، 99، ومشاهير علماء نجد ص133. وعلماء نجد ط2، 5/367-369.
[133] انظر: مشاهير علماء نجد ص133، وعلماء نجد 1/77 و3/759،760.
[134] انظر: مشاهير علماء نجد ص398-401، وعلماء نجد 3/754-757. وروضة الناظرين 2/159-162، وتاريخ اليمامة 5/194-196.
[135] انظر: الدرر السنية 12/99 وعلماء نجد ط2، 5/425، 426.
[136] انظر: روضة الناظرين 2/364، 365، وتاريخ اليمامة 5/203.
[137] انظر: روضة الناظرين 2/315، 316، وتاريخ اليمامة 5/212.
[138] انظر: علماء نجد 3/825، 826. وروضة الناظرين 2/332-337.
[139] انظر: مشاهير علماء نجد ص337، 338. وعلماء نجد 3/897-899. وروضة الناظرين 2/249-253.
[140] انظر: مشاهير علماء نجد ص430، 431. وعلماء نجد 3/900-903. وروضة الناظرين 2/325-327.
[141] انظر: روضة الناظرين 2/264-267. وتاريخ اليمامة 5/222، 223.
[142] انظر: الدرر السنية 12/99، ومشاهير علماء نجد ص132، وعلماء نجد 1/76، وروضة الناظرين 2/309-312.
[143] انظر: علماء نجد 3/961-964. وروضة الناظرين 2/375-378.
[144] انظر: روضة الناظرين 2/386-387.
[145] انظر: مشاهير علماء نجد ص130، 131.
[146] علماء نجد 1/74،75.
[147] في المبحث الثاني من الفصل الثاني رقم 68.
[148] انظر: مشاهير علماء نجد ص131.(41/240)
[149] في المبحث الثاني من الفصل الثاني رقم 28 و35و54و75و88.
[150] انظر: مشاهير علماء نجد ص131.(41/241)
تابع لشيخ الإمام عبد الله بن عبد اللطيف وجهوده التعليمية في عهد الملك عبد العزيز
الفصل الثالث
جهوده التعليمية في عهد الملك عبد العزيز
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: مبايعته للملك عبد العزيز.
المبحث الثاني: جلوسه للتدريس وثمرة ذلك.
المبحث الثالث: بذله النصيحة.
المبحث الرابع: توطين البادية وإرسال الدعاة لهم.
المبحث الأول
مبايعته للملك عبد العزيز
لما تم لجلالة الملك المفخم الإمام الأجَلّ عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن بن الإمام فيصل آل سعود الاستيلاء على مدينة الرياض في الخامس من شهر شوال عام 1319هـ، بايعه الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، وأصفاه الود وأخلص له النصيحة، وصاهره الملك عبد العزيز حيث تزوج بنته طرفة فأنجبت منه صاحب الجلالة الملك فيصل بن الملك عبد العزيز (1) .
وقد وجد الملك المفخم عبد العزيز في الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف من العون والمساعدة على مهام الأمور ما وجد آباؤه وأجداده من أباء الشيخ وأجداده الذين ساروا بهذه الدعوة السلفية عبر ثلاثة قرون.
فصار الشيخ الإمام عبد الله زعيم الدعوة الإسلامية ورئيس علماء المسلمين في البلاد السعودية والمرجع العام في الشئون الدينية والمهام الشرعية.
وكان الملك المفخم عبد العزيز آل سعود رحمه الله يأتي إليه في داره ويحضر دروسه، ولا يخرج عن رأيه ومشورته في جميع مسائل العلم والدين.
المبحث الثاني
جلوسه للتدريس وثمرة ذلك
قد عاش الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف رحمه الله عشرين عاماً في عهد الملك المفخم الإمام عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل سعود رحمه الله، قضاها في نشر العلم والدعوة إلى الله فتخرج عليه في هذه المدة المذكورة عدد كثير من التلاميذ.
وقد ذكرت من وقفت عليه من تلاميذه في المبحث الثاني من الفصل الثاني.
__________
(1) انظر: مشاهير علماء نجد ص131، 132. وشبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز 4/145.(41/242)
وقد تولى تلاميذه مناصب القضاء والفتيا في عهد الملك المفخم الإمام عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل سعود رحمه الله.
ومن أشهر تلاميذه الذين برزوا واشتهروا بعلمهم بعد وفاته ما يأتي:
1 ـ أخوه الشيخ العلامة العالم الجليل محمد بن الشيخ عبد اللطيف:
وقد بعثه الملك عبد العزيز عام 1339هـ إلى عسير وغامد وزهران لبث الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
وكذلك جلس في داره لطلاب العلم يقرأون عليه.
2 ـ ابن أخيه سماحة الشيخ العلامة الجليل الأصولي المحدث الفقيه محمد بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد اللطيف:
كان عمه الشيخ الإمام عبد الله قبل موته أوصى الملك عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل سعود به خيراً، وأخبره بكفاءته العلمية، وأنه بموجب ذلك يصلح أن يكون خليفة بعده في إمامة المسجد والتدريس وحل المشكلات إلى غير ذلك.
فلما مات عمه في عام 1339هـ عينه الملك عبد العزيز آل سعود خلفاً لعمه في الفتيا وإمامة المسجد والتدريس، فصار يؤم الناس الفروض الخمسة في مسجد عمه المشهور بمسجد الشيخ في حي دخنه بمدينة الرياض، ويجلس فيه لطلبة العلم يقرأون عليه في مختلف العلوم، وقد تخرج على يديه أفواج من العلماء كثيرون شغلوا مناصب القضاء والتدريس والدعوة إلى الله والوعظ والإرشاد، وقد استمر رحمه الله على ذلك إلى قبيل وفاته. وفي عام 1373هـ أنشئت دار الإفتاء والإشراف على الشئون الدينية تحت رئاسة سماحته، وفي عام 1376هـ أنشئت رئاسة القضاء تحت رئاسة سماحته في نجد والمنطقة الشرقية والشمالية، وبعد وفاة سماحة الشيخ عبد الله بن الشيخ حسن آل الشيخ رئيس القضاة بالحجاز والمنطقة الغربية عام 1378هـ ضمت إليه فأصبح رحمه الله رئيس القضاة بالمملكة العربية السعودية.
وهو رئيس الكليات والمعاهد العلمية من حين إنشائها إلى وفاته رحمه الله.
وهو أيضاً رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من حين إنشائها إلى وفاته رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.(41/243)
3 ـ الشيخ الورع التقي العلامة صالح بن عبد العزيز بن الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ حسين بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:
كان رحمه الله بجانب قيامه بالقضاء يصلي بالناس الفروض الخمسة في مسجده بمدينة الرياض، ويجلس بعد صلاة الظهر لطلبة العلم يقرأون عليه في زاد المستقنع وغيره من كتب العلم إلى قريب العصر.
4 ـ سماحة الشيخ العلامة عبد الله بن الشيخ حسن بن الشيخ حسين بن الشيخ علي بن الشيخ حسين بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:
أسند إليه الملك عبد العزيز آل سعود بجانب إمامته وخطابته في المسجد الحرام ورئاسته للقضاة بالحجاز الإشراف على المسجد الحرام والمسجد النبوي والمدرسين فيهما، وكذلك وظائف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وملاحظة المساجد والإشراف عليها، باختيار أئمة المساجد وتعيينهم وتوزيع الكتب المطبوعة على نفقة الملك عبد العزيز رحمه الله على المستحقين من طلاب العلم.
وأسند إليه أيضاً اختيار الوعاظ والمرشدين وبعثهم إلى القرى والبوادي؛ لإرشادهم وتعليمهم واجبات الإسلام وأمور الدين، فقام رحمه الله بأعباء كل ما أسند إليه خير قيام.
وكذلك كان يقوم رحمه الله بنشر العلم وتدريسه، وقد تخرج عليه كثيراً من طلاب العلم.
5 ـ الشيخ العلامة الفقيه عبد العزيز بن عبد الرحمن بن بشر:
كان رحمه الله بجانب قيامه بالقضاء يقوم بالتدريس في كل مدينة يحل بها فقد تخرج عليه عدد كثير من طلاب العلم.
6 ـ الشيخ العلامة الفقيه عبد العزيز بن محمد الشثري:
وقد عينه الإمام الملك عبد العزيز آل سعود في عام 1337هـ قاضياً ومفتياً ومدرساً وواعظاً في وادي الرين، فقام بما أسند إليه خير قيام، وتخرج عليه عدد من طلاب العلم، ثم عين في عام 1374هـ مدرساً في معهد إمام الدعوة العلمي بالرياض واستمر في ذلك إلى عام 1384هـ.
وكان أيضاً يقوم بجانب ذلك بالتدريس في مسجد الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف.(41/244)
7 ـ الشيخ العلامة الفقيه عبد الله بن عبد العزيز العنقري:
كان رحمه الله بجانب قيامه بالقضاء مواظباً على التدريس ونشر العلم باذلاً جهده في ذلك، فتخرج على يديه أكثر من ستة وثلاثين طالباً من طلبة العلم.
كما بعثه الملك عبد العزيز رحمه الله إلى الأرطاوية؛ ليتولى تعليم الأخوان أمور دينهم وحل مشاكلهم القضائية ونهيهم عن التعصب المخالف للشريعة الإسلامية، فقام بهذا الواجب المهم متنقلاً بين المجمعة والأرطاوية في همة ونشاط، فكان موضع تقدير الملك عبد العزيز وعلماء نجد الأعلام.
8 ـ الشيخ العلامة الفقيه عبد الله بن عبد الوهاب الزاحم:
كان رحمه الله بجانب قيامه بالقضاء يقوم بالتدريس ونشر العلم في كل بلد ينزل فيه، كما كان رحمه الله كثير المرافقة لجلالة الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله في غزواته وأسفاره، كما كان جلالته يبعثه في المهمات التي منها كونه أحد أعضاء وفد المملكة العربية السعودية في إبرام اتفاقية الطائف مع اليمن في عام 1353هـ وقد صحب جلالة الملك عبد العزيز آل سعود في رحلته الملكية إلى مكة عام 1343هـ.
9 ـ الشيخ العلامة الفقيه عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الله بن حمد بن سليم:
كان رحمه الله بجانب قيامه بالقضاء يقوم بما يجب عليه من نشر الدعوة وإرشاد العامة وتدريس الخاصة، فجلس للتدريس فحف به الطلاب وقصدوه من مدن القصيم وقراها للاستفادة من علمه والاقتداء بسمعته وهديه فتخرج على يديه طوائف من مشاهير العلماء نفع الله بهم في مجال القضاء والتعليم.
10 ـ الشيخ العلامة الفقيه عمر بن الشيخ العلامة محمد بن عبد الله ابن سليم:(41/245)
جلس رحمه الله للتدريس في مسجد ناصر بن سليمان بن سيف بمدينة بريدة، فعمر هذا المسجد بتدريس العلم حيث عقد فيه حلقات للعلم، فتخرج عليه في هذا المسجد أفواج من طلبة العلم ولما توفي أخوه الشيخ عبد الله عام 1351هـ أسند إليه قضاء مدينة بريدة وتوابعها من القرى والبلدان، وتولى أيضاً إمامة مسجد الجامع الكبير وخطابته وصلاة الأعياد والتدريس فيه.
بما ذكرت أتضح ثمرة جهوده في التدريس رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
المبحث الثالث
بذله النصيحة
قد بذل الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف النصيحة للمسلمين؛ وذلك بقيامه مقام جده شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - بالدعوة إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، والنهي عن الشرك، والتزام الكتاب والسنة، والتحذير من البدع.
وقد شهد بذلك الإمام المفخم والملك المعظم عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - في نصيحة وجهها إلى علماء المسلمين في عام 1339هـ بعد وفاته – رحمه الله – جاء فيها:
"حتى إن آخرهم والدنا وشيخنا الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف نرجو الله أن يجرنا في مصيبتنا به بعز الإسلام والمسلمين، وأن الله سبحانه يعيضه بنا رضوانه والجنة. ولا هو بخافي أحداً مقامه في آخر هذا الزمان وإلتزامه في هذا الفصل الذي لا حياة إلا به، وصار نوراً وقوة لكل عارف عاقل في أمر دينه ودنياه، وردع أهل البدع والضلال، ولا نقول إلا إنا لله وإنا إليه راجعون. (اللهم أجرنا في مصيبتنا خيراً واخلفنا خيراً منها) " (1) .
__________
(1) انظر: الرسالة كاملة في الدرر السنية 11/132، 133.(41/246)
وممن شهد له بذلك أيضاً أصحاب السماحة والفضيلة المشائخ حسن بن حسين آل الشيخ، وسعد بن حمد بن عتيق، وسليمان بن سحمان، وصالح بن عبد العزيز آل الشيخ، وعبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، وعمر بن عبد اللطيف آل الشيخ، وعبد الله بن حسن آل الشيخ، ومحمد بن إبراهيم آل الشيخ، وذلك في نصيحة لهم وجهوها إلى علماء نجد بعد وفاته جاء فيها:
"وآخر من قام بهذا الأمر شيخنا الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف - رفع الله درجاته في المهديين - وخلفه في عقبه وإخوانه في الغابرين، فإنه قام بهذا الأمر أتم القيام وبذل جهده في النصيحة لله ولرسوله ولعباده المؤمنين، ورسائله في ذلك مبثوثة منشورة".
ونصائحه التي وقفت عليها هي على النحو التالي:
1 ـ نصيحة عامة وجهها إلى المسلمين.
2 ـ نصيحة وجهها إلى كافة الإخوان من أهل الأرطاوية وغيرهم.
3 ـ نصيحة وجهها إلى جناب الإخوان الكرام.
4 ـ نصيحة وجهها إلى جمع من المشائخ الفضلاء الأعلام منهم الشيخ حمد بن عتيق والشيخ صالح الشثري (1) .
5 ـ نصيحة وجهها إلى أهل الفرع وقد اشترك معه في بعث هذه النصيحة جمع من المشائخ منهم الشيخ العلامة محمد بن محمود والشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق.
6 ـ نصيحة وجهها إلى من يراه من الإخوان وذلك في التحذير لهم من الغلو في الدين. واشتهرت هذه النصيحة باسم رسالة الإتباع وحظر الغلو في الدين والابتداع.
7 ـ نصيحة وجهها إلى الإمام المفخم والرئيس المقدم عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - وقد اشترك معه في بعث هذه النصيحة كل من الشيخ العلامة حسن بن حسين آل الشيخ، والشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ العلامة محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ.
8 ـ نصيحة وجهها إلى من بلغه هذا الكتاب من إخواننا المسلمين.
9 ـ نصيحة وجهها إلى كافة الإخوان.
10 ـ نصيحة وجهها إلى محمد بن علي الموسى.
__________
(1) انظر: النصيحة كاملة في الدرر السنية 7/265-272.(41/247)
11 ـ نصيحة وجهها إلى من يراه من إخواننا المسلمين من أهل الجنوب ومن والاهم. وقد اشترك معه في بعث هذه النصيحة الشيخ العلامة محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ.
12 ـ نصيحة وجهها إلى كافة الإخوة من أهل الهجر وغيرهم. وقد اشترك معه في بعث هذه النصيحة كل من الشيخ العلامة حسن بن حسين آل الشيخ، والشيخ العلامة حمد بن عتيق، والشيخ العلامة عمر بن محمد بن سليم، والشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز العنقري، والشيخ العلامة سليمان بن سحمان، والشيخ العلامة محمد بن عبد اللطيف، والشيخ العلامة عبد الله بن بليهد، والشيخ العلامة عبد الرحمن بن سالم.
13 ـ نصيحة وجهها إلى جناب الإخوان الكرام الشيخ عبد الله بن سليم، والشيخ عمر بن عبد اللطيف، والشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف، والشيخ عبد الله بن حمد بن عتيق.
وقد اشترك معه في بعث هذه النصيحة الشيخ العلامة حسن بن حسين آل الشيخ، والشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ العلامة محمد بن عبد اللطيف.
14 ـ نصيحة وجهها إلى الإمام المقدم عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل سعود.
وقد اشترك معه في بعث هذه النصيحة كل من المشائخ العلماء: حسن بن حسين، وسعد بن عتيق، وسليمان بن سحمان، وصالح بن عبد العزيز آل الشيخ وعبد الله بن حسن آل الشيخ، وعبد الرحمن بن سالم، وعبد الله بن حمد بن عتيق.
المبحث الرابع
توطين البادية وإرسال الدعاة لهم
قد أقبلت بوادي الأعراب من أهل نجد في زمنه - رحمه الله - على الدين وقراءة القرآن وتعلم واجبات الإسلام، وسكنوا الهجر وسموا بالإخوان.(41/248)
والفضل بعد الله - عز وجل - في هدايتهم وجمع كلمتهم يرجع إلى اهتمام الملك عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل سعود بأمور الدين، ثم إخلاص الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف وحسن اختياره للدعاة والمرشدين من أهل العلم، حيث وكلّ إليه جلالة الملك المفخم المظفر عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - أمر اختيارهم وابتعاثهم إلى بوادي الأعراب.
فممن أرسل إلى الدعوة إلى الله في الهجر ممن وقفت عليه ما يأتي:
1 ـ سماحة الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ، فقد أرسله الملك عبد العزيز إلى هجرة الأرطاوية في عام 1337هـ. فمكث عندهم سنة وبضعة أشهر (1) .
2 ـ الشيخ عبد الله بن الشيخ حمد بن عتيق عينه الإمام عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل سعود مرشداً وواعظاً وإماماً للجمعة والجماعة في هجرة الغطغط، حال إقبال البادية على السكنى في القرى، والرغبة في الدين والجهاد في سبيل الله.
3 ـ الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الوهاب الزاحم وقد عينه الملك عبد العزيز عام 1336هـ قاضياً ومرشداً وإماماً في هجرة الداهنة عند أمير الروقة من قبائل عتيبة عبد الرحمن بن ربيعان.
4 ـ الشيخ العلامة عمر بن الشيخ محمد بن سليم لما آنس منه الملك عبد العزيز رجاحة عقله وبعد نظره، وعلم شيخه منه سعة العلم وحسن الدعوة بعثاه في عام 1330هـ حتى عام 1337هـ إلى بلدة الأرطاوية ليكون قاضياً وواعظاً ومرشداً (2) .
5 ـ الشيخ العلامة محمد بن عثمان الشاوي، فقد صدر الأمر بتعيينه عام 1333هـ قاضياً في هجرة سنام عند سكانها من قبيلة العصمة، ثم نقل منها إلى القضاء في هجرة الغطغط (3) .
الخاتمة
ملخص ترجمته
تتلخص ترجمة الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ الإمام عبد اللطيف فيما يأتي:
__________
(1) انظر: مشاهير علماء نجد ص153، وعلماء نجد 1/82، 83.
(2) انظر: مشاهير علماء نجد ص357 وعلماء نجد 3/745.
(3) انظر: مشاهير علماء نجد ص337، وعلماء نجد 3/898.(41/249)
1 ـ هو الشيخ الإمام العلامة عبد الله بن الشيخ الإمام عبد اللطيف بن الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
2 ـ ولد عام 1265هـ.
3 ـ من صفاته أنه كان – رحمه الله – حسن الأخلاق ذا رأي ودهاء ومعرفة وكان - رحمه الله - جواداً كريماً.
4 ـ توفي رحمه الله في عام 1339هـ.
5 ـ من مشائخه والده وجده.
6 ـ من تلاميذه ابن أخيه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وابن عمه سماحة الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ والشيخ العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم والشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز العنقري.
7 ـ لما استولى الملك عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل سعود علي مدينة الرياض، بايعه الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف، وأصفاه الود.
8 ـ جلس - رحمه الله - للتدريس في عهد الملك عبد العزيز باذلاً في ذلك جهده ووقته حتى تخرج عليه عدد كثير من طلاب العلم على يديه.
9 ـ قد بذل الشيخ الإمام عبد الله النصيحة للمسلمين ودعوتهم إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، والنهي عن الشرك، والتزام الكتاب والسنة، والتحذير من البدع.
هذا ما تيسر لي كتابته في ترجمة الشيخ الإمام عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف مع اعترافي بالتقصير وعدم إيفائي بحقه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فهرس المصادر والمراجع
1 ـ ابتسامات الأيام في انتصارات الإمام ديوان الشيخ محمد بن عبد الله بن بليهد صححه وعلق عليه الدكتور محمد بن سعد بن حسين. ط الأولى عام 1405هـ. في مطابع الفرزدق التجارية، الرياض.
2 ـ إتحاف اللبيب في سيرة الشيخ عبد العزيز، أبي حبيب ـ تأليف الشيخ محمد بن ناصر بن عبد العزيز الشثري. ط الأولى عام 1410هـ، نشر دار العاصمة ـ الرياض.
3 ـ الأعلام تأليف خير الدين الزركلي، ط الرابعة عام 1399هـ، ط دار العلم للملايين.(41/250)
4 ـ الإفادات عن ما في تراجم علماء نجد لابن بسام من التنبيهات تأليف الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن حمود التويجري، ط الأولى عام 1411هـ مطبعة سفير ـ الرياض.
5 ـ إنجاز الوعد بذكر الإضافات والاستدراكات على كتب في تراجم علماء نجد ـ تأليف الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن حسين آل إسماعيل ط الأولى ـ عام 1409هـ الناشر مكتبة المعارف ـ الرياض.
6 ـ تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد ـ تأليف الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى ـ تحقيق الشيخ المؤرخ حمد الجاسر ـ ط الأولى عام 1386هـ. منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر ـ الرياض.
7 ـ تاريخ نجد الحديث وسيرة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ تأليف أمين الريحاني ـ ط السادسة 1408هـ ـ ط دار الجيل ـ بيروت.
8 ـ تاريخ اليمامة ـ الجز الخامس للشيخ الأديب ـ عبد الله بن محمد بن خميس ـ ط الأولى 1407هـ ـ ط مطابع الفرزدق التجارية ـ الرياض.
9 ـ الدرر السنية في الأجوبة النجدية ـ جمع الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ـ ط الثانية عام 1385هـ ـ ط المكتب الإسلامي بيروت من مطبوعات دار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية وقد طبع بأمر جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود.
10 ـ الرحلة الملكية عام 1343هـ إعداد يوسف ياسين ـ ط الثانية ـ ط مطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ الرياض.
11 ـ روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين ـ تأليف الشيخ محمد بن عثمان بن صالح القاضي ـ ط الثانية ـ عام 1403هـ ـ ط بمطبعة الحلبي ـ القاهرة.
12 ـ شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز. تأليف خير الدين الزركلي ـ ط الثالثة عام 1405هـ ـ ط دار العلم للملايين ـ بيروت.
13 ـ الشيخ عبد الله بن زاحم وجهوده في عهد الملك عبد العزيز ـ تأليف الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الوهاب بن زاحم. ط الأولى عام 1417هـ ط مطابع الفرزدق التجارية ـ الرياض.(41/251)
14 ـ عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في آخر القرن الثالث عشر وأول القرن الرابع عشرـ تأليف الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى ـ تحقيق وتعليق الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ ـ طبع على نفقة وزارة المعارف بالمملكة العربية السعودية، ط المطابع الوطنية الحديثة ـ الرياض.
15 ـ عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي ـ تأليف معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله العبود ـ ط بمطابع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
16 ـ علماء نجد خلال ستة قرون تأليف فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام ـ ط الأولى عام 1398 هـ ـ ط مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة مكة المكرمة.
17 ـ عنوان السعد والمجد في أخبار نجد والحجاز ـ تأليف الشيخ المؤرخ عبد الرحمن بن محمد بن ناصر المجلد الأول ـ الكتاب لا يزال مخطوطاً حسب علمي ومحفوظ بدارة الملك عبد العزيز بالرياض ورقمه في قسم المخطوطات 12.
18 ـ عنوان المجد في تاريخ نجد ـ تأليف الشيخ المؤرخ عثمان بن عبد الله بن بشر ـ الناشر مكتبة الرياض الحديثة بالرياض.
19 ـ فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ جمع الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم/ ط الأولى عام 1399هـ ـ ط مطبعة الحكومة بمكة المكرمة.
20 ـ لسراة الليل هتف الصباح: الملك عبد العزيز دراسة وثائقية تأليف معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري ـ الناشر: رياض الريس للنشر والتوزيع ـ ط مؤسسة الريحاني للطباعة والنشر ـ بيروت.
21 ـ مدينة جلاجل ـ تأليف الدكتور إبراهيم بن سليمان الأحيدب: أصدرته الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالمملكة العربية السعودية ضمن سلسلة: هذه بلادنا ـ ط الأولى عام 1409هـ بمطابع جامعة الملك سعود بالرياض.(41/252)
22 ـ مسرد تاريخ الفيصل تأليف صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود ـ ط الأولى عام 1416هـ. ط مطبعة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ـ الرياض.
23 ـ مشاهير علماء نجد وغيرهم ـ تأليف الشيخ المؤرخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ ـ ط الثانية عام 1394هـ ـ الناشر دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر بالرياض.
24 ـ نيل المراد بنظم متن الزاد نظم الشيخ العلامة سعد بن الشيخ حمد بن عتيق. تعليق وتكميل الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن سحمان ـ ط المطابع الأهلية للأوفست ـ الرياض ـ من منشورات دار الهداية للطبع والنشر والترجمة ـ الرياض.
25 ـ هداية الأريب الأمجد لمعرفة أصحاب الرواية عن أحمد تأليف الشيخ سليمان بن عبد الرحمن بن حمدان تحقيق الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ـ ط الأولى عام 1418هـ ـ الناشر دار العاصمة بالرياض.(41/253)
الفكر التربوي في
رسائل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وخطاباته
للدكتور/ طارق بن عبد الله حجّار
بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص البحث
إنَّ موضوع هذا البحث هو استقراء النصوص التربوية التي كتبها الملك عبد العزيز في بعض رسائله التي تناولت شؤون التربية والتعليم أو تضمَّنت قضايا تربوية أو تعليمية، بهدف إبراز الأفكار والتوجيهات التربوية التي جاءت في بعض رسائله.
واعتمد الباحث في تحديد الرسائل المعنية على كتاب "من وثائق الملك عبد العزيز"من منشورات رئاسة الحرس الوطني، وكتاب "تاريخ المملكة العربية السعودية في ماضيها وحاضرها" لصلاح الدين المختار، ورسالة واحدة من كتاب: "الدرر السنية في الأجوبة النجدية"تحقيق وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ورسالة واحدة من الملف التأسيسي لكل من دار الحديث المكية، ودار الحديث المدنية.
واستُخْدِم المنهج الوصفي التحصيلي للدراسة لمناسبته تحقيق الهدف، فصُنِّفَت الرسائل ووُصِفَت في ضوء مضامينها، ثُمَّ تناولها الباحث بالتحصيل والاستنباط لجوانب الفكر التربوي فيها.
كما حُدِّدَت أهم المصطلحات الإجرائية وهي: الفكر التربوي، الرسائل أو الخطابات.
وقُسِّمَ البحث إلى مقدّمة وخمسة موضوعات وخاتمة وتوصيات. والموضوعات هي:
- الملك عبد العزيز النشأة والإنجاز.
- تصنيف الرسائل وسماتها العامَّة.
- نص الرسائل المراد تحليلها.
- التوجيهات التربوية التي حوتها رسائل الملك عبد العزيز المربي وثمارها.
- الخصائص التربوية لرسائل الملك عبد العزيز.
وجاءت توصيات البحث تحثّ الباحثين والدارسين بالاهتمام بالأفكار التربوية في رسائل وخطابات ملوك آل سعود حفظهم الله ورحم ميتهم.
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.(41/254)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (1) .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (2) .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (3) .
أما بعد:
فإن العالم الإسلامي قد مرّ بمرحلة عصيبة، فشا فيها بين المسلمين من ظلمات الشرك والخرافات والبدع ما الله به عليم، لا سيما في نهاية الحكم العثماني. ولم تكن جزيرة العرب في تلك الفترة بعيدة عن هذه الحال، لكنّ الله بعنايته ولطفه وتوفيقه أعاد على يد الملك عبد العزيز لهذه الجزيرة الوحدة العقدية والسياسية بعد أن كانت قبائل مشتتة وعمل على تخليص الأمة مما تعلقت به - في بعض مناطق الجزيرة - من البدع والشرك والخرافات بعلم أو بدون علم، فالحمد والمنّ لله أولاً وأخيراً، ثم لمن هيأ الله على يده هذا الفضل.
أهمية الموضوع:
ولقد كان للملك عبد العزيز رحمه الله بعد توحيد الدولة اهتمامات مختلفة يسعى لتحقيقها، وموضوع البحث يتناول جانباً من هذه الاهتمامات وهو الفكر التربوي الذي كان يحمله -رحمه الله- في جنباته، فالنور يمحو الظلام، والعلم يرفع عن أبناء الأمة الجهل والضلالات، ويرى المرء المستبصر في مكاتبات الملك عبد العزيز - التي وجَّهها لتصحيح العقائد وتوحيد الرِّجال ولَمِّ الشَّمل - منهجاً تربوياً قويماً حكيماً مع بعد النَّظر.
__________
(1) سورة آل عمران، آية 102.
(2) سورة النساء، آية 1
(3) سورة الأحزاب، الآيتان 70، 71.(41/255)
إن لموضوع الفكر التربوي في رسائل الملك عبد العزيز أهمية بالغة. ذلك:
1 - أن الملك عبد العزيز مؤسس لدولة بعد تفكك، وموحد لأمة بعد تفرق، فقد كانت هذه الأمة مجانبة للحق والصواب في أهم جوانبها لاسيما المتعلقة بالله وتوحيده واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
2 - لأن دولته قامت أثناء حروب عالمية، وتحالفات دولية، وتغيرات سياسية. ولأنها ضمت في جنباتها أحب وأقدس بقعتين - عند الله - في العالم، وهما الحرمان الشريفان. ولإحاطة دولته بالمستعمر الغربي القوي في الشمال والشرق والغرب.
كل هذا وغيره كان ينبئ عن حكمة رجل وتوجيه قائد عسكري واجتماعي يستدعيان النظر والتأمل والدراسة لاستخلاص نموذج حي يستفيد منه من وعى وأراد أن يستفيد من المربين والآباء والقادة العسكريين في العالم العربي والإسلامي.
3 - ومن جوانب الأهمية أيضاً لهذه الدراسة أنها تعين المتبصر ليقف على الحقيقة التي أكدها الإمام محمد بن سعود مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله تعالى - في ربط الدولة بالدين الإسلامي. حتى تم النصر للدولة ليتم لهم موعود الله وهو التمكين في الأرض متى استقاموا على ذلك؛ كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (1) ، فالأهمية تنبع من هذا الجانب الشرعي الذي كان منطلق الفكر التربوي عند الملك عبد العزيز كما سيأتي.
موضوع البحث:
إن موضوع البحث هو استقراء النصوص التربوية التي كتبها الملك عبد العزيز في بعض رسائله التي تناولت شئون التربية والتعليم، أو تضمنت قضايا تربوية أو تعليمية، مستخلصاً التوجيهات التربوية، ومبرزاً الإيجابيات منها والتي أسهمت في بناء الدولة وحققت آمال الأمة. وبذلك نستطيع التعرف على عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود "الملك المربي".
__________
(1) سورة الحج، آية 41.(41/256)
هدف البحث:
الهدف من البحث هو إبراز الأفكار والتوجيهات التربوية التي جاءت في بعض رسائل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.
حدود البحث:
لقد حدد الباحث لنفسه ست رسائل من كتاب "من وثائق الملك عبد العزيز"من منشورات الحرس الوطني، ورسالة واحدة من كتاب "تاريخ المملكة العربية السعودية في ماضيها وحاضرها"لصلاح الدين المختار، ورسالة واحدة من كتاب "الدرر السنية في الأجوبة النجدية"تحقيق وترتيب عبد الرحمن بن محمد قاسم، ورسالة واحدة من الملف التأسيسي لكل من تأسيس دار الحديث المكية، ودار الحديث المدنية.
منهج البحث:
يرى الباحث أن المنهج المناسب الذي يحقق هدف البحث وموضوعه هو المنهج الوصفي التحليلي، ثم تطبيق أسلوب الاستنباط عبر هذا المنهج؛ كما عمد الباحث -بتوفيق من الله- إلى تصنيف هذه الرسائل ووصفها في ضوء مضامينها، ثم تناولها بالوصف والتحليل لاستنباط جوانب الفكر التربوي فيها، وقام بإحالة الأفكار التربوية وغيرها إلى وجودها في الرسائل وذلك بوضع خط تحتها، كما ربط - ما استطاع - بين الواقع الملموس وبين ما خطه الملك عبد العزيز ظاهراً أو ضمناً في رسائله.
المصطلحات الإجرائية للبحث:
- الفكر: التصور التأصيلي المتكامل - المبني على العقيدة السلفية - الذي سلكه الملك عبد العزيز.
- التربوي: الألفاظ الواردة في الرسائل التي تنم عن التعليم الذي يعنيه الملك عبد العزيز أو التعلم أو الثقافة، أو الدعوة، أو التوجيه بمصلحة عامة في جوانب تربوية.
- الرسائل أوالخطابات: الأوامر أو التوجيهات التي بعث بها الملك عبد العزيز وحدد من خلالها فكره التربوي لمستقبل المملكة العربية السعودية.
خطة البحث:
قسم الباحث البحث إلى مقدمة وخمسة موضوعات، وهي على النحو الآتي:
- الملك عبد العزيز النشأة والإنجازات.
- تصنيف الرسائل وسماتها العامة.
- نص الرسائل المراد تحليلها.(41/257)
- التوجيهات التربوية التي حوتها رسائل الملك عبد العزيز المربي وثمارها.
- الخصائص التربوية لرسائل الملك عبد العزيز.
- الخاتمة.
- المراجع.
الجهود السابقة:
جهود كثيرة تلك التي تناولت موضوع الملك عبد العزيز، منها ما هو كتاب مفرد مثل:
* الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، للزركلي.
* توحيد المملكة العربية السعودية، لمحمد بن عبد الله السلمان.
* عبد العزيز في التاريخ، لمحمد الحقيل.
* صقر الجزيرة، لأحمد عبد الغفور عطار.
* آل سعود، لأحمد علي.
ومنها ما هو ضمن مؤلفات خص للمؤسس الراحل الملك عبد العزيز مثل:
* عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، لمعالي الشيخ صالح العبود.
* توطين البادية في المملكة العربية السعودية، لأحمد الشامخ.
* المملكة العربية السعودية وتطور مصادرها الطبيعية، لتويتشل (ك -س) .
* بحوث مؤتمر الملك عبد العزيز.
وهناك مؤتمرات علمية تخصصت في الحديث عن الملك عبد العزيز في مختلف جوانبه المشرقة، هذا بالإضافة إلى الأعداد المختلفة من المجلات والصحف المحلية والعالمية.
وتلك الدراسات - في جملتها - كتبت عن جميع الإنجازات التي قام بها الملك عبد العزيز وأبناؤه.
وهناك كتب عديدة غير ما ذكر لم تحظ بالبحث والكتابة المستقلة - حسب علم الباحث.
علماً بأنَّ الباحث قد تناول أدبيات الملك عبد العزيز - رحمه الله - المنشورة - مع قلتها - وزاد العبء عليه أنَّه لم يُكْتَب فيها، وما كُتِبَ عن التربية والتعليم في عهد الملك عبد العزيز، لم تتطرَّق للتوجيهات والأفكار التربوية في رسائله.
الملك عبد العزيز: النشأة والإنجاز
أولاً) النشأة:(41/258)
إن نعم الله -تبارك وتعالى- على خلقه كثيرة لا تُعدّ ولا تحصى، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} (1) . وهذه النعم الكثيرة منها ما هو ظاهر، ومنها ما هو باطن، وهو ما يؤكده قوله عز من قائل: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَة} (2) ، وأيضاً فإن من نعم الله ما هو خاص ببعض خلقه، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ... } الآية، ومنها ما هو عام، قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (3) .
فمن النعم الخاصة التي أولاها الله -تبارك وتعالى- لعبده عبد العزيز بن عبد الرحمن أن جعله مسلماً مطيعاً لله، على منهج السلف الحق، فهذه نعمة عظيمة، ومِنَّة كان يذكرها الملك عبد العزيز الشاكر لربه في مجالسه، كما ذكر حافظ وهبة حين قال: "أيها الإخوان تعلمون عظم المنة التي مَنَّ الله بها علينا بدين الإسلام ... " (4) .
وبعد، فيودّ الباحث أن يطرح هذا السؤال: ما مراحل تكوين الفكر التربوي لدى الملك عبد العزيز؟ إن المراحل التي مرّ بها الملك المربي يحددها الباحث فيما يلي:
(أ) المرحلة الأساس:
__________
(1) سورة إبراهيم، آية 34.
(2) سورة لقمان، آية 20.
(3) سورة النحل، آية 53.
(4) حافظ وهبة، جزيرة العرب في القرن العشرين، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1354هـ ص298(41/259)
كما تقدم من تأكيد الملك عبد العزيز أن الله قد أنعم عليه بنعمة خاصة وهي الهداية للإسلام الحق على منهج السلف الصالح، فإنه -تبارك في علاه- أنعم عليه بنعمة أخرى، وهي أنه من أسرة كريمة ذات دين وخلق وأدب، ترعرع ونما فيها على يد والد إمام عالم بأحوال دينه وتاريخه، ألا وهو الإمام عبد الرحمن بن فيصل -يرحمه الله-، وكما كان لوالده أثر في نشأته، فإن لوالدته أثراً آخر، قال عنها الزركلي: "إنها كان لها فضل في توجيه الملك عبد العزيز...." (1) .
(ب) مراحل الإعداد التعليمي:
تقلّب الملك عبد العزيز في نعم كثيرة من نعم الله عليه، فبعد أن تولت أمره في طفولته الأولى أسرته الكريمة، انتقل إلى تلقي الخبرات العديدة من لدن أهل العلم والدراية في:
1) مدرسة القرآن:
إن هذه المدرسة ما دخلها مسلم حق يريد الهداية إلا وجد ما ينشده، يقول تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ} (2) .
وقد بدأت دراسته للقرآن في وقت مبكر من عمره. وقد قام بتدريسه القرآن -كما تقول المصادر- القاضي المطوع عبد الله الخرجي، ويروى أنه تعلم مبادئ القراءة والكتابة على يديه، وحفظ سوراً من القرآن، ثم قرأه كاملاً على الشيخ محمد بن مصيبيح، ويروي فؤاد حمزة أنه ختم القرآن في عامه الحادي عشر.
ولم يترك مدرسة القرآن طوال حياته، بل ظلَّ طول عمره ينهل من الكتاب الكريم الحكمة والإلهام يتدارسه، ويدرسه، ويسمع تفسيره، ويقوم بجهده في التفسير. فمن المعروف عنه أنه كان يخصص وقتاً محدداً لقراءة القرآن في كل يوم.
2) مدرسة العلوم الشرعية:
__________
(1) خير الدين الزركلي، شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، دار العلم للملايين، بيروت، 1397هـ 1/61.
(2) سورة الإسراء، آية 9.(41/260)
وتلك مدرسة أخرى تخالف في طبيعتها وجوهرها مدارسه الأولى بما فيها من قسوة وضراوة، وترتبط ارتباطاً تاريخياً وثيقاً بمدرسة التراث التي تلقى فيها دروس أبيه وتاريخ أسرته، هذه المدرسة هي مدرسة العلوم الشرعية على أيدي علماء من آل الشيخ الذين ارتبط تاريخهم بتاريخ أسرة الملك عبد العزيز منذ بيعة الدرعية التاريخية. لقد تلقى في هذه المدرسة علوم الدين عن أهلها، ودرس فيها التوحيد والجهاد تحت رايته، وعلّمته معنى الدولة وطرق تحقيقها وتنفيذها، لقد كانت مدرسة جعلت منه زعيماً عربياً إسلامياً فريداً في التاريخ الحديث.
وإذا كان تاريخ هذه المدرسة قد ارتبط بتاريخ أسرته منذ الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فإن علماء آل الشيخ ظلوا بعلمهم وبما أقاموه في منازلهم وفي جوامعهم أو مساجدهم من دور للتدريس تحت رعاية آل سعود وحمايتهم، مدرسين كراماً لأبناء العائلة السعودية وأبناء أمتهم على السواء.
ومنذ طفولة الملك عبد العزيز وضعه أبوه تحت رعاية الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف الذي أعدّ كراسة صغيرة خصيصاً للأمير الطفل لتعليمه أصول الفقه والتوحيد.
3) مدرسة التاريخ:
يذكر أمين الريحاني أن الملك عبد العزيز كان عارفاً بالمصادر الأساسية لتاريخ أسرته، وخاصة كتابي روضة الأفكار لحسين بن غنام، وعلو المجد في تاريخ نجد لعثمان بن عبد الله بن بشر بعد طباعتهما. فقد أرسلهما للمؤرخ أمين الريحاني لاطلاعه وعلمه بتاريخ الأسرة السعودية وتاريخ نجد وتاريخ الدعوة السلفية. كما أنه اهتم بأن يكلف المؤرخ الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى أن يضع كتابه عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في آخر القرن الثالث عشر وأول القرن الرابع عشر. وبذلك يمكن القول: إنَّ الفضل في ظهور هذه المصادر الأساسية الثلاثة عن تاريخ نجد إنما يرجع إلى الله، ثم للملك عبد العزيز.
(جـ) مراحل الإعداد العملي:
1) مدرسة الدهناء:(41/261)
في صورة أدبية أخاذة يصور لنا الزركلي بداية دخول الملك عبد العزيز لتلك المدرسة القاسية التي استمد منها الكثير من قوته، ومارس فيها الكثير من انتصاراته: "في النصف الأخير من رمضان 1308هـ (1891م) كانت قافلة عليها مظاهر النعمة والقوة، تضرب في الصحراء. خرجت مشرقة من الرياض في ميل قليل إلى الشمال، وعلى بعير منها فتى في الخامسة عشرة من عمره عليه "صمادة"بيضاء مطرزة، لف بكساء أشبه بالخرج، وهو يسأل: في أي أرض نحن؟ ويجاب: نحن في الدهناء يا عبد العزيز" (1) .
وهكذا بدأت تجربة الشاب مع تلك المدرسة التي وجد نفسه فيها مع عائلته يتحمل مسئوليات الغزو، ويدخل في المفاوضات، ويقوم بالسفارات، ويألف خشونة العيش، ويختبر تقلبات الزمن وطباع الناس.."وفيما بين هذا اليوم من عام 1308هـ، وليلة 5 شوال 1319هـ وهي ليلة فتح الرياض كان الشاب يتعلم من مدرستين معاً، مدرسة الدهناء، ومدرسة الصراع الدولي في دولة الكويت ... وفي المدرسة الأولى عرف مسالك الصحراء ومجاهلها ومتاهاتها ومواقع الماء وما يصلح للمأوى، وازداد خبرة بنفوس القبائل وفهماً لرغباتها وميولها"، وأصبح خبيراً بلهجاتها وأنسابها قادراً على أن يسوسها وأن يوحدها ... لقد كانت مدرسة الصحراء مدرسة كبيرة للملك عبد العزيز ظل يواصل الدراسة فيها طوال حياته، فقد كان دائماً يحيط نفسه في رحلاته وغزواته بالخبراء الأدلاء العارفين بالصحراء". كما كان تعليمه الذي تلقاه في هذه المدرسة أساساً لحركاته الإصلاحية ولتكوين جيشه المجاهد. وظل يرعى البادية والبدو طوال حياته وكانت"شعبة البادية وداخلية نجد، من شعب بلاطه الملكي الهامة ".
2) مدرسة الواقع والصراع الدولي:
__________
(1) خير الدين الزركلي، شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز ص57 مرجع سابق.(41/262)
أمضى الملك عبد العزيز حوالي عشر سنوات في الكويت، وكان قد وصلها وهو في الثانية عشرة من عمره". ويرى أكثر من كتبوا عن عبد العزيز أن الكويت كانت مدرسته التي تلقى فيها فن السياسة العملية، وأن أيام الشيخ مبارك المليئة بالمناورات والمحاورات كانت تنطبع مقدماتها ونتائجها في ذهن عبد العزيز، وقد اشترك في بعضها حين أنس فيه مبارك صفات الألمعي اللبق فقربه منه وفسح له المجال لحضور مجالسه والاستماع إلى أحاديثه مع ممثلي الحكومات الإنكليزية والروسية والألمانية والتركية".
"كانت ألمانيا تسعى بساستها ورجالها إلى مدّ السكة الحديدية من الآستانة إلى الخليج، وتطمع في الحصول على الامتياز من حكومة الباب العالي، وكانت روسيا تحاول أن تجعل الكويت محطة من محطات الفحم وأن تحصل بدورها على امتياز مد سكة حديدية بين البحر الأسود والخليج. أما إنجلترا فكانت تخشى على نفوذها في الهند وممتلكاتها في الشرق من المزاحمة الألمانية".
هذه الألوان من الصراع الداخلي والدولي، علّمت عبد العزيز الكثير مما مكنه فيما بعد من استعادة ملك آبائه، ومن التعامل مع الإنجليز والحفاظ على حياده واستقلاله وحماية بلاده من ألوان الحماية التي فرضتها بريطانيا فعلاً على دول الخليج العربية، ودبلوماسية عبد العزيز واتفاقياته الدولية، وما بذله من تفاوض وتحليل للألفاظ والبنود تدل كلها على أن الملك قد أحسن الاستفادة من دروس الشباب في مدرسة الواقع والصراع الدولي.
3) مدرسة المشورة:(41/263)
لقد كان للملك عبد العزيز مدرسة أخرى لإدارة شئون الدنيا والحكم، ولا شك في أن الملك عبد العزيز لم ينفرد بين الملوك وأبطال التاريخ بوجود حاشية من المستشارين حوله، ولكن المؤسسة التي صنعها حوله كانت مدرسة فريدة في ولائها له وعلاقتها به، وفي تنوع خبراتها وأهمية رجالاتها. لقد انتقى هو بنفسه رجالاته فرداً فرداً، وكان لكل منهم قصة مثيرة عن هذا اللقاء الأول. وكان كثيراً ما يسعى هو إليهم بالكتابة أو اللقاء المباشر، معتمداً على ما كان يستطيع أن يخلفه من انجذاب مباشر وولاء لشخصه. والخطاب الذي وجهه لحافظ وهبة خطاب آسر يحرص على استقدام الرجل وتعبيره الواضح الصريح "أنا في حاجة إلى رجال عمل".
وقد روي عنه أنه قال: "أريد رجالاً يعملون بصدق وعلم وإخلاص حتى إذا أشكل عليَّ أمر من الأمور رجعت إليهم في حله وعملت بمشورتهم فتكون ذمتي سالمة والمسؤولية عليهم، وأريد الصراحة في القول" (1) .
وليس هنا بالطبع مجال تحديد مساهمات كل واحد منهم، وقد بلغوا في حصر الزركلي ثمانية وعشرين مستشاراً، وقد قام بترتيب أسمائهم هجائياً عبد الله أبو راس، وبدر الدين الديب في كتاب: الملك عبد العزيز والتعليم.
وقد تميزت هذه المشورة بميزة، وهي أن الملك عبد العزيز "هو الحاكم العربي الوحيد الذي أحاط به مستشارون من معظم الجنسيات العربية، وكان ديوانه أول وآخر مجلس حكم منذ الدولة العباسي، وجد فيه المصري والسوري واللبناني والليبي والعراقي والفلسطيني إلى جانب السعودي" (2) .
4) مدرسة السياسة التطبيقية:
__________
(1) محمد جلال كشك، السعوديون والحل الإسلامي، شركة مودري جيرافيك، لندن، 1401هـ ص24-25.
(2) محمد بن عبد الله المانع، توحيد المملكة العربية السعودية ص255-256 مرجع سابق.(41/264)
استقى الملك عبد العزيز رحمه الله ونهل السياسة التطبيقية من هذه المدرسة حين كان في مطلع شبابه كما ذكر سابقاً معايشاً لحاكم الكويت الشيخ مبارك بن عبد الله الصباح الذي جعل بدهائه السياسي الصراع الدولي في الكويت لمصلحته السياسية، وكان لتقريب الشيخ مبارك الصباح للملك عبد العزيز أثر بارز جعله يستفيد من المخططات الاستعمارية التي كادت أن تهيمن على شبه الجزيرة العربية لموقعها الاستراتيجي، فتعلم الملك عبد العزيز من مثل هذه الأحداث الواقعية الدرس الذي جعل منه قائداً وسياسياً محنكاً.
بفضل الله أولاً وأخيراً، دفعته هذه العوامل لإعادة ملك آبائه وأجداده في منطقة الرياض، ثم التوحيد السياسي لهذه الدولة الإسلامية الأم.
(د) نموذج من إصراره على طلب العلم:
لقد كان من الدلائل على حرص الملك عبد العزيز وجلده ما كان عليه من إصرار في طلب العلم، ويكفي أن نذكر وصفاً لدرس من دروسه، حيث "كانت الطريقة في هذا الدرس اليومي أن يجلس القارئ وهو موظف رسمي من رجال العلم معني بهذا الشأن في أقصى مقعد من يسار الملك وأمامه مصباح كهربائي، يدير زره فيضيء ويفتح كتاباً فيقرأ منه فصلاً بعد الفصل الذي قرأه في الدرس السابق، ثم يطبقه ويُقرؤه فصلاً آخر من كتاب آخر. والعادة أن يبدأ بتفسير القرآن، ويثني بالتاريخ، ولا تزيد المدة عن نصف ساعة. وبعد أن يفرغ القارئ من القراءة ينصرف بهدوء دون أن يشرح أو يزيد شيئاً على تلاوة المتن" (1) .
__________
(1) خير الدين الزركلي، شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز ص519 مرجع سابق.(41/265)
لقد تخرج الملك عبد العزيز من هذه المدارس العلمية والعملية، وتلقى منها تعليمه المتعدد الجوانب المتكامل الموضوعات على يد مجموعة من الخبراء المختصين في موضوعاتهم، وقد تخرج في هذه المدارس جميعاً وفقاً لظروف حياته ومقتضيات جهاده، مكتمل المعرفة والشخصية يبهر المتحدث إليه ومناقشه بمدى ما لديه من معلومات ومدى دقتها وملاءمتها لموضوع الحديث الذي يعرض له.
وما أحسن ما قاله العقبي: "ليس في مقدورنا أن نلم في هذه السطور القليلة والتي هي عبارة عن نبذة موجزة لعبد العزيز آل سعود الملك القائد المؤسس، والزعيم العبقري الكبير بكل مجريات تاريخ حياته، فهي تاريخ طويل لبناء دولة وتأسيس مملكة، جزءاً بعد جزء، وكان عامل بناء يجمع الرمل والمؤونة، ويشيد منها بنياناً قائماً شامخاً ".
بعد أن تناولنا المراحل والمؤثرات التي جعلت عبد العزيز - بفضل الله - ملكاً مرسخاً للعقيدة، ومؤسساً لدولة الإسلام التي دافعت وحافظت - ولا زالت ولله الحمد - على أهم مقدسات المسلمين: الحرمين الشريفين، يجدر بنا بعد ذلك أن نوجز بعضاً من إنجازاته العملاقة.
ثانياً) بعض إنجازاته:
بعد توحيد البلاد وانتشار الأمن والأمان والاستقرار في أركان الدولة وجنباتها، وبالنظر إلى الاحتياجات الضرورية لسكان الجزيرة العربية، جاءت مرحلة التخطيط والإنتاج، فسخّر الملك عبد العزيز نفسه لتحقيق طموحات حضارية عظيمة القدر بعيدة المنال - إلاَّ على مَنْ كان مثله - ليرقى بدولته وشعبه عالياً إلى المستوى المادي المحسوس مثلما رقى بها إلى المستوى الروحي الشرعي الملموس، ليجعلها في مصاف العالم المتحضر، وببصيرة القائد المحنك أدرك عبد العزيز ضرورة إقامة عدد غير يسير من المرافق والأجهزة الحكومية لتنظيم المسيرة، وتحقيق الإنجاز. وكان مما عني به -يرحمه الله-:(41/266)
التعليم، والاتصالات، والمواصلات، والزراعة، والأمن، والدفاع، والصحة، وتخطيط المدن، والصناعات، والحج، والإعلام، وشئون الحرمين الشريفين، ورعاية الشباب، والخارجية، والقضاء، والبترول. وغير ذلك مِمَّا ننعم به.
تصنيف الرسائل وسماتها العامة
أولاً) التصنيف:
لقد قام الباحث بتصنيف الرسائل التي وقف عليها والتي زادت في مجموعها عن (195) وثيقة في المصادر التي ذُكِرَتْ في حدود البحث. ولقد صنَّفها الباحث بعد تفحصها حسب موضوعاتها التي اشتملت عليها أو وظائفها التي عملت من أجلها في عشرة بنود على النحو التالي:
1 - ستون وثيقة (رسائل في إدارة المناطق والتنظيم العام للدولة) .
2 - أربع عشرة وثيقة في (رفع الظلم وتثبيت العدل والحقوق العامة) .
3 - تسع وثلاثون وثيقة في (المهام العسكرية والتسلح) .
4 - ثماني عشرة وثيقة في (الدعوة والجهاد) .
5 - ثماني عشرة وثيقة في (الهبات والمواساة) .
6 - عشرون وثيقة في (المعاملات الإنسانية) .
7 - سبع وثائق في (السياسة الخارجية) .
8 - سبع وثائق في (الأخبار العامة واللوازم المختلفة) .
9 - ثلاث وثائق في (الخصوصيات) .
10- عشر وثائق في (التعليم والثقافة) .
وهذه الأخيرة هي التي عُني بها الباحث في بحثه والتي قام بوصفها وتبويبها وتحليلها واستنباط ما فيها من أفكار تربوية، وربطها بالواقع المشرق المشرف.
هذا من ناحية تصنيف الرسائل، أما عن الجانب الوصفي للرسائل وسماتها العامة التي وردت في كتاب (من وثائق الملك عبد العزيز) ، فهي كما يلي:
ثانياً) السمات العامة:(41/267)
إن كل عصر يتميز بخصائص متعددة الجوانب للكتابة، سواء من حيث الألفاظ، أو اختيار العبارات، أو المعاني، وقد تميز عهد الملك عبد العزيز يرحمه الله بعدد من المميزات النوعية. فقد كان الخط الذي كثر استخدامه هو خط الرقعة، وأيضاً خط النسخ، كما استخدم الخط الديواني بندرة في بعض الأحايين. مستبعداً الأخطاء الإملائية التركيبية في الصياغات اللغوية، أو الأغلاط الإملائية في التحريرات الكتابية، ولعل من أهم أسباب ذلك في تلك الفترة القصيرة قلة الكتبة الحاذقين في عهد الملك عبد العزيز، وانحسار مدارس تعليم الكتابة في أماكن محدودة من البلاد، واعتماد الكتاب على تقليد من سبقوهم من الكتاب دون أساس علمي سليم في مهارات الكتابة.
وكان لعدم الاستقرار في المراحل الأولى لتكوين الدولة دورٌ في عدم نضوج الاتجاه الثقافي، مما أثر على نوعية الكتابة في ذلك العصر حيث كان الأمر يتطلب أن تكون المراسلات بلغة مفهومة للعامة. وقد أحال الباحثُ إلى رقم الرسالة التي تحدد سمات الأسلوب الذي كان يستعمله الملك عبد العزيز.
وغلب على هذه اللغة الألفاظ العامية من منطقة نجد (انظر الرسالة الأولى والرابعة) ؛ لأن معظم الكَتبة من تلك المنطقة. وبعد أن ضمت الحجاز إلى الدولة حدث اختلاف في أسلوب الكتابة. إضافة إلى دخول بعض التعبيرات التركية بحكم التوارث الاجتماعي؛ وبعض الألفاظ الفارسية خاصة في تسمية بعض الأدوات وغيرها. واشتملت معظم المراسلات على ألفاظ دينية تكررت أكثر من مرّة.
واتسمت الكتابة في تلك الفترة باستخدام كلمات متماثلة اللفظ مختلفة المعاني حسب موقعها من الجمل، ككلمة "الشرهة"، التي تعني في التوجيهات المالية "صرف مبلغ من المال"، وفي التوجيهات الإدارية تعني "العتب". وغير ذلك من الكلمات.(41/268)
لقد علم الملك عبد العزيز عند بدء نشأة الدولة أن هذا هو الواقع الملموس، وأدرك مخاطره السلبية، فدفعه ذلك حثيثاً للشروع المباشر في عملية تطوير التعليم وبث الوعي العلمي كخطوة أولى نحو أي تقدم أو ازدهار. وبتفحص الصياغات اللغوية والعبارات الواردة في رسائل الملك عبد العزيز يمكن استخلاص بعض السمات العامة التي تعكس تأثيرات تلك المرحلة في تاريخ قيام الحكم السعودي. وأهم ذلك ما يلي:
1 - تأثر اللغة بالموقف:
لقد كان للموقف الذي كتبت فيه الرسائل أثره في اختلاف المراسلات من حيث حروفها أوتعبيراتها، فما يكتب في البر يختلف في أسلوبه عما يكتب في المدينة. وما يكتب لأمر سريع في إقامته يختلف عن الكتابة في أثناء الترحال. ويلاحظ ذلك في البرقيات كثيراً، حيث تسقط بعض الحروف أو الكلمات أو تكون غير واضحة.
2 - رسم الكلمات:
اتسمت المراسلات في عصر الملك عبد العزيز بظهور رسوم خاصة في بعض الكلمات، فمثلاً نلاحظ سقوط الهمزات والنقط في كثير من الكلمات مثل كلمة "إلى"و "الأفخم"و "الأخ"، وكلمة "المملكة العربية السعودية"، وحرف الجر "في"ترسم دون نقط (انظر الرسالة الثانية) .
كما لوحظ أن بعض الكلمات رسمت بصورة مختصرة، مثل كلمة: "ذا"نجدها تكتب "ها" (انظر الرسالة الثانية) ، وكلمة: "إن شاء الله"نجد أنها ترد "إنشاء الله" (انظر الرسالة الثانية) .
وبعض الكلمات ترد بزيادة الألف مثل كلمة: "ذلك"، نجدها ترسم هكذا "ذالك" (انظر الرسالة الخامسة) .
أما الألف بعد واو الجماعة، فيندر أن تكتب؛ وذلك لعدم اهتمام الكتّاب بمراعاة قواعد النحو في ذلك.
3 - التباين في المراسلات:(41/269)
ولقد اتسمت رسائل الملك عبد العزيز، بالتباين اللفظي والنوعي، حيث كانت المراسلات تخضع لطبيعة المنطقة التي ترسل إليها (انظر الرسالة السادسة) ، فكل منطقة يتم الإرسال لها بحسب اللهجة السائدة فيها (انظر الرسالة الثالثة) ، كما أن الرسالة تختلف في طبيعة ألفاظها ومعانيها وتعبيراتها بحسب الشخص المرسل إليه (انظر الرسالة الرابعة) ؛ حيث يعتمد ذلك على القدرة اللغوية للشخص المرسل إليه، أو استيعابه. وأيضاً تختلف قوة الرسالة في توجيهها من أمر لآخر؛ فصياغة الإعلان تختلف عن المراسلات المالية، وكذا صياغة الأخبار العسكرية أو التحركات. كما أن الرسائل تختلف كمّاً من حيث الجملة حسب الأمر الذي كتبت له الرسالة؛ فالإيضاح يستلزم التفسير، والسريّة تستلزم اختصاراً أو كلاماً محدداً، والمراسلات المالية تستلزم تحديداً مالياً تكون المبالغ فيه محددة كتابةً وبعضها رقماً، إلى غير ذلك.
4 - الأغلاط النحوية:
يلاحظ في كثيرٍ من المراسلات التي تمَّت في تلك الفترة الزمنية كثرة الأغلاط النحوية التي ترد في عبارات الرسالة، وذلك بسبب الظروف الخاصة بكتبة الديوان، كالظروف المادية، أو ما يتعلق بالعمل الذي يقومون به وكبر حجمه، مما لم يعطهم فرصة للاهتمام بقواعد النحو. وربما كان من الأسباب -أيضاً- اعتماد الديوان الملكي على عدد من الكتبة ذوي مميزات وصفات شخصية معينة تؤهلهم للقيام بمهمة الكتابة، ولا سيما في الأعمال السرية.
كما لوحظ تضمين المراسلات لكلمات عامية، وذلك تمشياً مع ثقافة المرسل إليهم وقدراتهم اللغوية، فقد كان الهدف أن تكون الرسالة مفهومة فهماً تاماً وسريعاً لمن ترسل إليه.
5 - التكرارات اللفظية:
اتسم كثير من الوثائق بتكرار العديد من الكلمات. وتعدّ هذه إحدى مميزات كتابة الرسائل في ذلك الوقت، ومن هذه الكلمات التي تكررت في أكثر من رسالة:(41/270)
"ظهر لنا - معلوم مخصوصاً - إنشاء الله - لا تذخر - من طرف - سلمه الله تعالى آمين - الخط المكرم وصل - جناب الأخ الأفخم - جناب الأخ المكرم - وما ذكرتم كان معلوم - يكون معلوم - وبالله ثم بكم - تسنعهم - يكون معلوم والسلام - ودمتم - ودمتم محروسين - تحرصون - هذا ما لزم - هذا ما لزم تعريفه والسلام- من عندنا العيال يسلمون - إبلاغ العيال السلام - يكون معلوم والسلام - إبلاغ السلام العيال".
إن إيراد بعض المدلولات العامية التي اشتملت عليها بعض الوثائق يدل على أهمية هذه الوثيقة أو صفتها. وتوضيحها يلقي الضوء على أهمية تلك الكلمات التي ارتبط تعريفها بالمدلولات الاقتصادية أو السياسية أو الإدارية أو الاجتماعية.
أما من حيث صفة الصياغة، فقد تضمنت الرسائل صيغاً منها:
1 - التوجيه:
ربما تتضمن المراسلات توجيهات عامة وأخرى خاصة، مباشرة أو غير مباشرة، وقد تكون هذه التوجيهات: إما تعليمات إدارية، أو سياسية، أو عسكرية، أو اجتماعية، ويتم الاستمرار في التوجيه إلى أن يصدر ما يعدّله، فيأخذ شكل نظام دائم، وربما تضمنت بعض المراسلات أكثر من توجيه لأكثر من شخص، وقد تلحق -أحياناً- في ذيل الرسالة بعد التوقيع توجيهات إلحاقية، وربما جعلت في أعلى الرسالة، لا سيما إذا كانت الورقة لا تكفي لكتابة كافة التعليمات، وذلك للمحافظة على الوحدة الموضوعية لنص الرسالة، وقد يكون الإلحاق لأمور أخرى، أو تأكيد لتوجيه تمت الإشارة إليه في صلب الرسالة، وأغلب هذه التوجيهات تكون بخصوص تعيين الأمراء والموظفين.
2 - التعميد:
تتضمن بعض التوجيهات تعميدات مباشرة في صلب الرسالة، ومما تميزت به تعميدات الملك عبد العزيز -رحمه الله- الحرص على إيجاد التوازن في الألفاظ وعدم القسوة في التعليمات حتى تلقى قبولاً لدى من توجه إليه، لذلك فإن كلمة "تعميد" لا تمر كثيراً في المراسلات؛ حرصاً منه على مرونة التعامل التي تقتضي ألا يتم إيراد هذه الكلمة كثيراً.(41/271)
3 - الأمر:
وكما سبق إيضاحه بشأن التعميدات، كان الشأن في الأوامر التي تضمنتها رسائل الملك عبد العزيز حيث كانت لا تتضمن الأمر المباشر، إنما استخدمت فيها ألفاظ فيها نوع من الحكمة، ليتم قبول الأمر بروح عالية تتلازم مع مقتضيات التنفيذ، وبعد أن تم تنظيم المراسلات بالديوان الملكي أصدرت أوامر هي في الغالب تخص الأنظمة والتعليمات العامة، ونادرة هي تلك الرسائل التي وردت بها كلمة "أمر" إلا أن يرد توجيه يتم إنهاؤه بتحذير من مخالفة ذلك الأمر، وتعد التوجيهات والتعميدات أوامر ملكية.
4 - التعميم:
تنوعت التعميمات التي يصدرها الملك عبد العزيز، هي ما بين عامة وخاصة، وقد تكون موجهة إلى كافة المواطنين، أو إلى أهل منطقة معينة لقضية معينة. فالتعميم يكون إما مباشراً إلى أهالي تلك المنطقة، أو إلى كافة الرعايا، أو عن طريق الأمير أو المكلف لإبلاغ العموم به.
وتتضمن التعميمات عادةً أموراً وتعليمات إدارية، إما بشكل نظام يتم الاستمرار فيه إلى أن يتم تعديله أو إلغاؤه، أو بشكل تعليمات لحالة خاصة، وهذه الثانية تلغى تلقائياً عند إنهاء المشكلة أو الموضوع الذي قام بشأنه ذلك التعميم، ومما تميزت به التعميمات العامة أو الخاصة: الدعوة إلى التمسك بالإسلام والتحذير من المعاصي، كما تتضمن -أيضاً- إيضاحاً لوجهة نظر الدولة حول القضية التي صدر التعميم لأجلها.
وقد تتضمن التعميمات تعليمات إدارية خاصة بصرف مالي، أو تطبيق أنظمة جديدة، أو تعيينات، أو إقالة.
والتعميمات العامة أو الخاصة يكون توجيهها في الغالب إلى من يراه الملك من طوارفه أو إلى من يراه من البلد الفلاني، أو لمجموعة معينة من الناس، أو إلى من يراه من رعاياه، وبعض التعميمات العامة أو الخاصة تكون مختومة بالتاريخ فقط دون التوقيع، أو دون التاريخ والتوقيع، أو التوقيع دون التاريخ حسب نوعية التعميم أو غرضه وهدفه، أو من وُجِّهت إليه.
5 - الإعلان:(41/272)
تصدر بعض الإعلانات وتكون موجهة لعموم الرعية؛ للإخبار عن موضوع معين في منطقة مَّا، أو لأمر معين تم التعديل فيه أو استحداثه؛ وذلك ليضمن وصوله إلى كافة الرعية، وهذه الإعلانات تتلى في أماكن تجمع الناس، ويكون الهدف منها زيادة ولاء الرعية أو تنبيههم لأمر كي يأخذوا حذرهم منه، أو إبلاغ العموم بما استجد من أمور. وهذه الإعلانات قد تكون مطبوعة أو منسوخة بخط اليد.
6 - القرار:
يصدر الديوان أو الملك عبد العزيز بعض القرارات المطبوعة أو المكتوبة باليد، تشتمل بعضها على بنود رقمية أو كتابية؛ كإحداث وزارة، أو قرار تعيين، أو إقرار نظام معين، وقد اتصفت القرارات بالوضوح وقوة الصياغة والترتيب، ولوحظ اختلاف الورق الذي صدرت عليه هذه القرارات؛ فتارة يكون على الورق الرسمي لسلطنة نجد وملحقاتها، وتارة مملكة نجد والحجاز وملحقاتها، وأخرى المملكة العربية السعودية، وفق مراحل نشأة الدولة.
هذه هي أهم السمات التي اتصفت بها رسائل الملك عبد العزيز التي استخلصها الباحث بتصرف من كتاب "من وثائق الملك عبد العزيز"إصدارات رئاسة الحرس الوطني، الرياض، 1410هـ، إصدارات المهرجان الوطني للتراث والثقافة.
نصّ الرسائل المراد تحليلها
تحت هذا الموضوع يورد الباحث نصوص الرسائل المختارة ذات العلاقة بالنواحي التعليمية التي أرسلها جلالة الملك عبد العزيز آل سعود حسب المناسبة والتاريخ الزمني.
الرسالة الأولى:
بسم الله الرحمن الرحيم(41/273)
من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل إلى جناب المكرم عبد الله بن محمد بن ناصر سلّمه الله تعالى وأبقاه آمين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام مع السئوال عن أحوالكم لا زلتم بخير وسرور أحوالنا بحمد الله جميلة والخط المكرم وصل وما عرفت كان معلوم مخصوصاً من طرف (1) الكتب فلا بعد جانا (2) شي فإذا جا (3) شي انشا الله سنعنا لكم مطلوبكم هذا ما لزم تعريفه مع بلاغ السلام للإخوان ومن عندنا الإمام الوالد والعيال يسلمون ودمتم محروسين 26 ذ1/1339
من: ... عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل.
إلى: ... عبد الله بن محمد بن ناصر.
النوع: رسالة مكتوبة باليد.
المضمون: إفادة عن استفسار بشأن طلب كتب.
الصفة: ختم عبد العزيز ... ... البسلمة: ناقصة.
التاريخ: 26/11/1339هـ.
الرسالة الثانية:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الرحمن ال فيصل
إلى جناب المكرم ابراهيم النشمي ... ... ... سلمه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
__________
(1) من طرف: بخصوص.
(2) جانا: جاءنا.
(3) جا: جاء.(41/274)
بعد ذلك واصلكم فلبي معمدينه لاشغال لنا خارطه وغيرها ويحب الاطلاع على انحا نجران من ضلع وسهل ومحلات آثار وجميع ما يطلب منكم تمشونه له انشا الله والذي ما يعرفه تدلونه عليها انشأ (1) الله وسنعوا له رجال طيبين يدلونه في طرفكم وفى تثليث وغيره وما طلب وصوله منكم تساعدونه فيه حتى اذا صار عندكم سياره والشيء تاصله السيارة اركبوه فيها المقصود مسئله حطها على بالك فلبي معمده يكتب لي كتابه عن الاثار وعن هالبلد (2) وانا معتمد على الله ثم عليه واذا قصر شيء ما عرفتوه به او الدليله الذي معه ما يعرف الاثار ولا يدل واخليتوا بشي فأنتم مخلين بي وانتم المسؤلين عن ها (3) المسئله ترا (4) عمل فلبى هذا ماله فيه مدخال حبه خردل كله لي ونقصه علي يكون عندك معلوم وانت تعرف الاشارة ولا وراك احسوفه انشا الله وهو يراجعك في ما يلزم وانت احرص على اخذ خاطره وتسهيل طريقه وما احتاج اسنعوه له بلا تردد ولا توقف انشا الله (5) . هذا ما لزم تعريفه 27/ص/1355
من: عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل ... ... إلى: إبراهيم النشمي
النوع: رسالة مكتوبة باليد ... المضمون: توجيهات خاصة بزيارة فلبي إلى نجران.
الصفة: ختم عبد العزيز. ... ... ... التاريخ: 27/5/1355هـ ...
الرسالة الثالثة:
بسم الله الرحمن الرحيم
في 23 محرم سنة 1347هـ
نحن عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود.
بناء على كثرة الشكاوى التي تقدمت الينا من الحجاج ضد المطوفين سواء منها ما يتعلق بتقصيرهم في الواجبات الملقاة عليهم ازاء الحجاج او ما يتعلق بتقصيرهم في اداء المناسك وتجاوزهم الحد المشروع أمرنا بما هو آت،،
المادة الأولى - تؤسس في مكة مدرسة للمطوفين يتلقى فيها المطوفون ونوابهم ما يأتي:
... أولاً: علم التوحيد
... ثانياً: القسم الخاص بالعبادات
__________
(1) انشأ الله: إن شاء الله.
(2) هالبلد: هذا البلد.
(3) هالمسئلة: هذه الأمر أو المهمة.
(4) ترا: إن.
(5) انشا الله: إن شاء الله.(41/275)
.. ثالثاً: القسم الخاص بالمناسك وادائها حسب ما دونه علماء السلف والأئمة الأربعة رضوان الله عليهم
... رابعاً: ما يجب على المطوفين لحجاج بيت الله الحرام من حسن الوفادة وتسهيل وسائل الراحة.
... خامساً: النظامات الإدارية الموضوعة للحجاج.
المادة الثانية - مدة الدراسة في المدرسة المذكورة سنة واحدة ويجرى الفحص في نهاية السنة الدراسية وتعطى الشهادات للناجحين.
المادة الثالثة - اعتباراً من سنة1348 لا يجوز لغير حاملي شهادة المدرسة المذكورة الاشتغال بمهنة التطويف.
المادة الرابعة - على نائبنا تنفيذ أمرنا هذا.
... ... صدر بالطائف بتاريخ 23 محرم 1347 هـ.
من: ... عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل
إلى: ... نائب الملك في مكة
النوع: أمر مطبوع.
المضمون: إنشاء مدرسة المطوفين ونظامها ومواد التدريس فيها.
الصفة: ختم عبد العزيز على الورق الرسمي المملكة الحجازية والنجدية وملحقاتها
... ... ديوان جلالة الملك ... ... البسملة: مطبوعة
التاريخ: 23/1/1347هـ
الرسالة الرابعة:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل
إلى جناب الأخ المكرم الشيخ عثمان بن بشر ... ... سلمة الله تعالى آمين
على الدوام الخط المكرم وصل وماعرفت كان معلوماً مخصوصاً ما أشرت إليه من طرف الكتب فهذا يصلك مع حلو بن نهير نسخه من تفسير ابن كثير من الخامسه وما فوقه ونسخه من المغني من الرابع وما فوقه والجلد الاول من مجموع الرسايل ونسخه من الصواعق ونسخه من شرح الطحاوية ونسخه من كتاب السنه ومايت (1) اريال (2) الجميع انشاء الله تقبضونه كذلك.
ياصلكم من طيه عادتكم مع العمال هذا ما لزم تعريفه مع ابلاغ السلام العيال من عندنا العيال يسلمون.
والسلام 22/ذي/1350
من: ... عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل
إلى: ... عثمان بن بشر
النوع: خطاب مكتوب باليد
__________
(1) مايت: مائة.
(2) اريال: ريال.(41/276)
المضمون: الرد على استفسار والأمر بصرف حقوق وإرفاق عدد من الكتب
الصفة: ختم الملك عبد العزيز
التاريخ: 22/11/1350هـ.
الرسالة الخامسة:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل
إلى
جناب المكرم الشيخ عبد الرحمن بن عودان ... ... سلمه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد ذالك اعتمدنا على الله انشاء الله أننا نفتح مدرسة بالطايف لاجل العلوم النافعة الذي لا بد يشرحها لكم الابن فيصل فا انتم انشاء الله تعتمدون ذلك وتنتخبون من المدارس الرجال الطيبين او من الاهالي الذي ما دخلوا المدارس الذي عمارهم من خمسة عشر سنة الى خمسة وعشرين سنة الذي فيه نفع انشاء الله للدين والدنيا لاجل اني اعرف الناس ايدور الرجال الولد الخبل (1) - من عياله الذي ما فيه نفع واما الذي فيه نفع يخليه لتجارته ولكن هذا شيء انتم المعروفين فيه والمسؤلين عنه لان هذي مصلحة عامة للدين والدنيا والبلاد وانتم انشاء الله تحرصون على ذالك وقد اعتمدنا على ارسال مندوب من جهت النيابة نرجوا ان الله تعالى يوفق الجميع لما يحبنه منه ويرضاه. هذا ما لزم تعريفه والسلام 1364/26/1
من: ... عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل
إلى: ... عبد الرحمن بن علي بن عودان
النوع: رسالة مكتوبة باليد.
المضمون: الأمر بفتح مدرسة بالطائف وتحديد شروط القبول فيها.
الصفة: ختم عبد العزيز ... ... التاريخ: 22/1/1364هـ.
الرسالة السادسة:
بسم الله الرحمن الرحيم
المملكة العربية السعودية
في 9 رمضان سنة 1354
من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل
إلى جناب المكرم الأبن فيصل ... ... ... ... سلمه الله
... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
__________
(1) الخبل: الذي به غفلة وغير المبالي.(41/277)
فقد اقترح علينا فواءد أن يرسل لمعرض سوريا اشياء من منتجات البلاد ومصنوعاتها مثل ما كان ارسل لمعرض القدس ونحن نوافق على ذلك فبلغوا الماليه لأنفاذ ذالك وارسل بواسطة الخارجية يكون معلوم
والسلام
من: ... عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل
إلى: ... فيصل
النوع: رسالة مطبوعة على الآلة.
المضمون: موافقة على مشاركة في معرض سوريا للصناعات
الصفة: ختم عبد العزيز ...
التاريخ: 1/9/1354هـ.
الرقم: 43/1/1.
الرسالة السابعة:
بسم الله الرحمن الرحيم
عدد
62
من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل الى جناب المكرم الشيخ عبد الظاهر أبوالسمح سلمه الله(41/278)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فقد وصل الينا كتابكم الذي بشأن المدرسة واحطنا علما بما ذكرتم به. ومن قبل المدرسة وفتحها فهذا أبرك ما يصير ولكن بارك الله فيك تعرف حالة الناس اليوم وتخالفهم وتعاطيهم امور ليس في الشرع انما هي بعضها عن تعنت وبعضها عن جهل والمقصد من ذلك تعرفون أئمة الاسلام انهم الائمة الاربعة وان لهم مما بينوه من الامور الفقهية التي من الكتاب والسنة ومذهب السلف الصالح اليد الطولى بذلك ولا يعترض عليهم الا كل انسان ما له معرفة بالدين الحقيقي ولا شك ان المرجع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكل امر يخرج منه باطل فاذا وجد الدليل من كتاب الله وسنة رسوله وما عليه السلف الصالح - فهو البرهان والدليل فاذا ما وجد المرجع من المذاهب الاربعة اولى من الجهل او الاجتهاد -الذي ما تحمد عقباه لانه ثابت عند الامة ولا يشكك في ذلك الا ناقص عقل ان الائمة الاربعة ما خالفوا الكتاب والسنة ولا بينوا ما يخالفها الا اللهم ان يكون احدهم يشكك في حديث المنقول عن صاحبه ولعدم صحته ويختار غيره او احد ما يطلع الحديث ومعلومك قول الرسول صلى الله عليه وسلم ان كل قول روى عنه يوافق ما كان عليه وما ارسل به فهو احق به وكل قول مخالف لذلك انه باطل والأئمة اجتهدوا فيما يلزم عليهم جزاهم الله عن الاسلام والمسلمين خيرا. فاذا كان المدرسة التي تريدون فتحها انه يعلم فيها الحديث والفقه وبالاخص فقه الامام احمد وعدم الاعابة على احد من الأئمة فهذا نحن ممنونين فيه ونوافق عليه فان كان تخشى ان يصير اعتراض او كلام يشوش الامة كلها فهذا لافائدة فيه فانت يجب عليك تراجع مع الشيخ عبد الله بن حسن في ذلك وتنظرون في الاصلح وتقررون قرار اعتمد عليه فبهذا تفتح المدرسة ونحن نساعد في كل شيء نسأل الله ان يوفق الجميع لما فيه الخير والسداد في الاقوال والافعال هذا ما لزم بيانه والله يحفظكم والسلام في 1صفر1352هـ(41/279)
من: ... عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل
إلى: ... عبد الظاهر أبوالسمح
النوع: رسالة مطبوعة على الآلة
المضمون: الرد على طلب فتح مدرسة دار الحديث المكية.
الصفة: ختم الملك عبد العزيز ... ... التاريخ: 22/11/1350هـ.
الرسالة الثامنة: (1)
من: الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.
إلى: الشيخ أحمد الدهلوي "مؤسس دار الحديث".
عدد (1074) من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل إلى جناب المكرم الأفخم الشيخ أحمد الدهلوي وكافة من معه من الإخوان في دار الحديث بالدهلي حفظهم الله تعالى.
بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مع السؤال عن أحوالكم دمتم بخير وسرور وأحوالنا فهي ولله الحمد جميلة وقد وصلنا كتابكم وتلوناه مسرورين بأخباركم وما ذكرتم كان عند محبكم معلوما خصوصا ما ذكرتم بكتابكم من عبارات الوداد والإخلاص التي تدل على حسن النية وطيب الطوية فنرجو أن تكون تلك "الخدمة" لله وفي الله وأن يوفق الله الجميع لما فيه خير الدنيا والدين وأن ينصر دينه وكتابه ويعلي كلمته ويجعلنا وإياكم من أنصاره والله يحفظكم.
17/12/1345هـ ... "ختم ملوكي"
الرسالة التاسعة:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل الى جناب الاخوين المكرمين الشيخ الفاضل أبو يسار الدمشقى، وناصر الدين الحجازى، سلمهما الله تعالى، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته - "أما بعد"فاني أحمد اليكما الله الذي لا اله الا هو على نعمه التى من أجلِّها نعمة الاسلام، ونشكره سبحانه اذ جعلنا من اهلها وانصارها والذابين عنها، ونسأله أن يصلي على عبده ورسوله وحبيبه وخيرته من خلقه محمد وآله وصحبه وحزبه.
__________
(1) من الملف التأسيسي لدار الحديث المدنية بالمدينة المنورة.(41/280)
وغير ذلك ورد علينا ردكم على عبد القادر الاسكندراني فرأيناه ردا سديدا وجوابا صائبا مفيدا، وافيا بالمقصود، فحمدنا الله على ما من به عليكم من معرفة الحق والبصيرة فيه وعرضناه على مشائخ المسلمين فاستحسنوه وأجازوه.
فالحمد لله الذي جعل لأهل الحق بقية وعصابة تذب عن دين المرسلين وتحمي حماه عن زيغ الزائغين، وشبه المارقين والملحدين، فلربنا الحمد لا نحصى ثناء عليه، بل هو كما اثنى على نفسه، وفوق ما يثنى به عليه خلقه، وهذه منة عظيمة، ومنحة جليلة جسيمة، وحيث جعلكم الله في هذه الأزمان التي غلب على اكثر أهلها الجهل والهوى والإعراض عن النور والهدى، واستحسنوا عبادة الاصنام والاوثان، وصرفوا لها خالص حق الملك الديان، ورأوا ان ذلك قربة ودينا يدينون به، ولم يوجد من ازمان متطاولة من ينهى عن ذلك أو يغيره، فعند ذلك اشتدت غربة الاسلام واستحكم الشر والبلاء، وطمس اعلام الهدى، وصار من ينكر ذلك ويحذر عنه خارجياً قد اتى بمذهب لا يعرف لأنهم لا يعرفون إلا ما الفته طباعهم وسكنت اليه قلوبهم، وما وجدوا عليه اسلافهم وآباؤهم من الكفر والشرك والبدع والمنكرات الفظيعة فالعالم بالحق والعارف له والمنكر للباطل والمغير له يعد بينهم وحيدا غريبا.
فاغتنموا رحمكم الله الدعوة الى الله والى دينه وشرعه، ودحض حجج من خالف ما جاءت به رسله ونزلت به كتبه من البينات والهدى، وان تكون الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة بالحجة والبيان، حتى يمن الله عليكم بمن يساعدكم على هذا، فإن القيام في ذلك من أوجب الواجبات، وأهم المهمات وافضل الاعمال الصالحات لا سيما في هذا الزمان الذي قل خيره وكثر شره، قال صلى الله عليه وسلم "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير ان ينقص من أجورهم شيء"، وقال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم" ونحن إن شاء الله من أنصاركم وأعوانكم.(41/281)
ومن حسن توفيق الله لكم أن اقامكم في آخر هذا الزمان دعاة إلى الحق وحجة على الخلق فاشكروه على ذلك، واعلموا ان من أقامه الله هذا المقام لا بد أن يتسلط عليه الأعداء بالأذى والامتحان، فليقتد بمن سلف من الأنبياء والمرسلين، ومن على طريقهم من الأئمة المهديين، ولا يثنيه ذلك عن الدعوة إلى الله، فإن الحق منصور وممتحن، والعاقبة للمتقين في كل زمان ومكان، وهذه هدية نهديها إليكم من كلام علماء المسلمين وبيان ما نحن ومشائخنا عليه من الطريقة المحمدية والعقيدة السلفية ليتبين لكم حقيقة ما نحن عليه وما ندعو إليه، نحن وسلفنا الماضون نسأل الله لنا ولكم التوفيق، والهداية لاقوم منهج وطريق، والسلام.
الرسالة العاشرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود إلى الاخوان وفقنا الله وإياهم إلى فعل الخيرات وترك المنكرات آمين.(41/282)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ذلك: تفهمون ان الله سبحانه وتعالى قد أنعم علينا بنعمة الإسلام ومنّ علينا بأن جعلنا من أهله. ولا يخفى عليكم ما مضى عليه أسلافكم من الأعراب من انحرافهم عن الدين والتقيد بشريعة سيد المرسلين، بما يأتونه من ارتكاب الأمور التي تغضب الله ورسوله، ومن استحلال الدماء ونهب الأموال وترك فرائض الإسلام، فأنتم اليوم لما إن الله جل شأنه مَنّ عليكم بهدايته لكم على دينه القويم وجب عليكم أن تقيدوا تلك النعمة بالشكر له تبارك وتعالى. وأعظم الشكر لله هو اتباع أمره واجتناب نهيه، على وفق ما جاء به نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، وان لا تحيدوا عنه ذات اليمين وذات الشمال، فتكونوا من الهالكين. إنى إريد أن أشرح لكم حقيقة ما نحن عليه من العقيدة في الدين، التى أشار إليها العلماء في جوابهم السابق في هذا المجلس، فاسمعوا واحفظوا عني ما أقوله لكم تنجوا من المهالك. إن أصل الدين كتاب الله تعالى، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان. فهم السلف الصالح ثم الأئمة الأربعة من بعدهم، أبوحنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم، وعن سلف الأمة من الصحابة ومن تبعهم إلى يوم القيامة، فإن هؤلاء الأئمة المقتدى بهم عند جميع المسلمين من اهل الكتاب والسنة فإنه لا خلاف بينهم في أصل الدين، من توحيد الله تعالى في ربوبيته وفي الوهيته وأسمائه وصفاته وهذا الحمد لله ثابت في كتبهم الموجودة بين أيديكم، وإن حصل بينهم اختلاف في الفروع، فما ذاك إلاَّ من شدة حرصهم وتمسكهم بكتاب ربهم، وما صح عن نبيهم صلى الله عليه وسلم واستخراج معانيهما، كل منهم على قد ما آتاه الله من العلم والفهم في دينه، وكلهم إن شاء الله تعالى على حق، ومن سلك طريقهم وحذا حذوهم إلى يوم القيامة، فهذا الذى ندين لله به، وهو اعتقادنا نحن واعتقاد مشايخنا وأسلافنا وهو الصراط المستقيم،(41/283)
والميزان العدل، فمن استقام عليه فهو المتبع المهتدى ومن حاد عنه وهو جاهل فيجب عليه الرجوع والتوبة إلى الله تبارك وتعالى، ومن خالفه معتقدا بطلانه فهذا ليس على شيء من الدين، لا أصله ولا فرعه، نعوذ بالله من ذلك، ولا يقال عن هذا انه مكذب للمشايخ، بل مكذب لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وان من حضر منكم هذا المجلس المبارك، وسمع كلام العلماء بغير واسطة، فقد قامت عليه الحجة، وليس هو بمعذور بما يأتيه من المخالفة وعلى الشاهد أن يبلغ الغائب، وإني أحذركم من التفرق في الدين وتتبع الخلافات فيه، فإن هذا من أعظم أسباب الهلاك، وإنكم في زمن قد تشعبت فيه الأمة الإسلامية وكثرت فيها الفرق وفشت فيه البدع، ودنس وجه الدين بما ليس منه، وكثرت فيه شبه الضالين المضلين، غير إنه بحمد الله لم يخل زمان من قائم لله في أمر دينه ينفى عنه غلو الغالين وانتحال المبطلين، أولئك هم علماء الدين، وهم ورثة الأنبياء وهم الحافظون لدين الله تعالى، حيث أقامهم لذلك {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وكل يدعى إنه القائم لله بحفظ دينه، ولكن ميزان العدل في ذلك هو اتباع هذا النبي الكريم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} إني أرشدكم إلى أعظم قائم لله تعالى في نصر دينه، بعد الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، وذلك بعد أن كثرت الملل والنحل، وتشعبت الأهواء، وتفرق الناس شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون، ذلك: هو شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه الإمام محمد بن قيم الجوزية - رحمهما الله تعالى، ومن هو على طريقتهم في الدعوة والتحقيق إلى يوم القيامة، فقد قام هذان الشيخان بما أوجبه الله على العلماء من بيان الحق، وعدم كتمانه، ولم تأخذهما في الله لومة لائم، فقد توفى الشيخ ابن تيمية رحمه الله بينما كان محبوسا في قلعة دمشق، وما ذنبه إلا بيان الحق والدعوة إليه وإبطال ما خالفه(41/284)
من العقائد الزائفة، والطرائق الضالة الفاسدة، فهذه كتب هذين الشيخين بحمد الله بين أيديكم قد سهل الله نشرها بعد أن كانت مدفونة في زوايا الترك والاهمال، فعليكم بمطالعتها، فإنها بادلة الكتاب والسنة تجلو عن القلوب صداها، وبمآثر الصحابة وهديهم تميط عن الأبصار غشاها، هذا شيخنا ذلك الإمام الوحيد في زمانه، الجليل القدر رحمه الله تعالى، قد قام بما قام به هذان الشيخان من الدعوة إلى تحقيق التوحيد لله تعالى في أسمائه وصفاته وتوحيده في الوهيته، بافراده بالعبادة له، وحده لا شريك له بجميع أنواعها، وهذا التوحيد هو أصل بعثة الرسل من نوح إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} وهذا التوحيد هو أصل الأصول للدين، الذي لا يجوز التقليد فيها. فعليكم بالتفقه في دينكم واتباع نبيكم صلى الله عليه وسلم وسلفكم الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة، وقد تقدم لكم البيان بأننا في الأصل على القرآن، وفي الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه. إن هذا المقام ليس مقام تفصيل واطالة، بل هو مقام نصيحة وتنبيه لكم فيما تأتونه من أمور دينكم بأن تكونوا فيه على بصيرة. قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقال تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} فمن كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر وقصده في هجره البداوة وانتسابه إلى الخير طلب رضا الله تعالى التماس ما عنده من الثواب لمن تاب إليه وأناب فلا يتمسك أحدكم بأمور دينه برأيه، وليس الدين بالاستحسان، فكل طريق إلى الحق غير طريق نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه مسدود، ولك عمل على غير سنته فهو إلى صاحبه مردود فاتبعوا ولا تبتدعوا، وقاربوا فمن سار على الدرب وصل، وهذا(41/285)
ما يجب لكم علينا من النصيحة فمن خالف ما بيناه لكم بقول أو فعل فذمتنا وذمة المسلمين منه بريئة ولا يأمن البطش بنفسه وبحلاله ومن أنذر فقد أعذر. نرجو الله أن يوفقنا وإياكم للخير وأن ينصر دينه ويعلى كلمته وأن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(41/286)
تابع لفكر التربوي في رسائل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وخطاباته
الأفكار والتوجيهات التربوية التي حوتها رسائل الملك عبد العزيز
"المربي" وثمارها الحضارية
إن الباحث حين يتناول نصاً من النصوص في أي جزء من أجزاء بحثه لابد أن يأخذه ويحلله ويدرسه بعمق ودراية، هذا إن كان النص عادياً، فما بال الباحث وهو يحلل ويدرس نصاً في رسالة لمؤسس دولة، فإنَّه يعرف أن هذه رسائله وتلكم الكلمات كان لها وزنها في تأسيس دولة وإعداد أمة. لذا فإن الباحث حين يقف أمام هذه الرسائل ليسأل الله -تعالى- أن يوفقه إلى تحليلها بحسب قصد قائلها ومراده منها، وهو المربي القائد الملك عبد العزيز يرحمه الله تعالى.
وبعد النظر وسبر غور الرسائل التي وردت في الفصل السابق، استخلص الباحث الأسس والمبادئ والقواعد التربوية التي أقام الملك المؤسِّس عليها الدولة في شئونها التعليمية في حياته، واستمر أنجاله عليها حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، نسأل الله العلي القدير أن يستمر هذا المنهج إلى يوم الدين.
ومن هذه الأسس والمبادئ والقواعد التربوية:
أولاً: التخطيط التربوي:
فيما ظهر للباحث من خلال دراسته لرسائل الملك عبد العزيز أن التخطيط التربوي وإن كان يبدو أنه متأخر، إلا أن تاريخه كان متقدماً، فقد أصدر الملك عبد العزيز يرحمه الله أمره السامي الكريم في 23 محرم عام 1347هـ بمدينة الطائف - حين كانت الدولة تسمى المملكة الحجازية والنجدية وملحقاتها - بإنشاء أول مدرسة منظمة في غرضها ومواد دراستها، وتحديد زمن الدراسة فيها حتى التخرج، وكيفية التقويم فيها، وإعطاء الحوافز والمكافآت. وسُميت "مدرسة المطوفين".(41/287)
كان سبب إنشاء هذه المدرسة كثرة الشكاوى التي تقدم بها بعض الحجيج ضد القائمين على الطوافة في الحجاز، وذلك لتقصيرهم معهم في الواجبات في أداء المناسك وتجاوزهم الحد المشروع. حيث أدرك الملك عبد العزيز -رحمه الله- أهمية هذا الأمر خصوصاً مع ضيوف الرحمن الذين أتوا لأداء ركن من أركان الإسلام وهو الحج. فأصدر أمره بتأسيس مدرسة للمطوفين مقرها مكة المكرمة. هذا من جانب التأسيس وتحديد المكان.
أما من جانب المقررات الدراسية، فإن الملك عبد العزيز اهتم بالإعداد المهني للقائمين على شئون الحج والحجاج، فلا بد أن توافق المقررات الهدف الذي من أجله أسست هذه المدرسة. فقد جاء التأكيد على أن يدرس المطوفون مادة العقيدة (التوحيد) التي هي أساس كل فلاح للناس في الدنيا والآخرة. ثم يدرسون مادة الفقه؛ لأنها متعلقة بالعبادات. وحين يتفقه القائم على شئون الحج بشروط وأركان وواجبات وسنن هذه الشعيرة يقوم بالتطبيق العملي مع ضيوف الرحمن.
وهذا المنهج أكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "الدين النصيحة" (1) ؛ إذ لابد من النصح للحجيج، لكن هذا النصح لا يأتي إلا بعد العلم الصحيح.
كما أكد الأمر السامي الكريم على المطوفين أن يقوموا على راحة الحجيج ويحسنوا وفادتهم، وبأن يقدموا جميع التسهيلات ووسائل الراحة لهم حتى يعودوا إلى أوطانهم مسرورين غانمين فائزين شاكرين لله -تعالى-، ثم لمن سهل لهم مناسكهم.
وبعد تحديد المكان والمنهاج وطرق التعامل مع ضيوف الرحمن، فإن الأمر السامي حدد النظام العام لهذه المدرسة. ومن ذلك تحديد مدة بقاء المطوف في المدرسة، فألزم المطوف المتلحق بالمدرسة أن يبقى عاماً كاملاً، يجرى له بعد ذلك التقويم (الاختبار) في نهاية العام، وبعد اجتيازه هذا التقويم يعطى حافزاً، وهو الشهادة له بأنه ناجح.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب: بيان أن الدين النصيحة، حديث رقم (55) .(41/288)
فالمتتبع لهذه الرسالة يجد أن تاريخ التخطيط التربوي والتعليمي قد بدأ مبكراً في المملكة العربية السعودية. ومن المعلوم أن تحديد المنهج والزمن وشروط القبول والتقويم والحافز والمتابعة كل هذه من أهم عناصر التخطيط التربوي المعاصر، وهو ما حرص الملك عبد العزيز على وضع أسسه.
وهذا ما استمر عليه أبناء الملك عبد العزيز -يرحمه الله- من عهد الملك سعود وفيصل وخالد -يرحمهم الله جميعاً-، حتى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وولي عهده الأمين حفظهما الله. (انظر الرسالة الثالثة) .
ثانياً: التعليم والبطالة:
من معضلات العصر تفشي ظاهرة البطالة في الأفراد في معظم الدول المتقدمة والنامية معاً، فإن الجميع يشكو ارتفاعاً حاداً في نسبة البطالة، ويحذرون من عواقبها الوخيمة على الأمة. ولا زالت المؤسسات التي تعنى بدراسة المناهج تبحث عن حل لهذه المشكلة.
وحين علم الملك عبد العزيز -يرحمه الله- أنَّ بعضاً من الأسر قد أهمل في رعاية بعض أبنائها وتعليمهم وخصوصاً من كان به غفلة وقلة مال، واهتم بالآخرين وهم الأبناء النبهاء الأذكياء، فأشركوهم في أعمالهم التجارية، أمر الملك عبد العزيز بفتح مدرسة للأخذ بيد هؤلاء إلى الجادَّة الصحيحة والطريق القويم؛ وكان الغرض من هذه المدرسة هو:
1 - الاهتمام بالرعية من أبناء الأمة لإعدادهم لخدمة الأمة.
2 - احتواء العاطلين عن العمل وتشجيعهم على طلب العلم النافع.
3 - القضاء على المشكلات المختلفة المتوقع أن تحدث من قبل هؤلاء العاطلين.
جاء الأمر الملكي الكريم بإنشاء مدرسة لعلاج هذه المشكلة في مدينة الطائف، وسبب الاختيار في ظن الباحث هو أن مدينة الطائف مكان معتدل صيفاً في حرارته، وجميل في خضرته، وغائم مريح في جوه وهوائه.(41/289)
أما المنهج الدراسي، فجاء تحديده في الرسالة التي أرسلها الملك عبد العزيز -يرحمه الله- إلى الشيخ عبد الرحمن بن عودان بتاريخ (26/1/1364هـ) التي بيّن ووضح فيها أن المنهج الدراسي لابُدَّ أن يكون شاملاً لمختلف العلوم النافعة. وقد ذكرها في أكثر من رسالة له -يرحمه الله-؛ وهي: علم التوحيد، والعبادات (الفقه) ، والعلوم الأخرى النافعة التي إذا تعلمها الفرد من الأمة تفقه في دنياه وأخراه.
أما عن شروط القبول فيها، فقد حددت الرسالة أن العمر المطلوب هو بين (15-25 عاماً) ، وهذه الفكرة التربوية الرائدة ما تسمى اليوم بتعليم الكبار.
كما اشترط الملك عبد العزيز يرحمه الله أن يكون اختيار المعلمين والقائمين على هذه المدرسة من ذوي الصفات والخصائص العالية من الأخلاق السامية ومن الرجال الطيّبين؛ لأن المعلم قدوة للآخرين في أفعاله وأحواله وأخلاقه، فلا بد أن يكون ذا علم وعمل وخلق.
كما حوت الرسالة شعوراً بالمصلحة العامة للأمة، فالشعور بالمشكلة يعين على تحديدها، ثم اختيار الحلول المناسبة لها؛ ولذا فإن الملك عبد العزيز علم –بتوفيق الله وإلهام منه- أن هذه المشكلة (وهي البطالة) أمر خطير على الأمة لا بد من أن يجتث من أساسه؛ كي لا يلجأ هؤلاء العاطلين إلى الجريمة - لا سمح الله - أو إلى غير ذلك مما يهدد أمن الناس واستقرارهم.
في نظر الباحث أنَّ على المخططين وضع الخطط العلمية والعملية لعلاج مشكلة البطالة، وأن يأخذ بأيدي أبنائنا إلى ما فيه صالحهم وفلاحهم، وذلك إرضاءً لله تعالى.(41/290)
فقوله -رحمه الله-: "مصحلة عامة للدين والدنيا والبلاد"ينبئ عن وعي ورشد عظيمين كبيرين، حيث ربط بين الدين ومتطلباته، وبين الدنيا ومتطلباتها، وبين مصلحة الأمة بعامة، ومصلحة الفرد بخاصّة، فثمرة التعليم في حس الملك عبد العزيز -رحمه الله- يجب أن تشمل الدين والدنيا والوطن. وهذا مبدأ من أهم المبادئ التي أكدها الدين الإسلامي الحنيف. (انظر الرسالة الخامسة) .
ثالثاً: التخصص:
لقد وضع الملك عبد العزيز المؤسس للنظام التعليمي في الدولة مبادئ التخصص، وذلك حين أصد أمره الكريم بإنشاء مدرسة للمطوفين كي يتعلموا أصول الدين عامة، ومناسك الحج خاصة، فجاء في المادة الثالثة التي نص فيها على أنه "اعتباراً من سنة 1348هـ لا يجوز لغير حاملي شهادة المدرسة المذكورة الاشتغال بمهنة التطويف" (انظر الرسالة الثالثة) .
ومعلوم للجميع ما للتخصص في مجال معين من أهمية، وخصوصاً في عصرنا الحاضر الذي يعتبر عصر التخصص، وأصبح ملتزماً به في جميع المجالات المختلفة.
رابعاً: تعدد مصادر (التعليم والثقافة) الحرة:(41/291)
إن المتتبع لكلام الله -عزَّ وجلَّ- في كتابه المبين يجده أنَّه -سبحانه وتعالى- قد أكَّد على تعدد وسائط التعليم لبني آدم، من ذلك قوله -عزَّ وجلَّ-: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (1) ؛ فبتعدد الوسائط لابُدَّ أن تتعدد الحاجات وتزيد الرغبة في التعرف على الأشياء، كي تكون مدعاة للإيمان والعمل، فما دامت للإنسان عينٌ فلابُدَّ أن يرى بها ويتعلم مما يراه، وكذلك السمع وبقية الحواس التي أنعم الله بها على الإنسان. لذا ترى حين يذكر تبارك وتعالى: {أَفَلا يَسْمَعُونَ} (2) ، فإنه يذكر كذلك {أَفَلا يُبْصِرُونَ} (3) ، {أَفَلا يَعْقِلُونَ} (4) .
فخلاصة القول أن تعدد مصادر الخبرة العلم لطالبه أمر ضروري ومهم لتوسيع مدارك المتعلّم، لذا فقد أسهم الملك عبد العزيز -يرحمه الله- في ذلك كما في النقاط التالية:
أ - نشر الكتب والاهتمام بها:
نشر العلوم النافعة المختلفة يتم عن طريق طباعتها وتوزيعها وإهدائها، والملك عبد العزيز قام بإرسال الكتب المختلفة النافعة إلى بعض أهل العلم والمحتاجين إليها، حيث أرسل إلى الشيخ عثمان بن بشر:
- تفسير ابن كثير - والمغني لابن قدامة - ورسائل ابن تيمية - والصواعق المرسلة - وشرح العقيدة الطحاوية - وكتب السنة النبوية. (انظر الرسالة الرابعة) .
كما يبدو اهتمامه -يرحمه الله- بهذا الأمر من خلال رده على رسالة بعث بها إليه عبد الله بن محمد بن ناصر يطلب فيها إرسال كتب. فأخبره الملك بأن طلبه مجاب، وحين تصل الكتب إليه فإنه سيرسلها له إن شاء الله. (انظر الرسالة الأولى) .
ب - الخرائط:
__________
(1) سورة النحل، آية 78.
(2) سورة السجدة، آية 26.
(3) سورة السجدة، آية 27.
(4) سورة يس، آية 68.(41/292)
من وسائل سرعة إيصال المعلومات لطالب العلم: الخرائط، وخصوصاً عند الحديث عن موقع (مكان) ، أوحادثة، أو بلد، فمشاهدة هذه الأماكن على خارطة يساعد الفرد على سرعة التصور والإدراك.
ولقد اهتم الملك عبد العزيز يرحمه الله بتوفير الخرائط، فطلب من فلبي أن يعدَّ له خرائط عن بعض أجزاء الدولة. وفعلاً بدأ فلبي بتنفيذ ذلك وبدأ بمنطقة نجران، كما نص على ذلك في رسالته. (انظر الرسالة الثانية) .
جـ – زيارة الآثار:
من المؤكَّد لدى علماء التربية وغيرهم أن المشاهدة المباشرة ليست مثل الخبر. جاء في موقف موسى –عليه السلام- في ما حكاه الله -تعالى- عنه في قوله -جل من قائل-: {وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيه ... } (1) الآية، فقال صلى الله عليه وسلم عن هذا الموقف: "ليس الخبر كالمعاينة" (2) .
فالآثار حكمة من الله -تعالى- ليبين للناس كيف فعل بمن عصى من الأمم الماضية. والموعظة والتذكر أمران مهمان ومطلوبان من كل من مارٍّ بتلك الآثار ولا سيما من المؤمنين ليعتبروا ويتعظوا.
وقد طلب الملك عبد العزيز من فلبي زيارة آثار نجران وتحديدها على الخرائط.
د - الرحلة العلمية:
معلوم بالممارسة العقلية للناس أن للرحلة دوراً كبيراً في زيادة واتساع الخبرة والثقافة، وأخبر القرآن الكريم أن لقريش رحلتين في الصيف إلى الشام، وفي الشتاء إلى اليمن، قال تعالى: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ. إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} (3) .
__________
(1) سورة الأعراف، آية 150.
(2) مسند الإمام أحمد جـ 1 ص215، تفسير ابن كثير جـ 2 ص 248-249.
(3) سورة قريش، آية 1-2.(41/293)
فالرحلة التي قام بها فلبي بأمر من الملك عبد العزيز. (انظر الرسالة الثانية) . لتوحي للمخططين للتعليم أن أمر الرحلة في طلب العلم من أسس بناء المنهج والتعلّم، وأنها متممة للشرح والمطالعة والاستذكار. ففي الرحلة تجديد لحياة الطالب وخبراته. فانتقاله من مكان لآخر يغير من رتابة وطريقة حياته المعتادة مما يزيل عنه السأم والملل، كما أنها تزيد في خبرة الطالب، وهذا ما أكد عليه علماء السلف من هذه الأمة حين قاموا بجمع العلوم من مصادرها المختلفة مثلما فعل الإمام البخاري ومسلم وغيرهما من الرحلة في طلب العلم.
ومن فوائد الرحلات العلمية على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
... 1 - تنمية فرص المشاهدة والتأمل التي لا يسهل تواجدها في المدرسة.
... 2 - يتم تعلّم كثير من الأشياء في بئيتها الطبيعية.
... 3 - تعويد الطالب التعاون وتحمل المسئولية والنظام.
... 4 - التعلم في جو من الحرية والانطلاق بخلاف جو الفصل.
هـ - المعارض:
المعارض الدولية من الوسائل التي لها الأثر الكبير الفاعل في الدعاية للإنتاج، خصوصاً إذا كان الإنتاج من المصنوعات الخاصة بالدولة. (انظر الرسالة السادسة) .
فقد أرسل الملك عبد العزيز -رحمه الله- إلى ابنه فيصل -يرحمه الله- رسالةً أكد فيها أن المقترح الذي تقدم به أحد الملازمين له وهو (فؤاد حمزة) أن يرسل بعضاً من منتجات البلاد للمشاركة في معرض سوريا، كما كانت الدولة تشارك في معرض القدس، حيث كان هذا المقترح وجيه ومقبول لديه يرحمه الله.(41/294)
وقد حرص الملك عبد العزيز على الأخذ بهذا الموضوع، ودليل حرصه أنه أسند الأمر إلى ابنه فيصل -رحمه الله- ولأهميته في نفسه بدا للباحث أن الملك عبد العزيز كان يخطط في قرارة نفسه لتطوير الإنتاج الصناعي والزراعي، فهذا الاشتراك في المعرض الدولي يؤكد النية على المضي في بناء المستقبل سعياً إلى التقدم والتطور في مجالات هي عصب الحياة، وبالتالي الاعتماد - بعد الله - على النفس والوصول إلى الاكتفاء الذاتي.
وحصل الاكتفاء - بحمد الله - في المجال الزراعي، فأصبحت الدولة مصدرةً للحبوب إلى جميع أنحاء العالم وبأسعار تنافس الأسعار العالمية.
كما أن الاشتراك في المعارض الدولية له ثمرة في ربط الدولة بمعاهدات ثقافية وتجارية، وتبادل دبلوماسي، فإن الملك عبد العزيز -يرحمه الله- كان شديد الربط بين الدين والدنيا ومصالح الأمة وبين بقية الدول الإسلامية والعربية وغيرهما.
و نماذج تطبيقية:
أولاً: دار الحديث بمكة المكرمة.
لقد أجاب الملك عبد العزيز برسالة مباركة طيبة إلى الشيخ عبد الظاهر أبو السمح الذي كان إمام وخطيب المسجد الحرام، عندما طلب منه الموافقة على إنشاء دار لدراسة الحديث الشريف إجابة تنم عن حرص على تحقيق التقدم العلمي والإنجاز. فجاء الجواب يحمل مبادئ وأسساً إسلامية منها:
1 - نبَّه الملك المربي المؤسس إلى أن اختلاف الناس في أمور دينهم ليس من الشرع في شيىء، بالإضافة إلى تفشي الجهل والفساد.
2- بيّن أن الأئمة الأربعة هم من علماء السلف وإن اختلفوا في الفروع؛ لأنها اجتهادات مبنية على إخلاص القصد لله وإخلاص المتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.
3 - أوضح أن كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هما المرجعان الأوحدان في الأمور كلها، فما ثبت في الكتاب والسنة المطهرة، فهو الحق، وما لا فلا.
4 - أوصى بالأخذ بمذهب الإمام أحمد -رحمه الله-، من غير أن يعاب على الأئمة الباقين.(41/295)
هذه المبادئ الأربعة على قلة عددها حوت في مضمونها كل الخير. فأسس الشيخ عبد الظاهر أبو السمح دار الحديث بمكة المكرمة بعد الموافقة السامية التي أرسلها الملك عبد العزيز -رحمه الله- بتاريخ (1/2/1352هـ) . (انظر الرسالة السابعة) .
ثانياً: دار الحديث بالمدينة المنورة.
في عام 1350هـ افتتحت دار الحديث المدنية على يد الشيخ أحمد بن محمد الدهلوي بترخيص من الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه-، وذلك لتدريس علوم القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف. (انظر الرسالة الثامنة) .
فقد بعث الملك عبد العزيز بتاريخ 17/12/1345هـ رسالة رداً على طلب الشيخ الدهلوي بخصوص إنشاء دار تُعنى بالسنة النبوية المطهرة. فجاء الجواب بالموافقة. فالاهتمام بأمور الدين كان له الأولوية في حياة الملك عبد العزيز -يرحمه الله- منذ طلبه للعلم، ونشأته، حتى توليه المُلْك. وقد أكد الملك عبد العزيز في الرسالة آنفة الذكر على جوانب مختلفة:
1 - فاستعمل الألفاظ المناسبة للعلماء في الرد، حيث قال: "إلى جناب الشيخ الأفخم".
2 - أكد على مبادئ الدين الإسلامي في أي مؤسسة تُعنى بالتعليم والتربية.
3 - سؤاله عن الأحوال الخاصة للناس، فهذا ودّ منه -رحمه الله- يلاطف به الآخرين.
4 - دعاؤه لمن كاتبه، فقد دعا للشيخ أحمد ولزملائه بالتوفيق والسداد، مؤكداً له الموافقة المطلقة لخدمة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والعلم والعلماء، ونشر دين الله في جميع الأمصار والأعصار. والواقع الملموس الآن شاهد على هذه الإنجازات في داخل المملكة وخارجها.
ثالثاً: نماذج مشرقة:(41/296)
1 - في ينبع: وهي مدينة ساحلية تقطنها جهينة وحرب وغيرهما، ولم يكن لأبنائها حظ من العلم إلا القليل. فكتب أحد العلماء إلى الملك عبد العزيز في أمر هؤلاء، فلم "يلبث - يرحمه الله - أن أبرق إلى أمير ينبع بما معناه: أقيموا مدرسة خاصة بأبناء العشائر تتسع مؤقتاً لمائة طالب، وما انتهى عام 1353هـ حتى كانت المدرسة تضم مائة طالب من أبناء العشائر القريبة من ينبع ".
2 - في الرياض: من عادة المحبين أنهم إذا سافر من أحبوه ورجع بسلامة الله استقبلوه بحسب عاداتهم بالدعوة إلى وليمة مثلاً. وحين سافر الملك عبد العزيز -يرحمه الله- إلى مصر "أراد أهل الرياض إقامة وليمة كبيرة له. وجمعوا مبلغاً من المال للوليمة. وعلم الملك بالأمر فقال: بل يصرف المال على ما فيه مصلحة البلد. فاتفقوا على إنشاء مدرسة في البطحاء سميت (المدرسة التذكارية) ، وبدل اسمها بعد ذلك". وهذه الفكرة في نظر الباحث تعتبر منطلقاً اقتصادياً إسلامياً رفيع المستوى.
3 - في المدينة المنورة:
(أ) المسيجيد: قرية صغيرة في الصحراء بين الجبال وهي ليست بعيدة عن طيبة المباركة، فيها مدرسة أنشأها السيدان علي وعثمان عبد القادر حافظ -يرحمهما الله على حسابهما-، غير أن الحالة الاقتصادية لم تدم على حالها من الرخاء، فحينها" رفعنا -كما قالا - الأمر للملك عبد العزيز - يرحمه الله - وهو المعروف بحبه للتعليم والعلماء وانتشار العلم في بلاده، شرحا له أمر حال المدرسة. بعدها أصدر أمره لوزير المالية بصرف نصف ريال لكل طالب من طلابها، وتعتبر أول مدرسة في المملكة العربية السعودية لتعليم
البادية ". وهذا يؤكد -أيضاً- حرص واهتمام الملك عبد العزيز بشئون البادية.(41/297)
(ب) عبد الرحمن بن محمد العربي الإدريسي، هو المؤسس لمدرسة التهذيب الخيرية في المدينة المنورة، هذه المدرسة كانت عبارة عن "كُتَّاب في سوق القفاصة، أسسه عام 1350هـ، وكان الطلاب يدرسون مبادئ القراءة والكتابة والحساب، ويحفظون القرآن الكريم، وصدر الأمر السامي الكريم رقم 880 في 5/7/1352هـ عن طريق مديرية المعارف بالموافقة على تحويل الكُتَّاب إلى مدرسة التهذيب". وهذه الفكرة فيما يبدو للباحث مبدأ من مبادئ التطوير التربوي المستمر.
(ج) إن قلب الملك عبد العزيز الكبير قد حوى - بحمد الله وحده - مختلفَ احتياجات أبناء الأمة في البلاد. ففي عام 1350/1351هـ اجتاح البلاد - وخصوصاً مناطق البادية - القحط وقلة المطر، وساءت أحوالهم، ولما علم بذلك الحال، أمر رحمه الله بصرف البُرّ والتمر والخبز لهم.
وقد زادت هذه المأساة عدد الوفيات في البادية، لذا أسهم الشيخ عبد الغني دادا في خدمة هذه الفئة من المجتمع، فأصبح يقدم لهم الطعام بما تيسر، لكنه نظر إلى أبعد من ذلك، فكتب إلى الملك عبد العزيز -رحمه الله- بطلب الإذن له في فتح دار للأيتام، فوافق الملك ذو القلب الرحيم، وافتتحت الدار في محرم عام 1352هـ وسميت "دار أيتام الحرمين الشريفين والصنائع الوطنية"، لتأوي الأيتام الذين مات آباؤهم من القحط في البادية، بالإضافة إلى غيرهم من أهل الحاجة في الحاضرة.
وجاءت بعد ذلك فكرة مشروع استيطان البادية كما قال حافظ وهبة: "إن من أعظم المشروعات الإصلاحية التي قام بها الملك عبد العزيز -رحمه الله-، مشروع تحضير البادية وإقطاعهم الأراضي للسكنى والزراعة، وتعليمهم المبادئ الدينية ومكارم الأخلاق، وبهذا المشروع أقبل البدو الرحل على التعليم. وأقبلوا على الهجر يبنونها بمساعدة الملك عبد العزيز، وبنى لهم المساجد، وبعث إليهم المشايخ والأئمة وطلبة العلم يعلمونهم كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم".
ثمرات التخطيط الحضاري:(41/298)
بعد ما أتم الله -تعالى- نعمته على الملك عبد العزيز -رحمه الله- بتأسيس قواعد دولة إسلامية فتية رائدة قائدة، جاء دور الأنجال من بعده يتممون ما خططه الوالد المربي لهم. فجاء الملك سعود ومن بعده فيصل ثم خالد -يرحمهم الله- جميعاً واستمروا على النهج نفسه الذي رسمه لهم. حتى جاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد -حفظه الله-، فوصل في عهده إلى الثمرات التربوية التي منها ما يلي:
1 - الجامعات:
... ... - الملك عبد العزيز.
... ... - الملك سعود.
... ... - الملك فيصل.
... ... - الملك خالد.
... ... - الملك فهد.
... ... - أم القرى.
... ... - الجامعة الإسلامية.
... ... - الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
2 - الكليات المختلفة الأغراض:
... ... - الكليات العسكرية المختلفة.
... ... - كليات المعلمين بنين.
... ... - كليات المعلمين بنات.
... ... - كليات التربية بنات.
... ... - الكليات التقنية.
... ... - الكليات المتوسطة الصحية.
... ... - كليات المجتمع للجنسين.
3 - مدارس التعليم الثانوي.
4 - مدارس التعليم المتوسط.
5 - مدارس التعليم الابتدائي.
6 - مدارس دون التعليم الابتدائي.
7 - المعاهد المختلفة:
... ... - معهد الإدارة العامة.
... ... - معهد القضاء.
... ... - معاهد النور.
... ... - معاهد الأمل.
... ... - معاهد التربية الخاصة.
... ... - معاهد المعاقين.
8 - الدور الخاصة:
... ... - دار التربية الاجتماعية.
... ... - دار الرعاية.
... ... - دار الملاحظة.
هذا على سبيل المثال لا الحصر، فهناك مؤسسات تربوية إصلاحية كثيرة في خطط التنمية المستقبلية لهذه الدولة، وما كانت هذه الإنجازات لتكون لولا فضل الله أولاً، ثم ما قام به الملك عبد العزيز -رحمه الله- من غرس بذورها الأولى عندما كانت البلاد الحديثة التأسيس بحاجة قوية إلى أخذ الخطوات الأولى قوية ودافعة. أسأل الله تعالى لها الحماية والتوفيق.(41/299)
الخصائص التربوية لرسائل الملك عبد العزيز
لقد كان لتربية الملك عبد العزيز -رحمه الله- الأسرية تأثير كبير في سلوكه من حيث أقواله وأفعاله وأخلاقه؛ فوالده الإمام عبد الرحمن كان حريصاً على تنشئته النشأة الصالحة حتى جعل منه –بفضل الله- مسلماً لربه ملماً بأمور دينه، وكذلك والدته سارة بنت أحمد السديري التي كان لها فضل – بعد الله – في توجيهه وتعليمه تذوق الأدب والشِّعر؛ لأنها كانت شاعرة "ولها شِعْرٌ"، ولا غرابة -أيضاً- فإن الذي تولى أمر تعليمه في ربيع حياته الأولى ثلة من خيرة العلماء والمربين: فالشيخ عبد الرحمن الخرجي الذي علمه مبادئ القراءة والكتابة، وسماحة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ علمه العلوم الشرعية.
أمَّا من حيث السياسة العملية فقد أفاد كثيراً من حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح -رحمه الله-، الذي لمس فيه الفطنة والذكاء، فقربه إليه ليستفيد، ويطلع عن كثب على معتركات الحياة السياسية السائدة في عصره.
كل هذه المدارس المختلفة جعلت من الملك عبد العزيز - بعد توفيق الله تعالى - رجل دين ودولة، لذا فإن خصائصه التربوية في رسائله -رحمه الله- اتسمت بكونها نابعة من مبادئ دينه الإسلامي الذي يؤمن به؛ فمن هذه الخصائص ما يلي:
أولاً: العقيدة نبع الفكر التربوي لدى الملك عبد العزيز رحمه الله:
بمجرَّد النظر في نصوص رسائل الملك عبد العزيز يخرج الناظر بأن الملك عبد العزيز كان شديد الحرص على:
1 - ضرورة البدء بالبسملة في مطلع كل رسالة..
2 - ربط أفعاله المستقبلية بمشيئة الله تعالى.
3 - إخلاص النية -لله تعالى- في كل الأقوال والأفعال والأوامر. ومن ذلك ما قاله في رسالته للشيخ أحمد الدهلوي مؤسس دار الحديث بالمدينة المنورة: "نرجو أن تكون تلك الخدمة لله وفي الله". (انظر الرسالة الثامنة) .(41/300)
4 - ختم أقواله في معظم رسائله بالدعاء له ولهم - ومعلوم أن دعاء الله عبادة - فنراه -مثلاً- يقول: "أن يوفق الله الجميع"، "والله يحفظكم"، "أن الله تعالى يوفق الجميع للخير والسداد"، فمثل هذه الأدعية تبين لنا مدى تعلق قلبه بالله -عز وجل-. (انظر الرسالة السابعة والثامنة) .
5 - تأكيده على أنَّ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هما الأساس المتين في منهجه الذي يسير عليه في التخطيط التربوي، فانظر -مثلاً- ما قاله في رسالته التي أرسلها إلى فضيلة الشيخ عبد الظاهر أبو السمح -رحمه الله-: "ولا شك أن المرجع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل أمر يخرج منهما باطل". (انظر الرسالة السابعة) .
6 - الاعتماد والتوكل على الله -عز وجل- في أموره كلها كبيرها وصغيرها. وإذا كان في الأمر الصادر منه تكليف لأحد من عماله، فإنه يقول: "وأنا معتمد على الله ثم عليه"، وإلا أطلق الاعتماد على الله وحده، كما في رسالته للشيخ عبد الرحمن بن عودان: "اعتمدنا على الله". (انظر الرسالة الثانية والخامسة) .
ولا عجب في هذا كله، فقد تعلم في بيت آل الشيخ، على يد سماحة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف الذي هو من آل بيت الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
ثانياً: الاعتصام بالكتاب والسنة المطهرة على منهج السلف:
لقد أدرك الملك عبد العزيز ضرورة تطبيق قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما مسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه" (1) ، وهو ما قام بتطبيقه فعلاً واتخذه منهجاً لحياته. ويظهر ذلك جلياً فيما يلي:
1 - ما ذكره في رسالته إلى الإخوان: "إن أصل الدين كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، كما كان عليه الصحابة والتابعين لهم بإحسان وفهم السلف الصالح ". (انظر الرسالة العاشرة) .
__________
(1) موطأ مالك، كتاب القدر، باب النهي عن القول بالقدر، دار إحياء التراث العربي، مصر، 1370 هـ، حديث رقم 3 جـ2 ص 899.(41/301)
2 - تأكيده لضرورة تدريس مادة العبادات للمطوفين التي هي من أهم ركائز هذا الدين، وأن لا يكون ذلك إلا بعد دراسة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. (انظر الرسالة الثالثة) .
3 - تدريس العلوم النافعة. فقد نصت رسالته التي تتعلق بإنشاء مدرسة خاصة بالكبار على ذلك، ومعلوم أنه ليس هناك أنفع من كتاب الله -تعالى- وعلومه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعلومها، إذ مضمون العلوم النافعة فيهما والعمل بهما. (انظر الرسالة الخامسة) .
4 - الاعتصام بالسنة النبوية. فقد جاءت موافقة الملك عبد العزيز -رحمه الله- على إنشاء دار الحديث بمكة المكرمة والمدينة المنورة إيماناً منه بأهمية السنة النبوية؛ فهي التي شرحت القرآن الكريم، فجاء الاعتصام بها مقروناً بالاعتصام بالقرآن الكريم. ومما يؤكد هذا الجانب في رسالته التي أرسلها إلى الشيخ عبد الظاهر أبو السمح قوله: "فإذا جاء الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ... فهو البرهان والدليل".
ثالثاً: الدعوة إلى الله من أسس إقامة هذه الدولة:
في الرسالة التي أرسلها الملك عبد العزيز إلى الأخوين الكريمين الشيخ أبو يسار الدمشقي، وناصر الدين الحجازي، جاء ما يلي: "من حسن توفيق الله لكم أن أقامكم في آخر هذا الزمان دعاة إلى الحق وحجة على الخلق فاشكروه على ذلك.... إلى قوله: فليقتد بمن سلف من الأنبياء والمرسلين ... ولا يثنيه ذلك عن الدعوة إلى الله ". (انظر الرسالة التاسعة) .
ولاشك أن الدعوة إلى الله -تعالى- في هذا البلد مستمرة وقائمه -وله- الحمد حتى الآن، من خلال الهيئات الدعوية التي أقامتها الدولة لنشر الدعوة في الداخل والخارج، وخصوصاً ما تقوم به الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عن طريق عمادة خدمة المجتمع، فهذا عمل -نسأل الله تبارك وتعالى- أن يجعله في ميزان حسناته، وميزان حسنات أبنائه من بعده.(41/302)
وقد حدد -رحمه الله- المنهج الدعوي القويم الذي به تستمر الدعوة إلى قيام الساعة وذلك حين قال للشيخين: "فاغتنموا -رحمكم الله- الدعوة إلى الله وإلى دينه وشرعه ... بالحكمة والموعظة الحسنة بالحجة والبيان". (انظر الرسالة التاسعة) .
رابعاً: إزالة المخالفات الشرعية:
لقد علم الملك عبد العزيز من خلال معرفته بالعقيدة الصافية النقية، ما عليه الناس من جهل وابتداع ومخالفة لشرع الله -تعالى-. ونلمس هذا في رسالته إلى الشيخ عبد الظاهر أبو السمح حيث جاء فيها: "تعرف حالة الناس اليوم ومخالفتهم وتعاطيهم أموراً ليس من الشرع، إنما هي عن تعنت وبعضها عن جهل"، فهذه الجملة التي جاءت في الرسالة لتأسيس مدرسة دار الحديث تؤكد على ضرورة أن تقوم المدرسة على منهج قويم يستقي علومه من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وفق منهج سلف هذه الأمة. (انظر الرسالة السابعة) .
خامساً: النصح للرعية:
النصح أمر مطلوب وواجب من الراعي والرعية؛ لأنهم مسؤولون عما استرعاهم عليه الله يوم القيامة، وقد نص على ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: "الأمير راعٍ ومسئول عن رعيته" (1) . ولقد بدى جلياً في رسائل الملك عبد العزيز حرصه على النصح لرعيته، ومن ذلك قوله: "التوحيد هو أصل الأصول للدين الذي لا يجوز التقليد فيه، فعليكم بالتفقه في دينكم واتباع نبيكم صلى الله عليه وسلم وسلفكم الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وقد تقدم لكم البيان بأننا في الأصل على القرآن وفي الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، إن هذا المقام ليس مقام تفصيل وإطالة، بل هو مقام نصيحة وتنبيه لكم فيما تأتون من أمور دينكم بأن تكونوا فيه على بصيرة ". (انظر الرسالة العاشرة) .
__________
(1) مسند الإمام أحمد، دار صادر، بيروت، د. ت جـ2ص54.(41/303)
هذه الخاصية في النصيحة مهمة كل راعٍ وخصوصاً ولي الأمر، ثم يليه الوالد فالمعلم وهكذا، فالنصيحة أصل من أصول الدين الإسلامي لا بد أن نربي أنفسنا عليه ونربي أبناءنا عليه -أيضاً-، وأن نتقبل النصيحة والتوجيه من كل ناصح وموجه.
سادساً: أخلاقه رحمه الله:
الخلق صفة مستقرة في النفس - فطرية أو مكتسبة - ذات آثار في السلوك، منها ما هو محمود ومنها ما هو مذموم.
"ونستطيع أن نقيس مستوى الخلق النفسي عن طريق قياس آثاره في سلوك الإنسان، فالصفة الخلقية المستقرة في النفس إذا كانت حميدة كانت آثارها حميدة، والعكس صحيح، وعلى قدر قيمة الخلق في النفس تكون آثاره في السلوك".
ويظهر حسن الخلق لدى الملك عبد العزيز جلياً، من خلال الأمور التالية:
1 - خلقه مع والده:
في رسالته التي أرسلها إلى عبد الله بن محمد بن ناصر يقول -رحمه الله-: "ومن عندنا الإمام الوالد"، فقد أعطاه لقب الإمام مما يشير إلى توقير الملك عبد العزيز لوالده واحترامه وبرّه به في حياته وبعد مماته كما هو معلوم عنه يرحمه الله. (انظر الرسالة الأولى) .
يقول الزركلي: "كان عبد العزيز بعد أن ولي الإمارة بالرياض، يزور أباه الإمام عبد الرحمن في قصره صباح كل يوم.
وأما والده فيزوره بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع، وعندما يصل يقفز عبد العزيز من مكانه فيستقبله ويقدمه إلى صدر المجلس (مقعد الإمارة) ، يجلس هو بين يديه مع (الخويان) أو بين الزوار.
وكان حين يخاطب أباه يجعل لنفسه صفة الملوك، ويجلس بين يديه صامتاً يَنظر ما يأمره به.
ولما أراد عبد العزيز السفر من الرياض إلى الحجاز في أواخر سنة 1346هـ دخل على أبيه يودعه، وكان يخشى أن يكون هذا هو الوداع الأخير، فكان يقبّل يديه ويسأله: هل أنت راضٍ عني؟ فيجيبه الإمام وهو جلد صبور: لا شك، فيعود إلى يديه يقبلهما، ويعيد السؤال مراراً حتى تشفى نفسه".(41/304)
ويقول محمد أسد: "كان يصطنع تجاه أبيه سلوكاً متواضعاً إلى أبعد حدود التواضع، حتى إنه لم يكن يسمح لنفسه مطلقاً ولم يكن يرضى بأن يطأ أرض غرفة من غرف القصر إذا كان عبد الرحمن في الغرفة التي تحتها، وكان يقول - أي الملك عبد العزيز - كيف أستطيع أن أسمح لنفسي بأن أمشي فوق رأس أبي؟! وكان لا يجلس مطلقاً في حضرة الشيخ - أي الإمام - إلا إذا دعاه إلى ذلك علانية ".
2 - خلقه مع أبنائه:
في التاسع من رمضان سنة 1354هـ بعث الملك الأب والمربي رسالة إلى ابنه فيصل يطلب منه المشاركة في معرض سوريا، فنجده يقول له في مقدمة الرسالة: "من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل، إلى: جناب المكرم الابن فيصل"، فهو بهذا الأسلوب الأبوي الرحيم يجلّ ولده ويكرمه، ونحن في مجال التربية والتعليم نعرف ما لهذا الأسلوب من قوة في نفوس الطلاب حين تعطي لهم مكانتهم وتحترمهم وتوقرهم وتنزلهم منازلهم، فبهذا الخُلق الرفيع يذكرني بأفعال النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم حين كان ينزل الناس منازلهم. (انظر الرسالة السادسة) .
3 - خلقه مع الرعية وخاصة العلماء منهم:
الخُلق لدى الملك عبد العزيز أمر ثابت فيه، ودليل ثبوته ثبات حسن خلقه في معاملته لوالده وابنه، ويؤكد ذلك رسالته إلى أبي يسار الدمشقي، وناصر الدين الحجازي التي قال فيها: "من عبد العزيز إلى جناب المكرمين الشيخ الفاضل أبو يسار الدمشقي، وناصر الدين الحجازي سلمهما الله تعالى ... فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو". (انظر الرسالة التاسعة) .
فهذه النعوت التي نعت بها هذين الشيخين لها مكانة كبيرة في نفوس المخاطبين، فهذا خلق نبيل من ملك والد يرعى حقوق رعيته في مخاطبته لهم.
ومن النماذج الدالة على خلقه الكريم مع رعيته رسائله إلى كل من:
أ - الشيخ عبد الظاهر أبو السمح.
ب - الشيخ عثمان بن بشر.
جـ - الشيخ أحمد الدهلوي.(41/305)
فقد وصفهم بالأفخم، المكرم، الأخ، جناب، الشيخ. فمثل هذه الألقاب تعطي مكانة للمرسل إليه، فيبعث ذلك الفرح والسرور في نفسه، وهذا خلق إسلامي رفيع المستوى، تمثله الملك المربي الموجه الذي عرف حق رعيته وعلماء أمته. (انظر الرسالة الرابعة والسابعة والثامنة) .
سابعاً: إزالة الجهل عن الرعية بدينها الحق:
مما ظهر للباحث - من خلال إمعان النظر في الرسائل - أن الملك عبد العزيز -يرحمه الله- وضع نصب عينيه سؤال الله -تعالى- له يوم القيامة عن تطبيق قوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (1) . فأوجب على نفسه من خلال نعمة الله عليه - من تمكينه من ملك هذه الجزيرة العربية المسلمة - الاهتمام بالإسلام، وما ذلك إلاَّ لرفع الجهل بالدين، وإزالة ما كان يشوبه من الانحرافات الشركية أو البدعية أو الخرافية وما شابه ذلك.
فوضع الملك الراعي أمانة هذه المسئولية أمانة في أعناق العلماء، كما جاء في رسالته للشيخين الفاضلين أبي يسار الدمشقي وناصر الدين الحجازي حين قال لهما: "الحمد لله الذي جعل لأهل الحق بقية وعصابة تذب عن دين المرسلين وتحمي حماه عن زيغ الزائغين، وشبه المارقين والملحدين… وهذه منة عظيمة حيث جعلكم الله في هذه الأزمان التي غلب على أكثر أهلها الجهل والهوى والإعراض عن النور والهدى… إلى أن ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النعم" (2) (انظر الرسالة التاسعة) .
__________
(1) سورة الحج، آية 21.
(2) صحيح البخاري، باب مناقب علي رضي الله عنه، دار إحياء التراث الإسلامي، بيروت، د. ت جـ5 ص22-23 حديث رقم (1) ، وسنن أبي داود، كتاب العلم، باب فضل نشر العلم، دار الحديث، حمص، 1393هـ، جـ4ص69 حديث رقم (3661) .(41/306)
وفي نهاية الرسالة حدد -رحمه الله- الطريق والمنهج الذي يعتقده هو ومن معه من العلماء فقال: "نحن ومشائخنا على الطريقة المحمدية والعقيدة السلفية". (انظر الرسالة التاسعة) .
وكان في الرسالة التي أرسلها إلى الشيخ عبد الظاهر أبو السمح التي أكد فيها أهمية إنشاء المدرسة قوله: "فإذا كانت المدرسة التي تريدون فتحها يعلم فيها الحديث والفقه وبالأخص فقه الإمام أحمد بن حنبل وعدم الإعابة على أحد من الأئمة فهذا نحن ممنونين فيه ونوافق عليه". (انظر الرسالة التاسعة) .
ثامناً: الهديَّة عنوان المحبة:
لقد تمثل الملك عبد العزيز المربي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا" (1) ، فقد أرسل -رحمه الله- هدية إلى كل من الشيخين أبي يسار الدمشقي وناصر الدين الحجازي كتاباً فيه تحديد منهج الملك عبد العزيز الديني، فقال: "وهذه (هدية) نهديها إليكم من كلام علماء المسلمين وبيان ما نحن ومشائخنا عليه من الطريقة المحمدية والعقيدة السلفية ليتبين لكم حقيقة ما نحن عليه وما ندعو إليه". (انظر الرسالة التاسعة) .
ما تقدم ما هو إلا عرض موجز لبعض الخصائص التربوية في رسائل الملك
عبد العزيز، وكما سبق أن ذكرت فإني لا أستطيع أن أحيط بكل ما كتب، ولكني أوجزت فقط كي أعطي بعضاً من الأفكار التربوية في رسائله لمن يرغب أن يتناولها بالدراسة العميقة. والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين.
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الأعمال الصالحات، والصلاة والسلام على النبي المعلم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________
(1) عبد العظيم المنذري، الترغيب والترهيب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1388هـ جـ3ص434.(41/307)
* فمِمَّا تقدم نستخلص أن لكل عصر أسلوبه في كتابة ما يعبر عنه من خلال المقالات أو الرسائل، وكانت مهمة الباحث دراسة عدد من رسائل الملك عبد العزيز للتعرف على أسلوب ومفردات العصر الذي كتبت فيه، وإدراك المعنى والمقصود من بعض هذه المفردات، ومعرفة أسباب استعمال بعض الألفاظ وطريقة المراسلات والتوجيهات.
* كما يود الباحث أن ينوه أنه لم يعط مقام الملك عبد العزيز حقه من حيث النشأة والإنجاز، لكنه اختصر لأن المجال هنا مجال عرض الأفكار التربوية في بعض الرسائل الخاصة بالمجال التربوي. فقد قام بتحليل أهم العناصر والنقاط التي رأى أنها الأقوى في إيضاح ما يرغب أن يبينه للقارئ.
* كما أفرد الباحث لنصوص الرسائل موضوعاً خاصاً بها حتى يحيل إلى ما يريد أولاً، ثم يقف القارئ على تلك الرسائل بنفسه فيعرف عن مؤسس هذه الدولة الإسلامية كيف كان يتعامل مع رعيته، وكيف كان يخطط، ومقدار ما كان ينجز.
* لقد ركز الباحث في موضوع تحليل محتوى الرسائل على الجوانب التربوية لاستخراج وتوضيح الأفكار، ومن ذلك تخطيط الملك عبد العزيز للتعليم، وكيف عالج موضوع البطالة، وكيف أكد على التخصص، وتعدد مصادر الثقافة والتعليم وتنويعها، ومنه أيضاً نشر الكتب العلمية والخرائط والزيارات الميدانية، والرحلات العلمية، ثم النماذج التطبيقية في: دار الحديث المكية والمدنية، وإنشاء المدارس في الرياض وينبع وغيرهما، والخدمات التعليمية المختلفة التي قام بها خلال حياته، وأخيراً ثمرة هذا التخطيط ما نحن عليه الآن، والحمد لله.(41/308)
* كما قام الباحث بعرض موجز لبعض خصائص رسائل الملك عبد العزيز المربي، ومما جاء فيه: الاهتمام بالعقيدة الإسلامية، والدعوة إلى الله، والنصح للرعية، والتمسك بالشريعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإزالة الجهل عن الأمة، واحترام العلماء، وهذه مجالات كل واحدة منها تحتاج إلى دراسة متخصصة حتى تظهر مكانة هذه الخصائص والنعم التي أنعم الله بها عليه.
لذا فإنَّ الباحث يوصي الدارسين والباحثين في العلوم التربوية أن يهتموا بالبحث في الوثائق التي في طياتها أفكار وتوجيهات تربوية، وخصوصاً في وثائق الشخصيات القيادية، مثل الملك عبد العزيز -رحمه الله-، والملك سعود -رحمه الله-، والملك فيصل -رحمه الله-، والملك خالد -رحمه الله-، وخصوصاً خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -حفظه الله-؛ لأنَّه أول وزير للمعارف بالمملكة العربية السعودية.
... ومن البحوث المقترحة ما يلي:
1 - الفكر التربوي في خطب الملك عبد العزيز -رحمه الله-، التي ألقاها في مكَّة المكرَّمة والمدينة المنورة.
2 - الإنجازات التعليمية في عهد الملك سعود -رحمه الله-، وأثرها على التنمية الوطنية.
3 - الإنجازات التعليمية في عهد الملك فيصل -رحمه الله-، وأثرها على التنمية الوطنية.
4 - الإنجازات التعليمية في عهد الملك خالد -رحمه الله-، وأثرها على التنمية الوطنية.
5 -الإنجازات التعليمية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -حفظه الله-، وأثرها على التنمية الوطنية.
وأخيراً، فإن الباحث يسأل الله -تعالى- أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وإن جاء فيه ما يرضيه فمنه وحده التوفيق وله المنّة، وإلا فإني أستغفر الله عن كل زلة لقلمي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قائمة المراجع
1- القرآن الكريم.
2 - أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، دار صادر - بيروت.(41/309)
3 - أحمد حسين العقبي، أسرار لقاء الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت، ترجمة لكتاب: "روزفلت يجتمع بابن سعود"، بساط - بيروت، 1404هـ.
4 - أحمد عبد الغفور عطَّار، صقر الجزيرة، مطبعة الحرية، بيروت، 1392هـ.
5 - أحمد عسه، معجزة فوق الرمال، المطابع الأهلية اللبنانية - بيروت، 1975م.
6 - إسماعيل بن كثير القرشي، تفسير ابن كثير، دار عالم الكتب -الرياض، د. ت.
7 - أمين الريحاني، تاريخ نجد وملحقاتها، دار الريحاني للطباعة والنشر - بيروت، د. ت.
8 - حافظ وهبة، جزيرة العرب في القرن العشرين، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر - القاهرة، 1354هـ.
9 - حافظ وهبة، خمسون عاماً في جزيرة العرب، مطبعة الحلبي - القاهرة، 1380هـ.
10 - حسين مهدي الطوبجي، وسائل الاتصال، دار العلم - الكويت، 1401هـ.
11 – خير الدين الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين - بيروت، 1992م.
12 - خير الدين الزركلي، شبة الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز، دار العلم للملايين - بيروت، 1397هـ.
13 - خير الدين الزركلي، الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، دار العلم للملايين - بيروت، 1996م.
14 - دخيل الله الحيدري، التعليم الأهلي بالمدينة المنورة، إصدارات النادي الأدبي - المدينة المنورة، 1412هـ.
15 - سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، دار الحديث - حمص، سوريا، 1393هـ.
16 - صالح بن عبد الله العبود، عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي، الجامعة الإسلامية (المجلس العلمي) - المدينة المنورة، 1408هـ.
17 - صلاح الدين المختار، تاريخ المملكة العربية السعودية في ماضيها وحاضرها، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1376هـ.
18 - عبد الرحمن بن سبيت السبيت وآخرون، من وثائق الملك عبد العزيز، رئاسة الحرس والوطني - الرياض، 1410هـ، إصدارات المهرجان الوطني للتراث والثقافة.
19 - عبد الرحمن حسن الميداني، الأخلاق الإسلامية وأسسها، دار العلم - دمشق، 1407هـ.(41/310)
20 - عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجموعة الدرر السنية في الأجوبة النجدية ورسائلهم، مطابع المكتب الإسلامي، بيروت، 1385هـ.
21 - عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، الترغيب والترهيب، دار إحياء التراث العربي- بيروت، 1388هـ.
22 - عبد الله أبو رأس وبدر الدين الديب، الملك عبد العزيز والتعليم، دار عكاظ - جدة، 1413هـ.
23 - عثمان حافظ، صور وذكريات عن المدينة المنورة، إصدارات النادي الأدبي - المدينة المنورة، 1403هـ.
24 - فؤاد حمزة، قلب جزيرة العرب، مكتبة النصر الحديثة - الرياض، د. ت.
25 - مالك بن أنس، الموطأ، دار إحياء التراث العربي - مصر، 1370هـ.
26 - محمد أسد، الطريق إلى الإسلام، ترجمة عفيف البعلبكي، دار العلم للملايين - بيروت، 1968م.
27 - محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، دار إحياء التراث الإسلامي - بيروت، د. ت.
28 - محمد جلال كشك، السعوديون والحل الإسلامي، شركة مودري جيرافيك - لندن، 1401هـ.
29 - محمد عبد الله السلمان، توحيد المملكة العربية السعودية وأثره في الاستقرار الفكري والسياسي والاجتماعي، مؤسسة المدينة للصحافة - جدة، 1416هـ.
30 - محمد بن عبد الله آل عبد القادر، تحفة المستفيد بتاريخ الإحساء، مطابع الرياض - الرياض، 1379هـ.
31 - محمد عبد الله المانع، توحيد المملكة العربية السعودية، شركة مطابع المطوع - الدمام، 1402هـ.
32 - مسلم بن الحجاج القشيري، صحيح مسلم، دار إحياء التراث الإسلامي – بيروت، 1375هـ.(41/311)
دعائم
التمكين للمملكة العربية السعودية
على ضوء قوله تعالى:
{الَّذِينَ إنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلاَة وَآتُوا الزَّكاة وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهواْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُور} [الحج، الآية: 41]
الدكتور/ حمد بن حمدي الصاعدي
الأستاذ المشارك بكلية الشريعة
بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
1419هـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين؛ أمَّا بعد:
فإنَّ الكتابة في موضوع دعائم التمكين للمملكة العربية السعودية على ضوء قوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَْرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 41] ذات شئون؛ لأنَّ الموضوع واسع جداً، والمادَّة غزيرة ومتشعبة، ولا يفيد في ذلك اختصار الموضوع مهما حاول الكاتب الاختصار. ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، كما قيل.
ولذا فإني سوف أشير إلى أمور أجدها أولى بالإشارة؛ ومنها ما يلي:
1 - أنَّ الكتابة في هذا الموضوع هي من باب التذكير بالنعم لتعرف فتُشْكَر فَتَدُوم كما قال الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] .
2 - أنَّ المقصود الأهم في هذا الموضوع، هو التنبيه على أهمية العقيدة وتطبيق الشريعة في جميع شئون الحياة؛ لأنَّ التمسك بالعقيدة الصحيحة وتطبيق أحكام الشريعة على الوجه الذي أراده الشارع، هما أساس التمكين في الأرض، وشرط العاقبة الحسنة والنجاة والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه: 123] .(41/312)
3 - أنَّ الالتفاف حول المنهج الشرعي، والاعتصام بالكتاب والسنة، والتكاتف والتآلف، وتحقيق الأخوة الإسلامية - كما أمر الله - مقصد شرعي ودعامة من دعائم التمكين والاستخلاف في الأرض كما قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} [النور: 55] .
4 - أنَّ عالمية المنهج وبقاءه وتفرده على غيره بميزات لا توجد في غيره، كل ذلك يتطلب الدعوة المستمرة إليه والمحافظة على بقائه ووقايته من كل ما يخدش نقاءه وصفاءه أو الاعتداء عليه؛ لأنَّ الحق لا يكفيه كونه حقاً وحسب، كما قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْض} [البقرة: 251] .
5 - أنَّ المتتبع لسير ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية منذ نشأتها وخلال مراحلها وأدوارها المتتابعة، وخاصّةً في الدور الثالث الذي يبدأ بفتح الرياض على يد الملك عبد العزيز - رحمه الله - عام 1319هـ، لا يمكنه إلاَّ أن يقول: إنَّ القاعدة التي يسير عليها أولئك الحكام، والمنهج الذي يطبقونه في حياتهم وحياة رعيتهم هو تطبيق الدعائم الشرعية الواردة في الآية الكريمة موضوع البحث، وقد وعد الله بالنصر والتمكين لمَنْ وَفَّى بشروط التمكين. وأنَّ المهم هو تحقق الشروط، لا حصول المشروط؛ لأنَّ حصوله قد أخبر الله به، وما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم لا شك ولا ارتياب في تحققه.
وهذه الأمور التي سبقت - وإن كان البحث سوف يتكفل ببيانها وإيضاحها - الإشارةُ إليها في هذه المقدمة مما يدفع المطلع على الاستمرار في قراءة الموضوع، وهذا أحد أهداف الكاتبين.(41/313)
نسأل الله تعالى العون والتوفيق، إنَّه سميع مجيب.
خطة البحث:
1 - المقدمة: وتشتمل على ما يلي:
أ - أهمية الموضوع، أسباب اختياره.
ب - تحديد الزمان الذي يتناوله البحث، وأسباب الحصر في ذلك.
2 - التمهيد: وهو في بيان ألفاظ عنوان البحث. ويتناول ما يلي:
أ - الدعائم.
ب - التمكين.
ج – المملكة العربية السعودية.
3 - صُلْب الموضوع، وفيه عِدَّة فصول:
الفصل الأول: فيما يتعلَّق بالآية الكريمة. وفيه مباحث:
الأول: في بيان حال العرب قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم.
الثاني: في مناسبة الآيات لِمَا قبلها.
الثالث: في سبب نزول الآية الكريمة.
الرابع: في أقوال المفسرين في الآيات.
الخامس: في بيان دلالات الآية الكريمة، وعلاقة ذلك بما كان عليه الحال إبان قيام الدولة السعودية على يد الملك عبد العزيز - رحمه الله -. وفيه مطالب:
الأول: الصورة الكريمة التي سيكون عليها الذين إنْ مَكَّنهم الله في الأرض.
الثاني: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
الثالث: وظيفة الدولة المسلمة. وأنَّ الحق لا يكفيه كونه حقاً فقط.
الرابع: أن تلك الصورة الكريمة لم تدم طويلاً. وإن كان التمسك
بالأصل لم يزل موجوداً للوعد الإلهي بذلك.
الخامس: علاقة الآية الكريمة بما كان عليه الحال عند قيام الدولة السعودية على يد الملك عبد العزيز عام 1319هـ.
الفصل الثاني: في ماهية الدعائم، وبيان أهميتها. وفيه مباحث:
الأول: في الدعامة الأولى: إقام الصلاة. وفيه مطالب:
الأول: في ماهية الصلاة.
الثاني: في أهميتها.
الثالث: في المقصود بإقامة الصلاة على ضوء الآية الكريمة.
الثاني: في الدعامة الثانية: إيتاء الزكاة. وفيه مطالب:
الأول: في ماهية الزكاة.
الثاني: في أهمية الزكاة.(41/314)
الثالث: في الحكمة من إيتاء الزكاة على ضوء الآية الكريمة.
الثالث: في الدعامة الثالثة والرابعة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفيه مطالب:
الأول: في ماهيتهما.
الثاني: في أهميتهما.
الثالث: في الحكمة منهما على ضوء الآية الكريمة.
الفصل الثالث: في اهتمام ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية بتلك الدعائم والأسس، وتطبيقها على أنفسهم ورعيتهم. وفيه مباحث:
الأول: في اهتمام المؤسس الأول بتلك الدعائم. وفيه مطلبان:
الأول: تقريره للهدف العام من الدعامة الأولى، وهو العقيدة السلفية.
الثاني: عنايته بالهدف الخاص من الدعامة الأولى: إقام الصلاة.
الثالث: في جهود أبنائه من بعده في ترسيخ وتطبيق تلك الدعائم.
الرابع: في ثمرة تطبيق تلك الدعائم على الراعي والرعية.
1 - المقدمة: وتشتمل على ما يلي:
أ - أهمية الموضوع وأسباب اختياره.
ب - تحديد الزمان الذي يتناوله البحث وأسباب الحصر في ذلك.
أ - أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
إنَّ بيان أهمية موضوعٍ مَّا تنبع من أهمية الأمور التي يبحثها، وما لها من مكانة وشأن عظيم.
وهذا الموضوع الذي نتحدَّث عن أهمية وأسباب اختياره يتناول الأمور التالية:
1 - العقيدة الصافية المبنية على توحيد الله، وإخلاص العبادة له دون سواه، امتثالاً لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] .
2 - الشريعة والمنهج الكامل الذي رضيه الله لعباده وأتَمَّ به النعمة عليهم وفيه بيان صحة المعتقد وسلامة البناء [1] .(41/315)
3 - التعاون والاعتصام حول المعتقد الصحيح المبني على النصوص الشرعية من الكتاب والسُنَّة وفهم السَّلَف الصَّالح. كقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران: 103] .
وكقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى" [2] .
4 - السلطة المسلمة التي تحمي ذلك كله، وأنَّه لا يكفي في الأمر أن يكون حقاً، بل لابدَّ من مدافع عن الحق ودافع إليه، في استقامة المنهج.
5 – التذكير بالنعم وتجليتها، لتعرف، فتشكر، فتدوم، لأنَّ دوام النعم والزيادة منها مرهون بشكرها، كما قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُم} [إبراهيم: 7] .
6 - التحذير من كفران النعم؛ لأنَّ ذلك يعرضها للزوال والاضمحلال. هذه بعض الأمور التي حضرتني عند التفكير في كتابة هذا الموضوع دعائم التمكين للمملكة العربية السعودية على ضوء قوله تعالى: {الَّذِينَ إنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلاَة وَآتُوا الزَّكاة وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهواْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُور} [الحج، الآية: 41] .
وإن كانت الأسباب ليست محصورة في تلك الأمور إلاَّ أنَّ ما ذُكِرَ أهمها.
ب - تحديد الزمان الذي يتناوله البحث:
يتحدَّد الكلام في هذا الموضوع بالمدة الزمانية - التي دخل فيها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - مدينة الرياض عام 1319هـ، إلى الوقت الحاضر - عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود أطال الله في عمره.(41/316)
والسبب في هذا التحديد أمور منها:
1 - أنَّ دعائم التمكين للمملكة العربية السعودية المذكورة في عنوان البحث أشد وضوحاً، وأكثر جلاءً في هذا الدور.
2 - أنَّ المناسبة التي كُتِبَ الموضوع من أجلها حددت الاحتفاء بمرور مائة عام على تأسيس المملكة، فكان من المناسب أن لا يخرج الموضوع عن ذلك التحديد.
3 - أنَّ قصر الموضوع على هذه المدة المتميزة يعطيه مجالاً للاستيفاء بخلاف ما لو كان مشتملاً على أدوار المملكة العربية السعودية الثلاثة.
التمهيد:
ويتناول شرح ألفاظ عنوان الموضوع. وهي:
أ – الدعائم.
ب - التمكين.
ج – المملكة العربية السعودية.
أ - الدعائم:
جمع لدعامة، وفعله (دَعَمَ) كمَنَعَ، قال في مقاييس اللغة [3] : "الدال والعين والميم أصل واحد.
وهو شيء يكون قياماً لشيءٍ آخر ومساكاً؛ تقول: دعمت الشيء أدعمه دعماً، وهو مدعوم. والدّعامتان: خشبتا البكرة، ودعامة القوم سيدهم. ويقال: لا دعم لفلان أي: لا قوة له".
- وفي اللسان: "دعم الشيء يدعمه دعماً مَال فأقامه" [4] .
- وفي المعجم الوسيط [5] : "دَعَمَهُ دعماً: أسنده بشيءٍ يمنعه من السقوط. ويقال: دعم فلاناً أعانه وقَوَّاه.
ودَعَّمَه: قوَّاه وثبَّته. ويقال: هو دعامة الضعيف أي معينه.
ويقال: هذا من دعائم الأمور، أي: مِمَّا تتماسك به الأمور".
- ومن هذه المعاني السابقة لمادَّة (دَعَمَ) يتضح معنى الدعائم، وأنَّها تدور على معنى التثبيت، والتقوية، والمنع من السقوط، والقوة، والإسناد، والإعانة، والدعم. ولا نقصد بدعائم التمكين إلاَّ هذه الأمور التي ثَبَّتَتْ وقَوّتْ ودعَّمَت وأسندت ومنعت من السقوط، وأعانت على استمرار الولاية الراشدة التي قامت على تلك الدعائم. وبذلك يلتقي المعنى اللغوي مع المعنى الاصطلاحي، وهذا ما قصدناه من البحث اللغوي.(41/317)
ب - التمكين:
تفعيل مصدر للفعل الرباعي (أمكن أو مَكَّنَ) يقال: (أمكنه) من الشيء جعل له عليه سلطاناً وقدرة.
والأمر: فلاناً سهل عليه وتيسر له. ويقال: فلان لا يمكنه النهوض لا يقدر عليه [6] .
و (مَكَّنَ له في الشيء) : جعل له عليه سلطاناً. وفي القرآن الكريم: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ ... } [سورة الكهف، الآية: 84] .
وقد يأتي هذا الفعل لازماً كما يقال: (مَكُنَ) فلانٌ عند الناس مكانةً، عظم عندهم، فهو مكين [7] . ويجمع على مكناء. وفي القرآن الكريم: {قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [سورة يوسف: الآية: 54] .
وبعد أن عرفنا معنى الدعائم والتمكين يتضح أنَّ إضافة الدعائم إلى التمكين من باب شجر الأراك؛ لأنَّها سلبت المعنى وأصبح معنى الكلمتين واحداً هو التثبيت والإمساك والمنع من السقوط ... الخ المعاني التي سبقت.
ج- المملكة العربية السعودية:
دولة إسلامية عربية ذات سيادة، وهي معروفة بما تتميز به وتحويه من الحرمين الشريفين، حيث قبلة المسلمين التي يتوجهون إليها في صلاتهم خمس مرات في اليوم والليلة ومهاجر نبيهم صلى الله عليه وسلم، ومحاولة تعريف المعرف قد يزيده غموضاً. ولكن نقول: إنَّ المملكة العربية السعودية تشغل الجزء الأكبر من جزيرة العرب وتقع في الجزء الغربي من قارة آسياً بين خطي طول 35ْ - 56ْ شرقاً، وعرض 16ْ - 32ْ شمالاً.
ويحدها شمالاً: الكويت، والعراق، والأردن.
وجنوباً: الجمهورية اليمنية.
وشرقاً: عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقطر، والخليج العربي.
وغرباً: البحر الأحمر.
وعاصمتها: الرياض.
ومن أهم مدنها: مكة المكرمة، والمدينة المنورة.
وجدة على البحر الأحمر، والدمام على الخليج العربي.(41/318)
وقد أطلق عليها هذا الاسم (المملكة العربية السعودية) بعد توحيدها تحت راية التوحيد عام 1351هـ الموافق 21 جمادى الأولى، أول برج الميزان 1310 شمسية الموافق الموافق 23/9/1932م.
ووصفت بالسعودية: نسبة إلى مؤسسها الأول محمد بن سعود الذي عاش في المدة من 1139-1179هـ حيث التقى بالداعية السلفي المجدِّد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتعاهد معه على نصرة الإسلام، ونشر الدعوة السلفية عام 1157هـ، وعلى تطبيق الشريعة الغرَّاء، وذلك في مدينة الدرعية [8] .
الفصل الأول
فيما يتعلَّق بالآيات الكريمة
وفيه مباحث:
الأول: في حالة العرب قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم.
الثاني: في مناسبة الآيات لما قبلها.
الثالث: في سبب نزول الآيات.
الرابع: في بيان أقوال المفسرين في الآيات الكريمة.
الخامس: في دلالات الآية الكريمة وعلاقة ذلك بما كان عليه الحال في زمان قيام الدولة السعودية الثالثة: وفيه مطالب:
الأول: الصورة الكريمة التي سيكون عيها الحال بعد التمكين في
الأرض.
الثاني: أنَّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
الثالث: بيان وظيفة الدولة المسلمة على ضوء الآية الكريمة.
المبحث الأول: في حالة العرب قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم:
كانت العرب، والناس جميعاً - إلاَّ القليل - عند مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم في جاهليَّةٍ جهلاء، وضلالةٍ عمياء، انتشرت فيهم عبادة الأوثان، وعكفوا على القبور، ودعوا غير الله تعالى. فاضطربت أحوالهم السياسية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، وكثرت الحروب، وثارت لأتفه الأسباب، وتفكَّكت الأُسَر، وعمَّت الرذيلة، وقلَّت الفضيلة.(41/319)
ولم يكن هناك نظام يحكم بين الناس إلاَّ النظام القبلي القائم على التعصب للقبيلة. فبعثَ اللهُ تعالى رسوله محمَّداً صلى الله عليه وسلم بالدين الحقِّ، والتوحيد الخالص، مُبَشِّراً مَنْ أطاعه بالجنة، ومُحَذِّراً مَنْ عصاه بالنار. فاستجاب لدعوته الرجل، والرجلان، وبعض النساء، والصبيان، مِمَّن كتب الله لهم الفوز والفلاح [9] .
وعارضَ دعوته كثيرٌ مِمَّن كُتِبَت عليه الشقاوة، فوقف في طريق الدعوة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه، وأخذ يثير حولها الشكوك والأوهام، ويؤذي الذين دخلوا في دين الله بشتى أنواع العذاب، فَقُتِلَ بعض من آمن، ظلماً وعدواناً، وضُيِّقَ على بعضهم الآخر، حتى اضطروا إلى ترك أهلهم وأموالهم وبلدهم، وفرُّوا بدينهم الذي هو أغلى شيء يملكونه. وكانت الحكمة تقضي بألاَّ يعرض هؤلاء النفر أنفسهم للهلاك، فلم يؤمروا بالجهاد في بادئ الأمر، وإنَّما أُمِرُوا بالصبر والتحمُّل حتى قوي أمر المسلمين، وكانت لهم شوكة ودولة تحميهم، وتصد العدو عنهم [10] . وحينئذٍ شُرِعَ الجهاد لإعلاء كلمة الله -تعالى-، والدفع عن المستضعفين [11] .
المبحث الثاني: مناسبة الآيات لما قبلها:
الآية الكريمة التي يدور البحث على ضوئها مرتبطةٌ بثلاث آيات قبلها، والآيات الثلاث ليست بمنفصلة عمَّا تقدمها من آيات السورة الكريمة.(41/320)
فالله - سبحانه وتعالى- لَمَّا ذكر جملة مِمَّا يُفْعَل في الحج، وما فيه من منافع دنيوية وأخروية - وكان المشركون قد صدُّوا الرسول صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ومنعوه من دخول الحرم، وآذوا مَنْ كان بمكة من المؤمنين - أنزل الله تعالى هذه الآيات مبشرة للمؤمنين بدفعه عنهم، ومشيرة إلى نصرهم وإذنه لهم في القتال [12] . ومعلنة ما به يزول الصد والمنع، وما به يصير المسلمون أعزة أحراراً أقوياء [13] . ووعد الله في هذه الآيات بالتمكين لهم في الأرض، وردهم إلى ديارهم، وفتح مكَّة لهم [14] . وأنَّ عاقبة الأمور راجعةٌ إلى الله تعالى. والعاقبة للتقوى.
ولم يذكر - سبحانه وتعالى- ما يدفعه عنهم ليكون أفخم وأعظم وأعمَّ [15] . {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ. أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [سورة الحج - الآيات: 38-41] .
المبحث الثالث: في سبب نزول الآيات الكريمة:(41/321)
1 - رُوِيَ أنَّ المؤمنين لَمَّا كثروا بمكَّة أذاهم الكُفَّار، وهاجر مَنْ هاجر إلى أرض الحبشة، أراد بعض المؤمنين أن يقتل مَنْ أمكنه من الكُفَّار ويغتال ويغدر، فنزلت الآيات إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 39] .
فوعد الله فيها بالمدافعة، ونهى عن الخيانة، وخصَّ المؤمنين بالدفع عنهم والنصرة لهم، وعلَّل ذلك بأنَّه لا يحب أعداءهم الخائنين الله والرسول صلى الله عليه وسلم الكافرين نعمه [16] .
2 - وعن ابن عباس [17] رضي الله عنهما قال: "لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكَّة قال أبو بكر [18] رضي الله عنه: أخرجوا نبيهم. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ليهلكن القوم، فنزلت {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} الآية. قال ابن عباس: وهي أول آية نزلت في القتال".
قال الترمذي [19] : "حديث حسن". وقد رواه غير واحد عن الثوري [20] . وروى نحوه عن جماعة من التابعين [21] .
المبحث الرابع: في أقوال المفسرين في معنى الآيات:
1 - {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38] .
المعنى: إنَّ الله يدافع عن المؤمنين الذين توكلوا عليه وأنابوا إليه، غوائل المشركين وشر الأشرار وكيد الفجار.
وقيل: يعلي حجتهم. وقيل: يوفقهم. والمعنى متقارب.
والجملة مستأنفة لبيان هذه المزية الحاصلة للمؤمنين من رب العالمين وأنَّه المتولي للمدافعة عنهم [22] .(41/322)
وفي الآية إشارة إلى أنَّ المؤمنين مُعَرَّضون للابتلاء من أعداء الله، ولكنَّ الله -سبحانه وتعالى- يدافع عنهم. فيربط على قلوبهم ويثبت أقدامهم على طريق الهدى، ويمدهم بالصبر على احتمال المكروه، وهذا الوعد أشبه بالدروع التي تتكسَّر عليها ضربات الباطل والكفر. ثُمَّ ينتهي الأمر بانحسار الضلال وأهله، وغلبة الإيمان وانتصار أهله؛ كما قال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21] . وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:38] .
أي أنَّ الله لا يحب مَن اتَّصَف بهذه الصفة، وهي الخيانة في العهود والمواثيق، لا يفي بما قال.
والكفر: الجحود للنعم لا يعترف بها [23] .
والجملة مقررة لمضمون الجملة الأولى؛ فإنَّ مدافعة الله للكافرين عن عباده المؤمنين مشعرة أتم إشعار بأنَّهم مبغضون إلى الله غير محبوبين له.
وإيراد صيغتي المبالغة للدلالة على أنَّهم كذلك في الواقع لا لإخراج مَن خان دون خيانتهم، أو كفر دون كفرهم [24] .
وهكذا تضمَّنت الآية وعداً من الله بنصر المؤمنين، ووعيداً بخذلان الكافرين الخائنين، والخيانة - هنا - تصدق بالأصالة على الخيانة الكبرى. وهي خيانة الأمانة الإلهية التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان. مما يجب على الإنسان الوفاء به من حقوق الله تعالى، وحقوق العباد في كُلِّ آن.
وتصدق بالتبع على بقية صنوف الخيانات مِمَّا يتفرَّع عنها ويظهر أثره في مختلف التصرفات [25] .
2 - {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39] .
الآية على تقدير محذوف: أي أذن لهم في القتال بسبب أنَّهم ظلموا. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "هذه أول آية نزلت في الجهاد" [26] .(41/323)
وقال أكثر المفسرين: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان مشركو مكَّة يؤذونهم أذىً كثيراً، وكانوا يأتون إليه بين مضروب ومشجوج، ويتظلَّمون إليه، فيقول لهم: "اصبروا فإنِّي لم أومر بقتالهم"، حتى هاجروا، فأُنْزِلَت هذه الآية [27] .
وقال في أحكام القرآن: "إنَّ الله -سبحانه وتعالى- لَمَّا بعثَ محمَّداً صلى الله عليه وسلم بالحجَّة، دعا قومه إلى الله دعاءً دائماً عشرة أعوام لإقامة حجة الله، ووفاءً بوعده الذي امتن به بفضله في قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ... } [الإسراء:15] .
واستمرَّ الناس في الطغيان، وما استدلوا بواضح البرهان، وحين أعذر الله بذلك إلى الخلق وأبوا عن الصدق، أمَرَ رسولَه صلى الله عليه وسلم بالقتال يستخرج الإقرار بالحق منهم بالسيف" [28] .
وقُرِئ {يُقَاتَلُونَ} بفتح التاء وكسرها. وقوَّى صاحب الأحكام [29] قراءة الكسر؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بعد وقوع العفو والصفح عمَّا فعلوا، أذِنَ الله له بالقتال عند استقراره بالمدينة، فأخرج البعوث، ثُمَّ خرج بنفسه حتى أظهره الله يوم بدر. وذلك في قوله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [30] . وفي هذا التذييل للآية وعد من الله تعالى بنصر المؤمنين نصراً مؤزراً متى خاضوا المعركة لإعلاء كلمة الله ونصر دينه.
وقد جاء هذا الوعد في صيغة تحفز على الاستماتة في سبيل الله، كلها توكيد وتأييد.
ومَنْ كانت قدرة الله توجهه وترافق خطواته وحركاته، لن يستطيعَ عائق كيفما كان أن يقف في طريقه أو يفتّ من عزيمته [31] .(41/324)
3 - {الذين أُخْرِجُوا من الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40] .
{الذين أُخرجوا من ديارهم} : وصفٌ للذين أذن لهم بالقتال، فهو بدل منصوب على المدح، أو مرفوع على أنَّه مبتدأ. والمراد بالديار: مكَّة المكرَّمة [32] .
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أُخْرِجُوا من مكَّة إلى المدينة بغير حق، وهم محمَّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه" [33] .
{إِلأَ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} : أي ما كان لهم إلى قومهم إساءة،
ولا كان لهم ذَنْب إلاَّ أنَّهم وحَّدوا الله وعبدوه لا شريك له.
- وهل في هذا عدوان على أحد؟ أو ضرر يعود على أحد؟! ولكن أهل الضلال والبغي ينظرون بعيون مريضة، ويحكمون على الأمور بعقولٍ فاسدة. فيرون النور ظلمة، والخير شرّاً، والإحسان إساءً!! [34] .
فتكون هذه الآية الكريمة مثل قوله تعالى: {هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ} [المائدة: 59] .
وقول النابغة [35] :
بهنَّ فلولٌ من قراع الكتائب [36]
ولا عيب فيهم غير أنَّ سيوفهم
وقوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40] .
معنى: لهدِّمَت: لَخُرِّبَت باستيلاء أهل الشرك على أهل الملل.
والصوامع: صوامع الرهبان. وقيل: صوامع الصابئين.
والبيع: جمع بيعة، وهي كنيسة النصارى.(41/325)
والصلوات: هي كنائس اليهود.
والمساجد: هي مساجد المسلمين.
والمعنى: لولا ما شرعه الله للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك، وذهبت مواضع العبادة من الأرض [37] .
قال ابن كثير [38]- رحمه الله -: "أي لولا أنَّه يدفع بقومٍ عن قوم، ويكف شرور أناس عن غيرهم بما يخلقه ويقدره من الأسباب، لفسدت الأرض، ولأهلك القويُّ الضعيفَ" [39] .
وقيل: لولا هذا الدفع لهدِّمَت في زمن موسى -عليه السلام- الكنائسُ. وفي زمن عيسى -عليه السلام- الصوامِعُ والبِيَعُ. وفي زمن محمَّد صلى الله عليه وسلم المسَاجِدُ.
وقيل: لولا دفع الله ظُلْمَ الظَّلَمة بعدل الولاة [40] .
وحمل الآية على العموم أولى؛ لأنَّ التخصيص لم يقم عليه دليل.
- والآية فيها تحريض على القتال المأذون فيه قبل، وأنَّه تعالى أجرى العادة بذلك في الأمم الماضية بأن ينتظم به الأمر، وتقوم الشرائع، وتصان المتعبدات من الهدم، وأهلها من القتل والشتات.
- وكأنَّه لما قال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} قيل: فليقاتِل المؤمنون، فلولا القتال لَتُغُلِّبَ على أهل الحق في كُلِّ أُمَّة [41] .
وقوله -تعالى-: {يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} .
الضمير {فيها} يعود على المساجد؛ لأنَّها أقرب مذكور. وقيل: يعود على الجميع، باعتبار ما كان عليه الأمر قبل أن ينحرف أهلها عن دين الحق، وتنسخ بما جاء في القرآن. وأُخِّرَت المساجد لتأخرها في الوجود.
وقيل: إنَّ هذه المواضع ذُكِرَت مرتَّبة على الأشرف فالأشرف. فأُخِّرَت المساجد لشرفها [42] ؛ ولأنَّها أماكن العبادة الحقة [43] .
{وَلَيَنْصُرنَّ الله مَنْ ينْصُرُه إنَّ الله لقويٌّ عزيز}
اللام واقعة في جواب القسم. والمعنى: والله لينصرن مَنْ ينصره.
- والمراد بمَن ينصر الله: من ينصر دينه وأولياءه [44] .(41/326)
- ونصر الله تعالى لهم: أن يظفر أولياءه بأعدائهم جلاداً وجدالاً، وفي ذلك حضٌّ على القتال.
- ثُمَّ أخبر تعالى: أنَّه قوي على نصرهم، عزيز، لا يغالب [45] .
فوصف الله نفسه بالقوة والعزَّة، فبقوته خلق كل شيء، فقدَّره تقديراً. وبعزَّته لا يقهره قاهر، ولا يغلبه غالب. بل كل شيء ذليل لديه، فقيرٌ إليه.
ومَن كان القاهر الذي لا يغالب ناصرَهُ، فهو المنصور، وعَدَوَّهُ المقهور. قال تعالى: {ولقد سَبَقَت كَلِمَتُنا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ. إنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورونَ. وإنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171-173] . وقد أنجز الله وعده حيث سلَّط المهاجرين والأنصار على صناديد الكفر من العرب، وعلى أكاسرة العجم، وقياصرة الروم، وأورثهم أرضهم وديارهم [46] .
ولن يخلف الله وعده لمن جاء بما شرطه في هذه الآية وغيرها مِمَّن تحقَّق فيه هذا الوعد.
4 - {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 41] .
{الذين} : منصوب بدل {ممن ينصره} أو وصف المأذون لهم في القتال. فيجوز فيه من الإعراب ما جاز في قوله: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا} كما سبق.
- والتمكين: السلطنة ونفاذ الأمر على الخلق.
- وفي الآية إخبار بالغيب عمَّا تكون عليه سيرتهم إنْ مكَّن لهم في الأرض وبسط لهم في الدنيا، وكيف يقومون بأمر الدين [47] .
وعن عثمان بن عفَّان [48] رضي الله عنه - هذا والله – "ثناء قبل بلاء": يريد أنَّ الله قد أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا. وقالوا: فيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين؛ لأنَّ الله تعالى لم يجعل التمكن ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة لغيرهم من المهاجرين. فلا حَظَّ فيها للأنصار والطلقاء [49] .(41/327)
- وفي الآية أخذ العهد على مَنْ مكَّنه الله أن يفعل ما رتب على التمكين في الآية [50] .
- وقيل: نزلت في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم [51] .
- وعن الحسن [52] ، وأبي العالية [53] : هم أمته عليه السلام.
وقيل: هم أهل الصلوات الخمس، وهو قريب مِمَّا قبله [54] .
وقال ابن أبي نجيح [55] : هم الولاة.
وقال الضحاك [56] : هو شرطٌ شرطه الله من أتاه الملك.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: المهاجرون والأنصار والتابعون.
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: "فينا نزلت هذه الآية {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} . والآية بعدها. أُخْرِجْنَا من ديارنا بغير حق [57] إلاَّ أن قلنا: ربنا الله، ثُمَّ مكنا في الأرض فأقمنا الصلاة، وآتينا الزكاة، وأمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور، فهي لي ولأصحابي" [58] .
وقال الصباح بن سوادة الكندي [59] : "سمعت عمر بن عبد العزيز [60] : يخطب ويقول: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْض ... } الآية. ثُمَّ قال: ألا إنَّها ليست على الوالي وحده. ولكنها على الوالي والموَلَّى عليه. ألا أُنبئكم بما لكم على الوالي من ذلك. وبما للوالي عليكم منه؟:
1 - إنَّ لكم على الوالي من ذلكم أن يؤاخذكم بحقوق الله عليكم.
2 - وأن يأخذ لبعضكم من بعض.
3 - وأن يهديكم للتي هي أقوم ما استطاع.
- وإنَّ عليكم من ذلك الطاعة غير المبزوزة [61] ، ولا المستكثر بها. ولا المخَالِف سرُّها علانيتها".
وقال عطية العوفي [62] : "هذه الآية كقوله -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ} ، وقوله: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} كقوله: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} " [طه: 132] .(41/328)
وعن زيد بن أسلم [63] : في قوله -تعالى-: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْض} : قال: "أرض المدينة". {أَقَامُوا الصَّلاةَ} : قال: "المكتوبة". {وَآتُوا الزَّكَاةَ} : قال: "المفروضة". {وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوف} : قال: "بلا إله إلاَّ الله". {وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} : قال: "الشرك بالله". {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُُمُورِ} : قال: "وعند الله ثواب ما صنعوا" [64] .
ويقول ابن جرير [65]- رحمه الله تعالى - في تأويل قوله -تعالى-:
{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 41] : "يقول تعالى ذكره: أذن للذين يقاتلون بأنَّهم ظلموا - الذين إنْ مكَّناهم في الأرض أقاموا الصلاة - والذين ههنا رد على الذين يقاتلون.
ويعني قوله: {إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْض} : إن وطَّنا لهم في البلاد فقهروا المشركين وغلبوهم عليها، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: إنْ نصرناهم على أعدائهم وقهروا مشركي مكة، أطاعوا الله فأقاموا الصلاة بحدودها.
{وَآتُوا الزَّكَاةَ} : يقول: وأعطوا زكاة أموالهم من جعلها الله له. {وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ} : يقول: ودعوا الناس إلى توحيد الله والعمل بطاعته وما يعرفه أهل الإيمان بالله [66] .
{وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَر} : يقول: ونهوا عن الشرك بالله والعمل بمعاصيه الذي ينكره أهل الحق والإيمان بالله.
{وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} : يقول: ولله آخر أمور الخلق، يعني أنَّ إليه مصيرها في الثواب عليها، والعقاب في الدار الآخرة [67] .(41/329)
وعن أبي العالية: "كان أمرهم بالمعروف أنَّهم دعوا إلى الإخلاص لله وحده لا شريك له. ونهيهم عن المنكر أنَّهم نهوا عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان. ثُمَّ قال: فمن دعا إلى الله من الناس كلهم فقد أمر بالمعروف، ومن نهى عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان فقد نهى عن المنكر [68] .
المبحث الخامس:
في دلالات الآية الكريمة، وعلاقة ذلك بما كان عليه حال الجزيرة العربية عند قيام الدولة السعودية الثالثة عام 1319هـ، وفيه مطالب:
الأول: الصورة الكريمة التي سيكون عليها {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ} .
الثاني: أنَّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
الثالث: وظيفة الدولة المسلمة. وأنَّ الحق لا يكفيه كونه حقّاً فقط.
الرابع: أنَّ تلك الصورة الكريمة لم تدم طويلاً، وإن كان التمسك بالأصل موجوداً للوعد الإلهي بذلك.
الخامس: علاقة ما تدل عليه الآية الكريمة بما كان عليه الحال عند قيام الدولة السعودية على يد الملك عبد العزيز.
المطلب الأول: في الصورة الكريمة التي سيكون عليها المؤمنون بعد التمكين في الأرض:(41/330)
لقد جاءت الآية الكريمة ذات الرقم (41) من سورة الحج، تحمل دلالات عامَّة وشاملة لا يحدها زمان ولا مكان - كما ظهر ذلك من أقوال المفسرين -، وسواء أريد ب {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْض} طائفة مخصوصة - كالمهاجرين، أو أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أهل الصلوات الخمس، أو الولاة - أو كان المراد عموم أُمَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يدل عليه ظاهر نظم الآية - التي سيقت في قوالب شاملة عامَّة - كالذين، والأرض، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر - فإنَّ الآية تعرض الصورة الكريمة التي سيكون عليها هؤلاء المؤمنون الذين أُخْرِجُوا من ديارهم بغير حق، وذلك حين ينصرهم الله، ويمكِّن لهم في الأرض، وتكون لهم القوة والغلبة [69] . إنَّهم مع ذلك لن يكونوا على شاكلة مشركي مكَّة الذين كان إليهم وبأيديهم القوة والسلطان، فتسلَّطوا على عباد الله، ورهقوهم، وأخذوهم بالبأساء والضراء، وأخرجوهم من ديارهم بغير حق [70] .
إنَّ هؤلاء المؤمنين حين يمكن لهم في الأرض - سيكونون مصابيح هدى وينابيع رحمة - للإنسانية كلها بما يقيمون فيها من موازين
الحق والعدل، وما يغرسون في آفاقها من مغارس الخير والإحسان.
إنَّهم يقيمون الصلاة ليستمدوا منها العون من الله.
ويؤتون الزكاة فيكشفون الضر عن عباد الله.
ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فيصلحون بهذا من سلوك الناس، ويقيمون لهم الطرق المستقيمة، فلا تتصادم منازعهم، ولا تفسد مشاربهم. وقد صدق الله وعده، ومكَّن سبحانه وتعالى للمؤمنين في الأرض، بعد أن هاجروا من مكة إلى المدينة.
فكانوا أعلام هدى، وآيات رحمة، وموازين عدل وإحسان بين الناس، وكانوا كما وصفهم الله تعالى بقوله: {كُنْتُم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَت لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بالمعروفِ وَتَنْهَونَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمَنُونَ باللهِ} [آل عمران: 110] [71] .(41/331)
المطلب الثاني: أنَّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب:
وبيان ذلك أنَّ سبب نزول الآية - كما سبق - هو إيذاء كفار قريش لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهجرتهم إلى المدينة. ولكن نَظْم الآية والقوالب التي صيغت بها معانيها، جاءت عامَّة كليةً تشمل جميع من توفرت فيه شروط التمكين في الأرض، وقد مرَّ مَنْ قال بذلك من المفسرين [72] .
والقاعدة عند العلماء والأصوليين والمفسرين: أنَّ الآية إذا كان لها سبب نزول خاص، وكذا الحديث، إذا كان وارداً على سببٍ خاصٍّ. فإنَّ الحكم لا يكون مقصوراً على السبب. وإن كان دخول صورة السبب في الحكم لها الأولوية؛ لأنَّ العبرة بعموم اللفظ عند استنباط الحكم لا بخصوص السبب، كما هو الراجح لدى كثيرٍ من العلماء. وعلى ذلك يكون الحكم الذي دلَّت عليه الآية الكريمة عامّاً لجميع مَنْ تحقَّقت فيه شروط التمكين في الآية [73] .
وهذا أحد الأسباب التي توضح العلاقة بين دلالة الآية وموضوع البحث.
المطلب الثالث: وظيفة الدولة المسلمة. وأنَّ الحق لا يكفيه
كونه حقّاً فقط:
ذكر كثيرٌ من المفسرين أنَّ الآية الكريمة - وهي قوله -تعالى-: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ…} الآية [الحج: 41] . قد تضمَّنت الغاية الكبرى من وجود الدولة المسلمة الصالحة. وبيان الأسس والدعائم التي تقوم عليها تلك الدولة [74] .
- وأنَّ القيام بالمبادئ المذكورة والتقيد بمضمونها - هو الشرط الذي شرطه الله لمن يستحق النصر في قوله -تعالى-: {وَلَيَنْصُرنَّ الله مَنْ ينْصُرُه إنَّ الله لقويٌّ عزيز} [الحج:40] . وتلك الأسس والدعائم -كما ذُكِرَت في الآية- أربع:
الأولى: إقام الصلاة
الثانية: إيتاء الزكاة.
الثالثة: الأمر بالمعروف.
الرابعة: النهي عن المنكر.(41/332)
والكلام على أهمية هذه الأسس وما قامت به الدولة السعودية في شأنها - سيأتي - إن شاء الله.
لكن نشير إلى ناحية أخرى تعرَّضت لها الآيات - كما سبق - وهي أنَّ الحق لا يكفيه كونه حقّاً، بل لابدَّ من منافح عنه، ودافع إليه. ومِنْ ثَمَّ لم يشأ الله أن يترك الإيمان والخير عزلاً، تكافح قوى الطغيان والشر - اعتماداً على قوة الإيمان في النفوس، وتغلغل الحق في الفطر، وعمق الخير في القلوب، إلاَّ ريثما يستعدون للمقاومة، ويتهيأون للدفاع. ويتمكنون من وسائل الجهاد. وعندئذٍ أُذِنَ لهم في القتال لرد العدوان؛ لأنَّ الإيمان والخير والحق لابدَّ لها من قوة تحميها من البطش، وتقيها من الفتن، وتحرسها من كُلِّ مَنْ يريد الاعتداء عليها [75] .
ووراء ذلك كُلِّه تلك القاعدة العامَّة، وهي حاجة العقيدة إلى الدفع عنها، وأنَّ الحقَّ مهما كان نوعه لابدَّ له من نصرة ودفاع، وهذه الحقيقة عبَّر عنها القرآن الكريم بمنتهى الدقة والوضوح في قوله -تعالى-: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة: 215] وإليها يشير في هذه الآيات بقوله -تعالى-: {وَوَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} فهذه المواضع - على قداستها وتخصيصها لعبادة الله - معرَّضة للهدم والخراب، ولا يشفع لها في نظر الباطل، كونها يُذْكَر فيها اسم الله كثيراً، ولا يحميها إلاَّ دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ، أي دفع حماة العقيدة لأعدائها الذين ينتهكون حرمتها ويعتدون على أهلها، فكان من حكمة الجهاد في الإسلام، حماية العقيدة، وحرية العبادة، وتمكين المؤمنين العابدين العاملين من تحقيق منهاج الحياة القائم على العقيدة، المتصل بالله، الكفيل بتحقيق الخير للبشرية في الدنيا والآخرة [76] .(41/333)
الرابع: أنَّ تلك الصورة الكريمة والسيرة الحسنة لم تدم طويلاً:
سبق أنَّ الصورة الكريمة التي سيكون عليها المؤمنون الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق - بعد التمكين لهم في الأرض - قد تحقَّقت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام - رضوان الله عليهم، وذلك بعد أن هاجروا إلى المدينة النبوية، وتوفَّرت فيهم شروط التمكين، حيث قامت أول دولة إسلامية تحت راية لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمَّداً رسول الله.
وكان أولئك المؤمنون القائمون على أمرها، مَصابيح هدى، وينابيع رحمة للإنسانية كلها، بما يقيمون فيها من موازين الحق والعدل، وما يغرسون في آفاقها من مغارس الخير والإحسان.
فكانت سيرتهم في الحكم والرعية شعيرة إسلامية يجب الاهتداء بها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسَّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كُلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" [77] .
كما أصبحت سيرتهم في الرعية وما كانوا عليه من العدل أمنية إنسانية يود كل قائم ومسئول عن أمر المسلمين أن يسيرها ويهتدي بها أو بما يشابهها.
لكن تلك الصورة الكريمة والسيرة الطيبة التي كان عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده - لم تدُم طويلاً، لحكمةٍ يعلمها الله، وأسباب قدرها، ومنها الابتعاد عن شروط التمكين في الأرض، والإخلال بما أمر الله به.. نعم! ما برحت عوامل الضعف الذاتية، ونقم الكيد الخارجية تنهش في جسم الأمة الإسلامية بما يوهن أو يمرض عافيتها [78] .
إلاَّ أنَّ الله -تعالى- بمقتضى اسمه اللطيف، واسمه الرحيم، وقى هذه الأُمَّة من الاستئصال [79] . وقضى بقدره الحكيم بحفظ الدين إلى يوم التناد، كما قال -تعالى-: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] .(41/334)
وقال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمَّتي ظاهرين على الحق لا يضرهم مَنْ خذلهم - أو مَن خالفهم - حتى يأتي أمرُ الله" [80] .
وإنَّ المستقرئ لتاريخ هذه الأُمَّة في حقبه المتتابعة والمتفاوتة، قوةً وضعفاً، يعلم أنَّ: دولة الإسلام لم ينقطع موكبها، ولم تقف سفينتها منذ أن أقام الرسول صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام العظمى في المدينة النبوية.
فقد شهد التاريخ الإسلامي - بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلافة الراشدة - عِدَّة دول [81] . تعنى بأمر العقيدة والشريعة، وتحمي الحوزة، وتدافع عن حصن الإسلام، وإن كان ذلك لا يقاس بمعيار الخلافة الراشدة، لكن الأمر الذي لا يجوز نكرانه، هو أنَّ تلك الدول قد قامت بمسئولياتٍ كبيرة، منها:
1 - اتخاذ الكتاب والسُنَّة مصدراً للتشريع والحكم، وإن حصل تقصير في إنفاذ مقتضاهما دون الاستخفاف بالأصل أو ردّ للأمر أو جحود للأحكام.
2 - الحفاظ على كيان الأُمَّة والاستمساك بمبدأ وحدتها، ولو على ضعف في بعض الأحيان.
3 - استمرار الدعوة والفتح الإسلامي.
4 - اتصال النشاط العلمي والحضاري ونشر الثقافة الإسلامية. ولو في مستوى أقل مِمَّا هو مطلوب [82] .
وفي ذلك كله تصديق لمعنىً جليلٍ من معاني الحديث العظيم الذي مرَّ، كما أنَّ فيه دليلاً على صدق ما وعد الله به من أنَّه يخرج لهذه الأمة مَن يجدد لها دينها. كما في الحديث النبوي: "إنَّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَنْ يجدِّد لها دينها" [83] .
فلم يزل المصلحون يتتابعون على هذه الأمَّة المحمدية، كلَّما بَعُدَ العهد بواحدٍ خلفه آخر، وفاءً من الله جلَّ وعلا بهذا الوعد الحكيم: {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 9] .(41/335)
حتى وصل الأمر بالأمة الإسلامية إلى العقد الأول والثاني من القرن الرابع عشر من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكان المجدِّد فيه هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - فقد نشأ في زمن ضعفت فيه الآثار المحمدية. وضعفت المعالم الإسلامية، فلا راية إلاَّ لأهل الشرك والبدع. لهم الصولة والجولة، والعامة تبعٌ لهم. والخاصة دعاة لهم، قد ضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، لم يسلم من شباكهم إلاَّ نذر يسير. وأصبحت البدعة عندهم سُنَّة إذا غيرت قيل: غيرت السُنَّة.
فلمَّا رأى الشيخ حالهم، وعرف ضلالتهم، دعاهم إلى توحيد الله بالعبادة، وإفراده بها.
ولم يزل صابراً على ما يلقاه من أذى، داعياً إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، يسانده في ذلك - بعد عون الله تعالى - الإمام محمد بن سعود - رحمه الله -، إلى أن أتت هذه الدعوة المباركة ثمارها، وغرست غرساً طيباً ما زال الناس يعيشون في ظله، فأثمرت تلامذة يدعون إلى الحق، وكتباً تهدى إليه، فسار الطلاب بهذه الدعوة إلى كل مكان، وسارت مؤلفات الحق مسار النهار، فانشرحت صدور الموفقين لهذه الدعوة وقبلوها، ودعوا إليها، والتقت قلوبهم عليها، وإن تباعدت أقطارهم. واتضح دين الحق، وظهر أمر الله: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8] .
لكن هذه الدعوة المباركة لم تسلم من حروبٍ شرسة، شنَّها أعداؤها، أعداء الدين الذين شَرِقُوا بدعوة الحق وكرهوها، وسعوا في الإطاحة بها، والقضاء عليها، وعملوا بكل ما أوتوا من الوسائل إلى إخماد نور هذه الدعوة الإصلاحية، ولكن وسائلهم باءت بالفشل، ولم تحقق تقدماً ولم تقض لهم وطراً؛ لأنَّ نور الله باقٍ ودينه منصور.(41/336)
فحقق الله لعباده المؤمنين وعده بالنصر والتمكين في الأرض [84] على يد الإمام الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، حيث رفع راية التوحيد خفاقة، فأعزَّ الله به أهل هذه الدعوة بعد أن كانوا أذِلَّة، وأغناهم جلَّ وعلا به بعدما كانوا عالة [85] .
المطلب الخامس: في بيان العلاقة والموازنة بين دلالة الآية الكريمة وما كان عليه الحال إبان قيام المملكة العربية السعودية على يد الملك عبد العزيز:
إنَّ بيان العلاقة وعقد المقارنة بين دلالة الآيات الكريمة، وما صاحب نزولها من الظروف المتعلقة بحال العرب من الناحية الدينية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية عند مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وحال جزيرة العرب إبان قيام الدولة السعودية على يدي الملك عبد العزيز - رحمه الله - لا يتطلب كبير عناء؛ إذ المشابهة والموازنة بينهما جداً واضحة، فالجاهلية الجهلاء بالأمور الدينية، وكثرة البدع وعبادة القبور من دون الله قد كانت موجودة.
- والفوضى السياسية، واستئساد الحكم القبلي العشائري، هو الذي يتحكم في كثيرٍ من المناطق.
- والفاقة والعوز وقلة الموارد الاقتصادية هي الحالة الظاهرة.
- والتفكك الاجتماعي والأسري والتناحر بين الأخ وأخيه هو المسيطر في غالب الأحيان.
- والإخراج بدون ذنب إلاَّ أن يقول المؤمن ربنا الله، قد حصل.
- والهجرة إلى البلاد الآمنة من أجل إقامة الحق قد وقع.
- والتمكين في الأرض للمؤمنين وعودتهم إلى ديارهم منصورين قد تحقق.
- وتطبيق الشرع ومعرفة الغاية الكبرى من وجود الدولة المسلمة الصالحة، وفقه الأسس التي تقوم عليها تلك الدولة قد وجد.
- والجهاد من أجل إعلاء كلمة الله قد كان.
- فما الذي حدث، حتى عادت الحال إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين - رضوان الله عليهم - أو قريباً من ذلك؟!(41/337)
إنَّ الذي حدث فعلاً، هو العودة إلى الصورة الكريمة التي بشَّرت بها الآية، والاقتراب من شروط التمكين في الأرض التي دلَّت عليها الآيات، واستحقاق النصر الذي وعد الله به المؤمنين. كل هذه الأمور وغيرها مِمَّا يؤهل للاستخلاف في الأرض كما وعد الله قد حصل. والله لا يخلف الميعاد، وينصر مَنْ نصر دينه، ويُعْلِي مَنْ أعزَّ عقيدته، وما ذلك على الله بعزيز [86] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] المنهج القويم ص 45
[2] رواه البخاري في كتاب الأدب، باب 36 رقم 5680، وفي كتاب المساجد باب 54 رقم 467 وغيره. ومسلم في البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم ... الخ رقم 2585 – 2586.
[3] مقاييس اللغة لابن فارس 2/282، تحقيق وضبط عبد السلام هارون، ط2 مطبعة البابي الحلبي بمصر.
[4] لسان العرب المحيط 2/985 أعاد بناءه على الحرف الأول من الكلمة، يوسف خياط، دار الجبل.
[5] المعجم الوسيط 1/286، مجموعة من المؤلفين، ط 2.
[6] المعجم الوسيط 2/881، مختار الصحاح 6/2205
[7] لسان العرب، مادة (مكن) 5/516-517
[8] تاريخ المملكة، سيد محمد إبراهيم ص 153
[9] الدعوة في عهد الملك عبد العزيز 1/35-51، وظلال القرآن 17/600- 601.
[10] البحر المحيط 1/373.
[11] التيسير في أحاديث التفسير 4/177
[12] البحر المحيط 1/373
[13] التفسير الواضح 2/71، والتيسير في أحاديث التفسير 4/177، وأحكام القرآن لابن العربي، القسم الثالث، 1296-1299
[14] البحر المحيط 1/373
[15] أحكام القرآن لابن العربي، القسم الثالث 1296-1299.
[16] البحر المحيط 1/373.(41/338)
[17] ابن عباس هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وُلِد قبل الهجرة بثلاث سنين، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفهم فكان يسمى البحر والحبر؛ لسعة علمه. وقال عمر: لو أدرك ابن عباس أسنانا ما عشره منا أحد. مات سنة ثمانٍ وستين بالطائف وهو من المكثرين من الحديث. تقريب التهذيب ص 178-179، وسير أعلام النبلاء 3/331 فما بعدها.
[18] أبو بكر: هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي، أبو بكر بن أبي قحافة الصديق، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات في جمادى الأولى سنة 13هـ وعمره ثلاث وستون سنة.
تقريب التهذيب ص 181، الاستيعاب 2/243، الإصابة 2/341
[19] الترمذي: هو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي، أبو عيسى، صاحب كتاب الجامع. أحد الأئمة، ثقة حافظ، مات سنة 279هـ.
تقريب التهذيب ص 314، شذرات الذهب 2/174-175.
[20] الثوري هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي، مناقبه كثيرة، أفردها ابن الجوزي في مجلد. من تآليفه: كتاب التفسير، والجامع الكبير. توفي سنة 161هـ.
تقريب التهذيب ص 128، وتاريخ بغداد 9/151، وطبقات ابن سعد 6/371
[21] فتح القدير 3/457، وكتاب توفيق الرحمن في دروس القرآن للشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك ص 107، وانظر سنن الترمذي: كتاب تفسير القرآن حديث (3171) .
[22] فتح القدير للشوكاني 3/456، وابن جرير 7/171
[23] ابن كثير 3/224
[24] فتح القدير 3/456
[25] التيسير في أحاديث التفسير 4/178
[26] صفوة التفاسير 2/291
[27] صفوة التفاسير 2/291، وانظر تفسير ابن كثير 3/225.(41/339)
[28] أحكام القرآن لابن العربي، القسم الثالث ص 1296-1297، وابن جرير 17/171-172
[29] هو: أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الأندلسي الأشبيلي، ولد في شعبان سنة 468هـ، ختام علماء الأندلس، وآخر أئمتها وحُفَّاظها، وله عِدَّة مؤلَّفات منها: أحكام القرآن، وكتاب المسالك في شرح موطأ مالك، والعواصم من القواصم، والمحصول في أصول الفقه، وغيرها. وتوفي سنة 543هـ. طبقات المفسرين للدادي 2/167-170، طبقات المفسرين للسيوطي ص34، وفيات الأعيان 3/423
[30] أحكام القرآن لابن العربي، القسم الثالث ص 1297
[31] التيسير في أحاديث التفسير 4/178
[32] فتح القدير 3/457
[33] صفوة التفاسير 2/292
[34] ابن كثير 3/225، التفسير القرآني للقرآن - الكتاب التاسع ص 1044
[35] هو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري، أبو أمامة، شاعر جاهلي، من الطبقة الأولى. كانت تضرب له قبة في سوق عكاظ فتقصده الشعراء وتعرض عليه أشعارها.
طبقات ابن سلام ص51، الأعلام 3/54-55، الشعر والشعراء ص87 وما بعدها.
[36] ديوان النابغة ص 39. وفتح القدير 3/225
[37] فتح القدير 3/457
[38] هو: إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن درع. الحافظ، عماد الدين أبو الفداء، ولد سنة 701هـ، وتوفي سنة 774هـ، له عِدَّة مؤلفات منها: التفسير، والبداية والنهاية، والأحكام على أبواب الفقه، وغيرها. طبقات المفسرين للداودي 1/111-113، الدرر الكامنة 1/399.
[39] ابن كثير 3/226
[40] ابن كثير 3/226
[41] البحر المحيط 6/374-375
[42] ابن كثير 3/226
[43] صفوة التفاسير 2/292
[44] فتح القدير 3/457
[45] أحكام القرآن لابن العربي، القسم الثالث ص 1297(41/340)
[46] البحر المحيط 6/376، تفسير النووي لمراح لبيد 2/56
[47] البحر المحيط 6/376، تفسير النووي لمراح لبيد 2/56، التفسير القرآني للقرآن، الكتاب التاسع ص 1046-1047
[48] هو: عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أمير المؤمنين، ذو النورين، أحد السابقين الأولين، وثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، استشهد في ذي الحجة سنة 35هـ، وكانت خلافته اثنتى عشرة سنة، وعمره ثمانون سنة.
تقريب التهذيب ص 235، الإصابة 2/455، الاستيعاب مع الإصابة 3/69
[49] انظر: البحر المحيط 6/376، والطقاء: جمع طليق وهو الأسير الذي خلى سبيله. ترتيب القاموس، مادة طلق. ومختار الصحاح ص:396.
[50] انظر: البحر المحيط 6/376
[51] انظر: البحر المحيط 6/376
[52] هو: الحسن بن أبي الحسن يسار، أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت الأنصاري ولد بالمدينة لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ثُمَّ نشأ بوادي القرى، وقرأ القرآن على حطان الرقاشي، وروى عن خلف، من التابعين، له ترجمة مطولة في سير أعلام النبلاء 4/563 رقم الترجمة 223، وشذرات الذهب 1/136، وطبقات المفسرين للداودي 1/150. ومن مؤلفاته: التفسير، وكتابه إلى عبد الملك بن مروان في الرد على القدرية. توفي سنة 110هـ.
[53] هو: رُفَيْع - بالتصغير - بن مهران، أبو العالية الرياحي - بكسر الراء والتحتانية - ثقة كثير الإرسال، من الثانية، مات سنة 90هـ. له تفسير رواه عنه الربيع بن أنس البكري.
تقريب التهذيب ص 154، طبقات المفسرين للداودي 1/178-179
[54] البحر المحيط 6/376
[55] هو: عبد الله بن أبي نجيح، الإمام الثقة المفسر. أبو يسار الثقفي المكي، واسم أبيه يسار، مولى الأخنس بن شريف الصحابي، وهو من أخص الناس بمجاهد، توفي سنة 131هـ.(41/341)
تقريب التهذيب ص 191، سير أعلام النبلاء 6/125-126، شذرات الذهب 1/182، طبقات المفسرين للداودي 2/258، تقريب التهذيب ص 191
[56] هو: الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو القاسم الخرساني المفسر، يروي تفسيره عنه عبيد بن سليمان، وهو صدوق كثير الإرسال، مات بعد المائة.
انظر: طبقات المفسرين للداودي 1/222، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي 1/124، سير أعلام النبلاء 4/598-599
[57] فتح القدير 3/358
[58] المرجع السابق 3/358
[59] لم أعثر على ترجمته.
[60] هو: عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي أمية، أمير المؤمنين، أمُّه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ولي إمرة المدينة...... وكان مع سليمان كالوزير، وولي الخلافة بعده، فعُدَّ من الخلفاء الراشدين، وروى له الجماعة، كان عادلاً في رعيته وأعادها إلى عهد الخلفاء الراشدين، فلذا عُدَّ الخليفة الخامس، مات رحمه الله سنة مائة وواحد 101هـ.
تقريب التهذيب ص 255، شذرات الذهب 1/119.
[61] المبزوزة: من بزّ قرينه، بزّاً، وبزّة، غلبه. والشي نزعه وأخذه بجفاء وقهر.
انظر: تفسير ابن كثير 3/226، توفيق الرحمن في دروس القرآن 3/107، المعجم الوسيط 1/54
[62] هو: عطية بن سعيد بن جنادة الجدلي العوفي الكوفي، أبو الحسن، صدوق يخطئ كثيراً، مدلساً من الثالثة، مات سنة إحدى عشرة.
تقريب التهذيب ص240، شذرات الذهب 1/144
[63] هو: زيد بن أسلم العدوي، مولى عمر، أبو عبد الله، أو أبو أسامة المدني، ثقة عالم. وكان يرسل، من الثالثة، مات سنة 136هـ. كانت له حلقة للفتوى والعلم بالمدينة، له تفسير القرآن يرويه عنه ابنه عبد الرحمن.
تقريب التهذيب ص 111-112، شذرات الذهب 1/194، سير أعلام النبلاء 5/316
[64] فتح القدير 3/458، ابن كثير 3/226، زاد المسير 5/437(41/342)
[65] هو: محمد بن جرير الطبري، الإمام الحبر، صاحب التفسير المشهور والتاريخ والمصنفات الكثيرة، سمع إسحاق بن إسرائيل ومحمد بن حميد الرازي وطبقتهما، وكان مجتهداً لايقلد أحداً، أثنى العلماء على تفسيره وعدوه من أفضل التفاسير. كانت ولادته سنة أربعٍ وعشرين ومائتين بآمل طبرستان، ووفاته في بغداد سنة 310هـ. شذرات الذهب 2/260
[66] تفسير ابن جرير 17/179، صفوة التفاسير 2/292
[67] ابن جرير 17/179
[68] المرجع السابق 17/179
[69] التفسير القرآني للقرآن، الكتاب التاسع (9/1047-1048) .
[70] المرجع السابق.
[71] المرجع السابق ص 1048
[72] أحكام القرآن لابن العربي 6/376، وانظر ص 29 من البحث.
[73] البحر المحيط 6/376
[74] مجموع الفتاوى لابن تيمية 28/242، الدعوة في عهد الملك عبد العزيز 1/205-206، التيسير في أحاديث التفسير 4/181-182، التفسير الواضح 2/71-72، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير 3/164، المنهج القويم ص 40
[75] في ظلال القرآن 17/602، التيسير في أحاديث التفسير 4/179-180، التفسير الحديث 7/106-107، التفسير الواضح 2/71، التفسير القرآني للقرآن 17/1042-1044
[76] المراجع السابقة.
[77] رواه أبو داود، كتاب السُنَّة، حديث رقم (4067) . والترمذي في كتاب العلم، باب (16) حديث رقم (2676) . والإمام أحمد (4/126-127) . وابن ماجه في المقدمة 6: باب اتباع سُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، حديث (4342) .
[78] المنهح القويم ص 25
[79] لقوله – تعالى -: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الأنفال:33) .(41/343)
[80] أخرجه الإمام أحمد (5/284،283،78) ، وأبو داود، حديث رقم (4252) وابن ماجه برقم (3952) ، وابن حبان في صحيحه. انظر موارد الظمآن ص 458، ومناهج العلماء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للسامرائي ص 255
[81] مثل: الخلافة الأموية من 42-132، والخلافة العباسية، والدولة العثمانية، والدولة السعودية قبل الملك عبد العزيز. المنهج القويم ص 26
[82] المنهج القويم ص 26
[83] أخرجه أبو داود في الملاحم 2/424 وقال عنه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - حفظه الله: "هذا حديث إسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات. وقد صحَّحه الحاكم، والحافظ العراقي، والعلاَّمة السخاوي، وآخرون". وصحَّحه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 599.
وانظر: الفواكه العذاب في معتقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 6
[84] قال -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 55) .
[85] الدعوة في عهد الملك عبد العزيز (1/15-17) ، المنهج القويم في الفكر والعمل ص 21-27، الفواكه العذاب في معتقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 6-7
[86] انظر ما سبق ص 42 من هذا البحث. والمقصود: أن معنى الآية الكريمة قد تحقق في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم.(41/344)
تابع لدعائم التمكين للمملكة العربية السعودية
الفصل الثاني
في
ماهية الدعائم، وبيان أهميتها
وفيه مباحث:
الأول: في الدعامة الأولى: (إقام الصلاة) .
الثاني: في الدعامة الثانية: (إيتاء الزكاة) .
الثالث: في الدعامتين الثالثة والرابعة: (الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) .
المبحث الأول: في الدعامة الأولى (إقام الصلاة) :
وفيه مطالب:
الأول: ماهية الصلاة
الثاني: أهميتها.
الثالث: في المقصود بإقامة الصلاة على ضوء الآية الكريمة.
المطلب الأول: ماهية الصلاة:
أولاً: الصلاة في اللغة:
اختلف علماء اللغة في أصل الصلاة:
فقيل: الصلاة الركوع والسجود.
وقيل: أصل الصلاة الدعاء مأخوذة من (صَلَّى) يُصَلِّي إذا دعا. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دُعِيَ أحدكم فليُجِب، فإن كان صائماً فليُصَلِّ، وإن كان مفطِراً فليَطْعَم" [1] . فقوله: (فليُصَلِّ) يعني فليدع لأرباب الطعام بالبركة والخير [2] .
ومنه قوله الأعشى: [3]
نوماً فإن لجنب المرء مضطجعاً
عليك مثل الذي صَلَّيْت فاغتمضي
أي: عليك مثل دعائك [4] .
وقيل: أصلها التعظيم وسُمِّيَت الصلاة المخصوصة صلاةً لما فيها من تعظيم الرب تعالى [5] .
وقيل: الأصل في الصلاة اللزوم، يقال: قد صَلِىَ واصطلى إذا لزم، ومن هذا مَن يُصْلَى في النار أي يلزم النار [6] .
هذه أشهر الأقوال التي قيلت في أصل الصلاة لغةً [7] .
ثانياً: الصلاة شرعاً:
عرَّفها العلماء بأنها: أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم [8] .
وأرادوا بالأقوال: القراءة، والتكبير، والتسبيح، والدعاء، ونحوه.
وبالأفعال: القيام، والركوع، والسجود، والجلوس، ونحوه [9] .(41/345)
وإذا نظرنا إلى معنى الصلاة لغةً وشرعاً، وجدنا الصلة بينهما وثيقة؛ فالدعاء، واللزوم، والتعظيم. كلها معانٍ موجودة في الصلاة بمعناها الشرعي، وأُطْلِقَت على الصلاة، كلها من باب تسمية الشيء ببعض أجزائه. وإن كانت مأخوذة من "الصَّلْوَين"فهما موضعان في الإنسان يقوم عليهما الركوع والسجود، فلا ركوع ولا سجود بلا تحريك لهما، فأخذ اسم الصلاة منهما، كما أخذ اسم البيع من "الباعين"اللذين يمدهما البائع والمشتري [10] .
ثالثاً: الصلاة في القرآن:
لم يقصر القرآن الكريم إطلاق لفظ "الصلاة" على الصلوات الخمس المفروضة؛ بل أطلقه عليها وعلى غيرها، كما لم يقصر التعبير عن الصلاة المفروضة على لفظ "الصلاة"وحدها؛ بل عبَّر عن الصلاة المفروضة بألفاظ أخرى غير لفظ "الصلاة":
ففي المجال الأول: جاء لفظ "الصلاة"في القرآن مراداً به عِدَّة معانٍ:
الأول: الصلاة بمعنى الدعاء [11] ، -قال تعالى-: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] أي ادع لهم.
الثاني: بمعنى الاستغفار [12] ، قال -تعالى-: {وَصَلَوَاتِ الرَّسُول}
[التوبة: 99] أي استغفاره لهم.
الثالث: بمعنى بيوت الصلاة أو الكنائس [13] ، قال -تعالى-: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} [الحج:40] .
الرابع: بمعنى الإسلام، قال -تعالى-: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى}
[القيامة: 31] أي: ولا أسلم [14] .
الخامس: بمعنى الدين [15] ، قال -تعالى-: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ}
[هود: 87] .
السادس: بمعنى القراءة [16] ، قال -تعالى-: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِك}
[الإسراء: 110] أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن [17] .
السابع: بمعنى الصلاة الشرعية [18] أو الصلوات الخمس، قال -تعالى-:(41/346)
{وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [البقرة: 2] . قال ابن الجوزي -رحمه الله- تعالى: "وكذلك كل صلاة قُرِنَت بذكر الزكاة" [19] .
الثامن: الصلاة بمعنى صلاة الأمم الماضية [20] ، قال -تعالى-: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ والزكاة} [مريم: 31] .
وهذا بالنسبة لإطلاق لفظ الصلاة في القرآن على معانٍ متعددة ومنها المعنى الشرعي.
كما عبَّر القرآن عن الصلاة بألفاظٍ أخرى غير لفظ "الصلاة" ومنها:
الأول: عبَّر عن صلاة الجمعة بلفظ الذكر [21] ، قال -تعالى-: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] ، وكذلك صلاة العصر على لسان سليمان عليه السلام: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} [ص: 32] ، وعبَّر عن الصلوات الخمس بالذكر أيضاً، قال -تعالى-: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة: 239] أي: صلوا الصلاة كاملة بدون نقص [22] .
الثاني: التعبير عن الصلاة بلفظ الاستغفار. قال -تعالى-: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18] أي: يصلون؛ لأنَّ في الصلاة سؤال المغفرة [23] .
الثالث: التعبير عن الصلاة بلفظ الركوع [24] ، قال -تعالى-: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] أي: صلوا [25] .
الرابع: التعبير عن الصلاة بلفظ الإيمان [26] ، قال -تعالى-: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] .
الخامس: التعبير عن الصلاة بلفظ الحسنات [27] ، قال -تعالى-: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] أي الصلوات [28] .
تلك بعض المعاني التي يشملها لفظ الصلاة في القرآن، وهذه بعض الألفاظ التي عبر بها القرآن الكريم عن الصلاة.
وحين نتأمل في هذا التعبير القرآني ندرك اهتمام القرآن بالصلاة وتفخيمه لشأنها لفظاً ومعنى.(41/347)
فإذا قيل: علة اهتمام القرآن بأجزاء الصلاة وإطلاقها على كل الصلاة ظاهرة لا تخفى، فما عِلَّة اهتمامه باسم (الصلاة) وإطلاقها على غيرها؟
فالجواب: إنَّ المتأمل في المعاني التي أطلق عليها لفظ الصلاة يجدها لا تعدو أربع حالات:
الأولى: استعمال كلمة (الصلاة) في معناها الأصلي (الدعاء) ، ومنه الاستغفار.
الثانية: إطلاق الكل على البعض، مثل إطلاق الصلاة على صلاة الخوف.
الثالثة: إطلاق الصلاة على بيوت الصلاة.
الرابعة: إطلاق لفظ الصلاة على غيرها؛ لإظهار الصلة الوثيقة بين المعنيين وجعل اللفظ (الصلاة) بمثابة الرباط القوي بينهما، الذي يجعلهما – كالشيء الواحد الذي لا ينفصل بعضه عن بعض – كإطلاق لفظ الصلاة على الدين في: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ} [29] أو على الإسلام في: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} [30] أي: ولا أسلم. وفي هذا بلا شك كشف للتلازم بين الصلاة والدين، أو الصلاة والإسلام، أو إطلاقها على المغفرة في قوله -تعالى- {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} [31] ، أو على الرحمة في قوله -تعالى-: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَة} [32] .
وفي هذا إشارة هامة إلى أثرين من آثار الصلاة على العباد، وكأنَّ المغفرة والرحمة لازمتان من لوازم الصلاة المقبولة لا ينفكان عنها. ولذلك ورد في الحديث: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن" [33] .
ولو لم يكن في استعمالات القرآن كلها للفظ الصلاة إلاَّ إطلاقه لها على الدين والإسلام لكفى بهما بياناً لمفهوم الصلاة في القرآن الكريم، حيث جعلهما كالشيىء الواحد الذي لا ينفصل بعضه عن بعض.
وهذا المعنى ظاهر في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" [34] .
وحديث: "إنَّ العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" [35] .(41/348)
فأي تلازم بين الصلاة والإسلام أكثر من هذا؟! وكفى بهذا المفهوم للصلاة في القرآن بياناً [36] .
والذي يهمنا في هذا أنَّ الصلاة أُطْلِقَت في القرآن الكريم على الدين وعلى الإسلام، وعلى الإيمان.
وقد جاء في الآية التي هي موضوع البحث {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ ... } الآية.
وسبقتها الآية الكريمة: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} وهذا معنى الإيمان.
فلو حُمِلَت الصلاة في الآية التي هي موضوع البحث على الإيمان، أو الدين، أو الإسلام، لم يكن في ذلك بُعْد؛ لوجود التلازم بين هذه الأمور في الاصطلاح الشرعي.
ولو قيل: إنَّ الصلاة في الشرع من الأمور التي إذا اجتمعت افترقت وإذا افترقت اجتمعت، كالإسلام والإيمان. لم أر في ذلك بعْداً أيضاً. وهذا الأمر هو الذي دعاني لذكر المعاني التي جاء القرآن بها للفظ الصلاة. أو التعبير عن الصلاة بما هو من لوازمها أو ثمراتها.
فيكون معنى الآية الكريمة: الذين إنْ مكَّناهم في الأرض أقاموا الإسلام، أو أقاموا الدين، أو أقاموا الإيمان. وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم، وكذلك السلف الصالح من بعدهم؛ لأنَّ من لوازم إقامة الصلاة الشرعية العمل بالإسلام.
ولأنَّ الإيمان قولٌ وعمل، فالقول وُجِدَ من المهاجرين في مكَّة؛ ولذا قال -تعالى-: {إِلاَّ أَنْ يَقُولُواْ رَبُّنَا الله} . وأمَّا العمل الكامل بالإسلام فلَمَّا مكَّنهم اللهُ في الأرض، أمرهم في مقابل هذا التمكين أن يأتوا بحق الإيمان، وحق الإسلام، وحق الدين كاملاً، وحق الأخوة الإسلامية كاملاً؛ لعدم العذر.
المطلب الثاني: أهمية الصلاة:(41/349)
1 - للصلاة منزلة في الإسلام، لا تصل إليها أية عبادة أخرى، فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلاَّ به، كما جاء في الحديث: " ... ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟ " قلت: "بلى يا رسول الله". قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد ... " [37] .
2 - وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، بها يفرق بين المسلم
والكافر، فهي مظهر للإسلام، وعلامة للإيمان، وقرة عين وراحة ضمير.
وتأتي منزلتها بعد الشهادتين، لتكون دليلاً على صحة الاعتقاد وسلامته، وبرهاناً على صدق ما وقر في القلب، وتصديقاً له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمَّداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت" [38] . كما أنَّ الصلاة تتقدم على جميع أركان الإسلام بعد الشهادتين؛ لمكانتها وعظيم شأنها، فهي أول عبادة فرضها الله على عباده في مكَّة، وأول عبادة تكتمل بالمدينة. كما جاء في الحديث: "فرضَ اللهُ الصلاةَ حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأُقِرَّت صلاة السفر وزيد في الحضر" [39] .
3 - ومِمَّا يدل على مكانة الصلاة في الإسلام: طريقة فرضيتها؛ إذ أنَّ كُلَّ العبادات تُفْرَض على الأُمَّة بطريق الوحي بواسطة جبريل عليه السلام. أمَّا الصلاة ففُرِضَت بدون واسطة، بل بالإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم نفسه إلى السماوات العلا حين لقي ربه في أسمى منزلة وأعظم لقاء، حيث تلقَّى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من ربه هذا التكليف العظيم.(41/350)
4 - ومِمَّا يدل على مكانة الصلاة ومنزلتها العظمى: اشتراك الشرائع السماوية فيها. فقد جاءت آيات كثيرة، وفي مواضع متعددة، تدل على أنَّ الصلاة مِمَّا تشترك فيه الشرائع السماوية، ومِمَّا كان يوصي به الله أنبياءه ويوصي به الأنبياءُ أهليهم وأقوامهم. قال الله -تعالى- في شأن إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [40] . ووصف الله إسماعيل عليه السلام بقوله: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [41] . وأمر الله سبحانه نبيه موسى عليه السلام بقوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [42] . ووصف الله -سبحانه وتعالى- عبده زكريا بقوله: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب} [43] . ولقمان عليه السلام يوصي ابنه وصيته الخالدة وفيها: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [44] . بل المساجد الثلاثة تشهد بذلك، فالمسجد الحرام في مكة بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. والمسجد الأقصى بناه نبيّ الله سليمان بن داود عليهما السلام بأمرٍ من الله عزَّ وجلَّ [45] . وبنى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة بعد الهجرة. والمساجد إنَّما تبنى للصلاة.
إذاً فالصلاة هي القاعدة التي يقوم عليها الدين الذي جاء به الأنبياء عليهم السلام. ألا وهو الدين الإسلامي بمعناه العام.
5 - ومما يدل على مكانة الصلاة - أيضاً - أنَّها لا تسقط بحال، وإنَّما تخفف أركانها وعدد ركعاتها على العبد*، وكذلك النداء لها بنداء خاص أصبح شعيرة من شعائر الإسلام، وعلامة مميزة للمسلمين. وهو الأذان.(41/351)
6 - وكذلك الطهارة للصلاة والأمر ببناء المساجد لها، مِمَّا يدل على مكانة الصلاة وعظم شأنها، فدوام الصلاة واطرادها على اختلاف الأحوال والأزمنة صفة تميزها عن غيرها من التكاليف العملية. فعامَّة التكاليف غير التعبدية - كالصلاة والصوم والحج* - منوطة بمصالح معينة تدور معها، فتثبت برجاء المصلحة، وترتفع بانتفائها أو نفادها.
وأمَّا أركان الإسلام المتقدمة فهي واجبات عينية، وحقوق لله لا تتخلف؛ ولكن الصلاة من بين تلك الأركان تتميز بصفة الدوام؛ لأنَّ الصوم لا يجب إلاَّ على المستطيع. والحج لا يلزم إلاَّ على من وجد إليه سبيلاً. والزكاة لا يخرجها إلاَّ مَنْ ملك النصاب. أمَّا الصلاة فلا تسقطها أعذار الطاقة، وإنَّما تخفف أركانها لرفع الحرج، ويبقى أصلها لئلا تتخلَّف معانيها الجليلة [46] .
7 - والصلاة تكاد أن تكون جماعاً لأركان الإسلام؛ وذلك لاشتمالها على الشهادتين في التشهد الأول والأخير. والصلاة زكاة يومية، فالمصلي يبذل من وقته لأداء الصلاة، في حين يحتاج إلى هذا الوقت لأداء عمل يستفيد منه في تحصيل المال الذي سيزكي عنه. فعندما يصلي ينفق من وقته الذي هو أصل المال. فكما أنَّ الزكاة طهرة للمال، فكذا الصلاة طهرة للأوقات، وطهرة للإنسان مِمَّا يرتكبه من معاصي في أوقاته: " أرأيتم لو أنَّ نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً، ما تقول ذلك يبقى من درنه؟ ". قالوا: "لا يبقى من درنه شيئاً" قال: "فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا" [47] .
بل تتعدى الصلاة هذا المعنى لتكون تمهيداً للنفس وإعداداً لها لتتخلَّص من البخل والأنانية، فالصلاة [48] وما فيها من إقرار لله بالربوبية*، وما تشتمل عليه من خضوع لله، وقيام وركوع وسجود. هي ترويض للنفس، وإذلال كبريائها، وجعلها طيعة لقبول الأوامر الإلهية والعمل بها.(41/352)
ومن هنا نلمح اقتران ذكر الصلاة بالزكاة في أكثر الآيات التي أمرت بالزكاة. ويأتي الأمر بالزكاة بعد الأمر بالصلاة، قال الله -تعالى-: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [49] ، {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} [50] ، {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ} [51] .
والصلاة بعد ذلك أقوالٌ وأفعالٌ مخصوصة، تصوم فيها نفس الإنسان وجوارحه عن جميع المخالفات التي تفسد تمامها وكمالها.
ويتوجه المصلي في صلاته شطر المسجد الحرام، قال -تعالى-: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [52] . وهو في أداء هذا الركن من الصلاة بتوجهه إلى
البيت، يشترك مع ركن الإسلام الحج من طرف.
8 - والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهي تعالج النفس البشرية من نوازع الشر حتى تصفو من الرذائل، ويبتعد صاحبها عن كُلِّ منكر. قال -تعالى-: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [53] .
9 - وللصلاة آثارٌ تربوية، فهي تربي النفس على طاعة الخالق، وتعلِّم العبد آداب العبودية، وواجبات الربوبية، بما تغرسه في قلب صاحبها من قدرة الله وعظمته، وبطشه وشدته، ورحمته ومغفرته.. كما تحليه وتجمله بمكارم الأخلاق لسموها بنفسه عن صفات الخسة والدناءة، فإذا فتَّشْتَ عن آثار الصلاة فيه وجدته صادقاً أميناً متواضعاً عدلاً. ينأى عن الكذب والخيانة والطمع والغدر والكبر والظلم [54] .(41/353)
وعندما يتجه المصلون في أنحاء الدنيا إلى القبلة، يشعر المسلم بالتآلف والوحدة، ونبذ الفرقة. فكلُّ المسلمين عبيدٌ لله، إلههم واحد، وقبلتهم واحدة، ودينهم واحد. لا فرق بين غني وفقير، وعظيم وحقير. يتوخى المسلم الاستقامة في استقبال بيت الله، فلا يحيد ولا يميل، وبذلك يتربى على العدل في جميع أمور حياته، والحكمة بوضع كل شيىء موضعه.
يعيش آلام إخوانه المسلمين جماعة المسجد وآمالهم، فيصبح عنصراً فعالاً في جماعته ومجتمعه، تعوِّده الصلاة على الدقة في الموعد، والحرص على الوقت. تنظم له أوقاته فيتعوَّد على النظام في جميع أموره، ويتبع الإمام، فيتدرَّب على الطاعة والالتزام [55] .
10 - والصلاة أهم ركن في الإسلام بعد الشهادتين، وأول ما يحاسب عليه العبد. ولهذا نجد القرآن الكريم يصور حال أهل النار عندما يُسْأَلُون عن سبب ما هم فيه من عذاب فيقولون: لم نكن من المصلين. قال -تعالى-: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [56] .
فالصلاة أول عمل كفر به أولئك المكذبون. وأول ما يندمون على تضييعه يوم القيامة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإنْ صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله" [57] .
ولما للصلاة من الفضل العظيم بعد الشهادتين، كانت آخر وصية أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّته، فعن أم سلمة رضي الله عنها [58] قالت: "كان من آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم" [59] .
والصلاة آخر ما يفقد من الدين؛ فإذا ضاعت ضاع الدين كله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" [60] .(41/354)
لهذا ينبغي أن يفقه المسلم مكانة الصلاة في الإسلام، وأن يحرص على أدائها في أوقاتها. كاملةً أركانها وشروطها، وأن يقيمها كما أمر الله بها. وما ذُكِرَ من الأدلة على مكانة الصلاة، إنَّما هو بعض الأدلة، وإلاَّ فمكانة الصلاة في الإسلام لا يمكن الإحاطة بأدلتها ومواضع الاهتمام بها، وبيان آثارها ومزاياها. لأنَّها تشترك مع أصول الدين الإسلامي من حيث تبادل الأسماء، فتارة تطلق الصلاة على الدين، وتارة يطلق الدين على الصلاة، مِمَّا يؤكِّد التلاحم بينهما كأنَّهما شيء واحد.
المطلب الثالث: في المقصود بإقام الصلاة على ضوء الآية الكريمة:
قال الراغب الأصفهاني [61] في مفرداته: "وإقامة الشيء توفيته حقه" ثُمَّ قال: "ولم يأمر الله تعالى بالصلاة حينما أمر، ولا مدح بها حينما مدح، إلاَّ بلفظ الإقامة تنبيهاً أنَّ المقصود منها توفية شرائطها لا الإتيان بهيئاتها" [62] .
ومن هنا ندرك أنَّ إقامة الصلاة في القرآن أمر زائد على مجرَّد فعل الصلاة. فالصلاة هي حركة الأجساد الخاصة من قيام وقعود وركوع وسجود ودعاء وتسبيح وتكبير وتحميد ونحو ذلك. وبها يعتد في أحكام الدنيا.
أمَّا تمامها الذي يحصل به الثواب فهو إقامتها بحضور القلب فيها. ومن هنا يحصل التفاوت بين المصلين مع أنَّ الحركات الظاهرة واحدة شكلاً وزمناً، لكنها تختلف وتتباين في حضور القلب والخشوع. فليس للعبد من صلاته إلاَّ ما عقل منها وحضر قلبه فيها.
وهذا ما يؤكد أنَّ حضور القلب في الصلاة هو روحها ولبها، وبقدر حضور القلب فيها تكون إقامتها. فإذا تجرَّدت من حضور القلب لم تقترن في القرآن الكريم بلفظ الإقامة.(41/355)
وقد سبق أنَّ مِمَّا يدل على مكانة الصلاة كونها تأتي بعد الشهادتين. فهي الركن الثاني من أركان الإسلام - كما في الحديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله لمن استطاع إليه سبيلاً" [63] .
والحكمة من ذلك كونها دليلاً على صحة الاعتقاد وسلامته، وبرهاناً على صدق ما وقر في القلب، وتصديقاً له.
وسبق أيضاً أنَّ الصلاة تأتي بمعنى الإيمان، وخاصّةً في الآية التي هي موضوع البحث، وأنَّها تشتمل على الشهادتين في التشهد الأول والأخير، وتطلق على الإسلام، والدين - كما سبق - وأنَّها الفارق بين الإيمان والكفر. وأنَّها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتشتمل على جميع أركان الإسلام الخمسة بطريق التلازم. فإقامتها تعني توفية حقوق هذه المعاني - كما تعنى - أداءها كاملة بأقوالها وأفعالها، في أوقاتها المعينة لها شرعاً. فلو نقص المصلي شيئاً من ذلك لم يكن مقيماً لصلاته وإنْ أتى بهيئاتها الظاهرة.
ومِمَّا يدل على ذلك وأنَّها تستلزم الإيمان والزكاة والدين كله:
أنَّ الإيمان في الشرع قولٌ باللسان، واعتقادٌ بالجنان، وعملٌ بالأركان. وكذلك الصلاة أقوال واعتقاد وعمل بالأركان.
وأمَّا استلزامها للزكاة فقد سبق بيانه، وأنَّ أداء الصلاة كاملة بحقوقها يستلزم أداء الزكاة ودفعها لمستحقيها.
وأمَّا كونها تستلزم الدين كله، فلأمور منها:
أولاً: أنَّها الفارق بين الكفر والشرك والإيمان: "بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة" [64] .
ثانياً: مشروعيتها في جميع الشرائع - كما سبق - وهذا مِمَّا اتفقت عليه جميع الأديان، فهي بمعنى التوحيد، أو تتضمن معناه. فإقامتها تستلزم إقامة الدين كله، والنقص فيها نقص في الدين.(41/356)
ولَمَّا كان من لوازم إقامتها حضور القلب، والخشوع فيها، وهذا يتطلب أموراً يجب الإتيان بها، فإنَّ من تلك الأمور ما يأتي:
الأمر الأول: تحقيق معنى التوحيد الذي دلَّت عليه الصلاة، وهو الهدف العام الذي سبقت الإشارة إليه في هذه الدعامة.
الأمر الثاني: معرفة ما تتوقف عليه صحتها. وفيه النقاط التالية:
1 - تأديتها كاملة بأركانها وشروطها وواجباتها وسننها.
2 - إقامة الصلاة بالنهي عن تركها أو التساهل فيها.
3 - إقامة الصلاة بتعيين الأئمة العالمين بما تصح به إقامتها.
4 - إقامتها ببناء مواضعها والمحافظة عليها وتوفير كل ما يلزم لذلك من فرش وتنظيف وتهوية وإنارة وغير ذلك.
المبحث الثاني: في الدعامة الثانية (إيتاء الزكاة) :
وفيه مطالب:
الأول: في ماهية الزكاة.
الثاني: في أهمية الزكاة.
الثالث: في الحكمة من تشريع الزكاة على ضوء الآية الكريمة.
المطلب الأول: في ماهية الزكاة:
أ - الزكاة في اللغة:
الزكاة في اللغة مشتركة بين الطهارة والنماء والبركة والمدح.
قال -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا..} [التوبة: 103] ، وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] ، أي طهرها من الآثام.
وفي معنى النماء والبركة جاء قوله -تعالى-: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم:39] .
ويقال: زكا الزرع يزكو زكاةً إذا نما. وكل شيء ازداد فقد زكا وزكت النفقة إذا بورك فيها، وفلانٌ زاكٍ أي كثير الخير [65] .
وبمعنى المدح جاء قوله -تعالى-: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ... } [النجم: 32] أي فلا تمدحوها على سبيل الفخر والإعجاب.(41/357)
والزكاة - أيضاً - الصلاح، ومنه قوله -تعالى-: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً} [الكهف: 81] .
وتطلق الزكاة على معانٍ أخرى منها: النفقة، والعفو، والحق. وهذه المعاني تدور حول الزكاة بمعناها العام.
وأمَّا إطلاقها بمعناها الخاص، فهي تأتي بمعنى إعطاء الصدقة. وتطلق على الصدقة نفسها واجبة أو مندوبة [66] .
ب - وفي الشرع:
حق واجب في مال مخصوص في وقت مخصوص لتحقيق رضى الرب تعالى. وتزكية النفس والمال والمجتمع [67] . وهذا التعريف - كما سيأتي - يتضمن أهم أهداف الزكاة.
جـ – وإذا نظرنا إلى المعنى اللغوي للزكاة، والمعنى الشرعي لها، وجدنا المناسبة بينهما قوية الصلة موجودة، ذلك أنَّ معاني الزكاة في اللغة وهي: الطهارة، والنماء، والمدح، والصلاح، كلها موجودة في المعنى الشرعي، لأنَّها تطهر مؤديها من الذنوب، ومن صفة البخل، والمال بإنفاق بعضه وتنميته بالخلف، ويمدح بها الفاعل ويثنى عليه بالجميل. قال -تعالى-: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39] ، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 4] .
المطلب الثاني: في أهمية الزكاة:
سبق أنَّ بَيْنَ الصلاة والزكاة تلازماً وثيقاً، حيث قرنت الزكاة بالصلاة في كثيرٍ من النصوص الشرعية، مِمَّا يدل على اتفاقهما وشدة اتحادهما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى أصبحا كالشيىء الواحد الذي لا ينفك بعضه عن بعض، وذلك لاتحاد هذين الركنين العظيمين من أركان الإسلام، في الأهداف والغايات السامية التي جمعت بينهما.(41/358)
وقبل أن نبين أهمية الزكاة ومكانتها في الإسلام، لابُدَّ أن نشير إلى أنَّ الإنسان قد عرف الفقر والحرمان منذ زمن بعيد [68] . وذلك لحكمة يعلمها الله تعالى، حيث لم يسوِّ بين خلقه في الرزق، فهناك الغني والفقير، ولم يفلح الداعون لعلاج هذه المشكلة في مختلف العصور لانتشال الفقراء من وضعهم، كما لم يفلحوا في كسب عطف الأغنياء وبذلهم على الفقراء بدون مَنٍّ أو فضل.
وبالرجوع إلى القرآن وحديثه عن الشرائع السابقة على الإسلام، نجد أنَّها دعت إلى البر بالفقراء، والعطف على الضعفاء، والإحسان إليهم والأخذ بأيديهم [69] . قال تعالى في شأن إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73] .
وقال عن إسماعيل عليه السلام: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً. وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم: 54-55] .
وقال عن ميثاق بني إسرائيل: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} [البقرة: 83] .
وقال في شأن أهل الكتاب عامَّة [70] : {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة} [البينة: 5] .(41/359)
وبالنظر في هذه الآيات التي تتحدث عن عناية الشرائع السابقة في علاجها لمشكلة الفقر، ومكانة الزكاة في تلك الشرائع - كوسيلة من وسائل العلاج الناجع - يظهر لنا عدة أمور:
الأمر الأول: أنَّ الآيات السابقة لا تعدو أن تكون ترغيباً في الإحسان والعطف، وترهيباً من الأنانية والبخل، ودعوة صريحة إلى التصدق عن طواعية واختيار، وليس فيها إلزام بحيث يشعر التارك للزكاة بأنَّه محاسب ومعاقب في الدنيا والآخرة.
الأمر الثاني: لم تحدد النصوص الأموال التي تجب فيها الزكاة، ولا شروط الزكاة، ولا مَنْ تُدفع إليه الزكاة، بل أبهمت ذلك كله مِمَّا يتعذَّر معه جباية الزكاة وتوزيعها.
الأمر الثالث: وكلت النصوص السابقة موضوع الزكاة إلى الأفراد،
ولم تلزم الدولة بجبايتها وتوزيعها على مستحقيها.
الأمر الرابع: لا يفهم من النصوص السابقة حل مشكلة الفقر حلاًّ جذرياً والقضاء عليه والأخذ بيد الضعفاء والمحتاجين إلى حد الاكتفاء، بحيث لا يمدون يد الحاجة إلى الأغنياء، بل يفهم منها التخفيف من ويلات الفقراء والتقليل من بؤسهم مع بقاء المشكلة.
وهذا يعني بقاء الضعفاء والمحتاجين تحت رحمة الأغنياء ومِنَّتهم - إذا حرَّكهم حب الله والآخرة أو الثناء الدنيوي جادوا بشيءٍ ولو قليل - على ذوي الحاجة والفقر، فهم أصحاب الفضل والمِنَّة. وإذا غلب عليهم الشح وحب المال - ضاع الفقراء وافترستهم الفاقة - ولم يجدوا من يدافع عنهم أو يطلب لهم حقّاً. إذ لم يكن لهم حق معلوم، وهذا هو خطر الإحسان الموكول إلى الأفراد [71] .*(41/360)
فلمَّا جاءت الرسالة الخاتمة، والرحمة العامَّة، والهداية التامَّة، على يد محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، اعتنت بعلاج مشكلة الفقر، ورعاية الفقراء والمحتاجين، ولم تكتف بسد عوزهم وانتشالهم من فقرهم، بل قرنت ذلك تماماً بالتربية والتوجيه والتأكيد على أنَّ ما يدفعه الغني حق واجب عليه، وما يأخذه الفقير ملك له ليس عليه فيه غضاضة. وبهذه المبادئ السامية، قضى الإسلام على مشكلة الفقر، وأراح الفقراء وأخذ بأيديهم لِمَا فيه خيرهم في عاجلهم وآجل أمرهم.
وهذا ما سوف يتَّضِح إن شاء الله تعالى من الأهداف التي شُرِعَت من أجلها الزكاة في الإسلام.
أهداف الزكاة:
للزكاة أهداف إنسانية جليلة، ومُثُل أخلاقية رفيعة، وقِيَم روحية عالية. وكلها قصد الإسلام إلى تحقيقها وتثبيتها حين فرض الزكاة، قال -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] .
وحين طبَّق المسلمون فريضة الزكاة -في عصورهم الزاهية- كما شرعها الله، تحققت أهدافها الجليلة، وبرزت آثارها العظيمة في حياة الفرد والمجتمع، ومن أبرز تلك الأهداف ما يلي:
1 - الزكاة عبادة مالية:
لأنَّ أداءها استجابة لأمر الله ووفاءً بعهده، يرجو فاعلها حسن الجزاء في الآخرة ونماء المال والبركة فيه في الدنيا.
2 - في الزكاة طهارة من البخل والشح والطمع:
والإسلام يقدر غريزة حب المال، ويقرر أن الشح حاضر في النفس الإنسانية، فيعالج ذلك كله علاجاً نفسياً بالترغيب والترهيب، حتى يتم له ما يريد، فيطلب من هذه النفس الشحيحة أن تجود بما هو حبيب إليها، عزيز عليها. {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] .
3 - في الزكاة إعانة للضعفاء وكفاية لأصحاب الحاجة [72] :(41/361)
والمسلم عندما يدفع زكاة ماله يشعر بمسئوليته عن مجتمعه وعن تكافله مع المحتاجين فيه، فتغمره السعادة عندما يؤدي الأمانة ويأخذ بيد أخيه المعدم، ويرتفع به من ويلاتٍ حلَّت به فأفقرته وهو في هذا كله يستشعر قوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24-25] .
4 - الزكاة تنمي الروح الاجتماعية بين أفراد المجتمع:
لأنَّ المسلم حين يدفع الزكاة يشعر بعضويته الكاملة في الجماعة، فهو يشترك في واجباتها وينهض بأعبائها، فيتحول المجتمع إلى أسرةٍ واحدة يسودها التعاون والتكامل والتواد، ويتحقق فيها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" [73] .
والزكاة تعبير عملي عن أخوة الإسلام، وتطبيق واقعي لأخلاق المسلم من جانب المزكي، وهي - أيضاً - تجعل الفقير يعيش في المجتمع المسلم خالية نفسه من أي حقد أو حسد، ذلك لأنَّ حقه محفوظ في مال الغني، فنجده يحبه ويدعو له بالبركة وكثرة المال، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" [74] .
5 - الزكاة امتحان للعبد من الله:
لأنَّ أداءها فيه امتحان لإيمان العبد بربه، وذلك لأنَّ المال محبوب لكل الناس، ودليل الإيمان الصادق مفارقة المحبوب والجود به "وشرط تمام الوفاء بالتوحيد أن لا يبقى للموحِّد محبوبٌ سوى الواحد الفرد الصمد، فإنَّ المحبة لا تقبل الشركة، والتوحيد باللسان قليل الجدوى، وإنَّ مِمَّا يمتحن به درجة الحب مفارقة المحبوب، والأموال محبوبة عند الناس؛ لأنَّها آلة تمتعهم بالدنيا، وبسببها يأنسون بهذا العالم، وينفرون عن الموت مع أنَّ فيه لقاء المحبوب، فامتحنوا بتصديق دعواهم في المحبوب، واستنزلوا عن المال الذي هو مرغوبهم" [75] .(41/362)
6 - الزكاة تكفر الذنوب وتدفع البلاء:
وتقع فداء عن المزكي وجالبة له الرحمة من الله تعالى، قال -تعالى-: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ..} [الأعراف: 156] .
هذه بعض أهداف الزكاة مختصرة، ولها أهداف كثيرة ماثلة للعيان في كل مجتمع تؤدَّى فيه فريضة الزكاة، وينعم فيه الفقير بأخذ حقه من مال الغني.
وهي أهداف روحية وخلقية ومعنوية للفرد والجماعة. وفيها أهداف اجتماعية واقتصادية كثيرة للمجتمع المسلم بأسره [76] .
المطلب الثالث: في الحكمة من تشريع الزكاة على ضوء الآية الكريمة:
سبق بعض أهداف الزكاة في الإسلام، وهي سر من أسرار تشريعها، وغاية سامية مقصودة من فرضيتها. فالله جلَّ وعلا فرض الزكاة؛ لأنَّها تطهر المزكي من الشح والبخل وأرجاس الذنوب والخطايا، وتدرب المسلم على البذل والإنفاق في سبيل الله.
ولأنَّ في أدائها شكراً لله على ما أسبغ من نعمه الظاهرة والباطنة، ولأنَّها تنمي شخصية الغني، وذلك باستشعاره أنَّه تغلب على شحه وهواه، كما أنَّها تكوِّن بين الغني والفقير حقيقة المحبة والأخوة الإسلامية، وتربط بين أفراد المجتمع بوشائج الصلة والقربى والتكامل [77] .
وبهذا يتضح أنَّ هناك أسراراً عظيمة يرمي إليها الإسلام من وراء تشريعه للزكاة، ولعلَّ من أبلغ وأسمى الأهداف التي تتحقق من أداء الزكاة أنَّ المسلم لا يقتصر نفعه على نفسه وحسب، بل إنَّه مطالب بحكم الشرع أن يمد يد العون إلى أخيه المسلم؛ لأنَّ إيمانه لا يكمل وعقيدته لا تتم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" [78] .(41/363)
ولأنَّه قد سبق أنَّ الحقَّ لا يكفيه كونه حقّاً فقط، بل لابُدَّ له من دافع ومدافع تحقيقاً لقوله –تعالى-: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُه} [الحج: 40] ، وقوله -تعالى-: {وَالْعَصْرِ. إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3] .
ومن يتتبع آيات القرآن الكريم يجد أنَّ الزكاة قُرِنَت بالصلاة في ثمانيةٍ وعشرين موضعاً [79] ، وهذا دليل على كمال الاتصال بينهما. ثُمَّ إنَّ ذكر الصلاة في كثيرٍ من الآيات يجيء مقروناً بالإيمان أولاً، وبالزكاة ثانياً، وقد يقرن الثلاثة بالعمل الصالح. وهو ترتيب منطقي، فالإيمان أساس وهو عمل القلب*، والعمل الصالح من حيث الجملة دليل صدق الإيمان، وهو عمل الحس، وأول عمل يطالب به المؤمن الصلاة، وهي عبادة بدنية، ثُمَّ الزكاة وهي عبادة مالية.(41/364)
ومِمَّا يدل على تلازم الزكاة والصلاة أنَّه لَمَّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفر مَنْ كفر من العرب بمنع الزكاة، استشار أبو بكر [80] رضي الله عنه الصحابةَ رضي الله عنهم، في قتالهم. فقال عمر [81] رضي الله عنه: "كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أنَّه لا إله إلاَّ الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلاَّ بحقه، وحسابه على الله؟! " فقال أبو بكر رضي الله عنه: "والله لأقاتلن مَنْ فَرَّق بين الصلاة والزكاة، فإنَّ الزكاة حق المال. والله لو منعوني عَناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه". قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "فوالله ما هو إلاَّ أنْ قد شرح الله صدر أبي بكر، فعرفت أنَّه الحق" [82] .
فهذه النصوص وغيرها كثير تدل دلالة قاطعة على أنَّ الزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، الذي لا يتم إسلام إلاَّ بأدائها.
فإنْ أدَّاها عن طواعية واختيار فبها، وإلاَّ وجب على ولي الأمر أخذها منه وإيصالها إلى مستحقيها، وتأديب مانعها بما يراه مناسباً [83] .(41/365)
وهذا مِمَّا تفارق به مشروعية الزكاة في الإسلام غيرها من الشرائع، إذ سبق أنَّه لا إلزام في الشرائع السابقة على أداء الزكاة، ولذلك لم تحل مشكلة الفقراء، أمَّا في الرسالة التي اختارها الله خاتمةً للشرائع، فإنَّ الزكاة حين طبقت في العصور الإسلامية السالفة [84] لم يبق فقير تصرف إليه الزكاة. وكان الساعي يدور بها فلم يجد من يأخذها، فحُلَّت مشكلة الفقراء، وقام التكافل الاجتماعي، ونُزِعَ من القلوب حقد الفقراء على الأغنياء، وقلَّت الجرائم؛ فلا سرقة، ولا غصب، ولا اختلاس، ولا نهب؛ بل أمن واستقرار ومحبة وإخاء، ومجتمع يسود فيه مبدأ التعاون والتعاطف، فهل يعي المسلمون ذلك ويسارعون إلى تطبيق شرع الله في كل شئونهم؟ ومن ذلك شريعة الزكاة لينعموا بالحياة الآمنة والثواب الجزيل من رب العالمين. ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [85] [الحج: 41] .
وقد سبق أنَّ إقامة الصلاة وهي الدعامة الأولى، تعني فيما تعنيه توفية الإسلام، أو الإيمان، أو الدين، حقه كاملاً. وعطف عليها في الآية الأمر بإيتاء الزكاة، وهو داخل فيما سبق، فهل ذلك تكرار، أو لأنَّ الأمر بإيتاء الزكاة يعني شيئاً آخر لم يسبق التعرض لحكمه؟(41/366)
إنَّ الذي يبدو من الآية وهي ترسم الإطار العام أن يدل العطف فيها على معنى جديد، وهو أنَّ مَنْ مكَّنه الله في الأرض يجب عليه أن لا يقتصر نفعه على نفسه وحسب. بل يجب عليه أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه؛ لأنَّ إيمانه لا يتم ولا يكمل إلاَّ بذلك. وقد سبق أنَّ الحق لا يكفيه كونه حقّاً فقط [86] ، بل لابُدَّ له من دافع ومدافع، كما قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40] .
وهذا لا يعني أنَّ الآية لا يجوز حملها على المعنى الخاص، وهو دفع الزكاة الخاصة إلى مستحقيها - كما سبق - إلاَّ أنَّ الهدف العام الذي ترمي إليه الآية الكريمة، وهو تكاتف المجتمع المسلم، وتواصي أفراده على فعل الخيرات، والاعتصام بحبل الله، وعدم التفرق، والالتفاف حول المنهج، وتنفيذ أحكامه، يجعل حمل الآية على المعنى الأول أولى، والله تعالى أعلم.
والسبب في ذلك أنَّ الآية الكريمة تركز على أهداف وأسس سامية منها:
1 - وجوب تطبيق المنهج (الذي تُعَبِّرُ عنه الدعامة الأولى) (إقام الصلاة) (توفية الإسلام، أو الإيمان، أو الدين، حقه كاملاً) على من مكنه الله في الأرض، وحصلت له الولاية على الخلق.(41/367)
2 - وجوب الالتفاف حول ذلك المنهج والتكاتف على تطبيقه، لا على النفس فقط، بل على جميع أفراد المجتمع المسلم التعاون على ذلك وتطبيقه في أنفسهم وعلى غيرهم؛ لأنَّ الله -تعالى- تفضَّل به عليهم فأصبحوا بسببه كالجسد الواحد، قال -تعالى- {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران: 103] .
وتحقيقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" - قالها ثلاثاً -
قلنا: "لمن يا رسول الله؟ "قال: "لله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامَّتهم" [87] .
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم ... "*.
الأمر الثالث: الذي تركز عليه الآية - كما سيأتي - عالمية المنهج ووجوب المحافظة عليه بما يجعله سالماً معافى، والدعوة إلى نشره، والدخول تحت لوائه ومظلته - بحسب الاستطاعة – "بلِّغوا عني ولو آية" [88] .
و"مَنْ رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" [89] .
المبحث الثالث: في الدعامة الثالثة والرابعة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) :
وفيه مطالب:
الأول: في ماهيتهما.
الثاني: في أهميتهما.
الثالث: في الحكمة من مشروعيتهما على ضوء الآية الكريمة.
المطلب الأول: في ماهية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
أ - تعريف المعروف في اللغة والاصطلاح:
1 - المعنى اللغوي: يدور معنى المعروف في اللغة غالباً على ما تعارف عليه الناس وعلموه ولم ينكروه [90] .(41/368)
وقال ابن فارس: "العين والراء والفاء أصل صحيح يدل على معانٍ منها: السكون، والطمأنينة إلى الشيء، يقال: هذا أمر معروف، أي أنَّ النفس تألفه وتسكن إليه" [91] .
وجاء في المعجم الوسيط: العرف، المعروف وهو خلاف المنكر. وما تعارف عليه الناس في عاداتهم ومعاملاتهم [92] .
2 - وفي الاصطلاح: المعروف هو كل ما يعرفه الشرع ويأمر به ويمدحه ويثني على أهله، ويدخل في ذلك: جميع الطاعات، وفي مقدمتها توحيد الله عزَّ وجلَّ والإيمان به [93] .
ب - معنى المنكر لغةً واصطلاحاً:
1 - تدور مادة المنكر في اللغة غالباً على ما جهله الناس واستنكروه وجحدوه [94] .
جاء في القاموس المحيط وغيره: النكر بالضم، وبضمتين المنكر - النكراء، والأمر الشديد، والنكرة خلاف المعرفة، وتناكر تجاهل، والقوم تعادوا، ونكر فلان الأمرَ وتناكره، نكراً ونكوراً جهله، والمنكر ضد المعروف، ويقال: نكر الشيىء وأنكره: لم يقبله ولم يعترف به لسانه [95] .
2 - والمنكر في الاصطلاح: هو كل ما ينكره الشرع وينهى عنه ويذمه ويذم أهله. ويدخل في ذلك جميع المعاصي والبدع، وفي مقدمتها: الشرك بالله عزَّ وجلَّ، وإنكار وحدانيته، أو ربوبيته، أو أسمائه، أو صفاته [96] .
والمنكر هو كل فعل تحكم العقول الصحيحة بقبحه، أو تتوقف في استباحته واستحسانه العقول، فتحكم الشريعة بقبحه [97] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وإذا كان جماع الدين وجميع الولايات هو أمر ونهي، فالأمر الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم هو الأمر بالمعروف والنهي الذي بعثه به هو النهي عن المنكر" [98] .
وقال أيضاً: "وتحريم الخبائث مِمَّا يندرج في معنى النهي عن المنكر، كما أنَّ إحلال الطيبات يندرج في الأمر بالمعروف؛ لأنَّ تحريم الطيبات مِمَّا نهى الله عنه" [99] .(41/369)
وإذا أطلق الأمر بالمعروف يدخل فيه النهي عن المنكر، وذلك لأنَّ ترك المنهيات من المعروف، ولأنَّه لا يتم فعل الخير إلاَّ بترك الشر. قال -تعالى-: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاس} [النساء:114] .
وكذلك إذا أطلق النهي عن المنكر يدخل فيه الأمر بالمعروف؛ لأنَّ ترك المعروف من المنكر، ولأنَّه لا يتم ترك الشر إلاَّ بفعل الخير. -قال تعالى-: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف: 165] . فإنَّ نهيهم عن السوء يتضمن أمرهم بالخير.
وأمَّا عند اقتران كل منهما بالآخر، فيفسر المعروف بفعل الأوامر، ويفسر المنكر بترك النواهي. وأمثلة ذلك كثيرة منها، قوله -تعالى-: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71] .
ولعموم موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمكن القول: أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدخل تحتهما الدين كله؛ فكل ما أوجبت الشريعة عمله أو حببت للناس فعله من صلاة وصيام، وحج، وتوحيد، وغير ذلك، فهو معروف، وكل ما خالف الشريعة من أفعال وعقائد فهو منكر، فيدخل تحته النهي عن التثليث، والقول بصلب المسيح وقتله عليه السلام، ويدخل أيضاً فيه النهي عن الترهُّب وعن شرب الخمر وعن أكل لحم الخنزير، وغير ذلك مِمَّا تخالف فيه الشريعة الشرائع السابقة [100] .
المطلب الثاني: أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:(41/370)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، أصل عظيم من آكد الأصول الإسلامية وأوجبها وألزمها. حتى ألحقه بعض العلماء بالأركان التي لا يقوم بناء الإسلام إلاَّ عليها.
وإنَّما أُرْسِلَت الرسل وأُنْزِلَت الكتب للأمر بالمعروف الذي رأسه وأصله التوحيد، وللنهي عن المنكر الذي رأسه وأصله الشرك والعمل لغير الله. وشرع الجهاد لأجل ذلك، وإن كان الجهاد قدراً زائداً على مجرد الأمر والنهي.
إذ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، يتوقف قيام الدين، فلولاه ما قام الإسلام، ولا ظهر دين الله، ولا علت كلمته.
ويتوقف - أيضاً - قيام الدولة الإسلامية واستقامتها وصلاحها على القيام به. كما أنَّ صلاح العباد متوقف على القيام به [101] .
وبيان ذلك: أنَّ جماع الدين وجميع الولايات هو أمر ونهي، والأمر الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم هو الأمر بالمعروف. والنهي الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم هو النهي عن المنكر.
وبهذا نعت الله تعالى النبيَّ والمؤمنين فقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه} [التوبة: 71] .
وجميع الولايات الإسلامية، كولاية الحكم، وولاية الحرب، وولاية المال، وولاية الحسبة، وغيرها، إنَّما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [102] .
وولي الأمر إنَّما نُصِّبَ ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهذا هو مقصود الولاية.
بل إنَّ صلاح العباد جميعهم يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ أنَّ صلاح العباد في معاشهم ومعادهم في طاعة الله ورسوله، ولا يتم ذلك إلاَّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.(41/371)
وبه صارت هذه الأُمَّة خير أمَّةٍ أُخرجَت للناس، كما قال -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه} [آل عمران: 110] .
ومما يدل على عظم شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقديمه على الإيمان الذي هو أصل العقيدة ولا يتقدمه شيىء، لكن في هذه الآية قُدِّمَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان. ولا نعلم السر في هذا التقديم إلاَّ عِظَم شأن هذا الواجب، وما يترتب عليه من المصالح العظيمة العامَّة، ولعلَّ التلازم بين الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الذي سوغ هذا التقديم [103] .
فالأمر والنهي لا يكونان إلاَّ حيث يكون الإيمان، وليس الإيمان إلاَّ عقيدةً وسلوكاً في بضعٍ وسبعين شعبة من أخلاق الإسلام، كلها تعمل في سبيل إرساء قواعد أمَّة الإسلام على أسس من الأصالة والثبات والحياة السعيدة؛ لأنَّ هذه الشعب الإيمانية تشمل كل النشاطات الإنسانية من جهة العقيدة، ومن جهة الذات، ومن جهة ارتباط الإنسان بالإنسان، والتزامه بغيره.
والأمَّة التي تسودها شعب الإيمان تهب إلى الأمر بها، والنهي عمَّا يضادها، حرصاً على مميزان أخلاق الإيمان وأثرها في سعادة الإنسان، وفي قوة الأُمَّة كلها. ومن هنا لا يوجد إيمان إلاَّ كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لازماً له، وخاصّةً من خواصّه لا ينفك عنه [104] .
وقد اتفقت الأُمَّة الإسلامية على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يخالف في ذلك إلاَّ مَنْ شَذَّ [105] .
كما اعتبره الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرطاً رئيساً في الانتماء إلى صفوف هذه الأُمَّة، فقد قرأ قول الله -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [106] .(41/372)
ثُمَّ قال: "أيها الناس! مَنْ سرَّه أن يكون من تلك الأُمَّة فليؤدّ شرط الله فيها" [107] .
- وقد أكَّد الله فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كتابه العزيز، وبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم في أخبارٍ متواترة، وأجمع سلف الأُمَّة وفقهاء الأمصار - رحمهم الله - على وجوبه [108] .
وقال الغزالي [109] : "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين" [110] .
وقال النووي [111] : "قد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسُنَّة وإجماع الأُمَّة، وهو أيضاً من النصيحة التي هي من الدين" [112] .
وقال الشوكاني [113] : "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم واجبات الشريعة المطهرة، وأصل عظيم من أصولها، وركن مشيد من أركانها، وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها" [114] .
وهذا غيض من فيض من الأمور التي تدل على أهمية هذه الدعامة من دعائم الإسلام ومبانيه العظام [115] .
وسيأتي بعض حكمه وأسراره في المطلب الثالث إن شاء الله تعالى.
المطلب الثالث: في الحكمة من مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضوء الآية الكريمة:
سبق في الكلام على الدعامة الأولى (إقام الصلاة) أنَّ معنى الآية والهدف العام منها هو توفية الإسلام أو الإيمان أو الدين حقه من الأقوال والاعتقادات والأعمال على مَنْ مكَّنه الله في الأرض. وهذه هي القاعدة الأولى في حياة الأمة، وهي تقوى الله، والالتزام بشريعته ومنهجه الذي رضيه، وما رضيه الله لها ديناً فلن يسخط عليه.(41/373)
كما مرَّ في الدعامة الثانية (إيتاء الزكاة) أنَّ الهدف العام منها هو أن لا يقتصر نفع المؤمن على نفسه، بل إنَّه مطالب أن يمد يد العون إلى أخيه المسلم؛ لأنَّ إيمانه لا يكمل إلاَّ بذلك، وأنَّ التفاف الأمة حول المنهج والتعاون على الخير وتحقيق معنى الأخوة الإسلامية والاعتصام بالكتاب والسُنَّة وعدم التفرق - حتى يصبح المجتمع المسلم كالجسد الواحد، وكالبنيان يشد بعضه بعضاً، وتنعدم فيه الأنانية والبغضاء - هو من أهداف القاعدة الثانية أيضاً.
ثُمَّ تأتي القاعدة الثالثة والرابعة [الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] وهي صمام الأمان لسلامة الأمة المسلمة واستمرار صلاحها.
فالحكمة من مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضوء الآية الكريمة حينئذٍ أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الحارس الأمين الدائم الذي يراقب المجتمع المسلم. فيسد نوافذ الشر والبدع - حتى لا تصل إلى ذلك التجمع الذي مكنه الله في الأرض وأسبغ عليه نعمه وأنقذه من هوة الشرك إلى نور الإسلام. ومن الاضطراب والفرقة إلى التماسك والوئام والمحبة في الله ومن أجل الله.
ولك أن تتصور - أخي الكريم - مجتمعاً - توافرت فيه هذه الأُسس: القيام بتوفية الدين حقه من الأقوال والأعمال والاعتقادات، وتواصي أهله بإيصال كل حق إلى مَنْ يستحقه. ولم يقتصر نفع أفراده على أنفسهم وحسب، بل أحب كل فرد فيه لأخيه ما يحبه لنفسه، وتلاشت بينهم الفروق التي تُسَبِّب العداوة والافتراق، وحلَّت بدلها الألفة والوئام، وأخوة الإسلام.(41/374)
ثُمَّ جاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كالسياج الواقي من الأشرار، والدرع الحامي من الأخطار، والمعلم الدائم الاستمرار، الحاث على خير الأعمال، الناهي عن قبح القول والأعمال، فهل ترى أخي القارئ لذلك المجتمع من مثال؟ أو تتوقع أين يوجد ما هو أفضل منه مِمَّن يستحق الوعد بالنصر والتمكين على الأعداء؟! كلا. لقول الله -تعالى-: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُِمُورِ} . وقوله جلَّ وعلا: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] رواه مسلم 2/1045 كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة.
[2] لسان العرب لابن منظور 14/465
[3] ديوان الأعشى ص 106
والأعشى هو: ميمون بن قيس البكري، جاهلي قديم، وأحد أصحاب المعلَّقات. ويلقَّب بصناجة العرب؛ لأنَّه كان يتغنى بشعره. رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسلم فصدته قريش عنه.
انظر: طبقات الشعراء 1/65، الشعراء 1/257، الأعلام 7/341 الشعر والشعراء ص159
[4] لسان العرب 14/466
[5] المرجع السابق.
[6] المرجع السابق 14/465
[7] الصلاة في القرآن مفهومها وفقهها ص 9، والصلاة للطيار ص 11
وقيل: إنَّها من الصَّلْوَيْن، وهما: مكتنفا العصعص.(41/375)
(لسان العرب 14/465) .
[8] الروض المربع مع حاشية العنقري 1/118
[9] الصلاة في القرآن ص9، والصلاة للطيار ص 11
[10] الصلاة في القرآن ص10، والصلاة للطيار ص 12
[11] بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي 3/437، ومنتخب قرة العيون النواظر ص 161
[12] منتخب قرة العيون 3/438، إصلاح الوجوه والنظائر للدامغاني ص 284، وكشف السرائر لابن العماد ص 106
[13] المراجع السابقة، ونزهة الأعين النواظر لابن الجوزي ص 395
[14] بصائر ذوي التمييز 3/437، فتح القدير 5/341، وابن كثير 8/307.
[15] منتخب قرة العيون، ابن الجوزي ص 161، وكشف السرائر ص 105
[16] المعجم الجامع، عبد العزيز السيروان ص 244، وانظر: منتخب قرة العيون ص 161
[17] صحيح البخاري في كتاب التفسير، سورة الإسراء، باب 14 ج5/229
[18] بصائر ذوي التمييز 3/438، وكشف السرائر ص 106
[19] منتخب قرة العيون النواظر ص 106
[20] بصائر ذوي التمييز 3/438
[21] منتخب قرة العيون ص121، وتحصيل نظائر القرآن للحكيم الترمذي ص52
[22] الصلاة في القرآن ص 15
[23] تحصيل نظائر القرآن ص 118، وابن كثير 7/395، ونسبه إلى مجاهد وغيره. والنكت للماوردي5/366.
[24] إصلاح الوجوه للدامغاني ص 210
[25] صحيح البخاري، كتاب التفسير، سورة المرسلات 6/77، والصلاة في القرآن ص15
[26] كشف السرائر ص 105، بصائر ذوي التمييز 2/105
[27] المرجعان السابقان.
[28] الصلاة في القرآن مفهومها وفقهها ص17، وجامع البيان لابن جرير15/409، والنكت والعيون للماوردي2/509.
[29] هود: 87
[30] القيامة: 31
[31] الأحزاب: 43
[32] البقرة: 157
[33] صحيح مسلم 1/209(41/376)
[34] رواه مسلم في كتاب الإيمان، حديث 134 ج1/88
[35] رواه النسائي في كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة 1/231-232
[36] الصلاة في القرآن ص 18
[37] رواه الترمذي 5/11-12 ح 2616، والمزي: تحفة الأشراف 8/399 ح1137 وقال عنه أبو عيسى: "حديث حسن صحيح".
[38] رواه البخاري 1/8 كتاب الإيمان، ومسلم 1/45 ح 31
[39] رواه البخاري 1/93 كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة.
[40] إبراهيم: 40
[41] مريم: 55
[42] طه: 14
[43] آل عمران: 39
[44] لقمان: 17
[45] الصلاة في القرآن ص 22-23، والصلاة للطيار ص 18
* أي في حال الرخصة تخفف أركانها وعدد ركعاتها فقط بخلاف غيرها كالصوم.
[46] الصلاة للطيار ص 19-20، والصلاة عماد الدين ص:54
* أي أن غير الأمور التعبدية في الشرع تدور مع مصلحتها في الغالب، المرجع السابق ص:20.
[47] رواه البخاري 1/134 كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة.
[48] الصلاة عماد الدين، د. حسن الترابي ص 54
[49] وردت عِدَّة مرات، منها سورة البقرة الآيات: 43، 83، 110، وغيرها.
[50] البقرة: 277
[51] الأحزاب: 33
* إنما خص الإقرار بالربوبية دون الألوهية لظهور الألوهية فيها.
[52] البقرة: 144
[53] العنكبوت: 45
[54] الصلاة للطيار ص 24، والصلاة في القرآن ص 46
[55] المرجع السابق.
[56] المدثر: 42 - 43
[57] مجمع الزوائد: الهيثمي 1/291-292
[58] أم سلمة هي: هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر المخزومية، أُم المؤمنين. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أبي سلمة سنة أربع، وقيل: ثلاث. تقريب التهذيب ص 483
[59] رواه أحمد 1/290، الإرواء 7/238(41/377)
[60] رواه مسلم 1/88 ح 82، والصلاة للطيار ص 26-27
[61] هو: الحسين بن محمد بن الفضل - أو المفضل - من أهالي أصبهان، أديب لغوي، مفسر، توفي سنة 502 هـ.
الأعلام 2/279، معجم المؤلفين 4/9، البلغة في علوم اللغة ص 153، مقدمة المفردات ص 3
[62] المفردات للراغب الأصفهاني ص 429، الصلاة في القرآن ص 54
[63] سبق تخريجه ص 59
[64] سبق تخريجه ص 56
[65] الزكاة وتطبيقاتها للدكتور عبد الله بن محمد الطيار ص 12، لسان العرب 2/236
[66] ينظر: لسان العرب 2/36، القاموس المحيط للفيروزآبادي 4/341، المعجم الوسيط 1/396
[67] الزكاة وتطبيقاتها المعاصرة ص 12، شرح منهاج الطالبين لجلال الدين المحلى 2/368، المغني لابن قدامة 2/572
[68] الزكاة للطيار ص 12
[69] الزكاة وتطبيقاتها المعاصرة للطيار ص 14
[70] تفسير ابن كثير 4/537، 538.
[71] فقه الزكاة 1/52، الزكاة للطيار ص 16- 17.* ولا يفهم مما سبق أن ذلك حال المسلمين في الشريعة المحمدية. بل ذلك مفروض في الشرائع التي ترك أمر إخراج الزكاة فيها إلى صاحب المال: لأن الفقر والغنى في الإسلام كله بمشيئة الله تعالى وله فيه حكم لا يمكن الإحاطة بها.
[72] الزكاة للطيار ص24
[73] رواه البخاري ومسلم. صحيح البخاري 8/11، صحيح مسلم 8/20.
[74] المصدر السابق، الجزء والصفحة.
[75] موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين، لجمال الدين القاسمي 1/47
[76] فقه الزكاة للقرضاوي 2/851، الزكاة لمحي الدين مستو ص 47، الزكاة للطيار ص 23-27
[77] الزكاة وتطبيقاتها المعاصرة ص 29
[78] متفق عليه. رواه البخاري ومسلم (كتاب الإيمان) . ورواه الإمام أحمد في مواضع منها 3/176-177
[79] الزكاة وتطبيقاتها المعاصرة ص 34، تيسير فقه فريضة الزكاة للميداني ص7.(41/378)
[80] هو: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن مرة التيمي، أبو بكر بن قحافة (الصديق) ، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مناقبه كثيرة، مات في جمادى الأولى سنة 13هـ وعمره ثلاث وستون سنة، ومدة خلافته سنتان وشهر. تقريب التهذيب ص181، شذرات الذهب 1/24
* ليس المراد تعريف الإيمان عند السلف. وإنما المراد ترتيب الأهم فالمهم فإن الإيمان قد يوجد بدون العمل، ويعتد به، ولا يعتد بالعمل دون الإيمان.
[81] هو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي. لُقِّبَ بالفاروق، وبأمير المؤمنين. وهو ثاني الخلفاء الراشدين. ومناقبه جمة مشهورة، استشهد في ذي الحجة سنة 23 هـ، ومدة خلافته عشر سنوات ونصف.
تقريب التهذيب ص 53، شذرات الذهب 1/33، الإصابة 2/588
[82] رواه البخاري 2/91
[83] الزكاة للطيار ص 36
[84] ملامح الانقلاب الإسلامي في سيرة عمر بن عبد العزيز، للدكتور عماد الدين خليل ص140، الزكاة للطيار ص 51
[85] المرجعان السابقان.
[86] انظر ص 45 من البحث.
[87] رواه مسلم في كتاب الإيمان 23، باب بيان أنَّ الدين النصيحة، حديث (55) ، وأبو داود، أدب، حديث (4944) ، وأحمد (4/102-103) .
* رواه الإمام أحمد من حديث جبير بن مطعم عن أبيه 4،80،83،والترمذي كتاب العلم باب ما جاء في تبليغ العلم حديث رقم 2656.
[88] رواه مسلم، كتاب الأنبياء (50) ، وأحمد 3/159، 302، 314، والترمذي كتاب العلم 13 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بلغوا عني ولو آية وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".
[89] أخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (1/69 رقم 46) ، وأبو داود، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رقم (4340) .(41/379)
[90] القول البين الأظهر في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص8 والقاموس المحيط 3/251-252
[91] معجم مقاييس اللغة لابن فارس 4/281
[92] المعجم الوسيط، لإبراهيم مصطفى وآخرين 2/601
[93] القول البين الأظهر ص 10، والتعريفات ص 275
[94] القول البين الأظهر في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص8
[95] القاموس المحيط للفيروزآبادي 2/208، معجم مقاييس اللغة 4/281
[96] القول البين الأظهر ص 10، التعريفات للجرجاني ص 290، من فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمحمد عبد الله الخطيب ص 13، حقيقة الأمر بالمعروف ص12
[97] المفردات للراغب ص 505
[98] مجموع الفتاوى لابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم 28/65، 28/122، وتفسير ابن سعدي 2/77
[99] المرجعان السابقان.
[100] انظر: التشريع الجنائي في الإسلام 1/497، الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه ص46
[101] القول البين الأظهر في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص12-13
[102] المرجع السابق ص 13
[103] وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لسماحة الشيخ عبد العزيز بن
عبد الله بن باز ص 6
[104] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأبي بكر أحمد بن محمد الخلال ص 42 دراسة وتحقيق عبد القادر أحمد عطا.
[105] الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم، تحقيق د. محمد نصر، ود. عبد الرحمن عميرة.
[106] آل عمران: 110
[107] فتح القدير للشوكاني، تحقيق د. عبد الرحمن عميرة 1/453، جامع البيان للطبري 4/43
[108] أحكام القرآن للجصاص 2/486، مناهج العلماء في الأمر بالمعروف ص 54
[109] هو محمد بن محمد بن محمد الغزالي، حجة الإسلام، أصولي، فقيه، فيلسوف، متصوف، وُلِدَ عام 450هـ، وتوفي سنة 505هـ.(41/380)
طبقات السبكي 6/191، تبيين كذب المفتري ص 291
[110] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للغزالي، تحقيق سيد إبراهيم ص 5
[111] هو الإمام محي الدين أبو زكريا يحي بن شرف بن مُرِّي النووي الدمشقي، عالم مشهور، اعتنى بالحديث والفقه، شَرَحَ صحيح مسلم. وُلِدَ عام 631 وتوفي سنة 676هـ. المنهج السوي للسيوطي ص 25-26، البداية والنهاية 13/294، طبقات الشافعية 8/395-397
[112] شرح النووي على صحيح مسلم 2/22
[113] هو: أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الشوكاني الخولاني، ثُمَّ الصنعاني، عالم بالحديث والتفسير والأصول. وُلِدَ ونشأ في صنعاء، وبها توفي سنة 1250هـ. من مؤلَّفاته: فتح القدير في التفسير، وإرشاد الفحول في الأصول وغيرهما.
أبجد العلوم 3/201، الأعلام 6/298، معجم المؤلفين 11/53
[114] فتح القدير للشوكاني، تحقيق د. عبد الرحمن عميرة 1/450
[115] حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأركانه ومجالاته ص 40(41/381)
تابع لدعائم التمكين للمملكة العربية السعودية
الفصل الثالث
في
اهتمام ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية بدعائم التمكين والأسس وتطبيقها على أنفسهم ورعيتهم
وفيه مباحث:
الأول: في اهتمام المؤسس الأول الملك عبد العزيز بتلك الدعائم.
الثاني: في جهود أبنائه من بعده في ترسيخ وتطبيق تلك الدعائم.
الثالث: في ثمرات تطبيق تلك الدعائم.
المبحث الأول: في اهتمام المؤسس الأول الملك عبد العزيز بتلك الدعائم:
وفيه تمهيد وأربعة مطالب:
التمهيد: في ترجمة الملك عبد العزيز ونشأته وأهم صفاته.
المطلب الأول: في تقرير الملك عبد العزيز للهدف العام من الدعامة الأولى وهو العقيدة.
المطلب الثاني: عناية الملك عبد العزيز بالهدف الخاص وهو (إقامة الصلاة) .
المطلب الثالث: اهتمام الملك عبد العزيز بالدعامة الثانية (إيتاء الزكاة) وفيه مسألتان:
الأولى: اهتمامه بالهدف العام لهذه الدعامة وهو (تحقيق الأخوة الإسلامية) .
الثانية: اهتمامه بالهدف الخاص وهو (إيتاء الزكاة لمستحقيها) .
المطلب الرابع: اهتمام الملك عبد العزيز بالدعامتين الثالثة والرابعة: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .
تمهيد:
وُلِدَ الملك الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود - رحمه الله تعالى - في قَصْر الإمارة في مدينة الرياض في اليوم التاسع عشر من ذي الحجة سنة 1293هـ، وقيل: سنة 1297هـ، ونشأ في أسرة آل سعود التي عُرِفَت منذ نشأتها بالتمسك بالإيمان العميق، والتحلِّي بالتوحيد الخالص، والتمسك بكتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد اهتم الإمام عبد الرحمن بن فيصل آل سعود بتربية ابنه عبد العزيز تربية دينية مشتملة على دراسة القرآن الكريم والعلوم الشرعية إلى جانب تطبيق هذه التعاليم تطبيقاً عملياً.(41/382)
وقد عوَّده أبوه أن يستيقظ قبل الفجر، وبدأ يصوم وهو في العاشرة من عمره [1] .
وكان يحفظ أجزاءً من القرآن، ويحفظ الرحبية في الفرائض، وتعلَّم زاد المستقنع في الفقه، ويحفظ من كتب الأحاديث (الأربعين النووية) ، و (بلوغ المرام) . وكان يحب قراءة (البداية والنهاية) لابن كثير، و (تاريخ الرسل والملوك) للطبري، و (السيرة) لابن هشام، و (المغني والشرح الكبير) لابن قدامة، و (الإنصاف) للمرداوي، وتفسير ابن كثير، والبغوي.
وكان يحب من الشعر ما تميز منه بالطابع الإسلامي والنصائح [2] .
وكان له وِرْد خاص يقرأه يومياً عن ظهر قلب [3] معظمه من الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة، وقد طُبِعَ أكثر من مرَّة، ويشتمل على
(116صفحة) [4] .
وقد أجاد استعمال السيف والبندقية وركوب الخيل في سِنٍّ مبكرة، وكان حاد الطبع دائم الحركة، لا يستقر في مكانٍ واحدٍ فترة طويلة [5] .
وقد حباه الله ببنية قوية، وقامة مديدة، فكان يفوق أقرانه ويتفوق عليهم. واجتمع له مع قوة الجسم سلامة الرأي، فكان يشارك في الصلح بين القبائل وهو في الثالثة عشرة من عمره [6] .
وقد كان للنشأة الدينية القويمة التي عاشها الملك عبد العزيز رحمه الله أثرٌ واضح، ونتائج ملموسة، فنراه يتمسَّك بالعقيدة، ويحض على التمسك بها في كل مناسبة، ويحافظ على أداء الفرائض قبل أن يحث غيره على التمسك بها، ويقرأ القرآن الكريم، ويستشهد بآياته، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف الصالح، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويرغب في فضائل الأعمال ومكارم الأخلاق، ويلزم بها نفسه قبل أن يطالب بها غيره ليكون قدوة لغيره، ولذا وفَّقه الله، وآزره فيما سعى إليه [7] .(41/383)
وقد كان لمعايشته بعض الظروف التي مرَّت بأسرته وسقوط دولة آبائه آثار على نفسه منذ صغره حيث شحذت همته على استيعابها والاستفادة منها. جاء في معرض خطبته عام 1358هـ وهو يتحدث عن أسباب سقوط الدولة السعودية الثانية، قوله:
"كل أمة تريد أن تنهض لابُدَّ لكل فرد فيها من أن يقوم بواجباتٍ ثلاثة:
أولها: واجباته نحو الله والدين.
وثانيها: واجباته في حفظ أمجاد أجداده وبلاده.
وثالثها: واجباته نحو شرفه الشخصي" [8] .
فقد وعى هذا الدرس جيداً، وعمل على تلافي أسبابه ودواعيه.
كما كان لسكناه في البادية مع آل مرة والعجمان آثار إيجابية أكسبته صلابة العود مبكراً، واستوعب فنون القتال والفروسية، وأجاد الكر والغزو والمواهب القتالية، وكان يقول: "أنا ترعرعت في البادية فلا أعرف التلاعب بالكلام وتزويقه، ولكني أعرف الحقيقة عارية عن كل تزويق".
كما كان لإقامته في الكويت على مقربة من موقع المسئولية وصنع القرار الإداري والسياسي أثر كذلك، إذ أتاح له المقام بالكويت الاطلاع على كيفية إدارة شئون الدولة، وأكسبته الخبرة والحنكة السياسية. وراقب بعينٍ بصيرة صراعات الدول الكبرى ومناوراتها على المستوى المحلي والعالمي.
وعرف كيف يتعامل بمهارة مع تلك السياسات عندما أصبح في موقع المسؤلية إبان تأسيس الدولة السعودية الثالثة، فحظي باحترام زعماء العالم المعاصرين له [9] .
كما كان لصفاته الشخصية وسجاياه الجليلة من قوة التدين والإيمان الخالص، والكرم والشجاعة والفراسة والحكمة والأناة في معالجة الأمور، والتواضع وحسن الخلق، والقدرة على كتمان السر، آثار إيجابية وطأت له أسباب التمكين في الأرض وحب الناس له. وكان بروحه المؤمنة الصادقة قد أتاح للجزيرة عهداً سعيداً عامراً بالأمن، والرخاء، ورغد العيش.(41/384)
فكان عهده مذكراً لجميع المسلمين بعهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، إذ حاول قدر جهده أن يسير على دربهم، ويحتذي حذوهم، فصدق فيه قوله -تعالى-: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْض} [10] ، وقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [11] .
وقد بنى الملك عبد العزيز دولته وأقام نظامه في الجزيرة التي بُعِثَ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ونَزَل عليه الوحي فيها، وجاهد فيها، وأقام دولته فيها.
وهو المكان الذي شهد الدولة الإسلامية للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم جميعاً.
وإن كان المؤرخون يقسمون تاريخ الدولة السعودية إلى ثلاثة عهود، فإنَّ وجه الشبه بين هذه العهود هو حرص الحكام والعلماء في العهود الثلاثة على الأُسُس والمبادئ الإسلامية، وتقديم التضحيات في سبيل نشر الدعوة السلفية، واتخاذ الشريعة الغرَّاء منهجاً للبلاد.
حيث كانت أحكام الشريعة غير مطبقة تطبيقاً سليماً أو غير مطبقة
بالمرة، واستبدل بها أحكام جرت مجرى العرف، وكان التمسك بها شديداً؛ لأنَّها من وضع سلفهم، ولأنَّ الخلف وجدوا آباءهم معتزين بها، ومطبقين لها، وهذا مما يجعل تغير هذه الأوضاع البعيدة عن الإسلام من الصعوبة بمكان.
وعندما شرع الملك عبد العزيز في تأسيس دولته على الدين
الحنيف، كانت صورة الحكم الإسلامي مهتزة في أذهان بعض الناس؛ لأنَّهم نظروا إلى الإسلام من خلال واقع المسلمين وأعمالهم، وما ارتكبوه من أخطاء.(41/385)
أمَّا الملك عبد العزيز فلم يصغ إلى ذلك الوهم؛ لأنَّه يؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ونظاماً للحياة. وأنَّ التمسك بالإسلام يعصم من الضلال، فسارع في إنفاذ الشريعة وتطبيق أحكامها، "ولم يتعلل بعدم وجود فقه تفصيلي، ولم يَخَفْ من نتائج تطبيق الشريعة؛ لأنَّه لا يخاف من هذه النتائج إلاَّ من نوى الظلم والفساد في الأرض.
والملك عبد العزيز قد عرف من سيرته بأنَّه محب للعدل، مقيم له، كاره للفساد مقاومٌ له" [12] .
فلم يبتدع نظاماً، ولم يشرع قانوناً، بل ما عمله في هذا السبيل هو أنَّه أحيا سًنَّة القرآن الكريم، وأيقظ في النفوس وازع الإيمان، ففجر فيها القوة في التضحية والانضباط في التزام ما شرعه الله لعباده [13] .
وقد أطلنا في هذا التمهيد الذي يتقدم جهود الملك عبد العزيز - رحمه الله - في تقرير العقيدة الإسلامية، وهو الهدف العام من الدعامة الأولى من دعائم التمكين (إقام الصلاة) كما سبق. لكن المقام يتطلَّب هذه الإشارات للربط بين أجزاء الموضوع.
المطلب الأول: تقرير الملك عبد العزيز للهدف العام من الدعامة الأولى للتمكين، وهو (العقيدة) :
سلك الملك عبد العزيز - رحمه الله - منهجاً قويماً في ترسيخ العقيدة الصحيحة في البلاد مكَّنه هذا المنهج من إحلال الأمن والاستقرار وتحقيق الرخاء في البلاد.
يقوم هذا المنهج على ثلاث دعائم:
1 – توحيد الله تعالى وعبادته.
2 - تطبيق الشريعة الإسلامية.
3 – السعي إلى وحدة الأمَّة.
{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92] .
وامتداداً لجهود الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والإمام محمد بن سعود رحمهما الله.
قام الملك عبد العزيز بجهودٍ عظيمة في تقرير العقيدة الصحيحة ونشرها والذَبّ عن حياضها.(41/386)
ومن تتبع الأسباب التي حملت الشيخ محمد بن عبد الوهاب على القيام بدعوته، ثُمَّ تناول الكتب والرسائل التي كتبها الشيخ، أو كتبها أولاده وأحفاده وتلاميذهم، يلاحظ أنَّ دعوته ركَّزت على ناحيتين:
الأولى: دعوة الناس إلى تجريد العبادة لله وحده؛ بحيث لا يَعْبُد مخلوقٌ مخلوقاً مثله من دون الله أو مع الله، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لا يقدم قولاً أو رأياً على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثانية: دعوة الناس، وخصوصاً الحكام إلى تحكيم شريعة الله وحدها، وهذا يعني أنَّ دعوة الشيخ كانت تحارب جاهليتين شركيتين:
الأولى: جاهلية عبادة المخلوق لمخلوق مثله، بدعوى حب
الصالحين، أو التوسل بهم، والذي يشبه قول المشركين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 31] .
والثانية: جاهلية الحكم بغير ما أنزل الله.
وبناءً على هذه الأُسُس للدعوة السلفية قام الملك عبد العزيز رحمه الله، بجهود عديدة في تقرير العقيدة الصحيحة منها:
أ - تمسكه بالعقيدة الصحيحة في خاصَة نفسه.
ب - جهوده في تقرير العقيدة الصحيحة في داخل المملكة.
جـ - جهوده في تقرير العقيدة الصحيحة في خارج المملكة.
أ - تمسك الملك عبد العزيز - رحمه الله - بعقيدة التوحيد:
كان الملك عبد العزيز يتمسك بعقيدة التوحيد، وبنى على هذا الأساس كل قراراته وتصرفاته.
فالصفة الأكثر أهمية ووزناً وعمقاً في شخصية الملك عبد العزيز أنَّه رجل عقيدة قبل كل شيء، ومؤدَّى ذلك أنَّ الخصائص الأخرى تستمد من العقيدة قوتها وأثرها وظهورها [14] .
وقد علم من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، والحكام الصالحين أنَّ أصل الأصول في الدولة الإسلامية هو: عقيدة التوحيد.(41/387)
والملك عبد العزيز - رحمه الله - رجل موحّد خالص التوحيد في خاصة نفسه، ملتزم بمنهج السلف الصالح في توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، لا يدعو غير الله، ولا يشرع ما لم يأذن به الله [15] .
والأدلة على هذا كثيرة من أقواله وأفعاله رحمه الله. فمن أقواله في هذا الشأن ما يلي:
1 - عبارته المشهورة: "كلمة التوحيد لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله إني والله، وبالله، وتالله، أقدِّم دمي ودم أولادي وكل آل سعود فداءً لهذه الكلمة لا أضن بها" [16] .
2 - وقال -رحمه الله-: "أمَّا العبادة فلا تصرف إلاَّ لله وحده لا لِمَلَكٍ مقرَّب، ولا لنبي مرسل، ولا تخفى عليكم الآية الكريمة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] . ومعنى يعبدون: يوحدون، فالتوحيد خاص بالله تعالى، والعبادة لا تصرف إلاَّ إليه، والرجاء والخوف والأمل كله بالله ولله، وما بعث محمد ولا أرسل الرسل ولا جاهد المجاهدون إلاَّ لتوحيد الله تعالى" [17] .
3 - وقال -رحمه الله-: "إني أفضل أن أكون على رأس جبل آكل من عشب الأرض أعبد الله وحده، على أن أكون ملكاً على سائر الدنيا وهي على حالتها من الكفر والضلال. اللهم إنَّك تعلم أني أحب من تحب وأبغض من تبغض. إنَّا لا يهمنا الأسماء ولا الألقاب، وإنَّما يهمنا القيام بحق واجب كلمة التوحيد" [18] .
4 - وقال -رحمه الله-: "أنا داعية أدعو إلى عقيدة السلف الصالح، وهي التمسك بكتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم وما جاء عن الخلفاء الراشدين" [19] .
5 - وأوصى رحمه الله وليّ عهده فقال: "تعقد نيتك على ثلاثة أمور:
أولاً: نية صالحة، وعزم على أن تكون حياتك وأن يكون دينك
إعلاء كلمة التوحيد.(41/388)
ثانياً: عليك أن تجتهد في النظر في شئون الذين سيوليك الله أمرهم بالنصح سرّاً وعلانية، والعدل في المحب والمبغض، وتحكيم الشريعة في الدقيق والجليل والقيام بخدمتها باطناً وظاهراً.
ثالثاً: عليك أن تنظر في أمر المسلمين عامَّة" [20] .
ومن أفعاله ما يلي:
1 - اختيار الشهادتين شعاراً لرايته وعلماً لمملكته وشارةً لبلاده.
2 - اعتباره التوحيد القاعدة الرئيسة في حياة المسلمين - راعٍ ورعية، إمام ومأمومين - وإذ يقيم الملك عبد العزيز قلبه على توحيد الله فإنَّه في اللحظة ذاتها يُلْزِم من يلي أمرهم بتوحيد الله جلَّ شأنه [21] .
3 - من فرط إحساسه بمعاني التوحيد أنَّه كان يقظاً لكل لفظ يجرح هذا التوحيد.
التقى يوماً بزعيمٍ عربي، وفي أثناء الحديث أراد الزعيم توكيد مسألة معيَّنة فقال - مخاطباً الملك عبد العزيز -: وحياة رأسك. فرمقه الملك عبد العزيز بنظرة موحدة وقال له: "قل: والله" [22] .
وسمع شاعراً ذات يوم يلقي قصيدة أمامه بعد أن استأذن في إلقائها:
أنت أملنا وفيك الرجاء
... ... ... ... ...
فصاح الملك عبد العزيز قائلاً: "تخسأ. تخسأ". ولمح في المجلس أحد طلبة العلم فقال: "علِّمه التوحيد" [23] .
فهو يدرك أنَّ هذه الألفاظ من معاني توحيد الألوهية لا يجوز صرف شيء منها لغير الله [24] .
فالملك عبد العزيز كان داعية للتوحيد بقوله وفعله، وقد اقتدى به عدد كبير من دعاة التوحيد في العالم العربي والإسلامي، ومِمَّا يدل على ذلك أنَّ دعاة التوحيد في العالم الإسلامي كانوا يأتون ويجلسون إليه ويأخذون من أقواله ونصائحه ما يعزز نشاطهم ويحسن أساليبهم في الدعوة إلى التوحيد [25] .
ولم يقتصر الأمر على مجرَّد النصائح، بل تعداه إلى الدعم المادي والمعنوي لهؤلاء الدعاة بغرض نصرة عقيدة التوحيد [26] .(41/389)
وهكذا نجد الملك عبد العزيز يقرر عقيدة السلف الصالح بأقواله وأفعاله، ويُلْزِم مَنْ يلي أمرهم بذلك. وهي طريقة في الانتصار للعقيدة لا يستخدمها إلاَّ داعية موحد لا يقايض على التوحيد بشيء. ولا غرابة في ذلك فقد عرف عن الملك عبد العزيز - رحمه الله - بأنَّه داعية عقيدة ومنفّذ شريعة [27]- حتى وُصِفَ بأنَّه: "الإسلامي الداعية إلى الحل الإسلامي" [28] .
ب - جهود الملك عبد العزيز في تقرير العقيدة الصحيحة داخل المملكة.
عندما بدأ الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بفتح الرياض عام 1319هـ، وبدأ تأسيس الدولة السعودية الثالثة، لم تكن العقيدة الصحيحة التي نادى بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود، وأبناؤهما وأحفادهما من بعدهما، على ما كانت عليه من الصفاء والنقاء الذي وصلت إليه على يد الأمير سعود الكبير حفيد الإمام محمد بن سعود رحمهما الله، بل كثرت الدعاية السيئة ضد الدعوة السلفية في البلاد الإسلامية. وأخذ أعداء الدعوة يذيعون أنَّ أنصار الدعوة السلفية لا يحبون أهل البيت ولا يحفظون للأولياء حقّاً ولا حرمة. كما وصفوا الدعوة السلفية بأنَّها مذهب خامس، وأُلِّفَت الكتب التي ترمي أنصار الدعوة بكبيرات الأمور.
ولم يقف الأمر على مجرَّد الدعاية، بل أرسلوا الجيوش لمحاربة هذه الدعوة وإضعافها [29] .
فعادت مظاهر الشرك من جديد وكثر الاعتقاد في الأشجار والأحجار، والبناء على القبور، والتبرك بها، والنذر لها. وغير ذلك من مظاهر الشرك الأصغر والأكبر [30] .
فلمَّا حمل الملك عبد العزيز راية الدعوة أدرك أنَّ هذه الشركيات قد تغلغلت جذورها في النفوس وترسَّخت مفاسد وأدران الوثنية بسبب الجهل، فشرع يخطط لإصلاح هذه النفوس وتطهيرها. وجعل التوحيد قضيته المنهجية الأولى. ونجح في إزالة مظاهر الشرك والقضاء على ما ينافي عقيدة التوحيد أو يوهن من كمالها.(41/390)
والأدلة على جهود الملك عبد العزيز في نشر العقيدة داخل المملكة حاضرة وبادية عديدة، اكتفي منها بما يلي:
1 - يقول الملك عبد العزيز رحمه الله: "إنَّ سبيل رقي المسلمين هو التوحيد الخالص، والخروج من أسر البدع والضلالات والاعتصام بما جاء في كتاب الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم" [31] .
2 - يقول الدكتور عبد الله التركي: "لما ظهر الملك عبد العزيز بدعوة التوحيد ودين الحق، استطاع بعون الله ثُمَّ بوسيلة الشوكة والسلطان أن يحمي التوحيد من كل ما يخالفه ويزاحمه من عقائد وعادات وأعراف ومظاهر وأساليب" [32] .
3 - جمع علماء مكَّة بعلماء نجد ليتباحثوا في مسائل الشرع، فاجتمعوا في جمادى الأول عام 1343هـ، وأصدروا بياناً جاء فيه: "قد حصل الاتفاق بيننا وبين علماء نجد في مسائل أصولية منها:
أ - أنَّ مَنْ جعل بينه وبين الله وسائط من خلقه يدعوهم
ويرجوهم في جلب نفع أو دفع ضر فهو كافر حلال الدم والمال.
ب - أنَّ البناء على القبور واتخاذ السرج عليها وإقامة الصلاة فيها بدعة محرمة في الشريعة الإسلامية.
جـ - مَنْ سأل الله بجاه أحد من خلقه فهو مبتدع مرتكب محرماً".
واتفق العلماء على نشر هذا البيان الذي من خلاله اتضحت وحدة العقيدة في أنحاء المملكة [33] .
4 - تطبيقاً لقوله -تعالى-: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [34] . حرص الملك عبد العزيز على إلغاء جميع القوانين التي كانت موجودة من بقايا الدول السابقة، وكان يُعْمَل بها في بعض مناطق المملكة، وحثَّ العلماء على إصدار فتوى بذلك، وقد أصدروا فتوى بتاريخ 8 شعبان 1345هـ ومِمَّا جاء فيها: "وأمَّا القوانين فإن كان موجوداً منها شيء فيزال فوراً ولا يحكم إلاَّ بالشرع المطهَّر" [35] .(41/391)
5 - حماية المملكة من أن يتسلل إليها شيء من عقائد الكفار من نصارى وشيوعيين وغيرهم، وتحريم دخول المنصرين إلى المملكة، أو وجود صلبان أو غير ذلك من شعارات الكفار.
6 - أبطل التحاكم إلى العوائد والسلوم [36] المخالفة للشريعة، وأن لا يتحاكم إلاَّ إلى أحكام الشريعة فقط.
جـ – جهود الملك عبد العزيز في نشر الدعوة للعقيدة خارج المملكة:
التوحيد عقيدة عالمية، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] فالخطاب موجه إلى الناس كافَّة - النداء للناس كافة، والأمر للبشر جميعاً - إنَّه نداء إلى الناس كلهم بأن يوحدوا الله بالعبادة دون سواه.
ومعلوم أنَّ المدعوين للدعوة مسلمون وغير مسلمين، فالدعوة تشملهما. ولما تولَّى الملك عبد العزيز شئون البلاد، وانطلاقاً من أنَّ مِن وظائف الحكومة الإسلامية نشر الدعوة الإسلامية بالحوار والحسنى، كما قال الله -تعالى-: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَر} [الحج:41] .
وانطلاقاً من ذلك سعى الملك عبد العزيز يدعو إلى العقيدة الصحيحة عالمياً عن طريق استغلال مواسم الحج في الدعوة، أو إيصال العقيدة النقية إلى البلدان المختلفة عن طريق نشر الكتب وتوزيعها في البلاد المختلفة مجاناً.
فمن سعة أفق الملك عبد العزيز أنَّه كان يستغل مواسم الحج في الدعوة إلى تصحيح العقيدة وكانت له - رحمه الله - مأدبة كبرى يلتقي فيها بعلماء الدول والحجاج يدعوهم فيها إلى الله وإخلاص العبودية له.(41/392)
خطب - رحمه الله - في جمعٍ غفير من ضيوف الرحمن فقال: "المسلم لا يكون مسلماً صحيحاً إلاَّ إذا أخلص العبادة لله وحده. يجب أن يتدبر المسلمون معنى (لا إله إلاَّ الله) . يجب على الإنسان أن لا يشرك مع الله في عبادته نبياً مرسلاً ولا ملكاً مقرّباً. يجب أن يتبع المسلمون القول بالعمل أمَّا القول المجرد فلا يفيد. ما فائدة رجل يقول: (لا إله إلاَّ الله) ولكن يشرك ما دون الله في عبادته؟؟
{إنَّ الله إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: 48] . إنَّ الإشراك مع عبادة الله كفر، وليس بعد الكفر ذنب. إنَّ دين الله ظاهر كالشمس، لا لبس فيه ولا تعقيد".
ثُمَّ أضاف - رحمه الله -: "إنَّ من أعظم الأوامر توحيد الله جلَّ وعلا توحيداً منزهاً عن الشرك" [37] .
وخطب - رحمه الله - في حُجَّاج الهند فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "إنَّ أول ما يلزمنا من الإسلام هو كلمة الشهادتين، ومعنى الشهادة (لا إله إلاَّ الله) أنَّها تفيد إثبات وحدانية الله سبحانه وتعالى.
لا يوجد إنسان غير مذنب؛ لأنَّ العصمة لله وحده، لكن الذنوب على درجات، منها ما لا يمكن معه صفح أو غفران، وهو الشرك بالله" [38] .
ويقول - رحمه الله -: "الإسلام عزيز عليَّ، ورهبته في قلوب أعدائه كبيرة، فواجب المسلم أن يقوم بالدعوة إلى عبادة الله خالصة" [39] .
ويقول - رحمه الله -: "إنَّ الذي يجمع شملنا ويوحد بيننا هو: الالتفاف حول كلمة التوحيد والعمل بما أمر الله به ورسوله" [40] .(41/393)
ومن المجالات التي نشط الملك عبد العزيز في تقرير ونشر العقيدة الصحيحة عن طريقها عالمياً: اخراج المؤلفات القيمة التي تهتم بنشر العقيدة السلفية الصحيحة، وتطهير العقيدة من أدران الشرك، لا سيما كتب الشيخ ابن تيمية وابن قيم الجوزية، وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حيث طبعت كتب هؤلاء العلماء السلفيين، ووصلت إلى أيدي الناس في مختلف البلدان ووزِّعت مجاناً.
فقرأها الناس وانتفعوا بها، وأيقظت في نفوسهم الفطرة الأصيلة لتوحيد الله عزَّ وجلَّ، وخدمت هذه الكتب العقيدة السلفية أفضل خدمة. فجزى الله الملك عبد العزيز خيراً على هذه الجهود القيمة في تقريره ونشره لعقيدة السلف الصالح.
المطلب الثاني: عناية الملك عبد العزيز بالهدف الخاص للدعامة الأولى (إقام الصلاة) :
سبق أنَّ الهدف الخاص للدعامة الأولى من دعائم التمكين في الأرض هو أداء الصلاة المعروفة كاملة بأركانها وشروطها وواجباتها وسننها، وأنَّ (إقام الصلاة) قدر زائد على الإتيان بهيئاتها الظاهرة، وإن كان ذلك تسقط به أحكام الدنيا.
لكن إقامة الشيء - كما سبق - هو: (توفيته حقه كاملاً) وأنَّ الله سبحانه وتعالى لم يأمر بالصلاة حينما أمر ولا مدح حينما مدح إلاَّ بلفظ "الإقامة"تنبيهاً أنَّ المقصود منها توفية شرائطها لا الإتيان بهيئاتها [41] . وأنَّه ليس للعبد من صلاته إلاَّ ما عقل، وحضر قلبه فيها، وأنَّ لب الصلاة وروحها الخشوع فيها لله تعالى.
ومن هنا سيكون الحديث إن شاء الله تعالى في هذا المطلب عن الأمور التالية:
الأمر الأول: اهتمام الملك عبد العزيز بأداء الصلاة.
الأمر الثاني: عنايته بإقامة الصلاة، وفيه النقاط التالية:
1 - إقامة الصلاة بالنهي عن تركها. وهذا سيأتي في الدعامة
الثالثة.
2 - إقامة الصلاة بتعيين الأئمة العالمين بأحكامها وما تصح به.(41/394)
3 - إقامة الصلاة بالاعتناء بمواضع الصلاة.
4 - إقامة الصلاة بتهيئة كل ما يؤدي إلى الخشوع فيها، من فرش
المساجد، وتهويتها، وتكييفها، وتنظيفها، وغير ذلك.
الأمر الأول: اهتمام الملك عبد العزيز بأداء الصلاة:
كان الملك عبد العزيز منذ صباه ملتزماً بالتعاليم والآداب الشرعية، متمسكاً بكتاب الله، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، محكماً كتاب الله في كل أموره. فلم يعرف عنه في شبابه رغم أنَّه عاش في أول شبابه في بلادٍ كان فيها نوعٌ من التساهل. وفي الحديث: "إنَّ الله ليعجب من الشاب ليس له صبوة" [42] .
أمَّا صلته بالله عزَّ وجلَّ فنحسب أنَّها لم تكن مقرونة برغبة دنيوية، فعقيدته خالصة، لذلك نجد التوفيق حليفه في أعماله. وكان من أهم المزايا التي يتصف بها قوة الإيمان بالله تعالى، فمنذ نشأته لم يضعف إيمانه بالله أو يشك في ثقته بنصره [43] .
وقد وضع لحياته نظاماً دقيقاً، أعطى الجانب الديني منه نصيباً وافراً، على الرغم من كثرة مشاغله ومسئولياته. فهو غالباً لا ينام أكثر من ست ساعات في اليوم، على ثلاث فترات، منها أربع ساعات في الليل، يصحو قبيل الفجر فيتوضأ ويصلّي ركعتين، ويقرأ بعضاً من القرآن إلى أن يحين الفجر، فيصلي ثُمَّ ينام ساعة، ثُمَّ يقوم بعدها ليرعى مصالح الدولة. وساعة أخرى بعد الغداء، ثُمَّ المجلس الديني عقب صلاة المغرب [44] .
وبهذا استطاع أن يجمع بين ما نشأ عليه من تعاليم دينية وبين إدارته لأمور الدولة عندما أصبح في موقع المسئولية [45] .
ومن أهم ثمرات تدين الملك عبد العزيز - رحمه الله - أخذه بمبدأ الشورى، فلا يعرف الاستقلال بالرأي، ولكن كانت المشورة الدائمة والاسترشاد بآراء العلماء دأبه ومنهجه [46] .
الأمر الثاني: عناية الملك عبد العزيز بإقام الصلاة:(41/395)
سبق أنَّ (إقام الصلاة) قدر زائد على الإتيان بهيئاتها الظاهرة، وأنَّ من (إقام الصلاة) وتوفية حقها النهي عن التساهل فيها، أو تركها، وهذا سيأتي في الكلام عن الدعامتين الثالثة والرابعة.
كما أنَّ من (إقام الصلاة) العناية بمواضعها التي أمر الله أن تقام فيها.
وأنَّ من (إقام الصلاة) تعيين الأئمة الذين يعلمون ما تصح به الصلاة، كما أنَّ من إقامتها كل ما يدعو إلى الاطمئنان والخشوع فيها الذي هو لب الصلاة وروحها. كتهوية المساجد، وفرشها، وتنظيفها، وغير ذلك مِمَّا يساعد على الخشوع وحضور القلب.
وهذا يدعونا إلى بيان جهود الملك عبد العزيز رحمه الله في هذه الأمور مرتبةً، فنقول وبالله التوفيق:
أولاً: جهوده في بناء المساجد:
المساجد جمع مسجَد - بفتح الجيم وكسرها - فالمسجَد - بالفتح - الجهة من الوجه، حيث تكون ندب السجود. والمساجِدُ من بدن الإنسان الأعضاء التي يسجد عليها، وهي: الجبهة، والأنف، والبدن، والركبتان والقدمان.
والمسجِدُ: بالكسر، كل موضع يتعبَّد فيه المسلمون بالصلاة [47] . يشهد لذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "جُعِلَت لي الأرض مسجداً وطهوراً" [48]
وقد عظَّم الله تعالى مكانة المسجد، ورفع من شأنه في آياتٍ كثيرة منها قوله -تعالى-: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} . [النور آية:36] .(41/396)
ولَمَّا كان نور الإيمان والقرآن أكثر وقوع أسبابه في المساجد، ذكرها منوهاً بها فقال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ....} : أي يتعبد لله {فِي بُيُوتٍ} : عظيمة فاضلة هي أحب البقاع إليه وهي المساجد. {أَذِنَ اللَّهُ} : أي أمر ووصَّى {أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} : يدخل في ذلك الصلاة كلها، فرضها ونفلها، وقراءة القرآن، والتسبيح، والتحميد، وغير ذلك من أنواع الذكر وتعلم العلم وتعليمه والمذاكرة فيها والاعتكاف وغير ذلك من العبادات التي تفعل في المساجد، ثُمَّ مدح الله عمَّارها فقال: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاة} [49] : فهؤلاء الرجال - وإن اتجروا وباعوا واشتروا فإنَّ ذلك لا محذور فيه، لا تلهيهم تلك بأن يقدموها ويؤثروها على ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه.
وسبق أنَّ من الأمور الدالة على مكانة الصلاة في الإسلام المواضع التي تقام فيها لما لها من آثار اجتماعية كثيرة منها إيجاد التكافل الاجتماعي بين المسلمين، فالمسجد وسيلة التعارف اليومي، ثُمَّ يتحول التعارف مع مرور الأيام إلى تآلف ومنه تنشأ أواصر الأخوة الإسلامية في الله. والغاية من ذلك كله هو وجود مجتمع مترابط منسجم كالأسرة الواحدة [50] .
وقد عني المسلمون في عصورهم المتتابعة بالمساجد لما لها من دور هام في الإسلام، وكونها الجامعات الأولى في التعليم العام.(41/397)
ولمَّا وصل الدور إلى الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ونظراً لاستقرار دواعي الأمن في ربوع البلاد على يد الملك عبد العزيز والعناية والاهتمام براحة الحجاج، فقد زاد عدد الوافدين لأداء فريضة الحج من البلاد العربية والإسلامية. وكانت الزيادة في اطراد مستمر عاماً بعد آخر - حتى ضاق المسجد الحرام عن استيعابهم، وصار تزاحمهم يمثل مشكلة كبيرة - فوجَّه الملك عبد العزيز بدراسة مشروع لتوسعة المسجد الحرام على أكبر مساحة ممكنة [51] .
وكانت مساحة المسجد في ذلك الوقت حوالي (000ر30) متراً مربعاً، فعملت الدراسة وبُدِئ في تنفيذ هذا المشروع في 23/8/1375 هـ في عهد الملك سعود - يرحمه الله - وكان يعتبر في وقته أكبر مشروع عمل لتوسعة المسجد الحرام، حيث تمت توسعته بأكبر من ضعف مساحته التي كان عليها في السابق، وعملت حوله ساحات وميادين واسعة وشوارع فسيحة، وخدمات متعددة، كتنظيم مياه زمزم، وتوافر دورات مياه، وغير ذلك.
كما تمَّ تنظيم المشاعر والمناسك الأخرى، لتستوعب أكبر عدد ممكن من الحجاج وضيوف الرحمن.
وبالنسبة للمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، فقد أجريت في عام 1375هـ أول توسعة كبيرة، وكانت المساحة الإجمالية للمسجد قبل التوسعة (303ر10) متراً مربعاً، فأصبحت بعد التوسعة (500ر16) متراً مربعاً.
ونظراً لأهمية المساجد ودورها الهام في الإسلام، فقد اهتمت المملكة بإنشاء المساجد وتعميرها في مختلف مناطق المملكة منذ زمنٍ بعيد، وزاد هذا الاهتمام في العصر الحاضر نظراً لما أفاء الله به على هذه البلاد من خير وفير، وُجِّه قسط كبير منه لخدمة الإسلام بصفة عامَّة، وبمشاريع وأساليب متنوعة. وكان لإنشاء المساجد وتعميرها نصيب وافر من ذلك الاهتمام حتى بلغ عدد المساجد التي قامت وزارة الحج والأوقاف بإنشائها أو تعميرها (204ر30) مسجداً في عام 1410هـ[52](41/398)