فكثُرت المصنفات في مذهب الحنابلة وتفاوتت بين الاختصار والتوسع ابتداءً من زمن الإمام أحمد- رحمه الله- إلى يومنا هذا.
واشتهرتْ مصنفاتهم ونالت قَصَبَ السَّبْقِ، واحتلت مكانة مرموقةً بين كتب المذاهب الأخرى كمؤلفات ابن قدامة رحمه الله تعالى، ومؤلفات شيخ الإسلام ابن تيميه، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى.
لذلك اهتم علماءُ الحنابلةِ بمؤلفات متقدميهم، وعملوا على نشرِها وإظهارِها، وتقديمها للقارئ للاستفادة منها، والاعتماد عليها في معرفة أقوال الإمام، والنظرِ في آراء مجتهدي المذهب في كثيرٍ من المسائل التي يحتاج إليها الباحث.
وكان من بين متأخّري فقهاء الحنابلة الذين أسهموا إسهاما بارزاً في تدوين فقه الإمام أحمد- رحمه الله تعالى- الفقيه والمؤرخ الشهير عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد الحنبلي المتوفى سنة (1089هـ) ، والذي اشتهر من خلال كتابه (شذرات الذهب) .
حيث صنف كتاباً خاصاً في مسائل الأيمان والطلاق، دوّن فيه أهم المسائل الفقهية في هذين البابين، وحرّرها على مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وهو كتابه هذا الذي أقدمه إليك أيها القارئ الكريم، وعنوانه: (مُعْطِية الأمان من حِنْثِ الأيمان) ولم يقتصر فيه ابن العماد- رحمه الله- على ذكر مذهب الحنابلة فقط، بل أورد فيه أقوال الأئمةِ الثلاثةِ الآخرين، مع ذكر الأدلة في غالب المسائل التي دونها في كتابه هذا، وعرّج على ذكر أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم من الفقهاء المشهورين.
وهو كتاب جامع لأهم المسائل الفقهية، والفرعيان الجزئية في كتابي الأيمان والطلاق، حرره ابن العماد بأسلوب سهل، وعبارات جزلة دقيقة، يَسْهُلُ على القارئ فهمها، ويجد فيه الباحث بغيتَه من المسائل المتعلقة بهذين البابين.(37/325)
لذا أحببت أن أسهم إسهاماً متواضعاً في إخراج هذا الكتاب إلى حيّز الوجود، ليستفيد منه طلاب العلم، وليكون إضافة جديدةً ونافعةً إلى قائمة مصادر كتب الفقه الحنبلي التي تزخر بها المكتبة الإسلامية.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يرزقنا حسن النية في القول والعمل، وأن لا يؤاخذنا بزلاتِ اللّسان، وسقطاتِ الكلام، وأن يوفقنا لما فيه الخير والفلاح في الدنيا والآخرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه
أفقر العباد إلى الملك الجوَاد
أبو وائل: عبد الكريم بن صنيتان العمري
أستاذ مشارك بكلية الشريعة
بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
القسم الدراسي
أولاً
دراسة حياة المصنف
ترجمة المصنف
مصادر ترجمته:
- خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر: 2/ 340-341.
- نفحات الأسرار المكية ورشحات الأفكار الذهبية: 61/ ب-63/ أ (خ) .
- النعت الأكمل لأصحاب الإمام أحمد بن حنبل: 240-249.
- السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة: 192-194.
- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون: 2/42، 570.
- هدية العارفين، أسماء المؤلفين وآثار المصنفين: 1/508.
- الدر المنضّد في أسماء كتب مذهب الإمام أحمد: 59.
- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل: 443.
- الفكر السّامي في تاريخ الفقه الإسلامي: 2/ 370.
- مختصر طبقات الحنابلة: 124- هـ 12.
- المختصر من كتاب نشر النور والزهر: لعبد الله مرداد 195-196.
- الأعلام: 3/290.
- معجم المؤلفين 5/107.
اسمه ونسبه:
هو العالم، الأديب، المؤرخ، الفقيه، أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد، الدمشقي، العَكْري [1] ، الحنبلي [2] .
ولادته ونشأته العلمية:(37/326)
ولد المصنّف- ابن العماد الحنبلي- بمدينة دمشق، يوم الأربعاء، الثامن من شهر رجب سنة اثنتين وثلاثين وألف من الهجرة النبوية [3] .
وكانت دمشق- إذ ذاك- تزخر بأفذاد العلماء، وكبار المشايخ، الذين كان لهم نشاطٌ كبيرٌ في نشر العلوم والمعارف، وذلك بإقامة الحلقات الدراسية في المساجد، والمدارس التي انتشرت بكثرة في تلك الفترة.
فنشأ المصنف وترعرع بها، وأولع بطلب العلم منذ صغره، فابتدأ بحفظ القرآن الكريم، ثم شمَّر عن ساعد الجد والاجتهاد، وانخرط في تلك المدارس، فلازم كبار علماء دمشق واستفاد منهم، وقرأ عليهم الفقه وغيره [4] . ولمَّا نبغ وارتوى عُودُه، أجازه كبار علماء دمشق، ثم واصل مسيرته العلمية، فرحل إلى القاهرة [5] ، وأقام بها، وأخذ عن أبرز مشايخها، ولما رأى في نفسه القدرة على الجلوس مجالس العلماء، وإمكان بثه للعلم ونشره له، بدأ في ذلك، فأنشأ لنفسه حلقاتٍ علميةً دَرَّسَ فيها أنواع العلوم من فقه، ونحو، وصرف، وغير ذلك، فعمد إليه الطلبة من كل مكان، ولازموه واستفادوا منه، وكان لا يمل ولا يفتر من المذاكرة والاشتغال بالتدريس والتعليم.
وبالإِضافة إلى انشغاله بالتدريس، كان يقوم بنسخِ الكثير من الكتب العلمية المفيدة بخطه، الذي وصفه معاصروه بأنه كان خطاً جميلاً بديعاً.
يقول عنه تلميذه المحبي: [6]
"وكتب الكثير بخطه الحسن المضبوط، وكان خطّه حسناً بيّن الضبط حلو الأسلوب".
وكان المصنف- أيضاً - من الأدباء البارزين في ذلك الوقت، وكان يميل إلى نظم الشعر، ونسب إليه بعض الأبيات [7] .(37/327)
وبالجملة فقد كان يتمتع بذاكرةٍ عجيبة- كما وصفه معاصروه- وفِكرٍ وقَّاد، وكان شخصيةً علميةً شهيرة، واستطاع- بما وهبه الله من ذكاء - أن يظهر نفسه في ذلك الوقت، وأن يكون من الأعلام البارزين الموصوفين بالذكاء والفطنة، والقدرة الفائقة على التحرير والتصنيف والكتابة، ويتضح ذلك كله من خلال قراءة مصنفاته وآثاره العلمية.
شيوخه:
1- أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي، الشافعي، أشهر فقهاء الشافعية في القرن الحادي عشر، كان عارفاً بالميقات، والحساب، والطب، وله العديد من المصنفات، منها: (مناسك الحج -خ) [8] ، و (الهداية من الضلالة في معرفة الوقت والقبلة من غير آلة- ط) ، (التذكرة في الطب) ، النبذة اللطيفة في بيان مقاصد الحجاز ومعالمه الشريفة) وغير ذلك، مات سنة (1069هـ) وقيل غير ذلك. [9]
2- أيوب بن أحمد بن أيوب الحنفي، الخلوتي، الصالحي، ولد بدمشق سنة (994 هـ) واشتغل بأنواع العلوم، ومات بدمشق سنة (1071 هـ) [10] .
3- رجب بن حسين بن علوان الحموي، الشافعي، كان متمكناً في العلوم الرياضية كالحساب والفلك، ماهراً بالفرائض، مات بدمشق سنة (1087 هـ) [11] .
4- سلطان بن أحمد بن سلامة المزاحي، الأزهري، الشافعي، من كبار الفقهاء والقراء، وكان عابداً ورعاً، ولد سنة (985هـ) ، صنّف الكثير من الكتب، منها: (حاشية على شرح المنهج) ، (مؤلف في القراءات) ، مات بالقاهرة سنة (1075 هـ) [12] .
5- عبد الباقي بن عبد الباقي بن عبد القادر البعلي، الأزهري، الحنبلي، مفتي الحنابلة بدمشق، كان عالماً بالفقه والحديث والقراءات، ولد سنة (1005هـ) ، من مصنفاته: (العين والأثر في عقائد أهل الأثر) ، (رياض أهل الجنة في آثار أهل السنة) ، (شرح صحيح البخاري) وغير ذلك، مات بدمشق سنة 1071هـ) [13] .(37/328)
6- علي بن إبراهيم بن علي القبردي، أبو الحسن الصالحي الدمشقي الشافعي، ولد سنة (984 هـ) ، أحد العلماء المشهورين المحققين في شتى الفنون، تولى التدريس والإفتاء بالجامع الأموي بدمشق، وكُفَّ بصرهُ في آخر حياته، ومات سنة (1060هـ) . [14]
7- علي بن علي، نور الدين الشّبْرامَلّسي. الشافعي، من فقهاء الشافعية بمصر، ولد سنة (997 هـ) ، كان دقيق الفهم، جيّد النظر، له العديد من المصنفات منها: (حاشية على نهاية المحتاج) [15] ، (حاشية على شرح الورقات) في أصول الفقه، (حاشية على المواهب اللدنية للقسطلاني) ، مات بالقاهرة سنة (1087 هـ) [16] .
8- محمد بن بدر الدين بن عبد القادر بن محمد، أبو عبد الله شمس الدينِ البلباني، البعلي، الحنبلي، أحد كبار فقهاء الحنابلة بالشام، كان عابداً زاهداً، يدرس الفقه على المذاهب الأربعة، له العديد من المصنفات، منها: (كافي المبتدئ من الطلاب) مطبوع مع شرحه (الروض النّدي) ، و (أخصر المختصرات) مطبوع مع شرحه (كشف المخدرات) و (عقيدة التوحيد) ، و (بغية المستفيد في التجويد) مات بدمشق سنة (1083 هـ) [17] .
9- محمد بن علاء الدين البابلي، شمس الدين الشافعي، أحد الأعلام في الحديث والفقه، وهو من أحفظ أهل عصره لمتون الأحاديث، ومن أعرف الناس بالجرح والتعديل وكان زاهداً ورعاً، من مصنفاته: (الجهاد وفضائله) ، مات بالقاهرة سنة (1077 هـ) [18] .
10- محمد بن كمال الدين بن محمد بن حسين الحنفي، من علماء التفسير، والحديث، والأدب، كان عارفاً بفقه الحنفية، من مصنفاته: (حاشية على شرح الألفية لابن الناظم) ، (التحريرات على الهداية) ، (البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف- ط) ، مات بدمشق سنة (1085 هـ) [19] .
تلاميذه:(37/329)
لم يذكر المترجمون له عدد تلاميذه، ولا أسماءهم، مما دعاني إلى القيام بقراءة واستقراء لتراجم المعاصرين له، واللاحقين بعده، فاستعرضت كتب التراجم للفترة التي عاش بها، ومصنفات القرن الثاني عشر التي اهتمت بالحوادث التاريخية وتدوين سيرة العلماء والمبرزين في تلك الفترة الزمنية، فكان أن خَرجتُ بأسماءِ عددٍ من تلاميذه، وهم:
1- إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد الكريم السّفَرْجلاني، الشافعي، ولد سنة (1055 هـ) ، كان أديباً شاعراً، برع في الرياضيات، وله ديوان شعر، مات بدمشق سنة (1112 هـ) [20] .
2- سَعْدِي بن عبد الرحمن بن محمد الحنفي، الدمشقي، محدّث من أهل الشام، كان ماهراً بالفرائض، عارفا بعلم الهندسة، والحساب، والمساحة، مات بدمشق سنة (1132 هـ) [21] .
3- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الذهبي، الدمشقي، المعروف بابن شاشة، أديب من أهل دمشق، من مصنفاته: (نفحات الأسرار المكية ورشحات الأفكار الذهبية) و (الفوائد المكية والروائح المسكية) ولكلٍ منهما نسخة في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة، مات بدمشق سنة (1128هـ) [22] .
4- عبد الرحيم بن مصطفى بن أحمد الشافعي الدمشقي، له عناية بالتاريخ والتراجم، وكان خطيباً واعظاً، له كتاب (المنتخب) اختصر به كتاب شيخه (شذرات الذهب) ، مات بدمشق سنة (1160 هـ) [23] .
5- عثمان بن أحمد بن سعيد بن عثمان النجدي، من فقهاء الحنابلة، ولد في بلدة (العيينة) قرب الرياض، ورحل إلى دمشق فأخذ عن علمائها، من مصنفاته: (هداية الراغب في شرح عمدة الطالب- ط) ، و (حاشية على منتهى الإيرادات) ، (نجاة الخلف في اعتقاد السلف) ، (قطع النزاع في تحريم الرضاع خ) [24] ، مات بالقاهرة سنة (1097هـ) [25] .(37/330)
6- عبد القادر بن أحمد بن علي بن ميمي البصري، الحنفي، كان فقيهاً، أديباً، فاضلاً، من مصنفاته: (يتيمة العصر في المدّ والجزع) و (رسالة في المنطق) ، وأخرى في (العروض) ، مات بالبصرة سنة (1085 هـ) [26] .
7- محمد أمين بن فضل الله بن محب الله المحبّي، الحموي، الحنفي، المؤرخ الشهير، ولد بدمشق سنة (1061هـ) ، وقرأ على علمائها، وبرع في فنونٍ كثيرة، واعتنى بتراجم أهل عصره، فصنف كتابه: (خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر) ، وله أيضاً: (نفحة الريحانة) خصصه لتراجم الأدباء، (قصد السبيل بما في اللغة من الدخيل) و (الأمثال) وغير ذلك [27] .
وقد تتلمذ على المصنف، وقال في أثناء ترجمته له [28] : وكنتُ فيِ عنفوان عمري تلمذتُ له، وأخذتُ عنه، وكنتُ أرى لُقيته فائدةً أكتسبها، وجملة فخرٍ لا أتعداها، فلزمتُه حتى قرأتُ عليه الصّرف والحساب، وكان يتحفني بفوائد جليلة، ويلقيها عليَّ.…
8- مصطفى بن فتح الله الشافعي، الحموي، المكي، مؤرّخ، أديب، من مصنفاته: (فوائد الارتحال ونتائج السفر، في أخبار أهل القرن الحادي عشر-خ) ، ثلاثة مجلدات في دار الكتب المصرية، مات باليمن سنة (1123هـ) [29] .
9- فضل الله بن علي بن محمد بنش محمد الأسطواني، الحنفي، كان رئيس الكُتّاب في المحكمة الكبرى، وعاش سخياً، متنعماً، وجمع من نفائس الكتب ما لم يجتمع عند أحدٍ من أبناء عصره، مات سنة (1100) [30] .
10- يونس بن أحمد المحلي، الأزهري، الشافعي، فقيه اشتهر بقوة الحفظ، وطلاقة العبارة، والاستحضار التام، ولد بالمحلة الكبرى بمصر سنة (1029هـ) ، وأخذ عن علمائها، ثم التحق بالأزهر، ورحل من ثَمّ إلى دمشق، وأخذ بها عن المصنف وعن غيره، ودرّس الحديث في الجامع الأموي بها، مات سنة (1120هـ) بدمشق [31] .(37/331)
كما أن الناسخ لنسخة (أ) وهو: محمد بن أحمد المحيوي الحنبلي، قد ذكر في آخر النسخة أنه تلميذٌ للمصنف، حيث قال: "تأليف شيخنا العلامة أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد ابن العماد"، ولم أقف على ترجمة له.
مصنفاته:
لعلَّ أولَ مصدرٍ تاريخيٍ يخطر ببال أي باحث عند إرادته معرفةَ تاريخ حادثةٍ من الحوادث، أو ترجمة علم من الأعلام، هو ذلك المصدر التاريخي الشهير (شذرات الذهب) الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً باسم مؤلفه ابن العماد الحنبلي، ولا يخفى على أحدٍ أهمية هذا المصدر التاريخي، الذي يعد موسوعة تاريخية حافلة، اشتملتْ على أهم الحوادث والوفيات التي وقعت خلال القرون العشرة الأولى من الهجرة النبوية.
وهذا المصدر الضخم بمجلداته العشرة هو أبرز وأهم مصنفات أبي الفلاح ابن العماد الحنبلي، ولو لم يكن له إلا هذا الكتاب لكفى.
وقد نُسِبَ إليه مصنفاتٌ أخرى، لا يزال بعضُها مخطوطاً، في حين لا يعرف شيء عن بقيةِ مصنفاتِه سوى أسماء عناوينها، وفيما يلي بيان لمصنفات ابن العماد وأماكن وجودها:
1- أسباب الخلاص بسورة الإِخلاص.
اطلعت على نسختين له:
الأولى: محفوظة بمركز الملك فيصل بالرياض ضمن مجموع رقمه (2865/13) ، وعدد أوراقها ست عشرة ورقة من (129 -144) [32] .
والثانية: في دار الكتب المصرية بالقاهرة، تحت رقم (19952 ب) ، في ثلاث عشرة ورقة [33] .
2- بغية أولي النهي في شرح المنتهى [34] .
وهو شرح لمتن (منتهى الإرادات) في الفقه الحنبلي لمؤلفه تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي، الشهير بابن النّجار (ت 672 هـ) [35] .
وقد نسب هذا الشرحَ- للمصنف- المحبّي [36] ، وابن حميد [37] ، وإسماعيل باشا [38] ، والثعالبي [39] ، والزركلي [40] ، وكحالة [41] .
3- ثبت [42] .
ذكر فيه مشايخه الذين لقيهم وروى عنهم.
4- حاشية على أنوار التنزيل.(37/332)
وهي حاشية كتبها على تفسير سورة (يس) من تفسير القاضي عبد الله بن عمر بن محمد البيضاوي (ت 685 هـ) المسمى بـ (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) [43] .
وقد سمَّى هذه الحاشية بـ (نزهة العماد) ، وفرغ من تأليفها سنة خمس وستين وألف للهجرة كما ذكر ذلك في مقدمته لهذه الحاشية.
وهي تقع في (49) ورقة، في كل ورقة (23) سطراً، كتبتْ بخط نسخ دقيق، محفوظة بالمكتبة الظاهرية بدمشق، تحت رقم (5542- علوم القرآن) [44] .
هـ- رسائل وتحريرات.
في موضوعات ومسائل مختلفة [45] .
6- شذرات الذهب في أخبار من ذهب [46] .
وهو أشهر مصنفاته، وأشهر من أن يُعرّفَ به، وقد ذكر فيه ما وقع من الحوادث المختلفة المشهورة، وتراجم الأعيان ووفياتهم، مرتباً على السنين حسب الوفيات لا على الأسماء، ابتدأ فيه من الهجرة إلى سنة (1000هـ) منها، وقد ذكر في مقدمته الهدف من تأليفه، فقال: [47] " ... أردتُ أن أجعله دفتراً جامعاً لوفيات أعيان الرجال، وبعض ما اشتملوا عليه من المآثر والسّجايا والخلال، فإنّ حِفْظَ التاريخ أمر مُهِمُّ، ونفعه من الديّن بالضرورة عُلِمَ، لاسيما وفيات المُحدّثين والمتحَمّلين لأحاديث سيّد المرسلين، فإنّ معرفة السّنَدِ لا تتم إلا بمعرفة الرواة، وأجَلُّ ما فيها تحفظُ السّيرةَ والوفاة".
هذا وقد طُبع الكتاب طبعاتٍ كثيرةً، غير أنّ الكتاب لم يسلم من الأخطاء، والتحريفات، والتصحيفات، حتى قام- أخيراً- الأستاذ محمود الأرناؤوط بتحقيق الكتاب تحقيقاً علمياً، وعلقّ عليه، ووثّق التراجم الواردة من مصادرها، وقام والده الشيخ عبد القادر بتخريج الأحاديث الواردة في الكتاب، فخرج هذا المصدر الهام في عشرة أجزاء بطبعة منقحة، وإخراج جيّدٍ له.
7- شرح بديعية ابن حجة [48] .
وهذه البديعية لناظمها أبي بكر بن علي بن عبد الله الحموي، الشهير بتقي الدين ابن حِجَّة (ت 837 هـ) [49] .(37/333)
ولشرح المصنّف عدة نسخ خطية، منها:
1- نسخة بدار الكتب القطرية، بقلم محمد قناوي الأزهري، وهي نسخة جيّدة بقلم معتاد، في سبع وثلاثين ورقة، بمعدل أربعة وعشرين سطراً في الصفحة الواحدة، محفوظة تحت رقم (257) بالدار المذكورة بالدوحة [50] .
2- نسخة بدار الكتب الظاهرية، تحت رقم (8772) [51] .
8- شرح [52] على (غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى) .
من تأليف العلامة مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي، (ت 1033هـ) [53] .
قال ابن بدران في المدخل [54] : "وقد تصدّى لشرحه- أي غاية المنتهى- العلامة الفقيه الأديب أبو الفلاح عبد الحي بن محمد ابن العماد، فشرحه شرحاً لطيفاً دلّ على فقهه وجودة قلمه لكنه لم يتمه".
وقد ذكر البعض [55] أن المصنف- ابن العماد- شَرَحَ (غاية المنتهى) للشيخ مرعي، وذكر آخرون أنه إنما شَرَحَ (منتهى الإِرادات) لابن النجار.
قلت: لا يمنع أن يكون قد شرح الكتابين. والله أعلم.
9- معطية الأمان من حِنث الأيمان.
وهو هذا الكتاب المحقق، وسيأتي الكلام عليه فيما بعد إن شاء الله تعالى [56] .
وفاته: [57]
في سنة (1089هـ) قصد المصنف مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وبعد أن قضى تفثَه، وأتَّم مناسكَ حجه، وشارك الحجاجَ في أداء هذه الشعيرة العظيمة، أقام بمكة يلتمس شيئاً من الراحة، فأتاه اليقين، وطواه الموت، فرحل العَلَمُ الذي دوّن حياةَ الأعلام، وسجّل التاريخ الحافل بأشهر الوقائع والأيام، وسَطَّرَ بمداد قلمه انتصاراتِ هذه الأمة، وتغلبها على أعدائها في الخطوب المدلهمّة.
وكانت وفاته في اليوم السادس عشر من شهر ذي الحجة سنة تسع وثمانين وألف من الهجرة النبوية، وكان عمره عند موته سبعاً وخمسين سنة، وخمسة أشهر، وثمانية أيام، ودفن بمقبرة المَعلاة بالحجون في مكة المكرمة، رحمنا الله وإياه رحمة واسعة.
ثناء العلماء عليه:(37/334)
أثنى المترجمون للمصنف من المؤرخين وغيرهم عليه، وأبرزوا شخصية ابن العماد العلمية، كواحدٍ من أبرز الرجال الذين قدّموا للأجيال اللاحقة بعده عملاً علمياً استحق عليه الإشادة والثناء والتقدير.
يقول عنه تلميذه المحبّي [58] : "الشيخ، العالم، الهمام، المصنّف، الأديب، المتفنّن، الطرفة، الإخباري، العجيب الشأن في التجولِ في المذاكرة، ومداخلة الأعيان، والتمتع بالخزائن العلمية، وتقييد الشوارد من كلِ فنّ، وكل من أدأب الناس، وأعرفهم بالفنون المتكاثرة، وأغزرهم إحاطةً بالآثار، وأجودهم مساجلة، وأقدرهم على الكتابة والتحرير".
وقال الغزّي: [59]
"انتفع به كثير من أبناء عصره، وكان لا يمل ولا يفتر من المذاكرة والاشتغال، وكَتَبَ الكثيرَ بخطه الحسن المضبوط، وكان خطه حسناً بيّن الضبط، حلو الأسلوب والتناسب".
وقال تلميذه عبد الرحمن الذهبي: [60]
"أحيا فقه ابن حنبل، وأتقن الحديث، وأحسن الرواية والتحديث، وكان معرضاً عن موجبات القيل والقال، إلا أنه كالشمّس لا يخفى".
وقال عنه ابن بدران: [61]
"وقد تصدّى لشرح كتاب (غاية المنتهى) العلامة، الفقيه، الأديب، أبو الفلاح عبد الحي بن محمد ابن العماد، فشرحه شرحاً لطيفاً، دل على فقهه وجودة قلمه".
وقال الثعالبي: [62]
"العالم، الهمام، المصنّف، الأديب، المتفنّن، الإخباري، أعرف من كان في عصره بالفنون المتكاثرة".
ثانياً
دراسة الكتاب
نسبة الكتاب إلى المصنّف
هذا الكتاب المُحقّق، والمسمّى بـ[معطية الأمان من حِنث الأيمان] ، هو أحد مصنفات العلامة الفقيه المؤرخ عبد الحي بن أحمد ابن العماد الحنبلي، ونسبة هذا الكتاب إليه ثابتة، لا يتطرق إليها أقل احتمال، ولا يعتريها أدنى شك، فنسبته إليه مؤكدة كنسبة كتاب (الشذرات) إليه.(37/335)
وقد أثبت عنوان الكتاب منسوباً إلى المصنف على غلاف النسخ الثلاث هكذا: [كتاب معطية الأمان من حنث الأيمان، تأليف الفقير إلى الله تعالى أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد غفر الله تعالى له] .
كما أثبته المصنّف في آخر كتابه، فنسبه إلى نفسه بقوله: [وكان الفراغ من نسخها على يد مؤلفها الحقير أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد الحنبلي ... ] .
كما نسبه إليه كلّ من:
إسماعيل باشا في: هدية العارفين: 1/508.
والزركلي في: الأعلام: 3/290.
وعمر كحالة في: معجم المؤلفين: 5/107.
وقد ورد عنوان الكتاب منسوباً إلى المصنف بنفس العنوان المثبت أعلاه، إلا أنه ورد في نسخة (ب) زيادة: [هذه رسالة في اختلاف الأئمة الأربعة في الطلاق، تأليف الإمام الشيخ عبد الحي بن أحمد ابن العماد الحنبلي الخلوتي وسماها: معطية الأمان من حنث الأيمان] .
موضوع الكتاب
أوضح المصنّف في مقدمته موضوعَ كتابهِ هذا، وأنَّه خاصٌ بمسائل الأيمان والطلاق التي فشت وانتشرت بين النّاس.
يقول رحمه الله: ".... ولما كثر على الألسنة الأيمان والطلاق، جمعتُ من ذلك مسائل مهمَّة في هذه الأوراق ... ".
فابتدأ كتابه بمقدمةٍ ذكر فيها أن الحلفَ بالله تعالى، والحِنث فيه يعتري كلاً منهما الأحكام التكليفية الخمسة: الوجوب، والندب، والإباحة، والكراهة، والحرمة, ثم ذكر حكم تكرار الحلف، والأدلة على حكمه من الكتاب، والسنّة، والآثار، وحكم إبرار المقسِم، والاقتسام بوجه الله تعالى، وحكم إجابة السائل بالله عز وجل.
ثم وضع عنواناً سماه [كتاب الأيمان] ابتدأ فيه بتعريف اليمين، والأصل في مشروعيتها، ومن تصح يمينه، ثم ذكر حروف القسم ومَثّل لها، وكيفية إجابة القَسَم والنيّة عند الحلف، ثم بيّن صيغة اليمين الموجبة للكفّارة.(37/336)
وأعقب ذلك بعقد (فصلٍ) أوضح فيه حكم الحلف بغير الله تعالى، وأردفه بذكر (فصلٍ) بيَّن فيه حكم تحريم الحلال، ومن حلف بملةٍ غير الإسلام، وأيمان البيعة، ويمين الطلاق، والحلف بالنذر ونحو ذلك.
ثم ذكر شروط وجوب الكفارة، ومثّل لكل شرط، وحكم يمين المكرَه، ثم أتبع ذلك بذكر أحكام الاستثناء في اليمين والطلاق، وشروط صحته، ثم ذكر أمثلة للأيمان المؤقتة بزمن محدّد وأحكامها، ونماذج للحلف على السكنى والخروج ونحو ذلك، وحكم يمين الفور عند الفقهاء.
عَقِبَ ذلك عقد باباً بعنوان [باب جامع الأيمان] بيّن فيه المرجع في الأيمان وألفاظها، والتعريض باليمين، وأمثلة للحلف على الأكل، والشرب، واللبس، والشم ونحو ذلك، وبيّن أقل ما يحنَث به الحالف.
ثم عقد (فصلاً) لبيان أحكام الطلاق: ذكر في مقدمته تعريفه، ومتى يباح ومتى يحرم وحالات وجوبه، ومن يصح طلاقه ومن لا يصح، والتوكيل في الطلاق، وتفويض الطلاق إلى الزوجة، وطلاق السنة والبدعة، وحكم طلاق الثلاث واختلاف الفقهاء فيه، وأطال الكلام على هذه المسألة.
ثم عقد (فصلاً) بيّن فيه ألفاظ صريح الطلاقِ وكنايته وأحكام ذلك كلّه، وحكم تحريم الزوجة، وما يختلف به عدد الطلاق، وما تخالف به المدخول بها غيرها، وتعليق الطلاق بالشروط، ثم ذكر المسأَلة السريجية وما قاله العلماء فيها، وحكم الردة من الزوجين أو من أحدهما.
بعد ذلك عقد (فصلاً) ذكر فيه أحكام كفارة اليمين، والأصل فيها، وبيان خصال الكفارة، ومقدار المخرَج في كلٍ منها وكيفيته، ومن يستحق هذه الخصال، ثم ذكر أحكام تكرار اليمين على الشيء الواحد، أو على أجناس مختلفة، وكيفية تكفير العبد عن يمينه.
ثم ختم الكتاب ببيان مقدار الصاع والمد، وحكم إخراج القيمة في الكفارات.(37/337)
فالكتاب بيّن فيه مصنفه معظم الأحكام المتعلقة بالأيمان والطلاق التي يكثر وقوعها بين الناس على مذهب الإمام أحمد، ويذكر أقوال الأئمة الثلاثة الآخرين في معظم المسائل، كما أنه يورد أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم من الفقهاء الآخرين في بعض المسائل.
منهج المصنّف في الكتاب
افتتح المصنّف كتابه هذا بحمد الله- تعالى- والثناء عليه، ثم بالصلاة والسلام على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
بعد ذلك بيّن السبب الباعثَ له على تأليف هذا الكتاب، وأوضح أنّ شيوعَ ألفاظ الأيمان والطلاق، وانتشارها بين الناس أدّى إلى الكتابة في هذه المسائل، وذكر أنه جمع من ذلك الأحكام المهّمة التي يُحتاج إليها في الأيمان والطلاق. وبعد معايشتي للكتاب، وقراءته من خلال تحقيقه، اتضح لي أنَّ المصنف دوّن الأحكام المتعلقة بالبابين السابقين وسار على الطريقة الآتية:
أولاً: اقتصر على ذكر أشهر المسائل في بابي الأيمان والطلاق، سواء المتفق عليها، أو ما فيها خلاف بين الفقهاء.
ثانياً: أحسن ترتيب كتابه هذا، من حيث التبويب والتقسيم، حيث ذكر مقدمةً بيّن فيها حكم الحلف والحنث فيه.
ثم عند بيانه لأحكام المسائل وجزئياتها التابعة لها، يضع عنواناً مختصراً لما سيذكره من الأحكام تحت هذا العنوان، وقبل أن يضع العنوان، يقول: (فصلٌ) في كذا.
ثالثا ً: بعد بيانه للمسألة وأحكامها، والأدلة الواردة فيها، يختم الباب أو الفصل في بعض الأحيان بذكره لفظة (تذنيب) أو (تتمة) يذكر تحتهما زيادة توضح للمسألة، أو فرعية تابعة لها، كما يتبع بعض الفصول بذكر (فائدة) قد يرى أنها تتميم للمسألة.
رابعاً: يبين حكم المسألة عند الحنابلة، ثم يتبعها بذكر الأقوال في المذاهب الثلاثة الأخرى وهذا ليس في جميع المسائل التي أوردها في الكتاب، وإنما يورد الخلاف في بعض المسائل، كما يشير إلى مذهب الظاهرية في بعض الأحيان.(37/338)
خامساً: يشير أحياناً إلى أقوال الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين رحمهم الله، عند ذكر حكم المسألة، كما يذكر الإجماع الوارد في بعض المسائل.
سادساً: يستدل للمسائل بالآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة ويشير إلى من خرّج الأحاديث في بعض الأحيان.
سابعاً: يذكر الرواياتِ المنقولةَ عن الإِمام أحمد- رحمه الله- في المسألة، ومَنْ نقلها من تلاميذه، ثم يبيّن الرواية المعتمدة في المذهب وما عليه العمل.
ثامناً: نصَّ على اختياراتِ شيخ الإسلام ابن تيميه، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى، وذكر ذلك في كثيرٍ من المسائل التي أوردها.
تاسعاً: نَقَلَ المصنف معظم الأحكام والمسائل والأدلة التي أوردها في كتابه من المصادر الرئيسة في مذهب الحنابلة، كما سيأتي بيانه في المبحث التالي.
موارد المصنف في كتابه
يُعَدّ المصنف- رحمه الله تعالى- أحد فقهاء الحنابلة المتأخرين، حيث عاش في القرن الحادي عشر الهجري، وقد سبقه العشرات من كبار فقهاء الحنابلة، وجهابذتهم كأبي الخطاب، وأبي يعلى، وابن قدامة، وابن تيميه، وابن القيم، والمرداوي، وابن النجار وغيرهم رحمهم الله تعالى، ممن أسهموا إسهاماً بارزاً في تدوين فقه الإمام أحمد رحمه الله، وتقديمه للقارئ موثقاً بالنقولات المعتمدة، ومقروناً بالأدلة الشرعية، من خلال مصنفاتهم المتعددة، وكتبهم التي اشتهرتْ وأصبحتْ متداولةً ومعروفة لدى القارئ، فكانتْ هي المصادر الرئيسة - بعد الكتاب والسنة - التي يَعْتَمد عليها الباحثون في تدوين بحوثهم ومؤلفاتهم، والمورد الذي يستقون منه قول الإِمام أحمد، وآراء مجتهدي المذهب في أي مسألة من المسائل الفقهية.(37/339)
ومن خلال إلقاء نظرةٍ متأنيةٍ على أبواب هذا الكتاب ومباحثه، يظهر لنا أنّ المصنّف- رحمه الله- قد اعتمد اعتماداً كبيراً على تلك المؤلفات التي دُونت في فقه الحنابلة، فنقل منها معظم المسائل التي أوردها في كتابه هذا، حيث نقل عن أشهر الكتب المعتمدة في المذهب، كما نقل عن كثيرٍ من كتب المذاهب الأخرى، حيث اقتصر على بعض المصنفات في كل مذهب، وأخذ منها الأقوال المعتمدة عندهم، ويختلف منهج المؤلف في النقل، فنجده – أحياناً - ينقل المسألة بنصها، وفي بعض الأحيان ينقلها بشيء من التصرف والتغيير في بعض الألفاظ.
وعلى كلٍ فقد استفاد المصنف في كتابه هذا من كثير من المصادر التي سبقتْه سواء ما دوّن منها في فقه الحنابلة، أو فقه المذاهب الأخرى، وكذلك اعتمد على بعض كتب التفسير.
ولاشك أنّ هذا يعتبر شيئاً مألوفاً في استفادة اللاحق من أعمال السابق في مجال التأليف والكتابة.
وفيما يلي بيان لأهم المصادر التي نقل عنها المصنف واستفاد منها في تأليف كتابه هذا، مرتبةً حسب أسبقية وفيات مؤلفيها:
1) الهداية في فقه الإمام أحمد.
تأليف العلامة أبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني الحنبلي (ت510 هـ) .
2) المغني.
تأليف: موفق الدين عبد الله بن أحمد ابن قدامة المقدسي الحنبلي، (ت620 هـ) وقد نقل عنه بعض المسائل التي أوردها في هذا الكتاب.
3) روضة الطالبين وعمدة المفتين.
تأليف العلامة أبي زكريا يحي بن شرف النووي الشافعي، (ت 676هـ) .
4) الشرح الكبير على متن المقنع.
تأليف عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد ابن قدامة المقدسي الحنبلي، (ت 682هـ) وقد أكثر النقل عنه، ويذكره أحياناً بعنوانه هذا، أو يقول: "قال الشارح".
هـ) إعلام الموقعين عن رب العالمين.(37/340)
تأليف العلامة أبي عبد الله محمد ابن أبي بكر الشهير بابن قيّم الجوزية (ت 751هـ) وقد نقل عنه فصولاً كاملة تجاوزت في بعض الأحيان الورقة ونصف الورقة.
6) الفروع في فقه الإِمام أحمد بن حنبل.
تأليف محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي (763 هـ) .
وهذا من المصادر التي اعتمد عليها المصنف اعتماداً كبيراً وخاصة في نقله للروايات واختيارات شيخ الإسلام ابن تيميه.
7) قوت المحتاج في شرح المنهاج.
تأليف شهاب الدين أحمد بن حمدان بن أحمد الأذرعي الشافعي (ت 783 هـ) ، وقد نقل عنه المصنف في عدة مواضع، ويذكره باسم (شرح المنهاج) .
8) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد.
تَأليف علي بن سليمان المرداوي الحنبلي (ت 885هـ) .
9) جامع الرموز في شرح النقاية.
تأليف محمد القهستاني الحنفي، (ت 953هـ) .
وقد نقل عنه في عدة مواضع باسم (شرح النقاية) ، أو (قال القهستاني) .
10) ملتقى الأبحر.
تأليف إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي الحنفي (ت 956هـ) .
11) الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل.
تأليف شرف الدين موسى الحجاوي الحنبلي، (ت 968هـ) .
12) منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات.
تأليف تقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي، الشهير بابن النجار (ت 972هـ) أكثر المصنف النقل عنه وإن لم يشر إليه باسمه ولا باسم مؤلّفِه في أكثر المواضع.
13) تنوير الأبصار وجامع البحار.
تأليف شمس الدين محمد بن عبد الله التمرتاشي الحنفي، (ت 1004هـ) .
وهو أكثر كتاب نَقَلَ عنه أقوال المذهب الحنفي.
14) شرح منتهى الإرادات.
تأليف منصور بن يونس البهوتي الحنبلي، (ت 1051هـ) .
وصف النسخ الخطية(37/341)
اجتمع لديّ ثلاث نسخ لتحقيق هذا الكتاب، وكانت أول نسخة عثرتُ عليها في دار الكتب المصرية بالقاهرة، ولما قرأتُها وتصفحتُها رأيتُ أنه من المناسب إخراج هذا الكتاب الفقهي المهم، لاسيّما وأنّ ابنَ العماد الحنبلي قد اشتهر عنه أنّه أديبٌ ومؤرخ، ولم يُعرف بأنّه فقيه، ففي إظهار كتابه هذا وتحقيقه إبرازٌ لشخصيةِ ابن العماد كفقيهٍ من خلال تصنيفه لكتابه هذا [معطية الأمان من حنث الأيمان] .
ثم بدأتُ رحلة البحث والتنقيب عن نسخٍ أخرى للكتاب، خاصّة وأنه عند رجوعي لترجمة ابن العماد في كتاب (الأعلام) وجدتُ أن الزركلي قد نَسَبَ إليه عدة مصنفاتٍ وقال: منها (معطية الأمان من حنث الأيمان بخطه عندي) ، فانصبّ جهدي على الحصول على هذه النسخة، لكن كيف الطريق إليها وقد تبعثرتْ مكتبة الزركلي بعد وفاته، فبعضها في جامعة الملك سعود بالرياض، وبعضها في القاهرة، والبعضِ الآخر في بيروت، وبعد سؤال المختصين في تلك الأماكن لم أجد إجابةَ شافية، ولم أتمكن من الوقوف عليها.
ولكن الله- تعالى- وفقني وهداني إليها في وقت كنتُ فيه أبحثُ عن كتابٍ آخر غيرها، فلم أشعر إلاّ وبطاقتها أمامي برقمها وعدد أوراقها، وذلك في قسم المخطوطات بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية بالرياض، وبعد إطلاعي عليها، رأيت ختم مكتبة الزركلي قد كتب على غلافها الخارجي، وكذا توقيعه عليها، فحمدت الله حمداً كثيراً على هذا العون والتوفيق.
ثم حصلتُ على نسخةٍ ثالثةٍ ضمن كتب المجاميع في دار الكتب المصرية بالقاهرة، فاجتمع لدي ثلاث نسخ للكتاب، إحداها نسخة المؤلف، وإليك وصفاً شاملاً للنسخ الثلاث:
النسخة الأولى
نسخة المؤلف:(37/342)
هذه النسخة من مخطوطات مكتبة خير الدين الزركلي، وقد وضع على غلافها ختم مكتبته هكذا (من كتب خير الدين الزركلي) ، وتوقيعه بخط يده بالحبر الأزرق، كما كتب على أعلى الغلاف (بخط المؤلف صاحب شذرات الذهب) وهذا وصفٌ شاملٌ لها:
مكان الحفظ: قسم المخطوطات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض تحت رقم (8425-خ) .
الناسخ: المصنف، ابن العماد الحنبلي، كما أثبت ذلك على غلافها، وكما هو مدون في آخرها بلفظ: (وكان الفراغ من نسخها على يد مؤلفها الحقير أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد ابن محمد ابن العماد الحنبلي، غفر الله له، ولمن دعا له بخير) .
تاريخ النسخ: 19/ شوال/ 1076 هـ.
نوع الخط: خط نسخ، دقيق، جميل، واضح، وقد اشتُهر عن المصنف حسن الخط وجودة الضبط.
عدد الأوراق: أربعون ورقة.
عدد الأسطر: واحدٌ وعشرون سطراً.
عدد الكلمات: بمعدل إحدى عشرة كلمة في السطر الواحد.
عنوان الكتاب: أثبت على الغلاف بالخط الأحمر هكذا: "كتاب معطية الأمان من حنث الأيمان، تأليف الفقير إلى الله- تعالى- أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد غفر الله- تعالى- له ولمن دعا له أو أمّن، آمين".
التملك: على الغلاف ختم مكتبة الزركلي، وأسفل الختم توقيعه.
أوصاف أخرى: كتبتْ أسفل التوقيع عبارة (مائة وثلاثة وستون) ، وفي أعلى العنوان كتب بقلم الرصاص (بخط المؤلف صاحب شذرات الذهب) . وتحت عنوان الكتاب بيت شعر:
جلَّ من لا عيب فيه وعلا
إن تجد عيبا فسدّ الخللا
وكتبت عناوين أبواب هذه النسخة وفصولها بالقلم الأحمر، وهي نسخة جيدة امتازت بحسن الخط وجودته، وندرة الأخطاء الإملائية واللغوية.
وقد اتخذت هذه النسخة أصلاً نظراً لأنها بخط المؤلف وقلمه.
النسخة الثانية
نسخة "أ"(37/343)
وهي أولى النسختين المحفوظتين في دار الكتب المصرية بالقاهرة، وهذه النسخة تحت رقم (295/12) مجاميع، ضمن مجموع يشتمل على اثنتي عشرة رسالة، ومجموع أوراقه (433 ورقة) وكتابنا هذا هو الرسالة الثانية عشرة من بين رسائل المجموع.
وهذا وصف شامل للنسخة:
مكان الحفظ: دار الكتب المصرية بالقاهرة، تحت رقم (295/12) مجاميع [63] ، رقم الفيلم (5308 ف) .
الناسخ: محمد بن أحمد المحيوي الحنبلي.
تاريخ النسخ: لا يوجد تاريخٌ لنسخ هذا المجموع، لكن يترجح لديّ أن النسخة كتبت في عصر المؤلف كما سأبينه بعد قليل إن شاء الله تعالى.
نوع الخط: خط معتاد لا بأس به.
عدد الأوراق: إحدى وسبعون لوحة من لوحة رقم (352) إلى (422) .
عدد الأسطر: خمسة عشر سطراً في الصفحة الواحدة.
وعدد الكلمات: بمعدل إحدى عشر كلمة في السطر الواحد.
عنوان الكتاب: كتب على غلاف هذه النسخة: (معطية الأمان من حنث الأيمان، تأليف شيخنا العلامة أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد ابن العماد، كان الله له، وختم بالصالحات أعماله) .
ملاحظات عامة: هذه النسخة يظهر لي- والله أعلم - أنها منقولة من نسخة أخرى للمؤلف غير النسخة التي اعتمدتُ عليها في التحقيق كما سأوضح ذلك بعد قليل إن شاء الله تعالى، كما أنها قد كتبتْ في حياة المصنف بدليل قول الناسخ في آخرها: (قاله مؤلفه أبقاه الله تعالى ونفعني به) .
وقد رمزت لهذه النسخة بحرف (أ) .
النسخة الثالثة
نسخة "ب"
هذه النسخة الثانية المحفوظة في دار الكتب المصرية بالقاهرة تحت رقم (19952- ب) [64] ، وهي ضمن مجلد يحتوي على هذا الكتاب، ورسالة أخرى للمؤلف بعنوان (أسباب الخلاص بسورة الإخلاص) .
وهذا وصف شامل للنسخة:
مكان الحفظ: دار الكتب المصرية بالقاهرة، تحت رقم (19952- ب) ، ورقم الفيلم (23788) .
الناسخ: محمد بن خليفة بن حسن القرط.(37/344)
تاريخ النسخ: الخميس: 21/ 11/ 1261 هـ.
نوع الخط: خط معتاد مقروء.
عدد الأسطر: ثلاثة عشر سطراً في الصفحة الواحدة.
عدد الكلمات: بمعدل إحدى عشر كلمة في السطر الواحد.
عنوان الكتاب: كتب على غلاف هذه النسخة: (هذه رسالة في اختلاف الأئمة الأربعة في الطلاق، تأليف الإمام الشيخ عبد الحي بن أحمد ابن العماد الخلوتي، سماها: معطية الأمان من حنث الأيمان، ويليها أسباب الخلاص بسورة الإخلاص، له أيضاً رضي الله عنه) .
وهذه النسخة كثيرة الأخطاء اللغوية والنحوية، كما أنها كثيرة السقط، وقد سقط منها ورقة واحدة بكاملها هي الورقة رقم (9) ، وانظر حاشية رقم (5) ص (259) من هذا الكتاب.
وهذه النسخة يظهر لي أنها منقولة من النسخة التي قبلها (أ) لأنهما قد اتفقتا في الألفاظ وفي الزيادات وغير ذلك.
وقد رمزت لهذه النسخة بحرف (ب) .
ملاحظات عامة على النسخ
سبق أن ذكرتُ في مقدمة هذا المبحث أنني اعتمدت في التحقيق على نسخة المؤلف وهي مكتوبة بخط يده كما أسلفت.
إلا أنه بعد نسخ الكتاب ومقابلته ترجح لديَّ أن للمؤلف نسخة أخرى لكتابه هذا غير النسخة التي ذكرتُها والتي اعتمدتُ عليها في التحقيق، والذي دعاني إلى ترجيح وجود نسخة أخرى الأمور الآتية:
أولاً: أن النسختين (أ) ، (ب) تتفقان في أغلب الزيادات التي وردت فيهما على الأصل، وتتفقان في الترتيب وفي وجود الأخطاء غالباً.
فالنسختان (أ) ، (ب) جاءتا بزياداتٍ تصل في بعض الأحيان إلى ما يزيد على ورقة كاملة ذات وجهين، وهذه الزيادات لا توجد في نسخة المؤلف التي بين أيدينا البتة، مما يدل على أن موردهما واحدٌ هو نسخة أخرى للمؤلف.(37/345)
ثانياً: ورد في آخر نسخة (أ) قول الناسخ: "ومن خطّه نقلتُ"، ولو كان نَقَلَ من نسخة المؤلف التي بين أيدينا لما أوْرَدَ تلك الزيادات وتلك الاختلافات عن هذه النسخة، مما يقطع ويؤكد أنه نقل عن نسخة أخرى للمؤلف.
ثالثاً: أن هذه الزيادات الواردة في نسختي (أ) ، (ب) كلها منقولة من مؤلفاتٍ سابقة على المصنف، ومن نفس المصادر التي كان ينقل منها في معظم مباحث الكتاب، وليست من مصادر كتبتْ بعد وفاته.
رابعاً: أن طريقة النقل والأسلوب متحدة ما بين أصل الكتاب وتلك الزيادات فهو نفس الأسلوب الذي كان ينتهجه ابن العماد من أول الكتاب إلى آخره.
P 227
P 228
P 229
P 230
منهج تحقيق الكتاب
سلكتُ في تحقيق هذا الكتاب المنهج التالي:
أولاً: لما كانت إحدى النسخ الثلاث المتوفرة لدي هي نسخة المؤلف وبخط يده، جعلتُ هذه النسخة أصلاً واعتمدتُ عليها في النسخ والتحقيق.
ثانياً: نسخت نصّ الكتاب حسب قواعد الإِملاء والخط الحديثة.
ثالثاً: يوجد في نسخة المؤلف بعض الأخطاء الإملائية- وهي نادرة- فأثبتُّ اللفظة الصحيحة في المتن مع الإشارة في الحاشية إلى الخطأ الذي وقع في نسخة المصنف.
رابعاً: قد تتفق النسخ الثلاث في الخطأ فأثبتُ الصحيحَ في المتن، وأشيرُ في الحاشية إلى الخطأ الواقع في تلك النسخ.
خامساً: أثبتُّ في الحواشي الفروقَ الواقعة بين الأصل والنسختين الأخريين.
سادساً: التزمتُ بتحقيق الزياداتِ الواردةِ في نسختي (أ) ، (ب) عن الأصل، فأثبتُ تلك الزيادات بكاملها في الحواشي، ثم أشرتُ إلى المصادر التي نقل منها المصنف تلك الزيادات، وأثبت أرقام صفحاتِها، وأضيف إليها بعض المصادر الأخرى.
سابعاً: رقمتُ الآيات القرآنيةَ الكريمةَ التي استدل بها المصنف، فذكرت في الحاشية رقم الآية واسم السورة.(37/346)
ثامناً: خرجتُ الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في الكتاب، فإذا أشار المصنف إلى موارد الحديث من كتب السنة، خرّجتُه بما ذكره وأضيف إليها مصادر أخرى يكون الحديث قد ورد فيها ولم يذكرها المصنف، مع الإشارة إلى درجة الحديث إن لم يتطرق إليها المصنف.
تاسعاً: وثقتُ المسائل الفقهية من مصادرها الأصيلة، فإذا نسبَ المصنّفُ القولَ لأحد الأئمة الأربعة، وثقتُ قولَ الإمام من كتبه المعتمدة في المذهب وبينتُ القول الصحيح في تلك المسألة إن كان ما ذكره المصنف غير ما هو معتمد في المذهب.
عاشراً: وثقتُ أقوال الصحابة والتابعين من مظانها كالمصنفات والسنن وكتب شروح الأحاديث والخلاف وغيرها.
حادي عشر: إذا نقل المصنف مسألة أو عبارةً، وأشار إلى المصدر الذي نقل منه، وثقتُ هذا النقل من نفس المصدر الذي أخَذَ منه بالإشارة إلى رقم الجزء والصفحة التي نقل منها.
ثاني عشر: وثقتُ المسائل التي نقلها المصنف من مصادر لا تزال مخطوطة بالإشارة إلى رقم الجزء واللوحة، ثم أضيف بجانب هذا المخطوط مصدراً آخر من المصادر المطبوعة يكون قد أشار للمسألة، ليكون معضداً لذلك النقل وليسهل على القارئ الرجوع إلى المصدر المطبوع.
ثالث عشر: شرحت الألفاظَ والكلماتِ الغريبة التي تحتاج إلى بيان وتوضيح.
رابع عشر: ترجمتُ للأعلام غير المشهورين وأثبت مصادر الترجمة عقبها.
خامس عشر: ضَبَطّتُ الكلماتِ والعباراتِ التي تحتاج إلى ضبطٍ بالشكل، وأثبتُّ عليها الحركة المناسبة لها.
سادس عشر: وضعت علامة (/) للدلالة على نهاية كل لوحة من النسخ الثلاث.
سابع عشر: وضعتُ فهارس عامة في نهاية الكتاب فجاءت على النحو التالي:
1) فهرسٌ للآيات القرآنية الكريمة مرتبة حسب ورودها في المصحف الشريف.
2) فهرس للأحاديث النبوية الشريفة مرتبة على أوائل الحروف الهجائية.
3) فهرس الآثار.
4) فهرس للأعلام.(37/347)
هـ) فهرس للكتب الواردة في متن الكتاب.
6) فهرس للمصادر والمراجع المعتمد عليها في الدراسة والتحقيق مرتبة على أوائل الحروف.
7) فهرس عام لموضوعات الكتاب في القسمين الدراسي والتحقيقي.
معطية الأمان
من حنث الأيمان
تأليف
العلامة أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد ابن
العماد الحنبلي المتوفى سنة 1089هـ
حَقَّقهً وعَلَّق علَيْه وخرج أحَاديثَه
د/ عبد الكريم بن صنيتان العمري
أستاذ مُشارك بكلّية الشرّيعَة
بالجامعَةِ الإسْلاميّة
بالمَدينة المنوّرة
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين [65]
الحمد لله الذي سمَّى نفسَه بالأسماء الحسنى، وأكرم مَن شاء من خلقه بالمقام الأسْنَى، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد المبعوثِ بالحنيفيَّة، الشريعة السّمحة البيضاء النَّقيَّة، المنزَّل عليه في كتابٍ, كل علمٍ قد حوى {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى, مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىَّ، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [66] ، وعلى آله وأصحابه القائمين بشريعته أحسن القيام، وعلى تابعيهم بإحسان إلى قيام الساعة وساعة القيام.
أمَّا بعد: فلّما تأملتُ قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [67] ، علمتُ بذلك أن لهذه الأمَة شرفاً غيره به لا يُقاس، إذ زكّاها الله- تعالى- بقبول شهادتها، فوجب حمل أفعالها على الكمال بإرادتها، فمن لامها لوماً غير مأمورٍ به فقد اعترض على بارئها [68] ، يشهد لذلك قوله عزّ من قائل: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [69] .(37/348)
ولقد قال من يُعتدّ بقوله في هذا الشأن [70] : "إذا تكلّم أحدٌ بكلمةٍ اضطربت فيها أقوال أهل الإتقان، فتسعة وتسعون قالوا: كفر بهذا المقال، وواحدٌ - فقط- قال: لا، وجب أن تُحمل على ما هذا الواحد قد قال، ثم إن كان المتكلّمُ مستنداً إلى ذلك نجا أيضاً في الآخرة، وإلاّ فهو العياذ بالله- تعالى- من الفرقة الخاسرة.
هذا، ولما كثر على الألسنة: الأيمان والطلاق، جمعتُ من ذلك مسائل مهمةً في هذه الأوراق، لا لأن أعمل أو أجيب بقولٍ ضعيف، بل لأحملَ ما سمعتُ من ذلك على محملٍ لطيف، ولأرد جماح نفسي عن الوقع في العالم، بزمام (لا يعذّب الله على مسألةٍ قال بها عالِم) [71] ، على أنّي أبيّنُ في كل مسألةٍ خلافية ما عليه العمل، مجتهداً في إخلائها مما يوجب الخَلَلَ والملَلَ، وسميتُها [معطية الأمان من حنث الأيمان] .
والله أسألُ التوفيق لصالح الأعمال، والسلامة من سيّئ الأقوال والأفعال، إنّه الجواد الكريم، الغفور الرحيم، وهو حسبي وكفى.
مقدّمة
الحلف بالله تعالى، والحنث فيه، يعتري كلاً منهما الأحكام الخمسة [72] ، فيجب الحلف لإِنجاء معصومٍ [73] من هلكة ولو نفسه كتوجه أيمان القسامة عليه وهو محق.
ويندب لمصلحة كإزالة حقد، وإصلاح بين متخاصمين.
ويباح على فعل مباح [74] أو تركه كأكل سمك مثلاً، أو تركه.
ويكره على فعلٍ مكروه كأكل بصلٍ وثوم نيئ.
أو على ترك مندوب كصلاة الضحى.
ويحرم على فعل محرمٍ كشرب خمر، أو على ترك واجبٍ كنفقةٍ على زوجة، أو كاذباً عالماً بكذبه.
ثم الحنث كذلك [75] : فيجب على من حلف على فعلٍ محرّم، أوترك واجب، ويسن لمن حلف على فعلٍ مكروه، أوترك مسنون، ويباح في مباح، ويكره لمن حلف على فعل مندوب، أو ترك مكروه، ويحرم على من حلف على فعل واجب، أو ترك محرم.
تكرار الحلف:(37/349)
ولا يستحب تكرار الحلف [76] ، ويكره الإفراط فيه [77] ، لقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ} [78] ، فإن لم يخرج إلى حد الإكثار فليس بمكروه [79] .
ومنهم من قال [80] : الأيمان كلها مكروهة لقوله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [81] .
وهو معارَض بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يحلف كثيراً, وربما كرر اليمينَ الواحدةَ ثلاثاً [82] ، فإنّه قال في خطبة الكسوف: "والله يا أمة محمد ما مِن أحدٍ أغير من الله أن يزني عبدُه، أو تزني أمتُه يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلمُ لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" [83] .
ولَقِيتْه امرأةٌ من الأنصار معها أولادها [84] ، فقال: "والذي نفسي بيده إنكم لأحب النّاس إليَّ " [85] ثلاث مرات [86] .
وقال [87] : "والله لأغزونّ قريشاً، والله لأغزونّ قريشاً، والله لأغزونّ قريشاً" [88] .
وقد حُفظ عنه صلى الله عليه وسلم الحلف في أكثر من ثمانين موضعاً [89] ، ولو كان مكروهاً لكان صلى الله عليه وسلم أبعد النّاس عنه [90] .
ولأن الحلف بالله تعظيم له تعالى، وربَّما ضَمَّ الحالفُ إلى يمينه وصفَ الله - تعالى- بتعظيمه وتوحيده، فيكون مثاباً على ذلك [91] .
فقد رُوي أنَّ رجلاً حلف على شيء، فقال: "والله الذي لا إله إلا هو، ما فعلت كذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إنه قد كَذَبَ ولكن غفر الله له بتوحيده" [92] .
وأمّا قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأِيْمَانِكُمْ} [93] فمعناه: لا تجعلوا أيمانكم بالله- تعالى- مانعة لكم من البر، والتقوى، والِإصلاح بين النّاس، وهو: أن يحلف بالله لا يفعل بِرّاً، ولا يصلحَ بين النّاس، ثم يمتنع من فعلِه ليبرّ في يمينهِ، فنهوا عن المضيّ فيها [94] .(37/350)
قال الإمام أحمد [95]- رضي الله عنه - وذكر حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- بإسناده في قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأِيْمَانِكُمْ} [96] : "الرجل يحلف أن لا يصل قرابَتَه [97] وقد جعل الله له مخرجاً في التكفير، فأمره أن لا يْعتَلَّ بالله، وليُكفّرْ وليَبَرَّ " [98] .
ويستحب لمن دُعي إلى الحلفِ عند حاكم- وقيل: مطلقا- افتداءُ يمينِه، وان حلف فلا بأس [99] ، وفاقاً للحنفية [100] ، لما روى محمدُ بن كعب القرظي، أن عمر- رضي الله عنه - قال علَى المنبر وفي يده عصاً: "يا أيها النّاس لا يمنعكم اليمين من حقوقكم، فوالذي نفسي بيده إنّ في يدي لعصاً [101] .
وروى الشّعبي قال [102] : "إنّ عمر وأبيّاً -رضي الله عنهما- احتكما إلى [103] زيد - رضي الله عنه- في نخلٍ ادّعاه أبيٌّ- رضي الله عنه-، فتوجهت اليمين على عمر رضي الله عنه-، فقال زيدٌ - رضي الله عنه-: "أعْفِ أميرَ المؤمنين"، فقال عمر رضي الله عنه-: "ولِمَ يُعْفِي أميرَ المؤمنين؟ إن عرفتُ شيئا استَحْقَقْتُه بيميني، وإلا تركتُه، والله الذي لا إله إلا هو، إنَّ النَّخْل لَنْخلِي، وما لأبَيّ فيه حَق"، فلما خَرَجَا وهب النخلَ لأبيّ- رضي الله عنه- فقيل له: "يا أميرَ المؤمنين هلاَّ كان هذا قبل اليمين؟ "، فقال [104] : "خِفتُ أن لا أحْلِفَ [105] ولا يحلفُ النّاسُ على حقوقهم بَعْدي، فتكونَ سنّة" [106] .
ولأنّ الله- تعالى- أمر نبيّه - عليه الصلاة والسلام - بالحلف على الحق في ثلاثة مواضع [107] :
الأول: قوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي [إِنَّهُ لَحَقٌّ} [108] .
والثاني: قوله تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [109] .
والثالث: قوله تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي] [110] لَتُبْعَثُنّ} [111] .
وقيل: يكره الحلف حينئذٍ [112] .(37/351)
وبه قال أصحاب الشافعي [113] ، لما رُويَ أن المقداد وعثمان- رضي الله عنهما-، تحاكما إلى عمرَ- رضي الله عنه- في مالٍ استقرضه المقداد، فجعل عمرُ اليمينَ على المقداد، فردا على عثمان، فقال عمر: "لقد أنصفك"، فأخذ عثمانُ ما أعطاه المقداد ولم يحلِف، وقال: "خِفتُ أن يوافقَ قدرٌ بلاءً فيقال: بيمين عثمان [114] .
ولا يَلزم محلوفاً عليه إبرارُ قسم كإجابة سؤالٍ بالله تعالى [115] ، ويسن الإبرار [116] لما ثبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإبرار المقسِم، أو القَسَم. رواه البخاري [117] .
وإنما حمل أمره صلى الله عليه وسلم على النّدب لا على الإيجاب [118] ، لأنَّ أبا بكر- رضي الله عنه- قال: "أقسمتُ عليك يا رسول الله لتُخْبِرَنّي بما أصبتُ مما أخطأتُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقسم يا أبا بكر"، ولم يخبره. [119]
الإقسام بوجهه تعالى
وأمَّا الإِقسام بوجه الله تعالى، فقيل: حرام، وقيل: مكروه، وهو الصحيح [120] لما روى أبو داود: "لا يُسأل بوجه الله إلاَّ الجنَّة " [121] .
وتُسَنُّ إجابة السّائل بذلك [122] ، وقيل: تجب [123] ، لما روى أبو داود [124] بإسناد جيد: "من سألكم بوجه الله فأعطوه ".
وقيل [125] : يحرم، بناءً على أن ابتداء [126] السؤال بذلك حرام، فمن أجابه فقد أعانه على فعل المحرّم، وفيه شيء.
من حَلَّفَ غيرَه
ومن قال له غيره: "بالله لتفعلنَّ" فيمين [127] وفي المغني [128] : "إلاّ أن ينوي والكفارة على الحالف" [129] ، وقيل [130] : "على المحنّثِ".(37/352)
وقال النووي في [131] الروضة في أول الأيمان [132] : "إذا قال له غيره: "أسألك بالله"، أو "أقسم عليك بالله"، أو "أقسمتُ عليك بالله لتفعلنّ كذا"، فإن قصد به الشفاعة، أو عقد اليمين للمخاطب، فليس يميناً في حق واحدٍ منهما، وإن قصد عقدَ اليمين لنفسِه كان يميناً على الصحيح كأنّه قال: أسألك، ثم حلف". انتهى.
تتمة:
ذكر في المستوعِب [133] والرعاية [134] : "أنه إن أراد اليمين عند غير الحاكم فالمشروع أن يقول: والذي نفسي بيده، والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لا ومقلب القلوب وما أشبه ذلك". انتهى.
ومن ادّعِي عليه دينٌ وهو معسر لم يحل له أن يحلف أنّه لا حَقَّ له عليَّ، ولو نوى الساعة [135] ، وجوّزه صاحب الرعاية بالنيّة [136] ، قال في الفروع [137] : "وهو متجه".
كتاب الأيمان
واحدها يمين، وأصلها: اليمين [138] المعروفة، سمي بها الحلف لإعطاء الحالف يمينَه فيه كالعهد والمعاقدة [139] .
وهي شرعاً [140] : توكيد حكم بذكر معظَّم على وجهٍ مخصوص.
والأصل في مشروعيتها، وثبوت حكمها [141] : الكتاب، والسنّة والإجماع.
أمَّا الكتاب: فقوله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [142] ، وقوله تعالى: {وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [143] ، وغير ذلك [144] .
وأمّا السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيّرها خيراً منها إلاّ أتيت الذي هو خير وتحللتها" متفق عليه [145] . لكن في البخاري "وكفرتُ عن يميني" مكان "وتحللتها" [146] .
وما ثبت أنه كان أكثر قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم "ومصرف القلوب" [147] "ومقلب القلوب" [148] ، وغير ذلك مما ثبت في أخبارٍ كثيرة غير هذين [149] .
وأجمعت الأمة [150] على مشروعية اليمين، وثبوت حكمه [151] .(37/353)
وتصح من كل مكلفٍ، مختارٍ، قاصدٍ كل منهما اليمينَ لا من غيرهما [152] ، خلافاً لأبي حنيفة [153] في المكرَه، لأنها عنده يمين مكلفٍ فانعقدت كيمين المختار، وفي السّكران وجهان [154] بناءً على أنّه هل هو مكلف أو غير مكلف، ويأتي الكلام عليه [155] [156] .
يمين الكافر
ويصح من الكافر، وتلزمه الكفّارة بالحنث [157] سواء حنِث في كفره أو بعد إسلامه [158] .
وبه قال الشافعي [159] ، وأبو ثور [160] ، وابن المنذر [161] ، لأن عمر- رضي الله عنه- نذر في الجاهلية أن يعتكفَ في المسجد الحرام، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذره [162] ، ولأنه من أهل القسم [163] ، بدليل قوله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [164] .
وقال أبو حنيفة [165] ، ومالك [166] ، والثوري [167] : "لا ينعقد يمينه، لأنّه غير مكلّف" [168] .
فصل
وحروف القسم ثلاثة [169] : (باء) وهي الأصل، ويليها ظاهر كـ {بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [170] ، ومضمر: كالله أقسم به، و (واو) يليها مظهَرٌ فقط: كوالله، {وَالنَّجْمِ} [171] ، و (تاء) وأصلها الواو، ويليها اسم الله -تعالى- خاصة كـ {َتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [172] ، وشذّتا (الرحمن) ، و (ترب الكعبة) [173] ، ونحوه فلا يقاس عليه.
ويصح قسمٌ بغير حرفِه [174] : كـ (الله لأفعلنّ) جراً ونصباً [175] ، لقوله صلى الله عليه وسلم لركانة [176] لما طلق امرأَته [177] "آلله ما أردتَ إلاّ طلقةً" [178] .
ومن لا يحسن العربية إن رفع المقسَم به أو نَصبَه مع الواو فيمين، وأمّا [179] من يحسنها فليست في حقه يميناً، لأنّه إنّما عَدلَ عن الجرّ إلى جعلِه مبتداً أو معطوفاً على شيءٍ تقدَّم لإرادة غيرِ اليمين [180] .
وأمّا رفعه أو نصبه بعد الباء أو التاء فيمين لأنّه لحنٌ واللحنُ لا يقاوم النيَّة [181] .(37/354)
قال الشيخ [182] : الأحكام تتعلق بما أراده النّاس بالألفاظ الملحونة، كقوله: "حلفت بالله"رفعاً ونصباً، "ووالله باصوم وباصلى"ونحوه، وكقول الكافر: "أشهد أنّ محمدٌ رسولَ الله" برفع الأول ونصب الثاني، وأوصيتُ لزيداً بمائة، وأعتقت سالمٌ ونحو ذلك.
وقال: "من رام جعل جميع النّاس في لفظٍ واحد بحسب [183] عادةِ قومٍ بعينهم، فقد رام، ما لا يمكن عقلاً، ولا يصح شرعاً". انتهى.
ويجاب قسمٌ في إيجابِ: بإنْ المكسورة الهمزة خفيفة وثقيلة [184] ، كقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [185] ، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [186] ، وبلام كقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ [187] فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [188] ، وبنوَني توكيدٍ كقوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُونَنْ} [189] ، وبقد كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [190] ، وبـ (بل) عند الكوفيين [191] ، كقوله تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُم} [192] وقال البصريون [193] : الجواب محذوف، واختلفوا في تقديره، وفي نفيٍ بـ (ما) كقوله تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} [194] ، وبـ (إنْ) النافية كقوله تعالى: {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى} [195] ، وبـ (لا) كقوله [196] :
ولا من حفىً حتى تلاقي محمدا [197] ً
وآليتُ لا أرثي لها من كلالةٍ
وتحذف (لا) لفظاً من جواب قسم [198] : كقوله تعالى: {تَفْتَأُ [199] تَذْكُرُ يُوسُفَ} [200] ، ونحو: "والله أفْعَلُ"، فلو أخلى القسمَ من جوابه ولم ينو الحالفُ قسماً لم يكن يميناً كقوله: "بالله أفْعَلُ" [201] ، وإن جمع بين القسم والجواب كما في "بالله لَتَفْعَلَنَّ"لم يكن يميناً إلاّ بنيته عند صاحب المغني [202] والذي عليه العمل أنّه يمينٌ مطلقاً [203] .
فصل(37/355)
اليمين الموجبة للكفّارة بشرط الحنث هي: التي باسم الله - تعالى- الذي لا يُسمّى به غيره [204] ، كـ (الله) ، و (الرحمن) ، و (القديم الأزلي) ، و (الأول) الذي ليس قبله شيء، و (الآخر) الذي ليس بعده شيء، و (خالق الخلق) ، و (رازق العالمين) ، و (رب العالمين) ، و (العالم [205] بكل شيء) ، أو باسمه تعالى الذي يُسَمَّى به غيرُه ولكنّ الحالفَ نوى به الله - تعالى- أو أطلق، كـ (الرحيم) ، و (العظيم) ، و (القادر) ، و (الرب) ، و (المولى) (والرزّاق [206] ) ، قال تعالى: {فَارْزُقُوهُمْ} [207] (والخالق [208] ) ، و (السيّد) ، و (القوي) ونحوه [209] .
أو بصفةٍ له تعالى -كوجه الله تعالى- نصاً [210] ، وعظمته، وكبريائه، وجلاله وعزته، وعهده، وميثاقه، وحقه، وأمانته، وإرادته، وقدرته، وعلمه [211] ، وفاقاً للشافعية [212] .
ولو نوى مقدورَه، أو معلومَه تعالى، لأنه بالإضافة صار يميناً بذكر اسمه- تعالى- معه [213] ، خلافاً للشافعية [214] ، وإن لم يضفها لم تكن يميناً إلاّ أن ينويَ بها صفتَه تعالى، لأنّ نية الإضافة كوجودها [215] .
وعند الحنفية: [216] الحلف بعلمِ الله، وغضبه، وسخطِه، ورحمتِه، وحقِه [217] ليس يميناً خلافاً لأبي يوسف [218] في: وحقَّ الله تعالى.
وأما ما لا يعد من أسمائه - تعالى- كالشيء، والموجود، أو لا ينصرف إطلاقه إليه - تعالى- ويحتمله كالحي والواحد، والكريم [219] فإن نوى به الله - تعالى- فهو يمين، وإلاّ فلا [220] .
وبذلك قال الشافعي [221] .
وقول الحالف: "وأيمُ الله"، "وأيُمنُ الله" [222] ، "ولعَمْرُ الله"يمين [223] ، لا"ها الله" [224] إلاّ بنيته [225] .
والحلف بالمصحف، أو القرآن، أو سورة، أو آية منه ليس يميناً عند الحنفية، قالوا: هو بمنزلة قوله: "والنّبي أفعل كذا" [226] ، ولو قال: إن فعلتُ كذا فأنا بريء من النبي أو القرآن [يكون يميناً عندهم [227] .(37/356)
وقال الشافعية [228] والحنفية [229] : الحلف بالمصحف، أو القرآن] [230] ، أو سورة أو آية منه ولو منسوخة: يمين. قيل [231] : في كل حرفٍ كفارة، وقيل [232] : في كل آية، وقيل [233] : فيه كفارة واحدة، وهو الصحيح.
وكذا الحلف بالتوراة ونحوها من كتب الله تعالى [234] .
وإن قال: أقسمتُ أو أقسم، أو شهدتُ أو أشهد، أو حلفتُ أو أحلف، أو عزمتُ أو أعزم، أو آليتُ أو آلي، أو قَسَماً، أو حلفاً، أو أليَّةً [235] ، أو شهادةً، أو عزيمةً لأفعلنَّ، ولم يذكر اسمَ الله- تعالى- فعن أحمد روايتان:
إحداهما: أنها يمين، سواء نوى اليمين [236] ، أو أطلق [237] .
وروى ذلك عن عمر [238] ، وابن عباس [239] ، والنخعي [240] ، والثوري [241] ، وأبي حنيفة وأصحابه [242] .
والثانية: إن نوى اليمين بالله كان يميناً وإلا فلا [243] .
وهو قول مالك [244] ، وإسحاق [245] ، وابن المنذر [246] .
وقال الشافعي [247] : "ليس بيمين وإن [248] نوى لأنها عريت عن اسم الله - تعالى- وصفتِه فلم تكن يميناً".
والصحيح أن ذلك يمين إن ذكَرَ اسمَ الله تعالى، أو نوى اليمين [249] ، لقوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [250] ... إلى قوله: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [251] فسماها الله يميناً [252] .
ولأنّ العباس- رضي الله عنه- جاء برجلٍ للنبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه على الهجرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح "فقال العباس: "أقسمتُ عليك يا رسول الله لَتبايعَنَّه"، فوضع النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدَه في يدِه وقال: "أبررتُ قسم عمّي ولا هجرة" [253] فسماه صلى الله عليه وسلم قسماً [254] .
فصل
في الحلف بغير الله تعالى(37/357)
قال في الشرحِ الكبير [255] : "ويكره الحلف بغير الله تعالى، ويحتمل أن يكون ذلك [256] محرماً، وذلك نحو: أن يحلف بأبيه، أو بالكعبة، أو بصحابي، أو إمام غيرِه" [257] .
قال [258] الشافعي [259] : "أخشى أن يكون مَعصيةً " [260] ، وصرّح بالكراهة في شرح المنهاج [261] ، قال: "يكره [262] الحلف بغير الله للحديث الصحيح [263] ، وقيل: إنه معصية، والحلف بالأمانة أشد كراهة من غيره". انتهى.
قال [264] في الشرح الكبير [265] : "وقيل: يجوز ذلك لأن الله تعالى أقسم بمخلوقاته فقال: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً} [266] ، {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} [267] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي سَألَ عن الصلاة: "أفلح وأبيه إن صدق " [268] وقال في حديث أبي العُشَرَا: [269] "وأبيك لو طعنت في فخذها لأجزأك " [270] انتهى.
والذي عليه العمل أنّه يحرم [271] ، لما رُوي عن عمر- رضي الله عنه- أنّ النبيَّ أدركه وهو يحلف بأبيه فقال: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت"، قال عمر: "فوالله ما حلفتُ بها بعد ذلك ذاكراً ولا آثرا"ً. متفق عليه [272] ، يعني: ولا حاكياً لها عن غيري [273] .
لكن يُستثنى من ذلك الحلف بالطلاق والعتاق.
قال في الفروع [274] : "قيل لأحمد: يُكره الحلفُ بطلاقٍ أو عتق؟، قال: سبحان الله لِم لا يكره؟ لا يُحْلَفُ إلاّ بالله".
وفي تحريمه وجهان [275] [276] ، واختار مالك [277] ، وشيخنا [278] التحريم وتعزيره، واختار في موضع لا يكره، وأنه قولُ غيرِ واحدٍ من أصحابنا، لأنه لا يحلف بمخلوق، ولم يلتزم لغيرِ الله شيئاً، وإنما التزم لله كما يلتزمُ بالنّذر، والالتزام لله أبلغ من الالتزام به، بدليل النذر له واليمين به، ولهذا لم ينكر الصحابة على من حلف بذلك كما أنكروا على من حلف بالكعبة. انتهى.(37/358)
والذي عليه العمل الكراهة [279] ، وتخيير الحالف بهما بين الإيقاع والكفارة يأتي في فصل الطلاق [280] .
قال في الإقناع [281] : "وبحرم الحلفُ بغيرِ الله وصفاتهِ ولو بنبيٍ [282] لأنه شِركٌ في تعظيم الله، فإن فَعَلَه استغفرَ الله وتاب، ولا كفارة باليمين بهِ ولو برسول الله صلى الله عليه وسلم سواء أضَاَفَه إلى اسمِ الله كقولهِ: ومعلوم الله، وخلقِه، ورزقِه، ونبيّه [283] ، أو لم يضفه مثل: والكعبة، والنبي، وأبِي وغيرِ ذلك [284] ويكره بطلاق وعتاق". انتهى [285] .
وقال القهستاني [286] من السادة الحنفية في كتاب الأيمان [287] : "الإِشراك بالله ثلاثة: منها الحلف بغير الله، وعن ابن عمر [288] أنه قال [289] : "الحلف بغير الله شرك"كما في كفاية [290] الشعيبي [291] ، فما أقسم الله بغير ذاته وصفاته من الليل والضحى وغيرهما ليس للعبد أن يحلف بها، وما اعتاده الناس بـ (جان وسَرِتو) [292] ، فإن اعتقد أنه حلف والبر به واجب يكفر [293] .
وقال علي الرازي [294] : "إني أخاف الكفر على من قال: بحياتي وحياتِك وما أشبهه"، كما في النهاية [295] .
وذكر في المنية [296] : "أنّ الجاهل الذي يحلف بروحِ الأمير وحياتِه ورأسِه لم يتحقق إسلامه [297] 0 انتهى كلام القهستاني [298] .
فتلخَّص من مذهب السادة الحنفية: تحريم الحلف [299] بغيره تعالى، وأنّ من حلف بغيره معتقداً أنّه حَلِفٌ والبِرَّ بهِ واجب: فقد كفر [300] .
ولا يجوز أن يَحلِف أحدٌ بطلاقٍ، ولا إعتاقٍ، ولا نذرٍ [301] ، وفاقاً للشافعية [302] ، لأنها تخرج عن حكمِ اليمينِ إلى إيقاع فرقةٍ وإلزامِ غرم.
فصل
تحريم الحلال(37/359)
من حرّم حلالاً سوى زوجته من طعامٍ، أو أمةٍ، أو لباس أو غيره كقوله: "ما أحلّ الله عليّ حرام غير زوجتي:: أو لم تكن له زوجة، أو قال: كسبي، أو طعامي، أو هذا الشراب عليّ كالميتة، والدم أو لحم الخنزير"، أو علّق تحريم الحلال- غير الزوجة- بشرط كقوله: "إن أكلته [303] فهو عليّ حرام". لم يَحرمُ وعليه كفارةُ يمينٍ: إن فعله نصّاً [304] .
خلافاً للشافعي [305] [306] ، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِي [307] لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [308] إلى قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [309] .
وسبب نزولها أنّه - عليه السلام- قال: "لن أعود إلى شرب العسل". متفق عليه [310] .
فجعل الله- تعالى- ذلك يميناً، واليمينُ على الشيء لا يحرمه [311] .
ومن حرَّم زوجتَه بأن قال: "أنتِ عليّ حرام"، ولم يقل إن شاء الله فهو ظهار [312] وإن نوى يميناً أو طلاقاً، وتجزئه [313] كفارة ظهار لتحريم الزوجة والمال [314] .
وخالف الحنفية، قال في الكنز وشرحه [315] : "كل حلٍ عليّ حرام"، معناه: والله لا أفعل فعلاً حلالاً، فهو واقع على الطعام والشراب، فيحنث بأكله وشربه وإن قلّ [316] ، لا [317] إن نوى غير ذلك، والقياس أنّه يحنث [318] كما فرغ من يمينه [319] لأنه [320] باشر فعلاً حلالاً كفتح العينين والتنفسِ ونحوِهما، وهو قول زفر، والفتوى على أنه تبين منه [321] امرأته بلا نيّة الطلاق، ولو كان له أربع نسوة يقع على كل واحدة منهن تطليقة، لأنّ قوله: "حلال الله عليّ حرام "بمنزلة قوله: "امرأتي طالق"ثم في قوله: "حلال الله"وأجناسه، إذا وقع الطلاق بغير نيّة كان الواقع به بائناً. انتهى [322] ملخصاً.(37/360)
ومن قال: هو يهودي، أو نصراني، أو يعبد الصليب، أو يعبد غير الله تعالى، أو بريء من الله تعالى، أو من [323] الإسلام، أو من القرآن، أو من النبي صلى الله عليه وسلم، أو يكفر بالله تعالى، أو لا يراه الله- تعالى- في موضع كذا، أو يستحلّ [324] الزنا، أو الخمر، أو لحم الخنزير، أو ترك الصلاة ونحوها، منجزاً كليفعلنّ [325] كذا، أو معلّقاً كإن فعل كذا، أو إن لم يفعله فقد فعل محرماً [326] ، لحديث ثابت [327] بن الضحاك [328] مرفوعاً "من حلف على يمين بملةٍ غير الإسلام كاذباً فهو كما قال " متفق عليه [329] .
ولم يكفر بذلك، والحديث محمول على الترهيب وتلزمه التوبة [330] .
قال في شرح المنهاج [331] : "فليقل لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويستغفر الله ليجبر الخلل الحاصل فإنه معصية". انتهى.
وفي وجوب الكفارة خلاف , فمذهب الشافعي [332] ، واختاره الموفق [333] ، والناظم [334] [335] : لا كفارة، والذي عليه العمل أنّ عليه كفارة يمين إن خالف، بأن فعل ما حلف على تركه، أوترك ما حلف على فعله [336] ، لحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئل [337] عن الرجل يقول: هو يهودي، أو نصراني أو مجوسي، أو بريء من [338] الإسلام في اليمين يحلف بها فيحنث في هذه الأشياء، فقال: "عليه كفارة يمين" رواه [339] أبو بكر [340] .
ومن قال: عصيت الله، أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني به، أو محوتُ المصحف، أو أدخله الله النار، أو هو زانٍ، أو عبد فلانٍ حر، أو مال فلانٍ صدقة، أو قطع الله يديه ورجليه، أو لَعَمْر5ُ، أو لعمر أبيك ليفعلن، أو لا فعل، أو إن لم يفعل كذا، فلغوٌ لأنّ هذه الأشياء لا توجب هتك الحرمة ولا كفارة [341] فيها [342] .
ومن قال: أيمان المسلمين تلزمني إن فعلتُ كذا، وفَعَلَه، لزمه ظهار، وطلاق، وعتاق ونذر، ويمين بالله تعالى [343] مع النيّة، كما لو حلف بكلٍ على انفراده [344] .(37/361)
وقال المالكية [345] فيها كالقول في أيمان البيعة، ويأتي [346] .
وقال الشافعية [347] : إذا قال: الأيمان كلها تلزمني [348] إن فعلتُ كذا هل يلزم بذلك الطلاق، والعتاق، واليمين بالله؟ أجاب الغزالي: "لا يلزمه بمجرد ذلك إلاّ إذا نواه"، قاله في شرح المنهاج [349] .
وقال جماعة [350] : الحلف بأيمان المسلمين من الأيمان اللاّغية التي لا يلزم بها شيء البتة [351] .
ومن متأخري من أفتى بذلك تاج الدين أبو عبد الله الأرْموي [352] صاحب كتاب الحاصل [353] .
وقال قوم [354] : فيها كفارة يمين، أفتى به ابن عبد البر [355] ، وابن حزم [356] وغيرهما.
ولو حلف بشيءٍ من هذه الخمسة فقال آخر: يميني في يمينك، أو عليها [357] ، أو أنا على يمينك، أو معك في يمينك، يريد الالتزام بمثلها لزمه إلا في اليمين بالله- تعالى- لأنها لا تنعقد بالكناية لخلوها من اسم الله المعظَّم [358] .
أيمان البيعة
وأيمان البيعة رتّبها الحجّاج [359] ، والخليفة المعتمد [360] ، تتضمّن اليمينَ بالله تعالى، والطلاق، والعتاق، وصدقة المال [361] .
فمن قال: أيمان البيعة تلزمني، فإن كان عارفاً بها ونواها انعقدت يمينه بما فيها، وإن لم يعرفها ولم ينوها، أو عرفها ولم ينوها [362] ، أو نواها ولم يعرفها فلا شيء عليه لأنها كناية عن هذه الأيمان فتعتبر فيها النيّة، والنيّة تتوقف على معرفة المنوي، فإذا لم توجد المعرفة والنيّة لم تنعقد [363] .
وقال الشافعية [364] : "لا يلزمه شيء وان نوى إلاّ أن ينوي الطلاق والعتاق فيلزمه لأن الكناية تدخل فيهما".(37/362)
وقال صاحب التتمة [365] من الشافعية [366] : "لا يلزمه ذلك وإن نواه ما لم يتلفظ به، لأنَّ الصريح لم يوجد، والكناية إنما يترتب عليها الحكم فيما يتضمن الإيقاع، فأمّا [367] الإلزام فلا، ولهذا لم يجعل الشافعي الإقرارَ بالكناية مع النيّة إقراراً لأنه التزام، ومن هاهنا قال من قال من الفقهاء كالقفّال [368] وغيره [369] ، إذا قال: "الطلاق يلزمني لا أفعل"لم يقع به الطلاق وإن نواه لأنه كناية والكناية إنما يترتب عليها الحكم في غير الالتزامات، ولهذا لا تنعقد اليمين بالله - تعالى- بالكناية مع النيّة.
وقال أبو بكر ابن العربي [370] : "أجمع المتأخرون [371] [372] من المالكية [373] على أنّه يحنث فيها بالطلاق في جميع نسائه ثلاثاً عند الأندلسيين، وواحدةً واحدةً عند غيرهم، والعتق في جميع عبيده، وإن لم يكن له رقيق فعليه عتق رقبة واحدة، والمشي إلى مكة، والحج ولو من أقصى المغرب، والتصدق بثلثِ جميعِ أمواله، وصيام شهرين متتابعين، وقيل: سنة إذا كان معتاداً للحلف بذلك".
فتأمّل هذا التفاوت [374] العظيم بين هذا القول وقول أصحاب الشافعي. قاله ابن القيم [375] .
الحلف بالنذر
ومن قال: عليّ نذر، أو يمين، أو عهد الله، أو ميثاقه وأطلق، أو إن فعلتُ كذا وفَعَلَه، فعليه كفارة يمين [376] ، لحديث عقبة بن عامر- رضي الله عنه- مرفوعاً: "كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين" [377] . صححه [378] الترمذي [379] .
ومن قال: "مالي للمساكين"، وأراد به اليمين، فعليه كفارة يمين، ذكره في المستوعِب [380] والرعاية [381] .
ومن أخبر عن نفسه بحلفٍ بالله تعالى، ولم يكن حلف فَكِذْبَةٌ لا كفارةَ فيها [382] .
فصل
شروط وجوب الكفارة
ولوجوب الكفارة أربعة شروط: [383](37/363)
أحدها: قصد عقد اليمين [384] ، لقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [385] ، فلا تنعقد لغواً بأن سبقت على لسانه بلا قصد، كقوله: لا والله، وبلى والله في عُرْضِ [386] حديثِه [387] ، خلافاً للحنفية [388] ، ولا من نائمٍ، وصغيرٍ، ومجنونٍ ونحوهم [389] .
الشرط الثاني: كونها على مستقبل ممكنٍ ليتأتّى برّه وحنثه [390] ، فلا تنعقد على ماضٍ كاذباً عالماً به، وهي [391] الغموس، سميت بذلك لغمس الحالف بها في الإثم ثم في النّار [392] ، وكونها لا كفارة فيها قول أكثر أهل العلم [393] ،منهم: ابن مسعود [394] ، وابن المسيب [395] ، والحسن [396] ، ومالك [397] ، وأبو حنيفة [398] ، والأوزاعي [399] ، والثوري [400] ، وأحمد [401] ، والليث [402] ، وأبو عبيد [403] ، وأبو ثور [404] ، وأصحاب الحديث [405] ، لأنها أعظم من أن تُكفّر، والكفارةُ لا ترفع [406] إثمها [407] لما روى البخاري [408] "خمس من الكبائر لا كفارة لهن: الإِشراك بالله، والفرار من الزّحف، وبهْتُ المؤمن، وقتل النفس بغير حق، والحلف على يمين فاجرة تقطَع بها مالَ امرئٍ [409] مسلم".
ولما روي- أيضاً-[410] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [411] "من الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس،، واليمين المغموس".
وقال عطاء [412] ، والزهري [413] ، والشافعي [414] وغيرهم [415] : "فيها الكفارة لأنّه وجدت منه اليمين بالله تعالى والمخالفة مع القصد".
وكذا لا تنعقد ممن حلف على ماضٍ ظاناً صدق نفسه فيبين بخلافه [416] .
وقال الشيخ [417] : "وكذا عقدها على زمن مستقبل ظاناً صدقه فلم يكن، كمن حلف على غيره يظن أنّه يطيعه فلم يفعل، أو ظنّ المحلوفُ عليه خلاف نية الحالف ونحو ذلك". قاله في الإقناع [418] .(37/364)
لكنْ تلخص من قول صاحب الإقناع هذا وما تقدّم قبله بأسطر: أنّه إن [419] حلف على الغير يظن أنّه يطيعُه فلم يطعْه لا حِنْثَ، وإلا حنثَ، فلا كفارة في اليمين على غلبة الظن حكاه ابن عبد البر إجماعاً [420] ، وقال الشارح [421] : "لا نعلم فيه خلافاً".
وعند [422] الشافعية فيها قولان صرح بهما في شرح المنهاج [423] ، لقوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [424] وهذا منه، ولأنّه يكثر فلو وجبت فيه كفّارة لَشَقَّ وحصل الضررُ وهو منتف شرعاً [425] .
ولا تنعقد- أيضاً- على وجود فعلٍ مستحيلٍ ذاتاً كشرب ماء الكوز ولا ماء فيه، أو عادةً كقتل الميّت وإحيائه، وصعودِ السماء، والطيران، ولا كفارة فيها [426] .
وقال [427] القاضي [428] والشافعي [429] ، وأبو يوسف [430] : "تنعقد، وفيها الكفارة في الحال، لأنه [431] حلف على نفسه في المستقبل ولم يفعل".
وتنعقد بحلفٍ على عدم المستحيل ذاتاً أو عادةً، كقوله: "والله لا شربتُ ماء الكوز"ولا ماء فيه، أو "لا رددتُ أمس"، أو لا "قتلتُ فلانا الميّت"، وتجب الكفَّارة في الحال لاستحالة البر [432] .
الشرط الثالث: كونُ حالفٍ مختاراً لليمين، فلا تنعقد [433] من مكرهٍ عليها [434] لحديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" [435] .
الشرط الرابع: الحنث بفعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله، كمن حلف على ترك الخمر فَشَرِبَهَا، أو صلاةِ فرضٍ فَتَرَكَهَا، فيُكفّر لوجود الحنث [436] .
ولا يحنث إن خالف ما حلف عليه مكرهاً، أو جاهلا، أو ناسياً [437] ، كما لو دخل في المثال ناسياً ليمينه، أو جاهلاً أنّها المحلوف عليها.
يمين المكره
قال الشارح [438] : فإن حلف مكرها [439] لم تنعقد يمينه.
وبه قال مالك [440] ، والشافعي [441] .
وذكر أبو الخطاب [442] [443] فيها روايتين:(37/365)
إحداهما: تنعقد، وهو قول أبي حنيفة [444] ، لأنها يمين مكلف فانعقدت كيمين المختار، ولأن هذه الكفارة لا تسقط بالشبهة فوجبت مع الإكراه. انتهى [445] .
والذي عليه العمل [446] أنها غير منعقدة ولا كفارة فيها لحديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" [447] .
فصل
الاستثناء في الحلف
ويصح الاستثناء في كل يمين مكفَّرة، وهي: اليمين بالله تعالى، والظهار، والنَّذر ونحوه، كقول الحالف: هو يهودي، أو بريء من الإسلام، فإن حلف بشيء منها فقال: إن شاء الله، أو أراد الله، أو إلا [448] أن يشاء الله وقَصَدَ بذلك المشيئة لا مَنْ أراد مَحَبَّتَه أو أمرهَ لم يحنث، فَعَلَ أو تَرَكَ، قدّم الاستثناء أو أخّره إذا كان متصلاً لفظاً أو حكماً، كانقطاعه بتنفسٍ، أو سعال أو عطاس، أو عِيّ ونحو [449] .
قال الشارح [450] : "أجمع العلماء على تسميته استثناءً وأنَّه متى استثنى في يمينه لم يحنث فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف فاستثنى فإن شاء رجع وإن شاء ترك غير حَنِثٍ" رواه الإمام أحمد [451] ، وأبو داود [452] .
ولأنه متى قال: لأفعلنَّ إن شاء الله فقد علمنا أنه متى شاء الله فعل، ومتى لم [453] يفعل لم يشأ الله ذلك، فإن ما شاء كان [454] وما لم يشأ لم يكن". انتهى [455] .
وقال ابن الجوزي [456] : "فائدة الاستثناء خروجه من الكذب، قال موسى عليه السلام: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً} [457] ولم يصبر فسلم منه بالاستثناء.
وبتعيّن النطقُ به، ولا ينفعُ بالقلب إلاّ من مظلوم قصد الاستثناء قبل تمام المستثنَى منه [458] ، وعن أحمد رواية أخرى [459] : أنه يجوز الاستثناء إذا لم يطل الفصل.(37/366)
وهذا قول الأوزاعي [460] ، قال في رجلٍ قال: لا أفعل كذا وكذا، ثم سكت ساعة لا يتكلم ولا يحدّث نفسَه بالاستثناء، فقال له إنسان: قل إن شاء الله، قال: إن شاء الله، أيكفر يمينه؟ قال: أراه قد استثنى، ووجه ذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والله لأغزونَّ [461] قريشاً "، ثم سكت، ثم قال: "إن شاء الله " رواه أحمد [462] وأبو داود [463] ، وزاد قال الوليد بن مسلم [464] : ولم يغزهم [465] .
وحُكي عن الحسن [466] ، وعطاء [467] ، وبعض الحنابلة [468] : أنه يصح الاستثناء مادام في المجلس. وعن ابن عباس [469] : له أن يستثنى ولو بعد حين، وهو قول مجاهد [470] .
والذي [471] عليه العمل أنَّ الاتصال شرط [472] ، لقوله عليه الصلاة والسلام: "من حلف على يمين فقال إن شاء الله [473] فلا حنث ". رواه الخمسة [474] إلا أبا داود.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف فاستثنى" [475] . وهذا يقتضي كونه عَقِبَه، لأنَّ الفاء
للتعقيب، ولأنَّ الاستثناء من تمام الكلام فاعتبر اتصاله كالشرط وجوابه، وكالاستثناء بإلاّ [476] .
تتمة
الاستثناء في الطلاق
اختلفت [477] أقوال العلماء في الاستثناء في الطلاق:
فقال الشافعية [478] : "إن [479] قال لزوجته أنت طالق إن شاء الله، لم تطلق إذا كان مريد الاستثناء قبل الحلف واتصل".
وقال الحنفية [480] وبعض الحنابلة [481] : "إذا اتصل لم تطلق أراده قبله أم لا".(37/367)
وقال الشيخ تقي الدين [482] : "إن أراد بذلك وقوع الطلاق عليها بهذا التطليق طَلُقَتْ، لأنَّه كقوله: أنتِ طالق بمشيئة الله، وليس قوله: إن شاء الله تعليقاً، بل توكيد للوقوع وتحقيق، وإن أراد بذلك حقيقةَ التعليقِ على مشيئة مستقبله لم يقع به الطلاق حتى تطلق بعد ذلك، فإذا طلقها بعد ذلك فقد شاء الله وقوع طلاقِها حينئذ، وكذا إن قَصَدَ بقوله: إن شاء الله أن يقع هذا الطلاق الآن، فإنه [483] يكون معلقاً أيضاً على المشيئة، فإذا شاء الله وقوعَه فيقع حينئذٍ فلا يشاء الله [484] وقوعه حتى يوقعه هو ثانيا". انتهى. قاله في الإنصاف [485] .
وزاد الحنفية فقالوا: "إذا علَّقه على من لا تُعلم مشيئتُه كالملائكة والجن، وكذا إن قال: إن شاء هذا الحائط: فلا تطلق". قاله في شرح الكنز [486] .
وقال في التنوير [487] : "قال لها: أنتِ طالق إن شاء الله متصلاً مسموعاً لا يقع وإن ماتتْ قبلَ قولِه: إن شاء الله، ولا يشترطُ القصد [488] ولا العلمُ بمعناه، ويقبل قوله إن ادَّعاه في ظاهر المروي، وقيل: لا تقْبَل، وعليه الاعتماد، وحكم مَنْ لم يوقف [489] على مشيئته كالإنس والجن كذلك قال: أنتِ طالق ثلاثاً وثلاثاً إن شاء الله، أو أنت حرٌ وحرٌ إن شاء الله طلقت وعتق العبد، وكذا إن شاء الله أنت طالق، وبأنْتِ طالق بمشيئة الله، أو بإرادته، أو محبته، أو رضائه لا [490] ، وإن أضافه إلى العبد كان [491] تمليكاً فيقتصر على المجلس، وإن قال: بأمره، أو بحكمه، أو بقضائه، أو بإذنه، أو بعلمه، أو بقدرته يقع في الحال أضيف إليه تعالى، أو إلى العبد كقوله: أنتِ طالق بحكم القاضي، وإن باللام يقع في الوجوه كلّها وإن [492] بحرف (في) إن أضافه [493] إلى الله لا يقع في الوجوه كلها إلاّ في العلم فإنّه يقع في الحال، وإن أضاف إلى العبدِ كان تمليكاً في الأربع الأول تعليقاً في غيرِها. انتهى بحروفه.
وقال مالك [494] : "تطلق اتصل أم لا".(37/368)
وهو الذي عليه العمل عند الحنابلة في الطلاق والعتاق، لأن المشيئة انطبقت على اللفظ بحكمه الموضوع له وهو الوقوع [495] .
وإن قال: إن دخلت الدار، أو إن [496] لم تدخلين، أو لتدخلين فأنت طالق أو حرة إن شاء الله، أو أنتِ [497] طالق أو حرة إن دخلتِ أو لم تدخلي، أو لتدخلي الدار إن شاء الله [498] فَدَخَلَتْ، فإن نوى ردَّ المشيئة إلى الفعل لم يقع وإلا وقع بفعل ما حلف على تركه، أوترك ما حلف على فعله، لأنّ الطلاق هنا يمين لأنه تعليق على ما يمكن فعله [499] وتركه [500] فشمله عموم الحديث [501] "من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث " [502] .
غريبة:
إذا قال: أنتِ طالق يوم أتزوجك إن شاء الله فتزوجها لم تطلق، وإن قال: أنتَ حرٌ يوم اشتريتُك إن شاء الله فاشتراه عَتَقَ. قاله في المبدع [503] .
وإن قال: أنتِ طالق [504] إن، أو إذا، أو متى، أو كيف، أو حيث، أو أنّى، أو أين، أو كلّما، أو أي [505] وقت شئتِ ونحوه، فشاءت بلفظها ولو كارهة، أو بعد تراخٍ، أو بعد رجوعِه طلقت [506] ، لا إن قالت: شئْتُ إن شئتَ أو شاء أبي مثلاً، أو شئتُ إن طلعتْ الشمسُ ونحوه نصّاً [507] .
ونقل ابن المنذر [508] الإجماع عليه، لأنَّ المشيئة أمرٌ خفيٌ لا يصح تعليقه على شرط، ولأنَّه لم توجد منها مشيئة إنما وجد منها تعليق مشيئتها بشرط وليس تعليقها بذلك مشيئة [509] .(37/369)
وقال في التنوير: [510] قال لها: أنتِ طالق إن شئتِ، فقالت: شئتُ إن شئتَ، فقال: شئتُ ينوي به الطلاق، أو قالت: شئتُ إن كان كذا لمعدومٍ بطل، وإن قالت: شئتُ إن كذا لأمرٍ [511] قد مضى طلقت، قال لها: أنتِ طالق متى شئتِ، أو متى ما شئت [512] أو إذا شئتِ، أو إذا ما شئتِ فردَّت الأمرَ لا يرتد ولا يتقيد بالمجلس ولا تطلق إلاّ واحدة، ولها تفريق الثلاث في: كلما شئتِ، ولا تجمع، ولو طلقت وبعد زوجٍ آخر لا يقع أنتِ طالق حيث شئت [513] لا تطلق إلا إذا شاءت في المجلس، وإن قامت من مجلسها لا، وفي كيف شئتِ يقع رجعية فإن شاءت بائنةً أو ثلاثاً وقع مع نيته، وفي كم شئتِ، أو ما شئتِ لها أن تطلق ما شاءت وإن رَدَّت ارتد [514] 0 انتهى بحروفه.
وأنتِ طالق إن شاء [515] زيدٌ وعمرو لم تطلق حتى يشاءا، ولو شاء أحدهما فوراً والآخر تراخياً وقع لوجود مشيئتِها جميعاً [516] ، وأنتِ طالق إن شاء زيدٌ فشاء ولو مميزاً يعقلها، أو سكران، أو بإشارة مفهومة ممن خَرِسَ [517] ، أو كان أخرسَ وقع الطلاق لصحته منهم [518] . وردّه الموفق [519] والشارح [520] في السكران [521] بأنَّ وقوعَه منه تغليظ عليه لمعصيته، وهنا التغليظ على غيره، ولا معصية ممن غلظ عليه [522] ، ولا يقع في هذه الصور إن مات زيدٌ، أو غاب، أو جُنَّ قبل المشيئة لأنّ الشرط لم يوجد [523] .
ولو قال: أنتِ طالقٌ إلاّ أن يشاء فلان فمات أو جن أو أباها وقع إذاً، لأنه أوقع الطلاق وعلَّق رَفْعَهُ بشرطٍ لم يوجد [524] ، وإن خَرِسَ وفهِمتْ إشارته أو كتابته فكنطقه [525] .
وأنتِ طالقٌ لرضا زيدٍ أو لمشيئته، أو لقيامك، أو لسوادك ونحوه يقع في الحال [526] ، بخلاف قوله لقدوم زيد أو لغدٍ لم تطلق حتى يقدم أو يأتي الغد، لقوله تعالى [527] : {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ... } [528] الآية.(37/370)
وإن قال من قال: أنتِ طالق لرضا زيد، أو قيامك ونحوه: أردتُ الشرطَ، أي: تعليق الطلاق دُين [529] ، وقبل منه حكماً [530] ، لأنّ لفظه يحتمله [531] .
وإن قال: أنتِ طالق إن كنتِ تحبين أن يعذَبكِ الله، أو تبغضين الجنَّة، أو الحياة، أو الخبز فقالت: أحب، أو أبغض لم تطلق إن قالت: كذبتُ، لاستحالة حب العذاب، وبغض [532] الجنّة أو [533] الحياة [534] .
وقال في التنوير [535] : "وما لم يعلم إلا منها صدقتْ في حق نفسها [536] خاصةً كقوله: إن حضتِ فأنتِ طالق وفلانة، أو إن [537] كنتِ تحبين عذاب الله فأنت كذا، أو عبده حر، فلو قالتْ: حِضْتُ أو أحبُ عذابَ الله طلقتْ هي فقط".انتهى.
وإن قال: إن كان أبوك يرضى بما فعلتِيه فأنتِ طالق، فقال: ما رضيتُ، ثم قال: رضيتُ، طَلُقَتْ لتعليقِه على رضا مستقبل وقد وجد [538] .
وقال قوم [539] : "لم يقع لأنَّه انقطع بالأول".
وإن قال: أنتِ طالق إن كان أبوك راضياً بما فعلتِيه. فقال: ما رضيتُ، ثم قال: رضيت لم تطلُق [540] .
ومن حلف بطلاقٍ أو غيرِه لا يفعل إن شاء زيدٌ، لم تنعقد يمينُه حتى يشاءَ زيدٌ أن لا يفعله، لتعليقِ حلفِه على ذلك [541] .
ويصح تعليقُ طلاقٍ وعتقٍ بالموت [542] ، ويقال له [543] في العتق: التدبير [544] .
فصل
إن حَلَفَ ليفعلنّ شيئاً وعيَّن وقتاً لفعلِه، كلأعطينَّ [545] زيداً درهماً يوم كذا [546] أو سَنَةَ كذا تعيّن ذلك الوقتُ لذلك الفعل، فإن فَعَلَه فيه بَرَّ وإلاَّ حنِث لأنه مقتضى يمينه [547] .(37/371)
وإن لم يعيّن وقتاً بأن قال: لأعطينّ [548] زيداً درهماً لم يحنث حتى ييأس من فعله بتلف محلوفٍ عليه، أو موتِ حالفٍ أو نحو ذلك، لأنّ اللفظ يحتمل إرادة المحلوفِ عليه في وقتٍ ويحتمل غيرَه فيرجع إلى ما نواه ككنايات [549] الطلاق والعتق [550] ، وإن لم تكن له نيَّة لم يحنث قبل اليأس من فعله [551] ، فإن الله- تعالى- قال: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ... } [552] الآية. فقال عمر: "يا رسول الله، أو لم تخبرنا أنَّا سنأتي البيتَ ونطوف به؟ قال: "بلى، أفأخبرتك أنَّك آتيه العام؟ "، قال: لا، قال: "فإنّك آتيه وتطوف به" [553] .
لكن يستثنى من ذلك ما إذا حلف ليخرجنّ من هذه الدار أو ليرحلنّ [554] منها، أو لا سكنتُ فيها وأقام فيها بعد يمينه زمناً يمكنه الخروج حنِث [555] .
وبه قال الشافعي [556] .
وإن أقام لنقلِ رحلِه ومتاعِه لم يحنَث [557] ، وفاقاً لأبي حنيفة [558] .
وحُكي عن مالك [559] : إن أقام دون اليوم والليلة لم يحنث، لأنَّ ذلك قليل يحتاج [560] إليه في الانتقال.
وقال الشافعي [561] : "يحنث بإقامته لنقل رحله ومتاعه لأنّ اسم السكنى يقع على الابتداء وعلى الاستدامة.
وعن زفر [562] : أنه يحنث في الحال، لأنه لابد من أن يكون ساكناً عقب يمينه ولو لحظةً فيحنث بها [563] .
وإن حَلَفَ ليخرجنّ من هذه البلدة أو ليرحلنّ [564] عن هذه الدار ففعل، فهل له العَود إليها؟، على روايتين [565] ,قيل:يحنث بالعود لان ظاهر حاله قصد هجران ما حلف عليه.
والذي عليه العمل [566] عدم الحنث لأنّ يمينه على الخروج، وقد خرج فانحلتْ يمينُه إلاّ أن تكون له نيَّة أو سبب يقتضي هجران ما حلف عليه [567] .(37/372)
وإن حلف لا يسكن مع فلان، أو لا يساكن فلاناً وهو ساكنٌ أو مساكن له، فأقام فوق زمنٍ يمكنه الخروج فيه عادةً نهاراً بنفسه وأهله ومتاعه المقصود حَنِث [568] ، وكذا لو بنى بينَه وبين فلانٍ حاجزاً وهما متساكنان حنِث لتساكنهما قبل انتهاءِ بناءِ الحاجز [569] ، لا إنْ [570] أودع متاعَه أو أعاره أو ملّكه لغيرِه بلا حيلة، أو أكرِه على المقام، أو لم يجدْ مسكناً، أو ما يَنْقُلُ متاعَه به، أو أبتْ زوجتُه الخروجَ معه ولا يمكنه إجبارُها ولا النقلة بدونها مع نية النقلة إذا قدر عليها، أو أمْكَنَتْه [571] بدون زوجته فخرج وحده [572] ، أو كان في الدار حجرتان لكل حجرة باب ومرحاض، فسكن كل واحدٍ حجرة ولا نيَّة ولا سبب يقتضي منعه من ذلك لم يحنث" [573] .
قال الشيخ [574] : "والزيارة ليست سكنى اتفاقاً ولو طالت مدتها".
وإن حلف لا ساكنتُ فلاناً في هذه الدار وهما غير متساكنين فبنيا [575] بينهما حائطاً، وفتح كلٌ منهما باباً لنفسه وسَكَنَاها لم يحنث [576] .
وليخرجنَّ من هذه البلدة فخرج وحده دون أهله برَّ [577] ، وإن حلف لا يدخل داراً فحُمِل بغيرِ أمرهِ فأدخلها ويمكنه الامتناع فلم يمتنع حنث [578] ، وذكر أبو الخطاب عدم الحنث [579] ، وهو الصحيح من مذهب الحنفية [580] ، وإن لم يمكنه الامتناع لم يحنث، قال الشارح [581] : "لا نعلم فيه خلافاً".
وإن أكرِه بضربٍ ونحوه فدخل لم يحنث [582]- أيضاً- خلافاً لبعض الحنفية [583] .
وإن حلف لا يستخدمه فخدمه وهو ساكت، فقال القاضي [584] : "إن كان عبده حنِث وإن كان [585] عبدَ غيرِه لم يحنث".
وهو قول أبي حنيفة [586] .
والذي عليه العمل- في الحالين- الحِنْث [587] ، لأنَّ إقراره على الخدمة استخدام [588] .
وقال الشافعي [589] : "لا يحنث في الحالين لأنّه حلف على فعل نفسِه فلا يحنث بفعلِ غيره كسائر الأفعال".(37/373)
ومن دُعي لغداءٍ فحلف لا يتغدَّى لم يحنث بغداءِ غيره إن قَصَدَه [590] ، وقاس عليه الحنفية فقالوا [591] : وإن قال لمن أرادتِ الخروج أو ضرب العبد: إن خرجتِ [592] أو ضربتِ العبد فأنتِ طالق، يقيد الحلف بذلك الخروج أو الضرب، فإن مكثتْ ساعةً ثم خرجت أو ضربت العبد لم يحنث عند أبي حنيفة - رحمه الله- وهي من مفرداته، وتسمى: يمين الفور [593] ، وعللوها: بأن مراد المتكلم الرد على تلك الخرجة والضربة عرفاً، ومبنى الأيمان على العرف [594] .
وقال زفر [595] ، ومالك [596] ، والشافعي [597] ، وأحمد [598] : "يحنث لأنَّه علق الطلاق على شرط وقد وجد، وقياسها على مسألة الغداء فيه نظر".
تتمة:
قال في الفنون [599] فيمن قال: أنتِ طالقٌ ثلاثاً إن دخلتِ عليَّ البيتَ، ولا كنتِ لي زوجة إن لم تكتبي لي نصفَ مالكِ، فكتبتْ له بعد ستة عشر يوما: "يقع الثلاث، لأنَّه يقع باستدامة المقام فكذا استدامة الزوجية". انتهى، واقتصر عليه في المبدع [600] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] في النعت الأكمل: (العُكري) بضم العين، وقال الزركلي: "وفي التاج ما يؤخذ منه احتمال ضبط (العُكري) هنا بفتح الكاف مخففة أو مع التشديد، إلاّ أنّ (بيت العكر) معروفون في دمشق إلى اليوم: بفتح وسكون الكاف.
وانظر: النعت الأكمل: 240، تاج العروس: 13/121، الأعلام: 3/290.
[2] خلاصة الأثر: 2/340، النعت الأكمل: 240، السحب الوابلة: 192.
[3] المصادر السابقة.
[4] المصادر السابقة.
[5] خلاصة الأثر: 2/340.
[6] خلاصة الأثر: 2/340.
[7] المصدر السابق والنعت الأكمل: 242.
[8] اطَّلعت على ثلاث نسخٍ منه لا دار الكتب بالقاهرة.
[9] خلاصة الأثر: 1/175، هدية العارفين: 1/161، الأعلام: 1/92.(37/374)
[10] خلاصة الأثر: 1/428، الأعلام: 2/37، معجم المؤلفين: 3/30.
[11] خلاصة الأثر: 2/162، الأعلام: 3/180.
[12] خلاصة الأثر: 2/210، هدية العارفين 10 /394، الأعلام: 3/108.
[13] النعت الأكمل: 223، السحب الوابلة: 183، مختصر طبقات الحنابلة: 120.
[14] خلاصة الأثر: 3/124.
[15] مطبوع بأسفل صحائف نهاية المحتاج للرملي.
[16] خلاصة الأثر: 3/174، هدية العارفين 0 1/761، الأعلام: 4/314.
[17] النعت الأكمل: 231، السحب الوابلة: 373، مختصر الطبقات: 122.
[18] خلاصة الأثر: 4/39، هدية العارفين: 2/290، الأعلام 0 6/270.
[19] خلاصة الأثر: 4/124، الأعلام: 7/15، معجم المؤلفين: 11/163.
[20] سلك الدرر: 1/15، هدية العارفين: 1/37، الأعلام: 1/68.
[21] سلك الدرر: 2/156 -158.
[22] سلك الدرر: 2/318، هدية العارفين: 1/552، الأعلام: 3/332.
[23] سلك الدرر: 3/5، معجم المؤلفين: 5/214.
[24] اطلعت على نسخة من هذه الرسالة في جامعة الملك سعود، وأخرى في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
[25] النعت الأكمل: 253، السحب الوابلة: 282، الأعلام: 4/202.
[26] خلاصة الأثر: 2/469، النعت الأكمل: 249، الأعلام: 4/36.
[27] سلك الدرر: 4/86، هدية العارفين: 2/307، الأعلام: 6/41.
[28] خلاصة الأثر: 2/341.
[29] سلك الدرر: 4/178، النعت الأكمل: 249، الأعلام: 7/238.
[30] خلاصة الأثر: 3/275.
[31] سلك الدرر. 4/266، الأعلام: 8/260، معجم المؤلفين: 13/346.
[32] فهرس مخطوطات مركز الملك فيصل بالرياض: 7/150.
[33] فهرس دار الكتب المصرية: 3/78.
[34] هدية العارفين: 1/508.
[35] السحب الوابلة: 347-348.
[36] خلاصة الأثر: 2/340.
[37] السحب الوابلة: 193، الدر المنضد: 59.(37/375)
[38] إيضاح المكنون: 2/570، هدية العارفين: 1/508.
[39] الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي: 2/370.
[40] الأعلام: 3/290.
[41] معجم المؤلفين: 5/106.
[42] النعت الأكمل: 241، مختصر طبقات الحنابلة: 124.
[43] شذرات الذهب: 7/685، الأعلام: 4/110.
[44] فهرس مخطوطات الظاهرية (علوم القرآن) : 314- 315.
[45] النعت الأكمل: 241، السحب الوابلة: 193، الفكر السامي: 2/370.
[46] المصادر السابقة، ومصادر ترجمة المصنف ص (197) .
[47] شذرات الذهب: 1/111.
[48] هدية العارفين: 1/508، الأعلام 3/290.
[49] الشذرات: 9/319.
[50] فهرس دار الكتب القطرية: 2/591.
[51] فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية (الأدب) : 1/333-334.
[52] النعت الأكمل: 240، المدخل: 443، مختصر الطبقات 124.
[53] خلاصة الأثر: 4/358، هدية العارفين: 2 /426.
[54] المدخل: 443.
[55] انظر مصادر ترجمة المصنف ص (197) .
[56] انظر ص 213 من هذا الكتاب.
[57] خلاصة الأثر: 2/341، النعت الأكمل: 248-249، السحب الوابلة: 149، مختصر طبقات الحنابلة: 125.
[58] خلاصة الأثر: 2/341.
[59] النعت الأكمل: 241.
[60] نفحات الأسرار المكية ورشحات الأفكار الذهبية: 61/ب.
[61] المدخل إلى مذهب الإِمام أحمد بن حنبل: 443.
[62] الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي: 2/370.
[63] فهرس المجاميع الخطية بدار الكتب المصرية: 1/332.
[64] فهرس مخطوطات دار الكتب المصرية: 3/78.
[65] (وبه نستعين) ليست في (أ) ، ولا في (ب) .
[66] الآيات رقم (1) ، (2) ، (3) من سورة النجم.
[67] من الآية رقم (143) من سورة البقرة.(37/376)
[68] انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 1/190، معالم التنزيل للبغوي: 1/158-159, مدارج السالكين لابن القيم: 3/439, العدة لأبي يعلى: 4/1072, شرح مختصر الروضة: 3 /16-18.
[69] من الآية (148) من سورة البقرة.
[70] لم أقف على القائل، وانظر المصادر السابقة.
[71] لم أقف عليه بهذه اللفظة، وقد أورد بعضهم: "لا يعذب الله بمسألةٍ اخْتُلِفَ فيها"، قال السخاوي: "أظنه من كلام بعض السلف".
وانظر: المقاصد الحسنة: 465 رقم (1325) ، الأسرار المرفوعة: 372 رقم (604) ، كشف الخفاء: 2/374 رقم (3125) .
[72] المستوعِب: 4/535-537، الشرح الكبير: 6/67-68, شرح منتهى الإرادات3/423.
[73] نهاية ل (2) من (أ) .
[74] نهاية ل (2) من (ب) .
[75] المغني: 13/444، التنقيح المشبع: 393، غاية المنتهى: 3/370.
[76] المقنع: 3/568.
[77] المغني: 13/439، زاد المسير لابن الجوزي: 1/254.
[78] الآية (10) من سورة القلم.
[79] المبدع: 5/271.
[80] مغني المحتاج: 4/325، فتح الباري: 11 /529.
[81] من الآية (224) من سورة البقرة.
[82] المغني: 13/439.
[83] ورد هذا من حديث عائشة رضي الله عنها، رواه البخاري في صحيحه، كتاب الكسوف، باب الصدقة في الكسوف: 1/184 واللفظ له، ومسلم في صحيحه، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف: 2/618 رقم (901) .
[84] قال الحافظ في الفتح: 11/529: "لم أقف على اسمها، ولا على أسماء أولادها".
[85] الحديث ورد من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه، رواه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم: 4/151، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل الأنصار: 4/1948 رقم (2509) .
[86] في (ب) (مرار) وهو الموافق لما في صحيح البخاري.
[87] نهاية لـ (2) من الأصل.(37/377)
[88] الحديث ورد مرفوعاً من طريق ابن عباس رضي الله عنهما، ومرسلاً عن عكرمة، رواه أبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب الاستثناء في اليمين بعد السكوت: 3/589 رقم (3285) ، (3286) ، وأبو يعلى في مسنده: 5/78 رقم (2674) ، وابن حبان في صحيحه، كتاب الأيمان: 10/185 رقم (4343) ، والطبرايى في المعجم الكبير: 11/282 رقم (11742) ، وفي الأوسط: 2/9 رقم (1008) ، وأبو نعيم في الحلية: 7/241، وابن حزم في المحلى: 8/47- 48، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الأيمان، باب الحالف يسكت بين يمينه واستثنائه 10/47، والخطيب في تاريخ بغداد: 7/404.
قال ابن أبي حاتم عن أبيه في علل الحديث: 1/440: "الأشبه إرساله"، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 4/182: "رواه الطبراني في الأوسط: 2/9، ورجاله رجال الصحيح".
[89] زاد المعاد: 1/163، غاية المنتهى: 3/370.
[90] المبدع: 9/271.
[91] المغنى: 13/439.
[92] الحديث ورد من عدة طرق، منها طريق ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه أحمد في المسند: 1/253، وأبو داود، كتاب الأيمان والنذور، باب من يحلف كاذبا متعمداً: 3/583 رقم (3275) ، والنسائي في كتاب القضاء، باب كيفية اليمين: 3/489 رقم (6006) ، والحاكم في المستدرك، كتاب الأحكام: 4/95-96، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وابن حزم في المحلى: 9/388، وضعفه، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الأيمان، باب ما جاء في اليمين الغموس: 10/73، وفي معرفة السنن والآثار، كتاب الأيمان والنذور: 14/163 رقم (19483) وأعلّه، وضعفه أبو حاتم، وابن حجر وغيرهما.
وانظر: علل الحديث: 1/441، مختصر سنن أبي داود للمنذري: 4/366، التلخيص الحبير: 4/209.
[93] من الآية (224) من سورة البقرة.
[94] زاد المسير لابن الجوزي: 1/253، المغني: 13/439- 440، القواعد النورانية: 271، فتح الباري: 11/521، المبدع: 9/271، فتح القدير: 1/229- 230.(37/378)
[95] الشرح الكبير: 6/84، المبدع: 9/271
[96] من الآية (224) من سورة البقرة.
[97] نهاية لـ (3) من (ب) .
[98] جامع البيان للطبري: 2/412، السنن الكبرى، كتاب الأيمان: 10/33.
[99] المقنع: 3/568، الإنصاف: 11 /29، مغني ذوي الإفهام: 159.
[100] الهداية للمرغيناني: 3/161، مجمع الأنهر: 2/254
[101] ذكره في المغني 13/442، وأخرجه المتقي الهندي في كنز العمال بنحوه: 16/726 رقم (46535) ، (46536) ، (46537) .
[102] (قال) : أسقط من (أ) ، (ب) .
[103] (إلى) : كررت في (ب) .
[104] (فقال) : أسقطت من (ب) .
[105] في الأصل: أن لا يحلف.
[106] رواه ابن الجعد في مسنده: 22/737 رقم (1802) ، ووكيع في أخبار القضاة: 1/108-109, 0والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب آداب القاضي، باب القاضي لا يحكم لنفسه: 1/144، وذكره ابن قدامة في المغني: 13/442، والذهبي في السير: 2/435.
[107] زاد المعاد: 1/163، المبدع: 9/272.
[108] من الآية (53) من سورة يونس.
[109] من الآية (3) من سورة سبأ.
[110] ما بين الحاصرتين أسقط من (أ) .
[111] من الآية (7) من سورة التغابن.
[112] الإنصاف: 11/29.
[113] انظر: الحاوي: 17/108، مغني المحتاج: 4/480.
[114] أخرجه الشافعي في الأم: 7/38، والبيهقي في السنن الكرى، كتاب الشهادات، باب تأكيد اليمين بالمكان:
10/177، وفي معرفة السنن والآثار، كتاب الشهادات، باب موضع اليمين: 14/300 رقم (20043) ، وصححه الحافظ ابن حجر في الدراية: 2/176.
[115] غاية المنتهى: 3/370، هداية الراغب: 547.
[116] الشرح الكبير: 6/95، شرح المنتهى: 3/423.(37/379)
[117] ورد من حديث البراء بن عازب- رضي الله عنهما-، رواه البخاري -كما قال المصنف- في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب قول الله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} 4/152.
ورواه- أيضاً- مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء: 3/1635 رقم (2066) واللفظ له.
[118] المغني: 13/503.
[119] ورد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، رواه البخاري، كتاب التعبير، باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب: 4/219، ومسلم، كتاب الرؤيا، باب تأويل الرؤيا: 4/1777 رقم (2269) ، واللفظ الذي أورده المصنف لابن ماجة، كتاب تعبير الرؤيا، باب تعبير الرؤيا: 2/1289 رقم (3918) .
[120] الصحيح عند الحنابلة جواز الحلف بوجه الله تعالى.
وانظر: المبدع: 9/254، الإنصاف: 11/3, الكشاف: 6/228.
[121] ورد من حديث جابر رضي الله عنه، رواه أبو داود، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة بوجه الله تعالى: 2/309 -310 رقم (1671) ، وابن عدي في الكامل: 3/1107، والبيهقي في شعب الإيمان: 3/276 رقم (3537) ، والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق: 1/353، والديلمي في مسند الفردوس: 2/213 رقم (7986) ، وضعفه عبد الحق، وابن القطان، ورمز السيوطي له بالصحة. وانظر: الجامع الصغير: 2/205، وفيض القدير: 6/451 حديث رقم (9972) .
[122] الشرح الكبير: 6/96، كشاف القناع: 26/227، شرح المنتهى: 3/423.
[123] المصادر السابقة، والفروع: 6/342، الإنصاف: 11/33، الاختيارات الفقهية: 562 وقال رحمه الله: "إنما تجب على معين، فلا تجب إجابة سائل يقسِم على الناس".(37/380)
[124] ورد بهذه اللفظة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، رواه أحمد في المسند: 1/249-250، وأبو داود- كما قال المصنف- في كتاب الأدب، باب الرجل يستعيذ من الرجل: 14/9 رقم (5097) مع عون المعبود، وإسناده جيد كما قال المصنف، وانظر الفروع: 6/342.
[125] المصادر الفقهية السابقة.
[126] نهاية لـ (4) من (أ) ، (ب) .
[127] الشرح الكبير: 6/80.
[128] المغني: 13/502.
[129] الفروع: 6/342.
[130] المصدر السابق.
[131] نهاية لـ (3) من الأصل.
[132] روضة الطالبين: 11/4.
[133] المستوعب: 4/548.
[134] ونقله في المبدع: 9/272 عن الرعاية.
[135] المغني: 14/232، الشرح الكبير: 6/315.
[136] ونقله في الفروع: 6/476 عن الرعاية.
[137] الفروع الصفحة السابقة.
[138] في (أ) ، (ب) : (اليد) بدل (اليمين) .
[139] الصحاح: 6/2221، اللسان: 13/461، القاموس: 4/281 مادة (يمين) ، شرح المنتهى: 3/419.
[140] المطلع: 387، الدر النقي: 3/796، الإقناع 4/329، منتهى الإرادات: 2/528.
[141] المغني: 13/435.
[142] من الآية (89) من سورة المائدة.
[143] من الآية (91) من سورة النحل.
[144] كالآيات الثلاث السابقة ص 244 من هذا الكتاب.
[145] ورد من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، صحيح البخاري، كتاب الأيمان: 4/148، ومسلم، كتاب الأيمان، باب ندب من حلف يميناً رأى غيرها خيراً منها، أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يميه: 3/1270 رقم (9) ، (1649) .
[146] قلتُ: أخرجه البخاري باللفظيين كليهما، انظر صحيح البخاري، الصفحة السابقة، و4/163، كتاب كفارات الأيمان، باب الكفارة قبل الحنث وبعده.
[147] صحيح مسلم، كتاب القدر: 4/2045 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
[148] صحيح البخاري: 4/276، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.(37/381)
[149] المغني: 13/435.
[150] المبسوط: 8/26، مقدمات ابن رشد: 1/406، المهذب: 2/128، المغني الصفحة السابقة.
[151] في (أ) ، (ب) : (أحكامها) .
[152] شرح منتهى الإرادات: 3/424، منار السيل: 2/385.
[153] البحر الرائق: 4/304- 305، الفتاوى الهندية 2/52.
[154] الكافي: 4/373، المبدع: 9/251.
[155] انظر ص 174 من هذا الكتاب.
[156] نهاية لـ (5) من (ب) .
[157] نهاية لـ (5) من (أ) .
[158] الفنون: 1/379، الإفصاح: 2/324، الشرح الكير. 6/67, زوائد الكافي: 2/198.
[159] روضة الطالبين 11/23.
[160] المغني: 13/436.
[161] الإشراف: 1/447.
[162] أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنساناً في الجاهلية تم أسلم: 4/159، ومسلم، كتاب الأيمان، باب نذر الكافر، وما يفعل فيه إذا أسلم: 3/1277رقم (27) (1656) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما..
[163] الشرح الكير: 6/67، الكشاف: 6/226.
[164] من الآية: (106) من سورة المائدة.
[165] الهداية للمرغيناني: 2/75، الاختيار: 4/54.
[166] الشرح الصغير: 1/325، سراج السالك: 2/17.
[167] المغني: 13/436.
[168] بعد هذا زيادة في (ب) : [قال الحنابلة: "لا نسلّم أنه غير مكلّف، وإنما تسقط عنه العبادات بإسلامه، لأنّ الإسلام يجب ما قبله، فأما ما التزمه بنذره أو يمينه، فينبغي أن يبقى حكمُه في حقه لأنه من جهته] وانظر المغنى: 13/436.
[169] الكافي: 4/379، الشرح الكبير: 6/76، المبدع: 9/261، شرح المنتهى: 3/421.
[170] من الآية (40) من سورة المعارج.
[171] من الآية (1) من سورة النجم.
[172] من الآية (57) من سورة الأنبياء.
[173] في (أ) ، (ب) زيادة: (وتربى ونحوه) .
[174] المصادر السابقة، والمغني: 13/458، 459.(37/382)
[175] في (ب) : (ونصباً: أي: للاسم الكريم لأن كلا منهما لغة صحيحة، لقوله.....) .
[176] هو ركانة بن عبد يزيد بن هاشم المطلبي، صحابي جليل، أسلم عام الفتح، وهو الذي صارعه النبيّ صلى الله عليه وسلم - فصرعه- النبيُّ صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثاً، مات بالمدينة المنورة سنة (42 هـ) وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في: أسد الغابة لابن الأثير: 2/84، الإصابة لابن حجر: 1/520.
[177] اسمها: سهيمة بنت عمير المزنية. وانظر الإصابة4/337.
[178] رواه الشافعي في مسنده، كتاب الطلاق: 2/37 رقم (117) ، والطيالسي رقم (1188) ، والدارمي في كتاب الطلاق، باب طلاق البتَّة: 2/86 رقم (2277) ، وأبو داود في كتاب الطلاق، باب في البتّة: 2/656 رقم (2208) ، والترمذي في أبواب الطلاق واللعان، باب ما جاء في الرجل طلق امرأته البتّة: 2/322 رقم (1187) ، وابن ماجة في كتاب الطلاق، باب طلاق البتّة: 1/661 رقم (2051) ، وابن حبان في كتاب الطلاق، باب الرجعة 1/97 رقم (4274) ، والدارقطني في كتاب الطلاق: 4/34 رقم (91) ، والحاكم في كتاب الطلاق: 2/199، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الخلع والطلاق، باب كنايات الطلاق: 7/342، وقد اختلف العلماء في تصحيح الحديث وتضعيفه، فصححه أبو داود وابن حبان والحاكم، وأعلَّه البخاري بالاضطراب، ورجَّح الشوكانيُ تضعيفَه. وانظر: خلاصة البدر المنير. 2/222، التلخيص الحبير: 3/213, نيل الأوطار: 6/227.
[179] في (ب) : (فأما) .
[180] الهداية لأبي الخطاب: 2/118، التنقيح المشبع: 392، الكشاف: 6/231.
[181] شرخ المنتهى: 3/421.
[182] هو شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى.
وانظر: الفروع: 6/338، الإنصاف: 11/12، الإِقناع: 4/332.
[183] نهاية لـ (4) من الأصل.
[184] شرح منتهى الإرادات: 3/422، كشاف القناع: 6/231.
[185] الآية (4) من سورة الطارق.(37/383)
[186] من الآية (3) من سورة الدخان.
[187] نهاية لـ (6) من (ب) .
[188] الآية (4) من سورة التين.
[189] من الآية (32) من سورة يوسف.
[190] الآية (9) من سورة الشمس.
[191] معالم التنزيل: 7/355.
[192] من الآيتين (1) ، (2) من سورة ق.
[193] انظر الخلاف بين الكوفيين والبصريين في: جامع البيان للطبري 11/405-406، معالم التنزيل للبغوي: 7/355-356، زاد المسيرِ لابن الجوزي 8/5-6, تفسير ابن كثير: 4/221.
[194] من الآية (2) من سورة النجم.
[195] من الآية (107) من سورة التوبة.
[196] البيت للشاعر المشهور ميمون بن قيس بن جندل، المعروف بالأعشى، أحد شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية وأحد أصحاب المعلقات، وهذا البيت من قصيدة قالها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وقد مات الأعشى كافراً سنة (7 هـ) في منفوحة بالرياض. وانظر: ديوان الأعشى: 185 قصيدة رقم (17) ، سيرة ابن هشام: 1/386، الأعلام: 7/341.
[197] في (أ) ، (ب) ز يادة (صلى الله عليه وسلم) .
[198] التنقيح المشبع: 392، الكشاف: 231.
[199] نهاية لـ (6) من (أ) .
[200] من الآية (85) من سورة يوسف عليه السلام.
[201] المغني: 13/502-503.
[202] المغني: 13/502.
[203] الشرح الكبير: 6/80، الفروع: 6/342.
[204] المقنع: 3/558، منتهى الإرادات: 2/528-529.
[205] في (ب) : (والعا) .
[206] في (ب) : (والرازق) .
[207] من الآية (8) من سورة النساء، وهذه الآية أسقطت من (أ) .
[208] في (ب) زيادة بعد قوله (والخالق) : قال تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي} من الآية (110) من سورة المائدة.
[209] شرح منتهى الإرادات: 3/419.
[210] الفروع: 6/337.
[211] الكافي: 4/378، الإقناع: 4/331.
[212] الأم: 7/64، المهذب: 2/129.(37/384)
[213] هذا الصحيح من المذهب، وقيل: لا تجب الكفارة إذا نوى بقدرة الله: مقدوره، وبعلم الله: معلومه. وانظر المغني: 13/454، الإنصاف: 11/3.
[214] الروضة: 11/12، مغني المحتاج: 4/322.
[215] شرح المنتهى: 3/240.
[216] الهداية للمرغيناني: 2/73، البحر الرائق: 4/310.
[217] (وحقه) أسقطت من (ب) .
[218] عن أبي يوسف رواية أخرى: أنه يكون يميناً. وانظر مجمع الأنهر: 1/546، الفتاوى الهندية2/52.
[219] نهاية لـ (7) من: (ب) .
[220] هذا المذهب، وقال بعضهم: "لا يكون يميناً". وانظر: المبدع: 9/255، الإنصاف: 11/5.
[221] هذا أحد الوجهين عند الشافعية وبه قطع صاحب المهذب، والبغوي، والوجه الثاني لا يكون يميناً، وصححه النووي وغيرُه. وانظر المهذب: 2/129، الروضة: 11/11.
[222] في (ب) : (وأيمان الله بضم الميم والنون مع كسر الهمزة وفتحها، وهمزته همزة وصل عند البصريين) .
[223] هذا المذهب، وعن أحمد رواية: لا يكون يميناً.
المسائل لأبي يعلى: 3/51-52، الهداية: 2/118، المغنى: 13/455، 457، الإنصاف: 11/7.
[224] مع قطع همزة (الله) ووصلها ومدها وقصرها. شرح المنتهى: 3/420.
[225] أي لا يكون يميناً إلا بالنية.
وانظر: الشرح الكبير: 6/77، الفروع: 6/388، منتهى الإرادات: 2/528.
[226] الاختيار: 4/51، مجمع الأنهر: 1/544.
[227] المختار: 4/51، تبيين الحقائق: 3/111، مجمع الأنهر: 1/544.
[228] الروضة: 11/13، مغني المحتاج: 4/322.
[229] المقنع: 3/561، شرح منتهى الإرادات: 3/420- 421.
[230] ما بين الحاصرتين أسقط من (أ) .
[231] الفروع: 6/339، الإنصاف: 11/8.(37/385)
[232] وهو الذي جزم به الخرقي، قال الزركشي: "نصّ أحمد على هذا في رواية حربٍ وغيره، وهدا للوجوب أقرب منه للاستحباب، لأن أحمد إنما نقله لكفارة واحدة عند العجز. وأما ابَن قدامة فقد حمله على الاستحباب. وانظر مسائل أحمد لابنه صالح: 1/283، مختصر الخرقي: 242، المغني: 13/475، شرح الزركشي: 7/99-100، الإنصاف: 11/8.
[233] المغني: 13/475، المبدع: 9/259، الإنصاف: 11/7.
[234] المصادر السابقة، والإنصاف: 11/8، الكشاف: 6/229.
[235] نهاية لـ (7) من (أ) .
[236] المغني: 13/469، شرح الزركشي: 7/93.
[237] إن أطلق فعلى روايتين، الأولى: لا يكون يميناً، وهي المذهب، والثانية: أنه يمين.
وانظر: الهداية: 2/118، المستوعب: 4/539، الكافي: 4/380- 381، الإنصاف: 11/10.
[238] المغني: 13/469.
[239] المصدر السابق، وعنه رواية ثانية: أنه ليس بيمين. وانظر: السنن الكبرى: 8/40، معرفة السنن 14/168.
[240] اختلاف الفقهاء للطحاوي: 100.
[241] المصدر السابق، واختلاف العلماء للمروزي: 216.
[242] الهداية للمرغيناني: 2/73، ملتقى الأبحر: 1/316.
[243] المغني: الصفحة السابقة، الشرح الكبير: 6/75، شرح المنتهى: 30 /420
[244] التفريع: 1/382، مواهب الجليل: 3/262.
[245] المغني: الصفحة السابقة، واختلاف العلماء للمروزي: 216.
[246] الإشراف: 1/412.
[247] حلية العلماء: 7/255، شرح السنة: 10/5، تحفة الطلاب: 2/479-480.
[248] نهاية لـ (5) من الأصل.
[249] المغني: 13/469-470، الكشاف: 6/230.
[250] من الآية (1) من سورة المنافقون.
[251] من الآية (2) من سورة المنافقون.
[252] المغني، والكشاف - الصفحات السابقة- وزاد المسير لابن الجوزي: 8/274.(37/386)
[253] أخرجه أحمد في المسند: 3/430، واللفظ له، وابن ماجة، كتاب الكفارات، باب إبرار المقسِم: 1/683-684 رقم (2116) عن عبد الرحمن بن صفوان أو صفوان بن عبد الرحمن، وقال محققه: "قال في الزوائد: "في إسناده يزيد ابن أبي زياد أخرج له مسلم في المتابعات وضعفه الجمهور".
[254] الشرح الكبير: 6/75.
[255] الشرح: 6/77.
[256] (ذلك) ليست في (أ) ، ولا (ب) ، ولا في الشرح أيضاً.
[257] كذا في النسخ الثلاث، وفي الشرح: (أو إمام أو غيره) .
[258] نهاية لـ (8) من (ب) .
[259] من قوله هنا (الشافعي) يبدأ سقط من (ب) بمقدار ورقة كاملة هي الورقة رقم (9) .
[260] الأم: 7/64.
[261] قوت المحتاج: 73/ب، وانظر مغني المحتاج: 4/320، نهاية المحتاج: 8/174 -175.
[262] في الأصل (تكره) .
[263] مراده حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه- الآتي ص262.
[264] في (أ) : (ثم قال) .
[265] الشرح الكبير: 6/77.
[266] الآية رقم (1) من سورة الصافات.
[267] الآية رقم (1) من سورة المرسلات.
[268] أخرجه بهذه اللفظة (وأبيه) مسلم، كتاب الأيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام: 1/41 رقم (9) (11) ، بإسناده عن طلحة بن عبد الله رضي الله عنه، وأخرجه البخاري كتاب الأيمان، باب الزكاة من الإِسلام: 1/17-18، لكن بدون لفظة (وأبيه) .
وللحافظ ابن حجر رحمه الله كلام نفيس للجواب على هده اللفظة. انظر فتح الباري: 1/107، 11/533-535.
وكذلك انظر التمهيد لابن عبد البر: 14/367، والمغني: 13/438.
[269] أبو العُشرَا، اسمه: أسامة، ليس له صحبة، وأبوه صحابي اسمه: مالك بن قهْطِم الدارمي. وانظر: أسد الغابة: 1/82، 4/268، 5/215، والإصابة: 4/149.(37/387)
[270] أخرجه أحمد في المسد: 4/334، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصيد والذبائح: 9/246. وأخرجه بدون لفظة (وأبيك) . أبو داود، كتاب الذبائح: 3/250 رقم (2825) ، والترمذي في كتاب الأطعمة: 4/75 رقم
(1481) ، والنسائي في كتاب الضحايا: 3/63 رقم (4497) ، وابن ماجه، كتاب الذبائح: 2/1063 رقم (3184) ، والدارمي، كتاب الأضاحي: 2/9 رقم (1978) ، والبيهقي في معرفة السنن والآثار: 13/459 رقم (18830) ، وأبو يعلى في مسنده: 3/72 رقم (1503) ، والذهبي في السير: 7/455.
وقد ضعفه غيرُ واحدٍ من المحدثين وغيرِهم، وانظر: معالم السنن: 4/280، خلاصة البدر المنير: 2/371، التخليص الحبير: 4/3.
[271] الشرح الكبير: 6/77، المبدع: 9/263.
[272] صحيح البخاري, كتاب الأيمان والنذور, باب لا تحلفوا بآبائكم: 4/151، ومسلم كتاب الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى: 3/1266 رقم (1646) .
[273] المغني: 13/437.
[274] الفروع: 6/340.
[275] الإنصاف 11/15.
[276] نهاية لـ (8) من (أ) .
[277] القوانين الفقهية: 106، الشرح الصغير: 2/193-194.
[278] الاختيارات لابن تيمية: 562، مجموع الفتاوى: 35/262.
[279] شرح المنتهى: 3/422.
[280] ص 234 وما بعدها من هذا الكتاب.
[281] الإقناع: 4/333.
[282] في الأصل، وفي (أ) (بشي) ، وما أثبته من الإقناع.
[283] كذا في الأصل، وفي (أ) ، وفي الإقناع (وبيته) .
[284] إلى كلمة (ذلك) ينتهي السقط من نسخة (ب) بمقدار الورقة كما سبق التنبيه عليه ص 259.
[285] وانظر كشاف القناع: 6/231-232.
[286] محمد القهستاني، الحنفي، من أبرز فقهاء الحنفية المتأخرين، كان إماماً، عالماً، زاهداً، من مصنفاته (جامع الرموز في شرح النقاية) ، مات في حدود سنة (953 هـ) ترجمته في: شذرات الذهب: 10/430، الأعلام: 7/11، معجم المؤلفين: 9/179.(37/388)
[287] جامع الرموز للقهستاني: 1/379.
[288] في (ب) (أبي عمر) .
[289] ورد الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما- مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: "من حلف بغير الله فقد أشرك "، رواه أحمد في المسند: 2/125، وأبو داود: كتاب الأيمان والنذور: 3/570 رقم (3251) ، والترمذي، كتاب النذور والأيمان: 4/110 رقم (1535) وصححه، وابن حبان في صحيحه، كتاب الأيمان: 10/199 رقم (4358) ، والحاكم في المستدرك: 4/297 وصححه.
[290] الكفاية في الفقه والعبادات والمواعظ، مخطوط في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة تحت رقم (210/254 فقه حنفي) ، من تأليف القاضي أبي جعفر محمد بن عمر الشعيبي.
[291] كفاية الشعيبي: 178/أ.
[292] كلمة فارسية، وجاء في (أ) ، (ب) : (أي: بحياة رأسك) .
[293] بدر المتقى: 1/544.
[294] في النسخ الثلاث (البرازي) والصحيح ما أثبته، وهو الموافق لما في المصدر الأصلي الذي نقل منه المصنف. وهو علي بن محمد بن يَزْدَاد الرازي، أبو القاسم. مات سنة (386 هـ) . ترجمته في: الجواهر المضيَّة: 2/590.
[295] البحر الرائق: 4/311، ومجمع الأنهر: 1/544.
[296] منية المفتي في فروع الحنفية، كتاب في الفقه من تأليف يوسف ابن أبي سعيد بن أحمد السجستاني (ت 638 هـ) ، وهو كتاب مخطوط في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة تحت رقم (1165) فقه حنفي، وانظر هدية العارفين: 2/554.
[297] منية المفتي: 225/أ، 226/ب، وانظر: مجمع الأنهر: 1/544.
[298] جامع الرموز: 1/379.
[299] نهاية لـ (6) من الأصل.
[300] مجمع الأنهر: 1/544.
[301] سبق الكلام على هذه المسألة ص261، وانظر: مجموع الفتاوى: 35/262، القواعد النورانية: 256، الفروع: 6/340، تصحيح الفروع: 6/340، الإنصاف: 11/15.
[302] مغني المحتاج: 4/324- 325.
[303] في (أ) : (كلمته) .(37/389)
[304] الهداية: 2/118، شرح منتهى الإِرادات: 3/426.
[305] في (أ) ، (ب) : للشافعية) .
[306] الإشراف: 1/417، التنبيه: 194.
[307] نهاية لـ (9) من (أ) .
[308] من الآية رقم (1) من سورة التحريم.
[309] من الآية رقم (2) من سورة التحريم.
[310] ورد من حديث عائشة رضي الله عنها، رواه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حرم طعامه: 4/158، ومسلم، كتاب الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرّم امرأته ولم ينو الطلاق: 2/1100 رقم (20) (1474) .
[311] زاد المسير لابن الجوزي: 8/304، المغني: 13/466، الشرح الكبير: 6/86.
[312] في (أ) . (ظاهر) .
[313] في (ب) : (تجرئه) .
[314] المغني: 10/396-397، إعلام الموقعين: 3/72، الفروع: 5/390، المبدع: 7/282، الإنصاف: 8/486-487.
وسيذكر المصنف المسألة فيما بعد مفصلة، انظر ص225 من هذا الكتاب.
[315] تبيين الحقائق: 3/115، البحر الرائق: 4/318-319.
[316] في (ب) : (قال) .
[317] في (أ) ، (ب) : (إلاّ) .
[318] نهاية لـ (10) من (ب) .
[319] كذا في تبيين الحقائق. الصفحة السابقة، وانظر: مجمع الأنهر: 1/547.
[320] في (ب) : (لا) .
[321] (منه) أسقِطت من (أ) ، (ب) .
[322] وانظر الهداية: 2/75، الاختيار: 4/53، مجمع الأنهر1/547.
[323] من قوله (أو من....) إلى (بالله تعالى) ، أسقط من (ب) .
[324] في (ب) : (أو يستحيل) .
[325] في (ب) : (ليفعلنّ) .
[326] الفنون: 1/389، إعلام الموقعين: 3/56-57، شرح المنتهى: 3/426.
[327] في النسخ الثلاث (سالم) . والصواب ما أثبتُه.
[328] ثابت بن الضحّاك بن خليفة الأنصاري الأشهلي، صحابي من أهل بيعة الرضوان، كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، ودليله إلى حمراء الأسد. مات سنة (45 هـ) .(37/390)
انظر ترجمته في: أسد الغابة: 1/271، الإصابة: 1/193، الأعلام: 2/98.
[329] رواه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب من حلف بملةٍ سوى الإسلام: 4/152، ومسلم في كتاب الأيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه: 1/104 رقم (176) (110) ، واللفظ له.
[330] الروضة: 11/7، فتح الباري: 11/539، نيل الأوطار: 8/234.
[331] قوت المحتاج: 71/أوانظر مغني المحتاج: 4/324، نهاية المحتاج: 8/179.
[332] روضة الطالبين: 11/7، زاد المحتاج: 4/454.
[333] المغني: 13/435.
[334] الناظم، هو: محمد بن عبد القوي بن بدران المقدسي الحنبلي، شمس الدين أبو عبد الله، كان حسن الديانة، دمث الأخلاق، كثير الإفادة، تتلمذ عليه ابن تيميه، من مصنفاته (منظومة الآداب) ، (الفروق) ، (عقد الفرائد وكنز الفوائد) ، مات سنة (699 هـ) .
انظر ترجمته في: المقصد الأرشد: 2/459، هدية العارفين: 2/139، شذرات الذهب: 7/789.
[335] عقد الفرائد وكنز الفوائد للناظم: 2/365.
[336] شرح الزركشي: 7/86، الكشاف: 6/237، منار السبيل: 2/389.
[337] في (ب) : (سأل) .
[338] نهاية لـ (10) من (أ) .
[339] رواه البيهقي في كتاب الأيمان، باب من حلف بغير الله ثم حنث، أو حلف بالبراءة من الإسلام أو بملةٍ غير الإسلام أو بالأمانة: 10/30، وقال: "هذا لا أصل له"، وعزاه لأبي بكر: ابنُ قدامة في المغني: 13/464.
[340] هو عبد العزيز بن جعفر بن أحمد، أبو بكر المعروف بغلام الخلال، كان أحد أهل الفهم والفقه، متسع الرواية، مشهورا بالديانة، موصوفاً بالأمانة، من مصنفاته (تفسير القرآن) ، (الشافي) ، (التنبيه) ، (زاد المسافر) ، (الخلاف مع الشافعي) ، مات سنة (363 هـ) .
ترجمته في: طبقات الحنابلة: 2/119، المقصد الأرشد: 2/126، المنهج الأحمد: 2/68.
[341] في (ب) : (والكفارة) .(37/391)
[342] الهداية: 2/118، الإنصاف: 11/33، شرح المنتهى: 3/426.
[343] نهاية لـ (11) من (ب) .
[344] اختيارات ابن تيميه: 560، إعلام الموقعين: 3/78-79، قواعد ابن رجب: 232، المبدع: 9/276، الإنصاف: 11/36, 37.
[345] القوانين الفقهية: 107، مواهب الجليل: 3/276.
[346] ص271.
[347] انظر كفاية الأخيار: 2/154، مغني المحتاج 4/324.
[348] نهاية لـ (7) من الأصل.
[349] شرح المنهاج: 70/ب، وانظر المصدرين السابقين.
[350] إعلام الموقعين: 3/79.
[351] في (ب) : (النيّة) .
[352] هو تاج الدين محمد بن الحسين بن عبد الله الأرموي الشافعي، من أكبر تلاميذ الرازي، كان بارعاً في العقليات، وكانت له حشمة وثروة ووجاهة، وفيه تواضع، مات ببغداد سنة (665 هـ) ، وقيل غير ذلك.
ترجمته في: سير أعلام النبلاء: 23/334، طبقات الشافعية للأسنوي: 6/211، هدية العارفين: 2/126.
[353] وهو اختصار لكتاب (المحصول) في أصول الفقه للفخر الرازي انظر: كشف الظنون: 2/1615.
[354] إعلام الموقعين: 3/79.
[355] هذه رواية عنه، والرواية الثانية: لا شي فيها إلا الاستغفار، ورُوي عنه: أنه يلزم في الطلاق واحدة. وانظر: المنتقى: 3/251، التاج والإكليل: 3/276، فتح العلي المالك: 1/197-198.
[356] الصحيح أنه لا كفارة فيها عنده، وانظر المحلى: 8/32.
[357] في (أ) ، (ب) : (أو عليها أو مثلها) .
[358] الإنصاف: 11/37، شرح المنتهى: 3/427.
[359] هو الحجاج بن يوسف الثقفي، مات سنة (95هـ) بواسط.(37/392)
[360] هو الخليفة: أبو العباس، وقيل: أبو جعفر، أحمد بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم الهاشمي العباسي، ولي الخلافة سنة (256 هـ) ، وطالت أيام خلافته، حيث انغمس في اللهو واللذات، واشتغل بذلك عن الرعية فكرهه الناس فقام أخوه الموفق بالله بضبط أمور الدولة، وصلحت، فكفت يد المعتمد عن العمل، وكان شاعراً جيّد الفهم، مات ببغداد سنة (279 هـ) .
ترجمته في: تاريخ بغداد: 4/60، 61، سير أعلام النبلاء: 12/540، الأعلام 1/106.
[361] المستوعِب: 4/543، 545، الكشاف: 6/238.
[362] (أو عرفها ولم ينوها) ، أسقطت من (ب) .
[363] الشرح الكبير: 6/88، قواعد ابن رجب: 232، المبدع: 9/275-276، شرح المنتهى: 3/427.
[364] مغني المحتاج: 4/324، حاشية قليوبي: 4/272.
[365] هو أبو سعد، عبد الرحمن بن مأمون بن علي النيسابوري، الشافعي، شيخ الشافعية في زمانه.
من مصنفاته (التتمة) وهو تتميم لكتاب (الإبانة) لشيخه الفوراني، وشرح لمسائله وتفريع عليها، ولم يكمله، وله أيضاً: مختصر في الفرائض، وآخر في الأصول، مات ببغداد سنة (478 هـ) .
ترجمته في: سير أعلام النبلاء: 18/585، طبقات الشافعية للأسنوي: 1/146, الأعلام: 3/323.
[366] تتمة الإبانة ورقة: 10/158/أ. ونقله عنه أيضاً صاحب مغني المحتاج: 4/324.
[367] نهاية لـ (11) من (أ) .
[368] هو: محمد بن أحمد بن الحسن بن عمر، أبو بكر الشاشي القفال من كبار فقهاء الشافعية.
من مصنفاته (حلية العلماء) مطبوع، و (المعتمد) ، و (الشافي) ، و (الفتاوى) وغيرها. مات ببغداد سنة (507هـ) . ترجمته في: سير أعلام النبلاء: 19/393، طبقات الشافعية لابن السبكي: 6/70، الأعلام: 5/316.
[369] إعلام الموقعين: 3/75.
[370] نقله عنه ابن القيم في: إعلام الموقعين: 3/76.(37/393)
[371] في (ب) : (أي: لأنه ليس عن مالك ولا عن قدماء الصحابة فيها قول كما قال ابن القيم) .
[372] نهاية لـ (12) من (ب) .
[373] انظر: المنتقى: 3/251، التاج والإكليل: 3/276، الشرح الصغير: 2/219- 220.
[374] في (ب) : (التلاوت) .
[375] إعلام الموقعين: 3/77.
[376] الكافي: 4/379، شرح المنتهى: 3/427.
[377] الحديث رواه مسلم، كتاب النذر، باب كفارة النذر: 3/1265 رقم (1645) مرفوعاً بلفظ: "كفارة النذر كفارة اليمين" عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
وأخرجه بلفظ المصنف ابن أبي شيبة، كتاب الأيمان والنذور والكفارات، باب النذر إذا لم يسم له كفارة: 3/69 رقم (12183) ، والترمذي، أبواب النذر والأيمان، باب كفارة النذر إذا لم يسم: 4/106 رقم (1528) وقال: "حسن صحيح غريب"، وابن ماجة، كتاب الكفارات، باب من نذر نذراً ولم يسمه: 2/687 رقم (2127) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار، كتاب الأيمان والنذور: 3/130، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الأيمان: 4/45، وضعّف النووي إسناده في المجموع: 8/458.
[378] صحيح الترمذي: 4/106.
[379] بعد هذا زيادة في (ب) : (ومن حلف فقال: "عليّ عتق رقبة"فحنث فكفارة يمين، قاله في المنتهى) .
وانظر منتهى الإرادات: 2/564.
[380] المستوعِب: 4/543.
[381] وذكره في المبدع عن الرعاية: 9/277.
[382] هذا المذهب، وعن أحمد رواية. أن عليه كفارهَ لأنّه أقرَّ على نفسه.
وانظر المسائل الفقهية لأبي يعلى: 3/60، الإنصاف: 11/39، الإقناع 4/337.
[383] منتهى الإرادات: 2/533-534، الكشاف 60/232-233.
[384] المقنع: 3/564، هداية الراغب: 546.
[385] من الآية (89) من سورة المائدة.
[386] في (ب) زيادة: (العرض بالضم: الجانب، وبالفتح خلال الطول) .
[387] شرخ المنتهى: 3/424.
[388] مجمع الأنهر: 1/541.(37/394)
[389] الإنصاف: 11/15، الإقناع: 4/333.
[390] غاية المنتهى: 3/371، منار السبيل 2/386.
[391] في (ب) : (وهو) .
[392] انظر: شرح المنتهى: 3/424، فتح الباري 11/555.
[393] المغني. 13/448.
[394] فتح الباري: 11/557.
[395] حلية العلماء: 8/245.
[396] المحلى: 8/36.
[397] شرح الخرشي: 3/54.
[398] الهداية للمرغيناني: 2/72.
[399] المشهور عن الأوزاعي: وجوب الكفارة، وانظر: اختلاف الفقهاء للطحاوي: 97، فتح الباري: 11/557.
[400] المحلى: 8/36.
[401] الإنصاف: 11/16.
[402] اختلاف الفقهاء للطحاوي: 97.
[403] اختلاف العلماء للمروزي: 211.
[404] المصدر السابق.
[405] المحلى: 8/36، فتح الباري: 11/557.
[406] نهاية لـ (8) من الأصل.
[407] المغني: 13/448 الشرح الكبير: 6/79.
[408] لم يخرج البخاري نصّ هذا الحديث الذي ذكره المصنف، وإنما أخرجه في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب اليمين الغموس: 4/155، بإسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- مرفوعاً: "الكبائر: الإِشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس ".، وأخرج في الكتاب نفسه: 4/155 بإسناده عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: "من حلف على يمينِ صبرٍ يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان ... ".(37/395)
وأما لفظ المصنف فقد ورد عن طريق أبي هريرة رضي الله عنه-، رواه أحمد في المسند: 2/362 وابن أبي حاتم في علل الحديث: 1/339 رقم (1005) ، وأبو الشيخ في التوبيخ: 233 رقم (211) ، والديلمي في مسند الفردوس: 2/197 رقم (2977) ، قال الحافظ في الفتح: 11/557: "وظاهر سنده الصحة لكنه معلول لأن فيه عنعنة بقية"، ورمز له السيوطي بالحسن في الجامع الصغير: 2/7، وقال البنّا في بلوغ الأماني: 19/293: "إسناده جيد"، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1/617 رقم (3247) . والله تعالى أعلم.
[409] في (ب) : (مالا مرء)
[410] سبق تخريجه في أول الحاشية قبل السابقة.
[411] نهاية لـ (13) من (ب) .
[412] فتح الباري: 11/557
[413] حلية العلماء: 8/244.
[414] كفاية الأخيار: 2/154، نهاية المحتاج: 8/180.
[415] وهو رواية عن أحمد: وانظر: المغني: 13/448، شرح الزركشي: 7/72.
[416] منتهى الإرادات: 2/533.
[417] مجموع الفتاوى: 33/225-233، الفروع: 3/566، الإنصاف: 11/19.
[418] الإقناع: 4/334.
[419] (إن) أسقطت من (ب) .
[420] التمهيد: 20/267.
[421] الشرح الكبير: 6/80
[422] (وعند.... المنهاج) أسقط من (ب) .
[423] شرح المنهاج: 71/ب، وانظر: مغني المحتاج 4/325.
[424] من الآية (89) من سورة المائدة.
[425] شرح منتهى الإرادات: 3/424.
[426] انظر المغني: 13/501، المبدع: 9/266، الإنصاف: 11/16-17، منتهى الإرادات: 2/533.
[427] هو القاضي: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفراء أبو يعلى البغدادي الحنبلي، مجتهد المذهب، كان له القدم الرفيع، والباع الطويل في كثير من الفنون في الأصول والفروع، من مصنفاته: (أحكام القرآن) ، (الجامع الصغير) ، (العدة) وغير ذلك، مات سنة (458) هـ.(37/396)
ترجمته في: طبقات الحنابلة: 2/193، المقصد الأرشد: 2/395، شذرات الذهب: 5/252.
[428] قول القاضي في: الكافي: 4/375، الشرح الكبير: 6/79.
[429] انظر: روضة الطالبين: 11/34-35.
[430] مجمع الأنهر: 1/564.
[431] في (ب) : (لا حلف) .
[432] شرح منتهى الإرادات: 3/424.
[433] في (ب) : (فلا ينعقد) .
[434] هذا المذهب، وعن أحمد. أنها تنعقد.
وانظر: الهداية: 2/119، الشرح الكبير: 6/81، الإنصاف: 11/20.
[435] الحديث ورد من عدة طرق، منها طريق ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه ابن ماجة في كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي: 1/659، رقم (2045) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره: 3/95، وابن حبان كما في صحيحه: 16/202 رقم (7219) ، والدارقطني في سننه: 4/170- 171، والطبراني في المعجم الصغير. 1/282 رقم (752) ، والحاكم في المستدرك، كتاب الطلاق: 2/198، وقال: "صحيح على شرط الشيخين"ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن الكبرى/كتاب الطلاق، باب ما جاء في طلاق المكره: 7/356، وفي المعرفة: 11/74 رقم (14811) ، وحسنًه النووي في روضة الطاليين: 8/193، وأعله بعضهم بالانقطاع.
وانظر التلخيص الحبير: 1/281-283، الدراية: 1/175، إرواء الغليل: 1/123.
[436] مغني ذوي الإفهام: 157، الإقناع: 4/334، شرح المنتهى: 3/424- 425.
[437] لا يحنث إن خالف ما حلف عليه جاهلاً أو ناسياً على الصحيح من المذهب إلا في الطلاق والعتق، وعن أحمد رواية: أن عليه الكفارة، وعنه رواية ثالثة. لا حنث بفعله ناسياً ويمينه باقية.
وانظر: مجموع الفتاوى: 33/208، الفروع: 6/389، شرح الزركشي: 7/68، الإنصاف: 11/24-25.
[438] الشرح الكبير: 6/81.
[439] نهاية لـ (13) من (أ) .
[440] القوانين الفقهية: 108.
[441] المهذب: 2/128.(37/397)
[442] الهداية: 2/119، والشرح الكبير: الصفحة السابقة.
[443] نهاية لـ (14) من (ب) .
[444] الهداية للمرغيناني: 2/72، الاختيار: 4/491.
[445] انظر الشرح الكبير: 6/82.
[446] المغني: 13/448، مجموع الفتاوى: 33/226، منار السبيل: 2/386.
[447] سبق تخريجه قبل قليل في الصفحة السابقة.
[448] (إلاّ) أسقطت من (ب) .
[449] شرح الزركشي: 7/112، غاية المنتهى: 3/371 -372، الكشاف: 6/234-235.
[450] الشرح الكيبر: 6/83.
[451] مسند أحمد: 2/6.
[452] سنن أبي داود، كتاب الأيمان والنذور، باب الاستثناء في اليمين: 3/576 رقم (3262) ، واللفظ له، وقد ورد من طريق ابن عمر رضي الله عنهما.
ورواه- أيضاً- النسائي، كتاب الأيمان والكفارات، باب من حلف فاستثنى 3/129 رقم (4735) ، وابن ماجة، كتاب الكفارات، باب الاستثناء في اليمين 1/680 رقم (2105) ، والترمذي، كتاب النذور والأيمان، باب الاستثناء في اليمين: 4/108 رقم (1531) وحسنه، والدارمي، كتاب النذور والأيمان، باب الاستثناء في اليمين: 2/106 رقم
(2348) ، وابن حبان، كتاب الأيمان: 10/184 رقم (4342) ، والحاكم في المستدرك، كتاب الأيمان والنذور: 4/303، وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الأيمان، باب الاستثناء في اليمين: 10/46.
[453] نهاية لـ (9) من الأصل.
[454] في (أ) ، (ب) : (فإن ما شاء الله كان) وهو الموافق لما في المغني، وما في الشرح الكبير.
[455] المغني: 13/484.
[456] ونقله أيضا عنه في: الفروع: 6/346، وقواعد ابن اللحام: 252، والمبدع: 9/270.
[457] من الآية (69) من سورة الكهف.
[458] هذا المذهب، وانظر: المبدع: 9/270، الإقناع: 4/335.
[459] الإنصاف: 11/26.
[460] المغني: 13/485، الشرح الكبير: 6/83.
[461] في (ب) : (لا أغزون) .(37/398)
[462] لم أقف عليه في المسند، وقد ذكره في المغني: 13/485: أن الإِمام أحمد احتج به.
[463] سنن أبي داود: 3/589، والحديث سبق تخريجه ص 57 من هذا الكتاب.
[464] الوليد بن مُسْلم، أبو العباس الدمشقي، مولى بني أمية، من حفاظ الحديث، وثَقه جمع من الأئمة، وكان كثير الحديث والعلم، مات سنة (195 هـ) .
ترجمته في: طبقات ابن سعد: 7/326، سير أعلام النبلاء: 9/211، شذرات الذهب: 2/447.
[465] سنن أبي داود: 3/590.
[466] مصنف عبد الرزاق: 8/518، المحلى: 8/46، فتح الباري: 11/603.
[467] المصادر السابقة.
[468] المغني: 13/485، الإِنصاف: 11/26.
[469] انظر: السنن الكبرى: 10/48، فتح الباري: 11/603.
[470] انظر: المحلى: 8/45، فتح الباري: 11/603.
[471] نهاية لـ (15) من (ب) .
[472] الشرح الكبير: 6/83، الكشاف: 6/235.
[473] نهاية لـ (14) من (أ) .
[474] مسند أحمد: 2/6، والترمذي، كتاب النذور والأيمان 40/108، والنسائي، كتاب الأيمان والكفارات: 3/129، وابن ماجة، كتاب الكفارات: 1/680، كلهم عن طريق ابن عمر رضي الله عنهما.
[475] سبق تخريجه ص 279 من هذا الكتاب.
[476] المبدع: 9/269، شرح المنتهى: 3/425.
[477] في الأصل: (اختلف) .
[478] الأم: 5/206، المهذب: 2/87.
[479] في (أ) ، (ب) : (إذا) .
[480] الهداية للمرغيناني: 1/254، الاختيار: 3/142.
[481] الفروع: 5/452.
[482] اختيارات ابن تيميه: 455-456 الإنصاف: 9/105.
[483] (فإنه) أسقطت من الأصل.
[484] في (أ) : (ولا يشاء الله) ، وكذا في (ب) ، وفي الإنصاف.
[485] الإنصاف: 9/105.
[486] تبيين الحقائق: 2/243، البحر الرائق: 4/41.
[487] تنوير الأبصار: 3/385-393.
[488] في التنوير: (القصد ولا التلفظ ولا العلم بمعناه) .(37/399)
[489] في التنوير: (ما لم يوقف) ، وفي (أ) : (من لا يوقف) ، وفي (ب) : (من له يوقف) .
[490] أي: لا تطلق.
[491] نهاية لـ (16) من (ب) .
[492] أي: وان كان بحرف.
[493] في الأصل، و (ب) : (إن أضاف) ، وما أثبته من (أ) وهو الموافق لما في التنوير.
[494] القوانين الفقهية: 154، بلغة السالك: 1/463.
[495] شرح منتهى الإرادات: 3/171 – 172.
[496] في (ب) : وإن. وقد وردت الجملة هكذا في الأصل، والصواب: (أو إن لم تدخلي) .
[497] في (ب) : (لو أنتِ) .
[498] انظر: قواعد ابن اللحام: 266، المبدع: 7/365، الإنصاف: 9/106.
[499] في (ب) : (أو تركه) .
[500] شرح المنتهى: 3/171-172، الكشاف: 3/356 -357.
[501] في (أ) ، (ب) : (حديث) .
[502] سبق تخريجه ص ا 28 من هذا الكتاب.
[503] المبدع: 7/365.
[504] (أنتِ طالق) أسقطت من (ب) .
[505] في (أ) : (وأي) .
[506] في (أ) ، (ب) : (يقع الطلاق) .
[507] المبدع: 7/360- 361، مغني ذوي الإفهام: 133، شرح منتهى الإرادات: 3/170.
[508] الإجماع لابن المنذر: 89 رقم المسألة (417) ، الإشراف له: 4/207.
[509] الشرح الكبير: 4/497-498.
[510] تنوير الأبصار: 3/352-356.
[511] نهاية لـ (17) من (ب) .
[512] في (ب) : (أو متى شئت) ِ.
[513] في التنوير: 3/355: "حيث شئتِ أو أين شئتِ لا تطلق".
[514] نهاية لـ (16) من (أ) .
[515] (إن شاء) أسقطت من (ب) .
[516] الإقناع: 4/44، شرح منتهى الإرادات: 3/170.
[517] هذا الصحيح من المذهب، وقيل: إن خرس بعد يمينه لم تطلق.
المحرر: 2/71، الفروع: 5/451، الإنصاف: 9/102.
[518] كشاف القناع: 6/355.
[519] الكافي: 3/208، المغنى: 10/468.
[520] الشرح الكبير: 4/498.(37/400)
[521] في السكَّران روايتان: الأولى: تطلق إذا شاء وهو سكران، وهي المذهب. والثانية: لا تطلق. وانظر: المصادر السابقة، المبدع: 9/102، الإنصاف: 8/433.
[522] المغني، والشرح الكبير: الصفحات السابقة، وشرح المنتهى: 3/170.
[523] هذا الصحيح من المذهب، واختار أبو بكر وقوعه. انظر: المغني: 10/468، الإنصاف: 9/101-102.
[524] شرح منتهى الإرادات: 3/170.
[525] ذكر ابن قدامة في المغنى: 10/469: أن فيه وجهين. وانظر: الهداية لأبي الخطاب: 2/20، الكافي: 3/209.
[526] المقنع: 3/208.
[527] شرح المنتهى: 3/172.
[528] من الآية (78) من سورة الإسراء.
[529] الكشاف: 6/357.
[530] هذا الصحيح من المذهب. وانظر: الشرح الكبير: 4/500، الإنصاف: 9/109.
[531] في (أ) : يحتمل.
[532] نهاية لـ (11) من الأصل.
[533] في (أ) : والحياة.
[534] هذا المذهب وقال القاضي: "تطلق"، وقد توقف الإمام أحمد -رحمه الله- عن الجواب عن هذه المسألة، وقال للسّائل: "دعنا من هذه المسائل".
وانظر: الفروع: 5/456، المبدع: 7/366، الإنصاف: 9/110.
[535] تنوير الأبصار: 3/377-379.
[536] نهاية لـ (18) من (ب) .
[537] في (ب) : (وإن) .
[538] الفروع: 5/457، الإنصاف: 9/109.
[539] المبدع: 7/366، الإنصاف. الصفحة السابقة.
[540] المبدع: 7/367، الكشاف: 5/357.
[541] شرح منتهى الإرادات: 3/172.
[542] كشاف القناع: 5/358.
[543] (لّه) أسقطت من (ب) .
[544] التدبير: مصدر دَبر العبدَ والأمة تدبيراً. إذا علّق عتقه بموته، لأنه يُعْتَق بعد ما يُدبْر سيده. والمماتُ دبر الحياة.
وانظر: المطلع: 315، لسان العرب: 4/273 (دبر) ، الدر النقي: 3/823.
[545] في (ب) : (كلا أعطين) .
[546] نهاية لـ (17) من (أ) .(37/401)
[547] الإقناع: 4/335، شرح المنتهى: 3/425.
[548] في (ب) : (لا أعطين) .
[549] في (ب) : (لكنايات) .
[550] المقنع: 3/568، غاية المنتهى: 3/372.
[551] المبدع: 9/270.
[552] من الآية (27) من سورة الحج.
[553] رواه البخاري في كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط: 2/119-123، من حديث طويل عن طريق المسور بن مخرمة بن الحكم.
[554] في (أ) : وليرحلنً.
[555] الكافي: 4/408، كشف المخدرات: 2/236.
[556] الأم: 8/401، المنهاج: 145.
[557] المقنع: 3/590 الإقناع: 4/353.
[558] تبيين الحقائق: 3/119، الفتاوى الهندية: 2/74.
[559] مواهب الجليل: 3/303، بلغة السالك: 1/344.
[560] في (ب) : محتاج.
[561] الصحيح أنه لا يحنث عند الشافعي، وذكر فقهاء الشافعية وجهاً: أنه يحنث.
وانظر: الأم: 8/401-402، حلية العلماء: 7/259، نهاية المحتاج: 8/187.
[562] المبسوط: 8/162، بدائع الصنائع: 3/72.
[563] في (ب) : (فيها) .
[564] نهاية لـ (19) من (ب) .
[565] الشرح الكبير: 6/130.
[566] الإنصاف: 11/105، الكشاف: 6/264.
[567] المبدع: 9/320.
[568] منتهى الإرادات: 2/556-557.
[569] هذا المذهب، وقيل: لا يحنث. وانظر: الإِنصاف: 11/103.
[570] في (ب) : (لأن) .
[571] أي: أمْكَنَتْه نقلة.
[572] نهاية لـ (18) من (أ) .
[573] المحرر: 2/80، شرح المنتهى: 3/445.
[574] الاختيارات الفقهية: 564.
[575] نهاية لـ (12) من الأصل.
[576] على الصحيح من المذهب، وقيل: يحنث.
وانظر: المغني: 13/550، الإنصاف: 11/103.
[577] الإقناع 4/354.
[578] هذا المذهب، وانظر: المبدع: 9/320.(37/402)
[579] وهو أحد الوجهين عنده، والآخر: يحنث وانظر: الهداية له 2/32.
[580] المبسوط: 8/171، الفتاوى الهندية: 2/68.
[581] الشرح الكبير: 6/130.
[582] وهو أصح الوجهين، والوجه الآخر. يحنث. وانظر المغني: 3/552.
[583] تبيين الحقائق: 3/120.
[584] قوله في: المقنع: 3/592.
[585] (كان) أسقطت من (ب) .
[586] البحر الرائق: 4/342، مجمع الأنهر: 1/555.
[587] في (أ) ، (ب) : (الحنث في الحالين) .
[588] الشرح الكبير: 6/131، الإنصاف: 11/105، شرح المنتهى: 3/446.
[589] المهذب: 2/139.
[590] هذا المذهب، وعن أحمد رواية. أنه يحنث.
وانظر: الفروع: 6/357، قوا عد ابن رجب: 278، المبدع 9/283.
[591] انظر الاختيار: 4/58، تبيين الحقائق: 3/123-124.
[592] نهاية لـ (20) من (ب) .
[593] في (ب) زيادة [يمين الفور، قال في تنوير الأبصار: 3/794- 795 حلف لا يخرج إلى مكة فخرجَ يريدها تم يرجع يحنث إذا جاوز عمران مصره على قصدها، وفي: (لا يأتيها) : لا، كما لو حلف لا تأتي امرأته عرس فلانٍ فذهبتْ قبل العرس ثمة حتى مضى] انتهى.
[594] مصادر الحنفية السابقة، ومجمع الأنهر: 1/555.
[595] حاشية الشلبي على تبيين الحقائق: 3/124.
[596] مواهب الجليل: 4/71.
[597] المهذب: 2/96. إعلام الموقعين: 4/109.
[599] نقله عن الفنون في: الفروع: 6/386، والمبدع: 9/319.
[600] المبدع: الصفحة السابقة.(37/403)
تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة
تأليف
محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة المتوفى سنة 733 هـ
تحقيق ودراسة
د. عبد السلام بن سالم بن رجاء السحيمي
أستاذ مساعد بقسم الفقه بكلية الشريعة
بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
المقدمة
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (1) .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (2) .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (3) .
أما بعد:
فإنّ علم الفقه من أشرف العلوم وأنفعها للعبد قال النبي صلى الله عليه وسلم "من يرد الله به خيراً يفقه في الدين". وهذا كتاب لطيف في الفقه المقارن تكلم فيه مؤلفه عن موضوع مهم في الفقه وهو المزارعة. ومن المعلوم أن الناس لا غنى لهم عن الزراعة لضرورتهم إلى القوت، والحاجة ماسة للمزارعة على الأرض إذ ليس كل أحد يملك أرضاً وليس كل من يملك أرضاً يستطيع زراعتها بنفسه فاحتيج للمزارعة عليها ومعرفة حكم الشرع في ذلك.(37/404)
وإنّ من خير من ألّف في هذا الموضوع الإمام القاضي بدر الدين ابن جماعة حيث أفرد المزارعة بكتابه الذي سماه "تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة". وهو هذا الكتاب الذي أقدم له. وإن هذا الكتاب مع صغر حجمه فإنه يكشف عن غزارة علم مؤلفه وسعة إطلاعه على أقوال أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وأصحابهم مع معرفته بالأدلة وحسن عرضه للمسائل الفقهية ووضوح عبارته واعتماده على الدليل وقد خالف إمامه الشافعي هنا لأن الدليل يدل على جواز المزارعة, ولا غرو في ذلك فبدر الدين ابن جماعة محدِّث فقيه قاض بل قاضي القضاة في وقته.
وقد عثرت على الكتاب في قسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية ضمن مجموع يحتوي على عدة رسائل وقد قرأت الكتاب فألفيته كتاباً مفيداً فرأيت أن من المناسب تحقيقه ونشره للاستفادة منه. وأسأل الله العلي القدير أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم وأن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولا: دراسة حياة المصنف
الدراسات السابقة عن القاضي بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة التي وقفت عليها(37/405)
1- دراسة أعدها الدكتور عبد الجواد خلف باسم: القاضي بدر الدين بن جماعة حياته وآثاره تقع هذه الدراسة في ثمان وثلاثين وأربعمائة صفحة وهي أجمع دراسة ألّفت حتى الآن عن بدر الدين بن جماعة تكلم فيها المؤلف عن بدر الدين بن جماعة وأسرته وأعماله التي تولاها بالتفصيل, وكذلك تكلم على مؤلفاته على سبيل الاستقصاء مع ذكر المطبوع منها والمخطوط ومكان وجوده. وقد طبعت هذه الدراسة بالقاهرة عام 1408هـ رقم 1 ضمن سلسلة منشورات جامعة الدراسات الإِسلامية. كراتشي باكستان. وقد نسب الدكتور عبد الجواد خلف لبدر الدين بن جماعة "33"ثلاثا وثلاثين مؤلفا على جهة الاستقصاء وبعضها قد لا تصح نسبته لبدر الدين بن جماعة كما سيأتي تفصيل ذلك في الكلام على مصنفات بدر الدين بن جماعة.
2- دراسة أعدها الدكتور عبد المجيد معاذ تقع في خمس وستين ومائة صفحة وهي دراسة جيدة جعلها مقدمة لتحقيق كتاب "تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام "لبدر الدين بن جماعة وهي أطروحته لنيل الدكتوراه عام 1395 هـ 1975م وتوجد نسخة منها بالجامعة الإسلامية مكتوبة بالآلة الكاتبة الرقم العام 367 مكتبة العلوم الاجتماعية 9ر216 ج م ت. وقد نسب للبدر بن جماعة "22"اثنين وعشرين مؤلفا. وقد اطلعت على هذه الدراسة.
3- دراسة أعدها الدكتور فؤاد عبد المنعم أحمد تقع في أربعين صفحة جعلها مقدمة لكتاب "تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام "للبدر بن جماعة الذي طبع بتحقيقه عام 1403 هـ بدار الثقافة للطباعة والنشر.(37/406)
4- دراسة أعدها الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر جعلها مقدمة لكتاب "مشيخة بدر الدين بن جماعة تخريج علم الدين القاسم بن يوسف البرزالي المتوفى سنة 739هـ "والذي قام بتحقيقه وقد طبع الكتاب بدار الغرب الإسلامي عام 1408هـ الطبعة الأولى تقع الدراسة في اثنين وستين صفحة منها عشر صفحات عن بدر الدين بن جماعة حياته وآثاره والباقي دراسة عن الكتاب المحقق. وقد نسب الإمام بدر الدين بن جماعة "38 "ثمان وثلاثين مؤلفا وبعضها لا تصح نسبته لبدر الدين بن جماعة كما سيأتي تفصيل ذلك.
5- دراسة موجزة أعدها أسامة ناصر النقشبندي في تقديمه لكتاب "مستند الأجناد في آلات الجهاد"لبدر الدين بن جماعة ولكتاب آخر مطبوع معه باسم "مختصر في فضل الجهاد"نسبه لبدر الدين بن جماعة. وقد نسب للإمام بدر الدين بن جماعة "29" تسعا وعشرين مؤلفا وبعضها لا تصح نسبته للبدر بن جماعة كما سيأتي.
6- دراسة موجزة أعدها الدكتور علي حسين البواب لكتاب مختصر صحيح البخاري الذي نسبه للبدر بن جماعة وتقع الدراسة في ثلاث عشرة صفحة.
ترجمة المصنف (1)
وردت ترجمة المصنف في المصادر الآتية:
- نامج ابن جابر: محمد بن جابر الوادي آشي- وهو تلميذ البدر بن جماعة - ص 42، 186، 191، 291، 316.
- قات الشافعية الكبرى للسبكي 5/.23، 233.
- قات الشافعية للأسنوي 1/386.
- بداية والنهاية لابن كثير 14/163.
- قات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/280.
- أنس الجليل 2/136، وحسن المحاضرة 1/425 ومعجم شيوخ الذهبي 2/130 وذيول العبر 4/96 ودول الإِسلام 2/240 وشذرات الذهب 6/105 والدرر الكامنة 3/367، وقضاة دمشق 80-82, والنجوم الزاهرة 9/298, ونكت الهميان 235 والوافي بالوفيات 2/18،20 والسلوك للمقريزي 3/745، 772، 798، 826، 828، 889، 1. 9.
- ريخ ابن الوردي 2/428، 429 ولحظ الألحاظ لابن فهد 107 وهدية العارفين 2/148 ومعجم المؤلفين 8/201، 202 والأعلام للزركلي 5/297.(37/407)
اسمه ونسبه وكنيته ولقبه ومذهبه:
هو الشيخ الإمام قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بن صخر الكناني نسبا الحموي مولدا الشافعي مذهبا (1) .
مولده:
ولد بحماة سنة 639 هـ.
شيوخه:
شيوخ بدر الدين بن جماعة كثيرون وقد بلغ عددهم في مشيخته التي خرّجها البرزالي أربعاً وسبعين شيخاً منهم امرأة واحدة (2) .
ومن أشهرهم:
تقي الدين أبي عبد الله محمد بن الحسين بن رزبن المتوفى سنة 680 هـ ومعين الدين أحمد بن علي بن يوسف الدمشقي المتوفى سنة 667هـ وزين الدين أبي الطاهر إسماعيل بن عبد القوي ابن أبي العز بن عزون (ت 667 هـ) وأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الإمام اللغوي المشهور المتوفى سنة 672 هـ (3) .
تلاميذه:
من أبرز تلاميذ بدر الدين بن جماعة:
الإِمام الذهبي: محمد بن أحمد بن عثمان المتوفى سنة 748 هـ (4) .
وابن جابر المغربي: محمد بن جابر الوادي آشي المتوفى سنة 749 هـ (5) .
والسبكي: عبد الوهاب بن علي المتوفى سنة 771 هـ (6) .
أعماله:
تولى الإمام بدر الدين بن جماعة قضاء القدس سنة (687 هـ) ثم نقل إلى قضاء الديار المصرية سنة (690 هـ) وجمع له بين القضاء ومشيخة الشيوخ ثم أعيد إلى قضاء الديار المصرية بعد وفاة ابن دقيق العيد وعزل مدة سنة ثم أعيد وعمي سنة (727 هـ) فصرف عن القضاء واستمر في التدريس إلى أن توفى وقد درس في أشهر مدارس عصره ومنها المدرسة القيمرية (7) والعادلية الكبرى في دمشق (8) كما درس في مصر بالمدرسة الصالحية والمدرسة الناصرية (9) والمشهد الحسيني وغيرها.
عقيدته:
قال الإمام الذهبي في ترجمته لبدر الدين بن جماعة: "وهو أشعري فاضل".(37/408)
قلت قد ألف بدر الدين بن جماعة بعض الكتب على مذهب الأشاعرة ومنها كتابه "إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل" ذكر فيه ثلاثين آية من الآيات الواردة في الصفات وأوّلها على مذهب الأشاعرة. كما ذكر أيضا ثلاثين حديثاً صحيحاً من الأحاديث الواردة في الصفات وأوّلها على مذهب الأشاعرة خلافاً لما عليه أهل الحق السلف الصالح أهل السنة والجماعة. ومن الصفات التي أوّلها: الاستواء، والعلو، والنزول، والوجه واليد والعين والساق والغضب والرضا والفرح والمحبة والضحك والتعجب وغير ذلك.
مصنفاته:
يعد الإمام بدر الدين بن جماعة من المكثرين في التأليف وممن ألف في شؤون عدة قال الذهبي: "له تواليف في الفقه والحديث والأصول والتاريخ وغير ذلك وله مشاركة حسنة في علوم الإسلام".
وقال ابن حجر: "صنف كثيراً في عدة فنون ... وكان صاحب معارف يضرب في كل فن بسهم".
قلت: قد سبق أن ذكرت فيما تقدم أن لقب ابن جماعة يطلق على عدة أشخاص فلذلك حصل الخطأ في نسبة بعض المؤلفات إلى بدر الدين بن جماعة وهي ليست له أو في نسبتها إليه نظر, لذلك فسأذكر أولا المؤلفات المنسوبة له التي طبعت أو حققت, ثم أذكر ثانيا المؤلفات المنسوبة له التي يغلب على الظن صحة نسبتها له, ثم أذكر ثالثا المؤلفات التي نسبت له وفي نسبتها إليه نظر أو قد لا تصح نسبتها إليه, ومع ذلك فإني أرى أن المصنفات المنسوبة إلى بدر الدين بن جماعة تحتاج إلى دراسة وافية للتأكد من صحة نسبتها والتعريف بها والكتاب الذي أحققه "تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة"كتاب صغير لا تحتمل مقدمته دراسة وافية عن مصنفات بدر الدين ابن جماعة وإنما أشير إلى ذلك من باب التنبيه ولعل فضيلة الدكتور عبد الجواد خلف يستكمل ذلك في طبعة قادمة للدراسة الجيدة الذي أعدها عن القاضي بدر الدين بن جماعة حياته وآثاره.
أولاً: المطبوع أو المحقق من مصنفات بدر الدين بن جماعة مرتبة على الحروف الهجائية:(37/409)
1- إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل طبع عام 1410هـ بتحقيق وهبي سليمان غاوحي بدار السلام للطباعة والنشر والتوزيع.
2- تحرير الأحكام في تدبير أهل الإِسلام طبع بتحقيق الدكتور فؤاد عبد المنعم أحمد عام 1403هـ.
3- تجنيد الأجناد في وجهات أهل الجهاد طبع بتحقيق أسامة ناصر النقشبندي عام 1983م باسم مختصر في فضل الجهاد طبع مع مستند الأجناد.
4- تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم. طبع بتحقيق محمد هاشم الندوي طبعته دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الهند ثم صورته دار الكتب العلمية ببيروت.
5- غرر البيان فيمن لم يسم في القرآن حقق في الجامعة الإسلامية بالمدينة.
6- كشف المعاني في متشابه المثاني حقق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
7- مختصر صحيح البخاري طبع بتحقيق الدكتور علي حسين البواب.
8- مختصر في مناسبات تراجم البخاري طبع بتحقيق محمد إسحاق السلفي (1) .
9- مستند الأجناد في آلات الجهاد طبع بتحقيق أسامة ناصر النقشبندي (2) .
10- مقصد النبيه في شرح خطبة التنبيه (3) .
11- المنهل الروي في علوم الحديث النبوي. حققه الدكتور محي الدين عبد الرحمن رمضان. وطبع في مجلة معهد المخطوطات بالقاهرة المجلد 21 من ص 29-116 و196 -255 عام 1395 هـ (4) .
ثانياً: المصنفات المنسوبة له ولم تطبع أو تحقق (5) ويغلب على ظني صحة نسبتها له.
1- أراجيز في قضاة مصر ودمشق والخلفاء (6) .
2- أربعون حديثا تساعية.
3- التبيان في مبهمات القرآن.
4- تاريخ مختصر في الدولة الأموية والدولة العباسية.
5- التنزيه في إبطال حجج التشبيه.
6- تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة.
7- حجة السلوك في مهاداة الملوك.
8- ديوان خطب.
9- الرد على المشبهة (7) .
10- رسالة في الكلام على الإسطرلاب.
11- شرح كافية ابن الحاجب.
12- الطاعة في فضيلة الجماعة.
13- العمدة في الأحكام.(37/410)
14- الفوائد الغزيرة المستنبطة من حديث بريرة.
15- الفوائد اللائحة من سورة الفاتحة.
16- كشف الغمة في أحكام أهل الذمة.
17- مشيخة بدر الدين بن جماعة بتخريجه.
18- المقتص في فوائد تكرار القصص.
19- مقدمة في النحو.
ثالثاً: المصنفات المنسوبة لبدر الدين بن جماعة وفي نسبتها إليه نظر وبعضها قد لا تصح نسبتها إليه.
1- أنس المذاكرة فيما يستحسن في المذاكرة. نسبه له رمضان شعش في نوادر المخطوطات العربية. ونقلها عنه الدكتور فؤاد عبد المنعم. والدكتور موفق بن عبد الله بينما نسبه الزركلي في الأعلام لعبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة (ابن المؤلف بدر الدين) وقال الزركلي: "مجلد ضخم كله بخطه رأيته في مغنيسيا برقم (5286) أنجزه سنة 762هـ في نهايته آخر المجلدة ".
2- أوثق الأسباب. ذكره حاجي خليفة ونسبه لمحمد بن جماعة. ونقله عنه الدكتور موفق بن عبد الله وجعله من مؤلفات بدر الدين بن جماعة. لكن الكتاب يحتمل أن يكون لمحمد بن جماعة (بدر الدين) ويحتمل أن يكون لحفيده محمد بن جماعة.
3- الضياء الكامل في شرح الشامل. ذكره الدكتور محي الدين عبد الرحمن بن رمضان في عرضه لمصنفات بدر الدين بن جماعة في مجلة معهد المخطوطات العربية. ولم يعزه إلى أي مصدر وقد نقله عنه الدكتور عبد الجواد خلف والدكتور موفق بن عبد الله. وقد جزم الدكتور فؤاد عبد المنعم بأن الكتاب ليس لبدر الدين بن جماعة وإنما هو لبرهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الحموي المتوفى سنة 858 هـ (1) .
4- كتاب في تخريج أحاديث الوجيز للغزالي. ذكره أسامة ناصر النقشبندي دون أن يعزو إلى مصدر أو يذكر مكان الكتاب. ولم أجد من نسب هذا الكتاب لبدر الدين بن جماعة.(37/411)
5- لسان الأدب ذكره السخاوي في الضوء اللامع ونسبه لابن جماعة دون أن يوضح لأي واحد من آل جماعة. ونقله عنه الدكتور عبد الجواد خلف والدكتور موفق بن عبد الله وأورده ضمن مؤلفات بدر الدين بن جماعة مع أنهما ذكرا أن السخاوي لم يذكر لأي واحد من آل بن جماعة.
6- مختصر أقصى الشوق والأمل في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. ذكره الدكتور عبد الجواد خلف والدكتور موفق بن عبد الله ضمن مؤلفات بدر الدين بن جماعة نقلا عن بروكلمان وإن كان الدكتور موفق قد قال: "ولعله المنهل المروي". قلت: وقد سبقه إلى ذلك حاجي خليفة في كشف الظنون فقد ذكر كتاب المنهل المروي في علوم الحديث النبوي ونسبه لبدر الدين بن جماعة وقال: "وهو مختصر لخص فيه علوم الحديث لابن الصلاح وزاد عليه". وذكر في موضع آخر كتابا باسم المختصر لعلوم الحديث ونسبه لبدر الدين بن جماعة وقال: "ولعله المنهل الروي في علوم الحديث النبوي وفيه خلاصة محصول علوم الحديث لابن الصلاح وزاد عليه".
7- المختصر الكبير في السيرة ذكره عبد الله الجبوري في هامش تحقيقه لكتاب طبقات الشافعية للأسنوي عند ترجمته لبدر الدين بن جماعة وأشار إلى أن المخطوط يوجد في مكتبة الأوقاف العراقية تحت رقم (957) وذكره أيضا الدكتور عبد الجواد خلف والدكتور موفق بن عبد الله ضمن مؤلفات بدر الدين نقلا عن عبد الله الجبوري، وقد جزم الدكتور فؤاد عبد المنعم بعدم صحة نسبة الكتاب لبدر الدين بن جماعة. وقال أسنده بروكلمان والتبس الأمر على الزركلي فنسبه تارة لبدر بن جماعة المتوفى سنة 733 هـ وتارة لأبي عبد الله بن جماعة المتوفى سنة 819 هـ والحقيقة أن الكتاب ليس لهما وإنما هو لعز الدين ابن جماعة المتوفى سنة 767 هـ يقول ابن قاضي شهبه في ترجمة عز الدين بن جماعة: "وله السيرة الكبرى والسيرة الصغرى".قلت: وأنا أوافق الدكتور فؤاد فيما ذهب إليه.(37/412)
8- المسالك في علم المناسك "ذكره حاجي خليفة والبغدادي ونقله عنهما الدكتور عبد الجواد خلف والدكتور موفق بن عبد الله. لكن هناك كتاب في المناسك لعز الدين بن جماعة (ابن بدر الدين) واسم هذا الكتاب هداية السالك إلى معرفة المذاهب الأربعة في المناسك. ذكره حاجي خليفة وكذلك ذكر ابن قاضي شهبه في طبقاته أن لعز الدين بن جماعة (ابن بدر الدين) كتاباً كبيراً في المناسك. وتابعه الشوكاني ثم الألوسي. وقد جزم الدكتور فؤاد عبد المنعم بعدم صحة نسبة كتاب المسالك في علم المناسك لبدر الدين بن جماعة, قال: "وإنما هو لولده عز الدين نظرا لما قاله ابن قاضي شهبة ومن تابعه".
قلت: والكتاب أعني "المسالك في علم المناسك". يحتمل أن يكون لبدر الدين بن جماعة ويحتمل أن المراد به هو هداية السالك إلى معرفة المذاهب الأربعة في المناسك. لعز الدين بن جماعة.
9- مشيخة بدر الدين بن جماعة بتخريج علم الدين البرزالي.
10- مشيخة بدر الدين بن جماعة بتخريج المعشرائي ذكرهما الدكتور موفق بن عبد الله ضمن مؤلفات بدر الدين بن جماعة. والذي يظهر أن نسبة التأليف إنما تكون للمخرِّج وهو هنا البرزالي وكذلك المعشرائي وليست للمخرَّج له بدر الدين بن جماعة.
11- النجم اللامع في شرح جوامع الجوامع. نسبه له أسامة النقشبندي وأحال على كشف الظنون 2/627. والذي في كشف الظنون في هذه الصفحة "النجم اللامع في شرح جمع الجوامع لأبي البقاء محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن جماعة"وهو غير محمد بن إبراهيم بدر الدين بن جماعة. وقد نسب الزركلي في الأعلام النجم اللامع في شرح جمع الجوامع لأبي البقاء محمد بن إبراهيم بن جماعة المتوفى سنة 901 هـ ولم أجد من نسب هذا الكتاب لبدر الدين بن جماعة.(37/413)
12- نور الروض ذكره في مؤلفات بدر الدين بن جماعة الدكتور عبد الجواد خلف والدكتور موفق بن عبد الله نقلا عن فهرس المخطوطات المصورة التابع لمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية فقد ذكرا أن الفهرس أشار إلى مخطوط نور الروض لابن جماعة (1) .
قلت: قد تقدم أن ابن جماعة يطلق على عدة مؤلفين فيحتمل أن يكون هذا الكتاب لبدر الدين بن جماعة ويحتمل أنه لغيره ولم أجد من المؤلفين من نسب هذا الكتاب لبدر الدين بن جماعة.
ثناء العلماء عليه:
لقد أثنى العلماء على الإِمام القاضي بدر الدين بن جماعة, أثنوا عليه في علمه وقضائه وفقهه وفتاواه وخطبه وديانته وورعه ومصنفاته.
فقال عنه تلميذه الإمام الذهبي: "قاضي القضاة شيخ الإِسلام المفسر له تواليف في الفقه والحديث والأصول والتاريخ وغير ذلك وله مشاركة حسنة في علوم الإسلام مع دين وتعبد وأوصاف حميدة وأحكام محمودة وله النظم والنثر والخطب والتلامذة والجلالة الوافرة والعقل التام والخلق الرضي....".
وقال عنه تلميذه ابن جابر: "هو الشيخ الأجل الفقيه المفتي والخطيب قاضي قضاة الديار المصرية وشيخ الشيوخ ومحدثها وعالمها ... ما علم عليه في جميع ولايته إلا الخير مع أنها نحو خمسين عاماً ".
وقال السبكي: "حاكم الإقليمين مصراً وشاما وناظم عقد الفخار الذي لا يجاري متحل بالعفاف إلا عن قدر الكفاف محدث فقيه ذو عقل لا يقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه".
وقال الأسنوي: "اشتغل بعلوم كثيرة وصنف في كثير منها وأنشأ الشعر الحسن أفتى قديما وعرضت فتاواه على النووي فاستحسن ما أجاب به".
وقال ابن كثير: "العالم شيخ الإسلام سمع الحديث واشتغل بالعلم وحصل علوم متعددة وتقدم وساد أقرانه مع الرياسة والديانة والصيانة والورع وكفّ الأذى وله التصانيف الفائقة النافعة".
وفاته: توفي رحمه الله سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة وله أربع وتسعون سنة وشهرا.
ثانياً: دراسة الكتاب
نسبة الكتاب إلى المؤلف:(37/414)
هذا الكتاب "تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة "هو أحد مؤلفات الإمام بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة ونسبته إليه ثابتة لا يعتريها أدنى شك ويدل على ذلك: أن عنوان الكتاب ونسبته له ثابت كما جاء على غلاف النسختين كما أن نسخة المدينة مصورة عن النسخة التي كتبت بخط المؤلف وقد جاء على غلافها: تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة تأليف محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي غفر الله له وعفى عنه جمعه في شهر رجب سنة ثلاث وثمانين وستمائة. وجاء في أول ورقة من المخطوط بعد بسم الله الرحمن الرحيم قال محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة: "الحمد لله رب العالمين ... "وجاء في آخر المخطوط صحح ذلك كاتبه محمد بن إبراهيم بن سعد الله الشافعي.
ويوجد على هذه النسخة سماعات وقراءات في أولها وآخرها تثبت صحة نسبتها للإمام بدر الدين بن جماعة.
كما نسب الكتاب له في الكتب التالية:
1- برنامج ابن جابر 42، 316، 317 وقد جاء فيه من تواليف شيخنا قاضي القضاة بدر الدين أبي عبد الله محمد بن جماعة: تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة ثم ذكر بعدها أربعا من مؤلفات بدر الدين وقال: "ناولني الأربعة الأولى".
2- تاج المفرق في حلية علماء المشرق للبلوي ص 134.
3- الأنس الجليل لمجير الدين الحنبلي 2/137.
4- إيضاح المكنون 1/231.
5- هدية العارفين 2/148.
أهمية الكتاب ومنهجه ومصادره
أهمية الكتاب:(37/415)
تكمن في أهمية الموضوع الذي تناوله بالبحث وهو المزارعة إذ لا غنى للناس عن الزراعة لضرورة الناس إلى القوت, والحاجة ماسة للمزارعة على الأرض لأن أصحاب الأرض قد لا يحسنون العمل ولا يقدرون عليه, والعمال قد لا يكون لهم أرض كما هو الغالب في أقطار الأرض فاقتضت حكمة الشرع الرفق بالطائفتين - أهل الأرض والعمال- وحصول المصلحة للجهتين فالكتاب مهم في بابه لأهمية موضوعه ولما ذكره المصنف من أقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة الأربعة وأصحابهم ممن له قول في المزارعة مع ذكر الأدلة التفصيلية لكل قول مع المناقشة والترجيح والانتصار للقول الذي يدل عليه الدليل فلذا خالف المصنف إمامه الشافعي رحمه الله. فالكتاب على صغر حجمه يكشف عن مدى غزارة علم هذا الإمام وسعة إطلاعه على أقوال أهل العلم وأدلتهم وحسن عرضه للمسائل الفقهية ووضوح عبارته.
منهجه:
بيّن المصنف منهجه بإيجاز فقال: "قد تقدم من تجب طاعته وتتعين إشارته بشرح مسألة المزارعة والكلام عليها لعموم حاجة الناس إليها وذكر ما فيها من الاختلاف وما رجح كل طائفة من الخلاف فانتهيت إلى كريم تلك الإشارة وتحريت الاختصار بحذف الإسناد وتلخيص العبارة ونبهت على حجة المانع لها والمجيز وما يظهر ترجيحه عند النظر والتمييز...." وهذا المنهج الذي أجمله فصّله أثناء البحث فقد سار على المنهج التالي:
1- ذكر المعنى اللغوي للمزارعة والمخابرة والخلاف فيه ورجح في ذلك وذكر سبب الترجيح.
2- ذكر المعنى الاصطلاحي للمزارعة والخلاف فيه ورجح في ذلك وذكر سبب الترجيح.
3- قسم المزارعة إلى قسمين: باطلة بالإجماع ومختلف في صحتها, فشرع أولا: في ذكر المزارعة الباطلة وأدلة ذلك مع ضرب الأمثلة على المعنى الباطل.
ثانيا: شرع في ذكر النوع المختلف فيه وذكر أن الأقوال فيه ثلاثة:
1- الجواز مطلقا ومن قال به من الصحابة ومن بعدهم.
2- المنع مطلقا ومن قال به من الصحابة ومن بعدهم.(37/416)
3- التفريق بين ما إذا كان البذر من العامل أم من المالك ومن قال به من الصحابة ومن بعدهم.
ثم شرع في الأدلة التفصيلية لكل قول ثم صار إلى الترجيح والمناقشة فذكر من رجح الجواز مطلقا. وارتضى هذا القول وناقش أدلة المخالفين بالتفصيل.
4- ذكر الخلاف في الأرض التي بين الشجر وأدلة ذلك.
5- ذكر الخلاف في حكم إجارة الأراضين وأدلة ذلك.
6- حذف أسانيد الأحاديث وكل حديث يورده بذكر من خرجه.
7- ينقل عن بعض العلماء المتقدمين عليه دون ذكر للكتاب الذي نقل منه في الغالب وقد ينقل من كتاب ولا يذكر اسمه.
مصادر المصنف:
ذكر المصنف بعض المصادر التي نقل عنها فذكر من المصنفين:
2- البخاري.
1- أحمد بن حنبل.
4- أبو داود.
3- مسلم.
6- الخطابي.
5- الشافعي.
8- ابن خزيمة.
7- المزني.
9- الماوردي.
أما الكتب فلم يذكر منها إلا:
2- الحاوي.
1- المغني.
وصف النسختين المعتمدتين في التحقيق
وجدت للكتاب نسختين خطيتين فقط ولم أجد من ذكر غيرهما وفيمايلي وصف لهما:
النسخة الأولى:(37/417)
هي إحدى المصورات بالجامعة الإسلامية بالمدينة برقم (908) ضمن مجموع يحتوي على عدة رسائل ورقم هذا المجموع (83) وتبدأ هذه الرسالة من الورقة 58 وتنتهي بنهاية الورقة 66 وقد صورت عن النسخة الأصلية الموجودة بمكتبة الاسكوريال بمدريد تحت رقم (1598) وتتألف هذه النسخة من ثمان ورقات وعدد الأسطر في كل صفحة ما بين (18، 20) سطرا ماعدا الصفحة الأولى فقد احتوت على (16) سطرا وقد كتبت هذه النسخة بخط المؤلف سنة 683 هـ) فقد جاء على الغلاف تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة تأليف محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي غفر الله له وعفى عنه، جمعه في شهر رجب سنة ثلاث وثمانين وستمائة وجاء في آخر المخطوط: "تم ولله الحمد الأكمل الأوفى في شهر رجب سنة ثلاث وثمانين وستمائة". وجاء أيضاً في آخر المخطوط: "صحح ذلك كاتبه محمد بن إبراهيم بن سعد الله الشافعي". وقد كتبها المؤلف بخط نسخ جيد وواضح وعليها سماعات وقراءات في أولها وآخرها فقد جاء على الغلاف: "سمعت هذا الجزء على مخرجه ومصنفه الإمام العلامة… بدر الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ الإمام القدوة المحقق برهان الدين إبراهيم بن سعد الله بن جماعة وذلك بقراءة ولدي أحمد وفقه الله…"ثم ذكر عدداً كبيراً ممن سمع هذه الرسالة على المصنف ثم قال: "وكتبه الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن محمد بن محمد بن أبي بكر الطبري المكي ... ".
وجاء على الغلاف أيضا: "قرأت جميع تنقيح المناظرة على مصنفه رضي الله عنه وفسح في مدته"ثم ذكر من قرأه معه إلى أن قال: "وصف ذلك في سادس عشر ذي الحجة سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وأجاز لنا المصنف رضي الله عنه جميع ما يجوز له وعنه روايته بشرطه عند أهله قال ذلك وكتبه عمر بن علي الدمنهوري عفا الله عنه". وجاء في آخر ورقة من المخطوط:(37/418)
"سمع جميع تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة على مصنفها الإمام علم الأنام مفتي الأنام العلامة بدر الدين ابن عبد الله محمد بن الشيخ الإمام العالم ... برهان الدين إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن حازم الكناني الشافعي الإمام المحدث نجم الدين أبي بكر بن محمد بن يحي الواسطي"وذكر عدداً كبيراً ممن سمع هذه الرسالة على مصنفها وجاء في آخر السماع: "وأجاز لنا جميع ما يجوز له وعنه روايته صح ذلك في شهر ربيع الثاني عام خمس وسبعمائة". وجاء أيضا في آخر المخطوط:
"الحمد لله على كل حال أما بعد فقد قرأت جميع مسألة تنقيح المناظرة على مؤلفها سيدنا ومولانا وشيخنا الإمام العلامة الناقد سيف المناظرين وقامع حجج أهل البدع المبطلين ... بدر الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ الزاهد العابد المحق ... برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي فسمعها ... "ثم ذكر عدداً ممن سمعها إلى أن قال: "وصح ذلك في مجلس واحد في يوم الأحد عشرين محرم سنة أربع وسبعمائة بالمدرسة الكاملية بين النهرين بالقاهرة وكتبه على سبع بن علي سنان هلال البعلبكي".
وقد اعتمدت هذه النسخة وجعلتها أصلا لأنها بخط المؤلف وعليها السماعات والقراءات المتقدمة التي تثبت صحة نسبتها لمؤلفها وقراءتها عليه وتاريخ ذلك. وقد رمزت لها بالرمز (م) نسبة إلى المدينة لأنها صورت من الجامعة الإسلامية بالمدينة.
النسخة الثانية:
هي إحدى المصورات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض برقم (4577) مصورة عن مكتبة شستريتي بدبلن بإيرلندا وعدد أوراقها (21) إحدى وعشرون ورقة وتحتوي كل صفحة على (13) سطرا تقريباً وكتبت بخط واضح ولم يذكر اسم الناسخ وجاء في التعريف بها في جامعة الإمام أنها نسخت في القرن الثامن الهجري.
وهي نسخة مقابلة فقد جاء في آخرها بلغ مقابلة بحسب الطاقة.
وقد رمزت لها بالرمز (ر) لأنها صورت من الرياض.
عملي في التحقيق(37/419)
لما كانت نسخة (م) مكتوبة بخط المؤلف فقد جعلتها أصلاً ثم نسختها حسب قواعد الإملاء والخط الحديثة.
أولاً:
قابلت النسخة الأصلية (م) بنسخة (ر) وأثبت الفوارق بينهما في الحاشية ولم أضع شيئا من نسخة (ر) في المتن.
ثانياً:
رقمت الآيات القرآنية الكريمة الواردة في الكتاب فأذكر في الحاشية رقم الآية واسم السورة.
ثالثاً:
خرّجت الأحاديث الشريفة التي ذكرها المصنف وذلك بالرجوع إلى كتب الحديث مع ذكر الحكم على الحديث إن لم يكن في الصحيحين أو في أحدهما وذلك بالرجوع إلى الكتب المعتمدة في ذلك.
رابعاً:
وثقت الأقوال والنصوص التي ذكرها المصنف من مصادرها الأصلية.
خامساً:
شرحت الكلمات الغريبة وعرفت بالمصطلحات الواردة في الكتاب التي رأيت أنها تحتاج إلى تعريف وذلك بالرجوع إلى الكتب التي تهتم بهذا الشأن.
سادسا:
ترجمت للأعلام الذين أوردهم المصنف في كتابه ترجمة موجزة عند ذكر العلم أول مرة مع الإشارة في الحاشية إلى مصادر ترجمته.
سابعاً:
وضعت فهارس عامة للكتاب في آخره تشتمل على ما يلي:
ثامناً:
1- فهرس للآيات القرآنية الكريمة.
2- فهرس للأحاديث النبوية والآثار.
3- فهرس للأعلام المترجم لهم.
4- فهرس للمصادر والمراجع التي اعتمدت عليها في إخراج هذا الكتاب مرتبة على الحروف الهجائية.
5- فهرس تفصيلي للموضوعات الواردة في الكتاب.
نماذج من مخطوطتي الكتاب
غلاف النسخة الأصلية (م)
المصورة من الجامعة الإسلامية بالمدينة
---
(1) سورة البقرة آية (102) .
(2) سورة النساء آية (1) .
(3) سورة الأحزاب آية (70- 71) .
(4) صحيح البخاري مع الفتح 4/164 والحديث رواه الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
(5) ستكون الترجمة التي أوردها عن المصنف موجزة حيث أنني قد سبقت بدراسة وافية.(37/420)
(1) لقب ابن جماعة يطلق على أسرة من حماه وعلى رأسهم بدر الدين ابن جماعة وقد اشتغل معظم أفراد هذه الأسرة بالحديث والتدريس ولبعضهم مؤلفات في فنون متعددة ولذلك حصل بعض الخلط والخطأ في نسبة بعض المؤلفات فقد ينسب المؤلف الواحد لأكثر من شخص من آل بن جماعة وقد ينسب لأحدهم ما ليس له.
انظر المصادر المتقدمة في ترجمته.
(2) برنامج ابن جابر 42, والبداية والنهاية 14/163 وذيل تذكرة الحفاظ 107, وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبه 2/280.
(3) انظر مشيخة قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بتخريج علم الدين البرزالي 1/40. وقد ترجم الدكتور عبد الجواد خلف لأربعة وعشرين شيخا في كتابه القاضي بدر الدين بن جماعة حياته وآثاره 57-84.
ذكره في شيوخه أكثر من ترجم لبدر الدين بن جماعة ومنهم ابن قاضي شهبه 2/280.
(4) ممن ذكرهم في شيوخه ابن جابر في برنامجه ص 42.
(5) المصدر السابق.
(6) المصدر السابق.
(7) انظر تلمذته عليه في معجم الشيوخ 2/130.
(8) انظر تلمذته عليه في رحلته من المغرب إلى المشرق في برنامجه: 42، 150، 191، 275، 291، 283، 316.
(9) انظر تلمذته عليه في طبقات الشافعية للسبكي 5/230.
(10) المصادر المتقدمة في ترجمته ومنها طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/281.
(11) السلوك للمقريزي 3/745 والدارس في المدارس 1/443.
(12) الدارس في المدارس 1/364.
(13) السلوك للمقريزي 3/771، 772.
(14) المصدر السابق.
(15) المصدر السابق.
(16) معجم الشيوخ للذهبي 2/130 وانظر الشذرات لابن العماد 6/105.
(17) إيضاح الدليل ص 103، 117، 124، 127 وغيرهما.
(18) معجم الشيوخ 2/130.
(19) الدرر الكامنة 3/367.
(20) وقد أشار إلى ذلك الدكتور فؤاد عبد المنعم عندما ذكر كتاب تجنيد الأجناد حيث قال: "ويدل هذا الكتاب حققه الأخ أسامة النقشبندي بعنوان مختصر في فضل الجهاد". انظر مقدمة تحرير الأحكام ص 18.(37/421)
قلت: لم يشر المحقق أسامة إلى صحة نسبة المختصر في فضل الجهاد إلى بدر الدين بن جماعة ولم يذكر من نسب هذا الكتاب له كما أنه لم يشر إلى أن المراد بهذا المختصر هو تجنيد الأجناد. وقد قرأت الكتاب المذكور فلم أجد فيه ما يدل على أنه في فضل الجهاد وإنما مضمونه يدل على أن المراد به تجنيد الأجناد في الكتاب ألف على طلب من ولي الأمر بشأن تجنيد الأجناد وتدبيرهم وجهات أرزاقهم وتقديرها ذكر ذلك المؤلف وذكر أن سبب التأليف هو بطلب من السلطان الأشرف ثم قال: "وهو مرتب على أبواب تحيط بمقصود الكتاب: الباب الأول في السلطان وفضله وماله من الكرامة بعدله. الباب الثاني في الحاجة إلى الأجناد وإعداد آلات الجهاد. الباب الثالث في عطاء السلطان وجهاته وما يصح إقطاعه. الباب الرابع في تقدير عطاء الأجناد وما يستحقه المرصودون للجهاد"انظر مقدمهَ المصنف ص100.
(1) حققه عبد الغفار بدر الدين ونال درجة الماجستير في قسم التفسير بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
(2) حققه الشيخ عبد الوهاب بن عبد الرازق المشهداني ونال به درجة الماجستير من جامعة الإمام عام 1405 هـ كلية أصول الدين. ذكر ذلك الدكتور موفق بن عبد الله في مقدمته لمشيخة بدر الدين بن جماعة 1/23 والدكتور علي حسين البواب في مقدمته لمختصر صحيح البخاري لابن جماعة ص 7.
(3) الطبعة الأولى عام:1412هـ بالمكتب الإسلامي.(37/422)
(1) طبعته الدار السلفية بالهند بومباي عام 1404 هـ ذكر ذلك الدكتور موفق ابن عبد الله في مقدمته لمشيخة بدر الدين ابن جماعة 1/25. والدكتور علي حسين البواب في مقدمته لمختصر صحيح البخاري ص 7 وذكر الدكتور موفق بن عبد الله كتاباً آخر باسم تراجم البخاري وقال: "حققه علي بن عبد الله الزبن ونال به درجة الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 404 اهـ". قلت: ولا أدري هل هو هذا المختصر أعني مختصر في مناسبات تراجم البخاري أم غيره. ولم يشر الدكتور موفق إلى من نسبه للبدر بن جماعة ولم أجد من نسبه له.
(2) من منشورات وزارة الثقافة والإعلام بالعراق عام 1983م.
(3) ذكر الدكتور علي حسين البواب في مقدمته لمختصر صحيح البخاري ص7, أنه طبع في مقدمة التنبيه للشيرازي بدار الكتب العربية بالقاهرة عام 1329 هـ ولم يذكر من نسبه للبدر بن جماعة ولم أجد من نسبه له.
(4) ذكر ذلك الدكتور عبد الجواد خلف في كتابه القاضي لبدر الدين بن جماعة حياته وآثاره ص 252.
(5) حسب علمي.
(6) الأعلام للزركلي 5/298 وقد ذكر الدكتور عبد الجواد خلف أنه توجد منه نسخة في مكتبة طلعت بالقاهرة برقم (1836) وأخرى في دار الكتب المصرية برقم 1549 نقلا عن مخطوطات دار الكتب 1/33. انظر القاضي بدر الدين بن جماعة حياته وآثاره ص269.
(7) برنامج ابن جابر ص 291 ومرآة الجنان: 4/287 وله نسخة في برلين برقم 1622. ذكرها د. عبد الجواد خلف ص 254 من كتابه القاضي بدر الدين ابن جماعة حياته وآثاره.
(8) الأنس الجليل 2/137، وكشف الظنون 1/34 وإيضاح المكنون 1/224.
(9) ذكره تلميذه ابن جابر في برنامجه ص 316، 317 وذكر أنه من الكتب التي ناولها إياه شيخه بدر الدين ابن جماعة
(10) هدية العارفين 2/148.
(11) وهو هذا الكتاب الذي أقوم بتحقيقه وسيأتي الكلام عليه مفصلا.(37/423)
(1) الأنس الجليل 2/137، وإيضاح المكنون 1/393 وهدية العارفين 2/148.
(2) البداية والنهاية 14/163.
(3) كشف الظنون 1/839 وهدية العارفين 2/148.
(4) الوافي بالوفيات 2/19، والأعلام للزركلي 5/298. والإسطرلاب جهاز استعمله المتقدمون في تعيين ارتفاعات الأجرام السماوية ومعرفة الوقت والجهات الأصلية. انظر المعجم الوسيط 1/17.
(5) ذكره الدكتور عبد الجواد خلف في كتابه القاضي بدر الدين ابن جماعة حياته وآثاره (265، 266) وذكر أن له نسخة خطية منقولة من نسخة المؤلف التي بخطه محفوظة بجامعة استانبول بتركيا برقم 1367ولها نسخة أخرى مصورة عنها بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة. وأحال على فهرس معهد المخطوطات 1/387.
(6) الأنس الجليل 2/137 وإيضاح المكنون 2/76 وهدية العارفين 2 /148.
(7) الضوء اللامع 1/59.
(8) الأنس الجليل 1/372 وإيضاح المكنون 2/208 وهدية العارفين 2/148 والأعلام للزركلي 5/298 وقد ذكر الزركلي أنه توجد قطعة من الكتاب في المكتبة العربية بدمشق.
(9) برنامج ابن جابر ص186، والأنس الجليل 2/137 وله نسخة خطية في ليدن بهولندا برقم (1636) ذكر ذلك الدكتور عبد الجواد خلف في القاضي بدر الدين بن جماعة حياته وآثاره ص 250.
(10) الأنس الجليل 2/137، وإيضاح المكنون 2/362 وهدية العارفين 2/148.
(11) ذكره الدكتور موفق بن عد الله في مقدمته لمشيخة بدر الدين بن جماعة 1/24 نقلا عن فهرس الفهارس 2/639.
(12) كشف الظنون 2/1793 وإيضاح المكنون 2/547 وهدية العارفين 2/148 ومفتاح السعادة 2/437، 438.
(13) ذكرها تلميذه ابن جابر في برنامجه ص 42، 317 ضمن مؤلفات شيخه بدر الدين بن جماعة حيث قال: "مقدمة في النحو", وقال في موضع آخر: "مقدمة صغيرة في صناعة النحو"وقال في موضع آخر: "وسمعت عليه المقدمة النحوية".(37/424)
(1) 1/51 وذكر أنه توجد منه نسخة برقم (5280) في مكتبة مغنيسيا بتركيا بخط المصنف سنة 662هـ.
(2) في مقدمة لكتاب تحرير الأحكام ص20.
(3) في مقدمته لكتاب مشيخة بدر الدين بن جماعة 1/21.
(4) الأعلام 4/2 5.
(5) كشف الظنون 1/200.
(6) في مقدمته لمشيخة بدر الدين بن جماعة 1/21.
(7) قال الدكتور عبد الجواد خلف بعدما أورده ضمن مؤلفات بدر الدين بن جماعة ص 271 من كتاب بدر الدين بن جماعة حياته وآثاره: "ولا أدري إن كان الكتاب للعلامة محمد بن جماعة (بدر الدين) أم لحفيده محمد بن جماعة والذي أكاد أقطع به أن هذا ليس له بل لحفيده".
(8) 21/36.
(9) القاضي بدر الدين بن جماعة حياته وآثاره 267.
مشيخة بدر الدين بن جماعة 1/22.
(10) مقدمة تحرير الأحكام ص 23.
(11) انظر مقدمته لتحقيق مستند الأجناد ص 14.
(12) 4/401.
(13) القاضي بدر الدين بن جماعة حياته وآثاره ص 253 ومشيخة بدر الدين بن جماعة 1/74 وانظر بروكلمان 2/74.
(14) 2/1630، 1884
(15) هامش طبقات الشافعية 1/386.
انظر مقدمته لتحرير الأحكام ص 23 وانظر الأعلام للزركلي 4/26، 5/298، 6/57 وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبه 3/138 طبعة مجلس دائرة المعارف الهندية عام 1398هـ.
(16) كشف الظنون 2/1663.
(17) هدية العارفين 2/148.
(18) حقق هذا الكتاب بجامعة الإمام عام 1403هـ حققه الدكتور صالح بن ناصر الخزيم ونال به درجة الدكتوراه. وطبع أخيرا في ثلاث مجلدات بتحقيق الدكتور نور الدين عتر. الطبعة الأولى عام 1414هـ بدار البشائر الإسلامية ولم يشر المحقق إلى وجود كتاب في المناسك لبدر الدين بن جماعة.
(19) كشف الظنون 21/1663، 2030.
(20) طبقات الشافعية 3/138.
(21) البدر الطالع 1/359.
(22) جلاء العينين ص 25.
(23) انظر مقدمته لتحرير الأحكام 21، 22.
(24) انظر مقدمته لمشيخة بدر الدين بن جماعة1/24.(37/425)
(1) ذكر ذلك في مقدمته لتحقيق مستند الأجناد ص15.
(2) الأعلام 5/301.
(3) انظر القاضي بدر الدين بن جماعة حياته وآثاره ص 264. ومشيخة بدر الدير بن جماعة ا /25 وقد أشار إلى أن المخطوط يوجد برقم (3076) مصور عن نسخة خطية بمكتبة ممتاز العلماء تحت رقم 75 حديث أهل السنة والجماعة.
(4) معجم الشيوخ 2/130.
برنامج ابن جابر 43 وغيرها.
(5) طبقات الشافعية الكبرى 5/230.
(6) طبقات الشافعية للأسنوي 1/386.
(7) البداية والنهاية 14/163.
(8) انظر المصادر المتقدمة في ترجمته ومنها البداية والنهاية 14/163.
(9) هذا من كلام المصنف رحمه الله بتصرف يسير.(37/426)
تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة
تأليف
الإمام بدر الدين محمد بن إبراهيم
ابن جماعة المتوفى سنة 733 هـ
النص المحقق
قال محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آل محمد وصحبه أجمعين صلاة دائمة إلى يوم الدين وبعد: فقد تقدم من تجب طاعته وتتعين إشارته بشرح مسألة المزارعة والكلام عليها لعموم حاجة الناس إليها وذكر ما فيها من الاختلاف وما رجح كل طائفة من الخلاف فانتهيت إلى كريم تلك الإشارة وتحريت الاختصار بحذف الإسناد، وتلخيص العبارة ونبهت على حجة المانع لها والمجيز، وما يظهر ترجيحه عند النظر والتمييز, والله تعالى يعصم في ذلك وفي غيره من الخطأ والزلل ويوفق للإخلاص في القول والنية والعمل, إنه جواد كريم رأف رحيم.
فأقول مستعينا بالله معتصما به: المزارعة: مفاعلة من الزرع، والمخابرة: مفاعلة من الخبار وهي الأرض الليّنة ومنه قيل للأكَّار المخابر هذا هو الأصح، وقيل: المخابرة مأخوذة من معاملة أهل خيبر حين أقرّهم النبي- صلى الله عليه وسلم - عليها وقيل: مأخوذة من الخبرة وهي النصيب قاله الماوردي لأن كل واحد من العامل وصاحب الأرض يأخذ نصيبا من الزرع وهذا فيه نظر، لأنه يلزم منه أن نسمي القراض مخابرة والله أعلم.
واختلف الناس في المزارعة والمخابرة فقال قوم: هما بمعنى واحد وهو دفع الأرض إلى من يزرعها ببعض ما يخرج منها سواء كان البذر من صاحب الأرض أو من العامل والأصح الذي هو ظاهر نص الشافعي- رضي الله عنه- أن معناهما مختلف فالمزارعة إذا كان البذر من صاحب الأرض والمخابرة إذا كان البذر من العامل.
والمزارعة والمخابرة ضربان: ضرب مجمع على بطلانه وفساده, وضرب مختلف في صحته وجوازه.(37/427)
الضرب الأول: المجمع على فساده, وهو أن يكون حصة أحدهما أو حصة كل واحد منهما منفردة بالتعيين بوجه من الوجوه إما (1) بالنسبة إلى الأرض مثل أن يقول: زارعتك على أن لك ما على (2) الجداول ولي ما عداه أو على أن ذلك ما على (3) الروابي (4) ولي ما في الأدوية، أو بالنسبة إلى الزرع مثل أن يقول على أن لك الحنطة ولي الشعير أو بالنسبة للسقي كقوله: على (5) أن (6) لك ما سقي بالنواضح (7) ولي ما سقي بالسماء، أو بالنسبة إلى الحصة كقوله: على أن لي مائة قفيز (8) ولك ما بقي, فهذا كله باطل بإجماع العلماء (9) لما روى سعيد بن المسيب (10) عن سعد (11) قال: "كنا نكري (12) الأرض بما على السواقي (13) وما سقي منها بالماء فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمرنا أن نكريها بذهب أو ورق". رواه أبو داود ولأنه ربما تلف ما عيَّن لأحدهما، أو لم ينبت فينفرد أحدهما بالغلة دون الآخر.
الضرب الثاني: المختلف في صحته, وهو أن يعامل صاحب الأرض من يعمل عليها بنصيب معلوم مما يخرج منها من نصف، أو ثلث أو ربع أو نحو ذلك. وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب:
المذهب الأول: جواز ذلك مطلقا سواء كان البذر من المالك أو من العامل وسواء كان فيها شجر أو لم يكن - (والكلام الآن أولا) في الأرض البيضاء - وممن روى ذلك عنه من الصحابة عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وسعد (14) ، وابن مسعود (15) ، وعمار بن ياسر ومعاذ بن جبل وابن عباس رضي الله عنهم ومن التابعين سعيد بن المسيب، وعروة (16) ، وعمر بن عبد العزيز (والقاسم، وطاووس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى والزهري (17) وغيرهم (18)) .(37/428)
ومن الفقهاء محمد بن أبي ليلى، والليث، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل في رواية , ومن أصحاب الشافعي: ابن المنذر (1) وابن خزيمة، وقيل: إنه صنف فيه جزءا، وابن سريج والخطابي (2) ، والماوردي (3) ، وغيرهم (4) .
ومن أصحاب مالك يحي بن يحي (5) ، والأصيلي.
المذهب الثاني: المنع مطلقا وأنها باطلة سواء كان البذر من المالك أو من العامل، وممن روي ذلك عنه من الصحابة، ابن عمر، وجابر ورافع بن خديج، وابن عباس في رواية ومن التابعين عكرمة (6) ، ومجاهد والنخعي، ومن الفقهاء الشافعي، ومالك، وأبو حنيفة (7) .
المذهب الثالث: إن كان البذر من المالك جاز وهي المزارعة وإن كان البذر من العامل لم يجز وهي المخابرة وبه قال ابن عباس في رواية وأحمد بن حنبل في أظهر روايتيه، وإسحاق (8) بن راهويه (وقد روي عن سعد) وابن مسعود وابن عمر إن البذر من العامل والرواية الأولى عنهم أصح قال صاحب المغني: "ولعلهم أرادوا أنه يجوز أن يكون البذر من العامل كقول عمر رضي الله عنه لا أن ذلك قول آخر".
هذا كله في الأرض البيضاء التي لا شجر فيها (أما التي فيها شجر) فيأتي تفصيل المذاهب فيها- إن شاء الله تعالى بعد ذلك-.
احتج المجوزون مطلقا بحديث ابن عمر- رضي الله عنهما- "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر (9) ما يخرج منها من ثمر، أو زرع". أخرجه البخاري، ومسلم. وفي رواية "أعطى خيبر اليهود على أن يعملوها، ويزرعوها ولهم شطر" (10) ما يخرج منها. أخرجاه واللفظ للبخاري. وفي رواية لمسلم: "دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر، وأرضها على أن يعتملوها (11) من أموالهم ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شطر ثمرها".(37/429)
وحكى البخاري عن أبي جعفر قال: "ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث، والربع قال: وزارع علي، وسعد ابن مالك، وعبد الله بن مسعود، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم وعروة، وآل أبي بكر، وآل علي. قال: "وعامل عمر الناس على أن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا" ولأنها معاملة على أصل ببعض نمائه فصحت كالمضاربة والمساقاة (1) .
احتج المانعون مطلقا بحديث رافع بن خديج: كنا نحاقل الأرض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى فجاءنا ذات يوم جل من عمومتي فقال: "نهانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن أمر كان لنا نافعا وطواعية الله ورسوله أنفع لنا، نهانا أن نحاقل بالأرض فنكريها على الثلث، والربع، والطعام المسمى وأمر رب الأرض أن يزرعها أو يُزرعها، وكره كراءها". أخرجه مسلم.
وعن ابن عمر- رضى الله عنهما- قال: "كنا لا نرى بالخبر بأسا حتى كان عام أول فزعم رافع بن خديج أن نبي الله- صلى الله عليه وسلم- نهى عنه فتركناها من أجله". رواه مسلم (2) .
وعن جابر قال: "نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن المخابرة" متفق عليه (3) وعن زيد قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المخابرة", قلت: "وما المخابرة؟ قال: "أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث". أخرجه أبو داود (4) .
وعن ثابت بن الضحاك (5) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "نهى عن المزارعة". رواه مسلم وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها (6) أخاه فإن أبى فليمسك أرضه" (7) .
وعن جابر: "كنا في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نأخذ الأرض بالثلث، والربع، والماذيانات فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه فإن لم يمنحها أخاه فليمسك أرضه" رواهما مسلم.(37/430)
ولأنها أصول تصح إجارتها فلا تصح المعاملة عليها ببعض كسبها. واحتج من جوز المزارعة دون المخابرة بأنه عقد يشترك رب العين والعامل في نمائه فوجب أن يكون الأصل (من رب المال) كالمضاربة والمساقاة (1) .
فإذا عرفت حجة كل مذهب فالذي رجحه البخاري والخطابي واختاره جماعة من المحققين إنما هو قول الجواز مطلقا قال صاحب المغني: "وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لما تقدم من حديث (معاملة) أهل خيبر".
(قال) البخاري: "قال أبو جعفر: عامل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر بالشطر ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان وعلي ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث والربع". وقال: "ما في المدينة أهل بيت هجرة إلا ويزرعون على الثلث والربع"إلى آخر ما تقدم وهذا أمر مشهور عمل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر حتى مات ثم الخلفاء الراشدون بعده حتى ماتوا ثم أهلوهم، وعمل به أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فروى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع فكان يعطى أزواجه مائة وسق ثمانون وسقا تمرا وعشرون وسقا شعيرا فلما قسم عمر خيبر خيَّر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن يقطع لهن من الماء والأرض أو يمضي لهن الأوسق فمنهن من اختار الأرض ومنهن من اختار الوسق وكانت عائشة وحفصة ممن اختار الأرض. رواه البخاري ومسلم.
ولم ينقل أن عائشة وحفصة أجرتا ما اقتطعتاه ولا أنه كان لهما غلمان يعملون الأرض فالظاهر أنهما كانا تزارعان عليها. فإن قيل يحتمل أن يكون حديث خيبر منسوخا (2) بالنهي الوارد في حديث رافع وجابر وأبي هريرة. قلنا لا يجوز لوجوه:
الأول: أن النسخ إنما يكون في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو كان هذا منسوخا لما عمل به النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن مات وعمل به الخلفاء الراشدون بعده ولم يخالف أحد منهم.(37/431)
الثاني: أنه لو كان منسوخا لما خفي النسخ عنهم هذه المدة الطويلة مع بحثهم وجدهم وقد روى البخاري ومسلم (1) عن نافع (2) أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرا من خلافة معاوية حتى بلغه قال مسلم في آخر خلافة معاوية أن رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي- صلى الله عليه وسلم - فدخل عليه وأنا معه فسأله فقال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن كراء المزارع فتركها ابن عمر بعد وكان إذا سئل عنها بعد قال زعم رافع ابن خديج أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - نهى عنها. ولا خفاء في بعد عدم إطلاعهم على الناسخ هذه المدة مع أن هذا الأمر مما تعم به البلوى وتتكرر الحاجة العامة إليه في كل عام. فإن قيل فكيف ترك ابن عمر ذلك مع قيام الاستبعاد الذي ذكرتموه؟ قلنا الذي تركه ابن عمر كان احتياطا وتورعا [فإنه روى خبر خيبر وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرهم عليه أيام حياته ثم أبا بكر ثم عمر حتى أجلاهم عنها] وكذلك كانت (عادته في تورعه) رضي الله عنه. ويؤيد ذلك أنه ورد في بعض طرق البخاري أن ابن عمر قال: كنت أعلم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الأرض تكرى. ثم خشي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أحدث في ذلك شيئا لم يكن يعلمه فترك (كراء) الأرض [وأيضا فابن عمر ترك كراء الأرض مطلقا فدل على أنه إنما تركه تورعا، لأن الكراء جائز باتفاق] .
الثالث: أن النسخ إنما يصار إليه عند تعذر الجمع بين الأحاديث والجمع بين حديث خيبر وحديث رافع ممكن ظاهر [كما سنذكره إن شاء الله تعالى] فكيف يعدل إلى النسخ.(37/432)
ووجه الجمع بينهما ما ذكره الخطابي وغيره وهو أن أحاديث رافع وجابر، وثابت مجملة تفسرها الأخبار التي وردت عن رافع نفسه، وعن غيره، فإن رافعا قد فسر حديثه في بعض طرقه بما لا يختلف في فساده فيحمل النهي المطلق على ذلك المقيد فمن ذلك قول رافع: "كنا أكثر الأنصار حقلا فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك". أخرجه البخاري ومسلم من طرق [وقال جابر- رضي الله عنه -: "كنا نأخذ الأرض بالثلث والربع والماذيانات"رواه مسلم] .
وعن حنظلة ابن قيس الأنصاري قال: "سألت رافعا عن كراء الأرض بالذهب والورق فقال: "لا بأس به إنما كان الناس يؤاجرون (1) على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بما على (الماذيانات وأقبال) (2) الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن للناس (كراء إلا هذا) فلذلك زجر عنه فأما شيء مضمون معلوم فلا بأس (به) " رواه مسلم وأبو داود.
وعن رافع عن عمه ظهير قال سألني يعني النبي - صلى الله عليه وسلم – "كيف تصنعون بمحاقلكم؟ " قلت: "نؤاجرها يا رسول الله على الربيع" وفي رواية "على الربع والأوسق من التمر، أو الشعير"قال: "فلا تفعلوا ازرعوها أو أزْرِعوها (3) أو أمسكوا أرضكم"رواه البخاري ومسلم. قال الخطابي- بعد إيراده حديث حنظلة بن قيس-: "فقد أعلمك رافع نفسه في هذا الحديث أن المنهي عنه هو المجهول منه دون المعلوم وأنه كان من عادتهم أن يشترطوا شروطاً فاسدة ويستثنوا من الزرع ما على السواقي والجداول فيكون خاصا بالمالك وقد يسلم ما على السواقي، ويهلك ساير الزرع فيبقى المزارع لاشيء له وهذا غرر، وخطر كما إذا اشترط رب المال على المضارب دراهم معلومة زيادة على حصته الربح المعلومة فهذا، وذاك سواء"قال: "وأصل المضاربة من السنة المزارعة، والمساقات فكيف يصح الفرع ويبطل الأصل".(37/433)
الرابع: أنه لو تعذر الجمع بين أحاديث خيبر، وأحاديث رافع وجابر (وامتنع التأويل) وتعين المصير إلى النسخ كان نسخ حديث رافع أولى من نسخ حديث خيبر لأن حديث خيبر قد عمل به النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى حين موته وعمل به الخلفاء الراشدون، وعلماء الصحابة، والتابعين فاستحال لذلك نسخه قبل موت النبي- صلى الله عليه وسلم - وبعد موته فلا نسخ وإذا بطل نسخ حديث خيبر لما ذكرناه، ولم يكن بد من نسخ أحد الخبرين تعيَّن نسخ خبر رافع. واعلم أن بعض الأئمة قد أعلوا حديث رافع وإن كان صحيح النقل، ودفعوه بوجوه:
الأول: شدة اختلافه وكثرة اضطرابه قال الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله-: "وله القدح المعلى في إمامة الحديث والمعرفة غير مدافع, حديث رافع كثير الألوان"، وقال أيضا: "حديث رافع ضروب". قال الخطابي: "يريد اضطراب حديثه واختلاف الروايات عنه, فمرة يقول: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-, ومرة يقول: حدثني عمومتي عنه".
قال غير الخطابي: "ومرة يشعر حديثه بالنهي عن كراء الأرض مطلقا, ومرة يصرح بجوازه بالذهب والفضة، ومرة يشعر بالنهي عن المزارعة مطلقا، ومرة يصرح بالشروط المفسدة". قال ابن المنذر: "قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدل على أن النهي كان لتلك".
الثاني: أن فقيهين كبيرين من أكابر فقهاء الصحابة أنكرا على رافع: ابن عباس وزيد بن ثابت.(37/434)
قال الخطابي: "وقد عقل ابن عباس المعنى من الخبر وأنه ليس المراد به تحريم المزارعة بشطر ما يخرج منها وإنما أريد أن يتمانحوا أرضهم وأن يرفق بعضهم ببعض فإن عمرو بن دينار لما ذكر حديث رافع لطاووس قال: "يا عمرو أخبرني أعلمهم- يعني ابن عباس- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لم ينه عنه ولكن قال: "لأن يمنح أحدكم أرضه خير من أن يأخذ خراجا معلوما". رواه البخاري ومسلم قال الخطابي: "وقد ذكر زيد بن ثابت العلة والسبب الذي خرج عليه الكلام في ذلك وهو ما رواه عروة بن الزبير قال زيد بن ثابت: "يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله أعلم بالحديث منه وإنما أتاه رجلان من الأنصار قد اقتتلا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع" "فسمع قوله لا تكروا المزارع". رواه أبو داود قال الخطابي:- بعدما سمى بعض من منع المزارعة -: "وإنما صار هؤلاء إلى ظاهر الحديث من رواية رافع ولم يقفوا على علته كما وقف عليها أحمد". وذكر أن ابن خزيمة صنف مسألة ذكر فيها علل أحاديث المزارعة.
الثالث: أن أحاديث رافع تضمنت ما لا يختلف في صحته وهو كراء المزارع مطلقا. وكراؤها بالذهب والفضة لا يعلم فيه خلاف إلا ما نقل عن الحسن. وتضمنت ما لا يختلف في فساده (1) وهو المعاملة على ما على السواقي والجداول (وهذا الاختلاف والاضطراب يثبت وهنا كما قال أحمد) بخلاف أخبار خيبر فإنها جارية مجرى التواتر في الصحة والثبوت وعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - بها والخلفاء الراشدون بعده.(37/435)
الرابع: أن حديث رافع لا دلالة فيه على صريح المزارعة التي (فيها النزاع) وصححناها وورد في الكراء بثلث أو ربع فكان حمل حديثه الذي فيه المزارعة على الكراء كما ذكره أولى، لأن القصة واحدة رويت بألفاظ مختلفة يرد أحدهما إلى ما يوافق الآخر جمعا بين الروايات كما تقدم , فإن قيل فيجوز حمل أحاديث خيبر على الأرض التي بين النخيل خاصة دون البيضاء (فتكون المزارعة فيها تبعا للمساقاة كما قال الشافعي رحمه الله) ويحمل حديث رافع وجابر على الأرض البيضاء (ويكون جمعا بين الحديثين أيضا، أو أنه ساقى قوما منهم وزارع آخرين بالشروط المجوزة للمزارعة) قلنا هذا ضعيف لوجوه:
الأول: أن خيبر كانت بلدا كبيرا يأتي منها أربعون ألف وسق أو أكثر، وخلو مثل هذا البلد عن أرض بيضاء منفردة بعيد وقد نقل الرواة معاملة خيبر على العموم من غير تفصيل فدل على أن حكم الأرض البيضاء وغيرها سواء.
الثاني: أن حمل حديث خيبر على هذه التأويلات تحكم ليس عليه دليل سوى الجمع بين الحديثين بخلاف ما ذكرناه من تأويل حديث رافع ورد بعضه إلى بعض فإنه ورد في طرقه ما يدل عليه ويفسره.
الثالث: أن ما ذكرناه من الإطلاق في كل الأراضي موافق لظاهر حديث خيبر، ولعمل الخلفاء الراشدين وغالب فقهاء الصحابة والتابعين، وكانوا أعلم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان الرجوع إليه أولى من الرجوع إلى تلك الاحتمالات.
قال الخطابي- لما رجح جواز المزارعة-: "وهي عمل المسلمين في بلاد الإسلام وأقطار الأرض شرقها وغربها لا أعلم أني رأيت أو سمعت أهل بلد أو صقع من نواحي الأرض التي يسكنها المسلمون يبطلون العمل بها".(37/436)
وقال الماوردي في الحاوي - بعدما حكى المذاهب في المزارعة ومآخذها -: "ولما اقترن بدلايل الصحة عمل أهل الأمصار مع الضرورة الماسة إليها وكان ما عارضها محتملا أن يكون خارجا على ما فسره زيد بن ثابت وقاله ابن عباس كان صحة المخابرة أولى من فسادها مع شهادة الأصول لها في المساقات والمضاربة ولا خفاء فيما ذكره الخطابي والماوردي فإن القياس وشهادة الأصول المذكورة، والقواعد المصلحية تشهد للمزارعة بالصحة، فإن الأرض عين تنمى بالعمل عليها توجب أن تجوز المعاملة عليها ببعض نمائها كالدراهم في المضاربة، والشجر في المساقاة، ولأن الحاجة ماسة إليها جدا، لأن أصحاب الأرض قد لا يحسنون العمل أو لا يقدرون عليه والعمال قد لا يكون لهم أرض كما هو الغالب في أقطار الأرض فوجب أن تقتضي حكمة الشرع الرفق بالطائفتين وحصول المصلحة للجهتين بجواز المزارعة كما قلنا في المضاربة والمساقاة، فإن العلة في الجميع سواء بل الحاجة هنا أمس لضرورة الناس إلى القوت؛ ولأن الأرض لا تصلح لغير العمل عليها بخلاف المال والشجر وقد قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (1) وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (2) ولا يخفى أن القول بمنع المزارعة عسرا وحرجا, ومن كلام الشافعي- رضي الله عنه- "إذا ضاق الشيء اتسع". وأيّ ضيق أشد على أرباب الأراضي من منع المزارعة والمخابرة. هذا كله في الأرض البيضاء التي لا شجر فيها.(37/437)
أما الأرض التي بين الشجر فقد جوَّز المزارعة عليها كل من جوّزها في الأرض البيضاء سواء أفردها بالعقد أو جمع بينها وبين المساقاة. واختلف في ذلك الذين منعوها في الأرض البيضاء فقال أبو حنيفة وزفر: "لا تجوز المزارعة عليها لا منفرد ولا مع المساقاة" وقال الشافعي: "يجوز ذلك بشرط اتحاد العامل وتعذر أفراد النخل بالسقي والأرض بالعمارة" واختلف في اشتراط اتحاد العقد وتساوى الحصة من التمر والزرع وعدم كثرة البياض وجواز كون البذر من العامل. وظاهر حديث خيبر حجة لمن جوزه مطلقا فإن قيل لعله ساقى في خيبر قوما وزارع آخرين بالشروط المجوِّزة، أو كانت الأرض المزارع عليها بين النخيل فجاز تبعا. قلنا: تقدم الجواب عن ذلك فإنه خلاف الظاهر وعمل الناس فلا يعوّل عليه من غير دليل فإن قيل: فهل لمن منع المزارعة طريق إلى أن يكون الزرع بينهما على وجه مشروع بحيث لا يرجع أحدهما على الآخر بشيء؟ قلنا: نعم وتفصيل ذلك: أن البذر إما أن يكون منهما أو من أحدهما إما المالك أو العامل, فإن كان البذر بينهما فلهما ثلاث طرق (1) :
أحدها: قاله الشافعي وهو أن يعير صاحب الأرض نصفها للعامل ويتبرع العامل بمنفعة بدنه وآلاته فيما يخص صاحب الأرض.
الثاني: عن المزني رحمه الله أن يكري صاحب الأرض (نصفها) للعامل بدينار مثلا ثم يكتري العامل ليعمل على نصيبه بنفسه وآلاته بدينار ثم يتقاصان.
الثالث: وهو أحوطها أن يكري صاحب الأرض نصف أرضه للعامل بنصف منافع العامل ومنافع آلاته في تلك الزراعة. وإن كان البذر من صاحب الأرض فله طرق:
أحدها: أن يعير العامل نصف الأرض ويستأجره بنصف البذر على العمل في النصف الآخر بنفسه وآلاته.
الثاني: أن يستأجره بنصف البذر ونصف منفعة الأرض على بذر النصف الآخر في نصف الأرض الآخر.
الثالث: أن يقرضه نصف البذر ويكريه نصف الأرض بنصف عمله وعمل آلاته فلا يبقى عليه إلا رد القرض خاصة.
وإن كان البذر من العامل فله طرق:(37/438)
الأول: أن يكتري نصف الأرض بمنافعه ومنافع آلاته، ويقرض صاحب الملك نصف البذر.
الثاني: أن يكتري نصف الأرض بنصف البذر ونصف عمله ومنافع آلاته في النصف الآخر.
الثالث: أن يكتري العامل نصف الأرض بنصف البذر وبتبرع بعمله ومنافع آلاته في النصف الآخر.
والطريق الأوسط أحوط والله تعالى أعلم.
واختلف العلماء في إجارة الأرضين, فنقل عن الحسن أنه منعها فلا تجوز عنده بحال. وقال الشافعي وأبو حنيفة: "تجوز مطلقا بالذهب والفضة والطعام وغير ذلك من سائر الأعيان والمنافع". وقال مالك: "تجوز بالذهب والفضة وغيرهما من الأعيان إلا الحنطة والشعير وما ينبت فيها" واحتج المانعون مطلقا بإطلاق حديث ابن عمر عن رافع " واحتج المجوِّزون مطلقا بحديث حنظلة بن قيس عن رافع وبالقياس. واحتج مالك بحديث رافع عن عمومته وقد تقدم جميع ذلك.
تم ولله الحمد الأكمل الأوفى (وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم) (في شهر رجب سنة ثلاث وثمانين وستمائة) (1) .
---
(2) في نسخة (ر) هكذا: قال الشيخ مفتي الأنام حجة المحدثين ناصر السنة نور الشريعة بقية السلف بدر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة تغمده الله برحمته.
(3) في نسخة (ر) الاختلاف بدل الخلاف.
(4) أيّ تعمدت وطلبت ما هو أجدى انظر القاموس المحيط 1644.
(5) في نسخة (ر) تنبهت. وهذا خطأ.
(6) في نسخة (ر) الحظايا.
(7) هكذا في الأصل وفي نسخة (ر) هكذا (رؤوف) وكلاهما صحيح قال في القاموس المحيط 1049: "والرأف الرجل الرحيم كالرؤوف والرؤوف".
(8) انظر المصباح المنير ص 252.
(9) القاموس المحيط: 489.
(10) الأكّار بتشديد الكاف هو الخبير فالخبير يقال له أكار وعالم. القاموس المحيط 489.(37/439)
(1) ذكر هذا ابن قدامة في المغني 7/556 وابن حزم في المحلى 8/219 وبيًن ضعفه وذكره شيح الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية وقال: "وليس هذا بشيء فإن معاملته بخيبر لم ينه عنها قط بل نقلها الصحابة في حياته وبعد موته وإنما روى حديث المخابرة رافع بن خديج وجابر وقد فسرا ما كانوا يفعلونه والخبير هو الفلاح سمي بذلك لأنه يخبر الأرض". اهـ.
(2) الحاوي 7/450.
(3) هو علي بن محمد بن حبيب أبو الحسن الماوردي قاضي القضاة في عصره من أئمة الشافعية ولد سنة 364 هـ بالبصرة وتولى سنة450 هـ من مؤلفاته الأحكام السلطانية وأدب الدين والدنيا والحاوي في الفقه. انظر ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى للسيوطي 3/303 وط الشافعية للشيرازي 131وط. الشافعية لابن هداية الله: 151.
(4) هذه الكلمة ساقطة من نسخة (ر) .
(5) القراض والمقارضة والمضاربة بمعنى وهو أن يدفع مالا إلى شخص ليتجر فيه والربح بينهما. روضة الطالبين 5/117
(6) أي اختلفوا في المعنى الشرعي للمزارعة والمخابرة.(37/440)
قال بذلك بعض الشافعية فقد ذكر القفال في حلية العلماء 5/378 أن معناهما واحد قال ومن أصحابنا من قال المزارعة غير المخابرة. وانظر فتح العزيز مع تكملة المجموع 12/110 والروضة 5/168، وتحرير ألفاظ التنبيه: 217 فقد نقلوا ذلك عن بعض الشافعية بل نقل النووي في الروضة 5/168 عن صاحب البيان أنه قال: "قال أكثر أصحابنا: "هما بمعنى", لكن قال النووي: "لا يوافق عليه"- أي لا يوافق صاحب البيان على ما قال - وقال بذلك بعض الحنابلة ومنهم ابن قدامة وابن الجوزي وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم. قال المرداوي: "وهو أقوى دليلا - أي هذا القول - انظر المغني 7/555 -556. ومجموع الفتاوى 29/117، 129، والقواعد النورانية 200، 201 والإنصاف 5/483 وممن قال أنهما بمعنى واحد الحنفية انظر مختصر الطحاوي: 133 والمبسوط 23/2 والهداية 4/5 وممن يرى أنهما بمعنى واحد البخاري صاحب الصحيح فقد قال: "باب المزارعة بالشطر ونحوه". وأورد في هذا الباب أثر عمر قال البخاري: "وعامل عمر الناس على إن جاء بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا". قال ابن حجر في الفتح 5/12: "نعم إيراد المصنف هذا الأثر وغيره في هذه الترجمة ما يقتضي أنه يرى المزارعة والمخابرة لمعنى واحد". اهـ.
وقد قال أبو عمر بن عبد البر – بعدما أورد حديث جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة"- قال: "المخابرة عند جمهور أهل العلم على ما في هذا الحديث من كراء الأرض بجزء مما تخرجه وهي المزارعة عند جميعهم فكل حديث يأتي فيه النهي عن المزارعة أو ذكر خبر المخابرة فالمراد به دفع الأرض على الثلث والربع والله أعلم فقف على ذلك واعرفه"اهـ. التمهيد 2/321.
قلت: ومما يدل على أن معناهما واحد ما جاء في سنن أبي داود 2/162 عن ثابت بن الحجاج عن زيد بن ثابت قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة, قلت: والمخابرة؟ قال: أن تأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع".(37/441)
وأيضا فأكثر من جوز المزارعة لم يفرق بينهما وبين المخابرة ولم يشترط أن يكون البذر من العامل كما سيذكره المؤلف فيما بعد.
(1) أي عند الشافعية وإلا فالمصنف رجح القول الذي لم يفرق بينهما.
(2) هذه الكلمة ساقطة من نسخة (ر) .
(3) لم أجد نص الشافعي في التفريق بين المزارعة والمخابرة لم أجد ذلك في الأم ولا في محتضر المزني. وإنما قال في الأم 4/114: "المزارعة أن تكري الأرض بما يخرج منها ثلث أو ربع أو أقل أو أكثر"اهـ. وفي المختصر ص 128: "قال الشافعي: "المخابرة استكراء الأرض ببعض ما يخرج منها"اهـ. وهذا الذي نقله المصنف عن الشافعي أيضا نقله الرافعي كما في فتح العزيز مع تكملة المجموع 12/108، 109 إلا أنه قال: "والصحيح وهو ظاهر نص الشافعي.. الخ" فقال الصحيح بدلا من الأصح. وكذلك ذكر النووي في الروضة 5/168 ذلك عن الشافعي فقال: "قال بعض الأصحاب هما بمعنى والصحيح وظاهر نص الشافعي أنهما عقدان مختلفان"وذكر بقية ما ذكر المصنف في التفريق بين المزارعة والمخابرة ثم قال: "قلت هذا الذي صححه الإمام الرافعي هو الصواب ... "اهـ.
قلت: والصحيح من مذهب الإمام أحمد والمشهور عنه التفريق بين المزارعة والمخابرة. فالمزارعة تجوز والمخابرة لا تجوز انظر الإنصاف 5/483.
(4) هذه الكلمة ساقطة من نسخة (ر) .
(5) هذه الكلمة ساقطة من نسخة (ر) .
(6) هذه الكلمة ساقطة من نسخة (ر) .
(7) الروابي ما ارتفع من الأرض. القاموس المحيط ص 1659.
(8) هاتان الكلمتان ساقطتان من نسخة (ر) .
(9) المصدر السابق.
(10) جمع ناضح وهي الإبل التي يستقى عليها. النهاية في غريب الحديث 5/69 وجاء في اللسان: "الناضح: البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقي عليه الماء والأنثى بالهاء ناضحة وسائبة". وانظر المصباح المنير مادة سنا، ونضح ص 292، 609، 610.(37/442)
(1) قال في القاموس المحيط670: "القفيز مكيال ثمانية مكاكيك, ومن الأرض قدر مائة وأربع وأربعين ذراعاً".
(2) المغني 7/566، ومجموع الفتاوى 30/122.
(3) هو سعيد بن المسيب بن حزن كان مولده لسنتين من خلافة عمر بن الخطاب وهو أحد فقهاء المدينة السبعة وكان من سادات التابعين فقهاً وورعاً وعبادةً وزهداً وعلماً توفى سنة 93هـ. مشاهير علماء الأمصار 63، وتذكرة الحفاظ 1/54 وتهذيب التهذيب 7/180.
(4) ابن أبي وقاص كما في النسائي 7/41.
(5) الكراء والكروة: أجرة المستأجر. القاموس 1712.
(6) جمع ومفردها ساقية وهي الفتاة التي تسقي الأرض والزرع. المصباح المنير: 280 والمعجم الوسيط 437.
(7) هذه الكلمة ساقطة من نسخة (ر) .
(8) أي فضة كما هي الكلمة في سنن أبي داود 3/258.
(9) في سننه 3/258 حديث رقم 3391 لكن في اللفظ اختلاف ولفظه في سنن أبي داود هكذا "كنا نكري الأرض بما على السواقي من الزرع وما سعد بالماء فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمرنا أن نكريها بذهب أو فضة"والحديث سكَت عنه أبو داود وقال ابن حجر في الفتح 5/35: "ورجاله ثقات إلا أن محمد بن عكرمة لم يروِ عنه إلا إبراهيم بن سعد". أهـ. والحديث حسنه الألباني كما في صحيح سنن أبي داود 2/650. وقد رواه النسائي 7/41 عن سعد ابن أبي وقاص قال: "كان أصحاب المزارع يكرون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم مزارعهم بما يكون على الساقي من الزرع فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختصموا في بعض ذلك فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكروا بذلك وقال: "اكروا بالذهب والفضة".
قلت: والحديث ورد بمعناه في مسلم من حديث رافع بن خديج قال: "كنا أكثر أهل المدينة حقلا وكان أحدنا يكري أرضه فيقول: هذه القطعة لي وهذه لك فربما خرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك وأما الورق فلم ينهنا"مسلم بشرح النووي 10/206 وهناك روايات أخرى سيذكرها المصنف.(37/443)
(1) في نسخة (ر) أو نحوه بدلا من أو نحو ذلك.
(2) ما بين القوسين ساقط من نسخة (ر) وهو موجود في الأصل.
(3) الإشارة إلى الجواز مطلقا.
(4) أقوال هؤلاء الصحابة المذكورين أنظرها في صحيح البخاري مع الفتح 5/10، ومصنف ابن أبي شيبة 6/337-344
ومصنف عبد الرزاق 8/96- 101، والسنن الكبرى للبيهقي 6/133 وما بعدها والمحلى لابن حزم 8/211-224 والإشراف لابن المنذر1/155 والمغني 7 /555 والحاوي 7/451.
(5) هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أبو حفص العدوي الفاروق وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني الخلفاء الراشدين، من أيد الله به الإسلام وفتح به الأمصار وهو الصادق المحدّث الملهم أحد العشرة المبشرين بالجنة ولي الخلافة عشر سنين ونصفا واستشهد سنة 23 هـ انظر ترجمته في الإصابة 2/8 وتذكرة الحفاظ 1/5 وتقريب التهذيب 2/54.
(6) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أبو الحسن قاضي الأمة وفارس الإسلام وختن رسول الله صلى الله عليه وسلم من السابقين الأولين والمرجح أنه من أول من أسلم وهو أحد العشرة ورابع الخلفاء الراشدين مات في رمضان سنة أربعين وله ثلاث وستون سنة على الأرجح. ترجمته: الإصابة 2/507 وتذكرة الحفاظ 1/0 1 وتقريب التهذيب 2/39، وتاريخ بغداد 1/133.
(7) سعد بن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك بن وهب بن عبد مناف الزهري أبو إسحاق أحد العشرة وأول من رمى بسهم في سبيل الله ومناقبه كثيرة مات بالعقيق سنة 55 على المشهور وهو آخر العشرة وفاة ترجمته في الإصابة 2/33، ومشاهير علماء الأمصار: 8 وتذكره الحفاظ 1/22 وتقريب التهذيب 1/290.(37/444)
(1) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي أبو عبد الرحمن من السابقين الأولين ومن كبار البدريين ومن نبلاء الفقهاء والمقرئين حفظ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة ومناقبه جمة، وأمّره عمر على الكوفة ومات سنة 32 هـ بالمدينة. ترجمته الإصابة 2/368، تذكرة الحفاظ 1/13 ومشاهير علماء الأمصار: 10 وتقريب التهذيب 1/450.
(2) عمار بن ياسر بن عامر بن مالك العنسي أبو اليقظان مولى بني مخزوم صحابي جليل من السابقين الأولين بدري شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعمله عمر على الكوفة وقد قتل مع علي في صفين سنة 37 هـ ترجمته الإصابة 2/512 وتقريب التهذيب 2/48 ومشاهير علماء الأمصار: 43.
(3) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة شهد بدرا وما بعدها كان إليه المنتهى في العلم بالأحكام والقرآن مات سنة 18 هـ بالشام. ترجمته في الإصابة 3/45 وتذكرة الحفاظ 1/19 وتقريب التهذيب 2/255.
(4) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو الخلفاء ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفهم في القرآن فكان يسمى البحر والحبر لسعة علمه وهو أحد المكثرين في رواية الحديث من الصحابة وأحد العبادلة من فقهاء الصحابة مات سنة 68 هـ بالطائف. ترجمته في الإصابة 2/330 وتذكرة الحفاظ 1/40 وتقريب التهذيب 2/425 وتهذيب الأسماء واللغات 1/274.
(5) أقوال هؤلاء التابعين في البخاري مع الفتح 5/10، ومصنف بن أبي شيبة 6/337 -344 ومصنف عبد الرزاق 8/96 - 101 والسنن الكبرى للبيهقي 6/133 وما بعدها والمحلى لابن حزم 8/211-224 والإشراف لابن المنذر 1/155، والمغنى 7/555 والتهذيب لابن القيم 5/57 والحاوي 7/451.(37/445)
(1) عروة بن الزبير بن العوام أخو عبد الله بن الزبير أحد الفقهاء المدنية السبعة ومن أفاضل التابعين توفي سنة 99 هـ ترجمته مشاهير علماء الأمصار: 63 وتذكرة الحفاظ 1/96، وتهذيب التهذيب 333.
(2) عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الخليفة العالم العادل ولد سنة 61 هـ ومات لسنة 101 هـ ترجمته في مشاهير علماء الأمصار: 178، وتذكرة الحفاظ 1/118.
(3) القاسم به محمد بن أبي بكر الصديق الإمام القدوة أحد فقهاء المدنية السبعة توفى سنة 106 هـ على الصحيح. ترجمته في تقريب التهذيب 1/91 وتذكرة الحفاظ 1/91.
(4) طاووس بن كيسان الهمداني الخولاني كنيته أبو عبد الرحمن من فقهاء اليمن وعبادهم وخيار التابعين وزهادهم مات بمكة سنة 101هـ. ترجمته في مشاهير علماء الأمصار 122، وتذكرة الحفاظ 1/90.
(5) عبد الرحمن بن أبي ليلى واسم أبي ليلى يسار الإمام التابعي الفقيه الكوفي كانت ولادته في خلافة عمر بن الخطاب وكانت وفاته سنة اثنين أو ثلاث وثمانين. ترجمته في مشاهير علماء الأمصار 102 وتذكرة الحفاظ 1/58 وذكر أسماء التابعين 1/212.
(6) محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري القرشي أبو بكر من أحفظ أهل زمانه للسنن وأحسنهم لها سياقاً وكان فقيهاً فاضلاً مات سنة 124هـ ترجمته في مشاهير علماء الأمصار: 66، وتذكرة الحفاظ 1/108.
(7) ما بين القوسين ساقط من نسخة (ر) .
هو أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه المقرئ مفتي الكوفة وقاضيها أبوه من كبار التابعين مات سنة 148 هـ ترجمته في تذكرة الحفاظ 1/171، والكاشف 2/162.
(8) قوله في المغني 7/555، والتهذيب لابن القيم 5/57. والحاوي 7/451.
هو الليث بن سعد الفهمي أبو الحارث المصري أحد أئمة الدنيا فقهاً وورعاً وفضلاً وعلماً ونجدة وسخاء كان مولده سنة 94 هـ ومات سنة 175هـ ترجمته في مشاهير علماء الأمصار: 191، وتذكره الحفاظ 1/254 وتقريب التهذيب 12/128.(37/446)
(1) وقوله في المغني 7/555، والتهذيب لابن القيم 5/57.
قوله في مختصر الطحاوي 127، والهداية 4/53.
(2) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري أبو يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة ومن كبار تلاميذه ولي القضاء للخادم والمهدي والرشيد ولد سنة 118 هـ ومات ببغداد سنة 182هـ ترجمته في تذكرة الحفاظ 1/292 ومشاهير علماء الأمصار: 171 والجواهر المضيئة 3/611.
انظر قوله في مختصر الطحاوي 127، والهداية 4/53.
(3) محمد بن الحسن بن فرقد أبو عبد الله الشيباني صاحب أبي حنيفة وناشر فقهه كان عالما في الفقه وعلوم العربية تولى القضاء في عهد الرشيد ولد بواسط سنة 131 هـ ومات سنة 189 هـ ترجمته في أخبار أبيِ حنيفة وأصحابه120، والجوار المضيئة 3/122 وفيات الأعيان 4/184.
(4) أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني أبو عبد الله الإمام المشهور كان من كبار الحفاظ ومن أحبار هذه الأمة مجمع على جلالته وزهده ووفور علمه وسيادته مات ببغداد سنة 241هـ ترجمته في تذكرة الحفاظ 2/431 والجرح والتعديل 1/92 وطبقات الحنابلة 1/4 وما بعدها والمنهج الأحمد 1/51 -108.
(5) انظر المغني 7/562 وكشاف القناع 3/543، والإنصاف 5/483 قال ابن قدامة في المغني: "وهو الصحيح"أي القول بالجوار مطلقا. وقد اختار هذه الرواية ابن تيمية وكثير من الحنابلة قال المرداوي: "وهي أي هذه الرواية أقوى دليلا". انظر: المصادر السابقة ومجموع الفتاوى 30 /110. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 29/119 أن ظاهر نصوص أحمد يدل على هذا.
(6) انظر قوله في الإشراف 1/154، والإقناع 2/567.
هو محمد بن إبراهيم به المنذر أبو بكر النيسابوري الحافظ المحدث الفقيه كان ثقة عالما مجمع على جلالته وإمامته وكان غاية في معرفة الاختلاف والدليل مات بمكة سنة 318 هـ ترجمه في تذكرة الحفاظ 3/4 ط الشافعية الكبرى للسبكي 2/126 وط: الشافعية لابن هداية الله ص 59.(37/447)
(1) هو الحافظ الكبير إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري ولد سنة 223 هـ قال الدارقطني: "كان ابن خزيمة إماما ثبتا معدوم النظير". مات سنة 311 هـ وله تسع وثمانون سنة. ترجمته في تذكرة الحفاظ 2/720 وط الشافعية للسبكي 2/130.
(2) ذكر ذلك الخطابي في معالم السنن 3/ 5 9 حيث قال: "وقد أنعم بيان هذا الباب محمد بن إسحاق بن خزيمة وجوزه وصنف في المزارعة مسألة ذكر فيها علل الأحاديث التي وردت فيها"اهـ. وممن ذكر ذلك النووي في روضة الطالبين 5/168 وفي شرح مسلم 10/211 قال في الروضة: "وصنف فيها ابن خزيمة جزءا وبيَّن فيه علل الأحاديث الواردة بالنهي عنها وجوع بين أحاديث الباب وقال النووي في شرح مسلم، وقد صنف ابن خزيمة كتابا جوّز فيه المزارعة واستقصى فيه وأجاد وأجاب عن الأحاديث بالنهي".
هو القاضي الإمام أبو العباس أحمد بن سريج البغدادي شيخ الشافعية في عصره وعنه انتشر فقه الشافعي في الآفاق تولى قضاء شيراز ومات ببغداد سنة ست وثلاثمائة وعمره خمسون سنة وستة أشهر: ترجمته في ط الشافعية الكبرى للسبكي 2/87 وتذكرة الحفاظ 3/11. وط الشافعية لابن هداية الله: 41.
(3) انظر قوله في فتح العزيز مع تكملة المجموع 12/109، وفي روضة الطالبين 5/168 وفي شرح النووي لمسلم 10/210
الإمام العلامة المحدث حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي الشافعي أبو سليمان كان إماماً ثقة ثبتاً. مات سنة 388هـ انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 3/1018، وط الشافعية الكبرى للسبكي 2/218.
(4) انظر قوله في كتابه معالم السنن 3/94 ونقل ذلك عنه النووي في الروضة 5/168 وفي شرح مسلم 10/198.
(5) الحاوي: 7/452.(37/448)
(1) ومنهم النووي كما في شرحه لمسلم 10/198 وروضة الطالبين 5/168 قال في شرح مسلم: "وبهذا قال- أي جواز المزارعة- ابن سريج وابن خزيمة والخطابي وغيرهم من محققي أصحابنا وهو الراجح المختار". وقال في الروضة 5/168: "والمختار جواز المزارعة والمخابرة".
(2) مالك ابن أنس بن مالك أبو عبد الله إمام دار الهجرة وأحد الأئمة الأربعة المجتهدين قال الشافعي: "إذا ذكر العلماء فمالك النجم". ولد سنة 93 هـ وتوفى سنة 179 هـ انظر ترجمته في: ط. الشيرازي 67، والديباج المذهب1/55، وحلية الأولياء6/316 ووفيات الأعيان 4/135.
*لم يذكر المصنف هل هو يحي بن يحي النيسابوري أو يحي بن يحي الليثي وكلاهما من أصحاب مالك. فالنيسابوري هو أبو زكريا يحي بن يحي ابن بكير التميمي النيسابوري الإمام العالم العلامة الثبت قرأ على مالك الموطأ ولازمه وروى عن الليث والحمادين - ابن سلمة وابن زيد - وغيرهم وعنه البخاري ومسلم وابن راهوية وغيرهم توفى سنة 226هـ.
أما الليثي فهو أبو محمد يحي بن يحي بن كثير الليثي القرطبي الإمام الحجة الثبت سمع الموطأ أولا من شبطون ثم سمعه من مالك غير الاعتكاف وروايته أشهر الروايات وبه وبعيسى بن دينار انتشر مذهب مالك بالأندلس توفى سنة 234هـ. انظر ترجمتهما في تهذيب التهذيب 11/296، 300، وشجرة النور الزكية 58، 63.
(3) انظر قوله في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/372، 373، وبلغة السالك 2/178. حيث ذكر صاحب الحاشية وصاحب البلغة أنه قول يحي بن يحي.
هو الإمام الحافظ الثبت أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمد الأندلسي كان من حفاظ مذهب مالك ومن العالمين بالحديث وعلله ورجاله قال الذهبي: "وكان رأسا في الحديث والسنن وفقه السلف"مات سنة 392هـ انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 3/1024 وشجرة النور الزكية: 100.
(4) انظر قوله في حاشية الدسوقي 3/372، 373 وبلغة السالك2 /178.(37/449)
(1) انظر الحاوي للماوردي 7/451 فقد نقل عن هؤلاء الصحابة القول بالبطلان إلا ابن عباس فلم يذكره.
وانظر مصنف ابن أبي شيبة 6/344-347 فقد روى عن هؤلاء الصحابة الأحاديث التي فيها النهي عن المخابرة وروى عن جابر كراهة كراء الأرض وعن ابن عمر أنه كان لا يرى بذلك بأسا فلما علم بحديث رافع تركها من أجل ذلك.
(2) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي من كبار فقهاء الصحابة نشأ في الإسلام وهاجر إلى المدينة مع أبيه شهد فتح مكة وأفتى الناس ستين سنة. ولد سنة 3 من البعثة ومات سنة 73 هـ. انظر ترجمته في أسد الغابة 3/340، وط ابن سعد 4/142 وط الشيرازي49.
(3) هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام الأنصاري الخزرجي الصحابي الجليل شهد العقبة مع السبعين من الأنصار أحد المكثرين من الرواية وكان مفتي المدينة في زمانه مات سنة 78 هـ. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء3/189 وطبقات الحفاظ 19، والجرح والتعديل 2/492 وتهذيب التهذيب 2/42.
(4) هو رافع بن خديج بن رافع الأنصاري الخزرجي الصحابي الجليل شهد أحدا وأكتر المشاهد مات بالمدينة سنة 74 هـ. انظر ترجمته في الإصابة 1/495 وتهذيب الأسماء 1/187.
(5) هذه الرواية نقلها عنه ابن المنذر في الإشراف 1/156 ولعل مراده كراهة التنزيه فإن ابن عباس كان يقول: "لم ينه رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني عن المخابرة - ولكن قال: أن يمنح أحدكم أخاه خير له ... "وسيذكر المصنف ذلك فيما بعد ص 53.
(6) أقوال هؤلاء التابعين في مصنف ابن أبي شيبة 6/346 ومصنف عبد الرزاق 8/00 1 والإشراف لابن المنذر 1/156 والمغني لابن قدامة 7/555. والحاوي 7/1 45.
(7) هو أبو عبد الله عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس العلامة الحافظ المفسر من كبار التابعين مات بالمدينة سنة 107هـ. انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 1/95 وتهذيب الأسماء واللغات 1/340 وتقريب التهذيب2/30.(37/450)
(1) هو مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي مولى قيس بن السائب المخزومي من أعلام التابعين المفسرين كان شيخ القراء والمفسرين فقيها ثبتا حجة اتفق على جلالته وإمامته وتوثيقه مات بمكة سنة 103 هـ. وقيل غير ذلك ترجمته في ط ابن سعد 5/466، وتذكرة الحفاظ 1/92، وتهذيب التهذيب 10/42.
(2) هو إبراهيم بن يزيد بن قيس ابن الأسود النخعي أبو عمران تابعي جليل فقيه أهل الكوفة ومفتيها في عصره أجمعوا على توثيقه وبراعته في الفقه مات سنة 96هـ ترجمته في ط ابن سعد 6/270 وتذكرة الحفاظ1/73. وتهذيب الأسماء واللغات 1/104.
هو محمد بن إدريس بن العباس الهاشمي القرشي أبو عبد الله المطلبي أحد الأئمة الأربعة المجتهدين المشهورين إمام المذهب المعروف وإليه تنسب الشافعية ولد بغزة سنة 150 هـ وتوفى بمصر سنة 204هـ. ترجمته في تهذيب التهذيب 9/25، وفيات الأعيان 4/163، وط الشافعية الكبرى 1/29.
(3) انظر قوله في الأم 4/12، وروضة الطالبين 5/168 وفتح العزيز مع تكملة المجموع 12/109 ومغني المحتاج 2/325، وحلية العلماء 5/378.
(4) انظر قوله في الموطأ 707، والإشراف لعبد الوهاب 2/63، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/372، وبلغة السالك 2/178.
هو النعمان بن ثابت التيمي بالولاء أبو حنيفة أحد الأئمة الأربعة المجتهدين الإمام الفقيه المجتهد. مات ببغداد سنة 150هـ. ترجمته في: الجواهر المضيئة 1/49، وأخبار أبي حنيفة وأصحابه ص1 وطبقات ابن سعد 6/368 وطبقات الشيرازي ص 86.
(5) انظر قوله في المبسوط 23/17، ومختصر الطحاوي 133 والهداية 4/53.
(6) تقدم تفريق المصنف بين المخابرة والمزارعة والتعليق عليه ص 38.
(7) لم أجد من ذكر هذه الرواية عن ابن عباس رضي الله عنه وقد قال شيخ الإسلام ابن تيميه في مجموع الفتاوى 30/112- في معرض رده على من يشترط أن يكون البذر من المالك- قال: "ولا أثر عن الصحابة".(37/451)
(1) المغني 7/62 5، وكشاف القناع 3/543، والإنصاف 5/483.
(2) هو الإمام الحافظ الكبير شيح المشرق سيد الحفاظ أبو يعقوب إسحاق ابن إبراهيم بن مخلد الحنظلي يعرف بابن راهوية قرين أحمد بن حنبل مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 2/358، وتذكرة الحفاظ 2/433، وطبقات الحنابلة 1/109.
(3) انظر قوله في المغني 7/562، والإشراف لابن المنذر 1/157.
(4) ما بين القوسين مطموس في نسخة (ر) .
(5) انظر هذه الرواية عنهم في الأشراف لابن المنذر 1/157.
(6) أي الرواية القائلة بالجواز مطلقا وقد تقدم ذكرها.
(7) هذه الكلمة ساقطة في نسخة (ر) .
(8) المغني 7/563 وقول عمر- رضي الله عنه - أورده البخاري فقال: "وعامل عمر الناس على إن جاء بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا"البخاري مع الفتح 5/10.
(9) ما بين القوسين طمس في نسخة (ر)
(10) في نسخة (ر) الجمهور وهذا خطأ.
(11) في نسخة (ر) بشرط وهذا خطأ فإن لفظ الحديث بشطر.
(12) البخاري مع الفتح 5/10.
(13) مسلم بشرح النووي 10/208.
(14) في نسخة (ر) بشرط.
(15) البخاري مع الفتح 5/15، ومسلم بشرح النووي 10/209.
(16) هو كما قال المصنف وانظر الإحالة السابقة رقم 7.
(17) مسلم مع النووي 10/212.
(18) في نسخة (ر) يعملوها. والصواب ما في الأصل لأنه الموافق للفظ الحديث.
هو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي الإمام البخاري الحافظ العلم صاحب الصحيح وإمام المحدثين والمعول على صحيحه في جميع الأمصار والأزمان مات ليلة عيد الفطر سنة 256. انظر ترجمته في الجرح والتعديل 7/191 وتذكرة الحفاظ 2/555 وتهذيب التهذيب 9/47.
(19) البخاري مع الفتح 5/.1 إلا أن لفظ البخاري فيه وآل عمر بعد قوله وآل أبي بكر. وفيه وابن سيرين بعد قوله وآل علي. ولم يوجد ذلك في النسختين أعني قوله "آل عمر"و"ابن سيرين".(37/452)
(1) البخاري مع الفتح 5/10.
(2) المضاربة هي القراض وتقدم تعريف ذلك ص 39.
(3) المساقاة هي أن يدفع الرجل شجره إلى آخر ليقوم بسقيه وعمل سائر ما يحتج إليه بجزء معلوم له من ثمره. المغني 7/527. وانظر روضة الطالبين5/150 ومغني المحتاج 2/322.
(4) انظر المغني 7/.56 فقد ذكر هذا القياس.
(5) نحاقل أي نزارع لأن المحاقل هي المزارع انظر القاموس المحيط: 1274 قال الخطابي في معالم السنن 3/96: "الحقل الزرع الأخضر والحقل أيضا القراح الذي يعد للمزارعة وفي بعض الأمثال: لا تنبت البقلة إلا الحقلة ومنه أخذت المحاقلة ومنها المخابرة وهي المزارعة على النصف والثلث ونحوهما".
(6) مسلم بشرح النووي 10/204.
(7) بفتح الخاء وكسرها قال النووي: "والكسر أصح وأشهر ... وهو بمعنى المخابرة"انظر شرح النووي لمسلم 10/201، 202.
(8) مسلم بشرح النووي 10/201.
(9) البخاري مع الفتح 53/50 ومسلم بشرح النووي 10/194.
(10) هو زيد بن ثابت بن الضحاك الخزرجي الأنصاري كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد نجباء الأنصار وجامع القرآن على عهد أبي بكر وكان عمر يستخلفه على المدينة إذا حج كان عالماً في الفرائض ومناقبه مشهورة مات رضي الله عنه ورحمه بالمدينة سنة 45 هـ. انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 2/358، وتهذيب الأسماء واللغات 1/200 والإصابة 1/561.
(11) أبو داود في سننه 3/262 حديث رقم 3407 وتمام الحديث "أو ربع"ورواه أحمد في المسند 5/187 والبيهقي في السنن الكبرى 6/133. قال الساعاتي في الفتح الرباني في 15/119: "سنده جيد". وصححه الألباني كما في صحيح سنن أبي داود2/653.
(12) هو ثابت بن الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عدي الأنصاري الأشهلي صحابي جليل وهو ممن شهد بيعة الرضوان مات سنة 45 هـ. ترجمته في الإصابة 1/193، والجرح والتعديل 2/453.
(13) مسلم بشرح النووي 10/206.(37/453)
(1) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي الصحابي الجليل روى الكثير من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحفظ الصحابة مات سنة 59هـ وقيل غير ذلك انظر ترجمته: في الإصابة 2/403 وتذكرة الحفاظ 1/32 وسير أعلام النبلاء 2/578.
(2) يمنحها أي يعطيها والمراد به هنا العارية أن يعيره إياها. النهاية في غريب الحديث 5/364.
(3) رواه مسلم انظر مسلم بشرح النووي: 10/201.
(4) في نسخة (ر) وعن جابر قال: "كنا"وليست هذه الكلمة في الأصل.
(5) قال ابن الأثير في النهاية 4/33: "الماذيانات جمع ماذيان وهو النهر الكبير وليست بعربية وفي القاموس 9/17 الماذيانات: وتفتح ذالها: مسايل الماء أو ما ينبت حول حافتي مسيل الماء أو ما ينبت حول السواقي.
(6) الضمير يعود على حديثي جابر وأبي هريرة وقد تقدم تخريج حديث أبي هريرة أما حديث جابر فهو في مسلم بشرح النووي10/199 -200 وهو بمعنى الذي ذكره المصنف وإن كان يختلف في بعض الألفاظ.
(7) الإجارة لغة اسم للأجرة. انظر المصباح المنير: 58 والقاموس المحيط 436. وفي الشرع: عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم. مغني المحتاج 2/332.
(8) مغني المحتاج 2/324.
(9) تقدم تفريق المصنف بين المزارعة والمخابرة.
(10) ما بين القوسين ليس في نسخة (ر) وموجود في الأصل والعبارة في نسخة (ر) هكذا (بأنه عقد يشترك فيه رب العين والعامل في نمائه فوجب أن يكون الأصل كالمضاربة والمساقاة) .
(11) انظر المغني 7/562.
(12) انظر البخاري مع الفتح 5/11 وقد تقدم ص 39، 40 ما يدل على أن البخاري يرى أن المزارعة والمخابرة بمعنى واحد.
(13) معالم السنن 3/95.(37/454)
(1) إضافة إلى الذين ذكرهم المصنف في أول المسألة قال بذلك النووي شرحه لمسلم 10/198حيث قال: "وهو الراجح المختار". وكذلك قال بهذا القول شيح الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 29/119 حيث قال: "وجواز هذه المعاملة مطلقا هو الصواب الذي لا يتوجه غيره أثرا ونظرا وهو ظاهر نصوص أحمد المتواترة عنه واختيار طائفة من أصحابه".
(2) المغني 7/563 ومما يجدر ذكره أن أغلب الردود والمناقشات التي أوردها المصنف قد ذكرها ابن قدامة بالمعنى ولم يشر المصنف إلى ذلك. وكثير منها منقول بالحرف من المغني.
(3) هذه الكلمة في الأصل وساقطة من نسخة (ر)
(4) هذه الكلمة في الأصل في الهامش مشار إليها بصح وتوجد في نسخة (ر) في المتن. وهذا النص منقول من المغني. انظر المغني 7/557 إلا أن صاحب المغني لم يقل قال البخاري قال أبو جعفر وإنما قال: قال أبو جعفر ... الخ. وليس هو في البخاري بهذا اللفظ وإنما الذي في البخاري من حديث ابن عمر قال: "عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها". وليس فيه ثم أبو بكر ثم عمر ... الخ. وجاء في البخاري ومسلم أن ابن عمر كان يكري مزارعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرا من خلافة معاوية. انظر البخاري مع الفتح 5/13 ومسلم بشرح النووي 10/202.
(5) أي أبو جعفر وهذا الذي ذكره المصنف في البخاري مع الفتح 5/10.
(6) هكذا في النسختين والأثر كما في البخاري مع الفتح 5/10. هكذا "بالمدينة".
(7) تقدم ص354.
(8) هذه الكلمة ساقطة من نسخة (ر) .
(9) هذه الكلمة ساقطة من نسخة (ر) .
(10) في نسخة (ر) بشرط. والصواب ما في الأصل لموافقته لفظ الحديث.
(11) قال ابن الأثير في النهاية 5 / 5 18: "الوسق بالفتح ستون صاعا وهو ثلاثمائة وعشرون رطلا عند أهل الحجاز وأربعمائة وثمانون رطلا عند أهل العراق على اختلافهم في مقدار الصاع والمد".(37/455)
(1) البخاري مع فتح الباري 5/10.
(2) مسلم بشرح النووي 10/209.
(3) في نسخة (ر) يزرعان.
(4) النسخ في اللغة: الرفع والإزالة ومنه نسخت الشمس الظل ونسخت الريح الأثر وقد يطلق لإرادة ما يشبه النقل كقولهم نسخت الكتاب: انظر المصباح المنير 602، 603. وأما في الشرع: فهو بمعنى الرفع والإزالة لا غير وحدّه رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه. روضة الناظر 1/189، 190.
(5) البخاري مع الفتح 5/13.
(6) ومسلم بشرح النووي 10/202.
(7) في نسخة (ر) رافع بدل نافع وهذا خطأ.
(8) هذه الكلمة ساقطة من نسخة (ر) .
(9) أي يكثر وقوعه.
(10) هذه الكلمة ساقطة من نسخة (ر) .
(11) ما بين القوسين يوجد في النسختين إلا أنه في نسخة (م) التي هي الأصل في الهامش ووضع عليه علامة صح ويوجد في نسخة (ر) في المتن.
(12) هكذا في الأصل وفي نسخة (ر) هكذا (عادة تورعه) .
(13) هذه الكلمة ساقطة من نسخة (ر) .
(14) هذه الكلمة ساقطة من نسخة (ر) والصواب إثباتها لثبوتها في لفظ الحديث.
(15) البخاري مع الفتح 5/23.
(16) ما بين المعقوفتين يوجد في كلا النسختين إلا أنه في نسخة (م) في الهامش ومصحح وفي نسخة (ر) في المتن.
(17) ما بين المعقوفتين يوجد في كلا النسختين إلا أنه في نسخة (م) في الهامش ومصحح وفي نسخة (ر) في المتن.
(18) انظر كلامه في معالم السنن3 /95.
(19) كالنووي في شرح مسلم شرح النووي 10/210، وابن قدامة في المغني 7/558 وابن تيمية في مجموع الفتاوى 29/106 وابن القيم كما في تهذيب السنن مع مختصر سنن أبي داود 5/58 وما بعدها.
(20) المجمل هو مالا يفهم منه عند الإطلاق معنى معين. انظر حاشية ابن بدران على روضه الناظر 1/43 وانظر نهاية السول 2/61، 2/508، 509 وأصول الآمدي3/116.(37/456)
(1) المطلق هو المتناول لواحد لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه وهي النكرة في سياق الأمر كقوله تعالى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَة} . روضة الناظر 2/191 والأحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/162.
(2) المقيد هو المتناول لمعين أو غير معين موصوف بأمر زائد على الحقيقة الشاملة لجنسه كقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} قيد الرقبة بالإيمان. روضة الناظر 2/191 والأحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/162.
(3) البخاري مع الفتح 5/15.
(4) مسلم شرح النووي 10/206 واللفظ لمسلم.
(5) انظر طرقه في البخاري مع الفتح 5/23، 24، وفي مسلم بشرح النووي 10/202 وما بعدها.
(6) ما بين المعقوفتين في كلا النسختين إلا أنه في نسخة (م) في الهامش ومصحح وفي نسخة (ر) في المتن. والحديث في مسلم بشرح النووي 10/200 وتمامه "فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال: "من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها".
(7) هو حنظلة بن قيس بن عمرو بن حصين بن خلدة الأنصاري الزرقي المدني تابعي ثقة. وهو من الطبقة الثانية من تابعي المدينة. ترجمته في تهذيب الكمال 7/453، ط 1 خليفة 253 وط. ابن سعد 5/73 تهذيب الأسماء واللغات 1/171 ومشاهير علماء الأمصار 73 وتهذيب التهذيب 3/63 والثقات لابن حبان 4/166.
(8) في نسخة (ر) زيادة كلمة (الأرض) بعد كلمة يؤاجرون وليست في نسخة (م) والصواب عدم إثبات هذه الكلمة لأنها ليست من لفظ الحديث كما هو عند مسلم وأبي داود.
(9) ما بين القوسين ساقط من نسخة (ر) .
(10) ما بين القوسين ساقط من نسخة (ر) .
(11) هذه الكلمة ساقطة من نسخة (ر) .
(12) مسلم بشرح النووي 10/206.
(13) سنن أبي داود 3/258.
(14) حديث رافع نسخة (ر) : قيل حديث حنظلة بن قيس وفي الأصل كما هو مثبت هنا.(37/457)
(1) هو ظهير بالتصفير ابن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي من كبار الصحابة شهد بدرا وقيل شهد العقبة. انظر الإصابة 2/241 والاستيعاب بهامش الإصابة 2/241 وتقريب التهذيب 1/382.
(2) الربيع النهر الصغير وجمعه الأربعاء. النهاية في غريب الحديث 2/188.
(3) قال الحافظ في الفتح 5/23 "قوله: "ازرعوها أو أزرعوها"الأول بكسر الألف وهي ألف وصل والراء مفتوحة والثاني بألف القطع والراء مكسورة و (أو) للتخيير لا للشك والمراد ازرعوها أنتم أو أعطوها لغيركم يزرعها بغير أجرة وهو الموافق لقوله في حديث جابر "أو ليمنحها".
(4) البخاري مع الفتح 5/22.
(5) مسلم بشرح النووي 10/204، 205.
(6) هذه الكلمة ساقطة من نسخة (ر) .
(7) قال: - أي الخطابي- وهذه الكلمة في الأصل في المتن وفي نسخة (ر) في الهامش.
(8) أي أصل دليل المضاربة.
(9) معالم السنن 3/94.
(10) ما بين القوسين موجود في كلا النسختين إلا أنه في الأصل في الهامش وفي نسخة (ر) في المتن.
في نسخة (ر) حديث بدل خبر والمعنى واحد والعبارة في نسخة (ر) هكذا (حديث نسخ حديث رافع) فكلمة حديث الأولى زائدة.
(11) في نسخة (ر) هكذا (علوا) .
(12) أي المكانة العالية فإنه يقال اقتدح الأمر دبّره انظر القاموس المحيط 301.
(13) كلام الإمام أحمد هذا نقله عنه ابن المنذر في الأشراف 1/154 والخطابي في معالم السنن 3/95 والبيهقي في السنن الكبرى6/135 وابن قدامة في المغني 7/558 وابن القيم في تهذيب سنن أبي داود 5/58.
(14) نفس المصدر السابق.
(15) معالم السنن 3/95.
(16) انظر التهذيب لابن القيم 5/59 فقد ذكر نحو ذلك وابن قدامة في المغني 7/558، 559 ذكر ذلك.
(17) هكذا في كلا النسختين (لتلك) . والذي في الإشراف لابن المنذر 1/153. كان لتلك العلل.
(18) ما بين القوسين يوجد في هامش الأصل بعد وضع علامة تشير إليه وفي نسخة (ر) في المتن.(37/458)
(1) في نسخة (ر) توجد كلمة (وكذلك) قبل كلمة قال.
في نسخة (ر) الخبرة وهذا خطأ.
(2) في نسخة (ر) بشرط. وهو خطأ متكرر.
(3) معالم السنن 3/93.
(4) هو عمرو بن دينار أبو محمد الجمحي مولاهم المكي الإمام الحافظ عالم الحرم من متقني التابعين وأهل الفضل في الدين كان مولده سنة ست وأربعين ومات سنة ست وعشرين ومائة انظر ترجمته في مشاهير علماء الأمصار: 84 وتذكرة الحفاظ 1/113 وتقريب التهذيب2/69.
(5) في نسخة (ر) أخبرهم وهذا خطأ.
(6) حرف النون من كلمة (لأن) ساقط من نسخة (ر) .
(7) هذه الكلمة ساقطة من نسخة (ر) .
(8) هكذا في النسختين (خراجا) والكلمة في الحديث في البخاري ومسلم بلفظ (خرجا) والخرج والخراج: هو ما يحصل من غلة الأرض. المصباح المنير 1/166 قال النووي في شرح مسلم 10/207: "خرجا أي أجره".
(9) البخاري مع الفتح 5/14.
(10) مسلم بشرح النووي 10/207 والحديث مروي بالمعنى وإلا فلفظه عند البخاري "وإن أعلمهم أخبرني – يعني ابن عباس – رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه ولكن قال: "أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليه خرجا معلوما". ولفظه عند مسلم "ولكن حدثني من هو أعلم به منهم يعني ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليه خرجا معلوماً".
(11) معالم السنن 3/94،95.
(12) في سننه 3/257، 258 ورواه النسائي 7/50 وابن ماجه 2/822 وأحمد في مسنده 5/182 وقد سكت عنه أبو داود وكذلك المنذري في المختصر 5/55. وضعفه الألباني كما في ضعيف بن ماجه: 194.
(13) هذه الكلمة (أن) ساقطة من نسخة (ر) .
(14) ما بين القوسين في الأصل في الهامش وفي نسخة (ر) في المتن وانظر كلام الخطابي في معالم السنن 3/94، 95.(37/459)
(1) قال ابن المنذر في الإجماع: 127 وفي الأشراف 1/158: "أجمع عوام أهل العلم على أن اكتراء الأرض وقتا معلوما جائز بالذهب والفضة"قال ابن المنذر: "وقد روينا عن طاووس والحسن أنهما كرها ذلك". وقال ابن قدامة في المغني 7/559: "ثم أحاديث رافع منها ما يخالف الإجماع وهو النهي عن كراء المزارع على الإطلاق".
(2) ذكر هذا المعنى ابن قدامة في المغني 7/559.
(3) ما بين القوسين في الأصل يوجد في الهامش وفي نسخة (ر) في المتن.
(4) التواتر في اللغة التتابع. انظر المصباح: 647. والخبر المتواتر في الاصطلاح: هو ما نقله في جميع طبقاته قوم يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة وكان الإخبار عن محسوس"، المختصر في أصول الفقه: 81 ونزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر1/244. وانظر نهاية السول 3/60.
(5) ما بين القوسين في الأصل يوجد في الهامش وفي نسخة (ر) في المتن.
(6) هكذا في الأصل وفي نسخة (ر) وكان.
(7) وانظر المغني 7/557-560 فإنه ذكر أغلب الردود المتقدمة.
(8) من قوله فإن قيل إلى آخر ما ذكره من الرد منقول من المغني بتصرف يسير مثل ابن قدامة قال: "فإن قال أصحاب الشافعي.. الخ"والمصنف قال: "كما قال الشافعي.. الخ" وانظر المغني 7/955 - 560.
(9) انظر قول الشافعي في الأم 4/12.
(10) ما بين القوسين في الأصل في الهامش وفي نسخة (ر) في المتن.
(11) ما بين القوسين في الأصل في الهامش وفي نسخة (ر) في المتن.
(12) معالم السنن 3/95.
(13) الحاوي 7/452.
من قول المصنف: "فإن القياس وشهادة الأصول"إلى قوله "ولأن الأرض لا تصلح لغير العمل عليها بخلاف المال"موجود بمعناه في المغني انظر: المغني 7/560.
(14) سورة البقرة: آية 185.
(15) سورة الحج: آية 78.
(16) انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي 83 قال: "وبمعنى هذه القاعدة - أي قاعدة المشقة تجلب التيسير- قول الشافعي رضي الله عنه: "إذا ضاق الأمر اتسع".(37/460)
(1) انظر: المغنىِ 7/561.
(2) هو زفر بن هذيل بن قيس العنبري أبو الهذيل من أكابر أصحاب أبي حنيفة وأبدعهم في القياس ولي قضاء البصرة وكان قد جمع بين العلم والعبادة وكان من أصحاب الحديث ثم غلب عليه الرأي ولد سنة 110هـ ومات سنة 158هـ انظر ترجمته في الفوائد البهية ص 70 ووفيات الأعيان 2/317 وأخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 103.
(3) انظر: قول أبي حنيفة وزفر في المبسوط 23/17.
(4) الأم 4/12 ومغني المجتاح 2/324 والمراد بالعمارة هنا: "الزراعة"مغني المحتاج 2/324.
(5) في نسخة (ر) توجد كلمة أصحابنا بعد كلمة واختلف وليست في الأصل والكلام يستقيم بدونها. وانظر خلاف الشافعية في ذلك في روضة الطالبين 5/170 ومغني المحاج 2/324، 325.
(6) أي زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده.(37/461)
(1) كون هذه الطرق التي ذكرها تجعل المزارعة مشروعة بهذه الصورة فيه نظر؛ فإن هذه الطرق تتضمن إعارة وقرضا غير مقصودين لذاتهما وإنما يتوصل بهما إلى المعاوضة, وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية 162، 164 أن بعض من منع المزارعة احتال لجوازها كأن يؤجره الأرض فقط ويبيحه التمر أو أن يسمي الأجرة في مقابلة منفعة الأرض ويتبرع له بإعارة الشجر أو يجمع هبة أو عاربة. قال شيخ الإسلام: "والمنع من هذه الجبل هو الصحيح قطعا لما روى عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك" رواه الأئمة الخمسة قال الترمذي: "حديث صحيح", فنهى صلى الله عليه وسلم عن أن يجمع بين سلف وبيع وإذا جمع بين سلف وإعارة فهو جمع بين سلف وبيع أو مثله، وكل تبرع يجمعه إلى البيع والإجارة مثل الهبة والعارية، والعرية والمحاباة في المساقة والمزارعة والمبايعة وغير ذلك هي مثل القرض فجماع معنى الحديث أن لا يجمع بين معاوضة وتبرع لأن ذلك التبرع إنما كان لأجل المعاوضة لا تبرعا مطلقا فيعتبر جزءاً من العوض"اهـ. وانظر الحديث المتقدم في مسند الإمام أحمد 2/179 وسنن أبي داود 3/283 وسنن النسائي 7/288 وسنن الترمذي 3/535 وسنن ابن ماجه 2/737.
(2) هذه الطرق الثلاث وكذلك الطرق التي سيذكرها المصنف فيما بعد جميعها ذكرها النووي في روضه الطالبين 5/169، 170 وكذلك ذكرها الرافعي في فتح العزيز 12/112، 113.
الأم 4/13 وروضة الطالبين 5/169 وفتح العزيز 12/112.
(3) هو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم المزني المصري الإمام العلامة الزاهد تلميذ الشافعي. ولد سنة خمس وسبعين ومائة ومات سنة أربع وستين ومائتين. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 12/492وطبقات الشافعية لابن هداية الله: 20.
(4) انظر قوله في روضة الطالبين 5/169 وفتح العزيز 12/112.(37/462)
(1) ساقطة من نسخة (ر) وموجودة في الأصل.
(2) هكذا في الأصل وفي نسخة (ر) يكري.
(3) تقول: قاصصته مقاصة وقصاصا من باب قاتل إذا كان لك عليه دين مثل ما له عليك فجعلت الدين في مقابلة الدين. انظر المصباح المنير 2/505.
والمعنى: أنهما يكونان شريكين في الزرع على المناصفة ولا أجرة لأحدهما على الآخر لأن العامل يستحق من منفعة الأرض بقدر نصيبه من الزرع والمالك من منفعته بقدر نصيبه من الزرع. مغني المحتاج 2/325.
(4) نقل ابن المنذر عن الحسن القول بكراهية إجارة الأرض وكذلك نقل الكراهية عن طاووس ونقل القول عنهما بالكراهة ابن حزم. انظر الأشراف 1/156 والإجماع 127. والمحلى 8/213.
(5) الأم 4/15.
(6) مختصر الطحاوي 132، والهداية 3/235 والمبسوط 23/15.
(7) وقال بهذا القول كل من جوز المزارعة انظر المصادر المتقدمة في الخلاف في حكم المزارعة من ص 44 إلى ص50 وانظر الإقناع لابن المنذر 2/571، 572, وقد ذكر ابن المنذر الإجماع على جواز كراء الأرض بالذهب والفضة فقال في الأشراف 1/158: "وأجمع عوام أهل العلم على أن اكتراء الأرض وقتا معلوما جائز بالذهب والفضة"وقال ابن قدامة في المغنى 7/558: "والنهي عن كراء المزارع يخالف الإجماع"فلعل ابن المنذر وابن قدامة حملا المنقول عن الحسن وطاووس على كراهة التنزيه. والله أعلم.
(8) الأشراف لعبد الوهاب 2/63 والمنتقى 5/132، 133.
(9) تقدم ص 354.
(10) في نسخة (ر) المجوز.
(11) تقدم ص 361.
(12) على المساقاة والمضاربة.
(13) تقدم ص 354.
(14) ما بين القوسين يوجد في كلا النسختين إلا أنه في الأصل يوجد في الهامش وفي نسخة (ر) وفي المتن.
(15) ما بين القوسين في الأصل فقط وليس في نسخة (ر) .(37/463)
الغريب المصنف
تأليف
أبي عُبيد القاسم بن سلاَّم (المتوفى سنة 224 هـ)
تحقيق
صفوان عدنان داووديّ
القسم الثَّاني
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً
كتابُ النِّساء
الباب 56
نعوتُ النساء في أسنانهنَّ
قال أبو عبيد: الكاعِبُ: التي قد كعَّبَ ثديُها [وكعَبَ، من قال: كعَّبَ قال: مُكعَّب] (1) فإذا نَهَد فهي نَاهِد، فإذا أدركتْ فهي مُعْصِر. قال الشاعر (2) :
قد أعصرتْ أو قد دنا إعصارُها
107-[ينحلُّ من غلمتِها إزارها] (3)
والثًّدِيُّ الفَوالكُ دون النواهد، والغِرَّة: الحَدثةُ السنِّ التي لم تُجرّبِ الأمور، وُيقال أيضاً: غِرٌّ.
قال الأعشى (4) :
غِرٌّ فلا يُسرى بها
108- إنَّ الفتاةَ صغيرةٌ
وقال الكسائيُ: "المُعْصِر: التي قد راهقت العشرين، والعانس فوقها".
الفرّاء: "المُسْلِفُ: التي قد بلغت خمساً وأربعين، أو نحوها"، وأنشدنا (5) :
وكاعب ومسلِفُ
109- فيها ثلاث كالدُّمى
غيرُه: النصَفُ نحو المُسْلف.
الباب 57
باب نُعوتِ النساء وما يُستحسنُ منهنَّ
قال أبو عبيد: سمعتُ الأصمعيَّ يقول: "الخَوْدُ من النساء: الحسنَةُ الخَلْق. وقال أبو زيد: جمعُ خَوْد: خُوْد".(37/464)
الأصمعيُّ: المُبتَّلةُ: التي لم يركبْ لحمُها بعضه بعضاً، والمَمْكُورة: المَطْويَّةَ الخَلْق، والخَرْعَبة: اللَّيِّنة القصب الطويلة، والبخنْداةُ والخَبَنداةُ جميعاً: التامَّة القَصَب. والخَدَلَّجة: المُمتلئةُ الذَراعين والسَّاقين، والهِرْكَوْلة: العظيمةُ الوَرِكين، والرَّادَح: الثَّقيلة العجيزة. والرَّضْراضَة: الكثيرة اللحم، والبَضَّة: الرَّقيقة الجلد إنْ كانت أدماءَ أو بيضاء، والرُّعْبُوبَة: البيضاء، والهيفَاء: الضامرة البطن، ومثلُها القبَّاء (1) ، والخُمْصَانة والمُبَطَّنة، والأُمْلود: النّاعمة اللينة، والغادةُ: النَّاعمة اللَّينة، ومثلُها: الخَرِيع، وهو مأخوذ من النَّبت الخِرْوع، وهو كلًّ نبتٍ لين، والسُّرْعُوفَة. النَّاعمة الطويلة، وكل شيءٍ خفيف أيضاً فهوَ سُرْعُوف، وأنشدنا (2) :
سَرْعَفْتُه ما شئت من سِرْعافِ
110-.............................
والمُرْمُورة التي ترتجُّ، وهي المَرْمَارة أيضاً والأناةُ: التي فيها فتور عند القيام، والوَهْنَانة نحو ذلك. والعُطْبُولة: الطَّويلة العنق، وكذلك العُطْبُول، ومثلها العَيْطاء والعَنْقَاء، والطَّفْلة: النَّاعمة الرَّخصة وكذلك البَنان الطَّفْلُ، والطَّفْلَة: الحديثةُ السِّنِّ، والذَّكَرُ: طِفْل، والضمْعَج: التي قد تمَّ خَلْقها, واستوثجت (3) نحواً من التمام، وأنشدنا (4) :
ياربَّ بيضاءَ ضحوكَ ضمْعَجِ
111-...........................
وكذلك البعيرُ والفَرس. قال: والمَمْسُودة: المَطْوِيَّة المَمْشُوقة، وأنشدنا (5) [يصف فرساً] (6) :
يمسد أعلى لحمه ويأْرِمه
112-............................
أي: يشدّه.
والخَرِيع أيضاً: التي تتثنَّى من اللِّين، وأنكر [الأصمعي] أن تكون الفاجرة، وأنشدنا لعتيبة بن مرداس (7) :
خَريعٍ كسبتِ الأحوريِّ المُخصَّر
113- تكفُّ شبا الأنيابِ عنها بِمشفَرٍ(37/465)
وقال: والأحوريُّ: الأبيض الناعم، والرَّقْرَاقة: التي كأنَّ الماء يجري في وجهها، والبَرَهْرَهَة: التي كأنًها تُرعَد من الرُّطوبة.
أبو زيدٍ: الرَّأدةُ والرَّؤودَة على فَعُولةٍ، كل هذا السَّريعة الشَباب مع حُسنِ غِذاء، وقال: [يقال] : امرأة ذَعور: وهي التي تُذعَر [من كل شيء] . قال: وأنشدني رجلٌ من بني تميم (1) :
سوى ذاك تُذْعَرْ منك وهي ذَعُورُ
114- تنولُ بمعروفِ الحديثِ وإنْ تُرِدْ
غيرُه: العَبْهَرَةُ: العظيمة، والعُطْبُول: الطويلة العُنق، والغَيْلَم: المرأةُ الحسناء. قال البريق الهُذليُّ (2) يصف رجلاً:
تُنيف إلى صَوتهِ الغَيْلَم
115-[من المُدَّعين إذا نُوكِروا] (3)
والعَيْطَموس: الحسنَةُ الطويلة، والعَيْطَاء والعَيْطَل والعُطْبُول والعَنَطْنَطَة: كلُّ هذا من الطُّول. واللُّبَاخيَّةُ: العظيمة، والرِّبلة: الكثيرةُ اللحم، والغَيْداء: المُتثنِّية من اللِّين. الفراء: المُتَربِّلَة أيضاً: الكثيرة اللحَم، وقد تَربَّلت.
الباب 58
بابُ نعوتِ النِّساءِ
في أخلاقهنَّ وما يُستَحبُّ منها
قال أبو عبيد. قال أبو علقمة الثقفيُّ: البَهْنَانة: الطَّيبة الرِّيح. قال الأصمعيُ: هي الضَّحَّاكة، والخَفِرة. هي الحَيِّيَة، والخَريدة مثلُها [وكذلك الخريد بلا هاءٍ] (4) أبو عمروٍ في الخَرِيدَة والخَرِيد مثله. قال الأصمعيُّ: القَتِينُ: القليلة الطَّعْم (5) .
الأمويُ. الرَّشُوف: المرأةُ الطيِّبة ريحَ الفم، والأنُوف: الطَّيَّبة ريح الأنف، والمشْفُوعةُ (6) : التي قد أصابتها شُفْعة، وهي العين. الأصمعيُّ. السِّمْسَامة: الخفيفةُ اللطيفةُ، والضَّهياء: التي لا تحيضُ. قال الكسائيُّ مثلَه، وجمعُها: ضُهْيٌ مثال: عُمْي، والذّراع: الخفيفةُ اليدين بالغَزْل.(37/466)
غيرُه. الشَمُوع: اللَّعُوب الضَّحُوك، والعَرُوب: المُتحبِّبة إلى زوجها، ويُقال في العَربَة مثلها، والنَّوار: النَّفُور من الرَّيبة، وجمعُها: نُوْر.
الباب 59
بابُ نُعوتِ ما يُكْرَهُ
من خَلْق النَساء ِوخُلُقِهنَّ
الأصمعيُّ: العِفْضَاج. الضَخْمةُ البطنِ المُسترخيةُ اللَحم. غيره- المُفاضة مثلُها.
أبو زيدٍ (1) : العَرَكْرَكَة مثال فَعَلْعَلَة: الكثيرةُ اللَّحم. الرَّسْحَاءُ: القبيحةُ.
الأمويُّ. العَضَنَّكةُ. الكثيرةُ اللَّحم المضطربته. أبو عمرو. المِزْلاج: الرَّسْحَاء. [وامرأة فَلْحَسٌ وعَصُوبٌ، أي: رسحاء] (2) .
الأصمعيُّ: ومثلها الرَّصْعَاء والزَّلاّء. قال: والجَدَّاءُ: الصغيرة الثَّدي، والقَفِرَةُ: القليلةُ اللَّحم، والعشَّة مثلُها، والعِنِْفص: البَذيَّةُ القَليلةُ الحياء، والجَلِعَة (3) : التي قد ألقت عنها [قناع] الحياء، والمَجعَة (4) : التي تكلَّم بالفحش، والاسم منها: الجَلاعة والمَجَاعة، والقُنبُضَة: القصيرة، والجَعْبَريَّة مثلُها، وأنشدنا للعجَّاج (5) :
لا جعبريَّات ولا طهاملا
116- يُمسين من قَسِّ الأذى غوافلا
القَسُّ: تَتبُّع الشَّيء وتَطلُّبه. يُقال: قسَستُ أقُسُّ [قساً] . الأمَويُّ: البُهْصُلَة: القصيرة، والرَّصُوف: الصَغيرةُ الفَرْج، [ (6) والمَمْصُوصة: المهزولة عن داءٍ مخامرها، ومثله: المَهْلُوسة، وامرأة تابَّةٌ كبيرة، ورجل تابٌّ، ومنهنَّ: الناحلة، ورجلٌ ناحل من مرضٍ أو سفرٍ، والمُتخدِّدة (7) ، ورجلٌ مُتَخدِّد] .
والعِنْفِصَة: القصيرة المختالة. الأصمعيُّ: المُتلاحمة: الضيقة الملاقي، وهي مآزم الفَرْج، والمَأْسُوكة: التي أخطأت خافضتها فأصابتْ غيرَ موضع الخفض، ومثلُها من الرِّجال: المَكْمُور: إذا أصاب الخاتنُ كَمَرَتَهُ. الأحمرُ: الشَريمُ: المُفضاة، وأنشدنا (8) :
أفضلُ مِنْ يومِ احلِقي وقُومي
117- يومُ أديم بقَّةَ الشَّريم
بقَّة: اسم امرأة.(37/467)
أراد: الشدَّة. غيرُه: المُفَاضةُ مثلُ العِفْضَاج. أبو عمروُ: المِنْداص: الخفيفة الطَّياشة. قال: والمَدْشَاء: التي لا لحم على يديها (1) ، والمَصْوَاء: التي لا لحم على فخذيها.
الكسائيُ: والجَأْنَب: الغليظة الخَلْق. الأصمعيُ: الكَرْوَاء: الدَّقيقة السَّاقين.
أبو زيدٍ: الرَّادة غيرُ مهموز (2) : الطَّوَّافة في بُيوتِ جاراتها، وقد رَادت تَرُود رَوَداناً.
أبو عمرو (3) : النَّكِعة: الحمراء اللَّون، والنَّكُوع: القصيرة، وجمعُها: نُكُع. قال ابنُ مُقبلٍ (4) :
لاسود ولا نُكُع
118-...................
غيرُه: الحَنْكَلة: القصيرة، والصَّهْصلقُ: الشَّديدةُ الصوت، والمِهْزَاق: الكثيرة الضحك، والمَطْرُوفة: التي تطرِّف الرجال لا تثبتُ على واحدٍ. قال الحطيئةُ (5) :
بغى الوَدَّ من مطروفةِ الودِّ طامح
119- وما كنتُ مثلَ الهالكيِّ وعِرسِه
[والمَطْرُوفة التي نشزت فهي تنظر إلى الرِّجال، وطرفَها حبُّ الرِّجال، وبغض زوجها طَرَفها، أي: رميت بالطَّرف، وأنشد:
بها من هوى مُرْد الرِّجال جنونُ] (6) .
- ومطروفة العينين من بُغضِ زوجها
الفرَّاء: الضَّمْزَر: الغليظة، والعَفِير: التي لا تُهدي لأحدٍ شيئاً، وقال الكُميت (7) :
لِ وصارَتْ مِهداؤُهنَّ عَفيرا
120- وإذا الخُرَّدُ اغبَرَرْنَ من المح
أبو عمروٍ (8) : اللَّخْناء: المُنْتنة الرِّيح، ومنه قيل: لَخِنَ السِّقاء. إذا تغيَّر ريحُه.
الباب 60
بابُ نُعوتِ النِّساء مع أزواجِهنَّ(37/468)
الكسائيُّ: امرأة مُراسِل: وهي التي مات زوجُها أو طلّقها، واللَّفُوت: التي لها زوجٌ ولها ولدٌ من غيره، فهي تَلْفتُ إلى ولدها. غيرُ واحدٍ: المُضِرُّ: التي لها ضرائر، والمُثفَّاة: التي لزوجها امرأتان سواها، وهي الثالثة، شبِّهت بأثافي القِدر. عن الكسائي: المُثفَّاةُ: التي تموتُ لها الأزواج كثيراً، وكذلك الرَّجل المُثفَّى. الأصمعيُ: البَرُوك. التي تتزوج ولها ولد كبير، والمَرْدُودة: المُطلَّقة، والفاقِد: التي يموتُ زوجها، والحَادُّ والمُحِدُّ: التي تترك الزِّينة للعدَّة. أبو زيدٍ: العَانِسُ: التي تُعجِّز في بَيْت أبويها ولا تتزوَّج وقد عَنَسَت تَعْنُس عُنوساً. قال الأصمعيُّ: لا يُقال: عَنَسَتْ ولا عَنْسَت، ولكنْ عُنِّسَتْ فهي مُعَنَّسة (1) . غيرُ واحدٍ: الصَّلِفة: التي لا تحظى عند زوجها. قال القُطاميُّ (2) :
فَروكٌ ولا المُستَعْبِراتُ الصلائفُ
121- لها روضةٌ في القلبِ لمْ ترعَ مثلَها
ويروي: [ولا المُستَعْبَرات] أيضاً.
الأمويُّ: ويقال لها عند ذلك: ما لاقَتْ عند زوجها ولا عَاقَتْ، أيْ: لم تَلصقْ بقلبه، ومنه لاقَتِ الدواة، أي: لصقت، وألقتها وأنا أُليقها إِلاقة. أبو زيدٍ والكسائيُ: فإنْ أبغضَتْه هي قيل: فَرِكَتْه (3) تَفِركُه فِرْكاً وفُروكاً. غيرُه: العَوانُ: الثَيِّبُ، وجمعُها: عُون، والهَدِيُّ: العروس، يُقال منه: هَديتُها إلى زوجها، والغَانيةُ: التي قد غَنيت بالزَّوج. عن الكسائي: العَزَبةُ: التي لا زوجَ لها، والعَوانُ: التي قد كان لها زوج، ومنه قيل: حَربٌ عَوانٌ: قد قوتل فيها مرَّة.
الباب 61
بابُ نُعوت النِّساءِ في ولادتِهنَّ(37/469)
الكسائيّ: امرأةٌ مَاشِيةٌ ضَانئة: معناهما: أنْ يكثرَ ولدُها، وقد مشتْ تمشي مَشَاءاً، ممدودٌ، وضَنَتْ تَضْني (1) ضَنَاً وضُنوءاً، ممدود. وضنَأتْ تَضْنَاً ضنْأً وضُنوءاً، [والضنْءُ: الولد، والضِّنْءُ: الأصل] (2) . الأصمعيُ: الخَروسُ: التي يُعمل لها شيء عند ولادتها، واسمُ ذلك الشيء: الخُرْسة، وقد خَرَّستها (3) . وقال الشاعر (4) :
إذا النُّفساءُ أصبحت لم تُخرَّسِ
122-[فللهِ عَيْنا مَنْ رأى مثلَ مَقْيَسٍ] (5)
والمُمْصِل: التي تُلقي ولدها وهو مُضْغة، يقال: أمْصَلت [ومثله المُمْلِص. يقال أمَلَصتْ] (6) . أبو زيد: المُشْبِلَة: التي تقومُ عَلى ولدها بعدَ زوجها ولا تتزوَّج. يُقال: قد أشْبَلت، وحَنَتْ عليهم تحنو فهي حانية، وإنْ تزوَّجت بعدَه عليهم فليستْ بحانية، والمُحْمِل: التي ينزلُ لبنُها من غير حَبَلٍ، وقد أحْملَت، ويُقال ذلك للنَّاقة أيضاً (7) 0 الفراء: اللََّقْوة (8) من النِّساء: السَّريعة اللَّْقح. الأصمعيُّ: انْهَكَّ صَلا المرأة إنهاكاً: إذا انفرجَ في الولادة. الأحمرُ: أرْغلت المرأة فهي مُرْغِل: إذا أرضعت (9) ، وإذا ولدت المرأة واحداً فهي بكر، وإذا ولدتِ اثنين فهي ثِنْيٌ، وهو قولُ أبي ذؤيبِ (10) :
تُشابُ بماءٍ مثلِ ماءِ المفاصلِ
123- مَطَافيلَ أبكارٍ حَديثٍ نتاجُها
غيرُه: والوَحْمى: التي تشتهي الشيء على الحمل (11) ، بَينة الوِحَام، والمِقْلاتُ: التي لا يبقى لها ولد، والنَزور: القليلةُ الولد، والرقُوف والهَبول مثلُ المِقْلات، والثَكُول: الفاقد، والتَعْفير: أنْ ترضع ولدها ثم تدعَهُ ثم ترضعَه، ثمَّ تدعَهُ، وذلك إذا أرادت أنْ تَفطِمَه، وهو قولُ لبيدٍ (12) :
غُبْسٌ كواسبُ لا يُمَنُّ طَعامُها
124- لِمعَفّرٍ قَهْدٍ تَنازعَ شِلْوه
[الأصمعيُّ: البِكْر: التي ولدتْ ولداً واحداً] (13) .
الباب 62
بابُ نُعوتِ الخَرْقَاء والفَاجرةِ والعَجُوزِ(37/470)
أبو عمروٍ [الشيباني] : العَوْكَل: المرأةُ الحَمقاء. الأصمعيُّ: الخِرْمِل والدِّفْنِس والخِذْعِل كلُّه مثلُ ذلك: أبو زيدَ: الخَرِيعُ والهَلُوك والمُوْمِسَة. كلُّ هذا الفاجرة، وكذلك البَغِيُّ والعاهرة والمُعَاهرة، والمُسَافِحَة: الفاجرة. الأصمعيُّ: اللِّطْلِط: العجوزُ الكبيرة. الكسائيُّ: هي العَيْضَمُوز (1) . الأمويُّ: وهي الشَهْبَرة، والشَّهْلَة، وأنشدنا (2) :
كما تُنزّي شَهْلَةٌ صَبيَّا
125- باتَ يُنزِّي دلوَهْ تَنْزِيَّا
والحَيْزَبون مثله، والقَيْنَة: الأمةَ، والدَّأْثَاء: الأمَة. قال الفَّراء: يُقال: ما هو بابنِ دَأْثَاء ولا تَأْداء. [عن أبي عمروٍ: الهِرْدَبَّة: العجوز] (3) .
الباب 63
بابُ نُعوتِ النِّساءِ التي تكونُ
بالهاءِ وبغيرِ الهاء
الكسائيُّ: امرأة شجاعةٌ وبَطَلةٌ وجبَانةٌ. أبو زيدٍ مثلَ ذلك كلّه، وقال: امرأة كَهْلَة أيضاً، وأنشدنا (4) :
أُمارسُ الكهلةَ والصبيِّا
126- ولا أعودُ بعدها كريّا
الكسائيُّ: امرأة بَحَّةٌ وبحَّاء، وفرس طِرْفَةٌ للأنثى، وصِلْدِمَة، وهي الشَّديدة. الأمويُّ: امرأةٌ عِنيِّنَة: وهي التي لا تريد ُالرِّجال (5) ، وضَيْفَة (6) ، وغُمْرَة، ومن الرِّجال: الغُمْر.
الفرَّاء: العَزَبة: التي لا زوجَ لها. الكسائيُ: امرأة وَقَاحُ الوجهِ بغير هاءٍ، وجَوادٌ وكَلُّ، وقِرْنٌ، وقَرْنٌ أي: مِثلٌ، ومُحِبٌّ، وكَهامٌ، وليلة عماسٌ: شديدة، ومِلْحَفَةٌ جديد، [وخَلَقٌ] ، ولَبيسٌ. كلُّ هذا مثل الذَّكر بغيرِ هاء. الكسائي: امرأة عاشق، ولحية ناصلٌ من الخضاب. الأمويُّ: ناقة نازِعٌ إلى وطنها. الأصمعيُّ: امرأة واضعٌ: قد وضعَتْ خمارها. الأحمرُ: امرأة جَالعٌ. المُتبرِّجة (7) . أبو زيدٍ امرأة ذَائِرٌ، أي: ناشزٌ. الكسائيُّ: امرأة عارِك: حائض، قد عَرَكَتْ تعْرُكُ عرُوكاً.
الباب 64
بابٌ آخرُ من نُعوت النِّساءِ بغير هاءٍ (8)(37/471)
الكسائىُّ: جارية كاعبٌ وكَعَابٌ، وَمُكَعَّبٌ، وقد كعَّبت تكعيباً، وكذلك: ثَيَّبتْ فهي مُثيِّبٌ، وعجَّزت فهي مُعَجِّز، وبعضهم يقولُ: عَجَزت وكَعَبت بالتخفيف، والنابُ من الإبل نيَّبَتْ فهي مُنيِّب. قال: وليس في الثيِّب وحدها إلا التشديد. وعوَّدت النَّاقة فهي مُعوِّد وعَوْدَة وجمعه: عِوَد، والذِّكَر: عَوْد. [والجمعُ للذكر: عِودَةٌ] (1) .
الباب 65
بابُ ذكرِ عِشْقِ النِّساءِ (2)
العَلاقَةُ: الحبُّ اللازمُ للقلب، والجَوى: الهوى الباطن، واللَّوْعة: حُرقةُ الهوى، والأَعج: الهوى المُحْرِق، وكذلك كلُّ شيءٍ مُحْرق. قال الهُذَليُّ (3) :
ضرباً أليماً بِسبتٍ يلعجُ الجِلدا
127-.......................
أي: يُحرق.
والشَغْفُ: أنْ يبلغَ الحبُّ شَغَاف القلب، وهو جِلْدةٌ دُونَه، [والشَّعْفُ: إحراقُ الحبِّ القلبَ مع لذَّةٍ يجدها، وهو شبيه باللَّوعة، ومنه قيل: مَشعُوف الفؤاد، وهو عِشقٌ مع حُرْقةٍ، ومنه قولُ امرئٍ القيس (4) :
كما شعفَ المهنوءةَ الرَّجلُ الطَّالي] (5)
128- أيقتلُني وقد شعفْتُ فؤادَها
والتَّيْمُ: أنْ يستعبدَه الهوى، ومنه سمِّيَ تيمُ الله، [وهو رجلٌ مُتيَّم (6) ، والتَّبْل: أنْ يُسقمه الهوى،] (7) ومنه: رَجلٌ مَتْبُول، والتَّدْليهُ: ذَهابُ العقل من الهوى، وهو رجلٌ مدلَّةٌ، والهَيُوم: أنْ يذهبَ على وجهِه، وهو الهائم، وقد هَامَ يَهِيمُ.
الباب 66
بابُ لِباس النِّساءِ وثيابهنَّ
أبو عمرو (8) : الكُدُونُ: الثَّيابُ التي تُوطِّئُ بها المرأةُ لنفسها في الهَوْدج. الأحمرُ: هي الثيابُ التي تكونُ على الخُدور، واحدُها: كِدْن. أبو عمرو: النِّفَاض: إزار من أزر الصبيان، وأنشد (9) :
جارية بيضاءُ في نِفَاضِ
129-.......................(37/472)
الأصمعيُّ: الإتبُ: البَقِيرة، وهو أنْ يؤخَذ بُردٌ فيشق، ثمَ تُلقيه المرأةُ في عُنقها من غير كُمَّينِ ولا جَيبَ، والبُخْنُق: البُرْقُع الصغير.
الفرَّاء: قالت: الدُبيرية (1) . البُخْنُق خِرقةٌ تلبسها المرأة فتغطَّي رأسها ما قَبلَ منه وما دبَر غيرَ وسط رأسها، والصِّقَاع: خِرقةٌ تكون على رأسها تُوقي بها الخمار من الدُّهن.
أبو الوليدِ الكلابيُّ: قال: يُقال لهذه الخرقة أيضاً: الغِفارَة والشُّنْتَقة (2) أيضاً. الفراء: العُظْمَة: الشيء تُعَظّم به المرأةُ عَجيزتها من مِرْفَقة أو غيرِها، وهذا في كلام بني أسدٍ، وغيرُهم يقولون: العِظَامة.
وقال الأحمرُ: الوَصْواص: البُرقع الصغير. الفرَّاء: فإذا أدنتِ المرأةُ نِقابها إلى عينيها فتلك الوَصْوَصة، فإنْ أنزلته دُون ذلك إلى المِحْجَرِ فهو النِّقَاب، فإنْ كان على طَرفِ الأنفِ فهو اللِّفام، فإنْ كان على الفم فهو اللِّثام. أبو زيدٍ قال: تميمٌ تقولُ: تلثَّمتُ على الفم، وغيرُهم: تلفَّمت، وقال: النِّقاب على مارِن الأنف، والتَّرْصِيص: أنْ لا يُرى إلا عيناها، وتميمٌ تقولُ: هو التَّوْصِيص، وقد رصصَتْ وَوصَّصَتْ. الفرّاء: يُقالُ من اللِّثام والِّفام. لَفَمْتُ ألْفِمُ، ولَئِمْتُ ألْثِمْ (3) ، فإذا أرادوا التقبيل قالوا: لَثِمْتُ ألْثَمُ. أبو عمرو: الخَيْعَل. قميصٌ لا كُمَّي له، وقال غيرُه في الخَيْعَل: يُخاط أحد شقيه، والنَّصيف: الخِمار. العدبّس الأعرابي. قال: الشَّوْذَر: الإِتْب، والعِلْقَةُ: ثوب صغير، وهو أوَّل ثوب يُتَّخَذُ للصبيِّ، وأنشدنا:
مُنْفَرجٌ عن جانبيه الشَّوْذَرُ (4)
130-.....................
الأصمعي: الرَّهْطُ: جِلد مُتَخرِّقٌ يُشقُّ يلبسه الصبيان والنِّساء، وأنشدنا (5) :
كِ أجعلْكَ رَهْطاً على حُيَّضِ
131- متى ما أشأْ غير َزَهْوِ الملو(37/473)
أبو عبيدة: المآلي: خِرقٌ تمسكها النساء بأيديهن إذا نُحْنَ، [واحدها مِئْلاة] . والمَجَالد مثلُها، واحدُها: مِجْلَد، وهي من جُلود، والبَقِير: الإتْب، قال الأعشى (1) [يصف امرأة] (2) :
فلُ في البَقيرِ وفي الإزاره
132- كتميّل النشوان يَر
الباب 67
بابُ حُلَي النِّساءِ
أبو عمروٍ: النَّطَف: القِرَطَةُ: والواحدةُ: نَطَفة (3) ، والمَسَك مثلُ الأسْوِرَة من قرونٍ أو عاجٍ.
الأصمعي: الوَقْفُ: الخِلْخَال ما كان من شيءٍ فضةٍ أو غيرها، وأكثر ما يكون من الذَّبْل، [والذَّبل شبهُ سوارٍ من جلود يلبسه أهل الحِيَل] (4) .
وأما التوقيفُ فالبياضُ مع السَّواد، والخَوْقُ والخُرْص جميعاً هما الحَلْقَة من الفضَة أو الذهب، والحبْلة: حليُّ كان يُجعل في القلائد في الجاهلية، والسَّلْس: خيطٌ ينتظم فيه الخرز، وجمعُه: سُلُوس، وأنشدنا (5) :
وقلائدٌ من حُبْلةٍ وسُلوسِ
133- وَيزِينُها في النَّحرِ حَلْيٌ واضح
الأمويُّ: الخَضَضُ: الخَرزُ الأبيض الذي تلبَسُه الإماء. الفرَّاء: الخَضَاض: الشيءُ اليسير من الحلي. قال: وأنشدنا القناني (6) :
لقلتَ غزالٌ ما عليه خَضاضُ
134- ولو أشرفَتْ من كُفَّةِ السترِ عاطلاً
قال: ويقالُ للرجل الأحمقِ أيضاً: خَضَاض. أبو عمرو: الحِرْجُ: الوَدَعة، وجمعُه: أحْراج، [وحِراج] (7) . أبو عمروٍ: الكُروم: القلائد، واحدُها: كَرْم، وقال الشاعر (8) :
تَباهَى بصوغٍ من كُرومٍ وفضَّةٍ
135-
غيرُه: التُّوَمُ: اللؤلؤ، والواحدةُ: تُومة غير مهموزٍ. والبُرَى: الخلاخيل، واحدتُها: بُرَة، وتُجمع على بُرين وبِرين، وهي الحُجُول أيضاً. واحدُها: حِجْل، والسِّمطْ: الخيطُ يكونُ فيه النظم من اللؤلؤ وغيره، والخِدَام: الخَلاخيلُ، واحدتُها: خَدَمة، وكذلك كلُّ شيءٍ أشبهه، والرِّعاثُ: القِرَطة، واحدها (9) : رَعْث ورَعْثة، والجَبائر: الأسْوِرة، واحدتها: جِبَارة وجَبيرة. قال الأعشى (10) :(37/474)
بِ ومعصماً ملءَ الجِباره
136- فَأَرَتْكَ كفَّاً في الخضا
الباب 68
بابُ تزيُّنِ النِّساءِ واللَّهوِ معهنَّ
أبو زيدٍ: تزيَّقتِ المرأةُ تزيُّقاً، وتزيَّغتْ تَزَيُّغاً: إذا تزيَّنت. الأحمر: زَهنَعْتُ المرأة وزَتَّتها بالتاء: إذا زيَّنتها. قال. وأنشدنا (1) .
إنَّ فتاةَ الحيِّ بالتَّزتُّتِ
137- بني تميم زَهنِعُوا فتاتكم
أبو زيد: خَاضَنْتُ المرأة مُخَاضنة: إذا غازلتها. الأحمرُ: هَانَغْتُها مُهَانغةً (2) . الأصمعيُّ: تعلَّلْتُ بها تَعلُّلاً: لهيتُ بها. الكسائيُّ: ويُقال للذي يُخالط النساء: زِيْر، وجمعُه: زِيَرة، وأزْيار، وامرأة زِير. أبو زيدٍ (3) : بَدا من المرأة مَوْقِفُها: وهو يداها وعيناها ممَّا لابدَّ لها من إظهاره.
الباب 69
بابُ مَشْي النِّساءِ
الأصمعيُّ: تهالكَ فلانٌ على المتاعِ والفِراش: إذا سقط عليه، ومنه: تهالكُ المرأة، وتهالكتِ المرأة في مشيتها. قال بعضُهم: هي تَقَتَّلُ في مشيتها، مثلُه. عن أبي عمروٍ: قَرْصَعتِ المرأةُ قَرْصَعةً، وهي مِشْية قبيحة، وتَهزَّعت تهزُّعاً: إذا اضطربت، وأنشد (4) :
هزَّ القناةِ لدْنَةَ التَّهزُّع
138- إذا مشَتْ سالَتْ، ولم تَقرصعِ
غيرُه: والمَثْعُ: مِشْيةٌ قبيحة، وقد مَثِعَتْ (5) تَمْثَع مَثْعاً. [وقال غيره: المَثَع] (6) .
الباب 70
بابُ اسمِ حَليلةِ الرَّجلِ
الأصمعيُّ: حنَّة الرَّجل: امرأتُه، وهي أيضاً طلَّته، وعِرْسُه، وقَعِيدَتُه، ورَبَضُه، وظعِينتُه، وزَوْجُه. قال: ولا تكادُ العرب تقولُ: زوجته. قال أبو عبيد: هذا الحرف بلغني عنه. يعني: الأصمعيُّ (7) . [ولم أسمعه] .
الباب 71
بابُ الطِّيبِ للنِّساءِ وغيرِهنَّ(37/475)
أبو عمروٍ: الجَاديُّ: الزَّعفران، والمرْدَقُوش هو أيضاً. وقال أبو عبيدة (1) : العبيرُ عند أهل الجاهلية: الزَّعْفران. أبو عمروٍ: اليَلَنْجُوج والألَنْجُوج لغتان: وهما العود. الكسائيُّ: الكافور: هو الذي يُجعَل في الطِّيب، وكذلك طَلع النَّخل. قال: وواحدُ أفواه الطيب. فُوهٌ. عن أبي عمروٍ: الصِّوارُ: القليلُ من المِسْك، والجِسَاد والجَسَد: الزَّعفران، ومنه قيل للثوب: مُجْسَد إذا صبغ بالجِسَاد، أيْ: بالزَّعفران، والأهْضام: البَخُّور، واحدَتُها: هَضْمَة.
أبو زيدٍ: وجدتُ خَمَرة الطِّيب، منتصبة الخاء والميم، يعني: ريحه. قال أبو عبيدٍ: ويقال: وجدتُ خمْرة الطيب، بجزم الميم. الأصمعيُّ: وجدتُ فَوْغَة (2) الطِّيبِ، وفَغْمَة الطّيب، وقد فَغَمتْني: إذا سَدَّتْ خياشيمك.
الفرَّاء: الشَّذَا: شدَّة ذَكاء الرِّيح، وأنشدنا (3) :
ذكيُّ الشذا والمَندليُّ المُطيَّرُ
139- إذا ما مشَتْ نادى بما في ثيابها
المندليّ: العُود.
أبو زيد: نَشِقْتُ (4) من الرَّجل ريحاً طيِّبةً أنْشَق نَشْقاً، ونَشِيْتُ منه أنْشَى نِشْوَة.
أبو عمروٍ: السَّعِيط: الرِّيح من الخمر وغيرها من كلِّ شيء (5) . غيرُه: القُطْرُ: العُودُ الذي يُتَبَخَّرُ به، والحُصُّ: الوَرْس، والأهْضام: البَخُور واحدها: هَضْمة. قال الأعشى (6) :
نفِ يوماً بشتوةٍ أهضاما
140- وإذا ما الدُّخان شُبَّه بالآ
يريد: في الأنف. يعني: من شدةَّ الزَّمان.
والنَّشْرُ: الرِّيح، والعَمار: الآسُ، ومنه قولُ الأعشى (7) :
سجدْنا له] (8) ورفعنا عَمَارا
141-[فلمَّا أتانا بُعَيدَ الكَرى(37/476)
ويقال: دعاءٌ، أيْ: عمَّرك الله تعالى. عن أبي عبيدة: العَمَارُ: كلُّ شيءٍ على الرأس من عمامةٍ أو قَلَنْسوةٍ أو غير ذلك، ومنه يُقال للمتعمِّم: مُعْتَمِر. أبو عمرو: البَنَّةُ: الرِّيحُ الطَّيِّبةُ، والجمعُ: بنانٌ. أبو زيدٍ (1) : الصِّيق: الرِّيحُ المُنْتِنَةُ، وهي من الدَّواب. الفرَّاء: عَرِصَ البيتُ: خَبُثَ ريحُه (2) . الأمويُّ: تَمِهَ الدُّهنُ يَتمَهُ تَمَهاً: إذا تغيَّر. الأصمعيُّ: سَنِخَ يَسْنَخ، [وزنخ يزنخ] (3) ، وقال الأصمعيُّ: السَّليط عند
عامَّة العرب: الزَّيتُ، وعند أهل اليمن: دُهن السِّمْسِم، وأنشدنا لامرئ القيس (4) :
أهانَ السَّليطَ في الذُّبالِ المُفَتَّلِ
142- يضيءُ سَناه أو مصابيح راهبٍ
هكذا رواه الأصمعيُّ. الفراء: اليَرنَّأ واليُرَنَّأ مقصور مهموز, والرَّقون والرِّقان. كلُّه اسمٌ للحِنَّاء وقد رقَّنَ رأسه وأرقنه: إذا اختضب بالحِنَّاءِ، واللَّطيمةُ: المسكُ يكون في العير، [والألوَّة: البخور] (5) .
[قال أبو عبيدة: اللَّطيمةُ: الإِبلُ تحمل بزّاً أو متاعاً ومسكاً، فإنْ لم يكنْ فيه مسكٌ لم يسمَّ لطيمة. قال أبو عمرو: اللَّطيمةُ: قطعة مسكٍ يكونُ له أرجٌ وأريجةٌ، وجمعه: أرايج، وأرِجَتْ رائحته تأرَجُ أرَجاً، أي: فاحت رائحةٌ طيبة، وأنشد (6) :
أو ريحَ مسكٍ طيَّب الأرايج] (7)
143- كأنَّ ريحاً من خُزامى عالجِ
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلَّى الله على محمد وآله وسلَّم تسليماً
كتاب اللِّباس
الباب 72
بابُ ضُروبِ الثيابِ من البرود والرَّقيقِ وغيرها
أبو عمروٍ: السُّبوب: الثِّياب الرِّقاق، واحدُها: سِبُّ، والمُشَبْرَق: الرَّقيق أيضاً، والمقطَّع أيضاً مُشبرق. يُقال: شبرقته شَبْرَقةً، أيْ: قطعته، قال ذو الرُّمة (8) :
على عَصَويها سَابريٌّ مُشَبْرَق
144-.......................(37/477)
الأحمرُ: اللََّهْلَةُ والنَّهنهُ: الثوب الرَّقيق النَّسج. أبو عمروٍ: المُسهَّم: المُخطَّط. الفراء (1) : البُرد المُفوَّف: الذي فيه بياضٌ (2) وخطوط بيض. أبو عمروٍ: المُكعَّب: الموشّى. أبو عمروٍ: الشُّمْرُج: الرَّقيق من الثياب وغيرها. قال ابنُ مُقبلٍ (3) :
غداةَ الشِّمال الشُّمرج المُتنصَّحُ
145- ويرعدُ إرعاد الهجين أضاعه
[يعني: المخيط، والشُمْرُج: كلُّ خياطةٍ ليست بجيدة] (4) ، وإنما يريد الجُلّ (5) هاهنا، [ويُقال: إنَّ فيه مُتَنَصَّحاً لم يصلحه، أيْ: موضع خياطة، ومُتَرقَّعاً (6) ، قال: والثوبُ المُرسَّم: المُخطَّط، غيرُه: العِقْمَة من الوشي، والبَاغِزِيَّة ثيابٌ، والرَّازقيُّ: ثيابُ كتانٍ بِيضٌ (7) ، والوَصائِل: ثيابٌ يمنية بيض، والسَّحْل: الثوبُ من القُطن الأبيض.
أبو عمرو: المُخَلَّب: الكثيرُ الوشي. قال لبيدُ (8) .
نباتُ كوشيّ العبقريِّ المُخلَّبِ
146- وغَيثٍ بدكداكٍ يزينُ وهادَه
أي: الكثير الألوان، والآخِنيّ: ضربٌ من الثياب المُخَطَّطة. [قال العجَّاج (9) :
عليه كتانٌ وآخنِيُّ] (10)
147-........................
والدِّفَنيُّ: ضربٌ منها أيضاً، والسُّحُل: ثيابٌ بيضٌ واحدُها: سَحْل. قال المُتَنخِّل الهُذَليّ (11) :
هطلُ نِجاءِ الحَمَلِ الأسوَلِ
148- كالسُّحُلِ البِيضِ جَلا لونُها
ويروى: سَحُّ نِجَاءِ. قال أبو عبيدة: واحد السُّحُل سَحْل، مثلُ رَهْن ورُهُنٍ، وسَقْف وسُقُف، والنَّجَاءُ: السَّحاب الأسود، والحَمَل. النَّجمُ الذي يكون به المطر (12) ، والأسْوَل: الذي في أسفله استرخاء. يُقال منه: قد سَوِل يَسْوَلُ.(37/478)
والقَشِيبُ: الجديدُ، والقِهْز (1) : ثيابٌ بيض، والدِّمَقْسُ: القَزُّ، [والسَّهم المُخطّط] ، والمُعَضَّد: المُخَطَّط, والرَّقْمُ والعَقْل والعِقْمَة. كُلُّهُ ضروب من الوشي. والعَبْقَريُّ: البُسط، والزَّرابيُّ نحوها. والنَّمارقُ: وسائد، وقد تكونُ أيضا ًالتي تُلبس الرَّحل، والوصائل: ضربٌ من الثياب، والقُطُوع مثلها، واحدُها: قِطْع، والقُبْطريُّ: ثيابٌ بيضٌ، والرَّدنُ: الخَزُّ، قال الأعشى (2) :
صحصحٍ ككساءٍ الرَّدَنْ
149- فأفنيتها وتعالَلْتُها
وقال أيضاً (3) :
كشقَّ القراريِّ ثوبَ الرَّدَنْ
150- يشقُّ الأمورَ ويجتابها
أي: الخَزُّ، والسَّرَق: شِقاق الحرير، واحدتُها: سَرَقَة. قال الأخطَلُ (4) :
يسحبْنَ من هُدَّابه أذيالا
151- يرفُلْنَ في سَرَقِ الفرندِ وقَزَّه
[والرَّازقي: ثوب كتانٍ أبيض] (5) .
أبو عمروٍ: الدِّرَقْل: ثيابٌ، والشَّرْعَبية والسِّيراء: برودٌ أيضاً. وقال أبو زيدٍ: السِّيرَاء: برودٌ يخالطُها الحرير] (6) ، والقِطْر: نوعٌ من البُرود، والذَّعالب: ما تقطَّعَ من الثياب. قال ذو الرُّمة (7) :
تنوسُ كأخلاقِ الشُّفوفِ ذَعالبُه
152- فجاءَتْ بنسجٍ من صَناعٍ ضَعيفةٍ
والواحد: شِفّ (8) .
[يعني العنكبوت] (9) .
الباب 73
بابُ الطَّيالسةِ والأَكْسيةِ ونحوِها
الأصمعيّ: السَّدُوسُ: الطَّيلَسان، بالفتح، واسمُ الرَّجل سُدُوس [بضمّ السين] ، غيره: المنَامَة والقرطف القطيفة. والمِطْرَف: ثوب مربَّعٌ من خَزّ له أعلامِ. قال أبو عبيدة: فإذا كانت مدوَّرة على خِلْقَة الطيْلَسان فهي التي كانت تُسمَّى الجِنِّيّة تلبسها النساء] (10) . [قال ابنُ الكلبيّ (11) : سَدوسُ في بني شيبان بالفتحِ، والذي في طييء بالضَّم] .
والمُسْتَقة: جُبَّة فراءٍ طويلةُ الكُمَّين، وأصلُها فارسية: مُشْتَهْ. والنَّيم: الفرو.(37/479)
والخَميصةُ: كساءٌ أسودُ مربَّع له عَلَمان. قال: وهو قولُ الأعشى (1) :
عليها وجريال النَّضيرِ الدُّلامِصَا
153- إذا جُرِّدت يوماً حسِبْتَ خميصةً
أراد: شعرها، شبَّهه بالخميصة. الفراء: السَّبِيحَةُ والسُّبْجَة: كساءٌ أسود.
الأصمعيُّ: البَتُّ: ثوب من صوفٍ غليظ شِبْهُ الطيْلَسان، وجمعُه: بُتُوت.
أبو عمروٍ (2) : الحَنبَل: الفرو، غيرُه: الزَّوْج: النَّمَط، ويُقال: الدِّيباج، والقِرَام: السِّتْرُ.. [الرَّقيق] (3) ، والكِلَّةُ. السِّتْرُ الرَّقيق، والسَّبْجة، وجمعها: سِباج، وهي ثيابٌ من جلود. قال مالكُ بنُ خالدٍ الهُذَلي (4) :
154-إذا عادَ المسارحُ كالسِّباج (5)
أبو عمروٍ وغيره: كساء مُشَبَّح: قويٌّ شديدٌ. قال: والمُشَيَّح: المعرَّض أيضاً، والمنامة والقَرطَف جميعاً: القطيفة، والنِّيم: الفرو.
الباب 74
بابُ القَلانِس وجمعِها والتُّبَّان ونحوه
قال الأصمعيُّ. هي القُلَنْسِيَة، وجمعُها: قَلانِس، وقُلَيْسِيَة، (6) ، وجمعُها: قلاسي، وقد تَقَلْنَسْتُ وتَقَلْنَسْتُ (7) . أبو زيدٍ: في جمع القُلَنْسِيَة مثلَه، وأنشدنا (8) :
ففيهنَّ عن صلعِ الرِّجال حُسورُ
155- إذا ما القَلاسي والعمائم أُخْنِسَتْ
قال: وُيقال لها: قَلَنْسُوة، وقَلانِس. غيرُه: الدِّقْرَار: التُّبَّان، وجمعُها. دَقارير. قال أوسُ بن حجرٍ التميمي في الدقارير يهجو عبدَ القيس (9) :
ويَخرجُ الفَسْوُ مِنْ تحتُ الدَّقاريرِ
156- يعلون بالقلعِ البُصريّ هامَهُم
أبو الحسن الأعرابيُّ: النِّيم: الدَّرَج الذي في الرِّمال إذا جَرَتْ عليه الريح، وقال ذو الرُّمة في النِّيم (10) :
مثلِ الأديمِ لها مِنْ هبْوةٍ نيمُ
157- حتى انجلى اللَّيل عنَّا في مُلمَّعةٍ
والنّيم: الفرو.
الباب 75
بابُ الخُلْقَان من الثِّياب(37/480)
أبو زيدٍ: المَبَاذِلُ والمَوَادع والمَعَاوِز: الثِّياب الخُلْقَان التي تُبْتَذل، واحدتُها مِبْذَلَة (1) ، ومِيْدَعَة، ومِعْوَزة: الكسائيُّ قال: هو المِعْوَز، قال: وكذلك: ثَوبٌ جَرْدٌ، وثَوبٌ سَحْقٌ، أي: خَلَقٌ. الأصمعيُّ: الحَشِيف: الخَلَق أيضاً. الأمويُّ: وكذلك الدَّرْسُ والدَّريسُ، وجمعُه: دِرْسَان واللَّدِيم مثلُه. الأصمعيُّ (2) : المُلَدَّم والمُرَدَّم: الخَلَق المُقطَّع المُرقَّع. أبو عمرو: فإذا تقطَّع وبَلي قيل: قد تَفَسَّأَ الثوبُ، مهموز. الكسائيُّ: مثلَهُ. قال: وكذلك تَهَمَّأَ وتهتَّأَ. غيرُه: الجَارِنُ (3) : اللَّيِّنُ الذي قد انسحقَ ولانَ، والهِدْمِلُ: ثوبُ خَلَقٌ، قال تأبَّط شرّاً (4) :
عجوزٌ عليها هِدْمِلٌ ذاتُ خَيْعلِ
158- نهضتُ إليها من جُثومِ كأنها
والمُنْهج: الذي قد أسرع فيه البِلَى. يُقال: قد أَنْهَج الثوب، والهِدْمُ: الخَلَقُ، والطِّمْرُ مثلُه، الثَّوبُ الخَلَق، والأطْلَسَ: الخَلَق أيضاً.
الباب 76
بابُ ضُرُوب اللُّبْس
أبو عمروٍ: الاضْطِبَاعُ بالثَّوب: هو أنْ يُدْخل الثَّوبَ من تحتِ يده اليمنى، فَيُلقيه على مَنْكبه الأيسر (5) 0 الأصمعيُّ مثلَه. قال: وهوَ التأبُّط، قال: والتَّلَفُّعُ والتَّفلّعُ: أنْ يشتمِلَ به حتى يجلِّلَ به جسده قال: وهذا هو اشتمالُ الصَّمَّاء عند العرب، لأنه لم يرفع جانباً منه فتكون فيه فُرْجة. قال: وهو عندَ الفقهاء مثلُ ما وصفنا من الاضطباع إلا أنَّه في ثوبٍ واحدٍ (6) . قال: والاحْتِزَاكُ: هو الاحْتِزَامُ بالثَّوب، والاحْتباك: هو الاحتباء به.
وقال أبو عبيدٍ: الاحْتِبَاك: شدُّ الإزار، ومنه: [أنَّ عائشةَ كانت تحتبِكُ فوقَ القميصِ بإزارٍ في الصَّلاةِ] (7) . قال الكسائيُّ: التَّشَذُّر بالثوب: مثلُ الاستثفار به.
الأحمرُ: الاضْطِغَان: الاشتمال، وأنشدنا (8) :
كأنَّه مُضطغِنٌ صبياً
159-.....................(37/481)
أبو عمرو (1) : القُبُوع: أنْ يُدخل رأسه في قميصه أو في ثوبه، وقد قَبَعْتُ أقْبَع، ويُقال: اضْطَغَنْتُ الشيء تحت حِضْني، وقال ابنُ مُقبلٍ (2) :
ومِرْفَقٍ كرئاسِ السَّيفِ إذا شسفا
165- حتَّى اضطغنتُ سلاحي عند مَغرِضه
ورِئاس السيف: قائمه.
الباب 77
بابُ تَسميةِ ما جاء في القَميصِ وغيرِه
أبو زيدٍ: البَنِيقَةُ من القميص: هي لِبْنَتُه، وأنشد (3) :
كما ضمَّ أزرارَ القميص البَنائقُ
161- يضمُّ إليَّ الليلُ أطفالَ حُبِّها
والذَّلاذِل: أسافلُ القميص الطويل، واحدُها: ذُلْذُل. الأصمعيُّ: المَحَاقِدُ في الثوب: وَشْيُه، واحدُها: مَحفِد (4) . أبو زيادٍ الكلابيُّ: النِّطاق: أنْ تأخذَ المرأةُ ثوباً، فتلبَسَهُ، ثُمَّ تشدَّ وسطها بحبلٍ، ثمَّ ترسلَ الأعلى على الأسفل (5) ، والنُقْبَة مثلُه، إلا أنَّه مخيطُ الحُجْزة نحوٌ من السراويل. يُقال منه: نَقَبْتُ الثَّوبَ أنْقُبُه. غيرُ واحدٍ: صَنِفَةُ الإزار: طُرَّتُه، والبَنادِك والبَنَائقُ واحدٌ. قال ابنُ الرِّقاع (6) :
بَنَادِكها منه بجذعٍ مُقوَّمِ
162- كأنَّ زُرُورَ القبطريَّة عُلِّقت
قال الفرَّاء: هو قُنُّ القميص، وقُنَان القميص: وهو الكُمُّ.
الباب 78
بابُ أعمالِ القَميصِ وما فيه
اليزيديُّ: أكْمَمْتُ القميصَ: جعلْتُ له كُمَّين، وأرْدَنْتُه: جعلت له أرداناً، واحدُها: رُدْن، وهو أسفل الكُمَّين، وأعْريتُه وعَرَّيته: جعلت له عُرًى، وَجُبْتُه: قوَّرتُ جيبه، وجيَّبْتُه: جعلت له جَيْباً، وأزَرَرْته: جعلتُ له أزراراً، وزَرَرْتُه: شدَدْتُ إزاره عليَّ. أبو عمرو: خَلَفْتُ الثَّوبَ أخلُفُه فهو خَليف، وذلك أنْ يبلى وسطُه فتخرجَ البالي منه، ثمَّ تلفقه. أبو زيدٍ: نقَبْتُ الثوبَ أنْقُبُه: جعلتُه نُقْبَةً. الأصمعيُّ: افترَيْت فَرْواً: لبسته، وأنشدنا للعجّاج (7) :
قَلْبَ الخراسانيّ فَرْوَ المفتري
163-[يقلب أولاهنَّ لطم الأعسر] (8)
الباب 79(37/482)
بابٌ (1)
أبو زيدٍ: كَسفْتُ الثوبَ أكْسِفُه كَسْفاً: إذا قطعته، والكِسْفَةُ: القِطْعَةُ.
أبو عبيدةَ (2) : فإنْ تشقَّق الثوب من قبل نفسه قيل: قد انصاحَ انصياحاً، ومنه قولُ عبيد بن الأبرص (3) :
164- من بين مُرتتقٍ منها ومنصاحِ
أبو عمروٍ (4) : أحْتَأتُ الثوب إحْتَاءاً: فَتلْتُه فتلَ الأكسية.
الباب 80
بابُ قَطْعِ الثَّوبِ وَخِياطتِه
أبو زيدٍ والأصمعيُّ: نَصَحْتُ الثَّوبَ أَنْصَحُهُ نَصْحاً: إذا خِطْتُه، وحُصْتُه: خِطتُه أيضاً. ومثلُه: شَصَرْتُ الثَوبَ شَصْراً: خِطْتُه أيضاً. أبو زيد: فإنْ خاطَه خياطة مُتباعدة قال: شَمَجْتُه أشْمُجُه شَمْجَاً، وشَمْرَجْتُه شَمْرَجَة (5) . الكسائيُّ: فإنْ رقعه قال: لَقَطْتُه لَقْطاً، ونَقَلْتُه نَقْلاً.
الباب 81
باب النَّسْجِ في الثَّياب (6)
الصِّيصة: جفّ صغيٌر تنسجُ به المرأة، والمُتاءَمة مثالُ مفاعلة، مأخوذ من التوأم في النسج أن يكونَ خيطين خيطين، والمُقاناة: خيطٌ أبيض وخيط أسود (7) . وهو قولُ امرئِ القيس (8) :
غذاها نميرُ الماءِ غيرُ مُحلَّلِ
165- كبكرِ المُقاناةِ البياضُ بصفرةٍ
الباب 82
بابُ المُختلفِ من اللِّباسِ
الأمويُّ: الثوبُ المُغَثْمَرُ: الرَّديءُ النَسْج. أبو زيدٍ: الشَّلَل في الثوب: أنْ يُصيبَه سوادٌ أو غيره، فإذا غُسِل لم يذهب. الأحمرُ: نَامَ الثوبُ وانحمقَ: إذا أخلقَ، وانحَمَقتِ السُوق: كسدت. أبو عمروٍ: الصِّوان: كلُّ شيء رُفِعتْ فيه الثيابُ من جونةٍ أو تختٍ أو سفَطٍ، أو غيره. الفرَّاء: الخبُّ [والخبَّة] (9) والخَبيبَةُ: الخِرقة تُخرجها من الثوب فَتعصِب بها يدك. غيرُه: القِرَام (10) : السِّتْر، وُيقال: المِفْرَمة.
الباب 83
بابُ ألوانِ اللِّباس
أبو عمروٍ (11) : المُدَمَّى: الثوبُ الأحمر، ولا يكونُ من غير الحُمرة، والكَركُ: الأحمر.(37/483)
الأصمعيُّ: فإذا كانت فيه غُبْرةٌ وحمرةٌ فهو قَاتِمٌ، وفيه قُتْمة، وإذا كان مصبوغاً مُشْبَعاً فهو مُفْدَم، قال: والمَدْمُوم: المَطليُّ بأيّ لونٍ كان. أبو زيدٍ: الحِمْحِم: الأسود. عن الكسائيِّ: لا يُقال المُفْدَم إلاَّ في الأحمر، والمُجْسَد: الأحمر. غيرُه: الأصفرُ: الأسود. قال الأعشى (1) :
هنُّ صفرٌ أولادها كالزَّبيبِ
166- تلك خَيلي منه وتلكَ ركابي
واليَحْمُوم: الأسود، والأسْحم: الأسود.
الباب 84
بابُ النِّعالِ
أبو زيدٍ: زَمَمْتُ النَّعلَ أزمُّها زمّاً: إذا جعلتُ لها زماماً؛ فإذا جعلْتَ له شِسْعاً قلتَ: شَسعْتُها، وأشْسعْتُها، ومن الشِّراك: شَرَكْتُها وأشْرَكْتُها، وإذا جعلْتَ له أُذناً قلتَ: أذَّنْتُها تأذيناً. اليزيديُّ: فإذا جعلتَ لها قِبالاً قلت: أقْبَلْتُها، فإنْ شددْتَ قِبالتها قلت: قَبَلْتُها مخففَّة. الأصمعيُ: فإذا كانتِ النَّعل خَلَقاً قلت: نَعلٌ نِقْلٌ (2) ، وجمعُها: أَنْقَال. الفرَّاء: وإذا كانت غيرَ مخصوفةٍ قيل: نعلٌ أسْماط، وُيقال: سراويلُ أسماطٌ، أي: غير مَحْشوَّةٍ. قال: وبنو أسدٍ يُسمُّون النعل الغَريفة (3) بالفاء. الكسائيُّ: أنْقَلْتُ الخفَّ ونَقَلْتُه: أصلحته. غيرُه: السَّميط: نعلٌ لا رقعة فيها. قال الأسودُ بنُ يَعفُر (4) :
حذوناهُم نعلَ المثالِ سميطا
167- فأبلغْ بني سعدِ بنِ عجلٍ بأننا
قال: وطِرَاقُ النَّعل: ما أُطبِقت عليه فَخُرِزت به (5) ، والقِبَال مثلُ الزِّمام: بينَ الإصبعِ الوسطى والتي تليها، والسَّعْدانة: عُقدة الشَّسْع مما يلي الأرض، والسَّرائح: سُيور نَعالِ الإبل، الواحدة: سَريحة (6) . غيره: النَّقائلُ، واحدَتُها: نَقيلة، وهي رِقاعُ النَّعل، وهي نعل مُنْقلة.
الباب 85
بابُ الجُلودِ(37/484)
أبو زيدٍ: يُقال لِمسْك السَّخْلة ما دام يرضعُ: الشَّكْوَة، فإذا فُطم فَمَسْكُهُ البَدْرَة، فإذا أجذع فَمسْكهُ السِّقاء، فإذا سُلخ الجِلد من قَبيلِ قَفاه قيل: زَقَّاقْتتُهُ تزقيقاً.
الأصمعيُّ وأبو عمروٍ: فإنْ كان على الجلدِ شعرة أو صوفةٌ أو وبرةٌ فهو أديمٌ مُصْحَب.
الأصمعيُّ وأبو عبيدة: فإذا كان الجلدُ أبيضَ فهو القَضيم، ومنه قولُ النًابغة الذُّبياني (1) :
عليه قضيمٌ نمَّقته الصوانعُ
168- كأنِّ مجرَّ الرامساتِ ذُيولَها
أبو عمرو: وإن كان أسودَ فهو الأرَنْدَج بفتح الألِف. الأصمعيُّ: وما قُشِر عن الجلد فهو الحُلاءَة مثال فُعَالة، يقال منه: حَلأْتُ الجلد: إذا قشرته. أبو عمرو: السًلْف بجزم اللام: الجِراب، وجمعُه: سُلوف. الأصمعيُّ: السِّبْت: المدبوغ. غيرُه: المَقْرُوظ: ما دُبغ بالقَراظ (2) ، والمُهْرَق: الصحيفة، والمِبْنَاة: العَيبة، وقال النًابغة (3) :
يطوفُ بها وسط اللَّطيمة بائِعُ
169- على ظهرِ مبْناة جديدٍ سيورُها
[اللطيمةُ: سوق يُباع فيها المسك] (4) .
الأصمعيُّ وأبو عبيدة: المِبْنَاة: النِّطع. الأصمعيُّ: الجَلَدُ: أنْ يُسلخَ جِلد البعير أو غيره، فَيلبَسه غيره من الدَّواب (5) . قال العجَّاجُ يصفُ الأسدَ (6) :
175- كأنَّه في جَلَدٍ مُرَفَّلِ
[طويلٍ سابغ] (7) .
والمَشَاعِلُ: واحدُها: مِشْعَل: جلودٌ يُنبذ فيها. يقال: نِطْع، ونِطَع، ونَطْع، ونَطَعٌ عن الكسائي.
الباب 86
بابُ دِبَاغِ الجُلودِ
[أبو عمروٍ] : السِّبْتُ كلُّ جلدٍ مدبوغ. الأصمعيُ: هو المدبوغُ بالقَرَظ خاصَّةً. قال: والصَّرْفُ: شيء أحمرُ يُدبَغُ به الأديمُ. قال ابنُ كلحبةَ (8) - وهو أحدُ بني عَرين بنِ ثعلبَة ابن يربوع-:
أغرَّاءُ العرادةُ أمْ بَهيمُ
171- تُسائلني بنو جُشم بن بكرٍ
كلونِ الصَّرْف عُلَّ به الأديمُ
172- كُميتٌ غيرُ مُحْلِفةٍ ولكنْْ(37/485)
[العَرادة: اسمُ فرس] (1) ، وقوله: مُحْلِفة، أي: إنها خالصةُ اللون لا يُحلف عليها أنَّها ليست كذلك. الأحمر قال: المَنْجُوب: الجلدُ المدبوغ بالنَجَبِ، وهو لِحاء الشجر. غيرُه: الجلدُ المُقَرْني: المدبوغ بالقَرْنُوة، بلا همزٍ وهو نَبْتٌ، والمَأرُوط: المدبوغِ بالأرْطى. غيرُ واحد (2) : الجِلْدُ أوَّل ما يُدبغ فهو مَنِيئة، مثال: فَعِيلة، ثم أفيقٌ ثم يكونُ أديماً. يُقال منه: مَنأْتُه، وأفَقْتُه مثال: فَعَلْتُه. الأصمعيُّ والكسائي: المَنيئة: المَدبغَة (3) .
أبو عمرو: الجلدُ المَسْلُوم: المدبوغُ بالسَّلَم، والنِّاصَحات: الجلود. قال الأعشى (4) :
مثلَ ما مُدَّتْ نِصاحاتُ الرُّبَحْ
فترى القومَ نَشاوى كلهم
والقُطُوط: الصِّكَاك. قال الأعشى (5) :
بغبطتِه يُعطي القُطوطَ ويأفقُ
174- ولا الملكُ النَّعمانُ يومَ لقيتُه
واحدها: قِطُّ، وقوله: يَأفِقُ، أي: يَفْصِل.
الفراء: الجِلْدُ المُرَجَّلُ: الذي يُسْلَخ من رجلٍ واحدة، والمَنْجُول: الذي يشُقُّ من عرقوبيه جميعاً كما يَسلخُ النَّاسُ اليوم، والمُزَقَّق: الذي يسلَخُ من قِبَل رأسِه، والتَّعيُّن: أن يكون في الجِلد دوائرُ رقيقة مثلُ العيون. قال القُطاميّ (6) :
بلىً وتعيُّناً غلبَ الصناعا
175- ولكنَّ الأديمَ إذا تفرَّى
والحَلِمُ: الذي تقع فيه دوابّ. قال الوليدُ بنُ عقبة (7) بن أبي مُعيط الشَّاعر (8) :
كدابغةٍ وقد حلِمَ الأديمُ
176- فإنَّكَ والكتابَ إلى عليّ
[أديمٌ مُعَرْتَنٌ: مدبوغٌ بالعَرْتن] (9) .
الباب87
بابُ الآثار بالجسدِ وغَيرهِ
البَلَدُ: الأثرُ، وجمعُه: أبلاد. [قال ابنُ الرِّقاع (10) :
من بعدِ ما شملَ البِلى أبلادها] (11)
177-........................
والعُلوب: الآثار، والنَّدْب: الأثر (12) ، وكذلك العاذر. قالَ ابنُ أحمر (13) :
وبالظَّهرِ مني من قرى البابِ عاذرُ
178- أُزاحمهم بالبابِ إذ يدفعونني(37/486)
والحَبارُ: الأثرُ، والحِبْر: الأثر، والدَّعس: الأثر، [والدَّعْسُ: الطريق، يقال: طريقٌ مُدَعَّس: مُوطَّأ، والجُلْبة: الأثر، والجمع: جُلَب. قال ذو الرُّمة (1) :
من تصديرها جُلَبُ
179-........................
والكَدْح نحوه، والخَصَاصة: الجُحْر الصغير. قال ذو الرُّمة (2) :
من خَصاصات مُنخلِ] (3)
180-.......................
والخَلَل والسَّمُّ: الثُّقب.
الباب 88
باب العريان
قال الأصمعيُّ (4) : المُنْسَرِح: الخارج من ثيابه، والمُعجرَد (5) : العريان، وكأنَّ اسم عَجْردٍ مأخوذ منه.
الباب 89
باب معالجة الجلود
قال الأصمعيُّ: تمأَّى الجلدُ تمأّياً، مثلُ: تمعَّى تمعِّياً، تفعَّل تفعلاً إذا اتَّسع.
الباب 90
باب القطن والكتان
الأصمعيُّ: الكُرْسفُ والبِرْسُ والعُطْب والطُّوط. كلُّه القطن.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً
كتابُ الأطعمة
الباب 91
باب أسماءِ أنواع الطَّعام
قال أبو عبيدٍ: سمعتُ أبا زيد يقول (6) : يُسمَّى الطعام الذي يُصنَع عند العُرسِ الوليمةَ، والذي عند الإملاك النَّقِيعَة، يُقال منه: نَقَعْتُ أَنقَعُ نُقُوعاً، وأوْلَمْتُ إيْلاماً، والذي يُصنَع عند البِناء يبنيه الرَّجل في دارِه الوَكِيرة، وقد وَكَّرت تَوكيراً، وما صُنع عند الخِتَان فهو الإعْذار، وقد أعْذَرْتُ، وما صُنع عند الولادة فهو الخُرْس، فأما الذي تُطْعَمه النُّفَساء نَفْسُها فهو الخُرْسة، وقد خُرِّسَتْ، وكل طعامٍ بَعْدُ صُنعَ لدعوةٍ فهو مأْدُبَة ومأْدَبة، وقد آدبْتُ أُوْدِبُ إيداباً، وأَدَبْتُ أدْباً.
الفرَّاء: النَقِيعةُ: ما صنعَه الرَّجل عندَ قُدومِه من سَفره، وُيقال منه: قد انْقَعْتُ إنْقَاعاً، وأنشدنا غيرُ واحدٍ (7) :
ضَرْبَ القدَارِ نَقِيعَةَ القُدَّامِ
181- إنَّا لنضربُ بالصَّوارمِ هامهم
[القدَّام] : جمعُ قادم، ويقال: هو المَلِكُ، والقُدَار: الجَزَّار.(37/487)
أبو زيدٍ: يقالُ للطعام الذي يُتعلَّل به قبل الغداء: السُّلْفَة واللُّهْنَة، وقد سلَّفْتُ للقوم ولَهَّنْتُ لهم. (1) الأمويُّ: ولَهَّجْتهم أيضاً بمعناه. غيرُه: القَفيُّ: الذي يكْرَم به الرَّجل من الطعام. تقول: قَفوْتُه به. قال سلامةُ بنُ جندلٍ يصفُ الفَرَس (2) :
يُسقى دواء َقفيِّ السَّكْنِ مَرْبوبٍ
182- ليس بأسفى ولا أقنى ولا سَغِلٍ
يعني: اللَّبن، وهو دواء المريض. والعِفَاوة: ما يُرْفَع من المَرَق للإنسان. قال الكُميتُ (3) :
وكاعبهُم ذاتُ العِفاوةِ أسغبُ
183- وباتَ وليدُ الحيِّ طيَّان ساغباً
ويروى: [ذات القفاوة] . ويروى: [ظمأن ساغباً] . قال: واللَّبن ليس يسمَّى بالقَفيّ، ولكنه كان رُفِعَ لإنسانٍ خُصَّ به. يقول: فأَثرْتُ الفرس به.
الباب 92
بابُ أسماء الطَّعامِ الذي يُتَّخذُ من اللَّحم
قال الكسائيُّ: الوَشِيقَةُ من اللََّحم: أن يُغْلَى إغلاءةً ثُمَّ يُرفَع. يُقال منه: وشَقْتُ فأنا أَشِقُ وَشْقاً، والصَّفِيفُ مثلُه، ويقال: هو القَدِيد. يقال: صَفَفْتُه أَصُفُّه صَفّاً.
الأمويُّ: فإذا قطَّعْتَ اللَّحم صغاراً قلت: كتَّفْتُه تَكْتِيفاً، وكذلك الثوب إذا قطَّعته.
أبو زيدٍ: فإنْ جعلَت اللَّحمَ على الجمرِ قلْتَ: حَسْحَسْتُه. الأصمعيُّ: هو أن يُقشَرَ عنه الرمادُ بعدما يُخرَج من الجمر. أبو عمروٍ (4) : فإنْ أدخلته النَّار ولم تُبالغْ في نَضْجه قيل: ضهَّبْتُه فهو مُضهَّب. أبو زيدٍ (5) : فإنْ لم تُنْضِجْه قلت: آنضته إيناضاً.
الكسائيُّ (6) : أنْهَأْتُه وأنْأَأتُهُ بهمزتين، [وأَنأْتُه مثلُه] (7) ، فإنْ أنضجتَه فهو مُهَرَّد، وقد هرَّدْته، وهَرِدَ هو، والمُهَرَّأ مثلُه. أبو زيدٍ: فإنْ شويته قلت: خَمطْتُه أَخْمِطُه خَمْطاً، وهو خَمِيط.(37/488)
أبو عمروٍ: فإنْ شويته حتى ييبس فهو كَشِيءٌ مثل: فَعِيل، وقد كَشَأتُه، ومثلُه: وَزأْتُ اللَّحم: أيْبسته. الأمويُّ: أكْشَأتُه بالألف. غيرُه: فَأَدْتُ اللَّحم: شويته، والمِفأَد (1) : السَّفُّود، ويقال: صَلَيْتُ اللَّحم فأنا أصْلِيهِ: إذا شويته، فإنْ أردتَ أنَّك قذفته في النَّار ليحترقَ قلتَ: قد أصْلَيْتُه إصْلاءاً، والحَنِيذ: الشِّواء الذي لم يُبالَغ في نُضجه. يقال: حَنَذْتُ أحْنِذُ حَنْذاً (2) ، ويقال: هو الشّواء المغموم الذي يَخْنَزُ، أي: يتغيَّر.
[قال أبو بكرٍ (3) : قال أبي: قال أبو جعفر: الحَنْذُ: النضْج] (4) ش
الباب 93
بابُ نُعوتِ اللَّحم
أبو عمروٍ: الأسْلَغُ من اللحم: النَّيئُ. الكسائيُّ: والنَّهيءُ: مثالُ فَعيل مثلُه، [وقد نهأتُ اللحّم] وقد نَهىءَ نُهُؤَة، ونَهَاءَة، وهو بَيِّنُ النهُوء وبَِّينُ النُّيُوءِ مثال النُّيوع. أبو عمروٍ: الشَّرقِ: الأحمر الذي لا دسمَ له، والعِرْزَالُ: البَقيَّةُ من اللَّحم. قال: والعِرْزَال أيضاً: موضعٌ يتَّخذه النَاظر فوق أطرافِ النَّخل والشَجر يكونُ فيه فِراراً من الأسد.
الأمويُّ: اللَّحم الثَّنِتُ: اللَّحم المُنْتِنُ، وقد ثَنِتَ ثَنَتاً، والمُوْهِتُ مثلُه، وقد أيْهَتَ إيهاتاً. غيرُه: خَنِزَ يَخْنَزُ، وخَزَنَ يَخْزُنُ، وخَزِنَ يَخْزَن، وهو أجود. وقال طَرَفَةُ (5) :
إنما يَخْزَنُ لحمُ المُدَّخِرْ
184- ثمَّ لا يَخزَنُ فينا لحمُها(37/489)
وقد خَّم وأخمَّ مثلُه، وصَلَّ وأصَلَّ، ونَتُن وأنْتَنَ، فمن قال: نَتُنَ قال: مِنْتِنٌ، ومن قال: أنْتَنَ قال: مُنْتِنٌ (1) . الفرَّاء: أشْخَم اللَّحم ونَشَم إشْخَاماً وتَنْشِيماً: إذا تغيَّرت ريحه لا من نَتْنٍ، ولكنْ كراهةٍ. عن أبي الجرَّاح: تَمِة اللَّحم يَتْمَه تَمَهاً (2) ، وتَمَاهةً، مثلُ الزُّهومة. عن أبي عمروٍ: ثَعِطَ اللَّحم ثَعَطاً: إذا أنتن، أبو عمروٍ (3) : اللَّخْنَاء: المُنْتِنةُ الرِّيح، ومنه قيل: لَخِنَ السِّقاء: إذا تغيَّرت ريحه.
الباب 94
بابُ أسماءِ قِطَعِ اللَّحمِ ومَا يُقْطَعُ عليه
الأصمعيُّ: أعطيته حِذْيةً من لحمٍ، وفِلْذةً من اللحم، وحُزَّةً من اللَّحم، وكلُّ هذا ما قُطِعِ طولاً، فإذا أعطاه مُجتمعاً قال: أعطيته بَضْعَةً، وجمعُها: بِضَع (4) ، وفِدْرَةً وهَبْرةَ، ووَذْرَةً.
أبو زيدٍ: الوَضَمُ: كلُّ شيءٍ وقيَت به اللَّحم من الأرض. يُقال منه: أوْضَمْتُ اللَّحم، وأوْضَمْتُ له. الكسائيُّ: إذا عملتَ له وَضَماً قلت: وَضَمْتُه أَضِمُه، فإذا وضعتَ اللّحم عليه قلت: أوْضَمْتُه. غيرُه: الشِّلوُ: العضو من أعضاء اللحم. الأمويُّ: مشَّرْتُ اللحم: قسَّمته، وأنشد (5) :
وأيُّ زمانٍ قِدْرُنا لم يُمَشر
185- فقلتُ: أشيعا مَشِّرا القِدرَ حولَنا
أي: تُقسَّم. عن الكسائي: لحم مُشَنَّق: مُقَطَع، وهو مأخوذٌ من أشناق الدية.
الباب 95
باب قطع السَّنام (6)
الترعيب (7) : السَّنام المُقطَّع، وكذلك المُسَرْهَد، والسديف (8) مثلُه.
الباب 96
بابُ طبخِ القدور وعلاجها
أبو زيادٍ الكلابيُّ: قَدَرْت القِدر أقْدِرُها قَدْرَاً: إذا طبختَ قِدْراً.(37/490)
أبو زيدٍ: أمْرَقْتُها أُمْرِقُها إمْرَاقاً: إذا أكثرتَ مَرقَها، ومَلَحْتُها أمْلِحُها: إذا كان ملحُها بقَدرٍ، فإنْ أكثرتَ مِلْحَها حتى تفسدَ قُلتَ: ملََّحْتُها تَملِيحاً، وزَعَقْتُها زَعْقاً، فإذا جعلتَ فيها التوابلَ قلتَ: فَخيْتُ القِدْرَ وتَوْبَلْتُها، وقَزَّحْتُها وبَزَّرْتُها من الأبزار، والأفْحاء، والأقزاح، والتوابل، واحدُها: فحىً مقصور، وقَزْحٍ (1) ، وبَزْر، وتابَل، فإذا كانَ طيِّبَ الريح قلت: قَدِيَ الطَّعام يَقْدَى قَدَىً وقَدَاوةً.
الأمويُّ: قَتَّرتُ للأسدِ: إذا وضعتَ له لحماً يجد قُتَاره. غيرهم: إذا وضعتَ القِدْرَ على الأثافي قلتَ: أثْفَيتها وثَفَّيتُها أيضاً. أبو زيدٍ: فإن أشبعْتَ وقودها قلت: أحْمَشتُ بالقِدْر. غيرُه: القُتَار: رِيحُ القِدْر. الفرَّاء: أمْرَقْتُها أكثرتُ مَرقَها. عن أبي عمرو: الأطْرَةُ: أنْ يؤخذَ رمادٌ ودمٌ فيلطخَ به كَسْرُ القِدر وأنشد (2) :
[وأطعَمَتْ كِرْدِيدَةً وفِدْرَه] (3)
186- قد أصلَحتْ قِدراً لها بأُطْرَةْ
الباب 97
بابُ ما يُعالَجُ من الطعَّامِ ويُخلَط
أبو عمروٍ: الضَّبيبَةُ: سمنٌ ورُبٌّ يُجعل للصبيِّ في العُكَّة يُطْعَمُه يُقال له: الضَّبيبَةُ، وُيقال: ضَبِّبُوا لصبيِّكم (4) . الأحمرُ: الرَّبيكَةُ (5) : شيءٌ يُطبَخُ من برٍّ وتمرٍ. يُقالَ منه: رَبَكْته أربُكه رَبْكاً. الأصمعيُّ: البَسِيسَةُ: كلُّ شيءٍ خلطْتَه بغيره، مثلُ: السويق بالأقِط، ثُمَّ تبلُّه بالسَّمن، أو بالرُبِّ، ومثلُ الشعيرِ بالنَّوى للإِبل. يُقال: بَسَسْتُهُ أبسُّهُ بَسّاً. أبو زيدٍ في البَسِيسةِ مثلَه. الأصمعيُّ: البُربُور: الجشيش (6) من البُرِّ.(37/491)
الأمويُّ: البَكْل: الأقِطُ بالسَّمن [والبكالة] (1) بَعْدُ. قال: والعَبيثَة [بالعين] : طعامُ يُطْبَخُ ويجعلُ فيه جَرادٌ، وهو الغَثِيمة أيضاً. قال: والغَلِيث والبغيثُ: الطعامُ المخلوطُ بالشعير، فإذا كانَ فيه المدَرُ والزُّوَان (2) فهو المَغْلُوث. الفرَّاء: الطَّهَفُ: طعامٌ يُختَبزُ من الذُّرة. أبو زيدٍ: البَكِيلَةُ والبُكَالةُ جميعاً: الدَّقيق يُخلط بالسَّويق، ثمَّ تَبلُّه بماءٍ، أو سمنٍ أو زيت. يقال: بَكَلْتُه أَبْكُلُه بَكْلاً. عن الأصمعيُّ: الفَريقَةُ: شيء يُعمَلُ من البُرِّ، وُيخلَطُ فيه أشياء للنُّفَساء. عن أبي عمروٍ (3) : الرَّغِيدَةُ: اللَّبن الحليبُ يُغلى ثمَّ يذرُّ عليه الدَّقيق، حتى يختلط فيُعْلقُ لَعْقاً. غيرُ واحدٍ: الحَريرةُ (4) : الحَساءُ من الدَّسَم والدَّقيق، وعنه: الآصِيَة مثالُ فاعلة: طعامٌ مثلُ الحَساء يُصنَعُ بالتمر، وأنشدنا (5) :
187- والإِثرُ والصَّربُ معاً كالآصية
وقد يُقال لها الرَّغيغة أيضاً [قال: فإذا تخلَّص اللَّبن من الزُّبد وخلص فهو الإثْر، فإنْ تعقَّد قيل: ارتجن، والصَّرْبُ: أنْ يحقنَ أياماً فيشتدَّ حمضُه] (6) . عن أبي عمروٍ (7) : العَكِيسُ: الدَّقيقُ يُصَبُّ عليه الماء ثمَّ يُشرب، وأنشدنا لمنظور الأسدي (8) :
خواصرُها وازدادَ رشحاً وريدُها
188- لما سقيناها العكيسَ تمذَّحَتْ
[تمذَّحت: انتفخت] .
الباب 98
بابُ الطَّعامِ يُعالَجُ بالزَّيتِ والسَّمْنِ ونَحوِه
الأصمعيُّ وأبو زيدٍ: زِتُّ الطَّعام أزِيتُه زَيْتاً، وهو مَزِيْتٌ ومَزْيُوت: إذا عملته بالزَّيت، وأنشدنا أبو زيدٍ (9) :
ولا حنطَة الشَّام المَزيتُ خَمِيرُها
189- جاؤوا بِعيرٍ لم تكنْ يمنيةً
الأمويُّ وأبو زيدٍ: سمَّنْتُ الطَّعام أُسَمِّنُه، وأنشدنا الأمويُّ (10) :
له عجوةٌ مسمونَةٌ وخَميرُ
190- عظيمُ القَفا ضخمُ الخواصِر أوْهَبتْ(37/492)
قال: أوهبَتْ: دامت. الأصمعيُ: عَسَلْتُ السَّويقَ أعْسِلُه وأعْسُلُه عَسْلاً وأعسلته: إذا خلطْتَه بالعَسل، وأقَطْتُه آقِطُه أقْطاً.
الباب 99
بابُ الخُبزِ اليَابسِ
قال الأصمعيُّ: يُقال: جاءَنا بخُبزةٍ نَاسَّةٍ، وقد نَسَّ الشيءُ يَنِسُّ وينُسُّ نَسَّاً، ومنه قولُ العجَّاج (1) :
191- وبلدٍ يُمسي قطاه نُسَّسَا
وقال: وأخبرني عيسى بنُ عمر (2) قال: أنشدني ذو الرُّمّة (3) :
عليها الصّبا واجعلْ يديكَ لها سترا
192- وظاهرْ لها من يابس الشختِ واستعنْ
ثم أنشدني بعد: [من بائس الشخت] .
فقلت: إنَّك أنشدتني: من يابس، فقال: اليبسُ من البؤس (4) .
الباب 100
بابُ الطَّعامِ يُعَالَجُ بالإهالةِ ونَحوِها
أبو زيدٍ: سَغْبَلْتُ الطَّعام سَغْبَلَةً: إذا أدَمْتَه بالإِهالة أو السَّمْن. قال: والإِهَالة: هي الشحم والزَّيت فقط، فإنْ كانَ من الدَّسم شيءٌ قليلٌ قلتَ: بَرَقْتُه أَبْرُقُه بَرْقاً، فإنْ أوسعْتَه دَسَماً قلتَ: سَغْسَغْتُه سَغْسَغةٌ. الأصمعيُّ: ويُقال لما أُذيب من الشَّحم: الصُّهَارة والجَميل، وما أُذيب من الألْية: فهو حَمٌّ إذا لم يبقَ فيه وَدكٌ، واحدته: حمَّةٌ، والهُنَانَةُ: الشَّحْمَة. الأمويُّ: شَاطَ الزَيتُ: إذا خَثُرَ. الأصمعيُّ: رَوَّلْتُ الخُبزة بالسَّمن والودَكِ: إذا دَلكته به، ترويلاً، ورَوَّل الفَرسُ أيضاً: إذا أدلى ليبول. الفرَّاء: وَدَفَ الشَّحمُ ونحوه يَدِفُ: إذا سَال، وقد استودفْتُ الشَّحمة: إذا استقطَرْتَها، وُيقال: الأرضُ كلها وَدَفةٌ واحدةٌ خِصْباً. [وقال العجَّاجُ يصفُ الخمر (5) :
فغمَّها
حولين ثمَّ استودفا] (6)
193-.....................
الباب 101
بابُ الطَّعامِ يُعْجَنُ ويُطْطَعُ(37/493)
الأمويُّ: يقال: مَلكْتُ الطعام أَمْلِكُه: إذا عجننْته فأنعمتَ عَجْنَه، فإنْ أكثْرتَ ماءَهُ قلتَ: أمرَخْته إِمْرَاخاً. أبو زيدٍ: أَمْرَخْتُه وأرخفْته وأَوْرَخته. كلُّ هذا إذا أكثرْتَ ماءَهُ حتى يسترخي، وقد رَخِفَ يَرْخَفُ رَخَفاً، ورَخَفَ (1) رَخُف، وَوَرخَ يَوْرَخُ، واسمُ ذلك العجينِ الرَّخْفُ والوَرِيخةُ والضَّويطة. الكسائيُّ: خَمَرْتُ العجين، خَفيفٌ، وفطَرْته، وهي الخُمرة التي تُجعل في العجين وُيسمّيه الناس الخمير، وكذلك خُمرة النَّبيذ والطيب. الأمويُّ: يُقال للعجين الذي يُقْطع وُيعمَلُ بالزَّيتِ مُشَنَّق. الفرَّاء: واسمُ كلِّ قطعةٍ منه فَرَزْدَقَة، وجمعه: فَرَزْدَق، والقُرَامة [من الخُبز هو القِرْفُ] (2) ، والقِرف من الخبز: ما تَقشَّر منه، وُيقال: قرَفْتُ القَرْحة، أي: قَشَرْتها. وذلك إذا يبست فقطعْتَ ذلك اليابس منها.
قال الشاعر (3) عنترة:
بأسيافنا والقَرْحُ لم يتقرَّف
194-[علاتُنا في كلِّ يومِ كريهةٍ]
أيْ: لم يَعْلُه ذلك.
الباب 102
بابُ الطَّعَامِ الذي لا يُؤْدَم
أبو زيدٍ: يقالُ للسَّويق الذي لا يُلَتُّ بالأدْم: ومثلُه: العَفِير. أبو عمرو: وهو السِّخْتيت أيضاً. أبو عبيدة: القَفَار: الخبزُ بغيرِ أُدْم. أبو عبيدة: جاءنا بمرَقٍ يَصْلِتُ ولَبنٍ يَصْلِتُ إذا كانَ قليلَ الدَّسم [كثيرَ الماءِ] (4) .
الباب 103
بابُ الطَّعام الذي فيه ما لا خيرَ فيه(37/494)
الفرَّاء: يُقال: في الطَّعامِ قَصَلٌ، وزُؤان، ومُرَيْرَاء، ورُعَيْداء (1) ، وغَفى (2) منقوص. وكلُّ هذا ما يُخرَج منه فَيُرمى به. الأحمرُ: وفيه الكَعَابر، واحدتُها: كُعْبُرة، وهي نحو هذا. أبو زيدٍ: فإذا كان في الطعام حصىً فوقع بينَ أضراس الآكل قال: قَضِضْتُ منه، وقد قَضَّ الطعام يقَضُّ قَضَضاً، وهو طعام قَضِض ٌ (3) . أبو عبيدة: يقال: طعامٌ قليلُ النُزْل والنَزَل. الكسائي: طعام مَؤُوْفٌ، مثال مَخُوف، أيْ: أصابته آفة. الأمويُّ: النَّقَاة: ما يُلقى من الطَّعام وُيرمى به. قال أبو عبيدٍ: سمعْتُه من أبي قَطَريّ، والنُّقاوَة: خياره، والعُصَافَة: ما سقط من السُّنبلِ مثلُ التِّبن ونحوه.
الباب 104
بابُ ما يَفْضُلُ على المائدة وفي الإنَاءِ منَ الطَّعامِ واسمِ الأقِط
أبو زيدٍ: القُنْعُ والقِنَاع: الطَبَقُ الذي يؤكَل عليه الطَّعام، وما فَضَلَ عليه من الطَّعام فهو الحُتَامَة، وما فَضَلَ في الإناء من طعامٍ أو إدامٍ فهو الثُّرْتم (4) . قال: وقال الشَّاعرُ (5) :
وضرابَهم بالبِيضِ حَسْوَ الثُُّرْتُم
195- لا تحسبنَّ طعانَ قيسٍ بالقنا
الفرَّاء: الكَرِيضُ والكَرِيزُ بالزاي: الأقِط. عن أبي عمرو: الفَدَاءُ: جماعةُ الطعام من العَّير والتمرِ ونحوه، وأنشد (6) :
وطافوا حوله سُلك يتيم
196- كأنَّ فَذَاءها إذ جرَّدوه
[السُّلَكُ: ولد الحَجَل، والجمعُ: سِلكان، والأنثى: سُلَكَة، ويروى: [سُلَف يتيمٍ] ، والسُّلف: ولد الحجل أيضاً] (7) .
الباب 105
بابُ العَسلِ
يُقال: الضَّرَبُ (8) : العسَل والشُّهْدَة، وهىِ مؤنَثة. يُقَال: هي ضَربٌ، والأرْيُ: والسَّلوَى: العسل. قال خالد بن زهير الهذليُّ (9) :
ألدُّ من السَّلوَى إذا ما نَشروها
197- وقاسمها بالله جهداً لأنتم
أي: نأخذها, ويقال منه: شُرْتُ العسل: أخذْتُه, وقال الأعشى (10) [في الأري] (11) :
لِ باتَ بفيها وأرياً مَشورا(37/495)
198- كأنَّ جنياً من الزَّنجبي
الباب 106
بابُ كَثْرةِ الطَّعام وقِلَّتِه في النَّاس
الكسائيُّ: يُقال للرَّجل إذا كان كثيرَ الأكل: فَيِّهٌ، على مثال فَيْعِل، وامرأةٌ فَيِّهَة: إذا كانت كثيرةَ الأكل. أبو عمرو: المُجَلََّح: المأكول، والمُجَلِّح: الكثير الأكلِ، ومنه قول ابنِ مُقبلٍ (1) :
إذا اغبرَّ العِضَاهُ المجلَّح
199-.........................
وهو الذي أًكل حتى لم يُترك منه شيء. الكسائيُّ: ويقالُ للقليل الطُّعم. قد أقهى وأَقْهم. أبو زيدٍ مثلَه، وزاد: قَتُنَ قَتَانَةً فهو قَتِين، وإذا كرِهه فهو آجِم مثالُ فاعل، وقد أَجِمَ يَأْجَم. الكسائيّ: فإذا أكلَ في اليوم مرَّة قيل: إنما يأكلُ وجبةً, ووَزْمَةً في اليوم واللَّيلة. الفرَّاء: وكذلك البَزْمَة والصَّيْرَم. عن أبي عمرو (2) : أوَّقْتُه تأْوِيقاً، وهو الذي يقلِّل طعامَه، وأنشد (3) :
أو أنْ تبيتي ليلةً لم تُغبقي
200- عزَّ على عمّك أن تُؤوِّقي
الباب 107
بابُ الفِعل منْ مَطْعَمِ النَّاس والمَصْدِر منه
الكسائيُّ: سَرِطْتُ الطَّعامَ: إذا ابتلعْتَه، ومثلُه: زَرِدْتُه (4) ، وبلَعْتُه، وسَلِجْتُه سَلْجاً ولَقِمْتُه، وكذلك: لَعِقْتُه، ولَحِسْتُه (5) ، وجَرِعْتُ الماء وجَرَعْتُه. هذه وحدَها باللُّغتين. الفرَّاء: يُقال: وَرَشْتُ شيئاً من الطَّعام أرِش وَرْشاً: إذا تناول منه شيئاً. أبو زيد: سَلجَ يَسْلَجُ سَلْجاً وسَلَجاناً. غيره: لَسِبْتُ السَّمنَ وغيرَه أَلْسَبُه لَسْباً: إذا لَعِقْتَه. غيرُه: التَّمَطُّق والتَّلَمُّظ: التَّذوق، وقد يُقال في التَّلَمُّظ: إنَّه تحريكُ اللِّسان والشَّفتين في الفم بعدَ الأكل، كأنَّه يتِّبعُ بقيَّةً من الطَّعام بينَ أسنانِه، والتَّمطُّقُ بالشَّفتينِ: أنْ تُضَمَّ إحداهما بالأخرى مع صوتٍ يكون بينهما.(37/496)
الكسائيُّ عجَمْتُ التمرَ وغيرَه أعْجُمُه عَجْماً. قال: والعَجَمُ مفتوحٌ: النَّوَى، وليس هو من هذا. الأصمعيُّ: في العجَم إنَّه النَّوَى مثله. قال: وواحدته: عَجَمة.
الفرَّاء: جَرْدَبْتُ على الطعام، وهو أنْ يضعَ يده على الشَّيء من الطَّعام يكونُ بين يديه على الخِوَان كيلا يتناولَه غيرُه (1) ، وأنشدنا في ذلك (2) :
فلا تجعلْ شمالكَ جَرْدَبانا
201- إذا ما كنْتَ في قومٍ شَهاوَى
قال: وقال بعضُهم: جُرْدُبانا.
أبو زيدٍ: ويقالُ للصبيِّ أوَّل ما يأكل: قد قَرَم يَقْرِم قَرْماً وقُرُوماً. الكسائيُّ: قَضِمَ الفرسُ يَضْمُ، وخَضِمَ الإِنسانُ يَخْضَم، وهو كقَضْم الفَرسِ. وقال غيرُ الكسائيُّ: القَضْمُ بأطرافِ الأسنان، والخَصْمُ بأقصى الأضراسِ (3) . [وقال غيره: القضمُ: أكلُ اليابس، والخضمُ: أكلُ اللّين الرطب، وذلك في قولِ أبي ذر (4) قاله لمروان بن الحكم: يخضمون وتقضم] (5) . الأمويُّ: ضاز يضوزُ ضوزاً، أيْ: يأكل أكلاً، وأرمَتِ الإبلُ تَأرمُ أرْماً: أكلَتْ. الفرَّاء: قَطَمْتُ بأطرافِ أسناني أَقْطِم قَطْماً. غيرُه: لَمَجْتُ أَلْمُجُ لَمْجاً: أَكلْتُ. قال لبيدُ (6) :
مِنْ مَرابيعِ رياضٍ ورِجَلْ
202- يلمُجُ البارِضَ لمجاً في النَّدَى
ونَئِفْتُ أنْأَفُ، ولَسَّ يَلُسُّ لَسّاً: أكل. قال زُهيرُ بنُ أبي سُلمى (7) :
قد اخضرَّ من لسِّ الغَميرِ جَحافِلُه
203-....................
والعَدْف: الأكْل، والجَرْسُ: الأكل.
الباب 108
بابُ إطْعَامِ الرَّجلِ القَوْم(37/497)
الكسائيُّ: خَبَزْتَ القومَ أخْبِزُهم خَبْزاً: إذا أطْعَمتهم الخُبزَ، وتَمَرْتُهم أَتْمِرُهم، ولَبَنْتُهم أَلْبنُهم من اللَّبن، ولَبَأْتُهم أَلْبَأُهم من اللَّبَأ مقصورٌ مهموز. غيرُه: ولَحَمْتُهم من اللَّحمَ، وأقَطْتُهم من الأقِط. أبو زيدٍ (1) : أفرسْتُ الأسَدَ حِماراً: ألقيتُه إليه يَفْرِسُه، وشوَيتَ القومَ تَشويةً، وأَشْويتهم إشواءاً: إذا أطْعَمْتَهم شِواءاً، وقال في الدَّابة: قَصَلْتُها (2) وَرَطَبْتُها وتَبَنْتُها كلُّه بغيرِ ألِفٍ: إذا علفْتَها قَصيلاً أو رطبة أو تبناً.
الباب 109
أبوابُ اللَّبنِ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو عبيد: سمعتُ الأصمعيَّ يقول: أولُ اللَّبنٍ اللَّبَأُ مهموز مقصور، ثمَّ الذي يليه المُفْصِح. يُقال. أفْصَح اللبن: إذا ذهبَ اللَّبأُ عنه، تُمَّ الذي ينصرفُ به عن الضرع حاراً هو الصَّريف، فإذا سكنَتْ رغوته فهو الصَّريح، وأمَّا المَحْضُ فهو ما لم يُخالطْه ماءٌ، حُلواً كانَ أو حامضاً، فإذا ذهبت عنه حلاوةُ الحلَب، ولم يتغيَّرْ طعمُه فهو سَامِط، فإذا أخذ شيئاً من الرِّيح فهو خَامِط، فإذا أخذ شيئاً من طعْمٍ فهو مُمَحَّل، فإذا كان فيه طعمُ الحلاوة فهو قُوهَةٌ. قال: والأُمْهُجان (3) . الرَّقيق ما لم يتغيّر طعمه. الفراء: العَكيُّ بتشديد الياء هو المَحْض. الأصمعيُّ: فإذا حَذا اللسان فهو قَارِص، فإذا خَثُر فهو الرَّائب، وقد رابَ يَرُوب، فلا يزالُ ذلك اسمَه حتى يُنْزَعَ زُبْدُه، واسمُه على حاله بمنزلة العُشَراء من الإبل، وهي الحامل تمَّ تضع، وهو أسمُها، وأنشد الأصمعيّ (4) :
ومَنْ لكِ بالرَّائبِ الخَاثر
254- سقاكِ أبو ماعزٍ رائباً
أيْ. رقيقاً من الرائب، ومَنْ لك بالخَاثِر الذي لم يُنزع زُبده؟ يقول: إنما سقاك الممخوض، وكيفَ لك بالذي لم يُمخض؟(37/498)
قال: فإنْ شُرب قبل أنْ يبلغَ الرُّؤوب فهو المظلُوم والظَّليمة. يقال: ظَلمْتُ القومَ (1) : إذا سقاهم اللَّبنَ قبلَ إدراكِه، وقال (2) .
وهل يخفى على العَكَد الظليمُ] (3)
[205- وقاثلةٍ ظلمتُ لكم سقائي
الكسائيُّ: الهَجيمة: قبل أن يُمخض. الأصمعيُّ: فإذا اشتدَّت حموضةُ الرَّاتب فهو حَازرٌ، فإذا تَقطَّع وصار اللَّبنُ ناحيةً، والماءُ ناحيةً فهو مُمْذَقِرٌّ، فإنْ تلبَّدَ بعضُه على بعضٍ فلم يتقطَّع فهو إدْلٌ، يُقال: جاءنا بإدْلةٍ ما تُطاقُ حَمْضاً، فإنْ خَثُر جداً وتلبَّد فهو عُثَلِط، وعُكَلِط وعُجَلِط وهُدَبد، فإذا كانَ بعضُ اللَّبن على بعض فهو الضَّريب. قال: وقالَ بعضُ أهل البادية: لاَ يكونُ ضريباً إلا من عدَّةٍ من الإبل، فمنه ما يكونُ رقيقاً، ومنه ما يكونُ خاثراً، قال ابنُ أحمرَ (4) :
ضريبَ جِلادِ الشَّولِ خمطاً وصافيا
206- وما كنتُ أخشى أن تكون منيتي
فإنْ كان قد حُقِنَ أيّاماً حتى اشتدَّ حمضُه فهو الصَّرْب والصَّرَب. قال الشَّاعرُ (5) :
فالأطيبان بها الطرثوث والصَّرَبُ
207- أرضٌ عن الخيرِ والسلْطانِ نائيةُ
فإذا بلغَ من الحمض ما ليس فوقَه شيء فهو الصَّقْر، فإذا صُبَّ لبنٌ حليبٌ على حامضٍ فهو الرَّثيئة والمُرضَّة. قال ابن أحمرَ [يهجو رجلاً] (6) :
على ما في سقائكَ قد روينا
208- إذا شربَ المُرِضةَ قال أوكي
فإنْ صُبَّ لبنُ الضَّأْنِ على لبنِ المَعز فهو النَّخِيسَة، فإنْ صُبَّ لبنٌ على مَرَقٍ كائناً ما كانَ فهو العَكِيس. أبو زيدٍ: فإنْ سُخَّنَ الحليبُ خاصةً حتى يحترقَ فهو صَحِيرةٌ، وقد صَحَرْتُه أصْحُرُه صَحْراً. الأمويُّ (7) : فإنْ أُخِذَ حليبٌ فأنقِعَ فيه تمرٌ برنيٌّ فهو كُدَيراء.
الفرَّاء: يُقالُ للَّبن: إنٌه لَسَمْهَجٌ سَمْلجٌ: إذا كان حُلْواً دَسِماً.
الباب 110
بابُ الخَاثِر من اللَّبنِ(37/499)
الأصمعيُّ: إذا أدركَ اللَّبنُ لِيُمْخَضَ قيل: قد رابَ رَوْباً ورُؤُوباً، والرُّوْبة: الخميرة التي في اللَّبن، فإذا ظهرَ عليه تحبُّبٌ وزبدٌ فهو المُثْمِر، فإذا خَثُرَ حتى يختلط بعضُه ببعض، ولم تتمَّ خُثورته فهو ملْهاجٌّ، وكذلك كلُ مختلط (1) . يُقال: رأيتُ أمرَ بني فلانٍ مُلْهاجّاً، وأيقظني حين الهَاجَّتْ عيني، أي: حين اختلط بها النُّعاس، وإذا خَثُر ليروبَ قيل: قد أَدَى يأْدِي أُديّاً. أبو زيدٍ: المُرْغَادُّ مثل المُلْهَاجّ قال: فإذا تقطَّع وتحبَّبَ فهو مُبَحْثِر، فإنْ خَثُر أعلاه وأسفه رقيقٌ فهو هادِرٌ، وذلك بعدَ الحُزُور. الأصمعيُ: فإذا علا دسمُه وخُثورتُه رأسَه فهو مُطثَّرٌ. يقال: خُذْ طَثْرَة سِقائكَ. قال: والكَئْثأَة والكَثْعَةُ نحوُ ذلك. يُقال: قد كَثَع اللبن وكَثأَ. أبو الجراح: وإذا ثَخُنَ اللَّبنُ وخَثُر فهو الهَجيمة. أبو زيادٍ الكلابيُّ: ويقالُ للرائب منه: الغَبِيبَةُ. الكسائيُّ: هو هَجِيمةٌ ما لم يُمْخض.
الباب 111
بابُ اللَّبنِ المَخلوطِ بالماءِ
الأصمعيُّ: إذا خُلط اللَّبن بالماءِ فهو المَذِيقُ، ومنه قيل: فلان يَمْذُق الودَّ: إذا لم يُخلصه، فإذا كَثُر ماؤُه فهو الضَّيَاح والضَّيْح، فإذا جعله أرقَّ ما يكونُ فهو السَّجاج، وأنشدنا (2) :
سجاجاً كأقرابِ الثعالب أورقا
209- يشربُه مَذْقاً ويسقي عيالَه
والسَّمار مثل السَّجَاج. الكسائيُّ: يقالُ: منه سمَّرْتُ اللَّبن، ومن الضيَاح: ضَيَّحْتُه. أبو زيدٍ (3) : الخَضَار من اللَّبن مثلُ السَّمارَ والسَّجَاج، والمَهْو منه: الرَّقيق الكثيرُ الماء، وقد مَهُوَ مَهاوةً. الفرَّاء: والمَسْجُور: الذيَ ماؤُ5 أكثرُ من لبنه. الأمويّ: النَّسْءُ مثلُه، وأنشدنا لعروةَ بنِ الوردِ (4) :
عُداةَ الله من كَذبٍ وزورِ
210- سَقوني النَّسْءَ ثُمَّ تكنَّفوني
الباب 112
بابُ رِغْوةِ اللَّبنِ ودُوَايته(37/500)
أبو زيدٍ: الثُّمالَة من اللَّبنِ: رِغْوَته (1) . أبو عبيدة: الجُبَاب: ما اجتمعَ من أَلبانِ الإِبل خاصَّةً, فصارَ كأنَّه زبد. قال: وليسَ للإبل زبدٌ, إنّما هو شيءٌ يجتمعُ فيصيرُ كأنَّه زبدٌ. الأصمعيُّ: والدَّاوي من اللَّبن: الذي تركبُه جليدة، وتلك الجُليدة تُسمى الدُّواية، فإذا أكلها الصبيان قيل: ادَّوَوْها. [الكسائيُّ: هي الدِّواية والدُّواية، وقد دوَّى اللبن: إذا فعل ذلك] (2) .
الباب 113
بابُ أسماءِ اللَّبن
أبو عمروٍ: الرِّسْلُ: هو اللََّبن ما كان. قال: وكذلك الرِّسْلُ من المَشْي، بالكسر أيضاً. الكسائيُّ: الرٍِّسْلُ: اللَّبن، والرَّسَل: الإِبل. أبو عمروٍ: الغُبْر: بقيَّةُ اللََّبن في الضِّرع، وجمعه: أغبار [وأنشد (3) :
إنَّك لا تدري من النَّاتجُ
211- لا تكسعِ الشَّولَ بأغبارها
يقول: تضرب ضروعها بالماء البارد فينقطع لبنها فتلقح، فيقول: فلا تكسعها, دع ألبانها لتنتفع بها؛ فإنك لا تدري من الناتج. يقول: يُغار عليها فتؤخذ] (4) .
أبو زيد: الإحلابةُ: أنْ تحلب لأهلك، وأنت في المرعى لبناً، ثم تبعث به إليهم. يقال منه: أحلبتهم إحلاباً، واسمُ اللَّبن: الإحلابة. قال: والماضرُ من اللبن: الذي يحذي اللسان قبل أنْ يُدرك، وقد مضَر يَمضُرُ مضوراً، وكذلك النبيذ. قال: وقال أبو البيداء: اسمُ مُضَر مشتقٌ منه (5) . [قال أبو عبيد: ولم نسمع العرب تقول: مَضَر في النبيذ] (6) .
الباب 114
بابُ عُيوب اللَّبن
الأصمعيُّ: الخَرَطُ من اللَّبن: أنْ يصيبَ الضرعَ عينٌ، أوْ تربض الشاة أو تبرك الناقة على ندًى، فيخرجَ اللبنُ مُنْعَقِداً كأنَه قِطَعُ الأوتار، ويخرج معه ماء أصفر. يقال: قد أخرطَتِ الشَاة والناقة فهي مُخْرِط، والجمع: مخاريط، فإذا كان ذلك عادةً لها فهي مِخْرَاط، فإذا احمرَّ لبنُها ولم تُخْرِط فهي مُمْغِرٌ ومُنْغِرٌ، فإنْ كانَ ذلك عادةً لها فهي مِمْغَارٌ ومِنْغَارٌ (7) .
الباب 115(38/1)
بابُ الزُّبدِ يُذابُ للسَّمْن
أبو زيدٍ: الزُّبْدُ حينَ يُجعل في البُرْمَةِ ليُطبخ سمناً فهو الإِذْوَاب والإِذْوَابة، فإذا جادَ وخلَص ذلك اللَّبنُ من الثُّفْلِ فذلكَ البَّن الإثْر، والإخْلاص، والثُّفْل الذي يكونُ أسفلَ اللَّبن هو الخُلوص. [أبو زيد] (1) : وإنِ اختلطَ اللَّبنُ بالزُّبد قيل: ارْتَجَن. الأمويُّ: يقال: قَردْتُ في السِّقاء قَرْداً: جمعتُ السَّمن فيه. الكسائيُّ: وُيقال لثُفْل السَّمن: القِلْدَة والكُدَادة والقِشْدَة.
الباب 116
بابُ الشَّرابِ
الأصمعيُّ: أقلُّ الشُّرب التَّغمُّرُ. يُقال: تغمَّرْتُ، وهو مأخوذ من الغُمَر: وهو القدَحُ الصغير. [قال الأصمعيُّ: أوَّل الشُّرب، وقال مرَةً أخرى: أقلُّ الشُّرب] (2) .
أبو عمروٍ: أَمْغَد الرَّجل إمْغَاداً: إذا أكثر من الشُّرب، فإنْ شرب دُون الرِّيِّ قال: نضحْتُ الرِّي، بالضاد، فإنْ شربَ حتى يَروى قال: نَصحْتُ بالصَّاد الرِّي نصْحاً، ويَضعتُ به، ونقعتُ، وقد أبضعني وأنقعني، والنَّشح دون النضح ويقال: هما واحداً. قال ذو الرمة (3) :
وقد نشحْنَ فلا ريّ ولا هيمُ
212-[فانصاعت الحقبُ لم تقصع صرائرُها (4)
أبوزيدٍ (5) : قد نَقَعْتُ به، ومنه: أنقَعُ نُقُوعاً، وبَضعْتُ به، وأنه أبْضَعُ بُضُوعاً.
الأصمعيُّ: فإنْ جرَعَه جَرْعاً فذلك الغَمْجُ (6) ، وقد غَمَجَ يَغْمِجُ. الكسائيُّ: فإنْ أكثَر منه قيل: لَغِيَ بالماء يَلْغى. أبو زيدٍ: فإنْ غصَّ به فذلك الجَأْز، وقد جَئِزْتُ أجْأَزُ، فإنْ أكثَر منه وهو في ذلك لا يُروى قال: سَفِفْتُ الماءَ أسَفُّهُ سفَّاً، وسَفِتُّه أسْفَتُه سَفْتاً. الكسائيُّ: سَفِهْتُه أسْفَهُه: إذا أكثرْتَ فلا تَروى، والله أسفهكَهُ. اليزيديّ: وكذلك بَغِرْتُ بالماء بَغَراً، ومَجِرْتُ مَجَراً.(38/2)
أبو الجرَّاح: فإذا كظَّه الشَرابُ وثَقُلَ في جوفِه فذلك الإعْظَار، وقد أعْظَرني الشَرابُ. غيرُه: التَرَشُّفُ: الشُرب بالمصَّ. الأصمعيُ: تحبَّبَ الحمارُ: إذا امتلأ من الماء، وعنه: والمُجدَّح: الشَّراب المُخوَّض بالمِجْدَح، وقال الحُطيئةُ (1) :
ولم يدرِ ما خاضَتْ له بالمجادح
213-[فقالت: شراب بارد فاشربنَّه]
أبو زيدٍ: فإنْ شربَ من السَّحَر فهي الشَّربةُ الجاشرية. يعني: حين جشرَ الصُّبحُ، وهو طلوعُه، وإذا سقى غيرَه أيَّ شرابٍ كان، ومتىَ كان قال: صفحْتُ الرَّجُل أصْفَحُهُ صَفْحاً.
الأصمعيُّ: فإنْ مجَّ الشَّراب قال: أزْغلْتُ زغلةً، أيْ: مجَجْتُ مجَّةً، وقال أيضاً: تغفَّقْتُ (2) الشَّراب تغفُّقاً: شربته. الأموي: اقتَمعْتُ ما في السَّقاء: شربته كلَّه وأخذته. غيرُه: الغُرْقَة مثلُ الشَّرْبة. قال الشَّماخ يصفُ ألإِبل (3) :
من ناصعِ اللَّونِ حلوِ الطَّعمِ مجهود
214- تُضحي قد ضمِنَتْ ضَرَّاتُها غُرقاً
ويروى: [حلوٍ غير مجهود] أجود.
والنُّغْبَة: الجُرْعة، وجمعُها: نُغَب. قال ذو الرُّمةِ (4) :
إلى الغَليل ولم يَقصعْنَه نُغَب
213- حتى إذا زلجَتْ عنْ كلِّ حَنجرةٍ
الفرَّاء: قد صَئِبَ وقَئِبَ وذَئح: إذا أكثر من شُرب الماء، وقال الفرَّاء: تمقَّقْتُ الشَراب تمقُّقاً، وتَوتَّحْتهُ وتمزَرْتُه: إذا شربَ قليلاً قليلاً.
عن أبي عمروٍ: نَئِف في الشَّراب: ارتوى، قال أبو العالية الرياحي (5) في الحديث: [اشرب النِّيذَ ولا تُمزِّرْ] (6) [أي: كما تشربوا الماء] (7) ، وأنشدني الأمويُّ، وذكر الخمرَ (8) :
في فمِه مثلَ عصيرِ السُّكر
216- تكونُ بعدَ الحَسْوِ والتمزُّرِ
الباب 117
بابُ العَطَشِ(38/3)
أبو زيدٍ: الأُوَام: العَطَشُ، وهو أيضاً: الجُؤاد بالهمز؛ واللُّوَاب، واللُّوَاح، يُقال منه: جِيْدَ الرَّجل فهو مَجُود. أبو عبيدة: في الجُؤاد مثلَه، ولابَ يلوبُ، ولاحَ يلوحُ. قال (1) : والغَيْمُ: العطش أيضاً، وأنشد (2) :
حتى أفاقَ غيمها المجهودُ
217- ما زالتِ الدَّلْوُ لها تعودُ
واللُّهْبَة (3) : العَطَش، وقد لَهِبَ الرَّجل يَلْهَبُ لَهَباً، وهو رجل لَهبانٌ، وامرأةٌ لَهْبى.
أبو عمروٍ: الصَّارَّة: العطش، وجمعُها: صَرائرُ، وهو قولُ ذي الرُّمةِ (4) :
وقد نشحْنَ فلا ريٌّ ولا هِيمُ
218- وانصاعتِ الحُقب لم تَقصعْ صرائرُهاْ
غيرُه: الأُحَاح: العَطَش. الفرَّاء قال: من الأُحَاح: في صدرِه أُحاح [وأَحيحةٌ من الضِّغْن] (5) . وقال غيرُه: الأُحَاحُ والغليل والغُلَّة: العَطَشُ، والصَّدَّى مثلُه، والحِرَّة مثله. غيرُه: رجل مَغْلُول، من الغُلَّة. أبو عمرو: الغَيْمُ والغَيْنُ: العطش، وقد غَامَ يَغِيمُ، وغَانَ يَغِينُ.
كتابُ الأمراض (6)
الباب 118
بابُ الأمراض(38/4)
قال أبو عبيدٍ: سمعتُ الأصمعيَّ يقول: أوَّل ما يجدُ الإِنسان مسَّ الحُمى قبل أنْ تأخذَه وتظهرَ، فذلك الرَّسُّ، فإذا أخذَتْه لذلك قِرَّةٌ (1) ووجَد مسَّها فتلك العُرَواء، وقد عُرِيَ فهو مَعْرُوٌّ، فإذا عرِق منها فهي الرُّحَضاء، الكسائيُّ: فإنْ كانت صالباً قيل: صَلَبَتْ عليه [فهو مَصْلُوب عليه] ، وإنْ كانت نافضاً قيل: نَفَضَتْهُ فهو مَنْفُوض، ويقال له: وَعَكَتْه فهو مَوْعُوك، وَوَرَدَتْهُ فهو مَوْرُود. الأصمعيّ: والوِرْدُ: يومُ الحمَّى، والقِلْد: يومَ تأتيه الرِّبْع. الكسائيُّ: يُقال منه: أربعَتْ عليه الحمَّى، ومن الغِبِّ: غَبَّت عليه. الأصمعيّ: فإنْ لم تفارقْه الحُمَّى أياماً قيل: أردَمَتْ عليه، وأغبطت، فإذا أقلعَتْ عنه فذلك الحين هو القَلَع، فإنْ كان مع الحمى بِرْسَام (2) فهو المُوم. عن أبي عمرو (3) : النُّحَواء: التَّمطِّي.
الباب 119
بابُ أوجاعِ الحَلْقِ
قال أبو زيادٍ الكلابيُّ والأصمعيُّ: الجائِرُ (4) : حَرٌّ في الحَلْق، وقال الأصمعيُّ: والذُّبْحة: وجعٌ في الحَلْق، وأمَّا الذُّبَح فهو نَبْتٌ أحمر. الأمويُ: الحَرْوة والحَمَاطَة: الحُرْقة يجدها الرَّجل في حلقه. غيرُهم: العُذْرة: وجعٌ في الحلقِ أيضاً، يُقال منه: رجل مَعْذور. الكسائيُّ: فإنْ كان به سُعالٌ أو خشونةٌ في صدره فهو المَجْشُور، وبه جُشْرَة.
الباب 120
بابُ أوْجاعِ البطنِ
قال أبو عبيد: عن الأصمعيّ قال: القُدَاد: وجعٌ في البطن. الأمويُّ: الذَّرَبُ: داءٌ يكون في المعدة وفساد. أبو زيدٍ: الحَقْوَة: وجع في البطن من أنْ يأكلَ الرَّجلُ اللَّحم بَحْتاً، فيقعِ عليه المشي، وقد حُقِيَ فهو مَحْقوٌّ. غيرُهم: فإذا اشتكى حَشاه ونَساه فهو حَشٍ ونَسٍ. غيرُه: الحشْيان: الذي به الرَّبْو. قال أبو جُندبِ الهُذَليُّ (5) :
تنفَّسَ منها كلُّ حَشيان مُحْجَر
219- فنهنهتُ أولى القوم عنهم بضربةٍ(38/5)
أبو زيدٍ: عَرِبتْ مَعِدَته تعرَبُ عَرَباً، وذَرِبت تَذْرَبُ ذَرَباً، فهي عَرِبة وذَرِبَةٌ: إذا فسدت. عن أبي عمرو: العِلَّوْص والعِلَّوز جميعاً: الوجعُ الذي يقال له: اللَّوَى (1) .
الباب 121
بابُ الوَجعِ في الجَسدِ والجُدَريّ وأشباهِهما
قال الأصمعيُّ: الرُّدَاع: الوجعُ في الجسد، وأنشدنا (2) :
[وكان فراقُ لبنى كالخِداعِ] (3)
220- فيا حزني وعاودَني رُداعي
والرَّثْيَةُ: الوجعُ في المفاصلِ واليدين والرِّجْلين. الكسائيُّ: والحُمَاق مثلُ الجُدَريّ. يقال منه: رجلٌ مَحْمُوق، فإذا لبس الجُدَريّ جلدَه قيل: أصبح جلدُه غضَبةً واحدةً، ويقال: رجلٌ مَيْرُوق ومأْروق: إذا أصابه اليَرقان وأرقان، وهما واحد، ومن الحَصَفِ: قد حَصِفَ يَحْصَفُ حَصَفاً، وبَثِرَ وجهُه يَبْثَرُ بَثَراً (4) ، وبثَر يَبْثُرُ بَثْراً، وهو وجهُ بَثِرٌ من البَثْر. غيرُه: النَّبْخُ: الجُدَري. الفرَّاء: هو الجُدَريّ والجَدَريّ والحَصْبَة والحَصَبَة. العدبَّس الكناني: الخُزَرة (5) : داءٌ يأخذ في مُستدقِّ الظهر بِفقْرَةِ القَطن، وأنشدنا (6) :
من خُزَراتٍ فيه وانقطاعِه
221- داو ِبها ظهرَكَ مِنْ تَوْجَاعِه
يعني: الدلو، والهاء للدَّلو.
الباب 122
بابُ وَجعِ العَينِ والعُنُقِ
اليزيديُّ: يُقال: بعينِه ساهِكٌ مثلُ العَائِر، وهما من الرَّمد، اليزيديّ (7) : والعُوَّار مثلُ القَذَى. الفرَّاء: اللَّبِنُ: الذي يشتكي عنقَه من وسادٍ أو غيرِه. أبو زيدٍ: الفَرْسة: قرحة تكونُ في العُنق فَتَفْرِسُها. غيره: الفَرْصة (8) رِيحُ الحَدَب (9) .
الباب 123
بابُ الوَجِع من التُّخمَةِ وغيرها(38/6)
الأصمعيُّ: إذا اتَّخَم الرجل قيل: جَفِس جَفَساً، وإذا غلبَ الدَّسَم على قلبه قيل: طَسِئَ طَسَأً، وطَنخَ طَنَخاً. الكسائيُّ: وقد غَمَته الطّعام يَغْمِتُه. أبو عمروٍ: فإنِ انتفخَ بطنُه قيل: اظرورى اظريراءاً (1) . الأصمعيُّ: وحَبِط حَبَطاً مثلُه سواء، فإنْ وقع عليه مشيُ البطن من تُخمَة قيل: أخذه الجُحاف (2) ، وهو مَجْحُوف، فإذا أكلَ لَحم ضأنٍ فثَقُل على قلبه فهو نَعِجٌ، وأنشدنا (3) :
فهم نَعِجُون قد مالَتْ طُلاهم
222- كأنَّ القومَ عُشُّوا لحمَ ضأنٍ
غيرُه: السَّنِقُ (4) : الشَّبعان كالمُتْخَم.
الباب 124
بابُ بَدْءِ المَرض والبُرءِ منه
الأمويُ: أوَّلُ المرض الدَّعْث، وقد دُعِثَ الرجل (5) . أبو عبيدةَ: فإذا برأ قيل: تَقَشْقَشَ وبَلَّ يَبِلُّ وأَبَلَّ يُبِلُّ. أبو زيدٍ: واطْرَغَشَّ وانْدَمَلَ. الأصمعيُّ: فإذا كان داءٌ لا يبرأُ فهو ناجِسٌ ونجِيس، وعقَام. الفرَّاء: السُّحاف: السِّلُّ، وهو رجل مَسْحُوف، والعَقابيل: بقايا المرض. غيره: الهَلْس مثلُ السُّلال (6) . يُقال منه: رجل مَهْلُوس. قال الكُميتُ (7) :
يُعالجْنَ أَدواءَ السُّلالِ الهَوالسا
223-....................
الباب 125
بابُ الجراحِ والقُروحِ
الأصمعيُّ: قال: إذا أصابَ الإنسان جُرحٌ فجعل يَنْدَىَ قيل: صَهَى يَصْهَى، فإنْ سالَ منه شيٌ قيل: فَصَّ يَفِصُّ، وفَزَّ يَفِزُّ فَصِيصاً وفَزيزاً، فإنْ سالَ بما فيه قيل: نَجَّ نَجيجاً، وأنشدنا [السَّعدي] (8) للقَطِران (9) :
فإنَّ الله يفعلُ ما يشاء
224- فإنْ تَكُ قُرحةٌ خَبُثَت ونجَّت(38/7)
أبو زيدٍ: ومثلُه: وعَا الجُرح يَعي وَعْياً، والوَعْيُ: هو القَيحُ، ومثلُه: المدَّة، فأمَّا الصَّديد فهو الذي كأنَّه ماء وفيه شُكْلةٌ، فقال منه: خرجت غثيْثةُ الجرح، وهي مِدَّته، وقد أَغثَّ: إذا أمدَّ. الأصمعيُّ: فإنْ فسدتِ القَرْحةُ وتقطَّعت قيل. أرِضَت تأْرَضُ أَرَضاً، وتَذيَّأَتْ تَذَيُّأً، وتهذَّأَتْ تَهَذُّءاً. أبو زيد: ٍ فإنْ كانَ الدَّم قد مات في الجُرح قيل: قَرَتَ فيه الدَّمُ يقرَتُ ويَقْرُتُ قرُوتاً. الأصمعيُّ: فإنْ شقَقْتَه قلت: بَجَجْتُهُ أَبُجُّه بَجَّاً. وأنشدنا (1) :
عَساليجُه والثامرُ المُتناوحُ
223- فجاءت كأنَّ القَسْورَ الجونَ بجَّها
فإنْ انتقضَ ونُكِس قيل: غَفَر يَغْفِر غَفْراً، وزَرِفَ زَرَفاً. الكسائيُّ: في الغَفْر والزَّرَفِ مثلَه، وَزاد: وغَبِرَ غَبَراً، فإنْ أَدْخَلْتَ فيه شيئاً تسدُّه به قيل: دسَمْتُه أَدْسُمه دَسْماً. الأصمعيُّ مثلَه، وأنشدنا (2) :
إذا أردْنا دَسْمَه تنفَّقا
226-.....................
واسمُ ذلك الشيء الدِّسَام. الأموي: فإنْ سالَ منه الدَّم قيل: جرحٌ تغَّارٌ بالتاء. قال أبو عبيدة: نَغَّار بالنُّون. قال أبو عبيدٍ: وعن غيره: نعَّاز بالنون [والعينِ، لا يكونُ بالغين] (3) . غيرُه: بَرَئ جرحه على بَغْي، وهو أن يبرأ وفيه شيءٌ من نَغَل. أبو زيدٍ: فإذا سكن ورَمُ الجُرح قيلَ: حَمَصَ يَحْمُصُ حُموصاً، وانحمصَ انحماصاً.
غيرُه: ومثلُه: اسْخَاتَّ اسخيتاتاً، والقَرِيحُ: المجروح، وقد قَرَحْتُه: جرحته.
قال المُتَنخِّلُ الهُذليُّ (4) :
يومَ اللِّقاءِ ولا يُشوون من قَرَحُوا
227- لا يُسلِمون قَريحاً حلَّ وسْطَهم
أي: جرحوا. قال الله جلَّ ذكُره: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} (5) .
الأمويُّ: فإذا صلحَ وتماثلَ قيل: أَرك يأْرِك أُرُوكاً [وكذلك اندمل اندمالاً] (6) .(38/8)
الكسائيُّ: فإذا علَتْهُ جلدة للبُرءِ قيل: جَلَب يَجْلِبُ ويجلُبُ، وأَجْلَب يُجْلِبُ (1) . أبو زيدٍ: فإذا تقشَّرت الجلدة عنه للبُرءِ قيل: تَقَشْقَشَ، فإنْ بقيتْ له آثارٌ بعدَ البُرء قيل: عَرِبَ يَعْرَبُ عَرَباً، وحَبِرَ حَبَراً، وحَبِطَ حَبَطاً. كلُّ هذا من الأثر، وقد أَحْبَره، غيرُه: ويُقال للجِلد إذا تقشر: تقرَّف، واسمُ تلك الجِلدة القِرفة. قال الشَّاعر:
والقرْحُ لم يتقرَّف (2)
228-.......................
ويُقال: أَقْرَن الدُّمَّل: إذا حان أَنْ يَتفقّأ، وأقَرَن الدّم واستقرنَ: إذا كَثُر.
الباب 126
بابُ الشِّجاجِ وأسمائِها
الأصمعيُّ: أوَّلُ الشِّجاجِ الحَارِصَةُ، وهي التي تَحرِصُ الجلد، يعني: تشقُّه قليلاً ومنه قيل: حرصَ القَصَّارُ الثوبَ: إذا شقَّه، ثمَ البَاضِعة، وهي التي تشقُّ اللَّحم بعدَ الجِلْدِ، ثُمَّ المُتلاحِمة، وهي التي أخذَتْ في اللَّحم ولم تبلغِ السِّمْحَاق، ثُمً السَّمْحاق وهي التي بينها وبينَ العظمِ قُشيرةٌ رقيقة، وكلُّ قشرةٍ رقيقةٍ فهي سِمحَاقٌ، ومنه قيل: في السَّماءِ سماحيقُ من غيم، وعلى ثَرْبِ الشَاةِ سماحيقُ من شَحمٍ، ثُمَّ المُوْضِحة وهي التي تُبدي وضَحَ العظم، ثمَ الهاشمة، وهي التي تهشم العظم، ثُمَّ المُنقِّلَة، وهي التي يخرجُ منها فرَاشُ العِظام، وهي قشور تكونُ على العظام دونَ اللحم، ومنه قولُ النَّابغة (3) :
ويتبعُها مُنهم فراشُ الحواجبِ
229-.......................
ثمَّ الآمَّة: وهي التي تبلغً أُمَّ الرأس، وهي الجِلدة التي تكونُ على الدماغ.(38/9)
قال: وأخبرني الواقديُ (1) أنَّ السَّمحاق عندهم المِلْطَا. قال أبو عبيدٍ: ويُقال: إنها المِلْطَاة بالهاء (2) ، فإذا كانتْ على هذا فهي في التَّقدير مقصورة. قال: وتفسيرُ الحديث الذي جاء [يُقضى في المِلْطَا بدمِها] (3) يقول: معناه: أنَّه حين يُشجُّ صاحبُها يُؤخَذُ مقدارها تلك السَّاعة، ثُمَّ يُقضى فيها بالقصاص أو الأرْش لا يُنظر إلى ما يَحدثُ فيها بعدَ ذلك من زيادةٍ أو نُقصانٍ، وهذا قولُهم، وليس هو قولُ أهلِ العراق.
الأصمعيُّ: الحَجِيجُ: الذي قد عُولِجَ من الشَّجّةِ، وهو ضَرْبٌ من علاجها.
وقال أبو الحسن الأعرابيّ: هو أنْ يُشجَّ الرَّجل فيختلط الدَّم بالدِّماغ، فيصبَّ عليه السَّمن المغلي حتى يظهَر الدَّمُ عليه، فيؤخذ بقطنةٍ. يُقال منه: حَججْتُه أَحُجُّه حَجّاً. [والحجُّ: حلقُ الرأسِ عن الشجًة، والحجُّ: القصد] (4) .
الباب 127
بابُ كسرِ العِظامِ وجَبْرِها
أبو عمرو: يُقال: عَفَتَ فلانٌ عظمَ فلانٍ عَفْتاً: إذا كسره، وكذلك: لَعْلَعَهُ.
أبو عمرو: فإذا بَرأ بعدَ الكسرِ قيل: جَبَر وجَبَرْتُه، فإنْ كانَ على عَثْم ٍ-[وهو الاعوجاج] (5) والعَثْم أيضاً أن يجبر على غير استواءٍ (6) - قيل: وَعَى يَعِي وَعْياً، وأَجَرَ يَأْجِرُ أَجْراً. الأصمعيُّ: أَجَرَ يَأْجُرُ أجُوراً. أبو عمرو والفرَّاء: ايتَشى العظم: إذا برأ من كسرٍ كان بهِ، غير مهموزٍ.
---
(7) زيادة من التونسية.
(8) الرجز لمنظور بن مرثد الأسدي.
وهو في التهَّذيب 2/17, والجمهرة 2/739, وسمط اللآلئ 684, والمذكر والمؤنث ص515، وشرح الحماسة 4/13
(9) زيادة من التونسية.
(10) ديوانه ص 17. زاد في مطبوعة تونس بعد البيت: [أي: لا يذهب بها ليلاً] .
(11) لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص252.
(12) ما اختلفت ألفاظه ورقة 3 أ.(38/10)
(1) الرجز للعجاج في ديوانه ص 110، وفي المخصص 3/158, وفي العين 4/121,والبارع ص 214: [سرهفته ما شئت من سرهاف] .
(2) أي: ضخمت وتمَّت.
(3) الشطر في التهذيب 3/310، والمخصَّص 3/159، واللسان: ضمعج، وديوان الأدب2/24، ونظام الغريب ص 68. قلت: وفي المزهر 2/210، صمغج بالغين، وهو تصحيف. وبعده كما في تهذيب الألفاظ ص 315:
تبسَّم عن ذي أشرٍ مفلَّج
(4) الرجز لرؤبة بن العجاج في ديوانه ص 186, وديوان الأدب 2/106، واللسان: مسد.
(5) زيادة من التونسية.
وفي اللسان: يصف راعياً جادت له الإبل باللبن.
(6) يعرف بابن فسوة، مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وهو شاعر مقل, شهد حنيناً مع المشركين. انظر الأغاني 19/143، والإصابة 3/103.
والبيت من قصيدةٍ له في الاختيارين ص 381، والمخصص 3/158, وتهذيب الألفاظ ص208.
(7) البيت في أساس البلاغة:ذعر؛ واللسان: ذعر؛ وديوان الأدب 1/391, والمقاييس 2/355 وهو لمبذول الغنوي, وقيل للقلاخ المنقري. سمط اللآلئ ص 825.
(8) شرح أشعار الهذليين 2/752, وقوله: تنيف: تشرف.
(9) ما بين [] زيادة من التونسية.
(10) زيادة من التونسية.
(11) في التونسية والتُّركية: القليلة اللحم,
(12) حاشية من التُّركية ورقة 31 ب: الحامض:كذا رواه أبو عبيد مشفوعة, معجمةً, والصّواب بالسّين.
أبو نصر عن الأصمعيّ: المسفوعة: الَّتي قد أصابتها سفعة, بالسِّين غير معجمة.
(13) النوادر ص 179, التَّهذيب:1/306.
(14) ما بين [] زيادة من التونسية.
(15) ما اختلفت ألفاظه ورقة 2 ب.
(16) الجيم 3/240, وما اختلفت ألفاظه ورقة 2ب.
(17) وهم أبو عبيدٍ في نسبته للعجاج, والصَّحيح أنَّ الرَّجز لرؤبة في ديوانه ص 121,من قصيدة يمدح بها سليمان بن علي, ومطلعها:
عرفتُ بالنَّصريَّة المنازلا قفراً وكانت منهم مآهلا
(18) زيادة من التّركية والظَّاهرية.
(19) المتخدِّدة: المهزولة قليلة اللحم.(38/11)
(1) البيت في التَّهذيب 11/362, والمخصص 4/12, والأساس واللسان: شرم.
وهذا مثلٌ تضربه العرب, فتقول: لقيتُ منه يوم احلقي وقومي, أي: الشِّدَّة, وأصله أن يموتَ زوج المرأة فتحلق شعرها, وتقوم مع النَّوائح.
(2) قال عليُّ بن حمزة في التَّنبيهات ص202: "والَّذي قاله أبو عمرو: المدشاء: سريعة أوب اليدين, وإنَّما المدشاء في قول غيره:القليلة لحم الذِّراعين".
(3) الذي في الجيم 2/4: ويقال للمرأة: إنها لرؤود. إذا كانت تدخل بيوت الجيران.
(4) الجيم 3/289.
(5) البيت:
[بيض ملاويح يوم الصيف، لا صُبرٌ على الهَوان، ولا سُود ولا نُكعُ]
وهو في ديوانه ص 171.
(6) ديوانه ص 201.
(7) زيادة من التونسية.
(8) البيت في التهذيب 2/352 ونظام الغريب ص 70. والمحكم 4/270 وشرح الحماسة 3/182.
(9) الجيم 3/187 – 188.
(10) قال عليُّ بن حمزة: "وكيف يقول هذا وهو يُنشد:
والبيض قد عنست وطال جراؤها ونشأن في قنٍّ وفي أذواد
ولو لم يقولوا عنست لما قالوا: عانس, وهم يقولون: امرأة عانس ورجل عانس"ا. هـ.
وقال بن بري: "الّذي ذكره الأصمعيُّ في خلق الإنسان أنَّه يقال: عنَّست المرأة, بالفتح والتَّشديد, وعنست بالتَّخفيف". انظر التَّنبيهات ص203, واللسان: عنس.
(11) البيت في ديوانه ص26, والتَّهذيب 12/191. والمحكم 7/9.
(12) فركَ: من باب سمع, وكنصر شاذٌّ. القاموس.
(13) يقال ضنت المرأة تضنو وتضني ضنىً: إذا كثر ولدها. اللسان: ضنا, والتَّهذيب 12/66.
(14) ما بين [] ليس في التُّونسية.
(15) غريب الحديث لأبي عبيد 4/491, والعين 4/195, والنَّوادر ص 187.
(16) البيت لأخت مقيس بن صبابة. وهو في الجمهرة 2/206, واللسان والأساس: خرس, والمجمل2/282، ولم ينسبه المحقق.
(17) ما بين [] ليس في الأسكوريال.
(18) زيادة من التُّركية.(38/12)
(1) قال علي بن حمزة: "وهذا غلط، وإنما الوجه المُحِلُّ، وقد أحلَّت، وغلط في قوله: ويقال ذلك للناقة, وإنما يقال ذلك للشاة". التنبيهات ص203، والقاموس: حلَّ.
وقال ابن فارس: "وأحلّت الشَّاة: إذا نزل اللبن في ضرعها من غير نتاج". المجمل 1/218، وكذا قال الأصمعي في الشَّاة طبع دمشق ص 73.
(2) بالفتح والكسر.
(3) التهذيب 8/99.
(4) البيت في أشعار الهذليين 1/141.
المطافيل: الإبل معها أولادها أطفال، مفاصل الوادي: مسايله.
(5) العين 3/314.
(6) ديوانه ص 171.
القهد: ضرب من الضأن تصغر منه الآذان وتعلوها حمرة. عُبس: يعني ذئاباً لونها أصفر إلى السواد.
(7) زيادة من الأسكوريال والمحمودية.
(8) الجيم 3/253.
(9) في التهذيب 6/83, والعين 3/401، والمحكم 4/135، وديوان الأدب 2/380, وشرح الحماسة 1/11, وتهذيب الألفاظ ص 340.
(10) ما بين [] ليس في الأسكوريال.
(11) تهذيب اللغة 6/20, واللسان: كرا, وأمالي القالي 2/215, والزاهر 2/270. والرّجز لعُذافر الكندي.
(12) التهذيب 1/111.
(13) في التهذيب 12/75: ضيفة ٌأي: ضافت قوماً فحبلت به في غير دار أهلها.
(14) التهذيب 1/375.
(15) هذا الباب تأخّر قليلاً في نسخة الأسكوريال, وهو موصول بما قبله في التركية والظاهرية.
(16) من التونسية.
(17) هذا الباب في الأسكوريال بعد الذي قبله هاهنا, وقبلهما عدة أبواب فيها.
(18) عجز بيت لعبد مناف بن ربع الهذلي, وصدره:
[إذا تجرّد نوح قَامتَا معه]
النوح: جماعةٌ نائحة, والسبت:النعل.
انظر شرح أشعار الهذليين 2/672.
(19) ديوانه ص126.
(20) ما بين [] سقط من الأسكوريال, فكتب في الحاشية, وزادت: [يعني أنه أحرقها, وهي تشتهيه, وقد قرئ جميعا: شعفها وشغفها حبّاً] . ليس من الأصل هذا المخرج وهو لأبي بكر عن أبيه عن أحمد بن عبيد. قاله أبو علي. نسخة الأسكوريال ورقة 20 ب.(38/13)
(1) قال الأصمعيُّ في اشتقاق الأسماء ص91: تيْمٌ, أصله من ذهاب العقل وفساده. يقال: رجل متيَّم بالنساء, تيمته فلانة وتامته.
(2) ما بين [] سقط من المحمودية.
(3) في الجيم 3/160: والكدْن: أن تلقي المرأة تحتها الثوب في هودجها.
(4) الرّجز في التهذيب 12/46, والمجمل 4/880. وبعده:
[تنهض فيه أيما انتهاض]
(5) حاشية في التونسية ورقة 67 ب: امرأة تنسب إلى دُبير, وهي قبيلة من بني أسد. ا. هـ. ولعلّها غادية الدبيرية, وسيأتي ذكرها في الكتاب. 1/411.
(6) المخصص 3/38.
(7) الأفعال 2/456, والقاموس: لثم.
(8) الشطر في التهذيب 11/334, واللسان: شذر, وديوان الأدب2/36.
(9) البيت لأبي المثلَّم الهذلي.
انظر شرح أشعار الهذليين 1/306.
(10) ديوانه ص 81 وفيه: [يرفل في البقيرةِ والإزاره]
(11) زيادة من التونسية.
(12) الجيم 3/275.
(13) زيادة من التونسية.
(14) البيت لعبد الله بن سلمة من بني ثعلبة بن الدُّول, من مفضليته، انظر شرح المفضليات للتبريزي ص509. وهكذا روايته في هامش مخطوطة شرح المفضليات ويروى:
وتراه كالمشعوف أعلى مرقب ... ... كصفائح من حبلة وسلوس
وهو في التهذيب 12/296، وتهذيب الألفاظ ص 657، والمخصص 4/45، واللسان: سلس.
(15) البيت في تهذيب الألفاظ ص 658، وتهذيب اللغة 6/549، والمجمل 2/275، والفرق بين الحروف الخمسة ص 261، ونظام الغريب ص74.
(16) زيادة من الأسكوريال والمحمودية.
(17) شطر بيت وعجزه:
[معطَّفةً يكسونها قصبا خدلاً]
وهو في التهذيب 10/237, والمخصص 4/44, واللسان:كرم. دون نسبة في الجميع. والبيت لابن مقبل في ديوانه ص206. ونظام الغريب ص71.
(18) في المخصص 4/43: قال المتعقِّب: ولعمري أنها لقِرطة, ولكن الرَّعْثة: الواحد, والجمع رعثات, ثم تجمع الرَّعثات رعاثاً, وهذا كقولهم: جمرة وجمرات وجمار. وكلا القولين حسن.
(19) ديوانه ص 76.(38/14)
(1) العين 2/279, والتهذيب 3/268, والمخصص 4/54, والمذكر والمؤنث ص536.
(2) في التركية ورقة 36 بحاشية: في النسخ:هانعتها, بالعين غير المعجمة. قال أبو عمر: "والصواب بالغين".وكتب في التونسية فوقها: معجمة.
وفي المخصص 4/55: قال أبو عليّ:روي لي عن أبي حاتم: هانفتها, وهو صحيح غير أنه لا يردُّ بذلك على أبي عبيد, كما ذكر بعضهم أنه تصحيف؛ لأن الهنيغ مشتقة من المهانغة, وهي الزّانية.
(3) النوادر ص170.
(4) البيت في التهذيب 1/132، واللسان: هزع، والأفعال 2/131، والألفاظ ص 307، والمحكم 2/285.
(5) حاشية من التركية ورقة 37 أ: كذا في أصل الأخفشْ مثِعَت بكسر الثاء، وفي أصل الحامض. مَثَعتْ بفتحها، وفي حاشيته بالكسر، وعنده: المثَع محرَّك بالفتح. ا. هـ.
(6) زيادة من التَونسية.
(7) قال علي بن حمزة: "وقول الأصمعي: لا تكاد العرب تقول: "زوجته"غلط، وفصحاء العرب يقولون: زوج وزوجة، ثم أكثَرَ الأبيات التي تدلُّ على ذلك.
في اللسان: أهل الحجاز يضعونه للمذكر والمؤنث وضعاً واحداً، تقول المرأة: هدا زوجي، ويقول الرجل: هذه زوجي.
وبنو تميمِ يقولون: هي زوجته، وأبى الأصمعي، فقال: زوج لا غير، واحتجَ بقول الله عر وجل: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (البقرة: من الآية35) , فقيل له: نعم، كذلك قال الله تعالى، فهل قال عزَّ وجل: لا يقال زوجة؟ وكانت من الأصمعي في هذا شدَّة وعسر"ا. هـ.
وقال الجوهري: "هي زوجته".
في الموشح ص 180: عن التوزي: سمعتُ الأصمعي يقول: "ما أقلَّ ما تقول العرب الفصحاء زوجة، إنما يقولون. زوج"، فقال له السدري: "أليس قد قال ذو الرُّمة:
أذو زوجةٍ بالمصرِ أم ذو خصومة"
فقال: "إنه قد أكل البقل والمملوح في حوانيت البقالين حتى بشم".
فالحاصل أنّ زوجة صحيحة، وهي لغة تميمة.
انظر المخصص 4/26، واللسان: زوج، والصحاح، والأساس: زوج، والتنبيهات ص 205.
(8) في التونسية. أبو عبيدٍ.(38/15)
(1) يقال: فوعة الطيب وفوغته، والأكثر بالعين.
(2) البيت لعمرو بن الإطنابة، وقيل: للعجير السلولي. وهو في تهذيب اللغة 11/399، والجمل 2/525 والمخصص 11/200.
(3) الأفعال 3/162.
(4) قال علي بن حمزة: "إنَّما السعيط عند العرب دهن الزنبق ودهن البان. قال العجاج يصفُ شعر امرأة:
يُسقىالسعيط من رُفاض الصندل
والريح لا تشرب. التنبيهات ص 206.
(5) ديوانه ص 203.
(6) ديوانه ص 83.
(7) ما بين [] ، زيادة في التونسية.
(8) النوادر ص 99.
(9) زيادة من التونسية.
(10) زيادة من التونسية.
(11) ديوانه ص 121، وشرح القصائد المشهورات 1/45.
(12) ليس في التركية ولا التونسية.
(13) الرجز في اللسان والتاج: أرج. والتكملة عهج 1/473، والمحكم 7/338.
(14) ما بين [] زيادة من التونسية.
(15) عجز بيت، وصدره:
[فجاءت بنسجِ العنكبوتِ كأنَّه]
عصواها: عرقوبا الدلو، وهما خشبتان. ديوانه ص 490.
(16) معاني القرآن للفراء2/234، وأنشد:
من يأت ممشانا يصادف غنيمةً سواراً وخلخالاً وبرد مفوَّفُ
(17) في الظاهرية. سوادٌ. ا. هـ. وهو أقرب.
(18) ديوانه ص 36.
(19) ما بين [] ليس في التونسية. وفي التونسية: وثوب مهلهل ومهلهلةً, أي رقيق النسج.
(20) الشَّمْرَج: الجلُّ الرَّقيق النسج.
(21) ما بين [] ليس في التونسية.
(22) حاشية من الأسكوريال:ليس عند أبي محمد بيضٌ, وهو صحيح عند أبي علي.
(23) ديوانه ص 29.
الدكداك: ما ارتفع واستوى من الأرض.
(24) ديوانه 1/516.
(25) ما بين [] ليس في التونسية.
(26) شرح أشعار الهذليين 3/1258.
(27) قال علي بن حمزة: "إنما الحمل السحاب هاهنا"ا. هـ. التنبيهات ص 208.
وقال الأصمعي: "الحمل هاهنا: السحاب الأسود، ويقوِّي قوله كونه وصفه بالأسول، وهو المسترخي. انظر اللسان: حمل، والجمهرة 2/189.(38/16)
(1) قال صاحب العين: القْهر والقِهر لغتان: ضربٌ من الثياب تُتخذ من صوفٍ. العين 3/362.
(2) ديوانه ص 207.
الصَّحْصح: الأرض المستوية. تعاللتها: أخذت عُلالتها, أي: بقيتها.
(3) ديوانه ص 212.
القراريّ: الخياط.
(4) ليس في ديوانه، وهو في التهذيب 15/201 دون نسبة، واللسان: سرق, ونسبه للأخطل, وفي الأفعال 3/9.
(5) زيادة من الأسكوريال والمحمودية.
(6) زيادة من الظاهرية والتركية.
(7) ديوانه ص 68.
الصَّناع: الحاذقة بعملها. تنوس: تتحرك.
(8) في الأسكوريال حاشية: قال أبو عليّ: قال أبو بكرٍ عن أبيه عن الطوسيّ قال: حكى الفرَّاء: السِّيراءُ نَبْتٌ، شبِّهت به الثياب، وقال الطوسيُّ: "هو ضربٌ من الثياب يقال له: أمرعت أنزل، وأنشد:
بما شئت من خزٍّ وأمرعْتَ فانزلِ
وفي التركية: من قوله: وقال الطوسيّ الخ، جعله في متن الكتاب.
(9) زيادة من التونسية. وفي اللسان: استعاره ذو الرُّمة لما تقطّع من نسج العنكبوت.
(10) زيادة من الأسكوريال والمحمودية.
(11) في جمهرة النسب لابن الكلبي ص 196: كل سَدوسٍ- في العرب فهو مفتوح السين، إلا سُدوس بن أصمع من طيءٍ فإنَّه مضموم السين.
(12) ديوانه ص 99.
وفي التركية ورقة 39ب حاشية: الجريال: الحمرة، وكل أحمرٍ عندهم جريال، والنَّضير هاهنا: الذهب، والدلامص: البرَّاق.
(13) الجيم 1/208.
(14) زيادة من الأسكوريال والمحمودية.
(15) شرح أشعار الهذليين 1/451، والبيت:
وصبَّاحٌ ومناخٌ ومُعْطٍ إذا عادَ المسارحُ كالسباحِ
وقال علي بن حمزة: وهذا غلط وتصحيف، وإنما هي السَّبحة والسِّباح، بالحاء، وقبل البيت الذي أنشده.
فتىً ما ابنُ الأغرِّ إذا شتونا ... ... وحُبَّ الزَّادِ في شهري قُماحِ
فأما السَّباح فأكسيةٌ سود. التنبيهات ص 208.(38/17)
(1) وفي التونسية حاشية: قال الطوسيّ: السَّبحة، وقال: أخطأ أبو عبيدٍ فقال: بالجيم وإنما هو بالحاء قال: القصيدة. [كالسباح] ، بالحاء. ا. هـ.
(2) قال ابن سيده في المحكم 6/144: عندي أنَّ قليسية ليست بلغة كما اعتدها أبو عبيد، إنَّما هي تصغير أحد هذه الأشياء.
(3) التهذيب 9/399.
(4) البيت للعجير السلولي. وهو في اللسان: قلس، والتَّهذيب 8/408، ومجالس ثعلب 2/524.
(5) ديوانه ص 45.
القلع هاهنا: السيوف، والبُصري: نسبة إلى بُصرى، وهو موضع بالشَّام.
(6) ديوانه ص 658 مُلمعَّة: أرض تلمع بالسراب.
(7) قال علي بن حمزة: "إنما الواحد مِبْذَل". ا. هـ. التنبيهات ص 209. وكذا ذكره ابن دريد في الجمهرة 1/252.
(8) فعل وأفعلَ ص 471.
(9) العين 6/105.
(10) شاعر جاهلي من الصعاليك، واسمه ثابت بن جابر. والبيت في ديوانه ص181.
جثوم: جمع جاثم، والخيعل: قميص بلا أكمام.
(11) غريب الحديث لأبي عبيد 4/192.
(12) غريب الحديث لأبي عبيد 4/193.
(13) أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث 4/2 31، والنهاية 1/331.
(14) الرجز للعامرية، وهو في غريب الحديث 4/312، والتهذيب 8/11، والمجمل 2/563، والعين 4/366، والمحكم 5/244، وشرح أدب الكاتب للجواليقي ص 211.
(15) الجيم 3/98.
(16) ديوانه ص 186، وفيه [ثمَّ اضطبنت سلاحي] أي: احتضنته. والمغرض للبعير كالمحزم من الفرس، وهو جانب البطن من أسفل الأضلاع.
(17) البيت لمجنون ليلى, وهو في ديوانه ص 203, والجيم 1/88.
(18) على وزن مجلس. القاموس.
(19) المخصص 4/98.
(20) ديوانه ص 78. قال بن سيده في المحكم 7/123: هكذا عزاه أبو عبيد إلى ابن الرقاع, وهو في الحماسة منسوب إلى ملحة الجرمي. قلتُ: انظر شرح الحماسة 4/132.
(21) وهم أبو عبيد في نسبته للعجاج، وابن قتيبة في المعاني الكبير 1/287، والصحيح أن الرَّجز لرؤبة في ديوانه ص 59، وفيه:(38/18)
[يقلبُ خوَّانَ الجناحِ الأغبرِ ... ... قلبَ الخراسانيّ فرو المفتري]
من قصيدة له يمدح بها محمد بن القاسم الثقفي، ومطلعها:
قلتُ وقد أقصرَ جهلُ الأصورِ [ليت الشَّبابَ يُشترى فنشتري]
(1) زيادة من التونسية.
(2) في التونسية والتركية هذا الباب متصل بما قبله، دون ذكر كلمة "باب".
(3) في التونسية: أبو عبيدٍ.
(4) عجز بيت، في ديوانه ص 54، والرواية فيه:
فأصبحَ الروضُ والقيعانُ مُمرِعةً من بين مُرْتَفِقٍ فيه ومُنْطَاح
وعلى هذه الرواية لا شاهد.
وفي اللسان: قال شمر: سمعتُ ابن الأعرابي يُنشد بيت عبيد:
من بينِ مُرتفقٍ منها ومُنصَاحِ
وفسَّر المُنصاح الفائض الجاريَ على وجه الأرض، ورواه أبو عبيدة، وقال: المُنصاح: المُنشق. ا. هـ. والعجز في المخصص 4/87 برواية المؤلف.
(5) الجيم 1/164.
(6) تهذيب اللغة 10/550, وما اختلف ألفاظه ورقة 3 أ.
(7) هذا الباب ليس في الظاهرية ولا الأسكوريال ولا التركية، بل هو في التونسية ورقة 81 ب والمحمودية ورقة 145ب, وهو متأخر جدّاً.
(8) نقله ابن منظور عن أبي عبيد، انظر اللسان: قنا.
(9) البيت من معلقته. والبكر هاهنا:أول بيض النعامة. نمير الماء: صافيه. انظر شرح المعلَّقات للنحاس 1/28, وديوانه ص 116.
(10) بتثليث الخاء. القاموس.
(11) العين 5/159.
(12) الجيم 1/245.
(13) ديوانه ص 27، وتقدَّم ص 101.
(14) حاشية من التركية ورقة 42ب: نعلٌ نِقْلٌ ونَقْلٌ ,لغتان, والرواية في هذا الكتاب بالكسر, وكذا رواه الأصمعي, ورواه يعقوب في "الإصلاح"بفتح النون في باب فعل وفعل باختلاف المعنى. ا. هـ.
(15) المخصص 4/113.
(16) البيت في التهذيب 12/347, والمخصص 4/113, واللسان والتاج: سمط.
(17) ما اتفق لفظه لليزيدي ص 235.
(18) الجيم 2/94.
(19) ديوانه ص 79.
(20) القَرط: ورقُ السَّلم. العين 5/133، ونوادر أبي مسحل 1/269.(38/19)
(1) ديوانه ص 79. والمبناة بفتح الميم وكسرها، القاموس.
(2) زيادة من الأسكوريال والمحمودية.
(3) قال ابن سيده: "وقد أخطأ أبو عبيدٍ في قوله: أنْ يُسلخ جلد البعير؛ لأنَّه لا يقال: سلختُ البعير، إنما يقال نجوته وجلَّدته". المخصص 4/105.
(4) ديوانه 1/245، والتهذيب 10/658.
(5) من التونسية.
(6) اسمه هبيرة بن عبد مناف، والكلحبة أُمُّه، أحد فرسان تميم.
والبيتان في المفضليات ص 23، ونظام الغريب ص 121، والمحكم 3/360، والأول في أسماء خيل العرب لابن الأعرابي ص50، ونسب الخيل ص 41.
(7) نصب الخيل ص40، وما بين [] من التركية.
(8) التهذيب 15/510.
(9) قال أبوعليّ الفارسي: "هي مَفْعِلة من قولهم: "لحم نيئٌ "؛ لأنَّ الجلد يُلقى فيها وهو نيئٌ، فأما قول أبي عبيدٍ: مثال فعيلةٌ فخطأ".
قال ابن سيده: "مَنأته يردُّ ما حكاه الفارسي". المخصص4 /107.
(10) ديوانه ص 41.
(11) ديوانه ص 117.
(12) البيت في التهذيب 3/209، وديوانه ص 39.
(13) قال الذهبيُّ: "له صحبة قليلة ورواية يسيرة، وهو أخو عثمان لأمه، من مسلمة الفتح، ولي الكوفة لعثمان وكان يشرب الخمر". سير أعلام النبلاء 3/412.
(14) البيت في نوادر أبي زيد ص224، ومجالس ثعلب 1/103، والمدخل لعلم التفسير ص540، والحماسة البصرية 1/116، والسمط ص434.
(15) زيادة من التونسية، ملاحظة: في التونسية بعد هذا الباب القطن والكتان.
(16) عجزُ بيتٍ، وصدره:
[عرف الديار توهُّماًَ فاعتادها]
وهو في التهذيب 14/129، وديوانه ص 49.
(17) زيادة من التونسية ورقة 87.
(18) ما اختلفت ألفاظه ورقة 2ب.
(19) البيت في ديوانه ص117 بهذه الرواية, وفي التونسية صدره:
[فما زلتُ حتى أدحضَ الخصم حجتي]
(20) البيت:
أخا تنائفَ أغفى عند ساهمةٍ بأخلقِ الدَّفِّ من تصديرها جُلَبُ
وهو في ديوانه ص13.
(21) البيت:(38/20)
تجرُّ بها الدَّقعاءَ هيفٌ كأنَّما ... ... تسخُّ التُراب من خَصاصاتِ مُنخل
وهو في ديوانه ص 587.
(1) ما بين [] زيادة من التونسية.
(2) الباب كلُّه في التهذيب 3/316.
(3) في التهذيب: قال: "شمر: هو بكسر الراء"ا. هـ. وفي المخطوطات بفتح الراء وفي حاشية التركية: معجرِد بالكسر أيضاً، فهما لغتان.
(4) النوادر ص 187.
(5) البيت لمهلهل بن ربيعة. وهو في ديوانه ص295 ضمن "أخبار المراقسة وأشعارهم "، والمجمل 3/745 مادة: قدم. والتهذيب 1/262.
(6) قال الثَّعالبيُّ في ثمار القلوب ص 608: لهِّنوا ضيفكم، كأنَّه مثلٌ في الاقتصار على اليسير إلى أن يلحقه الأكثر.
(7) البيت في ديوانه ص 98.
القنا: حدَّة في الأنف, وهو مذموم في الخيل, والأسفى: الخفيف شعر النَّاصية, وسغِل: مهزول والسكن: هم أهل البيت, والقِفَوة: الخاصَّة.
(8) البيت في شرح هاشميات الكميت ص 78, والمحكم 6/356.
(9) الجيم 2/202.
(10) النَّوادر ص136.
(11) في الأسكوريال: الأصمعيّ.
(12) زيادة من التونسية.
(13) العين 8/80.
(14) العين 3/201.
(15) هو ابن الأنباري، واسمه محمد بن القاسم، ومرت ترجمته في المقدمة.
(16) زيادة من المحمودية.
(17) ديوانه ص 56.
(18) حاشية من التركية ورقة 45ب: هذا وهم، وإنما قال مَنْ قال: مِنْتِن، أراد أن يتبع الكسرة بالكسرة، والأصل: مُنْتن، ولو بُني من نَتُنَ اسم فاعلٍ لقيل: مُنتن، كما تقول: خَبُث فهو خبيث، وأشباه ذلك.
وهذا أحد ما عُدَّ على أبي عبيدٍ من الأوهام، وقد سبقه إلى هذا القول أبو عمرو الشيباني، فنقله عنه غلطاً كما هو. ا. هـ.
(19) العين 4/36.
(20) الجيم 3/187.
(21) حاشية من الأسكوريال: أبو عليّ عن أبي بكرٍ عن أبيه قال الطوسيُّ: حكى ابن الأعرابيّ بضْعة وبَضْع، ومنه قول زهيرٍ:
وبضع لحامٍٍ في إهاب مقدد
قال أبوه: وأخبرني الرستمي عن يعقوب قال: بضْعَة وبَضْع وبِضَع وأنشد لزهير:(38/21)
دماً عند شِلْوٍ تحجلُ الطير حولَه ... ... وبَضْعَ لحامٍ في إهابٍ مقدَّد
(1) البيت للمرَّار بن سعيد الفقعسي. وهو في العين 6/263، والتهذيب 11/367، وَالمعاني الكبير 1/373، وشعره ص 452، والمجمل 4/832.
(2) هذا الباب تأخر في التركية إلى ما بعد باب الشَّواء.
(3) في التركية ورقة 47ب حاشية: وكذا عند الحامض، بالفتح وفي الحاشية: التَّرعيب بكسر التَاء أيضاً. ا. هـ.
قلت: وفي القاموس: الرَّعيبة: القطعة من السنام، جمعه: تِرْعيب..
(4) السديف: شحم السنام إذا قُطع طولاً. المخصص 4/135، والجيم 2/108.
(5) يقال: قِزْح وقَزْح. المخصص 4/142.
(6) الرَّجز في التهذيب 14/9، واللسان: أطر. والصحاح والتاج: كرد.
(7) ما بين [] زيادة من المحمودية.
(8) المثَلُ يُضرب ني إبقاء الإخاء وتربية المودَّة. مجمع الأمثال 1/422.
(9) العين 5/366.
(10) أَي: المدقوق.
(11) زيادة من المحمودية والأسكوريال.
(12) هو حبٌّ يخالط البُرَّ.
(13) الجيم 2/7، وفيه: والرَّغيدةُ: محضٌ يُخلط بدقيق، وأنشد:
تُغادى بالرغيدةِ كلَّ يومٍ وبالمَعْوِ المكمَّمِ والقميم
(14) حاشية من التركية ورقة 47أ: قال ابن الأعرابيّ: هي العصيدة، والنَّجيرة، والحريرة والحسوة.
قال الطوسي: "النخيرة أرقُّ من العصيدة، والحريرة أرقُّ من النجيرة، والحسوة أرق من ذلك"ا. هـ. وفي التونسية: الخزيرة.
(15) الرَّجز:
يا ربَّنا لا تبقينَّ عاصيه في كلِّ يومٍ هي لي مُناصيه
تسامر اللَّيل وتضحي شاصي مثل الهجينِ الأحمرِ الجراصيه
والإثر والصَّرب معاً كالآصيه
وهو لأعرابيٍّ يذمُّ امرأته عاصية. انظر الجيم 3/212, والمسط ص 793.
والشطر في التَّهذيب 12/268, والمخصص 4/145, والفرق بين الحروف الخمسة ص 244, وأمالي القالي 2/174 وقال: وقد اختلف عن أبي عبيدٍ فيه, فروى بعضهم الأثر, وبعضهم الإثر.
(16) ما بين [] زيادة من التونسية والمحمودية.(38/22)
(1) الجيم 2/345.
(2) الصحيح أنَّ البيت للرَّاعي, وهو في ديوانه ص 93 من قصيدةٍ يُجيبُ فيها خنزر بن أرقم, ومطلعها:
[ماذا ذكرتم من قلوصٍ عقرتها بسيفي وضيفانُ الشِّتاء شهودها]
(3) البيت للفرزدق في ديوانه ص 318.
وفيه: [لم تكن هجرية] وانظر التنبيهات ص 210.
(4) البيت في التنبيهات ص210، والمخصص 5/3، واللسان: سمن. وكذا الصحاح، والأفعال 3/511.
وقال عليّ بن حمزة: الرواية: [أرهنت له عجوة] ، أي: أعدَّت.
(5) ديوانه 1/192، وفيه: [وبلدةٍ تُمسي] .
(6) كان من قراء البصرة ونُحاتها، أخذ عن ابن إسحاق، وعنه أخذ الخليل بن أحمد، توفي سنة 149هـ. إنباه الرواة 2/174.
(7) ديوانه ص 246:
الشَخت: الدقيق.
(8) والقصة هذه في ديوان ذي الرُّمة، والتنبيهات ص211، والخصائص 2/467.
(9) الشَّطر في ديوانه 2/223.
(10) ما بين [] زيادة من التونسية.
(11) في القاموس رخف العجين ,كنصر وفرِح وكَرُمَ.
(12) زيادة من الأسكوريال والمحمودية.
(13) ما بين [] من التونسية.
وهو لعنترة, في ديوانه ص 52.
(14) زيادة من المحمودية والأسكوريال.
(15) حاشية من التركية ورقة 48ب: هكذا الرواية عن أبي عبيدٍ: الرُّعيداء، بالعين غير معجمة، والصوابُ الرُّغيداء، بالغين معجمة، وهذا ممَّا أُخذ على أبي عبيد. كذا قال المهلبي عن أبي إسحاق. ا. هـ. وانظر اللسان: رعد.
(16) المقصور والممدود للفراء ص 076
(17) في الأسكوريال: قضيض.
(18) النوادر ص 189.
(19) البيت في النَّوادر ص189, والتهذيب 14/355, والمخصص 5/12, وشمس العلوم 1/245.والمجمل 1/167ونسبه في التاج: ثرتم لعنترة, وليس في ديوانه.
(20) البيت في وصف قرية بقلَّة الميرة. وهو في التَّهذيب 14/201, واللسان: فدا, والمجمل 3/714, والمحكم 7/221, والمخصص 11/56.
(21) ما بين [] ليس في التركية.(38/23)
(1) حاشية من الأسكوريل: قال أبو عليُّ: الضَّرَبُ من العسل: ما غَلط واشتدَّ. يقال: استضرب العسل: إذا اشتدَّ من غير أن يُعالج, فكان اشتداده خلقة.
(2) شرح أشعار الهذلييِّن 1/215.
(3) ديوانه ص 85.
(4) زيادة من المحمودية.
(5) البيت:
[ألم تعلمي أنْ لا يذمُّ فُجاءتي دخيلي إذا اغبرَّ العضاهُ المجلّحُ]
في ديوانه ص 23.
(6) الجيم 1/56, وفيه: أوَّقتني في طعامك وشرابك: إذا لم يجىء في حينه.
(7) البيت لجندل بن مثنَّى الطُّهَوي. وهو في العين 5/241, والتَّهذيب 9/376, والمخصص 5/24, وشمس العلوم 1/113.
(8) انظر تصحيح الفصيح 1/149.
(9) حاشية من التركية 49ب: قوله: وكذلك لَعِقتُهُ ولَحِسْتُه، إنَّما يعني أنه على مثاله في الوزن، لا أنَّه مثله في الباب؛ لأنَّ اللحس ليس أكلاً، وإنْ كان ذوقاً.
(10) العين 6/205.
(11) البيت في التهذيب 11/249، والمخصص 5/.3، ونوادر أبي مسحل 1/136، والأفعال 2/413 والجمهرة 2/1113.
(12) غريب الحديث 4/187، وتصحيح الفصيح 1/147.
(13) في غريب الحديث لأبي عبيد 4/187: في حديث أبي هريرة أنَّه مرَّ بمروان وهو يبني بنياناً له فقال: "ابنوا شديداً وأمِّلوا بعيداً, واخضموا فسنقضم". يقول: استكثروا من الدنيا فإنا سنكتفي منها بالدون.
(14) ما بين [] زيادة من التونسية.
(15) ديوانه ص 145.
المرابيع: أمطار الربيع, والرِّجل: الأماكن السَّهلة الَّتي ينصبُّ إليها الماء.
(16) عجز بيت، وصدره:
[ثلاثٌ كأقواسِ السَّراء ومِسْحلٌ]
وهو في ديوانه ص 66.
الغمير:النبت الأخضر قد غطَّى أرضه.
(17) النوادر ص 132.
(18) النَّوادر ص 85.
(19) المخصص 5/41.
(20) البيت في التهذيب 5 ا/250، والمخصص 5/42، واللسان والصحاح: روب. والأفعال 3/51.
(21) قال الأزهريُّ: هكذا روي لنا هذا الحرف عن أبي عبيدٍ: ظلمتُ القوم, وهو وهم.(38/24)
أخبرني المنذري عن أبي العبَّاس أحمد بن يحيى وعن أبي الهيثم أنَّهما قالا: يقال:ظلمتُ السَّقاء وظلمتُ اللبن: إذا شربته, أو سقيته قبل إدراكه وإخراج زبدته. التهذيب 14/383.
(1) البيت في التهذيب 14/383, والجمهرة 3/204, واللسان: ظلم وكذا الصحاح.
قال ابن دريد: "أراد عكدة اللسان, وهي أصله, وإنَّما أراد اللسان فلم يستقم له الشعر. والبيت أيضاً في المعاني الكبير 1/404, ومجمع الأمثال 2/406.
(2) البيت زيادة من التونسية.
(3) ديوانه ص 167.
(4) البيت في التفقية ص 152, والمعاني الكبير 1/425, والتنبيهات ص 211, والتهذيب 12/179، والجمهرة 1/313.
قال علي بن حمزة: "إنَّما الصَّرَب هاهنا الصمغ", وكذا ذكره البندنيجي في التفقية, وابن دريد في الجمهرة 1/260.
قال ابن دريد: وربما روي: الضَّرَب, بالضاد, فمن روى الصَّرَب أراد الصمغ, ومن رواه بالضاد أراد اللبن الغليظ الخاثر.
وقال شمِر: قال أبو حاتم: غلط الأصمعيُّ في الصَّرَب أنه اللبن الحامض. قال: وقلتُ له: الصَّرَب: الصمغ, والصَّرْب: اللبن, فعرفه.
(5) ديوانه ص 161.
(6) في التونسية: الأصمعيّ.
(7) انظر التهذيب 6/55, والمخصص 5/43.
(8) البيت في تهذيب اللغة 10/449، والمخصص 5/46، والكامل 1/98، والمعاني الكبير 1/204, ونظام الغريب ص 63، وشرح أشعار الهذليين 1/23.
(9) النوادر ص 134.
(10) ديوانه ص 32.
(11) ما اختلفت ألفاظه ورقة 3أ.
(12) ما بين [] سقط من التركية.
(13) البيت للحارث بن حلَّزة. وهو في التهذيب 8/122, والعين 1/192, والجمهرة 1/320, والسمط 638, والمقاييس: كسع 5/177.
(14) ما بين [] زيادة من الأسكوريال, وفي حاشيتها: هذا لأبي محمَّد عن السكري, وليس لأبي عبيد.
(15) اشتقاق الأسماء ص 99.
(16) ما بين [] زيادة من التركية.
(17) الشاة للأصمعي المطبوع ص 73.
(18) ليس في التونسية.
(19) زيادة من المحمودية.(38/25)
(1) ديوانه ص 669.
انصاعت: ذهبت هاربة، الحقب: الحُمر الوحشية، ويقال: قصع صرَّته، أي: قتل عطشه.
(2) مابين [] زيادة من التونسية.
(3) في النوادر ص 67: تنقَعُ، أي: تروى.
(4) حاشية من الأسكوريال: عند أبي محمد: الغَمَجُ متحرِّك, عن عليٍّ وغيره, وعن السُّكري ساكن.
قال أبو علي: والإسكانُ أحسن.
(5) ديوانه ص 202, وما بين [] زيادة من التونسية.
(6) في القاموس: تغفَّق الشَّراب: شربه يومه أجمع.
(7) ديوانه ص 117.
(8) ديوانه ص 22.
زلجت: زلقت, والغليل: حرارة العطش, لم يقصعنه: أي: لم يكسرنه.
(9) اسمه رُفيع بن مهران, ثقة كثير الإرسال, قرأ القرآن على أبيِّ بن كعب, وسمع من عمر وابن مسعود. وعنه قتادة وأبو عمر بن العلاء, له تفسير, وخرَّج حديثه الجماعة, مات سنة 93 هـ.
انظر تقريب التهذيب ص 210, وطبقات المفسِّرين 1/178.
(10) انظر غريب الحديث 4/390.
ووهم محقق كتاب غريب الحديث في أبي العالية, فظنَّه زياد بن فيروز, نقلاً عن هامش الفائق. والصحيح ما أثبتناه. وفي المحمودية: [اشربوا النبيذ ولا تمزَّروا] .
(11) زيادة من المحمودية. وفيها: اشربوا النبيذ ولا تمزِّروا.
(12) الرجز في غريب الحديث 4/390, والمخصص 11/94, والمجمل 4/830, وتهذيب اللغة 13/209, والعين 7/366, والأفعال 4/201.
(13) النوادر ص 49.
(14) البيت في النوادر ص 49, والتهذيب 8/216, والمخصص 5/37, والألفاظ ص 462, والأفعال 2/21.
(15) النوادر ص 133.
(16) تقدَّم قريباً ص 479.
(17) ما بين [] ليس في الأسكوريال.
(18) زيادة من التونسية.
(19) أي: بردٌ.
(20) حاشية من التركية ورقة 55أ: قال أبو عمر: قال ثعلب: سمعت ابن الأعرابيِّ يقول: هو البلسام, باللام, والبرسام بالرَّاء مولَّدٌ.
وفي نسخة الحامض عن الطوسيّ: بلسام باللام، وقد بلسم الرجل: إذا سكت.(38/26)
(1) الجيم 3/260، وفيه: النُّحَواء: الرِّعْدة من الحمَّى، وهي العُرَواء.
(2) حاشية من الأسكوريال: عند أبي محمد: الجائز، وهو الصحيح في حرِّ الحلق. قال أبو عليّ: الجائر، بالرَّاء غير معجمة، وهو الصحيح، وأنشدنا أبو بكر بن دريد للحارث بن وعلة الجرمي:
ولما سمعتُ الخيل تدعو مقاعساً ... ... تطالعني من ثغرةِ النَّحرِ جائرُ
ا. هـ. وفي تهذيب اللغة 11/177: حزُّ في الحلق , وهو تصحيف.
(3) شرح أشعار الهذليين 1/357.
المُحجر: المنهزم.
(4) اللَّوَى: وجع في المعدة.
(5) البيت لقيس بن ذريح صاحب لُبنى، أحد عشَّاق العرب. وهو في المجمل 2/426، وديوان الأدب 1/443، والأغاني 8/118، والمحكم 2/9، وتهذيب الألفاظ ص 114.
(6) زيادة من التونسية.
(7) قال الفيروز آبادي في القاموس: وبثر وجهُه مثلَّثة.
(8) العين 4/207، وضبطها المحققان: الخُزْرَة، وهم خطأ، والصواب: خُزَرَة على وزن فُعلة. وانظر إصلاح المنطق ص430.
(9) الرَّجز في العين 4/207، والتهذيب 7/200، والمحكم 5/59، ومجالس ثعلب ص 96 وفيه:
داوِ بها ظهرك من مُلالهِ ... من خُزراتٍ فيه وانخزاله
كما يُداوى العرُّ من أُكالهِ
(10) في كتاب ما اتفق لفظه لليزيدي ص 102: يقال في عينيه من الرَّمد عُوَّار وعائر.
(11) العين 7/113. قال: والسِّين فيه لغة.
(12) حاشية من التونسية: ابن الأعرابي: بكسر الفاء.
(13) حاشية من التركية ورقة 56 أ: السُّكري والحامض بالظاء المعجمة لا غير, غيرهما بالظاء والطاء جميعاً. ا. هـ
قلتُ: واعتمد رواية الظاء عليُّ بن حمزة فقط, وخطَّأَ رواية الطاء, ولعلَّ النسخة التي اطَّلع عليها بالطاء.
وفي المخصص 5/80: قال أبو عليّ: حكى أبو عمرو: اطرورى بالطاء, ورواية أبي زيد اظرورى بالظاء , وأبو عمرو ثقة, وأبو زيد أوثق منه, وقد سألتُ عنه بعض فصحاء الحجاز فوافقوا أبا زيد فيما حكاه, وسألتُ جماعة من الكلابيين عن الظاء فلم يعرفوها.(38/27)
(1) حاشية من التركية: هكذا رواه الطوسي الجحاف, الجيم قبل الحاء ورواه غيره: الحجاف, الحاء قبل الجيم, وقال المهلبيُّ عن النجيرميّ: هو الحجاف بالحاء قبل الجيم لا غير، وهكذا ذكره الأصمعي. وقال بن الأعرابي: هما لغتان الجحاف والحجاف. ا. هـ.
(2) البيت ينسب إلى ذي الرُّمة, وهو في ديوانه ص 757, والعين 1/233, والحيوان 5/141, وتهذيب اللغة 1/381, والأفعال 3/162.
(3) قال صاحب العين 5/80: وسنق الفصيل , أي: كاد يموت من كثرة اللبن.
(4) قال السرقسطي: دُعِث الرجل: بدا به المرض. الأفعال 3/326.
(5) العين 4/7.
(6) العجز في التهذيب 6/125، اللسان: هلس، والمحكم 4/155، وشعره 1/244, والأفعال 1/137، وصدره.
[ضوامر أمثال القداح كأنما]
(7) زيادة من التونسية.
(8) سمي القطران لقوله:
أنا القَطِران والشعراء جَربى وفي القطران للجربى هناء
والبيت في الجمهرة 1/56, والتهذيب 10/504, والمخصص 5/91.
(9) البيت لجبيهاء الأشجعي, وهو شاعر أمويٌّ, مقلٌّ, وهو من مفضيلته. انظر المفضليات ص 168, والأفعال
4/101, والجمهرة 1/113, والاقتضاب ص 287.
القسْور: شجر يغزر به لبن الماشية. العساليج: جمع عسلوج, وهو الغصن الناعم, الثامر: له ثمرُ, المتناوح: المقابل بعضه بعضاً.
(10) الرَّجز لرؤبة في ديوان ص 115 وفيه [تفتَّقا] ، والجمهرة 2/275. وبعده:
[بناجشات الموت أو تمطَّقا]
(11) هكذا في التونسية، وفي الأسكوريال: والتركية وهو بالنُّون أشبه.
(12) شرح أشعار الهذليين 3/1279.
أشواه: إذا لم يصب مقتله. يقول: لا يجرحون جرحاً لا يقتل.
(13) سورة آل عمران آية 140.
(14) زيادة من الأسكوريال والمحمودية.
(15) قال الكسائي في كتابه: "ما تلحن فيِه العامة"ص 115: الجُلبة: قشر القرحة وأثرها، وجمعها: جُلَب.
(16) تقدَّم ص 461.
(17) عجز بيت، وصدره:
[يطيرُ فُضاضاً بينها كلًّ قونس] ٍ
في ديوانه ص 11.(38/28)
الفُضاض: المتفرَّق من كلَ شيء، والقونس: أعلى بيضة السلاح.
(1) محمد بن عمر، المدني، القاضي، نزيل بغداد، صاحب المغاري، متروك مع سعة علمه. توفي سنة 207 هـ فهو حجازي، وهي عندهم السمحاق انظر تقريب التهذيب ص 498.
(2) وفي العين 7/435: الملْطاء بوزن الحِرْباء، ممدود مذكر. هي الشَّجة التي يقال له السمحاق.
قلت في العين: المسحاق، وهو تصحيف.
(3) المجموع المغيث 3/226، والفائق 3/338، والنهاية 4/357.
(4) زيادة من التونسية.
(5) زيادة من المحمودية.
(6) ومثله العثل. انظر الجيم 2/258.(38/29)
التوجيه الإسلامي للنمو الإنساني
عند طلاب التعليم الحالي
إعداد
د. عبد الرحمن بن عبد الله الزيد
أستاذ مساعد في قسم التخصص اللغوي والتربوي
معهد اللّغة العربيّة - جامعة أمّ القرى - مكّة المكرّمة
1- المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين ومن سار على نهجه ولزم سنته إلى يوم الدين أما بعد:
فإن النمو يعد من الموضوعات ذات الأهمية في حياة الإنسان بعامة وفي حياة الشاب بوجه خاص لما له من أثر واضح في نضج الإنسان وتطور مداركه وتحديد سلوكياته.
وتعد مرحلة المراهقة والشباب من المراحل الدقيقة في حياة الإنسان حيث يتأثر النمو في هذه المرحلة بعوامل عديدة تستلزم إحاطتها بوسائل الوقاية والعناية والتوجيه والإرشاد.
كما أن مظاهر النمو في جوانبه المتعددة في هذه المرحلة هي الأخرى بحاجة إلى دراسة وملاحظة وضبط وتوجيه - كيما يسير النمو في الطريق المستقيم- بالشكل الذي ينعكس إيجاباً على سلوكيات الناشئ وتوافقه الاجتماعي.
وقد تبين من خلال القراءات المتصلة بهذا الموضوع أهمية العوامل المؤثرة في النمو ومظاهره عند طلاب التعليم العالي نظراً لأهمية تبيانها والحديث عنها ودراسة واقعها وإبعادها وآثارها على الطلاب برغبة التوصل إلى التوجيه المناسب لأثر هذه العوامل في النمو، ومن أجل ضبط مظاهر النمو الإنساني في جوانبه المتعددة وتوظيف كل ذلك فيما يناسب طبيعة الإنسان وتكوينه.(38/30)
وفي هذا المجال تؤكد سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية على أهمية النمو ويتضح ذلك التأكيد في (البند الثالث والخمسين) من الأهداف الإسلامية العامة التي تحقق غاية التعليم ونصه "مسايرة خصائص مراحلِ النمو النفسي للناشئين في كل مرحلة ومساعدة الفرد على النمو السّوقي روحياً وعقلياً وعاطفياً واجتماعياً والتأكيد على الناحية الروحية الإسلامية بحيث تكون هي الموجه الأول للسلوك الخاص والعام للفرد والمجتمع ".
ولما كانت المناهج التعليمية للمقررات الدراسية عاملا مسانداً لتنفيذ السياسة التعليمية في بنودها المختلفة فقد حظي جانب النمو الإنساني باهتمام واضعي هذه المناهج ويلاحظ ذلك - على سبيل المثال- في أهداف مقرر التربية الإسلامية بالجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة إذ يعد "معرفة الجوانب المختلفة للنمو الإنساني في مراحله وتوجيهها تربوياً وتعليمياً ووظيفياً " واحداً من أهدافها الرئيسة.
وعطفاً على ما سبق تتبين أهمية هذا الموضوع الذي يحتوى على الموضوعات التالية:
- النمو في اللغة والاصطلاح.
- أهمية دراسة النمو.
- مراحل النمو الإنساني.
- العوامل المؤثرة في النمو الإنساني.
- مظاهر النمو عند طلاب التعليم العالي.
- الخاتمة.
والله ولي التوفيق،،،
2- النمو في اللغة والاصطلاح
النمو من حيث الدلالة اللفظية هو "النَّماء: الزيادة. نمى ينمى نميْاً ونُميّاً ونماءً: زاد وكثر وربما قالوا نُموَّاً، وأنميت الشيء ونميِّته جعلته نامياَ".
والنمو development من حيث المفهوم الاصطلاحي هو "تغيير مطرد في الكائن الحي يتجه به نحو النضج ".
"والنمو بمعناه النفسي يتضمن التغيرات الجسمية والفسيولوجية من حيث الطول والوزن والحجم والتغيرات التي تحدث في أجهزة الجسم المختلفة والتغيرات العقلية المعرفية والتغيرات السلوكية الانفعالية، والاجتماعية التي يمر بها الفرد في مراحل نموه المختلفة ".(38/31)
ومن هذه التعاريف يتبين أن المقصود من النمو هو التطور الذي يلاحظ على الإنسان من حيث التغيرات التي تحدث في بنيته الجسمية وطاقته العقلية وسلوكه الانفعالي وعلاقاته الاجتماعية.
3- أهمية دراسة النمو
يمر الإنسان في حياته بسلسلة متعاقبة من مراحل النمو التي تبدأ بمرحلة التكوين (التخليق) وتنتهي بمراحل الشيخوخة وأرذل العمر كما يتضح ذلك في قول العزيز الحكيم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} (1) .
وفي الحديث النبوي الشريف عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك, ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح, ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد, فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها, وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" (2) .
وفي خلال مراحل النمو الإنساني المتعاقبة والمتباينة في خصائصها ومظاهرها يظل الإنسان بحاجة مستمرة إلى تربية وتعليم وتوجيه وإرشاد ونصح من هم أكبر منه سناً وأكثر خبرة وأقدر في هذه المجالات.(38/32)
لهذا تظهر أهمية دراسة النمو عند الإنسان من خلال معرفة طبيعة سلوكه والتعرف على مظاهر النمو لديه في ضوء الملاحظات الناجمة عن خصائص النمو ومراحله ومظاهره بما يزيد على قدرة المجتمع وتمكنه من توجيه أفراده (1) .
وتتبين أهمية دراسة النمو عند التربويين بوجه خاص في مساعدتهم على التعرف على مكونات الشخصية عند طلابهم ومطالب النمو واحتياجاته التي تعد عاملا مؤثراً في توجيه سلوكياتهم فضلا عن معرفة ما لديهم من القدرات العقلية التي تتباين عند الطلاب وهو ما يعرف عند علم التربية والدراسات النفسية ب"الفروق الفردية" وأثر ذلك في التعليم الفعال وفي التوجيه الطلابي والإشراف الاجتماعي والإرشاد التعليمي وهي جوانب أساسيه في حياة الطالب بوجه خاص.
4- مراحل النمو الإنساني
اختلف علماء التربية وعلم النفس في تقسيماتهم لمراحل النمو يتضح ذلك في تعدد مسمياتها وما يقابلها من خصائص كثيرة فقد ربط البعض منهم هذه المراحل بالتكوين النفسي، والآخر ربطها بما يقابلها في سلم التعليم.
وفيمايلي عرض وتحليل لهذه التقسيمات عند بعض المهتمين بدراسة هذا الفنّ من العلم وهو على سبيل المثالي وليس على سبيل الحصر.
1 - يقسم الدكتور عباس محجوب مراحل النمو من الناحية الزمنية إلى التقسيمات التالية:
1- مرحلة ما قبل الولادة.
2- مرحلة الطفولة الأولى (من الولادة إلى 7 سنوات) .
3- مرحلة الطفولة الثانية (من 7 سنوات إلى 12 سنة) .
4- مرحلة البلوغ (المراهقة) (من 13 سنة إلى 21 سنة) .
تقابل المرحلتين المتوسطة والثانوية في بدايتها.
5- مرحلة الرشد (بعد 21 سنة) .
2- ويقول الدكتور مقداد يالجن: يمكن أن نقسم مراحل التربية ف ضوء وجهة نظر الإسلام إلى المراحل التالية:
1- مرحلة ما قبل الولادة: تبدأ من حدوث الحمل وتنتهي بالولادة.
2- مرحلة الرضاعة: سنتان.
3- مرحلة الحضانة: من نهاية السنة الثانية وتستمر إلى السنة السابعة.(38/33)
4- مرحلة التمييز أو الطفولة المتأخرة: من السنة السابعة وتنتهي بالبلوغ وتقابل مرحلة التعليم الابتدائي.
5- مرحلة البلوغ والشباب: وتبدأ من السنة الثامنة عشرة وتنتهي بالأربعين.
6- مرحلة الشيخوخة: وتبدأ من سن الأربعين.
يشير الدكتور حامد عبد السلام زهران إلى اختلاف العلماء في تقسيم دورة النمو إلى مراحل نظراً لتداخل مراحل النمو بعضها في بعض، وأن انتقال الفرد من مرحلة إلى مرحلة تالية لها يكون تدريجياً وليس فجائياً (1) .
وعلى ضوء ذلك ارتضى التقسيم التالي الذي يقوم على أساس ربط مراحل النمو بمراحل التربية والتعليم:
المرحلة
العمر الزمني
تربوياً
1- ما قبل الميلاد
من الإخصاب إلى الميلاد
"الحمل "
2- المهد
الميلاد- أسبوعين
الوليد
أسبوعين- عامين
الرضاعة
3- الطفولة المبكرة
3- 5 سنوات
ما قبل المدرسة+ الحضانة
4- الطفولة الوسطى
6-8 سنوات المرحلة
المرحلة الابتدائية (الصفوف الثلاثة الأولى)
5- الطفولة المتأخرة
9- 11 سنة
المرحلة الابتدائية (الصفوف الثلاثة الأخيرة)
6- المراهقة المبكرة
12- 14 سنه
المرحلة الإعدادية
7- المراهقة الوسطى
15- 17 سنة
المرحلة الثانوية
8- المراهقة المتأخرة
18- 21سنة
التعليم العالي
9- الرشد
22- 60 سنة
10- الشيخوخة
من 60 سنة حتى الوفاة
4 - أما الدكتور عبد الحميد محمد الهاشمي فقد حدد بداية مرحلة الشباب بنهاية مرحلة المراهقة حيث تمتد من سن الثامنة عشرة إلى سن الخامسة والعشرين وهي مرحلة تقابل سلم التعليم الجامعي على وجه التقريب، وقد قام بتقسيم مراحل النمو إلى ما يلي:
1- مرحلة ما قبل الميلاد
منذ تكوين النطفة إلى الولادة
2- مرحلة المهد
من الولادة إلى نهاية العام الثاني
3- مرحلة الطفولة
من 3-12 سنة
4- مرحلة المراهقة
من 13-17 سنة
5- مرحلة الشباب
من 18-25 سنة
6- أواسط العمر
من 26-50 سنة
7- مرحلة الكهولة
من 51-65 سنة
8- مرحلة الشيخوخة
من 66-00 سنة(38/34)
5- ومن هذه التقسيمات ما أوضحها كل من الدكتور محمد جميل منصور والدكتور فاروق سيد عبد السلام وفق التنظيم التالي: (1) .
1- مرحلة ما قبل الميلاد
من الإخصاب إلى الميلاد
2- مرحلة الوليد
الأسبوعان التاليان للميلاد
3- مرحلة المهد
من الأسبوع الثالث إلى سن الثانية.
4- مرحلة الطفولة المبكرة
من 3-5 سنوات
5- مرحلة الطفولة الوسطى
من 6-8 سنوات (المدرسة الابتدائية)
6- مرحلة الطفولة المتأخرة
من 9- 11 سنة (المدرسة الابتدائية)
7- مرحلة المراهقة المبكرة
من 12-14 سنة (المرحلة الإعدادية)
8- مرحلة المراهقة الوسطى
من 15-17 سنة (المرحلة الثانوية)
9- مرحلة المراهقة المتأخرة
من 18 سنة فأكثر (التعليم العالي)
ومن الملاحظ على هذا التقسيم أنه قد توقف عند مرحلة المراهقة المتأخرة وهذا يوضح الهدف منه وهو ربط مراحل النمو بمراحل التعليم.
6 - أطلق الدكتور مصطفى فهمي على مرحلة التعليم العالي مرحلة الشباب متجاوراً بها مرحلة المراهقة في ترتيبه لمراحل النمو محدداً بدايتها بسن الثامنة عشرة ونهايتها بسن الرابعة والعشرين وأنها تقابل زمنياً مرحلة التعليم العالي، موضحاً ارتباط مشكلاتها بالتوجيه المهني والتعليمي في هذه المرحلة.
والملاحظ أنه جعل تلك الفترة الزمنية ضمن تقسيمات مرحلة المراهقة حيث أطلق عليها اسم "المراهقة المتأخرة " (17: 21 عاماً) بمعنى أن هذه الفترة التي تقابل مرحلة التعليم العالي تدخل في نظره ضمن مرحلة الشباب مرة وفي ضمن مرحلة المراهقة المتأخرة مرة أخرى والأمر يستلزم تحديدها بصورة أكثر دقة.
7- بينما يرى الدكتور فؤاد البهي السيد أن مرحلة المراهقة تمتد من سن البلوغ وحتى سن الرشد حتى يبلغ عمر الإنسان سن الحادية والعشرين.
وتأتي مرحلة التعليم الجامعي في نظره ضمن الفترة الزمنية المحددة لمرحلة المراهقة والممتدة إلى سن الرشد.(38/35)
وقد تبين من خلال تقسيمات مراحل النمو التي تم عرضها- آنفاً- عدم اتفاق العلماء المختصين في هذا الشأن حول تسمية مرحلة النمو للأفراد الذين يقعون في شريحة العمر الموافقة لطلاب التعليم العالي حيث يرى الدكتور محجوب أنها تدخل ضمن مرحلة البلوغ (المراهقة) (من 13- 21 سنة) في سنواتها المتأخرة وفي بداية مرحلة الرشد (بعد الحادية والعشرين) .
أما الدكتور يالجن فقد ربطها بمرحلة الأشد والرشد (من سن الثامنة عشرة إلى الأربعين) .
فيما يرى الدكتور زهران أن طلاب التعليم العالي يقعون ضمن شريحة المراهقة المتأخرة (18- 21 سنة) .
بينما جاوز الدكتور الهاشمي طلاب التعليم العالي مرحلة المراهقة حين وضعهم في مرحلة الشباب (18-25 سنة) .
يؤيداه في ذلك الدكتور منصور والدكتور عبد السلام اللذان جعلا فترة المراهقة المتأخرة تبدأ من سن الثامنة عشرة وتقابل في تقسيماتهم مرحلة التعليم العالي.
ويرى الباحث مناسبة وصف المرحلة الزمنية التي تقابل المرحلة التعليمية العالية ب [مرحلة المراهقة المتأخرة والشباب (19-22 سنة) ] حيث أن التحاق الطالب بالتعليم العالي يبدأ من سن التاسعة عشرة إذا لم يسبق له الإخفاق الدراسي من قبل وكان التحاقه بالمرحلة الابتدائية عند بلوغه السن النظامي للالتحاق وهو سن السابعة وهو العمر الزمني المتفق عليه في نظم التعليم العالمية والمعروفة بالسن الإلزامي.
وإن في إطلاق هذه التسمية عليها هو من منطلق أن مرحلة المراهقة تبدأ قبل التحاق الطالب بالتعليم العالي بل إنها تبدأ من أواخر المرحلة التعليمية المتوسطة، وتستمر حتى بداية المرحلة التعليمية العالية، ولهذا فإن هذه المرحلة تقابل زمنياً مرحلة المراهقة والشباب.(38/36)
ومن خلال ما تم عرضه من تقسيمات مراحل النمو وما قبل ذلك من تحليل وتعقيب يقترح الباحث الجدول التالي الذي يبين العلاقة بين العمر الزمني ومراحل النمو وما يقابلها في السلم التعليمي وهو اجتهاد منه يرجو أن يحالفه الصواب.
المرحلة
العمر الزمني
السلم التربوي التعليمي
1- ما قبل الميلاد {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} (1)
منذ تكوين النطفة إلى الميلاد
الحمل
2- المهد {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} (2)
منذ لميلاد إلى نهاية العام الثاني
الوليد- الرضاعة
3- الطفولة المبكرة {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} (3)
3-6 سنوات
(رياض الأطفال مرحلة اختيارية مناسبة)
4- الطفولة الوسطى
7-9 سنوات
المرحلة الابتدائية (الصفوف الثلاثة الأولى)
5- الطفولة المتأخرة
10-12 سنة
المرحلة الابتدائية (الصفوف الثلاثة الأخيرة)
6- المرحلة الوسطى بين الطفولة والبلوغ
13-15 سنة
المرحلة المتوسطة
7- المراهقة
16-18 سنة
المرحلة الثانوية
8- المراهقة والشباب
19-22 سنة
مرحلة التعليم العالي (الدرجة الجامعية الأولى)
9- النضج
23- 40 سنة
مرحلة التعليم العالي (الدراسات العليا)
10- الأشد {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} (4)
40-60 سنة
11- الشيخوخة {ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً} (5)
60-00
12- الأرذل من العمر {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} (6)
الضعف والهزال
5- العوامل المؤثرة في النمو الإنساني(38/37)
يتأثر النمو الذي يلازم الإنسان طيلة مراحل حياته بعدة عوامل تسهم – إلى حد كبير- في إبراز سماته الشخصية منها الوراثة البشرية، وما يوجد في جسم الإنسان من غدد صماء، أو ما يعرف بالتكوين العضوي (الغدّى) إلى جانب عوامل أخرى ذات علاقة بالأسرة والبيئة التي يعيش فيها الإنسان، أو ما تعرف بالبيئة الاجتماعية والثقافية التي تؤثر تأثيراً واضحاً في جوانب النمو المتعددة عند الإنسان.
ويقسم علماء النفس العوامل المؤثرة في النمو الإِنساني إلى قسمين رئيسين: عوامل أساسية، وعوامل ثانوية.
5/ 1 العوامل الأساسية:
فيما يتعلق بالعوامل الأساسية فإن أبرزها ما يأتي:
5/ 1/ 1 الوراثة: Heredity
الوراثة هي: "ما ينتقل من الوالدين إلى المواليد بيولوجياً وبواسطة المورثات، أما الوراثة الاجتماعية فهي غير بيولوجية وهي انتقال العادات والأفكار عن طريق الاحتكاك الحضاري ".
كما أنها عبارة عن "انتقال سمات عقلية وبدنية من الوالدين إلى الأبناء من خلال المورثات ".
وهناك فرق بين السمات الوراثية والسمات الخلقية (الولادية) Congenital فالسمات الوراثية هي التي تنقلها المورثات منذ لحظة الحمل لكن السمات الخلقية توجد منذ الميلاد إلا أنها لا ترجع إلى نوع المورثات بل إلى تأثير بيئة ما قبل الولادة، أي البيئة الرحمية، فالسمات الخلقية تعد بيئية في طبيعتها".
ويؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهمية الوراثة في تكوين الإنسان فعن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ولد لي غلام أسود، فقال:"هل لك من إبل؟ "قال: نعم، قال:"ما ألوانها؟ " قال: حمر، قال: "هل فيها من أورق؟ " قال: نعم، قال: "فأنى ذلك؟ "قال: لعل نزعة عرق، قال: "فلعل ابنك هذا نزعه " (1) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تخيّروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء، وانكحوا إليهم " (2) .(38/38)
ويتبين من هذين الحديثين الشريفين أثر الوراثة في مظاهر النمو، وهذا يتطلب الاعتناء بخاصية هذا العامل الفاعل في وقت مبكر من حياة الإنسان، وعند الزواج حيث يجب خلو الزوجين من الأمراض الوراثية، وسلامة بنية الجسم وصحة القوى النفسية والعقلية، إذ إن هذه الخصائص تنتقل من الآباء إلى الأبناء عن طريق الوراثة كما تمت الإشارة إلى ذلك من قبل.
5/ 1/ 2 من العوامل الأساسية الأخرى المؤثرة في النمو الإنساني، والتي يتعين أن توضع موضع الاعتبار التكوين الغدى (العضوي) :
الغدة: Gland
تعرف الغدة الصماء Endocrine Gland بأنها "التركيب الذي لا يصب إفرازه عبر قنوات، بل يفرزه مباشرة في تيار الدم ليمارس تأثيراً تنظيمياً على تركيب آخر في موقع آخر من الجسم ".
وقد أطلق عليها مسمى (الغدد الصماء) لعدم وجود قنوات بها ولهذا سميت أيضاً بالغدد عديمة القنوات، كما تسمى بالغدد ذات الإفراز الداخلي (1) .
ومعنى الإفراز الداخلي أنها تفرز إفرازاتها مباشرة في الدم.
ويتألف جهاز الغدد الصماء في الإِنسان من مجموعة من الغدد هي: "الغدة النخامية- الغدة الدرقية- الغدة نظير الدرقية - الغدة الثيموسية- الجزر البنكرياسية- الغدة الجاركلوية (الكظرية) - المناسل".
وتوجد في جسم الأم في فترة الحمل غدة هامة يطلق عليها المشيمة (2) ووظيفة هذه الغدة حفظ الجنين داخل رحم الأم، يقوله الله سبحانه وتعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} (3) .
قال ابن كثير رحمه الله: "قوله جل وعلا: {ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} يعني في ظلمة الرحم وظلمة المشيمة التي هي كالغشاوة والوقاية على الولد، وظلمة البطن، كذا قال ابن عباس رضي الله عنهما وعدد من المفسرين".
ويحتوي جسم الإنسان إلى جانب تلك الغدد على خلايا معوية ومعدية تقدم بدور هام في الإفراز الداخلي (4) .(38/39)
وتؤثر الغدد الصماء في سلوك الفرد وفي شخصيته وتظهر آثارها على النشاط العام ومدى سرعة السلوك الانفعالي، كما يعود استقرار نشاط الفرد ومظاهر سلوكه السوية إلى التوازن الذي يصاحب إفرازاتها، حيث تؤدي الاضطرابات الناشئة من هذه الغدد إلى حالات غير عادية في سلوك الإنسان تتسبب في حدوث اضطرابات عديدة في شخصيته (1) .
وفيما يلي توضيح لخصائص الغدد ووظائفها الرئيسية وبعضاً من آثارها.
5/ 1/ 2/ 1 الغدة النخامية: Pituitary Gland
"من أعقد الغدد الصماء، في حجم حبة البازلاء، وتقع أسفل الدماغ، تتكون من فصين أمامي وخلفي، ويفرز الفص الأمامي هرمونات تنظم النمو وهرمونات غذائية تنظم وظائف الغدد الصماء الأخرى، بينما يفرز الفص الخلفي هرمونا ينظم أيضا الماء.
ولأن الغدة النخامية تنظم عمل الغدد الصماء الأخرى، فإنها تسمى الغدة "الأستاذ ".
ويعد هرمون النمو من أهم إفرازاتها نظراً لتأثيره المباشر على الأنسجة الموجودة في الجسم إلى جانب أنه يعمل على تعزيز نشاط الهرمونات الأخرى التي تقوم الغدة النخامية بإفرازها (2) .
ويؤدي زيادة إفراز هذا الهرمون في مرحلتي الطفولة والمراهقة إلى زيادة غير طبيعية في طول قامة الإنسان، أما نقص إفرازه فيؤثر على تمدد جسم إنسان طولا، حيث يسبب قصراً شديداً في قامته (3) .
5/ 1/ 2/ 2 الغدة الدرقية: Thyroid Gland
هي "غدة صماء في العنق، مجاورة للحنجرة والقصبة الهوائية العليا ينظم إفرازها عملية البناء، ويؤثر تورمها أو نقص إفرازها في استحداث نتائج هامة عقلية وبدنية".
وتقوم الغدة الدرقية بوظيفتين أساسيتين هما: تخزين مادة اليود وإفراز هرمون الثيروكسين، وهو إفراز محدود غير أنه ضروري لعملية النمو السوي وخصوصاً لدى الأطفال، كما تعمل على تنظيم الوزن لدى الإنسان وحفظ حرارة جسمه، فضلاً عن كونها عاملا مؤثراً في استقرار الحالة النفسية والانفعالية للفرد (4) .(38/40)
ويؤدي نقص إفرازات الغدة الدرقية أو زيادتها إلى حدوث اضطرابات عديدة منها بطء النمو وقصر القامة وعدم الاستقرار الحركي والانفعالي مما يحدث أثراً بالغاً في جانب النمو السوي عند الإنسان.
5/ 1/ 2/ 3 الغدد نظير الدرقية (جارات الدرقية) : Parathyroid Gland
تقع الغدد نظير الدرقية في الجانب الخلفي للغدة الدرقية.
ويعد هرمون هذه الغدة من الهرمونات الأساسية والضرورية لحياة الإنسان، حيث يؤدي إزالتها إلى انخفاض شديد في مستوى الكالسيوم وارتفاع في مستوى الفوسفات في بلازما الدم مما يجعل بإنهاء حياة الإنسان إذا أذن الله بذلك (1) .
ويتسبب نقص إفرازاتها في حدوث حالات مرضية حادة مثل مرض "الكزاز"وهو عبارة عن تقلصات وتشنجات عضلية، كما يتسبب في حدوث حالات مزمنة مثل القلق النفسي، بينما يؤدي زيادة إفرازاتها إلى التهاب العظام، إضافة إلى التعب الذي يصيب الجهازين الهضمي والبولي (2) .
5/ 1/ 2/ 4 الغدة الثيموسية: Thymus Gland
تقع الغدة الثيموسية في مقدمة القفص الصدري لجسم الإنسان. ويغلب على حجمها الكبر عند الولادة، ويصل حجمها أقصى مدى له عند البلوغ، ثم تأخذ أدراجها نحو التقلص، وهذا يوضح تركز مهمتها في المراحل المبكرة من حياة الإنسان في غالب الأحيان، مما يقلص من فاعليتها في مرحلة الشباب وما يعقبها من المراحل الأخرى في حياته (3) .
وتنحصر وظيفة هذه الغدة في إيجاد المناعة في جسم الإنسان. وهي بلا شك وظيفة لها أهميتها لاسيما في المرحلة العمرية المبكرة عند الإنسان.
5/ 1/ 2/ 5 غدة البنكرياس: Pancreas Gland(38/41)
تقع غدة البنكرياس خلف المعدة، وتفرز إفرازين أحدهما خارجي يساعد على عملية الهضم، والآخر يطلق عليه "هرمون الأنسولين "والذي تختص وظيفته بضبط مستوى السكر في الدم. ويحدث اختلال إفرازاتها عن المستوى الطبيعي لها بعض الآثار المرضية، حيث يؤدي نقص إفرازاتها إلى زيادة نسبة السكر في الدم بينما يتسبب زيادة إفرازاتها في نقص نسبة السكر في الدم الذي يتسبب بدوره في اختلال صحة الإنسان (1) .
5/ 1/ 2/ 6 الغدة الجاركلورية (الكظرية) Adrenal Gland
توجد هذه الغدة فوق الكليتين عند الإنسان، وتتكون من جزئين هما النخاع والقشرة، حيث يفرز النخاع نوعين من الهرمونات أهمها: هرمون الأدرينالين الذي تتضح أهميته الإِيجابية للجسم حين حدوث الحالات الانفعالية. ويؤدي تورم الغدة الأدرينالية إلى زيادة إفرازها الذي يسبب للفرد القلق النفسي الشديد.
وتتضح أهمية قشرة الغدة الكظرية في مقاومة الهرمونات الموجودة بها للمؤثرات الضارة بجسم الإنسان.
وإن في اضطراب قشرة الغدة من زيادة الإِفراز أو نقصه- أسوة بالغدد الأخرى- ما يعد سبباً لحدوث بعد الأمراض مثل زيادة الوزن أو حالة الضعف العام التي تصيب الإنسان (2) .
5/ 1/ 2/ 7 الغدة التناسلية (المناسل) :
توجد في كل فرد غدتان تناسليتان يختلف موقعهما التشريحي في الجسم البشري بحسب نوع الجنس الذي ينتمي إليه، وكذا في وظائفها الأولية والثانوية ومدى تأثيرها على شخصية الفرد (3) .
والغدد التناسلية الموجودة لدى الإنسان هي:
1- الغدد التناسلية الذكرية: Male Gonads
وتقوم بإفراز الحي المنوي والهرمونات الذكرية التي تسيطر على ظهور الصفات الجنسية ونشاطها، ويشمل تأثيرها الجسم البشري بأكمله إذ تعمل على إبراز صفاته الجنسية الثانوية (4) .
2- الغدد التناسلية الأنثوية: Female Gonads
وتقوم هذه الغدة بإفراز نوعين من الهرمونات هي:(38/42)
النوع الأول: ويطلق عليه: Oestrin: Oestrogenic Hormones. Oestrone Oestriol and Destrapial
ويتبين تأثير هذا النوع من الهرمونات في السيطرة على الصفات الجنسية الأولية والثانوية مثل إفراز البويضة الثانوية، وظهور الأنثوية التي تميز الأنثى.
النوع الثاني: ويطلق عليه: Progestin: Progesterone and Pregnandiol
ويعمل هذا النوع من الهرمونات على نمو البويضة المخصبة حتى تصبح جنينا مكتمل التكوين- بإرادة الله عز وجل- كما أنها تسيطر على الغدد اللبنية عند الأم والتي تعمل على إفراز الغذاء الأساسي للطفل "الحليب ".
ويتلخص أثر الغدد التناسلية على نمو الإنسان فيما يلي:
1- تعمل هذه الغدد على تحديد نوعية الجنين إن كان ذكراً أو أنثى وذلك بحسب سيطرة الحي المنوي على نوع الجنس والذي يعود إلى الحيوانات المنوية الموجودة في النطفة الذكرية، وصدق الحق تبارك وتعالى حيث يقول في محكم التنزيل: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (1) .
2- يؤثر نشاط الغدد على نشاط الجهاز العصبي، وعلى عمليات الهضم ونشاط الغدد الأخرى الموجودة في جسم الإنسان والتي بدورها تؤثر في نشاط الغدد التناسلية.
3- كما يؤثر نشاط هذه الغدد على الصفات والمميزات الجنسية المختلفة للذكر والأنثى "الأولية والثانوية"حيث تتلخص الصفات الأولية في شكل ووظيفة الأعضاء التناسلية، وكذلك في مقدرة الفرد على التناسل.
أما الصفات الثانوية فإنها تتلخص في التفريق بين الرجل والمرأة حيث يتميز الرجل بالضخامة في التكوين وبقوة العضلات وبنمو الشعر في الوجه، وبخشونة الصوت إلى جانب ما يتميز به من الشدة والسيطرة.(38/43)
أما المرأة فإنها تتميز باختلاف خاص في التكوين الجسمي واختلاف في الصوت والميل إلى الرقة والهدوء بصورة أكثر من الرجل.
مما تقدم عرضه عن وظائف الغدد الصماء وآثارها على نمو الإنسان تتبين أهمية هذه الغدد وإفرازاتها وآثارها التي تتضح في إيجاد المناعة في جسم الإنسان وتحقيق النمو السوي له سواء فيما يتصل بالجانب العقلي أو الجسمي أو ما يتعلق بالسيطرة على الانفعالات وهو ما يعرف عند المهتمين بالدراسات النفسية ب (الاتزان الانفعالي) .
وإضافة إلى ذلك فإن لهذه الغدد فاعلية ملموسة في استقرار الحالة النفسية عند الإنسان حيث إنّ استقرار نشاط هذه الغدد يقي الإنسان من مرض التشنج وتدفع عنه القلق النفسي.
من جانب آخر فإن الاضطرابات التي تحدث في وظائف الغدد إما بزيادة إفرازاتها أو نقصه تؤثر سلباً على نمو الإنسان سواء فيما يتعلق بالبنية الجسمية الطبيعية أو بالوظائف العقلية الأمر الذي يؤدي إلى حدوث مضاعفات نفسية شديدة سيما عند من يعاني من قصر القامة أو زيادة الوزن الملحوظة أو الضعف العام أو عند من يتعرض لنوبة التشنجات العصبية حيث يسبب ذلك القلق النفسي الشديد مما يضعف الناحية المعنوية عند الإنسان في مقابل تغليب طابع التشاؤم وعدم التفاؤل في سائر نشاطه الإِنساني.
ولما كان الأمر كذلك فإن من الأهمية بمكان إعطاء هذا الجانب حقه من العناية والرعاية وذلك بمتابعة العمل الوظيفي لهذه الغدد في وقت مبكر من حياة الإنسان، والتأكد من استمرار نشاطها عند الحد الطبيعي المتزن لها إذ أن الدراسات الطبية أثبتت - وبما لا يدع مجالا للشك - أن الغدد الصماء تعد عاملاً أساسيا - بل ومؤثراً - في النمو الإنساني.(38/44)
وعلى ضوء ذلك تبرز أهمية وضرورة العناية بجانب النمو العقلي والجسمي عند الطلاب الذي يتأثر بنشاط الغدد الصماء وذلك من قبل الأجهزة الطبية الموجودة في مؤسسات التعليم العالي حيث تتطلب المتابعة الصحية توافر المعلومات المتكاملة عن الوضع الصحي للطالب منذ طفولته وحفظ ذلك في ملف صحي خاص به لغرض متابعة حالته من أجل المحافظة على نموه الطبيعي ولياقته الصحية المعتدلة.
5/ 1/ 3 التغذية: Feeding
تعد التغذية من العوامل الأساسية لنمو الإنسان ومن أشدها ارتباطاً به وتأثيراً في قواه الجسمية والعقلية.
ويعد الغذاء من المصادر الأساسية للطاقة الجسمية حيث يعمل على توليد الطاقة الضرورية لعضلات الجسم وبناء أنسجته وإمداده بما يحتاجه من عناصر أساسية تساعد على نمو الجسم بصورة متزنة (1) .
ومما يؤكد على أهمية الغذاء في عملية النمو هو أن عدم توافر مكوناته الرئيسية يضعف من إمكانيات النمو ويقلل من مقاومة الأمراض التي يتعرض لها الإنسان.
ونظراً لما للتغذية الجيدة من أهمية معروفة فإنه ينبغي أن تنال الاهتمام اللازم من قبل أفراد الأسرة وذلك بمعرفة المواد الأساسية التي يجب أن تحتوي عليها الوجبات الغذائية.
5/ 1/ 4 البيئة الاجتماعية والثقافية:
يعود الأصل اللغوي للفظة الثقافة إلى الفعل (ثقف) وثقف الشيء حذقه ورجل ثَقْف وثَقِف وثَقُف: حاذق فَهِم، وثقف: بيِّن الثقافة, ويقال: ثقف الشيء وهو سرعة التعلم. وثقف الرجل ثقافة أي صار حاذقاً, وغلام ثقف أي ذو فطنة وذكاء والمراد أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه (2) .
فالثقافة على ضوء ذلك اكتساب العلم والمعرفة والحرص على الاطلاع فنقول: مجتمع مثقف أي مجتمع مطلع قارئ متابع طموح ثاقب النظرة حريص على تطوير المدارك وتنميتها.(38/45)
وتشير بعض الدراسات العلمية في هذا الميدان إلى أن الثقافة في صورة مصطلح فني في الأنثروبولوجيا "علم الاجتماع "ظهرت على يد العالم البريطاني (تايلور) الذي عرفها قائلاً: "الثقافة Culture بالمعنى الأثنوجرافي الواسع هي ذلك الكل المعقد الذي يتضمن المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعادة وكل المقومات الأخرى التي يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع".
وعند النظر في هذا التعريف نلاحظ - ولا غرابة - أنه جعل العقيدة جزءاً من الثقافة’ والعقيدة في تصورهم تأخذ معان عديدة منها الفكر الديني أو البعد السياسي الذي يوجه سائر نشاط المجتمع.
أما بالنسبة للفكر الإسلامي فإن العقيدة هي الموجه للثقافة بل ولسائر نشاط المجتمع الإنساني.
ويتبين من التعريفين السابقين ارتباط مظاهر الثقافة التي تتبلور في مستوى المعلومات والمعارف مع مظاهر السلوك الاجتماعي الذي يتمثل في مجموعة الأعراف والتقاليد التي يتأثر بها الأفراد في الجوانب المتعلقة بتشكيل الشخصية وأنماط السلوك.
وتؤثر البيئة الاجتماعية في نمو الإنسان وبخاصة في مرحلة الطفولة لارتباط الطفل الشديد بأسرته واعتماده الكلي على والديه وإخوانه أثناء فترة الرعاية الأولية التي يجدها منهم.
وتؤثر علاقة الطفل بأخوته على نموه لاسيما في الجانب اللغوي والحركي (1) .
أي أن ذلك نتاج لتأثير عامل التقليد والمحاكاة وهما عاملان أساسيان من عوامل التطبيع الاجتماعي التي تتميز بها تلك المرحلة.
ويعد استقرار الحياة الأسرية من العوامل التي تضفي طابع الهدوء والطمأنينة على الإنسان خاصة في المراحل المبكرة من حياته والتي يحتاج فيها إلى مزيد من الحنان والمودة.(38/46)
فالأسر التي تتعرض لهزات اجتماعية مثل وفاة الأب أو الأم أو حدوث الطلاق بينهما أو انغماس الأب في ملذاته وإرضاء نزواته وابتذال الأم هي أسر غير مستقرة وغير متفائلة الأمر الذي يلقي بضلال هذا الطابع التشاؤمي على الابن وهو طابع يؤثر حتماً على طموحاته ونظرته المستقبلية فضلاً عن ضبط التوازن الانفعالي لديه وتأثير ذلك كله على السلوك الاجتماعي في جوانبه المتعددة. وهذا يقودنا إلى التأكيد على إحساس الوالدين بمسؤولياتهما تجاه الخالق تبارك وتعالى وتجاه أنفسهما وأبنائهما وأن عليهما الشعور بالرضاء لقدر الله في كل شيء وأنهما يمثلان قدوة لأبنائهما (فكل قرين بالمقارن يقتدي) ويقول الشاعر:
وينشأ ناشئ الأجيال منا
على ما كان عوّده أبوه
وتتكون البيئة الاجتماعية والثقافية إلى جانب المسجد الذي يتميز برسالته الدينية والتربوية والاجتماعية، من المؤسسات التعليمية والأندية الثقافية والرياضية التي تتحمل مسئوليات عديدة، تسهم من خلالها في صقل شخصية الإنسان وتنميتها.
ويتأثر نمو الإنسان من خلال ما يكتسبه من سمات سلوكية نتاج ما يعرف بالتفاعل الاجتماعي مع أفراد أسرته ورفاقه، وكذلك بما يتلقاه من مؤثرات إعلامية وثقافية تعمل بصورة واضحة على تنمية شخصيته ورقيها (1) .
ومما هو جدير بالتنبيه في هذا المقام تأثير الزملاء والأصدقاء على الإنسان بحسب تربية كل منهم وسلوكياته، إذ يعدون من أهم العوامل المؤثرة في نشأة الإنسان مما يستلزم الانتباه حين اختيار الزملاء والأصدقاء وقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير, فحامل المسك إما أن يحذيك, وإما أن تبتاع منه, وإما أن تجد ريحاً طيبة, ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك, وإما أن تجد ريحاً خبيثة" (2) رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه.(38/47)
وحيث إن عادات المجتمع وتقاليده تعد من المؤثرات الثقافية ذات الفعالية الملحوظة في نمو الإنسان، فإن هذه العادات يمكن عدها مظهراً من المظاهر الإِيجابية في المجتمع مثل ظاهرة التعاون والتواصل بين الأفراد التي تعد استجابة لقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1) وامتثالاً لتأكيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي الشريف: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا - ثم شبك بين أصابعه - "رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه (2) .
كما تؤثر بعض العادات والتقاليد الاجتماعية سلباً على خاصية النمو الإنساني لاسيما عادات وتقاليد الزواج في بعض المدن والقرى، حيث تتطلب من الفرد أن يكون قادراً ومتمكناً من الناحية المادية كيما يتنسى له القيام بأعباء وتكاليف ومتطلباتها، ويؤثر هذا الأمر على تحقيق رغبة الزواج المبكر، والذي ينطوي أصلاً على العديد من الإيجابيات المثمرة في حياة الشباب وأسرهم والمجتمع الذي يعيشون فيه.
ويتبين مما تقدم فاعلية العوامل الاجتماعية والثقافية وأثرها في نمو الإنسان بصورة لا تقل أهمية عن العوامل الأخرى ذات التأثير الواضح في هذا الجانب؛ ذلك أن الشخصية تتأثر دوماً بما يصلها من معلومات وبما تكتسبه من خبرات وسمات نتيجة لتفاعلها الاجتماعي مع المؤثرات البيئية المتعددة.
ولا يقتصر هذا التفاعل على أقران السن وزملاء الدراسة فحسب، إذ تتأثر الشخصية بكل ما تشاهده وتسمعه من مختلف فئات المجتمع وخاصة وسائطه التربوية والاجتماعية والإعلامية والثقافية والرياضية التي تحمل طابع التأثير في الجانب العقلي والاجتماعي من الشخصية الإنسانية.(38/48)
ومن المؤمل أن تضاعف الأندية الثقافية والرياضية من الوقت المخصص لهذا القطاع العريض من المجتمع من خلال الإكثار من عقد الندوات وإلقاء المحاضرات التي تتصل بالشباب ومشكلاتهم ورغباتهم فضلاً عن الجوانب ذات الصلة بسلوكياتهم في هذه المرحلة الحساسة من عمر الإنسان.
وعلى ضوء ذلك تتبين ضرورة العناية بكافة المؤثرات الاجتماعية والثقافية التي يتفاعل معها الإنسان في محيط البيئة التي يعيش فيها.
5/ 2 العوامل الثانوية:
تعد العوامل التي سبق عرضها العوامل الأساسية المؤثرة في النمو وفيمايلي العوامل الأخرى التي تأتي في مرتبتها تالية للعوامل الأساسية والتي نطلق عليها تجاوزاً لعوامل الثانوية، ولا نقصد بالثانوية أنها قليلة الأهمية بل هي ذات أهمية بالغة في النمو الإنساني.
5/ 2/ 1 العمر الزمني للوالدين:
يشير بوجات P. Baujat وهو أحد المهتمين بالنمو النفسي إلى تأثر حياة الإنسان بالعمر الزمني لوالديه من حيث طول فترة العمر حيث يقول: "إن الأطفال الذين يولدون من زوجين في ريعان الشباب يعيشون أطول من الذين يولدون من زوجين يقتربان من مرحلة الشيخوخة" (1) .
وقد أيّد الدكتور فؤاد البهي السيد ما أشار إليه بوجات حيث قال: "وبذلك فاحتمال زيادة مدى حياة الأبناء تقل تبعاً لزيادة الترتيب الميلادي للطفل أي أن مدى حياة الطفل الأولى أكبر من مدى حياة الطفل الأخير".
إن الحقيقة الثابتة التي لا تقبل الجدل هي أن عمر الإنسان قد حدد من لدن الله عز وجل الذي يقول في كتابه الكريم: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (2) .(38/49)
وفي تبيان لتحديد العمر الزمني من عند الله تعالى يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه بريدة الأسلمي رضي الله عنه: "خمس لا يعلمهنّ إلا الله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (سورة لقمان الآية رقم 34) " (1) .
لذا فإن العوامل الأخرى التي تؤثر في العمر الزمني هي عوامل ثانوية مرتبطة بالواقع الفعلي لعمره، والمحدد من لدن المولى جلت قدرته، ومن تلك العوامل التغذية الجيدة والخلو من الأمراض خاصة الخبيثة منها والتي لم يتوصل الطب الحديث إلى علاجها بصورة فاعلة وسريعة حتى الوقت الحاضر.
كما يعد العمر الزمني للوالدين من العوامل المؤثرة في الصحة العامة فالأبناء من أزواج في ريعان الشباب يكونون أصح بدنياً من أبناء من أزواج في عمر الشيخوخة أو عند اقتراب الأم من سن اليأس ومن هذا تتأكد أهميه تشجيع الزواج المبكر عند الجنسين لما ينطوي على إيجابيات عديدة منها صحة الأبناء وسلامة السلوك الاجتماعي عند الأفراد وترسيخ الأمن النفسي داخل المجتمع.
كذلك فإن الالتزام بنظام غذائي مناسب، والاهتمام بأصول السلامة والاستقامة في كل أمور الحياة الدنيا له أبعد الأثر الإيجابي في استمرار عملية النمو في وجهتها الطبيعية دون عوائق تحد منها.
5/ 2/ 2 الحالة الصحية عند الأم والطفل:
تؤثر الأمراض والحوادث التي تتعرض لها الأم أثناء فترة الحمل على حالة جنينها، إذ إن إصابة الأم بمرض الملاريا يؤثر على الأذن الداخلية للجنين مما يسبب له صمماً كلياً أو جزئياً والذي بدوره يؤثر على النمو اللغوي لديه.(38/50)
كما أن الولادة العسرة تؤدي إلى تشوّه في جمجمة الجنين مما يتسبب في إعاقة النمو العقلي لديه، يضاف إلى ذلك أثر الولادة التي تتم قبل موعدها الطبيعي في زيادة نسبة الوفيات بين الأطفال فضلاً عن أثرها على مستوى الصحة العامة.
أما بالنسبة للطفل فإن أصابته بمرض الهيموفيليا Hemophila تتسبب في استمرار نزيف الدم إذا ما حدث له، حيث إن هذا المرض يمنع تجمد الدم مما يضعف بنية الطفل ويوصله إلى مرحلة الخطورة، فإن الطفل المصاب بهذا المرض يظل قلقاً وتنتابه الاضطرابات، ويعيش في عزلة وذلك نتيجة الرغبة في المحافظة عليه من التعرض للإِصابة وهذا ما يؤخر نضج الطفل ويقلل من نسبة تفاعله الاجتماعي (1) .
ولما كانت الحالة الصحية التي تكون عليها الأم وجنينها عاملاً له أثره في النمو إما إيجاباً أو سلباً فإن الاهتمام بالوضع الصحي للمرأة الحامل مطلب ضروري وليس الاهتمام بالجانب الصحي فحسب بل إن مراعاة الحالة النفسية التي تكون عليها الأم هو الآخر مطلب لا يقل أهمية عن الحالة الصحية، يضاف إلى ذلك ضرورة الاعتناء بالطفل فور ولادته كيما يتحقق له النمو السويّ إذ إن الاهتمام الذي يقتضيه التطور السلبي للحالة الصحية عند الإنسان لا يحقق الأثر المنشود فالوقاية دوماً أفضل من العلاج بل إنها تعد أقل كلفة وأكثر فائدة على مدار المستقبل.
5/ 2/ 3 النضج والتعلم: Maturation and Learning
يبدأ الإنسان حياته ضعيفاً محدود القدرات حيث لا يستطيع أن يعتمد على نفسه دون معاونة من قبل والديه وأفراد أسرته.
وبمرور السنوات تأخذ خلايا الجسم طريقها إلى النضج حيث يبدأ عملية المشي بصورة بطيئة، وهذه العملية - على سبيل المثال - خطوة من خطوات النمو التي تتميز بها مرحلة الطفولة.
وتتضح أهمية التعلم في حياة الفرد بما يتعلمه ويكتسبه من أفراد أسرته (2) ويتميز الإنسان مع مرور الزمن بزيادة في النضج والإِدراك.(38/51)
ولعامل التعليم أهمية في ذلك إذ يزيد من احتكاكه بالآخرين ويتأثر بهم، كما يؤثر فيهم، مما يضفي صفة التلازم بين عملية النضج وعملية التعلم الذي بدوره يزيد من فاعلية هذا العامل في استمرار النمو الطبيعي للإِنسان.
وفيما يتصل بهذا العامل فإن الملاحظة المستمرة لتصرفات الإنسان وتقويم هذه التصرفات بطرق مقبولة وغير مباشرة أمر محبذ بل وضروري إذ يساعد ذلك على تكريس الخبرة الاجتماعية التي يعد تطويرها وتنميتها تعميق لمفهوم النضج والتعلم الذي يؤثر في تهذيب الإِنسان وإنماء شخصيته.
5/ 2/ 4 الانفعالات الحادة:
وتؤثر الانفعالات التي تنتاب الطفل في سرعة نموه ونضجه الطبيعي (1) .
وملاحظة لهذا العامل فإن على الأسرة واجب متابعة السلوك الانفعالي عند الطفل وإبعاده عن المؤثرات التي تلغي فاعلية الاتزان الانفعالي؛ لأن الانفعالات لاسيما المستمرة منها والحادة تكون عاملاً أساسياً في انهيار النضج العقلي والانحراف به إلى هاوية الأمراض النفسية الأمر الذي يؤثر سلباً على خاصية النمو العقلي المرغوب.
5/2/5 أشعة الشمس والهواء النقي:
يتأثر النمو عند الإنسان بدرجة نقاء الهواء الذي يتنفسه وبمقدار ما يتعرض له من أشعة الشمس خاصة فوق البنفسجية منها التي تؤثر في سرعة النمو.
وعلى ضوء ذلك تجدر توعية الأسرة بأهمية إيجاد المناخ الصحي إذ لابد من أن تتخلل أشعة الشمس حجرات المنزل لأهميتها في إبادة الميكروبات وتنشيط جسم الإِنسان وتقوية مناعته ضد الأمراض.
6- مظاهر النمو عند طلاب التعليم العالي(38/52)
يبدأ العمر الزمني المفترض لطلاب التعليم العالي في المملكة العربية السعودية من سن التاسعة عشرة وينتهي في مرحلة الدراسة الجامعية الأولى (البكالوريوس- الليسانس) بنهاية العام الثاني والعشرين عدا بعض الحالات التي تأخرت في بعض مراحل الدراسة، أو التي كان التحاقها بسلك التعليم متأخراً، أو الحالات التي قد تكون أقل من هذا العمر الزمني نظراً لالتحاقها المبكر بمراحل التعليم، مع ملاحظة تأثير المنهج العلمي لبعض التخصصات على المدة الزمنية من حيث طول فترتها من مثل تخصصي (الطب والهندسة) وهي حالات عند حصرها ليست ذات دلالة إحصائية مرتفعة.
وتعد هذه المرحلة من المراحل المتميزة فيِ حياة الإنسان من حيث النضج في بنية الشخصية، سواء كان هذا النضج متمثلاً في المظاهر الجسمية، أو في الطاقات العقلية والقدرات الفردية، أو في الجانب الانفعالي والنفسي والاجتماعي.
وفيما يلي عرض لأبرز ملامح النمو وخصائصه عند طلاب التعليم العالي:
6/ 1 النمو الجسمي:
تبلغ أعضاء جسم الإنسان في هذه المرحلة درجة من التكامل في الطول والحجم والنضج، وذلك لأن المفاصل الجسمية تأخذ وضعها الطبيعي عند سن الثامنة عشرة كما أثبتت ذلك صورة الأشعة السينية للهيكل العظمي.
وكلما كان الجسم متكامل البنية كان لذلك مردود إيجابي للحياة النفسية للفرد، وكذلك فإن في حدوث بعض الاضطرابات المتعلقة بنمو الجسمي ما يعد سبباً في تعرضه للإحباط النفسي.
وفي هذا الخصوص أضاف الدكتور حامد زهران لمظاهر النمو الجسمي مظاهر أخرى ذات علاقة به وهي النمو الفسيولوجي "العضوي"والنمو الحركي، غير أنه أكد على أن زيادة الطول والوزن لدى البنين أكثر منه عند البنات في هذه المرحلة (1) .
والباحث، لا يرى تعميم ذلك، حيث توجد حالات مختلفة لدى الجنسين.
ويتأثر النمو الجسمي بالتنظيم الزمني للأعمال اليومية الذي ينتهجه الطالب والنظام الغذائي الذي يسير عليه، وكذا أوقات الراحة لديه (2) .(38/53)
وحيث يبلغ الطالب في هذا السن مرحلة النضج الجنسي فإن من الأهمية أن يسدى له النصح والتوجيه من جانب أسرته وأساتذته ليتسنى له اجتناب الزلات والهفوات، وليراعى خالقه تبارك وتعالى في كل أموره ليحافظ بذلك على دينه، وعلى طاقته الجسمية، وعلى اتزانه العقلي.
وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهمية النصيحة ودورها الفاعل في تربية المجتمع المسلم، فعن تميم الداري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " (1) .
وينبغي في هذا السن توعية الشباب وتوجيههم نحو ممارسة الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية المناسبة لهم كيما يتم توظيف أوقات فراغهم بما يعود عليهم وعلى أسرهم ومجتمعهم بالفائدة العميمة مع تحذيرهم عن الانحرافات المتمثلة في تعاطي المخدرات وتناول المشروبات الكحولية التي تعبر عن ضعف الإيمان وانحدار الأخلاق وتؤدي إلى غضب الله تعالى فضلا عن الآثار السلبية والمؤلمة التي ينتهي إليها المنحرفون والتي تتمثل في إضعاف الدخل الاقتصادي والتفكك الاجتماعي الملحوظ علاوة على الآثار النفسية التي تحيق بالشباب المنحرف سلوكياً وأسرهم.
ولما كان النمو الجسمي في هذه المرحلة يأخذ طابع التكامل من حيث سلامة الأعضاء وقوة البدن وتناسب الحجم فإن في ترك الإِنسان دون توجيه وإرشاد يؤدي به إلى الاغترار بقوته بصورة قد تدفع به إلى الانزلاق وعدم السيطرة على انفعالاته والاعتداء على الآخرين واستخدام القوة الجسمية في غير ما أوضحته الشريعة الإسلامية في هذا الجانب وذلك عندما يستخدمها في إيذاء الآخرين وتحقيق غريزة السيطرة بدافع الأثر النفسي والاجتماعي.(38/54)
لذا فإن في توجيه الإنسان في هذه المرحلة نحو توظيف طاقته الجسمية فيما يعود عليه بالفائدة وعلى مجتمعه بالنفع أمر محبذ, والمجالات عديدة أمامه منها المشاركة في أعمال الدفاع المدني وسواها من الأعمال التي تصب جميعها في خدمة الوطن والذود عنه.
6/ 2 النمو العقلي:
تعد خاصية النمو العقلي من أبرز خصائص النمو التي يتميز بها الطالب بمرحلة التعليم العالي، إذ أن التفكير المصاحب له إبَّان فترة المراهقة التي مر بها يختلف عن فترة الشباب التي يعيشها أثناء دراسته العالية، حيث يلاحظ عليه الميل إلى التفكير الواقعي لما يعايشه في حياته بدلاً من التفكير المثالي الذي كان يسيطر عليه خلال فترة المراهقة المبكرة السابقة.
وإن في اختلاف التفكير والمستوى العقلي بين هاتين المرحلتين ما يمكن عدّه أحد العوامل الأساسية التي تحث الطالب على بذل المزيد من الجهد في سبيل الاستفادة من المعلومات التي تتاح له وتعمل على تطوير مستواه العلمي والثقافي على حد سواء.
ومما تتميز به هذه المرحلة في حياة الفرد من حيث النمو العقلي هو بروز القدرات الخاصة لديه أكثر من ذي قبل حيث إنها موجودة أصلاً في مراحل النمو السابقة، غير أنها تتميز وتبرز بصورة أوضح في هذه المرحلة، ومنها القدرة اللغوية لمن يتمكن من التحدث بالفصحى، دون أن يشوبها لحن أو تكلف، ومنها القدرة الرياضية لمن يظهر تفوقاً ملموساً في العلوم الرياضية وما يتصل بها من قدرات عددية أو غيرها وكذلك التميز في القدرة الأدبية والعملية ونحو ذلك من القدرات لذا تبرز أهمية تشجيع الشباب وحثهم على الاستفادة القصوى من القدرات المتاحة لديهم وذلك في ميدان التقنيات الحديثة التي تعد من أهم سمات العالم المعاصر.(38/55)
وإن في تفوق الطالب في قدرة أو أكثر من هذه القدرات ما يرفع من معنوياته ويعمل على تأقلم شخصيته وسط المجتمع الذي يعيش فيه، كما يتسبب عدم بلوغه مستوى التفوق في تلك القدرات أو ما تتعرض له بعضها من إخفاق في حدوث بعض الآثار النفسية المؤثرة في حياته (1) .
ومن أهم مظاهر النمو العقلي الواضحة في هذه المرحلة زيادة المقدرة الاستيعابية في ميدان التحصيل العلمي، وذلك قياساً على مستوى الذكاء الذي يصل إليه الطالب الجامعي (2) .
ويتزايد ما يقوم طلاب الجامعات بتسجيله في روائز الذكاء من مستوى دراسي إلى آخر حيث تتضاعف القدرة العقلية العامة أثناء فترة المراهقة، بينما يستمر النمو العقلي خلال العقد الثالث من عمر الإنسان (3) .
وحول الارتباط بين ميزات النمو العقدي وخاصية الذكاء أكدت الأبحاث التي أجراها فيرنون P. E. Vernon على تأثر هذه الميزة بمستوى التعليم الذي يبلغه الإنسان حيث يقل الذكاء العام عند من ينقطع عن الدراسة في سن مبكرة.
وقد استطرد الدكتور فؤاد البهي السيد منوهاً بما أكدته هذه الأبحاث، ومبيناً أن الأبحاث التي أجراها كل من ثورنديك R. L. Thorndike وسيلتر P. Salter تؤكد ما وصل إليه فيرنون P. E. Vernon من نتائج في هذا المجال (4) .
ويتبين الأثر الفاعل لخاصية النمو العقلي في الأنشطة التي يمارسها الإنسان سواء كانت علمية أم ثقافية وغيرها من خصائص النشاط العقلي الإنساني خاصة في ميدان السلوك الاجتماعي.(38/56)
لذا تظهر الحاجة إلى توجيه الشباب بوجه خاص نحو توظيف ما يتسمون به في هذه المرحلة من سمات النمو العقلي في مجالها الطبيعي بعيداً عن سائر أشكال الانحرافات السلوكية التي تتأثر بمقدرة الإنسان العقلية، إذ إن أفراد العصابات من الأشقياء ومهربي المخدرات والسفاحين وغيرهم من الذين زاغت قلوبهم عن الحق والذين يسيئون إلى المجتمعات الإنسانية بأفعالهم القبيحة وتصرفاتهم الشائنة يستخدمون قدراتهم العقلية في التوصل إلى أعقد الأساليب وأكثرها تطوراً في سبيل تنظيم مؤامراتهم وتنفيذ مخططاتهم وتحقيق نزواتهم.
فالطاقة العقلية نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على عباده عندما توظف في كل ما هو طبيعي ومناسب، قال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (1) .
كما أن هذه الطاقة نقمة إذا ما انحرف بها عن الطريق المستقيم ولم تستغل في ما قرر لها في الأصل وصدق الله عز وجل إذ يقول في محكم التنزيل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (2) .
6/ 3 الاتزان الانفعالي:(38/57)
تتباين الحالة الانفعالية التي يكون عليها الشاب في هذه المرحلة عن الحالة التي كان عليها إبان فترة المراهقة السابقة، والتي تتميز بالانفعال الدائم لأي سبب من الأسباب، حيث تقترب حالته الانفعالية في هذه الفترة من النضج والاتزان (1) .
ويعد الانفعال حالة نفسية مصاحبة لمشاعر الإِنسان الذي يسعى لتحقيق حاجة من الحاجات التي يرى ضرورتها به (2) .
وينقسم الانفعال إلى قسمين هما:
أ- الانفعال الإِيجابي: وهو الذي تظهر آثاره المتسمة بالفرح والسرور عند الإنسان الذي تتحقق رغباته وآماله.
ب- الانفعال السلبي: وتتمثل مظاهره في عدم الرضا والسرور ومن أهمها الخوف والقلق (3) .
ومن أهم خصائص الانفعال سرعة الاستثارة، والتغير المفاجئ وعدم الاستقرار، وهي ظاهرة نفسية تشمل الفرد بصورة عامة.
ويمكن للباحث في ضوء ذلك أن يعرّف الاتزان الانفعالي " النضج الانفعالي " بأنه: توجه إيجابي في الخصائص الانفعالية عند الطالب بحيث يميل إلى سمة الهدوء، وإلى تقبل كل ما كان يثير انفعالاته في سابق مراحل حياته "الطفولة والمراهقة المبكرة" بنوع من الثبات، حيث يبدو من مظاهر سلوكه في هذه المرحلة نضج وتحكم عند مقابلة المواقف التي تثير انفعالاته.
وهناك مظاهر عديدة تبرز التطور الإيجابي في النضج الانفعالي عند الطالب والتي من أبرزها المقدرة على المشاركة الانفعالية والمناقشة بنوع من التفهم والدراية، كما تظهر عليه الرأفة بمن يتعامل معهم.
وفي معرض الحديث عن النضج الانفعالي أورد الدكتور حامد زهران تلخيصاً حول ديناميات تحقيق النضج الانفعالي قام بإعداده "ستاتون Staton 1963م"والذي يشير فيه إلى الجوانب الكفيلة بتحقيق النضج الانفعالي في الشخصية ومن أهمها المقدرة على مقاومة الإِحباط وذلك بتحمل الفشل ومواجهة الظروف، مع الاستمرار في بذل الجهود المكثفة لبلوغ الهدف المطلوب.(38/58)
ومما هو جدير بالذكر فيما يتعلق بالإحباط الذي قد يعاني منه الطلاب في مرحلة التعليم العالي، مما يؤثر على حياتهم الدراسية والاجتماعية، فإن الإِحباط ينتج عنه القلق والتوتر الدائب في حياتهم ويظهر ذلك في تكرار الرسوب أو الاختلالات والاضطرابات في العلاقات الاجتماعية بينهم وبين زملائهم في الدراسة أو داخل الأسرة.
ونتاج هذا يتمثل في الحاجة الماسة إلى توجيه الطلاب وإرشادهم من قبل المسئولين عن شئون الطلاب، بل إن المسئولية أيضا تتمثل فيما يقدمه الدعاة وعلماء الدين في تحمل المكاره والصبر على احتمالها وتجنب أسبابها.
فالله تبارك وتعالى يحث في كتابه الكريم الإنسان المؤمن على الصبر الذي يعد نعمة من نعم الله الكثيرة على عباده، والذي يستوجب الصبر والتحمل هو أن الإنسان في هذه الفترة من حياته معرض لبعض الفشل الدراسي، أو لبعض الظروف التي تصادفه من غير سابق إنذار، حيث يستلزم مواجهتها بنوع من الصبر والهدوء دون أن يصاحب ذلك ضعف أو ارتجال.
وقد ورد في محكم التنزيل ما يشير إلى قيمة الصبر وأثره في تربية الإِنسان المسلم وفي المحافظة على مستوى الثبات الانفعالي لديه، حيث يقول الحق تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (1) .
ويقول الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} ": أي إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه، وعفوا مع ذلك عمن أساء إليهم ".
ويقول الله عز وجل آمراً رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} (2) .(38/59)
"وقوله تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاّ بِاللَّهِ} تأكيد للأمر بالصبر وإخبار بأن ذلك لا ينال إلا بمشيئة الله وإعانته وحوله وقوته ".
كما يقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (1) .
ويقول الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه، وقوله عز وجل: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} وهو الصديق أي إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك والحنو عليك حتى يصير كأنه ولي حميم أي قريب إليك من الشفقة عليك والإِحسان إليك، ثم قال عز وجل: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ الَّذِينَ صَبَرُوا} أي وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك فإنه يشق على النفوس {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} أي ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهم في تفسير هذه الآية: "أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم ".
ويقول عز وجل آمراً عباده بالاستعانة بالصبر والصلاة: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} (2) .(38/60)
"قال ابن أبي حاتم حدثنا عبد الله بن حمزة بن إسماعيل حدثنا إسحاق بن سليمان عن أبي سنان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "الصبر صبران" صبر عند المصيبة حسن, وأحسن منه الصبر عن محارم الله".. وقال ابن المبارك عن ابن لهيعة عن مالك بن دينار عن سعيد بن جبير قال: "الصبر: اعتراف العبد لله بما أصيب فيه واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه وقد يجزع الرجل وهو يتجلد لا يرى منه إلا الصبر". وقال أبو العالية في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} قال: "على مرضاة الله واعلموا أنها من طاعة الله وأما قوله: {وَالصَّلاةِ} إن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر".
ومن الآيات البينات التي أشارت إلى أهمية الصبر للمؤمن، وعظمته وحسن جزائه عند الخالق تبارك وتعالى، قوله الحق في القرآن العظيم: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ, الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (1) .
ومن الأحاديث النبوية الشريفة التي تعمل على رفع معنوية الإنسان المؤمن وتضاعف مكانة الصبر في نفسه، قال صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المؤمن من وصب (2) ، ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن، حتى الهم يهمه، إلا كفّر به من سيئاته " (3) رواه أبو سعيد وأبو هريرة رضي الله عنهما.
وحيث تتميز هذه الفترة الزمنية باتزان انفعالي ملحوظ عن فترة الطفولة والمراهقة المبكرة التي مر بها وتجاوزها، فإنه ينبغي مراعاة ذلك والانتباه للعوامل التي من شأنها إعاقة النصح الانفعالي، ومنها ازدواجية النظرة تجاهه من قبل من يكبرونه في السن، فالبعض منهم يرى أنه لم يزل في طور المراهقة (4) بينما يعد راشداً وناضجاً في نظر البعض الآخر.(38/61)
ومن العوامل المؤثرة على الاتزان الانفعالي الطبيعي العيوب الجسيمة التي قد تتسبب في إعاقة النضج الانفعالي عند الشباب بصفة خاصة.
ولمواجهة العوامل المعوقة للاتزان الانفعالي يجب التقرب من شخصية الفرد ورفع معنوياته ليتمكن من التغلب على الآثار الناتجة من تلك العواملِ، إلى جانب ضرورة معاملته معاملة الناضجين والراشدين ليكون ذلك دافعاً له إلى استشعار مسئولياته الجديدة والمتعددة في الحياة والمجتمع (1) .
6/ 4 النمو الاجتماعي:
يقصد بالنمو الاجتماعي اندماج الفرد وسط بيئته ومجتمعه، بصورة تزيد من تآلفه الاجتماعي، وتعمل على تطوير أحاسيسه الوطنية وتضاعف من إدراكه لواجباته الرئيسية إزاء أمته ومجتمعه في السراء والضراء، في السلم والحرب وعند الأزمات الخانقة والكوارث العظيمة.
فالنمو الاجتماعي يصبح حقيقة عندما تنمو المشاعر الاجتماعية الإنسانية في نفس المؤمن ومن خلال ترجمة معنى قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (2) إلى واقع فعلي ملموس إذ إن ذلك يساعد على تطبيق معنى الأخوة الإسلامية وجعلها مرتكزاً من مرتكزات التعاون والتآزر والتآخي. وهذا يتطلب بشكل أساسي ترسيخ معاني القرآن الكريم في الإِنسان المسلم انطلاقاً من قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (3) وترسيخ التوجيهات النبوية لمعلم البشرية صلى الله عليه وسلم الذي يؤكد على أهمية تلاحم أبناء الأمة الإسلامية وتكاتفهم فيما بينهم حيث يقول عليه الصلاة والسلام: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى" رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه (4) .(38/62)
ويعد تأكيد النبي على أهمية هذا التلاحم والتكاتف دليلاً على شفقته بأمته ورحمته بهم ورغبته الصادقة في أن يكون ذلك منهجاً يسير عليه أبناء الأمة الإِسلامية وصدق الحق تبارك وتعالى القائل في محكم التنزيل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} .
وقد أكّد النبي صلى الله عليه وسلم على اعتبار إسداء النصح للمسلم من صور الرعاية الاجتماعية بين أبناء المسلمين حيث قال تميم الداري رضي الله عنه أن النبي قال: "الدين النصيحة! " قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ".
ويمثل النمو الاجتماعي المظاهر الأساسية للتنشئة الاجتماعية المناسبة التي تحقق له المزيد من التفاعل والتوافق مع مختلف جوانب الحياة في المجتمع الذي ينتمي إليه.
ومن مظاهر النمو الاجتماعي في هذه المرحلة الزمنية، التوجه الإِيجابي لدى الشباب في العلاقات الاجتماعية مع أفراد أسرهم وأصدقائهم حيث يلاحظ زيادة إعزازهم وتقديرهم لوالديهم ولمن يكبرهم سنا بصورة أكثر من ذي قبل.
وإلى جانب العلاقات الإِيجابية في وسط الأسرة ومجتمع الأصدقاء فإن رعاية المسنين واحترام الكبار والاهتمام بالضعفاء يعد شكلاً من أشكال التوجه الإيجابي للمشاعر الاجتماعية المرغوبة من أفراد المجتمع.
كما أن إدراكهم لأهمية المكانة العلمية والاقتصادية ودورها في تقلد المراكز الاجتماعية المرموقة والتي تتناسب مع طموحاتهم، يضاعف من جهودهم في سبيل التحصيل العلمي الذي يمكنهم من بلوغ المكانة المناسبة التي يتوقون إليها (1) .
ويتأثر النمو الاجتماعي في مختلف مراحل العمر عامة وعند طلاب التعليم العالي خاصة بعدة مؤثرات تصدر عن:
1/4/6 المسجد:(38/63)
إن المتأمل لمسئولية المسجد في الإسلام يلحظ بوضوح أنه ليس مكان عبادة فحسب بل إنه مقر تربية وتعليم وتهذيب وحث على التآزر بين أفراد المجتمع وتأكيد على سمة التكافل الاجتماعي بين المسلمين.
ومما يدل على أهمية المسجد في الإسلام أنه قد كان من الأساسيات التي حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على وضعها لبناء الدولة الإسلامية بعد هجرته إلى المدينة النبوية.
ويقوم المسجد بدور فاعل وأساس في نشر التعليم وإيجابياته الفاعلة في هذا الجانب ووضح ذلك في صدر الإسلام على وجه التحديد، حيث قام المسجد – آنذاك - بوظائف جليلة أسهمت بصورة جلية في ميدان الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وفي نشر الإسلام وتبليغ تعاليمه وأحكامه لبنى البشر. "فقد كان منطلقاً للجيوش وحركات التحرير، تحرير الأمم والشعوب من العبودية للبشر والأوثان والطواغيت ليتشرفوا بعبوديتهم لله وحده ".
فالمسجد في الإسلام أريد له من عهد رسول الله أن يقوم بهذه المسئوليات فحلقات القرآن الكريم في المسجد تهدف إلى تشجيع المسلمين على حفظ كتاب الله تعالى وتجويد تلاوته وتدبر معانيه واستقاء الدروس الإيمانية والتربوية منه.
وحلقات الوعظ والإرشاد التي تعقد بالمسجد فيها تثبيت لإيمان المسلم وترسيخ لعقيدة الإسلام وتشجيع على مواصلة إخلاص الطاعة لله تعالى وتعليم المسلم أمور دينه وحفز له على التحلي بالأخلاق الإسلامية أخلاق القرآن الكريم، وتأكيد على أهمية الالتزام بأصول العلاقات الاجتماعية في الإسلام لاسيما في وسط أسرته حيث يؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم" (1) .(38/64)
ويتبين من هذا الحديث الشريف أن الاستدلال على خلق المسلم ليس في معاملة الآخرين فقط إذ قد يعتمد في هذه المعاملة على أسلوب المجاملة الاجتماعية ولكن المسلم إذا كان في تعامله مع أهله على درجة عالية من الأخلاق الإسلامية الفاضلة فإنه حتماً يكون على ذلك مع الآخرين.
كما تتضح أصول العلاقات الاجتماعية الإسلامية عند الطلاب مع زملاء الدراسة وقرناء السن ورفاق الحي.
ومما تقدم تتبين فاعلية المسجد في مجال التنشئة الاجتماعية وأثره الواضح في تنمية الشخصية من جوانبها المتعددة وهذا يقودنا إلى التأكيد على الاهتمام بالمسجد بحيث يشتمل على مكتبة تضم أمهات الكتب في علوم القرآن والعقيدة والسنة والشريعة والتربية كيما تتكامل وظائف المسجد الذي يعوله عليه في تهذيب الإنسان المسلم.
ويتضح في هذا المقام المسئولية المنوطة بالمسجد تجاه إعداد الإنسان المسلم كيما يقوم بدوره الطبيعي في الحياة الدنيا، خصوصاً فيما يتعلق بتنميته وتهذيبه وفق تعاليم الشريعة الإسلامية الغراء.
لذا، فإن من الأهمية أن يظل خطباء المساجد على صلة دائمة بعلوم الشريعة والتربية الإسلامية كي يتسنى لهم عرض وتناول القضايا التي تهم المسلمين في الحياة الآخرة، والتي تتجدد باستمرار في الحياة المعاصرة.(38/65)
ومن الأمور التي تعد من الأساسيات المتعلقة بشئون المسلم المعاصرِ الجوانب التربوية والاجتماعية، وطرق معالجة قضاياها المتعددة خصوصاً ما يرتبط بتنشئته وبتهذيب شخصيته وإنمائها، وهذا ما يجعل من عقد الدورات التدريبية لأئمة وخطباء المساجد مطلباً ضروريا لما لها من أهمية بالغة تتجلى في زيادة رصيدهم من المعلومات والحقائق المستمرة، والمستنبطة من كتاب الله العزيز وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، واجتهادات السلف الصالح من العلماء المشهود لهم بالنبوغ وبالالتزام بما أنزل الله على عباده من الشرع الحنيف الشامل لكل أمور الدين والدنيا والآخرة، والمتناسبة مع مختلف الأزمنة التاريخية.
ويتأتى تحقيق ذلك - في نظر الباحث - من قبل دار الإفتاء ووزارة الشئون الإِسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، والجامعات المتخصصة في مجال العلوم الإِسلامية والتربوية.
6/ 4/ 2 الأسرة: Family
إن الطفل الذي يعيش حياة تتميز بالتدليل وتلبية الرغبات ومغالاة والديه في المحافظة عليه، ومساعدته في كل أموره - حتى لو كان بمقدوره أن يؤديها دون مساعدة من أحد - سيتأثر نمو الاجتماعي في فترة شبابه نظراً لاعتماده على الاتكالية في التنشئة دون أن يعتمد على نفسه بشكل فعلي وملموس بالإضافة إلى أن ذلك يولد لديه عدم الحرص على ممتلكاته وممتلكات الآخرين.
ويتأثر النمو الاجتماعي - بصورة سلبية - عند الطفل الذي يعتمد والديه في تربيته على أساليب العنف والتوبيخ، وكذا عند من يفتقد إلى العطف والحنان في المعاملة (1) .
كما يؤثر الجو النفسي السائد في الأسرة على نمو الفرد الاجتماعي، إذ إن استقرار الأسرة وهدوء طباعها يزيد من اضطراب النمو الاجتماعي عند الأبناء.(38/66)
ويتضح مما سبق أهمية مشاركة الأسرة في توجيه الأبناء وما يكون من نتاج التوجيه الحسن الذي يجمع بين المودة والتقبل الاجتماعي والحنان والعطف, وبين التوجيه والانتباه لكل ما يتعلق بتربيته وحاجاته التي يطلبها، مع مراعاة توثيق أواصر العلاقة بين فترة طفولته بالفترة القادمة من حياته والتي تؤثر في تشكيل شخصيته، حيث يحتاج هذا الأمر إلى تربية متوازنة دون تدليل أو قسوة. وتتطلب هذه المرحلة من الوالدين أن يدركا خصائصها في جميع أطوارها حتى يمكنهما التعامل مع أبنائهما بنوع من المرونة والتكيف، مع تقدير ظروف تلك المرحلة الحرجة في حياة الأبناء.
6/ 4/ 3 المؤسسات التعليمية: Educational Establishments
تؤدي المؤسسات التعليمية دورا أساسياً في حياة الإنسان وذلك من الناحية التربوية والتعليمية والتثقيفية حيث يقضي الطالب سنوات متتالية من عمره وهو يتلقى فيها أنواعاً متعددة من العلوم والمعارف وصنوف التربية.
وعلى ضوء ذلك تتضاعف مسئولية المعلمين والمرشدين في متابعة الطلاب ليس من الناحية التعليمية فحسب بل من الناحية الصحية والاجتماعية والسلوكية كيما يسهم ذلك في عملية النمو السوي عند الطلاب من منطلق ما للنمو الاجتماعي من أهمية بالغة في صقل وتنمية الشخصية عند الطلاب بعامة وطلاب التعليم العالي بخاصة، مما يؤكد فعاليتها المطلوبة في المجالين الاجتماعي والخلقي من خلال تنمية العلاقات الاجتماعية بين الأساتذة والطلاب وبين الطلاب أنفسهم، حيث ينبغي أن تحيطهم بقدر مناسب من الرعاية والتوجيه، وأن تشرف على مظاهر سلوكهم، وأن تزيد من وشائج العلاقة مع أسرهم، التي يتعين عليها أن توفر لهم داخل البيت المزيد من الهدوء والطمأنينة والمتابعة المستمرة لهم.(38/67)
وتتحمل المؤسسات التعليمية والأسر جانباً أساسياً في إطار مسئولية توجيه الشباب بما يضفي على سلوكهم وتصرفاتهم سمات العقلانية والحنكة وحسن الدراية، ليمكن لهم في ضوء ذلك إدراك المسئوليات المتعددة والملقاة على عواتقهم تجاه أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم.
6/ 4/ 4 وسائل الإعلام:
يؤدي الإعلام دوراً هاما في حياة الإِنسان إذ يعمل على زيادة إيمانه من خلال إنصاته إلى كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإلى سنة وسيرة قدوة الخلق الهادي البشير صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وإلى سيرة السلف الصالح من أهل السنة والجماعة، ويعمل على تهذيب أخلاقه من خلال البرامج والمواد الإعلامية الموجهة في ميدان السلوك الاجتماعي، إضافة إلى تزويده بالمعلومات الإخبارية والعلمية والثقافية معتمداً في سبيل ذلك على وسائله المتنوعة المشتملة على: الإذاعة - التلفاز- الصحف- المجلات وغيرها من الوسائل الإعلامية الأخرى.
هذا هو الجانب الإيجابي للإعلام الذي يتعين الاستفادة منه ومضاعفة رصيده انطلاقاً من فاعلية في نمو الفرد والمجتمع بالصورة المرغوبة.
أما الجانب السلبي الذي يتعين الحذر منه ومواجهته فيتمثل في الأخطار الناجمة عن البث التلفازي العالمي- الذي يعد من أخطر التحديات التي يواجهها المسلمون اليوم- والذي أصبح من السهولة أن يصل إلى كل بيت يرغب فيه صاحبه، فالمجتمعات الإنسانية تختلف في عقائدها وتوجهاتها وأنظمتها، إذ إن الكثير منها لاسيما غير الإسلامية لا تعطي الجانب الديني والخلقي مكانته وفاعليته الأمر الذي يؤكد وبوضوح عدم حصول الناشئة لديهم على الحق الطبيعي من الرعاية والتوجيه.
ولاشك أن هذا يمثل خطراً عظيماً على العقيدة الإسلامية الصحيحة إلى جانب خطورة ذلك على الناشئة سواء في جانب السلوك الاجتماعي أو ما يتصل بالحياة الثقافية عند المجتمعات العالمية المتباينة في الفكر والسلوك.(38/68)
لهذا نجد أنه على علماء الدين ورجال التربية والآباء والأمهات مسئولية عظيمة أمام الخالق تبارك وتعالى ثم أمام الأجيال تتمثل في التوعية والتربية والتوجيه من أجل تنشئة الأفراد تنشئة صالحة يكون من ثمارها تحكم الفرد في استقبال البث بصورة مباشرة قبل أن يكون للتحكم الآلي دوره في هذا الشأن.
وإلى جانب خطورة البث المباشر تكمن خطورة أخرى تتضح في تعدد المطبوعات الإعلامية التي لا تعطى للعامل الديني فاعليته المرغوبة ولا تكترث بالجانب الأخلاقي في حياة الأمم مما يستلزم التنبه لها ومواجهتها بالحلول الكفيلة بدرء أخطارها ومواجهة آثارها السلبية الضارة.
مما تقدم، يتبين حجم المسئولية الذي تضطلع بها وسائل الإعلام في ميدان التربية وتنمية المجتمع مما يجعل من الأهمية الاستفادة من الإمكانات المتاحة بها وتوظيفها في تهذيب أفراد المجتمع ومساعدتهم على النمو الطبيعي المتزن في المجالات المرتبطة بالشخصية الإنسانية السوية.
6/ 4/ 5 الثقافة: Culture
تعد الثقافة من العوامل التي لها تأثير واضح في نمو الإنسان لاسيما الجانب المعرفي الذي يزيد من فاعلية جانب النمو الاجتماعي. وقد سبق التطرق إلى فاعلية هذا العامل وأهميته عند الحديث عن العوامل المؤثرة في النمو بصفة عامة (1) .
الخاتمة
يتناول هذا الموضوع جانباً أساسياً ومهماً في حياة الإنسان بعامة وفي حياة الطالب بمرحلة التعليم العالي بخاصة، وتتضح هذه الأهمية من خلال ما تم استعراضه من الجوانب المتعددة ذات الصلة بموضوع هذه الدراسة وفي النتائج التالية التي تم التوصل إليها:
1- أن مراحل النمو الإِنساني تتأثر بعدة عوامل أساسية وثانوية لها فعاليتها في توجيه النمو مما يستوجب تتبع آثارها ووضعها محل الاهتمام والمتابعة لاسيما البيئة الاجتماعية والجانب الصحي.(38/69)
2- أن أبرز مظاهر النمو عند طلاب التعليم العالي هي مظاهر النمو الاجتماعي الذي يتأثر بعدة عوامل من أهمها المسجد وفعاليته في التنشئة ووسائل الإِعلام وأثرها في هذا الجانب.
3- أن من الأهمية إدراك طلاب التعليم العالي للعوامل المؤثرة في نموهم ومظاهره إذ أن ذلك يساعدهم فيما يتصل بتحقيق التوازن والتوافق في شخصياتهم من ناحية ويساعد القائمين على رعايتهم من آباء ومعلمين ومرشدين من ناحية أخرى.
4- أن مرحلة المراهقة في حياة الإنسان مرحلة دقيقة وبالغة الأهمية مما يحتم على المؤسسات التعليمية توجيه جلّ عنايتها للدارسين بها.
5- أن على الأسرة والمؤسسات التعليمية مسئوليه كبرى تجاه أبنائهم تتمثل في متابعتهم ومساعدتهم على اجتياز العوائق والمشكلات التي قد تواجههم في حياتهم العلمية والعملية.
وعطفاً على ما تم التوصل إليه من نتائج يقدم الباحث التوصيات التالية:
1- حث الشباب على مراعاة الخالق تبارك وتعالى فيما أمر به ونهى عنه والسير على نهج معلم البشرية وقدوتها المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم.
2- التأكيد على مسئولية المسجد وفعاليته في تنشئه الشباب على وجه الخصوص وإبراز هذه المسئولية في زيادة إيمانهم وتهذيب أخلاقهم.
3- الاهتمام بعامل الوراثة وأثرها في النمو ووضع ذلك موضع العناية عند الزواج من حيث التأكد من خلو الزوجين من الأمراض الوراثية وسلامة الصحة الجسمية والنفسية.
4- متابعة الحالة الصحية لطلاب التعليم العالي خصوصاً لناحية الوظيفية للغدد الصماء تحسباً لآثارها السلبية عند حدوث اضطرابات في وظائفها.
5- التوعية بنوعية الغذاء الذي تحتاجه أنسجة الجسم ويساعد على النمو المتزن مع مراحل العمر عند الإنسان.
6- التأكيد على الأسر بأهمية استقرار السلوك الاجتماعي والعلاقات المتبادلة بين أفراد الأسرة لفاعلية ذلك في تحقيق الاتزان الانفعالي عند الإنسان.(38/70)
7- توجيه الأبناء باختيار الرفقة الصالحة من أجل الارتقاء بسلوكياتهم والمحافظة عليهم من رفاق السوء الذين يشكلون عاملاً أساسياً في الانحراف السلوكي المضر بالإنسان ومجتمعه.
8- توجيه الشباب باستغلال أوقات الفراغ لديهم الاستغلال الأمثل من حلال ممارسة النشاط الثقافي والاجتماعي والرياضي الذي يعود عليهم وعلى المجتمع بالنفع والفائدة.
9- تشجيع الشباب على تحقيق الاستفادة المثلى من قدراتهم العقلية وذلك بالتعقل وضبط السلوك الانفعالي، والاستزادة من هذه القدرات في توظيف التقنية لخدمة العلم في فروعه المتعددة.
10- مراقبة السلوك الانفعالي عند الطفل كيما يتجنب الانفعالات الحادة التي تلغى فاعلية الاتزان الانفعالي المرغوب.
11- إبراز قيمة الصبر وأثره في حياة الشباب لمواجهه مشكلات الحياة بإيمان وجلد وبما يساعد على الحفاظ على مستوى الثبات الانفعالي لديهم.
12- إنشاء وحدات للإرشاد النفسي في الإدارات التي تعنى بخدمة الطلاب وتوجيههم لمتابعة الحالة الانفعالية والسيطرة عليها عند المستوى المطلوب.
13- توجيه المختصين المؤهلين شرعياً وتربوياً للعمل في وحدات الخدمات الطلابية والإشراف التربوي والاجتماعي، لما للمعلم الشرعي والتأهيل التربوي من أثر فاعل في هذا الميدان.
14- تشجيع الطلاب القدامى للتعاون مع الطلاب المستجدين في مجال التوجيه والإرشاد التعليمي إدراكا بأهمية الخبرة الاجتماعية في هذا الصدد.
15- التأكيد على الأخوة والتعاضد والتراحم بين الشباب وأسرهم ووطنهم وترجمة هذه المعاني ترجمة عملية في ميدان السلوك الاجتماعي.
16- تنمية العلاقات الإنسانية بين المعلمين والطلاب ليس في المجال التعليمي فحسب بل في مجال الإشراف التربوي والتوجيه الاجتماعي من منطلق أهمية هذه العلاقات في تحقيق النمو السوي المتكامل في شخصية الطالب.(38/71)
17- تحصين الطلاب بصفة خاصة من أخطار البث العالمي في مجال العقيدة والسلوك والثقافة ويكون ذلك بتكثيف المحاضرات والدروس الإيمانية والعلمية والتربوية بهدف مواجهة مختلف التحديات التي تواجه أمة الإِسلام.
18- ونظراً لأهمية التعرف على النمو الإنساني في جوانبه المتعددة ومراحله المتعاقبة والعوامل المؤثرة فيه والمشكلات المصاحبة له، وبضرورة إدراك التوجيه الإِسلامي للنمو الإِنساني وتربيته تربية متوازنة متكاملة يوصي الباحث بتقرير مادة دراسية تحت عنوان "النمو الإنساني "ضمن المتطلبات العامة لطلاب التعليم العالي وبحيث تشمل مفرداتها طبيعة النمو الإِنساني والموضوعات ذات الصلة المشار إليها آنفاً.
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (1) .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين،،.
---
(2) وزارة التعليم العالي. سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية. الرياض 1398 هـ 1987م، ص15.
(3) مجلس الجامعة الإسلامية. منهج الدراسة في كلية الدعوة وأصول الدين. المدينة المنورة 1411هـ، ص40.
(4) أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري. لسان العرب (15 المجلد) المجلد الخامس عشر. بيروت. دار صادر المدينة المنورة. مكتبة العلوم والحكم ص 341.(38/72)
(1) نديم وأسامة مرعشلي. الصحاح في اللغة والعلوم. معجم وسيط. تحديد صحاح العلامة الجوهري والمصطلحات العلمية والفنية للجامع والجامعات العربية بيروت. دار الحضارة العربية 1975 م ص 1209.
(2) د. حامد عبد السلام زهران علم نفس النمو "الطفولة والمراهقة " الطبعة الثالثة. القاهرة. عالم الكتب 1975 م. ص11.
(3) سورة الحج الآية رقم (5) .
(4) فتح الباري 6/303 كتاب بدء الخلق. باب ذكر الملائكة. الحديث رقم (3208) ، وكتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم وذريته. الحديث رقم (3332) ص363، و11/477 كتاب القدر. الحديث رقم (6594) ، و13/440 كتاب التوحيد. باب قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} . الحديث رقم (7454) . صحيح مسلم 4/ 2036 كتاب القدر. باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته. الحديث رقم (2643) واللفظ له.
(5) د. حامد عبد السلام زهران. مرجع سابق ص 12: 13.
(6) د. عباس محجوب أصول الفكر التربوي في الإسلام. عجمان. مؤسسة علوم القرآن. دمشق. بيروت. دار ابن كثير 1408 هـ - 1987م ص221- 227- 228- 234.
(7) د. يوسف مصطفى القاضي. د. مقداد يالجن. علم النفس التربوي في الإسلام. الرياض. دار المريخ 1401هـ - 1981م. ص90-96-99- 110- 115 - 133- 135.
(8) د. حامد عبد السلام زهران. مرجع سابق ص 58.
(9) المرجع السابق ص 59.
(10) د. عبد الحميد محمد الهاشمي. علم النفس التكويني (أسسه وتطبيقه من الولادة إلى الشيخوخة) جده. دار المجمع العلمي 1400 -1980م ص 77.
(11) د. محمد جميل محمد يوسف منصور، د. فاروق سيد عبد السلام. النمو من الطفولة إلى المراهقة. جدة. تهامة. الطبعة الرابعة 1410هـ- 1989 م ص151.
(12) د. مصطفى فهمي علم النفس. أصوله وتطبيقاته التربوية. الطبعة الثالثة. القاهرة. مكتبة الخانجي 1396هـ-1976م ص 237.(38/73)
(1) البلوغ: “ Puberty “ نضوج الغدد الجنسية واكتساب معالم جنسية جديدة تنتقل بالطفل من فترة الطفولة إلى فترة الإنسان الراشد. د. مصطفى فهمي المرجع السابق ص 302.
(2) د. فؤاد البهي السيد. الأسس النفسية للنمو من الطفولة إلى الشيخوخة. الطبعة الرابعة المعدلة. القاهرة دار الفكر العربي 1975م. ص 254.
(3) سورة غافر الآية رقم (67) .
(4) سورة مريم الآية رقم (29) .
(5) سورة الحج الآية رقم (5) .
(6) سورة غافر آية رقم (67) .
(7) في اللغة: الشيخ: هو الذي استبانت فيه السن وظهر عليه الشيب وقيل: هو شيخ من خمسين إلى آخره. وقيل: هو من إحدى وخمسين إلى آخر عمره وقيل هو من الخمسين إلى الثمانين. ابن منظور. مرجع سابق3/31.
(8) سورة غافر الآية رقم (67) .
(9) سورة الحج الآية رقم (5) .
(10) د. فاخر عقل. معجم علم النفس. الطبعة الرابعة. بيروت. لبنان. دار العلم للملايين نوفمبر 1985م. ص52.
(11) د. عبد المنعم الحفني. موسوعة علم النفس والتحليل النفسي (جزئين) القاهرة. مكتبة مدبولي. الجزء الأول 1975م. ص 353.
(12) د. عبد المنعم الحفني. المرجع السابق ص 353.
(13) فتح الباري 9/442 كتاب الطلاق 68 باب إذا عرض بنفي الولد 26 الحديث رقم (5307) و12/ 175 كتاب الحدود 86 باب ما جاء في التعريض 41 الحديث رقم (6847) و13/ 296 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة 96 باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكمها ليفهم السائل 12 الحديث رقم (7314) اللفظ للبخاري. وسنن النسائي كتاب الطلاق الجزء الخامس ص 178 بمعناه.
(14) ابن ماجه 1/633 كتاب النكاح 9 باب الأكفاء 46 الحديث رقم (1968) وصححه الشيخ محمد الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته"الطبعة الثانية بيروت. دمشق. المكتب الإسلامي. 1406هـ- 1986م المجلد الأول الحديث رقم (2928) ص564.(38/74)
(1) د. أمين صالح كشميري. المدخل إلى الغدد الصماء في الإِنسان "التركيب والوظيفة بين الصحة والمرض"مكة المكرمة 1404 هـ. ص 23.
(2) المرجع السابق ص 25.
(3) المرجع السابق ص 25.
(4) المرجع السابق ص 25.
(5) سورة الزمر الآية رقم (6) .
(6) الإمام الحافظ ابن كثير. تفسير القرآن العظيم (4 أجزاء) بيروت. دار المعرفة 1407 هـ - 1987 م. الجزء الرابع ص50.
(7) د. أمير صالح كشميري. مرجع سابق ص 5 2.
(8) د. حامد عبد السلام زهران. مرجع سابق ص 39، 40.
(9) د. عبد المنعم الحفني مرجع سابق. الجزء الثاني ص 123.
(10) د. أمين صالح كشميري مرجع سابق ص40: 43
(11) د. محمد جميل منصور، د. فاروق سيد عبد السلام. مرجع سابق ص ا 13.
(12) د. عبد المنعم الحفني. مرجع سابق. الجزء الثاني ص 410.
(13) د. محمد جميل محمد يوسف منصور، د. فاروق سيد عبد السلام. مرجع سابق ص 133: 135.
(14) المرجع السابق ص 133: 135.
(15) د. أمين صالح كشميري. مرجع سابق ص97.
(16) المرجع السابق ص100.
(17) د. أمين صالح كشميري. المرجع السابق ص 103: 107.
(18) المرجع السابق ص 111.
(19) المرجع السابق ص 112- 113.
(20) المرجع السابق ص 113.
(21) د. محمد جميل محمد يوسف منصور، د. فاروق سيد عبد السلام. مرجع سابق ص 136- 137.
(22) د محمد جميل محمد يوسف منصور، د. فاروق سيد عبد السلام. المرجع السابق ص 137- 138.
(23) المرجع السابق ص 138.
(24) المرجع السابق ص 138- 139.
(25) د. فؤاد البهي السيد. مرجع سابق. ص 55.
(26) د. فؤاد البهي السيد. المرجع السابق ص57.
المرجع السابق ص57- 58.
(27) المرجع السابق ص56- 57.
(28) سورة الشورى الآيتين رقم 49،50.
(29) د. حامد عبد السلام زهران. مرجع سابق ص42- 43.
(30) المرجع السابق ص 42- 43.
(31) ابن منظور. مرجع سابق. الجزء التاسع ص 19.(38/75)
(1) د هـ محمد عاطف غيث. قاموس علم الاجتماع. الإسكندرية. دار المعرفة الجامعية 1988م. ص 110.
(2) د. فؤاد البهي. مرجع سابق ص 63.
(3) د. حامد عبد السلام زهران. مرجع السابق ص 36.
(4) فتح الباري 9/660 كتاب الذبائح والصيد 33 باب المسك 31 الحديث رقم (5534) ومسلم 4/ 2026 كتاب البر والصلة والآداب 45 باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء 45 الحديث رقم 2628 واللفظ له.
(5) سورة المائدة الآية رقم 2.
(6) فتح الباري 10/ 449- 450 كتاب الأدب 78 باب تعاون المؤمنين بعضهم لبعض 36 الحديث رقم 6026.
(7) د. فؤاد البهي السيد. مرجع سابق ص 65- 66.
(8) المرجع السابق ص 66.
(9) سورة الزمر الآية رقم 42.
(10) الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. مرجع سابق. المجلد الأول. الحديث رقم (55 32) ص 618.
(11) د. فؤاد البهي السيد. مرجع سابق ص 66- 67.
(12) النضج Maturation. Maturity "نمو يتوقف فقط على الشروط البيولوجية التي تميز العرق. والنضج متميز عن التعلم الذي يتطلب رغم توقفه على النضج، تدريباً وتمرينا وملاحظة لأفعال الآخرين ". د. فاخر عقل. مرجع سابق ص 68.
(13) التعلم Learning "تغير دائم في السلوك ينتج الفاعلية أو التدريب الخاص أو الملاحظة". المرجع السابق ص 65.
(14) د. مصطفى فهمي. مرجع سابق ص 236.
(15) د. فؤاد البهي السيد. مرجع السابق ص 67.
(16) د. فؤاد البهي السيد. المرجع السابق ص 67.
(17) د. عبد الحميد محمد الهاشمي. مرجع سابق ص 238.
(18) د. نادية الشريف، د. محمد عودة محمد. مشكلات الطالب الجامعي وحاجاته الإرشادية "دراسة ميدانية في جامعة الكويت ". الكويت 1986م. ص 32- 33.
(19) د. حامد عبد السلام زهران. مرجع سابق ص 340.
(20) المرجع السابق ص 341.
(21) مسلم 1/74 كتاب الإيمان 1 باب بيان أن الدين النصيحة 23 الحديث رقم (55) .(38/76)
(1) خاصية مميزة Attribute الخاصية المميزة أو الأساسية لشخص أو إحساس أو شيء. د. جابر عبد الحميد جابر، د. علاء الدين كفاني. معجم علم النفس والطب النفسي. الجزء الأول. القاهرة. دار النهضة العربية 1988م. ص297.
(2) د. نادية محمود الشريف، د. محمد عوده محمد. مرجع سابق ص 33.
(3) د. نادية محمود الشريف، د. محمد عوده محمد. المرجع السابق ص 33- 34.
د. حامد عبد السلام زهران. مرجع سابق ص 343.
(4) رائز، اختبار Test "امتحان مخصص للكشف عن الموقع النسبي للفرد بين أفراد الجماعة وذلك فيما يخص الذكاء والشخصية والقدرات والإنجاز المدرسي وسواها. د. فاخر عقل. معجم علم النفس. مرجع سابق ص 114.
(5) د. فاخر عقل. علم النفس التربوي. الطبعة السادسة. بيروت. دار العلم للملايين 1980م. ص124.
(6) د. فؤاد البهي السيد. مرجع سابق. ص 268.
(7) سورة الأنعام. الآية رقم 151.
(8) سورة الأعراف. الآية رقم 179.
(9) د. نادية محمود الشريف، د. محمد عوده محمد. مرجع سابق. ص 34.
(10) الانفعال، الهيجان Emotion حالة تشير إلى الخبرات والأفعال التي تظهر في حوادث مثل الخوف والغصب وسواهما من الانفعالات. د. فاخر عقل. معجم علم النفس. مرجع سابق. ص 30.
(11) د. كمال دسوقي. النمو التربوي للطفل والمراهق. بيروت. دار النهضة العربية للطباعة والنشر 1979م ص151.
(12) د. كمال دسوقي. المرجع السابق ص 152.
(13) د. مصطفى فهمي. مرجع سابق ص121 - 120.
(14) النضج الانفعالي Emotional Maturity بلوغ مستوى الراشدين في التطور الانفعالي، وترك الأنماط الانفعالية المناسبة للأطفال. د. عبد المنعم الحفني مرجع سابق. الجزء الأول. ص 264.
(15) د. حامد عبد السلام زهران. مرجع سابق 346.
(16) د. حامد عبد السلام زهران المرجع السابق. ص 346 - 347.
(17) سورة آل عمران الآية 134.(38/77)
(1) الإمام الحافظ ابن كثير. مرجع سابق. الجزء الأول. ص413.
(2) سورة النحل الآية رقم 127.
(3) الإمام الحافظ ابن كثير. مرجع سابق. الجزء الثاني. ص 614.
(4) سورة فصلت. الآيتين رقم 34- 35.
(5) الإمام الحافظ ابن كثير، مرجع سابق. الجزء الرابع. ص 9 0 1.
(6) سورة البقرة الآية رقم 5 4.
الإمام الحافظ ابن كثير، مرجع سابق. الجزء الرابع. ص90.
(7) سورة البقرة. الآيات 155-157.
(8) وصب: الوصب الوجع اللازم، ومنه قوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} أي لازم ثابت.
(9) النصب: التعب.
(10) مسلم 4/1992: 1993 كتاب البر والصلة والآداب 45 باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها 4 الحديث رقم (2573) .
(11) المراهقة: Ado Lescence: فترة التحول من الطفولة بما تتميز له من اعتمادية وعدم نصج إلى درجة نضج أكبر وإلى الاستقلالية في الرشد. وتبدأ مرحلة المراهقة بالبلوغ الجنسي وبالنسبة للبنين تَتراوح هذه الفترة بين العام الثالث عشر والعام الثاني والعشرين تقريباً، أما بالنسبة للبنات فهي تتراوح بين العام الثاني عشر والعام الواحد والعشرين تقريباً.
وفي خلال هذه الفترة تحدث تغيرات كبيرة وأحياناً ما تكون مسببة للاضطراب بدرجات متفاوتة في الخصائص الجنسية وصورة الجسم والاهتمام الجنسي والأدوار الاجتماعية والنمو العقلي ومفهوم الذات.
د. جابر عبد الحميد جابر، د. علاء الدين كفاني. مرجع سابق ص 72.
(12) الراشد Adult: الفرد الذي أنهى مرحلة المراهقة أو مرحلة الانتقال من الطفولة إلى مرحلة الرشد. والرشد يعني النضج في جميع جوانب الشخصية: النضج الجسمي والنضج العقلي والانفعالي والاجتماعي وعلاماته الأساسية قدرة الفرد على الاستقلال عن الكبار وتصريف أموره بنفسه، والتفاعل مع الآخرين تفاعل الند بالند أي تفاعلاً يقوم على الأخذ والعطاء.(38/78)
د. جابر عبد الحميد جابر، د. علاء الدين كفاني. المرجع السابق. ص 78.
(1) د. حامد عبد السلام زهران. مرجع سابق. ص 347- 348.
(2) سورة الحجرات الآية رقم 10.
(3) سورة المائدة الآية رقم 2.
(4) فتح الباري 10/438 كتاب الآداب 78 باب رحمة الناس والبهائم. الحديث رقم (6011) واللفظ له. ومسلم 4/1999- 2000 كتاب البر والصلة والآداب 45 باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم 17 الحديث رقم (2586) بمعناه.
(5) المرجع السابق ص 254.
(6) د. عبد الرحمن النحلاوي. أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع. الطبعة الثانية. دمشق. دار الفكر. 1403 هـ- 1983 م. تصوير (1987) ص 132.
(7) رواه أبو هريرة رضي الله عنه (سنن الترمذي- صحيح ابن حبان) الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. مرجع سابق المجلد الأول الحديث رقم (232) ص 227-226.
(8) د. فؤاد البهي السيد. مرجع سابق. ص 316- 317.
(9) د. فؤاد البهي السيد. المرجع السابق. ص 318- 319.
(10) انظر ص 24-28.
(11) سورة البقرة الآية 286.(38/79)
التاريخ عند ابن أبي شيبة
إعداد
الدكتور/ سليمان الرحيلي
أستاذ مشارك بقسم التاريخ والحضارة
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ملخص البحث
عني علماء الحديث خلال القرون الثلاثة الأولى بتدوين التاريخ وذكر مروياته، وعلى رأسهم أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (ت 235 هـ) صاحب المصنف، سواء من خلال أبوابه كالمغازي والجهاد والفضائل أم من خلال كتبه الأخرى كالتاريخ والجمل وصفين والفتوح التي وصلتنا مضمومة للمصنف عدا الفتوح فهو مفقود.
ويتناول هذا البحث التعريف – باختصار - بأهمية المصادر الحديثية في دراسة التاريخ ثم التعريف بالمصنف وملامح عصره وذكر مؤلفاته، ثم يفصّل في دراسة التاريخ ومعرفة منهجه وموارده فيه، وفروعه عنده، مثل المعارك والفتوح وتواريخ المدن والأقاليم وتراجم الأعلام وآداب الحرب ومعاملة أهل الذمة, مع مقارنة بالمصادر التاريخية المبكرة ما أمكن، والإشارة إلى بعض ما انفرد به أو حفظه من الروايات التاريخية التي فقدت مصادرها أو انخرمت من الموجود منها.
والله ولي التوفيق.
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم.(38/80)
تمثل كتب المصنفات والصحاح والسنن مصدراً مهماً من مصادر التاريخ الإسلامي المبكر، فهي لا تخلو من ذكر فتح أو غزوة أو سرية أو وصف متوقف أو حادثة أو مكان أو قول خليفة أو قائد أو والٍ ترجمت له، فتزيد من التفصيل المذكور عنه في المصادر التاريخية أو تذكر صوره أخرى له موافقة فتدعمه أو فيها زيادة فتجليه أو مغايرة فتعيد النظر في دراسته والموقف منه، ولذلك فإن عدم الرجوع إليها في الموضوعات التاريخية المشتملة عليها يعد قصوراً منهجيا في عدم استيفاء مادتها، ويبقى نتائج دراستها ناقصة. وإذا كانت كتب الصحاح عنيت أخيراً باهتمام المؤرخين والرجوع إليها، ودراسة منهجها في إيراد الحوادث التاريخية، فإن كثيراً من المصادر الحديثية الأخرى مازالت تحتاج إلى الاهتمام نفسه من قبل المؤرخين المحدَثين، فهي مظان كبيرة لجوانب عديدة من الأحداث التاريخية المختلفة.
إن غياب المصدر الحديثي في الدراسات التاريخية الحديثة يعد قصوراً منهجياً لا مبرر له، وقد آن الأوان لردم ما اتسع من الفجوة وإعادة التلازم والتراحم الذي كان قائماً بين هذين العلمين في صدر الدولة الإسلامية.
وقد ورد أصل الحادثة وذكرها بإجمال عند أصحاب المصنفات وجاء ذكرها بالتفصيل عند المؤرخين وقد يعود ذلك إلى أن الأولين يشترطون علواً ودقة في الإِسناد أكثر من المؤرخين، وهو ما ظل يراعيه أصحاب الصحاح وتساهل فيه المؤرخون.
تم إن طبيعة الاختصاص اقتضت التفصيل عند المؤرخين واقتضت الإيجاز عند الآخرين.
وكان أبو بكر بن أبي شيبة (ت 235 هـ) علماً من أعلام المصنفين في الحديث، وشيخاً لِلإمامين البخاري ومسلم، وأحد رواة الصحيحين الثقاة سواء في المرويات التي أشير لها في البحث أو غيرها. وقد روىَ عنه البخاري في عدة مواضع ولا سيما في كتاب المغازي.(38/81)
ولكن قليلاً من أهل الاختصاص في التاريخ بل كثير من القراء يعرفونه مؤرخاً ومن ثم كانت مؤلفاته التاريخية المبكرة والثقة في مؤلفها وقيمة المنهج الذي اتبعه منها مصدراً مهماً لبعض المصادر التاريخية المشهورة كالبلاذري والطبري والخطيب البغدادي.
وإذا كان بعضهم سبق ابن أبي شيبة بذكر روايات تلك الحوادث أو أنها جاءت في مصادر أخرى فإن سبقه بها الكثيرين أيضاً، والثقة فيه تحتم الإفادة الكبيرة من مروياته فيها.
ولذا فإن عرض كثير من المرويات والأخبار الواردة في المصادر الأخرى على ما أورد ابن أبي شيبة، كل في موضوعه ومقارنتها سيثري الدراسة التاريخية في مجالاتها لا من حيث القيمة المصدرية لمادتها فحسب وإنما من حيث المضمون والنتائج لها.
وعند مقارنة أهميتها التاريخية نجد أن حجم مادة الغزوات عنده يوازي تقريباً ما ورد عنها عند ابن سعد على الرغم من أن هناك غزوات لم يرو فيها ابن أبي شيبة شيئاً.
فإذا أدركنا اختلافه في طرق الإِسناد والمتن في كثير من المواضيع التاريخية عنِ الآخرين ولا سيما المؤرخين فإن ذلك يثرى البحث فيها، ويتيح مجالا واسعاً للمقارنة بينهما.
ورغم شهرته عند المؤرخين الأوائل واعتمادهم عليه فإنه لم يحظ بالاهتمام المرجعي في الدراسات التاريخية الحديثة.
ولهذا جاءت هذه الدر اسه في محاولة للفت أنظار الباحثين المحدثين في التاريخ إلى أهمية مؤلفات ابن أبي شيبة التاريخية وضرورة تأسيهم بأسلافهم الذين أدركوا تلك الأهمية والمنزلة السامية لمؤلفها في الاعتماد عليها في كثير من فروع التاريخ وأبواب التأليف فيه.
ابن أبي شيبة:
هو أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي، ولد بالكوفة سنه 159 هـ (1) ونشأ وتعلم بها، ثم رحل إلى البصرة وبغداد ومكة والمدينة. وكان من بيت علم اشتهر منه أخواه عثمان والقاسم وابنه إبراهيم بن أبي بكر وابن أخيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة.(38/82)
ومن أشهر من تلقى العلم وروى الحديث عنهم شريح بن عبد الله القاضي وعبد لله ابن المبارك ووكيع ابن الجراح وأخوه عثمان ابن أبي شيبة، وآخرون غيرهم أكثر من رواية التاريخ عنهم مثل عبد الله بن إدريس وأبي أسامة.
أما أشهر من تلقى عنه فهم الشيخان الإمام البخاري ومسلم، وأبو داود وابن ماجه، والإِمام أحمد وابنه عبد الله والإِمام إبراهيم الحربي وآخرون كثيرون.
ووصفه الإِمام البخاري بأنه من أقران أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وعلي بن المديني، وقال الذهبي في السن والمولد والحفظ (1) .
وقال يحي بن معين والإمام أحمد: إنه صدوق. ووصفه الذهبي بالحافظ الكبير الحجة، وأن إليه المنتهى في الثقة. نظراً لما عرف عنه من قوة الحفظ حتى كان فيه مضرب المثل.
عصره:
عاش ابن أبي شيبة ما بين منتصف القرن الثاني والثالث أي في العصر العباسي الأول، وأدرك من خلفائه الرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق وبداية عهد المتوكل. وكان المتوكل يقربه ضمن من قرب من علماء الدولة، وفي سنه 234 هـ ندبه في الرد على المعتزلة في قولهم بخلق القرآن، فجلس ابن أبي شيبة يفند آراءهم في مسجد الرصافة ببغداد فاجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفاً. ويدل ذلك على غزارة علمه ومكانته بين الناس حتى يحضر دروسه مثل هذا العدد.
وتوفي رحمه الله ببغداد سنة 235 هـ.
كما عاش ابن أبي شيبة في هذا العصر، وهو عصر نضج التدوين والتأليف في مختلف العلوم الإسلامية، عاش فيه الأئمة الأربعة والإمام البخاري ومسلم وعبد الله بن المبارك.. وغيرهم كثير. وهو أيضاً عصر التأليف التاريخي وآخر مراحل اتصاله بعلم الحديث بعد أن كانا صنوي نشأة ومنهج وقتاً طويلاً.(38/83)
ولهذا عاصر ابن أبي شيبة عدداً من المؤرخين الذين كانوا أعلاماً وقتذاك ولكنهم اشتهروا في التاريخ أكثر من غيره إلى جانب تبريز بعضهم في علوم أخرى مثل ابن إسحاق وابن هشام وابن سعد وخليفة بن خياط وعمر بن شبة ومصعب الزبيري.
وإذا كان عصره لا يزال يمثل اتصال التاريخ بعلم الحديث ولما كان ابن أبي شيبة من علماء الحديث، فإن كتابته للتاريخ كانت متأثرة بذلك منهجاًَ وغاية، فقد ضمن عدد من معاصريه من المحدثين كتبهم أبواباً في التاريخ حيث كانت المغازي باباً ثابتاً في مؤلفاتهم فجاءت مثلاً عند الصنعاني في مصنفه والبخاري ومسلم في صحيحيهما في الوقت الذي كثر فيه التأليف التاريخي المستقل، وظهر فيه الخروج على قواعد منهج المحدثين فيما يتعلق بالدقة والتحري، وبقي فيه بعض ضوابطه كالسند وهو منحى مهم يزيد في قيمة الكتابة التاريخية عندما تكون في هذا الوقت من مثل هذا العلم، وحسب التاريخ أن يكتب فيه مثله.
إن الإغراض في التأليف التاريخي والتساهل في السند كان حافزاً مهماً للمحدثين، ولبعض المؤرخين، لكتابة التاريخ على منهج تدوين الحديث والإبقاء عليه، مثلما فعل الطبري في تاريخه فيما بعد.
وعلى الرغم من استقرار منهج المحدثين رواية ودراية في علمهم وقتذاك، إلا أنه في تدوين التاريخ لم يكن بنفس القوة والتطبيق، فقد شاح عنه المؤرخون منذ ذلك الوقت وتحففوا منه ثم تركوه في العصور التالية.
ولكن بقي بعض المحدثين خلال القرن الثالث يعقلون به تدوين التاريخ وعلى رأسهم ابن أبي شيبة.
مؤلفاته:
ألف ابن أبي شيبة عدداً من الكتب, هي كتاب السنن في الفقه، وكتاب التفسير، وكتاب المسند في الحديث.
ولم يذكر المتقدمون مثل النديم صاحب الفهرست والخطيب البغدادي أن له كتاباً اسمه المصنف في الحديث بينما ذكره المؤرخون كابن كثير (1) وحاجي خليفة وإسماعيل البغدادي.(38/84)
حتى أن النديم لم يذكر كتاباً لأي مؤلف بهذا الاسم، وأكثر من ذكر أسماء الكتب المتفقة مع مؤلفاته هذه في الاسم بما فيها المسند سواء لعلماء سبقوه أو عاصروه، ومناقشة ذلك خارج هذا الموضوع.
أما مؤلفاته التاريخية، فيذكر النديم إنها كتاب التاريخ، وكتاب الفتن، وكتاب صفين، وكتاب الجمل، وكتاب الفتوح. ولم يذكر الخطيب البغدادي شيئاً منها.
وكانت موضوعاته من أغراض التأليف المهمة في التاريخ، وقد ألف فيها الكثير مثل أبي مخنف (ت 157هـ) والواقدي (ت 207 هـ) ونصر بن مزاحم المنقري (ت 212 هـ) وعلي بن محمد المدائني (ت 225 هـ) وعمر بن شبة (ت 262 هـ) .
أما من المحدثين فقد ضمن كل من الصنعاني والبخاري ومسلم مؤلفاتهم أبواباً في التاريخ كالمغازي والسيرة النبوية ولكنها تقل عدداً عما ورد عند ابن أبي شيبه.
وقد اشتمل كتابه المصنف في الحديث على كتبه التاريخية السابقة أو هكذا وصلتنا والسؤال هل كان كل واحد منها كتاباً مستقلاً، ثم ضمت إلى المصنف وأصبح الرجوع إليها يتم من خلاله.
ولما كان عددها يبلغ خمسة كتب بعضها في حجم مجلد صغير وآخر متوسط فإنه يصعب قبول أن تكون أبواباً في المصنف لاسيما وأن النص واضح من قبل أن ابن أبي شيبة نفسه على تسميتها بالكتب وأن بعضها يتألف من عدة أبواب.
وإذا كان كتابا الفتن والمغازي هي ما تشتمل عليه كتب الحديث في الغالب على غرار مصنف الصنعاني والصحيحين مثلا، فإن كتب صفين والجمل والتاريخ والفتوح هي مما لم يألفه التأليف الحديثي ومن ثم عدم اشتماله على هذه المؤلفات كتباً أو أبواباً.(38/85)
كذلك جاء في ترتيب كتاب التاريخ عند ابن أبي شيبة قبل كتاب المغازي، وهذا خلاف التسلسل الزمني والسياق الموضوعي للأحداث ولا أخال إلا أنه مقتحم بين كتاب الجهاد وكتاب المغازي. واتصال الكتابين يتطلب تتابعهما بدون فصل على غرار ورودهما كذلك عند الصنعاني في مصنفه، ولكن قد يكون ذلك ومن خطأ أحد النساخ، لكنه يدعم أن كتاب التاريخ كان مستقلاً عن المصنف ثم وضع إليه في أحد العصور.
كما أن إشارة النديم بأن له كتاباً اسمه الفتوح, وهو ما تؤكده دلالة كثرة التأليف فيه خلال القرن الثالث ولم يصلنا باباً أو كتاباً مضموماً إلى المصنف مما يدعم أن كتبه التاريخية كانت مستقلة على الأرجح.
ويظهر أن كتاب الفتوح ليس الكتاب التاريخي الوحيد المفقود للمؤلف وإنما له مرويات من كتب أخرى مفقودة، فقد أورد البلاذري روايتين منقولة عن ابن أبي شيبة تتعلقان بوفاة فاطمة وسعد بن أبي وقاص- رضي الله عنهما- وسياقهما ما بين كتابين الفضائل والتاريخ له، إلا أنهما غير موجودتين في نسخة المصنف الحالية مما يشير إلى أن بعض رواياته التاريخية ضائعة.
ثم إن النديم عندما يذكر غير كتابي السنن والمسند لأحد المؤلفين اللذين شاع التأليف باسميهما كثيراً خلال القرن الثالث فمعنى ذلك أن بقية كتبه التي يذكرها ليست من أبواب أحدهما وإنما هي كتب مستقلة. فقد أورد لعبد الله بن المبارك كتاب السنن وكتاب التفسير وكتاب التاريخ.
وذكر لإِسحاق بن راهويه (ت 238 هـ) كتاب السنن وكتاب المسند وكتاب التفسير.
وذكر للإمام البخاري كتاب الصحيح وكتاب التاريخ الصغير والكبير.. الخ. ولعلي المديني (ت 258 هـ) كتاب المسند وكتاب الضعفاء.
وهذا ما يرجح عند الباحث أنها كتب أخرى له صمت لكتابه الكَبير المصنف في عصر من العصور حتى غدت كأنها أبواب منه، وسواء كانت كذلك أم مؤلفات مستقلة عنه فإنه ولله الحمد وصلتنا محتوياتها.
منهجه في كتابة التاريخ:(38/86)
فرَّق ابن أبي شيبة - رحمه الله - في كتابة التاريخ بين التاريخ بمعنى الأخبار والحوادث والأحوال، وبين التاريخ بمعنى التوقيت والتقويم, وأورد في كل منهما ما يناسبه، وقدم الأول وابتدأه بالحديث عن معركة اليمامة ثم ذكر بعده كثيراً من أخبار المعارك الإسلامية التالية مثل القادسية وتستر واليرموك.
وقد فَصَل ابن أبي شيبة بين أحداث المغازي، وبين أحداث التاريخ وعقد الحديث في الأولى عن الغزوات الإسلامية في عهد الرسول عليه السلام, بينما أورد أحداث المعارك في العهود التالية في كتاب التاريخ.
وقد يعود ذلك إلى أن مفهوم الفصل بين التاريخ والمغازي ظل قائماً حتى عصره.
ثم إنه لما كان مُحدثاً واتَّبع منهج أهل الحديث في كتابة التاريخ، فإن ترتيب موضوعات مصنفه اقتضى أن يقسم التاريخ إلى غزوات وأحداث عامة، وأن يجعل الغزوات تلي باب الجهاد مباشرة ثم يذكر بعدها حوادث تاريخ المسلمين ذات العلاقة كالمعارك والفتوح.
كما أن هناك تشابهاً كبيراً في باب المغازي بين ابن أبي شيبة والإمام الصنعاني (ت 211 هـ) من أصحاب المصنفات، فهما يتحدثان فيه عن سيرة الرسول المبكرة مثل زواجه ونزول الوحي عليه، ثم يتحدثون فيه عن أوائل من أسلم من الصحابة، وقد توسع في ذلك ابن أبي شيبة أكثر من الصنعاني.
وتبع هذا توسعه في المادة العلمية عن كل غزوة، بينما كان الإمام البخاري أكثر تحديداً وقصراً له على المغازي من الاثنين.
وقد راعى ابن أبي شيبة التسلسل الموضوعي في ذكر الأحداث وأوضح أمثلته ما أورده منها في كتاب التاريخ، فقد شمل معركة اليمامة، وقدوم خالد بن الوليد الحيرة، ومعركة القادسية وجلولاء، ثم تحدث عن فتح بعض أقاليم فارس مثل الجبل ومعركة تستر، ثم أتبع ذلك بذكر مرويات معركة اليرموك وتوجه عمر- رضي الله عنه- إلى بيت المقدس.(38/87)
أما ما ورد عنده بشأن تأخير بيعة العقبة في كتاب المغازي بعد أخبار خلافة علي بن أبي طالب. فهو غير مألوف في منهجه زمنياً أو موضوعياً، ويظهر أنه من أخطاء أحد النساخ، وله نظائر عند الصنعاني، فقد جاءت غزوة الحديبية مقدمة في ذكر أخبارها مقدمة على غيرها من الغزوات بما فيها بدر. للسبب نفسه فيما يبدو.
والملاحظ أن ابن أبي شيبة قصر تاريخه على ذكر أخبار المعارك والفتوح الإسلامية وما يتعلق بها ولم يعن بذكر أخبار الحكام والبلدان والحواضر التي تمثل طوراً مهماً من أطوار مفهوم التاريخ عند المسلمين ومراحل كتابته المبكرة.
أما كتبه التاريخية الأخرى مثل الجمل وصفين، فهي موضوعية تدور رواياتها حول موضوع كل كتاب، ويظهر أن المصنف لم يراع ترتيباً معيناً لها سوى سياق الموضوع وتسلسل أحداثه في بعض الأحيان, أما كتابه الفتوح، فهو مفقود ولم نظفر بوصف له.
ومن مظاهر الثقة في منهج ابن أبي شيبة في تدوين مروياته ومنها ما يخص الحوادث التاريخية في كتبه وأبوابها عنده، إن كثيراً من رواياته جاءت بنصها أو بمعناها في الصحيحين بعد ذلك، وهذا يدل على مدى الثقة والتحري الذي راعاه المصنف حتى أخذ الشيخان ببعض ما ذكره على الرغم من دقة تحريهما وشروطهما الدقيقة في صحة ما يثبتانه في الصحيحين.
كما أن ابن أبي شيبة يذكر روايات مباشرة عن الأحداث التاريخية، ولذا ورد كثيراً منها بلفظ (شهدت) و (رأيت) . ومرويات شهود العيان بعد نقدها من أهم مقومات الدراسة التاريخية.
وكثيراً ما يذكر أن ما قام به هو من حفظه ومن ثم دَوَّنهُ في مصنفه حوله إحدى الغزوات وينص على ذلك بقوله (ما حفظت) في غزوة كذا (1) .(38/88)
ولكن من الملاحظ كثرة الروايات القصيرة في الأحداث التاريخية عند ابن أبي شيبة مقارنة بابن إسحاق قبله ومعاصره ابن سعد. وقد يعود هذا إلى اعتماده على الحفظ الذي أشار إليه كثيراً وهو مما لا يساعد في العادة إلى إيراد المطولات من الأحاديث والأخبار وتحتاج إلى الرجوع إلى المدون فيها, وعلى الرغم من ذلك لم تخل مدوناته التاريخية منها.
وقد اتبع ابن أبي شيبة أسلوب تكرار الرواية في الحدث التاريخي الواحد أحياناً وفقاً لتعدد طرقه أو مصادره، فهو المنهج الذي سار عليه بعض المؤرخين، كابن إسحاق والطبري.
وهو أسلوب يتيح للقارئ المقارنة والنقد إلا أن أبي شيبة لم يكثر منه، وربما يعود ذلك أنه استبعد منذ البداية بعض الروايات التي لم تثبت عنده.
ودرج على ذكر الروايات المختلفة حول الموضوع الواحد وأمثلته كثيرة منها ذكره لاختلاف الروايات حول مدة بقاء الرسول عليه السلام في مكة والمدينة (1) .
كما يأتي أحياناً بالروايات المتعارضة في الموضوع الواحد بين الإجازة والتحريم مثل روايات الاستعانة بالمشركين من عدمها.
ومن ملامح منهجه أنه يأتي بالرواية الواحدة في أكثر من موضع حسب مناسبته له فقد جاء بأحاديث في كتاب الأمراء، وجاء بها في كتاب الفتن، إلا أنه لم يكثر من ذلك على غرار ما وضح عند الإِمام مسلم عندما جاء بأحاديث غزوة تبوك في عشرة مواضع في صحيحه تبعاً لمناسبتها لها (2) .
كما يبدو أنه تأثر بطريقة عروة بن الزبير في الجمع بين أسانيد عدة روايات في سبيل تأليف حادثة متكاملة وهو المنهج الذي اتبعه أيضاً ابن شهاب الزهري وابن إسحاق في بعض الحوادث. ويظهر ذلك واضحاً في المقارنة بين مروياته وبعض مرويات عمر به شبة في مقتل عثمان - رضي الله عنه-.
أما الاقتصار على ذكر سند الرواية والتنويه بمشابهة سابقتها في المتن فكثير عنده.(38/89)
وقد اتسم أسلوبه بالرصانة ونصاعة العبارة في سرد الحوادث التاريخية، فهو أحد العلماء بخلاف أصحاب المرويات التاريخية من الإخباريين وغيرهم.
وأخيراً فإن تأليف ابن أبي شيبة في هذه الموضوعات كالجمل، قد يكون أحد أساليب النقد والرد على مؤلفات آخرين سبقوه، وبالذات المؤرخين الشيعة الذين غالوا وشوهوا حقائق تلك الأحداث من أمثال أبي مخنف صاحب كتب الجمل وصفين ومقتل الحسين. ونصر بن مزاحم صاحب كتاب صفين.
إلا أن روايات الجميع في التاريخ ينبغي أن تخضع لمنهج الجرح والتعديل سنداً ومتناً لتحديد ما يثبت منها وما يمكن التساهل في قبوله ورد ما عدا ذلك.
موارده:
لم يذكر ابن أبي شيبة في بداية مصنفه أسماء مصادره التي اعتمد عليه، لاسيما أنه لم يضمن مصنفه مقدمة يمكن أن يشير فيها إلى ذلك وابتدأ مباشرة بأحد الموضوعات الفقهية أو هكذا وصلنا مصنفه. ولكن من خلال تتبع رواياته التاريخية يمكن حصر عدد كبير من الرواة الذين نقل أو سمع منهم، فهو ينص عليهم في بداية كل رواية بقوله: حدثنا، أو قال فلان، ويذكر اسمه.
وعلى العموم فقد غلب على موارده الاعتماد على ثقاة الرواة وأهل الاختصاص في الوقت نفسه مثل ابن عباس وابن شهاب الزهري وعروة بن الزبير. فقد كانوا من حيث الثقة من رواة الصحيحين، وكانوا ذوي اهتمام وتأليف في أحداث السيرة بالذات، فإن ابن عباس روى الكثير منها وقد يكون له كتاب فيها، وعروة أبن الزبير هو أول من صنف كتاباً في المغازي، وابن شهاب الزهري معروف كتابه القيم في السيرة، وإذا عرفنا أن الزهريَ وعروة كانا من أكثر رواة الأحداث التاريخية عند البخاري، أدركنا القيمة الكبيرة لمرويات ابن أبي شيبة عنهما.
كما تلقى كثيراً من الروايات عن عدد كبير من الثقاة في عصره وبعضها كان عن شيوخه. فقد أكثر من الأخذ عن حماد بن سلمة (ت 167هـ) أحد أئمة الحديث والثقاة الأعلام في عصره. وقد أخذ عنه في المغازي. .(38/90)
كما أخذ عن عبد الله بن إدريس (ت 197هـ) وهو أحد العلماء الذين رشحهم الرشيد للقضاء فلم يقبل, ووصفه الإمام أحمد بن حنبل بأنه نسيج وحده، تتلمذ عليه ابن أبي شيبة وكان جاراً له، فأكثر من الرواية عنه في أحداث المغازي والجمل وكتاب التاريخ.
وممن أخذ عنه يحيى بن آدم (ت 202 هـ) وهو أحد الثقاة فقد وثقه يحي بن معين , ووصفه ابن حبان بالإتقان (1) .
وله كتاب في الخراج مشهور وقد حدث عنه ابن أبي شيبة في أخبار الجمل وصفين, ونقل عنه عدة مرويات فيهما لا توجد في كتابه الخراج وهي إما مأخوذة عنه بالسماع أو منقولة من أحد كتبه الأخرى التي لم تصل إلينا. كما أكثر من الرواية في التاريخ والمغازي عن أبي أسامة واسمه حماد بن أسامة وعلي بن مسهر وعفان بن مسلم الصفار وكلهم ثقاة. وإذا كان ابن أبي شيبة أكثر عن هؤلاء فإنه أخذ عن كثير غيرهم.
وقد روى ابن أبي شيبة التاريخ عن عدد من المحدثين من أمثال حماد بن سلمة، وعبد الله بن إدريس، مما يعد أحد علامات الثقة في موارده التي اعتمد عليها، أما ترتيب مادتها وفق فروع التاريخ فهو من جهده ومن سمات منهج كتابة التاريخ عنده.
وبتتبع تواريخ وفيات من روى عنهم مثل عبد الله بن إدريس سنة 192 هـ وعفان الصغار سنة 220 هـ نجد أنه استغرق وقتاً طويلاً في جميع مروياته ومنها التاريخية امتد أكثر من ثلاثين عاماً، وهو مؤشر واضح على أن ابن أبي شيبة ظل يتعهد مؤلفاته بالجمع والإضافة سواد عمره.
فروع التاريخ عند ابن أبي شيبة:
تاريخ الأنبياء:(38/91)
وفي تاريخ الأنبياء ذكر عدداً من الأنبياء مثل إبراهيم وموسى وعيسى ويوسف وداود عليهم الصلاة والسلام، وغلب على أخبارهم عنده الإيجاز، فهو يذكر بعض صفات كل واحد منهم ومعجزاته والعلاقة بينه وبين قومه، وتفاوت ذلك من نبيّ لآخر. وقد اعتمد الطبري عليه كثيراً في أخبارهم في تفسيره لأن ابن أبي شيبة ضمّنها بعض أقوال الرسول عليه السلام أو السلف الصالح بشأن تفسير ما جاء فيهم في القرآن الكريم.
السيرة النبوية:
حظيت أحداث السيرة المباركة بالتدوين التاريخي المبكر وعنى المحدثون والمؤرخون بها كثيراً، فقد ضمنها الأوائل مؤلفاتهم من مصنفات وصحاح وغيرها وأفرد لها بعضهم كتباً بعينها كعروة بن الزبير (ت94 هـ) وابن إسحاق (ت151 هـ) ، أو ضمنوها تواريخهم العامة مثل الطبري.
ويعد ابن أبي شيبة من أوائل أصحاب المصنفات الذين عنوا بالسيرة وتدوين مرويات أحداثها في مصنفه فيما يزيد على سبع وستين صفحة، ضمنها عدة روايات حول عمر النبي عليه السلام حين بُعِثَ ونزل عليه الوحي، وكيفية بدايات نزول الوحي عليه، وشق صدره واستبشار خديجة وأبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وبشرى ورقة بن نوفل له بالنبوة، ووعده بالانضمام له عندما يؤمر بالقتال في سبيل نشر دعوته فيما بعد، ووصف الرسول عليه السلام له بالقس.
وكذلك ذكر ما لاقاه من أذى قريش له، وما جاء به من حديث الإِسراء والمعراج، وهو من المصادر المبكرة التي أوردت هذه الأحداث واعتمد عليها الكثير من أصحاب الدلائل والأسانيد والتاريخ. بيد أنه ينبغي معرفة قوة السند الذي تروىَ به تلك الأخبار عند نقدها وكذلك الخلاف في التفاصيل بينه وبين غيره كابن إسحاق مثالا في حادثة شق الصدر.(38/92)
ثم عقد المصنف عنواناً عن حديث الإسراء والمعراج بالرسول عليه السلام، ذكر فيه عشر روايات مطولة منها إخباره عليه السلام عن وصف البراق ثم مجيئه بيت المقدس، ثم العروج به إلى السماء ورؤيته لعدد من الأنبياء مثل إبراهيم وموسى عليهما السلام ثم مشاهدته سدرة المنتهى وفرض الصلاة على أمته. ثم عد خبره على أهل مكة.
تاريخ الغزوات:
ذكر ابن أبي شيبة كثيراً من أحداث المعارك والغزوات الإسلامية ابتداء من غزوة بدر الأولى ثم الكبرى حتى معركتي الجمل وصفين في خلافة علي بن أبي طالب.
وقد توسع ابن أبي شيبه في المادة العلمية عن كل غزوه، فقد كتب عن غزوة بدر 36 صفحة، وكتب عن غزوة الخندق 25 صفحة، وعن غزوة مؤتة تسع صفحات، في حين كتب الإمام الصنعاني قبله في مصنفه عن الغزوات كلها خمسين صفحة، وكتب الإمام البخاري في صحيحه عنها من بعده مثله أو أقل بيسير.
وفي غزوة بدر يبدأ الحديث عنها بالروايات حول تاريخ حدوثها، ثم ذكر بعض الآيات التي نزلت فيها وربطها بأحداثها كآية {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (1) وآية {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} (2) ثم ذكر رواية عن اتخاذ المسلمين لهم سيما وعلامات تميزهم أثناء القتال عن المشركين وكانت من الصوف الأبيض. وهي إشارة لطيفة وما زالت الجيوش في العصر الحديث تتخذ لها علامات للغرض نفسه.(38/93)
ثم جاء بعدد من الروايات حول عيون الرسول عليه السلام واستخباره عن قوة جيش قريش وعدده وأين نزل، والشورى بين المسلمين في القتال، واختياره ميدانه، وبناء مركز قيادة لهم. وما دار بين المشركين، من جدل حول الرجوع واختلافهم وتنابزهم بالألقاب، ثم بداية المعركة بالمبارزة، والتحام الفريقين وسقوط القتلى، وكان عددهم كبيراً من المشركين ثم وضعهم بالقليب، ووقوع عدد منهم في الأسر، وما ناله المسلمون من نصر وأنفال بالإضافة إلى عدد من الروايات الأخرى حول مواقف عديدة حدثت في بداية المسير للمعركة أو أثناءها أو في طريق العودة منها- لا تخلو من دروس وعبر عظيمة.
ثم أتبعها بالحديث عن غزوة أحد وبدأه بروايات بما يشبه التوطئة كمكر الرسول عليه السلام بالمشركين، ثم ذكر بعض مواقف الصحابة أثناء القتال كحذيفة بن اليمان وسعد بن أبي وقاص، ودعم الرسول عليه السلام ومساعدته له أثناء الرمي بالسهام حتى ذكر أنه فداه بأبيه وأمه حتى قال علي بن أبي طالب ما سمعته فدى أحداً بأبويه إلا سعداً. وكان سعد يذكر ذلك.
كما ذكر عدداً من الروايات حول كيفية استشهاد حمزة بن عبد المطلب وغدر العبد الحبشي به. والموقف من كثرة القتلى والمعيار في تقديمهم داخل اللحود (1) .
وكذلك كيف قابل الرسول عليه السلام انكشاف المسلمين يوم أحد وكيف كان عليه السلام يعتذر منه لربه. وهي روايات تشبه إلى حد كبير ما أورده ابن سعد في غزوة أحد مع اختلاف سند ابن أبي شيبة عنه إلا فيما قل (2) .
ثم يورد المصنف رحمه الله تعالى عدداً آخر من الروايات حول مواقف مختلفة في تاريخ الغزوات منها ما يتعلق بالتخطيط الحربي، ومنها ما يتعلق بمقارعة العدو بالحجج والحقائق، مثل مقارعته بآلات الحرب فكل له تأثيره في الجانبين، وقد كان الرسول عليه السلام يرد على هتافات المشركين، ويخبر عن مصائر قتلى الطرفين ونحو ذلك. فضلاً عن عدد من الروايات عن آلات الحرب وقتذاك.(38/94)
وبعد ذلك تحدث عن غزوة الخندق وجاء بعدد من الروايات حولها دار معظمها حول استشهاد الصحابي الجليل سعد بن معاذ (1) . مما قد يضيف جديداً لمن يدرس أحداثها أو سيرته بعناية.
ثم ذكر عددا كبيراً من الغزوات مثل غزوة الخندق وبني قريظة والفتح وحنين وذي قرد وتبوك ومؤتة في تفصيل مناسب من الروايات المتعددة عن كل غزوة إلا أن بعضها مثل الفتح وحنين وتبوك كانت رواياتها أكثر.
وفي الغالب لا تختلف مروياتها عما ذكر من قبل وربما ندرك من خلالها أن المصنف يميل إلى الوضوح في ذكر الأحداث، والبعد عن التداخل ففي غزوة مؤتة مثلاً بدأت روايتها عنده بتحديد ترتيب قوادها الثلاثة ثم ذكر ما حدث فيها، ثم إعلان نتيجتها، ووصف مواساة الرسول عليه السلام لأهل الشهداء وذكرهم بالخير والدعاء لهم، وبروايات مختلفة سنداً ومتناً عما أورد ابن سعد عنها (2) .
ولم يذكر شيئاً عن غزوة يهود بني النضير بالمدينة على الرغم من أن الإمام الصنعاني قبله توسع في أخبارها فذكر أصلهم، وموطن سكنهم، والمفاوضة معهم، والعلاقة بينهم وبين مشركي قريش، وتحريض الأخيرين لهم ثم إجلاءهم إلى بلاد الشام، وكذلك ذكرها الإِمام البخاري فيما بعد.
وقد يعود ذلك إلى أن المصنف لم يحفظ فيها شيئاً فهو في الغالب يعتمد على حفظ ذاكرته في الأحداث وقد نص على ذلك كثيراً، أو يعود إلى ضياع أو خرم في النسخة التي وصلتنا ويستبعد أن يعود ذلك إلى أنه لم يثبت فيها شيء عنده بعد ما ثبت عند غيره من قبل ومن بعد كما أشير إليه آنفاً.
كما لم يذكر شيئاً عن السرايا في عهد الرسول عليه السلام على الرغم من وثوق صلتها بالمغازي، فهل تابع في ذلك شيخه الصنعاني الذي لم يذكرها أيضاً، بينما أسهب فيها كل من ابن إسحاق وابن سعد من قبل والبخاري من بعد.
الخلفاء الراشدون:(38/95)
في عهود الخلفاء الراشدين ذكر حدث وفاة كل منهم، وذكر بعض الأخبار في ذلك بطرق مختلفة، ثم يأتي أحياناً بشي من سيرته، إلا أبا بكر الصديق فقد بدأ الحديث عنه بذكر كيفية مبايعته، وقد ضمن مروياته عن سيرة عمر أموراً في غاية الأهمية عند ذكر دراسة سياسته مثل قول عائشة فيه بأنه "كان غناء للإِسلام، كان والله أحوذياً نسيج وحده قد أعد للأمور أقرانها ". وقوله: "إني قد تركت فيكم اثنين لن تبرحوا بخير ما لزمتموهما: العدل في الحكم، والعدل في القسم".
وعلى الرغم من أن ابن أبي شيبة عَنْوَن ذلك بقوله ما جاء في خلافة كل منهم إلا أن ما ذكره هو ما يتعلق بوفاة أو مقتل كل منهم مع اختلاف في التفصيل والسند، فهو لا يشمل أخبار وحوادث عهودهم التاريخية لكن المؤرخ لا يعدم ذلك مما جاء متفرقاً في أبواب أخرى ومن المصنَّف مثل إسلام كل واحد منهم أو في كتاب فضائل الأعلام عنده.
حروب الردة والفتوح الإسلامية:
أما في حروب الردة قد جاء بأخبار متفرقة عن معركة اليمامة بين خالد بن الوليد ومسيلمة الكذاب، وذكر ما عاناه المسلمون في البداية من الهزائم وكثرة قتلاهم وجرحاهم وأن بعضهم كان صائماً (1) . ثم ذكر رواية أحد شهود العيان وهو الصحابي الجليل أنس بن مالك كيف كان موقف خالد عصيباً ثم كيف كر على أهل اليمامة حتى بلغ حصنهم وتمكن البراء من قتل صاحبهم وفُرجت الشدة (2) .
وعلى الرغم من إسهاب الطبري في ذكر أخبار معركة اليمامة، وتعدد رواياتها عنده، إلا أن ابن أبي شيبة ذكر روايات أخرى منها أن شعار المسلمين فيها كان (يا أصحاب سورة البقرة) .
ثم انتقل بعد ذلك إلى تاريخ الفتح في العراق على يد خالد بن الوليد، وذكر عدة روايات في مكاتبته مرازبة فارس، وبعض أحداث المعارك هناك مثل معركة الجسر ومقتل قائدها أبي عبيد الثقفي، وحديث عمر بن الحطاب عنه بأنه سيكون فئة له لو انحاز إليه.(38/96)
وأسهب في وصف أحداث معركة القادسية بالنسبة للمعارك الأخرى، وتعدُّدُ الروايات والتفصيل في وصف الحدث عند أبي شيبة يتبع في كثير من الأحيان حجم الحدث نفسه. وهذا رواياته الكثيرة عن أحداث هذه المعركة لابد من الاعتماد والرجوع إليها لمن يدرسها.
وفي معركة تُستر جاء بمعلومات لا تختلف كثيراً عما جاء به أهل الاختصاص في تاريخ الفتوح مثل البلاذري بل إن نسق ترتيب الأحداث في تلك المنطقة وقتذاك هو النسق الذي سار عليه البلاذري فيما بعد.
كما اعتمد كل منهما على مرويات من شهدوا المعركة أو نقلوا عنهم، وهو منهج متقدم في الكتابة التاريخية.
ولما انتهى من كتاب التاريخ ومرويات أحداث الفتح الإِسلامي في العراق وبلاد فارس، انتقل إلى الحديث عن الفتوح في بلاد الشام وابتدأه بذكر ما حفظه ووصلته أخباره في غزوة اليرموك وأنه كان للمسلمين فيها خمسة ألوية، ثم ما آل إليه أمر المسلمين من قوة وحسن حال حتى حسنت معيشتهم ولبسوا الديباج والحرير حتى نهاهم عمر عن ذلك (1) .
ثم ذكر طرفاً من أخبار زيارة الخليفة عمر إلى بلاد الشام وهيئة مركبه واستقبال الناس له، وإقراره لبعض مظاهر الخير وسعة الرزق التي ظهر بها بعض قواد المسلمين هناك، في الوقت الذي أبقى فيه هو على تواضع هيئته ومركبه على الرغم من نصح بعض الجند له بإظهار حال أحسن منها عند استقبال القواد وبطارقة الشام له, فأجابهم عمر بأن العزة ليست بالمظاهر وإنما بالإسلام "إنا قوم أعزّنا الله بالإسلام" وهي الحقيقة التي ما فتئ عمر يؤكدها في كل موقف.
كما ذكر اعتذار عمر عن دعوة أحد الدهاقين النصارى لحضور وليمة أعدها له.(38/97)
أما في كتاب التاريخ بمعنى التوقيت فقد خصه المؤلف بالحديث عن أعمار بعض الأنبياء كآدم ونوح ويوسف ومحمد عليهم السلام وبعض مشاهير الصحابة كابن عباس والخلفاء الأربعة، ثم سنوات وفيات بعض الأعلام، حتى سنة 177 هـ (1) . ثم أورد مدد عهود الخلفاء الراشدين وخلفاء الدولة الأموية حتى الخليفة المأمون على طريقة ذكر اسم كل خليفة ومدة حكمه. وكان دقيقاً في ذكر عدد السنوات وكسورها التي مكثها كل منهم ووافقه في ذلك عدد من المؤرخين ممن جاء بعده وعلى رأسهم الإمام الطبري.
ثم ألحقه بباب نفيس عن أسماء من اشتهروا بكنيتهم، أو ذكر كنى من اشتهروا بأسمائهم، لعدد كبير من الصحابة والخلفاء والقواد والأعلام المشهورين ذكر فيه سرداً للكنى المشهورة واسم صاحبها أو اسم الخليفة أو العلم، وكان ابن أبي شيبة مصدراً لعدد ممن ألفوا في هذا الباب من القدامى، وقد ألف في هذا الباب فيما بعد كل من الإمام مسلم (ت 261 هـ) والدولابي (ت 310 هـ) ، كتباً منفردة.
الفتن:
عقد ابن أبي شيبة باباً للفتن وسماه كتاب الفتن جاء فيه في البداية بعدة مرويات في مفهوم الفتنة العام، وكيف تكون وعلاماتها والموقف منها، وذكر عدة روايات تجعل بعض الأحداث التاريخية منها مثل قتل عثمان ومقتل الحسين وحركة عبد الله بن الزبير.(38/98)
وعلى أية حال فإن هذا الباب عند المحدثين لا يخلو من مادة تاريخية تفيد في موضوعاتها، ومنها مرويات ابن أبي شيبة حول مقتل الحسين وابن الزبير فهي مهمة عند دراسة تلك الأحداث وتعين في معرفة مواقف بعض الصحابة والتابعين منها، وتوضح جوانب من موقف الدولة الأموية إزاءها إلا أنه ينبغي عدم التسليم ببعضها لما يظهر عليه من الوضع والصنعة مثل سرد بعض الروايات في صفات تنطبق على أحد الرجلين والموقف منه، والنص في بعضها على أن الذي يخرب البيت العتيق هو رجل من آل الزبير ونحو ذلك مما يوحي بأنها وضعت بعد أحداث الحركتين بأسلوب يوهم بأنها روايات سابقة جاءت الأحداث تؤكدها, وهو أمر لم تخل منه المصادر التاريخية أيضاً، وكان المصنفون الأوائل قد دونوا كل رواية وصلتهم، وتركوا نقدها وتمحيصها، والأخذ بها أو ردّها لمن يأتي بعدهم، وقد وضح ذلك الطبري في مقدمته ولا يعني أنها مما صح عندهم.(38/99)
وقد توسع ابن أبي شيبه في باب مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه أكثر من الأبواب أو الموضوعات الأخرى في الفتنة، فقد جاء بأكثر من 120 رواية في أحداث مقتله. وتبين في مجموعها تفاصيل ما دار بينه وبين الخارجين عليه ورجوعهم ثم عودتهم من الطريق ومطالبتهم له بخلع نفسه أو القصاص منه، وعزل بعض الولاة ورده ذلك ومحاجتهم فيه، وكيف اقتحموا عليه الدار, وأسماء من باشر أو أشار بقتله منهم، وروايات أخرى فيما يترتب على تلك الفتنة من هلاك العرب وعدم اجتماعهم يداً واحدة بعدها، وقد انفرد ابن أبي شيبة بها بين أصحاب المصنفات مثل الصنعاني، كما أنها تشبه تفاصيل ما أورده وزاد عليه كثيراً عمر بن شبة فيما بعد في الموضوع ذاته. وهناك روايات متفقة في السند والمتن عند الاثنين مع تفصيل أو إيجاز فيه عند أحدهما أحياناً فهل أخذ عمر بن شبة عن ابن أبي شيبة ولم يشر إليه؟ (1) والمعروف أن الإمام الطبري رجع لابن شبة في موضوع مقتل عثمان رضي الله عنه إلا أن هناك روايات كثيرة عندهما لم ينقلها ولهذا فإن الرجوع إليهما مباشرة سوف يسهم في دراسة أحداثه ونقد مروياته من جديد.
وعلى الرغم من أن المصنف أخر مرويات مقتل عثمان عن الحديث عن فتنة مقتل الحسين وابن الزبير إلا أن حديثه في كتاب الجمل وترتيبه بعده ظهر كأنه نتيجة واقعة لتلك الأحداث كما هي حقيقة بالفعل ودلالة على افتراق الأمة بعد تلك الفتنة.
حتى رد ابن سيرين في أحدها بقوله: "ما علمت أن علياً اتهم في قتل عثمان حتى بويع, اتهمه الناس". وقال علي نفسه فيما بعد في البصرة: "والله ما قتلته وما مالأت على قتله".
وكان عمار بن ياسر لا يجيز تكفير أهل الشام في صفين ويقول عنهم: بأنهم مفتونون جاروا عن الحق، ويصفهم في رواية أخرى بأنهم فسقوا ظلموا.(38/100)
كما جاء ابن أبي شيبة بروايات في نشأة الخوارج المبكرة وصفتهم وموقفهم من الخلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية ثم قتال علي لهم عند النهروان، وأشهر فرقهم وهي الحرورية.
معركة الجمل:
أفرد ابن أبي شيبة كتاباً لأحداث معركة الجمل، وبدأه بمسير عائشة وعلي وطلحة والزبير إلى الكوفة وبدأه برواية طويلة حول وفود بعض أهل البصرة على علي من بني راسب، ثم كيف أنشب عُبدان الفريقين القتال وعقر جمل عائشة، وأن قلة قليلة من الصحابة شهدوا الجمل.
ثم ذكر عدة صور من تقدير الفريقين بعضهما بعضاً وأن الأمر لا يصل إلى التكفير "لم يكفر أهل الجمل"وكل منهم يلهج بالثناء على صاحبه ويعطي جائزة لمن يبشره أنه حيّ,. ووصف الفريق الآخر بأن: "إخواننا بغوا علينا". وربما جلس علي وأصحابه يوماً يبكون على طلحة والزبير (1) .
كما أورد عدداً من الروايات تشير أن طلحة والزبير بايعا علياً مكرهين فساغ لهما نقض بيعته, ومرة أخرى يريان أنه بدل (2) .
وأخرى تذكر أن عائشة وعلياً كان يتمنيان أنهما لم يدركا معركة الجمل. وبحكم موضوع هذا الكتاب فرواياته تدور حولها حتى جاء فيه بالروايات المتعارضة والمواقف المختلفة لمن شاركوا في أحداثه.
وبعد انتهاء المصنف من ذكر مرويات معركة الجمل عقد باباً لموقعة صفين بين علي ومعاوية- رضي الله عنهما- جاء فيه بأربع وأربعين رواية فيها، دارت بوضوح أكثر حول مواقف عمار بن ياسر- رضي الله عنه- وثباته مع علي وترديده القول: "لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا علي الحق وأنهم على الباطل"؛ ومع هذا كان ينهى أصحابه عن تكفير أهل الشام، ويأمرهم بقول: "فسقوا وظلموا" , فما أمر التكفير بهين. وقريب منه موقف علي رضي الله عنه عندما يروي المصنف أنه كان يحسن معاملة أسرى الشام ولم يقتل أحداً منهم ويكتفي بأخذ سلاحه ثم يخلي سبيله وربما أعطى الواحد منهم بعض الدراهم في سبيل الإحسان إليه.(38/101)
ثم جاء بعد ذلك بروايات كثيرة حول ظهور الخوارج وموقفهم من علي وموقفه الحازم منهم بصور مختلفة معقولة بالسند وكثير منها بعبارة شهدنا، وكنا مع، وخطبنا، وأمثالها من عبارات شهود العيان، والقرب من الأحداث. فضلاً عن أن ابن أبي شيبة يذكر مروياته حول أحداث الجمل وصفين والخوارج بطرق إسناد مختلفة في الغالب عما ورد عند الآخرين كأبي مخنف ونصر بن مزاحم والطبري.
تراجم الأعلام:
تضمنت أحداث السيرة النبوية معلومات قيمة حول عدد من الصحابة كإسلامهم وبعض صفاتهم وما تحلّوا به من فضائل، وأدوارهم في المعارك والغزوات ومواقفهم في الحياة الإسلامية وقتذاك. مثل مرويات إسلام الخلفاء الراشدين الأربعة وكيفية ذلك، وإسلام كبار الصحابة الآخرين كالزبير وأبي ذر الغفاري وزيد بن حارثة وسلمان الفارسي وعدي بن حاتم وجرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنهم. والمصنف تحدث عن هؤلاء وغيرهم سواء عند مناسبة ذكر إسلامهم في كتاب المغازي , أو عند مناسبة كلامهم في باب الزهد، أو عند ذكر صفاتهم في باب طويل عقده للفضائل، تحدث فيه بإسهاب عن أخبار كثير من الصحابة ومواقفهم وثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على بعضهم وأقوال بعضهم أو الآخرين فيهم، فعلى سبيل المثال ذكر عن عثمان خمسة عشر صفحة وعن الزبير أربع وعن عبد الله بن مسعود ست صفحات وغيرهم كثيرا عدا ما جاء عنهم في مواضعه عند ذكر الأحداث التي شاركوا فيها أو ذكر فضائل قبائلهم أو أقاليمهم.
وذكر في إسلام سلمان الفارسي رواية مطولة (1) لم يذكرها ابن إسحاق وهي مما تفرد به عنه.
وبجمع الروايات الكلية عن كل علم عند ابن أبي شيبة يصبح لدينا حوله كمٌّ كبيرٌ من المادة العلمية في التراجم والسير لا غنى عنها لمن يبحث في هذا الباب، كما تساعد في دراسة بعض مواقف الصحابة مثل أبي ذر والزبير رضي الله عنهما من الأحداث التاريخية في أواخر عصر الخلفاء الراشدين وبداية الدولة الأموية.
الدولة العباسية:(38/102)
أشاعت الدولة العباسية بأنها دولة عدل ومحاربة جور، وأنه سيكون من خلفائها مهدي يملأ الأرض عدلاً، وعزوا ذلك إلى أحاديث مروية عن الرسول عليه السلام وقد جمع ابن أبي شيبة عدداً منها في مصنفه منها أنه "لن تنتهي الدنيا حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي" (1) والمقصود الإشارة إلى الخليفة المهدي محمد بن عبد الله إلى درجة أن المهدي الذي يخرج في الناس قيدت الروايات وقتذاك خروجه بأنه بعد قتل محمد النفس الزكية (2) , أي وفق ترتيب الأحداث التاريخية المعروفة فالخليفة المهدي جاء بعد انتهاء ثورة النفس الزكية.
ولم يأت المصنف بمرويات في أخبار الدولة الأموية والدولة العباسية عدا ما أشير إليه سواء في أبواب المصنف أو في كتبه التاريخية المضافة إليه وقد يعود ذلك إلى طبيعة مؤلفه الأساس وهو في الحديث ثم أن تاريخ الدول وعهود الحكام لم يشع التأليف فيه كثيراً وقتذاك مثلما اشتهر التأليف في موضوعات كتبه التاريخية.
القبائل والأنساب:
لم يفت المصنف ذكر أخبار بعض الأحلاف والقبائل العربية مثل قريش وقيس وبني عامر وبني عبس وثقيف وبجيلة والمهاجرين والأنصار والعرب عامة. وتوضح هذه جانباً ثم أنسابهم ومكانتهم في الدولة الإسلامية ومواقف بعضهم من أحداثها ومشاركتهم في الفتوح والإدارة ونحوهما. وقد أثنى الرسول عليه السلام على كثير من صفاتهم أو مواقفهم أو دعا لهم مثل ثنائه على جهينة وأسلم وغفار وغيرها وقد توسع الإمام مسلم في ذلك , فهو يذكر عن بني أسد أنه شهد ألفان منهم معركة القادسية وكانت لهم راية خاصة بهم.
كما كانت قيس مقدم جيش مسلمة بن عبد الملك في قتال الترك في بعض ثغور أرمينية (3) .
وقد اهتم مؤرخو الأنساب بهذه المرويات عند التاريخ لأنساب هذه القبائل ولهذا فإن مصنف ابن أبي شيبة من المصادر المبكرة لكتب الأنساب، وقد رجع البلاذري إليه فيما يتعلق بنسب بعض بيوت قريش (4) .(38/103)
أحكام الحرب:
تَحدث المصنف طويلاً عن أحكام الحروب وقواعدها، وعقد لذلك باباً باسم باب الجهاد بين فيه حكم الحرب ومبرراتها وشرعية الأسباب المؤدية إليها، ومقدماتها من بيات ومبارزة , ثم ما يحدث خلالها من قتل وغزو في البر والبحر، والموقف من الأملاك في أرض العدو من زرع ودواب وعمارة، والموقف من كيفية معاملة الأسرى وتوزيع الغنائم ونصيب كل فرقة من الجيش منها, وهو في هذا يتابع المحدثين حيث دأبوا في مؤلفاتهم على عقد باب في بيان الجهاد وأقسامه وقواعده وأهدافه ووسائله. وكان الميدان لذلك على أرض الواقع هو التاريخ - بطبيعة الحال- من نشر للدعوة وقتال المشركين وحروب اليهود والنصارى، وكل ذلك أخذ من أرض الواقع التاريخي واستشهد عليه بما فعله الرسول عليه السلام في غزواته أو أمر به قواده أو قاله في مناسبته أو عند حدوثه, أو سار عليه من جاء بعده أو خلفائه الراشدين أو أحد أمرائهم وقواد جيوشهم. فوردت في مجاله معارك وأحداث وأدوات وغنائم وإدارة للمعارك وإسناد وتموين وتوزيع غنائم في البر والبحر، وهي موضوعات مهمة لم يعن بها بما فيه الكفاية في الدراسات التاريخية. كما يأتي المصنف بعدة روايات بشأن عدم هدم الكنائس والبيع النصرانية في البلاد التي فتحها المسلمون ويذكر كتاباً مهماً لعمر بن عبد العزيز وجّهه لولاته بشأن عدم هدم أماكن العبادة للشعوب الأخرى والرهبان والعبَّاد العاكفين فيها (1) .
وكذلك عدم التعرض لغير المقاتلة ومن ثم ذكر أن المسلمين الأوائل لم يكونوا يقتلون النساء والأطفال والشيوخ من الأعداء من مختلف الأجناس، بل كان لدى القواد المسلمين تعليمات بالرفق بالطبقات العامة كالفلاحين ونحوهم.(38/104)
وقد أوصى أبو بكر الصديق قواده في بلاد الشام بعدة وصايا تعد دستوراً في الخلق الحربي خالداً سبق أي آداب أو قوانين حديثة حولها, منها عدم قتل الشيوخ والنساء والصبية أو قطع الشجر أو إغراق المزروعات أو عقر الحيوانات أو إشعال الحرائق وتخريب الدور والأسواق العامرة (1) .
إن الخلق الحربي وآداب القتال في الإسلام كانت أحد عوامل انتصاره وانتشاره السريع في البلدان المفتوحة وأدرك أهلها أن الحرب الجديدة لها أهداف ووسائل تختلف عن الحروب التي عانوا منها من قبل ولهذا فإن مرويات ابن أبي شيبة في هذا المجال تقدم مادة مهمة لمن يبحث انتشار الإسلام.
أما الأمان الذي ذكره ابن أبي شيبة فهو بمعنى الإِجارة وكيف أن المسلمين الأوائل كان يجير عليهم الرجل منهم حتى إن المرأة كانت تجير فيقبلون من أجارت.
أما الأمان بمفهومه الواسع فيما يعرف بنظام المستأمنين في الحضارة الإسلامية لأهل الذمة والسفراء والتجار فلم يتطرق له على الرغم من توسع الإمام أبي يوسف فيه من قبل.
تاريخ المدن:
أما في تاريخ المدن فقد أورد ابن أبي شيبة مجموعة أحاديث عن فضائل المدن والأقاليم الإسلامية مثل المدينة والكوفة والبصرة واليمن والشام. ففي فضائل المدينة ذكر أن من أسمائها طابة وأن الدجال لا يدخلها في آخر الزمان، وكذلك حديث أن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها، وقد أورده الإمام مسلم في صحيحه فيما بعد. كما أورد عدداً من الروايات عن مركزي الكوفية والبصرة في الإسلام. وكذلك الحال بالنسبة لإقليمي اليمن والشام، ولهذا كانت هذه المعلومات مادة مناسبة للذين أرخوا لتلك المدن والأقاليم في القرون التالية مثل عمر بن شبة في تاريخ المدينة، وابن عساكر في تاريخ دمشق وبلاد الشام.(38/105)
ولم يذكر ابن أبي شيبة شيئاً عن مدن وأقاليم مهمة مثل مكة وبغداد ومصر على الرغم أن سياق رواياته تطلب ذلك، فهل لم يجد ما يذكره عنها أم أن أقساماً حوتها من مصنفه ضاعت.
الفداء:
لازم الفداء وتبادل الأسرى العلاقات الحربية بين المسلمين وأعدائهم خلاله عصور التاريخ وذكر ابن أبي شيبة صوراً من كيفية إجرائه ووقائعه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وعهد الدولة الأموية ومن ذلك أن الرسول عليه السلام فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بني عقيل، وأنه لم يكن يقبل فدية أو أن يبقى أحد من قتلى المشركين إذا ما طلبوا ذلك. وأشار إلى فداء جرى بالسوس في أقصى المغرب في العهد الأموي بين موسى بن نصير وأحد قواد الأعداء هناك (1) .
ولم تذكره كتب التاريخ العامة كالطبري والمسعودي وابن الأثير على الرغم من أن المسعودي توسع أكثر من غيره في ذكر الأفدية بين المسلمين والروم. ومن ثم تفرد به ابن أبي شيبة. بالنسبة لما ذكر من مصادر.
الإمامة والسياسة:
احتلت الإمامة والسياسة حيزاً مناسباً عند ابن أبي شيبة فقد جاء بعدد من الأحاديث والأقوال في طاعة الإمام ونص على أن الإمام الذي تجب طاعته هو من يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة الملقات على عنقه نحو محكوميه، وأن يكون من أولي العقل والفقه يقود الناس بكتاب الله عز وجل.
وحذّر من تولي الإمارة في أي مجال حتى ولو في السفر إلا بشروطها من الحق والعدل "فإنه ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً لا يفكه من غله ذلك إلا العدل". والضابط فيها أن من يسألها يوكل إليها، وحسب الإنسان ضعفاً، ومن أوتيها من غير مسألة يعان عليها، وكفى بعون الله وتوفيقه لعبده.(38/106)
والمؤلف افتتح باب الجهاد بذكر ما ورد في الإمارة والسياسة وربما أسهم هذا في صرف الباحثين المتأخرين فيها عن الرجوع إليه لاستقلالها عن الجهاد والحرب في المؤلفات المتأخرة كالماوردي والغزالي حيث عقدا لها أبواباً مستقلة. كما ذكر المصنف رحمه الله كثيراً من الروايات التي تعبر عن السياسة والحكم بالأمر. وهو فيما يبدو المصطلح السياسي الذي يطلق عليهما في الماضي، كما وردت عنده كلمة عالم بالسياسة في مناسبة ما ينبغي أن يتحلى به الأمير.
آلات الحرب وراياتها:
اشتملت الروايات التاريخية التي أوردها ابن أبي شيبة في مصنفه على بعض آلات الحرب وخططها مثل السيوف ومسمياتها الرماح والمنجنيق والتروس والدروع.
وكذلك لا تخلو من الإشارة إلى بعض الخطط الحربية كالكمين والالتفاف والخندق والبيات أو الهجوم الليلي سواء في أحداث معركة اليمامة أو الجسر أو القادسية وغيرها. وبالإضافة إلى ما ورد عنها عنده في كتب الأحداث التاريخية فإن كتاب الجهاد حوى على الكثير من وصفها.
كما جاء المصنف بعدد من الرِوايات في مناسبات عدة بأن رايات المسلمين في العهد النبوي كانت سوداً وعلى رأسها راية الرسول عليه السلام المسماة بالعقاب وتابعه المسلمون في ذلك فكانت راية خالد بن الوليد في فتح دمشق سوداء وكانت راية علي في موقعة الجمل سوداء أيضاً (1) . وعلى الرغم من أن نصر بن مزاحم معاصره ذكر الرايات الإسلامية الأولى بعدة ألوان ومنها راية بيضاء وأخرى حمراء , فإننا لا نعرف تعليلاً لاقتصار ابن أبي شيبة على مرويات الرايات السوداء إلا أن يكون ذلك بتأثير روح العصر العباسي الذي عاش فيه حيث كان السواد شعاره.
ويلحق بهذا ما ورد عنده عن الشعارات في الحرب وهى ما يشبه كلمة السر أو الهتاف.(38/107)
وأخيراً فإن من يبحث في ألبسة العرب وأنواعها ومواضع استخدامها ومناسباتها ومواد نسجها أو صبغها وما هو مخصص للرجال أو النساء يجد في المصنف مادة مناسبة في هذا الموضوع.
أهل الذمة:
أشار ابن أبي شيبة باختصار إلى معاملة أهل الذمة وذكر أن عمر بن الخطاب كان يرفع الجزية عمن أسلم منهم ويفرض الخراج على أرضه، ومن كان له أرض أخذت منه ردت إليه، أما الذين بقوا على دينهم فقد كانت ترقم رقابهم؛ ربما للتفريق بينهم وبين من أسلم من بني ملتهم, وقد اتبع هذا الإجراء نحوهم في العصر العباسي.
وهي نصوص تصلح لمن يدرس أحوال أهل الذمة في العصرين الأموي والعباسي حيث حاول بعض الولاة إبقاء الجزية على من أسلم، وألزموا أهل الذمة بلباس أو لون معين.
الخاتمة
إن وقوع الأخبار والحوادث التاريخية في المصادر الحديثية الأولى يعد سنداً مهماً في قبولها ويرفع من حقيقة وقوعها وقيمتها ليس من الناحية المنهجية ولاسيما النقدية فحسب وإنما من حيث الإقتداء والتأسي ولا يخالجنا أي شك بأنها خضعت لنفس معيار تلك العلوم أو قريباً منه وهو معيار دقيق تحرى فيه أولئك العلماء أيما تحري، وحسب التاريخ أن يخضع له، وأن تعار مروياته وأحداثه تلك الدقة. وهو بعد ينبغي أن يأخذ حقه لدى الباحثين المحدثين في مجال التاريخ إزاء المعلومات التاريخية الواردة هناك.
ولهذا فإن كتب الحديث تساعد في تفسير الأحداث التاريخية وتعليل الموقف منها وتقويمه أنىّ كان صانعه وتقدم نظائر له مهمة، يمكن القياس عليها في كثير من فروع التاريخ، وتحقق أحد مقاصد دراسته المهمة سواء من حيث الحكم والإقتداء من عدمه، أم من حيث المنهج المطلوب المتمثل في تجاوز مرحلة الوصف والسرد الذي غلب على كثير من كتب التاريخ والدراسات التاريخية الحديثة إلى مرحلة التفسير والتحليل والمقارنة والتشخيص.(38/108)
إن الرصد والإشارة إلى فروع التاريخ عند ابن أبي شيبة تؤكد هذه الحقيقة في ضرورة العودة مرة أخرى إلى المصادر الحديثية والورود على مناهلها فهي تشتمل على الكثير من فروع التاريخ وأبوابه مثل كتب الصحاح والمسانيد والسنن وسوف تسهم بجدارة ليس في إثراء مادتها على أهمية ذلك، وإنما في تأصيلها وتوثيقها ولاسيما في الفترات التي تسوهل في تدوين أحداثها وكانت تلك المصادر معاصرة لها أو قريبة من ذلك.
ولو لم يكن من هذه الدراسة عدا التأكيد على المؤرخين بضرورة عنايتهم بدراسة التاريخ عند المحدثين من أصحاب المصنفات والمسانيد والصحاح والسنن وضرب المثال بجهود أحدهم لكفاها، وفوق كل ذي علم عليم.
---
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد ج10 ص66.
(2) نفسه.
(3) الذهبي: سير أعلامء النبلاء ج11 ص122-123.
الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد ج10 ص66.
(4) البخاري: كتاب التاريخ الصغير ج2 ص333.
(5) البخاري. كتاب التاريخ الصغير ج2 ص332-333.
(6) سير أعلام النبلاء ج11 ص- 122.
(7) المصدر السابق: ج11 ص123-124.
الذهبي: ميزان الاعتدال ج2 ص490.
(8) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد ج10 ص67.
(9) البخاري: كتاب التاريخ الصغير ج2 ص335.
(10) النديم: الفهرست 285؛ الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد ج10 ص66.
(11) البداية النهاية: ج10 ص315. وزاد ابن كثير: "ولم يصنف أحد مثله قط لا قبله ولا بعده". ج10 ص356.
(12) كشف الظنون ج2 ص1311.
(13) هدية العارفين ج1 ص440.
(14) النديم ص105.
المصدر السابق ص111.
ياقوت: معجم الأدباء ج7 ص210.
(15) النديم ص114.
(16) المصدر السابق ص125.
(17) جاء كتاب التاريخ في ج12 ص547 وج13 ص5، وجاء كتاب المغازي في ج14 ص283، وجاء كتاب الفتن ج15 ص5، وجاء كتاب الجمل في ج15 ص248، أما كتاب صفين وسماه ما ذكر في صفين فجاء في ج15 ص288.
(18) البلاذري: أنساب الأشراف ج1 ص404-405.
(19) النديم ص284.(38/109)
(1) المصدر السابق.
(2) نفسه.
(3) نفسه.
(4) ابن أبي شيبة ج12 ص547.
(5) ابن أبي شيبة ج13 ص5-30.
(6) ابن أبي شيبة ج14 ص310-539.
(7) يبلغ مجموع صفحات كتاب التاريخ 122 صفحة، وتقع في جزء 12 من ص547-80 5، وفي جزء 13 من ص5-94، ويعمل الباحث على تحقيق نصوصه.
(8) ابن أبي شيبة ج14 ص597.
(9) الصنعاني: المصنف ج5 ص330.
(10) ابن أبي شيبة ج13 ص34-35.
(11) المصدر السابق ج14 ص424، 427، 512.
(12) ابن أبي شيبة: المصنف ج14 ص291.
(13) المصدر السابق ج12 ص394- 395.
(14) المصدر السابق ج11 ص139.
(15) سليمان العودة: السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق ص108.
(16) محمد الأعظمي: مقدمة كتاب مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لعروة بن الزبير ص68.
(17) ابن أبي شيبة: المصنف ج12 ص136.
(18) النديم: الفهرست ص105.
وأبو مخنف لوط بن يحيى إخباري تالف وشيعي محترق، أما نصر ابن مزاحم المنقري فهو رافضي جلد متروك. انظر على الترتيب الذهبي: ميزان الاعتدال ج4 ص253؛ ج3 ص417-418.
(19) ابن أبي شيبة: المصنف ج14 ص376.
(20) المصدر السابق ج14 ص391، 405، 440، 455، 470.
(21) المصدر السابق ج14 ص312، 377، 404، 416، 417، 424، 428، 429.
(22) محمد الأعظمي: مقدمة كتاب مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لعروة بن الزبير ص23.
(23) ابن كثير: البداية والنهاية ج، ص101.
(24) الذهبي: ميزان الاعتدال ج1 ص590-593.
(25) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد ج9 ص417 –418- 420.
(26) عثمان بن سعيد الدارمي تاريخه ص227.
(27) ابن حجر: تهذيب التهذيب ج11 ص 5 17.
(28) عثمان به سعيد الدارمي: تاريخه ص92، المقدمي: كتاب التاريخ ص131.
(29) عثمان بن سعيد الدارمي: تاريخه ص70.
(30) الذهبي: ميزان الاعتدال ج3 ص81-82.
(31) ابن أبي شيبة: المصنف ج11 ص517.
(32) ابن أبي شيبة ج14 ص292-294.(38/110)
(1) ابن هشام: سيرة النبي ج1 ص136.
(2) ابن أبي شيبة ج14 ص302-303.
(3) سورة القمر آية 45.
(4) سورة الأنفال آية 11.
(5) ابن أبي شيبة ج14 ص358.
(6) المصدر السابق ج14 ص353 – 387.
ابن أبي شيبة ج14 ص353-381.
(7) المصدر السابق ج14 ص389- 390.
(8) المصدر السابق ج14 ص392.
(9) المصدر السابق ج14 ص395.
(10) ابن سعد: الطبقات الكبرى ج2 ص42- 48.
(11) ابن أبي شيبة ج14 ص401-403.
(12) المصدر السابق ج14 ص408- 416.
(13) ابن سعد: الطبقات الكبرى ج2 ص128-130.
(14) الصنعاني ج5 ص357 - 360.
(15) صحيح البخاري ج5 ص22.
(16) ابن أبي شيبة ج14 ص572.
(17) المصدر السابق ج14 ص582.
(18) ابن أبي شيبة ج12 ص548.
(19) المصدر السابق ج12 ص549.
(20) الطبري: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص281- 300.
(21) ابن أبي شيبة ج12 ص556-557.
(22) فتوح البلدان ص534-538.
(23) ابن أبي شيبة ج13 ص34-37.
(24) المصدر السابق ج13 ص40- 41.
(25) ابن أبي شيبة ج13 ص69، 70، 73.
(26) نفسه.
(27) المصدر السابق ج13 ص70-72.
(28) ابن أبي شيبة ج15 ص5-15، 70-87 وغيرها.
(29) المصدر السابق ج15 ص84.
(30) ابن أبي شيبة ج15 ص218-221.
(31) عمر ابن شبة: تاريخ المدينة ج4 ص1149.
(32) ابن أبي شيبه المصنف ج15 ص215-219, عمر بن شبة: تاريخ المدينة ج4 ص1149، 1152.
(33) ابن أبي شيبة ج15 ص210.
(34) ابن أبي شيبة ج15 ص 303، 320, 326.
ابن أبي شيبة ج15 ص251.
(35) المصدر السابق ج15 ص264.
(36) المصدر السابق ج15ص257-258.
(37) المصدر السابق ج15 ص261.
(38) المصدر السابق ج15 ص261، 272.
(39) المصدر السابق ج15 ص282، 286.
(40) ابن أبي شيبة ج15 ص293-294.
(41) المصدر السابق ج15 ص295.
(42) المصدر السابق ج15 ص303-319، 320، 326، 327، 332.
(43) ابن أبي شيبة ج12 ص284.
(44) ابن أبي شيبة ج13 ص192.(38/111)
(1) ابن أبي شيبة ج12 ص5.
(2) ابن أبي شيبة ج14 ص321-324.
(3) ابن أبي شيبه ج15 ص198.
(4) ابن أبي شيبه ج15 ص199.
(5) ابن أبي شيبه ج12 ص155-167، 197-206.
(6) صحيح مسلم ج2 ص404-407.
(7) ابن أبي شيبة ج2 ص198.
(8) البلاذري: أنساب الأشراف ج3 ص28- 29، 54.
ابن أبي شيبة ج15 ص369.
(9) ابن أبي شيبة ج12 ص343، 387.
(10) ابن أبي شيبة ج12 ص383.
(11) نفسه.
(12) ابن أبي شيبة ج12 ص452-453.
(13) أبو يوسف: كتاب الخراج ص203-204.
(14) ابن أبي شيبة ج12 ص179 - 191.
(15) صحيح مسلم ج2 ص405.
(16) ابن أبي شيبة ج12 ص188-189.
(17) ابن أبي شيبة ج2 ص416.
(18) المصدر السابق ج12 ص419.
(19) المصدر السابق ج15 ص418.
(20) المسعودي: التنبيه والإشراف ص160.
(21) ابن أبي شيبة ج12 ص212 -214.
(22) المصدر السابق ج12 ص215- 218.
(23) المصدر السابق ج12ص170، 172-173.
(24) ابن أبي شيبة ج12 ص560.
(25) ابن أبي شيبة ج12 ص512-513.
(26) نصر بن مزاحم المنقري: وقعة صفين ص289.
(27) ابن أبي شيبة ص12 ص503-506.
(28) ابن أبي شيبة ج8 ص411، 430.
(29) ابن أبي شيبة ج12 ص233-234، 346.(38/112)
العدد 105-106
فهرس المحتويات
1- موسوعة التفسير الصحيح: الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور (القسم الثاني)
... تابع لتفسير الصحيح سورة البقرة 20 قوله تعالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ}
... تابع سورة البقرة 41 قوله تعالى {وَآمنوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدقاً لِمَا مَعَكُم}
الأستاذ الدكتور/ حكمت بشير ياسين
2- فتح المتعال على القصيدة المسمّاة بلامية الأفعال
... تابع لفتح المتعال على القصيدة المسمّاة بلامية الأفعال [باب نصر] :
حمد بن محمد الرائقي الصعيدي المالكي
3- أصُول عِلْمِ العرَبِيَّةِ فِي المَدِينَةِ
... تابع لأصُول عِلْمِ العرَبِيَّةِ فِي المَدِينَة الفصل الثاني ... (1)
... تابع لأصُول عِلْمِ العرَبِيَّةِ فِي المَدِينَةِ الفصل الثّالث ... (2)
... تابع لأصُول عِلْمِ العرَبِيَّةِ فِي المَدِينَةِ الفصل الرّابع ... (3)
د./ عبد الرَّزّاق بن فرّاج الصَّاعدي
4- معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه: د./ عبد الرحمن بن محمد عبد المحسن الأنصاري
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م(38/113)
موسوعة التفسير الصحيح
الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور
القسم الثاني
الأستاذ الدكتور/ حكمت بشير ياسين
كلية القرآن الكريم
الجامعة الإسلامية- المدينة المنورة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؟ وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذا القسم الثاني من التفسير الصحيح (موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور) من بداية سورة البقرة إلى نهاية النصف الأول من الجزء الأول عند الآية رقم (74) من سورة البقرة.
سورة البقرة
فضائلها
أخرج مسلم بسنده عن معاوية (يعني: ابن سلام) عن زيد، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني أبو أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إقرأوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، إقرأوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أوكأنهما غيابتان، أو كأنهما فرقان من طير صواب، تحاجان عن أصحابهما، إقرأوا سورة البقرة. فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة"، وقال معاوية: بلغني أن البطلة السحرة
وأخرج أيضا بإسناده عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه وسلم الله عليه وسلم قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر. إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة " (1)(38/114)
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه فلما اجتَّره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدّث النبي الله عليه وسلم الله فقال: اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير، قال فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريبا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال وتدري ما ذاك؟ قال: لا، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك. ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم (1) واللفظ للبخاري.
وقال الإمام أحمد: ثنا سليمان بن داؤد، قال: أخبرنا حسين قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، قال: أخبرني عمرو بن حبيب بن هند الأسلمي عن عروة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أخذ السبع الأول فهو حبر" (2) . ذكره الهيثمي ثم قال: رواه أحمد والبزار، ورجال البزار رجال الصحيح غير حبيب بن هند الأسلمي وهو ثقة
وأخرجه الحاكم من طريق إسماعيل بن جعفر به، وصححه ووافقه الذهبي وقد خرّج هذا الحديث الشيخ محمد رزق طرهوني تخريجا وافيا وتوصل إلى تصحيحه أيضا
سورة البقرة 1
قوله تعالى {الم}
قال الدارمي: حدثنا أبو عامر قبيصة أنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: تعلموا هذا القرآن، فإنكم تؤجرون بتلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول بـ {الم} ، ولكن بألف، ولام، وميم بكل حرف عشرحسنات (3)(38/115)
وقد توقف في تفسير هذه الآية وغيرها من الحروف المقطعة جمع من العلماء كالخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم وغيرهم من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بين مرادها فيستحسن أن نقول الله أعلم بمرادها، ولكن ثبت عن بعض المفسرين من الصحابة والتابعين وأتباعهم أنهم بينوا مرادها واختلفوا فيها وأسوق هنا ما ثبت عنهم من الأوجه الآتية:
الوجه الأول: أنها قسم أقسم الله به وهو من أسمائه:
قال الطبري: حدثني يحيى بن عثمان بن صالح السهمي، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: هو قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله (1) وإسناده حسن. وأخرج الطبري من طريق يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن علية قال حدثنا خالد الحذاء، عن عكرمة قال {الم} قسم وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي سعيد الأشج عن ابن علية به
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
الوجه الثاني: أنها فواتح يفتح الله بها القرآن.
قال الطبري: حدثنا أحمد بن حازم الغماري قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان عن مجاهد قال: {الم} فواتح
ورجاله ثقات إلا أحمد بن حازم الغماري وهو أبو عمرو الكوفي صاحب المسند ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان متقنا. ت 276 هـ هذا وقد رواه الطبري من طرق أخرى إلى مجاهد (2) وأبو نعيم هو الفضل بن دكين. فالإِسناد صحيح.
الوجه الثالث: أنها اسم من أسماء القرآن.
قال عبد الرزاق الصنعاني: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: {الم} قال: اسم من أسماء القرآن رجاله ثقات وإسناده صحيح، وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق به.
الوجه الرابع: أنها اسم من أسماء الله.(38/116)
قال البيهقي: وأخبرنا أبو الحسين بن بشران، ثنا دعلج بن أحمد، ثنا محمد بن سليمان، حدثنا عبيد الله بن موسى، ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن السدي قال: فواتح السور من أسماء الله عز وجل وإسناده صحيح إلى السدي- وهو الكبير- فرجاله ثقات إلى السدي إلا محمد بن سليمان وهو ابن الحارث الباغندي اختلف فيه (1) ولكن قد روي من طرق أخرى إلى السدي (2)
سورة البقرة 2
قوله تعالى {ذلِكَ اْلْكِتَابُ}
قال الطبري: حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن علية قال: أخبرنا خالد الحذاء عن عكرمة قال: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} هذا الكتاب وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي سعيد الأشج عن ابن علية به.
وإسناده صحيح تقدم، وقد روي عن مجاهد والسدي وابن جريج نحوه واستنادا على هذه الرواية يكون معنى الكتاب: القرآن لأن الإِشارة إليه، واختصاص ذلك بالإشارة للبعيد حكم عرفي لا وضعي، فإن العرب تعارض بين اسمي الإشارة، فيستعملون كلا منهما مكان الآخر، وهذا معروف في كلامهم، وفي التنزيل من ذلك آيات كثيرة. ومن جرى على أن ذلك إشارة للبعيد يقول: إنها صحت الإشارة بذلك، هنا إلى ما ليس ببعيد، لتعظيم المشار إليه، ذهابا إلى بعد درجته وعلو مرتبته ومنزلته في الهداية والشرف
قوله تعالى {لا رَيْبَ فِيهِ}
قال عبد الرزاق الصنعاني: أخبرنا معمر عن قتادة {لا رَيْبَ فِيهِ} يقول: لاشك فيه.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وأخرجه الطبري من طريق الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق به
قال ابن أبى حاتم الرازي: ولا أعلم في هذا الحرف اختلافا بين الَمفسرين، منهم: ابن عباس، وسعيد بن جبير، وأبو مالك، ونافع مولى ابن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وأبو العالية، والربيع بن أنس وقتادة، ومقاتل بن حيان، والسدي، وإسماعيل بن أبي خالد.
قوله تعالى {هُدَىً}(38/117)
قال الطبري: حدثني أحمد بن حازم الغماري قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن بيان، عن الشعبي: {هُدَىً} قال: هدى من الضلالة وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبيه عن أبي نعيم وعيسى بن جعفر عن سفيان، ومن طريق عبد الرزاق عن الثوري به وسفيان هو الثوري وبيان هو ابن بشر الأحمسي، وأبو نعيم هو الفضل بن دكين. وإسناده صحيح.
قوله تعالى {لِلْمُتَّقِينَ}
قال ابن ماجه: حدثنا هشام بن عمار، ثنا يحيى بن حمزة، ثنا زيد بن واقد، ثنا مغيث بن سمي عن عبد الله بن عمرو، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد (1)
قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رواه البيهقي في سننه من هذا الوجه (2) . وصححه أيضاً الشيخ الألباني.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى أنبأ أبوغسان محمد بن عمرو زنيج، ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: يقول الله سبحانه وبحمده {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته بالتصديق بما جاء منه.
وإسناده حسن تقدم.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى، ثنا العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع حدثني سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} من هم؟ نعتهم الله فأثبت نعتهم ووصفهم
وإسناده صحيح تقدم.(38/118)
وقد عدد الله تعالى أصنافا من المتقين في قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} .
سورة البقرة 3
قوله تعالى {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}
وقال سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد قال كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً فذكرنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما سبقونا به فقال عبد الله: إن أمر محمد كان بيّناً لمن رآه والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيماناً أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} - إلى قوله - {الْمُفْلِحُونَ} (1)
قال الدارمي: أخبرنا أبو المغيرة قال: ثنا الأوزاعي ثنا أسيد بن عبد الرحمن، عن خالد بن دريك، عن ابن محيريز قالت: قلت لأبي جمعة رجل من الصحابة: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، أحدثك حديثا جيدا، تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقال: يا رسول الله، أحد خير منا؟ أسلمنا وجاهدنا معك، قال "نعم، قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني " (2)
وأخرجه ابن أبي حاتم، وابن مردوية (3) والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (4) وأخرجه الواحدي (5) ، كلهم من طريق الأعمش به.(38/119)
قال الطبري: حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان، عن عاصم، عن زرِّ قال: {بِالْغَيْب} : القرآن وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي سعيد الأشج عن أبي أحمد الزبيري به. وإسناده حسن وعاصم هو ابن بهدلة بن أبي النجود معروف بالرواية عن زر بن حبيش وبرواية الثوري وابن عيينة عنه
وقال الطبري: حدثنا بشر بن معاد العقدي، قال: حدثنا لزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب} ، قال: آمنوا بالجنة والنار، والبعث بعد الموت، وبيوم القَيامة، وكل هذا غيب وإسناده حسن.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا عثمان بن الأسود، عن عطاء بن أبي وباح في قول الله عز وجل {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب} فقال: من آمن بالله فقد آمن بالغيب
وصفوان هو ابن صالح معروف بالروايه عن الوليد بن مسلم وبرواية أبي زرعة الرازي عنه ورجاله نّقات وإسناده صحيح.
وقال أيضا: حدثنا أبي، ثنا شهاب بن عباد، ثنا إبراهيم بن حميد عن إسماعيل بن أبي خالد {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب} قال: بغيب الإسلام
وإسناده صحيح.
وذكر ابن كثير هذه الأقوال ثم قال: فكل هذه متقاربة في معنى واحد لأن جميع هذه المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به(38/120)
قال مسلم في صحيحه: حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا وكيع عن كهمس، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر، وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، وهذا حديثه: حدثنا أبي. حدثنا كهمس عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر، قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي. فقلت: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر. وأن الأمر أنف. قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني. والذي يحلف به عبد الله بن عمر! لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شد يد سواد الشعر. لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد. حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه. ووضع كفيه على فخذيه. وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" قال: صدقت، فعجبنا له، يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإِيمان، قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإِحسان، قال: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ". قال: فأخبرني عن الساعة قال: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل "قال: فأخبرني عن أمارتها، قال: "أن تلد الأمة ربتها.(38/121)
وأن ترى الحفاة العراة، العالة، رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق، فلبثت مليا، ثم قال لي: "يا عمر! أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم " (1)
وأخرجه البغوي من طريق يزيد بن هارون عن كهمس به ثم نقل عن الفراء أنه قال: فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الإسلام في هذا الحديث اسما لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإِيمان، أو التصديق بالقلب ليس من الإِسلام، بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد، وجماعها الدين ولذلك قال: "ذلك جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم ". ثم ساق حديثا صحيحاً ليدلل على أن الأعمال من الإيمان
قال الطبري: حدثني محمد بن عمرو بن العباس، الباهلي، قال: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، قال: حدثنا عيسى بن ميمون المكي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة في المنافقين ورجاله ثقات وإسناده صحيح تقدم وأخرجه الثوري بلفظه وأخرجه آدم في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح به. وأخرجه الواحدي من طريق شبل عن ابن أبي نجيح به
قوله تعالى {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ}
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى، أنبأ أبو غسان محمد بن عمرو زنيج، ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال: فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرعن ابن عباس: يقول الله سبحانه وبحمده {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} يقيمون الصلاة بفرضها وإسناده حسن تقدم.
قوله تعالى {وَممَّا رَزَقنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}
وبالإسناد الحسن المتقدم الذي رواه ابن أبي حاتم إلى ابن عباس {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} يؤتون الزكاة احتسابا بها(38/122)
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى أنبأ العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع، ثنا سعيد، عن قتادة {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ، فأنفقوا مما أعطاكم الله، فإنما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
وقال الطبري: حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} قال: زكاة أموا لهم
وسنده حسن.
سورة البقرة 4
قوله تعالى {وآلَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِمَاَ أُنزِلَ إلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ من قَبْلِكَ} روى الطبري وابن أبي حاتم بالإِسناد المتقدم عن ابن إسحاق ... عن ابن عباس {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} أي يصدقونك بما جئت من الله وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرقون بينهم ولا يجحدون بما جاؤهم به من ربهم.
وروى ابن أبي حاتم بالإسناد المتقدم عن قتادة قوله {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} فآمنوا بالفرقان وبالكتب التي قد خلت قبله من التوراة والزبور والإِنجيل
قوله تعالى {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}
قال عبد الرحمن بن يزيد بن رستة الحافظ في كتاب (الإيمان) : ثنا أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء، أخبرنا الأعمش، عن أبي ظبيان ح ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي ظبيان عن علقمة عن عبد الله قال: الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله.
رواه الحافظ ابن حجر بإسناده إلى ابن رستة به، ثم قال: وهذا موقوف صحيح وصححه العيني
وأخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ والحاكم كلاهما من، طريق الأعمش به وصححه الحاكم ووافقه الذهبي(38/123)
روى الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن المتقدم إلى ابن عباس {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} أي: بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان، أي لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان قبلك ويكفرون بما جاءك من ربك
سورة البقرة 5
قوله تعالى {أُولَئِكَ عَلى هُدىً مِن رَّبِهمْ}
روى الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن المتقدم إلى ابن عباس قال: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} أي على نور من ربهم، واستقامة على ما جاءهم
قوله تعالى {وأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
روى الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن المتقدم إلى ابن عباس: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما منه هربوا
قال ابن أبي حاتم: أخبرنا موسى بن هارون الطوسي فيما كتب إلي ثنا الحسن بن محمد المروذي، ثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن قتادة {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} قال: قوم استحقوا الهدى والفلاح بحق، فأحقه الله لهم، وهذا نعت أهل الإيمان
ورجاله ثقات وإسناده.
سورة البقرة 6
قوله تعالى {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}
أخرج الطبر ي بسنده عن طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره الله جل ثناؤه أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول.
وإسناده حسن.(38/124)
وروى الطبري وابن أبي حاتم بالإِسناد الحسن المتقدم عن محمد ابن إسحاق.... عن ابن عباس {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي بما أنزل إليك وإن قالوا: إنا قد آمنا بما جاءنا من قبلك، {إ ِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} أي أنهم قدكَفروا بما عندهم من ذكرك وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق فقد كفروا بما جاءك، وبما عندهم مما جاءهم غيرك، فكيف يسمعون منك إنذارا وتحذيرا، وقد كفروا بما عندهم من علمك.
سورة البقرة 7
قوله تعالى {خَتَم الله عَلَى قُلُوبِهِمْ}
أخرج مسلم بسنده عن حذيفة، قال "كنا عند عمر. فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل. قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة. ولكن أيكم سمع النبي-صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا، قال: أنت، لله أبوك! قال حذيفة:
سمعت رسوله الله صلى الله عليه وسلم يقول "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا؟ فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكته بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا (1) ، كالكوز مُجَخِّيا (2) لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه "قال حذيفة: وحدثته، أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر. قال عمر: أكسراً، لا أبالك! فلو أنه فتح لعله كان يعاد. قلت: لا. بل يكسر. وحدثته، أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت. حديثا ليس بالأغاليط. قال أبو خالد: فقلت لسعد: يا أبا مالك! ما أسود مرباد ا؟ قال: شدة البياض في سواد. قال، قلت: فما الكوز مجخيا؟ قال: منكوسا (3) .
وذكره ابن كثير في التفسير مختصرا(38/125)
قال الإمام أحمد: حدثنا صفوان بن عيسى، أخبرنا محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت، حتى يعلو قلبه ذلك الرين الذي ذكر الله عز وجل في القرآن: {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (1)
أخرجه الترمذي وابن ماجة من طريق محمد بن عجلان به، وقال الترمذي حسن صحيح، وأخرجه الطبري والحاكم من طريق صفوان بن عيسى به، وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي، وصححه الألباني وأحمد شاكر.
وقال الطبري: فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله عز وجل والطبع، فلا يكون للإيمان إليها مسلك، ولا للكفر منها مخلص، فذلك هو الطبع. والختم الذي ذكره الله تبارك وتعالى في قوله: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِم} ، نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف، التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها، فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم، إلا بعد فضه خاتمه وحله رباطه عنها
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} أي عن الهدى أن يصيبوه أبدا بغير ما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك، حتى يؤمنوا به، وإن آمنوا بكل ما كان قبلك.
وأخرج ابن أبي حاتم بالإسناد الصحيح من طريق شيبان عن قتادة قال: استحوذ عليهم الشيطان إذا أطاعوه فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون.
قوله تعالى {وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أبْصَارِهِمْ}(38/126)
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: لا يخفى أن الواو في قوله: {وَعَلَى سَمْعِهِم ْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ} محتملة في الحرفين أن تكون عاطفة على ما قبلها، وأن تكون استئنافية. ولم يبين ذلك هنا، ولكن بين في موضع آخر أن قوله {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} معطوف على قوله {عَلَى قُلُوبِهِمْ} وأن قوله {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ} استئناف والجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو {غِشَاوَةٌ} وسوغ الابتداء بالنكرة فيه اعتمادهما على الجار والمجرور قبلها. ولذلك يجب تقديم هذا الخبر، لأنه هو الذي سوغ الابتداء بالمبتدأ.... فتحصل أن الختم على القلوب والأسماع، وأن الغشاوة على الأبصار وذلك في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} (1) . فإن قيل: قد يكون الطبع على الأبصار أيضا. كما في قوله تعالى في سورة النحل {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} الآية. فالجواب: أن الطبع على الأبصار المذكور في آية النحل: هو الغشاوة المذكورة في سورة البقرة والجاثية، والعلم عند الله تعالى.
سورة البقرة 8
قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءامَنَّا بِالله وَبِاليَوْمِ الآخِرِ وَمَاهُم بِمُؤْمِنِينَ}
وهذا الصنف من الناس هم المنافقون كما سماهم الله تعالى في مطلعٍ سورة المنافقون {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} وقال أيضا {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} (2) .
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يذكر هنا بيانا عن هؤلاء المنافقين، وصرح بذكر بعضهم بقوله {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} .(38/127)
ونهى تعالى رسوله عن الصلاة عليهم والدعاء لهم فحينما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله ابن أبي بن سلول أنزل الله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِه} .
كما بين سبحانه وتعالى بعض صفاتهم في قوله تعالى {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} (1)
وقد عرفنا النبي صلى الله عليه وسلم على بعض صفاتهم حتىِ نحذرهم ولكي لانتصف بها، فأخرج الشيخان بسنديهما عن أبىِ هريرة مرفوعاَ "أربع من كن فيه كان مناففا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" واللفظ للبخاري.
وأخرجا أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان".
وأخرج مسلم بسنده عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة".
وقد أخبر سبحانه وتعالى عن مصيرهم الرهيب فقال {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّار} .
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} ، يعني المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم.
وإسناده حسن.
سورة البقرة 9
قوله تعالى {يُخَادِعُونَ الله وَالَّذِينَءَامَنُوا}(38/128)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى أنبأ العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} ، نعت المنافق عند كثير: خنع الأخلاق يصدق بلسانه، وينكر بقلبه، ويخالف بعمله، ويصبح على حال، ويمسي على غيره، ويمسي على حال، ويصبح على غيره، يتكفأ تكفأ السفينة كلما هبت ريح هبت معها. وإسناده صحيح.
قوله تعالى {وَمَا يَخْدَعُونَ إلا أَنْفُسَهمْ وما يشعرون}
قال الطبري: حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب قال: سألت ابن زيد عن قوله {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} قال: ما يشعرون أنهم ضروا أنفسهم، بما أسروا من الكفر والنفاق، وقرأ قول الله تعالى ذكره {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً}
قال: هم المنافقون حتى بلغ {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ} (1) ، قد كان الإِيمان ينفعهم عندكم.
وهذا من قبيل تفسير القرآن بالقرآن ولهذا أوردته هنا، وابن وهب هو عبد الله وابن زيد هو عبد الرحمن، والإسناد إليه صحيح.
قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن قتادة في قوله {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} ، حتى بلغ {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} ، قال: هذه في المنافقين.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
سورة البقرة 10
قوله تعالى {في قلوبِهِم مَرَضٌ}
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق محمد ابن إسحاق عن ابن عباس {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض} أي شك، ثّم قال ابن أبي حاتم: وكذا روى عن مجاهد والحسن وعكرمة والربيع بن أنس والسدي وقتادة.(38/129)
وقال أيضا: حدثنا أبو زرعة، ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن مالك بن دينار، عن عكرمة {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض} قال: الزنا (1) .
ورجاله ثقات إلا مالك بن دينار صدوق فالإسناد حسن.
وقال أيضا: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض} قال: ذلك في بعض أمور النساء (2) . ورجاله ثقات على شرط الشيخين إلا أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة، فالإسناد صحيح.
قوله تعالى {فَزَادَهُم الله مَرَضاً}
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن من طريق ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس: {فَزَادَهُم الله مَرَضاً} أي: شكا.
قال الطبري: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} ، قال زادهم رجسا، وقرأ قول الله عز وجل {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} قال: شرا إلى شرهم، وضلالة إلى ضلالتهم.
وإسناده صحيح إلى ابن زيد وهو عبد الرحمن. وهذا التفسير من قبيل تفسير القرآن بالقرآن، وذكره ابن كثير ثم قال: وهذا الذي قاله عبد الرحمن رحمه الله حسن، وهو الجزاء من جنس العمل، وكذلك قاله الأولون، وهو نظير قوله تعالى أيضا {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ْْ} (3) .
قوله تعالى {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}
قال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد العسقلاني ثنا آدم، ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} قال: الأليم: الموجع في القرآن كله.
ثم قال: وكذلك فسره سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وقتادة وأبو مالك وأبو عمران الجوني ومقاتل بن حيان.(38/130)
وإسناد ابن أبي حاتم إلى أبي العالية جيد تقدم.
سورة البقرة 11-12
قوله تعالى: {وَإذا قِيلَ لَهُم لا تفسدوا في الأرْض قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصلِحُون ألاْ إنَّهُمْ هُمُ اْلمُفْسِدُونَ ولَكِن لايَشْعُرُون}
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: في قوله {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} يعني لا تعصوا في الأرض، وكان فسادهم ذلك معصية الله لأنه من عصى الله في الأرض، أو أمر بمعصية الله فقد أفسد في الأرض لأن إصلاح الأرض والسماء بالطاعة (1) .
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن من طريق ابن إسحاق قال: فيما حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} أي: إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} قال: هم المنافقون.
سورة البقرة 13
قوله تعالى {وإذا قِيلَ لَهُم آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء ألا إنَّهُم هُمُ السُفَهَاءُ ولَكن لا يعلمون}
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية {قَالُوا أنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء} يعنون: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
سورة البقرة 14
قوله تعالى: {وإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا}
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن ابن إسحاق قال: فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {وإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} أن صاحبكم رسول الله، ولكنه إليكم خاصة.
قوله تعالى: {وإذا خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إنَّا مَعَكُمْ إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ}(38/131)
وبه عن ابن عباس {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} من يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. وأخرجه أيضاً الطبري.
وأخرج الطبري عن بشر بن معاد العقدي قال: حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد، عن قتادة: قوله {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} أي: رؤسائهم في الشر وإسناده حسن.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} قال: إذا خلا المنافقون إلى أصحابهم من الكفار. وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن من طريق ابن إسحاق قال: فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} أي: إنا على مثل ما أنتم عليه.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} إنما نستهزئ بهؤلاء القوم ونسخر بهم.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشياطين من الإنس والجن كما تقدم في الاستعاذة.
سورة البقرة 15
قوله تعالى {الله يستهزئ بِهِمْ ويَمُدُّهُم فِي طُغْيانِهِم يَعْمَهُون}
أخرج الطبري من طريق ابن المبارك، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الحجاج بن محمد كلاَهما عن ابن جريج قراءة عن مجاهد يمدهم قال: يزيدهم (1) . واللفط للطبري.
وإسناده صحيح.
وأخرج ابن أبى حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية قوله {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} يعني يترددون. يقول زادهم ضلالة إلى ضلالتهم وعمى إلى عماهم.
وبه في قوله {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ} يعني: في ضلالتهم.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} أي في ضلالتهم يعمهون.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس {يَعْمَهُونَ} قال يتمادون.
سورة البقرة 16
قوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِين اشْترَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى}(38/132)
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة قوله {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} قال: استحبوا الضلالة على الهدى.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن من طريق محمد ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} أي الكفر بالإيمان.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} آمنوا ثم كفروا.
قوله تعالى {فَمَا رَبِحت تِجَارَتُهُم وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن قتادة في قوله {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} قال: هذه في المنافقين.
وأخرج أيضا عن محمد بن يحيى: أنبأ العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد بن أبىِ عروبة عن قتادة في قوله {فَمَا رَبِحت تِجَارَتُهُم وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} قد والله رأيتموهم فخرجوا من الهدى إلى الضلالة ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة، يقول {فَمَا رَبِحت تِجَارَتُهُم وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} .
وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري من طريق بشر بن معاذ عن يزيد به
سورة البقرة 17
قوله تعالى: {مَثَلُهم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوقَدَ نَاراً فَلَمَّا أضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَب الله بِنُورهِم وَتَركَهُم فِي ظُلمَات لا يُبْصِرُونَ}
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} إلى آخر الآية: هذا مثل ضربه الله للمنافقين أنهم كانوا يعتزون بالإِسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العز كما سلب صاحب النار ضوءه {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَات} يقول: في عذاب.
وإسناده حسن.(38/133)
وأخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبيرعن ابن عباس قال: ضرب الله للمنافقين مثلا فقال {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ} أي يبصرون الحق ويقولون به، حتى إذا خرجوا به من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم ونفاقهم فيه، فتركهم في ظلمات الكفر، فهم لا يبصرون هدى ولا يستقيمون على حق.
وأخرج ابن أبي حاتم جزءا منه من طريق ابن إسحاق به.
سورة البقرة 18
قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ}
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} يقول: لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه.
وإسناده حسن.
وأخرج الطبري من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} عن الخير.
وبه {فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} أي فلا يرجعون إلى الهدى ولا إلى خير فلا يصيبون نجاة ما كانوا على ما هم عليه.
وإسناده حسن.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة {فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} أي: لا يتوبون ولا يذكرون.(38/134)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} الآية ظاهر هذه الآية أن المنافقين متصفون بالصمم والبكم، والعمى. ولكنه تعالى بين في موضع آخر أن معنى صممهم، وبكمهم، وعماهم، هو عدم انتفاعهم بأسماعهم، وقلوبهم، وأبصارهم وذلك في قوله جل وعلا {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} (1) (2) .
سورة البقرة 19
قوله تعالى {أوْكَصَيِّبِ مِنَ السَّمَاء}
قال البخاري: حدثنا محمد- هو ابن مقاتل أبو الحسن المروزي- قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا عبيد الله، عن نافع، عن القاسم بن محمد عن عائشة"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: صيباَ نافعاً " (3) .
أخرج الطبري عن محمد بن إسماعيل الأحمسي قال: حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس في قوله {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} قال: القطر.
ورجاله ثقات إلا هارون لا بأس به فالإِسناد حسن: ومحمد بن عبيد هو الطنافسي معروف بالرواية عن هارون بن عنترة.
وأخرجه إبراهيم الحربي في (غريب الحديث) من طريق الثوري عن هارون بلفظ: المطر، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أحمد بن بشير عن هارون به ثم قال: وكذلك فسره أبو العالية والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعطية العوفي وقتادة وعطاء الخراساني والسدي والربيع ابن أنس. ورواه البخاري معلقا عن ابن عباس بصيغة الجزم بلفظ: المطر. ووصله الطبري بسنده من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الصيب: المطر. وإ سناده حسن.(38/135)
قوله تعالى: {فِيه ظُلمَاتٌ وَرعدٌ وبرقٌ يَجعلونَ أصَابعَهُم فِي آذانهم مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذرَ المَوت والله مُحِيط بِالكَافِرين}
أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبى طلحة عن ابن عباس {فِيهِ ظُلُمَاتٌ} . يقول: ابتلاء.
وإسناده حسن.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما من طريق محمد بن إسحاق قال: فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبيرعن ابن عباس {فِيهِ ظُلُمَاتٌ} أي هم في ظلمة ما هم فيه من الكفر والحذر من القتل على الذي هم عليه من الخلا ف والتخوف لكم على مثل ما وصف من الذي هو في ظلمة الصيب.
وإسناده حسن.
أخرج الإمام أحمد والترمذي (1) والنسائي وابن أبي حاتم من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال: ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب بيده أو في يده مخاريق من نار يزجر به السحاب ويسوقه حيث أمره الله. قالوا: فما هذا الصوت الذي يسمع؟ قال: صوته. قالوا: صدقت. واللفظ لابن أبي حاتم وقد ساقه مقتصرا على موضع تفسير الرعد والحديث طويل، وقال الترمذي: حسن غريب وفي تحفة الأحوذي: حسن صحيح غريب. وذكره الهيثمي ونسبه إلى أحمد والطبراني:وقال: رجالهما ثقات. وصححه أحمد شاكر في تعليقه على مسند أحمد، والألباني في صحيح سنن الترمذي
وأخرج ابن أبى حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} والله منزل ذلك بهم من النقمة أي محيط بالكافرين.
وأخرج عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} قال: الله جامعهم.
وإسناده حسن. وأخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن بن صباح عن شبابة به وزاد قوله: يعني يوم القيامة. وهذه الزيادة من ابن أبي حاتم أو من الحسن.
---(38/136)
(1) الصحيح - صلاة المسافرين - باب قراءة القرآن وسورة البقرة رقم 804
(2) الصحيح - صلاة المسافرين - باب استحباب صلاة النافلة رقم 780.
(3) صحيح البخاري - فضائل القرآن - باب نزول السكينة والملائكة9/93، 5018 وصحيح مسلم - صلاة المسافرين - باب نزول السكينة لقراءة القرآن رقم 796.
(4) مسند 6/73.
(5) مجمع الزوائد 7/ 162.
(6) المستدرك 1/ 564.
(7) موسوعة فضائل سور وآيات القرآن 1/ 124، 125.
(8) سنن الدارمي: كتاب فضائل القرآن، باب فضل من قرأ القرآن، 2/ 429.وأخرجه أبو القاسم ابن منده في الرد على من يقول الم حرف (ص 44) من طريق عبد الرزاق عن سفيان به. وقد صححه الألباني في عدة مواضع (انظر السلسلة الصحيحة رقم 660، وصحيح الجامع رقم 6345) .
(9) التفسير رقم 236.
(10) التفسير رقم 237.
(11) التفسير سورة البقرة رقم 52.
(12) التفسير رقم 229.
(13) نظر تذكرة الحفاظ ص 594.
(14) لتفسير رقم 228.230، 231.
(15) التفسير رقم 31.
(16) التفسير رقم 225.
(17) التفسير سورة آل عمران رقم 10.
(18) الأسماء والصفات ص 120.
(19) نظر لسان الميزان 5/186 وسير أعلام النبلاء13/386
(20) نظر تفسير الطبري رقم 233- 2335
(21) التفسير رقم 248.
(22) تفسير سورة البقرة رقم 3 5.
(23) انظر تفسير الطبري رقم 247، 249، 250 وتفسير ابن أبي حاتم بعد الموضع السابق.
(24) انظر تفسير القاسمي 32/1-33.
(25) تفسير عبد الرزاق ص 31.
(26) التفسير رقم 257.
(27) التفسير سورة البقرة بعد رقم 55.
(28) التفسير رقم 259.
(29) التفسير سورة البقرة رقم 56، 57.
(30) السنن - الزهد - باب الورع والتقوى رقم 4216.
(31) مصباح الزجاجة 3/ 299 رقم 04 15.
(32) صحيح سنن ابن ماجة رقم 3397.
(33) تفسير سورة البقرة رقم 62.
(34) تفسير سورة البقرة رقم 64.
(35) البقرة 177.(38/137)
(1) انظر تفسير ابن كثير 1/81.
(2) سنن الدارمي: كتاب الرقاق، باب في فضل آخر هذه االأمة، 2/308.وأخرجه أحمد في مسنده (4/106) عن أبي المغيرة به، والطبراني في الكبير (4/27، رقم 3538) من طريق أبي المغيرة ويحيى بن عبد الله البابلتي كلاهما عن الأوزاعي به. ورجاله ثقات إلا أنه قد اختلف في إسناده. فأخرجه أحمد في مسنده (4/106) عن أبي المغيرة أيضا به ولكنه قال: ... حدثني صالح بن محمد قال حدثني أبو جمعة ... فذكر صالح بن محمد بدل عبد الله بن محيريز. وكذا رواه الحاكم في المستدرك (4/ 85) من طريق أبي المغيرة بهذا الإسناد فقال: صالح بن محمد. ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي. وقد ذكر الحافظ في الفتح (7/ 6) لفظ رواية أبي المغيرة عن االأوزاعي، ثم قال: وإسناده حسن وقد صححه الحاكم.
(3) تفسير سورة البقرة رقم 66.
(4) انظر تفسير ابن كثير 1/ 81 ق.
(5) المستدرك 2/ 260.
الوسيط بين المقبوض والبسيط 1/ 19.
التفسير رقم 274.
تفسير سورة البقرة رقم 69.
انظر تهذيب الكمال ل 634.
التفسير رقم 275.
تفسير سورة البقرة رقم 70.
(6) انظر تهذيب الكمال ل609.
(7) تفسير ابن أبي حاتم رقم 71.
(8) لتفسير 1/81.
(9) الإيمان ـ باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان رقم 1.
(10) معالم التنزيل 1/46.
(11) التفسير رقم 278.
(12) تفسير سفيان الثوري صلى الله عليه وسلم 41.
ص69.
(13) أسباب النزول ص19..
(14) تفسير سورة البقرة رقم 74..
(15) تفسير سورة البقرة لابن أبي حاتم رقم 77.
(16) تفسير سورة البقرة رقم 79.
(17) التفسير رقم 286.
(18) التفسير رقم 289.
(19) تفسير سورة البقرة رقم 80.
(20) تفسير سورة البقرة رقم 81.
(21) تغليق التعليق2/22.
(22) عمدة القاري1/130.
(23) انظر تغليق التعليق2/21.
(24) المستدرك2/446.(38/138)
(1) التفسير رقم 291 وتفسير سورة البقرة لابن أبي حاتم رقم 82.
(2) التفسير رقم 293 وتفسير سورة البقرة لابن أبي حاتم رقم 84.
(3) التفسير رقم 294 وتفسير سورة البقرة لابن أبي حاتم رقم 88.
(4) التفسير رقم 90.
(5) التفسير رقم 297.
(6) التفسير رقم 295، 299.
(7) تفسير سورة البقرة رقم 92.
(8) قوله مربادا: والمربد المولّع بسواد وبياض (ترتيب القاموس المحيط 2/ 286)
(9) مجخيا: مائلا (ترتيب القاموس المحيط 453/1.)
(10) الصحيح - الإيمان - باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا رقم 231.
(11) 1/ 89.
(12) المسند رقم 7941.
(13) السنن - التفسير - سورة المطففين رقم 3334.
(14) السنن - الزهد - باب ذكر الذنوب رقم 4244.
(15) التفسير رقم 304 وما بعده.
(16) المستدرك 2/ 517.
(17) صحيح ابن ماجه 2/417.
(18) تفسير الطبري رقم 304.
(19) التفسير 1/261.
(20) التفسير رقم 307.
(21) تفسير سورة البقرة رقم 94.
(22) تفسير سورة البقرة رقم 98.
(23) الجاثية 23.
(24) لنحل108.
(25) أضواء البيان 1/109،110.
(26) النساء142.
(27) أضواء البيان 1/ 110- 111 والآية في سورة التوبة 101.
(28) التوبة 84 وانظر صحيح مسلم- صفات المنافقين رقم 2774..
(29) سورة النساء143.
(30) فتح الباري- الإيمان- باب علامة المنافق رقم 34 وصحيح مسلم- الإيمان- باب بيان خصال المنافق رقم 106.
(31) نفس المصدرين السابقين رقم 33، 107.
(32) الصحيح- صفات المنافقين وأحكامهم رقم 2784.
(33) النساء145 وسيأتي تفسيرها. .
(34) فسير سورة البقرة رقم 104. .
(35) التفسير رقم 312.
(36) تفسير سورة البقرة رقم 108.
(37) المجادلة18.
(38) التفسير رقم 321.
(39) التفسير ص21.
(40) التفسير رقم 322.
(41) تفسير سورة البقرة رقم 112،؟ وانظر ما بعد 113.(38/139)
(1) سورة البقرة رقم 109.
(2) تفسير سورة البقرة رقم 110.
(3) التفسير رقم 329.
(4) تفسير سورة البقرة رقم 114.
(5) التفسير رقم 332.
(6) التفسير1/94.
(7) تفسير سورة البقرة رقم 119.
(8) التفسير رقم 121.
(9) التفسير رقم 341.
(10) التفسير رقم 124.
(11) التفسير رقم 125.
(12) التفسير رقم 130
(13) التفسير رقم 134.
(14) التفسير رقم 137.
(15) التفسير رقم 350.
(16) التفسير رقم 352.
(17) التفسير رقم 354.
(18) التفسير رقم 141.
(19) التفسير رقم 361.
(20) التفسير رقم 365.
(21) التفسير رقم 145.
(22) التفسير رقم146،147.
(23) التفسير رقم368.
(24) التفسير رقم372.
(25) التفسير رقم 149.
(26) التفسير رقم152.
(27) التفسير رقم 380.
(28) التفسير رقم 153.
(29) التفسير رقم383.
(30) التفسير رقم156،157.
(31) التفسير رقم385.
(32) التفسير رقم387.
(33) التفسير رقم158،167.
(34) التفسير رقم 386.
(35) التفسير رقم 168.
(36) التفسير رقم 399
(37) التفسير رقم 173.
(38) التفسير رقم 398.
(39) التفسير رقم 404.
(40) التفسير رقم180.
(41) الأحقاف26.
(42) أضواء البيان1/1.
(43) فتح الباري2/518.
(44) التفسير رقم405.
(45) تهذيب الكمال ل1430.
(46) انظر تغليق التعليق2/394.
(47) التفسير رقم181.
(48) فتح الباري2/518.
(49) التفسير رقم407.
(50) التفسير رقم183.
(51) التفسير رقم451.
(52) التفسير رقم184.
(53) المسند رقم2483.
(54) السنن _ التفسير سورة الرعد رقم 3117.
(55) في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف4/394.
(56) التفسير رقم186.
(57) تحفة الأحوذي8/542_544.
(58) مجمع الزوائد8/242
(59) المسند رقم2483.
(60) رقم2492.
(61) التفسير رقم200.(38/140)
(1) انظر تغليق التعليق4/171،172.
(2) التفسير رقم 202.(38/141)
تابع لتفسير الصحيح
سورة البقرة 20
قوله تعالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ}
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} يقول: يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين.
وإسناده حسن.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} أي: لشدة ضوء الحق.
وإسناده حسن.
قوله تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا}
وأخرجا أيضا بالإسناد الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} يقول: كلما أصاب المنافقون من الإسلام عزا اطمأنوا وإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر. يقول: {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} كقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (1) . واللفظ للطبري.
وأخرجا من طريق ابن إسحاق بالإسناد الحسن عن ابن عباس. {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} أي: يعرفون الحق ويتكلمون به، فهم من قولهم به على استقامة، فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا متحيرين.(38/142)
وأخرج ابن أبي حاتم قال: حدثنا عصام بن رواد العسقلاني بها، ثنا آدم، ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} فمثله كمثل قوم ساروا في ليلة مظلمة لها مطر ورعد وبرق على جادة كلما أبرقت أبصروا الجادة فمضوا فيها، فإذا ذهب البرق تحيروا فكذلك المنافق كلما تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له، وكلما شك تحير ووقع في الظلمة.
وإسناده جيد، وأخرجه الطبري من طريق عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه به.
وقال ابن أبي حاتم: وروي عن الحسن وقتادة والسدي والربيع بن أنس نحو ذلك.
قوله تعالى {وَلَو شَاءَ الله لذَهَبَ بِسمْعِهِم وأبْصَارِهِم}
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق ابن إسحاق بسنده إلى ابن عباس {وَلَو شَاءَ الله لذَهَبَ بِسمْعِهِم وأبْصَارِهِم} أي لما تركوا من الحق بعد معرفته.
وإسناده حسن.
سورة البقرة 21
قوله تعالى: {يَا أيُّهَا النِّاس اعْبُدُوا رَبَّكُم}
أخرج الطبري (1) وابن أبي حاتم (2) بسنديهما عن ابن إسحاق بسنده الحسن إلى ابن عباس قال: قال الله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} للفريقين جميعا من الكفار والمنافقين، أي وحدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم.(38/143)
قال الإمام أحمد: ثنا عفان، ثنا أبو خلف موسى بن خلف كان يعد من البدلاء قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن جده ممطور، عن الحارث الأشعري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فكاد يبطئ فقال له عيسى: إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وأن تأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فإما أن تبلغهن وإما أبلغهن فقال له: يا أخي إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي قال: فجمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد وقعد على الشرف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله عز وجل أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وأمركم أن تعملوا بهن أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، فإن مثل ذلك مثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بورق أو ذهب فجعل يعمل ويؤدي عمله إلى غير سيده فأيكم يسُره أن يكون عبده كذلك؟ وإن الله عز وجل خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأمركم بالصلاة فإن الله عز وجل ينصب رجل معه صرة من مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فشدوا يديه إلى عنقه وقربوا ليضربوا عنقه فقال هل لكم أن أفتدي نفسي منكم فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه، وأمركم بذكر الله كثيرا وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل (1) .
قال ابن كثير بعد أن ساق الحديث: هذا حديث حسن والشاهد منه في هذه الآية قوله: "وإن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا"، وهذه الآية دالة على توحيده تعالى بالعبادة وحده لا شريك له. ا. هـ
قوله تعالى {الَّذِي خَلَقَكُم والَّذِينَ مِن قَبْلِكُم}(38/144)
بين الله تعالى أطوار خلق الإنسان في سورة المؤمنون فقال {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (1) .
قوله تعالى {لَعَلَّكُم تَتَّقُون}
أخرج ابن أبي حاتم عن موسى بن عبد الرحمن المسروقي، ثنا أبو داود الحفري، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد {لَعَلَّكُم تَتَّقُون} لعلكم تطيعونه.
ورجاله ثقات وسفيان هو الثوري وأبو داود الحفري اسمه: عمر بن سعد ابن عبيد الكوفي، وإسناده صحيح، وأخرجه الطبري من طريق ابن وكيع عن أبيه عن سفيان به (2) . .
سوره البقرة 22
قوله تعالى {الَّذِي جَعَلَ لكُم الأرْضَ فِرَاشاً}
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} قال: مهادا. .
وأخرجه محمد بن يوسف الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظه (3) . .
وإسناده حسن.
قوله تعالى: {والسَّمَاء بنِاءً}
أخرج الطبري عن بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة في قول الله {والسَّمَاء بنِاءً} قال: جعل السماء سقفا لك (4) . ويزيد هو ابن زريع، وسعيد هو ابن أبي عروبة، والإِسناد حسن.
قوله تعالى {وأَنزَلَ مِن السَّمَاء مَاءً}
روى ابن أبي حاتم عن أبيه، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عباد بن العوام، ثنا سفيان بن حسين، عن الحكم، عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: يرسل الله الريح فتحمل الماء من السحاب فيمر به السحاب فتدر كما تدر الناقة، وثجاج مثل العزالي غير أنه متفرق. .(38/145)
ورجاله ثقات والحكم هو ابن عتيبة الكندي معروف برواية سفيان ابن حسين عنه وهو مدلس لكن تدليِسه لا يضر لأنه من مدلسي الطبقة الثانية كما قرر الحافظ ابن حجر. ورواية سفيان بن حسين عن الزهري فيها مقال لكنه لم يرو هنا عن الزهري. والإسناد صحيح.
قوله تعالى {فَلاَ تَجْعَلُوا لله أندَاداً}
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة {فَلاَ تَجْعَلُوا لله أندَاداً} أي عدلاء. .
وأخرج ابن أبي حاتم بإ سناده الجيد عن أبي العالية في قوله {أَنْدَاداً} أي عدلا شركا، ثم قال: وروي عن الربيع بن أنس وقتادة والسدي وأبي مالك وإسماعيل ابن أبي خالد نحو ذلك (1) . .
أخرج الشيخان في صحيحهما بسنديهما عن ابن مسعود أنه قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك (2) . .
قال الإِمام أحمد: حدثنا هشيم، أنا أجلح، عن يزيد بن الأصم، عن ابن عباس أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أجعلتني والله عدلا؟ بل ما شاء الله وحده " (3) . .
ورجاله ثقات إلا الأجلح فصدوق وإسناده حسن، وصححه أحمد شاكر والألباني.
وأخرجه النسائي وابن ماجة (4) من طريق الأجلح به، وروى هذا الحديث جمع من الصحابة بألفاظ متقاربة فأخرجه أحمد (5) والنسائي (6) بإسناد صحيح من حديث حذيفة بن اليمان، وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة من حديث عبد الله بن يسار وصححه محققه (7) . .
وأخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن رجل صحابي (8) . وأخرجه أحمد (9) وابن ماجة (10) من حديث طفيل بن سخبرة، وهو حديث طويل والشاهد فيه آخره: "لا تقولوا ما شاء الله وما شاء محمد.
قال البوصيري مشيرا إلى رواية ابن ماجة: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط مسلم. وبهذا يكون الإسناد صحيحاً لغيره وصححه الألباني. وذكره ابن كثير والسيوطي عند تفسير هذه الآية.(38/146)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبى عاصم الضحاك ابن مخلد، حدثني أبو عمر حدثني أبو عاصم، أنبأ شبيب بن بشر، ثنا عكرمة، عن ابن عباس في قوله تعالى {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً} قال الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاء سوداء، في ظلمة الليل، وهو أن يقول: والله وحياتك يا فلانة وحياتي، ويقول: لولا كلبه هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص، وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان لا تجعل فيها فلان، فإن هذا كله به شرك.
وإسناده حسن وقال مؤلف تيسير العزيز الحميد: وسنده جيد.
قوله تعالى {وأَنْتُم تَعْلَمُون} وأخرج الطبري (1) وابن أبي حاتم (2) بسنديهما إلى ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي: لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر، وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول من توحيده هو الحق لا شك فيه.
وأخرج ابن أبي حاتم قال: حدثنا محمد بن يحيى، ثنا العباس ابن الوليد، ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد، عن قتادة {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} إن الله خلقكم وخلق السموات والأرض ثم أنتم تجعلون له أندادا.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
سورة البقرة 23
قوله تعالى: {وإن كُنْتُم فِي ريبٍ مِما نزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأتوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلهِ}
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبيرعن ابن عباس {وإن كُنْتُم فِي ريبٍ مِما نزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} أي في شك مما جاءكم به.
وإسناده حسن، وأخرجه أيضا بإسناده الجيد عن أبي العاليه بلفط: في شك، ثم قال: وكذلك فسره الحسن وقتادة والربيع بن أنس (3) .(38/147)
أخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} مثل القرآن (1) .
وأخرج الطبري (2) وابن أبي حاتم (3) من طريق يزيد عن سعيد عن قتادة {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} يعني: من مثل هذا القرآن حقا وصدقا لا باطل فيه ولا كذب.
وإسناده صحيح.
قوله تعالى {وادْعُوا شُهدَاءَكُم مِن دونِ الله إن كُنتُم صَادِقِين} أخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} من استطعتم من أعوانكم على ما أنتم عليه إن كنتم صادقين.
واللفظ للطبري.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} ناس يشهدون (4)
سورة البقرة 24
قوله تعالى {فإن لَّمْ تَفْعَلوا ولَن تَفْعَلوا}
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة: {فإن لَّمْ تَفْعَلوا ولَن تَفْعَلوا} أي لا تقدرون على ذلك ولا تطيقونه (5) .
وأخرج الشيخان في صحيحيهما بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطى من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة".
واللفظ لمسلم.
وذكره ابن كثير ثم قال: وإنما كان الذي أوتيته وحيا أي: الذي اختصصت به من بينهم هذا القرآن المعجز للبشر أن يعارضوه بخلاف غيره من الكتب الإلهية فإنها ليست معجزة عند كثيرمن العلماء والله أعلم (6) .
قوله تعالى {فاتَّقُوا النَّارَ التِي وَقودُها النَّاس والحِجَارَةُ}
قال الطبري: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن مسعر عن عبد الملك بن ميسرة الزراد، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، في قوله {وَقودُها النَّاس والحِجَارَةُ} قال: هي حجارة من كبريت، خلقها الله يوم خلق السموات والأرض في السماء الدنيا، يعدها للكافرين.(38/148)
ورجاله ثقات والإِسناد صحيح، وأبو كريب هو محمد بن العلاء، وأبو معاوية: محمد بن حازم وكلاهما ثقة، وأخرجه الحاكم من طريق مسعر به، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي (1) . وتعقبه الشيخ مقبل الوادعي بقوله: والأثر على شرط مسلم فإن عبد الرحمن بن سابط ليس من رجال البخاري كما في تهذيب التهذيب والكاشف والخلاصة (2) .
وقد بين الله سبحانه في سورة الأنبياء أن الكفار وأصنامهم من هؤلاء الناس والحجارة فقال {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (3) .
قوله تعالى {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}
أخرج الطبري (4) وابن أبي حاتم بإسناديهما عن محمد ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} أي لمن كان على مثل ما أنتم عَليه من الكفر.
ووردت عدة أحاديث تدل وتؤكد على أن النار موجودة الآن ومنها ما يلي: أخرج الشيخان في صحيحيهما بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، قيل: يا رسول الله إن كانت لكافية، قال: فضلت عليهن بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها". وذكره السيوطي فى الدر المنثور (5) .
وأخرج الشيخان في صحيحيهما بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم"تاجت الجنة والنار، فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم، قال الله تبارك وتعالى للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي،وقال للنار إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار فلا تمتليء حتى يضع رجله فتقول قط قط قط، فهناك تمتليء ويزوي بعضها إلى بعض ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا، وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا".
وذكره ابن كثير مختصرا.(38/149)
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعا: إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم (1) . واللفظ للبخاري وقد أخرجه أيضا من حديث ابن عمر وذكره ابن كثير مختصرا (2)
وأخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذ سمع وجبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "تدرون ما هذا؟ " قال قلنا: الله ورسوله أعلم، قال "هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النار إلى الآن حتى انتهى إلى قعرها" (3) . وذكره ابن كثير.
سورة البقرة 25
قوله تعالى: {وبَشر الَّذِينَ آمَنُوا وعمِلُوا الصَّالِحَاتِ أنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تجري مِن تحتها الأنْهَار}
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج، ثنا وكيع، عن الأعمش عن عبد الله بن مرة، عن مسروق قال: قال عبد الله: أنهار الجنة تفجر من جبل مسك.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا أنواع هذه الأنهار ولكنه بين ذلك في قوله {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّى} (4) .، (5)
فقد عقد البخاري في صحيحه بابا في صفة الجنة والنار، فساق أحاديث كثيرة في صفة الجنة وكذا مسلم في صحيحه أورد أيضا كتاباً بعنوان الجنة ونعيمها فمن أراد الاستزادة فليرجع إليهما.
أخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سيحان وجيحان، والفرات والنيل، كل من أنهار الجنة" (6) .
وذكره السيوطي في الدر المنثور.(38/150)
وقال الإمام أحمد: ثنا عفان، ثنا سليمان، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الرؤيا الحسنة وربما قال رأى أحد منكم رؤيا فإذا رأى الرؤية الرجل الذي لا يعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عنه فإن كان ليس به بأس كان أعجب لرؤياه إليه، فجاءت إليه امرأة فقالت: يا رسول الله رأيت كأني دخلت الجنة فسمعت وجبة ارتجت لها الجنة فلان بن فلان وفلان بن فلان حتى عدت اثني عشر رجلا فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم دما، فقيل اذهبوا بهم إلى نهر البيدخ أو البيدح فغمسوا فيه فخرجوا منه وجوههم مثل القمر ليلة البدر، تم أتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عليها وأتوا بصحفة فأكلوا منها فما يقلبونها لشق إلا أكلوا فاكهة ما أرادوا، وجاء البشير من تلك السرية فقال كان من أمرنا كذا وكَذا وأصيب فلاَن وفلان حتى عد اثني عشر رجلا الذين عدت المرأة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليّ بالمرأة قصّي عليّ هذا رؤياك، فقصت فقال هو كما قالت (1) .
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى من طريق أبي هشام المخزومي عن سليمان بن المغيرة به. .ورجاله ثقات وثابت هو البناني وقد تكلم فيه من جهة الاختلاط، إلا أن أبا بكر البرديجي قال: ثابت عن أنس صحيح من حديث شعبة والحمادين وسليمان بن المغيرة فهم ثقات. فالإِسناد صحيح، وذكره السيوطي ونسبه إليهما وإلى عبد بن حميد في مسنده وأبي يعلى والبيهقي في الدلائل والمقدسي في صفة الجنة وصححه أي: المقدسي صححه.
قوله تعالى: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ}
أخرج ابن أبى حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية يعني {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ} قال: كلما أوتوا منه بشيء ثم أوتوا بآخر قالوا هذا الذي أوتينا من قبل.(38/151)
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح المتقدم عن مجاهد {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} يقولون: ما أشبهه به (1) .
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة: {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} أي في الدنيا (2) .
قوله تعالى {وأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً}
أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان الواسطي، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء (3) .
ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وأخرجه سفيان الثوري عن الأعمش به، وقال الشيخ مقبل سنده صحيح على شرط الشيخين إشارة إلى طريق الثوري (4) وأخرجه الطبري من طريق محمد عبيد عن الأعمش به، ومن طريق مؤمل وابن بشار عن سفيان به (5) .
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية {وأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً} يشبه بعضه بعضا ويختلف في الطعم. ثم قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والضحاك والربيع بن أنس والسدي نحو ما حكينا عن أبي العالية (6) .
قوله تعالى {وَلَهُم فِيهَا أزْوَاجٌ مُطهَّرةٌ}
وقد بين سبحانه وتعالى أنموذجاً من طهارة الأزواج في سورة الرحمن عند قوله {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} (7) .
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا صفات تلك الأزواج ولكنه بين صفاتهن الجميلة في آيات أخر كقوله {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ} (8) ،. وقوله {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} (9) . وقوله {وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} (10) . وقوله {وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} (11) إلى غير ذلك من الآيات المبينة لجميل صفاتهن (12) .
أخرج الطبري وابن أبي حاتم (13) بالإِسناد الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله {أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} يقول: مطهر ة من القذر والأذى.(38/152)
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} قال: مطهرة من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد (1)
وأخرج الشيخان (2) بسنديهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلا ف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا."
واللفظ للبخاري.
وذكره السيوطي في الدر المنثور.
قوله تعالى: {وَهُم فِيهَا خَالِدُون}
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس {وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي خالدا أبدا يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا لا انقطاع له (3) .
سورة القرة 26
قوله تعالى: {إنَّ الله لا يَسْتَحِيي أن يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله {إنَّ الله لا يَسْتَحِيي أن يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} فإذا جاءت آجالهم، وانقطعت مدتهم صاروا كالبعوضة، تحيا ما جاعت وتموت إذا رويت، فكذلك هؤلاء الذين ضرب لهم هذا المثل إذا امتلئوا من الدنيا ريا أخذهم الله فأهلكهم.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم عن الحسن بن أبي الربيع قال: أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة قال: لما ذكر الله تبارك وتعالى العنكبوت والذباب قال المشركون: ما بال العنكَبوت والذباب يذكران؟ فأنزل الله {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} ، ثم قال ابن أبي حاتم: وروى عن الحسن وإسماعيل بن أبي خالد نحو قول السدي وقتادة (4) .(38/153)
والإسناد إلى قتادة حسن وكون هذا السبب روي من طرق أخرى فإن هذه الطرق المرسلة يقوي بعضها بعضا.
قوله تعالى {فَأمَّا الَّذِين آمَنُوا فَيَعْلَمُون أنَّهُ الحَقَّ مِن رَّبهِم وأمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذا أرَادَ الله بِهَذَا مَثَلاً يُضلُّ بِهِ كَثيرَاً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً}
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قوله {مَثَلاً مَا بَعُوضَةً} يعني الأمثال صغيرها وكبيرها يؤمن بها المؤمنون ويعلمون أنها الحق من ربهم ويهديهم الله بها ويضل بها الفاسقين يقول: يعرفه المؤمنون فيؤمنون به، ويعرفه الفاسقون فيكفرون به (1) .
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} يعني: هذا المثل (2) .
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة: قوله {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} أي يعلمون أنه كلام الرحمن وأنه الحق من الله (3) .
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرا} فهم أهل النفاق.
قوله تعالى {ومَا يُضِلُّ بِهِ إلا الفَاسِقِينَ}
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن قتادة قوله {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ} فسقوا فأضلهم الله على فسقهم (4) .
سورة البقرة 27
قوله تعالى {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِه}(38/154)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِه} إلى قوله {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} قال هي ست خصال في المنافقين إذا كانت فيهم الظهرة على الناس أظهروا هذه الخصال: إذا حدثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا أؤتمنوا خانوا ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض، وإذا كانت الظهرة عليهم أظهروا الخصال إذا حدثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا أؤتمنوا خانوا (1) .
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة: قوله {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} ، فإياكم ونقض هذا الميثاق، فإن الله قد كره نقضه وأوعد فيه، وقدم فيه في آي القرآن حجة وموعظة ونصيحة وإنا لا نعلم الله جل ذكره أوعد في ذنب ما أوعد في نقض الميثاق، فمن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه فليف به لله (2) .
أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان الواسطي، ثنا وهب بن جرير، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد قال: سألت أبي فقلت قوله {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} إلى آخر الآية، فقال هم الحرورية (3) .
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قال ابن كثير وهذا الإسناد وإن صح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فهو تفسير على المعنى لا أن الآية أريد منها التنصيص على الخوارج الذين خرجوا على علي بالنهروان فإن أولئك لم يكونوا حال نزول الآية وإنما هم داخلون بوصفهم فيها مع من دخل لأنهم سموا بالخوارج لخروجهم عن طاعة الإمام والقيام بشرائع الإسلام (4) .
قوله تعالى {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}(38/155)
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا هذا الذي أمر به أن يوصل وقد أشار إلى أن منه الأرحام بقوله {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} (1) (2) .
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} فقطع والله ما أمر الله به أن يوصل بقطيعة الرحم والقرابة (3) .
قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن الصباح ثنا يزيد بن هارون ويحيى بن عباد، وشبابة بن سوار، قالوا: ثنا شعبة عن عمرو بن قرة عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: الحرورية الذين قال الله {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} ، والسياق: ليزيد (4) .
وإسناده صحيح وانظر قول الحافظ ابن كثير آنفاً.
سورة البقرة 28
قوله تعالى {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
أخرج سفيان الثوري عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود في قوله عز وجل {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} قال: هي مثل الآية التي في أول المؤمن {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} (5) .
ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به، وأبو إسحاق هو: السبيعي وأبو الأحوص هو: عوف بن مالك.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة قوله {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} الآية قال: كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم فأحياهم الله وخلقهم تم أماتهم الموتة التي لابد منها ثم أحياهم للبعث يوم القيامة فهما حياتان وموتتان.
قوله تعالى {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}(38/156)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} قال: ترجعون إليه بعد الحياة (1) .
سورة البقرة29
قوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات}
وتفصيل هذه الآية في قوله تعالى: {أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (2) .
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة قوله {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} نعم والله سخر لكم ما في الأرض (3) .
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم (4) عن الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} قال: خلق الأرض قبل السماء، فلما خلق الأرض ثار منها دخان، فذ لك حين يقول {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات} قال: بعضهن فوق بعض وسبع أرضين، بعضهن تحت بعض.
ورجاله ثقات إلا الحسن بن يحيى صدوق فالإسناد حسن.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} يقول: ارتفع.(38/157)
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله حيث ذكر خلق الأرض قبل السماء، ثم ذكر السماء، وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات} ثم دحا الأرض بعد ذلك فذلك قوله {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (1) ...
وأخرج الطبري (2) وابن أبي حاتم (3) بالإسناد الحسن عن قتادة في قوله
{فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}
قال: بعضهن فوق بعض بين كل سماء مسيرة خمسمائة يوم.
قوله تعالى {وَهُو َبِكُلّ شيَءٍ عَلِيمٌ}
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: العالم الذي قد كمل في علمه (4) .
سورة البقرة 30
قوله تعالى {وإذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْملائكَةِ إنّي جَاعِلٌ فِي الأرضِ خَلِيفَةً}
أخرج مسلم بإسناده عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم"
(5) .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا مبارك بن فضالة، ثنا الحسن قال: قال الله للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} قال لهم إني فاعل (6) .
ورجاله ثقات إلا الحسن ومبارك فصدوقان ومبارك مدلس لا تقبل روايته إلا إذا صرح بالسماع وقد صرح فالإِسناد حسن، وأخرجه الطبري من طريق جرير بن حازم ومبارك وأبي بكر الهذلي كلهم عن الحسن وقتادة بلفظه (7) .
قال محمد بن سعد: أخبرنا هوذة بن خليفة، أخبرنا عوف، عن قسامة بن زهير، قال سمعت أبا موسى الأشعري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب وبين ذلك " (8) .(38/158)
أخرجه أحمد. والترمذي (1) عن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر عن عوف به، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أبو داود من طريق يزيد بن زريع ويحيى بن سعيد (2) ، وأخرجه الحاكم من طريق معمر كلهم عن عوف به وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (3) .
وذكره السيوطي ونسبه إليهم وإلى غيرهم (4) .
أخرج البخاري (5) ومسلم (6) بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك الملائكة فاستمع ما يحيونك، تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن " واللفظ للبخاري.
وذكره السيوطي ونسبه إليهما وإلى غيرهما.
قال مسلم: حدثنا حسن بن علي الحلواني، حدثنا أبوتوبة الربيع ابن نافع، حدثنا معاوية (يعني ابن سلام) عن زيد، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عبد الله بن فروخ، أنه سمع عائشة تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق الناس، أو شوكة أو عظما عن طريق الناس، وأمر بمعروف، أو نهى عن منكر، عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامي، فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار" قال أبو توبة: وربما قال (يمسي) (7) .
قوله تعالى {قَالوا أتَجْعلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا ويَسْفِكُ الدِّمَاء}(38/159)
قال الحاكم: أخبرني عبد الله بن موسى الصيدلاني، ثنا إسماعيل ابن قتيبة، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لقد أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يدخلها أحد قال الله تعالى {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجان فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فلما قال الله {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} يعنون الجن بني الجان، فلما أفسدوا في الأرض بعث عليهم جنودا من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور، قال فقال الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها كما فعل أولئك الجن بنو الجان قال فقال الله إني أعلم ما لا تعلمون.
وصححه ووافقه الذهبي (1) . وقد يكون هذا الخبر من أهل الكتاب ولكنه من الأخبار التي لا تخالف نصا من الكتاب والسنة.
وأخرج الطبري (2) وابن أبي حاتم (3) بالإسناد الحسن عن قتادة في قوله {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} قال كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء فذلك حين قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها.
قوله تعالى {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}
أخرج مسلم بإسناده عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده، سبحان الله وبحمده (4) .
وأخرجه البغوي في تفسيره من طريق مسلم به.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم (5) بالإسناد الحسن عن قتادة في قوله {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} قال: التسبيح، التسبيح.
وأخرج الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد {نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} قال: نعظمك.
وإسناده حسن.(38/160)
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله {وَنُقَدِّسُ لَكَ} قال: نعظمك ونكبرك (1) .
وأخرج الطبري (2) وابن أبي حاتم (3) بالإِسناد الحسن عن قتادة في قوله {وَنُقَدِّسُ لَكَ} قال: التقديس: الصلاة.
قوله تعالى {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}
قال الطبري: وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد - وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل- قالا جميعا: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} قال: علم من إبليس المعصية وخلقه لها (4) .
وإسناده صحيح، وأخرجه اللالكائي من طريق علي بن بذيمة عن مجاهد بلفظه (5) .
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} قال: علم من إبليس المعصية (6) .
وأخرجه الطبري أيضا من طرق أخرى عن مجاهد بنحوه.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قال: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} فكان في علم الله أنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنوا الجنة (7) .
أخرج البخاري (8) ومسلم (9) بإسناديهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلا ة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم- وهو أعلم بكَم-: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون ".
واللفظ للبخاري.
وذكره ابن كثير ثم قال: فقولهم أتيناهم وهم يصلون من تفسير قوله لهم {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} (10) .
قوله تعالى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا}
قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي وخلاد بن يحيى قالا: أخبرنا مسعر بن أبي حصين قال: قال لي سعيد بن جبير أتدري لم سمي آدم؟ لأنه خلق من أديم الأرض (11) .(38/161)
ورجاله ثقات إلا خلاد بن يحيى بن صفوان السلمي صدوق وقد تابعه محمد بن عبد الله الأسدي، وأبو حصين هو: عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي، والإسناد صحيح.
وأخرجه الطبري عن أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد، قال حدثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: خلق آدم من أديم الأرض، فسمي آدم (1) .
ورجاله ثقات إلا أحمد بن إسحاق وهو الأهوازي: صدوق. وأبو حصين: هو عثمان بن عاصم المتقدم في رواية ابن سعد فالإسناد حسن. وانظر إلى قوله تعالى {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} وقد ورد في الحديث المتفق عليه أن الله تعالى علمه أسماء كل شيء فأخرج البخاري (2) ومسلم (3) بسنديهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا ... " الحديث.
واللفظ للبخاري.
قال ابن حبان: أخبرنا محمد بن عمر بن يوسف، حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه، حدثنا أبو توبة، حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام، قالَ: سمعت أبا سلام قال: سمعت أبا أمامة أن رجلا قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: نعم مكلَّّّم. قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون (4) .
وذكره ابن كثير بسنده ومتنه ثم قال: وهذا على شرط مسلم ولم يخرجه، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. اهـ
وأخرجه الطبراني من طريق أبي توبة الربيع بن نافع به.
وذكره الهيثمي وقال رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن خليد الحلبي وهو ثقة. وأخرجه الحاكم من طريق أبي توبة وأطول وصححه ووافقه الذهبي. وصححه أيضا محقق الإحسان.
قوله تعالى {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ}(38/162)
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن معمر عن قتادة في قوله {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} قال: علمه اسم كل شيء، هذا جبل، وهذا بحر، وهذا كذا وهذا كذا، لكل شيء، ثم عرض تلك الأشياء على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين.
وأخرج الطبري (1) وابن أبي حاتم (2) بالإسناد الحسن عن قتادة {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} قال: علمه اسم كل شيء ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة.
قوله تعالى {فقَالَ أنبِئوني بِأسمَاءِ هَؤلاء}
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قوله {بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ} قال: بأسماء هذه التي حدثت بها آدم (3) .
سورة البقرة 32
قوله تعالى {سُبْحَانَكَ}
تقدم حديث مسلم ورواية الطبري وابن أبي حاتم عند قوله تعالى {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}
قوله تعالى {الْحَكِيمُ}
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية قوله {الْحَكِيمُ} قال: حكيم في أمره (4)
سورة البقرة 33
قوله تعالى {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله: {قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} فأنبأ كل صنف من الخلق باسمه وألجأه إلى جنسه (5) .
قوله تعالى {وأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ومَا كُنتُمْ تَكْتُمُون}
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن معمر عن قتادة في قوله {وأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ومَا كُنتُمْ تَكْتُمُون} قال: أسروا بينهم فقالوا: يخلق الله ما يشاء أن يخلق، فلن يخلق خلقا إلا ونحن أكرم عليه منه.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} فكان الذي كتموا قولهم لن يخلق ربنا خلقا إلا كنا نحن أعلم منه وأكرم.
سورة البقرة 34(38/163)
قوله تعالى {وإذْ قلْنا لِلْملائكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ}
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا هل قال لهم ذلك قبل خلق آدم أو بعد خلقه؟ وقد صرح في سورة الحجر وص بأنه قال لهم ذلك قبل خلق آدم. فقال في الحجر {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} وقال في سورة ص {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (1) .
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قول الله {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} قال للملائكة الذين كانوا في الأرض (2) .
قوله تعالى {فَسَجَدُوا إلا إبْلِيسَ أبَى واسْتَكْبَرَ}
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن معمر عن قتادة قوله {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} (3) كان من قبيل من الملائكة يقال لهم: الجن (4) .
وأخرج الطبري عن محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس (5) .
وذكره ابن كثير وصحح إسناده.
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا موجب استكباره في زعمه، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} (6) وقوله {قَالَ لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} (7) (8) .(38/164)
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} فكانت الطاعة لله والسجدة لآدم أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته (1) .
ومعنى استكبر: أي تكبر والسين للمبالغة (2) .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم معنى الكبر وخطره، فأخرج مسلم بإسناده عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ... الكبر بطر الحق وغمط الناس " (3) .
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} حسد عدو الله إبليس آدم على ما أعطاه الله من الكرامة، وقال: أنا ناري وهذا طيني، فكان بدء الذنوب الكبر، استكبر عدو الله أن يسجد لآدم (4) .
قوله تعالى {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}
أخرج ابن أبى حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} يعني: من العاصين (5) .
وأخرج البغوي عند آخر هذه الآية بإسناده عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أنا جرير ووكيع وأبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي ويقول ياويله أمر ابن آدم السجود فأطاع فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار " (6) .
وإسناده صحيح، وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة (7) .
سورة البقرة 34
قوله تعالى: {وقلْنا يَا آدَمُ أسْكُنْ أنْتَ وزوجك الجَنَّة}
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا عبدة بن سليمان عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال: إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض (8) .(38/165)
ورجاله ثقات على شرط الشيخين وإسناده صحيح، وأبو الضحى هو مسلم ابن صبيح الهمذاني، وأخرجه ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية قال: قال الله تبارك وتعالى {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} قال: خلق الله آدم يوم الجمعة وأدخله الجنة يوم الجمعة فجعله في جنات الفردوس (1) .
وله شاهد من الصحيح كما سيأتي عند قوله تعالى {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} ، وقوله تعالى {أَنْتَ وَزَوْجُكَ} يوحي أن حواء قد خلقت؟ وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خلقها فأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعا "استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته وتركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء " (2) .
واللفظ للبخاري.
قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: قيل فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر وقيل من ضلعه القصير، أخرجه ابن إسحاق وزاد اليسرى من قبل أن يدخل الجنة وجعل مكانه لحم (3) .
قوله تعالى: {وَكلا منهَا رَغَدا حَيْث شِئْتُمَا}
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قوله {رَغَداً} قال: لا حساب عليهم (4) .
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا} ثم إن البلاء الذي كتب على الخلق، كتب على آدم كما ابتلي الخلق قبله، أن الله جل ثناؤه أحل له ما في الجنة أن يأكل منها رغدا حيث شاء، غير شجرة واحدة نهي عنها، وقدم إليه فيها، فما زال البلاء حتى وقع بالذي نهي عنه (5) .
قوله تعالى {فَأَزَلَّهُمَا الشيْطَانُ عَنهَا}
أخرج ابن أبي حاتم عن أبيه قال: ثنا خالد بن خداش المهلبي، ثنا حماد بن زيد، عن الزبير بن خريت، عن عكرمة قال: إنه سمي الشيطان لأنه تشيطن.
ورجاله ثقات إلا خالد بن خداش صدوق فالإسناد حسن.(38/166)
قوله تعالى {فَأَخرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}
أخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها" (1) ، وذكره ابن كثير في التفسير.
سورة البقرة 36
قوله تعالى {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ}
أخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ} قال: آدم وإبليس والحية (2) .
سورة البقرة 36- 37
قوله تعالى {وَلَكُم فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ}
أخرج الطبري (3) وابن أبي حاتم (4) بالإسناد الجيد عن أبي العالية في قوله {وَلَكُم فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ} هو قوله {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} (5) .
سورة البقرة 37
قوله تعالى {فَتلقَّى آدَمُ مِن رَبِّه كَلِماتٍ}
أخرج عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة في قوله {فَتلقَّى آدَمُ مِن رَبِّه كَلِماتٍ} هو قوله {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (6) .
وإسناده صحيح، وأخرجه الطبري بإسناده عن سعيد عن قتادة عن الحسن بلفظه (7) ، وهذا من قبيل تفسير القرآن بالقرآن.
قوله تعالى {فَتَابَ عَلَيْهِ إنه هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيمُ}
وقال المروزي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا جرير وأبو معاوية، عن الأعمش، عن سعيدبن عبيدة، عن المستورد بن أحنف، عن صلة ابن زفر، عن حذيفة قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فكان إذا مر بآية رحمة سأل، وإذ مر بآية عذاب تعوذ، وإذا مر بآية فيها تنزيه لله سبح (8) .
ورجاله ثقات على شرط مسلم وإسناده صحيح.(38/167)
وقد روى أبو داود وأحمد والترمذي في الشمائل والطبراني في المعجم الكبير ومسند الشاميين والبيهقي في السنن الكبرى وشعب الإِيمان من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال: قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ. وحسنه محقق شعب الإيمان.
سورة البقرة 38
قوله تعالى {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَميعاً}
أخرج الطبري عن يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم عن أبي صالح في قوله {اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً} قال: آدم وحواء والحية وإبليس. .
ورجاله ثقات إلا أبا صالح وهو باذام مولى أم هانئ وهو ضعيف ويرسل ولم يرو هنا عن أحد فالإسناد صحيح إليه.
قال عبد الرزاق قال نا معمر، وأخبرني عوف أيضا عن قسامة عن أبي موسى أن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض علمه صنعة كل شيء وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وقسامة: هو ابن زهير المازني معروف بالرواية عن أبي موسى الأشعري وبرواية عوف بن أبي جميلة الأعرابي عنه.
قوله تعالى {فإمًّا يَأتِيَنَّكم مِني هدى}
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله {فإمًّا يَأتِيَنَّكم مِني هدى} قال: الهدى: الأنبياء والرسل والبيان (1) .
قوله تعالى {فَمَن تَبِعَ هُدَاي}
وبه عن أبي العالية في قوله {فَمَن تَبِعَ هُدَاي} يعني: البيان (2) . .
سورة البقرة 39
قوله تعالى {والَّذِينَ كفَرُوا وكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أولئِكَ أصْحَابُ النَّارِ هُم فيهَا خَالِدونَ}(38/168)
أخرج مسلم بإسناده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم "أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم- أو قال بخطاياهم - فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما، أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل" فقال رجل من القوم: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية (1) .
وذكره ابن كثير.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن سعيد عن قتادة قوله {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} قال: المشركون من قريش (2) .
وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذا مر بآية عذاب تعوذ (3) .
سورة البقرة40
قوله تعالى {يَابَني إسرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتي التي أنْعَمْتُ عليكم}
وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، َ قال عبد بن حميد في التفسير: حدثنا أبو نعيم، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيدة بن ربيعة، عن عبد الله بن مسعود قال: إلياس هو إدريس، ويعقوب هو إسرائيل (4) .
وحسنه الحافظ ابن حجر.
وأخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فأخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال: اشتكى عرق النسا فلم يجد شيئا يلائمه إلا لحوم الإبل وألبانها..
وهذا جزء من حديث تقدم تخريجه عند الآية (19) من هذه السورة عند تفسير: الرعد.
وروى الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس أن إسرائيل كقولك: عبد الله (5) .
ورجاله ثقات وعنعنة الأعمش لا تضر لأن المعنى معروف باللغة السريانية (6) .(38/169)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس قال: يا أهل الكتاب للأحبار من اليهود {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} أي بلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاهم به من فرعون وقومه (1) . .
وقد بين الله تعالى بعض النعم التي أنعم بها على بني إسرائيل ومنها: قوله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} (2) وقوله: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَاب ... } (3) ، وقوله: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (4) (5) ، وقوله: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} (6) وقد فضلهم على أهل زمانهم كما سيأتي عند تفسير هذه الآية. وقوله {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} (7) . وقوله: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} (8) .
قوله تعالى {وَأَوْفوا بَعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُم}(38/170)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما عهده وما عهدهم، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله: {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} (1) . فعهدهم هو المذكور في قوله: {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} وعهده هو المذكور في قوله {لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} الآية، وأشار إلى عهدهم أيضا بقوله {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} (2) إلى غير ذلك من الآيات.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} الذي أخذت في أعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءكم، {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه فوضع عنكم ما كان عليكم من الإصر والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من إحداثكم. .
قوله تعالى {وَإيَّاي فَارهَبُون}
وبه عن ابن عباس {فَارْهَبُونِ} أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره (3) . .
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} فاخشون. ثم قال: وكذا روي عن السدي والربيع بن أنس، وقتادة (4) . .
---
التفسير رقم454
التفسير رقم204.
التفسير رقم451.
التفسير رقم207.
تفسير الطبريرقم454 وتفسير ابن أبي حاتم رقم209.
سورة الحج11.
تفسير الطبري رقم 451 وتفسير ابن أبي حاتم رقم210.
(5) التفسير رقم211.
(6) التفسير رقم460.(38/171)
(1) التفسير رقم211.
(2) التفسير رقم470.
(3) لتفسير رقم214.
(4) التفسير رقم472.
(5) التفسير رقم 216، 217.
(6) المسند رقم4/202.
(7) التفسير 1/110،111.
(8) آية12-14.
(9) التفسير رقم221.
(10) التفسير رقم474.
(11) التفسير رقم222.
(12) تغليق التعليق3/491.
(13) التفسير رقم479.
(14) قوله: العزالي: جمع عزلاء: والمراد بها هنا مصب الماء من الراوية. (ترتيب القاموس المحيط3/218) .
(15) التفسير رقم227.
(16) تهذيب الكمال7/114-116.
(17) طبقات المدلسين ص20.
(18) التفسير رقم480.
(19) التفسير رقم231.
(20) صحيح البخاري - التفسير - سورة البقرة باب قوله تعالى {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} رقم 4477 وصحيح مسلم االإيمان باب كون الشرك أقبح الذنوب رقم 141، 142
(21) المسند رقم 1839.
(22) المصدر السابق.
(23) صحيح سنن ابن ماجة1/362 رقم1720.
(24) عمل اليوم والليلة ص545.
(25) السنن الكفارات باب النهي أن يقال ما شاء الله وشئت رقم 211.
(26) المسند5/393.
(27) عمل اليوم والليلة ص554.
(28) ص545.
(29) المصنف11/28رقم19813.
(30) المسند5/73.
(31) السنن الكفارات باب النهي أن يقال ما شاء الله وشئت. بعد رقم 2118.
(32) مصباح الزجاجة2/152.
(33) صحيح سنن ابن ماجة1/362 رقم 1721.
(34) التفسير1/109 110.
(35) الدر المنثور1/88.
(36) التفسير رقم 230.
(37) ص587.
(38) التفسير رقم486.
(39) التفسير رقم232.
(40) التفسير رقم234.
(41) التفسير رقم235.
(42) التفسير رقم236.
(43) التفسير رقم493.
(44) التفسير رقم491.
(45) التفسير رقم239.
(46) التفسير رقم496.
(47) التفسير رقم241.
(48) التفسير رقم497.
(49) التفسير رقم501.(38/172)
(1) فتح الباري فضائل القرآن باب كيف نزول الوحي رقم 4981، وصحيح مسلم الإيمان باب وجوب الإيمان برسالة نبينا صلى الله عليه وسلم رقم 239.
(2) التفسير 1/114.
(3) التفسير رقم503.
(4) المستدرك 2/261.
(5) انظر هامش تفسير ابن كثير1/115.
(6) آية 98.
(7) التفسير رقم508.
(8) التفسير رقم249
(9) صحيح البخاري بدء الخلق باب صفة النار وأنها مخلوقة رقم 3265 وصحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها باب في شدة حر نار جهنم رقم 2843.
(10) 1/90، 91.
(11) صحيح البخاري التفسير سورة ق باب وتقول هل من مزيد رقم 4850، وصحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها باب النار يدخلها الجبارون رقم 284
(12) التفسير 1/116.
(13) صحيح البخاري المواقيت باب الإبراد بالظهر في شدة الحر2/15 رقم 533 وصحيح مسلم المساجد باب استحباب الإبراد بالظهر رقم 615.
(14) التفسير1/116.
(15) الصحيح الجنة وصفة نعيمها باب في شدة حر نار جهنم رقم 2844.
(16) التفسير1/116.
(17) التفسير رقم 255.
(18) سورة محمد15.
(19) أضواء البيان1/117.
(20) الصحيح كتاب الجنة ونعيمها باب ما في الدنيا من أنهار الجنة رقم 2839.
(21) 1/94.
(22) المسند3/257.
(23) انظر تحفة الأشراف1/138.
(24) انظر تهذيب التهذيب2/4.
(25) 1/94،95.
(26) التفسير رقم256.
(27) التفسير رقم 514.
(28) التفسير رقم513.
(29) التفسير رقم261.
(30) انظر تفسير ابن كثير1/119 مع الهامش.
(31) التفسير رقم534،535.
(32) التفسير رقم263.
(33) آية رقم56.
(34) الصافات48.
(35) الرحمن58.
(36) الواقعة22.
(37) النبأ33.
(38) أضواء البيان1/117.
(39) التفسير رقم539.
(40) التفسير رقم265.
(41) التفسير رقم542.(38/173)
(1) صحيح البخاري بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنة رقم 3245 وصحيح مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها باب أول زمرة تدخل الجنة رقم 2834 وما بعده. .
(2) 1/98.
(3) التفسير رقم269.
(4) التفسير رقم271.
(5) التفسير رقم558.
(6) التفسير رقم274.
(7) التفسير رقم274.
(8) التفسير رقم559.
(9) التفسير رقم276
(10) التفسير رقم565.
(11) التفسير رقم283.
(12) التفسير رقم 286.
(13) التفسير رقم289.
(14) التفسير رقم572.
(15) التفسير رقم288.
(16) التفسير1/124.
(17) سورة محمد22.
(18) أضواء البيان1/118.
(19) التفسير رقم574.
(20) التفسير رقم293.
(21) التفسيرص43.
(22) التفسير رقم577.
(23) التفسير رقم301
(24) التفسير رقم585.
(25) التفسير رقم304.
(26) فصلت9-12 وانظر تفسير ابن كثير.
(27) التفسير رقم587.
(28) التفسير رقم592
(29) التفسير رقم306.
(30) التفسير رقم309.
(31) التفسير رقم594.
(32) التفسير رقم593.
(33) التفسير رقم310.
(34) التفسير رقم596.
(35) الصحيح الزهد باب في أحاديث متفرقة رقم 2996.
(36) التفسير رقم316.
(37) التفسير رقم597.
(38) الطبقات الكبرى1/26.
(39) المسند4/400.
(40) السنن التفسير سورة البقرة رقم 2955.
(41) السنن السنة باب في القدر رقم 4693.
(42) المستدرك2/261، 262.
(43) الدر المنثور1/118.
(44) صحيح البخاري الأنبياء باب خلق آدم رقم 3326.
(45) صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير رقم 2840.
(46) الدر المنثور1/118.
(47) الصحيح الزكاة باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف رقم 1007.
(48) المستدرك2/261.
(49) التفسير رقم610.
(50) التفسير رقم326.(38/174)
(1) الصحيح الذكر والدعاء باب فضل سبحان الله وبحمده رقم 2731.
(2) التفسير رقم620.
(3) التفسير رقم330.
(4) التفسير رقم623.
(5) التفسير رقم621.
(6) التفسير رقم336.
(7) التفسير رقم628.
(8) شرح أصول اعتقاد اهل السنة والجماعة ص546.
(9) التفسير رقم633.
(10) التفسير رقم629-637.
(11) التفسير رقم639.
(12) صحيح البخاري مواقيت الصلاة باب فضل صلاة العصر رقم 555.
(13) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة باب فضل صلاتي الصبح والعصر رقم 210.
(14) التفسير 1/130.
(15) الطبقات الكبرى1/26.
(16) التفسير رقم642.
(17) الصحيح التفسير سورة البقرة باب قول الله {وعلم آدم الأسماء كلها} رقم 4476.
(18) الصحيح الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها رقم 322.
(19) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 14/69ح6190.
(20) قصص الأنبياء1/60.
(21) المعجم الكبير ح7545.
(22) معجم الزوائد8/210.
(23) المستدرك2/262.
(24) التفسير رقم656.
(25) التفسير رقم 664
(26) التفسير رقم344.
(27) التفسير رقم669.
(28) التفسير رقم3521.
(29) التفسير رقم655.
(30) التفسير رقم683.
(31) التفسير رقم360.
(32) أضواء البيان1/134.
(33) التفسير رقم362.
(34) الكهف50.
(35) التفسير رقم694.
(36) التفسير رقم696.
(37) التفسير1/140.
(38) الأعراف12.
(39) الحجر33.
(40) أضواء البيان1/134.
(41) التفسير رقم707.
(42) انظر تفسير القاسمي2/101.
(43) الصحيح الإيمان باب تحريم الكبر وبيانه رقم174.
(44) التفسير رقم368.
(45) التفسير رقم371.
(46) التفسير 1/63.
(47) كتاب الإيمان باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة رقم 133.
(48) التفسير رقم374.
(49) التفسير رقم375.(38/175)
(1) فتح الباري أحاديث الأنبياء باب خلق آدم وذريته رقم 3331،/ وصحيح مسلم الرضاع باب الوصية بالنساء رقم 60.
(2) فتح الباري6/368.
(3) التفسير رقم713.
(4) التفسير رقم717.
(5) التفسير رقم391.
(6) الصحيح الجمعة باب فضل يوم الجمعة854.
(7) 1/148.
(8) التفسير رقم756.
(9) التفسير رقم765.
(10) التفسير رقم405.
(11) البقرة22.
(12) التفسير ص35.
(13) التفسير رقم778.
(14) تعظيم قدر الصلاة1/327 رقم 315.
(15) انظر شعب الإيمان 5/57مع الحاشية، وانظر مسند أحمد 2/24 وسنن النسائي الدعاء في السجود2/223 والسنن الكبرى2/310 والمعجم الكبير18/61 رقم 113 وتحفة الأشراف8/213 رقم 10912.
(16) التفسير رقم793.
(17) التفسير ص35.
(18) انظر تهذيب الكمال ل1129.
(19) التفسير رقم423.
(20) التفسير رقم426.
(21) قوله: ضبائر ضبائر: أي جماعات في تفرقة (شرح مسلم للنووي) 3/38.
(22) الصحيح الإيمان باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار رقم 185.
(23) التفسير رقم1/150
(24) التفسير رقم431.
(25) انظر آخر تفسير آية 37 من هذه السورة.
(26) انظر تغليق التعليق4/9.
(27) فتح الباري6/373.
(28) انظر تفسير ابن كثير1/151.
(29) انظر تفسير القرطبي1/331.
(30) التفسير رقم438.
(31) البقرة57.
(32) البقرة49.
(33) القصضص5.
(34) انظر أضواء البيان1/136.
(35) البقرة47.
(36) البقرة50.
(37) البقرة 60.
(38) المائدة12.
(39) آل عمران187.
(40) أضواء البيان1/136.
(41) التفسير رقم442،445.
(42) التفسير رقم446.
(43) التفسير رقم447.(38/176)
تابع لتفسير الصحيح
سورة البقرة 41
قوله تعالى {وَآمنوا بِمَا أَنْزَلْت مُصَدقاً لِمَا مَعَكُم}
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية: فِي قوله {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ} يقول: يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت على محمد مصدقا لما معكم يقول: لأنهم يجدون محمدا مكتوبا عندهم في التوراة والإِنجيل. .
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ} يقول: إنما أنزلت القرآن مصدقا لما معكم التوراة وا لإنجيل (1)
قوله تعالى {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن إسحاق بإسناده الحسن عن ابن عباس {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} وعندكم فيه من العلم ما ليس، عند غيركم (2) .
وأخرج بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} يقول: لا تكونوا أول من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم (3) . .
قوله تعالى {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً}
قال الإمام أحمد: ثنا يونس وسريج بن النعمان قالا: ثنا فليح، عن سعيد بن عبد الله بن عبد الرحمن أبي طوالة، عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة. بوم القيامة" قال سريج في حديثه: يعني ريحها (4) . وأخرجه ابن ماجة من طريق يونس وسريج به، وصححه الألباني.
قوله تعالى {وَإياي فَاتَّقُون}
راجع الآثار الواردة في ذكر المتقين عند قوله تعالى: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} .
سورة البقرة 42
قوله تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ}(38/177)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} يقول: ولا تخلطوا الحق بالباطل وأدوا النصيحة لعباد الله في أمر محمد (1) صلى الله عليه وسلم.
وقال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} الحق الذي لبسوه بالباطل: هو إيمانهم ببعض ما في التوراة، والباطل الذي لبسوا به الحق: كفرهم ببعض ما في التوراة وجحدهم له، كصفات رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرها مما كتموه وجحدوه وهذا يبينه قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} الآية. والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب كما تقدم. .
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن قتادة في قول الله: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِل} قال: لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام إن دين الله الإسلام، واليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله. ثم قال: وروي عن سعيد بن جبير والربيع بن أنس نحو ما ذكرنا عن أبي العالية وروي عن الحسن نحو قول قتادة (2) .
قوله تعالى: {ِوَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس {ِوَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم. .
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله: {ِوَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قال: يكتم أهل الكتاب محمدا صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه عندهم في التوراة والإِنجيل (3) . .
سورة البقرة 43
قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}
قال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن: رواد، ثنا آدم ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} قال: فريضة واجبة لا تنفع الأعمال إلا بها وبالزكاة (4) .(38/178)
ورجال الإسناد ثقات إلا عصاما ومباركا فصدوقان ومبارك كثير التدليس ولكن روايته عن الحسن يحتج بها فالإسناد حسن.
وقال أيضا: حدثنا على بن الحسين، ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، ثنا الوليد، ثنا عبد الرحمن بن نمر قال: سألت الزهري عن قول الله {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} قال الزهري: إقامتها أن تصلي الصلوات الخمس لوقتها.
قال المحقق حسن الإسناد ... وأصله في الصحيحين مرفوعا: أي الأعمال أحب إلى الله قال صلى الله عليه وسلم "الصلاة على وقتها ... " الحديث (1) .
سورة البقرة 44
قوله تعالى {أتَأمُرونَ النَّاس بِالبِر وَتَنْسَونَ أنفُسَكُمْ}
أخرج الشيخان (2) بسنديهما عَن أسامة رضي الله عنه مرفوعا: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكَر وآتيه "،واللفظ للبخاري وقد. اقتصرت على ذكر الشاهد، وأخرجه البغوي في التفسير بإسناده عن البخاري به.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة، {وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} أي تتركون أنفسكم (3) .
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} قال: كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر ويخالفون فعيرهم الله.
وإسناده صحيح.(38/179)
قال الحافظ الذهبي: حديث أبي صالح كاتب الليث حدثني معاوية ابن صالح، عن سليم بن عامر أن أبا أمامةَ حدثه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاَة الصبح فقال "إني رأيت رؤيا هي حق فاعقلوها، أتاني رجل فأخذ بيدي فاستتبعني حتى أتى جبلا وعرا فقال لي أرقه. قلت لا أستطيع.،فقال إني سأسهله لك، فجعلت كلما رفعت قدمي وضعتها على درجة حتى استوينا على سواء الجبل، فانطلقنا فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء يقولون ما لا يفعلون ـ فذكر خبرا طويلا يقول فيه- ثم رفعت رأسي فإذا ثلاثة نفر تحت العرش. قلت ما هؤلاء؟ قال: أبوك إبراهيم وموسى وعيسى وهم ينتظرونك" إسناده جيد، رواه أبو إسماعيل الترمذي عن كاتب الليث، وهو ملي بمعرفته إن شاء الله.
قوله تعالى {وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس {وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي فتنقضون ميثاقي وتجحدون بما تعلمون من كتابي.
سورة البقرة 45
قوله تعالى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاة}
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاة} ، الاستعانة بالصبر على أمور الدنيا والآخرة لا إشكال فيها. وأما نتيجة الاستعانة بالصلاة. فقد أشار لها تعالى في آيات من كتابه، فذكر أن من نتائج الاستعانة بها: النهي عما لا يليق وذلك في قوله {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} وأنها تجلب الرزق وذلك في قوله {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}
ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة (1) .(38/180)
قال الإمام أحمد: ثنا إسماعيل بن عمر وخلف بن الوليد قالا: ثنا يحيى بن زكريا بن زائدة، عن عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبد الله الدولي قال: قال عبد العزيز أخو حذيفة قال حذيفة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى
وأخرجه أبو داود والطبري من طريق يحيى بن زكريا به.
وصححه أحمد شاكر في تحقيقه لتفسير الطبري، وحسنه الألباني.
وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا عبد الله، حدثنا كهمس بن الحسن، عن الحجاج بن الفرافصة، قال أبو عبد الرحمن ـ هو عبد الإله بن يزيد ـ: وأنا قد رأيته في طريق فسلم علي وأنا صبي، رفعه إلى ابن عباس، أو أسنده إلى ابن عباس، قال: وحدثنا همام بن يحيى أبو عبد الله صاحب البصري، أسنده إلى ابن عباس، وحدثني عبد الله بن لهيعة ونافع المصريان عن قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس، ولا أحفظ حديث بعضهم من أنه قال: كنت رديف النبي الله عليه وسلم الله عليه وسلم، فقال: "يا غلام، أو يا غليم، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بها؟ فقلت: بلى، فقال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا " (1)
أخرجه الترمذي من طريق عبد الله بن لهيعه والليث بن سعد عن قيس به نحوه مختصرا ثم قال: هذا حديث حسن صحيح (2) . وصححه الشيخ الألباني (3) وحسنه الحافظ ابن رجب الحنبلي في رسالة بشرح هذا الحديث اسمها: نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما (4) . وفي كتابه جامع العلوم والحكم (5) .(38/181)
وقال الطبري: حدثنا محمد بن العلاء، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه: أن ابن عباس نعي إليه أخوه قُثَم وهو في سفر، فاسترجع ثم تنحى عن الطريق، فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، تم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (1) .
ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأبو عيينة هو عبد الرحمن بن جوشن، وأخرجه المروزي (2) والحاكم (3) من طريق هشيم عن خالد بن صفوان عن زيد بن علي بن الحسن عن أبيه به، وصححه الحاكم وأقره الذهبي.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية يقول: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} على مرضاة الله، واعلموا أنها من طاعة الله
ووردت أحاديث كثيرة في فضل الاستعانة بالصبر.
وأخرج المروزي (4) والحاكم (5) من طريق إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق أنا معمرة عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة، وكانت من المهاجرات الأول، في قوله {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} قال غشي على عبد الرحمن بن عوف غشية حتى ظنوا أنه فاضت نفسه فيها فخرجت امرأته: أم كلثوم إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وأخرجه عبد الرزاق في التفسير بنحوه (6) .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا سفيان بن عيينة قال: حدثونا يعني: ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ} قال: الصبر: الصيام.
ورجاله ثقات إسناده صحيح.
قوله تعالي {وَإنَّهَا لَكَبِيرَةٌ}
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله {وَإنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} قال: الصلاة (7) . ورجاله ثقات إلا ورقاء صدوق والإسناد حسن.(38/182)
وانظر الروايات الواردة عند قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} (1) .
قوله تعالى {إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ}
أخرج الطبري (2) وابن أبي حاتم (3) بالإِسناد الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ} يعني: المصدقين بما أنزل الله تعالى.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبى العالية في قوله {إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ} قال: يعني: الخائفين (4) .
وأخرج عبد بن حميد عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله {إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ} على المؤمنين حقا (5) .
وإسناده حسن.
سورة البقرة 46
قوله تعالى {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنَّهُم مُلاقُو رَبِّهِم}
قال الطبري: حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا أبو داود الحفري، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: كل ظن في القرآن فهو علم.
وذكره ابن كثير ثم قال: وهذا سند صحيح (6) .
ولو لم يقل مجاهد كل ظن لكان أحسن لأن بعض الآيات تخالف ما ذهب إليه مثل قوله تعالى {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ} (7) وقوله {لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ} (8) وقوله {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} (9) وقوله {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} (10) ، وغيرها من الآيات في باب ظن فلو جعلها على سبيل التغليب لكان أحسن والله أعلم.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} قال: الظن هاهنا اليقين (11) .
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية.: المراد بالظن هنا: اليقين كما يدل عليه قوله تعالى {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (12) .
قوله تعالى {وَأنَّهُم إِلَيْهِ رَاجِعُون}(38/183)
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله {وَأنَّهُم إِلَيْهِ رَاجِعُون} قال: يستيقنون أنهم يرجعون إليه يوم القيامة (1) .
سورة البقرة 47
قوله تعالى {يَا بَني إسْرَائِيلَ اذكُرُوا نِعْمَتيَ الَّتي أنْعَمتُ عَلَيْكُم وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ ععَلَى الْعَالَمِينَ عَلَى العَاَلمِينَ}
عَلَى الْعَالَمِينَ} أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} قال: فضلوا على عالم ذلك الزمان (2) .
وإسناده صحيح.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد قال عند هذه الآية: على من هم بين ظهرانيه (3) .
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} قال: بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان، فإن لكل زمان عالما (4) .
وذكره ابن كثير ثم قال: وروى عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة وإسماعيل ابن أبي خالد نحو ذلك ويجب الحمل على هذا لأن هذه الأمة أفضل منهم لقوله تعالى خطابا لهذه الأمة
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} (5)
والدليل من السنة ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن بهز بن حكيم ابن معاوية القشيري عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "أنتم تتمون سبعون أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله " (6) .
أخرجه أحمد (7) ، والترمذي وحسنه (8) ، وابن ماجه (9) ، والطبري (10) ، وابن أبي حاتم (11) ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (12) وكلهم من طريق بهز به، وقال ابن كثير: وهو حديث مشهور.(38/184)
وأخرج الشيخان بسنديهما عن عبد الله بن مسعود مرفوعا خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته (1) .
سورة البقرة 48
قوله تعالى {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً}
فسر الطبري هذه الآية بقوله: واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس شيئا ولا تغني عنها غنى (2) ، ثم استدل بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: حدثنا أبو كريب ونصر بن عبد الرحمن الأزدي قالا، حدثنا المحاربي، عن أبي خالد الدالاني يزيد بن عبد الرحمن، عن زْيد ابن أبي أنيسة، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رحم الله عبدا كانت عنده لأخيه مظلمة في عرض- قال أبو كريب في حديثه: أو مال، أو جاء- فاستحله قبل أن يؤخذ منه، وليس ثم دينار ولا درهم، فإن كانت له حسنات أخذوا من حسناته، وإن لم تكن له حسنات حملوا عليه من سيئاتهم" (3) .
وأخرجه أيضا من طريق مالك عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه (4) . ومن طريق مالك أخرجه البخاري (5) .
وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} (6) . قال ابن كثير بعد أن ذكر هذه الآية: فهذا أبلغ المقامات أن كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئا (7) .
وقال الطبري أيضا: حدثني موسى بن سهل الرملي، حدثنا نعيم ابن حماد قال: حدثنا عبد العزيز الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يموتن أحدكم وعليه دين، فإنه ليس هناك دينار ولا درهم، إنما يقتسمون الحسنات والسيئات". وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يمينا وشمالا.(38/185)
وصحح إسناده الأستاذ أحمد شاكر لكن إسناده حسن لأن الدراوردي صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ. قال النسائي: حديثه عن عبيد الله العمري منكر، ونعيم بن حماد صدوق يخطيء كثيرا وقد تتبع ابن عدي ما أخطأ فيه وقال: باقي حديثه مستقيم، ولم يذكر ابن عدي هذا الحديث من أخطائه (1) . وباقي رجاله ثقات والحديث السابق شاهد له وعلى هذا فالإسناد حسن.
قوله تعالى {وَلا يُقْبَلُ مِنهَا شَفَاعةٌ وَلاَ يُؤْخذُ مِنْها عَدْلٌ}
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} لو جاءت بكل شيء لم يقبل منها (2) .
وإسناده صحيح.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله {وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْل}
يعني فداء، ثم قال: وروي عن أبي مالك والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك (3) .(38/186)
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: ظاهر هذه الآية عدم قبول الشفاعة مطلقا يوم القيامة، ولكنه بين في مواضع أخر أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار، والشفاعة لغيرهم بدون إذن رب السموات والأرض، أما الشفاعة للمؤمنين بإذنه فهي ثابتة بالكتاب، والسنة، والإِجماع، فنص على عدم الشفاعة للكفار بقوله {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} (1) ، وقد قال {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر} َ (2) وقال تعالى عنهم مقررا له: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} (3) وقال: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (4) إلى غير ذلك من الآيات، وقال في الشفاعة بدون إذنه {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} (5) وقال {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} (6) وقال {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} (7) إلى غير ذلك من الآيات وادعاء شفعاء عند الله للكفار أو بغير إذنه، من أنواع الكفر به جل وعلا، كما صرح بذلك قوله {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (8) (9) .
وقال الألوسي عند قوله تعالى {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} إن النفي مخصص بما قبل الإذن لقوله تعالى {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} (10) (11) .
سورة البقرة 49
قوله تعالى {وَإذْ نَجَّينَاكم مِن آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُم سُوءَ العَذَابِ}(38/187)
أخرج الشيخان (1) بسنديهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه.
واللفظ للبخاري، وذكره ابن كثير في التفسير.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى {يَسُومُونَكُم سُوءَ العَذَابِ} بينه بقوله بعده {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ..} الآية (2) .
وقال الطبري: حدثنا به العباس بن الوليد الآملي وتميم المنتصر الواسطي قالا: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد (الجهني) قال: حدثنا القاسم ابن أبي أيوب قال: حدثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم خليله- أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا، وائتمروا وأجمعوا أمرا على أن يبعث رجالا معهم الشفار، يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه، ففعلوا فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، وأن يذبحون، قال: توشكون أن تفنوا بني إسرائيل، فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة ما كانوا يكفونكم فاقتلوا عاما كل مولود ذكر، فتقل أبناؤهم، ودعوا عاما، فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة، حتى إذا كان القابل حملت بموسي (3) .
ورجاله ثقات إلا الأصبغ صدوق يغرب والخبر ليس من غرائبه لأنه روي من طرق أخرى (4) وغالبا ما يكون من أخبار أهل الكتاب (5) ولكن لا ضير لأن هذا الخبر من قبيل المسكوت عنه فلا نصدقه ولا نكذبه ونسوقه لا اعتقادا بسلامته من التحريف وإنما للتوسع في باب الأخبار والاستشهاد والاعتبار، والإسناد صحيح إلى ابن عباس.
قوله تعالى {وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِن رَّبكُم عَظِيم}(38/188)
أخرج الطبري (1) وابن أبي حاتم (2) بالإسناد الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله {بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} قال: نعمة، ثم قال ابن أبي حاتم وروي عن مجاهد وأبي مالك والسدي نحو ذلك.
سورة البقرة 50
قوله تعالى: {وَإذْ فَرَقْنَا بِكُم البَحْرَ فَأنْجَيْنَاكُم وَأغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأنْتُم تَنْظُرُون}
قال الطبري: حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي، قال حدثنا سفيان، قال حدثنا أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أوحى الله جل وعز إلى موسى أن أسر بعبادي ليلا إنكم متبعون، قال: فسرى موسى ببني إسرائيل ليلا، فاتبعهم فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث، وكان موسى في ستمائة ألف، فلما عاينهم فرعون قال {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} (3) فسرى موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر، فالتفتوا فإذا هم برهج دواب فرعون، فقالوا: يا موسى، أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ماجئتنا! هذا البحر أمامنا، وهذا فرعون قد رهقنا بمن معه! قال: عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون. قال: فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر، وأوحى إلى البحر أن اسمع لموسى وأطع إذا ضربك، قال: فبات البحر له أفكل- يعني: له رعدة- لا يدري من أي جوانبه يضربه قال: فقال يوشع لموسى: بماذا أمرت؟ قال: أمرت أن أضرب البحر، قال: فاضربه. قال: فضرب موسى البحر بعصاه، فانفلق فكان فيه اثنا عشر طريقا، كل طريق كالطود العظيم، فكان لكل سبط منهم طريق يأخذون فيه، فلما أخذوا في الطريق قال بعضهم لبعض: مالنا لا نرى أصحابنا قالوا لموسى: أين أصحابنا لا نراهم؟ قال: سيروا فإنهم على طريق مثل طريقكم، قالوا: لا نرضى حتى نراهم. قال سفيان، قال عمار الدهني: قال موسى: اللهم أعني على أخلاقهم السيئة، قال: فأوحى الله(38/189)
إليه أن قل بعصاك هكذا، وأومأ إبراهيم بيده يديرها على البحر، قال موسى بعصاه على الحيطان هكذا فصار فيها كوى ينظر بعضهم إلى بعض. قال سفيان: قال أبو سعيد عن عكرمة، عن ابن عباس: فساروا حتى خرجوا من البحر، فلما جاز آخر قوم موسى، هجم فرعون على البحر هو وأصحابه، وكان فرعون على فرس أدهم ذنوب حصان، فلما هجم على البحر هاب الحصان أن يقتحم البحر، فتمثل له جبريل على فرس أنثى وديق، فلما رآها الحصان تقحم خلفها، وقيل لموسى اترك البحر رهوا- قال طرقا على حاله- قال: ودخل فرعون وقومه في البحر، فلما دخل آخر قوم فرعون، وجاز آخر قوم موسى، أطبق البحر على فرعون وقومه، فأغرقوا (1) .
ورجاله ثقات والإسناد صحيح، وأبو سعيد هو عبد الكريم بن مالك الجزري، والخبر غالبا ما يكون من أخبار أهل الكتاب وهو شبيه بما تقدم في الآية السابقة ولكن له شواهد من القرآن ذكر بعضها الشيخ الشنقيطي عند تفسيره لهذه الآية فقال: لم يبين هنا كيفية فرق البحر بهم، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} (2) ، وقوله {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً} الآية (3) .
قوله تعالى {وَأغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ}(38/190)
لم يبين هنا كيفية إغراقهم ولكنه بينها في مواضع أخر كقوله {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ} (1) وقوله {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} (2) وقوله {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ} (3) وقوله {رَهْواً} أي ساكنا على حال انفلاقه حتى يدخلوا فيه إلى غير ذلك من الآيات (4) .
سورة البقرة 51
قوله تعالى {وَإذْ وَاعَدْنا مُوسَى أرْبَعِينَ لَيْلَة}
بين الله تعالى مكان المواعدة في سورة طه فقال {يَا بَنِي إِسْرائيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ ... } (5) والطور سيأتي ذكره عند قوله تعالى {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} .
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا هل واعده إياها مجتمعة أو متفرقة؟ ولكنه بين في سورة الأعراف أنها متفرقة، وأنه واعده أولا ثلاثين، ثم أتمها بعشر، وذلك في قوله تعالى {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَة} (6) .
صفة موسى(38/191)
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليلة أسري بي رأيت موسى وإذا هو رجل ضَرْب (1) رجل كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس، وأنا أشبه ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم بأبيه، ثم أتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر فقال: “اشرب أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته، فقيل: أخذت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك " (2) .
قوله تعالى {ثُمَّ اتَّخَذْتُم العِجْل مِن بَعْدِه}
بين الله تعالى من أي شيء هذا العجل وصفته وص عجلا جسدا له خوار} (3) .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحجاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أب رح بذكر السامري الذي صنع العجل في قوله {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ} (4) وقوله {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً} ، عن مجاهد قوله {الْعِجْلَ} حسيل البقرة- ولد البقرة- (5) .
وإسناده حسن.
قوله تعالى {وَأنْتُم ظَاِلمُون}
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن مجاهد قوله: الظالمين، قال: أصحاب العجل (6) .
سورة البقرة 52
قوله تعالى {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُم مِن بَعْدِ ذَلِكَ}
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِك} يعني: من بعد ما اتخذوا العجل (7) .
قوله تعالى {لَعَلَّكُم تَشْكُرُون}
أخرج ابن أبي حاتم عن أبيه قال: ثنا ابن أبي عمر العدني، ثنا سفيان، عن مسعر، عن عون بن عبد الله في قوله {لَعَلَّكُمْ} قال: إن لعل من الله واجب. رجاله ثقات وإسناده صحيح.
سورة البقرة 53
قوله تعالى {وَإذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتابَ والفُرْقَان}(38/192)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله {وَإذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتابَ والفُرْقَان} قال: فرق فيه بين الحق والباطل (1) .
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله {وَإذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتابَ والفُرْقَان} قال: الكتاب هو الفرقان فرق بين الحق والباطل.
سورة البقرة 54
قوله تعالى: {وَإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِه يَقَوم إنَّكُم ظَلَمْتُم أنْفُسَكُم باتَّخَاذِكُم العِجْلَ فَتُوبُوا إلَى بَارئِكُم فَاقْتُلوا أنْفُسَكُم} الآية
أخرج الطبري عن عبد الكريم بن الهيثم قال: حدثنا إبراهيم بن بشار قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: قال أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال موسى لقومه {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} قال: أمر موسى قومه- عن أمر ربه عز وجل- أن يقتلوا أنفسهم، قال: فاحتبى الذين عكفوا على العجل فجلسوا، وقام الذين لم يعكفوا على العجل، وأخذوا الخناجر بأيديهم، وأصابتهم ظلمة شديدة، فجعل يقتل بعضهم بعضا، فانجلت الظلمة عنهم وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل، كل من قتل منهم كانت له توبة، وكل من بقي كانت له توبة (2) .
أبو سعيد هو عبد الكريم بن مالك الجزري، ورجاله ثقات وإسناده صحيح، والخبر عن أهل الكتاب وهو من قبيل المسكوت عنه.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد قول الله تعالى {بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} قال: كان موسى أمر قومه عن أمر ربه أن يقتل بعضهم بعضا بالخناجر فجعل الرجل يقتل أباه ويقتل ولده فتاب الله عليه (3) .
قوله تعالى {فَتُوبُوا إلَى بَارئِكُم}
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية {فَتُوبُوا إلَى بَارئِكُم} أي إلى خالقكم (4) .
قوله تعالى {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}(38/193)
قال الطبري: حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر، عن الزهري وقتادة في قوله {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} قال: قاموا صفين يقتل بعضهم بعضا، حتى قيل لهم: كفوا! قال قتادة: كانت شهادة للمقتول وتوبة للحي.
وإسناده حسن.
سورة البقرة 55
قوله تعالى {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}
قال ابن أبي حاتم: حدثني أبي قال كتب إلى أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري، حدثني أبي، حدثني إبراهيم بن طهمان، عن عباد بن إسحاق، عن أبي الحويرث، عن ابن عباس أنه قال في قول الله {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} أي علانية، أي حتى نرى الله.
وفي إسناده أبو الحويرث وهو عبد الرحمن بن معاوية الزرقي صدوق سيء الحفظ، ولكن المتن لا يحتمل الخطأ لأن له شواهد من اللغة وأهل التفسير كما سيأتي، وباقي رجاله ما بين ثقة وصدوق فالإسناد حسن.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة في قول الله تعالى {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} أي عيانا، ثم قال: وكذا فسره الربيع بن أنس: عيانا.
قوله تعالى: {فَأخَذَتْكُم الصَّاعِقَةُ وَأنْتُم تَنْظرون ثمَّ بَعَثْنَاكُم مِن بَعدِ مَوتِكُم}
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله {فَأخَذَتْكُم الصَّاعِقَةُ وَأنْتُم تَنْظرون ثمَّ بَعَثْنَاكُم مِن بَعدِ مَوتِكُم} قال: أخذتهم الصاعقة أي ماتوا ثم بعثهم الله تعالى (1) - ليكملوا بقية آجالهم- (2) .
وإسناده صحيح.
سورة البقرة 56
قوله تعالى {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُم الغمامَ}
أخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ} قال: هو بمنزلة السحاب.
قوله تعالى {وَأنْزَلنَا عَلَيْكم ألمَنًّ}(38/194)
أخرج الشيخان بسنديهما عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين " (1) .
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان المن ينزل عليهم على الأشجار فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا.
وأخرج الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله {الْمَن} قال: صمغة.
وإسناده حسن.
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} قال: كان المن ينزل عليهم مثل الثلج والسلوى طير كانت تحشرها عليهم ريح الجنوب.
وإسناده صحيح.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد قال: السلوى: طائر.
سورة البقرة 58
قوله تعالى {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ}
ومعنى ادخلوا هنا أي اسكنوا كما جاء في قوله تعالى {قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُم …} الآية.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله {ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَة} قال: بيت المقدس.
وإسناده صحيح، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الرزاق به ثم قال: وروي عن الربيع بن أنس والسدي نحو ذلك.
قوله تعالى {فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً}
أخرج ابن أبي حاتم عن حجاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد {رَغَداً} قال: لا حساب عليهم.
وإسناده حسن.
قوله تعالى {وَادْخُلُوا البابَ سُجَّدَا وَقُولُوا حِطِّة}
أخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً} قال: باب الحطة من باب إيلياء من بيت المقدس (2) .
وأخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "قيل لبني إسرائيل {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ} فدخلوا يزحفون على أستاههم فبدلوا، وقالوا حطة حبة في شعرة " (3) .(38/195)
وأخرجه أيضا من حديث أبي هريرة من طريق آخر بلفظ: وقالوا: حبة في شعرة (1) .
وقال الطبري عن محمد بن بشار قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً} قال: ركعا من باب صغير.
وأخرجه الحاكم من طريق أبي حذيفة عن سفيان به وصححه ووافقه الذهبي (2) .
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة: أي احطط عنا خطايانا، فدخلوا إلى غير الجهة التي أمروا بها، دخلوا متزحفين على أوراكهم وبدلوا قولا غير الذي قيل لهم فقالوا: حبة في شعيرة.
وإسناده صحيح.
وأخرج الطبري عن أبي كريب قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله {حِطَّةٌ} مغفرة.
وأخرجه الحاكم من طريق أبي حذيفة عن سفيان به وصححه ووافقه الذهبي.
قوله تعالى {وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا مر بآية رحمة سأل.
سورة البقرة 59
قوله تعالى {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُم}
أخرج الحاكم عن أبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي، ثنا إسحاق بن الحسن، ثنا أبو حذيفة، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما ادخلوا الباب سجدا قال بابا ضيقا قال ركعا، وقوله حطة قال: مغفرة فقالوا: حنطة، ودخلوا على أستاههم فذلك قوله تعالى {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُم} . وصححه ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق يحيى
ابن آدم عن سفيان به ثم قال: وروى عن عطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك والحسن والربيع ويحيى بن رافع نحو ذلك.
قوله تعالى {فَأنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزا مِن السَّمَاء}(38/196)
أخرج الشيخان بسنديهما عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل- أو على من كان قبلكم- فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها لا تخرجوا فرارا منه". قال أبو النضر: لا يخرجكم إلا فرارا منه (1) .
واللفظ للبخاري وذكرته مختصرا.
سورة البقرة 60
قوله تعالى {وَإذ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَومِه فَقُلْنَا اضْرِب بعَصَاكَ الحَجَر فَانْفَجَرَتْ مِنْه اثْنَتَا عَشَرَة عَيْنَا}
قال الطبري:. حدثني عبد الكريم قال، أخبرنا إبراهيم بن بشار قال حدثنا سفيان، عن أبي سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ذلك في التيه، ضرب لهم موسى الحجر فصار فيه اثنتا عشرة عينا من ماء. لكل سبط منهم عين يشربون منها (2) .
وأبو سعيد: هو عبد الكريم بن مالك الجزري، ورجاله ثقات والإِسناد صحيح، وأخرج الطبري (3) بأسانيد صحيحة عن قتادة ومجاهد نحوه.
قوله تعالى {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أنَاسٍ مَشْرَبَهُم}
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ}
قال: كانوا اثني عشر سبطا لكل سبط عين (4) .
وإسناده صحيح.
قوله تعالى {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} يقول: لا تسعوا في الأرض فسادا. ...
وأخرج أيضا بإسناده الصحيح عن شيبان عن قتادة {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} قال: لا تسيروا في الأرض مفسدين.
سورة البقرة 61
قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا}(38/197)
قال عبد الرزاق نا معمر عن قتادة في قوله {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِد} قال: ملوا طعامهم، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه مثل ذلك، فقالوا: {فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا} (1) .
وإسناده صحيح.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله {وَفُومِهَا} يقول: الحنطة والخبز.
وأخرج نافع بن أبي نعيم القارئ في تفسيره قال: سمعت الأعرج يقول: سمعت عبد الله بن عباس يقول في قول الله عز وجل {وَفُومِهَا} قال: الحنطة ثم
قال ابن عباس أما سمعت قول أحيحة ابن الجلاح (2) حيث يقول:
قد كنت أغنى الناس شخصا
واحدا ورد المدينة عن زراعة فوم (3) .
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد {وَفُومِهَا} قال الخبز.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة والحسن: الفوم: الخبز.
وإسناده صحيح.
قوله تعالى {قَالَ أتَسْتبدِلُونَ الَّذِي هَو أدْنَى بِالَّذِي هُو خَيْر}
أخرج ابن أبى حاتم بإسناده الصحيح عن قتادة: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى} - الذي هو شر- {بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} (4) .
قوله تعالى {اهْبِطُوا مِصْراً فَإنَّ لَكُم مَا سَألْتُم}
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة {اهْبِطُوا مِصْراً} أي مصراً من الأمصار فإن لكم ما سألتم (5) .
قوله تعالى {وضُرِبَت عَلْيهِمُ الذِّلَّةُ}
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة في قوله {وضُرِبَت عَلْيهِمُ الذِّلَّةُ} قالا: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون (6) .
وإسناده صحيح.
قوله تعالى {وَالْمَسْكَنَةُ}
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية: {َضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} قال: المسكنة: الفاقة، ثم قال: وروي عن السدي والربيع نحو ذلك.
قوله تعالى {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّه}(38/198)
أخرج عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة في قوله {وَبَاءُوا} قال: فانقلبوا.
وإسناده صحيح، وهذا التفسير يعود لقوله تعالى {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} (1) .
قوله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ}
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا أبان، حدثنا عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي، أو قتل نبيا، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين " (2) .
صححه أحمد شاكر، وذكره الهيثمي ونسبه إلى أحمد والبزار ونص أن رجالهما ثقات. ولكن عاصما هذا هو ابن بهدلة صدوق له أوهام فالإسناد حسن، وحسنه أيضا الشيخ مقبل الوادعي.
قوله تعالى {ذَلِكَ بِما عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُون}
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن قتادة {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} اجتنبوا المعصية والعدوان فإن بهما هلك من هلك قبلكم من الناس (3) .
سورة البقرة 62
قوله تعالى {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصابِئِين}
أخرج الطبري (4) وابن أبي حاتم (5) عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} إلى قوله {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} فأنزل الله تعالى بعد هذا {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (6) . ثم قال الطبري: هذا الخبر يدل على أن ابن عباس كان يرى أن الله جل ثناؤه كَان قد وعد من عمل صالحا- من اليهود والنصارى والصابئين- على عمله، في الآخرة الجنة، ثم نسخ ذلك بقوله {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} .(38/199)
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة قال: إنما سموا نصارى لأنهم كانوا بقرية يقال لها ناصرة ينزلها عيسى بن مريم فهو اسم تسموا به ولم يؤمروا به (1) .
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده عن مجاهد قوله {وَالصَّابِئِينَ} قال بين المجوس واليهود لا دين لهم (2) . .
وقال الطبري: حدثنا محمد بن عبد الأعلى. قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحسن قال: حدثني زياد: أن الصابئين يصلون إلى القبلة، ويصلون الخمس، قال: فأراد أن يضع عنهم الجزية، قال: فخبر بعد أنهم يعبدون الملائكة.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قوله تعالى {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} يعني من وحد الله، {وَالْيَوْمِ الآخِر} من آمن باليوم الآخر يقول آمن بما أنزل الله.
قوله تعالى {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ}
أخرج بن أبي حاتم عن أبيه، ثنا هشام بن خالد، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قال: أجر كبير لحسناتهم وهي الجنة.
ورجاله ثقات إلا هشام بن خالد وهو ابن الأزرق الدمشقي صدوق.
فالإسناد حسن.
قوله تعالى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُم}
أخرج بن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله {مِيثَاقَكُمْ} يقول: أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له ولا يعبدوا غيره.
قوله تعالى {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}
قال الشيخ الشنقيطي قوله تعالى {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} أوضحه بقوله {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} (3) . .
قوله تعالى {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}(38/200)
لم يبين هنا هذا الذي أتاهم ما هو، ولكنه بين في موضع آخر أنه الكتاب الفارق بين الحق والباطل وذلك في قوله {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (1) .
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ} قال: الطور: الجبل، اقتلعه الله فرفعه فوقهم، فقال: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} ، والقوة: الجد، وإلا قذفته عليكم، قال: فأقروا بذلك أنهم يأخذون ما أوتوا بقوة (2) .
وإسناده صحيح.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} أي بطاعة (3) .
وقال عبد بن حميد: ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله {بِقُوَّةٍ} يعمل بما فيه (4) .
وإسناده حسن.
قوله تعالى {وَاذْكُرُوا مَا فِيه}
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله {وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ} يقول: أقروا ما في التوراة واعملوا به.
قوله تعالى {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}
أخرج بن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة في قوله {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} قال: من بعد ما أتاهم.
قوله تعالى {فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ}
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله {وَرَحْمَتُهُ} قال: القرآن، ثم قال وروي عن قتادة والربيع بن أنس ومجاهد والحسن والضحاك وهلال بن يساف نحو ذلك.
وكأنهم استنبطوا هذا التفسير من قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (5) .
قوله تعالى {لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن علي بن ابي طلحة عن ابن عباس قوله: {لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} قال: خسروا الدنيا والآخرة (6) ..
سورة البقرة 65(38/201)
قوله تعالى: {وَلقَدْ عَلِمْتُم الذين اعْتَدَوا مِنْكُم في السبتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةخَاسِئِين}
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: أجمل قصتهم هنا وفصلها في سورة الأعراف في قوله: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (1) (2) . .
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} قال: نهوا عن صيد الحيتان في يوم السبت، فكانت تشرع.إليهم يوم السبت بلوا بذلك فاصطادوها فجعلهم الله قردة خاسئين. .
وإسناده صحيح.
وأخرج مسلم بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: "إن الله لم يجعل لمسخ نسلا، ولا عقبا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك " (3) . وهذا الشاهد من الحديث حيث ورد أطول من هذا اللفظ.
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: {خَاسِئِينَ} ، قال: صاغرين. .
وإسناده صحيح، وأخرجه الطبري بلفظه عن محمد بن بشار قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
وإسناده صحيح.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية بلفظ: أدلة صاغرين (4) .
سورة البقرة 66(38/202)
قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بين يَدَيْها}
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بين يَدَيْها} أي عقوبة لما خلا من ذنوبهم (1) .
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى {لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} ما مضى من خطاياهم إلى أن هلكوا به (2) .
قوله تعالى: {وَمَا خَلْفَهَا}
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله {وَمَا خَلْفَهَا} التي قد أهلكوا بها يعني: خطاياهم.
وأخرج بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله {وَمَا خَلْفَهَا} أي عبرة لمن بقي بعدهم من الناس (3) .
قوله تعالى: {وَمَوْعِظَةً لِلمُتَّقِين}
قال الإمام أبو عبد الله بن بطة: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن سلم، حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل" (4) . .
ذكره ابن كثير ثم قال: وهذا إسناد جيد، وأحمد بن مسلم هذا وثقه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي وباقي رجاله مشهورون على شرط الصحيح (5) .
وأخرج عبد الرزاق عند تفسير هذه الآية عن معمر عن قتادة في قوله: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً} قال: لما بين يديها من ذنوبهم،، وما خلفها من الحيتان، وموعظة للمتقين من بعدهم (6) . .
وإسناده صحيح.
سورة البقرة 67
قوله تعالى: {وَإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمه إنِّ الله يَأمركُم أن تذبحوا بَقَرَة قالُوا أتَتَّخِذُنَا هُزوا قَالَ أعُوذُ بِالله أنْ أكُون مِن الجَاهِلِين}(38/203)
قال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا يزيد بن هارون، أنبا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني قال: كان رجل في بني إسرائيل عقيم لا يولد له، وكان له مال كثير، وكان ابن أخيه وارثه فقتله، ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا، وركب بعضهم إلى بعض فقال ذو الرأي والنهى على ما يقتل بعضكم بعضا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم؟ فأتوا موسى فذكروا له: فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} فقالوا: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} . قال: فلو لم يعترضوا البقرة، لأجزت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها وجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها، فقال: والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا، فأخذوها بملء جلدها ذهبا فذبحوها فضربوه ببعضها فقام فقالوا: من قتلك؟ فقال هذا، لابن أخيه، ثم مال ميتا فلم يُعطَ من ماله شيء ولم يورث قاتل بعد (1) .
وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن يزيد بن هارون به، وأخرجه آدم ابن أبي إياس في تفسيره عن أبي جعفر الرازي عن هشام بن حسان به. وأخرجه عبد الرزاق (2) والطبري من طريق أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة بنحوه. والإِسناد صحيح إلى عبيدة، وقد صححه الحافظ ابن حجر عند ذكر قصة البقرة (3) ، وما رواه من الإسرائيليات، إلا أن لبعضه شاهد من القرآن الكريم في قوله تعالى {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (4) .
سورة البقرة 68
قوله تعالى {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ}(38/204)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: الفارض: الهرمة، يقول ليست بالهرمة ولا البكر {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} (1) .
وإسناده صحيح.
سورة البقرة 69
قوله تعالى {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا}
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: هي الصافي لونها.
وإسناده صحيح.
قوله تعالى {تَسرُّ النَّاظِرِينَ}
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة {تَسرُّ النَّاظِرِينَ} أي: تعجب الناظرين.
سورة البقرة 70
قوله تعالى: {وَإنَّا إن شاءَ الله لَمُهْتَدُون}
أخرج الطبري عن الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: لو أخذ بنو إسرائيل بقرة لأجزأت عنهم ولولا قولهم: {وَإنَّا إن شاءَ الله لَمُهْتَدُون} لما وجدوها (2) .
ورجاله ثقات إلا الحسن فصدوق فالإسناد حسن.
قال الطبري: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عثام بن علي، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لو أخذوا أدنى بقرة اكتفوا بها، لكنهم شددوا فشدد الله عليهم (3) .
وذكره ابن كثير ثم قال: إسناده صحيح وقد رواه غير واحد عن ابن عباس وكذا قال عبيدة والسدي ومجاهد وعكرمة وأبو العالية وغير واحد (4) .
سورة البقرة 71
قوله تعالى {قَال إنه يَقُولُ إنَّهَا بَقرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرْضَ ولا تَسقِي الحَرث}
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن شيبان النحوي عن قتادة قوله {لا ذَلُولٌ} قال: يعني: صعبة يقول لم يذلها العمل.
وأخرج بإسناده الجيد عنْ أبي العالية: {تُثِيرُ الأَرْض} قال: يعني ليست بذلول تثير الأرض.
وأخرج بإسناده الجيد أيضا عن أبي العالية: {وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ} يقول لا تعمل في الحرث (5) .
قوله تعالى: {مُسَلَّمَةٌ لا شِيَة فِيهَا}
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: {مُسَلَّمَةٌ} لا عيب فيها (6) .
وإسناده صحيح.(38/205)
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد {مُسَلَّمَةٌ} يقول: مسلمة من الشية و {لا شِيَةَ فِيهَا} لا بياض فيها ولا سواد (1) . .
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة {لا شِيَةَ فِيهَا} : لا بياض فيها (2) . .
وإسناده صحيح.
قوله تعالى {قَالُوا الآن جِئتَ بِالحَق}
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن شيبان عن قتادة {قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقّ} قال: قالوا: الآن بينت لنا (3) . .
سورة البقرة 72
قوله تعالى {وَإذْ قَتَلْتُم نَفْساً فَادَّارَءتُم فِيهَا}
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله {فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} قال: اختلفتم فيها. .
قوله تعالى {والله مُخْرِجٌ مَا كُنْتُم تَكْتُمُون}
وبه عن مجاهد في قول الله {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} قال: تغيبون (4) . .
سورة البقرة 73
قوله تعالى {فَقُلْنَا اضْرِبُوه بِبَعْضِهَا كَذَلِك يُحيى الله المَوْتَى}
تقدم تفسيره في رواية عبيدة عند قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً …} الآية (5) .
وقال الشيخ الشنقيطي عند تفسير هذه الآية: وأشار في هذه الآية إلى أن إحياء قتيل بني إسرائيل دليل على بعث الناس بعد الموت، لأن من أحيا نفسا واحدة بعد موتها قادر على إحياء جميع النفوس. وقد صرح بهذا في قوله {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (6) .
سورة البقرة 74
قوله تعالى {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم من بَعْدِ ذَلِك}(38/206)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} قال: قست قلوبهم من بعد ما أراهم الله الآية، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، ثم عذر الحجارة، فقال {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (1) .
وإسناده صحيح.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِك} يعني به: بني إسرائيل.
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا سبب قسوة قلوبهم، ولكنه أشار إلى ذلك في مواضع أخر كقوله {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَة}
سورة البقرة 74
وقوله {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} الآية (2) .
قوله تعالى {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَهي كَالحِجَارَةِ أو أشَدُّ قَسْوَةً وإنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفجَّرُ مِنْه الأنْهَارُ وَإن مَنهَا لَمَا يَشَّقَّق فَيَخْرُج مِنْهُ المَاء وإنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِن خَشْيَةِ الله وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون}
أخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَهي كَالحِجَارَةِ أو أشَدُّ قَسْوَةً وإنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفجَّرُ مِنْه الأنْهَارُ وَإن مَنهَا لَمَا يَشَّقَّق فَيَخْرُج مِنْهُ المَاء وإنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِن خَشْيَةِ الله} قال: كل حجر يتفجر منه الماء، أو يتشقق عن ماء، أو يتردى من رأس جبل، فهو من خشية الله عز وجل، نزل بذلك القرآن (3) .(38/207)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} أي وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (1) .
وإسناد الخشوع إلى الحجارة من باب الحقيقة لا من باب المجاز- كما قيل-.
وقد وردت أحاديث صحيحة تدل على ذلك، فعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "هذا جبل يحبنا ونحبه". أخرجه الشيخان. .
وقال أيضا: "إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علىَّ قبل أن أبعث إني أعرفه الآن". أخرجه مسلم (2) . .
تم القسم الثاني وإلى القسم الثالث إن شاء الله.
---
التفسير رقم448.
(3) التفسير رقم 814
(4) التفسير رقم450.
(5) التفسير رقم451.
(6) المسند2/338.
(7) السنن - المقدمة - باب الانتفاع بالعلم والعمل به رقم 252.
(8) صحيح الجامع الصغير5/272.
(9) التفسير رقم 458.
(10) البقرة 85.
(11) أضواء البيان1/136.
(12) التفسير رقم459.
(13) التفسير رقم461.
(14) التفسير رقم 834.
(15) التفسير رقم 465.
(16) انظر تهذيب التهذيب10/29.
(17) التفسير رقم 466.
(18) صحيح البخاري - بدء الخلق - باب صفة النار رقم 3267، وصحيح مسلم -الزهد - باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله رقم 2989
(19) التفسير1/68
(20) التفسير رقم 477،480
(21) التفسير ص 35
(22) العلو ص82.
(23) التفسير رقم 481.
(24) أضواء البيان1/137.
(25) المسند5/388.
(26) السنن - الصلاة - باب وقت قيام النبي الله عليه وسلم بالليل رقم1319.
(27) التفسير رقم 850.
(28) صحيح الجامع الصغير4/215.
(29) المسند رقم2804.(38/208)
(1) السنن - صفة القيامة - باب 59حديث2516.
(2) صحيح سنن الترمذي2/309رقم2043.
(3) ص23،24.
(4) ص174.
(5) التفسير رقم 852.
(6) التفسير رقم485.
(7) اتعظيم قدر الصلاة1/222 رقم 201
(8) لمستدرك2/269 - 270. .
(9) انظر مثلا جامع الأصول6/429-441.
(10) تعظيم قدر الصلاة1/223،224رقم205.
(11) المستدرك2/269.
(12) التفسير ص50،51.
(13) التفسير رقم484.
(14) التفسير 490.
(15) آية153 من هذه السورة.
(16) التفسير رقم856.
(17) التفسير رقم493.
(18) التفسير رقم495.
(19) انظر تغليق التعليق4/171،172.
(20) التفسير رقم863.
(21) التفسير1/162.
(22) الجاثية24.
(23) البقرة78.
(24) النساء157.
(25) الأنعام116.
(26) التفسير رقم497.
(27) أضواء البيان1/137.
(28) التفسير رقم499.
(29) التفسير ص35.
(30) التفسير رقم871.
(31) التفسير رقم501.
(32) التفسير1/163.
(33) التفسير ص36.
(34) المسند5/3.
(35) السنن - التفسير - سورة آل عمران رقم 3001.
(36) السنن - الزهد - باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم رقم4287.
(37) التفسير رقم873.
(38) التفسير رقم1156سورة آل عمران.
(39) المستدرك4/84.
(40) التفسير2/78ط الشعب.
(41) فتح الباري - فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رقم3649، وصحيح مسلم - فضائل الصحابة – باب فضل الصحابة ثم االذين يلونهم ثم الذين يلونهم رقم212.
(42) التفسير 2/28
(43) التفسير رقم875.
(44) التفسير رقم876.
(45) فتح الباري - الرقاق - باب القصاص يوم القيامة6534.
(46) لقمان33.
(47) 1 /163
(48) التفسير رقم878.
(49) الكامل ص2482-2485.
(50) التفسير رقم ص36. c
(51) التفسير رقم505.
(52) الأنبياء رقم 505.
(53) الزمر7.
(54) الشعراء100.
(55) المدثر48.(38/209)
(1) البقرة255.
(2) النجم26.
(3) طه109.
(4) يونس 18.
(5) أضواء البيان1/137،138.
(6) طه109.
(7) روح المعاني1/252.
(8) صحيح البخاري - الصيام - باب صيام يوم عاشوراء رقم2004، وصحيح مسلم - الصيام - باب أي يوم يصام عاشوراء رقم128. .
(9) 1 / 167
(10) أضواء البيان1/138.
(11) التفسير رقم891.
(12) انظر مثلا تفسير الطبري رقم892.
(13) انظر تفسير القاسمي1/122.
(14) التفسير رقم899.
(15) التفسير رقم511.
(16) الشعراء54-56.
(17) التفسير رقم909.
(18) الشعراء63.
(19) طه77.
(20) الشعراء60-61.
(21) طه78.
(22) الدخان24.
(23) انظر أضواء البيان1/138، 139.
(24) آية80.
(25) أضواء البيان1/139.
(26) ضَرْب: بفتح الضاد وسكون الراء: نحيف.
(27) شنوء ة: حي من اليمن ينسبون إلى شنوء ة وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بر نصر بن الأزد، لقب شنوءة لشنآن كان بينه وبين أهله. قح الباري 6/ 429) .
(28) الديماس: الحمّام، وقيل الكن، وفي حديث المسيح: كأنه خرج من ديماس يعني في نضرته وكثرة ماء وجهه. انظر لسان العرب 6/88) .
(29) الصحيح- الأنبياء- باب قول الله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ... } رقم 3394.
(30) طه 88،87 وانظر أضواء البيان1/140.
(31) الأعراف148.
(32) التفسير رقم 517.
(33) التفسير رقم518.
(34) التفسير رقم519.
(35) التفسير رقم520.
(36) التفسير رقم525.
(37) التفسير رقم929.
(38) التفسير رقم936.
(39) التفسير رقم938.
(40) التفسير رقم530.
(41) التفسير رقم942.
(42) التفسير رقم538.
(43) التفسير رقم539.
(44) التفسير ص37.
(45) التتمة من رواية الطبري ر قم960 وابن أبي حاتم رقم547.
(46) التفسير رقم964.(38/210)
(1) صحيح البخاري - التفسير - سورة البقرة - باب قوله تعالى {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ} رقم 4478، وصحيح مسلم - الأشربة - باب فضل الكمأة ومداواة العين رقم 157 - 162.
(2) التفسير رقم556.
(3) انظر تغليق التعليق4/173.
(4) التفسير ص37.
(5) التفسير رقم982.
(6) الأعراف161.
(7) التفسير ص27.
(8) التفسير رقم573.
(9) التفسير رقم1003.
(10) الصحيح - التفسير - سورة البقرة - باب {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً…} رقم4479.
(11) الصحيح - التفسير - سورة الأعراف - باب (وقولوا حطة) رقم 4641.
(12) التفسير رقم1007.
(13) المستدرك2/262.
(14) التفسير ص37.
(15) التفسير رقم1012.
(16) المستدرك2/262.
(17) انظر آخر تفسير آية37 من هذه السورة.
(18) المستدرك2/262.
(19) التفسير رقم594.
(20) صحيح البخاري - الأنبياء - رقم 3473 وصحيح مسلم - السلام - باب الطاعون والطيرة رقم 2218 وما بعده. .
(21) التفسير رقم1045.
(22) التفسير رقم1043،1046.
(23) التفسير ص37.
(24) التفسير رقم610.
(25) التفسير رقم611.
(26) التفسير ص37.
(27) التفسير ص37.
(28) هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أخذ القراءة عرضا عن أبي هريرة وابن عباس وتلا عليه نافع بن أبي نعيم وصفه الذهبي بالإمام الحافظ الحجة المقري ت117هـ- (سير أعلام النبلاء5/69، 70.
(29) أحيحة بن الجلاح: بن الحريشي الأوسي شاعر جاهلي من دهاة العرب وشجعانهم (خزانة الأدب2/23
(30) تفسير القرآن ليحيى بن يمان وتفسير لنافع بن أبي نعيم رقم37.
(31) التفسير رقم1064.
(32) التفسير ص37.
(33) التفسير رقم621.
(34) التفسير رقم1081.
(35) التفسير ص38.
(36) التفسير رقم631.(38/211)
(1) انظر تغليق التعليق4/172.
(2) البقرة90.
(3) المسند رقم3868
(4) مجمع. الزوائد5/236
(5) انظر حاشية تفسير ابن كثير1/186.
(6) التفسير رقم637.
(7) التفسير رقم1114.
(8) التفسير رقم639.
(9) آل عمران85.
(10) التفسير رقم1097.
(11) التفسير رقم646.
(12) زياد: هو زياد بن أبيه واسم أبيه عبيد ادعاه معاوية أنه أخوه والتحق به فعرف بزياد بن أبي سفيان ونسبه ابن الأثير إلى أمه سمية أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ولاه معاوية العراق. ت53هـ. انظر تاريخ خليفةص219، الاستيعاب1/567، أسد الغابة2/119، تهذيب تاريخ ابن عساكر5/409، الوافي بالوفيات15/10.
(13) التفسير رقم1108.
(14) التفسير رقم650،651.
(15) التفسير رقم652.
(16) التفسير رقم653.
(17) الأعراف171.
(18) أضواء البيان1/140.
(19) التفسير ص38.
(20) التفسير رقم660.
(21) انظر تغليق التعليق4/173.
(22) التفسير رقم663.
(23) التفسير رقم664.
(24) التفسير رقم66.
(25) الاسراء82.
(26) التفسير رقم671.
(27) الأعراف163-165.
(28) أضواء البيان 1/140.
(29) التفسير ص38.
(30) الصحيح - القدر - باب بيان الآجال والأرزاق وغيرها …. رقم2663.
(31) التفسير ص38.
(32) التفسير رقم1145.
(33) التفسير رقم679.
(34) التفسير رقم680.
(35) التفسير رقم1159.
(36) التفسير رقم687.
(37) التفسير رقم686.
(38) إبطال الحيل ص46،47.
(39) التفسير1/193.
(40) التفسير ص38.
(41) التفسير رقم695.
(42) انظر تفسير ابن كثير1/194
(43) التفسير ص38.
(44) التفسير رقم1172.
(45) فتح الباري6/440.
(46) البقرة72،73.
(47) التفسير ص39.
(48) التفسير ص39.
(49) التفسير رقم1231.
(50) التفسير رقم1239.
(51) التفسير رقم1235.
(52) التفسير1/198.(38/212)
(1) التفسير رقم732.
(2) التفسير رقم734،735.
(3) التفسير ص39.
(4) التفسير رقم1255.
(5) التفسير ص39.
(6) التفسير رقم744.
(7) التفسير رقم1292.
(8) التفسير رقم1303.
(9) رقم67.
(10) أضواء البيان1/141.
(11) التفسير ص40.
(12) التفسير رقم760.
(13) أضواء البيان1/141.
(14) التفسير رقم1317.
(15) التفسير رقم770.
(16) صحيح مسلم- الحج- باب فضل المدينة رقم 1365.
(17) الصحيح- الفضائل- باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة رقم 2277. .(38/213)
فتح المتعال على القصيدة المسمّاة بلامية الأفعال
تأليف
حمد بن محمد الرائقي الصعيدي المالكي
دراسة وتحقيق الدكتور إبراهيم بن سليمان البعيمي
المؤلف
اسمه ونسبه:
هو حمد بن محمد الرائقي الصعيدي المالكي.
هذا ما استطعت الوصول إليه في نسبه، إذ لم أجد من ترجم له وكل ما استطعت الوصول إليه حيال نسبه مأخوذ من النسخ التي اعتمدت عليها، وعبثاً حاولت التنقيب في بطون المراجع المختصة بعلم الرجال خلال الحقبة التي عاش فيها الرجل، ولكني لم أجد ذكراً له، فأخذت أقدم في اسمه وأؤخر عسى أن أقف على ترجمة له من مثل أحمد بن محمد، ومحمد بن محمد، ومحمود بن محمد، والسعيدي مكان الصعيدي والصعدي نسبة لصعدة مدينة في اليمن، ولكن كان يردني أنه مالكي وأهل اليمن إما زيود وإما شافعية وليس فيهم مالكية، والمالكية في صعيد مصر كثر مما يقوي نسبته لصعيد مصر ويوهن نسبته لصعدة اليمن فقلت لعله آفاقي فيهم فعسى أن أظفر بشيء ولكن ذهب جهدي أدراج الرياح، وكلمّا أعياني التنقيب أوقفت البحث يأساً من العثور على شيء، ثم إذا عاودني النشاط عدت للبحث من جديد وهكذا دواليك عامين كاملين.
والصعيدي نسبة لصعيد مصر إقليم واسع جداً في جنوب القاهرة خرج منه طائفة كبيرة من العلماء الأفاضل في مختلف العلوم والفنون.
والرائقي قبيلة في صعيد مصر لا تزال تحمل هذا المسمّى حسب ما أخبرني به أحد الفضلاء من أبناء ذلك الإِقليم.
والذي يبدو لي – والله أعلم – أن صاحبنا عاش في الصعيد بعيداً عن مراكز الحضارة في مصر وهذا ما جعل المعنيين بالتراجم من أمثال الجبرتي في تاريخه، ومبارك في خططه، والشوكاني في البدر الطالع، والبيطار في حلية البشر، وابن زبارة في النور السافر وغيرهم يغفلون ذكره.
كما أنه لم يحظ بتلامذة نجباء يحملون علمه واسمه من بعده فيشتهر بهم؛ ولهذا عاش الرجل مجهولاً، وكم من عالم نحرير خفي على العالمين ببعده عن مراكز الحضارة.
مولده ووفاته:(38/214)
بما أننا لم نقف على ترجمة للرجل فمن العبث الجزم بتاريخ قاطع لميلاده أو وفاته، وكل ما نستطيع القول به في هذا الشأن هو تقريبي فقط بناء على إشارات من كتابه مقربة للزمن لا جازمة به، فنقول: إن الرجل عاش ما بين العام 1170، و1250هتقريباً، لأنه نقل من الشيخ أحمد بن أحمد بن محمد السجاعي في موضعين من كتابه فتح الجليل على شرح ابن عقيل، والسجاعي توفي عام 1197هـ، ونقل من محمد بن محمد الأمير الكبير دون أن يذكر اسمه صراحة في موضع واحد، والأمير توفي عام 1233هـ، وإحدى النسختين اللتين عملت عليهما مؤرخة عام 1248هـ، وهي ليست نسخة المؤلف بل منقولة عنها؛ وبناء على هذا نستنتج أنّ الرجل كان حياً خلال تلك الحقب الزمنية، وأنه كان أصغر من السجاعي لأنه كان يصفه بالعلامة ولعل السجاعي من شيوخه، وأنه كان قريناً للأمير الكبير لأنه وصفه ببعض المحققين وقد يكون زميلاً له.
دراسة الكتاب
عنوانه:
الكتاب عنوانه "فتح المتعال على القصيدة المسمّاة بلامية الأفعال"هذا هو المدوّن على النسختين، وكما صرّح به المؤلف: "وسمّيته بفتح المتعال على القصيدة المسماة بلامية الأفعال".
نسبة الكتاب للمؤلف:
لا شك في نسبة الكتاب للمؤلف إذ صرح المؤلف باسمه في أول الكتاب فقال: "الحمد لله على إفضاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وبعد فيقول أحوج العباد، وأخفض العبيد حمد بن محمد الصعيدي المالكي غفر الله له ولوالديه ولإخوانه والمسلمين آمين هذا تعليق لطيف على منظومة الإمام أبي عبد الله جمال الدين محمد بن مالك…".
ومما يؤكد نسبة الكتاب للمؤلف ما ذكره بروكلمان في تاريخ الأدب العربي في النسخة العربية في حديثه عن لامية الأفعال وشروحها: 5/292 قال "شرح لحمد بن محمد السعيدي ميونخ 719"ولكنه جعله السعيدي بالسين بدل الصعيدي بالصاد.
مصادر الكتاب:(38/215)
اعتمد المؤلف كثيراً على الشرح الكبير لبحرق اليمني في شرحه لامية الأفعال، وهو قد صرّح بذلك فقال: "اقتطفته من ثمار شرح الإِمام الفاضل بحرق اليمني وهو المراد بالشارح عند الإِطلاق، وبعض كلمات من غيره".
كما أنه اعتمد على ابن الناظم في شرحه اللامية، وعلى التسهيل وشرحه لابن مالك، وعلى الخلاصة للموازنة بين آراء ابن مالك من خلال كتبه المتنوعة ومن كتاب سيبويه، واعتمد كذلك على كتب المعاجم التي كثيراً ما كان يصرّح بها ومن أهمها الصحاح والقاموس إذ تجاوز النقل عنهما ثمانين موضعاً، ونقل من ابن سيده، وضياء الحلوم لابن نشوان الحميري مرّة واحدة، ومن كتب النحاة المعاصرين له كفتح الجليل للسجاعي، وحاشية الأمير على شذور الذهب مرة واحدة، ومن المستطرف مرة واحدة وحياة الحيوان الكبرى، وشرح الشاطبية للألفية والدر النضير في الصلاة على الحبيب البشير للتنبكتي، ومن كتب الحديث وغيرها.
ولكن جل مصادره منقولة بالواسطة عن بحرق اليمني.
ولعل بعده عن أجواء القاهرة هو الذي جعله لا يستفيد من تاج العروس الذي كان في أمسّ الحاجة إليه لتفسير غوامض القاموس، والاستدراكات عليه، ولو اطلع عليه لغير رأيه في كثير مما اختاره من مثل قوله في مضارع نعى ينعي بكسر عينه، والراجح فتحها كما هو عند الزبيدي في التاج.
موقفه من ابن مالك:
لم يكن موقفه من ابن مالك موقف المسلّم المستسلم بما قال بل كان يناقش ويرجح خلاف اختيار ابن مالك، إذا بدا له أن الصواب خلافه من مثل حديثه عن كسر عين مضارع فَعَلَ يَفْعِلُ إذا كان يائي اللام من مثل أتى يأتي قال: "ولم يشذّ من هذا النوع إلا أبى الشيء يأباه إباء بموحدة، ولم يستثنه الناظم".(38/216)
ومن مثل حديثه عن المثال الواوي من فَعَلَ المفتوح العين قال 13/ب: "قال الشارح: صرح في التسهيل بأن سائر العرب غير بني عامر تلزم كسر مضارع هذا النوع، ولم يستثن منه شيء ولا شرط له شرطاً وهو مقتضى النظم، وذلك عجيب منه فإنه جاءت منه أفعال بالفتح، بل إنّاَ نقول باشتراط كون لامه غير حرف حلق، فإنني تتبعت مواده فوجدت حلقي اللام منه مفتوحاً كوجا الأنثيين يجأ رضّهما، ودعه يدعه تركه، ووزعه يزعه كفه ووضع يضعه"الخ.
وقال في مضارع فَعَلَ يَفْعُلُ مفتوح العين في الماضي مضمومها في المضارع قال 21/أ: "قال الشارح: شرط في التسهيل للزوم الضم فيما لامه واو أن لا يكون عينه حرف حلق، وهو مقتضى كلام الناظم فيما سيأتي في الحلقي، وكأنه لم يمعن النظر في ذلك".
وهكذا كان ديدنه، ولكنَّ أغلب ما اعترض به على ابن مالك هو من كلام بحرق اليمني وللمصنف الاختيار، والاختيار دليل الموافقة، إذ قد اعترض على الشارح في إعرابه قول ابن مالك في اللامية:
عين المضارع من فعلت حيث خلا
من جالب الفتح كالمبني من عتلا
فاكسر أو اضمم إذ تعيين بعضهما
لفقد شهرةٍ أو داع قد اعتزلا
عين منصوب على التنازع فقال الصعيدي 24/ب: "عين المضارع مفعول به مقدّم لقوله اكسر، ولا يضرّه وقوعه بعد الفاء؛ لأنها زائدة، ومفعول اضمم محذوف يدل عليه المذكور، وليس من باب التنازع خلافاً للشارح؛ لأن الناظم لا يراه في المتقدم".
وكذلك كان موقفه من ابن الناظم يخطئه أحياناً كما قال في شرح هذا البيت:
فَعالة لخصال والفِعالة دع
لحرفة أو ولاية ولا تهلا(38/217)
فقال: "قال بدر الدين رحمه الله تعالى: الخصال إنما تبنى من فعُل المضموم نحو نظف نظافة قال وقد تقدّم أن مصدره يجيء على فَعالة وفُعولة كالشجاعة والسهولة فقوله هنا فَعالة لخصال إعادة محضة قال الشارح: وعندي أنه ليس بإعادة محضة بل هو بيان أعم من الأول فإنه ذكر فيما مضى أن فعُل بالضم يجيء مصدره المقيس على فَعالة وفُعُولة، وأراد هنا أن يبيّن أن أفعال الخصال من أي فعل كان يقاس مصدره على فعالة".
طريقته في الشرح:
يبدو أن الأسلوب الذي سلكه الشيخ خالد الأزهري في التصريح، والأشموني في منهج السالك من دمج المتون التي يشرحونها بكلامهم حتى يكونا كلاماً واحداً يصعب التفريق بينهما قد راق لصاحبنا فسلكه؛ إذ نثر لامية الأفعال في كلامه نثراً وخلطهما معاً فصارا شيئاً واحداً، ولم يصنع كما صنع من قبله من شرّاح المنظومات بإيراد بيت كامل ثم يعقبه الشرح، بل كان صاحبنا يجزِّئ البيت أجزاء، ويشرح كلّ جزء على حدة بحسب مراده تسبقه أحياناً عبارة "أشار له بقوله".
وهذا الأسلوب الذي سلكه جعله يلجأ إلى الفصل بين المتلازمين كالعاطف والمعطوف، والجار ومجروره، والمضاف والمضاف إليه من مثل شرحه لهذا البيت:
من أفْعَلَ الأمرُ أفْعِلْ واعزه لسوا
هـ كالمضارع ذي الجزم الذي اختزلا
إذ جزّأه ستة أجزاء فقال "من أَفْعَلَ الأمرُ أَفْعِلْ"الأمرُ مبتدأ وأفعلْ بقطع الهمزة المفتوحة وكسر العين خبره، ومن أفعل متعلق بمحذوف صفة الأمر… ثم قال "واعزه"أي الأمر "لسواه"أي لسوى أفعل "كـ"صيغة "المضارع ذي"أي صاحب "الجزم الذي اختزلا". كما ترى قد فصل بين الجار والمجرور في "كالمضارع"، والمضاف والمضاف إليه في "ذي الجزم"
ولو شاء امرؤ أن يستلّ لامية الأفعال من هذا الكتاب لكان بمقدوره ذلك دون أن يفقد منها شيء ولكن بعد عناء وجهد جهيد.(38/218)
وهذا الأسلوب الذي سلكه المصنف جعلني أورد في الحاشية أبيات اللامية عند ذكر المؤلف أول كلمة من البيت المراد شرحه ليكون القارئ على بصيرة مما يراد شرحه له، وإذا كانت الفكرة التي يراد شرحها تتكون من أبيات متعددة فإنني أوردها مجتمعة.
كما أنني جعلت اللامية في المتن بين قوسين كبيرين وبخط مختلف بحسب تجزئة المؤلف لها؛ لكي يفرق القارئ بين المتن والشرح هكذا (وانقل لفاء الثلاثي) (شكل عين إذا) (اعتلت) (وكان) (بتا الإضمار) (متصلا)
ولو شئنا جمع شتات هذا البيت لكان بهذه الصورة:
وانقل لفاء الثلاثي شكل عين إذا اعـ
تلت وكان بتا الإضمار متصلا
فما وضع بين ذينك القوسين وكتب بذلك الخط فهو من اللامية.
شرحه الغريب:
تمتلئ المصنفات الصرفية بالغريب والحوشيّ من الكلام، والأوزان المهجورة الآن من مثل: اِفْعَيَّلَ كاهْبَيَّخَ، اِفْعَنْلأ كاحْبَنْطَأَ، ومن مثل فَهْعَلَ ك"رَهْمَسَ "وهَفْعَلَ ك"هَلْقَمَ"وهلمَّ جرَّا من هذه الأوزان التي لا يعرف المتخصصون في اللغة العربية معناها ولا يضبطون مبناها إلا بالرجوع للمعاجم، وكأن صاحبنا قد أحسَّ بهذا؛ فتولّى شرح الغريب، وضبط البناء كقوله "ومنها اِفْعَنْلَلَ كاحْرَنْجَمَ بزيادة همزة الوصل والنون بين العين واللام الأولى، وهو لمطاوعة فَعْلَلَ كحَرْجَمْتُ الإبلَ فَتَحَرْجَمَتْ: أي جمعتها فاجتمعت"وقال في الأفعال الثلاثية مكسورة العين في الماضي وفي مضارعها الفتح والكسر معاً قال "الثاني وَغِرَ بغين معجمة يقال وَغِرَ صدرُه يَغِرُ وَيوْغَرُ إذا توقَّدَ غيظاً"وقال في الأفعال الثلاثية المضعّفة اللازمة التي سمع في مضارعها الكسر قياساً والضم شذوذاً "السابع عشر: نَسَّ الشيءُ بالنون والسين المهملة يقال نَسَّ اللحمُ ينِسُّ وينُسُّ أي جفَّ وذهبت رطوبته".
شواهده:(38/219)
شواهد الصرف في الجملة قليلة لا ترقى إلى مستوى شواهد النحو؛ ولهذا نجد أغلب كتب التصريف شحيحة في شواهدها، وصاحبنا تنوّعت شواهده إذ استشهد بالقرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وأشعار العرب، وأمثالهم، ولكنها كما قلت قليلة يأتي في صدارتها شواهده من القرآن التي ناهزت ثمانين شاهداً، وكان المؤلف يورد في بعض الأحايين الشاهد من القرآن دون إشعار بأنه آية، بل كان يجتزئ من الآية بموطن الشاهد كاستشهاده على مجيء فِعْلِ الأمر من أَفْعَلَ على أَفْعِلْ قال: "فِعْلُ الأمر الكائن من أَفْعَلَ كأَكْرَمَ بزنة أَفْعِلْ كأَكْرِمْ زيداً و {أَرْسِلْهُ مَعَنَا} و {وَأَدْخِلْ يَدَكَ} و {أَلْقِ عَصَاكَ} وقال في معنى فعّل المضعّف العين "ويكون أيضاً لإِفادة معنى التكثير نحو {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} {وَقَطَّعْنَاهُمُ} {وَغَلَّقَتِ الأَبْوَاب} وهكذا يورد الآيات دون إشعار بأنها آية، بل ربّما اجتزأ بكلمة واحدة منها من مثل استشهاده على وجوب كسر همزة الوصل وعدم الاعتداد بالحركة العارضة في عين أمر الثلاثي إذا كانت مكسورة في الأصل وطرأ عليها الضم فقال "واحترز بقوله لزوم الضم مما لم يكن الضم فيه لازماً نحو {امْشُوا} فاجتزأ بهذه الكلمة من الآية السادسة من سورة ص.
وكان يستشهد بالقراءات الشاذة ولكنه كان ينبِّه على ذلك بقوله وقرئ شذوذاً.
أما عليه شواهده من حديث رسول الله صلى الله وسلم فكانت في المرتبة الثانية، ولكنها لا تبلغ في الكثرة شواهده من القرآن كاستشهاده بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا خلابة" و "الولد مبخلة مجبنة" و "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب".
أما شواهده من أشعار العرب فهي تعدّ على أصابع اليد الواحدة، ومع قلتها فلم يعلّق عليها، وعزا واحداً منها فقط مع أنه محل نزاع.
واستشهد بمثل واحد من أمثال العرب وهو قولهم "برق خلّب"وفي الجملة شواهد الصرف قليلة في هذا الكتاب وغيره.
لامية الأفعال(38/220)
لامية الأفعال لابن مالك منظومة صرفية من البحر البسيط بلغ عدد أبياتها مائة وأربعة عشر بيتاً، وسمّيت بهذا الاسم؛ لأنها بنيت على رويّ اللام، وأضيفت إلى الأفعال تغليباً لها لا اختصاصاً بها.
مباحثها:
اشتملت اللامية على بعضٍ من تصريف الأفعال، واشتملت على ما كان الحدث بعضاً من دلالته في تصريف الأسماء، وأخلت ببعض، فقد بدأها الناظم بالحديث عن تصريف الفعل المجرّد رباعيّاً كان أو ثلاثياً، مع بيان مضارعه، وحركة عين المضارع من الثلاثي، والمواطن التي ينقاس فيهما ضمّ عين المضارع، وكسرها وفتحها، ثم تحدث عن اتصال ضمائر الرفع المتحركة بالأفعال الجوفاء، وما يطرأ على فاء الفعل بسبب هذا الاتصال، ثم ذكر أبنية المزيد فيه سواء كانت الزيادة للمعنى أم للمبنى، وذكر في هذا أبنية نادرة جداً من كل رهمس وهلقم وترمس وجلمط واعثوجج واعلنكس واجفأظّ وترهشف وزهزق، ثم تحدث عن بناء الفعل المضارع فذكر فيه حروف المضارعة "أنيت"وحركة حرف المضارعة فتحها وضمها وكسرها، وحركة ما قبل آخره، ثم عرّج على الفعل المبني للمفعول وأَوضح كيفية بنائه وما يطرأ عليه من تغيير ثم أنهى المطاف في تصريف الأفعال بالحديث عن فعل الأمر.
وفي تصريف الأسماء تحدث عن أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة بأسماء الفاعلين، ثم ذكر أبنية المصادر من الثلاثي وغيره قياسية كانت أم سماعية، وتحدث عن ما صيغ منها للدلالة على المرّة والهيئة، وعقد باباً للحديث عن ما صيغ على وزن مفعَلٍ أو مفعِلٍ سواء أريد به المصدر أم الظرف، وأشار قبل نهاية المنظومة إلى ما صاغته العرب على وزن مَفْعَلَةٍ للدلالة على كثرة الشيء في المكان، واختتم منظومته بالحديث عن اسم الآلة.
من خلال هذا العرض السريع لما حوته لامية الأفعال يتبيَّن لنا أنها قد أخلّت ببعض مباحث عامة كالميزان الصرفي، والإلحاق، والاشتقاق.(38/221)
ومباحث تخصُّ تصريف الأفعال من مثل أحكام توكيد الفعل، ومعاني صيغ الزيادة وهو مبحث مهمٌّ جدا، والتعدي واللزوم وعلاماتها، والفعل اللفيف وأحكامه، والجامد والمشتق.
ومباحث تخصُّ تصريف الأسماء وهي كثيرة جدّاً مثل أبنية الأسماء المجرّدة الثلاثية والرباعية والخماسية، والتذكير والتأنيث، وجمع التكسير، والمقصور والمنقوص والممدود، والتصغير، ولعل ابن مالك لا حظ أن الحدث ليس من دلالة هذه الأبواب فأعرض عنها.
شروح اللامية:
تصدّى للامية الأفعال علماء كثيرون شرحوها أعرف من شروحها:
1- شرح: ابن الناظم وسأتحدث عن شرحه في الفصل الذي بعد هذا.
2- شرح: محمد بن دهقان النسفي المتوفى عام 818هـ، ويسمّى شرحه "شرح تصريف المفتاح"ويوجد منه نسخة في الآصفية برقم 2/892/8.
3 - شرح: محمد بن عبد الدائم البرماوي المتوفى سنة 831 هـ، وتوجد نسخةمن شرحه في المكتبة الأزهرية برقم 203، وأخرى في ليدن برقم 197، وثالثة في الأسكوريال برقم 2/ 144.
4 - شرح: محمد بن عباس التلمساني، وسمّى شرحه تحقيق المقال وتسهيل المنال في شرح لامية الأفعال، انتهى منه عام 751هـ، ويوجد من شرحه نسخة في الأسكوريال ثاني 16 برقم 3/ 79، 270.
5 - شرح: بحرق اليمني وله عليها شرحان. كبير وصغير وسأتحدث عنهما فيما بعد.
6 - شرح: عبد الكريم بن محمد الفكوت القسمطيني وشرحه هذا مطوَّل ومنه نسخة في المَكتبة الوطبية بتونس ذكرها محقق شرح ابن الناظم دون أن يحدد رقمها.
7 - شرح يعقوب بن سعيد المكلاتي، ومنه نسخة في تونس في القرويين برقم 42/أ. ب.هـ، ونسخة في الأسكوريال ثان 16/رقم4، وثالثة في المتحف البريطاني برقم 548/2.
8 – شرح: محمد بن محمد بن سعيد الطنجي ومنها نسخة في الجزائر أشار لها بروكلمان.
9 – شرح: أبي العباس أمد بن محمد الدلاني المغربي المتوفى سنة 1128هأشار إليه بروكلمان
10 – شرح: أبي العباس الوهراني ومنها نسخة في الأسكوريال أشار إليها بروكلمان.(38/222)
11 – شرح: بدر الدين الحسني المتوفى عام 1354هـ.
12 – شرح: ابن يحيى هكذا ومن شرحه نسخة في المكتبة الأزهرية برقم 996 أشار إليها محقق التسهيل.
13 – شرح: لمجهول ومن هذا الشرح عدة نسخ في الأسكوريال ثان 16/6، 1,143، وأخرى في الأمبروزيانا أشار إليها بروكلمنان، وثالثة في المكتبة الأزهرية صرف برقم 997.
14 – شرح: حمد بن محمد الصعيدي المالكي وهو كتابنا هذا.
موازنة بين هذا الكتاب
وشرح ابن الناظم وفتح الأقفال
الموازنة بين كتابين تقتضي من الموازِن أن يقابل بين الدقائق التي يوازن بينها، ويتتبع المسائل مسألة مسألة، وكيف عالج المؤلفة نصوصه واستشهاده على مسائله، وغزارة مادته العلمية، وتوثيقه للمسائل، وينظر فيمن أجاد في هذه وأخلّ بتلك وهذا العمل يتطلب بحثاً طويلا يخرج بنا عن المسار المرسوم لنا لو سلكناه، ولكننا هنا نحاول أن نوازن موازنة عامة تضئ لنا الدرب لنعلم من خلالها كيف أفاد المتأخر من المتقدم في إحسانه، وكيف عالج ما وقع فيه من قبله من مزالق.
أولا: التعريف بالكتب:
أشرح ابن الناظم
على الرغم من صغر حجم شرح ابن الناظم فإنه يعدّ أصلا مهماً في شروح اللامية؛ لأنه أولها ظهوراً، والشارح ابنٌ للناظم أدرى الناس بمراد أبيه، ومن تصدّى لشرح اللامية فلابدَّ أن يكون هذا الشرح بين يديه.
طبعات الكتاب:
طبع الكتاب أكثر من مرة أذكر منها:
1- طبع الكتاب دونما تحقيق في مطابع مصطفى البابي الحلبي عام 1367هـ، وهو يقع في ستين صحيفة من القطع الصغير، وعندي منه نسخة أحضرتها من السنغال.
2- طبع الكتاب عام 141 1هفي دار قتيبة ببيروت بتحقيق محمد أديب عبد الواحد جمران وعنوانه: شرح لامية الأفعال، وهو يقع في مائتين وثمانٍ وخمسين صحيفة من القطع الصغير، والكتاب مضبوط بالشكل، وتحقيقه لا بأس به، وعندي منه نسخة.(38/223)
3- طبع الكتاب عام 1412هفي المطبعة التعاونية بدمشق بتحقيق الدكتور ناصر حسين علي وعنوانه: زبدة الأقوال في شرح لامية الأفعال، وهو يقع في مائة واثنتين وعشرين صحيفة من القطع المتوسط، وقد ضبط المحقق الكتاب ضبطاً يشكر عليه، ويسبق أبيات اللامية حرف (ص) ، كما يسبق الشرح حرف (ش) إشارة أصل وشرح، وأسرف المحقق بوضع عنوانات فرعية؛ إذ كان يجزّئ الفكرة الواحدة أجزاء بهذه العنوانات وخدمته للكتاب أجود من خدمة صاحبه. إلا في الفهارس فإن محمد أديب أفضل من ناصر حسين، وعندي منه نسخة.
ب- فتح الأقفال:
فتح الأقفال بشرح لامية الأفعال المشهور بالشرح الكبير لجمال الدين محمد بن عمر الحمير الحضرمي المعروف ببحرق هذا هو عنوان الكتاب الذي نحن بصدد الموازنة بينه وبين شرح ابن الناظم وشرح الصعيدي.
وهو أحد شرحين لبحرق على لامية الأفعال، والآخر يسمى الشرح الصغير، وهو مختصر من الشرح الكبير جرده من كثير من الأمثلة المبسوطة في الشرح الكبير.
ومما لا شك فيه أن بحرق قد اطلع على أكثر من شرح للاّمية منها شرح ابن الناظم، وأفاد من تلك الشروح.
طبعات الكتاب:
طبع فتح الأقفال ثلاث مرّات:
الأولى: عام 1950م، في القاهرة، وهي طبعة مصححة بمعرفة لجنة من العلماء برئاسة الشيخ أحمد أسعد علي، ولم أقف عليها.
الثانية: عام 1954م بمطبعة مصطفى البابي الحلبي، وهي تقع في ثلاث وسبعين صحيفة من القطع المتوسط، وأسطرها مضغوطة في صفحاتها، وهي خالية من التحقيق العلمي، وقد حاول صاحب المطبعة إخراجها بمخرج مقبول فأوكل تصحيحها إلى سيّد أحمد شيخ موسى الصومالي فاجتهد ولم يحالفه التوفيق في كثير من المواضع.
الثالثة: عام 1414هطبعتها كلية الآداب بجامعة الكويت، وحققها الدكتور: مصطفى النحاس، وهي تقع في مائتين وخمس وخمسين صحيفة من القطع المتوسط، وجلُّ عمل المحقق مقارنة النسخ، وضبط الكتاب بالشكل.
ج- فتح المتعال:(38/224)
هذا هو عنوان كتابنا المحقق وقد سبقت دراسته والتعريف به.
ثانياً: عرض المسائل عندهم:
عندما يريد ابن الناظم أن يشرح فكرة فإنه يصدِّرها ببيت من اللامية ثم يتولّى شرح ذلك البيت شرحاً موجزاً مفسّراً بالأمثلة دون إسهاب فيها بل يجتزئ بالمثال الواحد الدال على القاعدة، وإن كان الأمر يلزم الحصر فإنه يحصر كأن يقول: ولم يرد منه سوى تسعة أفعال هي.. ثم يوردها، ويذكر اختلاف اللغات إذا كان ينبني عليها حكم صرفي كقوله في مضارع وَرِعَ يَرِعُ "وحكى سيبويه يورع".
أما بحرق فإنه يذكر أبيات اللامية ولكنه جعل كتابه معجماً للأمثلة؛ إذ يسوق على القاعدة الواحدة الكثير من الأمثلة، وقد بلغ بعضها ثلاثمائة وسبعين مثالاً على قاعدة واحدة وهو قد صرّح بذلك في مقدمة شرحه فقال: "فلهذا شرحت أنا هذه المنظومة شرحاً مطابقاً لغرض الناظم رحمه الله فبسطت القول في الباب الأول بكثرة الأمثلة التي يُحتاج إليها فذكرت للفعل الرباعي نحو مائة مثال، ولفعُل المضموم مائة أيضاً، ولفعِل المكسور ثلاثمائة وسبعين منها أربعين لوناً"وكان يرتب أمثلته حسب ترتيب القاموس فيبدأ بما آخره همزة، ثم ما آخره باء، وهكذا مع مراعاة الترتيب الداخلي حتى يصل إلى آخر الأمثلة.
وتوسط الصعيدي بينهما في هذا المضمار فلم يسرف إسراف بحرق ولم يوجز إيجاز ابن الناظم، بل كان يمثل لقواعده بأمثلة يضمن معها إيضاح القاعدة للقارئ.
ثالثاً: شواهدهم:
استشهد ابن الناظم بإحدى عشرة آية فقط، ولم يستشهد بالأحاديث، وبقول واحد لعمر رضي الله تعالى عنه، وبأربعة عشر بيتاً من الشعر منها ثمانية من الرجز والباقي من القصيد.
أما بحرق فقد فاقت شواهده من القرآن مائتين وثلاثين شاهداً، واستشهد من الحديث بأربعة عشر حديثاً، وبثلاثة أقوال للعرب، وبثلاثة عشر بيتاً من الشعر منها تسعة من الرجز والباقي من القصيد.(38/225)
أما الصعيدي فكان أيضاً وسطاً إذ استشهد بما يقارب الثمانين آية وعشرة أحاديث، أما الشواهد الشعرية فإنه أقل القوم إذ لم تبلغ شواهده خمسة أبيات.
وكلهم كان يعلق على الشاهد بما يضمن معه فهم وجه الاستشهاد به.
رابعاً: موقفهم من الناظم:
في هذا الجانب تطغى كفة بحرق إذ كان يكثر من التنبيهات التي يستدرك فيها على الناظم، أو يردّ عليه أو يقيد ما أطلقه.
أما ابن الناظم فليس عنده من هذا شيء يذكر.
وأما الصعيدي فهو موافق لبحرق في هذا الجانب إذ جلّ تنبيهاته مستلة من بحرق، وكان أميناً في نقله فهو يصدّر كل تنبيه بقوله قال الشارح والمراد به بحرق كما صرّح به في مقدمة كتابه.
خامساً: التعرض للمسائل الخلافية:
المسائل الخلافية في الصرف قليلة لا تصل حدّ الخلاف في النحو، ومع ذلك نجد خلافاً بين الصرفيين في بعض المسائل كالرباعي المضعف مثل وسوس أهو على وزن فَعْلَلَ أم فَعْفَعَ، ووزن فُعْلَلٍ كجُؤْذَرٍ أهو بناء أصلي أم هو متفرع عن فُعْلُلٍ كبُرْثُنٍ، وهل المحذوف من اسم مفعول الثلاثي الأجوف العين أم واو مفعول.
مثل هذه المسائل ابن الناظم لم يقف عندها ولم يذكرها، أما بحرق فإنه يذكر مثل هذه الخلافات ويختار ما يراه راجحاً قال متحدثاً عن وزن طَقْطَقَ: "هذه الأمثلة رباعية أصلية عند البصريين؛ لأن وزنها فَعْلَلَ لا فَعْفَعَ، وعند الكوفيين أن نحو كَبْكَبَهُ مما يصح المعنى بإسقاط ثالثه من مزيد الثلاثي" وقال في باب الأمر: "الأمر بالصيغة مبني على الراجح، وهو مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين أنه معرب بالجزم".
والصعيدي قد نقل هذه الخلافات من بحرق وسكت عن التعليق عليها مما يدل على الموافقة.
وصف النسخ الخطية
اعتمدت في تحقيق الكتاب على نسختين خطيتين:
الأولى: في مكتبة الحرم النبوي الشريف برقم 35/415، ورمزت لها بالرمز (ح) أول كلمة حرم، وقد جعلتها أصلا.(38/226)
وهي تقع في سبعين لوحة، في كل لوحة صحيفتان، رمزت لليسرى منهما وهي التي فيها الترقيم الأصلي للمخطوطة بالرموز (أ) ، ورمزت للتي في ظهرها بالرمز (ب) .
وكل صحيفة منها تضم واحداً وعشرين سطراً، في كل سطر إحدى عشرة كلمة تقريباً.
وهذه النسخة قد قوبلت على نسخة المؤلف، ويشيع في صفحاتها عبارة: بلغ مقابلة على نسخة المؤلف.
وكتبت بخط النسخ الجميل، ونص اللامية فيها بالمداد الأحمر مما جعلها تبدو في التصوير باهتة.
ويظهر أنه قد سقط منها ورقة العنوان فألحق بها بخط مختلف عن خط الأم، ولم يسقط منها شيء ما عداها.
وتاريخ نسخها دُوّن باليوم والشهر، وتركت السنة، وناسخها عبد القادر المازني الجوهري في سابع يوم خلا من رجب الفرد على التمام والكمال، ويبدو أن الناسخ ليس من طلبة العلم إذ فاته شيء كثير من الأخطاء الإِملائية والنحوية.
أما النسخة الثانية:
فهي نسخة خطية توجد في مركز الملك فيصل، وهي فيه برقم 1559، ورمزت لها بالرمز (ف) .
وتقع في 82 لوحة في كل لوحة صحيفتان، وفي كل صحيفة تسعة عشر سطراً، وفي كل سطر ثماني كلمات تقريباً، وخطها مشرقي غير جيد، وهي كاملة سالمة من الخروم والنقص والرطوبة وغيرها من آفات المخطوطات، وقد كتبت عام 1248هـ، ولم تسلم كسابقتها من الأخطاء الإملائية والنحوية.
عملي في التحقيق:
1 – قارنتُ بين النسخ وأثبتُ الخلاف في الهامش.
2 – ضبطتُ النص بالشكل.
3 – خرجتُ الشواهد، وضبطتها بالشكل.
4 – ميزتُ بين اللامية والشرح بجعل اللامية بين قوسين كبيرين وبخط مختلف كما سبقت الإشارة له في دراسة الكتاب.
5 – ذكرتُ في الهامش أبيات اللامية كاملة عند أول ذكر لها.
6 – وثقتُ إحالات المصنف ونقوله من المتقدمين من كتبهم، وكان كثيراً ما يعول على كتب ابن مالك وشرح ابن الناظم وشرح بحرق وسيبويه والصحاح والقاموس، وبعض الحواشي المتأخرة.
7 – أشرتُ في الهامش إلى الخلافات والآراء المتعلقة بالمسائل إثراء للنص.(38/227)
8 – راعيتُ في كتابة المخطوطة قواعد الإِملاء الحديثة، مع الاعتناء بعلامات الترقيم.
9 - ترجمتُ للأعلام الذين ورد لهم ذكر في المتن، وأعرضت عن المشهور منهم جداً.
10- وضعتُ بين معقوفين عناوين لبعض المسائل المحتاجة لذلك.
11- فسرتُ ما أغفل المصنف تفسيره من الكلمات الغريبة، أما ما فسره المصنف فإنني أعرضتُ عن تفسيره حتى وإن كان تفسيره مختصرا لئلا يكون عملي تفسير التفسير.
12 - ذكرتُ في الهامش أهم المراجع للقضايا الصرفية عند أول ورود لها لراغبي المزيد.
13- ألحقتُ بالكتاب مجموعة من الفهارس الفنية.
صورة الغلاف من نسخة ح
الصحيفة الأولى من نسخة ح
صورة من نسخة ح يظهر عليها عبارة: بلغ مقابلة على نسخة المؤلف رحمه الله
اللوحة الأخيرة من نسخة ف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على إفضاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله.
وبعد: فيقول أحوج العباد، وأخفض العبيد: حمد بن محمد الصعيدي المالكي غفر الله له ولوالديه: هذا تعليق لطيف على منظومة الإمام أبي عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك الأندلسي الجيَّاني النحوي اللغوي الصرفي اقتصرت فيه على حلّ ألفاظها، وبيان مرادها، والتنبيه على بعض ما فاتها، اقتطفته من ثمار شرح الإِمام الفاضل بحرق اليمني - وهو المراد بالشارح عند الإِطلاق- وبعض كلمات من غيره.
وسميته ب (فتح المتعال على القصيدة المسمّاة بلامية الأفعال) .
وبالله أعتصم وأسأله العصمة [//2/ا] مما يصم، لا رب سواه، ولا مأمول إلا خيره، وهو حسبي ونعم الوكيل.
قال الناظم: بسم الله الرحمن الرحيم:(38/228)
ابتدأ المصنف كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز، وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع" (1) ،وفي رواية فهو "أبتر" (2) ، وفي رواية فهو "أجذم (3) " (4) رواه أبو داود وغيره، وحسنه ابن الصلاح وغيره، أي نقل ابن الصلاح تحسينه عن غيره من المتقدمين؛ لأن ابن الصلاح يقول: "لا يمكن التحسين والتصحيح في زماننا"قال العراقي في التذكرة: "وعنده التصحيح ليس يمكن في عصرنا، وقال يحيى يمكن "والضمير عنده لابن الصلاح، والمراد بـ (يحيى) الإِمام النووي رحمه الله.
والمعنى ناقص وقليل البركة فهو وإن تم حسّاً لا يتمّ معنى.
ثم إنه ينبغي لكل شارع في فن أن يتكلم على البسملة بما يناسبها من الفن المشروع فيه، ثم إن محلّ التكلُّم عليها إذا كانت من موضوعه، فإن لم تكن منه فلا ينبغي أن يتكلم عليها، وحينئذٍ فلابدّ من تقديم مقدّمة مشتملة على المبادئ التي من جملتها الموضوع ليُعلم هل البسملة منه فَيُتَكَلَّمُ عليها أولا، ومبادئ كل فنّ عشرة جمعها بعضهم بقوله [//2/ ب] :
إنّ مبادي كل فنِّ عشرة
الحدّ والموضوع ثم الثمرة
وفضله ونسبة والواضع
والاسم الاستمداد حكم الشارع
مسائل والبعض بالبعض اكتفى
ومن درى الجميع حاز الشرفا
فالتصريف لغة: مطلق التغيير، ومنه تصريف الرياح، أي تغييرها، وتقلبها.
واصطلاحاً: علم بأصول يبحث فيه عن أحوال أبنية الكلمة صحة واعتلالا، وزيادة ونقصاناً.
وموضوعه: الكلمات العربية من حيث البحث عن صحتها واعتلالها.
وواضعه معاذ بن مسلم الهرّاء، بفتح الهاء وتشديد الراء، نسبة إلى بيع الثياب الهروية، قاله في التصريح، وحكى الاتفاق عليه.
وثمرته: تأديته إلى فهم اللغة الموصلة إلى فهم كتاب الله تعالى.
وفضله: شرفه من هذه الحيثية.
ونسبته لبقية العلوم: التباين.
واسمه: الصرف والتصريف.
واستمداده: من الكتاب، والسنة، وكلام العرب.
وحكمه: الوجوب الكفائي.(38/229)
ومسائله: قضاياه التي يطلب فيها نسبة محمولاتها إلى موضوعاتها، كقولنا: ضَرَبَ فِعْلٌ مجرّد، وأكْرَمَ فِعْلٌ مزيد، وفَعل مضموم العين مضارعه بالضم، إلى غير ذلك.
وإِذا علمت أنّ البسملة من الموضوع فنقول: الاسم مشتق من السمة عند الكوفيين فأصله (وسم) واوي الفاء حذفت فاؤه [//1/3/أ] وعوِّض عنها همزة الوصل، وعند البصريين من السموِّ، فأصله (سمو) واوي اللام حذفت، وعوِّض عنها همزة الوصل بعد تسكين فائه، واستدلّوا على ذلك بجمعه على أسماء، وتصغيره على سميٍّ، وأصله: (سُمَيْوٌ) اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء؛ إذ لو كان أصله (وسم) كما يقول الكوفيون لم يجمع على أسماء؛ لأن فعْلاً صحيح العين لا يجمع على أفعال كما يعلم من الخلاصة، ولم يصغّر على سميّ بل على وسيم قال في الكافية:
واشتق الاسم من سم البصريُّ
واشتقه من وسم الكوفيُّ
والأول المقدم الجلي
دليله الأسماء والسميّ
والله: علم على الذات الأقدس، وأصله (إله) ثم دخل حرف التعريف فنقلت حركة الهمزة إلى الساكن قبلها وحذفت، وقيل حذفت متحركة فصار "الله"أدغمت اللام في اللام وفخِّم للتعظيم، فعلى الأوّل يكون الحذف قياساً؛ لأن المحذوف ساكن، والإدغام غير قياسيٍّ، لوجود الفاصل بين اللامين تقديراً؛ لأن المحذوف قياسياً كالثابت، وعلى الثاني يكون الحذف غير قياسيٍّ؛ لأن المتحرك متعاصٍ بالحركة، والإدغام قياسياً؛ لعدم وجود الفاصل تقديراً.
والرحمن: المنعم بجلائل النعم.
والرحيم: المنعم بدقائقها.
(الحمد لله) (1)
وابتدأ [//3/ ب] ثانياً بالحمد لما مرَّ من الاقتداء بالكتاب العزيز، والعمل بالأحاديث الواردة في طلب الابتداء بالحمد، وللإِشارة إلى أنه لا تعارض بين الروايتين؛ لأن الابتداء قسمان: حقيقي وهو ما تقدّم أمام المقصود، ولم يسبقه شيء.
وإضافيّ: وهو ما تقدّم أمام المقصود مطلقاً.(38/230)
والحمد لغة: الثناء باللسان على المحمود بجميل صفاته، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا.
واصطلاحاً فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعماً على الحامد أو غيره.
والشكر لغة: هو الحمد عرفاً بإبدال الحامد بالشاكر.
واصطلاحاً: صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه إلى ما خلق لأجله، فبين الحمدين العموم والخصوص الوجهي، يجتمعان في ثناء بلسان في مقابلة نعمة، وينفرد اللغوي في ثناء به لا في مقابلة نعمة، والاصطلاحي في ثناء بغيره في مقابلة نعمة، وكذا بين الحمد والشكر اللغوي فيقال ما تقدّم، وبين الشكر اللغوي والحمد عرفاً الترادف، وبين الشكر الاصطلاحي وكلٍّ من الثلاثة العموم والخصوص المطلق فهو أخصها فهذه ست نسب
قال سيدي علىّ الأُجْهُوري:
إذا نَسَبَا لِلْحَمْدِ والشُّكْرِ دُمْتَهَا
بِوَجْهٍ لَهُ عَقْلُ اللبِيْبِ يُوالِفُ
فَشُكْرٌ لِذِيْ عُرْفٍ أَخَصُّ جَمِيْعُها
وَفِي لُغَةٍ لِلْحَمْدِ عُرْفاً يُرادِفُ
عُمُوْمٌ لِوَجْهٍ في سِوَاهُنَّ نِسْبَةٌ
فَذِي نِسَب سِتٌّ لِمنْ هُوَ عَارِفُ
(لا أبغي به بدلا)
أي [//4/أ] لا أطلب به عوضاً بل لما تستحقه ذاته تعالى يقال بغيت الشيء أبغيه بُغية بالضم وبغِية بالكسر وبُغَىً وبُغاءً بالمد مع الضم فيهما أي: طلبته ومنه {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} (1) وقد يقال بغيته الشيء أي: طلبته له ومنه {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} (2) .
وبدل الشيء عوضه.
وجملة قوله (لا أبغي به بدلاً) في موضع نصب إما على أنه وصف لمصدر محذوف أي حمداً لا أبغي به بدلاً، والضمير للحمد، وإما على الحال من فاعل الحمد إذ هو في معنى أحمد أي أحمد الله حالة كوني لا أبغي به بدلاً، والضمير على هذا إما للحمد، وإما لله سبحانه وتعالى أي لا أطلب بالله إلهاً آخر.
(حمداً)(38/231)
منصوب بفعل مقدّر أي أحمده حمداً، لا بالحمد المذكور لفصله عنه بالخبر وهو أجنبي من الحمد أي غير معمول له كذا قيل، والمراد أنه أجنبي من جهة المصدرية لا من جهة كونه مبتدأ يعني أنّ عمل الحمد في حمداً من جهة أنه مصدر بحسب الأصل، وعمله في (لله) من جهة أنه مبتدأ فيكون أجنبياً من الحمد من جهة المصدرية التي يعمل بها في حمداً، والفصل بالأجنبي ولو باعتبارٍ يمنع عمل المصدر.
(يبلّغ)
أي يوصل يقال بلّغت الشيء بالتشديد، وأبلغته أوصلته وبهما قرئ قوله تعالى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي} (1) وهذه الجملة في محل نصب نعت [// 4/ ب] لـ (حمداً) .
(من رضوانه)
بكسر الراء وضمّها، وبهما قرئ في السبع حيثما وقع غير ثاني العقود بمعنى الرضى ضد السخط يقال رضي الله عنه وعليه رضىً ورضواناً: أبعده الله عن السخط.
و (الأملا)
بألف الإطلاق أي الرجاء يقال أملت الشيء مخففا آمله بمدّ الهمزة كأكلته آكله، وأمّلته بالتشديد أؤمله أي رجوته.
ثم لما كان شكر الوسائط في إيصال الخيرات مأموراً به شرعا وإن كان المنعم الحقيقي هو الله تعالى ثلّث الناظم بالصلاة على أكبر الوسائط بين العباد ومعبودهم في إيصال كل خير، ودفع كل ضير وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه الذين آووا الدين ونصروه وحملوه إلى الأمة ونقلوه فقال عاطفاً على الحمد.
(ثم الصلاة)
وعطف ذلك بـ (ثم) ليفيد الترتيب صريحاً لأن حمد الله تعالى أهم وأحق بالتقديم.
والصلاة: النعمة المقرونة بالتعظيم، وأفرد المصنف الصلاة عن السلام مع كراهة إفراد أحدهما عن الآخر إما لأنه سلم لفظاً وهو كافٍ، أو جرياً على مذهب من لا يرى كراهة الإفراد.
(على خير الورى)
أي أفضلهم بتفضيل من الله لا بمزية وجدت فيه؛ لأن المزية لا تقتضي الأفضلية، والورى بالقصر: الخلق، وهذه الصفة مختصة به عليه الصلاة والسلام؛ ولذا استغنى بها عن التصريح [//5// أ] باسمه.
(وعلى ساداتنا)(38/232)
جمع سادة، وسادة جمع سيّد وهو من ساد قومه وفاقهم في الشرف، وعلى هذا فسادات جمعُ الجمع ثم أبدل منه قوله:
(آله وصحبه الفضلا)
والآل: أصله (أَهْلٌ) بدليل قولهم في تصغيره (أُهَيْلٍ) فأبدلت الهمزة من الهاء لقرب المخرج ثم أبدلت الهمزة الثانية ألفاً، ولم تبدل الهاء من أول وهلة؛، لأنه لم يعهد ذلك في موضع فيقاس هذا عليه. وقيل أصله (أَوَلٌ) ك (جَمَلٍ) بدليل تصغيره على (أُوَيْلٍ) قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، والأول مذهب سيبويه، والثاني مذهب الكسائي، وآلُ الرجل عشيرته وأتباعه وتخصيص آله صلى الله عليه وسلم ببني هاشم والمطلب شرعي لا لغوي، والصَّحْب اسم جمع لصاحب كرَكْبٍ ورَاكِبٍ وسَفْرٍ وسافرٍ وتَجْرٍ وتَاجِر، وأما أصحاب فجمع.
والفضلاء جمع فاضل على غير قياس كشاعر وشعراء؛ لأن فاعلاً يجمع على (فَعَلَةٍ) ككَاملٍ وكَمُلَةٍ أو على (فُعَّلٍ) أو (فُعَّالٍ) بضم الفاء تشديد العين ك (عُذَّلٍ) و (عُذَّالٍ) .
وأصل الفضل الزيادة فمن زاد على أحد بشيء فقد فضله به, وهم رضي الله عنهم قد فضلوا سائل الأمة بما خصهم الله به من صحبته ورؤيته والانتساب إليه واتباعه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ [//5/ب] وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (1) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَداً أَنْفَقَ مِثْل أُحُدٍ ذَهَباً ما بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ ولا نَصِيْفَهُ" رواه البخاري ومسلم أي إنفاق أحدهم مدّاً أو نصف مدٍّ أفضل من إنفاق غيرهم مثل أُحُدٍ ذَهَباً.(38/233)
ثم إنه رحمه الله تعالى بيّن الغرض الداعي له إلى هذا النظم وهو الحثّ على علم التصريف الذي يتوصل به إلى علم اللغة التي يتوصل بها إلى فهم كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فقال:
(وبعد) (1) :
هو ظرف مبني على الضم لحذف المضاف إليه ونيّة معناه، وهذه الكلمة يطلب الإِتيان بها عند الانتقال من غرض إلى آخر لكن الوارد في السنة (أمّا بعد) فالواو نائبة عن (أمّا) ، وهي نائبة عن (مهما) ؛ ولذا لزمت الفاء بعدها، ولا أحسن قول بعضهم:
وما واو لها شرط يليه
جواب قرنه بالفاء حتما
هي الواو التي قرنت ببعد
وأمّا أصلها والأصل مهما
(فالفعل من يحكم تصرفه
يحز من اللغة الأبواب والسبلا)(38/234)
والمراد بالفعل هنا الفعل الصناعي من مضارع وماضٍ وأمر مع ما يشتمل على حروف الفعل ومعناه من مصدر واسمي فاعل ومفعول واسمي زمان ومكان [//6/أ] وما يلتحق بها؛ وذلك لأن علم التصريف يبحث فيه عن أحوال بنية الكلم، والكَلِمُ اسم وفعل وحرف، ولا حظ للحرف في علم التصريف، وكذا الأسماء المبنية والأفعال الجامدة؛ لقوّة شبهها بالحروف، لأنها لا تقبل التغيير فصار علم التصريف مختصّاً بالأصالة بالأفعال المتصّرفة والأسماء المتمكنة، وهو في الفعل أصل لكثرة تغيّره بظهور الاشتقاق فيه، والناظم رحمه الله تعالى خص هذه المنظومة بالفعل لما ذكره من أن إحكامه مفتاح علم العربية أي اللغة، والفعل مجرّداً كان أو مزيداً فيه ثلاثة أقسام: ماضٍ ومضارع وأمر، ولابدّ لكل فعل من مصدر ومن فاعل، فإن كان متعدّياً فلابدّ له من مفعول به وقد يحذف الفاعل ويقام المفعول به مقامه فيحتاج إلى تغيير صيغة الفعل له’ ولابدّ أيضاً لوقوع الفعل من زمان ومكان، وقد تكون للفعل آلة يفعل بها، فانحصرت أبواب هذه المنظومة فيما ذكر من باب الفعل المجرّد وتصاريفه وباب أبنية الفعل المزيد فيه كذلك وباب المضارع والأمر وما لم يسمّ فاعله وباب أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين من المجرّد والمزيد فيه وباب أبنية المصادر مجرّدة ومزيداً فيها وباب أسماء الزمان [//6/ب] والمكان وما يلحق بهما من الآلة وغيرها وإحكام الشيء إتقانه وضبطه، والتصرف التقلب وتصرف الشيء تقلبه من حال إلى حال.
وعلم التصريف في الاصطلاح ما سبق.
وقوله (يحز) بالحاء المهملة أي يضم ويجمع يقال: حاز الشيء يحوزه ضمه، والجملة جواب الشرط، وقوله (من اللغة) متعلق بـ (يحز) .
ومعنى (اللغة) في اللغة: اللهج والإسراع.
وفي الاصطلاح: ألفاظ مخصوصة موضوعة لمعان مخصوصة. هذا ما اشتهر، وقال بعض المحققين اللغة في الاصطلاح استعمال الألفاظ لا نفس الألفاظ؛ ويدل له قولنا لغة تميم إهمال (ما) أي استعمالهم.(38/235)
وقوله (الأبواب) : مفعول (يحز) جمع باب، وباب الشيء ما يدخل منه، والسبل جمع سبيل بمعنى الطريق يذكّر كلّ منهما ويؤنّث، والمراد بالأبواب والسبل قواعد اللغة؛ لأنه يتوصل بما ذكر إلى معرفة الجزئيات كما سيقول الناظم، والمعنى أن من أتقن علم التصريف حاز الطرق الموصلة إلى فهم اللغة.
واعلم أن الناس في ذلك ثلاثةُ أصناف: صنف عرف الأبنية والأوزان كأن يعلم مثلاً أن مضارع فَعُلَ المضموم مضموم ككَرُمَ يكْرمُ، وأَن قياس اسم الفاعل منه على فَعلٍ وفَعِيلٍ كسهْلِ وظَرِيْفٍ [//7/أ] وقياس مصدره الفَعَالَةُ والفُعُوْلَةُ كالشَّجَاعَةِ والسُّهُوْلَةِ فهذا تصريفي فقط إلا أنه مفتقر إلى علم اللغة الفارق له بالنقل عنهم بين فَعُلَ بالضم وفَعِلَ بالكسر وفَعَلَ بالفتح، وصنف ثانٍ أَشرف على مواد اللغة بالنقل والمطالعة، ولا يعرف الموازين والأقيسة التي يُردّ بها كل نوع إلى نوعه فهذا لغوي فقط لم يذق حلاوة علم اللغة، وصنف ثالث عرف الموازين والأقيسة أوّلاً، ثم تتبَّع موادَّ اللغة نقلاً فهذا هو المتقن الذي أحكم علم التصريف وحاز سبل اللغة وهو مراد الناظم رحمه الله.
ثم لمّا قويت داعية السامع وتوفرت رغبته قال من لي بذاك فقال:
(فَهَاكَ) (1)
(ها) : اسم فعل أمر بمعنى خذ، والكاف حرف خطاب تتصرف تصرّف الكاف الاسمية فيقال هاكَ بالفتح للمذكر وبكسرها للمؤنث، وهاكما للمثنى، وهاكم وهاكنَّ، وقد تبدل همزة فتتصرف تصرفها فيقال هاء بالفتح للمذكر وبالكسر للمؤنث وهاؤما وهاؤم وهاؤنّ، وعلى هذه اللغة جاء قوله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَأُوا كِتَابِيَهْ} (2) أي هاكم.
(نظماً محيطاً بالمهم)(38/236)
نظْم الشيءِ تأليفه وجمعه على وجه مخصوص ومنه نظم الشعر يقال نَظَمَهُ يَنْظِمُهُ كضَرَبَهُ يَضْرِبُهُ نَظْماً ونِظاماً أي جمعه [//7/ب] وألَّفه، والإِحاطة بالشيء إدراكه من جميع جهاته ومنه الحائط. والمُهِمُّ: الأمر الذي يُهمُّك شأنُه، والمراد بالمُهِمِّ هنا القواعد الكلية.
ثم استشعر المصنف سؤالاً من السامع تقديره: قد وصفت نظمك بأنه محيط بالمهم فقط ولا يتم الغرض إلا بفهم الجزئيات فأجابه بقوله:
(وقد يحوي التفاصيل من يستحضر الجُمَلا)
التفاصيل: الأمور الجزئية كمعرفة أفراد اللغة مثلاً، والجُمل: الأمور الكلية كمعرفة الأبنية والأقيسة، والمعنى أن هذه المنظومة قد احتوت على المهم من علم اللغة وهو الأبنية والأقيسة التي يتوصل بها إلى حفظ أفرادها وردّ كل نوع منها إلى أصله وذلك مما يدعو الطالب إلى حصر المواد واستقرائها.
باب أبنية الفعل المجرّد وتصاريفه (1)
والمراد بالأبنية كونه رباعياً أو ثلاثياً، وبالمجرّد ما حروفه أصول كلّها، وسيأتي باب المزيد فيه إن شاء الله تعالى، وبالتصاريف اختلاف أحواله من ضم عين مضارعه وكسرها وفتحها، أما الأبنية فأشار إليها بقوله:
(بِفَعْلَلَ الفِعْلُ ذو التجريد أو فعَلا
يأتي ومكسور عين أو على فعُلا)
أي الفعل المجرّد: يأتي رباعيّاً على وزن (فَعْلَلَ) وثلاثيّاً على وزن (فَعُل) [//8/أ] بضم العين أو (فَعِلَ) بكسرها أو (فَعَلَ) بفتحها، فالفعل مبتدأ، وذو التجريد نعته ويأتي خبره، و (بفعلل) في موضع الحال المقدمة من فاعل يأتي المستتر، وكذا قوله ومكسور عين أو على فعل حالان منه.
[الرباعي المجرد]
فمثال الرباعي لازماً حَشْرَجَ عند الموت أيَ غَرْغَرَ، وفَرْشَحَ أي قعد مسترخياً، ودَرْبَخَ أي طَأْطَأَ رأسه ومدّ ظهره، وعَرْبَدَ أي ساء خلقه على نديمه، وجَرْبَزَ الرجلُ وجَرْمَزَ أي انقبض واجتمع وقس على ذلك.(38/237)
ومثاله ومتعدّياً قَرْطَبَهُ: صرعه، وقَرْضَبَهُ: قطعه ومنه سُمِّي السيف القُرضاب، وخَرْفَجَ عَيْشَهُ: وسّعه، ودَحْرَجْتُهُ فَتَدحْرَجَ في حدرود، وفَرْطَحَهُ، وفَلْطَحَهُ: عرَّضه فهو مُفَلْطَحُ.
ومثال (فَعُلَ) ولا يكون إلا لازماً دَنُأَ الرجلُ دَنَاءَةً فهو دنيءٌ، وأَدُب الرجلُ أَدَباً فهو أَدِيْبُ، وأَرُبَ أَرَباً فهو أَرِيْبٌ أي عاقل، وجَنُبٌ جَنَابةً، وصَلُبَ صَلابَةً، وعَذُبَ الشيءُ: أي حَلِيَ وقَرُبَ قُرْباً، وقَشُبَ الثوبُ قَشَابَةً صار قشيباً أي جديداً أبيضَ، ولَزُبَ الطين لُزُوباً صار لازباً أي لَزِيْجاً، وأما لَزِجَ أي لصق فبالكسر.
ومثال (فَعِلَ) المكسور لازماً: فَرِحَ فهو فَرِحٌ، وشَبِعَ فهو شَبْعَانُ، وسَلِمَ فهو سَلِيْمٌ.
ومتعدّياً: فَهِمَ وسَمِعَ وشَرِبَ.
ومثال (فَعَلَ) المفتوح لازماً جَلَسَ وقَعَدَ وجَاءَ وقَامَ.
ومتعدّيا [//8/ ب] ضَرَبَ وأكَلَ.
تنبيه:
قد يشترك فعل المضموم والمفتوح والمكسور فيصير الفعل الواحد مثلث الماضي نحو: نَقُب عليهم فهو نقيب، ورفََُثَ في كلامه أفحش، وعَنُدَ عن الطريق قال، وأَمَر عليهم أي أميراً، وخَثُرَ اللبن ثَخِنَ، وعَثُرَ الماشي انكَبَّ، وغَمُرَ الماء صار غامراً وقَذُرَ صار قَذِراً، وكَدُر صار كَدِراً، ومَضَرَ اللبن حَمُضَ، ونَضَر وجهه نُضْرَةً نَعِمَ، وأَنُسَ به، وخَمِصَ بطنه ضَمُرَ، وقَنِطَ أيس، ورَفقَ به، وسَفِلَ ضدّ علا، وكَملَ صار كاملاً، وعَقمَتِ المرأةُ لم تحبل وسيأتي في الحلقي شيء من هذا.
تتمة:(38/238)
إنما كان للفعل الرباعي بناء واحد وهو فَعْلَلَ كما تقدّم لأنهم التزموا فيه الفتحات طلباً للخفة، لكن لما لم يكن في كلامهم أربع متحركات متوالية في كلمة واحدة سكّنوا حرفاً منه؛ وخصوا ثانيه لأن الأول لا يكون إلا متحركاً، وآخر الفعل مبنيّ على الفتح، وصار الثاني أولى من الثالث، لأن الرابع قد يسكن عند اتصال الفعل بتاء الفاعل أو نونه كدَحْرَجْتُ فيلزم التقاء الساكنين لو سكن الثالث، فتعيّن سكون الثاني، وإنما كان للفعل الثلاثي ثلاثة أبنية لوجوب فتح أوله وآخره كما سبق، وبقيت عينه لا يجوز أن تكون ساكنة لئلا [//9/أ] يلتقي ساكنان عند اتصال تاء الفاعل أو نونه كضَرَبْتُ وضَرَبْناَ فصارت محركة بالحركات الثلاث.
وإنما لم ينقص بناء الفعل عن ثلاثة أحرف لأن الأصل في كل كلمة أن تكون كذلك حرف يبتدأ به، وحرف يوقف عليه، وحرف يكون واسطة بينهما؛ إذ يجب أن يكون المبتدأ به محرّكاً، والموقوف عليه ساكناً.
وإنما لم يأت الفعل المجرّد سداسياً لئلا يتوهم أنه كلمتان، ولا خماسياً؛ لأنه قد يتصل به تاء الفاعل أو نونه فيصير كالجزء منه؛ ولهذا يجب أن يسكن له آخر الفعل.
وجاء بناء الاسم المجرّد ثلاثياً، ورباعياً وخماسياً أيضاً؛ لعدم اتصال الضمير المذكور به، ولم يأت سداسياً لما مرّ.
ثم لما كان الفعل الرباعي ثقيلاً بالنسبة إلى الثلاثي كانت مواده أقلّ، والثلاثي المضموم أثقل من المكسور فمواده أقل منه، والمكسور أثقل من المفتوح فمواده أقل منه أيضاً.
[المضارع من الثلاثي]
ولمّا أنهى الكلام على حكم أبنية الفعل المجرّد، شرع في تصاريفه وهي اختلاف حال مضارعه بضم أو كسر أو فتح؛ وبدأ بمضارع المضموم ثم المكسور لقلة الكلام عليهما فقال:
[باب كَرُمَ]
(والضم من فعُل الزم في المضارع) (1)(38/239)
الضم مفعول مقدّم بـ (الزم) ، و (في المضارع) متعلق به أي الزم ضمة العين التي في فَعُلَ المضموم في مضارعه [//9،ب] أيضاَ تقول في كَرُمَ يَكْرُمُ، وفي ظَرُفَ يَظْرُفُ، وفي شَرُفَ يَشْرُفُ وهكذا لم يشذّ من ذلك شيء إلا ما جاء على تداخل اللغتين ك (كُدْتُ أَكَادُ) فقد أوقعوا مضارع المكسور بعد المضموم ثم قال:
[باب فَرِحَ]
(وافتح موضع الكسر – وهي العين – في المبني من فعلا)
المكسور أي في المضارع المبني منه فتقول في فٌرِحَ يَفْرَحُ، وفي سَمِعَ يَسْمَعُ وهكذا هذا هو الأصل، وقد شذّ منه أفعال محصورة جاء في مضارعها الكسر وهي ضربان: ضرب جاء مع الكسر فيه الفتح أيضاً الذي هو الأصل، وضرب انفرد فيه الكسر على الشذوذ فأشار إلى الأول بقوله:
[باب حَسِبَ]
(وجهان فيه من احْسِبْ معْ وَغِرْتَ وَحِرْ
تَ انْعِمْ بَئِسْتَ يَئِسْتَ اوْلهْ يَبِسْ وَهِلا)
أي وفي عين المضارع من الأفعال المذكورة وجهان: الفتح على القياس، والكسر على الشذوذ وهي تسعة أفعال:
الأول: حَسِبَ: بمعنى ظنّ يقال حَسِبَهُ يَحْسَِبَهُ بالفتح على القياس وبالكسر على الشذوذ مع أنه أفصح لأنه لغة الحجازيين، وبهما قرئ في السبع.
الثاني: وَغِرَ بغين معجمة يقال: وَغِرَ صدرُه يَغِرُ وَيَوْغَرُ إذا توقّد غيظاً.
الثالث: وَحِرَ بحاء مهملة يقال: وَحِرَ صدْرُه يَحِرُ وَيوْحَرُ إذا امتلأ من الحقد.
[//10/ أ] الرابع: نَعِمَ يقال: نَعِمَ يَنْعِمُ بالفتح والكسر نَعْمَةً بفتح النون وهي التنعّم.
الخامس: بَئِسَ بالباء الموحّدة ثم همزة مكسورة يقال: بَئسَ يَبْأَسُ ويَبْئِسُ بؤساً بالتنوين وبؤسى إذا ساءت حاله ضدّ التنعم.(38/240)
السادس: يَئِسَ بالمثناة تحت ثم همزة مكسورة يقال: يَئِسَ منه يَيْأَسُ وَييْئِسُ إذا انقطع رجاؤه، والفتح أفصح وعليه أجمع القرّاء نحو {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (1) {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} (2) .
السابع: وَلِهَ يقال: وَلِهَ يَلِهُ وَيوْلَهُ وَلَهاً بالتحريك فهو وَالِهٌ ووَلْهَانُ إذا كاد أن يذهب عقله لفقد محبوب من أهل ومال.
الثامن: يَبِسَ بالمثناة تحت ثم الموحّدة يقال: يَبِسَ الشجرُ ونحوه يَيْبِسُ ويَيْبَسُ يُبْساً بالضم فهو يَابِسٌ ويَبَسٌ بالفتح ويَبِسٌ ككتف ذهبت نداوته.
التاسع: وَهِلَ يقال: وَهِل الرجل يَهِلُ ويَوْهَلُ وَهَلاً محرّكاً إذا فَزِعَ وجَبُنَ، ووَهِلَ عن الشيء نَسِيَهُ.
وإلى الضرب الثاني أشار بقوله:
(وأفرد الكسر فيما من وَرَِثْ ووَلِي
ورِمْ ورِعْتَ ومِقْتَ معْ وَفِقْتَ حُلا)
وَثِقْتُ مع وَرِي المخُّ احوها) (3) …
أي وأفرد الكسر على الشذوذ في المضارع المبني من الأفعال المذكورة وهي ثمانية:
الأول: وَرِثَ المالَ من الميت، ووَرِثَ الميتَ [// 10/ ب] أيضاً يَرِثهُ إرْثاً، ووِرَاثَةً بكسرها.
الثاني: وَلِيَ يقال: وَلِيَ الأمْرَ يَلِيْهِ وِلايَةً بالفتح والكسر وبهما قرئ {مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (4) و {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ} (5) وقيل الولاية بالفتح النصر، وبالكسر الإِمارة ويقال وَلِيَ منه ووَلِيَهُ وَلْياً: أي قرب.
الثالث: وَرِمَ يقال: وَرِمَ الجُرْحُ ونحوه يَرِمُ ورَماً بالتحريك إذا انتفخ ووَرِمَ أنفُه إذا انكسر أو غضب.
الرابع: (وَرِعَ) (6) يقال: وَرِعَ الرجل عن الشبهات يَرِعُ وَرَعاً محرّكاً، ورِعَة إذا عفَّ عنها.
الخامس: وَمِقَ يقال: وَمِقَهُ يَمِقُه مِقَةً وومْقاً إذا أحبَّه فهو وامق.(38/241)
السادس: وَفِقَ يقال: وَفِقَ الفرسُ يَفِقُ إذا حَسُنَ كذا قاله بدر الدين بن مالك تابعاً لوالده في شرح التسهيل رحمهما الله قال الشارح ولم يذكر ذلك في الصحاح ولا في القاموس، وإنما قال وَفِقْتَ أَمْرَكَ تَفِقُهُ بالكسر فيهما إذا صادفته موافقاً.
السابع: وَثِقَ يقال: وَثِقَ به يَثِقُ ثِقَةً إذا ائتمنه واعتمد عليه.
الثامن: وَرِيَ المُخُّ يَرِيَ إذا كثر شحمه، ويقال أيضاً وَرِيَتِ الإِبلُ تَرِي إذا سمنت، وإنما قيّد بالمخِّ ليحترز به عن وَرِيَ الزَّنْدُ؛ لأن الأصل فيه أن يقال وَرِيَ يَوْرَى كرَضِيَ يَرْضَى على القياس وفيه لغة ثانية وَرَى الزَّنْدُ يَرِي بالكسر كرَمَى يَرْمِي [// 11/أ] وذلك أيضاَ جارٍ على القياس لكنه من أمثلة المفتوح، وربما ركّبوا من اللغتين لغة ثالثة فقالوا وَرِي الزَّنْدُ يَرِي بالكسر فيهما كورِيَ المخُّ فيقال هذه ليست بلغة مستقلّة، وإنما وردت على تداخل اللغتين؛ ولهذا لم يحتج الناظم رحمه الله إلى استثنائه.
تنبيهان:
الأول: قوله: من (اِحْسِبْ) و (اِنْعَمْ) و (اِوْلَهْ) صيغ أمر وهي تدل على وزن المضارع؛ لأن الأمر مقتضب منه، فيجوز فيها الفتح والكسر تبعاً لمضارعها لكن (اِوْلَهْ) جاء على لغة الفتح، ويقال على لغة الكسر (لِهْ) و (عِدْ) وأصله (اِوْلِه) حذفت منه الواو حملا على مضارعه لوقوعها فيه أي المضارع بين عدوّتيها ثم حذفت همزة الوصل للاستغناء عنها؛ لأنه أُتِيَ بها توصّلا للنطق بالساكن وقد زال.
وقوله (مع وَغِرْتَ وَحِرْتَ الخ) بتعدادها من غير حرف العطف، وهو على تقديره، وذلك جائز لضرورة الشعر اتفاقاً، وكذلك في السَّعة إذا دلّ عليها دليل، على ما اختاره في التسهيل تبعاً لأبي عليّ وابن عصفور،(38/242)
وجعلوا منه قوله صلى الله عليه وسلم "تَصَدَّعَ رَجُلٌ مِنْ دِيْنَارٍ مِنْ دِرْهَمٍ" الحديث "يُكْتَبُ لَهُ نِصْفُهَا ثُلُثُهَا رُبْعُهَا" (1) يعني الصلاة، فالأول حذفت فيه الواو، والثاني حذفت فيه أو.
وقوله: (وَرِثْ ووَلِيْ ووَرِمْ) أفعال ماضية؛ وإنما سكن أواخرها للضرورة فيقال [//11/ب] على ذلك ما يجيء في النظم من أمثاله.
ومعنى قوله (احوها) احفظها ولا تقس عليها.
و (حُلاً) قال الشارح: حفظناه بضم الحاء المهملة، فيجوز أن يكون مصدراً منصوباً بـ (وَفِقْتَ) إن كان (وَفِقَ) بمعنى حَسُنَ فيكون عامله من معناه ك (قَعَدْتُ جُلُوساً) و (قُمْتُ وُقُوفاً) ، ويجوز أن يكون جمع (حُلْيَةٍ) وهي الصفة فيكون حالاً من الأفعال المذكورة، والتقدير حال كونها نعوتاً لمن قامت به، فإن جعلنا (وَفِقَ) بمعنى وَجَدَ كما تقدّم عن الصحاح والقاموس فـ (حُلاً) مفعولٌ به أي صادف حُلاَ، وإِذا كان بالجيم بمعنى ظهر فهو صلة "ما"في قوله (فيما من) .
الثاني: كلامه يوهم حصر المستثنى فيما ذكر من النوعين، ولم يزد على ذلك أيضاً في التسهيل وشرحه، قال الشارح وقد ظفرت بثلاثة أفعال من النوع الأول نقل الوجهين فيها صاحب القاموس، وخمسة من النوع الثاني نقل فيها إفراد الكسر على الشذوذ.
أما الثلاثة فهي: (وَلِغَ) الكلبُ (يَلغُ) ك (وَرِثَ يَرِثُ) و (يَوْلَغُ) ك (وَجِلَ يَوْجَلُ) ، وفيه لغة أخرى ك (وَهَبَ يَهَبُ) فيصير من أمثلة فعَل المفتوح لا من فعِل المكسور.
الثاني (وَبِقَ) بالموحّدة (يَبِقُ) و (يَوْبَق) أي هَلَكَ.
الثالث: (وَحِمَتِ) الحبلى بالحاء المهملة (تَحِمُ) و (تَوْحَمُ) وحماً إذا اشتهت مأكولاً.
وأما الخمسة فهي (وَجِدَ) به (يَجدُ) وَجْداً ووِجْداناً إذا أحبّه، وعليه حَزِنَ حُزْناً شديداً.
الثاني: (وَعِقَ) بالمهملة [//12/أ] (يَعِقُ) أي عَجِلَ.
الثالث: (وَرِكَ يَرِكُ) وَرَكاً اضطجع كأنه وضع وَرِكَه على الأرض.(38/243)
الرابع: (وَكِمَ يَكِم وَكْماً) اغتمّ واكترب.
الخامس: (وَقِهَ) له بالقاف سَمِعَ وأطاع.
وعلى هذا فيصير المستثنى من الضرب الأولى اثني عشر، ومن الضرب الثاني ثلاثة عشر، وقد نظمت ذلك فقلت:
فَمِثْلُ يَحْسِبُ ذُو الوَجْهَيْنِ مِنْ فَعِلا
يَلِغْ يُبِقْ تَحِمُ الحُبْلَى اشْتَهَتْ أُكُلا
وخَمْسَةٌ كَيَرِثْ بِالكَسْرِ وَهْيَ وَجِدْ
وَقِهْ لَهُ وَوَكِمْ وَرِكْ وَعِقْ عَجِلا
[مضارع فَعَلَ المفتوح]
ثم لما أنهى الناظم رحمه الله تعالى الكلام على أحكام عين المضارع من (فَعُلَ) المضموم و (فَعِلَ) المكسور شرع في الكلام على أحكام المضارع من (فَعَلَ) مفتوح العين، وهي أربعة أنواع على ما ذكره نوع يطّرد فيه الكسر، ونوع يطّرد فيه الضم، ونوع يطّرد فيه الفتح، ونوع يطّرد فيه جواز الكسر، والضم.
[باب ضَرَبَ]
والنوع الأولى أربعة أقسام: ما فاؤه واو، أو عينه أو لامه ياءٌ، أو مضاعف لازم، وإليه أشار بقوله:
.............. (وأدِمْ
كسراً لعين مضارع يلي فَعَلا)
(ذا الواو فاءً أو اليا عيناً أو كـ"أَتَى"
كذا المضاعف لازماً كـ"حَنَّ"طَلا)(38/244)
أي: وأدِمْ كسر عين المضارع الذي يلي فَعَلَ المفتوح في تصريفه إذا قلت (فَعَلَ يَفْعِلُ) الذي فاؤه واو أو عينه أو لامه ياء وهو الممثَّل له بـ (أَتَى) بالمثنّاة فوق، وكذا المضاعف اللازم، فقوله (يلي) فِعْلٌ مضارعٌ في محل النعت لمضارع، و (فَعَلَ) مفعول به، واستغني [//12/ب] بلفظه عن قيد فتح عينه لتعيُّنه بعد ذكر فَعُلَ المضموم وفَعِلَ المكسور، وللدلالة عليه بالأمثلة ك (أَتَى) و (حَنَّ) ، وذا الواو نعت لـ (فَعَلَ) ، و (ذا) بالنصب على التمييز، أو حال من الواو، وقوله (أو الياء) عطفاً على الواقع مضافاً إليه، و (عيناً) بالنصب على التمييز أو حال من الياء، وقوله ك (أَتَى) مثال لمحذوف معطوف على (عيناً) أي أو لاماً كأَتَى، وقوله (كذا المضاعف) مبتدأ وخبر، و (لازماً) حال من المضاعف، و (الطَّلا) ولد الظبية والشاة وغيرهما من ذوات الظلف، وقوله (أو اليا عيناً) وهو بقصر الياء ونقل حركة همزة (أو) إلى تنوين (عيناً) .
[المثال الواوي]
فمثال النوع الأول: وهو ما فاؤه واو (وَثَبَ يَثِبُ) و (وَجَبَ يَجِبُ) و (وَقَبَ الظلام يَقِبُ) أي دخل، والقمر دخل في الكسوف وبهما فُسّر {غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (1) ، و (وَلَجَ يَلِجُ) و (وَهَجَ الحرُّ يَهِجُ) و (وَأَدَ المَوْؤُدَةَ يَئدُها) دفنها حيَّة و (وَتَدَ الوَتدَ يَتدُه) أثبته وكذا (وَطَدَه يَطدُه) ، و (وَجَدَه يَجِدُه) أدركه، و (وَخَدَ البعير يَخِدُ) أسرع، و (وَرَدَ الماء يَردُه) ، و (وَصَدَ الباب يَصِدُه) أغلقه ومنه {نَارٌ مُوصَدَةٌ} (2) بغير همزة، و (وَعَدَه يَعِدُه) و (وَفَدَ إليه يَفِدُ) و (وَقدَتِ النَّارُ تَقِدُ) و (وَكَدَ بالمكان يَكِدُ) ثبت، و (وَلَدَتِ المرأةُ تَلِدُ) وقس.
تنبيه:(38/245)
قال الشارح: صرح في التسهيل بأن سائر [//13/أ] العرب غير بني عامر تلزم كسر مضارع هذا النوع، ولم يستثن منه شيئاً، ولا شرط له شرطاً وهو مقتضى النظم، وذلك عجيب منه فإنه جاءت منه أفعال بالفتح بل إنّا نقول باشتراط كون لامه غير حرف حلق، فإني تتبّعت مواده فوجدت حلقي اللام منه مفتوحاً ك (وَجَأَ الأنثيين يَجَأُ) رضهما و (وَدَعه يَدَعُه) تركه، و (وَزَعَه يَزَعُه) كفه، و (وَضَعَه يَضَعُه) ، و (وَقَعَ يَقَعُ) ، و (وَثَغَ رأسَه يثَغُه) شدخه و (وَلَغَ الكلب يَلَغُ) ، و (وَبَهَ له يبهُ) إذا فَطِنَ ومنه الحديث "لا يُوْبَهُ به" (1) أي لا يفطن. فهذه ثمانية، ولم أعثر على ما شذّ من ذلك غير: (وَضَحَ الأمر يَضِحُ) أي ظهر.
وأما حلقي العين منه فمكسور على إطلاق النظم والتسهيل، كما مثلنا به في: (وَأذَ المَوْؤُدَةَ) و (وَخَدَ البعير) و (وَعَدَ) و (وَخَزَ) ، وشذّ: (وَهَبَ يَهَبُ) .
النوع الثاني:
[الأجوف اليائي]
وهو ما عينه ياء من فعَل المفتوح (جَاءَ يَجِيءُ) و (فَاءَ يَفِيءُ) رجع، و (خَابَ يَخِيْبُ) و (رَابَهُ الأمر يَريْبُهُ) و (شَابَ يَشِيْبُ) .
تنبيه:
ذكر في التسهيل أن العرب جميعاً التزمت كسر مضارع هذا النوع، ولم يشذّ منه شيء، فيحمل نحو: (بَاتَ يَبَاتُ) لغة في (يَبِيْتُ) على أن ماضي (يَباَتُ) (فَعِلَ) المكسور ك (خَافَ يَخَافُ) لا (فَعَلَ) المفتوح.
ومثال النوع الثالث:
[الناقص اليائي]
وهو ما لامه ياء من فَعَلَ المفتوح [//13/ب] .(38/246)
(أَتَى يَأْتِي) وهو مثال الناظم و (أَوَى إليه يَأْوِي) انضم و (أَنَى يَأْنِي) حان ومنه {أَلَمْ يَأْنِ} (1) و (أَنَى الماء) أيضاً إذا انتهى جريه ومنه {وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} (2) و (بَرَى السَّهم يَبْرِيْه) و (بَكَى يَبْكي) و (بَنَى البيت يَبْنِيْه) و (ثَنَى الحبل يَثْنِيْه) عطفه، و (ثَوَى بالمكان يَثْوِي) أقام، و (جَرَى الماء يَجْرِي) و (جَزَاه على عمله يَجْزِيْه) وعنه (قَضَى) والشيء كَفَى و (جَنَى الذنب يَجْنِيْه) وكذا الثمرة، و (حَكَى القول يَحْكِيْ) ، و (حَمَاه يَحْمِيْه) و (حَوَاه يَحْوِيْه) أحرزه.
تنبيه:
لم يشذّ من هذا النوع إلا قولهم: (أَبَى الشيءَ يَأْبَاه إباءً) بموحّدة، ولم يستثنه الناظم، ونقل في القاموس فيه (أَبى يَأبِيْه) أيضاً بالكسر على الأصل، وقيّد في التسهيل لزوم كسر هذا النوع بأن لا تكون عينه حلقية، وقد يرشد إليه تمثيله في النظم بـ (أَتَى) دون (سَعَى) ، وكذلك تمثيله فيما بعد لما اشتهر من الحلقي بكسره بـ (يَبْغِي) يدلّ على أن مراده بـ (كأَتَى) ما لم تكن عينه حرف حلق وذلك نحو (رَأَى يَرَى) و (سَعَى يَسْعَى) و (رَعَى يرْعَى) و (نَأَى عنه ينأى) و (نَهَى عنه يَنْهَى) وشذّ (بَغَاه يَبْغيْه) أي طلبه، و (نَعَى الميّت يَنْعِيْه) أي ندبه، وهذا فيما لم يكن فاؤه واو، وإلا كسر على الأصل ك (وَجَى يجي) و (وَخَاه يَخيْه) و (وَعَاه يَعيْه) و (وَهَى يَهي) و (وَقَاه يَقيْه) [//14/أ] ، وذكر في التسهيل أيضاً أن التزام كسر هذا النوع لغة غير طيّء من سائر العرب، ومفهومه أن طيّئاً يفتحونه قياسًا، ولم ينقله غيره عنهم إلا في (قَلاه يَقْلاه قلاً) أبغضه.
ومثال النوع الرابع:
[المضاعف اللازم](38/247)
وهو المضاعف اللازم من فَعَلَ المفتوح وهو آخر ما يطرد فيه الكسر (حَنَّ يَحِنُّ) وهو مثال الناظم و (تَبَّت يدُه تَتِبُّ) خسرت و (دَبَّ يَدِبُّ) و (غَبَّ اللحمُ يَغِبُّ) بات و (غَبَّ) في ورده ورد يوماً وترك يوما و (رَثَّ الحبل يَرِثُّ) بَلِيَ، و (ضَجَّ يَضِجُّ ضجيجاً) صرخ ك (عَجَّ يَعِجُّ) و (صَحَّ جسمه يَصِحُّ) ، و (كَدَّ في عمله يَكِدُّ) باشره بشدّة، و (نَدَّ البعير يَنِدُّ) شرد، و (قَرَّ يَقِرُّ) وهكذا، و (صَرَّ يَصِرُّ) صرخ ومنه {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} (1) .
ولما أنهى الكلام على النوع الأول بأقسامه الأربعة: وهو ما يطّرد فيه الكسر في مضارع فَعَلَ المفتوح، شرع يتكلّم على النوع الثاني وهو أربعة أنواع أيضاً:
المضاعف المعدّى، وما عينه، أو لامه واو، وما يدلّ على غلبه المفاخرة.
وقد أشار إلى النوع الأول بقوله:
[المضاعف المعدّى]
(وضمّ عين معدّاه) (2)
أي وضم عين المعدّى المضاعف من فَعَلَ المفتوح ومثاله (جَبَّه يجُبُّه) قطعه، و (سَبَّه يَسُبُّه) قطعه و (سَبَّه يَسُبُّه) أيضاً شتمه، و (صَبَّ الماء يَصُبُّه) ، و (عَبَّه يَعُبُّه) شربه من غير مصّ و (حَتَّ المنيّ يَحُتُّه) و (فَتَّه يَفُتُّه) كسره، و (قَتَّ [//14/ ب] الحديث يَقُتُّه) نمّه فهو قَتَّاتٌ، و (لَتَّ السويق يَلُتُّه) عجنه، و (بَثَّ الخبر يَبُثُّه) نثره، وكذا (نَثَّه) بالنون، و (حَثَّه على الأمر يَحُثًّه) و (بَجَّه يَبُجُّه) وسّعه فهو بَاجٌّ، و (حَجَّ البيت يَحُجُّه) و (فَجّ ما بين رجليه يَفُجُّه) فتحه، ومنه الفجُّ بين جبلين، و (مَجَّ الشراب يَمُجُّه) وهكذا.
وقد شذّ منه ستة أفعال تأتي.
هذا هو القياس في المضاعف من (فَعَلَ) المفتوح من كون اللازم منه مكسوراً والمعدّى مضموماً، وقد شذّ من كل منهما أفعالٌ فنبّه على ذلك بقوله:
( ... ويندر ذا
كسرٍ، كما لازمٌ ذا ضمٍّ احتملا)(38/248)
وفاعل (يندر) ضمير يعود إلى المعدّي، و (ذا) حال منه و (كسر) مضاف إليه، أي ويندر مجيء المعدّى المضاعف مكسوراً، و"ما "في قوله (كما) زائدة كافّة عن العمل، التقدير كما احتمل أي نُقِلَ ضم اللازم ندوراً، ثم إن النادر من كلّ من النوعين على ضربين:
ضرب التزم فيه خلاف قياسه.
وضرب جاء فيه وجهان: القياس، وخلاف القياس.
فأما ما التزم فيه خلاف القياس من المعدّى فهو فِعْلٌ واحد أشار إليه بقوله:
(فذو التعدّي بكسر "حّبَّه")
أي فندر مجيء المعدّى بالكسر فقط في فعل واحد وهو (حَبَّه) بالمهملة (يَحِبُّه) بفتح الياء وكسر الحاء لغةً في (أَحَبَّه يُحِبُّه) ومنه صيغ المحبوب، وبه قرئ شاذاً [//15/أ] {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (1) قال في الصحاح: "لا يأتي في المضاعف يَفْعِلُ بالكسر إلا ويشركه يَفْعُلُ بالضم إذا كان متعدّياً ما خلا هذا الحرف" يعني حَبَّه يَحِبُّه.
وأمّا ما فيه وجهان من المعدّى فهو خمسة أفعال على ما ذكره المصنّف، وقد أشار إليها بقوله:
( ... وع ذا
وجهين هرَّ وشدَّ علَّه عللا)
(وبتَّ قطعاً ونمَّ ... )
أي واحفظ صاحب الوجهين من المعدّى، وهو خمسة أفعال كما تقدّم.
الأول: (هَرَّ) يقال (هَرَّ فلانٌ الشيءَ يَهِرُّه ويَهُرُّه) كرهه، وهَرَّتِ القومُ الحربَ كذلك، وأصله (هَرَّ الكلبُ يَهِرُّ) بالكسر لا غير هريراً صوت من غير نُباح.
الثاني: (شَدَّه يَشِدُّه ويَشُدُّه) أوثقه، وأصله شَدَّ الشيءُ في نفسه يَشِدُّ أي اشتدّ وصار شديداً.
الثالث: (عَلِّ) يقال: (عَلَّه الشرابَ يَعِلًّه ويَعُلّه) سقاه عَلَلاً بعد نَهَلٍ، والنَّهَل الشًّرْبُ الأول، والعَلَلُ الشُّرْبُ الثاني.
الرابع: (بَتَّ) يقال: (بَتَّه يَبِتُّه ويَبُتُّه) قطعه، وأصله من بَتَّ يَبتُّ أي انقطع ك (انبتّ) ، قال الشارح: "ولم يظَهر لي وجه تقييد الناظم له بقوله قطَعاً" إلا أن يكون تفسيراً فقط.(38/249)
الخامس: (نَمَّ) يقال: (نَمَّ الحديثَ يَنِمُّه ويَنُمًّه) حمله وأفشاه وأصله من نمَّ الحديثُ نفسُه يَنِمُّ فشا.
تنبيه:
قال الشارح: أشار في الصحاح إلى أن الذي سهّل مجيء الوجهين في هذه الأفعال لزومها مرّة، وتعدّيها أخرى، وذكر أنها أربعة فلم يذكر مجيء الوجهين [//15/ب] في (هرَّة) ، وحكاهما في القاموس، وكلام الناظم يوهم الحصر في هذه الخمسة، وعبّر في التسهيل بقوله: والتزم الضم في المضاعف المعدّى غير المحفوظ كسره لكنّه لم يزد في شرحه على الخمسة، وقد ظفرت في القاموس بأربعة أفعال بعضها في الصحاح أيضاً مع ما سبق من حصره لها في الأربعة السابقة وهي:
(نَثَّ الخبَرَ) بالنون (يَنِثُّه ويَنُثُّه) أفشاه، و (شَجَّ رأسَه يَشِجُّه ويَشُجُّه) و (أَضَّه) بالمعجمة إلى كذا (يَؤُضُّه ويَئِضُّه) ألجأه، وهذه الثلاثة في القاموس و (رَمَّه) بالراء (يَرِمُّ ويَرُمُّه) أصلحه ذكره بالوجهين أيضاً في الصحاح مع حصره السابق قد نظمتها فقلت:
ومثل هرَّ ينثُّ شجَّه وكذا
كـ أضَّه رمَّه أي أصلح العلملا
انتهى.
وأما ما ندر من المضاعف اللازم فهو كما سبق على ضربين.
ضرب التزموا فيه الضم على خلاف قياسه.
وضرب جاء فيه الوجهان.
والضرب الأول: ثمانية وعشرون فعلاً وقد أشار إليه بقوله:
(....واضممنَّ مع الـ
ـلزوم في امر ربه وجَلَّ مثل جَلا)
أي واضمم عين المضارع من المضاعف مع لزومه على خلاف قياسه في هذه الأفعال المذكورة:
أوّلها: (مَرَّ به يَمُرُّ) .
والثاني: (جَلَّ الرجلُ عن منزله يَجُلُّ) ارتحل عنه مثل جَلا عنه جلاء، ومن هذا {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ} (1) ، وأما جَلَّ قدرُه يَجِلُّ فبالكسر لا غير، واحترز عنه بقوله مثل جلا بجر مثل على البدل أو نصبه على الحال.
الثالث: (هَبَّتْ) (2) [//16/ أ] (يقاله هَبَّتِ الرِّيْحُ تَهُبُّ) بضم عين المضارع.(38/250)
الرابع: (ذَرَّتْ) يقال: (فَرَّتِ الشمسُ تَذُرّ) أي فاض شعاعها على الأرض.
والخامس: (أجَّ) يقال: (أجَّتِ النارُ تؤجُّ) .
والسادس: (كرَّ) يقال: (كَرَّ على قِرْنه يَكُرُّ) رجع.
السابع: (هَمَّ به) يقال: (هَمَّ بالأمر يَهُمُّ به) .
الثامن: (عَمَّ) يقال: (عَمَّ النبتُ يَعُمُّ) .
التاسع: (زَمَّ) يقال: (زَمَّ بأنفه يَزُمُّ) تكبّر.
العاشر: (سَحَّ) يقال: (سَحَّ المطرُ يَسُحُّ) نزل بكثرة.
الحادي عشر: (مَلَّ) في سيره يَمُلُّ مَلاًّ أسرع (أي) ك (ذملا) في سيره ذميلاً، وقيده بذلك ليحترز عن (مَلَّ الخبزَ) أي أدخله الملّة وهي الرماد الحار فإنه معدّى، وأمّا (مَلَّه) بمعنى ضجر منه فمضارعه (يمَلُّه) بالفتح؛ لأنه من باب (فَعِلَ) المكسور.
والثاني عشر: (ألَّ) السيفُ (يَؤُلُّ) بمعنى لمع، وألَّ العليلُ أيضاً يَؤُلُّ ألاًّ أي صرخ، ولذا قال (لمعاً وصرخاً) كذا قيده في التسهيل بذلك، قال في القاموس: (أَلَّ المريضُ والحزين يَئلُّ) و (أَلَّ يَؤُلُّ) بالضم والكسر برق فجعل الصرخ بالكسر لا غير على القياس، واللمع بوجهين فهو من الضرب الثاني ففيه مخالفة للناظم من وجهين.
الثالث عشر: (شَكَّ) (يَشُكُّ) أي تردد.
الرابع عشر: (أَبَّ) بالموحدة الرجل يَؤُبُّ إذا تهيّأ للذهاب كذا ذكره الناظم تبعاً للجوهري والضياء، وقال في القاموس: (أَبَّ يَؤُبُّ) بالضم والكسر، فجعله من الضرب الثاني [//16/ب] .
والخامس عشر: (شَدَّ) الرجلُ (يَشُدُّ) (أي عدا) ، وقيده بذلك القيد ليحترز من شَدَّ المتاعَ به يَشُدُّه، وقد سبق أنه معدّى، وأن فيه وجهين.
السادس عشر: (شَقَّ) عليه الأمر يَشُقًّ شَقّاً ومشقّة إذا أضرّ به.
السابع عشر: (خشَّ) في الشيء يَخُشُّ أي دخل.
الثامن عشر: (غَلَّ) فيه يَغُلًّ هو بمعنى ما قبله ولذا قال: (أي دخلا) وقيّده به ليحترز عن (غَلَّ) المتاعَ أي سرقه فإنه متعدٍّ.(38/251)
التاسع عشر: (قَشَّ قومٌ) يَقُشُّون بالقاف والشين المعجمة حَسُنَ حالهم بعد بؤس.
العشرون: (جَنَّ) وقدم أشار له بقوله: (عليه الليل جَنَّ) يَجُنُّ.
والحادي والعشرون: (رَشَّ المزنُ) يَرُشُّ أي أمطر، والمزن السحاب.
الثاني والعشرون: (طَشَّ) أي أمطر مطراً خفيفاً دون الرش كذا ذكره المؤلف، ومفهوم الصحاح أنه بالكسر على القياس؛ لأنه قال "طشَّ المزنُ يَطشُّ"ولم ينبّه على شذوذه كعادته فيما شذّ، وقال في القاموس: "طَشَّتِ السَّماءُ تَطُِشُّ"بالضم والكسر، وعليه فهو من الضرب الثاني.
والثالث والعشرون: (ثَلَّ) الفرسُ والحمارُ بالمثلّثة يَثُلُّ، ونبّه المصنّف على أن أصله بالفتح بقوله: (أصله ثَلَلا) أُدغمت اللام في اللام، وبيّن معناه بقوله: (أي راث) ، وقيّده به ليحترز عن ثَلَّ الترابَ يَثُلُّه إذا صبّه.
[//17/أ] الرابع والعشرون: (طَلَّ دَمُه) يَطُلُّ أي ضاع وهدر.
الخامس والعشرون: (خَبَّ الحصانُ) يُخُبُّ أسرع (و) يقال خب (نبت) يخب طال بسرعة فقوله (نبت) معطوف على الحصان.
السادس والعشرون: (كَمَّ نخلٌ) يَكُمُّ إذا طلَّع أكمامَه.
السابع والعشرون: (عَسَّت ناقةٌ) تَعُسُّ رعت وحدها ولذا قال: (بِـ..خَلاً) أي بموضع خالٍ، وأصله المدّ، وقصره للضرورة ويجوز أن يراد به المقصورة غير المهموز وهو الحشيش الرطب، والباء بمعنى من.
والثامن والعشرون: (قَسَّت) الناقة بالقاف والسين المهملة تَقُسُّ ك (عَسَّت تَعُسُّ) ولذا قال (كذا) .
فهذه ثمانية وعشرون فعلاً، وسبق الانتقاد عليه في ثلاثة أفعال منها وهي: (ألَّ وأَبَّ وطَشَّ) .
تنبيهان:
الأول: قوله خبَّ الحصان فعل وفاعل، ونبت معطوف عليه، وكذا قوله كمَّ نخلٌ وعسَّت ناقةٌ فعل وفاعل، وقوله قسّت كذا مبتدأ وخبر.(38/252)
الثاني: قال الشارح: كلامه يوهم الحصر فيما ذكر، وعبَّر في التسهيل بقوله: والتزم الكسر في المضاعف اللازم غير المحفوظ ضمُّه لكن لم يزد في شرحه على ما ذكر في النظم وقد ظفرت في الصحاح والقاموس بأفعال من هذا الضرب نقلا فيها التزام الضم وهي ثمانية عشر فعلاً:
مَتَّ إليه بقرابة ونحوها يَمُتُّ أي توسّل.
وثَجَّ الماء يَثُجُّ أي سال [// 17/ ب] .
وسَجَّ بطنه يَسُجُّ بالجيم (رقّ) الخارج منه.
وأَحَّ الرجل بالحاء المهملة يؤُحُّ سعل.
وسَخَّتِ الجرادةُ بالخاء المعجمة تَسُخُّ أثبتت ذنبها لتبيض.
وأدَّ البعير يؤُدُّ رَجَّعَ الحنينَ في جوفه.
وحَدَّ عليه يَحُدُّ حِدَّةً غضب.
وعَرَّ الظليم بالمهملتين يَعُرُّ صاح.
وحَصَّ الحمار بالمهملتين يَحُصّ حُصاصاً إذا ضرط.
ولَطَّتِ الناقةُ بذنبها تَلُطُّ ألصقته بين فخذيها.
وكَفَّ بصره يَكُفُّ عمي، وكذا كَفَّتِ الناقةُ إذا تآكلت أسنانها من الكبر.
وبَقَّ في كلامه يَبُقُّ بالموحدة بَقاقاً بالفتح أكثر.
وشَقَّ بصرُ الميّتِ يَشُقُّ تبع روحه ولا يقال شَقَّ الميّتُ بصرَه؛ لأنه لازم.
وعَكَّ يومُنا يَعُكُّ اشتدّ حرّه مع سكون ريحه.
وفَكَّ الرجلُ يَفُكُّ فَكاكاً أي هرم.
وأَمَّتِ المرأةُ تؤمُّ أُمُوْمَةً صارت أمّاً.
وغَمَّ يومنا يَغُمُّ بالمعجمة اشتدّ حرّه.
وحَنَّ عنه بالمهملة يَحُنُّ اعرض وصدّ.
فهذه الثمانية عشر تلحق بالثمانية والعشرين ليصير المستثنى من هذا الضرب ستة وأربعين وقد نظمتها فقلت:
ومعْ ثمانيةٍ عَشْرٍ كَمَتَّ به
يمُتُّ ثَجَّ وسَجَّ أَحَّ أي سعلا
سَخَّت وأَدَّ وحَدَّ عَرَّ حَصَّ ولَطْ
طَتْ ناقة كَفَّ شَبَّ طرفه فعلا
وبَقَّ فَكَّ وعَكَّ اليومُ غُمَّ وأَمْ
مَتْ أمُّنا حَنَّ عنه معرضاً كملا
اه.
وأما الضرب الثاني:
وهو ما جاز فيه وجهان [//18/أ] من مضارع المضاعف اللازم فأضار إليه بقوله:(38/253)
(وعِ وجهي) (1) أي واحفظ الوجهين الجائزين في مضارع هذه الأفعال وهي ثمانية عشر فعلاً:
الأول: (صَدّ) عن الشيء يَصِدُّ ويَصُدًّ أي أعرض، وكذا صَدَّ منه أي ضَجِرَ، فالكسر على القياس، والضم على الشذوذ، وبهما قرئ {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} (2) ، وأصله صدّه عن كذا أي منعه يَصُدُّه بالضم لا غير معدّى، ثم طرأ له اللزوم، وقد أشار في الصحاح إلى أن الضم في المضاعف اللازم لا يأتي إلا لمخالطة التعدّي كما أشار إلى ذلك الشارح.
الثاني: (أَثَّ) بالمثلثة يقال: أَثَّ الشَّعَرُ والنبات يؤُتُّ وَيئِتُّ أي كثر والتفّ فهو أثيث.
الثالث: (خَرَّ) الحجرُ الصَّلْدُ يَخِرُّ ويَخُرُّ أي سقط من علْوٍ إلى سُفْلٍ، وكذا خَرَّ الإِنسان لوجهه، والكسر أفصح، وعليه أجمع القراء في قوله تعالى: {يَخِرًّونَ للأذْقانِ يَبْكونَ} (3) {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً} (4) فلا مفهوم لتقييده بالصَّلْدِ؛ وإنما هو فرضُ مثالٍ.
الرابع: (حَدَّتْ) المرأةُ بالحاء المهملة على زوجها تَحِدُّ وتَحُدُّ تركت الزينة، وأصله حَدَّه أي منعه بالضم لا غير وكأنها منعت نفسها من الزينة وامتنعت فالكسر باعتبار لزومه، والضم باعتبار تعدّيه.
الخامس: (ثَرَّتِ) العينُ بالمثلّثة تَثِرُّ وتَثُرُّ أي غزر دمعها، وكذا [//18/ ب] ، السحابة فهي ثَرَّةٌ، وأصله من ثَرَّ الثوبَ يَثُرُّه مثل ذَرَّه يَذُرُّه وثَلَّه أيضاً يَثُلُّه بالضم لا غير.
السادس: (جَدَّ) بالجيم في عمله يَجِدُّ ويَجُدّ جِدّاً بالكسر أي قصده بعزم وهمّة، ولذا قال (من عملا) ، وأصله من جَدَّ الحبلَ وغيره أي قطعه يَجُدُّه بالضم لا غير، وكأنه قطع كلّ شاغل عنه.
السابع: (تَرَّتْ) يده تَتِرًّ وتَتُرُّ إذا بانت عند القطع.
والثامن: (طَرَّتْ) تَطرُّ وتَطُرُّ بمعنى ما قبله.
والتاسع: (دَرَّتِ) الناقةُ باللبن تَدِرُّ وتَدُرُّ من قولهم (دَرَّها) والأكثر (درَّرها تدريراً) استحلب لبنها.(38/254)
العاشر: (جَمَّ) الماء يَجِمُّ ويَجُمُّ كثر واجتمع من جَمّه يُجُمُّه بالضم لا غير إذا جمعه فهو جَمٌّ أي كثير.
الحادي عشر: (شَبَّ) حصانٌ يَشِبُّ ويَشُبُّ شِباباً بالكسر إذا مَرِحَ ونِشِطَ فرفع يديه جميعاً من شَبَّ النار يَشُبُّها إذا أوقدها بالضم لا غير، وأما (شَبَّ) الغلامُ يشِبُّ شَباباً بالفتح فبالكسر لا غير؛ ولذا قيّده بإسناده للحصان؛ ليحترز عن هذا.
الثاني عشر: (عَنَّ) له الشيء يَعنُّ ويُعُنُّ أي عرض.
الثالث عشر: (فَحَّتِ) الأفاعي بالحاء المهملة والمعجمة أيضاً تَفحُّ وتَفُحُّ إذا نفخت بفمها وصوّتت.
الرابع عشر: (شَذَّ) بالمعجمتين يَشِذُّ ويَشُذُّ أي انفرد عن الجماعة.
الخامس عشر: (شَحَّ) بماله يَشِحُّ ويَشُحُّ أي بخل [//19/أ] .
السادس عشر: (شَطّتِ) الدارُ تَشِطُّ وتَشُطُّ أي بعدت.
السابع عشر: (نَسَّ) الشيءُ بالنون والسين المهملة يقال: نَسَّ اللحمُ وغيرُه يَنِسُّ ويَنُسُّ أي جَفَّ وذهبت رطوبته.
الثامن عشر: (حَرَّ) نهارٌ يَحِرُّ ويَحُرُّ أي حميت شمسه، وفيه لغة أخرى يَحَرُّ بالفتح فيكون من باب فَعِلَ بالكسر.
تنبيهان:
الأول: قال الشارح: كلامه أيضاً يوهم الحصر فيما استثناه، ولم يزد أيضاً في شرح التسهيل على ما ذكره في النظم، وقد ظفرت بأفعال نقل فيها الوجهين صاحبُ القاموس، وبعضها أيضاً في الصحاح وهي ثمانية:
شَتَّ الأمر يَشِتُّ وَيشُتًّ أي تفرّق والأكثر شتّته أي فرّقه.
وعَرَّتِ الإِبل بمهملتين تَعِرُّ وتَعُرُّ أي سلمت.
وقَرَّ يومنا يَقِرُّ ويَقُرُّ قُرّاً بالضم أي بَرَدَ، وفيه لغة أخرى (قَرَّ يَقَرُّ) بالفتح ك (حَرَّ النهار يَحَرُّ) على ما تقدّم.
وأزَّتِ القدرُ تؤزُّ وتَئِزًّ أزيزاً سمع لغليانها صوت.
ورَزَّتِ الجرادةُ تَرِزُّ وتَرُزُّ بتقديم الراء غرزت ذنبها لتبيض من رَزَّه يَرُزُّه أثبته في الأرض.
وأصَّتِ الناقةُ تَئِصُّ وتؤصُّ اشتدّ لحمها وسمنت.(38/255)
وكَعَّ عن الشيء يَكِعُّ ويَكُعُّ جبُن وضعُف من كَعَّه إذا كرهه.
وخَلَّ لحمُه بالمعجمة يَخِلُّ ويَخُلُّ هزُل فهو خَلٌّ بالفتح.
وقد نظمتها فقلت:
ومثل صدّ بوجهين ثمانيةٌ [//19/ب]
عرّت وشتّ وأزّ القدر حين علا
فرّ النهار وأصّت ناقة كذا
رزّ الجراد وكعّ خلّ أي هزلا
فهذه الثمانية تلحق بالثمانية عشر فيصير المستثنى من هذا الضرب ستة وعشرين انتهى.
التنبيه الثاني:
قال الشارح أيضاً: "اعلم أن العلة في التزامهم ضم عين المضارع المضاعف المعدّى أنه كثيراً ما يتّصل به ضمير المفعول ك (مدّه يمُدُه) فلو كسروا عينه لزم الانتقال من كسرة إلى ضمة وهو ثقيل؛ ولهذا لم يشذّ منه إلا (حبّه يحبُِّه) منفرداً، والخمسة المشتركة التي ذكرها الناظم مع الأربعة التي زدناها فانحصر المستثنى منه في عشرة، وأما المضاعف اللازم فإنما كسروا عينه فرقاً بينه وبين المعدّى، فلهذا سهل ضمه على ألسنتهم فكثر المضموم منه منفرداً ومشتركاً كما سبق حتى بلغ المجموع اثنين وسبعين، لكن مهما أمكن تأويل الضمّ أنه باعتبار تعدية الفعل كما فعلتُ ذلك في كثير من الأمثلة ظهر وجهه للطالب"انتهى.
---
(1) في اعتراضه على ابن مالك في باب أبنية الفاعلين والمفعولين إذ جمع فاعلاً ومفعولاً على فاعلين ومفعولين مع أن المراد بهما هنا الأبنية لا الذوات، وجمع السلامة خاص بالعقلاء وصفاتهم قال في اللوحة: 41/ب: "باب أبنية: جمع بناء والمراد به الصيغ أي صيغة أسماء الفاعلين جمع فاعل والمفعولين جمع مفعول، واعترض هذا الجمع بأن فاعلاً ومفعولاً اسمان للفظ وهو غير عاقل، ولا يكون هذا الجمع إلا للعقلاء، وأجيب بأن ما ذكر اسم للمعنى والذوات الفاعلة أو المفعولة لا للفظ وغلّب العاقل على غيره فساغ الجمع أفاده العلاّمة السجاعي عن ابن أم قاسم"وهو في فتح الجليل.(38/256)
والموضع الثاني الذي نقل فيه عن السجاعي في اللوحة 42/ب في الخلاف في أبنية الصفة المشبهة حول الجزم بمدى قياس فعيل دون فعْل من فعُل المضموم العين قال: "قالو وإنما لم يصرّح بالقياس لأنه لم يطّرد فيهما السماع اطراداً يقطع فيه بالقياس، وغيره يرى أن فعيلاً يقاس مطّرداً دون فعْل أفاده العلامة السجاعي"وهو موجود في فتح الجليل.
(1) في تعريف اللغة في اللوحة 6/ ب من النسخة ف قال: "وقال بعض المحققين اللغة في الاصطلاح استعمال الألفاظ لا نفس الألفاظ"وكتب بالهامش المراد من ببعض المحققين الشيخ محمد الأمير في حاشيته على الشذور. أه. من تقرير المؤلف.
(2) تاريخ الأدب العربي: 5/292.
(3) تاريخ الأدب العربي: 5/292.
(4) المرجع السابع: 5/292.
(5) شرح ابن الناظم:29.
(6) تاريخ الأدب العربي: 5/292.
(7) المرجع السابق: 5/292.
(8) المرجع السابق: 5/293.
(9) تسهيل الفوائد: 31.
(10) تاريخ الأدب العربي: 5/293.
(11) مقدمة التسهيل: 31.
(12) فتح الأقفال: 40.
(13) فتح الأقفال: 165.
(14) هو جمال الدين محمد بن عمر بن مبارك الحميري الحضرمي الشافعي عالم مشارك في الحديث والنحو والصرف وغيرها ولد في حضرموت عام 869 هـ، وتوفى عام 930هـ بالهند.
تنظر ترجمته في كشف الظنون: 1346، 1548، 1843. والنور السافر: 142-152.
القطع: إبانة بعض أجزاء الجرم من بعض فصلاً، والأقطع. المقطوع اليد. لسان العرب قطع 8/276.
البتر: استئصال الشيء قطعاً، والأبتر: من الدواب المقطوع الذنب من أي موضع كان. الصحاح (بتر) : 2/584، واللسان 4/37.
الجذم: هو القطع، والمجذوم المقطوع اليد، وقيل الذي ذهبت أنامله. الصحاح (جذم) : 5/884.(38/257)
(1) الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده:2/359 بلفظ "كل كلام، أو أمر ذي بال لا يفتتح بذكر الله عزّ وجلّ فهو أبتر، أو قال أقطع"، وفي شرح السنة للبغوي 9/51 "كُلُّ كَلامٍ لا يُبْدَأَ بِالْحَمْدِ لله فَهُوَ أَجْذَمُ"، ولأحمد بن محمد الصديق الغماري رسالة سمّاها: الاستعاذة والحسبلة ممن صحّح حديث البسملة، هو يرى أنّ الحديث بلفظ لا يبدأ ببسم موضوع، وأن الصحيح بلفظ لا يبدأ بالحمد لله. كما هو عند البغوي.
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الهدي في الكلام: 5/172 من طريق أبي هريرة بلفظ "كُلُّ كَلامٍ لا يُبْدَأُ بِالحَمْدِ لله فَهُوَ أَجْذَمُ". وأخرجه ابن ماجة في كتاب النكاح، وباب خطبة النكاح برقم 1894 من طريق محمد بن خالد مسنداً ومرسلاً.
ابن الصلاح هو: تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الكردي الشهرزوري ولد عام 577، وتوفى عام 643 محدّث.
تنظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 23/140، وفيه ثبت طويل بمصادر ترجمته لراغبي المزيد.
والنووي في كتاب الأذكار: كتاب حمد الله تعالى برقم 288 قال وهو حديث حسن، وفي كتاب أذكار النكاح برقم 701 قال هذا حديث حسن، وابن حجر في نتائج الأفكار.
في ح القرافي، والعراقي هو أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي زين الدين من كبار أهل الحديث ولد عام 725 وتوفى عام 806 يعدّ من شيوخ ابن حجر العسقلاني.
تنظر ترجمته في إنياء الغمر لابن حجر: 5/170، والضوء اللامع: 4/171، وحسن المحاضرة: 1/204 وغيرها.
أما القرافي فالمشهور منهم رجلان أحدهما: أحمد بن إدريس القرافي المالكي أصولي فقيه توفي عام 684هـ، ترجمته في الديباج المذهب 62، وأما الآخر فهو محمد بن يحيى القرافي فقيه لغوي مالكي المذهب توفى عام 1008، تنظر ترجمته في خلاصة الأثر: 4/258 ونيل الابتهاج: 603.
(3) التذكرة كتاب للعراقي مطبوع.
الضمير يعود للعراقي، والمعنى أن ابن الصلاح لا يرى التصحيح في زمانه هو والأزمنة التي تليه.(38/258)
(1) وبناء على رأي النووي يجوز التصحيح والتضعيف في زمن العراقي والأزمنة التي تليه.
(2) الإمام النووي هو: أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري الحزامي محدث فقيه له شرح على صحيح مسلم ولد عام 631، وتوفى عام 676.
تنظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي: 8/395، البداية والنهاية: 13/278، ولم يترجم له الذهبي في السير وإنما ترجم له في تذكرة الحفاظ.
وهناك معانٍ لغوية أخرى لكلمة الصرف منها: التحويل، والتصيير، ورد الشيء عن وجهه وهي معانٍ قريبة من بعضها. ينظر اللسان (صرف) 9/ 189.
ينظر شرح الشافية للرضي: 1/7.
هو شيخ الكسائي، والقول بأن الهراء هو واضع علم الصرف ليس على إطلاقه فكتاب سيبويه مليء بالمسائل الصرفية، ولكن قد يقال بأن الهراء هو أول من أفرد علم الصرف بالبحث، والإكثار من مسائل التمارين التي كان النحاة يسمّونها تصريفاً فنسب إليه وضع هذا العلم من هذا الباب.
التصريح بمضمون التوضيح 1/4: "واتفقوا على أن أول من وضع التصريف معاذ بن مسلم الهراء".
الراجح عند علماء العربية أن مصطلح الصرف والتصريف يطلق على مسمّى واحد دون تفريق، وبعضهم حاول التفريق بين المصطلحين إذ يرى أن الصرف يطلق على العلم المتعارف عليه الآن، أما التصريف فهو يطلع على ما يعرف بمسائل التمرين عند الصرفيين كأن تأخذ من كلمة ما بناء لم تبنه العرب منها على وزن ما بنته العرب من غيرها ثم تعمل في البناء الذي أخذته ما يقتضيه قياس كلامهم من أحكام تصريفية. ينظر دروس التصريف لمحمد محيي الدين عبد الحميد: 4.
مصطلح منطقي، وهو أحد أجزاء القضية الحملية، وهي ثلاثة أجزاء المحمول، والموضوع، والنسبة، فالمحمول هو المسند، أو المحكوم به سواء تقدّم أم تأخر نحو زيد كاتب فالمحمول في هذا المثال هو كلمة كاتب، والموضوع هو كلمة زيد. ينظر تسهيل المنطق: 37.
مصطلح منطقي يراد به: المسند إليه أو المحكوم عليه سواء تقدم أم تأخر: المرجع السابق: 37.(38/259)
ينظر في هذه المسألة: اشتقاق أسماء الله للزجاجي:255، والإِنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري المسألة الأولى، وأسرار العربية له: 4، والتبيين للعكبري: 132، وشرح ابن يعيش: 1/23، وائتلاف النصرة: 27.
في قول ابن مالك: لفَعْلٍ اسماً صحّ عيناً أفعُل
(1) البيتان لابن معطٍ في ألفيته شرح عبد العزيز القواس: 1/217 وهما عنده هكذا:
وَاشْتَقَّهُ مِنْ وسَمَ الكُوفِيُّونْ
وَاشْتَقَّ الاسْمَ مِنْ سِما البَصْرِيُّونْ
دَلِيْلُهُ الأَسْمَاءُ وَالسَّمِيُّ
وَالمَذْهَبُ المُقّدَّمُ الجَليُّ
ولم أجد هذين البيتين في الكافية الشافية، وقد رجعت إلى متن الكافية الشافية المطبوع في مطبعة الهلال عام 1332هورجعت أيضا إلى شرح الكافية الشافية المطبوع بتحقيق عبد المنعم هريدي فلم أظفر بطائل.
(2) في لفظ الجلالة رأيان أحدهما يقول بأن لفظ الجلالة علم مرتجل، والآخر يقول باشتقاقه، والقائلون بالاشتقاق مختلفون مم اشتقّ على أربعة أقوال أنظرها مفصلة في: الاشتقاق لابن دريد 11، واشتقاق أسماء الله الحسنى للزجاجي، وشرح التصريف الملوكي للثمانيني بتحقيقنا 374 ففيه ثبت طويل بالمراجع التي تناولت هذه القضية.
(3) أول قوله:
حمداً يبلّغ من رضوانه الأملا
الحمد لله لا أبغي به بدلاً
(4) تقدم الإِشارة إليهما في ص 167.
(5) علي بن محمد بن عبد الرحمن الأحْهُوْرِيُّ ولد عام 967، وتوفى عام 1066هـ.
تنظر ترجمته في خلاصة الأثر: 157:3، وهدية العارفين: 1/758، ومعجم المؤلفين:7/207، والأعلام: 5/13.
آل عمران: 83.
التوبة: 47.
(6) من قوله في البيت السابق: الحمد لله لا أبغي به بدلا.
الأعراف: 62.(38/260)
كلمة رضوان وردت في القرآن ثلاث عشرة مرّة، وقرأ عاصم برواية أبي بكر بضم الراء في القرآن كلّه إلا في آية المائدة {يبْتغُوْن فَضْلاً من رً بِّهمْ وَرِضْوَاناً} فإنه قرأها بالكسرة وقرأ الباقون بكسر الراء في القرآن كله. ينظر السبعة: 202، والمبسوط لابن مهران الأصبهاني: 141.
المراد بثاني العقود ثاني المائدة في قوله تعالى {يبْتغُون فضْلا مِّن رَّ بِّهِمْ وَرضْواناً} فإن عاصماً قرأ هذه الآية فقط بكسر الراء برواية أبي بكر بن عياش. ينظر إتحاف فضلاء البشر: 172.
وسورة المائدة تسمّى بالعقود وبالمنقذة قال الزركشي في البرهان في تعدد أسماء السور: 1/269 "وقد يكون لها ثلاثة أسماء كسورة المائدة والعقود والمنقذة"وسمّيت بالعقود نظراً لقوله تعالى في أولها {يَأَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُوْدِ} .
(1) المراد بالوسائط هنا وسائل تبليغ الرسالات ولا شكَّ أن الرسل صلى الله عليهم وسلم هم أعظم وسائل تبليغ الرسالات السماوية، وليس المراد بالوسائط ما يعتقده الصوفية من التقرب بالأضرحة والأولياء ثم إن الرسل عليهم السلام ينهون عن كل ضير لا أنهم يدفعون الضير إذ دفع الضير لله سبحانه وتعالى.
(2) من قوله:
ساداتنا آله وصحبه الفضلا
ثم الصلاة على خير الورى وعلى
(3) المتأخرون من النحاة يعزون هذا الرأي لسيبويه، والمتقدمون يعزونه للأخفش وهو المتفق مع كتابه معاني القرآن 1/93 قال: (باب أهل وآل ... وإنما هي همزة أبدلت مكان الهاء) وقال ابن جني في سر الصناعة 1/103 في معرض حديثه عن آل وأصلها وأن همزتها منقلبة عن هاء (والذي عليه العمل كما قدّمناه وهو رأي أبي الحسن فاعرفه) .
ومن الذين عزوه لسيبويه أبو الحسن علي بن محمد الأشموني: 1/13.
هو رأي يونس بن حبيب ووافقه الكسائي ينظر قي ذلك الاقتضاب: 1/ 39، وشرح التصريف الملوكي للثمانيني بتحقيقنا: 314.(38/261)
وينظر في إضافة آل المرجع التالية: لحن العامة لأبي بكر الزبيدي: 41، وسر صناعة الإعراب: 100، والاقتضاب: 1/35، والروض الأنف للسهيلي: 1/167، والممتع لابن عصفور: 348، والمساعد لابن عقيل: 2/ 347، والأشموني: 1/13، وهمع الهوامع: 4/285، والأشباه والنظائر: 2/207. والمعاجم الكبيرة (أهل+أول) .
(1) قال في اللسان سفر "والسَّفْرُ جمع سَافِرٍ، والمسافرون جمع مسافر، والسفر والمسافرون بمعنى".
لأن فُعَلاء جمعُ لفعيل ككريم وكرماء، وكثر في فاعل إن دلّ على غريزة كعاقل وعُقلاء وفاضل فُضلاء وشاعر وشُعراء.
ينظر شرح الشافية: 2/157، والأشموني: 4/139، وتصريف الأسماء للطنطاوي: 222.
الحديد: 10.
رواية البخاري ومسلم: "أحدكم".
(2) رواه البخاري بسنده عن أبي ذر الغفاري في كتاب فضائل الصحابة حديث رقم 3470، ورواه مسلم بسنده عن أبي هريرة في كتاب فضائل الصحابة حديث رقم 2540.
من قوله:
يحُزمن اللغة الأبواب والسبلا
وبعد فالفعل من يحكم تصرّفه
هذا اللغز وحلّه في حاشية السجاعي على قطر الندى: 5
(3) هو محمد الأمير الكبير كما هو مدوَّن على هامش النسخة ف بتقرير المؤلف.
(4) هكذا في ف، وفي ح ويدل لنا.
(5) من قوله:
يحوي التفاصيل من يستحضر الجُملا
فهاك نظماً محيطاً بالمهمّ وقد
(6) القول بإبدال الكاف همزة منسوب إلى ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 484، وهو إبدال لغوي لا صناعي.
(7) الحاقة: 19.
(8) في ف الجملة.
(9) ينظر في هذا الباب: سيبويه: 4/ 5، 9، 38، ونزهة الطرف: 98، والممتع: 1/166، شرح الشافية: 1/67، وشرح تصريف العزي: 28، همع الهوامع: 6/15، والمزهر: 2/37، ودروس التصريف 54(38/262)
في ح وف فرشخ بالشين والخاء المعجمتين، وهي مادّة أهملها صاحب اللسان وكثير من المعجميين، وقال عنها صاحب التاج: "الفرشخة بالشين المعجمة السعة هذه المادة ساقطة من اللسان وغيره من كتب الغريب وإنما ذكروا معانيها في المهملة قال أبو زياد ما مطر الناس من مطرٍ بين نوأين إلا كان بينهما فرسخ قال والفرسخ إنكسار البرد وإذا احتبس المطر اشتدّ البرد وإذا وفي نسخة فإذا مطر الناس كان للبرد بعد ذلك فرشخ هكذا بالشين المعجمة: والصواب أنه فرسخ بالسين المهملة.". اهتاج العروس (فرشخ) .
وقالوا عن فرشح: "فرشح إذا قعد مسترخياً فألصق فخذيه بالأرض كالفرشطة سواء أو فرشح إذا قعد وفتح ما بين رجليه قاله اللحياني وقال أبو عبيد الفرشحة أن يفرش بين رجليه ويباعد إحداهما من الأخرى، وقال الكسائي: فرشح الرجل في صلاته وهو أن يفحّج بين رجليه جداً وهو قائم. اه. تاج العروس (فرشح) .
وينظر: العين: 3/330، والتهذيب: 5/319، والصحاح (فرشح) : 1/390، والمحكم لابن سيده: 4/44، والمحيط لابن عباد: 3/265، واللسان (فرشح) : 2/542.
(1) وردت الكلمتان في ف وح (حربذ وحرمز) الأولى بالحاء المهملة والذال المعجمة (حربذ) وهي ليست معجمية بهذه الصورة، والثانية بالحاء المهملة والزاي (حرمز) وتفسيرها عند المعجميّين (صار ذكيّاً) ، والمصنّف فسّر معناها بـ (انقبض واجتمع) وهذا المعنى تورده كتب المعاجم في جرمز بالجيم، لا في حرمز بالحاء المهملة.
ينظر الجمهرة: 1141، واللسان (حرمز) : 5/334، والتاج (حرمز) :8/47.
جاء من باب نصر وكرم، ينظر اللسان لزب: 1/738.
(2) يرى النحاة أن هذه الأفعال من تداخل اللغات، قال ابن خالويه في كتابه ليس في كلام العرب 106: "ليس في كلام العرب فعْلٌ يستوعب الأبنية الثلاثة فعَل وفعُل وفعِل إلا كمل وكدر وخثر وسخو وسرو". ويراجع دروس في التصريف: 64.(38/263)
وهناك تعليل آخر يذكره النحاة وهو أن الفعل ثقيل بلوازمه وهي الحدث والزمان والفاعل وربما لحقه مفعول وظرف وغيرها فطلب له التخفيف بعكس الاسم فهو خفيف أصالة؛ ولهذا جاز أن تأتي أصول الاسم خماسية، وأن يصل بالزيادة إلى سبعة أحرف ولم يجز أن تزيد أصول الفعل عن أربعة أحرف كما لم يجز أن يزيد على ستة أحرف.
من قوله:
والضمّ من فعُل الزم في المضارع وافْـ ـتح موضع الكسر في المبنيّ من فَعِلا
انقلاب عين المضارع ألفاً دليل على أن الحركة المنقولة فتحة إذ لو كانت ضمة لسلمت العين من القلب وقيل يكود والضمة في فاء الماضي المسند إلى ضمير المتكلّم دليل على أن العين واو وليست ياءُ، وعلى هذا فهناك فرق بين (كاد يكيد من المكيده) و (كاد يكاد من قرب الشيء) ، ومما جاء من باب فعُل مضموم العين معتلها وفيه تداخل لغات قولهم (دُمت تدام، وجُدت تجاد، ومُتَّ تمات) وسمع في هذه الأفعال الأربعة: تكود وتموت وتدوم وتجود على القياس.
ينظر: السيرافي النحوي: 124، والمنصف: 1/ 256، والأفعال لابن القطاع: 3/ 107، وشرح المفصل لابن يعيش: 7/157، وبغية الآمال للبلي: 80.
(1) زاد بعضهم: وَلِغَ الكلب يَوْلَغُ ويَلِغُ، ووَبِقَ الرجلُ يَوْبَقُ يَبِقُ، وَحِمَتِ المرأةُ تَوْحَمُ وتحِمُ. وزاد بعضهم وَزِعَ الرجلُ بفلان يَزَعُ ويَزِعُ المفتوح العين حذفت واوه، وقد أشار المصنف إلى بعض هذه الأفعال في التنيبه الثاني من تنبيهات هذه القضية.
ينظر: بغية الآمال: 85، وفتح الأقفال: 61، ودروس التصريف: 94.
(2) كلمة بالفتح سقطت من ح.(38/264)
(1) جاء الفعل حسب في القرآن بصيغة المضارع في آيات عديدة كقوله تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} و {أَيَحْسَبُوْنَ أَنَّمَا نَمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّال وبَنِيْنَ} و {تَرَى الجِباَل تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ} و {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ يَفْرَحُوْنَ بِمَا أَتُوا وَيُحِبُّونَ أَن يُّحْمَدُوا بَمَا لمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ العذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ} .
وفي هذه الآيات قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين حيث وقعت، وقرأ الباقون بكسرها.
ينظر: السبعة لابن مجاهد: 191، والمبسوط: 136، والتذكرة لابن غلبون: 342، والإقناع لابن الباذش: 615.
(2) يوسف: 87. وفي ح جاءت الآية بياء المضارعة ييأسوا وأثبت ما في ب لأنه موافق لرسم المصاحف.
الرعد:31.
وسُمع الفتح في فاء المصدر قال في اللسان: "اليُبْس بالضم نقيض الرطوبة وهو مصدر قولك يبِس الشيء ييبس وييبَس الأول بالكسر نادر يِبساً ويُبساً وهو يابس"اللسان (يبس) : 6/261.
(3) سمع اليَبْس بفتح فسكون وهو فعل بمعنى فاعل يقال حطب يبس بمعنى يابس. قال علقمة:
تَخَشْخَشُ أَبْدَانُ الحَدِيْدِ عَلَيْهِمُ كَمَا خَشْخَشَتْ يَبْسَ الحصَاد جَنُوبُ
واليبس بالتحريك المكان يكون رطباً ثم ييبس قال تعالى: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيْقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساَ} ويقال لكل شيء كانت النُدُوَّة والرطوبة فيه خلقة فهو ييبس فيه يُبساً، وما كان عرضاً قلت جفَّ وطريق يَبَسُ: لا ندوّة فيه ولا بلل.
لسان العرب (يبس) : ب6/261.
(4) كتف هذه من فائت اللسان وذكرها الفيروز أبادي: ينظر: القاموس المحيط: 751.
(5) هذه الكلمة سقطت من ح.
(6) هـ:
كسراً لعين مضارع يلي فعُلا
وثقت مع وري المخّ احوها وأدم(38/265)
ينظر في هذه الأفعال: المفتاح في الصرف لعبد القاهر الجرجاني: 37، ونزهة الطرف: 105، وشرح الشافية للرضي: 1/135، وبغية الآمال: 77، والمصباح المنير: 263.
(1) الأنفال: 72. فراها حمزة وحده بكسر الواو وِلايتهم، وقرأها الباقون بالفتح. ينظر: السبعة: 309، والمبسوط 192، والإقناع: 656.
الكهف: 44. قرأها حمزة ووافقه الكسائي هنا، وقرأها الباقون بالفتح. ينظر السبعة: 3090، المبسوط: 235، والإقناع: 689.
الفعل ورع سمع فيه أيضاً مع الكسر الفتح، قال سيبويه 4/54: "وقالوا ورم يرم وورع يرع ورعاً وورماً ويورع لغة"وقال في اللسان (ورع) 8/388: "وقد ورع من ذلك يرع ويورع الأخيرة عن اللحياني رعة وورعاً ووراعة وتورعاً"، ولكن لما كان الكسر هو المشهور اعتمده ابن مالك وتبعه شراح التسهيل واللامية قال في تاج العروس (ورع) 11/505: "وقد ورع الرجل كورث هذه هي اللغة المشهورة التي اقتصر عليها الشيخ ابن مالك وغيره وأقرّه شرّاحه في التسهيل، ومشى عليه ابنه في شرح اللامية".
في ح وف وورعةً بواوين الأولى عاطفة، والثانية فاء الكلمة.
(2) هو محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك ولد عام 640هوتوفي شابا عام 686هله شرح على الخلاصة، وعلى لامية الأفعال، وأراد أن يتم شرح التسهيل لوالده فلم يمكنه الأجل بعد أن شرح منه أربعة أبواب، وله في البلاغة كتاب المصباح وكلها قد طبعت.
تنظر ترجمته في: الوافي بالوفيات 1/204، وبغية الوعاة: 1/225. ينظر شرح ابن الناظم على لامية الأفعال: 47 "ووفق الفرس يفق حسن".
شرح التسهيل: 3/438 قال "ووفق الشيء إذا حسن"لم يقيد بالفرس، وإنما التقييد بالفرس من ابنه.
فتح الأقفال: 62.
في ح يحترز.
في ف يَرَى وهي مخالفة لقواعد التصريف؛ لأن الواو لم تقع بين ياء وكسر فتحذف بل هي بعد فتح مثل وجل يوجل، وبالتالي فـ (وري يوري) هو الأصوب وهو المرافق لما في اللسان والتاج.(38/266)
(1) وهما الياء المفتوحة والكسرة وتوضيح هذه المسألة هي: أن مضارع (ولِهَ) الثلاثي (يَوْلِهُ) حرف المضارعة فيه باء مفتوحة، وعينه مكسورة كسرة ظاهرة - ويسري هذا الحكم مع كسرة العين المقدرة ك (وَقَعَ يَقعُ) - فالكسرة بعض الياء وهي ترغب في الاتصال بها ولاسيّما أن ما بينهما حرف علّة ساكن والساكن كالميّت المعدوم فحذفت الواو استثقالاً لوقوعها بين الياء المفتوحة والكسرة فقيل (يَلهُ) ثم حملت بقيّة أحرف المضارعة على الياء طرداً للباب على وتيرة واحدة وإنما الأصل في الحذف للياء، وحمل الأمر على المضارع لأنه مقطوع منه.
ينظر شرح الشافية للرضي: 3/88.
(2) ثمّ اتصلت بها هاء السكت لبقاء الفعل على حرف واحد.
(3) في هذه المسألة رأيان للنحاة: الأول يجيز حذف حرف العطف في السعة إذا دلّ عليه دليل وبه قال أبو علي الفارسي وابن عصفور وابن مالك، والرأي الثاني يقصره على الضرورة وبه قال ابن جني والسهيلي.
ينظر ارتشاف الضرب: 2/661، وهمع الهوامع: 5/ 274.
ينظر تسهيل الفوائد: 178، وشرحه لابن مالك: 3/380، وارتشاف الضرب: 2/661، والمساعد لابن عقيل: 2/472.
ينظر رأيه في ارتشاف الضرب: 2/ 661، والمساعد: 2/474.
(4) ينظر شرح الجمل لابن عصفور: 1/253.
وابن عصفور: هو علي بن مؤمن بن محمد بن عصفور الأشبيلي الحضرمي إمام في العربية نشأ في الأندلس وبها توفي عام 667هله من المصنفات شرح جمل الزجاجي، والمقرب، والضرائر وغيرها.
تنظر ترجمته في: فوات الوفيات: 3/109، والوافي بالوفيات: 22/ 265، وبغية الوعاة: 2/210.
(5) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة برقم 69 من طريق جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، والنسائي في كتاب الزكاة برقم 64 من طريق جرير بن عبد الله رضي الله عنه أيضاً، وأخرجه أحمد في مسند جرير رضي الله عنه 4/359.
وجعلوا منه أيضاً قول العرب فيما حكاه أبو زيد "أكلت لحماً سمكاً تمراً"ومنه قول الشاعر:(38/267)
يَغْرِسُ الوِدَّ فيْ فُؤادِ الكَرِيْمِ
كَيْفَ أَصْبَحْتَ كَيْفَ أَمْسَيْتَ ممَّا
رواه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة باب ما جاء في نقصان الصلاة من طريق عمار بن ياسر: 1/503، ورواه أحمد في مسندهِ: 4/319، 321.
(1) هكذا في الأصول، ولعل الصواب فيقاس.
(2) فتح الأقفال: 63.
(3) فتح الأقفال: 64.
أي بحرق اليمني شارح لامية الأفعال.
هذه الكلمة وردت في ف وح وورك بواوين، وهي بهذه الصورة تكسر الوزن، وما أثبته هو الموافق لما في فتح الأقفال لبحرق: 65.
(4) أي من بيته السابق:
كسراً لعين مضارع يلي فعلا
وثقت مع وري المخّ احوها وأدم
قال الثعالبي في فقه اللغة 90: "ولد كل بشرٍ ابن وابنة، ولد كل سبع جرو، ولد كل وحشية طلاً، ولد. كل طائر فرخ". وقال أيضاً 98: "أول ما يولد الظبي فهو طَلاً، ثم خِشْفٌ ورشأ، ثم غزالٌ وشادنٌ، ثم شصرٌ ثم جَذَعٌ، ثم ثَنيٌّ إلى أن يموت".
(5) في ح والياء.
في ح وف (أو) ولا معنى لها.
سقطت من ح.
(6) أي القمر والظلام، ويكون الغاسق أحدهما، وتبقى وقب على بابها بمعنى دخل.
ويجوز أن يعود الضمير على تفسير معنى وقب إذ فُسّرب (أظلم الشيء) ، و (دخل في الشيء) .
ينظر جامع البيان للطبري: 30/ 351، والدر المصون: 11/158.
الفلق:3.
البلد: 20، وهي قراءة نافع وابن كثير وابن عامر والكسائي وأبي جعفر.
ينظر في هذه القراءة: السبعة: 686، والحجة لابن زنجلة: 766، والنشر: 1/390، وغيث النفع:384.
فتح الأقفال:68.(38/268)
(1) تسهيل الفواتئد: 197، وفيه: "ولا تفتح عين مضارع فَعَلَ دون شذوذ إن لم تكن هي أو اللام حلقية بل تكسر أو تضم تخييراً إن لم يشهر أحد الأمرين أو يلتزم كالتزام الكسر عند غير بني عامر"، وقال في شرح التسهيل 3/446: "ويلتزم الكسر في مضارع فَعَلَ إن كانت فاؤه واواً كوجد، أو كانت عينه أو لامه ياء كسار يسير ومشى يمشي وروي عن بني عامر يجد بضم الجيم"لم يقل ابن مالك إن بني عامر لا تلتزم كسر عين مضارع هذا النوع بل قال إن جميع العرب هي التي تلتزم، وبنو عامر قد يلتزمون في غير وجد، وعبارة المصنف تلزم بني عامر عدم كسر عين مضارع هذا النوع.
قلت: ومن عجب أن النحاة ينسبون ضم عين مضارع وجد لبني عامر ويستشهدون عليها ببيت هو:
تدع الصوادي لا يجُدون غليلاً
لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة
ويزعمون أن هذا البيت للبيد بن ربيعة العامري، والصواب أنه لجرير بن عطية الخطفي وهو تميمي يربوعي، وأول من تنبه لهذا الخلط هو ابن بري في كتابه التنبيه والإيضاح: 2/60 قال: "وذكر في فصل وجد بيتاً زعم أنه للبيد شاهداً على قولهم وجد يجُد بضم الجيم في المضارع – ثم أورد البيت – قال الشيخ – يعني نفسه – البيت لجرير وليس للبيد كما زعم …".
هذه المادة ترجمها المعجميون في (أبه) و (وبه) وهي عندهم بمعنىً واحد سواء أكانت فاؤها همزة أم كانت واواً.
(2) أخرجه الترمذي من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه في كتاب المناقب حديث رقم 55، وأخرجه ابن ماجة من طريق معاذ بن جبل رضي الله عنه في كتاب الزهد الباب الرابع وهو فيهما مهموز الفاء يؤبه له وليس يوبه كما مثل المصنف ولعل هناك رواية أخرى اطلع عليها المصنف بالواو وليست بالهمزة وكما علمنا المعجميون العرب يترجمون ل (أبه) و (وبه) على أنهما مادتان وليست إحداهما مسهلة من الأخرى.
التسهيل: 197.
التسهيل: 197
(3) الحديد: 16.
الرحمن: 44.(38/269)
(1) للنحاة تعليلات طويلة في سر فتح عين مضارع أبى إذ قال إسماعيل بن إسحاق الأزدي وهو من نظراء المبرد وثعلب: إنه فتح لأن فاءه حرف حلق حكاه عنه السيرافي في كتاب السيرافي النحوي: 277، والزجاج في معاني القرآن: 1/362، وهو رأي غير مقبول، وقال فريق إنه فتح لأن لامه ألف، والألف من حروف الحلق وهذا الرأي أيضاً غير جيد، وحكى هذا القول السيرافي: 277، وقال قوم إنه فتح حملاً على منع يمنع لأن الإباء منع، وقال سيبويه 4/105: إنه فتح تشبيهاً له بيقرأ وقال أيضاً وفي يأبى وجه آخر أن يكون فيه مثل حسِب يحسب.
(2) التسهيل: 197.
(3) في ح يرأى والتصويب من ف.
المشهور في لغة العرب ينعاه على القياس، وسيأتي التعليق عليها في موضعها موثقة.
(4) وجى يجي حَفيَ وقيل شدّة الحفاء، لسان العرب (وجى) : 15/378.
(5) وخى معناه قَصَدَ، لسان العرب (وخى) : 15/383.
(6) التسهيل: 97.
(7) في ح: بعضه والتصويب من ف.
الواو سقطت من ح.
الفعل عَجَّ جاء من باب ضرب ومن باب فرح، ومعنى عجَّ رفع صوته وصاح وخصّه بالتهذيب بالدعاء والاستغاثة. ينظر لسان العرب (عجج) : 2/318.
صرَّ يصِرُّ يفسرها المعجميون بصوَّت لا بصرخ، ولعل التقارب الصوتي بين التصويت والصراخ هو الذي جعل المصنف يفسر صرّ بصرخ
(8) الذاريات: 29.
وهو ما يطّرد فيه ضم عين المضارع.
أوله قوله:
كسر كما لازم ذا ضمٍّ احتملا
وضمّ عين معذاه ويندر ذا
في ح: يفته بصيغة المضارع فقط، ولم تذكر واو العطف وصيغة الماضي.
في خ: قتاة.
أول قوله:
وجهين هرّ وشدّ علّه عللا
فذو التعدّي بكسرٍ حبّه وع ذا
(9) في ح: قرأ بالبناء للمعلوم، والقارئ هو أبو رجاء العطاردي عمران بن تميم كما في شواذ ابن خالويه 26، والكشاف: 1/424، والبحر المحيط: 3/103.
آل عمران: 31.
الصحاح (حبب) :1/105.
(10) من قوله:
لزوم في امرر به وجلّ مثل جلا
وبتّ قطعاً ونمّ واضممن مع الـ
كلمة الشيء سقطت من ح.(38/270)
أنَّث الفعل لأن الفاعل اسم جمع على حدّ قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نوْحٍ} و {قالَتِ الأَعْرَابُ آمنَّا} .
الشراب مفعول ثانٍ لعل، ويأتي علّ لازماً قال في اللسان (علل) 11/467: "علّه يَعلُّه ويعِلُّه إذا سقاه السقية الثانية، وعلَّ بنفسه يتعدّى ولا يتعدَّى".
فتح الأقفال: 79.
في ح (نمي يقال نمي الحيث) ، وفي ف كتب الكلمة ثم شطب عليها ثم صححت بقلم مختلف عن قلم الأصل.
في ح وف: فشاه، وفشى لازم لا يصل للمفعول بنفسه، وأثبت ما في لامية الأفعال.
(1) فتح الأقفال: 79.
(2) الصحاح (بتت) : 1/242.
تسهيل الفوائد: 198: "وفي المضاعف المعدِّي غير المحفوظ كسره".
شرح تسهيل الفوائد: 3/445.
أي بحرق، ينظر فتح الأقفال: 79.
الحشر:3.
(3) من قوله:
وعمّ زمّ وسحّ وملّ أي ذملا
هبّت وذرّت وأجّ كرّ همّ به
د أي عدا شقّ خشّ غلّ أي دخلا
وأبّ لمعاً وصرخاً وشكّ أبّ وشد
ش المزن طشّ وثلّ أصله ثللا
وقشّ قوم عليه الليل جنّ ورش
تٌ كمّ نخلُ وعسّت ناقة بخلا
أي راث طلّ دمٌ خبّ الحصان ونبـ
رَ الصلد حدّت وثرّت جدّ من عملا
قسّت كذا وعِ وجهي صدّ أثّ وخرْ
والفعل هبَّ فقط، والتاء للتأنيث، ولعله قيّده بتاء التأنيث تمشياً مع النظم.
في الأصول: هم به الأمر بهم.
(4) لم أجده في التسهيل ولا في شرحه.
عبارة "وأَلّ يؤلّ بالضم والكسر برق فجعل الصرخ"ليست موجودة في ح.
الوجهان هما أنه جعل ألّ بمعنى صرخ من مضموم العين وهو من مكسورها، والوجه الثاني أنه جعل ألّ بمعنى لمع من مضموم العين فقط وهو مما سمع فيه الضم شذوذاً والكسر قياساً.
هو ضياء الحلوم في مختصر شمس العلوم لعلي بن نشوان بن سعيد الحميرى المتوفى سنة 620 وهو من معاجم الأبنية، توجد منه نسخة خطيّة في عارف حكمت، والنص المشار إليه في اللوحة 12/ب.
(5) كلمة به سقطت من ح.
(6) فتح الأقفال: 83.
تسهيل الفوائد: 197.
(7) شرح التسهيل: 3/445.(38/271)
في ح وف: رجع الحسنُ في وجهه. ينظر: الصحاح (أدد) : 2/440، والقاموس المحيط (أدد) : 338، وفتح الأقفال: 84.
(1) في فتح الأقفال بقّاً فقط، وفي التاج (بقق) 13/43: "وقال الزجاج: بقّ الرجل على القوم بقّاً وبَقاقاً مثال فك الرهن يفكُّه فكّاً وفَكاكاً إذا كثر كلامه"اه. وعلى هذا فالفعل بقّ له مصدران مسموعان عن العرب الأوّل منهما ما ذكره بحرق، والثاني ما ذكره الصعيدي.
في ح: وأربعون.
من قوله:
رَ الصلدُ حدَت وثرّت جدّ من عملا
قسّت كذا وع وجهي صدّ أث وخرْ
نٌ عنَ فحّت وشذّ وشحّ أي بخلا
ترّت وطرّت ودرّت جمّ شبّ حصا
رٌ والمضارع من فعلت إن جعلا
وشطّت الدار نسّ الشيْ حرّ نها
مضموم عين وهذا الحكم قد بذلا
عيناً له الواو أو لاماً يجاء به
الزخرف: 57، والذين قرأوا بالضم هم: نافع وابن عامر والكسائي وعاصم في رواية عنه، وقرأ الباقون بالكسر.
ينظر: السبعة: 587، والمبسوط: 336، والنشر: 2/369.
(2) فتح الأقفال: 84.
الإِسراء: 109.
(3) الإِسراء: 107.
(4) أي بكسر المصدر.
(5) في ح من جمعه يجمعه.
أي في المصدر.
(6) أي بفتح المصدر.
أي بكسر عين المضارع يشِبُّ.
أي فخّت بالخاء المعجمة من فوق، والفحيح أعلى لغة من الفخيخ. ينظر اللسان (فخخ) : 3/42.
ف تح الأقفال: 88.
شرح التسهيل: 3/446.
العرُّ بفتح العين وضمها هو الجرب داء يصيب الإِبل فتعدى به الصحاح، وفسّره المصنف بسلمت من باب التفاءل كالسليم للديغ والمفازة للمهلكة، أو من باب الفرار من النطق باسمه كالبصير للأعمى.
(7) في ح: أورد مضارعاً واحداً فقط لهذا الفعل.
فتح الأقفال: 89.(38/272)
قد لا يسلم له هذا التعليل وذلك لأن بين الكسرة اللازمة في عين الكلمة والضمة اللازمة في ضمير المفعول فاصل هو حركة لام الفعل وهو حاجز حصين، ولابن مالك تعليل أقوى من تعليل الشارح إذ يقول في التسهيل: 196 "لفعل تعدٍّ ولزوم، ومن معانية غلبة المقابل، والنيابة عن فعُل في المضاعف واليائي العين"فابن مالك يرى أن المضاعف اللازم نائب عن فعُل بضم العين في الماضي.(38/273)
تابع لفتح المتعال على القصيدة المسمّاة بلامية الأفعال
[باب نصر]
ولمّا أنهى الناظم رحمه الله تعالى حكم عين المضارع من فَعَلَ المفتوح لازماً ومتعدّياً عاد إلى ذكر باقي القسم الثاني منه [//20/ أ] أعني ما يلزم ضم عين مضارعه، وقد ذكرنا أنه أربعة أنواع:
المضاعف المعدّى وقد سبق، وما يدّل على غلبة المفاخرة وسيأتي، وما عينه أو لامه واو وإليهما أشار بقوله:
[الأجوف والناقص الواوي]
.................................
(والمضارع من فعلت إن جعلا)
(عينا له الواو أو لاماً يجاء به
مضموم عين ... )
أي والمضارع من فَعَلَ المفتوح يجاء به مضموم العين إن جُعِلَ الواوُ عيناً له أو لاماً فقوله: والمضارع مبتدأ، ويجاء به خبره، وجواب الشرط محذوف، أو جملة يجاء به هي الجواب وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ، ولا يضرّ رفع الجزاء؛ لأن الشرط ماضٍ قال في الخلاصة:
وبعد ماضٍ رفعك الجزا حسنْ
والواو نائب فاعل جعل، وعيناً مفعول ثانٍ له مقدّم، ولاماً معطوف عليه، ومضموم عين حال من الضمير المستتر في يجاء به مثال ما عينه واو (بَاءَ) بكذا يَبُوءُ رجع، و (سَاءَ) يَسُوءُ، و (نَاءَ) بحمله يَنُوءُ نهض بجهد ومشقّة، و (آبَ) يؤوبُ، و (تَابَ) يَتُوبُ، و (ثَابَ) يَثُوبُ كلها بمعنى رجع فالإِياب الرجوع، ومنه {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} (1) أي رجّعي بصوت التسبيح معه، و (عَادَه) يَعُودُه زاره، و (جَابَه) يَجُوبُه خرقه وقطعه، و (حَابَ) يَحُوبُ حَوْباً بالضم والفتح أَثِمَ، ومنه {إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً} (2) و (ذَابَ) السمن ونحوه يَذُوبُ و (رَابَ) اللبن يَرُوبُ، و (شَابَه) يَشُوبُه خلطه، و (صَابَ) [// 20/ ب] المطر يَصُوبُ نزل بكثرة، و (قَالَ) يَقُولُ.
تنبيه:(38/274)
لا أثر لكون لام هذا النوع حرف حلق، وإن اقتضته عبارة التسهيل، وإطلاقه في النظم يؤيد ما قلناه، وقد ذكرنا في الأمثلة الثلاثة الأُوَلِ ما لامه حرف حلق، ونحو (بَاحَ) يَبُوحُ، و (فَاحَ) المسك يَفُوحُ، و (صَاغَ) الحَلْيَ يَصُوغُه.
ومثال ما لامه واو: (بَدَا) يَبْدُو: ظهر وسكن البادية، و (بَذَا) عليهم يَبْذُو: فَحُشَ في كلامه فهو بَذِيٌّ، و (دَعَا) يَدْعُو، و (بَلاه) يَبْلُوه: اختبره ومنه {لَتُبْلَوُنّ} (1) ، و (تلاه) يَتْلُوه: تبعه، و (القرآن قَرَاه) ، و (جَفَاه) يَجْفُوه: هجره، و (جَلا) السيف يَجْلُو: صقله، والعروس أراها الناس، و (حَبَا) الصبيّ يَحْبُو: مشى على بطنه، و (حَبَاه) أيضاً أعطاه، و (حَسَا) الماء يَحْسُوه: شربه جَرْعاً، و (حَشَا) الوسادة يَحْشُوها، و (حَنَا) علية يَحْنُو: عطف، و (خَطَا) يَخْطُو مشى، و (خَلا) المكان يَخْلُو، و (دَجَا) الليل يَدْجُو: أظلم، و (دَنَا) يَدْنُو: قَرُبَ فهو دانٍ، و (زَكَتِ) النَّارُ تَزْكُو: اشتعلت، و (رَبَا) يَرْبُو: زادت ك (نَمَا يَنْمو) ، و (رَجَاه) يَرْجُوه.
تنبيه:
قال الشارح شرط في التسهيل للزوم الضم فيما لامه واو أن لا يكون عينه حرف حلق، وهو أيضاً مقتضى كلام الناظم فيما سيأتي في الحلقي، وكأنه رحمه الله لم يمعن النظر في ذلك فإني تتبعت مواده فلم أظفر بما انفرد [//21/أ] بالفتح سوى (طَحَا) الأرض يَطْحَاها بسطها، و (طَغَا) يَطْغَى بالغين جاوز الحدّ، وفيه لغة أخرى ك (رَضِيَ يَرْضَى) ، و (فَحَا) الترابَ يَفْحَاه جرفه فهذه ثلاثة، وجاز في أفعالٍ الفتحُ والضمُّ انتهى فانظره.
ثم أشار الناظم رحمه الله تعالى إلى النوع الرابع من القسم الثاني وهو ما يلزم ضم عين مضارعه من (فعل) المفتوح بقوله:
[المغالبة]
.................................
( ... وهذا الحكم قد بذلا)
(لما لبذّ مفاخر وليس له
داعي لزوم انكسار العين نحو قلا)(38/275)
أي وهذا الحكم وهو ضم عين المضارع المفتوح قد بذل لما بذَّ المفاخر بالموحدة، والذال المعجمة، وفي نسخة لما يدلّ على الفخر، والأولى أدلُّ على المقصود مثال ما لغلبة المفاخرة سَابَقَنِي فَسَبَقْتُه فأنا أَسْبُقُه بالضم أي فخرته بالسباق مع أن أصله سَبَقَه يَسْبِقُه بالكسر، وهكذا في كل مكسورٍ المضارعُ بنيّة المغالبة، فكأنك تردّ مضارعه إلى يفعُل بالضم، ما لم يكن فيه داعي لزوم انكسار العين من كون فائه واواً ك (وَعَدَ) ، أو عينه أو لامه ياء ك (باع ورمي) فإنه مانع من الضم فتقول: وَاعَدَنِي فأنا أعِدُه، وبَايَعَنِي فأنا أبِيْعُه ورَامَانِي فأنا ارْمِيْه بالكسر، ومثله قَالانِي فأنا أقْلِيْه، والقِلَى بالكسر البغضُ، وقد مثل به الناظم لما فيه داعي [//21/ ب] الكسر، لا لما لغلبة المفاخرة.
ثم أشار بقوله:
(وفتح ما حرف حلق غير أوّله
عن الكسائي في ذا النوع قد حصلا)
إلى أنه إذا بني الفعل لغلبة المفاخرة مما ليس فيه داعي الكسر فلا فرق عند الجمهور في لزوم ضمه بين أن يكون غير أوله وهو عينه أو لامه حرف حلق أم لا - وسيأتي ذكر حروف الحلق المقتضية لفتح المضارع - فتقول صَارَعَنِي فأنا اصْرُعُه بالضم، وشَاعَرَنِي فأنا أَشْعُرُه، ومذهب الكسائي أن حرف الحلق مانع من الضم في ذا النوع أي المبني لغلبة المفاخرة؛ لأن الفتح قد سمع في أفعال، وحمل الجمهور ذلك على الشذوذ كما سمع الكسر في أفعال ولا أثر عندهم لحرف الحلق.
وقوله: (وفتح ما حرف حلق غير أوله) : فتح مبتدأ، وقد حصل خبره، وما موصولة مضاف إليه، وحرف حلق خبر مقدم، وغير أوّله مبتدأ مؤخر، والجملة صلة الموصول، والعائد الضمير المضاف إليه، وفي ذا النوع متعلق بحصل، وعن الكسائي متعلق بفتح أو بحصل أي وفتح الذي غير أوله حرف حلق قد حصل في هذا النوع عن الكسائي.
تنبيه:
قال الشارح: ومقتضى الصحاح موافقة الكسائي في أن حرف الحلق مانع من الضم.(38/276)
وقد تقدّم أن مضارع فعل المفتوح أربعة أنواع: نوع يطّرد [//22/أ] فيه الكسر وهو: ما فاؤه واوٌ، أو عينه، أو لامه ياء، أو مضاعف لازم.
ونوع يطرد فيه الضم وهو: المضاعف المتعدّي، وما عينه، أو لامه واوٌ، وما يدل على غلبة المفاخرة، وقد انقضى الكلام على هذين النوعين. ونوع يجوز فيه الكسر والضم وسيأتي قريباً.
[باب فتح]
(في غير هذا لذي الحلقيّ فتحا أشع
بالاتفاق ك (آت) صيغ من سألا)
أي وأشع الفتح قياساً في غير الدال على المفاخرة من مضارع فَعَلَ المفتوح الحلقي العين أو اللام باتفاق من الكسائي وغيره، وحروف الحلق ستة: (الهمزة، والهاء، والحاء، والخاء، والعين، والغين) ويجوز أن يكون قوله (لذي الحلقي) بذال معجمة مكسورة. وبمهملة مفتوحة أي وأشع الفتح في مضارع فعل المفتوح ذي الحرف الحلقي، أو عند وجود الحرف الحلقي، ومثال ذلك سَألَ يَسْألُ وهو ما مثّل به الناظم، وبَأى عليه يَبْأَى افتخر، وبَدَأ الله الخلق يَبْدَأُه أي ابتدأه، وبَرَأَه يَبْرَأُه خلقه، والبرية الخليقة، وكذا بَرَأ المريض يَبْرَأُ، وجَزَأ بالشيء يَجْزَأُ اكتفى، وجَشَأ الصوت يَجْشَأُ خرج من الحلق، وخَبَأ الشيء يَخْبَأُه ستره، وخَسَأ الكلب يَخْسَأ بَعُدَ، وخسأته طردته [//22/ ب] لازماً ومتعدياً، وخَلأتِ الناقةُ تَخْلأ بركت في حال السير، ودَرَأَه يَدْرَأُه دفعه، وذَرَأه يَذْرَأُه خلقه، ومنه الذريئة {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّم} (1) ، ورَفَأ الثوبَ أصلح فساده، ورَقَأ الدمع سكن، ورَقَأ الجبل صعد، وطَرَأ عليهم يَطْرَأُ جاءهم فُجَاءة، وفَقَأ العينَ يَفْقَأُها قلعها، وكَلأه الله يَكْلأُه حرسه ومنه {قُلْ مَنْ يَكْلأُكُمْ} (2) ، ومَلأَه يَمْلأه، ونَسَأُه يَنْسَأُه أخّره، والمِنْسَأهُ العصا، وهَدَأَ يَهْدَأَ سكن، ودَعَبَ بالمهملتين يَدْعَبُ دُعابَةً بالضم مزح، وذَهَبَ يَذْهَبُ، ورَعَبَه يَرْعَبُه أفزعه، وسَحَبَه يَسْحَبُه جره على وجه الأرض،(38/277)
وشَعَبَ يَشْعَبُه صدعه، وأصلح شعبه من الأضداد، وبَغَتَه يَبْغَتُه دخل عليه بَغْتَةً أي فُجَاءة، وبَهَتَه يَبْهَتُه افترى عليه، وبَحَثَ عنه يَبْحَثُ طلبه، ونَصَحَه يَنْصَحُه.
فهذه الأمثلة ونحوها مما عينه أو لامه حرف حلق مفتوحة العين في المضارع؛ وذلك مشروط بشروط أشار إليها بقوله:
(إن لم يضاعف ولم يشهر بكسرةٍ أو
ضم كيبغي وما صرّفت من دخلا)
أي إنما يفتح قياساً عين المضارع من فعل المفتوح الحلقي بثلاثة شروط:
الأول: ألاّ يكون مضاعفاً، فإن كان مضاعفاً فهو على قياسه السابق [//23/ أ] من كسر لازمه، وضم معدّاه فاللازم نحو صحَّ جسمه يصِحُّ، والمعدّى نحو دَعَّه يَدُعُّه.
الثاني: ألاّ يشتهر فيه الكسر نحو (بغَى يَبْغِي) ، و (نَعَى يَنْعِي) ، و (نَضَحَه بالماء يَنْضحُه) رشّه، و (شَخَرَ بالمعجمة يَشْخرُ) شخيراً صوّت من حلقه وأنفه، و (رَجَعَ يَرْجِعُ) و (رَضَعَ يَرْضِع) وفيه لغة أخرى ك (فَرَحَ يَفْرحُ) ، ومثله (نَهَقَ الحمار يَنْهِقُ) ، و (سَغبَ) أي جاع ومنه {ذِي مَسْغَبَةٍ} (1) أي مجاعة، و (نَزَعَه ينْزِعُهُ) كانتزعه.
الثالث: ألا يشتهر فيه الضم ك (يَدْخُلُ) المتصرف من دخل، و (صرَخَ يصْرُخُ) و (نَفَخ يَنْفُخُ) ، و (قَعَدَ يَقْعُدُ) ، و (أخَذَه يَأخُذُه) ، و (طَلَعَتِ الشَّمس تَطْلُعُ) ، و (بَزَغَت تَبْزُغ) أي طلعت، و (بَلَغَ يَبْلُغُ) ، و (سَبَغَ الثوب يَسْبُغ) فاض، وطال، و (سَعَلَ يَسْعُلُ سُعالاً) ، و (نَحَلَه ينْحُلُه) أي أعطاه، و (نَخَلَ الدقيق ينْخُلُه) ، و (زَعَمَ يَزْعُمُ زعماً) مثلّث الزاي، وأكثر ما يقال فيما يشكّ فيه، وقد يراد به مجرّد النقل عن الغير نحو: زعم سيبويه كذا.
تنبيه:(38/278)
قال الشارح: اقتصاره على استثناء هذه الثلاثة يقتضي أن سائر الحلقي ولو كان فيه داعي لزوم الكسر ك (وَعَدَ يَعِدُ) و (بَاع يَبْيِعُ) و (بَغَى يَبْغِي) أو داعي الضم ك (دَعا يدْعُو) و (فَاحَ المسك يَفوحُ) قياسه الفتح ما لم يشتهر بكسرة أو ضم، وتمثيله أيضاً بـ (يَبْغِي) يدل على ذلك، وقد سبق فيما فاؤه واو أن حلقي العين منه مكسور على [//23/ ب] إطلاق التسهيل والنظم هناك ك (وَعَدَ يَعِدُ) ، وشذّ (وَهَبَ له يَهَبُ) وإن خالف إطلاق النظم هنا، وحلقي اللام منه مفتوح ك (وَضَع يَضَعُ) و (وَقَعَ يَقَعٌ) موافقة لإِطلاق النظم هنا، وإن خالف إطلاق التسهيل، وكذا فيما عينه ياء أن حلقي اللام منه مكسور وإن خالف النظم هنا نحو (جَاءَ يَجِيءُ) ، و (صَاحَ يَصِيحُ) ، و (بَاعَ يَبِيعُ) ، و (زَاعَ عنه يَزِيغُ) و (تَاهَ يَتِيهُ) ، ولم يشذّ منه شيء، وفيما لامه يائي ك (رَمَى يَرْمِي) شرطه ألا يكون عينه حرف حلق كما شرطه في التسهيل، وكما يرشد إليه تمثيل الناظم فيما سبق بـ (يأتي) وهو موافق لإِطلاقه هناك ك (سَعَى يَسْعَى) و (نَهَى عنه يَنْهَى) وشذّ (بَغَى يَبْغِي) و (نَعَى الميّتَ يَنْعِيه) ، وفيما عينه واو أنه لا أثر لكون لامه حرف حلق وإن شرط ذلك في التسهيل واقتضاه إطلاقه هناك ك (سَاءَه يَسُوءُه) و (فَاحَ المسكُ يَفُوحُ) وكذا فيما لامه واو أن غالب مواده مضمومه ك (دَعَا يَدْعُو) و (لَهَا يَلْهُو) ، و (سَهَا يَسْهُو) .
وحاصله أن لحرف الحلق تأثيراً إذا كان لاماً لما فاؤه واوٌ ك (وَضَعَ يَضَعَ) ، وكذا إن كان عيناً لما لامه ياءي ك (سَعَى يَسْعَى) فيدخلان في إطلاق النظم هنا.
ولا أثر له إذا كان عيناً للأول ك (وَعَدَ يَعِدُ) ، أو لاماً للثاني ك (بَاعَ يَبِيعُ) ، وكذا إن كان عيناً لما لامه واوا ك (دَعَا يَدْعُو) ، أو لاماً لما عينه واوا ك (فَاحَ [//24/أ] المسك يَفُوحُ) فتردّ الأربعة على إطلاقه هنا والله أعلم.(38/279)
ولما لم يكن في نحو (نَصَرَ وضَرَبَ) مرجَّح لكسر، ولا ضم، وكان القياس فيه جواز الوجهين لاستوائهما لولا تخصيص اشتهار الاستعمال بأحدهما دون الآخر صار المرجع فيه إلى النقل؛ ولهذا لما أنهى الناظم رحمه الله الكلام على الأقسام الثلاثة من أقسام فَعَلَ المفتوح وهو: مكسور المضارع قياساً، ومضمومه قياساً، ومفتوحه قياساً أشار إلى القسم الرابع وهو ما يجوز فيه الضم والكسر بقوله:
(عينَ المضارع من فعَلت حيث خلا
من جالب الفتح كالمبني من عتلا)
(فاكسر أو اضمم إذا تعيين بعضهما
لفقد شهرةٍ أو داعٍ قد اعتزلا)
(عين المضارع) بالنصب مفعول به مقدّم لقوله: (اكسر) ، ولا يضرّه وقوعه بعد الفاء؛ لأنها زائدة، ومفعول (اضمم) محذوف يدلّ عليه المذكور، وليس من باب التنازع خلافاً للشارح؛ لأن الناظم لا يراه في المتقدّم، و (حيث) ظرف مكان عند الجمهور، لا شرط لعدم اتصالها بـ (ما) ، وجملة (خلا) في محل خفض بإضافة حيث إليها، ومن جالب متعلق بـ (خلا) أي خلا عين مضارع فَعَلَ المفتوح من جالب الفتح وهو حرف الحلق في لامه أو عينه كمضارع (عَتَلَه بالمثناة يَعْتُلُه ويَعْتِلُه) إذا دفعه، فاكسر عينه إذا شئت أو اضممها، وفي جعله [//24/ب] الحرف الحلقي جالباً للفتح تسامح؛ لأنه شرط لا سبب كما سبق، وقد شرط لجواز الوجهين بعد خلوّه من حرف الحلق ألاَّ يتعيّنَ فيه الضم لشهرة أو داعٍ، ولا الكسر لشهرة أو داعٍ، فإن تعيّن أحدهما لشهرة أو داع قياسي منع من الآخر فيصير هذا القسم ثلاثة أنواع:
متعيّن الضم، ومتعيّن الكسر، وجائز فيه الوجهان.
أما ما يتعيّن ضمّه لداع فقد سبق له أربعة أنواع: المضاعف المعدّى ك (مَدَّه يَمُدُّه) ، وما عينه أو لامه واوا ك (قَالَ يَقُولُ) و (غَزَا يَغْزُو) ، وما لغلبة المفاخرة ك (سَابَقَنِي فَسَبَقْتُه فأنا أَسْبُقه) .(38/280)
وأما ما يتعيّن كسره لداع فقد سبق أيضاً أنه أربعة أنواع: ما فاؤه واو ك (وَعَدَ يَعِدُ) أو عينه أو لامه يائي (بَاعَ يَبِيعُ) و (رَمَى يَرْمِي) ، والمضاعف اللازم ك (حَنَّ يَحِنًّ) .
وأما ما اشتهر استعمال الضم فيه فنحو (ثَقَبَه يَثْقُبُه) بالمثلّثة خرقه، و (نَقَبَه) بالنون، و (حَجَبَه يَحْجُبُه) و (سَلَبَه) ، و (خَطَبَ) ، و (رَسَبَ في الماء) ثبت، و (نَكَبَ عن الطريق) عدل، وفيه لغة كفَرحَ، و (خَفَتَ) سكن، و (سَكَتَ) ،و (حَدَثَ) ، و (نَصَرَ) ،و (كَتَبَ) .
وإذا أردت تكثير الأمثلة فعليك بالشارح فإن فيه ما لا مزيد عليه.
وأما ما اشتهر بالكسر فنحو (جَلَسَ يَجْلِسُ) ، ونحو (جَذَبَه) ، و (خَصبَ المكان) كثر عشبه، وفيه لغة كفَرِحَ، و (ضَرَبَه) ، و (عَضَبَه) قطعه، و (غَصَبه) أخذه ظلماً، و (غَلَبَه) قهره، و (قَضبَه) [//25/أ] قطعه، و (كَذَبَ) ، و (كَسَبَ) ، و (نَصَبَه) رفعه، و (ألَتَه حقَّه) نقصه ومنه {لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} (1) {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْء} (2) ،و (كَبَتَه) رده بغيظه، و (كَفَتَه) ضمه إليه، و (شَمَس اليومُ) اشتدت شمسه كأشمس، وفيه لغة كفَرِحَ وحَسِبَ، وتَمَّم الشارح الأمثلة فراجعه.
وأما ما يجوز فيه الوجهان: الكسر والضم فنحو: (جَلَبَه يَجْلُبُه ويَجْلِبُه) ، وكذا (حَلَبَ ما في الضرع) ، و (خَلَبَه السبع يَخْلُبُه ويَخْلِبُه) خدعه، و (عَتَبَ عليه) لامه، و (نَسَبَه) ذكر نسبه، و (سَلَتَ أنفه) ، و (سَمَتَ) حسن سمته أي سيرته، و (نَفَثَ) فيه نفخ، و (نَكَثَ العهد والحبل) نقضه، و (حَلَجَ القطن) ، و (خَدَجَتِ الناقةُ) ألقت ولدها قبل التمام. راجع الشارح.
فصل [في اتصال تاء الفاعل أو نونه بالفعل](38/281)
أي في حكم اتصال تاء الضمير أو نونه بالفعل الماضي الثلاثي المعتل العين وذلك أنه يجب حينئذٍ تسكين آخر الفعل له مطلقاً ثلاثياً كان أو غيره، مجرّداً أو مزيداً فيه صحيحاً أو معتلاًّ، لكنه إذا كان غير ثلاثي أو ثلاثياً صحيح العين لم يتغيّر وزنه ك (دَحْرَجْتُ) و (انْطَلَقْتُ) و (ضَرَبْتُ) و (وَعَدْت) و (رَمَيْتُ) و (دَعَوْتُ) ؛ وإنما لم ينبّه الناظم رحمه الله تعالى على ذلك لوضوحه، وإن كان ثلاثياً معتلَّ العين بواوٍ أو ياء من باب (فَعُلَ) أو (فَعَلَ) أو (فَعِلَ) مضموماً ومفتوحاً ومكسوراً ك (قَالَ) ، و (بَاعَ) و (خَافَ) و (هَابَ) و (طَالَ) تغيِّر وزنه عند اتصال [//25/ ب] تاء الضمير أو نونه به؛ لسقوط عينه عند التقاء الساكنين، وهما آخر الفعل المسكّن لأجل الضمير والألف المنقلبة من عين الكلمة مع الاحتياج إلى التنبيه على وزنه في الأصل هل هو من باب فَعُلَ بالضم أو فَعِلَ بالكسر، أو فَعَلَ بالفتح، فصار الفصل مختصّاً بالثلاثيّ المعتلّ العين؛ ولهذا قال: (وانقل لفاء الثلاثي) بتخفيف الياء (شكل عينٍ إذا) بنقل حركة الهمزة إلى تنوين عين لأجل الوزن (اعتلّت) أي تغيّرت العين وكان الثلاثي (بتا الإِضمار) أي الضمير (متّصلا أو نونه) أي الضمير، عطف على (تاء) ، وخرج بقوله الثلاثي غير الثلاثي، وبمعتل العين صحيحها من الثلاثي كما سبق فإنه لا يتغيّر وزنه ولا يحذف منه شيء ك (دَحْرَجْتُ) ، وكذا سائر الأمثلة السابقة، وأما الثلاثي معتل العين فإنه إذا سُكِّنَ آخره عند اتصال تاء الضمير أو نونه التقى ساكنان إذ عينه ألف ولا تكون إلا ساكنة فيجب حينئذٍ حذف حرف العلة وهو الألف المنقلبة عن عين الكلمة فيبقى أوله مفتوحاً على أصله إذ أوّل الماضي لا يكون إلا مفتوحاً فينظر ما حركة عينه قبل انقلابها هل هي ضمة أو كسرة أو فتحة، فإن كان أصلها ضمّة أو كسرة روعي فيه التنبيه على وزنه فتنقل شكل العين إلى الفاء بعد حذف العين تنبيهاً على أن [//26/أ](38/282)
أصله من باب فَعُلَ بالضم أو فَعِلَ بالكسر فتقول في (طَالَ يَطُولُ) : (طُلْتُ) و (طُلْنَا) و (طُلْنَ) بضم الطاء؛ لأن أصله (طَوُلَ) بضم الواو ك (كَرُمَ) لكن لمّا تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً، فلمّا اتصل به ضمير الفاعل وسكن آخره سقطت الألف فبقي (طَلْتُ) بفتح الطاء فأعطى الطاء ضمة الواو قبل انقلابها ألفاً فصار (طُلْتُ) ، وكذا تقول في (خَافَ يَخَافُ) : (خِفْتُ وخِفْنَا وخِفنَ) بكسر الخاء؛ لأن أصله (خوِفَ) بكسر الواو، فلما تحركت وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً، فلما سقطت عند اتصال الضمير بقي (خَفْتَ) بفتح الخاء فأعطي الخاء كسرة الواو في (خَوِفَ) قبل انقلابها ألفاً فصار: (خِفْتُ) ويقاس عليها نظائرها مما شكل عينه في الأصل ضمة أو كسرة والتقييد بهما مفهوم من قوله: (وإذا فتحاً يكون) الشكل للعين (فمنه) أي من الفتح الكائن على العين (اعتض) أي عوّض (مجانس تلك العين) من الحركات وهو الضمة إن كانت العين واواً، والكسرة إن كانت ياء حالة كونك (منتقلا) في الأمثلة من الأفعال المعتلة العين فتردّ كل فعل إلى ما ذكرنا أي إنما ينتقل إلى الفاء شكل العين إذا كان الشكل غير فتحة، وإذا كان الشكل فتحة فلا ينقل إلى فائه إذ لا فائدة في النقل؛ لأن شكل الفاء أيضاً فتحة فيتعذّر حينئذٍ فيه [//26/ ب] التنبيه على الوزن، ويراعى فيه التنبيه على أن عينه المحذوفة هل هي قبل انقلابها ألفاً واوٌ أو ياءٌ فيعطى الفاء الشكل المجانس للتعين وهو ضمة إن كان أصلها واو، أو كسرة إن كان أصلها ياء تنبيهاً على الفرق بين ذوات الياء، وذوات الواو فتقول في قَالَ يَقُولُ: (قُلْتُ) و (قُلْنَا) و (قُلْنَ) بضم القاف؛ لأن أصله (قَوَلَ) بفتح الواو لِمَا سبق أنه من أمثلة فَعَلَ المفتوح فانقلبت ألفاً وسقطت عند اتصال الضمير فبقي (قَلْتُ) بفتح القاف، ولمّا لم يكن لنقل شكل عينه إلى فائه فائدة، وتعذّرت الدلالة على وزنه رُوعي فيه الدلالة على أصل عينه ما(38/283)
هي فأعطى الفاء حركة تجانس الواو وهي الضمة فصار (قُلْتُ) ، وكذا تقول في بَاعَ يَبِيْعُ (بِعْتُ) و (بعْنَا) و (بِعْنَ) بكسر الباء أصله (بَيَعَ) بفتح الياء كما سبق أيضا فقلبت الياء أَلفاً وسقطت عند اتصال الضمير فبقي (بَعْتُ) بفتح الباء فأعطي حركة تجانس الياء وهي الكسرة، ويقاس عليهما نظائرهما.
تنبيه:
إنما حكمنا على (طَالَ) بأن أصله (طَوُلَ) بالضم ك (كَرُمَ) لا فَعَلَ بالفتح ك (قالَ) لأنه ضِدُّ (قَصرَ) ؛ ولأن اسم الفاعل منه على فَعِيْلٍ، وحكمنا على (قالَ) بأن أصله (قَوَلَ) بالفتح ك (نَصرَ) لا بالضم ك (ظَرُفَ) لأن المضموم، لازمٌ، والقولُ وما يتصرّف منه ينصب [//27/أ] الجُمَلَ وما في معناها، والمفردَ الذي أريد لفظه، ولا بالكسرة (خَافَ) وإلا لكان مضارعه على (يَقَالَ) ك (يَخَافُ) ، ولا بالسكون لأنه ليس من أوزان الفعل فتعيّن الفتح، وأن عينه واو لمجيء مضارعه بالضم، وحكمنا على (بَاعَ) أن أصله أيضاً (بَيَعَ) بالفتح وأن عينه ياء لمجيء مضارعه على (يَفْعِلُ) بالكسر وهو (يَبِيْعُ) .
باب أبنية الفعل المزيد فيه
ومراده لا يشمل مزيد الثلاثي ومزيد الرباعي لذكره النوعين في هذا الباب كما ستراه، وقد سبق أن الفعل المجرّد ثلاثي ورباعيّ فقط، وأن الثلاثي ثلاثةُ أبنية، وليس للرباعي إلا بناءٌ واحدٌ، ولم يأت أيضاً مزيد الرباعي إلا ثلاثة أبنية وهي: (تَفَعْلَلَ) ك (تَدَحْرَجَ) و (افْعَنْلَلَ) ك (احْرَنْجَمَ) ، و (افْعَلَلَّ) ك (اسْبَطَرَّ) ، وسائر الأمثلة التي ذكرها غير هذه الثلاثة من مزيد الثلاثي، وأكثر ما ينتهي بناء الفعل المزيد فيه إلى ستة أحرف ك (استخرج) ، والزيادة حينئذٍ ثلاثة أنواع، لأنها إما بحرف واحد فيصير بها الفعل رباعياً ك (أَكْرَمَ) ، والرباعي خماسياً ك (تَدَحْرَجَ) ، أو بحرفين ك (انْطَلَقَ) و (احْرَنْجَمَ) ، أو بثلاثة ك (اسَتَقَامَ) .
فوائد:(38/284)
الأولى: اعلم أن الزائد نوعان: أحدهما تكرير الأصل، وهذا لا يختصّ بأحرف بعينها، وذلك ك (جَلْبَبَه) بالجلباب.
وثانيهما: ما لا يكون بتكريرٍ وهذا لا يكون [//27/ ب] إلا بأحد حروف الزيادة العشرة يجمعها قولك (سألتمونيها) ، ومعنى تسميتها بحروف الزيادة أنه لا يزاد في الكلمة لغير تَكْرار إلا بحرف منها، لا أنها تكون أبداً زائدة، لأنها قد تكون أصولاً، وذلك ظاهر.
الثانية: اعلم أنه لا يعرف الأصل من الزوائد إلا بمعرفة الميزان وهو أن يعبّر عن أوّل أصول الكلمة بفائها، وعن ثانيها بعينها، وعن ثالثها وكذلك رابعها بلامها فيقال في وزن ضَرَبَ: (فَعَلَ) ، ودَحْرَجَ: (فَعْلَلَ) ، وأمّا الزائد فإن كان بتَكْرير الأصل عبّر عنه بلفظ ذلك الأصل فيقال في وزن عَلَّمَ: (فَعَّلَ) قال في الخلاصة:
فإن يك الزائد ضعف أصل
فاجعل له في الوزن ما للأصل
وأما الزائد لغير تَكْرار فيعبّر عنه بلفظه فيقال في وزن أَعْلَمَ: (أَفْعَلَ) ، وضارَبَ (فَاعَلَ) ، وانْطَلَقَ (انْفَعَلَ) ، واسْتَخْرَجَ (اسْتَفْعَلَ) .
الثالثة: اعلم أنه لا يحكم بزيادة حرف إلا بدليل، وأقوى الأدلة سقوطه في بعض التصاريف كسقوط همزة أعْلَمَ، وألف وَالَى في عَلِمَ، ووَلِيَ لكن شرط الاستدلال بسقوط الحرف على زيادته ألا يكون سقوطه لعلة تصريفية فإن كان سقوطه لعلة تصريفية كسقوط ألف طَالَ وخَافَ وقَالَ وبَاعَ فيه طُلْتُ وخِفْتُ وقلْتُ وبِعْتُ، وسقوط واو [//28/أ] وعد في المضارع والأمر والمصدر لم يكن دليلا على الزيادة، ومما تعرف به زيادة الألف ما ذكره في الخلاصة أن مصاحبتها أكثر من أصلين ك (ضارب) وسبق الهمزة والميم ثلاثة أحرف أصول وغير ذلك مما ذكره.(38/285)
الرابعة: اعلم أن العرب لا تزيد غالباً حرفاً إلا للدلالة على معنى زائد لا يدلّ عليه الأصل كدلالة الهمزة في أَكْرَمْتُه وأعْلَمْته على التعدية، والألف في ضَارَبْتُه وقَاتَلْتُه على الاشتراك في الفاعلية والمفعولية، والسين في اسْتَغْفَرَ ربّه على الطلب، ومعرفة هذه المعاني أصل مهمّ جداً وأهمل الناظم رحمه الله تعالى التعرّض لها لضيق هذا النظم فذكر أمثلة المزيد فيه مسرودة فقال:
(كأعلم الفعل يأتي بالزيادة)
أي الفعل يأتي بالزيادة على أصله إما بزيادة همزة قطع من أوله كأَعْلَمَ أو بزيادة غيرها على ما سيأتي.
فقوله الفعل مبتدأ، ويأتي خبره، وكأعلم في محل الحال من فاعل يأتي المستتر، وبالزيادة حال من المبتدأ على رأي سيبويه أي الفعل حال ملابسته للزيادة يأتي موازناً للأوزان المذكورة فمنها:
أَفْعَلَ: بزيادة همزة قطع على الثلاثي سواء كان فَعُلَ بالضم أو فَعِلَ بالكسر أو فَعَلَ بالفتح صحيحاً ككَرُمَ وفَرِحَ وذَهَبَ ونَزَلَ ودَخَلَ أو معتل الفاء كوَلجَ أو العين بالياء كفَاءَ [//28/ ب] أي رجع أو بالواو كقَامَ، أو معتل اللام كأَوَى إليه، وخَلا بالمكان فتقول في الجميع لتعديتها بالهمزة: أَكْرَمْتُه وأَشْرَحْتُه، وأَذهَبْتُه، وأَنزَلْتُه، وأدْخَلْتُه، وأَوْلَجْتُة، وأَفَأْتُه، وأَقَمْتُه، وآويتُه بمد الهمزة وأَخلَيتُه. وقس على ذلك سائر أمثلة الفعل المجرد بأنواعه السابقة، والتعدية أشهر معاني أفْعَلَ ومنه {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} (1) بزيادة الهمزة على جاء أي أوصلها، ومما ندر مجيء أَفعَلَ لازماً وفَعَلَ متعديّاً بعكس ما تقدم ومنه قولهم: كَبَّه لوجهه فأَكبَّ أي هو قال في الصحاح: "وهذا مما ندر مجيء فَعَلَ فيه معدّى وأَفْعَلَ لازماً"، وزاد في القاموس في حرف العين قَشَعْتُ القوم فأَقشَعُوا أي فرّقتهم فتفرّقوا أفاده الشارح.(38/286)
وتأتي لمعانٍ كثيرة غير التعدية، ومعنى التعدية أن يضمّن الفعل معنى التصيير فيصير الفاعل لأصل الفعل مفعولاً، فإن كان الفعل لازماً تعدّى لواحدٍ كالأمثلة السابقة، أو إلى واحدٍ تعدّى إلى اثنين كألْبَسْتُ زيداً ثوباً، أو إلى اثنين تعدّى إلى ثلاثة كأَعْلَمْتُ زيداً عمراً قائماً وهو مثال الناظم.
ومن معانيها: السلب والإِزالة كأقْذَيْتُه وأشْكَيْتُه أي أزلت القذى عن عينه وأزلت شكايته، انظر الشارح.
ومنها [//29/ أ] فَاعَلَ:
بزيادة ألف بين الفاء والعين وهو الاشتراك في الفاعلية والمفعولية نحو: ضَارَبَ زيدٌ عمراً فزيدٌ وعمروٌ يشتركان في الفاعلية والمفعولية من جهة المعنى، وفي اللغة أحدهما فاعِلٌ والآخر مفعولٌ، ومنه {وَهُوَ يُحَاوِرُه} (1) أي يناجيه، وقد يكون لموافقة فَعَلَ ك (جَاوَزْتُه) بمعنى جُزْتُه و (هَاجَرْتُه) أي هَجَرْته، وبمعنى أَفْعَلَ ك (بَاعَدْتُه) أي أَبْعَدْتُه و (تَابَعْتُ الصومَ) أَتْبَعْتُ بعضه ببعضٍ، وإلى هذا الوزن أشار بقوله (مع والى) وهو يحتمل أنه من الموالاة بمعنى المناصرة فيكون من الاشتراك، أو من الموالاة بمعنى المتابعة للصوم ونحوه فيكون بمعنى أَفْعَلَ.
ومنها فَعَّلَ:(38/287)
ك (وَلَّى) بتضعيف العين وهو للتعدية كهمزة أَفْعَلَ نحو كَرَّمْتُه وفَرَّحْتُه وعَلَّمْتُه، ويكون أيضاً لإِفادة التكثير نحو {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} (1) {وَقَطَّعْنَاهُم} (2) {وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ} (3) ، ويكون للسلب والإِزالة ك (قَذَّيْتُ عَيْنَهُ) و (قَذَّيْتُ البعيَر) أي أزلت عنه القذى والقراد، ويكون للتصيير ك (أَمَّرْتُه) و (وَلَّيْتُه) و (عَدَّلْتُه) و (فَسَّقْتُه) أي جعلته أميراً ووالياً وعدلا وفاسقاً، ولاختصار حكاية المعنى الذي صيغ منه نحو: (كبَّرْتُ الله) و (سَبَّحْتُه) و (حَمَّدْتُه) و (هَلَّلْتُه) أي قلت الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولموافقة تَفَعْلَلَ: ك (فَكَّرَ) وتَفَكَّرَ [//29// ب] و (وَلَّى) وتَوَلَّى أي أدبر، ومثال الناظم يحتمله، ويحتمل التولية بمعنى التصيير.
ومنها اِسْتَفْعَلَ:
ك (اسْتَقَامَ) بزيادة همزة الوصل والسين والتاء، وهو للطلب ك (اسْتَغْفَرَ ربَّه) و (اسْتَعَانَه) أي سأله المغفرة والإعانة، وقد يكون للتحويل ك (اسْتحْجَرَ الطينُ) صار حجراً، أو لمطاوعة أفعل نحو أحكمته ف (اسْتَحْكَمَ) ، وأقمته ف (اسْتَقَامَ) وهو مثال الناظم، والمطاوعة: قَبُولُ فاعل فعلٍ أثر فاعل فعل آخر.
ومنها اِفْعَنْلَلَ:
ك (احْرَنْجَم) بزيادة همزة الوصل والنون بين العين واللام الأولى، وهو لمطاوع فعْلَلَ الرباعي ك (حَرْجَمْتُ الإِبل) ف (احْرَنْجَمَتْ) أي جمعتها فاجتمعت.
ومنها اِنْفَعَلَ:(38/288)
نحو (انْفَصَلا) بزيادة همزة الوصل والنون، وهو لمطاوعة فَعَلَ نحو فَصَلْتُهُ ف (انْفَصَلَ) وكَسَرْتُهُ ف (انْكَسَرَ) ومنه {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} (1) {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} (2) ، وقد يطاع أَفْعَلَ كأَغْلَقْتُ البابَ ف (انْغَلَقَ) ، وأَؤْعَجْتُهُ ف (انزَعَجَ) ، ولموافقة فَعِلَ ك (انْطَفَأَ) أي (طَفِىءَ) ، وللإِغناء عنه ك (انْطَلَقَ) أي ذهب إذ لم يستعملوا المجرّد منه ثم قال:
(واِفْعَلَّ ذا ألف في الحشو رابعةً
وعارياً ... )
أي ومنها اِفْعَالَّ:
بزيادة همزة الوصل، وألف رابعة بين العين واللام المضعّفة.
وكَذا افعلَّ:
عارياً عن الألف وهما للألوان ك (احْمَارَّ) و (اصْفَارَّ) [// 30/ أ] وكذا (احْمَرَّ) و (اصْفَرَّ لونه) ، والفرق بينهما أن (افْعَالَّ) صاحبة الألف يكون للون غير ثابتٍ يقال: جَعَلَ يَحْمَارُّ مرّةً، ويَصْفَارُّ أخرىَ، و (افعَلَّ) للّون الثابت، ولا يكون كل منهما إلا لازماً.
(و) منها (كذلك) اِفعَيَّلَ:
بزيادة همزة الوصل والياء المثناة تحت المشددة بين العين واللام نحو (اِهْبَيَّخَ) الرجلُ بالمعجمة إذا انتفخ وتكبر وتبختر في مشيه، واهْبَيَّخَ أيضاً الصبيُّ إذا سَمِنَ وامتلأ شحماً فهو هَبَيَّخٌ.
ومنها افْتَعَلَ:
نحو (اعْتَدَلا) بزيادة همزة الوصل وتاء الافتعال وتكون للاتخاذ بالمعجمتين نحو اشْتَوَيْتُ بالواو أي اتخذت منه مشويّاً.
ولمطاوعة فَعَّلَ المضاعف ك (عَدَّلْت الرمح فاعْتَدلَ) ، وهو مثال الناظم، وللاختيار (انْتَقَاهُ) و (اصْطَفَاهُ) ، ولموافقة الثلاثي نحو (كَسَبَ) و (اكْتَسَبَ) وك (حَمَلَ) و (احْتَمَلَ) و (رِقيَ) و (ارْتَقَى) ، وبمعنى تَفَاعَلَ ك (اخْتَصَمُوا) أي تَخَاصمُوا.
ومنها تَفَعْلَلَ:
نحو (تَدَحْرَجَت) وتاء التأنيث لا دخل لها بزيادة التاء في فعلل الرباعي لمطاوعته ك (دَحْرَجْتُهُ فَتَدَحْرَجَ) .
ومنها فَعْيَلَ:.(38/289)
ك (عَذْيَطَ) الرجلُ فهو (عُذْيُوطٌ) كعصفور، وعِذْيَوط كفِرْعَوْن إذا كان يُحْدِثُ عند الجماع.
ومنها اِفْعَوْعَلَ:
بزيادة همزة الوصل مع تَكرار العين المفصولة بالواو، وتكون للمبالغة نحو [//30/ب] اعْشَوْشَبَ المكان كَثُرَ عشبه، واخشَوْشَنَ زادت خُشونته، وللصيرورة نحو: (احْلَوْلى) الشراب صار حُلْواً، واحْقَوْقَبَ الرجلُ والهلالُ صار أعوج والحِقْب بالكسر المعوجّ من الرمل وجمعه أحقاب كحِمْلٍ وأحمال.
ومنها افْعَلَلَّ:
بزيادة همزة الوصل وتضعيف اللام الثانية وهو مزيد الرباعي نحو (اسْبَطَرَّ)
الرجل بمعنى اضطجع وتمدّد، واسْبَطَرَّتِ الإِبلُ مدّت أعناقها لتسرع في سيرها، واسبَطَرَّ الشعر طال، ومثله اطْمَأَنَّ قلبه، واقْشَعَرَّ جلده، واشْمَأزِّتْ نفسه نفرت.
ومنها تَفَاعَلَ:
بزيادة التاء والألف نحو (تَوَالَى) وهو للاشتراك في الفاعلية لفظاً والمفعولية معنى نحو: تَضَارَبَ زيدٌ وعمروٌ، وقد يكون لمطاوعة فَاعَلَ الذي بمعنى أَفْعَلَ نحو: وَالَيْتُ الصومَ فَتَوَالَى أي تابعته فتتابع بمعنى أتبعت بعضه بعضاً وهو مثال الناظم، ومثله بَاعَدْتُه فَتَبَاعَدَ أي أَبْعَدْتهُ، وضَاعَفْتُهُ فَتَضَاعَفَ أي أَضْعَفْتُهُ، ويكون أيضاً لإظهار الفاعل خلاف ما هو عليه نحو: تَجَاهَلَ زيدٌ وتَغَافَلَ أي أظْهَرَ الجهلَ والغفلةَ من نفسه وليس كذلك.
ومنها تَفَعَّلَ:(38/290)
بزيادة التاء وتضعيف العين وقد أشار له بقوله مع (تَوَلَّى) وهو لمطاوعة فَعَّلَ المضعّف كعَلَّمْتُهُ فَتَعَلَّمَ، وأَدَّبْتُهُ فَتَأدَّب، ووَلَّيْتُهُ [//31/ أ] فَتَوَلَّى، ولموافقة فَعَّلَ المضعّف أيضاً نحو: تَوَلَّى عنهم بمعنى وَلَّى، ومثال الناظم يحتمل المعنيين، ويكون أيضاً لتعاطي الشيء تكلّفاً نحو تَشَجَّعَ أي تكلّف ذلك، وهو كتَغَافَلَ وتَجَاهَلَ في كون كلّ منهما غير ثابت للفاعل، ويكون أيضاً لمجانبة الشيء كَتَهَجَّدَ أي جانب الهجود أي النوم، وتَحَرَّجَ، وتَأثَّمَ أي جانب الحرج والإِثم، وللاتخاذ كَتَوَسَّدَ ذراعه أي اتخذها وسادة، وللدلالة على التكرير كَتَجَرَّعَهُ أي شَرِبَهُ جَرْعَةً بعد جَرْعَةٍ، وللطلب كاسْتَفْعَلَ نحو تَكَبَّرَ أي طلب أن يكون كبيراً.
ومنها فَعْلَسَ:
بزيادة السين في آخره للإِلحاق بفَعْلَلَ الرباعي نحو (خَلْبَسَ) قلبه بالخاء المعجمعة والباء الموحّدة أي خدعه وأضلّه، ومنه قولهم: "بَرْقٌ خُلَّبٌ" إذا لم يعقبه مطر، و"لا خِلابَةَ" أي لا خداعة، لكن قال الشارح: مقتضى الصحاح والقاموس أن سينه أصلية؛ لأنهما أورداه في السين لا الباء.
ومنها سَفْعَلَ:
بزيادة السين في أوّله للإِلحاق بفعلل الرباعي أيضاً نحو: سَنْبَسَ في سيره بمعنى أسرع، وأصله نَبَس أي تحرّك ونطق.
والتاء في قوله (تَدَحرَجَتْ) تاء التأنيث الساكنة كما تقدّم، وتسكين آخر خَلْبَسْ للضرورة وأما قوله: (اتَّصَلا) فليس بمثال بل كمّل به القافية، لأن وزنه افْتَعَلَ كاعْتَدَلَ [//31/ ب] وقد تقدّم، وتقديره واتّصَلَ توَالَى مع تَولَّى وما بعدهما بما قبلهما.
ومنها اِفْعَنْلأَ:(38/291)
مهموزاً بزيادة همزة الوصل والنون بين العين واللام، والهمزة أيضاً في آخره للإلحاق باحْرَنْجَمَ مزيد الرباعي نحو: (احْبَنْطَأَ) إذا عظمت بطنه من وجع يسمّى الحَبَطَ محرّكاَ، ويسمّى أيضاً الحُبَاطَ بضم الحاء، وهذا الوزن وهو احْبَنْطَأَ بالهمز قال الشارح ذُكِرَ في القاموس، ولم يذكر في الصحاح إلا احبنطَى بغير همز وهو المشهور في كتب التصريف.
ومنها افْوَنْعَلَ:
بزيادة همزة الوصل والواو والنون بين الفاء والعين نحو (احْوَنْصَلَ) الطائر بالمهملتين إذا ثنى عنقه وأخرج حوصلته، وهي مستقر الطعام منه كالكرش من غيره، وقيل هي مجرى الطعام كالحلقوم من الإِنسان.
ومنها افْعَنْلَى:
بزيادة همزة الوصل والنون بين العين واللام، وألف التأنيث؛ للإِلحاق باحْرَنْجَمَ نحو: (اسلنقى) على قفاه بمعنى استلقى.
ومنها تَمَفْعَلَ:
بزيادة التاء والميم نحو: (تَمَسْكَنَ) الرجل إذا أظهر المسكنة والخضوع والذلة، وتَمَنْدَلَ بالمنديل، وتَمَدْرَعَ بالمِدْرَعَهِ، لبسها.
ومنها فَعْلَى:
بزيادة الألف للإِلحاق بفعلل نحو: (سَلْقَى) إذا ألقاه على قفاه.
ومنها فَعْنَلَ:
بزيادة النون بين العين واللام [//32/أ] نحو: (قَلْنَسَتْ) يقال قَلْنَسَهُ ألبسه القَلَنْسُوة.
ومنها فَوْعَلَ:
بزيادة الواو بين الفاء والعين نحو (جَوْرَبَتْ) يقال جَوْرَبَهُ ألبسه الجَوْرَبَ بالجيم، وهو لُفَافَةٌ تلفّ على القدمين جلدٌ، ظاهرهما وهو ما يلي السماء وباطنهما وهو ما يلي الأرض. وحَوْقَلَ الرجل بالحاء المهملة والقاف إذا أسنّ وضَعُفَ عن الجماع.
ومنها فَعْوَلَ:
بزيادة الواو بين العين واللام ك (هَرْوَلْتُ) في المشي أسْرَعْتُ فيه، وجَهْوَرَ كلامه جهر به، والتاء من قوله هرولت تاء الفاعل، وفي قلنست وجوربت تاء التأنيث الساكنة، وقوله: مرتحلا كمّل به القافية وهو بالحاء المهملة حال من تاء الفاعل في هرولت.
ومنها عَفْعَلَ:(38/292)
بتكرير العين نحو (زَهْزَقْتُ) يقال زَهْزَقَ الرجلُ بتكرير الزاي إذا أكثر الضحك.
ومنها هَفْعَلَ:
بزيادة الهاء في أوله نحو (هَلْقَمْتُ) الطعام لقمته وابتلعته.
ومنها فَهْعَلَ:
بزيادة الهاء بين الفاء والعين نحو (رَهْمَسْتُ) الشيءَ بمعنى رَمَسْتُه أي سَتَرْتُهُ، والرَّمْس القبر.
ومنها افْوَعَلَّ:
بزيادة همزة الوصل والواو بين الفاء والعين مع تضعيف اللام نحو (اكْوَأَلَّ) الرجلُ بمعنى قَصُرَ، واجْتَمَعَ خَلْقهُ، واكْوَأَدَّ، واكْوَهَدَّ أيضاً ارْتَعَشَ.
ومنها تَفَهْعَلَ:
بزيادة التاء في أوّله والهاء بين الفاء والعين نحو (تَرَهْشَفَ) [//32/ب] الشراب بالشين المعجمة أي رَشَفَه بمعنى امْتَصَّه.
ومنها افْعَألَّ:
بزيادة همزة الوصل، والهمزة أيضاً بين العين واللام مع تضعيف اللام نحو (اجْفَأظَّ) بالجيم والظاء المعجمتين إذا أشرف على الموت، واجْفَأظَّتِ الجيفةُ أيضاً إذا انْتَفَخَتْ، وقد يقال بمدّ الهمزة.
ومنها افْلَعَلَّ:
بزيادة همزة الوصل واللام بين الفاء والعين مع تضعيف اللام نحو (اسْلَهمَّ) الرجلُ بالسين المهملة إذا تغيّر وجهه من آثار شمس أو سفر بمعمْى سَهَمَ.
منها فَعْلَنَ:
بزيادة نون في آخره نحو (قَطْرَنَ الجملا) إذا طلاه بالقَطِران، والتاء في الصيغ الثلاثة الأول تاء الفاعل.
ومنها تَفْعَلَ:
بزيادة التاء في أوّله مخففاً نحو (تَرْمَسْتُ) يقال تَرْمَسَ الرجل إذا أسْتَتَرَ وتَغَيَّبَ عن حرب وأمر مهم، من رَمَسَ الشيءَ دفنه ورَمَسَ الكلام كتمه وأخفاه.
ومنها فَعْتَلَ:
بزيادة التاء المثناة فوق بين العين واللام نحو (كَلْتَبَ) الرجلُ إذا داهن في الأمر، وكَلْتَبَ ك (جَعْفَرٍ) ، ويجوز قراءته في النظم بإسناده إلى تاء الفاعل.
ومنا فَعْمَلَ:
بزيادة الميم بين العين واللام نحو (جلْمَطْتُ) يقال جَلْمَطَ الوجلُ رأسَه بالجيم والطاء المهملة بمعنى حلقه، وأصله جَلَطَهُ، وجَلطَ الجلد عن الشاة سَلَخَهُ.(38/293)
ومنها فَعْلَمَ:
بزيادة الميم في آخره نحو: (غَلْصَمَـ) ـهُ إذا قطع غَلْصَمَتَهُ وهي أصل [//33/أ] الحُلْقُوم، وأصله غَلَصَه كذا قال الناظم رحمه الله تعالى، ومقتضى الصحاح والقاموس أن ميم الغَلْصَمَةِ أصليّة أفاده الشارح.
ثم منها افْعمَّلَ:
بزيادة همزة الوصل والميم المشدّدة بين العين واللام نحو: (ادْلَمَّس) الليل إذْا اخْتَلَطَتْ ظُلْمَتُه، أصله دَلَّسَ، ومنه التَّدْلِيسُ في الكلام، ومثله (اهْرمَّعَتْ) يقال اهْرَمَّعَ الدمعُ أي لسال بسرعة، واهْرَمَّعَ في سيره أسرع، أصله هَرَعَ قال، الشارح: "ولم يظهر لي ذ كر الناظم له مع ادْلَمًّسَ فإنهما مثالان لوزن، واحد فهو تكرار محض".
ومنها افْعَنْلَسَ:
بزيادة همزة الوصل والنون بين العين واللام والسين في آخره نحو: (اعْلَنْكَسَ) الشَّعَرُ أي تراكم لكثرته، وقد يقال: اعْلَنْكَكَ بتكرير الكاف، وأمَّا قوله (انْتُحِلا) بالحاء المهملة والمعجمة أيضاً بمعنى اختِيْرَ فقد كمّل به البيت لأن وزنه افْتَعَل كاعْتَدَلَ وقد سبق، والتاء في تَرْمَسْتُ وجَلْمَطْتُ تاء الفاعلَ، وفي اهْرَمَّعَت تاء التأنيث الساكنة.
ومنها افْعَوَّلَ:
بزيادة همزة الوصل وواوٍ مشدَّدة بين العين واللام نحو: (اعْلَوَّظ) فرسَه بالمهملتين إذا تعلّق بعنقه وركبه، واعْلَوَّطَنِي غريمي لزمني.
ومنها افْعَوْلَلَ:(38/294)
بزيادة همزة الوصل والواو بين العين واللام الأولى نحو: (اعْثَوْجَجَتْ) يقال اعْثَوْجَجَ البعيرُ [//33/ ب] بالعين والثاء المثلّثة بمعنى ضخُم وغلُظ، وبمعنى أسرع كذا أورده الناظم رحمة الله تعالى بجيمين، قد اعترضه الشارح بأنّ "المشهور في كتب التصريف اعْثَوْثَجَ بإبدال الجيم الأولى بالثاء المثلّثة، لكن نقل صاحب القاموس ما يؤيّد المصنّف، ويوجد في بعض النسخ اعْثَوْثَجَ كما اشتهر في كتب التصريف وهو تصحيف؛ لأنه حينئذٍ تَكرار مع افْعَوْعَلَ نحو اعْشَوْشَبَ المكانُ، واحْلَوْلَى الشرابُ وقد سبق".
ومنها فَيْعَلَ:
بزيادة المثناة تحت بين الفاء والعين نحو (بَيْطَرْتُ) يقال بَيْطَرَ الرجلُ بالباء الموحدة والطاء المهملة إذا عمل البَيْطَرَةَ ومعالجة الدواب.
ومنها فَنْعَلَ:
بزيادة النون بين الفاء والعين نحو (سَنْبَلَ) الزرع إذا أخرج سنابله، والأكثر على أن نونه أصليّة فوزنه فَعْلَلَ أفاده الشارح.
ومنها فَمعَلَ:
بزيادة الميم بين الفاء والعين نحو (زَمْلَقَ) الفحلُ بالزاي إذا ألقى ماءه عند الضِّرَاب قبل الإِيلاج من زَلَقَ.
ثم قال (اضممن) ما تقدّم لك من الأوزان
لتَفَعْلَى:
بزيادة التاء في أوله وألف التأنيث في آخره للإِلحاق بتدحرج مزيد الرباعي نحو (تَسَلْقى) مطاوع سَلْقَاه على قفاه فَتَسَلْقَى.
والتاء في بيطرت تاء الفاعل، وفي اعثوججت تاء التأنيث (واجتنب) إذا علمت ما أوردناه عليك من الأوزان (خللا) يحصل فيما يرد عليك من الحرف [//34/أ] الأصلي والزائد.
تنبيه:
جملة ما ذكره المصنف في هذا الباب من أبنية الفعل المزيد سبعة وأربعون بناءً، وقد سبق أن مقتضى الصحاح والقاموس أن ميم غلصم أصليّة، والأكثر على أن نون سنبل كذلك، وأن ادلَمّس واهرمّع وزنهما واحد قال الشارح: "والعجب من المصنّف رحمه الله تعالى أنه ذكر أوزاناً غريبة قلّ من تعرّض لها من التصريفيين، وأهمل أربعة أوزان مشهورة وهي:
تَفَعْلَلَ:(38/295)
بتكرير اللام كَتَجَلْبَبَ لَبِسَ الجلبابَ مطاوع جَلْبَبَهُ الملحق بِتَدَحْرَجَ.
وتَفَوْعَلَ:
كَتَجَوْرَبَ مطاوع جَوْرَبَهُ.
وتَفَعْوَلَ:
كَتَهْرَوَل في مشيه إذا تَمَوَّج فيه متبختراً.
وتَفَيْعَلَ:
كَتَشَيْطَنَ أي أشبه الشيطان، وهذه الأربعة من مزيد الثلاثي للإِلحاق بمزيد الرباعي انتهى فليتأمّل) والله أعلم.
فصل في المضارع
أي في أحكامه التي يتمّ بها بناؤه على أي وزن كان ماضيه، وهي ثلاثة: ما يفتتح به، وحركة أوّله المفتتح به، وحركة ما قبل آخره وأمّا حركة نفس الآخر من رفع ونصب وجزم فمحلّها علم النحو.
[حروف المضارعة]
أمّا ما يفتتح به فأشار له بقوله:
(ببعض نأتي المضارع افتتح)
أي افتتح المضارع ببعض حروف نأتي فكل فعل مضارع ثلاثياً كان أو رباعياً، أو خماسيّاً أو سداسيّاً فلابدّ [//34/ ب] أن يفتتح بزيادة على ماضيه ببعض حروف نأتي، ومنهم من عبّر عنها ب (نأيت) أو (أنيت) وتسمّى حروف المضارعة وهي أربعة: الهمزة والنون والتاء والياء، فالهمزة تكون للمتكلم المنفرد كقولك: أنا أَدْخُلُ وأُكْرِمُك وأَنْطَلِقُ وأَسْتَخْرِجُ.
فإن كان في أوّل الفعل همزة، ولم تدلّ على متكلّم فهو ماضٍ كأَكْرَمَك زيدٌ.
والنون للمتكلّم المشارك كقولك: نحن نَدْخُلُ ونُكْرِمُ ونَنْطَلِقُ ونَسْتَخْرِجُ.
فلو كان في أوّل الفعل نون، ولم تدلَّ على هذا المعنى كنَصَرَ ونَرْجَسَ الدواءَ أي جعل فيه النَّرْجِس فهو ماضٍ.
والتاء المثناة فوق تكون للمخاطب مطلقاً أي مفرداً أو مثنى أو مجموعاً، مذكراً أو مؤنّثاً كقولك: أنت تَدْخُلُ وتُكْرِمُنِي، وأنتما تَنْطَلِقَانِ، وأنتم تَسْتَخْرِجُونَ، وأنتِ تَقُومِيْنَ، وأنتنَّ تَقُمْنَ.
فلو كان في أوّل الفعل تاء ولم تدلَّ على خطاب نحو: تَعَلَّمْتُ العلمَ فهو ماضٍ.
وتكون هذه التاء للمؤنث الغائب مفرداً أو مثنّى فقط نحو: هي تَقُوْمُ والهندان تَقُوْمَانِ، دون جمعه نحو: هنَّ يَقُمْنَ فإنه بالياء.(38/296)
والياء المثناة تحت تكون للغائب المذكّر مطلقاً أي مفرداً أو مثنّى أو مجموعاً، وللغائبات نحو: هنَّ يَقُمْنَ.
فلو كان في أول الفعل ياء ولم تدلَّ على غيبة نحو: يَئِسَ منه، وَيرْنأ الشيبَ أي خضبه [//35/أ] باليُرَنَّاءِ وهو الحِنَّاءُ فهو ماض.
تنبيه:
إنما زادوا هذه الأحرف في المضارع ليحصل الفرق بينه وبين الماضي، واختصّت الزيادة بالمضارع دون الماضي لأنه فرعه فهو مؤخر عنه، والأصل عدم الزيادة، فاختصّ الأصل بالأصل، والفرع بالفرع طلباً للمناسبة.
وسمِّي مضارعاً لمضارعته الاسم في الحركات والسكنات نحو ضَارِبٍ ويَضْرِبُ؛ ولذا أعرب، والمُضارَعَة المشابهة مأخوذة من ارتضاع اثنين من ضرع امرأة فهما أخوان.
وأما حركة أوّله وهو الحكم الثاني فأشار إليها بقوله:
[حركة حروف المضارعة]
(....وله
ضمٌّ إذا بالرباعي مطلقاً وصلا
(وافتحه متّصلاً بغيره ... )
أي حق الحرف المفتتح به أول المضارع الضمُّ إذا اتصل بفعل ماضيه رباعيٌّ مطلقاً أي مجرّداً ك (تُدَحْرِجُ يُدَحْرِجُ) بضم حرف المضارعة، أو مزيد الثلاثي كأَكْرَمَ يُكْرِمُ بالضم.
[كسر حروف المضارعة]
وإذا اتصل حرف المضارعة بغير الرباعي فحقه الفتح ثلاثياً كان كَضَرَبَ يَضْرِبُ، أو خماسياً كانْطَلَقَ يَنْطَلِقُ أو سداسياً كاسْتَعْظَمَ يَسْتَعْظِمُ بفتح حرف المضارعة في الجميع، وهذا على لغة أهل الحجاز ومنهم قريش وكنانة وبلغتهم نزل القرآن، وأما غيرهم من بني تميم وقيس وربيعة فإنهم يوافقون أهل الحجاز في لزوم ضم أول الرباعي كفتْحِ غيره [//35/ ب] إن كان ماضيه فَعُلَ بالضم كَكَرُمَ، أو فَعلَ بالفتح بجميع أنواعه معتلاًّ، أو صحيحاً، أو مضاعفاً، لازماً، أو متعدّياً، حلقيّ العين واللام أم لا، ويستثنى منه كلمة (أبَى) لما سيأتي.(38/297)
فإن كان الماضي فَعِلَ بكسر العين أو خماسيّاً أو سداسيّاً مصدّراً بهمزة الوصل، أو خماسيّاً مصدّراً بالتاء الزائدة فلاَ يلتزمون في ذلك فتح حرف المضارعة، ولهم فيه حالتان:
حالة: يجيزون فيها كسر الهمزة والنون والتاء الفوقيّة دون الياء التحتية.
وحالة ة يجيزون فيها كسر الجميع الياء وغيرها، وإلى الحالة الأولى أشار بقوله:
( ... ولغيـ
ر الياء كسراً أجز في الآت من فَعِلا)
(أو ما تصدّر همز الوصل فيه أو التـ
تا زائداً كتزكّى ... )
أي وأجز الكسر لغير الياء المثناة تحت من همزة أو نون أو تاء فوقيه في المضارع الآتي من فَعِلَ المكسور العين كفَرِحَ أو من الفعل الخماسي أو السداسي وهو المراد بقوله أو ما تصدّر همز الوصل فيه إذ لا يكون الزائد على أربعة إلا مصدّراً بهمزة الوصل ويكون خماسيّاً كانطلق وسداسياً كاستخرج، أو بالتاء الزائدة ولا يكون إلا خماسياً كتزكّى فتقول فيها: أنا إعْلَمُ وإنْطَلِق وإسْتَخْرِجُ وإتَزَكًّى، ونحن نِعْلَمُ ونِنْطَلِق ونِسْتَخْرِجُ ونِتَزَكّى، وأنت تِعْلَمُ وتِنْطَلِقُ وتِسْتَخْرِجُ وتِتَزَكّى بفتح حرف المضارعة [//36/أ] وكسره في الجميع، وقد قرئ شاذاً {وَإِيَّاكَ نِسْتَعِينُ} (1) و {يَوْمَ تِبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتِسْوَدُّ وُجُوهٌ} (2) ، و {وَلا تِرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} (3) {أَلَمْ إِعْهَدْ إِلَيْكُمْ} (4) بكسر حرف المضارعة فيها على هذه اللغة لأن ماضي هذه الأفعال: اسْتَعَانَ وابْيَضّ واسْوَدّ مما تصدّر فيه همزة الوصل، ورَكِنَ وعَهِدَ من باب عَلِمَ، وتقول: هو يَعْلَمُ ويَنْطَلِق ويَسْتَخْرِجُ بالفتح لا غير، ومثلها يَتَزَكّى.
وإلى الحالة الثانية وهي ما يجوز فيها كسر حرف المضارعة الياء وغيرها أشار بقوله:
(وهو قد نقلا)(38/298)
أي وجواز الكسر قد نقل عنه (في اليا) التحتية (وفي غيرها) من باقي حروف المضارعة، وهي الهمزة، والنون، والتاء الفوقيه، (إن ألحقا) أي الياء وغيرها (بـ) كلمة (أبى) بالموحدة أو بكل فعل ثلاثي فاؤه واو كما أشار له بقوله (أو مما له الواو فاءٌ) إذا كان من باب فَعِلَ المكسور (نحو قد وَجِلا) ووَجِعَ دون وَعَدَ ونحوه فتقول أَبَى يِأْبَى، وأبَيْتُ إيبى، وأنت تِأْبَى ونحن نِئْبَى بالفتح والكسر، وكذا تقول وَجِلَ زيدٌ يَوْجَلُ ويِيْجَلُ ووَجِلْتَ أنت تَوْجَلُ وتِيْجَلُ، ووَجِلْتُ أنا أوْجَلُ وإِيْجَلُ، ووَجِلْنَا نحن نَوْجَلُ ونِيْجَلُ بالفتح والكسر.
تنبيه:
قال الشارح: اعلم أن الناظم رحمه الله تعالى أطلق في القسم الأول جواز كسر غير الياء من فَعِلَ المكسور [//36/ ب] وفي القسم الثاني جوازه في الياء وفي غيرها مما فاؤه واو، وليس كذلك بل شرطه في القسم الأول أن يأتي مضارعه على يَفْعَلُ بالفتح على ما هو القياس، فإن خالف القياس كما في حَسِبَ يَحْسِبُ وأخواته وجب فتح حرف المضارعة اتفاقاً، وكذا شرطه فيما فاؤه واو أن يكون ماضيه على فَعِلَ بالكسر كما قيّدناه بذلك، وقد يرشد إليه تمثيله بـ (وَجِلَ) دون غيرها.
[حركة ما قبل آخر المضارع]
وأما حركة ما قبل آخره وهو الحكم الثالث فأشار إليه بقوله:
(وكسر ما قبل آخر المضارع من
ذا الباب ... )(38/299)
أي باب أبنية المزيد فيه؛ لأن هذا الباب معقود له، والفصل معقود لمضارعه؛ لأن أبنية الفعل المجرّد من ماض ومضارع قد سبق حكمها في بابها، وإنما استطرد حكم ضم المضارع وفتحه المشترك فيه المجرّد والمزيد لعدم ذكر ذلك فيما مضى (يلزم) أي الكسر (إن ماضيه قد حُظِلا) بالحاء المهملة أي مُنعَ (زيادة التاء أوَّلاًّ) أي في أوّله نحو أكْرَمَ يُكْرِمُ، وانْطَلَقَ يَنْطَلِقُ، واسْتَخْرَجَ يَسْتَخْرِجُ، ووَلَّى يُوَلّى (وإنْ حصلتْ له) أي الماضي زيادة التاء في أوله (فما قبل الاخر افتحن بِوَلا) بكسر الواو نحو تَدَحْرَجَ يَتَدَحْرَجُ، وتَعَلَّمَ يَتَعَلَّمُ، وتَغَافَلَ يَتَغَافَلُ.
تنبيه:
المراد بكسر [// 37/أ] ما قبل الآخر ولو تقديراً كما في انْقَادَ يَنْقَادُ واخْتَارَ يَخْتَارُ ونحو ذلك والله أعلم.
فصل في فعل ما لم يسم فاعله
أي في أحكامه التي تميّز صيغة الفعل المبني للمفعول؛ وذلك عند حذف الفاعل، وإسناد الفعل إلى المفعول به، أو ما يقوم مقامه. وتلك أحكام ستّة: ضمّ أوله إن كان صحيح العين كضُرِبَ زيدٌ، وكسره إن كان معقلّها كقِيْلَ وبِيْعَ، وكسر ما قبل آخر ماضيه، وفتح ما قبل آخر مضارعه مطلقاً، وضم ثالثه إن كان مبدوءاً بهمزة الوصل صحيح العين خماسياً أو سداسياً كاُنْطُلِقَ بزيدٍ، واُسْتُخْرِجَ المتاعُ، وكسر ثالثه إن كان مبدوءاً بهمزة الوصل معتلها اُخْتِيرَ زيدٌ واُنْقِيدَ له وضم ثانيه إن كان مبدوءاً بتاء المطاوعة ولا يكون إلا خماسياً نحو: تُعُلِّمَ العلمُ، وقد ذكر الناظم رحمه الله تعالى ذلك فأشار إلى الحكم الأول وهو ضم أوّله بقوله:(38/300)
(إن أسند الفعل للمفعول) به أو ما يقوم مقامه من ظرف أو مصدر أو جار ومجرور (فأت به،) أي بالفعل (مضموم الأول) مطلقاً ثلاثياً أو رباعيّاً أو خماسياً أو سداسياً نحو: ضُرِبَ زيدٌ، وأُكْرِمَ عمروٌ، واُنْطُلِقَ به واُسْتُخْرِجَ المتاعُ وتُعُلِّمَ العلمُ، وهذا إن كان صحيح العين كما مثّلنا به، ولفظ الناظم [//37/ب] فإن كان مطلقاً فذكره المعتل فيما بعد يقيّده.
وإلى الحكم الثاني وهو كسر أوله أشار بقوله (واكسره) أي أول الفعل (إذا اتّصلا) بألف الإِطلاق، والضمير فيه إلى أول الفعل (بعينٍ اعتّل) نحو قِيْلَ وبِيْعَ، وأصلهما قُوِلَ وبُيِعَ، بضم أولهما وكسر الواو والياء على وزن ضُرِبَ، إلا أنهم استثقلوا الكسرة على حرف العلة فحذفوا ضمّة الفاء، ونقلوا كسرة العين إلى مكانها فسلمت الياء من (بِيْعَ) ، وقلبت الواو من (قِيْلَ) ياء لسكونها بعد كسرة.
وإلى الحكم الثالث وهو: كسر ما قبل الآخر للماضي منه، وفتح ما قبل آخر مضارعه أشار بقوله: (واجعل قبل الآخر في المضي كسراً) نحو ضُرِبَ واُكْرِمَ واُنْطُلِقَ واُسْتُخْرِجَ، واجعل (فتحاً في سواه) وهو المضارع نحو يُضْرَبُ وُيكْرَمُ وُينْطَلَقُ به وُيسْتَخْرَجُ المتاعُ وقوله: (تلا) بألف الإِطلاق صفة ل (سوى) ؛ لأنه لا يتعرّف بالإِضافة يعني أن المضارع يتلو الماضي في التصريف، وذكر هذه على سبيل الاستطراد؛ لأن أكثر الأحكام متعلقة بالماضي.
وإلى الحكم الرابع وهو: ضم ثالثه أيضاً إذا كان مبدوءاً بهمزة الوصل أشار بقوله: (ثالث ذي همز وصل ضمّ معْه) أي: وضم مع ضم همزة الوصل المبدوء به الفعل ثالثَه [//38/أ] أيضاً كاُنْطُلِقَ بزيدٍ، واُقْتُدرَ عليه، واُسْتُخْرِجَ متاعُه، وهذا مقيّد بصحيح العين، وسيأتي معتلّها.
وإلى الحكم الخامس أشار بقوله:(38/301)
(ومعْ تاء المطاوعة اضمم تلوها بوَلا) أي واضمم مع تاء المطاوعة المبدوء بها الفعل تلوها أيضاً كتُعُلِّمَ العلمُ وتُدُحْرِجَ في الدار وتُغُوْفِلَ عن زيد، ومعنى قوله: (بوَلا) أي من غير فاصل بينهما، ولو عبّر المصنف بالتاء المزيدة بدل تاء المطاوعة لكان أشمل، لأن التاء في مثل تَغَافَلَ زيدٌ وتَكَبَّرَ ليست للمطاوعة لما سبق أن المطاوعة: قبول فاعل فعل أثر فاعل فعل آخر كعَلَّمْتُهَ فَتَعَلَّمَ مع أن الحكم عام في كل مبدوء بتاء مزيدة، وعبارة الخلاصة كعبارته هنا حيث قال:
والثاني التالَي تا المطاوعة
كالأول اجعله بلا منازعه
وعبارته في التسهيل مفصحة بالمراد حيث قال: "يُضَمُّ مطلقاً أول فعل النائب، ومع ثانية إن كان أوله تاء مزيدة".
تنبيه:
إنما خصوا الثاني مما أوله تاء مزيدة لأنه لو بقي مفتوحاً مع ضم الأول وكسر ما قبل الآخر لالتبس بالمضارع المسند إلى الفاعل المبدوء بالتاء نحو أنت تُعَلِّمُ زيداً العلمَ، مضارع عَلَّمَه العلم المضاعف.
وإلى الحكم السادس وهو: كسر ثالثه إن كان مبدوءاً بهمزة الوصل وهو معتل العين أشار بقوله [//38/ب] (وما لفا نحو باع) (1) من الكسر (اجعل لثالث) الفعل الخماسي المبدوء بهمزة الوصل المعتل العين (نحو اخْتَارَ وانْقَادَ) وهو التاء في الأول والقاف في الثاني (كاُخْتِيْرَ الذي فضلا) ، واُنْقِيْدَ له، وأصلهما اُخْتُيِرَ بضم الفوقية، وكسر التحتية، واُنْقُوِدَ بضم القاف، وكسر الواو، على وزن أُقْتُدِرِ عليه، استثقلت الكسرة على حرف العلة بعد ضمةٍ فحذفت الضمة ثم نقلوا الكسرة مكانها فسلمت الياء من اُخْتِيْرَ كما سلمت في بِيْعَ، وقلبت الواو ياء من اُنقِيْدَ لسكونها بعد كسركما قلبت في قيل فصار اُخْتِيْرَ واُنْقِيْدَ.
تنبيه:
كما يجوز الكسر في الفاء يجوز الإِشمام وهو الإِتيان ببعض الكسرة والضمة، وبهما قرئ في السبع، ومن العرب من يأتي بضمة خالصة فيقول بُوْعَ، ومنه قول الشاعر:(38/302)
حُوْكَتْ على نَوْلَيْنِ إذْ تُحَاكُ
تَخْتَبِطُ الشَّوْكَ ولا تُشَاكُ
وقال الآخر:
لَيْتَ وَهَلْ يَنْفَعُ شَيْئاً لَيْتُ
لَيْتَ شَبَاباً بُوْعَ فَاشْتَرَيْتُ
ويجري مثل ذلك في ثالث نحو اخْتَارَ وانْقَادَ، وتُحَرَّكُ الهمزةُ بحركة الثالث.
انظر الخلاصة وشراحها والله أعلم.
فصل في فعل الأمر
أي في صيغة بنائه من أي فعل كان، وذلك على قسمين: مقيس وشاذّ.
[//39/أ] فالمقيس على ثلاثة أضرب: إمّا أن يكون من فعل رباعي مبدوء بهمزة قطع كأَكْرَمَ أو لا، والثاني إما أن يكون مضارعه متحرّك الثاني كيقُوْمُ، وُيدَحْرِجُ، ويَتَعَلَّمُ، أو ساكن كيَضْرِبُ ويَنْطَلِقُ.
أمّا الضرب الأول: وهو ما كان ماضيه رباعياً مبدوءاً بزيادة همزة القطع فأشار إليه بقوله: (من أفْعَلَ الأمرُ أفْعِلْ) ، الأمر مبتدأ، وأفْعِلْ بقطع الهمزة المفتوحة أَدْخِلْ يَدَكَ وكسر العين خبره، ومن أَفْعَلَ متعلق بمحذوف صفة الأمر، أي صيغة فعل الأمر الكائن من أفْعَلَ كأكْرَم بزنة أفْعِلْ كأكْرِمْ زيداً {أَرْسِلْهُ مَعَنَا} (1) و {أَدْخِلْ يَدَكَ} (2) و {أَلْقِ عَصَاكَ} (3) .
وأما الضرب الثاني: وهو ما ليس على وزن أَفْعَلَ، والحرف الذي يلي حرف المضارعة متحرّك فأشار إليه بقوله:
(واعزه) أي الأمر (لسواه) أي لسوى أَفْعَلَ (ك) صيغة (المضارع ذي) أي صاحب (الجزم الذي اختزلا) بالخاء المعجمة أي اقتطع وحذف (أوَّله) وهو حرف المضارعة.
والمعنى انسب الأمر لسوى أَفعَلَ كصيغة المضارع المجزوم الذي حذف أوله فتقول في يَقُوْمُ، وَيبِيْعُ، ويَخَافُ، ويُدَحْرِجُ، ويَتَعَلّمُ: قُمْ وبِعْ، وخَفْ، ودَحْرِجْ، وتَعَلَّمْ، كما تقول في مضارعها المجزوم: لم يَقُمْ، ولم يَبِعْ، ولم يَتَعَلَّمْ، ولم يَخَفْ، ولم يُدَحْرِجُ.
وشملت عبارته في قوله اعزه لسواه: ما الحرف الذي [//39/ب] يلي حرف المضارعة منه ساكن وهو الضرب الثالث لكنه أخرجه بقوله:
(وبهمز الوصل منكسراً(38/303)
صل ساكنا كان بالمحذوف متصلا)
أي صل الساكن المتصل بحرف المضارعة بعد حذفه بهمز الوصل حال كون همز الوصل منكسراً إذا ابتدأت به كقولك في يَضْرِبُ ويَنْطَلِقُ وَيَسْتَخْرِجُ ويَذْهَبُ: اِضْرِبْ، واِنْطَلِقْ، واِسْتَخْرِجْ، واِذْهَبْ، وإنما جعلوا له همزة ليتوصّلوا بها إلى النطق بالساكن؛ لأنها سُلَّمُ اللسان إذ لا يمكن ابتداء النطق بساكن، ولذلك تسقط في الدرج، وشمل قوله: وبهمز الوصل إلى آخره ما عينه مفتوحة كاذْهَبْ أو مكسورة كاضْرَبْ أو مضمومة كاخْرُجْ وهو مسلّم في الأولين دون الثالث؛ لأن الهمزة فيه تضم إذا ابتدىء بها؛ ولذلك أشار له بقوله:
(والهمز قبل لزوم الضم ضُمَّ)
أي ضم همزة الوصل إن وقع في فعل تضم عينه لزوماً كاُخْرُجْ واُدْعُ، واُنْقُصْ، واُعْبُدْ، واحترز بقوله لزوم الضم مما إذا لم يكن الضم فيه لازماً نحو {امْشُوا} (1) إذ أصله: "إِمْشِيُوا"بكسر الشين وضم الياء، استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، ولك أن تقول حذفت الضمة للاستثقال ثم الياء لالتقاء الساكنين، وضُمَّتِ الشين لمناسبة الواو. فلو كان مضموماً في الأصل [//40/أ] لكن زالت الضمة لعلّة وصار مكسوراً بكسرة لازمة كما اِغْزِى واِدْعِي يا هند جاز لك في همزته وجهان: الكسر نظراً للحال، والإِشمام نظراً للأصل، وإلى ذلك أشار بقوله:
( ... ونحـ
واغزى بكسرٍ مشمّ الضم قد قبلا)
أي وقد قُبِلَ إشمام الكسر الضم في نحو اِعْزِي يا هند وهو أمر المؤنثة مما ثالثة مضموم وهو معتل اللام، وفهم من قوله قد قُبِلَ أن الكسر أفصح من الإِشمام، نظراً إلى الكسرة اللازمة وهو كذلك.
وأصل: (اِغْزِي: اُغْزُوِي) على وزن أدْخُلِي فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت فسكنت وحذقت الواو تخلّصاً من الساكنين ثم كسرت الزاي كسرة لازمة.
تنبيه:(38/304)
وجه المناسبة في كسرة همزة الوصل مما ثالثه مكسور، وضمه مما ثالثه مضموم ظاهر؛ وإنما لم يفتحوا همزة الوصل مما ثالثه مفتوح نحو اِذْهَبْ خشية الالتباس بهمزة المضارع المبدوء بهمز المتكلم، فلو قلت: (اَذْهَبْ يا زيد بفتح الهمزة لالتبس بقولك: أنا أَذْهَبُ) .
وأنا القسم الثالث وهو الشاذ فهو ثلاثة أفعال فقط: (خُذْ وكُلْ ومُرْ) وقد أشار إليه بقوله:
(وشذ بالحذف مُرْ وخُذْ وكُلْ)
أي شذت عن قياس نظائرها من حيث أن ثاني مضارعها ساكن، ولم يتوصّلوا إليها بهمزة [//40/ ب] وصل، بل حذفوا ثانيها الساكن أيضاً فقالوا في الأمر من يَأْخُذُ ويَأْ مُرُ ويَأْكُلُ التي هي بوزن يَدْخُلُ ويَخْرُجُ: (خُذْ) و (مُرْ) و (كُل) لكثرة استعمالهم لهذه الكلمات، وكان القياس أن يقال أُؤخُذْ، اُؤْمُرْ، أُؤْكلْ، بهمزة وصل مضمومة، ثم همزة ساكنة وهي فاء الكلمة؛ لأنها على وزن يَدْخُلُ ويَخْرُجُ، وصيغ الأمر منهما: اُدْخُلْ واُخْرُجْ، وهذا إذا لم يستعمل (مُرْ) مع حرف العطف، فإن استعمل معه جاز فيه وجهان الحذف نحو: مُرْ زيداً ومُرْ عمراً، والتتميم على الأصل نحو {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} (1) و {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} (2) ، وإلى ذلك أشار بقوله (وفشا وَأْمُرْ) أي وفشا تتميم كلمة (مُرْ) مع حرف العطف، ومع كونه فاشياً فالحذف أكثر منه، وأما (خُذْ) و (كُلْ) فلم يستعملوهما مع حرف العطف ودونه تامّين إلا ندوراً وهو معنى قوله (ومستندر تتميم خذ وكلا) أي تتميمهما بهمزة وصل مضمومة على قياس نظائرهما نادر، وألف و (كلا) بدل من نون التوكيد الخفيفة.
تنبيهات:(38/305)
الأول: قال الشارح: اعلم أن كون الكلمة وردت عن العرب شاذة عن القياس لا ينافي فصاحتها كما في حَسِبَ يَحْسِبَ بالكسر في السين، وأَكرَمَ [//41/أ] يُكْرِمُ بحذف الهمزة التي بعد حرف المضارعة، ومُرْ وخُذْ وكُلْ؛ لأن المراد بالشاذ ما جاء على خلاف القياس، وبالفصيح ما كثر استعماله، وأما النادر فهو ما يقلّ وجوده في كلامهم سواء خالف القياس أم وافقه، والضعيف ما في ثبوته عندهم نزل بين علماء العربية، وقد يرشد إلى ما ذُكر مغايرة الناظم رحمه الله في العبارة بقوله: و (شذّ) و (فشا) و (مستندر) فإن الحذف لمّا كان في هذه الثلاثة مخالفاً للقياس كان شاذاً لكنه مع شذوذه أفصح من التتميم؛ فلهذا قال: وشذّ بالحذف مُرْ وخذْ وكُلْ، ولما كان تتميم (مُرْ) مع حرف العطف كثيراً مستعملاً لكن الحذف أكثر منه قال وفشا وَأْمُرْ، ولما كان تتميم خُذْ وكُلْ قليل الوجود في استعمالهم قال: ومستندر تتميم خذ وكل.
الثاني: ما ذكره الناظم رحمه الله تعالى في هذا الفصل هو الأمر بالصيغة وهو يختص بالمخاطب، فإن أريد أمر الغائب وغيره أدخل على الفعل المضارع لام الأمر مع بقاء حرف المضارعة، وهو حينئذ معرب بالجزم، ولم يأت فيه شيء مما ذكره المصنّف في هذا الفصل من حذف حرف المضارعة، ولا زيادة همزة الوصل ولا شذوذ في مر وخذ وكل؛ وذلك نحو: لِيَضْرِبْ لِيُكْرِمْ لِيَأْخُذْ [//41/ ب] لِيَأْمُرْ لِيَأكُلْ.(38/306)
الثالث: الأمر بالصيغة مبنيٌّ على الراجح وهو مذهب البصريين، إلا أنه جرى في بنائه مجرى المضارع المجزوم، ومذهب الكوفيين أنه معرب بالجزم، واستدلوا بإعطائه حكم المضارع المجزوم من حذف الحركة في الصحيح، وحذف الآخر في المعتل، وحذف النون التي هي علامة الرفع في الأمثلة الخمسة كافْعَلا وافْعَلُوا وافْعَلِى، وعندهم أن الجازم له لام الأمر مقدرة، ورد البصريون بأن إضمار الجازم ضعيف كإضمار الجار، وبأن الأصل في الفعل البناء، والأمر لم يشبه الاسم كما أشبهه المضارع فيعرب، وإنما حذفت منه الحركة والحرف لأنهما من علامات الإِعراب وهو غير معرب والله أعلم.
---
(1) من قوله:
رٌ والمضارع من فعلت إن جعلا
و (شطت) الدار (نسَ) الشيء (حرّ) نها
مضموم عين وهذا الحكم قد بذلا
عيناً له الواو أو لاماً يجاء به
(2) وتمامه: ورفعه بعد مضارع وهن.
سبأ:10.
النساء: 2.
(3) وهي ياء يبح وساء يسوء وناء ينؤ.
آل عمران: 186.
(4) هذا الفعل من (قَروَ) وليس من قرأ المهموز قال في اللسان: 15/175 "قروت البلاد قرواً وقريتها قرياً ... وقرا الأرض يقروها ... إذا تتبعها أرضاً أرضاً"، وعلى هذا فمراد المصنّف تتبعت القرآن حرفاً حرفاً..
فتح الأقفال: 97.
التسهيل: 197.
(5) هذا الفعل ورد في النسختين الخطيتين هذا (فح) والصواب ما أثبته.
(6) من قوله:
مضموم عين وهذا الحكم قد بذلا
عيناً له الواو أو لاماً يجاء به
(7) أي فإنه يضُّم.
(8) في خ وعدني.
(9) ينظر رأي الكسائي في الممتع لابن عصفور: 173، وشرح الشافية للرضي: 1/71، وارتشاف الضرب: 1/78.
وينظر رأي الجمهور في: الكتاب: 4/68، والسيرافي النحوي: 189، والمخصص: 14/177.
في ف المفاخر.
فتح الأقفال: 99.
(10) كلمة نوع ساقطة من ح.
(11) ] في خ: الحرفي.
كلمة ذلك سقطت من ح.(38/307)
البرية أصلها الهمز (البريئة) ثم سهلت الهمزة ياء، وأدغمت الياء بالياء، ومن العلماء من يرى أن البريّة أصلها من (برو) (البريوة) فقلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء ساكنة وهو أحد قولي الفراء.
ينظر تاج العروس (بري) : 19/198.
(1) الفعل برأ جاء مفتوح العين في الماضي من باب قرأ، وهي لغة أهل الحجاز وحكم عليها اللغويون بالفصاحة وسمع في مضارع هذا أعني المفتوح العين في الماضي الضم أيضاً من باب نصر، ولم يسمع الضم فيما لامه همزة في غير هذا الحرف وجاء الماضي مكسور العين من باب فرح وهي لغة بني تميم وحكم عليها العلماء بالفصاحة أيضاً، وجاء الماضي مضموم العين من باب كرم (برؤ) وهذه الأخيرة استضعفها العلماء.
ينظر تاج العروس (برأ) : 1/112.
الأعراف: 179.
في ب ذرأ
(2) هكذا في الأصول، والفعل رقأ بمعنى صعد لازم غير متعدٍّ وحكم عليه المعجميون بالندور قال في اللسان رقأ: 1/88 "ورَقَأ في الدرجة رَقْأً صعد عن كراع، نادر والمعروف رَقِيَ"، وقال في التاج: 1/164 "ورقأ في الدرجة كمنع صرّح به الجواهري وابن سيده وابن القوطية".
لأنبياء: 42.
أورد المصنف هذا الفعل على أنه مما اشتهر بكسر عين مضارعه، والمعجميون يخالفون ذلك فقد أوردوه على أنه من باب سعى قال في المحكم: 2/184 "النعي الدعاء بموت الميّت والإِشعار به نعاه ينعاه نعياً ونُعياناً"، وقال في تاج العروس: 20/254 "نعاه له نعياً ونعيّاً على فعيل ونُعياناً بالضم ظاهر هذا السياق كما للجوهري أنه من حدّ نصر على ما يقتضيه اصطلاحه عند عدم ذكر المضارع، والصواب أنه من حدّ سعى ففي المحكم نعاه ينعاه نعياً ونُعياناً أخبره بموته"، ولم يذكر هذا الفعل اللبلي في بغية الآمال، وأورد ابن القطاع والسرقسطي الماضي منه دون المضارع، ومن الشواهد على أنه من باب سعى قول جرير:
يا خير منْ حَجَّ بيتِ الله وَاعْتمَرا
يَنْعَى النُّعَاةُ أَميْر المُؤْمِنِين لَنَا(38/308)
الفعل نضح نصّ، المعجميون على أنه من، باب ضرب ومنع قال في المصباح المنير: 233 "نضحت الثوب نضحاً من باب ضرب ونفع وهو البلّ بالماء والرشّ"وقال في القاموس نضح: 313 "نضح البيت ينضحه رشّه… والقربه تنضّح رشحت"فكأنه قرّق بين الفعلين النضح بمعنى الرش جعله مكسوراً في المضارع، وبمعنى الرشح جعله مفتوحاً في المضارع، وتعقّب الزبيدي الفيروز أبادي فقال: 4/233 "قال شيخنا: قضية كلام المصنف كالجوهري أن نضح ينضح رشّ كضرب، والأمر منه كاضرب، وفيه لغة أخرى مشهورة كمنع، والأمر انضح كامنع حكاه أرباب الأفعال والشهاب الفيومي في المصباح وغير واحد ... حكى عن صاحب الجامع أن الكسر لغة وأن الفتح أفصح ونقله الزركشي وسلمه) اه.
(1) البلد:14.
(2) في ح أعطى له
فتح الأقفال: 107.
نما قال بكسرة بتاء الوحدة لموافقة النظم.
التسهيل: 197.
في ح وف جاءت عبارة (والنظم ثم) والذي أراه أن عبارة (والنظم ثم) مقحمة في الأصل، لأنها تتعارض مع النص.
بق التعليق على هذا الفعل وأن الراجح فيه نَعَى يَنْعَى بالفتح على القياس.
(3) أي وعينه حرف حلق.
في الأصول فصار، والصواب ما أثبته.
فتح الأقفال: 113.
(4) أي التنازع وهو يشير إِلى قول الناظم في الخلاصة:
قبل فللواحد مفهما العمل
إن عاملان اقتضيا في اسم عمل
فقوله (قبل) معناه أن شرط العاملين أن يكونا متقدّمين على المعمول المتنازع فيه، ومقتضاه أنه لو تأخر العاملان عن المعمول لم تكن المسألة من باب التنازع.
(5) في ح وف (الوجهين) بالنصب ولا أرى له وجهاً.
في ح: سنبه بالنون.
فتح الأقفال: 114.
هذا الفعل والذي قبله وردا في ح بصيغة واحدة هي (عضبه) .
(6) الحجرات: 14.
واختلف علماء اللغة في أصل الفعل يلتكم على ثلاثة أقوال:
أ- قال قوم هو من لات يليت كباع يبيع وهي لغة أهل الحجاز.
ب- وقال آخرون هو من ولت يلت كوصف يصف وهي لغة غطفان وأسد.(38/309)
ج- وقال فريق ثالث هو من ألت يألُت ويألِت فيكون من باب نصر وضرب وهو من الضرب الثالث.
ينظر الدر المصون: 10/13.
الطور: 21.
فتح الأقفال: 119.
في ح خدجدت
(1) فتح الأقفال: 123.
(2) في هدا الفصل مذهبان للنحاة:
الأول: مذهب سيبويه ومتقدّمي النحاة إذ يرون أن الأجوف الثلاثي إذا أسند إلى ضمير رفع متحرك ينقل من باب نصر إلى باب كرم إذا كان واوي العين، وينقل من باب ضرب إلى باب علم إن كان يائي العين، وقد انتقد الرضي هذا الرأي في شرح الشافية: 1/78 فقال: "الغرض يحصل بدون النقل من باب إلى باب… ولا ضرورة ملجئة إلى هذا النقل لا لفظية ولا معنوية".
والمذهب الثاني: وهو مذهب المتأخرين ومنهم ابن مالك يرون أنَّ الأجوف إذا كان:
أ - من باب علم كسرت فاؤه سواء أكان يائي العين ك (هبت) أم كان واوي العين ك (خفت) لأننا نقلنا إلى الفاء حركة العين في الماضي.
ب - إذا كان من باب نصر ولا يكون حينئذٍ إلا واوي العين ضمت فاؤه للدلالة على أن عينه واو لمّا تعذّرت الدلالة على حركة العين.
ج - إذا كان من باب ضرب ولا يكون حينئذٍ إلا يائي العين كسرت فاؤه للدلالة على أن عينه ياء لمّا تعذّرت الدلة على حركة عينه.
د - إذا كان من باب كرم ضمّت فاؤه للدلالة على حركة عينه وسمع منه طلت والوصف منه طويل.
ينظر في هذا: شرح التصريف الملوكي للثمانين بتحقيقنا: 506، وشرح الشافية للرضي: 1/79،وتصريف الأفعال لعنتر: 183، والمغني في تصريف الأفعال: 185.
إنما أورد المصنف خمسة أمثلة ليشمل أبواب الثلاثي فـ (قال) واوي العين من باب نصر وباع يائي العين من باب ضرب وخاف واو العين من فرح، وهاب يائي العين من باب فرح، وطال واوي العين من باب كرم
(3) أول قوله:
تلت وكان بتا الإضمار متصلا
وانقل لفاء الثلاثي شكل عين إذا اعـ
ـه اعتض مجانس تلك العين منتقلا)
(أو نونه وإذا فتحاً يكون فمنـ
(4) كلمة إذا سقطت من ح.(38/310)
في ح الواو وككرم بواو عطف. والدليل على أنه من باب كرُمَ مجيء الوصف منه على فعيل طويل، ولأنه ضد قصُرَ.
(1) في ح بضم الطاء.
(2) أي الصفة المشبهة باسم الفاعل، وكون الوصف منه على فعيل مرجّح لا لازم إذ سمع فاعل من فعُل اسم العين كفارةٍ من فرُه، وسمع فعيل من فعل المفتوح العين كعفيف من عفّ، وقد يأتي فاعل من طول قال الشاعر:
بَغِيْضُ إلى كُلِّ امْرِئٍ غَيْرِ طائلِ
لَقَدْ زاد ني حُبّاً لِنَفْسِيَ أنّنِي
وقال الآخر:
جَوْلَةً وَأَنْتَ على بِرْذْونةٍ غَيْرِ طائِلِ
أَرَيْتَ إذا جَالَتْ بِكَ الخَيْلُ
وقال أبو ذؤيب:
وَلَوْ عَلِمُوا لَمْ يَأْشِبُوني بِطائلِ
وِيَأْشِبُنِي فِيْها الَّذِيْنَ يَلُوْنَهَا
فالوصف في هذه الأمثلة جاء على وزن فاعل لا على وزن فعيل؛ لأن المراد به حينئِذٍ الدلالة على التجدد والحدوث، وكل فعل ثلاثي من أي وزن كان إن أريد به الدلالة على الحدوث والتجدد فاسم الفاعل منه يأتي على فاعل سواء أكان ماضيه على فَعَلَ أم على فَعِلَ أم فَعُلَ.
ينظر: شرح الشافية للرضي: 2/198، وتصريف الأسماء للطنطاوي: 108.
بفتح حرف المضارعة مبنيّ للمعلوم، أما المبني للمجهول فهو يقال بضم حرف المضارعة
(3) أبيات هذا الباب هي:
وَالى ووَلَّى استقَاَمَ احْرَنْجَمَ انْفَصَلا
كأعْلمَ الفعل يأتي بالزيادة معْ
وعارياً وكذاك اهْبّيّخَ اعتدلا
وافْعَلَّ ذا ألف في الحشو رابعة
لى مَعْ تَوَلَّى وخَلْبِسْ سَنْبسَ اتَّصَلا
تَدَحْرَجَتْ عَذْيَط احْلَوْلَى اسْبَطَرَّ تّوَا
قَى قَلْنَسَتْ جوْرَبَتْ هَرْوَلْتُ مُرْتَحِلا
واحْبَنْطَأَ أحْوَنْصَلَ اسْلَنْقى تمسْكَنَ سَلْ
شَفْتُ اجْفَأَظَّ اسلَهَمَّ قطْرَنَ الجملا
زَهْزَقْتُ هَلْقَمْتُ رَهْمَسْتُ اكْوَألَّ تَرَهْـ
م ادْلمَّس اهْرَمَّعَتْ واعْلَنْكَسَ انْتَخَلا
تَرْمَسْتُ كَلْتَبْتُ جَلْمَطَتْ وغَلْصَمَ ثم
لَقَ اضْمُمَنّ تَسَلْقَى واجْتَنِبْ خَلَلا(38/311)
واعْلَوَّطَ اعْثَوْجَجَتْ بَيْطَرْتُ سَنْبَلَ زَم
الزيادة كما قال قسمان: زيادة للمبنى وزيادة للمعنى فالزيادة التي تكون للإِلحاق فائدتها عائدة لبناء الكلمة لكي تلتحق الكلمة التي فيها الزيادة بكلمة أخرى أكثر منها حروفاً مثل اقعنسس السين الثانية فيها ملحقة بميم احرنجم ولولا الإِلحاق لوجب الإِدغام في السينين وقيل اقعنَسَّ ولهذا تسمى الزيادة هنا زيادة للمبنى، وقسم تكون الزيادة فيه دالة على معنى زائد لم يكن في الكلمة قبل الزيادة وتسمى الزيادة هنا زيادة للمعنى مثل خرج وأخرج خرج بنفسه وأَخرجه غيره الهمزة هنا للتعدية فالزيادة هنا أفادت معنى جديداً.
(1) مثال ذلك قولك سلم فالسين، واللام، والميم من حروف الزيادة ولكنها هنا كلها أصول، ومثله كلمة نوى فالنون والواو والياء هنا أصول وهي من أحرف سألتمونيها.
في ح بشرط.
(2) كلمة كان سقطت من ح.
أي المعوض عن فائه بالتاء كعدة.
(3) في ح ولم.
الألف لا تكون أصلاً إلا في الحروف والأسماء المبنية كألف على وإلاّ وحتّى وما فهذه ألفاتها أصول، أمّا الأسماء المتمكنة والأفعال، فألفاتها زائدة أو منقلبة عن أصل واو أو ياء.
وهو قوله:
صاحب زائد بغير مين
فألف أكثر من أصلين
(4) ولا يخرم هذه القاعدة النزاع في همزة أفعى والميم في موسى.
(5) جعل الصرفيون أدلة يستدل بها على الزيادة منها:
الاشتقاق، والتصريف، والكثرة، واللزوم، وعدم النظبر، والدخول في أوسع البابين، والمعنى المطّرد.
ينظر شرح التصريف الملوكي للثمانيني: 198، الممتع لابن عصفور: 1/ 39.
(6) كما قال المصنف هذا الحكم غالب لا لازم ومن غير الغالب مجيء فعل وأفعل بمعنى واحد بل هناك كتب مصنّفة لما جاء على وزن فعل وأفعل بمعنى واحد، وكذا الحكم في بقيّة أوزان المزيد فيه.
الكتاب: 2/ 58، 88.
(7) في ح للمكان.
مريم: 23.(38/312)
الصحاح كبب: 207 قال "كبه الله لوجهه أي صرعه فأكبّ على وجهه، وهذا من النوادر أن يقال أفعلت أنا وفعلت غيري "اه.
فتح الأقفال: 126.
فتح الأقفال: 135.
الكهف: 34.
ن قوله:
والى وولّى استقام احرنجم انفصلا
كأعلم الفعل يأتي بالزيادة مع
(1) سبأ:19.
الأعراف:160
يوسف: 23.
(2) في ح كقذيته عنه، وفي ف كقذّيت عنه، والتصويب من بحرق.
(3) في ح وقذذت البعير.
التكوير: 2.
لانفطار: 2.
(4) في ح انطغى بالغين، وفي ف كنطفأ.
(5) ويسمّي أيضاً التيتاء ومنه قول امرأة أعرابية:
يكاد يقتل من ناجاه إن سعلا
إني بليت بعذيوط به بخر
في ف كتابعته.
في ف التكرار.
[ (6) بارة بعد جرعة سقطت من ح.
(7) الحرف الزائد للإِلحاق على ضربين: إما أن يكون بتكرير حرف أصلي، وإما ألا يكون بتكرير حرف أصلي، فالأول وهو ما كان بتكرير حرف أصلي يوزن بما يوزن به الأصلي نحو جلبب ملحق بدحرج أي ألبسه جلباباً فالباء الثانية توزن باللام؛ لأنها مكررة ولا يصحّ أن يقال فعلب، والثاني وهو ما لم يكن بتكرار حرف أصلي فإنه يجعل في الميزان بذاته فيقال في وزن جوهر فوعل لأن الواو زائدة للإلحاق بجعفر، ولا يصحّ أن يقال وزن جوهر فعلل: لأن الواو ليست مكررة؛ ولهذا السبب قال المصنف وزن خلبس فعلس ولم يقل فعلل لأن السين ليست مكررة فجعلها في الميزان بذاتها.
ينظر شرح الشافية: 1/13. والمغني في تصريف الأفعال:
(8) جمهرة الأمثال: 1/211 وهو فيه: برق الخلّب وفصل المقال لأبي عبيد البكري: 112، ومجمع الأمثال للميداني:1/46 وهو فيهما: إنما هو كبرق الخلب.
(9) جزء من حديث نبوي شريف أخرجه أبو داود من طريق ابن عمر في سننه في كتاب البيوع باب يقول الرجل في البيع لا خلابة 3/765، وأخرجه أحمد في مسنده 2/72 عن ابن عمر قال: "ذكر رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يخدع في البيع فقال له: "من بايعت فقل لا خلابة" الحديث.
(10) في ح مستفعل.(38/313)
ي ح وف (وأصله من سنبس) ، فيكون الأصل والمزيد بلفظ واحد.
يستقيم الوزن دون ضرورة بجعل خلبس فعل أمرٍ بدل اعتباره فعلا ماضياً.
أي في أوّله.
بل ذكرت في الصحاح في باب الهمزة فصل الطاء (حطأ) ، ولعل المصنف والشارح لم يلحظا أن المادة ذكرت في غير موضعها الأصلي فحكما على أن الجوهري لم يذكرها في باب الهمز وقد تتبع ابن بري الجوهري في هذه المسألة. ينظر التنبيه والإِيضاح: 1/11.
(1) معنى اسلنقى واستلقى واحد وهو النوم على القفا، ولكن الوزن والمادة مختلفان فاسلنقى وزنها افعنلى من سلق، واستلقى وزنها استفعل من لقي.
المدرعة: ضرب من الثياب الصوف خاصة، لسان العرب درع: 7/82.
القلنسوة هي غطاء الرأس وفيها لغات: قَلَنْسُوة، وقلَنْسِيَة، وقَلْساة، وقَلَنْساة، وقَلْنِيْسَة بتقديم الياء على السين، ويرى ابن منظور أن الواو فيها زائدة لغير الإِلحاق كما أنها لغير معنى قال في قلس: 6/181 "والواو في قلنسوة للزيادة غير الإِلحاق وغير معنى، أما الإلحاق فليس في الأسماء مثل فَعَلّلَة، وأما المعنى فليس في قلنسوة أكثر مما في قلساة".
جلد: عطف بيان من لفافة.
أي الجوربين لكل رجل جورب.
(2) في فعوعل.
(3) في ح ستترته بتاءين.
(4) في ح كوهد.
أجاز النحاة في العدد إذا تأخر عن المعدود الموافقة بين العدد والمعدود كما هنا مراعاة لأحكام النعت والمخالفة مراعاة لأحكام العدد.
ينظر حاشية الصبان: 4/61.
على أن التفعيلة مخبونة في رواية المصنّف أو تامّة على الرواية الأخرى.
(5) شرح التسهيل: 3/462 "وغلصمه بمعنى غلصه".
فتح الأقفال: 147.
(6) فتح الأقفال: 147.
(7) شرح التسهيل: 3/461 "ومثال اِفْعَوْلَلَ واِفْعيَّلَ: اِعْثَوْجَجَ واِهْبَيَّخَ".
(8) فتح الأقفال: 248.
(9) فتح الأقفال: 148.(38/314)
أقول: من نظر إلى أنّ النون الثانية الساكنة لا يحكم بزيادتها إلا بثبت قال إن نون سنبل أصلية، ومن نظر إلى الاشتقاق وأن السبل والسنبل بمعنى واحد حكم على نون سنبل بالزيادة؛ ولهذا لم يقطع الشارح بأحد القولين.
أي أنَّ تجلبب ملحقٌ بتدرج، لا أنَّ جلبب ملحق بتدحرج كما قد يفهم لأن تجلبب خماسي يلتحق بالخماسي وجلبب رباعي يلتحق بالرباعي، أما جلبب فهو ملحق بدحرج المجرّد، والتاء في تدحرج للمطاوعة يقال: دحرجته فتدحرج، والتاء في تجلبب للإِلحاق.
(1) فتح الأقفال: 149.
يرى بعض علماء اللغة أن الأسلوب الرفيع في مثل هذه العبارة أن يقال وأن حركة الآخر نفسه؛ لأنه المتمشي مع أحكام التوكيد.
(2) من قوله:
ضمٌّ إذا بالرباعي مطلقاً وصلا
ببعض نأتي المضارع أفتتح وله
(3) في ح الدواة.
(4) يرْنأ فعل رباعي ماض مهموز اللام مشتق من اليُرَنَّاء وهو مثل الحنَّاء، قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث 5/295: "في حديث فاطمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن اليرنَّاء، فقال: "ممن سمعت هذه الكلمة؟ " فقالت من خنساء. قال القتيبي اليرنَّاء الحنَّاء، ولا أعرف لهذه الكلمة في الأبنية مثلاً"اه.
(5) من قوله:
ر الياء كسراً أجز في الآت من فَعِلا
وافتحه متّصلاً لغيره ولغيـ
(6) في ح المنفتح.
(7) هكذا في ح وف، ولعلّ الصواب كدحرج بصيغة الماضي ليوافق نظائره من الأمثلة التي ساقها في هذه المسألة.
(8) سمع من بعض العرب شذوذاً ضم حرف المضارعة في الخماسي والسداسي قال الثمانيني: 170 "وحكى قوم الضم في الخماسي والسداسي كأنهم حملوه على ذوات الأربعة وهذا شاذ لا يؤخذ بمثله:، وقال ابن الأنباري في أسرار العربية وهو يتحدث عن الفعل الخماسي والسداسي: 405 "على أن بعض العرب يضم حروف المضارعة منهما فيقول ينطلق ويستخرج بضم حرف المضارعة حملا على الرباعي".
(9) في ح سقط المضارع من السداسي.(38/315)
وهي اللغة الفصيحة؛ لأن العرب عابت تَلْتَلَةَ بَهْرَاءَ في مجلس معاوية وتَلْتَلَةُ بَهْرَاءَ كَسْرُ حروف المضارعة. ينظر مجالس ثعلب: 173، والكامل للمبرد: 765، وينظر مجلس معاوية في البيان والتبيين: 3/212، ودرة العواص: 83 1، والفائق للزمخشري: 3/312، والخزانة: 11/416.
(1) سمع الكسر في إحبُّ ونِحِبُّ ويِحِبُّ وهو من باب ضرب.
ينظر الكتاب: 4/109.
كسر حروف المضارعة فيه بحث طويل ألخصه في الآتي:
أولاً: كسر جميع حروف المضارعة بما فيه الياء: فيه لغات للعرب كالآني:
أ - بعض بني كلب بن وبرة يكسرون جميع حروف المضارعة بما فيها الياء في الأفعال التي ماضيها على وزن فَعِلَ كفرح سواء أكان الفعل صحيحاً أم مثالا واوياً. ذكر ذلك أبو حيان في البحر المحيط: 7/343.
ب - كسرت الياء في الفعل المثال الواوي دون الصحيح وهي لغة بني أسد، ذكر ذلك الجوهري في الصحاح (وجل) : 11/1840، واللسان (وجل) : 11/722.
ج – كسرت الياء في مضارع أبي وهو خاص بهذا الحرف من المهموز الذي على وزن فَعَلَ بفتح العين في الماضي، ذكر ذلك سيويه 4/110.
د - كسرت الياء في مضارع حبَّ المضعّف وهو خاص بهذا الحرف لأنه من باب ضَرَبَ، ذكر ذلك سيبويه: 4/109.
ثانياً: كسر حروف المضارعة وفتح الياء منها وهي لغة بني أسد وقيس وكلب وعامر بن صعصعة وغيرهم، وبينهم خلاف في المثال الواوي كوَجِلَ يَوْجَلُ يَيْجَلُ بفتح الياء وقلب الواو ياء، يِيْجُلُ بكسر الياء وقلب الواو ياء ويَاجَلُ بقلب الواو ألفاً مع فتح الياء.
ينظر في هذه اللهجات: الكتاب: 4/111، وتأويل مشكل القرآن: 39، الأصول لابن السراج: 3/265، والصاحبي: 34، والمنصف: 1/202، ودقائق التصريف: 255، والمخصص: 14/217 والأمالي الشجرية: 1/170، وشرح الشافية للرضي: 1/141، وشرح بانت سعاد لابن هشام: 159، ودراسات لأسلوب القرآن قسم الصرف: 1/682، واللهجات العربية في التراث: 388.
(2) في ح ورد هذا البيت هكذا:(38/316)
تا زائدا كتزكّى
وما تصدّر فيه همز الوصل أو التـ
وهو يخالف اللامية ولا يستقيم به الوزن، والبيت هو:
تا زائداً كتزكّى وهو قد نقلا
أو ما تصدّر همز الوصل فيه أو التـ
أو ما له الواو فاء نحو قد وجلا
في اليا وفي غيرها إن ألحقا بأبى
(1) الذين قرأوا بكسر همزة المضارعة هم الأعمش، والنخعي يحيى بن وثّاب وزرّ بن حبيش.
ينظر: إعراب القرآن للنحاس: 1/173، وتفسير القرطبي: 1/102، والبحر المحيط: 1/23، إتحاف فضلاء البشر: 122.
آل عمران: 106، والذين قرأوا بكسر حرف المضارعة هم: يحيى بن وثّاب وأبو رزين العقيلي وأبو نهيك. ينظر البحر المحيط: 3/293.
(2) هود: 113. ونسب الزمخشري في الكشاف: 2/296، وتبعه أبو حيّان في البحر المحيط: 6/220 هذه القراءة لأبي عمرو وهو أحد السبعة؛ ولم أقف عليها فيما اطلعت عليه من كتب القراءات منسوبة له، وعزاها ابن خالويه في الشواذ: 66 لابن وثّاب.
يس: 60، والذي قرأ بكسر حرف المضارعة هو يحي بن وثّاب كما في شواذّ القراءات لابن خالويه:126.
(3) في ح وإلى الحالة الثانية ويجوز ما يجوز فيها كسر حرف المضارعة الياء وغيرها.
أن وعد من باب ضرب، وليس من باب فرح.
(4) أصل هذا الفعل إئبى بهمزتين الأولى همزة المضارعة، والثانية فاء الكلمة فقلبت الثانية منهما ياء لاجتماع همزتين في كلمة واحدة الأولى منهما مكسورة والثانية ساكنة فقلبت الثانية منهما ياء وجوباً مثل إيمان أصلها إئمان من الأمن.
(5) في ح يوجل مكرر مرتين.
ي ح توجل ويوجل.
ي ح كلمة ليست واضحة كأنها أراجل.
ي ح ناجل.
تح الأقفال: 153.
(6) من قوله:
ذا الباب يلزم إن ماضيه قد حظلا
وكسر ما قبل آخر المضارع من
له فها قبل الآخر افتحنْ بولا
زيادة التاء أولا وإن حصلت(38/317)
يجدر بنا أن نشير هنا إلى مسألة مهمّة وهي أن البصريين ما عدا المبرد يرون أن الفعل المبني للمجهول فرع عن الفعل المبني للفاعل؛ ولهذا فإن أوزان الفعل الثلاثي الماضي المجرّد عندهم ثلاثة فقط فَعَلَ وفَعِلَ وفَعُلَ، والكوفيون والمبرد وابن الطراوة يرون أن الفعل المبني للمجهول رأس بنفسه، وعندهم أوزان الفعل الثلاثي المجرّد أربعة بزيادة صيغة المبني للمجهول.
ينظر: كتاب سيبويه: 4 /67، وهمع الهوامع: 6/36.
(1) يحذف الفاعل لأغراض عدّة، وهي في مجملها راجعة لأمرين إما أن يحذف لغرض لفظي، وإما أن يحذف لغرض معنوي، ويتفرّع كلّ منهما إلى مسائل منها: الجهل به، أو الخوف منه، أو للتناسب في الألفاظ، أو الإِبهام على السامع، أو لشهرة الفاعل لدى السامع وغير ذلك مما هو مبسوط في كتب النحو والبلاغة.
(2) من قوله:
مضموم الأول واكسره إذا اتصلا
إن أسند الفعل للمفعول فأت به
مضيّ كسراً وفتحاً في سواه تلا
بعين اعتل واجعل قبل الآخر في ال
يجب تسهيل همزة الأول للوزن.
كلمة أشار سقطت من ح.
أي العرب.
(3) الألف هنا ليست للإِطلاق بل هي هنا الروي لأنها أصلية لام الفعل تلا يتلو بمعنى تبع، أما ألف الإِطلاق فهي ألف زائدة نتيجة إشباع حركة الروي الفتحة حتى يتوّلد منها ألف تسمى الوصل قال في العقد الفريد: "أما الوصل فهو إعراب القافية وإطلاقها، ولا تكون القافية مطلقة إلا بأربعة أحرف: ألف ساكنة مفتوح ما قبلها من الروي، وياء ساكنة مكسور ما قبلها من الروي، وواو ساكنة مضموم ما قبلها من الروي، وهاء متحركة أو ساكنة مكنية، ولا يكون شيء من حروف المعجم وصلاً غير هذه الأحرف الأربعة: الألف والواو والياء والهاء المكنية؛ وإنما جاز لهذه أن تكون وصلاً ولم يجز لغيرها من حروف المعجم؛ لأن الألف والواو والياء حروف إعراب ليست أصليات، وإنما تتولد مع الإِعراب"اه.
ومثال ألف الإِطلاق قول جرير:
وقولي إن أصبت لقد أصابا
أقلي اللوم عاذلَ والعتابا(38/318)
فالألف في العتابا وأصابا هي ألف الإِطلاق؛ لأن الأصل العتابَ وأصاب.
ينظر في ذلك: العقد الفريد: 5/497، القوافي للتنوخي: 119، والوافي في العروض والقوافي: 202.
من قوله:
تاء المطاوعة اضمم تلوها بولا
ثالث ذي همز وصل ضمْ معه ومع
في ح تغوفل بالبناء للمجهول.
التسهيل: 77.
من قوله:
ـو اختار وانقاد كاختير الذي فضلا
وما لفا نحو باع اجعل لثالث نحـ
أي التاء الفوقية، والياء التحتية.
(1) كقوله تعالى {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ} بالإشمام في قيل وغيض في قراءة الكسائي وهشام، والقراء يسمّون الإشمام النحوي روماً.
ينظر: التيسير للداني: 72، والنشر: 2/208، إتحاف فضلاء البشر: 2560.
(2) وهم بنو فقعس ودبير قبيلتان من فصحاء بني أسد.
ينظر: شرح ابن عقيل: 1/358.
البيت من الرجز، وقد عزا الشيخ محمد عبد العزيز النجار في التوضيح والتكميل لبعضهم نسبته لرؤبه وقال: وقيل لراجز غير معيّن.
ويروي مكان نولين: نيرين، والنير بكسر النون علم الثوب أو لحمته؟ والنون اسم للخشبة التي يلف عليها الحائك الشقة المراد نسجها.
والبيت في المنصف: 1/250، وتخليص الشواهد: 495، والدرر اللوامع: 6/261، وتستشهد به جل شروح ألفية ابن مالك عند قول الناظم:
عيناً وضمٌّ جا ك (بوع) فاحتمل
واكسر أو اشمم فاثلاثي أعل
(3) عند قول ابن مالك:
في اختار وانقاد وشبهٍ ينجلي
وما لفا باع لما العين تلي
(4) من قوله:
هـ كالمضارع ذي الجزم الذي اختزلا
من افعل الأمر أفعل واعزه لسوا
(5) يوسف:12.
النمل:12.
(6) النمل: 10.
ي ح فهو.
من قوله:
صل ساكناً كان بالمحذوف متصلاً
أوله، وبهمز الوصل منكسراً
في ح سواهما، وما هنا نكرة ناقصة ويكون المعنى: وشملت عبارته فعلاً الحرفُ الذي يلي حرف المضارعة منه ساكن، وأصل العبارة هنا لبحرق.
أي حرف المضارعة
من قوله:
ـو اغزي بكسر مشم الضم قد قبلا
والهمز قبل لزوم الضم ضمّ ونحـ(38/319)
ص 6.
(1) في ح إشمام الكسر والضم.
(2) قال بحرق شارحاً هذه المسألة مبيناً حركة الزاي في الفعل اغزي: "كسرة الزاي الذي هو ثالث الفعل عارضة؛ لأن أصلها الضم، لكن صارت لازمة لضرورة كسر ما قبل ياء المؤنثة". فتح الأقفال: 162.
(3) من قوله:
وأمر ومستندر تتميم خذ وكلا
وشذّ بالحذف مر وخذ وكل وفشا
(4) طه: 132.
(5) الأعراف: 199.
(6) في ح جملة: "وأما خذ وكل فلم يستعملوهما مع حرف العطف ومع كونه فاشياً فالحذف أكثر منه"تكررت مرتين.
(7) من تتميم خذ قول طريح بن إسماعيل الثقفي:
فقد نزلت بمنزلة الضياع
تحمّل حاجتي وأخذ قواها
ينظر هذا الشاهد في شرح التصريف الملوكي للثمانيني بتحقيقنا وقد تم تخريجه والتعليق عليه هناك.
(8) كلمة علماء سقطت من ح.
(9) في ف ما ذكرناه.
(10) عبارة لما كان سقطت من ح.
في ح سقطت عبارة (كُلْ قليل) .
(11) من تتميم كل قول بعض العرب اؤكل كما في اللسان: أكل 11/19 "وقد أخرج على الأصل فقيل اؤكل"
أما تتميم خذ فكقول الشاعر:
فقد نَزَلَت بمنزلة الضَّيَاع
تَحَمَّلْ حاجتي واأخذ قُوَاها
(12) في ح كما مر.
(13) في ح مع فاء المضارعة.
(14) حركة لام الأمر الكسر، وفتحها لغة سليم، فإن سبقت بالواو أو الفاء أو ثم جاز فيها وجهان: التحريك على الأصل، والإِسكان نحو {فَلْيَسْتَجِيْبُوا لي وَلْيُؤْمِنُوا بي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} و {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}
ولكنّ إسكان اللام بعد الواو والفاء أكثر من تَحريكها، وتحريكها بعد ثم أكثر من إسكانها.
ينظر: ابن يعيش: 9/ 139، ورصف المباني: 303، والجنى الداني: 111، ومغني اللبيب: 294.
ينظر في هذه المسألة: المقتضب: 2/3، 4، 131، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 1/11، والأمالي الشجرية: 2/355، والتبيين للعكبري: 176، وأسرار العربية: 317، والإِنصاف: المسألة 72.(38/320)
أصُول عِلْمِ العرَبِيَّةِ فِي المَدِينَةِ
تأليف
د./ عبد الرَّزّاق بن فرّاج الصَّاعدي
الأستاذ المساعد في قسم اللغويات
بكلية اللغة العربية الجامعة الإسلامية
المقدّمة
الحمد لله الذي خلق الإنسان، واختصه بنطق اللسان، وفضيلة البيان، وجعل له من العقل الصَّحيح والكلام الفصيح منبئًا عن نفسه، ومختبرًا عَمّا وراء شخصه، وصلى الله على خاتم أنبيائه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد؛ فقد صُنِّف في نشأة علوم العربيَّة الشَّيء الكثير، وأفردت الكتب لرجالاتِها، وجمعت أخبارهُم، وصُنِّفوا بحسب طبقاتهم، أو بيئاتهم، أو أسمائهم، فمنهم البصريون ومنهم الكوفيون ومنهم البغداديون.
ولم يشر أصحاب التَّراجم والطّبقات إلى بيئة المدينة اللغوية أو النّحويَّة، أو إلى نشأة النّحو فيها، وانطلاقه منها إلى سائر الأمصار كالبصرة ثم الكوفة ثم بغداد.
ولم يكتفوا بإهمالهم دور المدينة في هذا الشأن، بل نفى بعضهم عن المدينة أيَّ صلة بالنّحو أو اللّغة، ووصفها بالخلوّ من علماء ذلك العلم الَّذي يطلق عليه عند القدماء: العربيَّة.
يقول صاحب "المراتب"بعد حديثه عن البصرة والكوفة: "ولا علم للعرب إلا في هاتين المدينتين، فأمَّا مدينة الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - فلا نعلم بها إماماً في العربية".
ونقل عنه ذلك جماعة من علماء التَّراجم المشهورين، كياقوت والسُّيوطي.
ويقول ابن يعيش: "لا أدري لأهل المدينة مقالة في النَّحو".
ويقول الجاحظ من قبلهم: إنَّ اللَّحن في أهل المدينة فاشٍ وفي عوامّهم غالب.
وُيروى عنِ الأصمعي أنَه كان ينفي عن أهل المدينة وعلمائها العلم بالشِّعر- أيضا- ويصف حالهم في زمانه في القرن الثاني ويقول: "أقمت بالمدينة زماناً ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة إلا مصحّفة أو مصنوعة".(38/321)
ثم نجد من المعاصرين من أصحاب المناهج العلميَّة من يقول: "وفي غير العراق كان الاشتغال بالعربية حقا جدّ ضئيل، فبينما كانت في البصرة والكوفة مدرستان خاصتان بالنَّحو، وحذت حذوهما بعد ذلك بغداد بمدرستها الَّتي نزعت إلى الجمع والتّوفيق بين المدرستين لم تقم بالمدينة- مثلاً- علوم اللُّغة على أساس وطيد".
ويقول: "ويجوز لنا بما تقدم أن نفترض أنّ اللغة العربية في المدينة لم تحظ بعناية خاصة".
ويقول: "إنَّ النَّحو وعلم اللَّغة لم يجدا بالمدينة تربة خصيبة".
ويقوله آخر: "فالبصرة أوّل مدينة عنيت بالنَّحو واللُّغة".
وبعد هذه الأحكام التي تصفى أهل المدينة بالضعف في العربية والبعد عن الاشتغال بفنونها، كاللًّغة والنَّحو ورواية الشِّعر نجد من يخالف هذه الآراء من القدماء، وهو ابن برهان النَّحوي (456 هـ) إذ يقول: "النَّحويون جنس تحته ثلاثة أنواع: مدنيّون وكوفيّون وبصريّون".
ويقول أحد المعاصرين: "لو أنَّ منصفاً تتبع أصول النّحو الأولى لوجد أنّها نبتت في المدينة وظلت تنمو شيئا فشيئاً".
فيتبيّن بعد هذا أنّ نشأة العربية لغة ونحواً لم تزل يكتنفها شيء من الغموض، وأنّ ثمة حاجة للكشف عن رجالات هذا العلم في المدينة.
ومن هنا جاءت فكرة هذا البحث الَّذي رجوت أن أكشف من خلاله عن نشأة الدراسات اللُّغويَّة في المدينة، وأتعرف على أعلامه في هذه المدينة المباركة في القرنين الأول والثاني، وجعلته بعنوان "أصول علم العربية في المدينة"فجاء في أربعة فصول:
الأول: عوامل نشأة الدَّرس اللًّغوي.
والثاني: منشئ علم العربيَّة.
والثالث: من أعلام الدَّرس اللغوي في المدينة في القرنين الأول والثاني.
والرابع: من مظاهر الدّرس اللُّغوي في المدينة.
ولم أشَأ التَّفريق بين النَّحو واللُّغة، أو بين النَّحويين واللُغويين، فذاك متعذّر، لأنّ علوم العربيَّة متداخلة في القرنين الأول والثاني، قبل أن تنفصل فيما بعد.(38/322)
وقد شغلني هذا البحث زمنا ليس بالقصير، وأنفقت فيه جهدا في البحث في المصادر، واستقصاء الأقوال، والتَّنقيب في تراجم الرِّجال من اللُّغويين والنّحاة والقرَّاء والمحدِّثين والأدباء، وكنت كمن يجمع اللآلئ من أعماق المحيط في صبر وأناة، حتَّى منَّ الله عليه بما تقرُّ به العين، ولذلك كانت سعادتي بإنجازه كبيرة، مع أني لا أدَّعي الإحاطة والاستيعاب.
فأرجو من الله أن ينفع به وألا يحرمني ثوابه، وآمل من زملائي الباحثين والمحققين أن يرقعوا ثقوبه ويستروا عيوبه، بإصلاح ما طغى به القلم، وزاغ عنه البصر، وقصّر عنه الفهم، فالإِنسان محل النِّسيان، وعلى الله التكلان، ومنه العون والتَّوفيق.
وكتب
عبد الرَّزّاق بن فرّاج الصَّاعديّ
المدينة النَّبويَّة في: 20/12/ 1416هـ
الفصل الأول
عوامل نشأة الدَّرس اللُّغويّ
كانت العربية في العصر الجاهلي نقية صافية بفضل الطّبيعة الجغرافية لأرض العرب؛ فالبحر يحيط بجزيرتهم من ثلاث جهات فيحجزهم عن الأمم المجاورة، وتحدّ حياتهم القبليَّة وطبائعهم الاجتماعية من انسياحهم في الأرض باتِّجاه الشَّمال.
لقد هيَّأهم الله - عزَّ وجل - بذلك لأمر عظيم، وهيَّأ لغتهم لأن تكون أداة لذلك الأمر، فكانت لغتهم نقية من الشَّوائب صافية حين نزل القرآن الكريم على نبي الرَّحمة والهدى محمد - صلى الله عليه وسلم -.
كانت العربية في ذلك الوقت نقية تنساب على ألسنة أبنائها بيسر وسهولة في أصواتها وأبنيتها وتراكيبها دون حاجة إلى إعمال فكر أو تكلُّف، وهم يفهمون دلالتها بالفطرة الَّتي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، ولم تكن ثمة حاجة لما يعضد السَّليقة وُيقوِّيها كاللُّجوء إلى ضوابط أو قواعد تأتي من خارج الفطرة، فقد كانت السَّليقة اللُّغويَّة هي المهيمنة، وهي الحامية من الخطأ.(38/323)
ثم جدَّت أمور، وتبدلت أحوال، فتكدَّر صفو اللُّغة، وضعفت السَّلائق واختلَّت، فنشأت الحاجة إلى ضوابط للغة من خارج السليقة يلجأ إليها المتكلِّم، وتساعد السَّامع على فهم اللُّغة على الوجه الأكمل.
وكان ظهور ذلك على وجه التَّحديد في الصدر الأول للإسلام إبَّان الخلافة الرَّاشدة في المدينة، ثم تفاقم الأمر وازدادت الحاجة - فيما بعد - فتهيأت العوامل لنشأة الدَّرس اللّغوي ابتداءً في المدينة، كظهور اللحن، وتهديده لغة الدِّين الإِسلامي، وزحفه إلى النَّص القرآني الكريم.
ويمكن أن نوجز هذه العوامل الّتي أدَّت إلى نشأة الدَّرس اللُّغوي والنَّحوي على وجه الخصوص في ثلاثة عوامل، وهي:
1- ظهور اللحن وانتشاره.
2- حماية القرآن من اللحن.
3- فهم القرآن ودرسه.
وفيما يلي تفصيل لهذه العوامل الثلاثة:
أولاً: ظهور اللحن وانتشاره
للحن معان، منها ما اصطلح عليه النُّحاة، وهو مخالفة العرب في سنن كلامهم، أو كما يقول ابن فارس: "إمالة الكلام عن جهته الصَّحيحة في العربية". وهو الذي يعنينا من معانيه في هذا البحث.
ويميل كثير من الباحثين إلى أنَّ اللحن بهذا المعنى لم يكن معروفاً في العصر الجاهلي، وإنّما شاع في العصر الإسلامي في المدينة ابتداءً، بسبب اختلاط العرب بغيرهم، ودخول الأعاجم في دين الله أفواجاً، واتّصال العرب بالأمم المجاورة.(38/324)
يقول أبو بكر الزُبيديّ: "ولم تزل العرب تنطق على سجيتها في صدر إسلامها وماضي جاهليتها، حتَّى أظهر الله الإسلام على سائر الأديان، فدخل النَّاس فيه أفواجاً، وأقبلوا إليه أرسالاً، واجتمعت فيه الألسنة المتفرقة، والُّلغات المختلفة، ففشا الفساد في اللُّغة العربيَّة، واستبان منه الإعراب الَّذي هو حليها، والموضح لمعانيها، فتفطّن لذلك من نافر بطباعه سوء أفهام النّاطقين من دخلاء الأمم بغير المتعارف من كلام العرب، فعظم الإشفاق من فشوّ ذلك وغلبته حتَّى دعاهم الحذر من ذهاب لغتهم وفساد كلامهم إلى أن سبَّبوا الأسباب في تقييدها لمن ضاعت عليه، وتثقيفها لمن زاغت عنه".
ومن المؤكّد أن البوادر الأولى للحنِ ظهرت في المدينة على مسمع من النَّبي- صلى الله عليه وسلم - فقد روت المصادر أنَّ رجلا لحن بحضرته فقال - عليه الصَّلاة والسلام -: "أرشدوا أخاكم فقد ظل" (1) . أو"أرشدوا أخاكم فإنَّه قد ظلَّ" (2) .
وتكاد تنطق عبارة الحديث بأنّ هذا اللحن هو أوَّل لحن سمعه الرًّسول - صلى الله عليه وسلم - ومن ثم دعا إلى ضرورة التّصدِّي له، ولو كان اللحن معروفا عند العرب قبل ذلك العهد لجاءت عبارة الحديث على غير هذا الوجه.
ويبدو أن اللحن أخذ في التفشِّي والانتشار فأصبح أمره معروفاً، فقال النّبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك بحين: "أنا من قريش، ونشأت في بني سعد فأنَّى لي اللحن؟ " (3) .
وروي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنّه كان يقول: "لأن أقرأ فأسقط أحبّ إليّ من أن أقرأ فألحن".
وفي هذا النص - أيضاً - دلالة على أنَّ اللحن كان معروفاً زمن أبي بكر الصِّديق، متفشِّيا بين عامة النّاس، ومنه ما يقع في القرآن، وهو أشنع ما يكون من اللحن.(38/325)
وازدادت المرويات من اللَّحن في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فمن ذلك أنّه مرَّ بقوم يرمون ويسيئون الرمي، فغضب منهم وقال لهم: "بئس ما رميتم، فقالوا: إنّا قوم متعلمين [أو نحن قوم رامين] فقال: والله لخطؤكم في كلامكم أشد من خطئكم في رميكم، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "رحم الله امرأ أصلح من لسانه" (1) .
وكتب كاتب لأبي موسى الأشعري إلى عمر: "من أبو موسى"فكتب عمر إلى عامله: "سلام عليك، أما بعد، فاضرب كاتبك سوطاً واحدا، وأخّر عطاءه سنة" أو "إذا أتاك كتابي هذا، فاجلده سوطاً واعزله عن عمله".
وُيروى أنَّ أعرابيَّاً دخل السُّوق فوجدهم يلحنون فقال: "العجب، يلحنون ويربحون".
وقد فشا اللَّحن زمن الأمويين، وانتشر بين العامة والخاصة، ولم يسلم منه الأمراء والوزراء وأهل الرِّياسة، فقد قيل: إنّ الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك كان لُحَنَةً. رووا أنّه خطب النَّاس يوم عيد، فقرأ في خطبته: "ياليتُها كانت القاضية"بضم التَّاء، فقال عمر بن عبد العزيز: عليك وأراحنا منك.
وروى الجاحظ أنّ كُتُب الوليد كانت تخرج ملحونة، فسأل إسحاقُ بن قبيصة أحد موالي الوليد: "ما بال كتبكم تأتينا ملحونة، وأنتم أهل الخلافة؟ ".
وخطب الوليد في أهل المدينة، وقال: "يا أهلُ المدينة"بضم اللام.
وأحصوا اللّحّانين من البلغاء، فعدّوا منهم خالد بن عبد الله القسري، وخالد بن صفوان، وعيسى بن المدور، وكان الحجَّاج بن يوسف يلحن أحياناً.
وهكذا انتشرت جرثومة اللحن مع مرور الأيام، فأعدت العامةُ الخاصةَ، وقد أثر عن إمام دار الهجرة أنّه كان يقول: "أي مطراً"بدل "أي مطرٌ"وكان شيخه ربيعة بن عبد الرَّحمن فقيه أهل المدينة المشهور بربيعة الرَّأي يلحن في الإِعراب - أيضاً - ويقول: بخيراً.(38/326)
وبلغ من أمر اللحن - فيما بعد - أن تسرب إلى ألسنة أكثر العلماء، فتساهلوا في أمره، قال ابن فارس: "فأما الآن فقد تجوَّزوا، حتَّى إنَّ المحدث يحدث فيلحن، والفقيه يؤلف فيلحن، فإذا نُبِّها قالا: ما ندري ما الإعراب، وإنَّما نحن محدّثون وفقهاء".
وصار من لا يلحن في زمن الأصمعي خارجاً عن المألوف، قالت الأصمعي: "أربعة لم يلحنوا في جد ولا هزل: الشعبي، وعبد الملك بن مروان، والحجاج بن يوسف، وابن القرية، والحجاج أفصحهم".
وقد كان النَّاس في صدر الإِسلام يجتنبون اللحن فيما يقولونه أو يقرأونه أو يكتبونه اجتنابهم بعض الذنوب، وكان دافعهم لاجتناب اللحن شعورهم بوراثتهم لغتهم معربة، وهي لغة القرآن والدين.
وكان بعض السَّلف يقول: "ربما دعوت فلحنت فأخاف ألا يستجاب لي ".
وقد يحدث بعضهم بحديث فيلحن فيه، فيقول: "استغفر الله"يعني أنَّه عدَّ اللحن ذنباً، فيقال له فيه فيقول: "من أخطأ فيها فقد كذب على العرب، ومن كذب فقد عمل سوءاً".
وروي عن عمر بن الخطاب أنَّه جعل اللحن من الافتراء.
وكان عمر بن الخطاب يضرب أولاده على اللحن ولا يضربهم على الخطأ في غير اللغة.
وأثر مثل هذا عن ابنه عبد الله - رضي الله عنهما -.
وبعد هذا الفيض من الرِّوايات فإنَّه لا سبيل إلى إنكار ظهور اللحن في المدينة منذ الصدر الأول، واستفحال أمره فيما بعد في سائر الأمصار، لاختلاط العرب بغيرهم.
ومن الطبيعي أن يصحب ذلك إحساس بالحاجة إلى ضبط قواعد اللّغة الفصحى، ومن المؤكد أنَّ ذلك الإحساس نشأ منذ الصَّدر الأول في المدينة في عهد الخلفاء الراشدين، وربما كان ذلك منذ عهد النَّبي - صلى الله عليه وسلم.(38/327)
وتدلًّ الرِّوايات الَّتي أوردنا شيئاً منها على إلمام النّبي - صلى الله عليه وسلم -وصحابته في المدينة إلماما فطرياً بالتَّراكيب النَّحويَّة، والإعراب بخاصة، وقد كانوا على قدر من الإدراك بأصول الكلمات واشتقاق الألفاظ، هدتهم إليه سلائقهم اللُّغويَّة النَّقيَّة، وسماعُهم ما يخالفها من لحن.
روى ابن جني ما حُكي عن النّبي - صلى الله عليه وسلم - وقد جاءه قومٌ من العرب،. فسألهم عليه السَّلام، فقال: من أنتم؟ فقالوا: بنو غيَّان، فقال: بل أنتم بنو رشدان، قال ابن جني معقّباً: "أولا تراه - صلى الله عليه وسلم - كيف تلقّى (غيان) بأنّه من الغيّ، فحكم بزيادة ألفه ونونه، وترك عليه السلام أن يتلقَّاه من باب (الغين) وهو إلباس الغيم من قوله:
كَأنّي بَيْنَ خَافِيتَي عُقَابٍ
تُرِيدُ حَمَامَةً فِي يَوْمِ غَيْنِ
يدلُّك على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - تلقَّاه بما ذكرنا أنّه قابله بضده، فقال: بل أنتم بنو رشدان، فقابل الغي بالرُّشد، فصار هذا عياراً على كل ما ورد في معناه.
وتدلُّ الرِّوايات على إلمام عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - بأساليب اللًّغة ودقائقها التّعبيريَّة، وكان من أشد النَّاس حرصاً على نقائها، وسلامة أساليبها، وكان يحثُّ على تعلُّمها، فقد روي عنه قوله: "تعلموا العربية، فإنَّها تثبت العقل، وتزيد في المروءة".
وروي عنه - أيضاً - أنّه كتب إلى أبي موسى الأشعري: "أن مُرْ من قِبَلَكَ بتعلم العربية، فإنَّها تدلُّ على صواب الكلام".
والعربية هذه هي عربية المصطلح القديم الَّتي تقابل في مدلولها كلمة النَّحو، لأنَّها تدلُّ - كما يفهم من قول عمر - على صواب الكلام، أي يهتدي بها إلى صواب الكلام.(38/328)
ومهما يكن من أمر فإنَّ ثمة ما يشبه الإِجماع على أنَّ ظهور اللحن وتفشيه في الكلام وزحفه إلى القرآن والحديث هو الباعث الأول على تدوين اللُّغة. واستنباط النَّحو، لأنَّ علم العربيَّة ككل العلوم في نشأتها تتطلبه الحوادث وتقتضيه الحاجات.
ولهذا قال الدُّكتور محمد خير الحلواني: "والحقّ أنَّ نشأة النَّحو ترتبط بجذور الحياة الإسلاميَّة في ذلك الزَّمن".
وقال الدُّكتور أحمد إبراهيم سيد أحمد: "لو أنَّ منصفاً تتبع أصول النّحو الأولى لوجد أنّها نبتت في المدينة وظلت تنمو شيئا فشيئاً".
وتلك نتيجة حتمية؛لأنَّ ضوابط اللُّغة وقوانين الإعراب هي العاصمة من الزَّلل، والمُعَوِّضة عن السَّليقة بعد أن شاع اللحن واضطربت الألسن، وتأثر العرب بالعجم في المدينة أولا، ثم في باقي الأمصار الإسلاميَّة ثانياً.
ثانياً: حماية القرآن من اللَّحن
أخذ اللَّحن يتهدَّد النَّص القرآني ويزحف إليه منذ أن ذرَّ بقرنه في المدينة في عهد الخليفة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - الَّذي كان يختار أن يسقط في قراءته القرآن على أن يقع في اللحن كما تقدَّم.
والخطأ في القرآن عند عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - خير من اللَّحن، يقول: "لأنِّي إذا أخطأت رجعت، وإذا لحنت افتريت".
وهذا دليل واضح على وقوع اللحن في القرآن من بعض المسلمين، وبخاصة العوامّ.(38/329)
وتذكر بعض المصادر في حديثها عن أسباب وضع النَّحو لحنة مشهورة وقعت في القرآن أيام عمر بن الخطاب، فأمر عمر ألا يقرأ القرآن إلا عالم باللُّغة، فقد روى القرطبي عن ابن أبي مليكة ما نصه: "قدم أعرابي في زمان عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - فقال: من يقرئني ممَّا أُنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: فأقرأه رجل (براءة) فقال: {إنَّ الله بَرِيءٌ منَ الْمُشْركِينَ وَرَسُولِهِ} وهو بالجرّ، فقال الأعرابي: أوقد برئ الله من رسوله؟ فإن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه، فبلغ عمر مقالة الأعرابي، فدعاه، فقال: يا أعرابي؛ أتبرأ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي قدمت المدينة، ولا علم لي بالقرآن، فسألت من يقرئني، فأقرأني هذا سورة براءة، فقال: {إنَّ الله بَريءٌ منَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ} فقلت: أوقد برئ الله من رسوله، إن يكنَ الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه. فقال عمر: ليس هكذا يا أعرابي، قال: فكيف هي يا أمير المؤمنين؟ قال: {إنَّ الله بَريءٌ منَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} فقال الأعرابي: وأنا أبرأ ممن برئ الله ورسوله منه. فأمر عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - ألا يُقرئ النَّاس إلا عالم باللُّغة، وأمر أبا الأسود فوضع النّحو".
ومثل هذه الرِّواية في "نزهة الألباء" لأبي البركات الأنباري، وفي غيره.
وقيل: إنَّ هذه الحادثة كانت زمن الخليفة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وإنَّه هو الَّذي أمر أبا الأسود بوضع النَّحو.
وروي أنَّ أبا الأسود هو الَّذي سمع اللحن في تلك الآية، فقال: "ما ظننت أمر النَّاس آل إلى هذا " أو قال: "لا أظن يسعني إلا أن أضع شيئاً أصلح به نحو هذا، أو كلاماً هذا معناه، فوضع النَّحو".
وروي أنَّ عليَّا سمع أعرابيَّاً يقرأ: {لا يَأْكُلُهُ إلا الْخَاطِئِينَ} فوضع النَّحو.(38/330)
وربما لحن في القرآن من هم في المقام الرَّفيع من اللُّغة، كالحجَّاج؛فقد روي أنّه قال ليحي بن يعمر: "أتسمعني ألحن على المنبر؟ قال: الأمير أفصح من ذلك. فألحَّ عليه، فقال: حرفاً، قال: أيّا؟ قال: في القرآن. قال الحجَّاج: ذلك أشنع له، فما هو؟ قال: تقول: {قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكْمْ} إلى قوله عزَّ وجلّ: {أَحَبَّ} فتقرؤها {أَحَبُّ} بالرَّفع، والوجه أن تقرأ بالنَّصب، قال: لا جرم، لا تسمع لي لحنا أبداً، فألحقه بخراسان ".
وبهذا يمكن القول: إنَّ الخطوة الأولى في وضع النَّحو العربي كانت بمثابة ردّ فعل مباشر لتسرُّب اللحن إلى العربيَّة بعامة وإلى القرآن بخاصة، وقد كان الوسط العام في المدينة مفعماً بمقاومة اللحن في القرآن، وكانت صدور خاصة مهيئة لظهور علم جديد يتصدى لزحف اللحن إلى النَّص القرآني، ولابدَّ أن يكون قد صاحب ذلك جهود تمثلت في تأمل اللّغة، والنّظر في مفرداتها وتراكيبها، فكانت تلك التأمُّلات وما نتج عنها من ملحوظات لغوية في الصَّدر الأول من الإسلام هي النواة الأولى للنَّحو العربي، وممَّا يؤكد ذلك أنُّ جُلَّ النُّحاة القدماء كانوا من القراء أو ممَّن اشتغل بالدِّراسات القرآنيَّة.
ثالثاً: فْهم القرآن ودرسه
استأثر القرآن الكريم منذ نزوله بانتباه المسلمين وعنايتهم، فنشأ إلى جانب الرغبة في تلاوته، وفهم نصوصه الحرص على إدراك أسراره، والوقوف على أغراضه ومراميه، وفجّر بذلك الطَّاقات الكامنة في عقولهم، وأزال عنها الكثير من الغبش؛ الذي كان يحجبها عن الرؤية الصَّحيحة للكون والحياة والُّلغة - أيضا.
وقد شيَّد المسلمون بنيانهم العلمي الأصيل على القرآن، فنشأت في كنفه علوم شتَّى، كالتَّفسير والقراءات والرِّواية والفقه، وظهر العلماء في هذه العلوم، وبرز كثير منهم في المدينة، فاختص علي بن أبي طالب بالقضاء والتّفسير، وزيد بالفرائض ومعاذ بالفقه وأُبيّ بالقراءة.(38/331)
ومن العلوم الَّتي نشأت في كنف القرآن العربيَّةُ ومن فروعها الأصوات والنَّحو والدّلالة والمعجم، وكان النَّحو العربي في نشأته من أشد العلوم التصاقا بالقرآن.
وقد أدرك الباحثون المعاصرون الارتباط الوثيق بين القرآن الكريم والعلوم في نشأتها بعامة، والنّحو بخاصة، وفي هذا يقول الدكتور مهدي المخزومي: "وراحت كل طائفة منهم تتَّجه اتِّجاهاً خاصاً في دراسته، فنشأت:
طائفة اتَجه نشاطُها إلى تصحيح متن القرآن عن طريق الرِّواية، وهي طائفة القُرَّاء.
وطائفة راحت تدرس القرآن لتفهم الأحكام الّتي تتضمنها، ممَّا هو لازم لبناء المجتمع، وهي طائفة الفقهاء.
وطائفة اتَّجهت اتّجاهاً لغويًّا، فأخذت تعني بإعراب نصوص القرآن مستعينة برواية اللُّغة، ثم توسَّعت في ذلك، فتناولت بالدِّراسة علل التأليف، أو علل الإعراب، وهي طائفة النُّحاة.
فالنَحو - إذن - وليد التَّفكير في قراءة القرآن".
ويقول الدُّكتور محمد خير الحلواني: "والحق أنَّ نشأة النّحو ترتبط بجذور الحياة الإسلاميَّة في ذلك الزَّمن، وترتدّ إلى ما ترتدّ إليه نشأة العلوم الأخرى من لغوية ودينية وفلسفية، وكان القرآن الكريم محور هذه الجذور، وهو الركيزة الأساسية فيها.
إذن فإن نشأة العربية - بمعناها الاصطلاحي - انطلقت من قراءة القرآن؛ لأنّ القراءة القرآنية هي التي دعت إلى ظهور علم الأصوات الذي نضج عند العرب، فالمقرئ كان مضطراً إلى إخراج الحروف مخرجاً فصيحا وكان مضطراً - أيضاً - إلى معرفة المدّ وقوانينه؛وإلى أحكام الهمز ومعرفة لهجات العرب فيه، كما كان عليه أن يعرف ضوابط الإدغام والإظهار والإقلاب والغنّة.
وإلى جانب هذا كلّه كان القرآن الكريم سبب ظهور علم الغريب، وما جرّ إليه من جمع الشعر والنوادر والرحلات العلمية إلى البوادي ... لأن في كلمات القرآن ما في كلمات الشعر من غرابة أحياناً، تحتاج إلى شرح وتوضيح باعتماد العرف اللغوي السائد يومئذٍ".(38/332)
ثم يقول: "ومن الطبيعي أن يكون القرآن - أيضاً - سبب ظهور علم النحو، لأن النحو دراسة للتركيب اللغوي، ورصد للظواهر الإعرابية الناجمة عن القرائن اللفظية، التي سميت فيما بعد بالعوامل النحوية، وقراءة القرآن تعتمد اعتمادا بارزاً على تغير أواخر الكلمات؛ أي: الإعراب".
وإلى مثل هذا يذهب كثير من الباحثين المعاصرين.
نعم؛ لقد بدأت العلاقة بين العربية بمفهومها العام والقرآن مبكرة في المدينة على يد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تفسيره بعض الآيات المشكلة، والألفاظ الغريبة، وفي حثه على تدبر ألفاظ القرآن ومعانيه والتماس غرائبه.
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه " (1) .
والمراد بالإعراب - هنا - معرفة معاني ألفاظه، وليس المراد به الإِعراب المصطلح عليه عند النحاة، وهو ما يقابل اللحن.
وقد تزايدت الحاجة إلى تفسير غريبي القرآن والحديث مع مرور الأيام، وأكثر الصَّحابة ثم التَّابعون من الاحتجاج لغريب القرآن ومشكله بالشِّعر كابن عباس، الَّذي يُعد صنيعه نواة للمعجم العربي، كما سيأتي بيانه.
واقتضى ذلك من الصَّحابة التَّزوُّد باللّغة، وتأمل دقائقها، والإلمام بلغات القبائل، ليتمكَّنوا من تفسير غريب القرآن، وكان بعضهم يتحرَّج من الخوض في تفسير غرائب القرآن وَرَعاً، أو لعدم التَمكُّن في اللُّغة، وكان عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - يأمر بألا يقرئ القرآن إلا عالم باللُّغة - كما تقدم.
وإذا كان أمر القراءة يقتضي العلم باللُّغة فإنَّ أمر تفسير الغريب وكشف المشكل أدعى إلى ذلك، ولهذا أثر عن مجاهد قوله: "لا يحلّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلَّم في كتاب الله إذا لم يكن عالماً بلغات العرب".(38/333)
وهكذا أصبحت العربية من الدِّين، وغدا تعلمها لفهم مقاصد الكتاب والسنة قربة من أجلّ القربات إلى الله، ونظر بعض العلماء إلى تعلمها على أنَّه فرض واجب.
وفي هذه البيئة العلمية نمت المعارف في المدينة واهتدى القراء إلى ملحوظات متناثرة في الأصوات والغريب والنَّحو، وكانت ملحوظاتهم في النَّحو نواة العمل النَّحوي فيما بعد.
وعلى هذا يمكن القول: إنَّ النَّحو العربي الَّذي اكتمل بنيانه في البصرة والكوفة فيما بعد هو ثمرة من ثمار الدِّراسة القرآنية الَّتي نبتت وترعرعت في المدينة.
وثمة أسباب ودوافع أخرى أسرعت بعلم النَّحو إلى الظُّهور، ثم النَّضج؛ذكرها بعض الباحثين المعاصرين، وهي لا تكاد تخرج عمَّا ذكرناه في هذا البحث، فيطيب لبعضهم أن يذكروا إلى جانب الدَّافع الديني دوافع بعضها قوميّ عربي، وبعضها الآخر اجتماعي.
فأمَّا الدَّافع القومي فيرجع إلى اعتزاز العرب بلغتهم وخشيتهم عليها من الفساد أو الفناء أو الذوبان في اللّغات الأعجمية.
ويتمثل الدَّافع الاجتماعي في بعد العرب عن البادية، مهد لغتهم الأوَّل، وفساد سلائقهم، بعد اختلاطهم بالأعاجم، في الأمصار، والبيوت، والأسواق، والجيوش، وسائر المرافق العامة والخاصة، إضافة إلى انتشار التَّسرِّي بالأعجميات أو التَّزوُّج بهنَّ، فنتج عن ذلك أمور منها نشوء أجيال من العرب من أمهات غير عربيات، وتأثرهم بهنَّ ففشا اللحن على ألسنتهم وانتشر نتيجة لذلك.
وهذا الَّذي ذكروه يعود في جملته إلى ما ذكرناه - فيما تقدَّم - كاللحن في اللُّغة، وزحفه إلى القرآن، والرَّغبة في درس نصه المقدس، والكشف عن أسراره.
---
(1) مراتب النّحويين 55.
(2) ينظر: معجم الأدباء5/2150.
(3) ينظر: المزهر 2/414.
(4) إنباه الرُواة 2/172.
(5) ينظر: البيان والتّبيين 1/146.
(6) مراتب النّحويين 156.
(7) العربية ليوهان فك75، 76.
(8) نفسه 77.
(9) نفسه 78.(38/334)
(1) ضحى الإسلام 2/284.
(2) شرح اللمع 1/1، وينظر: إنباه الرواة 2/172.
(3) مجلة المنهل، العدد 499 ص 126.
(4) مقاييس اللّغة (لحن) 5/239.
(5) ينظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 9/15، وتاريخ آداب العرب 1/234، وأثر القرآن في أصول مدرسة البصرة النحوية 124.
(6) طبقات النحويين واللغويين 11.
(7) مراتب النحويين 23.
(8) ينظر: الجامع الصغير 1/363، وكنز العمال 1/151، والخصائص 2/8.
(9) ينظر: أثر القرآن في أصول مدرسة البصرة 135.
(10) ينظر: تاريخ آداب العرب ا /237.
(11) مراتب النحويين 23.
(12) ينظر: مراتب النحويين 23، والإيضاح في علل النحو 96، والمزهر 2/397.
(13) الإيضاح في علل النحو 96، وينظر: معجم الأدباء1/16، 17
(14) مراتب النحويين 23.
(15) كنز العمال 5/224.
(16) معجم الأدباء1/23.
(17) ينظر: البيان والتبيين 2/205.
(18) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 9/24.
(19) البيان والتبيين 2/ 205.
(20) ينظر: تاريخ آداب العرب 1 /240.
(21) ينظر: اللغة والنحو 188.
(22) الصاحبي 56.
(23) المفصل في تاريخ العرب قبل الإِسلام 9/24.
(24) ينظر: الصاحبي 56.
(25) الإيضاح في علل النحو 96.
(26) معجم الأدباء1/17.
(27) ينظر: الإيضاح في علل النحو 96.
(28) ينظر: معجم الأدباء ا/23.
(29) ينظر: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/ 24، وجامع بيان العلم وفضله 465.
(30) المبهج الأدباء1/22، وينظر: الإِيضاح في علل النحو، ونور القبس 2.
(31) معجم الأدباء 1/22، وينظر: الإيضاح في علل النحو 96، ونور القبس 2.
(32) إيضاح الوقف والابتداء1/30.(38/335)
(1) ينظر: طبقات النحويين واللغويين 11، ونزهة الألباء21، وتاريخ آداب العرب 1/239، واللغة والنحو 209، ونشأة النحو 12، وفىِ أصول النحو 6، 7، والمفصل في تاريخ النحو العربي 11ء والدراسات اللغوية عند العرب 57، وأثر القرآن في أصول مدرسة البصرة 117.
(2) المفصل في تاريخ النحو العربي 17.
(3) مجلة المنهل، العدد 499، ص126.
(4) الإيضاح في علل النحو 96.
(5) الجامع لأحكام القرآن 1/ 24.
(6) 20،19.
(7) إنباه الرواة 1/40.
(8) مراتب النحويين 26.
(9) ينظر: نزهة الألباء 19.
(10) طبقات النحويين واللغويين 28.
(11) ينظر: البرهان في علوم القرآن 1/8، والإتقان 1/3.
(12) ينظر: البرهان في علوم القرآن 1/8.
(13) مدرسة الكوفة 20.
(14) المفصل في تاريخ النحو العربي 17.
(15) نفسه 18.
(16) ينظر: اللغة والنحو 201، وفي أصول النحو 101، وأثر القرآن في أصول مدرسة البصرة 43، ونحو القراء الكوفيين 67،66، وفي التفكير النحوي عند العرب 13.
(17) إيضاح الوقف والابتداء1/15، والإتقان 1/149.
(18) ينظر: الإتقان 1/149.
(19) ينظر: الإتقان 1/149.
(20) البرهان في علوم القرآن 1/292.
(21) اقتضاء الصراط المستقيم 207.
(22) ينظر: المفصل في تاريخ النحو العربي 18 وما بعدها، وتجديد النحو العربي 59-69، وفي التفكير النحوي عند العرب 37.
(23) ينظر: تجديد النحو 58، والمدارس النحوية 12.
(24) ينطر: المفصل في تاريخ النحو العربي 27، وتجديد النحو 59.(38/336)
تابع لأصُول عِلْمِ العرَبِيَّةِ فِي المَدِينَةِ
الفصل الثّاني
مُنشئ علم العربيّة
تبيَّن ممَّا سبق أنَّ العقليَّة العربيَّة في المدينة في القرن الأول الهجري كانت مهيَّأة تماماً لظهور علم العربية بعامة والنَّحو على وجه الخصوص، وأنَّ هذا العلم ككل قانون تتطلبه الحوادث وتقتضيه الحاجات، ولم يكن قبل الإسلام ما يحمل العقول على التَّفكير فيه.
فمن أنشأ هذا العلم؟
لقد اختلف علماء العربيَّة قديماً وحديثاً في أمر واضع النَّحو العربي، وتضاربت آراؤهم، وتباينت توجيهاتهم، وردّ بعضهم على بعض، فبعضهم يقول: إنّه عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - ويقول بعضهم: إنَّه أبو الأسود الدؤلي، ويراه بعضهم الآخر نصر بن عاصم، في حين يرى فريق منهم أنّه عبد الرَّحمن بن هرمز المدني.
وأنكر بعض الباحثين المعاصرين ذلك كلّه، وذهب إلى أنَّ معرفة واضع النَّحو في العربية يكاد يكون معضلة، وأنَّه غامض في منشئه كل الغموض؛فلا سبيل إلى تحقيقه البتة.
وفي هذا الشَّأن يقول بروكلمان: "يبدو أنَّ أوائل علم اللغة العربية ستبقى دائما محوطة بالغموض والظلام". ويقول: "أمَّا تعيين أوّل من وجه العرب إلى الاشتغال بالبحوث اللُغوية فهذا أمر لا يزال غامضا بعد.
وسبب الغموض عند بعض هؤلاء أنَّه ليس ثمة ما يقطع بالحقيقة في هذا الشأن، لضياع كثير ممَّا أُلّف في المراحل الأولى لنشأة هذا العلم، أو لاضطراب بعض المصادر التَّاريخيَّة الَّتي تعرَّضت لنشأة النَحو العربي، إضافة إلى هيمنة روح التَّشكيك عند بعض المستشرقين في قدرة العرب على ابتداع علم لم يكن لهم سابقة فيه، فانساق أكثر هؤلاء وراء عواطفهم، وزعموا أنّ علوم العربيَّة في نحوها ومعجمها ما هي إلا تقليد ومحاكاة أو ترجمة أجنبية يونانيَّة أو سريانيَّة أو هنديَّة أو فارسيَّة.(38/337)
والحق أن نشأة علوم العربيَّة وعلى رأسها النّحو ليست بهذه الدَّرجة من الغموض، ومن الممكن أن يصل الباحث إلى نقطة البداية، أو ما يقرب منها مستعيناً بالقرائن العلميّة والرِّوايات التَّاريخيَّة الكثيرة بعد تخليصها من بعض الشوائب.
ومن خلال ذلك يمكن التّعرُّف على الشَّخصيَّة أو الشٌخصيَّات الّتي كان لها دور بارز في المراحل الأولى لنشأة العربية، والنّحو خاصة.
على أنّي أرى أنَّ الخطأ الّذي وقع فيه المؤرخون لهذا العلم من القدامى والمعاصرين هو سعيهم الحثيث وانشغالهم بالبحث عن ذلك الشَّخص الفريد الَّذي أنشأ هذا العلم العظيم، وأخرجه من العدم إلى الوجود، وهذا - في زعمي - جهد ضائع؛ لأنه ليس لتلك الشخصيَّة الوهمية وجودا أصلا! .
فالعربيَّة بعامة والنَّحو بخاصة ثمرة لحشد من التَّراكمات والأنظار والإشارات والملحوظات اللُّغوَّية الَّتي أثارها عدد من النَّابهين من أصحاب الذّائقة اللُّغويَّة الرَّفيعة من الصَّحابة والتَّابعين وغيرهم، الذين اشتركوا بدرجات متفاوتة في العناية باللغة، وأسهموا في إرساء الأسس النَّحويَّة الأولى، وتطوير العديد من المفاهيم اللُّغويَّة، ونقلها إلى مرحلة علمية جديدة.
وبرز من هؤلاء جماعة كان لهم النَّصيب الأوفر في نشأة علم النَّحو قياساً بمعاصريهم، وعلى تفاوت بينهم، وهم: عليّ بن أبي طالب وأبو الأسود الدُّؤلي في النصف الأول من القرن الأول، ونصر ابن عاصم وعبد الرَّحمن بن هرمز في النَّصف الثاني من القرن الأول.
ولبروز هؤلاء في هذا العلم وتفوقهم على غيرهم من معاصريهم نسب ابتداع علم النّحو في العربيَّة إليهم، واثنان من هؤلاء الأربعة كانوا في المدينة وهما: علي رضي الله عنه وعبد الرَّحمن بن هرمز الأعرج.(38/338)
ويلحق بهؤلاء الأربعة عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - الّذي برع في اللُّغة وتفسير الغريب، وأسهم في ظهور علم الدِّلالة والمعجم، وقيل: إنّه أمر بوضع النحو كما سيأتي.
ولا بأس في أن أذكر فيما يلي شيئاً ممَّا أثر عن هؤلاء من غير بسط ولا استقصاء لشهرته وكثرة ما كتب فيه؛ولأن بعضه يحقق ما ذهبتُ إليه، وهو أنَّ نشأة الدَّرس اللُّغوي، بعامة والنَّحوي بخاصّة كانت في المدينة.
أولا: عليّ بن أبي طالب (ت 40هـ)
تذكر كثير من الرِّوايات القديمة أنَّ أوَّل من وضع علم العربيَّة وأسَّس قواعده، وحدَّ حدوده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - وأخذ عنه أبو الأسود الدُّؤلي، وأخذ عن أبي الأسود نصر بن عاصم وعبد الرَّحمن بن هرمز، فقد ذكر أبو بكر الأنباريّ أنَّ أبا الأسود أخذ النَّحو عن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - ".
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنّى وغيره: "أخذ أبو الأسود الدُّؤلي النَّحو عن علي بن أبي طالب ".
وروى أبو الطَّيب اللُغوي بسنده أنَّ "أول من رسم النَّحو أبو الأسود الدؤلي ... وكان أبو الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين عليّ - عليه السَّلام - لأنَّه سمع لحناً، فقال لأبي الأسود: اجعل للنَّاس حروفاً - وأشار إلى الرَّفع والنصب والجرّ - فكان أبو الأسود ضنيناً بما أخذه من ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام".
وروى أبو بكر الزُّبيدي عن المبرّد قوله: "سُئل أبو الأسود عمَّن فتح له الطريق إلى الوضع في النَّحو، وأرشده إليه، فقال: تلقيته من علي بن أبي طالب".
وقال في رواية أخرى عن المبرد: "ألقى إليّ عليّ أصولا احتذيت عليها".
وذكر أبو حيان التوحيدي أنَّ "علىّ بن أبي طالب - رضوان الله عليه - سمع قارئاً يقرأ على غير وجه الصواب فساءه ذلك، فتقدَّم إلى أبي الأسود الدّؤلي حتّى وضع للنَّاس أصلا ومثالا وباباً وقياساً، بعد أن فتق له حاشيته، ومهّد له مهاده، وضرب له قواعده".(38/339)
ومن الرِّوايات الّتي تعزو نشأة النَّحو إلى الإِمام عليّ بن أبي طالب ما نقله القفطي في قوله: "وروي – أيضاً - عن أبي الأسود قال: دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - عليه السَّلام - فأخرج لي رقعة فيها: الكلام كله اسم وفعل وحرف جاء لمعنى".
ثم يقول القفطي: "وأهل مصر قاطبة يرون بعد النَّقل والتَّصحيح أنَّ أوَّل من وضع النَّحو عليّ بن أبى طالب - كرَّم الله وجهه - وأخذ عنه أبو الأسود الدُؤلي".
وساق الأنباري جملة من الرِّوايات، وفيها ما يعزو النَّحو إلى أبي الأسود أو عبد الرًّحمنِ بن هرمز أو نصر بن عاصم، ثم ختمها برأيه الخاص، فقال: "والصَّحيح أنَ أوّل من وضع النَّحو عليّ بن أبى طالب - رضي الله عنه - لأنَّ الرِّوايات كلها تسند إلى أبي الأسود، وأبو الأسود يسنده إلى عليّ".
وتفصّل بعض الروايات في طبيعة النحو الذي وضعه الإمام عليّ، وتذكر الأبواب التي وضعها، ولا يخفى ما في ذلك من أثر التزيد والمبالغات، وإن كان له دلالته - أيضا - وهو شبه الإجماع على أن لعليّ - رضي الله عنه - نصيباً في ظهور النَّحو.
يقول السيوطي فيما رواه عن أبي الأسود أنّه قال: "دخلت على أمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - رأيته مطرقاً متفكراً، فقلت: فبم تفكّر يا أمير المؤمنين؟ قال: إنّي سمعت ببلدكم هذا لحناً، فأردت أن أصنع كتاباً في أصول العربيَّة. فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا وبقَّيت فينا هذه الُّلغة، ثم أتيته بعد ثلاث، فألقى إليّ صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. الكلام كله: اسم وفعل وحرف. فالاسم: ما أنبأ عن المسمَّى، والفعل: ما أنبأ عن حركة المسمَّى، والحرف: ما أنبأ عن معنىً ليس باسم ولا فعل، ثم قال لي: تتبعه، وزد فيه ما وقع لك، واعلم يا أبا الأسود أن الأسماء ثلاثة: ظاهر، ومضمر، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر، وإنما تتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر.(38/340)
قال أبو الأسود: "فجمعت منه أشياء، وعرضتها عليه فكان من ذلك حروف النَّصب فذكرت منها: إنَّ، وأنَّ، وليت، ولعلّ، وكأنَّ، ولم أذكر لكنَّ، فقال لي: لِمَ تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها. فقال: بل هي منها، فزدها فيها".
ولا يخفى ما في هذه الرِّواية من آثار التَّزيُّد والمبالغات، ممّا يجعل النَّفس ترتاب منها لورود مثل تلك المصطلحات والتَّفصيلات التي يبعد أن تكون عرفت في زمن عليّ - رضي الله عنه -.
وعلى الرَّغم من كثرة الرِّوايات الّتي تسند هذا العلم إلى الإمام عليّ، وتلميذه أبي الأسود من بعده، وتسليم أكثر القدماء بمضمونها ردّها بعض المعاصرين، وجعلوها من الأساطير، أو الخرافات، أو عبث الرّواة الوضَّاعين.
وأنكر بِعضهم أن يكون للخليفة عليّ بن أبي طالب أي دور في نشأة علم النَّحو، لأنَّ "وضع النَّحو أمر خطير يتقاضى من القائم به عناية مبذولة إليه خاصة، وصدوفاً عن مشاغل الحياة عامة، ووقتاً طويلا، يُستنزف في التَّقصي للكلام العربي، وإعمال الفكر واستخراج القواعد في حياة كلها هدوء واستقرار، يرفرف عليها جناح الأمن والسَّلام، وحياة الإِمام عليّ - كرم الله وجهه - تقضَّت في النّضال العنيف والشجار المستحرّ، ملأتها الحوادث المروعة، واكتنفتها أمواج الاضطرابات الشاملة، فبعيد أنَّ الإمام عليّ يواتيه الوقت الكافي للنهوض بأعباء هذا العمل الجلل".
ونحن نقول لهؤلاء المنكرين: إنَّنا لا نتصوَّر أن يتواطأ جمع من علمائنا القدامى على الكذب، ولا نستكثر على الإِمام عليّ - رضي الله عنه - أن يكون له دور بارز في نشأة هذا العلم، كإرشاد أبي الأسود وتلقينه بعض المبادئ الُّلغوية.
وأية غرابة في أنَّ تدور بين عليّ وصديقه أبي الأسود أحاديث تتّصل باللغة، وهما بها عالمان، وعلى سلامتها حريصان، في زمن استشرت فيه العجمة، وشاع فيه اللحن، وأخذ يتهدد القرآن؟.(38/341)
وليس ما صنعاه نحواً بالمعنى الَّذي نعرفه اليوم، إنما هي إشارات، وتنبيهات، وملحوظات؛ كانت تدور تحت سماء المدينة وغيرها، منذ عهد الخليفة عمر بن الخطَّاب، فأضاف علي وصاحبه إضافات مهمة، جعلت النَّاس ينسون ما كان قبلهما، ويعزون هذا العلم لهما، أو لأحدهما.
ولو أخذنا بحجَّة انشغال الخليفة علي بتصريف أمور الدَّولة، لأنكرنا كثيراً ممَّا أثر عنه من فنون القول والحكمة، ممّا فاضت به كتب التَّراجم والطَّبقات، وجُمع بعضه في كتاب نهج البلاغة، وذلك أو أكثره يحتاج في صياغته إلى التَّأمُّل والوقت.
وكيف نستكثر على عليّ أن يضيع شيئاً من مبادئ النَّحو أو يرشد إليها، وهو من أكثر الصَّحابة علماً وأشدّهم ذكاء، فقد روي عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه ".
فعليّ رجل القضاء والفقه والرِّواية والخطابة، وما روي عن ريادته في النَّحو ليس تأليفا مكتملا يستغرق الوقت، ولكنَّه لفتة من بداهة السليقة.
ثانياً: أبو الأسود الدُّؤليّ (ت 69هـ)
ذهب بعض الرُّواة إلى أنَّ أبا الأسود هو أوَّل من استنبط النَّحو، وأخرجه من العدم إلى الوجود.
قال ابن سلام: "وكان أول من أسَّس العربيَّة، وفتح بابها، وأنهج سبيلها، ووضع قياسها: أبو الأسود الدُّؤلي ... فوضع باب الفاعل والمفعول به، والمضاف، وحروف الرَّفع والنَّصب والجرّ والجزم".
وقال ابن قتيبة: "إنَّ أبا الأسود هو: "أول من عمل في النَّحو كتاباً".(38/342)
وُيقوي ما ذهب إليه ابن قتيبة في أنَّ لأبي الأسود كتاباً في النَّحو ما حكاه ابن النَّديم في قصَّة الأوراق العتيقة الَّتي وقف عليها، فهي تدلّ على أنَّ واضع النَّحو هو أبو الأسود الدؤلي، قال ابن النَّديم: "كان بمدينة الحديثة رجل يقال له محمد بن الحسين، ويعرف بابن أبي بَعْرَة، جمَّاعة للكتب، له خزانة لم أر لأحد مثلها كثرة، تحتوي على قطعة من الكتب الغريبة في النَّحو واللغة والأدب والكتب القديمة، فلقيت هذا الرجل دفعات فأنس بي، وكان نفوراً ضنيناً بما عنده وخائفاً من بني حمدان، فأخرج إليّ قِمطراً فيه ثلاث مئة رطل جلود فلجان، وصِكاك، وقرطاس مصر، وورق صيني، وورق تهامي، جلود آدم، وورق خرساني، فيها تعليقات لغة عن العرب، وقصائد مفردات من أشعارهم، وشيء من النَّحو والحكايات والأخبار والأسمار والأنساب، وغير ذلك من علوم العرب، وغيرهم. وذكَر أنَّ رجلاً من أهل الكوفة - ذهب عني اسمه - كان مستهتَراً بجمع الخطوط القديمة، وأنّه لما حضرته الوفاة خصَّه بذلك لصداقة كانت بينهما، وأفضال من محمد بن الحسين عليه، ومجانسة بالمذهب، فإنَّه كان شيعيَّاً، فرأيتها وقلَّبتها فرأيت عجباً، إلا أنَّ الزَّمان قد أخلقها، وعمل فيها عملاً أدرسها وأحرفها، وكان على كل جزء أو ورقة أو مدرج توقيع بخطوط العلماء واحداً إثر واحد، يذكر فيه خط من هو، وتحت كلِّ توقيع آخر وخمسة أو ستة من شهادات العلماء على خطوط بعضِ لبعض، ورأيت في جملتها مصحفاً بخط خالد بن أبي الهياج صاحب عليّ عليه السَّلام، ثم وصل هذا المصحف إلى أبي عبد الله بن حاني - رحمه الله - ورأيت فيها بخطوط الأئمَّة من الحسن وإلى الحسين عليهم السَّلام، ورأيت عدَّة أمانات وعهود بخط أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، وبخط غيره من كتاب النّبي عليه السلام، ومن خطوط العلماء في النَّحو والّلغة، مثل أبي عمرو بن العلاء، وأبي عمرو الشَّيبانيّ، والأصمعيِّ، وابن الأعرابيّ، وسيبويه،(38/343)
والفراء، والكسائي، ومن خطوط أصحاب الحديث مثل سفيان بن عُيينة، وسفيان الثوريّ، والأوزاعيّ وغيرهم، ورأيت ما يدلُّ على أنَّ النَّحو عن أبي الأسود ما هذه حكَايته، وهي أَربع أوراق أحسبها من ورق الصيني، ترجمتها: هذه فيها كلام في الفاعل والمفعول من أبي الأسود - رحمة الله عليه - بخط يحي بن يعمر. وتحت هذا الخط بخط عتيق: هذا خط علاّن النَّحويّ، وتحته: هذا خط النَّضر بن شميل".
وتؤكد رواية ابن النَّديم هذه اشتغال أبي الأسود بالنَّحو، ووضعه شيئاً من حدوده، مع أنَّها لا تنفي أن يكون قد تلقى ذلك أو بعضه عن عليّ بن أبي طالب.
ومن الصَّعب الشك في صحَّة هذه الرِّواية لأنَّ ما أورده ابن النَّديم من مقوّيات الخبر يؤكد صدقه؛ ولأنَّ الرجل ثقة عرف بدقته في النَّقل والرِّواية، فهو إذا رأى بنفسه قال: رأيت، وإذا سمع قال سمعت، وإذا لم يطمئنّ إلى شيء، قال: لم أر، أو ذكر ما يدل على شكّه. على أنَّ اختفاء هذه الأوراق ثلاثة قرون
وظهورها في القرن الرابع على يد ابن النَّديم المتوفى سنة 380هـ وسكوت العلماء عنها قد يثير الشَّكّ والارتياب في أمرها، وإن كان ذلك لا يكفي لردها؛ لأنَّ كثيرا من مؤلفات القدامى من القرن الثاني والثالث قد ضاعت، ثم وجد بعضها بعد عدة قرون.
والذي عليه أكثر العلماء أنَّ النَحو أخذ عن أبي الأسود وأنَّ أبا الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - كما تقدَّم -، وأنَّه كان مدفوعاً برغبته الجامحة لصدّ ما سمعه من الَّلحن، قال المبرد: إنّ "ابنة أبي الأسود قالت: ما أشدُّ الحرِّ، فقال لها: الحصباء بالرمضاء، قالت: إنَّما تعجّبت من شدّته، قال: أو قد لحن النّاس؟ فأخبر بذلك علياً - رحمة الله عليه - فأعطاه أصولا بنى منها، وعمل بعده عليها.
أو أنَّه سمع لحناً في القرآن فقال: "لا أظن يسعني إلا أن أضع شيئاً أصلح به نحو هذا، أو كلام هذا معناه، فوضع النَّحو".(38/344)
قال أبو الطيب الُّلغويّ: "وكان أول من رسمه، فوضع منه شيئاً جليلاً، حتَّى تعمق النَّظر بعد ذلك، وطوَّلوا الأبواب".
وقيل بل كان وضعه ليتعلمه بنو زياد؛ لأنَّهم كانوا يلحنون، فكلَّمه زياد في ذلك، وكان أعلم الناس بكلام العرب.
وذهب بعض الرواة إلى أنَّ أبا الأسود وضع النَّحو بأمر من عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه -.
ذكر أبو البركات الأنباري أنَّ عمر بن الخطَّاب سمع لحناً في القرآن الكريم فأمر "أن لا يقرئ القرآن إلا عالم باللّغة، وأمر أبا الأسود الدًّؤليّ أن يضع النّحو".
وأخرجه الحافظ بن عساكر والسُّيوطيّ (1) .
وحدَّث أبو الحسن المدائنيّ عن عبّاد بن مسلم عن الشَّعبي، قال: "كتب عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - إلى أبي موسى: أما بعد، فتفقَّهوا في الدِّين؛ وتعلَّموا السُّنّة، وتفهَّموا العربيَّة، وتعلَّموا طعن الدَّرية، وأحسنوا عبارة الرُّؤيا، وليعلّم أبو الأسود أهل البصرة الإِعراب".
وأنكر بعض الباحثين المعاصرين أن يكون عمر بن الخطَّاب هو الَّذي أمر أبا الأسود بوضع النَّحو، لتقدم عصر عمر وانشغاله بأمر الدَّولة وبعده عن أبي الأسود الذي كان يسكن البصرة، ولتعارض ذلك مع ما روي، وهو أنَّ الآمر بذلك هو عليّ بن أبي طالب.
ويمكن الجمع بين الرِّوايات الَّتي عزت ذلك إلى عمر بن الخطَّاب، والَّتي عزته إلى عليّ، بأنّ عمر أشار إلى شيء من ذلك، ولكنَّ أبا الأسود تأخَّر في الاستجابة، وتردّد، ثم جدّد الخليفة عليّ الطَّلب، فأمر أبا الأسود فاستجاب بعد أن رأى شيوع اللحن في زمن عليّ.
ومن الثَّابت اهتمام عمر بن الخطاب بسلامة اللغة، ودعوته إلى مرعاة الصَّواب في النُّطق بالمفردات والتَّراكيب.
وتذكر بعض الرِّوايات أنَّ أبا الأسود تلقى الأمر بوضع النَّحو من زياد بن أبيه، لحوادث من الَّلحن ذكروها.(38/345)
ومن الثَّابت أن أبا الأسود صنع النَّقط الإعرابيّ في المصحف ضمّاً ورفعاً وكسراً وغُنَّة؛ لرعاية النَّصّ القرآني من اللَّحن، وقد روت المصادر أنَّ زياداً بعث إلى أبي الأسود، فقال له: "يا أبا الأسود؛ إنَّ هذه الحمراء قد كثرت، وأفسدت من ألسن العرب، فلو وضعت شيئاً يَصْلُحُ به النَّاس، ويعْرب به كتاب الله ...
فقال: يا هذا قد أجبتك إلى ما سألت، ورأيت أن أبدأ بإعراب القرآن، فابعث إليَّ ثلاثين رجلا.
فأحضره زياد، فاختار منهم أبو الأسود عشرة، ثم مازال يختارهم، حتَّى اختار منهم رجلاً من عبد القيس، فقال له: خذ المصحف وصبغاً يخالف لون المداد، فإذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف، وإذا ضممتها فاجعل النقطة إلى جانب الحرف، وإذا كسرتها فاجعل النُّقطة في أسفله، فإن اتبعت شيئاً من الحركات غنَّة فانقط نقطتين.
فابتدأ بالمصحف حتَّى أتى على آخره، ثم وضع المختصر المنسوب إليه بعد ذلك".
ويُعدُّ النَّقط الإعرابي الَّذي وضعه أبو الأسود، ثم طُوِّر فيما بعد واستقرَّ على صورة الحركات الَّتي نعرفها اليوم من أعظم الخطوات في علم العربية بعامة والنَّحو بخاصة.
ولا جدال في أنَّ ما قام به أبو الأسود في هذا الشَّأن يُعدُّ عملاً منطقيَّاً، تتطلبه الحوادث، وتقتضيه الحاجات في ظروف ومناسبات خاصة، ولا يقدم عليه أحد من دون موافقة ولاة الأمر في عصره، ورعايتهم؛ لأنَّ الأعمال الفردية في أمر عظيم يتصل برسم المصحف لا يقدم عليها فردٌ بغير إجماع من علماء المسلمين، وتعضيد من وليّ الأمر.(38/346)
ويبدو أنَّ فكرة ضبط القرآن ضبطاً إعرابياً قد راودت الخلفاء الرَّاشدين منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان، بعد أن جمع المصحف، ولا نستبعد أن تكون أصولها في زمن الخليفة عمر بن الخطاب الّذي كان حريصا على لغة العرب، ولاشكَّ في أنَّ حرصه على النَّص القرآني أكبر، ولكن حداثة الإِسلام، وانشغال الأئمَّة بالفتوحات في زمنه، وانشغالهم بجمع القرآن في زمن عثمان أدَّى إلى تأخير هذا الصنيع الَّذي قام به أبو الأسود فيما بعد، حين تهيَّأت له الأسباب.
ثالثاً: ابن عبّاس (ت 68 هـ)
كان ابن عبّاس - رضي الله عنهما - يسمّى البحر، لسعة علمه، وكان أعلم النّاس في زمانه بعلم العربية والشعر وتفاسير القرآن.
وحسبك في علم ابن عباس في مجال العربية قول ابن جني: "ينبغي أن يحسن الظن بابن عباس، فيقال: إنه أعلم بلغة القوم من كثير من علمائهم " أي: علمائهم الذين تخصصوا في علم العربية بعد أن نضجت.
ونستطيع القول: إن لابن عباس الحظ الوافر في تأسيس علوم العربية لغة ونحوا: ودفع عجلتها بقوة، لما أثر عنه من نشاط مشهور في هذا الشأن.
وصلة ابن عباس برجالات الُّلغة والمعنيين بأمرها ثابتة، ومن هؤلاء عمر ابن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبو الأسود الدؤلي.
وصلة ابن عباس بأبي الأسود بخاصة، وعلمه بالعربية تجعلاننا نقبل بعض الروايات المأثورة عن تعاون الرجلين في مجال اللغة؛ فقد روي فيما يتصل بالنحو أن ابن عباس كان يعرف شيئاً منه، وكان يأمر أبا الأسود بالمضيّ في إظهاره.
قال القفطي: "أتى أبو الأسود عبد الله بن عباس، فقال: إني أرى ألسنة العرب قد فسدت، فأردت أن أضع شيئاً لهم يقومون به ألسنتهم قال: لعلك تريد النحو، أما إنه حق، واستعن بسورة يوسف".(38/347)
ولا ندري مراد ابن عباس بحضّه أبا الأسود على الاستعانة بسورة يوسف، ولعله أراد أن يتخذ أبو الأسود من بعض آياتها الكريمة رائداً له، مثل: {وَلِنُعلِّمهُ مِن تَأوِيل الأحَاديث} (1) أو {وَلا نُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ} (2) أو {وَعَليْهِ فَلْيَتَوَكَّل المُتَوَكِّلُون} (3) أو {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (4) أو أنه أراد أنّ في هذه السورة وحدها ما يكفيه لوضع الأسس للنحو.
ولابن عباس معرفة مؤكدة بالنحو، فقد كان ينبه الناس على اللحن، فمن ذلك أنه لقي ابن أخي عبيد بن عمير فقال: إنّ ابن عمّك لعربي، فماله يلحن في قوله: {إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصدُّوْن} إنما هي يَصِدون "
وهذا خلل في حركة عين الفعل المضارع، وهو خلل صرفي، وقد عدّه لحنا، ولاشك في أن الخلل النحوي في حركات الإعراب عنده أوضح وأكبر.
وروى ابن جرير الطبري أن ابن عباس قرأ الآية: {يَأيُّها الَّذينءَامَنُوا إِذَا قُمْتُم إِلَى الصَّلوةِ فَاغسِلُوا وُجوهَكُم وأيدِيَكُم إِلَى الَمرَافِقِ وامْسَحوا بِرُءُوسِكُم وَأرْجُلَكُم} بنصب أرجلكم، فقال: "عاد الأمر إلى الغسل ".
وفي هذا دلالة قوية على معرفة ابن عباس بالإعراب؛ لأنه ربط بين معنى الآية وحركات الإعراب، إذ عطف (أرجلكم) على (وجوهَكم) وهي في موضع نصب، ولم يعطفها على (برؤسكم) رغم قربها؛ لأنها مجرورة بالحرف.
ومهما يكن من أمر، فقد برع ابن عباس في اللغة، وتفسير الغريب في المفردات، وشرح بعض الأساليب العربية في التراكيب، وشق الطريق أمام اللغويين في مقام الاستفادة من الشعر في بناء مناهج العربية فيما عرف عنه في إجاباته عن سؤالات نافع بن الأزرق، وملحوظاته في التفسير، فكان ذلك نواة علم الدلالة والصنعة المعجمية عند العرب.
رابعاً: نصر بن عاصم الليثيّ (ت 89 هـ)
كان نصر بن عاصم فقيها فصيحاً عالماً بالعربية، من تلامذة أبي الأسود.(38/348)
قال عمر بن دينار: "اجتمعت أنا والزهري ونصر بن عاصم، فتكلم نصر، فقال الزهري: إنه ليفلّق بالعربية تفليقاً".
ويعدّ نصر بن عاصم من علماء النحو المبرزين في زمانه، وقال بعض الرواة: إن نصر ابن عاصم "أول من وضع النحو وسببه".
وقال السيرافيّ: إنه "أوّل من وضع العربية".
وقال ابن النديم: "وقال آخرون: رسم النحو نصر بن عاصم".
وقال أبو البركات الأنباري: "وزعم قوم أن أول من وضع النحو نصر بن عاصم".
والحق أنه ليس أول من وضع النحو، كما زعم بعض الرواة، فقد برز قبله جماعة - كما تقدم - منهم عليّ بن أبي طالب وأبو الأسود، والصواب أنه من أول من أخذ النحو عن أبي الأسود، وفتق فيه القياس، وكان أنبل الجماعة الذين أخذوه عن أبي الأسود فنسب إليه - كما يقول القفطي.
ولعل من نسب إليه أوليّة النحو قصد نقط المصاحف الإِعجاميّ، وهو إكمال لصنيع شيخه أبي الأسود، أو أنه وضع شيئاً من النحو في كتاب، فقد روى ياقوت أنّ له كتاباً في النحو.
ولنصر بن عاصم تلامذة مشهورون في النحو كعبد الله بن أبي إسحاق الحضرميّ وأبي عمرو بن العلاء.
وقد يكون لتلمذة هؤلاء الأعلام عليه وأخذهم النحو عنه دور مباشر أو غير مباشر في نسبة وضع النحو إليه، فالمعتاد أن يعلي التلميذ من قدر شيخه.
خامساً: عبد الرّحمن بن هرمز (ت 117 هـ)
يعد عبد الرحمن بن هرمز الملقّب بالأعرج من أشهر علماء الُّلغة والنحو في زمانه، وكان رأساً في هذا العلم، أخذ النحو عن أبي الأسود، واتصل بأكثر الصحابة علماً بالقرآن والحديث.
وإليه نسبت بعض الروايات وضع النحو في المدينة، قال أبو سعيد السيرافيّ: "اختلف الناس في أول من رسم النحو، فقال قائلون: أبو الأسود الدؤلي، وقال آخرون: نصر بن عاصم الدؤليّ ... وقال آخرون: عبد الرّحمن بن هرمز" (1) .
وروى السيرافيّ (2) وأبو بكر الزبيديّ عن ابن لهيعة عن أبي النضر أنه قال: "كان عبد الرحمن بن هرمز أول من وضع العربية (3) ".(38/349)
ورواه ابن النديم من طريق آخر، قال: "قرأت بخط عبد الله بن مقلة عن ثعلب أنه قال: روى ابن لهيعة عن أبي النضر قال: كان عبد الرحمن بن هرمز من أول من وضع العربية، وكان أعلم الناس بأنساب قريش وأخبارها".
وقال القفطي في أثناء ترجمته لابن هرمز: "قال أهل العلم: إنه أول من وضع علم العربية".
والحقّ أن ابن هرمز مسبوق في هذا الشأن كنصر بن عاصم، ولهذا قال أبو البركات الأنباري: "فأما زعم من زعم أن أول من وضع النحو عبد الرحمن ابن هرمز الأعرج ونصر بن عاصم فليس بصحيح؛لأن عبد الرحمن أخذ عن أبي الأسود، وكذلك – أيضاً - نصر بن عاصم".
وسيأتي الحديث موسعاً عن ابن هرمز في الفصل الثالث.
ويتبين لنا في ختام هذا الفصل أن أولية وضع النحو محصورة - على رأي علمائنا - بين أربعة، وهم: عليّ بن أبي طالب، وأبو الأسود الدؤليّ، ونصر بن عاصم، وعبد الرحمن بن هرمز.
وأما ابن عباس فله الفضل في وضع حجر الأساس لبعض العلوم في العربية كعلم الدلالة.
والذي أراه أن النحو لا يعزي في وضعه لعالم بعينه، إنما هو جملة من الأنظار والملحوظات والإشارات اللغوية التي أثارها طائفة من النابهين وأصحاب الذائقة اللغوية الرفيعة من الصحابة والتابعين، ومن جاء بعدهم، فأسهموا جميعاً - بدرجات متفاوتة - في إرساء الأسس النحوية الأولى في المدينة، ثم انتشرت هذه الملحوظات والأنظار، وتداولها المهتمون بالعربية، في الأمصار، كالبصرة في بادئ الأمر، ثم الكوفة، فكانت النواة للنحو العربي، الذي نضج في أواخر القرن الثاني، وكانت النواة لعلم العربية بعامة.
وكان لهؤلاء الأربعة قدم راسخة في إرساء الأسس لهذا البنيان الشامخ، وكان اشتهارهم في هذا الفن مع تقدم زمانهم مدعاة لأن يرفع الرواة والمؤرخون من شأنهم، وينسبوا إليهم وضع النحو.
---
(1) ينظر: نشأة النحو 12.
(2) ينظر: اللغة والنحو 54ا.
(3) ينظر: ضحى الإسلام 2/285.(38/350)
(1) ينظر: اللُغة والنحو 154، وهمزة (البتة) همزة وصل، وبعضهم يجعلها همزة قطع، وكلاهما صحيح.
(2) تاريخ الأدب العربي 2/123.
(3) نفسه 1/128.
(4) الفهرست 45، ونزهة الألباء17.
(5) إيضاح الوقف والابتداء1/43.
(6) نزهة الألباء20.
(7) مراتب النحويين 24.
(8) طبقات النحويين واللغويين 21.
(9) نفسه 21.
(10) البصائر والذخائر 1/83.
(11) إنباه الرواة 1/40.
(12) إنباه الرواة 1/41.
(13) يريد الروايات التي يُطمأن إليها.
(14) نزهة الألباء22،21.
(15) الأخبار المروية 35،34.
(16) ينظر: تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 2/123.
(17) ينظر: ضحى الإسلام 2/285.
(18) ينظر: المدارس النحوية 14.
(19) نشأة النحو 19، وينظر: المدارس النحوية 14.
(20) الاستيعاب 2/11.
(21) ينظر: ملاعبة الصيد 157.
(22) بقات فحول الشعراء 1/12.
(23) الشعر والشعراء 2/729.
(24) الفهرست 46.
(25) ينظر: الفهرست 45،ونزهة الألباء1/17، وإنباه الرواة 1/39، والأخبار المروية 31.
(26) ينظر: مراتب النحويين 24.
(27) الفاضل 95.
(28) مراتب النحويين 26.
(29) نفسه 26.
(30) نفسه 27.
(31) نزهة الألباء1/20.
(32) ينظر: مختصر تاريخ دمشق 7/113.
(33) ينظر: الأخبار المروية 30، 31.
(34) الدّريّة: ما يُتعلم عليه الطعن. ينظر: القاموس (درى) 1655.
(35) إنباه الرواة 1/51.
(36) ينظر: تجديد النحو العربي 101.
(37) ينظر: إنباه الرواة 1/50، 51.
(38) نزهة الألباء20، وينظر: الفهرست 45، ومجالس ثعلب 1/66، وأمالي القالي 1/5، وإيضاح الوقف والابتداء 1/41.
(39) ينظر: أثر القرآن في أصول مدرسة البصرة 39.
(40) ينظر: أسد الغابة 3/187، وتحفة الأحوذي 10/327.
(41) ينظر: أسد الغابة 3/187، 188.
(42) المحتسب 2/342.
(43) إنباه الرواة 1/51.
(44) ينظر: تجديد النحو العربي 100.(38/351)
(1) سورة يوسف: الآية 21.
(2) سورة يوسف: الآية 56.
(3) سورة يوسف: الآية 67.
(4) سورة يوسف: الآية 76.
(5) معاني القرآن للفراء 3/36،37.
(6) ينظر: المفصل في تاريخ النحو العربي 78.
(7) سورة المائدة: الآية 6.
(8) جامع البيان للطبري 4/ 468.
(9) نزهة الألباء، 23.
(10) إنباه الرواة 3/343.
(11) أخبار النحويين البصريين 38، والأخبار المروية 55.
(12) الفهرست 45.
(13) نزهة الألباء21.
(14) ينظر: إنباه الرواة 3/ 343.
(15) ينظر: معجم الأدباء6/2749.
(16) أخبار النحويين البصريين 33.
(17) نفسه 40.
(18) طبقات النحويين واللغويين 26.
(19) الفهرست 45.
(20) إنباه الرواة 2/172.
(21) نزهة الألباء21.(38/352)
تابع لأصُول عِلْمِ العرَبِيَّةِ فِي المَدِينَةِ
الفصل الثّالث
من أعلام الدّرس الّلغويّ في المدينة
(في القرنين الأوّل والثاني)
قسّم علماء الطبقات والتراجم البيئات التي نشأ فيها النحو واشتهرت فيها مقالته إلى ثلاثٍ، وهي: البصرة والكوفة وبغداد، فقالوا تبعاً لذلك: إن النحويين ثلاث فئات: بصريون، وكوفيون، وبغداديون؛وهم من خلطوا المذهبين البصريّ والكوفيّ.
ولم يشيروا إلى بيئة المدينة النحوية، أو نشأة النحو فيها، وانطلاقه منها إلى سائر الأمصار كالبصرة ثم الكوفة ثم بغداد.
ولم يكتفوا بإهمالهم دور المدينة في هذا الشأن فنفى بعضهم عن المدينة أي صلة بالنحو، أو وصفوها بالخلو من علماء ذلك العلم.
يقول أبو الطيب اللغوي بعد حديثه عن البصرة والكوفة: "ولا علم للعرب إلا في هاتين المدينتين، فأما مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا نعلم بها إماماً في العربية".
ونقل ذلك عنه جماعة من العلماء، كياقوت الحمويّ والسيوطي ّ.
ويقول ابن يعيش: "لا أدري لأهل المدينة مقالة في النحو".
ونفى الأصمعيّ عن أهل المدينة وعلمائها العلم بالشعر - أيضا، وهو يصف حالهم في زمانه في القرن الثاني بقوله: "أقمت بالمدينة زماناً ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة إلا مصحّفة أو مصنوعة".
ويذكر الجاحظ أن اللحن في أهل المدينة فاشٍ، وفي عوامهم غالب.
وتدلّ هذه التهم والأحكام - إن صحّت - على ضعف أهل المدينة في العربية، وبعدهم عن الاشتغال بفنونها كالنحو والإعراب والغريب رواية الشعر.(38/353)
وظاهرٌ ما في هذه النصوص من مبالغات، وهي لا تخلو من الظلم والحيف لهذه المدينة المباركة، وفيها غمط لما قدمه أبناؤها لعلوم العربية نحوا ومعجماً ورواية، وقد تبيّن لنا من خلال هذا البحث أنّ نواة العربية بذرت في المدينة منذ زمن الخلفاء الراشدين، وأن النحو العربي، كان ثمرة لجهود طائفة من المعنيين باللغة في تلك المدينة تمثلت في تأملهم اللُّغة والنظر في مفرداتها وفي تراكيبها ودقائقها، فلعلي بن أبي طالب ومن قبله عمر بن الخطاب إسهامات لا تنكر في تنقية اللغة ودفع آفة اللحن عنها وتوجيه عناية النابهين لضبطها، واستخلاص مسائلها، ووضع اللبنات الأولى لتقعيدها، ولابن عباس الفضل في وضع الأساس المتين لعلم الدلالة والمعجم العربيّ، وما يتصل بذلك من العناية بالغريب في القرآن بخاصة.
ويأتي من بعد هؤلاء الأعلام طائفة من اللغويين والنحاة المتميزين من أهل المدينة في القرنين، الأول والثاني، كعبد الرحمن بن هرمز الذي عزت إليه بعض الروايات نشأة النحو العربيّ، ومحمد بن كعب القرظيّ، ومسلم بن جندب الهذليّ، وأبان بن تغلب الجُريريّ، وعبد العزيز القارئ الملقب ببَشْكُسْت، وعلى الجمل، وعيسى بن يزيد بن دأب اللّيثيّ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدويّ، ومروان بن سعيد المهلبيّ، وغيرهم.
ويبدو أن ابن برهان النحوي (456 هـ) بلغه خبر لغوي المدينة ونحوييها، أو خبر بعضهم، وعرف قدرهم، فكان أكثر إنصافاً؛إذ قال: "النحويون جنس تحته ثلاثة أنواع: مدنيون، كوفيون، بصريون ".
فانظر كيف بدأ بالمدنيين لسبقهم الزمنيّ.
ونقل القفطيّ كلام ابن برهان وعلق عليه ووجهه بقوله: "أراد أن أصل النحو نتج من أول علماء هذه المدن".(38/354)
وقد يطلق على نحاة المدينة ومكة معاً في بعض المصادر مسمّى: نحويوا الحجاز، لاشتراكهم في بعض الآراء أو المصطلحات النحوية، ومن الثابت أن لهم نظرات خاصة تفردوا بها بعد طول تأمل، ومن ذلك ما أورده الفراء بعد أن عرض مسألة نحوية: "وهذا مما كان يقوله نحويوا أهل الحجاز، ولم نجد مثله في العربية ".
وتبرز - هنا - عدة أسئلة، وهي:
لماذا أهمل أمر النحاة واللغويين في المدينة؟
هل كانت بضاعتهم مزجاة، لا تستحق الذكر؟
أو كان نحوهم يختلف عما بين أيدينا من النحو، فسقط؟
أو أن هناك أسباباَّ أخرى نجهلها؟
يبدو أن السبب المباشر للإهمال أو التجاهل - إن صح التعبير - يكمن في انشغال المسلمين في صدر الإسلام بأخبار الحرب وأنباء الفتوح، التي كانت تتوالى على المدينة صباح مساء، ثمّ أدّى انتقال مركز الخلافة إلى دمشق أيام الأمويين، ثم إلى بغداد أيام العباسيين إلى صرف الأنظار عن المدينة وتركزها على مراكز الخلافة الجديدة، فأهمل المؤرخون وأصحاب الطبقات كثيراً من نواحي الحياة في المدينة، ومنها أخبار العلم والعلماء.
ولم تزل المدينة تبتعد شيئاً فشيئاً عن دوائر الضوء وتنزوي بين جبال الحجاز ورمال الصحراء في جزيرة العرب، حتى خرجت ومعها جزيرة العرب بكاملها من اهتمامات المؤرخين والكتّاب وأصحاب الطبقات، فليس ثمة ما يغري المؤرخين أو يجبرهم على الخوض في شؤون تلك البقاع سوى ما يتصل بالحج، وأخبار بعض الخوارج والقرامطة.
وأصبحت أخبار تلك البلاد في القرنين الثالث والرابع مما يعزّ وجوده في كتب التُّراث العربيّ، يدلّ على ذلك أننا لا نكاد نعلم شيئا عن بعض العلماء المشهورين؛ كأبي عليّ الهجَريّ، وهو من علماء الأدب واللغة والتاريخ في المدينة في القرنين الثالث والرابع، فلم تصلنا أخباره إلا عن طريق علماء الأندلس الذين نقلوا كثيراً من أخباره في أثناء رحلاتهم للحج.(38/355)
وفي هذا الشأن يقول الشيخ حمد الجاسر: "أليس من الغريب حقا أن يقال: إننا لولا الأندلس لجهلنا كثيرا من أحوال البلاد التي نعيش فيها، وخاصة ما يتعلق بجزيرة العرب، هذه الجزيرة التي [كانت] صلتها بعواصم الخلافة الإسلامية في دمشق والقاهرة وبغداد أقوى وأوثق، وهي إليها أقرب، وبشؤونها لم تكن يوماً مرتبطة إلا بهذه العواصم، ولم يكن للأندلس ولا للدولة الإسلامية فيه ... أية نفوذ على هذه الجزيرة، ولكن العلم وحده والرابطة الروحية الإسلامية هي أقوى من كل الصلات وأوثق من جميع الروابط.
لقد كان علماء الأندلس يغدون إلى مكة المكرمة لا للحج وحده ولكن لينشروا علماً وليستزيدوا منه، وليكونوا صلة بين شرق البلاد وغربها بالعلم والثقافة".
ويضيف الشيخ الجاسر قائلا: "ونشير إلى ما هو أغرب من هذا، وهو أن علامة العرب الهمداني صاحب (الإكليل) و (صفة جزيرة العرب) وغيرهما من المؤلفات القيمة، والذي كان يعيش في أقصى جنوب جزيرة العرب دخلت كتبه الأندلس واستفاد منها علماؤه قبل أن يعرف علماء الشرق عنها شيئاً، بل إن هذا العالم وصلت إلينا كثير من أخباره عن طريق علماء الأندلس مثل صاعد الأندلسي في كتابه (طبقات الأمم) وغيره، ولم يعرف علماء المشارقة عن كتب الهمدانيّ إلا اليسير بعد الأندلسيين بمئات السنين.
أما الهَجَريّ فإن أمره بقي مجهولا بين علماء الشرق إلى هذا العهد إلا ما عرفوه بواسطة الأندلسيين، وهو قليل بل أقل من القليل، بينما انتشرت كتبه في الأندلس واستفاد منها علماؤنا في وقت مبكر جداً يرقى إلى عصر الهجريّ نفسه.
ولما رأى المشارقة الاستفادة من تلك الكتب لم يجدوا أمامهم سوى ما في مؤلفات علماء الأندلس منها.
ويمكن القول إن الكلمات اللغوية المعزوة لأبي عليّ الهجريّ في معجم "لسان العرب"لابن منظور وصلت إليه عن طريق "المحكم"لابن سيدة الأندلسيّ (458 هـ) .(38/356)
وعرف المشارقة باقي تراث الهجريّ اللغويّ مما يتصل بغريب الحديث عن طريق كتاب "الدلائل في شرح غريب الحديث"لثابت بن حزم السرقسطيّ (313 هـ) .
وعرفوا تراثه في المواضع والبلدان عن طريق "معجم ما استعجم"لأبي عبيد البكريّ (487 هـ) .
نعم؛ وإن كنا نعرف جماعة كبيرة من الأعراب ممن أُخذتْ عنهم اللًّغة في البصرة والكوفة، فإننا نجهل نظراءهم من الأعراب المجاورين للمدينة ممن أسهموا في رواية اللغة، وأخذ عنهم بعض النوادر واللهجات في القرنين الأول والثاني.
ولولا أبو عليّ الهجريّ لجهلنا أمثال هؤلاء في القرنين الثالث والرابع ممن روى عنهم الهجري اللُّغة وبعض النوادر واللغات في كتابه القيم "التعليقات والنوادر".
فمن منا يعرف أبا الغَطَمَّش المَعْرضيّ من بني عُقيل، ومُكْرَمة بنت الكُحيل الفراسية من قُشَير، وابن علكم المأربيّ، وأبا بُرَيهٍ العُذَمِيّ الأسديّ، والجبهيّ، وأبا عَنْدَل الأوسيّ، وجَميل بن دغيم المِنقَريّ، وحِرْمزة التميميّ، وأبا البَسَّام الثُماليّ، والرُّدَينيّ الحارثيّ، والمُسلَّم بن أحمد بن يزيد الحربيّ، وأبا المعضاد الحرشي؟ .
ويضاف إلى كل ما تقدم ذكره أن التاريخ لنشأة علوم العربية وبخاصة النحو لم يتم إلا بعد أن نضج هذا العلم، وتكوّنت أطره العامة، واستوت مصطلحاته الفنية على سوقها، تلك المصطلحات التي لم يكن النحاة في القرن الأول ومنتصف الثاني على شيء من الدراية بمدلولات أكثرها، فانشغل علماء الطبقات بمرحلة النضج والكمال قي القرنين الثالث والرابع، وما خلفه علماؤها من نتاج علمي.
وهكذا نستطيع القول: إن اللُّغة والنحو وأربابها في المدينة مما طوي عنا أمره أو أكثره فلا نعرف اليوم من أعلام هذا الفن أو عنهم إلا القليل، مما يمكن أن يجمع في قبضة يد واحدة من تراث لغويّ مفقود.(38/357)
وقد وقفت - بعد طول بحث في المظان المختلفة - على جملة من أولئك الأعلام في المدينة، وتعرفت على شيء من تراثهم اللغوي الضائع، ولسان حالي يقول: ما لا يدرك كله لا يترك جله.
فمن أعلام اللُّغة والنحو في مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم - في القرنين الأول والثاني، أو ممن كان لهم أثر محمود في وضع بذرة النحو بتوجيهاتهم وملحوظاتهم:
1- عمر بن الخطّاب (23 هـ)
لم يكن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من اللغويين أو النحاة بمفهوم المصطلح العلمي، وإنما هو ممن لهم أثر محمود في وضع بذرة النحو وعلوم اللُّغة في المدينة فاستحق بذلك أن نفتتح به؛ فقد كان حريصاً على نقاء اللغة، يأمر ألا يقرأ القرآن إلا عالم بها.
وقد أثر عنه فيما يتصل بالعربية والنحو الشيء الكثير، وتدل بعض الروايات على إلمامه بأساليب اللّغة ودقائقها التعبيرية، وحرصه على سلامتها وحثه على تعلّمها، فقد روي عنه قوله: "تعلموا العربية: فإنها تَثبت العقل، وتزيد في المروءة".
وقال: "تفقهوا في العربية".
وقال في كتاب له موجه لبعض الولاة: "أما بعد؛ فإني آمركم بما أمركم به القرآن، وأنهاكم عما نهاكم عنه محمد، وآمركم باتباع الفقه والسنة والتفهّم في العربية".
وروى عنه قوله: "تعلموا إعراب القرآن كما تعلّمون حفظه".
وقوله:"تعلموا النحو كما تعلّمون السنن والفرائض".
وروي عنه - أيضاً - أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: "أن مُرْ من قِبَلَكَ بتعلم العربية، فإنها تدل على صواب الكلام ".
والعربية في هذا النص هي عربية المصطلح العلمي القديم التي تقابل في مدلولها كلمة النحو، لأنها تدلّ - كما يفهم من قول عمر - على صواب الكلاَم، أي يهتدي بها إلى صواب الكلام.
وقد وردت بعض المصادر - كما تقدم - أن عمر هو الذي أمر أبا الأسود بأن يضع النحو إذ قال: "وليُعَلِّم أبو الأسود أهل البصرة الإعراب".(38/358)
ولم يكن ذلك - فيما نرى - عن بصر حقيقي بالنحو ودقائقه، وإنما هو إحساس فطري متميّز باللغة والإعراب، ربما دفعه إلى تدبّر اللُّغة وتراكيبها، فلم يجد من الوقت ما يكفي للغوص في لجتها، فاكتفى بالتوجيه والإرشاد ودفع اللحن عن لغة القرآن.
وليس ذلك بمستغرب من شخصية فذّة كعمر بن الخطاب، فأثره جليّ في كثير من مستجدات الأمور عند المسلمين، كالعلوم والإدارة والسياسة، فقد وضع - رضي الله عنه - تقويماً ثابتاً، وهو التاريخ الهجري، فأصبح عنصراً حيويا في نشأة الفكرة التاريخية، ومنذ ذلك الوقت أصبح توقيت الحوادث أو تاريخها العمود الفقري للدراسات التاريخية.
وقام - رضي الله عنه - بتأسيس الديوان أو سجل المحاربين وأهليهم حسب قبائلهم، فأعطى هذا الأنساب أهمية جديدة، وكان حافزاً إضافيا للاهتمام بدراسة الأنساب.
وعلى نحو ذلك كان شأن عمر مع العربية، فلا أظننا نبالغ إن جعلناه أحد الشخصيات المؤثرة تأثيراً طيباً في ظهور علم النحو العربي فيما بعد، لإسهامه في وضع بذرة النحو في المدينة، فمن الثابت اهتمامه بسلامة اللغة، ودعوته إلى مراعاة الصواب في النطق بالمفردات والتراكيب والإعراب.
2- علي بن أبي طالب (40 هـ)
تقدم في الفصل الثاني أن عليًّا - رضي الله عنه - كان أحد الشخصيات الرئيسة التي عزي إليها وضع النحو، وأنه يكوّن مع أبي الأسود قطب الرحى في جملة تراثنا المروي في مسألة نشأة النحو العربي، وأن أكثر الروايات وأوثقها وأقدمها تصبّ فيهما، وقد كانت صلته بأبي الأسود صلة الأستاذ بالتلميذ النجيب.
ومن الثابت أن علياً أسهم إسهاماً فاعلا مع غيره في وضع شيءٍ من أسس النحو بتوجيهاته وملحوظاته وأفكاره النيّرة، وهو ممن حاول تأصيل النحو وتقعيد مسائله في المدينة والكوفة فيما بعد.(38/359)
وقد ذكرت بعض الروايات أن عليا أرشد أبا الأسود بعد طول تأمل في كلام العرب إلى أصول النحو وحدوده، وأمره بأن يحذو حذوها، ومن ذلك أنه دفع إليه بصحيفة جاء فيها: "الكلام كله اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمّى والفعل ما أنبئ به، والحرف ما أفاد معنى".
ثم قال لأبي الأسود: "انح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع إليك، واعلم يا أبا الأسود أن الأسماء ثلاثة: ظاهر ومضمر واسم لا ظاهر ولا مضمر"
ومن تلك الروايات إشارة الإمام علي إلى الرفع والنصب والجر.
وأن أبا الأسود كان كلما وضع بابا من أبواب النحو عرضه عليه إلى أن حصل ما فيه الكفاية، فقال له علي: ما أحسن هذا النحو الذي قد نحوت، فلذلك سمّي النحو.
وعلى الرغم من أن الشك يحوم حول هذه الروايات إلا أن دلالتها مع غيرها قوية، فهي تدل على أن لعلي مشاركة طيبة في نشأة النحو، ونصيباً نقدره بميزان الظن والتخمين؛ لأن ما وصل إلينا من أخبار نشأة العربية ومنها النحو لا يكفي الرسم الصورة الحقيقية لذلك العلم.
3- ابن عباس (68 هـ)
قضى ابن عباس جزءاً مهما من حياته في المدينة قبل أن يستقر في آخر أيامه في الطائف، وهو من علماء اللُّغة المرموقين، يعد عند بعض المحققين القدامى أعلم بلغة العرب من كثير من علمائهم.
وقد أشارت بعض المصادر إلى صلته بأبي الأسود، وأنه كان يحثه على وضع علم النحو.
ولا غرابة في ذلك فقد أحيط ابن عباس منذ حداثته بجو علمي غني مؤثر، إذ لازم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه الأحاديث الصحيحة، وقرأ القرآن على زيد ابن ثابت، وأبيّ بن كعب، وعلي بن أبي طالب، وأكبّ على لغة العرب شعرا ونثراً حتى غدا بحرا في العلوم.(38/360)
ومن الثابت أنّ لابن عباس اليد الطولى في تأسيس علم الدلالة والمعجم العربي، وكان - رضي الله عنه - حجة في اللغة، يؤمه طلبة العلم في المدينة ثم في مكة والطائف بعد انتقاله إليهما في أواخر حياته، وتعد جهوده في شرح الغريب من القرآن أو الحديث أساساً قوياً لبعض علوم العربية.
وقد شقّ ابن عباس الطريق أمام اللغويين في مقام الاستفادة من الشعر في بناء مناهج العربية بصورة عامة وفي مجال الشرح المعجمي بصورة خاصة - كما يقول الدكتور عبد الكريم بكّار.
على أن جهود ابن عباس الُّلغوية توفرت على التفسير "ويغلب على الظنّ أنّ علم العربية بفروعه المختلفة كان يعرض في مجال تفسير غريب القرآن، كما يغلب على الظن أن ما ألفه أبو عمرو ويونس والكسائي وأمثالهم من كتب في معاني القرآن إنما هو تطوير لمجالس ابن عباس وحلقاته، مع الاستفادة مما استنبط من قوانين اللغة، وما فسر به الحالات الإِعرابية في قراءته".
وبهذا يمكن أن يقال: إن علوم الدلالة والشعر واكبت النحو في نشأتها في المدينة.
وسنعرض - في الفصل الرابع - لشيء من تراث ابن عباس في العربية.
4- مسلم بن جندب الهذليّ (106 هـ)
وهو قارئ مُجيد وقاص مشهور من أهل المدينة.
قال الجزيريّ: "وكان من فصحاء أهل زمانه، وقال عمر بن عبد العزيز: من سرّه أن يقرأ القرآن غضاً فليقرأه على قراءة مسلم بن جندب".
ولمسلم عناية باللغة والنحو جعلت بعض علماء الطبقات يصفه بأنه نحويّ، ومن هؤلاء القفطيّ الذي ذكر أن مسلم بن جندب يعدّ من النحويين.
وكان علماء المدينة يرجعون إليه في مشكلات اللُّغة وتفسير الغريب، ولاسيما القرآن، قال الجزيريّ: "وقال ابن وهب: حدثني نافع، قال: سألت مسلم بن جندب عن قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} (1) قال: إلى غاية، فسألته عن {رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} (2) فقال: الردء: "الزيادة".(38/361)
وكان لمسلم بن جندب أثر بالغ في قراء المدينة بعامة، فهو قدوتهم في اللغة، فقد روى الإمام الذهبي ما نصه: "قال الحلواني عن قالون، قال: كان أهل المدينة لا يهمزون، حتى همز ابن جندب فهمزوا {مُسْتَهْزِءون} (1) و {يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (2) .
وهذا يدل على ما بلغه ابن جندب من مكانة رفيعة في اللُّغة والقراءة.
5- عبد الرحمن بن هرمز الأعرج (117هـ)
يعدّ ابن هرمز من قراء المدينة المشهورين، أخذ القراءة عن ابن عباس وأبي هريرة - رضي الله عنهم - وأخذ عنه نافع بن أبي نعيم القراءة في جماعة من أهل المدينة.
وهو من علماء اللُّغة المتقدمين، وقد عزت بعض الروايات وضع النحو إليه كما تقدم.
قال القفطي في أثناء كلامه عنه: "قال أهل العلم: إنه أول من وضع علم العربية، والسبب في هذا القول أنه أخذ عن أبي الأسود الدؤلي، وأظهر هذا العلم بالمدينة، وهو أول من أظهره وتكلم فيه بالمدينة، وكان من أعلم الناس بالنحو، وأنساب قريش، وما أخذ أهل المدينة النحو إلا منه، ولا نقلوه إلا عنه".
ويبدو أن ابن هرمز كان متعمقاً في مسائل النحو وأصوله، فقد اجتمع حوله نفر من طلبة العلم في المدينة، وأخذوا يدرسون عليه النحو، ومن أشهر تلامذته مالك بن أنس، ونافع بن أبي نعيم.
قال القفطي: "إن مالك بن أنس إمام دار الهجرة - رضي الله عنه - اختلف إلى عبد الرحمن ابن هرمز عدة سنين في علم لم يبثه في الناس، فمنهم من قال: تردد إليه لطلب النحو واللغة قبل إظهارهما، وقيل: كان ذلك من علم أصول الدين، وما يرد به مقالة أهل الزيغ والضلالة".(38/362)
ومما يدل على علم ابن هرمز بالعربية وإلمامه بالنحو أن الإِمام ابن مجاهد شيخ القراء كان يستدل بقوله في مجال النحو والعربية، كما نص ابن جني في قوله: "ومن ذلك قراءة يحي وإبراهيم السُّلميَّ: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (1) بالياء ورفع الميم؛ قال مجاهد: وهو خطأ قال: وقال الأعرج: لا أعرف في العربية: أفحكم، وقرأ {أَفَحُكْمَ} نصباً".
ويظهر من قول ابن هرمز أنه كان ذا استقراء واسع في مثل هذه المسألة مكنه من القول: إنه لا يعرف في العربية كذا.
وعلى ضوء هذا يمكن أن يقال: إن لابن هرمز نصيباً وافراً من الملحوظات النحوية الأولى في العربية التي كانت تلقى مشافهة، وأنه على قدر من العلم بالمفردات والتراكيب والقرائن اللفظية وما يصاحبها من ظواهر الإِعراب التي سميت فيما بعد بالعوامل، ولهذا نسبت إليه بعض الروايات وضع النحو العربي.
6- عبد الله بن ذكوان (130هـ)
وهو عبد الله بن ذكوان القرشي المدني المعروف بأبي الزناد، تابعي مدني ثقة، قال ابن المديني، لم يكن بعد كبار التابعين أعلم منه.
نعتوه بالنحوي، وذكروا أنه كان فصيحاً بصيراً بالعربية يرجع إليه الناس في فهم الشعر وبعض العلوم.
قال الحافظ المزّي: "قال الليث بن سعد: رأيت أبا الزناد دخل مسجد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ومعه من الأتباع مثل ما مع السلطان، فمن سائل عن فريضة، ومن
سائل عن الحساب، ومن سائل عن الشعر، ومن سائل عن الحديث، ومن سائل عن معضلة".
وروى يحيى بن بكير عن الليث بن سعد قوله: "رأيت أبا الزناد وخلفه ثلاثمائة تابع من طالب فقه وعلم وشعر وصنوف".
ويبدو أنه كان ذا شهرة في علوم العربية يرجع إليه طلبة العلم في مسائلها، فقد روى أبو بكر الأنباري أن ابن أبي إسحاق قال: "لقيت أبا الزناد، فسألته عن الهمز، فكأنما يقرؤه من كتاب".(38/363)
ويدل هذا الخبر على بصر أبي الزناد في علوم العربية ولهجاتها "ذلك أن ابن أبي إسحاق كان متفوقاً في الهمز، حتى ذكروا أن ما جمع عنه فيه يؤلف كتاباً، كما ذكروا أنه غلب أبا عمرو بن العلاء فيه، ومع هذا كله نراه معجباً بإحاطة أبي الزناد به، حتى كأنه كان يقرأ من كتاب، فإذا كان على هذه الغزارة في علم الهمز أفلا يرجح أن يكون أوفر علماً في ظواهر العربية الأخرى، كالإعراب وأبنية الكلام؟ ".
ومن هذا - أيضاً - أنّ الكسائي إمام اللُّغة في زمانه كان يسأل ابن ذكوان عن مسائل لغوية وحروف في قراءات أهل المدينة ويستحسن ما يسمعه من إجاباته ويعجب بها، كما روى السمين الحلبي.
7- عبد العزيز القارىء الملقب ببَشْكُسْت (130هـ)
يعد بَشْكُسْت من علماء المدينة، ومن نحاتها الشعراء، وكان ذا مكانة مرموقة في النحو جعلت أهل المدينة - حينئذ - يقبلون عليه لتلقي هذا العلم على يديه.
ترجم له القفطي وجعله من نحاة المدينة، وقال: "أخذ عنه أهل المدينة النحو".
وقال ابن عساكر: "وكان نحوياً أخذ عنه أهل المدينة، وكان يذهب مذهب الشراة، ويكتم ذلك، فلما ظهر أبو حمزة الشاري بالمدينة سنة 130 هـ خرج معه، فقتل فيمن قتل بخلافة مروان بن محمد".
فقيل في مقتله:
لَقَدْ كَانَ بَشْكُسْتُ عبد العَزيز
مِنَ أهل القِرَاءَةِ والمَسْجِدِ
فَبُعْداً لبَشْكُسْت عبد ِالعزيز
وأمّا القران فلايَبْعد
وكان بَشْكُسْت نحويا بارعاً يكره اللحن في الكلام ويأنف منه، وقد عرف عنه ذلك، وله فيه حكايات منها ما رواه ابن عساكر في قوله: "وفد بشكست النحوي على هشام بن عبد الملك، فلما حضر الغداء دعاه هشام، وقال لفتيان بني أمية: تلاحنوا عليه، فجعل بعضهم يقول يا أمير المؤمنين: رأيت أبي فلان، ويقول آخر: مربي أبي فلان، ونحو هذا، فلما ضجّوا أدخل [بَشْكْست] يده في صحفة فغمسها ثم طلى لحيته، وقال لنفسه: ذوقي، هذا جزاؤك في مجالسة الأنذال".(38/364)
ولا نعلم من تراث هذا النحوي شيئاً، فقد ذهب نحوه فيما ذهب من تراث المدنيين.
8- زيد بن أسلم العدويّ المدنيّ (136 هـ)
من علماء المدينة في زمانه، وكان عالماً بتفسير القرآن، ولم تمدّنا كتب التراجم عنه بشيء ذي بال في شأن علوم اللغة، ولكن من يتأمل النقول الكثيرة عنه في مطولات التفسير، كـ"جامع البيان"للطبري، و"الجامع لأحكام القرآن"للقرطبي، و"البحر المحيط"لأبي حيان الأندلسي، و"الدر المصون"للسمين الحلبي يدرك أن ابن أسلم هذا كان ذا عناية باللغة وإلمام بغريبها، لا سيما ما يتصل بالقرآن الكريم.
ومن تفسيراته اللغوية:
قوله: العالمون: هم المرتزقون
وقوله: الشقاق: المنازعة (1)
وقوله: لغو اليمين: دعاء الرجل على نفسه.
وقوله: العافِين عن الناس: عن ظلمهم وإساءتهم.
9- عليّ الجمل (؟)
من علماء المدينة، وهو شخصية يكتنفها الغموض، إذ لا نعرف عن حياته شيئاً غير ما ذكره أبو حاتم السجستانيّ في كتابه في القراءات، ونقله عنه أبو الطيب اللغويّ والزبيديّ والقفطيّ.
قال أبو الطيب اللغويّ: "وممن كان بالمدينة - أيضاً - على الملقّب بالجمل، وكان وضع في النحو كتاباً لم يكن شيئا.
ونقله الزبيديّ وزاد بعد عبارة "لم يكن شيئا": "فذهب".
أما القفطي فيخالف أبا الطيب في حكمه على هذا الكتاب الذي يعد من أوائل الكتب المصنفة في النحو، إذ يصفه بالشمول في قوله: "وكان وضع كتابا في النحو لم يخلّ شيئاً".
والفرق شاسع بين عبارتي "لم يكن شيئاً"في نص أبي الطيب والزبيديّ، و"لم يخلّ شيئاً"في نص القفطيّ، ويبدو أن مصدر النصين واحد، وغير بعيد أن يكون أحدهما محرفاً.(38/365)
وقد امتدّ أثر هذا الكتاب المتقدم إلى علم من أعلام النحو في البصرة، وهو الأخفش (215 هـ) يقوك تلميذه أبو حاتم السجستانيّ (255 هـ) في كتابه في القراءات حيث ذكر القراء والعلماء: "وأظن الأخفش سعيد بن مسعدة وضع كتابه في النحو من كتاب الجمل، ولذلك قال: الزيت رطلان بدرهم. والزيت لا يذكر عندنا؛ لأنه ليس بإدام لأهل البصرة".
وما قاله السجستانيّ يدل على أن الكتاب كان ذا مكانة رفيعة، وأنه أثار انتباه العلماء وأن أثره امتدّ إلى خارج المدينة؛ لما كان يحويه من أصول النحو ومسائله، وإحسانه الظن به شهادة عالية القيمة من عالم مشهور لعالم مغمور، لعلمه بخاصة ولعلماء المدينة بعامة.
10- الأصبغ بن عبد العزيز الليثيّ (160 هـ تقريبًا)
وهو الإصبغ بن عبد العزيز بن مروان بن إياس بن مالك، ترجم له الجزيري في طبقات القراء، ونعته بأنه "نحويّ"وقال: "معدود في شيوخ نافع، لا أعرف على من قرأ، ذكر ذلك سبط الخياط".
وأورد له ابن حجر في "لسان الميزان" ترجمة مقتضبة ذكر فيها أن الإِصبغ هذا مجهول، أخذ عن أبيه عبد العزيز بن مروان.
ولما كان من شيوخ نافع فإننا نقدر أنه من أهل المدينة، وأن وفاته كانت في حدود 160هـ.
11- نافع المدنيّ (169 هـ)
وهو قارئ المدينة المشهور نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثيّ، أخذ القراءة والعربية عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وأبي جعفر القارىء، ومسلم بن جندب، والإِصبغ بن عبد العزيز النحويّ وغيرهم.
وقد أقرأ الناس سبعين سنة ونيفاً، وانتهت إليه رئاسة القراءة في المدينة، وتمسك أهلها بقراءته، وهي أحب القراءات إلى الإمام أحمد بن حنبل.
وكان نافع عالماً بوجوه القراءات والعربية، وكان الأصمعي يسأله عن همز الذيب والبير.
ولصلته الوثيقة بعلم النحو أورده أبو المحاسن التنوخيّ في كتابه "تاريخ العلماء النحويين".
13- عيسى بن يزيد بن دأب الليثيّ (171 هـ)(38/366)
من أدباء المدينة، ويعد من رواة الشعر واللغة والأخبار. قال ياقوت: "كان من رواة الأخبار والأشعار والحفاظ، وكان معلماً من علماء الحجاز".
وروى السخاويّ عن الخطيب البغداديّْ أن ابن دأب "كان راوية عن العرب وافر الأدب عالماً بالنسب، عارفاً بأيام الناس، حافظاً للسير".
وروى السخاويِّ - أيضاً - عن إبراهيم بن عرفة أنه "كان أكثر أهل الحجاز أدباً، وأعذبهم ألفاظاً.
لقي الأصمعيّ في أثناء رحلته إلى المدينة ابن دأب، فحمل عليه وعلى أهلها بعامة، يقول أبو الطيب اللغويّ: "قال الأصمعيّ: أقمت بالمدينة زمانا ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة إلا مصحفة أو مصنوعة".
ويضيف أبو الطيب: "وكان ابن دأب يضع الشعر وأحاديث السمر، وكلاماً ينسبه إلى العرب، فسقط وذهب علمه وخفيت روايته ... قال الأصمعيّ: العجب من ابن دأب حين يزعم أن أعشى همدان قال:
مَن دَعَا لي غزيِّلي
أَربحَ اللهْ تجَارَتُهْ
وخِضابٌ بِكَفّهِ
أَسْود الّلونِ قارتُهْ
ثم قال الأصمعيّ: يا سبحان الله، يحذف الألف التي قبل الهاء في (الله) ويسكن الهاء ويرفع (تجارته) وهو منصوب، وُيجَوَّز هذا عنه، ويروي الناس عن مثله".
وأنا أخشى أن يكون الأصمعيّ قد بالغ فيما رواه، لأن ابن دأب من منافسيه في رواية الشعر واللغة والأخبار، وهو من أقرانه تقريباً، وطعن الأقران لا يعتد به كما هو معلوم، ولأن ابن دأب من ناحية أخرى كان يحظى عند الخليفة الهادي بالمكانة الرفيعة لما اتصل به، وكان الخليفة يدعو له بتكاء، ولم يكن أحد من الخلق يطمع في هذا في مجلسه، وكان الهادي لا يستطيل به يوما ولا ليلة، لكثرة نوادره وجيد شعره
وحسن: الانتزاع له، ولا يخفى بعد هذا أن داعي الحسد بينه وبين أقرانه وارد.
ويحسب لابن دأب إثراؤه المجالس العلمية في المدينة برواياته من الشعر واللغة، ونقدر تقديرًا استفادة معاصريه من علماء العربية من تلك الروايات وما يدور فيها من نقد أو توجيه أو اقتناص شاهد.(38/367)
13- مالك بن أنس (179 هـ)
إمام أهل المدينة في الفقه، وأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة.
لم يقتصر علمه على الفقه الذي ذاع صيته فيه وعرف به، بل امتدّ إلى علم العربية لغة ونحواً؛ فترجم له أبو المحاسن التنوخيّ المعري في كتابه "تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم"واقتصر على ذكر سنة وفاته.
وذكره القفطيّ في "إنباه الرواة"في ترجمة ابن هرمز، وقال: "يروى أن مالك بن أنس إمام دار الهجرة - رضي الله عنه - اختلف إلى عبد الرحمن بن هرمز عدة سنين في علم لم يبثه في الناس، فمنهم من قال: تردّد إليه لطلب النحو واللغة قبل إظهارهما، وقيل كان ذلك من علم أصول الدين وما يُرَد به مقالة أهل الزيغ والضلالة".
والراجح عندي أنه تردد عليه لطلب اللُّغة والنحو كما قيل، لأسباب منها:
أولا: أن شهرة ابن هرمز كانت في العربية.
ثانياً: أنّ حذق العربية لغة ونحواً يحتاج إلى سنوات، كما ورد في الخبر.
ثالثاً: أن إماماً في الفقه كمالك يحتاج إلى إجادة العربية لغة ونحواً؛ لأن العربية هي مفتاح نصوص التشريع من قرآن وسنة، ولذلك اشترطوا في المجتهد في الفقه أن يكون عالماً باللغة والنحو.
رابعاً: أنه لو كان علماً جديداً غير العربية تُرد به مقالة أهل الزيغ والضلالة – كما قيل - لظهر وعرفناه، لحاجة المسلمين إليه.
خامساً: أننا لا نقدّر أن يكتم أحد علمائنا علماً نافعاً كهذا الذي يرد به على أهل الضلال.
ولهذا اختار التنوخيّ القول الأول، أي أنه اختلف إلى ابن هرمز لطلب العربية، وأهمل غيره، قال: "يقال: إن مالك بن أنس كان يختلف إليه يتعلّم منه العربية".
ويبدو أنَّ مالكاً قد أجاد اللًّغة وبرع فيها حتّى تفرد عن غيره بأشياء منها ما رواه السيوطيّ عن ابن خالويه، قال: "لم يسمع جمع الدَّجال من واحد إلا من مالك بن أنس فقيه المدينة، فإنَّه قال: هؤلاء الدجاجلة".(38/368)
وهذا يذكرنا بالإمام الشافعي وما انفرد به من ألفاظ وتراكيب لغوية رويت عنه أو ذكرها في كتابيه "الأم "و"الرسالة".
14- عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدويّ (182 هـ) .
من علماء المدينة ولغوييها، تتلمذ على جماعة، وأخذ اللغة عن والده. له كتاب في التفسير، ذكره الداوديّ في "الطبقات المفسرين" وذكر أن له - أيضاً - كتابا آخر، وهو "الناسخ والمنسوخ".
ويعد كتابه في التفسير من مصادر الطبري الرئيسة في تفسيره؛ إذ نقل عنه بكثرة.
ويبدو من النقول التي وصلتنا عن طريق الطبري أن معظم تفسير ابن زيد يشتمل على شرح الغريب، وحل التراكيب المشكلة أو غير المألوفة، وهو ينحو فيه منحى ابن عباس وابن مجاهد في تفسيرهما.
ويمكن القول إن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كان واحداً من أعلام اللُّغة في المدينة، وأنه خلّف تفسيراً يشبه إلى حدٍّ ما تفسير ابن عباس وتفسير ابن مجاهد غير أن عنايته بالشعر كانت ضعيفة.
ويقول عنه باحث معاصر وهو فؤاد سزكين: "أما تفسيره فأكثره شروح لغوية، ويبدو أن هذا التفسير كان أحد المصادر الهامة لتفسير الطبريّ".
وذكر سزكين أن الطبري أفاد من تفسيرِ ابن أسلم هذا في نحو ثمانمائة وألف موضع، وذكر أن الثعلبي أفاد منه - أيضا - في تفسيره "الكشف والبيان".
ومن نماذج تفسير ابن أسلم اللغوية:
قوله: طغيانهم: كفرهم وضلالهم.
والأنداد: الآلهة التي جعلوها معه.
والمطهّرة: التي لا تحيض.
ومن نماذج تفسيره اللغويّ في الأساليب:
قوله في قول الله عز وجل: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} : أوفوا بأمري أوفِ بالذي وعدتكم.
وفي {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} : قلبي في غلاف فلا يخلص إليه مما تقول شيء وفي {إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} : إلا من أخطأ حظه.
15- مروان بن سعيد المهلبيّ (195 هـ تقريبا)(38/369)
من أحفاد المهلب بن أبي صفرة، واسمه: مروان بن سعيد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة المهلبيّ، أخذ عن الخليل بن أحمد، وكانت له صلات وثيقة بالبصرة والكوفة في العراق.
وفي "طبقات النحويين" للزبيديّ، و"إنباه الرواة" للقفطيّ ما يفيد أن المهلبيّ من أهل المدينة، أو أقام بها زمنا، وتصدَّر للتدريس.
وذكر ياقوت أن المهلبيّ هذا من "المتقدمين في النحو المبرزين فيه".
وذكر القفطيّ حكاية في أثناء ترجمة الوليد بن محمد التميميّ المصريّ المعروف بـ "ولاّد"تدل على أن مروان بن سعيد المهلبي كان من رجال النحو في المدينة، غير أنه لم يكن من حذاقه، قال القفطيّ في كلامه عن ولاّد: "وقيل: إنه خرج في أول أمره إلى مكة، فحجّ، وجاء إلى المدينة، فزار قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأى بالمدينة نحوياً متصدراً لإفادة النحو، وهو المهلبي تلميذ الخليل، وهو الذي كان يهاجي عبد الله بن أبي عُيينة، ولم يكن من الحذاق بالعربية، فأخذ عنه ولاّد ما عنده، وكان يسمعه يذكر الخليل شيخه، فراح ولاد إلى البصرة، وأدرك الخليل بن أحمد، ولقيه وأخذ عنه وأكثر بالبصرة، وسمع منه الكثير، ولازمه، ثم انصرف إلى الحجاز، ودخل مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولقيه معلمه المهلبي فناظره، فلما رأى منه المدني تدقيق ولاد للمعاني وتعليله في النحو، قال: لقد ثقبت يا هذا بعدنا الخردل".
وأورد الزبيديّ القصة ملخّصة، وعقّب عليها بقوله: "وقد بلغني أن صاحب هذه القصة هو المهلبيّ تلميذ الخليل، وهو الذي كان يهاجي عبد الله بن أبي عيينة".
وأورد المرزبانيّ طرفاً من أشعاره في هجاء صاحبه هذا.
وتدل هذه الرواية على إقبال طلبة العلم - حينئذ - على تلقي النحو، وأخذه عن أساتذته الذين يتصدّرون لإفادة الناس، كما يتصدر غيرهم لإِفادة باقي العلوم كالتفسير والحديث والفقه، وهذا دليل على عراقة علوم العربية في المدينة.(38/370)
وللمهلبيّ مناظرات عديدة في النحو مع بعض معاصريه كالكسائيّ والأخفش، سيأتي ذكرها، في الحديث عن نحو أهل المدينة، وهي تدل دلالة قوية على مكانته المرموقة في النحو، وبراعته فيه، مما دفع بعض العلماء إلى إظهار إعجابهم به، وعلى رأسهم الحريري الذي وصفه في إحدى مناظراته مع الأخفش بالبراعة والإبداع.
ومن هنا يتبين لنا أن من قال في حقّ هذا الرجل إنه لم يكن من حذاق النحو فقد ظلمه، ويظهر لنا في مقابل ذلك إنصاف ياقوت ودقّته في أحكامه على العلماء حين وصف المهلبي هذا بأنه من المبرزين في النحو، ووافقه على ذلك السيوطيّ.
16- محمد بن مروان المدنيّ (195هـ تقريبًا)
ابن مروان من علماء القراءات والعربية في المدينة، ذكره الجزريّ في طبقات القراء، فقال في ترجمته: "محمد بن مروان المدنيّ القاريء، ذكره الداني، وقال: وردت عنه الروايات في حروف القرآن، وذكر عن أبي حاتم السجستانيّ أنه قال: ابن مروان قارئ أهل المدينة ...
وقد روى الداني عن الأصمعيّ أنه قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء: إن عيسى بن عمر حدثنا قال: قرأ ابن مروان {هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ} (1) قال: احتبى في لحنه ".
ورويت هذه القراءة في بعض المصادر معزوة لمحمد بن مروان السِّديّ الكوفيّ.
ولم يبق من تراث محمد بن مروان المدنيّ في اللُّغة سوى مسائل قليلة، عرفنا منها اثنتين، إحداهما نحوية ورد ذكرها في "الكتاب"لسيبويه في قوله: "أما أهل المدينة فينزلون هو هاهنا بمنزلته بين المعرفتين، ويجعلونها فصلاً في هذا الموضع، فزعم يونس أن أبا عمرو رآه لحناً وقال: احتبى ابن مروان في ذِه في اللحن؛ يقول: لحن، وهو رجل من أهل المدينة، كما تقول: اشتمل بالخطأ، وذلك أنه قرأ: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ} فنصب" أي نصب (أطهر) .(38/371)
والمسألة الأخرى لغوية في دلالة كلمةْ "السامد"ذكرها أبو الطيب اللغوي في كتابه "الأضداد"واستهلها بقوله: "ويحكي عن ابن مروان نحويّ أهل المدينة من خزاعة الغبشان أنه قال ... ".
وفي هذا النص إشارة صريحة وهي أنه ينحدر من قبيلة خزاعة وهي قبيلة قحطانية نزلت مكة وحالفت قريشاً، وكانت مواطنها بين مكة والمدينة، ومنهم بطن يقال له: الغَبشان.
17- عيسى بن مينا بن وردان (205 أو 220 هـ)
ويلقب بـ "قالون"وهو قارئ المدينة ونحويُّها، كما يقول الجزري، يقال إنه ربيب نافع، وقد اختص به كثيراً، وهو الذي سماه "قالون"لجودة قراءته.
قال الجزريّ: "قال ابن أبي حاتم: كان أصم يقرئ القرآن، ويفهم خطأهم ولحنهم بالشفة، وقال: وسمعت علي بن الحسن يقول: كان عيسى بن مينا قالون أصم شديد الصمم، وكان يُقرأ عليه القرآن، وكان ينظر إلى شفتي القارئ ويرد عليه اللحن والخطأ".
ولما برع قالون في العربية تصدر لتعليمها، يقول ابن الباذش الأنصاريّ: إنه "كان يعلِّم العربية" وقال الذهبيّ: "تبتل لإقراء القرآن والعربية".
وهكذا يمكن القول: إن عيسى بن مينا لم يُعلّم طلابه قراءات القرآن فحسب "بل كان يعلمهم النحو - أيضاً -، وهم يجدون في دراستهم إشباعاً لميولهم واستجابة لما تعجّ به نفوسهم من حبٍّ للقرآن وقراءاته، وحرصٍ على بقاء اللُّغة بعيدة عن اللحن".
هؤلاء من توصلت إلى معرفتهم من أعلام العربية في المدينة في ذلك العصر المتقدم، ممن نص علماؤنا على اشتغالهم بالعربية أو فرع من فروعها، أو وُجد ما يدل على ذلك.
وقد برز بعضهم في النحو دون سواه مثل عليّ الجمل ومروان بن سعيد المهلبيّ.
وبرز بعضهم في القراءات والنحو مثل ابن هرمز ونافع وعيسى بن مينا.
وبرز بعضهم في التفسير واللغة مثل ابن عباس وعبد الرحمن بن أسلم.
وبرز بعضهم في الأدب ورواية اللُّغة مثل ابن دأب الليثيّ.(38/372)
ويمكن أن يضاف إلى هؤلاء جماعة أخرى من قراء المدينة المشهورين كأبي جعفر يزيد بن القعقاع المخزوميّ المدنيّ (130 هـ) وابن جماز المدنيّ (170 هـ) وإسماعيل بن جعفر الأنصاريّ المدنيّ (180 هـ) .
ولا شك في أن هناك كثيراً من علماء العربية في المدينة لم يصلنا خبرهم، واندثر علمهم مع ما اندثر من التراث العربيّ، للأسباب التي صدّرت بها هذا الفصل.
وأختتم هذا الفصل برواية غريبة رواها السيوطيّ عن شيخه الكافيجيّ تفيد أن أول من وضع علم التصريف العربي أو بذرته الصحابيّ الجليل معاذ بن جبل الأنصاريّ (18 هـ) .
قال السيوطيّ: "وأما التصريف فقد ذكر شيخنا العلامة محي [الدين] الكافيجيّ - رحمه الله - في أول كتابه شرح القواعد أنّ أوّل من وضعه معاذ ابن جبل - رضي الله عنه -".
وليس لهذه الرواية ما يعضدها فيما جاء في كتب التراث، ولم يؤثر عن معاذ بن جبل شيء في العربية، ليحمل على هذا أو يحمل هذا عليه، ولم يكن علم التصريف قد نشأ في ذلك الزمن المبكر، وإنما هو سهو محض من الكافيجيّ، ولعله أراد معاذ بن مسلم الهراء فذهل عنه، ولهذا قال السِيوطيّ في حديثه: "ولم تطمئن النفس إلى ذلك، وسألته عنه لما قرأته عليه، وما مستنده في ذلك، فلم يجبني بشيءٍ ولم أقف على سند لشيخنا في ذلك".
ثم رجّح السيوطيّ أن معاذاً هو معاذ بن مسلم الهراء (187هـ) وأشار إلى ما يفيد أن شيخه الكافيجيّ خلط بين المعاذين، وهو الراجح عندي.
---
(1) مراتب النحويين 55.
(2) ينظر: معجم الأدباء5/2150.
(3) ينظر: المزهر 2/414.
(4) إنباه الرواة 2/172.
(5) مراتب النحويين 156.
(6) ينظر: البيان والتبيين 1/146.
(7) شرح اللمع لابن برهان 1/1، ينظر: إنباه الرواة 2/172.
(8) إنباه الرواة 2/172.
(9) معاني القرآن 1/358.
(10) أبو علي الهجري 11.
(11) نفسه 12.
(12) ينظر: التعليقات والنوادر 1/181.
(13) ينظر: إنباه الرواة 4/120- 123.(38/373)
(1) ينظر: التعليقات والنوادر 1/58- 71.
(2) ينظر: نزهة الألباء20، وإنباه الرواة 1/51، والجامع لأحكام القرآن 1/24.
(3) معجم الأدباء1/22، وينظر: الإيضاح في علل النحو 96، ونور القبس 2.
(4) كنز العمال 5/228.
(5) ينظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 9/9.
(6) إيضاح الوقف والابتداء1/19، 20.
(7) البيان والتبيين 2/219.
(8) إيضاح الوقف والابتداء1/30.
(9) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 9/18.
(10) ينظر: نشأة علم التاريخ عند العرب 19.
(11) نزهة الألباء 18، وينظر: الأخبار المروية 34.
(12) نزهة الألباء 18.
(13) ينظر: مراتب النحويين 24.
(14) نزهة الألباء 19.
(15) ينظر: المحتسب 2/342.
(16) ينظر: إنباه الرواة 1/51.
(17) ينظر: غاية النهاية 1/426.
(18) ينظر: النهاية في غريب الحديث 1/99.
(19) ينظر: ابن عباس مؤسس علوم العربية 127.
(20) المفصل في تاريخ النحو العربي 78.
(21) غاية النهاية 2/297.
(22) ينظر: إنباه الرواة 3/261.
(23) سورة المعارج: الآية 43.
(24) سورة القصص: الآية 34.
(25) غاية النهاية 2/297، وينظر: معرفة القراء الكبار 66.
(26) سورة البقرة: الآية 14.
(27) معرفة القراء الكبار 66، والآية في سورة البقرة: الآية 15.
(28) إنباه الرواة 1/39.
(29) إنباه الرواة 2 /172، وينظر: طبقات النحويين واللغويين 26.
(30) سورة المائدة: الآية 50.
(31) المحتسب 1/210، 211.
(32) ينظر: المفصل في تاريخ النحو العربي 125.
(33) ينظر: تهذيب التهذيب 5/204.
(34) تهذيب الكمال 14/480.
(35) نفسه 14/480.
(36) إيضاح الوقف والابتداء1/49-50.
(37) المفصل في تاريخ النحو العربي 86.
(38) ينظر: الدر المصون 5/ 168.
(39) إنباه الرواة 2/183.
(40) الشراة هم الخوارج، سمو بذلك لقولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله.
(41) تاريخ دمشق 10/ 142.(38/374)
(1) وصل الهمزة ضرورة.
(2) خفف الهمزة ضرورة.
(3) ينظر: الأغاني 23/146.
(4) تاريخ دمشق ج5 الورقة 454/1.
(5) ينظر:التهذيب التهذيب 3/396.
(6) ينظر: الجامع لأحكام القرآن 1/138.
(7) نفسه 2/143.
(8) نفسه 3/100.
(9) نفسه 4/207.
(10) مراتب النحويين 158.
(11) طبقات النحويين واللغويين 73.
(12) إنباه الرواة 2/38.
(13) طبقات النحويين واللغويين 73، ومراتب النحويين 158، وإنباه الرواة2/38، 172.
(14) ينظر: غاية النهابة 1/171.
(15) نفسه 1/171.
(16) 1/460.
(17) ينظر: غاية النهاية 2/330.
(18) نفسه 2/332.
(19) ينظر: معرفة القراء الكبار 91.
(20) ص: 230.
(21) معجم الأدباء3/2144.
(22) التحفة اللطيفة 3/390.
(23) نفسه 3/390.
(24) مراتب النحويين 156.
(25) نفسه 156، 157، وينظر: الأغاني 6/56.
(26) ينظر: معجم الأدباء 5/2146.
(27) ينظر: تاريخ العلماء النحويين 230.
(28) إنباه الرواة 2/172، 173.
(29) تاريخ العلماء النحويين 163.
(30) المزهر 1/303.
(31) ينظر: تهذيب التهذيب 6/ 177.
(32) 1/271.
(33) تاريخ التراث العربي ا/88.
(34) ينظر: جامع البيان 1/169.
(35) نفسيه 1/199.
(36) نفسه 1/212.
(37) نفسه 1/289.
(38) نفسه 1/452.
(39) نفسه 1/609.
(40) ص 213.
(41) 3/354.
(42) معجم الأدباء6/2698، وينظر: بغية الوعاة 2/284.
(43) إنباه الرواة 3/354.
(44) طبقات النحويين واللغويين 213.
(45) ينظر: معجم الشعراء398.
(46) ينظر: درة الغواص 37.
(47) ينظر: طبقات النحويين واللغويين 213، وإنباه الرواة 3/354.
(48) ينظر: معجم الأدباء 6/2698.
(49) ينظر: بغية الوعاة 2/284.
(50) سورة هود: الآية 78.(38/375)
(1) غاية النهاية 2/261، وفيه: قال: "احسى من الجنة"وهو تصحيف وتحريف وكلمة "احسى"هكذا غير منقوطة: والتصويب من الكتاب 2/396، 397، والفريد في إعراب القرآن 2/654.
(2) ينظر: البحر المحيط 5/247، والدر المصون 6/362.
(3) أي: هذه.
(4) الكتاب 2/396،397.
(5) الأضداد 1/371.
(6) ينظر: جمهرة أنساب العرب 1/242.
(7) ينظر: غاية النهاية 1/615.
(8) نفسه 1/616.
(9) الإقناع 1/ 59.
(10) معرفة القراء الكبار 129.
(11) مجلة المنهل، العدد 499 المجلد 54، الربيعان 1413 هـ ص: 125.
(12) هو محمد بن سليمان بن سعد بن مسعود الرومي الحنفي، محي الدين، أبو عبد الله الكافيجي، لكثرة اشتغاله بالكافية في النحو، توفي سنة (879 هـ) من مصادر ترجمته، الضوء اللامع 7/259 والشقائق النعمانية 0 4، 41، وشذرات الذهب 7/326.
(13) الأخبار المروية 58، 59.
(14) نفسه 59.(38/376)
تابع لأصُول عِلْمِ العرَبِيَّةِ فِي المَدِينَةِ
الفصل الرّابع
من مظاهر الدّرس اللّغويّ في المدينة
وضعت البذرة الأولى للدرس اللغويّ بعامة والنحويّ بخاصة في المدينة - كما تقدم - أيام الصحابة - رضوان الله عليهم - وظهرت بوادر هذا الدرس في الإشارات والتنبيهات والأنظار اللغوية المتفرقة المعزوة لبعض المهتمين بأمر اللغة، فأصبحت المدينة فيما بعد أحد المراكز اللغوية المهمة، فشارك لغويوها ونحاتها في القرنين الأول والثاني في تحديد مفاهيم النحو ووضع أسسه.
وقد وقفنا في الفصل الثالث على جملة من أعلام الدرس اللغويّ في المدينة، ونحاول في هذا الفصل أن نقف على ما يتاح لنا من مظاهر ذلك الدرس في تلك البيئة.
ومع إيماننا بأنه يتعذر الوقوف على حقيقة الحركة اللغوية في المدينة لضياع كثير مما أثر عن علمائها بالإضافة إلى ضياع كل ما ألفوه في تلك الحقبة المتقدمة، للأسباب السالف ذكرها، ولأن النحاة المشهورين الذين عرفناهم في القرنين الثاني والثالث "لا يحفلون بنسبة الآراء النحوية إلى أصحابها في كل موضع، وهذا يجعلك تجزم بأن كثيراً من الآراء النحوية التي يمكن أن تظنها للفراء وسيبويه والكسائي ليست لهم بل نقلوها عن غيرهم، ولكنها في كتبهم مغفلة أو معزوة إلى شيوخهم الأدنين، ولعل في هذا شيئا غير قليل من تراث تلامذة أبي الأسود نقله إليهم الحضرميّ وعيسى وأبو عمرو" ومن تراث نحاة المدينة، وهم أصحاب فضل لا ينكر في وضع نواة النحو، وتأسيس بعض قواعده، والمشاركة في بعض مسائله.
وعلى الرغم من ذلك فإنه من الممكن جمع بعض الشذرات اللغوية المتفرقة مما تجود به بعض المصادر، أو مما يستنبط من قراءات بعضهم وتوجيهاتها.
وقد تبين لنا بعد البحث والتنقيب أن لنحاة المدينة مؤلفات في اللغة والنحو، وأن لهم آراءهم النحوية الخاصة، ومصطلحاتهم التي كانت تدور في بيئتهم، وأن لهم مجالسهم اللغوية الخاصة.
من مؤلفات المدنيين في علوم اللغة(38/377)
كانت الملحوظات النحوية والإِرشادات والتنبيهات والأنظار تصدر مدّة من الزمن عن جماعة من المهتمين بالعربية في المدينة مشافهة، وتنتقل عن طريق الرواية والسماع، ولم تكن فكرة تأليف الكتب قد تبلورت في أذهانهم.
ولما تطورت العلوم في نهاية القرن الأوّل وبداية القرن الثاني، وأخذت تتكوّن معالمها كالتفسير والحديث والعربية بدأت فكرة تدوين ملحوظاتهم أو معارفهم في أوراق لحفظها، ولم تلبث أن تحولت هذه الفكرة إلى نوع من التأليف عند بعض العلماء.
وكان نحاة المدينة ولغويوها من السابقين إلى تأليف الكتب النحوية، وهي إن ضاعت من يد الزمن فليس ذلك لها وحدها، بل ضاعت كتب عيسى بن عمر ويونس بن حبيب والرؤاسيّ وغيرهم.
ولا نكاد نعرف عن مؤلفاتهم في اللغة والنحو إلا الشيء القليل، ومن هذا القليل ما وصل إلينا، ومنه ما فُقِد ولا نكاد نعرف عنه شيء، ومما وصل إلينا رسالة صغيرة في لغات القرآن، برواية ابن حسنون بإسناده إلى ابن عباس، وقد نشرها الدكتور صلاح الدين المنجد.
والرسالة طريقة في بابها مرتبة على سور القرآن، يورد فيها مؤلفها ما في كل سورة من لغات عربية أو ألفاظ معربة لأمم مجاورة كالفرس والروم والأنباط السريان والعبرانيين.
وهو من هذه الناحية - كما يقول المحقق - يبين لنا مصادر القرآن اللغوية، ويلقي الضوء على لغات القبائل قبيل الإسلام، ويحدد نسبة ما أخذ القرآن من ألفاظ كل قبيلة من تلك القبائل، ثم من كل أمة إن صح أن بعض الألفاظ فيه أعجمية.
وقد شك بعض الباحثين في نسبة هذا الكتاب إلى ابن عباس، وبسط القول فيه.
ولابن عباس صحيفة في تفسير القرآن الكريم رواها عنه علي بن أبي طلحة، فيها من اللغة الشيء الكثير يتمثل في تفسير الغريب.
وقد كانت هذه الصحيفة موضع تقدير العلماء وعنايتهم، إذ قال عنها أحمد ابن حنبل: "بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصداً ما كان كثيراً".(38/378)
وذكر السيوطي أن هذه الصحيفة ثابتة عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة، وقد اعتمد عليها البخاري في صحيحه مرتباً على السور.
ومن الواضح أنّ ابن عباس لم يكتب هذه الصحيفة في كتاب، وإنما نقلت عنه مشافهة، ثم دُوّنت فيما بعد، ومنها نسخة كانت بحوزة أبي طلحة كاتب الليث رواها عن معاوية بن أبي طلحة، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، وهي عند الإمام البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها كثيراً في صحيحه كما أسلفت، وهي عند الطبري وابن أبى حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح.
واهتم بأمر هذه الصحيفة بعض المعاصرين كالدكتور محمد حسين هيكل، والشيخ محمد فؤاد عبد الباقي، فكتب عنها الأول كلمة ضافية، وأخرجها الثاني في كتاب سماه: "معجم غريب القرآن مستخرجاً من صحيح البخاريّ"وأكثر ما فيه من هذه الصحيفة.
ويلحق بذلك ما روي عن ابن عباس مما دوّن بعده في مسائل عرفت بمسائل نافع بن الأزرقّ، وهي مسائل في تفسيرِ غريب القرآن بشواهد من شعر العرب، وهي أسئلة مشهورة أخرج الأئمة أفرادا منها بأسانيد مختلفة إلى ابن عباس، وأخرج أبو بكر الأنباري قطعة منها في كتابه "إيضاح الوقف والابتداء".
وأخرج الطبراني في معجمه الكبير جزءاً منها من طريق جويبر عن الضحّاك بن مزاحم، ورواها السيوطي كاملة في كتابه "الإتقان".
أما ما فقد من تلك المؤلفات فلا نكاد نعرف عنه شيئاً، إلا ما ورد في إشارتين أحدهما في النحو لعليّ الجمل، الذي ذكره أبو الطيب اللغوي ووصفه بأنه "لم يكن شيئاً" ووصفه القفطي بأنه "لم يخلّ شيئا" وقد ذكرت فيما مضى أن التحريف في هذين النصين وارد.
ومهما يكن من أمر هذا الكتاب فقد امتد أثره إلى الأخفش وهو من أعلام النحو في البصرة، إذ قال تلميذه أبو حاتم السجستاني في كتابه القراءات حيث ذكر القراء والعلماء: "وأظن الأخفش سعيد بن مسعدة وضع كتابه في النحو من كتاب الجمل".(38/379)
وما قاله السجستاني يدل على أن الكتاب له مكانة رفيعة، وأنه أثار انتباه العلماء، وأن أثره امتدّ إلى خارج المدينة، لما كان يحويه من أصول النحو ومسائله، وإحسان أبي حاتم الظن بهذا الكتاب شهادة عالية القيمة من عالم مشهور لعالم مغمور.
والكتاب الآخر في اللغة، أشار إليه أبو الطّيّب اللغويِّ - أيضاً - في ترجمته لأبي عبيد القاسم بن سلام (224 هـ) قال: "وأما كتَابه المترجم بالغريب المصنف فإنه اعتمد فيه على كتاب عمله رجل من بني هاشم جمعه بنفسه".
والراجح أن هذا الرجل كان من أهل المدينة أو مكة مقر سكنى بني هاشم كما يقول الدكتور هادي عطية.
وإن ثبت هذا فإنه يدل على اهتمام أهل الحجاز بالتأليف في غريب اللغة، ذلك العلم الذي فتح بابه لهم ابن عباس.
من المسائل النِّحويّة
ضاع الكثير من نحو المدنيين، ولم يصل إلينا منه إلا الشيء اليسير جداً، ومنه ما أشارت إليه بعض المصادر النحوية ك "الكتاب" لسيبويه، و"معاني القرآن"للفراء، و"الارتشاف"لأبي حيان، فمما يسّر الله جمعه:
1- تابع المنادى:
يُعطى تابع المنادي ما يستحق من الإعراب إذا كان منادى مستقلا، أي البناء أو النصب، وذلك في التوكيد والبدل وعطف البيان وعطف النسق المجرد من أل، لأن البدل في نية تكرار العامل، والعطف كالنائب عن العامل، تقول في التوكيد: يا بكر نفسَه، ويا تميمُ كلَّهم، ويا خالدُ أبا الوليد، بنصب التابع؛ لأنه مضاف.
وتقول: يا زيد بشرُ، بالضم للبناء، ويا صالحُ وعليُّ بالضم أيضا.(38/380)
وإذا وصف المضاف المنادى بمضاف مثله أو بمفرد فالوجه النصب، قال ابن السراج: "اعلم أن المضاف إذا وصفته بمفرد ومضاف مثله لم يكن نعته إلا نصباً؛ لأنك إن حملته على اللفظ فهو نصب والموضع موضع نصب، فلا يزال ما كان على أصله إلى غيره، وذلك نحو قولك: يا عبدَ الله العاقلَ، ويا غلامنا الطويلَ، والبدل يقوم مقام المبدل منه، تقول: يا أخانا زيد أقبل، فإن لم ترد البدل وأردت البيان، قلت: يا أخانا زيداً أقبل، لأن البيان يجري مجرى النعت".
والرفع في قولك: يا أخانا زيدٌ هو قول أهل المدينة فيما حكاه سيبويه عن الخليل في قوله: "قلتَ: أرأيت قول العرب: يا أخانا زيدا أقبل، قال: عطفوه على هذا المنصوب فصار نصباً مثله، وهو الأصل؛ لأنه منصوب في موضع نصب، وقال قوم: يا أخانا زيدٌ.
وقد زعم يونس أن أبا عمرو كان يقوله، وهو قول أهل المدينة، قال: هذا بمنزلة قولنا يا زيد، كما كان قوله يا زيد أخانا بمنزلة يا أخانا، فيحمل وصف المضاف إذا كان مفرداً بمنزلته إذا كان منادى".
وما عزاه سيبويه للمدنيين مثال نحوي، وليس قراءة قرآنية حتى يظن أن سيبويه كان يشير إلى قراءةٍ لنافع أو غيره من قراء المدينة.
2- الفصل بين المضاف والمضاف إليه:
لا يجوز الفصل بين المتضايفين عند كثير من النحويين إلا في الشعر، وأجاز بعضهم الفصل بينهما في مواضع منها أن يكون المضاف مصدراً والمضاف إليه فاعله والفاصل مفعول به أو ظرف.
فالأول كقراءة ابن عامر: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} (1) .
والثاني كقولك: تَرْكُ يوماً نفسِك وهواها، سعي لها في رداها.
وللمدنيين رأي في هذه المسألة أورده شيخ نحاة الكوفة الفراء في قوله: "وليس قول من قال {مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} (2) ولا {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} بشيءٍ، وقد فُسّر ذلك.(38/381)
ونحويوا أهل المدينة ينشدون قوله:
فَزَجَجْتُهَا مُتَمَكِّنا
زَجَّ القَلُوصَ أَبي مَزادَة
قال الفراء: باطل، والصواب:
زَجَّ القَلُوصِ أَبُو مَزادَة "
وقال الفراء في موضع آخر في توجيه قراءة ابن عامر: "وليس قول من قال: إنما أرادوا مثل قول الشاعر:
فَزَجَجْتُهَا مُتَمَكِّنا
زَجَّ القَلُوصَ أَبي مَزادَة
بشيء، وهذا مما كان يقوله نحويوا أهل الحجاز، ولم نجد مثله في العربية".
وتدل عبارة الفرّاء "وهذا مما كان يقوله نحويوا أهل الحجاز"على أمور، منها: قِدَم هؤلاء النحاة، وأنهم جماعة، وأنهم يتفقون في المذهب النحويّ.
وذكر ابن يعيش أن الأخفش أنشد هذا الشاهد، وقيل: إنه زاده في حواشي الكتاب لسيبويه فأدخله الناسخ في بعض النسخ حتى شرحه الأعلم، فهل أخذه الأخفش من كتاب أحد هؤلاء المدنيين، وهو عليّ الجمل، كما أخذ عنه: الزيت رطلان بدرهم؟ إن صح ذلك.
وذكر ابن يعيش - أيضاً - أن "ابن كيسان قد نقل عن بعض النحويين أنه يجوز أن نفرق بين المضاف والمضاف إليه إذا جاز أن يسكت عن الأول منهما" فمن هؤلاء النحاة، هل هم المدنيون أم الكوفيون؟ ليس في المصادر التي بين أيدينا ما يعين على الإِجابة عن هذا السؤال.
وقد احتج بعض الكوفيين - فيما بعد - بهذا البيت وجعلوه من شواهدهم في جواز الفصل بين المضاف والمضاف إليه، فيما أورده أبو البركات الأنباريّ في مسائل الخلاف على الرغم من اعتراض الفراء على هذا الشاهد.
ويبدو أن البغدادي أراد أن ينتصر للبصريين بالطعن في قائل هذا البيت فعزاه "لبعض المدنيين المولدين، فلا يكون فيه حجة".(38/382)
وبالعودة إلى عبارتي الفراء التي قال فيها: "ونحويوا أهل المدينة ينشدون ... "، و"وهذا مما كان يقوله نحويوا أهل الحجاز"يتبين - كما أسلفنا - قدم هؤلاء النحاة، وإجماعهم على هذا الشاهد، وشهرته عندهم، ويمكن أن يستنبط من عبارة الفراء "وهذا مما كان يقوله.." التي قالها في أواخر القرن الثاني - كما نعلم - أن هؤلاء النحاة كانوا يقولون ذلك منذ زمن مضى نقدره بنحو خمسين سنة أو يزيد، وهو ما يوافق زمن الفصاحة الذي حدد بمنتصف القرن الثاني في الحواضر ونهاية القرن الرابع في البوادي، فهل يجوز للبغدادي أن يطعن في حُجِّيّة البيت؟.
ويقوي مذهب المدنيين قراءة ابن عامر في آية المائدة المتقدمة، وهي قراءة سبعية متواترة، لا يجوز الطعن فيها، وقد قرأ بعض السلف {مُخْلِفَ وَعْدَه رُسُلِه} (1) ، بالإِضافة إلى جملة من الشواهد الشعرية.
ولورود ذلك في القرآن اقترح الدكتور مكي الأنصاريّ أن تعدل القاعدة التي ذكرها البصريون، فقال: يجوز الفصل بين المتضايفين في النثر بالمفعول به.
وهذا دليل على سلامة ما ذهب إليه نحاة المدينة في هذه المسألة.
3- ضمير الفصل:
قد يقع الضمير المنفصل المرفوع بين المبتدأ والخبر أو ما في حكمهما من النواسخ إذا كانا معرفتين أو مقاربين للمعرفة، وذلك في نحو {إنْ كَانَ هَذا هُوَ الحَقَّ} (2) و {كُنّا نَحْنُ الوَارِثِين} (3) .
ويسمى هذا الضمير عند البصريين ضمير الفصل، ويسميه الكوفيون عمادا.
وللمدنيين مذهب فيه وفي تسميته، قال أبو حيان: "والفصل هو صيغة ضمير منفصل، ويسميه الفراء وأكثر الكوفيين عماداً، وبعض الكوفيين يسميه دعامة، ويسميه المدنيون صفة.(38/383)
وأكثر النحاة يذهب إلى أنه حرف، وصححه ابن عصفور. وذهب الخليل إلى أنه ضمير باق على اسميته، ومحل هذا الفصل المبتدأ والخبر ونواسخه، واختلفوا في وقوعه بين الحال وصاحبها، فمنعه الجمهور، وحكى الأخفش في الأوسط مجيء ذلك عن العرب، ومن قرأ {هَؤلاءِ بَنَاتي هُن أَطْهَرَ لَكُمْ} (1) بنصب أطهر لاحِنٌ عند أبي عمرو.
وقال الخليل: والله إنه لعظيم جعل أهل المدينة هذا فصلاً، وشرط الفصل أن يتقدمه معرفة.
وبهذا ندرك انفراد نحاة المدينة في هذه المسألة بأمرين:
أحدهما: تسميتهم هذا الضمير: صفة.
والآخر: أنهم أجازوا وقوعه بين الحال وصاحبها كما في القراءة السابقة، وندرك - أيضاً - أن الأخفش أجاز ذلك، فهل هو متأثر بما وقع له من مصنفات أهل المدينة في النحو، ككتاب عليّ الجمل؟.
لا يستبعد ذلك.
وأجاز المدنيون وقوع ضمير الفصل بين النكرة والمعرفة، قال سيبويه في باب "هذا باب لا تكون هو وأخواتها فيه فصلا"بعد أن مثل له بقوله: ما أظن أحداً هو خير منك، قال: "وأما أهل المدينة فينزلون هو هاهنا بمنزلته بين المعرفة، ويجعلونها فصلاً في هذا الموضع".
وأضاف سيبويه قائلا: "فزعم يونس أن أبا عمرو رآه لحنا وقال احتبى ابن مروان في ذِه في اللحن. يقول: لحن، وهو رجل من أهل المدينة، كما تقول اشتمل بالخطأ، وذلك أنه قرأ: {هَؤلاءِ بَنَاتي هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ} فنصب.
وكان الخليل يقول: "والله إنه لعظيم جعلهم [أي المدنيين] هو فصلا في المعرفة وتصيرهم إياها بمنزلة (ما) إذا كانت ما لغوا؛ لأن هو بمنزلة أبُوهُ، ولكنهم جعلوها في ذلك الموضع لغواً كما جعلوا ما في بعض المواضع بمنزلة ليس، وإنما قياسها أن تكون بمنزلة كأنما وإنما".(38/384)
واعترض السيرافيّ على سيبويه في بعض ما جاء في هذه المسألة، ووجه مذهب المدنيين، فقال: "لم يجز الفصل إذا كان الاسم قبله نكرة، لأن الفصل يجري مجرى صفة المضمر، وهو، وأخواتها معارف، فلا يجوز أن يكون فصلا للنكرة، كما لا يجوز أن تكون المعارف صفات للنكرة، فإن هذا الكلام إذا حمل على ظاهره فهو غلط وسهو؛ لأن أهل المدينة لم يحك عنهم إنزال هو في النكرة منزلتها في المعرفة، والذي يحكى عنهم: هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم، لأنه من باب هو خيراً منكم، والذي أنكره سيبويه أن يجعل ما أظن أحدا هو خيراً منك بمنزلة ما أظن زيداً هو خيراً منك، فليس هذا مما حُكِيَ عن أهلِ المدينة في شيء، وقد شهد بما ذكرته ما ذكره يونس أن أبا عمرو رآه لحنا".
وفي كتاب سيبويه إشارات أخرى متفرقة إلى نحويين يفهم من سياق كلامه أنهم قدماء، فهل هم أو بعضهم من نحاة المدينة؟.
4- إعراب حتّى وما بعدها:
ثمة شاهد نحويّ مشهور يتناقله النحاة منذ عهد سيبويه، ويروونه عن بعض نحاة المدينة، وهو مروان بن سعيد المهلبيّ، وهو قوله:
أَلْقَى الصَّحِيفَةَ كَي يُخَفِّفَ رَحْلَهُ
والزَّاد َحَتَّى نَعْلَهُ أَلْقَاهَا
وفيه روايات، وهي "حتى نعلِه"و"حتى نعلَه"و"حتى نعلُه" ولا ندري كيف أنشده مروان بن سعيد المهلبيّ، ولا نعرف رأيه في توجيهه، كما لا نعرف رأي معاصريه من نحاة المدينة في توجيه هذا البيت، الذي نقدّر أنه استأثر بعنايتهم، فهو من شواهدهم، كما استأثر بعناية النحاة في البصرة والكوفة وغيرها من الأمصار.
والشاهد فيه "حتى نعله"إذ يجوز في حتى وما بعدها ثلاثة أوجه، وقد أنشده سيبويه على أن حتى فيه حرف جر بمعنى إلى، وأن مجرورها غاية لما قبلها، كأنه قال ألقى الصحيفة والزاد وما معه من المتاع حتى انتهى الإِلقاء إلى النعل، ويكون "ألقاها"توكيد، وهي بمنزلة قوله عز وجل {سَلامٌ هِي حَتى مَطْلَع الفَجْر} (1) .
أما النصب فمن وجهين:(38/385)
أحدهما: نصبه بإضمار فعل يفسره (ألقاها) كأنه قال: حتى ألقى نعله ألقاها، كما يقال في الواو وغيرها من حروف العطف.
ثانيها: أن يكون نصبه بالعطف على الصحيفة، وحتى بمعنى الواو، كأنه قال: ألقى الصحيفة حتى نعله، يريد: ونعله، كما تقول: أكلت السمكة حتى رأسَها، بنصب رأسها، فعلى هذا الهاءُ عائدة على النعل أو الصحيفة، وألقاها تكرير وتوكيد" وقد جاز عطف نعله مع أنه ليس واحداً مما ذكر؛ لأن الصحيفة والزاد في معنى ألقى ما يثقله؛ فالنعل بعض ما يُثقل.
وأما الرفع "فعلى الابتداء، وجملة ألقاها هي الخبر؛ فحتى - على هذا وعلى الوجه الأول من وجهي النصب - حرف ابتداء، والجملة بعدها مستأنفه".
هذا ما وقفت عليه مما عزي للمدنيين من آراء في النحو وهو من القلة بحيث لا يمكّن الباحث من استخلاص خصائص معينة، وإن كنت أرى - من خلال ما سمحت به المصادر - أن نحوهم يأخذ طابع النحو الكوفيّ الذي يعتدّ بالسماع ولا يحفل كثيراً بالقياس.
النّحو في قراءاتهم وتعليقاتهم التفسيرية
أسهمت قراءات المدنيين وتعليقاتهم التفسيرية في خصوبة النحو العربيّ على مدى القرون، ويمكن لنا أن نستعرض بعض الملاحظات والآراء أو الأصول النحوية المستنبطة من قراءات بعضهم أو تعليقاتهم، كابن عباس وابن هرمز، من غير استقراء، فإن ما أثر عنهما في هذا الشأن شيء غير قليل، يحتاج إلى مؤلف خاص يلم شتاته، ويكفي في هذا البحوث ذكر بعض الأمثلة مما يمثل بدايات النحو عند المدنيين.
أولا: ابن عباس
أثر عن ابن عباس كثير من الملاحظات اللغوية التي كان يفسر بها القرآن، تدل على حسه اللغويّ العام السليم، وإلمامه بالنحو.
1- قدر ابن عباس التقديم والتأخير في قوله عزّ وجلّ: {أم لَهُمءَالِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِن دونِنا لا يَسْتطيعُونَ نَصْرَ أنفسهم ولاهُم مِنّا يُصْحَبون} (1) .
قال أبو حيان: "قال ابن عباس: في الكلام تقديم وتأخير تقديره: أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم ".(38/386)
2- وروي عن ابن عباس في قوله عزّوجل: {وَجَعَلنَا مِنْهُم أئِمَّةً يَهْدُون بأمْرنا لَمَّا صَبَرُوا} (1) أنه يرى أن الباء في {بأمرنا} بمعنى (إلى) أي يهدون الخَلق إلى أمرنا.
وقد ذكر النحاة - فيما بعد - أن الباء تأتي بمعنى الغاية، ومنه قوله تعالى: {وَقَدْ أحْسَنَ بِي} (2) أي: إلي.
3- وروي عنه في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَان للرحمن وَلَدٌ فَأنَا أوَّلُ العَبدِين} (3) أنه يرى أن (إنْ) هنا نافية بمعنى ما، وكان يقول: لم يكن للرحمن ولد.
4- وروي عنه في قوله تعالى: {هَلْ أتَى عَلَى الإنْسَان حِينٌ مِنَ الدَّهْر لم يَكُن شَيْئاً مَذكُورا} (4) أنه ذهب إلى أن (هل) هنا بمعنى (قد) .
5- واختلف المفسرون في تفسير قوله عزّ وجلّ: {إلَيهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ والعَمَلُ الصالحُ يَرْفعُهُ} (5) .
قال أبو حيان: "وعن ابن عباس: "والعمل الصالح يرفعه، عامله ويشرّفه، فجعله على حذف مضاف" أي: العمل الصالح يرفع الكلم الطّيب.
6- واختلفوا في تفسير قوله تعالى: {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} (6) .
وروي عن ابن عباس - في هذه الآية - أنه قدر حذف الحال، إذ قال: "في الكلام محذوف تقديره: فأصابتكم مصيبة الموت وقد استشهدتموهما على الإيصاء" والحال هي جملة: "وقد استشهدتموهما"التي قدرها ابن عباس محذوفة.
7 - وروي عن ابن عباس في تفسيره في قول الله عزّ وجلّ: {وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الّتي كُنْتَ عَلَيها إلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنْقَلِبُ عَلَى عَقْبَيْهِ} (7) أنه قال: "القبلة في الآية الكعبة، وكنت أنت، كقوله تعالى {كُنْتُم خَيْرَ أمةٍ} بمعنى: أنتم".(38/387)
قال أبو حيان: "وهذا من ابن عباس - إن صح - تفسير معنى لا تفسير إعراب، لأنه يؤول إلى زيادة كان الرافعة للاسم والناصبة للخبر، وهذا لم يذهب إليه أحد، وإنما تفسير الإِعراب على هذا التقدير ما نقله النحويون أنّ كان تكون بمعنى صار".
ومقتضى تفسير ابن عباس أنّ كان هنا زائدة "والذي صار بأبي حيان إلى هذا هو البناء النحوي العام القائم على العامل والمعمول، وهذا ما لم يكن يعرفه ابن عباس، ولا أهل زمانه".
ونلاحظ في هذه الأمثلة التي أوردناها بروز الحس اللغوي والنحوي عند ابن عباس في تعليقاته وتفسيره على نحو فطريّ بعيد عن تصنع النحاة وتعليقاتهم، وهو ما يناسب تلك المرحلة التي نشأ فيها النحو في المدينة والحجاز.
ثانيا: ابن هرمز
رأينا في الفصل الثالث أن بعض المؤرخين ذكر أنّ ابن هرمز أول من وضع علم النحو وأظهره في المدينة، وأنه كان أعلم الناس بالنحو وأن أهل المدينة أخذوا النحو عنه.
وجعله بعضهم أحد مؤسسي النحو الذين وضعوا "للنحو أبوابا، وأصلوا له أصولا، فذكروا عوامل الرفع والنصب والخفض والجزم، ووضعوا باب الفاعل والمفعول والتعجب والمضاف".
فأين هذه الأصول والأبواب؟ لقد ضاعت فيما ضاع من تراث العربية المتقدم، ولم يبق لنا من نحو ابن هرمز سوى قراءاته واختياراته الكثيرة التي أسهمت في خصوبة النحو العربي، ودلّت على إلمامه به، ومشاركته فيه، وإدراكه لبعض أصوله، فمن قراءاته واختياراته تلك:
1- قرأ يحيى بن يعمر: {أفَحكمُ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (1) برفع (أفحكم) على الابتداء، وبإضمار مفعول في الفعل يبغون، والجملة خبر المبتدأ.
وقرأ ابن هرمز الآية بنصب (أفحكمَ) وهي قراءة الجمهور، وقال: "لا أعرف في العربية: أفحكمُ" فدل هذا على سعة إطلاعه، وعلمه بتراكيب اللغة وقرائنها اللفظية، وما يصاحبها من ظواهر الإعراب.
2- قرأ ابن كثير وغيره: {فَتَلَقّى آدَمَ مِن رَبِّه كَلِمَاتٌ} (2) بنصب (آدم) ورفع (كلمات) .(38/388)
وقرأها ابن هرمز الأعرج وغيره برفع آدم ونصب (كلمات) وعللها مكيّ بقوله: "وعلة من قرأ برفع (آدم) ونصب (كلمات) أنه جعل (آدم) هو الذي تلقى الكلمات؛ لأنه هو الذي قَبِلها ودعا بها، وعمل بها فتاب الله عليه. فهو الفاعل لقبوله الكلمات فالمعنى عَلى ذلك، وهو الخطاب، وفي تقديم (آدم) على الكلمات تقويه أنه الفاعل.
وقد قال أبو عبيد في معنى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} معناه قَبلها، فإذا كان آدم قابلا فالكلام مقبول، فهو المفعول وآدم الفاعل ".
وقرأ الأعرج وآخرون: {وَيَتُوبَ الله عَلَى مَن يَّشَاءُ} (1) وقرأ الجماعة {وَيَتُوبُ الله} بالرفع، وعلى قراءة الأعرج فإنّ التوبة داخلة في جواب الشرط معنى، وعلى قراءة الرفع تكون استئنافاً، وذلك أن قوله: {قَاتِلُوهُم يُعَذّبْهُمُ الله بأَيْدِيكُم ويُخْزِهِم ويَنصُركُمْ عَلَيهِم ويَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِين ويُذْهِبْ غَيْظ قُلُوبِهِم وَيَتُوبُ الله عَلَى من يشَاءُ} (2) فهو كقولك: إن تزرني أحسن إليك وأعطي زيداً درهما، فتنصبه على إضمار (أنْ) أي: إن تزرني أجمع بين الإحسان إليك والإعطاء لزيد.
وإن كان ابن هرمز في كثير من قراءاته يتوخى بحسه النحويّ ما وافق العربية وفق الأقيسة النحوية المشهورة، إلا أنه قد يغرب في بعض قراءاته وينحط في بعض اختياراته، فيوافق أوجه ضعيفة في اللغة أو شاذة لا يقبلها أكثر النحاة، فمن ذلك:
1- قرأ ابن هرمز وغيره: {ولا تَتبعُوا خُطُؤات الشَّيْطَانِ} (3) بضمتين وهمزة، وهي شاذة، أنكرها بعض العلمَاء، قال ابن جني: "وهي مرفوضة وغلط ".
وتحتمل هذه القراءة تأويلين في العربية:
أحدهما: أن خُطُؤات جمع خُطأة، بمعنى الخطأ، فالهمزة أصلية، وهي لام الكلمة.
والآخر: أنه قلب الواو في خُطُوات همزة؛ لمجاورتها الضمة قبلها، فكأنها عليها؛ لأن حركة الحرف بين يديه على الأرجح لا عليه.(38/389)
2- قرأ ابن هرمز: {وإِذ أَخَذَ الله مِيْثَاقَ النَّبيّينَ لَمَّا آتَيْنَاكم مِن كِتَاب وحِكْمَة} (1) بفتح اللام وتشديد الميم في (لمّا) وقَد أنكرها بعض العلماء، وهي تحتمل أوجه:
قال أبو الفتح: "في هذه القراءة إعراب، وليست (لما) هاهنا بمعروفة في اللغة، وذلك أنها على أوجه:
تكون حرفاً جازما
وتكون ظرفاً
وتكون بمعنى إلا
وأقرب ما فيه أن يكون أراد: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لَمِن ما آتيناكم، وهو يريد القراءة العامة: لما آتيناكم فزاد من ... فصارت (لَمِما) فلما التقت ثلاث ميمات فثقلت حذفت الأولى منهن، فبقي لَمَّا مشدداً كما ترى، ولو فكت لصارت: لنما، غير أن النون أدغمت في الميم كما يجب في ذلك، فصارت: لَمّا".
3- وقرأ ابن هرمز وغيره {قلْ هَلْ أنبئُكُم بِشَرٍّ مِن ذَلِكَ مَثْوبَةٍ عِند اللهِ} (2) بسكون الثّاء في (مَثْوبة) وفتح الواو على زنة مفعلة، هذا مما خرج عن أصله، وهو شاذ في بابه، وحال نظائره كما يقول ابن جني، وقياسها (مثوبة) كما قرأها الجمهور.
المصطلح النّحويّ
مرت مصطلحات اللغة والنحو بمراحل زمنية متباينة واشترك في تطويرها مجموعة من النحاة على مختلف العصور.
وقد ظهرت بعض المصطلحات النحوية في ظهور النشأة لهذا العلم في المدينة، ثم أشاد البصريون بناء المصطلح اللغوي بعامة والنحويّ بخاصّة، وجاء بعدهم الكوفيون، وتبعهم البغداديون والأندلسيون والمصريون، فدرس من مصطلحات المدنيين ما درس، وبقي منها ما بقي وهو قليل، ولا نعلم مقدار ما ضاع منها.
ونقدر أن بعضاً من مصطلحات المدنيين النحوية شاع على ألسنة الدارسين وتبنته المدارس النحوية المشهورة، فنسب إليها، ونسي مورده الأصلي.(38/390)
ومن مصطلحات المدنيين النحوية التي أنشؤوها أو كان لهم إسهام مع غيرهم في نشأتها ورسوخها: العربية، والإعراب، والنحو، واللحن، والرفع، والنصب، والجر، والاسم، والفعل، والحرف، والنداء، والترخيم، والتقديم، والتأخير، والصفة، وهي على النحو التالي:
1- العربية:
لعل "العربية"من أقدم مصطلحات العلم اللغوي والنحوي عند العرب، وهو عام المدلول، لا يحمل - في أول أمره - سمة المصطلح العلمي الدقيق، وكان ظهوره - فيما نعلم - في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد جرى على لسانه كثيراً، واستخدمه بعض الصحابة، وكان معناه في بادئ الأمر:لغة العرب النقية من الشوائب، لاسيما لغة البوادي، قال عمر: "تعلموا العربية، فإنها تشبب العقل وتزيد في المروءة".
وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: "أنْ مُرْ من قِبَلَك بتعلم العربية، فإنها تدل على صواب الكلام".
ثم ارتقى مصطلح العربية قليلاً وأصبح يعني اللغة وأسرارها، فقد روي عن كعب الأحبار أنه حكم بين ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم حين اختلفا في قوله تعالى {عَيْنٍ حَمِئةٍ} فقال: "أما العربية فأنتم أَعلم بها، وأما أنا فأجد الشمس في التوراة تغرب في ماء وطين".
ولم يزل هذا المصطلح يرتقي حتى أصبح يطلق على دراسة اللغة وما تحويه من ظواهر صوتية، كالهمز والإِمالة والإِبدال والإدغام، أو ظواهر إعرابية كالرفع والنصب والجر، وازداد رسوخاً وانتشاراً في القرن الأول، فظهر أول مصطلح لهذا العلم اللغوي.
وقد ورد هذا المصطلح في استخدامات بعض القدماء، كابن سلام، في قوله: "وكان أبو الأسود أول من استنّ العربية، وفتح بابها، وأنهج سبيلها ووضع القياس".
والسيرافي في كلامه عن نصر بن عاصم، إذ قال: إنه "أول من وضع العربية".
والزهري في قوله: "إن نصر بن عاصم ليفلق بالعربية تفليقا".(38/391)
والحسن البصري الذي قال له البتّي: ما تقول في رجل رُعِفَ في الصلاة؟ فقال: إنّ هذا يعرّب الناس "أي يعلم العربية"وهو يقول رُعِف، إنما هو رَعُفَ.
2- الإعراب:
وهو - أيضاً - من المصطلحات العربية القديمة، تمتد جذوره إلى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد روي أبو هريرة عن النبي عليه السلام أنه قال: "أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه" (1) .
وروي عن أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما-: "تعلم إعراب القرآن أحبّ إلينا من تعلم حروفه "
ولم يكن مصطلح "الإعراب"في بداية نشأته كما يتضح من هذين النصين يتجاوز معنى الإبانة في الكلام والتجويد في القرآن ونحو ذلك، فمدلوله أقرب إلى معناه اللغوي المجرد.
ثم تطور مصطلح "الإعراب"وأصبح يدل على الصواب في الكلام، قال ابن شُبرمة (144هـ) : "إن الرجل ليلحن وعليه الخز الأدكن فكأن عليه أخلاقاً، ويعرب وعليه أخلاق فكأن عليه الخز الأدكن".
ثم لم يلبث هذا المصطلح أن أخذ مفهوماً مقارباً لما نعرفه اليوم، وهو تحريك أواخر الكلم بما يقتضيه التركيب، وقد روي عن مالك بن أنس إمام دار الهجرة قوله: "الإعراب حلي اللسان؛ فلا تمنعوا ألسنتكم حليها".
3-النحو:
ليس من اليسير الاهتداء إلى الزمن الذي ظهر فيه هذا المصطلح، الذي عرف ناضجاً في أواخر القرن الثاني، إلا أن الروايات المنقولة تشير إلى مرحلة مبكرة ترجع إلى زمن علي بن أبي طالب إذ رُويَ أنه - رضي الله عنه - ألقى إلى أبي الأسود رقعة فيها كلام في أصول النحو فقال له: "انح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع لك" ثم عرض عليه أبو الأسود ما وقع له فاستحسنه علي وقال: "ما أحسن هذا النحو الذي نحوته" قال ياقوت معلقاً على قول علي: "فلذلك سمي نحوا".
وقال الخليل بن أحمد: "وبلغنا أن أبا الأسود وضع وجوه العربية، فقال للناس انحوا نحو هذا فسمّى نحوا".(38/392)
وروى القفطي أن أبا الأسود أتى عبد الله بن عباس فقال: "إني أرى ألسنة العرب قد فسدت، فأردت أن أضع شيئا لهم يقوِّمون به ألسنتهم قال: لعلك تريد النحو، أما إنه حق".
فإن صحّ ما ورد في هذه الروايات فإنّ مصطلح النحو قديم تعود جذوره الأولى إلى علماء المدينة، تم تطور مع الأيام، ولكن ثمة من يشك فيما جاء في هذه الروايات، ويرى أن ذلك من تفسير الرواة وتزيدهم "لأن المصطلح اللغوي لا يسلك سبيله إلى الأذهان بهذه الطريقة، بل يكون له أساس من الاستخدام، ثم يتطور معناه ويطلق على شيء ما".
4- اللحن:
للحن معان عدة في اللغة ذكرها أصحاب المعاجم، وهو من المصطلحات التي أطلقت قديماً على علم النحو، ولكنه لم يشع في الاستعمال، فمن ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في حديث له في النافع من العلوم، قال: "تعلموا الفرائض والسنة واللحن، كما تتعلمون القرآن".
وحدّث يزيد بن هارون بهذا الأثر فقيل له: ما اللحن؟ فقال: النحو.
ثم شاع على ألسنة الناس في الصدر الأول من الإسلام في المدينة وغيرها استخدام اللحن بمعنى الخطأ، وهو من معانيه اللغوية، "وأغلب الظن أنه استعمل لأول مرة بهذا المعنى عندما تنبه العرب بعد اختلاطهم بالأعاجم إلى فرق ما بين التعبير الصحيح والتعبير الملحون".
ومن أقدم النصوص التي ورد فيها اللحن بمعنى الخطأ في الكلام ما نسب إلى عبد الملك بن مروان (86 هـ) وهو قوله: "الإعراب جمال للوضيع، واللحن هجنة على الشريف".
وقيل له يوماً: "أسرع إليك الشيب قال: شيبني صعود المنابر والخوف من اللحن".
وقد ورد هذا المعنى في بيت للحكم بن عبدل الأسدى يهجو به حاجب عبد الملك بن بشير بن مروان والي البصرة (103 هـ) ليحمل الأمير على إقالته:
لَيْتَ الأميرَ أَطَاعَنِي فَشَفَيْتُهُ
مِن كُلِّ من يُكْفِي القَصِيد ويَلْحَن(38/393)
وكان بعض السلف يقول: "ربما دعوت فلحنت فأخاف ألا يستجاب لي" وهكذا استقرّ اللّحن في اصطلاح اللّغويين والنّحاة على هذا المعنَى.
5- الرفع والنصب والجر:
جاء في بعض الروايات أن علياً - رضي الله عنه - قال لأبي الأسود: "اجعل للناس حروفا - وأشار له إلى الرفع والنصب والجر - فكان أبو الأسود ضنينا بما أخذه".
تم انشر هذا المصطلح عند النحويين واللغويين في القرن الثاني، ولا يبعد أن يكون المدنيون قد عرفوه منذ القرن الأول، وأن يكون لهم دور بارز في نشأته.
6-الاسم والفعل والحرف:
روى عن أبي الأسود أنه قال: "دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام- فأخرج لي رقعة فيها: الكلام كله اسم وفعل وحرف جاء لمعنى".
وروى الزجاجي أن أبا الأسود كان أول من سطر في كتاب: "الكلام: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، فسئل عن ذلك فقال: أخذته من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب".
7- النداء والترخيم:
روي أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لما قرأ: {ونَادَوا يا مَالِ لِيَقْض عَلَيْنا رَبُّكَ} (1) أنكر عليه ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال علي: "هذا من الترخيم في النداء. فقال ابن عباس: ما أشغل أهل النار في النار عن الترخيم في النداء فقال علي: صدقت".
قال ياقوت في تعليقه على هذه الرواية: "فهذا يدل على تحقّق الصحابة بالنحو وعلمهم به".
ومع أن الشك يتطرق لهذا الرواية لورود مصطلح "الترخيم في النداء"فيها، إذ يظن أنه مصطلح متأخر نوعاً ما، إلا إننا لا نستطيع إنكارها لورودها عن ياقوت، ومعروف عنه تحريه فيما يرويه من الأخبار، ولأن الواقع اللغوي الجديد في عصر علي بن أبي طالب كان مهيئاً لنشأة مثل تلك المصطلحات، ويقوي ذلك مكَانة الرجلين علي وابن عباس في اللغة، وما أثر عنهما في هذا الشأن، وهو شيء كثير.
8- التقديم والتأخير:(38/394)
فسر ابن عباس قوله عز وجل {أَم لَهُمءَالِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِن دونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِم وَلاهُم مِنّا يُصحَبُون} (1) فقال: "في الكلام تقديم وتأخير".
9 - الصفة:
تقدم في كلامنا عن الضمير الذي يقع بين المبتدأ والخبر وما في حكمها أنه يسمى عند البصريين ضمير الفصل.
ويسمى عند الكوفيين: العماد.
ويسميه نحاة المدينة - كما ذكر أبو حيان - صفة، وقد انفردوا بهذه التسمية فيما نعلم.
المجالس اللغوية
من مظاهر النشاط اللغوي في المدينة أن العلماء كانوا يعقدون المجالس اللغوية كما عقدوها للتفسير والحديث والفقه، ومن المجالس التي كانت تعقد للغة مجالس ابن عباس، وأبي الزناد، وابن هرمز، ومروان بن سعيد المهلبي وغيرهم.
وكانت العلوم الشرعية واللغوية تتداخل في تلك المجالس، قال عمرو بن دينار: "ما رأيت مجلساً قط أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس للحلال، والحرام، وتفسير القرآن، والعربية، والشعر، والطعام".
ونقدر أن علم العربية بفروعه المختلفة كغريب اللغة ولهجاتها ومسائل النحو كان يعرض في تلك المجالس.
ولما ارتقت علوم اللغة وقاربت النضج وبخاصة النحو ظهرت بعض المناظرات اللغوية والنحوية في تلك المجالس، أو في مجالس علية القوم كالخلفاء والأمراء والوزراء وغيرهم، كان ذلك في حواضر الدولة الإِسلامية الفتية كالمدينة والبصرة والكوفة وبغداد.
وقد ضاع كثير من تلك المناظرات، ولم يبلغنا من أمرها إلا القليل، وأكثر ما بلغنا مما كان يدور في مجالس الخلفاء والأمراء والوزراء في حواضر العراق، وقد جاءت لنا بعض المصادر بنتف يسيرة جدا من مناظرات نحوية وقعت في بعض مجالس العلم كان أحد علماء المدينة طرفا فيها، وهو مروان بن سعيد المهلبي، وكان الطرف الآخر سعيد بن مسعدة الأخفش.
وفيما يلي مجالس المهلبي مما ذكره أبو القاسم الزجاجي وغيره، وهي ثلاثة مجالس، نوردها كما رواها الرواة، تم نقفوها بشيء ٍمن التعليق:(38/395)
1- فإن كانتا اثنتين:
قال أبو القاسم الزجاجي. "قال أبو يعلى زكريا بن يحي بن خلاد: حدثني أبو عثمان قال: سأل مروان الأخفش عن قول الله جلّ وعزّ: {فَإِنْ كاَنَتَا اثنَْتَيْن} (1) أليس خبر كان يفيد معنى ليس في اسمها؟ قال نعم. قال: فأخبرني عن {كاَنَتَا اثنَْتَيْن} أليس قد أفاد بقوله (كانتا) معنى ما أراد فلم يحتج إلى الخبر؟ فقال: إنما أراد: فإن كان من ترك اثنتين، ثم أضمر (من) على معناها. قال: فبإضماره (من) على معناها أفاد معنى ما أراد".
وأراد مروان بن سعيد المهلبي بسؤاله أن الألف في (كانتا) تفيد التثنية فلأي معنى فسر ضمير المثنى بالاثنتين ونحن نعلم أنه لا يجوز أن يقال: فإن كانتا ثلاثا، ولا أن يقال فإن كانتا خمساً، فأراد الأخفش أن الخبر أفاد العدد المجرد من الصفة، أي: قد كان يجوز أن يقال: فإن كانتا صغيرتين أو صالحتين فلهما كذا، وإن كانتا كبيرتين فلهما كذا، فلما قال: فإن كانتا اثنتين على أية صفة كانتا عليها من كبر أو صغر أو صلاح أو طلاح أو غنى أو فْقر، فقد تحصل من الخبر فائدة لم تحصل من ضمير المثنى.
وبهذا ظهر ذكاء السائل وبراعة المسؤول.
2- أزيد عندك أم عمرو؟
قال الزجاجي: "سأل مروان [بن سعيد المهلبي] مرة الأخفش، فقال: إذا قلت: أزيد عندك أم عمرو، أفليس قد علمت أن ثمَّ كونا ثابتا، ولكن لا تدري من أيهما هو؟ قال: بلى. قال: فإذا قلت: قد علمت أزيد عندك أم عمرو، أفليس قد علمت ما جهلت؟ قال: بلى. قال: فلم جئت بالاستفهام؟ قال: جئت به لألبس على المخبر مَن علمت. فقال له مروان: إذا قلت علمتُ من أنت، أردت أن تلبس عليه لأنه لا يعلم نفسه؟ قال: فسكت.
قال أبو عثمان: عندي أنه إذا قلت قد علمت من أنت فهو لا يريد أن يُلبس عليه؛ لأنه لا يعرف نفسه، ولكنه أراد قد علمت من أنت أخير أمرك أم شر، كما تقول: قد علمت أمرك، وكقولك: ما أعرفني بك، أي قد علمت ما تذكر به، أو ما تثلب به".(38/396)
3- أزيد ضربته أم عمرًا:
قال الزجاجي: "أخبر أبو جعفر أحمد بن محمد الطبري، قال: سأل مروان سعيد بن مسعدة الأخفش: أزيداً ضربته أم عمرا؟ فقال: أي شيء تختاره فيه؟ فقال: أختار النصب لمجيء ألف الاستفهام. فقال: ألست إنما تختار في الاسم النصب إذا كان المستفهم عنه الفعل كقولك: أزيداً ضربته، أعبد الله مررت به؟ فقال: بلى. فقال له: فأنت إذا قلت: أزيدا ضربته أم عمراً، فالفعل قد استقرّ عندك أنه قد كان، وإنما تستفهم عن غيره، وهو من وقع به الفعل، فالاختيار الرفع؛ لأن المسؤول عنه اسم وليس بفعل. فقال له الأخفش: هذا هو القياس.
قال أبو عثمان: وهو أيضا ًالقياس عندي، ولكنّ النحويين اجتمعوا على اختيار النصب في هذا لما كان معه حرف الاستفهام الذي هو في الأصل للفعل".
نعم؛ ويمكن أن نخرج من هذه المناظرات الثلاث بما يلي:
أولا: دقة المهلبي فيما أثاره من قضايا نحوية، وظهوره ندًّا قوياً لعَلَمٍ مشهور من أعلام النحو العربي، وهو الأخفش.
ثانياً: اقتصار المهلبي في مناظراته على الأخفش.
ثالثاً: جهلنا بمكان تلك المناظرات، فقد تكون وقعت في العراق، وقد تكون في المدينة، وشهرة المجالس اللغوية في العراق ترجح أن تكون هذه المناظرات الثلاث مما كان يدور هناك في حواضر العراق، وصلة الأخفش ببعض علماء المدينة كعلي الجمل على النحو الذي وضحناه فيما سبق تجعلنا نميل إلى أنها كانت في المدينة، والذي يرجح هذا الاحتمال أنها لو كانت في العراق لما اقتصر مروان بن سعيد المهلبي على مناظرة الأخفش دون غيره من علماء العراق، وهم كثر.
ومن هنا يمكن القول: إن صلة الأخفش بالمدنيين قد تكون مما يفسر به خروج الأخفش عن منهج جماعته البصريين في كثير من مسائل النحو.
من مسائل اللغة
أشرنا فيما مضى إلى أن علوم العربية نشأت مختلطة في القرنين الأول والثاني بين فروعها قبل أن يعرف المتأخرون من علومها النحو والصرف والدلالة والمعجم وفقه اللغة.(38/397)
إن علم اللغة في جوانب الدلالة والمعجم نشأ مبكراً في المدينة في ظلال علوم القرآن كالتفسير على يد ابن عباس الذي يعد صنيعه بحق نواة المعجم العربي وطليعته، فقد برع في شرح غريب القرآن الكريم في مفرداته وتراكيبه، كما ظهر ذلك فيما روي عنه في كتب التفسير وفيما جاء في سؤالات نافع بن الأزرق، وكذلك في صحيفة علي بن أبي طلحة، وبرع - أيضاً - في تمييز ما وقع في القرآن من لغات القبائل ولغات الأمم المجاورة، وهو ما يسمى بالمعرب.
وقد ورد عن ابن عباس في مجالات شرح المفردات، وتمييز لغات القبائل، والإحاطة بالمعرب الشيء الكثير.
أولاً: شرح المفردات:
يتناول ابن عباس - في الغالب - كلمة غريبة من آية فيشرحها بما لا يزيد على كلمة أو كلمتين، ولو جمع ما أثر عن ابن عباس في هذا الشأن لكوّن معجماً صالحاً؛ وفيما يلي نماذج من الشرح اللغوي للمفردات عنده:
1- الرَّغَد:
قال ابن عباس في تفسير قوله عز وجل: {وَكُلا منْهَا رَغَدَاً} (1) الرغد: الهنيء.
2- الإِصر:
قال في تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا و َلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً} (2) : إصراً: عهداً لا نفي به، ونقلها عنه أصحاب المعاجم.
3- الدِّهاق:
قال ابن عباس في تفسير قوله عز وجل: {كأسا دِهَاقاً} (3) دهاقاً: ملأى. وروى عنه الطبري أنه قال لغلامه: اسقني دهاقاً، فجاء بها الغلام ملأى، فقال ابن عباس: هذا الدهاق.
ويبدو أن ابن عباس أراد أن يؤكد هذا المعنى للرّدّ على من كان يخالفه، إذ ذهب بعضهم إلى أن الدهاق في الآية ليس من الامتلاء، وإنما من التتابع، من الدّهق الذي هو متابعة الشدّ، والمعنى الأولى أعرف كما قال ابن منظور.
وأكثر اللغويين على ما ذهب إليه ابن عباس.
4- الحُزْن والغَضَب:
سئل ابن عباس عن الحزن والغضب فقال: غرضهما واحد واللفظ مختلف فمن نازعَ من يقوى عليه أظهره غيظاً وغضباً، ومن نازع من لا يقوى عليه أظهره حُزْناً وجزعا.
5- المثبور:(38/398)
روي عن ابن عباس في تفسير كلمة "مثبور"في قوله تعالى: {إِنّي لأظُنًّكَ يا فِرعَون مَثْبُوراً} (1) ثلاثة أقوال:
أحدها: أن مثبوراً بمعنى ملعون.
والثاني: أنه بمعنى مغلوب.
والثالث: أنه بمعنى ناقص العقل، ونقصان العقل أعظم هُلْكٍ.
6- المترف:
روي عن ابن عباس أنه فسر "المترفين "في قوله عز وجل: {إِنهُم كَانوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} (2) بأن المراد منه هو التوسع في نعيم الدنيا.
وذهب أبو عبيدة وجماعة إلى أنه بمعنى: متكبرين.
ووافق أكثرُ العلماء ابن عباس.
ولما كان الشعر ديوان العرب، ومنتهى حكمهم، به يأخذون، وإليه يصيرون؛ فقد جعل ابن عباس الشعر دليلا على كثير من شروحه اللغوية، وكان يحثّ على الاستفادة من الشعر في مقام شرح الغريب، فقد روي عنه قوله: "الشعر ديوان العرب، فإذا خفي علينا الحرفْ من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديواننا فالتمسنا معرفة ذلك منه" وروي عنه قوله- أيضاً: "إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر، فإن الشعر ديوان العرب".
وقد ظهرت عناية ابن عباس بالشعر واستفادته منه في سؤالات نافع بن الأزرق التي أوردها السيوطي كاملة في كتابه (الإتقان) .
ثانيًا: لغات القبائل:
روي عن ابن عباس فيما يتصل بلغات القبائل شيء غير قليل، وأقواله منثورة في كتب التراث وعلى رأسها كتب التفسير والمعاجم. وثمة رسالة برواية ابن حسنون ينتهي سندها إلى ابن عباس وصلت إلينا بعنوان "اللغات في القرآن "تشتمل على بعض لغات القبائل وشيء من المعرب.
وقد شك بعض العلماء في نسبتها إليه - كما تقدم في الحديث عن مؤلفات "العربية"عند علماء المدينة، إلا أن الراجح عند كثير من العلماء أنها له، لورود كثير مما فيها من نصوص في كتب التراث، ولنقل السيوطي جل ما فيها معزواً في كتابيه: "المهذب"و"الإتقان".
فمما روي عن ابن عباس في لغات القبائل:(38/399)
1- قال ابن عباس في قوله عز وجل: {واضْممْ إِليكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهبِ} (1) الجناح اليد، والرهب الكم بلغة بني حنيفة.
قال مقاتل: "خرجت ألتمس تفسير الرهب، فلقيت أعرابية وأنا آكل، فقالت: يا عبد الله؛ تصدق عليّ، فملأت كفي لأدفعَ إليها، فقالت: ههنا في رهبي، أي: كمّي".
ورُوي عن الأصمعي أنه سمع أعرابياً يقول لآخر: أعطني رهبك، فسأله عن الرهب فقال: الكمّ فهذان النصان يؤيدان ما ذهب إليه ابن عباس.
وذهب أكثر العلماء في تفسير "الرهب"في هذه الآية إلى أنه بمعنى الرهبة.
2- روى السيوطي عن أبي بكر الأنباري أن ابن عباس كان يذهب إلى أن الوَزَر: ولد الولد بلغة هذيل. ولم أجد لهذا المعنى أي أثر فيما اطلعت عليه من المعاجم وكتب التراث.
والمشهور عن ابن عباس أنه فسر "الوراء"بولد الولد في قوله عز وجل: {فَبَشَّرناها بإسْحَاقَ ومن وَرَاءِ إسْحَقَ يَعْقُوب} (2) وأنه استفاد ذلك من رجل من هذيل سمعه يقول: مات فلان وترك أربعة من الولد وثلاثة من الوراء.
3- روى الفراء عن ابن عباس أنه قال في قول الله تعالى: {وكُنْتُم قوماً بُوراً} (3) البور في لغة أزد عمان: الفاسد. والذي في كتاب "اللغات في القرآن"المنسوب لابن عباس هو أنّ "قوماً بوراً يعني هلكى بلغة عمان " والمعنيان متقاربان، لأن الفساد قد يؤدي إلى الهلاك في بعض الأمور.
4- سئل ابن عباس عن معنى "يفتنكَم"في قوله عزّ وجلّ: {وإذَا ضَرَبْتُم في الأرْض فَلَيس عَلَيْكُم جُنَاحٌ أن تَقْصرُوا مِن الصَّلوة إن خفتمْ أًن يَفْتِنَكُم الَّذينَ كَفَرُوا} (4) فقال: يضلكم بالعذاب والجهد بلغة هوازن، أما سمعت قول الشاعر:
كل امرِئ مِن عِباد الله مُضْطهَدٍ
ببَطْن مَكَّة مقهورٌ ومفتون
والذي في "اللغات في القرآن "أن معنى {فتنُوا الْمؤْمِنينَ والمُؤْمِنَات} (5) أخرجوهم بلغة القريش.
ثالثا: المعرب:(38/400)
يعد ابن عباس من أقدم القائلين بوقوع المعرب في القرآن الكريم ونقل عنه أئمة اللغة والتفسير الشيء الكثير في ذلك وفي رسالة "اللغات في القرآن"المنسوبة إليه قدر صالح من المعرب يشير إِليه بـ "التوافْق"كقوله: وافقت لغة العرب لغة الفرس أو الحبشة ونحو ذلك.
وفيما يلي نماذج مختصرة مما أثر عن ابن عباس في المعرب:
1- روى ابن جرير بسنده عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى: {فرَّت مِن قسْوَرَة} (1) فقال: هو بالعربية الأسد، وبالفارسية شار، وبالنبطية أريا، وبالحبشية قسورة.
2- قال في: {يَكنْ لَهُ كِفْلٌ مِنها} (2) الكفل: النصيب، وهي بلغة وافقت النبطية، مثل قوله عز وجل: {يُؤْتِكُم كِفْلَينِ مِن رَحْمَتِهِ} (3) يعني نصيبين بلغة وافقت النبطية.
3 - روي عنه أنه قال: إن {هَيْتَ لَكَ} (4) بمعنى هلمّ لك بالقبطية.
4- أخرج ابن جرير الطبري عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} (5) أنه قال: هي بالنبطية: فشققهن.
وأخرج ابن جرير - أيضاً - عن الضحاك أن "صرهن" بالنبطية "صرّى"وهو التشقيق. وقيل هي عربية من "الصور" وهو الميل.
5- قال إن "الإِستبرق "هو الديباج الغليظ، بلغة توافق لغة الفرس وقد ذكر كثير من العلماء أنه معرب "إستفره"أو "إستبره " أو "إستروه ".
مسائل لغوية متفرقة
ثمة مسال متفرقة في اللُّغة كنشأة اللغة، والاشتقاق، والأضداد، والسكت؛ معزوة لبعض علماء المدينة كابن عباس ومروان بن سعيد المهلبي، وغيرهما، فمن ذلك:
1- نشأة اللغة الإنسانية:
للعلماء أربع نظريات مشهورة في نشأة اللُّغة ومنها نظرية التوقيف أو الإلهام، وهي تتلخص في أن الله سبحانه وتعالى، لما خلق الأشياء، ألهم آدم عليه السلام، أن يضع لها أسماء فوضعها.(38/401)
ويستدل أصحاب هذا المذهب من علماء العرب بقوله تعالى: {وعَلَّم آدمَ الأسْمَاءَ كُلَّها، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِْ} (1) فكان ابن عباس يقول فيما رواه عنه ابن جرير الطبري: "علم الله آدم الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها".
وقد اختار جماعة من علماء العربية هذا المذهب، واستدلوا بما استدلّ به ابن عباس، ومن هؤلاء أبو عليّ الفارسي وابن فارس.
2- الاشتقاق:
يعد الاشتقاق في العربية من أبرز سماتها، وقد مكنها من التوليد والتوسع في الألفاظ حتى غدت العربية من أغنى اللغات في الألفاظ.
ولابن عباس رأي في اشتقاق بعض الكلمات، لقد أورد السيوطي عن ابن عباس: "أنه دخل على معاوية، وعنده عمرو بن العاص، فقال عمرو: إن قريشاً تزعم أنك أعلمها؛ فلم سميت قريش قريشا؟ قال: [ابن عباس] : بأمر بيّن، فسره لنا. ففسره، قال: هل قال أحد فيه شعراً؟ قال: نعم سمّيت قريش بدابة في البحر. وقد قال المشمرج بن عمرو الحميري:
وقريش هي التي تسكن البحر
بها سميت قريش قريشا
تأكل الغثّ والسمين ولا
تترك فيه لذي الجناحين ريشا
هكذا في البلاد حي قريش
يأكلون البلاد أكلا كميشا
ولهم آخر الزمان نبيّ
يكثر القتل فيهم والخموشا
تملأ الأرضَ خيلهُ ورجالٌ
يحشرون المَطيّ حشراً كشيشا
وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أبي ريحانة العامري قال: قال معاوية لابن عباس: لم سميت قريش قريشاً؟ قال: بدابة تكون في البحر من أعظم دوابه، يقال لها القرِش، لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته، قال: فأنشدني في ذلك شيئاَ، فأنشده شعر الحميري، فذكر الأبيات".
وقيل: سميت بذلك لتقرّشها، أي: تجمّعها إلى مكة من حواليها بعد تفرقها في البلاد حين غلب عليها قصيّ بن كلاب، وقيل سميت بذلك لتَجْرها وتكسبها وضربها في البلاد ابتغاء الرزق.(38/402)
واختلف العلماء في اشتقاق كلمة "الناس"أو "الإنسان"فذهب بعضهم إلى أنها من "الإنس"وأصله "أناس"فحذفت فاؤه تخفيفاً، وجعلت ألف (فُعال) عوضاً عن الهمزة. فمادته (أن س) .
وذهب بعضهم إلى أنه من "النَّوس"وهي الحركة، وأن المحذوف العين، وأصله، "نَوَس"فقلبت الواو ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبله (1) فمادته (ن وس) .
وقال قوم: أصل الإنسان إنسيان على (إفعلان) ، فحذفت الياء استخفافاً، لكثرة ما يجري على ألسنتهم، فإذا صغروه ردّوا الياء؛ لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها. قال الجوهري: "واستدلوا عليه بقول ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: إنما سمّي إنساناً لأنه عهد إليه فنسي".
وعلى قول ابن عباس فإن الناس - أيضاً - من نسي، ثم حدث فيه قلب بتقديم اللام إلى موضع العين، وتأخير العين إلى موضع اللام؛ فصار "نيساً"فقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها.
3- الأضداد:
يقصد بالأضداد في اصطلاح اللغويين الكلمات التي تؤدي إلى معنيين متضادين بلفظ واحد، ككلمة "الجون"تطلق على الأبيض والأسود.
ومن الأضداد كلمة "السامد"فهي تدل على اللاهي، الحزين، ولأحد نحاة المدينة رأي فيها، وهو محمد بن مروان المدني (195 هـ تقريباً) .
قال أبو حاتم السجستاني: "وحكوا عن ابن مروان، قال: السامد الحزين في كلام طيء واللاهي في كلام اليمن، وأما الذي في القرآن فلا علم لي به".
وقال أبو الطيب اللغوي: "ويحكي عن ابن مروان نحويّ أهل المدينة من خزاعة الغبشان أنه قال: السامد: الحزين من كَلام طيىء، واللاهي من كلام سائر أهل اليمن ".
4- هاء السكت:
من خصائص الوقف في العربية اجتلاب هاء السكت، ولها ثلاثة مواضع معروفة، منها كلًّ مبني على حركة بناء دائماً، ولم يُشبه المعرب كياء المتكلم، نحو"كتابي"ومنه في القرآن: {مَالِيَه} (2) و {سُلْطَانِيَه} (3) .(38/403)
وقد احتج بعض علماء المدينة المغمورين بما ورد من هذا في القرآن الكريم حين خطأه أبو عمرو بن العلاء. قال الزجاجي: "حدثنا أبو هِفّان قال: قال مصعب الزبيري: أنشد رجل من أهل المدينة أبا عمرو بن العلاء قول ابن قيس:
إنّ الحَوَادثَ بالمَدِينَةِ قَدْ
أَوْجَعْنَنِي وقَرَعْنَ مَرْوَتِيَهْ
فانتهره أبو عمرو، وقال: مالنا ولهذا الشعر الرّخو، إنّ هذه الهاء لم تدخل في شيء من الكلام إلا أرخته.
فقال المدني: قاتلك الله، ما أجهلك بكلام العرب، قال الله جل وعز في كتابه: {مَا أغنَى عَنّي مَالِيَه هَلَكَ عَنّي سُلْطَانِيَه} و {يَا لَيْتَنِي لَم أوْتَ كِتَابِيَه ولم أدرِ مَا حِسَابِيَه} ، وتعيبه؟ فانكسر أبو عمرو انكساراً شديدا".
ويدل ردّ هذا المدني المغمور على أبي عمرو بن العلاء، واحتجاجه بما جاء في القرآن في تلك المسألة اللغوية، وقوله بثقة لأبي عمرو: "ما أجهلك بكلام العرب"يدل ذلك كلّه على أن ذلك الرجل كان على قدر من العلم باللغة في المدينة إن لم يكن من علماء اللُّغة فيها، وإن كنا لا نعرف اسمه، وقد تبين لنا من خلال هذا البحث أن ما نجهله من أمر علماء اللُّغة والنحو في المدينة هو أكثر مما نعرفه عنهم.
الخاتمة
تبيّن من خلال هذا البحث أن بذرة الدراسات اللغوية العربية لغة ونحواً كانت في المدينة، منذ وقت مبكر في عهد الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم من أمراء بني أمية، لعوامل ساعدت على نشأة هذه العلوم، ومن أبرزها:
1- ظهور اللحن وانتشاره.
2- حماية القرآن من اللحن.
3- محاولة فهم القرآن ودرسه.(38/404)
وأرى أن الدرس اللغوي والنحوي بخاصة لا يعزى في وضعه لعالم بعينه، إنما هو جملة من الأنظار والملحوظات والإرشادات اللغوية التي أثارها جماعة من التابعين وأصحاب الذائقة اللغوية الرفيعة من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم، فأسهموا جميعاً - بدرجات متفاوتة - في إرساء الأسس النحوية الأولى في المدينة، تم انتشرت هذه الملحوظات والأنظار، وتداولها المهتمون بالعربية في الأمصار، كالبصرة في بادئ الأمر ثم الكوفة، فكانت هذه الملحوظات النواة للنحو العربي الذي نضج في أواخر القرن الثاني.
وكان لبعض الشخصيات قدم راسخة في إرساء الأساس لبنيان العربية الشامخ، كعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وأبي الأسود الدؤلي، وابن عباس - رضي الله عنهما - ونصر بن عاصم الليثي وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني، وكان اشتهارهم في هذا الفن مع تقدم زمانهم مدعاة لأن يرفع الرواة والمؤرخون من شأنهم وينسبوا إليهم وضع العربية والنحو بخاصة.
وقد أهمل أمر اللغويين والنحاة في المدينة، وضاع كثير من نتاجهم وآرائهم وملحوظاتهم لأسباب بَيّنتها، تتلخص في انشغال المسلمين في صدر الإسلام بأخبار الحرب وأنباء الفتوح التي كانت تتوالى على المدينة صباح مساء، ثم أدّى انتقال مركز الخلافة إلى دمشق أيام الأمويين، ثم بغداد أيام العباسيين - إلى صرف الأنظار عن المدينة وتركّزِها على مراكز الخلافة الجديدة، فأهمل المؤرخون وأصحاب الطبقات كثيرا من نواحي الحياة في المدينة ومنها أخبار العلم والعلماء.
ولم تزل المدينة تبتعد شيئاً فشيئاً عن دوائر الضوء وتنزوي بين جبال الحجاز ورمال الصحراء في جزيرة العرب، حتى خرجت ومعها جزيرة العرب بكاملها من اهتمامات المؤرخين وأصحاب الطبقات، فليس ثمة ما يغري المؤرخين، أو يجبرهم على الخوض في شؤون تلك البقاع سوى ما يتصل بالحج، وأخبار بعض الخوارج والقرامطة.(38/405)
وهكذا يمكن القول: إن اللغة والنحو وأربابهما في المدينة مما طُويَ عنا أمره، فلا نعرف اليوم من أعلام العربية أو عنهم إلا القليل؛ مما يمكن أن يجمع في قبضة يد واحدة من تراث لغوي مفقود.
وقد وفقت - بعد طول بحث في المظان المختلفة - على جملة من أولئك الأعلام في المدينة، وتعرفت على شيء يسير من تراثهم اللغوي الضائع، ومن هؤلاء: علي بن أبي طالب، وابن عباس، ومسلم بن جندب الهزلي، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعبد الله بن ذكوان المعروف بأبي الزناد، وعبد العزيز القارئ الملقب بـ"بشكُسْت" وزيد بن أسلم العدوي، وعلي الجمل، والأصبغ بن عبد العزيز الليثي، ونافع بن أبي نعيم، وعيسى بن يزيد بن دأب، ومالك بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي، ومروان بن سعيد المهلبي، ومحمد بن مروان المدني، وعيسى بن مينا بن وردان.
ويبدو أنّ لنحاة المدينة ولغوييها مؤلفات مفقودة في اللغة والنحو وأنّ لهم آراءهم النحوية الخاصة، ومصطلحاتهم التي كانت تدور في بيئتهم، وأنّ لهم مجالسهم اللغوية الخاصّة.
وأمكن لهذا البحث أن يقف على بعض الشذرات النحوية المتفرقة، كتابع المنادى، والفصل بين المضاف والمضاف إليه، وضمير الفصل، وإعراب حتى وما بعدها، والنداء والترخيم، والتقديم والتأخير، والصفة.
أما علم اللغة في جوانب الدلالة والمعجم فيمكن القول إنه نشأ مبكراً في المدينة في ظلال علوم القرآن، كالتفسير على يد ابن عباس، الذي يعد صنيعه فيه نواة المعجم العربي وطليعته، فقد برع في شرح غريب القرآن، مع العناية الواضحة بلغات القبائل، ومحاولة الإِحاطة بما في القرآن من المعرب.
وكان للمدنيين نشاطهم اللغوي من خلال المجالس العلمية التي كانت تعقد لشتّى العلوم كالتفسير والحديث والفقه واللغة.(38/406)
وكانت العلوم الشرعية واللغوية تتداخل في تلك المجالس، ونقدّر أن علم العربية بفروعه المختلفة كغريب اللغة ولهجاتها، وأوّليات النحو كالفاعل والمفعول والمبتدأ والخبر - مما كان يعرض في تلك المجالس.
وكان للغة مجالسها الخاصة كمجالس ابن عباس وأبي الزناد وابن هرمز ومروان بن سعيد المهلبي، وغيرهم.
وأرجو - في الختام - أن يكون لهذا البحث نصيب من الإِسهام في الكشف عن بدايات مجهولة لعلم العربية في عاصمة الإسلام الأولى، المدينة النبوية الشريفة.
---
(1) المفصل في تاريخ النحو العربي 124.
(2) ينظر: اللغات في القرآن 5، 6 (مقدمة المحقق) .
(3) ينظر: ابن عباس مؤسس علوم العربية 90- 92.
(4) الإتقان 2/223.
(5) نفسه 1/150.
(6) ينظر: فتح الباري 8/332.
(7) ينظر: معجم غريب القرآن مستخرجاً من صحيح البخاري (المقدمة) .
(8) مراتب النحويين 158.
(9) إنباه الرواة 2/38.
(10) طبقات النحويين واللغويين 73، ومراتب النحويين 58 ا، وإنباه الرواة 2/38، 172.
(11) مراتب النحويين 148.
(12) نشأة الدراسات النحوية واللغوية في اليمن 26.
(13) ينظر: الكتاب 3/184، 185، 205، والأصول 1/ 342، 343.
(14) الأصول 1/343.
(15) الكتاب 2/ 185.
(16) سورة الأنعام: الآية 137.
(17) سورة إبراهيم: الآية 47.
(18) معاني القرآن 2/81.
(19) البيت من مجزوء الكامل، وهو بلا نسبة في مجالس ثعلب 125، والخصائص 2/406، والإنصاف 2/427، وشرح المفصل لابن يعيش 3/189، والمقرب 1/54، والخزانة 4/415.
(20) معاني القرآن 1/358.
(21) ينظر: شرح المفصل 3/22.
(22) ينظر: تحصيل عين الذهب 145، والخزانة 4/416.
(23) شرح المفصل 3/23.
(24) ينظر: الإِنصاف 2/427.
(25) الخزانة 4/415.
(26) سورة إبراهيم: الآية 47، وينظر: الكشاف 2/384، والمحرر الوجيز 8/266، والبحر المحيط 5/244، والدر المصون 7/129.(38/407)
(1) ينظر: الإنصاف 2/ 427- 431.
(2) ينظر: نظرية النحو القرآني 78.
(3) ينظر: شرح جمل الزجاجي لابن عصفور 2/65.
(4) سورة الأنفال: الآية 32.
(5) سورة المائدة: الآية 120.
(6) سورة هود: الآية 78.
(7) الارتشاف 1/489.
(8) الكتاب 2/395، 396.
(9) هو محمد بن مروان المدني المقرئ، كما تقدم في ترجمته في الفصل الثالث.
(10) الكتاب 2/396، 397.
(11) شرح كتاب سيبويه للسيرافي، الجزء الثاني، اللوحة 166 ب (عارف حكمت) .
(12) ينظر: الكتاب 1/334، 2/185.
(13) ينظر: الكتاب 1/97، وأسرار العربية 269، وشرح المفصل لابن يعيش 8/19، ورصف المباني 258، وشرح الأشموني 2/214، والهمع 2/24، والخزانة 3/21.
(14) ينظر: أسرار العربية 269.
(15) ينظر: الكتاب 1/97.
(16) ينظر: التصريح 2/141.
(17) سورة القدر: الآية 5.
(18) الخزانة 3/21.
(19) نفسه 3/22.
(20) سورة الأنبياء: الآية 43.
(21) البحر المحيط 6/314.
(22) سورة السجدة: الآية 24.
(23) ينظر: تنوير المقياس 258.
(24) سورة يوسف: الآية 100.
(25) ينظر: الجنى الداني 45، ومغني اللبيب 143.
(26) سورة الزخرف: الآية 81.
(27) ينظر: إعراب القرآن للنحاس 4/122.
(28) سورة الإنسان: الآية1.
(29) .ينظر: البحر المحيط 8/393.
(30) سورة الفاطر: الآية 10.
(31) ينظر: البحر المحيط 7/304.
(32) سورة المائدة: الآية 106.
(33) البحر المحيط 4/43.
(34) سورة البقرة: الآية 143.
(35) البحر المحيط 1/423، 424.
(36) نفسه 1/423، 424.
(37) ابن عباس مؤسس علم العربية 56.
(38) ينظر: إنباه الرواة 1/39.
(39) طبقات النحويين واللغويين 11، 12.
(40) سورة المائدة: الآية 50.
(41) البحر المحيط 3/505.
(42) المحتسب 1/211.
(43) ينظر: المفصل في تاريخ النحو 125.
(44) سورة البقرة: الآية 37.
(45) الكشف 1/237.(38/408)
(1) سورة التوبة: الآية 15.
(2) سورة التوبة: الآية 14،15.
(3) ينظر: المحتسب 1/285.
(4) سورة البقرة: الآية 68ا.
(5) المحتسب 1/117.
(6) نفسه 1/233.
(7) ينظر: الدر المصون 2/224.
(8) ينظر: المحتسب 1/164.
(9) سورة آل عمران: الآية 81.
(10) أي في لَمَا خاصة كما لا يخفى.
(11) المحتسب 1/164.
(12) ينظر: مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع 33
(13) سورة المائدة: الآية 60.
(14) ينظر: المحتسب 1/213.
(15) طبقات النحويين واللغويين 13،وينظر:1/22.
(16) إيضاح الوقف والابتداء 1/30.
(17) غاية النهاية 2/303.
(18) ابن عباس مؤسس علم العربية 44.
(19) طبقات فحول الشعراء1/12.
(20) أخبار النحويين البصريين 38.
(21) نزهة الألباء23.
(22) ينظر: اللسان (عرب) 1/589.
(23) إيضاح الوقف والابتداء1/30.
(24) الإيضاح في علل النحو 96.
(25) طبقات النحويين واللغويين 13.
(26) نفسه 13.
(27) معجم الأدباء 4/1467.
(28) نفسه 4/1467.
(29) نفسه 4/1467.
(30) العين 3/302.
(31) إنباه الرواة 1/51.
(32) المفصل في تاريخ النحو العربي 15.
(33) طبقات النحويين واللغويين13، والإيضاح الوقف والابتداء ا/15، 16.
(34) الأضداد للأنباري 240.
(35) العربية 254.
(36) العقد الفريد 2/479.
(37) الفخري في الآداب السلطانية 5/112.
(38) الحيوان1/249.
(39) الإيضاح في علل النحو 96.
(40) مراتب النحويين 24.
(41) إنباه الرواة 1/40.
(42) الإِيضاح في علل النحو 89.
(43) سورة الزخرف: الآية77.
(44) معجم الأدباء1/17.
(45) نفسه 1/17.
(46) سورة الأنبياء: الآية 43.
(47) البحر المحيط 6/ 314.
(48) غاية النهاية 1/426.(38/409)
(1) من مجالس الأمراء في المدينة ما كان يقع في القرن الرابع في مجلس أميرها أبي أحمد العلوي العقيقي، ومن ذلك مسألة لغوية دار الحوار فيها في مجلسه سنة 364 هـ وهي مسألة مدّ المقصور في كلمة "الغني"فقال بعضهم يجوز المدّ فيها فيقال. "الغناء" واستدل بقول الشاعر:
سيغنيني الّذي أغناك عني
فلا فقر يدوم ولا غناء
فرد أبو الليل العلوي هذا الشاهد بأن روايته خلاف هذا، وأن الصّواب هو:
سيغنيني الّذي أغناك عنّي
فلا فقري يدوم ولا غناك
تجنبت الذنوب لتصرميني دعى
العلات واتّبعي هواك
ينظر: شذرات الذهب للغزّاوي 143.
(2) سورة النساء: الآية 176.
(3) مجالس العلماء61.
(4) ينظر: نزهة الألباء109، ودرة الغواص 37.
(5) مجالس العلماء67.
(6) القائل هو: مروان.
(7) مجالس العلماء248، وينظر: الأشباه والنظائر 3/ 92، 93.
(8) سورة البقرة: الآية 35.
(9) ينظر. جامع البيان 1/268.
(10) سورة البقرة: الآية 286.
(11) ينظر: جامع البيان 3/157.
(12) ينظر: اللسان (أصر) 4/22.
(13) سورة النبأ: الآية 34.
(14) جامع البيان 12/411.
(15) نفسه 12/411.
(16) ينظر: عمدة الحفاظ (دهق) 180.
(17) ينظر: اللسان (دهق) 10/106.
(18) ينظر: مجاز القرآن 2/283، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 5/275.
(19) ينظر المفردات (أسف) 75، وعمدة الحفاظ (أسف) 16.
(20) سورة الإسراء: الآية 102.
(21) ينظر: جامع البيان 8/159.
(22) نفسه8/159.
(23) المفردات (ثبر) 172.
(24) سورة الواقعة: الآية 45.
(25) ينظر: مجاز القرآن 2/251، والجامع لأحكام القرآن 17/213.
(26) ينظر: معاني القرآن للفراء3/127، وإعراب القرآن للنحاس 3/331، واللسان (ترف) 9/17.
(27) الإتقان 1/157.
(28) نفسه ا/157.
(29) 1/158-175.
(30) سورة القصص: الآية 32.
(31) اللغات في القرآن 38.
(32) المفردات (رهب) 366.(38/410)
(1) ينظر: الجامع لأحكام القرآن 13/285.
(2) ينظر: جامع البيان 10/70، وتهذيب اللُّغة (رهب) 6/292، وعمدة الحفاظ (رهب) 211.
(3) ينظر: الإتقان 1/175، ولغة هذيل 423.
(4) سورة هود. الآية 71.
(5) ينظر: إيضاح الوقف والابتداء1/73، وفتح القدير 2/512.
(6) سورة الفتح الآية 12.
(7) ينظر: معاني القرآن للفراء 2/200.
(8) اللغات في القرآن 37.
(9) سورة النساء: الآية 10.
(10) ينظرْ الإتقان 1/169.
(11) سورة البروج: الآية 10.
(12) ينظر: اللغات في القرآن 53
(13) ينظر: المهذب 192.
(14) ينظر: جامع البيان 1/31.
(15) سورة المدثر: الآية 51.
(16) ينظر: جامع البيان 1/31، وقصد السبيل 1/105.
(17) سورة النساء: الآية 85.
(18) سورة الحديد: الآية 28.
(19) ينظر: اللغات في القرآن 22.
(20) سورة يوسف: الآية 23.
(21) ينظر: الإتقان 1/183.
(22) سورة البقرة: الآية:260.
(23) ينظر جامع البيان 3/55.
(24) نفسه 3/56.
(25) نفسه 3/57.
(26) ينظر: اللغات في القرآن 33.
(27) ينظر: المعرب 10، والمهذب 199، والمعجم الذهبي 66.
(28) ينظر: قصد السبيل 1/177.
(29) سورة البقرة: الآية 31.
(30) جامع البيان 1/252.
(31) ينظر الخصائص 1/40.
(32) ينظر: الصاجي 6.
(33) المزهر 1/344- 345.
(34) ينظر: اللسان (قرش) 6/335.
(35) ينظر: الكتاب 2/196، 3/457، والتاج (أنس) 4/99.
(36) ينظر: أمالي ابن الشجري 2/12، والدر المصون 1/119.
(37) الصحاح (أنس) 3/905.
(38) إشارة إلى قوله عز وجل {وَأَنْتُم سَمِدُون} سورة النجم: الآية 61.
(39) الأضداد 144 (ضمن ثلاثة كتب في الأضداد) .
(40) الأضداد 1/371.
(41) سورة الحاقة: الآية 28.
(42) سورة الحاقة: الآية 29.
(43) ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات 98.
(44) مجالس العلماء 144.(38/411)
معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه
إعداد
د./ عبد الرحمن بن محمد عبد المحسن الأنصاري
أستاذ مساعد بقسم التربية بكلية الدعوة وأصول الدين
الجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة
فصل تمهيدي
- مقدمة الدراسة.
- موضوع الدراسة.
- هدف الدراسة.
- أهمية الدراسة.
- منهج الدراسة.
مقدمة الدراسة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
تظهر على الساحة التربوية بين آونة وأخرى العديد من الأفكار والنظريات التربوية التي تدعي اهتمامها بتربية الإنسان وتهذيبه مثل النظريات المثالية والوجودية والواقعية والبرجماتية وغيرها، وبالرغم من ملاءمة تلك النظريات لظروف واقعها إلى حد ما إلا أنه يمكن القول أن تلك النظريات تقف عاجزة أمام تحديات تربية الإنسان في كل عصر هذا من جهة ومن جهة أخرى أنها ليست عامة وشاملة لكل زمان ومكان.
من هنا كانت حاجة الإنسان إلى تربية تهذب العناصر المطلوبة لشخصيته وهي عناصر طيبة تلتقي جميعها في نقطة واحدة هي الفضيلة والتي يمكن توضيحها بأنها كل فعل فعلته فأرضيت فيه ربك واطمأن إليه قلبك واستراح له ضميرك ونلت به حب الناس. بهذه المواصفات يمكن إعداد الشخصية الإنسانية الخيرة الصالحة.
يتقرر مما سبق أن الحاجة إلى التربية الإسلامية شديدة، لأن العقول البشرية لا تستطيع وحدها إدراك مصالحها الحقيقة التي تكفل لها سعادة الدارين الدنيا والآخرة، كما أنها لا تهدي وحدها إلى التمييز بين الخير والشر، والفضيلة والرذيلة فالإنسان ليس كامل الحواس والعقل ومن ثم فإن مداركه ومعارفه مهما وصلت إلى درجة عالية فإنها تبقى قاصرة ومحدودة.
لذا ينبغي أن يكون الإسلام هو المصدر الأساسي الذي يستمد منه المجتمع فكره التربوي، وأهدافه التربوية، وأسس مناهجه وأساليب تدريسه وسائر عناصر العلمية التعليمية.(38/412)
قال تعالى: {و َأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1) .
يتضح من الآية الكريمة أنه لا سبيل إلى تلافي هذا النقص وذلك القصور إلا بتفهم أصول التربية الإسلامية من مصادرها الأصلية والرجوع إلى سير السلف الصالح رضوان الله تعالى عنهم للإقتداء بهم.
ولما كانت التربية الإسلامية تقوم على الإيمان بالله ومراقبته والخضوع له وحده، والعمل الصالح والتواصي بالحق، وتحري العلم والمعرفة الصحيحة ونشرها بين الناس والتواصي بالصبر.
أصبحت التربية الإسلامية فريضة على جميع الآباء والأمهات والمربين والمعلمين، وهذه المسؤولية أمانة دينية يتوارثها الأجيال، جيل بعد جيل ليربوا الناشئة على أصولها وتحت ظلالها فلا سعادة ولا راحة ولا طمأنينة لهم إلا بتربية هذه النفوس وتلك الأجيال وفق ما شرعه الله لهم.
إن القرآن الكريم هو كتاب الله الخالد الذي نزل به الروح الأمين بلسان عربي مبين على أشرف خلق الله وخاتم أنبياءه محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ويهديهم إلى الصراط المستقيم، بعد ما اشتبه عليهم الضلال والجهل بالعرفان وذلك رحمة من الله بعباده ورأفة منه عزوجل بخلقه.(38/413)
وقد استطاع القرآن الكريم بفضل الله ورحمته ثم بسر فصاحته وبلاغته أن يكوَّن من عرب الجزيرة أمة تحمل رسالة الإسلام وتنشيء حضارة وتصنع تاريخا فتغيرت حياتهم فأصبحت من بعد ضعف قوة، ومن جهل إلى علم، ومن بعد فرقة وتناحر إلى ألفة وتآزر، ومن الذل والهوان إلى العزة والكرامة، ومن الضلالة إلى الرشاد، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (1)
ويتفرد القرآن الكريم بأسلوبه الرائع في بناء العقيدة الإسلامية في النفس الإِنسانية، لا يستخدم العقل وحده ولا العاطفة وحدها، بل يربي العقل والعاطفة معاً. يعمد إلى التدرج في مخاطبة العقل البشري من المحسوس إلى المجرد، ومن الحاضر إلى الغائب، تم ينتقل بعد ذلك إلى بيان حقيقة الموجد للمخلوقات وأنه هو المستحق للعبادة وحده دون سواه يقول الحق تبارك وتعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} (2)
وبالجملة فإن القرآن الكريم شامل لجميع متطلبات النفس الإِنسانية فيما تحتاجه من الأوامر والنواهي، وما يصلحها وما يصلح لها، وما يسعدها وما يشقيها، وما يهديها وما يظلها. وعليه يتقرر أن القرآن الكريم هو المنهج الكفيل بتربية الفرد تربية شاملة كاملة، كما أنه يربي الأسرة الفاضلة والمجتمع الفاضل.
لذلك كله كان – ومازال - القرآن وسيظل حتى يرث الله الأرض ومن عليها المصدر الأول للتشريع الإسلامي يستمد منه المسلمون عقيدتهم التي يؤمنون بها، ويجدون فيه معالجة لجميع جوانب حياتهم دنيا وآخره.(38/414)
ومما تجدر الإشارة إليه – هنا - أن منهاج التربية في القرآن جاء بناء على فهم حكيم لمتطلبات الطبيعية البشرية، ونظرة كلية في إطار المجتمع الذي يعيش فيه، وفي إطار مقدر الإنسان على اتباع الخير. قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (1) .
وفي هذه الدراسة يستخلص الباحث بعون الله تعالى وتوفيقه أصول التربية الإسلامية للإنسان المسلم من خلال وصايا لقمان كما وردت في سورة لقمان.
موضوع الدراسة:
تعد وصايا لقمان الحكيم الواردة في سورة لقمان أنموذجا تربويا لأصول التربية المستقيمة، فقائلها رجل عرف بالحكمة، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ…} (2) .
لذا فإن وصاياه من الأهمية بمكان في التربية والتنشئة الحسنة، فهي نابعة من القلب، ومبناها والقناعة الصدق، والتجربة والمعرفة.
من هنا كانت الحاجة ماسة للقيام بمثل هذه الدراسة ليتبين للقارئ من خلالها أصول التربية الإسلامية للإنسان كما جاءت في وصايا لقمان والمذكورة في سورة لقمان ويمكن تحديد المشكلة في السؤال الرئيسي التالي:
ما معالم أصول التربية الإسلامية للإنسان المسلم في القرآن الكريم كما تظهر من خلال وصايا لقمان؟
ويتفرع من السؤال السابق الأسئلة الفرعية التالية:
س 1: من هو لقمان الحكيم؟
س 2: ما الوصايا التي أوصى بها لقمان ابنه؟
س 3: ما جوانب التربية الإسلامية للإنسان التي يمكن الخروج بها من خلال تلك الوصايا؟
هدف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة الوقوف على المعالم الصحيحة لأصول التربية القويمة والتي تساعد الآباء والأمهات والمعلمين وكل من له عناية بشؤون التربية والتعليم على تربية الأجيال الناشئة تربية إسلامية صحيحة.
أهمية الدراسة:(38/415)
تكمن أهمية الدراسة في استخلاص جوانب التربية الإِسلامية للإنسان من خلال وصايا لقمان الحكيم، وأن القيام بمثل هذا العمل يعد بمثابة أنموذجا مرجعياً لكل أب ومربّ مسلم يريد أن ينشئ أبناءه وتلاميذه التنشئة التي يريدها منهاج الإسلام التربوي.
منهج الدراسة:
يستخدم الباحث في دراسته المنهج التحليلي الاستنباطي لاستخراج جوانب التربية الإسلامية من وصايا لقمان وذلك بإتباع ما يلي:
1- قراءة الآيات الكريمة من كتاب الله عزوجل والمتضمن لتلك الوصايا الواردة في سورة لقمان من آية 13-19.
2- استخدام كتب التفسير بهدف التعرف على تفسير الآيات المشار إليها سابقا.
3- استنباط الجوانب التربية المتضمنة لتلك الوصايا.
4- التوصل إلى تحديد معالم أصول التربية الإسلامية للإنسان المسلم كما تظهر من خلال الوصايا.
الفصل الأول
التعريف بلقمان الحكيم
- اسمه ونسبه.
- أوصافه.
- صفاته.
- مهنته.
- هل كان نبياً أم حكيماً؟
اسمه ونسبه:
لقمان اسم أعجمي لا عربي
وقد اختلف في نسبه:
فقيل هو لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارح وهو آزر أبو إبراهيم الخليل عليه السلام هكذا ذكره ابن إسحاق، وقيل هو لقمان بن عنقاء بن سرون وكان نوبيا من أهل من أهل إيلة ذكره السهيلي قال وهب: "كان ابن أخت أيوب عليه الصلاة والسلام"، وقال مقاتل ابن خالته، وقيل كان من أولاد آزر وعاش ألف سنة وأدرك داود عليه السلام وأخذ منه العلم، وكان يفتي قبل مبعثه، فلما بعث قطع الفتوى (1) وقيل أنه كان قاضيا في زمن داود عليه السلام (2)
أوصافه:
قال ابن عباس: كان عبداً حبشياً
وقال قتادة: عن عبد الله بن الزبير قلت لجابر بن عبد الله: ما انتهى إليكم في شأن لقمان؟ قال: كان قصيراً أفطس من النوبة
وقال مجاهد: كان لقمان عبداً أسود عظيم الشفتين, مشفق القدمين ,وفى رواية مصفح القدمين.
صفاته:(38/416)
كان لقمان من أخير الناس حكيما وفطينا، رقيق القلب، صادق الحديث، صاحب أمانة وعفة، وعقل وإصابة في القول، وكان رجلا سكيتا، طويل التفكر، عميق النظر لم ينم نهاراً قط، ولم يره أحد يبزق ولا يتنحنح، ولا يبول ولا يتغوط، ولا يغتسل، ولا يعبث ولا يضحك، وكان لا يعيد منطقا نطقه إلا أن يقول حكمة يستعيدها أي واحد.
وكان قد تزوج وولد له أولاد فماتوا فلم يبك عليهم، وكان يغشى السلطان، ويأتي الحكام لينظر ويتفكر ويعتبر فبذلك أوتي ما أوتي.
مهنته:
قيلَ: أنه كان خياطاً، قاله سعيد بن المسيب. قال الأوزاعي: حدثني عبد الرحمن بن حرملة قال: جاء رجل أسود إلى سعيد بن المسيب يسأله فقال له سعيد: لا تحزن من أجل أنك أسود فإنه كان من أخير الناس ثلاثة من السودان: بلال، ومهجع مولى عمر، ولقمان الحكيم كان أسود نوبياً ذا مشافر.
وقيل: كان يحتطب كل يوم لمولاه حزمة حطب، وقال لرجل ينظر إليه: إن كنت تراني غليظ الشفتين فإنه يخرج من بينهما كلام رقيق وإن كنت تراني أسود فقلبي أبيض، وقيل: كان راعياً قاله عبد الرحمن بن زيد ابن جابر.
وقال خالد الربعي: كان لقمان عبداً حبشياً نجاراً فقال له سيده: أذبح لي شاة، وأتني بأطيب مضغتين فيها فأتاه باللسان والقلب، فقال له: ما كان فيها شيء أطيب من هذين فسكت، ثم أمره بذبح شاة أخرى ثم قال له: ألق بأخبث مضغتين فيها فألقى اللسان والقلب، فقال له أمرتك بأن تأتيني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تلقي أخبثها فألقيت اللسان والقلب؟ فقال له: إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا أخبثا.
هل كان لقمان نبيا أم حكيما؟
اختلف السلف في لقمان: هل كان نبيا أو عبدا صالحا من غير نبوة؟ على قولين:
فقال جمهور أقل التأويل: أنه كان وليا ولم يكن نبيا.
وقال عكرمة والشعبي بنبوته.(38/417)
والصواب أنه كان رجلا حكيما بحكمة الله تعالى - وهي الصواب في المعتقدات، والفقه في الدين والعقل - قاضيا في بني إسرائيل قاله ابن عباس وغيره.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لم يكن لقمان نبيا ولكن كان عبداً كثير التفكر حسن اليقين, أحب الله تعالى فأحبه فمن الله عليه بالحكمة, وخيره في أن يجعله خليفة يحكم بالحق, فقال: رب إن خيرتني قبلت العافية وتركت البلاد, وإن عزمت علي فسمعاً وطاعة فإنك ستعصمني" ذكره ابن عطية وزاداه الثعلبي: فقالت له الملائكة بصوت لا يراهم: لم يا لقمان؟ قال: لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها، يغشاه المظلوم من كل مكان، إن يعن فبالحري أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكون في الدنيا ذليلا فذلك خير من أن يكون فيها شريفا، ومن يختر الدنيا على الآخرة نفته الدنيا ولا يصيب الآخرة، فعجبت الملائكة من حسن منطقه! فنام نومة فأعطي الحكمة، فانتبه يتكلم بها، ثم نودي داود بعده فقبلها - يعني الخلافة - ولم يشترط ما اشترطه لقمان، فهوى في الخطيئة غير مرة، كل ذلك يعفو الله عنه. وكان لقمان يؤازره بحكمته؛ فقال له داود: طوبى لك يا لقمان! أعطيت الحكمة وصرف عنك البلاء، وأعطى داود الخلافة وابتلي بالبلاء والفتنة
ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: لقمان لم يكن نبياً ولا ملكاً ولكن كان راعياً أسود، فرزقه الله العتق ورضي قوله ووصيته فقص أمره في القرآن لتمسكوا بوصيته.
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَة} أي الفقه في الإسلام، قال قتادة: ولم يكن نبياً ولم يوح إليه وعن مجاهد أنه قال: كان لقمان رجلاً صالحاً ولم يكن نبيا(38/418)
وروى ابن كثير عن قتادة أنه قال: "خيّر الله تعالى لقمان بين النبوة والحكمة، فاختار الحكمة على النبوة فأتاه جبريل عليه السلام وهو نائم فذرَّ عليه الحكمة فأصبح وهو ينطق بها". قال سعيد: سمعت قتادة يقول: "قيل للقمان كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خيّرك ربك؟ فقال: أنه لو أرسل إليّ بالنبوة عزمة لرجوت فيه الفوز منه ولكنت أرجو أن أقوم بها ولكن خيّرنيى فخفت أن أضعف عن النبوة فكانت الحكمة أحب إلي وهذا فيه نظر لأن سعيد بن بشير يروي عن قتادة وقد تكلموا فيه".
وكما ذكرت سابقا أن المشهور عن الجمهور أنه كان رجلا حكيما ولم يكن نبيا وهو قول الأكثرين.
وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى والله أعلم.
الفصل الثاني
وفيه المباحث التالية:
المبحث الأولى: وصايا لقمان لابنه.
المبحث الثاني: الجوانب التربوية لوصايا لقمان.
المبحث الثالث: معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان.
المبحث الأول
وصايا لقمان لابنه(38/419)
يتناول هذا المبحث بيان الوصايا القيمة التي أوصى بها لقمان ابنه كي يتضح لنا أهميتها في تربية الأبناء على أسسها القويمة كما حددها – لقمان - لابنه، ذلك الأب الرحيم الذي أتاه الله الحكمة فهو ينظر إلى ابنه نظرة شفقة وعطف، حتى لا يقع في مهاوي الزيغ والضلال، ولهذا كانت وصاياه من الأهمية بمكان، وقد بينها لنا القرآن الكريم بأسلوبه ومعانيه المعجزة الخالدة، فكانت وصاياه أنموذجا يتوافر فيه الإخلاص والصواب، وعلى الأباء أن يسلكوا مسلكه في تنشئة أبنائهم تنشئة إسلامية صحيحة وفق ما تعرضه الآيات الكريمة من كتاب الله عزوجل والتي ذكرت بها وصايا لقمان. قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ. وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ. يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ. وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (1) .
من خلال العرض السابق للآيات الكريمة يمكن توضيح الوصايا في النقاط التالية:
الوصية الأولى:(38/420)
توحيد الله وإفراده بالعبادة لله وحده لا شريك له في ذلك فهو المستحق للعبادة وحده - سبحانه وتعالى - {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .
الوصية الثانية:
برَّ الأبناء لآبائهم {وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْه ... } الآية.
الوصية الثالثة:
أن يراقب العبد الله سبحانه وتعالى في حركاته وسكناته وجميع أعماله، فالله عزوجل لا تخفى عليه خافية لا في الأرض ولا في السماء {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ... } الآية.
الوصية الرابعة:
الأمر بإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على تحمل المشاق في سبيل ذلك {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... } الآية.
الوصية الخامسة:
التواضع لعباد الله والإقبال عليهم بوجه طليق والابتعاد عن مظاهر الكبر والغرور، وخفض الصوت أثناء الحديث معهم وعدم رفعه {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ….} الآية {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِك……} الآية
تلك هي وصايا لقمان الحكيم لابنه ذكرها لنا القرآن الكريم للتفكر والاعتبار فهل من مدَّكر، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (1)
المبحث الثاني
الجوانب التربوية لوصايا لقمان
في هذا البحث نتناول جوانب التربية الإسلامية المتضمنة لوصايا لقمان لابنه وفيما يلي بيان ذلك:
أولا: الدعوة إلى غرس عقيدة التوحيد:(38/421)
إن المتدبر لكتاب الله سبحانه وتعالى والمتأمل في آياته البينات يتضح له تميز المنهاج الرباني بمفاهيم تربوية لا يجد لها مثيلا في المناهج والنظم والنظريات التربوية البشرية تستهدف تلك المفاهيم الربانية خير الإنسان في الدنيا والآخرة جميعاً، وينطلق المنهاج الرباني نحو بناء القيم الإسلامية التي تتظافر للوصول بالإنسان إلى الصلاح والإصلاح وشجب كل صور الفساد في النفس والمجتمع لتحقق له بذلك كماله الإنساني.
إن المنهاج الرباني واضح في أهدافه وغاياته ليتمكن المسلم من اتباع هديه، وهو مؤمن بمقاصده العظيمة، وموقن بالخير الذي يعود عليه نتيجة التمسك به والعمل بأوامره واجتناب نواهيه، ومن هنا فإن منهاج التربية الإسلامية يركز على غرس الحق والعدل والإحسان والإخاء والمساواة والعفو والرحمة والمعروف والاستقامة والصبر ... وغير ذلك من أفعال الخير وصالح الأعمال.
والأسرة المسلمة هي المدرسة الأولى التي تقوم بتوجيه وتربية الأبناء تربية صالحة.
فالأبناء أمانة في أعناقهم يسألون عنهم أمام الله تعالى، قال الله عز وجل:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (1)
وبناء على ما سبق وجب على الآباء أن يوضحوا لأبنائهم معالم التربية الصحيحة، ويبينوا لهم الصالح من الضار، والحق من الباطل، فإن غفلوا أو قصروا في أداء ذلك نشأ أبناؤهم نشأة لا تحمد عقباها ولا يرجى خيرها وكان الإثم على الآباء أولا.(38/422)
فالأبوان هما المسؤولان في الدرجة الأولى عن انحراف أبنائهم خلقياً واجتماعياً وعقدياً، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء" (1) وفي هذا دلالة واضحة على أن المولود يولد على فطرة الإِسلام، لكن تأثير الأبوين وأسلوب تربيتهما هما اللذان يوجهان عقيدة هذا الطفل نحو اليهودية أو النصرانية أو غيرهما. ومن هنا كانت مهمة الأبوين في التربية من الأهمية بمكان فالطفل يحاكي أبويه في جميع سلوكهما ومعتقداتهما وأخلاقهما.
فأول واجب يجب على الأبوين القيام به والاهتمام بأمره دون كلل، هو غرس عقيدة التوحيد في نفس الطفل وتوجيه عواطفه نحو حب الله ورسوله وإخباره بأن الله يجب أن يكون أحب إليه من أمه وأبيه ونفسه، والإِيمان بالله الذي لا إله غيره وبملائكته ورسله، وتوحيد الله في الألوهية والربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية لأن الإيمان بالله هو الموجه لسلوك الإنسان والدافع له إلى اتجاه الخير، والنصير له من حيث العناية والرعاية والتوفيق، كما أنه الذي يصرفه عن طريق الشر ويجعله متحلياً بالفضائل وحسن الخلق والمقصود بالإيمان أي الإِيمان بما أوجب الله تعالى في قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِه} (2) . وكذلك قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} (3) .(38/423)
وأما السنة فقد ذكرت أركان الإيمان مجتمعة في حديث جبريل عليه السلام، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد! أخبرني عن الإِسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإِسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" الحديث.
إن الإيمان بالله هو الموجه للسلوك والضابط له والمتصل اتصالا وثيقاً بالأعمال الصادرة من الإِنسان فإن التربية الإِسلامية تربط دائما بين العمل والسلوك ثم بين العمل الصادر من هذا الإيمان وبين الجزاء، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} (1) .
ويقول تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (2) .
وهناك آيات كثيرة تقرن الإيمان بالعمل، فالإيمان الحق هو الإيمان الذي يصدر عنه السلوك وينبع منه العمل الصالح ويخرج منه الخلق الكريم، فحسن الخلق والإخاء والمودة واجتناب الكبائر والتمسك بالفضائل يجب أن تصدر عن هذه العقيدة
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له " (3) .
ويقول صلى الله عليه وسلم في سلوك المؤمن نحو جاره ونحو نفسه: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره " (4) .(38/424)
كما يتحدث عن أثر الإيمان في تجنب الرذائل وارتباط الإيمان بالسلوك ساعة فعل العمل كما جاء في الحديث الشريف: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن" الحديث.
وكما ورد في الحديث الآخر "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه" (1) .
فالعقيدة لابد أن تنعكس على الإنسان وسلوكه فإذا آمن إيمانا يقينياً بالله سبحانه وبعلمه ومراقبته الدائمة لعبده كان هذا الإيمان محدداً لسلوك المسلم كفرد وسلوك الجماعة كأمة مسلمة. فالعقيدة لابد أن تترجم في حياة الفرد الذي يعلم بأن الله يطلع على سره ونجواه وأن أفعاله مكتوبة وهو محاسب عليها، ولابد أن تترجم في حياة الجماعة فتبني نظام حياتها وفق هذه العقيدة التي آمنت بها من كل ما سبق يتقرر أنه لا سعادة لهذه النفس الإِنسانية ولا استقامة لها إلا إذا ارتبطت كافة جوانبها بعقيدة التوحيد، ومن هنا يجب على المربي المسلم أن يربط كل جوانب التربية بهذا الأصل الاعتقادي لما له من أهمية كبرى في حياة الإنسان النفسية، وتوحد نوازعه وتفكيره وأهدافه وتجعل كل عواطفه، وسلوكه وعاداته قوى متضافرة متعاونة ترمي كلها إلى تحقيق هدف واحد هو الخضوع لله وحده والشعور بألوهيته وحاكميته ورحمته وعلمه لما في النفوس وقدرته وسائر صفاته.
ثانيا: بر الوالدين:
إن عطف الآباء على الأبناء من أبرز صور الرحمة، وهو يفرض على الأبناء أن يقابلوا رحمة والديهم لهم بأن يرعوهم-كباراً فيخفضوا لهم جناح الذل من الرحمة، والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة بهم.(38/425)
إن عطف الوالدين على أولادهم عطاء لا يقدر بثمن ولا ينتظر منه العوض، إنه فطرة فطر الله الوالدين عليها، ولذلك كان برهما من أعظم الواجبات وفي مقدمة الصلات الاجتماعية، كما كان عقوقهما من الكبائر المقاربة للشرك بالله، ولهذا ورد الأمر بالإحسان إليهما في مواضع كثيرة من كتاب الله عز وجل عقب الأمر بعبادة الله وحده، والنهي عن الإشراك به.
فمن ذلك قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناًً..} الآية
ففي الآية الكريمة يأمر الله تعالى بعبادته وينهى عن الشرك به ثم يتبعه الأمر بالإحسان للوالدين وبرهما لما لهما من الفضل على الابن منذ أن كان نطفة في رحم أمه حتى صار كبيراً يعتمد على نفسه.
ويعرض لقمان الحكيم في وصيته لابنه العلاقة بين الوالدين والأولاد في أسلوب رقيق، وفي صورة موحية بالعطف والرقة، ومع هذا فإن رابطة العقيدة مقدمة على تلك العلاقة الوثيقة.
ولهذا كان شكر الوالدين بعد شكر الله عز وجل لأنه المنعم الأول.
ووصية الإنسان بوالديه تتمثل في طاعتهما مما لا يكون شركا ومعصية لله تعالى. وبمعنى آخر أن طاعة الوالدين لا تكون في ركوب كبيرة، ولا في ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المباحات.(38/426)
مما سبق يمكن القول أن علاقة الأبناء بالوالدين يجب أن تكون علاقة قوية مبنية على التقدير والاحترام ذلك أن فضلهم على أبنائهم لا يدرك مداه ولا يستطيع أحد أن يقدره، ومن هنا كان توصية الأبناء بآبائهم تتكرر في القرآن الكريم، والسنة المطهرة لما في ذلك من حاجة لتذكيرهم بواجب الجيل الذي نفق رحيقه كله حتى أدركه الجفاف، ولهذا يجيء الأمر بالإِحسان إلى الوالدين في صورة قضاء من الله يحمل معنى الأمر المؤكد بعد الأمر المؤكد بعبادة الله، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} (1) .
وفي قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} ما يفيد أن أول مرتبة من مراتب الرعاية والأدب ألا يَنِدَّ من الولد ما يدل على الضجر والضيق، وما يمشي بالإِهانة وسوء الأدب ... {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} وهي مرتبة أعلى إيجابية أن يكون كلامه لهما بالإكرام والاحترام.
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} وهنا يشف التعبير ويلطف، ويبلغ شغاف القلب وحنايا الوجدان فهي الرحمة ترق وتلطف حتى وكأنها الذل الذي لا يرفع عينا ولا يرفض أمراً وكأنما للذل جناح يخفضه إيذاناً بالسلام والاستسلام.
{وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} فهي الذكرى الحانية ذكرى الطفولة الضعيفة يرعاها الولدان، وهما اليوم في مثلها من الضعف والحاجة إلى الرعاية والحنان.(38/427)
ومما لاشك فيه أن الإنسان لا يفي والديه حقهما عليه مهما أحسن إليهما، لأنهما كانا يحسنان إليه حينما كان صغيراً وهما يتمنيان له كل خير ويخشيان عليه من كل سوء ويسألان الله له السلامة وطول العمر، ويهون عليهما من أجله كل بذل مهما عظم ويسهران على راحته دون أن يشعر بأي تضجر من مطالبه، ويحزنان عليه إذا آلمه أي شيء، أما الولد فإذا قام بما يجب عليه من الإحسان لوالديه فإن مشاعره النفسية نحوهما لا تصل إلى مثل مشاعر أنفسهما التي كانت نحوه ولا تصل إلى مثل مشاعره هو نحو أولاده إلا في حالات نادرة جداً.
ويتحقق حق الوالدين على الأولاد بطاعتهما ماداما يأمران بالخير، فإن أمرا بمعصية الله فلا تجوز طاعتهما، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولكن لا يسقط حقهما في المعاملة الطيبة والصحبة الكريمة.
فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت: "قدمت أمي وهي مشركة - في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أبيها، فاستفتيت النبي فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، قال: "نعم، صلي أمك" (1) .
وفي حديث آخر: أتتني أمي راغبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، آصلها؟ قال: نعم… (2) الحديث.
من الحديثين السابقين يتبين أن حق الأبوين قائم ولو كانا الكافرين، وعلى الابن يحسن صحبتهما دون أن يطيعهما في معصية الله عز وجل، فطاعة الله لا تقدم عليها طاعة لأحد مهما كان ذا حق.
من البيان السابق للوصية الثانية والتي تتعلق ببر الوالدين يتقرر أن من أول الواجبات التي يجب على الطفل المسلم أن يتعلمها الشكر للوالدين ويكون هذا بعد الإِيمان بالله سبحانه وتعالى وحده والشكر له، ولهذا جعل لقمان شكر الوالدين بعد شكر الله عز وجل والإيمان به اعترافاً بحقوقهما ووفاء بمعروفهما.
ثالثًا: التربية على الإِيمان بقدرة الله عز وجل:(38/428)
قال تعالى: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (1) .
في الآية الكريمة يعلم لقمان ابنه مدى قدرة الله تعالى، حيث قيل: إن الحس لا يدرك للخردلة ثقلا، إذ لا ترجح ميزاناً. أي لو كان للإنسان رزق مثقال حبة خردل في هذه المواضع جاء الله بها حتى يسوقها إلى من هي رزقه، أي لا تهتم للرزق حتى تشتغل به عن أداء الفرائض، وعن إتباع سبيل من أناب إليّ.
والآية الكريمة السابقة توجه الإنسان إلى قدرة الله الواسعة وأن الله قد أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا، فسبحانه وتعالى لا شريك له. وهناك آيات بينات من كتاب الله عز وجل تدل على سعة علم الله وقدرته العظيمة فمن ذلك قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (2) .
وقوله تعالى: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (3) .
وكان توجيه لقمان لابنه بقدرة الله سبحانه وتعالى وإطلاعه على سعة علمه عزوجل عندما قال ابن لقمان لأبيه: يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله؟ فقال لقمان: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ... } فمازال ابن لقمان يضطرب حتى مات.(38/429)
وفي قوله تعالى: {حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَل} (1) ، إشارة إلى دقة الحساب وعدالة الميزان ما يبلغه هذا التعبير المصور حبة من خردل، صغيرة ضائعة لا وزن لها ولا قيمة {فَتَكُنْ فِي صَخْرَة} أي صلبة محشورة فيها لا تظهر ولا يتوصل إليها {أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ ... } في ذلك الكيان الهائل الشاسع الذي يبدو فيه النجم الكبير ذو الجرم العظيم نقطة سابحة أو ذرة تائهة {أَو ْفِي الأَرْض} ضائعة في ثراها وحصاها لا تبين {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} فعلمه يلاحقها وقدرته لا تفلتها. ويراد من ذلك الأعمال، المعاصي والطاعات، أي إنْ تك الحسنة أو الخطيئة مثقال حبة يأت بها الله، أي لا تفوت الإنسان المقدر وقوعها منه، وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة الترجية والتخويف.
ويدرك الإنسان من معرفته لقدرة الله عز وجل مراقبة الله الدائمة له في كل تصرف، مراقبة الله له في الصغيرة والكبيرة، وفي الجهر والخفاء.
ولذا فهو يراقب الله وهم يعمل ... فلا يعمل شيئاً بغير إخلاص، لا يعمل شيئاً يقصد الشر ... لا يعمل مستهتراً ولا مستهينا بالعواقب، ولا يعمل شيئا لغير الله، فالله سبحانه وتعالى يحاسبه على النية بعد العمل وعلى الإخلاص فيه.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرىء ما نوى ... " (2) .
هذا والله لا يقبل أن يكون شيء من العمل لغير وجهه.
فعن أبي أمامة الباهلي قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له". فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاشيء له. ثم قال: إن الله لا يقبل من العبد إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه" (3) .(38/430)
وكذلك يراقبه وهو يفكر ويحس ... فالله يعلم السر وما أخفى من السر الهاجسة في باطن النفس لم يطلع عليها أحد لأنها مطمورة في الأعماق يراقبه فلا يحس بإحساس غير نظيف، يراقبه فينظف مشاعره أولا بأول لا يحسد ولا يحقد، ولا يكره للناس الخير، ولا يتمنى أن يحرمهما منه ويستحوذ هو عليه، ولا يشتهى الشهوات الباطلة والمتاع الدنس، وحين توجد في القلب هذه الحساسية المرهفة تجاه الله، لتستقيم النفس ويستقيم المجتمع وتستقيم جميع الأمور، ويعيش المجتمع نظيفاً من الجريمة، نظيفاً من الدنس، نظيفاً من الأحقاد لأنه لا يتعامل في الحقيقة بعضه مع بعض وإنما يتعامل أولا مع الله. وبناء على ما سبق ذكره ينبغي على الآباء والأمهات وكذلك العاملين في مجال التربية والتعليم أن يغرسوا في قلوب أبنائهم وتلاميذهم مراقبة الله تعالى في أعمالهم وسائر أحوالهم، لتصبح هذه المراقبة الإلهية سلوكا لازماً لهم في كل تصرفاتهم ويتم ذلك بترويض الولد على مراقبة الله وهو يعمل فيتعلم الإخلاص لله عز وجل في كل أقواله وأعماله وسائر تصرفاته ويكون ممن شملهم القرآن بقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ... } (1) .
وكذلك ترويضه على مراقبة الله وهو يفكر ليتعلم الأفكار التي تقربه من خالقه العظيم والتي بها ينفع نفسه ومجتمعه والناس أجمعين.
وأيضاً ترويضه على مراقبة الله وهو يحس. فيتعلم كل إحساس نظيف وليتربى على كل شعور طاهر.. وهذا النمط من التربية والمراقبة قد وجه إليه المربي الأول عليه الصلاة والسلام في إجابته السائل عن الإحسان: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " (2) .
وهذه الظاهرة من الترويض والتعليم كانت ديدن السلف الصالح في ترويضهم لأولادهم وتأديبهم عليها.(38/431)
وحينما ينهج المربون في تربية الأولاد هذا النهج ويسير الآباء والأمهات في تأديب الأبناء على هذه القواعد يستطيعون بإذن الله تعالى في فترة يسيرة من الزمن أن يكوّنوا جيلاً مسلماً مؤمناً بالله معتزاً بدينه، مفتخراً بتاريخه وأمجاده، ويستطيعون كذلك أن يكوّنوا مجتمعاً نظيفاً من الإلحاد والميوعة والحقد، ونظيفاً من الجريمة.
رابعًا: التوجه إلى الله تعالى بالصلاة، والتوجه إلى الناس بالدعوة إليه تعالى والصبر في سبيل الدعوة ومتاعبها:
أ- الأمر بإقامة الصلاة:
يقول لقمان لابنه كما ورد في قول الحق تبارك وتعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} (1) .
فرض الله سبحانه وتعالى على عباده عبادات لها أثرها في تهذيب سلوك الإنسان، وإصلاح القلوب ومن هذه العبادات الصلاة، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام وعموده الذي لا يقوم إلا به فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله"الحديث.
والصلاة هي أول ما أوجبه الله تعالى على عباده من العبادات، وفد فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به من مكة إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السماء، يقول أنس رضي الله عنه: "فرضت الصلاة على النبي ليلة أسرى به خمسين، ثم نقصت حتى جعلت خمساً ثم نودي يا محمد: إنه لا يبدل القول لدىّ، وإن لك بهذه الخمس خمسين".
وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة وقد ثبت عن رسول الله عليه السلام أنه قال: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر ... " الحديث.(38/432)
وقد بلغ من عناية الإسلام بالصلاة أن أمر بالمحافظة عليها في الحضر والسفر، والأمن والخوف قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} (1) .
إن المتمعن بالعبادات التي فرضها الله سبحانه وتعالى - على الناس - عموماً، والصلاة خصوصاً يدرك أثرها التربوي في إشراقة النفوس، وطمأنينة القلوب، وإصلاح الفرد والجماعة، ومن هذه الآثار التربوية ما يلي:
1- إقامة الصلاة دليل على صدق الإيمان، وعلى تقوى الله، وعلى ما يتمتع به صاحبها من بره بعهده وقيامه على الحق وإخلاصه لله، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) (3) .
2- الصلاة منهج متناسق لتربية الرفد والمجتمع يصل بهما إلى قمة السمو الأخلاقي، قال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ... } الآية (4) .
3- الصلاة تمد المؤمن بقوة روحية تعينه على مواجهة المشقات والمكاره في الحياة الدنيا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (5) .
4- الصلاة غذاء روحي للمؤمن يعينه على مقاومة الجزع والهلع عند مسه الضر، والمنع عند الخير والتغلب على جوانب الضعف الإنساني، قال تعالى: {إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} (6) .(38/433)
5- إن الصلاة سبب لمحو الخطايا وغفران الذنوب فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أرأيتم لو أن نهراً على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً ما تقول ذلك يبقى من دَرَنِه؟ قالوا: لا يبقى من دَرَنِه شيئاً، قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا" (1) .
6- إن في الصلاة غذاء للروح لا يغني عنه علم ولا أدب فالصلوات الخمس هي وجبات الغذاء اليومي للروح كما أن للمعدة وجباتها اليومية يناجي المصلي فيها ربَّه فتكاد تشف روحه وتصفوا نفسه فتسمع كلام الله الذي يقود: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل: فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين. قال تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم. قال الله تعالى: أثنى علىّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين. قال: مجدني عبدي وقال مرة: فوض إليّ عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" (2) .
7- في الصلاة تدريب للمسلم على النظام وتعويد له على الطاعة ويظهر هذا واضحا في صلاة الجماعة إذ يقف المسلمون في صفوف مستقيمة متلاصقة فلا عوج ولا فرج، المنكب إلى المنكب، والقدم إلى القدم، فإذا كبّر الإمام كبّروا، وإذا قرأ أنصتوا، وإذا ركع اركعوا، وإذا سجد اسجدوا، وإذا سلم سلموا.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أما ما يخشى أحدكم أو لا يخشى أحدكم إذا وقع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمارٍ" (3) .(38/434)
8- في صلاة الجماعة دعم لعاطفة الأخوة وتقوية لروابط المحبة وإظهار للقوة فبالاجتماع تذهب الضغائن وتزول الأحقاد وتتآلف القلوب وتتحد الكلمة، قال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} الآية.
ب- بعد ما أمر لقمان ابنه بالإِيمان بالله وعدم الإشراك به، والقيام ببر الوالدين والثقة بعدالة الجزاء والتوجه إلى الله بالصلاة، أمره بالقيام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لما في ذلك من آثار حب الفضيلة وأساس من أسس صلاح المجتمع الإنساني بالإضافة إلى أن ممارسته يوقظ الشعور وينبه الضمير ويخيف المقدم على المنكر، وإذا تضامن الناس في ذلك - كما هو الواجب شرعاً - ووجد تضامن الناس على الفضيلة فلا تضيع بينهم، ووجد تضامنهم على استنكار الرذيلة فلا توجد بينهم.
لا شك أن الله عز وجل جعل هذه الأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس، كما جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مناط هذه الخيرية مع الإِيمان بالله عز وجل، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (1) .
وجاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" (2) .
وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم أنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"(38/435)
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاولة تغيير المنكر بالنصيحة وبالطرق العملية المثمرة مساهمة جليلة في صيانة المجتمع وتقويمه وإصلاحه، وكل مساهمة في إصلاح المجتمعات الإنسانية وتقويمها وصيانتها أعمال أخلاقية فاضلة.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنكاره ومحاولة تغييره من مكارم الأخلاق الإيمانية لما فيها من خدمة اجتماعية، وصيانة للمجتمعات عن الانزلاق في مزالق الانحراف، ولذلك حرص الإسلام حرصا شديداً على جعل كل المسلمين والمسلمات حرّاساً لأسوار الفضائل وتعاليم الدين الحنيف فمن جاهد منهم المنحرفين بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
فوظيفة حراسة المجتمع لحمايته من الانحراف وظيفة اجتماعية لا يجوز التخلي عنها في أي حال من الأحوال فإذا حدث ذلك تعرضت الأمة كلها للعقوبة العامة.
ويؤيد هذا ما رواه الترمذي عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم" (1) .
جـ- تتطلب الدعوة إلى الله تعالى الصبر من الداعي في سبيل ما يلقاه من أعداء دعوته، ذلك لأن الناس أعداء لما جهلوا، وتحويلهم من عقيدة اعتنقوها فترة من الزمن، ولو كانت باطلة إلى عقيدة أخرى لم يألفوها وإن كانت هي الحق، أمر صعب على النفوس، ولهذا أوصى لقمان ابنه بالصبر يقول الحق تبارك وتعالى على لسان لقمان {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (2) ، لأن الإنسان عندما يتعرض لدعوة الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لابد أن يتصدى له أهل الشر، ويناله منهم أذى ولو كان قليلا، فأمر لقمان ابنه بالصبر عليه.(38/436)
يقول سيد قطب في تفسير هذه الآية: "وهذا هو طريق العقيدة المرسوم. توحيد الله، وشعور برقابته، وتطلع إلى ما عنده، وثقة في عدله، وخشية من عقابه. ثم انتقال إلى دعوة الناس وإصلاح حالهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، والتزود قبل ذلك كله للمعركة مع الشر، بالزاد الأصيل زاد العبادة لله والتوجه إليه بالصلاة ثم الصبر على ما يصيب الداعية إلى الله، من التواء النفوس وعنادها، وانحراف القلوب وإعراضها. ومن الأذى تمتد به الألسنة وتمتد به الأيدي. ومن الابتلاء في المال والابتلاء في النفس عند الاقتضاء"إن ذلك من عزم الأمور"وعزم الأمور قطع الطريق على التردد فيها بعد العزم والتصميم"،
والصبر في اللغة: يعني الحبس والكف.
أما في الاصطلاح: فهو قوة خلقية من قوى الإرادة تمكن الإنسان من ضبط نفسه لتحمل المتاعب والمشقات والآلام وضبطها عن الاندفاع بعوامل الضجر والجزع والسأم والملل والعجلة والرعونة والغضب والطيش والخوف والطمع والأهواء والشهوات والغرائز.
وبالصبر يتمكن الإنسان بطمأنينة وثبات أن يضع الأشياء في مواضعها، ويتصرف في الأمور بعقل واتزان وينفذ ما يريد من تصرف في الزمن المناسب، بالطريقة المناسبة الحكيمة، وعلى الوجه المناسب الحكيم، بخلاف عدم الصبر الذي يدفع إلى التسرع والعجلة فيضع الإِنسان الأشياء في غير مواضعها، ويتصرف برعونة فيخطئ في تحديد الزمان، ويسيء في طريقة التنفيذ، وربما يكون صاحب حق أو يريد الخير فيغدو جانياً أو مفسداً ولو أنه اعتصم بالصبر لَسلِم من كل ذلك.
لهذا أوصى لقمان ابنه بالصبر، لأن الصبر على المصائب يبقى للفعل نوره، ويبقى للشخص وقاره، ولذا كان الصبر من الآداب الرفيعة والأخلاق القويمة، وصفة من صفات المؤمن، وسمة من سمات المبشرين بالأجر العظيم من الله عز وجل قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (1) .(38/437)
نخلص مما سبق أن لقمان وصيته هذه رتب الأمور بحسب أهميتها للداعية حيث بدأها بتربية النفس على طاعة الله {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاة} ثم ثنى بدعوة الآخرين {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} ثم أمر بالصبر على ما يصيبه وتحمل ما يتعرض له من الأذى {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك} .
وهكذا يربَّي لقمان ابنه على منهج العبادة، حيث أن العبادة في الإسلامِ تربي الإنسان المسلم على الوعي الفكري الدائم، وهذا ما يجعله إنسانا منطقياً واعياً في كل أمور حياته، ومنهجياً لا يقوم بعمل إلا ضمن خطة ووعي وتفكير، إلى جانب ذلك فهو في يقظة دائمة يراقب الله في كل أعماله.
وإضافة إلى ما سبق فإن العبادة تربي في الإِنسان المسلم الشعور بالعزة والكرامة، قال تعالى: {… وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} الآية (1) .
فضلاً عن تربيته على قدر من الفضائل الثابتة المطلقة، لا تقف عند حدود الأرض أو القوم والمصلحة القومية، إنها أخلاق الإسلام التي تصلح لكل زمان ومكان، وبهذا المنهج الرباني المرسل للعبادة يرتبط الإنسان المسلم بإخوانه المسلمين ارتباطاً واعياً منظماً قوياً مبنياً على عاطفة صادقة، وثقة بالنفس عظيمة (2) .
خامسًا: الآداب الاجتماعية:
يستطرد لقمان في وصيته التي يحكيها القرآن هنا إلى آداب الداعية إلى الله، فالدعوة إلى الخير لا تجيز التعالي على الناس والتطاول عليهم باسم قيادتهم إِلى الخير، ومن باب أولى يكون التعالي والتطاول بغير دعوة إلى الخير أقبح وأرذل.
ولهذا لما أمر لقمان ابنه بأن يكون كاملا في نفسه، مكملا لغيره، كان يخشى بعدها من أمرين، أحدهما: التكبر على الغير بسبب كونه مكملا به. والثاني: التبختر في النفس بسبب كونه كاملا في نفسه.(38/438)
يقول تعالى حكاية عن لقمان وهو يعظ ابنه: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (1) .
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (2) .
فمن الآيتين الكريمتين السابقتين يتضح أن الآداب المتضمنة في تلك الموعظة هي كالتالي:
1) {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاس} ينهى لقمان ابنه عن الكبر، والمعنى أن لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم، أو كلموك احتقاراً منك لهم واستكباراً عليهم، ولكن ألن جانبك وابسط وجهك إليهم. والصعر داء يصيب الإبل فيلوي أعناقها والأسلوب القرآني يختار هذا التعبير للتنفير من الحركة المشابهة للصعر حركة الكبر والازورار وإمالة الخد للناس في تعال واستكبار.
يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: "هو أن تلوي شدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره، فالمعنى: أقبل عليهم متواضعاً مؤنسا مستأنسا، وإذا حدثك أصغرهم فأصغ إليه حتى يكمل حديثه، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل.
وبناء على ما تقدم يمكن القول بأن التكبر ليس من أخلاق المؤمن، فلو عرف المتكبر حقيقة نفسه أي أن أوله نطفة قذر، وآخره جيفة منتنة يخجل من نفسه، ووقف عند حده، وأخلص العبادة لربه وتواضع لخالقه، لأن الإِنسان كلما تواضع لله رفعه الله، وكلما تكبر عليه وضعه وقصمه، وفد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله: "ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" (3) .
وقال أيضاً: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم، قال أبو معاوية: ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر" (4) .
كما يظهر من العرض السابق أن أولى الأخلاق التي يرغب لقمان في غرسها في ابنه عدم التكبر على الناس، والتواضع لهم.(38/439)
2) {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً ... } المرح يأتي في اللغة بمعنى شدة الفرح والنشاط. حتى يجاوز قدره، ويأتي أيضا بمعنى التبختر والإختيال فقوله: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً} هو بمعنى ولا تمش في الأرض مشية تبختر واختيال ولذلك ختم الله الآية بما يناسب هذا المعنى فقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} أي لا يحب كل مختالٍ على الناس مستكبر عليهم بمشيته بينهم أو بإعراضه عنهم، ولا يحب كل فخور على الناس بنفسه أو بما أتاه الله من قوة أو مالٍ أو نسبٍ أو جاهٍ أو ذكاء قلب أو جمال وجه وحسن طلعة.
ولو عقل المستكبرون الذين يختالون ويمشون في الأرض مرحاً لعرفوا إن هذا العمل يصغرهم، ويقلل من شأنهم عند الله وعند الناس فالله لا يحب الذين يستكبرون على عباده ولا يحب الذين يريدون علواً في الأرض والناس أيضا يكرهون من يستكبر عليهم ويكرهون كل ظاهرة تدل على الكبر في الأنفس إذا رأوها من غيرهم.
3) {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ... } بعدما نهى لقمان ابنه عن مشيه المرح وصعر الخد أمره بالمشية المعتدلة القاصدة، فقال تعالى على لسان لقمان: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} والقصد هنا من الاقتصاد وعدم الإِسراف وعدم إضاعة الطاقة في التبختر والتثني والاختيال ومن القصد كذلك لأن المشية القاصدة إلى هدف لا تتلكأ ولا تتخايل ولا تتبختر، إنما تمضي لقصدها في بساطة وانطلاق.
ولقد نهى الله تعالى المسلم أن يسير مسرع الخطى وهو يلهث، كما نهاه أن يبطئ في مشيه وهو خامل كسول، إنما عليه أن يتوسط في مشيه فخير الأمور أوسطها.(38/440)
فإذا وضعت أسس التربية على أساس من التوازن والاعتدال كما أوضحتها النظرة الإسلامية لعتدل الأمر وما تحولت الوسائل إلى غايات، وما انحرفت بنا الطريق بين غلو وتقصير وإفراط وتفريط. والتربية الإِسلامية تهتم بالتركيز على التوازن بين إشباعات النفس ومطالبها وبين عفتها وقناعتها، وهذا وارد في قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ... } الآية.
وسياسة الاعتدال في العملية التربوية إنما تتركز على علم النفس من الأهواء والشهوات، فإذا مالت إلى الاغترار عولجت بالتواضع حتى يتم الاعتدال أو يتم التوازن، وإذا مالت إلى الهوى كان عالجها الاستقامة، فأي من العيوب والآفات النفسية إنما هي تمرة فجة للتربية الخاطئة والنقص في الأدب والأخلاق، وكل شيء في هذا الوجود يسير على هدي من الاعتدال والتوازن والاتساق والتناسب والتناسق ماعدا الإنسان. فالإنسان وإن كان في الأصل في خلقه على الفطرة السليمة إلا أنه يبتعد عن هذه الفطرة إذا افتقد إلى التربية الإسلامية الصحيحة، وهنا يخلط بين اشباعاته ومطالبه فيطالب بحقوقه ويتغافل عن واجباته وبذلك ينحرف عن طريق القوامة والاستقامة التي جعلها الله تعالى أساساً لشريعة الإسلام ومنهاجه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} الآية.
فالوسط الإسلامي هو التوازن في الفكر والسلوك والتطبيق.
من أجل ذلك طلب لقمان ابنه أن يتوسط في مشيته، والمراد من ذلك أن تكون مشيته ما بين الإسراع والبطء أي لا تدب دبيب المتماوتين ولاتثب وثب الشطار.
4) {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} ، أغضض من صوتك أي أنقص منه، أي لا تتكلف رفع صوتك وخذ منه ما تحتاج إليه، فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي، والمراد بذلك التواضع.(38/441)
وغض الصوت فيه أدب وثقة بالنفس واطمئنان إلى صدق الحديث وقوته، وما يزعق أو يغلظ في الخطاب إلا سيئ الأدب أو شاك في قيمة قوله، أو قيمة شخصه، يحاول إخفاء هذا الشك بالحدة والغلظة والزعاق.
والأسلوب القرآني يرذل هذا الفعل ويقبحه في صورة منفرة محتقرة بشعة حين يعقب عليه بقوله: {إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} .
فيرتسم مشهد مضحك يدعو إلى الهزء والسخرية، مع النفور والبشاعة ولا يكاد ذو حس يتصور هذا المشهد المضحك من وراء التعبير المبدع، ثم يحاول شيئاً من صوت هذا الحمير.
يقول القرطبي: في هذه الآية دليل على تعريف قبح ردع الصوت في المخاطبة، والملاحاة بقبح أصوات الحمير لأنها عالية، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطاناً" (1) .
وقد روي: إنه ما صاح حمار ولا نبح كلب إلا أن يرى شيطاناً.
وقال سفيان الثوري: صياح كل شيء تسبيح إلا نهيق الحمير.
وقال عطاء: نهيق الحمير دعاء على الظلمة.
وهذه الآية أدب من الله تعالى بترك الصياح في وجوه الناس تهاوناً بهم أو بترك الصياح جملة.
وكانت العرب تفخر بجهارة الصوت الجهير وغير ذلك، فمن كان منهم أشد صوتاً كان أعز، ومن كان أخفض كان أذل حتى قال شاعرهم:
جهير الكلام جهير العطاس
جهير الرواء جهير النعم
ويعدو على الأين عدوى الظليم
ويعلو الرجال بخلق عمم
فنهى الله سبحانه وتعالى عن تلك الخلق الجاهلية بقوله: {إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} أي لو أن شيئاً يهاب صوته لكان الحمار، فجعلهم في المثل سواء.(38/442)
يتضح من الوصايا التي وصى بها لقمان ابنه أنها تجمع أمهات الحكم، وتستلزم ما لم يذكر منها، وكل وصية يقرن بها ما يدعو إلى فعلها إن كانت أمراً وإلى مرتكبها إن كانت نهياً. فأمره بأصل الدين وهو التوحيد، ونهاه عن الشرك وبين له الموجبة لتركه. وأمره ببر الوالدين وبين له السبب الموجب لبرهما وأمره بشكره وشكرهما ثم احترز بأن محل برهما وامتثال أوامرهما مالم يأمرا بمعصية ومع ذلك فلا يعقهما بل يحسن إليهما، وإن كان لا يطيعهما إذا جاهداه على الشرك. وأمر بمراقبة الله وخوّفه القدوم عليه وأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر إلا أتى بها. وأمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وبالصبر اللذين يسهل بهما كل أمر كما قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} .
ونهاه عن التكبر وأمره بالتواضع، ونهاه عن البطر والأشر والمرح وأمره بالسكون في الحركات والأصوات، ونهاه عن ضد ذلك
فحقيق من أوصى بهذه الوصايا أن يكون مخصوصاً بالحكمة، مشهورا بها، ولهذا من منّة الله تعالى على عباده أن قصر عليهم من حكمته ما يكون لهم به أسوة حسنة.
فالوصايا السابقة هي منهج الآداب السامية التي يؤدب الله عباده ذلك لأن في امتثالها سعادتهم وفلاحهم دنيا وآخرة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنهم يرون آثارها التربوية في توجيه وتهذيب سلوكهم، وتعمل على زيادة الألفة والمحبة بينهم كما يؤدي هذا إلى تماسك مجتمعهم.
المبحث الثالث
معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان(38/443)
يتضمن هذا المبحث تحديد معالم أصوله التربية الإسلامية المستخلصة من وصايا لقمان لابنه حيث تعد وصاياه دستوراً كاملاً في أصول التربية الإسلامية، فقائلها أب ومعلم صالح آتاه الله الحكمة، هذا بالإضافة إلى أنها نابعة عن قناعة وصدق، ومبنية على التجربة والمعرفة وهي تهدف أولا وأخيراً أن يحقق الإنسان المسلم العبودية الكاملة لله سبحانه وتعالى وحده في حياته الفردية والاجتماعية وهذه هي غاية التربية الإسلامية كما هي غاية خلق الله للإنسان في هذه الدنيا قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} (1) .
وفيما يلي بيان لتلك الأصول التربوية:
الأصل الأول: العقيدة الإسلامية وجوهرها التوحيد:
إن عقيدة التوحيد وإفراد الله وحده بالعبادة هي أجل المسائل وأعظمها على الإطلاق فمن أجلها خلق الله الخلق وأنزل الكتب وبعث الرسل وجعل الجنة والنار.
والمتأمل لآيات القرآن الكريم يجدها تبدى وتعيد في شأن العقيدة، تبينها وتوضحها داعية إليها، محذرة من ضدها في آيات كثيرة وبطرق متنوعة وأساليب مختلفة.
قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} (2) .
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (3) .
ومن هنا كان أول واجب على المكلف أن يرتبط منذ تعقله بأركان الإيمان المذكورة في حديث جبريل عليه السلام فغرس العقيدة الإسلامية في النفوس هو أمثل طريقة لإيجاد عناصر صالحة تستطيع تقوم بدورها كاملا في الحياة، وتسهم فيه بنصيب كبير في تزويدها بما هو أنفع وأرشد، وانعكست آثارها على سلوكهم.(38/444)
وبناء على ما سبق يمكن القول بأن التربية الحقة إنما تكون في تدريب الطفل على أعمال الخير وإرشاده إلى الصراط المستقيم، وتعليمه الأخلاق الطيبة، وذلك كله لا يتحقق إلا بالإيمان بالله وحده وعدم الشرك به تعالى. ولهذا نصح لقمان ابنه قال تعالى: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} (1) . فمن الآية الكريمة يتبين أن الأصل الأول لهذه التربية الإيمان بالله وعدم الشرك به تعالى، ولهذا يجب أن تكون عظة لقمان لابنه نبراساً يستضيء به الآباء في توجيه أبنائهم وسراجاً يقودهم من الظلمات إلى النور، وأعظم ما تقدمه العظة الصريحة قول لقمان لابنه كما ورد في القرآن الكريم {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (2) .
لو وعى الأبناء لهذه النصيحة ما وقعوا في الإثم وما تراكمت عليهم البلايا والأخطاء ولعاشوا في أمن نفسي وطمأنينة قلبية وقد ابتعدوا عن القلق والكآبة. وظلم النفس واليأس والقنوط.
والنفس الإنسانية تحتاج إلى التربية المستمرة والتذكرة المستديمة والوعظ الصادق حتى لا يعتريها الصدأ ولتأمن من رياح الشرك العابثة وتبتعد عن الأمواج العاتية حيث شط الأمن والأمان. والإسلام يربي الإنسان على إخلاص العبودية لله وحده، فلا يخاف إلا الله، ولا يرجو أو يتوسل غيره من الإنس أو الجن ولا يبث حزنه أو شكواه إلا لله تعالى ومن هنا كان الإنسان المؤمن ذا شخصية قوية منذ نعومة أظفاره، فالطفل الصغير ربما يقول كلمات حكيمة يعجز الكبير غير المؤمن عن فهمها أو الاهتداء إلى مثلها.(38/445)
مرَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه على صبية يلعبون وفيهم عبد الله بن الزبير فهربوا منه إلا عبد الله، فقال له عمر رضي الله عنه: ما لك؟ لِمَ لا تهرب مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين لم أكن على ريبة فأخافك، ولم يكن الطريق ضيقاً فأوسع لك. فمن أين جاءت هذه الفطنة وتلك الكياسة في السلوك؟ لاشك أن جواب ذلك الطفل إنما هو ثمرة يانعة من ثمار التربية النفسية الإسلامية التي لا تعرف الخضوع ولا الذل ولا الخوف والفزع ... سياسة تقوم على تقوية الثقة بالله والاسترسال معه على الدوام.
وتبدأ التربية النفسية من قول الله عزوجل على لسان عبده لقمان في وعظه لابنه:
{يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .
تبدأ التربية الإسلامية من نزع الشرك الظاهر والخفي من النفوس فتتخلى بذلك من الظلم والرياء والفسوق والعصيان، ثم تستعد النفس بعد سلب كل شرك عن النفس بملء القلب بدين التوحيد الخالص، والتوحيد سلب وإيجاب، سلب كل ماعدا الله، وإيجاب للألوهية المنزهة عن كل شرك. وللإيمان الكامل بأركانه الستة آثار تربوية عظيمة في حياة الفرد والمجتمع، فالإِيمان هو الذي يهيأ النفس الإِنسانية دائماً للرضا والأمن وللعمل الجاد المثمر، كما يضفي على النفس المؤمنة رضا يغمرها فلا يستطيع شيء مهما عظم أن يسخطها، فيحصل لها بذلك الطمأنينة والراحة النفسية.(38/446)
مما سبق ينبغي أن يكون الأصل الأول الذي يجب على الآباء أن يربوا أبناءهم عليه ترسيخ عقيدة التوحيد في نفوسهم من المراحل الأولى من أعمارهم واستخدام كافة الوسائل المتاحة في سبيل ذلك مع مراعاة خصائص النمو العقلي والإدراكي لهم تأسياً بالمعلم الأول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فمن الأمثلة على ذلك عن عطاء بن يزيد الليثي: أن أبا هريرة أخبره أن أناساً قالوا لرسول الله: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ... "وفي جهنم كلابيب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ " قالوا: نعم يا رسول الله، قال: "فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله " (1) .
ففي الحديث السابق درس وتطبيق عملي من النبي صلى الله عليه وسلم في طرح قضايا الإيمان مستخدماً في ذلك أسلوب ضرب الأمثال لمناسبته لحال المخاطبين لما يلي:
1- تأكد الرسول من معرفة الصحابة لشوك السعدان حيث قام بنفسه من سؤالهم "هل تعرفون شوك السعدان؟ فلما تبين له ذلك أعاد عليهم المثل مرة أخرى.
2- التنبيه على الفارق بين الأمرين حيث أخبرهم"أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله".
وبهذا المنهج يصل النشئ إلى شاطئ الأمن والأمان والسلامة والإسلام، فلا سعادة لهم بغير الإيمان ولا طمأنينة لهم إلا في ظل عقيدة التوحيد بالله سبحانه وتعالى.
الأصل الثاني: مراقبة الله عز وجل:
هذا هو الأصل الثاني من أصول التربية الإسلامية الصحيحة وقد بين لقمان هذا الأصل لابنه، قال تعالى حكاية عن لقمان: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (2) .(38/447)
وبهذا يربي لقمان في ابنه قاعدة أساسية من قواعد العقيدة الإسلامية الصحيحة بأن الله عزوجل صاحب السلطان والقدرة ومالك الأمر كله فعندما تترسخ العقيدة السابقة في النفس، فإن الطمأنينة تشيع فيها كما أن حياة الناس تتسم بالرضا والتسليم.
فالقلق والاضطراب وسائر الأمراض النفسية المعاصرة التي يشكوا منها الناس اليوم مردها إلى عدم رضا النفس بما يحصل لها هذا من جهة، ومن جهة أخرى ناشئ هذا من عدم الإيمان بالقدر.
إن القاعدة السابقة التي أصلها لقمان في ابنه أن الأهمية بمكان إذا ما تربت النفوس عليها، ولهذا يجب على الآباء والمربين أن يغرسوا في أبنائها وتلاميذهم مراقبة الله عز وجل في قلوبهم، لما في ذلك من ثمرات تربوية لا تخفى على العاقل، فمراقبة الله عز وجل هي التي تعمل على قامع الشهوات، وتحث على الطاعات، ويذل القلب ويستكين، ويفارقه الكبر والحقد والحسد، فمتى استشعر النشئ روح هذه المراقبة انكف وانزجر عن المعاصي والنواهي، فجعل تقوى الله عزوجل سترا ومانعاً له من الوقوع في المهلكات، وهي أيضاً تعمل على تحريره من الخوف من أحد غير الله عزوجل، وتحرره أيضا من القلق والضجر والاضطراب، فالكون كله لله والأعمار والأرزاق بيد الله عز وجل وقد بين لنا الرسول هذه الحقيقة بأسلوب تطبيقي عملي عندما وجه ابن عباس رضي الله عنهما بقوله عليه الصلاة والسلام "يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" (1) .
يترتب على ما ذكر ما يلي.
1- إيجاد جيل قوي يخلص العبودية الكاملة لله عز وجل وحده.
2- العمل الجاد المثمر، والإخلاص لله عز وجل في أعمالهم، كل بحسب عمله، ومجال تخصصه.(38/448)
3- مراقبة الله عز وجل في سلوكهم وفي معاملاتهم مع الآخرين.
من كل ما تقدم يتقرر أنه على الآباء والمربين. ألا يغفلوا عن تذكير أبنائهم وتلاميذهم بمدى قدرة الله عز وجل عن طريق التأمل والتفكير فقد خلق السماوات والأرض، وذلك في سن الإدراك والتمييز.
فيكون تركيزهم على الأصل الثاني لمعالم التربية الإسلامية الأساسية منصباً على تعريف النشئ بقدرة الخالق عزوجل متدرجين معهم من المحسوس إلى المعقول، ومن الجزئي إلى الكلي، ومن البسيط إلى المركب حتى يصلوا معهم في نهاية الشوط إلى قضية الإيمان عن اقتناع وحجة وبرهان.
الأصل الثالث: العبادات:
للعبادة في الإِسلام شأن كبير بين الفرائض والواجبات الأخرى، لأنها تؤكد إقرار المرء إقراراً كاملا بقلبه ولسانه وجوارحه، وخضوعه خضوعاً مطلقاً، لله الخالق الواحد القهار، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي له كل صفات الكمال، لا يشبهه أحد من خلقه، لا يفنى ولا يزول، فهو المتفرد بذلك كله. قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ} (1) . ويحدد لنا القرآن الكريم غاية الخلق للعبادة، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} (2) .
وقد كانت دعوة أنبياء الله عزوجل من لدن نوح عليه السلام وآخرهم نبينا محمد إلى عبادة الله وحده، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3) .
وإذا كانت العبادة غاية الوجود الإِنساني فإن مفهومها لا يقتصر على المعنى الخاص الذي يرد إلى الذهن والذي يضيق نطاقها، فيجعلها محصورة في الشعائر الخاصة التي يؤديها المؤمن.
ولهذا فإن حقيقة العبادة تبرز في المعنى الشامل الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيميه فقال يرحمه الله: "العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة".(38/449)
وبناء على ذلك فإن العبودية الحقة لله عز وجل تكون شاملة بما افترضه الله سبحانه على عباده من الفرائض والطاعات والواجبات: كالصلاة والصيام، والزكاة، والحج، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والدعاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهكذا كل عمل مشروع قصد به رضاء الله تعالى مهما عظم شأنه أو قل، ويترتب على ذلك أن للعبادات تأثير في سلوك المسلم وفي كل حركاته وسكناته، وقوله وعمله، وسره وعلنه، كل ذلك يعد عبادة لله عزوجل مادام فاعله يقصد الخير، وليس السمعة والثناء، وإنما ابتغي بذلك وجه الله تعالى.
وفي ضوء ما سبق يتبين أن اقتصار العبادة على مجرد الشعائر التي تؤدى في أوقات محددة، وأماكن معينة يعد مفهوماً ضيقا للعبادة، وهذا له تأثير في تكوين الشخصية المسلمة، فالعبادة في الإِسلام شاملة لكل جوانب الحياة، لأن الدين كله داخل في العبادة، إذ يتضمن معناه الخضوع والذل لله عزوجل وعلى هذا تصبح تلك الشعائر التعبدية جزء من مفهوم العبادة الشامل أو محطات يقف عندها السائرون في الطريق فيتزودون بالزاد وكل ما يقع، ولكن الطريق كله عبادة، وكل ما يقع فيه من نسك أو عمل ... فهو كذلك عبادة ...
مادامت وجهته إلى الله، ومادام قد شهد حقا – لا باللسان - أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقام حياته كلها وواقعه كله على هذا الأساس.
وللعبادة آثارها التربوية نذكر منها:
1- أنها تزود الإنسان دائما بشحنات متتالية من القوة المستمدة من قوة الله، والثقة بالنفس المستمدة من الثقة بالله.
2- أنها تجدد للمسلم نفسه باستمرار وذلك عن طريق التوبة التي تزيل عن قلبه وتصوراته ما قد يعلق بهما من أدناس، وتمحو من جوارحه أثر ما قد يكسب من آثام أو أخطاء.(38/450)
3- تقوي وتعزز العقيدة الإسلامية في نفس المسلم فالعقيدة الإسلامية في حياة الإنسان المسلم إذا لم تترجم إلى سلوك وعمل وطاعة وتعبد لا تكتمل دائرتها في نفسه. فالعبادة تعني التطبيق والالتزام بما شرعه الله عز وجل، ودعا إليه رسله أمرا ونهيا، وتحليلا وتحريما. وهذا يمثل من المسلم الطاعة والخضوع لله تعالى والإِقرار الكامل بوحدانية الخالق عزوجل.
ويظهر منهج العبادة في وصية لقمان لابنه في الأمور التالية:
1) أمره بإقامة الصلاة:
فالصلاة هي أعظم فرائض الإسلام وعون على احتمال تكاليف الحياة ونوائب الدهر، قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (1) .
وقد ذكر لقمان لابنه من أركان الإسلام الصلاة، وذلك لمكانتها العالية بين العبادات، فهي الركن الثاني بعد الشهادتين، وعماد الدين الذي لا يقوم الدين بغيرها، ولذا فمن تركها فقدكفر. (2)
فعن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ".
وهي كذلك مناجاة من قِبَل العبد لربه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربه - أو ربه بينه وبين قبلته - فلا يبزقن في قبلته ولكن ... "الحديث (3)
ومن هنا جاء كونها عماد الدين وأنه لا مكانة للاستقامة أو التخلق بخلق الإسلام إذا لم تكن الصلاة متحققة بالطريقة التي وضحها الشرع وعلى النحو الذي أراده الله للناس بأن تؤدى في المسجد وفي جماعة، وهي بهذا تكون سبباً فعَّالاً في إيجاد الألفة بين المسلمين في أرواحهم وسلوكهم، وتعطي صورة حيهّ للمسلمين أفرادا وجماعات، وهم يتوجهون بقلوبهم ومشاعرهم إلى الواحد القهار.(38/451)
وبالإضافة إلى ما ذكر فإن الصلاة تقوي الروابط الروحيه وتشد المجتمع بعضه إلى بعض، وتطهر المجتمع من الرذائل والفواحش، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ... } الآية.
وبذلك يصبح أفراد المجتمع متوادين ومتراحمين، وعبادا لله صالحين.
2) أمره أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر:
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطة اجتماعية أو رقابة اجتماعية، وأن القيام بهذا الواجب هو الدرع الواقي للمجتمع، يصونه ويحفظه من التفكك والانهيار وإلا دبت فيه الفوضى واعتراه العبث والاضمحلال.
وقد نبه الإسلام إلى الخطر الذي يحل بالأمة عندما تقصر أو تهمل في أداء هذا الواجب فالأحاديث في ذلك كثيرة ولا يمكن سردها في هذا البحث وأكتفي بقوله عليه الصلاة والسلام: "يا أيها الناس إن الله عز وجل يقول: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر من قبل أن تدعوني فلا أجيبكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم" (1) .
وبناء على ذلك يكون منابذة أهل الفساد ومحاصرتهم مطلب ضروري لحفظ المجتمع المسلم وسلامته من الآفات والأمراض والمعاصي التي تفتك بالأمة، وتقضي على وحدتها، وتصل بها في النهاية إلى الدمار والهلاك.
3) أمره بالصبر على مشاق الدعوة إلى الله:
ويعد هذا من أشرف وأرقى أنواع الصبر، لما يتعرض له الداعي من متاعب وآلام، فما على الداعية إلى الله إلا أن يعتصم بالصبر ويتسلح باليقين لأنه من عزائم الأمور، كما أوضح ذلك لقمان لابنه قال تعالى حكاية عن لقمان وهو يعظ ابنه: {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (2) .
ومما يحث الدعاة على الصبر وتحمل مشاق الدعوة، ما ينتظره الصابرون من حسن الجزاء، واليقين بأن نصر الله قريب، قال تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3) .(38/452)
وقال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (1) .
من كل ما تقدم ينبغي أن يكون الأصل الثالث الذي ينبغي على الآباء والمربين أن يربوا أبناءهم وتلاميذهم عليه "منهج العبادات"فيتعودوا على ممارستها على النحو الذي وضحه الشارع الكريم وأن يكون منذ نعومة أظفارهم وبذلك يتربى النشئ على طاعة الله، والقيام بحقه والشكر له، والالتجاء إليه، والثقة به، والاعتماد عليه، والتسليم لجنابه فيما ينوب ويروع ... ، وحتى يجد الطهر لروحه، والصحة لجسمه، والتهذيب لخلقه، والإِصلاح لأقواله وأفعاله.
الأصل الرابع: الآداب الاجتماعية:
أدب الله عباده بآداب كثيرة، وهذه الآداب حلية المسلم تزين نفسه الباطنة، وأفعاله الظاهرة.
و"الأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا، وعبر بعضهم عنه بأنه الأخذ بمكارم الأخلاق ... والأدب مأخوذ من المأدبة وهي الدعوة إلى الطعام، سمي بذلك لأنه يدعي إليه".
وترتبط الآداب بالعقيدة الإسلامية ارتباطاً وثيقاً، ذلك أن العقيدة هي التي تحفز الإِنسان نحو السلوك الطيب، وأن انتفاء العقيدة عنده سيقود إلى كل الاحتمالات السلبية والتفكك والانحراف، وبناء على ذلك فإن الآداب الإسلامية هي وليدة العقيدة التي تستقر في قلب الإنسان، وهي العامل المحرك المؤثر وبدون ذلك لا مكانة للآداب بغير عقيدة. ولهذا تنقلب الآداب إلى نتائج عكسية تتمثل في السلوك الذميم كالرذائل والفواحش مثلا، ذلك إذا لم يكن هناك عقيدة ثابتة صحيحة تتهذب معها النفس ويتقوم بها الاعوجاج.
ومن هنا كانت الآداب التي أوصى بها لقمان ابنه بعد تأكيده على العقيدة وغرس التوحيد، ومراقبة الله سبحانه وتعالى والتأكيد على العبادة أيضا.
وفيما يلي بيان للآداب المذكورة في وصية لقمان لابنه والتي ينبغي أن يتضمنها منهاج التربية الإسلامية.
أ) برّ الوالدين:(38/453)
فقد أمرنا الله عز وجل بر الوالدين وجعل حقهما في مرتبة تالية لحقه، فالوالدان هما السبب الذي شاء الله أن يوجد الأبناء من خلاله وقد عانيا في سبيل ذلك عناءً كبيرا ولاقيا صعاباً جمة، وخاصة الأم التي حملت وليدها كرها، ووضعته كرها، ومع هذا فقد أمرنا الخالق تعالى بإكرامها، وخفض الجناح لهما، والدعاء لهما.
وبناء على ذلك ينبغي على الآباء والمربين أن يغرسوا في أبنائها وتلاميذهم حب الوالدين وأن يعملوا على تكوين الاتجاه الإيجابي نحو بر الوالدين والشكر لهم وطاعتهم واحترامهم على أن يكون ذلك منذ الصغر ليسهل عليهم تطبيقه في الكبر.
ب) التواضع والبعد عن التكبر:
يظهر هذا في قول الحق تبارك وتعالى حكاية عن لقمان {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاس ... } الآية.
فالمسلم يتواضع لأخيه المسلم في غير مذلة ولا مهانة والتواضع من أخلاق الإسلام المثالية وصفاته العالية، والكبر على عكس من ذلك، ففعله مذموم وصاحبه كذلك ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما ألقيته في جهنم ولا أبالي" (1) .
والكبر أيضاً يمنع صاحبه من الاستفادة من اتباع الحق والهدى فيخسر كثيراً قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} (2) . ولهذا كانت العزة والكرامة للمتواضعين ففي الحديث "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله"
وبناء على ما سبق ذكره يجب على الآباء والمربين أن يعودوا أبناءهم ويدربوا تلاميذهم على ممارسة الأخلاق الإسلامية ومن بينها خلق التواضع تأسياً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله أوصى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد" (3) .(38/454)
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بتواضعه المثل الأعلى في ذلك، فلم يعرف عنه أن رفض دعوة أقل الناس شأناً، ولم يتعال على أحد من قومه بل كان يقول: "إنما أنا عبد الله ورسوله" (1) ، ولم يرد طلباً لأحد فإن الأمة تأخذ بيده وبه فتنطلق به في حاجتها فعلى الأبناء والتلاميذ أن يسموا سلوكهم بالتواضع في كل شيء، في بيوتهم ومع ذويهم، وفي مدارسهم ومع معلميهم، وفي مجتمعهم ومع علمائهم، ومع الناس جميعاً. وفي المقابل أيضاً عليهم أن يحذروا من الوقوع في الكبر وعجب النفس فإن ذلك يؤدي بصاحبه إلى غمط الحق، وطمس معالمه، وفي النهاية يقوده إلى الدمار والهلاك وغضب الله عليه.
جـ) آداب المشي:
للمشي في الطريق آداب وواجبات قلَّ من يهتم بها مع أهميتها، وخلاصة هذه الآداب والواجبات أن المشي يطلب في أثنائه كل ما يطلب من الجالس على الطريق ويزاد عليه التواضع في أثناء المشي والتسامح مع من يقابلهم. ولهذا وصف الله عزوجل عباده أنهم يمشون على الأرض هونا أي: مشياً متصفا بالسكينة والوقار، غير مختالين ولا مستكبرين. قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} (2) .
ولهذا أمر لقمان ابنه بالاعتدال في المشية والحركة. قال تعالى حكاية عن لقمان: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ..} الآية. أي توسّط فيه، والقصد ما بين الإِسراع والبطء.
المعنى: أي امش مقتصدا معتدلاً لا بطئ الخطو ولا مسرعا مفرطا في السرعة، مشية لا ذل فيها ولا كبر، متواضعاً. وليكن لك قصد وهدف تمشي إليه، وليظهر ذلك في سيرك بحيث تمشي مشية الهادف الذي ينطلق لقصده في بساطة وانطلاق.(38/455)
فعلى الآباء والمربين أن يستفيدوا من هذه التوجيهات الربانية في إرشاد أبنائهم وتلاميذهم إلى كيفية المشي الصحيح على الطريق وكذلك تعليمهم آداب الطريق كما حددها النبي في أحاديث كثيرة ومنها قوله: "إياكم والجلوس على الطرقات، فقالوا: ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، فقال: فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر" (1) .
وهكذا يتأدب النشئ منذ نعومة أظفارهم بأخلاق الإسلام، فتطهر نفوسهم وتسموا أخلاقهم، وتتكامل شخصياتهم.
د) آداب الحديث:
الحديث مع الآخرين في الإسلام له أصوله وآدابه، على المسلم التقيد بها إرضاءً لله عزوجل وتجنبا لسخطه وعقابه، ومن أجل هذا يبين لنا الرسول في أحاديث عدة خطورة اللسان وما يؤدي بصاحبه إلى الوقوع في الهلاك.
فمن ذلك قوله النبي صلى الله عليه وسلم: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" (2) (3) .
وكذلك أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: "إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق" (4) .
وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يهوى بها في جهنم" (5) .
ولكي لا يقع المسلم في مزالق اللسان وعثراته فهناك شروط في الإسلام للكلام يمكن إيضاحها في النقاط التالية:
الشرط الأول: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه إما في اجتلاب نفع أو دفع ضر.
الشرط الثاني: أن يأتي به في موضعه، ويتوخى به إصابة فرصته.
الشرط الثالث: أن يقتصر منه على قدر حاجته.
الشرط الرابع: أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به.(38/456)
وبناء على الشروط السابقة والمذكورة أعلاه يكون أحسن الكلام ما لا يحتاج فيه إلى الكلام بل يكتفي فيه بالفعل من القول وألا يرفع بالكلام صوتاً مستكرهاً، ولا ينزعج له انزعاجاً مستهجنا.
ولهذا أدَّب لقمان ابنه في هذا الخصوص بقوله قال تعالى حكاية عن لقمان: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (1) . فخفض الصوت عند محادثة الناس فيه أدب وثقة بالنفس، واطمئنان إلى صدق الحديث، ورفعه أي رفع الصوت دليل على فقدان ذلك.
ومن هنا جاء استخدام لقمان لابنه وسيله منفرة تجعله يكره رفع الصوت، فقد شبه له من يفعل ذلك بنهيق الحمار. وليس هناك أغلظ من أصوات الحمير إذا ما قورنت أصواتها بالنسبة لسائر الحيوانات الأخرى، وقد أرشدت السنة النبوية الإنسان المسلم بالتعوذ عند سماع صوت الحمار. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنه رأى شيطانا" (2) .
وبناء على ما ذكر ينبغي على الآباء والمربين أن يعودوا أبناءهم وتلاميذهم على الالتزام بآداب الإسلام في الحديث مع الآخرين، وأن يكون الحديث بقدر ما تدعو إليه الضرورة وبشرط عدم رفع الصوت في وجه المخاطب حتى لا يكون ذلك مصدر أذى من الحديث بغير داع أو من جراء رفع الصوت. وبهذا يكتمل منهج الآداب الاجتماعية التي أوصى بها لقمان ابنه، فقد بدأها ببر الوالدين وطاعتهما ثم عدم التكبر على الناس وكذلك الالتزام بآداب المشي على الأرض والحديث مع الآخرين.(38/457)
ونلحظ من العرض السابق أن تلك الآداب الاجتماعية لها أهميتها في تنشئة النفوس المؤمنة على الخلق القويم الذي يقتضيه التمسك بشريعة الإسلام فالإسلام يبغي للنفس المؤمنة أن تكون مهذبة مصونة من كل أسباب الأمراض، بعيدة عن كل ألوان العيوب النفسية، من أجل أن يكون المسلم ذا خلق كريم، وأن تكون نفسه خيّرة طيبة مطمئنة. وعليه يبغي أن تكون الآداب الاجتماعية أصلاً من أصول التربية الإسلامية، لما لها من تأثير كبير في تشكيل شخصية الإنسان المسلم، شخصية سماتها الوقار والهيبة، والاعتدال وقوة الشخصية فالخلق في الإسلام هو سبيل الارتقاء بالمسلم إلى مدارج الكمال، كما جاء في الحديث النبوي الشريف "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً" (1) .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: "تقوى الله وحسن الخلق" (2) .
كما أن صاحب الخلق الحسن يسعه الناس كما جاء في الحديث "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق" (3) .
خاتمة
تلك الأصول الأربعة السابقة هي معالم أصول التربية الإسلامية التي أمكن استنباطها من وصايا لقمان الحكيم لابنه كما وردت في سورة لقمان من الآية (13-19) .
وفيما يلي تلخيص لنقاطها:
الأصل الأول: العقيدة الإسلامية وجوهرها التوحيد.
الأصل الثاني: مراقبة الله عز وجل.
الأصل الثالث: العبادات.
الأصل الرابع: الآداب الاجتماعية.
والأصول التربوية المذكورة أعلاه هي وصايا نافعة، ونصائح غالية، وحكم نبيلة، وتوجيهات سديدة، يقدمها لقمان لابنه، ليكون ابناً باراً، يتعامل مع الناس بحسن الخلق وطيب المعاملة، يعرف للناس حقوقهم، ولا ينسى حق الله عليه.(38/458)
فحري بالآباء والمربين أن يستفيدوا من تلك الوصايا في تربية أبنائهم، وتوجيه تلاميذهم، فهي بلا شك المنهاج الصحيح لأصول التربية الحسنة الناجحة، والطريقة المثلى لإِعداد جيل صالح على أساس قوي من عقيدة التوحيد، يعرف حقوق ربه، وحقوق والديه، وحقوق مجتمعه.
فهل يستطيع الآباء والمربون اتباع معالم هذه التربية في تربية أبنائهم وتلاميذهم.
لا سبيل لفلاحهم ونجاحهم في هذه الحياة إلا أن ينهلوا من سنن الإسلام ومنهاجه القويم في تربية أبنائهم، وتقويم سلوك تلاميذهم، وفي إصلاح نفوسهم، وتثبيت عقيدتهم، وتعليمهم مبادئ الخير والفضيلة، وتنشئتهم على الأخلاق الحميدة، وبذلك يضمنوا بإذن الله تعالى إيجاد الجيل المؤمن، والشباب الصالح، الممتثل لأوامر ربه، والقدوة الطيبة لغيره في كل مكرمة وفضيلة، والخلق والعمل الصالح.
وأخيراً أحمد الله عز وجل على ما وفقني في إنجاز هذه الدراسة حتى ظهرت بهذه الصورة، فإن وفقت لما أصبو إليه فبتوفيق من الله جل ثناؤه، وإن عجزت عن الوفاء بما تبلغه الغاية بي، فحسبي أن أضع لزملائي العاملين في مجال التربية والتعليم هذه الدراسة لتكون لهم معلما ومرشداً في أداء رسالتهم التربوية والتعليمية.
أسأل الله عز وجل أن يوفقني للعمل بما علمت وأن يعلمني ما جهلت إنه خير مأمول، وأكرم مسؤول، والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
وصلى الله وسلم على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
---
(1) محمد عبد الله السمان: التربية في القرآن ص 14.
(2) سورة الأنعام: آية 153.
(3) أنور الجندي: التربية وبناء الأجيال في ضوء الإسلام ص 212-213.
(4) محمد شديد: منهج القرآن في التربية ص 6.
(5) سورة الجمعة: آية 2، وانظر ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 4/363.
(6) سورة النمل: آية 60.
(7) أمينة أحمد حسن: نظرية التربية في القرآن ص 165.
(8) سورة البقرة آية (286) .
(9) سورة لقمان: آية 12.(38/459)
(1) أحمد الخطيب: إرشاد الساري في شرح أحاديث البخاري 7/288.
(2) الزمخشري: الكشاف 3/211، وكذلك القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/59.
(3) ابن كثير: البداية والنهاية 2/123.
(4) المر جع السابق: 2/123.
(5) النوبة: تطلق على الجزء الجنوبي من بلاد مصر , وهى جبل من السودان واحدها نوبي وبلاد النوبة من ذلك الجبل المعجم الوسيط ص 961.
(6) ابن كثير: المرجع السابق 2/124.
(7) المرجع السابق 2/124.
(8) ابن كثير: البداية والنهاية 2/ 124.
(9) المرجع السابق: 2/124.
(10) الزمخشري: الكشاف 3/211، وكذلك القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/60، وابن كثير: البداية والنهاية 2/124.
(11) القرطبي: الجامع أحكام القرآن 14/16-60، وكذلك أحمد بن حنبل: كتاب الزهد ص 49.
(12) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/59.
(13) القرطبي: المرجع السابق 14/60.
(14) الزمخشري: الكشاف 3/211.
(15) الطبري: جامع البيان عن تأويل آي القران 67/11.
(16) المرجع السابق.
(17) ابن كثير: البداية والنهاية 2/129.
(18) ابن كثير تفسير القرآن العظيم 3/443، وكذلك الزمخشري: الكشاف 3/211.
(19) سورة لقمان: الآيات 12- 19.
(20) سورة ق الآية 37.
(21) سورة التحريم: آية 6.
(22) البخاري: صحيح البخاري مع فتح الباري 3/219 كتاب الجنائز 23 باب إذا أسلم الصبي رقم الحديث 1358- 1359، ومسلم: صحيح مسلم 4/2047 كتاب القدر 46 باب كل 6 رقم الحديث 2658 واللفظ للبخاري.
(23) عباس محجوب: أصول الفكر التربوي في الإسلام ص 89 - 92.
(24) سورة البقرة: آية (285) .
(25) سورة البقرة: آية (177) .
(26) مسلم: صحيح مسلم بشرح النووي 1/259 كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإِسلام والإحسان (1) رقم الحديث (1) .
(27) سورة الكهف: آية (107) .
(28) سورة العصر: آية (1-3) .
(29) انظر عباس محجوب: أصول الفكر التربوي في الإسلام ص 89ـ 99.(38/460)
(1) أحمد بن حنبل: مسند أحمد 3/135.
(2) البخاري: صحيح البخاري على فتح الباري 9/252 كتاب النكاح (67) باب الوصاة بالنساء (80) رقم الحديث 5185.
(3) البخاري: صحيح البخاري على فتح الباري 12/58 كتاب الحدود (86) باب الزنا وشرب الخمر، وقال ابن عباس: ينزع منه نور الإيمان (1) رقم الحديث 6772.
(4) مسلم: صحيح مسلم بشرح النووي 2/375-376 كتاب الإيمان (1) باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يجب لأخيه المسلم (17) رقم الحديث 71
(5) عباس محجوب: أصول الفكر التربوي في الإسلام ص 91-92.
(6) النحلاوي: أصول التربة الإسلامية وأساليبها ص 80.
(7) سورة النساء: آية 36.
(8) سيد قطب: في ظلال القرآن 5/2788.
(9) المرجع السابق.
(10) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/63.
(11) المرجع السابق 14/64.
(12) سورة الإسراء: الآيتان (23- 24) .
(13) سيد قطب: في ظلال القرآن 4/ 221-222.
(14) عبد الرحمن الميداني: الأخلاق الإسلامية 2/22.
(15) سيد قطب: في ظلال القرآن 5/2788.
(16) صحيح البخاري على الفتح 10/413 كتاب الأدب (78) باب صلة المرأة أمها ولها زوج (8) رقم الحديث 5979.
(17) صحيح البخاري على الفتح 10/413 كتاب الأدب (78) باب صلة الوالد المشرك (7) رقم الحديث 5978.
(18) عبد الرحمن الميداني: الأخلاق الإسلامية 2/29.
(19) سورة لقمان: آية (16) .
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/66.
(20) سورة الأنعام: آية (59) .
(21) سورة فاطر: آية (11) .
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/67.
(22) سورة لقمان: آية (16) .
(23) سيد قطب: في ظلال القرآن 5/2789.
(24) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/67.
(25) البخاري: صحيح البخاري مع الفتح 1/9 كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي (1) الحديث رقم (1) .
(26) سنن النسائي 6/25 كتاب الجهاد، باب من غزا يلتمس الأجر والذكر، رقم الحديث3140.(38/461)
(1) محمد قطب: منهج التربية الإسلامية ا/68-69.
(2) سورة البينة: آية (5) .
(3) مسلم: صحيح مسلم بشرح النووي 2/272 كتاب الإيمان (1) ، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان (1) ، رقم الحديث (1) .
(4) عبد الله علوان: تربية الأولاد في الإسلام 2/159-160.
(5) المرجع السابق 2/161.
(6) سورة لقمان: آية (18) .
(7) الترمذي: الجامع الصحيح 5/12 كتاب الإيمان (41) باب ما جاء في حرمة الصلاة (8) رقم الحديث (2616) .
(8) المرجع السابق: 1/417 أبواب الصلاة، باب ما جاءكم فرض الله على عباده من الصلوات رقم الحديث (213) .
وانظر كذلك أحمد ابن حنبل: مسند الإمام أحمد 3/161.
(9) الترمذي: الجامع الصحيح 2/270 أبواب الصلاة، باب ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة (305) ، رقم الحديث (413) .
(10) سورة البقرة: الآيتان (238-239) .
(11) سورة المؤمنون: الآيتان (1-2) .
(12) عبد الفتاح عاشور: منهج القرآن في تربية المجتمع ص 193.
(13) سورة العنكبوت: آية (45) .
(14) عبد الفتاح عاشور: منهج القرآن في تربية المجتمع ص 194.
(15) سورة البقرة: آية (153) .
(16) سورة المعارج: الآيات (19-20-21-22-23) .
(17) البخاري: صحيح البخاري بشرح فتح الباري 2/11، كتاب مواقيت الصلاة (9) ، باب الصلوات الخمس كفارة (6) ، رقم الحديث (528) .
(18) مسلم: صحيح مسلم بشرح النووي 4/345،-كتاب الصلاة (4) باب وجوب قراءة الفاتحة ... (11) ، الحديث 38/395.
(19) البخاري: صحيح البخاري بشرح فتح الباري 2/182، كتاب الأذان (10) ، باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام 31 رقم الحديث (691) .
(20) سورة التوبة: آية (11) .
(21) علي حسن العريض: فتح الرحمن في تفسير سورتي الفاتحة ولقمان ص 92.
(22) سورة آل عمران: آية (110) .(38/462)
(1) مسلم: صحيح مسلم بشرح النووي 2/380، كتاب الإيمان (1) ، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (20) ، رقم الحديث 78/49.
(2) المرجع السابق: 2/384، رقم الحديث. 80/50.
(3) عبد الرحمن الميداني: الأخلاق الإسلامية 2/630-632.
(4) الترمذي: الجامع الصحيح 4/468، كتاب الفتن (34) ، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (9) ، رقم الحديث (2169) .
(5) سورة لقمان: آية 171.
سيد قطب: في ظلال القرآن 5/2790.
الفيروز آبادي: القاموس المحيط 541.
(6) عبد الرحمن الميداني: الأخلاق الإسلامية 2/293.
المرجع السابق.
(7) سورة الزمر: آية (10) .
(8) عبد الرحمن النحلاوي: أصول التربية الإسلامية ص 54-55.
(9) سورة المنافقون: آية (8) .
(10) عبد الرحمن النحلاوي: المرجع السابق ص 55-57.
(11) سيد قطب: في ظلال القرآن 5/2790.
(12) الفخر الرازي: التفسير الكبير 25/149.
(13) سورة لقمان: آية (18) .
(14) سورة لقمان: آية (19) .
(15) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 3/446.
(16) سيد قطب: في ظلال القرآن 5/2790.
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/70.
(17) مسلم: صحيح مسلم بشرح النووي 16/378، كتاب البر والصلة والآداب (45) ، باب استحباب العفو والتواضع (19) ، رقم الحديث 69/2588.
(18) مسلم: صحيح مسلم بشرح النووي 2/647، كتاب الإيمان (1) ، باب بيان غلظ تحريم ... (46) ، رقم الحديث 172/107.
الفيروز آبادي: القاموس المحيط 308.
(19) عبد الرحمن الميداني: الأخلاق الإسلامية وأسسها 1/676.
(20) المرجع السابق 1/678.
(21) سيد قطب: في ظلال القرآن 5/2790.
(22) سورة الإسراء: آية (29) .
(23) سورة البقرة: آية (143) .
حسن الشرقاوي: نحو تربية إسلامية ص 130- 131.
(24) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/71.
سورة لقمان: آية (19) .
(25) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/71.
(26) سيد قطب: في ظلال القرآن 5/2790.(38/463)
(1) المرجع السابق.
(2) الملاحاة: الملاومة والمباغضة. البخاري: صحيح البخاري بشرح فتح الباري 6/350، كتاب الخلق (59) ، باب خير مال المسلم (15) ، رقم الحديث (3303) .
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/72.
(3) عبد الرحمن السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 6/79.
المرجع السابق 6/ 79-80.
سورة الذاريات: آية (56) .
(4) عبد الرزاق العباد: الشيخ بن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة ص 64.
سورة الذاريات: آية (56) .
سورة الأنبياء: آية (25) .
(5) انظر حديث جبريل عليه السلام ص 18.
(6) سورة لقمان: آية (13) .
(7) سورة لقمان: آية (13) .
(8) حسن الشرقاوي: نحو تربية إسلامية ص 87-88.
(9) المرجع السابق.
(10) الماوردي: أدب الدنيا والدين ص 9.
(11) حسن الشرقاوي: نحو تربية إسلامية ص 92.
(12) المرجع السابق: ص 93.
(13) لمزيد من التفصيل في هذا الموضوع انظر النحلاوي: أصول التربية الإسلامية ص 77-104.
(14) كلابيب: جمع كلوب وهي حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم وترسل في التنور.
(15) السعدان: من أفضل مراعي الإبل وشوكه مستدير يشبه حلمة الثدي. انظر الجوهري: 1/485 مادة (سعد) .
(16) مسلم: صحيح مسلم 1/165، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية (81) ، رقم الحديث (182) .
(17) سورة لقمان: آية (16) .
(18) الترمذي: 4/677، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، رقم الحديث (51) وقال: هذا حديث حسن صحيح واللفظ له. وأحمد: مسند الإمام أحمد 1/293-303-307.
سعيد إسماعيل علي: أهداف المدارس الإسلامية ص 99.
(19) عبد الله علوان: تربية الأولاد في الإسلام 1/155.
سورة الرحمن: الآيتان (26-27) .
(20) سورة الذاريات: آية (56) .
(21) سورة النحل: آية (36) .
(22) ابن تيمية: العبودية ص 23، وانظر سليمان بن عبد الوهاب: تيسير العزيز الحميد ص 45-46.
(23) محمد قطب: منهج التربية الإسلامية 1/38.(38/464)
(1) عبد الرحمن النحلاوي: أصول التربية الإسلامية ص 57.
المرجع السابق: ص 59.
(2) سورة البقرة: آية (45) .
(3) النسائي: سنن النسائي بشرح الحافظ السيوطي وحاشية السندي 1/231-232، كتاب الصلاة (5) ، باب الحكم في تارك الصلاة (8) ، رقم الحديث (463) .
(4) البخاري: صحيح البخاري على فتح الباري 1/513، كتاب الصلاة (8) ، باب إذا بدره البزاق. (39) ، رقم الحديث (417) .
(5) العنكبوت: (45) .
(6) أحمد بن حنبل: مسند الإمام أحمد 6/159.
(7) سورة لقمان: آية (17) .
(8) سورة النحل: آية (96) .
(9) سورة الزمر: آية (10) .
عبد الله علوان: تربية الأولاد في الإسلام 1/149.
(10) ابن حجر: فتح الباري 10/400.
انظر ذلك بالتفصيل ص 20-24 من هذه الدراسة.
(11) سورة لقمان آية (18) .
(12) ابن ماجه: سنن ابن ماجه 2/1397، كتاب الزهد، باب البراءة من الكبر، رقم الحديث (4174) .
(13) سورة الأعراف: آية (146) .
(14) انظر تخريج الحديث ص 38.
(15) مسلم: صحيح مسلم بشرح النووي 17/205، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، رقم الحديث 64/2865.
(16) البخاري: صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق 40/142.
(17) ابن حجر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 10/490.
(18) حسن أيوب: السلوك الاجتماعي في الإسلام ص 432.
(19) الجزائري: أيسر التفاسير 3/289.
(20) سورة لقمان: آية (63) .
(21) سورة لقمان: آية (19)
(22) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/71.
(23) سيد قطب: في ظلال القرآن 5/2790.
(24) إياكم: أحذركم.
(25) بد: غنى عنه.
(26) المجالس: الجلوس في تلك المجالس.
(27) حقها: ما يليق بها من آداب.
(28) غض البصر: خفض النظر عمن يمر في الطريق من النساء وغيرهن مما يثير الفتنة.
(29) كف الأذى: عدم التعرض لأحد بقول أو فعل يتأذى منه.(38/465)
(1) البخاري: صحيح البخاري، ترتيب مصطفى البغا 2/870، باب أفنية الدور والجلوس فيها والجلوس على الصّعدات، رقم الحديث (2333) .
ثكلتك أمك أي فقدتك. ويريد إذا كنت هكذا فالموت خير لك لئلا تزداد سوءا. ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث 1/ 217.
(2) يكب: كب لوجهه، وعلى وجهه كَبا أي قلبه وألقاه. المعجم الوسيط ص771. ويكون المعنى هنا يقلبهم.
(3) حصائد ألسنتهم: أي ما يقتطعونه من الكلام الذي لا خير فيه. ابن الأثير: مرجع سابق 1/394.
(4) الترمذي: سنن الترمذي 5/12، كتاب الإيمان، باب ما جاء في مرحة الصلاة، رقم الحديث (2616)
(5) ما يتبين فيها: لا يتدبرها ولا يتفكر في قبحها وما يترتب عليها.
(6) يزل بها في النار: ينزلق بسببها ويقرب من دخول النار.
(7) أبعد مما ... : كناية عن عظمها ووسعها.
(8) البخاري: صحيح البخاري، ترتيب مصطفى البغا 5/3377، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان، رقم الحديث (6112) .
(9) من رضوان الله: مما يرضى الله تعالى.
(10) لا يلقى لها بالا: لا يبالي بها ولا يلتفت إلى معناها خاطره ولا يعتد بها ولا يعيها بقلبه.
(11) سخط الله: مما يغضبه ولا يرضاه.
(12) يهوى بها: يسقط بسببها.
(13) البخاري: صحيح البخاري، ترتيب مصطفى البغا 5/2377، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان، رقم الحديث (6113) .
الماوردي. أدب الدنيا والدين ص 237.
(14) المرجع السابق: ص 245.
(15) سورة لقمان. آية (19) .
(16) البخاري: صحيح البخاري 4/98، كتاب بدء الخلق، باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال.
(17) ابن حجر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري.1/458.
(18) البخاري: الأدب المفرد، رقم الحديث (297) .
(19) ابن حجر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 10/459.(38/466)
العدد 107
فهرس المحتويات
1- مقدمة العدد
2- الإلحاد والظلم في المسجد الحرام بين الإرادة والتنفيذ
... تابع لإلحاد والظلم في المسجد الحرام بين الإرادة والتنفيذ
الدكتور: محمد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود
3- تأمُّلات: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
4- موجز تاريخ اليهود والرد على بعض مزاعمهم الباطلة
... تابع لموجز تاريخ اليهود والرد على بعض مزاعمهم الباطلة
د. محمود عبد الرحمن قدح
5- من ذخائر ابن مالك في اللغة مسألة من كلام الإمام ابن مالك في الاشتقاق: الدكتور: محمد المهدي عبد الحي عمار
6- موت الألفاظ في العربية
... تابع لموت الألفاظ في العربية (1)
... تابع لموت الألفاظ في العربية (2)
... تابع لموت الألفاظ في العربية (3)
للدكتور عبد الرزاق بن فراج الصاعدي
7- المنصوب على التقريب: د/ إبراهيم بن سليمان البعيمي
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م(38/467)
مقدمة العدد
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الصادق الأمين، أرسله الله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، عبد لا يُعْبَدُ، ورسول لا يُكَذَّبُ، بل يُطاع ويُتَّبعُ، ولا يعبد الله إلا بما شرع، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:(38/468)
فيسرني أن أقدم لهذا الإصدار الجديد من مجلة الجامعة الإسلامية، وقد حوى العديد من المواد العلمية القيمة، لنخبة من أعضاء هيئة التدريس، جاءت فنونها متنوعة، في التفسير بالمأثور، والإلحاد والظلم في المسجد الحرام، بين الإرادة والتنفيذ، وتأملات في مماثلة المؤمن للنخلة، وتاريخ اليهود والرد على بعض مزاعمهم الباطلة، وفي اللغة العربية، كلها علوم نافعة، ولله الحمد، تتمشى مع سمة المجلة وهي مجلة علمية محكمة، تتفق مع منطلقها، حين وضعت في المنطلق الصحيح، من المجلس العلمي، الذي يشرف على الشؤون العلمية لأعضاء هيئة التدريس، وشؤون البحث العلمي والدراسات والنشر، تحقيقا لهوية الجامعة الإسلامية، التي هي مؤسسة علمية وثقافية، تعمل على هدي من الشريعة الإسلامية، وتقوم بتوفير التعليم الجامعي، والدراسات العليا، والنهوض بالبحث العلمي، والقيام بالتأليف والترجمة والنشر، وخدمة المجتمع في نطاق اختصاصها، بالإضافة إلى ما تتميز به الجامعة الإسلامية، في مقرها الرئيسي، في المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة، وأزكى التحية، وما تتميز به من عالميتها، وما تحتويه من المنح الدراسية، لأبناء ما يزيد على مائة وأربعين جنسية، من أبناء العالم الإسلامي، التي توفرها حكومة خادم الحرمين الشريفين، من منطلق اهتمامه حفظه الله، واهتمام حكومته، بشؤون المسلمين، وقضاياهم، وهو اهتمام يمليه دين الإسلام، فإن الإسلام هو الدين عند الله، كما قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19] . ولا يقبل الله من أحد دينا غيره، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] . وهو الهدى، ودين الحق، الذي أرسل الله به رسوله، خاتم الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام، وهو: محمد صلى الله عليه وسلم بن عبد الله ابن عبد المطلب، من(38/469)
العرب، من ذرية إسماعيل بن إبراهيم، عليهما الصلاة والسلام، مكة مولده، والمدينة مهاجره. ختم الله به الأنبياء والرسل، كما قال تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] . فليس بعده صلى الله عليه وسلم نبي ولا رسول إلى قيام الساعة. أرسله الله رحمة للعالمين، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] . والحاجة إلى رسالته فوق كل حاجة، والضرورة إليها فوق كل ضرورة، إذ لا حياة للقلوب، ولا نعيم ولا سعادة، ولا أمن ولا طمأنينة، إلا باتباعها، قال الله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 123-124] . قال ابن عباس: "تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه، أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، ثم قرأ هذه الآية" [1] . وإلى ذلك كانت دعوته صلى الله عليه وسلم، ودعوة من اتبعه إلى يوم القيامة، كما أمره الله عز وجل، بقوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] . فأتباعه صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى الله تعالى، وهم أهل البصيرة، ومن لم يكن من أتباعه فليس من أهل البصيرة، ولا من الدعاة إلى الله وإن زعم ذلك، وحيث تكفل الله بحفظ دينه إلى قيام الساعة، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] . أقام الله لهذه الأمة من يحفظ بهم أصول الدين، كلما مضى جيل خلفه جيل بعده، كما أخبر الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس، حتى(38/470)
يقاتل آخرهم المسيح الدجال"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم [2] .
وممن وفقه الله للقيام بهذا الأمر، ولله الحمد والمنة، الإمام محمد بن سعود -رحمه الله - حين نصر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى التوحيد، وكذلك من ورثهم ممن بعدهم، قاموا بهذا الأمر خير قيام.
ولقد كان الأمر جليا لدى الملك عبد العزيز رحمه الله، حيث يقول: "يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا بالوهابي، باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش، نشأ عن الدعايات الكاذبة، التي كان يبثها أهل الأغراض، نحن لسنا أصحاب مذهب جديد، وعقيدة جديدة، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح، ونحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق عندنا بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا، هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يدعوا إليها، وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل خالصة من كل شائبة، منزهة عن كل بدعة، فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن وأوصاب". إلى أن قال رحمه الله: "إن المسلمين متفرقون اليوم طرائق، بسبب إهمالهم العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن خطل الرأي الذهاب إلى أن الأجانب هم سبب هذه التفرقة وهذه المصائب،.. إن سبب بلايانا من أنفسنا لا من الأجانب، يأتي أجنبي إلى بلد ما، فيه مئات الألوف بل الملايين من المسلمين، فيعمل عمله بمفرده، فهل يعقل أن فردا في مقدوره أن يؤثر على ملايين من الناس، إذا لم يكن له من هذه الملايين أعوان، يساعدونه ويمدونه بآرائهم وأعمالهم؟.. كلا ثم كلا.. فهؤلاء الأعوان هم سبب بليتنا ومصيبتنا.. أجل إن هؤلاء الأعوان هم أعداء الله وأعداء أنفسهم، إذا فاللوم واقع على المسلمين وحدهم لا على الأجانب.. إن البناء المتين لا يؤثر فيه شيء، مهما حاول الهدامون هدمه، إذا لم تحدث فيه ثغرة تدخل فيها المعاول، وكذلك المسلمون، لو(38/471)
كانوا متحدين متفقين لما كان في مقدور أحد خرق صفوفهم وتمزيق كلمتهم.." [3] .
ولقد صدق عبد العزيز رحمه الله، واستخدم سلطانه في التمكين للإسلام، ورفع رايته، وتطبيق شريعته، في بلاده، فمكن الله له، وفتح عليه، وأبقى ملكه فيه، وفي أبنائه من بعده، بل أعاد لكل سعودي اعتباره، وحفظ به في سلطانه على المسلمين معالم دينهم، وأقام به مناسكهم، وبمملكته نواة وحدتهم، وجمع به فئة جماعتهم، ولازال أبناؤه من بعده على نهجه وسننه، ولا يزالون على ذلك إن شاء الله تعالى، قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 41] .(38/472)
ونذكر خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله تعالى، فنذكر مفخرة المسلمين في عمارة الحرمين الشريفين، والمشاعر المقدسة، والعناية بالمساجد، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والاهتمام بأمر المسلمين، وخدمة قضاياهم. وما الجامعة الاسلامية، في المدينة المنورة، إلا إحدى المآثر الخالدة، في نشر الاسلام والتمكين له، من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم المنورة، توفر حكومة خادم الحرمين الشريفين من خلالها آلاف المنح الدراسية، لأبناء المسلمين، من مختلف الدول والجنسيات، وتضم كليات: للشريعة، واللغة، والقرآن، والحديث، والدعوة وأصول الدين، وداري الحديث بمكة والمدينة، ومعاهد متوسطة وثانوية، وشعبة لتعليم اللغة لغير الناطقين بها، وعمادات: خدمة المجتمع، وشؤون الطلاب، وشؤون القبول والتسجيل، وشؤون المكتبات، والدراسات العليا، والبحث العلمي، وتعنى في مطابعها، بطبع البحوث والرسائل العلمية، وكتب التراث الإسلامي، وغيرها من مطبوعات نافعة، وها هي تصدر هذا العدد (107) من مجلتها العلمية المحكمة، التي أشارك فيها بهذا التقديم، سائلا الله العلي القدير، أن تحقق جامعتنا الأهداف النبيلة، التي أنشئت من أجلها، في العلم النافع، والعمل الصالح، هذا واستغفر الله وأتوب إليه وأصلي وأسلم على رسوله محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
مدير الجامعة الإسلامية
د. صالح بن عبد الله العبود
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أخرجه الحاكم في المستدرك 2/381، وصححه، ووافقه الذهبي.
[2] انظر: صحيح البخاري 3640، وصحيح مسلم 1920، وغيرهما من دواوين السنة.
[3] انظر: الملك الراشد، ص 369-371، المصحف والسيف، ط4، ص55،56.(38/473)
تابع لموت الألفاظ في العربية
الباب الرابع
إحياء الممات
الفصل الأول: الحاجة إلى إحياء الممات.
الفصل الثاني: موقف العلماء من إحياء الممات.
الفصل الثالث: دور مجامع اللغة العربية في إحياء الممات.
الفصل الأول
الحاجة إلى إحياء الممات
اللغة ألفاظ معدودة يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، والأغراض تتجدد والمعاني تتولّد، والحضارة تقذف كلّ يوم بمخترع، والعلوم تطالب كل حين بمصطلح جديد، والألفاظ محدودة، والمعاني لا تنتهي واللغة التي لا تستوعب حاجات أهلها ولا تساير ركب الحياة تضمحل ثم تموت.
وللغات الحية وسائل تنمو بها، وطرائق تجدد بها شبابها، وللعربية وسائلها وطرائقها التي تنمو بها وتتجدد، ومن أبرز هذه الوسائل [1] :
1- القياس.
2- الاشتقاق.
3- الوضع والارتجال.
4- النحت.
5- القلب والإبدال.
6- نقل الدلالة.
7- التعريب.
8- إحياء الممات.
وهذا الأخير لم أجد من ذكره في وسائل تنمية اللغة، وهو في رأيي المتواضع أحدها، وإن لم يكن أهمها، ويمكن اللجوء إليه والاستفادة منه عند الحاجة، وبخاصة إذا أردنا أن نحافظ على نقاء اللغة ونحد من ظاهرة الاقتراض في العربية بشقيها المعرب والدخيل.
ويطيب لي أن أقول من خلال هذا البحث أن للمات دوراً في تنمية اللغة العربية يتمثل في إمدادها بألفاظ من مخزونه الثري، فلربما ماتت الكلمة واختفت زمناً طويلاً ثم بعثت من جديد لتستخدم في معناها القديم، أو في معنى جديد، كإحياء الكلمات الميتة للتعبير عن المصطلحات العلمية الجديدة، ولهذا يقول علماء اللغة المعاصرون: إنه من الخطأ أن نقول: (إن كلمة ما قد ماتت؛ إذ إنّ هناك دائماً احتمال عودتها للحياة، ولو كان ذلك بعد قرون عديدة من الهجوع والاختفاء من الاستعمال [2] .(38/474)
وممّا أعيد استعماله من الممات "الإتاوة"بمعنى الجزية والخراج، فقد دَبَّتْ في هذه الكلمة الحياة من جديد، فذكرتها المعاجم المعاصرة الّتي تعنى بالمفردات الحية [3] ، وقد نصّ علماء اللّغة القدامى على إماتتها، وأنّها من ألفاظ الجاهلية [4] .
وذكر ابن دريد أنّ (الغوث) من غاث غوثاً أميت مع فعله، واستعمل منه أغاثه يُغيثه إغاثة [5] . وقد أحيا المعاصرون هذا الفعل الثلاثيّ الممات، واستعملوا منه قولهم: "غوث اللاجئين"وهو من تعبيراتهم المشهورة.
وأحيت العامّة في جزيرة العرب فعلاً مماتاً، وهو (قَلَطَ) فقالوا في ترحيبهم بالضّيف: اقْلُطْ؛ أي: تفضلْ بالدّخول، وصرَفوه في كافَة أزمنة الفعل واشتقّوا منه اسم الفاعل. وقد ذكر ابن دريد أنّ الفعل (قَلَط) ممّا أميت من الأفعال [6] ، ولهذا لم يرد له ذكر في معاجم اللّغة؛ كـ (العين) ، و (الأفعال) للسّرقسطيّ، و (الأفعال) لابن القوطيّة، و (الأفعال) لابن القطّاع، و (اللّسان) و (القاموس) و (التّاج) .
وإذا أمكن إحياء لفظ مهجور لمعنى مستجد مع وجود لفظ مولّد يمكن أن يؤدّي الغرض فإنّ إحياء القديم خير من استعمال المولّد، بشرط أن يكون ممّا يستساغ لفظه ويقبل تركيبه.
وذهب بعض المعاصرين إلى خلاف ذلك فرأى أنّ استعمال اللّفظ المولّد خير من إحياء اللّفظ الميّت واستبقاء المولود الجديد أولى من إحياء الميّت القديم [7] .
وإحياء الممات خير من استعمال المهمل؛ لأنّ المهمل لم تأتلف حروفه من أصل الوضع اللّغوي لعلل صوتيّة في الكثير الغالب، كما يظهر ذلك من تأمّل المهمل في معاجم التقليبات، وأمّا الممات فإنّه ممّا ائتلفت حروفه وساء حينا ثمّ باد لعلل دلاليّة في الكثير الغالب، والدّلالة دائمة التّغير والدّوران.(38/475)
ويتّصل بإحياء الممات واستعماله الاشتقاق منه دون إحيائه، وهذا عنصر فعال في تنمية اللّغة، وقد أكثر العرب قديماً من الاشتقاق من ألفاظ مماته نصّ عليها بعض المعجميّن، فمن ذلك اشتقاقهم (العَدَوليَة) وهو ضرب من السّفن منسوب إلى لفظ ممات، وهو (عَدَوْلاه) [8] .
واشتقّت العرب من (كَهَفَ) وهو فعل ممات قولهم: كَنْهَفَ عنَا، إذا تنحّى [9] .
واشتقوا من (هَرَلَ) هَرْوَلَ هرولة [10] .
وقال اللغويّيون: إنّ اسم هذيل مشتقّ من فعل ممات، وهو (هَذَلَ) [11] .
واشتقّت العرب (العذيوط) من فعل ممات، وهو (عَذَطَ) [12] .
ومثل هذا كثير، أوردنا منه قدراً صالحاً من الأمثلة في الباب الثاني من هذا البحث وهو يدل دلالة لا لبس فيها على أنه يجوز الاشتقاق من الممات.
ويمكن - من جانب آخر - أن يعد الممات عند موته عاملاً من عوامل نمو اللغة "فكل تجديد أو نمو في جانب يقابل بنوع من الخسائر في الجانب الآخر، واللغة في هذا تشبه الكائن الحيّ" [13] الذي تتجدد خلاياه مع مرور الزمن، فليس في اللغة كسب دائم من النمو يوفر لها ثراء لا يتناهى، وليس فيها جمود وثبات مطلق، فهي تحاول دائماً أن تصل إلى نوع من التوازن الدقيق، فكما "تقترض ألفاظاً من اللغات الأخرى لتسعف حاجات المتكلمين بها نراها تستغني عن ألفاظ أخرى تختفي من الاستعمال" [14] .
والممات بهذا المعنى يؤدي دورة في نمو اللغة، ويسهم مع سائر العوامل الأخرى في بقاء اللغة قوية قادرة على مواجهة مستجدات الحياة الفكرية والمادية، فشأنه في هذا شأن الخلية الميتة في جسم الإنسان التي تفسح بموتها المجال للخلية الجديدة الشابة ليبقى الجسم قوياً قادراً علىالحياة.
وبالجملة فإنّ الممات عامل مهمّ من عوامل نموّ اللّغة، في إماتته وفي إحيائه، ففي إماتته إفساح المجال لتنمية اللّغة وتجديدها، وفي إحيائه حقن للّغة بألفاظ أصيلة مألوفة للّغة ومقاييسها.(38/476)
الفصل الثاني
موقف العلماء من إحياء الممات
لعلماء العربيّة موقفان متضادّان في إحياء الممات وهم في ذلك فريقان: فريق لا يجيز إحياء الممات، وفريق يجيزه.
وممّن لا يجيزون إحياء الممات (ثعلب) فهو يَعُدُّ ماضي وَذَرَ ووَدَعَ من غير الفصيح، ولا يجوز الكلام بهما [15] .
ومنهم الفارابيّ إذ نقل عنه الفيّوميّ أنّه قال: "والعرب قد تميت الشيء حتّى يكون، مهملاً فلا يجوز أن ينطق به" [16] وهذا نصّ صريح الدّلالة.
ولا يجيز أبو عليّ الفارسيّ استعمال ما أميت من (يَدَعُ) و (يَذَرُ) لأنّ العرب رفضت ذلك واستغنت عنه [17] ، وعلى هذا يمكن أن يقال: إنّه يمنع إحياء الممات، قياساً على منعه إحياء ماضي يَدَعُ ويَذَرُ.
ويوافقه في ذلك تلميذه ابن جنّي في كلامه في باب القول على الاطّراد والشّذوذ، يقول: "فإن كان الشّيء شاذّاً في السّماع مطّرداً في القياس تحاميت ما تحامت العرب من ذلك، وجريت في نظيره على الواجب في أمثاله.
من ذلك امتناعك من: وَذَرَ ووَدَعَ؛ لأنّهم لم يقولوهما ولا غرو عليك أن تستعمل نظيرهما نحو وَزَنَ ووَعَدَ، لو لم تسمعهما، فأمّا قول أبي الأسود:
لَيتَ شِعْرِي عَن خَلِيلِي مَا الَّذِي
غَالَهُ في الحُبِّ حَتَّى وَدَعَه
فشاذّ، وكذلك قراءة بعضهم: "ما وَدَعَك رَبُّكَ وما قَلَى" [18] .
وأشار إلى ذلك السّيوطيّ في "المزهر" [19] .(38/477)
وأمّا الفريق الثّاني فإنّه يجيز إحياء الممات واستعماله لدوره المهم في تنمية اللغة وإثرائها، ومن أقدم من قال ابن درستويه في رده على ثعلب الّذي يمنع استعمال الماضي والمصدر من وَذَرَ ووَدَعَ، قال ابن درستويه: "واستعمال ما أهملوا [20] جائز صواب وهو الأصل وقد جاء في الشّعر منه قول أبي الأسود ... وقَرَأتَ القرّاء ... واستعمال ما لم يستعمله العرب م ن ذلك [21] غ ير خطأ، بل هو في القياس الوجه، وهو في الشّعر أحسن منه في الكلام، لقلّة اعتياده؛ لأنّ الشّعر - أيضاً- أقلّ استعمالاً من الكلام" [22] .
ويدلّ هذا الرّأي الجريء من ابن درستويه على فهم دقيق مبكّر لدور الممات، وأهميّته في اللّغة ونموّها.
ويبدو لي أنّ كثيراً من علماء العربيّة المتقدّمين يوافقون على هذا الرّأي وإن لم يصرّحوا به، وإنّما يفهم من موقفهم من ماضي (يَدَعُ) فهم يحكمون بأنّه من الممات، مع أنّهم ذكروا بعض الشّواهد على استعماله، من دون أن يخطّئوا صاحبه، أو يضعّفوا قوله، وذكروا بعض القراءات وهم يرون الاحتجاج بالقراءات الشّاذّة في اللغة، وليس لذلك تفسير عندي سوى الإقرار منهم بأنّ الفعل المَيّت قد يظهر في الاستعمال على قلة إذا دعت الحاجة إليه في شعر أو غيره، فيكون من باب إحياء الممات.
وقد حمل الأستاذ سعيد الأفغاني على علماء العربيّة القدامي وسفّه قولهم بإماتة هذا الفعل، وقال: "والطّريف أنّ بعض المحقّقين ممّن تأخر زمانه عن أولئك صحّح خطّأهم فأثبت صاحب المصابح هذه اللّغة الفصيحة في معجمة واستنكر ادّعاءهم الإماتة ...
وبذلك ترى تسرّب الوهن إلى بعض أحكامهم إذ كانت خطّتهم ينقصها الإحكام في المنهج والكفاية في الاستقراء معاً، وكان عليهم قبل إرسالها استيعاب قراءات القرآن على الأقلّ والاحتجاج بها" [23] .(38/478)
ولو تدبّر الأستاذ الأفغاني -رحمه الله - في ذلك وتأمّل طريقة علمائنا في تناول هذا الفعل المتمثلة في الجمع بين قولهم بإماتته وروايتهم قدراً من الشّواهد على استعماله لربّما توصّل إلى مثل ما توصّلت إليه، وتجنب اتهامهم -رحمهم الله- بالخلل في المنهج وعدم الكفاية في الاستقراء.
ويبدو أنّ في صنيع أصحاب المعاجم دلالة قويّة على أهميّة الممات، وأعنى بذلك احتفاظهم بالممات في بطون المعاجم الكبيرة المتأخّرة، كـ (التكملة) و (العباب) و (اللسان) و (القاموس) و (التاج) ولعلّ ذلك إرهاص لإحيائه عند الحاجة، وفي هذا كانت المزية للعربيّة، إذ لا تحتفظ سائر اللّغات إلا بالمستعمل، وهو مهدّد بالموت، ومعرّض لقوانين التّطور اللّغويّ والتّعبير الصّوتيّ، فإذا أميت بالترك لم يكن في طبائعها ما تعوض به المتروك الجديد بمتروك قديم، فتضطرّ إلى الاستجداء من لغات أخرى [24] ، فقد تصاب بالتّخمة والتّسمم لكثرة ما في أحشائها من الدّخيل.
ولقد ظهرت دعوات في الأوساط اللّغويّة العربيّة المعاصرة للاستفادة من الممات وإحيائه بطريقة منظّمة، تتمشّى مع خطّة معيّنة، تمليها السّياسة اللّغويّة، وتهدف إلى التخلّص من الكلمات الأجنبية أو إلى سدّ النقص الملحوظ في الاستعمال، الّذي لا يمكن معالجته بالطّرق المألوفة، وقد شاع هذا الاتجاه في لغات أجنبيّة في القرن الثامن عشر، كاللغة الألمانية، عند ما جاهد دعاة المحافظة على اللغة وقواعدها في سبيل التّخلّص من الكلمات الفرنسيّة الدّخلية [25] .(38/479)
أمّا في العربيّة فقد أحيا الأدباء والعلماء في العصور الحديثة كثيراً من الألفاظ القديمة للحاجة إلى معانيها، وتبعاً للمخترعات الصناعيّة الّتي تستلزم بعض المصطلحات، ومن هنا وجدناهم يعيدون إلى اللّغة شيئاً من الألفاظ المهجورة "فكثيراً ما يلجؤون إلى ذلك للتّعبير عن معان لا يجدون في المفردات المستعملة ما يعبّر عنها تعبيراً دقيقاً، أو لمجرد الرّغبة في استخدام كلمات غريبة، أو في التّرفع عن المفردات الّتي لاكتها الألسنة كثيراً، وبكثرة الاستعمال تبعث هذه المفردات خلقاً جديداً، ويزول ما فيها من غرابة، وتندمج في المتداول المألوف، ولا يخفى ما لذلك من أثر في نهضة لغة الكتابة واتّساع متنها وزيادة قدرتها على التّعبير" [26] .
وعلى الرغم من ذلك فثمة فريق من علماء العربية المعاصرين يميل إلى تجديد اللغة وتنميتها عن طريق الوسائل المشهورة كالاشتقاق والارتجال والمجاز والنحت والتعريب، ويدعو إلى ترك الغريب والحوشي والمهجور والممات وتفريغ المعاجم اللغوية مما تحويه من ذلك [27] .
ومن أظهر من يمثل هذا الرأي المعلم الخوري بطرس البستاني الذي عدّ اشتمال المعاجم العربية على الغريب والحوشي والمهجور والممات عيباً من عيوبها وشائبة ينبغي تخليص المعاجم منها لمكان ذلك من الغرابة أو لتوغله في الحوشية والوحشية أو لهجره، وهو يرى أن دفنه خير من بقائه ويشبه بقاءه بالدُّمَّل في جسم اللغة البهي [28] .
ويتألم هذا الباحث ويتحسر لاتجاه اللغويين والمعجمين إلى الإبقاء على هذا النوع من الألفاظ في معاجم العربية، ويقول: "ومما هو جدير بالأسف أنه بات من الراسخ في وهمنا أن تلك الألفاظ المستكرهة لا بد من إثباتها في معاجمنا، وإلا اجترحنا أفظع جريرة في حق لغتنا، وأفقدناها كنزاً ثميناً لا يعوض ولا نعلم متى تسقط هذه الكلمات المنبوذة من معاجمنا" [29] .(38/480)
وهذه نظرة غير موفقة لهذا النوع من الألفاظ التي يمكن الاستفادة منها بإحيائها في معناها أو بإلباسها معنى جديداً كما استفادت بعض اللغات الحية من ممات اللاتينية القديم.
الفصل الثالث
دور مجامع اللغة العربية في إحياء الممات
تنطلق مجامع اللغة العربية في عنايتها باللغة وحرصها على نقائها وإثرائها بما يضمن لها النماء والحيوية ومسايرة مستجدات العصر من نظرتين متوازيتين:
إحداهما: الحفاظ على التراث اللغوي للعربية، وتقريب بعيدة، وتيسير غريبة، وإحياء مماتة.
ثانيهما: الاقتراض والترجمة.
ولهذه المجامع نشاط ملحوظ في إحياء الممات يتلخص في التشجيع على الاستفادة من ممات العربية فيما استجدّ من المعاني والمصطلحات، وإحياء ما يلائم روح العصر منه، والحدّ من تسرّب الدخيل المعاصر إلى اللغة، ليكون الممات أحد الوسائل النافعة التي تمدّ العربية بكلمات جديدة تدعو إليها الحاجة ومقتضيات العصر.
ولكن المجامع اللغوية التي تكاثر فيها الأعضاء المجددون اتجهت بتأثير منهم نحو اعتماد آراء أكثر جرأة في التجديد والانفتاح على اللغات الحية عن طريق التعريب والترجمة، فانعكس ذلك سلباً على نشاط المجامع في إحياء الممات أو العودة إلى الغريب والحوشي والمهجور.
ومن هذا المنطلق تعالت الأصوات الداعية إلى ترك الممات وإهمال المهجور والألفاظ الحوشية الجافية بحجة عدم الحاجة إليها أو قلة الفائدة منها.
ومن هؤلاء علي الجارم الذي ذكر أنه وجد بمجلة المجمع القاهرة ألفاظاً قديمة غير مستعلمة، وقد اعتمدت للتعبير عن أشياء جديدة تختلف معانيها عن معانيها القديمة، وهو لا يستسيغ هذه الطريقة [30] .
وقدم الأستاذ أحمد أمين اقتراحاً يقضي بالتخفف من كثير من مفردات اللغة، وهو يرى "أن أولى الكلمات بالإعدام هي تلك الكلمات الحوشية فلا بد من استبعادها وعدم إدخالها في المعاجم الجديدة" [31] .(38/481)
وعلق عليه الدكتور إبراهيم أنيس مؤيداً تخليص اللغة من الألفاظ الحوشية والمهجورة [32] وأدى هذا الاقتراح للأستاذ أحمد أمين إلى صدور قرار لمجمع اللغة بالقاهرة في الدورة الثلاثين سنة 1964م وفيما يلي نص القرار:
"من الواجب أن يكون من المعاجم ما يتضمن كل كلمات اللغة، أما وصف بعض الألفاظ بأنها حوشية فذلك اعتبار بلاغي لا لغوي، ولا يستبعد اللفظ من المعاجم بأنه حوشي" [33] .
وبهذا رد المجمع الاعتبار للألفاظ القديمة وفتح الباب للإفادة منها في المصطلحات العلمية الجديدة، فأصبحت القاعدة تنص على تفضيل المصطلحات العربية القديمة على المصطلحات المستحدثة شريطة ألا تكون المصطلحات المستحدثة شائعة في الاستعمال، وأن تكون المصطلحات القديمة معبرة عن المقصود تعبيراً دقيقاً [34] .
وكان لتدخل الشيخين حسين والي وأحمد الإسكندري [35] أثر ظاهر في ترجيح كفة المحافظين الداعين إلى الاستعانة بالتراث اللغوي القديم بجميع أوجهه، ومنها الغريب والحوشي والمهجور والممات.
وكان الاتجاه اللغوي في باقي مجامع اللغة العربية مشابهاً لما يدور في أروقة مجمع القاهرة فثمة تياران يتنازعان في مجمع دمشق أحدهما محافظ والآخر مجدد، يدعو أولهما إلى إحياء التراث اللغوي، والتحفظ على ظاهرة الاقتراض اللغوي، فثمة باحثون في ذلك المجمع سعوا إلى استثمار رصيد العربية اللغوي استثماراً إيجابياً [36] .(38/482)
ومهما يكن من أمر فإن مجامع اللغة - في الجملة - تنظر إلى تراث العربية القديم بما فيه من حوشي ومهجور وممات نظرة احترام وتقدير، وتدعو إلى استثمار ذلك الرصيد الوافر لتنمية اللغة والاستعانة به في المصطلحات شريطة أن يعالج من قبل لغويين متخصصين، لا يتقيدون بالمعنى القديم لتلك الألفاظ، فقد يعمدون إلى نزع دلالي كامل يطبق على بعض تلك الألفاظ المماتة مثلما فعل العلماء الأوربيون الذين هجموا على الممات في اللاتينية واشتقوا منه كثيراً من مصطلحاتهم [37] بعد تحوير المعنى اللغوي القديم، وتضمينها المعنى العلمي الجديد.
ويبدو هذا الرجوع إلى القديم واضحاً عند محمود تيمور الذي استعلمه كثيراً في (معجم الحضارة) الذي تتميز مصطلحاته بقدمها ومحافظتها [38] .
ومن المصطلحات القديمة أو المهجورة أو المماتة التي أحياها بعض المعاصرين ووضعها لما يقابلها من المصطلحات الأجنبية: "زُلَّخة" [39] للتعبير عن (LUMBAGO) أحياها عبد الفتاح الصعيدي في بحثه (مصطلحات العلوم) [40] .
ومما أحياه بعض العلماء: (الوشيعة) [41] لـ: (LE GRILLAGE)
و (المَثْعَب) [42] لـ: (LE SIPHON)
و (السَّحْسَاح) [43] لـ: (LA DOUCHE)
و (الشِّمْراخ) [44] لـ: PETITE LISTE) (
و (الصَّفْنة) [45] لـ: (LA TROUSSE)
و (المَثْبَنَة) [46] لـ: (LE SACA)
وفي غير المصطلحات تدعو مجامع اللغة الأدباء والكتاب والعلماء للعناية بالمفردات المهجورة وإحيائها في كتاباتهم، لأن الكلمة التي تنقرض من لغة المحادثة تأوي إلى ركن شديد في ميادين الشعر أو الأمثال أو الآداب أو الفنون، فتتوطد لها فيه أسباب المنعة والبقاء [47] ، وتعود إلى الاستعمال عند الحاجة، وفي هذا يقول الدكتور علي عبد الواحد وافي: (أما نشأة كلمات في اللغة فتدعو إليها - في الغالب - مقتضيات الحاجة إلى تسمية مستحدث جديد مادّي أو معنوي ...(38/483)
ويتم ذلك بإحدى الوسائل الآتية:
1 - إنشاء الكلمة إنشاء ...
2 - انتقال الكلمة من اللغة أو اللهجة إلى لغة أو لهجة أخرى ...
3 - إحياء الأدباء والعلماء لبعض المفردات المهجورة في اللغة.. ." [48] .
وبالجملة، فإن لمجامع اللغة نشاطاً ملحوظاً مشكوراً في إحياء الممات والمهجور والحوشي يتلخص في التشجيع على الاستفادة منه فيما يستجد من المعاني والمصطلحات بما يلائم روح العصر، للحد من تسرب الدخيل المعاصر إلى اللغة العربية.
الخاتمة
والآن؛ وقد انتهى بي المطاف إلى هذا الحد الذي اقتضاه المنهج وارتضاه البحث، وفق الخطة التي ذكرتها في المقدمة، وإذ انتهيت فيه إلى الصورة التي رجوت، يجدر بي أن أعرض لأبرز ما ورد فيه من أفكار أو حقائق أو نتائج، وهي على النحو التالي:
(أ) من ألفاظ العربية ما يملك مقومات الحياة والبقاء فيبقى، ومنها ما يفقد تلك المقومات فيموت ويفني، فاللغة كائن حي نام خاضع لناموس التطور والارتقاء، وليس فيها كسب دائم من النمو والتجدد، فكل نمو في جانب يقابل بنوع من الخسائر في الجانب الآخر.
(ب) من الألفاظ في العربية ما يُعمر فلا يموت، ولو مضى عليه آلاف السنين، لما فيه من ضروب المناعة الداخلية، كقوة المعنى، ودوامه، ورشاقة اللفظ وعذوبة جرسه، أو المناعة الخارجية، كألفاظ القرآن الكريم التي تكفّل الله - عز وجل - بحفظها.
(ج) لا يكون الموت في الألفاظ أبدياً، فكل لفظ مات واندثر قابل للبعث لتدب فيه الحياة من جديد، وتجري به الألسن بمعناه القديم، أو بإلباسه معنى جديداً.
(د) للمات في اللغة وجهان رئيسان:
الأول: موت الألفاظ، وهو موضوع هذا البحث.
الثاني: موت المعاني؛ أي أن يموت المعنى ويبقى اللفظ لتطور دلالته وانتقالها إلى معنى آخر، كالألفاظ الإسلامية التي تركت معانيها القديمة.(38/484)
(هـ) الحكم القاطع بموت الألفاظ يقتضي الإطلاع على اللغة كاملة، وهذا من المحال، ولذا يجب الحذر وعدم القطع بالأحكام في الممات، ويحسن الاستئناس بأقوال علماء العربية المتقدمين وإشاراتهم في هذا الموضوع؛ لأنهم أقرب عهداً بمنابع اللغة وأصولها، وأكثر إحاطة بكلام العرب.
ويمكن - أيضاً - الاستعانة بمقاييس اللغة، فيقال مثلاً: إن للفعل الملازم للبناء للمجهول فعلاً مبنياً للمعلوم مماتاً، وإن للاسم الملازم للتصغير مكبراً مماتاً، وإن للجمع الذي لا واحد له مفرداً مماتاً؛ لأن المبني للمجهول والمصغر والجمع فروع، والمبني للمعلوم والمكبرّ والمفرد أصول؛ ووجود الفرع في الاستعمال يدلّ على استعمال قديم للأصل.
أما المفرد الذي لا جمع له من لفظه فإنه لا يتعيّن القول بأنّ له جمعاً مماتاً؛ لأن وجود الأصل دون الفرع لا يقتضي ذلك؛ أي: لا يقتضي ظهور الفرع، فيجوز أن يكون الفرع مما لم يستعمل أصلاً، أي أن يكون مهملاً، والمهمل غير الممات.
ومن أظهر الأدلة على هذا المقياس الفعلُ المضارع، فإن ظهوره في الاستعمال دون الماضي يقتضي القول بأن الماضي ممات، ومن هنا حكم علماء اللغة بإماتة الفعلين (وَذَرَ) و (وَدَعَ) استدلالاً بمضارعيهما: (يَذَرُ) و (يَدَعُ) .
وإن ظهر الماضي في الاستعمال دون المضارع والأمر تعيّن التوقّف في الحكم؛ لأنه لا يستدلّ بالأصل على إماتة الفرع.
(و) جاء الممات في العربية في الأسماء، وجاء في الأفعال - أيضاً. ولم أجد شيئاً منه في الحروف.
ففي الأسماء جاء في: أسماء الأيام، وأسماء الشهور، ومفرد بعض المثنيات أو الجموع، ومكبّر بعض الأسماء المصغرة، وأسماء متفرقة زالت بزوال معانيها.
وفي الأفعال جاء في أفعال أميتت صيغها وتصريفاتها بالكامل، وأفعال أميت المجرد منها دون المزيد، وأفعال أميتت بعض تصريفاتها، وأفعال مبنية للمجهول أميت المبني للمعلوم منها.(38/485)
(ز) تموت الألفاظ لأسباب عديدة، وهي ترجع - في الجملة - إلى سببين أوعاملين رئيسين:
أحدهما: العامل الصوتي.
والآخر: العامل الدلالي.
وهذا الأخير هو العامل الفعال فيما يتصل بإماتة الألفاظ، وإليه يعود موت كثير من الألفاظ المشهورة في العربية، وللإماتة في هذا العامل عدة أسباب، من أبرزها:
1- زوال المعنى.
2- الاستغناء.
3- العامل الديني.
4- العامل الاجتماعي.
(ح) يمكن أن يعد إحياء الممات وسيلة فعالة من وسائل تنمية اللغة العربية من داخلها، إذا أُريد المحافظة على نقاء اللغة والحدّ من ظاهرة الاقتراض فيها بشقيها المعرب والدخيل.
(ط) لعلماء العربية القدامى والمحدثون موقفان متضادّان في إحياء الممات، وهم في ذلك فريقان:
فريق لا يجيز إحياء الممات.
وفريق يجيزه، ويرى أن يستعان به في تنمية اللغة.
(ي) لمجامع اللغة العربية نشاط ملحوظ في إحياء الممات يتلخص في التشجيع على الاستفادة من ممات العربية فيما استجد من المعاني والمصطلحات وإحياء ما يلائم روح العصر منه، والحد من تسرب الدخيل المعاصر إلى اللغة، ليكون أحد الوسائل النافعة التي يمكن أن تمد العربية بكلمات جديدة تدعو إليها الحاجة ومقتضيات العصر.
(ك) لظاهرة موت الألفاظ في اللغة العربية مصطلحات متعددة عند اللغويين القدامى، مثل: (الممات) و (المتروك) و (المهجور) و (العُقميّ) و (الاستغناء) و (المنقرض) و (البقايا الأثرية) و (الكلمات التاريخية) وهي مترادفة في معناها إلى حد كبير.
وقريب منها: (الحوشي) و (النادر) و (الشارد) و (الغريب) و (المذموم) و (المرغوب عنه) و (المنكر) و (الرديء) و (القبيح) .
--------------------------------------------------------------------------------(38/486)
[1] ينظر: من أسرار اللغة 6، وعوامل تنمية اللغة العربية 59 وما بعدها، وعوامل التطور اللغوي 13 وما بعدها، والاشتقاق والتعريب 8 وما بعدها.
[2] دور الكلمة في اللغة 214.
[3] ينظر: المعجم الوسيط 1/4.
[4] ينظر: الصاحبي 103.
[5] ينظر: الجمهرة 1/429.
[6] المصدر السابق 2/923.
[7] ينظر: اللغة العربية كائن حي 93.
[8] ينظر: العين 2/40.
[9] ينظر: الجمهرة 2/970.
[10] نفسه 2/802.
[11] نفسه 2/702.
[12] نفسه 2/1149.
[13] المولد في العربية 141.
[14] ينظر: المرجع السابق 151.
[15] ينظر: الفصيح 289.
[16] المصباح 702.
[17] ينظر: المسائل العسكرية 135، 136.
[18] الخصائص 1/99.
[19] 1/229.
[20] يعني هنا ما تركوه؛ أي: الممات.
[21] أي من الممات.
[22] تصحيح الفصيح 127 أ، 127 ب.
[23] في أصول النحو 35، 36.
[24] ينظر: دراسات في فقه اللغة 293.
[25] ينظر: دور الكلمة في اللغة 213.
[26] علم اللغة لعلي عبد الواحد وافي 255، 256.
[27] ينظر: في أصول اللغة 109، وأعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة 196، والعيد الذهبي لمجمع اللغة العربية 192، والمعجم العربي: بحوث في المادة والمنهج والتطبيق 268.
[28] ينظر: مجلة المشرق، سنة 1931م، مجلد 29 ص 683، 684.
[29] مجلة المشرق سنة 1931م، مجلد 29 ص 683.
[30] ينظر: أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة 166، ومحاضر الجلسات 2/77.
[31] في أصول الفقة 71.
[32] في أصول اللغة 109.
[33] في أصول اللغة 71.
[34] محاضر الجلسات 1/432.
[35] ينظر: أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة 405.
[36] ينظر: أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة 414، والمصطلحات العلمية في اللغة العربية 65،66،75.
[37] ينظر: اللغة والعلوم 24.(38/487)
[38] ينظر: أعمال مجمع اللغة 415.
[39] الزُّلّخة: الزّحلوقة يتزلخ منها الصبيان، أي يتزحلقون. ينظر: القاموس المحيط (زلخ) 322.
[40] ينظر: مجلة مجمع القاهرة ج 13 ص 215.
[41] الوشيعة: خشبة أو قصبة يلف عليها الغَزْل. ينظر: اللسان (وشع) 8/394.
[42] المثعب: مسيل السطح والحوض ينظر: أقرب الموارد (ثعب) 1/88.
[43] السَّحْسَح والسحساح: عرصة الدار، عرصة المحلّة. ينظر: اللسان (سحح) 2/477.
[44] الشمراخ: الغرة التي دقّت وسالت في الجبهة وعلى قصبة الأنف ولم تبلغ الجحفلة. ينظر: اللسان (شمرخ) 3/31.
[45] الصَّفْنة: شيء يشبه العيبة يضع فيه الرجل متاعه ينظر: اللسان (صفن) 13/274.
[46] المثبنة: كيس تضع فيه المرأة مِرآتها وأداتها. ينظر: اللسان (ثبن) 13/76.
[47] ينظر: علم اللغة لوافي 300.
[48] علم اللغة لوافي 298.(38/488)
المنصوب على التقريب
إعداد
د/ إبراهيم بن سليمان البعيمي
الأستاذ المساعد في كلّيّة اللغة العربيّة
مقدمة
الحمد لله منزل الكتاب بلسان عربي مبين لم يجعل له عوجاً، أنزله على خير خلقه أفصح من نطق بالضاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك نبي الهدى والرحمة نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم البعث.
أمّا بعد: ففي ليلة من الليالي كنت أُهاتف زميلاً لي في القسم وتطرَّقَ الحديث بيننا إلى المنصوب على التقريب عند الكوفيين، وأنه من المصطلحات الطريفة الجديرة بإفرادها بالبحث فأشار عليَّ أن أنتدب لهذه المَهَمَّةِ قلمي وأكتب فيه ما يوضح ذلك المصطلح ويجليه للقُرّاء ولاسيمّا أنَّ كثيراً من طلبة العلم يخفى عليهم المراد منه فقلت: له عليك به، فاعتذر بما لديه من أعمال تشغله عن الكتابة فيه، فاستعنت بالله تعالى وأخذت أنقِّب عن ما دوِّن حوله فإذا أطول ما كُتب عنه لا يزيد عن وريقات معدودات في تعريفه أو عرض موجز لأحكامه دون بسط وتوضيح شاف لها، ثم رجعت إلى المصادر الأصيلة أستقرئها، وأستنبط منها ما أُهمل، أو أوجز في أحكامه؛ فإذا به بادئ الأمر يستحق أن يفرد ببحث، وبعد أن استوى الموضوع على سوقه من خلال القراءة والموازنة بين الآراء اتضح لي أنه كما قال جريرٌ عن شعر ذي الرُّمة: نقط عروس وأبعار ظباء، وأكبرت عندها البصريين وعلمت أنَّ سرَّ انتشار مذهبهم واستمراره؛ إنما هو من قوّة قواعدهم التي بنوا مذهبهم عليها، وأن العلماء المتأخرين وازنوا بين المذهبين فتبيَّن لهم رجحان المذهب البصري فأخذوا به.(38/489)
من خلال هذا البحث أوضحت قواعد النصب على التقريب عند الكوفيين من مؤلفاتهم: تعريفه، وشروط إعماله عندهم، وموانعه، وأحكامه، والفرق بينه وبين الحال في مذهبهم، ثم الفرق بين الحال والقطع عندهم، وما يعمل وما لا يعمل من أسماء الإشارة، وتتبَّعت القرآن أستنبط منه الشواهد فتحقق لي منه والحمد لله ما لم أسبق إليه، وكذلك من كلام العرب المبثوث في المصادر الموثوق بها، ثم عرّجت على كتب البصريين أستقرئها، وأُوازن بينها وبين ما عند الكوفيين فأبرزت السبب المانع الذي جعل البصريين لا يقرّون بالتقريب ولا يقولون به رغم جعجعة ثعلب واتهامه سيبويه بأنه لا يعرف التقريب عندما يقول: "قال سيبويه: هذا زيد منطلقاً فأراد أن يخبر عن هذا بالانطلاق ولا يخبر عن زيد، ولكنه ذكر زيداً ليُعْلَمَ لمن الفعل. قال أبو العباس: وهذا لا يكون إلا تقريباً وهو لا يعرف التقريب" [1] .
وذاك السبب هو الذي جعل القول بإعمال التقريب يموت وليداً؛ حتى إنَّ ابن شقير البغدادي تلميذ ثعلب لا يذكر التقريب في كتابه "المُحلَّى وجوه النصب"، بل يعده حالاً كما يقول البصريون، لا خبراً لاسم الإشارة كما يقول الكوفيون، وإن كان يستعمل مصطلح "قطع" بدل حال والقطع مصطلح كوفي يقابله عند البصريين الحال.
وقد جعلت البحث في فصلين:
الفصل الأول: التقريب عند الكوفيين
وتحته مباحث:
المبحث الأول: تعريفه.
المبحث الثاني: شروط إعماله.
المبحث الثالث: التقريب وضمير الفصل.
المبحث الرابع: توسيط الخبر.
المبحث الخامس: تقديم معمول الخبر عليه.
المبحث السادس: مجيء الخبر معرفة.
المبحث السابع: مجيء الخبر جملة.
المبحث الثامن: دخول العوامل اللفظية على عامل التقريب.
المبحث التاسع: حكم التقريب.
المبحث العاشر: القياس في إعمال اسم الإشارة.
المبحث الحادي عشر: العامل من أسماء الإشارة.(38/490)
المبحث الثاني عشر: التقريب والحال عند الكوفيين.
المبحث الثالث عشر: الحال والقطع عند الفراء.
الفصل الثاني: البصريون والتقريب.
وتحته مباحث:
المبحث الأول: التقريب عند سيبويه.
المبحث الثاني: الحال والتقريب عند البصريين:
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أقسام الحال من حيث التبيين والتأكيد.
المطلب الثاني: التقريب عند البصريين.
المبحث الثالث: رأي البصريين في القريب.
المبحث الرابع: عامل الحال المضمَّن عند البصريين.
المنصوب على التقريب
الفصل الأول: التقريب عند الكوفيين
وتحته مباحث:
المبحث الأول: تعريفه
المنصوب على التقريب مصطلح كوفي يراد به: إعمال أسماء الإشارة في الجمل الاسمية عمل كان فيرتفع ما كان مبتدأً على أنه اسم للتقريب ويُنْصَبُ الخبر على أنه خبر له [2] نحو: هذه الشمسُ طالعةً، وهذا الأسدُ مقبلاً وجعلوا منه قوله تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [3] حسب قراءة الجمهور بنصب {شَيْخاً} على الخبرية لاسم الإشارة وقوله تعالى: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً} [4] وقوله تعالى: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَة} [5] وقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما} [6] وقوله تعالى: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [7] بفتح الراء من أطهرَ وجَعْل الضمير (هنّ) ضميرَ فصل [8] ، وقول جرير:
هَذا ابْنُ عَمِّي في دِمَشْقَ خَلِيْفَةً
لَوْ شِئْتُ سَاقَكُمُ إلَىَّ قَطِيْنا [9]
وقول رؤبة:
مَنْ يَكُ ذا بَتٍّ فَهَذا بَتِّي
مُقَيظٌ مُصَِّفٌ مُشتِّي [10](38/491)
يجوز عند النحاة النصب والرفع في: (مقيظ مصيِّف مشتِّي) فمن رفع فعلى تعدد الخبر، أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف عند من لا يجيز تعدد الخبر، وتوجيه النصب إمّا على التقريب [11] على رأي الكوفيين أو حال كما يقول البصريون وهو ما سنناقشه إن شاء الله تعالى لاحقاً.
وقال السيوطي في الهمع: "وذهب الكوفيون إلى أن هذا وهذه إذا أريد بهما التقريب كانا من أخوات كان في احتياجهما إلى اسم مرفوع، وخبر منصوب، نحو: كيف أخاف الظلم وهذا الخليفةُ قادماً وكيف أخاف البرد وهذه الشمسُ طالعةً وكذلك كل ما كان فيه الاسم الواقع بعد أسماء الإشارة لا ثاني له في الوجود نحو هذا ابن صيّاد أشقى الناس فيعربون هذا تقريباً، والمرفوع اسم التقريب، والمنصوب خبر التقريب؛ لأن المعنى إنما هو عن الإخبار عن الخليفة بالقدوم، وعن الشمس بالطلوع، وأُتي باسم الإشارة تقريباً للقدوم والطلوع، ألا ترى أنك لم تشر إليهما وهما حاضران؟ وأيضاً فالخليفة والشمس معلومان فلا يحتاجان إلى تبيينهما بالإشارة إليهما، وتبيّن أن المرفوع بعد اسم الإشارة يخبر عنه بالمنصوب؛ لأنك لو أسقطت الإشارة لم يختلَّ المعنى كما لو أسقطت كان من كان زيد قائماً" [12] .
من هذا النص يتضح لنا مراد الكوفيين بالتقريب وشروط الإعمال عندهم، إذ مراد الكوفيين من التقريب هو إعمال اسم الإشارة عمل كان، واحتياجها إلى اسم مرفوع وخبر منصوب.
المبحث الثاني: شروط إعماله
هم يشترطون لإعمال اسم الإشارة شروطاً:(38/492)
الأول: هو أن يكون الاسم الواقع بعد اسم الإشارة لا ثاني له في الوجود كالشمس والقمر والخليفة وما أشبه ذلك، أو أن يكون الاسم الواقع بعدها معبّراً به عن جنسه لا عن واحد بعينه كالمحلى بـ (أل) مثلاً كقولك ماكان من الأُسْدِ غير مخوف فهذا الأَسَدُ مخوفاً، ولكن الذي يظهر أنَّ الكوفيين لم يلتزموا بهذا الشرط؛ لأن ثعلباً يقول في أماليه: "وقال سيبويه: هذا زيدٌ منطلقاً فأراد أن يخبر عن هذا بالانطلاق، ولا يخبر عن زيد، ولكنه ذكر زيداً ليُعْلَمَ لمن الفعل قال أبو العباس: وهذا لا يكون إلا تقريباً، وهو لا يعرف التقريب، والتقريب مثل كان" [13] .
فكما ترى اعتدَّ ثعلب بالتقريب هنا، وغمز سيبويه بأنه لا يعرف التقريب، والمثال المذكور لم تتحقق فيه شروطهم من كونه اسماً معبّراً به عن جنسه أوكونه لا ثاني له في الوجود، إذ زيد علم على ذات تتكرر التسمية به، وللبصريين أن يقولوا أنت لم تلتزم بما اشترطته على نفسك؛ إذ كيف تغمز سيبويه هنا بأنه لا يعرف التقريب بمثال لم تتحقق فيه الشروط.
وهذا يدل على أنهم لم يلتزموا بذاك القيد التزاماً دقيقاً.
الثاني: أن يكون اسم الإشارة دخوله كخروجه؛ في أن الجملة الاسمية تامّة بالمرفوع بعده والمنصوب، قال ثعلب في أماليه: "وكلما رأيت إدخال هذا وإخراجه واحداً فهو تقريب، مثل: من كان من الناس سعيداً فهذا الصيّاد شقيَّاً، وهو قولك فالصياد شقيٌّ فتسقط هذا وهو بمعناه" [14] .(38/493)
الثالث: ألا يتقدّم اسم التقريب على اسم الإشارة فلا يصح أن يقال: الشمس هذه طالعةً بنصب طالعة على التقريب قال ثعلب: "والتقريب مثل كان إلا أنه لا يقدّم في كان لأنه ردّ كلام فلا يكون قبله شيء" [15] ، إلا إذا كان اسم التقريب ضميراً فيقدم على اسم الإشارة قال الفراء: "العرب إذا جاءت إلى اسم مكني قد وصف بهذا وهذان وهؤلاء فرَّقوا بين (ها) وبين (ذا) وجعلوا المكني بينهما، وذلك من جهة التقريب لا في غيرها ... فإذا كان الكلام على غير تقريب أو مع اسم ظاهر جعلوا (ها) موصولة بـ (ذا) فيقولون: هذا هو، وهذان هما إذا كان على خبر يكتفي كلُّ واحد بصاحبه بلا فعل، والتقريب لا بدَّ فيه من فعل لنقصانه، وأحبُّوا أن يفرِّقوا بذلك بين معنى التقريب وبين معنى الاسم الصحيح" [16] .
وقال ثعلب أيضاً: "وإذا صاروا إلى المكني جعلوه بين (ها) و (ذا) فقالوا: ها أنا ذا قائماً وجاء في القرآن بإعادتها [17] ، ويقولون هانحن ألاء وها نحن هؤلاء أعادوها وحذفوها، وهذا كله مع التقريب" [18] .
ولعل الذي حملهم على القول بعدم تقدم اسم التقريب على اسم الإشارة إذا كان اسماً ظاهراً هو أن إعمال اسم الإشارة محمول على كان وكان لا يصح أن يتقدّم اسمها عليها، فكذلك ما حمل عليها، أما جواز تقدم اسم التقريب إذا كان ضميراً على اسم الإشارة فبسبب توسطه بين حرف التنبيه واسم الإشارة مما يجعله تقدم في اللفظ لا في المحل؛ لأن الضمير فَصَلَ بين حرف التنبيه واسم الإشارة، وهما في حكم المتلازمين فهو وإن تقدم لفظاً إلا أنه مؤخر محلاَّ؛ لأنه فَصل بين متلازمين [19] .
وللبصريين الذين يجيزون أن يكون العامل في الحال في قولك ها أنا ذا قائماً إنما هو فعل محذوف وهو أُنَبِّهُ دل عليه حرف التنبيه (ها) أن يقولوا اسم التقريب في هذا المثال لم يتقدّم على عامله.(38/494)
الرابع: ألاّ يتقدم الخبر على اسم الإشارة فلا يصح أن يقال شقيّاً هذا الصياد لما في عموم قول ثعلب السابق "فلا يكون قبله شيء"؛ ولأن من قواعد الكوفيين عدم جواز تقدم الحال على عاملها، إن كان صاحبها اسماً ظاهراً؛ لأنه يؤدّي إلى تقدم المضمر على المظهر بسبب العائد، ويجيزون تقدمها إن كان صاحبها ضميراً، وهذه من مسائل الخلاف التي ناقشها ابن الأنباري [20] .
والعلة التي فرّوا منها هناك متحققة هنا وهي تقدم المضمر على المظهر.
المبحث الثالث: التقريب وضمير الفصل
الكوفيون يمنعون الجمع بين التقريب وضمير الفصل فلا يصحّ عندهم أن يقال: هذا هو زيدٌ قائماً بنصب قائماً وإنما يقال هذا هو زيدٌ قائمٌ بالرفع، قال ثعلب: "إلا أنه لا يدخل العماد مع التقريب من قبل أن العماد جواب والتقريب جواب فلا يجتمعان" [21] وقال أيضاً: "وقال أبو العباس قال سيبويه احتبى ابن جويّة في اللحن في قوله: {هُنَّ أطْهَرَ لَكُمْ} لأنه يذهب إلى أنه حالٌ قال والحال لا يدخل عليه العماد، وذهب أهل الكوفة الكسائي والفراء إلى أنّ العماد لايدخل مع هذا لأنه تقريب، وهم يسمُّون هذا زيد القائم تقريباً أي قرب الفعل به" [22] .
ويشكل على المذهبين معاً قوله تعالى: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أطْهَرَ لَكُمْ} [23] بنصب أطهرَ فالكوفيون لا يقولون بالتقريب مع وجود ضمير الفصل، أما البصريون فقد حكموا على قراءة النصب باللحن [24] قال سيبويه: "وكان الخليل يقول: والله إنه لعظيم جعلهم هو فصلاً في المعرفة وتصييرهم إيّاها بمنزلة (ما) إذا كانت ما لغواً؛ لأن هو بمنزلة أبوه ولكنهم جعلوها في ذلك الموضع لغواً كما جعلوا ما في بعض المواضع بمنزلة ليس، وإنما قياسها أن تكون بمنزلة كأنما وإنما" [25] .
المبحث الرابع: توسيط الخبر(38/495)