وَقدْ يُحمَلُ التّقديمُ أنْ يكُونَ للتَّعْظِيمِ، وَقَدْ يكُونُ للاعْتناءِ، وقد يَكُون للتّصرّفِ، وبَيانِ قوَّةِ العَامِلِ، وَقَدْ يكُونُ للاختِصاصِ، وهذا المعنى يتمحضّ في النّكِرة، تَقُولُ: شرٌ أَهَرَ ذا نابٍ، أي ما أهَرَّ ذا نابِ إلا شرٌ، وَتَقُولُ: شئ ما جَاءَ بكَ، مَعناهُ ما جاءَ بكَ إلا شيء. والتّقدْيمُ هُنْا لاَ يَكونُ إلا على هذا المَعْنىَ، لأنَّ المبَتدأَ نكِرةٌ وَلا يبتدأ بَالنّكِرِة إلا في مَواضِع، مِنْها الاخْتِصاص.
وفي هذا الخروج من الغيبة إلى الخِطَاب، وَلَوْ جَرَى على أوَّلِ الْكَلامِ لَكان أيّاهُ نَعبًدُ وإيَّاهُ نَسْتَعِين، لَكِنّهُ انتقلَ من الغيَبة إلى الخطاب، وهذا من فَصِيحِ كَلامِ العَرَب، قال امْرُؤُ القيسِ:
تَطاوَل ليلك يالإثْمِدِ وَنامَ الخلِيُّ وَلم ترقدِ (1)
فَهذَا عَلى الخِطَابِ، ثُمَّ قال في البيت الثاني:
وباتَ وبَاتَتَ لَهُ لَيْلةٌ كَلَيْلَة ذي العائر الأرمد
فانتقل من الخطاب إلى الغيبة، ثم قال في البيت الثالث:
وذلِكَ من نبأٍ جاءني وَخبّرتُهُ عن أبي الأسود (2)
/ انتقل إلى المتكلم، وُيسمىَّ هذا الالتفات، وَهُوَ كَثِيرٌ في القرآنِ.
قال تعالى: (حَتَّى إِذَا كُنتُمْ في الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بهِم) (3) ، انتقل من الخطَاب إلى الغيبة، وَهُو كثِير في القرآنِ، وهذا من فصيح كلام العرَب كما ذَكَرْتُ ذَلِكَ، وُيمكِنُ أنْ يَكُونَ على إيَّاكَ يا مَنْ هذه صِفَاتُهُ، أُعبدُ لأِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الصّفات، وَهِي صِفَاتُهُ تعالى لا يشاركُ فيها، قالت بعده: إيَّاكَ يَا مَنْ هذه صِفَاتُهُ أعْبُدُ.
__________
(1) ،2 بيت الشاهد مع ما تلاه في ديوانه 185، والكشاف 64/1، والبحر المحيط 43/1، والدر المصون 57/1-58.
والخلى: مَن خلا باله من الهموم، والعائر: قذى في العين، تمجّهُ العين عند شدة الألم، وربما يكون الرّمد المعروف.. ومراده بالنبأ هو مقتل أبيه
(3) سورة يونس آية: 22.(36/150)
وفي "إياك"قراءات، منها:
هيّاك أبدَلَ من الهمزة هاءٌ (1) .
ومنها: أيَاك بفتح الهمزة (2) .
ومنها: إيَاك، بكسر الهمزة والتّخفيف (3) ؛ وهذه كلُّها لم يُقرَأ بها في السّبع.
ومعنى نَعْبُدُ: نَتَذَلّلُ، يُقالُ طَرِيْقُ مُعَبَّدة إذا كان يسار عَلَيْها كثيراً، والمعنى: مُذَلّلٌ ثم قالَ جلَّ ذكْرُهُ: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينَ) .
معنى نستعين نَطْلُبُ العَوْنَ على عبادَتِك، وقُدِّمت العبادةُ على الاسْتِعَانة، ِلأنّ الاسْتِعَانَةَ يُتَوَسَّلُ بها إلى العبادة فَهِيَ أَوْلَى بالتّقديم، وَكُلَّ فِعْلٍ مُضارِعٍ أَوَّلَ ماضِيه أَلفِ وَصْلٍ لَك أَنْ تكْسِرَ حرفَ المضارع منه عَدَى الياء فإنها لا تُكسرُ، فتقولُ: أنا إِنطَلِق، وأَنْتَ تِنْطَلِق، وَنحنُ ننْطَلِق، وَلاَ تَقولُ هذا في الياء، وكذلِكَ كلّ فعلُ مُضَارِعٍ ماضيه على فَعل لك أن تكسر أَوّلَ المضارع منه عدا الياء، وبيان علة ذلك في العربية (4) .
__________
(1) القراءة لأبى الثوار الغتوى كما في المحتسب 39/1، ومختصر شواذ القراءات: ا، والمحرر الوجيز 117/1.
(2) قرأ بها الفضل بن زياد الرقاشي. المصادر السابقة.
(3) هذه القراءة تعزى لعمرو بن فائد في المحتسب 1/ 40، ومختصر شواذ القراءات: ا.
(4) العلة في ذلك هي ثقل الابتداء بالياء مكسورة في الفعل المضارع، ومع هذا فقد أورده سيبويه على أنّها لغة، قالوا في حبّ: يحبًّ، حق علم يعلمُ وأكثر ما جاء هذا في المثال الواوي الذي ماضيه على فعِل بكسر العين، نحو: وجع يجع، ووجع يجع، ومنه قول متم بن نويره:
قعيدك ألا تسمعيني ملامة ولا تنكىء جرح الفوءاد فَييجعا
ينظر الكتاب 4/ 09ا-120، والمصنف 1/ 205 ط 20، وشرح عيون سيبويه 262.(36/151)
(ونَسْتَعِين) : اعتل لأِن ماضيه قد اعتل بالحمل على الثلاثي، وأصله، "نَسْتَعْوِن"ثم أعل بنقل حركة العين إلى الفاء وانقلبت الواو للكسرة التي قبلها، وهذا الاعتلال مُطّردٌ قياسيٌّ في هذا النّوع وما جرى مجراه، فإنْ جاء صحيحاً فعلى غير قياس، نحو: اسْتنوقْ الجمل، واسْتَسْيَسَت الشّاة، فهذا يحفظ ولا يقاس عليه، وسيأتي الكلام في مصدر نستعين وفي اعتِلاله وفي المحذوف بعد إن شاء الله.
/ قوله (إهْدِنا) : لمّا قال سبحانه (إِيَّاكَ نَعْبُد) والعِبادة تحتاج إلى وجوهٍ أربعة بها تكتمل العبادة:
أحدها: اعتقاد صحيح غير فاسد.
الثاني: أن يكون على مقتضى الشرع، لأن العبادة لا تؤخذ بالعقل.
الثالث: حسن النية فيها فالصدق والِإخلاص، قال تعالى: (مُخْلِصيِنَ لَهُ الدين) .
الرابع: الدوام والبقاء عليها وألّا ينتقل وَيتغْير، وهذه الأربعة لا قدرة لأحدِ عليها إلّا به، فجاء بعد هذا (إياك نستعين) ومعنى "نَسْتعين"نطلبُ عونك على العبادة بهذه الوجوه الأربعة. وهذا إِنَّما يكُونُ بهدايته سُبْحانُهُ،، فَمِنْ أجْل هذا جاء: (اهْدِنَا) بَعْدَ (نَسْتعين) ، فعَلى هذا يكُونُ: (اهْدِنَا) بمعنى أرشِدْنا وَبيَّن لنا، ويكُونُ: أو اهْدِنَا! هو بمعنى: ثَبّتْنا. وَقَدْ جَاءَ هَذا وهَذا مَنْقُولَين عَنِ السَّلَفِ، وُيمكِنُ أَنْ يَكُونَ (اهْدِنَا) رَاجعاً لهَا كُلَّهَا، أيْ بَيّن لَنا وأرْشِدْنا، وثَبِّتْنا- والله أَعَلَمُ-.(36/152)
وهَدَى فِعلٌ يَتَعدَّى إلى وَاحِدٍ بَنِفْسهِ وإلى آخَرَ بحرْفِ الجرِ، وذلِكَ الحرفُ يكُونُ إلى وهو الَأكْثرُ، ويكونُ اللّامُ، قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إلى صِرَاطٍ مسْتَقِيمٍ) (1) ، وَقَالَ جلَّ ذِكُره (قلِ الله يَهْدِى لِلْحَقِ) (2) ، وَقالَ سُبْحانه (إنَّ هذاالقرأن يَهْدِى للتي هي أقْوَمُ) (3) ثُمَّ حُذِفَ حَرفُ الجرّفَظَهرَعَمَلُ الفعل لِأنَّ الفعلَ يَطْلُبُه بالنّصْبِ، لِأنَّهُ جاء بعد عمدتِهِ فَهُوَ فَضْلَةٌ فإِعرابُهُ النَّصبُ لكنَّ النّصبَ لم يَظْهَره لِأجلِ الحرَفِ الطَّالِب بالخفض، لِأنّهُ يَطْلُبُ بالِإضَافَة، والخفض مع الإِضافة، وَكان عَمَلُ الحَرْفِ أوْلَى بالظَّهُورِ، لِأنَّهُ أقربُ إلى الاسْمِ مِن الفِعْلِ، وَلَأنَّ التّعْلِيقَ قد وُجدَ في الأفْعالِ وَوُجدَ في الأسْماءِ قَليلَاَ، وً لمْ يُوجَدْ في الحرْفِ س، فالمجرُورُ مخفوضٌ في اللَّفْظِ مَنْصُوبٌ في الموضع، فإذا زال الحرف من اللفظ ظهر عملُ الفعل فجاء "اهدنا الصراط "، والأصل إلى الصّراط، أوْ لِلصّرَاط بِمَنْزِلَةِ أمرتُ الرّجال عَمْراً، وأَمَرْتُ زيداً الخيْرَ.(36/153)
(الصّرَاط) : هُوَ الطَّرِيْقُ، وُيذَكّرُ وُيؤَنَّثُ، إلا إن التَّذكِيرَ في الصِّراط أشْهَرُ (1) ، وَلَمْ يجئ في الْقْرآنِ إلا مُذَكّراً، وَهُوَ مِن سرَطْتُ الشيَّء أَسْرُطهُ إذا ابتَلَعْتُهُ لِأنّ الطّرِيق يَبْتَلعُ مَنْ يَسِيرُ فيه، ألا ترَى أنَّهُ قَدْ سُمّي اللَّقم كأنّهُ يَلْتَقِمُ، والسّينُ إذَا وَقِع بَعْدَها الطّاءُ والغَين والقافُ والْخَاءُ، هذه الأرْبَعَةُ خاصة فإنَّها يجوزُ فيها أن تُبْدَلَ صَاداَ؛ لأَنَّ السَّنَ غَيرَ مُطْبَق، والطَّاءَ مُطْبَقةٌ، والسّنَ مَهْمُوسَةٌ والطّاءَ مَجْهُورَةٌ فَلَمَّا تنافَرَتْ أَبْدَلُوا مِن السّينِ حَرْفاً يُوافِقُ السّينَ في الْهَمسِ وُيوافقُ الطّاء في الإِطْباق (2) .
وَمِن العَرب مَنْ يُشْربُ الصّادَ صَوتَ الزّاي، ِلأنَّ الطّاءَ مَجْهُورةٌ والصَّادَ مَهْمُوسَة فاشْرَبوها صَوْت لزّاي لأَنَّ الزّايْ مجهورة، وَمنهُم مَنْ يُبْدِلُهَا زاياً خالِصَةً وَذَلِكَ قَليلٌ، وَذَكَرَ سِيَبَوْيهُ الوجْهَين اَلأوَّلَين، وَلم يذكُرْ إبدالها زاياً خالصةً لِقلّةِ ذلِكَ (3) .
وَأَمَّا إذا وقَعَ بعد السّين الطّاءِ والضّادِ فَلا تُبْدَلُ صاداً، نصَّ ذلِكَ سيْبَويهُ، والفَرْقُ بينهُمَا بَيّنٌ في الكتاب.
وَقَدْ قُرِىءَ السِّراطَ بالسِّين، قَرَأَهُ قُنْبُلُ وقَرَأَهُ يَعْقُوبُ (4) أيضاً.
وَقُرِىء بالصَّادِ مُشْرَبةً صَوْتَ الزَّاي، قَرأَهُ حمزة (5) ، وقُرِىءَ بالصّادِ خالِصَةً، قرأهُ الباقون.
__________
(1) التأنيث لغة أهل الحجاز، والتذكير لغة تميم. ينظر إعراب القرآن للنحاس 123/1، والدر المصون 65/1
(2) ينظر كتاب السبعة في القراءات 107، والحجة لأبى على الفارسي 1/49-50.
(3) ينظر الكتاب 4/ 476-479.
(4) ينظر: التذكرة في القراءات 1/ 85، والتيسير: 18، والتبصرة: 55، والكشف 46/1.
(5) ينظر كتاب السبعة 106، والتذكرة في القراءات 1/ 85، وبقية المصادر السابقة.(36/154)
أمَّا قَلْبُ الصَّاد زاياً خالِصةً فَلَمْ يُقْرأْ بها في السّبعِ وذلك لَقِلّتِهِ، وقد رُوِىَ في هذا الموضع قراءات شاذة.
منها: صِرَاط المستقيم بالإِضافة.
ومنها: صِراطاً مستقيما.
ومنها: بصّرْنا الصّراط.
وهذهِ كلها خارِجة عِن السَّبعِ فلا يعتني بِها.
وَحُكِيَ في جَمْعِ صِراطٍ صُرُطٌ، وَهُوَ الْقِياسُ في فعالٍ المذكّر، نحو: كِتابٍ وَكُتُبٍ، وَحِمَارٍ وَحُمُرٍ.
ولا يكون فُعَلٌ في المعتل اللام ولا في المضعّف.
/ (اْلمُسْتَقِيمْ) الَّذِي لَيْسَ فِيهِ انْحِرافٌ، وهو على طَرِيْقَة وَاحِدَةٍ، تقولُ: اسْتَقامَ، اَلأمْر؛ أي لَيْسَ فيه عِوَجٌ، وَأَصْلُة مُسْتَقوم، فأعَلَّوْهُ بنقِلِ حَرَكَةِ الْعَن إلى الْقَافِ فانْقَلَبَتْ الْوَاوُ ياءً، لأنَّ الفِعْلَ هُنا يَعْتَلُّ وهو يَسْتقيم، واعْتُلّ الفِعلُ هنا بالحملِ على غير الزّائِدِ وَهُوَ قامَ.
وهذا يتبَيّنُ في كُتُبِ العَرَبيّة.
(صِرَاطَ الّذِيْنَ) : بَدَلٌ مِنَ الصِّرَاطِ الأَوّلِ، وَأبْدِلَ مِنْهُ لِيُعْلَمَ أنَّ الصِّرَاطَ المسْتَقيمَ لاَ يقدرُ عَلَيْهِ إلا مَنْ أنْعَمَ الله عَلَيْهِ، وَمَنْ وُكِلَ إلى نَفْسِهِ لا يمْشِي عَلَيْهِ..
(أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم) : (عليهم) : في موضِع نَصْبِ لـ (أنْعَمْتَ) لأَنّ الْفِعْلَ قَدْ أَخَذَ عمْدَتَهُ، وَجاءَ بعد ذلك فَضْلهُ فَيَلْزَم أنْ يَكون مَنْصُوبَاً.(36/155)
(غير المغْضوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضّالِين) : اجْمَعَ القُرَّاءُ للسَّبْعُ على خفْضِ الرّاءِ وَلَمْ يُقْرَأْ بالْفَتحِ إلا في الشّاذ، (1) وَهُوَ نَعْتٌ لِلّذيْنَ على مَعْنَى اْلمَغْضُوب عَلَيْهِم وَلاَ الضالين، وَلِذَلِكَ جِيء بلاَ في وَلاَ الضّالِين كَأنَّها كُرّرَتْ، فَقَدْ صَارَ هذا بمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِرَجُلً لا مُسْلمً وَلاَ كَافِرٍ.
والمعنى: إنّ المنْعَمَ عليهِم خَرَجَوا عِن الغَضَب والضّلالِ، فمَنْ غَضِبَ الله عَلَيْهِ فَلَيْسَ بمنعَمٍ عَلَيْهِ، وكذلِكَ مَنْ ضَلَّ لَيْسَ بمُنْعَمٍ عًلَيْهِ، وَلاَ إذا دخَلَتْ على الصِّفةِ أو الحال فلابُدَّ فيها مِن التَّكْرار، وَكَأَنَّها جَوابٌَ لمَنْ قالَ: أكذا أم كذا..
فَإذا قُلْتُ: مَررْتُ برجلٍ لا سَاكتٍ وَلا مُتَكَلّمٍ، كأنَّهُ جوابٌ لِمَنْ قالَ: أَساكِتاً كَانَ أَمْ كِّلماً، فَيَقُولُ: لا سَاكِتٌ ولا متكلمٌ، أيْ لَمَ يأْتِ في كَلامِهِ بِفَائِدَةٍ.
وَكَذلِكَ لا مَتى لَزِمَتْ التّكْرارَ إنَّما تَلْزمُ التّكْرارَ على هذا الْوَجْهَ، وَقَدْ يُقالُ غيرُهُ في هذا اْلمَعنى، فتقولُ: مررت برَجُلٍ غيرَ سَاكِتٍ وغيرَ مُتَكلّم، على مَعْنى: لا سَاكِتِ وَلا مُتكلم.
فإذا صَحَّ أنّ غيرَ في هذا اْلموَطِنِ تَقَعُ مَوْقِعَ لا صَحَّ أَنْ تأتي بغيرٍ وَتَأْتي بلا فتقولَ:، مررت بِرَجًلٍ غَيْرُ سَاكِتٍ وَلا مُتكَلَّمٍ، وَعَلَيْهِ جاء: غيرِ اْلمَغْضُوبَِ عَلَيْهِم وَلا الضَّالِين.
__________
(1) هذه القراءة لابن كثير، قال الخليل: وهى جائزة على وجه الصفة للّذين على القطع من الجر إلى النّصب بفعل مقدر. ينظر السبعة: 112، ومختصر شواذ القراءات: 1، وإعراب القراءات ق: 36.(36/156)
وَقَدْ نُقِلَ في الشَّاذِّ: غير المغضوب عَلَيْهِم وَغير الضَالِين. نقل ذلِكَ عن عمر وعلي وأبيّ (1) ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ جيدة إلا إنّها لَمْ يُقْرَأْ بها في السَّبْعِ.
فإنْ قلتَ: كَيْفَ تكونُ غيرُ نعتاً للمعرفة وهي نكرة، لأنّ إضافتَها لَيْسَتْ للتّعريف؟
قلتُ: غيْرُ هُنا إذا لم تُضفْ إضافَة تعريفٍ تَجرِي على النّكراتِ وعلى المعارِف بالألف واللامِ إذا كان ذلِكَ على طريق الجنس، لأنَّ الجنسَ عامٌ، ولا يتعَينّ ما يقعُ عَليهِ فجرى لذلك مجرى النكرة في هذا.
وذهب الزّجاجُ إلى أنّ (غيرِ المغْضُوب) هم المنْعَمُ عَلَيْهِم. (2) فقد صار على هذا بهذه الملاحظة غير معرفة، أَلا ترى أنَّك إذا قلتَ: رأيتْ الصّالح غيرَ الطَّالح قد تَعَرَّفَ لأنَّه ماعدا الصّالحين، فَلأَجْلِ هذا وَقَعتْ غَيرُ صفةً للمعرفة بالألف واللام، لأِنَّ الثّاني ضِدَّ الأوّل فوقع بذلك التّعريفُ. وذَكَر هذا القولَ ابن عَطِيّة (3) عن ابن السَّراجِ، وكان الأستاذ أبو علي يَردُّ هذا القولَ، ويقولُ: قَدْ جاء في كِتاب الله عَزَّ وجَلّ: (نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ) (4) وبلا شَك أنَّ الثّاني ضدّ الأوّلَ، وَقد جرى على النّكِرة فكيف يقول: إنَّ هذا يُوجَدُ للتّعريف؟.
والصّحيحُ ما ذكرتُهُ أوّلاً أنّ تعريف الجنسِ لَيْسَ بالقَوِيّ ة لأنّهُ لَيْسَ بمقصودٍ قصْدَهُ. وَقَد يُعاقِبُ النّكرة فيما وُضِعَ (5) على معنى واحدٍ، ألا ترى أنَّك تَقْولُ: ما يَصْلُحُ بالرّجلِ مِثْلِكَ أَنْ يفعلَ هذا فيكون على معنى مَا يصلُحُ بالرّجلِ الّذي هو مِثلُكُ أنْ يَفْعَلَ هذا، ومعناهما واحد.
__________
(1) ينظر المحرر الوجيز 1/ 131، وفتح الباري كتاب التفسير 8/ 159.
(2) ينظر معاني القرآن وإعرابه 57/1.
(3) ينظر المحرر الوجيز 1/ 124.
(4) سورة فاطر آية: 37.
(5) في الأصل: في مواضع.(36/157)
وهذا كُلُّهُ إنّما يحتاجُ إليه عند جعل (غير) نعتاً لـ"الّذين"فإنْ جعلتَهُ بدلاً فلا يحتاج إلى هذا، لأنّهُ يجوزُ بدلُ النّكرَة من المعرفة واَلمعرفة من النكرة..
أمَّا النّصبُ وهي قراءة شاذة لم تثبت في السّبعِ (1) ، والظاهر عندي فيها أنَّها استثناء منقطع (2) ، و"لا"في (ولا الضّالِين) زائدة كزيادة لا في قولهم: ليس زيد ولا عمرو.. وذهب بعض المتأَخِّرين إلى الحال.. (3) وفيه عندي بعد؛ لأنّ المعنى أَنعمَتْ عَلَيْهِم في هذهِ الْحَالِ. وهَذا مَعْلُومٌ أَنَّ المنعَمَ عَلَيْهِم لا يكُونُ إلاَ في هذه الحالِ، إِلا أَنْ يَقُولَ: هِيَ حَالٌ مُؤكِّدَةٌ.
وَمَنْ ذهَبَ إلى أنه مَنصُوبٌ بإِضمَارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: أَعْني (4) غَيْرَ المغضوبِ هذا بَعْدُ أبْينُ لا يَحْتاجُ إلى بَيانٍ. مَعْلُومٌ أنَّ المنعَمَ عَلَيْهِم لَيْسُوا مَنْ غَضِبَ الله عَلَيْهِم، وَلَيْسوا مَنْ ضَلَّ، فَكْيفَ يُقالُ: أعني هذا.
__________
(1) قرأ بها ابن كثير كما في كتاب السبعة في القراءات 112، ومختصر شهاذ القراءات ا، وإعراب القراءات 36، وإعراب القراءات الشواذ ق 7.
(2) هذا هو الإِعراب الأول لأبي الحسن الأخفش كما في كتابه معاني القرآن 18/1، والسبعة في القراءات 112، وبقية المصادر السابقة.
(3) هذا هو الإِعراب الثاني للأخفش. ينظر المصادر السابقة، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 125. وذهب إليه الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 53/1، وابن السهل فيما نقل عنه أبو على في الحجة 42/1 ا-143، وبه قال الزمخشرى في الكشاف 1/ 71، وهو المعنى في قول ابن أبى الربيع: وذهب بعض المتأخرين.. ويبدو أن ابن أبى الربيع أيقف على إعراب الأخفش، أو لم يثبت عنده، وبعيد أن يكون قصده ببعض المتأخرين الأخفش.
(4) ينظر مشكل إعراب القرآن 13/1، والتبيان في غريب إعراب القرآن 1/ 40، والفريد في إعراب القرآن المجيد 176/1.(36/158)
وَالأَمْرُ بَيّنٌ أنَّ هذا يعني هذا بعيدٌ وَخارِجٌ عَنْ طَريقِ كَلامِ الْعَرَبِ، وَأَبْينُ عندي مَا فيه أَنْ يكونَ استثناءً منقطعاً، وَعَلَيْهِم في مَوْضِعَ رَفِع، لأِنَّهُ مفعولٌ بمغضُوبِ لم يُذكر فاعله. فَيكُونُ مَرْفوعاً كما تَقُولُ: مُرَّ بزيدٍ والهاءُ والميمُ مِنْ عَلَيْهِم تَعوُدُ إلى الأَلِفَ واللاّم فِيْمَنْ جَعَلَها اسْماً، وَمَنْ جَعَلَها حَرْفاً- وَهُوَ الصّحيحُ، لأنّكَ لا تجَدُ اسماً لا ظاهِراً وَلا مُضمَراً لا مُتّصِلاً وَلا مُنْفَصِلاَ علي حَرفٍ وَاحدٍ ساكنٍ - فَيَكُون الضمير عائداً على الذين، لأنَّ معنى اْلمغْضُوبِ الَّذِينَ غضِبَ عَلَيْهِم، وكذلِكَ قالَ أبو عليّ في الإِيْضَاحِ: إذا أخبرتَ عَنْ نَفْسِكَ مِن ضرب زيدٍ بالأَلِفِ واللاَّم قُلْتَ: الضَّارِبُ زيداً أنا، ففي كل واحِدٍ من ضَرَبٍ وَالضَّارِبِ ذِكْرٌ يعوُدُ إلى الذي (1)
والمغضُوبُ عَلَيْهِم هُمْ الْيَهُودُ وَمَنْ شَاكَلَهُم في تعنُّتِهِم وتبديلهم الحقّ مَعَ مَعْرِفَتِهِ، قال تعالى: (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفونَ أَبْنَاءَهُمْ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ/ لَيَكْتُمُونَ ألْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون) (2) ..
والضالُون: هُمُ النّصارى، لأِنّهم ضَلُّوا بنظَرِهِم الفاسد، قال تعالى: (لا تَغْلُوا في دينِكُمْ غَيْرَ الحق وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضًلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلًّوا عَن سَوَآءِ السَّبِيلِ) (3) .
لأِنّ عِيْسى عليه السّلام حيِنَ تكَلّمَ أخَذَوا في الكَلام فيه، فَمِنْهُمْ مَنْ قالَ: هُوَ ابن الله، وَمِنْهم مَنْ قالَ هُوَ الله، وهذا كَلُّهُ فسادٌ في النَّظَرِ- وَالله أعلم- وهو عبد مكرمُ من عبيد الله المكرمين.
__________
(1) ينظر الإيضاح 58/1.
(2) سورة البقرة آية: 146.
(3) سورة المائدة آية: 77.(36/159)
وفي (الضالين) ضَمِيرٌ يَعوُدُ على الألفِ وَاللام عَلى مَنْ جَعَلها اسماً، وَمن لم يَجْعَلْهَا اسْماً أعَادَ الضميرَ عَلى الّذيْنَ المَفْهُومِ مِن و (لا الضَّالِيْن) على حَسْبما تَقَدَّمَ في (المغْضُوبِ عَلَيْهِم) .
وُيقال: ضَلَلْتُ وَضَلِلْتُ بفتح اللام وكسرها، والفتح أفصحُ وبه جاء القرآن.
وَقُرِىءَ في الشّاذِّ و (لاَ الضّألِينَ) (1) بَفتح الهمزة، لأِنَّهم كَرِهُوا التِقاء الساكنين. وَحُكِي: دَأبّه وشَأبّه (2) على هذا.
وَقرأَ ابن كثير: (عَلَيْهُم) ، و"بهُم "، و"لهُم "، و"إليْهُم "، و"لديهُمْ "وما أشبه ذلك بضمير الجمع مخاطباً كان أو غائباً بضَم الهاء والكاف موصولة (3) بالواو. ما لَم يكُنْ قبل الهاء ياء أو كسرة، فإن كان قبل الهاء ياء ساكنة أو كسرة، كسر الهاء اتباعاً لما قبلها وإبقاء الميم على أصْلِها ولم يتبعها الهاءَ، لأنْ كسرةَ الهاءِ عارضةٌ.
وقرأ الباقون بسكون الميم وضم الهاء ما لم يكن قبلها ياءٌ ساكنةٌ أو كسرةٌ، إلا حمزةَ فإنه ضمَّ الهاءَ من (عَليهم) و"لديهم "، "إليهم "خاصة (4) .
__________
(1) قرأ بها أبو أيوب السجّستانى كما في المحتسب 37/39، والمحرر الوجيز1/126 وإعراب القراءات لابن خالويه ق 38، وإعراب القراءات الشواذ للعكبرى ق 7.
(2) ينظر المحتسب 47/1، والخصائص 3/ 45، والمحرر الوجيز 132/1.
(3) ينظر السبعة في القراءات 108، والحجة لأبى على الفارسي 37/1، والتذكرة في القراءات 1/ 85.
(4) ينظر المصادر السابقة، والكشف 1/37، 39، والمحرر الوجيز 1/ 126.(36/160)
وقرأ ورش بضمِّ الميم إذا لقيتها همزة القطع (1) وسَكّن فيما عدا ذلك، وإنما فعل ذلك ليتمكّنَ من النّطْقِ بالهمزةِ لثقلِها، والأصل في هذه الهاء الضّمُّ لأنّهُ المطّردُ والكَسْرُ إنّما هو حيث يَكُونُ قَبْلَها ياءٌ سَاكِنَةٌ أوْ كَسْرَةٌ فعَلِمْنا أنَّ المطَّرِدَ هُوَ الأصْلُ وأنَّ المكْسُورَ إنَّما جَاءَ تابعاًِ لما قَبْلَهُ، وَلأِنَّكَ لَوْ ادَّعَيْتَ أنَّ الكَسْرَ كانَ الأَصْلَ لم تَجدْ لِلكَسْرِ مُوجباً، وإذَا ادَّعَيْت أنّ الضَمَّ هُوَ الأَصْلُ وَجَدْت لِلكَسْرِ مُوجباً.
وحَكَى سِيْبَوْيه عَن بعضِ العَرَبِ: مِنْهِم بكسر الْهَاءِ وَلَمْ يُعْتَدّ بالسّكوُنِ، وَهذا لا يَكادُ يُعَرَف لِقِلّة المتكلمين به.
__________
(1) ينظر التيسير 9 1، والكشف 1/ 39، والتذكرة 1/ 86، والإقناع في القراءات السبع 2/ 5 59.(36/161)
وكذلك الميم أصْلُها الضمّ والكسر اتباع، لأنَّ الضمَّ مُطّردٌ والكسرُ غيرُ مُطّرِدٍ، وَلأَنّكَ إذا ادَّعيتَ أنّ الأصلَ الضمَّ وجدت أن للكَسْرِ موجَبَاً هو الاتباع، وَلَوْ جَعل الكَسْرَ هُوَ الأصْلُ لم تجد للضَّمّ موجباً، وكذلك الضمَّ في الميم والإتيان بالواو بعدها هو الأصلُ، وحذفُ المدّةِ وسكونُ الميم كان ثانياً (1) ، لأنّكَ إذا ادّعيت أنّ السُّكون هو الأصل لم تجد للحركة والمدَّةِ مُوجِباً، وإذا ادّعَيْتَ أنّ الأَصْلَ هُوَ الحَرَكَةُ والمدّةُ وَجَدْتَ لِلسُّكُونِ مُوجباً، وَذَلِكَ أنَّ العَرَبَ تَسْتَثْقِلُ توَالي خمس متحركات ألا ترى أنَّها لا تُوجد في أَوْزانِ الشعر، فسكنوا مثل ضَرَبَهم لتوالي (2) خمس متحركات، ثم جرى غيرهُ مجراه ليجرى على مثالٍ (3) ، ولأنَّ المؤنث والمثنى بعد الهاء فيهما حرفان، فيجبُ للمذكّر أنْ يَجْرِىَ على حُكْمِهما.
و (ذا سُكّنت الميم ولقيهَا ساكنٌ من كلمة أُخْرى وَالهاء قبلها مكسورة، فقرأ أبو عمرو بكسر الميم، نحو: (عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) (4) ، (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ) ، (5) .
وقَرأَ حمزةُ والكسائي بضم الهاء والميم ة ضَمَّا الميمَ (6) ، لأنَّ الضمَّ فيها هو الأصلُ فلمّا اضطرَّا (7) إلى التّحريكِ حَرَّكا (8) بحركَةِ الأصْلِ واتْبَعا (9) الهاء الميم.
__________
(1) في الأصل: ثانٍ، وهو هنا خبر لكان والمنقوص في النصب يعرب بحركة ظاهرة على يائه. لا يحذفها والتنوين، فلعل هذا من غفلة الناسخ.
(2) في الأصل: ولتولّى.
(3) في الأصل: فال، وهو تحريف.
(4) سورة البقرة آية: 61.
(5) سورة غافر آية: 9.
(6) في الأصل: ضموا.
(7) في الأصل: اضطروا.
(8) ،5 في الأصل: حركوا واتبعوا.
(9) ينظر الحجة لابن زنجلة 82، والتذكرة في القراءات 87/1.
ينظر الحجة لابن زنجلة 82، والتذكرة في القراءات 87/1.(36/162)
وقرأَ الباقون بكسر الهاء وَضَمّ الميم (1) ، نحو: عَلَيْهِمُ الّذّلَّةُ، حَرّكوا الميم عند الاضْطِرارِ إلى التّحرِيْكِ بحركة الأصْلِ، ولم يُتْبِعوا الهاءَ الميمَ، لأنَّ الحركة في الميم، عَرضتْ لالتقاء السَّاكنين فلا يُعْتدُّ بها.
وهذا كلّهُ جائزٌ إذا كان قَبلَ الهاءِ ياءٌ سَاكِنةٌ أوْ كَسْرَةٌ وَإِذا كانَ قَبْلَ الْهاءِ غَيرُ ما ذَكَرْتهُ فَلابُدَّ مِنَ ضَمِّ الْهَاءِ واْلميم، نحو: (جَآءتهم البينات) (2) و (لَهُمُ الدَّرَجَاتُ) (3) (وَمِنْهُمُ الذين يُؤْذُونَ النبي) لا خِلاَفَ في هَذا. وكَأَنَّ قِرَاءَةُ أبي عمرو- والله أعلمُ- مِمّنْ يَقُولُ: (عَلَيْهُمُ) إذا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهَا سَاكنٌ. وَقَدْ تَكُونُ قراءةُ أَبي عَمرو مِمَّنْ سَكّن الميمَ مِن "هُم"فَلَمَّا اضطّرَّ إلى التحرِيْكَ حَرَّكَ اتْباعاً لِلْهاءِ، وَكانَ هذا أَنْسَب؛
لأَنّهُ لم يُنْقلْ عَنهُ عليهم إذا لم يكن بَعدَهُ سَاكِنٌ.
وَأماَّ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ: (عَلَيْهُم) وَ"إِلَيْهُم"وَ"لَدَيْهُم "بضَمِّ الْهَاءِ هذه الثّلاثةَ خاصّةً، فَوَجْهُ ذلِكَ أنَّ الَأصْلَ هِي الأَلِفُ على وَلَدَى وَإلى، والانقلاب إنَّما دَخلَ عند الضّمير، فالانقِلابُ عَارِضٌ فَلَمْ يُعْتَدّ بهِ وَتَرْكُهَا مَضْمُومَةٌ كَما كَانَتْ تكون مع الألِفِ.
__________
(1) ينظر الحجة لابن زنجلة 82، والتذكرة في القراءات 87/1.
(2) ،9 سورة البقرة آية: 213.
(3) سورة التوبة آية: 61
سورة غافر آية: 9.
ينظر الكتاب 4/195-198.
ينظر الموطأ 1/ 1 8 1، وسنن الترمذي 28/2- ا 3، وفتح الباري 59/8 1، والمحرر الوجيز 133/1 والحديث بألفاظ مختلفة عما هنا(36/163)
وَقِراءَةُ حمزةَ والكِسَائي في (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ) (1) كما اضطَّرَّ إلى تحريْكِ اْلمِيمِ حَرّكَاهَا بحَرَكة الأَصْلِ ثُمَّ اتْبَعا الهاء الميم وإنْ كانت حَركتهُما عَارِضةً لأِنّهما كَرِها الخرُوُجَ مِن كَسْرِ الْهاءِ إلى ضَمِّ اْلمِيمَ، لأنَّهُما مُتَلاَزِمتان.
وهذا الفصَلُ إنَّما يتبيّنُ مُكَمَّلاً في كُتب العَرَبيَّة، وَفيها تَتَبينُّ لُغَاتُها (2) مُكَمَّلاً إنْ شَاء.
وفي الشَّاذِّ قِرَاءاتٌ لا يَلِيقُ ذِكْرُها هنا.
(آمينَ) : رُوِيَ أنّ جِبْريل صلى الله عليه وسلم قال لِرسُول الله صلى الله عليه وسلم قلْ آمِينْ (3) بعد قراءته أمّ القُرْآن، وَهِيَ اسمُ فعل، وأسماء الأَفْعالِ مَبْنِيّةٌ؛ لأِنَّ مُوجبَ الإِعراب لَيْسَ فيها، وبُنيَت على الفتح لالتقاء السَّاكِنَيْن، وفيها لُغتانِ: تُمَدّ وَتُقْصَرْ، ذكَرهمَا ثعلب (4) ، ومعناها اسْتَجِب وأجب يا رَبّ.
وَقَد نُقِلَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّ معناها: أفعلُ.
__________
(1) سورة غافر آية: 9.
(2) ينظر الكتاب 4/195-198.
(3) ينظر الموطأ 1/ 1 8 1، وسنن الترمذي 28/2- ا 3، وفتح الباري 59/8 1، والمحرر الوجيز 133/1 والحديث بألفاظ مختلفة عما هنا
(4) ينظر فصيح ثعلب 6 8ـ 87.(36/164)
استدراكات على كتاب ((تاريخ التراث العربي))
في كتب التفسير والقراءات
للدكتور حكمت بشير ياسين
أستاذ مشارك بكلية القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى من والاه وبعد:
فهذا القسم الرابع من ((استدراكات على كتاب تاريخ التراث العربي)) للأستاذ الدكتور فؤاد سزكين، وهذا القسم تتمة لما نشر في أعداد سابقة في مجلة الجامعة الإسلامية، وقد بدأت بالتفسير ثم ثّنيت بالقراءات كما يلي:
أولاً: استدراكات في علم التفسير:
القسم الأول
التفسير
1- لقد عقد أ. سزكين الفصل الثاني بعنوان: تفسير القرآن وكان ينبغي أن يكون العنوان: تفسير القرآن وعلومه. لأنه ساق جملة كبيرة من كتب علوم القرآن بالنسبة للتفسير، إضافة إلى هذا أنه عقد الباب الأول بعنوان: علوم القرآن، ثم جعله في فصلين الأول: القراءات، والثاني: التفسير.
2- كما لم يذكر من الصحابة المفسرين إلا ابن عباس رضي الله عنه، علماً أنه نبغ جماعة من الصحابة رضي الله عنهم في علم التفسير فقد شهدوا التنزيل وعرفوا التأويل- أي التفسير - ولا غرابة من ذلك فهم من أعرق القبائل العربية، ومن هؤلاء الصحابة: الخلفاء الراشدون الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير ... وقد ذكرهم شيخ الإسلام ابن تيمية والكافيجي والسيوطي.
قال السيوطي: "وأما الخلفاء فأكثر من روى عنه منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وهو كما قال فقد وجدت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حشداً من الروايات في التفسير جمعها الإمام السيوطي في كتابه القيم الموسوعي الموسوم ((جمع الجوامع أو الجامع الكبير".(36/165)
وأضيف إلى ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية والإمامان الكافيجي والسيوطي ثلث من الصحابة الذين نقل عنهم مئات الروايات في التفسير وهم: أم المؤمنين عائشة، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبوهريرة، وأنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين.
ولو رجع أ. سزكين إلى مصدرين في طبقات المفسرين لمؤلِفَين من أهل بلده، وينطقان بلغته، لرأى أسماء هؤلاء في كتاب: BUYUK TAFSIR TARIHI TABAKATUL- MUFESSIRIN لعمر نزيه بلمان، طبع في إسلامبول باللغة التركية بالحروف اللاتينية، وكتاب ((طبقات المفسرين)) لأحمد بن محمد الأدنوي من علماء القرن الحادي عشر الهجري، وتوجد منه نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية برقم (1859 تاريخ طلعت) . وجميع الصحابة الذين ذكرتهم أوردهما المؤلفان المذكوران.
وقد جمع الإمام السيوطي روايات هؤلاء الصحابة وغيرهم في كتابه ((ترجمان القرآن)) حيث قال: وقد جمعت كتاباً مسنداً فيه تفاسير النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، فيه (بضعة عشر ألف) حديث ما بين مرفوع وموقوف، وقد تم ولله الحمد في أربع مجلدات وسميته ترجمان القرآن، إلا أن هذا الكتاب في عداد المفقود ولكن مختصره موجود، وهو ((الدر المنثور في التفسير بالمأثور)) .
وللتأكيد على نبوغ وبراعة هؤلاء الصحابة في علم التفسير، أنقل بعض الشذرات التي تنطق بأنهم من رجاله بل من أركانه.
فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: "والله ما نزلت آية وقد علمت فيما نزلت، وأين نزلت، وعلى من نزلت، وإن ربي وهب لي قلباً عقولا ولساناً ناطقاً". وهو القائل: "سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، وفي سهل أم في جبل " (1) .
__________
(1) أخرجه ابن سعد بسنده عنه الطبقات الكبرى2/338.(36/166)
وقد نقل ابن الأثير عن سعيد بن المسيب قال: "ما كان أحد من الناس يقول: سلوني غير علي بن أبي طالب " (1) .قال السيوطي وأما كلامه في تفسير القرآن فكثير وهو مستوفى في كتابنا التفسير المسند بأسانيده.
ونقل السيوطي عن ابن أبي جمرة عن علي رضي الله عنه أنه قال: "لو شئت أن أوقر سبعين بعيرا من تفسير أم القرآن لفعلت". اهـ. ثم وجه السيوطي وبيّن وبرهن على إمكان ذلك.
وأما بالنسبة لعلم ابن مسعود رضي الله عنه في التفسير والتنزيل، فقد صح عنه أنه قال: "والله الذي لا إله إلا غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن نزلت، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإِبل لركبت إليه".
وأما أُبي بن كعب رضي الله عنه فقد كان له دراية فائقة بالقرآن، وقد سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن أي آية في القرآن أعظم؟ فأجاب أبي: {الله لا إلهَ إلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّوم} [سورة البقرة/255] فضرب النبي الله عليه وسلم الله عليه وسلم في صدره وقال: "لِيهْنكَ العلم يا أبا المنذر " (2) .
وأما ابن عباس فشهرته بعلم التفسير تغني الكلام عنه، وسيأتي ذكره بعد قليل، ومن الجدير بالذكر أنه اعتني بجمع تفسير ابن عباس رضي الله عنه في عدة أماكن، ففي جامعة أم القرى قام الشيخ د. عبد العزيز الحميدي بجمع تفسير ابن عباس رضي الله عنهما من كتب السنة وطبعته جامعة أم القرى، وفي الجامعة نفسها قام الزميل الشيخ أحمد عايش بجمع نسخة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من كتب السنة وكتب التفسير وغيرها، وفي جامعة الإمام محمد بن سعود قام جماعة من الباحثين في الدراسات العليا بجمع تفسير ابن عباس أيضاً.
__________
(1) أسد الغابة3/597.
(2) أخرجه مسلم بنحوه في صحيحه- صلاة المسافرين رقم 810.(36/167)
وكذلك جُمع تفسير ابن مسعود رضي الله عنه، فقد قام الباحث محمد أحمد عيسوي بجمعه من كتب السنة والتفسير في جامعة القاهرة وطبعته مؤسسة الملك فيصل الخيرية في الرياض.
كما قام د. محسن حمودي بجمع تفسير عائشة رضي الله عنها في جامعة الأزهر، ثم جُمع أيضاً في جامعة أم القرى وكذلك جمعه د. سعود الفنيسان ونشره، كما جمع تفسير علي بن أبي طالب رضي الله عنه في جامعة الإمام محمد بن سعود، وجُمع تفسير أُبي بن كعب، وتفسير عبد الله بن عمر، وتفسير أبي هريرة رضي الله عنهم في جامعة أم القرى، وكل ما ذكرت جُمع في رسائل جامعية علمية تؤكد وتبرهن على أن المذكورين من أوائل وكبار المفسرين.(36/168)
3- وعلى الرغم من أن أ. سزكين اكتفى بالكلام عن تفسير ابن عباس رضي الله عنه فقط وترك التفاسير الأخرى. فقد طعن في هذا التفسير الذي اقتصر على ذكره وحده فقط وكاد أن ينسفه نسفاً بسبب نقله أيضاً عن المستشرق (جولد تسيهير) في كتابه ((اتجاهات التفسير القرآني)) وبسبب تأثره به وتبنيه لرأي (جولد تسيهير) ، فقال في الرواة عن ابن عباس: "وهناك شروح أخرى لا تحصى ترجع إلى ابن عباس، ويبدو أنها مأخوذة من كتب تلاميذه التي أنجزت تارة أثناء مجالس العلم العامة، وتارة في مجالسه الخاصة أوفي مناقشاته. على أن الاختلافات، بل حتى أحياناً التناقضات بين هذه التفسيرات يمكن أن تفسر إلى حد ما كنتيجة للتطور الذي طرأ على فكر ابن عباس وعلى فكر تلاميذه الذين كانوا يتوجهون إليه دائماً بأسئلة ثم يؤلفون بعد ذلك كتبهم في التفسير. ويتضحِ من النصوص أن التفسير القرآني قد تطور في هذه الفترة تطوراً قوياً وسريعا. وفضلا عن هذا فلدينا انطباع أن ابن عباس وتلاميذه لم يكن بإمكانهم أن يتجنبوا التفسير الحر للقرآن الكريم في وقت تطور فيه تفسير القرآن تطوراً سريعاً، وكثيراً ما أدخل هؤلاء مبدأ ((الرأي)) وطبقوه في مجال التفسير. ودفع الحرص على تفسير القرآن أيضاً عبد الله بن عباس وبعض تلاميذه إلى علماء النصارى واليهود من أهل الكتاب".اهـ (1) .
__________
(1) تاريخ التراث العربي 1/60. .(36/169)
4- أما إشارته إلى الاختلافات والتناقضات من دون دليل ولا توجيه فهو افتراء على الرواة الثقات من تلاميذ ابن عباس رضي الله عنه وهم من رجال الشيخين بل هم صفوة التابعين المفسرين، وما ذكره من الاختلافات والتناقضات لا ينبغي إطلاقه بدون ترجيح أو توجيه، فإن ما ورد في ذلك لا يخلو من أمرين: إما أن يروى بإسناد ضعيف، أو أنه يروى بإسناد ثابت، فما ورد بسند ضعيف لا يدخل في هذه المسألة ويكون من باب المرجوح، وأما ما ثبت فإنه خلاف تنوع لا اختلاف تضاد وتناقض، وقد بين ذلك وفصله شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فقال في كتابه الموسوم ((مقدمة في أصول التفسير)) : "الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد. وذلك صنفان:
أحدهما أن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى، بمنزلة الأسماء المتكافئة التي بين المترادفة والمتابينة، كما قيل في اسم السيف: الصارم والمهند، وذلك مثل أسماء الله الحسنى وأسماء رسوله صلى الله عليه وسلم وأسماء القرآن، فإن أسماء الله كلها على مسمى واحد فليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى مضاداً لدعائه باسم آخر بل الأمر كما قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} .اهـ.
ثم تكلم عن الأسماء والصفات لله تعالى وعن أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وأسماء القرآن ثم قال:(36/170)
"إذا عرف هذا فالسلف كثيراً ما يعبرون عن المسمى بعبارة تدل على عينه، وإن كان فيها من الصفة ما ليس في الاسم الآخر، كمن يقول: أحمد هو الحاشر والماحي والعاقب. والقدوس هو الغفور والرحيم، أي المسمى واحد لا أن هذه الصفة هي هذه. ومعلوم أن هذا ليس اختلاف تضاد كما يظنه بعض الناس، مثال ذلك تفسيرهم للصراط المستقيم فقال بعضهم: هو القرآن- أي اتباعه- لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث علي الذي رواه الترمذي ورواه أبو نعيم من طرق متعددة "هو حبل الله المتين والذكر الحكيم وهو الصراط المسقيم"، وقال بعضهم هو الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث النواس بن سمعان الذي رواه الترمذي وغيره "ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سوران، وفي السورين أبواب مفتحة، على الأبواب ستور مرخاة، ودل يدعو من فوق الصراط، وداع يدعو على رأس الصراط. قال: فالصراط المستقيم هو الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، والداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مؤمن".
فهذان القولان متفقان لأن دين الإسلام هو إتباع القرآن ولكن كل منهما نبه على وصف غير الوصف الآخر، كما أن لفظ ((صراط)) يشعر بوصف ثالث. وكذلك قول من قال: هو السنة والجماعة. وقول من قال: هو طريق العبودية. وقول من قال: هو طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.(36/171)
وقد يجيء كثيراً من هذا الباب قولهم: هذه الآية نزلت في كذا، لاسيما إن كان المذكور شخصاً، كأسباب النزول المذكورة في التفسير، كقولهم: إن آية الظهار نزلت في امرأة أوس بن الصامت، وان آية اللعان نزلت في عويمر العجلاني أو هلال بن أمية وإن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبدا لله وإن قوله {وأنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أنْزَل الله} نزلت في بني قريظة والنضير، وإن قوله: {ومَنْ يُوَلِّهِمْ يَومَئِذٍ دبُرَهُ} نزلت في بدر، وإن قوله: {شَهَادةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أحَدكُمُ المَوْتُ} نزلت في قضية تميم الداري وعدي بن بداء، وقول أبي أيوب إن قوله {ولاَ تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ونزلت فينا معشر الأنصار. الحديث. ونظائر هذا كثير مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة، أو في قوم من أهل الكتاب اليهود والنصارى، أو في قوم من المؤمنين. فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية مختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق.
والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه أم لا؟ فلم يقل أحد من علماء المسلمين إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص فيعم ما يشبهه ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ، والآية التي لها سبب معين إن كانت أمراً ونهياً فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته وإن كانت خبراً بمدح أو ذم فهي متناولة لذلك الشخص ولمن بمنزلته أيضاً.(36/172)
وهذان الصنفان اللذان ذكرناهما في تنوع التفسير- تارة لتنوع الأسماء والصفات، وتارة لذكر بعض أنواع المسمى وأقسامه كالتمثيلات. هما الغالب في تفسير سلف الأمة الذي يظن أنه مختلف. ومن التنازع الموجود عنهم ما يكون اللفظ فيه محتملاً للأمرين، إما لكونه مشتركاً في اللغة كلفظ {قَسْوَرَةٍ} الذي يراد به الرامي ويراد به الأسد، ولفظ {عَسْعَسَ} الذي يراد به إقبال الليل وإدباره، وإما لكونه متواطئاً في الأصل لكن المراد به أحد النوعين أو أحد الشيئين كالضمائر في قوله {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أوْ أدْنَى} وكلفظ {والفَجْرِ ولَيالٍ عَشْرٍ والشَّفْعِ والوَتْرِ} هو وما أشبه ذلك، فمثل هذا قد يجوز أن يراد به كل المعاني التي قالها السلف، وقد لا يجوز ذلك.
فالأول إما لكون الآية نزلت مرتين فأريد بها هذا تارة وهذا تارة، وأما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معنياه، إذ قد جوز ذلك أكثر الفقهاء المالكية والشافعية والحنبلية وكثيرمن أهل الكلام، وإما لكون اللفظ متواطئاً فيكون عاماً إذا لم يكن لتخصيصه موجب، فهذا النوع إذا صح فيه القولان كان من الصنف الثاني.
ومن الأقوال الموجودة عنهم ويجعلها بعض الناس اختلافاً أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة لا مترادفة، فإن الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر
وإما معدوم، وقلّ أن يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه بل يكون فيه تقرِيب لمعناه، وهذا من أسباب إعجاز القرآن، فإذا قال القائل {ويَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراَ} : إن المور هو: الحركة كان تقريباً، إذ المور حركة خفيفة سريعة. وكذلك إذا قال: الوحي: الإعلام، أو قيل: أوحينا إليك أنزلنا إليك، أو قيل: {وقَضَيْنا إلى بَني إِسْرَائِيلَ} أي أعلمنا وأمثال ذلك، فهذا كله تقريب لا تحقيق، فإن الوحي هو إعلامَ سريع خفي، والقضاء إليهم أخص من الإعلام، فإن فيه إنزالا إليهم وإيحاء إليهم.(36/173)
والعرب تضمن الفعل معنى وتعديه تعديته، ومن هنا غلط من جعل بعض الحروف تقوم مقام بعض كما يقولون في قوله {لَقَدْ ظَلَمَكَ بسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجه} أي مع نعاجه و {مَنْ أنْصَارِي إلى الله} أي مع الله ونحو ذلَك.
والتحقيق ما قاله نحاة البصرة من التضمين، فسؤال النعجة يتضمن جمعها وضمها إلى نعاجه، وكذلك قوله {وَإنْ كَادوا لَيَفْتِنًونَكَ عَنِ الَّذي أوْحَينا إلَيْكَ} ضمن معنى يزيغونك ويصدونك، وكذلك قوله {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ القَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنا} ضمن معنى نجيناه وخلصناه، وكذلك قوله {يَشْرَبُ بهَا عِبَادُ اللَه} ضمن يروى بهأ. ونظائره كثيرة. ومن قال: لا ريب لاشك، فهذا تقريبَ. وإلا فالريب فيه اضطراب وحركة كما قال: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" وفي الحديث: أنه مر بظبي حاقف فقال ((لا يريبه أحد)) فكما أن اليقين ضمن السكون والطمأنينة فالريب ضده ضمن الاضطراب والحركة. ولفظ ((الشك)) وإن قيل إنه يستلزم هذا المعنى لكن لفظه لا يدل عليه. وكذلك إذا قيل {ذلِكَ الكِتَابُ} هذا القرآن فهذا تقريب، لأن المشار إليه وإن كان واحداً فالإشارة بجهة الحضور غير الإِشارة بجهة البعد والغيبة، ولفظ ((الكتاب)) يتضمن من كونه مكتوباً مضموناً ما لا يتضمنه لفظ القرآن من كونه مقروءاً مظهراً باديأ. فهذه الفروق موجودة في القرآن. فإذا قال أحدهم {أنْ تُبْسَلَ} أي تحبس، وقال الآخر: ترتهن ونحو ذلك. لم يكن من اختلاف التضاد وإن كان المحبوس قد يكون مرتهناً وقد لا يكون، إذ هذا تقريب للمعنى كما تقدم.
والاختلاف قد يكون لخفاء الدليل، أو الذهول عنه، وقد يكون لعدم سماعه، وقد يكون الغلط في فهم النص، وقد يكون لاعتقاد معارض راجح. فالمقصود هنا التعريف
بمجمل الأمر دون تفاصيله. اهـ (1) .
__________
(1) . مقدمة في أصول التفسير ص 11- 20.(36/174)
وأضيف إلى ما ذكره شيخ الإِسلام أن الخلاف قد يكون بسبب القراءات المتواترة ففي بعض الأحيان يكون لكل قراءة معنى، وكذلك بعضهم يورد بعض القراءات الشاذة للتفسير لا للتلاوة. هذا بالنسبة لشبهة الاختلاف والتناقض.
5- وقد تمخض من هذه الشبهة أنه رتب على ذلك نتيجة التطور الذي طرأ في فكر ابن عباس وفكر تلاميذه هكذا نقل. وأقول إن هذا الاستنتاج باطل لأن دليله باطل، وأنه لم يطرأ أي تطور على فكر ابن عباس ولا على فكر تلاميذه، لأن فكرهم ومنهجهم منضبط بين دفتي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ويعتمد على النقل، وقد صح عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: "كان ابن عباس إذا سئل عن الأمر، فإن كان في القرآن أخبر به، وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر به، فإن لم يكن في القرآن ولا عن رسول الله وكان عن أبي بكر وعمر أخبر به، فإن لم يكن من ذلك اجتهد رأيه"، وما ذكره من الاجتهاد فهو أهل لذلك حيث أخذ العلم عن عشرات الصحابة فقد صح عن ابن عباس قال: "إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".
ولم يطلق رأيه في كل شيء فما لم يعرفه يسكت عنه ويأبى أن يقفُ ما ليس له به علم، فقد أخرج أبو عبيد القاسم بن سلام عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن مرة قال رجل لسعيد بن جبير: أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية {والمُحصَنَاتُ مِنَ النَّسَاءِ إلاَ مَا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} [النساء/24] فلم يقل فيها شيئاً، فقال سعيد: "كان لا يعلمها".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها".إسناده صحيح.(36/175)
وقال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة قال: "سأل رجل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة، فقال له ابن عباس فما {يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَة} فقال الرجل: إنما سألتك لتحدثني، فقال ابن عباس: "هما يومان ذكرهما الله في كتاب الله، الله أعلم بهما"فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم".
وكان قد أفتى الناس في مسألة الصرف فقد أخرج البخاري بسنده عن أبي صالح الزيات أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: "الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم". فقلت له: فإن ابن عباس لا يقوله. فقال أبو سعيد: سألته فقلت سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم أو وجدته في كتاب الله؟ كل ذلك لا أقول، وأنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولكن أخبرني أسامة أن النبي الله عليه وسلم الله عليه وسلم قال: "لا ربا إلا في النسيئة " (1) . ولكنه رجع عنها وقد أخرج الحاكم بسنده عن عبد الله بن مليك العجلي قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قبل موته بثلاث يقول: "اللهم إني أتوب إليك مما كنت أفتي الناس في الصرف. وصححه ووافقه الذهبي وقال الحاكم: وهو من أجل مناقب عبد الله بن عباس أنه رجع عن فتوى لم ينقم عليه في شيء غيرها.
وورد في صحيح مسلم أن أبا الصهباء سأل ابن عباس عنه بمكة فكرهه.
__________
(1) الصحيح- البيوع- باب بيع الدينار بالدينار نساء رقم 2178-2179.(36/176)
ومن هنا نستنتج أن ابن عباس لم يطرأ على فكره أي تطور بل هو من الصحابة الذين أخذوا منهج القراءة والتفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج أبو عمرو الداني في كتاب ((البيان)) بإسناده عن عثمان وابن مسعود وأبي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل، فيعلمنا القرآن والعمل جميعا".وذكر عبد الرزاق عن معمر عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: "كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن لم نتعلم العشر التي بعدها حتى نعرف حلالها وحرامها وأمرها ونهيها". وأخرجه ابن عساكر والذهبي عن ابن مسعود بنحوه.
وكفى بشهادة ابن مسعود فقد صح عنه أنه قال: "نعم ترجمان القرآن ابن عباس وبدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" (1) .
6- أما ما ذكره أ. سزكين في قوله عن ابن عباس وتلاميذه: وكثيراً ما أدخل هؤلاء مبدأ الرأي وطبقوه في مجال التفسير ودفع الحرص على تفسير القرآن أيضاً عبد الله بن عباس وبعض تلاميذه إلى علماء النصارى واليهود من أهل الكتاب. اهـ.
__________
(1) أخرجه أحمد والفسوي والطبراني بأسانيد عن ابن عباس وصححه أحمد شاكر وقال الهيثمي ولأحمد طريقان رجالهما رجال الصحيح المسند رقم 3033 والمعرفة والتاريخ 1/ 494 والمعجم الصغير ا/197، ومجمع الزوائد 9/ 276. وأخرجه البخاري ومسلم بمعناه صحيح البخاري رقم 7270 وصحيح مسلم رقم 2477.(36/177)
والجواب عن مبدأ الرأى في التفسير سيأتي مفصلا في الرد على النظَّام المعتزلي ومن نقل عنه من المستشرقين في الاستدراك رقم (13) ، وأقول أيضاً: قبل أن نحكم أنهم فسروا بالرأي لابد من معرفة ثبوت الإسناد إليهم، لأنه ما روي من طريق الكلبي وعطية العوفي وأبي صالح باذام- أو باذان- أو من طريق الضحاك بن مزاحم فكل هذه الطرق ضعيفة لا تثبت، أما ما ورد من الطرق الصحيحة في التفسير بالرأي عنهم فهو من قبيل الرأي المحمود لا المذموم كآراء الزنادقة وأهل الشبهات، فآراء ابن عباس وتلاميذه لا تخلو من أربعة أمور: إما الاستنباط من القرآن والسنة وأقوال الصحابة كما سيأتي عن مجاهد بن جبير، وإما أخذوه من لغة العرب، أومن وجوه القراءات المتواترة، أو عن أهل الكتاب فيما سكت عنه أو ما وافق القرآن والسنة لأن الإسرائيليات على أنه كما قسمها شيخ الإسلام ابن تيمية إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني. والقسم الأول قد ورد في الصحيحين مرفوعاً، كحديث الذي قتل مائة نفس، وحديث الأبرص والأقرع والأعمى، وكلاهما متفق عليه بل عقد البخاري باباً بعنوان: باب ما ذكر عن بني إسرائيل ((1)) ، فمثل هذا يصدق إذا وصل إلينا بالنقل الصحيح.
7- وهنا يأتي الرد على قوله في أخذ ابن عباس وتلاميذه عن أهل الكتاب فهم لا يأخذون ما خالف الكتاب والسنة، وما ورد من هذا القبيل لابد من التثبت أن أهل الأهواء قد أدخلوا على ابن عباس الكثير، وبنقد الأسانيد تفضح أهواءهم ودسائسهم بواسطة النقاد الجهابذة.
__________
(1) انظر الصحيح- كتاب أحاديث الأنبياء. .(36/178)
وسيأتي مزيد من الرد على قوله في الأخذ عن أهل الكتاب في الكلام عن كتب التفسير في العصر الأموي في الكلام عن ابن عباس رضي الله عنه وأخذه عن أبي الجلد جيلان بن فروة، فهو فرية يأتي فضحها في موطنها.
وقد ذكر أ. سزكين في مقدمة تفسير القرآن أيضاً بعض الكتب التي وصلت إلينا ومنها:
8- التفسير لمجاهد المتوفى سنة 104 هـ.
وذكر نسخة من هذا التفسير في استعراضه لآثار مجاهد وهي نسخة القاهرة، تفسير 1075 في 8 كراسات 95 ورقة. وهذا الكتاب طبع وهو منسوب للإِمام مجاهد بن جبر والصحيح أن هذا التفسير لآدم بن أبي إياس العسقلاني ت 220 هـ، ومنشأ هذا الخطأ يعود إلى الناسخ ثم اتبعه أ. سزكين والمحقق عبد الرحمن الطاهر السورتي الذي حقق هذا التفسير، وقد طبع أولا في قطر ثم صور في لبنان في جزئين، ومن الأدلة على أن التفسير لآدم ما نقله الزبيدي ت 1205هـ في تخريجه لأحاديث ((إحياء علوم الدين)) فقد استخدم تفسير آدم بن أدم بن أبي إياس هذا ونقل منه بالنص، حيث روى آدم بن أبي إياس في تفسير ((سورة القارعة)) حديثاً مرسلا فقال: ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال: قال رسول الله الله عليه وسلم الله عليه وسلم: "إذا مات العبد تلقى روحه أرواح المؤمنين فيقولون له: ما فعل فلان؟ فإذا قال: مات قبلي. قالوا: ذهب به إلى أمه- الهاوية- وبئست الأم وبئست المربية". اهـ.
وهذا النص بهذا الإِسناد والمتن نقله الزبيدي بنصه وفصه. وفي هذه الرواية دليل آخر أنه ليس من تفسير مجاهد حيث ورد من طريق الحسن البصري بل في الروايات الأخرى عشرات الشيوخ والمفسرين من غير طريق مجاهد.
وقد تتبعت إسناد الكتاب فوجدته يبدأ بأبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد بن محمد الهمداني قال: حدثنا إبراهيم بن الحسن بن علي الهمداني قال: حدثنا آدم بن أبي إياس ... ومن آدم هذا يتفرع الإِسناد إلى عشرات الشيوخ والمفسرين ومنهم مجاهد بن جبر.(36/179)
فعلى سبيل المثال أخذت الجزء الأول من طبعة لبنان المصورة عن الطبعة القطرية فتوصلت إلى أن آدم يروي عن شيوخه من الطرق التالية المرفقة بأرقام الصفحات كما يلي:
إسرائيل
عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس 388.
إسرائيل
عن أبي إسحاق الهمداني عن أبي الأحوص عن ابن مسعود 225.
إسرائيل
عن أبي إسحاق الهمداني عن عبد الله بن أبي الهذيل عن ابن عباس 225.
إسرائيل
عن أبي إسحاق الهمداني عن حسان بن فائد عن عمر بن الخطاب 161.
إسرائيل
عن أبي إسحاق الهمداني عن أبي ميسرة 208.
إسرائيل
عن أبي إسحاق الهمداني عن البراء بن عازب 324، 386.
إسرائيل
عن أبي إسحاق الهمداني عن مرة بن شراحيل 336.
إسرائيل
عن أبي إسحاق الهمداني عن مسروق بن الأجدع 413.
أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية 297، 301، 09 4.
أبو جعفر الرازي عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارعن ابن عباس 158.
أبو جعفر الرازي عن يونس بن عبيدعن الحسن 155.
أبو جعفر الرازي عن مغيرة عن إبراهيم 101- 174.
حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن الحسن 403.
حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه 360.
حماد بن سلمة عن شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك 337.
حماد بن سلمة عن شعيب بن الحبحاب عن أبي العالية الرياحي 236.
حماد بن سلمة عن محمد بن عمروعن أبي سلمة عن أبي هريرة 200،335، 404.
حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبيرعن ابن عباس 192.
حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب 176.
حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن سعيدِ عن ابن عباس 400.
حماد بن سلمة عن عكرمة عن ابن عباس 174.
حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن أبي العالية 161.
حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن 155.
حماد بن سلمة عن أبي سنان عن وهب بن منبه 243.
حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس 174.
حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن أبن عباس 192- 193.(36/180)
حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى 389.
حماد بن سلمة عن أبيه عن جده عن الأسلع 187.
ابن خالد الزنجي (واسمه مسلم) عن ابن أبي نجيح عن مجاهد 179، 366.
الربيع بن بدر عن علي بن أبي طالب عن أبي أمامة س 133.
الربيع بن صبيح عن علي بن أبي طالب عن أبي أمامة 133.
أبو الربيع السمان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس 337.
سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة 207، ولم يذكر المزي سهيلا في شيوخ آدم.
سلام بن مسكين عن الحسن 365.
سليمان بن حبان عن هشام بن عروة عن أبيه 360.
شريك عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب 324.
شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير 268.
شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس 151.
شريك عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس 151.
شيبان عن عاصم بن أبي النجود عن المعرور بن سويد عن أبي ذر الغفاري 228.
شيبان عن جابر عن مجاهد 145.
شيبان عن جابر عن مجاهد وعكرمة عن ابن عباس 250.
شيبان عن قتادة عن سالم ابن أبي الجعد عن عبد الله بن عمرو 415.
أبو شيبة عن عطاء 363.
ضمرة عن سفيان 195.
عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر 215.
أبو عصام عن خليد عن قتادة 369.
أبو عبيدة عبد الوارث عن عبد الوارث عن حميد الطويل عن الحسن 416.
أبو فضالة (الفرج بن فضالة) عن لقمان بن عامر عن أبي أمامة الباهلي 381- 454.
قيس بن الربيع عن محمد بن الحكم عن علي بن أبي طالب 416.
المبارك بن فضالة عن الحسن البصري 1 4 1، 155، 159، 163، 167، 174، 2 21، 1 5 2، 287، 9 5 3، 1 32، 9 35*2، 372، 389، 1 39.
المسعودي عن قتادة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس 330، 417 بدون قتادة.
المسعودي عن يونس بن خباب عن ابن مسعود 416.
المسعودي عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود 350.
المسعودي عن سلمة بن كهيل عن أبي العبيدين ابن مسعود 361.(36/181)
أبو معشر عن يحي بن شبل عن يحى بن عبد الرحمن المزني عن أبيه 237.
أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي 180،213، 368.
أبو معشر عن محمد بن قيس عن أبي هريرة 207.
هشيم عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الشعبي عن علي 398.
أبو هلال الراسبي عن شهر بن حوشب عن ابن عباس 415.
ورقاء عن ابن أبي نجيح عن علي الأزدي 83.
ورقاء عن ابن أبي نجيح عن طاوس 106.
ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عبيد بن عميرالليثي 85، 231.
ورقاء عن ابن أبي نجيح عن سعيد بن جبير 394.
ورقاء عن ابن أبي نجيح عن أصحاب ابن مسعود 85.
ورقاء عن ابن أبي نجيح عن معقل بن أبي مسكين 123.
ورقاء عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن عبيد بن عمير 0 9.
ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس 97، 147 صرح أنه ابن أبي رباح.
ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عطاء بن أبي رباح 101.
ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عمرو بن دينار 112.
ورقاء بن عمر عن عبد الله بن المبارك عن ابن جريج 317.
ورقاء بن عمر عن منصور عن مجاهد 180.
ورقاء بن عمر عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبيرعن ابن عباس 145.
ورقاء بن عمر عن أبي عمارة 136.
ورقاء بن عمر عن سليمان الشيباني عن سعيد بن جبير 272.
ورقاء بن عمر عن سليمان الشيباني عن ابن أبي أوفى 272.
ورقاء بن عمر عن عطاء بن السائب 126.
ورقاء بن عمر عن عطاء بن السائب عن أبي البحتري 276.
ورقاء بن عمر عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير 99،126 *2،186.
334، 394*2.
ورقاء بن عمر عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبيرعن ابن عباس 118، 156،383.
ورقاء بن عمر عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس 404.
ورقاء بن عمر عن مغيرة عن الشعبي 115،156.
ورقاء بن عمر عن مغيرة عن إبراهيم 1 10، 110، 146، 151، 155، 174، 252.
ورقاء بن عمر عن مغيرة عن إبراهيم عن شريح 118.
ورقاء بن عمر عن حصين بن عبد الرحمن عن عمران بن الحارث عن ابن عباس 322.
ورقاء بن عمر عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي مالك 105.(36/182)
ورقاء بن عمر عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف 111.
ورقاء بن عمر عن حصين بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير 205.
ورقاء بن عمر عن حصين بن عبد الرحمن عن زيد بن وهب عن أبي ذرالغفاري 277.
ورقاء بن عمر عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن شداد بن الهاد 300.
ورقاء بن عمر عن حصين بن عبد الرحمن عن عبيد بن مسلم بن الحضرمي 352.
ورقاء بن عمر عن ابن أرطأة 128.
ورقاء بن عمر عن ابن جريج 357.
وكذلك ينقل من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد روايات تشكل جزءً لا بأس به. فالحق أن التفسير لآدم وأفاد من تفسير مجاهد من طريق شيخه ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وما نقله بهذا الإسناد فرع من هذا الكتاب القيم.
9- هذا وقد أدى كثرة نقوله عن بعض المستشرقين الحاقدين إلى الطعن بتفسير وعقيدة بعض كبار المفسرين التابعين الذين تقبلت الأمة تفسيرهم، مثل الإمام مجاهد الذي قال فيه الثوري إذا جاءك التفسيرعن مجاهد فحسبك به.
ونقل أ. سزكين عن المستشرق الحاقد اليهودي (جولد تسيهر) في كتاب المسموم الموسوم ((اتجاهات التفسير القرآني)) فقال: أما مجاهد (المتوفى 104 هـ/ 722 م) وهو أحد تلاميذ ابن عباس المقربين إليه فقد انطلق في التفسير الحر إلى مدى بعيد، بحيث إننا نجد عنده بدايات التأويل المجازى بعبارات المشبهة، وهو موضوع عني به المعتزلة فيما بعد عناية شاملة. اهـ.
أقول له ولمن نسج على منواله وتبنى أقواله: إن مجاهداً من أثبت تلاميذ ابن عباس في التفسير وأقربهم إليه وأنه أخذ عن بضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد صح عن مجاهد أنه قال: "عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها".(36/183)
فهو لا يعرف التأويل المجازي بل يعرف القراءة والعرض والسؤال عن التفسير فيأخذه عن حبر الأمة في التفسير وكان يكتب التفسير عن ابن عباس رضي الله عنه وصح عن ابن أبي مليكة أنه قال: "رأيت مجاهداً سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كلهط. فهذا منهج الإمام المفسر مجاهد وهو أيضاً لا يعرف ولا يعترف بعبارات المشبهة بل يعرف التفسير عن طريق الاستنباط من القرآن الكريم ثم التفسير النبوي ثم التفسير عن الصحابة، ومن تفسيره عن طريق الاستنباط من القرآن الكريم قوله في قوله تعالى: {وقَالُوا أَءِذا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً} قال: أي ترابا ففسر قوله تعالى: {وَرُفَاتاً} هو بقوله ترابا استنباطاً من قوله تعالى: {أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً ... } الصافات آية 16، وكذا تفسيره للشجرة
الملعونة في القرآن بأنها: الزقوم وكذا استنباطه من السنة كما في تفسير (الرعد) أنه ملك. فقد ثبت عنهما هذا التفسير.
وأما تفسيره عن النبي صلى الله عليه وسلم فلو تتبعنا مروياته في تحفة الأشراف فقط لرأينا عشرات الروايات يرويها مرفوعة بواسطة الصحابة، وأغلبها على شرط البخاري ومسلم. كما استنبط من أقوال الصحابة كما في تفسير ابن مسعود"لهو الحديث"الغناء، فقد ثبت عنهما هذا التفسير.
وأما ما نقله عن الصحابة رضي الله عنهم فقد روى عن بضعة عشر صحابياً كما ورد عن الإمام المفسر السمرقندي ت 375 هـ فقد روى بسنده عن ابن مجاهد قال: قال رجل لأبي: "أنت الذي تفسر برأيك؟ فبكي أبي ثم قال: إني إذاً لجريء لقد حملت التفسير عن بضعة عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".(36/184)
وهذه الرواية تدل على أن الشبهة يتناقلها أهل الشبهات قديماً من زمن مجاهد إلى زماننا هذا، وهذه الرواية فيها أيضاً رد على هذه الشبهة الساقطة. وهذا لا يعني أن الإمام مجاهد لم يسرد آراءه وأقواله، ولكنها في نطاق اللغة العربية وغريب القرآن وهي إما فهما رآه من اللغة العربية وله شواهد من اللغة، وإما أنه استنبطه من القرآن الكريم كما تقدم أو أنه أخذه عن الصحابة ولكنه لم يصرح بأسمائهم في تفسيره، هذا وحتى لو وجدنا تفسيره بالرأي فهو في نطاق المحمود.
10- نسخة علي بن أبي طلحة ت 143هـ على الراجح، المروية عن ابن عباس رضي الله عنهما:
قال أ. سزكين: ولم يصل إلينا من التفاسير القرآنية التي أخذت بصورة مباشرة عن أقدم التفاسير والتي ترجع إلى النصف الأول من القرن الثاني الهجري إلا بقية ضئيلة وهي: ((التفسير)) لكل من:
1- محمد بن السائب الكلبي 2- معمر عبد الرزاق.
3- سفيان الثوري 4- مقاتل بن سليمان.
ولم تفد التفاسير الثلاثة الأولى من مصادر كثيرة ... (1) اهـ.
__________
(1) تاريخ التراث العربي 1/58.(36/185)
وقد فاته ذكر هذه النسخة هنا لأنها تدخل في الفترة التي نص عليها وهي النصف الأول من القرن الثاني الهجري، وفاته أيضاً أن هذه النسخة وصلت إلينا بواسطة الإمام السيوطي حيث جمعها من تفسيري الطبري وابن أبي حاتم الرازي، وأودعها في كتاب ((الإتقان في علوم القرآن)) - النوع السادس والثلاثون في معرفة غريب - قال السيوطي: وأولى ما يرجع إليه في ذلك ما ثبت عن ابن عباس وأصحابه الآخذين عنه، فإنه ورد عنهم ما يستوعب تفسير غريب القرآن بالأسانيد الصحيحة، وهاأنا أسوق هنا ما ورد من ذلك عن ابن عباس من طريق ابن أبِي طلحة خاصة، فإنها من أصح الطرق عنه، وعليها اعتمد البخاري في صحيحه مرتباَ على السور. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ح وقال ابن جرير: حدثنا المثنى قالا: حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس… ثم ساق النسخة من أول القرآن إلى آخره.
11- وعندما ذكر أ. سزكين صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس عند الكلام عن ابن عباس قال: وقد سبقت الإشارة أنّا على يقين من إمكان جمع مادة تفسير ابن عباس برواية علي بن أبي طلحة اعتماداً على حوالي ألف نص عند الطبري … (1) .
وهذا التقدير خطأ، وفيه مغالطة ولو أحصى هذه النصوص حقاً لما أخطأ في أربعمائة رواية، وقد جمع الزميل الشيخ أحمد عايش روايات علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من تفسير الطبري وغيره فبلغت الروايات في تفسير الطبري فقط حوالي أربعمائة وألف رواية (2) .وقد رأيت هذا الإحصاء عندما أسندت إليَّ جامعة أم القرى مناقشة هذه الرسالة.
وهذا الاستدراك يشكك في إحصائيات أ. سزكين والأرقام التي ذكرها في عدد روايات قتادة ومجاهد وعطية العوفي في تفسير الطبري.
__________
(1) تاريخ التراث العربي 1/ 64.
(2) انظرصحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ص 130. .(36/186)
12- والفترة التي ذكرها سزكين يدخل فيها عدة تفاسير أخذت بصورة مباشرة عن أقدم التفاسير لم يذكرها في الفترة المذكورة آنفا منها:
تفسير عطاء الخراساني ت 35 1هـ.
تفسير نافع بن أبي نعيم القاريء المدني ت 69 1هـ.
تفسير مسلم بن خالد الزنجي ت 179 هـ أو180هـ.
تفسير يحيى بن يمان العجلي ت 188هـ أو189هـ.
وهذه التفاسير ذكرها سزكين في أماكنها حسب الترتيب الزمني، وكان ينبغي أن يشير إليها في هذه المقدمة حيث ذكر كما تقدم تفسير محمد بن السائب الكلبي ت 146هـ، وتفسير عبد الرزاق بن همام ت 211 هـ الذي يروي أغلبه عن معمرت 154 هـ، وتفسير سفيان الثوري ت 161هـ، وتفسير مقاتل بن سليمان ت 150 هـ. فالتفاسير التي ذكرتها، والتي كان ينبغي أن يذكرها هي ضمن هذه الفترة وكذلك أنها نقلت من أقدم التفاسير كما سأبين في مواطنها حسب ترتيب أ. سزكين - إن شاء الله-.
13- وقد اعتمد أ. سزكين على بعض المعتزلة إضافة إلى المستشرقين فنقل طعنهم ببعض المفسرِين التابعين، ثم أتبعه بافتراء آخر عليهم وعلى ابن عباس بأن تفاسيرهم تضمٍ تصويراَ لعالم الغيب فقال: وقد رمى أبو إسحاق النظَّام - وله مكانته بين المعتزلة - عددا من المفسرين منهم: عكرمة والضحاك - كلاهما تلميذ ابن عباس - بأنهم فسروا القرآن بشكل تعسفي خالص لا يقوم على أساس من المأثور. وأهم تلاميذ ابن عباس في التفسير:
1-سعيد بن جبير (المتوفى 95 هـ/713 م) .
2- مجاهد (المتوفى 4 0 1 هـ/ 722 م) .
3-عكرمة (المتوفى 105 هـ/23 7م) .
4- الضحاك بن مزاحم (المتوفى 05 1هـ/723 م) .
5- عطاء بن أبي رباح (المتوفى 14 1هـ/732 م) .
وتضم تفاسير هؤلاء العلماء وتفسير شيخهم ابن عباس شروحاً تاريخية وفقهية وتصويراً لعالم الغيب، إلى جانب توضيحات كثيرة ذات طابع لغوي، تدخل في دراسة مفردات اللغة. اهـ.(36/187)
لقد أخفق أيضاً في نقله عن النظَّام المعتزلي لأن رأي هذا المعتزلي معزول عن آراء النقاد من أهل السنة والجماعة من الذين مارسوا علم الجرح والتعديل، لقد اتفق النقاد جميعاً على توثيق هذه النخبة المرموقة من التابعين المفسرين ولم يذكروا فيهم ما قاله النظَّام، بل إن تفسيرهم يقوم على أساس التفسير بالمأثور وخصوصاً عن شيخهم ابن عباس اللهم إلا رواية الضحاك فمنقطعة وتفسيره بواسطة سعيد بن جبير فهو من التفسير بالمأثور أيضاً بل هم من أركان التفسير بالمأثور.
وعلى سبيل المثال لو تتبعنا مروياتهم في كتب التفسير والحديث المسندة لرأينا الحال لا يخلو من ثلاثة أمور:
أولا: أن رواياتهم مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الصحابة وخصوصاً بواسطة شيخهم ابن عباس رضي الله عنهما.
ثانياً: أن رواياتهم عن الصحابة رضي الله عنهم وخصوصاً عن شيخهم ابن عباس رضي الله عنهما قد انتثرت وانتشرت في أهم التفاسير المعتمدة كتفسير الطبري وابن أبي حاتم وعبد الرزاق وغيرهم وازدانت بها، فهي مشحونة بالنقل عن هؤلاء التابعين عن الصحابة وأشرت سابقاً أن تفسير ابن عباس قد جمع في الرياض ومكة المكرمة وطرق هؤلاء التابعين هي من مظان هذا الجمع.
ثالثاً: روايات من فهمهم وقد أشرت إليها قبل بضعة استدراكات. وإنها في نطاق الاستنباط من القرآن الكريم والسنة ومن لغة العرب ومن أوجه القراءات المتواترة وما نقله بعضهم عن أهل الكتاب بحدود النوع الأول والثالث كما نقلت عن شيخ الإسلام ابن تيمية في الاستدراك رقم (4) .(36/188)
فأين التفسير المذكور الذي نسب إلى هؤلاء التابعين المفسرين بأنهم فسروا القرآن بشكل تعسفي خالص لا يقوم على أساس من المأثور. إنهم أركان التفسير بالمأثور وما ورد عنهم من مراسيل فإن صحت من طرق عن التابعين فإنها تقوي بعضها بعضاً، ولوتتبعنا كتب التفسير بالمأثور لرأينا ألوف الروايات التفسيرية المنقولة عن هؤلاء التابعين، وأختم هذه المسألة بأن ما نقل عن أبي إسحاق النظّام وقع فيه المعتزلة جميعاً فتفسيرهم لا يقوم على أساس من المأثور وكتبهم تشهد بذلك ويناسب أن نقول للنظّام ومن تبعه من المستشرقين في نيله من كبار التابعين المفسرين: (رمتني بدائها وانسلت) .
أرأيت الذي ينكر جهود أساطين التفسير؟ فهذا سعيد بن جبير يرحل من الكوفة إلى مكة المكرمة ليسأل ابن عباس رضي الله عنهما عن تفسير آية، فلو كان من أهل الرأي لفسر برأيه وأراح نفسه ولم يتجشم مشقة السفر آنذاك.
14- هذا وقد أخطأ أ. سزكين في استدلاله بسؤالات نافع بن الأزرق لابن عباس أن التفسير اللغوي الخالص للقرآن الكريم بدأ بإجابات ابن عباس على أسئلة نافع بن الأزرق فقال: ويبدو أن محاولات التفسير اللغوي الخالص للقرآن الكريم بدأت بإجابات ابن عباس على أسئلة نافع بن الأزرق أحد زعماء الخوارج.
وأقول أن هذا الاستدلال لا يقوي ما ذهب إليه أ. سزكين لأن هذه الأسئلة لم تثبت، فقد وصلت إلينا بواسطة الطبراني في ((المعجم الكبير)) ، وابن الأنباري في كتابه ((الإيضاح في الوقف والابتداء)) ، والسيوطي في كتابه ((الإتقان في علوم القرآن)) ،
وكل هذه الطرق ضعيفة جداً، فما أورده الطبراني من طريق جويبر وهو متروك كما في التقريب لابن حجر، وما أورده ابن الأنباري من طريق محمد بن زياد اليشكري وهو كذاب يضع الحديث، وما أورده السيوطي من طريق عيسى بن دأب: وهو منكر الحديث ويضع الحديث، فكلها طرق تالفة لا تصلح للاستشهاد والاستدلال.(36/189)
ومن عجب أن أ. سزكين يوافق المستشرقين في أخطائهم فيما ينقله عنهم ويخالفهم في بعض صوابهم وهو قليل ومثاله هذه التساؤلات التي لم تثبت حيث ذهب إلى ذلك (جولد تسيهر) اليهودي فقال معقباً عليه: وهناك أسباب أخرى تجعلنا لا نتفق مِع (جولد تسيهر) في اعتباره هذا الخبر مجرد أسطورة فابن عباس شرح المائتين كلمة – تقريبا - التي قدمها له نافع بن الأزرق أحد زعماء الخوارج بشواهد من الشعر الجاهلي.
15- وفي الصفحة نفسها وافق المستشرقين (جولد تسيهر) اليهودي و (لوت) في بعض الافتراءات على ابن عباس رضي الله عنهما، فقال بعد الفقرة السابقة:
"إن المقتبسات الباقية التي ترجع إلى عبد الله بن العباس تذكر أحياناً أسماء عدد من الرواة. وفي هذه المقتبسات يتضح أن ابن عباس ذكر روايات عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن كبار الصحابة، وأنه اعتمد- من ناحية أخرى- في شرح دلالات الكلمات على أحد المخضرمين وهو أبو الجلد جيلان بن فروة. وكان أبو الجلد مخضرماً يزهو بأنه قرأ كتباً قديمة. وقد ورد (في هذه النصوصِ) أيضاً اسمان ليهوديين أسلما، هما كعب الأحبار وعبد الله بن سلام، وكان كعب حبراَ يمنيأ. وقد وصفها لوت بأنها ((مدرسة ذات لون يهودي)) تنتسب إلى ابن عباس. اهـ.
وفي هذا النقل وجهان من الافتراءات:
الوجه الأول: أن ابن عباس روى عن أبي الجلد ثم استدل بخمس روايات من تفسير الطبري وذكر مواطنها وأسوقها بالترتيب كما وردت قال الطبري:
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا بشر بن إسماعيل، عن أبي كثير، قال: كنت عند أبي الجلد، إذ جاءه رسول ابن عباس بكتاب إليه، فكتب إليه: "كتبت تسألني عن الرعد، فالرعد الريح".
حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا بشر بن إسماعيل، عن أبي كثير، قال: كنت عند أبي الجلد، إذ جاءه رسول ابن عباس بكتاب إليه، فكتب إليه: "كتبت إلىّ تسألني عن البرق، فالبرق الماء".(36/190)
حدثنا إبراهيم بن عبد الله، قال: حدثنا عمران بن ميسرة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن الحسن بن الفرات، عن أبيه، قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن البرق، فقال: "البرق ماء".
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن رجل، من أهل البصرة من قرائهم، قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجلد- رجل من أهل هجر- يسأله عن البرق، فكتب إليه: "كتبت إلىّ تسألني عن البرق، وإنه من الماء " (1) .
وحدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثني رجل من بني تميم، أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدم، والشجرة التي تاب عندها: فكتب إليه أبو الجلد: "سألتني عن الشجرة التي نهي عنها آدم، وهي السنبلة، وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم وهي الزيتونة" (4) .
وهذه الروايات كلها ضعيفة ففي الرواية الأولى والثانية بشر بن إسماعيل، نقل ابن أبي حاتم عن أبيه أنه مجهول وكذا نقل الذهبي في ((ديوان الضعفاء والمتروكين)) والحافظ ابن حجر في ((لسان الميزان)) في ترجمته.
وأما الرواية الثالثة ففي الإسناد فرات بن أبي عبد الرحمن القزاز ثقة لكن روايته عن ابن عباس منقطعة. فالإسناد ضعيف.
وأما الرواية الرابعة والخامسة ففي كل واحدة منها شيخ مبهم لم يصرح باسمه، وكذلك في الرواية الأولى والثانية أبو كثير ما عرفت من هو، وقد قال فيه الشيخ أحمد شاكر: وهو إسناد مشكل ما وجدت ترجمة بشر بن إسماعيل وما عرفت من هو، ثم لم أعرف من هو أبو كثير الراوي عن أبي الجلد. اهـ.
__________
(1) ، 4 تفسير الطبري1/ 343، 344، 517، رقم 444، 445، 723، وانظر المصدر السابق.(36/191)
هذا بالنسبة للإِسناد أما بالنسبة للمتن فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن تفسير ((الرعد)) : الريح. وما ثبت عنه مرفوعاً أنه ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب كما أخرج الإِمام أحمد والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبيرعن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى رسول الله الله عليه وسلم الله عليه وسلم فقالوا: "يا أبا القاسم أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال: "ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب بيده أو في يده مخاريق من نار يزجر به السحاب ويسوقه حيث أمره الله" قالوا: فما هذا الصوت الذي يسمع؟ قال: "صوته"قالوا: صدقت.
واللفظ لابن أبي حاتم وقد ساقه مقتصراً على موضع تفسير الرعد والحديث طويل، وقال الترمذي: حسن غريب وفي نسخة تحفة الأحوذي: حسن صحيح غريب، وذكره الهيثمي ونسبه إلى أحمد والطبراني وقال: ورجالهما ثقات، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على مسند أحمد، والألباني في صحيح سنن الترمذي.
فكيف يتفق هذا الثابت مع ذلك الذي لم يثبت؟ وهل عند ابن عباس مذهب قديم وجديد كالشافعي؟ لا. وإنما المسألة فيها الثابت وغير الثابت، فقد استشهد أ. سزكين بغير الثابت وهذا لا يصلح للاستدلال، هذا وقد وردت عدة روايات عن ابن عباس رضي الله عنه ظاهرها التناقض ولكن بعد النقد نجد التوجيه بالترجيح، وبالتمثيل يزداد التوضيح، فقد ورد في تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَأْلمَسَاكِينُ} [سورة النساء آية 8] . عن ابن عباس قولان: الأول ما أخرجه البخاري بسنده الصحيح عن ابن عباس قال: "هي محكمة وليس بمنسوخة".
الثاني: ما أخرجه ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) وابن الجوزي في ((نواسخ القرآن)) بسنديهما عن عطاء الخراساني عن ابن عباس أنها منسوخة. وأخرجه النحاس في ((الناسخ والمنسوخ)) من طريق حميد الأعرج عن مجاهد عن ابن عباس.(36/192)
فهل نقول أن القولين متناقضان؟ كلا لأن الرأي الأول ورد بسند صحيح، أما الرأي الثاني فهو ضعيف فيه عطاء الخراساني: صدوق يهم كثيراً ويرسل ويدلس ولم يلق ابن عباس، وكذلك سند النحاس فيه حميد الأعرج وهو ضعيف وأخرجه ابن مردويه أيضاً بسند ضعيف.
الوجه الثاني: نقله عن (جولدتسيهر) اليهودي في قوله: وقد ورد (في هذه النصوص) أيضاً اسمان ليهوديين أسلما هما كعب الأحبار وعبد الله بن سلام.
لم يبين لنا هذه النصوص ولعله أراد هذه النصوص التي أشار إليها وذكرتها آنفا عن الطبري، فإن لم يقصد هذه النصوص فياليته بين لنا هذه النصوص حتى أفندها وأبين زيفها أو أوجد المراد منها.
16- ثم نقل عن المستشرق لوت بأنهما- أي كعب الأحبار وعبد الله بن سلام- (مدرسة ذات لون يهودي) تنتسب إلى ابن عباس.
أقول لهما ومن اتبعهما: لقد أسستم كلامكم على شفا جرف هار، أين المدرسة ذات اللون اليهودي؟ وأين نصوصها ورواياتها؟ وإذا كان ابن عباس رضي الله عنهم قد روى عن كعب وعبد الله بن سلام كما تزعمون فهل يقال أنها مدرسة تنسب إلى ابن عباس وهو الذي يأخذ منهم! وعلى احتمال أنهم وقفوا على بعض النصوص عن هذين الراويين فإنه لا يقال أنها مدرسة يهودية فهؤلاء دخلوا الإِسلام وإذا ورد عنهم أخبار أهل الكتاب فقد فصلت الكلام سابقاً عن ذلك في الرد عن مثل هذه الشبهة.
وما نقله أ. سزكين عن أولئك المستشرقين من اليهود والنصارى، يشوه التفسير بالمأثور المنقول عن أولئك الرجال الذين طُعن فيهم، وفي تشويه التفسير بالمأثور ورجاله تشويه لعلم التفسير، وهو أساس التفسير، ولا تفسير بدونه وبواسطته يقع ويكتمل علم التفسير وذلك بمعرفة أحكام القرآن، وبيان المشكل، والوقف والابتداء، وأسباب النزول، والمكي والمدني، والخاص والعام، والمجمل والمبين، والمطلق والمقيد، والقراءات، والغريب، وفضائل الآيات والسور وكل هذه المعارف تنبثق من علم التفسير بالمأثور ولا يقوم علم التفسير إلا بها.(36/193)
القسم الثاني
القراءات
لقد جعل أ. سزكين هدفه الأول من تأليفه ((تاريخ التراث العربي)) هو كتاب تاريخ العلوم العربية الإسلامية، وبالنسبة للقراءات فإن تاريخها يبدأ من لدن نزول القرآن بمكة المكرمة ثم بالمدينة النبوية المنورة، ومن المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ على الصحابة رضي الله عنهم ما نزل عليه من القرآن الكريم بل كان يسمع من بعضهم، فهم الطبقة الأولى الأساسية من القراء الذين هم جذور علم القراءات، ولم يذكر أ. سزكين إلا ثلاثة منهم كأُبي وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم، فكان لزاماً عليه أن يذكر لنا هذه الطبقة التي هي خير القرون وعلى رأسها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث نبغ جماعة من الصحابة في هذا العلم، ذكرهم القاسم بن سلام في كتاب ((القراءات)) فقال: فمما نبدأ بذكره في كتابنا هذا سيد المرسلين وإمام المتقين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
الذي أنزل عليه القرآن، ثم المهاجرون والأنصار وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من حفظ عنه منهم في القراءة شيء وإن كان ذلك حرفاً واحداً فما فوقه.
فمن المهاجرين أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعمرو بن العاص، وأبوهريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن السائب قارئ مكة.
ومن الأنصار رضي الله عنهم: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وزيد بن ثابت، وأبو مجمع بن جارية، وأنس بن مالك.
ومن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة وأم سلمة- رضي الله عنهن-.(36/194)
وقال: "وقد علمنا أن بعض من ذكرنا أكثر في القراءة وأعلى من بعض، غير أنا سميناهم على منازلهم في الفضل والإسلام. وإنما خصصنا بالتسمية كل من وصف بالقراءة وحكي عنه منها شيء وإن كان يسيرا، وأمسكنا عن ذكر من لم يبلغنا عنه منها شيء وإن كانوا أئمة هداة في الدين.
فأما سالم الذي ذكرناه فإنه كان مولى لامرأة من الأنصار، وإنما نسبناه لأبي حذيفة لأنه به يعرف. وأما حذيفة بن اليمان فإنه عداده في الأنصار، وإنما ذكرناه في المهاجرين لأنه خرج مع أبيه مهاجراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن من ساكني المدينة فهو مهاجري الدار أنصاري العداد، ونسبه في عبس بن قيس عيلان.
وأرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأخذ عنِ بعضهم، أخرج الشيخان بسندهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعاَ: "خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ وأبى بن كعب". واللفظ للبخاري.
وقد اشتهر منهم عشرة: عثمان وعلي وأبي وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبو الدرداء وأبو موسى الأشعري وأبو هريرة وابن عباس وعبد الله بن السائب.
2- ثم يلي هذه الطبقة طبقة التابعين القراء الأحبار الذين أخذوا عن أولئك القراء الكبار، فانتشروا في الأقاليم والأمصار، ثم يليهم أتباع التابعين الذين انتشروا بانتشار الفتح الإسلامي، قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه ((القراءات)) .
ثم التابعون فمنهم من أهل المدينة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبيد الله، وعمر بن عبد العزيز قد كان بالمدينة والشام، وسليمان بن يسار، وعبد الرحمن بن هرمز الذي يعرف بالأعرج، وابن شهاب، وعطاء بن يسار، ومعاذ بن الحارث الذي يعرف بمعاذ القارئ، وزيد بن أسلم.
ومن أهل مكة: عبيد الله بن عمير الليثي، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس، وعكرمة مولى ابن عباس، وعبد الله بن أبي مليكة.(36/195)
ومن أهل الكوفة: علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، ومسروق بن الأجدع، وعَبيدة السلماني، وعمرو بن شرحبيل، والحارث بن قيس، والربيع بن خثيم، وعمرو بن ميمون، وأبوعبد الرحمن السلمي، وزِرّ بن حبيش، وأبو زرعة عمرو بن جرير، وسعيد بن جبير، وإبراهيم بن يزيد النخعي، وعامر الشعبي وهو عامر بن شرا حيل.
ومن أهل البصرة: عامر بن عبد الله وهو الذي يعرف بابن عبد قيس، كان يقرئ الناس، وأبو العالية الرياحي، وأبو رجاء العطاردي، ونصر بن عاصم الليثي، ويحيى بن يعمر ثم انتقل إلى خراسان، وجابر بن زيد، والحسن بن أبي الحسن، ومحمد بن سيرين، وقتادة بن دِعامة.
ومن أهل الشام: المغيرة بن شهاب المخزومي صاحب عثمان بن عفان في القراء.
قال: كذلك حدثني هشام بن عمار الدمشقي، قال: حدثني عراك بن خالد المري قال: سمعت يحيى بن الحارث الذماري يقول: "ختمت القرآن على عبد الله بن عامر اليحصبي، وقرأ عبد الله بن عامر على المغيرة بن شهاب المخزومي، وقرأ المغيرة على عثمان ليس بينه وبينه أحد. فهؤلاء الذين سميناهم من الصحابة والتابعين هم الذين يحكى عنهم عظم القراءة، وإن كان الغالب عليهم الفقه والحديث".
3- ثم قام من بعدهم بالقرآن قوم ليست لهم أسنان من ذكرنا ولا قدمتهم، غير أنهم تجردوا للقراءة واشتدت بها عنايتهم ولها طلبهم، حتى صاروا بذلك أئمة يأخذها الناس عنهم ويقتدون بهم فيها، وهم خمسة عشر رجلَاَ من هذه الأمصار المسماة، في كل مصر منهم ثلاثة رجال:(36/196)
فكان من قراء المدينة: أبو جعفر القارئ واسمه يزيد بن القعقاع مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وشيبة بن نصاح مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ونافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، وكان أقدم هؤلاء الثلاثة أبو جعفر، قد كان يقرئ الناس بالمدينة قبل ((وقعة الحرة)) ، حدثنا ذلك إسماعيل بن جعفر عنه. ثم كان بعده شيبة على مثل منهاجه ومذهبه، ثم ثلّثهما نافع بن أبي نعيم وإليه صارت قراءة أهل المدينة، وبها تمسكوا إلى اليوم، فهؤلاء قراء أهل الحجاز في دهرهم.
وكان من قراء مكة: عبد الله بن كثير، وحميد بن قيس الذي يقال له الأعرج، ومحمد بن محيصن، فكان أقدم هؤلاء الثلاثة ابن كثير، وإليه صارت قراءة أهل مكة، وأكثرهم به اقتدوا فيها، وكان حميد بن قيس قرأ على مجاهد قراءته فكان يتبعها لا يكاد يعدوها إلى غيرها، وكان ابن محيصن أعلمهم بالعربية وأقومهم عليها. فهؤلاء قراء أهل مكة في زمانهم.
وكان من قراء الكوفة: يحيى بن وثاب، وعاصم بن أبي النجود، والأعمش، وكان أقدم الثلاثة وأعلاهم يحيى، يقال: إنه قرأ على عبيد الله بن نضيلة صاحب عبد الله، ثم تبعه عاصم وكان أخذ القراءة عن أبي عبد الرحمن السلمي وزرّ بن حبيش، ثم كان الأعمش فكان إمام الكوفة المقدم في زمانه عليهم حتى بلغ إلى أن قرأ عليه طلحة بن مصرف وكان أقدم من الأعمش، فهؤلاء الثلاثة هم رؤساء الكوفة في القراءة، ثم تلاهم حمزة بن حبيب الزيات رابعاً، وهو الذي صار عظم أهل الكوفة إلى قراءته من غير أن يطبق عليه جماعتهم، وكان ممن اتبع حمزة في قراءته سليم بن عيسى وممن وافقه، وكان ممن فارقه أبو بكر بن عياش فإنه اتبع عاصما وممن وافقه. وأما الكسائي فإنه كان يتخير القراءات فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضا. فهؤلاء قراء أهل الكوفة.(36/197)
وكان من قراء أهل البصرة: عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وأبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر الثقفي، وكان أقدم الثلاثة ابن أبي إسحاق، وكانت قراءته مأخوذة عن يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم، وكان عيسى بن عمر عالماً بالنحو غير أنه كان له اختيار في القراءة على مذاهب العربية يفارق قراءة العامة ويستنكرها الناس، وكان الغالب عليه حب النص ما وجد إليه سبيلا، منه قوله: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} و {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} ، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} ، وكذلك قوله: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} .
والذي صار إليه أهل البصرة فاتخذوه إماماً أبوعمرو بن العلاء، فهؤلاء قراء أهل البصرة، وقد كان لهم رابع وهو عاصم الجحدري، لم يرو عنه في الكثرة ما روي عن هؤلاء الثلاثة.
وكان من قراء أهل الشام: عبد الله بن عامر اليحصبي، ويحيى بن الحارث الذماري، وثالث قد سمي لي بالشام ونسيت اسمه. فكان أقدم هؤلاء الثلاثة عبد الله بن عامر، وهو إمام أهل دمشق في دهره، وإليه صارت قراءتهم، ثم اتبعه يحيى بن الحارث الذماري وخلفه في القراءة وقام مقامه. قال: وقد ذكروا لي الثالث بصفة لا أحفظها، فهؤلاء قراء الأمصار الذين كانوا بعد التابعين.
ولم يذكر أ. سزكين سوى خمسة من التابعين من هذه الطبقة التي تلي طبقة الصحابة، وهي جديرة بالذكر لمن أراد أن يكتب في تاريخ العلوم الإِسلامية فهي حلقة مباركة في هذا التاريخ وهي من الجذور الأساسية في ذلك التاريخ.
4- لقد أخفق أ. سزكين في استهلال مقدمته لعلوم القرآن في الفصل الأول- القراءات القرآنية- حينما أكثر في نقله من التلطيخات والطامات عن بعض المستشرقين(36/198)
من طراز (برجشتراسر) في كتابه ((تاريخ القرآن)) حيث لوث كتابه هذا بنقله بعض الافتراءات كقوله: "إلا أن هذه المصاحف التي أعدتها لجنة عثمان بن عفان والتي وزعت على الأمصار المختلفة، لم تكن تخلو هي الأخرى من بعض الاختلافات حتى إنه روي أن عثمان بن عفان وعائشة رضي الله عنهما، تحدثا إن في القرآن لحنا وستقيمه العرب بألسنتها" اهـ. ثم أحال إلى كتاب ((المصاحف)) لابن أبي داود 33-34 و ((تفسير الطبري)) 6/ 16 ((وتاريخ القرآن)) لبرجشتراسر.
إن هذا الذي نقله وتبناه لعمر الحق لهو الباطل، ومن ينقل من هؤلاء الذين اخترعوا وتلمسوا المطاعن في القرآن الكريم وكتابته بدون نقد، كحاطب ليل يقع في طامات ومنها هذه الطامة التي تطعن في القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، إن الاستشهاد بهذا من غير نقد ولا توجيه على وقوع اللحن في القرآن من أكبر المطاعن به، وهذا الاستشهاد فيه نظر من حيث الإسناد وفيه توجيه من حيث المتن.
أما بالنسبة للإسناد فما رواه ابن أبي داود في كتابه ((المصاحف)) . عن عثمان رضي الله عنه ست روايات وهي في قوله:
(1) حدثنا المؤمل بن هشام، حدثنا إسماعيل عن الحارث بن عبد الرحمن، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي قال: لما فرغ من المصحف أتى به عثمان فنظر فيه فقال: "قد أحسنتم وأجملتم أرى فيه شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها".
(2) حدثنا شعيب بن أيوب، حدثنا يحيى (يعني: ابن آدم) ، حدثنا إسماعيل بهذا، وقالت: ستقيمه العرب بألسنتها. قال أبو بكر بن أبي داود: "هذا عندي يعني بلغتها وإلا لو كان فيه لحن لا يجوز في كلام العرب جميعاً لما استجاز أن يبعث به إلى قوم يقرأونه".
(3) حدثنا يونس بن حبيب حدثنا بكر (يعني: ابن بكار) قال: حدثنا أصحابنا، عن أبي عمرو، عن قتادة أن عثمان رضي الله عنه لما رفع إليه المصحف قال: "إن فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها".(36/199)
(4) حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا عمران بن دوار ((1)) القطان، عن قتادة، عن نصر بن عاصم الليثي، عن عبد الله بن فطيمة، عن يحيى بن يعمر قال: "قال عثمان رضي الله عنه، في القرآن لحن وستقيمه العرب بألسنتها".
(5) حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا أبو داود، حدثنا عمران بن دوار (2) القطان، عن قتادة، عن نصر بن عاصم الليثي، عن عبد الله بن فطيمة، عن يحيى بن يعمر قال قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "إن في القرآن لحنا وستقيمه العرب بألسنتها". (قال أبو بكر: هذا عبد الله بن فطيمة أحد كُتاب المصاحف) .
(6) حدثنا أبو حاتم السجستاني، حدثنا عبيد بن عقيل، عن هارون، عن الزبير بنِ الخريت، عند عكرمة الطائي قال: "لما أتي عثمان رضي الله عنه بالمصحف رأى فيه شيئا من لحن"، فقال: "لو كان المملي من هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا".
وفي إسناد الرواية الأولى والثانية عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي قال الحافظ ابن حجر في التقريب: مقبول. وفي إسناد الرواية الثالثة إبهام شيوخ بكر بن بكار حيث قال: حدثنا أصحابنا عن أبي عمرو. وكذلك قتادة لم يلق عثمان رضي الله عنه، وقد ذكر ابن أبي حاتم في المراسيل أن قتادة لم يلق من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنساً وعبد الرحمن بن سرجس.
__________
(1) ، 2 دوار:. في الأصل داود وهو تصحيف وعمران بن دوار معروف بالرواية عن قتادة كما سيأتي الكلام عنه.(36/200)
وقد جعله الحافظ ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين الذين لا تقبل روايتهم إلا إذا صرحوا بالسماع ولم يصرح في هذه الرواية بالسماع، أما الرواية الرابعة والخامسة في إسنادهما عمران بن دوار القطان فهو صدوق يهم ورمي برأي الخوارج كما في التقريب، وروى عنه قتادة ما لم يتابع عليه كما أخرج العقيلي من طريق عمران القطان عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء". ثم قال: لا يتابع عليه ولا يعرف بهذا اللفظ إلا عن عمران، وفي الإسناد أيضاً يحيى بن يعمر لم يسمع شيئا عن عثمان بل لم ير عثمان رضي الله عنه وقال ابن الأنباري في كتاب ((الرد على من خالف مصحف عثمان)) : في الأحاديث المروية عن عثمان في ذلك: "لا تقوم بها حجة، لأنها منقطعة غير متصلة، وما يشهد عقل بأن عثمان وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في وقته، وقدوتهم، يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام فيتبين فيه خللاً، ويشاهد في خطه زللاً فلا يصلحه! كلا والله ما يتوهم عليه هذا ذو إنصاف وتمييز، ولا يعتقد أنه أخرّ الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده وسبيل الجائين من بعده البناء على رسمه والوقوف عند حكمه. ومن زعم أن عثمان أراد بقوله: ((أرى فيه لحنا)) أرى في خطه لحنا إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسد ولا محرف من جهة تحريف الألفاظ وإفساد الإعراب فقد أبطل ولم يصب، لأن الخط منبىء عن النطق، فمن لحن في كتبه فهو لاحن في نطقه، ولم يكن عثمان ليؤخرَّ فساداً في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتب ولا نطق. ومعلوم أنه كان مواصلاً لدرس القرآن، متقناً لألفاظه، موافقاً على ما رسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي وعبد الله بن فطيمة ترجم له البخاري وقال: عبد الله بن فطيمة عن يحيى بن يعمر روى عن قتادة عن نصر بن عاصم منقطع.(36/201)
وأما الرواية السادسة فقد أخرجها أيضاً أبو عبيد القاسم بن سلام من طريق هارون بن موسى عن الزبير بن الخريت.
وفي الإسناد عكرمة وقال أبو عمرو الداني في هذه الرواية: هذا الخبر عندنا لا تقوم بمثله حجة ولا يصح به دليل من جهتين: إحداهما أنه مع تخليط في إسناده واضطراب في ألفاظه مرسل لأن ابن يعمر وعكرمة لم يسمعا من عثمان شيئا ولا رأياه. وأيضاً فإن ظاهر ألفاظه ينفي وروده عن عثمان رضي الله عنه لما فيه من الطعن عليه مع محله من الدين ومكانه من الإِسلام وشدة اجتهاده في بذل النصيحة واهتباله بما فيه الصلاح للأمة ... ثم يوجه معنى اللحن في الخبر- لو صح- بأن المراد به التلاوة دون الرسم، إذ كان كثير منه لو تلي على حال رسمه لانقلب بذلك معنى التلاوة وتغيرت ألفاظها من مثل {أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ} وما شاكله. ثم حتى لو صح الإِسناد بطرق أخرى فإن ابن أبي داود قبل أن يسوق هذه الروايات ترجم لها باباً بعنوان:
باب المصاحف العثمانية
اختلاف ألحان العرب في المصاحف
ثم قال: والألحان اللغات. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنا لنرغب عن كثير من لحن أبَيّ". يعني: لغة أبيّ.
فيريد اللحن هنا اللغة، وكان على أ. سزكين أن يبين هذا على الأقل ما ذكره ابن أبي داود بعد الرواية الأولى، هذا بالنسبة للمتن فقد ورد ما يخالفه فيما رواه ابن أشته في كتابه ((المصاحف)) فقال: أنبأنا محمد بن يعقوب، أنبأنا أبو داود سليمان بن الأشعث، أنبأنا أحمد بن مسعدة، أنبأنا إسماعيل، أخبرني الحارث بن عبد الرحمن، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، قال: لما فرغ من المصحف أتى به عثمان، فنظر فيه، فقال: أحسنتم وأجملتم! أرى شيئا سنقيمه بألسنتنا(36/202)
فلم يذكر لفظ ((اللحن)) وقد رواه من طريق أبي داود سليمان بن الأشعث عن أحمد بن مسعدة عن إسماعيل، فيحتمل الخطأ من شيخ ابن أبي داود، أو من دسّ المستشرق د. آرثر جفري محقق كتاب ((المصاحف)) لابن أبي داود وقد نص على هذا الدسّ الأستاذ محمد تجاني جوهري محقق كتاب ((فضائل القرآن)) لأبي عبيد القاسم بن سلام.
هذا وعلق الإمام السيوطي على رواية ابن أشته فقال: "فهذا الأثر لا إشكال فيه، وبه يتضح معنى ما تقدم فكأنه عرض عليه عقب الفراغ من كتابته، فرأى فيه شيئا كتب على غير لسان قريش، كما وقع لهم في "التابوة"و"التابوت"فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريش، ثم وفى بذلك عند العرض والتقويم، ولم يترك فيه شيئا. ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه حرفها، ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان، فلزم منه ما لزم من الإشكال، فهذا أقوى ما يجاب عن ذلك. ولله الحمد".
وقد أفاد السيوطي وأجاد في رده ونقله عن العلماء المتقدمين في الرد عن هذه الشبهة فقال: وقد أجاب العلماء عن ذلك بثلاثة أجوبة:
أحدها: أن ذلك لا يصح عن عثمان، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع، ولأن عثمان جعل للناس إماماً يقتدون به، فكيف يرى فيه لحنا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها! فإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم الخيار، فكيف يقيمه غيرهم! وأيضاً فإنه لم يكتب مصحفاً واحداً، بل كتب عدة مصاحف، فإن قيل: إن اللحن وقع في جميعها، فبعيد اتفاقها على ذلك، أولا بعضها فهو اعتراف بصحة البعض، ولم يذكر أحد من الناس أن اللحن كان في مصحف دون مصحف، ولم تأت المصاحف قط مختلفة إلا فيما هو من وجوه القراءة، وليس ذلك بلحن.
الوجه الثاني: على تقدير صحة الرواية، إن ذلك محمول على الرمز والإشارة ومواضع الحذف، نحو"الكتب"، "الصبرين"وما أشبه ذلك.(36/203)
الثالث: أنه مؤول على أشياء خالف لفظها رسمها، كما كتبوا "لا أوضعوا"و"لا أذبحنه"بألف بعد لا و"جزاؤا الظالمين"بواو وألف و"بأييد"بيائين، فلو قرىء بظاهر الخط لكان لحنا، وبهذا الجواب وما قبله جزم ابن أشته في كتاب ((المصاحف)) . وكيف يظن بالصحابة أولا أنهمِ يلحنون في الكلام فضلاً عن القرآن، وهم الفصحاء اللد! ثم كيف يُظن بهم ثانياَ في القرآن الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم كما أنزل، وحفظوه وضبطوه، وأتقنوه! ثم كيف يظن بهم ثالثاً اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته!
ثم كيف يظن بهم رابعاً عدم تنبههم ورجوعهم عنه! ثم كيف يظن بعثمان أنه ينهى عن تغييره! ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ، وهو مروي بالتواتر خلفاً عن سلف! هذا مما يستحيل عقلاً وشرعاً وعادة.
هذا وقد انبرى لهذه الشبهة قديماً وحديثاً نخبة من العلماء المشهورين كابن الأنباري، وأبي عمرو الداني، وأبي القاسم الشاطبي، وأبي بكر الباقلاني، والجعبري، والزمخشري، والسخاوي، والزرقاني، وعبد الرحمن الجزيرى، والألوسىِ، ومحمد أبي شهبة، أما ما قاله شيخنا أ. د. محمد بن محمد أبو شهبة رحمه الله. الذي فَنّد هذه الفرية وبين من بدأ بترويج هذه الافتراءات فقال: "حمل لواء هذا الإفك قس يدعى (فندر) فألف كتاباً سماه ((ميزان الحق)) وأولى به أن يسمى ميزان الباطل وقس آخر مجهول تستر تحت اسم (هاشم العربي) في ((تذييل مقال في الإسلام)) وقس ثالث يدعى (تسدل) "انظر كتاب ((أدلة اليقين)) ص 8، 9 للمغفور له - إن شاء الله - أستاذنا الشيخ عبد الرحمن الجزيري ... ثم قال رحمه الله:(36/204)
قالوا روي عن عثمان- رضي الله عنه- أنه حين عرض عليه المصحف قال: أحسنتم وأجملتم، إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بألسنتها، وروي عن عكرمة أنه قال: لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان فوجد فيها حروفاً من اللحن فقال: لا تغيروها فإن العرب ستغيرها أو قال: ستعربها بألسنتها، لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف، قالوا: فكيف تكون المصاحف العثمانية معِ هذا موضع إجماع من الصحابة وثقة من المسلمين؟ بل كيف يكون رسم المصحف توقيفيا وهذا هو عثمان يقول: إن فيه لحنا؟ والجواب:
(1) إن هاتين الروايتين ضعيفتا الإِسناد وإن فيهما اضطراباً وانقطاعاً يذهب بالثقة بهما كما قال الإِمام السخاوي في الرواية الثانية، ونقله الإِمام الآلوسي في تفسيره، وعكرمة لم يسمع من عثمان أصلا، وقد روى الأثر عن يحيى بن يعمر عن عثمان وهو أيضاً لم يسمع من عثمان، وقد رد الرواية الأولى جماعة من العلماء كالإِمام أبي بكر الباقلاني، والحافظ أبي عمرو الداني، وأبي القاسم الشاطبي، والجعبري وغيرهم، وغير خفي على
المتأمل ما في الروايتين من اضطراب وتناقض فإن قوله: أحسنتم وأجملتم مدح وثناء، وقوله: أن فيه لحنا يشعر بالتقصير والتفريط، فكيف يصح في العقول أن يمدحهم على التقصير والتفريط. وأيضاً فالغرضِ من كتابة المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه على حرف قريش أن تكون مرجعاً عاما يرجع إليه المسلمون عند الاختلاف في حروف القرآن وقراءاته، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يكل تصحيحها إليهم؟ إن هذا إن صح فسيصل بنا إلى الدور المحال، إذ تكون صحة قراءتهم متوقفة على القراءة وفق المصاحف التي كتبها لهم عثمان، وصحة المصاحف وسلامتها من اللحن متوقفة على صحة قراءتهم، وهذا ما ننزه عنه أي عاقل فضلاً عن عثمان رضي الله عنه.(36/205)
(2) إن هذين الأثرين يخالفان ما كان عليه عثمان رضي الله عنه من حفظه القرآن، وملازمة قراءته، ومدارسته حتى صار في ذلك ممن يؤخذ عنهم القرآن، حرص غاية الحرص على إحاطة كتابة المصاحف بسياج قوي من المحافظة على القرآن أن يتطرق إليه لحن أو تحريف أو تبديل، وجعل من نفسه حارساً أميناً على كتاب المصاحف في عهده، والمرجع عند أي اختلاف في كيفية الرسم فقد قال للرهط القرشيين: إذا اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش، وقد اختلفوا في "التابوت" أيكتبوه بالتاء أم بالهاء؟ ورفعوا الأمر إليه. فأمرهم أن يكتبوه بالتاء. فإذا كان هذا شأنه وشأنهم في حرف لا يتغير به المعنى ولا يعتبر تحريفاً ولا تبديلاً لاستناده إلى الحروف التي نزل بها القرآن، فكيف يعقل منه أن يرى في المصاحف لحنا ثم يقرهم عليه وإليك رواية أخرى تدل على مبلغ عنايته بالقرآن عند الكتابة.
أخرج أبو عبيد عن عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد الله بن المبارك قال: حدثني أبو وائل شيخ من أهل اليمن عن هانىء البربري مولى عثمان قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف فأرسلني بكتف شاة إلى أبي بن كعب فيها {لَمْ يَتَسَنْ} وفيها {لا تَبْديلَ للْخَلْقِ} ، وفيها {فأمْهِلِ} وكتب {فَمَهِّل} وكتب {لَمْ يَتَسَنَّهْ} فألحق فيها الهاء، فهل يصح في العقول ممن هذا شأنه أن يرى لحنا في المصاحف ثم يقرهم عليهويدعه للعرب تصلحه؟ ومن أحق بإصلاح اللحن والخطأ منه وهو من هو في حفظ القرآن والحفاظ عليه؟.
ولو جوزنا فرضاً أن عثمان تساهل في إصلاح هذا أفيدعه جمهور المسلمين من المهاجرين والأنصار دون أن يصححوه؟ وهم الذين لا يخشون في الحق لومة لائم ولا يقرون على باطل، ولو صحت هذه المقالة عن عثمان لأنكروا عليه غاية الإِنكار ولو أنكروا لاستفاض ونقل إلينا وأنّى هو؟ ولقد كانوا يعترضون عليه وعلى غيره فيما دون هذا فما بالك بأمر يتعلق بالقرآن الكريم؟ الحق أن هذا لا يصدقه إلا من ألغى عقله.(36/206)
(3) على فرض صحة هذين الأثرين فيمكن أن نؤولهما بما يتفق هو والصحيح المعروف عن عثمان في جمع القرآن ونسخ المصاحف، وذلك بأن يحمل لفظ ((لحنا)) على معنى اللغة، ويكون المعنى أن في رسم القرآن وكتابته في المصاحف وجها في القراءة لا تلين به ألسنة العرب جميعاً الآن، ولكنها لا تلبث أن تلين به ألسنتهم جميعاً بالمرانة، وكثرة تلاوة القرآن بهذا الوجه. اهـ.
كما انبرى الشيخ الزرقاني لهذه الشبهة وفندها أيضاً فقال: يقولون: روى عن عثمان أنه حين عرض عليه المصحف قال: "أحسنتم وأجملتم، إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بألسنتها".
ويقولون: روي عن عكرمة أنه قال: "لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان فوجد فيها حروفاً من اللحن فقال: لا تغيروها فإن العرب ستغيرها أو قال: ستعربها بألسنتها. لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد هذه الحروف".
أورد أعداء الإسلام هاتين الروايتين وقالوا: إنهما طعنان صريحان في رسم المصحف، فكيف يكون مصحف عثمان وجمعه للقرآن موضع ثقة، وإجماع من الصحابة؟ وكيف يكون توقيفياً؟ وهذا عثمان نفسه يقول بملء فيه: "إن فيه لحنا". ونجيب على هذه الشبهة أولا: بأن ما جاء في هاتين الروايتين ضعيف الإسناد، وأن فيهما اضطراباً وانقطاعا. قال العلامة الألوسي في تفسيره: "إن ذلك لم يصح عن عثمان أصلاً"لعلك تلمح معي دليل سقوط هاتين الروايتين ماثلا فيهما من جراء هذا التناقض الظاهر بين وصفهما نساخ المصحف بأنهم أحسنوا وأجملوا ووصفهما المصحف الذي نسخوه بأن فيه لحنا. وهل يقال للذين لحنوا في المصحف: أحسنتم وأجملتم؟ اللهم إلا إذا كان المراد معنى آخر!.(36/207)
ثانياً: أن المعروف عن عثمان في دقته وكمال ضبطه وتحريه يجعل صدور أمثال هاتين الروايتين من المستحيل عليه. انظر ما سبق من دستوره في جمع القرآن. ثم انظر ما أخرجه أبو عبيد عن عبد الرحمن بن هانئ مولى عثمان قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف فأرسلني بكتف شاة إلى أبي بن كعب فيها {لَمْ يَتَسَنْ} وفيها {لا تَبْدِيلَ لِلْخَلْقِ} وفيها {فَأمْهِلِ الكَافِرينَ} فدعا بدواة فمحا أحد اللامين وكتب {لِخَلْقِ الله} ومحا {فَأمْهِلِ} وكتب {فَمَهِّلِ} وكتب {لَمْ يَتَسَنَّهْ} فألحق فيها الهاء.
قال ابن الأنباري: "فكيف يدعى عليه أنه رأى فساداً فأمضاه؟ وهو يوقف على ما يكتب ويرفع الخلاف الواقع من الناسخين فيه، فيحكم بالحق ويلزمهم إثبات الصواب وتخليده". اهـ.
ثالثاً: على فرض صحة ما ذكر يمكن أن نؤوله بما يتفق والصحيح المتواتر عن عثمان في نسخ المصاحف وجمع القرآن، ومن نهاية التثبت والدقة والضبط.
وذلك بأن يراد بكلمة ((لحنا)) في الروايتين المذكورتين قراءة ولغة. والمعنى أن في القرآن ورسم مصحفه وجها في القراءة لا تلين به ألسنة العرب جميعاً، ولكنها لا تلبث أن تلين به ألسنتهم جميعاً بالمران وكثرة تلاوة القرآن بهذا الوجه. وقد ضرب بعض أجلاء العلماء لذلك مثلا كلمة (الصراط) بالصاد المبدلة من السين فتقرأ العرب بالصاد عملاً بالرسم، والسين عملا بالأصل. اهـ.(36/208)
أما أ. د. عبد الفتاح شلبي فقد قال في الملحق الرابع من كتابه الموسوم ((رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن الكريم ودوافعها ودفعها)) : "وأرجو أن أدفع في هذا الملحق بعض الشبهات التي أثارها المغرضون حول كتابة المصحف، واتخذوها دليلا لهم على وقوع اللحن في القرآن، ووسيلة إلى الطعن في كتاب الله.. أثاروا هذا حول ما رواه سعيد بن جبير من أنه قال: في القرآن أربعة أحرف لحن {وَالصَّابئُونَ} ، {والمُقِيمِينَ} ، {فَأصَّدَّقَ وأكُنْ مِنَ الصَّالِحينَ} ، و {إن هَذَانِ لسَاَحِرَانِ} ، كما أثاروا نحو ذلك حول ما يروى من أنه ((لما فرغ من المصحف أتى به عثمان فنظر فيه قال: "قد أحسنتم، وأجملتم، أرى فيه شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها".
وهذه الشبهات التي أثاروها مردودة بأمور:
أولا: المعنى اللغوي لكلمة اللحن.
فاللحن: اللغة، والقراءة. قال عمر رضي الله عنه: "إنا لنرغب عن كثير من لحن أبي، يعني لغة أبي " (1) .
وكان عمر رضى الله عنه يقول: "أبي أقرأنا، وإنا لندع بعض لحنه. أي قراءته".
ثائياً: قياس العربية يصحح تلاوة هذه الكلمات بما رسمت به.
أ- فلا خطأ في قراءة {الصابئون} بالرفع كما رسمت في المصاحف فالصابئون رفع على الابتداء، وخبره محذوف، والنية به التأخير عما في حيز إن من اسمها وخبرها كأنه قيل:
إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا.. والصابئون كذلك.
وأنشد سيبويه شاهداً له:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم
بغاة ما بقينا في شقاق
أي فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك. ومثله: فإني وقيار بها لغريب. أي. فإني لغريب وقيار بها كذلك.
ب- أما قراءة {والمقيمين} بالياء فلها وجه من سنن العربية، والتوجيه الإعرابي، فهو منصوب على المدح بتقدير: أعني المقيمين، وذلك لأن العرب تنصب على المدح عند تكرر العطف والوصف.
قالت الخرنق:
لا يبعدن قومي الذي همُ
سم العداة، وآفة الجزر
النازلون بكل معترك
__________
(1) المصاحف: 32.(36/209)
والطيبين معاقد الأزر
فنصبت الطيبين على المدح، فكأنها قالت: أعني الطيبين.
قال الشاعر:
إني الملك القرم، وابن الهمام
وليث الكتيبة في المزدحم
وذا الرأي حين تغم الأمور
بذات الصليل، وذات اللجم
فنصب ذا الرأي على المدح.
قالوا: والعرب تفعل ذلك في صفة الشيء ونعته، إذا تطاولت بمدح أو ذم، خالفوا بين إعراب أوله وأوسطه أحياناً، ثم رجعوا بآخره إلى إعراب أوله، وربما أجروا إعراب آخره على إعراب أوسطه، وربما أجروا ذلك على نوع واحد من الإعراب.
وقد يكون موضع المقيمين في الإِعراب خفض: على ((ما)) التي في قوله {يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} ، يؤمنون بالمقيمين الصلاة. والمقيمون الصلاة هم الملائكة، قالوا: وإقامتهم الصلاة تسبيحهم ربهم واستغفارهم لمن في الأرض. فمعنى الكلام: والمؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالملائكة.
ج- وأما قراءة {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} بجزم ((أكن)) فله وجه من الإِعراب، ذلك أنه محمول على المعنى والتقدير: إن أخرتني أكن.
د- وأما {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فلا يلتفت لطعن الطاعن فيها، فهي قراءة متواترة قرأ بها نافع، وابن عامر، وأبو بكر، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، ويعقوب، وخلف، على أن لها وجهاً فصيحاً في العربية، ذلك هو إلزام المثنى بالألف في جميع حالاته، ومنه قول الشاعر العربي:
واها لسلمى ثم واها واها
ياليت عيناها لنا وفاها
وموضع الخلخال رجلاها
بثمن يرضى به أباها
إن أباها، وأبا أباها
قد بلغا في المجد غايتاها
وهذه لغة بني الحرث بن كعب، وقبائل أخر.
وثالث الأمور التي نرد بها طعن الطاعنين مكانة عثمان بن عفان رضي الله عنه من الحافظ على كتاب الله، ومحله من الدين، ومكانه من الإِسلام، وشدة اجتهاده في بذل النصيحة..
فهل يعقل أن يرى عثمان في المصحف لحنا وخطأ ثم يتركه ليتولى من يأتي بعده تغييره؟.(36/210)
عثمان الذي تولى جمع المصحف مع سائر الصحابة الأخيار، وتحرى في ذلك الدقة والأمانة وكمال الضبط، ورغبة منه في جمع الأمة على مصحف إمام، فلا يقع اختلاف في القرآن بينهم ... عثمان الذي هذا شأنه يرى في كتاب الله ثلمة فيتركها ليسدها من بعده؟
ثم، ما هذا التناقض الظاهر بين صدر النص: أحسنتم وأجملتم وآخرته: أرى فيه شيئا من لحن.. كيف يصف نساخ المصحف بالإحسان والإجمال أولا.. ثم يصف المصحف الذي نسخوه بأن فيه لحنا..؟ هل يقال للذين لحنوا في المصحف: أحسنتم وأجملتم؟ .
ألا إن مكانة عثمان.. والاضطراب بين صدر النص وعجزه كل هذا يدعونا إلى الاعتقاد بأن صدور ذلك عن عثمان أمر بعيد عنه، مدسوس عليه. اهـ.
وأقول للذين يرددون طعنة (اللحن في القرآن) من المستشرقين: (رمتني بدائها وانسلت) لقد فُضح أمرهم في التحريفات التي وقعت في التوراة والإنجيل، وهاهم يريدون أن يلحقوا القرآن الكريم - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد - بكتبهم المحرفة.
وما تقدم فهو ما يتعلق ما نسب إلى عثمان رضي الله عنه.
وأما الرواية عن عائشة فقد أخرج أبو عبيد القاسم بن سلام وابن أبي داود من طريق أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: سألت عائشة عن لحن القرآن {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} ، وعن قوله {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} ، وعن قوله {وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} ، فقالت: يا ابن أختي هذا عمل الكُتّاب أخطأوا في الكِتاب. وقد ضعّف بعض أهل العلم هذه الرواية، لوجود أبي معاوية فيها وهو محمد بن خازم الضرير، قال الذهبي: وقال ابن خراش: يقال: "هو في الأعمش ثقة، وفي غيره فيه اضطراب"، وكذلك قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: "هو في غير الأعمش مضطرب، لا يحفظها حفظاً جيدا. علي بن مسهر أحبّ إلي منه في الحديث". وقال الحاكم: "احتجّ به الشيخان. وقد اشتهر عنه الغلو أي غلو التشيع".(36/211)
وما رواه البخاري عنه فمن طريق الأعمش، وبما أنه اشتهر في غلو التشيع وأن الرواية تؤيد بدعته في نسبته مثل هذا الكلام إلى عائشة رضي الله عنها فيتوقف في هذه الرواية، ولكن يبقى الاحتمال فيما إذ وجدت متابعة أو شاهد لهذه الرواية، وعلى كل الاحتمالات فإن العلماء من أهل هذا الشأن قد بينوا ووجهوا المراد من هذا المتن فقال أبو عمرو الداني: "إن عروة لم يسأل عن حروف الرسم التي تزاد وتنقص، وإنما سألها عن حروف القراءة المختلفة الألفاظ المحتملة الوجوه على اختلاف اللغات، مما أذن الله عز وجل القراءة به، ومن ثم فليس ما جاء في الخبر من الخطأ أو اللحن بداخل في معنى المرسوم ولا هو من سببه في شيء، وإنما سمى عروة ذلك لحنا، وأطلقت عائشة على مرسومه الخطأ على جهة الاتساع في الإخبار وطريق المجاز في العبارة".اهـ. وينقل الداني أن بعض العلماء قد تأول قول أم المؤمنين (أخطأوا في الكتاب) أي: أخطأوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة بجمع الناس عليه، لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز، لأن ما لا يجوز مردود بإجماع، وإن طالت مدة وقوعه وعظم قدر موقعه. ثم ينقل أن هناك من تأول اللحن بأنه القراءة واللغة - كقول عمر- رضي الله عنه - أبَيّ أقرؤنا وإنا لندع بعض لحنه، أي قراءته ولغته.
ومن أدق المؤلفين كتابةً وتفصيلاً وبياناً لهذا المتن هو الأستاذ غانم قد روي الحمد في كتابه القيم ((رسم المصحف دراسة لغوية وتاريخية)) حيث قال عند هذه الرواية:(36/212)
أما حديث عروة الذي يرويه عن عائشة فإن علينا أن نشير أولا إلى بعض الحقائق المتعلقة بالآيات التي وردت فيه، وأول هذه الحقائق هي أن الكلمات موضع السؤال قد جاءت صحيحة في رسمها جارية على قواعد الهجاء، فكلمة "هذان"في الآية الأولى الواردة في الخبر جاءت على وفق القاعدة التي جرى عليها الرسم العثماني من حذف ألف (ها) التي للتنبيه ووصلها بما يليها من اسم الإشارة أو نحوه، وحذف الألف من (ذان) على نحو حذفها من كل مثنى، أما كلمة {والمُقِيمِينَ} في الآية الثانية فهي من حيث رسمها، على ما هي عليه، صحيحا، مثل ما رسم في المصحف {المُؤْمنينَ وَالمُسْلمِينَ ... } وكذلك بالنسبة لكلمة "الصبئون"في الآية الثالثة التي رسمت على مثال "الخطِئُونَ".
فهذه الكلمات جاءت من حيث الرسم صحيحة، جارية على المشهور من قواعد الرسم العثماني لكنها من حيث التوافق الإعرابي وما يقتضيه موقعها في الظاهر جاءت على نحو يستوقف النظر ويدفع إلى التأمل، فالكلمة الأولى قد ينظر إليها على أنها اسم (أن) المشددة وهي مثنى لكنها جاءت من غير الياء التي هي علامة النصب، والكلمتان الأخريان {المُقِيمِينَ} و {الصَّلبئُونَ} كلاهما جاءت مخالفة إعرابياً لما عطفت عليه في الظاهر.(36/213)
وبالرجوع إلى القراءات الصحيحة المروية في هذه الكلمات يمكن أن يتاح لنا فهم سر رسمها على ذلك النحو، فالآية الأولى {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه 30/ 63] قرأها ابن كثير – وحده - بتخفيف (إن) و (هذان) بالألف مع تشديد النوَن، وقرأ حفص كذلك إلا أنه خفف نون (هذان) ، ووافقه ابن محيصن، وقرأ الباقون ماعدا أبا عمرو بتشديد (إن) و (هذان) بالألف وتخفيف النون، وقرأ أبوعمرو (إنّ) بتشديد النون و (هذين) بالياء مع تخفيف النون، ونجد أن أوضح القراءات في هذه الاَية معنى ولفظاً وخطاً هي قراعة ابن كثير وحفص، وذلك أن (إن) المخففة من الثقيلة أهملت و (هذان) مبتدأ و (الساحران) الخبر، واللام للفرق بين النافية والمخففة، وقراءة أبي عمرو واضحة من حيث الإعراب والمعنى، رغم مخالفتها الرسم، وقد تكلم أهل العربية في توجيه القراءة الأخرى. وقد أشرنا من قبل أن رسم المصحف كتب على قراءة واحدة، فليس من الضروري موافقة كافة القراءات الصحيحة له إذا وافق بعضها، وهو ما نجده في هذه الحالة.
أما الآيتان الأخريان {والمُقِيمِينَ الصَّلوةَ وَالمؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [النساء4/ 162] {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادوا والصبئُونَ} [المائدة هـ/69] فقد اتفق الجمهور على قراءة {والمُقِيمِينَ} بالياء منصوباً على نحو مَا هو مرسوم إلا رواية يونس وهارون عن أبي عمرو لها بالواو، وقراءة عاصم الجحدري لها بالواو كذلك، مع محافظته على رسمها بالياء. واتفقوا كذلك على قراءة {الصبِئُونَ} بالواو على نحو ما هو مرسوم إلا ابن محيصن فقد قرأها بالياء، والجحدري كذلك ومادامت قراءة العامة قد جاءت موافقة للرسم على هذا النحو وقد تواترت عن القراء فلا مجال – إذن - للكلام هنا عن الخطأ في الرسم أو القراءة، خاصة أن النحاة قد تكلموا على ما في الآيتين من تخالف إعرابي، ووجهوا ذلك بوجوه كثيرة ...(36/214)
وعلى ذلك فإن حديث عروة يمكن أن يحمل على ما ذهب إليه ابن أشتة ورواه الداني من أن معنى الخطأ هو أنهم أخطأوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة بجمع الناس عليه، لا أن الذي كتبوا من ذلك لا يجوز لأن ما لا يجوز مردود بإجماع، وإن طالت مدة وقوعه، وعظم قدر موقعه، ويقول الداني بعد أن ناقش ما ورد في دلالة الخبر: على أن أم المؤمنين - رضي الله عنها - مع عظيم محلها وجليل قدرها واتساع علمها ومعرفتها بلغة قومها لحّنت الصحابة وخطأت الكتبة، وموضعهم من الفصاحة والعلم باللغة موضعهم الذي لا يجهل ولا ينكر، هذا ما لا يسوغ ولا يجوز.
ونخلص من ذلك كله إلى نفي دلالة الخبرين على وقوع الخطأ في الرسم العثماني اهـ.
وقد استقر الأمر على الرسم العثماني، واعتمدت الأمة عليه بل أجمعت على ذلك فقد نقل الإمام أبو عمرو الداني عن أشهب أنه قال: سئل مالك: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى. ثم علق الداني بقوله: ولا مخالف له من علماء الأمة.
وقال في موضع آخر: سئل مالك عن الحروف في القرآن الواو والألف، أترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه كذلك؟ قال: لا.
قال أبو عمرو: يعني الواو والألف المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ، نحو (الواو في) {أولُواُ} . وقال الإمام أحمد: "يحرم مخالفة مصحف الإمام في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك".
وقال البيهقي في شعب الإيمان: "من كتب مصحفاً فينبغي أن يحافظ على الهجاء التي كتبوا بها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغير مما كتبوه شيئا، فإنهم كانوا أكثر علماً، وأصدق قلباً ولساناً، وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي أن يظن بأنفسنا استدراكاً عليهم ولاتسقطاً لهم".(36/215)
وقال أيضاً: "وأمر أبو بكر رضي الله عنه بجمع القرآن ونقله إلى مصحف، ثم اتخذ عثمان من ذلك المصحف مصاحف، وبعث بها إلى الأمصار، ولم يعرف أنه أثبت في المصحف الأول ولا فيما نسخ عنه شيء سوى القرآن، فبذلك ينبغي أن يعمل في كتابة كل مصحف".
5- وبعد هذه الطعنة أتبعها بقوله: "وإلى جانب هذا فقد استمرت القبائل في قراءة القرآن الكريم وفق لهجة كل قبيلة مثلما كان عليه الحال من قبل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا بدوره أدى إلى ظهور عدد من القراءات المختلفة بعد إعداد النص الرسمي للقرآن في المصحف العثماني. وكان بعض التابعين يعلق أهمية كبيرة على قراءة الآية الواحدة خمس قراءات مختلفة.
ويقصد ببعض التابعين الإمام مجاهد بن جبر حيث أشار إلى تفسير الطبري 1/53، وهذا نص الطبري قال:
حدثني محمد بن حميد الرازي قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد أنه كان يقرأ القرآن على خمسة أحرف.
وهذا لم يثبت عن مجاهد ففي إسناده محمد بن حميد الرازي: ضعيف
وفي إسناده أيضاً ليث: وهو ابن أبي سليم: صدوق اختلط جداً لم يتميز حديثه فترك، قاله الحافظ ابن حجر في التقريب.
إن الذي ينقل عن الصحابة أو التابعين لابد أن يتثبت هل صح القول إليهم فإن صح فيحق له أن يستشهد بقوله، وإن لم يصح فلا.
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.(36/216)
جولة في كتابي
(الأغاني) و (السيف اليماني)
بقلم الشيخ محمد المجذوب
حقائق وأباطيل:
في مطلع الثلاثينات من هذا القرن – الميلادي – ظهرت طلائع الطبعة الجديدة من كتاب (الأغاني) من مؤلفات الإِخباري الكبير أبي الفرج الأصفهاني، وقد واكبتها دعاية إعلامية مدوّية أثارت الرغبة في اقتنائها لدى كل ذي هواية أدبية، وكان ذلك طبيعيا لأن المؤسسة التي أشرفتْ على إصدارها في القاهرة أخيرا تضم أسماء أحرزت الثقة في علم التحقيق والنشر، فلها في نفوس القراء سحرٌ يقودها إلى التسليم بدقة عملها. وجاء المجلد الأول من تلك الطبعة مسوّغاً لذلك التقدير إذ كان غاية في حسن الإخراج ونفاسة الورق وجمال الحرف.
ولا ننسى مع ذلك أثر التيار الأدبي الذي كان في قمة انطلاقه من القاهرة أثناء صدور هذا المجلد، وقد فرض نفسه على الحركة الأدبية ليس فقط في القطر المصري بل على امتداد الوطن العربي كله، حيث كانت القاهرة تمثل مركز الإشعاع لكل الناطقين بالضاد والمتأثرين باليقظة الفكرية التي فجَّرتها مدرسة الإصلاح الإِسلامية بقيادة الأفغاني وتلاميذه، وتبعتها في الأدب واللغة مدرسة البارودي وطلائعها التي عمت آثارها كل الربوع العربية، حتى كان قراء ذلك الإنتاج الضخم من المؤلفات والمجلات المصرية يفوق عدد أمثاله من القراء في القطر المصري كله..
وتتابعت أجزاء الكتاب تلبيةً لحاجة مشتريه، وانسياقاً مع الدعاية المركزة له، التي تجاوزت قدرة القراء على تقييمه.. وكان للدكتور طه حسين وتلميذه الدمشقي شفيق جبري وآخرين من المروّجين للكتاب ايحآتهم النافذة في مشاعر الجيل المأخوذ بكتاباتهم عنه.(36/217)
وإذ كان من سنن الله في النفوس أن تنتهي الضجة المفتعلة إلى مستقرها الطبيعي، فقد فَقَدَت تلك الدفعة الدعائية زخمها أخيرا، أتيح لكل ذي وعي من القراء أن يعيد النظر في ما يطالعه من مضامين الأغاني، فإذا هو تلقاء أكداس من المعلومات التي تبعث الحيرة في نفسه فلا يكاد يهتدي إلى الحكم الصحيح بشأنها، إذ يرى فيها من الحقائق الموضوعية الموثقة ما يطمئن إليه القلب والعقل، ثم لا يلبث أن يفاجأ بأضدادها من الأخبار التي تتنافى مع العقول السليمة والمشاعر النبيلة.
ولقد بدأت الشكوك تساورني في صلاحية الكتاب، وكان باعثها في نفسي تناقضها العميق ينم جلاَل ما نعرفه من تراثنا السلفي، الذي وقفنا عليه عن طريق الثقات من أئمة العلم والفقه والتاريخ قُدامى ومحدثين، ومصادمةِ الكثير من مروياته للثابت نقلا وعقلا من صفحات ذلك التراث، وجعلتْ هذه الشكوك تتسع في نفسي كلما أوغلتُ في مطالعة تلك المَرْويات..
ولقد فاتحت بهذه الشكوك بعض الاخوة من كبار الأساتذة والمتخصصين في التاريخ وفي الأدب والعربية، فكانوا يقابلون انطباعاتي بالدفاع عن الكتاب وعن مؤلفه بالاتكاء على طه حسين وأشياعه، وبخاصة كتاب الأستاذ شفيق جبري في التوكيد على مصداقية الأصفهاني اغتراراً بمسلكه في عنعنة الأسانيد، واعتماده غير قليل من أسماء كبار المحدثين والموثَّقين خلالها.(36/218)
ومن هنا تولدت في نفسي شهوة النظر بتلك الأسانيد والتدقيق في قيمة رواتها، بيد أن ظروف المعيشة والانشغال في العمل الوطني صرفتني طويلا عن الموضوع، ثم جاءت الانقلابات السياسية وما رافقها من إرهاب شيوعي وبعثي واشتراكي دَفَعَنا للهجرة إلى المدينة الحبيبة قبل ما يقارب الثلاثين من الأعوام، وتلا ذلك أعباؤنا في الجامعة الإسلامية من تدريس وإشراف اجتماعي، وعمل طويل في تنظيم المناهج، ومشاركة في تحرير مجلة الجامعة، وما إلى ذلك مما اضطرنا إلى تأخير ما تطلعنا إليه من ذلك الواجب. حتى شاء الله أن يقع في يدي كتاب الشاعر الإسلامي العراقي الأستاذ وليد الأعظمي في الموضوع بعنوان (السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني) فلم أطق مفارقته حتى أتيت عليه. وكنت كلما فرغت من مطالعة قسم منه أرفع كفي بالضراعة إلى الله أن يثيبه على مجهوده الكبير بالمغفرة الواسعة، والرحمة السابغة يوم لا ينفع امرءاً إلا ما أسلف من خدمة للحقيقة ونفع للمسلمين..
لقد شعرت أن هذا الكتاب قد أراحني من عبء ثقيل إذْ حقق ما طالما تمنيته من إمكان التفرغ لعمل الأصفهاني في كتابه المريب، فأوليه ما يستحق من نقد عادل يكشف المستور من فساد الطوية الذي أملى عليه تلك الموبقات، التي لم يرد بها سوى تشويه الإسلام دينا وعقيدة وعبادة، والطعن على دعاته وحَمَلة راياته من منائر الهدى وناشري أنواره في العالمين.
المنهج الشيطاني:(36/219)
لقد وفق الله الشاعر الإسلامي الكبير وليداً إلى كشف معظم الستور التي تَلَفَّع بها الأصفهاني ليقذف من خلفها سهامه المسمومة في كبد الحقيقة، ومن أبرز توفيقاته في تلك الصفحات المقاربة ثلاث المئات تعريفه لذلك الخبث الشعوبي الذي أقام عليه الأصفهاني بنيان (أغانيه) لتشويه مقومات التاريخ الإسلامي. ويتمثل خبثه ذاك في عرضه الحقيقة ملفوفة بالكثير من الأباطيل، كالذي يشاهده أحدنا في بعض الصحف والمجلات التي تفسح بعض صفحاتها لمقال رفيع بقلم كاتب إسلامي موثوق رغبة في الاستحواذ على ثقة القارئ المؤمن، ثم لا تلبث أن تتبعه بنتاج قلم رقيع يهدمه ويشكك في قيمته الفكرية حتى ليثير الريب في كل ما انطوى عليه ذلك المقال أو البحث الصالح! مَثَلُها في ذلك مَثَلُ زيوت الطعام التي قرر مجلس الدول الأوروبية توزيعها على الشعوب الفقيرة في إفريقية، ثم اتضح من تقارير المتتبعين لهذه التوزيعات أن تلك الزيوت ممزوجة بفضلات الإنسان، أي الغائط البشري حسب تعبير محطة الإذاعة البريطانية!.
وُيقْدم هذا الشعوبي على التمكين لسمومه تحت غطاء من التظاهر بالإسلام، إذ يعرض لاسم واحد من أفاضل الأمة مشفوعا بما يليق به من صيغ التكريم، حتى إذا استوثق من ثقة القارئ المغفَّل رماه بباقعة تجعله موضع الهزء والسخرية!. وقلما سلم من بوائقه هذه فرد أو جماعة أو حزب ممن لهم حميد الذكر بين العرب والمسلمين منذ العهد الراشدي مروراً بالأموي فالعباسي حتى أيام الأصفهاني.. وتحس من خلال ذلك حقده اللاهب على الإسلام وكبار رموزه من الجنس العربي، في حين لا ترى له أي مغمز في أعجمي مهما يبلغ من الإغراق في مجوسيته، فيذكرنا بشعوبية نظيره السابق بشار بن برد في تفضيله إبليس على آدم أبي البشر نكاية بالمفهوم القرآني، وتمجيداً للفكر المجوسي الذي يقدس النار التي منها خُلِق الشيطان!.(36/220)
وهو يواجهك بهذه النزاعات في كل مناسبة، وبخاصة في مُجونياته التي لا يتورع أن يزفها إلى قرائه محشوة بأقذر الألفاظ، وبذلك يطوّع نفوسهم لألفة مثل هذه السفاهات حتى تغدو من أساسيات أسمارهم في مجالسهم الخاصة يقرعون بها الأسماع ويستكثرون عن طريقها الأشياع، ويجرِّئون بها الرعاع على أفاضل هذه الأمة غير مستثن منهم أحدا دون تمييز بين فريق وآخر، إلا ما يتعلق بآل بُوَيه الذين ألف كتابه لهم، فلا أذكر أنه يشير إلى أي منهم بقذعة واحدة، ومع تبجحه بالانتساب إلى الأمويين، وبالنحلة إلى التشيع، فلا يضن على هؤلاء وأولئك بفيض من راجماته الجارحة كلما وجد ثغرة لإرسالها، ولعل نصيب آل البيت المطهر من إقذاعه هو الأكبر والأكثر، إذ ينالهم في أعز ما يستحقون به التوقير والتقدير. وتظل الميزة البارزة في أفكاره أنه عدو الجميع، وقد أوتي موهبةً بلاغية مؤثرة يستخدمها في تنفيذ رغباته الحَقود في تحقير الإسلام والعرب صراحة أومن وراء حجاب.
المصيدة الرهيبة:
وأشد ما يبدو خبث هذا الشعوبي في عرضه – أحيانا – فواقرَه المقذعةَ بمنتهى الإتقان، حتى إذا مارضي عن موقع سهامه ختمها بمثل هذا التعقيب التافه: (وهذا الخبر موضع ريب عند الثقات) بعد أن يكون قد أحكم طعنته الفاجعة، وحق فيه قول الشاعر:
قد قيل ما قيل إن صدقا وان كذبا
فما احتيالك في قول وقد قيلا!(36/221)
وقد ساعده على تسديد طعناته استتاره وراء طرائق المحدثين عند إيراده أخباره، فهو يمهد للخبر بإسناده إلى سلسلة من الرواة، بينهم ثقات من أولى العلم والفضل، إلى جانبِ آخرين أكثرهم من الكذابين الوضاعين أو المجهولين أو الساقطين من مشهوري الشعوبيين، وهي مصيدة خطرة لقصار النظر وقليلي العلم بموضوع الأسانيد، فما إن يبصرون هذه القائمة من أسماء الرواة حتى يسلموا إليها قيادهم، ويتلقوا مضمونها بالقبول القاطع كأنها وحي يوحي.. وتزداد المحنة شدة بما تطرحه في أذهان البسطاء من كون هذه العينات من الهبوط الأخلاقي نماذجَ واقعيةً لما كان عليه السلف من ازدواجية في السلوك تجمع بين الوقار المؤَتمن والفجور الهدام، ثم لاتلبث أن تتسلل إلى سلوكهم ثم إلى مَن حولهم من طبقات المجتمع، حتى تزول الحواجز الفاصلة بين الحسن والقبيح والصالح والفاسد من الأقوال والأعمال.. فكيف إذا كان هؤلاء المتلقون من طبقة الفارغين ذوي اليسار الذين استهوتهم مُتَع الدنيا فلا شاغل لهم سوى الاجتماع على ذكرها وتتبع مروياتها، فعليها يتكئون في إذاعة مذاهبهم الماجنة، وحجتُهم المسوّغةُ هي هذه الأخبار الملغومة التي يرويها كبار الكتاب، وتصور الواقع المحجوب لكبار الفضلاء!..(36/222)
ثم هناك عامل آخر كان له أثره الفعال في تثبيت هذه المرويات الكاذبة أيام الأصفهاني، يتمثل لا ندرة النسخ المخطوطة من مراجعها الأصلية، بحيث لايصل إلى احتيازها سوى المتحكمين في مصاير المجتمعات من الأمراء وحواشيهم من المترفين ومدمني اللهو، الذين لا يهمهم من مثل كتاب الأصفهاني ما ينطوي عليه من الحقائق الموضوعية، بل كل ما يتطلعون إليه هو الحصول على ما يعوز أسمارهم من الطرائف التي تخفف عنهم أعباء العمل الجاد وتطلق ضحكاتهم المدوّية. فهؤلاء وحدهم القادرون على شرائها بمئات الدنانير.. فهم محتكروها فلا يكاد يصل خبرها إلى أوساط العلماء، الذين على جهودهم تتوقف سلامة المجتمعات الإسلامية من التلوث.. ولولا أن يَسَّر الله لبعض الهداة مِن حَفَظَة التاريخ الإِسلامي وممحصي الروايات سبيل الاطلاع على بعض الأجزاء من ذلك الكتاب المسمَّم ففضحوا مؤامراته وكشفوا الستور عن مفترياته، كالخطيب البغدادي صاحب تاريخ بغداد في الأولين، ووليد الأعظمي في المتأخرين، لظل محجوبا مقصورا على حلقات العابثين والماجنين..
من هنا تسلل قرن الشيطان:(36/223)
وقد بدأت الطامة الكبرى بإقبال المستشرقين على "الأغاني"إذ راحوا يروّجون له ويشيدون بقيمته ويبثون حبَّه في قلوب تلاميذهم من أبناء المسلمين ومن العرب الحاقدين على الإسلام. وحسبك أن تَعلم أن بين هؤلاء مثل/ عميد الأدب العربي/ طه حسين الذي استطاع أن يحشد حوله ذلك الكتاب الكثيرين من المعجبين والمصفقين، والناشرين لأفكاره الشعوبية، في أوساط المثقفين والدارسين على أيديهم من الغافلين في كل قطر عربي.. ولعل دمشق أوفرها حظاً في سلوك هذا المنزلق على يد الأستاذ شفيق جبري، الذي كان لكتابه الذي يدعم به أسانيد الأصفهاني، اليد الطولي بإشاعة سمومه بين هُواة الأدب ممن لا يملكون القدرة على البحث الجاد، فإذا هم فرائس سهلة لتضليل الأصفهاني لا يردون له خبرا، بل يصدقون كل ما يعزوه إلى خيار الناس من سلف هذه الأمة، وبذلك أصبحوا مهيئين للاستخفاف بتراثها العريق، وعلى أتم الاستعداد لخوض مثل تلك التجارب التي يزينها لهم ذلك الكتاب المسموم.
ولقد مد الله في عمري حتى رأيت بعض العاملين لا الحركة الثقافية بدمشق يعلنون ثقتهم بأسانيد الأصفهاني، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء النظر في تراجم رجالها وموضعهم من القبول! والرفض لدى علماء الجرح والتعديل..
وطبيعي أن يصير الأمر بهؤلاء إلى الاستخفاف بالقِيَم التي حفظت للمجتمعات الإسلامية تماسكها أمام زحف الدعوات المشبوهة على امتداد القرون، وطبيعي أن يكون لذلك أثره في إعداد الجو المساعد لانتشار الفكر العلماني، الذي كان من ثمراته السامة تلك النباتات المتنامية! االوطن العربي من القومية ثم الماركسية والناصرية والبعثية، وما إليها من تيارات لا غرض لها في النهاية سوى تمزيق الوشائج الرحمانية التي جمعت العرب وغير العرب على أخوّة الإسلام، لِتُقَدِّمَ الأمة كلها لقمة سائغة إلى أعدائها المتربصين بها الدوائر.
وكرامة الأمة أمانة أيضا:(36/224)
والباحث في هذا الجانب من الأغاني لابد له أن يتساءل: لقد أشرف على طبعات الكتاب منذ العام 1868 حتى 1927 م عدد من كبريات الهيئات العلمية كان آخرها/ المؤسسة المصرية العامة للتأليف والطباعة والنشر/ وعدد من عِلْية المثقفين، ويكفي أن يكون على رأس آخرهم عمالقة مثل الشاعر حافظ إبراهيم وأحمد نسيم والعلامة أحمد تيمور باشا والأستاذ محمد الخضري وأحمد أمين. منهم المصحح ومنهم المدقق والمُراجع.. وقد ظهر أثر هؤلاء الكبار بارزاً! اضبط الأعلام والغريب والشعر والأماكن والمصطلحات، فجاءت هذه الطبعة على غاية من الدقة خالية من كل الأخطاء التي شوهت الطبعتين السابقتين. وهو جهد يستحق الثناء ونتمنى أن يكون نصيبَ كل مطبوع هام من تراثنا الأثير..
على أن المطلع على هذا المجهود المتكامل لا يسعه إلا أن يتساءل أيضا: ألم يكن من حق هذا التراث على تلك اللجان الممتازة من كبار العلماء المسلمين وأدبائهم أن يوجهوا بعض هذا الجهد لتطهير الكتاب من هاتيك الشوائب التي دُست على تاريخ الإسلام فشوهت الكثير من معالمه وسِيَرِ أعلامِه!!.(36/225)
لاجرم أن ضبط الألفاظ ذات الدلالات العلمية والاصطلاحية عمل مشكور تقتضيه الأمانة، ولكن حق الأمة مورِثةِ هذا التراث أمانة في عنق أولي العلم، وهي تقتضيهم كذلك أن يُعنَوا بالحفاظ على موجباتها فيتعقبوا كل نبأ يغمط هذا الحق بالنظر في إسناده وإتباعه بالرأي الذي يكشف ما وراءه من نية مدخولة أو واقع صحيح، ولوهم فعلوا، وفي طوقهم أن يفعلوا، لأنصفوا الحقيقة، ولصححوا نظرة القراء إلى ماضي هذه الأمة بدلا من التطويح بهم في مجاهل الضياع.. ولم لا.. وهم أحق الناس بتدقيق الأسانيد ومعرفة رجالها والتمييز بين مجروحِهم ومعدَّلِهم، وإنه لمن المتعذر الظن بأن هؤلاء السادة كانوا يواجهون كل هاتيك المفتريات الصارخة على تاريخنا وهم عاجزون عن تقييمها، حتى يختلط الحق بالباطل، ويخرج قارئها السليم القلب وهو أقرب إلى تصديقها، أخذاً بشهادة هذه الثلة الكريمة المشرفة على إخراج الكتاب جملة وتفصيلا!. ولا جرم أن لإغضاء الهيئة الفاضلة على هاتيك البوائق أثراً لا ينكر في إعطائها صفة الوقائع الحاسمة، ومن ثَم تعميمها، ثم الإسهام مع مؤلفها! اتشويه تاريخنا العريق!.(36/226)
على أن المتبادر إلى الذهن بإزاء هذا الوضع أن التبعة إنما تقع على منهج الهيئة في مثل هذا الموقف، إذ ترى أن مسئوليتها تتحدد في إتقان الإخراج والضبط دون التعرض لقيمة المضمون!. وهذا قد يكون مقبولا في المَرويات الخفيفة لا في كتاب الأغاني الذي تُقَدمه/ المؤسسة المصرية العامة- في التصدير الأول المؤرخ عام 1963 م- بأنه (الموسوعة الأدبية الجامعة) ومن قبلُ يصفه رئيس المجلس الأعلى لدار الكتب المصرية/ على ماهر باشا- في التصدير الثاني ص 7 والمؤرخ في مايو 1225- بأنه (الكتاب الجليل القدر الذي يُعَد مصدراً للأدب العربي وينبوعاً يغترف منه كل متأدب ولا يستغني عنه أديب..) وهو تعريف لا ينافي الواقع عندما يُنظر إليه من حيث الكثافة الثقافية التي يستوعبها الكتاب، وتؤيدها الأسانيدُ الصحيحةُ، ولكنه لا ينبغي أن يشمل التفاهات التي لا يُقرها عقل ولادين وتُسقط رواية مؤلفِها عند العلماء الثقات كالإمام ابن الجوزي الذي يقول عنه إنه (يصرح في كتبه بما يوجب عليه الفسق.. ومن تأمل كتاب الأغاني رأى كل منكر وقبيح) - التصدير ص 10- ومعلوم عند أهل المروءة والدين أن الفاسق ساقط الشهادة.
ومن يدري.. فلعل الهيئة الفاضلة قد تأثرت بتوجيهات المستشرقين في اعتبارهم هذا الكتاب ذروة التراث العربي، دون اهتمام بما وراء تلك الدعاية المدخولة من أهداف خبيثة، ودون أي رعاية لمعايير الفكر الإسلامي السليم، الذي هو الوحيد بين مواريث الأمم الذي يستمد مقوماته من منابع الوحي الذي لا يأتيه الباطل.. وهذا الضرب من التغرير هو ديدن الكفرة من المستشرقين. الذين يحدوهم العداء الموروث للإِسلام إلى إذاعة كل ما ينالا حقيقتَه من كتب الفِرَق الضالة والتصوف الغالي، فيُشيدون بها على أنها الممثلة لجوهر الإسلام، ولا غرض لهم سوى إفساد الضمير الإسلامي..
عتاب وإعجاب:(36/227)
ولقد كان من حسنات هذه الهيئة الكريمة إلى جانب عملها في الضبط والتحقيق إشارتُها – في ص 35 من التصدير – إلى المختصرات التي استخلصها من كتاب الأغاني جماعةٌ من أولي العلم منذ أوائل القرن الخامس الهجري حتى أيامها، وقد عَدَّت من هذه المختصرات سبعاً، بينها واحد طُبع في ثمانية أجزاء من عمل أحد كبار أعضائها الشيخ العلامة محمد الخضري، بعد أن (حذف منه الأسانيد ومالم يُستحسن ذكره من الفحش والمخل بالأدب) كما تقول الهيئة نفسها – في ص 36 من التصدير- وليت الهيئة الفاضلة قد أتمت إحسانها على الطريقة نفسها التي سلكها الأستاذ الخضري في مختصره النظيف، فقدمته للقراء باسم (تهذيب الأغاني) بدلا من ذلك الركام الذي جمع بين اللاَليءِ والقمامة، وما كان أقدرها على هذا الخير وأحقها به!.
ولقد كان المتوقع أن يأخذ هذا المقال سبيله إلى النشر قبل أشهر، ولكن بعض الاخوة من أولي النهى رأى أنه لا يزال في الموضوع متسع لإضافات أخرى لا ينبغي أن تحجب عن قرائه الذين يهمهم الوقوف على المزيد من مؤامرات الحاقدين على الإسلام، لتكون الصورة في أذهانهم شاملة للسابقين منهم، الذين يستشرفونهم من خلال دسائس هذا الشعوبي، واللاحقين الذين يواجهون ملامحهم في ثنايا وسائل الإعلام المعاصرة في مختلف الألوان والشيات واللغات.
وعلى الرغم من مرهقات العمل ومثبطات الشيخوخة وجدتني مدفوعا للانسياق مع ذلك الرأي، فأخرت نشر ما كتبت ترقبا للفرصة التي تمكنني من تحقيقه
هذا ولقد هممت بأن أنتزع هذه الإضافات من مجموع أجزاء الأغاني الأربعة والعشرين بدءاً من أخبار خير القرون من سلف هذه الأمة ثم ما تتابع بعدها من الأجيال حتى أيام المؤلف. بيد أني لم ألبث أن عدلت عن ذلك الهمِّ بما تذكرت من أعبائه التي قد ينفد الأجل المقدور قبل استكمالها، فآثرت الوقوف على القليل من تلك الأخبار، ولكنه القليل الذي يغني عن سائرها بما يحمله من الدلائل على ما وراءه..(36/228)
وطبيعي أن نبدأ هذه المضافات بتعريف مركَّز لشخصية الأصفهاني يساعد القارئ على استكشاف البعيد من أهدافه ومراميه من خلال (أغانيه) التي احتفظت بالخطوط الكبرى لثقافته الموسوعية.
مؤلف الأغاني بمنظار الثقات:
هو علي بن الحسين. ينتهي نسبه إلى مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية وذلك ما أجمع عليه معرِّفوه، وهو شيعي المذهب بشهادتهم، وبذلك يجمع بين النقيضين التشيع للبيت العلوي والنسب إلى البيت الأموي.
ولد في أصبهان سنة 284 ونشأ في بغداد واتخذها مستقرا، ولكلا الموطنين أثره في نشأته وثقافته، فمن أصفهان وهي من أعرق مدن فارس، وفيها يتفاعل الفكر الشيعي ممتزجا بالعصبية الفارسية، يقبس اللونَ الشيعي فيعرف به، وفي بغداد يتصل بروافد الثقافة العربية الإسلامية فيأخذ عن أكابر علمائها ورواتها الذين يفيضون من عقولهم على أنحاء الربوع الإسلامية ما بعد منها وما قرب، فتتكون لديه الملكة العلمية التي لاتعرف الركود، فلا يفتأ يتزود من ذلك المعين الثرِّ حتى بات واحداً من الذين يشار إليهم بالبنان في سعة الثقافة وكثرة الحفظ والإلمام بفنون عصره، وحتى بات واحدا من المسهمين في نشر هذه الثقافة، فكان من تلاميذه الدارقطني الحافظ الفقيه أحد أئمة الحديث وصاحب كتاب السنن ومن المشهورين في علم القرآن!.
وقد تباينت آراء العلماء في شخصية الأصفهاني، فمع اتفاقهم على توكيد مكانته الثقافية يختلفون في قيمته الذاتية، ففي رأي الثعالبي أبي منصور أنه من أعيان أدباء بغداد وأفراد مصنفيها وشعرائها.. وكذلك قال فيه ابن خلكان في (وفيات الأعيان) ويزيد أنه (روى عن علماء يطول تعدادهم فكان عالما بأيام الناس والأنساب والسِيَر، ويروى عن التنوخي قوله فيه أنه (كان يحفظ من الشعر والأغاني والأخبار والآثار والأحاديث المسندة والنسب مالم أر قط من يحفظ مثله) .(36/229)
ومقابل ذلك يقول الإمام ابن الجوزي (إن مثله لا يوثق بروايته التي تحتوي ما يوجب تفسيقه، وهو يشرب الخمر وفي أغانيه كل قبيح ومنكر..) .
ويروي الإِمام الذهبي عن شيخ الإِسلام ابن تيمية أنه يضعِّفه ويتهمه في نقله ويستهول ما يأتي به ... ) وعن أخلاقه وسلوكه الاجتماعي يقول مؤلف (أخبار الوزير المهلبي) : كان أبو الفرج وسخا قذرا لم يغسل ثوبه منذ فصله إلى أن قطعه. ويؤيد ذلك قول القاضي التنوخي في كتابه (نشر المحاضرة) (كان وسخا في نفسه ثم في ثوبه وفعله. وكان أكولا نهما حتى التخمة فيعالج كظته بجرعات من الفلفل.. ويبدو من شعره أنه تولى القضاء وعُزل منه، وذلك في قوله من قصيدة له معاتبا ابن العميد:
وقد ولينا وعُزلنا كما
أنت فلم نصغر ولم تَعظم
وهذا أيضا ما يفهم من تلقيب ابن خلدون إياه بالقاضي 1/ 34.
ومع ذلك كله لا نجد في حياته ما يدل على احتفاظه بعزة النفس، بل نجد ما يدل على الدناءة وذلك في مثل قوله لممدوحه الوزير المهلبي من قصيدة يصور بها أثر البرد في بناته أو نسائه:
فهذي تحنُّ وهذي تئنُّ
وادمع هاتيك تجري دررْ
إذا ما تململن تحت الظلام
تعللن منك بحسن النظر
فأنعم بإنجاز ماقد وعدت
فما غيرك اليوم من يُنتظر
ولعل من وساخة نفسه ذلك الحسد الذي يثور به عندما يشاهد نعمةً على أحد فيقول:
فإذا رأيت فتى بأعلى رتبةٍ
في شامخ من عزه المترفعِ
قالت لي النفس العزوف بفضلها
ما كان أولاني بذاك الموضع
وفي هذه الترجمة المكثفة ما يكشف للحصيف الكثير من مكوِّنات هذا الإنسان. فلنقف على بعض نقاطها محاولين استخلاص بعض خلفياتها.
شعوبية أم شيعية:
إنه أموي دون خلاف، وهي نسبةُ تضادُّ التشيع، فكيف حدث هذا؟.(36/230)
وقبل الجواب لابد أن نعود بالذاكرة إلى أيام انهيار الحكم الأموي، تحت مطارق الثورة العباسية التي طوت صفحة عريضة من التاريخ، وكان من حصادها سقوط عشرات الألوف من الأسرة الحاكمة وأعوانها من مختلف القبائل، فذلك حَدَث لا يتصور زواله من أعماق كل أموي، ومن شأنه أن يعمق في قلبه نوازع الحقد على كل ما هو عباسي، ومن هنا كان نظر كل من الفريقين إلى الآخر يتميز بالحذر ومراقبة الفرص للانقضاض والردّ أبدا.. وقديما قيل "عدو عدوك صديقك" لما وعن هذا الطريق يكون التقارب بين الشيعية والأموية مع الحذر الدقيق أمراً طبيعيا، وعلى هذا الأساس يكون تشيع الأصفهاني سطحيا لا يعدو حدود القشور، وهو أجدى عليه من حيث حاجته إلى الاتصال المصلحي بسلطات ذلك العهد مما يمكن أن يحقق له غير قليل من المكاسب، وهذا ما حدث إذ أتاح له – عن طريق شهرته الأدبية- أن يعقد الصلات الوثيقة مع وزراء وكبراء من ذلك العهد، وأن يتولى منصب الكتابة – وهي أشبه بالوزارة – في ظل البويهي ركن الدولة، وكذلك تسنمه منصة القضاء.. وقد نجح في هذا الجانب كل النجاح إذ كان موضع تقدير الكثير من رجال القمة يؤاكلهم ويشاربهم ويذاكرهم ويقارضهم الشعر ويجرع معهم الخمرة كشأنه مع الوزير المهلبي، الذي يبلغ به التعالي إلى مثل عمل الوزير ابن الزيات، حيث كان يقف على جانبي كل منهما عند طعامه غلام يقدم إليه ملعقة وآخر يتناولها منه في كل لقمة.. ومع ذلك لا يمنعه تعاليه من مجالسة الأصفهاني على مائدته الخاصة، وذات مرة يغلب السعال على أبي الفرج فيقذف بقيئه وسط تلك المائدة فينهض الوزير ليرفعها بنفسه ثم يدعو بغيرها ويواصلان الأكل معا دون عتاب ولاعقاب!!.
وطبيعي أن أحد الأسباب التي ساعدت الأصفهاني على احتلال هذه المكانة إنما يعي إلى إخفائه أمويته تحت ستار التشيع الذي كان بالنسبة إلى سياسة ذلك العهد العباسي أخف الشرين..(36/231)
وقد سبق أن حدثنا القارئ عن المنهج الشيطاني الذي سلكه الأصفهاني في الهجر المغلف على كل الجماعات العربية من علوية وعباسية وشيعية دون استثناء ولا مهادنة، حتى تصير به المناسبة إلى ذكر الأعاجم وبخاصة البويهيين والبرامكة، فإذا هو خافض الجناح لا يشير إليهم إلا بغاية الاحترام والتقديس!.
مفتاح هذه الشخصية:
ومعلوم أن لكل جهاز مفتاحه الذي به يُتَوصل إلى تشغيله.. وأمامنا مَثَل التلفاز الذي تقف منه تلقاء كيان بالغ التعقيد لا تعرف كيف تتعامل معه حتى يهديك خبير إلى الزر الذي لا تكاد تمسه حتى يكشف لك أسراره. والإنسان ذلك الجهاز العجيب المؤلف من مئات بل آلاف الأجزاء أكثر تعقيدا وأسرار فلا سبيل لك إلى حقيقته حتى تهتدي إلى مفتاح شخصيته فيسهل لك الوصول إلى أعمق أغواره..
وفي ظني أني وضعت يد القارئ على مفتاح تلك الشخصية الأصفهانية من خلال العرض الآنف لمقوماتها المتميزة.
إنها العقدة المنطلقة من الحقد اللاهب على كل ما هو عربي أو إسلامي فجَّرها في عقلَيْهِ الظاهرِ والباطن انهيارُ السلطان الأموي، الذي حرمه فرص التمتع بعزة الملك، الذي كان من الطبيعَي أن يكون أحد ورثائه الأقربين لو قُيض لأبيه- آخر خلفاء بني أمية – الانتصار على خصومه.(36/232)
فعن طريق هذا المفتاح ستعرف الكثير من البواعث التي سوف تسوق صاحب الأغاني في ذلك الاتجاه التخريبي الذي لم يسلم من شره عربي أو مسلم أيا كانت هويته.. ومن هذا المنطلق كان تركيزه- في أغانيه- على الكثير من الرموز التي اشتهرت بفضائلها خلال القرون، فراح يلطخ صورها بالكثير من المشوهات..، وكانت مطيته في هذا الطريق هي الأدب والشعر والغناء دون تفريق بين الصالح والفاسد والمثوق والمجروح من الأخبار.. وقد اختار لسمومه المستويات العليا من الطبقات التي هي قدوة الجماهير.. ومعيار توجهاتها الأساسية00 لتكون العدوى أسرع حركة وأشد فتكا.. والمفكر الرصين حين ينظر إلى عمل الأصفهاني من خلال هذا المنظار لن يفوته العلم بأن وراء هاتيك الأصباغ التي يسبغها على مجالس الرشيد رغبة مصممة على اختراق جدار المناعة التي تشد المجتمعات الإسلامية إلى تراثها الروحي، ليسهل انفصالها عن منابع القيم التي ترسخ ارتباطها بالماضي العريق لكي تصبح مهيأة لقبول كل التغييرات، إثْرَ فقدانها مشاعر الاعتزاز بأصولها التي أمست في تصورها الجديد موضع الارتياب، وبعد أن انحسرت عنها تلك النفحات القدسية التي كانت تتلقاها من خطاب ربها: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت/33)
إنها عملية غسل للأدمغة والقلوب تستهدف تدمير المقومات الإِسلامية التي بها كان المسلمون خير أمة أخرجت للناس..
ومن يستطيع أن يدفع عن هذه الأمة ذلك الوباء الوبيل وهي تطالع سِير أبرز رموزها الوارثين لذلك التراث المجيد غارقين إلى آذانهم في تلك الغمرات الآسنة!!.
هارون الرشيد بين الحقيقة والخيال:(36/233)
انه ابن الخليفة المَهدي، خامسُ الخلفاء المنحدرين من صلب العباس بن عبد المطلب عم رسول الله عقبيه، وأكثرُهم حضورا في أذهان الخاصة والعامة من أجيال العرب والمسلمين، وبخاصة لدى المؤرخين والإخباريين الذين أحاطوا سيرته بجواءٍ أسطورية أمدت المسرحيين والسينمائيين ولا تزال بمعينٍ لا يكاد يتوقف عن عَصره وأحداثه ومتارفه، التي يقل فيها الواقع وتكثر فيها التكاذيب..
ولكن لهذه السيرة مكانها كذلك عند الثقات من مؤرخي السلف وعلمائهم، ومن هؤلاء الإمام الذهبي الذي يقول في المجلد التاسع من كتابه النفيس (سير أعلام النبلاء) : "أبو جعفر هارون.. الهاشمي العباسي.. روى عن أبيه المهدي وجده.. وروى عنه ابنه المأمون، وكان من أنبل الخلفاء وأحشم الملوك ذا حج وجهاد وغزو وشجاعة ورأي.. وفصاحة وعلم وبصر بأعباء الخلافة، ونظر جيد في الأدب والفقه.. أغزاه أبوه بلادَ الروم وهو حَدَث.. وقيل إنه كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات.. وكان يحب العلماء وبعظم حرمات الدين.. ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه.. ".
ويذكر الذهبي من مآثره تأثره بمواعظ الصالحين فيقول: وعظه ابن السماك فأبكاه، ووعظه الفضيل بن عياض حتى شهق في بكائه. وروى له أبو معاوية الضرير حديثا عن رسول الله في فضائل الجهاد فبكى حتى انتحب.. ثم يقول: "إنه حج غير مرة وله فتوحات ومواقف مشهودة، ومنها فتحه مدينة هرقلة، ومات غازيا بخرسان عام 193 هـ"وفي مكان آخر من (السيِر) يحصر الذهبي حجات الرشيد بخمس، ويقول إنه أدى إحداها ماشيا من بطن مكة. ويؤكد ما اشتهر عنه من سخاء ويستشهد لذلك ببعض الوقائع منها هبته للأصمعي خمسة آلاف دينار، ولأبي بكر بن عياش ستة آلاف دينار ولابن عيينة مائة ألف درهم، وهذان من كبار المحدثين.(36/234)
ولا يغفل الذهبي موضوع اللهو الذي ينسب إلى الرشيد فيشير إليه بقوله (وله أخبار شائعة في اللهو واللذة والغناء) وعن علاقته بالشرب ينقل عن الإمام ابن حزم قوله (أراه كان يشرب النبيذ المختلف فيه لا الخمر المتفق على تحريمها) ولنتأمل قليلا في كل من العبارتين.
ففي الأولى ترى الذهبي يورد خبره مرسلا لا يفيد اليقين بل لا يتجاوز حدود الشائعات، ولعله إنما نقله مما كتبه بعض القُصاص ولم يبذل أي جهد في تحقيقه.
وأما خبر ابن حزم عن الشرب فقد كفانا تعقيبه عليه بما يرجح أنه من النوع غير المحرم.. ومعلوم أن بعض فقهاء العراق أيامئذ كان يقول بإباحة النبيذ، ولعل مرادهم بالمباح منه منقوع التمر والزبيب ونحوهما قبل حصول التخمر، ومن هذا النوع ماكان يُحضَّر لرسول الله صلي الله عليه وسلّم فيشرب منه ما لم يتغير طعمه، فإذا بدأ بالتغير عافه.. أما المتخمر فلا خلاف بين العلماء على تحريمه، كثيره وقليله. وفق الحكم النبوي "كل مسكر حرام".
وعلى هذا فمجاهرة الرشيد بشربه تكون من قبيل الإعلان بأنه مع المبيحين لتعاطيه، وإلا فإن توقيره لمقام النبوة أشهر من أن يذكر، وحسبنا من شواهده ذلك الموقف الذي يسجله الأصفهاني نفسه للرشيد حين سمع أحد جلسائه من الأشراف يعقب على حديث نبوي بكلمة غير مناسبة، فإذا هو يتفجر غضبا ويدعو بالنطع والسيف، ولولا شفاعة بعض الحضور بتخريجه كلمةَ الشريف على وجه مقبول لذهب دمه مع الريح..(36/235)
ويبقى أن نلقي نظرة تحليلية على كلا الخبرين تذكِّر القارئ بواقع لا ينبغي أن نغفله عندما نطالع بعض الكتب المؤلفة عن مجون ذلك العصر، وما أكثر تلك المراجع التي صنفها القُصاص فشحنوها بما صح وجُرح دون أن يأبهوا بقرب ذلك أو بعده من الحقيقة، إذ كانت همتهم في الغالب منصرفة إلى التنافس في إيراد الغرائب ليستكثروا من قرائها ورواتها، وليحققوا لأنفسهم المكاسب التي يلتمسونها بالوصول إلى مجالس الكبار، ومن أمثلة ذلك ما يرويه الأصفهاني نفسه عن أحد هذه الكتب الموسوم بـ (الأغاني الكبير) منسوبا إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي وفيه يقول حماد بن إسحاق: (ما ألف أبي هذا الكتاب قطّ ولا رآه، ويؤكد ذلك أن أكثر أشعاره المنسوبة إنما جُمعت لما ذكر معها من الأخبار وما يجيء فيها إلى وقتنا هذا) ومعنى ذلك أن كاتب الخبر يسمعه فيَروقه فيخلطه بالإضافات المناسبة فلا يلبث أن يشتهر بذهن الناس وفي كتب الرواة على أنه نسيج واحد، كما يفعل القاص يقع على كلمة مؤثرة فيحوك بها وحولها قصة فنية نستمتع بقراءتها دون أن نبحث عن حقيقتها..
وما أكثر الأسباب التي تساعد على هذا الاتجاه في ظل الترف وغضارة الحياة.
شهادات حق:(36/236)
وحسب القارئ في ما أوردناه حتى الآن من هذه الملابسات ما يقنعه بوجوب الحذر من كل ما يرويه المشبوهون عن شخصية الرشيد، فكيف إذا مضينا في استعراض ما تبقى من شهادة الإمام الذهبي عن مواهبه الكثيرة من (الشجاعة والبصر بأعباء الحلافة – مما نسميه اليوم بالحذق السياسي والدبلوماسي – وإذن فلن تتردد في تزييف الكثير مما يطالعك به ذلك الشعوبي المريب. وكيف تتوقف في ذلك وأنت أنىّ نظرت من حياته الحافلة ألفيت الشواهد الناطقة بهذه الحقيقة، من خلال ملاحمه مع الروم وملاحقته المتمردين في كل جانب من دولته المنتشرة في أرجاء الأرض، وفي تتبعه لمسالك عماله ومعالجة أوضاعهم ومجتمعاتهم، مما يجعله في مقدمة رجال الدول.. ولعمر الله قلما أجد مدحا يوجه إلى عظيم أكثر انطباقا على شخصية ممدوحه من قول أشجع السلمي في تصوير شخصية الرشيد:
وعلى عدوك يابن عم محمد
رصدان ضوء الصبح والإظلامُ
فإذا تنبه رعته، وإذا غفا
سلت عليه سيوفك الأحلامُ
والعجيب بعد ذلك كله أن نرى مفكرا بعيد الرؤية يقبل جماع ما نسبه صاحب الأغاني إلى تلك الشخصية التي مهما اختلف عليها الرواة والكاتبون ستظل على علاتها إحدى مفاخر التاريخ الإسلامي في زمن تضافرت فيه العوامل المشوهة لذلك التاريخ، وستظل في تقدير المنصفين أكبر من الكيان الزائف الذي يرسمه الفارغون والمفسدون لذلك الخليفة، لأن مسئولياته أعظم من أوقاته، فلا متسع عنده للعبث واللهو إلا أن تكون نزواتٍ عجلي يتخفف بمثلها العظماء من أعبائهم المرهقة.. دون أن تمس كرا متهم..
دسائس ومؤامرات:
الآن فلننتقل إلى الوجه الآخر من الصورة لنرى كيف يعرض أبو الفرج الأصفهاني من خلالها شخصية الرشيد، ومن أي الزوايا كان يستشرفها..(36/237)
لقد صبَّ هذا المؤلف جل اهتمامه على الجانب اللاهي من بيئة الرشيد وغواة عصره، حتى ليخيل لقصار البصيرة أن المجون هو اللون الوحيد الذي تميزت به تلك الحقبة، على حين أن ما خلص إلينا من مؤلفات الثقات تشهد بأن المجون لا يعدو النسبة الضئيلة من النشاط الجاد الذي يميزها فيجعلها أزهى عصور الحضارة الإسلامية الحافلة بأيمة المذاهب وأقطاب الزهد، وأساطين العربية، وعمالقة الفكر العالمي، الذين أمدوا العالم كله بالأشعة التي بددت الظلمات وفجرت ينابيع المعرفة، وكانت وراء كل التطورات العلمية الحديثة..
على مقربة من أيام الأصفهاني تدفقت سيول القرامطة على منطقة الكوفة وأعملت فيها الدمار والموت، وكانت قمة الكارثة اختطافهم أطفال المسلمين إلى حيث يتحكمون في تنشئتهم، وما هو سوى يسير من الزمن حتى عاد هؤلاء يواجهون أهليهم تحت رايات الشيطان.. وهو نفسه المخطط الذي نفذته الشيوعية في أفغانستان مؤخرا بنقل الآلاف من أبنائها إلى محاضن الإلحاد العالمي، حتى إذا أيد الله بنصره أوليائه المجاهدين في سبيله ودخلوا كابول لإقامة الكيان المسلم الذي استشهد في سبيله ما يزيد على المليونين بين قتيل ومعوَّق، فوجئوا بتلك الآلاف المتخرجة في محاضن الإلحاد تخلف الكفرة المنهزمين في مقاومة المد الإسلامي، ليحولوا بين المجاهدين وبين الأهداف العليا التي حاربوا من أجلها أربع عشرة سنة..
وهكذا تتلاقى سوابق الكفرو لواحقه، وتتطور مناهجه حتى يكون منها ما لا سبيل إليه إلا بالقتل والتدمير، ويكون منها هذا التخريب الروحي الذي مهد له صاحب الأغاني وأضرابه من الذين وقفوا جهودهم على إشاعة الفساد في الكيان الإسلامي.. وبعد هذا يبقى لنا وللقارىء سؤال كبير لا ينبغي أن نغفله:(36/238)
لقد كان أبو الفرج من أوسع الناس علما بأحوال عصره، ولابد أن يكون قد علم يقينا ما أجمع عليه مؤرخو تلك الأيام من أن مجالس الرشيد كانت تضم الصفوة من أساطين العلماء وعمالقة اللغة والأدب. فماله يضرب صفحا عن ذكر هذه القمم، ويقصر نظره على ذلك الجانب اللاهي الذي يقتصر على أمثال الموصليَّيْن وابن جامع والزف ومخارق وبر صوما وزلزل وبقية الشلة من صعاليك المغنين والزمارين والطبالين!!.
لماذا اختار لنفسه مسلك الذبابة التي لا يستهويها سوى القمامة فلا تعير الطيبات أي اهتمام!!.
ألم يكن من حق الأدب والعلم والتاريخ على مؤلف الأغاني أن يفسح ولو فرجة صغيرة من كتابه لاعطاء القارئ فرصة الإطلال على الجميل النظيف من بيئة الرشيد؟!.
وغفر الله للمتنبي الذي يصور لنا نفور بعض النفوس المريضة من روائع الشعر وإيثارها حثالته في هذه الصورة الماتعة:
بذي الغباوة من إنشادها ضرر
كما تضر رياحُ الورد بالجُعَلِ
مع كتاب للأ غانيِ.. وقفات ومناقشات:
يعتبر هذا الكتاب من أوعية المراجع التي عُنِيَت بالجانب اللاهي من بيئة الرشيد، وتستغرق أخباره مائة وأربع صفحات من خامس أجزائه الأربعة والعشرين، وكلها تحت عنوان واحد هو (نسب إبراهيم الموصلي وأخباره) ثم يلي ذلك (أخبار اسحق بن إبراهيم) وتستغرق بقية الخامس في مائة وثمان وستين صفحة لم تخل من ذكر الرشيد، وذلك غير الإلمامات الأخرى التي نثرها المؤلف عن الرشيد في مختلف المناسبات والأجزاء. وقد تناول الحديث في هذا القسم الأخير أشهر أبنائه وبخاصة المعتصم والمقتدر والواثق والمتوكل.
وتلك الصفحات المقاربة ثلاث المئات توشك أن تكون سجلا مكثفا لأخبار هذه الثلة من رموز
بني العباس وصلتهم بكبار مغني عصرهم وتلاميذهم من الجواري وهواة الغناء، وولع الجميع بذلك الفن حتى الخلاعة والذوبان..(36/239)
ويبدأ أول القسمين بذكر المهدي والد هارون الرشيد، إذ كان معجبا بفن هذا الفارسي- 5/ 154- ويصف المهديَّ بأنه لا يشرب، وأنه نهى إبراهيم عن الشرب، وحذره من الدخول على ولديه موسى الهادي وهارون الرشيد، ولكن إبراهيم لم يعبأ بذلك التحذير فاتصل بهما وشرب معهما.. ولما علم الهادي بمخالفته أودعه السجن مكبلا طوال عشر سنوات وصب عليه ثلاثمائة سوط- 5/ 160-.
ويستوقفنا من هذا الخبر اصرار إبراهيم على محاولة إفساد ولدي الخليفة مع علمه بأن ذلك يعرضه لأشد الأخطار، وهاهي ذي طلائعها من السياط والسجن ولبثه في القيود كل تلك السنين.. فلِمَ يُقدم على هذا الضرب الدامي من المغامرات؟!.
ويأتينا جواب الموصلي في ذلك الحوار المكشوف بينه وبن ولده إسحق، وكان ذلك يوم جاءه ذلك الزائر الأرستقراطي من هواة الغناء يريد أن يُسمعه ويستنصحه، فما إن باشر بعرض بضاعته حتى بادره الابن برأيه في صوته وغنائه، ونصح له بترك هذه الصنعة التي لم يؤهَّل لا.. ولم يرض الأب عن تصرف ولده فصاح به وأنبه والتفت إلى الفتى يطمئنه بأهليته للتقدم.. ولما خلا بابنه بعد انصراف الزائر كاشفه بما في نفسه وهو أن عليهم دفع هؤلاء الحمقى في طريق الفساد ليتخذوا منهم دريئة يواجهون بها كراهية الطبقة المحافظة التي تحتقر أمثالهم من أهل الفن، فلا تنفك تعيرهم بصناعتهم، فمن مصلحتهم إذن أن يطوِّحوا بأبنائهم إلى منحدراتهم- 5/ 195-.
ولبث إبراهيم في سجن المهدي حتى خلافة الهادي، وهناك صدر الأمر بإطلاقه وقربه فأمده بالمال والخوَل، وبلغ ما ناله من هباته مائة وخمسين ألف دينار في يوم واحد.. حتى ليقول هذا المغني: "لوعاش الهادي لبنينا حيطان دورنا بالذهب والفضة". وعن عهد الرشيد يقول حماد بن إبراهيم: "أحصيت ما صار لوالدي من المال وثمن ما باع من الجواري فبلغ أربعة وعشرين ألفَ ألفِ درهم، وذلك غير راتبه وغلات ضياعه"-5/163-.(36/240)
ويقول الأصفهاني: "ن الرشيد إثر توليته الخلافة وفراغه من إحكام الأمور جلس للشرب، ودخل عليه المغنون فكان إبراهيم أولهم، وكانت جائزته في ذلك اليوم عشرين ألف درهم"5/ 204-.
وفي الرقة وفي مجلس الشرب تذكر الرشيد أن لذته غير تامة بسبب غياب مغنيه المفضَّل إبراهيم الذي كان قد قذف به غضبه إلى غيابات السجن فما عتم أن أمر به أخرج وفكت قيوده، وهنا دفع إليه بعود وأمره فغناه وشرب وطرب، وكانت المكافأة ضيعتين نادرتي المثال هما/ الهنيء والمريء/ ويقعان بإزاء الرقة ويسقيهما نهران، وكان ذلك في غمرة النشوة طبعاً، حتى إذا ثاب الوعي استرد الرشيد هبته وعوضه عنهما مأتى ألف درهم- 5/ 166-.
وفي خرجة أخرى إلى الرقه افتقد الرشيد مغنيه فلم يجد له أثرا وبعد أيام أتاه بعذر أرضاه، ذلك أنه سمع بخبر خَمَّار استهواه فقصد إليه فأقام عنده ثلاثة أيام يكرع من خمره المعتقة، ويصنع إبراهيم في تلك القصة شعرا ويصوغ ذلك صوتا يغني به الرشيد بمصاحبة الزمار الخاص بر صوما، فأنعم عليه بمئة ألف درهم، وبعث بطلب الخَمار السرياني فجاءه بهدية من ذلك الشراب فوصله، ووهب له إبراهيم عشرة آلاف –5/176.
ويسرق إبراهيم بن المهدي- أخو الرشيد- صوتا من إبراهيم الموصلي فيتقنه. وفي مجلس الشرب أمر الرشيد أخاه بأن يغنيه فغناه بذلك الصوت وهو يشرب فنفحه ثلاثمئة ألف درهم، وهنا اعترض الموصلي حالفا بالطلاق إن الصوت له ... فاعترف السارق، فنال الموصلي مكافأة أخرى مئة ألف، فكان محصول تلك الجلسة الإبليسية أربعمئة ألف درهم أي اثنين وعشرين ألف دينار – 5/216(36/241)
وذات ليلة هب الرشيد من نومه فركب حماره القزم وارتدى زينته ومضى على رأس أربعمئة خادم أبيض سوى الفراشين إلى منزل الموصلي فتلقاه هذا بالتكريم اللازم وقبَّل حافر حماره، فنزل وأكل ثم دعا بشراب حُمل معه. وبدأ (كورس) من جواري الموصلي فجعلن يضربن اثنتين اثنتين وتغني واحدة، حتى غنت صبية من حاشيته بيتين فطرب الخليفة واستعاد الصوت مرارا وشرب أرطالا. ثم جاءت المفاجأة إذ سأل الرشيد الصبية عن صانع ذلك اللحن فأمسكت ... وبعد لأْيٍ أسرت إليه بأن الصوت لأخته عُلَية 218/5.
وهنا يُقحم الأصفهاني ذكر الخليفة المقتدر ليرينا إياه خلف ستارة مع جواريه، وبين يدي كل من المغنين قنينة فيها خمسة أرطال نبيذ وقدح ومغسل وكوز ماء.
وتغنيهم جارية من تلاميذ زرياب المغني الذي أفسد الأندلس، حتى إذا انفض المجلس أخذ كل من الحضور عطية تُثرى عشرين محروما! - ... 5/222.
ولا يلبث الأصفهاني أن يفاجئنا هنا بواحدة من مآسي ذلك العهد حيث يرينا بمكة امرأة تبكي وهي تدعو باسم زوجها الذي فارقها لطلب الرزق في جدة، فيدنو منها إسحق بن إبراهيم ويستو صفها ذلك الزوج ثم يمضي بنا معه إلى جدة حيث لقي ذلك الكادح، وهو يشدو بلحن أعجبه فاستوقفه وسأله لم لا يعود إلى زوجته، فاعتذر بالحاجة لتأمين معاشهما، وعلم اسحق أن هذه الحاجة لا تعدو ثلاثمئة درهم في العام فنقده مئونة عشر سنوات وأخذ منه العهد أن يعي إلى أهله فلا يفارقها طوال هذه المدة! ... 5/223.
ويلاحَظ أن القصة مقحمة في غير موضعها وكأنى بالأصفهاني إنما أوردها في هذا السياق الغريب ليبعث قراءه على التفكير بالبون الشاسع بين أوضاع أولئك الخلفاء، وبين هؤلاء البؤساء.(36/242)
ثم لا يلبث المؤلف أن يعود بقارئه إلى الخط الذي انحرف عنه قليلا ليضعنا في خلو أسطورية مع الرشيد الذي أسرَّ له مسرور الكبير بخبر تقبض له وجهه، والتفت إلى مغنيه الموصلي يستحلفه بحياته أن يُطربه بما قدر.. وأدرك هذا حاجة الخليفة إلى المسليات فانطلق يغني:
نِعمَ عوناً على الهموم ثلاثُ
مترعات من بعدهن ثلاثُ
بعدها أربع تتمة عشر
لإبطاء لكنهن حِثاث
فإذا ناولتكهن جوارٍ
عطَراتُ بيض الوجه خِناث
تَمَّ فيها لك السرور، وما طيـ
ـب عيشاً إلا الخِناث الإِناث
فقال الرشيد: ويك اسقني..
فشرب ثلاثا ثم ثلاثا ثم أربعا، ويقول اسحق: فوالله ما استوفى أخرهن حتى سكر!.. ونهض ليدخل ثم قال: قم يا موصلي، فانصرفْ يا مسرور.. أقسمت بحياتي، بحقي إلا سبقته إلى منزله بمئة ألف.5/224 و225.
وكان الرشيد من المعجبين بشعر ذي الرمة ولذلك عُنىَ به إبراهيم حتى التمس من الخليفة ألا يسمع شعره من غيره، ليحتكر جوائزه فيه، ولقد غناه مرة بأبيات منه فنقده ثلاثين ألف درهم ووهب له فراش البيت الذي غنى فيه، وبلغ الطرب به ذات يوم أن وثب قائما وهو يصرخ.. ثم ينتبه لنفسه فيستغفر الله!. ويعترف الموصلي أنه حصل من جوائز الرشيد على غنائه بشعر ذي الرمة وحده على ألفي ألف من الدراهم5/239-241.
ويتحفنا الأصفهاني بهذه الكبيرة الكبيرة:
أمر الرشيدُ الموصليَّ بالحضور إليه بعد العِشاء الآخرة منذرا إياه بالموت إذا تخلف، وفي الطريق إلى(36/243)
الرشيد لمح إبراهيم زبيلا يدلى من القصر الملكي وقد أعد للركوب فما نشب أن جلس فيه ثم رُفع به.. وهناك واجه جواري جلوسا فلما فوجئن به تبادرن إلى الحجاب.. وقضى معهن وقتا ملأه بالضحك والطعام والشراب، وغنت ثلاث منهن، ثم كشف لهن عن نفسه فرفعن الحجاب، فأقام عندهن أسبوعا على هذا النحو ثم أدلينه بالزبيل وأخذ طريقه إلى الرشيد، فلم ينج من عقوبته إلا بسرد قصته مع الجواري، فألزمه الرشيد أن يُحضرَه مجلسهن. وفي الموعد المضروب أقبل إبراهيم فركب الزبيل إليهن، وعند الانصراف عرض عليهن أن يأتيهن بأخ له على أن يستترن منه ولا يتكلمن بحضرته فوفين بذلك تماما، حتى إذا جاء الموعد التالي جاء الرشيد معه متخفيا.. يقول الموصلي:
وشربنا كثيرا فلما أخذ منه النبيذ قال ساهيا: يا أمير المؤمنين ... فتواثبن من وراء الستار حتى غابت عنا حركاتهن.. وانطلت الخدعة على الرشيد فوهب له مئة ألف درهم، ومن ثَم جعلت الجواري يُهدين إلى الموصلي الألطاف/ 245.
وهنا لابد من التساؤل: ذلك الزبيل.. لمن كان معدا قبل مغامرة الموصلي بركوبه؟!!.
والقصة مطبوعة باللون المألوف في حكايات ألف ليلة وليلة، وفي تضاعيفها ما يدل على افتعالها
لمجرد التسلية أو لغرض التشويه.. وعلى أساس أمثالها رَفَع قَصاصو الغرب بناء مسرحياتهم وتمثيلياتهم السينمائية عن أخبار عصر الرشيد وعن قصور الحريم التي تفننوا في تصويرها وعرضوها ولا يزالون.
وإلا فأين غيرة الرشيد وجبروته وهو الحاكم المطلق الذي كان يقذف بالعشرات من الرجال إلى السيف والنطع لمجرد معارضتهم حكمه؟! فكيف به يتخلى عن هذه الغيرة في هذه المواقف التي لا يصبر عليها ذو مروعة!!.
ثم لماذا يؤثر التسلل إلى قصره عن طريق الزبيل وكان في وسعه أن يأمر الموصلي بأداء دوره في زيارة الجواري ثم يفاجئهن بشخصه ومن حيث لا يتوقعن!!.(36/244)
والقارئ ذو اللب لابد أن يجد نفسه مشدودا إلى مثل هذه التساؤلات أمام الكثير مما يواجهه في مجلدات الأغاني..
وقد يسترسل الأصفهاني مع الخيال فيخترع من الأحداث مالا ينطلي إلا على الأطفال المفطورين على الولع بالغرائب، فمن اختراعاته المضحكة خبر القِطَّين الذي يورده عن لسان إبراهيم الموصلي إذ كان في سرداب له ذات ليلة فإذا هوبسنورتين تهبطان قريبا منه ثم يغنيان ويعيدان بأحسن صوت حتى لَقِنَه، ومات فرحا- كما يقول الأصفهاني- فطرحه من غدٍ على جارية له فجُنت 00) 194.
المدرسة الإبليسية:
وفي أضلولة أخرى يرينا إبراهيم هذا وقد دخل عليه شيخ في ظواهر من اليسار والأناقة، فأخذ يحدثه في مختلف فنون الأدب والتاريخ، إلى أن استثاره فغناه وشرب معه وما زال الشيخ يستزيده ويستحسن ما يسمع حتى التهبت مشاعره واستأذن إبراهيمَ بأن يكافئه على ذلك بغناء منه. وانطلق يحرك العود حتى يخيل للسامع أنه (ينطق بلسان عربي) :
ولي كبد مقروحة من يبيعني
بها كبدا ليست بذات قروح!..
فتراءى لإبراهيم أن الحيطان والأبواب وكل مافي البيت يجيبه ويغني معه.. وفجأة انفلت من بين يديه فلم يقع منه على أثر حتى سمع هاتفا من بعض جوانب البيت يقول: (لابأس عليك يا أبا اسحق.. أنا إبليس.. كنت جليسك ونديمك فلا تُرع..) !. وركب إلى الرشيد فأطرفه بالقصة، فاستنشده الرشيد ألحان إبليس فأعادها
عليه، (فطرب وجلس يشرب.. وأمر له بصلة وحملان وقال: ليته- إبليس- أمتعنا بنفسه يوما واحدا كما أمتعك) 230-23.
ولقد يغلب على الظن أن خبر القطين لم يكن غير رؤيا عرضت لإبراهيم بدافع من انشغاله النفسي بأصداء الغناء، ولكن خبر إبليس يتجاوز هذه الدائرة إذ سمع صوتَه سكانُ البيت فلم يقتصر عليه وحده!.. فلم يبق أمامنا إلا الحكم بأنه من مخترعات الأصفهاني، أو من نقل عنه.. ولكن مجرد روايته لهذا الضرب من التكاذيب كاف لرد شهادته في كل أو معظم ما ينفرد به من الروايات..(36/245)
على أن الأصفهاني قد أدرك أن مثل هذه الأعاضيه من شأنه أن يهز الثقة به عند من يحسنون به الظن، فتدارك ذلك بالتبرؤ تبعتها بأن علقها على ذمة محدثه- ابن الأزهر- وأتبع ذلك بقوله: هكذا حدثنا بهذا الخبر وما أدري ما أقول فيه. ولعل إبراهيم صنع هذه الحكاية لينفق بها أو صيغت أو حُكيت عنه. "ويختم تعليله بإمكان رد الخبر كله إلى الرؤيا.. ولكن هذا الرد يظل مجروحاً بعد الذي ادعاه إبراهيم من سماع أهل بيته لألحان ذلك الإبليس..
ونحن لا يعنينا من القصة الابليسية! إلا ما تحمله من اعتراف الموصلي بعمله وزمرته في خدمة الشيطان، وهو ما يؤكده في العديد من مواقفه، وأقربها إلى الذاكرة ذلك الخبر الذي يرويه حفيده، حماد بن إسحاق عن جده إبراهيم حيث يقول: إنه دخل عليه وهو يلقي على تلميذه مخارق صوتا، فلما أتقنه مخارق جعل إبراهيم يبكي- فرحا- ثم قال: يامخارق نعم وسيلةُ ابليسَ أنت في الأرض.. أنت بعدي والله صاحب اللواء في هذا الشأن 198/5.
أجل والله إنها للمدرسة التي تحت رايتها يحقق عدو الله ما يعجز عنه المئون من المخربين..
إنها لَلْمدرسة التي أعد بها إبراهيم جيلا من الساحرين والساحرات يضمن بهم استمرار المسيرة الابليسية ... وحسبه شرفا، بشهادة الأصفهاني عن ولده اسحق أنه (أول من علم الجواري المُثمَّنات فإنه بلغ بالقيان كل مبلغ ورفع من أقدارهن) - 170. وخرج رسول الرشيد ذات ليلة إلى المغنين يأمرهم بأن يغنوا بهذين البيتين:
يا خليلي قد مللت ثوائي
بالمصلَّى وقد سئمت البقيعا
بلغاني ديارهندوسعدي
وارجعاني فقد هويت الرجوعا(36/246)
وليس في ظاهر هذا الخبر ما يستدعي الوقوف عليه، بيد أن في خلفياته ما يوجب التأمل الطويل في مراد الأصفهاني من ورائه، فهو يريد أن يوقع في خلدنا أن أمير المؤمنين وابن عم رسول الله قد وصل من التهتك إلى أن أصبح يضيق ذرعا بكل ما يتصل بمأرز الإيمان، بل حتى ليضيق بذكر المعالم التي يتشوق إليها المؤمنون من مهبط الوحي، وفي مقدمتها المسجد الذي يضاعف الله به الصلاة ألفا، والبقيع الذي يتمنى كل منهم أن يحتضنه مع أفضل خلق الله بعد النبيين.. لأن الرشيد بات شديد اللهف للعودة إلى الأيام التي رسخت في قلبه أطياف البطالين والماجنين.. ويختم هذه التفاهات بطلب الرجوع الذي أصبح يتحكم في عواطفه..
ولكن.. أي رجوع؟.. انه رجوع السئوم الذي مل حياة الرشد والفضيلة فهو يتطلع إلى الانسلاخ منها لينقطع إلى أهوائه!..
وهكذا يصور لنا هذا المغني أثره في مشاعر الخليفة الذي أصبح صراعا لا يكاد يحتمل بلا! ن نشأته الإيمانية على أيدي الصفوة من كبار علماء عصره، والمفسدات التي أحاطت به في ذلك الجو الخليع الذي يصوره صاحب الأغاني!. وشد ماكان أبؤ المهدي بعيد النظر عندما أراد تحصينه وأخاه موسى من وباء هذا الموصلي ومغريا ته، إذ حظر عليه الاتصال بهما تحت طائلة العقوبة الرادعة، وشدَّ ماكان ذلك الساحر محكم التصميم على الاستحواذ عليهما لاستعمالهما في إفساد الوسط الخلافي كله عن طريقهما.. وفي سبيل هذا الهدف تحمل مختلف العقوبات، ولم ينقطع عنهما حتى كانا بزعمه من المستهترين، وذلك هو الطريق الأقصر إلى تحقيق كل ما يريده الشياطين.(36/247)
أجل.. إن أبرز الملامح في شخصية الرشيد- كما تصوره روايات الأصفهاني- هو ذلك الصراع النفسي الذي يوزع كيانه بين الرصانة والخلاعة.. وقد رأيت مَثَل الأولى في غضبته البركانية حين رأى من أحد جلسائه ما يوهم الاستخفاف بالخبر النبوي، على حين تراه في موقف آخر متهالكا مسلوب الإرادة قد أخذه الشراب والطرب حتى ليتعرى من ثيابه فيخلعها على مغنيه، كما سبق لأخيه موسى الهادي ذات يوم وقد استخفه الطرِب فلم يتمالك أن تملص من در اعته، وحكَّم المغني في جائزته، فطلب أن يُقطعه عين مروانَ بالمدينة، ثم لم يتخل عن ذلك الطلب إلا بعد أن أطلق الهادي يده في بيت مال الخاصة فكانت الفدية خمسين ألف دينار! 84/5 أ-185. ومثل هذا السفه هو المرتكز الأساسي في مرويات الأصفهاني، وحسبك من ذلك الخبرُ الذي يريك الخليفة وقد طاش وعيه من السكر والانتشاء إذ سمع لحنا غناه به إبراهيم فلم يجد ما يكافئه عليه بأقل من (الهنيء والمريء) وهما ضيعتان مشهورتان من أعمال الرقة وتُسقيان من الفرات. يقول المغني إبراهيم: (فلما أصبحت عُوّضتُ عنهما مئتي ألف درهم- أي اثنين وعشرين ألف دينار- مقابل غنائه ليلة واحدة، ولعله لم يزد عن بيت واحد 00/ 166.
وسواء صحت هذه الأخبار المحيرة أم ضعفت فمما لا يتسع للخلاف أنها تعكس واقعا له جذوره، التي نمت وتفرعت حتى تركت طابعها على الكثير من جوانب ذلك المجتمع المتناقض..(36/248)
ولعل القارئ لم ينس بعد خبر ذلك العائل الفقير الذي هجر مكة وفيها زوجه تنتحب لفراقه، ليكدح في جدة طلبا للرزق، وقد سرت عدوى الغناء إلى قلبه فلا يتمالك أن يتسلى بترجيعه ابتغاء التخفيف من أعبائه.. ولهذا القارئ أن يضيف الآن إلى ذلك المشهد خبر ذلك النبطي الفلاح الذي ارتضاه إبراهيم وابنه إسحاق حكما بينهما في أيهما أفضل غناء من الآخر، فأصغى الفلاح إلى كل من المغنيين على حدة ثم أصدر حكمه للوالد على ابنه، فلم يستطع هذا اعتراضا ورضى من الغنيمة بلطمة من أبيه يقول انه لم يمربه مثلها 199- 255.
ولا غرو فالناس دائما على دين ملوكهم، وفي القانون الإلهي الذي نقرؤه في قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} الإسراء/ 16 نجد مصداق ذلك. لأن من معاني (امرنا مترفيها) أكثرناهم حتى غلبت طرائقهم على مجتمعهم ففسد تركيبه ففقد صلاحية الحياة فصار إلى الدمار.. وهو القانون الذي مضى حكمه في الأندلس ثم في الدول الإسلامية كلها فكانت ولا تزال عبرة المعتبرين!!.
ومن هنا كان ذكر المترفين في كتاب الله مقروناً أبداً بالذم والتسفيه.. وكان انتصار العقلِ على أهواء النفس هو سبيل المؤمنين إلى جنة المأوى، لأن في التشبث بضوابط الإيمان العصمةَ الواقية من الزلل فالخلل، ولا جرم أن المجتمع الإسلامي في ظل تلك الانحرافات الفوقية قد فقد الكثير من عواصمه، حتى لاستغرب أن نقرأ في كتاب يعتبره (الكبار) أحد مراجع الأدب الكبرى مثل تلك المقطعات القذرةَ من شعر دنيء يسميه المؤلف (يوسف بن الصيقل) وفيها دعوة صريحة للفارغين تزين لهم ممارسة اللواط وإيثاره، ولا يكتفي الأصفهاني بذلك حتى يعقد بين هذا الصيقل وبين الرشيد علاقة مودة تدفعه إلى الترحيب ومرافقته ومنادمته ثم إجازته! 23/0219
حتى ناصر السنة لم ينج من إفكه(36/249)
ويمتد تضليل الأصفهاني حتى يطل بنا على مجلس المتوكل الذي عُرف بنصره السنة فإذا هو- بزعم هذا المضلل- من الطراز نفسه الذي استحوذ عليه المجون والمنافقون.. ومن صور التبذير التي يرسمها للمتوكل ما ينسبه إلى الشاعر مروان بن أبي حفصة الأصغر إذ يقوله إنه مدح المتوكل بأبيات فأجازه عليها بمئة ألف درهم وخمسين ثوبا من خاص ثيابه!.
ويستقبل المتوكل خالدا لكاتب فيعاتبه على انقطاعه، ثم يأمر له بثلاثة أقداح مُلزِمة، فلا يعفيه منها إلا شفاعة الفتح بن خاقان.. وفي المجلس نفسه يحرِّش المتوكل بين خالد وبن ابن أبي حفصة ليتهاجيا فأمسك مروان، واندفع خالد يقذفه بقذارات يترفع حتى السوقة عن سماعها بَلْهَ نطقَها.. والخليفة يضحك حتى يصفق الأرض برجله!!. وهذا اللغو الذي يسم به الأصفهاني شخصية المتوكل يتنافى مع مميزاته التي عرفناها من خلال صورته الرائعة التي نطالعها في رائية شاعره البحتري حيث يصف خروجه لصلاة العيد في ذلك الموكب الباعث على الاعتزاز:
وبرزتَ في برد النبي
فإصبعٌ يومي إليك بها وعين تنظر
ومن خلال تقديره العظيم البالغ للإمام العظيم أحمد بن حنبل، وقضائه المحمي على فتنة المعتزلة.
ونحن لا ننكر أن لكل إنسان، وبخاصة أولئك المثقلون بأعباء الحكم، بَدَواتٍ ينفس بها عن صدره في الخلوات الخاصة.. ولكن أي مصلحة في كشفها للعامة، إلا أن تكون مصلحةَ المتآمرين مع بقايا المجوسية على تحطيم المقومات الإسلامية!.
ألغام في أساس الدولة العباسية:
وفي هذه الجواء المائجة بالعبث، والطافحة بسيول الذهب والفضة تتدفق على صانعي الملاهي، َ لابد أن تتفجر المطامع وتثور الشهوات حتى لا يبالي هُواتُها بالحدود الفاصلة بين الحلال والحرام، والفضيلة والرذيلة، فتصبح الرشوة من أنجع الوسائل في تحقيق الرغبات.(36/250)
وهذا ما نلاحظه في العلاقة بين إبراهيم الموصلي وبعض أساطين البرامكة، الذين ينيخون بكلاكلهم على صدر الدولة فيتصرفون بأموالها تصرف المطلق الذي لا يسأل عما يفعل..
ومن هذا القبيل تلك الباقعة التي يرويها الموصلي إذ يخبرنا بأنه أتى الفضل بن يحي- بن جعفر البرمكي- ذات يوم فقال له إن الخليفة قد حبس يده فهب لي أنت.. ويأسف الفضل لأنه لم يكن عنده مال يرضاه له - وبلغة أيامنا ليس عنده سيولة نقدية - ثم تذكر فقال إلا أن هاهنا خصلة – فرجة - أتانا صاحب اليمن فقضينا حوائجه ووجه إلينا بخمسين ألف دينار يشتري لنا بها محبتنا - شيئا يحبه - فما فعلتْ ضياء جاريتُك؟ سأقول لهم يشترونها منك فلا تنقصها عن خمسين ألف دينار. فقبلت رأسه ثم انصرفت، فبكر عليَّ رسول صاحب اليمن.. فسألني عن الجارية فأخرجتها له قائلا إن الفضل بن يحي أعطاني بها أمس خمسين ألف دينار.. فقال وأنا أريدها له، فهل لك في ثلاثين ألف دينار مسلمة لك؟ وكنت قد اشتريتها بأربعمئة دينار. فلما وقع في أذني ذكر الثلاثين ألفا ارتج علي.. وخفت والله أن يحدث بالجارية حدث أو بي أو بالفضل فسلمتها وأخذت المال.. ثم بكرت على الفضل فلما نظر إلي ضحك ثم قال: يا ضيق الحوصلة حرمت نفسك عشرين ألف دينار. ثم نادى: يا غلام.. جيء بالجارية.. وقال خذها مباركة فإنما أردنا منفعتك.
وقبل أن يعود أدراجه استوقفه الفضل ليقول: إن صاحب أرمينية قد جاءنا فقضينا حوائجه.. وذكر أنه قد جاءنا بثلاثين ألف دينار يشتري بها لنا ما نحب فاعرضْ عليه جاريتك هذه ولانتقصها عن ثلاثين ألف دينار.. وعلى غرار الصفقة الآنفة جرى أمر الصفقة الثانية على الجارية نفسها، وانتهى الأمر بعشرين ألف دينار فسلمها وأخذ المال، فلما رآه ضحك وضرب الأرض برجله وهو يقول: ويحك حرمت نفسك عشرة آلاف دينار.. ودعا بالغلام فأخرج له الجارية فقال خذها ما أردنا سوى منفعتك 195-196.(36/251)
ولقد آثرنا نقل هذين الخبرين بحوارهما دون تعديل إلا ما اقتضاه الإيجاز، لنتيح للقارئ أن يضع يده على بعض أهم المفاسد التي رشحت الدولة العباسية للانهيار.. فليس بالأمر الهين أن تشيع فاحشة الرشوة حتى تكون أساس التعامل بين الولاة وكبار رؤسائهم، أضف إلى ذلك تلك الحيل الخسيسة التي تمكن النصابين من الحصول على أموال الدولة بأحقر الوسائل، حتى ترى عامل الدولة يشري رضا رئيسه وسكوته عن جرائره بعشرات الآلاف من الدنانير، وترى في الوقت نفسه رئيسه الأعلى يشتري متعته مع المغني بتحويل الرشوة كلها إليه عن طريق المؤامرة، وبينهما ذلك الوسيط- الرسول- الذي يداور المغني حتى ينال نصيبه من المال الحرام ثلاثين ألف دينار.
ولا مندوحة هنا عن التساؤل: إذا كان هذا شأن الوالي في رشوة رئيسه، فما حصيلة ذلك على العلاقة بين الوالي الراشي والشعب الذي يتولى أمره؟!.
ولعل أقرب جواب على هذا التساؤل هو ما يشاهده القارئ المعاصر من أمانة كبار المسئولين في أيامه على الأموال العامة، وأكداس الديون التي تتحملها الشعوب لتأمين رغبات هؤلاء السادة الأعلَين!.
أما كبرى المؤشرات التي ينطوي عليها عمل الفضل البرمكي بل البرامكة كلهم في نسيج هذه الأحداث وأمثالها فلا مفهوم لها سوى أنها صورة من التآمر الشعوبي على الإِسلام وعلى كيان دولته بإشاعة التهتك وتدمير الاقتصاد، وإخماد روح الجهاد في سبيل الدعوة إلى الله، حتى ينتهي المطاف بالأمة الإسلامية إلى فقدانها قدرةَ الدفاع عن نفسها بمقوماتها الذاتية لتُنقل أزمتها إلى أيدي الآخرين ممن لا يهمهم سوى شهوة الحكم.. وهو ما صارت إليه الدولة العباسية أخيرا على أيدي عملاء المجوسية، الذين عجزوا عن استرداد السلطان الكسروي عن طريق الحرب فلجئوا إلى الدسائس و (إذاعة المفاسد ومحاولة تشويه الفكر الإسلامي بنشر الأفكار الدخيلة التي زلزلت قواعد المجتمع كله!.(36/252)
وقد كثر الكلام عن الدوافع التي أدت إلى نكبة البرامكة، ولعل أقربها إلى الواقع بعد أن تكون نتيجة انتفاضةٍ في ضمير الرشيد كشفت له أعماق تلك المؤامرة فلجأ إلى حسمها بالسيف بعد أن وصل خطرها إلى عرشه ولكن.. هل وقفت الانتفاضةُ زحف ذلك الخطر عن الدولة والأمة؟.. هيهات. وأنى لها ذلك بعد أن وصل الداء إلى القلب، فأصبح كل شيء مهيئا للدمار الذي نسف الكيان العام من أساسا وذهب بمليون وثمانمئة ألف مسلم على أيدي هولاكو والعلقمي وبقية المتآمرين من أعداء الإِسلام!.
وماهي سوى لحظات من عمر الزمن حتى تتابعت الكوارث الماحقة فذهبت بإشبيلية وغرناطة وقرطبة وأخواتها، وعبدت الطريق للزحف الصليبي القديم والحديث على بقية العالم الإسلامي الغارق في غفلاته وشهواته وخلافاته.. وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون..
التناقضات المهلكات:
وبعد فإن المشكلات التي يثيرها كتاب الأصفهاني أكبر من أن يستوعبها فكر أو يرصدها قلم، وقد اجتزأنا منها بالقدر الذي يتسع له عرض في مجلة فصلية، واضطررنا للإِعراض عن الكثرة الكاثرة من محتوياته، التي لا يغني منها القليل عن الكثير، وفي النفس منها أشياء تغرى بالمتابعة فنمسك عنها معتذرين بضيق الوقت والوهن الذي نعانيه في أواخر الثمانينات.. على أن مشكلة واحدة لم نستطع دفعها عن الذهن، ففسحنا لها السبيل إلى البروز والمناقشة.
من التساؤلات الطفولية المثيرة أن تسمع صغيرا يهمس في أذن أمه: هذه القروش التي ينفحنا بها البابا كل يوم.. من أين يأتي بها؟ أليس لها من نهاية؟!.(36/253)
ولعلك توقفت أمام هذه التساؤلات ذات يوم كما توقفت أنا ومضيت كما وجدتني أمضي معها طويلا محاولا الوصول إلى أجوبة شافية.. وها أنا ذا اليوم أراني مشدودا إلى ذلك الهاجس الطفولي أسأل نفسي: هذه القناطير المقنطرة من الدراهم والدنانير التي تتطاير أمام أتُنحَت لهم من الجبال أم تسيل بها الأودية؟! أم تقذف بها المصانع من بواتق المعادن الخسيسة، التي أعيننا بين أيدي الخلفاء والوزراء والندماء فلا تكاد تهتدي إلى مستقر لها.. من أين يأتي بها هؤلاء؟! يحاولن كيميائيو ذلك العصر تحويلها إلى المعادن النفيسة؟.. أسئلة محيرة لا نملك لها جوابا.. ولكنها تشق لنا الطريق إلى البحث عن مصادر هاتيك الأموال!، وعن المجاري التي تسلكها، والنتائج التي تصير إليها! ذلك التبذير الرهيب..
مرقب واحد فقط يقف بنا عنده ذلك البحث لنكتشف من خلاله أهم أسرار ذلك اللغز، فإذا هي كلها متشابكة حول العُرف العام الذي يطلق يد المسئول الأعلى في حياة الناس ودمائهم وأموالهم.. فبكلمة من شفتيه يسوق من يشاء إلى السجن المنسيِّ أو الموت المقضيِّ، وبأخرى مثلها يصادر حصائل أعمار الناس فيمسخ يسرهم فقرا ورياضهم قفرا.. وبكلمةٍ تُحَول أموال الدولة إلى أيدي العابثين يموهون بها جدرانهم بالذهب، وينصبون التماثيل في قصورهم الأسطورية، ويحشون بها أفواه السكارى لتحيل أصواتهم أغاريد تتموج فيها أنغام الطيور الشادية بمختلف الألحان!!.(36/254)
أما الجماهير البائسة فعليها وحدها الصبر على الفاقة والحرمان، حتى يصير بها الأمر إلى مستقره من اليأس الذي يدمر الحدود ويحطم السدود، ويدفعها بقوة لا مرد لها إلى الهدم بعد البناء والاضطراب العام بعد السلام الذي طالما نعمت به في ظلالا الإيمان، حتى لَيجتاحُ الغوغاءُ البلدَ الذي كان حتى الأمس قبة الإسلام فإذا هو بين ليلة وضحاها مضرب المثل في الخراب، وإذا بالمئات الثلاث من ألوف أهلها الغافلين طعام سائغ للموت يتقاسمهم دجلة والحرائق الكاسحة فلا نرى لهم أثرا إلا من خلال رثاء ابن الرومي في مثل قوله:
لهف نفسي عليك أيتها البصر
ة لهفا يطول فيه هيامي
لهف نفسي عليك يا قبة الأس
لام لهفا يزيد منه ضرامي
ثم تتتابع حبات العقد حتى يتوقف قليلا عند اجتياح هولاكو بغداد فتزول بذلك جنة الدنيا.
وحتى حفيدة رسول الله لم تسلّم من أذاه:
وأقف هنا قليلا لألقي نظرة عجلى على ما سطرتُ من الإضافات فإذا هي تتجاوز المتوقع، مع أنها لم تكد تعدو حدود الكلام عن بيئة الرشيد.. أفأرفع القلم أم أواصل إعماله في الكشف عن بعض المخزيات التي تفوق كل ما كشفناه حتى الآن من مؤامرات الأصفهاني على حرمات الإسلام!!.
وأي حرمة أحق بالاهتمام من كرامة البيت النبوي الذي يحتل مكان القداسة من قلوب المسلمين جميعا!!. فكيف كان موقف ذلك الشعوبي من ذلك البيت المطهر وهو يزعم أنه من أشياعه ومن أجل ذلك لا يشير إلى أحد من أهله إلا بصيغة التكريم والتسليم؟!.
وسنجتزئ من أحاديث الأصفهاني عن أهل البيت بنتف يسيرة تتصل بالسيدة الفاضلة سكينة بنت الإمام الحسين وابنةِ فاطمة البتول حفيدة رسول الله وأثيرته..
وقبل التعرض لمفتريات ذلك الشعوبي على هذه الطاهرة يحسن أن نذكِّر القارئ بالجو الذي صارت إليه بعد مقتل أبيها ونكبة أسرتها في كر بلاء، وفي كل من هذه الزلازل ما يذهل العقول ويدمي القلوب فكيف بقلب سكينة العظيمة!!.(36/255)
ومع ذلك لا يستحي ذلك الخَرَّاص أن يطمس على ذلك الجانب المأساوي كله ليريك بدلا عنه جانبا آخر مملوءا باللغو واللهو والعربدة!.
ويقف الأصفهاني بقرائه هنا على صفحات من حياة المغني عبيد بن سريج 17/42 ويبدؤها بالحديث عن تنسكه إذ كان قد أقلع عن احتراف الغناء ولزم المسجد الحرام ثم المسجد النبوي، كما يفعل في أيامنا أولئك التائبون المتطهرون من سفاهات الماضي..
يقول الأصفهاني: "إن سكينة قد اغتمّت غما شديدا لتوبة ابن سريج واقلاعه عن الغناء، وتوسطت خادمها أشعب لاستخراجه من عزلته واستقدامه ليُسمعها ولو صوتا واحدا.. وبذل أشعب العجائب من حيله إلى أن أكره التائب على زيارة سيدته فجاء به، ودخلا عليها.. وجعلت تعاتبه على جفائه.. وتحدثا ساعة ثم استأذنها ابن سريج بالانصراف، فأبت عليه ذلك وراحت تطوقه بالموانع التي لا قِبَل له باختراقها":
تقول السيدة - بزعم الأصفهاني – "برئتُ من جدي إن أنت برحت داري ثلاثا، وبرئت من جدي إن لم تغنِّ إن خرجت من داري شهرا، وبرئت من جدي إن أقمت في داري شهرا إن لم أضرِبك لكل يوم تقيم فيه عشرا، وبرئت من جدي إن حنثت في يميني أو شفَّعت فيك أحداَ.."ولا داعي للتوقف على هذه البراآت، بل هذا اللغو الذي يعزوه إلى حفيدة رسول الله دون حياء ليجعل منه مواثيق تُلزم المغني بالنكوص عن توبته وبالعودة إلى ماضيه الشيطاني نزولا على رغبتها.
بإزاء هذه العزائم الغريبة لم يستطع ابن "سريج فكاكا من الأسر إلا بإرسال صوته ببعض الألحان تحلة للقسم فاندفع يغني:
أستعين الذي بكفيه نفعي
ورجائي على التي قتلتني
ورقت الطاهرة لهذا المغني فجعلت تذكره بفضائل الصبر، وفي غمار النشوة أخرجت دملجاً من ذهب كان في عضدها وزنه أربعون مثقالا وأقسمت عليه إلا أدخله في يده، ومن ثم بعثت بأشعب إلى عزة الميلاء تدعوها للمشاركة في هذه المناسبة.(36/256)
ولما جاء دور هذه القينة غنت بأبيات من شعر عننزة، فأعجب ابن سريج بما سمع وأبدى استحسانه غناءها، وترجمت السيدة مشاعرها بأن ألقت إلى القينة بالدملج الآخر!.
واستمرت المناسبة ثلاثة أيام أغرقت الدار بما فيها ومن فيها من الجواري والمطربين في جو من البهجة المذهلة. ولم يستطع عبيد التملص من مأزقه حتى عاد فغنى بأمر السيدة، واختار لذلك أبياتا تلوِّح بمشكلته، فدعت لكل من عزة وابن سريج بحلة ثم أذني لهما بالانصراف، وهي تقول للمغني: قد علمت ما أردت بهذا وقد شفعناك.. وإنما كانت يميني على ثلاثة أيام.. فاذهب في حفظ الله وكلاءته..
الشهادة الفاضحة:
ويأبى الأصفهاني إلا أن يعاود الحديث عن الطاهرة سكينة بأسوأ مما بدأ، وذلك عندما عرض لأخبار الفاسق الأكبر عمر بن أبي ربيعة فروى من شعره 17/ 159.
قالت (سُعيدةُ) والدموع ذو ارف
منها على الخدين والجلباب
ليت المغيريَّ الذي لم أجزه
في ما أطال تصيدي وطلابي
كانت ترد لنا المنى أيامُها
إذلا نلام على هوى وتصابي
أسُعيدُ.. ما ماء الفرات وطيبُه
مني على ظمأ وحب شراب
بألذ منك، وان نأيت وقلما
يرعى النساء أمانة الغياب
ويعقب على النص بأنه تُغُنِّي فيه باسم (سكينة) مكان سُعَيدة وإنما غَّيره المغنون،
ثم يروي عن لسان اسحق الموصلي قوله: غنيتُ الرشيد يوما بقوله: قالت سكينة والدموع ذوارف ...
فوضع القدح من يده وغضب غضبا شديدا ثم قال: لعن الله الفاسق ولعنك معه.. ويحك أتغنيني بأحاديث الفاسق ابن أبي ربيعة في بنت عمي وبنت رسول الله صلي الّله عليه وسلّم؟!!.
وفي هذا وذاك ما يؤكد أن اسم (سكينة) كان صريحا في ذلك أو أن كونها هي المقصودة بهذه الأبيات أمرٌ مشهور يدركه السامع ولو أبدل باسمها غيرُه.
وليس ثمة أي غموض في أن الفاسق إنما يتغزل بالطاهرة وبأسلوب الماجنين، وهي وقاحة لا يحتملها سمع مسلم..(36/257)
ورب قائل إن المرجَّح كونُ الأصل هو اسم سعيدة لا سكينة، وإنما اختلط على الرواة لاتفاق وزن الاسمين.. وسواء كان الأصل ذلك أو هذا فسيظل الأمر في نطاق الكبائر، لأن المقصود بسعدي حسب تعريف الأصفهاني نفسه هي بنت الصحابي الجليل عبدا لرحمن بن عوف- 17/157 - أحد العشرة المبشرين بالجنة والسابقين إلى الإسلام.
فكيف إذا علمت أن مضمون هذا الغزل أبعد ما يكون عن الواقع، وبهذا يصرح المؤلف في الصفحة نفسها حين يروي ذلك الحوار بين الشاعر الفاسق وسُعدى بنت الصحابي الجليل، إذ رأت الشاعر يطوف بالبيت فأرسلت إليه: إذا فرغت فأتِنا فأتاها فقالت وقال:
- ألا أراك إلا سادرا في حرم الله!. أما تخاف الله!. ويحك إلى متى هذا السفَه؟!.
- أيْ هذه.. دعي عنك هذا. أما سمعت ما قلت فيك؟. وتلا بعض تلك الأبيات.
- أخزاك الله يا فاسق.. ما علم الله أني قلت مما قلتَ حرفا، ولكنك إنسان بَهوت..
وإنها لشهادة فاضحة من شأنها أن تهدم كل الأقاصيص الخرقاء التي تبناها صاحب (حديث الأربعاء) عن فضليات ذلك العهد، ليوهم قارئه أن إقبالهن المزعوم على مخالطة ذلك الفاجر في الخلوات ليس إلا انطلاقا مع الحرية التي منحها الإِسلام للمرأة! وما تلك لعمر الله إلا حرية السفهاء الذين لا ينظرون إلى الحياة إلا من خلال الشهوات، ولو نظر إلى أعاضيه ابن أبي ربيعة في مقاييس الإِيمان وعلى ضوء الضوابط الإسلامية لما جاوز في تفسيرها قولَ الحكيم الحليم: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} وها هو ذا ابن أبي ربيعة يقول ما لم يفعل ويفتري الكذب على المحصنات الغافلات لِيُسهِم في إشاعة الفجور مع أعداء الإنسان والإِسلام، ثم يستيقظ ضميره النائم ذات يوم فيستغفر الله ويَشهد على نفسه بأنه لم يفعل شيئا من كل ما نسجه من هاتيك المحاورات المفتريات!!.(36/258)
ومن غير المعقول أن يمر أديب كبير مثل صاحب (حديث الأربعاء) بتلك الموبقات دون أن يلاحظ عليها طابع الافتعال، الذي يصور أوضاع فارغين حيل بينهم وبن السلوك الرفيع، وتدفقت عليهم هبات الحكم الذي قصد إلى شل فاعليتهم البناءة، فلم يجدوا سبيلا لإثبات ذواتهم سوى ميادين الغواية، فراحوا يتسابقون لا صناعة ذلك الشعر الذي يترجمون به أحلامهم الكمينة في صور محسوسة يُخيَّل لقارئها أنها منتزعة من صميم الواقع!..
ولكن صاحب (حديث الأربعاء) ما كان ليهمه من تلك المرويات سوى الامتاع والاستمتاع، كما فعل في كتابه الآخر (على هامش السيرة) فأحسن العرض الفني بمقدار ما أساء إلى الحقيقة الواقعية، وهو المنهج نفسه الذي سلكه في كتابه عن الأدب الجاهلي الذي جرَّأ به الغُواة على التشكيك في بعض حقائق الوحي تحقيقا لرغبة أساتيذه من المنصِّرين والمستشرقين..
وما مثله ومثل سلفه صاحب (الأغاني) في ذلك إلا كمثل أولئك الذين يقول الشاعر القديم فيهم:
أن يسمعوا ريبة طار ابها فرحا
عنى وما علموا من صالح دفنوا
وأخيرا.. إن مثل هؤلاء لا يسعد قلب المؤمن بصحبتهم فكيف إذا امتدِّز منها إلى المدى الذي اضطررنا إليه في هذا العرض، فلْنُنْهِ هذه الرحلةَ بالخاتمة التي اختارها صاحب الأغاني لأثيره كبير المفسدين إبراهيم بن ماهان الملقب بالموصلي. ويأبى الأصفهاني إلا أن يطبع هذه الخاتمة بسواة جديدة يلصقها بذكر الرشيد، إذْ جاءه الخبر بموت هذا الخليط العجيب - في يوم واحد - إبراهيم الموصلي والكسائي النحوي، والشاعر النظيف ابن الأحنف، وهُشَيمةَ الخمارة - بل القوادة على رأى اسحق في رثائه إياها - فما كان من الرشيد إلا أن ندب ابنَه المأمون للصلاة عليهم صفا - 5/165 - وبذلك استوى هؤلاء الأربعة باستحقاق التكريم في دولة الخليفة العظيم- على رأي ذلك المفتري الأثيم-!.(36/259)
بيد أن ابن سبابة أو أبا الأسد، وهما من غواة إبراهيم، كان أعلم به وبمكانته الحقيقية إذ يقول أحدهما في رثائه:
ستبكيه المزاهروالملاهي
وتُسعدُهنَّ عاتقةُ الدِنان
وتبكيه الغَوِّيةُ إذ تولّى
ولا تبكيه تاليةُ القُران
(5/ 256)
وحقا إن موت نظراء الموصلي وهشيمة لأحق بدموع الخلعاء السفهاء من أدوات الشيطان، ولن يجعل الله لأشباههم حظاً في عيون حَمَلَةِ القرآن..
والحمد لله.. ولا حول ولا قوة إلا بالله ...(36/260)
تنبيه واعتذار
الحمْد لِّلهِ رَب العالمين أهل الحمد كله والصلاة والسلام على نبينا محمد أشرف خلقه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فقد كان لمجلة الجامعة الإِسلاميّة إصدارٌ إلتزمته أكثر من عشر سنوات جمعت فيه بين المقالة الإِسلاميّة والكلمة الثقافية والبحث العلمي الّذي يعتمد في مادته وتحرير مسائله على المصادر العلمية. وكان هذا الإِصدار يلقى قبولا لدى جمهور القراء من العلماء والباحثين والدارسين والمثقَّفين. كما كان يُوفِّرُ لمجلة الجامعة مادةً علميّة ثقافيّة متنوعة، مما ساعد على موالاتِها الصدورَ بأربعة أعدادٍ في السنة.. ثم بدا لأعضاء هيئة التحرير والقائمين على شؤون المجلة أَنْ يَعْطُوا البحوثَ العلميةَ الأوْلَويَّةَ في النشر، فكان لمجلة الجامعة إصدارٌ جديدٌ اهتم بالبحوث العلميّة كثر من المقالات الإِسلامية أو الثقافيّة ... واستمرت بهذا النهج كثر من خمس سنوات، ثم رؤى بعد هذه الرّحلة التي قطعتها مجلة الجامعة أن تكونَ مجلةً علميّةً محكمةً تقتصر في مادَتِها العلميّة على بحوث أعضاء هيئة التدريس في الجامعة وكان الغرض من هذا التّوجّه أمرين:
الأول: مساعدة أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بنشر بحوثهم العلميّة.
ثانيا: إبراز النشاط العلمي لأعضاء هيئة التدريس في الجامعة..
وقد وضعت قواعد للنشر في مجلة الجامعة تناولت البحوث العلمية، وتحقيق الكتب أو الرسائل، إلى جانب مراجعات الكتب أو تقويمها تقويماً علميًّا وَفْقَ الشروط التي تضمنتها المادة الثانية.(36/261)
وقد اقْتضى هذا التّوجّه في الإصدار أنْ تَتَوقَّفَ مجلةُ الجامعة فترة من الزّمن، فلمّا استأنف إصدارُها رُوعِيَ الزَّمن الّذي توقفت فيه والعدد الّذي انتَهتْ به، فكانت تَصدرُ في فترِةِ تحمل تاريخ السنوات التي توقفت فيها وتَسلسل الأعداد السابقة التي وقفت عندها. ثُمَّ بدا بعد مُضِىّ سنتين أنَّ الفجوةَ عميقةٌ بذهن الزمن الذي تخرج فيه والفترة التي يؤرخ بها إصدارُها، وأنَّ طيَّ تلك السنوات الّتي توقفت فيها بات مُتَعذِّراً في ظلِّ الظروف الراهنة التي تمِرّ بها المجلة، والحاجة تدعو إلي طَيّ الفترة السابقة بأعدادها حتّى يَتَسَنى للمسؤولين في المجلة مراعاة الفصَول المقررة لإصدارها في السنة، لذلك ارْتُئِيَ إصدارُ عَددٍ مُتَميز في كَمّهِ ومادته العلميّة تُطْوى به السنواتُ السابقةُ بأعدادها، فكان هذا العدد الّذي تَخْتَمُ به مجلّة الجامعة عامها الخامس والعشرين، وهو ينتظم الأعداد من (85- 155) .
وبالله توفيقنا وعليه اعتمادنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
هيئة التحرير(36/262)
العدد 101-102
فهرس المحتويات
1- التفسير الصحيح موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور: حكمت بشير ياسين
2- الجزء الثالث من كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه: أبو بكر أحمد بن محمد بن هاني الطائي الأثرم؛ تحقيق: د. أحمد بن عبد الله الزهراني
3- الغريب المُصنف: أبو عُبيدٍ القاسم بن سلاَّم
4- رواية الكتاب: أبو الحسن الطوسي علي بن عبد الله بن سنان التيمي
5- شروط "لا إِله إِلا الله ": الدكتور/ عواد المعتق
6- دراسة تحليلية لأسئلة الثانوية العامة في مادتي (الحديث والثقافة الإسلامية) و (التوحيد) بالمملكة العربية السعودية في ضوء المستويات المعرفية من عام 1405- 1410هـ:
الدكتور عبد الله عبد الحميد محمود
7- عرض ونقد دراسة نقدية وتوجيهية لكتاب دراسة عن الفرق في تأريخ المسلمين الخوارج والشيعة: الدكتور أحمد محمد أحمد جلى
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م(36/263)
التفسير الصحيح
موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور
الجزء الأوّل
حكمت بشير ياسين
أستاذ مشارك في كلية القرآن الكريم
الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة
قال الطبري مصنف (جامع البيان) :
"إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله كيف يلتذ بقراءته؟ "
معجم الأدباء 18/ 63
وقال ابن أبي حاتم الرازي مصنف (تفسير القرآن العظيم مسنداً عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين) :
"فلما لم نجد سبيلاً إلى معرفة شيء من معاني كتاب الله ولا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من جهة النقل والرواية وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإِتقان منهم وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة".
وقال أيضاً:
"فإن قيل كيف السبيل إلى معرفة ما ذكرت من معاني كتاب الله عز وجل ومعالم دينه؟ قيل: بالآثار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه النجباء الألباء الذين شهدوا التنزيل وعرفوا التأويل رضي الله عنهم. فإن قيل فبماذا تعرف الآثار الصحيحة والسقيمة؟ قيل: بنقد العلماء الجهابذة الذين خصهم الله عز وجل بهذه الفضيلة، ورزقهم هذه المعرفة، في كل دهر وزمان ".
مقدمة الجرح والتعديل ص 2، 5
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.(36/264)
أما بعد: فإن علم التفسير من أجلَّ العلوم وأفضلها وأشرفها باعتبار أساسه وتاريخه وموضوعه وغايته. فأساسه: القرآن الكريم والحديث الشريف. وتاريخه: أول العلوم الإسلامية. وموضوعه: كلام الله تعالى. وغايته: معرفة معانيه وإدراك مراميه. وسنام هذه المعرفة: التفسير بالمأثور لأهميته الكبرى في فهم القرآن العظيم، لأنه تفسير من رب العالمين، أو من رسوله الأمين، أو تفسير صحابي شهد التنزيل وعرف التأويل أو تفسير تابعي نهل من مدرسة النبوة عن الصفوة من المفسرين.
فلابد من التفسير بالمأثور لمن أراد أن يستجيب لله تعالى فيتدبر كلام الله، وكذا لمن أراد أن يفسر بالرأي يتحتم عليه أن يطلع على معرفة: أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والقراءات، وأول ما نزل وآخر ما نزل، والمكي والمدني، والغريب والمشكل، والأحاديث المبينة للمجمل والمبهم، والأحاديث المخصصة للعام والمقيدة للمطلق، وهذه العلوم لا تؤخذ إلا بالنقل الصحيح ولا تنفك عن التفسير بالمأثور بل هي نابعة منه. وهذه العلوم من الشروط التي ينبغي أن تتوفر في من أراد أن يفسر القرآن بالرأي كما ورد عن السيوطى في الإتقان.
ولما أوجب الله عز وجل علينا أن نعمل بهذا القرآن بالاستجابة لأوامره والازدجار عن نواهيه والاعتبار بقصص الأمم السالفة… فقد كان لزاماً أن نتدبر معاني هذا القرآن وأن ندرك مراميه لنعمل به ونتحرى ما ثبت في تفسيره لنستقيم على نهجه.(36/265)
ولهذه الأمة تجربة خالدة حينما تدبرت هذا القرآن وأخذته بقوة، حيث أسعفها في طفرتها الكبرى حينما انتشلها من دياجير الجاهلية إلى مشاعل النور} إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ { (1) فلما التزمت بهدية هداها، ولما تركته تركها كما نرى الحال في هذا الزمان، وبما أن العلماء هم الذين ينصحون الأمة ويحذرونها من مغبَّة البعد عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد صدرت نداءاتهم المتكررة في كل زمان وحثهم الأمة على العودة إلى القرآن والسنة وغالباً ما يواكب هذه النداءات الدعوة لتنقية التفسير من الدخيل بأنواعه أو تصنيف تفسير نقلي بعدما ثبت فشل المدرسة العقلية- عندما زهدت بالأحاديث والآثار الصحيحة إذ لابد من الاستفادة منها-، وذلك من خلال نصائح العلماء وطلاب العلم والمثقفين، وهو مطلب مهم لأن التفسير علم جامع للقرآن والسنة.
وإن جندياً من جنود القرآن والسنة ليدرك من غير شك أهمية هذا المطلب الإسلامي والمسؤولية التي تناط به وخصوصاً في عصرنا الحاضر، وآمل ساعياً أن أكون أهلاً لهذه الجندية كي أحقق أملاً من الآمال التي تعقد على طلاب العلم.(36/266)
من أجل هذا المنطلق جاءت فكرة تصنيف هذا الكتاب حيث قررت أن أجمع كل ما صح إسناده من التفسير بالمأثور لأن الرواية التفسيرية الصحيحة تتقبلها النفوس- إن كانت صادقة - بكل اطمئنان وتأخذها بقوة وجدية، وخصوصاً إذا كانت الرواية من الصحيحين أو على شرطهما أو على شرط أحدهما، أو صحح تلك الرواية بعض النقاد المعتمدين، ويكفينا تجربة تقبل الصحيحين (1) . وهذا التقبل والأخذ يقوي صلة المسلم بالقرآن والسنة وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم، وفي الوقت نفسه إن جمع الروايات التفسيرية الصحيحة يؤدي إلى تنقية التفسير من الدخيل بأنواعه، وفي هذا الجمع غربلة لجميع الروايات التفسيرية الثابتة الموجودة في كتب التفسير المطبوعة والمخطوطة المروية بالإسناد، أضف إلى ذلك الروايات الموجودة في الكتب المسندة في العلوم الأخرى والتي سيأتي ذكرها في الحواشي والمصادر، وطريقة هذه الغربلة بنقد جميع الأسانيد لتلك الروايات وخصوصاً للأسانيد المتكررة كثيراً، فقد أفردت لها دراسة نقدية خاصة بها كما سيأتي في آخر هذه الديباجة.
هذا ومن فضل الله تعالى ومَنّه أن هيأ الأسباب لهذا العمل حيث قيض لهذه الأمة في كل عصر ومصر من يقوم بنشر هذا العلم والعناية به، فخلفوا لنا تركة من كتب التفسير المسندة التي خزنت وحفظت كتب السابقين وهذه من خصائص هذه الأمة.(36/267)
وإن تكفلَ الله تعالى القرآن بالحفظ والبيان لمن أعظم ما خص الله تعالى هذه الأمة من الفضيلة والشرف حيث قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1) وقال أيضاً: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (2) وَعَدَ سبحانه ووعده حق، فبَيّن وفصّل بأدق أساليب الفصاحة والبلاغة، قال تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (3) . وقال عز وجل أيضاً: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (4) .
كما جعل الله تعالى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بياناً للقرآن وتطبيقاً له في أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله، ليكون الرسول صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً} (5) .
وأوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبين للأمة ما تحتاج إلى بيانه فقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (6) .(36/268)
وقد قام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأداء الأمانة، فبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة. (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبيِّن عن الله عز وجل أمره، وعن كتابه معاني ما خوطب به الناس، وما أراد الله عز وجل به وعنى فيه، وما شرع من معاني دينه وأحكامه وفرائضه وموجباته وآدابه ومندوبه وسننه التي سنَّها، وأحكامه التي حكم بها وآثاره التي بثها) . فلبث صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة ثلاثاً وعشرين سنة، يقيم للناس معالم الدين، يفرض الفرائض، ويسن السنن، ويمضي الأحكام ويحرم الحرام ويحل الحلال، ويقيم الناس على منهاج الحق بالقول والفعل. فلم يزل على ذلك حتى توفاه الله عز وجل وقبضه إليه صلى الله عليه وسلم وعلى آله أفضل صلاة وأزكاها، وأكملها وأذكاها، وأتماها وأوفاها فثبت عليه السلام حجة الله عز وجل على خلقه بما أدى عنه وبين، وما دل عليه من محكم كتابه ومتشابهه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما بشر وأنذر. قال الله عز وجل: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (1) ،.
وما أن فاضت روحه أو لتلحق بالرفيق الأعلى إلا ومدرسة النبوة قد بدأت تتحمل هذه المسؤولية من خلال تلك الصفوة التي تهذبت وتربت ونهلت من ذلك البيان، واشتهر منهم في علم التفسير جماعة كالخلفاء الراشدين وابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت وأُبي بن كعب وأبي موسى الأشعري وعبد الله ابن الزبير، ومنهم المكثرون كابن عباس وابن مسعود، ومنهم من لم يكثر وذلك بسبب تقدم وفاتهم أو انشغالهم في الإعداد والإدارة والجهاد، وقد نالوا - رضوان الله عليهم - الحظ الأوفر من ذلك الهدي والبيان النبوي، فتلقوه بكل همة وحفظوه وطبقوه بدقة وأمانة، ثم قدموه إلى من بعدهم من التابعين فنشروا ما علموه بحكمة وصيانة مع التحري والتدقيق.(36/269)
(وتلقى التابعون التفسير عن الصحابة كما تلقوا عنهم علم السنة) (1) ، وقد قام التابعون الذين تحملوا هذا العلم بواجبهم تجاه هذا القرآن العظيم، فكرسوا اهتمامهم وبذلوا جهودهم لتلقي ما ورد من آثار لبيان معاني ومرامي هذا القرآن الكريم، فعرفوا تفسيره وأسباب نزوله، وفضائله وأمثاله، وأحكامه وأقسامه، وغريبه ومعربه، وبينوا المحكم من المتشابه، والناسخ والمنسوخ، والعموم من الخصوص، والمفصل من المجمل، والمقدم من المؤخر، والمطلق من المقيد.(36/270)
قال شيخ الإسلام ابن تيميه:"وكان من أعظم ما أنعم الله عليهم اعتصامهم بالكتاب والسنة، فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن، لا برأيه ولا ذوقه، ولا معقوله، ولا قياسه، ولا وجده، فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم: فيه نبأ من قبلهم، وخبر ما بعدهم، وحكم ما بينهم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن، فلا يستطيع أن يزيغه إلى هواه، ولا يحرف به لسانه، ولا يخلق عن كثرة الترداد، فإذا ردد مرة بعد مرة لم يخلق ولم يمل كغيره من الكلام، ولا تنقضي عجائبه، ولا تشبع عنه العلماء، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعي إليه هدي إلى صراط مستقيم. فكان القرآن هو الإمام الذي يقتدى به، ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس، ولا بذوق ووجد ومكاشفة، ولا قال قط تعارض في العقل والنقل، فضلاً عن يقول: فيجب تقديم العقل والنقل - يعني القرآن والحديث وأقوال الصحابة والتابعين- إما أن يفوض وإما أن يؤول. ولا فيهم من يقول: إن له ذوقاً أو وجداً أو مخاطبة أو مكاشفة، تخالف القرآن والحديث …".(36/271)
وهذا أنموذج من النماذج الدقيقة التي تدل على رصانة المنهج المتبع عند الصحابة والتابعين في تفسير القرآن الكريم والعمل به، وقد نشروا منهجهم في أصقاع الخلافة آنذاك فحينما بدأت الفتوح على أيديهم في الجزيرة العربية وما جاورها انتشر الصحابة للدعوة إلى الله وتوحيده يفقهون الناس بما أنزل إليهم، فكان ابن عباس في مكة والبصرة، وابن مسعود في الكوفة، والخلفاء الأربعة وزيد بن ثابت وأبي بن كعب في المدينة، وأبو موسى الأشعري باليمن، وعمرو بن العاص بمصر، وكان من منهجهم في التعليم: الفهم والتطبيق العملي لما قرأوا وتعلموا من القرآن الكريم.
أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:"كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن".
وكان بعضهم إذا أشكل عليه مسألة سأل من هو أعلم منه في تلك المسألة، ويتكاتبون فيما بينهم إذا كانوا متباعدين.
فقد كتب ابن عباس رضي الله عنه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه يسأله عن ستة إخوة وجد فكتب إليه "أن اجعله كأحدهم وامح كتابي.."أخرجه ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر بسند صحيح عن الشعبي. قاله الحافظ ابن حجر ثم قال: وأخرج الدارمي بسند قوي عن الشعبي قال:"كتب ابن عباس إلى علي - وابن عباس بالبصرة - أني أتيت بجد وستة إخوة، فكتب إليه أن أعط الجد سدساً (1) ولا تعطه أحداً بعده ".
وقد أثَّر هؤلاء الصحابة- رضوان الله عليهم- في تلاميذهم من التابعين رحمهم الله حيث اجتمع في كل بلد لفيف من التابعين (2) حول هؤلاء الصحابة فكان من أصحاب ابن عباس الذين يقولون بقوله ويفتون ويذهبون مذهبه: سعيد بن جبير وجابر بن زيد وطاووس ومجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة (3) .
ومن أصحاب ابن مسعود الذين يفتون بفتواه ويقرأون بقراءته: علقمة ابن قيس والأسود ابن يزيد ومسروق وعبيد السلماني والحارث بن قيس وعمرو بن شرحبيل.(36/272)
وهذا بالنسبة لابن عباس وابن مسعود وهما مكثران، وهكذا الحال للآخرين من الصحابة ومسانيدهم، وقد تتلمذ هؤلاء التابعون على الصحابة المفسرين قراءة وحفظاً وتفسيراً وعملاً.
وكان من منهج الصحابة الدقيق في تعليم التابعين العرض والتفسير والكتابة.
أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن مليكة قال: "رأيت مجاهداً يسأل ابن عباس في تفسير القرآن ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: أكتب. قال: حتى سأله عن التفسير كله".
وقال محمد بن إسحاق: حدثنا أبان بن صالح، عن مجاهد قال: "عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها". وأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق معنعناً به. وإسناده حسن لأنه ثبت تصريح محمد بن إسحاق بالسماع. فقد أخرجه الحاكم من طريق محمد بن إسحاق سمع أبان بن صالح يحدث عن مجاهد قال: "عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أوقفه على كل آية أسأله فيما نزلت وكيف كانت …".
وكذا كان سعيد بن جبير حريصاً على الكتابة عن بن عباس. قال الدارمي: أخبرنا مالك بن إسماعيل، ثنا مندل بن علي العنزي، حدثني جعفر بن أبي المغيرة عن بن جبير قال: "كنت أجلس إلى ابن عباس فأكتب في الصحيفة حتى تمتلئ، ثم أقلب نعلي فأكتب في ظهورها"، وأخرجه بن سعد والدارمي أيضاً من طريق يعقوب القمي عن جعفر به مختصراً (1) ، وأخرجه الرامهرمزي من طريق مندل به (2) .
وأخرجه الخطيب البغدادي من طريق حبان عن جعفر بن أبي المغيرة به.
وأخرج الدارمي أيضاً عن أبي النعمان، ثنا عبد الواحد، ثنا عثمان بن حكيم قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: "كنت أسير مع ابن عباس في طريق مكة ليلاً، وكان يحدثني بالحديث في واسطة الرحل حتى أصبح فأكتبه"، أخرجه الخطيب البغدادي من طريق طارق عن سعيد بن جبير بنحوه.(36/273)
كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يعرض المصحف على بعض تلاميذه ويبين سبب نزول بعض الآيات، روى النسائي بسند صحيح عن كعب بن علقمة عن أبي النضر عن نافع مولى ابن عمر قال:"أن ابن عمر كان عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم} (1) فقال: يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا. قال: إنا كنا معشر قريش نجبي النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد، فآذاهن فكرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل الله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم} "وذكره ابن كثير ثم قال:"وهذا إسناد صحيح "، وقد رواه ابن مردويه عن الطبراني عن الحسين ابن إسحاق عن زكريا بن يحيى الكاتب العمري عن مفضل بن فضالة عن عبد الله بن عياش عن كعب ابن علقمة فذكره (2) .
وأما ابن مسعود رضي الله عنه فكان يقرأ على تلاميذه السورة ثم يفسرها في وقت كاف فقد أخرج الطبري بسنده عن مسروق قال: "كان عبد الله يقرأ علينا السورة ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار" ولهذا نرى التابعين الذين تحملوا هذا العلم من أفواه الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يرحلون من بلد إلى بلد في طلب تفسير آية واحدة، فهذا سعيد بن جبير يرى أهل الكوفة قد اختلفوا في قول الله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} (3) فيرحل إلى ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فيسأله عنها فيجيبه بقوله:"نزلت هذه الآية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} وهي أخر ما نزل وما نسخها شيء". أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري (4) .
وهذا مسروق رحل إلى البصرة في طلب تفسير آية فقيل له: الذي يفسرها رجع إلى الشام فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها (5) .(36/274)
وأما زر بن حبيش فيقول: "وفدت في خلافة عثمان بن عفان وإنماد حملني على الوفادة لقي أبي بن كعب وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"رواه الخطيب البغدادي بسنده عن زر.
وكان من منهجهم الرائع التورع في التحمل والرواية فيبحثون عن علو الإسناد وعمن هو أهل للرواية فهذا أبو العالية يقول: "كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لأسمع منه فأول ما أتفقد صلاته فإن أجده يقيمها أقمت وسمعت منه، وإن أجده يضيعها رجعت ولم أسمع منه، وقلت هو لغير الصلاة أضيع". رواه الخطيب البغدادي بسنده عن أبي العالية. وهو القائل أيضاً: "كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة فسمعناها من أفواههم". رواه ابن سعد (1) والبغدادي (2) بسنديهما عنه واللفظ لابن سعد.
وقد ظفر أبو العالية بعَرضه القرآن على أُبي بن كعب وزيد بن ثابت وابن عباس، وصح أنه عرض على عمر رضي الله عنهم (3) كما حظي برواية نسخة أُبي بن كعب في التفسير كما سيأتي في عرض أشهر الأسانيد في التفسير.
وأما مسروق فيحذر من التساهل في التفسير فروى أبو عبيد القاسم بن سلام عن هشيم أنبأنا عمرو بن أبي زائدة، عن الشعبي عن مسروق قال: "اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله".
وفي هذه الفترة برزت جماعة من التابعين اشتهروا بمعرفة التفسير فبرعوا ونبغوا فيه ومنهم سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وأبو العالية ت 90 هـ وقتادة ت 110هـ وعامر الشعبي ت 105هـ ومسروق ت 63 هـ والحسن البصري ت 110 هـ والضحاك بن مزاحم ت 105 أو 106هـ وغيرهم.(36/275)
وقد استفادوا من تلك المنهجية العلمية الدقيقة التي بوأتهم مكانة مرموقة، فتصدروا مجالس العلم، وبدأ بعضهم بتدوين التفسير، فكانوا طليعة الفرسان في هذا الميدان، ففي عصرهم بدأ تدوين التفسير، وأول من قام بذلك سعيد ابن جبير الأسدي ت 95 عندما كتب الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان يسأل سعيد ابن جبير أن يكتب إليه بتفسير القرآن واستجاب له فصنف التفسير، ووجد عطاء بن دينار هذا التفسير في الديوان فرواه عن سعيد وجادة (1) .
وفي هذا العصر انتشرت كتابة التفسير، روى الدارمي عن عمرو بن عون، أنا فضيل، عن عبيد المكتب قال: "رأيتهم يكتبون التفسير عن مجاهد" وأخرجه الخطيب البغدادي من طريق وكيع بن فضيل ابن عياض به.
وأخرج الخطيب البغدادي بسنده عن أبي يحيى الكناسي قال: "كان مجاهد يصعد بي إلى غرفته فيخرج إليّ كتبه فأنسخ منها".
وقد واكب هذا التدوينُ الفتحَ الإسلامي الذي امتدت أطرافه شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً مما أدى إلى اتساع انتشار هذا العلم إضافة إلى ذلك ازدياد الرحلات العلمية، وكان لتدوينه أيضاً أثر كبير في انتشاره وتداوله عند أهل العلم من صغار التابعين وأتباع التابعين مثل:
الضحاك بن مزاحم الهلالي ت 105 هـ أو 106 هـ.
ومقاتل بن سليمان البلخي ت 105هـ طبع تفسيره (2) .
وطاوس بن كيسان اليماني ت106.
وقتادة بن دعامة السدوسي ت 110هـ.
ومحمد بن كعب القرظي ت 118هـ.
والسدي الكبير 127هـ.
وعبد الله بن يسار المعروف بابن أبي نجيح ت 131 هـ.
وعطاء الخراساني ت 135 هـ وقد حققتُ قطعة من تفسيره (3) .
وزيد بن أسلم العدوي ت 136هـ.
والربيع بن أنس البكري ت 140هـ.
وعلي بن أبي طلحة ت 143هـ استخرج السيوطي اغلب صحيفة علي بن أبي طلحة من تفسيري الطبري وابن أبي حاتم (4) .
والأعمش بن سليمان بن مهران ت 147هـ أو 148هـ.(36/276)
وغيرهم من المفسرين المتقدمين فقام هؤلاء بجمع نسخ وروايات وصحف كبار التابعين وتدوينها، فسطع قبس التفسير في أرجاء العالم الإسلامي آنذاك، ثم أزداد تألقاً في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري حيث استنار العلماء الذين تلقوا هذا العلم من شيوخهم واعتنوا به فحفظوه أو كتبوه، ثم رووه لتلاميذهم فتوسعت حركة تدوين التفسير وظهرت تفاسير مشابهة للتفاسير المتقدمة، وقد تكون أوسع منها مثل: تفسير سفيان الثوري ت 161هـ (1) .
وتفسير معاوية بن صالح ت 158 هـ أو ت 172هـ وهو الراوي لصحيفة علي بن أبي طلحة.
وتفسير شيبان بن عبد الرحمن النحوي ت 164 هـ وهو راوي التفسير عن قتادة.
وتفسير نافع بن أبي نعيم القاريء ت 167هـ أو 169هـ وقد حققتُ قطعة من تفسيره (2) .
وتفسير أسباط بن نصر الهمداني ت 170 هـ وهو الراوي لتفسير السدي.
وتفسير مالك بن أنس إمام دار الهجرة ت 179 هـ.
وتفسير مسلم بن خالد الزنجي ت 179وقد حققتُ قطعة من تفسيره (3) .
وتفسير عبد الله بن المبارك المروزي ت 181.
وتفسير عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ت 182 هـ.
وتفسير هشيم بن بشير السلمي ت 183 هـ.
وتفسير يحيى بن يمان العجلي ت 189 هـ، وقد حققتُ قطعة من تفسيره (4) .
وتفسير إسماعيل بن علية ت 193 هـ.
وتفسير يحيى بن سلام البصري ت200 هـ.
وفي هذا العصر ازدادت كتب التفسير وبقيت على هيئة أجزاء ونسخ كتفسير الإمام مالك بن أنس فقد وصفه ابن كثير والذهبي (5) وابن حجر والروداني بأنه جزء، وكذلك التفاسير التي تقدمت في القائمة السابقة حيث ذكرت الموجودة منها وكلها على هيئة أجزاء ونسخ.(36/277)
وفي القرن الثالث والرابع الهجري دخل التفسير في مرحلة جديدة وهي مرحلة الموسوعات الجامعة في التفسير، فظهرت تفاسير ضخمة مروية ومستوعبة لكثير من الأجزاء والنسخ المبثوثة في رحاب العالم الإسلامي آنذاك ذلك العالم الذي استطاعت حضارته أن تجمع وتؤلف بين العرب والعجم والبربر تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولهذا جاءت بعض تفاسير العلماء حافلة بتفاسير السابقين وشاملة للقرآن كله وذلك بسبب انتشار العجمى ومن هذه التفاسير:
تفسير عبد بن حميد الكشي ت 240 هـ (1) .
تفسير ابن جرير الطبري ت 310 هـ.
تفسير ابن المنذر النيسابوري ت 318هـ (2) .
تفسير ابن أبي حاتم الرازي ت 327 (3) .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذه التفاسير عند كلامه عن الذين اعتنوا بجمع التفسير المسند من طبقة الأئمة الستة فساق أسماءهم- وذكر أولهم بأنه من طبقة شيوخهم- ثم قال: "فهذه التفاسير الأربعة قلّ أن يشذّ عنها شيء من التفسير المرفوع والموقوف على الصحابة والمقطوع عن التابعين، وقد أضاف الطبري إلى النقل المستوعب أشياء لم يشاركوه فيها ... ".
وكذلك ابن أبي حاتم فقد حاول أن يفسر كل آية بل كل كلمة وحرف وقد يسوق أكثر من عشرة أوجه في الكلمة الواحدة (4) .
ومن هذه التفاسير الموسوعية أيضاً:
1 – تفسير الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ت 241هـ.
وتفسيره ضخم حافل بمائة وعشرين ألف رواية، صرح بهذا الرقم أبو الحسين بن المنادي في تاريخه فيما رواه عنه القاضي أبو الحسين أبو يعلى حيث ذكر عبد الله وصالح ابني الإِمام أحمد فقال: "كان صالح قليل الكتاب عن أبيه، فأما عبد الله فلم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه أكثر منه لأنه سمع المسند وهو ثلاثون ألفاً، والتفسير وهو مائة ألف وعشرون ألفاً سمع منها ثمانين ألفاً والباقي وجادة..". ونقله أيضاً الخطيب البغدادي (5) والذهبي (6) ، وأبو موسى المديني في خصائص المسند (7) ، وصرح بهذا الرقم ابن الجوزي.(36/278)
وقد ذكر هذا التفسير ابن النديم (1) ، وشيخ الإسلام ابن تيميه، والداوودي، ومحمد السعدي الحنبلي ت900 هـ وحصل الروداني المغربي على إجازة روايته فذكره في ثبته ثم ساق إسناده إلى الإِمام أحمد ابن جعفر القطيعي عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه.
ولكن الإمام الذهبي أنكر وجود هذا التفسير فبعد أن ذكر قول ابن المنادي قال: "لكن ما رأينا أحدا أخبرنا عن وجود هذا التفسير ولا بعضه ولا كراسة منه ولو كان له وجود أو لشيء منه لنسخوه ... ".
ويبدو أن الإمام الذهبي لم يحظ بجزء أو كراسة من تفسير الإمام أحمد علما بأن جزءا من تفسير أحمد كان موجودا في زمنه حيث نقله بنصه وفصه الإِمام ابن قيم الجوزية- وهو معاصر للذهبي وتوفي ابن القيم ت751 هـ أي بعد وفاة الذهبي بثلاث سنوات- فقال ابن قيم في بدائع الفوائد: ومن خط القاضي من جزء فيه تفسير آيات من القرآن عن الإِمام أحمد. ثم ساقه بأكمله في تسع صفحات (2) ، إضافة إلى ذلك أن الحافظ ابن حجر أفاد من تفسير أحمد وصرح بنقله منه (3) .
والحق أن تفسير الإمام أحمد لم يشتهر كشهرة مسنده الذي ذاع صيته في الآفاق وكثر قصاده إلى العراق.
2- التفسير الكبير لأمير المؤمنين محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح ت 256 هـ.
ذكر بروكلمان نسخة منه في باريس- المكتبة الوطنية- وقطعة منه في الجزائر في المكتبة الوطنية أيضا (4) ولعلها من صحيح البخاري.
وقد سألت عن هاتين النسختين فلم أجد أحدا رآهما!! ويبدو من عنوانه أنه تفسير كبير.
3- تفسير أبي مسعود أحمد بن الفرات الرازى ت 258 هـ.
قال إبراهيم بن محمد الطيان: سمعت أبا مسعود يقول: كتبت عن ألف وسبعمائة وخمسين رجلا أدخلت في تصنيفي ثلاث مائة وعشرة وعطلت سائر ذلك وكتبت ألف ألف حديث وخمس مائة ألف حديث فأخذت من ذلك ثلاث مائة ألف في التفسير والأحكام والفوائد وغيره.
4- تفسير القرآن الكريم لابن ماجة القزويني ت 273 هـ.(36/279)
وصفه ابن كثير بالحافل فقال: ولابن ماجة تفسير حافل.
والحافل الكثير الممتلئ، وذكره ابن خلكان والمزي والذهبي والداوودي وللمزيد عن هذا الكتاب راجع مقالي بعنوان: استدراكات على تاريخ التراث العربي، والكتاب مفقود وقد جمعت روايات تفسيرية كثيرة من سننه، ومن الدر المنثور، ومن تهذيب الكمال في مواضع تراجم الرجال الذين رمز لهم المزي (فق) أي رجال ابن ماجة في التفسير.
5- التفسير الكبير لإِسحاق بن إبراهيم بن مخلد المروزي المشهور بابن راهويه ت 238هـ.
ويبدو أنه كبير من عنوانه. ذكره ابن النديم والخطيب البغدادي والسمعاني والداوودي.
6- التفسير لإِبراهيم بن إسحاق الحربي ت 285 هـ. قال الذهبي في ترجمته: مصنف التفسير الكبير.
وهو كسابقه. وذكره ابن حجر والدا وودي.
7- التفسير لابن أبي داود عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني ت 316 هـ.
روى المفسر أبو بكر النقاش أنه سمع أبا بكر بن أبي داود يقول: إن في تفسيره مائة ألف وعشرين ألف حديث (1) .
وذكر هذا التفسير الخطيب البغدادي والعليمي والدا وودي.
8- التفسير لسليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ت 360 هـ.
قال الداوودي في طبقات المفسرين: وله تفسير كبير. اهـ.
وقد جمعت روايات تفسيرية من معاجمه الثلاثة وكتاب الدعاء، ومكارم الأخلاق، وجزء من سمع من عطاء، كلها للطبراني المذكور.
9- تفسير القاضي أبي محمد إسحاق بن إبراهيم بن إسحاق البستي ت 307 هـ.
توجد منه نسخة في مكتبة البلدية بالإِسكندرية بمصر وقد وصل إلى النصف الثاني ويبدأ من سورة الكهف إلى نهاية التفسير، وصورته من مكتبة فضيلة الشيخ حماد الأنصاري حفظه الله. وقام بتحقيق جزء منه الزميل د. عوض العمري.(36/280)
وقد قرأت هذا التفسير الجليل ولاحظت عدم التصريح باسم المؤلف في الغلاف ولكن صرح باسمه في الورقة 126 ب، ومما يؤكد أن هذا التفسير لهذا المؤلف ما نقله العيني من هذا التفسير بأسانيد مماثلة له كما صرح باسم المؤلف أيضاً.
ووجدت لهذا التفسير مزايا كبرى:
أولها: أن أغلب أسانيده على شرط الصحيحين.
ثانيها: أن مؤلفه طويل النفس في إيراد الأحاديث والآثار وعمله كصنيع ابن أبي حاتم في التفسير بالمأثور المجرد من أي قول آخر.
10- تفسير عمر بن أحمد بن عثمان المشهور بابن شاهين ت 385 هـ.
قال الخطيب البغدادي في ترجمته: له التفسير الكبير ا. هـ.
وتفسيره كبير كما وصف حيث احتوى على تفاسير منها تفسير أبي الجارود.
وقال الكتاني: وهو في ألف جزء ووجد بواسطة في نحو من ثلاثين مجلدا.
فهذه نماذج من كتب التفسير في ذلك العصر الذي برز فيه صرح التفسير بالمأثور شامخا مسندا كاملا للقرآن الكريم، فقد تكاملت أسسه التي أرسيت بثمار تلك الجهود المباركة السابقة، فاجتمعت مع جهود المتقدمين عنايةُ اللاحقين حيث جمعوا وأضافوا ونقدوا، وكان جميعهم عاكفين على هذا العلم، وعضوا عليه بالنواجذ لأنه جمع بين القرآن والسنة، وقد زاد اهتمامهم عندما تلوث هذا العلم بالدخيل بسبب تساهل بعض العلماء في إيرادهم الإسرائيليات بأنواعها، وبسبب صنيع الزنادقة والقصاص والكذابين وأهل الأهواء فوقع التحريف والتأويل والوضع.(36/281)
فما ورد عن المفسرين الكذابين طرح وفضح كتفسير محمد بن السائب (1) الكلبي وتفسير محمد بن مروان السدي الصغير، وكذلك ما ورد عن أهل الأهواء كصالح بن محمد الترمذي فقد كان مرجئا جهميا داعية يقول بخلق القرآن، وكمقاتل بن سليمان البلخي وقد نسبوه إلى الكذب، وقال الشافعي مقاتل قاتله الله تعالى. قال الحافظ ابن حجر: وإنما قال الشافعي فيه ذلك لأنه اشتهر عنه القول بالتجسيم. قال إبراهيم الحربي مصنف الكبير:وإنما جمع مقاتل تفسير الناس وفسر عليه من غير سماع. قال إبراهيم: لم أدخل في تفسيري منه شيئا.
وكذا الحال بالنسبة للزنادقة فقد وضعوا روايات وأحاديث كثيرة ومن المعروف أن كثيرا من هذه الروايات والأحاديث لها علاقة وطيدة بالتفسير.
أخرج ابن عساكر عن ابن علية قال: أخذ هارون الرشيد زنديقا فأمر بضرب عنقه فقال له الزنديق: لم تضرب عنقي؟ قال له: أريح العباد منك. قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلها ما فيها حرف نطق به؟ قال: فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا (2) ؟
ولهذا انبرى جهابذة السلف إلى نقد الروايات والتفتيش عن الأسانيد، وقد بدأ هذا التحري بعد اندلاع الفتنة في خلافة عثمان رضي الله عنه أو في زمن ابن الزبير وقد رجح الرأي الأخير مؤرخ السيرة أ. د. أكرم ضياء العمري.
أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن محمد بن سيرين قال: لم يكونوا يسألون عن الإِسناد. فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم. فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم. فكان أهل السنة بالمرصاد لكل من تسول له نفسه أن يأتي بدخيل ولهذا وضعوا ضوابط محكمة وقواعد دقيقة للرواية.(36/282)
قال محمد بن حاتم بن المظفر: ... وهذه الأمة إنما تنص الحديث عن الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تناهى أخبارهم، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ والأضبط والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة، ثم يكتبون الحديث من عشرين وجها أو أكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل ويضبطون حروفه ويعدوه عدا.... .
هكذا كان منهجهم في الرواية والتصنيف واستمر الحال على ذلك إلى القرن الثالث والرابع الهجري، وكان أكثر المفسرين المصنفين يروون بالإِسناد، فبرأوا ذمتهم لأنهم سموا شيوخهم ورواتهم وكانوا يميزون بين الصحيح والسقيم، وبعضهم يرى وجوب هذا التمييز بل وجوب نقد الرواة لمعرفة الثقة من الضعيف مثل ابن أبي حاتم وهو الذي صنف موسوعته في الجرح والتعديل من أجل بيان الثابت من التفسير ومن سنن البشير النذير صلى الله عليه وسلم التي تبين القرآن الكريم، فها هو يقول في تقدمة الجرح والتعديل: فلما لم نجد سبيلا إلى معرفة شيء من معاني كتاب الله ولا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاله إلا من جهة النقل والرواية وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة.(36/283)
هكذا كان منهجهم الدقيق، وكذا كانت حلقات التفسير متصلة من القرن الأول الهجري إلى القرن الرابع الهجري، وبدخول القرن الخامس الهجري بدأ تدريجيا إهمال الأسانيد بحذفها أو باختصارها مما ساعد على شيوع الإسرائيليات ورواج الأحاديث الواهية والموضوعة ونسب الأقوال الباطلة إلى الصحابة والتابعين، وهم برءاء منها، وكانت فرصة سانحة للكذابين والوضاعين والزنادقة وأهل الأهواء، فاختلط الصحيح بالسقيم والحق بالباطل وانتشر ذلك في كتب التفسير بالمأثور، ولم يسلم منها إلا القليل كتفسير البغوي (1) وابن كثير وعبد الرزاق بن رزق الرسعني ت 661هـ (2) الذي روى أغلب تفسيره بإسناده واستمر الحال على ذلك إلى يومنا هذا.(36/284)
وقد تعالت صيحات وتوصيات لكثير من الغيورين في الأوساط العلمية لتنقية التفسير من الدخيل ولتمييز الصحيح من السقيم، وقد بذلت جهود لا بأس بها لغربلة بعض كتب التفسير من الدخيل وخصوصا في جامعة الأزهر، ولكن لم يقم أحد بنقد التفاسير بتمييز الصحيح من السقيم أو بجمع ما أثر من الصحيح المسند في التفسير، وكنت أفكر بهذا العمل منذ سنة 1404 هـ ولكني كنت أتردد بسبب ضخامة الموضوع وتعدد شعابه، وغزارة مصادره المطبوعة والمخطوطة القريبة والبعيدة، وعندما أسند إليَّ تدريس مادة التفسير ومناهج المفسرين في كلية القرآن الكريم بالجامعة الِإسلامية، ومادة طبقات المفسرين في شعبة التفسير بقسم الدراسات العليا مدة ثلاث سنوات رأيت الحاجة ماسّة لتصنيف تفسير بالمأثور ينتقى من الصحيح المسند من كتب التفسير المسندة ومن كتب الفنون الأخرى التي حوت على التفسير بالمأثور المسند والتي سيأتي ذكرها في الهوامش وفي قائمة المصادر إن شاء الله، وكان لابد لي من القيام بشيء من هذا في تحضيري للطلاب وخصوصا لطلاب كلية القرآن الكريم باعتبارها كلية تخصص في التفسير إضافة إلى القراءات، فكان من ضمن التحضير نقد الكثير من الروايات التفسيرية معتمدا على أقوال كبار النقاد المشهورين كشيخ الإسلام ابن تيميه وأمير التفسير ابن كثير والحافظ ابن حجر العسقلاني والحافظ الذهبي، ومستأنسا بأقوال النقاد المعاصرين، وكان هذا النقد في تفسير السور التالية: سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران والمائدة والأنعام والأنفال والحج والإسراء والنور.(36/285)
وقد سبق هذا التحضير عملي في تحقيق المجلد الثاني من تفسير ابن أبي حاتم الرازي (ت 327 هـ) وفيه سورتا آل عمران والنساء وقد بلغ عدد الروايات (4602) رواية فيها المرفوع والموقوف والمرسل، وعند هذا التحقيق لمست أن معظم كتب التفسير بالمأثور للمصنفين المتقدمين مفقودة، ولهذا قررت أن أجمع الروايات التفسيرية لهؤلاء المفسرين، وقد قمت بذلك بعد الانتهاء من التحقيق، فجمعت مرويات أشهر المفسرين من أصحاب التفاسير المفقودة كالإمام مالك والشافعي وأحمد ومحمد بن إسحاق وعبد الله بن المبارك ووكيع والدارمي وابن خزيمة وابن ماجة والطبراني ومحمد بن يوسف الفريابي وعبد بن حميد كما جمعت روايات من تفسير ابن أبي حاتم من القسم المفقود من تفسيره، كما قمت بتحقيق تفسير يحيى ابن يمان، ونافع بن أبي نعيم ومسلم ابن خالد الزنجي وعطاء الخراساني، برواية أبي جعفر محمد بن أحمد بن نصر الرملي (ت 295 هـ) .
وقد واكب هذا العمل اكتشاف تفسير آدم بن أبي إياس العسقلاني ت 220 هـ (1) وظهور بعض التحقيقات في التفسير وعلوم القرآن كتفسير عبد الرزاق الصنعاني والنسائي وابن أبي حاتم الرازي (ت 327 هـ) ، وأبي بكر محمد بن علي بن أحمد الأدفوي (ت 388 هـ) ويسمى تفسيره: (الاستغناء في علوم القرآن) وتفسير (الوسيط بين المقبوض والبسيط) للواحدي (ت 468 هـ) ، كما أنجزت بعض الأعمال العلمية مثل موسوعة في فضائل القرآن تصنيف محمد رزق الطرهوني وتحقيق فضائل القرآن للنسائي والفريابي وابن الضريس والعجاب في بيان الأسباب للحافظ ابن حجر والصحيح المسند في أسباب النزول لمقبل الوادعي وأسباب النزول لعصام الحميدان وتحقيق الناسخ والمنسوخ للنحاس وتحقيق نواسخ القرآن وتحقيق تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي.(36/286)
كما وقفت على قطع نادرة من تفسير عبد بن حميد (ت 249 هـ) وتفسير ابن المنذر النيسابوري (ت 318 هـ) (1) وتفسير القاضي أبي محمد إسحاق بن إبراهيم البستي (ت 307 هـ) وتفسير يحيى ابن سلام، وقد بلغني أنه حقق في بلاد المغرب، وأحكام القرآن لإسماعيل بن إسحاق الجهضمي (ت 282 هـ) وتفسير عبد الرزاق الرسعني (ت 660 هـ) وهو تفسير أغلبه مسند. ومن فضل الله تعالى أن أتاح لي بلوغ الإطلاع والاقتناء لهذه الكتب.
إن اجتماع هذه العوامل المتقدمة من تحضير وتحقيق وجمع وإطلاع واقتناء شجعني على أن أخوض غمار موضوع الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور فانتقلت من مرحلة التردد إلى مرحلة التنفيذ، فاقتنيت ما يلزم من مصادر مطبوعة، وحصلت وصورت ما يلزم من المخطوطات والرسائل العلمية المكتوبة بالآلة الكاتبة ومنها ما تقدم ذكره آنفا، ولم أظفر ببعض كتب التفسير الهامة فكلفت بعض الزملاء لتصويرها كتفسير ابن المنذر (ت 318 هـ) ، وأحكام القرآن للطحاوي (ت 321 هـ) ، وتوجد قطعة من الأول في مكتبة جوتا بألمانيا الشرقية وأما كتاب الطحاوي فبلغني أنه يقوم بتحقيقه باحثان تركيان في مكة المكرمة، ولازلت أنتظر تصوير هذه الكتب.
وقد قمت بجولة علمية باحثا عن الكتب المتعلقة بهذا المشروع، فاستكملت مكتبتي حسب الحاجة، وجمعت ما تفرق من الشوارد والفرائد من تحضيراتي وتقييداتي الصالحة لهذا الباب، حيث انتخبت منها الصفو واللباب، ورتبتها حسب سور القرآن الكريم وآياته، ثم بدأت بالتفسير مصدرا السورة بفضائلها إن صحت الرواية، ثم بتفسير القرآن بالقرآن إن وجد وهو قمة البيان وغالبا ما أعتمد على كتاب أضواء البيان ثم تفسير ابن كثير وتفسير القاسمي.(36/287)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن قال قائل: فما أحسن طريق التفسير؟ فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له.
وقد سلكت هذا الطريق متحرياً ما ثبت عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم القائل:"ألا إني أوتيت هذا الكتاب ومثله معه" (1) ، وقدمت ما اتفق عليه الشيخان في صحيحيهما، ثم ما انفرد به أحدهما ولا داعي لتخريج الحديث من مصادر أًخرى لأن هدفي من التخريج التوصل إلى صحة الحديث وكفى بإطباق الأمة على صحتهما.
قال الزركشي: لطالب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة: الأول: النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو الطراز الأول ولكن يجب الحذر من الضعيف والموضوع فإنه كثير وإن سواد الأوراق سواد في القلب ... .
وقد استفدت من تحذير الزركشي، فتركت كل ضعيف وموضوع فإذا لم أجد الحديث في الصحيحين أو في أحدهما فألجأ إلى كتب التفسير وعلوم القرآن المسندة كفضائل القرآن وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وإلى كتب الصحاح والسنن والمسانيد والمصنفات والجوامع وغيرها من كتب السيرة والتاريخ والعقيدة المسندة مبتدئا بالأعلى سندا أو بما حكم عليه الأئمة النقاد المعتمدين، وأقوم بتخريجه تخريجا يوصلني إلى صحة الإسناد أو حسنه مستأنسا بحكم النقاد الجهابذة، فإذا لم أجد حديثا مرفوعا فأرجع إلى أقوال الصحابة الذين شهدوا التنزيل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح، لاسيما علماؤهم وكبراؤهم.(36/288)
أما إذ وجدت الحديث المرفوع الثابت فقد أسوق معه بعض أقوال الصحابة الثابتة إذا كان فيها زيادة فائدة وإذالم يكن فيها فأكتفي بما ثبت من الحديث الشريف، وقد أوردت أقوال الصحابة رضوان الله عليهم بأصح الأسانيد عنهم. علما بأن بعض الأحاديث لا يندرج تحت التفسير مباشرة وإنما لها علاقة وتتناسب مع الآية المراد تفسيرها.
وهذا المنهج المتقدم في إيراد وانتقاء الأحاديث والآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم هو منهج ابن أبي حاتم القائل: فإن قيل كيف السبيل إلى معرفة ما ذكرت من معاني كتاب الله عز وجل ومعالم دينه؟
قيل: بالآثار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه النجباء الألباء الذين شهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، رضي الله تعالى عنهم، فإن قيل: فبماذا تعرف الآثار الصحيحة والسقيمة؟ قيل: بنقد العلماء الجهابذة الذين خصهم الله عز وجل بهذه الفضيلة، ورزقهم هذه المعرفة، في كل دهر وزمان.
فجدير لمن تاقت نفسه ليشتغل بعلم التفسير أن يسلك هذا المنهج فهو المعول عليه في هذا العلم، وقد مكنني من اتباع هذا المنهج العكوف على الأسانيد الواردة في التفسير وانتقاء الصحيح والثابت منها مع تركيز البحث والاهتمام بحكم الأئمة النقاد على هذه الأسانيد.
فإذا لم أعثر على قول صحابي فحينئذ ألجأ إلى ما ثبت من أقوال التابعين. قال شيخ الإِسلام ابن تيمية: إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر فإنه كان آية في التفسير ... وكسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومسروق الأجدع وسعيد ابن المسيب وأبي العالية والربيع بن أنس وقتادة والضحاك بن مزاحم وغيرهم من التابعين.(36/289)
وبالنسبة لأقوال الصحابة والتابعين فأغلبها كتب ونسخ رويت بأسانيد متكررة، فبعضها يتكرر آلاف المرات في تفسيري الطبري وابن أبي حاتم، وبعضها يتكرر مئات المرات فمثلا تكرر إسناد علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أكثر من (1500) مرة في تفسير الطبري وذلك حسب إحصائية الشيخ أحمد عايش الذي قام بجمع روايات علي بن أبي طلحة.
وقال الأستاذ سزكين عند تفسير قتادة: ويبدو أنه كان تفسيرا كبير الحجم ذكره الطبري أكثر من (3000) مرة، ربما يكون قد نقل كل مادته بالرواية التالية: حدثنا بشر بن معاذ، حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة.
وقال أيضا عند تفسير مجاهد: وقد نقل الطبري من هذا التفسير حوالي (700) مرة وذكره بالرواية التالية: حدثنا محمد بن عمرو الباهلي ت 249 هـ قال: حدثنا أبو عاصم النبيل ت 212 هـ قال حدثني عيسى بن ميمون المكي قال: حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد. وذكر أن الطبري نقل من تفسير عطية العوفي عن ابن عباس في (1560) موضعا وبإسناد واحد أيضا.
وكذا الحال في تفسير ابن أبي حاتم، وتفسير عبد الرزاق الصنعاني الذي روى أغلب تفسيره عن معمر عن قتادة.
ولهذا قررت أن أجعل دراسة الأسانيد والطرق المتكررة في المقدمة وذلك لعدم التكرار ثم لبيان موضع الحكم على صحتها وحسنها، ومالم أذكره في هذه المقدمة فهو من قبيل غير المتكرر فأحكم عليه في موضع وروده، وذكرُ الأسانيد في المقدمة من صنيع ابن أبي حاتم الرازي والبغوي في تفسيريهما والحافظ ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب وقد رتبت هذه الأسانيد على حروف المعجم كما يلي:
الإسناد إلى أبي بن كعب رضي الله عنه:(36/290)
- طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أُبي: وقد اعتمد هذا الإسناد كبار المصنفين كالإمام أحمد في مسنده (1) وأبو داود في سننه (2) ، والترمذي في جامعه (3) ، والطبري (4) وابن أبي حاتم (5) في تفسيريهما، وابن خزيمة في التوحيد (6) ، والحاكم في مستدركه (7) ، والواحدي في أسباب النزول (8) ، والبيهقي في الأسماء والصفات (9) ، والثعلبي (10) والبغوي (11) في تفسيريهما. وكثيرا ما اعتمد على هذا الإسناد الطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما، ويرويه ابن أبي حاتم عن عصام بن داود العسقلاني عن آدم بن إياس العسقلاني، عن أبي جعفر به. وقد حكم الحافظ ابن حجر العسقلاني على الإسناد بأنه جيد كما يرويه ابن أبي حاتم من طريق أبيه عن أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي عن عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه به. وقواه الحافظ ابن حجر. ويرويه الحاكم من طريق جعفر بن عون وعبيد الله بن موسى ومحمد بن سابق عن أبي جعفر الرازي به، ويرويه أيضا من طريق علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن الربيع بن أنس به وصححه هو والذهبي.
وقال السيوطى: وأما أُبي بن كعب فعنه نسخة كبيرة يرويها أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عنه وهذا إسناد صحيح. وحسنه الألبا ني.
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى هذا الإسناد بأنه معروف فقال: وهذا التفسير معروف عن أبي العالية ورواه عن أبى بن كعب. ورواه ابن أبي حاتم وغيره من] طريق [ (12) الربيع عن أبي العالية عن أُبي بن كعب. وقال أيضا: هكذا رواه ابن أبي حاتم بالإسناد المعروف عن الربيع بن أنس، ونقل أيضاً عن ابن عبد البر قال: وروى بإسناده (13) في التفسير المعروف عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب.... .(36/291)
وأبو جعفر الرازي هو: عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ما هان صدوق سيء الحفظ خصوصا عن مغيرة مات في حدود الستين والمائة، وروى له الجماعة إلا البخاري فروى له في الأدب المفرد.
والربيع بن أنس: البكري أو الحنفي، بصري نزل خراسان صدوق له أوهام ورمي بالتشيع مات سنة أربعين ومائة أو قبلها روى له الأربعة.
وأبو العالية: هو رفيع بن مهران الرياحي بكسر الراء والياء ثقة كثير الإرسال مات سنة تسعين أو بعدها، وروى له الجماعة.
وبما أن الرواية من نسخة فلا يضر سوء حفظ أبي جعفر ولا أوهام الربيع لأن نقلهم هنا عن طريق السطور لا الصدور فما يروونه عن كتاب ولهذا صححه الحاكم والذهبي والسيوطي وجوده ابن حجر واعتمده ابن عبد البر وشيخ الإسلام ابن تيمية كما تقدم.
ومما يؤكد أن هذا الإِسناد ينقل من كتاب قول ابن أبي حاتم الرازي في مقدمة تفسيره: فأما ما ذكر عن أبي العالية في سورة البقرة بلا إسناد فهو: ما حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم، عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية ... .
الإسناد عن أبي العالية رفيع بن مهران الرياحي:
طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية: يروي هذا الطريق الطبري وابن أبي حاتم وتقدم الكلام عنه في طريق أًبي بن كعب رضي الله عنه فلينظر ذلك.
الأسانيد عن ابن عباس:
روى عنه جمع غفير من التابعين ذكرت طرقهم في كتاب المنتخب في الأسانيد الثابتة المروية عن ابن عباس في التفسير، وسأذكر في هذه المقدمة بعض الطرق التي تتكرر كثيرا في التفسير عن ابن عباس وهي:
(1) طريق سعيد بن جبير:
من أشهر الطرق المتكررة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس:
- طريق محمد ابن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس.(36/292)
قال الطبري: إن أبا كريب حدثنا قال: حدثنا يونس بن بكير، عن محمد ابن إسحاق، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا يوم بدر فقدم المدينة، جمع يهود في سوق بني قينقاع. فقال: "يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا! " قالوا: يا محمد، لا تغرنك نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تأت مثلنا!! فأنزله الله عز وجل في ذلك من قولهم: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} إلى قوله: {لأُولِي الأَبْصَارِ} (1) ،.
وهذا الإِسناد يتكرر كثيرا في كتب التفسير وخصوصا في تفسير الطبري وابن أبي حاتم وابن كثير، والراوي دائما عن محمد بن أبي محمد هو محمد ابن إسحاق.(36/293)
وذكره الحافظ ابن حجر من طريق ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس، وفي موضع آخر قال: سنده جيد، أي انه حسن وجود طريق ابن إسحاق إلى ابن عباس وهو نفس الإِسناد المذكور حيث ذكره ابن كثير من طويق آخر غير طريق ابن عباس ثم ساقه بهذا الإسناد فقال: ورواه ابن إسحاق أيضا عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس فذكره، ووردت هذه الرواية في سيرة ابن هشام بدون إسناد، وقد ساق ابن إسحاق مثل هذا المتن بدون إسناد ولعله حذف الإسناد أو حذفه ابن هشام، لأن هذه الرواية سبقت بروايات محذوفة الأسانيد، وكأنه اعتمد على الإسناد نفسه في بداية الروايات لأن هذه الروايات غير المسندة أسندها ابن إسحاق كلها بالإسناد نفسه فيما نقله عنه الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما عن ابن إسحاق (1) . وأخرج ابن أبي حاتم رواية طويلة من طريق يونس بن بكير به في سبب نزول قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} (2) وذكره الحافظ ابن حجر مختصرا وحسنه.
وحسنه السيوطى أيضا في لباب النقول في أسباب النزول بعد أن ذكر رواية ابن أبي حاتم. وقد ساق هذا الطريق في الإِتقان ثم قال: "وهي طريق جيدة وإسنادها حسن".
وقد اعتبر الشيخ محمد نسيب الرفاعي الذي اختصر تفسير ابن كثير هذا الإسناد من الأسانيد الثابتة حيث ذكر في مقدمة مختصره شرطه أنه يختار أصح الأقوال ولا يسوق الروايات الضعيفة والموضوعة، وأكثر النقل بهذا الإِسناد. وفي إسناده محمد بن أبي محمد مولى زيد ابن ثابت قال عنه الإِمام الذهبي: لا يعرف (3) وفي الكاشف: وثق وقال الحافظ ابن حجر: مجهول. وسكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أحمد شاكر عن توثيق ابن حبان: وكفى بذلك معرفة وتوثيقا.(36/294)
والحق أن توثيق ابن حبان على درجات تبدأ من الثقة وتصل إلى الضعيف وقسمها الشيخ المعلمي إلى خمس درجات وأثنى الشيخ الألباني على هذا التقسيم واستحسنه (1) ، وقد انبرى الزميل الشيخ عذاب الحمش لدراسة منهج ابن حبان في النقد، في رسالته (الإمام ابن حبان ومنهجه في الجرح والتعديل) ، وبعد التتبع والإحصاء تبين له أنهم على ثلاث درجات:
1- فمنهم الثقات وأهل الصدق.
2- ومنهم رواة مرتبة الاعتبار.
3- ومنهم الرواة الذين لا تنطبق عليهم شروط ابن حبان النقدية في المقبول وهؤلاء ذكرهم للمعرفة.
علما أن ابن حبان لم يذكره في المجروحين، ومع هذا لا نستطيع أن نجزم بتوثيق محمد بن أبي محمد ولا بتضعيفه، وكذلك بالنسبة لقول الذهبي: لا يعرف، وقول ابن حجر: مجهول، لأن بعض المجهولين قد وثق، وبعضهم ضعف، وبعضهم غير ذلك، وكذا الحال بالنسبة للذين سكت عنهم البخاري ثم ابن أبي حاتم فبعضهم وثق، وبعضهم ضعف، وبعضهم ما بين درجة الثقة والضعيف. ولكن توجد بعض القرائن تؤكد على تحسين طريق محمد بن أبي محمد وهي:
1. إن الحافظ ابن حجر ذكر هذا الإسناد ضمن أسانيد الثقات عن ابن عباس فقال في مقدمته النفيسة لكتابه: العجاب في بيان الأسباب: والذين أشتهر عنهم القول! في ذلك من التابعين أصحاب ابن عباس وفيهم ثقات وضعفاء، فمن الثقات مجاهد بن جبر ويروي التفسير عنه من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، والطريق إلى ابن أبي نجيح قوية فإذا ورد عن غيره بينته، ومنهم عكرمة ويروى التفسير عنه من طريق الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عنه، ومن طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير- هكذا بالشك- ولا يضر لكونه يدور على ثقة ... ثم ذكر طريق علي بن أبي طلحة وعطاء بن أبي رباح ثم قال: ومن روايات الضعفاء فساقها.... .(36/295)
2. إن أبا داود روى له وسكت عنه، فأخرج رواية الطبري المتقدمة من طريق مصرف بن عمرو الأيامي ثنا يونس يعني ابن بكير قال ثنا محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت به، فرواية أبي داود له وسكوته عنه يؤيد حكم الحافظ ابن حجر أن إسناده حسن، كما روى له أبو داود رواية أخرى من طريق ابن إسحاق عن مولى لزيد بن ثابت حدثتني ابنة محيصة ... وسكت عنه أيضا، وسكت عنهما المنذري في مختصره لسنن أبي داود وعلق على الروايتين بقوله: في إسناده محمد ابن إسحاق. فقط.
3. قال ابن كثير:
قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (1) أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك على رسول الله الله عليه وسلم الله عليه وسلم {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (2) أي يعلمهم بما عندهم من العلم بل والكفر بذلك ولو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات، وقال الضحاك عن ابن عباس فتمنوا الموت: فسلوا الموت، وقال عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة قوله: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ، قال: قال ابن عباس: لو تمنى يهود الموت لماتوا، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا عثام سمعت الأعمش قال لا أظنه إلا عن المنهال عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه، وهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس.(36/296)
علما بأن طريق الضحاك عن ابن عباس منقطع لأن الضحاك وهو ابن مزاحم لم يسمع من ابن عباس، وحكمه بأن هذه الأسانيد صحيحة إما بمجموعها أو أن بعضها تقوى من الحسن إلى الصحيح لغيره.
علماً بأن ابن كثير صدر الأسانيد بطريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد المذكور، وإضافةً إلى ذلك أنه رجحه لأن فحوى معناه المباهلة، وهو الرأي الذي تمسك به ابن كثير وردّ به على الطبري لأن الطبري رجح المراد من التمني أن يدعوا على أنفسهم بالموت.
4. وقد روى الطبراني من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، وقال الهيثمي: ورجاله موثقون. وبهذا يكون قد اعتمد هذا الإسناد الحافظ ابن حجر والهيثمي السيوطى.
ومن الجدير بالذكر أن أغلب روايات محمد بن إسحاق بهذا الإِسناد في نطاق المغازي والسير وذلك من خلال استقرائي لتفسير ابن كثير بكامله، وللموجود من تفسير ابن أبي حاتم ولبعض الأجزاء من تفسير الطبري، وكثير من هذه الروايات موجودة في سيرة ابن هشام بالإسناد المذكور أو بحذفه، ومن المعروف أن الأمة قد تقبلت روايات ابن إسحاق في المغازي والسير فلا غرابة من تحسين هذا الإسناد.
وقد أكثر الطبري وابن أبي حاتم في روايتهم عن ابن إسحاق بهذا الإسناد، ورواية ابن أبي حاتم غالبا ما تكون عن محمد بن العباس بن بسام تارة وعن محمد بن يحيى الواسطي تارة كلاهما عن أبي غسان محمد بن عمرو زنيج عن سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق به. ورواية الطبري غالبا ما تكون عن أبي كريب محمد بن العلاء عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق به. وأبو كريب ثقة، ويونس بن بكير هو ابن واصل الشيباني: صدوق يخطئ. وقد روى له مسلم، ووصفه الذهبي بالإمام الحافظ الصدوق. وقال أيضا: وهو حسن الحديث. وأما أنه يخطئ فلا يضر لأن ما يرويه عن ابن إسحاق من كتاب وهو السيرة كما أتقدم أو من كتاب آخر لابن إسحاق لأن ما يرويه عن ابن إسحاق بإسناد واحد لا يتغير وهو الإسناد الذي نتكلم عنه.(36/297)
وابن إسحاق: هو محمد بن إسحاق: بن يسار قال الحافظ ابن حجر في التقريب: إمام المغازي صدوق يدلس ورمي بالتشيع والقدر.
وقد تُكلم فيه، وحبَّر له الخطيب البغدادي ترجمة حافلة بلغت عشرين صفحة ذبَّ فيها عنه كل ما قيل فيه.
وقد تقبلت الأمة رواياته في السير والمغازي وكفى بقول الحافظ ابن حجر: إمام المغازي ولكن تدليسه من الطبقة الثالثة الذين لا تقبل روايتهم إلا إذا صرحوا بالسماع وقد صرح في هذا الإِسناد بالسماع.
ومحمد بن العباس بن بسام مولى بني هاشم قال عنه ابن أبي حاتم: كتبت عنه وهو صدوق.
ومحمد بن يحيى بن عمرو الواسطي قال عنه ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وكان رجلا صالحا صدوقا في الحديث سئل أبي عنه فقال: ثقة.
وأبو غسان محمد بن عمرو، لقبه زنيج ثقة.
وسلمة بن الفضل الأبرش: صدوق كثير الخطأ ولكن في غير روايته عن محمد بن إسحاق فقد نقل الحافظ ابن حجر عن يحيى بن معين قال: سمعت جريرا يقول: ليس من لدن بغداد إلى أن يبلغ خراسان أثبت في ابن إسحاق من سلمة.
ونقل الذهبي عن ابن معين قالت: كتبنا عنه وليس في المغازي أتم من كتائبه. ونقل عَن زنيج قال: سمعت سلمة الأبرش يقول: سمعت المغازي من ابن إسحاق مرتين وكتبت عنه من الحديث مثل المغازي.
وقد ساق الحافظ ابن حجر حديثا بإسناده من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.
(2) طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس:
أشهر من روى عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس: ابن جريج وابن أبي نجيح وعمرو بن دينار.
روى سفيان بن عيينة عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} (1) قال: في شدة خلق، ثم ذكر مولده ونبات أسنانه، رواه الحافظ ابن حجر بإسناده إلى ابن عيينة. وذكره في الفتح وصححه.(36/298)
وقال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث، وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع.
وهذه الرواية ثابتة في تفسير محمد بن يوسف الفريابي.
طريق عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس: وقال عبد الرزاق في المصنف: عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار- أظنه- عن عطاء، عن ابن عباس قال في أم الولد: والله ما هي إلا بمنزلة بعيرك أو شاتك.
ذكره الحافظ ابن حجر وصححه. وكذا العيني.
(3) طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:
وهي صحيفة مشهورة تداولها العلماء وأكثرهم نقلا الطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما فقد كادا أن يستوعبا هذه الصحيفة.
ويروي ابن أبي حاتم هذه الصحيفة غالبا عن أبيه، ثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
- وأبو صالح: هو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني مولاهم المصري كاتب الليث صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه، وقد تُكلم فيه، وقال الذهبي: الإمام الثقة وعرض أقوال النقاد وذبَّ عنه معظم ما قيل فيه (1) ، ولا داعي لسرد الأقوال فيه لأن الحافظ ابن حجر ذكر القول الفصل في هدي الساري فقال: ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيما ثم طرأ عليه فيه تخليط، فمقتضى ذلك أن ما يجيء من روايته عن أهل الحذق كيحيى بن معين وأبي زرعة وأبي حاتم فهو من صحيح حديثه، وما يجيء من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه. أهـ.
ثم سرد الأحاديث التي رواها البخاري عنه في صحيحه.
والراوي هنا عنه أبو حاتم- في تفسير ابن أبي حاتم- وهو من أهل الحذق فروايته من صحيح حديثه كما قرر الحافظ.
- معاوية بن صالح: صدوق له أوهام.(36/299)
قال الحافظ ابن حجر في ترجمة علي بن أبي طلحة: ونقل البخاري من تفسيره رواية معاوية بن صالح عنه عق ابن عباس شيئا كثيرا في التراجم وغيرها ولكنه لا يسميه يقول: قال ابن عباس أو يُذكر عن ابن عباس.
- علي بن أبي طلحة: مولى بني العباس، أرسل عن ابن عباس ولم يره، صدوق قد يخطئ، وقد تُكلم في روايته عن ابن عباس بأنه لم يسمع منه (1) وأجاب عن ذلك أبو جعفر النحاس فقال: والذي يطعن في إسناده يقول: ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس وإنما أخذ التفسير عن مجاهد وعكرمة، وهذا القول لا يوجب طعنا لأنه أخذه عن رجلين ثقتين وهو في نفسه ثقة صدوق. أهـ. .
ويؤكد هذا أني وقفت على رواية في تفسير النسائي والأموال لابن زنجويه من طريق علي بن أبي طلحة، عن مجاهد، عن ابن عباس. وذكر الحافظ ابن حجر في كتابه العجاب في بيان الأسباب الرواة الثقات عن ابن عباس فقال: وعلي صدوق ولم يلق ابن عباس لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه فلذلك كان البخاري وأبو حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة.
ونقل السيوطى عن ابن حجر أنه قال: بعد أن عرفت الواسطة وهو ثقة فلا ضير في ذلك.
وروى أبو جعفر النحاس بإسناده عن الإِمام أحمد قال: بمصر صحيفة تفسير رواها علي بن أبي طلحة، لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا. وفي رواية ما ذهبت باطلا.
وأخرج الآجري من طريق جعفر بن محمد بن فضيل الرأسي قال: حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد قال: حدثنا معاوية بن صالح عن علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل: {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} (2) قال: غير مخلوق. وقد بلغ الإمام أحمد بن حنبل هذا الحديث فكتب إلى جعفر بن محمد بن فضيل يكتب إليه بإجازته، فكتب إليه بإجازته، فسُرَ أحمد بهذا الحديث.
نستنتج من هذا أن الإمام أحمد قد اعتمد هذا الطريق.(36/300)
وقال السيوطى: وقد ورد، عن ابن عباس في التفسير ما لا يحصى كثرة وفيه روايات وطرق مختلفة، فمن جيدها طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي عنه.
فالإسناد حسن.
وبالنسبة لأبي صالح عبد الله بن صالح أنه صدوق كثير الغلط فلا يضر كثرة غلطه لأن ما يرويه عن نسخه وغلطه في حفظه لا في كتابه، وقد تقدم أنه ثبت في كتابه. وكذا الحال بالنسبة لأوهام معاوية بن صالح لأن ما يرويه عن نسخة علي بن أبي طلحة. قال الحافظ ابن حجر عند الكلام على هذه النسخة: وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وهي عند البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في صحيحه هذا كثيرا على ما بيناه فى أماكنه وهي عند الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح. أهـ. . وكذا عند الحاكم فقد روى مثل هذا الإِسناد وصححه، ووافقه الذهبي.
الإسناد عن عطاء بن أبي رباح:
- طريق ابن أبي نجيح عنه: ويرويه الطبري عن محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قالت حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء بن أبي رباح. ورجاله ثقات يأتي ذكرهم مفصلا في طرق مجاهد بن جبر، والإِسناد صحيح.
الإسناد عن عكرمة مولى ابن عباس:
- طريق حصين عن عكرمة:
قال الطبري: حدثنا يعقوب قال: ثنا هشيم قال: أخبرنا (حصين) (1) ، عن عكرمة قال: كانت طيرا (2) وذكره ابن كثير وصححه (3) ، وصححه الحافظ ابن حجر أيضا (4) وله طرق أخرى كثيرة تقدمت في عرض طرق ابن عباس.
الإسناد عن قتادة بن دعامة السدوسي:
روى تفسير قتادة جماعة وأشهرهم:
1- سعيد بن أبي عروبة البصري.
2- شيبان بن عبد الرحمن النحوي.
3- معمر بن راشد الأزدي.
1- طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: يرويه الطبري عن بشر بن معاذ العقدي، عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.(36/301)
وقد صححه الحافظ ابن حجر. ورجاله ثقات على شرط الشيخين إلا بشر بن معاذ صدوق والإسناد حسن والله أعلم.
- سعيد بن أبي عروبة بن مهران اليشكري، مولاهم أبو النضر البصري، قال الحافظ ابن حجر في التقريب: ثقة حافظ، له تصانيف لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة، روى له الجماعة. أهـ. وبالنسبة لتدليسه ذكره الحافظ ابن حجر في الطبقة الثانية من المدلسين، وبالنسبة لاختلاطه فقد نقل الحافظ ابن حجر عن ابن حبان في الثقات أنه مات سنة (155هـ) وبقي في اختلاطه خمس سنين ولا يحتج إلا بما روى عنه القدماء مثل، يزيد بن زريع وابن المبارك.
وقال ابن عدي: وسعيد من ثقات المسلمين وله أصناف كثيرة وحدث عنه الأئمة ومن سمع منه قبل الاختلاط فإن ذلك صحيح حجة ومن سمع بعد الاختلاط فذلك ما لا يعتمد عليه...... أرواهم عنه عبد الأعلى وهو مقدم في أصحاب قتادة ومن أثبت الناس رواية عنه...... وأثبت الناس عنه يزيد ابن زريع و.. .
ونقل الذهبي عن ابن معين أنه أتبت الناس في قتادة، ونقل عن ابن أبي حاتم أنه ثقة قبل أن يختلط وكان أعلم الناس بحديث قتادة، وكذا نقل عن الطيالسي.
وبالنسبة لتفسيره فقد سئل ابن معين: أيما أحب إليك تفسير سعيد عن قتادة أو تفسير شيبان عن قتادة؟ فقال: سعيد.
ولكن ابن أبي حاتم نقل عن يحيى بن سعيد أنه قال: سعيد بن أبي عروبة لم يسمع التفسير من قتادة. والصحيح أنه سمع التفسير من قتادة بدليل ما رواه البخاري من طريق يزيد بن زريع، حدثنا سعيد عن قتادة.
قال العيني: وسعيد: هو سعيد بن أبي عروبة.
ونقل الذهبي عن أحمد بن حنبل قال: زعموا أن سعيد بن أبي عروبة قال: لم أكتب إلا تفسير قتادة، وذلك أن أبا معشر كتب إلى أن اكتبه. وقد أفاد الإمام أحمد من تفسير سعيد عن قتادة وصرح أنه من تفسير سعيد.(36/302)
والخلاصة: أن رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة صحيحة وكفى باعتماد البخاري عليها. كما صحح الذهبي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
- يزيد بن زريع: بتقديم الزاي مصغرا، البصري، أبو معاوية ثقة ثبت روى له الجماعة.
- بشر بن معاذ العقدي: بفتح المهملة والقاف، أبو سهل البصري الضرير، صدوق.
وعلى هذا فالإسناد حسن وقد يعود تصحيح ابن حجر لهذا الإسناد بسبب رواية بشر بن معاذ من كتاب التفسير، أو بسبب اعتماد الأئمة النقاد على هذا التفسير والله أعلم.
فقولي: أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة فالمراد به اختصار هذا الإسناد.
ويروي ابن أبي حاتم هذا الإِسناد عن شيخه محمد بن يحي عن العباس ابن الوليد، ثنا يزيد بن زريع به.
ومحمد بن يحيى: هو ابن عمر الواسطي نزيل بغداد قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وكان رجلا صالحا صدوقا في الحديث، سئل أبي عنه فقال: ثقة (1) .
والعباس بن الوليد: هو ابن نصر النرسي ثقة روى له الشيخان. وهو معروف بالرواية عن يزيد بن زريع.
ورجاله. ثقات على شرط الشيخين إلا محمدا شيخ ابن أبي حاتم والإسناد صحيح، وقولي أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فالمراد به هذا الإسناد.
2- طريق شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن قتادة:
يرويه ابن أبي حاتم عن موسى بن هارون الطوسي، ثنا الحسين بن محمد المر وذي، ثنا شيبان بن عبد الرحمن التميمي عن قتادة.
ورجاله ثقات على شرط الشيخين إلا موسى وهو ثقة فالإسناد صحيح كايلي:
- شيبان بن عبد الرحمن التميمي النحوي أبو معاوية البصري نزيل الكوفة ثقة صاحب كتاب روى له الجماعة.
- الحسين بن محمد المر وّذي: التميمي نزيل بغداد ثقة روى له الجماعة.
- موسى بن هارون الطوسي: أبو عيسى نزيل بغداد روى عن حسين بن محمد المروّذي تفسير شيبان النحوي عن قتادة. قال ابن أبي حاتم: كتب إليَّ بتفسير شيبان وبكتب محمد بن الحسين وسكت عنه.(36/303)
ويروي ابن أبي حاتم هذا الإِسناد بهذه الصيغة: أخبرنا موسى بن هارون الطوسي فيما كتب إلي ثنا...... الإسناد نفسه.
ووثقه الخطيب البغدادي. وقولي أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن شيبان عن قتادة: فهو هذا الإسناد وقد أذكره بتمامه لتمييزه عن الأسانيد المشابهة له، هذا وقد أخرج الإمام البخاري طريق الحسين بن محمد عن شيبان عن قتادة. كما أفاد الإِمام أحمد من تفسير شيبان عن قتادة حيث صرح بذلك في مسنده في تسعة مواضع فقط فيقول: ثنا حسين في تفسير شيبان، عن قتادة.
3- طريق معمر بن راشد عن قتادة:
أكثر العلماء نقلا عن معمر بن راشد عن قتادة في التفسير هو عبد الرزاق ابن همام الصنعاني في تفسيره ومصنفه، وأغلب تفسيره عن معمر عن قتادة. وقد صحح إسناده الحافظ ابن حجر وهو كما قال لأن رجاله ثقات والإسناد متصل على شرط الشيخين كما يلي:
- معمر بن راشد: الأزدي الأموي، أبو عروة البصري، نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا، وكذا فيما حدث بالبصرة روى له الجماعة. أهـ. وهو معروف بالرواية عن قتادة بن دعامة وبرواية عبد الرزاق عنه.
- قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصري ثقة ثبت روى له الجماعة، ذكره الحافظ ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين. وقد سمع من أنس وسعيد بن المسيب وأبي رافع على خلاف ولم يسمع من أبي بردة وخلاس بن عمرو ومجاهد وأبي العالية وسعيد بن جبير. وإسناد عبد الرزاق عن معمر عن قتادة يرويه الطبري وابن أبي حاتم من طريق الحسن بن أبي الربيع- أي الحسن بن يحيى- عن عبد الرزاق به.
الإسناد عن مجاهد بن جبر المخزومي:
اشتهر ابن أبي نجيح برواية التفسير عن مجاهد ويكاد تفسير مجاهد يدور محور إسناده علي ابن أبي نجيح فمن الطرق إلى ابن أبي نجيح عن مجاهد مايلي:
أولا- طريق عيسى بن ميمون عن ابن أبي نجيح عن مجاهد:
ويروي الطبري غالبا هذا الطريق فيقول:(36/304)
حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى بن ميمون، قال: حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد.
ومحمد بن عمرو: هو أبو بكر الباهلي البصري: ثقة.
وأبو عاصم: هو الضحاك بن مخلد: ثقة ثبت.
وعيسى بن ميمون: هو الجرشي: ثقة.
وابن أبي نجيح: هو عبد الله بن يسار المكي أو يسار الثقفي مولاهم ثقة رمي بالقدر، وهو من مدلسي المرتبة الثالثة، وقد تُكلم فيه وفي روايته عن مجاهد، فنقل الذهبي عن يحيى القطان أنه لم يسمع التفسير كله من مجاهد بل كل عن القاسم بن أبي بزة، ونقل أيضا عن البخاري أنه كان يتهم بالاعتزال والقدر، وعن القطان أنه كان من رؤوس الدعاة. وأجاب الذهبي عن ذلك كله فقال: هو من أخص الناس بمجاهد، ونقل عن ابن المديني قال: أما التفسير فهو فيه ثقة يعلمه، قد قفز القنطرة واحتج به أرباب الصحاح ولعله رجع عن البدعة، وقد رأى القدر جماعة من الثقات وأخطؤوا.
ونقل ابن أبي حاتم عن وكيع قال: كان سفيان يصحح تفسير ابن أبي نجيح.
وقال شيخ الإِسلام ابن تيميه: وقول القائل: لا تصح رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد جوابه: أن تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد من أصح التفاسير بل ليس بأيدي أهل التفسير كتاب في التفسير أصح من تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد إلا أن يكون نظيره في الصحة. كما وثقه جمع من الأئمة النقاد كابن معين وأحمد وأبي زرعة والنسائي وابن سعد والعجلي والذهبي. وعلى هذا فرجاله ثقات وإسناده صحيح وصححه الحافظ ابن حجر.
وقد أورد الطبري هذا الإسناد كثيرا، فإذا قلتُ وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد فالمراد هذا الإسناد.(36/305)
ثانيا: طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: ورقاء: هو ورقاء بن عمر اليشكري، أبو بشر الكوفي، نزيل المدائن وقد اختلف فيه فنقل ابن حجر عن حرب قال: قلت لأحمد: ورقاء أحب إليك في تفسير ابن أبي نجيح أو شيبان؟ قال: كلاهما ثقة وورقاء أوثقهما إلا أنهم يقولون لم يسمع التفسير كله، يقولون: بعضه عرض، ونقل عن يحيى بن سعيد قال معاذ: قال ورقاء: كتاب التفسير قرأت نصفه على ابن أبي نجيح وقرأ عليَّ نصفه. وعن الدوري قال: قلت لابن معين: أيما أحب إليك تفسير ورقاء أو تفسير شيبان وسعيد عن قتادة؟ قال: تفسير ورقاء لأنه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قلت: فأيما أحب إليك تفسير ورقاء أو ابن جريج؟ قال: ورقاء لأن ابن جريج لم يسمع من مجاهد إلا حرفا واحدا. أهـ. وقد وثقه أحمد وابن معين ووكيع وأما ما قيل فيه ففي روايته عن منصور.
قال الحافظ في التقريب: صدوق في حديثه، عن منصور لين، روى له الجماعة. أهـ. وقد أورد البخاري مثل هذا الإسناد في صحيحه في كتاب التفسير باب {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} (1) . وقد أورد ابن أبي حاتم هذا الإِسناد كثيرا في تفسيره يرويه عن حجاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
وشبابه: هو ابن سوار المدائني أصله من خراسان يقال كان اسمه مروان مولى بني فزارة، ثقة حافظ روى له الجماعة.
وحجاج بن حمزة: هو ابن سويد العجلي الخشابي، ونقل ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أنه: شيخ مسلم صدوق.
وعلى هذا فالإسناد حسن. فإذا قلت: وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن فالمراد به هذا الإسناد.(36/306)
ومن الجدير بالذكر أن الحافظ محمد بن يوسف الفريابي ت 212 هـ شيخ البخاري اعتمد كثيرا في تفسيره على إسناد ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فقد جمعت الروايات التي نقلها الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق من هذا التفسير فبلغت 298 رواية (1) كلها من هذا الطريق إلا بضع روايات رواها من طرق أخرى.
وكذا الحافظ عبد بن حميد 249 هـ أورد هذا الإسناد في تفسيره من طريق شيخه شبابة عن ورقاء به.
ثالثا: طريق شبل بن عباد المكي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: ويروي من هذا الطريق الطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما، ونقل الذهبي مثل هذا الإسناد في كتابه: ((العلو)) ، ثم قال: هذا ثابت عن مجاهد.
وشبل بن عباد المكي: ثقة فالإسناد صحيح.
كما توجد طرق أخرى عن مجاهد غير طريق ابن أبي نجيح تقدم ذكرها في طرق مجاهد عن ابن عباس، فلا حاجة لتكرارها.
وما سوى هذه الأسانيد والطرق فانظر في رجالها من حيث التوثيق والتضعيف، وذلك بعد التأكد من معرفة الرجل نفسه وطبقته، فإذا كان الراوي من رجال الكتب الستة فترجمته من تقريب التهذيب أو تهذيب التهذيب أو كليهما، ولم أذكر موضع الترجمة لسهولة الرجوع إليها ولعدم الإِطالة، أما إذا كان الراوي من غير رجال الكتب الستة فأذكر موضع ترجمته من المصادر التي تتناول الجرح والتعديل، فإذا كان الراوي ثقة فأشير إلى ذلك، وإذا كان الراوي ممن اختلف فيه فأنظر في أقواله النقاد جرحا وتعديلا، ثم أغربل أقوالهم وأرجح أقوال المعتدلين القوية تاركا أقوال المتشددين إذا تفردوا وأقوال المتساهلين إذا خالفوا غيرهم، ولا أعتبر أقوال النقاد الذين لا يعتد بهم بسبب قادح فيهم عند أهل السنة والجماعة، وأستأنس بمن يعول عليه في هذا الشأن وخصوصا المعتدلين من المتقدمين والمتأخرين، وقد أوفق بين أقوال النقاد المختلفة ظاهرا بمعرفة مقصود كل واحد منهم، وذلك لأن لكل ناقد اصطلاحات خاصة به(36/307)
يستخدمها في حكمه على الراوي، ومن أراد الاطلاع على التراجم فليراجع تحقيقي للمجلد الثاني من تفسير ابن أبي حاتم الرازي ت 328 هـ.
وبالنسبة لمعرفة اتصال الإسناد فإن كان الراوي من رجال الصحيحين وصيغ أدائه كما في الصحيحين أو أحدهما فأعتبر الإسناد متصلا، وإذا كان الراوي من غير رجال الصحيحين فأنظر إلى طبقته واحتمال لقائه مع شيخه وأقرانه من خلال تواريخ البلدان والمواليد والوفيات، ثم الرجوع إلى كتب العلل والمراسيل والتدليس ولم أذكر شيئا من هذا في الكتاب سوى ما ورد بأن فلانا معروف بالرواية عن فلان، أو بأنه لم يلق فلانا، أو أن فلانا من المدلسين وما ذكرته من مدلسين فهو من كتاب تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس للحافظ ابن حجر. وكل ذلك للاختصار، وبعد بيان حال الرواة واتصال الإسناد والتخريج يأتي الحكم على الإسناد وأستأنس أيضا ببعض أقوال النقاد من المتقدمين والمتأخرين كما تقدم في إيراد الطرق والأسانيد وكما سيأتي في التفسير.
إن هذا الاستئناس والاعتماد على أقوال النقاد لا يعني أن كل ما صححوه أو حسنوه أو جودوه أثبته في هذا التفسير وإنما أراجعه من خلال معرفة الرواة واتصال الإسناد، فما تبين لي أنه ثابت دونته وما تبين لي أنه غير ثابت من حيث الإسناد أو المتن فقد تركته ومثال ما لم يثبت سنده ما يلي:
أولا:
قال ابن أبي حاتم في التفسير: حدثنا أبي، ثنا أبو الجماهر أبنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عمه، عن ابن عباس قال: صلاة الوسطى: المغرب. وذكره الحافظ ابن حجر وحسن إسناده.
وقوله حدثنا أبي: أي أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي: وهو ثقة.
وأبو الجماهر: هو محمد بن عثمان التنوخي ثقة.
وسعيد بن بشير: الأزدي مولاهم ضعيف عند معظم النقاد، بل صرح ابن نمير أنه يروي عن قتادة المنكرات.(36/308)
وأما تحسين ابن حجر لهذا الإسناد فلعله اشتبه عليه بسعيد بن أبي عروبة لأن روايته صحيحة عن قتادة، أو أن ابن حجر اعتمد على ما قاله الذهبي: وله عند أهل دمشق تصانيف رأيت له تفسيرا مصنفا، والغالب عليه الصدق، أو لأنه صاحب قتادة كما نص الذهبي في أول ترجمته في المصدر السابق وبجميع الاحتمالات المتقدمة لا يرقى حديثه إلى الحسن والله أعلم.
ثانيا:
قال الطبري: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض فيقول لها الرحمن: ما لك؟ فتقول: إنه ليستجير مني. فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يارب ما كان هذا الظن بك؟ فيقول: ما كان ظنك؟ فيقول: أن تسعني رحمتك قال: فيقول أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار، فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف. ذكره ابن كثير وصحح إسناده.
وأبو يحيى هو القتات معروف بالرواية عن مجاهد بن جبر وبرواية إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عنه (1) ، وقد تُكلم فيه وعنده مناكير كثيرة، كما تُكلم في رواية إسرائيل عن أبي يحيي القتات بسبب أبي يحي. قال الحافظ ابن حجر قال الأثرم عن أحمد: روى إسرائيل عن أبي يحيى القتات أحاديث منا كير جدا كثيرة، وأما حديث سفيان عنه فمقارب. فقلت لأحمد: فهذا من قبيل إسرائيل؟ قال: أي شيء أقدر أقول لإسرائيل مسكين من أين يجيء بهذه هو وحديثه عن غيره، أي أنه قد روى عن غير أبي يحيى فلم يجيء بمناكير، وقال علي بن المدني قيل ليحيى بن سعيد أن إسرائيل روى عن أبي يحيى القتات ثلاثمائة وعن إبراهيم بن مهاجر ثلاثمائة. فقال: لم يؤت منه أتي منهما جميعا، يعني: من أبي يحيى ومن إبراهيم.
وبهذا يتضح أن الإسناد ضعيف من أجل أبي يحيى القتات.(36/309)
هذا بالنسبة لما لم يثبت سنده وأما مثال ما لم يثبت متنَه فكما يلي:
أولا:
قال البيهقي في الأسماء والصفات: حدثنا أحمد بن يعقوب، حدثنا عبيد ابن غنام النخعي، أخبرنا علي بن حكيم، حدثنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس أنه قال: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنّ} (1) قال سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى. ذكره ابن كثير ثم قال: ثم رواه البيهقي من حديث شعبة عن عمرو بن مرة، عن أبي الضحى، عن ابن عباس في قول الله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنّ} قال في كل أرض نحو إبراهيم عليه السلام. ثم قال البيهقي إسناد هذا عن ابن عباس صحيح وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعا والله أعلم.
ثانيا:(36/310)
قال الإمام أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا زهير بن محمد، عن موسى بن جبير، عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أنه سمع نبي الله الله عليه وسلم الله عليه وسلم يقول: "إن آدم صلى الله عليه وسلم لما أهبطه الله تعالى إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب، أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون، قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم، قال الله تعالى للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة حتى يهبط بهما إلى الأرض فننظر كيف يعملان، قالوا: ربنا هاروت وماروت فاهبطا إلى الأرض، ومُثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتهما فسألاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك، فقالا: والله لا نشرك بالله أبدا، فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله، فسألاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي، فقالا: والله لا نقتله أبدا، فذهبت ثم رجعت بقدح خمر تحمله، فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئا مما أبيتماه علي إلا قد فعلتما حين سكرتما، فخُيرا بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا".
وحسنه الحافظ ابن حجر.
ولكن هذه الرواية ثبتت من طريق عبد الله بن عمر، عن كعب الأحبار، وذلك فيما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب بنحوه مختصرا. فهي من الإسرائيليات ومتنها يخالف النقل والعقل لما ثبت في الأحاديث الصحيحة في عصمة الملائكة.
تنبيهات:(36/311)
(1) نظرا لسهولة الرجوع إلى المصادر في كتب التفسير لترتيبها حسب السور والآيات فقد اكتفيت بذكر المصدر دون ذكر الصفحة والجزء للاختصار حيث رأيت أن الكتاب سيتضخم حجمه وذلك من بداية تفسير آية 159من سورة البقرة، وأما المصادر الأخرى فأوردها بعد الرواية مباشرة وأذكر أسماءها مع الجزء والصفحة، والباب والكتاب إن تعددت الطبعات، وجعلت حروفها صغيرة متميزة وكذا أقوال النقاد في الحكم على الروايات للاختصار.
(2) اختصار الكلام عن رجال السند وخصوصا إذا تقدم البحث عنهم في تحقيقي لتفسير سورتي آل عمران والنساء من تفسير ابن أبي حاتم. ومن هذا الاختصار سند ابن أبي حاتم إلى السدي وسنده إلى مقاتل باوند حيان. وأضيف هنا أن ما يرويه مقاتل بن حيان في التفسير فهو عن مجاهد والحسن البصري والضحاك. رواه الشافعي عن معاذ بن موسى عن بكير ابن معروف عن مقاتل بن حيان. (أحكام القرآن 2/148) .
(3) الاكتفاء بتفسير الطبري أو ابن أبي حاتم أو بكليهما في كثير من الأحيان لشمولهما ولاختصار تعدد المصادر.
الاستعاذة فضائلها وحكمها
من فضائل الاستعاذة أنها تدفع الوسوسة كما في قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) فأمر الله تعالى أن يدفع الوسوسة بالالتجاء إليه والاستعاذة به.
ومن فضائلها أنها تُذهب الغضب، روى الشيخان في صحيحيهما عن سليمان بن صُرَد رضي الله عنه قال: "استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب أحدهما فاشتد غضبه حتى انتفخ وجهه وتغير، فقال النبي الله عليه وسلم الله عليه وسلم: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد"، فانطلق إليه الرجل فأخبره بقول النبي الله عليه وسلم الله عليه وسلم وقال: تعوذ بالله من الشيطان. فقال أترى بي بأس، أمجنون أنا؟ اذهب" (2) . واللفظ للبخاري.(36/312)
وقد أمر الله تعالى بالاستعاذة عند أول كل قراءة للقرآن الكريم فقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (1) .
وهذا الأمر على الندب ولا يأثم تاركها وهو قول جمهور أهل العلم.
والمراد من الشيطان: شياطين الإنس والجن. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} (2) .
وروى الإمام أحمد عن يزيد، أنا المسعودي، عن أبي عمرو الشامي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست إليه"فقال: "يا أبا ذر هل صليت؟ "قلت: "لا". قال: "قم فصلَّ". قال: "فقمت فصليت ثم أتيته فجلست إليه"، فقال لي: "يا أبا ذر استعذ بالله من شر شياطين الإِنس والجن". قال: "قلت: يا رسول الله وهل للإنس من شياطين؟ "قال: "نعم".....لحديث.
وقد صحح الألباني هذا الحديث بعد أن ذكر جزءا منه. ويشهد لبعضه الآية المتقدمة.
كما تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان ومن همزه ونفخه ونفثه. روى الِإمام أحمد عن محمد بن الحسن بن أنس، ثنا جعفر يعني: ابن سليمان، عن علي بن علي اليشكري، عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله إذا قام من الليل واستفتح صلاته وكبر قال: "سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثا، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه، ثم يقول: الله أكبر ثلاثا، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه" (3) .
وأخرجه أبو داود (4) وابن ماجة (5) من طريق عمرو بن مرة عن عاصم العنزي، عن ابن جبيربن مطعم عن أبيه نحوه.
قال عمرو: همزه: الموته، ونفثه: الشعر، ونفخه: الكبر.(36/313)
وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة (1) وحسنه مقبل الو ادعي في تحقيقه لتفسير ابن كثير.
ونقل القرطبي عن ابن ماجة قال: المؤته يعني: الجنون، والنفث: نفخ الرجل من فيه من غير أن يخرج ريقه، والكبر: التيه.
ومعنى الشيطان: قال الطبري: والشيطان في كلام العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء. ثم استشهد بالآية السابقة ثم الرواية الآتية.
قال ابن وهب: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركب برذونا فجعل يتبختر به فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا فنزل عنه، وقال: ماحملتموني إلا على شيطان ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي. ذكره ابن كثير وصحح إسناده.
ومعنى الرجيم: قال ابن كثير: والرجيم فعيل بمعنى مفعول أي: أنه مرجوم مطرود عن الخير كله كما قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} (2) وقال تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلأِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} (3) وقال أيضاً: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِين} (4) إلى غير ذلك من الآيات.
البسملة كيفية قراءتها
أخرج البخاري في صحيحه بإسناده إلى قتادة قال: سئل أنس كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مدا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقطع قراءته آية آية ومنها البسملة.(36/314)
قال أبو داود: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدثني أبي، ثنا ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن أم سلمة (أنها) ذكرت، أو كلمة غيرها، قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يقطع قراءته آية آية.
وأخرجه أبو عمرو الداني من طريق أبي عبيد- وهو القاسم بن سلام- عن يحيى بن سعيد به، وأخرجه أيضا من طريق محمد بن سعدان عن يحيى بن سعيد به وزيادة: (ثم يقف) بعد كل آية، ثم قال: ولهذا الحديث طرق كثيرة وهو أصل في هذا الباب. وفي زيادة قوله: ثم يقف بيان لمعنى التقطيع. وقال ابن الجزري: وهو حديث حسن وسنده صحيح. وأخرجه الحاكم من طريق حفص بن غياث عن ابن جريج به بلفظ: يقطعها حرفا حرفا. وصححه وسكت أنه الذهبي.
فضائلها
أخرج مسلم بسنده عن أبي سعيد "أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! اشتكيت؟ فقال: نعم قال: بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك. بسم الله أرقيك".
قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن عاصم، عن أبي تميمة الهجيمي، عمن كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت رديفه على حمار فعثر الحمار، فقلت: تعس الشيطان، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم الشيطان في نفسه وقال صرعته بقوتي، فإذا قلت بسم الله، تصاغرت إليه نفسه حتى يكون أصغر من ذباب" (1) .
وأخرجه الإِمام أحمد من طرق أخرى عن رديف النبي صلى الله عيه وسلم. وذكره ابن كثير وقال: تفرد به أحمد وهو إسناد جيد.
وأخرجه النسائي (2) والحاكم من طريق خالد الحذاء عن أبي تميمة عن رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (3) وصححه محقق عمل اليوم والليلة، وصححه أيضا الشيخ الألباني.(36/315)
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن الليث، عن مجاهد؟ عن ابن عباس قال: آية من كتاب الله أغفلها الناس {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
ذكره الحافظ ابن كثير ثم قال: إسناده جيد. وذكره الحافظ ابن حجر وحسنه ثم قال: أخرجه ابن مردويه عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن ناجيه عن خلاد بن أسلم ... وليث هو ابن أبي سليم فيه مقال لكن الأثر يعتضد بما تقدم.
وقد روى عن مجاهد: جعفر بن إياس بن أبي وحشية وتقدم ذكره عند طريق أبي بشر جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
نزولها
قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن محمد المروزي وابن السرح، قالوا: ثنا سفيان، عن عمرو، عن سعيد بن جبير، قال قتيبة (فيه) : عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
. وهذا لفظ ابن السرح. وصححه ابن كثير.
وأخرجه الواحدى (1) والحاكم من طريق سفيان بن عيينة به وصححه وقال الذهبي: أما هذا فثابت.
وأخرجه البراز من طريق سفيان بن عيينة به. قال الهيثمي: رواه البراز بإسناد ين رجال أحدهما رجال الصحيح (2) والإسناد على شرط الشيخين
قوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
بين الله تعالى سعة رحمته فقال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ} (3) .(36/316)
وأخرج الشيخان بإسنادهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش أن رحمتي تغلب غضبي". وفي رواية لمسلم: "إن رحمتي سبقت غضبي" (1) . واللفظان لمسلم. وأخرج مسلم أيضا بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أن لله مائة رحمة، أنزل منها واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحوش على ولدها، وأخَّرَ الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة" (2) . وأخرجه البخاري بنحوه وزيادة قوله: "حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه" (3) .
وأخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد" (4) وأخرجه البخاري بنحوه وأطول. والرحمن مشتق من الرحمة، وهو قول الجمهور.
والدليل ما أخرجه أحمد قال: ثنا يزيد بن هرون، أخبرنا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ أن أباه حدثه أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف وهو مريض فقال له عبد الرحمن: وصلتك رحمٌ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: "أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن يصلها أصله ومن يقطعها أقطعه فأبته أو قال! من ببتها أبته" (5) .
وأخرجه أيضا من حديث أبى هريرة بنحوه. وصححه أحمد شاكر والألباني.
وأخرجه الحاكم من طريق يزيد بن هارون به، وسكت عنه هو والذهبي.
وأخرجه أحمد (6) وأبو داود (7) والترمذي (8) والحاكم (9) كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ردَّاد الليثي عنِ عبد الرحمن بن عوف بنحوه.
قال الترمذي: حديث سفيان عن الزهري حديث صحيح. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.(36/317)
والرحمن اسم من أسماء الله التي منع التسمي بها العباد.
كما روى الطبري عن الحسن فقال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا حماد بن مسعدة، عن عوف، عن الحسن، قال: (الرحمن) اسم ممنوع. وعوف هو ابن أبي جميلة الأعرابي ثقة وباقي رجاله ثقات أيضا فالإِسناد صحيح إلى الحسن البصري.
وانظر الروايات عند قوله تعالى في سورة الفاتحة: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيم} .
فضائلها
أخرج مسلم بسنده عن ابن عباس، قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم. سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم. فسلم وقال: أبشر بنورين أويتهما لم يؤتهما نبي قبلك. فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته.
وأخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد بن المعلى قال: "مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي فدعاني فلم آته حتى صليت، ثم أتيت فقال: "ما منعك أن تأتي؟ "فقلت: "كنت أصلي"، فقال: "ألم يقل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُول؟} ثم قال: "ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد؟ "فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج من المسجد فذكَّرته فقال: "الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" (1) .(36/318)
وأخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: كنا في مسير لنا، فنزلنا فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم وإن نفرنا غيب فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنا نأبِنُهُ برقية، فرقاه فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبنا فلما رجع قلنا له أكنت تحسن رقية أوكنت ترقي؟ قال: لا ما رقيت إلا بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئا حتى نأتي أو نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "وما كان يدريه أنها رقية اقسموا واضربوا لي بسهم" (1) .
الحمد لله فضائلها
روى مسلم في صحيحه بإسناده عن أبي مالك الأشعري قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن (أو تملأ) ما بين السماوات والأرض ... الحديث" (2) .
قال الترمذي: حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، حدثنا موسى بن إبراهيم ابن كثير الأنصاري، قال: سمعت طلحة بن خراش قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله يقول: "أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله".
ثم قال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم وقد روى علي بن المديني وغير واحد عن موسى بن إبراهيم هذا الحديث (3) أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني وأخرجه ابن أبي الدنيا (4) والخرائطي (5) وابن حبان (6) كلهم من طريق موسى بن إبراهيم بن كثير به، والحديث السابق الصحيح شاهد له.
قال أبو داود: حدثنا أبو توبة، قال: زعم الوليد، عن الأوزاعي، عن قرة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم". قال أبو داود: رواه يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.(36/319)
وأخرجه ابن أبي شيبة (1) والنسائي (2) ، وابن ماجة، وابن حبان (3) ، والدارقطني (4) ، والبيهقي (5) كلهم من طريق قرة به نحوه.
وقال الدارقطني: تفرد به قرة عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وأرسله غيره عن الزهري عن النبي صلى لله عليه وسلم، وقرة ليس بقوي في الحديث، ورواه صدقة عن محمد بن سعيد عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح الحديث، وصدقة ومحمد بن سعيد ضعيفان والمرسل هو الصواب وكذا ضعفه الألباني. وحسنه النووي ثم قال: وقد روي موصولا كما ذكرنا وروي مرسلا ورواية الموصول جيدة الإسناد وإذا روي الحديث موصولا ومرسلا، فالحكم للاتصال عند جمهور العلماء لأنها زيادة ثقة وهي مقبولة عند الجماهير. وحسنه ابن الصلاح والعراقي وابن حجر، والسبكي وذكر تخريج البغوي وابن الصلاح من طريق الأوزاعي عن قرة به، وحسنه السيوطي، والعجلوني وقال: ألَّف فيه السخاوي جزء.
قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}
قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: لم يذكر لحمده هنا ظرفا مكانيا ولا زمانيا. وذكر في سورة الروم أن من ظروفه المكانية: السماوات والأرض في قوله: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} الآية وذكر في سورة القصص أن من ظروفه الزمانية: الدنيا والآخرة في قوله: {َهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَة} الآية وقال في أول سورة سبأ: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (6) ،.(36/320)
قال الطبري: حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، قال: أنبأنا ابن وهب، قال حدثني عمر بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه قال: أخبرني السلولي عن كعب، قال: من قال (الحمد لله لما فذلك ثناء على الله) . أخرجه ابن أبي حاتم من طريق وهيب عن سهيل بن أبي صالح به. ورجال إسناد الطبري ثقات إلا سهيل بن أبي صالح.
قال الحافظ ابن حجر: صدوق تغير حفظه بآخره وروى له الجماعة، ورواية البخاري له مقرونا وتعليقا. وقد تُكلم في روايته عن أبيه وأجاب عن ذلك محمد بن طاهر المقدسي، بأن سماعه من أبيه صحيح. وعلى هذا فالإسناد حسن إلى كعب. وقد رجح ابن كثير هذا التفسير.
قوله تعالى: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}
أي رب السماوات السبع والأرضين ومن فيهن وما بينهن حيث بين الله تعالى ذلك عندما ذكر مناظرة فرعون لموسى فقال تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} (1) .
وأخرج الطبري عن بشر بن معاذ العقدي قال: حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد، عن قتادة: قال: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} كل صنف عالم.
وإسناده حسن.
قوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
أخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة مرفوعا في الحديث القدسي: "قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين. ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين. قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: الرحمن الرحيم. قال الله تعالى: أثنى علي عبدي ... " الحديث.
وقد تقدم في البسملة ذكر بعض الروايات التي تتعلق ببيان قوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
بين الله عز وجل يوم الدين بأنه يوم الحساب كما في قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} (2)(36/321)
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبيه قال: ثنا محمود بن غيلان، ثنا سفيان بن عيينة، عن حميد الأعرج في قول الله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لأنه قال: يوم الجزاء. ورجاله ثقات إلا الأعرج: لا بأس به وهو المفسر فإسناده صحيح إليه.
وروى البخاري عند تفسير هذه الآية معلقاً عن مجاهد: بالدين: بالحساب، مدينيين: محاسبين.ووصله عبد بن حميد من طريق أبي نعيم عن سفيان عن منصور عن مجاهد في قولهتعالى: {بِالدِّينِ} قال: بالحساب.
وقوله محاسبين، وصله أيضا عبد بن حميد من طريق شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به. وكلا الإسناد ين صحيحان.
أخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة مرفوعا في الحديث القدسي المتقدم وفيه أنه قال: "وإذا قال: مالك يوم الدين. قال: مجدني عبدي" وقال مرة: "فوض إلي عبدي" (1) .
وأخرج الشيخان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى بملك الأملاك" (2) .
قال الإمام أحمد: سألت أبا عمرو الشيباني عن أخنع اسم عند الله؟ فقال: أوضع اسم عند الله. وذكر ابن كثير حديث الشيخين في التفسير. وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، قال معمر: وربما ذكر ابن المسيب، قال: كان النبي الله عليه وسلم الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يقرؤن: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وأول من قرأها {ملك يوم الدين} مروان، قال أبو داود: هذا أصح من حديث الزهري عن أنس، والزهري عن سالم عن أبيه.
أخرجه ابن أبي داود من طريق أبي المطرف عن الزهري به دون ذكر ابن المسيب. وذكر والترمذي أن عبد الرزاق رواه عن معمر عن الزهري عن سعيد ابن المسيب مرفوعا به.
وأخرجه حفص بن عمر الدوري من طريق سليمان التيمي عن الزهري عن سعيد بن المسيب والبراء بن عازب مرفوعا به دون ذكر عثمان.(36/322)
وهذه القراءة ثابتة قرأ بها عاصم والكسائي. وقد ذكر هذا الحديث ابن كثير من رواية ابن أبي داود ثم قال: مروان عنده علم بصحة ما قرأه لم يطلع عليه ابن شهاب.
قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أشار في هذه الآية الكريمة إلى تحقيق معنى لا إله إلا الله لأن معناها مركب من أمرين: نفي وإثبات، فالنفي: خلع جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنه العبادات، والإثبات: إفراد رب السماوات والأرض وحده بجميع أنواع العبادات على الوجه المشروع، وقد أشار إلى النفي من لا إله إلا الله بتقديم المعمول الذي هو (إياك) ، وقد تقرر في الأصول، في مبحث دليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة، وفي المعاني في مبحث القصر: أن تقديم المعمول من صيغ الحصر، وأشار إلى الإثبات منها بقوله (نعبد) ، وقد بين معناها المشار إليه هنا مفصلا في آيات أخر كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم} الآية (1) - فصرح بالإثبات منها بقوله: {اعْبُدُوا رَبَّكُم} وصرح بالنفي منها في آخر الآية الكريمة بقوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2) وكقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3) فصرح بالإثبات بقوله: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} وبالنفي: بقوله: {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (4) .
وأخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة مرفوعا في الحديث القدسي المتقدم: "فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال: يأمركم أن تخلصوا له العبادة، وأن تستعينوه على أمركم.(36/323)
ورجاله ثقات إلا عبد الوهاب فصدوق وهو ابن عطاء الخفاف صدوق ربما أخطأ ومن مدلسي المرتبة الثالثة الذين لا يقبل تدليسهم إلا إذا صرحوا بالسماع وهو معروف بصحبة سعيد بن أبي عروبة وكتب كتبه لأنه كان مستملي سعيد، وروايته عن سعيد قديمة قبل الاختلاط. وأما سعيد بن أبي عروبة ثقة ولكنه مدلس إلا أنه من المرتبة الثانية فلا يضر وخصوصا أنه أثبت الناس في قتادة بل قد روى البخاري له في الصحيح في كتاب التفسير عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. وقد سئل ابن معين: أيما أحب إليك تفسير سعيد عن قتادة أو تفسير شيبان عن قتادة؟ فقال: سعيد. ونقل الذهبي عن أحمد بن حنبل قال: زعموا أن سعيد بن أبي عروبة قال: لم أكتب إلا تفسير قتادة، وذلك أن أبا معشر كتب إليَّ أن اكتبه. فالإِسناد حسن إلى قتادة.
وقال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي لا نطلب العون إلا منك وحدك، لأن الأمر كله بيدك وحدك لا يملك أحد منه معك مثقال ذرة، وإتيانه بقوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} بعد قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتوكل إلا على من يستحق العبادة ة لأن غيره ليس بيده الأمر، وهذا المعنى المشار إليه هنا جاء مبينا واضحا في آيات أخر كقوله: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْه} (1) الآية - وقوله: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت} الآية (2) - وقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} (3) وقوله: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} (4) إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: {اهْدِنَا}
أي ارشدنا ووفقنا. قال الأدفوي: (هدى) أرشد كما قال جل ثناؤه: {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} (5) .
و (هدى) : بين. كما قال جل ثناؤه: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} (6) .(36/324)
و (هدى) : بمعنى ألهم. كما قال تبارك اسمه: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (1) . أي ألهمه مصلحته وقيل إتيان الأنثى، و (هدى) : بمعنى دعا. كما قال جل ثناؤه: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} (2) ، وأصل هذا كله: أرشد، ويكون (هدى) : بمعنى وفق ومنه {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (3) . لا يوفقهم ولا يشرح للحق والإيمان صدورهم. أهـ.
قوله تعالى: {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}
وهو: دين الإسلام. وقد بين الله تعالى ذلك في قوله: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (4) . فقد ذكر الله عز وجل أن الصراط المستقيم هو دين إبراهيم كما في الآية الأولى ثم بين أن هذا الدين هو الإسلام كما في الآية الثانية، وقد ثبت هذا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإمام أحمد: ثنا الحسن بن سوار أبو العلاء، ثنا ليث يعني: ابن سعد، عن معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير حدثه عن أبيه عن النواس ابن سمعان الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر حديثا طويلا والشاهد فيه: والصراط: الإسلام.
وأخرجه الإِمام أحمد (5) أيضا والترمذي وحسنه، والنسائي (6) ، كلهم من طريق خالد بن معدان عن جبير بن نفير به مختصرا، وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم (7) والآجري (8) من طريق معاوية ابن صالح عن عبد الرحمن بن جبير به باختصار فذكروا الشاهد نفسه.
وذكره ابن كثير ثم قال: وهو إسناد حسن صحيح. وصححه أيضا السيوطي (9) والألباني. كما ثبت أيضا عن أبي العالية فيما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن عاصم عن أبي العالية.
وإسناده حسن.(36/325)
قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}
والذين أنعم الله عليهم هم: الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} (1) .
قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم}
والمغضوب عليهم هم: اليهود. قال الله تعالى فيهم: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} (2) . وقال أيضا: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (3) . وثبت ذلك أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم.(36/326)
قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن بديل العقيلي، أخبرني عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى وهو على فرسه فسأله رجل من بلقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هؤلاء؟ "قال: "هؤلاء المغضوب عليهم وأشار إلى اليهود". قال: "فمن هؤلاء؟ "قال: "هؤلاء الضالين يعني النصارى"، قال وجاءه رجل فقال: استشهد مولاك أو قال غلامك فلان قال: "بل يجر إلى النار في عباءة غلَّها" (1) . وأخرجه الطبري من طريق عبد الرزاق به وصححه أحمد شاكر، وذكر ابن كثير رواية ابن مردويه من طريق إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذر مرفوعا مقتصرا على الشاهد. وذكر الحافظ ابن حجر رواية ابن مر دويه وحسن الإسناد. وأخرجه أحمد (2) والترمذي من طريق سماك بن حرب قال: سمعت عباد بن حبيش يحدث عن عدي بن حاتم فذكره مرفوعا ومطولا، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سماك بن حرب. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق سماك أيضا به. ولكن الطبري أخرجه من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عدي مقتصرا على الشاهد.
قوله تعالى: {وَلا الضَّالِّينَ}
والضالون: هم النصارى كما قال تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (3) .(36/327)
وهؤلاء هم النصارى كما صرح بذلك الطبري (1) وابن كثير. بل قال ابن كثير: وأخص أوصاف النصارى الضلال. وأيضا فإن السياق يدل على أنهم النصارى لأن الآيات التي قبلها صريحة في النصارى قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيح ... } (2) . وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ... } (3) . وثبت هذا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بالضالين هم: النصارى. كما تقدم من حديث أبي ذر وعدي بن حاتم، وقال ابن أبي حاتم بعد أن ساق حديث عدي: ولا أعلم بين المفسرين في هذا الحرف اختلافا. وقال أبو الليث السمرقندي: وقد أجمع المفسرون أن المغضوب عليهم أراد به اليهود، والضالين أراد به النصارى.
ذكر آمين وفضلها
أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا آمين، فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" (4) .
وأخرج مسلم بسنده عن حطان بن عبد الله الرقاشي، قال: صليت مع أبي موسى الأشعري صلاة، فلما كان عند القعدة قال رجل من القوم: أقرت (5) الصلاة بالبر والزكاة؟ قال: فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم انصرف، فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قالت: فأرمَّ القوم (6) ، ثم قال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرمَّ القوم فقال: لعلك ياحطان قلتها قال: ما قلتها ولقد رهبت أن تبكعني (7) ، بها فقال رجل من القوم أنا قلتها، ولم أرد بها إلا الخير، فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إن رسول الله الله عليه وسلم الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا، فقال: "إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال: غير المغضوب عليه ولا الضالين، فقولوا: آمين. يجبكم الله......." (8) .(36/328)
قال الإمام أحمد ثنا علي بن عاصم، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عمر بن قيس، عن محمد بن الأشعث، عن عائشة قالت: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم استأذن رجل من اليهود، فأذن له فقال: "السام عليك"، فقال النبي: "وعليك". قالت: "فهممت أن أتكلم"، قالت: ثم دخل الثانية فقال مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وعليك". قالت: "ثم دخل الثالثة فقال: السام عليك، قالت: بل السام عليكم وغضب الله إخوان القردة والخنازير، أتحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يحيه به الله؟ "قالت: فنظر إليَّ فقال: "مه إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولا فرددناه عليهم فلم يضرنا شيئا ولزمهم إلى يوم القيامة إنه لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى قولنا خلف الإمام آمين" (1) .
أخرجه ابن ماجة من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن عائشة مرفوعا مقتصرا على الشاهد بلفظ "ماحسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين" (2) .
وصحح المنذري (3) والبوصيري (4) إسناد ابن ماجة، وذكر المنذري أن الطبراني رواه في المعجم الأوسط بإسناد حسن.
---
المراد بالتأويل: التفسير. وما ذكر اقتباس من الحديث الثابت في دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما:"اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". رواه أحمد في المسند 1/328.
الإِسراء 9.
(5) وقد صنف فضيلة د. فهد الرومي في هذا الموضوع كتاباً بعنوان: منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير.
ولا أدعي أن هذه الروايات وصلت مرتبة الصحيحين إلا أن جزءاً كبيراً مأخوذ من الصحيحين أومن كتب أسانيدها على شرطهما أو على شرط أحدهما وذلك في مجال التفسير النبوي.
(6) سورة الحجر 9.
سورة القيامة 17- 19.
(7) سورة فصلت 3.(36/329)
(1) سورة البقرة 219. وقال الطبري عند هذه الآية:"أي كما بينت لكم أعلامي وحججي وهي (آياته) في هذه السورة، وعرفتكم فيها ما فيه خلاصكم من عقابي وبينت لكم حدودي وفرائضي، ونبهتكم فيها على الأدلة على وحدانيتي، ثم على حجج رسولي إليكم، فأرشدتكم إلى ظهور الهدي فكذلك أبين لكم في سائر كتابي الذي أنزلته على نبيي محمد صلى الله عليه وسلم آياتي وحججي وأوضحها لكم لتتفكروا في وعدي ووعيدي وثوابي وعقابي …" (التفسير 1 / 347- 348) .
(2) سورة الأحزاب 21.
(3) سورة النحل 44.
سورة النساء165.
(4) قاله أبن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل ص 2.
انظر مقدمة في أصول التفسير ص 40، 41 والإتقان 2/ 239.
أنظر مقدمة في أصول التفسير ص 10.
(5) مجموع فتاوى ابن تيميه 13/28،29.
(6) أخرجه من طريق محمد بن علي بن الحسن بن شقيق المروزي قال: سمعت أبي يقول: حدثنا الحسين بن واقد، قال: حدثنا الأعمش عن شقيق، عن ابن مسعود به (التفسير رقم 18) ، وأخرجه البيهقي (شعب الإيمان 4/ 510 رقم 1801) والحاكم من طريق أبي عبد الرحمن عن ابن مسعود بنحوه وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 1/557) .
(7) قوله سدساً: صحفت في فتح الباري إلى سبعاً وانظر فتح الباري 12/ 21 وقارن مع الدارمي 2/354.
(8) فتح الباري 12/ 21 وسنن الدارمي كتاب الفرائض- باب قول علي في الجد 2/ 354.
(9) ذكر ابن حبان مشاهير التابعين في مكة والمدينة والبصرة والكوفة ومصر واليمن (انظر مشاهير علماء الأمصار ص 62، 81، 87، 99، 119، 122) .
ذكره علي بن المديني عن يحيى بن سعيد (علل الحديث ومعرفة الرجال ص 48،49،54) .
(10) ذكره علي بن المديني (المصدر السابق ص44) .
(11) أخرجه عن أبي كريب قال حدثنا طلق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبى مليكة به (التفسير رقم107) .
(12) انظر مقدمة في أصول التفسير ص 44.
(13) التفسير رقم 108.
(14) المستدرك 2/ 279.(36/330)
السنن- باب من رخص في كتابة العلم 1/128.
(1) المصدر السابق والطبقات الكبرى 6/257.
المحدث الفاصل ص371.
تقييد العلم 102.
(2) السنن1/128.
تقييد العلم ص102، 103.
(3) البقرة 223.
(4) التفسير1/465.
(5) أخرجه عن يحيى بن إبراهيم المسعودي عن أبيه عن أبيه، عن جده عن الأعمش عن مسلم عن مسروق به (التفسير رقم 84) .
(6) النساء 93.
(7) صحيح البخاري- التفسير- سورة النساء- باب {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم} . رقم 4590. وصحيح مسلم، التفسير رقم 3023.
(8) ذكره أبو حيان في البحر المحيط 1/13 وروى ابن عبد البر نحوه في جامع بيان العلم وفضله – باب ذكر الرحلة في طلب العلم 1/94.
(9) الرحلة في طلب الحديث ص 92.
(10) المصدر السابق ص 93 وأخرجه أبو نعيم بنحوه (حلية الأولياء2/220) .
(11) الطبقات الكبرى 7/113.
الرحلة في طلب الحديث ص 93.
(12) ذكره ابن الجزري في غاية النهاية 1/ 284 وذكره أبو عمرو الداني فيما نقله عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء 4/208.
(13) أنظر المقدمة ص 50 ومجموع الفتاوى 13/374.
رواه ابن أبي حاتم عن أبيه في الجرح والتعديل 6/332.
(14) السنن- باب من رخص في كتابة العلم 1/128.
تقييد العلم ص 105.
تقييد العلم ص 105.
(15) حققه د. عبد الله محمود شحاتة وطبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة.
نشرته مكتبة الدار بالمدينة المنورة.
(16) أنظر الإتقان 2/ 6- 46.(36/331)
(1) كل هؤلاء المفسرين لهم تفاسير ذكرت في كتب طبقات المفسرين للسيوطي والداوودي وعمر نزيه التركي- باللغة التركية- ومعجم المفسرين لرضا كحالة وكتب فهارس التراث مثل كشف الظنون وفهرست ابن النديم وتاريخ التراث لسزكين وكتب الإجازات مثل المعجم المفهرس لابن حجرخ وللمزيد عن هذه التفاسير وطريقتي في استخراجها من مظانها أنظر مقدمتي لتفسير ابن أبي حاتم- المجلد الثاني- والقواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الأجزاء والكتب التراثية.
(2) مطبوع في جزء واحد.
نشرت مكتبة الدار بالمدينة المنورة هذه القطع ضمن جزء في التفسير.
(3) نشرت مكتبة الدار بالمدينة المنورة هذه القطع ضمن جزء في التفسير.
(4) نشرت مكتبة الدار بالمدينة المنورة هذه القطع ضمن جزء في التفسير.
(5) توجد منه أجزاء مخطوطة في المغرب وقد حققتْ في تونس، وهذه التفاسير المتقدمة ذكرت في المصادر السابقة في حاشية القائمة السابقة ويضاف إليها الرسالة المستطرفة ومفتاح السعادة ومصباح السعادة.
انظر التفسير 2/ 192.
(6) انظر سير أعلام النبلاء 8/80.
(7) المعجم المفهرس ل 44 ب.
صلة الخلف بموصول السلف ص 43، 44.
(8) توجد منه قطعة في حواشي تفسير ابن أبي حاتم في المجلد الثاني.
(9) توجد منه قطعة في ألمانيا الشرقية- مكتبة جوتا. وقد اتحفني الشيخ عاصم قاريء بوريقات منه.
يوجد نصفه تقريباً وقد حقق في جامعة أم القرى.
(10) العجاب في بيان الأسباب د- 3.
انظر تفسير سورة آل عمران رقم 181-198 عند قوله تعالى {وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَة} .
(11) طبقات الحنابلة 1/183
(12) تاريخ بغداد 9/ 375.
(13) سير أعلام النبلاء 13/328، 329.
(14) ص 23 من مقدمة أحمد شاكر لمسند أحمد
(15) مناقب الإمام أحمدص 248.
(16) الفهرست ص 285.
(17) الفتاوي 6/ 389، 13/ 355 ودرء تعارض العقل والنقل 4/228
(18) طبقات المفسرين 2/22(36/332)
(1) الجوهر المحصل في مناقب الإمام أحمد في بداية عرضه لمؤلفات الإمام أحمد في بداية عرضه لمؤلفات الإمام أحمد.
صلة الخلف ص 39
سير أعلام النبلاء 13/522،329
(2) /108-116
(3) انظر مثلا تغليق التعليق 4/228 ومن أراد الاستزادة في إثبات وجود تفسير أحمد فليراجع مقدمتي لمرويات أحمد في التفسير ص 4- 11.
(4) تاريخ الأدب العربي 3/ 179.
انظر تهذيب الكمال 1/425.
البداية والنهاية 11/52. ...
الصحاح 4/1670 والنهاية 1/409.
(5) انظر وفيات الأعيان 4/279 وتهذيب الكمال 4/90،7/413 وسير أعلام النبلاء 13/277 وطبقات المفسرين 2/274.
(6) نشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عدد 67/68.
(7) انظر الفهرست ص268 وتاريخ بغداد 8/369 والتحبير في المعجم الكبير 2/90 وطبقات المفسرين 1/103.
(8) تذكرة الحافظ 2/701.
(9) تهذيب التهذيب 10/281 وطبقات المفسرين 1/7.
(10) انظر سير أعلام النبلاء13/ 281 ولسان الميزان 3/ 295.
(11) انظر تاريخ بغداد 9/ 4 46 والمنهج الأحمد 2/ 15 وطبقات المفسرين 1/ 336، 337.
(12) عمدة القاري 19/ 4 1، 22، 8/283،18/153،218
(13) انظر تاريخ بغداد 11/267.
(14) الرسالة المستطرفة ص 76، 77.
(15) انظر العجاب د- 0 1 وانظر ترجمته في الضعفاء الكبير4/76 والمجروحين 2/225 والكامل في الضعفاء ص 2127.
(16) انظر العجاب د- 0 اوانظر ترجمته في الضعفاء الكبير 4/126 والمجروحين2/286 والكامل 1266.
(17) انظر العجاب د- 0 1 وانظر ترجمته في المجروحين 1/270 وميزان الاعتدال 2/ 200
العجاب د-16 وأنظر ترجمته في الضعفاء الكبير4/228 والمجروحين 2/14والكامل 2427.
(18) انظر تذكرة الحفاظ 2/ 701.
(19) انظر تهذيب التهذيب 10/ 281
انظر تاريخ الخلفاء ص 293.
(20) انظر بحوث في تاريخ السنة المشرفة ص 48-50.
(21) المقدمة- باب بيان أن الإسناد من الدين 1/15(36/333)
(1) رواه السخاوي من طريق أبي العباس الدغولي عنه (فتح المغيث 3/3) .
(2) تقدمة الجرح والتعديل ص هـ.
ساق أغلب أسانيده في مقدمة كتابه 0
(3) انظر الذيل على طبقات الحنابلة 2/ 274- 276 والأعلام 3/ 292.
(4) طبعته ونشرته مكتبة الدار بالمدينة المنورة.
(5) وهو المنسوب إلى مجاهد انظر استدراكات على كتاب التراث العربي في كتب التفسير والقراءات بقلمي نشر في مجلة الجامعة الإسلامية عدد 85-100 ص 182- 186.
(6) يوجد نصفه تقريبا وقد حقق بجامعة أم القرى لنيل ثلاث عشرة رسالة دكتوراه وماجستير.
(7) يوجد قطعة منهما في حواشي تفسير ابن أبي حاتم المجلد الثاني.
(8) يوجد نصفه وقد صورته عن صورة من مكتبة الشيخ حماد الأنصاري حفظه الله عن نسخة الإسكندرية بمصر.
(9) توجد قطعة منه في مكتبة الشيخ حماد الأنصاري حفظه الله.
(10) يحقق بجامعة أم القرى وقد أتحفني الأخ د. عبد العزيز العثيم بقطعة منه.
مقدمة في أصول التفسير ص 39.
أخرجه أبو داود في السنن- كتاب السنة- باب في لزوم السنة رقم 4604 وما ذكرته قطعة من الحديث وصححه الشيخ الألباني في مشكاة المصابيح 1/58وصحيح الجامع الصغير 2/ 375.
(11) البرهان في علوم القرآن2/156.
قوله (من القرآن) كذا في الأصل ولعلها القرائن.
(12) مقدمة في أصول التفسير ص 40.
تقدمة الجرح والتعديل ص 2.
(13) انظر مثلا: المنتحب من أسانيد التفسير الثابتة عن ابن عباس بقلمي وانظر الأسانيد الواردة في آخر هذه المقدمة.
(14) المصدر السابق ص 45،44.
(15) انظر تاريخ التراث العربي 1/71-75.
(16) مثلا: (133/5، 134) .
(17) انظر مثلا: كتاب الصلاة- باب من قال أربع ركعات رقم 1182.
(18) انظر مثلا: التفسير- باب ومن سورة الإِخلاص رقم 3364،
(19) انظر مثلا: (30/342) .
(20) انظر مثلا: سورة البقرة الجزء الثاني رقم 28.
(21) انظر مثلا ص 41.
(22) انظر مثلا: (2/540) .(36/334)
(1) انظر مثلا: ص 262.
انظر مثلا: ص 32.
(2) انظر مثلا: الكشف والبيان ل 6 أ.
(3) انظر مثلا: (4/421) .
(4) انظر مقدمة ابن أبي حاتم في التفسير
(5) قارن فتح الباري 8/172مع تفسير ابن أبي حاتم سورة البقرة الجزء الثاني رقم 28.
انظر تفسير ابن أبي حاتم سورة البقرة الجزء الأول رقم 1083 وقارن مع العجاب في بيان الأسباب ص 127.
(6) انظر مثلا: المستدرك 2/ 2766، 323، 401، 0 4 5.
(7) الإتقان 2/ 242.
(8) صحيح سنن الترمذي سورة الإخلاص رقم 2680 0
(9) قوله طريق سقط من الأصل.
(10) انظر دقائق التفسير 5/ 304.
(11) انظر دقائق التفسير 5/ 304.
(12) أي بإسناد ابن عبد البر.
(13) انظر درء تعارض العقل والنقل 8/438.
(14) انظر التقريب رقم 8019 وتهذيب التهذيب 12/ 56، 57.
(15) انظر التقريب رقم 8812وتهذيب التهذيب 3/238، 239.
(16) انظر التقريب رقم 1953 وتهذيب التهذيب 3/ 284.
(17) مقدمة تفسير ابن أبي حاتم ص 145.
(18) آل عمران 12.
(19) التفسير. رقم 6666.
(20) فتح الباري 7/332
(21) انظر العجاب في بيان الأسباب ل 36ب.
(22) التفسير 2/13،12.
انظر تفسير ابن أبي حاتم رقم911،979، 1081، 1088 مع التخريج لأن المحقق ذكر مواضع النصوص في مسيرة ابن هشام وقارن مع تفسير الطبري رقم1520، 1521،1637، 1638، 1639، 1640
(23) التفسير سورة آل عمران رقم 1954
فتح الباري 8/ 231.
(24) ص 62.
(25) الإتقان 2/ 242.
(26) انظر مثلا1/76، 81، 114.
(27) ميزان الاعتدال 4/ 26.
(28) التقريب ص 555.
(29) التاريخ الكبير 1/ 225 والجرح والتعديل 8/ 88.
الثقات 7/ 392.
(30) تفسير الطبري 1/219 في الحاشية.
(31) انظر التنكيل بما في تأنيب الكوثر من الأباطيل1/438 مع الحاشية.
(32) انظر رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل ص 27.
(33) المصدر السابق ص 189-193.(36/335)
(1) المصدر السابق ص 244-248 وانظر مقالاً بعنوان سكوت المتكلمين في الرجال عن الراوي الذي لم يجرح ولم يأت بمنكر بعد توثيقا له, نشر في مجلة كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود العدد الثاني عام 1399-1400هـ.
(2) ق 5،6.
(3) السنن- كتاب الخراج والإمارة والفيء- باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة رقم 3001 وأخرج له رواية أخرى برقم 3002.
(4) المصدر السابق رقم 3002.
(5) 4/233.
(6) البقرة 94.
(7) البقرة 95.
(8) التفسير 1/227، 228.
المعجم الكبير 12/68 رقم 12498.
(9) مجمع الزوائد 2/14.
(10) سير أعلام النلاء9/ 245.
(11) ميزان الاعتدال 4/478.
تاريخ بغداد 1/ 4 21- 234.
(12) الجرح والتعديل 8/48.
(13) الجرح والتعديل 8/48.
انظر تهذيب التهذيب 4/153،154.
(14) ميزان الاعتدال 2/ 192 والتاريخ لابن معين 2/ 226.
(15) موافقة الخبر الخبر ص392،393.
(16) سورة البلد رقم 4.
تغليق التعليق 4/3.
(17) 6 /365.
(18) الصحيح- التفسير- سورة النساء- باب ولكم نصف ما ترك أزواجكم رقم 4578.
(19) انظر فتح الباري 8/ 243.
(20) أي الأمة المتزوجة والرواية في جواز بيعها.
(21) 7/290 رقم 13218 باب بيع أمهات الأولاد.
(22) موافقة الخبر الخبر في تخريج آثار المختصر ص 259
(23) عمدة القاري 18/ 162 (4) صر 414)
(24) سير أعلام البلاء 10/405-416.
(25) ص 414
تهذيب التهذيب 7/ 340.
(26) انظر المراسيل ص 140.
الناسخ والمنسوخ ص 13.
تفسير النسائي ص 79 والأموال 2/1 31 رقم 479.
ص د-9.
(27) الإتقان 2/ 241.
(28) الناسخ والمنسوخ ص 12وانظر فتح الباري 8/438 حيث نقل العبارة عن معاني القرآن للنحاس.
(29) المصدر السابق المحقق 65/1.
المزمر 28.
(30) الشريعة ص 77.
(31) انظر الشريعة ص 78.
(32) الإتقان 2/ 241.
(33) انظر فتح الباري 8/438، 439.
(34) المستدرك 3/23.(36/336)
(1) انظر مثلا التفسير رقم 1993.
(2) في الأصل حسين وهو تصحيف والتصويب من رواية الطبري بعد هذه الرواية بعشر روايات ومما نقله ابن كثير عن الطبري وحصين هذا هو ابن عبد الرحمن السلمي أبو الهديل الكوفي معروف بالرواية عن عكرمة وبرواية هشيم بن بشير عنه (انظر تهذيب الكمال 6/ 519-521) .
(3) التفسير 30/298.
(4) التفسير8/508.
(5) انظر فتح الباري 12/207.
(6) انظر فتح الباري 6/ 364 وقارن مع تفسير الطبري 14/27ط. حلبي.
(7) تهذيب التهذيب4/ 65.
(8) الكامل ص 1233وانظر تهذيب التهذيب 4/ 63، 66.
(9) سير أعلام البلاء 6/ 414، 415.
(10) التاريخ 2/ 205.
(11) تقدمة الجرح والتعديل ص 240.
(12) الصحيح- التفسير- سورة البقرة- باب وعلم آدم الأسماء كلها رقم 4476، والمغازي- باب ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا… رقم 4068
(13) عمدة القاري 17/ 417.
(14) سير أعلام النبلاء 6/417.
(15) الزهد ص 31.
(16) العلو ص 71.
(17) انظر مثلا سورة آل عمران رقم 288.
(18) الجرح والتعديل 8/ 125.
(19) انظر تهذيب التهذيب 5/133.
(20) انظر مثلا التفسير- سورة آل عمران رقم 36.
(21) الجرح والتعديل 8/168 وانظر غاية النهاية 2/ 324
(22) انظر مثلا التفسير- سورة آل عمران رقم 39، 40.
(23) تاريخ بغداد 13/48.
(24) الصحيح- التفسير- سورة آل عمران- باب أمنة نعاسا رقم 4562.
(25) المسند1/245، 2/392، 437،3/13، 260، 1 26، 4/28، 29، 6/294، 49 وقد أتحفني الزميل د. عامر حسن صبري بمعظم هذه المواضع.
(26) انظر مثلا فتح الباري 4/ 255 وقارن مع تفسير عبد الرزاق ص 486.
انظر تهذيب التهذيب 1/243، 244.
(27) انظر المراسيل ص 68ا- 175.
(28) انظر مثلا تفسير الطبري رقم 225 وتفسير ابن أبي حاتم- سورة آل عمران- رقم 10.
انظر مثلا رقم 514.
(29) انظر تاريخ بغداد 3/ 127.
سير أعلام النبلاء 6/ 125- 126.(36/337)
(1) الجرح والتعديل 5/203.
(2) الفتاوى 17/ 409 وانظر دقائق التفسير 6/ 452.
(3) انظر تهذيب التهذيب 6/ 54. 55 وسير أعلام النبلاء6/ 125.
(4) انظر فتح الباري 2/ 355 والعجاب ص127 وقارن مع تفسير الطبري 1/193.
انظر تهذيب التهذيب 11/114، 115 وهدي الساري ص 450.
الأنفال 22.
(5) الجرح والتعديل 3/158، 159.
(6) انظر مثلا 4/4، 183، 187، 189، 235، 272، 216،218، 224، 5/345، 359، 360، 361.
(7) انظر القاعدة الأولى من كتابي: القواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الأجراء والكتب التراثية ص 30،31.
(8) المصدر السابق ص 32.
(9) ص 97.
(10) سورة البقرة رقم 2527.
(11) فتح الباري 8/ 196
(12) انظر ميزان الاعتدال 2/ 129.
(13) انظر ميزان الاعتدال 2/ 130.
(14) التفسير 18/187.
التفسير 3/ 311 ط. المعرفة.
(15) تهذيب الكمال ل 1658.
(16) انظر ترجمته في المصدر السابق وتهذيب التهذيب 12/277، 278.
الطلاق 12.
(17) انظر تفسير ابن كثير 4/ 385.
(18) المسند 6178.
(19) انظر فتح الباري (10/225) .
تفسير عبد الرزاق ص43.
الأعراف آية 200، وفصلت آية 36.
انظر فتح الباري- الأدب- باب ما ينهى عن السباب واللعن رقم 6048 وصحيح مسلم- البر والصلة والآداب- باب فضل من يملك نفسه عند الغضب رقم 2615.
(20) النحل آية 98.
(21) انظر تفسير القرطبي 1/86 وتفسير ابن كثير 1/32.
(22) الأنعام آية 112.
(23) المسند 5/179
(24) صحيح الجامع الصغير 6/258.
(25) المسند 3/50 وأخرجه الإمام أحمد من حديث عائشة (المسند 6/ 156) ، ومن حديث عبد الله بن مسعود (المسند 1/403، 454) ومن حديث أبي أمامة الباهلي نحوه (المسند 5/253) .
(26) الآن- الصلاة- باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء رقم 764.
(27) السنن- إقامة الصلاة- باب الاستعاذة في الصلاة رقم 807.
1/136 رقم 658.
(28) 1/30.
أحكام القرآن 1/87.(36/338)
التفسير 1/111، وأخرجه الطبري عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب به (التفسير رقم 136) .
(1) التفسير 1/34.
(2) الملك آية هـ.
الصافات 7- 11.
الحجر 16-18.
(3) التفسير 1/34.
(4) انظر فتح الباري- فضائل القرآن- باب مد القراءة رقم 5046 (4) السنن- الحروف والقراءات رقم 4001
(5) السنن- الحروف والقراءات رقم 4001.
(6) المكتفى في الوقف والابتداء صح147
(7) المكتفى في الوقف والابتداء صح147
المستدرك 1/232.
(8) الصحيح- السلام- باب الطب والمرض والرقى رقم 2186.
(9) المسند 5/59.
(10) المسند 5/71، 365.
(11) التفسير 1/38 والبداية والنهاية 1/ 60.
(12) عمل اليوم والليلة رقم 554.
(13) المستدرك 4/ 292.
(14) صحيح الجامع الصغير 6/169.
تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ص 114.
(15) موافقة الخُبُر الخَبَر ص 76.
(16) السنن- الصلاة- باب من جهر بها- أي البسملة- رقم 788.
(17) التفسير 1/34.
(18) أسباب النزول ص15.
(19) المستدرك 1/ 231
(20) كشف الأستار 3/ 40.
(21) مجمع الزوائد 2/109،6/310
(22) الأعراف آية (156) .
(23) صحيح البخاري- التوحيد- باب قوله تعالى ((ويحذركم الله نفسه)) رقم 7404 وصحيح مسلم
- التوبة- باب في سعة رحمة الله تعالى رقم ا 5 27 وما بعده.
(24) المصدر السابق رقم 19.
(25) الصحيح- الأدب- باب جعل الله الرحمة في مائة جزء رقم 6000.
(26) الصحيح- التوبة- باب في سعة رحمة الله تعالى رقم 2755.
(27) الصحيح- الرقاق- باب الرجاء مع الخوف رقم 6469
(28) انظر تفسير القرطبي 1/104 وتفسير ابن كثير 1/42.
(29) المسند رقم 1639.
المسند 2/498.
(30) صحيح الجامع الصغير 4/115 والمسند رقم 9 5 16.
(31) المستدرك 4/ 157.د
المسند رقم 1686.
(32) السنن- الزكاة- باب في صلة الرحم رقم 1694
(33) السنن- البر والصلة- باب ما جاء في قطيعة الرحم رقم 1907.(36/339)
السنن- البر والصلة- باب ما جاء في قطيعة الرحم رقم 1907.
(1) التفسير الصحيح رقم 1
(2) الصحيح- صلاة المسافرين- باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة رقم 806 0
(3) الصحيح- التفسير- سورة الحج- باب فضل ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم 8/ 381 رقم 470 وفي كتاب فضائل القرآن- باب فضل فاتحة الكتاب رقم 5006.
(4) الصحيح- فصائل القرآن- باب فضل الفاتحة رقم 5007
(5) كتاب الطهارة- باب فضل الوضوء رقم 223.
(6) السنن- الدعاء- باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة رقم 3383.
(7) السنن- الأدب- باب فضل الحامدين رقم 3800.
(8) صحيح سنن ابن ماجة 2/ 319 رقم 3.63 وسلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 1497.
(9) الشكر ص 21.
(10) فضيلة الشكر لله على نعمه ص35.
(11) موارد الظمآن رقم 2326.
(12) السنن- الأدب- باب الهدىَ في الكلام رقم 4840.
(13) المصنف- الأدب- باب ما قالوا فيما يستحب أن يبدأ به الكلام 9/115 رقم 6734.
(14) عمل اليوم والليلة رقم 494.
(15) السنن- النكاح- باب خطبة النكاح رقم 1984.
(16) الإِحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/102وموارد الظمآن رقم 378 و1993.
(17) السنن- الصلاة 1/ 229.
السنن الكبرى 3/209 وشعب الإِيمان كما ذكره الزيلعي في تخريجه لأحاديث الكشاف
(18) السنن- الصلاة1/ 229.
(19) ضعيف الجامع الصحيح 4/147.
(20) الأذكار ص94.
(21) انظر الفتوحات الربانية على الأذكار النبوية 3/288 و/6/63.
(22) طبقات الشافعية الكبرى 1 / 7، 12، 15.
(23) الجامع الصغير بشرح القدير 5/13.
(24) كشف الخفاء2/119.
(25) الروم 18.
(26) القصص 70.
(27) سبأ 1.
(28) أضواء البيان 1 / 101.
(29) التفسير رقم 153.
(30) التفسير رقم 10.
(31) التقريب ص 259
(32) شروط الأئمة الستة ص 12.
(33) التفسير 1/37.
الشعراء آية 23.
(34) التفسير رقم (163)(36/340)
(1) الصحيح- الصلاة- باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة رقم 395. وقد قطعت هذا الحديث حسب موافقته لآيات سورة الفاتحة كصنيع ابن أبي حاتم الرازي في تفسيره.
(2) الانفطار آية 19.
(3) التفسير 1/157 رقم 26.
(4) التفسير- سورة الفاتحة الفتح 8/ 156.
(5) انظر تعليق التعليق 4/ 171.
(6) الصحيح- الصلاة- باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة رقم ك 39.
(7) فتح الباري- الأدب- باب أبغض الأسماء إلى الله رقم 6205، وصحيح مسلم- الآداب- باب التسمي بملك الأملاك رقم 2143.
(8) المسند رقم في 732.
(9) 1/31. سقطت هذه الرواية من طبعة الشعر لتفسير ابن كثير.
(10) السنن- الحروف القراءات رقم 4000.
(11) المصاحف ص 93.
(12) السنن- القراءات- باب في فاتحة الكتاب 5/186.
(13) جزء من قراءات النبي صلى الله عليه وسلم رقم (1) بتحقيقي.
(14) انظر التيسير 18 والإِقناع صر 93 د.
(15) التفسير/40.
(16) البقرة 21، 22.
(17) البقرة 21، 22.
(18) النحل 36.
(19) أضواء البيان 1/103.
(20) التفسير 1/158 رقم 29.
(21) انظر تهذيب التهذيب 6/450، 431.
(22) باب سورة آل عمران قوله تعالى (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة) 5/127، وانظر عمدة القاري 17/ 155.
(23) التاريخ 2/ 205.
(24) سير أعلا االنبلاء6/417.
(25) هود 123.
(26) التوبة 129.
(27) المزمل 9.
(28) الملك 29.
(29) أضواء البيان 1/104.
(30) سورة صر 22.
(31) سورة فصلت 17.
(32) سورة طه.
(33) سورة الرعد 7.
(34) سورة البقرة 8 ك 2.
(35) تفسير الأدفوي ص587- 598.
(36) الأنعام 161- 163.
(37) المسند 4/182، 183.
المسند 4/182، 183.
(38) سنن الترمذي- أبواب الأمثال، رقم 3019.
(39) تفسير النسائي ص 89.
(40) التفسير رقم 187.
(41) التفسير رقم 33.
(42) الشريعة ص 12.
(43) 1/43.(36/341)
(1) الجامع الصغير بشرح فيض القدير 4/ 254.
(2) صحيح الجامع الصغير 4/4.
(3) المصنف 11/367 رقم 20758.
(4) سورة البقرة 90.
سورة المائدة 60، وانظر تفسير الطبريَ 1/ 185، وأضواء البيان 1/106.
(5) التفسير رقم 198.
(6) المسند 5 /32, 33 و 5/77.
(7) التفسير رقم 198.
(8) التفسير 1/46
(9) فتح الباري 8/ 139.
(10) المسند 4/ 384، 379.
(11) السنن- التفسير- باب ومن سورة الفاتحة 3/ 2.2، 203.
(12) التفسير رقم 41.
(13) التفسير رقم 207.
(14) سورة المائدة 77.
(15) التفسير 10/487.
(16) التفسير 3/148، 149.
(17) سورة المائدة 72، 73.
(18) سورة المائدة 72، 73.
(19) التفسير 1/163.
(20) بحر العلوم 1/242.
(21) صحيح البخاري- التفسير- باب غير المغضوب عليهم ولا الضالين 8/159 رقم 4475 وصحيح مسلم- الصلاة- باب التسميع والتحميد والتأمين رقم 410.
(22) قوله: أقرت أي قرنت بها وأقرت معهما.
(23) قوله فأرمَّ القوم أي سكتوا ولم يجيبوا.
(24) قوله: ولقد رهبت أن تبكعني بها: أي خفت أن تستقبلني بما أكره. قال ابن الأثير: البكع نحو التقريع، وفسره النووي بالتبكيت والتوبيخ. أهـ. وهده المعاني أفدتها من حاشية صحيح مسلم.
(25) الصحيح- الصلاة- باب التشهد في الصلاة رقم 404.
(26) المسند 6/134، 135.
(27) السنن- إقامة الصلاة- باب الجهر بآمين رقم 856.
(28) الترغيب والترهيب- الصلاة- باب الترغيب في التأمين خلف الإمام 1/328.
(29) مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة 1/106.(36/342)
الجزء الثالث
من كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه
أبي بكر أحمد بن محمد بن هاني الطائي الأثرم
مما رواه عنه أبو الحسن علي بن يعقوب بن إبراهيم الكوسج
رواية أبي الحسين علي بن محمد بن سعيد الموصلي الخفاف
عنه رواية الشيخ أبي جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن المسلمة
عنه أبي الحسين محمد عبد الله بن أخي ميمي إجازة عنه
تحقيق
د. أحمد بن عبد الله الزهراني
أستاذ مساعد بكلية القرآن الكريم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
فإن الاعتناء بكتب السلف وإخراجها للناس لكي يستفيدوا منها أمرٌ مهم، وخاصة من كان منهم سليم المعتقد، وشهد له أئمة الجرح والتعديل بالخير والصلاح والإمامة في الدين.
ولقد يسر الله تعالى لي رحلة علمية إلى بلاد مصر عام 1396هـ وزرت المكتبة الوطنية المصرية فوقع نظري على كتاب الناسخ والمنسوخ في الحديث للحافظ أبي بكر الأثرم فسجلتُ رقمه واحتفظتُ به حتى يسر الله تعالى لي تحقيقه فله الحمد أولاً وآخراً. وكان عملي فيه على قسمين:
القسم الأول: ترجمتُ للمؤلف أبي بكر الأثرم وذلك بذكر مولده ووفاته، وذكرتُ أقوال أهل العلم فيه وتحدثتُ باختصار على مؤلفاته، وجمعتُ شيوخه من كتب التراجم وذكرتهم مرتبين على حروف المعجم لكي يستفيد من ذلك من له عناية بذلك، أما تلامذته فقد جمعهم الحافظ المزي في تهذيبه ولم أقف على زيادة عليه فلم أر ذكرهم هنا ومن أراد الوقوف عليهم فليرجع إلى تهذيب الكمال للحافظ المزي.
كما بينتُ منهج الأثرم رحمه الله في هذا الجزء من كتابه وذكرتُ وصف النسخة.
أما القسم الثاني: فهو يتعلق بتحقيق النص وإخراجه وقد أتّبعت فيه الخطوات التالية:
1- نسختُ النص على نسخة فريدة.
2- خرّجتُ الأحاديث من المصادر العلمية المعتبرة.
3- ترجمتُ لرجال الإِسناد باختصار مراعياً في ذلك التأكد من الوصل أو(36/343)
الانقطاع بين الشيخ وتلميذه أو التلميذ وشيخه، فإذا ذكرت العلم المترجم له أذكر شيخه وتلميذه وأنه أخذ هذا عن هذا كما ذكرت سنة الوفاة إن وجدت والحكم عليه.
واقتصرت في مصادر الترجمة على تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب والتقريب إذا كان الرجل من رجال الكتب الستة.
أما الصحابة رضي الله عنهم فإنني رجعتُ في تراجمهم إلى الكتب المتخصصة فيهم كالاستيعاب، وأسد الغابة، والإصابة.
4- حكمتُ على الإسناد أحياناً، وأحياناً أكتفي بذكر أقوال أهل العلم في ذلك.
5- علقتُ على بعض المسائل العلمية باختصار كمسألة الخروج على الأئمة حيث ذكرتُ بعض النصوص الشرعية الصحيحة الواردة في ذلك، ولخصتُ مذهبَ أهل السنة والجماعة في المسألة.
6- يذكر الأثرم- رحمه الله- أحياناً عدداً من الصحابة خلف بعضهم ثم يذكر في آخرهم متن الحديث وهذا من باب الاختصار كما بينتُ في منهجه كما سيأتي- إن شاء الله- وقد قمتُ بتخريج أحاديث أولئك الذين ذكرهم من الكتب المعتبرة.
7- بينتُ الغريب من مصادره وهو قليلٌ نادر.
8- جعلتُ لكل باب من أبواب الكتاب أرقاماً مستقلة ومتسلسلة في الوقت نفسه.
9- جعلتُ فهرساً للأعلام المترجم لهم.
10- جعلتُ فهرساً للموضوعات.
11- جعلتُ قائمة بأسماء المراجع.
وفي الختام هذا جهد المقل فإن وفقت فيما سطرت وكتبت فذلك من الله
وحده فله الحمد والشكر على ذلك، وإن كان غير ذلك فهو من طبيعة البشر واستغفر الله وأتوب إليه.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أشكر الأخ الدكتور/ عايد الحربي زميلي في كلية القرآن الكريم الذي قام مشكوراً بإجابة طلبي في تصوير هذه النسخة من دار الكتب المصرية وإرسالها إليّ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...
كتبه وحرره
(أبو عاصم) أحمد بن عبد الله الزهراني
كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
ترجمة أبي بكر الأثرم(36/344)
هو أبو بكر أحمد بن هاني الطائي الإِسكافي (1) البغدادي ويقال الكلبي. الملقب بالأثرم. تلميذ الإمام أحمد، وصاحبه في حياته، والمدافع والوفي له بعد وفاته حتى أصبح راوية لبعض مسائله، كرع في العلم فارتوى ووازن فانتقى، معدود في صفوف الأئمة الأخيار، والجهابذة النقاد، والحفاظ المتقنين، ولد في القرن الثاني الهجري وعاش جل القرن الثالث الهجري فجمع بين فضل القرنين الثاني والثالث فأقرانه نجوم دجى- أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن- وشيوخه كواكب سماء، حفظ الله بهم الملة، ودفع بهم الغّمة، ونفّس بهم الكربة، فكم من قتيل لإبليس أحيوه، وكم من تائه هدوه.
وصف الأثرم بالذكاء والفطنة والحرص على الطلب منذ صغره، وقد جمع- رحمه الله تعالى- بين ال فقه والاستنباط، والدليل من السنة والكتاب، وكتابه الناسخ والمنسوخ في الحديث من الشواهد على سعة علمه، وعمق فهمه، وحسن استنباطه.
ولد -رحمه الله- في دولة الرشيد، والتي دامت ثلاثة وعشرين عاماً ما بين سنة 170-193 هـ، ولم تثبت لديّ سنة ولادته ولا سنة وفاته كما سيأتي-إن شاء الله.
وقد شهد له بالنباهة والذكاء والفطنة وحسن الطلب أقرانه ومشايخه.
ذكر الخلال أن عاصم بن علي بن عاصم قدم بغداد فطلب رجلاً يخرج له فوائد يمليها فدلوه على أبي بكر الأثرم فلما رآه لم يقع منه موقعاً مرضياً لحداثة سنه. فقال الأثرم: أخرج كتبك فلما نظر فيها جعل يبين ما فيها من الخطأ والصواب، والصحيح والضعيف، فسر عاصم به وفرح.
قال الخلال:"وأملاه قريباً من خمسين مجلساً، فعرضت على أحمد بن حنبل، فقال: هذه أحاديث صحاح ".
وقال يحيى بن معين، ويحيى بن أيوب المقابري متعجبين من حفظه وذكائه وكان أحد أبويه جني.
وقال أبو يعلى: (أبو بكر جليل القدر، حافظ إمام… نقل عن إمامنا مسائل كثيرة، وصنفها ورتبها أبواباً) .
وقال أيضاً: وكان يعرف الحديث، ويحفظه، ويعلم العلوم والأبواب والمسند) .(36/345)
وقال ابن حبان: (أصله من خراسان ... روى عنه الناس وكان من خيار عباد الله، من أصحاب أحمد بن حنبل، روى عنه المسائل حدثنا عنه جماعة من شيوخن ا) .
وقال الخطيب البغدادي: (وكان الأثرم ممن يعد في الحفاظ والأذكياء ... ومسائل أحمد بن حنبل تدل على علمه ومعرفته) .
وقال الذهبي: (أحد الأعلام، ومصنف السنن، وتلميذ الإمام أحمد ... كان عالماً بتواليف ابن أبي شيبة لازمه مدة) .
وقال أيضاً: (وله كتاب نفيس في السنن يدل على إمامته وسعة حفظه) .
هذه بعض شهادات أهل العلم له، وقد نتج عن تعلمه وعلمه أن ألف بعض المصنفات العلمية، والتي أفاد منها من جاء بعده فمن ذلك:
1-كتاب العلل:
قال الذهبي: (وله مصنف في علل الحديث) وقال في موطن آخر: (وله كتاب في العلل) .
والتصنيف في مثل هذا النوع من أنوع الدراية لا يقدم عليه ويلج أبوابه إلا الجهابذة من أهل العلم.
وكتاب الأثرم هذا أفاد منه الحافظ ابن رجب في شرحه لعلل الترمذ ي انظر الصفحات التالية:
105، 151، 203، 241، 272، 285، 328، 334، 345، 346، 347، 350، 351، 362، 365، 367، 375، 382، 392، 399، 405، 410، 412، 413، 414، 416، 417، 423، 425، 430، 433، 434، 439، 462، 478.
كما أفاد منه الحافظ المزي في كتابه القيم تهذيب الكمال في عدة مواضع منه انظر على سبيل المثال لا الحصر الصفحات التالية:
5/525، و8/ 2 51، و12/ 453، 13 /273، و14/ 331، و17/436،
و18/245 و22/69, و23/528, و28/200، و248، و539، 551، و29/81، و30/190, 220.
وأفاد منه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل انظر الصفحات التالية: 3/453, و4/333، و460، و6/63، و238، و7/140، و8/ 148، 174، 178، 381، و9/60.
كما أفاد منه الخطيب في تاريخه انظر: 13/161, و12/469, 10/241.
2-كتاب السنن:
وهذا الكتاب أشاد به الحافظ الذهبي رحمه الله ووصفه بأنه كتاب نفيس، وأنه يدل على إمامة وسعة حفظ صا حبه.(36/346)
وهو كتاب مفقود، وقد أفاد منه الحافظ ابن قدامة في كتابه القيم (المغ ني) ف ي عدة مواضع منه انظر الصفحات التالية:
2/ 51، و4/7, و 4/22, 399، وه /166، 185، 450 و6/107, و8/ 139، 303.
3- المسائل الفقهية عن الإمام أحمد رحمه الله.
أشار إليها أبو يعلى في طبقاته فقال: (نقل عن إمامنا مسائل كثيرة وصنفها ورتبها أبواباً) وذكر بعضها.
4- كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه.
وهو يتكون من ثلاثة أجزاء فقد منه الأول والثاني، وبقي الجزء الثالث، وهو هذا الذي قمت بتحقيقه وهو موجود بدار الكتب المصرية تحت الرقم 1587 حديث، وسيأتي وصفه- إن شاء الله تعالى.
وقد أفاد منه ابن الجوزي رحمه الله في كتابه (إعلام العالم بعد رسوخه بحقائق ناسخ الحديث ومنسوخ هـ) في باب هدية الكافر.
كما أفاد منه الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه شرح علل الترمذ ي فقال: (قال أبو بكر الأثرم في كتاب الناسخ والمنسوخ ... ) ثم نقل بعض نصوصه.
ونقل الحافظ ابن حجر رحمه الله عنه في فتح الباري عدة نقولات: انظر10/84، و92، و93.
وكما شارك أبو بكر الأثرم في التأليف بالجمع والترتيب والتبويب والتصنيف، شارك أيضاً في مراسلة أهل الثغور برسالة قيمة تحمل في طياتها عدداً من التوجيهات، والنصائح والتوصيات، تدل على رجاحة عقله، وعمق فهمه، وغزارة علمه، وعلو مكانته، واهتمامه بواقع أمته، ذكر أبو يعلى طرفاً من تلك الرسالة في الطبقا ت) .
شيوخه وتلاميذه
تتلمذ أبو بكر الأثرم على مشايخ عدة بلغ مجموع الذين وقفت عليهم واحداً وثلاثين شيخاً، وسأذكرهم مرتبين على حروف المعجم:
1- أحمد بن إسحاق الحضرمي.
2- أحمد بن جوّاس الحنفي.
3- أحمد بن الحجاج الشيباني المروزي.
4- أحمد بن أبي الطيب المروزي.
5- أحمد بن عمر الوكيعي.
6- أحمد بن محمد بن حنبل إمام أهل السنة.
7- بشار بن موسى الخفاف.
8- حرمي بن حفص.
9- الربيع بن نافع الحلبي أبو توبه.
10- سليمان بن حرب.(36/347)
11- سليمان بن داود بن الجارود أبو الوليد الطيالسي.
12- سيد بن داود المصيصي.
13- عبد الله بن بكر السهمي.
14- عبد الله بن رجاء الفداني.
15- عبد الله بن صالح كاتب الليث.
16- عبد الله بن محمد بن أبي شيبة أبو بكر.
17- عبد الله بن مسلمة القعنبي.
18- عبد الحميد بن موسى المصيصي.
19- عبيد الله بن محمد العيشي.
20- عفان بن مسلم الصفار.
21- عمرو بن عون.
22- غسان بن الفضل السجستاني.
23- الفضل بن دكين، أبو نعيم.
24- قالون عيسى.
25- محمد بن عبد الله بن نمير.
26- مسدد بن مسرهد.
27- مسلم بن إبراهيم.
28- معاوية بن عمرو الأزدي.
29- موسى بن إسماعيل.
30- ونعيم بن حمّاد الخزاعي.
31- هوذة بن خليفة.
أما تلامذته فلم أقف على زيادة على ما ذكره الحافظ المزي في تهذيبه وعددهم سبعة فما أحببت ذكرهم لكونهم مجموعين في مكان واحد فمن أراد الوقوف عليهم فليرجع إلى ما أشرت إليه.
وفاته
إن تحديد سنة الوفاة لأبي بكر الأثرم فيها نظر وقد كفانا مؤنة البحث والتحقيق في ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله حيث قال: (توفي سنة 261 هـ أو في حدودها ألفيته بخط شيخنا الحافظ أبي الفضل ثم وجدتُ في التذهيب للذهبي أنه مات بعد الستين ومائتين، وكل هذا تخمين غير صحيح، والحق أنه تأخر عن ذلك، فقد أرخ ابن قانع وفاة الأثرم فيمن مات سنة 273 هـ لكنه لم يسمه، وليس في الطبقة من يلقب بذلك غيره (1) .
وبناء على هذا فإن أبا بكر الأثرم يعتبر من المعمرين، فإن كان ولد في أول عهد الدولة الرشيدية سنة 170 هـ وتوفي سنة 273 فهو عاش مائة عام، وإن كان ولد في آخرها سنة 190هـ وما بعدها فإنه عاش قرابة ثلاثة وثمانين عاماً رحم الله أبا بكر العالم الجهبذ المصلح والفقيه السديد، والناقد البصير رحمة تغشاه في قبره إنه سميع مجيب.
منهج الأثرم في كتابه(36/348)
يتلخص منهج الأثرم -رحمه الله تعالى- في كتابه ناسخ الحديث ومنسوخه- فيما ظهر لي من خلال الجزء الثالث منه، والذي قمت بتحقيقه في الأمور التالية:
1- يعتبر أبو بكر الأثرم من أهل الرواية فهو أحد تلامذة أبي بكر بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل رحمهم الله- لكنه في هذا الجزء من كتابه لم يورد حديثا واحداً بروايته المتصلة.
2- لم يلتزم في كتابه هذا سوق الأحاديث الصحيحة- مع العلم أنه من أهل الرواية والدراية بل يذكر أحياناً أحاديث الباب كله، وهي ليست قوية، ثم يوجهها بعد ذلك، ومثال ذلك أنه ذكر في باب: الهلال يرى ما يقول، عدداً من الأحاديث. ثم قال عقبها (فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وكلها ليست بأقوى الأحاديث، وإنما الوجه أن ذلك ليس فيه شيء مؤقت وأي ذلك قاله فهو جائز) انظر ص 5.
ولعله لم يجد في الباب أفضل ولا أحسن ولا أثبت مما وجد، ويشهد لذلك قول أبي داود في سننه 5/327 "ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديث مسند صحيح ".
3- يذكر الحديث في الباب ثم يتبعه الحكم عليه إجمالاً، ثم يذكر الأحاديث التي خالفته، مثال ذلك: (ذكر في باب صوم يوم السبت حديث الصماء بنت بسر المازنية في النهي عن صومه، ثم تعقبه مباشرة بقوله (فجاء هذا الحديث بما خالف الأحاديث كلها) انظر ص 8.
ثم ذكر بعد ذلك حديث علي وأبي هريرة وجندب مخالفة له. انظر ص 8.
4- يطنب أحياناً في بيان الرد، ويحشد من الأدلة المخالفة عدداً كثيراً مثال ذلك، ذكر في باب صوم يوم السبت. حديثاً واحداً في تحريم صومه، وهو حديث الصماء بنت بسر، ثم أخذ يرد عليه بعدد من الأحاديث فذكر حديث علي وأبي هريرة وأبي ذر وأم سلمة وعائشة وأسامة بن زيد، وأبي ثعلبة وابن عمر، انظر ص 8، 9، 10.
وليس هذا عنده من باب الحصر بل من باب التمثيل، لأنه قال في النهاية (وأشياء كثيرة توافق هذه الأحاديث) انظر ص 10.(36/349)
5- الاختصار في الإِسناد والمتن، وذلك أن الحديث إذا كان عن عدد من الصحابة، ومتنه واحد أو متقارب، فإنه يسرد الصحابة الذين رووه خلف بعضهم سرداً ثم يذكر المتن عند آخرهم مرة واحدة.
مثال ذلك قال في باب صوم يوم السبت (فمن ذلك حديث علي وأبي هريرة وجندب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصوم المحرم) انظر ص 8.
وقال (ومن ذلك حديث أم سلمة وعائشة وأسامة بن زيد وأبي ثعلبة وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان) انظر ص 9.
وقال في باب المسكر (وروى عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وجابر وأبو هريرة وميمونة وأم حبيبة وأنس ومعاوية وبريدة الأسلمي وجماعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر حرام ") انظر ص 18.
ومن اختصاره يذكر الحديث عن الصحابي من عدة طرق ثم يذكر متنه في آخر شيء.
مثال ذلك: حديث ابن عمر مرفوعاً: كل مسكر حرام. ذكره من أربع طرق عن ابن عمر ثم ذكر المتن في آخر شيء انظر ص 12، 13.
وحديث أنس في باب المرتد ما يصنع به انظر ص 118.
6- الإجمال دون التفصيل، وذلك أنه يذكر أن الأحاديث في هذا الموضوع كثيرة، لكنه لا يذكر متناً ولا راوياً ومثال ذلك ما ذكره في باب صوم يوم السبت بقوله "ومن ذلك الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صوم يوم عاشوراء، وقد يكون منها يوم السبت، ومن ذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في صيام البيض وقد يكون فيها السبت، وأشياء كثيرة توافق هذه الأحاديث "انظر ص 10.
7- إذا ذكر المخالف لا ينص عليه بالاسم، وإنما يذكره ضمن العموم فالأثرم لما ذكر الأحاديث المتواترة في تحريم المسكر قليلة وكثيرة قال "ثم روى قوم يستحلون بعض ما حرم الله عز وجل أحاديث لا أصول لها"انظر ص 21.
وهو في هذا متّبع لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في التعريض ببعض الناس عندما يقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ويقولون كذا وكذا".(36/350)
8- إذا كان في الحديث علل بين تلك العلل وفندها سواء كانت في الإسناد أو المتن. انظر حديث أبي بردة بن نيار ص 21، 22 وحديث أبي مسعود ص 25، 26 وحديث أبي هريرة ص 58.
9- يحكم أحياناً على السند. انظر حديث عائشة ص 48 قال (وروى عن عائشة بإسناد ضعيف) . وقوله في حديث ابن عمر ص 49 (وذلك من وجه ضعيف) وقوله في حديث أنس ص 59 (فهو حديث جيد الإسناد) وقوله في حديث البراء ص 64 (وهذا إسناد ليس بالقوي) .
10- الرجال عنده يعرفون بالحق، وليس الحق يعرف بالرجال وهذه القاعدة يؤكد عليها في رده على الذين يحتجون بأفعال قوم ليس لهم مستند ولا دليل شرعي، ولما انتهى -رحمه الله- من الرد على الذين قالوا بإباحة النبيذ المسكر قال: ص 43: (فإذا لم يبق لهم حجة من الأحاديث قالوا فقد شربه فلان وفلان) ثم ضرب أمثلة يذكر بعض الأعيان الذين قالوا أقوالاً وخالفتهم الأمة في ذلك مثل أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، وغيرهم من الأصحاب الأخيار. انظر ص 44، 45.
11- يحتكم الأثرم -رحمه الله تعالى- إلى الرواية الصحيحة عند الخلاف، ويقدمها على الفتيا، وقرر هذا عند مسألة الشرب في الظروف عندما ذكر النهي أولاً ثم الرخصة، ثم النهى ثم قال (فرجع الأمر إلى النهي، وبيان ذلك في الرواية) ثم ذكر حديث علي وأنس رضي الله عنهما في تحريم ذلك انظر ص 50.
12- يذكر في الباب حديث الأصل، ثم يتبعه بذكر الشواهد والمتابعات باختصار.
فمن الشواهد ما ذكره في باب الشراب قائماً ص 55 ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائماً ثم ذكر له شاهداً من حديث علي رضي الله عنه بدون ذكر متنه بل قال "مثله "انظر ص 55 وكذلك في باب الشرب من فيّ السقاء ص 62 ذكر حديث أبي سعيد مرفوعاً، ثم شاهداً له حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم أمثلة. انظر ص 62 وفي باب الركاز يوجد ص 116.(36/351)
13- يقبل الرواية ممن هو دون الثبت لمخالفة الثبت في روايته للأصل وموافقة رواية من هو دونه للأصل، ثم ذكر أمثلة على ذلك ثم قرر أن هذا ليس في كل شيء بقوله (وليس ذلك في كل شيء) انظر ص60.
14- يذكر أحياناً الاختيار له، أو توجيهه للأحاديث، ثم يفند بعد ذلك الأحاديث المخالفة ببيان ما فيها من العلل. انظر ص 63، 67 أحياناً لما يذكر اختياره، يتبعه بذكر الشواهد له من الأحاديث، وأقوال أهل العلم. انظر ص 73، 76، 120 وأحياناً يذكر وجوهاً متعددة في توجيه الأحاديث والجمع بينها، ثم يختار بعد ذلك أحدها ويدلل على ذلك. انظر ص ... وأحياناً يوجه تلك الأحاديث بدون أن يذكر اختيارًا له لتساوي الأمرين عنده. انظر البند رقم 16.
15- يرجح أحياناً بين الأحاديث التي ظاهرها الاختلاف بصحة أحدهما على الآخر ففي ص 68 قال (وحديث فليح أصحهما إسناداً) وأحياناً يقول (وأثبت ما روى في هذا الحديث الأول انظر ص 82 وفى ص 101 يقول: (وهذا أثبت الإسنادين) وفي ص 117 يقول (وتلك الأحاديث أثبت) .
وربما أيد قوله بما عليه الأئمة ويقصد بهم الخلفاء الراشدين لأنه مثل بعمر رضي الله عنه. انظر ص 82.
16- يذكر الأحاديث التي ظاهرها الاختلاف والتعارض لكنه بعد سوقها وذكرها يوضح أنه لا اختلاف ولا تعارض بينها كما في باب: أي وقت يقاتل العدو ص 76 وباب في الضيافة ص 86 وباب من يجب عليه الحد ص 88، وباب التنفس في الشراب ص في 65 وباب في البداوة ص 121 وباب الكفارة قبل الحنث ص 123.
17- شدته على أهل البدع والمتأولين النصوص على ما يريدون انظر موقفه منهم في أحاديث طاعة الأئمة ص 90. فقد قرر رحمه الله أنهم يأخذون ببعض الأحاديث، ويتركون البعض الآخر، أما أهل السنة فإنهم يعملون بالجميع، ويردون المتشابه منها إلى المحكم انظر ص 94.
18- يسوق الحديث بالمعنى، وينص على ذلك أحياناً كحديث عمر رضي الله عنه ص 127، 99. قال في آخره (معناه) .(36/352)
19- يقتصر على الشاهد في الحديث فقط ولا يسوقه بتمامه.
20- يذكر الحديث أحياناً في الباب ثم يتبعه مباشرة بالنقد والتعليل فيسقط الحديث. انظر باب كف الأيدي عن قتال الأئمة ص 96 وانظر حديث المصدقين. ص 99.
21- يذكر الراوي أحياناً ويوثقه مباشرة، وهذا نادر- كما فعل في أبي عثمان الأنصاري انظر ص 16 ولعله يقصد من ذلك زيادة في توثيق الراوي بناء على أن فيه اختلافاً.
وصف النسخة
هذا الجزء الثالث من كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه للأثرم يقع في ثلاث عشرة لوحة. ويحوي أربعة وعشرين باباً.
بدأ بباب: الهلال يرى ما يقول: وختمه باب الكفارة قبل الحنث. وخطه واضح بيّن، والنسخة قد قرئت وصححت فعليها حواشي وبأولها وآخرها سماعات متعددة. ويوجد في كل صفحة خمسة وعشرون سطراً وفي كل سطر خمس عشرة كلمة أو أربع عشرة كلمة أحياناً.
وقد كتب على الصفحة الأولى الآتي: الجزء الثالث من كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه تأليف أبي بكر أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الأثرم.
مما رواه عنه: أبو الحسن علي بن يعقوب بن إبراهيم الكوسج.
رواية أبي الحسن علي بن محمد بن سعيد الموصلي الخفاف عنه.
رواية الشيخ أبي جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن المسلمة عنه.
أبي الحسين محمد بن عبد الله بن أخي ميمي إجازة عنه ومختومة بختم الكتبخانة المصرية. ثم ذيل هذا العنوان للكتاب بحواش فيه ذكر للموت وتخويف منه يقرأ بعضها والبعض الآخر لا يقرأ. وورد في الصفحة التي قبل الأخيرة ما يلي:
(آخر كتاب الناسخ والمنسوخ. والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله) ثم ذكر بعض السماعات والنصائح والأمثلة، ثم أرخ كتابه ذلك (في يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر 3 الآخر سنة اثنتين وستين وأربع مائة) .
أما الصفحة الأخير فطمسها واضح وكل الذي فيها ليس له تعلق بالكتاب فيما ظهر لي. والله أعلم.
الجزء الثالث
من كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه
تأليف
أبي بكر أحمد بن محمد بن هاني الطائي الأثرم(36/353)
مما رواه عنه أبو الحسن علي بن يعقوب بن إبراهيم الكوسج
رواية أبي الحسين علي بن محمد بن سعيد الموصلي الخفاف
عنه رواية الشيخ أبي جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن المسلمة
عنه أبي الحسين محمد عبد الله بن أخي ميمي إجازة عنه
باب الهلال يُرى ما يقول
روى محمد بن بشر، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن رجل، عن عبادة (1) بن الصامت، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: "الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أسألك خير هذا الشهر، وأعوذ بك من شر القدر، ومن شر يوم الحشر" (2) .
وروى عبد العزيز بن حصين عن عبد الكريم عن أبي عبيده بن رفاعة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال:"الله أكبر، هلال خير ورشد آمنت بخالقه ثلاثاً، ثم يسار لنفسه" (3) .
وروى عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب عن أبيه وعمه (4) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال:"الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله" (5) .
وروى أبو عامر عن سليمان (6) بن سفيان عن بلال (7) بن يحيى بن طلحة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال:"اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله" (8) .
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وكلها ليست بأقوى الأحاديث، وإنما الوجه أن ذلك ليس فيه شيء مؤقت، وأي ذلك قاله فهو جائز.
باب صوم يوم السبت
روى ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" (9) .
فجاء هذا الحديث بما خالف الأحاديث كلها فمن ذلك حديث علي، وأبي هريرة (10) ، وجندب أن النبي صلى الله عليه وسلم "أمر بصوم المحرم".(36/354)
ففي المحرم السبت، وليس مما افترض. ومن ذلك حديث أم سلمة وعائشة، وأسامة بن زيد وأبي ثعلبة، وابن عمر أن النبي صلى الله عليه سلم كان يصوم شعبان. وفيه السبت.
ومن حديث أبي هريرة (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر".
وقد يكون فيه السبت.
ومن ذلك الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء. وقد يكون يوم السبت.
ومن ذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في صيام البيض. وقد يكون فيه السبت. وأشياء كثيرة توافق هذه الأحاديث.
باب في المسكر
روى الزهري عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل شراب أسكر فهو حرام" (2) هـ.
وروى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وموسى (3) بن عقبة عن نافع (4) عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومحمد (5) بن عجلان عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر خمر".
وروى محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعبيد الله بن عمر عن عمرو بن شعيب عن أبيه (6) عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما أسكر كثيره فقليله حرام" (7) .
وروى أبو عثمان الأنصاري- وكان ثقة- عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم "ما أسكر الفرق فالحسوة منه حرام " (8) .
وروى الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر ابن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره" (9) هـ.
وروى عمر بن الخطاب، وعلي، وابن مسعود، وجابر، وأبو هريرة، وميمونة، وأم حبيبة، وأنس، ومعاوية، وبريدة الأسلمي، وجماعة سواهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل مسكر حرام" (10) هـ.(36/355)
وروى الديلم الحميري أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشراب الذي يتخذونه بأرضهم فقال: "أيسكر؟ " فقال: نعم. قال: "فلا تشربه". قال: فإنهم لا يصبرون عنه، قال:"فإن لم يصبروا عنه فاقتلهم" (1) هـ
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" كل مسكر حرام". والذي نفسي بيده لمن شرب مسكراً إن حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة" هـ
وروى طلق (2) بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المسكر: "لا يشربه رجل فيسقيه الله عز وجل الخمر يوم القيامة " (3) هـ.
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من شرب مسكراً نجس، ونجست صلاته أربعين يوماً" (4) .
فتواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم قليل المسكر وكثيره، وأنه خمر.
ثم روى قوم يستحلون بعض ما حرم الله عز وجل أحاديث لا أصول لها فمنها حديث رواه أبو الأحوص عن سماك (5) عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة (6) بن نيار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أشربوا الظروف ولا تسكروا" (7) .
فتأولوا هذا الحديث على ما أحبوا فوافقوا أهل البدع في تأويلهم المتشابه وتركهم المحكم، قال الله عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران/7] .
وهذا حديث له علل بينة، وقد طعن فيه أهل العلم قديماً فبلغني أن شعبة طعن فيه.
وسمعتُ أبا عبد الله يذكر هذا الحديث إنما رواه سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن بريدة (8) عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نهيتكم عن ثلاث: عن الشرب في الأوعية، وعن زيارة القبور، وعن لحوم الأضاحي. فأما لحوم الأضاحي فكلوا وادخروا، وأما زيارة القبور فزوروها، وأشربوا في الأوعية ولا تشربوا مسكراً" (9) .(36/356)
قال: فدرس كتاب أبي الأحوص فلقنوه الإسناد والكلام، فقلب الإسناد والكلام، ولم يكن أبو الأحوص، يقول أبي بردة بن نيار: كان يقول أبو بردة، وإنما هو ابن بريدة فلقنوه أن أبا بردة إنما هو ابن نيار فقاله.
وقد سمعت سليمان بن داود الهاشمي يذكر أنه قال لأبي الأحوص من أبو بردة؟ فقال أظنه ثم قال: يقولون ابن نيار.
وهذا حديث معروف، قد رواه غير واحد عن سماك عن القاسم عن ابن بريدة عن أبيه على ما وصفناه، ثم جاءت الأحاديث بمثل ذلك عن بريدة رواها علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه. ورواها محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه (1) .
ورواه أبو فروة (2) الهمداني عن المغيرة (3) بن سبيع عن ابن بريدة عن أبيه (4) .
فلو لم يجئ لهذا الحديث معاريض من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لم يكن هذا مما يصح به خبر لبيان ضعفه. هـ.
واحتجوا أيضاً بحديث رواه يحيى بن اليمان، وعبد العزيز بن أبان عن سفيان (5) عن منصور عن خالد بن سعد عن أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وهو يطوف بالبيت فأتي بنبيذ من نبيذ السقاية، فقربه إلى فيه فقطّب فدعا بماء فصبه عليه، فقال رجل يا رسول الله أحرام هو؟ فقال: لا (6) . هـ.
وهذا حديث يحتج به من لا فهم له في العلم ولا معرفة بأصوله. وقد سمعت من أبي عبد الله ومن غيره من أئمة أهل الحديث في هذا الحديث كلاماً كثيراً، وبعضهم يزيد على بعض في تفسير قصته.
فقال بعضهم هذا حديث لا أصل له ولا فرع، وقال إنما أصل هذا الحديث الكلبي، والكلبي متروك عند أهل العلم، وكان يحيى بن اليمان عندهم ممن لا يحفظ الحديث، ولا يكتبه وكان يحدث من حفظه بأعاجيب وهذا من أنكر ما روى (7) . وأما الذي روى عنه فإنه قد عثر عليه بما هو أعظم من الغلط مما قد كتبنا عنه لصعوبته وسماحة ذكره. هـ.(36/357)
وفي هذا الحديث بيان عند أهل المعرفة أجمعين، لأنه زعم أنه قد شرب من نبيذ السقاية نبيذاً شديداً فجعله حجة في تحليل المسكر، وتأولوا أنه لا يقطب إلا من شدة، وأنه لا يكون شديداً غير مسكر، فرجعوا أيضاً إلى الأخذ بالتأويل فيما تشابه، وتركوا ما قد كفوا مئونته وفسر لهم وجهه لقوله:"ما أسكر كثيره فقليله حرام". فهل يحتاج هذا إلى تفسير؟ فيقال لهم أيكون من النقيع ما يشتد وهو حلو قبل غليانه؟ فيقولون لا. فيقال لهم: أرأيتم نبيذ السقاية أنقيع هو أو مطبوخ؟ فيقولون نقيع. فإذا هم قد تكلموا بالكفر أو شبهه حين زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم شربه نقيعاً شديداً، أو أنه لا يشتد حتى يغلي، وأنه إذا غلا النقيع فهو خمر. فهم يقرون بأنه خمر، وهم يزعمون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد شربه ثم يحتجون بذلك في غيره ولا يأخذون به فيه بعينه. وتفسير هذا الكلام أنهم احتجوا بشرب النبي صلى الله عليه وسلم زعموا النقيع الشديد في تحليل المسكر المطبوخ، ولا يرون شرب المسكر الشديد من النقيع، فأيّ معاندة للعلم أبين من هذه؟
وهذا كقولهم إذا قعد مقدار التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته. ويحتجون في ذلك بالحديث الضعيف:"إذا رفع رأسه من آخر سجدة ثم أحدث فقد تمت صلاته ". وهم لا يقولون به، لأنهم يقولون حتى تقعد مقدار التشهد. فهذان الحديثان هما حجة من أحل المسكر مما أدعوه على النبي صلى الله عليه وسلم وأن الله عز وجل قد حرم الخمر فلم يبين في كتابه ما تفسيرها فلجأ قوم إلى أن الخمر هي خمر العنب خاصة بغير حجة من كتاب ولا سنة، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم. أولى بتفسير ما حرم الله عز جل على لسانه فقال صلى الله عليه وسلم:"الخمر من خمسة أشياء" (1) .
وقال في حديث آخر"من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة" (2) .(36/358)
فبدأ بالنخلة. وقال الله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَنا} (1) . فبدأ بالنخيل قبل الأعناب، فمن أين زعم هؤلاء أن الخمر من العنب خاصة؟ (2) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كل مسكر خمر" (3) .
وقال عمر رضي الله عنه:"الخمر ما خامر العقل " (4) ؟
وقال ابن مسعود وجماعة كبيرة: المسكر خمر. حتى قال سفيان بن سعيد: باخرة النادي خمر. فمن أين جاء هؤلاء بالتفصيل بين العنب وغيره. إذلم ينزل تحريم الخمر على النبي صلى الله عليه وسلم وإنما شرابهم الفضيح لا يعرفون غيره، فلما تليت عليهم الآية بالتحريم هراقوا (5) آنيتهم، وكانت هي خمرهم، فقال قائلهم: أليس قد قال ابن عباس: "حرمت الخمر بعينها، والسكر من كل شراب".
وهذا حديث رووه عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس. فافهم بيان الحجة عليهم في هذا من وجوه منها: أن شعبة كان أعلم بأبي عون، وأروى عنه من مسعر، ولم يسمع شعبة هذا الحديث من أبي عون، فرواه عن مسعر، فشعبة كان أحرى أن يؤدي ما سمع من مسعر.
قال شعبة فيه عن مسعر بهذا الإسناد: حرمت الخمر بعينها، والمسكر من كل شراب.
وهم يتأولون، أن قوله "والسكر من كل شراب"تحليل لما دون السكر من الشراب، وقد جاء ما بيّن هذا حين تركوا ما بان تفسيره وأخذوا بما قد تشابه وكره، لأن ابن عباس قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل مسكر حرام (6) .
وقال ابن عباس: من سرّه أن يحرم ما حرم الله ورسوله فليحرم بنبيذ الجر. وإنما كره نبيذ الجر لأنه يشتد في الجر حتى يكون مسكراً ليس لأن الظروف تحرمه.
وقال ابن عباس أيضاً:"ما أسكر كثيرة فقليله حرام ".
فكفى هذا من تأويل.(36/359)
وقيل لابن عباس ما تقول في شراب يصنع من القمح؟ قال:"أيسكر؟ " قيل له: نعم. قال:"هو حرام ". قيل فما تقول في شراب يصنع من الشعير؟ حتى سأله عن أشربةٍ. فقال قد أكثرت عليّ."أجتنب ما أسكر" فردوه إلى تحريم كل شيء يسكر منه.
وقال ابن عباس:"ما أسكر فهو حرام".
فأين هذا مما يتأولون عليه. فأما تمييزه بين الخمر والسكر فإن هذا كلام بين لمن فهمه، وذلك أن الخمر من خمسة أشياء خاصة، فما كان من تلك الخمسة الأشياء فهو خمر، وما سواهن فهو حلال ما لم يكن مسكراً، فإذا أسكر كثيرة من سائر الأشياء فهو حرام.
فقال قائلهم أليس قد شرب عمر نبيذاً شديداً.وقال نشرب هذا النبيذ الشديد لنقطع لحوم الإِبل في بطوننا. فرجعوا أيضاً إلى المتشابه من الكلام الذي لا يصح مخرجه، ولا يثبت خبره ولا يوافق ما روى عن عمر من الوجوه الصحاح معناه. وذلك أن أبا حيان التيمي، وعبد الله بن أبي السفر وغيرهما رووه عن الشعبي عن ابن عمر عن عمر أنه قال: "الخمر ما خامر العقل ".
فجعل كل شراب غيّر العقل خمراً. والخمر لا يحل منها قليل وإن لم يسكر إلا أن يدعوا أن هذه خمر غير تلك التي حرم قليلها.
أفتزعمون أن عمر رضي الله عنه حرم خمراً، وحرم الله خمراً أخرى؟ فهذان إذاً خمران.(36/360)
أحدهما حرمها الله تعالى، والأخرى حرّمها عمر. أو ليس قد بيّن في حديثه فقال: "يا أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة. تم قال: والخمر ما خامر العقل. فإن أقررتم فقلتم بلى". إنما أراد عمر رضي الله عنه ما حرم الله ففسره. فقل أيحل ما حرم الله ما دون السكر؟ أو ليس إنما كان هذا قبل بيان تحريمها حين أباح لهم ما دون السكر منها، ونهاهم عن شربها في أوقات صلواتهم، ثم استأصل أمرها بالنهي عن قليلها وكثيرها حتى أوقعت العداوة والبغضاء، وصدت عن ذكر الله وعن الصلاة (1) ، فهل بين ما أحللتموه وبين ما حرمتموه في المعنى الذي حرم الله له الخمر من فرق؟ أو لستم قد أحللتم ما كره الله شربه لما يوقع من الأسباب التي تجدونها واقعة بما أحللتموه. فلو لم يكن التحريم من الله عز وجل بالبيان إلا كما وصفتم أنه خمر العنب النقيع خاصة، ثم وجدتم ما سواها من الأشربة تدعوا إلى مثل ما كره الله عز وجل له تلك الخمر بعينها. ألم يكن ينبغي لكم أن تحرموا ما ضارع ما حرم الله عز وجل ودعا إلى مثل ما يدعوا إليه. أو ليس إنما حرم الله عز وجل الميسر الذي كانوا يتقامرون يومئذ في أشياء معروفة بأعيانها، فحرم المسلمون جميع القمار، حتى ألحقوا بذلك كلما حدث من هذا النحو إلى أن قالوا: لعب الصبيان بالجوز والكعاب.(36/361)
وحرم الله عز وجل على بني إسرائيل أكل الشحوم، فعابهم النبي صلى الله عليه وسلم بأكل أثمانها (1) ، ولو أن عمر رضي الله عنه أراد الذي أدعيتم ما كانت لكم فيه حجة، لأنا وجدناكم تتركون قول عمر إذا شئتم، وتحتجون عليه بآثمة ضلالة، فكيف يلزمكم قوله فيما قد صح عن النبي صلى الله علي وسلم خلافه. هذا لو كان المذهب في قول عمركما أدعيتم، وقد صح لنا أن عمر قد حرم من المسكر مثل الذي حرمه الله ورسوله. فمن ذلك ما ذكرنا من قوله: "الخمر ما خامر العقل ". وقوله: "الخمر من خمسة". ومن ذلك أن عمر رضي الله عنه قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن كل مسكر حرام " (2) .
ومن ذلك حديث الزهري عن السائب بن يزيد قال سمعت عمر رضي الله عنه يقول: "ذكر لي أن عبيد الله وأصحاباً له شربوا شراباً وأنا سائل عنه، فإن كان يسكر جلدتهم"، فجلدهم الحد ثمانين (3) .
فهو قد علم أنهم قد شربوا، وإنما قال أسأل عما شربوا، فإن كان يسكر ولم يقل أسأل عنهم هل سكروا. هـ.
وقال: عبيد الله بن عمر العمري إنما كسر عمر النبيذ الذي شربه لشدة حلاوته، وكذلك قال الأوزاعي أيضاً. وأهل العلم أولى بالتفسير وفي حديث محمد بن جحادة أن الشراب الذي أتى به عمر فكسره إنما كان خلاً، قد خرج من حد المسكر.
فهذا أشبه أن يكون ما روى عن عمر متقارباً لا يخالف بعضه بعضاً.
وقالوا إن عمر قال لعتبة (4) بن فرقد "إنا ننحر كل يوم جزوراً، فأما أطايبها فللمسلمين، وأما العنق وكذا فلنا، نأكل هذا اللحم الغليظ ونشرب عليه هذا النبيذ الشديد يقطعه في بطوننا".(36/362)
وقد ذكروا في هذا الحديث أن عتبة بن فرقد قال: قدمت عليه بسلال من خبيص فأنكر عليه. وهذا حديث مرفوع عند أهل العلم بأشياء مفهومة منها: أن أبا عثمان النهدي قال: كتب مع عتبة بن فرقد بأذربيجان فبعث إلى عمر رضي الله عنه بسلال من خبيص فردها إليه وكتب إليه إنه ليس من كدّك، ولا من كدّ أبيك، ولا من كدّ أمك. فهذا عتبة قد أرسل إلى عمر بشيء فأغضبه، ورده.
أفتقدم به عليه ثانية، أو تقدم عليه فيكرهه ويلومه ثم يوجه به إليه. هذا مالا يكون إلا على وجه المعاندة والمعصية، ولم يكن عتبة كذلك، وقد كانت له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً.
ومما يدفع به هذا الحديث أيضاً قوله "إننا ننحر كل يوم جزوراً"وهذا محال أن يدّعى على عمر. أما سمعت ما قال أسلم مولى عمر: عميت ناقة فقلت لعمر قد عميت ناقة من الظهر. فقال: "أقطروها إلى الإبل" قال: فقلت فكيف ترعى من الأرض؟ فقال:"افعلوا بها كذا"يلتمس لها حيلة لبقائها.
أفيفعل هذا من يحتاج إلى جزور كل يوم، فلما لم يجد لها حيلة قال: أردتم والله نحرها. قال: فنحرها.
وكانت عنده صحاف تسع، فلا يكون عنده طريقةٌ إلا بعث إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم منها في تلك الصحاف، ويجعل آخر ذلك حظ حفصة، لأنها ابنته، ثم جمع على ما بقى منها أصحاب النبي صلى اله عليه وسلم فقال له العباس:"لو صنعت هذا كل يوم اجتمعنا عندك؟ "فقال:"هيهات لا أعود لهذا أبداً إنه كان لي صاحبان سلكا طريقاً، وإني أخاف إن سلكت غير طريقهما أن يسلك بي غير سبيلهما".
فعمر ينفي من أن يعود لنحر جزور مرة أخرى، وهذا يدعى أنه قد كان نحر كل يوم جزوراً.
ثم رويت هذه القصة من وجوه، وهو يقول:"لتمرنّن أيها البطن على الخبز والزيت مادام السمن يباع بالأوراق ".(36/363)
وقال حذيفة:انطلقت إلى عمر فإذا قوم بين أيديهم قصاع فيها خبز ولحم، فدعاني عمر إلى طعامه، فإذا خبز وزيت. فقلت: منعتني أن آكل مع القوم؟ فقال: "إنما أدعوك إلى طعامي، وأما ذاك فطعام المسلمين ".
فهذه الأحاديث كلها مخالفة وبيان الحجج على من يستحل المسكر كثيرة قصرنا عنها لطولها. وذلك أنهم يحتجون بأحاديث وهذا الذي ذكرناه أرفع حججهم. وما بقي من حججهم من فعل ناس من الماضين فإن بيان الوهن فيه كنحو ما قد شرحنا. هـ.
فإذا لم يبق لهم حجة من الأحاديث قالوا فقد شربه فلان وفلان وفلان، وذكروا ناساً قد يصيبون ويخطئون، وهؤلاء الذين يحتجون بهم فيما يهوون من تحليل المسكر، قد يخالفونهم كثيراً إذا هووا. وليس أحد بعد النبي صلى الله علي وسلم إلا يؤخذ من قوله ويترك، وقد وجدنا ذلك في أفضل الأمة بعد النبي صلي الله عليه وسلم أما سمعت قول أبي بكر الصديق في الجد إنه بمنزلة الأب، فلم يجعل للأخ معه ميراثاً. ثم قد وافقه على ذلك أيضاً جماعة، ثم تستوحش الأئمة فراق قوله لأنه لا ينكر أن يترك بعض قوله ويؤخذ ببعضه. وقال أبو بكر رضي الله عنه:"إنه ليس في الأذن إلا خمسة عشر بعيراً". فترك الناس قوله وأخذوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم "في الأذن نصف الدية".
فلو قال قائل أنا آخذ بقول أبي بكر كان أبين حجة ممن أخذ بقول فلان وفلان في تحليل ما حرمه النبي صلى الله عليه وسلم من المسكر.
أو ما سمعت قول عمر رضي الله عنه:"لا يتيمم الجنب، ولا يصلي حتى يجد الماء".
وضمن أنس وديعة. وقال في المسح على الخفين:"أمسح إلا من جنابة".
وعثمان رضي الله عنه قال في أخت، وأم، وجد، للأم الثلث، وللأخت الثلث، وللجد الثلث هـ. وقال:"عدة المختلعة الحيضة".
وعلي رضي الله عنه قال:"تعتد الحامل المتوفى عنها آخر الأجلين".وأجاز بيع أمهات الأولاد. وقال في الربيبة قولاً عجيباً.(36/364)
وابن مسعود رضي الله عنه أفتى في الصرف بفتيا عجب. وأفتى في أم المرأة التي لم يدخل بها. وفي غير ذلك.
فهؤلاء قد جاز أن يترك من قولهم ما خالف آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن دونهم أبعد. هـ.
باب في الخليطين
روى سليمان التيمي عن أنس، وسليمان عن أبي نضرة عن أبي سعيد:أن النبي صلي الله عليه وسلم "نهى عن الخليطين" (1) .
وروى حبيب بن أبي ثابت، وحبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما نهى عنه أيضاً لتوكيد تحريم المسكر، لأنه إذا خلط اشتد، وإذا اشتد أسكر.
وروى هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من وجوه (2) . فهذا ما صح في هذا عن
وروى عن- عائشة بإسناد ضعيف- حميد بن سليمان عن مجاهد عن عائشة- عن النبي صلى الله عليه وسلم رخصة فيه.
وهذا خلاف الأحاديث القوية، ومثل هذا لا تصح به حجة ولو لم يجئ خلافه.
واحتجوا بأن ابن عباس رخص فيه. وقد صح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنه. أفتراه كان يحدث الناس بنهي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعمل بغيره؟
واحتجوا بأن ابن عمر قد رخص فيه، وذلك من وجه ضعيف.
وقد روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخليطين (3) .
باب الشرب في الظروف
هذه المسألة قل ما يوجد في السنن مثلها، وذلك أنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الظروف التي ينتبذ فيها (4) .
والرخصة في الأسقية التي تلاث على أفواهها. ثم جاءت الرخصة فيها إذا لم يكن الشراب فيها مسكراً لقوله صلى الله علي وسلم "إني نهيتكم عن الظروف فاشربوا فيها، ولا تشربوا مسكراً" (5) .
ثم جاء النهي عنها أيضاً بعد الرخصة. فرجع الأمر فيها إلى النهي. وبيان ذلك كله في الرواية.(36/365)
روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نهيتكم عن ثلاث. فذكر الأوعية. وقال اشربوا ولا تشربوا مسكراً" (1) .
وروى إسماعيل بن سميع عن مالك بن عمير أن صعصعة بن صوحان قال لعلي رضي الله عنه: أنهنا عما نهاك عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"نهى رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والمقير".
ثم روى مثل هذا عن علي رضي الله عنه أيضاً من وجوه. فقد جمع علي رضي الله عنه هذه الأخبار الثلاثة التي وصفناها لأنه حكى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نهيتكم عن الأوعية" (2) فحكى إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر نهيه الأول ورخصته في ذلك الحديث. ثم استفتى بعد النبي صلى الله عليه وسلم فحكى النهي فدل ذلك على أنه لم يكن ليفتي بالمنسوخ، وإنما يكون الفتيا بآخر الأمور من السنة.
وروى أنس بن مالك أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"نهيتكم عن ثلاث (3) ، مثل ما قال علي عليه السلام.
ثم روى محمد بن أبي إسماعيل عن عمارة (4) بن عاصم قال: دخلت على أنس فسألته عن النبيذ؟ فقال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والمزفت فأعاد فيه فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والمزفت (5) .
فأفتى أنس أيضاً بالشدة والكراهة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فقد جمع أنس أيضاً الأخبار الثلاثة التي وصفنا. هـ.
وروى المختار بن فلفل أيضاً قال: سألت أنساً عن الشرب في الأوعية فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوعية (6) .
وقد روى الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت.(36/366)
فهذا نهي، ولم يحتج به لأن هذه رواية، وقد يمكن أن يروي الأمر الأول ولكنه لما أفتى بالكراهة بعد أن سمع الرخصة علمنا أنه قد يحدث من النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعد الأول حين أفتوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي، وذكروا مع فتياهم قول النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
وكذلك عائشة أيضاً، وكذلك أبو سعيد أيضاً مثل هذه القصة سواء.
باب في الشرب قائماً
روى عاصم بن سليمان عن الشعبي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائماً (1) .
وروى عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائماً. هـ.
وعطاء بن السائب عن ميسرة عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وحفص بن غياث عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر كنا نأكل ونحن نسعى ونشرب ونحن قيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) .
وعمران (3) بن حدير عن يزيد (4) بن عطارد عن أبن عمر مثله. هـ.
وروى معمر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لو يعلم الذي يشرب وهو قائم ما في بطنه لاستقاه" (5) .
وروى هشام وغيره عن قتادة (6) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائماً (7) .
وروى هشام وغيره عن قتادة عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائماً. هـ.
وروى شعبة عن أبي زياد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يشرب قائماً فقال له: "أتحب أن يشرب معك الهر؟ " قال: لا. فقال:"فقد شرب معك من هو شر منه. الشيطان " (8) .
فاختلفت الأحاديث في هذا الباب، وأحاديث الرخصة أثبت لأن حديث أبي هريرة في الكراهة من وجهين:
أحدهما: لم يروه غير معمر. وكان معمر مضطرباً في حديث الأعمش، ويخطئ فيه.
والوجه الآخر: عن أبي زياد وليس بالمشهور بالحديث ولا أعرف له عن أبي هريرة غيره.(36/367)
ثم أبين ذلك في ضعفه أنه قد سئل أبو هريرة عن الشرب قائماً فقال: لا بأس به.
فكان هذا خبر ساقط.
وأما حديث أنس فهو حديث جيد الإسناد، إلا أنه قد جاء عن أنس خلافه.
روى سفيان وزهير عن عبد الكريم الجزري عن البراء (1) ابن بنت أنس عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب وهو قائمٌ (2) .
وحديث الكراهة عن أنس هو أثبت إلا أنه لما صحت أحاديث الرخصة فقد يمكن أن يكون هذا أصح الخبرين، وإن كان حديث الكراهة أثبت. أَلا ترى أنه ربما روى الثبت حديثاً فخالفه فيه من هو دونه، فيكون الذي هو دونه فيه أصوب، وليس ذلك في كل شيء وسنفتح لك منها باباً. قد كان سالم بن عبد الله يقدم على نافع. وقد قدم نافع في أحاديث على سالم. فقيل نافع فيها أصوب.
وكان سفيان بن سعيد يقدم على شريك في صحة الرواية تقديماً شديداً، ثم قضى لشريك على سفيان في حديثين. ومثل هذا كثير.
وأما حديث أبي سعيد فإنه روى عن أبي عيسى الأسواري، وليس بالمشهور بالعلم، ولا نعرف له عن أبي سعيد غير هذا الحديث وآخر. ويرى مع هذا أنه إن كانت الكراهة بأصل ثابت، إن الرخصة بعدها، لأنا وجدنا العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على الرخصة، عمر، وعلي وسعد وعامر بن ربيعة وابن عمر وأبو هريرة وعائشة وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم. ثم أجازه التابعون: سالم بن عبد الله وطاووس وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم وغيرهم.
باب الشرب من في السقاء
روى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن الشرب من في السقاء" (3) .
وروى أيوب عن عكرمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (4) .
وروى قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (5) . وهو من وجوه.
وروى يزيد بن يزيد بن جابر عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن جدته
كبشة (6) أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من فم قربةٍ.(36/368)
وروى سفيان عن عبد الكريم عن البراء عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من فم قربةٍ.
وروى شريك عن حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (1) .
فاختلفت الأحاديث في هذا الباب. والاختيار عندنا فيه الكراهة لأنها أثبت، ولأن أحاديث الرخصة إن كان لها أصل فإنها لا تكون إلا قبل النهي. والنهي آخر الأمرين.
فأما حديث شريك عن حميد عن أنس فهو عندنا خطأ، إنما أراد حديث عبد الكريم عن البراء عن أنس. وهذا إسناد ليس بالقوي.
وبيان ما ذكرناه من النهي بعد الفعل فيما روى الزهري عن عبيد الله عن أبي سعيد قال: شرب رجل من سقاء فانساب في بطنه جان فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية. فهذا يدلك على أنهم كانوا يفعلونه حتى نهوا عنه. هـ.
باب التنفس في الشراب
روى هشام الدستوائي وعبد الوارث بن سعيد عن أبي عصام (2) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثاً، ويقول "هو أهنا وأمرا وأبرأ" (3) . هـ.
وروى عزرة بن ثابت عن ثمامة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا شرب تنفس ثلاثاً (4) . هـ.
وروى هشام عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يتنفس في الإناء" (5) . هـ.
وروى رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب ماء فتنفس مرتين (6) .
وروى مالك (7) عن أيوب بن حبيب عن أبي المثنى الجهني عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل: إني لا أروى بنفس واحدة؟ قال: فأبن الإناء عن فيك ثم تنفس.
فدل ظاهر هذا الحديث على الرخصة في الشرب بنفس واحد. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة. والوجه فيها عندنا أنه يجوز الشرب بنفس واحد وبنفسين وبثلاثة أنفاس، وما كثر منها، لأن اختلاف الرواية في ذلك يدل على التسهيل فيه وإن اختيار الثلاث لحسن.(36/369)
فأما التنفس للراحة إذا أبانه عن فيه فليس من ذلك. هـ.
باب الكراع في الشرب
روى فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث عن جابر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من الأنصار فقال:"هل عندك ماء بات في شنٍ وإلاكرعنا" (1) . هـ
وروى الليث عن سعيد بن عامر عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكرعوا" (2) .
فاختلف هذان الحديثان. وحديث فليح أصحهما إسناداً.
باب دعاء المشركين قبل القتال
روى سفيان بن سعيد عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن ابن عباس قال: ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً قط إلا دعاهم.
وروى سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر أمير جيوشه. يقول:"إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال، فأيهن ما أجابوك إليها فاقبل منهم، وكف عنهم، وادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم"ثم قص الحديث.
وروى عطاء بن السائب عن أبي البحتري أن سلمان قال لأصحابه كفوا حتى أدعهم كما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم. ثم قص الحديث.
فهذه الأحاديث توجب الدعاء قبل القتال. ثم جاءت أحاديث بغير ذلك.
وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال: قلت يا رسول الله أهل الدار من العدو يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم؟ فقال: "هم منهم " (3) . ولم يذكر في هذه الدعوة قبل القتال.
وروى الزهري عن عروة عن أسامة (4) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "أغر على يُبْنى صباحاً" (5) . ولم يذكر الدعوة.
وروى ابن عون عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارّون.
وروى حميد عن أنسِ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أغار على قوم فإن سمع أذاناً أمسك، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم.(36/370)
وروى عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن ابن عصام المزِني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا رأيتم مسجداً، أو سمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحدا " (1) .
ومن ذاك أن النبي صلى الله عليه وسلم طرق مكة بغتة فقاتلهم (2) .
فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها ولها وجوه، فأما الأحاديث الأول فإنها فيمن لم تبلغه الدعوة، فأما إذا علم أن الدعوة قد انتهت إليهم فردوها فأولئك لا يدعون، وإن عاودوهم بالدعوة جاز، ألا ترى أن مكة قد كان النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم وهو مقيم معهم قبل هجرته، ثم حارب مراراً فلذلك لم يدعهم، وكذلك أهل خيبر لم يدعهم لأنهم قد تقدمت عداوتهم، وبلغتهم دعوته، فتركوا أمره عامدين، وكذلك من سواهم. فعلى هذا يؤخذ هذا الباب، وكذلك جاءت الأحاديث عن العلماء بتصحيح هذا المذهب الذي اخترناه (3) .
روى شعبة عن قتادة عن الحسن (4) قال: لا بأس أن لا يدعون. لأنهم قد عرفوا ما يدعوهم إليه (5) . وقال سفيان عن منصور عن إبراهيم (6) . قد علموا ما يدعون إليه (7) .
باب أي وقت يقاتل العدو
روى حماد (8) بن سلمة عن أبي عمران (9) الجوني عن علقمة (10) بن عبد الله المزني عن معقل (11) بن يسار عن النعمان (12) بن مقرن قال: شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عند القتال ولم يقاتل أول النهار أخره إلى أن تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر. هـ.
وعن ابن (13) أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا زالت الشمس نهد إلى عدوه. هـ.
وروى حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغير حتى يصبح (14) .هـ.
وروى الزهري عن عروة عن أسامة أن النبي صلى اله عليه وسلم قال له:"أغر على يُبنى صباحاً".
وذكر الصعب بن جسامة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أجاز أن يبيتوهم ليلاً (15) .(36/371)
فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، وإنما الوجه في ذلك أنه جائز على قدر الحاجة إليه، فإن كان مطمئناً يقدر على تأخير قتالهم تحرى زوال الشمس، وإن كان لا يستطيع إلا مناجزتهم قاتلهم أي وقت كان.
باب التحريق في أرض العدو
روى محمد (1) بن إسحاق عن يزيد (2) بن أبي حبيب عن بكير (3) بن عبد الله بن الأشج عن سليمان (4) بن يسارعن أبي إسحاق الدوسي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن ظفرتم بفلان وفلان فحرقوهما بالنار".ثم قال: "لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا الله عز وجل، فإن ظفرتم بهما فاقتلوهما" (5) .
وروى أبو إسحاق الشيباني عن الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تعذبوا بالنار فإنه لا يعذب بالنار إلا ربها" (6) . هـ.
وروى أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تعذبوا بعذاب الله عز وجل " (7) .
وروى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق (8) .
وروى الزهري عن عروة عن أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أغر على يبنى صباحاً ثم حرق " (9) .
وروى إسماعيل (10) عن قيس عن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ألا ترحني من ذي الخلصة؟ " قال: فحرقناها حتى جعلناها مثل الجمل الأجرب ثم بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فأخبره فبرك على أحمس.
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة وإنما الوجه فيها أنه لا ينبغي أن تحرّق ذو روح بالنار، لأنه قال: "لا تعذبوا بعذاب الله عز وجل وإنما يعذب الله بالنار الإنس والجن خاصة". وإنما جاز التحريق في أرض العدو، وفي متاعهم ومنازلهم وكرومهم ونخيلهم يلتمس بذلك غيظهم
باب سهم الفارس في العدو
روى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين، ولصاحبها سهماً (11) . هـ.(36/372)
روى ابن فضيل (1) عن الحجاج عن أبي صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للفارس ثلاثة أسهم. سهمه ولفرسه سهمان (2) . هـ.
وروى مجمع (3) بن يعقوب عن أبيه عن عمه عبد الرحمن بن يزيد عن مجمع بن جارية أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للفارس سهمين. هـ.
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وأثبت ما روى في هذا الحديث الأول. أن يكون للفارس ثلاثة أسهم، سهم له، وسهمان لفرسه. وعلى ذلك فعل الأئمة عمر بن الخطاب وغيره (4) .
باب قبول هدية المشركين
روى ابن (5) عون عن الحسن عن عياض (6) بن حمار.
وعمران (7) القطان عن قتادة عن يزيد (8) بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن حمار أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدية وهو مشرك فردها وقال:"لا نقبل زبد المشركين " (9) .
وروى أبوعون (10) الثقفي عن أبي صالح (11) عن علي رضي الله عنه أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه علياً رضي الله عنه (12) .هـ.
وروى سفيان (13) بن حسين عن علي (14) بن زيد عن أنس أن المقوقس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم جرةً مِنْ مَنٍ فقسمها بين أصحابه (15) .
وروى أيضاً أن المقوقس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم فقبلها (16) . هـ.
فاختلفت هذه الأحاديث وهي تصرف على وجوه ثلاثة (17) :
أحدها: أن يكون الحديث الذي ذكر فيه قبول هداياهم هو أثبت، وهو حديث علي رضي الله عنه، لأن حديث عياض بن حمار قد رواه غير واحد عن ابن عون عن الحسن مرسلاً.
وحديث قتادة أيضاً هو عندنا مرسل، لأن يزيد بن عبد الله روى غير هذا الحديث عن أخيه مطرف عن عياض بن حمار، ومطرف أقدم من يزيد بعشر سنين، فلا نرى يزيد سمع من عياض. فهذا وجه من الثلاثة وهو أحسنها. هـ.(36/373)
والوجه الثاني. أن يكون أحد الحديثين ناسخ (1) لصاحبه، وذلك أن عياض بن حمار كان يخالط النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، ثم أهدى له فكان هذا في أول الأمر، وكان حديث الأكيدر في آخر ذلك، لأنه كان قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بيسير. هـ.
والوجه الثالث: يكون قبول الهدية لأهل الكتاب، دون أهل الشرك، ألا ترى أن عياضاً لم يكن من أهل الكتاب، وأن الأكيدر كان في مملكة الروم وعلى دينها.
والوجه الأول أحسنها أن يكون القبول هو أثبت الخبرين.
باب في الضيافة
روى منصور (2) عن الشعبي عن المقدام (3) بن معدي كرب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليلة الضيف حق واجب " (4) . هـ.
وروى ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي شريح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الضيف جائزته يومه وليلته " (5) . هـ.
وروى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الضيافة ثلاثة أيام، فما زاد فهو صدقة " (6) .
وروى قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (7) .هـ.
فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة. والوجه عندنا فيها أن لها وجوها:
فأما قوله: يومه وليلته. فإن ذلك هو الحق الواجب الذي لا يجوز تركه.
وقوله: الضيافة ثلاثة أيام فهذا للضيف، ويقول إن أقام ثلاثاً فتلك ضيافة، وليست بصدقة فلا يتوقاها (8) فإن زاد عليها فذلك الذي يتوقاها.
باب من يجب عليه الحد
روى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه، وعرضه يوم الخندق، وهو ابن خمس عشرة فأجازه. هـ.
وروى عبد الملك بن عمير عن عطية القرظي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان أنبت فاقتلوه" (9) .
وروى حماد (10) عن إبراهيم (11) عن الأسود (12) عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم " (13) .(36/374)
فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، ولها وجوه ولكل حديث منها موضع يعمل به فيه، وإنما هذه حدود ثلاثة فأيها سبق فهو إدراك لأنه قد يخفى معرفة سنّه فيؤخذ في احتلامه وقد يخفى احتلامه فيؤخذ بإنباته فكل ذلك علامة لبلوغ الحد الذي تجوز عليه الأحكام. هـ.
باب طاعة الأئمة
روى الأعمش (1) عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أطاعني فقد أطاع الله عز وجل، ومن أطاع الإمام فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله عز وجل، ومن عصى الإمام فقد عصاني". هـ.
وروى أبو الزناد (2) عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أطاعني فقد أطاع الله عز وجل، ومن أطاع أميري فقد أطاعني" (3) .
وروى الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بايع إماماً فأعطاه ثمرة قلبه وصفقة يده فليطعه ما استطاع" (4) .
وروى شعبة عن يحيى بن الحصين عن أم الحصين جدته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن أمر عليكم عبد حبشي يقودكم بكتاب الله عز وجل فاسمعوا له وأطيعوا" (5) .
وروى شعبة عن قتادة عن أبي (6) مراية عن عمران (7) بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طاعة في معصية الله عز وجل " (8) . هـ.
وروى زبيد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن (9) السلمي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف " (10) .
وروى عبد الله (11) عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فمن أُمِر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" (12) .
وروى محمد (13) بن عمرو عن عمر بن الحكم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أمركم بمعصية فلا تطيعوه " (14) . هـ.(36/375)
وروى عبد الله (1) بن عثمان بن خشيم عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه (2) عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طاعة لمن عصى الله عز وجل" (3) . هـ.
وروى حرب (4) بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن عمرو بن زينب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طاعة لمن عصى الله عز وجل " (5) . هـ.
فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، فتأول فيها أهل البدع.
فأما أهل السنة: فقد وضعوها مواضعها، ومعانيها كلها متقاربة عندهم.
فأما أهل البدع: فتأولوا في بعض هذه الأحاديث مفارقة الأئمة والخروج عليهم.
والوجه فيها أن هذه الأحاديث يفسر بعضها بعضاً، ويصدق بعضها بعضاً.
فأما حديث أبي هريرة الأول الذي ذكر فيها من أطاع الإِمام فقد فسره حديث أبي هريرة الثاني الذي قال فيه: من أطاع أميري ثم بين أنه أيضاً لم يخص أميره إذا أمر بغير طاعة الله، لأنه حين بعث عبد الله (6) بن حذافة فأمرهم أن يقحموا النار فرجعوا إليه فأخبروه فقال: من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوا (7) .
وأما حديث عبد الله بن عمرو فإنه قد قال فيه: فليطعه ما استطاع. فقد جعل له فيه ثنيا، وإنما يريد الطاعة في المعروف.
وحديث أم الحصين قد اشترط فيه يقودكم بكتاب الله. هـ.
وحديث علي رضي الله عنه قد فسره حين قال: إنما الطاعة في المعروف.
وحديث ابن عمر أيضاً مفسر أنه إنما أوجب الطاعة ما لم يؤمر بمعصية.
وكذلك حديث أبي سعيد.
وأما حديث ابن مسعود، وأنس فهما اللذان تأولهما أهل البدع فقالوا: ألا تراه يقول لا طاعة لمن عصى الله عز وجل، فإذا عصى الله لم يطع في شيء، وإن دعا إلى طاعة. وإنما يرد المتشابه إلى المفسر، فما جعل هذا على ظاهره أولى بالاتباع من تلك الأحاديث بل إنما يرد هذا إلى ما بيّن معناه فقوله: "لا طاعة لمن عصى الله "، إنما يريد أنه لا يطاع في معصية. كسائر الأحاديث.
باب كف الأيدي عن قتال الأئمة(36/376)
روى الأعمش ومنصور عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإذا لم يستقيموا لكم فضعوا سيوفكم على عواتقكم ثم أبيدوا خضراء هم" (1) .
وهذا حديث معضل مخالف للأحاديث كلها، وفيه علل واضحة عند أهل العلم. فمن ذلك أني سمعت عفان بن مسلم يقول: لم يسمعه الأعمش من سالم، ولم يسمعه سالم من ثوبان (2) . ومن ذلك أن سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان شيئاً البتة، وقد أخبر عن ثوبان أنه كذبه.
وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد قال: قيل لثوبان حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"كذبتم عليّ قلتم عليّ ما لم أقل" (3) .
فلعله إنما أراد هذا الحديث بعينه، إنهم رووه عنه ولم يقله.
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يقتل قرشي صبرا" (4) . هـ.
ومن ذلك قوله فيه:"أبيدوا خضراءهم". فهذا لا يكون إلا بقتل صغيرهم وكبيرهم. وهذا خلاف حكم الإسلام والقرآن.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"قريش ولاة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة" (5) .
فكيف يكون هذا وقد أبيدت خضراؤهم؟.
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان" (6) . هـ.
وقوله:"الناس تبع لقريش في الخير والشر" (7) .
ومن ذلك قوله:"لا يحل دم أمراء مسلم إلا بإحدى ثلاث" (8) .
وهذا يقول: فإن لم يستقيموا. وقد يكون من ذلك ما لا يبلغ تحليل الدماء. فهذا حديث ذاهب لا يحتج به عالم، وقد روى هذا الحديث أيضاً من وجوه كلها ضعيفة.
وروى عبيد الله (9) بن عمرو عن زيد (10) بن أبي أنيسة عن القاسم (11) بن عوف عن علي بن حسين عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن أتاكم المصدقون فسألوكم الصدقة فتعدوا عليكم فقاتلوهم أو شاهداً معناه" (12) . هـ.(36/377)
وهذا الحديث أيضاً مخالف للأحاديث، فمن ذلك: أن هشام بن حسان قتادة رويا عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سيكون بعدي أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر بريء، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع". قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال:"لا ما صلوا" (1) .
فهذا عن أم سلمة، وذاك عن أم سلمة، وهذا أثبت الإسنادين، وهذا موافق للأحاديث، وذاك مخالف لها. وهذا ضبة بن محصن الذي وفد عمر يشكو أبا موسى حتى جمع بينه وبينه وكان له قدر عظيم. وذلك الإسناد ليس بثابت.
ومما يخالفه أيضاً حديث جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أتاكم المصدق فلا يفارقكم إلا عن رضى" (2) . هـ.
ومن ذلك حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم"سيأتيكم ركب مبغضون- يعنى المصدقين- فأدوا إليهم صدقاتكم وارضوهم فإن من تمام زكاتك مرضاهم" (3) . هـ.
وروى عامر بن السمط عن معاوية (4) بن إسحاق عن عطاء (5) بن يسارعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سيكون أمراء- فذكر من فعلهم ثم قال- فمن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن". هـ.
وهذا أيضاً خلاف الأحاديث، وهو إسناد لم يسمع حديث عن ابن مسعود بهذا الإسناد غيره، وقد جاء الإسناد الواضح عن ابن مسعود بخلافه.
روى الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سترون بعدي أثرة وفتناً وأموراً تنكرونها". قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله. قال: "تودون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم" (6) . هـ.(36/378)
وهذا عن ابن مسعود، وذاك عن ابن مسعود، وهذا أثبت الإسنادين، وهو موافق للأحاديث، وذاك مخالف، ثم تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فكثرت عنه، وعن الصحابة والأئمة بعدهم- رضي الله عنهم- يأمرون بالكف، ويكرهون الخروج، وينسبون من خالفهم في ذلك إلى فراق الجماعة، ومذهب الحرورية (1) وترك السنة (2) . هـ.
باب الانتفاع بالغنائم
روى محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق مولى تجبب عن رويفع (3) بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركبن دابة من فيء المسلمين فإذا أعجفها ردها فيه ولا يلبس ثوباً من فئ المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه" (4) . هـ.
وروى سفيان (5) عن أبي إسحاق (6) عن أبي عبيده (7) عن عبد الله أنه قال: أنتهيت إلى أبي جهل فضربته بسيفي فلم يغن شيئاً فأخذت سيف أبي جهل فضربته حتى قتلته".
فهذان الحديثان في ظاهرهما مختلفان، وإنما الوجه فيهما أن يوضع كل واحد منهما موضعه، فإذا كان في موضع الضرورة يستعين به على النكاية فيهم مثل صنيع ابن مسعود فلذلك لا يدفع، وما كان يريد به أن يبقى على دابته، ويركب دابة من المغنم، أو يبقى على ثوبه، أو سلاحه أو العمل بالشيء على غير ذلك الوجه فهو المنهي عنه (8) . هـ.
باب في آنية المشركين
حديث أبي ثعلبة هو من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله عن آنية العدو. فقال:"استغنوا عنها ما استطعتم فإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها واشربوا" (9) .
فقال هاهنا: استغنوا عنها وإن احتجتم فاغسلوها، وسائر الأحاديث وظاهر القرآن على الرخصة في طعامهم وأكل جبنهم وخبزهم، وهم يصنعون ذلك في آنيتهم.
وروى عطاء (10) عن جابر كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يمتنع أن يأكل في آنيتهم، ونشرب في أسقيتهم ". هـ.(36/379)
وروى سماك عن قبيصة (1) بن هلب عن أبيه (2) قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن طعام النصارى فقال:"لا تحلّجن في صدرك طعام ضارعت فيه النصرانية" (3) .
ومن ذلك ما لا يدفع من أكل خلهم وألبانهم وغير ذلك من أشربتها وأطعمتهم، وإنما هي في آنيتهم.
فالوجه في ذلك أن يوضع كل شيء في موضعه، فإن كان من طعامهم معمولاً في شيء من آنيتهم فلا بأس بأكله وشربه كما جاء الحديث، وإذا كان شيء من الآنية فارغاً فاحتيج إليه غسل واستعمل كما جاء الحديث.
باب في الركاز (4) يوجد
روى الزهري عن سعيد (5) بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"في الركاز الخمس " (6) .
وروى إسرائيل (7) عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. هـ.
ومجالد (8) عن الشعبي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (9) . هـ.
ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. هـ.
وروى عبد الله (10) بن نافع عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الركاز العشور" (11) . فهذا مخالف لتلك الأحاديث، وتلك الأحاديث أثبت وهي التي يعتمد عليه. هـ.
باب المرتد ما يصنع به
روى أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من بدل دينه فاقتلوه" (12) . هـ.
وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة (13) عن أنس.
وأبو رجاء (14) مولى أبي قلابة عن أنس.
وسماك عن معاوية (15) بن قرة عن أنس (16) .
وقتادة عن أنس (17) .
وحميد عن أنس (18) .
وعبد العزيز بن صهيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع أيدي أولئك الذين قدموا عليه فأسلموا فبعث بهم إلى إبله ليشربوا من ألبانها فقتلوا الراعي، واستاقوا النعم وارتدوا فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، تم تركهم في الشمس حتى ماتوا. هـ.(36/380)
فاختلف هذان الخبران، وإنما الحكم في المرتد أن يقتل. هـ.
وأما حديث أنس هذا فقد تأوله الناس على وجهين:
أحدهما: أحسن من الآخر. فأما ابن سيرين فقال: كان هذا قبل أن تحد الحدود.
وأما أبو قلابة (1) فذهب إلى أن هؤلاء محاربين يريد قول الله عز وجل {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} .
وهذا أحسن الوجهين عندنا، وأبين ذلك عندنا أن يكون هذا في مثل جرم أولئك خاصة، ولا يكون هذا في غيره، وذلك لأنهم قد سمر أعينهم. وقال بعضهم: سمل أعينهم. وكل ذلك لا يفعل بالمحارب، فقد بين هذا أن سنة هؤلاء غير سنة المحاربين، ولكن يكون في مثل فعل هؤلاء خاصة أن يفعل بمن فعل مثل فعلهم مثل الذي فعلوا، ولهذا أشباه في العلم أن يعمل بالشيء في موضعه مثل الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الذي وقع على امرأته في شهر رمضان فلم يجد ما يكفر فأعطاه ما يكفر به عن نفسه فأخبره بضرورته فرخص له في أكله (2) ، فلا يكون هذا في غير ذلك من الكفارات أن يأكل الرجل ما يكفر به ولا يطعمه عياله. هـ.
... باب في البداوة
روى شريك عن المقدام (3) بن شريح عن أبيه (4) عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدوا إلى هذه التلاع. هـ.
وروى إسماعيل (5) بن زكريا عن الحسن (6) بن الحكم عن عدي (7) بن ثابت عن أبي حازم (8) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من بدا جفا (9) . هـ.
وروى سفيان عن أبي موسى اليماني عن وهب بن منبه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من بدا جفا" (10) . هـ.(36/381)
واختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها ولها وجوه، فأما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنما وجهه أن يبرز إلى بعض التلاع الساعة من النهار أو اليوم أو شبهه، وأما الكراهة فإنها لمن لزم البادية وترك الأمصار والجماعات. هـ.
باب الكفارة قبل الحنث
روى أبو بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حلف على يمين فرأى خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" (1) . فجعل الكفارة في هذا بعد الحنث.
وروى الأعمش عن عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر يمينه، ويأتي الذي هو خير" (2) .فجعل الكفارة قبل الحنث.
وروى هشام عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"إذا حلفت على يمين فرأيت خيراً منها فكفر عن يمينك، وات الذي هو خير" (3) . فبدأ هذا أيضاً بالكفارة قبل الحنث.
وروى علي عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"إذا حلفت على يمين فرأيت خيراً منها، فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك" (4) . فجعل هذا الكفارة بعد الحنث. هـ.
روى سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من حلف بيمين فرأى خيراًَ منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير" (5) .فجعل الكفارة قبل الحنث. هـ.
وروى أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن أُذينة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من حلف على يمين فرأى ما هو خير منها فليأتِ الذي هو خير، وليكفر عن يمينه" (6) . هـ.
وروى الهيثم بن حميد عن زيد بن وأقد عن بسر بن عبيد الله عن ابن عابد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا حلفت فرأيت أن غير ذلك أفضل كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو أفضل" (7) . هـ. فجعل هذا الكفارة قبل الحنث.(36/382)
فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، وإنما الوجه في ذلك أنه جائز كله أن يكفر قبل أو بعد. وبيان ذلك في كتاب الله عز وجل حين فرض كفارة الظهار قبل أن يتماسا، فهذه كفارة قبل وجوبها، لأنه لو طلقها بعد أن ظاهر منهالم يلزمه كفارة وإنما كفر للذي أراد من الفعل فكذلك الذي يكفر يمينه قبلاً خشية هو أن ينوي أن يحنث. وقد اختلفت الأحاديث في ذلك عن الصحابة فما الوجه في ذلك إلا أنهم كانوا يجعلون ذلك معنى واحداً قدم الكفارة أم أخرها فسموا وأبين ذلك في الرواية.
روى هشام (1) عن أبيه عن عائشة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال:"لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير.فبدأ بالكفارة قبل الحنث.
ورواه وكيع عن هشام عن أبيه عن عائشة عن أبي بكر رضي الله عنه قال:"لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني". فبدأ هذا بالحنث قبل الكفارة.
وكذلك أيضاً عن عمر حدثني أبو الطباع عن شريك عن أبي حصين عن قبيصة بن جابر عن عمر رضي الله عنه قال:"إذا حلفت على يمين فرأيت خيراً منها كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير معناه". فبدأ بالكفارة.
ورواه أبو نعيم (2) عن شريك عن أبي حصين عن قبيصة بن جابر عن عمر فذكر فيه أن يبدأ بالحنث قبل الكفارة. هـ.
آخر كتاب الناسخ والمنسوخ.
---
(3) نسبة إلى "إسكاف "بالكسر ثم السكون، وكاف، وألف، وفاء كذا في معجم البلدان 1/ 181. وهما موضعان أحدهما: إسكاف العليا من نواحي النهروان بين بغداد وواسط، وثانيهما: إسكاف السفلي بالنهروان أيضا. ً
(4) نسبة إلى هذا أبو يعلى والمزي، ولم تتضح لي هذه النسبة إلى أين، ولعلها إلى قبيلة كلب باليمن.
(5) قال السمعاني في الأنساب 1/112 (بفتح الألف وسكون الثاء المثلثة وفتح الراء وفي آخرها الميم. هده النسبة لمن كانت سنّة مفتتة.
(6) جزم بذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء 12/624.(36/383)
(1) انظر البداية والنهاية لابن كثير 10/213-222.
(2) انظر طبقات الحنابلة 1/72 وتاريخ بغداد 5/111 والسير 12/625.
(3) انظر طبقات الحنابلة 1/72 وتاريخ بغداد 5/111 والسير 12/625.
(4) انظر تاريخ بغداد 5/110 وتهذيب الكمال للمزي 1/478.
(5) انظر طبقات الحنابلة 1/66، 72.
(6) الثقات 8/36.
(7) تاريخ بغداد 5/111.
(8) السير 12/624، 626.
(9) تذكرة الحفاظ 2/ 571.
(10) السير 12/624.
(11) تذكرة الحفاظ 2/ 571.
(12) تحقيق صبحي السامرائي.
انظر السير 12/ 624.
(13) انظر الطبعة الأخيرة بتحقيقَ د/ عبد الله التركي ود/ الحلو
(14) طبقات الحنابلة 1/66.
(15) قدم رسالة ماجستير في جامعة أم القرى عام 1399 بتحقيق انظر ص 463.
(16) انظر: الطبعة المحققة بقلم صبحي السامرائي ص 5.
(17) انظر: طبقات الحنابلة 1/68-72.
(18) انظر: تاريخ بغداد 5/ 624، وطبقات الحنابلة 1/66, تهذيب الكمال 1/476، 477, وسير أعلام النبلاء12/ 624، وتذكرة الحفاظ 2/570.
(19) تهذيب التهذيب 1/ 79.
(20) لم أقف على تراجم هؤلاء الأعلام.
(21) هو الحافظ العبدي الكوفي يكنى أبا عبد الله توفي سنة 203 هـ روى عن عبد العزيز بن عمر، وعنه أبو بكر أبي شيبة ثقة حافظ إلا أنه لم يسمع من مجاهد بن رومي شيئاً، وأقسم على ذلك ابن معين. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 9/73، 74 والمراسيل لابن أبي حاتم ص 197 وجامع التحصيل للعلائىِ ص 322.(36/384)
(1) أبو محمد المدني كان والياً على مكة أيام يزيد بن الوليد، ومحمد بن مروان توفي في حدود سنة 150 هـ وحديثه عند الجماعة، وثقه ابن معين وأبو داود وأبو نعيم والنسائي وابن عمار، وحكي عن أحمد أنه قال: ليس من أهل الحفظ والإتقان قال ابن حجر يعني بذلك سعة المحفوظ. ووصفه في التقريب بأنه صدوق يخطئ وضعفه أبو مسهر الغساني. وفيما ذهب إليه نظر. روى عن أبيه ونافع مولى ابن عمر، وعنه محمد بن بشر العيدي وأبو نعيم ترجمته في. تهذيب الكمال 18/173، وتهذيب التهذيب 6/349 والتقريب.
(2) هو أبو الوليد الخزرجي الأنصاري شهد المشاهد وأحد النقباء بالعقبة وجهه عمر إلى بلاد الشام قاضياً ومعلماً وكان قوياً في دينه وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. انظر ترجمته في الاستيعاب 2/ 808 والإصابة 2/ 268.
(3) إسناده ضعيف لأن فيه رجلا مجهولاً لم أقف على ترجمته.
والحديث رواه أحمد في مسنده 5/329 عن شيخه أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن بشر به. إلا أنه قال في آخره (ومن سوء الحشر) .
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 139 وقال: (رواه عبد الله والطبراني وفيه راو لم يسم) .ا. هـ. واقتصر في آخره على قوله:"أعوذ بك من شر الحشر".
(4) هو ابن الترجمان يكنى أبا سهل روى عن عبد الكريم بن أبى المخارق وعن الزهري وغيرهما وعنه قتيبة وغيره.
ضعفه ابن معين وابن عدي وأبو القاسم والبغوي وقال: البخاري وأبو أحمد الحاكم ليس بالقوي عندهم وقال مسلم ذاهب الحديث وقال: أبو داود متروك الحديث، وقال: النسائي ليس بثقة ولا يكتب حديثه. وذكر له العقيلي حديثين في الضعفاء وقال: فلا يتابع عليهما جميعاً، وكلا الحديثين الرواية فيهما من غير هدا الوجه مضربة فيها لين.
انظر ترجمته في الضعفاء للعقيلي 3/ 15 وميزان الاعتدال 2/627 ولسان الميزان4/48.(36/385)
(1) هو عبد الكريم بن أبي المخارق البصري نزل مكة يكنى أبا أمية من مرجئة البصرة مات سنة 126 هـ ضعفه أحمد وابن معين وابن عدي وابن حجر.
وقال المزي: (استشهد به البخاري، وروى له مسلم في المتابعات وأبو داود في كتاب المسائل والباقون) .
ترجمته في تهذيب الكمال 18/ 259-265 وتقريب التهذيب.
(2) هكذا ورد في الأصل بالكنية. لكن ذكر ابن حجر في الإصابة 1/ 540 أنه تصحف وقال: والصواب عبيد ابن رفاعة وكذلك وقع في الغيلانيات.
وعبيد هذا روى عن أبيه رفاعة بن رافع وغيره وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية الأنصاري وغيره قال المزي: (روى له البخاري في الأدب والنسائي في اليوم والليلة والباقون سوى مسلم) وثقه ابن حيان والعجلي.
انظر ترجمته في تهذيب الكمال 19/205, 206 والثقات لابن حبان 5/133 والثقات للعجلي 2/117 وتهذيب التهذيب 7/65.
(3) هو رفاعة بن رافع بن مالك الأنصاري الزرقي، يكنى أبا معاذ شهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم سائر المشاهد.
قال ابن حجر: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر الصديق وعن عبادة بن الصامت، وروى عنه ابناه عبيد ومعاذ وابن أخيه يحيى بن خلاد وابنه علي بن يحيى.ا. هـ.
ترجمته في الاستيعاب 2/497 وأسد الغابة 3/225، والإصابة 1/517.
(4) إسناده ضعيف، لضعف عبد الكريم بن أبي المخارق وتلميذه عبد العزيز بن حصين.
والحديث بهذا الإسناد ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 3/ 234 تحت ترجمة (رفاعة) غير منسوب. وذكر أن أبا موسى وأبا نعيم والأمير أبا نصر وغيرهم أخرجوا هذا الحديث في ترجمة رفاعة بن رافع إلا أنه قال: (ولا نعلم لرفاعة بن رافع ابنا يقال له: أبو عبيدة، وإنما له عبيد بن رافع فالظاهر أنه غيره) .اهـ.(36/386)
قلت: وقد أزال الأشكال الحافظ في الإصابة 1/540 بقوله (قلت بل هو وإنما تصحف اسم الراوي عنه والصواب عبيد ابن رفاعة, وكذلك وقع في الغيلانيات. انتهى. وله شاهد مرسل عند أبي داود في سننه كتاب الأدب ما يقول الرجل إذا رأى الهلال 5/ 326 عن موسى بن إسماعيل عن أبان عن قتادة أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: الخ وفيه زيادة. الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا.
وقال أبو داود: (ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب مسند صحيح) .
وذكر ابن حجر الهيثمي في إتحاف أهل الإسلام بخصوصيات رمضان ص 73. أن النسائي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى هلال رمضان قال: "هلال رشد وخير، هلال رشد وخير آمنت بالذي خلقك".
(1) ذكره ابن أبى حاتم في الجرح وتعديل5/264 وقال: سألت أبى عنه فقال (هو ضعيف الحديث يهولني كثرة ما يسند) .
ووصفه الذهبي في الميزان 2/578 بأنه مقل. ونقل حكم بن أبي حاتم فيه واقتصر في المعنى 2/383 على قول أبي حاتم.
وذكره ابن حبان في الثقات 8/372 وقال: يروى عن أبيه عن جده روى عنه سعيد بن سليمان الواسطي. اهـ.
واكتفى ابن حجر في لسان الميزان 3/422 على ما ذكره ابن حبان. وذكره البخاري في التاريخ الكبير 5/330 وأنه يروى عن أبيه.وعنه سعيد بن سليمان وأن حديثه في الكوفيين.وقد زاد (سعداً) بين عثمان وإبراهيم.
(2) هو عثمان بن إبراهيم المذكور أعلاه. من أهل المدينة قال البخاري: (رأى ابن عمر وأمه، سمع منه يعلى بن عبيد وابنه عبد الرحمن ... وسمع منه العراقيون: التاريخ الكبير 6/212.
وذكره ابن حبان في الثقات 5/154، و159 وأنه يروى عن ابن عمر وعنه ابنه عبد الرحمن ويعلى بن عبيد.(36/387)
وقال ابن أبى حاتم في الجرح والتعديل 6/144 (سألت أبى عنه فقال:روى عنه ابنه عبد الرحمن أحاديث منكرة قلت فما حاله؟ قال يكتب حديثه وهو شيخ) وذكر أنه رأى عائشة بنت قدامة بن مظعون. وروى عنه شريك بن عبد الله.
وقال الذهبي في الميزان 3/30 (له ما ينكر) وقال في المغني 2/424 (لا يحتج به) .
وانظر لسان الميزان 4/130.
(1) لم أقف عليه.
(2) هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن خطاب رضي الله عنهما أشهر من أن يترجم له استصغر يوم أحد وشهد الخندق مشهور بالعلم والورع وتتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم مات سنة 73هـ وقيل غير ذلك.
ترجمته في الاستيعاب 3/ 950 وأسد الغابة 3/ 340 والإصابة 2/347.
إسناده ضعيف, لضعف عثمان وابنه عبد الرحمن. والحديث أخرجه الدارمي في سننه كتاب الصوم وباب ما يقال عند رؤية الهلال1/336 عن سعيد بن سليمان عن عبد الرحمن بن عثمان حدثني أبي عن أبيه وعمه عن ابن عمر والطبراني في المعجم الكبير عن (مجمع الزوائد 10/139) وقال عنه الهيثمي (وفيه عثمان بن إبراهيم الحاطبي وفيه ضعف. وبقية رجاله ثقات) .
وذكر ابن حجر الهيثمي في إتحاف أهل الإسلام بخصوصيات رمضان ص 73. أن ابن حيان أخرجه في صحيحه بسند صحيح.
(3) هو العقدي عبد الملك بن عمرو القيسي البصري أحد شيوخ الإمام أحمد روى له الجماعة. روى عن سليمان بن سفيان المدني وغيره مات سنة 204 هـ. وقيل 205هـ. ترجمته في تهذيب الكمال 18/ 364 وتهذيب التهذيب 6/409 والتقريب.
(4) القرشي التيمي مولى آل طلحة بن عبيد الله روى عن بلال بن يحيى وعنه أبو عامر العقدي، ضعفه أبو حاتم ومتهم برواية الأحاديث المنكرة، ولذلك قال أبو زرعة: منكر الحديث. وقال ابن معين: روى عنه أبو عامر العقدي حديث الحلال وليس بثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 11/436، وتهذيب التهذيب 4/194 والجرح والتعديل 4/119.(36/388)
(1) التيمي القرشيِ المدني روى عن أبيه يحيى بن طلحة، وعنه سليمان بن سفيان. قال المزي: (روى له الترمذي حديثاً واحداً عن أبيه عن جده في القول عند رؤية الهلال) . وذكره ابن حبان في الثقات. وقال عنه ابن حجر: لين من السابعة. ترجمته في تهذيب الكمال 4/ 299 تهذيب التهذيب 1/ 505 والتقريب.
(2) هو يحيى بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي المدني، روى عن أبيه طلحة، وعنه ابنه بلال، ثقة ترجمته في تهذيب الكمال 31 /387 وتهذيب التهذيب 11/233 والتقريب.
(3) هو طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي يكنى أبا محمد من المهاجرين الأولين ومن العشرة المبشرين بالجنة وهو أحد الستة الذين جعل عمر فيهم الشورى شهد المشاهد كلها ما عدا بدر، وتوفي رضي الله عنه في وقعة الجمل سنة 36 هـ. ترجمته في الاستيعاب 2/ 764 وأسد الغابة 3/ 85 والإصابة 2/ 229.
(4) إسناده ضعيف وعلته سليمان بن سفيان القرشي وشيخه بلال بن يحيى فيه لين. والحديث رواه أحمد في المسند 1/162 الترمذي في كتاب الدعوات باب ما يقول عند رؤية الهلال 9/142 والدارمي في كتاب الصوم باب ما يقول عند رؤية الهلال 1/336 والحاكم في المستدرك 4/285 كلهم من طريق أبي عامر العقدي به. وقال الترمذي: حسن غريب، وسكت عنه الذهبي. وحسن إسناده أحمد شاكر في تعليقه على مسند أحمد 2/365. وقد تعقب ابن حجر رحمه الله الحاكم في تصحيحه له فقال (وصححه الحاكم وغلط في ذلك، فإن سليمان ضعفوه، وإنما حسنه الترمذي لشواهده) . اهـ. من حاشية سنن الدارمي لعبد الله هاشم المدني. قلت: وفي قول ابن حجر هذا رد أيضاً لما ذهب إليه أحمد شاكر رحمه الله.(36/389)
(1) الأحاديث التي ذكرت في هذا الباب ضعفه الإسناد ولم يصح منها شيء قال أبو داود رحمه الله: (ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديث مسند صحيح) قال هذا في كتاب الأدب باب ما يقول الرجل إذا رأى الهلال 5/327. وعلى فرض صحتها فإن الاختلاف الواقع فيها اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد، كالاختلاف الواقع في دعاء الاستفتاح وفي دعاء القنوت وغير ذلك من الأدعية الشرعية فبأيهما دعا الإنسان جاز، ومن السنة أن لا يلزم دعاء واحداً ويقتصر عليه، بل عليه أن ينوع في ذلك لكونها واردة شرعاً.
(2) هو الكلاعي يكنى أبا خالد الحمصي روى عن خالد بن معدن وعنه السفيانان وغيرهما حافظ لحديث خالد بن معدن من الثقات إلا أنه موصوم بالقدر وقيل رجع عنه. وقد حكى أبو زرعة الدمشقي في تاريخه أن رجلاً قال لثور بن يزيد يا قدري. قال ثور: (لئن كنت كما قلت إني لرجل سوء، ولئن كنت على خلاف ما قلت إنك لفي حل) أخرج حديثه الجماعة سوى مسلم. توفي سنة 150 وقيل غير ذلك. ترجمته في تهذيب الكمال 4/418- 428 وتهذيب التهذيب 2/33 والتقريب. وتاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/359.
(3) الكلاعي أبو عبد الله الحمصي روى عن عبد الله بن بسر المازني وعنه ثور بن يزيد الكلاعي الحمصي أحد التابعين الثقات أخرج حديثه الجماعة واختلف في سنة وفاته ما بين 103 هـ إلى 108 هـ والله أعلم. ترجمته في تهذيب الكمال 8/167 -173 وتهذيب التهذيب 3/118 والتقريب.
(4) هو المازني الحمصي يكنى أبا بسر -بضم الموحدة وسكون المهملة- آخر الصحابة موتاً ببلاد الشام سنة ثمان وثمانين وقيل غير ذلك روى عنه خالد معدان. ترجمته في الاستيعاب 3/ 874 وأسد الغابة 3/ 186 والإصابة 2/ 281.(36/390)
(1) هي الصماء بنت بسر المازنية قال ابن عبد البر: (أخت عبد الله ابن بسر روت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الصيام يوم السبت) وذكرها أيضاً في حرف الباء على أن اسمها بهيّة أو بهيمة وتبعه في هذا الصنيع ابن الأثير وابن حجر. ترجمتها في الاستيعاب 4/1797 و1874 وأسد الغابة 2/47 و175 والإصابة 4/253 و 351.
إسناده صحيح وهو في مسند أحمد 6/368 وسنن الترمذي كتاب الصوم باب النهي أن يخص يوم السبت 1/ 550 وسنن النسائي الكبرى في الصوم كما في تحفة الأشراف 11/344 وسنن الدارمي في الصوم باب في صيام يوم السبت 1/352 وابن خزيمة في صحيحه 3/317 والطبراني في المعجم الكبير 24/328، 329، 330. والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/8، والحاكم في المستدرك 1/435 والبيهقي في السنن الكبرى 4/302. كلهم أخرجوه من طريق ثور بن يزيد به وفيه زيادة: (فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحى شجرة ليمضغها) وفي رواية (فليمضغه) وفي رواية (فليقضمه) وفي رواية "إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه".
أما رواية الطحاوي فقد جاءت بخطاب التأنيث"لا تصومن يوم السبت في غير ما افترض عليكن، ولو لم تجد إحداكن إلا لحاء شجرة أو عود عنب فلتمضغه"
وقد ورد من طرق أخرى عن عبد الله بن بسر مرفوعاً عند أحمد 4/ 189 وابن حبان كما في الزوائد (940) والإحسان 5/250.
وذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة 4/253، 351, أن النسائي أكثر من تخريج طرق هذا الحديث وبيان اختلاف رواته.(36/391)
ومع صحة إسناده قد اختلف العلماء في الحكم عليه اختلاف متبانياً. فقال الترمذي: حديث حسن. وقال أبو داود: هذا الحديث منسوخ وقال النسائي: هذا حديث مضطرب. تلخيص الخبير 2/ 216، وقال مالك: هذا كذب. وقال الزهري: هذا حديث حمصي. وقال الأوزاعي: مازلت له كاتماً حتى رأيته انتشر. وقال الحاكم: وله معارض بإسناد صحيح. ووصفه الطحاوي بالشذوذ لكونه خالف الآثار التي أشهر وأظهر منه في أيدي العلماء. وقال ابن تيمية فيما نقله عنه ابن عبد الهادي في التنقيح: (وأن الحديث شاذ أو منسوخ) كذا في إرواء الغليل 4/125. وقال ابن حجر: (لكن هذا التلون في الحديث الواحد بالإسناد الواحد مع اتحاد المخرج يوهن راويه وينبئ بقلة ضبطه ... الخ.
وقد تصدى للعلل القادحة فيه الشيخ الألباني في إرواء الغليل4/118-125وأجاب عنها وبين أن الحديث صحيح من ثلاث طرق ولم يعتره شذوذ ولا سواه.
والأثرم في كتابه هذا حكم عليه بمخالفة الأحاديث كلها وذكر منها أمر النبي صلى الله علية وسلم بصوم محرم، وكونه صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان، وحثه صلى الله عليه وسلم على صيام ست من شوال، وأمره صلى الله علية وسلم بصيام عاشوراء، وأيام البيض، وقد يكون في كل هذه السبت وهي ليست مما افترض.
قلت: وقد صح النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة إلا أن يصام قبله يوم أو بعده يوم. فمعلوم أن الذي بعده السبت. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً".وقد يوافق صومه السبت.
وورد التوجيه النبوي بصوم يوم عرفة لغير الصائم، وقد يكون يوم السبت قال ابن حجر: وقد روى مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعاً (إن صوم عاشوراء يكفر سنة، وإن صيام يوم عرفة يكفر سنتين) الفتح4/249.(36/392)
قلت: وقد يوافق صوم عاشوراء وعرفة يوم السبت. (وروى أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من الأيام السبت والأحد، وكان يقول إنهما يوما عيد للمشركين فأحب أن أخالفهما) فتح الباري 4/235.
وقال أيضاً (وروى الترمذي من طريق خيثمة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس. وروى موقوفاً وهو أشبه) الفتح 4/227.
وكان آخر الأمر من صلى الله عليه وسلم التأكيد على صوم التاسع والعاشر من شهر المحرم وقد يكون أحدهما السبت كما صح بذلك الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح مسلم كتاب الصوم باب أي يوم يصام في عاشوراء 2/798.
ومعاوية رضي الله عنه لما قدم المدينة خطبهم يوم عاشوراء فقال: أين علماؤكم يا أهل المدينة سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهذا اليوم:"هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب اللَه عليكم صيامه، وأنا صائم فمن أحب منكم أن يصوم فليصم، ومن أحب أن يفطر فليفطر"رواه مسلم في الصوم 1/795 رقم 129.
قال ابن حجر (وذكر أبو جعفر الطبري أن أول حجة حجها معاوية بعد أن استخلف كانت في سنة أربع وأربعين وآخر حجة حجها سنة سبع وخمسين، والذي يظهر أن المراد بها في هذا الحديث الحجة الأخيرة) فتح الباري 4/ 247.
فهذه الروايات تدل على جواز صوم يوم السبت في النفل، بل بعضها تحث على ذلك كالأحاديث الواردة في صوم يوم عرفة وعاشوراء، وست من شوال وأيام البيض، وقد يكون من ضمن تلك الأيام يوم السبت. ولو فرض سلامة حديث الصماء بنت بسر المزنية من العلل التي ألحقت به، فإن الأحاديث التي تخالفه أقوى منه سنداًَ، وأصح مخرجاً، وأكثر عدداً، وهذه من الترجيحات التي ينبغي المصير إليها عند تعذر الجمع بين الحديثين. والله أعلم.(36/393)
(1) رواه الترمذي في الصوم باب ما جاء في صوم المحرم 3/89 والدارمي في الصوم باب في صيام المحرم 1/353 وأحمد في المسند 1/ 154، 155، من الزوائد. وأبو يعلى في المسند 1/232. كلهم من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه قال: سأله رجل فقال: أي شهر تأمرني أن أصم بعد شهر رمضان؟ قال له ما سمعت أحداً يسأل من هذا إلا رجلاً سمعته يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد عنده فقال يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ قال: "إن كنت صائماً بعد شهر رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله فيه يوم تاب فيه على قوم، ويتوب فيه على قوم آخرين"واللفظ للترمذي وقال عنه: حسن غريب.
قلت: في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث بن أبو شيبة الواسطي متفق على ضعفه بل وصمه الإمام أحمد في رواية أبي طالب بقوله: ليس بشيء منكر الحديث. وفي رواية ابنه عبد الله عنه قال: متروك الحديث. انظر تهذيب الكمال 16/ 515 –518 منه هوامش المحقق له.
(2) رواه مسلم في كتاب الصيام باب فضل صيام المحرم 2/ 821 رقم 202 بلفظ "أفصل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم.. الحديث) . وفي رواية (وأفضل الصيام بعد شهر رمضان، صيام شهر الله المحرم". وهو عند الترمذي في الصوم باب ما جاء في صوم المحرم 3/89 وعند أبي داود في الصوم باب صوم المحرم 2/811 وابن ماجة في الصوم باب صيام أشهر الحرم 1/554 والدارمي 1/354 وابن خزيمة في صحيحه 3/282 وابن حبان كما في الإحسان 5/258 وأحمد في المسند 2/303، 329، 342، 344.
هذا اسم أبي ذر رضي الله عنه وسيأتي حديثه في صيام البيض.(36/394)
(1) رواه أبو داود في الصوم باب فيمن يصل شعبان برمضان 2/.75 والترمذي في الصوم باب ما جاء في وصال شعبان برمضان 3/85 والنسائي في الصوم باب التقدم قبل شهر رمضان 4/150 وابن ماجة في الصوم باب ما جاء في وصال شعبان برمضان 1/528 وأحمد في المسند 6/293، 300، 311 والدرامي 1/ 350 والجميع رووه من حديث أبي سلمة قالت: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان) . وفي رواية (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صام شهرا تاماً إلا شعبان فإنه كان يصله برمضان، ليكونا شهرين متتابعين، وكان يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول يصوم) .
(2) رواه البخاري في الصوم باب صوم شعبان 2/.5 ومسلم في الصوم باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان 2/ 811 رقم 175، 176 ولفظه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيت أكثر صياماً منه في شعبان) وهذا لفظ البخاري وأيضاً مسلم وله ألفاظ آخر وهو أيضاً عند أهل السنن وأحمد وغيرهم والجميع رووه من حديث أبي سلمة وأم سلمة مرفوعاًَ.
(3) رواه النسائي في الصوم باب صوم النبي صلى الله عليه وسلم4/201. والدرامي في الرد على الجهمية ص 29 (طبع المكتب الإسلامي) وابن أبي شيبة في المصنف 3/103 طبع الهند الدار السلفية والطحاوي في معاني الآثار 2/82 من حديث ثابت بن قيس عن أبي سعيد المقبري عن أسامة بن زيد قال قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) واللفظ للنسائي.(36/395)
(1) مشهور بكنيته واختلف في اسمه كثيراً بما لا طائل تحته وهو من أصحاب بيعة الشجرة سكن بلاد الشام آخر حياته وتوفي سنة 75 انظر ترجمته في الاستيعاب 4/1618 وأسد الغابة 6/44 والإصابة 4/29.
أما حديثه فأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 22/ 225 عن محمد بن محمد الجذوعي القاضي عن محمد بن مرزوق عن يزيد عن الأحوص بن حكيم بن صهيب عن أبي ثعلبة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان ورمضان يصلهما جميعاً. وهو في مجمع الزوائد 3/192 قال الهيثمي (وفيه الأحوص بن حكيم وفيه كلام كثير وقد وثق) .
(2) رواه الطحاوي في معاني الآثار 2/82 من حديث ليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن شعبان برمضان.
(3) بياض في الأصل.
(4) رواه البزار (انظر كشف الأستار عن زوائد البزار 1/ 5 49) عن عمران بن حفص الشيباني عن أبي عامر عن زهير عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثم ذكره كما هو أعلاه. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3/183 وقال عنه (رواه البزار وله طرق رجال بعضها رجال الصحيح) .
وأخرج الطبراني في الأوسط (كما في مجمع الزوائد 3/183، 184) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة فكأنما صام السنة كلها"قال الهيثمي (وفيه من لم أعرفه) .
قلت: الإرشاد إلى صيام الست من شوال ثابت في صحيح مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر". رواه مسلم في كتاب الصيام باب استحباب صوم ست أيام من شوال 2/822 رقم 204.(36/396)
(1) صيام يوم عاشوراء أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه من الفضيلة والأحاديث الآمرة لصيامه والمرشدة إليه في الصحيحين عن ابن عمر، وابن عباس، وأبي موسى الأشعري، وسلمة بن الأكوع، وعائشة والربيع بنت معوذ، وابن مسعود، وجابر بن سمرة، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عن الجميع. انظر صحيح البخاري كتاب الصوم باب صيام يوم عاشوراء 4/244 طبع السلفية ومسلم كتاب الصيام باب صوم يوم عاشوراء 2/792-798.
(2) صيام أيام البيض ثابتة في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي قتادة الأنصاري وعمران بن حصين وعائشة رضي الله عنهم أجمعين. انظر صحيح البخاري كتاب الصوم باب صيام البيض 4/226.
ومسلم كتاب الصيام باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر 2/818-821 ومن ذلك حديث أبي ذر رضي الله عنه وقول النبي صلى الله عليه وسلم له:"يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة".
وفي رواية "من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر".فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك في كتابه {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَ} اليوم بعشرة أيام. رواه الترمذي في الصوم باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر 3/107 وحسن الرواية الأولى أما الثانية فقال عنه حسن صحيح. ورواه النسائي في الصوم باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر 4/222، 223.
(3) هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ت124هـ. روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وغيره، من الأئمة الأثبات وقد شهد بإمامته الكبار والصغار والأقران والقاضي والداني. وهو مع ذلك متهم بالإرسال والتدليس وقد استوفيت من أرسل عنهم أو دلس في تحقيقي لتفسير ابن أبي حاتم فليراجع. وانظر ترجمته في تهذيب الكمال 26/419-443 وتهذيب التهذيب 9/ 445 والجرح والتعديل 8/ 71 والمراسيل لابن أبي حاتم ص 189 وجامع التحصيل.(36/397)
(1) هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني. قيل اسمه وكنيته واحد وقيل اسمه عبد الله، وقيل عبد الرحمن. روى عن عائشة وعنه الزهري أخرج حديثه الجماعة فهو من الأئمة الأثبات توفي سنة 94 هـ وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في تهذيب الكمال 33/ 370-376 وتهذيب التهذيب 12 /117 والتقريب.
(2) هي الحصان الرزان أم عبد الله وأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما الصديقة بنت الصديق وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المكثرات في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتليت في حياتها رضي الله عنها بحادث الإفك فصبرت واحتسبت حتى برأها الله من فوق سبع سماوات. توفيت سنة 57 هـ وقيل 58 هـ. ترجمتها في الاستيعاب 4/ 1881-1885 وأسد الغاية 7/188 والإصابة 4/ 359.
(3) رواه البخاري في الوضوء باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر 1/353 مع الفتح، ومسلم في الأشربة باب بيان أن كل مسكر خمر 3/ 1585 رقم 67 كلاهما من حديث الزهري به وأخرجه البخاري في الأشربة باب الخمر من العسل 11/ 41 مع الفتح وفي أولها: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبغ. وهي أيضاً عند مسلم. وفي رواية لمسلم:"كل شراب مسكر حرام".
(4) هو ابن علقمة بن وقاص الليثي يكنى أبا عبد الله وقيل أبا الحسن المدني روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وعمر ابن الحكم وعنه خلق كثير أخرج حديثه الجماعة وقال المزي: (روى له البخاري مقروناً بغيره، ومسلم في المتابعات واحتج به الباقون) . اهـ. توفي سنة 144 هـ. وقيل 145 هـ.
اختلف فيه قول النقاد المعتبرين وخلاصه أقواهم أنه ليس من الحفاظ للحديث الأثبات، وليس من الواهيين أو اللينّين الذين لا يقبل حديثهم ولذا قال الحافظ في التقريب، صدوق له أوهام. ترجمته في تهذيب الكمال 26/ 212 وتهذيب التهذيب 9/ 373 والتقريب.(36/398)
(1) سيذكر المؤلف حديث ابن عمر فيما بعد. بعد ذكره للطرق. وهذا الحديث من هذه الطريق رواه أحمد في كتاب الأشربة ص 6 رقم 7 عن يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن عمرو به مرفوعاً "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام".
ورواه النسائي في الأشربة باب تحريم كل شراب أسكر 8/297 عن محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو به مرفوعاًَ ولفظه قال:"كل مسكر حرام".
(2) القرشي أبو محمد المدني صاحب المغازي التي يقول عنها مالك بن أنس: عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة. روى عن نافع مولى ابن عمر وعنه خلق. روى حديثه الجماعة وهو من الفقهاء المحدثين وكانت له حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يفتي توفي سنة 141هـ وقيل غير ذلك. ترجمته في تهذيب الكمال 29/115 وتهذيب التهذيب 10/362 والتقريب.
(3) هو أبو عبد الله المدني مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد الحفاظ الأثبات والفقهاء الخيار بعثه عمر ابن العزيز إلى مصر يعلم الناس السنن روى عن ابن عمر وعنه موسى بن عقبة وغيره توفي سنة 117هـ وقيل غير دلك. ترجمته في تهذيب الكمال 29/298- 306 وتهذيب التهذيب 0 1/ 414 والتقريب.
وحديث ابن عمر من هذا الطريق أخرجه مسلم في الأشربة باب بيان أن كل مسكر حرام 3/1587 ولفظه"كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام".
ورواه أحمد في المسند 2/ 134 من طريق موسى بن عقبة به، ورواه في كتاب الأشربة ص 38 رقم189.
(4) القرشي أبو عبد الله المدني الموصوف بالعبادة والتنسك والفقه كانت له حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الناس ويفتي.
روى عن نافع مولى ابن عمر وغيره، وعنه خلق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن وهو من الثقات توفي 148 هـ وقيل 149 هـ.
قال المزي: (استشهد به البخاري في الصحيح، وروى له في القراءة خلف الإمام وغيره، وروى له الباقون) .(36/399)
وقال الحاكم: (أخرج له مسلم في كتابه ثلاثة عشر حديثاً كلها شواهد، وقد تكلم المتأخرون من أئمتنا في سوء حفظه) .
ترجمته في تهذيب الكمال 26/101- 108 وميزان الاعتدال 3/ 644 وتهذيب التهذيب 9/ 341.
والحديث من هذا الطريق أخرجه أحمد في المسند 2/137 والنسائي في الأشربة باب إثبات اسم الخمر لكل مسكر 8/297 ولفظه "كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر".
(1) هو أبو بكر أيوب بن أبي تميمة (كيسيان) السختياني البصري المتوفي سنة 131 هـ. ثقة لا يسأل عن مثله. روى عن نافع وعنه حماد بن زيد وغيره. ترجمته في تهذيب الكمال 3/ 451 وتهذيب التهذيب 397 والتقريب.
وحديث ابن عمر من هذا الطريق رواه أحمد في المسند 2/98 ومسلم في الأشربة باب بيان أن كل مسكر خمر 3/1587 رقم 73 والنسائي في الأشربة باب إثبات اسم الخمر لكل مسكر من الأشربة 8/296 وأبو داود في الأشربة باب النهي عن المسكر 4/85. وعندهم زيادة فيه.
ولفظه كما عند مسلم "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها، لم يتب لم يشربها في الآخرة".
والرواية التي ذكرها الأثرم رواها النسائي 8/297. وقد حكم النسائي على رواية أيوب عن نافع عن ابن عمر بالصحة. حيث قال 8/297 قال أحمد: وهذا صحيح.
(2) التيمي القرشي يكنى أبا عبد الله وقيل أبا بكر توفي 131 وقيل 132 هـ روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وغيره من الصحابة وعنه خلق كثير منهم السقيانان والأوزاعي والزهري وغيرهم، أخرج حديثه الجماعة وهو من معادن الصدق وسادات القراء، ومن الثقات الحفاظ. ترجمته في تهذيب الكمال 26/ 503 -309وتهذيب التهذيب 9/ 473 والتقريب.(36/400)
(1) هو جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري المتوفي سنة أربع وسبعين وقيل غير ذلك صحابي جليل كف بصره في آخر عمره وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ثمان عشرة غزوة وكان من المكثرين في الرواية وكان له حلقة في المسجد النبوي يعلم فيها الناس. ترجمته من هذه الطريق رواه أحمد 3/343 وفي الأشربة ص 67 رقم 148 وأبو داود في السنن باب النهي عن المسكر 4/87 والترمذي في الأشربة باب ما أسكر كثيره فقليله حرام 6/ 141وابن ماجة في الأشربة باب ما أسكر كثيره فقليله حرام 2/ 1125 وقال الترمذي (حسن غريب من حديث جابر) ورواه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/ 379) بلفظ "قليل ما أسكر كثيره حرام".وأشار إليه ابن حجر في الفتح 10/43 وعزاه إلى أبي داود والنسائي وابن حبان فقط. وقد وقفت على تحفة الأشراف للمزي وأطلعت على مسند جابر فلم أره عزاه للنسائي بل اقتصر في عزوه إلى أبي داود والترمذي وابن ماجة. ولا أدري لم اقتصر الحافظ في عزوه إلى ما ذكر أعلاه، وترك ذكر عزوه إلى أحمد والترمذي وابن ماجة؟. مع العلم أن السند والمتن سواء عند الجميع.
(2) العمري العدوي القرشي المدني يكنى أبا عثمان المتوفى سنة 147 هـ وقيل غير ذلك روى عن عمرو بن شعيب وغيره وعنه خلق. من الثقات الحافظين والعلماء العابدين والرواة المتقنين وحديثه عند الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 19/124 - 130 وتهذيب التهذيب 7 / 40 والتقريب.(36/401)
(1) القرشي السهمي يكنى أبا إبراهيم وقيل أبا عبد الله المدني المتوفى سنة 118 هـ بالطائف. روى عن أبيه محمد وعنه عبيد الله بن عمر. اختلف فيه قول أئمة الجرح والتعديل وله ثلاثة أجداد (الأدنى منهم محمد، والأوسط عبد الله، والأعلى عمرو، وقد سمع- يعني شعيباً- من الأدنى محمد، ومحمد لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم وسمع من جده عبد الله، فإذا بيّنه وكشفه فهو صحيح حينئذ ولم يترك حديثه أحد من الأئمة، وأن يسمع من جده عمرو) هذا قول الدارقطني.
وقال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهويه، وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين. وقد شدد القول فيه ابن حبان وطرح روايته عن أبيه، واحتج بما روى عن الثقات من غير أبيه. وتصدى له الدارقطني وخطأ ابن حبان فيما ذهب إليه ذكر هذا ابن حجر في التهذيب. وكأن ابن حجر في التهذيب يرى صحة حديثه لقوله (قلت: فإذا شهد له ابن معين أن أحاديثه صحاح غير أنه لم يسمعها وصح سماعه لبعضها فغاية الباقي أن يكون وجادة صحيحة وهو أحد وجوه التحمل والله أعلم) . اهـ. وقال في التقريب: صدوق. ترجمته في تهذيب الكمال 22/ 64-75 وتهذيب التهذيب 8/48-55 والتقريب. والمجروحين 2/ 71.(36/402)
(1) هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي والد عمرو بن شعيب. روى عن جده (عبد الله بن عمرو بن العاص) وأبيه محمد بن عبد الله به عمرو بن العاص، وعنه ابنه عمرو بن شعيب وآخر يسمى عمر بن شعيب. ذكر المزي أن سماعه من جده عبد الله بن عمرو، وابن عباس، وابن عمر صحيح ثم قال (وهكذا قال غير واحد أن شعيباً يروى عن جده عبد الله ... فدل ذلك على أن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيح متصل إذا صح الإسناد إليه، وأن من ادعى فيه خلاف ذلك فدعواه مردودة حتى يأتي عليها بدليل صحيح يعارض ما ذكرناه والله أعلم) . ثم قال: (روى له البخاري في القراءة خلف الإمام وفي الأدب، والباقون سوى مسلم) . اهـ.
وقال ابن حجر في التقريب: (صدوق ثبت سماعه من جده) . ترجمته في تهذيب الكمال 12/ 534 وتهذيب التهذيب 4/356 والتقريب.
أما جده فهو عبد لله بن عمرو بن العاص الصحابي الجليل والحافظ المتقن والعالم الورع الصوام القوام أسلم قبل أبيه من المكثرين في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو هريرة رضي الله عنه: (ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو فإنه يعي بقلبه، وأعي بقلبي، وكان يكتب وأنا لا أكتب، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأذن له) توفي سنة 65 وقيل 68 وقيل 69 هـ. وقال ابن حجر وبالأول جزم ابن يونس. ترجمته في الاستيعاب 3/957 وأسد الغابة 3/ 349 والإصابة 2/ 351.
(2) رواه احمد في المسند 2/179 عن يحيى بن سعيد عن عبيد الله به وفي الأشربة ص6رقم5. والنسائي في الأشربة باب تحريم كل شراب أسكر كثيره 8/300.(36/403)
قال ابن حجر في الفتح 10/43 والنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله. وسنده إلى عمرو صحيح. اهـ. ويعنى بمثله. أي مثل حديث جابر السابق. ولا أدري لماذا لم يعزه الحافظ إلى أحمد في المسند؟ وهو عند ابن أبي شيبة 7/ 461 من حديث أبان بن عبد الله البجلي عن عمرو له مرفوعاً بلفظ"كل مسكر حرام".
(1) مشهور بكنيته واسمه عمرو بن سالم ويقال: عمر بن سالم. وكما اختلف في اسمه اختلف في اسم أبيه فقيل أيضاً سَلْم، وقيل: سور. روى عن القاسم بن محمد، وأرسل عن أبي بن كعب. وثقة أبو داود والترمذي وابن حبان والأثرم وحديثه عند أبي داود والترمذي وقال ابن حجر: مقبول، قال ألأجري: سألت أبا داود عن أبي عثمان الأنصاري صاحب حديث القاسم عن عائشة (ما أسكر الفرق منه) قال: هذا قاضي مرو ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 35/69 وتهذيب التهذيب 12/ 162 والتقريب. والثقات 7/ 176.
(2) ابن أبي بكر الصديق التيمي القرشي يكنى أبا محمد وقيل أبا عبد الرحمن روى عن عمته عائشة وغيرها وعنه أبو عثمان الأنصاري وخلق كثير، عاش يتيماً في حجر عائشة رضي الله عنها فاستقى من علمها بصيراً بالسنة معدود في الفقهاء أثنى عليه الأئمة النقاد فهو من الثقات وحديثه عند الجماعة ت 106 هـ. ترجمته في تهذيب الكمال 23/ 427 - 435 وتهذيب التهذيب 8/ 333 والتقريب.(36/404)
(1) رواه أحمد في المسند 6/ 71، 27، 131 وفي الأشربة ص 6/13، 22 وأبو داود في الأشربة باب النهي عن المسكر 4/ 91 والترمذي في الأشربة باب ما جاء ما أسكر كثيره فقليله حرام 6/142، وقال عنه: حديت حسن. كلهم من طريق أبي عثمان الأنصاري به إلا أنه لم يرد عندهم لفظ (فالحسوة) وعندهم بدلها لفظ (فملء الكف) وعند أبي داود والترمذي ورواية عند أحمد زيادة في أوله: كل مسكر حرام ... الحديث. وهو عند ابن أبي شيبة في المصنف 7/459 بهذه الزيادة فقط وقد ذكر الحافظ هدا الحديث في الفتح ا/43 وعزاه فقط لأبي داود؟. ورواه الدارقطني في سننه في الأشربة 4/255 من حديث أبي عثمان به سنداً ومتناً. ورواه أيضاً من طريقين آخرين عن عائشة مرفوعاً كما ذكر المصنف ورواه من طريق أخرى عن عائشة موقوفاًَ.
(2) القرشي الأسدي الحزامي يكنى أبا عثمان، روى عن بكير بن عبد الله بن الأشج وعنه خلق منهم الثوري وابن المبارك وابنه عثمان بن الضحاك وثقه أحمد وابن معين ومصعب الزبيري وأبو داود وابن حبان وابن سعد، وغيرهم من الأئمة وضعفه أبو زرعة وأبو حاتم وقال ابن حجر صدوق يهم. وقال المزي: روى له الجماعة سوى البخاري.
قلت: وثقه إمامان عظيمان في الجرح والتعديل وهما أحمد وابن معين وروى عنه أئمة عظماء فهو ثقة توفي سنة 153هـ. ترجمته في تهذيب الكمال 13/272 وتهذيب التهذيب 4/447 والتقريب /. والثقات 6/482.
(3) يكنى أبا عبد الله, وقيل أبا يوسف أحد الموالي روى عن عامر بن سعيد بن أبى وقاص وغيره, وعنه الضحاك بن عثمان وغيره أحد الثقات الأثبات توفي سنة 120هـ وقيل غير ذلك.ترجمته في تهذيب الكمال 4/242 وتهذيب التهذيب 1/491 والتقريب.(36/405)
(1) هو عامر بن سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري المدني روى عن أبيه سعد وعنه بكير بن عبد الله بن الأشج أحد الثقات توفي سنة 104 هـ وقيل غير ذلك قال المزي: (روى له الجماعة) . ترجمته في تهذيب الكمال 14/ 21 وتهذيب التهذيب 5/63 والتقريب.
(2) هو أبو إسحاق سعد بن مالك بن أبي وقاص الزهري القرشي أحد الستة من أهل الشورى وأحد العشرة المبشرين بالجنة وآخرهم موتاً. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة وعنه أبناؤه عامر وإبراهيم ومصعب وعمر وعائشة. وغيرهم ت 55 هـ وقيل غير ذلك. ترجمته في الاستيعاب 1/606 وأسد الغابة 2/366 والإصابة 2/ 33.
(3) رواه أحمد في الأشربة ص 6 رقم 9، والنسائي في الأشربة باب تحريم كل شراب أسكر كثيره 8/ 301 والبزار في المسند 3/ 306 رقم 1098 وابن حبان في صحيحه (موارد الظمآن ص 336) والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/216، والدارقطني في سننه كتاب الأشربة 4/251 وفي العلل 4/347 والبيهقي في السنن الكبرى 8/296. والدارمي في سننه كتاب الأشربة باب ما قيل في المسكر 4/ 39، وابن الجارود في المنتقي ص291 رقم 862 وابن أبي شيبة في المصنف 7/467 كلهم رووه من طريق الضحاك بن عثمان به.
وفي رواية عند النسائي والدارقطني في العلل وابن حبان كما في الموارد بلفظ: نهى عن قليل ما أسكر كثيره. وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذا الحديث في فتح الباري 10/43 واقتصر في عزوه إلى ابن حبان والطحاوي.
(4) ذكر المؤلف رحمه الله هؤلاء العشرة من الصحابة سرداً وسأشير إلى موطن رواياتهم.
1- أما حديث عمر رضي الله عنه فقد رواه أبو يعلى كما في (مجمع الزوائد 5/ 56) وفتح الباري باللفظ المذكور. قال ابن حجر: وفيه الأفريقي. قال: (وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، وقد ضعفه الجمهور، وقد وثق، وبقية رجاله ثقات) . اهـ.(36/406)
ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 215من حديث الأفريقي عن مسلم بن يسار عن سفيان بن وهب الخولاني عن عمر مرفوعاً. وانظر سنن النسائي كتاب الأشربة 8/296.
وقد تصفحت مسند عمر من مسند أبي يعلى المطبوع فلم أعثر على هذا الحديث فية.
2- وأمّا حديث علي رضي الله عنه فرواه أحمد في المسند 1 /145 باللفظ "وإياكم وكل مسكر" ورواه عبد الله بن أحمد في زياداته 1/145 بلفظ "واجتنبوا كل ما أسكر". واللفظان من طريق علي بن زيد عن ربيعة بن النابغة عن أبيه عن علي مرفوعاً.
ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/227 وأبن أبي شيبة في المصنف 7/ 469، 518. وذكره ابن حجر في الفتح 10/ 44 وعزاه إلى أحمد وحسنه.
3- وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه فرواه ابن ماجة في الأشربة باب كل مسكر حرام 2/1124 عن يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهب أخبرنا ابن جريج عن أيوب بن هانئ عن مسروق عن ابن مسعود مرفوعاً. وقال صاحب الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. وذكره ابن حجر في الفتح 10/ 44 وعزاه إلى ابن ماجة وأحمد ولين طريقهما.
4- أما حديث جابر رضي الله عنه فسبق تخريجه ص ...
5- أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فرواه أحمد في المسند 2/429، 501 وفي الأشربة ص 26 رقم 116 وص 39 رقم 196 وابن الجارود في المنتقى ص 291 رقم 858 والنسائي في الأشربة باب تحريم كل شراب أسكر 8/297 والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/215 وابن ماجة في الأشربة باب النهي عن نبيذ الأوعية 2/1127 وابن أبي شيبة في المصنف 7/ 461 كلهم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً به، وعزاه ابن من حجر في الفتح 10/ 44 إلى النسائي فقط وحسن إسناده.
وفي بعض رواياته عند أحمد والنسائي وابن ماجة وابن الجارود زيادة نهيه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنتباذ في المقير والمزفت والدباء والحنتم والنقير.(36/407)
6- وأما حديث ميمونة رضي الله عنها: فرواه أحمد في المسند 6/332- 333. والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/217 وأبو يعلى والطبراني كما في (مجمع الزوائد 5/57) من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن عطاء بن يسار عن ميمونة. وفي رواية عند أحمد من طريق ابن عقيل عن سليمان بن يسارعن ميمونة- ولفظ أحمد كما ذكر المصنف إلا أن عنده زيادة في أوله كما في حديث أبي هريرة قبله. أما لفظ رواية الطحاوي فهي "كل شراب أسكر فهو حرام".
وحديث ميمونة هذه ذكره ابن حجر في الفتح 10/ 44 بلفظ رواية الطحاوي وعزاه فقط إلى أحمد وحسن إسناده. وقال الهيثمي: وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه ضعف وحديثه حسن وقد تصفحت مسند ميمونة رضي الله عنها في مسند أحمد فلم أعثر عليه
7- أما حديث أم حبيبة رضي الله عنها فرواه أحمد في الأشربة ص 41، ذكره ابن حجر في الفتح10/44.
8- وأما حديث أنس رضي الله عنه فرواه أحمد في المسند 3/112، 119 من طريق المختار بن فلفل قال: سألت أنس عن الشرب في الأوعية فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزفتة. وقال: "كل مسكر حرام". وذكره ابن حجر في الفتح 10/ 44 بلفظ "ما أسكر فهو حرام" وعزاه إلى أحمد وصحح إسناده.
9- وأما حديت معاوية رضي الله عنه فرواه ابن ماجة في الأشربة باب كل مسكر حرام 2/ 1124 وابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/376) بلفظ "كل مسكر حرام على كل مؤمن". زاد ابن حبان (حرام) في آخره. وفي موارد الظمآن ص 336 بلفظ "كل مسكر على كل مؤمن حرام". وذكره ابن حجر في الفتح 0 1/ 44 وعزاه إلى ابن ماجة فقط. وحسن إسناده.
10- وأما حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه فرواه مسلم في الأشربة 2/ 1585 رقم 64 وفيه زيادة في أوله.(36/408)
(1) هو ديلم بن أبي ديلم- اختلف في اسم أبيه- أول وافد من اليمن على النبي صلى الله عليه وسلم قال المزي: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الأشربة. روى عنه أبو الخير مرشد بن عبد الله اليزني. ترجمته في الاستيعاب 2/463 وأسد الغابة 2/163، والإصابة 1/477 وتهذيب الكمال 3/ 503.
(2) رواه أحمد في المسند 4/ 231، 232.وفي الأشربة. ص 83 رقم 209، 210 وأبو داود في الأشربة باب النهي عن المسكر 4/89 وابن أبي شيبة في المصنف 7/ 459 من طريق يزيد بن أبي حبيب عن مرشد بن عبد الله اليزني عن ديلم الحميري قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إنا بأرض باردة نعالج فيها عملاً شديداً وإنا نتخذ شراباً من القمح نتقوى به على أعمالنا، وعلى برد بلادنا قال: "هل يسكر؟ " قلت: نعم. قال "فاجتنبوه" قال قلت: فإن الناس غير تاركيه. قال: "فإن لم يتركوه فقاتلوهم" واللفظ لأبي داود.
أما رواية أحمد. فاقتلهم وفي رواية عنده (فاقتلوهم) وكذا عند أبي شيبة. وفي رواية عند أحمد (فمن لم يصبر عنه فاقتلوه) . وقد ذكر ابن حجر هذا الحديث في الفتح 10/ 44 واقتصر في عزوه إلى أبي داود وحسن إسناده.
(3) رواه أحمد في المسند 3/ 361 ومسلم في الأشربة، باب بيان كل مسكر خمر 3/1587 رقم 72. كلاهما عن قتيبة بن سعيد عن عبد العزيز بن محمد الداروردي عن عمارة بن غزية عن أبى الزبير عن جابر أن رجلاً قدم من جيشان (وجيشان من اليمن) فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له المزر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أو مسكر هو؟ " قال: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل مسكر حرام إن على الله عز وجل عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال ". قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: "عرق أهل النار. أو عصارة أهل النار". واللفظ لمسلم.(36/409)
(1) هو الحنفي السحيمي يكنى أبا علي وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه شارك مع النبي صلى الله عليه وسلم في بناء المسجد وكان عارفاً بذلك أخذ عنه ابنه قيس وابنته خلدة وغيرهما. ترجمته في الاستيعاب 2/776 وأسد الغابة 3/92 والإصابة 2/332.
(2) رواه أحمد في المسند والطبراني في (مجمع الزوائد 5/70) قال الهيثمي ورجال أحمد ثقات: وقد تصفحت مسند طلق في مسند أحمد فلم أعثر عليه. وذكره ابن حجر في الفتح 10/44 وعزاه إلى ابن أبي شيبة بلفظ " يا أيها السائل عن المسكر لا تشربه ولا تسقه أحداً من المسلمين".
قلت: رواه أحمد في الأشربة ص42رقم32 وابن أبي شيبة في المصنف 7/460 من حديث ملازم بن عمر وعن سراج بن عقبة عن عمته خالدة بنت طلق قالت حدثني أبي قال: كنا جلوساً عند نبي الله فجاء صحار عبد القيس فقال يا رسول الله ما ترى في شراب نصنعه من ثمارنا؟ قال: فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأله ثلاث مرات، ثم قام بنا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى، فلما قضى الصلاة قال: "من السائل عن المسكر؟ يا أيها السائل عن المسكر لا تشربه ولا تسقه أحدا من المسلمين فوالذي نفس محمد بيده ما شربه قط رحل ابتغاء لذة سكرة فيسقيه الله خمراً يوم القيامة". واللفظ لابن أبي شيبة.
(3) لم أقف عليه لكن ذكر ابن حجر في الفتح 10/ 44 حديت أبي سعيد وقال أخرجه البزار بلفظ عمر ولفظ عمر سبق ذكره في ص 17 وهو بعيد عما ذكر أعلاه لكن أخرج أبو داود في الأشربة باب النهي عن المسكر 4/86 عن ابن عباس مرفوعاً وفيه "ومن شرب مسكر نجست صلاته أربعين يوماً" وأخرج الطبراني كما في مجمع الزوائد 5/71 عن ابن عباس مرفوعاً قال: من شرب الخمر كان نجس أربعين يوماً ... وإن عاد أربعين يوماً.(36/410)
هو سلاّم بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي المتوفى سنة 176هـ روى عن سماك بن حرب وعنه خلق، أخرج حديثه الجماعة وهو من الثقات الحفاظ وصاحب سنةٍ وإتباع وتعليم. ترجمته في تهذيب الكمال 12/282 وتهذيب التهذيب /4/282 والتقريب.
(1) هو سماك بن حرب بن أوس الزهري الكوفي يكنى أبا المغيرة توفي سنة 123هـ روى عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وغيره وروى عنه أبو الأحوص سلاً بن سليم اختلف قول أهل العلم فيه بين موثق ومضعف له، مع اتفاق الجميع على صلاحه إلا أنهم وصموه بالاضطراب في الحديث وخاصة في حديثه عن عكرمة وذكروا أنه كان يتلقن، وأنه تغير في آخر عمره فسماع القدامى منه كشعبة وسفيان صحيح، فهو صدوق صالح. ترجمته في تهذيب الكمال 12/115 وتهذيب التهذيب 4/232 والكواكب النيرات ص 237 وميزان الاعتدال 2/ 232 والتقريب.
(2) قاضي الكوفة يكنى أبا عبد الرحمن من سلالة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من الثقات متثبتين والعابدين والورعين قال المزي: روى له الجماعة سوى مسلم ترجمته في تهذيب الكمال 23/ 279 وتهذيب التهذيب 8/ 221 والتقريب.
(3) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي المتوفى 79 هـ. ومختلف في سماعه من أبيه وقد حكى الحاكم الاتفاق من مشايخ أهل الحديث على عدم سماعه من أبيه، روى عن أبي بردة بن نيار وعنه ابن القاسم وغيره. ترجمته في تهذيب الكمال 17/ 239 وتهذيب التهذيب 6/ 215 والتقريب.
(4) هو هانئ بن نيار بن عمرو البلوى مشهور بكنيته صحابي شهد بدراً وما بعدها كان ممن شهد العقبة الثانية وكان حليفاً للأنصار روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود. قال المزي (إن كان محفوظاً) . ترجمته في الاستيعاب 4/1608 والإصابة 3/ 596 وتهذيب الكمال 23/ 71.(36/411)
(1) 100] إسناده حسن إلا أن بعض أهل العلم أعلّوه سنداً ومتناً كما سيأتي والحديث أخرجه النسائي في الأشربة باب ذكر الأخبار التي أعتل بها من أباح شراب المسكر 8/319 وللطبراني في المعجم الكبير 22/198 وابن أبي شيبة في المصنف 7/517 والطحاوي في شرح المعاني الآثار 4/228.
(2) هو شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي يكنى أبا بسطان المتوفى سنة160هـ مجمع على حفظه وإتقانه وورعه وصلاحه ترجمته في تهذيب الكمال 2 1/ 479 وتهذيب التهذيب 4/238 والتقريب.
وممن طعن في هذا الحديث من أهل العلم أبو زرعة حيث وهم أبا الأحوص بقلبه الإسناد وتصحيفه في المتن ومخالفته لما رواه الناس، وقد سأل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: هذا خطأ في الإسناد والكلام. انظر العلل لابن أبي حاتم 2/24، 25 ونصب الراية 4/309.أما أبو عبد الرحمن النسائي فقال في بعض روايته لهذا الحديث: وهذا حديث منكر غلط فيه أبو الأحوص سلام بن سليم. لا نعلم أحداً تابعه عليه من أصحاب سماك بن حرب وسماك ليس بالقوي وكان يقبل التلقين. ونقل عن الإمام أحمد أنه قال: كان أبو الأحوص يخطئ في هدا الحديث، انظر السنن 8/ 319. وسئل الدارقطني عنه فقال: وهم فيه على أبي الأحوص، ووهم فيه أبو الأحوص عن سماك أيضاً ووهم أيضاً في متنه في قوله "ولا تسكروا"والمحفوظ عن سماك أنه قال: "وكل مسكر حرام"، العلل 9/26. وقال في السنن 4/259 (وهم فيه أبو الأحوص في إسناده ومتنه) .اهـ.
(3) هو أبو عبد الله بن محمد بن حنبل الشيباني المتوفى سنة 341 هـ إمام أهل السنة لا يسأل عن مثله. ترجمته في تهذيب الكمال 1/437 وتذكرة الحفاظ 2/ 341 وطبقات الحنابلة 1/ 4.(36/412)
(1) ابن بريدة اثنان تؤمان أحدهما يسمى سليمان والآخر يسمى عبد الله وكلاهما رويا عن أبيهما بريدة بن الحصيب رضي الله عنه وهما ثقتان إلا أنني لم أقف في ترجمتيهما أن القاسم بن عبد الرحمن أخذ عنهما وكذلك وقفت على ترجمة القاسم ولم أجد فيها أنه روى عنهما. ترجمتهما في تهدب الكمال 11/370 وتهذيب التهذيب 4/ 174 و5/ 257 والتقريب.
(2) هو بريد بن الحصيب بن عبد الله الأسلمي يكنى أبا عبد الله مات سنة 63 هـ غزى مع النبي صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة وهو من أهل بيعة الرضوان. ترجمته في الاستيعاب 1/ 185 وأسد الغابة 1/ 209 والإصابة 1/146.
(3) الحديث بهذا الإسناد لم يثبت اتصاله لكوني لم أقف على اتصال بين القاسم بن عبد الرحمن وابن بريدة إلا ما سأذكره عن بعض أهل العلم تقليداً لهم وثقة بهم لكن ذكر ابن أبى حاتم في كتابه العلل 2/25 أن أبا زرعة سمع الإمام أحمد يقول عن حديث أبي الاحوص عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة.خطأ الإسناد والكلام وقال (فأما الإسناد فإن شريك وأيوب ومحمد أبنى جابر روياه عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كماه رواه الناس: "فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرا"قال أبو زرعة: (كذا أقول هذا خطأ. أما الصحيح حديث ابن بريدة عن أبيه) . اهـ.
وقال أبو زرعة أيضاً: وقد روى هذا الحديث عن ابن بريدة عن أبيه. أبو سنان بن ضرة، وزبيد اليامي، عن محارب بن دثار، وسماك بن حرب، والمغيرة بن سبيع، وعلقمة بن مرشد، والزبير بن عدي، وعطاء الخراساني، وسلمة بن كهيل، كلهم عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدالكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية، ولا تشربوا مسكراً ".(36/413)
وفي حديث بعضهم قال: واجتنبوا كل مسكر. ولم يقل أحد منهم: ولا تسكروا. وقد بان وهم حديث الأحوص من اتفاق هؤلاء ... على ما ذكرنا خلافه. انظر العلل 2/ 24، 25، ونصب الراية 4/ 309 وقال الدارقطني في العلل 6/26. إنما روى هذا الحديث سماك عن القاسم عن ابن بريدة عن أبيه وقال في السنن 4/259 (وهذا هو الصواب، والله أعلم) . اهـ. وهذه متابعات لرواية القاسم عن ابن بريدة. فاثبت هؤلاء الأئمة الأعلام والثقات النقاد أبو عبد الله أحمد بن حنبل وأبو زرعة الرازي وأبو الحسن الدارقطني رواية القاسم بن عبد الرحمن عن ابن بريدة فالقول قولهم. والعهدة عليهم. والله يغفر لنا ولهم.
(1) القائل هو أبو عبد الله أحمد بن حنبل وانظر شيئاً من كلامه في كتاب العلل لابن أبي حاتم 2/ 25 وقوله (فدرس) أي خلق.
(2) يكنى أبا أيوب وتوفي سنة 219 هـ وقيل 220 هـ هو أحد شيوخ الإمام أحمد، ويؤثر عن أحمد أنه قال: لو قيل لي أختر للأمة رجلاً استخلفه عليهم استخلفت عليهم سليمان بن داود الهاشمي. اهـ. وهو من سلالة عبد الله بن عباس رضي الله عنهم وقد أجتمع فيه الدين والعقل والنسب فحق لأبي عبد الله أن يرشحه خليفة للمسلمين. وهو من الثقات. ترجمته وتهذيب الكمال ا 1/ 410 وتهذيب التهذيب 4/187 والتقريب.(36/414)
(1) حديث ابن بريدة عن أبيه حديث صحيح رواه الجماعة إلا البخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم عن ثلاث. وأنا آمركم بهن: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإن زيارتكم تذكرة، ونهيتكم عن الأشربة أن تشربوا إلا في ظروف الأديم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكراً، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي أن تأكلوها بعد ثلاث فكلوا واستمتعوا في أسفاركم " وهدا لفظ أبي داود في كتاب الأشربة باب في الأوعية 4/97 وفي صحيح مسلم كتاب الأضاحي رقم 37. "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدالكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا ً".
وانظر أيضاً كتاب الأشربة منه رقم 63، 64، 65، وانظر سنن الترمذي كتاب الأشربة باب ما جاء في الرخصة أن ينبذ في الظروف 6/ 144 والنسائي في الأشربة 8/319 وابن ماجة في الأشربة باب ما رخص فيه من ذلك 2/1127 مختصراً، ومسند أحمد 5/350، 355، 356، 359. ومصنف ابن أبي شيبة 7/517 وسنن الدارقطني 4/259 وسنن البيهقي 8/298.
(2) هو عروة بن الحارث الكوفي أبو فروة الأكبر من ثقات التابعين روى عن المغيرة بن سبيع. قال المزي: (روى له البخاري مقروناً بغيره، ومسلم وأبو داود والنسائي) . ترجمته في تهذيب الكمال 20/ 6 وتهذيب التهذيب 7/178 والتقريب.
(3) هو العجلي، روى عن عبد الله بن بريدة، وعنه أبو فروة الهمداني من ثقات التابعين وحديثه عند الترمذي والنسائي وابن ماجة. ترجمته في تهذيب الكمال 28/ 362 وتهذيب التهذيب 0 1/ 466 والتقريب.
(4) سبقت ترجمته وترجمة ابنيه ص131.(36/415)
(1) العجلي أبو زكريا الكوفي توفي سنة 188 هـ وقيل 189 هـ روى عن سفيان الثوري وغيره وعنه خلق كبير. سريع الحفظ سريع النسيان، أصيب بالفالج فتغير حفظه، ويخطئ في حديثه كثيراً فلا يحتج بما تفرد به. وقال عنه ابن حجر: (صدوق عابد يخطئ كثيراً وقد تغير) . ترجمته في تهذيب الكمال 32/55 وتهذيب التهذيب 11/6 30 والكواكب النيرات ص 436 وميزان الاعتدال 4/ 416 وتاريخ بغداد 14/120 والتقريب.
(2) القرشي الأموي يكنى أبا خالد الكوفي المتوفي سنة 207 هـ روى عن سفيان الثوري أحاديث بواطيل، واتفق أهل العلم على عدم الأخذ بروايته حتى قال الإمام أحمد لما سئل عنه: (لم أخرج عنه في المسند شيئاً) . ترجمته في تهذيب الكمال 18/107 وتهذيب التهذيب6/ 329 والتقريب.
(3) هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الإمام الحجة المتفق على ثقته وحفظه وفقهه وزهده روى عن منصور بن المعتمر وغيره وعنه يحيى بن يمان وغيره. توفي سنة 161 هـ. ترجمته في تهذيب الكمال 11/154 - 169 وتهذيب التهذيب 4/ 11 وسير أعلام النبلاء 7/229.
(4) هو منصور بن المعتمر أبو عتاب الكوفي المتوفي سنة 132 هـ روى عن خالد بن سعد وعنه سفيان الثوري من الصوامين القوامين ثقة حافظ. ترجمته في تهذيب الكمال 28/546-555 وتهذيب التهذيب 10/ 312 والتقريب.
(5) الكوفي مولى أبي مسعود الأنصاري البدري روى عن مولاه أبي مسعود وعنه منصور بن المعتمر. ثقة ترجمته في تهذيب الكمال 8/79 وتهذيب التهذيب 3/94 والتقريب.(36/416)
(1) هو البدري عقبة بن عمرو بن ثعلبة قال أبو عمر: يعرف بالبدري لأنه سكن أو نزل ماء ببدر، وشهد العقبة، ولم يشهد بدراً عند جمهور أهل العلم بالسير. وقد قيل: إنه شهد بدراً والأول أصح انتهى. لكن ذكر الحافظ أن البخاري جزم أنه شهد بدراً بناء على أحاديث أخرجها في صحيحه وفي بعضها التصريح بشهوده بدراً. توفي بعد سنة 40 هـ. ترجمته في الاستيعاب 4/ 1756 وأسد الغابة والإصابة 2/ 490.
(2) ضعيف الإسناد لما عرفت من حال يحيى بن يمان وعبد العزيز بن أبان والحديث رواه النسائي في الأشربة باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر 8/ 325. من طريق يحيى بن يمان به. وقال (وهذا خبر ضعيف لأن يحيى بن يمان انفرد به دون أصحاب سفيان ويحيى بن يمان لا يحتج بحديثه لسوء حفظه وكثرة خطئه) .
ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 219 من طريق يحيى بن يمان به… والدارقطني في السنن كتاب الأشربة 4/263 من طريق يحيى بن يمان وساقه من طريق زيد بن الحباب عن سفيان به فيكون متابعاًَ ليحيى بن يمان إلا أنه قال: عقبة (لا يصح هذا عن زيد بن الحباب عن الثوري، ولم يروه غير اليسع بن إسماعيل وهو ضعيف، وهذا حديت معروف بيحيى بن يمان، ويقال إنه انقلب عليه الإسناد، واختلط عليه بحديث الكلبي عن أبي صالح والله أعلم) .
كما ساقه أيضاً من طريق عبد العزيز بن أبان عن سفيان به وقال في آخره (عبد العزيز بن أبان متروك الحديث) السنن 4/264.
وقد ساقه أيضاً من طريق إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن يحيى بن يمان به وذكر والبيهقي في السنن 8/304 أن لفظ حديث الشهيدي مختصر ثم ذكره.
ورواه الطبراني في المعجم الكبير 17/243 من طريق يحيى بن يمان به عن منصور به. وانظر العلل المتناهية لابن الجوزي 2/187 والأباطيل والمناكير للجوزقاني 2/ 226، 227 وتهذيب التهذيب 4/ 94.(36/417)
(1) سبق ذكر قول الدارقطني في السنن 4/264 في هذا وانظر العلل له 6/192، 193 وقد استنكر أبو حاتم وأبوزرعة الرازيان هذا الحديث وعزوا الخطأ فيه إلى يحيى بن اليمان وذكرا أن الحديث روي عن سفيان عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة عن النبي صلى الله عليه وسلم. انظر العلل لابن أبي حاتم 2/25 وقد خطأ يحيى بن اليمان في هذا الحديث الحافظ ابن نمير وانظر قوله في الكامل لابن عدي 3/ 900.
وقال البخاري في حديث يحيى بن يمان هذا لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم انظر الكامل لابن عدي 3/ 899 والسنن للبيهقي 8/ 304.
وضعف صاحب التنقيح هذا الحديث لتفرد ابن اليمان به دون أصحاب الثوري انظر نصب الراية 4/308. وأسند والبيهقي في السنن 8/ 304 عن أبي موسى قال: ذكرت لعبد الرحمن بن مهدي حديث سفيان عن منصور في النبيذ؟ قال: لا تحدث بهذا. قال الشيخ: وقد سرقه عبد العزيز بن إبان فرواه عن سفيان وسرقه اليسع بن إسماعيل فرواه عن زيد بن الحباب عن سفيان وعبد العزيز بن أبان متروك، واليسع بن إسماعيل ضعيف الحديث. اهـ.
(2) يشير المؤلف رحمه الله إلى مسألة السلام في الصلاة عند الأحناف هل هو من فروضها أو من سننها, وقد ذكر الطحاوي فيها قولين:
أحدهما: أنه فرض فلو انصرف من صلاته بغير تسليم فصلاته باطلة لقوله صلى الله عليه وسلم:"تحليلها التسليم".
والثاني: أنه سنة وأهل هذا القول افترقوا على قولين: فمنهم من قال إذا قعد مقدار التشهد فقد تمت صلاته وإن لم يسلم.(36/418)
ومنهم من قال: (إذا رفع رأسه من آخر سجدة من صلاته فقد تمت صلاته، وإن لم يتشهد ولم يسلم) . انظر شرح معاني الآثار 1/273 ورجح الطحاوي أن التسليم من سنن الصلاة ولا من صلبها وأن الصلاة تتم بدونه.. حيث قال: (فثبت بذلك أن لصلاة تتم بغير تسليم، وأن التسليم من سننها لا من صلبها، فكان تصحيح معاني الآثار في هذا الباب يوجب ما ذهب إليه الذين قالوا: لا تتم الصلاة حتى يقعد مقدار التشهد) . شرح معاني الآثار 1/276. ودليلهم لهذا حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وعلمه التشهد ثم قال:"فإذا فعلت ذلك أو قضيت هذا فقد تمت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد"شرح معاني الآثار 1/275.
(1) يشير المؤلف رحمه الله إلى حديث علي رضي الله عنه الذي رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/273 والدارقطني في سننه 1/360 والبيهقي في سننه2/173 من طريق أبى عاصم عن أبي عوانة عن الحكم عن عاصم بن ضمرة عن علي قال: (إذا رفع رأسه من آخر سجدة فقد تمت صلاته) هذا لفظ الطحاوي أما لفظ الدارقطني (قال إذا قعد قدر التشهد فقد تمت صلاته) . ولفظ البيهقي (قال إذا جلس مقدار التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته) ثم قال: (عاصم بن ضمرة ليس بالقوي) .وقال صاحب التعليق المغني على الدارقطني 1/ 360 (تفرد به أبو عوانة عن الحكم ولم يروه عنه غير أبي عاصم, وفي سماع الحكم من عاصم نظر) .اهـ.
وروى الطحاوي بإسناده في شرح معاني الآثار 1/274 عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى الإمام الصلاة فقعد فأحدث هو أو أحد ممن أتم الصلاة معه قبل أن يسلم الإمام فقد تمت صلاته فلا يعود فيها".
وفي رواية عنه 1/275 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وعلمه التشهد. وقال: "فإذا فعلت ذلك أو قضيت هذا فقد تمت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد".(36/419)
وقد أخرج أبو داود في الصلاة باب الإمام يحدث بعدما يرفع رأسه من آخر ركعة 1/410. والترمذي في الصلاة باب ما جاء في الرجل يحدث في التشهد 2/75 والدارقطني في السنن 1/379 والبيهقي في السنن 2/176حديث عبد الله بن عمر وهذا من طريق عبد الرحمن بن زياد الأفريقي وهو متكلم فيه قال الترمذي إسناده ليس بذاك القوي، وقد اضطربوا في إسناده. وقال الدارقطني عبد الرحمن بن زياد ضعيف لا يحتج به. وقال البيهقي: فإنه لا يصح وعبد الرحمن ينفرد به وهو مختلف عليه في لفظه وعبد الرحمن لا يحتج به، كان يحيى وعبد الرحمن بن مهدي لا يحدثان عنه لضعفه وخرجه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما من الحفاظ) .
(1) يشير المؤلف رحمه الله إلى مذهب الكوفيين من الأحناف ومن تابعهم من الشافعية على ذلك من اسم الخمر والقائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب خاصة.وقد قرر الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/214، 215 وصاحب الهداية في الهداية 4/108 أن الخمر من العنب خاصة، وادعى صاحب الهداية أن ذلك هو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم. أما الطحاوي فقال (ونحن نشهد على الله عز وجل أنه حرم عصير العنب إذا حدث فيه صفات الخمر ولا نشهد عليه أنه حرم ما سوى ذلك إذا حدث فيه مثل هذه الصفة ... هذا هو النظر عندنا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله غير نقيع الزبيب والتمر خاصة فإنهم كرهوا) .
وحكى الرافعي أن أكثر الشافعية ذهبوا إلى أن الخمر حقيقة فيما يؤخذ من العنب, مجاز في غيره وقد خالف الرافعي غيره من الشافعية في هذا النقل انظر فتح الباري 10/49.(36/420)
(1) رواه البخاري في كتاب الأشربة باب الخمر من العنب وغيره 10/ 35 وفي باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب 10/46 مع الفتح ومسلم في كتاب التفسير باب في نزول تحريم الخمر رقم 32، 33 عن عمر رضي الله عنه أنه قام على المنبر فقال: أما بعد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل. وهذا لفظ البخاري.
قال الحافظ في الفتح 10/46 (هذا الحديث أورده أصحاب المسانيد والأبواب في الأحاديث المرفوعة, لأن له عندكم حكم الرفع, لأنه خير الصحابي شهد التنزيل أخبر عن سبب نزولها، وخطب به عمر على المنبر بحضرة كبار الصحابة وغيرهم فلم ينقل عن أحد منهم إنكاره, وأراد عمر بنزول تحريم الخمر الآية المذكورة في أول كتاب الأشربة وهي آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِر} إلى آخرها. فأراد عمر التنبيه على أن المراد بالخمر في هذه الآية ليس خاصاً بالمتخذ من العنب بل يتناول المتخذ من غيرها. اهـ. قلت: هذا المفهوم الذي سطره الحافظ عن عمر رضي الله عنه ووافقه عليه الأثرم وغيره من أهل العلم جاء صريحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن من العنب خمراً، وإن من التمر خمراً، وإن من العسل خمراً، وإن من البر خمراً، وإن من الشعير خمرا ً".(36/421)
وفي رواية:"إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة، وإني أنهاكم عن كل مسكر". رواه أبو داود في الأشربة باب الخمر مما هي 4/83، 84 وهذا لفظه. ورواه الترمذي في الأشربة باب ما جاء في الحبوب التي يتخذ منها الخمر 6/145 وقال عنه حديث غريب وابن ماجة في الأشربة باب ما يكون منه الخمر 2/1121 ورواه النسائي في كتاب الوليمة من السنن الكبرى (تحفة الأشراف 9/25) وابن حبان في صحيحة (الإحسان 7/384) وكذلك ورد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عند أحمد 3/112 بلفظ "الخمر من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والذرة فما خمرت من ذلك فهي الخمر" وصحيح إسناده ابن حجر في الفتح 1/ 46 وقال: أخرجه أبو يعلى من هذا الوجه بلفظ "حرمت الخمر يوم حرمت وهي"فذكرها وزاد (الذرة) ثم ذكر أيضاً أن أحمد أخرج حديثاً لأنس بسند صحيح عنه قال:"الخمر من العنب والتمر والعسل".
قلت: بل قد ثبت في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه قال: (حرمت علينا الخمر حين حرمت وما نج- يعني- بالمدينة خمر الأعناب إلا قليلاً وعامة خمرنا البسر والتمر) . رواه البخاري في الأشربة باب الخمر من العنب وغيره.1/35، وثبت من حديث ابن عمر أنه قال: نزل تحريم الخمر وإن في المدينة يومئذ لخمسة أشربة مافيها شراب العنب. رواه البخاري في التفسير باب الخمر والميسر الآية 8/276 فهذه تفيد الرد على من قال بخصوصية الخمر منها. أي من العنب.
(1) رواه مسلم في الأشربة 3/1573 رقم 13، 14من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً كما ذكر المؤلف. وفي رواية عنه: الكرمة والنخلة. وفي رواية عنه: الكرم والنخل.
(2) سورة النحل آية 67.(36/422)
(1) قال المازري: (أجمعوا على أن عصير العنب قبل أن يشتد حلال، وعلى أنه إذا اشتد وغلا، وقذف بالزبد حرم قليله وكثيره، ثم لو حصل له تخلل بنفسه حل بالإجماع أيضاً، فوقع النظر في تبدل هذه الأحكام عند هذه المتخذات فأشعر ذلك بارتباط بعضها ببعض، ودل على أن علة التحريم الإسكار، فاقتضى ذلك أن كل شراب وجد فيه الإسكار حرم تناول قليله وكثيره) . فتح الباري 10/43.
قال ابن حجر. (وما ذكره استنباطاً ثبت التصريح به في بعض طرق الخبر) ، تم ساق الأخبار وقال أبو المظفر السمعاني: ثبتت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم المسكر.. والأخبار في ذلك كثيرة ولا مساع لأحد في العدول عنها والقول بخلافها فإنها حجج قواطع. قال: وقد زل الكوفيون في هذا الباب ورووا أخباراً معلولة لا تعارض هده الأخبار بحال، ومن ظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب مسكراً فقد دخل في أمر عظيم وباء بإثم كبير) فتح الباري 10/43.
قال الخطابي: (زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب. فيقال لهم إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمراً عرب فصحاء، فلو لم يكن هدا الاسم صحيحاً لما أطلقوه) فتَح الباري 10/ 48.
وقال ابن عبد البر: قال الكوفيون أن الخمر من العنب لقوله تعالى {أَعْصِرُ خَمْراً} فدل على أن الخمر هو ما يعتصر لا ما ينتبذ. قال: ولا دليل فيه على الحصر. وقال: أن أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الحديث قالوا كلهم: كل مسكر خمر. وحكمه حكم ما اتخذ من العنب، ومن الحجة لهم أن القرآن لما نزل تحريم الخمر فهم الصحابة وهم أهل اللسان أن كل شيء يسمى خمراً يدخل في النهي فأراقوا المتخذ من التمر والرطب، ولم يخصوا ذلك بالمتخذ من العنب، وعلى تقدير التسليم فإذا ثبت تسمية كل مسكر خمراً من الشرع كان حقيقة شرعية وهي مقدمة على الحقيقة اللغوية. فتح الباري10/48.
(2) انظر تخريجه فيما سق ص 123.(36/423)
(1) رواه البخاري في الأشربة باب الخمر من العنب وغيره 10/ 5 3 مع الفتح وباب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب. 1/45 مع الفتح ومسلم في التفسير باب نزول تحريم الخمر 4/ 2322 رقم 32.
(2) انظر قول ابن مسعود وغيره فيما سبق ص 127، 128.
(3) على وزن عظيم بفاء وضاد معجميتين وفي آخره خاء معجمه أيضاً اسم للشراب المتخذ من البسر بعد شدخه انظر النهاية في غريب الحديث 3/453 وفتح الباري 10/38.
(4) بمعنى "أراقوا"قال ابن الأثير في النهاية 3/.26 (والهاء في هراق بدل من همزة أراق. يقال: أراق الماء يريقه، وهراقه يهريقه بفتح الهاء هراقة. ويقال فيه: أهرقت الماء أهرقه إهراقاً.
(5) رواه أحمد في الأشربة ص 38 رقم 23 عن إبراهيم بن أبي العباس عن شريك عن عياش العامري عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"الخمر حرام بعينها قليلها وكثيرها وما أسكر من كل شراب"ورواه أيضاً ص 59 رقم 109 عن محمد بن جعفر عن شعبة عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال: إنما حرمت الخمر بعينها والمسكر من كل شراب. قال أبو القاسم: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: شريك ربما حدث المسكر، وربما حدث السكر.
ورواه النسائي في الأشربة باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر 8/ 320، 321 موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما من عدة طرق وبألفاظ مختلفة:
الطريق الأول. أخرجها عن طريق ابن شبرمة يذكره عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن ابن عباس قال: حرمت الخمر قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب. وتعقب هذه الطريق بقوله: ابن شبرمة لم يسمعه من عبد الله بن شداد.(36/424)
الطريق الثانية: أخرجها من طريق هشيم عن ابن شبرمة من قال حدثني الثقة عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال: حرمت الخمر بعينها قليلها وكتيرها والسكر من كل شراب. وتعقب هذا الطريق بقوله: (وهشيم بن بشير كان يدلس وليس في حديثه ذكر السماع من ابن شبرمة) .
الطريق الثالثة: أخرجها من طريق أبي عون محمد بن عبد الله الثقفي ت واعتبرها مخالفة لطريق هشيم، وذكر لها لفظين:
أحدهما: مثل لفظ رواية هشيم. وقد ساقها من طريق أحمد بن حنبل عن محمد نه جعفر عن شعبة عن مسعر عن أبي عون به.
وثانيهما: من طريق أحمد بن حنبل عن إبراهيم بن أبي العباس عن شريك عن العباس بن ذريح عن أبي عون به بلفظ (حرمت الخمر قليلها وكثيرها وما أسكر من كل شراب) . وقال عقب هذه الرواية (وهذا أولى بالصواب من حديث ابن شبرمة) . ورواية أبي عون أشبه لما رواه الثقات عن ابن عباس.
وطريق شعبة عن مسعر عن أبي عون التي أخرجها النسائي بلفظ طريق هشيم وتكلم عليها الأثرم هنا. أخرجها الدارقطني في سننه في كتاب الأشربة 4/256 من طريق أحمد بن حنبل كما عند النسائي لكن بلفظ: (إنما حرمت الخمر والمسكر من كل شراب) وهي موافقة لما رواه أحمد في الأشربة ونقل الدارقطني عن موسى بن هارون قوله (وهذا هو الصواب عن ابن عباس لأنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم "كل مسكر حرام"، وروى عنه طاووس وعطاء ومجاهد. "وما أسكر كثيره فقليله حرام"، ورواه عنه قيس بن جبير وكذلك فتيا ابن عباس في المسكر) انتهى.
وطريق هشيم عن ابن شبرمة رواها البزار في مسنده عن محمد بن حرب عن أبي سفيان الحميري عن هشيم عن ابن شبرمة عن عمار الدهني عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس موقوفاً.(36/425)
قال البزار: وقد رواه أبو عون عن عبد الله بن شداد. ورواه عن أبي عون مسعر والثوري وشريك. ولا نعلم رواه عن ابن شبرمة عن عمار الدهني عن ابن شداد عن ابن عباس إلا هشيم. ولا من هشيم إلا أبو سفيان، ولم يكن هدا الحديث إلا عند محمد بن حرب _ وكان وسطياً ثقة _ حدثنا زيد بن أخرم أبو طالب الطائي ثنا أبو داود ثنا شعبة عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد فذكره.
حدثنا أحمد بن منصور ثنا يزيد بن أبي حكيم ثنا سفيان عن أبي سلمة عن أبي عون عن ابن شداد عن ابن عباس. قال: وشعبة يقول: والمسكر، وقد رواه جماعة عن أبي عون فاقتصرنا على رواية مسعر، ولا نعلم روى الثوري عن مسعر حديثاًَ مسنداً إلا هذا الحديث. انتهى نصب الراية 4/307.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس موقوفاً قال:"حرمت الخمر بعينها القليل منها والكثير والسكر من كل شراب".كذا نص الرواية في نصب الراية 4/307 لكن الذي في مجمع الزوائد 5/53 "والمسكر من كل شراب". قال الهيثمي: عزاه صاحب الأطراف إلى النسائي ولم أره. رواه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح.
ورواه أبو نعيم في الحلية 7/ 224 في ترجمة مسعر بن كدام ومن طريقه عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال: حرمت الخمر بعينها القليل منها والكثير والمسكر من كل شراب.
قال أبو نعيم عقبه (رواه عن مسعر سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج وسفيان وإبراهيم أبناء عيينة، ورفعه سفيان بن عيينة عن مسعر فقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم وتفرد شعبة بلفظه عن مسعر فيه فقال: والمسكر من كل شراب. اهـ.(36/426)
ورواه البيهقي في السنن الكبرى 8/297 من طريق أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال:حرمت الخمر بعينها القليل منها والكثير، والسكر من كل شراب.وتعقبه بقوله: والمراد بالسكر المذكور فيه المسكر) . وذكر رواية أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة عن مسعر عن أبي عون به كما سبق عند النسائي بلفظ "قال حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب". ثم قال: (وكذلك رواه عن أحمد بن حنبل موسى بن هارون وكذلك روى عن عياش العامري عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس "والمسكر من كل شراب"وعلى هذا يدل سائر الروايات عن ابن عباس) . اهـ. السنن الكبرى كتاب الأشربة 8/298.
وقد ورد هذا الحديث عن ابن عباس من طريق أخرى ذكرها الطبري في التهذيب قال: ثنا محمد بن موسى الحرشي ثنا عبد الله بن عيسى ثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال:"حرم الله الخمر بعينها والسكر من كل شراب"ذكر هذه الرواية ابن التركماني في الجوهر النقي 8/297 ثم قال: وروى أبو حنيفة في مسنده عن عون بن أبي حنيفة قال: قال ابن عباس: "حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب"انتهى. وهذه طريق ثالثة.
وقد ذكر ابن حجر رحمه الله في الفتح 10/73 حديث ابن عباس من أدلة الطحاوي التي اعترض بها وذكر أنه مرفوعاً ولكن قال:) قلت: وهو حديث أخرجه النسائي ورجاله ثقات, إلا أنه اختلف في وصله وانقطاعه، وفي رفعه ووقفه، وعلى تقدير صحته فقد رجح الإمام أحمد وغيره أن الرواية فيه بلفظ (والمسكر) بضم الميم, وسكون السين لا (السكر) بضم ثم سكون أو بفتحتين, وعلى تقدير ثبوتها فهو حديث فرد ولفظه محتمل, فكيف يعارض عموم تلك الأحاديث مع صحتها وكثرتها) . انتهى.(36/427)
(1) هو مسعر بن كدام الهلالي العامري الكوفي يكنى أبا سلمة روى عن أبى عون محمد بن عبيد الله الثقفي الكوفي الأعور وعنه السفيانان وشعبة وخلق سواهم كان من صفاته كبر رأسه وهو من الثقات وحديثه أخرجه الجماعة توفي سنة 153هـ وقيل 155هـ. ترجمته في تهذيب الكمال 27/ 761-468 تهذيب التهذيب10/113 وتقريب التهذيب.
(2) هو محمد بن عبيد الله الثقفي الكوفي الأعور أبو عون روى عن عبد الله بن شداد بن الهاد وعنه مسعر بن كدام قال المزي: روى له الجماعة سوى ابن ماجة فهو ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 26/38- 41 وتهذيب التهذيب 9/ 322 التقريب.
(3) هو ابن عبد الهاد أبو الوليد المدني روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وعنه أبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي, أخرج حديثه الجماعة وهو معدود في كبار التابعين وثقاتهم وكان مع القراء أيام ابن الأشعث. ترجمته في تهذيب الكمال 15/ 81/ 85 وتهذيب التهذيب 5/ 251 والتقريب.
(4) هو عبد الله بن عباس رضي الله عنه أشهر من أن يعرف به في سطرين ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجمان القرآن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالعلم والفقه. توفي بالطائف سنة 73 هـ. ترجمته في الاستيعاب 3/933 وأسد الغاية 3/290 والإصابة 2/330.
(5) سبق تخريج طرف هذا الحديث. لكن رواية شعبة عن مسعر بلفظ"والمسكر من كل شراب". أخرجها أحمد في الأشربة ص 59 رقم 109 والدارقطني في سننه كتاب الأشربة 4/ 6 5 2 والبزار كما في نصب الراية 4/307 وإبراهيم في حلية الأولياء 7/224 والبيهقي في السنن الكبرى 8/297 وانظر فتح الباري 10/ 73.(36/428)
(1) رواه أحمد في المسند 1/ 24 وفي كتاب الأشربة ص 79 رقم 194 وأبو داود في الأشربة باب في الأوعية 4/96.من طريق أبي أحمد عن سفيان الثوري عن علي بن بديمة عن قيس بن جبير النهشلي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام" وهذا لفظ رواية أحمد في كتاب الأشربة, أما روايته في المسند ورواية أبي داود ففيهما قصة وفد عبد القيس وفيهما النص على قوله "وكل مسكر حرام"وقد حكم الشيخ أحمد شاكر على إسناد رواية أحمد في المسند بالصحة كما في تعليقه عليه 4/158، رقم 1476.
ورواه أبو داود أيضاً في الأشربة باب النهي عن المسكر 4/86 عن محمد بن رافع النيسابوري عن إبراهيم بن عمر الصنعاني قال: سمعت النعمان بن بشير يقول عن طاووس عن ابن عباس مرفوعاً "كل مخمر خمر, وكل مسكر حرام) …الحديث.
ورواه أحمد في كتاب الأشربة ص35 رقم 14 عن زكريا بن عدي عن عبيد الله عن عبد الكريم بن قيس بن جبيرة عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ: أن الله عز وجل حرم عليكم الخمر والميسرة والكوبة، وكل مسكر حرام. وقد أخرج أحمد في كتاب الأشربة هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً في مواطن منه انظر ص 54 رقم 87 وص 67 رقم 146 وص 85 رقم 218 ص88 رقم 230 وانظر سنن الدارقطني كتاب الأشربة 4/256. وذكره ابن حجر في الفتح 10/44 وقال أخرجه أبو داود من طريق جيد.
(2) رواه النسائِي في الأشربة باب الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر 8/ 322 ولفظه (من سرّه أن يحرم إن كان محرماً ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ) .
وروى أحمد في كتاب الأشربة تحريم نبيذ الجر عن ابن عباس رضي الله عنه انظر 48رقم 59 وص54 رقم 88 وص86 رقم221.
(3) ذكر الدارقطني في سننه 4/256 أن طاووساً وعطاء ومجاهداً رووا عن ابن عباس: ما أسكر كثيره فقليله حرام. وروى بسنده عن هؤلاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قليل ما أسكر كثيره حرام.(36/429)
(1) رواه النسائي في الأشربة باب الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر 8/322 وفيه قصة.
(2) رواه البخاري في الأشربة باب الباذق ومن نهى عن كل مسكر من الأشربة 10/62, ورواه أحمد في كتاب الأشربة ص 88 رقم230.
ورواه النسائي في الأشربة باب الأخبار التي اعتل بها من أباح شرب السكر 8/321 كلهم رووه من حديث سفيان عن أبى الجويرية الجرمي عن ابن عباس. وفيه زيادة عند البخاري والنسائي.
ورواه أحمد أيضا في الأشربة ص67 رقم 146 عن محمد بن جعفر عن شعبة عن أبى الجويرية عن ابن عباس يقول: كل مسكر حرام.
ورواه النسائي في الأشربة باب التفسير البتغ والمزر 8/300 عن قتيبة عن أبي عوانة عن أبى الجويرية عن ابن عباس وسئل فقيل أفتنا في الباذق فقال سبق محمد الباذق,"وما أسكر فهو حرام".(36/430)
(1) قال النسائي في كتاب الأشربة باب الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب المسكر 8/326 (ومما احتجوا به فعل عمر رضي الله عنه قال: إذا خشيتم من نبيذ شدته فاكسروه بالماء. وروى بسنده عن سعيد بن المسيب يقول: تلقت ثقيف عمر بشراب فدعا به فكسره بالماء فقال هكذا فافعلوا وأخرج مالك في الموطأ في كتاب الأشربة باب جامع تحريم الخمر 2/847 بسنده عن محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكا عليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها، وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب. فقال عمر: اشربوا هذا العسل. قالوا لا يصلحنا العسل فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئاً لا يسكر؟ قال: نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان، وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه عمر إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط فقال: هذا الطلاء. هذا مثل طلاء الإبل. فأمرهم عمر أن يشربوه. فقال له عبادة بن صامت: أحللتها والله. فقال عمر: كلا والله اللهم أني لا أحل لهم شيئاً حرمته عليهم، ولا أحرم شيئاً أحللته لهم) وهو عند البيهقي في سننه 8/301 وقال ابن حجر في الفتح 10/63 (وأخرج سعيد بن منصور من طريق أبي مجلز عن عامر بن عبد الله قال: كتب عمر إلى عمار أما بعد: فإنه جاءني عير تحمل شراباً أسود كأنه طلاء الإبل فذكروا أنهم يطبخونه حتى يذهب ثلثاه الأخبثان: ثلث بريحه، وثلث ببغيه فمرْ من قبلك أن يشربوه.
ومن طريق سعيد بن المسيب:) أن عمر أحل من الشراب ما طبخ فذهب ثلثاه وبقى ثلثه) وأخرج النسائي من طريق عبد الله بن يزيد الخطمي قال: كتب عمر: (اطبخوا شرابكم حتى يذهب نصيب الشيطان منه، فإن للشيطان اثنين ولكم واحد) قال ابن حجر: وهذه أسانيد صحيحة. اهـ.(36/431)
قلت: وهذه الآثار الثلاثة أخرجها النسائي في الأشربة باب ما يجوز شربه من الطلاء وما لا يجوز 8/329 إلا أن في حديث عامر بن عبد الله أن عمر كتب إلى أبي موسى. وحديث الخطمي أخرجه البيهقي في سننه 8/301. وقول عمر: نشرب هذا النبيذ. الخ أخرجه الدارقطني في سننه 4/259، 260 من حديث عمرو بن ميمون عن عمر قال: إني لأشرب هذا النبيذ الشديد, يقطع ما في بطوننا من لحوم الإبل, وفي رواية: إنا لنشرب النبيذ ليقطع ما في بطوننا من لحوم الإبل أن يؤذينا؟ وهذا عند البيهقي في سننه 8/299 وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف 7/500 من طريق عمرو بن ميمون قال: قال عمر: إنا لنشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن تؤذينا, فمن رابه من شرابه شيء فليمزجه بالماء) . انتهى. وانظر الجوهر النقي 8/299 والمحلى لابن حزم 7/572.
هو يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي من الثقات العباد مات سنة 145هـ وحديثه أخرجه الجماعة. ترجمته في التهذيب 31/3423 والتقريب.
(1) هو الهمداني الثوري الكوفي, توفي في خلافة مروان بن محمد وهو من الثقات قال المزي: روى له الجماعة سوى الترمذي. ترجمته في تهذيب الكمال 15/41 والتقريب.
(2) هو الفقيه الثقة الفاضل عامر بن شراحيل الكوفي أبو عمر علم مشهور مات سنة 103 وقيل 104هـ 105هـ. ترجمته في تهذيب الكمال 14/39 والتقريب.
(3) سبق تخريجه ص إلا أنه لم يرد من طريق عبد الله بن أبي السفر وإنما من طريق أبي حيان التيمي عن الشعبي به.
(4) سبق تخريجه في ص 139.
(5) يشير إلى قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} الآية [النساء/43] .(36/432)
(1) يشير المؤلف إلى قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} . [المائدة/ 90- 1 9] .
(2) يشير المؤلف إلى قوله تعالى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} . [الأنعام/ 146] .
(3) انظر صحيح البخاري كتاب البيوع باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه 4/ 414 من حديت عمر وأبي هريرة. وانظر باب بيع الميتة والأصنام منه 4/ 424 من حديت جابر. وانظر كتاب أحاديث الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل 6/ 496 من حديت عمر. وانظر كتاب التفسير باب وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر الآية 8/295 من حديث جابر.
انظر تخريجه ص 139.
(4) رواه البخاري في الأشربة باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب 10/ 45 مع الفتح ومسلم في التفسير باب في نزول تحريم الخمر 4/2322 رقم 32. كلاهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أما بعد: ألا وإن الخمر نزل تحريمها يوم نزل وهي من خمسة أشياء. الحديث وهذا لفظ مسلم. وفي رواية للبخاري: قال عمر: الخمر تصنع من خمسة ... الحديث.
وفي رواية لمسلم (فإنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة) . الحديث.
(5) سبق تخريجه ص 128.(36/433)
(1) صحابي جليل ويعتبر من صغارهم حج مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وهو ابن سبع سنين وولاه عمر رصي الله عنهما عاملاً له على سوق المدينة، وقيل هو آخر من مات من الصحابة بالمدينة. ترجمته في الاستيعاب 2/576 والإصابة 2/12, 13.
(2) رواه مالك في الموطأ كتاب الأشربة باب الحد في الخمر 2/ 842 عن ابن شهاب به نحوه ورواه النسائي في الأشربة 8/ 326 والدارقطني في سننه في كتاب الأشربة 4/248، 261، وأخرجه البخاري في صحيحه معلقا في الأشربة باب الباذق 10/62 مع الفتح.
وقال عمر: (وجدت من عبيد الله ريح شراب وأنا سائل عنه، فإن كان يسكر جلدته) قال ابن حجر في الفتح 10/65 بعد أن عزاه إلى مالك (وسنده صحيح) ثم قال: (وأخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن الزهري سمع السائب بن يزيد يقول: قام عمر على المنبر فقال: (ذكر لي أن عبيد الله بن عمر وأصحابه شربوا شراباً، وأنا سائل عنه فإن كان يسكر حددتهم) . قال ابن عيينة: فأخبرني معمر عن الزهري عن السائب قال: (فرأيت عمر يجلدهم) .
وذكر أن عبد الرزاق بين في روايته إن الذي شربه يسكر قال في روايته عن معمر عن الزهري عن السائب شهدت عمر صلى على جنازة ثم أقبل علينا فقال: (إني وجدت من عبيد الله بن عمر ريح شراب، وإني سألته عنه فزعم أنه الطلاء، وإني سائل عن الشراب الذي شرب فإن كان مسكراً جلدته. قال: فشهدته بعد ذلك يجلده) . وهذه الرواية أخرجها البيهقي في السنن الكبرى 8/315.
وقد أخرج أحمد في كتاب الأشربة ص 3 5 رقم 85 عن أبي سعيد مولى بني هاشم عن سليمان بن بلال عن ربيعة عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب صلى على جنازة فأخذ بيد ابن له فقال: يا أيها الناس إني وجدت من هذا ريح الشراب, وإني سائل عنه فإن كان يسكر جلدته. قال السائب: (فلقد رأيت عمر جلد ابنه بعد الحد الثمانين) .(36/434)
(1) هو الثقة الثبت أبو عثمان المدني مات سنة 144هـ من سادات القوم وأشرافهم وأخرجه حديثه الجماعة. ترجمته في التهذيب 19/124.
(2) رواه البيهقي في السنن الكبرى في كتاب الأشربة باب ما جاء في الكسر بالماء 8/ 306 من حديث عبد الله بن أحمد عن يحيى بن معين عن المعمر بن سليمان عن أبيه عن عبيد الله بن عمر.
(3) هو عبد الرحمن بن عمرو يكنى أبا عمرو (إمام أهل الشام في زمانه في الحديث والفقه) . قال ابن مهدي: (ما كان بالشام أحداً أعلم بالسنة من الأوزاعي) روى حديثه الجماعة وكانت وفاته سنة 157هـ بالحمام. انظر ترجمته في تهذيب الكمال 17/307 _ 315.
(4) هو الأودي وقيل الإِيامي, الكوفي المتوفى سنة 131 هـ وهو من الثقات الزهاد وحديثه عند الجماعة. وانظر ترجمته في تهذيب الكمال 24/ 575 والتقريب.
(5) رواه النسائي في الأشربة باب الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب المسكر8/ 326 عن أبى بكر بن علي عن أبي خيثمة عن عبد الصمد عن محمد بن جحادة عن إسماعيل بن خالد عن قيس بن أبي حازم عن عتبة بن فرقد قال: كان النبيذ الذي يشربه عمر بن خطاب قد خلل. قال البيهقي: ويذكر عن قيس بن أبي حازم عن عتبة بن فرقد قال: (كان النبيذ الذي يشربه عمر رضي الله عنه قد تخلل) .
(6) هو عتبة بن فرقد السلمي يكنى أبا عبد الله أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وصاحب رواية عنه ولاه عمر رضي الله عنه بعض فتوحات العراق. ترجمته في الاستيعاب 3/1029 والإصابة 2/455.
(7) رواه الدارقطني في سننه كتاب الأشربة 4/ 260 عن يحيى بن صاعد عن عبد الجبار بن العلاء عن مروان بن معاوية عن إسماعيل عن قيس عن عتبة بن فرقد قال: حملت سلالاً من خبيص إلى عمر بن خطاب الخ وفيه: يا عتبة إنا ننحر كل يوم جزوراً فأما وركها وأطايبها فلمن حضرنا من أهل الآفاق والمسلمين, وأما عنقها فلنا نأكلُ هذا اللحم الغليظ الذي رأيت ونشرب عليه من هذا النبيذ يقطعه في بطوننا.(36/435)
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف 7/501 عن وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد به قال: (قدمت عليه فدعا بعس من نبيذ قد كاد يصير خلاً فقال: اشرب فأخذته فشربته فما كدت أن أسغيه، ثم أخذه فشربه ثم قال: يا عتبة إنا نشرب هذا النبيذ الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن تؤذينا) ، وانظر الجوهر النقي بذلك سنن البيهقي 8/299.
(1) الخبيص: هو الخليط.
(2) الإِنكار الذي صدر من عمر هو قوله (فلما وضعتهن بين يديه فتح بعضهن فقال: يا عتبة كل المسلمين يجد مثل هذا؟ قلت: يا أمير المؤمنين هذا شيء يختص به الأمراء. قال: ارفعه لا حاجة لي فيه. وانظر تفصيلاً لذلك أكثر في تاريخ عمر رضي الله عنه لابن الجوزي ص148.
(3) هو عبد الرحمن بن ملّ (بلام ثقيلة والميم مثلة) الكوفي قال المزي (أدرك الجاهلية وأسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصدّق إليه ولم يلقه) .وذكر أن حديثه عند الجماعة. وهو من الثقات العباد مشهور بكنيته وهو من المخضرمين اختلف في سنة وفاته فقيل سنة 95هـ وقيل بعدها. انظر ترجمته في تهذيب الكمال 17/224 والتقريب.
(4) ذكر ابن الجوزي في تاريخ عمر رضي الله عنه ص 147 فأنظره. وقال ابن حجر في الإصابة 2/455 في ترجمة عتبة بن فرقد (وقالوا أبو عثمان النهدي: جاءنا كتاب عمر ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد أخرجاه) انتهى.
(5) هو أبو خالد ويقال أن زيد أسلم القرشي العدوي المدني مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه والد زيد بن أسلم، قال المزي: (أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم …وروى له الجماعة) . اهـ. وهو معدود في كبار التابعين ومن الثقات المخضرمين توفي سنة ثمانين وقيل غير ذلك بعد أن بلغ أربع عشرة ومائة سنة. ترجمته في تهذيب الكمال 2/ 529 والتقريب.
(6) ذكره ابن الحوزي في تاريخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ص 75.(36/436)
(1) هي أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر الخطاب رضي الله عنهما من المهاجرات الصوامات القوامات توفيت في خلافة معاوية سنة 41 هـ وقيل غير ذلك. انظر ترجمتها في الاستيعاب 4/ 1811.
(2) هو أبو الفضل العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم بمكة وكان يكتم إسلامه. ثم أظهر يوم فتح مكة شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنيناً والطائف وتبوك استسقى به عمر فسقوا بأمر الله وكان معظماً في الجاهلية والإسلام توفي قبل قتل عثمان رضي الله عنهما بسنتين وصلى عليه ودفن بالبقيع. . انظر ترجمته في الاستيعاب 2/810.
(3) ذكره ابن الجوزي في تاريخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ص 75، 76 عن سعيد بن المسيب: أن بعيراً من المال سقط فأهدى عمر منه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ثم صنع ما بقى وجمع عليه ناساً من المسلمين فيهم العباس عم رسول الله فقال العباس… الخ.
(4) ذكرها ابن الجوزي في تاريخ عمر رضي الله عنه ص143 عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: أتى عمر بن الخطاب بخبز وزيت فجعل يأكل منه ويمسح بطنه ويقول: والله التمرين أيها البطن ...
(5) هو أبو عبد الله حذيفة بن اليمان أحد أصحاب النبي صلى الله علي وسلم بل صاحب سره توفي سنة 36 هـ وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في الاستيعاب 1/334.
(6) انظر تاريخ عمر رضي الله عنه لابن الجوزي ص 145.
(7) انظر تفصيل هذه المسألة في المغني لابن قدامة 9/65-81. وإعلام الموقعين لابن قدامة 1/374-382.
(8) ذكر ابن القيم رحمه الله إن الذين وافقوا الصديق رضي الله عنه في قوله من الصحابة أربعة عشر صحابياً وذكر منهم أبا موسى وابن عباس وابن الزبير. أما ابن قدامة رحمه الله. فذكرهم بأسمائهم, وذكر أيضا أسماء بعض التابعين ومن بعدهم.(36/437)
(1) أخرج عبد الرزاق في المصنف 9/323 من طريق ابن طاووس عن أبيه أنه قال: أول من قضى في الأذن أبو بكر. خمسة عشر من الإبل لا يضر سمعاً ولا ينقص قوة يغيبها الشعر والعمامة. وأخرج من طريق معمر عن أيوب عن عكرمة أن أبا بكر قضى في الأذن خمسة عشر من الإبل 9/424. وأخرج من طريق قتادة أنه قال: (وقضى فيها أبو بكر بخمسة عشر من الإبل 9/325) . وانظر سنن البيهقي 8/85 والمغني لابن قدامة 12/115.
(2) انظر المغني لابن قدامة 1/334 وهو مروي عن ابن مسعود أيضاً. ويروى أنه رجع عنه.
(3) أخرج البيهقي في سننه 6/289 بسنده (عن أنس أن عمر رضي الله عنه ضمنه وديعة سرقت من بيت ماله) .
(4) انظر المغني 1/362 ويشهد له حديث صفوان بن عسّال المرادي.
(5) ذكرها ابن قدامة في المغني 9/77، 78 وسماها الخرقاء لكثرة الاختلاف فيها فكأن الأقوال خرقتها.
(6) انظر المغني 11/ 195 وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس وأبان بن عثمان وإسحاق بن المنذر ولهم أدلة. انظر إعلام الموقعين 2/88.
(7) انظر المغني لابن قدامة 11/227 وذكر أنه روى عن علي رضي الله عنه من وجه منقطع. كما ذكر أنه مروي أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.
(8) انظر المغني14/585 وهو مروي أيضاً عن ابن عباس وابن الزبير. وهو في مصنف عبد الرزاق 7/291 ومصنف ابن أبى شيبة 6/436, 437 والسنن الكبرى للبيهقي 10/343.
(9) هو أبو المعتمر سليمان بن طرخان التيمي البصري المتوفى 143 هـ. روى عن أنس بن مالك وعنه خلق كثير من أشهرهم سفيان الثوري وابن عيينة وشعبة وغيرهم. من الثقات العباد المجتهدين والحفاظ المتقنين. ترجمته في تهذيب الكمال 12/ 5-12 وتهذيب التهذيب 4/ 201 والتقريب.
(10) هو أبو حمزة أنس بن مالك الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الذين عمّروا. ترجمته في الاستيعاب 1/108 وأسد الغابة 1/ 151 والإصابة 1/ 71.(36/438)
(1) هو أبو نضرة العبدي مشهور بكنيته واسمه المنذر بن مالك بن قطعة روى عن أنس بن مالك وعنه سليمان بن طرخان التيمي توفي سنة ثمان أو تسع ومائة من الثقات العظماء. قال المزي: (استشهد به البخاري في الصحيح، وروى له في القراءة خلف الإمام, وفي الأدب وروى له الباقون. ترجمته في تهذيب الكمال 28/ 508 وتهذيب التهذيب 10/302 والتقريب.
(2) هو الخدري مشهور بكنيته واسمه سعد بن مالك رضي الله عنه من الحفاظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد غزا معه اثنتي عشرة غزوة توفي رضي الله عنه سنة 74 هـ. ترجمته في الاستيعاب 2/602 وأسد الغابة 2/265 والإصابة 2/35.
(3) أما حديت أنس فمن طريق سليمان التيمي عنه لم أقف على صيغة النهي عن الخليطين لكن روى النسائي في الأشربة باب ذكر العلة التي من أجلها نهى عن الخليطين 8/291, 292 عن سويد بن نصر عن عبد الله عن ورقاء بن إياس عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجمع شيئين نبيذاً يبغي أحدهما على صاحبه. الحديث. وأشار إليه الترمذي في الأشربة باب ما جاء في خليط البسر والتمر 6/147 عقب حديث أبي سعيد الآتي. وعزاه المباركفوري في تحفة الأحوذي 3/110 إلى النسائي وأحمد.
وأما حديث أبي سعيد رضي الله عنه فرواه مسلم في الأشربة 3/1574 رقم 20 من طريق سليمان التيمي به مرفوعاً بلفظ: نهى عن التمر والزبيب أن يخلط بينهما وعن التمر والبسر أن يخلط بينهما.
وأحمد في المسند 3/3, 9, 49، 90 والترمذي في الأشربة باب ما جاء في خليط البسر والتمر 6/147 وعنده وعند أحمد زيادة. وأخرجه النسائي في الأشربة باب الترخص في انتباذ التمر وحده 8/293 من طريق أخرى عن أبي سعيد الخدري.(36/439)
(1) هو الأسدي ولاء يكنى أبا يحيى توفي سنة 119هـ روى عن سعيد بن جبير وعنه خلق كثير من أشهرهم الثوري وشعبة تابعي ثقة حجة أخرج حديثه الجماعة لكن وصمه ابن خزيمة وابن حبان بالتدليس. وأرسل عن حكيم بن حزام وأم سلمة وعروة بن الزبير. ترجمته في تهذيب الكمال 5/8 35 وتهذيب التهذيب 2/178 والتقريب.
(2) هو القصاب أبو عبد الله الحماني المتوفى سنة 142 هـ روى عن سعيد بن جبير، وعنه الثوري وشعبة من الشيوخ الثقات. ترجمته في تهذيب الكمال 5/ 386 وتهذيب التهذيب 2/ 188 والتقريب.
(3) أبو محمد الأسدي الوابلي المتوفى سنة 95 هـ تابعي ثقة مشهود له بالفقه والعلم والورع روى عن ابن عباس وعنه حبيب بن أبي ثابت، وحبيب بن أبي عمرة القصاب أرسل عن كثير من الصحابة. ترجمته في تهذيب الكمال 10/358 وتهذيب التهذيب 4/ 11 والتقريب.
(4) ذكر البيهقي في السنن 8/307 أن النهي يحتمل على أمرين:
الأول: (أن يكون إنما نهي عنه لخلطهما سواء بلغ حد الاسكار أو لم يبلغ، وأباح شربه إذا نبذ على حدته) .
والثاني: (أن يكون إنما نهى عنه لأنه أقرب إلى الاشتداد وإذا نبذ على حدته كان أبعد عن الاشتداد فما لم يبلغ حالة الاشتداد في الموضعين جميعاً لا يحرم) . اهـ.
(5) هو أبو بكر البصري المتوفى 4 5 1 هـ الدستوائي نسبة إلى الثياب التي تجلب من دستواء وكان يبيعها روى عن يحيى بن أبي كثير وعنه خلق كثير وهو من الثقات الأثبات والحفاظ المحتج بهم بل كان يلقب بأمير المؤمنين في الحديث. ترجمته في تهذيب الكمال 30/ 215 وتهذيب التهذيب 11/43 والتقريب.
(6) هو يحيى بن أبي كثير الطائي ولاءً يكنى أبي نصر المتوفى 129هـ روى عن عبد الله بن أبي قتادة وعنه هشام الدستوائي. إمام حافظ وثقة حجة لكنه كثير الإرسال والتدليس. ترجمته في تهذيب الكمال 31/ 504 وتهذيب التهذيب 11/268 والتقريب. والمراسيل لابن أبي حاتم ص 240 وجامع التحصيل للعلائي ص 269.(36/440)
(1) هو أبو نعيم الأنصاري السلمي المتوفى 95هـ روى عن أبيه أبي قتادة وعنه يحيى بن أبي كثير من الثقات وحديثه عند الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 15/ 440 وتهذيب التهذيب 5/ 360 والتقريب.
(2) هو الصحابي الجليل أبو قتادة الأنصاري مختلف في اسمه ومشهور بكنيته شهد أحداً وما بعدها. ترجمته في الاستيعاب 4/ 1731 وأسد الغابة 6/ 250 والإصابة 8/158.
(3) أما حديت حبيب بن أبي ثابت عن سعيد عن ابن عباس مرفوعاً فرواه مسلم في الأشربة باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين 3/1576 رقم 27 وأحمد في مسند 1/336 والنسائي في الأشربة باب خليط البسر والتمر 8/ 290. قال: نهى رسول الله أن يخلط التمر والزبيب جميعاً وأن يخلط البسر والتمر جميعاً وكتب إلى أهل جُرِش ينهاهم عن خليط التمر والزبيب وهذا لفظ مسلم ورواه أحمد أيضاً في المسند 1/ 224 من طريق الشيباني عن سعيد بن جبير به مرفوعاً بلفظ "كتب إلى أهل جرش ينهاهم أن يخلط الزبيب والتمر". وأما حديث حبيب بن أبي عمرة القصاب عن سعيد عن ابن عباس فرواه أحمد المسند 1/ 276 والنسائي في الأشربة باب خليط البلح والزهور 8/289 وفي باب خليط التمر والزبيب 8/ 291. وأما حديث هاشم الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة فقد رواه مسلم في الأشربة باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين 3/ 1575 رقم 24 بلفظ (لا تنتبذوا الزهور والرطب جميعاً، ولا تنتبذوا الزبيب والتمر جميعاً وانتبذوا كل واحد منهما على حده) . ورواه البخاري في الأشربة باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر 10/67 من حديث هشام به بلفظ"نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين التمر والزهور, والتمر والزبيب، والنبيذ كل واحد منهما على حده". ورواه أبو داود في الأشربة باب النهي عن الخليطين 4/100 والنسائي في الأشربة باب خليط الرطب والزبيب 8/291 والدارمي في الأشربة باب النهي عن الخليطين 2/ 43 وهو عند ابن ماجة في(36/441)
الأشربة باب في النهي عن الخليطين 2/1125 من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير.
(1) لم أقف عليه.
(2) هو أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي المخزومي المتوفى 102هـ روى عن عائشة رضي الله عنها وعنه خلق كثير لكن أبا حاتم ذكر أن روايته عن عائشة مرسلة وجزم هو وابن معين أنه لم يسمع من عائشة تابعي الثقة ومفسر حافظ وله روايات مرسلة وحديثه عند الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 27/228 وتهذيب التهذيب 10/420 والتقريب والجرح والتعديل 8/319.
(3) لم أقف عليه متناً ولا سنداً لكن روى أبو داود في الأشربة باب في الخليطين 4/101, 102 بسند فيه جهالة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له الزبيب فيلقى فيه تمر أو تمر فيلقى فيه الزبيب. وفي رواية عنها من طريق آخر أن صفية بنت عطية قالت: دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة فسألناها عن التمر والزبيب فقالت كنت اخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في إناء فاْمرسه ثم أسقيه النبي صلى الله عليه وسلم. وانظر السنن الكبرى للبيهقي 8/307, 308.
(4) لم أقف عليه.
(5) رواه مسلم وقد سبق ذكره ص 116.
(6) انظر سنن النسائي 8/325 حديث رقية بنت عمرو بن سعيد قالت كنت في حجر ابن عمر.
(7) رواه مسلم في الأشربة باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين 3/1577 رقم 28, 29 بلفظ: عن ابن عمر أنه كان يقول: قد نهى أن ينبذ البسر والرطب جميعاً والتمر والزبيب جميعاً.
(8) جمع ظرف: بفَتح أوله وهو الوعاء (فتح الباري 10/ 89 5) .
(9) صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدة وجوه انظر صحيح مسلم كتاب الأشربة باب النهي عن الانتباذ في المزفت والدباء والحنتم والنقير 3/ 1577 -1584.(36/442)
(1) انظر سنن النسائي كتاب الأشربة باب الرخصة في الانتباذ في الأسقية التي يلاث على أفواهها 8/292, 293 وفيه "لتنبذوا كل واحد منهما على حدةٍ في الأسقية التي يلاث على أفواهها "..
(2) صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعاً "نهيتَكم عن الظروف. وإن الظروف- أو ظرفاً- لا يحل شيئاً ولا يحرمه كل مسكر حرام". وفي رواية "كنت نهيتكم عن الأشربة في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا ". انظر صحيح مسلم كتاب الأشربة باب النهي عن الانتباذ في المزفت والدباء. .. 3/1584, 1585 رقم 63, 64, 65.
(3) أمير المؤمنين والخليفة الرابع وأحد العشرة المبشرين بالجنة مناقبه أكثر من أن تحصى توفي رضي الله عنه عام 40 هـ مقتولاً على يد الخاسر بن ملحم. ترجمته في الاستيعاب 3/1089 وأسد الغابة 4/91 والإصابة 2/507.
(4) لم أقف عليه بهذا اللفظ عن علي رضي الله عنه لكن ما روى البخاري في كتاب الأشربة باب ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم في الأوعية والظروف بعد النهي 10/ 75 مع الفتح عن علي قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدباء والمزفت, وكذلك النسائي في الأشربة باب النهي عن نبيذ الدباء والمزفت 8/305.
(5) هو أبو محمد الحنفي الكوفي, روى عن مالك بن عمير الحنفي وعنه خلق من أشهرهم شعبة والثوري. ثقه في الحديث لكن عيب عليه تلبسه ببدعة الخوارج نسأل الله السلامة من ذلك _ قال أبو نعيم: إسماعيل بن سميع بيهسي جار المسجد أربعين سنة لم ير في جمعة ولا جماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 3/107 وتهذيب التهذيب 1/305 والتقريب.
(6) هو الحنفي الكوفي روى عن صعصعة بن صوحان وعنه إسماعيل بن سميع. قال المزي: أدرك الجاهلية … وروى له أبو داود والنسائي في حديث النهي عن الدباء والحنتم والنقير. اهـ. ترجمته في تهذيب الكمال 3/152 وتهذيب التهذيب 10/ 20 والتقريب. ولم يحكم عليه بشيء.(36/443)
(1) ابن حجر بن الحارث العبدي روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وروى عنه مالك وابن عمير الحنفي من الثقات الخطاب توفي في خلافة معاوية. ترجمته في تهذيب الكمال 13/167 وتهذيب التهذيب 4/422 والتقريب.
(2) رواه النسائي في الأشربة باب النهي عن نبيذ الجعة 8/302 من طريق إسماعيل بن سميع به بلفظ: انهنا يا أمير المؤمنين عما نهاك عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم. ورواه في كتاب الزينة باب خاتم الذهب 8/ 166 من نفس الطريق واللفظ المذكور وزاد فيه والنقير والجعة.. الخ.
وفي سنن أبي داود كتَاب الأشربة باب في الأوعية 4/97 من حديث إسماعيل بن سميع عن مالك بن عمير عن علي عليه السلام قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والنقير والجعة. ورواه أحمد في الأشربة ص 71 رقم 167 من طريق إسماعيل عن مالك قال جاء زيد بن صوحان إلى علي بن أبي طالب فقال: حدثني ما نهاك عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال نهاني عن الحنتم والدباء والنقير. وأخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/223 من طريق أخرى عن علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والمزفت.
(3) أخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/227 بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني كنت نهيتكم عن الأوعية فاشربوا في ما بدالكم , وإياكم وكل مسكر".(36/444)
(1) أخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 226 بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن عما يصنع في الظروف المزفتة والدباء وقال:"كل مسكر حرام". وفي رواية "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت أن تنبذ فيهما. لكن قرر الطحاوي أن الآثار الناهية عن الانتباذ في الأوعية منسوخة, وقرر إباحة الانتباذ فيها, وأن ذلك هو مذهب أبى حنيفة وصاحبيه واستدل بصنيع أنس رضي الله عنه حيث كان يصنع النبيذ في جرة خضراء ثم قال:"فهذا أنس بن مالك ينبذ في ظروف وهو أحد من روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن الانتباذ فيها, فدل على ثبوت نسخ ذلك"انظر شرح معاني الآثار 4/229.
(2) هو محمد بن أبي إسماعيل (راشد السلمي الكوفي) المتوفى 142 هـ روى عن أنس بن مالك وسعيد بن جبير, وعنه سفيان الثوري ويحيى بن سعيد القطان ثقة, ترجمته في تهذيب الكمال 24/493 والتقريب.
(3) لم أقف له على ترجمه.
(4) حديث أنس في النهي عن الانتباذ في الدباء والمزفت أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأشربة باب الخمر من العسل 10/41 مع الفتح عن الزهري قال حدثني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تنبذوا في الدباء ولا في المزفت". ورواه مسلم في الأشربة باب النهي عن الانتباذ في المزفت 3/1577 رقم 30، 31 بلفظ: نهى عن الدباء والمزفت أن ينتبذ فيه وانظر سنن البيهقي 8/308، 309 وسنن النسائي 8/305.
(5) القرشي المخزومي الكوفي روى عن أنس بن مالك وعنه خلق ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 27/319 وتهذيب التهذيب 10/68 والتقريب.(36/445)
(1) رواه أحمد في الأشربة ص78 رقم 190 والنسائي في الأشربة باب المزفتة 8/208 كلاهما من طريق ابن إدريس قال سمعت المختار بن فلفل قال سألتُ أنس عن الشراب في الأوعية؟ فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزفتة … الحديث وهذا لفظ أحمد. أما لفظ النسائي "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظروف المزفتة".
(2) رواه البخاري ومسلم انظر الحاشية رقم 15.
(3) أخرج البخاري في صحيحه كتاب الأشربة باب ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم في الأوعية والظروف بعد النهي 10/58 مع الفتح بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت عندما سألها الأسود بن يزيد النخعي عما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتبذ فيه؟ قالت: نهانا في ذلك أهل البيت أن ننتبذ في الدبا والمزفت… الحديث. ورواه مسلم في الأشربة باب النهي عن الانتباذ في المزفت 3/1578 رقم 35، 36، 37، 38. وزاد مسلم في بعض رواياته النهي عن النقير والحنتم وانظر سنن النسائي 8/ 305، 306، 307.
(4) رواه مسلم في الأشربة باب النهي عن الأنتباذ في المزفت ... 3/80 15 رقم 34، 44، 45 بلفظ:"نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت.. "وله لفظ أخر نحوه. والنسائي في الأشربة باب ذكر النهي عن نبيذ الدباء والحنتم والنقير 9/306.
(5) هو الأحول المكنى بأبي عبد الرحمن المتوفى بعد سنة 141 هـ روى عن الشعبي وعنه خلق من حفاظ الثقات وأخرج حديثه الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال13/ 485 وتهذيب التهذيب 5/ 42 والتقريب.
(6) رواه مسلم في الأشربة باب في الشرب من زمزم قائماً 3/ 2601، 2602. والبخاري في الأشربة باب الشرب قائماً10/ 81.
(7) هو الهلالي العامري يكنى أبا زيد ويلقب بالزراد روى عن النزال بن سيرة, وعنه خلق من أشهرهم شعبة بن الحجاج ومسعر بن كدام. أخرج حديثه الجماعة وهو من الثقات. ترجمته في تهذيب الكمال 18/ 421 وتهدب التهذيب 6/ 426 والتقريب.(36/446)
(1) هو الهلالي العامري. قال المزي: مختلف في صحبته. روى عن علي رضي الله عنه وروى عنه عبد الملك بن ميسرة الهلالي. ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 29/ 234 وتهذيب التهذيب 0 1/423 والتقريب.
(2) رواه البخاري في الأشربة باب الشرب قائماً 10/ 81. وأحمد في المسند 1/123 وأبو داود في الأشربة باب في الشرب قائماً 4/ 109. والمصنف روى الحديث هنا بالمعنى.
(3) الثقفي الكوفي المتوفي 136 هـ روى عن ميسرة أبي جميلة الطهويَّ، وميسرة أبي صالح، وعنه خلق كثير اختلط فمن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح، ومن سمع منه بعد ذلك فليس بذلك، ومن الذي سمعوا منه قبل الاختلاط، الثوري وابن عيينة وشعبة والأعمش والدستوائي والحمادان وزائدة بن قدامة، وأيوب وزهير. وهو من الثقات الصالحين. ترجمته في تهذيب الكمال 20/ 86 وتهذيب التهذيب 7/203 والكواكب النيرات ص319 وهدى الساري ص 425 والميزان 3/70.
(4) احتمال أن يكون ميسرة بن يعقوب أبو جميلة الطهوي الكوفي، واحتمال أن يكون ميسرة أبو صالح الكوفي مولى كنده فكلاهما رويا عن علي رضي الله عنه وأخذ عنهما عطاء بن السائب بن مالك، وثقهما ابن حبان وحكم عليهما ابن حجر بمقبول. ترجمتهما في تهذيب الكمال 29/194، 197 وتهذيب التهذيب 10 /387 والتقريب.
(5) لم أقف عليه وما صح عن علي رضي الله عنه فيما قبل فيه غنية عن غيره.
(6) ابن مطلق النخعي الكوفي يكنى أبا عمر تولى قضاء الكوفة وبغداد روى عن عبيد الله بن عمر وعنه خلق كثير توفي سنة 194 هـ وقيل 195هـ من الفقهاء الثقات إلا أنه طرأ عليه النسيان والتفسير فساء حفظه، لكن كتابه صحيح. ترجمته في تهذيب الكمال 7/ 56 وتهذيب التهذيب 2/ 415 والتقريب.(36/447)
(1) رواه الترمذي في الأشربة باب ما جاء في النهي عن الشرب قائماً 6/148 من حديث حفص بن غياث به وفيه تقديم وتأخير وبدل (نسعى) (نمشي) وقال عنه صحيح. وأشار إليه ابن حجر في الفتح 10/ 84 بقوله:"وصحح الترمذي من حديت ابن عمر"ثم ذكره. ورواه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/359) من حديث حفص به والدارمي في الأشربة باب في الشرب قائماً.
(2) هو السدوسي ويكنى أبا عبيدة توفي 149هـ وقيل غير ذلك، روى عن يريد بن عطارد السدوسي وعنه خلق كثير من شيوخ البصرة الثقات. ترجمته في تهذيب الكمال 22/314 وتهذيب التهذيب 8/ 125 والتقريب
(3) هو أبو البزريّ السدوسي روى عن ابن عمر رضي الله عنهما وعنه عمران بن حدير. قال المزي: ولم يرو عنه غيره. ونقل عن ابن حبان في الثقات أنه قال:"روى عنه عمران بن حدير، وليس ممن يحتج بحديثه"وقال ابن حجر عنه في التقريب: مقبول. ترجمته في تهذيب الكمال 33/73 والتقريب.
(4) رواه أحمد في المسند 2/12 و24 من حديث عمران بن حدير به، وأشار إليه الترمذي في الأشربة عقب سوقه لحديث ابن عمر السابق بقوله: "وروى عمران بن حدير هذا الحديث عن أبي البزري عن ابن عمر، وأبو البزري اسمه يزيد بن عطارد". قال المزي في تهذيب الكمال بعد سوقه لكلام الترمذي هذا "وقد وقع لنا حديثه بعلو". تم ساقه بإسناده إليه من طريق أحمد في المسند ورواه الدارمي في الأشربة باب في الشرب قائماً 2/ 45.
تنبيه: وقع عند أحمد الإحالة الثانية "عمر بن حدير"ووقع عند الترمذي عمران بن حدير و"أبو البزري ".
(5) هو معمر بن راشد الأزدي الحداني المتوفى 154هـ روى عن الأعمش وعنه خلق كثير من الثقات الحفاظ المتقنين إلا أنه في روايته عن الأعمش اضطراب. ترجمته في تهذيب الكمال 28/ 303وتهذيب التهذيب 10/ 243 والتقريب.(36/448)
(1) هو أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي ولاءاً المتوفى 147 هـ. روى عن أبي صالح ذكوان السمان، أما معمر فذكر المزي في ترجمة معمر أنه روى عن الأعمش ولكن لم يذكر في ترجمة الأعمش أن معمراً أخذ عنه. والأعمش من الثقات والعباد النساك إلا أنه يرسل ويدلس. ترجمته في تهذيب الكمال 12/76 وتهذيب التهذيب 4/222 والتقريب.
(2) هو ذكوان السمان الزيات المدني المتوفى 101 هـ روى عن أبى هريرة, وعنه الأعمش, من الثقات الأثبات. ترجمته في تهذيب الكمال 8/513 وتهذيب التهذيب 3/219 والتقريب.
(3) الدوسي الزهراني صحابي جليل اختلف في اسمه اختلافاً كبيراً أسلم عام خيبر وشهدها من المكثرين في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي عام 58هـ. ترجمته في الاستيعاب 4/1768. والإصابة 4/202.
(4) رواه أحمد في المسند 2/283 عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن الرجل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو يعلم الذي يشرب وهو قائم ما في بطنه لاستقاه". ثم قال: ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كمثل حديث الزهري. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/359) من هاتين الطريقين. وذكره ابن حجر في الفتح 10/82 وعزاه إلى أحمد وابن حبان. وفي مسلم من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعاً "لا يشربن أحداً منكم قائماً فمن نسي فليستسقي".
(5) هو الدستوائي.
(6) هو قتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري ت117هـ. روى عن أنس وعنه هشام الدستوائي من العلماء الثقات والفقهاء الحفاظ إلا أنه يدلس ويرسل. ورمي بالقدر. ترجمته في تهذيب الكمال 23/498 وتهذيب التهذيب 8/351 والتقريب.
(7) رواه مسلم في الأشربة باب كراهية الشرب قائماً 3/1601 وأحمد في المسند 3/118, 147, 214, وأبو داود في الأشربة باب في الشرب قائماً 4/108.(36/449)
(1) البصري روى عن أبي سعيد الخدري وعنه قتادة بن دعامة السدوسي وثقه الطبراني وابن حبان وقال عنه ابن حجر: مقبول. ترجمته في تهذيب الكمال 34/165 وتهذيب التهذيب 12/195 والتقريب والثقات 5/580.
(2) رواه مسلم في الأشربة باب كراهية الشرب قائماً 3/ 1601 رقم 114، 115 وذكره المزي في ترجمة أبي عيسى الأسواري من كتابه تهذيب الكمال.
(3) قال ابن حجر في الفتح 10/82 بعد أن ذكر حديث أبي هريرة هذا. "وهو من رواية شعبة عن أي زياد الطحاوي مولى الحسن بن علي عنه، وأبو زياد لا يعرف اسمه وقد وثقه يحيى بن معين ". اهـ.
(4) رواه أحمد في المسند 2/ 301 والدارمي في كتاب الأشربة باب من كره الشرب قائماً 2/ 45 والطحان في مشكل الآثار 3/19. "من طريق شعبة به. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 5/79 وقال عنه: رواه أحمد والبزار. ورجال أحمد ثقات".
(5) ذكره ابن حجر في الفتح 10/ 84 وعزاه إلى الأثرم.
(6) نقل هذا النص عنه ابن حجر في الفتح 10/84.
(7) هو الثوري.
(8) هو أبو خثيمة زهير بن معاوية بن حديج الجعفي مات بعد 170هـ. روى عن عبد الكريم بن مالك الجزري وعن خلق كثير من الثقات الأثبات والحفاظ الصادقين إلا أن في حديثه عن أبي إسحاق السبيعي فيه لين. وحديثه أخرجه الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 9/420 وتهذيب التهذيب 3/ 381 والتقريب.
(9) هو أبو سعيد عبد الكريم بن مالك الجزري المتوفى 127هـ روى عن البراء بن زيد بن بنت أنس وعنه زهير بن معاوية الجعفي ثقة ثبت وصاحب سنة. ترجمته في تهذيب الكمال 18/ 252 وتهذيب التهذيب 6/ 373 والتقريب.
(10) هو البراء بن زيد بن بنت أنس بن مالك روى عن جده. أنس وعنه عبد الكريم الجزري وثقه ابن حبان وقال عنه ابن حجر مقبول. ترجمته في تهذيب الكمال 4/34 وتهذيب التهذيب 1/425 والتقريب.(36/450)
(1) رواه أحمد في المسند 3/ 119 من حديت سفيان عن عبد الكريم الجزري أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سليم وفي البيت قربة معلقة فشرب من فيها وهو قائم ... الخ. ورواه الترمذي في الشمائل ص108 من طريق ابن جريج عن عبد الكريم به. وذكره المزي مختصراً في تهذيب الكمال 4/ 34 في ترجمة البراء. وذكره ابن حجر في الفتح 10/ 84 وعزاه إلى البزار والأثرم.
(2) نقل هذا النص الحافظ في الفتح 10/84 بنحوه. فقال نقلاً عن الأثرم أنه قال:"حديث أنس - يعني في النهي- جيد الإسناد، ولكن قد جاء عنه خلافه- يعني في الجوار- قال: ولا يلزم من كون الطريق إليه في النهي أثبت من الطريق إليه في الجواز أن لا يكون الذي يقابله أقوى، لأن الثبت قد يروي من هو دونه الشيء فيرجح عليه، فقد رجح نافع على سالم في بعض الأحاديث عن ابن عمر، وسالم مقدم على نافع في الثبت، وقدم شريك على الثوري في حديثين، وسفيان مقدم عليه في جملة أحاديثه ".
قال ابن حجر "ثم أسند عن أبي هريرة قال: لا بأس بالشرب قائماً". قال الأثرم: فدل على أن الرواية عنه في النهي ليست ثابتة, وإلا لما قال لا بأس به قال:"ويدل على وهاء أحاديث النهي أيضاً اتفاق العلماء على أنه ليس على أحد شرب قائماً أن يستقيء". اهـ.
(3) وهذا مسلك النسخ أي أن أحاديث الجواز ناسخة لأحاديث النهى وقد نقل هذا عن الأثرم ابن حجر في الفتح 10/84 وكذلك ابن شاهين.
قال ابن حجر (المسلك الثاني دعوى النسخ: وإليها جنح الأثرم وابن شاهين فقررا على أن أحاديث النهي- على تقدير ثبوتها- منسوخة بأحاديث الجواز بقرينة عمل الخلفاء الراشدين، ومعظم الصحابة والتابعين بالجواز) . اهـ.
ونقل ابن حجر عن الأثرم مسلكاً آخر وهو الجمع بين الأحاديث بحيث تحمل أحاديث النهي على التنزيه وأحاديث الجواز على البيان فقال: (وقد أشار الأثرم إلى ذلك أخيراً فقال: إن ثبت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم) .(36/451)
(1) رواه البخاري في الأشربة باب اختناث الأسقية 10/ 89 ومسلم في الأشربة باب آداب الشراب والطعام وأحكامها 3/1600.
(2) هو السختياني أبو بكر البصري المتوفى 131 هـ روى عن عكرمة وعنه خلق كثير متفق على توثيقه. ترجمته في تهذيب الكمال 3/ 457 وتهذيب التهذيب 1/ 397 والتقريب.
(3) هو مولى ابن عباس ويكنى بأبي عبد الله المتوفي107 هـ بربري الأصل روى عن أبي هريرة وابن عباس وعنه أيوب السختياني وغيره ثقة حافظ. ترجمته في تهذيب الكمال20/264 وتهذيب التهذيب 7/ 263 ب والتقريب، وهدى الساري ص 425.
(4) رواه البخاري في الأشربة باب الشرب من فم السقاء10/90.
(5) رواه البخاري في الأشربة من فم السقا 10/90 من طريق خالد عن عكرمة به. وكذلك هو عند ابن ماجة في الأشربة باب الشرب من في السقاء 2/1132 وأبو داود الأشربة باب الشراب من في السقاء 4/109 والترمذي في الأطعمة باب ما جاء في أكل لحوم الجلالة وألبانها 6/117 والنسائي في الضحايا باب النهي عن لبن الجلالة 7/240 كلهم مر طريق قتادة به.
(6) الأزدي الدمشقي المتوفى 134 هـ روى عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري من الفقهاء الثقات. ترجمته في تهذيب الكمال 32/273 وتهذيب التهذيب 11 /370 والتقريب.
(7) الأنصاري النجّاوي روى عن جدته كبشة بنت ثابت وعنه يزيد بن جابر ثقة قيل إنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ونفى ابن أبي حاتم أن يكون له صحبة. ترجمته في تهذيب الكمال 17/318 وتهذيب التهذيب 6/242 والتقريب.
هي كبشة بنت ثابت بن المنذر بن حرام أخت حسان بن ثابت وهي تعرف بالبرصاء قال ابن عبد البر: (وهي جدة عبد الرحمن بن أبي عمرة وهو الراوي عنها) . ترجمتها في الاستيعاب 4/1907 والإصابة 4/394.(36/452)
رواه الترمذي في الأشربة باب ما جاء في الرخصة في ذلك وابن ماجة في الأشربة باب الشرب قائماً 2/1132 كلاهما عن طريق يزيد به ولفظه كما عند الترمذي قالت:"دخل عليّ رسول صلى الله عليه وسلم فشرب من فّي قربة معلقةٍ قائماً فقمت إلى فيها فقطعته". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب وأخرجه في الشمائل ص108 وذكره ابن حجر في الإصابة في ترجمة كبشة وعزاه أيضاً إلى أبي يعلى وابن منده. كما ذكره في الفتح 10/92 واقتصر في عزوه إلى الترمذي فقط.
سبق تخريجه ص 7 من الباب الذي قبله.
(1) هو أبو عبد الله شريك بن عبد الله الكوفي القاضي المتوفى 177 هـ من العباد الفضلاء والصادقين العدلاء من الشديدين على أهل البدع تغير في آخر حياته فمن سمع منه قبل دلك فصحيح وإلا فلا، قال ابن حجر: صدوق يخطئ كثيراً وقد وقفت على ترجمته في تهذيب الكمال فلم أجد أنه أخذ عن حميد. كما وقفت على تراجم من اسمه حميد فلم أجد أن شريكاً أخذ عن أحد اسمه حميد، والذي جعلني أجزم أنه شريك بن عبد الله كون الحديث ورد عن طريق أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي عن شريك، والنهدي أخذ عنه. ترجمته في تهذيب الكمال 12/ 462 وتهذيب التهذيب 4/333 والتقريب.
(2) روى عن أنس رضي الله عنه اثنان مسميان بهذا الاسم وهما حميد بن أبي حميد الطويل، وحميد بن هلال بن هبيرة العدوي، والذي يظهر لي أنه الطويل لكون وفاته سنة 142هـ وقيل غير ذلك وشريك مولود سنة 90 هـ وحميد هذا أخرج حديثه الجماعة وقال عنه ابن حجر: (ثقة مدلس ... مات ... وهو قائم يصلي) . ترجمته في تهذب الكمال 7/355 وتهذيب التهذيب 3/38 والتقريب.
(3) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 274 وفي مشكل الآثار 3/21 عن أبي أمية عن أبي غسان (مالك بن إسماعيل النهدي) عن شريك به أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من قربة معلقة وهو قائم.(36/453)
(1) قال ابن حجر في الفتح 10/92: (وأطلق أبو بكر الأثرم صاحب أحمد أن أحاديث النهي ناسخة للإباحة لأنهم كانوا أولاً يفعلون ذلك حتى وقع دخول الحية في بطن الذي شرب من فم السقا فنسخ الجواز) .
(2) النهي عن اختناث الأسقية ثابت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغيره. أما هذا الحديث أعنى حديث أبي سعيد فقد رواه ابن أبي شيبة في المصنف في الأشربة باب في الشرب من فّي السقا 8/19 وذكره ابن حجر في الفتح 10/90 وعزاه إلى ابن أبي شيبة والإسماعيلي. وذكره الحسيني في البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث 3/263 وعزاه إلى البيهقي في شعب الإيمان.
(3) هو ابن ذكوان التميمي أبو عبيدة البصري المتوفى 108 هـ روى عن أبي عصام البصري وعنه خلق من الفقهاء الثقات وحديثه أخرجه الجماعة ورمي بالقدر لكن قال ابنه عبد الصمد إنه لمكذوب على أبي. ترجمته في تهذيب الكمال / 478 وتهذيب التهذيب 6/ 441 والتقريب.
(4) معروف بكنيته واسمه خالد بن عبيد روى عن أنس وعنه عبد الوارث بن سعيد أخرج حديثه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي- ذكره ابن حبان في الثقات لكن قال ابن حجر في التقريب: متروك الحديث مع جلالته. ترجمته في تهذيب الكمال 34/87 وتهذيب التهذيب 12/168 والتقريب والثقات 5/ 569.
(5) رواه مسلم في الأشربة باب كراهة التنفس في نفس الإناء 3/1602 رقم 123 من حديث عبد الوارث بن سعيد وهشام ولكنه من طريق عبد الوارث: كان يتنفس في الشراب ثلاثاً. ومن طريق هشام: كان يتنفس في الإناء. وعندهما: (إنه أروى وأبرأ وأمرأ) .
وانظر سنن أبي داود 4/ 114 والترمذي 6/150 وأحمد في المسند 3/118، 185، 211، 251 والطيالسي 1/332 والمستدرك للحاكم 4/138.
ومعنى: أهنأ: أي ليس فيه تعب. ومعنى أمرأ: أي غير ثقيل. ومعنى أبرأ: أي يبرئه من ألم العطش وقيل: أنه لا يكون منه مرض انظر النهاية في غريب الحديث 1/112 و3/313 و4/277 وانظر فتح الباري أيضاً 10/93.(36/454)
(1) الأنصاري البصري روى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس وعنه خلق ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 20/ 49 وتهذيب التهذيب 7/ 192 والتقرب.
(2) هو ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري قاضي البصرة روى عن جده أنس بن مالك وعنه عزرة بن ثابت الأنصاري ثقة توفي بعد سنة 110 هـ ترجمته في تهذيب الكمال 4/ 405 وتهذيب التهذيب 2/28 والتقريب وقال عنه صدوق.
(3) رواه مسلم في الأشربة باب كراهة التنفس في نفس الإناء 3/ 1602 رقم 122 والبخاري في الأشربة باب الشرب بنفسين أو ثلاثة 10/92 وانظر سنن الترمذي 6/150 والشمائل رقم 214 سنن الدارمي 2/44 وأحمد في المسند 3/114، 119، 128، 185.
(4) رواه البخاري في الأشربة باب في النهي عن الشرب في الإناء10/ 92 ومسلم في الأشربة باب كراهة التنفس في نفس الإناء 3/1602رقم 121 وانظر سنن الترمذي 6/153.
(5) هو أبو كريب القرشي الهاشمي المدني روى عن أبيه كريب وأخرج حديثه الترمذي وابن ماجة متفق عليه ضعفه. ترجمته في تهذيب الكمال 8/ 196 وتهذيب التهذيب 3/ 379 والتقريب.
(6) هو كريب بن أبي مسلم القرشي الهاشمي أبو رشدين مولى عبد الله بن عباس روى عن ابن عباس وعنه ابنه رشدين ثقة توفي سنة 98 هـ روى له الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 24/172 وتهذيب التهذيب 8/ 433 والتقريب.
(7) رواه الترمذي في الأشربة باب ما ذكر من الشرب بنفسين 6/152 وابن ماجة في الاشربة باب الشرب بثلاثة أنفاس 2/1131 كلاهما من طريق رشدين وقال عنه الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن كريب. وذكره ابن حجر في الفتح 10/93 وعزاه إلى الترمذي فقط وحكم على إسناده بالضعف.
(8) هو أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي المتوفى 179هـ إمام دار الهجرة لا يسأل عن مثله روى عن أيوب بن حبيب القرشي وعنه خلق كثير. ترجمته في تهذيب الكمال 27/91 والتقريب.(36/455)
(1) هو مولى سعد بن أبي وقاص روى عن أبي المثنى الجهني وعنه مالك ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 3/467 وتهذيب التهذيب 1/400 والتقريب.
(2) معروف بكنيته وثقه ابن معين وابن حبان, وقال ابن المديني مجهول لا أعرفه وقال ابن حجر مقبول. ترجمته في تهذيب الكمال 34/250 والثقات لابن حبان 5/565, 582 والتقريب.
(3) رواه الترمذي في الأشربة باب ما جاء في كراهية النفخ في الشراب 6/152 من طريق مالك به عن أبي المثنى يذكر عن أبي سعيد وفيه زيادة وقال عنه: حسن صحيح. ورواه الحاكم في المستدرك 4/139 من حديث مالك به عن أبي المثنى الجهني قال:"كنت جالساً عند مروان بن الحكم فدخل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فقال له مروان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النفخ في الشراب؟ قال: نعم. فقال له رجل إني لا أروي بنفس واحد، قال أمط الإناء عن فيك ثم تنفس قال فإن رأيت قذى؟ قال أهرقه". وعنه هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي: صحيح وذكره المزي في ترجمة الجهني. ذكره ابن حجر في الفتح 10/93 وعزاه إلى الترمذي والحاكم.
ومعنى: ابن الإناء: مأخوذ من البين الذي هو البعد والفراق ومعناه افصله عند التنفس لئلا يسقط فيه شيء من الريق. النهاية في غريب الحديث 1/175.
(4) نقل ابن حجر في الفتح 10/93 عن الأثرم قوله: (قال الأثرم: اختلاف الرواية في هذا دال على الجواز وعلى اختيار الثلاث، والمراد بالنهي عن التنفس في الإناء أن لا يجعل نفسه داخل الإناء، وليس المراد أن يتنفس خارجه طلباً للراحة) . اهـ.(36/456)
قلت: ويشهد لهذا المسلك ما رواه ابن ماجة في الأشربة باب التنفس في الإناء 2/1133والحاكم في المستدرك 4/139 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، فإذا أراد أن يعود فلينح الإناء ثم ليعد إن كان يريد". ولفظ الحاكم: لا يتنفس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب منه، ولكن إذا أراد أن يتنفس فليؤخره عنه ثم يتنفس.. وصحح إسناده ووافقه الذهبي ونقل ابن حجر في الفتح 10/93 عن عمر بن عبد العزيز قوله "إنما نهى عن التنفس داخل الإناء فأما من لم يتنفس فإن شاء فليشرب بنفس واحد".
قلت: (ابن حجر) وهو تفصيل حسن وقد ورد الأمر بالشرب بنفس واحد من حديث أبي قتادة مرفوعاً أخرجه الحاكم وهو محمول على التفصيل المذكور. اهـ.
(1) ابن أبى المغيرة وكنيته أبو يحيى المدني. ويقال إن فليحاً لقب له توفي 168هـ روى عن سعيد بن الحارث الأنصاري وعنه خلق كثير ضعيف وقال ابن حجر صدوق كثير الخطأ. ترجمته في تهذيب الكمال 23/317 وتهذيب التهذيب 8/303 والتقريب.
(2) هو ابن أبى المعلى الأنصاري روى عن جابر بن عبد الله وعنه فليح بن سليمان أخرج حديثه الجماعة وهو ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 10/379 وتهذيب التهذيب 4/15 والتقريب.
(3) هو أبو عبد الله جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري صحابي جليل ومن المكثرين في الرواية كف بصره في آخر عمره توفي سنة 74هـ وقيل غير ذلك روى عنه سعيد بن الحارث. ترجمته في الاستيعاب 1/219 والإصابة 1/213.
(4) رواه البخاري في الأشربة باب شرب اللبن بالماء 10/75 وباب الكراع في الحوض 10/88 مع الفتح. وفيه قصة. وانظر سنن أبي داود كتاب الأشربة باب في الكراع 4/112، 113 وسنن ابن ماجة كتاب الأشربة باب الشرب بالأكف والكراع 2/1135. والكراع هو تناول الماء بالفم من دون الكفين أو الإناء انظر النهاية 4/164 وأما الشن فالمراد به القربة.(36/457)
(1) هو أبو بكر الليث بن أبى سليم القرشي المتوفى 148هـ روى عن سعيد بن أبى عامر وعنه خلق من أشهرهم سفيان الثوري وشعبة صاحب سنة إلا أنه متكلم فيه وقد اختلط في آخر عمره (ولم يتميز حديثه فترك) كذا قال ابن حجر في التقريب: ترجمته في تهذيب الكمال 24/279 وتهذيب التهذيب 8/465 والتقريب.
(2) ذكره ابن حبان في الثقات وقد روى عن ابن عمر, وعنه ليث بن أبى سليم. قال أبو حاتم: لا يعرف، وقال يحيى بن معين: ليس به بأس. وقال ابن حجر: مجهول ترجمته في تهذيب الكمال 10/514 وتهذيب التهذيب 4/514 والتقريب.
(3) رواه ابن ماجة في كتاب الأشربة باب الشرب بالأكف والكراع 2/1135 من طريق ليث به عن ابن عمر قال: مررنا على بركة فجعلنا نكرع فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تكرعوا، ولكن أغسلوا أيديكم ثم اشربوا فيها فإنه ليس إناء أطيب من اليد".
(4) هو عبد الله به أبي نجيح (يسار) الثقفي أبو يسار المكي المتوفى 131هـ روى عن أبيه أبي نجيح وعنه سفيان الثوري. أخرج حديثه الجماعة لكنه ربما دلس, وهو مع ثقته جالس آخر عمره عمرو بن عبيد فرمى بالاعتزال والقدر. ترجمته في تهذيب الكمال 16/215 وتهذيب التهذيب 6/54 والتقريب.
(5) هو أبو نجيح يسار الثقفي المكي المتوفى 109هـ روى عن عبد الله بن عباس. وعنه ابنه عبد الله ثقة من الأخيار. ترجمته في تهذيب الكمال 32/298 والتقريب.
(6) رواه أحمد في المسند 1/236 والدارمي في سننه كتاب السير باب الدعوة إلى الإسلام فبل القتال 2/136 والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/207 والحاكم في المستدرك 1/15 وهو في مجمع الزوائد 5/304 معزواً إلى أحمد وأبي يعلى والطبراني (بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح) .
(7) هو الحضرمي أبو الحارث الكوفي روى عن سليمان بن بريدة وعنه سفيان الثوري ثقة وحديثه أخرجه الجماعة: انظر تهذيب الكمال 20/308 والتقريب.(36/458)
اختصر المؤلف رحمه الله هذا الحديث وإلا فهو مذكور مطولاً وقد رواه مسلم في الجهاد باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث 3/1357 وأبو داود في الجهاد باب في دعاء المشركين 3/83 والترمذي في السير باب ما جاء في وصية الإمام 2/953 والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/206 ورواه في الديات باب ما جاء في النهي عن المثلة 5/92 والدارمي في السير باب الدعوة إلى الإسلام قبل القتال 2/136.
(1) هو سعيد بن فيروز الطائي مولاهم الكوفي المتوفى 83هـ ثقة فقيه أخرج حديثه الجماعة قال ابن حجر: (فيه تشيع قليل كثير الإرسال) . وذكر المزي أنه روى عن سلمان الفارسي مرسلاً، وروى عنه عطاء بن السائب. ترجمته في تهذيب الكمال 11/32 وتهذيب التهذيب 4/72 والتقريب.
(2) هو أبو عبد الله سلمان الفارسي المعروف بسلمان الخير والباحث عن الحقيقة صحابي جليل كان إذا قيل له ابن من أنت؟ قال أنا سلمان بن الإسلام من بني آدم توفي رضي الله عنه سنة 35 وقيل غبر ذلك. وذكر المزي في ترجمته أن أبا البختري الطائي روى عنه ولم يدركه. ترجمته في الاستيعاب 2/634 والإصابة 2/62.
(3) اختصر المؤلف رحمه الله الحديث وهو في مسند أحمد 4/ 440، 441، 444 وعند الترمذي في كتاب السير باب ما جاء في الدعوة قبل القتال 5/567 مطولاً وقال عنه: وحديت سلمان حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن السائب، وسمعت محمداً يقول أبو البختري لم يدرك سلمان.
(4) هو الليثي حليف قريش وأمه أخت أبي سفيان كان منزلة بوادي ودان بالحجاز وكان ممن شهد فتح بلاد اصطخر. ترجمته في الاستيعاب2/ 739 والإصابة 2/ 184.
(5) رواه أحمد في المسند 4/37، 38 71، 72، 73 والبخاري في الجهاد باب أهل الديار يبيتون فيصاب الولدان والذراري 6/ 146 ومسلم باب الجهاد جواز قَتل النساء والصبيان 3/ 1364.(36/459)
هو عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبو عبد الله المدني المتوفى 94 هـ، روى عن أسامة بن زيد وعنه محمد بن مسلم الزهري. ترجمته في تهذيب الكمال 20/11 وتهذيب التهذيب 7/ 180 والتقريب.
(1) هو الحب بن الحب أسامة بن زيد بن الحارثة توفي سنة 54هـ صحابي جليل روى عنه عروة بن الزبير وغيره. ترجمته في الاستيعاب 1/75 والإصابة 1/31.
(2) رواه أبو داود في الجهاد باب في الحرق في بلاد العدو 3/88 وابن ماجة في الجهاد باب التحريق بأرض العدو 2/948 والشافعي في الأم 4/174 والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/208. ويبْنى: جاء في معجم البلدان 1/79 "أُبْنَى بالضم ثم السكون وفتح النون والقصر بوزن حبلى موضع بالشام من جهة البلقاء جاء ذكره في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد حيث أمره بالسير إلى الشام وشن الغارة على أبن ". وفي سنن أبى داود عن عبد العزيز بن عمرو الغزي سمعت أبا مسهر قيل له أُبنى قال: نحن أعلم. هي يُبْنى فلسطين".
(3) هو عبد الله بن عون بن أرطبان المزني المتوفى سنة 150هـ روى عنه نافع وعنه خلق كثير من الثقات الأثبات والفضلاء الأخيار. ترجمته في تهذيب الكمال 15/ 394 وتهذيب التهذيب 5/346 والتقريب.
(4) رواه البخاري في العتق باب من ملك من العرب رقيقاً فوهبه 5/170 ومسلم في الجهاد باب جواز الإغارة على الكفار 3/1356 وأحمد في المسند 2/31، 32، 51 وأبو داود في الجهاد باب دعاء المشركين 3/97 وقال: هذا حديث نبيل رواه ابن عون عن نافع ولم يشركه فيه أحد.
(5) رواه البخاري في الآذان باب ما يُحقن بالأذان من الدماء 2/89 مع الفتح. ورواه في الجهاد باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام 6/111، ورواه مسلم في الصلاة باب الإمساك عن الغارة 1/288 من حديث ثابت عن أنس نحوه.(36/460)
(1) كنيته أبو نوفل روى عن ابن عاصم المزني, ذكره ابن حبان في الثقات وقال عنه ابن حجر: مقبول من الثالثة. ترجمته في تهذيب الكمال 18/429 والثقات لابن حبان 7/107 والتقريب.
(2) روى عن أبيه, وعنه عبد الملك بن نوفل بن مساحق. قال المزي: روى له أبو داود والترمذي والنسائي وقد كتبنا حديثه في ترجمة عبد الملك. وقال عنه ابن حجر: لا يعرف حاله. ترجمته في تهذيب الكمال 34/462 والتقريب.
(3) هو عصام المزني صحابي قال ابن عبد البر روى عنه ابنه عبد الرحمن بن عصام. ترجمته في الاستيعاب 3/1240 والإصابة 2/480.
(4) رواه أبو داود في الجهاد باب في دعاء المشركين 3/99 والترمذي في السير 5/269 وقال عنه حديث حسن غريب. وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب وابن حجر في الإصابة في ترجمة عصام المزني وعزاه ابن حجر إلى سعيد بن منصور والنسائي والطبراني وفيه قصة.
(5) انظر فتح مكة في صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الفتح في رمضان 8/3 وصحيح مسلم كتاب الجهاد باب فتح مكة 3/1405.
(6) قال الترمذي في كتاب السير من سننه 5/268 " وقد ذهب بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى هذا ورأوا أن يُدعوا قبل القتال، وهو قول إسحاق بن إبراهيم قال: إن تقدم إليهم في الدعوة فحسن يكون ذلك أهيب، وقال بعض أهل العلم: لا دعوة اليوم. وقال أحمد: لا أعرف اليوم أحداً يُدعى. وقال الشافعي: لا يُقاتل العدو حتى يُدعوا إلا أن يعجلوا عن ذلك، فإن لم يفعل فقد بلغتهم الدعوة ". اهـ.
والذي قرره الأثرم أعلاه هو الذي قرره الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/210 ونسبه إلى أبي حنيفة وصاحبيه.
(7) هو أبو سعيد الحسن بن أبي حسن (يسار) البصري المتوفى 110هـ الثقة الفقيه والعابد الحكيم مشهور بالإرسال والتدليس روى عن عدد ولم يلقهم وعنه قتادة بن دعامة وغيره. ترجمته في تهذيب الكمال 6/ 5 9 وتهذيب التهذيب 2/263 والتقريب.(36/461)
(1) ذكر الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 209 من طريق أخرى عن الحسن أنه قال: ليس على الروم دعوة، لأنهم قد دعوا.
(2) هو أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي المتوفي96 هـ الفقيه الثقة إلا أنه يرسل كثيراً روى عنه منصور بن المعتمر وغيره. ترجمته في تهذيب الكمال 2/233 وتهذيب التهذيب 1/177 والتقريب.
(3) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/209 بلفظ: سألت إبراهيم عن دعاء الديلم؟ فقال: قد علموا ما الدعاء.. وعنه من طريق أخرى قال قلت لإبراهيم أن ناساً يقولون: إن المشركين ينبغي أن يدعوا. فقال: قد علمت الروم على ما يقاتلون , وقد علمت الديلم على ما يقاتلون.
(4) هو أبو سلمة البصري المتوفى 167 هـ روى عن عبد الملك بن حبيب أبى عمران الجوني وعنه خلق ثقة فقيه تغير حفظه في آخر عمره. ترجمته في تهذيب الكمال 7/253 والتقريب والكواكب النيرات ص460.
هو عبد الملك بن حبيب الأزدي وقيل الكندي المتوفى 128هـ وقيل غير ذلك قال ابن حجر مشهور بكنيته. روى عن علقمة بن عبد الله المزني وعنه حماد بن سلمة ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 18/297 وتهذيب التهذيب 6/389 والتقريب.
البصري روى عن معقل بن يسار وعنه أبو عمران الجوني ثقة مات سنة 100هـ.ترجمته في تهذيب الكمال 20/297 وتهذيب التهذيب 7/275 والتقريب.
هو المزني يكنى أبا يسار وقيل أبا عبد الله صحابي جليل ممن بايع تحت الشجرة رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن النعمان بن مقرن وعنه علقمة بن عبد الله المزني. ترجمته في الاستيعاب 3/1432 والإصابة 3/447 وتهذيب الكمال 28/279.
هو ابن عائد المزني صحابي جليل استشهد في معركة نهاوند سنة 21هـ. ترجمته في الاستيعاب 4/1505 والإصابة 3/565.(36/462)
رواه أبو داود في الجهاد باب في أي وقت يستحب اللقاء 3/113 والترمذي في السير باب ما جاء في الساعة التي يستحب فيها القتال 5/335 وأحمد في المسند 5/444 وابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/126) كلهم من طريق حماد بن سلمة به. وأخرجه البخاري في الجزية والموادعة 6/258 مع الفتح عن النعمان رضي الله عنه قوله "ولكني شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات".
هو عبد الله بن أبي أوفى صحابي جليل شهد الحديبية توفي سنة 80 هـ. ترجمته في الاستيعاب 3/870 والاصابة2/279.
(1) هكذا في الأصل وفي الأحاديث نهض. أو ينهض.
(2) رواه أحمد في المسند 4/356 بلفظ "كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس". قال ابن حجر في الفتح 6/120 "ولسعيد بن منصور من وجه آخر عن ابن أبي أوفى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمهل إذا زالت الشمس ثم ينهض إلى عدوه ". اهـ.
وأخرج البخاري في الجهاد باب كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس 6/120 مع الفتح بسنده عن ابن أبي أوفى قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها انتظر حتى مالت الشمس". وهو في صحيح مسلم 3/1362 كتاب الجهاد باب كراهة تمني العدو.
سبق تخريجه في باب دعاء المشركين قبل القتال ص173 والمؤلف رواه بالمعنى.
سبق تخريجهما في باب دعاء المشركين قبل القتال ص172.
(3) ابن يسار المطلبي ولاءً أبو بكر إمام في المغازي والسير رمي بالتشيع والقدر وهو مع حفظه وسعة إطلاعه يدلس ولذا يقبل من حديثه ما صرح بالتحديث ت 150 هـ روى عن يزيد بن أبي حبيب الأزدي وعنه خلق كثير ترجمته في تهذيب الكمال 24/ 405 وتهذيب التهذيب 9/38 والتقريب.(36/463)
الأزدي أبو رجاء المصري المتَوفى 128 هـ روى عن بكير بن عبد الله بن الأشج وعنه محمد بن إسحاق بن يسار ثقة إلا أنه يرسل وقد تصدر للفتيا بمصر وأظهر العلم فيها. ترجمته في تهذيب الكمال 32/102تهذيب التهذيب 11/318 والتقريب.
القرشي روى عن سليمان بن يسار وعنه يزيد بن أبي حبيب توفي120 هـ وقيل بعدها من العلماء الثقات. ترجمته في تهذيب الكمال 4/ 242 وتهذيب التهذيب 1/ 491 والتقريب.
(1) الهلالي مولى ميمونة رضي الله عنها روى عن أبي هريرة، وعنه بكير بن عبد الله الأشج من الثقات المأمونين والفضلاء العابدين توفي بعد المائة وحديثه عند الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 12/ 100 وتهذيب التهذيب4/ 228 والتقريب.
هو المدني مولى بني هاشم روى عن أبى هريرة. وعنه بكير بن عبد الله بن الأشج ذكره المزي تمييزاً وقال عنه ابن حجر: مقبول ترجمته في تهذيب الكمال 33/ 32 والتقريب.
(2) الحديث بهذا السند عند ابن إسحاق في السيرة كما أفاد بذلك الحافظ في الفتح 6/149 حيث أدخل بين سليمان بن يسار وبين أبي هريرة، أبا إسحاق الدوسي. ثم قال الحافظ "وأخرجه الدارمي وابن السكن وابن حبان في صحيحه من طريق ابن إسحاق وأشار الترمذي إلى هذه الرواية، ونقل عن البخاري أن رواية الليث أصح، وسليمان قد صح سماعه من أبي هريرة، يعني وهو غير مدلس، فتكون رواية ابن إسحاق من المزيد في متصل الأسانيد". اهـ.(36/464)
أما رواية الدارمي فأخرجها في كتاب السير باب في النهي عن التعذيب بعذاب الله 2/141 من طريق ابن إسحاق به عن أبي هريرة إلا أنه لم يذكر سليمان بن يسار في الإسناد. وأما ابن حبان فأخرجه من طريق يزيد بن أبي حبيب عن أبي إسحاق الدوسي عن أبي هريرة وفيها تعيين الرجلين وهما هبار بن الأسود، ونافع بن عبد القيس انظر (الإحسان 7/450) وهذا الحديث أخرجه البخاري في الجهاد باب التوديع 6/115 وفي باب لا يعذب بعذاب الله 6/149 مع الفتح من طريق بكير عن سليمان عن أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه الترمذي في السير باب الحرق بالنار 5/298 وانظر سنن أبي داود كتاب الجهاد باب في كراهية حرق العدو بالنار 3/124، 125.
(1) هو سليمان بن أبي سليمان الكوفي مات في حدود سنة 140 ثقة روى عن الحسن بن سعد بن معبد ترجمته في تهذيب الكمال 11/ 444 وتهذيب التهذيب 4/197 والتقريب.
ابن معبد القرشي الهاشمي الكوفي روى عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وعنه أبو إسحاق الشيباني ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 6/163 وتهذيب التهذيب 2/ 279 والتقريب.
هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود الهذلي صحابي جليل أسلم قديماً وهاجر الهجرتين مناقبه عديدة وروايته كثيرة توفي سنة 33 هـ روى عنه ابنه عبد الرحمن. ترجمته في الاستيعاب3/987 والإصابة 2/368 وتهذيب الكمال 16/121.
(2) رواه أبو داود في الجهاد باب في كراهية حرق العدو بالنار 3/ 125 من حديث أبي إسحاق الشيباني به. وذكر فيه قصة ولفظه عنده " إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار" وذكره ابن حجر في الفتح 6/150 وعزاه إلى أبي داود.(36/465)
(1) أخرج البخاري في الجهاد باب لا يعذب بعذاب الله 6/149 مع الفتح من حديث أيوب عن عكرمة أن علياً رضي الله عنه حرقَ قوماً فبلغ ابن عباس فقال. لو كنت أنا لم أحرقهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه". وكذلك أخرجه في كتاب استتابة المرتدين باب حكم المرتد 12/267 من نفس الطريق المذكور.
رواه البخاري في كتاب الحرث والمزارعة باب قطع الشجر والنخل 5/9 مع الفتح وفي الجهاد باب الحرق الدور والنخيل 6/154 وفي المغازي باب حديث بني النضير 7/329 مع الفتح وفي التفسير باب ما قطعتم من لينة 8/629. ومسلم في الجهاد باب جواز قطع الأشجار الكفار وتحريقها 3/1365.
(2) سبق تخريجه.
(3) هو أبو عبد الله الكوفي إسماعيل بن خالد البجلي المتوفى 146هـ روى عن قيس بن أبى حازم ثقة ثبت. ترجمته في تهذيب الكمال3/69 وتهذيب التهذيب والتقريب.
(4) هو قيس بن أبى حازم البجلي أبو عبد الله الكوفي مخضرم هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدركه روى عن جرير بن عبد الله وعنه إسماعيل بن أبى خالد مات حوالي 90هـ. ترجمته في الاستيعاب 3/1285 وتهذيب الكمال 24/10 والتقريب.
هو الصحابي جليل جرير بن عبد الله البجلي المتوفى سنة 54هـ وقيل غير ذلك روى عنه قيس بن أبي حازم. ترجمته في الاستيعاب 1/236 والإصابة 1/232 وتهذيب الكمال 4/533.
رواه البخاري في الجهاد باب حرق الدور والنخيل 6/154 مع الفتح. وفي باب البشارة في الفتوح 6/189 وفي كتاب المناقب الأنصار باب ذكر جرير 7/131 وفي كتاب المغازي باب غزوة ذي الخلصة 8/70 وفي كتاب الدعوات باب قوله تعالى {وَصَلِّ عَلَيْهِم} 11/136 ومسلم في الفضائل الصحابة باب من فضائل جرير 4/1925 رقم 136, 137. . هـ.(36/466)
رواه البخاري في الجهاد باب سهام الفرس 6/67 مع الفتح وفي المغازي باب غزوة خيبر 7/484. ومسلم في الجهاد باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين 3/1383 رقم 57.
هو أبو عبد الرحمن محمد بن فضيل بن غزوان الضبي ولاءً المتوفى 195هـ روى عن الحجاج بن أرطاة والحجاج بن دينار وعنه خلق كثير وثقه ابن معين وابن حبان، ووصفه أبو زرعة بالصدق وقال أبو حاتم شيخ، أما النسائي فقال: ليس به بأس وقال ابن حجر: صدوق. وهو مع هذا مرمي بالتشيع والغلو فيه وحديثه أخرجه الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 26/293 وتهذيب التهذيب 9/405 والتقريب.
يحتمل أنه حجاج بن أرطاة ويحتمل أنه الحجاج بن دينار لأن ابن فضيل روى عنهما لكن لم أجد لهما رواية عن أبي صالح. فإن كان المراد الأول فهو مدلس فقيه وقال عنه ابن حجر: صدوق كثير الخطأت 145هـ وإن كان الثاني فقال عنه لا بأس به.ترجمتهما في تهذيب الكمال 5/420, 435 وتهذيب التهذيب 2/200,196 والتقريب.
لعله الميزان البصري روى عن ابن عباس ولم أقف لأحد الحجاجين رواية عنه. وهو مشهور بكنيته وثقه ابن معين وابن حبان وزاد ابن معين مأموم والغريب أن ابن حجر قال عنه: مقبول. وليس لهذا ترجمة في تهذيب الكمال. ترجمته في تهذيب الكمال 10/385 والتقريب والثقات 5/458.
ذكره الزيلعي في نصب الراية 4/414 وعزاه إلى إسحاق بن راهويه.
الأنصاري المدني المتوفى سنة 160هـ روى عن أبيه يعقوب وغيره, ووثقه ابن سعد وابن حبان وقال أبو حاتم: لا بأس به وقال ابن معين والنسائي: ليس به بأس وقال ابن حجر: صدوق. ترجمته في تهذيب الكمال 27/251 وتهذيب التهذيب 10/48 والتقريب.
هو يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري المدني روى عن عمه عبد الرحمن بن يزيد وعنه ابنه مجمع بن يعقوب. وثقه ابن حبان. وقال عنه الحافظ مقبول. ترجمته في تهذيب الكمال 32/363 وتهذيب التهذيب 11/395 والتقريب والثقات 7/642.(36/467)
(1) هو عبد الرحمن بن يزيد بن الجارية الأنصاري أبو محمد المتوفى 93هـ روى عن عمه مجمع بن جارية وعنه ابن أخيه يعقوب بن مجمع ولي القضاء في عهد عمر بن عبد العزيز وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. أخرج حديثه الجماعة سوى مسلم. ترجمته في تهذيب الكمال 18/10 وتهذيب التهذيب 6/298 والتقريب.
الأنصاري الصحابي جليل روى عنه ابن أخيه عبد الرحمن بن يزيد بن جارية. ترجمته في الاستيعاب 3/1362 والإصابة 3/366.
رواه أبو داود الجهاد باب فيمن أسهم له سهماً 3/174 وفي كتاب الخراج والإمارة باب ما جاء في حكم أرض خيبر 3/413 وفيه قصة, ورواه الدارقطني في السير من سننه 4/105 وذكر ابن حجر في الفتح 6/68 وضعف إسناده وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للفارس سهمين , وللرجل سهماً.
(2) هو حديت ابن عمر رضي الله عنهما.
روى ذلك عنهم الدارقطني في السير من سننه 4/103.
هو عبد الله بن عون سبقت ترجمته. روى عن الحسن البصري.
هو المجاشعي التميمي صحابِي جليل قال ابن حجر: (وأبوه باسم الحيوان المشهور وقد صحفه بعض المتنطعين من الفقهاء لظنه أن أحداً لا يسمى بذلك) وروى عنه الحسن البصري ويزيد بن عبد الله بن الشخير. ترجمته في الاستيعاب 3/ 1232، والإصابة 3/ 47 وأسد الغابة 4/ 322.
هو عمران بن داور العمي أبو العوام البصري روى عن قتادة متهم برأي الخوارج ضعفه النسائي وابن معين وأبو داود ووثقه ابن حبان. وقال المزي: استشهد به البخاري في الصحيح، وروى له في الأدب، وروى له الباقون سوى مسلم وقال ابن حجر صدوق يهم. ترجمته في تهذيب الكمال 22/328 وتهذيب التهذيب 8/ 130 والتقريب.
(3) هو العامري أبو العلاء البصري المتوفى 111 هـ روى عن عياض بن حمار المجاشعي وعنه قتادة بن دعامة وغيره وثقه النسائي وابن حبان وأخرج حديثه الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 32/175 وتهذيب التهذيب 11/341 والتقريب.(36/468)
(1) رواه أحمد في المسند 4/162 من طريق ابن عون به. ورواه أبو داود في الخراج والأمارة باب في الإمام يقبل هدايا المشركين 53/442 والترمذي في السير باب كراهية هدايا المشركين 5/303 وكلاهما من حديث عمران به وقال عنه الترمذي: حسن صحيح غريب. وصححه ابن خزيمة كما في الفتح 5/231. وهو في مجمع الزوائد 4/151 عن عمران بن حصين عن عياض بن حمار وعزاه إلى الطبراني في الصغير والأوسط وذكر فيه الصلت بن عبد الرحمن الزبيدي ضعيف.
هو محمد بن عبيد الله الثقفي الكوفي الأعور أبو عون سبقت ترجمته روى عن أبي صالح الحنفي.
(2) هو عبد الرحمن بن قيس أبو صالح الحنفي الكوفي ويقال هو ماهان الحنفي روى عن علي رضي الله عنه وعنه أبو عون الثقفي وثقه ابن معين وابن حبان. ترجمته وتهذيب الكمال 17/ 360 وتهذيب التهذيب 6/ 256 والتقريب.
(3) اسمه أكيدر بن عبد الملك بن عبد الحق صاحب دومة الجندل كان ملكاً عليها وأسره خالد قيل إنه أسلم ثم ارتد وقتل مشركاً. ترجمتهم في أسد الغابة 1/ 135 والإصابة 1/ 125 وفتوح البلدان 1/73.
(4) رواه مسلم في اللباس والزينة 4/ 1645 من حديث أبي عود الثقفي وعنده في آخره فقال: شققه حمراً بين الفواطم.
(5) هو الواسطي روى عن علي بن زيد بن جدعان وهو ثقة إلا أن في حديثه عن الزهري ضعف. ترجمته في تهذيب الكمال 11/ 139 وتهذيب التهذيب 4/107 والتقريب.
هو ابن جدعان روى عن أنس وروى عنه سفيان بن حسين الواسطي ضعيف فيه تشييع توفي سنة 131 هـ وقيل غير ذلك. ترجمته في تهذيب الكمال 20/434 وتهذيب التهذيب 7/322 والتقريب.
(6) هو صاحب الإسكندرية يقال اسمه جريح وهو الذي أهدى مارية القبطية للنبي صلى الله عليه وسلم مات على دين النصرانية. انظر ترجمته في الإصابة 3/53 وأسد الغابة 5/ 256.(36/469)
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 4/152 وعزاه إلى البزار وقال: فيه علي بن زيد بن جدعان وفيه ضعف وقد وثق. وانظر الإِصابة 1/126وعزاها إلى أحمد.
(1) انظر تخريج الحديث الذي قبله.
نقل هذه الوجوه الثلاثة عن الأثرم ابن الجوزي في كتابه (إعلام المعالم بعد رسوخه بحقائق ناسخ الحديث ومنسوخه ص 463) بتحقيقي.
هكذا في الأصل بالرفع وصوابه النصب خبر كان.
(2) هو ابن المعتمر.
(3) هو الكندي رضي عنه وأحد الوافدين من كنده على رسول الله صلى الله عليه وسلم ت 87 هـ ببلاد الشام وقيِل غير ذلك. قال المزي: روى له الجماعة سوى مسلم روَى عن النبي وعنه الشعبي. ترجمته في الاستيعاب 4/ 1482 والإصابة 3/ 455 وتهذيب الكمال 28/ 8 45.
(4) رواه أحمد في المسند 4، 130، 132، 133 وأبو داود في الأطعمة باب ما جاء في الضيافة 4/ 129 وابن ماجة في الأدب باب حق الضيف 2/1212.
هو محمد بن عجلان.
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري أبو سعد المدني ثقه إلا أنه تغير قبل موته ولم يسمع من عائشة وأم سلمة روى عن أبي شريح وعنه محمد بن عجلان. ترجمته في تهذيب الكمال 10/ 466 وتهذيب التهدب 4/48 والتقريب.
(5) هو الخزاعي ثم الكعبي ويقال العدوي صحابي جليل مختلف في اسمه أسلم قبل الفتح ومات سنة 68 هـ وكان يحمل لواء خزاعة يوم الفتح. ترجمته في الاستيعاب 4/ 1688 والإصابة 4/ 101.
(6) رواه مسلم في اللقطة باب الضيافة ونحوها 30/3 135 بسنده عن أبي شريح العدوي أنه قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته "، قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: "يوم وليلته". الخ. وفي رواية: "وجائزته يوم وليلة". ورواه البخاري في الأدب باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر 10/ 445 وفي باب إكرام الضيف وخدمته 10/531 وفي الرقاق باب حفظ اللسان 11/308 مع الفتح.(36/470)
تنبيه: ومعنى جائزته يوم وليلة فسرها الإمام مالك فيما رواه عنه أبو داود في كتاب الأطعمة باب ما جاء في الضيافة 4/128 قال أبو داود: قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد.
أخبركم أشهب قال: وسئل الإمام مالك عن قول النبي صلى الله عليه وسلم "جائزته يوم وليلة" قال: يكرمه ويتحفه ويحفظه يوماً وليلة وثلاثة أيام ضيافة". اهـ.
رواه أحمد في المسند 2/ 431 كما ذكر المؤلف سنداً ومتناً وانظر ص 288 و354 ورواه أبو داود في الأطعمة باب ما جاء في الضيافة 4/128 من طريق أخرى عن أبي هريرة وفي الصحيحين من حديت أبي شريح العدوي أو الخزاعي أو الكعبي مرفوعاً "والضيافة ثلاثة أيام فما كان ورواء ذلك فهو صدقة عليه " واللفظ لمسلم وانظر تخريجه في حديث أبي شريح السابق.
رواه أحمد في المسند 3/8، 21، 37، 64، 76، 86 من طريق الجريري عن أبي نضرة به ومن طريق الجريري وقتادة عن أبي نضرة ومن طريق أبي الهيثم عن أبي نضرة به.
أي لا يجتنبها. وهي مأخوذة من توفي أو اتقى. وهما بمعنى واحد الذي هو الاجتناب ومن ذلك الحديث الصحيح: وتوق كرائم أموالهم، انظر النهاية في غريب الحديث 5/217.
(1) رواه البخاري في الشهادات باب بلوغ الصبيان وشهاداتهم 5/ 276 مع الفتح وأما المغازي باب غزوة الخندق 7/792 ومسلم في الأمارة باب بيان سن البلوغ 3/1409 رقم 91. وانظر سنن أبي داود 4/ 561 والترمذي 6/ 32 وابن ماجة 2/850 والنسائي 6/ 155.
هو القرشي المعروف بالقبطي ت 136 هـ روى عن عطية القرظي وعنه خلق كثير أخرج حديثه الجماعة إلا أنه موصوف بالاضطراب في حديثه والتغير في حفظه من النقاد الكبار كأحمد وابن معين والعجيب أن ابن حجر قال عنه "ثقة فقيه تغير حفظه ربما دلس ". ترجمته في تهذيب الكمال 18 /370 وتهذيب التهذيب 6/411 والتقريب.(36/471)
(1) قال ابن عبد البر "لا أقف على اسم أبيه وأكثر ما يجيء هكذا عطية القرظي كان من سبي بني قريظة ووجد يومئذٍ ممن لم ينبت فخلي سبيله "اهـ. روى عنه عبد الملك بن عمير. ترجمته في الاستيعاب 3/1072 والإصابة 2/ 485 وتهذيب الكمال 20/ 157.
(2) رواه أبو داود في الحدود باب في الغلام يصيب الحد 4/ 561 والترمذي في السير باب في النزول على الحكم 5/311 وقال عنه حسن وصحيح. وابن ماجة في الحدود باب من لا يجب عليه الحد 2/ 849 والنسائي في الطلاق باب متى يقع طلاق الصبي 6/155.
(3) هو حماد بن أبي سليمان (مسلم) الأشعري أبو إسماعيل الكوفي ت120 وقيل 119 هـ روى عن إبراهيم بن يزيد النخعي وعنه خلق مستقيم الفقه، مشوش في الرواية موصوم بالإرجاء وقال أحمد: رواية القدماء عنه مقاربة- شعبة والثوري وهشام الدستوائي قال: وأما غيرهم قد جاؤا عنه بأعاجيب. وقال ابن حجر: "فقيه صدوق له أوهام ". ترجمته في تهذيب الكمال 7/ 269 وتهذيب التهذيب 3/ 16 والتقريب.
(4) هو إبراهيم بن يزيد النخعي روى عن خاله الأسود وعنه حماد بن أبي سليمان.
هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي المتوفى 74 هـ وقيل 75 هـ روى عن عائشة رضي الله عنها وعنه ابن أخته إبراهيم بن يزيد النخعي ثقة عابد زاهد أخرج حديثه الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 3/233 والتقريب.
(5) رواه أبو داود في الحدود باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً 4/558 وابن ماجة في الطلاق باب طلاق المعتوه والصغير والنائم 1/ 658 والنسائي في الطلاق باب من لا يقع طلاقه من الأزواج 6/ 156 وأحمد في المسند 6/ 100، 101، 144. ورواه البخاري معلقاً عن علي رضي الله عنه انظر كتاب الطلاق 9/388 مع الفتح وكتاب الحدود 12/ 120 مع الفتح.
هذا الإسناد سبقت تراجمه في ص 164.(36/472)
والحديث من هذا الطريق رواه أحمد في المسند 2/253، 471 وورد من طرق أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية 3/1466، ورواه النسائي في كتاب البيعة باب الترغيب في طاعة الإمام 7/154 وأحمد في المسند 2/416، 467.
(1) هو عبد الله بن ذكوان القرشي المدني المعروف بأبي الزناد المتوفي130 وقيل بعدها روى عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وعنه خلق ثقة حجة فقيه صاحب سنة. ترجمته في تهذيب الكمال 14/476 وتهذيب التهذيب 5/ 203 والتقريب.
هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني أبو داود المتوفى 117هـ روى عن أبي هريرة وعنه أبو الزناد ثقة ترجمته في تهذيب الكمال 17/467 وتهذيب التهذيب 6/ 90 والتقريب.
رواه أحمد في المسند 2/ 244 ومسلم في الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء3/ 1466 من نفس الطريق المذكور وهو عند أحمد في المسند 2/ 270، 511 ومسلم فيما سبق من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاًَ به.
هو الجهني أبو سليمان الكوفي قال المزي: رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبض وهو في الطريق ,وروى عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة وعنه الأعمش ثقة 96 هـ. ترجمته في تهذيب الكمال 10/111 وتقريب التقريب.
هو العائدي أو الصائدي روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعنه زيد بن وهب الجهني. قال المزي: ذكره ابن حبان في والثقات روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة حديثاً واحداً. وقال ابن حجر كوفي ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 17/ 251 وتقريب التقريب.
(2) رواه أحمد في المسند 2/ 161 والنسائي في البيعة فيما يستطيع الإنسان 7/3 15 ضمن حديث طويل فيه قصة وعندهما زيادة "فإن جاء أحدٌ أو آخر ينازعه فاضربوا عنق أو رقبة الآخر"
هو الأحمسي البجلي روى عن جدته أم الحصين الأحمسية وعنه شعبة ثقة.ترجمته في تهذيب الكمال 31/271 وتهذيب التهذيب 11/198 والتقريب.(36/473)
(1) هي بنت إسحاق الأحمسية صحابية شهدت حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم روى عنها يحيى بن حصين وغيره. ترجمتها في الاستيعاب 4/ 1931 والإصابة 4/ 442 ترجمتها في الاستيعاب 4/1931 والإصابة 4/442.
رواه مسلم في الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية 3/1468 والنسائي في البيعة باب الحض على طاعة الإمام 7/154.
هكذا ورد في رواية عند أحمد في المسند كما سيأتي ميم ثم راء مهملة بعدها ألف ثم تحتانية ثم ها (أبو مراية) وكذلك في الجرح والتعديل، والكنى للذهبي. أما الدولايى وقال أبو مرانة بالنون بدل التحتانية. وسماه عبد الله بن عمر البجلي، أما ابن حاتم والذهبي فقالا: عبد الله بن عمرو والعجلي واتفقا على أنه روى عن سلمان وزاد ابن أبي حاتم الأشعري وعمران بن حصين كما اتفقا على أن قتادة وأسلم العجلي رويا عنه. انظر الجرح والتعديل 5/118 والكنى للدولابي 2/112 والكنى للذهبي 2/68.
صحابي جليل أسلم عام خيبر يكنى أبا نجيد تولى قضاء البصرة ثم ترك وسكن بها وتوفي فيها سنة 52هـ روى عنه أبو مرايه عبد الله بن عمر. ترجمته في الاستيعاب 3/1208 والإصابة 3/26 وتهذيب الكمال 22/319.
(2) رواه أحمد في المسند 4/427، 436 من حديت شعبة به ورواه في 4/426 من حديث همام عن قتادة به. ورواه في 5/66, 67 عن عمران من طرق أخرى وذكره ابن حجر في الفتح 13/123 وعزاه إلى أحمد والبزار وقال: وسنده قوي.
(3) هو زبيد بن الحارث اليامي المتوفى سنة 122هـ وقيل 124 هـ الثقة العابد روى عن سعد بن عبيدة، وأخرج حديثه الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 9/289 والتقريب.
(4) السلمي أبو حمزة الكوفي: روى عن أبي عبد الرحمن السلمي وعنه زبيد اليامي. ثقة وحديثه عند الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 10 /290 والتقريب، وتهذيب التهذيب 3/478 والتقريب.(36/474)
هو عبد الله بن حبيب السلمي الكوفي المقري مشهور بكنيته روى عن علي رضي الله عنه وروى عنه ختنه سعد بن عبيده السلمي الثقفي ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 8/408 والتقريب.
(1) رواه أحمد في المسند 1/ 129، 131 والبخاري في أخبار الآحاد باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق 13/233 مع الفتح ورواه مسلم في الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية 3/ 1469 رقم 39 والنسائي في البيعة باب جزاء من أمر بمعصية فأطاع 7/159 والجميع من طريق زبيد به وفيه قصة.
هكذا في الأصل بالتكبير والصواب عبيد الله كما جاء ذلك موضحاً في الروايات وهو عبيد الله بن أبي جعفر- كما صرح بذلك النسائي- المصري الفقيه أبو بكر المتوفى سنة 136 هـ وقيل قبل ذلك. ثقة فقيه عابد حكيم روَى عن نافع مولى ابن عمر. ترجمته في تهذيب الكمال 19/ 18 وتهذيب التهذيب 7/ 5 والتقريب.
رواه أحمد في المسند 2/17، 142 والبخاري في الأحكام باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية 13/121 والنسائي في البيعة باب جزاء من أمر بمعصية فأطاع 7/ 160 مربع حديث عبيد الله عن نافع به نحوه.
سبقت ترجمته في ص 122.
(2) ابن ثوبان لحجازي أبو حفص المدني المتوفي117 هـ روى عن أبي سعيد الخدري وعنه محمد بن عمرو بن علقمة. وثقه ابن حبان. وقال المزي: استشهد به البخاري في الصحيح، وروى له في الأدب وروى له الباقون سوى الترمذي. وقال ابن حجر: صدوق. ترجمته في تهذيب الكمال 21/307 وتهذيب التهذيب 7/ 436 والتقريب.
رواه ابن ماجة في الجهاد باب لا طاعة في معصية الله 2/ 955 وفيه قصة. وقال البويصيري: إسناده صحيح.(36/475)
(1) يكنى أبا عثمان المكي مات 132 هـ روى عن القاسم بن عبد الرحمن وثقه ابن معين والنسائي وابن حبان والعجلي. وزاد ابن معين في حجة. ونقل ابن عدي عنه أنه قال: أحاديثه ليست بالقوية قال النسائي مرة ليس بالقوي. أما أبو حاتم فقال: ما به بأس، صالح الحديث وقال ابن حجر: صدوق ترجمته في تهذيب الكمال 15/ 279 وتهذيب التهذيب 5/314 والتقريب.
سبقت ترجمتهما في ص 143، 144.
سبقت ترجمتهما في ص 143، 144.
رواه أحمد في المسند 1/399، 400، 409 وابن ماجة في الجهاد باب لا طاعة في معصية الله 2/956 وفيه مساءلة من ابن مسعود عنه للنبي صلى الله عليه وسلم.
(2) اليشكري يكنى أبا الخطاب مات 161 روى عن يحيى بن أبي كثير ثقة. ترجمته في تهدب الكمال 5/ 524 وتهذيب التهذيب 2/ 224 والتقريب.
هو العنبري كما في المسند ذكره البخاري في التاريخ الكبير 6/ 332 وابن حبان في الثقات 3/ 174 وقال: يروى عن أنس بن مالك. وهو الذي يروى عنه يحيى بن أبي كثير. وذكره ابن حجر في تعجيل المنفعة ص 204 وقال: اختلف في ضبط والده فقيل كالجادة، وقيل بموحدتين مصغر وهو العنبري البصر. اهـ.
رواه أحمد المسند 3/213، وأبو يعلى كما في تعجيل المنفعة ص 204 والبخاري في التاريخ الكبير 6/332 وهذا من رواية صحابي مثله حيث رواه أنس عن معاذ رضي الله عن الجميع.
ابن قيس القرشي السهمي يكنى أبا حذافة صحابي جليل صاحب دعابة ومن المهاجرين الأولين وقد أُسر في بلاد الروم في عهد عمر رضي الله عنه فساوموه على الشرك فعصمه الله من ذلك. ترجمته في الاستيعاب 3/ 888 والإصابة 2/296.(36/476)
ذكر المؤلف رحمه الله حديث عبد الله بن حذافة السهمي بالمعنى وفيه أمره لجنده أن يجعلوا حطباً ثم أمره إياهم إيقاد النار تم أمرهم بالدخول فيها وقد سبق تخريجه من حديت علي وهو في الصحيحين. وانظر كتاب المغازي من صحيح البخاري باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي 8/58 مع الفتح وكتاب الأحكام باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية 13/122.
الأشجعي ولاءً مات سنة 98 هـ وقيل غير ذلك روى ثوبان وعنه الأعمش ومنصور بن المعتمر ثقة إلا أن الإمام أحمد نفى أن يكون له سماع أو لقيا من ثوبان. وقال ابن حجر: كان يرسل كثيراً / ترجمته في تهذيب الكمال 10/130 وتهذيب التهذيب 3/432 والتقريب.
(1) هو ثوبان بن يُجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوفى سنة 4 5هـ من أهل السراه لكنه خرج إلى بلاد الشام ومات بها بعد أن لازم النبي صلى الله عليه وسلم حضراً وسفراً حتى مات. وروى عنه سالم بن أبي الجعد/ ترجمته في الاستيعاب 1/218 والإصابة 1/ 204.
(2) رواه أحمد في المسند 5/277 من طريق الأعمش عن سالم به بدون قوله لا فإذا لم يستقيموا الخ وذكره ابن حجر في الفتح 13/ 116 وعزاه إلى الطيالسي والطبراني وزاد فيه فإن لم تفعلوا فكونوا زراعين أشقيا ثم قال: ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعاً، لأن رواية سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان اهـ.
سبق ذكر قول أحمد أعلاه. ونفى سماعه من ثوبان البخاري والترمذي والفسوي.
انظر: المعرفة والتاريخ للفسوي3/ 236 وسنن الترمذي 8/248 وبحر الدم ص 165 والمراسيل ص 55 والمغني للذهبي 1/250.
(3) ابن عبد الله المرادي الكوفي المتوفي116، وقيل 118 هـ وروى عن سالم بن أبي الجعد وعنه شعبة من العباد الثقات إلا أنه كان يرى الإرجاء. ترجمته في تهذيب الكمال 22/ 232 وتهدب التهذيب 8/ 102 والتقريب.
لم أقف عليه.(36/477)
رواه أحمد في المسند 3/412 و 4/213 من حديت الشعبي قال: قال مطيع بن الأسود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يوم الفتح لا بنبعي أن يقتل قرشي بعد يومه هذا صبراً".
وفي رواية من حديت الشعبي عن عبد الله بن مطيع أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يوم فتح مكة: لا يقتل قرشي صبراً بعد اليوم إلى يوم القيامة".
وفي رواية من نفس الطريق "ولا يقتل رجل من قريش بعد العام صبراً أبداً".
وفي رواية: ولا يقتل قرشي صبراً بعد اليوم.
ورواه مسلم في الجهاد باب لا يقتل قرشي صبراً بعد الفتَح 3/1409رقم 88 كما جاء عند أحمد في الرواية الثانية.
رواه أحمد في المسند 4/203 من حديت عبد الله بن أبي الهذيل عن عمرو بن العاص وفيه قصة وذكره ابن حجر في الفتَح 13/118 وعزاه إلى أحمد.
رواه أحمد في المسند 2/ 92، 93، 128 والبخاري في المناقب باب مناقب قريش 6/533 مع الفتح وفي الأحكام باب الأمراء في قريش 13/ 114 مع الفتح. ومسلم في الأمارة باب الناس تبع لقريش 3/1452 رقم 4 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(1) رواه البخاري في المناقب 6/526 مع الفتح ومسلم في الأمارة باب الأمر تبع لقريش 3/ 1 5 14رقم1 وأحمد في المسند 2/243 261، 3ي19، 433، 395، من حديث أبي هريرة. ورواه مسلم من حديث جابر في الأمارة 3/ 1 145 وأحمد في المسند 3/ 331، 383 من حديث جابر بن عبد الله كما ذكر المؤلف.
رواه البخاري في الديات من باب قول الله تعالى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الخ 12/ 201 ومسلم في القسامة باب ما يباح به دم المسلم 3/3 130 رقم 25، 26 من حديث ابن مسعود.
الأسدي الرقي أبو وهب المتوفى سنة 180 هـ روى عن زيد بن أبي أنيسة ثقة أخرج حديثه جماعة وقال ابن سعد: كثير الحديث ربما أخطأ. ترجمته في تهذيب الكمال 19/ 136 وتهذيب التهذيب7/ 42 والتقريب.(36/478)
هو الجزري يكني أبا أسامة الرهاوي مات سنة 119 هـ وقيل روى عن القاسم بن عوف الشيباني وعنه عبيد الله بن عمرو الرقي. ثقة فقيه من رواة العلم. ترجمته في تهذيب الكمال 10/18 وتهذيب التهذيب 3/ 397 والتقريب.
(1) هو الشيباني البكري الكوفي، روى عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وعنه زيد بن أبي أنيسة وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث ومحله الصدق عندي وقال ابن حجر: صدوق يغرب. ترجمته في تهذيب الكمال 23/299 وتهذيب التهذيب 8/ 326 والتقريب.
هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي المتوفى سنة 93 هـ وقيل غير ذلك روى عن أم سلمة، وعنه القاسم بن عوف الشيباني. من الثقات الأثبات والعباد الفقهاء والفضلاء المشهورين ترجمته في تهذيب الكمال 0 2/ 382 وتهذيب التهذيب 7/ 4 30 والتقريب.
هي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمها هند بنت أبي أمية هاجرت الهجرتين المتوفاة بعد الستين ترجمتها في الاستيعاب 4/ 1920، 1939 والإصابة 4/ 432، 8 45.
لم أقف عليه.
هو الأزدي القردوسي المتوفى سنة 147 هـ وقيل 148 هـ وروى عن الحسن وذكر ابن حجر أن في روايته عنه مقال ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 30/ 181 وتهذيب التهذيب 11/ 34 والتقريب.
(2) هو العنزي البصري روى عن أم سلمة رضي الله عنهما وعنه الحسن البصري وثقه ابن حبان، وقال ابن حجر: صدوق. قلت: وحديثه عند مسلم وأبي داود والترمذي كما سيأتي: ترجمته في تهذيب الكمال 13/ 255 وتهذيب التهذيب 4/ 442 والتقريب.
رواه مسلم في الأمارة باب وجوب الإنكار على الأمراء 3/ 1480، 148 رقم 62، 63 وأبو داود في السنة باب في قتل الخوارج 5/ 119، 120 والترمذي في الفتن باب أئمة تعرفون منهم وتنكرون 7/42.
رواه مسلم في الزكاة باب إرضاء الساعي ما لم يطلب حراما 2/757 رقم 177 بلفظ"إذا أتاكم المصدق فليصدر عنكم، وهو عنكم راضٍ ".(36/479)
(1) رواه أبو داود في الزكاة باب رضى المصدق 2/ 245 من حديث عبد الرحمن بن جابر بن عتيك عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيأتيكم ركيب مبغضون، فإن جاءكم فرحبوا بهم، وخلو بينهم وبين ما يبتغون فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليها، وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم وليدعوا لكم".
(2) قال المزي ويقال: ابن السبط والأول أصح التميمي السعدي أبو كنانة الكوفي أهـ ولم يذكر له سماعاً من معاوية بن إسحاق وهو ثقة: لكن ذكر ابن حبان في الثقات 7/ 251 روايته عنه. ترجمته في تهذيب الكمال 14/ 25 وتهذيب التهذيب 5/ 65 والتقريب.
ذكر ابن حبان في الثقات 7/ 251 في ترجمة عامر بن السمط سمه ثلاثياً فزاد: ابن طلحة فإن كان المراد به معاوية بن إسحاق بن طلحة القرشي التميمي والمكنى بأبي الأزهر فإنني لم أقف له أنه آخذ عن عطاء ولا أخذ عنه عامر بن السمط. إلا ما ذكره ابن حبان، وقد وثقه أحمد والنسائي وابن حبان. وقال أبو حاتم لا بأس به ورواه أبو زرعة وقال ابن حجر: صدوق ربما وهم. ترجمته وتهديد الكمال 28/ 160 الثقات 7/467 والتقريب.
(3) هو الهلالي أبو محمد المدني القاص المتوفى سنة أربع وتسعين وقيل بعدها روى عن ابن مسعود ثقة عابد أثبت سماعه من ابن مسعود البخاري وابن سعد ونفاه أبو حاتم. ترجمته في تهذيب الكمال 20/ 125 وتهذيب التهذيب 7/ 217 والتقريب.
(4) رواه أحمد في المسند 1/ 384، 386، 433 والبخاري في الفتن باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سترون بعدي أموراً تنكرونها 13/ 5 مع الفتح.
هم الخوارج وقيل هم إحدى فرق الخوارج انظر مقالات الإسلامية 1/167.(36/480)
إن مسألة الخروج على أئمة الجور والظلم مسألة مهمة قد اعتنى بها أئمة أهل السنة والجماعة وما ذلك إلا لما يترتب عليها من آثار عظيمة وفساد خطير، وقد بحثت في كتب أهل العلم بحثاً مستفيضا وجعلت من ضمن أصول أهل السنة والجماعة الاعتقادية من أخل بهذا الأصل بدع ومنع وفي هذا المقام سأبين مذهب أهل السنة والجماعة في هذه المسألة مدعماً ذلك بالأحاديث الصحيحة وأقوال السلف الصالح في ذلك باختصار- وبالله التوفيق.
إن من عقيدة أهل السنة والجماعة، وأصولهم السمع والطاعة للأئمة ماداموا بأمور الدين قائمين، وعن بيضته وحوزته محامين ومدافعين، وعلى الثغور مرابطين وللمسلمين موالين، ولحرماتهم محافظين، ولأهل البدع والعدوان قامعين. وللكفار والمنافقين معادين، ولنا الظاهر من تصرفاتهم ونكل إلى الله سرائرهم، كما يرون أن الجهاد معهم ماض، والصلاة خلفهم صحيحة وكذلك بقية العبادات، ويعتقدون أن الدعاء والنصيحة لهم من الإسلام وأن الغدر والنكث لهم من الخذلان، وأن طاعتهم طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومعصيتهم معصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم - وأن الخارج عليهم يعتبر شاقاً لعصا المسلمين، مخالفاً لأثر المصطفى صلى الله عليه وسلم – ولذلك حكم عليه إن مات على ذلك بالميتة الجاهلية، وعلى المسلمين مدافعته، والأخذ على يده نصرة لإمامهم، وحفظاً لدينهم، وحقناً لدمائهم، وصيانة لأعراضهم وأموالهم، ويعتقدون أن من تغلّب بالسيف، وصار له شوكة وقوة، وسمي أميراً وقاد الناس وساسهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وجبت طاعته والانضمام تحت أمرته، وإعطاؤه صفقة اليد، وثمرة القلب وبذل النصيحة له والصدع بالحق له، وعليه، لما ثبت في الحديث الصحيح "وأن نقول بالحق ولا نخاف في الله لومة لائم ". فإن صدر من الأئمة ما يشين سلوكهم وعقيدتهم من كفر بواح أو عدم إقامة للصلاة أو ترك الدعاء إليها، أو بدعة عقدية مكفرة كالرفض ونحوها ففي هذه(36/481)
الحالة يجب على الأمة خلعهم، وعدم السمع والطاعة لهم.
والبصير لمذهب أهل السنة والجماعة والمطلع عليه يتضح له أمران:
الأول: سعة هذا المذهب وسماحته للناس، ولو كانوا فجاراً ظلمة، أو فسقة مردة - اشتغلوا بحظوظ الدنيا عن الآخرة.
الثاني: تشدده وإنكاره على من أراد إخراج الناس منه بارتكاب المعاصي.
وبسط القول في هذين الأمرين ليس هذا مكانه، وإنما سأقصر الحديث في فئة خاصة وهي فئة الأئمة الدين وصفوا بالجور والظلم والعدوان، فهم من جملة الناس الذين وسعهم مذهب أهل السنة والجماعة مع ما هم عليه من البلايا والرزايا وشدد وأنكر على من صرح بإخراجهم منه أو الخروج عليهم. ويتلخص مذهب أهل السنة والجماعة- فيما ظهر لي- نحو الأئمة في الأمور التالية:
أولاً: السمع والطاعة لهم فيما هو طاعة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: النصح لهم.
ثالثاً: الوفاء بالبيعة لهم الأول فالأول.
رابعاً: إعطاؤهم حقهم، وإن منعوا حق غيرهم.
خامساً: إقامة الصلاة خلفهم، والصلاة عليهم.
سادساً. الجهاد والغزو معهم.
سابعاً: قول الحق والصدع به معهم دون خوف ولا وجل.
ثامناً: الصبر على جورهم وظلمهم.
تاسعاً. عدم منازعتهم أمرهم أو الغدر بهم
عاشراً: عدم الطاعة لهم فيما هو معصية.
الحادي عشر: عدم تصديقهم بكذبهم.
الثاني عشر: عدم إعانتهم على ظلمهم.
الثالث عشر: عدم الإنكار عليهم بالسيف أو الخروج عليهم إلا أن يكون كفراً بواحاً.(36/482)
وهذه الأمور دلت عليها النصوص الشرعية، واتفق عليها الأئمة من أهل السنة والجماعة كما سيتضح لك إن شاء الله. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنكم سترون بعدي أثرة أموراً تنكرونها". قالوا فما تأمرنا يا رسول؟ قال: "أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم". هذا لفظ البخاري. ولفظ مسلم: "إنما ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها". قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: "تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم" (رواه البخاري في الفتن باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"سترون بعدي أموراً تنكرونها" 4/ 312، 313 ومسلم في الأمارة 1472 رقم 45) .
عن أبي حازم قال: قاعدتُ أبا هريرة خمس سنوات فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر" قالوا وما تأمرنا؟ قال:"فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم". (رواه مسلم في الإمارة 3/ 1471 رقم 44 والبخاري في الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل 2/ 492) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه فانه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية". (رواه البخاري في الفتن باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "ستكون بعدي أموراً تنكرونها" 4/313 ومسلم الإمارة 3/1478 رقم 56) .
وفي رواية عنه قال:"من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية". وفي رواية عنه أيضاً قال: "من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية". (رواه البخاري في الأحكام باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية 4/329 ومسلم في الأمارة 3/ 1470 رقم 55) .(36/483)
وعن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض قلنا أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال: فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان. (رواه البخاري في الفتن باب سترون بعدي أموراً تنكرونها 4/313 ومسلم في الأمارة 3/ 1470 رقم 42) .
وفي رواية عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم- أو نقول- بالحق حيثما كنا ولا نخاف في الله لومة لائم. (رواه البخاري في الأحكام باب كيف يبايع الإمام الناس 4/343 ومسلم في الأمارة 3/ 1470 رقم 41) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" متفق عليه. (رواه البخاري في الأحكام باب السمع والطاعة للإمام ما لم يأمر بمعصية 4/ 329 ومسلم في الأمارة 3/ 1469 رقم 38) . وفي رواية لمسلم: على المرء السمع والطاعة ... الحديث.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال. إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مجدع الأطراف. (رواه مسلم في الأمارة 3/1467 رقم 36) .
وفي رواية: عبداً حبشياً مجدع الأطراف. (رواه مسلم في الأمارة 3/1467 رقم 36) .
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر:"اسمع وأطع ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة". (رواه البخاري في الأذان باب إمامة المفتون والمبتدع 1/ 231) .(36/484)
وعن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد بريء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع". قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال:"لا ما صلوا" أي من كره بقلبه، وأنكر بقلبه (رواه مسلم في الأمارة 3/ 1381 رقم 63، 64) .
وفي رواية: فمن أنكر بريء، ومن كره فقد سلم (رواه مسلم في الأمارة 3/1381 رقم 63، 64) .
وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع. قالوا أفلا نقاتلهم؟ قال:"لا ما صلوا". (رواه مسلم في الأمارة 3/1480 رقم 2 6) .
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: نعم قلت. هل من وراء ذلك الشر خير؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم. قلت كيف؟. قال: "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس". قال: قلت كيف أصنع يا رسول الله إن كنت أدركت ذلك؟ قال:"تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع".
وفي رواية عنه: قلت يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم". (رواه مسلم في الأمارة 3/1476 رقم51، 52) .(36/485)
وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم". قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال:"لا ما أقاموا فيكم الصلاة وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة". (رواه مسلم في الأمارة 3/ 1481 رقم 65، 66) وفي رواية عنه: قالوا قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال:"لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة". (رواه مسلم في الأمارة 3/ 1481 رقم 65، 66) .
وعن نافع قال جاء عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقالوا: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال: إني لم آتك لأجلس. أتيتك لأحدثك حديثاً سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول. "من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية". (رواه مسلم في الأمارة 3/1478 رقم 58) .
وعن أم الحصين رضي الله عنها أنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع وهو يقول:"ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا وأطيعوا". (رواه مسلم في الأمارة 3/1468 رقم 37)
وفي رواية عنها: سمعته يقول:"إن أمرّ عليكم عبد مجدع - حسبتها تقول- أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا وأطيعوا". (رواه مسلم في االأمارة 3/1468 رقم 37)
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة". (رواه البخاري في الأحكام باب السمع والطاعة للإمام 4/ 329) .(36/486)
وفي رواية عنه:"اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل حبشي كان رأسه زبيبة". (رواه البخاري في الآذان باب إمامة العبد والمولى 1/230) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عليك بالسمع والطاعة لولي الأمر في السراء والضراء". (رواه مسلم في الأمارة 3/ 1467 رقم 35) .
وعن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة" () ... الحديث.
وهذه الأحاديث في الصحيحين أو في أحدهما وقد تعمدت ذلك لقول أحاديثهما بدون تردد، ولو أردت أن أذكر فهم أهل العلم لهذه الأحاديث لطال المقام لكن من أراد الوقوف على ذلك فليرجع إلى مظانه وأكتفي في هذا المقام بذكر بعض أقوال السلف رحمهم الله في الأئمة توضيحاً لمعتقدهم في هذا الموضوع، وبياناً لفهمهم الشرعي، واستناناً بهم فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة. (انظر أيضاً منهاج السنة النبوية لابن تيميه 3/ 385- 400)
قال الطحاوي رحمه الله:"ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا وظلموا، ولا ندعو عليهم ولا ننزع يدنا من طاعتهم، ونرى من طاعتهم من طاعة الله فريضة، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة، ونتبع السنة والجماعة ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة، ونحب أهل العدل والأمانة ونبغض أهل الجور والخيانة- والحج والجهاد ماضيان مع أولى الأمر من المسلمين برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما". (شرح العقيدة الطحاوية ص 428-432، 437)(36/487)
ويقول الإمام أحمد رحمه الله:"أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والإقتداء بهم وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين… والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر ومن ولي الخلافة فاجتمع الناس عليه ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار الخليفة وسمي أمير المؤمنين، والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك، وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماضٍ ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم، ودفع الصدقات إليهم جائزة ونافذة من دفعها إليهم أجزأت عنه براً كان أو فاجراً. وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولي جائزة تامة ركعتين ومن أعادهما فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة ليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة من كان برهم وفاجرهم فالسنة أن تصلي معهم ركعتين من أعادهما فهو مبتدع، وتدين بأنها تامة ولا يكون في صدرك من ذلك شك، ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه، وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مات خارج عليه مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق. (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي1/ 156، 160، 161. ونحو هذه عقيدة ابن المديني رحمه الله انظر نفس المصدر 1/167، 168) اهـ.(36/488)
وقال أبو العباس أحمد بن جعفر الاصطخري فيما رواه عن الإمام أحمد رحمهم الله تعالى "والخلافة في قريش ما بقي من الناس اثنان ليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها، ولا يخرج عليهم، ولا نقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة، والجهاد ماض قائم مع الأئمة بروا أو فجروا لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، الجمعة والعيدان والحج مع السلطان وإن لم يكونوا بررة عدولاً أتقياء، ودفع الصدقات والخراج والأعشار والفيء والغنائم إلى الأمراء عدلوا فيها أم جاروا، والانقياد إلى من ولاه الله أمركم لا تنزع يداً من طاعته ولا تخرج عليه بسيفك حتى يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً، ولا تخرج على السلطان وتسمع وتطيع ولا تنكث بيعة فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة، وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية فليس لك أن تطيعه ألبته، وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه "والإِمساك في الفتنة سنه ماضية واجب لزومها فإن ابتليت فقدم نفسك دون دينك، ولا تُعن على فتنةٍ بيد ولا لسان، ولكن اكفف يدك ولسانك وهواك والله المعين" (طبقات الحنابلة 2/ 26، 27) . اهـ.
وقال الإمام البخاري رحمه الله بعد أن ذكر بعض من لقيه من أهل العلم والفضل في الأمصار، وأنهم متفقون غير مختلفين في قضايا شرعيه ذكرها ومنها قوله:"وأن لا تنازع الأمر أهله لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم، إخلاص العمل لله، وطاعة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم"، ثم أكد في قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} وأن لا يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم" (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/ 5 17، 176) . اهـ.(36/489)
وقال أبو محمد عبد الرحمن بن أبى حاتم رحمهما الله: سألت أبي وأبا زرعة عن مذهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك؟ فقالا أدركنا العلماء في جميع الأمصار -حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً-فكان من مذهبهم:…ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان، ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة ونسمع ونطيع لمن ولاه الله عز وجل أمرنا ولا ننزع يداً من طاعته ونتبع السنة والجماعة ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة، فإن الجهاد ماضٍ منذ بعث الله نبيه علي الصلاة والسلام إلى قيام الساعة مع أولي الأمر من أئمة المسلمين لا يبطله شيء، والحج كذلك ودفع الصدقات من السوائم إلى أولي الأمر من أئمة المسلمين". (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/177، 178) .0
وقال ابن كثير رحمه الله " والإمام إذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه على أصح قولي العلماء، بل ولا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من إثارة الفتنة وقوع الهرج، وسفك الدماء، ونهب الأموال، وفعل الفواحش مع النساء، وغيرهن وغير ذلك مما كل واحدة فيها من الفساد أضعاف فسقه كما جرى مما تقدم إلى يومنا هذا " (البداية والنهاية لابن كثير 8/223، 224) .(36/490)
ويقول ابن تيميه رحمه الله: "وقد استفاض وتقرر في غير هذا الموضع ما قد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من طاعة الأمراء في غير معصية الله، ومناصحتهم والصبر عليهم في حكمهم وقسمهم والغزو معهم والصلاة خلفهم ونحو ذلك من متابعتهم في الحسنات التي لا يقوم بها إلا هم فإنه من باب التعاون على البر والتقوى. وما نهى عنه من تصديقهم بكذبهم وإعانتهم على ظلمهم وطاعتهم في معصية الله ونحو ذلك مما هو من باب التعاون على الإثم والعدوان. وما أمر به أيضاً من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهم ولغيرهم على الوجه المشروع وما يدخل في ذلك من تبليغ رسالات الله إليهم بحيث لا يترك ذلك جنباً ولا بخلاً ولا خشية لهم ولا اشتراء للثمن القليل بآيات الله، ولا يفعل أيضاً للرئاسة عليهم ولا على العامة ولا للحسد ولا للكبر ولا للريا لهم وللعامة ولا يزال المنكر بما هو أنكر منه بحيث يخرج عليهم بالسلاح وتقام الفتن كما هو معروف من أصول أهل السنة والجماعة كما دلت عليه النصوص النبوية، لما في ذلك من الفساد الذي يربى على فساد ما يكون من ظلمهم بل يطاع الله فيهم وفي غيرهم ويفعل ما أمر به ويترك ما نهي عنه وهذه جملة تفصيلها يحتاج إلى بسط كثير (مجموع الفتَاوى 28/ 20، 21) .(36/491)
وقال أيضاً رحمه الله: فإذا أحاط المرء علماً بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد الذي يقوم به الأمراء إلى يوم القيامة، وبما نهى عنه من إعانة الظلمة على ظلمهم علم أن الطريقة الوسطى التي هي دين الإسلام فيهم إذا لم يمكن جهادهم إلا كذلك، واجتناب إعانة الطائفة التي يغزو معها على شيء من معاصي الله بل يطيعهم في طاعة الله ولا يطيعهم في معصية الله إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وهذه طريقة خيار هذه الأمة قديماً وحديثاً وهي واجبة على كل مكلف وهي متوسطة بين طريق الحرورية وأمثالهم ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشئ عن قلة العلم، وبين طريقة المرجئة وأمثالهم ممن يسلك مسلك طاعة الأمراء مطلقاً وإن لم يكونوا أبرارا. (المصدر نفسه 28/508) . انتهى.
وقال أيضا:"ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة الغزو مع كل بر وفاجر فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وبأقوام لا خلاق لهم كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه إذالم يتفق إلا الغزو إلا مع الأمراء الفجار أو مع عسكر كثير الفجور فإنه لا بد من أحد الأمرين: إما ترك الغزو معهم فيلزم من ذلك استيلاء الآخرين الذين هم أعظم ضرراً في الدين والدنيا. وإما الغزو مع الأمير الفاجر فيحصل بذلك دفع الأفجرين وإقامة أكثر شرائع الإسلام، وإن لم يكن إقامة جميعها. فهذا هو الواجب في هذه الصورة، وكل ما أشبهها بل كثير من الغزو الحاصل بعد الخلفاء الراشدين لم يقع إلا على هذا الوجه) . اهـ. (مجموع الفتاوى 28/506، 507) .(36/492)
وقال أيضاً رحمه الله: ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج عن الأئمة وقتالهم وإن كان فيهم ظلم كما دلت على ذلك الأحاديث المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنةٍ فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته. (منهاج السنة 3/ 391) .
وقال أيضا: وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير. (منهاج السنة 4/527) .
وقال أيضاً: وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة كما كان عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد، وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث. ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم، وكان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين.. ومن تأمل الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب واعتبر أيضاً اعتبار أولى الأبصار علم أن الذي جاءت به النصوص النبوية خير الأمور. (منهاج السنة 4/529) .(36/493)
وقال أيضاً: وهذا كله مما يبين أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد، وأن من خالف ذلك متعمداً أو مخطئاً لم يحصل بفعله صلاح بل فساد. ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بقوله " إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " ولم يثن على أحد لا بقتال في فتنةٍ ولا بخروج على الأئمة ولا نزع يد من طاعة ولا مفارقة للجماعة وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة تدل على هذا المنهاج. (منهاج السنة 4/ 531)
وقد اعتبر الشيح محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مخالفة ولي الأمر من مسائل الجاهلية حيث قال: (المسألة الثالثة مخالفة ولي الأمر مسائل الجاهلية ص 2) .(36/494)
وقال المعلمي رحمه الله: وكان أهل العلم مختلفين في ذلك فمن كان يرى الخروج يراه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بالحق، ومن كان يكرهه يرى أنه شق لعصا المسلمين وتفريق لكلمتهم وتشتيت لجماعتهم وتمزيق لوحدتهم وشغل لهم بقتل بعضهم بعضاً، فتهون قوتهم وتقوى شوكة عدوهم وتتعطل ثغورهم فيستولى عليها الكفار ويقتلون من فيها من المسلمين ويذلونهم وقد يستحكم التنازع بين المسلمين فتكون نتيجة الفشل المخزي لهم جميعاً وقد جرب المسلمون الخروج فلم يروا منه إلا الشر خرج الناس على عثمان يرون أنهم إنما يريدون الحق وخرج أهل الجمل يرى رؤسائهم ومعظمهم أنهم يطلبون الحق فكانت ثمرة ذلك بعد اللُتَيَّا والتي أن انقطعت خلافة النبوة وتأسست دولة بني أمية ثم اضطر الحسين بن علي إلى ما اضطر إليه فكانت تلك المأساة، ثم خرج أهل المدينة فكانت وقعة الحرة، ثم خرج القراء مع ابن الأشعث فماذا كان؟ ثم كانت قضية زيد بن علي وعرض عليه الروافض أن ينصروه على أن يتبرأ عن أبي بكر وعمر فأبى فخذلوه فكان ما كان، ثم خرجوا مع بني العباس فنشأت دولتهم التي رأى أبو حنيفة الخروج عليها، واحتشد الروافض مع إبراهيم الذي رأى أبو حنيفة الخروج معه ولو كتب له النصر لاستولى الروافض على دولته فيعود أبو حنيفة يفتي بخروج عليهم، هذا والنصوص التي يحتج به المانعون من الخروج والمجيزون له معرفة، والمحققون يجمعون بين ذلك بأنه إذا غلب على الظن أن ما ينشأ عن الخروج من المفاسد أخف جداً مما يغلب على الظن أنه يندفع به جاز الخروج وإلا فلا، وهذا النظر قد يختلف فيه المجتهدان، أولاهما بالصواب من اعتبر بالتاريخ وكان كثير المخالطة للناس والمباشرة للحروب والمعرفة بأحوال الثغور. (التكيل 1/93،94) .(36/495)
ومع هذا التشديد والنكير الخروج على الأئمة والأمر بالصبر عليهم فان أهل السنة والجماعة يرون أن الأئمة كغيرهم من البشر ليسوا معصومون يعتريهم -الصواب والخطأ، فلا يرون لهم طاعة مطلقة بل طاعتهم مقيدة - خلافاً لمذهب الرافضة والمرجئة (انظر منهاج السنة النبوية 3/389، ومجموع الفتاوى 28، 508) الذين يقولون بالطاعة المطلقة لهم.
يقول الشافعي رحمه الله: (فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر الذين أمّرهم رسول الله -لا طاعة مطلقة بل طاعة مستثناة فيما لهم وعليهم) . الرسالة للشافعي ص 80) .
أما من أطاعهم في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله فإنه هذا شرك والعياذ بالله منه.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أرباباً من دون الله) .
قال الشارح له. (لما كانت الطاعة من أنواع العبادة بل هي العبادة فإنها طاعة الله بامتثال ما أمر به على ألسنة رسله عليهم السلام وجب اختصاص الخالق سبحانه بها دون أحد سواه) وأنه لا يطاع أحد من الخلق إلا حيث كانت طاعة مندرجة تحت طاعة الله وإلا فلا تجب طاعة أحد من الخلق استقلالاً. (تيسير العزيز الحميد ص543) .(36/496)
فالطاعة المطلقة لا تكون إلا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم -كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} . [النساء آية 59] ، وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} . [النساء آية 69] ، وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} . [النساء آية 80] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصيني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني "رواه مسلم. وفي رواية: "ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصي أميري فقد عصاني".
ومذهب أهل السنة والجماعة طاعة الأئمة فيما أمروا به من طاعة الله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وعدم طاعتهم فيما أمروا به من معصية ولو كانوا أئمة عدولاً.(36/497)
يقول ابن تيميه رحمه الله: (إنهم -يعني أهل السنة والجماعة -لا يوجبون طاعة الإمام في كل ما يأمر به بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة فلا يجيزون طاعته في معصية الله وإن كان إماماً عادلاً، وإذا أمرهم بطاعة الله فأطاعوه مثل أن يأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصدق والعدل والحج والجهاد في سبيل الله فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله، والكافر والفاسق إذا أمر بما هو طاعة لله لم تحرم طاعة الله ولا يسقط وجوبها لأجل أمر ذلك الفاسق بها، كما أنه إذا تكلم بحق لم يجز تكذيبه ولا يسقط وجوب إتباع الحق بكونه قد قاله فاسق فأهل السنة لا يطيعون ولا الأمور مطلقاً، إنما يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} . أمر بطاعة الله مطلقاً، وأمر بطاعة الرسول لأنه لا يأمر إلا بطاعة الله {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه} .وجعل طاعة أولي الأمر داخلة في ذلك فقال: {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} ولم يذكر لهم طاعة ثالثة، لأن ولي الأمر لا يطاع طاعة مطلقة، إنما يطاع في المعروف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما الطاعة في المعروف. وقال: لا طاعة في معصية الله ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". وقال:"ومن أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه" (منهاج السنة 3/387، 388) .انتهى.
وقال أيضا: فكيف بقول أهل السنة الموافق للكتاب والسنة وهو الأمر بطاعة ولي الأمر فيما يأمر به من طاعة الله دون ما يأمر به من معصية الله. (نفس المصدر 3/390) .
وقال أيضاً: ولم يأمر بطاعة الأئمة مطلقاً بل أمر بطاعتهم في طاعة الله دون معصيته، وهذا يبين أن الأئمة الذين أمر بطاعتهم في طاعة الله ليسوا معصومين. (نفس المصدر 1/115) .(36/498)
ويبين رحمه الله مذهب أهل السنة في هذه القضية بقوله: (وأهل السنة لا يأمرون بموافقة ولاة الأمور إلا في طاعة الله لا في معصيته. فولاة الأمور بمنزلة غيرهم يُشاركون فيما يفعلونه من طاعة الله ولا يُشاركون فيما يفعلونه من معصية الله) . (نفس المصدر 4/113، 114) .
وانظر إلى موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما تولى الخلافة وخطب في الناس وبين لهم الموقف منه فقال:"يا أيها الناس وليتُ عليكم ولست بخيركم، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم". (البداية والنهاية 5 /248) .
ومن فقه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه "باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية "ثم ساق بإسناده من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". (صحيح البخاري 4/329) .
وقال أبو حامد الغزالي:"ومنها أن يعلم أن رضا الخلق لا يحسن تحصيله إلا في موافقة الشرع وأن طاعة الإمام لا تجب على الخلق إلا إذا دعاهم إلى موافقة الشرع". (فضائح الباطنية ص206-208) . ثم ذكر آثاراً عن بعض السلف وقال عقبها: فبهذه الأحاديث يتبين أن الطاعة واجبة للأئمة ولكن في طاعة الله لا في معصيته". (فضائح الباطنية ص206-08) .
واستنبط المفسر أبو السعود من قوله تعالى: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} حكماً حيث قال:"والتقييد بالمعروف مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا به للتنبيه على أنه لا يجوز طاعة المخلوق في معصية الخالق". (إرشاد العقل السليم2/580) .(36/499)
وقال النووي: قال العلماء: (معناه تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية فإن كان لمعصية فلا سمع ولا طاعة كما صرح به في الأحاديث الباقية فتحمل الأحاديث المطلقة لوجوب طاعة ولاة الأمور على موافقة تلك الأحاديث المصرحة بأنه لا سمع ولا طاعة في المعصية، وهذه الأحاديث في الحث على السمع والطاعة في جميع الأحوال وسببها اجتماع كلمة المسلمين فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم) .
هو التجيبي المصري اسمه حبيب ببن شهيد قال ابن حجر: على الأشهر؟ المتوفى 109هـ كذا سطره المزي وذكر ابن حجر في التقريب توفي سنة تسع وخمسين. وهو معدود في الفقهاء الثقات وقد روى عنه يزيد بن أبى حبيب ولم أقف له على سماع من رويفع بن ثابت. ترجمته في تهذيب الكمال 34/274 والتقريب.
ابن السكن الأنصاري صحابي رضي الله عنه. تولى أمرة مصر في زمن معاوية رضي الله عنه توفي ببرقة وهو أمير عليها. سنة 56 هـ. ترجمته في الاستيعاب 2/504 والإصابة 1/522 وتهذيب الكمال 9/254.
رواه أحمد في المسند 4/108 من حديث ابن إسحاق به مرفوعاً. كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح حنيناً. فقام فينا خطيباً فقال:"لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماءه زرع غيره، ولا أن يبتاع مغنماً حتى يقسم، ولا أن يلبس ثوباً من فئ المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه، ولا يركب دابة من فئ المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه". ورواه أيضا 4/108. وأبو داود في الجهاد باب في الرجل ينتفع من الغنيمة بالشيء 3/153 والدارمي في السير باب النهي عن ركوب الدابة من المغنم ولبس الثوب منه 2/230 كلهم من طريق ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق عن حنش الصنعاني عن رويفع بن أبى ثابت مرفوعاً. وفيه زيادة. وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عن يزيد عند أحمد.
تجبب قبيلة نزلت مصر والنسبة إليها (التجيبي) انظر الأنساب 3/19 وهي بطن من كنده كذا في المسند(36/500)
يحتمل أنه الثوري وهو من أثبت الناس فيه كذا قال المزي. ويحتمل أنه ابن عيينة وقد حدث عنه بعد الاختلاف.
وهو السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني المتوفى سنة 129 هـ وقيل غير ذلك روى عن أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن مسعود وعنه السفيانان. ثقة عابد إلا أنه تغير آخر حياته. ترجمته في تهذيب الكمال 22/102 وتهذيب التهذيب 8/62 والتقريب , والكواكب النيرات ص341.
هو عامر بن عبد الله بن مسعود الهذلي مشهور بكنيته وقيل اسمه كنيته, روى عن أبيه -ولم يسمع منه لكونه مات وهو صغير - وروى عنه أبو إسحاق السبيعي ترجم له المزي ولم يذكر شيئاً إلا كونه لم يسمع من أبيه شيئاً. مع أن ابن سعد وابن معين وثقاه وقال ابن حجر: ثقة. وذكر المزي أن حديثه عند الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 14/61 و 34/59 والتقريب. وطبقات ابن سعد 6/210 والجرح والتعديل9/403.
انظر سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 4/79.
انظر تعليق الخطابي على سنن أبي داود 3/153.
سبقت ترجمته في ص 120.
رواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد باب صيد القوس 9/604 مع الفتح ما جاء في التصيد 9/612 وفي باب آنية المجوس والميتة 9/622 ومسلم في كتاب الصيد والذبائح باب الصيد بالكلاب المعلمة 3/1532 رقم 8 وانظر سنن أبي داود 4/177 , 178 وسنن الترمذي 5/165.
هو الثقة الفقيه الفاضل أبو محمد عطاء بن أبي رباح القرشي ولاء المتوفى سنة 114هـ وقيل غير ذلك كثير الإرسال روى عن جابر بن عبد الله وعنه برد بن سنان. ترجمته في تهذيب الكمال 20/69 وتهذيب التهذيب 7/199 والتقريب.(37/1)
رواه أحمد في المسند 3/379 وأبو داود في الأطعمة باب الأكل من آنية أهل الكتاب 4/177 من حديث عطاء عن جابر مرفوعاً: كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بهم فلا يعاب علينا. هذا لفظ أحمد. وعند أبي داود: فنستمتع بها فلا يعيب ذلك عليهم. وذكر ابن حجر في الفتح 9/623 وعزاه إلى أبي داود والبزار فقط: وذكر أن في رواية البزار (فنغسلها ونأكل فيها) .
الطائي الكوفي روى عن أبيه وعنه سماك بن حرب ووثقه ابن حبان والعجلي, لكن قال ابن المديني والنسائي مجهول. وقال ابن حجر: مقبول. ترجمته في تهذيب الكمال 23/493 وتهذيب التهذيب 8/350 والتقريب.
هو هلب الطائي يقال اسمه يزيد بن عدي. وهلب لقب قال ابن عبد البر. وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وهو أقرع فمسح على رأسه فنبت شعره. هـ. قال ابن حجر: وحديثه في أبي داود والترمذي وغيرهما. ترجمته في الاستيعاب 4/1549 والإصابة 3/609.
(1) رواه أحمد في المسند 5/226، 227 وأبو داود في الأطعمة باب في كراهية التقذر للطعام 4/147 والترمذي في السير باب ما جاء في طعام المشركين 5/290 وابن ماجة في الجهاد باب الأكل في قدور المشركين 2/944 كلهم أخرجوه من طريق سماك به إلا أن أبا داود جاء عنده قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم، وسأله رجل فقال: إن من الطعام طعاماً أتحرج منه فقال: لا يتحلجن في صدرك شيء ضارعت فيه النصرانية. وعند أحمد: لا يختلجن الخ. وفي الرواية الثانية عنده: كلما ضارعت فيه النصرانية فلا يحيى كن في صدرك. ورواه عبد الله بن أحمد في زيادته في المسند 5/226 وذكره المزي في تهذيب الكمال 23/495 من طريقة.
قال ابن الأثير (الركاز عند أهل الحجاز: كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض. وعند أهل العراق المعادن. والقولان تحتملهما اللغة, لأن كلا منهما مركوز في الأرض أي ثابتة) النهاية 2/258.(37/2)
أحد سادات التابعين من العلماء الأثبات والفقهاء الأخيار صاحب مراسيل الصحيحة مات سنة 93هـ. وقيل غير ذلك, روى عن أبي سلمة وعنه الزهري. ترجمته في تهذيب الكمال 11/66 وتهذيب التهذيب 4/84 والتقريب.
(1) رواه البخاري في الزكاة باب في الركاز الخمس 3/364 مع الفتح وفي الديات باب المعدن جبار والبئر جبار 15412 من نفس الطريق المذكور أعلاه، وأخرجه في المساقات باب من حفر بئراً في ملكه لم يضمن 5/33 من حديث أبي هريرة وفي الديات باب العجماء جبار 12/256 من حديث شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة. ورواه مسلم في الحدود باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار 3/1334.
هو أبو يوسف إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي المتوفى سنة160هـ وقيل غير ذلك. روى عن سماك بن حرب ثقة. قال ابن حجر: تكلم فيه بلا حجة. ترجمته في تهذيب الكمال 2/515 والتقريب.
رواه أحمد في المسند 1/314 من حديث إسرائيل به قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركاز الخمس. قلت: وروايته سماك عن عكرمة فيها اضطراب.
هو مجالد بن سعيد بن عمير بن بسطام الهمداني الكوفي المتوفى سنة 144هـ روى عن الشعبي. وعنه خلق كثير. وثقه النسائي مرة وجمهور النقاد يضعفونه ويرونه ليس قوياً. وقال ابن عدي: له عن الشعبي عن جابر أحاديث صالحة. ترجمته في تهذيب الكمال 27/219 وتهذيب التهذيب 10/39 والتقريب.
رواه أحمد في المسند 3/353 , 354 من طريق مجالد به مرفوعاً: السائبة جبار, والجب , والمعدن جبار, وفي الركاز الخمس.
القرشي العدوي مولى عبد الله بن عمر المتوفى سنة 154هـ روى عن أبيه متفق على ضعفه. قال المزي: روى ابن ماجة. ترجمته في تهذيب الكمال 16/213 والتقريب.
ذكره الزيلعي في نصب الراية 2/ 380 وأعله بابن نافع فإنه متروك.(37/3)
رواه البخاري في الجهاد باب لا يعذب بعذاب اللَه 6/ 149 وفي استتابة المرتدين باب حكم المرتدين 12/267من حديث أيوب به وذكر قصة علي مع ابن عباس. وذكره البخاري تعليقاً في كتاب الاعتصام باب قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} 13/339 وأحمد في المسند 1/282 , 323.
هو عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي المتوفى سنة 104هـ وقيل غير ذلك روى عن أنس وعنه يحيى بن أبي كثير وأبو رجاء مولاه. ثقة فقيه إلا أنه كان يرسل. ترجمته في تهذيب الكمال 14/542 وتهذيب التهذيب 5/224 والتقريب.
رواه البخاري في الحدود باب المحاربين من أهل الكفر والردة 12/109. وفي باب لم يحسم النبي صلى الله عليه وسلم المحاربين من أهل الردة حتى هلكوا 12/ 110. وذكره تعليقاً في المغازي باب قصة عكل وعرينة 7/458 ورواه مسلم في القسامة باب حكم المحاربين 3/1298.
هو سليمان روى عن مولاه أبي القلابة وثقه ابن حبان وحديثه عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وقال ابن حجر: صدوق. ترجمته في تهذيب الكمال 11/260 والتقريب.
رواه البخاري في التفسير باب: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً. الخ. 8/273. ورواه في الديات باب القسامة 12/230 من حديث أبي رجاء وفيه قصة – ورواه في الوضوء باب أبوال الإبل.... 1/335 عن أيوب عن أبي قلابة به وكذلك في الجهاد باب إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق 6/153 وفي الحدود باب لم يسق المرتدون والمحاربين حتى ماتوا 12/111 وفي باب سمر النبي صلى الله عليه وسلم أعين المحاربين 12/112 ورواه مسلم في القسامة باب حكم المحاربين 3/1296 رقم 10 ,11 ,12.
أبو إياس المزني المتوفى سنة 113هـ روى عن أنس رضي الله عنه وعنه سماك بن حرب من الثقات العلماء. ترجمته في تهذيب الكمال 28/210 وتهذيب التهذيب 10/216 والتقريب.
رواه مسلم في القسامة باب حكم المحاربين 3/1298 رقم 13.(37/4)
رواه البخاري في الزكاة باب استعمال إبل الصدقة …الخ. 3/366 مع الفتح. ورواه في الطب باب الدواء بأبوال الإبل 10/142 وفي باب من خرج من أرض لا تلايمه 10/178 ومسلم في القسامة باب حكم المحاربين 3/1296.
رواه مسلم في القسامة باب حكم المحاربين 3/1296.
هو البناني ولاءاً المتوفى سنة 130 هـ روى عن أنس رضي الله عنه ثقة أخرج حديثه الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 18/147 وتهذيب التهذيب 6/341 والتقريب.
رواه مسلم في القسامة باب حكم المحاربين والمرتدين 3/1296 رقم9 وذكره البخاري تعليقاً في كتاب المغازي باب قصة عكل وعرينه 7/458.
انظر تخريجه في الإحالات السابقة.
قول ابن سيرين هذا ذكره البخاري معلقاً في كتاب الطب باب الدواء بأبوال الإبل 10/142 لكن قال ابن حجر في الفتح 10/143 (تعقيباً عليه) يعكر عليه ما أخرجه مسلم من طريق سليمان التيمي عن أنس قال: (إنما سماهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم سلموا أعين الرعاة) . انتهى. انظر صحيح مسلم 3/1298.
قول أبي قلابة هذا ذكره البخاري تعليقاً في كتاب الحدود باب لم يسق المرتدون والمحاربون حتى ماتوا 12/111 بلفظ (سرقوا وقتلوا وحاربوا لله ورسوله) وفي باب سمر النبي صلى الله عليه وسلم أعين المحاربين 12/112 بلفظ (هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا لله ورسوله) . اهـ.
(1) حديث صحيح رواه البخاري في عدة مواطن من صحيحه وانظر كتاب الصوم باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر 4/163 مع الفتح. ورواه مسلم في كتاب باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم 2/781 رقم 81.
الحارثي الكوفي روى عن أبيه شريح بن هاني وعنه شريك بن عبد الله القاضي الثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 28/457 والتقريب.(37/5)
هو شريح بن هانئ الحارثي أبو المقدام الكوفي قال المزي: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره أ. هـ. توفى سنة 78هـ روى عن عائشة وعنه ابنه المقدام. ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 12/452 وتهذيب التهذيب 4/330 والتقريب.
رواه أحمد في المسند 6/58 , 222 وأبو داود في الجهاد باب ما جاء في الهجرة وسكن البدو 3/7 وفي كتاب الأدب باب في الرفق 5/156 من حديث شريك به. وعند أحمد: قال قلت لعائشة هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدو قالت نعم: كان يبدو إلى هذه التلاع.
وعن أبى داود: سألت عائشة عن البداوة فقالت: كان … الخ.
الخلقاني الأسدي أبو زياد الكوفي مات سنه 174 هـ وقيل غير ذلك روى عن الحسن بن الحكم النخعي مختلف فيه. وقال ابن حجر: صدوق يخطئ قليلاً. ترجمته في تهذيب الكمال 3/92 والتقريب.
النخعي أبو الحكم الكوفي روى عن عدي بن ثابت الأنصاري وعنه إسماعيل بن زكريا, وثقه ابن حجر وقال أبو حاتم صالح الحديث. وقال ابن حجر: صدوق يخطئ. ترجمته في تهذيب الكمال 6/128 والتقريب.
الأنصاري الكوفي مات سنة 116هـ روى عن أبى حازم سلمان الأشجعي وعنه الحسن بن الحكم ثقة روى حديثه الجماعة. لكن قال أبو حاتم: كان إمام مسجد الشيعة وقاصهم. ترجمته في تهذيب الكمال 19/522 وتهذيب التهذيب 7/165 والتقريب.
هو سلمان الاشجعي الكوفي مولى عزة الاشجعية روى عن أبي هريرة, وعنه عدي بن ثابت ثقة, وحديثه أخرجه الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 11/259 وتهذيب التهذيب 4/140 والتقريب.
رواه أحمد في المسند 2/371 , 440 من حديث إسماعيل به وزاد فيه (ومن تتبع الصيد غفل ومن أتى أبواب السلطان أفتن، وما ازداد عبد من السلطان قرباً إلا أزداد من الله عز وجل بعداً) . وله شاهد من حديث البراء عند أحمد مرفوعاً: من بدا حفا. انظر المسند 4/197.(37/6)
ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب 12/252 وحكم عليه بالجهالة وذكر أنه روى عن وهب وعنه الثوري وفرق بينه وبين أبي موسى البصري، كما ذكره في ترجمة أبي موسى البصري إسرائيل بن موسى 1/261 وفرق بينهما. ولم أجد المزي أشار إليه. وذكره الذهبي في الكنى 2/106.
هو الصنعاني الذماري أبو عبد الله المتوفى سنة 114هـ وقيل غير ذلك روى عن ابن عباس وعنه أبو موسى اليماني كما ذكر ابن حجر والذهبي. ثقة لكنه يروي الإسرائيليات. ترجمته في تهذيب الكمال 31/140 وتهذيب التهذيب 11/166 والتقريب.
رواه أحمد في المسند 1/378 وأبو داود في الصيد باب إتباع الصيد 3/378 والترمذي في الفتن باب سكنى البادية وإتباع الصيد 7/36 والنسائي في الصيد باب إتباع الصيد 7/195. جميعهم من حديث سفيان به مرفوعاً بلفظ (من سكن البادية جفا ومن تتبع الصيد غفل, ومن أتى السلطان افتتن) .
وقال الترمذي (حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عباس لا نعرفه إلا من حديث الثوري) .
الأسدي الكوفي مات193 هـ وقيل غير ذلك، روى عن عبد العزيز بن رفيع وعنه خلق كثير من الثقات العباد. قال ابن حجر: إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح. ترجمته في تهذيب الكمال 33/129 والتقريب.
الأسدي أبو عبد الله المكي الطائفي المتوفى بعد 130 هـ روى عن تميم بن طرفة وعنه أبو بكر بن عياش، ثقة، ترجمته في تهذيب الكمال 18 / 134 وتهذيب التهذيب 6/337 والتقريب.
(1) الطائي مات سنة 95 هـ وقيل غير ذلك، روى عن عدي بن حاتم، وعنه عبد العزيز بن رفيع ثقة. ترجمته في: تهذيب الكمال 4/ 331 وتهذيب التهذيب 1/513 والتقريب.
صحابي جليل يكنى أبا طريف. كان له دور مشهور في حروب الردة، مات سنة 67 هـ بالكوفة وقيل غير ذلك. روى عنه تميم بن طرفة. ترجمته في الاستيعاب 3/1057 والإصابة 2/468.(37/7)
رواه مسلم في الأيمان باب ندب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها 13/1273 رقم 16 ولفظه (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأتي الذي هو خير وليترك يمينه) .
رواه مسلم 13/1273رقم 17 ولفظه (إذا حلف أحدكم على اليمين فرأى خيراً منها فيكفرها وليأت الذي هو خير) .
(1) هو هشام بن حسان سبقت ترجمته.
(2) القرشي يكني أبا سعيد أسلم رضي الله عنه يوم فتح مكة وتوفي سنه 51 هـ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وعنه الحسن. ترجمته في الاستيعاب2/ 835 والإصابة 2/ 400.
(3) رواه أحمد في المسند 5/62، 63 والبخاري في الأيمان والنذور باب قول الله تعالى {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} 11/516, 517 وفي كتاب الأحكام باب من لم يسأل الأمارة أعانه الله عليها 3/123، 124 ومسلم في الأيمان ندب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها 3/1273 , 1274رقم 19.
(4) كلمه غير واضحة.
رواه أحمد في المسند 5/ 61، 62 والبخاري في كفارات الأيمان باب الكفارة قبل الحنث وبعده 11/608 وفي الأحكام باب من سأل الأمارة وكل إليها 13/ 124 مع الفتح.
هو سهيل بن أبي صالح ذكوان السمان يكنى أبا يزيد المدني، روى عن أبيه ذكوان السمان أثنى عليه ابن عيينة وأحمد بن حنبل في الحديث وكذلك ابن عدي، وقدح في حديثه ابن معين وأبو حاتم ووثقه العجلي وقال النسائي: ليس له بأس. وقال ابن حجر: صدوق تغير حفظه بآخره. ترجمته في تهذيب الكمال 12/223 وتهذيب التهذيب 4/ 263 والتقريب.
اسمه ذكوان أبو صالح السمان الزيات المتوفى 101 هـ روى عن أبي هريرة، وعنه ابنه سهيل. أخرج حديثه الجماعة ومثله لا يسأله عنه من حيث الثبت والثقة والصلاح. ترجمته في تهذيب الكمال 8/513 والتقريب.
(5) رواه مسلم في الأيمان باب ندب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها 3/1272 رقم 12 والترمذي في كتاب النذور والأيمان باب ما جاء في الكفارة قبل الحنث 5/248.(37/8)
هو سلام بن سليم سبقت ترجمته.
هو السبيعي عمر بن عبد الله بن عبيد. سبقت ترجمته.
ويقال له: عبد الرحمن بن هنيدة أو ابن أبي هنيدة القرشي العدوي وقد ترجم له المزي في موطنين ولم يذكر أنه روى عن أبيه ولا أن أبا إسحاق روى عنه ولم أقف على ترجمة أبي إسحاق أنه روى عن عبد الرحمن, وهو ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 16/512 , 17/471 والتقريب.
قيل هو أذينة العبدي. وقيل أذينة بن مسلم العبدي, وقيل أذينة بن سلمة بن الحارث وقيل أذينة بن الحارث. قال ابن حجر: مختلف في صحبته. ترجمته في الاستيعاب 1/136 والإصابة 1/26.
رواه أبو داود الطيالسي في المسند ص195 رقم 1370 عن أبي الأحوص به. وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب 1/136 في ترجمة أذينة, كما ذكره ابن حجر في الإصابة 1/26 في نفس الترجمة عن أبي داود الطيالسي عن أبي الاحوص به ثم قال: (ورواه الطبراني والبغوي وابن شاهين وابن السكن وأبو عروبة وغير واحد في كتبهم في الصحابة من طرق عن أبى الاحوص) ا.هـ.
الغساني ولاءاً روى عن زيد بن واقد وثقه ابن معين ودحيم وأبو داود وابن حبان وقال: ابن معين مرة لا بأس به وقال أحمد لا أعلم إلا خيراً وقال النسائي ليس به بأس. ووصفه أبو داود بالقدر وضعفه أبو مسهر, ويذكر أنه من أعلم الناس بحديث مكحول. وقال ابن حجر: صدوق رمي بالقدر. ترجمته في تهذيب الكمال 30/370 والتقريب.
القرشي روى عن بسر بن عبيد الله وعنه الهيثم بن حميد الغساني مات سنة 138هـ ثقة. ترجمته في تهذيب الكمال 10/108 وتهذيب التهذيب 3/426 والتقريب.
الحضرمي الشامي روى عن زيد بن واقد. ثقة روى حديثه الجماعة. ترجمته في تهذيب الكمال 4/75 وتهذيب التهذيب 1/426 والتقريب.
لم أقف له على ترجمته.(37/9)
هو صحابي جليل عويمر بن عامر على الاختلاف في ذلك المشهور بكنيته مع الفقه والحكمة والعقل آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسي توفي بعد الثلاثين. ترجمته في الاستيعاب 4/1646 والإصابة 3/45.
رواه البيهقي في السنن الكبرى كناب الأيمان باب الكفارة قبل الحنث 10/52 بإسناده إلى الهيثم بن حميد به بسياق أطول وفيه قصة لأبي موسى مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح.
هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام القرشي المتوفى سنة 145 هـ وقيل غير ذلك روى عن أبيه عروة, وعنه سفيان الثوري وابن عيينة, ثقة إمام في الحديث قال ابن حجر: ربما دلس. ترجمته في تهذيب الكمال 30/232 وتهذيب التهذيب 11/48 والتقريب.
رواه البخاري في التفسير باب (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) 8/275 وفي كتاب الأيمان والنذور. باب قول الله تعالى {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} 11/516.
هو أبو سفيان وكيع بن الجراح بن المليح الرؤاسي المتوفى سنة 196 هـ 197 هـ روى عن هشام بن عروة من الثقات العباد الحفاظ الأخيار. ترجمته في تهذيب الكمال 30/462 وتهذيب التهذيب 11/123 والتقريب.
انظر تخريج الحديث السابق له.
هو إسحاق بن عيسى نجيح البغدادي أبو يعقوب ابن الطباع المتوفى سنة 214هوقيل غير ذلك روى عن شريك بن عبد الله النخعي وصفه البخاري بأنه مشهور في الحديث وقال عنه أبو حاتم وغيره صدوق وكذا ابن حجر في التقريب. ترجمته في تهذيب الكمال 2/ 462 والتقريب.
هو عثمان بن عاصم بن حصين الكوفي المتوفى سنة 128 هـ وقيل غير ذلك روى عن قبيصة بن جابر وعنه شريك بن عبد الله النخعي من الثقات الأثبات. ترجمته في تهذيب الكمال 23/401 وتهذيب التهذيب 7/126 والتقريب.(37/10)
ابن وهب الأسدي أبو العلاء الكوفي مات سنة 69 هـ روى عن عمر رضي الله عنه، وعنه أبو حصين عثمان بن عاصم. ثقة من الفصحاء والنبلاء. ترجمته في تهذيب الكمال 23/472 وتهذيب التهذيب 8/344 والتقريب.
(1) هو الفضل بن دكين الكوفي المتوفى 218 هـ وقيل غير ذلك أحد شيوخ البخاري الكبار، روى عن شريك بن عبد الله النخعي. من الثقات الأثبات. ترجمته في تهذيب الكمال 23/197 وتهذيب التهذيب 8/ 270 والتقريب.(37/11)
الغريب المُصنّف
تأليف
أبي عُبيدٍ القاسم بن سلاَّم
المتوفى سنة 224 هـ
تحقيق
صفوان عدنان داوودي
القسم الأوّل
مقدمة المحقق
الحمدُ للِّهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسَّلامُ على خاتم المرسلين، وأفصحِ الناطقين، سيِّدنا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبه أجمعين،
وبعدُ
فإنَّ علمَ اللُّغة العربية من أشرفِ العلوم، ومعرفتهُ من خير الأمور، وذلك لأنَّ الله اختار العرب على العالمين، وفضَّل لغتهم على سائر اللغات، فأرسل أفضلَ أنبيائه بأفصحِ لغةٍ في أفصحِ قومٍ، وأنزلَ كتابه العزيز بتلك اللغة، فقال عزَّ مِنْ قائلٍ: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} الشعراء: 195. وقال أيضاً: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} الزخرف: 3.
وجعل كتابه قانوناً لهم، وأمرهم بالعملِ بما فيه، والاهتداء بهديه، ولا سبيلَ إلى فهم هذا الكتابِ العظيم، ولا إلى معرفَة كلامِ خاتم المرسلين، إلاَّ بمعرفة اللُّغة العربية ودراستها، لذا كان تعلُّمهَا من الأمور المطلوبة، والسنن المحبوبة، وقد استنبط بعضُ العلماء من قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} البقرة: 23.
أنَ تعلُّمَ اللغات أفضل من التفرُّغ والتخلي للعبادة، إذ لما علَّم الله آدمَ أسماء المسميات كلَّها أمر الملائكة الذين يعبدونه في كلِّ طرفةِ عينٍ أن يسجدوا لأدم لهذه المزية.
ورحم الله القائل:
علمُ اللغاتِ علينا
فرضٌ كفرضِ الصلاةِ
فليس يحفظ دينٌ
إلا بحفظ اللُّغاتِ
لذا قام علماء هذه الأمَّة بالتشمير عن ساعد الجد، فبدؤوا بالتصنيف في سائر الفنون والعلوم، ومِنْ جملتها علمُ اللُّغة، فألَّفوا المُؤلَّفات الكثيرة ما بين صغيرٍ وكبير، حتى حفظوا لنا اللُّغة وأوصلوها إلينا، إذ لو التأليف لضاعت أكثر العلوم، لعجزِ كثيرٍ من النَّاس عن الحفظ.(37/12)
وكان من ضمن كتب اللًّغة كتابُ "الغريب المصنَّف، للإمام المُتفَقِ على جلالته أبي عبيدٍ القاسم بن سلاَّم، صنَّفه في أربعين سنةً ورَتّبه على الموضوعات، فكان كتابُه هذا من طليعةِ المعاجم العربية المؤلفة في هذا النوع والكتابُ لَمْ يرَ النور إلى هذا اليوم، فأعاننا الله على تحقيقه ونشره، ونسأله تعالى القبول،
ونبدأ أولاً بترجمة المؤلف.
ثمَّ بدراسةٍ وافيةٍ عن كتابه
ثمَّ بإخراج نصِّ الكتاب.
وما توفيقنا إلا بالله، عليه توكَّلنا، وعليه اعتمادنا.
المحقق
المدينة المنورة 1410 هـ
ترجمة المؤلف
ودراسة عنه
اسمه ونسبه
هو القاسم بن سلاّم، كان أبوه سلاَّم عبدا ً رومياً لرجلٍ من أهل هراة، وهي مدينةٌ من مدن خراسان.
وكان أبوه يحبُّ العلم، فيحكي أنَّه خرج يوماً، وأبو عبيدٍ مع ابنِ مولاه في الكُتَّاب، فقال للمعلِّم: علِّمي القاسم فإنَّها كَيِّسه.
فخاطب أبوه المعلمَ بضمير المؤنث، وهو لحنٌ لكونه رومياً.
ولد أبو عبيدٍ بهراة سنة 150 هـ وقيل: سنة 154 هـ، وكان أبوه يتولَّى الأزد، وكان أبو عبيد ينزل في بغداد بدرب الريحان.
شيوخه
روى أبو عبيدٍ عن عددٍ كبير من أهل العلم واللغة، حتى صار إمامَ عصره، وسيِّدَ دهره، ونبغ في عدّة علومٍ، فقرأ على:
1- إسماعيل بن جعفر. انظر طبقات الشافعية 2/ 154، وطبقات الحنابلة 1/ 259.
2- شريك بن عبد الله، وهو أكبر شيوخه. انظر طبقات الشافعية الكبرى2/ 154، وطبقات الحنابلة 1/ 259.
3- إسماعيل بن عياش. انظر تاريخ بغداد 12/ 203.
4- هُشيم بن بشير. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
5- جرير بن عبد الحميد. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
6- سفيان بن عيينة. انظر تاريخ بغداد 12/403. وطبقات الشافعية الكبرى 2/ 154.
7- إسماعيل بن علية. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
8- يزيد بن هارون. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
9- يحيى بن سعيد القطان. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.(37/13)
10- حجَّاج بن محمد أخذ عنه القراءة. انظر تاريخ بغداد 12/403.
11- أبي معاوية الضرير. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
12- صفوان بن عيسى. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
13- عبد الرحمن بن مهدي. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
14- حماد بن مسعدة. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
15- مروان بن معاوية. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
16- أبي بكر ابن عياش. انظر تاريخ بغداد 12/403، وطبقات الشافعية الكبرى 2/154.
17- عمر بن يونس. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
18- إسحاق الأزرق. انظر تاريخ بغداد 12/ 403.
19- أبي زيد الأنصاري. انظر إنباه الرواة 3/13، وتاريخ بغداد 12/404.
وقد صرَّح أبو عبيد بالسماع منه في عدة مواضع من كتابه الغريب المصنف.
20- أبي عبيدة. انظر إنباه الرواة 3 / 13، والفهرست ص 106.
21- الأصمعيّ. انظر الفهرست ص106، وتاريخ بغداد 12/404، وإنباه الرواة 3/ 13.
22- اليزيدي. انظر الفهرست ص 106، وإنباه الرواة 3/ 13، وطبقات الحنابلة 3/260.
23- ابن الأعرابيّ. الفهرست ص 106، وطبقات الحنابلة 3/260، وتاريخ بغداد 12/ 404.
24- أبي زياد الكلابي أخذ عنه اللغة، وهو من الأعراب، قدم بغداد أيام المهدي. انظر الفهرست ص 67.
25- الأموي. انظر طبقات الحنابلة 1/ 261، وإنباه الرواة 3/ 13.
26- أبي عمرو الشيباني. انظر تاريخ بغداد 12/440، وطبقات الحنابلة 1/ 261.
27- الكسائي. انظر طبقات الشافعية الكبرى 2/ 153، وإنباه الرواة 3/13.
28- الأحمر. انظر تاريخ بغداد 12/ 404، وإنباه الرواة 3/ 13.
29- الفرّاء. انظر تاريخ بغداد 12/404.
30- اللحياني غلام الكسائي، اسمه علي بن المبارك. أنظر الفهرست ص 72.
31- شجاع بن أبي نصر، قرأ عليه القرآن. طبقات الشافعية الكبرى 2/153.
32- عبد الله بن المبارك. انظر طبقات الشافعية 2/ 153.
33- الشافعي، وله معه مناظرة في القرء. طبقات الشافعية الكبرى 2/154.
34- إسماعيل بن جعفر. أخذ عنه القراءة. سير أعلام النبلاء 10/506.(37/14)
35- أبي مسهر، أخذ عنه القراءة. سير النبلاء10/ 506.
36- النضر بن شميل. انظر نزهة الألباء ص73.
تلامذته
روى عن أبي عبيدٍ، وأخذَ عنه العلم كثيرٌ من الناس، والرُّواة عنه مشهورون ثقاتٌ، ذوو ذكرٍ ونبلٍ، وعادَتْ بركةُ أبي عبيدٍ رحمه الله على أصحابه، فكلُّهم نبغَ في العلم واشتُهر به، وأخذ عنه وتصدَّر للإفادة، فمنهم:
1- أبو عبد الرحمن أحمد بن سهل التميمي.
2- وأحمد بن عاصم البغدادي.
3- ثابت بن أبي ثابت، ورَّاق أبي عبيد، له كتاب "الفرق "، مطبوع.
4- أبو منصور نصر بن داود الصاغاني. تاريخ بغداد 13/292.
5- محمد بن وهب أبو جعفر المسعري.
6- محمد بن سعيد الهروي.
7- محمد بن المغيرة البغدادي.
8- عبد الخالق بن منصور النيسابوري.
9- أحمد بن يوسف التغلبي. تاريخ بغداد 5/219.
10 – أحمد بن القاسم. تاريخ بغداد 4/349.
11- إبراهيم بن عبد العزيز البغي.
12- أخوه علي بن عبد العزيز، راوي كتب أبي عبيد.
13- محمد بن إسحاق الصاغاني.
14- الحسن بن مكرم.
15- أبو بكر ابن أبي الدنيا.
16- الحارث بن أبي أسامة.
17- محمد بن يحيى المروزي.
18- أبو الحسن الطوسي راوي كتاب الغريب المصنَّف.
19- علي بن المديني، قرأ عليه غريب الحديث. انظر تاريخ بغداد 12 /407.
20- أحمد بن حنبل، قرأ عليه غريب الحديث.
21- يحيى بن معين، قرأ عليه غريب الحديث.
22- عباس العنبري. انظر تاريخ بغداد 12/ 407.
23- إبراهيم بن إسحاق الحربي، غريب الحديث للحربي 1/ 37.
24- المأمون الخليفة العباسي، قرأ عليه غريب الحديث. انظر تاريخ بغداد 12/408
25- بندار بن عبد الحميد، المعروف بابن لرَّة.
26- المسعري، علي بن محمد بن وهب.
27- القاسم بن الإصبع. انظر الفهرست ص 71.
28- الإِمام البخاري، محمد بن إسماعيل، طبقات المفسرين 2/ 38 وسير النبلاء10/ 507. نقل عنه في التاريخ الكبير، وفي "أفعال العباد".(37/15)
29- الحافظ أبو داود صاحب السنن، طبقات المفسرين 2/ 38، نقل عنه في تفسير أسنان الإِبل في الزكاة.
30- الإِمام الترمذي، طبقات المفسرين 2/ 38.
31- أحمد بن إبراهيم، ورَّاق أبي عبيد أيضاً، روى عنه القراءات. سيرالنبلاء10/ 507.
32- ثابت بن عمرو بن حبيب، صحب أبا عبيد، وروى عنه كتبه كلها. إنباه الرواة 1/ 298.
33- عبد الله بن مخلد. راوية أبي عبيد. الوافي 17/600.
34- موسى بن خاقان، سمع الغريب المصنف من أبي عبيد، وسمعه معه:
35- جيش بن مبشر (1) ، والقرشي، ومسلم، والطوسي، وأبو جعفر المسعري وأبو أيوب البصري، كما ورد في الورقة الأخيرة من مخطوطة تونس.
وصفه
وكلام الأئمة فيه
كان أبو عبيدٍ من الرَّاسخين في العلم، العاملين بما يعلمون، ذا زُهدٍ وورع، وتقوى للَّهِ عزَّ وجلَّ، وقد أثنى عليه العلماء كثيراً، فقد قال إسحاق بن راهويه شيخُ الحديث: الحق يحبُّه الله عزَّ وجلَّ، أبو عبيدٍ القاسمُ بن سلاَّم أفقهُ مني وأعلمُ مني.
وقال الهلال بنِ العلاء الرّقي: مَنَّ اللهُ علي هذه الأمَّةِ بأربعةٍ في زمانهم: بالشافعيِّ تفقهَ بحديثِ رسولِ اللُّه صلى الله عليه وسلم، وبأحمدَ بن حنبل، ثبتَ في المحنة، لولا ذلك كفر النَّاس، وبيحيى بنِ معين، نفى الكذبَ عن حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي عبيدٍ القاسمِ بن سلاَّم، فسَّرَ الغريب من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لولا ذلك لاقتحم النَاسُ في الخطأ.
وقال ثعلبٌ النحوي: لو كان أبو عبيدٍ في بني إسرائيل لكان عجباً (2) .
وقال أحمد بن كامل القاضي: كان أبو عبيدٍ القاسم بن سلاَّم فاضلاً في دينه وفي علمه، ربانيَّاً مُتَفنِّناً في أصناف علوم الإسلام، من القرآن والفقه، والعربية والأخبار، حسنَ الرِّواية، صحيحَ النَّقل، لا أعلمُ أحداً من النَّاس طعن عليه في شيء من أمرهِ ودينه (3) .(37/16)
وقال عبد الله بن طاهر: كانَ للنَاسِ أربعة: ابنُ عبَّاس في زمانه، والشَعبي في زمانه، والقاسمُ بن مَعنٍ في زمانه، وأبو عبيدٍ القاسمُ بن سلاَّم في زمانه.
وقال إبراهيم الحربيُّ: أدركتُ ثلاثةً لن يُري مثلهم أبداً، تعجزُ النّساء أنْ يلدْنَ مثلهم، رأيتُ أبا عبيدٍ القاسمَ بنَ سلاَّم، ما مثَّلْتُه إلا بجبل نفِخَ فيه روحِ، ورأيتُ بشرَ بنَ الحارث فما شبهْتُه إلا برجلٍ عُجِنَ من قَرْنِه إلى قدمِه عقلا، ورأيتُ أحمد بن حنبل فرأيتُ كأنَ اللَّهَ جمعَ له علم الأوَّلين من كلِّ صنفٍٍ، يقول ما شاء ويمسك ما شاء.
وقال إسحاقُ بن إبراهيم الحنظليُّ: أبو عبيدٍ أوسعُنا علماً، وأكثرنا أدباً، وأجمعُنا جمعاً، إنَا نحتاج إلى أبي عبيدٍ، وأبو عبيدٍ لا يحتاج إلينا.
وقال الجاحظ: ومن المُعلِّمين ثمَّ الفقهاء والمحدثين، ومن النحويين والعلماء بالكتاب والسُنَّة، والنَّاسخ والمنسوخ، وبغريبِ الحديث، وإعراب القرآن، وممَن جمع صنوفاً من العلم، أبو عبيدٍ القاسمُ بن سلاَّم، وكانَ مؤدباً لم يكتب النَاسُ أصحَّ من كتبه، ولا أكثر فائدة.
وسئل أبو قدامة عن الشافعيِّ وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي عبيد، فقال: أما أفهمُهم فالشافعي، إلا أنَّه قليلُ الحديث، وأمَا أورعهم فأحمد بن حنبل، وأمَّا أحفظهم فإسحاق- هو ابن راهويه-، وأمَّا أعلمُهم بلغاتِ العربِ فأبو عبيدٍ.
فهذه الشهادات من هؤلاء العلماء وغيرهم دليلٌ واضحٌ على مكانة أبي عبيدٍ العالية، ومرتبته المنيفة، إذ النَاسُ شهداءُ الله في الأرض، فإذا أثنوا على رجلٍ خيراً قُبلت شهادتهم عند الله، ودلَّت على صدق المشهود له، وحسن حالته.
وقد كان أبو عبيد رحمه الله يقسمُ اللَّيلَ أثلاثاً، فيصلَّي ثُلثه، وينامُ ثلثه، ويصنع الكتب ثلثه(37/17)
فهذا دليلٌ على حرصه واهتمامه بالوقت، إذ الوقتُ رأسُ مالِ المرء، فإذا أحسنَ استغلاله فقد فازَ وربح، وإلا خابَ وخسر، وكانت عادةُ أسلافِنا المحافظةَ على الوقتِ، وقضاءَ أكثرِه فيما فيه فائدةٌ وخيرٌ، حتى قدَّموا لنا تُراثاً علمياً كبيراً، يعجبُ المرءُ كثيراً كيفَ ألَّفوه وصنَّفوه وما ذلك إلا من تقواهم، وحرصهم على الساعات واللحظات، حتى وضع اللَّهُ البركةَ في أعمارهم وأعمالهم، فأنتجوا إنتاجاً كبيراً في مُدَدٍ يسيرة.
وكان أبو عبيدٍ في أوَّل أمره يؤدِّب غلاماً في شارع بشر وبشير، ثم صار مؤدِّباً لأولاد هرثمة بن أعين، أحد ولاة الخليفة العباسي هارون الرشيد كان والياً على خراسان، ثم ولاَّه الرشيد على بلاد أفريقيا سنة 177 هـ (1) .
فعند ذلك اتَّصلَ بثابتِ بن نصر بن مالك الخز اعي، فصار يؤدّب أولاده، ثُمَّ وُلِّي ثابتٌ طرسوس ثماني عشرة سنةً، فولَّى أبا عبيد القضاءَ بطرسوس ثماني عشرة سنةً، فاشتغل عن كتابة الحديث.
ثمَّ صار إلى ناحية عبد الله بن طاهر، واتصاله بالطاهريين كان لمّا نزل طاهر بن الحسين إلى مرو سنة 195 هـ طلب رجلاً ليحدِّثه ليلةً، فقيل له: ما هاهنا إلا رجلٌ مؤدِّبٌ، فأُدخل عليه أبو عبيد القاسم بن سلاَّم، فوجده أعلم الناس بأيام النَّاس، والنحو، واللغة، والفقه، فقال له: من المظالم تركك أنت بهذا البلد، فدفع إليه ألف دينار، وقال له: أنا متوجِّهٌ إلى خراسان إلى حربٍ، وليس أحدث أنّ أستصحبك شفقاً عليك، فأنفق هذا إلى أن أعود إليك، فًبدأ أبو عبيد بتأليف الغريب المصنف إلى أن عاد طاهر بن الحسين من خراسان، فحمله معه إلى سُرَّ مَنْ رأى، فمن ذلك اليوم قويت صلتُه مع الطاهريين، وكانَ طاهر بن عبد الله يودُّ أنْ يأتيه أبو عبيدٍ ليسمع منه كتابَ "غريب الحديث"في منزله، فلم يفعلْ ذلك إجلالاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فكان هو يأتيه.(37/18)
وقد كان مرَّةً مع عبد الله بن طاهر، فوجَّه إليه أبو دُلَف العجلي يستهديه أبا عبيدٍ لمدَّة شهرين، فأنفذ أبا عبيدٍ إليه، فأقام شهرين، فلمَّا أراد الانصراف وصله أبو دُلَف بثلاثين ألف درهم، فلم يقبلها، وقال: أنا في جنبةِ رجلٍ ما يحوجني إلى صلة غيره، ولا آخذ ما فيه عليَّ نقصٌ، فلما عاد إلى ابن طاهر وصله بثلاثين ألف دينار، بدلَ ما وصله أبو دُلَف فقال له: أيها الأمير، قد قَبِلْتُها، ولكن قد أغنيتني بمعروفك وبرِّك، وكفايتك عنها، وقد رأيتُ أن أشتريَ بها سلاحاً وخيلاً، وأتوجَّه بها إلى الثغرة ليكونَ الثوابُ متوفِّراً على الأمير، ففعل.
فهذا دليلٌ واضح على إكرام الطاهريين له، وعلى عفَّة أبي عبيد ونزاهته، رحمه الله.
ثم صارت صلتُه بعدها قويةً مع عبد الله بن طاهر، ولمَّا صنَّف أبو عبيد كتاب غريب الحديث عرضه على عبد الله بن طاهر، فاستحسنه وقال: إنَّ عقلاً بعثَ صاحبه على عملِ مثلِ هذا الكتاب لحقيقٌ أن لا يُحوجَ إلى طلب المعاش، فأجرى له عشرة آلاف درهم في كل شهر. فكان هذا ممَّا ساعده على التفرُّغ لطلب العلم والازدياد منه، وكفاه مؤنة معاشه ودنياه.
وفي سنة 213 هـ توجَّه أبو عبيد إلى مصر مع يحيى بن معين، فسمع علماءها وكتب بها، ثم رحل إلى دمشق طلباً للعلم.
وبعدها عاد إلى بغداد، ثم قصد مكة سنة 219 هـ، وأقام بها حتى مات
وفاته
خرج أبو عبيد إلى مكة سنة تسع عشرة ومائتين، وحجَّ، ولم يزلْ بها إلي أن توفي سنة 224 هـ. في يوم الأربعاء 12 المحرم، كما في التونسية.(37/19)
وقد ذُكر أنَّ أبا عبيدٍ قدم مكَة حاجاً، فلما قضي حجَّه وأراد الانصراف اكترى إلى العراق، ليخرج صبيحة الغد. قال أبو عبيد. فرأيتُ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم في رؤياي وهو جالسٌ، وعلى رأسه قومٌ يحجبونه، والنَّاس يدخلون ويسلِّمون عليه، ويصافحونه قال: فكلَّما دنوت لأدخلَ مع النَّاس مُنِعت، فقلتُ لهم: لمَ لا تُخلّون بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالوا لي: لا واللِّه، لا تدخل عليه ولا تُسلِّمُ عليه وأنت خارجٌ غداً إلى العراق، فقلتُ لهم: إني لا أخرج إذاً، فأخذوا عهدي، ثمَّ خلَّوا بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخلتُ وسلَّمتُ عليه، وصافحني، وأصبحتُ ففسخت الكراء وسكنت مكة.
وقال أبو سعيد الضرير: كنتُ عند عبد الله بن طاهر، فورد عليه نعيُ أبي عبيد، فقال لي: يا أبا سعيدٍ، مات أبو عبيد، ثمَّ أنشأ يقول:
يا طالب العلمِ قد ماتَ ابن سلاَّم
وكانَ فارسَ علمٍ غيرَ مِحْجامِ
ماتَ الذي كانَ فيكم ربعَ أربعةٍ
لم يُؤتَ مثلُهم إستارَ أحكامِ
حَبْرُ البريَّةِ عبدُ اللَّه أوَّلهم
وعامرُ، ولَنِعْمَ الثَّاوِ يا عامي
هما اللذان أنافا فوقَ غيرهما
والقاسمان ابن معنٍ وابن سلام
فازا بقدحٍ متينٍ لا كفاء له
وخلَّفاكم صفوفاً فوق أقدام (1)
يريد: عبد الله بن عباس، وعامر الشعبي، والقاسم بن معن، وأبا عبيد.
وفارق أبو عبيد هذه الدنيا الفانية بعد حياةٍ مليئةٍ بالعلم والعبادة والتعليم، لينتقل إلى دار الآخرة، ليلقى جزاء عمله ونتيجة اجتهاده، في حياةٍ هنيئةٍ دائمةٍ، أفاضَ عليه ربُّنا وابلَ رحمته، وفيضَ مغفرته.
وكانت وفاته سنة 224 هـ وبلغ أربعاً وسبعين سنة.
مُؤلَّفاتُه
صنَف أبو عبيدٍ مُصنفاتٍ متعددة. في علوم شتَّى، وروى النَّاس من كتبه المُصنَفة بضعةً وعشرين كتاباً في القرآن والفقه، والغريب والأمثال، وله كتبٌ لم يروها، وأشهر مؤلفاته:(37/20)
1- كتاب غريب الحديث، صنَّفهُ للخليفة المأمون العباسي، وقرأه عليه. قال أبو عبيد: مكثتُ في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة، وربَّما كنتُ أستفيد الفائدة من أفواه الرجال، فأضعها في موضعها من الكتاب، فأبيتُ ساهراً فرحاً مني بتلك الفائدة.
وقد تقدَّم عرضُه الكتاب على عبد الله بن طاهر.
والكلامُ على هذا الكتاب يطول جداً، فمن مُثنٍ عليه مُبالغٍ في الثناء، ومن مُنتقدٍ له، وليس هذا المحلُ لبسطِ الكلام عليه.
والكتابُ مطبوعٌ في حيدر آباد سنة 1964، في أربعة أجزاء، وصوِّر في بيروت في دار الكتاب العربي ويليه في الشهرة كتاب:
2- الغريب المُصنَّف، وسنعقد له باباً خاصاً، وألَّفه في أربعين سنة مع غريب الحديث. ثم بقية كتبه، وهي:
3- الأمثال، طبع في جامعة أم القري بمكة المكرمة، بتحقيق د. عبد المجيد قطامش عام 1980.
4- الأموال، نشره حامد الفقي سنة 1353هـ، وأُعيد طبعه بتحقيق محمد خليل الهراس في القاهرة سنة 1388 في مجلد.
قال أبو الحسين بن المنادي: وكتابه في الأموال من أحسن ما صُنِّف في الفقه وأجوده.
وقال إبراهيم الحربي: أضعفُ كتبه كتاب الأموال، يجيء إلى بابِ فيه ثلاثون حديثاً، وخمسون أصلاً عن النبيَ صلّى الله عليه وسلّم، فيجيءُ يحدِّث بحدَيثين يجمعهما من حديث الشام، ويتكلَّم في ألفاظهما.
وذكر السمعاني في كتابه أدب الإملاء ص 148 عن أحمد بن مهدي قال: أردتُ أن أكتب كتاب الأموال لأبي عبيد، فخرجتُ لأشتري ماء الذهب، فلقيت أبا عبيد، فقلت: يا أبا عبيد، رحمك الله، أريد أن أكتب كتاب الأموال بماء الذهب. قال: اكتبه بالحبر فإنَّه أبقى.
5- الإيمان ومعالمه، نشره محمد ناصر الألباني- بدمشق.
6- ما ورد في القرآن الكريم من لغات العرب، طبع على هامش تفسير الجلالين بمصر سنة 1954.(37/21)
7- الأجناس من كلام العرب وما اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى طبع في بومباي- بتحقيق امتياز علي عرشي الرامفوري، سنة 1938، ومنه نسخة خطية في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة برقم 2498.
8- فضائل القرآن- حققه محمد بوطوبوس، في سلا بالمغرب. في جامعة محمد الخامس. انظر نشرة التراث مجلد 4 عدد 39.
9- النعم والبهائم والوحش والسباع والطير والهوام وحشرات الأرض. نشره لويس بويجس، لايبزك سنة 1908.
10- كتاب الناسخ والمنسوخ، ومنه نسخة خطية في مكتبة أحمد الثالث برقم 143. وطبع بمكتبة الرشد في الرياض، بتحقيق محمد بن صالح المديفر.
11- كتاب الإيضاح.
منه نسخة مخطوطة في مكتبة فاس أول "القرويين "رقم 1183.
12- كتاب الخُطب والمواعظ.
منه نسخة مخطوطة في ليبزج أول رقم 158، وطبع في مصر بتحقيق د. رمضان عبد التواب.
13- كتاب فعلَ وأفعل.
منه نسخة مخطوطة في القاهرة ثاني 3/ 281.
14- معاني القرآن.
جمع فيه بين طريقة التفسير بالمأثور، وطريقة الاستشهاد بالأبيات المثِّرية، رجاء فيه بالآثار وأسانيدها، وتفاسير الصحابة والتابعين والفقهاء، روى النصف منه، ومات قبل أن يسمع منه باقيه. والكتاب مفقود.
وينقل منه كثيراً أبو جعفر النحاس في كتابه. إعراب القرآن.
15- كتاب القراءات. مفقود.
16- كتاب غريب القرآن. مفقود.
17- كتاب عدد آي القرآن. مفقود.
18- كتاب آداب الإسلام. مفقود.
19- كتاب أدب القاضي. مفقود. وسماه السمعاني في التحبير 1/185: كتاب القضاء وآداب الأحكام.
20- كتاب الأحداث. مفقود.
21- كتاب استدراك الخطأ. مفقود.
22- كتاب الأضداد. مفقود.
23- كتاب الأمالي. مفقود.
24- أنساب العرب. نقل عنه الزبيدي في تاج العروس، مادة: سرع. والسّهيلي في الروض 1/292.
25- أنساب الخيل. مفقود.
26- الإيمان والنذور. مفقود.
27- الحجر والتفليس. مفقود.
28- الحيض. مفقود.
29- الرحل والمنزل. مفقود.
30- الطهارة. ومنه نسخة خطية في الظاهرية في المجاميع رقم 11.(37/22)
31- المذكر والمؤنث. مفقود.
32- معاني الشعر. نقل منه السبكي في طبقات الشافعية 2/ 158.
33- كتاب الشعراء. إيضاح الكنون 1/ 306. مفقود.
34- المقصور والممدود. مفقود.
35- النسب. مفقود.
36- النكاح. مفقود.
37- مقاتل الفرسان. مفقود.
38- كتاب الشواهد.
39- كتاب مقتل الحسين.
ذكرهما السمعاني في التحبير 1/185، وقال: سمع هذه الكتب أبو علي الحداد من أبي نُعيم الحافظ، عن أبي القاسم الطبراني، عن عليّ بن عبد العزيز عنه. ا. هـ. أي: عن أبي عبيد.
دراسة عن كتاب
الغريب المصنف
كتاب الغريب المُصنَّف
هذا الكتابُ من أجلِّ كُتب اللغة، وأحسنِ ما صّنف فيها، ومنزلته في كتب اللغة كمنزلة صحيح البخاريِّ أو مسلم في كتب الحديث، حيث جمع فيه أقوالَ أئمة اللغةِ وفرسانها، ودقق ورجح بينَ الأقوال، وتلقَّاه العلماء بعده بالقبول والرضى.
وقد احتذى فيه أبو عبيد كتابَ شيخه النَّضر بن شميل، واسمه "كتابُ الصفات"وهو كتابٌ كبير يحتوي على عدََّة كتبٍ، في خمسة أجزاء:
الجزء الأوَّل: يحتوي على خلق الإنسان، والجود والكرم، وصفات النساء.
الجزء الثاني: يحتوي علي الأخبية والبيوت، وصفة الجبال والشعاب، والأمتعة.
الجزء الثالث: للإبل فقط.
الجزء الرابع: يحتوي على الغنم، والطير، والشمس والقمر، والليل والنهار، والألبان، والكمأة والآبار، والحياض، والأرشية، والدلاء، وصفة الخمر.
الجزء الخامس: يحتوي على الزرع، والكرم والعنب، وأسماء البقول، والأشجار، والرياح، والسحاب، والأمطار، وكتاب السلاح، وكتاب خلق الفرس.
وللأسف كتاب الصفات هذا فُقِد مع ما فُقِد من كتب التراث والنضر ابن شميل توفي سنة 204 هـ.
ولم يكن اعتماد أبي عبيد على كتاب النَضر فقط، وإنما اعتمد أيضاً على غيره من الكتب المتقدّمة في هذا الباب، وخاصةً كتب الأصمعيّ.
وكتاب المصنَّف لأبي عبيدة معمر بن المثني، المتوفى سنة210هـ. وكتاب الخيل ومجاز القرآن له.(37/23)
وكتاب الصفات، للأصمعي المتوفى سنة 216 هـ، وهو مخطوط في دار الكتب المصرية.
وكتاب الصفات لأبي زيد الأنصاري المتوفى سنة 215 هـ.
وكتاب النوادر لأبي زيد أيضاً، وهو مطبوع.
وكتاب (غريب المصنَّف) لأبي عمرو الشيباني، المتوفى سنة 206 هـ، وهو مفقود.
وكتاب الجيم لأبي عمرو الشيباني، وهو مطبوع.
وكتاب ما اختلفت ألفاظه للأصمعي. وهو محظوظ في الظاهرية.
كتاب الفرق للأصمعي. وهو مطبوع.
خلق الإنسان للأصمعيّ، وهو مطبوع.
كتاب الأضداد للأصمعيّ. وهو مطبوع.
كتاب النخل للأصمعيّ. وهو مطبوع.
كتاب فعل وأفعل للأصمعيّ. وهو مطبوع.
كتاب الإبل للأصمعيّ. وهو مطبوع.
كتاب الخيل للأصمعي. وهو مطبوع.
كتاب الشاء للأصمعيّ. وهو مطبوع.
كتاب النبات للأصمعي. وهو مطبوع.
كتاب العين للخليل. وهو مطبوع.
جمهرة النسب للكلبي. وقد طبع حديثاً.
ما اتفق لفظه لليزيدي. وقد طبع حديثاً.
نسب معد واليمن للكلبي. وقد طبع حديثاً.
الهمز لأبي زيد. مطبوع.
البئر لابن الأعرابي. مطبوع.
خيل العرب لابن الأعرابي. مطبوع.
جمرة النسب لابن الكلبي. مطبوع.
المقصور والمحدود للفرَّاء. مطبوع.
ما تلحن فيه العامة للكسائي. مطبوع.
الأيام والليالي للفراء. مطبوع.
وقد أوضحنا ذلك في تعليقاتنا على الكتاب.
بالإِضافة إلى كتب أخرى غيرها، مع الفوائد التي جمعها أبو عبيد من كلام العلماء، والأعراب، وغيرهم، فهذب كُتب مَنْ سبقه، وزاد فيها فوائد، وأوضح مجملها، واستشهد لما لم يستشهد له مَنْ قبله من الأشعار حتى غدا كتابه من أمهات الكتب المؤلَّفة في هذا الموضوع.
وكتاب (الغريب المصنَّف) يحتوي على حوالي ألف بابٍ، موزَّعة في ثلاثين كتاباً:
الكتاب الأول: خلق الإنسان
الكتاب الثاني: كتاب النساء
= الثالث: كتاب اللباس
= الرابع: كتاب الأطعمة
= الخامس: كتاب الأمراض
= السادس: كتاب الخمر
= السابع: كتاب الدور والأرضين
= الثامن: كتاب الخيل
= التاسع: كتاب السلاح
= العاشر: كتاب الطير والهوام(37/24)
= الحادي عشر: كتاب الأواني والقدور
= الثاني عشر: كتاب الجبال
= الثالث عشر: كتاب الشجر والنّبات
= الرابع عشر: كتاب المياه وأنواعها والقني
= الخامس عشر: كتاب النخل
= السادس عشر: كتاب السحاب والأمطار
= السابع عشر: كتاب الأزمنة والرياح
= الثامن عشر: كتاب أمثلة الأسماء
= التاسع عشر: كتاب الأفعال
= العشرون: كتاب الأضداد
= الحادي والعشرون: كتاب مكارم الأخلاق
= الثاني والعشرون: كتاب السباع
= الثالث والعشرون: كتاب الإبل ونعوتها
= الرابع والعشرون: كتاب الغنم ونعوتها
= الخامس والعشرون: الأسماء المختلفة لشيء واحد
= السادس والعشرون: كتاب الوحش
= السابع والعشرون: كتاب الأجناس
= الثامن والعشرون: كتاب أبواب اللبن
= التاسع والعشرون: نوادر الأسماء
= الثلاثون: نوادر الأفعال
ويختلف أحياناً ترتيب هذه الأبواب حسب النسخ المخطوطة.
ويحتوي الكتاب على 1315 بيتاً شعرياً، وأكثرها منسوبٌ لقائليه.
وعلى 56 حديثاً، وعدد كبير من الأمثال.
وعدد ما تضمنه الكتاب من الألفاظ 17970 حرفاً.
وذكر الزبيدي في طبقاته ص 201 قال: قال لنا عليُّ: قال أبو عبد الرحمن اللحية صاحب أبي عبيد وقد جاوز دار رجلٍ من أهل الحديث كان يكتبُ عنه النَّاس، وكان يُزَنُّ بشرٍّ: إنَّ صاحب هذه الدار يقول: أخطأ أبو عبيد في مائتي حرفٍ من المصنَّف. قال عليُّ: فَحَلُمَ أبو عبيدٍ، ولم يقع في الرجل بشيءٍ ممَّا كان يعرف من عيوبه، وقال: في المصنَف مائةُ ألفِ حرفٍ، فإن أُخطئ في كلِّ ألفٍ حرفين فما هذا بكثيرٍ ممّا أدرك علينا، ولعلَّ صاحبنا هذا لو بدا لنا فناظرناه في هذه المائتين بزعمه لوجدنا له مخرجاً.
وعن عبَّاس الخياط قال: كنت مع أبي عبيدٍ، فجاز بدار إسحاق بن إبراهيم الموصلي، فقال: ما أكثَر علمه بالحديث والفقه والشعر مع عنايته بالعلوم!(37/25)
فقلت: إنَّه يذكرك بضدّ هذا. قال: وما ذاك؟ قلتُ: ذكر أنَك صحّفت في المصنَّف نيِّفاً وعشرين حرفاً، فقال: ما هذا بكثيرٍ. في الكتاب عشرة آلاف حرفٍ مسموعة، فغلطٌ فيها بهذا ليسيرٌ، لعلّي لو نوظرت عنها لاحتججت فيها ولم يذكر إسحاق إلا بخير.
قال الزبيدي: ولما اختلفت هاتان الروايتان في العدد، أمرني أمير المؤمنين رضي الله عنه بامتحانِ ذلك، فعددْتُ ما تضمَّنَ الكتاب من الألفاظ، فألفيت فيه سبعة عشر ألف حرفٍ وتسعمائة وسبعين حرفاً.
هذا وقد أثني العلماء كثيراً على هذا الكتاب.
فقال شمر: ما للعرب كتابٌ أحسنُ من مصنَّف أبي عبيد.
وقال ابن درستويه: الغريب المصنف، من أجلِّ كتبه في اللغة.
وقال أبو عبيدٍ عن كتابه: هذا الكتاب أحبُّ إليَّ من عشرة آلاف دينار. يعني الغريب المصنَّف. وقال إبراهيم الحربي: ليس لأبي عبيد كتابٌ مثلُ الغريب المصنف.
توثيق الكتاب
لا حاجة إلى توثيق نسبة الكتاب لمؤلّفه، إذ ذكره كل من ترجم لأبي عبيد، قديماً وحديثاً وتكاد تصل نسبة الكتاب لمؤلفه مبلغ التواتر، ولا حاجة لتفصيل ذلك، فقد مرَّ أكثر مَنْ ذكر هذا الكتاب في أثناء كلامنا في هذه المقدمة متفرّقاً، فهو أشهرُ من نارٍ على علمٍ.
ويسَّمى أحياناً "الغريب المؤلف"كما جاء في الورقة الأخيرة من مخطوطة تونس، وكذا ذكره الأزهري في مقدمة تهذيب اللغة ص 31 وص 53.
النَّاقدون لكتاب الغريب
مهما أتقن الإنسان عمله، فإنَّه لا يصل إلى رتبة الكمال المطلق، ومهما بالغَ في تنقيح كتبه ومصنفاته، فإنَّه سيبقى فيها بعض الخلل والاعتراضات وفي هذا دليلٌ واضحٌ على استيلاء النقص على الجنس البشري الضعيف، وفيه أيضاً تأكيدٌ لمعجزة القرآن الذي وصفه تعالى بقوله: {لاَّ يَأتيهِ الباطل مِن بَين يَديهَ وَلاَّ من خلفه تَنزِيلٌ من حَكيمٍ حَمِيدٍ} فصِّلت: 42.(37/26)
ورحمَ اللَّهُ القائل: "إنّي رأيتُ أنَّه لا يكتبُ إنسانٌ كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غُيِّرَ هذا لكان أحسنَ، ولو زِيدَ كذا لكانَ يُستحسن، ولو قُدِّم هذا لكانَ أفضل، ولو تُرِك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقصِ على جُملة البَشر".
وقد بذل أبو عبيد قُصارى جهده في تأليف كتابه ومراجعته، ومع ذلك فقد وُجهِّت إليه اعتراضات وانتقادات، والنَّاس في ذلك ما بينَ مًتحاملٍ عليه، وما بينَ مُنصِفٍ له.
وقد تقدَّمَ قريباً أنَّ إسحاق بن إبراهيم ذكر أنَّ أبا عبيدٍ صحَّف في كتابه المصنَّف نيفاً وعشرين حرفا وتقدَّم ردُّ أبي عبيد.
وذكر أبو أحمد العسكري أنَّ أبا الحسن الطوسي راوية كتب أبي عبيد قال: صحَّف أبو عبيدٍ في عشرةِ أحرفٍ من كتابه.
أقول: وهذا شيء قليل بالنسبة إلى حجم كتابه.
وذكر ابن النَّديمِ عن حماد بن إسحاق بن إبراهيم قال: قال لي أبو عبيدٍ: عرضتَ كتابي في الغريب المصنَّف على أبيك؟ قلتُ: نعم، وقال لي: فيه تصحيفُ مائتي حرفٍ، فقال أبو عبيد: كتابٌ مثلُ هذا يكونُ فيه تصحيفُ مائتي حرفٍ قليلٌ.
ومن المعترضين المنصفين أبو سعيد محمد بن هبيرة الأسدي الكوفي، المعروف بصعودا، المتوفى سنة 295 هـ. ألَّف رسالة للأمير عبد الله بن المعتز اسمها: (ما أنكرته العربُ على أبي عبيد القاسم بن سلاَّم ووافقته فيه) وهو كتاب مختصر. ولم نعثر عليه.
ومنهم أبو سعيد الضرير، أحمد بن أبي خالد، استقدمه طاهر بن عبد الله من بغداد إلى خراسان، صنَّف كتاباً في الرّدِّ على أبي عبيد في الغريب المصنف.
وله كتابٌ آخر في الردّ على أبي عبيد في غريب الحديث، عرضه على عبد الله بن عبد الغفار وكان أحد الأدباء، فكأنَّه لم يرضه، فقال لأبي سعيد. ناولني يدك، فناوله، فوضع الشيخ في كفّه متاعه، وقال: اكتحل بهذا يا أبا سعيد حتما تبصر، فكأنك لا تبصر.(37/27)
ومنهم أبو عمر الزاهد المعروف بغلام ثعلب، له كتاب (ما أنكرته الأعراب على أبي عبيد فيما رواه وصنفه) .
من الناقدين المتحاملين: عليّ بن حمزة البصري أحد أعلام أهل الأدب، المتوفى سنة 375 هـ.
له كتاب "التنبيهات"ردَّ فيه علي أبي عبيد في الغريب المُصنَّف، ولكنه تحامل على أبي عبيد تحاملاً شديداً، فنراه مثلاً في كتابه يقول: "فإذا كان أبو عبيدٍ يسمع الصحيح من أبي عمرو وغيره في كتاب الله عر وجلَّ، فيحكي المحال، فغيرُ منكرٍ أن يسمع اللغة على صحةٍ من رواتها فيفسدها".
وله أيضاً ردٌ على المبرد في الكامل، وعلى فصيح ثعلب، وإصلاح المنطق لابن السكَّيت، والمقصور والممدود لابن ولاّد.
وكلها مطبوعة ضمن كتابه "التنبيهات على أغاليط الرواة".
وله التنبيه على الغلط في نوادر أبي زياد الكلابي، ونوادرِ أبي عمرو الشيباني وهو من جملة كتاب التنبيهات، لكنه لم يطبع، ومنه نسخة في دار الكتب المصرية. وله أيضاً لردّ على جمهرة ابن دريد، والحيوان للجاحظ، والمجاز لأبي عبيدة.
وتعقَّب محقَّقُ كتابِ التنبيهات الأستاذ عبد العزيز الميمني عليُّ بن حمزة البصري، لكنه تحامل عليه كما تحامل هو على أبي عبيد.
كما فات صاحب التنبيهات استدراكات على كتاب أبي عبيد لم يذكرها، فذكرناها في تعليقاتنا على الكتاب.
ومنهم ابن سيده، علي بن إسماعيل، الأندلسي المتوفى سنة 458 هـ.
فإنه انتقد على أبي عبيد في عددٍ من كتبه، ففي كتابه المخصص يقول:
وربما استشهدوا على كلمةٍ من اللًّغة ببيتٍ ليس فيه شيءٌ من تلك الكلمة، كقول أبي عبيد: النَّبيثةُ: ما أخرجته من تراب البئر، واستشهاده على ذلك بقول صخر الغيّ:
= لصخر الغيّ ماذا تستبيث=
وإنَّما النبيثة كلمة صحيحة مؤتلفةٌ من ن ب ث، وتستبيث. كلمة معتلة، مؤتلفة من ب وث، أو ب ي ث
إلى غير ذلك من قوانين التصريف التي جفَّت أذهانهم عن رقِّتها، وغلُظَتْ أفهامهم عن لطفها ودقَّتها.(37/28)
وفي كتابه (المحكم) يقول: وأيُّ شيءٍ أدلُّ على ضعفِ المُنَّة، وسخافة الجُنَّة من قول أبي عبيد قاسم بن سلاَّم في كتابه الموسوم بـ"المصنف": العِفْرِية مثال فعْلِلة، فجعل الياء أصلاً، والياء لا تكون أصلاً في بنات الأربعة. ويقول أيضاً: ومن قضاياه التي نصَّها في هذا الكتاب في "باب عيوب الشعر وطوائف قوافيه"فإنَّه ما كاد يوفَّقُ في قضيته ولا يسدَّد فيها إلى طريقة سويِّة، وقد أبنتُ ذلك عليه في كتابي الموسوم بـ (الوافي في علم القوافي) .
ويقول أيضاً مادحاً كتابه (المحكم) : ومن طريف ما اشتمل عليه هذا الكتاب: الفرق بين التخفيف البدلي، والتخفيف القياسي، وهما نوعا تحقيق الهمز.
ثمٌ قال: وهذا الذي أبنتُ لك في: أخطيت ونحوه، بابٌ لطيف قد نبا عنه طبع أبي عبيد وابنُ السكِّيت وغيرهما من متأخري اللُّغويين.
فابن سيده انتقد على أبي عبيد حروفاً من الغريب المصنف، ولكنَّه تحامل عليه كما تقدَّم من كلامه، ويظهر من كلامه الاعتداد بمصنفاته، فجاء مَنْ بعده من العلماء مَنْ غضَّ منه ومن مصنفاته، فقد قال السهيلي: وما زالت ابنُ سيده يعثر في هذا الكتاب- أي: المحكم- وغيره، عثراتٍ يدمَى منها الأظلُّ ويدحضُ دَحَضاتٍ تُخرجه إلى سبيل مَنْ ضلَّ، ألا تراه قال في هذا الكتاب، وذكر بُحيرة طبرية فقال: هي مِنْ أعلامِ خروِجِ الدَّجال، وأنّه يَيْبَسُ ماؤها عند خروجه، والحديثُ إنَّما جاء في غور زُغر، وإنما ذُكرت طبرية في حديث يأجوج ومأجوج وأنهم يشربون ماءها.
قال: وقال في الجمارِ في غير هذا الكتاب: إنما هي التي تُرمي بعرفة، وهذه هفوةٌ لا تُقال، وعثرةُ لا لعاً لها. قال: وكم له من هذا إذا تكلَّم في النسب وغيره.
فكانت هذه عقوبةً من الله لابن سيده لما انتقص كبار العلماء ومنهم أبو عبيد وغضَّ من كتبهم لِيُظهر فضلَ كتبه ومكانتها، فكان جزاؤه من جنس عمله فغضَّ السهيلي منه ومن كتبه.(37/29)
ومنهم ابن فارس اللغوي المشهور المتوفى سنة 395 هـ، فإنَّ له كتاباً سماه: (علل الغريب المصنَّف) ، وقد ذكر الصاغاني أنَّ هذا الكتاب من جملة الكتب التي حواها كتابه الكبير (العباب الزاخر) .
وكان ابن السكِّيت يغضُّ من أبي عبيد وكتابه، فقد حكى الطوسي فقال: غدوت إلى أبي عبيدٍ ذاتَ يومٍ، فاستقبلني يعقوب بن السكّيت، فقال لي: إلي أين؟ فقلت: إلى أبي عبيد، فقال: أنت أعلم منه، قال: فمضيتُ إلي أبي عبيد فحدَّثته بالقصة، فقال لي: الرجل غضبان. قال: قلت: من أي شيء؟ فقال: جاءني منذ أيام، فقال لي: اقرأ عليَّ غريب المصنَّف، فقلت: لا، ولكن تجيء مع العامة، فغضب.
ففي هذه القصة يتبين أن سبب الغضّ من الانتقام للنفس، لا قولٌ للحقيقة، فابتعد بذلك ابن السكِّيت عن العدل والإنصاف.
والحق أنَّ الكتاب فيه بعض الأوهام والأخطاء، وقليل من التصحيفات،
وأحياناً ينسب أبياتٍ إلى غير قائليها، لكنَّ نسبة الخطأ إلى الصواب قليلة جداً لا تقدحُ في الكتاب، ولا تنقص من مكانته، وفي الصحيحين البخاري ومسلم بعض الرواة تُكلِّم بهم، ولم يَقدحْ ذلك في الصحيحين. وقد بينا كلَّ ذلك في تعليقاتنا على الكتاب، وأوضحنا الخطأ من الصواب، وقال تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (سورة يوسف: 76) .
- ومنهم أبو نُعيم الأصبهاني صاحب (حلية الأولياء) له الردُّ على الغريب المصنف.
- ولابن السيد البطليوسي بعض الانتقادات على أبي عبيدٍ ذكرها في كتابه (الاقتضاب) ، ولم يُصب في بعض هذه الانتقادات.
فقد قال: وحكما أبو عبيدٍ القاسمُ عن أبي عمروٍ أنَّه قال: يقال لواحدهما- يريد: المذريان-: مِذرى، وأحسب أنَّ أبا عمروٍ قاس ذلك من غير سماعٍ، وأنَّ أبا عبيدٍ وهم فيما حكاه عن أبي عمرو، كما وهم في أشياء كثيرة من كتابه.
قلت: وما نسبه لأبي عبيد فغير صحيح، لأنه قال: ليس لهما واحد.(37/30)
- ومنهم السُّهيلي، فقد انتقد على أبي عبيد بعض الحروف في كتابه الروض الأنف، انظر مثلاً 2/ 73- 125 -186، و 3/ 303.
- ومنهم شمر بن حمدويه، فقد قال: سمعتُ غريب المصنف، لأبي عبيدٍ من المسعري وابن خاقان، عن أبي عبيد، ثم شككتُ منه في أحرف، فمضيت إلى البصرة إلى أبي حاتم، فقلتُ له: إني أريد أن أعرض عليك هذا الكتاب، فقال: افعل، ففعلتُ فما شككتُ في شيء إلا شك فيه أبو حاتم.
العلماء الذين نقل عنهم أبو عبيد في كتابه
نذكر ها هنا أسماء العلماء الذين نقل عنهم أبو عبيدٍ في كتابه "الغريب المصنف"، كما نذكر ترجمة كلِّ واحدٍ منهم، ونكتفي بترجمته في هذا الموضع عن ذكرها في الكتاب، فمنهم:
1- أبو عمرو بن العلاء: كان أوسعَ النَّاس علماً بكلام العرب ولغاتها وغريبها، وهو أحدُ القرَّاء السبعة، كان يقرئ الناس القرآن في مسجد البصرة والحسنُ البصريُُّ حيٌّ.
أخذ عن عبد الله بن أبي إسحاق، وأخذ عنه الأصمعيّ.
توفي سنة 154 هـ.
2- أبو محمد اليزيدي: اسمه يحي بن المبارك، لُقِّب اليزيديّ لأنَّه أدَّب أولاد يزيد بن منصور الحميري، أخذ عنه أبي عمرو بن العلاء، وصار مؤدِّب المأمون وخرج معه إلى خراسان، وتوفي بها سنة 202 هـ.
3- الكسائيّ: علي بن حمزة، أخذ عنه الرؤاسي، وأدَّب أولاد هارون الرشيد وأخذ القراءة عن حمزة الزّيات، وخرج إلى الأعراب وسمع منهم اللغات والنوادر وهو أعلم الكوفيين في النحو، وله كتاب في معاني القرآن، وكتاب في النوادر.
توفي سنة 193 هـ.
4- الفراء: يحيى بن زياد، أخذ النحو والقراءات ومعاني القرآن عن الكسائي، قال ثعلب النحوي: لولا الفرَّاء ما كانت عربية، لأنَّه حصَّنها وضبطها. له كتاب "معاني القرآن"و (المقصور والممدود) ، توفي سنة 207 هـ.
5- القاسم بن معن: كان على قضاء الكوفة، "هو فقيهُ البلد، ثقةٌ، جامعٌ للعلوم، راويةٌ للشعر، عالمٌ بالغريب والنحو، كان يُقال له: شعبي زمانه، أخذ عنه الفرَّاء.(37/31)
6- الأحمر: عليّ بن المبارك، كان مؤدّب محمد بن هارون الأمين، اشتهر بالتقدَّم في النحو واتساع الحفظ، جرت بينه وبين سيبوبه مناظرة لما قدم بغداد.
كان يحفظ أربعين ألف بيتٍ شاهد في النحو، سوى ما كان يحفظ من القصائد وأبيات الغريب، أخذ عن الكسائي، وتوفي سنة 194 هـ.
7- أبو عبيدة: معمر بن المثنى، كان من أجمع الناس للعلم، وأعلمهم بأيام العرب وأخبارها، كان يُبغض العرب.
قال أبو عبيدة: دفعتُ إلى جعفر بن سليمان أمثالاً في الرّقاع. قيل له: كم كانت؟ قال: أربعة عشر ألف مَثل. قال الخشني: وأبو عبيد لما اجتهد في كتبه جاء بألفِ مَثل. توفي أبو عبيدة سنة 210 هـ.
8- أبو زيد الأنصاري: سعيد بن أوس، صاحب العربية بالبصرة، وكان أنحى من أبي عبيدة والأصمعي، وهو كثير الرواية عن الأعراب. له كتاب النوادر، وكتاب الهمز، وكلاهما مطبوع. توفي سنة 215 هـ.
9- الأصمعي: عبد الملك بن قُريب، كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة، كان يتناظر مع سيبويه، وكان من أوثق الناس في اللغة، وأسرع الناس جواباً وأحضر الناس ذهناً. توفي سنة 216 هـ.
10- أبو عمرو الشيباني: إسحاق بن مرار، كان معه من العلم والسماع عشرة أضعاف ما كان مع أبي عبيدة، وكان قد قرأ دواوين الشعر على المفضل الضَّبيِّ، وكان الغالب عليه النوادر، وحفظ الغريب، وأراجيز العرب له كتاب النوادر الكبير، وكتاب الجيم. توفي سنة 213 هـ.
11- ابن الأعرابيّ: محمد بن زياد، كان راويةً لأشعار القبائل، كثير الحفظ جالسَ أَعراب اليمامة، فأخذ عنهم الغريب، كان يزعم أنَّ الأصمعيَّ وأبا عبيدة لا يحسنان قليلاً ولا كثيراً. توفي سنة 230 هـ.
12- الأموي: أبو محمد عبد الله بن سعيد، دخل البادية وأخذ عن فصحاء الأعراب، وأخذ عنه العلماء، وأكثروا في كتبهم، وكان ثقة في نقله، حافظاً للأخبار والشعر وأيام العرب، له كتاب النوادر، أخذ عنه أبو عبيد.(37/32)
13- أبو زياد الكلابي، اسمه يزيد بن الحر: أعرابيُّ قدم بغداد أيام المهدي حين أصابت الناس مجاعة، فأقام ببغداد أربعين سنةً، ومات بها، وله شعر كثير، وعلَّق الناس عنه أشياء كثيرة من اللغة وشواهد العربية، ونوادره خيرُ ما صنَّف في نوادر الأعراب.
14- أبو البيداء، اسمه أسعد بن عصمة الرياحي: أعرابيٌ نزل البصرة،
وكان يعلّم الصبيان بأجرة، أقام أيام عمره يؤخذ عنه العلم وكان شاعراً. نقل عنه ابن قتيبة بعض النوادر في كتاب عيون الأخبار.
15- أبو شنبل الأعرابي: قيل له: لم كنِّيت أبا شنبل؟ قال: العرب تقول: شنبل فلانٌ فلانة: إذا قبَّلها، ورأوني في صغري أُقبِّل صبيِّة، فقالوا: قد شنبلها، فكنَّوني أبا شنبل.
16- أبو الوليد الكلاب: من الشعراء المجهولين والأعراب المغمورين
17- أبو الجرَّاح العقيلي: من الشعراء المجهولين والأعراب المغمورين، ومن كلامه: وجدتُ أعراض الدنيا وذخائرها بِعَرْضِ المتالف إلا ذخيرة الأدب، وعقيلة الخُلَّة، فاستكثروا من الإخوان، واستعصموا بِعُرى الأدب. وهو أحد الأعراب الذين سئلوا عن المسائل التي جرت بين سيبويه والكسائي.
18- أبو طيبة: أعرابيٌّ من بني عكل.
19- أبو جحوش: من الأعراب المغمورين.
20- العدبَّس الكناني: يكنى أبا الحسن. ومعنى اسمه: الشديد الموثَّق الخلق.
21- أبو مهدية: اسمه أفار بن لقيط، الأعرابي. دخل الحواضر، واستفاد الناس منه اللغة، ونقلوها عنه، وكان به عارض من مسٍّ، وكان صاحب غريبة، وله قصة في مجالس العلماء للزجاجي ص 3، وذكر بعض شعره الأصمعيّ في الأصمعيات. رقم 7. وذكر أخباره صاحب العقد الفريد 4/ 69.
22- أبو علقمة الثقفي: نحوي قديم العهد، يعرف اللغة معرفة جميلة، كان يتقعَّر في كلامه ويتعمَّد الحوشي من الكلام والغريب، نقل عنه الخليل في العين، وابن قتيبة في عيون الأخبار.
23- أبو قطري، من الأعراب.
24- أبو القعقاع اليشكري.
25- أبو فقعس الأسدي، من الأعراب.(37/33)
26- أبو الحسن العدوي الأعرابيّ، وهو العدبَّس الكناني نفسه، كما نصَّ عليه أبو عبيد في الغريب المصنف، في باب نعوت الغنم في شحومها، في نسخة الأسكوريال ووهم أحد الباحثين المعاصرين، فظنه أبا الحسن اللحياني غلام الكسائيّ.
27- أبو مهدي الأعرابي، من باهلة.
28- أبو عيينة، من الأعراب.
29- القَناني الأعرابي، واسمه أبو الدقيش القَناني الغنوي.
30- المنتجع بن نبهان، من الأعراب.
31- أبو مزاحم بن أبي وجزة السعدي، أنشد أبا عبيدٍ بيتين من الشعر.
وما سوى هؤلاء أوردْتُ ترجمته في محله الذي جاء به من الكتاب.
فائدة:
قال السيوطي في المزهر 2/412: وذكر أهل البصرة أنَّ أكثر ما يحكيه- يريد: أبا عبيدٍ - عن علمائهم من غير سماعٍ، إنَّما هو من الكتب.
قلتُ: وقد صرخ بالسماع من أبي زيد وهو بصري في كتابه هذا. انظر مثلاً 1/ 221، 2/ 387- 481.
جهود العلماء في هذا الكتاب
أسلفنا الكلام بأن كتاب "الغريب المصنف"لقي رواجاً وقبولاً عند العلماء، ثمَّ نزيد هاهنا فنذكر أنَ عدداً من العلماء عكف على هذا الكتاب، فمنهم المختصر له، ومنهم الشَّارح له، ومنهم الشَّارح لأبياته.
فمن الشارحين له أبو العبّاس المرسي، أحمد بن محمد بن بلال، المتوفى سنة 460هـ. انظر الوافي للصفدي 7/361.
ومنهم المختصرين له أبو بكر محمد بن علي بن أبي بكر اللخمي، المعروف بابن المرضي المتوفى سنة 651 هـ، سماه: حلية الأديب في اختصار الغريب.
ومنهم أبو يحيى، محمد به رضوان النميري الوادي آشي، المتوفى سنة 657 هـ.
ومنهم ابن سيده، وله كتاب اسمه (تقريب غريب المصنَّف) إنباه الرواة 6/226. ومنهم التبريزي له (تهذيب الغريب المصنف) . تهذيب إصلاح المنطق 1/14.
وشرح أبياته أبو عبيد البكري، صاحب كتاب (فصل المقال في شرح كتاب الأمثال) وسماه: صلة المفصول في شرح أبيات الغريب.
وأيضاً شرح أبياته أبو محمد يوسف بن أبي سعيد السيرافي المتوفى سنة 385 هـ.(37/34)
وقد أكثر النقل منه البغدادي في خزانة الأدب. كما له شرح أبيات سيبويه، وهو مطبوع، وله أيضاً شرح أبيات المجاز لأبي عبيدة. وشرح أبيات إصلاح المنطق، وشرح أبيات معاني الزجاج.
ولأبي إسحاق إبراهيم بن قاسم البطليوسي، المتوفى سنة 642 هـ كتابٌ اسمه. (الجمع بين صحاح الجوهري والغريب المصنف لأبي عبيد) .
ولأبي القاسم الزجاجي كتاب اشتقاق كلمات في أوَّل الغريب المصنف.
ولأهمية هذا الكتاب كاد العلماء يحفظونه غيباً، ويرغبون في الحصول عليه وكان ابن سيده ممن يحفظ هذا الكتاب، فذكر الوقشي عن أبي عمر الطلمنكي قال: دخلت مرسية، فتشبَّثَ بي أهلها ليسمعوا عليَّ غريب المصنَّف، فقلتُ لهم: انظروا مَنْ يقرأ لكم وأُمسك أنا كتابي، فأتوني برجلٍ يُعرف بابن سيده فقرأه عليَّ من أوَّله إلى آخره، فعجبت من حفظه.
وأبو عمر الطلمنكي اسمه أحمد بن محمد بن عبد الله، روى عن أبي بكر الزبيدي وعباس بن أصبغ، وتوفي سنة 429 هـ.
وممن حفظه ابن الوزان النحوي، إبراهيم بن عثمان القيرواني المتوفى سنة 346 هـ، كما حفظ العين وكتاب سيبويه.
وممن حفظه أيضاً أبو بكر الأبيض الشَّاعر، ذكره الرعيني في برنامج شيوخه، في ترجمة عبد الله بن دادوش، فقال: ومن شيوخه: القاضي الأديب أبو محمد التادلي سمع من عياض، وحمل عن ابن عتاب وأبي بحر إجازة، وحكى ابن دادوش عنه أنه قال: وقد وقع ذكر أبي بكر الأبيض الشاعر. قال لي أبو عبد الله بن جيوس: كان الأبيض متين الأدب، سألته يوماً عن حفظه (الغريب المصنَّف) فقلت له: ينسب إليك أنَّك كبَّلْتَ نفسك حتى حفظته، فقال لي: نعم، وفي ذلك أقول:
رِيعَتْ عجوزي إذ رأتني لابساً
حِلقَ الحديد، وإنَّه ليروعُ
شدَّتْ على حيزومها وتمثَلَتْ
أمثالَها وفؤادُها مصدوعُ
قالت: هملْتَ؟ فقلت: لا، بل همَّة
هي عنصرُ العلياء والينبوعُ
سنَّ الفرزدق سنَّةً فتبعْتُه
إني لما سنَّ الكرامُ تبوع(37/35)
يشير الأبيض إلى قصة الفرزدق حين قيَّد نفسه بالقيد حتى حفظ القرآن.
وممن حفظه الفيلسوف الإسلامي ابن سينا، كما حفظ غيره من الكتب.
ومنهم الصاغاني اللغوي الشهير صاحب (العباب الزاخر) المتوفى سنة 650هـ.
فقد قال يوماً لأصحابه: احفظوا غريب أبي عبيد القَاسم بن سلام، فمن حفظه ملك ألف دينار، فإني حفظته فملكتها، وأشرتُ على بعض أصحابي بحفظه وملكها، ومنهم سليمان بن مطروح الحجاري القرطبي، يكاد يمليه من حفظه. وحفظه أيضاً بدر الدين ابن الشريشي. الدارس 1/ 163.
ومن حرص العلماء على هذا الكتاب ما ذكره ياقوت فقال: قال السِّلفي بإسنادٍ له: أخبرنا أبو الحكم منذر بن سعيد البلُّوطيُّ قال: كتبتُ إلى أبي عليِّ البغدادي القالي أستعير منه كتاباً من الغريب، وقلتُ:
بحقِّ رئمٍ مُهَفْهَفْ
وصدغِه المُتَلطِّفْ
ابعثْ إليَّ بجزءٍ
من الغريب المُصنَّفْ
قال: فأجابني، وقضى حاجتي:
وحقِّ درٍّّ تالَّفْ
بفيكَ أإيَّ تألُّف
ولو بعثت بنفسي إليكَ
ما كنتُ أُسرفْ
ومن الجدير بالذِّكر أنَّ منذر بن سعيد البلوطي كان قاضياً بقرطبة ست عشرة سنة، وفي زمن الخليفة الناصر، وتوفي سنة 355 هـ.
وقرأ كتاب الغريب المصنف ابنُ خير عدَّة مرات على شيوخه.
وكان أبو القاسم ابن الإفليليّ الأندلسي شديد العناية بكتاب الغريب المصنف. إنباه الرواة 1/ 219.
فثبت بهذا ما لهذا الكتاب من القيمة والأهمية، وقد أكثر العلماء من النقل عنه في كتبهم ومصنفاتهم، فنذكر بعضهم على سبيل المثال لا الحصر:
فمنهم ابن فارس في كتابه المجمل، ينقل نصً المادة من هذا الكتاب.
ومنهم أبو منصور الأزهري، فقد جمع في كتابه تهذيب اللغة أكثر ما في الغريب المصنف.
ومنهم ابن الأنباري، فقد أكثر النقل عنه في كتابه المذكر والمؤنث، وغيره.
ومنهم الراغب الأصفهاني في كتاب المفردات.(37/36)
ومنهم ابن سيده، فقد ذكر جُل هذا الكتاب في كتابه المخصص، بل كتاب أبي عبيد هو عماد كتاب المخصص، وكذا نقل منه في كتابه "المحكم ".
ومنهم أبو علي الفارسي في المسائل البصريات.
ومنهم الفارابي في كتابه ديوان الأدب.
وصاحب اللسان اعتمد على كتاب التهذيب، وفيه كتاب الغريب المصنف، فنقله عنه بالواسطة وكذا الفيروز آبادي في القاموس، نراه يذكر في كثير من الأمكنة عبارة الغريب حرفياً.
ومنهم أبو الحسن المعروف بكراع النمل، فقد نقل في كتابه "المنتخب" أكثر كتاب أبي عبيد، وهو مرتب على الموضوعات.
ومنهم أبو محمد الحسن بن أحمد في كتابه خلق الإنسان.
ومنهم أبو محمد عبيد الله بن محمد بن شاهمردان في كتابه حدائق الأدب، وهو مرتب على الموضوعات.
ومنهم الصاغاني في كتابه العُباب وكتابه التكملة.
ومنهم أبو علي القالي في البارع.
ومنهم ابن خالويه في شرح مقصورة ابن دريد.
ومنهم التبريزي في تهذيب إصلاح المنطق.
ومنهم السيوطي في المزهر، وينقل أحياناً الباب منه بتمامه.
ومنهم الجواليقي في شرح أدب الكاتب.
ومنهم البغدادي في خزانة الأدب. وابن حجر في فتح الباري 8/162.
ومنهم الجوهري في الصحاح، وينقل عنه في كثير من الأحيان العبارة بنصّها، وردَّ على أبي عبيدٍ مواضع كثيرةً منه. انظر المزهر 1/97.
وغيرهم، وتتبعُ هذا وتفصيله يستغرق مجلداً، لكن اكتفينا بالإِشارة له، والحرُّ تكفيه الإشارة.
خاتمة:
ذكر ابن سعيد أبو الحسن علي بن موسى في كتابه "القدح المعلى"ص 158 في ترجمة أبي المتوكل الهيثم بن أحمد الاشبيلي ما نصُّه:
وسأله والدي يوماً عن لغةٍ، فنقلها من (الغريب المصنف) ، فاعترضه مَنْ قصَّر بنفسه واستهدف، فأخذ يسرد الكتاب من أوَّله حتى وقف عند تلك الكلمة، وقد كاد يموت ذلك الذي غمطه حقه وظلمه.
نُسَخ الكتاب(37/37)
توزَعت نسخٌ كثيرة من هذا الكتاب في مختلف مكتبات العالم، نظراً لأهميته وشهرته، ونبدأ أوَّلاً بذكر النسخ الموجودة منه حسب ما اطلعنا عليه، ثم نذكر النسخ التي اعتمدنا في التحقيق عليها.
1- نسخة خطية في مكتبة آيا صوفيا برقم 4706.
2- نسخة خطية في دار الكتب المصرية، رقمها 121 لغة، وأخرى رقم 2 لغة.
3- نسخة خطية في مجموعة لندبرج، كتبت سنة 489 هـ.
4- نسخة خطية في مكتبة الأمبروزيانا بميلانو، كتبت سنة 384 هـ.
5- نسخة خطية في الأسكوريال برقم 1650.
6- نسخة خطية في دامادزاده برقم 1792.
7- نسخة خطية في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة برقم 76/410، ورقمها الخاص 2373.
8- نسخة خطية في المكتبة الظاهرية برقم 7100.
9- نسخة خطية في المتحف العراقي رقمها 1628.
10- نسخة خطية في مكتبة الفاتح بتركيا، كتبت سنة 572 هـ، ورقمها 4008.
11- نسخة خطية في المكتبة الوطنية في تونس، كتبت سنة 400 هـ، رقمها 15729.
12- نسخة خطية في مكتبة فيض الله بتركيا، برقم 2079.
13- نسخة خطية في المكتبة الوطنية بتونس، برقم 15385.
14- نسخة خطية في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة برقم 3300.
15- نسخة خطية في متحف طوبقبوسراي أحمد الثالث برقم 2555.
النسخ التي اعتمدنا عليها:
قد اعتمدنا في تحقيق الكتاب على خمسِ نسخٍ خطية:
النسخة الأولى: مصوَّرة عن المكتبة الوطنية بتونس، برقم 15728.
وهي النسخة الثانية في العالم في قدم تاريخها، فإنها قد كتبت سنة 400هـ.
ونوع الخط: نسخ معتاد، وفيها بعض الطمس.
واسم الناسخ: أبو عليّ الحسين بن جعفر بن محمد بن الحسن.
عدد أوراقها: 306 ورقات.
عدد أسطرها: 19 سطراً.
وهي نسخة قيّمة جداً، وفيها زيادات عن النسخ الأخرى التي اطلعنا عليها. وهي مضبوطة بالشكل.
النسخة الثانية: نسخة الأسكوريال.
تقع في 176 ورقة، مسطرتها 25 ×23.
تاريخ النسخ 601 هـ في شهر ذي القعدة.
واسم الناسخ لم يذكر فيها.
عدد أوراقها: 176 ورقة.(37/38)
نوع الخط مغربي، دقيق.
وتقع في عشرة أجزاء، وهي كاملةٌ ومُتقنةِّ.
وعليها عدَّة تمليكات. وعليها تعليقات وحواشٍ، منها لأبي عليّ القالي وغيره.
النسخة الثالثة: مصورة من مكتبة الفاتح بتركيا برقم 4008.
وتقع في 223 ورقة.
تاريخ نسخها 572 هـ.
نوع الخط نسخ نفيس جداً.
عدد الأسطر 15 سطراً.
الناسخ لم يذكر.
وعليها تعليقات نفيسة وحواشٍ قيِّمة، وهي نسخة منقولة من نسخة بخط الحميدي.
النسخة الرابعة: مصوَّرة عن المكتبة الظاهرية، بدمشق برقم 7100.
وتقع في 280 ورقة.
عدد الأسطر 21.
تاريخ النسخ 1319 هـ، وهي متأخرّة.
نوع الخط: نسخ عادي.
اسم الناسخ عبد الرحمن بن مسعود بدران. وعليها حواشٍ قليلة جداً.
النسخة الخامسة: مصوَّرة عن المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة برقم 3300.
وهي نسخة قيمة نُسخت سنة 618 هـ في شهر ذي الحجة، وهي في مجلَّد، لكنَّها غير مُرقَّمة، وأوراقها غير مرتَّبة، وقد طلب مني قيّم المكتبة المحمودية ترقيمها وترتيبها، ففعلت، وخطُّها مغربيّ فبلغ عدد أوراقها 202، في كل ورقة 25 سطراً، وهي في جزئين.
- بالإضافة إلا نسخة مكتبة عارف حكمت، وقد رجعت إليها في بعض الأحيان، وهي مكتوبة سنة 1114 هـ، ورقمها 2373.
وكتبت المادة اللغوية باللون الأحمر، وعدد أوراقها 269 ورقة.
وهي قريبة جداً من نسخة الظاهرية، وتكاد تتطابق معها.
ولم أعدَّها أصلاً.
ولم نستعمل الرمز لكل نسخة للتسهيل.
وقد طبع قسم منه، وهو كتاب السلاح بمؤسسة الرسالة، تحقيق د. صالح الضامن، وفيه أخطاءٌ لا بأس. وهذه صور للمخطوطات.
كما طبع الكتاب الأول منه- وهو خلق الإنسان- بتحقيق د. رمضان عبد التواب، وقد أثقل الحواشي بالفروق بين النسخ مما لا طائل تحته، وطبع قسم منه في تونس، وينقصه الدقة.
صور المخطوطات
P 293
P294
P 295
P 296
P 297
P 298
P 299
P 300
P 301
---(37/39)
انظر ترجمته في تاريخ بغداد 12/403، إنباه الرواة 3/12، بغية الوعاة 2/253، معجم الأدباء 16/ 238 تاريخ الأدب العربي 2/155، طبقات الحنابلة 1/259، طبقات المفسرين 2/37، شذرات الذهب 2/54، طبقات الشّافعية الكبرى20/153، وسير النبلاء10/490، وتذكرة الحفاظ 1/417.
(1) الغريب المصنف النسخة التونسية ورقة 612.
(2) ترجمته في تاريخ بغداد 8/ 272.
(3) تاريخ بغداد 12/411، وإنباه الرواة 3/ 19.
(4) تاريخ بغداد 12/ 410، وإنباه الرواة 3/ 19.
(5) انظر إنباه الرواة 3/ 19.
(6) انظر إنباه الرواة 3/ 19، وتاريخ بغداد 12/ 411.
(7) انظر تاريخ بغداد 12/412.
(8) تاريخ بغداد 12/412.
(9) إنباه الرواة 3/ 19.
(10) طبقات النحويين للزبيدي ص 199.
(11) إنباه الرواة 3/18.
(12) تاريخ بغداد 12/407.
(13) تاريخ بغداد 12/413.
(14) الكامل في التاريخ 6/137.
(15) انظر تاريخ بغداد 2 1/ 406. فعلى هذه الرواية يكون تأليف الغريب استغرق 29 عاماً.
(16) انظر تاريخ بغداد 12/406.
(17) إستار كلمة فارسية تِطلق على الأربعة، وصحفها بعضهم إلى أستاذ.
(18) انظر تاريخ بغداد 12/412، وطبقات النحويين ص 201.
(19) انظر الصفحة الأخيرة من هذا الكتاب.
(20) كذا سماه الزبيدي في التاج 1/ 6، وسماه الخزاعي في تخريج الدلالات السمعية ص 117 جماهر الأنساب، وسماه ابن حجر في المعجم المفهرس ص 162 الجمهرة، وللطحاوي كتاب "الرد على أبي عبيد فيما أخطأ فيه من كتاب الأنساب"ا. هـ. نقلاً من كتاب "أبو عبيد "تأليف سائد بكداش- ضمن سلسلة أعلام المسلمين وكتاب أبي عبيد حقق في جامعة دمشق- كلية الآداب، ونالت به مريم الدرّ درجة الماجستير.
(21) وكان ابن سينا يحفظ هذا الكتاب. انظر آثار البلاد ص 299.
(22) أي: يُتهم.
(23) طبقات النحويين ص 202.
(24) إنباه الرواة 3/23.
(25) تاريخ بغداد 12/404.
(26) الفهرست ص 107.(37/40)
(1) تاريخ بغداد 12/ 413.
(2) شرح ما يقع فيه التصحيف ص 229.
(3) الفهرست ص 106.
(4) الفهرست ص 110، معجم المعاجم ص 157.
(5) بغية الوعاة 1/305، ومعجم المعاجم ص 157.
(6) معجم الأدباء 3/16، وبغية الوعاة 1/ 305.
(7) إنباه الرواة 3/ 177.
(8) التنبيهات ص 192.
(9) التنبيهات ص 90.
(10) انظر المخصص 1/7.
(11) المحكم 1/4.
(12) المحكم 1/4.
(13) المحكم 1/9-10.
(14) الأظلُّ: بطن الأصابع. وفي المثل: إِنْ يدمَ أظلًُّكَ فقد نَقِب خُفّي.
(15) انظر لسان العرب: بحر. والروض الأنف 2/ 128.
(16) انظر المجمل 1/26، والعباب 1/ 30.
(17) تاريخ بغداد 12/407. وإنباه الرواة 3/18.
(18) انظر كشف الظنون 2/1209
(19) الاقتضاب ص 279.
(20) الغريب النصف 1/75.
(21) انظر مقدمة تهذيب اللغة للأزهري ص 15.
(22) انظر طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ص 61.
(23) انظر طبقات النحويين ص 127، ومقدمة تهذيب اللغة ص 25.
(24) طبقات النحويين ص 131، مقدمة تهذيب اللغة ص 28.
(25) إنباه الرواة 3/ 30، طبقات النحويين ص 133.
(26) إنباه الرواة 2/313، طبقات النحويين ص 134.
(27) انظر إنباه الرواة 3/ 276 وطبقات النحويين ص 175، وبغية الوعاة 2/ 294.
(28) طبقات النحويين ص 165، وبغية الوعاة 1/582.
(29) طبقات النحويين ص 167، مقدمة تهذيب اللغة ص 23.
(30) الفهرست ص 101، ومقدمة تهذيب اللغة ص 21، وطبقات النحويين ص 194.
(31) طبقات النحويين ص 195.
(32) إنباه الرواة 2/120، طبقات النحويين ص 193، بغية الوعاة 2/43، والفهرست ص 72.
(33) انظر إنباه الرواة 4/ 79، وعيون الأخبار 3/ 157.
(34) انظر إنباه الرواة 4/ 102، وعيون الأخبار 1/ 71، والفهرست ص 66.
(35) ما اتفق لفظه لليزيدي ص 48.
(36) معجم الشعراء ص 515، وإنباه الرواة 4/122.(37/41)
(1) معجم الشعراء ص 511، وعيون الأخبار 2/3، وطبقات النحويين ص 71.
(2) معجم الشعراء ص 513.
(3) انظر إنباه الرواة 4/ 182، والفهرست ص 69.
(4) بغية الوعاة 2/ 139، وإنباه الرواة 4/ 152، وعيون الأخبار 2/ 162.
(5) معجم المعاجم ص 157.
(6) بغية الوعاة 2/143، وإنباه الرواة 2/ 226.
(7) الصلة لابن بشكوال 1/47.
(8) إنباه الرواة 1/208، والديباج المذهَّب ص 91.
(9) برنامج الرعيني ص 82، ومعجم المعاجم ص 143.
(10) انظر كتاب آثار البلاد وأخبار العباد، للقزويني ص 299.
(11) معجم الأدباء9/ 191.
(12) معجم الأدباء 7/32.
(13) بغية الوعاة 1/603.
(14) فهرست ابن خير ص 327.
(15) وقد طبع مؤخراً لكتاب باسم "المنتخب من غريب كلام العرب"في جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
(16) طبع الجزء الأول في الرياض عام 1409 هـ.
(17) انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 2/ 157.
(18) فهرس مخطوطات دار الكتب 2/ 153.(37/42)
رواية الكتاب
راوي الكتاب هو أبو الحسن الطوسي، واسمه علي بن عبد الله بن سنان التيمي، من أصحاب أبي عبيد، وكان من أعلم أصحابه، وأكثرهم أخذاً عنه، عالمٌ، راويةٌ لأخبار القبائل وأشعار الفحول، ولقي مشايخ الكوفيين والبصريين وكان أكثر مجالسته وأخذه عن ابن الأعرابي، وله ولدٌ سلك طريقته في العلم والحفظ، واسمه أبو عمرو، وكان الطوسيُّ عدوّاً لابن السكّيت؛ لأنهما أخذا عن نصران الخراساني، واختلفا في كتبه بعد موته وكانت كتب نصران لابن السكيت حفظاً، وللطوسي سماعاً، ولم يكن له مصنَّف، وفي رواية الكتاب بالنسخ التي بأيدينا ثلاثة طرق:
الطريق الأول: يرويه الشيخ الرئيس غرس النعمة أبو الحسن هلال بن الحسن بن هلال الكاتب.
عن أبي بكر أحمد بن محمد بن الجرَّاح النحوي.
عن أبي بكرٍ محمد بن القاسم بن بشار النحوي.
عن أبيه.
عن أبي الحسن الطوسي.
عن أبي عبيد.
وهذه الرواية للنسخة التركية.
والطريق الثاني: يرويه أبو علي القالي البغدادي. إسماعيل بن القاسم.
عن أبي بكرٍ محمد بن القاسم بن بشار الأنباري.
عن أبيه.
عن أبي الحسن الطوسي.
عن أبي عبيد وهذه الرواية لنسخة الأسكوريال.
فالطريق يجتمعان في ابن الأنباري, وهذا مخطَّطه
أبو عبيد القاسم بن سلام 224هـ
أبو الحسن الطوسي =تقريباً255هـ
أبو محمد الأنباري (القاسم بن محمد) 304هـ
ابو بكر ابن الأنباري 328هـ
أبو علي القالي 356
أحمد بن محمد بن الجراح 381هـ
غرس النعمة (هلال بن المحسن) 244هـ
الطريق الثالث:
أبو عبيد 224 هـ
علي بن عبد العزيز البغوي 286 هـ
أبو الحسن طاهر بن عبد العزيز الرعيني 305 هـ
ونترجم ها هنا لبقيَّة الرواة، فنقول:
- أبو محمد الأنباري، اسمه القاسم بن محمد، لقي سلمة بن عاصم من أصحاب الفرّاء. وكان عالماً بالأدب، موثقاً في الرواية، له كتاب خلق الإنسان، والمقصور والممدود توفي سنة 304 هـ.(37/43)
- أبو بكر ابن الأنباري، محمد بن القاسم، كان من أعلم الناس بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظاً له، كان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت من الشعر شاهد في القرآن. روى عنه أبو عمر بن حيويه، وأبو الحسين البواب، وأبو الحسن الدارقطني. وجمعٌ غيرهم له كتاب الزاهر، والمذكر والمؤنث، وغريب الحديث، توفي سنة 328 هـ.
- أبو علي القالي البغدادي، اسمه إسماعيل بن القاسم، أخذ عن ابن الأنباري وابن درستويه، ثم خرج إلى الأندلس، له كتاب الأمالي، والمقصور والممدود، والبارع، توفي سنة 356 هـ. وكان ابتدأ بقراءة الغريب على ابن الأنباري يوم الثلاثاء سنة 317 هـ في شهر جمادى الآخرة، في مسجده علي باب داره في درب البقر بسرَّ مَنْ رأى وأكمله يوم الثلاثاء لخمسٍ مضين من ذي القعدة سنة 321 هـ وكانت قراءته عليه من الثلاثاوات، أي: كل يوم ثلاثاء.
وقرأهُ ثانية على ابن درستويه
- أحمد بن محمد بن الجرَّاح، صاحب ابن الأنباري، كان يروي أكثر تصانيفه ورواياته عنه. سمع منه هلال بن المحسن، وتوفي سنة 381 هـ.
- هلال بن المحسن، المُلقَّب غرس النعمة، كان من الصَّابئة، ثم أسلم في آخر عمره وحسن إسلامه، أخذ عن أبي علي الفارسي، والرماني، وكتب عنه الخطيب البغدادي، توفي سنة 448 هـ.
- علي بن عبد العزيز، أبو الحسن البغوي، شيخ الحرم، ومصنف المسند، سمع أبا نعيم والقعنبي، وأبا عبيد، ومسلم بن إبراهيم، وروى عنه ابن أخيه أبو القاسم البغوي، كان ثقة مأموناً، صدوقاً. توفي سنة 286 هـ. وعاش بضعاً وتسعين سنة.
قرأ الغريب المصنف على أبي عبيد إلا ورقاتٍ يسيرة، وقرأه على أخيه إبراهيم أيضاً، قال: وسألنا أبا عبيد: نروي عنك ما قرئ عليك؟ قال: نعم.
- أبو الحسن طاهر بن عبد العزيز الرعيني القرطبي، سمع الخشنيّ وبقيّ به مخلد، وكان الغالب عليه علم اللغة، ورحل إلى المشرق واليمن، وكان ضابطاً عارفاً بعلوم اللغة، فَهِماً توفي سنة 305 هـ.(37/44)
قلتُ: والذي يغلب على ظني أنَّه أوَّل من أدخل الغريب المصنف إلى الأندلس.
طريقة التحقيق
من المعلوم أنَّ الغاية من التحقيق هي تقديم المخطوط صحيحاً كما وضعه مؤلفه، لذا حرصنا كل الحرص على تقديم نص هذا الكتاب صحيحاً، ولم نعتمد الطريقة التي تُتخذ فيها نسخةٌ فتجعل أُمَّاً، نظراً لوجود زيادات متعددة في كل نُسخةٍ على البواقي، بل اعتمدنا على طريق التلفيق والجمع بين النسخ.
- وذكرنا الزيادات التي انفردت فيها كل نسخة، أمَّا ما كان من الزيادة من نحو قال أو يقول وما شابه ذلك فلم نذكره في الحواشي لكثرته، ولعدم فائدته.
- وحرصنا أيضاً على الرجوع إلى المصادر القديمة التي نقل المصنِّف منها.
- وذكرنا موضع ذلك، وذلك مثل: كتاب النوادر لأبي زيد، وكتاب الجيم لأبي عمرو الشيباني، والمقصور والممدود للفرَّاء، والعين المنسوب للخليل، وكتب الأصمعيّ، والفرق لقطرب، وجمهرة النسب لابن الكلبيّ، والخيل له، والبئر، وأسماء خيل العرب لابن الأعرابيّ، وما اتفق لفظه لليزيدي، وغير ذلك.
وذكرنا في التخريج الكتب المعاصرة لأبي عبيد أو القريبة منه، ككتاب التفقيه في اللغة للبندنيجي، وإصلاح المنطق لابن السكيت، والمقصور والممدود، والألفاظ له. والمجمل لابن فارس، والجمهرة لابن دريد، وتهذيب اللغة. ثم إذا لم نجد المادة فيها لجأنا إلى الكتب المتأخرة، ككتاب المخصص لابن سيِّده، والمحكم، له. وأساس البلاغة، ولسان العرب وغير ذلك.
- عملنا على تخريج الآيات القرآنية.
- وعلى تخريج الأحاديث الشريفة.
- وذكر محال الأمثال من الكتب المختصة بها.
- ترجمة الأعلام الذين نقل عنهم المؤلف في مقدمتنا، ولم نجعلها ضمن الكتاب.
- ترجمة الأعلام الذين ذكروا عَرَضاً في المكان الذي ذكروا به.
- ذكر نسبة الأشعار الموجودة، وتبين الوهم في قائلها إنْ وجد ورقّمنا الأبيات.
- وضع علامات الترقيم في مكانها المناسب، لإيضاح النص.
- ترقيم أبواب الكتاب.(37/45)
- ذكر الاعتراضات التي اعترضها العلماء على بعض مواد الغريب المصنف في مكانها التي ذُكرت به، وهذه عمليةٌ مهمَّة وشاقة.
- ذكر بعض الحواشي الهامة من النسخ المخطوطة.
- وضعنا فهارس علمية تفصيلية للكتاب.
الغريب المُصنَّف
تأليف
أبي عُبيدٍ القاسم بن سلاَّم
المتوفى سنة 224 هـ
تحقيق
صفوان عدنان داوودي
القسم الأوّل
بسم الله الرحمن الرحيم
صلَّى الله على محمدٍ وآلهِ وسلَّم تسليماً
كتاب خلق الإنسان
الباب1
بابُ تَسميةِ خَلقِ الإنسانِ ونُعوتِهِ
[حدثنا أبو عليٍّ إسماعيلُ بنُ القاسم البغداديُّ، قالَ: قرأتُ هذا الكتابَ على أبي بكرٍ محمدِ بنِ القَاسمِ بن بشَّارٍ الأنباري سنةَ سبعَ عشرةَ وثلاثَ مائةٍ. نا أبو بكرٍ قراءةً عليه قالَ: حدثني أبي قالَ: قرأتُ على أبي الحسنِ الطوسي عليِّ بن عبد الله بِسرَّ مَنْ رأى قال] :
قال أبو عُبيدٍ القاسمُ بن سلاَّم: سمعتُ أبَا عمروٍ الشيبانيَّ يقولُ:
الأنوف يُقالُ لها: المَخاطم، واحدُها: مِخطَم. قال: والبَوادرُ من الإِنسانِ وغيرِه: اللََّحمةُ التي بينَ المَنْكِب والعُنق، وأنشدنا [لخراشةَ بنِ عمروٍ] :
1- وجاءَتِ الخيلُ مُحمرَّاً بَوادرُها
والمَرادِغُ: ما بينَ العُنقِ إلى التَّرْقُوَة، واحدتُها: مَرْدَغَة. الفرَّاءُ مثلهُ
قال: "وكذلك: البأْدَلَة، وجمعها: بآدل، وأنشدنا [للعُجيرِ السلوليِّ] :
2- فتىً قُدَّ قَدَّ السَّيفِ لا متآزِفٌ
ولا رَهِلٌ لبَّاتُه وبآدِلُه
قال أبو عمروٍ في البَآدِل مثلَهُ، واحدُها: بَأْدَل.
وقال الأصمعيُّ: الكَتَدُ: ما بينَ الكَاهلِ إلى الظَّهْر، والثَّبَجُ مثلُه. أبو عمروٍ: الشَّجْرُ: ما بينَ اللَّحيينِ، وقال الأصمعيُّ: البُلْعُومُ: مجرى الطعام في الحلق، وقد يحذفُ الواو فيقالُ: بُلْعُم، مثلُ: عُسْلُوجٍ وعُسْلُج، وقال أبو عبيدٍ: والعُسْلُجُ: الغُصنُ، وقال أبو زيدٍ: الحُنْجُور: الحُلقوم.(37/46)
قال أبو زيدٍ: ذُبابُ العينِ: إِنسانُها، والغَرْبانِ منها: مُقْدِمُها ومُؤْخِرُها. والغُروبُ: الدَّمعُ حينَ يخرجُ من العينِ. قال: وقال الرَّاجزُ:
3- ما لكَ لا تذكرُ أُمَّ عَمروِ
إلا لعينيكَ غُروبٌ تجري
قال الكسائيُّ: الشُّصُوُّ من العينِ مثلُ الشُّخوص. يُقال: شصا بصرُه
يشصو شصوَّاً, وشطَرَ بصرُه يَشطُرُ شُطوراً وشَطْراً، وهو الذي كأنَه ينظرُ إليك وإلى آخر. [عيونٌ شواطرُ، أيْ: حِداد] .
غيرُه: سما بصرُه، وطَمَح: مثلُ الشُخوص، وقال الفرّاء: عيناهُ تَزرّانِ في رأسه: إذا توقَّدتا، وقال الأمويّ: البِرْشَامُ: حدَّةُ النَظر، والمُبَرْشِمُ: الحادُّ النظر، [وأنشد أبو عبيدٍ للكُميت:
4- أَلُقْطَةُ هُدهدٍ وجُنود أنثى
مُبرشِمةً، ألحمي تأكلونا]
والحِنْدِيرةُ والحِنْدَورة ُ: الحدَقَةُ، والحِنْدِيرةُ أجود، والإِطراقُ: استرخاءُ العين.
غيرُه: أرشقْتُ: إذا أحددْتَ النَّظر، وقال الشَّاعر [القُطاميُّ] :
5- وتروعني مُقَلً الصِّوارِ المُرْشِق
غيرُه: البَرْشَمةُ: إِدامةُ النَّظر. قال الأصمعيُّ: يُقال: رجل شائِهُ البصر وشاهي البصر: وهو الحَديدُ البَصر، وُيقال: جلَّى ببصرِه: إذا رمى ببصره.
الفرَّاء: أَتأرْتُ إليه النَّظرَ: إذا أحددْتَه، قال: غرِبَتِ العينُ غَرَباً: إذا كانَ بها ورمٌ في المأق، وأمَّا الغُروبُ فهي مجاري العين.
الكسائيُّ: يُقال: ظَفِرَت العينُ [ظَفَراً] : إذا كان بها ظَفَرَة، وهي التي يُقال لها: ظُفْرُ [العين] .
قال الأموي: المُطرِقُ: المُسترخي العين، وأنشدنا في مَرثيةٍ رُثي بها عُمر بن الخطاب رضيَ اللهُ عنه:
6- وما كنتُ أخشى أنْ تكونَ وفاتُه
بكفَّي سَبنتى أَزرقِ العينِ مُطرِقِ(37/47)
الفرَّاء: الشَّقِذًُ العين: الذي لا يكادُ ينام، وهو أيضا الذي يصيبُ النَّاس بالعينِ، وقال الأحمر: الأغْطَشُ: الذي في عينيه شبهُ العَمش، والمرأةُ غطشاء، وقال الكسائيُّ: الفَنِيكُ: طَرفُ اللَّحْيَيْنِ عند العَنْفَقَةِ، ولم يعرف الإفنيك.
وقال أبو عمروٍ: الدِّيباجتان: الخذَان، [وقال أبو الحسن: وحكى بعض أصحابنا عن أبي عبيد قال:] ويُقال: هما اللِّيتَانِ. [قال: أخبرني به أبو عبدِ الرَّحمنِ] ، وقال ابنُ مُقبلٍ يصفُ البعير:
7- يَجري بِديباجَتيهِ الرَّشحُ مُرتدعُ
فالرَّشحً: العَرَقُ، والمُرْتدعُ: المُتلَطِّخُ به، أُخِذ من الرَّدْع.
وقال أبو عبيدة: المِذْرَى: طرفُ الألْية، والرَّانِفة: ناحيتها، وقال عنترةُ (1) :
8- أحولي تنفضُ استكَ مِذْرَويها
لتقتلني فها أنا ذا عُمارا
وقال أبو عبيدٍ: وُيقال: المِذْروان: أطْرافُ الأليتين، وليس لهما واحدٌ، وهذا أجودُ القولين؛ لأنَّه لو كانَ لهما واحدٌ فقيل: مِذرىً لقيل في التثنية: مِذْريان، بالياء، وما كانت بالواو في التثنية.
وقال أبو عبيدة: السَّحْرُ، خفيفٌ: ما لصِقَ بالحلقوم وبالمرئ من أعلى البطن، وقال الفرَّاء: هو السَّحْرُ والسَّحَرُ والسُّحر، وقال أبو عبيدةَ: القُصْب: ما كانَ أسفلَ من ذلك، وهو الأمعاء، والقِتْب: ما تحوَّى من البطن. يعني: استدار، مثلُ الحوايا، وجمعُه: أقتاب. وقال أبو عمرو: القُصْب المِعى، وجمعُه: أقصاب، والأعْصَال: الأمعاء، واحدُها: عَصَلٌ، وقال: الأصمعيُّ: الأرجابُ: الأمعاء، ولم يُعرف واحدُها.
وقال أبو زيد: الأعفاجُ للإنسان، واحدُها: عَفَجٌ، والمصارين لذواتِ الخفّ والظِّلْفِ والطير. وبعضهم يقول: عَفج. [وابن الأعرابي يقول: عِفْج، قال الهرمثي: فراجعت أبا عبيد، فقال: كلٌّ يقال في هذا، وهو مثلُ شِبْهٍ وشَبَه، وبِدْل وبدَل] . قال: والخِلْبُ: حجابُ القلب.(37/48)
ومنه قيل للرَّجل الذي تحبُّه النِّساء: إِنَّه لَخِلْبُ نساءٍ، أي: تحبُّه النِّساء، وقال أبو عمروٍ: البَواني: أضلاعُ الزَّور، والذَّنُوب: لحمُ المَتْنِ، وهو يَرابيعُ المتن، وحَرابيُّ (1) المتن.
وقال أبو زيد: المَأْنَةُ: الطَّفْطَفَة، والأمَرُّ: المصَارِينُ يجتمعُ فيها الفرث. قال: وقال الشَاعر:
9- ولا تهدي الأمرَّ وما يليه
ولا تُهدِنَّ معروقَ العظامِ
وقال أبو عمروٍ (2) والأصمعيُّ: النَواشرُ والرواهشُ: عروقُ باطنِ الذِّراع، والأشاجعُ: عروقُ ظاهرِ الكفِّ، وهي مَغْرِزُ الأصابع.
والرَّواجبُ والبَراجمُ جميعاً: مفاصلُ االأصابعِ كلِّها، والأسلة: مُسْتدَقُّ الذِّراع.
قال: والخُضُمَّةُ: عَظمة الذِّراع، [والوَابلةُ في اليد: طرفُ العضد مما يلي المرفق] وهي مُستغلَظُها، واليَسَرةُ: أسرارُ الكفِّ إذا كانتْ غيرَ ملتزقةٍ، وهي تُستحبُّ.
وقال الكسائيّ: ضَرَّةُ الإبهامِ: أسفلها، مثلُ ضرَّةِ الثَّدْي.
الأُمويُّ: يُقال لعظم الساعدِ ممَّا يلي النصف منه إلى المِرْفق: كِسْرُ قبيحٍ، وأنشدنا:
10- لوكنت عَيْراً كنتَ عير َمذلَّةٍ
ولو كنتَ كِسراً كنتَ كِسْرَ قبيح
وقال أبو عمرو: الأبْداء: المفاصلُ، واحدها: بَدَى، مقصور، وهو أيضاً بَدْءٌ، وتقديره [فَعْل] بَدْعٌ، وجمعُه: بُدوءٌ على فُعولٍ.
وقال أبو زيد: الفُصوصُ: المفاصلُ، وهي في العظام كلِّها إلا الأصابع، واحدُها: فَصٌّ، وقال الكسائيُّ: سئِفَتْ يده وسعِفَتْ، وهو التَشعُّثُ حول الأظفار والشُّقاق.(37/49)
وقال الفرَّاءُ: الفُوفُ: هو البياضُ الذي يكونُ في أظفارِ الأحداثِ، ومنه قيل: بُرْدٌ مُفوَّفٌ، وهو الذي فيه خطوطٌ بِيضٌ، [وقال الأحمرُ: عَسَتْ يدُه تعسو عُسُوَّاً: إذا غلظت من العمل] ، وقال أبو زيد (1) : أكنَبتْ يدُه، فهي مُكْنِبة، وثَفِنَتْ ثَفَناً كذلك أيضاً، فإذا كان بينَ الجِلْدِ واللَّحم ماءٌ قيل: مَجِلَتْ تَمْجَلُ، ومَجَلَتْ تَمْجُلُ، لغتانِ. قال أبو عبيدٍ: ومِجِلَتْ بالكسرِ أجود، ونَفِطَتْ تَنْفَطُ نَفْطاً ونَفَطاً ونَفِيطاً، وقال الفرَّاءُ: رجلٌ مكبونُ الأصابعِ، مثلُ الشَّثْنِ، وقال الأصمعيُّ: يُقال: أخذه الذُّبَاح، وهو تحزُّزٌ وتشقُّقٌ بين أصابع الصِّبيان من التُّراب، وقال: مَشِظَتْ يدُه، تمشظُ مَشظاً، وهو أنْ يمسَّ الشَّوكَ أو الجذعَ فيدخلُ منه في يده.
وقال الأحمرُ: المَلاغِمُ: ما حولَ الفمِ، ومنه قيل: تلغَّمتِ المرأةُ بالطِّيب: إذا جعلَتْهُ هناك، والحِثْرِمَةُ: الدَّائرةُ تحتَ الأنفِ في وسطَ الشَّفة العُليا، وقال الأصمعيُّ: هي التِّفْرَةُ من الإنسان، وهي من البعير النَّعْو، وقال أبو عمرو: هي العَرْتَمَةُ أيضاً.
وقال الأحمرُ: بأسنانِه طَلِيٌّ وطِلْيان، وقد طَلِيَ فوه يَطْلَى طَلَىً، منقوص، وهو القَلَحُ، وقال أبو عمرو: الطُّرامَة: الخُضرة على الأسنانِ، وقد
أطرَمتْ أسنانُه إِطراماً، والقَلحُ: الصُّفرة، وقال أبو زيدٍ والأصمعيُّ: نَقِدَ الضرسُ نَقَداً: إذا ائتكل وتكسَّر، وقال الأحمرُ مثلَه. الكسائيُّ: الحفرُ في الأسنان، وقد حَفَرَ فُوه يَحْفِر حَفْراً.
الأحمر: الحُذُنَّتانِ: الأُذنان، وأنشدنا:
11- يا ابنَ التي حُذُنَّتاها باعُ
وقال الكسائيُّ: خَثْلة البطن: ما بينَ السُّرَّة والعَانة، وُيقال: خَثَلة، والتخفيفُ أكثر.(37/50)
أبو عمروٍ: الحصيرُ: الجنبُ، وقال الأصمعيُّ: الحصيرُ: ما بينَ العِرْقِ الذي يظهرُ في جنبِ البعيرِ والفرسِ مُعترضاً فما فوقه إِلى مُنقطَع الجنب، فهو الحصيرِ.
قال الفرَّاء: القُصَيرى: أسفلُ الأضلاع، وهي أيضا الواهنة.
غيرُهم: الصُّقْلُ: الجَنْبُ، والبُوصُ: العَجُز، والبَوصُ: اللَّون.
قال أبو عبيدٍ: والبَوصُ أيضاً: الفَوْتُ والسَّبْقُ. يُقال: باصني الرجل: فاتني.
وقال الأصمعىُّ وأبو عمروٍ: الحَراكيكُ: هي الحَراقِف، واحدتُها: حَرْكَكَة، والأنقاءُ: كلّ عظمٍ ذي مُخٍّ، وهي القَصَب، فأمّا الجُدُول والكُسور فهي الأعضاء، واحدُها: جَدْل وكَسْر، وهي من الإنسانِ وغيرِه. قال الفرَّاء: الخَوْشَان: الخاصرتان من الإِنسان وغيره. غيرهُ: الأيْطَل والإطْلُ: الخاصرة، وُيقال: إِطِلٌ وآطال، وأيْطَل وأياطل، وقال أبو زيدٍ: القَصايِب: الشَّعر المُقصَّب، واحدتُها: قصيبة، وقال الأصمعيُّ: المسائح: الشعر، واحدتُها: مسيحة. والغَدائرُ: الذَّوائب.
غيرُه: المُغْدَودِنُ الشَّعر: الطَّويل، قال حسَّانُ بنُ ثابتٍ:
12- وقامَتْ تُرائيكَ مُغْدَودِناً
إِذَا مَا تنوءُ به آدَها
وقال أبو عمروٍ: الفَليلةُ: الشَّعرُ المجتمعُ، وقال الكُميتُ:
13- ومُطَّردِ الدِّماءِ وحيثُ يُلقى
من الشَّعر المُضفَّرِكالفليلِ
وقال الفرَّاء: شَعرٌ مُعْلَنْكِس ومُعْلَنْكِك كلاهما: الكثيفُ المُجتمع.
وقال أبو زيدٍ: أخلسَ رأسُه فهو مُخْلِس وخَلِيسٌ: إِذا ابيضَّ بعضُه، فإذا غلب بياضُه سوادَه فهو أغْثَم، وأنشد:
14- إِمَّا تَرَيْ شَيباً عَلاني أغثمه
لهزَمَ خدَّيَّ به مُلَهزمُهْ
قال: وُيقال له أوَّل ما يظهرُ فيه الشَّيب: بلَّعَ فيه الشَّيبُ تبليعاً، وثقَّبه تثقيباً، ووخَزَه وَخْزاً، ولَهَزهُ لَهْزاً. غيرُه: القَتِيرُ: الشَّيب، وقال أبو عمرو: تفشَّغَ فيه الشَّيب: إذا كَثرَ وانتشر. غْيرُه: خيَّطَ الشَّيبُ في رأسه. قال بدرُ بنُ عامرٍ الهُذليُّ:(37/51)
15- حتما تخيَّط بالبياضِ قُروني
وقال الأصمعيُّ: تصوَّع الشَّعرُ: تفرَّق. غيره: الزَّمِرُ والمَعِرُ: القليل الشَّعر. قال اليزيديًّ: وإذا ذهبَ الشَّعر كلُّه قيل: رجلٌ أحصُّ، وامرأة حصَّاء. قال أبو زيدٍ (1) : فإنْ نتفَه صاحبُه قيل: زبَقهُ يزبُقُه زَبْقاً. غيرُه: الأنزعُ:
الذي انحسرَ الشَّعر عن جانبي جبهته، فإذا زاد قليلاً فهو أجلحُ، فإذا بلغَ النِّصفَ أو نحوَهُ فهو أجلى ثمَّ هو أجلَهُ. قال رؤبةُ:
16- لمَّا رأتنيَ خلَقَ المُموَّهِ
برَّاق أصلادِ الجَبِينِ الأجْلهِ
بعدَ غُدَّاني الشَّبابِ الأبْلَهِ
وإذا تقطَّع ونسَلَ قيل: حَرِقَ يَحْرَقُ [حَرَقاً] فهو حَرِقٌ. قال أبو كبيرٍ الهُذَل:
17- حَرِقَ المفارشِ كالبُراءِ الأعفرِ
البراء: النُّحَاتة، وقال أبو زيدٍ: العِفْرِيَة. مثال فِعْلِلَة من الدَّابةِ شعرُ الناصية، وهو من الإنسان شعرُ القفا.
غيره: شعرُه هراميل: إذا سقط. الفرَّاء: القَسِمَةُ: الوجهُ، والقَسَام: الحُسْن، وقال الأصمعيُّ: البَشارةُ: الجمال، ومنه يُقالُ: رجل بشيرٌ، وامرأة بشيرة، وقال الأعشى:
18- ورأتْ بأنَّ الشَّيبَ جَا
نَبه البَشاشةُ والبشارة
الفرَّاء: خَبِيبة ُاللَّحم: الشَّريحةُ من اللَّحم.
الباب 2
بَابُ نُعوتِ خلقِ الإنسانِ
[قال أبو عبيدٍ:] (2) .(37/52)
قال أبو عمروٍ: العَثْجَلُ: العظيمُ البطنِ. الأحمرُ مثلَهُ، وقال الأحمرُ: الحَشْوَرُ: العظيمُ البطنِ أيضاً، وقال اليزيدي الأثجْلُ مثلُه. أبو زيدٍ: الدَّحِنُ مثلُه، وقد دَحِنَ دَحَناً. الأصمعي: هو الدَّحِلُ، باللام مثله. قالَ: فإن اضطربَ بطنُه مع العِظَم قيل: تَخَرخر بطنه، وقال اليزيدي: الأحْبنُ: الذي به السَّقْيُ. الكسائيُّ: يُقال: سَقَى بطنُه يسقي سَقْياً. قال: والأبجرُ: الذي خرجت سُرَّتُه. عن أبي عمروٍ: المغَارِض: جوانبُ البطن أسفل الأضلاع، واحدُها: مَغْرِض. أبو زيدٍ: الأخفجُ: الأعوجُ من الرِّجال، يريدُ: أعوجَ الرِّجْلِ. أبو عمروٍ: الأفلجُ: الذي اعوجاجُه في يده، فإنْ كانَ في رجليه فهو أفحجُ. غيرُه: الحَفَلَّجُ: الأفْحَجُ، وقال الفرَّاء: الأحْدلُ: المائلُ العُنقِ، وقد حَدِلَ حَدَلاً، وقال أبو زيدٍ: الأحدلُ: الذي يمشي في شقٍّ، وقال أبو عمرو: الأحدلُ: الذي في مَنْكبيه ورقبته انكبابٌ إلى صدره، وقال الفرَّاء (1) : والأبزى: الذي قد خرج صدرُه، ودخل ظهره، وأنشد لكثيِّر (2) :
19- من القومِ أبزى مُنْحَنٍ مُتباطن
وقال أبو عمرو: الأقعسُ: الذي في صدره انكبابٌ إلى ظهره، وُيقال:
رجلٌ أجْنَأ وأدْنَأ وأهْدأ، مقصورٌ بمعنى. ورجل أفْزرُ: الذي في ظهره عُجْرة عظيمة، وقال أبو زيدٍ: الرَّبْلَةُ: باطنُ الفخذ، فإنْ كانَتْ إحدى رَبلَتيه تُصيبُ الأخرى قيل: مَشِقَ يَمْشَقُ مَشَقاً، ومَسِحَ مَسَحاً. الأصمعي: مَشِقَ يمشَقُ مَشَقاً: إذا اصطكَّتْ أليتاه حتى تسَّحجا، وإذا اصطكَتْ فخذاه قيل: مَذِحَ يمذَحُ مَذَحاً، وإذا اصطكَّتْ رُكبتاه قيل: صكَّ يَصَك صَكَكاً، وقد صَكِكْتَ يا رجلُ، غيرُه: الأكسحُ: الأعرج، وقال الأعشى:
20-[بينَ مغلوبٍ كريمٍ جَدُّه]
وخذولِ الرجلِ منْ غيرِ كَسَحْ(37/53)
أبو عمروٍ: الأكرعُ: الدَّقيقُ مقدم السَّاقين، وقد كَرِعَ، وفيه كَرَع، أيْ: دِقَّة. الأصمعيُّ: الأكشم: النَاقص الخلق. أبو عمرو: الرِّخْوَدُّ: اللينُ العظام. أبو زيدٍ (1) : الشَّفَلَّح من الرجال: الواسعُ المِنْخَرين العظيمُ الشَّفتين، ومن النِّساء الضَّخمةُ الإسْكَتَينِ الواسعة المتاع. الكسائيُّ: الأفرقُ: الذي ناصيتُه كأنَّها مفروقة، ومنه قيل: ديكٌ أفرقُ وهو الذي له عُرْفَان، ومن الخيل: النَّاقصُ إحدى الوَرِكين، والأفتخُ: اللَّيِّنُ مفاصلِ الأصابعِ مع عرضٍ، والأبلجُ: الذي ليس بمقرونٍ، والافْطَأُ: الأفطس، عن أبي عمروٍ: الأبلدُ: الذي ليس بمقرونٍ، وهى البَلْدة والبُلْدَة.
الأحمر: الأدَنُّ: المنحني الظَّهر، بالدَّال، والأذَنُّ: الذي يسيل مَنْخِراه جميعاً، وُيقال لذلك الذي يسيلُ منه: الذَّنين. قال أبو عبيدٍ: يقال: ذَنِنْتَ ذَنَناً، [بالذال، وذنَّ المَنْخَرُ يَذِنُ: إذا سال منه الذَّنين] وقال الشَّماخُ [الثعلبيّ من بني ثعلبة بن بدر] .
21- تُوائِلُ من مِصَكٍّ أنصبَتْهُ
حَوالِبُ أسهَرتْهُ بالذَّنينِ
[ويروى: حوالب أسْهريه، وهما عرقان.] .
الأمويُّ: البِرْطامُ: الرَّجل الضخم الشفة، والقَفَنْدَرُ: الضَّخم الرِّجْل، والفُرْهُد: الحادرُ الغليظ، والضَّيطر: العظيمُ، وجمعُه: ضياطرة وضيطارون. قال أبو عمروٍ: قال مالك بن عوفٍْ النصريّ:
22- تعرَّضَ ضيطارو فُعالة دونَنا
وما خيرُ ضيطارٍ يُقلِّبُ مِسْطَحا
[يعني: ضياطري خزاعة] يقولُ: ليس معه سلاحٌ يقاتل به غيرَ مِسْطحٍ، والجمع: ضيطارون وضياطرة.
والبَلَنْدَحُ: السَّمين، "والعَكَوَّك مثلُه. عن أبي عمروٍ: الجَرنْفَش: العظيم.
أبو زيدٍ: الأمْثَن: الذي لا يستمسكُ بولُه في مثانته، والمرأة: مَثْنَاء.
اليزيديُّ: رجلٌ آلى على مثال أعمى: عظيمُ الألْية، وامرأةٌ ألْياء، وقد أليَ أَلَىً مقصور.(37/54)
الفرَّاء: يُقال: رجلٌ أفرجُ، وامرأةٌ فرجاء: العظيمُ الأليتين لا تلتقيان، وهذا في الحبش.
غيرُهم: رجل أبَدُّ: عظيمُ الخلق، وامرأةٌ بدَّاء، وأنشد:
23- ألدُّ يمشي مِشيةَ الأبَدِّ
وُيقال: هو العريضُ ما بينَ المنكبين، وقال أبو عمروٍ: الألَصُّ: المجتمعُ المَنْكِبين يكادان يمسَّان أُذنيه، والألَصُّ: المُتقارب الأضراس أيضاً، وفيه لَصصٌ. عن الكسائيِّ: امرأةٌ ثدياءُ: عظيمةُ الثديين، الفرَّاء: الجَهْضَم: الضَّخمُ الهامةِ المستدير الوجه.
الأصمعيُّ والأمويُّ: السَّمَعْمَعُ: الصغير الرأس [السريع] غيرُه: والمًُئَوَّمُ مثال المُعوَّم: العظيمُ الرأس. والأرأس: العظيم الرَّأس أيضاً، والأرْكَبُ: العظيم الرُّكبة، والأرْجَل: العظيمُ الرِّجل، والأقْشَرُ: الشَديدُ الحمرة، ويقال من هذا كلِّه: فَعِلَ يَفْعَل. الكسائي: رجلٌ مَخِيْلٌ ومَخْيول ومَخُول، ومَشِيم ومَشيُوم، من الخال والشَّامة، وتصغيرُه: خُيَيْل فيمن قال:
مَخْيل، وخُويل فيمن قال: مَخُول. الأصمعي: المُطَهَّم: الحسنُ التامُّ كلُّ شيءٍ منه، غيرُه: المُطَهَّمُ: الحسن. [أبو عبيدة: الصَّلت الجبين: المستوي] .
عن أبي عمروٍ: السَّنيعُ: الحسَنُ، غيرُه: الغلامُ المُتَرعْرِعُ: المُتحرِّك. عن أبي عمروٍ: رجل أليغُ وامرأة ليغاء: لا يُبِينُ الكلام، والخُرْب: ثقب الوَرِك، وهو أيضاً الخُرَّابة والخُرَابَة جميعاً. والفَائلُ: الفَحم الذي على خُرْب الوَرِك، وكان بعضُهم يجعلُ الفائل عِرْقاً. قال: والخُرْبُ أيضاً: منقطع الجُمهور المشرف من الرَّمل، واليَأفُوف: الخفيفُ السَّريع، واليَهْفُوف: الحديد القلب. والنَّوافج: مُؤخَّرات الضلوع، واحدُها: نافج ونافجة.
أبو عمروٍ: الأصْلَخُ: الأصمُّ (1) .
الباب 3
بابُ نُعوتِ دَمْعِ العينِ
وغؤورِها وضَعفِها وغيرِ ذلك(37/55)
الأصمعيُّ: انهجمت عينُه: إذا دمِعَتْ، بكسر الميم. وهجمَتْ عَينه: غارت. الكسائيُّ وأبو زيدٍ: دمَعَتْ عينه بالفتحِ لا غير. وقالا: همَتْ عينُه، تهمي هَمْياً مثلُه، وغسَقَتْ تَغْسِق غَسْقاً مثلُه.
أبو عمروٍ: ترقرقَتْ مثلُه. الأصمعيُّ: الهَرِعُ: الدَّمع الجاري. أبو عمرو مثلَه. قال: وكذلك الهَموع بفتحِ الهاء، وقد هَرِعَ وهَمَع: إذا سال. الأصمعيُّ: حجَّلَت عينُه وهجَّجَتْ كلاهما غارت [وقال الكميت: كأنَّ عيونهنَّ مُهَجَّجاتٌ] .
أبو عمرو: هَجَمت عينُه: غارت أيضاً. غيرُه: خَوِصت عينُه مثلُه، وقدّحت مثل خَوِصت. أبو عمروٍ: دَنْقَسَ الرَّجلُ دنْقَسةً، وطرفشَ طرفشةً: إذا نظرَ وكسرَ عينه. أبو زيدٍ: قَدِعَتْ عينُهُ تقدَعُ قَدَعاً: إذا ضَعُفَتْ من طولِ النَّظر إلى الشيء. الكسائيُّ: استشرفْتُ الشيءَ واستكففْتُه، كلاهما أنْ تضعَ يدك على حاجبك كالذي يستظل من الشمس حتى يستبينَ الشيء.
الأحمر: الأشوهُ: السَّريعُ الإصابة بالعين، والمرأةُ شَوْهَاء. غيرُه: تَحْرَجُ العين: تَحارُ وُيقالُ: نفضْتُ المكانَ: إذا نظرتَ إلى جميع ما فيه حتى تعرفه. قال زهيرٌ يصف البقرة:
24- وتَنْفُضُ عنها غيبَ كلِّ خميلةٍ
وتخشى رُماةَ الغوثِ من كلِّ مَرْصدِ
عن أبي عمروٍ: الإِسجادُ: إدامةُ النَّظر مع سكونٍ. قالَ: وقال كُثيِّر:
25- أغرَّكِ منّي أنَّ دلَّكِ عندنا
وإسجادَ عينيكِ الصَّيُودَينِ رابحُ
وعنه: تقتقت عينُه تقتقةً: إذا غارت، ويقال بالنُّونِ.(37/56)
والسَّماديرُ: ضعفُ البصر، وقد اسمدرَّ، وُيقالُ: هو الشيءُ الذي يتراءى للإنسانِ من ضعف بصره عند السُّكْر ِمن الشراب وغيرِهِ، والبَرَجُ: أنْ يكونَ بياضُ العينِ مُحدقاً بالسَّوادِ كلِّه لا يغيب من سَوادها شيء. قال أبو عمروٍ: الحَوَرُ: أنْ تسودَّ العينُ كلُّها مثلُ الظِّباء والبقر. قال: وليس في بني آدم حَوَرٌ، وإنَّما قيل للنِّساء: حُورُ العيون، لأنهنّ شُبِّهن بالظباء والبقر. وقال الأصمعيُّ: ما أدري ما الحَوَرُ في العين.
عن أبي عمروٍ: رأرأتِ المرأةُ بعينها ولألأتْ: إذا برقتْ عينها، والوَغفْ: ضعف البصر.
أبو عمرو (1) : استوضحت الشيء: إذا وضعْتَ يدك على عينيك في الشَّمس تنظرُ هل تراه (2) ؟ وعنه: قَد مَرِحتُ العينُ مَرَحاناً، وأنشد:
26- كأنَّ قذىً في العينِ قد مرِحَتْ به
وما حَاجةُ الأخرى إلى المَرَحَان
والأكْمَشُ: الذي لا يكادُ يُبصر، ويُقالُ: بَقِرَ يَبقَرُ بَقْراً وبَقَراً، وهو أنْ يحسرَ ولا يكاد يُبصر.
الباب 4
بابُ أسماءِ النَّفسِ
الأصمعيُّ: سامحت قَرُونُه، وهي النَفس، وقَرونَتُه أيضاً، [وقال أوسُ ابن حجر (3) :
27-............... وسامحت
قَرونَتُه باليأسِ منها فعجَّلا]
أبو عمرو: الجِرِشَّى على مثال فِعِلَّى: النَّفس أيضاً، وقال غيرُه: وهي الحَوْباءُ، وهي القَتَالُ والضَّريرِ. قال ذو الرُّمة:
28- مَهاوٍ يَدعْنَ الجَلس نَحلًا قَتَالها
والذَّماء: بقيَّةُ النَّفس، وقال أبو ذؤيب في الذَّمَاء:
29- فأبدَّهنَّ حتوفَهُنَّ فهاربٌ
بذمائِه أو باركٌ مُتَجعجِعُ
والحُشَاشَةُ مثلُ الذَّماء، ويقال من الذَّماء: قد ذمَى يَذْمِي: إذا
تحرَّك، والذَّماء: الحركة أيضاً. والشَّراشِرُ: النَفسُ والمحبَّة جميعاً. قال ذو الرُمة:
30 ـ ومن غيَّةٍ تُلقى عليها الشَّراشِر
والنَّسِيس: بقيَّة النَّفس، [وأنشد:
31- فقد أود"إذا بلغ النَّسيسُ]
الباب هـ
بابُ الطِّوال من النَّاس(37/57)
الأصمعيُّ: يُقال للطَّويل: الشَّوْقَب، والصَّلْهَب، والشَّوْذَب، والشَّرْجَب، والسَّلْهَب، والجَسرب، والسَّلِب، والعَشنَّط، والعَنَشَّط، والعَشنَّق، والعَنَطْنَط، والنغنُعُ، والشَّرْمَح، والشَّعْشَع، والشَّعْشَعان، والصَّقْعَب، والشَّيْظَم، والأتْلَع.
قال أبو عبيدٍ: وأكثرُ ما يرادُ بالأتلعِ طُولُ عُنقِه.
أبو عمروٍ: والشُمْحُوط، والشَناحِيُ، يُقال: هو شَناحٍ كما ترى، والأشق، والأمقُّ، والخِبَقُّ، والبَتِعُ، والمُتَماحِل، والمَخْنُ، واليَمْخُور، والهِجْرِعُ، والحُرْجُل، والأسْقَف، والقَاقُ، والقُوق، والخعْشوشِ، والطَّاط، والطُّوط عن الفراء. والجُعْشوش عن الأصمعيّ، وقال أبو عمرو: السَّهْوَق، والسَّرْطَم (1) ، والمِسْعَر، والعَبْعَاب والأعيط مثله. الأُمويُّ: والسَّرَعْرَع والقِسْيَبُّ. الكسائيُّ: المهمِِّك، والمُمَّغِط: الطويل، الفرَّاء: الشَّعَلَّع: الطويل.
غيرُه: الشَرْعَبُ: الطويل أيضاً، والخَلْجَم، والسُّرْحوب، والشِّرْوَاط،
والسَّلْجَم، والسوْحَق، والأسْقَف والسَّهْوَق، والشَّغاميم: الحِسان الطوال، والواحد: شُغموم، والعَمرَّدُ: الطويل.
وعن أبي عمرو: الشيحان: الطويل، [والسَّرَعْرَع: الرقيق، والعَمرَّد: الطَّويل.] والنِّيافُ: الطَويل.
الباب 6
بَابُ نُعوتِ الطوال مع الدِّقةِ والعِظم
الأمويُّ (2) : السَّرَعْرع: الطَّويلُ الدََّقيق، الأصمعيُّ: الجُعْشُوش مثلُه، فإنْ كان طويلاً ضخماً فهو ضبَارِك وضِبْرَاك وجَسْر، ومنه قيل للنَّاقة: جَسْرَة، وقال ابنُ مُقبلٍ [ (3) :
32- موضعُ رَحلِها جَسْرُ
أيْ: ضخم. الكسائيُّ: الشَّخيصُ: العظيمُ الشَّخص بيِّنُ الشَّخاصة (4) . الأصمعيُّ: فإنْ كان مع عظمِه سوادٌ فهو دُحْسُمان ودُحْمُسان. اليزيديُّ: رجلٌ تَارٌّ: عظيمٌ، وقد تَرِرْتَ تَرارةً. أبو زيدٍ: هو المُمتِلئُ العظيمُ. غْيرُه: الفَيْلَم: العظيم. قال البريقُ الهًذليُّ (4) :(37/58)
33- ويَحمي المُضافَ إِذا ما دعا
إذا فَرَّ ذوا اللَّمََّةِ الفَيلم
[الفيلمُ: العظيم]
والهَجَنَّع: الطَّويل الضخم، والعَبْهَر: العظيم.
الباب 7
بابُ القِصَار من النَّاسِ
الأصمعيُّ: الحَبْتَر من الرِّجالِ: القصيرُ، ومثلُه: الحَنْبل، والجَيْدَر، والبُهْتُر، والبُحْتُر والجأنَب، والمُجذَّر، والمُزلَّم، والتِّنْبَال، والضَّكْضَاك، والمُتآزِف، والحِنزَقْرَة، والدِّنَّامة. وقال الفرَّاء: هو دِنَّبة ودِنَّابة للقصير، والكَوألَل مثله، والزَّوَنْكَلُ. أبو عمروٍ (1) : الشِّهْدَارة: الرَّجل القصير، والدَّعْدَاع والذَّحْذاح بالذَّال، ثمَّ شكَّ أبو عمرو- في الذَّحذاح بالذَّال أو بالدال-، ثمَّ رجع فقال: بالدَّال، وقال أبو عبيدٍ: هو عندنا الصوابُ بالدَّال.
والزِّعْنَفة، والزُّمَّحُ، والأقْدَر، والجَدَمَةُ: القصير، وجمعه: جَدَم، والحَنْبل: القصير، والفَرْو أيضاً: حنبل، وقال: الزَّناء ممدودٌ: القصير أيضاً، وقال ابنُ مُقبلٍ (2) :
34- وتُولجُ في الظِّلِّ الزَّناءِ رؤوسها
وتحسبُها هِيماً وَهنَّ صحائحُ
يعني: الإبل.
الأحمرُ: الحَنْكَل: القصير. [أبو عبيدة] : الكُوتيُّ مثله. غيرُه: الجَعابيبُ: القصار، والصِّمْصِم: الغليظ، والأزْعَكِيُ: القصيرُ اللئيم.
[غيره: الوَزْوَاز والأجحوى: القصير] .
الباب 8
بابُ نُعوتِ القِصارِ مع السِّمَنِ والغِلَظ
الأصمعيُّ: فإذا كانَ مع القصرِ سِمَنٌ قيل: رجل حِيَفْس وَحَفَيتَأُ مهموزٌ مقصور غير ممدود، ودرْحَاية وضُبَاضِب، فإذا كان قِصرٌ وضخمُ بطنٍ قيل: رجل حَبَنْطأ مهموز مقصور غير ممدود، فإذا كان قِصَرٌ وغلظ مع شدََّةٍ قيل: رجلٌ كُلْكُل، وكلاكل، وَكَوألل، وجعْشُم وكُنْدُر وكُنَيْدِر وكُنَادر، وقُصْقُصَة، وقُصَاقِص، وإِرْزَبٌّ، وقال الأُمويُّ: هو العِجْرِم، والتَيَّازُ نحوُه.
قال أبو عبيدٍ: قال القُطاميُ:
35 - إِذا التَّيَّازُ ذو العضَلاتِ قُلنا(37/59)
إِليكَ إليكَ ضاقَ بها ذراعا
غيرُه: الحَوْشَب: العظيَمُ البطن. قال الأعلمُ الهُذَليُّ:
36- وتجرُّ مُجْرِيةٌ لها
لحمي إلى أجرٍ حَواشِبْ
والمِجْشَاب: الغليظ. قال أبو زُبيدٍ (1) :
37- تُوليكَ كَشحاً لطيفاً ليسَ مِجْشَابا
عن أبي عمرو: التَّضبُّب: السِّمن حين يُقبل، [والتحلًّم: إذا أقبلَ شحمه] ، وُيقال للصغير: قد تحلَّم: إذا أقبلَ شحمُه. قال أوسُ بن حجرٍ (2) :
38- لَحيْنَهم لَحْيَ العصا فطردْنَهم
إلى سَنةٍ قِرادنُها لم تحلَّم
ويروى: جرذانها لمْ تحلَّم.
الباب 9
بابُ الألوانِ واختلافِها
الأصمعيُّ: يُقالُ: رجلٌ أدْعَج، أيْ: أسود، ومثله: الدُّغمان والدُّحْمُسَان. والدُّحْسُمان أيضاً: إذا كان معه عِظَمٌ، والحِمْحِم: الأسود أيضاً، والأصحم: [بالصاد لا يجوز غيره] : سوادٌ إلى الصُّفرة، والأصبحُ قريبٌ من الأصْهب، والأصْحَرُ نحوُ الأصبح والأنثى: صحراء، [والأصهبُ: الأبيضُ يضربُ إلى الحُمرة] ، والدُّمَلِص والدُّمَالِص: الذي يبرُقُ لونُه، وبعضُ العربِ يقولُ: دُلَمِص ودُلامِص، وقال أبو عمروٍ: الأظمى: الأسود، والظَّمياء: السَّوداء الشفتين [واللَّمياءُ مثله] ، واللَِّيط: اللََّون، والنَّجْر: اللون، والأفضحُ: الأبيضُ وليسَ بشديدِ البياض، ومنه قولُ ابنِ مُقبلٍ:
39- فأضحى له جِلْبٌ بأكنافِ شُرْمَةٍ
أجَشُّ سماكيٌّ من الوَبْلِ أفضحُ
غيرُه: الأشكلُ: الذي فيه حمرةٌ وبياضٌ، والأغثرُ: فيه غبرةٌ، والأطْحلُ: لونُ الرَّماد، والنُّقْبَة: اللََّون، وقال ذو الرمة (3) :
40- ولاحَ أزهرُ مشهورٌ بنُقبته
والأربدُ نحوُه، والأَسْحمُ: الأسود، واليَحمُوم: الأسود، والأصفرُ: الأسود. قال الأعشى:
41- تلكَ خيلي منه وتلكَ رِكابي
هنَّ صُفرٌ أولادها كالزَّبيبِ
الباب 10
بابُ الأصواتِ واختلافِها(37/60)
الأصمعيُ: يُقالُ: رجلٌ نبَّاحٌ: شديدُ الصََّوت [ونبّاجُ بالجيم أيضا] : شديد الصَّوت. والفدَّاد مثلُه، والاسم منه الفَدِيد، والوَأْد والوَئيد جميعاً: الصوتُ الشَّديد، والبهيم مثلُه، والزَّأمَة مثلُه، والوَغْرُ: الصَّوت، والصَّريرُ، والصَّرْصَرةُ من الصَّوت، وليسَ بالشَّديد. عن الأصمعيِّ: والعَرَكُ، والعَرِكُ، والخِشَارمُ والخُشارمُ كَلُّها الأصوات.
أبو عبيدة: الزَّمْجَرةُ: الصَّوتُ من الجوف، والزَّمْخَرة: الزَّمَّارةُ. أبو عمروٍ: الهائعة والواعيةُ جميعاً: الصَّوتُ الشَديد، والوَعَى والوَغى والوحَى والحَرا. كلُّها الصَّوت.
أبو زيدٍ مثلَهُ. قال: هي الخواة والوَحاة والحَراةُ، والضَّوّة والعَوَّة جميعاً الصَّوت.
الأحمرُ: الوَحْفَةُ والخَوَاة مثله، وكذلك الفَدِيدُ والهَدِيدُ والكَصِيصُ، وقال أبو عمروٍ: التَّأْيِيهُ: الصَّوت، وقد أيَّهْتُ به تأييهاً، يكونُ بالنَاس
والإِبلَ، والتَّهييتُ الصوتُ بالنَّاس، وقال أبو زيدٍ (1) : هو أنْ يقولَ له: يا هياه، وأنشد:
42- قد رابني أنَّ الكَرِيَّ أسكتا
لو كان مَعْنِيّاً بنا لهيتا
وقال أبو عمروٍ: نَحَط يَنْحِط: إِذا زَفر، والقَبيبُ: الصَّوت، والعَجيجُ، والأزْمَل: الصَّوت. عن أبي عمروٍ (2) : الكَرْكَرةُ: صوتٌ يُردِّده في جوفه، والنَّحيحُ مثلُه، والرِّكْزُ: الصَّوتُ ليس بالشَديد، والنَّبْأة، والتَّرنُّم، والإِرْنَان: الصَّوت، والهُتَاف: الصَّوتُ بالدُّعاء.
الأمويُّ: الخَريرُ: صوتُ الماء، وقد خَرَّ يَخِرُّ، والرُّناء ممدود: الصَّوت، والجَمْشُ مثلُه.
غيرُه: الكَرِير مثلُ صوتِ المُختنق أو المجهود. وقال الأعشى:
43- فأهلي الفِداءُ غَداةَ النِّزال
إذا كانَ دَعوى الرِّجالِ الكَرِيرا(37/61)
والجُؤَارُ: الصَّوتُ مع استغاثةٍ وتضرُّعِ، والرِّزُّ: الصوتُ، [والأجشُّ: الجهيرُ الصوت] ، والصَّليلُ الصَّوت، والصَّريفُ مثلُه، والنَشيجُ: الصَّوتُ [الجهيرُ] . الكسائي: الصلقة: الصياح، وقد أصلقوا إصلاقاً.
الباب 11
بابُ أصواتِ كلامِ النَّاسِ وحركتِهم وغيرِ ذلك
قال أبو زيدٍ: سمعتُ جَراهيةَ القوم، وهي كلامُهم، وعلانيتَّهم دونَ سرِّهم.
الأصمعي ُّ: والهَمْشَةُ: الكلامُ والحركة، وقد هَمِشَ القومُ يَهمَشون، والظأْبُ: الكلام والجَلَبةُ. وأنشدنا لأوسِ بنِ حَجرٍ:
44- يَصوعُ عُنُوقها أحوى زنيم
له ظأبٌ كما صَخِبَ الغريم
والعُنوق: جمع عَناق، ويصوعُ: يفرّق.
وقال أبو زيدٍ: والضوَّة والعوَّةُ مثلُه، والوَقْشَة والوَقْشُ: الحركةُ، وقال الكسائيُّ: الخَشَفَةُ مثلُه، وقال أبو زيدٍ: النَّحيط والنَشيجُ واحدٌ، وقد نَحَط
يَنْحِطُ، ونَشَج يَنْشِجُ، وهما الصوت معه توجُّعٌ. الأصمعيُّ وأبو عمروٍ: التَّحوُّب مثلُه.
غيرهما: الهَمْسُ: صوتٌ خفيٌّ، والضَّوضَاة: أصواتُ النَّاس، والهَيْنَمة: الكلام الخفيُّ، والتَّغَمْغمُ: الكلامُ الذي لا يُبيَّن، والتَّجمْجُم مثلُه.
[أبو عمروٍ: والموارَعة بالرَّاء: المُناطقة، وهو قولُ حسَّانَ:
45- نشدْتُ بني النَّجارِ أفعالَ والدي
إِذا العانِ لم يُوجدْ لَهُ مَنْ يُوارِعُهْ
أي: يُناطقه] .
والهتْمَلةُ: الكلامُ الخفيُّ، وقال الكميت:
46- ولا أشهدُ الهُجْرَ والقائليه
إذا هُمْ بهَيْنَمةٍ هتملوا(37/62)
والرِّكْزُ: الصَّوتُ الخفيُّ ليس بالشَّديد، والنَبْأةُ نحوُه، والتَّرنُّم: الصَّوتُ، والإرْنَان: الصوت، والهُتاف: الصوت بالدعاء، والوئيدُ: الصوت، والنَّهيم مثلُه، وقال الأصمعيُّ: النَهِيتُ مثلُ الزَّحيرِ والطحيرِ. يُقال: نَهَتَ يَنْهِت. والصَّرِيفُ والصَّلْصَلة والبربرة والصَّدْحُ والضَحَلُ. كلُّه الصَّوت. والوَسْواس: صوتُ الحليّ، والأطِيطُ: الصوت، والأُنُوح: صوتٌ مع تنحنحٍ. يقال منه: رجلٌ أنوحٌ، بفتح الألفِ: إِذا كانَ يتنحنحُ مع بَححٍ، وقد أنحَ يأنِحُ، [والأنوح: الرَّجل الذي يأنح] والهَمْهَمةُ والتَغريدُ والهَزَج والغَرْغرةُ والتَّغَطْمُط والأزْمَل، كلُّها أصواتٌ معها بَححٌ، والوَحْوَحة نحوُه، والغَرْغَرةُ: صوتُ القِدْر أيضاً. الكسائيُّ: الصَّلْقةُ: الصِّياح والصوت، وقد أصلقوا إصلاقاً، [ويقال: صَلَقَ يَصْلِقُ: إذا صوَّت صوتاً شديداً، وأصلق: إذا بلغَ الحالَ التي تُوجب ذلك، مثلُ: هجَر الرجل: إذا قال هُجراً.
وأهجَر: إذا بلغَ الحالَ التي تُوجب الهُجْرِ، ومثلُه: أظلم: إذا وقعَ في الظُّلمة، وأضاءَ: إذا وقع في الضوء،. قال: وقال لبيد بن ربيعةَ العامريُّ:
47- فصلقنا في مرادٍ صلقة
وصُدَاءٍ ألحقَتْهم بالثَّلَلْ
وقال أبو زيدٍ (1) والكسائيُّ: نَغَمْتُ أنْغِمُ وأنْغَمُ نَغْماً، بالكسر والفتح، وهو الكلام الخفيُّ وسمعت منه نغيةً، وهي الكلامُ الحَسن. الأمويّ: الخَريرُ: الصوت.
الباب 12
بابُ الألسنة والكلام(37/63)
أبو زيدٍ: الحُذَاقيُّ: الفصيحُ اللسان البيِّنُ اللَّهجة، والفتيقُ اللِّسانِ مثله، والمِسْلاق: البليغ، والذَّليق مثلُه. غيرُه: المِسْلاق: الخطيب البليغ، والمِصْقَع مثله، والمِدْرَه: لسانُ القوم والمُتكلِّم عنهم (1) ، وقال الأصمعيُّ: الحليفُ اللِّسان: الحديدُ اللِّسان، والهًذِرُ والمُسْهَبُ [والمِسْهَك والمِهَت] جميعاً: الكثيرُ الكلام، فإذا كَثُر كلامه من خرفٍ فهو المُفْنِدُ، وقال أبو زيد: والإذراعُ: كثرةُ الكلامِ والإفراطُ فيه، وقد أذرعَ الرجل، واللََّخا: كثرةُ الكلام في الباطل. يُقال منه: رجلٌ ألْخى، وامرأةٌ لخواء. وقد لَخِيَ لَخَىً مقصور. أبو عمرو: الهَوْبُ: الرَّجلُ الكثيرُ الكلام، وجمعُه: أهواب، والمُتَبكِّلُ: المختلطُ في كلامه، وهو التَّبكُّل. الأصمعيُّ: الهِتْرُ: السَّقَطُ من الكَلام والخطأ فيه، وُيقال منه: رجلٌ مُهْتَر. قال الفرَّاء: والفَقْفَاق مثلُه، واللُّقَاعة والتِّلِقَّاعَةُ: الكثيرُ الكلام، والمُقامِقُ: الذي يتكلَّم بأقصى حلقه. يُقال: فيه مَقْمقَةٌ ولُقَّاعَاتٌ، وقال الأصمعيُّ: يُقال: في لسانِه حُكْلةٌ، أيْ: عجمةٌ. عْيرُه: رَتِجَ في منطقه رَتَجاً وارتِجَ عليه: إذا استغلقَ عليه الكلام، وأصله مأخوذٌ من الرِّتَاج، وهو البابُ. تقولُ: أرْتَجتُ البابَ: أغلقته، وقال أبو زيدٍ: لألَفُّ: العيّي، وقد لَفِفْتَ لَففاً، وقال الأصمعيُّ: هو الثَّقيلُ اللَِّسان، وقال أبو زيدٍ (2) : الفَهُّ: العييُّ الكليلُ اللِّسان. يُقال: جئتُ لحاجةٍ فأفهَّني عنها فلانٌ حتى فَهِهْتُ. أيْ: نسَّاكَها.
وقال الفرَّاء: والمنقِّحُ للكلام: الذي يُفتَشُه وُيحسنُ النَظر فيه، وقد نَقَّحت الكلام، وقال أبو زيدٍ: أهذرَ في منطقه إِهْذَاراً: إذا أكثر. غيرُه: النَّقَلُ: المُناقلةُ في المنطق. قال لبيدٌ:
48- ولقد يعلمُ صحبي كلُّهم
بِعدَانِ السَّيفِ صَبري ونَقَلْ(37/64)
يقال منه: رجل نَقِلٌ، وهو الحاضرُ المنطقِ والجواب، والهُرَاء: المنطقُ الفاسد وُيقال: الكثير، وقال ذو الرُّمةِ:
49- لها بَشرٌ مثل الحريرِ ومَنْطِقٌ
رَخيمُ الحواشي لا هُرَاءٌ ولا نَزْرُ
والخَطَل مثله، والمُفحم: الذي لا ينطق، والتَّغمغم من الكلام: الذي لا يُبيَّن. غيرُه: اللَّخْلَخاني: الذي فيه عُجمةٌ، يُقال: فيه لَخْلَخانيةٌ.
الباب 13
بابُ الأخلاقِ المحمودةِ في النَّاس
الأصمعيُّ: الدَّهْثَم من الرِّجال: السَّهلُ اللَّينُ، وقال أبو زيدٍ: الفَكِهُ: الطيِّب النَّفس الضَّحوك. الأمويُّ: الشَّفْنُ: الكَيِّس. [غيرُه: هو الذي ينظرُ بمؤْخِر عينه] 0 الأصمعيُّ: القلمَّس: الواسع الخُلق، والغِطَمُّ مثله، والخِضْرِم: الكثيرُ العطيَّة، والخِضَمُّ مثله، وكذلك كلُّ شيءٍ كثيرٍ خِضْرِمٌ. قال: وخرج العجَّاج يريدُ اليمامةَ، فاستقبلَهُ جريرُ بنُ عطيَّةَ بن الخَطَفى، فقال: أينَ تريدُ؟ قال: أريدُ اليمامَة. قال: تجدُ بها نبيذاً خِضْرِماً؟ أيْ كثيراً.
والصِّنْتِيتُ: السَّيِّدُ الشَّريف، مثلُ الصِّنْدِيد، والملاثُ مثلُه، وجمعُه: مَلاوث. قال الشَّاعرُ:
50- هلا بكيت مَلاوِثا
من آلِ عبدِ منافِ
والعارف: الصبور.
يقالُ: نزلت به مصيبةٌ فوُجِد صبوراً عارفاً.
والبعيد الهَوْء: البعيدُ الهمَّة، وقد هاءَ يَهُوءُ هَوْءاً. عن أبي عمروٍ: بعيدُ السَّأو، وبعيدِ الهَوْءِ سواءٌ، أيْ: بعيدُ الهِمَّة، وقال ذو الرُّمة:
[51- كأنَّني من هوى خَرقاءَ مُطَّرَفٌ
دامي الأظلِّ، بعيدُ السَّأوِ مَهْيومُ
وقال أبو عمروٍ: الآفِقُ مثالُ فاعل، الذي بلغَ الغاية في العلمِ وغيرهِ، من أبوابِ الخير، وقد أفقَ يَأفِقُ، والبَدْء: السَّيد] . قال الشاعر [أوسُ بن مغرَاء] :
52- ترى ثِنانا إذا ما جاءَ بدأَهم
وبدؤُهم إِنْ أتانا كانَ ثُنْيانا(37/65)
والمُعمَّم: المسوَّد الفرَّاء: رجل تِقْنٌ: حاذقٌ بالأشياء، ويُقال: الفصاحةُ من تِقْنِه، أيْ: من سُوسِه. غيرُه: الفَنَعُ: الكرمُ والعطاءُ والجُود، والفَجَرُ مثلُه، والخِيرُ: الكَرم، والغَيداقُ: الكريمُ الجوادُ الواسعُ الخُلق الغزيرُ العطية، والسَّميْدَعُ: الكريم، والجَحْجَاحُ نحوُه، والشَّمائل واحدُها: شِمال، وقد تكونُ من الأخلاق، ومن خِلْقة الجسد، والبَارع: الذي فاق أصحابَه في السؤدد، وقد بَرَع بَرَاعةً، والخَارجيُّ: الذي يخرجُ ويشرُف بنفسه من غيرِ أنْ يكونَ له قديمٌ، والأريحيُّ: الذي يرتاحُ للنَّدى، والكَوْثَر: السَّيد. قال لبيدُ بن ربيعة:
53- وصاحبُ مَلْحوبٍ فُجِعنا بيومه
وعندَ الرِّداعِ بيتُ آخرَ كَوْثرِ
[والكوثر: الخيرُ الكثير، ومنه قوله جلَّ ذِكره: {إنا أعطيناك الكوثر} ] .
والحُلاحِلُ: السَّيد، والهُمام والقَمْقَام مثلُه، والمِدْرَهُ: رأسُ القوم والمُتكلِّم عنهم. الفرَّاء: الكَوْثر: الرجل الكثيرُ العطاءِ والخير. قال الكُميتُ:
54- وأنتَ كثيرٌ يا ابنَ مَرْوانَ طيِّبٌ
وكانَ أبوكَ ابنُ العَقائِل كَوْثرا
الباب 14
بابُ الأخلاقِ المَذْمومة والبُخْلِ
أبو زيدٍ: الشَّكِسُ والشَّرِسُ جميعاً: السيِّئ الخلُق، وقد شَرِس شَرَساً، والمِسِّيك: البخيل، وفيه مَسَاكةٌ ومَسَاك. الامويُّ: الشَّحْشَح: المُواظب على الشيء، المُمسك، البخيل. أبو عمروٍ: الآنِحُ على مثال فاعلٍ: الذي إذا سُئِل الشيءَ تنحنح، وذلك من البُخل. يُقال منه: أنح يَأنِح. الكسائيُّ: رجل أبَلُّ، وامرأةٌ بلاَّء، وهو الذي لا يُدركُ ما عندَهُ من اللؤم.
أبو عبيدَة: المِشْنَاءُ على مثالِ مِفْعال: الذي يُبغضه النَّاس. الكسائيُّ: الفُرُج الذي لا يكتم السر، والفِرْج مثلُه، والفَرِج: الذي لا يزال ينكشفُ فَرْجه.(37/66)
أبو عمرو: الهَبَنْقَعُ: الذي يجلسُ على أطرافِ أصابعه يسألُ النَاس. غيره: اللَّحِزُ: الضَّيق البخيل، والعَقِصُ مثلُه، والحَصِر: المُمسك، والقَاذُورةُ: الفاحشُ السيئ الخُلُق، واليَلَنْدَد مثلُه. أبو عمروٍ: السِّبُّ: الكثيرُ السِّباب. الفرَّاء: رجل شَكِسٌ عَكِص. عن أبي عمروٍ: الزُّمَّح: اللَّئيم، والثِّرْطِئَةُ: الرَّجل الثَّقيل، والرَّديغ: الأحمقُ الضعيف. الفرَّاء: والعُنْظُوان: الفاحش من الرِّجال، والمرأةُ عُنْظُوانة، والفَلْحس: الرَّجل الحريص. ويقالُ للكلبِ: فلحسٌ، والفَلْحس أيضاً: المرأة الرَّسْحاء [والرَّصعاء] . عن أبي عمرو: امرأةٌ حِلِّزةٌ، أيْ: بخيلة، ورجلٌ حِلِّزٌ: بخيلٌ.
الباب 15
بابُ الشِّدَّةِ في القُوَّةِ والخَلْقِ
أبو عبيدةَ: الخُبَعْثِنَةُ من الرِّجال: الشَّديد، وبه شُبِّه الأسد. الأصمعيُّ: الخُبَعْثِنَةُ من الرّجال: الشَّديد الخَلْقِ العظيم. الأمويُّ: المُكْلَنْدِدُ مثلُه. الأصمعي: العَشَنْزَر والعَشَوْزَن جميعاً مثلُه، وكذلك الصُّمُل والأنثى: صُملَّة ومثلُه: العُصْلُبي، وأنشدنا:
55- قد حشَّها اللَّيلُ بعُصْلُبيِّ
مُهاجرٍ ليسَ بأعرابيِّ
والمُقْعَنْسِسُ: الشَّديد. غيرُ5: المُشَارِزُ: الشَّديدِ. الأصمعيُّ: رجُل: مُنَجذ ومنَجِّذ، بكسر الجيم وهو المُجرب والمجرب، يُقال أيضاً: وهو الذي جرب الأشياء وعرفها، والمُجرَّب: الذي قد جُرِّبَ في الأمور، وعُرِفَ ما عنده، وأنشدنا لسُحيم بن وَثِيل:
56- أخو خمسينَ مُجْتَمِعٌ أشُدِّي
ونجَّذني مُداوَرةُ الشُّؤونِ
أبو عمرو: القِذَمُّ: الشَّديد، والقِذمُّ السَّريع، يُقال: انقذمَ: إِذا أسرع.
غيرُ5: الأحمسُ والحَمِسُ: الشَديد، والتَّميمُ: الشَّديد، قال امرؤُ القيس:
57- وَصُلبٌ تميم يَبهرُ اللِّبْدَ جَوْزُه
والعَرارةُ: الشدََّةُ: وأنشد للأخطلِ:
58- إنَّ العَرارةَ والنُّبوحَ لِدَارمٍ
والمُستخِفُّ أخوهم الأثقالا(37/67)
الأصمعيُّ: الصَّمَحْمَح والدَّمَكْمَكُ: الشَّديد. الأمويًّ: العَمَرَّسُ: القويُّ الشَّديد. عن أبي عمرو: الزِّبِرُّ: الشَّديد، وأنشدنا للمرَّار الفقعسي:
59- إني إذا طَرْفُ الجَبانِ احمرَّا
وكانَ خيرُ الخَصلتينِ الشَرا
أكونُ ثَم أسدا زِبِرَّا
والعَمَلَّسُ: القويُّ على السَّفر السريع، والعَموسُ: الذي يتعسَّفُ الأشياء كالجاهل، ومنه قيل: فلانٌ يتعامسُ، أيْ: يتغافل.
الباب 16
بابُ الشَّجاعةِ وشدَّةِ البأسِ
الأصمعيُّ: النَّهيكُ من الرِّجال: الشُّجاع، وقد نَهُكَ نَهاكةً، ومن الإِبل: القويُّ الشَّديد. الفرَّاء: الذَمِرُ: الشُّجاع أيضاً، من قومٍ أذْمار. الأصمعيُّ: الغَشَمْشَم: الذي يركبُ رأسَه لا يثنيه شيءٌ عمَّا يُريدُ ويهوى، والصِّهْمِيمُ نحوُه، والمَزِيرُ: الشًديد القلب، والحميزُ مثلُه وهو الذكيُ الفؤاد، والرَّابط الجاش: الذي يربطُ نفسَه عن الفِرار، يكفُّها لِجُرْأتِه وشجاعته، والغلثُ: الشَّديد القتال، اللَّزُومُ لمَنْ طالب. أبو زيدٍ: رجلٌ ثَبْتُ الغَدَرِ: إذا كان ثَبْتاً في قتالٍ أو كلامِ. غيرُه: الباسل: الشُّجاع، وقد بَسُلَ بَسَالة، والمشَيَّع مثلُه، والحَلْبَس: َ الشُّجاع، وُيقال: اللازم للشيء لا يُفارقه، والحُلابِسُ مثله، وقال الكُميتُ يصفُ الكلابَ والثَّور:
60- فلما دنَتْ للكاذَتَينِ وأحرجتْ
به حَلْبَساً عندَ اللقاءِ حُلاِبسا
الكسائيُّ: الصِّفَةُ: الشُّجاع، وجمعُه: صِمَم. أبو عمروٍ: رجل مِخَشٌّ ومِخْشف، وهما الجريئان على اللَّيل.
الباب 17
بابُ ذَكاءِ القَلبِ وحدَّتِه
الأصمعيُّ: الشَهْم: الذَّكيُّ الفؤاد، والنَّزُّ: الذَّكيُّ كلُّه من حدَّة القلب، ومثلُه: الفؤاد الأصمَعُ، والرأْي الأصْمَع: الذَّكيُّ، والمَشْهُوم: الحديدُ الفؤاد، قال ذو الرُّمة:
61- طَاوي الحَشَا قصَّرَتْ عنه مُحرَّجةٌ
مُستوفِضٌ من بَناتِ القَفْرِ مَشْهومُ(37/68)
والرَّأيُ الأصمع: العازمُ الذكي، واللَّوْذَعيُّ: الحديدُ الفؤاد. الأمويُّ: الجَاهِضُ: الحديد النَّفس، وفيه جُهوضة وجَهاضة. غيرُه: النَّزُّ: الخفيفُ الذَّكيُّ. اليزيديُّ: المُشْبِي: الذي يُولد لَهُ ولدٌ ذكيٌّ، وقد أشبى. [الأصمعيُّ: المُتَبلْتِعُ: الذي يتظرَّف ويتكيَّس.
غيرُ5: الرَّبِذُ: السَّريع الخفيف واللَّوذعيُّ: الحديدُ الفؤاد الفصيح] . الأصمعيُّ: والعَجْرَدُ: الخفيفُ السَّريع والمُقَزَّع مثلُه. قال ذو الرُّمة:
62- مُقَزَّعٌ أطلس الأطمارِ ليسَ لَهُ
إِلا الضِّراءَ وإِلا صَيْدها نَشَبُ
والضَّرْبُ: القليلُ اللَّحم.
الباب 18
بابُ الجُبن وضَعفِ القَلب
الأصمعيُّ: الرَّجلُ المَنْفُوه هو الضعيفُ الفؤادِ الجَبان، والمَفْوود مثلُهُ، وكذلك الهَوْهاءََة ممدود، والمَنْخُوب والنَخِيبُ والمُنْتَخبُ، وكذلك المُسْتَوهِل والوَهِل، والجُبَّأُ مثال جُمَّع مهموزٌ مقصورٌ، وأنشدنا:
63- فَما أنا مِنْ رَيبِ المَنونِ بِجُبَّأ
وما أنا منْ سَيبِ الإِلهِ بِيائس
الأمويُّ: في الجُبَّأ مثلَه. قال: وكذلك النَانأ تقديره: نعنع. والكَيْء على مثالِ شيء. أبو عمروٍ (1) : الوَجْبُ: الجَبان أيضاً. أبو زيدٍ: الهِردبَّة: المُنتفِخُ الجوفِ الذي لا فُؤادَ له. الأصمعيُّ: البِرْشَاع مثلُه، والهَجْهَاجُ: النَّفُور. الكسائيُّ: المُسَبَّه: الذَّا هب العقل، والوَرَعُ: الجَبان، وقد وَرُعَ ورُوعاً. أبو عمروٍ: العُوَّار: الجبَان. الأصمعي: رجال سُخَّل. ضُعفاء. [وتقدير الواحد ساخل] . يُقالُ: سخَّلت النخلة: ضعفَ نواها وتمرها. [غيره: الهَيْدَب والعبامِ: العيي الثقيل] . غيرَه: والكَهْكَاهةُ المُتهيِّبُ. قال أبو العِيال الهُذليًّ:
64- ولا كَهْكَاهةٌ بَرَم
إذا ما اشتدَّتِ الحِقَبُ(37/69)
عن أبي عمرو: الكِفْل: الذي لا يثبتُ على الخيل والواحد: كِفْل، والجمعُ: أكفال، والزُّمَّحُ: الضعيفُ، والعَنيفُ: الذي ليس له رفقٌ بركوبها، والهَيَّبانُ: الجبَانُ الهَيُوب، والجِبْسُ: الجَبانُ الضعيفُ، والفِيلُ: الضعيفُ الرَّأي، وجمعه: أفيال، والزُّمَّل والزُّمَّال والزًّمَيْلَة: الضعيف، والضُّغْبُوس، الضَّعيفُ، والضَّغابيسُ: شِبهُ صغارِ القِثَّاء يُؤكل، شُبِّه الرَّجل الضعيف بها.
وجاء في الحديثِ: [أُهدِيَ لرسول الله صلّى الله عليه وسلَّم ضَغابيس] .
والخَائم: الجبَان، وقد خَام يخيمُ، والمِعْزَال: الضعيفُ، المِنْجَابُ: الضعيفُ، وجمعُه: مَناجِيب. قال عروةُ بن مرَّةَ الهُذَليُّ:
65- بَعثْتُه في سوادِ اللَّيلِ يرقُبني
إذ آثَرَ النَّومَ والدِّفءَ المنَاجِيبُ
والرِّعْدِيدُ: الجَبان. الفرَّاء: رجل غُمْرٌ وغَمَرٌ على فَعَل، من قومٍ أغمار، وهم الضعفاء الذين لا تجربةَ لهم بالحرب ولا بالأُمور، كقولهم: البُخْل والبَخَل. أبو زيدٍ: الوابطُ: الضعيف. وقد وَبَطَ يَبِطُ وَبْطاً وَوُبُوطاً، وَوَبِطَ يَوْبَط وَبَطاً، وهم الضعفاء.
الباب 19
بابُ ضَعْفِ العَقلِ والرَّأيِ الأحمق
الأصمعيُّ: الهِلْبَاجةُ: الأحمقُ المَائقُ، والمَسْلُوس: الذاهبُ العقل. أبو زيدٍ: والمَأفوك والمأفونُ جميعاً: الذي لا زَوْرَ له ولا صَيُّور، أيْ: رأيٌ يُرجع إليه. الأصمعيُّ: الوَغْب: الضعيف، ومثلُه: الوَغْد، وأنشدنا:
66- ولا ببِرشَاعِ الوخامِ وَغْبِ
والبِرشَاعُ: الأهوجُ المُنتفخ.
قال: والغُسُّ: الضعيفُ اللئيم. أبوزيدٍ (1) مثلَه وأنشدنا لزهير بنِ مسعودٍ:
67- فلم أرقِهِ إِنْ ينجُ منها، وإِنْ يمتْ
فطعنة لا غسٍّ ولا بمُغَمِّرِ
وقال: الألْفَتُ في كلامِ قيسٍ: الأحمقُ، والألْفَتُ في كلام تميمٍ: الأعسر.(37/70)
وقال الأمويُّ: الأعْفك: الأحمق، والرطيءُ [على فَعيلٍ] مثلُه، [وقد استرطأتُ فلاناً، أيْ: استحمقْتُه] . الفرَّاء: العَباماءُ: الأحمق، والهَوْهَاءَة (1) ، والبَاحِر، والهِجْرَع، والقِصْل، والمِجْع كلُّه مثلُه، والمرأةُ: قِصْلَة ومِجْعَه، ومثلُه: الفَدْم والهِلْبَوث، والعَفَنْجَجُ والفَدِر، فإنْ كانَ مع هذا كثيرَ اللَّحم ثقيلاً، قيل: ضِفَنٌّ مِلْدَمٌ خجَأة ضَفَنْدَد ضوْكَعة، وَأنٌ، ساكنُ الهمزة، والجَخَابَةُ (2) واليَهْفُوف: الأحمق، والدِّفْنَاس نحوهُ. الأحمرُ: الهَفَات اللَّفَاتُ: الأحمق. عن الأصمعيِّ: الهِبِلُّ: الثَّقيل، والألفُّ: العييّ، والهَبِيتُ: الذَّاهبُ العقلِ. قال طَرَفة بنُ العبدِ:
68- فالهَبِيتُ لا فؤادَ له
والثَّبِيتُ ثَبْتُه فَهَمُه
غيرُه: الهَيْدَبُ والعَبَام: العييّ الثقيل. الفرَّاء: رجل فَقَاقَه (3) أحمق، ورجل فَقْفَاق: مُخلِّط.
الباب 20
بابُ الضعيفِ البَدن
الأصمعي: الهَدُّ (4) من الرجال: الضعيف. الأمويُّ: الطَّفَنْشَأ مهموزٌ مقصور والزِّنْجِيل مثلُه. قال أبو عبيدٍ: قال الأمويُّ: الزَنجيل بالنُون، فسألْتُ عنها الفرَّاء فقال: الزِّئجيل بالياء مهموز، وهو عندي على ما قال الفرَّاء (5) بالياء. قال: وكذلك: الزُّؤاجِل. الأحمرُ: الصَّديغُ: الضعيف. يُقال: ما يَصدَغ نملةً من ضَعفِه، أيْ: ما يقتُل. الأصمعيُّ: الضَّريكُ: الضرير، [والزُّميل: الضعيف] . غيره: المِنْخَابُ الضعيفُ، وجمعُه مناخيب. قال عروةُ بنُ مرةَ أخو أبي خِراش:
69- إِذْ آثَرَ النَّومَ والدِّفءَ المنَاخِيبُ
الباب 21
بابُ المجنون
الكسائيُّ: رجلٌ مَلْمُوم ومَمْسُوسٌ: به لَمَمٌ ومَسٌّ، وهو من الجنون. الأحمرُ: رجُل مَأْلُوق، ومُئوْلَق مثال مُعَوْلق من الأولق، والعَلِةُ: الذي يتردَّد مُتحيِّراً، والمُتبلِّدُ مثلُه. قال لبيدُ بنُ ربيعةَ:
70- عَلِهَتْ تبلَّدُ في نِهاءِ صوائق(37/71)
سبعاً تُؤاماً كَامِلاً أيامُها
والأفْكَلُ: الرِّعْدَةُ، والطَّيفُ: الجنون. قال أبو العيال الهذَليُّ:
71- فإذا بها وأبيكَ طيفُ جُنونِ
الباب 22
بابُ الشَّرهِ وَدُخولِ الإنسانِ فيما لا يَعْنيه
أبو عبيدةَ: رجلٌ مِعَنٌّ مِتْيَحٌ: وهو الذي يعرضُ في كل شيء، ويدخلُ فيما لا يعنيه. قال: وهو تفسير قولهم بالفارسية: اندرَوبَست، واللَّعْمَظ: الشَّهوانُ الحريص، من قومٍ لَعَامظة. أبو زيدٍ: هو اللَّعْمَظ واللُّعْمُوظ، يُقالُ: رجل لُعْموظ، وامرأة لُعْمُوظَة، وجمعه: لعَامِظَة. الفرَّاء: هو اللَّعْمَظ أيضاً. الفرَّاء: رجلٌ لَعْوٌ ولَعَاً منقوصٌ مثلُ اللَّعمظ، وهو الشَّرِهُ الحريص.
الأموي: الأرْشَم الذي يَتشمَّمُ الطعام ويحرصُ عليه، وأنشدنا لجريرَِ بن الخَطَفى:
72- لَقىً حملَتْهُ أمُّه وهي ضَيفةٌ
فجاءَتْ بِيَتْنٍ للضِّيافةِ أرشما
الباب 23
بابُ الشِّرِّير المُسارعِ إلى ما لا ينبغي
الأصمعيُّ: العِفْرِيَةُ النِّفْرِيَةُ: الرَّجلُ الخبيثُ المُنكر، ومثلُه: العِفْر، والمرأةُ: عِفْرَة، والماسُ لا يهمز، مثالُ مال: الذي لا يلتفتُ إلى موعظةِ أحدٍ، ولا يقبلُ قولَه. يُقال: رجلٌ ماس، خفيفٌ، على مثالِ: مال، وما أمساه! [وما أموسه، لأنك تقول: ما أمْوَله] . قال الأصمعي: ويُقال: فلانٌ لا يَقْرَع، أيْ: لا يرتدع، فإذا كان يرتدع قيل: رجل قرِع. أبو عمرو: المُتَترِّعُ: الشِّرِير. يُقال: تَترَّع فلانٌ إلينا بالشر. الكسائي: هو تَرِع عَتِل، وقد تَرِعَ تَرَعاً، وعَتِلَ عَتَلاً، إذا كان سريعاً إلى الشَرِّ. الأمويُّ: رجلٌ خِنذِيان: كثيرُ الشَّر. أبو زيدٍ: العِتْرِيفُ: الخبيثُ الفاجر الذي لا يبالي ما صنع، وجمعُه: عتَارِيف. الأصمعيُّ: الدَّحِلُ والدَّحِن: الخبُّ الخبيث. الأمويُّ: الدَّحِلُ: الخدَّاع للناس. الفرَّاء: وإذا كان الرجل صريعاً خبيثاً قيل: هو عِرْنَة لا يُطاق.(37/72)
قال أبو زيدٍ: رجل نِئْطل (1) وعُضْلَة، وهو الدَّاهي من الرجال.
الأصمعيُّ: المُغَذْمِر الذي يركبُ الأمور، فيأخذ من هذا، ويعطي هذا، ويدعُ لذا من حقه، ويكونُ هذا في الكلام أيضاً إذا كان يُخلِّط في كلامه، يُقال: إنَّه لذو غذامير. غيرُه: السَّرِفُ: الجاهل. قال طَرفةً بنُ العبدِ:
73- إنَّ امرأً سرِفَ الفؤاد يرى
عَسلاً بماءِ سَحابةٍ شتمي
والسّادر: الذي لا يهتمُّ لشيءٍ، ولا يبالي ما صنع. الأصمعيُّ: المُتَزبِّع: الذي يُؤذي النَّاس ويشارُّهم.
الباب 24
بابُ الخَسيسِ الحقيرِ من الرِّجالِ والدَّعيِّ
الأصمعيُّ: القَمَلِيُّ من الرِّجال: الحقير الصغير الشأن الفرَّاء: الضُّؤزَة (2) من الرجال مثلُه.
الأصمعيُّ: السِّفْسِيرُ: الفَيْجُ (3) والتَّابع، ونحوُه، والعُضْرُوط والعَضاريط مثلُ ذلك.
أبو عمروٍ: المُخَسَّلُ: المرذُول، والحَبْحَابُ: الصغير، والفزَلَّجُ: المُلصَق بالقوم.
الكسائيُّ: رجلٌ رَاثِع: الذي يرضى من العطية بالطفيف، وُيخادن أخدان السوء. يُقال منه: رَثِعَ رثَعاً. غيرُه: المُسْنَد: الدَّعيّ، وقال أبو عمرو: الأزْيَب مثلُه. قال الأعشى:
74- وما كنت قُلاًّ قبلَ ذلك أزيبا
والزَّنيم مثلُه (4) ، والأكْشم: الناقص في جسمه، وقد يكون في الحسَب. قال حسَّانُ بنُ ثابتٍ:
75-[غلامٌ أتاه اللؤمُ من نحو خاله]
له جانب وَافٍ وآخرُ أكْشَمُ
الباب 25
بابُ خُشَارةِ النَّاس وسَفَلتهم
الأصمعيُّ: خَمَّان النَّاس: خُشَارتهم، والغَثْراء من النَاس: الغَوْغَاء. أبو زيدٍ: هم الكثير المختلطون. قال: والرِّثة بالكسر هم الخُشارة والضُّعفاء من النَاس (5) ، وكذلك هو من المتاعِ الرديءُ، [غيره: الرثة بالفتح] . والرَّجَاجُ: الضعفاء من النَاس والإبل (6) ، وأنشدنا:
76- أقبلْنَ منْ نِيرٍ ومن سُواجِ
بالقَومِ قد مَلُّوا من الإدْلاجِ
فهم رَجاج على رَجاج (7)(37/73)
أبو زيدٍ: الحَطيءُ من النَاس على مثالِ فعيلٍ: هم الرُّذال.
الأصمعيُّ: يُقال: بنو فلانٍ هَدَرَةٌ، أيْ: ساقطون ليسوا بشيءٍ. أبو عمروٍ: المَخْسُول والمَفْسُول مثلُ المرذول، والوَشِيظ: الخسيس.
الباب 26
بابُ الدَّاهي من الرِّجال
الفرَّاء: يُقال للرَّجل: إنَّه لَسِبْد أسْبَاد: إذا كان دَاهياً في اللُّصوصية. غيرُه: الطَّاط: الشَّديد الخصومة. الفرَّاء: رجلٌ ذِمْرٌ وذَمِر وذَمير وذِمِرٌّ، وهو المنكر الشَّديد، وأنشد:
76- فيهنَّ حمراءُ إذا أضرَّا
تُجشِّمهُنَ عنَقاً ذمرَّا
الأحمر: العِضَّ: الدَّاهي المُنكر من الرِّجال. قال القُطاميّ:
77- أحاديثَ من عادٍ وجُرهمَ جمَّةً
يُنوِّرها العِضَّان زيدٌ ودَغْفَل
يريد: زيد بن الكيّس النَّسَّابة، وُيروى: [يثوّرها] .
أبو عمروٍ: المُجَرَّذ والمُجرَّس والمُضَرَّس والمُقَتَّل بالتَّشديد كلُّه الذي قد جرَّب الأمور. وقال الأصمعيًّ: المُنجَّذ مثلُ المجرَّذ.
الباب 27
بابُ نعوتِ ألوانِ مَشْيِ النَّاسِ واختلافها(37/74)
الأصمعيُّ: الذَّأَََلان من المشي: الخفيف، ومنه سمَِّي الذَئبُ ذُؤَالة، وُيقال منه: ذَألتُ أذأل، والدألان بالدَّال: مشيُ الذي كأنَّه يبغي في مشيته من النَّشاط. يُقال: دَألْتُ أدأل، والنَّألان: الذي كأنّه ينهض برأسه إذا مشى يُحركه إلى فوق، مثلُ الذي يعدو وعليه حِمْلٌ ينهض به، والإحْصَافُ: أنْ يعدوَ الرَّجل عَدْواً فيه تقاربٌ، أخْذُه من المُحْصَفِ، والإِحْصَاب: أنْ يُثير الحصى في عَدْوه، والكَرْدحة والكَمْتَرة كلتاهما من عَدْوِ القصير المُتقارب الخُطا المجتهد في عَدْوِه (1) ، والهَوْذَلَة: أنْ يضطربَ في عَدْوه، ومنه قيل للسِّقاء إِذا لمخَّض: هو يَهوذِل هَوْذَلةً، والتَّرَهْوُك [مثال تفعلل] : الذي كأنه يموج في مشيته، وقد تَرَهْوَك، والأوْن: الرُّويد من المشي والسير. يُقال: أُنْتُ، أَؤُونُ أوناً على مثال: قُلْتُ أقول قولاً. الأُمويُّ: الضَّكْضَكة: سُرعة المشي.
أبو عمرو: الدَّلْح: مَشْي الرجل بِحِمْلِه وقد أثقلَه. يقال: دَلَح يَدْلَح دَلْحاً و [دُلوحاً] ، والقَطْوُ: تقاربُ الخَطْو من النَشاط. يُقال: قَطَا يَقْطُو، وهو رجلٌ قَطَوَان (2) ، والإرْزَاف: الإسراع. يقال: أرْزَف الرجل إِرْزَافاً، والقَبْضُ مثلُه. يُقال منه: رجلٌ قَبيض بيِّن القَباضَة.
الفرَّاء: البَحْظَلَة: أنْ يقفزَ الرَّجل قفزانَ اليربوعِ والفأرةِ. يُقال: بَحْظَل
يُبَحْظِلُ بَحْظَلَةً. والأتَلان بالتَّاءِ: أنْ يُقارب خَطْوه في غضبٍ، يُقال: قد أتَلَ يَأتِلُ (3) ، ومثلُه: أتَنَ يَأتِنُ، وأنشدنا:
78- أُراني لا آتيكَ إِلا كأنَّما
أَسأتُ وإلا أنتَ غضبانُ تأتِلُ
والقَدَيَان والذَّميَان: الإِسراع. يُقال: قَدَى يَقْدِي، وذَمى يَذْمِي.(37/75)
أبو زيد: الضَّيَطان والحَيَكَان: أنْ يُحرِّك منكبيه وجسده حينَ يمشي مع كثرةِ لحمٍ، والضَّفْرُ والافُور والأفْرُ: العَدْوُ. يقال: ضَفَر يَضْفِر، وأفَرَ يَأفِرُ. الأصمعيُّ: الحَتْكُ [والحَتَكُ] : أنْ يُقارب الخَطْو، وُيسرعَ رفعَ الرِّجْل ووضعها، والزَّوْزَاةُ: أن ينصِب ظهره ويسرعَ وُيقارب الخَطْو. يُقال: زَوْزى يُزَوْزِي [زَوْزَاة] [والتَّفَيُّدُ: التَّبختر، يُقال: تفيَّد، وهو رجل فَيّاد، (1) ، والحُصَاص: حِدَّة العَدْو، يُقال: مرَّ بنا وله حُصَاص. الفرَّاء: امْتَلّ يعدو، وأجلَى يعدو، وأضرَّ وانكَدَر وعَبَّد. كلُّ هذا: إذا أسرعَ بعضَ الإِسراع. [غيره: وأصرَّ أيضاً] . غيرُه: انكدر وانْصَلَتَ وَانْسَدَر مثلُه. الكسائي: كَمِىءَ يَكْمَأُ كَمَأً: إذا حَفي وعليه نعل.
الأحمرُ: الوَقِع الذي يشتكي رجله من الحجارة. وغيرُه: النَجَاشَة: سُرعة المشي. يُقال: مرَّ يَنْجُش نَجْشاً، [قال أبو عبيدٍ: لا أعرف النِّجاشة في المشي] والالتباطُ في العَدْو: السُّرعة، والضَّبْر: عَدْوٌ مع وثبٍ.
الباب 28
بابٌ آخرُ من مَشْي الرِّجال
أبو زيدٍ: اذْلَوْلَيت اذْلِيلاءاً، وتَذَعْلَبْتُ تَذَعْلُباً، وهما انطلاقٌ في استخفاء.
الأصمعيُّ: التَّفَيُّدُ: التَّبختر. يُقال: تفيَّدَ. وهو رجلٌ فيَّاد، والتَّبَهْنُس: التَّبختر أيضاً. غيرُه: التَّهادي: المشي الضعيف. قال الأعشى:
79- إذا ما تأتَّى تريدُ القيامَ
تَهادى كما قد رأيتَ البهيرا
والكَتْفُ: المشي الرُّويد، قال لبيد:
80- قريحُ سلاحٍ يكتفُ المشي فَاترُ
وقولُه: مشَتْ فكَتَفَتْ، أي: حرَّكت كتفيها، والهَمِيمُ: الدَّبيبُ، والهَدْجُ: المَشْي الرُّويد، وقد هَدَج يَهْدِجُ، وقد يكونُ سرعةً في المشي مع ضعف، والرَّسْفُ والمُطَابقة: المشيُ في القيد، والذَلِيف: الرُّويد.(37/76)
عن أبي عمروٍ (1) : عَشَزَ الرَّجل يَعْشِزُ عَشْزاً وَعَشَزاناً وهو مِشيةُ المقطوع الرِّجل، وقَزَل يَقْزِل مثلُه، وهو الأقْزل (2) ، والقَزَل: أسوأُ العرَج، والكَلَطة واللَّبَطة: عَدْوُ الأقزل، وُيقال: هو المُقعَد. غيرُه: والدَّهْمَجَة: مشيُ الكبير كأنَّه في قيدٍ (3) .
والخَنْدَفَة والنَّعْثَلَة: أنْ يمشي مُفاجَّاً ويقلب قدميه، كأنَّه يغرِفُ بهما، وهو من التَبختر أيضاً، وُيقال: قد بدَحَتِ المرأة وتَبدَّحَت، وهو حُسْنُ مِشيتها، [أبو عمرو] : أزَحَ يَأزِحُ أُزُوحاً: إذا تخلَّف، والقَمَيْثَل: القبيح المِشية، والعَميْثَل: الذي يُطيل ثيابه.
الباب 29
بابُ مَشْيِ الرََّجل حتى يذهبَ في الأرض
الكسائيُّ: مَطَر الرَّجل في الأرض مُطُوراً، وقَطَر قُطُوراً، وعَرَق عُرُوقاً. كلُّ هذا إذا ذهبَ في الأرض. الأصمعيُّ: خَشَفَ يَخْشِفُ خُشُوفاً: إذا ذهبَ في الأرض. أبو عمرو مثلَه، وقال: يَخْشُف، والحَصْحَصَة: الذَهاب في الأرضِ. أبوِ زيدٍ: قَبَعَ في الأرض يَقْبَعُ قُبوعاً، وقَبَنَ يَقْبِن قُبوناً مثلُه. الأمويُّ: نَسَغ في الأرض، وحَدَسَ يَحْدِس، وعَدَسَ يَعْدِسُ مثلُه. الفرَّاء: مصَعَ في الأرض وامْتَصع مثلُه. قال: ومنه قيل: مَصَعَ لبنُ النَّاقة: إذا ذهَب. غيرُ هم: أفاجَ الرَّجل في الأرض إِفَاجةً: إذا ذهب.
الأصمعيُّ: كَشَحَ القومُ عن الماءِ: إذا ذهبوا عنه. الأمويُّ: اربَسَّ الرَّجل ارْبِسَاساً: ذهَب. أبو عمرو: أصْعَدَ فِي البلاد حيثما توجَّه. أبو زيدٍ مثلَه (4) ، أو نحوه. أبو عمرو: زَأزَأتُ فأنا مُزَئْزِءٌ، أيْ: عدوت.
الباب 30
بابُ السُّرعةِ والخفَّة في المَشْي وغيره
الأمويُّ: الوَشْوَاش من الرِّجال: الخفيف. الأصمعيُّ: الخَشُوفُ: السَّريع، واللَّعْوَس: الخفيفُ في الأكلِ وغيرِه، ومنه قيل للذئب: لَعْوَس، والسَّمْسَام والسُّمْسُمانيُّ: الخفيفُ السريع.(37/77)
أبو عمروٍ: القَبِيضُ: السريع، والمُصْمَعِدُّ: الذَّاهب. غيرُه: الحَشْرُ: الخفيفُ الصغير، والصَّدَى: اللطيف الجسد، والخَاسِفُ: المهزول، والزَّوْل (1) ؛ الخفي الظريف، وجمعه: أَزْوَال والمرأة: زَوْلة، والألمعي: الخفيف الظريف. قال أوسُ بنُ حَجرٍ:
81- الألمعيُّ الذي يظنُّ لكَ الظـ
ـنَّ كأن قد رأَى وقد سمعَا
الفرَّاء: رجلٌ زَرِير، أي: خفيف. عن الكسائيِّ: الكَفِيت والكَفْت، والكَمِيش والكَمْش كلُّه السَّريع.
الباب 31
بابُ الجَمالِ والقُبْحِ
قال أبو عبيد: القسامُ: الحُسن، والتَّطهِيم: الجمال، والوَسَامة والمِيْسَم: الحُسن، والوَضَاءَةُ مثلُه، والشَّعْشَاع: الحَسَن، ويقال للطويل (2) ، والفَدْغَم مثلُه مع عِظَم. قال ذو الرُّمة:
82- إلى كلِّ مَشْبوحِ الذراعين تُتَّقى
به الحربُ شَعشاعٍ وأبيضَ فَدْغَمِ
والأسْجَح: الحَسن المُعتدل، والمُخْتَلَقُ: التَّامُّ الخَلْق والجمال، ويُقال: عليه عُقبة (3) السَّرو والجمال: إذا كان عليه أثرُ ذلك، والشَتِيم: القبيحُ الوجه.
الباب 32
بابُ قِسمةِ الرِّزقِ بينَ النَّاسِ
أبو زيد: يقالُ: رجلٌ حَظِيظٌ جَديد: إذا كان ذا حظٍّ من الرِّزق. أبو عمروٍ: رجلٌ محظوظ ومجدود، وقال: يقال: فلانٌ أحظُّ من فُلانٍ وأجدُّ منه.
الفرَّاء: أحْظَيت فلاناً على فلان، من الحُظوة والتمضيل. أبو زيدٍ: حَظِظْتُ في الأمر أحظُّ حَظَّاً، وجمعُ الحَظّ: أحُظٌّ وحظُوظ وحظَاء، وليس هو على القياس.
الباب 33
بابُ الرَّجل الحَاذقِ بالشَّيءِ والرَّديءِ بالبَيعِ
الفرَّاء: إنَّه لَقِرْثَعةُ (4) مالٍ: إذا كان يَصلُح المال على يديه، وُيحسِنُ رِعْيتَه، وهي مثلُ قولهم: تِرْعِيَّةُ مالٍ.(37/78)
أبو عمرو: إنَّه لصَدى إبل، أي: عالم بها وبمصلحتها. غيرُه: الطَّبِنُ والطَّابِنُ: الحاذقُ الفَطِن. [غيرُه: النَّابل: الحاذق] (1) 0 الفرَّاء: رجلٌ ذو كَسَرَاتٍ وهزَرَاتٍ، وإنَّه لَمِهْزَر، وهذا كلُّه الذي يُغبَن في كلِّ شيءٍ، وأنشدنا:
83- إِنْ لا تَدع هَزَراتٍ لسْتَ تاركَها
تُخْلَعْ ثيابُك لا ضأنٌ ولا إبل
الباب 34
بابُ أسماءِ الجماعاتِ من النَّاسِ
أبو زيدٍ أو غيره: النَّفَرُ والرَّهْطُ: مادونَ العشرة من الرِّجال، والعُصْبَة: من العشرةِ إلى الأربعين، وقال أبو زيدٍ: والعِدْفَة: ما بينَ عشرة رجالٍ إلى الخمسين، وجمعُها: عِدَف، والزِّمْزِمَة من النَّاس: الخمسون ونحوها، والقَبِيلُ: الجماعةُ يكونون من الثلاثةِ فصاعداً من قَومٍ شتىَّ، وجمعُه: قُبُل، والقَبِيلةُ: بنو أبٍ واحدٍ.
الأصمعيُّ: الزِّمْزِمَة والصمْصِمَة: الجماعةُ من النَّاس، ومثلُها: الصُّبَّة، والثُّبَة، والهَيْضَلة، والأزْفَلَة، والزَرَافَة. أبو عمروٍ: العَمَاعِم: الجماعاتُ، واحدُها: عَمٌّ، والأكَارِيس: الأصْرام، واحدُ ها: كِرْس، وأكرَاس وأكاريس.
الكسائيُّ: الجَفَّة والضَّفَة والقِمَّة: جماعةُ القوم كلُّها. أبو زيد: في الجَفَّة مثلَه. قال: وكذلك الغَيْثَرة والأفُرَّةُ: المختلطون، والرِّكْسُ: الكثيرُ من النَّاس.
الأصمعيُّ: القَيْرَوان: الكثرةُ من النَّاس (2) ، ومعظَم الأمر. غيرُه: الكبَّة: جماعةُ النَّاس وقال أبو زُبيدٍ:
84- وعاثَ في كُبَّةِ الوَعْواعِ والعيرِ
يعني: الأسد، والوَعْوَاع: الصوت. [أبو عبيدٍ: القيروان: الموكب الضخم.] (3) .
[والقِبْص: الجماعة الكثيرة] والزُجْلَة: الجماعة، والحَزِيقُ مثلُه، والنَّبُوح: الجماعة الكثيرة. قال الأخطل:
85- إنَّ العرارةَ والنُّبوحَ لدارمٍ
والمُستخف أخوهم الأثقالا(37/79)
والجِبِلُّ: النَّاس الكثير، والجُبُلُّ الجبْل، والعُبْر مثلُه، والعَدِيُّ: جماعةُ القوم، بلغةِ هُذيلٍ. قال مالكُ بنُ خالدٍ الخُناعي من بني خُناعةَ:
86- لما رأيتُ عدِيَّ القومِ يسلبُهم
طَلْحُ الشَواجنِ والطَّرفاءُ والسَّلَمُ
يعني: أنَّه يتعلَّق بثيابهم [والغَزيّ: الغُزاة] .
[عن أبي عمرو (1) : القَنِيف والقَنِيبُ جميعاً: جماعاتُ النَّاس،
والقنيف: السَّحاب ذو الماء الكثير] ، والثُّبَة: الجماعة، وجمعُها: ثبات وثُبُون، والكَراكِر: الجماعاتُ.
[قال الفضل بن عباس اللهبي في الكراكر:
وأفأنا السبي من كل حيٍّ وأقمنا كراكراً وكروشا] (2)
أبو عمرو: الجُفُّ: الكثيرُ من النَّاس، وهو قولُ النَّابغةِ:
87- في جُفِّ تَغلبَ واردي الأمرارِ
ورواها أبو عبيدة: أفي جُفِّ ثَعلَبِ،. أراد: ثعلبةَ بنَ سعد.
والجُفُّ في غيرِ هذا: شيء يُنقر من جذوعِ النَّخل (3) ، والزُّمْرَة: الجماعة،، والخَشْخَاش: الكثير. قال الكُميت
88- في حَومةِ الفَيلقِ الجَأواءِإذْنزلَتْ قَيسٌ وهَيضلُها الخَشْخَاشُ إذ نزلوا
[هيضلها خفضٌ ورفعٌ جميعا] (4)
الباب 35
بابُ الفِرَقِ المختلفةِ من النَّاسِ ومَنْ يَطرأ عليك
أبو عمروٍ: الأكارِيسُ: الأصْرام من النَاس، واحدُها: كِرْس. أبو ز يدٍ: الشَّكَائِك: الفِرَق، واحدتُها: شَكِيكَة. الأصمعيُّ: الصَّتِيتُ: الفِرْقَةُ. يُقال: تركت بني فلانٍ صَتيتينِ، أيْ: فِرقتين. أبو زيدٍ مثلَهُ. الأصمعيُّ (5) : يُقال: بها أوْزَاعٌ من النَّاس، وأوْبَاش من النَاس، وَأوْشَاب من الناس. وهم الضُّروب المُتَفرِّقون، والجُمَّاع مثلُه. قال أبو قيس بنُ الأسلتِ الأنصاريِّ السُّلمي:
[89- ثم تجلَّت ولنا غاية]
من بَينِ جمع غير جُمّاع
والأشَايبُ: الأخْلاط، والواحد: أُشَابَة، [وهم الطَّارئة من النَّاس. قال النَّابغةُ (6) :
90- وَثقْت له بالنَّصرِ إذ قيلَ قد غزَتْ
قبائلُ من غسَّانَ غيرُ أشايب] (7)(37/80)
الباب 36
بابُ غُمَارِ النَّاس ودَهْمائِهم
الكسائيُّ: دخلتُ في غُمَارِ النَاس، وغَمَارِ النَّاس، وخُمَار النَّاس وخَمار الناس، وغَمْرَة النَّاس، وخَمَر الناس، أيْ: في جماعتهم وكثرتهم، [وفي دهماء النَّاس أيضاً مثله] (1) 0 الأصمعيُّ: دخلت في ضفَّة النَّاس مثله.
الأحمرُ: دخلنا في البَغْثَاء والبَرْشَاء، يعني: جماعة الناس.
الباب 37
بابُ جماعةِ أهلِ بَيتِ الرَّجلِ وقبيلته
أبو زيدٍ: يُقال: جاءَ فلانٌ في أُرْبيةٍ من قومِه، يعني: في أهلِ بيته وبني عمّه، وإلا تكونُ الأرْبيَّة مِنْ غيرِهم، والسَّامَّة: الخاصَّة.
قال ابنُ الكلبي (2) عن أبيه: الشَعْب أكثرُ من القبيلة، ثُمَّ القَبيلةُ، ثُمَّ العَمارة، ثُمَّ البطن، ثمَّ الفخذ.
غيرُه: أُسْرَة الرَّجل: رَهْطُه الأدْنَون، وفَصيلَتُه نحوُ ذلك، وكذلك عِتْرَتُه، والحيُّ يُقال في ذلك كلِّه، والعَشِيرةُ تكونُ للقبيلةِ ولمَنْ أقربُ إليه من العشيرة، ولمَنْ دونهم.
الباب 38
بابُ الجَماعةِ الطَّارئةِ من النَّاسِ
والنَّازلةِ على غيرِهم والعُرَفاء
قال أبو زيدٍ: يُقال: أتتنا قَادِيةٌ من النَّاس، وهم أوَّل مَنْ يطرأُ عليك، وقد قَدَتْ تَقْدِي قَدْياً، وأتتنا طُحْمَةٌ من النَّاس، وطَحْمَة، وهم أكثرُ من القادية، وكذلك: طَحمةُ السَّيل وطُحمته مثلُه. عن أبي عمرو (3) : أتتنا قَاذيةٌ من النَّاس بالذَّال (4) ، وهم القليلُ، وجمعُها: قواذٍ.
قال أبو عبيدٍ: والمحفوظ عندنا بالدَّال [غير معجمة] . أبو عمروٍ: الوَضِيمَةُ: القومُ ينزلون على القوم وهم قليلٌ، فَيُحسنون إليهم ويكرمونهم. أبو زيد: يُقال: عَرَفَ فلانٌ على قومِه يَعْرُف عليهم عِرافةً، من العريف، ونَقَبَ يَنْقُبُ نِقَابةً، من النَّقيب، ونَكَبَ عليهم يَنْكُب نِكَابَةً، وهو المَنْكِبُ. الفرَّاء: المَنْكِبُ: عَوْنُ العريف.
الباب 39
بابُ القَوم لا يُجيبون السُّلطان
من عزّهَم وخاصةً الملك(37/81)
أبو عمروٍ: القوم اللَّقاح: الذين لا يُعطون السُّلطان طاعةً، والدَّكَلَة: الذين لا يُجيبون السلطان [من عزّهم. يُقال: هم يتدكَّلُون على السلطان] (1) ، وقال: زَافِرةُ القوم: أنصارهم.
الأصمعيُّ: النَّضَد: هم الأعمامُ والأخوال، الكسائيُّ: القَرابينُ: جلساءُ الملكِ وخاصَّتُه، واحدُهم: قَرْبان، ومثلُه: أحبَاء المَلك، والواحدُ: حَبَأٌ (2) مهموزٌ ومقصور.
والخُلَّة: الصَّداقة. الأصمعيُّ: يُقال للقوم: إذا كثروا وعَزُّوا: هم رأسٌ. وهو قول عمرو بن كُلثومِ (3) :
91- برأسٍ من بني جُشَمِ بنَِ بكرٍ
ندق به السُّهولةَ والحُزونا
الباب 40
بابُ القَومِ يجتمعون على الرَّجل
الأمويُّ: يُقال: هم يَحْفِشُون عليك، ويَحْلِبُون، أيْ: يجتمعون عليك. غيرُه: يُحْلِبُون وُيجْلِبُون. أبو عمروٍ: تألَّبوا عليك: تجمَّعوا عليك، وهو قولُ خُبيبِ بن عديّ (4) :
92- لقد جمَّع الأحزاب حولي وألَّبوا
قبائلَهم واستجمعوا كلَّ مَجْمعِ
أي: جمَّعوهم.
الفرَّاء: حشَكَ القوم، وتَحْتَرَشُوا، [واحترشوا] ، أيْ: حشدوا.
الباب 41
بابُ الشَّبابِ من النَّاس
أبو عمروٍ: الغَرَانِقةُ: الرِّجال الشَّباب. قال: وُيقال للشَّاب نفسِه: الغُرَانِق، برفع الغين، والعَبْعَب من الشباب: هو الشباب التام. أبو عبيدة: الغَيْسان: هو الشَّباب أيضاً.
الفرَّاء: فإذا امتلأ شباباً قيل: غَطَى يَغْطِي غَطْياً وغُطيّاً. قال: وأنشدنا رجلٌ من بني قيس (5) :
93- يحملْنَ سِرْباً غَطا فيه الشَّبابُ معاً
وأخطأَتْهُ عيون الجنّ والحسَدَه
أبو زيادٍ الكلابيُّ: المُسْبَكِّر: هو الشَّباب المعتدل التَّام، والمُطْرَهمُّ مثلُه عن أبي زياد وقال ابنُ أحمر (6) :
94- أُرجِّي شَباباً مُطْرَهِمّاً وصحَّةً
وكيفَ رجاءُ المرءِ ما ليسَ لاقيا
غيرُ هـ: الشَّارخ: الشَّباب، والجمع: شَرْخ (7) . وأنشد أبو عبيدة لحسٌان
ابنِ ثابتٍ رحمه الله (8) :(37/82)
95- إنَّ شَرْخ الشّبابِ والشعرَ الأ
سودِ ما لم يُعاصَ كانَ جُنونا
الباب 42
بابُ الأسنانِ وزيادةِ النّاس فيها
أبو زيدٍ: وذَّمْتَ على الخمسين، وذَرَّفت عليها، وأرميتَ عليها ورميت.
الكسائيُّ: أرميتُ عليها ورميت وأرْديت، كلُّ هذا إذا زاد عليها، قال: فإنْ كان دنا لها ولم يبلغْها قال: زَنَأتُ للخمسين، وحَبوْتُ لها. أبو زيدٍ (1) : وُيقال: زَاهَمْتُها مُزَاهَمةً مثلُها. الفرَّاء: فإنْ أراد أنَّها دنَتْ منه قال: قُدِعت (2) لي الخمسون، وأنشد (3) :
96- ما يسألُ النَّاس عنْ سِنِّي، وقد قَدِعتْ
لي أربعون، وطالَ الوِردُ والصَّدرُ
الباب 43
بابُ كِبَرِ السِّنِّ والهَرَمِ
قال الأمويُّ: يُقال للشَّيخ: إذا ولَّى وكَبِر: عَتا يَعْتُو عُتيّاً، وعَسَا يَعْسُو عُسيّاً، مثله. وكذلك: تَسَعْسَع وانْثَمَّ (4) انثماماً، فإذا كبِر وهَرِم فهو الهِفَوْف. الأصمعيُ: ومثلُه: شيخ جِلْحَابَة وجِلْحَاب، وعَشَمَةٌ. أبو عبيدة: مثلَه قال: وكذلك عَشَبَة. أبو عمرو: وكذلك القَحْر والقَهْب. الأحمرُ: ومثلُه الدِّرْدِح. الأصمعيّ: فإذا اضطرب من الكِبَر فهو مُنَوْدِل، أبو زيدٍ: فإذا لم يعقل من الكبر قيل: أفند، فهو مُفْنِد، وأُفْنِدَ فهو مُفْنَد، وأُهْتِرَ فهو مُهْتَر. الفرَّاء: تَقَعْوَسَ (5) الشَيخ: كَبِرَ، وتَقَعْوَس البيت: تهدَّم.
غيرُه: العَلُّ: الكبير، واليَفَنُ: الكبير، والحَوْقل: الكبير، والقَشْعَمُ مثلُه. والذكاء السَنُّ. يُقال: ذَكى الرَّجلُ: إذا أسنَّ وبدَّن، الأشدُّ جمعٌ. قال أبو عبيدٍ: واحدُه: شَذ في القياس، ولم أسمعْ لها بواحدٍ. قال ابنُ الرِّقاع:
97- قد ساد َوهو فتىً حتَّى إذا بلَغتْ
أشدُّهُ وعَلا في الأمرِ واجتمعا
الباب 44
بابُ الوَلدِ والغِذَاءِ(37/83)
اليزيديُّ: يُقال للولدِ: ما حملَتْه أمُّه وُضْعاً، ولا وضعَته يَتْناً، ولا أرضعَتْه غَيْلاً، ولا أباتَتْه تَئِقاً، وُيقال: مَئِقاً، وهو أجودُ الكلام، فَالوُضع أنْ تحملَه على حَيضٍ، واليَتْنُ: أنْ تخرجَ رجلاه قبلَ يديه، والغَيْلُ أنْ تُرضعه على حَبَلٍ، والمَئِقُ من البكاء.
أبو عبيدة: ما حملته أمُّه تُضْعاً، أرادوا الوُضع فقلبوا الواوَ تاءاً. الأصمعيُّ: عَذْلجتُ الولد، وغيرَه فهو مُعْذَلج: إذا كان حسنَ الغذاء. أبو عمروٍ: المُسَرْهَد مثلُه، الفرَّاء مثلهما جميعاً. قال: وكذلك المُسَرْعَف. أبو عمروٍ: الضَّنْءُ: الولد (1) ، قال: وقد يُقال: الضنْءُ بكسرِ الضاد أيضاً. الأُموي: عن أبي المفضَّل من بني سَلامةَ: الضَّنْءُ: الولد، والضِّنْءُ: الأصل. غيرُه: النَّجْل: الولد، وقد نَجَلَ به أبوه ونَجَله. قال الأعشى:
98- أنجبَ أيَّامَ وَالداهُ به
إِذْ نجلاه فَنِعْمَ ما نجلا
عن أبي عمرو: المَثْبِرُ: الموضع الذي تلدُ فيه المرأة من الأرض، وكذلك حيثُ تضعُ النَّاقة، وعنه (2) قال: يُقال: حملت به أمُّه سَهْواً، أيْ: على حيضٍ، وعن أبي عمروٍ: وضعَتِ المرأة تضَعُ وُضعاً وتُضْعاً، وهي وَاضِع.
الباب 45
بابُ الغِذَاءِ السَّييءِ للولدِ
قال الكسائيُّ: السَّغِلُ والوَغِلُ: السَّيئُ الغذاء، ومثلُه: الجَحِنُ والجَدِعُ، وقد أجْدَعْتُه أجحَنته. الأصمعيُّ في المُجْحَن مثله. قال: والمُوْدَن: الذي يُولد ضَاوياً، والمُقَرْقَم: البطيءُ الشَّباب. قال الرَّاجزُ:
99- أشكو إلى اللهِ عيالا ًدرْدَقاً
مُقَرْقَمين وعجوزاً شَمْلَقا
وهي السَّيئة الخُلق. أبو زيدٍ: الجَحِن: البطيء الشَّباب، وقد جَحِنَ جَحَناً. غيرُه: المُحْثَل: السيئُ الغذاء.
الباب 46
بابُ أسنانِ الأوْلادِ(37/84)
الكسائيُّ: يُقال: قد أيْفَعَ الغلام، وهو يَافع. قال أبو عبيدٍ: هذا الحرف على غيرِ القياس، وكان القياس [أن تقول] : مُوْفِع، وجمعُه: أيْفَاع، وُيقال: غلامٌ يَفَعة، والجمعُ مثلُ الواحد على غير قياس أيضاً. غيرُه: الحَزوَّر مثلُه، وكذلك المتَرَعْرِع. أبو زيدٍ: فإذا سقطت رواضعُ الصبيِّ قيل: ثُغِرَ، فهو مَثْغُور، فإذا نبتَتْ أسنانهُ قيل: اثَّغَر واتَّغَر، الأصمعيُّ مثلَه.
عن أبي عمروٍ (1) : هذا صَوْغُ هذا: إذا كان على قَدْره، وهذا سَوْغُ هذا: إذا وُلد بعده على إثرِه. غيرُ واحدٍ: وهذا سَيْغُ هذا، مثلُ السَّوْغ.
الباب47
بابُ أسماءِ أوَّلَ ولدِ الرَّجل وآخرِهم
الكسائيُّ: يُقال: هذا بِكْرُ أبويه، وهو أوَّل ولدٍ يُولَدُ لهما، وكذلك الجارية بغيرِ هاءٍ مثلُ الذَّكر، والجمعُ منهما: أبكار، وعِجْزَةُ ولدِ أبويه: آخرهم، وكذلك كِبْرَة ولدِ أبويه، والمذكَّر والمؤنَث في ذلك سواءٌ بالهاء، والجمعُ مثلُ الواحدِ أيضاً.
أبو زيدٍ (2) : في العِجْزَة مثله. قال: ومثلُه نُضَاضَةُ ولدِ أبيهِ، ونضاضَة الماء وغُبْرُه: آخرُه وبقيَّتُه. [والزُّكْمَةُ: آخر ولدِ الرَّجل، بالهاء والميم] . الكسائيُّ: فإذا كان أقعدَهم في النَّسب قيل: هو كُبْرُ قومِه، وإِكْبِرَّة قومه (3) مثلُ: إِفْعِلَّة، والمرأةُ في ذلك كالرَّجل.
الباب 48
بابُ أسماءِ وَلدِ الرَّجُلِ في الشَّبابِ والكِبَرِ
أبو زيدٍ: أصَافَ الرَّجل فهو مُصِيف: إِذا وُلدَ له بعد الكِبَر، وولده صَيفيّون، وأربعَ فهو مُرْبع: إذا ولد له في الشَّباب، وولدُه رِبْعِيُّون، وأنشدنا غيرُه:
99- إنَّ بنيّ صِبْيَةٌ صيفيُّون
أفلحَ مَنْ كان له رِبعيُّون
الباب 49
بابُ أسماءِ ما يَخرجُ مع الوَلدِ(37/85)
أبو زيدٍ: السَّلى مقصور، وهو الجِلْدة التي يكونُ فيها الولد، والغِرْس: الذي يخرجُ مع الولد كأنَّه مُخاط، وجمعُه: أغْراس، والحِوَلاء ممدودٌ: الماءُ الذي يكون في السَّلَى. الأصمعيُّ: السَّابياءُ: الماءُ الذي يكونُ على رأس الولد.
الأحمرُ: هو السَّابياء والحِوَلاء والصَّاءَة مثل الصَّاعة (1) ممدودٌ، وال! خْد. قال: ومنه قيل: رجل مُسَخَّد: إذا كان ثقيلاً من مرضٍ أو غيره، لأنَّ السًّخْد ماءٌ ثخينٌ يخرجُ مع الولد. عن أبي عمروٍ: والفَقْء مهموزٌ: هو السَّابياء بعينه. قال: والذي يخرجُ على رأس الصبيِّ هو الشُهُود، واحدُها: شَاهد، وأنشدنا للهُذليِّ:
101- فجاءَتْ بمثلِ السابريّ تَعجَّبُوا
له والثَّرى ما جفَّ عنه شُهودُها
وهي الأغراس.
الباب 50
بابُ النَّسب
الكسائيُّ: هو ابنُ عمه دِنْيا مقصورٌ [غير مُنوَّن] ، ودِنْيَة، وقُصْرةً ومَقْصُورةً، وقال الكسائيُّ: في دنيا منوَّن وغيرُ مُنوَّن. كلُّ هذا إذا كان ابن عمه لَحَّاً. أبو الجرَّاح: فإنْ لم يكن لَحَّاً، وكان رجلاً من العشيرة قال: هو ابنُ عمِّ الكلالةِ، وابنُ عمٍ كلالةٌ، وابن عمي كلالةً. غيرهُ: ابنُ عمٍ لَحٌ بالضم في النكرة، وابن عمّي لَحّاً في المعرفة (2) ، وكذلك المؤنّث والاثنان والجمع بمنزلة الرَّجل الواحد. غيرُ واحدٍ: هو عربي مَحْض وامرأةٌ عربيَّةٌ مَحضٌ، ومَحْضَة، وبَحْتٌ وبَحْتَةٌ، وقَلْبٌ وقَلْبَةٌ، وإنْ شئتَ ثَنَّيت وجمعت، وتقولُ: هو مُصَاصُ قومِه إذا كانَ خالصَهم، وكذلك الإِثنان والجميع، وعبدٌ قِنُّ، وكذلك الإِثنان والجميع، والأمَةُ كذلك، تقولُ: أمَةٌ قِنٌّ.
الباب 51
بابُ النَّسبِ في الأمَّهاتِ والآباء وغيرهم(37/86)
اليزيدي: ما كُنتِ أُمّاً، ولقد أمِمْتِ أمومةً، وما كنتَ أباً، ولقد أَبيتَ أُبوَّةً، وما كنت أخاً، ولقد تأخَّيتُ، وآخيتُ (1) مثل فاعلت، وما كنتِ أمَةً، ولقد أميتِ وتأمَّيتِ أموَّة، وما كنتِ أُمَّاً، ولقد أممت وما كنتِ أَمَةً، ولقد أموتِ. الكسائيًّ: يقال: استعمَّ الرَّجل عَمّاً: إذا اتَّخذَ عمَّاً. أبو زيدٍ: تعمَّمْتُ الرَّجل: دعوته عمَّاً، [وقال بعضهم: ما كنتَ أباً، ولقد أبوتَ، وما كنتَ أخاً، ولقد أخوتَ، وما كنت عمَّاً، ولقد عممتَ، ويقال: تأخَّيتُ أخاً، وتوخيتُ؛ لأنك تقول: آخيتُ وواخيتُ، وآكلتُ وواكلتُ، وآسيتُ وواسيت، ويقال: تأبَّيتُ أباً، وتأمَّمت أمّاً، وتأمَّيت أَمةً، وتعمَّمتُ عمَّاً، وتخوَّلت خالاً] (2) . قال: والرَّبيبُ: ابن امرأةِ الرجل. قال معنُ بنُ أوسٍ المُزنيّ يذكُر امرأته وذكر أرضاً له فقال:
102- إنَّ لها جارين لن يَغدِرا بها
ربيبُ النبيِّ وابنُ خير الخلائفِ
يعني: عمر بن أبي سلمة، وهو ابن أمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعاصم ابن عمر بن الخطاب.
قال: والرَّابُّ: هو زوج الأمّ. ويروى عن مجاهد أنَّه كره أن يتزوَّج الرجل امرأةَ رابّه.
الباب 52
بابُ النَّسبِ في المماليكِ
الأمويُّ: الهَجِينُ: الذي ولدته أمَة، فإنْ ولدته أمَتان أو ثلاثٌ فهو المُكرْكَس، فإنْ أحدقَتْ به الإماءُ من كلِّ وجه فهو مَحْيُوس، وذلك لأنَّه يُشبَّه بالحَيْس. [الحيسُ: التمرُ والسَّمن والأقِط] (3) وهو يُخْلَط خَلْطاً شديداً.
عن الكسائيِّ: العبدُ القِنُّ: هو الذي مُلك هو وأبواه ويقال: هذا عبدُ مَمْلَكَةٍ ومَملُكة جميعاً: الذي يُسبر ولم يُملَك أبواه.
[والفَلَنْقَسُ: الذي أبوه مولىً، وأمُّه عربيَّةٌ] .
الباب 53
بابُ أسماءِ القَرابةِ في النَّسبِ والادِّعاءِ(37/87)
أبو زيدٍ: يُقال: لي فيهم حَوْبةٌ: إذا كانت قرابةٌ من قِبَل الأُمَّ، وكذلك كلُّ ذي رَحمٍ مَحْرَمٍ، وُيقال: بينهم شُبْكَةُ نَسبِ. الفرَّاء: رجل مُخَضْرَم الحَسب، وهو الدَّعِيِّ، ولحمٌ مُخَضْرَم: لا يُدرىَ أمنْ ذكرٍ هو أمْ من أنثى. غيرُه: يُقال: فلان مُصْهِرٌ بنا وهو من القرابة. قال زُهيرٌ:
103- قَوْدُ الجيادِ وأصهارُ الملوكِ وصُبْـ
ـرٌ في مواطنَ لو كانوا بها سئموا
والإلُّ: القَرابةُ. قال حسَّان بنُ ثابتٍ (1) :
104- لعمرُكَ إِنَّ إِلَّك في قريشٍ
كإلِّ السقْبِ من رَألِ النَّعام
غيرُه: الوَاشِجة: الرَّحم المُشتبكة المُتَّصلة. الفرَّاءُ: لي منه خوَابٌ، واحدُها: خابّ، وهي القَرابة والصِهر، والأواصرُ: القرابات، واحدها: آصرَة مثال فاعلة.
عن أبي عبيدة: السُّهْمَة: القرابة والحط (2) . [قال عبيدُ بنُ الأبرص (3) :
105- قد يُوصَلُ النَّازحُ النَّائي وقد
يُقطَعُ ذو السُّهمةِ القريبُ]
الباب 54
بابُ النِّسبَةِ
الكسائيُّ: يُنسب إلى طُهيَّة طَهْوِيّ، وطُهَوِيّ وطُهْوِي (4) ، وإلى غَزيَّة غَزَويّ، وإلى ماهٍ مائيّ وماهي. وإلى ماءٍ مائيّ وماويّ، وإلى البَدْو والبادية جميعاً: بَدوِيُّ، وإلى الغَزْوِ غَزَويُّ مثلُه، وإلى عظمِ الرأس: رُؤَاسي، وإلى عظم العَضُدِ عُضَاديّ وعَضَاديّ، وإلى لَحْي الإِنسان لَحَوِيٌّ، وإلى موسى وعيسى وما أشبههما ممَّا فيه الياء زائدة: مُوسيٌ وعيسيٌ، وإلى مُعلَّى مُعَلّويّ، لأنَّ الياء فيه أصلية، وحكى اليزيديُّ عن أبي عمروٍ بن العلاء يُنسب إلى كِسرى- وكان يقولُه: بكسر الكاف- كِسْريُ وَكِسْرَويٌ. الأمويُّ: كِسْريّ بالكسر أيضاً، وقال اليزيديُّ (5) : سألني والكسائي المهديُّ عن النسبة إلى البحرين، وإلى حِصْنَيْن لمَ قالوا: حِصْنِيّ وبحراني؟.(37/88)
فقال الكسائيُّ: كرهوا أنْ يقول: حِصناني لاجتماع النونين. قال: وقلتُ أنا: كرهوا أنْ يقولوا: بحريٌّ، فيشبه النسبة إلى البحر. وقال اليزيديُّ: يُنسب إلى رياء ريائيّ، لأنَّه ممدود، وما كان من هذا مقصوراً نُسب إليه بالواو، وإلى رِبا رِبوَيّ، وإلى زِنا زِنويّ، والى قَفا قَفويّ. وقال اليزيديُّ عن أبي عمرو ابن العلاء: يُنسب إلى أخٍ أَخويّ، وإلى أُخت أُخَويّ، والى ابنٍ بَنَوِيّ، وإلى بنتٍ بَنَوِيّ مثله أيضاً، وكذلك إلى بُنيَّات الطريق مثله بَنويّ،
وإلى العاليةِ عالية الحجاز عُلْوِيُّ، والى الأرض السهلة سَهليِّ، وإلى عشيَّة عَشَويِّ. والى غُدوةَ وبُكْرَة غُدْويّ وبُكْريّ (1) ، والى سية القوس سِيَوِي.
الأحمرُ: يُنسب إلى أبٍ أَبويّ، والى ابنٍ بَنويّ، لأنَّ أصله بناً. قال: وأنسبُ إلى القصيدة التي قوَافيها على الياء ياويّة، وكذلك تاويّة إذا كانت قافيتها على التَّاء، فإنْ كانت قافيتها "ما" قلت: ماوَّية. قال: وإنْ كان الثوبُ طولُه أحد عشرَ ذراعاً وما زاد على ذلك لم أنسبه إليه، كقول مَنْ يقول: أحَد عشريّ بالياء، ولكنْ يُقال: طوله أحد عشر ذراعاً، وكذلك إذا كان طولُه عشرين ذراعاً فصاعداً مثله. أبو عبيدة: يُنسب إلى الشَّاء شاويّ. غيرُه: يُنسب إلى بني لِحيةَ لِحَويّ، وإلى ذروة ذرَوِيّ، والى أعمى وأعشى أعمويّ وأعشويّ.
الباب 55
بابُ نَزْعَ شَبِهِ الولدِ
إلى أبيهِ والصحَّة في النَّسبِ
أبو زيدٍ (2) : يُقال: تَقيَّل فلانٌ أباه، وتقيَّضه، وتصيَّره تصيُّراً، وتقيُّلاً، وتقيُّضاً. كلُّ هذا إذا نزعَ إليه في الشَّبه، [قال أبو الحسين: وحكى لنا أبو بكر العبديّ عن خلف الأحمر: يقال: تأسَّن أباه تأسُّناً، وفيه آسانٌ من أبيه، أي مشابه] (3) وبقال: فلان مُصَاص قومه: إذا كانَ أخلصهم نَسباً، واللُّباب مثله، [والصُّيَابة نحوه. قال ذو الرُّمة] (4) :
106- ومُستَشْحجَاتٍ بالفراقِ كأنها(37/89)
مَثاكيلُ من صُيَّابةِ النًّوبِ نُوَّحُ
[تمَّ الجزءُ الأوَّل بحمدِ الله] (1)
---
(2) انظر فهرست ابن خير ص 328.
(3) انظر تذكرة الحفاظ 2/ 622.
(4) ما بين [] ، زيادة من الأسكوريال.
(5) كمجْلِس ومِنبَر.
(6) صدر بيت لخراشة بن عمرو، وهو شاعر جاهلي فارس، من بني عبس، أورد بعض شعره صاحب التذكرة السعدية ص 109. وعجز البيت:
[زوراً وزلّت يد الرامي عن الفوق]
وهو في التهذيب 14/115، والمجمل 1/ 118، والمقاييس 1/ 209، والعين 8/ 35، وشمس العلوم 1/ 140 وما بين [] زيادة من الظاهرية.
(7) وينسب أيضاً لأخت يزيد بن الطثرية أو أمه. والبيت في ديوان العجير ص 237، والمجمل 1/ 119 والمقاييس1/ 95، وديوان الأدب2/ 248، وشمس العلوم 1/ 141، وما بين [] ، من الظاهرية.
(8) في نسخة الظاهرية حاشية: قوله: ما بين اللَّحْيَيْنِ، يعني بذلك مُلتقاهما في وسط الذَّقَن من أسفله، ومنه يقال: اشتجرَ فلان: إذا وضع ذقنه على راحة كفِّه، واعتمد عليها مفكَّراًً. قال أبو ذُؤيب:
نامَ الخليُّ وبت الليل مشتجراً كأنَّ عينيَّ فيها الصابُ مذبوح
(9) في الظاهرية: حاشية: الاختيارُ مُقْدِم العينِ ومُؤْخِرها، بالتخفيف وكسر الذَال والخاء منهما. قيل: وكذلك في الرحل، وهو اختيار البصريين. ا. هـ.
وقال السيوطي: كل شيءٍ يقال فيه مقدم ومؤخر بالتشديد إلا العين، فبالتخفيف وكسر الثالث. انظر المزهر.
(10) الرجز في نوادر أبي زيد ص 60 دون نسبة، والعين 4/ 409، والتهذيب 8/ 112، وما اتفق لفظه لليزيدي ص 101.
(11) انظر المخصص 1/115.
(12) ما بين [] زيادة من التونسية.
(13) البيت في شرح هاشميات الكميت ص 307.
(14) ما بين [] ، سقط من المطبوعة، بتحقيق د. رمضان عبد التواب، وذكره في الباب الذي بعده، وليس محله هناك، لعدم ترابط الكلام.(37/90)
(1) في الظاهرية: حاشية: هكذا رواه الأموي: الحِنْدَورة، بكسر الحاءِ وفتح الدَّال، وحكاها ابنُ السكِّيت الحُنْدُورة، بضم الحاء والدال، والحِنديرة ليس فيها اختلاف.
قالت الأعراب: اتَّخذني فلان على حنديرة عينه، أي: مشتهراً لي إن كلَّمت إنساناً عرض لي.
وقال لنا أبو محمد التوزيُّ: عن أبي عبيدة والأصمعي وأصحابه إن العرب تقول للرجل الثقيل إنَّما أنت على حندرة عيني، وحُندُورة عيني.
يريدون: على ناظري، فلست أقدر أن أتأملك. تمََّت.
(2) هذا عجز بيتٍ له، وصدره: [ولقد يروعُ قلوبهنَّ تكلُّمي]
ديوان القطامي ص 108، والمجمل 1/378.
(3) في اللسان: ظفر ما نصَّه: الظُّفْرُ والظَّفَرةُ بالتحريك: داءٌ يكون في العين يتجلَّلُها منه غاشية كالظَفر، وما بين [] ، من الأسكوريال.
(4) زيادة من المحمودية.
(5) البيت لِجَزء بن ضرار أخي الشَّماخ، وقيل لأخيه مزرِّد. وهو في طبقات فحول الشعراء 1/133، واللسان: طرق، وما اتفق لفظه لليزيدي ص 235. والسبنتى: الجريء.
(6) زيادة من المحمودية، وليس هو في المطبوعة.
(7) ما بين [] ، زيادة من نسخه الأسكوريال. وهو أبو عبد الرحمن اللحية صاحب أبى عبيد.
(8) ديوانه ص 170، وشطره:
[يخدي بها بازل فُتْل مرافقهُ]
(9) البيت في ديوانه ص 43.
وفي النسخة التركية ونسخة الظاهرية: حاشية: المقروء على أبي بكر ابن السراج عن أبي عمر الزاهد قال: أخبرنا ثعلبٌ عن ابن الأعرابيَّ قال: العربُ تقولُ: هي الألْية، وإذا ثنَّت قال: الأليان، وإذا جمعت قالت: الأليات. قال: ومنه قوله:
ترتجُ ألياهُ ارتجاجَ الوطب
وفي أخرى: ويقال: هما الليتان. تمت.(37/91)
(1) حاشية من الظاهرية: قال أبو السَّمحِ وأصحابه: السَّحْر: نياطُ القلب، وهي معلقة عِرق غليظ تدخلُ فيه الإصبع، منه يصلُ الروح إلى القلب، فإنْ عنت السَّحر أدنى عَنتٍ طغى صاحبه، وحديثُ عائشة رضي الله عنها يدلُّ على صحة قول الأعرابي: قُبِضَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلَّم بين سَحْري ونَحْري. تريد: بين صدري ونحري، ومنه قولُ العرب للرجل إذا خامَ عن الشيء: انتفخَ سَحْرُكَ. يعنون به القلب أنه وجِلَ وجَبُنَ وانتفخ حتى سدَّ مجرى النفس، وسائرُ الرُّواةِ يقولون: السَّحْر: الرئة نفسُها، ولعل لهم في ذلك مذهباً. تمَّت.
(2) الجيم 3/ 7، وفي المحمودية: أبو عمروٍ قال: الأقصاب: الأمعاء، واحدها: قُصب.
(3) [استدراك] في نسخة الظاهرية: حاشية: عن أبي عمر الزاهد قال: أخبرنا عن ابن الأعرابيّ قال: واحدها: رُجْب، بمنزلة قُفْل وأقفال. تمََّت.
(4) ما بين [] ، من التونسية.
(5) [استدراك] في الظاهرية والتركية: حاشية: عن أبي عمر قال: قال أبو العباس: هذا خللٌ في قوله: وهو يرابيعُ المَتْنِ، إنّما هو يربوع، وجمعُه: يرابيع، وحِرْباء وحرابيّ. تمََّت. قلت: وحرابيُّ المتن: لحماته؛ وانظر الجيم 1/ 185.
(6) قال أبو عمرو: هو الطَّفْطَفَةُ والطفْطِفَةُ والخَوْشُ والضُقْل والسولا والأفَقَة. كلُّه الخاصرة. اللسان: طفف.
(7) البيت في التهذيب 15/195، واللسان: مرر، وخلق الإنسان لأبي محمد ص 63.
(8) الجيم 1/301.
(9) الجيم 1/ 289.
(10) حاشية في الظاهرية والتركية: عن أبي عمرَ قال: سمعتُ ثعلباً يقول: الذي حصََّلناه من الحذّاق والحُفّاظ منهم الخليل والكسائيّ أنَّ الرواهش عروق باطنِ الذراع، وأنَ النواشرَ عروقُ ظاهر الذراع. قال: ومنه قولُه:
وألفى قولَها كذباً ومينا
وقدَّدتِ الأديم لراهشيه(37/92)
البراجمُ: ملتقى رؤوس السُّلاميات، الواحدة: بُرجمة، إذا قبضَ القابضُ كفَّه نشرت وارتفعت، والرواجب: الخطوطُ التي في بطون البراجم. تمَّت.
(1) زيادة من المحمودية، وليس هو في المطبوعة.
(2) في الظاهرية والتركية: حاشية: عن أبي عمر عن ثعلب: هذا خطأ، والكلامُ الصحيح أنَّ الضرةَ في الخِنْصَر، وأن الألية في الإبهام، ومنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم رقى عليّاً رضي الله عنه من علََّة عينه، ومسحها بأليةِ إبهامه. قال: فرأيتُ عينهَ بعدَ ذلك كأنها جزعة حسناً. تمََّت.
(3) البيت في المجمل 3/785، والتهذيب 10 /52، والصحاح: كسر، خلق الإنسان للحسن بن أحمد ص 250.
(4) زيادة من المحمودية.
(5) حاشية: عن أبي عمر قال: أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الشقوق في الإنسان في يده ورجله، والشُقاق في سائر الحيوانات. قال: والعربُ تقول: خصَّ شقوقا، برِجلك، وخصَّ شقاقاً بعينِ صقرك.
(6) هكذا في المخطوطات بضم الفاء، لكنْ نقل عليُّ بن حمزةَ في التنبيهات ص 189 أنَّ أبا عبيدٍ قال: الفَوْف، بالفتح، ثم تعقَّبه وقال: إثما هو الفوفُ بالضمَ بإجماعٍ.
قلت: الإجماعُ الذي نقله منخرق لأنَّ ثابتاً قال: هِو الفُوف والفَوْف، ونقله عنه ابن سيده. انظر المخصص 2/10. وفي المحمودية: الفُوف: باللّغتين.
(7) ما بين [] سقط من المطبوعة بتحقيق د. رمضان عبد التواب.
(8) النوادر ص 171.
(9) يُقال الذُّبَاح والذُّبَّاح، بالتشديد والتخفيف. اللسان: ذبح.
(10) حاشية في التركية: أهلُ البصرةِ يقولون: الخِثْرِمة، بالخاءِ معجمةً. تمَّت.
وقال الأزهري: هما لغتان، بالحاءِ والخاء. انظر التهذيب 7/ 689.
(11) الجيم 2/ 213. وفي المحمودية: مثل: صبي وصبيان.
(12) يقال: قد حُفِرَ فُوه، وحَفَر َيَحْفِرُ حفراً، وحَفِرَ حَفَراً فيهما. اللسان: حفر.(37/93)
(1) الشطر لجرير، وهو في ديوانه ص 1032 بشرح محمد بن حبيب- طبع دار المعارف بمصر. والخُذُنتان بالخاء، لغة فيهما. القاموس: خذن.
(2) البيت في ديوانه ص 191.
(3) البيت في التهذيب 15/ 336، واللسان: فلل، وديوانه 2/ 56.
(4) انظر النوادر ص 52.
(5) الرجز لرجل من فزارة، وهو في النوادر ص 52، والتهذيب 6/525. والمخصص 1/78.
(6) ما اختلفت ألفاظه للأصمعي ورقة 4 آ.
(7) شرح أشعار الهذليين 1/413، وصدره:
[أقسمتُ لا أنسى منيحةَ واحدٍ]
(8) النوادر ص 139، ويقال: يَزْبُقُه بضم الباء وكسرها.
(9) ديوانه ص 165، والتهذيب 6/57.
(10) زيادة من المحمودية.
(11) ديوان الهذليين 2/101، وصدره:
[ذهبَتْ بشاشته وأصبحَ واضحاً]
(12) نقله ابن فارس في المجمل 3/616، ثم قال: وقال قوم: هذا غلط، وإنما هي فِعْلِيَة. ا. هـ.
وقال ابن سيده في المحكم 1/4: وأيُّ شيءٍ أدلُّ على ضعفِ المُنة، وسخافةِ الجُنَّةِ من قولِ أبي عبيدٍ القاسمِ بن [استدراك] سلاّم، في كتابه الموسوم "بالمصنف ": العِفْرِيَة مثال فِعْلِلَة، فجعل الياء أصلاً، والياء لا تكون أصلاً في بنات الأربع. ا. هـ.
قلت: لأن الياء في عِفْرِية للإلحاق بوزنِ شِرذِمة، والهاءُ فيها للمبالغة، فالكلمةُ ثلاثية أصلها: عِفْر.
(13) في النوادر ص 100: العِفْرِيَةُ من الرجل شعرُ ناصيته، ومن الدّابةِ شعرُ قفاها! قال أبو إسحاق: قلب أبو عبيد. قلت: وكذا قلب صاحب المخصص. المخصص 1/68.
(14) ديوانه ص 76.
(15) زيادة من المحمودية.
(16) في المقصور والممدود للفرَّاء ص 66: الأبزى: الذي في ظهره انحناء.
(17) ديوانه ص 380، وصدره:
[رأتني كأنضاءِ اللِّجام، وبعلُها]
(18) البيت في ديوانه ص 41، وفي الديوان:
[ما بين مغلوبٍ تليل خدُّه]
والتَليل: الصريع.
(19) ما بين [] زيادة من التونسية.
(20) النوادر ص 18.
(21) ما بين [] ، زيادة من التونسية.(37/94)
(1) البيت في ديوانه ص 326، وما بين [] ، من التونسية.
تُوائل: تطلب النجاة، المِصَكّ: حمار الوحش القوي، وقال ابن فارس: الأسهران: عرقان في الأنف من باطني، إذا اغتلم الحمار سالاً ماءاً.
(2) ما بين [] زيادة من التونسية في الحاشية عن شمر.
(3) البيت في تهذيب اللغة 11/490، والمجمل 2/562، والجمهرة 3/290، واللسان: ضطر.
وقال ابن بري: البيت لمالك بن عوف النصري. فلت: ومالك كان رئيس المشركين في غزوة حنين، ثم أسلم وحسن إسلامه. انظر معجم الشعراء ص 361، والإصابة 3/ 352، والروض الأنف 4/ 139.
(4) ما بين [] زيادة من المطبوعة عن شمر. قلت: وهو تفسير للبيت من شمر.
(5) وَهِم أبو عبيدٍ في هذا الإنشاد، وكذا تابعه الجوهري في الصحاح. والرواية [استدراك] الصحيحة:
جارية من ضبَّةَ بن أدِّ بدَّاءُ تمشي مِشْيَة الأبدَِّ
ميّاسة في مجسدٍ وبُردِ قالت لها إحدى أولاك النُّكدِ:
ويحكِ لا تستحسري وجدَّي حتى أتقنت بوارم مرد
والرجز ليربوع بن ثعلبة العدوي يخاطبُ امرأته، وقيل: لأبي نخيلة السعدي. انظر شرح أدب الكاتب للجواليقي ص 244، وتهذيب اللغة 14/80، والقاموس: بدد.
(6) قال عليُ بن حمزة البصري: وهذان الوجهانِ غلطان، وإنما الأبدُّ: المتباعدُ ما بين [استدراك] الفخذين من كثرة لحمهما، والبادَّان: باطنا الفخذين، وكل مَنْ فرج رجليه فقد بدَّهما.
التنبيهات ص 190.
(7) حاشية من التركية ورقة 7: قال أبو عمر: أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: لا يقال: رجل جهضم إلا في شيءٍ واحدٍ، وهو الجبان. قال: ومنه قوله:
إنك يا جهضمُ ماهُ القلب
أي: يا جبان إنك ضعيف القلب.
(8) زيادة من التونسية.
(9) زيادة من المطبوعة.
(10) واعتمده ابن دريد في الجمهرة 3/ 160، ولم يذكر عمَّن نقله، وممَن قال هذا ثابت. انظر المخصص 2/42.
(11) في الظاهرية: حاشية: قال الفرَّاء: كان الكُميتُ أصمً أصلخَ لا يسمعُ شيئاً.(37/95)
وكذا في التركية ورقة 7 ب، وفي نسخة عارف حكمت ورقة 7 قال: نسخة، وذكرها في المتن.
(1) ما تلحن فيه العامة للكسائي ص 105.
(2) غسق كضرب وسمع.
(3) في الأسكوريال: المُتْرِع: الجاري.
(4) يقال: حَجَلت عينه بالتخفيف والتشديد، وفي المطبوعة بتقديم الجيم على الحاء، وهوا [استدراك] تصحيف.
(5) صدر بيت، وعجزه: [إذا راحت من الأصيل الحرور] وهو في ديوانه 1/ 171، والتهذيب 5/ 343، وما بين [] ، زيادة من المطبوعة.
(6) بتشديد الدًال وتخفيفها.
(7) بالسين والشين. القاموس.
(8) الجيم 2/ 144.
(9) البيت في ديوانه ص 21.
والخميلة: رملة ذات شجر.
(10) البيت في ديوانه ص 184.
والصيودين تثنية صيود، وهي الشَّديدة الصيد والإِصابة.
(11) حاشية في الظاهرية والتركية: قال أبو عمر: والصواب نقنقت بالنُّون، وهي مُنَقْنقة، وأنشدنا ثعلب:
خوص ذوات أعين نقانقِ جبت بها مجهولة السمالق
وكذا قال ابن سيده في المحكم 5/ 76.
(12) الجيم ا/ 91.
(13) قال عليُّ بن حمزة البصريُ في التنبيهات ص 190: المحفوظ عن الأصمعي أنه قال: الحَوَرُ: صفاءُ بياضِ العين وشدََّة سوادها. ا. هـ.
(14) الجيم 2/ 144.
(15) الجيم 3/304.
(16) مَرِحَتِ العينُ: اشتدَّ سيلانها.
والبيت للنابغة الجعدي في ديوانه ص 240، والصحاح واللسان: مرح.
(17) بَقِرَ كفرح، وضبطها في المطبوعة بفتح القاف، وهو خطأ. انظر الأفعال 4/ 113، [استدراك] والقاموس.
(18) انظر مجمع الأمثال 1/ 329.
(19) ديوانه ص 86، وصدره:
[فلاقى امرأً من مَيْدَعانَ وأسمحَتْ]
(20) ما بين [] ليس في الأسكوريال.
(21) ديوانه 624، وصدره: [ألم تعلمي يا ميُّ أنّي وبيننا]
وفي المحمودية: القتال: بقيًةَ النفس.
(22) شرح أشعار الهذليين 1/24، وقوله: أبدََّهنَّ: قتلهنَّ بدداً.(37/96)
(1) ضبطه صاحب القاموس واللسان: كرضي، وفي الصحاح والتهذيب: كَرَمى، وكذا في الأفعال 3/ 608، والمسائل البصريات لأبي علي الفارسي 1/ 608 نقلاً عن أبي عبيد. وهو في المخطوطات بالروايتين.
(2) ديوانه ص 338، وصدره:
[فكائن ترى من رشدةٍ في كريهةٍ]
(3) عَجزُ بيت لأبي زبيد الطائي، وصدره:
[إذا عَلِقَتْ مخالبُه بقرنٍ]
وهو في ديوانه ص 633، والعين 7/ 199، والتهذيب 12/308.
(4) ما بين [] زيادة من الأسكوريال.
(5) الجيم 2/115.
(6) قال في اللسان: العَيَطُ: طُول العنق. رجل أعيطُ، وامرأةٌ عيطاء: طويلة العنق. وفي الأسكوريال: الأعطُّ، وهو بمعناه.
(7) كزمَّلِق، بتشديد الميم، وضبطها في المطبوعة بتشديد الهاء، وهو خطأ. انظر القاموس. وذكر أكثرَ هذا الباب أبو إسحاق الحربي في كتابه غريب الحديث 2/ 582.
(8) في الجيم 2/ 115: السَّرَعْرَع: الطويل.
(9) ما بين [] زيادة من الأسكوريال والمحمودية لكن سقط من المحمودية: والعمرَّد.
(10) على وزن كتاب.
(11) الجيم 2/ 115، وفي الأسكوريال: الرقيق الطويل.
(12) عجز بيت نُسب لابن مُقبل، وهو في ذيل ديوانه، فقرة 20، والمجمل 1/ 189،
[استدراك] ومقاييس اللغة 1/ 45 8، قال ابن سيده: هكذا عزاه أبو عبيد إلى ابن مُقبلٍ، ولم نجده في شعره. ا. هـ. انظر المحكم 7/ 189، والصحيح أنه لعمرو بن مالك، وهو بتمامه:
بعراضة الدِّفرى مُكايلَةٍ كوماءُ موقع رحلها جَسْر
انظر التكملة للصاغاني 2/ 449. مادة جسر.
(13) النوادر ص 176. وفي المطبوعة: أبو يزيد، وهو تصحيف.
(14) البيت بهذه الرواية في التهذيب 15/367، واللسان: فلم.
ورواية الديوان:
(15) 113] تُفرقُ بالميلِ أوصاله كما فرَّق اللمَّةَ الفيلم
وقال السُّكري: ويروى:
[إذا فر ذو اللًمَةِ الفيلم]
فعلى الرواية الأولى يكون الفيلم بمعنى العظيم. [استدراك](37/97)
ونسبه ابن بري لعياض بن خويلد الهذلي، ولم يُصب. انظر شرح أشعار الهذليين 2/ 752.
(1) ما بين [] ، زيادة من التونسية.
(2) الجيم 2/ 157.
(3) حاشية من التركية: قال أبو عمر: قال ثعلبٌ: أخطا مَنْ قالَ بالذًال معجمةً، لأن ابن الأعرابيَّ أخبرنا عن المُفضَّل، ولأن أبا نصرٍ أخبرنا عن الأصمعي، ولأن عمرواً أخبرنا عن أبيه قالوا كلُّهم: الدَّحداح، بالدال غير معجمةٍ، لا غير. ا. هـ.
(4) الجيم 1/208.
(5) الجيم 1/208.
(6) ديوانه ص 46.
(7) زيادة من المحمودية.
(8) حِيَفْسٌ مثالُ هِزَبْرٍ، وحَيْفَس.
(9) حَفَيْتَأ بالتاء، قال الأزهري: أرى التاءَ مبدلة من السين، كما قالوا: انحتتْ أسنانه وانحسَّتْ. تهذيب اللغة 4/ 324، وانظر ما اختلفت ألفاظه للأصمعي ورقة 2 ب.
وفي القاموس: حَفَيْسَأ، كسميدع
(10) ما اختلفت ألفاظه ورقة 2 ب.
(11) ديوانه ص 40، والعين 7/179
(12) شرح أشعار الهذليين 1/ 314، وفي المطبوعة: ويروى: وتجرُّ أجرية لها.
(13) عجزُ بيتٍ في ديوانه ص 588 ضمن كتاب "شعراء إسلاميون "وصدره:
[قِرابَ حِضنك لا بِكر ولا نَصَفٌ]
(14) ما بين [] ليس في المطبوعة.
(15) ديوانه ص 119.
(16) ما بين [] ليس في المطبوعة، وهو في الأسكوريال
(17) ما بين [] زيادة من الظاهرية.
(18) زيادة من التونسية، وهي في التركية حاشية.
(19) ديوانه ص 32.
الجِلْب: السحاب الكثير، وشرمة: اسم جبل، والأجشُّ: السحابُ الذي في رعده غلظ، والسماكي: الذي نشأ في نوء السماك.
(20) صدر بيت في ديوانه ص 31 يصف الثور، وعجزه:
[كأنَّه حين يعلو عاقراً لَهَبُ]
(21) ديوانه ص 27.
(22) انظر تهذيب اللغة 5/117.
(23) الجيم 3/275.
(24) نوادر أبي مسحل 1/ 100. وفي التونسية الحواة، بالحاء.
(25) بالحاء، وضبطها في المطبوعة بالجيم، وهو تصحيف. انظر القاموس: وحف.(37/98)
(1) في النوادر ص 39: يُقال: هيَّت به تهيتاً: إذا ناداه من مكانٍ بعيد.
(2) الرجز في التهذيب 6/395، والمخصص 2/ 134، واللسان: هيت، والمحكم 4/273، والصحاح: سكت.
(3) في الجيم 3/157: الكَرْكَرَةُ: صوت حَلِقِه.
(4) يقال: يَخِرّ ويَخُرُّ.
(5) حاشية من التركية: رأيت في كتاب قُرئ على أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش وعُورِض بكتابه: الجَهش: بالهاء، وكذا في رواية المهلبي: بالهاء، وقال أبو العلاء المعرّي: المعروف الجمش: الصوت، بالميمِ، وحكى أبو عبيدة في الأمثال: ما يُسمع أُذناً جمشاً، أي: صوتاً. يُضرب ذلك مَثلاً للرَّجل الذي لا ينزجر عن الشيء.
(6) ديوانه ص 87.
(7) زياد من التونسية والمحمودية.
(8) كلام الكسائي زيادة من الأسكوريال ستأتي.
(9) من باب ضرب وعلم. انظر الأفعال 1/169، واللسان: همش.
(10) [استدراك] وهم أبو عبيدٍ في نسبة هذا البيت لأوس، وتبعه في ذلك كثيرون، منهم الأزهري في التهذيب 14/398، والقالي في أماليه 1/52، وقبله صاحب العين 8/172.
كما أنه أتى بهذا البيت من أعجاز بيتين أسقط صدورهما، وهما:
وجاءت خُلعة دُبْس صفايا يصورُ عُنوقها أحوى زنيم
يُفرِّق بينها صدَع رَباع له ظأب كما صَخِب الغريم
قال أبو عبيد البكري: الشعر للمعلَّى العبدي، وكذا قال ابن بري والصاغاني: راجع التنبيه على أوهام القالي ص 93، واللسان وتاج العروس: صوع.
قال أبو علي القالي في أماليه 2/5: رويناه في الغريب المصنف غير مهموز.
(11) بتسكين الشين وفتحها.
(12) ديوانه ص 316.
(13) ما بين [] زيادة من التركية والظاهرية وعارف حكمت، وهو في الأسكوريال في آخر الباب التالي.
(14) البيت في العين 4/ 127، والتهذيب 6/530، وديوانه 2/33، والمحكم 4/351، والسمط ص 263.
(15) زيادة من التونسية.
(16) ما بين [] زيادة من التونسية.
(17) ديوانه ص 146، والثلَلُ: الهلاك.
(18) النوادر ص 192.(37/99)
(1) النوادر ص 101.
وفي التركية: حاشية: قال أبو عمر: أنشدنا ثعلب عن ابنِ الأعرابيِّ قوله:
لمّا سمعتُ نغيةً كالشُّهْدِ رفَّعْتُ من أذيالِ مستعدِّ
فقال له أبو موسى- وأنا أسمعُ-: أي شيءٍ يعني مُستعدِّ؟ قال: يعني نفسه.
(2) زاد في مطبوعة تونس: وأنشد:
وأنت في الناس أخو عفة ومدره القوم غداة الخطاب
(3) ما بين [] ، زيادة من التونسية.
(4) زاد في المطبوعة: إذا أفرط في الكلام.
(5) انظر نوادر أبي زيد ص 243.
(6) ما اختلف ألفاظه ورقة 5 أ.
(7) النوادر ص 170.
(8) النوادر ص 170.
(9) ديوانه ص 143، وعَدان: موضع على سِيف البحر.
(10) ديوانه ص 296.
(11) ما بين [] زيادة من التونسية.
(12) البيت في التهذيب 15 / 29، والمجمل 3/798، واللسان: لوث، دون نسبة. وأساس البلاغة: لوث.
قال الزمخشري: كان يُقال لحمزةَ: ابنُ الملاوثِ.
(13) ديوانه ص 652، والمخصص 2/ 164.
قوله: مطَّرَف. يعني بعيراً قد اشتري حديثاً، والأظل: الخفُّ.
[استدراك] قال ابن سيده: هذه حكايته، وهو خطأ، إنما السَّأو في البيت الوطن، لأن البعير لا همَّة له، على أنَّه قال مرةً: السأو: الوطن، وأنشد البيت على ذلك. المخصص2/164.
(14) قال عليُّْ بن حمزة البصري: والمحفوظ عن أبي عمروٍ الأفُق، وحكى أبو نصرٍ في الأجناس: الأُفُق بوزنِ عُفُق، للذكر والأنثى بغير هاءٍ، وأبو نصرٍ ضابط، ومع هذا فقد قال عُروةُ المرادي، أنشده
[استدراك] أبو عمرو وغيره:
أرجِّل جُمَتي وأجرُّ ذيلي ويحملُ شِكََّتي أفُق كُميتُ
أفترى أبا عمروٍ يُنشد هذا البيت ويقول: الآفق على مثال فاعل؟!.
وأنشد أبو زيد:
آسانَ كل أفق مُشاجر
التنبيهات ص 193.
(15) ما بين [] ، سقط من الأسكوريال.
(16) البيت في التهذيب 15/136، وأمالي القالي 2/176، والمقصور والممدود للفرَّاء ص 74، وشمس العلوم 1/ 260.
(17) الجيم 7/307.
(18) مُثلَّث الراء.(37/100)
(1) ديوانه ص 70، والرِّداع: موضع.
(2) سورة الكوثر آية 1، وما بين [] ، زيادة من التونسية.
(3) البيت في التهذيب 10/178، والمجمل 3/778، والمخصص 3/3، وديوانه 1/209، والمنجد ص320.
(4) [استدراك] قال علي بن حمزة في التنبيهات ص 196: وهذا غلط، وإنما هو مَشْنوث إذا كان مُبغَّضاً وإن كان جميلاً، فإنْ كان قبيح المنظر فهو مشنَأ، بوزن مَشْنَع، وإن كان محبَّبا وقال يعقوب رضي الله عنه: رجل مشنأ وقوم مَشْنأ لا يثنَّى ولا يجمع، ولوترك أبو عبيدٍ التمثيل لكان خيراً له لأنَّه كان يُحال بكثيرٍ من أغلاطه على الرواة عنه، ولكنه يأبى إلا التقييد بالأمثلة ليقضيَ الله أمرا كان مفعولاً. ا. هـ.
وانظر اللسان: شنأ.
(5) في المطبوعة: الحصير، وهو تصحيف.
(6) زاد في المطبوعة: قال متمم اليربوعي:
وإن تلقه في الشرب لا تلق فاحشاً على الكأس ذا قاذورة متزبِّعا.
(7) أي: الصغيرة العَجُز.
(8) الرصعاء: المرأةُ لا أسكتين لها، أو لا عَجِيْزة.
(9) في المحمودية: وبه سمِّي.
(10) بضم العين واللام وفتحهما.
(11) الرجز في التهذيب 3/ 335، واللسان: عصلب، والجيم 2/ 332. وهو لعبد الله ابن الزبير، كما ذكره البكري في فصل المقال ص 405، وانظر شرح الحماسة 4/ 45 وتهذيب الألفاظ ص 130.
(12) شاعر مخضرم عاش في الجاهلية والإسلام. والبيت في الأصمعيات ص 19.
(13) شطرُ بيت وعجزه:
[إذا ما تمطَّى في الحزام تبطَّرا]
وليس في ديوانه طبع دار الكتب العلمية، ونسبه صاحب التنبيهات ص 194 إلى ابنِ مقبلٍ، وليس في ديوانه، والشطر في التهذيب 14/ 261، وهو في ديوان امرئ القيس طبع مصر ص 268.
(14) ديوانه ص 250.
(15) المرار بن سعيد الفقعسي، شاعر إسلامي أدرك الدولتين الأموية والعباسية، وكان مفرط القصر. انظر أخباره في الأغاني 9/ 151.(37/101)
والرَّجز في الجمهرة 3/ 450، ونسبه للأغلب العجلي، وسمط اللآلئ ا/577 والشطر الأخير في العين 7/363، والتهذيب 13/198.
(1) وبعده في المطبوعة: والمزير: العاقل المتصرف في الأمور. وليست في أصولي.
(2) مجمع الأمثال 1/ 154.
(3) البيت في التهذيب 5/ 322، والمخصص 3/ 58، وديوانه 1/ 423. والمجمل 1/ 267.
وفي التركية حاشية: الكاذتان: اللحمتان النًائتانِ في أعالي الفخذين، وأحرجت: ضيقت عليه.
(4) ديوانه ص 663.
مُحرجة: في أعناقها الحرج، وهو الودع، مستوفض: مستفزع، مشهوم: مذ عور.
(5) ما بين [] ، سقط من الأسكوريال.
(6) ديوانه ص 32.
الأطلس: الثوب الخَلق، والإضراء: الصيدُ بالكلب، والضَراء: الحرص على الصيد، والنشب: المال
(7) البيت لمفروق بن عمرو الشيباني. وهو في العين 6/191، والتهذيب 11/215، والمخصص 3/ 62، واللسان: جبأ.
(8) لجيم3 /309.
(9) النوادر ص 130.
(10) ما اتفق لفظه لليزيدي ص 8.
(11) زيادة من التونسية.
(12) الجيم 2/345.
(13) ما بين [] زيادة من الأسكوريال.
(14) شرح أشعار الهذليين 1/0424 البَرم: الذي لا يخرج مع القوم في الميسر.
(15) شطر حديث أخرجه أحمد في المسند 3/ 414، والترمذي في الاستئذان، وقال: حسن غريب. عارضة الأحوذي 10/ 179. وأخرجه الحربي في غريب الحديث 1/207.
(16) وهم أبو عبيد في نسبة البيت لعروة، وتابعه على ذلك الأزهري في التهذيب 11 /125، وابن منظور [استدراك] في اللسان: نجب، إذ ليس لعروة الهذلي قصيدة بائية. ويروى: [المناخيب] بالخاء، والبيت لأبي خراش الهذلي في شرح أشعار الهذليين3/ 1233 من قصيدة مطلعها:
لستُ لِمُرةَ إن لم أوفِ مرتبة يبدو ليَ الحرثُ منها والمقاضيبُ
ونسبه له أيضاً صاحب اللسان في: نخب، وصاحب التاج 4/429، مادة نخب.
(17) النوادر ص 173 وفيه: المُعيي.(37/102)
(1) سُئل بعضُ العرب عن الهِلْبَاجة فتَردد في صدره من خُبثِ الهلباجة ما لم يستطعْ أن يُخرجه، فقال: الهِلْباجة: الأحمق المائق، القليلِ العقلِ الخبيث، الذي لا خير فيه ولا عمل عنه وبَلى، سيعملُ وعمله ضعيف، وضرَسه أشدُّ من عمله، ولا يُحاضَرُ به القوم. وبَلَى: سيحضر ولا يتكلََّم. قال الأصمعي: فلما رآني لم أقنع قال: احمل عليه ما شئتَ من الخبث. المخصص 3/44.
(2) ما اختلفت ألفاظه للأصمعي ورقة 3، وفيه: ولا يقال مسلوس إلا مع العقل.
(3) قال عليُّ بن حمزة البصري: الزَّور: الصدر، ولكل أحمق وعاقل زور، وإنما قال أبو زيدٍ: الذي لا زَبْرَ له، أي: ليس له عقل يرجعُ إليه، ولا ما يعتمد عليه، والأصلُ في هذا زَبْر البئر، وهو طيُّها بالحجارة. التنبيهات ص 195، واللسان: زبر.
(4) الرجز لرؤبة في ديوان ص 16.
(5) النوادر ص 70.
(6) زهير بن مسعود الضَّبي، أحد الشعراء المُقلّين، ذكره أبو تمام في الوحشيات ص 87. والبيت في النوادر ص 70، والتهذيب 16/ 44، والمجمل 3/ 682. وشرح الحماسة 2/ 40.
(7) النوادر ص 170.
(8) زيادة من التونسية.
(9) انظر تهذيب اللغة 6/ 492، واللسان: هوا.
(10) بتشديد الخاء وتخفيفها.
(11) ديوانه ص 86، والمخصص 3/ 44.
(12) في المطبوعة: قفقافة، بتقديم القاف على الفاء، وهو تصحيف، والصحيح فَقْفَافة، بتقديم [استدراك] الفاء على القاف. وانظر القاموس.
(13) حاشية من الظاهرية: قال أبو عمر: أخبرنا ثعلب عن أبي نصرٍ عن الأصمعي قال: الهدُّ، بالفتح: [استدراك] الضعيف الجبان. قال ثعلب: فسألت ابن الأعرابيَّ فقال: أخطأ الأصمعي، إنَما الهدُّ العاقل الشجاع الكريم، بالفتح. فأمّا الضعيف الأحمقُ الجبان فهو الهِدُّ بالكسر. قال: وأنشدنا في المدح:
ولي صاحب في الغار هَدَّك صاحباً هو الجونُ إلا أنَه لا يُعلَّلُ(37/103)
قال ابن الأعرابي: ومنِ الكِبْر المحمود أنّ امرأةً سألت عن رجل؟ فقال لها: أنا هو، وهَدَّك أنا، أي: ما أجلَني وأنبلني.
قال: وأنشدنا في الذم:
تقعد فوق الخراقف النطق
ليسوا بِهِذَين في الحروب إذا
قال: وقال ابن الأعرابيّ: ألا يعلم الجاهل أنْ الهَدَّ مدح، والهِدَّ ذم؟! تمََّت.
قلت: وكذا قال ابن فارس في المجمل 4/890.
(1) قال علي بن حمزة في التنبيهات ص 195: وليس كذلك، القولُ قول الأموي وهو الأشهر، وإنْ [استدراك] كان الذي رواه عن الفراء صحيحاً عنه، وأهلُ الضبط من الرواة على رواية قول الفقعسي:
لما رأتْ بُعَيْلَها زِنجيلا
بالنون، وهكذا يرويه أبو عمرو وغيره، زعم الفراء أن أبا محمدٍ أنشده إيَّاه بالياء مهموزاً، وردََّ ذلك عليه.
(2) زيادة من التونسية والتركية.
(3) البيت تقدَّم قريباً وذُكِرت نِسبته ص 119، وروايته هناك: المناجيب، بالجيم.
(4) ديوانه ص 173، وشرح المعلقات للنحاس 1/154.
عَلِهت: جزعت، النَّهاء: جمع نَهْي، وهو مجتمع الماء، وصوائق: اسم موضع.
(5) عجز بيت، وصدره:
[ومَنحَتْني فرضيتَ حينَ مَنْحَتن]
انظر شرح أشعار الهذليين 1/415.
(6) الجيم 3/201.
(7) قال علي بن حمزة: وإنما هذا البيت للبعيث يهجو به جريراً والرواية: [فجاءت بنزٍ للنُّزالة] . [استدراك] ا. هـ. وكذا قال الربعي في نظام الغريب ص 247.
قلت: وتابع الأزهري أبا عبيدٍ في وهمه، فنسب هذا البيت لجرير أيضاً.
انظر التنبيهات ص 196، وتهذيب اللغة 11/362، والنقائض 1/44، واللسان: رشم، وديوان الأدب 2/ 268.
واليَتنُ: الفصيلُ الذي يخرج عند الولادة رجلاه فبل رأسه. والنَزُ: الخفيف، والنُّزالة: النطفة.
(8) [استدراك] ، قال صاحب التنبيهات: والوجهُ: رجل ماس، مثال: غازٍ وقاض.
(9) حاشية من الترِكية ورقة 18 ب: في رواية السُّكري عن أبي حاتم: رجل ماس: يمشى بَينَ الناس بالنَميمة والإفساد. ويُقال: مسى بينهم يمسي.(37/104)
(1) زيادة من التونسية.
(2) [استدراك] قال صاحب التنبيهات: وليس الأمر كذلك، إنَّما العرنة الجافي، والعِرنةُ يُذمُ به، حكاه مدح، وقد قال الشّاعر:
ولست بِعرنةٍ عركٍ، سلاحي عصا مثقوبة تَقِصُّ الحمارا ا. هـ.
لكن نقل صاحب اللسان عن ابن بري قال: العِرْنة الصريع، وهو مما يمدح به، وقد تكونُ العِرنة مما يذمُ به، وهو الجافي الكَزُ.
انظر التنبيهات ص 197، واللسان: عرن.
(3) حاشية من التركية ورقة 18 ب: قال أبو عمر: أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابيّ: النِّئطِل بالهمز والكسر: الدَّاهية، والنَّيْطَل بالفتح بلا همزٍ: الدَّلو الكبيرة.
(4) زاد في المطبوعة: قال لبيد بن ربيعة العامريّ:
ومُقسّم يعطي العشيرة حقَّها ومُغذمر لحقوقها هضَّامها
وليس هو في الأصول التي عندي.
(5) ديوانه ص 87.
(6) حاشية من التركية ورقة 19 أ: قال لي أبو يعقوب: قال لنا المهلبيُّ: إنما قال الفرَّاء: الضُّؤزة بالزاي من الرجال: الصغير الشَّأن الحقير. قال الفراء: وقال العامريُّ: تراني ضوزة، وترك الهمز. أي: ضعيفاً لا أدفع عن نفسي.
قال: هكذا قال لنا الضُؤَزة بفتح الهمزة، وإنما قال الفرَّاء: الضُّؤْزة، بإسكان الهمز. ا. هـ.
وقال الأزهري في التهذيب12 /58: وأقرأنيه الإياديُ عن شَمِر بالراء، وأقرأنيه المنذريُّ روايةً عن أبي الهيثم: الضّؤْزَة، بالزاي مهموزاً، وقال لي: كذلك ضبطته عنه. قلت: وكلاهما صحيح. ا. هـ.
[استدراك] أقول: وفي المخصص: الصورة بالصاد، وهو تصحيف. المخصص 3/92.وكذا في المطبوعة 1/ 343.
(7) الفَيْج: رسول السلطان.
(8) زاد في المطبوعة: وقال السُّمهَّى: فرشوةٌ مثلما تُرشى السفاسيرُ. ولم يعرفه المحقق.(37/105)
قلت: والصحيح أنّه السُّميهى، وهو عمرو بن ربيعة بن نصر، ابنُ أخت جذيمة الأبرش طلب بثأر [استدراك] خاله، وانظر خبره في شرح المقصورة لابن خالويه ص 204، لكن العجز ليس له إنما هو لعبد الله بن الزبعرى وصدره: [ألهى قصياً عن المجد الأساطير] ، انظر طبقات فحول الشعراء 1/235، والروض الأنف 1/94.
(1) عَجزُ بيت، وصدره:
[فأرضوه إنْ أعطوه مني ظُلامةً]
في ديوانه ص 8، والقلُّ: القليل، ويقال: هو قل بن قلٍّ: إذا كان صغير الشأن حقيرًا.
(2) الجيم 2/82.
(3) الجيم 3/172.
(4) البيت في هجاء امرأةٍ له من أسلمَ، تزوجها فولدت له ولداً، فقال لها البيت، فأجابته:
غلام أتاهُ اللُّؤم من نحو عمَِّهِ ومن خيرِ أعراقِ ابن حسّانَ أسلمُ
انظر ديوانه ص 452.
(5) ما بين [] زيادة من التونسية.
(6) النوادر ص 137.
(7) النوادر ص 212.
(8) زيادة من التونسية.
(9) النوادر ص 137.
(10) الرجز في الجمهرة 1/ 490، والمخصص 3/ 95، واللسان والصحاح: رج.
(11) لم أجده، والبيت زيادة من التونسية.
(12) ديوانه ص 31، والتهذيب 1/ 74، والمخصص 3/ 21، والأمثال ص 1 0 1.
قال في التهذيب: أراد بالعِضين زيداً النمري، ودغفلاً النسابة، وكانا عالمي العرب بأنسابها وأيامها وحكمها.
قلت: دَغْفَل بن حنظلة السدوسي. قال ابن حجر: النَّسابة، مخضرم، ويقال: له صحبة، ولم يصح. غرق بفارس في قتال الخوارج سنة ستين. تقريب التهذيب ص 1 20. وفي المثل: أنسبُ من دغفل. مجمع الأمثال 2/346، وفيهما يقول الكميت:
فما ابن الكيس النمريّ فيكم ولا أنتم هناك بدغفلينا
(13) [استدراك] كذا في العين 8/135، لكن فيه التَّألان بالتاء، قال الأزهري: وهذا تصحيف فاضح.
(14) في الأسكوريال: الإحصاف، وهو بمعناه.
(15) زاد في المطبوعة: ومنه قول الشاعر: يمر مرَّ الريح لا يُكردحُ. وليس هو في أصولي،(37/106)
[استدراك] ولم يعرف المحقق نسبته، وهو لأبي بدر السلمي في تهذيب الألفاظ ص 296، والأفعال 2/ 195، والتهذيب 5/ 306.
(1) من الأسكوريال.
(2) قال شَمِر: هو عندي: قَطْوان، بسكون الطاء. التهديب 9/ 240.
(3) النوادر ص 49، والعين 8/ 135.
(4) البيت لعُفير بن الممرس العُكلي، وهو في العين 8/ 135، ولم يعرف المحققان نسبته، وفي [استدراك] التهذيب 14/ 322، وأمالي القالي 2/ 43، والمجمل 1/ 85. ونقعة الصديان ص 61.
(5) قال عليُّ بن حمزة: إنَّما هو الضَّبر، ضَبَر يَضْبُرُ ضَبْراً، بالباء، وهو الوثب وليس [استدراك] بالعَدْو، ولا تلتفتنَّ إلى قول يعقوب في الألفاظ، فإنما نقله عنه. التنبيهات ص 197.
(6) زيادة من التونسية.
(7) قال أبو هفَّان: صحَّف أبو عبيدٍ في الغريب المصنَّف، فقال: وأضر يعدو، وإنما هو: [استدراك] وأصرَّ يعدو، بالصاد. انظر شرح ما يقع فيه التصحيف ص 228، والتنبيهات ص 197.
(8) زيادة من التونسية.
(9) زاد في المطبوعة: قال الشاعر: كلَّ الحذاء يحتذي الحافي الوَقِعْ.
(10) زيادة من الأسكوريال، وهي غير موجودة في المطبوعة.
(11) ق قال عليُّ بن حمزة في التنبيهات ص 198: وإنَّما التهادي المشي بين الاثنين يعتمد الماشي بينهما عليهما.
(12) ديوانه ص 85، والبهير: المنقطع النَّفس من التعب.
(13) عجز بيتٍ في ديوانه ص 64، وصدره:
[فأفحمْتُه حتى استكانَ كأنَه]
وفي الديوان: سلالٍ بدل: سلاح.
(14) هو قول ابن أقيصر الأسدي. اللسان: كتف.
(15) زاد في المطبوعة: وقال الفرزدق
ومُكبَّلٍ ترك الحديدُ بساقِه أثراً من الرَّسَفان والأحجال
(16) لجيم 2/239.
(17) قال في الجيم 3/113: وقال كعبٌ في الأقزل:
وحمش بصير المُقلتين كأنه إذا ما مشى مُستكره الرِّجلِ أقزلُ
(18) زاد في المطبوعة: ويقال: هو المُقعد.
(19) النوادر ص 200.
(20) في الأسكوريال: اللَّغْوَس، بالغين، وكلاهما صحيح.(37/107)
(1) في الجيم 3/116: القبيض: الخفيف.
(2) في الأسكوريال: الخاشفة بالشين، وهما لغتان. العباب: خسف.
(3) الجيم 2/67.
(4) ديوانه ص 53.
(5) حاشية من التركية ورقة 22 أ: قال أبو عمر: أخبرنا ثعلبُ عن ابن الأعرابي قال: هو الزَّرير: وهو العاقل، وبه سمَِّي زرارة.
(6) الجيم 2/145.
(7) العين 4/466.
(8) ديوانه ص 3 ا 7.
(9) بكسر العين وضمها.
(10) النوادر ص 98.
(11) بفتح القاف وكسرها. انظر التهذيب 3/ 286، والقاموس: قرثع.
(12) العين 7/140.
(13) زيادة من التركية والتونسية.
(14) البيت في العين 4/ 13، والتهذيب 6/ 147، والمجمل 4/ 905، والمقاييس 6/ 53، والمحكم 4/ 161، وتهذيب الألفاظ ص 192.
(15) زاد في المطبوعة: قال أبو عبيد: الزَّرافة: العشرة.
(16) انظر تهذيب اللغة 10/ 52، والمخصص 3/ 121.
(17) النوادر ص 220.
(18) بفتح الجيم وضمها. القاموس.
(19) النوادر ص 137.
(20) قال ابن دريد: القيروان: الجماعة من الناس، فارسيُّ معرب.
الجمهرة 2/ 412، والتعريب والمعرَّب ص 134.
(21) عجز بيت في ديوانه ص 625، وصدره:
[وصاحَ مَنْ صاحَ في الأجلاب وابتعثَت]
(22) زيادة من المطبوعة.
(23) بكسر القاف وفتحها.
(24) ديوانه ص 250، وتقدَّم ص 110.
(25) شرح أشعار الهذليين 1/ 460.
الشواجن: جمع شاجنة، وهي مسيلُ الماء إلى الوادي.
(26) زيادة من المطبوعة.
(27) الجيم 3/ 96.
(28) ما بين [] ليس في التركية.
(29) ما بين [] ، زيادة من المطبوعة.
(30) عجز بيت في ديوانه ص 76، وصدره:
[لا أعرفنَّك عارضاً لرماحِنا]
(31) قال عليُّ بن حمزة: وليس كذلك، إنما الجُف وعاء الطلعة، وفي الحديث: "طُبَّ النبي صلَّى الله عليه [استدراك] وسلَّم فَجُعِل سحره في جفِّ طلعة ذكر". التنبيهات ص 198، والجمهرة 1/53.(37/108)
(1) البيت في التهذيب 6/547، والمخصص 3/122، وفي نسخة: [قَسْر] بدل: [قيس] . وهي رواية الديوان 2/ 22. والمعاني الكبير 2/ 964.
وفي التركية حاشية في ورقة 23 ب: الفيلق: الكتيبة، والجأواء: التي عليها جَؤْوَةُ الحديد، والجَؤْوة: لون بين السواد والكدرة، ويكون أيضا بين السواد والحمرة في الإبل. يقال: بعير أجْيَأ، وناقة جَأوَاء، والهَيْضل: الجماعات، واحدها: هيضلة. وقَسْر: قبيلة من اليمن. ا. هـ.
(2) زيادة من المطبوعة.
(3) ما اختلفت ألفاظه ورقة 5.
(4) البيت في المفضليات ص 285.
(5) زيادة من التونسية.
(6) ديوانه ص 10.
(7) زيادة من التركية.
(8) زيادة من الأسكوريال والتونسية.
قلت: وقال الفرَّاء: وغثراء الناس ودهماؤهم: جماعتهم. المقصور والممدود ص 94.
(9) هو هشام بن محمد بن السائب، عالمٌ بالنسب وأخبار العرب وأيامها، توفي سنة 204 هـ.
(10) محمد بن السائب توفي سنة 146 هـ. قال عنه الذهبي: شيعي متروك الحديث.
(11) نقله الألوسي في روح المعاني 19/ 134، عن أبي عبيد.
(12) الجيم 3/125، وقال عليُ بن حمزة: والذَّال أعلى وأشهر. التنبيهات صلى الله عليه وسلم 199.
(13) حاشية في التركية ورقة 24أ: قال أبو عمر: أخبرنا ثعلب قال: سألتُ ابن الأعرابيَّ عنه، فقال: هذا تصحيف. القادية بالدَّال غير معجمة، وهم الجماعة الغرباء، فإذا كانوا جماعة يسألون فيهم الجدية. [استدراك]
(14) ليس في الأسكوريال.
(15) المقصور والممدود للفراء ص 51.
(16) شرح المعلقات للنحاس 2/ 108، وشرح معلَّقة ابن كلثوم لابن كيسان ص 80.
(17) صحابي جليل قتله المشركون وأصحابَه يوم الرَّجيع، وكانوا صلبوه فقال الأبيات، ومنها:
إلى اللهِ أشكو غربتي ثم كربتي وما أرصدَ الأحزاب لي عند مصرعي
وذلك في ذاتِ الإله وإنْ يشأ يباركْ على أوصالِ شلوٍ ممزَّعِ
فواللهِ ما أرجو إذا متُّ مسلماً على أيِّ جنب كان في الله مصرعي(37/109)
والقصة مع الأبيات في الروض الآنف 227/3، والبيت الشاهد في المخصص3/145. قال ابن هشام: وبعضُ أهل العلمِ بالشعر يُنكرها له.
(1) [استدراك] البيت في التهذيب 8/ 166، والبارع ص 423، والمجمل 698، والمحكم 6/ 7 وفيه: والحسدُ. وهي الرواية الصحيحة، وهي رواية الأسكوريال.
(2) ديوانه ص 169.
(3) [استدراك] وهم أبو عبيد في هذا، فقد قال عنه ابن سيده: وقد أساء من وجهين: أحدهما: أنَّه ظنَّ الشَرخ في البيت جمعاً لشارخٍ الذي هو الصفة، وإنَّما الشَّرْخ في البيت تمام الشباب.
تقول: هذا شاب حسنُ الشباب، وهذا شابٌ، والجمع: شبَّان وشباب.
قال: وجمع شرخ: شروخ، والشارخ: الشاب. المخصص 1/38، والتنبيهات ص 199، والجمهرة 2/207. قلت: وقد تبعَ الأزهريُّ أبا عبيدٍ في وهمه هذا. انظر التهذيب 7/ 81.
(4) ديوانه ص 466، وأنشده أبو عبيدة في مجاز القرآن 1/ 258.
(5) النوادر ص 136.
(6) قال الجرمي: رواه ثعلب قُدعت عن ابن الأعرابيِّ، بضم القافِ، وقال أبو الطيب: الأكثر في الرواية: قَدِعَتْ. قال ابن الأعرابي: قُدِعت أربعون، أي: أُمضيتُ. اللسان: قدع.
وفي التركية ورقة 25 ب حاشية: قال أبو العلاء المعري: الذي أعرف قَدِعت بفتح القاف. ا. هـ. قلت: وكذا في الجيم 3/89.
(7) البيت للمرَّار الفقعسي، وهو في التهذيب 1/208، واللسان: قدع، والجيم 3/ 130 وفيه: قُدِعَت.
(8) في المخصص 1/43: اقثمَّ، وهو تصحيف.
(9) حاشية في التركية 25 ب: الحامض: هذا الحرف بالشين المعجمة، عن أبي العباس وغيره، ورواه أبو عبيد بالسين: تقعوس، غير معجمة.
(10) ليس في ديوانه جمع الشريف عبد الله الحسيني البركاتي. وهو في اللسان: شدَّ. والتهذيب 1/401، والمخصص 1/ 41.
(11) الجيم 2/202، والمقصور والممدود للفراء ص 75.
(12) وهذا قول اليزيدي في كتابه: ما اتفق لفظه ص 17.
(13) ديوانه ص 171.
(14) الجيم 2/107.(37/110)
(1) البيت في التهذيب 9/419، والمخصص 1/ 29، وأمالي القالي 2/ 250.
الدردق: الصغار. ويقال للعجوز: سملق وشملق، نقله الأزهري عن أبي عمرو. [استدراك]
وأنكر علي بن حمزة في التنبيهات ص 200 رواية الشين. والبكري في السمط ص 873.
(2) وسيأتي الكلام عليه ص 471. في الحاشية.
(3) الجيم 2/173.
(4) النوادر ص 97. ونقل هذا الباب السُّيوطي في المزهر 2/218.
(5) زيادة من الأسكوريال.
(6) النوادر ص 97، والمخصص 1/ 30.
(7) النوادر ص 87، وما اختلفت ألفاظه للأصمعي ورقة 4أ.
(8) الرَّجز لأكثم بن صيفي. وهو في النوادر ص 87، والاشتقاق ص 69، وحدائق الأدب 1/ 315 ونوادر أبي مسحل 1/ 300 وإصلاح المنطق ص 262. وقيل: هو لسعد بن مالك.
(9) هكذا في المخطوطات. لكن نقله الأزهري عنه قال: بوزن الصَّعاة. انظر تهذيب اللغة 12/264. واعترض على أبي عبيد فْي هذا عليُّ بن حمزة، فقال: وهذا فاسد، وإنَّما الصواب: الصاءة بوزن الصاعة. التنبيهات ص 201.
(10) حاشية من التركية: قوله: الهذلي، وهمّ، وهذا البيت لحميد بن ثور الهلالي يصف ناقةً [استدراك] نُتجت. والبيت في ديوانه ص 75.
(11) في القاموس: وهو ابنُ عمي لحَّاً، وابنُ عم لح: لاصقُ النَّسبِ.
(12) انظر الأمثال لأبي عكرمة الضبي ص 94.
(13) قال في البطليوسيّ: روى سلمةُ عن الفراء أممْتِ وأبوتَ بالفتح في الأب والأم، وكذلك أموت في الأمة، وأخوت في الأخ، وعممتَ في العمِّ. كلُُّها بالفتح. الاقتضاب 183.
وصوب هذه الرواية علي بن حمزة في التنبيهات ص201.
(14) النوادر ص 261.
(15) ما بين [] زيادة من التونسية، وفي التركية ورقة28 أقال: في حاشية الأصل: في رواية المهلبي زيادة: وذكرها.
(16) معن بن أوس شاعر مُجيد من مخضرمي الجاهلية والإسلام، وفد على عمر مستعيناً به على أمره، وكان رضيع عبد الله بن الزبير. انظر معجم الشعراء ص 399، والإصابة 3/499.(37/111)
والبيت في التهذيب 15/ 181، واللسان: ربب، وغريب الحديث لأبي عبيد 4/ 241، ومعانى القرآن للفراء2/ 178.
(1) أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث 4/420 عن يحيى بن سعيد عن سيف بن سليمان عن مجاهد.
(2) زيادة من الظاهرية.
(3) زيادة من المطبوعة. وانظر الجيم 3/ 407.
(4) ديوانه ص 94.
(5) ديوانه ص 460.
السقب: ولد الناقة ساعة يولد، والرَّأل: ولد النَّعامة.
(6) زيادة من المطبوعة: [يعني بالحظَّ: الوراثة.] .
(7) ديوانه ص 26.
(8) ما بين [] زيادة من الأسكوريال.
(9) انظر الأنساب للسمعاني 4/ 89. فقد ذكره عن أبي علي الغساني عن الغريب المصنف.
(10) هو أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي. انظر ترجمته في إنباه الرواة 4/ 31.
والمناظرة في أمالي الزجاجي ص 59، ومجالس العلماء ص 288. وانظر الروض الأنف 2/ 128.
(11) زيادة من المطبوعة: وإلى أمسي إمسي بالكسر.
(12) في الأسكوريال: هاءاً قلت: هاويّة.
(13) النوادر ص 134 والأمثال ص 145.
(14) ما بين [] زيادة من المطبوعة.
(15) ديوانه ص 116.
وفي الترِكية حاشية: مُسْتَشحَجات بفتح الحاء، يعني الغربان استشحجت فشحجَتْ، والشَحيجُ: صوت الغراب، استعارة، اهـ.
(16) زيادة من الأسكوريال.(37/112)
شروط لا إِله إِلا الله
إعداد
الدكتور/ عواد المعتق
المقدمة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد: فإنه لا يخفى على من له أدنى علم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما للشهادة من أهمية، إذ هي دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام.
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (1) ، وهي مفتاح الإسلام، وبالله ثم بها يعصم الدم والمال، وبتحقيقها تحصل النجاة من النار.
وحيث إن البعض قد يفهم أن مجرد النطق بها، أو النطق والإقرار بدون عمل بمقتضاها كافٍ في الحصول على حقيقة الإيمان. أو يقصر في بعض شروطها ظاناً أن ذلك لا يؤثر في تحقيقها.
لذا أحببت أن أكتب لمحة موجزة حول هذه الشروط تتلخص فيما يلي:
تمهيد: ويتضمن ما يلي:
أولاً: معنى لا إله إلا الله، وتحقيقها.
ثانياً: متى ينتفع الإنسان بقولها.
ثالثاً: أركانها.
ثم شروطها: وفيه:
تمهيد: في تعريف الشرط.
الشرط الأول: العلم.
الشرط الثاني: اليقين.
الشرط الثالث: الإخلاص.
الشرط الرابع: الصدق.
الشرط الخامس: المحبة.
الشرط السادس: الانقياد.
الشرط السابع: القبول.
ثم ختمت البحث بذكر بعض النتائج. وأخيراً أسأله تعالى أن يتقبل صوابه ويتجاوز عن خطئه إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
تمهيد
يحسن قبل أن نبين شروط هذه الكلمة- أن نشير إلى معناها، وتحقيقها ومتى ينتفع الإنسان بقولها، وأركانها. ثم شروطها.
أولاً: معناها وتحقيقها:
أما معناها: فإن معنى لا إله إلا الله: هو: لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له.(37/113)
فتضمنت هذه الكلمة العظيمة أن ما سوى الله من سائر المعبودات ليس بإله حق بل إنه باطل. وأن الإله الحق إنما هو الله وحده لا شريك له- كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (1) مع قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (2) .
ونحوهما من الآيات وما صح من الأحاديث التي فيها بيان حقيقة هذه الكلمة من حيث مدلولها ومقتضاها.
ومما يشهد لهذا المعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لكفار قريش "قولوا لا إله إلا الله "قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (3) ففهموا من هذه الكلمة أنها تبطل عبادة الأصنام كلها وتحصر العبادة لله وحده. ومثل ذلك قوم هود لما دعاهم هود عليه السلام إلى قول لا الله إلا الله قالوا: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} وهذا هو معنى لا إله إلا الله.
فتبين بهذا أن معنى لا إله إلا الله ومقتضاها: إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه، وأن معنى الإله هو المألوه: أي المعبود فإذا قال العبد لا إله إلا الله: فقد أعلن وجوب إفراد الله بالعبادة وبطلان عبادة ما سواه من الأصنام والقبور والأولياء وغيرهم.
وبهذا يبطل: ما يعتقده عباد القبور اليوم وأشباههم من أن معنى لا إله إلا الله: هو الإقرار بوجود الله، أو أنه هو الخالق القادر على الاختراع وأشباه ذلك. أو أن معناها: لا حاكميه إلا لله، ويظنون أن من اعتقد ذلك وفسر به لا إله إلا الله، فقد حقق التوحيد المطلق، ولو فعل ما فعل من عبادة غير الله كالاعتقاد بالأموات، والتقرب إليهم بالذبائح والنذور والطواف بقبورهم والتبرك بتربهم.(37/114)
وما شعر هؤلاء أن كفار العرب يشاركونهم في هذا الاعتقاد ويقرون بأن الله هو الخالق القادر على الاختراع. قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} (1) وأنهم ما عبدوا غيره إلا لزعمهم أنهم يقربونهم إلى الله زلفى. كما قال تعالى عنهم: {… مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى …} (2) . لا أنهم يخلقون ويرزقون.
ولو كان معنى لا إله إلا الله ما زعمه هؤلاء لم يكن بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المشركين نزاع بل كانوا يبادرون إلى إجابته صلى الله عليه وسلم إذ يقول لهم- بزعم هؤلاء- قولوا لا الله إلا الله- بمعنى: لا قادر على الاختراع إلا الله. لكن القوم- وهم أهل اللسان العربي- فهموا أنهم إذا قالوا لا إله إلا الله: فقد أقروا ببطلان عبادة الأصنام. ولهذا نفروا منها وقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (3) فعرفوا أن لا الله إلا الله تقتضي ترك عبادة ما سوى الله وإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة، وأنهم لو قالوها واستمروا على عبادة ما سوى الله لتناقضوا مع أنفسهم. وعباد القبور اليوم لا يأنفون من هذا التناقض، فهم يقولون لا إله إلا الله ثم ينقضونها بعبادة الأموات والتقرب إلى الأضرحة بأنواع من العبادات (4) .
وبهذا يتضح أن معناها الصحيح:- هو ما ذكرناه في البداية- من نفي الألوهية الحقة عما سوى الله وإثباتها لله وحده لا شريك له.(37/115)
وأما تحقيقها: فهو أن لا نعبد إلا الله وحده بالقلب واللسان وسائر الجوارح مع نفي استحقاق أي مخلوق لأي نوع من أنواع العبادة التي لا تصح إلا لله. قال شيخ الإسلام ابن تيميه " ... وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان: أحدهما: أن لا نعبد إلا الله. والثاني: أن لا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بعبادة مبتدعة. وهذا الأصلان هما: تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ".
ثانياً: متى ينتفع الإنسان بقولها:
ينتفع الإنسان بقول لا الله إلا الله- إذا حقق أركانها وشروطها- كما سيأتي بيانه. ومات على ذلك لم يرتكب ناقضاً من نواقضها.
وبذلك يزول الوهم الذي تعلق به بعض الناس- وهو أن مجرد التلفظ بهذه الكلمة يكفي- أخذاً بظاهر بعض النصوص كقوله صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري من حديث عتبان "إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله " (1) وحديث أنس قال "إن النبي صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل- قال: يا معاذ بن جبل: قال: لبيك يا رسول الله وسعديك- (ثلاثا) - قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صِدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار… "الحديث (2) . وحديث أبي هريرة أنهم كانوا مع النبي في غزوة تبوك… الحديث، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عنه الجنة" (3) ، وأمثالها.
إذ المراد بهذه النصوص وأمثالها من قال لا إله إلا الله- محققاً أركانها وشروطها ومات على ذلك.(37/116)
إذ الركن أساس، والشرط: لا يصح المشروط له إلا به، والأعمال بالخواتيم فلو قالها- محققاً أركانها وشروطها لكن ارتكب بعد ذلك ناقضاً من نواقضها ومات لم تنفعه. فلابد أن يموت عليها لم يرتكب ناقضاً من نواقضها- بدليل حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة ... " الحديث (1) (2)
ثالثاً: أركان لا إله إلا الله.
تعريف الركن لغة واصطلاحاً.
الركن لغة: من كل شيء: جانبه الأقوى الذي يستند إليه، والأمر العظيم. وللرجل: ما فيه عزّة ومنعَة من عشيرة أو سلطان وكل ما يتقوى به. وفي القوم: الشريف بينهم. جمعه أركان وأركن. وأركان الإنسان جوارحه والأركان من كل شيء: جوانبه التي يستند إليها. والعبادة: كالصلاة- ما تبطل بالإخلال به عمداً أو سهواً (3)
الركن في الاصطلاح: ما يقوم به ذلك الشيء من التقوّم، إذ قوام الشيء بركنه لا من القيام وإلا يلزم أن يكون الفاعل ركنا للفعل، والجسم ركنا للعرض، والموصوف للصفة (4) وقيل: ركن الشيء: ما يتم به وهو داخل فيه بخلاف شرطه وهو خارج عنه (5) . وقيل ركن الشيء: ما توقف الشيء على وجوده وكان جزءاً من حقيقته كقراءة القرآن في الصلاة فإنها ركن لها لتوقف وجودها في نظر الشارع على تحققها. وهي جزء من حقيقة الصلاة. وهكذا كل ما كان ركنا لشيء فإن ذلك الشيء لا يكون له وجود في نظر الشارع إلا إذا تحقق ذلك الركن.
والتعارف - كما نرى- متقاربة إلا أن الأخير أدقها وأكملها لذا نختاره.
وعليه، فأركان الشيء: أجزاؤه التي لا يتحقق بدونها.
وإذا: فأركان لا إله إلا الله: هي أجزاؤها التي لا تتحقق بدونها وهي اثنان: نفي، وإثبات.(37/117)
النفي: وحدّه: لا إله. والمراد به: نفي الإلهية الحقة عما سوى الله من سائر المخلوقات. والإثبات: وحدّ5: إلا الله. والمراد به: إثبات الإلهية الحقة لله وحده لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه فهو سبحانه وتعالى الإله الحق وما سواه من الآلهة التي اتخذها المشركون كلها باطلة. قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ... } الآية (1) .
شروط لا الله إلا الله:
تقديم:
في تعريف الشرط، الشرط لغة:- بسكون الراء- هو إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه. جمعه شروط. تقول: شرط له أمراً: التزمه وعليه أمراً: ألزمه إياه (2) .
وفي الاصطلاح: ما يتوقف ثبوت الحكم عليه (3) .
وقيل: ما لا يوجد المشروط مع عدمه ولا يلزم أن يوجد عند وجوده.
وقيل: ما يتوقف عليه صحة شروطه (4)
وقيل: ما توقف الشيء على وجوده ولم يكن جزءاً من حقيقته. كالوضوء في الصلاة. فإنه شرط لصحة الصلاة. فإذا لم يوجد لم تصح الصلاة، وليس الوضوء جزءاً من حقيقة الصلاة. وهكذا كل ما جعله الشارع شرطاً لشيء. فإن هذا الشيء لا يتحقق ولا يعتد به- في نظر الشارع إلا إذا تحقق ذلك الشرط- وإن لم يكن جزءاً من حقيقته (5) وهذا التعريف: هو الأولى، لأنه يتضمن ما أشارت إليه التعاريف السابقة وعليه: فشروط الشيء هي التي لا يصح إلا بتوافرها.
وإذاً فشروط لا الله إلا الله. هي: التي لا تصح لا الله إلا الله إلاّ بتوافرها. وهي سبعة نظمها أحد العلماء في قوله.
علم يقين وإخلاص وصدقك مع
محبة وانقياد والقبول لها (6)
كما جمعها الشيخ حافظ في قوله:
وبشروط سبعة قد قيدت
وفي نصوص الوحي حقاً وردت
فإنه لم ينتفع قائلها
بالنطق إلا حيث يستكملها
والعلم واليقين والقبول
والانقياد فادر ما أقول
والصدق والإخلاص والمحبة
وفقك الله لما أحبه (7)
والآن نشرع في بيان كل شرط منها بشيء من الإيضاح.(37/118)
الشرط الأول: العلم.
العلم لغة: نقيض الجهل. تقول علمه علماً- أي- عرفه حق المعرفة وفي التنزيل: { ... مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ... } الآية (1) .
وعلم الرجل: خبره، وأحب أن يعلمه: أن يخبره. وعلم بالشيء: شعر به ودرى. يقال: ما علمت بخبر قدومك، أي: ما شعرت. وفي التنزيل: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ , بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي ... } (2) الآية.
وعلم الأمر وتعلمه: أتقنه.
وعلمت العلم نافعاً: أيقنت وصدقت. وفى التنزيل: { ... فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ... } الآية (3) (4)
وفي الاصطلاح: عرف بتعاريف كثيرة، اخترت منها هذا التعريف.
وهو: معرفة المعلوم على ما هو به. وهو ما اختاره أبو يعلى في كتابه العدة - بعد أن عرض بعض التعاريف وناقشها مبيناً عدم صحتها وأن هذا التعريف هو الصحيح. وذلك أن هذا الحد- كما قال القاضي أبو بكر: "يحصره على معناه ولا يدخل فيه ما ليس منه، ولا يخرج منه شيئاً هو منه. والحد إذا أحاط بالمحدود على هذا السبيل وجب أن يكون حداً ثابتاً صحيحاً ... وقد ثبت أن كل علم تعلق بمعلوم فإنه معرفة له وكل معرفة لمعلوم فإنها علم به، فوجب توثيق الحد الذي حددنا به العلم". وعليه فالعلم بلا إله إلا الله: معرفتها بحقيقتها. وهو: أن تعلم بمعناها نفيا وإثباتاً علماً منافياً للجهل.
ومعناها: البراءة من كل ما يعبد من دون الله، وإخلاص العبادة لله وحده باللسان والقلب وسائر الجوارح.
وقد دل الكتاب والسنة على ذلك. فمن الكتاب:
قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ... } الآية.
وهذه الآية- كما نرى- صريحة في اشتراط العلم بلا إله إلا الله.
قال الوزير أبو المظفر في الإفصاح: "قوله "شهادة أن لا إله إلا الله "
يقتضي أن يكون الشاهد عالماً بأنه لا إله إلا الله. كما قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} .(37/119)
وقوله تعالى: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (1) .
والشاهد- قوله: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} .
إذا المراد بشهادة الحق: قول لا إله إلا الله (2) فيكون المعنى: إلا من شهد أن لا إله إلا الله وهم يعلمون معنى ما نطقوا به.
وقوله تعالى: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ …} الآية.
ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة".
وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبادة بن الصامت. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ".
والشاهد: قوله "من شهد"كيف يشهد وهو لا يعلم، إذ مجرد النطق بالشيء لا يسمى شهادة به.
وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال العبد أشهد أن لا إله إلا الله قال الله يا ملائكتي علم عبدي أنه ليس له رب غيري- أشهدكم أني قد غفرت له " (3) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من علم أن الله ربه وأني نبيه موقنا من قلبه حرمه الله على النار" (4) .
هذه بعض الأدلة من الكتاب والسنة التي توضح شرطية العلم بلا إله إلا الله ولاشك أن العلم لا يكون علماً إلا إذا كان نافعاً ولا يكون نافعاً إلا مع العمل. فمن لم ينتفع بهذه الشهادة بالعمل بما تقتضيه لم يتحقق لديه شرط العلم.(37/120)
قال البقاعي: ""لا إله إلا الله "أي انتفى انتفاءً عظيماً أن يكون معبوداً بحق غير الملك الأعظم، فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما يكون علماً إذا كان نافعاً وإنما يكون نافعاً إذا كان مع الإِذعان والعمل بما تقتضيه وإلا فهو جهل صرف".
والمراد من هذه الكلمة- كما ذكرت آنفاً- معناها وتحقيقها بالعمل بمقتضاها لا مجرد لفظها فإن المنافقين كانوا يقولونها وهم تحت الكفار في الدرك الأسفل من النار.
والكفار- مع جهلهم بما جاء في الكتاب والسنة- يعلمون أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة هو إفراد الله بالتعلق والكفر بما يعبد من دون الله والبراءة منه، فإنه لما قال لهم: "قولوا لا إله إلا الله"قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ!} (1) .
فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدعي الإسلام وهولا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفرة بل يظن أن ذلك: هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني، والحاذق منهم يظن أن معناها: لا يخلق ولا يرزق إلا الله. فلا خير في إنسان جهال الكفار أعلم منه بلا اله إلا الله. وبسبب هذا الجهل ضل من ضل منهم حين قلبوا حقيقة المعنى فأثبتوا الإلهية المنفية لمن نفيت عنه من المخلوقين أرباب القبور والمشاهد والأشجار والأحجار والجن وغير ذلك. فلهذا تجدهم يقولون لا إله إلا الله وهم يدعون مع الله غيره، وما ذاك إلا بسبب الجهل بمعنى لا إله إلا الله (2) .(37/121)
والحد الأدنى للعلم بشهادة أن لا إله إلا الله العلم بمعناها بصورة إجمالية ويأتي بعد هذا الحد درجات يتفاوت الناس فيها في العلم بهذه الشهادة أعلاها البصيرة التي تكون بنسبة المعلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر. وبقدر العلم والجهل يحصل التفاضل في الإِيمان بها، إذ أن العلم يستلزم العمل فكلما زاد العلم زاد العمل، وبذلك يزداد الإيمان ومن ثم يحصل التفاضل فيه.
روي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "يخرج من النار من قال لا اله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن بُرّة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير".
وفي رواية عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم "من إيمان "مكان "من خير" (1) .
المراد بقوله "من خير"من إيمان. بدليل الرواية الأخرى.
والحديث ظاهر الدلالة بمنطوقه على تفاضل أهل الإيمان فيه وبمفهومه على زيادته ونقصانه (2) .
وهذا التفاضل في الإيمان من أثر العلم والجهل، فكلما ازداد الإنسان علماً كان إيمانه أفضل. ويؤيد ذلك قوله تعالى: {.. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 00 الآية (3) .
قال ابن كثير: "أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به ... لأنه كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل كانت الخشية له أعظم وأكثر" وعليه فإيمان العلماء أفضل من إيمان غيرهم.
وقوله تعالى: { ... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} (4) .
أشار سبحانه وتعالى- في هذه الآية- إلى أن العالم (5) لا يستوي مع غير العالم بل بينهما تفاضل، ومن أوجه التفاضل: التفاضل في الإيمان.(37/122)
وعليه: فكلما ازداد الإنسان علماً بلا إله إلا الله كان إيمانه بها أفضل. وبذلك يتضح أن العلم بلا إله إلا الله (بمعناها ومقتضاها المستلزم للعمل) أحد شروط لا إله إلا الله التي لا تصح إلا بها. وأن العلم بها يتفاوت وبقدر العلم والجهل يحصل التفاضل في الإيمان بها. والله أعلم.
الشرط الثاني: اليقين.
اليقين: لغة: هو زوال الشك، وتحقيق الأمر، والعلم به.
وهو: نقيض الشك- كما أن العلم نقيض الجهل.
والموت: كما قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} .
وربما عبروا بالظن عن اليقين وباليقين عن الظن- قال: أبو سدرة الأسدي ويقال الهجيمي:
تحسب هواس وأيقن أنني
بها مقتد من واحد لا أغامره
يقول: تشمم الأسد ناقتي يظن أنني أفتدي بها منه واستحمي نفسي فأتركها له ولا أقتحم المهالك بمقاتلته.
وحق اليقين- كما في قوله تعالى-: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} هو خالصه وأصحه (1) .
وفي الاصطلاح: اعتقاد الشيء بأنه كذا مع اعتقاد أنه لا يمكن إلا كذا مطابقاً للواقع غير ممكن الزوال (2) .
والمراد هنا: أن يكون قال لا إله إلا الله مستيقناً قلبه بمدلول هذه الكلمة يقيناً جازماً منافياً للشك.
فمن قالها وهوشاك في شيء مما دلت عليه من معناها لم يتحقق لديه هذا الشرط (3)
والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة.(37/123)
فمن الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (1) فالآية تدل على أن من شروط صدق إيمان المؤمنين بالله ورسوله الذي هو معنى الشهادة كونهم متيقنين بها لم يرتابوا- أي لم يشكوا- فمن ارتاب فليس بمؤمن بل هو من المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} (2) .
ومن السنة ما ورد في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسوله الله صلى الله عليه وسلم: "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة" (3)
وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: " اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة " (4) .
وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه معاذ أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نفس تموت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله يرجع ذلك إلى قلب موقن إلا غفر الله لها" (5) .
وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر أنه قال: "اذهب فناد في الناس أنه من شهد أن لا إله إلا الله موقنا أو مخلصاً فله الجنة " (6) .
وعن عثمان بن عفان عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: "إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقاً من قلبه فيموت على ذلك إلا حرمه الله على النار: لا إله إلا الله " (7) .
فهذه الأحاديث- كما نرى- تدل صراحة على اشتراط اليقين بالشهادة بل سماه بعض الأئمة أصل الإيمان كما قال ابن حجر في شرحه لقول ابن مسعود: (اليقين الإيمان كله) (8) .(37/124)
إن مراد ابن مسعود أن اليقين هو أصل الإيمان، فإذا أيقن القلب- كما ينبغي- انبعثت الجوارح كلها للقاء الله بالأعمال الصالحات. حتى قال سفيان الثوري: "لو أن اليقين وقع في القلب- كما ينبغي- لطار اشتياقاً إلى الجنة وهرباً من النار".
إذا عرفنا ما ذكر اتضح أهمية اليقين بالشهادة وأنه فضلاً عن كونه شرطاً لتحققها وفارقاً بين المؤمن والمنافق وشرطاً للمغفرة ودخول الجنة.
أنه أصل الإيمان- كما قال ابن حجر.
أما القول بأن التلفظ بالشهادتين بدون استيقان القلب كافٍ في الإِيمان فهو مذهب غلاة المرجئة- والآيات والأحاديث الآنف ذكرها كلها تدل على فساده بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها، ولأنه يلزم منه تسويق النفاق والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح وهو باطل قطعاً (1) . والله أعلم.
الشرط الثالث: الإخلاص.
الإخلاص: لغة: مصدر أخلص يخلص. وهو يرد لمعانٍ. منها: تنقية الشيء وتهذيبه. تقول: أخلصت السمن: أي جعلته خالصاً. وأخلص لله دينه: أمحضه وترك الرياء فيه. فهو عبد مخلص. وأخلص الشيء: اختاره.
وقرئ: {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (2) بكسر اللام وفتحها- قال ثعلب: يعني بالمخلِصين: الذين أخلصوا العبادة لله تعالى، وبالمخلَصين: الذين أخلصهم الله عز وجل.
وقال الزجاج في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً ... } الآية وقرئ: مخلِصاً. والمخلَص: الذي جعله الله مختاراً خالصاً من الدنس. والمخلِص: الذي وحد الله تعالى خاصاً. ولذلك قيل لسورة قل هو الله أحد سورة الإخلاص. قال ابن الأثير: سميت بذلك لأنها خالصة في صفة الله تعالى وتقدس. أو لأن اللافظ بها قد أخلص التوحيد لله عز وجل. وسميت كذلك- لا إله إلا الله- كلمة الإخلاص لأن اللافظ بها قد أخلص التوحيد لله عز وجل.
وحقيقة الإخلاص: هو تصفية العمل لله بالتبري من دونه.(37/125)
قال الغزالي- في بيان حقيقة الإخلاص-: "اعلم أن كل شيء يتصّور أن يشوبه غيره فإذا صفا عن شوبه وخلص عنه سمي خالصاً، ويسمى الفعل المصفى: المخلص. والتصفية إخلاصاً. قال تعالى: { ... مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ} (1) ... والإخلاص يضاده الإشراك ... فمهما كان الباعث واحداً على التجرد سمي الفعل الصادر عنه إخلاصاً ... ولكن العادة جارية بتخصيص اسم الإخلاص بتجريد قصد التقرب إلى الله تعالى عن جميع الشوائب ... ".
فمن لم يخلص العبادة لله تعالى بأن أراد بها الرياء أو السمعة أو الدنيا أو نحوها لم يحقق الشهادة لانتفاء شرط الإخلاص. قال شيخ الإسلام ابن تيميه: "وأصل الإسلام أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فمن طلب بعبادته الرياء والسمعة فلم يحقق شهادة أن لا إله إلا الله …" لأنه لم يخلص في مقتضاها.
وإليك بعض الأدلة من الكتاب والسنة التي تشير إلى هذا الشرط:
فمن الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ , أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ …} الآية (2) .
وقوله تعالى: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي} .
وقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ... } الآَية (3) .
ومن السنة ما يضيق عنه المقام. منها: ما يلي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " (4) .(37/126)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسأل عن هذا الحديث أحد أوَّل منك لما رأيت من حرصك على الحديث. أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ". وفي رواية "خالصة من قلبه " (1) .
وعن عتبان بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل " (2) .
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني لأرجو ألا يموت أحد يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه فيعذبه الله عز وجل " (3) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قال عبد لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه، إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر" (4) .
وعن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة".
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا إله إلا الله كلمة عظيمة كريمة على الله تعالى من قالها مخلصا ستوجب الجنة ومن قالها كاذباً عصمت ماله ودمه وكان مصيره إلى النار".
والمراد هنا: الإخلاص فيما تقتضيه لا إله إلا الله من العبودية لله وحده لا شريك له.
هذه بعض الأدلة من الكتاب والسنة التي توكد شرطية الإخلاص وأهميته. بل هو حقيقة الإسلام. قال شيخ الإسلام: "وأما الإخلاص فهو حقيقة الإسلام إذ "الإسلام "هو الاستسلام لله لا لغيره كما قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ ... } ف من لم يستسلم لله فقد استكبر، ومن استسلم لله ولغيره فقد أشرك وكل من الكبر والشرك ضد الإسلام، والإسلام ضد الشرك والكبر".(37/127)
ومن هنا يتبين لنا أنه لا ينتفع قائلوا الشهادة- وإن كانوا عالمين بمعناها علماً يقينا إلا إذا كانوا مخلصين في عبادتهم لله وحده. والمخلصون هم: الذين كانت أعمالهم كلها لله- سواء كانت قلبية أو قوليه أو عملية- لله وحده لا شريك له لا يريدون بها من الناس جزاءً ولا شكورا ولا ابتغاء الجاه عندهم، ولا طلب المحمودة والمنزلة في قلوبهم، ولا هرباً من ذمهم.
فلابد من الإخلاص لله تعالى في جميع أنواع العبادة، وهو ما تقتضيه شهادة أن لا إله إلا الله قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في قوله تعالى: { ... فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (1) : "إنه ربكم وخالقكم ومن قبلكم وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة فلا ترغبوا عنه إلى غيره بل أخلصوا له العبادة بجميع أنواعها فيما تطلبونه من قليل أو كثير"
ولم يحقق الإخلاص لله تعالى من دعا غيره وإن كان نبيا أو صالحاً أو ملكاً أو استشفع بجاههم أو ذاتهم إلى الله تعالى في طلب خير أو كشف ضر قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً , أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} (2) .
كذلك لم يحقق الإخلاص لله تعالى من أطاع غيره وغير رسوله في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله عن رضا وطمأنينة قلب- قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (3) أي اتبعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله. فسرها بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده (4) .(37/128)
هذا: هو الإخلاص المشترط في الشهادة، فالعمل لا يقبل إذا لم يكن خالصاً وإن كان صواباً. قال الفضيل بن عياض: في قوله تعالى: { ... لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ... } الآية (1) . قال: "أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص: أن يكون لله. والصواب: أن يكون على السنة. وذلك تحقيق قوله تعالى: { ... فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} (2) (3) .
الشرط الرابع: الصدق المنافي للكذب.
الصدق: لغة: مصدر صدق- تقول: صدق يصدق صَدقا وصِدقا- يفتح ويكسر والكسر أفصح- أو الفتح للمصدر، والكسر للاسم. ضد الكذب. وهو مطابقة الكلام للواقع بحسب اعتقاد المتكلم. والشجاعة، والصلابة والشدة، ومحض النصيحة والإخاء وكل ما نسب إلى الخير والصلاح أضيف إلى الصدق والأمر الصالح لا شية فيه من نقص أو كذب. وفي التنزيل قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ... } الآية (4) (5)
والمراد هنا: أن يقول المرء لا إله إلا الله صادقاً من قلبه بمعناها ومقتضاها صدقاً منافياً للكذب.
قال تعالى: {الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ, وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} .(37/129)
وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ, يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ, فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (1) .
وقال تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ... } الآي ة.
وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} (2)
وقال تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (3) .
وقال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (4) .
عن ابن عباس قال: "من جاء بلا إله إلا الله".
وقال ابن القيم: "هو من شأنه الصدق في قوله وعمله وحاله فالصدق في الأقوال: استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها، والصدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد، والصدق في الأحوال: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص واستفراغ الوسع وبذل الطاقة فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به تكون صدقيته".
من كلام ابن القيم يتضح أن الصدق الواجب وهو ما دلت عليه الآيات- بمعنى الشهادة ومقتضاها قولاً وعملاً وحالاً.(37/130)
هذه بعض الأدلة من الكتاب- وهي- كما نرى- إما وعيد للكاذبين أو وعد للصادقين.
أما الأدلة من السنة- فيضيق عنها المقام- وإليك البعض منها:
قوله صلى الله عليه وسلم في الأعرابي الذي علمه شرائع الإسلام: "أفلح إن صدق " (1) . وهذا الحديث صريح في شرطية الصدق في الأقوال وفي الأعمال (في الصلاة والصيام والزكاة ... ) وهي من مقتضيات لا إله إلا الله.
وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى- ومعه نفر من قومه- "ابشروا وبشروا من ورائكم: أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقاً بها دخل الجنة" (2) .
وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ " ... ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار ... " الحدي ث.
وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البزار في مسنده عن عياض الأنصاري رفعه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لا إله إلا الله كلمة على الله كريمة لها عند الله مكان، وهي كلمة من قالها صادقاً أدخله الله بها الجنة ومن قالها كاذباً، حقنت دمه، وأحرزت ماله، ولقي الله غداً فحاسبه " (3) .
وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد عن رفاعة الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صِدقاً من قلبه ثم يسدد إلا سلك الجنة" (4)(37/131)
هذه بعض الأدلة من الكتاب والسنة التي تأمر بالصدق بلا إله إلا الله. وهي كما نرى- فيها: وعد لمن قالها صادقاً بأن يحرمه الله على النار ويدخله الجنة. فأما من دخل النار من أهل هذه الكلمة فلقلة صدقه في قولها، فإن هذه الكلمة إذا صدق قائلها طهر قلبه من كل ما سوى الله، ومتى بقي في القلب أثر سوى الله فمن قلة الصدق في قولها (1) . والمراد بالصدق- الصدق بمعناها ومقتضاها قولاً وعملاً وحالاً- كما اتضح من قوله ابن القيم رحمه الله- آنفاً. أما من قالها بلسانه فقط ولم يواطئ قوله ما في قلبه- كالمنافقين- فقوله كذب (2) ولم يحقق شيئاً من هذا الشرط. قال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (3) .
الشرط الخامس: المحبة.
المحبة لغة: اسم للحب. والحب: نقيض البغض، وهو الوداد كما يأتي ويراد به: الجرة، والخشابات الأربع التي توضع عليها الجرة ذات العروتين- جمعه: أحباب، وحِببه، وحِبان، وحبوب (4) .
وفي اصطلاح الفلاسفة: ميل إلى الأشخاص أو الأشياء العزيزة أو الجذابة أو النافعة.
والمراد هنا: المحبة، وهي: المودة والرغبة للا إله إلا الله، ولما اقتضته ودلت عليه من الأقوال والأفعال محبة منافية لضدها. ومن ذلك: أن يكون الله سبحانه ورسوله أحب إليه مما سواهما، والمحبة لأهلها العاملين بها الملتزمين بشروطها، وبغض من ناقض ذلك.
ذلك أنه لا يحصل لقائلها معرفة وقبول إلا بالمحبة، لأن المحبة تدل على الإخلاص المنافي للشرك، ومن أحب الله تعالى أحب دينه.
قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ... } الآية (5) .(37/132)
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ …} الآية (1) .
وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2) .
وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِه..} (3)
وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار" (4) .
وعن أبي رزين العقيلي أنه قال يا رسول الله ما الإيمان؟ فقال: "أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما ... " الحديث (5) .
وقوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين " (6) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه " (7) .
هذه بعض الأدلة من الكتاب والسنة التي تؤكد وجوب محبة الله ورسوله وتقديمهما على كل محبوب. وهو ما تقتضيه لا إله إلا الله وعليه فالمحبة لله ورسوله المشروطة- هنا- لابد أن تكون أكثر من محبة غيرهما.(37/133)
وانتفاء هذه المحبة ردة- كما قال ابن تيميه- وهو يتكلم عن المرتد ".... أو كان مبغضاً لرسوله أو لما جاء به اتفاقاً".
بل إن من ساوى بين محبة الله ورسوله وبين محبة غيرهما فليس بمؤمن فضلاً عمن أحب ما سوى الله ورسوله أكثر من محبتهما. قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ... } الآية (1) .
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآنف ذكره عندما سأله أبو رزين عن الإِيمان فقال: "أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما" (2) .
ومحبة الله ورسوله لا تتحقق إلا باتباع ما بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ... } الآية (3) .
قال ابن كثير: "هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية بأنه كاذب ... حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله" (4) .
وقال يحي بن معاذ: "ليس بصادق من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده".
وقال أبو يعقوب النهرجوري: "كل من ادعى محبة الله ولم يوافق الله في أمره فدعواه باطلة".
ومن تمام محبة الله محبة ما يحبه وكراهة ما يكرهه. فمن أحب شيئاً مما يكرهه الله أو كره شيئاً مما يحبه الله لم يكمل توحيده وصدقه في قول لا إله إلا الله، وكان فيه من الشرك بحسب ما كرهه مما يحبه الله، وما أحبه مما يكرهه الله. ولذلك ذم سبحانه وتعالى هؤلاء فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (5) وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (6) (7) .(37/134)
وفي صحيح الحاكم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء وأدناه أن تحب على شيء من الجور أو تبغض على شيء من العدل ... " الحديث (1) . قال ابن رجب- بعد سياقه هذا الحديث- "وهذا نص في أن محبة ما يكرهه الله وبغض ما يحبه متابعة للهوى، والموالاة على ذلك والمعاداة فيه من الشرك الخفي" (2) .
وعلامة حب العبد ربه تقديم محابه وإن خالفت هواه، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله ومعاداة من عاداه، واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتقديمها على غيرها من السنن (3) .
ومن المعلوم أن الجوارح تعمل- في الغالب- بمقتضى الحب والبغض، يدفعها حب الشيء إلى عمله وبغض الشيء إلى تركه ولذا إذا تمكنت محبة الله تعالى في القلب لم تنبعث الجوارح إلا إلى طاعته عز وجل وهذا- كما قال ابن رجب (4) - هو معنى الحديث الإلهي الذي خرّجه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه- وفيه " ... ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ... "
الح ديث (5) .
قال الفاكهاني: "يحتمل ... أن يكون معنى سمعه مسموعه، لأن المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثل فلان أملي بمعني مأمولي، والمعنى أنه لا يسمع إلا ذكري ولا يلتذ إلا بتلاوة كتابي ولا يأنس إلا بمناجاتي ولا ينظر إلا في عجائب ملكوتي ولا يمد يده إلا في رضاي ورجله كذلك". وبمعناه قال ابن هبيرة (6) - وهذا يؤيد ما قاله ابن رجب- آنفا- في معنى الحديث.
الشرط السادس: الانقياد.
الانقياد: لغة: الخضوع والذل. تقول قدته فانقاد واستقاد لي- إذا أعطاك مقادته.
وفي حديث علي: قريش قادة ذادة. أي يقودون الجيوش. وهو جمع قائد (7) .(37/135)
والمراد هنا: الانقياد التام للا إله إلا الله ولما اقتضته ظاهراً وباطنا انقياداً منافياً للترك.
ويحصل الانقياد بالعمل بما فرضه الله وترك ما حرمه والتزام ذلك. لأن الإسلام حقيقة: أن يسلم العبد بقلبه وجوارحه لله، وينقاد له بالتوحيد والطاعة. (1)
قال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} (2) .
وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ... } (3) .
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ... } (4) .
والآيات - كما نرى- تدل على وجوب الإسلام لله تعالى.
والمراد هو: الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد لما جاء به الرسول صلى الله عيه وسلم عن ربه سبحانه وتعالى بالطاعة، وذلك بالعمل بما فرضه الله وترك ما حرمه والتزام ذلك. ولا ينتفع قائل لا اله إلا الله بها إلا بهذا الانقياد. قال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ... } الآية. والعروة الوثقى- كما قال ابن عباس وابن جبير والضحاك- هي: لا إله إلا الله (5) .
وكما أن الاستسلام لله واجب كذلك الاستسلام لرسوله صلى الله عليه وسلم واجب، فلا يسمى الإنسان مؤمناً إلا به ولذا أقسم الحق بنفسه مؤكداً هذا الواجب. فقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} .
قال ابن القيم- في تفسير هذه الآية- أقسم سبحانه على نفي الإيمان عن العباد حتى يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما شجر بينهم".(37/136)
وقال الدكتور عبد الحليم محمود:"والتحكيم إذا كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حال حياته فإنه لسنته وتعاليمه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى".
هذه بعض الأدلة من الكتاب.
أما من السنة: فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له أطاع بها قلبه وذل بها لسانه، وشهد أن محمداً رسول الله حرمه الله على النار".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال لا إله إلا الله تنفع من قالها وترد عنهم العذاب والنقمة ما لم يستخفوا بحقها. قالوا: يا رسول الله وما الاستخفاف بحقها؟ قال: أن يظهر العمل بمعاصي الله فلا ينكر ولا يغير".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" (1) .
هذه الأحاديث- كما نرى- تدل على وجوب الانقياد للا إله إلا الله إذ في الحديث الأول وعد لمن انقاد بأن يحرمه الله على النار وفي الحديث الثاني والثالث- وعيد لمن لم ينقاد- في الحديث الثاني: بعدم نفع لا إله إلا الله. والثالث: بإباحة دمه.
وهذا الانقياد المشروط للا إله إلا الله. لا يكون تاماً كاملاً إلا باتباع جميع ما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكون هواه وهو ما تميل إليه النفس. تبعاً لما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ولذا قال صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " (2) . والمراد نفي الإيمان الكامل.
وفي رواية "لن يستكمل مؤمن إيمانه حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ".
الشرط السابع: القبول.
القبول لغة: مصدر قبل الشيء وتقبله.
وهو يرد لمعانٍ.. منها: أخذ الشيء عن طيب خاطر.
تقول: قبلت الهدية أقبلها قبولاً. إذا أخذتها.(37/137)
والرضاء بالشيء: تقول: قبلت الشيء أقبله قبولاً، إذا رضيته وميل النفس إلى الشيء. تقول: على فلان قبول، إذا قبلته النفس. وفي الحديث: "ثم يوضع له القبول في الأرض ".
وهو بفتح القاف: المحبة والرضاء بالشيء، وميل النفس إليه.
كما يأتي القبول: ويراد به الصبا- وهي: ريح تقابل الدبور. قال الأخطل:
(. ........................
فإن الريح طيبة قبول)
ويأتي أيضاً- ويراد به القابلة من النساء- وهي: المرأة التي تأخذ الولد عند الولادة.
قال الأعشى: "...... كصرخة حبلى أسلمتها قبيلها"ويروى: "قبولها"أي: يئست منها (1)
والمراد هنا: القبول للا إله إلا الله ولما اقتضته بالقلب واللسان وسائر الجوارح قبولاً منافياً للرد فلا يرد هذه الكلمة أو شيئاً من مقتضياتها، التي جاء بها الحق بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الشهادة قد يقولها من يعرف معناها لكنه لا يقبل ممن دعاه إليها بعض مقتضياتها إما كبراً أو حسداً أو غير ذلك. فهذا لم يحقق شرط القبول.
والأدلة على هذا الشرط من الكتاب والسنة كثيرة.
منها: قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} وجه الدلالة: أن الله تعالى وعد في هاتين الآيتين بالنجاة والنصر للمؤمنين الذين قبلوا ما تضمنته الشهادة.(37/138)
وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ, وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ, بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ, إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ, وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ, إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ, أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ, فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ, فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (1) .
ففي هذه الآيات- كما نرى- وعيد بالعذاب الأليم في الآخرة لمن لم يقبل معنى لا إله إلا الله وما تضمنه من الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم كما أن فيها وعداً بالنعيم في جنات النعيم لمن قبل ذلك.
وقال تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ, أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب, وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ , مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ, أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} (2) .
في هذه الآيات- أيضاً- بيان بأن العذاب الذي سيذوقه الكفار في الآخرة سببه تكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم وردهم ما بلغه إليهم من معنى الشهادة.(37/139)
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ, قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ, فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} .
وفي هذه الآيات- أيضا- إخبار بأن عاقبة المكذبين بالرسل العذاب لردهم ما تضمنته لا إله إلا الله.
فالآيات - كما نلاحظ- إما وعد بالنعيم لمن قبل معنى لا إله إلا الله. أو وعيد بالعذاب لمن لم يقبل ذلك.
كل ذلك دليل على اشتراط القبول.
هذه بعض الآيات القرآنية التي تضمنت اشتراط القبول لمعنى الشهادة.
وأما من السنة فمنها: ما روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" (1) متفق عليه.
والشاهد: قوله " ... ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ".
ومن هديه صلى الله عليه وسلم: شهادة أن لا إله إلا الله (معناها ومقتضاها) والحديث ظاهر في عدم انتفاع من لم يقبل ذلك الهدى. وعليه فلا ينتفع قائل الشهادة إذا لم يقبل معناها ومقتضاها.
وقوله صلى الله عليه وسلم "من قبل مني الكلمة التي عرضتها على عمي فردها علي، فهي له نجاة" (2) .(37/140)
والشاهد: قوله "من قبل مني الكلمة ... " حيث اشترط القبول للشهادة حتى ينجو صاحبها. كل ذلك دليل على اشتراط القبول للشهادة.
وبذلك يتضح أن القبول للا إله إلا الله ولما اقتضته يتحقق بالقلب، وذلك بانشراحه لهذه الكلمة ولما اقتضته من أوامر ونواهي. وباللسان وسائر الجوارح، فلا يتكلم أو يعمل عملاً فيه رد لهذه الكلمة أو شيئا من مقتضياتها. والله أعلم.
الخاتمة
بسم الله بدأنا وبحمده والشكر له ختمنا، ونصلي ونسلم على نبينا محمد وصحبه، وبعد: فإلى القارئ الكريم بعض النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث المتواضع، إنه من دراستي لشهادة أن لا إله إلا الله- معناها، وتحقيقها، ومتى ينتفع الإنسان بها، وأركانها، وشروطها. توصلت إلى نتائج مهمة منها ما يلي:
الأولى: أن معنى لا إله إلا الله، هو: لا معبود بحقِ إلا الله، وأن الإله هو: المألوه أي المعبود. وأنه بهذا يبطل ما يعتقده عباد القبور اليوم وأمثالهم من أن معنى لا إله إلا الله هو الإقرار بوجود الله، أو أنه هو الخالق القادر على الاختراع وأشباه ذلك أو أن معناها لا حاكمية إلا لله، وأن من أقر بذلك فقد حقق التوحيد المطلق ولو فعل ما فعل من عبادة غير الله كالاعتقاد بالأموات، والطواف بقبورهم والتبرك بتربهم ونحو ذلك.
الثانية: أن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، هو: أن لا نعبد إلا الله وحده بالقلب واللسان وسائر الجوارح، فلو عبدناه بالقلب وحده لأصبحنا معاندين كفرعون ومن على شاكلته ولو عبدناه باللسان وسائر الجوارح من دون القلب لأصبحنا منافقين. ولو عبدناه باللسان وحده لأصبحنا كافرين، فلابد من اجتماع الأمور الثلاثة، مع نفي استحقاق أي مخلوق لأي نوع من أنواع العبادة التي لا تصح إلا لله.
الثالثة: أن قائل لا إله إلا الله لا ينتفع بها إلا إذا حقق أركانها وشروطها ومات على ذلك لم يرتكب ناقضاً من نواقضها، وأن قول من قال بأن مجرد التلفظ بها يكفي وهم باطل.(37/141)
الرابعة: أن أركان لا إله إلا الله: هي أجزاؤها التي لا تتحقق بدونها وهي: اثنان، نفي: وحدّ5 لا إله، والمراد به نفي الإلهية الحقة عما سوى الله من سائر المخلوقات. والإثبات: وحدّه إلا الله، والمراد به إثبات الإلهية الحقة لله وحده لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه
الخامسة: أن شروط الشيء هي التي لا يصح إلا بتوفرها، ولذا فإن لا إله إلا الله لا تصح إلا بتوفر شروطها، وهي سبعة، العلم، واليقين، والإخلاص، والصدق، والمحبة، والانقياد، والقبول.
السادسة: أن العلم بلا إله إلا الله (بمعناها ومقتضاها المستلزم للعمل) أحد شروطها التي لا تصح إلا بها، وأن العلم بها يتفاوت، وبقدر العلم والجهل يحصل التفاضل في الإيمان بها.
السابعة: أن اليقين بشهادة أن لا إله إلا الله المنافي للشك أحد شروطها التي لا تصح إلا بها، وهو الفارق بين المؤمن والمنافق، بل إنه أصل الإيمان - كما قال ابن حجر، وأن القول بأن التلفظ بالشهادتين بدون استيقان القلب كاف في الإيمان مذهب غلاة المرجئة، وهو قول باطل بدليل النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة ولما يلزمه من تسويق النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح، وهو باطل قطعاً.
الثامنة: أن الإخلاص لله تعالى فيما تقتضيه لا إله إلا الله من العبودية لله وحده لا شريك له، أحد شروط لا إله إلا الله التي لا تصح إلا بها، بل هو حقيقة الإسلام وأن المخلص: هو من كانت أعماله كلها لله سواء كانت قلبية أو قوليه أو عملية لا يدفعه إليها إلا محبة الله وخوفه ورجاؤه وحده لا شريك له
التاسعة: أنه لم يحقق الإِخلاص لله تعالى من دعا غيره مهما كانت منزلته من نبي أو غيره، أو استشفع بجاههم أو ذاتهم في طلب خير أو كشف ضر. أو أطاع غيره سبحانه وغير رسوله في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله عن رضا وطمأنينة قلب.(37/142)
العاشرة: أن الصدق بمعنى لا إله إلا الله ومقتضاها قولاً وعملاً وحالاً أحد شروطها التي لا تصح إلا بها.
الحادية عشر: أن من شروط لا إله إلا الله المحبة لها ولما اقتضته ودلت عليه من أقوال وأفعال محبة منافية لضدها، ومن ذلك أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما والمحبة لأهلها العاملين بها وبغض من ناقض ذلك. وانتفاء هذه المحبة ردة بل إن من ساوى بين محبة الله ورسوله وبين محبة غيرهما فليس بمؤمن فضلاً عمن أحب ما سوى الله ورسوله أكثر من محبتهما. وهذه المحبة لا تتحقق إلا باتباع ما بلّغه الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن تمام هذه المحبة محبة ما يحبه الله وكراهة ما يكرهه.
وعلامة محبة العبد ربه تقديم محابه وإن خالفت هواه، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله ومعاداة من عاداه واتباع سنته صلى الله عليه وسلم وتقديمها على غيرها من السنن. ومتى تمكنت هذه المحبة في القلب لم تنبعث الجوارح إلا إلى طاعته عز وجل.
الثانْية عشر: أن الانقياد التام للا إله إلا الله ولما اقتضته ظاهراً وباطناً انقياداً منافياً للترك، أحد شروط لا إله إلا الله. ويحصل هذا الانقياد بالعمل بما فرضه الله وترك ما حرمه والتزم ذلك وهذا الانقياد لا يكون تاماً إلا باتباعِ جميع ما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكون هواه، وهو ما تميل إليه النفس تبعاً لما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم.
الثالثة عشر: أن من شروط لا إله إلا الله القبول لها بالقلب واللسان وسائرِ الجوارح، وذلك بانشراحه لهذه الكلمة، ولما اقتضته، وألا يتكلم أو يعمل شيئاً فيه رد لهذه الكلمة أو لشيء من مقتضياتها.
والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
فهرس المراجع
1- القرآن الكريم.
2- إتحاف المسلمين بما تيسر من أحكام الدين- عبد العزيز المحمد السلمان- ط الأولى 1403 هـ- مطابع الإشعاع.(37/143)
3- إحياء علوم الدين- أبي حامد محمد بن محمد الغزالي- دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان.
4- أصول الفقه الإسلامي- زكي الدين شعبان- ط 1988م- مؤسسة الصباح للنشر والتوزيع.
5- إعلام الموقعين عن رب العالمين- شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية- ط 1388 هـ- الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية.
6- الإقناع- لشيخ الإسلام أبي النجا شرف الدين موسى الحجاوي المقدسي- دار المعرفة، بيروت لبنان.
7- بيان مسائل الكفر والإيمان- عمر عبد القيوم أحمد- ط الأولى 1413 هـ- مطابع البادية للأوفست.
8- تاج العروس من جواهر القاموس- محمد مرتضى الزبيدي- ط الأولى 1306 هـ- دار مكتبة الحياة، بيروت.
9- تاريخ بغداد- للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي- دار الفكر للطباعة والنشر.
10- الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيميه- تحقيق زهير الشاويش- ط الثالثة 1400 هـ- المكتب الإسلامي.
11- الترغيب والترهيب- للحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري- ط 1407 هـ- دار الحديث المعاصرة.
12- التعريفات- للعلامة علي بن محمد الشريف الجرجاني- ط 1978م- مكتبة لبنان، بيروت.
13- تفسير البغوي- للإمام محيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي- دار طيبة للنشر والتوزيع 1412 هـ.
14- تفسير ابن عباس- المطبوع بحاشية الدر المنثور للسيوطي- دار المعرفة بيروت، لبنان.
15- تفسير ابن كثير- للحافظ إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي- ط 1388 هـ- دار المعرفة بيروت، لبنان.
16- تفسير المراغي- أحمد مصطفى المراغي- ط الثانية 1985 م- دار إحياء التراث العربي، بيروت.
17- التمهيد في الرد على الملحدة والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة- أبي بكر محمد بن الطيب بن الباقلاني- ط 1366 هـ- الناشر: دار الفكر العربي.(37/144)
18- تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد- للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب- مكتبة الرياض الحديثة بالرياض.
19- جامع الأصول في أحاديث الرسول- مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري- ط 1389 هـ- الناشر: مكتبة الحلواني، مطبعة الملاح، مكتبة دار البيان.
20- جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم- عبد الرحمن بن شهاب الدين أحمد بن رجب- مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، القاهرة 1382 هـ.
21- الجامع الكبير- للعلامة جلال الدين عبد الرحمن السيوطي- نسخة مصورة عن مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 95، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
22- حقيقة لا اله إلا الله- صالح الفوزان- ط الأولى- مكتبة السنة بالقاهرة 1412 هـ.
23- الدر المنثور في التفسير بالمأثور- للإمام جلال الدين السيوطي- دار المعرفة بيروت، لبنان.
24- دلائل النبوة ومعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم - عبد الحليم محمود- ط 1405 هـ- مؤسسة دار الشعب بالقاهرة.
25- روضة الناظر وجنة المناظر- موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي- ط 1385 هـ- المطبعة السلفية ومكتبتها بالقاهرة.
26- سنن الترمذي- محمد بن عيسى بن سورة الترمذي- ط الأولى 1385 هـ- مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.
27- الصحاح- إسماعيل بن حماد الجوهري- ط 1376 هـ- مطابع دار الكتاب العربي بمصر.
28- صحيح البخاري- للإمام محمد بن إسماعيل البخاري (المطبوع مع شرحه فتح الباري) - نشر وتوزيع رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية.
29- صحيح ابن حبان- للحافظ محمد بن حبان البستي- ط الأولى 1404 هـ.
30- صحيح مسلم- للإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري (المطبوع مع شرحه للنووي) - ط 1401 هـ- دار الفكر للطباعة والنشر.(37/145)
31- العدة لأصول الفقه- للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء البغدادي- ط الأولى 1400 هـ- مؤسسة الرسالة بيروت، لبنان.
32- فتح الباري- للإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني- نشر وتوزيع رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء ... بالمملكة العربية السعودية.
33- فتح القدير- محمد بن علي الشوكاني- ط 1401 هـ- دار الفكر للنشر والتوزيع.
34- فتح المجيد- عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ- ط السابعة 1377 هـ- مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة.
35- الفردوس بمأثور الخطاب- أبي شجاع شيرويه شهر دار بن شيرويه الديلمي- ط الأولى 1406 هـ- دار الكتب العلمية بيروت، لبنان.
36- قرة عيون الموحدين (بهامش كتاب التوحيد) - عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب- ط الأولى 1411 هـ- مكتبة دار البيان والمؤيد.
37- كشف الأستار عن زوائد البزار- نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي- ط الأولى 1399 هـ- مؤسسة الرسالة بيروت، لبنان.
38- كشف الشبهات- للشيخ محمد بن عبد الوهاب- ط 1372 هـ- مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة.
39- الكلام المنتقى مما يتعلق بكلمة التقوى لا إله إلا الله- للشيخ سعيد بن حجي الحنبلي- مطبعة المنار بمصر سنة 1349 هـ.
40- كلمة الإخلاص وتحقيق معناها- للحافظ ابن رجب الحنبلي- ط الأولى 1408 هـ- دار الصحابة للتراث بطنطا.
41- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال- للعلامة علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري- ط الخامسة 1405 هـ- مؤسسة الرسالة بيروت.
42- الكواشف الجلية عن معاني الواسطية- عبد العزيز المحمد السلمان- ط الثانية 1390 هـ- مطبعة السعادة.
43- لسان العرب المحيط- للعلامة ابن منظور- دار لسان العرب بيروت، لبنان.
44- مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيميه- جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم- تصوير الطبعة الأولى 1398 هـ- مطبعة دار العربية بيروت.(37/146)
45- مختار الصحاح- للشيخ محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي رحمه الله تعالى- دار نهضة مصر للطبع والنشر، الفجالة مصر.
46- مختصر العقيدة الإسلامية- تأليف: طارق سويدان- ط الثالثة- دار الدعوة الكويت.
47- مدارج السالكين- للإمام ابن قيّم الجوزية- ط 1392 هـ- دار الكتاب العربي بيروت، لبنان.
48- مسند الإمام أحمد- للإمام أحمد بن حنبل- ط الخامسة 1405 هـ- المكتب الإسلامي للطباعة والنشر بيروت، لبنان.
49- مسند أبي يعلى- للحافظ أحمد بن علي بن المثنى التميمي- ط الثانية 1410 هـ- دار المأمون للتراث.
50- معارج القبول- للشيخ حافظ أحمد حكمي- ط الأولى 05 هـ- دار ابن القيّم للنشر والتوزيع، الدمام.
51- معجم ألفاظ القرآن الكريم- مجمع اللغة العربية- مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب.
52- معجم متن اللغة- للعلامة أحمد رضا- ط 1377 هـ- دار مكتبة الحياة بيروت، لبنان.
53- معجم مقاييس اللغة- لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا- ط الثالثة 1402هـ- مكتبة الخانجي بمصر.
54- المعجم الوسيط- مجمع اللغة العربية- ط الثانية 1392 هـ- مطابع دار المعارف بمصر.
55- المعلم بفوائد مسلم- للإمام أبي عبد الله محمد بن علي بن عمر المازري- ط الأولى- دار الغرب الإسلامي بيروت، لبنان.
56- المفهم على صحيح مسلم- أبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري- ط الأولى 1413 هـ- دار الكتاب المصري، دار الكتاب اللبناني.
---
(1) آية 25 الأنبياء.
(2) آية 25 الأنبياء.
(3) آية 36 سورة النحل.
(4) آية 5 سورة ص.
(5) آية 70 سورة الأعراف.
(6) آية 9 سورة الزخرف.
(7) آية 3 سورة الزمر.
(8) آية 5 سورة ص.
(9) انظر: التدمرية ص 120، وكشف الشبهات ص 9. وتيسير العزيز الحميد ص 53-54، 36-57. وحقيقة لا إله إلا الله ص 63-64 (يتصرف) .
(10) الفتاوى ج 1 ص 333 وانظر الفتاوى ج1 ص 8 61.(37/147)
(1) رواه البخاري في الرقاق باب العمل الذي يبتغي به وجه الله جـ1 ص 241. ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر ج5 ص 160.
(2) رواه البخاري عن أنس بن مالك في كتاب العلم باب: من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفرقوا ج1 ص 226.
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً ج1 ص 226.
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان باب من مات لم يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ج2 ص 94.
(5) انظر: تيسير العزيز الحميد ص65- 67- 69. وفتح المجيد ص84 (الحاشية) .
انظر: معجم متن اللغة مادة ركن ج2 ص 642-643، والصحاح للجوهري مادة ركن ج 5ص26 21 ولسان العرب مادة ركن ج1 ص1219، ومختار الصحاح مادة ركن ص 255.
التعريفات ص 117.
نفس المصدر السابق.
انظر: أصول الفقه الإسلامي ص 314- 315.
آية 62 الحج
(6) انظر الكواشف الحلة ص 21، الفتاوى ج14 ص171-172.
(7) انظر: معجم مَتن اللغة مادة شرط ج3 ص 304، والمعجم الوسيط مادة شرط ج1ص 478.
(8) التعريفات ص 131.
روضة الناضر ص 135.
(9) إتحاف المسلمين بما تيسر من أحكام الدين ج1 ص 122.
أصول الفقه الإسلامي ص 315.
(10) لم أقف على قائله.
(11) معارج القبول ج 2 ص 418-419.
(12) آية 60 الأنفال.
آية 26-27 يس.
آية 10 الممتحنة.
انظر لسان العرب مادة علم جـ2ص870-871 المعجم الوسيط مادة علم جـ2ص624 ومعجم متن اللغة مادة علم جـ4ص194.
هذا التعريف للقاضي أبي بكر انظر التمهيد ص34.
(13) جـ1ص76.
التمهيد للباقلاني ص34.
انظر الفتاوى جـ13ص200.
آية 19 سورة محمد.
فتح المجيد ص 36-37.
(14) آية 86 سورة الزخرف.
انظر: تفسير البغوي ج 7 ص 224، وتفسير المراغي ج25 ص 116 وفتح القدير ج4ص567.
آية 52 إبراهيم.
رواه مسلم في كتاب الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً ج1 ص 218. وأحمد في مسنده ج 3 ص11.(37/148)
رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقّ..} الآية ج6ص 474. ومسلم في كتاب الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً ج1 ص 223.
انظر: تيسير العزيز الحميد ص 53.
رواه ابن عساكر عن أنس. انظر: كنز العمال ج 1ـ ص 48 حديث 136.
(1) رواه البزار وابن خزيمة والخطيب عن عمران بن حصين. انظر: كشف الأستار عن زوائد البزار الجالون1 ص15. والجامع الكبير للسيوطي ج1ص802، وكنز العمال ج1 ص 68 برقم 257.
(2) فتح المجيد ص 38، وتيسير العزيز الحميد ص 56.
آية 5 سورة ص.
(3) انظر: كشف الشبهات ص 9، وفتح المجيد ص 35 (المتن والحاشية) .
(4) انظر: فتح المجيد ص 81.
(5) رواه البخاري في الإيمان باب زيادة الإيمان ونقصانه ج1 ص103.
المصدر نفسه.
(6) انظر: معارج القبول ج3 ص 5 100-1006.
(7) آية 28 فاطر.
(8) تفسير ابن كثيرجـ3 ص 553.
آية 9 الزمر.
المراد العالم العامل بعلمه، إذ أن العلم لا يسمى علماً إلا إذا كان نافعاً ولا يكون نافعاً إلا مع العمل.
آية 99 سورة الحشر.
آية 31 سورة الحاقة.
(9) انظر: لسان العرب مادة يقن جـ3 ص 1015، ومعجم متن اللغة مادة يقن جـ5 ص 838 والصحاح للجوهري مادة يقن جـ6ص 2219.
(10) انظر: التعريفات للجرجاني ص 280.
(11) انظر: بيان مسائل الكفر والإيمان ص 163-164، والكواشف الجلية ص 21 وفتح المجيد ص 35.
(12) آية 49 سورة الحجرات.
(13) آية 43 سورة التوبة.
رواه مسلم في كتاب الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاًج1 ص 224 وأحمد في مسنده ج3 ص 11 وانظر. كنز العمال حديت 116.
(14) رواه مسلم في كتاب الإيمان باب أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً ج1 ص 237.
(15) رواه أحمد في مسنده ج5 ص 229 وابن حبان وصحيحه برقم 203 ج 1 ص369 عن معاذ.(37/149)
رواه ابن حبان في صحيحه برقم151 ص312 وذكر السيوطي في الجامع الكبير جـ1ص96 وزاد نسبته لابن خزيمة وذكره علاء الدين في كنز العمال برقم 144 وقال حديث صحيح.
(1) رواه ابن حبان في صحيح بسند صحيح برقم 204 ج1ص370 (المتن والحاشية) وأخرجه أحمد في مسنده جـ1 ص 63, واالبزار: كشف الأستار ج1 ص13.
هذا طرف من أثر وصله الطبراني بسند صحيح. وبقيته (والصبر نصف الإيمان) وقد تعلق بهذا الأثر من قال: إن الإيمان مجرد التصديق. وأجيب بأن مراد ابن مسعود أن اليقين أصل الإيمان. انظر: فتح الباري ج1 ص 48.
(2) فتح الباري ج1ص 48.
(3) انظر. المفهم شرح صحيح مسلم ج1 ص 160.
والمعلم بفوائد مسلم للإمام أبي عبد الله محمد بن علي المازري ج1 ص 194.
(4) آية 83 ص.
آية 51 مريم.
انظر: لسان العرب مادة خلص جـ28 ص 26- 28 ومعجم مقاييس اللغة مادة خلص ج2ص208 والصحاح للجوهري مادة خلص ج3 ص 33 10 وتاج العروس مادة خلص ج4 ص 389- 390.
(5) انظر تاج العروس ج4ص390.
آية 66 النحل.
(6) الإحياء ج4 ص 379.
(7) انظر: فتح المجيد ص 38 والكلام المنتقى ص30.
(8) الفتاوى ج11 ص617.
آية 2-3 الزمر.
(9) آية 14 الزمر.
(10) آية 5 البينة.
(11) رواه مسلم في الزهد باب تحريم الرياء ج18 ص 115.
رواه البخاري وكتاب العلم باب الحرص على الحديث ج1 ص 193، وأحمد في مسنده ج2ص 373.
(12) رواه البخاري في الرقاق باب العمل الذي يبتغى به وجه الله ج11 ص 241، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر جـ5 ص160.
(13) رواه الديلمي والخطيب عن ابن عمر. كنز العمال ج1 ص51-52، والجامع الكبير للسيوطي ج1 ص310.
أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات باب رقم 127 برقم0 9 35 بإسناد حسن وانظر: جامع الأصول ج4 ص 392 (المتن والحاشية)
(14) رواه بن حبان في صحيحه. صحيح ابن حبان ج1 ص367 (المتن والحاشية) .(37/150)
(1) رواه ابن النجار عن دينار عن أنس. كنز العمال ج1 ص 62، والجامع الكبير للسيوطي ج1ص875.
آية 29 الزمر.
(2) الفتاوى ج10ص83.
انظر: مدارج السالكين ج1 ص83.
آية 22 البقرة.
(3) قرة عيون الموحدين ومجموعة التوحيد ص 30-1 3.
(4) آية 56-57 الإسراء.
آية31 التوبة.
انظر تفسير ابن كثير ج2 ص348-349.
آية 2 الملك.
آية 110 الكهف.
انظر مجموع الفتاوى شيخ الإسلام ج1 ص333.
آية 80 الإسراء.
(5) انظر: لسان العرب مادة صدق ج2 ص420- 421. ومعجم متن اللغةج3 ص 434، والصحاح للجوهري مادة صدق ج4 ص 1505-1506. والمعجم الوسيط مادة صدق ج1 ص511.
آية1-3 العنكبوت.
آية 8-10 البقرة.
آية 24 الأحزاب.
آية 69 النساء.
آية 119 المائدة.
(6) آية 33الزمر.
(7) الكواشف الجلية ص 22.
مدارج السالكين ج2ص270.
رواه البخاري في الإيمان باب:الزكاة من الإسلام ج1ص106. ومسلم في الإيمان باب: بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام ج1ص166-167 عن طلحة بن عبيد الله.
(8) رواه أحمد عن أبى موسى ج4ص402.
(9) رواه البخاري عن أنس بن مالك في كتاب العلم باب من خص العلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا ج1 ص 226.
(10) رواه البزار والديلمي وأبو نعيم عن عياض الأشعري. انظر. كشف الأستار عن زوائد البزار ج1 ص10، والفردوس بمأثور الخطاب جـ5 ص 8 حديث 7281، وكنز العمال جـ1 ص 64 والجامع الكبير للسيوطي ج1ص875.
(11) رواه أحمد في مسنده ج4 ص16.
انظر: كلمة الإخلاص ص51.
(12) انظر: مختصر العقيدة الإسلامية ص58.
آية 1 المنافقون.
انظر: معجم متن اللغة مادة حبب جـ2 ص6-8، ولسان العرب مادة حبب ج1ص 544.
(13) المعجم الوسيط ج1 ص151.
(14) انظر: مختصر العقيدة الإسلامية ص 38 وبيان مسائل الكفر والإيمان ص 167.
آية 165 البقرة.
(15) آية 54 المائدة.
(16) آية 31 آل عمران.
آية 24 التوبة.(37/151)
(1) رواه البخاري في كتاب الإيمان باب 14 جـ1 ص72، ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان ج2 ص13.
رواه أحمد ج4 ص11.
(2) رواه البخاري في كتاب الإيمان باب حب الرسول من الإيمان ج1ص58 , ومسلم في كتاب الإيمان باب وجوب محبة رسوله أكثر من الأهل ج2 ص15, وأحمد في مسنده ج3 ص177, 207.عن أنس.
رواه أحمد عن زهرة بن معين عن جده قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر…"مسند أحمد ج4 ص336.
(3) الإقناع جـ4 ص 297.
آية 165 البقرة.
(4) سبق تخريجه.
(5) آية 31آل عمران.
(6) تفسير ابن كثير جـ1 ص 358.
جامع العلوم والحكم ص340.
(7) نفس المصدر السابق.
آية 9 محمد.
(8) آية 28 محمد.
(9) انظر: كلمة الإخلاص ص38, وجامع العلوم والحكم ص340, والدر المنثور ج2 ص17.
رواه الحاكم في التفسير (تفسير آل عمران) ج2 ص291, وأبي نعيم في الحلية ج9 ص253.
(10) كلمة الإخلاص لابن رجب ص39.
(11) معارج القبول ج2 ص424.
انظر: كلمة الإخلاص ص43. والدر المنثور ج2 ص17. وجامع العلوم والحكم ص320.
رواه البخاري في الرقاق باب التواضع ج11 ص240-241, وانظر: جامع الأصول حديث7282.
(12) فتح الباري ج11ص344.
انظر: لسان العرب مادة قود ج3 ص184, والصحاح للجوهري مادة قود ج1 ص525, والمعجم الوسيط مادة قود ج2ص765.
انظر: مختصر العقيدة الإسلامية ص58.
(13) آية 54 الزمر.
آية 125 النساء.
آية 30 فصلت.
(14) آية 22 لقمان.
(15) انظر: تفسير ابن عباس ج4 ص219, وابن كثير ج1 ص311.
(16) آية 65 النساء.
(17) إعلام الموقعين ج1 ص51.
دلائل النبوة ومعجزات الرسول (صلى الله عليه وسلم) ص 264.
رواه الطبراني في الأوسط عن سعد ابن عبادة. انظر: كنز العمال حديت 207، والجامع الكبير للسيوطي ج1ص810.(37/152)
(1) رواه الحاكم والأصبهاني عن إبان عن أنس انظر: الجامع الكبير للسيوطي ج1ص 889، وكنز العمال حديث 223 ج 1ص 63، والترغيب والترهيب ج3 ص 231.
(2) رواه البخاري في الديات باب قوله تعالى:: {النفس بالنفس…} جـ12 ص 201 ومسلم في القسامة باب ما يباح به دم المسلم جـ11 ص 164، وأبو داود والنسائي انظر: جامع الأصول حديث 7729 جـ10 ص 213 (المتن والحاشية) .
(3) رواه الخطيب في تاريخه ج4 ص 369، والحكيم وأبو نصر السجزي في الإبانة عن ابن عمرو وقال: حسن غريب. انظر: الجامع الكبير للسيوطي جـ1 ص 918.
رواه الأصبهاني في الترغيب عن ابن عمر. انظر: الدر المنثور ج2 ص 17.
رواه البخاري في كتاب بدء الخلق باب 6 ج 6ص 303. ومسلم في كتاب البر باب إذا أحب الله عبدا وضع له القبول في الأرض ج16 ص 184 عن أبي هريرة.
(4) انظر: لسان العرب مادة قبل ج3 ص1 1 -14 والصحاح للجوهري ج5 ص1795-1796, ومعجم ألفاظ لقرآن الكريم ج2 ص 174.
(5) انظر: مختصر العقيدة الإسلامية ص 38.
آية 47 الروم.
(6) آية 35-43 الصافات.
(7) آية 4-8 ص.
(8) آية 23-25 الزخرف.
(9) رواه البخاري في العلم باب فضل من علم وعلم ج1 ص175, ومسلم في الفضائل باب: مثل ما بُعِث به النبي صلى الله عليه وسلم ج15 ص 46، وأحمد ج4 ص 399.
(10) رواه أحمدج1ص 6، والخطيب في تاريخه ج1ص272, والبزار انظر: كثف الأستار عن زوائد البزار ج1ص9, وأبو يعلى في مسنده ج1ص21, وابن أبي شيبة، والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي بكر الصديق وصححه. انظر: الجامع الكبير للسيوطي ج1ص815, وكنز العمال حديث 164 ج1ص53.(37/153)
دراسة تحليلية لأسئلة الثانوية العامة
في مادتي (الحديث والثقافة الإسلامية) و (التوحيد)
بالمملكة العربية السعودية في ضوء المستويات المعرفية
من عام 1405- 1410هـ
الدكتور عبد الله عبد الحميد محمود
أستاذ مساعد بقسم التربية- الجامعة الإسلامية- المدينة المنورة
الملخص:
تهدف هذه الدراسة لمعرفة المستويات التي تقيسها اختبارات الثانوية العامة في مادتي (الحديث والثقافة الإسلامية) و (التوحيد) في المملكة العربية السعودية خلال خمس سنوات تبدأ من 1405 وحتى 1410 هـ وفق تصنيف بلوم للمجال المعرفي، وقد استخدم لبلوغ ذلك المنهج الوصفي التحليلي لتلك الأسئلة. كما تم الاستفادة من آراء أصحاب الاختصاص الذين اقترحوا نسباً مئوية معينة لكل مستوى من مستويات المجال المعرفي على النحو التالي:
التذكر 25%، الفهم 30%، التطبيق 25%، القدرات العقلية العليا 20%، باستخدام اختبار (كا 2) ظهرت نتائج الدراسة مؤكدة على أن أسئلة اختبارات الثانوية العامة في مادتي (الحديث والثقافة الإسلامية) و (التوحيد) في المملكة العربية السعودية خلال الفترة المشار إليها تركز بشكل كبير جداً على مستوى التذكر ثم الفهم وتهمل بقية المستويات التي لها علاقة بالقدرات العقلية العليا كالتطبيق والتحليل والتركيب والتقويم. واختتمت الدراسة بعدد من التوصيات من بينها ضرورة إقامة دورات تدريبية لمعلمي علوم التربية الإِسلامية لتعريفهم بأساليب التقويم وإعداد الاختبارات التحصيلية.
An analytical study of the questions of the general s secondary schools. final examinations in two of the Islamic education curricula in Saudi Arabia. for the period 1405-1410h. (in the light of the cognitive levels)
dr. Abdullah Abdul-hammed mahmood
department off education
the Islamic university
abstract(37/154)
the purpose of this study was to find out how frequent the different cognitive levels of bloom's taxonomy are covered in a sample of the final examinations for the twelfth grade in Islamic education curricula in Saudi Arabia. the two curricula were hadith end Islamic culture. and tawheed (monotheism) .the final examinations for the period 1405h.to 1410h.were analysed.
A criterion of the expected frequencies of each level was cited By different authors in different research articles;it was viewed as a reasonable criterion for the purpose of this study. The criterion maintains that the questions of a sample of tests should be distributed over the cognitive levels in the following ratios
25% for the memorization level
30% for the comprehension level
25% for the application level
20% for the higher intellectual abilities
using the x 2 -test. it was fount that the memorization level was the most frequent in the test questions. second in order with a much lower frequency came the comprehension level. The other two levels were al-most absent in the questions under consideration.
Several recommendation were cited at the end of the article: among which was the call for holding formal trainig sessions in evaluation for the in -service teachers in order to improve their abilities in designing and wiring test questions
for the Islamic education curricula.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ...(37/155)
وبعد: تُعَدُّ الاختبارات التحصيلية من أهم أدوات تقويم المتعلم، إذ لازال الاهتمام بها مستمراً لما لها من دور لا يستهان به في توجيه وتحسين العملية التعليمية، حيث أن الاختبارات الجيدة مقياس لا غنى عنه لمعرفة مدى نجاح المواقف التعليمية المختلفة (1: 92) ، وهذا أثار انتباه المختصين لدراسة ومتابعة أساليبها وأنواعها وطرق صياغة أسئلتها رغبة في تطويرها كي تؤدي ما هو مطلوب منها في المرحلة الحالية.
ومُعَلِّمُ التعليم العام في المملكة العربية السعودية هو المسؤول غالباً عن وضع أسئلة الاختبارات في نهاية كل فصل دراسي ماعدا أسئلة اختبار الفصل الثاني للثانوية العامة التي تضعها وزارة المعارف وتعممها على جميع المدارس الحكومية منها والأهلية، مما أكسبها أهمية خاصة، لكون المرحلة الثانوية مرحلة انتقالية حساسة تقع في نهاية سلم التعليم العام وتُعَدُّ المدخل للتعليم الجامعي، ثم لِكَوْنِ هذه الأسئلة عامة لجميع الطلاب وتضعها جهة مسؤولة عن جميع المؤسسات التعليمية في التعليم العام، وهذا يستوجب أن تكون تلك الأسئلة على مستوى عالٍ من الدقة والجودة نظرا لتوفر كافة الإمكانات المادية والبشرية المؤهلة لإتمام ذلك.
وتدعو اللائحة الجديدة لتنظيم الاختبارات إلى مراعاة. "ألا تقتصر إجابات الطلاب عليها (أي الأسئلة) على سرد المعلومات من الذاكرة محفوظة حفظاً. وأن يكون من بينها ما يساعد على معرفة مقدرة الطالب على التفكير والتحليل والاستنتاج ومدى اكتسابه للمهارة المطلوبة ونوع السلوك المُرْضي والاتجاه التربوي المنشود" (2: 17) .
وهذا تأكيد واضح من المسؤولين على ضرورة تنويع الأسئلة حتى تقيس المستويات العقلية العليا وعدم اقتصارها على المستويات الدنيا فقط تمشياً مع الاتجاهات الحديثة في التقويم.(37/156)
ولعل قلة الدراسات التي تتابع تقوِ يم تلك الأسئلة وتحليلها لمعرفة مدى كفايتها لقياس القدرات العليا التي نسعى لتنميتها لدى المتعلم أثار انتباه الباحث للقيام بتحليل ودراسة أسئلة الثانوية العامة لمادتي (الحديث والثقافة الإسلامية) و (التوحيد) للتعرف على المستويات المعرفية التي تقيسها تلك الأسئلة وفق تصنيف بلوم الذي يُعَدُّ الأساس النظري لذلك.
مشكلة البحث:
يمكن تحديد مشكلة البحث في إجراء دراسة تحليلية لأسئلة اختبارات الثانوية العامة في مادتي (الحديث والثقافة الإسلامية) و (التوحيد) لمعرفة مستويات المعرفة التي تقيسها هذه الاختبارات وفق تصنيف بلوم bloom
وستحاول هذه الدراسة الإجابة على السؤالين التاليين:
1- ما مدى شمول أسئلة اختبارات الثانوية العامة في مادة (الحديث والثقافة الإسلامية) في المملكة العربية السعودية للمستويات المعرفية وفق تصنيف بلوم؟
2- ما مدى شمول أسئلة اختبارات الثانوية العامة في مادة (التوحيد والثقافة الإسلامية) في المملكة العربية السعودية للمستويات المعرفية وفق تصنيف بلوم؟
فروض البحث:
1- لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى (?هـ.،) بين التكرارات الفعلية المتضمنة في كل مستوى معرفي مقارنة بالتكرارات الفعلية في المستويات المعرفية الأخرى، وذلك في أسئلة اختبارات الثانوية العامة
لكل عام من 1405هـ حتى 1410هـ للدورين الأول والثاني في مادة (الحديث والثقافة الإسلامية) .
2- لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى (?05،) بين التكرارات المشاهدة (الفعلية) في كل مستوى معرفي مقارنة بالتكرارات المتضمنة في المستويات المعرفية الأخرى، وذلك في أسئلة اختبارات الثانوية العامة لكل عام من 1405هـ حتى 1410هـ للدورين الأول والثاني في مادة (التوحيد) .
حدود البحث:(37/157)
من المتوقع وجود ملاحظات عديدة تستحق الدراسة في أسئلة الثانوية العامة مثل الأخطاء اللغوية والإملائية وعدم سلامة التعبير والتكرار، إلا أن الباحث وضع لبحثه الحدود التالية:
1- الاقتصار على مادتي (الحديث والثقافة الإسلامية) و (التوحيد) من مواد التربية الإسلامية بالثانوية العامة في المملكة العربية السعودية.
2- اقتصار البحث على الجانب المعرفي من الجوانب الإِدراكية التي تقيسها أسئلة الثانوية العامة في مادتي (الحديث والثقافة الإِسلامية) و (التوحيد) .
3- اقتصار البحث على تحليل أسئلة اختبارات الثانوية العامة في مادتي (الحديث والثقافة الإسلامية) و (التوحيد) بالدورين الأول والثاني من عام 405 هـ1 حتى عام 410 1هـ.
منهج البحث وأدواته:
استخدم الباحث المنهج التحليلي الوصفي القائم على رصد وتحليل وأقع مشكلة البحث مستخدماً لأدوات التالية:
(1) أوراق أسئلة اختبارات الثانوية العامة في المملكة العربية السعودية لمادتي (الحديث والثقافة الإسلامية) و (التوحيد) في الدورين الأول والثاني من عام 1405هـ وحتى عام 1410 هـ.
(2) قائمة بتعريف المستويات المعرفية حسب تصنيف بلوم bloom)) ، ويلتزم الباحث في هذه الدراسة بالنسب التي حددها بعض الباحثين التربويين لكل مستوى بعد أن دمجوا مستويات (التحليل والتركيب والتقويم) في مستوى واحد أطلق عليه (القدرات العقلية العليا) ، والنسب هي:
(التذكر 25 %، الفهم 30%، التطبيق 23 %، العمليات العقلية 20%. (انظر ص 10) وقد استخدم اختبار (كا 2) لحساب دلالات الفروق بين التكرارات.
تصنيف الأسئلة وفق المجال المعرفي:(37/158)
لا يزال تصنيف بلوم (bloom) وكراثول (krathwohl) من أكثر التصنيفات شيوعاً وفائدة في مجال الأهداف التعليمية وتحديدها بشكل يكفل إيضاح نواتج التعلم الممكنة التي يتوقع أن يحدثها التعلم. وقد أسهم هذا التصنيف في تطوير نظام الأهداف التعليمية ومساعدة المختصين من علماء النفس والتربية والمعلمين والمهتمين بالاختبارات والتقويم في إيضاح سبل قياس نجاح العملية التعليمية.
ويقوم هذا التصنيف على افتراض أساسي يجعل وصف ناتج التعلم في صورة تغيرات معينة في سلوك التلميذ ممكناً، مما يتيح للمعلمين صياغة أهدافهم في عبارات سلوكية واضحة (3: 50) . ويتكون تصنيف بلوم من ثلاث مجالات.
أولاً: المجال المعرفي. (cognitive domain)
ثانياً: المجال الوجداني. (affective domain)
ثالثاً: المجال النفس حركي. (psychomtor domain)
أما المجال المعرفي فيشمل الأهداف التي تتناول تذكر المعرفة أو إدراكها وتطوير القدرات والمهارات الذهنية. وهذا هو الأهم بالنسبة لكثير من عمليات تطوير الاختبارات (4: 24) وقد قسم بلوم هذا المجال إلى ست مستويات هي:
- التذكر: (knowledge) . .
- الفهم: (combrehension) . .
- التطبيق: (application) .
- التحليل: (analysis) .
- التركيب: (synthesis) .
- التقويم: (evaluation) .
ويمكن تبسيط تعريف تلك المستويات كما أشار إليه نورمان جرونلد (52:3-56) بما يلي:
1- التذكر: وهو استرجاع للمادة التي سبق للمتعلم تعلمها أو التعرف عليها.
2- الفهم: ويعرف بأنه القدرة على إدراك معنى المادة التي يدرسها المتعلم.
3- التطبيق: ويشير إلى قدرة المتعلم على استخدام ما تعلمه في مواقف جديدة.
4- التحليل: ويتطلب من المتعلم تحليل مادة التعلم إلى مكوناتها الجزئية مما يساعد على فهم تنظيمها البنائي.
5- التركيب: ويعني قدرة المتعلم على وضع الأجزاء معاً لتكوين شكل جديد.
6- التقويم: ويتعلق بإصدار الأحكام وتقويم الآراء والأفكار.(37/159)
وتعريف كل مستوى بالشكل الذي سبق إيضاحه يساعد في صياغة أسئلة الاختبارات التي تقيس كل مستوى بناء على ذلك. وقد اختصر بعض المختصين مستويات المجال المعرفي لتصنيف بلوم bloom) (إلى أربع مستويات هي: التذكر والفهم والتطبيق والقدرات العقلية العليا (5: 79) حيث أدرجت مستويات التحليل، والتركيب، والتقويم تحت مستوى واحد سمي (القدرات العقلية العليا) وهذا الدمج لا يعني وضع تصور جديد غير الذي اقترحه بلوم بل هو اختصار لها ليستهل الإفادة منها في مثل هذه البحوث.
وهذا ما اختاره الباحث في الدراسة الحالية أساساً لتصنيف اختبارات الثانوية العامة لمادتي (الحديث والثقافة الإسلامية) و (التوحيد) .
وفي ضوء تقسيم بلوم للمجال المعرفي أوضح جابر عبد الحميد (6: 161 -183) لكل مستوى مجموعة من التعبيرات اللفظية التي تدل عليه عند صياغة الأسئلة ليتمكن المعلم من مراعاة تلك المستويات بشكل يضمن تحققها وشمولها.
المستوى
صيغة السؤال
1- التذكر:
أين، متى، كم، عدد، أذكر، ما شروط ...
2-الفهم:
قارن، ميز، علل، صف، أعد الصياغة بأسلوبك، ضع المعنى في كلمات من عندك، أشرح الفكرة الأساسية.
3- التطبيق:
هات مثالاً لقاعدة ... ، أي الإجابات التالية يناسب القاعدة ... ، في ضوء تعريفنا لمبدأ (كذا) أي الدول تعد مطبقة له، حل هذه المسألة المكونة من ... ، في أي حالة من الحالات التالية يمكن تطبيق قانون ...
4- التحليل:
ما الدوافع والأسباب لغزوة ... ، ما النتائج التي يمكن أن نستنتجها من موضوع ... ، علل، حلل، ما الشاهد، لماذا؟
5- التركيب:
صمم، ركب، كيف، تحل، أنشئ، أكتب رسالة، طور.
6- التقويم:
ما رأيك في، هل توافق على، هل من الأفضل، أي الحلين أفضل ...
الدراسات السابقة:(37/160)
على الرغم من أن الاتجاهات الحديثة في التقويم تدعو لتنويع الأسئلة لتكون قادرة على قياس المستويات المعرفية المتطورة بحيث لا تقتصر على قياس التذكر والفهم (7: 201) إلا أن الدراسات السابقة التي تمكن الباحث من الإطلاع عليها، تؤكد أن أسئلة الاختبارات أو الأسئلة التي تتضمنها المقررات الدراسية لا تحقق ذلك بشكل مُرْضٍ.
فلقد قام عبد الله أحمد (8: 0 1- 27) في عام 1981 بمراجعة لأهم الأبحاث والدراسات التي تضمنت تحليلاً لأسئلة الكتب وكذا الامتحانات في مواد دراسية مختلفة فوجد أن نتائج تلك الأبحاث تشير إلى أن مستوى التذكر يمثل أعلى المستويات تكراراً.
أما كمال إسكندر (9: 13) الذي اهتم بدراسة وتحليل أسئلة امتحانات الثانوية العامة في مادة (الفيزياء) بدولة البحرين ما بين عامي (1978-1982م) فقد وجد أن الأسئلة التي تقيس مستوى التذكر تصل نسبتها من 7 ر41% إلى 5 ر60% بينما لم يجد أسئلة تتضمن مستويات التحليل والتركيب والتقويم ما عدا في أسئلة عامي 1981م و1982م وبنسب ضئيلة جداً لم تتجاوز 3%.
وباستخدام تصنيف بلوم أيضاً قام عدنان بخاري (10: 120) في عام1410هـ بدراسة لتحديد مدى كفاية اختبارات الثانوية في مادة (الأحياء) كأداة للتحصيل المعرفي لطلبة الصف الثالث ثانوي في المملكة العربية السعودية من عام 1397 – 1406هـ، حيث كشفت دراسته ارتفاعاً كبيراً في متوسط النسبة المئوية لمستوى التذكر بلغ 5 ر74% بينما لم يتجاوز قياس مستوى الفهمِ 5 ر25 % مما يعني أن نسبة الأسئلة في المستويات الأخرى تساوي صفراً.(37/161)
ولا تختلف نتيجة عدنان بخاري كثيراً عما وصل إليه سعد زكي (11: 49-50) في عام (1973م) الذي قام بتحليل أسئلة الكتب المدرسية لمادة (العلوم) للصفين الأول والثالث إعدادي في (مصر) حيث وجد أن أسئلة التذكر في كتاب الصف الأول تصل نسبتها 73% وتزيد عن ذلك في كتاب الصف الثالث لتصل 87 % وهي نسب عالية جداً مقارنة بالدراسات الأخرى وبما يجب أن يكون. أما القدرات العقلية العليا ابتداء من التطبيق وحتى التقويم فكانت نسبتها في كتاب الصف الثالث صفراً وفي كتاب الصف الأول 1% فقط.
وفي دراسة أخرى قام بها عايش زيتون (12: 93) في عام (1990هـ) لتقويم محتوى أسئلة كتاب العلوم العامة لطلبة الصف الثالث إعدادي في الأردن، وجد أن الأسئلة تركز بشكل ملحوظ على أدنى مستويات المعرفة ألا وهو التذكر إذ بلغت نسبتها 6ر47% في حين أن أسئلة القدرات العليا (التحليل والتركيب والتقويم) لم تتعد ما نسبته 1ر7%، واعتمد زيتون في هذه الدراسة على رأي بعض التربويين كما أشير سابقاً حيث قسموا المستويات المعرفية إلى أربع مستويات وحددوا لكل مستوى نسبة مئوية مقترحة من مجموع أسئلة الاختبارات على النحو التالي:
المستوى
النسبة المقترحة له من مجموع الأسئلة
التذكر
25 % من مجموع الأسئلة
الفهم
30% من مجموع الأسئلة
التطبيق
25%من مجموع الأسئلة
القدرات العقلية العليا
(التحليل، التركيب، التقويم)
20% من مجموع الأسئلة
وإذا كان هذا هو حال المواد العلمية التطبيقية، فإن الدراسات التي أجريت على التخصصات الأخرى كالمواد الاجتماعية واللغات والدراسات الإسلامية لم تتوصل إلى نتائج أفضل من ذلك، فدراسة تيريل (Terrel) (13) في عام (1970م) التي قام بها لتحديد المستويات المعرفية التي تشملها الامتحانات في العلوم واللغات والاجتماعيات وفق تصنيف بلوم أوضحت أن معظم أسئلة (اللغات) تقع في مستوى الفهم أما أسئلة مادتي (العلوم) و (الاجتماعيات) فغالبيتها تقع ضمن مستوى التذكر.(37/162)
أما بحث سراج وزان (14: 335) الذي أجري عام (1982م) عن تقويم مناهج التربية الإسلامية بالمرحلة المتوسطة بالمملكة العربية السعودية فقد لاحظ فيه الباحث اهتمام الأسئلة الموجودة في نهاية بعض موضوعات المقررات الدراسية بقياس مستوى التذكر ثم الفهم.
وفي ضوء ما سبق تفصيله من دراسات حول الموضوع يتبين أن الأسئلة الموجهة للتلاميذ سواء في الاختبارات أو في الكتب المدرسية تهتم كثيراً بمستوى التذكر وتهمل بشكل أو بآخر القدرات العقلية العليا، إضافة إلى أن الباحث لم يطلع (حسب الجهد الذي بذله) على أي دراسة تتعلق بتحليل اختبارات مواد (التربية الإسلامية) في أي مرحلة من مراحل التعليم العام بالمملكة العربية السعودية.
إجراءات البحث:
1- جمعت أسئلة اختبار الدور الأول والثاني لمادتي (الحديث والثقافة الإسلامية) و (التوحيد) بالمملكة العربية السعودية في الفترة من 1405-1410هـ.
2- قرئت الأسئلة قراءة متمعنة واعتبرت كل فقرة من السؤال المركب سؤالاً.
3- صنف كل سؤال بوضعه في أحد المستويات المعرفية الأربعة (تذكر، فهم، تطبيق، قدرات عليا) لكل من مادتي (الحديث والثقافة الإسلامية) و (التوحيد) .
4- أعطيت الأسئلة لاثنين من أعضاء هيئة التدريس أحدهما أستاذ مشارك بكلية التربية فرع جامعة الملك عبد العزيز، والآخر أستاذاً مساعداً بقسم التربية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وطلب منهما كل على حده تصنيف كل سؤال وفقاً للمستويات المعرفية.
5- حسب معامل ثبات التحليل (15: 14) لمعرفة مدى اتفاق تحليل الباحث والزميلين لأسئلة الاختبار المشار إليه، وظهرت النتائج على النحو الموضح في الجدول رقم (1) والجدول رقم (2) .
جدول رقم (1)
بيان بقيم معامل ثبات تحليل الباحث وزميلين آخرين لأسئلة اختبارات الثانوية العامة في مادة (الحديث والثقافة الإسلامية)
الأعوام
1405/1406 هـ
1406/ 1407 هـ
1408هـ
1409هـ
1410 هـ
المحللون
الدور الأول
الدور الثاني(37/163)
الدور الأول
الدور الثاني
الدور الأول
الدور الثاني
الدور الأول
الدور الثاني
الدور الأول
الدور الثاني
الباحث مع المحلل رقم (1)
0.74
0.91
1.0
0.88
0.24
0.71
0.66
0.63
0.49
1.0
الباحث مع المحلل رقم (2)
1.0
0.89
0.91
0.63
0.82
0.74
0.70
1.0
1.0
0.91
المتوسط
0.87
0.90
0.955
0.755
53،0
0.725
0.68
0.815
0.745
0.955
يتبين من الجدول رقم (1) أن قيمة معامل ثبات تحليل الباحث وزميليه لأسئلة اختبارات الثانوية العامة في مادة (الحديث والثقافة الإسلامية) في السنوات ما بين 1405-هـ تتراوح ما بين 53 ر0 إلى 955 ر0 ويلاحظ انخفاض معامل ثبات التحليل في الدور الأول لعام 1408هـ إلا أن ذلك كان لصالح مستوى التذكر، حيث بلغ مجموع الأسئلة في ذلك العام (16) سؤالاً اتفق الباحث مع المحلل الأولى على أن (14) سؤالاً منها يقيس مستوى التذكر، واختلفا في سؤالين فقط موزعة على المستويات جميعها، مما أدى إلى أن يكون معامل الاتفاق صفراً في مستويات (الفهم والتطبيق والقدرات العقلية العليا) وهذا بالتالي أدي إلى أن يكون معامل ثبات التحليل لأسئلة اختبار الدور الأول من عام 1408هـ منخفضاً ولصالح مستوى التذكر. كما أن المتوسط العام للاتفاق في الاختبارات العشرة بلغ 793 ر0 مما يدل على أن عمليات التحليل التي قام بها الباحث واعتمد عليها في تصنيف الأسئلة ودراستها يمكن الوثوق بها بدرجة كافية.
جدول رقم (2)
بيان بقيم معامل ثبات تحليل الباحث وزميلين آخرين لأسئلة اختبارات الثانوية العامة في مادة (التوحيد) (1)
الأعوام
1405/1406هـ
1406/1407هـ
1408هـ
1409هـ
1410هـ
المحللون
الدور الأول
الدور الثاني
الدور الأول
الدور الثاني
الدور الأول
الدور الثاني
الدور الأول
الدور الثاني
الدور الأول
الدور الثاني
الباحث مع المحلل رقم (1)
0.67
0.24
0.70
1.0
1.0
1.0
0.67
1.0
0.76
1.0
الباحث مع المحلل رقم (2)
0.92
0.91
1.0
0.74
0.85
0.95
0.96
0.91
0.96(37/164)
0.78
المتوسط
0.795
0.575
0.85
0.87
0.925
0.975
0.815
0.955
0.86
0.89
يتبين من الجدول رقم (2) أن قيمة معامل ثبات تحليل الباحث وزميليه لأسئلة اختبارات الثانوية العامة في مادة (التوحيد) في السنوات ما بين 1405-1410 هـ تتراوح ما بين 575 ر0 إلى 955 ر0 بمتوسط عام قدره 851 ر0 وهي نسبة يمكن الوثوق بها، بالرغم من أن قيمة معامل ثبات تحليل الباحث وزميله كان منخفضاً في الدور الثاني 1405-1406هـ إلا أن هذا الاختلاف كان لصالح مستوى التذكر حيث أن مجموع الأسئلة في ذلك العام قد بلغت (12) سؤالاً اتفق الباحث مع المحلل الأول على أن عشرة منها تقيس مستوى التذكر، واختلفا في سؤالين موزعة على المستويات جميعها، مما أدي إلى أن يكون معامل الاتفاق صفراً في مستويات (الفهم والتطبيق والقدرات العقلية
العليا) ، وهذا أسهم في انخفاض معامل الاتفاق في الدور الأول من عام 1408 هـ.
6- حُسبت النسب المئوية لكل مستوى من المستويات بالنسبة للعدد الكلي لأسئلة كل عام دراسي.
7- استخدم اختبار (كا 2) للوقوف على ما إذا كانت هناك فروق دالة إحصائياً بين التكرارات المتضمنة في كل مستوى معرفي بمقارنته بالتكرارات المتضمنة في المستويات المعرفية الأخرى لكل من الأعوام الخمسة وكل من الدورين الأول والثاني.
8- استخلصت النتائج وفسرت في ضوء الدراسات السابقة والإطار النظري للبحث.
9- صيغ تقرير البحث متضمنا لمقترحات والتوصيات التي اختتم بها.
نتائج البحث وتفسيرها:
يمكن تصنيف نتائج البحث على النحو التالي:
أولاً: مدى اشتمال أسئلة اختبارات الثانوية العامة في كل من مادة (الحديث والثقافة الإسلامية) و (التوحيد) على المستويات المعرفية التي يؤمل قياسها.(37/165)
ثانياً: مدى وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين أسئلة اختبارات الثانوية العامة في كل من مادتي (الحديث والثقافة الإسلامية) و (التوحيد) من حيث تكرار كل مستوى معرفي متضمن في هذه الأسئلة بمقارنته بتكرارات المستويات المعرفية الأخرى وذلك في كل من الدورين الأول والثاني للأعوام من 1405 وحتى 1410 هـ.
وللإجابة على تساؤلات البحث عن طريق اختبار الفرضين المصاغين رأى الباحث أن يقدم لذلك بالتفصيل عن النسب المئوية لتكرارات المستويات
المعرفية المختلفة في مجموعة الأسئلة التي تم تحليلها للفترة المعينة في كل من المادتين:
أولاً: النسب المئوية للتكرارات الفعلية.
(أ) مادة الحديث والثقافة الإسلامية.
(ب) مادة التوحيد.
جدول رقم (3)
بيان بالتكرارات (ت) والنسب المئوية (%) للمستويات المعرفية
التي تقيسها أسئلة اختبارات الثانوية العامة في مادة (الحديث والثقافة الإسلامية)
في الفترة من عام 1405هـ وحتى عام 1410هـ
المستوى المعرفي
العام الدراسي
التذكر
الفهم
التطبيق
القدرات العقلية العليا
المجموع
ت
%
ت
%
ت
%
ت
%
1405 1406هـ
الدور الأول
13
81.25
2
12.5
-
-
1
6.25
16
الدور الثاني
9
64.29
5
35.71
-
-
-
-
14
1406 1407هـ
الدور الأول
11
73.33
3
20.00
-
-
1
6.67
15
الدور الثاني
9
64.29
4
28.57
-
-
1
7.14
14
1408هـ
الدور الأول
15
93.75
1
6.25
-
-
-
-
16
الدور الثاني
9
69.23
3
23.07
-
-
1
7.69
13
1409هـ
الدور الأول
12
75.0
4
25.00
-
-
-
-
16
الدور الثاني
11
84.62
2
15.38
-
-
-
-
13
1410هـ
الدور الأول
18
94.73
1
5.27
-
-
-
-
19
الدور الثاني
13
86.67
2
13.33
-
-
-
-
15
المجموع
120
27
4
151
:أولاً: أ- يبين الجدول رقم (3) التكرارات والنسب المئوية لكل مستوى معرفي متضمن في أسئلة مادة (الحديث والثقافة الإسلامية) في كل عام على حده ويلاحظ من ذلك:(37/166)
1- ارتفاع الاتجاه العام لقياس مستوى "التذكر"في أسئلة اختبارات الثانوية العامة في مادة (الحديث والثقافة الإسلامية) في الفترة من عام 1405 هـ وحتى عام 1410 هـ حيث تراوحت النسبة المئوية لهذا المستوى ما بين 29 ر 64% وحتى 73 ر 94%، وتتجاوز هذه النسبة ما اقترحه المتخصصون في دراسة عايش زيتون حيث أوصوا بأن تكون نسبة الأسئلة التي تقيس مستوى "التذكر"في حدود 25% ويرى الباحث أن هذا مؤشراً غير صحي في صياغة الأسئلة، إذ أن تركيز الطلاب على حفظ المعلومات فقط دون توظيفها وتطبيقها في مواقف أخرى لا يساعد على استخدام القدرات العقلية العليا التي يدعو المختصون للإستفادة منها في العملية التعليمية، كما أن تركيز واضعي الأسئلة على هذا المستوى سيكون له أثر سيئ على المعلمين أيضاً. لأن كثيراً منهم سيلجأ إلى تدريب الطلاب على حل أسئلة اختبارات السنوات الماضية، مما يشجع التلاميذ على الحفظ وإهمال عمليات التفكير الأخرى. وهذا لا يتفق مع أهداف المرحلة الثانوية التي نصت عليها سياسة التعليم في المملكة (16: 21، 39) .
2- انخفاض الاتجاه العام لقياس مستوى "الفهم "حيث تراوحت النسبة المئوية ما بين 27ر5 % لتصل في أعلاها 71 ر35 %. إلا أن الملاحظ أن أعلى نسبة تزيد عما اقترحه المختصون بمقدار 5 % لكنها لم تستمر على هذا المنوال بل انخفضت في الأعوام التي تليها لتصل في اختبار الدور الأول من عام 1410 هـ 27ر5 % وهي نسبة متدنية. ويري الباحث أن بإمكان واضعي الأسئلة أن يراعوا هذا المستوى لأنه من المستويات التي قد لا تحتاج إلى بذل جهد كبير كغيرها من المستويات الأعلى منها.
3- عدم وجود أسئلة تقيس مستوى التطبيق في الفترة ما بين 1405 إلى 1410هـ على الرغم من أن المادة العلمية التي اطلع عليها الباحث في الكتاب خصوصاً في أجزاء "الثقافة الإسلامية"مما يسهل صياغة أسئلة تقيس الجانب التطبيقي فيه.(37/167)
4- انخفاض نسب الأسئلة التي تقيس (القدرات العقلية العليا) في الفترة من عام 1405 وحتى 1410 هـ حيث تراوحت النسب المئوية لها ما بين 25ر6 % إلى 69ر7 % والتي ظهرت في أسئلة الدور الأول من عام 1405/1406 هـ. والدورين الأول والثاني من عام 1406/1407 هـ والدور الثاني من عام 1408 هـ. ولعل السبب في ذلك يعود لعدم معرفة واضعي الأسئلة لهذه المادة بكيفية قياس تلك المستويات. كما أن تعويد الطلاب على استخدام القدرات العليا في التفكير يتطلب معاونة المعلمين لهم باستخدام أساليب التدريس التي تساعد على ذلك وتعريفهم بأنماط أسئلة القدرات العقلية العليا حتى لا يفاجئوا بها في الاختبارات النهائية بالمرحلة الثانوية.
جدول رقم (4)
بيان بالتكرارات (ت) والنسب المئوية (%) للمستويات المعرفية التي تقيسها أسئلة اختبارات الثانوية العامة في مادة (التوحيد) في الفترة من عام 1405 وحتى عام 1410هـ
المستوى المعرفي
العام الدراسي
التذكر
الفهم
التطبيق
القدرات العقلية العليا
المجموع
ت
%
ت
%
ت
%
ت
%
1405 1406هـ
الدور الأول
8
70.77
5
29.23
-
-
1
-
13
الدور الثاني
11
91.67
1
8.33
-
-
-
-
12
1406 1407هـ
الدور الأول
9
75.0
3
25.0
-
-
1
-
12
الدور الثاني
11
91.67
1
8.33
-
-
1
-
12
1408هـ
الدور الأول
11
84.62
2
15.38
-
-
-
-
13
الدور الثاني
7
70.00
3
30.00
-
-
-
-
10
1409هـ
الدور الأول
8
66.67
4
33.33
-
-
-
-
12
الدور الثاني
9
81.82
2
18.18
-
-
-
-
11
1410هـ
الدور الأول
7
53.85
2
18.18
-
-
-
-
13
الدور الثاني
11
91.67
1
8.33
-
-
-
-
12
المجموع
92
28
120
ب- بالإطلاع على الجدول رقم (4) يتضح ما يلي:(37/168)
1- ارتفاع الاتجاه العام لقياس مستوى التذكر في أسئلة الثانوية العامة لمادة (التوحيد) للفترة من عام 1405 وحتى 1410 هـ في الدورين الأول والثاني، حيث تراوحت النسبة المئوية لأسئلة هذا المستوى ما بين 85 ر53 % و67ر91% وهي نسبة مرتفعة جداً تجاوزت ثلاثة أضعاف النسبة المقترحة (25%) وفي هذا تشابه كبير مع ما وجد في (أ) قبله.
2- انخفاض نسبة الأسئلة التي تقيس مستوى "الفهم " لدى الطلاب حيث تراوحت ما بين، 18ر8% وحتى 15ر46%. ويلاحظ أنها وصلت في الأعوام 1405 /1406 هـ الدور الأول و1408 هـ الدور الثاني النسبة المقترحة تقريباً وهي (30%) بينما تجاوزتها بقليل في أسئلة الدور الأول من عام 1409 هـ، مترددة بعد ذلك بين انخفاض وارتفاع.
3- عدم قياس الأسئلة لمستوى "التطبيق "و"القدرات العقلية العليا"في جميع الأعوام التي شملتها الدراسة. ولربما يظن البعض أن مادة (التوحيد) لا تتطلب في أغلب الأحيان إلا حفظ المفاهيم أو الحقائق والاستدلال عليها من القرآن الكريم أو السنة النبوية أو أقوال علماء السلف. إلا أن ذلك غير صحيح ولا يعني بالفعل خلو المادة من تلك المعارف التي يمكن استخدام القدرات العقلية العليا معها. بل إن الكتاب المقرر يحوي موضوعات عديدة يمكن أن تثير أسئلة تقيس القدرات العقلية العليا مثل موضوع "نواحي الإعجاز في القرآن الكريم "وموضوع "بعض الأدلة العقلية والنَقلية على وجوب الإيمان باليوم الآخر"وغيرهما.
وعموماً فإنه يلاحظ من النتيجتين (أ) و (ب) أن هناك تشابهاً شبه تام في النمط العام الذي ظهرت فيه أسئلة كل من مادة (التوحيد) ومادة (الحديث والثقافة الإسلامية) للأعوام المعنية، في تركيزها على التذكر وقليل من الاهتمام بالفهم وإغفال ما سواهما.(37/169)
ثانياً: أ- لاختبار الفرض الأول من فروض الدراسة استخدم اختبار (كا2) لمعرفة مدى الدلالة الإحصائية للفروق بين التكرارات الفعلية للمستويات المعرفية الأربعة في أسئلة مادة (الحديث والثقافة الإسلامية) .
وقد اعتمد على التوزيع المقترح لنسب المستويات المعرفية أساساً لحساب التكرارات المتوقعة. ويظهر من الجدول رقم (5) قيم (كا2) ودلالتها مقارنة بالقيمة الحرجة عند مستوى (?0.05) ودرجة حرية (3) .
جدول رقم (5)
التكرارات المتوقعة والمشاهدة وقيم (كا2) للمستويات المعرفية المختلفة في أسئلة مادة (الحديث والثقافة الإسلامية)
المستوى
العام الدراسي
التذكر
الفهم
التطبيق
القدرات العقلية العليا
المجموع الكلي للتكرارات المشاهدة
كا2
التكرارات المشاهدة
التكرارات المتوقعة
التكرارات المشاهدة
التكرارات المتوقعة
التكرارات المشاهدة
التكرارات المتوقعة
التكرارات المشاهدة
التكرارات المشاهدة
1405 1406هـ
الدور الأول
13
4
2
4.8
صفر
4
1
3.2
16
27.38
الدور الثاني
9
3.5
5
4.20
صفر
3.5
صفر
2.80
14
15.09
1406 1407هـ
الدور الأول
11
3.75
3
4.5
صفر
3.75
1
3
15
19.60
الدور الثاني
9
3.5
4
4.2
صفر
3.5
1
2.8
14
13.30
1408هـ
الدور الأول
15
4.0
1
4.8
صفر
4.0
صفر
3.2
16
40.46
الدور الثاني
9
3.25
3
3.9
صفر
3.25
1
2.6
13
14.61
1409هـ
الدور الأول
12
4
4
4.8
صفر
4
صفر
3.2
16
23.33
الدور الثاني
11
3.25
2
3.9
صفر
3.25
صفر
2.60
13
25.26
1410هـ
الدور الأول
18
4.75
1
5.8
صفر
4.75
صفر
3.80
19
49.38
الدور الثاني
13
3.75
2
4.5
صفر
3.75
صفر
3
15
30.95
يتضح من الجدول رقم (5) أن جميع قيم (كا2) المحسوبة دالة إحصائياً(37/170)
عند مستوى ?0.05) حيث أن قيمة (كا2) الجدولية عند نفس المستوى ودرجة حرية (3) هي (82 ر7) . مما يعني رفض الفرض الصفري الأول أي أن هناك فروقاً ذات دلالة إحصائية عند مستوى (?50، 0) بين تكرارات المستويات المعرفية، وفي جميع الحالات كان الفرق لصالح مستوى التذكر.
وعليه يجاب على التساؤل الأول بالقول بأن أسئلة اختبارات مادة (الحديث والثقافة الإسلامية) في الأعوام من 1405 وحتى 1410 هـ تتدرج تحت مستوى التذكر بدرجة أكبر منها في المستويات المعرفية الأخرى.
ب- بالنسبة لمادة (التوحيد) ولاختيار الفرض الثاني من الدراسة، اتبع نفس الطريقة المستخدمة في (أ) كما يظهر من الجدول رقم (6) التالي:
جدول رقم (6)
التكرارات المتوقعة والمشاهدة وقيم (كا2) للمستويات المعرفية المختلفة في أسئلة مادة (التوحيد)
المستوى
العام الدراسي
التذكر
الفهم
التطبيق
القدرات العقلية العليا
المجموع الكلي للتكرارات المشاهدة
كا2
التكرارات المشاهدة
التكرارات المتوقعة
التكرارات المشاهدة
التكرارات المتوقعة
التكرارات المشاهدة
التكرارات المتوقعة
التكرارات المشاهدة
التكرارات المشاهدة
1405 1406هـ
الدور الأول
8
3.25
5
3.9
صفر
3.25
صفر
2.6
13
13.1
الدور الثاني
11
3
1
3.6
صفر
3
صفر
2.4
12
28.61
1406 1407هـ
الدور الأول
9
3
3
3.6
صفر
3
صفر
2.4
12
17.5
الدور الثاني
11
3
1
3.6
صفر
3
صفر
2.4
12
28.61
1408هـ
الدور الأول
11
3.25
2
3.9
صفر
3.25
صفر
2.6
13
25.26
الدور الثاني
7
2.5
3
3
صفر
2.5
صفر
2
10
12.6
1409هـ
الدور الأول
8
3
4
3.6
صفر
3
صفر
2.4
12
13.77
الدور الثاني
9
2.75
2
3.3
صفر
2.75
صفر
2.2
11
19.66
1410هـ
الدور الأول
7
3.25
6
3.9
صفر
3.25
صفر
2.6
13
11.30
الدور الثاني
11
3
1
3.6
صفر
3
صفر
2.4
12
28.61(37/171)
يتضح من قيم (كا2) بالجدول رقم (6) أن هناك فروقاً ذات دلالة إحصائية عند مستوى (?0.05) في الأعوام من 1405 وحتى 1410 هـ كل من الدورين الأول والثاني، مما يعني عدم إمكانية قبول الفرض الصفري الثاني، وهذا يؤكد أن أسئلة سادة (التوحيد) للثانوية العامة تركز أساساً على مستوى التذكر، وتتعداه قليلاً لمستوى الفهم وتهمل بقية المستويات.
وفي هذا تشابه كبير مع ما أظهرته نتيجة اختبار الفرض الأول المتعلق بمادة (الحديث والثقافة الإسلامية) .
وتتفق نتيجة اختبار الفرضين السابقين مع ما توصل إليه كمال اسكندر (13:18) وعايش زيتون (19: 93) وغيرهما من أصحاب الدراسات السابقة، إذ يغلب على أسئلة الاختبارات النهاية طابع قياس المعلومات بصورة تفوق الاهتمام بقياس الجوانب المعرفية الأعلى في سلم التصنيف الإدراكي للمجال المعرفي.
ويتناول الجزء التالي توصيات البحث.
التوصيات:
في ضوء نتائج الدراسة يوصي الباحث بما يلي:
1- ضرورة تصنيف الأهداف المعرفية المراد قياسها قبل وضع أسئلة اختبارات مواد التربية الإسلامية لتكون شاملة لكل المستويات المعرفية، إذ أن لتصنيف الأهداف التعليمية يعد أداة مفيدة وفعالة في تصفيف مفردات الاختبارات.
2- مراعاة شمول أسئلة الاختبارات لمواد (التربية الإسلامية) في الثانوية العامة للمستويات المعرفية وفقاً للأهداف بحيث لا تركز على أدناها فقط، بل بتجاورها إلى المستويات الأعلى وفق النسب التي اقترحها التربويون
المختصون وهي: التذكر 25% والفهم 30% والتطبيق 25 % والقدرات العقلية العليا 20% (20: 75) .
3- الاهتمام بتحليل أسئلة اختبارات جميع المواد وخاصة مواد تربية الإسلامية لكل عام لمعرفة مدى قربها أو بعدها مما ينبغي أن تكون عليه بالنسبة للمستويات الإدراكية التي تتناولها.
4- توجيه المعلمين للاهتمام بأساليب التدريس التي تنمى المستويات العليا من التفكير.(37/172)
5- اختيار أكفأ المعلمين والموجهين لوضع أسئلة اختبارات الثانوية العامة في جميع المواد وفي مواد التربية الإسلامية على وجه الخصوص ممن مارس وتدرب على صياغة الأسئلة وفقاً لأفضل المعايير.
6- عقد دورات تدريبيه للمعلمين والموجهين تتضمن إيضاح أساليب التقويم والاختبارات الحديثة الجيدة لمحاكاتها وتطبيقها.
7- ضرورة الاهتمام بالأسئلة التي تحويها كتب التربية الإِسلامية لطلاب الثانوية العامة في المملكة ومراجعتها وفق ما تم إيضاحه.
8- توجيه المعلمين لاستخدام أسئلة المستويات المعرفية العليا أثناء التدريس وتدريب الطلاب على الإجابة عليها.
9- يوصي الباحث بإجراء دراسات أخرى حول أسئلة اختبارات الثانوية العامة في مواد التربية الإسلامية فيما يتصل بالأخطاء اللغوية والإملائية وأخطاء الصياغة مما لم يتمكن الباحث من التعرض له في الدراسية الحالية.
اللهم ألهمنا الرشد والصواب، وارزقنا الإِخلاص في العمل وتقبله منا إنك سميع مجيب، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ...
المراجع
1- العبيدى، غانم سعيد وحنان عيسى الجبوري: "أساسيات القياس والتقويم في التربية والتعليم ". الرياض. دار العلوم، 1401 هـ.
2- وزارة المعارف، الإدارة العامة للامتحانات: "اللائحة الجديدة لتنظيم الاختبارات الصادرة بقرار اللجنة العليا للتعليم رقم 5 184 في4/ 12/ 1395 هـ ".
3- نورمان جرونلند: "الأهداف التعليمية، تحديدها السلوكي وتطبيقاته" ترجمة: أحمد خيري كاظم، القاهرة: دار النهضة العربية (بدون تاريخ) .
4- بلوم، بنجامين وآخرون: "نظام تصنيف الأهداف التربوية"، ترجمة: محمد محمود الخوالدة وزميله، جدة: دار الشروق، 1405 هـ.(37/173)
5- عايش زيتون: "دراسة تحليلية تقويمية لمحتوى وأسئلة كتاب العلوم العامة المقرر تدريسه لطلبة الصف الثالث الإعدادي في المدارس الحكومية في الأردن. في "المجلة العربية للبحوث التربوية"تونس، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، المجلد العاشر، العدد الأول، يناير 1990 من 97:73.
6- جابر عبد الحميد وآخرون: "مهارات التدريس "، القاهرة: دار النهضة العربية، 1985 م.
7- عبد القادر السعدي:"بناء معيار لتقويم الكتاب المدرسي للجغرافيا بالمرحلة الثانوية بالكويت وتطبيقه على كتاب الصف الأول"، القاهرة: كليه التربية، جامعة عين شمس، 1979 م، (رسالة ماجستير غير منشورة) .
8- عبد الله محمد إبراهيم أحمد "دراسة تحليلية لامتحانات الثانوية العامة للمواد الفلسفية في ضوء المستويات المعرفية"، كلية التربية، جامعة الإسكندرية، 1981م، (رسالة ماجستير غير منشورة) .
9- كمال يوسف إسكندر: "دراسة تحليلية لأسئلة امتحانات الثانوية العامة لمادة الفيزياء بدولة البحرين في ضوء المستويات المعرفية لبلوم "، 1983م.
10- بخاري، عدنان عبد الله. "تحديد مدى كفاية اختبارات الثانْوية العامة في مادة
الإحياء كأداة لقياس التحصيل المعرفي لطلبة الصف الثالث الثانوي من عام 1397 -1398 هـ. إلى 1406-1407 هـ. في ضوء المجال المعرفي " (رسالة ماجستير غير منشورة) ، مكة المكرمة، كلية التربية، جامعة أم القرى، 1410 هـ.
11- زكي، سعد: "دراسة تحليلية لأسئلة الكتب المدرسية في العلوم "صحيفة المكتبة، مجلد 5، العدد 3، 1973، رجع إليه: عايش زيتون، (المرجع رقم (5) في هذه القائمة) .
12- عايش زيتون: المرجع السابق.
13- Terrell. c. r. an analysis of classroom objectives drived from cognitive levels of learning as inferred from selected teacher -made tests. Ed. thesis.
رجع إليه:(37/174)
عايدة عبد الحميد السيد، "تصنيف بلوم في المجال المعرفي ومدلوله في تدريس العلوم لدى الطلاب المعلمين "في: "دراسات في المناهج والتدريس"القاهرة: الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس، كلية التربية، جامعة عين شمس، العدد الرابع، يوليو 1988 م.
14- سراج محمد وزان: "تقويم مناهج التربية الإِسلامية بالمرحلة المتوسطة في المملكة العربية السعودية"، رسالة دكتوراه غير منشورة، القاهرة: كلية التربية، جامعة عين شمس، 1982 م.
15- -holist: conter analysis for the social sciences and humanities. new York. bddison - wesly.1969.
16-"سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية"، المواد: 98، 99، 213.
17- فؤاد البهي السيد: "علم النفس الإحصائي وقياس العقل البشري "، القاهرة: دار الفكر العربي، 1979 م.
18- كمال يوسف إسكندر: مرجع سابق رقم (9) .
19- عايش زيتون: مرجع سابق رقم (5) .
20- عايش زيتون: مرجع سابق رقم (3) .
---
ن 1+ن2
(1) معامل ثبات التحلل (و) =
2م
حيث ن 1= عدد البنود التي رآها الباحث
ن2= عدد البنود التي رآها زميله.
م = عدد البنود التي أتفق عليها الباحث وزميله.
علما بأنه جرى إجراء ثبات التحليل لكل مستوى من المستويات المعرفية ولكل دور على حده، تم أخرج المتوسط كما هو واضح في الجدول رقم (1) ورقم (2) .
(2) يشكر الباحث الأستاذ الدكتور/محمد محمود مصطفى لجهوده المباركة في الجانب الإحصائي من البحث.(37/175)
عرض ونقد دراسة نقدية وتوجيهية لكتاب
دراسة عن الفرق في تأريخ المسلمين الخوارج والشيعة
تأليف
الدكتور أحمد محمد أحمد جلي
بقلم
الدكتور علي بن محمد ناصر الفقيهي
إن الحمد لله نحمده وستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
فهذه دراسة مختصره أجريت فيها مقارنة لما زاده الدكتور أحمد محمد جلي في طبعته الثانية، عام 1408 هـ لكتابه المسمى "دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين، الخوارج والشيعة"على الطبعة الأولى عام 1406 هـ. وكلاهما من مطبوعات مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
فقد أعجبت بالطبعة الأولى، ولما جاءت الطبعة الثانية، وذكر المؤلف في ص 10 أنه في الفصل الرابع الخاص بعقائد الشيعة الإمامية، حاول تأصيل القضايا وربط الفصل كله بما جد من تطورات في أفكار بعض الشيعة.
كما ذكر أنه أضاف مبحثا خاصاً عن النصيرية، فقد تطلعت لمعرفة هذه الزيادات، لأن الشيعة الإمامية عندهم عقيدة هي الدين كله وهي "التقية"ولأن عقائد، الرافضة منذ وضع أصولها "عبد الله بن سبأ"لم تتطور إلى الأحسن بالنسبه لأهل السنة، وقد وجدت تلك الزيادات التي تبناها الكاتب ودعى إليها ليست من أهداف مركز الملك فيصل.
ولو أرسلت هذه الطبعة مع الطبعة الأولى، مع هذه الدراسة للأساتذة الذين أوصوا الكتاب لظهر لهم فيه رأي آخر.
ولقراءتي لهذه الطبعة المنشورة، ولما لاحظته عليها، رأيت أن الواجب عليَّ أن أنبّه على ذلك في هذه الدراسة وهي دراسة، تتناول مباحث الكتاب كله، وذلك لإعطاء المؤلف حقه وبيان الأخطاء عنده نصيحة لعامة المسليين من أهل السنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة".(37/176)
ولهذا ستكون الدراسة مناسبة لحجم الكتاب الذي يقع في 393 صفحة، فلن تكون طويلة، وسيكون النقاش فيها للأفكار والآراء علمياً إن شاء الله.
أولاً: عنوان الكتاب:
بناء على ما توصل إليه المؤلف في بحوث كتابه من أفكار الطائفتين ومناهجها، والنتائج الواضحة التي توصل إليها في بيان عقائدها، فإني أرى أن العنوان المناسب هو: "دراسة تحليلية ونقدية لفرق الخوارج والشيعة في ضوء الكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة".
ثانياً: وصف الكتاب ومباحثه:
اشتمل الكَتاب بعد المقدمة على ثمانية فصول وخاتمه وهو في 393 صفحة بما فيها الفهارس، وهذه هي الطبعة الثانية عام 1408 هـ وهي التي فيها الزيادات التي تحمل أفكاراً جديدة.
أما الطبعة الأولى سنة 1406 وهي التي أوصى الخبراء بطبعها، فتقع في 332 صفحة.
وفد اشتملت الفصول الثمانية على بحوت عن الطائفتين- الخوارج- والشيعة- وما تفرع عنهما أو اتصل بهما وتشعب عنهما من فرق ذات مسميات مختلفة مع أن الأصل والهدف واحد، وهو الهدم لهذا الدين الذي اختاره الله ليكون خاتم الأديان كلها، سواءً كان ذلك الهدم عن سوء قصد وفساد نية وتخطيط مدروس، كما هو الحال في فرق الشيعة الرافضة والباطنية- حيث أن أصولهم وضعها عبد الله بن سبأ اليهوديَ الحميري الماكر الذي أسلم نفاقاً، "وأوى بذره وضعها هي دعوى الوصية من الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة- وأن الصحابة خالفوا تلك الوصية.
وهذا ما أثبته الكشي الشيعي الإمامي في كتابه "رجال الشيعة ص 71 في ترجمة عبد الله بن سبأ، ومثله النوبختي في فرق الشيعة ص 22 وهو شيعي. وكذلك الحاقدون من المجوس.(37/177)
أو كانت بداية الهدم عن جهل متناهٍ بنصوص الشريعة وفهمها والابتعاد عن التتلمذ على الصحابة الذين شهدوا التنزيل وسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهموا أحكام الشريعة ومقاصدها،- وقد دفع الحاقدون على الإسلام وعلى نبيّ الإسلام والصحابة الكرام- هؤلاء الجهال إلى الطعن في حملة هذا الدين وإلىِ تحريف نصوصه- وقد كانت البذرة الأولى الخوارج الذين كفّروا الصحابة بدلاً من التفقه عليهم- وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وصف هؤلاء- فذكر عبادتهم وقراءتهم للقرآن، ولكنه قال: "إن تلك القراءة لا تتجاوز حناجرهم "أي لا فقه عندهم في دين الله.
كما وصفهم عبد الله بن عمر رضي الله عنه بقوله كما في صحيح البخاري في كتاب المرتدين "بأنهم عمدوا إلى آيات نزلت في الكفار فطبقوها على المسلمين"وما ذلك إلا لجهلهم وعدم فقههم في الدين، وابتعادهم عن الصحابة الذين يفقهونهم في الدين.
وكلتا الطائفتين- الخوارج- والشيعة- قد سببتا لهذا الدين والمتمسكين بتعاليمه الصِحيحة متاعب أحدثت صدوعا في صفوف الأمة بأفكارها المنحرفة قديماً وحديثاً.
وأن الباحث قد قام بدراسة لأصول هذه الفرق وبين أسباب نشأتها، كما ذكر الطوائف المتفرعة منها، وبين أهدافها وأنها كلها تسعى للوصول لغرض واحد هو هدم هذا الدين وتقويض أركانه.
ومع وصول الباحث إلى هذه النتيجة الموثّقة بما نقله من نصوص صريحة من كتب هذه الفرق- كما سيأتي تفصيله- إلا أنه يثني على فكرة الخميني ويمدح " الحكومة الإسلامية، أو ولاية الفقيه"فيقول: ولاية الفقيه وقيام الفقهاء - بإقامة الدولة الإسلامية للنظر في إقامة أمر الدين وتنظيم شؤون الناس ... الخ نيابة عن الإِمام- خطوات طيبة في مدّ الجسور بين السنة والشيعة ص 243-244.
بل يرى أن من ترك رأيه من الطوائف المنحرفة واعتنق مذهب الأمامية شأنه ينبغي أن يشاد به لأنه اتّجه إلى سبيل تصحيح العقيدة، ص 332.(37/178)
ثم وضع الحلول للمسائل المعلقة بين السنة والشيعة كما يرى- وهي حلول تنازل أهل السنة عن معتقدات الشيعة الإِمامية- في دعوى تحريف القرآن، وتكفير الصحابة، والطعن في السنة، ص 242- 244.
مع أنه أثبت في ص 240 من كتب الإِمامية المعاصرين اتهامهم للصحابة بالوضع والتزوير والكذب.
وسيأتي هذا مفصلاً في موضعه ... بعد ذكر ما للباحث من جهود في هذا البحث.
ونبدأ بحديثه عن الخوارج والذي بدأه من ص 51- 99 ثم الحديث عن ظاهرة الخروج في هذا العصر والحديث عن جماعة التكفير والهجرة من ص 108-146.
فقد ذكر الباحث تأريخ نشأة الخوارج، ومبادئهم ومعتقداتهم، ومن أهمها تكفير مرتكب الكبيرة في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا لا يرث ولا يورث ولا يدفن في مقابر المسلمين، وفي الآخرة خالد مخلد في النار.
وغير ذلك من الأفكار والمعتقدات المخالفة لمنهج وعقيدة أهل السنة والجماعة.
وقد بين الباحث تلك الأفكار والمعتقدات سالكاً في ذلك مسلك البحث العلمي، وذلك بإيراد النصوص من الكتاب والسنة الدالة على ذلك، موثقة من مصادرها ذاكرا الجزء والصفحة.
والذي ميز هذا البحث في نظري ربط الباحث بين أفكار الخوارج ومناهجهم في تعاملهم مع النصوص، ومع العلماء بل سادات العلماء وهم الصحابة.
وبين أفكار المعاصرين من جماعات التكفير والهجرة ومن سلك مسلكهم في الحكم على علماء الأمة المخالفة لعقيدتهم- بالكفر- ثم تعاملهم مع النصوص وفهمها، ونبذ أراء ومؤلفات العلماء من سلف هذه الأمة.
لا فرق في ذلك بين الفرق التي احتفظت باسمها التاريخي- كالأباضية، التي أورد الباحث من مصادرهم ومؤلفاتهم، أفكارهم وعقائدهم في تكفير أصحاب المعاصي وتخليدهم في النار، والقول بخلق القرآن ونفي رؤية المؤمنين ربّهم في الآخرة، وكل معتقدات المعتزلة في باب الأسماء والصفات، ورأيهم في الصحابة.(37/179)
أو من سبقت الإشارة إليهم- من تسمية من سموا أنفسهم بجماعة التكفير والهجرة الذين حكموا على من سوى جماعتهم بالكفر، لا فرق بين حاكم ومحكوم، دون إقامة الحجة وإزالة الشبهة عن المحكوم عليهم، ودون الفرق بين القول والقائل، لأن القول قد يكون كفرا، والقائل لا يكفر إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة عنه، كما هو منهج أهل السنة والجماعة.
وإن لم يتعرض الباحث لهذه القاعدة.
وقد وثق الباحث كما قلت أقوال الإباضية من كتبهم- ولم يطلع على كتاب جديد لمؤلف معاصر المسمى "الحق الدامغ "للشيخ أحمد بن حمد الخليلي، المفتي العام لسلطنة عمان، طبعة عام 1409 هـ فقد صدر بعد طبع كتابه، الذي خصصه لثلاث مسائل هي: القول بخلق القرآن، نفي الرؤية، خلود أصحاب المعاصي في النار، حيث قال في ص 20: للإباضية فيها موقف لم يتفق مع رغبات أولئك الحاقدين ... الخ.
وهذا يوضح للقارئ أن تلك الأفكار الهدامة لم تزل سارية في الأمة، ولم تكن تحت التراب كما يقول بعض الكتاب.
أما جماعة التكفير والهجرة- فقد أورد شبههم التي استندوا عليها في تكفير من سواهم وناقشها، ورد عليها بما أورده العلماء في الرد عليهم، وفي تعسفهم وتحريفهم للنصوص التي يستدلون بها، وقد أجاد الباحث في ذلك من حيث الأسلوب والعرض، وكيفية الاستدلال، والتحليل، ثم ربط أحوال الناس وواقعهم وأفكارهم المعاصرة بالأفكار القديمة كما سبقت الإِشارة لذلك- وهذا هو المنهج السليم المفيد في دراسة الفرق، لا السرد التاريخي. وقد انتهى البحث عن الخوارج ومن سلك مسلكهم بنهاية ص 177.
الفصل الرابع
الشيعة الإمامية الإثنا عشرية وأهم تعاليمهم ص 179
تحدث الباحث عن هذه الفرقة من الشيعة.
فعرفهم وذكر تعاليمهم، وأورد أسماء أئمتهم- حسب دعواهم-.(37/180)
وإلا فأولئك من أهل السنة والجماعة، وأولهم الإِمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخليفة الراشد رابع الخلفاء المشهود له بالجنة، والذي تبرأ من أفكار الشيعة الرافضة التي نسبوها إليه، في الإمامة فقد أعلن أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوص إليه بشيء في ذلك، وفي تفضيله على الشيخين فقد خطب وقال: من فضله على أبي بكر وعمر فسيحدّه حد المفتري، وغير ذلك مما هو مثبت في مناقبه وفضائله.
وأما الحسن رضي الله عنه، فخلافته من خلافة الخلفاء الراشدين، وقد أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه سيد شباب أهل الجنة، وأن الله سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين- لكن الشيعة غاضهم ذلك الصلح- فقالوا له: يا مسود وجوه المؤمنين، كما في البداية لابن كثير.
أما بقية من جعلوهم أئمة إلى الثاني عشر المختفي في السرداب الذي لم يخلقه الله فلم يل أحد منهم أمر المسلمين، ولكنهم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تجب محبتهم ... الخ.
وكان بودي لو أنّ الباحث أشار إلى ذلك.
وقد أساء الشيعةُ إلى أهل البيت بدعوى حبهم وموالاتهم، لأنهم اتخذوا هذه الدعوى ستارا لهدم قواعد هذا الدين، وقد أثبت الباحث ذلك، كما أورد الباحث الكثير من عقائدهم الباطلة وناقشها ورد عليها بما هو الحق من أقوال أهل السنة والجماعة، ومن كتب الشيعة الإمامية أنفسهم القديمة والمعاصرة.
ومن أهم عقائدهم الباطلة التي أوردها الباحث ورد عليها ما يأتي:
أولاً: الوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه بالإمامة بعده مباشرة، وأن الصحابة خالفوا أمر رسول صلى الله عليه وسلم في تلك الوصية فاغتصبوا حق علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقد أورد الباحث أدلتهم في النص على إمامة علي بن أبي طالب بعد النبي مباشرة، فذكر الآيات التي استدلوا بها على ذلك.(37/181)
ثم ناقشها وردها بالأدلة الصحيحة الصريحة من أقوال أهل السنة، فبين أنه لا دليل لهم في الآيات التي أوردوها وأن الأحاديث التي أوردوها في النص موضوعة- وأما الأحاديث الصحيحة فإنها لا تدل على المدعى ص 192.
ثم ربط بين قول وعقائد الشيعة- الإمامية- السابقين والمعاصرين في الإمامة ومنزلة الإمام.
فالإمامة ركن من أركان الدين ومنصب إلهي كالنبوة ص 197.
وقد ذكر من المعاصرين عبد الواحد الأنصاري الشيعي المعاصر- صاحب كتاب أضواء على خطوط محب الدين الخطيب، نقل عنه من ص 98،99.
وآية الله الخميني من كتابه "الحكومة الإسلامية"ص 52 ونقل عنه قوله: فإن للإمام مقاما محمودا ودرجة سامية وخلافة تكونية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات الكون ... الخ ص 199 ثم ذكر في آخر هذه الصفحة والتي تليها عن الخميني من الحكومة الإسلامية ص 141- أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه- هو الحاكم المهيمن الشرعي على شؤون البلاد والعباد وأن الملائكة تخضع له ... الخ.
ثانياً: العصمة للأئمة- فلا يجوز عليهم المعصية ولا الخطأ ولا النسيان ص 203.
وقد رد على الشيعة هذه الدعوى وبين وجهة رده وهي وجهة سليمة، كما في ص 205.
ثالثاً: الرجعة قال: فقد نادى الشيعة برجعة الأئمة وأرادوا بذلك أن يعود الإمام إلى الظهور بعد الغيبة أو الاختفاء أو إلى الحياة بعد الموت.
وبين أن أصول هذه الدعوى يهودية ... الخ ص 207.
ثم ذكر من يحاول تفسير هذه الرجعة من الشيعة المعاصرين برجعة الدولة والأمر والنهي، ونفى أنَّ الرجّعة بالمفهوم الأول ليست من معتقدات الإمامية ... الخ ص 209.
ثم رد على هذا المفهوم أو الدعوى- بأن الشيعة جميعا لا يشكون في عودة الإمام المنتظر أو الإمام الغائب الذي يحقق دولة الإسلام، ثم ذكر اتهامهم ودعواهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحقق دولة الإسلام في صورتها الكاملة ... الخ ص 210.
ثم قال: ولاية الفقيه:(37/182)
وذكر عقيدة الشيعة أن قيام الدولة لا تكون إلا مع الإمام المعصوم وعلى يديه، قال: ومن ثم عطل هؤلاء إلى عهد قريب صلاة الجمعة، بل حرم بعضهم أداءها حتى يخرج الإمام المنتظر ...
وأن فريقا منهم يرون أن ولاية الفقيه بمعنى أن الفقيه الشيعي له الولاية العامة ... إلى أن قال: وقد تبلورت هذه الآراء عند الشيعة المعاصرين فيما يعرف بنظرية ولاية الفقيه التي أضفى عليها آية الله الخميني بعدا سياسياً وأخرج بها المذهب الشيعي من طور الجمود السياسي المتمثل في انتظار عودة الإمام الغائب ليقيم دولة الإسلام- إلى القول بوجوب سعي الفقهاء إلى إقامة دولة يحكمها الإسلام ... الخ ص 211- 216- المرجع الحكومة الإسلامية.
رابعاً: التقية:- وهي النفاق عند أهل السنة والجماعة- وتسعة أعشار الدين عند الشيعة الإمامية، بل نقلوا نصوصا نسبوها إلى من يدعون أنهم أئمتهم، وقد نقلها الباحث ص 217، منها قولهم نسبة لجعفر الصادق: التقية ديني ودين آبائي. "ومن لا تقية له لا دين له ""وأنها تسعة أعشار الدين"- هذه الروايات في الكافي وعقائد الصدوق- الهامش 1 لنفس الصفحة 217.
تم ذكر الباحث- أن الشيعة تعد التقية مبدأ أساسيا في حياتهم الخاصة والعامة وجعلوها ركنا من أركان مذهبهم ثم بين أنه كان للتقية شأن خطير في كل أحداث الشيعة التاريخية ... الخ ص 217- 218.
هذا بعض كلام الباحث عن التقية وقد ذكر أمثلة لاستعمال الشيعة واستخدامهم للتقية.
إلا أن الباحث يظهر أنه لم يطلع على الكتاب الخاص بالتقية من تأليف الخميني ولهذا اكتفى بإشارته في الحكومة الإسلامية ص 142 كما في هامش ص 218- إلى كيفية استعمال التقية عند الخميني في الحكومة الإسلامية، فظن أن التقية أصبحت غير ذات أهمية عند الشيعة، ولهذا حينما جاء الباحث إلى إبداء وجهة نظره في التقريب وقع منه ذلك الخطأ الذي سيأتي مناقشته بعد قليل.(37/183)
خامساً: عقيدة المهدي- وقد صرح الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية بتلك العقيدة ودعى له بتعجيل الفرج.
وقد نقل الباحث في ص 216 المادة الخامسة من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفيه- تكون ولاية الأمر في غيبة الإمام المهدي "عجل الله فرجه "في جمهورية إيران الإِسلامية للفقيه العادل ... الخ ولكن الباحث يقول هذه المشكلة انتهت، والعقلاء يقولون ليتها لم تنته.
وفي ص 226 قال: موقف الأمامية الإِثني عشرية من القرآن والسنة والصحابة.
سادساً: الشيعة والقرآن:
قال: أما القرآن فقد زعم بعض الشيعة أنه قد حرف وأسقطت منه بعض السور ... الخ.
قال: وقد ردد هذه الافتراءات على القرآن العديد من علماء الشيعة الإمامية، وعلى رأسهم حجتهم المشهور أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني ... الخ.
إلى أن قال: وقد زعم الكليني أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة ... ص 227 المرجع الهوامش في نفس الصفحة وقد ذكر في ص 228- 229 أمثلة لدعواهم الباطلة. وفي ص 230 ذكر كتاب "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب "لحسين بن محمد تقي النوري الطبرسي المتوفى سنة 1320 هـ الذي أثبت فيه- أن كل الشيعة الإمامية مجمعون على تحريف القرآن- حتى المشائخ الأربعة المنسوب إليهم الخلاف للشيعة- حيث أثبت أنهم يقولون ذك- بدليل أنهم رووا الأحاديث التي فيها التحريف في كتبهم ولم ينقدوها.
وقد نقل الباحث ذلك في ص 231.
ومع نقله هذا فسيأتي قول الباحث ص 243 سطر 15- أنه وجد شبه إجماع لدى الشيعة على نفي أي تحريف بزيادة أو نقص عن القرآن.
هكذا يقول- والعكس هو الصحيح، ونقله هذا يثبت ذلك.
سابعاً: الشيعة والصحابة: ص 235
وقد نقل الباحث عن الشيعة طعنهم في الصحابة وتجريحهم لهم من كتبهم الأصيلة مثل الكافي للكليني. ورجال الكشي. والاحتجاج للطبرسي، وغيرها من المراجع الأساسية عند الشيعة الإمامية.(37/184)
ثم بين أن هذه العقائد السابقة- لازالت بعينها يرددها الشيعة المعاصرون ثم مثّل:
بعبد الواحد الأنصاري- صاحب كتاب "أضواء على خطوط محب الدين الخطيب"ص 102-103 هامش 3 من ص 235- نقل منه اتهام الصحابة بأنهم تآمروا على إبعاد علي رضي الله عنه عن الخلافة، بل تآمروا على قتله والتخلص منه، وأنهم حاربوا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكادوا يحرقون عليها منزلها ... الخ.
ثم أضاف الباحث في ص 236 وهو كلام جيد فبدأ من السطر العاشر فقال: ومما يؤسف له أن بعض الشيعة المعاصرين لا زالوا يرددون مثل هذه التهم الباطلة ضد الصحابة رضوان الله عليهم ويصفونهم بأقذع الأوصاف ويتهمونهم بأبشع التهم، فهم في نظرهم طلاب دنيا قبلوا الإسلام ظاهرا طمعا في الحكم والسلطة وأضمروا الكفر والنفاق والزندقة ... الخ.
وأثبت الباحث المرجع في نفس الصفحة هامش 2 كشف الأسرار للخميني ص 130-131.
وقد رد الباحث كما في ص 237- 239 على هذا الكاتب وأمثاله، بما كان للصحابة من دور فعال في نصرة هذا الدين ونشر تعاليمه وأنهم يمثلون جيلاً، فريدا صاغته تعاليم القرآن ... الخ.
حيث نقل ذلك عن أبي الحسن الندوي- من كتابه- "صورتان متضادتان "عند أهل السنة والشيعة الإمامية ... الخ.
ثامناً: الشيعة والسنة: ص 240.
قال الباحث: قد كان لنظرة الشيعة ورأيهم في الصحابة أثر كبير في موقفهم من السنة النبوية، إذ أنكر الشيعة كل الأحاديث التي وردت عن طريق هؤلاء الصحابة، بل أنهم شنوا هجوما عنيفا على رواة الحديث كأبي هريرة وسمرة بن جندب، وعروة بن الزبير، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وغيرهم- واتهموهم بالوضع والتزوير والكذب.
نقل الباحث هذا النص عن الشيعة الإمامية المعاصرين في هامش ص 240 فذكر:
1- أضواء على خطوط محب الدين الخطيب- لعبد الواحد الأنصاري ص 48، 65، 68، 90.
2- الحكومة الإسلامية للخميني ص 60.(37/185)
3- الشهادة "علي شريعتي "قال: وهذا الكاتب الأخير يتهم الصحابي أبا هريرة بأنه وأمثاله سلكوا طريق ابتداع الأحاديث واختلاق المتون لتدعيم حكم معاوية.
4- الشيعة في الميزان "مغنية"ص 81 وهو معاصر أيضا.
هذا ما سطره الباحث في كتابه هذا من كتب الشيعة الإمامية القدامى والمعاصرين وهو بحث جيد سلك فيه الباحث المنهج العلمي، فقد وثق النصوص التي نقلها من كتبهم الأساسية والمعاصرة مشيرا إلى الجزء والصفحة بأسلوب جيد وعرض حسن، كما ناقش هذه الأفكار المنحرفة التي قصد أصحابها من ورائها هدم دين الإسلام من أساسه حيث طعنوا في مصدريه، القرآن والسنة، واتهموا من نقله إلينا من الصحابة الكرام الذين اختارهم الله لصحبة نبيه، بالكفر والنفاق والزندقة، وفد أسلموا ظاهرا وأبطنوا النفاق من أجل الوصول إلى السلطة والحكم… الخ.
هذا ما نقله الباحث عن الخميني.
"رأي المؤلف "
مهم جداً- ولكن ما رأي الباحث بعد أن سطر هذه الحقائق كلها.
1- في ثورة الخميني وإقامة الدولة الإسلامية- الشيعية الإمامية.
2- وفي دعواهم تحريف القرآن ... الخ.
3- وفي الصحابة الكرام.
4- وفي السنة النبوية.
أقول إن الباحث قد أبدى رأيه وما يدعو إليه من ص 242- 244.
فقال في السطر الرابع ص 242 من أسفل: وهو زيادة لم توجد في الطبعة الأولى حيث انتهى الكلام عن الصحابة والسنة ص 179 تم في ص 180 بدء الفصل الخامس، أما هذه الطبعة فقد زاد فيها من قوله:
من هذا العرض لأراء الشيعة ومعتقداتهم يتبين لنا ما يأتي، وهو من ص 242-244:
قال: أولاً- أن القضية الأساسية التي يدور حولها فكر الشيعة ومعتقداتهم هي قضية الإمامة التي انبثقت منها كل تصوراتهم عن الإمام وآرائهم حول:
القرآن - والسنة- والصحابة.
وكان لها انعكاس وأثر في مختلف مناحي فكرهم، وتعتبر من ثم نقطة الخلاف الأساسية بينهم وبين أهل السنة.(37/186)
ثانيا: إننا نجد داخل الحركات الشيعية تبايناً في الآراء واختلافا في وجهات النظر، حول كثير من المسائل الأصولية لاسيما فيما يتعلق بتصورهم للإمام ووظيفته والقول بعصمته ورجعته واستخدام التقية والقرآن وولاية الفقيه ومشروعيتها..
تم بدء في التدليس بكلام ينقضه قوله السابق ونقله لثباتِ المعاصرين على ما سطره أسلافهم. ثم استعمالهم جميعا للتقية كدين لأنهم يقولون: من لا تقية له لا دين له، كما نقل هو ذلك وسبق ذكره.
ثم يقول: ويبدو أنه كان للظروف التاريخية التي حدثت فيها مواجهات بين الشيعة وخصومهم، وللأجواء العامة التي نما فيها التشيع الأثر الكبير في صياغة معتقدات الشيعة بصورة حادة متطرفة أحياناً!! بينما نجد ميلاً إلى التفكير، واعتدالا في الرأي في الظروف التي تخف فيها حدة الصراع.
نم رتب على هذه الدعوى العارية من الدليل ما يأتي:
قال: وقد استطاع بعض الشيعة المعاصرين وإلى حد ما، تجاوز الإطار التاريخي الذي نمت فيه كثير من أفكار أسلافهم ومعتقداتهم الجانحة وبدءوا مناقشة قضايا المذهب بصورة نقدية معتدلة وتوصل بعضهم كما سبق أن رأينا إلى أن قضية عصمة الأئمة، والرجعة، والتقية، لم تعد مقبولة ... الخ.
وأقول: إن هذا البعض يقصد به الخميني- وسبق أن نقلت ما ذكره الباحث عن الخميني في اتهامه- الصحابة بالكفر والنفاق والزندقة، وإنهم إنما أسلموا نفاقا في سبيل تحقيق أغراضهم الدنيوية طمعا في السلطة والحكم ... الخ ص 236.
ونوجه السؤال التالي للمؤلف ونقول له:
ما هي الظروف التي واجهت الخميني المعاصر- حتى يحكم على الصحابة الكرام بهذا الحكم الباطل الفاسد الظالم؟
كما نقل الباحث- عن عبد الواحد الأنصاري من كتابه "أضواء على خطوط محب الدين الخطيب "وعن "الخميني "وعن "شريعتي"وعن "مغنية"في ص 240، تكفيرهم واتهامهم عددا من الصحابة بأسمائهم بالوضع والتزوير والكذب.(37/187)
فما هي الظروف التي واجهت هؤلاء المعاصرين ليصدروا هذا الحكم الظالم على الصحابة الكرام الذين كنت قبل قليل تدافع عنهم وتقول: إن الإمامية شنوا عليهم هجوما عنيفا فكفروهم واتهموهم بالزندقة.
فماذا أصابك بعد ذلك الحماس للحق؟.
ثم يواصل الباحث رأيه حول عقائد الإمامية لتبرأتهم أو رجوعهم فيقول في نفس الصفحة 243 سطر 15كما وجدنا شبه إجماع لدى الشيعة على نفي أي تحريف بزيادة أو نقص عن القرآن.
وأقول إن كلامه هذا باطل بما نقله هو نفسه من ص 226- 239 عن القدامى والمعاصرين ووضح ذلك بما جاء في كتاب حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي المتوفى سنة 1320 هـ في كتابة الذي سماه "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب"وقد رد فيه على الأربعة الذين نسب إليهم القول بعدم تحريف القرآن كما في ص 230- 231 ونقل الباحث رده عليهم.
ثم النّص الذي نقله عن الخميني في تكفيره للصحابة والذي سبق نقله في الصفحات السابقة.
قال الخميني عن الصحابة: أضمروا الكفر والنفاق والزندقة واستهانوا بالقرآن فحرفوه.. الخ انظر النص ص 236.
إذاً أين شبه الإجماع عند الشيعة على نفي تحريف القرآن- بل الإجماع عندهم على تحريفه كما أثبت النوري الطبرسي. وكما يقول الخميني.
وقبل شهرين قُدمت رسالة في الجامعة- عن موقف الشيعة الإمامية من القران- أثبت الباحث بالتسلسل التاريخي إلى العصر الحاضر عن الإمامية أنهم يقولون بتحريف القرآن ومنهم الخميني، وكنت أحد أعضاء لجنة المناقشة وبهذا يتبين أن قول الباحث هذا ساقط لا وزن له، بل هو غش لهذه المؤسسة التي خدعها بطبعة كتابه الأولى، فلما اطمأنت إليه أدخل هذه الأفكار الدخيلة على أهل السنة في الطبعة الثانية.
ويواصل الباحث في التصريح برأيه، وهو في الحقيقة رأي الخميني ودعاته في الوقت الحاضر.
فيقول في ص 243:(37/188)
كما يَسُود الآن في أوساطهم- أي- الإمامية- القول بضرورة قيام الدولة الإسلامية التي يتولى أمرها فقهاء المذهب وعلماؤه نيابة عن الإِمام.
ثم يقول: ولا شك أن هذه خطوات جيدة في الطريق إلى مدّ الجسور بين السنة والشيعة، سعياً إلى وحدة الأمة الإسلامية التي هي أشد ما تكون حاجة إلى تلك الوحدة ... الخ.
وأقول: بل هذه هي الفتنة الكبرى التي توصل إليها الخميني، وكان أهل السنة في راحة قبل ذلك، بل فيها قطع الجسور لا مدها، وأن ما يدعو إليه الباحث من تقريب، هو ما يدعو إليه الخميني باسم الثورة الإسلامية ثم تصديرها إلى أبناء السنة في العالم الإِسلامي في أفريقيا وآسيا، تحت شعار كلمة المسلمين ضد المستعمرين وأعداء المسلمين وإنقاذ المستضعفين، والهدف هو نشر عقيدة الشيعة الإمامية وتعاليمها باسم الإسلام وهذا هو الواقع الموجود الآن.
وهذه الدعوى تسير تحت ستار "التقية"التي هي ركن الدين بل أساسه عند الشيعة الإمامية- كما ذكر الباحث ذلك.
وقد استعمل المؤلف "التقية" في الطبعة الأولى، وأقول.
قد قامت الدولة التي يتحدث عنها الباحث- فهل تحققت وحدة الأمة ضد أعدائها كما يقول، أو قامت الفتن وسفك دماء الأبرياء- لأن أبناء المسلمين لا يعرفون عقائد الرافضة.
وإذا كان الباحث ينقل كلام الخميني- الذيَ فيه- حكمه على الصحابة بالكفر والنفاق والزندقة وأنهم حرفوا القرآن، وكتموا السنة (فضلا انظر ص 236) قول الباحث: ومما يؤسف له ... الخ، هل الذي يصرح بهذا يعتقد أن أهل السنة المعاصرين مسلمين وهو يريد أن يوحد كلمتهم، وعلى أي شيء هل: على احترام الصحابة الكرام وحفظ حقوقهم، ثم الأخذ برواياتهم الموجودة في صحيح الإمام البخاري ومسلم وجميع الأمهات، وكتب التفسير لابن جرير وابن كثير وغيرهما من علماء أهل السنة والجماعة.(37/189)
اعتقد أنه لا يوجد عالم من علماء أهل السنة يعتقد ذلك، اللهم إلا دعاه التقريب، وهو في الحقيقة التنازل عن الحق إلى الباطل، ويظهر مما سطره المؤلف بقلمه أنه منهم، ولنا الحكم بالظاهر من كلامه.
ولكن نواصل مع الباحث لنرى رأيه في موقف الرافضة الإمامية- من الصحابة، والسنة. لأنه يرى أنه إذا قامت الدولة الإسلامية عند الشيعة بقيادة الفقهاء، نيابة عن الإمام الغائب، فقد انحلت المشكلة الكبرى، ولم يبق إلا قضايا معلقة يمكن حلها، وقد قدم الباحث الحل، فما هذا الحل الذي قدمه؟
يقول الباحث ص 243 المقطع الأخير:
وتبقى بعد ذلك بعض المسائل المعلقة- كمسألة غيبة الإمام والاعتقاد برجعيته، وموقف الشيعة من الصحابة رضوان الله عليهم، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: أما غيبة الإمام والاعتقاد برجعته فإنها لم تعد ترتبط في الفكر الشيعي المعاصر بواقع المجتمع وأحوال المسلمين فيه كما كان يتصور من قبل، إذ أن "ولاية الفقيه "أصبحت تمثل البديل العملي للرجعة، وإذا كان ولاة الأمر من الفقهاء يمكَنهم إقامة أمر الدين ... الخ.
فإن قضية الحاجة إلى إمام وضرورة رجعته تصبح نظرية ... الخ ص 244.
فكأنه يرى- أن أهل السنة في ضيق وشدة من اعتقاد الإمامية- من أنه لا يجوز إقامة جمعة ولا جهاد ولا دولة إلا بحضور الإمام المعصوم.
وأن نظرية الخميني بولاية الفقيه العادل- وقيام دولته- حلت هذه المشكلة عن أهل السنة.
أقول: ألا يعلم الباحث- أن أهل السنة والجماعة والإسلام والمسلمين- كانوا في راحة نسبيّاً حين كان الشيعة الإمامية على تلك العقيدة.(37/190)
وأقول نسبيا- لأن الإمامية الرافضة يتربصون بأهل السنة دائماً- فماذا فعل ابن العلقمي وزير الخليفة العباسي- وابن العلقمي رافضي- فقد دعى هولاكو وكانت على يده إزالة الخلافة العباسية، فماذا صنع في بغداد، فلو رجع الباحث للبداية والنهاية لعرف أن المفكرين من الرافضة ومنهم في العصر الحاضر- الخميني- يدركون أن غيبة الإمام خرافة ولكنهم يستغلون عوام الشيعة بها ويربطونهم دينيا باعتقادها ليسهل قيادتهم ولهذا صرح الخميني في الحكومة الإسلامية ونقل عنه الباحث، أنه لا يمكن الانتظار إلى وقت لا يعلم فيه خروج الإمام ويضيع الإسلام، كما يقول هذه القرون الطويلة- فخرج بنظرية نيابة الفقيه العادل عن الإِمام الغائب- ويدعو الله له بالفرج أو تعجيل الفرج، ليخدع عوام الشيعة بذلك.
فأنا كنت في أثناء المناقشة لهذا البحث متحيرا في أمر الباحث- هل هذه الأفكار التي يدعو لها عن غفلة وسطحية وسوء فهم، وهي بعيدة في نظري عمن يكتب مثل هذا البحث؛ أو أنها- التقية الرافضية- وقد ترجح لدى الثاني، وذلك لأن الرجل أصبح وأمسى كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، فنعوذ بالله من الحور بعد الكور، ومن الظلمة بعد النور.
ولكن لننظر رأيه في الصحابة وتقديم الحل لذلك الاعتقاد:
يقول أما رأي الشيعة في الصحابة فمسألة مرتبطة في أساسها بالخلاف التاريخي حول الإِمامة، وإذا أمكن الاتفاق على تجاوز هذا التأريخ، والحكم على من شاركوا في أحداثه، مع تأكيد دور الصحابة الهام وأمانتهم وعدالتهم في نقل هذا الدين- والاهتمام بدلا من ذلك بالقضايا المعاصرة ومواجهة أعدائهم، قال: فيمكن إسقاط هذه القضية من دائرة الخلاف. هكذا يقول الباحث وبكل بساطة.
وأقول إن ما نقله عن الخميني المعاصر وغيره، يكفي لدحض دعوى الباحث أن أساس الخلاف تأريخي حول الإمامة.
لأن الخميني معاصر ولم يسقط عقيدته في أن الصحابة كفار ومنافقون وزنادقة، حرفوا القرآن وكتموا السنة.(37/191)
وهو ما نقله الباحث، وقد كررت الإشارة إليه- لأن هذا القول من الباحث لا يدع مجالا للشك أنه داعية إمامي لتصريحه بهذا القول في كتابه، ولا يستطيع التفلت من هذا، لأن التقية التي استعملها في الطبعة الأولى قد انكشف القناع عنها هنا كما قيل:
ومهما تكن عند امرئ من سجية
وأن خالها تخفى على الناس تعلم
ومما يؤكد ذلك ما قدمه من توطئة للحكم على قولهم ورأيهم في السنة، فهو يقول في ص 244 السطر التاسع:
أما السنة فإنه مما هو معلوم أنه دخلها كثير من الوضع ودُسَّتْ فيها كثير من الأقوال المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - ويعني بذلك- السنة عند أهل السنة والجماعة، حيث قال: وقد قام علماء المسلمين بجهد كبير في سبيل تنقية الصحيح من الموضوع.
تم يأتي لكتب الشيعة فيقول:
وبالنسبة لكتب الشيعة التي أشرنا إلى بعض منها، فإن الشيعة يعترفون- أو على الأقل بعض منهم- بأن في تلك الكتب بعض الروايات الموضوعة! كما أنهم أنفسهم جرحوا بعض رواتهم، وإذا كان الأمر كذلك، فيمكن أن يقوم الشيعة المعاصرون بعمل جريء في هذا الموضوع يطبقون فيه منهج علماء الحديث ... الخ الهراء.
وأقول: أولاً مهد الباحث بأن في كتب أهل السنة أحاديث موضوعة وكثيرة. وقد قام أهل السنة بما يجب عليهم حيالها. والحمد لله.
ثم يقول: أما كتب الشيعة ففيها بعض الروايات الموضوعة! فهو يعبر عنها باستحياء فيعبر بكلمة تم يقول:
والذي يعترف بذلك الوضع على الأقل بعض منهم.
قلت: ولأنهم لا يرضون بهذه الدعوى وهم يدعون عصمة من نسبوا إليهم تلك الروايات، وهذا الأقل يقول ذلك "تقية"وهي دين فلا حرج عليه.
ثم يقول: إذا قام الشيعة المعاصرون بنقد تلك الروايات انتهى الأمر، قال: ويمكن بذلك مد الجسور ووصل الهوة بين السنة والشيعة والتي لا يفيد منها إلا أعداء الإسلام.(37/192)
أقول كلمة قصيرة: إن قوله إن في كتب الشيعة بعض الروايات الموضوعة يخالف ما أثبته هو بنفسه في ص 240 بعد أن نقل عن الشيعة المعاصرين طعنهم في الصحابة واتهامهم لهم بالتزوير والكذب والوضع.
قال في سطر 4: ولم يقبل الشيعة من ثم إلاّ الأحاديث الواردة عن طريق الأئمة من أهل البيت أو ممن نسبوهم إلى التشيع كسلمان الفارسي وعمار بن ياسر، ثم قال: ويقول في ذلك أحد الشيعة المعاصرين: إن كل من قرأ كتب الشيعة الإمامية الإثني عشرية ومؤلفاتهم في مختلف العلوم الإسلامية، كالحديث والفقه والتفسير، وجد نقولها تكاد تنحصر عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الإمام علي عليه السلام، عن شيعة الإمام الأربعة ... وعن الأئمة المعصومين، وذكر الحديث الموضوع، وهو قول علي رضي الله عنه: علّمني رسول الله ألف باب ... الخ ونتيجة لهذا لم يهتموا بالإسناد.
قال: ومن ثم رفض الشيعة صحيحي البخاري ومسلم وكتب السنة ... إلى أن قال: قال أبو زهرة عن الكافي. إن ما فيه أخبار تنتهي عند الأئمة ولا يصح أن نقول أنه يذكر سندا متصلا بالنبي ... الخ.
قلت: ومعلوم أن الصحابة الذين اجتمعوا في حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ألف وأربعة عشر ألفا ولم يأخذ الشيعة إلا رواية من نسبوهم إلى التشيع لا يتجاوز السبعة عشر من هذا العدد، كما قال الإمام ابن كثير في الباعث الحثيث ص 181.
ومن هنا اضطر الشيعة إلى وضع الأحاديث، ومن هنا قال الإمام الشافعي: إن الرافضة أكذب أهل الأهواء.(37/193)
فكيف يقول الباحث، إن في كتب الشيعة بعض الروايات الموضوعة؟ إن هذه الدعوى لا دليل عليها، بل الدليل العكس، فمن أين غطى الرافضة الأحكام الشرعية من عبادات وعقائد وسلوك ومعاملات… الخ وهم اقتصروا على الرواية عن ذلك العدد القليل من الصحابة، ورفضوا الصحيحين وجميع الأمهات من كتب الحديث التي رواها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها أحاديث عن علي رضي الله عنه وعن أهل البيت وعن الصحابة الأربعة ومنهم سلمان، ولم يذكر الإمامية تلك الروايات في كتبهم لأنها تكذب عقائدهم الباطلة ومما يشير إلى أن الباحث يرى أن العقيدة الصحيحة هي عقيدة الإمامية.
ما جاء في ص 332 ما يأتي:
"ولا شك أن هذه خطوة طيبة ينبغي الإشادة بها في سبيل تصحيح عقائد النصيرية وإخراجهم من دائرة العلو والجهل والعقائد الخرافية الفاسدة الني كانوا يعتقدونها".
يقول هذا لأن النصيرية أعلنوا أن عقيدتهم ومذهبهم هي عقيدة ومذهب الإمامية الإثني عشرية. وهذا من الفصل الذي زاده عن النصيرية كما سيأتي، وهو يقول بهذا التصحيح للعقيدة عند النصيرية، بعقيدة الإِسلامية، وقد سبق نقله عن الإِمامية بل عن زعيمهم الخميني اتهامه للصحابة بالكفر والنفاق والزندقة وتحريف القران ... الخ فكيف هذا التصحيح؟ أليس هو كغسل نجاسة ببول كما يقال، وسيأتي توضيح ذلك في الصفحات التالية، عندما نتعرض لما زاده في هذه الطبعة عن الطبعة الأولى في هذا الموضوع ص 331.
الشيعة الزيدية من ص 245- 264
أما الشيعة الزيدية فقد كان بحثه عنهم جيدا، فقد ذكر نشأتهم وعقيدتهم في الإمامة، واتفاقهم مع المعتزلة في باب العقائد عموما، كما رد على المعاصرين إنكارهم اتفاق الزيدية مع المعتزلة في عقائدهم.(37/194)
ثم أشار إلى الاتجاه السلفي عند عدد من علماء اليمن ومثل لذلك بابن الوزير وذكر كتابيه "إيثار الحق على الخلق ""وترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان "والصنعاني والشوكاني.
وكل تلك البحوث سلك فيها المنهج العلمي السليم فوثق النصوص المنقولة من كتبهم والمؤلفات الأخرى، ثم عرض المعلومات عرضا حسنا.
الفصل السادس
الإسماعيلية الباطنية من ص 265- 310
وقد ذكر أصولهم وعقائدهم وأهم فرقهم ودرس أفكارهم ووثق مصادرها، وبين أنها كلها تهدف إلى إبطال شرائع الإسلام. ويا ليته قال مثل ذلك في حق الروافض الإمامية، الذين صاروا فتنة لضعفاء العقول والإيمان أيام حياتهم، وبعد مماتهم، ولكن الدكتور أحمد- ذكرنا بقول الشاعر:
وعين الرضى عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا
الفصل السابع
النصيرية العلويون من ص 311-333
وقد ذكر أصل الطائفة وعقائدها الباطنية، ومنها دعوى حلول الله عز وجل في علي رضي الله عنه والأئمة من بعده ص 314- 313. وبين موقفهم من أحكام الشريعة، وأن الصلاة رمز لأسماء خمسة هم علي والحسن والحسين ومحسن وفاطمة، وأن ذكر هذه الأسماء الخمسة يجزيهم عن غسل الجنابة والوضوء ... الخ.
وقد أثبت بالنقول الموثقة من الكتب المعتمدة هذه العقائد التي يدينون بها كما أثبت عن الأئمة من أهل السنة، بأن ظاهر مذهب هؤلاء الرفض وباطنه الكفر المحض ص 324.
كما أثبت صلة النصيرية بالإمامية ص 325 وإلى هنا ينتهي الحديث عن النصيرية في الطبعة الأولى ص 260.
حيث قال في ص 260 بعد ذكر بعض عقائد هذه الطائفة ... قال: وإلى أن يكشف أمر هذه الطائفة الباطنية التي تكتم تعاليمها ومعتقداتها وتظهر غير ما تضمر. اهـ.
أما في الطبعة الثانية، فهذا الكلام ينتهي ص 325 كما سبق.
ثم إن الباحث ذكر عنواناً جديدا غير موجود في الطبعة الأولى، وهو قوله:
(النصيرية والشيعة الإمامية)(37/195)
ثم كتب تحت هذا العنوان عن هذه الطائفة ومعتقداتها من ص 325 -333 وفي ص 331 نقل نصوصا من كتب وتوصيات مؤتمرات ومنها أن وفداً من علماء إيران في السبعينات برئاسة العلامة "في عقائدهم "الشيعي السيد حسن مهدي الشيرازي زاروا النصيرية في الجبال والساحل ومنطقة طرابلس الشام والتقى الوفد بعلماء النصييرِية ووجهائهم وأهل الرأي فيهم ... إلى أن قال: وأصدر الجميع في ذلك بياناً أبرزوا فيه أمرين:
الأول: أن العلويين هم شيعة ينتمون إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالولاية والنسب ... الخ.
الثاني: أن "العلويين "و"الشيعة " كلمتان مترادفتان مثل كلمتي "الإمامية"و"الجعفرية".
قال: وقد صدر هذا البيان تحت عنوان "العلويون شيعة أهل البيت"بيان عن عقيدة العلويين أصدره الأفاضل من رجال الدين من المسلمين "العلويين "وقد وقعه ثمانون شيخا ووجيها ومثقفا ...
وختموا بيانهم بالقول. "هذه هي معتقداتنا نحن المسلمين (العلويين) ومذهبنا هو المذهب الجعفري ".
وكلمة أو تسمية "الشيعي والعلوي"تشير إلى مدلول واحد، وإلى فئة واحدة وهي الفئة "الإمامية الإثني عشرية".
والسؤال: ما هو تعليق الباحث على هذا المؤتمر الذي تمخض عن أمرين:
الأول: أن النصيرية- شيعة-.
الثاني: أنهم إمامية إثني عشرية في العقيدة والمذهب.
إن الباحث قد أشاد بهذه الخطوة وأنّها خطوة طيبة في سبيل تصحيح العقيدة!
فيقول بعد أن انتهى من نقل تلك التوصيات ص 331 سطر 12:
"ولا شك أن هذه خطوة طيبة ينبغي الإشادة بها في سبيل تصحيح عقائد النصيرية وإخراجهم من دائرة الغلو والجهل والعقائد الخرافية الفاسدة التي كانوا يعتقدونها".
وإن القارئ ليعجب لما يشيد به الباحث لانتقال النصيرية أو بعضهم من عقائدهم التي ذكر أن فيها الغلو والجهل والعقائد الفاسدة، إلى سبيل التصحيح وهو اعتقاد عقائد الإمامية.(37/196)
ولا أدري هل الكاتب نسي ما نقله في ص 199- 200 عن الحكومة الإسلامية للخميني حيث قال: إن لأئمتنا درجة لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل ... الخ وقوله: إن عليًّا هو الحاكم المهيمن على شؤون الكون ومجرياته وأن الملائكة تخضع له. فإذا لم يكن هذا غلو فما الغلو؟
وكما سبق أن الباحث نقل عقائد الإمامية نقلا مستفيضا من كتبهم القديمة المعتمدة عندهم، والمعاصرة من دعاتهم وذكر فيها هذا الغلو، وأنهم يعتقدون تكفير الصحابة، بل نقل من كشف الأسرار قول الخميني: إن الصحابة - طلاب دنيا قبلوا الإسلام ظاهرا طمعا في الحكم والسلطة، وأضمروا الكفر، والنفاق والزندقة، وفي سبيل تحقيق أغراضهم الدنيوية تلك استهانوا بالقرآن فحرفوه، وبالسنة فكتموها ولعبوا بها ... ". انظر ص 236 وفي ص 240 ذكر رأي الإمامية في السنة وفي الصحابة، وإليك مقتطفات من كلام الباحث، قال من أول الصفحة تحت عنوان: الشيعة والسنة:
"قد كان لنظرة الشيعة ورأيهم في الصحابة أثر كبير في موقفهم من السنة النبوية، إذ أنكر الشيعة كل الأحاديث التي وردت عن طريق هؤلاء الصحابة بل إنهم شَنُّوا هجوما عنيفاً على رواة الحديث كأبي هريرة وسمرة بن جندب وعروة بن الزبير، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة وغيرهم، واتهموهم بالوضع والتزوير والكذب ".
هذا كلام الباحث وهو صادق فيه فقد وثقه من كتبهم المعاصرة وهي:
1- أضواء على خطوط محب الدين ص 48، 65، 68،.9 لعبد الواحد الأنصاري، وهو عندي.
2- من الحكومة الإسلامية للخميني ص60
3- الشهادة، لعلي شريعتي، قال: وهذا الكاتب الأخير يتهم الصحابي الجليل أبا هريرة بأنه وأمثاله سلكوا طريق ابتداع الأحاديث واختلاق المتون.. الخ، انظر الصفحة المذكورة والهامش منها رقم (1) .
وهذا الحديث هو عن تعاليم الشيعة الإمامية الإثني عشرية حيث بدأ بتعدادها من ص 182- 244 وقد أورد في هذه الصفحات عقائدهم في:(37/197)
1- الإمامة- وظيفة الإمام- عصمة الإمام- الرجعة- ولاية الفقيه- التقية- موقف الإمامية الإثني عشرية من القرآن- والسنة، والصحابة-.
وقد بين الباحث عقائد الإمامية في تلك المسائل وغلوهم فيها، وتكفير الصحابة وأنهم زنادقة ... الخ.
والسؤال: فإذا انتقل النصيرية من عقائدهم الفاسدة- إلى عقائد الإمامية فهل صححوا عقائدهم بهذا التبديل، وعند الإمامية الغلو في الأئمة وأنهم يعلمون الغيب، ودعوى العصمة لهم، ثم اعتقادهم تحريف القرآن، وأن الصحابة حرفوا القرآن وكتموا السنة وأنهم زنادقة، كما أثبت ذلك الباحث نفسه.
فهل هذه خطوة إلى التصحيح- نترك الجواب للقارئ.
أما الباحث فقد سبق كلامه في ص 242- 244 والتي زادها في هذه الطبعة وأنه دعى فيها إلى التنازل للإمامية عن هذه العقائد التي لازالوا يدعون إليها وذلك بعد اعتقادها.
فقد قال في ص 244 سطر 7 بعد إسقاط طعن الإمامية على الصحابة قال:
والاهتمام بدلاً من ذلك بقضايا المسلمين المعاصرة أو مواجهة أعدائهم، فيمكن إسقاط هذه القضية من دائرة الخلاف.
وهنا أذكر نفسي وكل مؤمن بأن يدعو بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله: "يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ".
فالباحث هدانا الله وإياه إلى الصواب، ينقل عن معاصرين وكتب معاصرة يطعن أصحابها في أهم مصدري الإسلام- الكتاب والسنة.
وفي الذين نقلوا إلينا الكتاب والسنة، وهم الصفوة المختارة الذين اختارهم الله لصحبة نبيه ولحمل هذه الرسالة الخاتمة، فيكفرونهم ويتهمونهم بالنفاق والزندقة وتحريف القرآن وكتم السنة.
وقد درس عقيدة "التقية "وأنها تسعة أعشار الدين أو الدين كله كما نقل ذلك هو بنفسه.(37/198)
ثم بعد ذلك كله- يدعو لإِسقاط هذه القضايا الأساسية كلها، ويدعو لأن يجتمع أهل السنة مع من يصرح بكفر الصحابة وبكفر أهل السنة جميعا، وبغير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره- من أجل شعار رفعه هؤلاء وهو جمع كلمة المسلمين ضد أعدائهم. وهو يعلم علم اليقين من هم أعداؤهم الذين يعنون.
ولكني أعتقد أن الدعوة إلى هذه الفكرة، جاءت من شؤم جملة وردت في التقديم لهذه الطبعة، ولم ترد في التقديم للطبعة الأولى:
هذه الجملة هي القاعدة التي وضعها بعض الدعاة المعاصرين ولكنه رحمه الله وعفى عنه، أطلقها ولم يقيدها، فصارت على ألسنة الكتاب والدعاة إلى جمع الكلمة- يتحدثون بها على إطلاقها، ولهذا أدخلوا تحتها المتناقضات، هذه القاعدة: هي قولهم:
"نجتمع على ما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، مادامت تجمعنا كلمة التوحيد، ووحدة الرسالة والإيمان بالكتاب والسنة".
جاء هذا التعبير في التقديم للطبعة الثانية ص 5.
أما التقديم للطبعة الأولى فقد جاء في ص "و"بعد شكر المؤلف على دراسته قوله:
وإذ يشكر الأساتذة الذين راجعوا الكتاب، والجهات العديدة التي أوصت بنشره، ليرجو أن يكون لبنة في مسيرة توحيد الأمة الإسلامية ولم شملها على الحق والهدى.
وهذا هو ما يدعو إليه أهل السنة والجماعة، وعلى رأسهم علماء هذه البلاد وهو جمع شمل الأمة على الحق والهدى.
وهو في كتاب الله الذي تكفل الله بحفظه من التحريف والتبديل، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي الثاني المبينة والموضحة لكتاب الله عز وجل فالواجب على المؤلف أن يدعو الإمامية إلى التنازل عن عقائدهم الباطلة التي لا يزالون عليها إلى الحق.
وأقول باختصار في التعليق على هذه القاعدة، لأن الباحث جاء بهذه الزيادات في الطبعة الثانية التي نحن بصدد نقدها وتوجيهه فيها إلى التي هي أقوم، فبين بذلك فساد هذه القاعدة المطلقة.(37/199)
أقول إن الأئمة الأربعة اختلفوا في اجتهاداتهم في مسائل كثيرة، وعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه، وهكذا أهل السنة والجماعة المتبعون لمنهج الأئمة المتمسكون بأقوالهم، إذ كل إمام قال: إذا خالف قولي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا به عرض الحائط.
ولكن السؤال: هل أولئك الأئمة اختلفوا في أصول العقيدة؟
هل اختلفوا في القرآن فقالوا إنه حرف وبدل وعذر بعضهم بعضاً، هل اختلفوا في عدالة الصحابة حملة القرآن والسنة، وقالوا عنهم إنهم حرفوا القرآن وكتموا السنة، ووضعوا الأحاديث كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم منافقون وزنادقة، ثم عذر بعضهم بعضاً.
هل قال أحد أن الصحابة كفروا وارتدوا إلا سبعة عشر صحابياً، وأن الذين أورد الباحث أسماءهم كأبيِ هريرة، والمغيرة، وسمرة ... الخ كذابين ومزورين، وعذر بعضهم بعضاَ في ذلك؟
أقول: هذه كتب أهل السنة التي ألفت في سبب الخلاف بين الأئمة وعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه.
إنهم اختلفوا في مسائل في الفروع، وانظروا كتاب "رفع الملام عن الأئمة الأعلام"لسيخ الإسلام ابن تيميه. وفصلاً كاملا في: "كتاب أصول الأحكام "لابن حزم، وغيرهما مما ألف في هذا الشأن.
أما المعاصرون من الكتاب والدعاة، وأصحاب العواطف، فلم يرجعوا إلى كتب العلماء بالشريعة الإسلامية وأحكامها، وينظروا في الكتب التي ألفوها وبينوا فيها الأمور التي اختلف فيها علماء الأمة الإسلامية، علماء أئمة أهل السنة والجماعة، حتى يستنيروا بفهمهم لنصوص الكتاب والسنة وبعلمهم، ويعرفوا المسائل التي اختلف العلماء فيها، وسبب الخلاف فيها.
وإنما دفعتهم عواطفهم إلى أن يلهجوا بهذه القاعدة التي جمعت تحت شعارها المتناقضات.
ومن الأدلة على ما أقول: هذا الكتاب والكاتب.
وإذا نظرنا إلى هذين السطرين اللّذين جاء بهما في هذا التقديم للطبعة الثانية ص 5، المخالفة لتقديم الطبعة الأولى.
فهو يقول فيها:(37/200)
" ... مادام تجمعنا كلمة التوحيد، ووحدة الرسالة، والإيمان بالكتاب والسنة".
وأقول إن الباحث أو المؤلف: قد أورد في كتابه هذا من معتقدات هذه الطائفة ما ينقض قاعدته هذه- فالإيمان بالكتاب وهو القرآن، يؤمن أهل السنة والجماعة بأنه محفوظ لم يحرف ولم يبدل، بل ولا نقص منه حرف واحد، لقوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر: 9.
والمؤلف أثبت عن هذه الطائفة القدامى منهم والمعاصرين قولهم: إن القرآن محرف. وإن السنة كتمها الصحابة. وإن الصحابة الذين نقلوا لنا القرآن والسنة منافقون وزنادقة.
فإذا كان الأمر كذلك حسب عقيدة هؤلاء الرافضة، فهل يا ترى بقي لهم مع المسلمين مشاركة في كلمة التوحيد، ووحدة الرسالة والإيمان بالكتاب والسنة أو اجتماعا على كلمة الحق والهدى كلا. لأن إيماننا وإسلامنا وتوحيدنا هو في كتاب ربنا وسنة نبينِا.
فكيف نتلقى ذلك عن كفار ارتدوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة حسب عقيدة الرافضة الباطلة.
فأقول: ألا يكفي هذا دليلا على أن هذه الأفكار التي يحملها المؤلف ويدعو إليها أنها من معطيات هذه القاعدة المطلقة، وهي بإطلاقها فاسدة وليست من قواعد أهل السنة والجماعة، وقد ترتب على الإيمان بها والدعوة إليها نشر هذه الأفكار والدعوة إليها- وهي أفكار منتشرة- ولكن المشكلة كونها تنشر من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
الفصل الثامن- الدروز ص 235
وقد ذكر الباحث أصولهم وعقائدهم وموقفهم من الإسلام، وقد أثبت في بحثه فساد عقائدهم وتأليههم الحاكم بأمر الله ص 343.(37/201)
كما ربط بين العقائد القديمة لهم- وبين عقائد المعاصرين وإنهم لازالوا على تلك العقائد، ومثل بما نقله "الشكعة عن كمال جمبلاط "فبين عقائدهم وما يدينون به، كما ذكر مجمع الدروز وطقوسهم التي يمارسونها ص 351- 352، كما ذكر أماكن وجودهم وأعدادهم، وصلتهم القوية بإسرائيل، وأثبت بالنقول من كتبهم وكتب أهل السنة أنهم من ألد أعداء الإسلام والمسلمين.
وكان عرضه لتلك الأفكار والعقائد الفاسدة ورده عليها جيدا.
أما الخاتمة وهي من ص 355-356 ,أي في صفحتين، فقد ذكر فيها خلاصة جيدة لما تضمنه بحثه، من تبرئة عثمان بن عفان رضي الله عنه مما نسب إليه إبان الفتنة. ثم ظهور الفرقتين بعد مقتل عثمان رضي الله عنه - وهما الخوارج، والشيعة وما تفرع عنهما.
ثم ذكر أن الخوارج تمسكوا بظواهر بعض الآيات، وفهموها فهما خاصاً، ولم يربطوها بالآيات الأخرى ... الخ.
كما ذكر بعض الجماعات المعاصرة التي سلكت هذا المسلك- كجماعه التكفير والهجرة- ثم ذكر الفرقة الثانية الشيعية- وبين فساد عقائدها، وتمسحها بأهل البيت وجعلهم ستارا لنشر عقائدهم الفاسدة، ثم تشكيكهم في القرآن والسنة، والتهجم على الصحابة ... الخ.
(إقتراح)
وأختم هذه الدراسة باقتراح موجه إلى المسؤولين عن مراكز البحوث العلمية لدراسته، وهو"إعادة النظر مرة أخرى فيما يضيفه المؤلف في مادة كتابه إذا أرادت الجهة إعادة طبعه بعد طبعته الأولى المحكمة".
لأن العادة جرت في هذه المراكز أن البحث المقدم لها بعد إرساله إلى لجان التحكيم التي توصي بصلاحيته للنشر، إذا طبعوه ثم أرادوا إعادة طبعه وقدموه للمؤلف للنظر فيه وإضافة ما يريد إضافته أو تعديله، وبعدما يضيف فيه ما يراه يعيده إليهم، ولثقتهم به لا ينظرون في تلك الزيادة.(37/202)
وإني أرى أن تدرس هذه الزيادات المضافة من متخصص يوصي بإجازتها ونشرها لاسيما الكتب المؤلفة في الموضوعات المهمة التي لها الأثر في مصير الأمة وتوجيه أفكار شبابها إلى ما يضر بعقائدهم ويدخل الشكوك عليهم، فهم أمانة في أعناقنا.
وسبق قولي: بأني أعجبت بالبحث في بدايته، ولكني فوجئت لما وصلت إلى ص 242- 244 سطر 4 من أسفل، وهي من الصفحات المضافة لهذه الطبعة الثانية، بحيث أن الباحث نسف كل ما أثبته عن الإمامية من عقائد باطلة، ثم بدء يضع حلولاً لتنازل أهل السنة والجماعة عما سطره هو بقلمه عن الإمامية المعاصرين.
وكان الأجدر به أن يدعو الإمامية للتنازل عن باطلهم، وأعظمه تكفيرهم للصحابة واتهامهم لهم بالزندقة وأن يصدقوا ذلك لا بالقول "تقية "ولكن بالفعل فيأخذوا ما في الصحيحين والسنن من رواياتهم ويعملوا بها في عقائدهم وأحكامهم.
وحيث أن هذه الأفكار في نظري خطيرة، وقد دست في هذه الطبعة الثانية لهذا الكتاب، فإني أقدم هذه الدراسة نصيحة لمن وقعت هذه الطبعة في يده أن يتنبه لما فيها، والله من وراء القصد. والحمد لله رب العالمين.(37/203)
العدد 103-104
فهرس المحتويات
1- البدهيات في القرآن الكريم: د. فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي
2- التَّمَسُّكُ بالسُّنَنِ والتحذير من البدع: الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
3- صلاة التوبة والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلامي: الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الجبرين
4- مُعْطِيَةُ الأمَان مِن حِنْثِ الأيمان: عبد الحي ابن العماد الحنبلي
5- تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة: محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة المتوفى سنة 733 هـ
6- تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة: الإمام بدر الدين محمد بن إبراهيم
7- الغريب المصنف: أبي عُبيد القاسم بن سلاَّم (المتوفى سنة 224 هـ) تحقيق صفوان عدنان داووديّ
8- التوجيه الإسلامي للنمو الإنساني عند طلاب التعليم الحالي: د. عبد الرحمن بن عبد الله الزيد
9- التاريخ عند ابن أبي شيبة: الدكتور/ سليمان الرحيلي
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م(37/204)
البدهيات في القرآن الكريم
د. فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي
أستاذ مشارك ورئيس قسم الدراسات القرآنية
كلية المعلمين - الرياض -
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فقد كان الناس في جهالة جهلاء وضلالة عمياء فأنزل الله تعالى هذا القرآن وأخرجهم به من الظلمات إلى النور وصاروا بعد أن كانوا في أدنى درجات الجاهلية خير أمة أخرجت للناس.
آمنوا بالقرآن واتبعوه وساروا على نهجه وانقادوا لحكمه بعد أن أدركوا ساعتها إعجاز الذي لا يمكن أن يأتي بمثله بشر.
واقتضت حكمة الله تعالى أن يكون هذا الكتاب خاتم الكتب فكان إعجازه مصاحباً له عند كل أمة، ومع كل جيل وفي كل قرن.
فنيت أُمَمٌ وذهبت أجيال، والقرآن هو هو مازال إعجازه متجدداً ومازال عطاؤه مستمراً يعلن أنه صالح لكل زمان ومكان.
وتعددت وجوه إعجازه وتنوعت يدرك منها الناس في كل عصر وجوها وتغيب عنهم وجوه.
حتى ما كان يعتقد أنه قد استُوفي وأخذ حَقَّه من الدراسة والبحث وكاد أن يغلق بابه لا يلبث الناس أن يروا أنهم لازالوا في أول درجاته.
خذوا مثلا الإِعجاز البلاغي في القرآن الكريم أدركه القوم الذين نزل فيهم وتذوقوه، وأولاه مَنْ بعدهم عناية أكبر بالدراسة ثم جاءت قرون تالية ظهر فيه أئمة البلاغة وأرباب الفصاحة وأَوْلَوا القرآن عنايتهم، كيف لا وهو مثلها الأعلى في البلاغة والفصاحة والبيان فدرسوا وبينوه ووقفوا عند صور البلاغة، وأساليب البيان، وقوف شحيحٍ ضاع في الترب خاتمه حتى ظننا أنه لم يبق شيء لها يدرسوه.
وفي القرآن آيات قريبة المعنى ظاهرة الدلالة، بل إن وضوح معناها وظهوره كان لدرجة أنْ لا يخفى على أحد بل إن المتأمل ليقف متسائلا، عن الحكمة في ذكرها على هذه الدرجة من الوضوح، وآيات من هذا النوع تذكر قضية لا يختلف فيها اثنان بل هي أمرٌ بَدَهَيّ يدركه الإِنسان من فوره.(37/205)
فهذه آيات تذكر معلومةً لا تخفى أو أثراً ظاهراً لا يحتاج إلى تقرِير أو بيان، ونجزم أنه لابد لذلك من حكمة، ولابد له ومن فائدة، وإلا كان حشوا يتنزه عنه كلامُ البلغاء فضلاً عن كلام الرحمن القران الكريم.
وقد تناول المفسرون وعلماء البلاغة آيات هذا النوع آحادا في كتبهم ولم يدرسوها مجتمعة إلا إشارات سريعة كأن يشير أحدهم إلى آيتين أو ثلاث تشبه الآية التي يدرسها وهو من النادر أيضا.
وقد اجتمع لدي مجموعة من هذا النوع من الآيات التي رأيت أنّ دلالتها على المقصود أمراً بدهيّا، فنظرت فيها وفي كلام أهل التفسير والبلاغة عنها، وحاولت تحديد أنواعها، وأقسامها، وضرب الأمثلة لكل نوع منها وذكر أقوال المفسرين في بيان الحكمة فيها ووجه بلاغتها وهي على كلٍ خطوة شي طريق طويل وجديد.
طويل لدرجة أن تصلح بعض أجزائه رسائل للدراسات العليا، وجديد إذ أن أقوال العلماء فيه شذرات متفرقة.
وهذا جهدي، ومبلغ طاقتي وأسأل الله أن يجعل عملي خالصا لوجهه إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فهد بن عبد الرحمن الرومي
صبيحة يوم السبت 8/7/1415هـ
المراد بالبدهيّات:
البداهة أول كل شيء, وما يفجأ من الأمر، والبديهة: المعرفة يجدها الإِنسان في نفسه من غير إعمالٍ للفكر ولا علمٍ بسببها.
والبديهة قضية اعترفَ بها ولا يحتاج في تأييدها إلى قضايا أبسط منها مثل أنصاف الأشياء المتساوية متساوية (1) .(37/206)
وقد عَدَّ ابن حزم رحمه الله تعالى من معارف النفس ما أدركت بحواسها الخمس ثم عَدَّ الإدراك السادس علمها بالبديهيات ومَثَّلَ لذلك بعلمها أن الجزء أَقل من الكُلَّ، وأنَ الضِّدين لا يجتمعان، وأنه لا يكون فعل إلا لفاعل، وغير ذلك، ثم وصفها بأنها أوائل العقل التي لا يختلف فيها عقل.. وليس يدري أحد كيف وقع العلمُ بها.. وأنها ضرورات أوقعها الله في النفس، ولا سبيل إلى الاستدلال البتة إلا من هذه المقدمات, ولا يصح شيء إلا بالرد إليها, فما شهدت له مقدمة من هذه المقدمات بالصحة فهو صحيح متيقن وما لم تشهد له بالصحة فهو باطل ساقط إلا أن الرجوع إليها قد يكون من قرب ومن بعد, فما كان من قرب فهو أظهر إلى كل نفس وأمكن للفهم، وكلما بعدت المقدمات المذكورة صعب العمل في الاستدلال حتى يقع في ذلك الغلط إلا للفَهِم القوي الفَهْم والتمييز.
وقال الجرجاني: "البديهي: هو الذي لا يتوقف حصوله على نظر وكسب، سواء احتاج إلى شيء آخر من حدسٍ أو تجربة أو غير ذلك أو لم يحتج، فيرادف الضروري. وقد يراد به ما لا يحتاج توجه العقل إلى شيء أصلاً فيكون أخص من الضروري كتصور الحرارة والبرودة، وكالتصديق بأن النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان " , وقيل البدهي هو الذي يفرض نفسه فرضاً على العقل ولا يترك له أدنى مجال للشك.
وينبغي أن نُفَرِّقَ هنا بين البدهيات والمسَلَّمَات، فقد عَرَّفَ الجرجاني المُسَلَّمَات بأنها " (قسم من المقدمات الظنية) وهي قضايا تُسَلَّمُ من الخصم ويبنى عليها الكلام لدفعه سواء كان مسلمة بين الخصمين أو بين أهل العلم كتسليم الفقهاء مسائل أصول الفقه ".
ويبدو أن العلاقة بين البدهيات والمُسَلَّمَات علاقة عموم وخصوص، فكل بدهية مُسَلَّمَة وليست كل مُسَلَّمَة بدهية فالبدهيات أخص من المُسَلَّمَات.(37/207)
ومن أمثلة المُسَلَّمَات الاحتجاج على الخصم بما لا يجد بُدَّاً من التسليم به فحين احتج إبراهيم على المَلِك بأنَّ الربَّ هو الذي يُحيي ويُميت، كابَرَ وأَنكر التسليم بذلك فغالط وادعى أنه يُحيي ويُميت فَرَدَّ عليه إبراهيم عليه السلام بقضية مُسَلَّمَة لا يستطيع معها المكابرة {فَإِنَّ الله يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} (1) , فلم يستطع الملك إنكار هذه القَضية {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَر} (2) .
ومن أمثلة ذلك الاحتجاج بالمبدأ وهو مُسَلَّمٌ لإثبات المعاد على من ينكره {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ, قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (3) .
ومثل هذا المسائل والقضايا وإن كانت مُسَلَّمَة إلا أنها تحتاج إلى نَظَرٍ وكَسْبِ ولا يجدُها الإِنسان في نفسه من غير إعمالٍ للفكر ولا عِلْمٍ بسببها مما هو خاَص بالبدهيات.
ولعله يظهر بهذا النوعُ الذي نريد دراسته هنا من القضايا التي تناولها القرآن الكريم وهي القضايا التي يستغرب التالي للقرآن والمتدبرُ لمعانيه النَصَّ عليها في القرآن مع أنَّ حصولها لا يتوقف على نظر وكَسْب ولا يختلف فيها عقل، فقوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَة} (4) . بعد قوله: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} , قضية بدهية لا يحتاج إدراكُها بعد تَوجّه العقل إلى شيء أصلا.
وكذا قوله تعالى: {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْه} (5) , فإنَّ ذِكْرَ طيران الطير بجناحيه مما يدعو إلى السؤال عن السِّرِّ في النص على ذلك مع أنه من البَدَهيّ أنَّ الطير لا يطير إلا بجناحيه فيكفي في إدراك ذلك مجرد ذكره دون ذكر آلة طيرانه فهذا لا يحتاج إلى أكثر من توجه العقل.
والبدهيات – فيما أحسب - تنقسم من حيث مصدر البداهة إلى قسمين:(37/208)
أولهما: ما جاءت بداهته من حيث أنَّ النص الثاني نتيجة بدهية للنص الأول مثل: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (1) , حيث قال بعدها: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَة} (2) , وهي نتيجة حسابية لا تحتاج إلى أكثر من تَوَجّه العقل ويستند إدراكها إلى النصر الأول مع التوجه العقلي الأولي لإدراكها.
ثانيهما: ما جاءت بداهته من التوجه العقلي الأَوَّلِيّ دون استناد إلى نصٍ سابقٍ كمقدمة له، مثل: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} (المؤمنون:15) , فإنَّ إدراك هذا الأمرَ البدهي معلوم لا يحتاج إلى أكثر من توجه العقل تَوَجّهاً أَوَلِيَّاً حتى ولو لم يسبقه نصر يقرره أو يؤدي إليه بالضرورة.
ونستطيع أن نذكر بعد هذا أنًا نريد بالبدهيات في القرآن الآيات التي يذكر فيها لازم ما سبقه من كلام أو آلته أو نتيجة حسابية لعددين لا يحتاج جمعُهما لغير توجه العقل توجها أوليَّاً.
وقد يعتقد كثير من الناس أنَّ البدهيات بهذا المعنى لم ترد في القرآن إلا قليلاً والحق أنها وردت شي كثير من الآيات يمر عليها كثير من التالين للقرآن من غير أن يكون في إدراك معناها جسأة توقفهم- ولو هنية- للتأمل والتفكر فيمرون عليها سريعا وكأن قوة ظهور معناها عامل على سرعة تجاورها، وحصان حق هذه الآيات أن نقف عندها طويلا، لا لاستظهار معناها هذا قد كفيناه، وإنَّما للتدبر والتفكر في سِرِّ إظهار معناها هذا الظهور وحكمةِ ذلك.
ولكثير من المفسرين وقفات عند مثل هذه الآيات طويلة عند بعضهم، وقصيرة عند آخرين وهم حين يتناولونها فإنَّمَا يتناولونها آحاداً من غير مقارنة بينها أو دراسة لموضوعها، ونَجدُ أنَّ مثل هذه الوقفات تظهر عند المهتمين في تفاسيرهم بالبلاغة واللغة، ولهذا فإنه ينبغي أن نبين صلة البدهيات بعلم البلاغة.
صلة البديهيات بالبلاغة(37/209)
نشأ علم البلاغة كغيره من علوم اللغة العربية لخدمة القرآن الكريم وإظهار معانيه وإبراز أساليبه ولذا كان أغلب الأمثلة والشواهد التي يستدل بها علماء البلاغة من القرآن الكريم، ولا عجب في ذلك إذ أنهم يريدون ضرب الأمثال الظاهرة، والشواهد الواضحة، والدلائل القاطعة، على ما يريدون إثباته من صور البلاغة، وفي القران الكريم ما يطلبون وفوق ما يطلبون.
وقد عَرَّفَ السَّكَّاكي البلاغةَ بقوله: "هي بلوغ المتكلم في تأدية المعاني حَدّاً له اختصاص بتوفيِة خواص التركيب حَقّها، وإيراد التشبيه والمجاز والكناية على وجهها".
وعرفها القزويني بقوله: "وأما بلاغة الكلام فهي مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته ".
ونقل الجاحظ تعريفا لأحدهم فقال: "وقال بعضهم: - وهو من أحسن ما اجتبيناه ودَوَّنَاه - لا يكون الكلام يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظَه, ولفظُه معناه، فلا يكون لفظه إلى سمعك أسبق من معناه إلى قلبك".
وإذا كان هذا هو تعريف البلاغة فإنا نجد المسائل البدهية في الآيات القرآنية من أدعى الآيات لإِظفار وجه مطابقتها لمقتضى الحال إذ قد يبدو لبعض التالين أنَّ ما قَرَّرَتْهُ لا جديدَ فيه، بل هو بدهي لا ينْكَرُ، وظاهر لا يخفى، فأين هذا ومطابقته لمقتضى الحال، وحين يتصدى البلاغيّون لمثل
هذا فإنه يكشفون وجوها من أعلى درجات البلاغة، وأجل ما تقتضيه مراعاة حال المخاطب، وُيظهرون حِكْمةَ ورود الآية على هذا الوجه، وأنه ليس إلا ضرب من التفنن في الأساليب البلاغية، وأخذ بها من جميع أطرافها.
ثم نجد أن البدهيات تدخل في أبواب عديدة من مباحث البلاغة كالإِطناب، والتوكيد، والتكميل، والتتميم، وغيرها، وليس في وسعنا تتبع هذه المباحث هنا واستقصاؤها وإنما نشير إلى مبحثين منها من أهمها وأوسعها أعني مَبْحَثَيّ الإِطناب والتأكيد.
الإِطناب:(37/210)
والإِطناب مصدر أطنب في كلامه إطناباً إذا بالغ فيه وطَوَّل ذيوله لإِفادة المعاني. واشتقاقه من قولهم: أطنب بالمكان إذا أطال مقامه فيه، وفرس مطنب إذا طال متنه، ومن أجل ذلك سُمِّي حبل الخيمة طنباً لطوله، وهو نقيض الإيجاز في الكلام (1) .
والعلاقة بين الإِطناب والبلاغة وثيقة بل عرفوا الإِطناب بأنه "البلاغة في المنطق والوصف مدحاً كان أو ذماً، وأطنب في الكلام: بالغ فيه".
بل عرّفوا البلاغة بأنها: " الإِيجاز والإِطناب" وإنما جمعوا بينهما وهما نقيضان لاختلاف المقامات فما يصلح في مقام لا يصلح في الآخر، ولهذا قال العسكري: "القول القصد أن الإِيجاز والإِطناب يُحتاج إليهما في جميع الكلام وكل نوع منه، ولكل واحد منهما موضع، فالحاجة إلى الإِيجاز في موضعه كالحاجة إلى الإطناب في مكانه، فمن أزال التدبير في ذلك عن جهته، واستعمل الإِطناب في موضع الإِيجاز، واستعمل الإِيجاز في موضع الإِطناب أخطأ.
كما روي عن جعفر بن يحي أنه قال مع عجبه بالإِيجاز: "متى كان الإِيجاز أبلغ كان الإِكثار عِيّاً، ومتى كانت الكناية في موضع الإِكثار كان الإِيجاز تقصيراً".
وأمر يحي بن خالد بن برمك اثنين أن يكتبا في معنى واحد، فأطال أحدهما، واختصر الآخر فقال للمختصر- وقد نظر في كتابه -: "ما أرى موضع مزيد"، وقال للمطيل: "ما أرى موضع نقصان".
وقال غيره: "البلاغة الإيجاز في غير عجز، والإِطناب في غير خطل".
فإذا عرفت الإِطنابَ ومكانته من البلاغة فينبغي أن تعرف الفرق بينه وبين التطويل والتكرير والترادف، فقد عرّفوا الإِطناب بأنه "زيادة اللفظ على المعنى لفائدة جديدة من غير ترديد" فقولنا:"زيادة اللفظ على المعنى "عام في الإِطناب والتطويل والتكرير والترادف.
وقولنا: "لفائدة"يخرج عنه التطويل فإنه لغير فائدة وهذا هو الذي عليه الأكثر من علماء البلاغة, والإطناب صفة محمودة في البلاغة بخلاف التطويل فإنه صفة مذمومة في الكلام.(37/211)
وقولنا: (جديدة) تخرج عنه الألفاظ المترادفة فإنها زيادة في اللفظ على المعنى لفائدة لغوية ولكنها ليست جديدة، وقولنا: "من غير ترديد" يخرج عنه
التكرير فإنه دلالة على المعنى مرددا". وليس كل التكرار مذموماً فقد فرَّق الخطابي بين المحمود منه والمذموم فقال:
"وأما ما عابوه من التكرار, فإن تكرار الكلام على ضربين:
أحدهما: مذموم: وهو ما كان مُستغنىً عنه غير مستفاد به زيادة معنى لم يستفيدوه بالكلام الأول لأنه حينئذ يكون فضلا من القول ولغواً، وليس في القرآن شيء من هذا النوع.
والضرب الآخر: ما كان بخلاف هذه الصفة ... وإنما يُحتاج إليه ويحسن استعماله في الأمور المهمة التي قد تعظم العناية بها، ويُخاف بتركه وقوعُ الغلط والنسيان فيها، والاستهانة بقدرها، وقد يقول الرجل لصاحبه في الحث والتحريض على العمل: "عجل عجل، وإرم إرم"، كما يكتب في الأمور المهمة على ظهور الكتب "مهم مهم مهم"ونحوها من الأمور".
وإذا عرفنا الفرق بين الإِطناب والتطويل والتكرير والترادف، فإنه ينبغي أن نعرف أنَّ الإِطناب ينقسم إلى قسمين:
الأول: ما يكون متعلقاً بالجملة الواحدة من الكلام وهو نوعان:
النوع الأول: ما يَرِدُ من الإطناب علىِ جهة الحقيقة بأن يكون معنى اللفظ الزائد هو معنى المذكور، ويكون مغايرا له.
ومن أمثلة هذا النوع قولنا: "رأيته بعيني", "وقبضته بيديَ"، "ووطئته بقدمي", "وذقته بلساني"، إلى غير ذلك من تعليق هذه الأفعال بما ذكر من الأدوات.(37/212)
وقد يظن ظان أن تعليق هذه الأفعال بهذه الآلات إنما هو لغو لا حاجة إليه فإن تلك الأفعال (الرؤية، القبض، الوطء، الذوق) لا تُفعل إلا بهذه الآلات (العين، اليد، القدم، اللسان) وليس الأمر كما يظن الظان, بل هذا إنما يقال في كل شيء يعظم مَنَالُه ويَعزُّ الوصولُ إليه أو يصعب تصديقه، أو يشتد إنكاره، فيؤتى بهذه الأدوات على جهة الإِطناب دلالة على نيله، أو لتأكيد وقوعه، كما لو أنكر المخاطب قولاً نسبته إليه فقلتَ: "لقد قلته بلسانك وسمعته منك بأذني"، مع أن القول لا يكون إلا باللسان وأن السماع لا يكون إلا بالأذن, فإن أحداً لا يُنكر من قولك، بل يدرك أنك ذكرت ما ذكرت لعِلَّة مقبولة.
وعلى هذا النحو ورد قولُه تعالى: {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُم} (الأحزاب: من الآية4) , لأن هذه الآية إنما وردت في شأن جعل الزوجة الحلال بمنزلة الأم.
الحرام في الظهار وفي جعل الأدعياء أبناء فأعظم الله الرَّدً والإِنكار في أن تكون الزوجة أمّاً والمملوك ابناً وأنَ مثل هذا يكون محالا.
2- ما يرد من الإِطناب في الجملة الواحدة على جهة المجاز وهذا كقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج: من الآية46) . إذ من المعلوم أنَّ القلوبَ لا تكون إلا في الصدور، إلا أنه لِمَا عُلِمَ وتحقق أنَّ العمى على جهة الحقيقة إنما يكون في البصر وأن استعماله في القلوب إنما يكون على جهة التجوز بالتشبيه، فلما أريد ما هو على خلاف المتعارض من نسبة العمى إلى القلوب ونفيه عن الأبصار لا جَرَمَ احتاج الأمر فيه إلى زيادة تصوير وتعريف ليتقرر أنَّ مكان العمى هو القلوب لا الأبصار.
الثاني: الإطناب الذي يكون في الجمل المتعددة وهو أربعة أنواع هي:
1- أن يذكر الشيء فيُؤتى فيه بمَعَانٍ مُتداخلة، إلا أن كل معنى يختص بخصيصة ليست للآخر كقول أبي تمام:
بكرٍ وإحسانٍ أَغَرَّ مُحَجَّل(37/213)
مِنْ مِنَّةٍ مشهورةٍ وصنيعةٍ
فالمِنَّة والصنيعة والإِحسان أمور متقاربة وليس ذلك من قبيل التكرير لأنها إنما تكون تكريراً لو اقتصر على ذكرها مُطلقة من غير صفة كأن يقول: "منة وصنيعة وإحسان"ولكنه وَصفَ كلَّ واحدة منها بصفة تخالف صفة الآخر فلا جرم أخرجها ذلك عن حكم التكرير.
2- النفي والإِثبات: "وهو أن يُذكر الشيء على سبيل النفي، ثم يذكر على سبيل الإِثبات أو بالعكس من ذلك، ولابد من أن يكون في أحدهما زيادة فائدة ليست في الآخر يؤكد ذلك المعنى المقصود وإلا كان تكريرا وذلك كقوله تعالى: {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَالله عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ, إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} (التوبة:44- 45) (1) .
فالآية الثانية كالآية الأولى إلا في النفي والإِثبات، فإن الأولى من جهة الإِثبات والثانية من جهة النفي، فلا مخالفة بينهما إلا فيما ذكرناه خلا أن الثانية اختصت بمزيد فائدة وهي قوله: {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} ... ولولا هذه الفائدة لكان ذلك تكريراً ولم يكن من باب الإطناب.
3- أن يذكر المعنى الواحد تماماً لا يحتاج إلى زيادة ثم يُضرب له مثال من التشبيه كقول البحتري يصف امرأة: (2)
الحسن إليه لما أصابت مزيدا
ذات حسن لو استزادت من
الَّلْدن قدَّا والريم طرفا وجيد ا
فهي كالشمس بهجة والقضيب
فالبيت الأول كان كافيا وتماما في إفادة المدح غير أنَّ في البيت الثاني تشبيها أفاد تَصَوُّرا وتخيلا لا يحصل من المدح المطلق وهذا الضرب له موقع بديع في الإِطناب.
4- الاستقصاء في ذِكْرِ أوصاف الشيء للمدح أو الذم ونحوهما كقول بعضهم:
وأرشدهم رأيا وأسمحهم يدا (3)(37/214)
لأعلى الورى قدرا وأوفر هم حجى
فهذه أقسام الإِطناب في الجملة الواحدة وفي الجمل المتعددة, وله أساليب متنوعة لا نطيل بتفصيلها ولا نقصر عن إيجازها فمنها:
1) الإِطناب بالاعتراض.
2) الإِطناب بالإيضاح.
3) الإِطناب بالإِيغال.
4) الإِطناب بالبسط.
5) الإِطناب بالتتميم.
6) الإِطناب بالتذييل.
7) الإِطناب بالتكميل.
8) الإِطناب بالتكرير.
9) الإِطناب بالتوشيع.
10) الإطناب بذكر الخاص.
11) الإِطناب بالزيادة.
وبهذا ندرك منزلة الإِطناب في علم البلاغة ومكانته الكبيرة وأنه محيطها الأكبر الحائز على نصيب أكبر من مباحثها، وأن مباحث أخرى ليست إلا من فروعه وإن طالت، ولذا أطنبتُ في الحديث عنه وما أطلت وما ذاك إلا لأنه وثيق الصلة ببحثنا أو إن شئت فقل: إن بحثنا وثيق الصلة به، ذلكم أن المعاني البدهية كما أشرت في تعريفها هي لازم ما سبقها من كلام أو آلته التي لا يكون إلا بها فتبدوا لأول وهلة إن لم تكن تطويلا فهي إطنابا، ينبغي تعليل اختياره، وتوضيح حكمته، وبيان معناه.
التأكيد:
وهو تمكين الشيء في النفس وتقوية أمره.
وفائدته: إزالةُ الشكوك وإماطة الشبهات عَمَّا أنت بصدده (1) .
وأنواعه كثيرة (2) ويهمنا منها التوكيد الصناعي وهو أربعة أقسام:
أحدها: التوكيد المعنوي بالنفس والعين وكل وجميع وعَامَّة وكِلا وكِلتا.(37/215)
الثاني: التأكيد اللفظي وهو تكرار اللفظ الأول، إما بمرادفه كقوله تعالى: {ضَيِّقاً حَرِجاً} (1) على قراءة كسر الراء و {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (2) , وإما بلفظه، ويكون التكرار للاسم والفعل والحرف والجملة, فالاسم مثل: {قَوَارِير قَوَارِير} (3) , والفعل: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} (4) , واسم الفعل نحو: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} (5) , والحرف نحو: {فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا} (6) , والجملة نحو: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً, َإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (7) ،.
الثالث: تأكيد الفعل بمصدره وهو عِوَض من تكرار الفعل مرتين، وفائدته: رفعُ تَوَهُّم المجاز في الفعل بخلاف التوكيد السابق فإنه لرفع توهم المجاز في المسند إليه.
ويكون تأكيد الفعل بمصدره نحو: {وَكَلَّمَ الله مُوسَى تَكْلِيماً} (8) وتارة يكون تأكيده بمصدر فعلٍ آخر نحو: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} (9) إذا المصدر تبتلا، والتبتيل مصدر بَتَّل , وتارة يكون التأكيد بمرادفه كقوله تعالى: {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً} (10) , فإن الجهار أَحَدُ نوعيّ الدعاء , ويحتمل أن يكون منه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} (11) . ومثل هذه الآية في التصريح بالمصدر مع ظهوره فيما قبله قوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَن} (12) وقوله: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} (13) وقوله: {سَأَلَ سَائِلٌ} (14) ،.(37/216)
الرابع: (1) الحال المُؤكِّدة لعاملِها وهي الآتية لتأكيد الفعل وسميت مُؤكِّدة لأنها تُعلم قبل ذكرها فيكون ذكرها توكيداً، لأنها معلومة من ذكر صاحبها كقوله تعالى: {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} (2) فالحياة معلومة من ذكر البعث, وكقوله تعالى: {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (3) . فالإِفساد معلم من مجرد ذكر العثو وهو أشد الإِفساد وكقوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} (4) فعدم البعد معلوم من (أزلفت) إذ معنى زَلَفَ: دنا وتقدم (5) .
وبعد عرض- أحسبه سريعاً- للإِطناب والتأكيد تظهر لنا الصلة الوثيقة بالبدهيات ومن ثَمَّ صلةُ هذه الأخيرة بالبلاغة.
أنواع البدهيات:
أشرت في تعريف البدهيات إلى انقسامها من حيث المصدر إلى قسمين ونحن هنا لا نقصد هذا المعنى وإنما نقصد أنواعها من حِيثُ هي بَدَهِيَّة.
ولا أدعي أنَّ هذا التقسيم حاصرٌ إذ هو ليس إلا محض اجتهاد ممن قَصُرَ باعُه في قضية تحتاج إلى جلاء وبيان، وتمعنٍ وتفكرٍ، واستقصاءٍ وشمولٍ، فَلَعليِّ أذكر ما توصلتُ إليه وإن قَلَّ.
بعد استقراء أو شبه استقراء أرى أنَّ البدهيات تنقسم إلى أنه ثلاثة:
الأول: بدهية حسابية.
الثاني: بدهية لغوية.
الثالث: بدهية عادية.
وسأتناول هذه الأنواع الثلاثة مُعَرِّفاً ومُمَثِّلاً لكل نوع بإذن الله تعالى.
أولا: البدهية الحسابية:
وتنقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: فذلكة عددين مذكورين تفصيلا يُدركُ العقلُ مجموعَهما من فوره ولا يحتاج إلى ذكرِ مجموعهما. وفي القرآن من هذا النوع آيتان:(37/217)
الآية الأولى: قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (1) ، فقوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} جمع للثلاثة والسبعة وهي نتيجة يدركها العقل لأول وهلة من غير أن يحتاج إلى أن تجمع له ليُسْرِها وشُرْبِها إلى الذهن.
وقد يُسأل عن الحِكْمَةِ في إظهارها مع ظهورها؟ وللعلماء في بيان هذه الحكمة أقوال كثيرة فاضت قرائحهم في جلائها وتنافسوا في إبرازها والمصيب فيهم وإنْ اختلفوا غيرُ واحد، بل قد يكون الصواب حليفهم جميعا فإن الآية الواحدة قد تجمع وجوهاً بلاغية مختلفة، لأن الأوجه البلاغية لا تتزاحم. ولن نستوعب الأقوال كلها فلنتقصر على أبرزها فمنها:
1- جوابُ الزمخشري "فإن قلت: فما فائدة الفذلكة؟ قلتُ: الواو قد تجيء للإِباحة نحو قولك "جالس الحسنَ وابنَ سيرين"، ألا ترى أنه لو جالسهما جميعا أو واحداً منهما كان ممتثلا، ففُذلِكَت نفياً لتوهم الإِباحة".
وتعقبه أبو حيان في تفسيره فقال: "وفيه نظر؛ لأنه لا تتوهم الإِباحة هنا، لأن السياق إنما هو سياق إيجاب وهو ينافي الإِباحة ولا ينافي التخيير لأن التخيير قد يكون في الواجبات".
2- ونقله أبو حيان في تفسيره عن أبي الحسن علي بن أحمد الباذش ووصفه بأنه أحسن الأقاويل فقال "أتى بعشرة توطيةً للخبر بعدها لا أنها هي الخبر المستقل به فائدة الإِسناد فجيء بها للتوكيد كما تقول: "زيد رجل صالح " أي أنَّ إتيانك بلفظ (رجل) للتوصل بها إلى وصفه بالصالح وكذا جاءت كلمة (عشرة) توطئة لوصف الثلاثة والسبعة بالكمال.(37/218)
3- ونقل الزمخشري وأبو حيان عن ابن عرفه قوله "مذهب العرب إذا ذكروا عددين أن يجملوهما "وحَسَّنَ الزمخشري هذا القول وقال: "وفائدة الفذلكة في كل حساب أن يُعلَم العدد جملة كما علم تفصيلا ليُحاط به من جهتين فيتأكد العلم, وفي أمثال العرب: "عِلْمَان خير من علم" , قال أبو حيان: "قال ابن عرفة: وإنما تفعل ذلك العرب لقلة معرفتهم بالحساب" ثم استشهد أبو حيان لهذا بشواهد من أشعار العرب كقول الأعشى:
وسِتّ حين يد ركني العشاء
ثلاثة بالغداة فهي حسبي
وشرب المرءِ فوق الريِّ داء
فذلك تسعة في اليوم ريّيّ
وقال الفرزدق:
وسادسة تميل إلى شمام
ثلاث واثنتان وهن خمس
قلتُ: ولا يزال هذا هو السائد عند العرب وغيرهم في ذِكْر الأَعداد في الحساب فإنهم يذكرون الأرقام مفردة ثم يكتبونها مجموعة بالأَرقام ويُتْبعُون ذلكَ كتابةَ مجموعها بالحروف ثم يؤكدون الجمع بقولهم: (فقط) أو (لا غير) ويفعل هذا أَعرف الناس بالحساب، ولذا فلا وجه لقول ابن عرفة رحمه الله الآنف الذكر أنَّ العرب تفعله لقلة معرفتهم بالحساب.
4 - قول الزجاج: "جَمَعَ العددين لجواز أن يُظَنّ أنَّ عليه ثلاثة أو سبعة، لأن الواو قد تقوم مقام (أو) ومنه: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (1) , فأزال احتمال التخيير", قال أبو حيان: "وهو الذي لم يذكر ابن عطية إلا إياه وهو قولٌ جارٍ على مذهب أهل الكوفة لا على مذهب البصريين لأن الواو لا تكون بمعنى أو".
5- أنه ذكر العَشْرَة لئلا يتوهم أنَّ الثلاثة داخلة في السبعة فرفع ما قد يهجس في النفس من أن المتمتع إنَّما عليه صوم سبعة أيام لا أكثر, ثلاثة منها في الحج وُيكمل سبعا إذا رجع. وذلك كقوله تعالى: {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْن} (2) . فإنها داخلة في الأربعة أيام بعدها {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} (3) .(37/219)
6- وقيل هو تقديمٌ وتأخيرٌ تقديرُه: "فتلك عشرة: ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعتم"عزا هذا القول إلى أبي العباس المبرد، قال أبو حيان: "ولا يصح مثل هذا القول عنه، وننزه القرآن عن مثله". وقال الزركشي: "وهذا وإن كان خلاف الأصل لكن الإِشكال ألجأنا إليه".
قلت: ولا يصح القول أنَّ الإِشكال يُلجؤنا إلى مثل هذا، إذ أن لذلك وجوها كثيرة أسلم منه وأصح فلا ضرورة للجوء إليه, ولا إشكال يُحوجنا إليه.
7- وقيل: ذكر العشرة لئلا يتوهّم أنَّ العدد سبعة لا يُراد بها العدد نفسه، بل الكثرة، فقد روى أبو عمرو بن العلاء وابن الأعرابي عن العرب: "سَبَّع الله لك الأجرَ"أي أكثر ذلك، يريدون التضعيف وقال الأزهري في قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} (1) هو جمع السبع الذي يستعمل للكثرة. وإذا كان ذلك كذلك فاحتمل أن يُتوهّم أنَّ المراد بالسبع ما هو أكثر من السبع, فيجب حينئذ رفعُ هذا الاحتمال بذكر الفذلكة، قال الزركشي: "وللعرب مستند قوي في إطلاق السبع والسبعة وهي تريد الكثرة".
وهناك أقوال أخرى كثيرة لا أريد الإِطالة بذكرها ويكفي منها ما ذكرت، وقد ختم أبو حيان ما أورده من توجيهات بقوله: "وبهذه الفوائد التي ذكرناها رَدٌّ على الملحدين في طعنهم بأن المعلوم بالضرورة أنَّ الثلاثةَ والسبعةَ: عشرةٌ فهو إيضاح للواضحات".
الآية الثانية: قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} (2) .
فقوله تعالى: {أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} فذلكة العددين: ثلاثين ليلة وعشر، وكل أحد يعلم أنَّ الثلاثين مع العشرة تكون أربعين. وللعلماء في توجيه ذلك عدةُ أقوال منها:
1- قال أبو حيان في تفسيره: "والذي يظهر أنَّ هذه الجملة تأكيد وإيضاح". وكذا قال أبو يحي زكريا الأنصاري: "فائدته التوكيد". وقال الرازي: "فيه فوائد إحداها التأكيد".(37/220)
2- ومن فوائده "إزالة التوهّم أن تكون العشر من نفس الثلاثين فلما ذكر الأربعين زال الإِيهام " لأنه يحتمل أتممناها بعشر من الثلاثين كأنه كان عشرين ثم أتمه بعشر فصار ثلاثين فأزال هذا الإِيهام بأن الإِتمام إلى الثلاثين وبين أنه إلى الأربعين.
3 -ومن فوائده "إزالة توهّم أن تكون عشر ساعات أي أتممناها بعشر ساعات".
4- ومن فوائده إزالة الَّلبْس في دخول العشر في المواعدة إذ أن النص في المواعدة على الثلاثين وأتت العشر بعدها فدخلها الاحتمال أن تكون من غير المواعدة فأعاد ذكر الأربعين نفيا لهذا الاحتمال وليعلم أن جميع العدد للمواعدة (1) .
هذه بعض توجيهات العلماء لهذه البدهية وبه يظهر وجه من أوجه البلاغة القرآنية.
القسم الثاني: من البدهية الحسابية:
ونريد به: ذكر عددين منسوبين إلى بعضهما ثم ذكر عددين آخرين بنفس النسبة بحيث يغني ذكرُ الأولى عن الثانية وتكون الثانية بدهية للأولى.
وظهر لي من هذا النوع في القرآن آيتان هما:
الآية الأولى: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ, الآن الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (2) .(37/221)
فقوله: {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً} فُهِمَ مضمونه مما قبله، وكذا قوله بعد التخفيف: {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} مفهوم من قوله قبله: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} وقد أشار بعض المفسرين إلى حكمة ذلك:
1- فقيل: إنه لزيادة التقرير المفيدة لزيادة الاطمئنان قال أبو السعود: "وقوله تعالى: {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً} مع إنفهام مضمونه مما قبله لكون كل منهما عِدَة بتأييد الواحد على العشرة لزيادة التقرير المفيدة لزيادة الاطمئنان على أنه قد يجري بين الجمعين القليلين ما لا يجري بين الجمعين الكثيرين مع أن التفاوت فيما بين كل من الجمعين القليلين والكثيرين على نسبة واحدة فبَيِّن أنَّ ذلك لا يتفاوت في الصورتين".
2- وقريب من هذا المعنى ما ذهب إليه محمد بن أبي بكر الرازي والزمخشري وأبو يحي الأنصاري حيث قال الأول: "فإن قيل: ما فائدة تكرار المعنى الواحد في مقاومة الجماعة لأكثر منها قبل التخفيف وبعده في قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} إلى قوله: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} قلنا: فائدته الدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة واحدة لا تتفاوت، بل كما ينصر الله تعالى العشرين على المائتين ينصر المائة على الألف، وكما ينصر المائة على المائتين ينصر الألف على الألفين". وقال نحو ذلك الزمخشري , وأبو يحي الأنصاري , والشوكاني (1) .
3- وقيل: إن التكرار لمطابقة الواقع في عدد السرية والغزوة في ابتداء الإِسلام وبعد اتساع نطاقه.(37/222)
وذهب إليه أبو حيان حيث قال: "ومناسبة هذه الأعداد أن فرضية الثبات أو ندبيته كان أولاً في ابتداء الإِسلام فكان العشرون تمثيلا للسرية والمائة تمثيلاً للجيش فلما اتسع نطاق الإسلام وذلك بعد زمان كان المائة تمثيلا للسرايا والألف تمثيلا للجيش".
الآية الثانية: قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (1) .
فقوله {وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ} معلوم من قوله سبحانه: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} ، فهذا يغني عن ذاك وقد عَلَّلَ المفسرين ذلك:
1 – أن الآية نزلت في قومٍ من المنافقين اجتمعوا على التناجي مغايظة للمؤمنين وكانوا على هذين العددين (ثلاثة وخمسة) .
2- أنَّ العدد الفرد أشرف من الزوج لأن الله تعالى وتر يحب الوتر. وأقل عدد وتر يكون بينه مناجاة هو الثلاثة ثم الخمسة.
3- أنه قصد أنْ يذكر ما جرت عليه العادة من أعداد أهل النجوى المتخالين للشورى, والمندبون لذلك ليسوا بكل أحد, وإنما هم طائفة مجتباة من أًولي النُّهى والأحلام, ورهط من أهل الرأي والتجارب, وأول عددهم الاثنان، فصاعدا إلى خمسة إلى ستة إلى ما اقتضته الحال وحكم الاستصواب.
وهناك أقواله أخرى يغني عنها ما ذكرته.
النوع الثاني: البدهية اللغوية:
وأقصد بها البدهيةَ الدَّالٌ على بدهيتها المدلولُ اللغوي لكلمةٍ أو جملةٍ سابقة والأمثلة على ذلك كثيرة، نذكر منها:
1- قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} (2) .
قال في لسان العرب: "الصَوْب: ُ نزول المطر، ثم قال: والصَيِّبُ: السحاب ذو الصوب"وقال أبو إسحاق: "الصيب هنا المطر" وقال أبو حيان: "الصيب: المطر.. والسحاب أيضا ".(37/223)
قلت: وسواء كان الصيِّبُ المطر أو السحاب فإنَّ من المعلوم أَنهما من السماء فما الفائدة من قوله {مِنَ السَّمَاءِ} وهو معلوم من المدلول اللغوي لكلمة {صَيِّبٍ} وللعلماء في ذلك أقوال منها:
(1) - قال الزمخشري: " (فإن قلت: قوله {مِنَ السَّمَاءِ} ما الفائدة في ذكره والصيب لا يكون إلا من السماء، قلت: الفائدة فيه أنه جاء بالسماء مُعَرَّفَة فنفى أن يتصوب من سماء أي من أفُقٍ واحد من بين سائر الآفاق لأن كل أفق من آفاقها سماء كما أنَّ كل طبقة من الطباق سماء في قوله: {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} (1) . والمعنى: إنه غمام مطبق آخذ بآفاق السماء".
وقد ضَعَّفَه ابنُ عاشور في تفسيره واستبعده معللا ذلك بأنه لم يُعهد دخول لام الاستغراق إلا على اسمٍ كلي ذي أَفرادٍ دون اسم كلِّ ذي أجزاء فيُحتاج لتنزيل الأجزاء منزلةَ أَفراد الجنس ولا يُعرف له نظير في الاستعمال.
(2) - وهو ما ذهب إليه ابن عاشور بعد استبعاده للقول السابق حيث قال: "فالذي يظهر لي إنْ جَعَلْنَا قولَه {مِنَ السَّمَاءِ} قيداً للصيِّب: أنَّ المرادَ من السماء أعلى الارتفاع، والمطر إذا كان من سَمْتٍ مقابل وكان عالياً كان أَدْوَم بخلاف الذي يكون من جوانب الجو ويكون قريباً من الأرض غير مرتفع".
(3) - وهو أيضا لابن عاشور حيث قال: "والظاهر أن قوله (من السماء) ليس بقيد للصيب وإنما هو وصف كاشف جيء به لزيادة استحضار صورة الصيب في هذا التمثيل إذ المقام مقام إطناب كقول امرئ القيس:
كجلمود صخر حطه السيل من عَلِ
إذ قد عَلِمَ السامعُ أنَّ السيلَ لا يحط جلمودَ صخرٍ إلا من أعلى ولكنه أراد التصوير".(37/224)
4) وهو رأي للألوسي, فبعد أن ذكر ما أوردناه أولاً قال: "وعندي أن الذكر (يعني ذكر السماء) يحتمل أن يكون أيضا للتهويل والإِشارة إلى أن ما يؤذيهم جاء من فوق رؤوسهم، وذلك أبلغ في الإِيذاء كما يشير إليه قوله تعالى: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} (1) . وكثيراً ما نجد أنَ المرءَ يعتني بحفظ رأسه أكثر مما يعتني بحفظ سائر أطرافه حتى أن المستطيع من الناس يتخذ طيلسانا لذلك".
قلتُ: ولا يمنع من اعتقاد صحة هذه الأقوال جميعاً, فذكر السماء بعد ذكر الصيب فيه إشارة إلى نزوله من آفاق السماء ومن ارتفاع, وهو وصف كاشف لزيادة استحضار الصورة, وبيان أن العذابَ جاء من فوق رؤوسهم فهي معاني لا تعارض بينهما. وبلاغةُ القرآن قد تدل عليها وعلى ما هو أكثر منها, وهكذا كلما كشفت طائفةُ وجهاً بلاغياً انكشف لطائفة أخرى وجهٌ آخر يُعلن للناس أنَّ بلاغة القرآن متجددة وأن معينها لا ينضب.
2- قوله تعالى: {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (2) . وقوله {مُفْسِدِينَ} بدهية لغوية إذ يدل عليه المدلول اللغوي لقوله: {وَلا تَعْثَوْا} ، والعثو: أشد الفساد , فكأنه قال: (ولا تفسدوا في الأرض مفسدين) .
وقد أجاب الرازي في مسائله بأن معناه: "ولا تعثوا في الأرض بالكفر وأنتم مفسدون بسائر المعاصي".
ومنهم من تحاشى ذلك ففسر العثو بغير الفساد, فنقل أبو حيان عن ابن عباس وأبي العالية معناه: "ولا تسعوا"وقال قتادة: "ولا تسيروا" ... وقيل معناه:"لا تخالطوا المفسدين"وقيل معناه: "لا تتمادوا في فسادكم"وقيل: "لا تطغوا" (3) .(37/225)
وقد أشار ابن عاشور إلى علة أخرى لتفسير العثو بمعنى غير الفساد حيث قال: "وفي الكشاف جعل معنى لا تعثوا: لا تتمادوا في فسادكم, فجعل المنهي عنه هو الدوام على الفعل, وكأنه يأبى صحة الحال المؤكدة للجملة الفعلية, فحاول المغايرة بين {وَلا تَعْثَوْا} وبين {مُفْسِدِينَ} تجنباً للتأكيد, وذلك هو مذهب الجمهور, لكن كثيرا من المحققين خالف ذلك واختار ابنُ مالك التفصيلَ فإن كان معنى الحال هو معنى العامل جعلها شبيهة بالمؤكدة لصاحبها كما هنا. وخص المؤكدة لمضمون الجملة الواقعة بعد الاسمية نحو زيد أبوك عطوفا (1) . وقد اختار ابن عاشور نفسه أنَّ {مُفْسِدِينَ} حال مؤكدة لعاملها.
3- قوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} (2) .
والبدهية هنا أن كلمة {إِلَهَيْنِ} مثنى وهو يدل على التثنية ومع هذا قال بعده {اثْنَيْنِ} وقد جَلا الزمخشريُّ في كشافه الوجه البلاغي لهذا الأسلوب فقال: "فإن قُلْتَ: إنَّما جمعوا بين العدد والمعدود فيما وراء الواحد والاثنين فقالوا: "عندي رجال ثلاثة، وأفراس أربعة" لأن المعدود عارٍ عن الدلالة على العدد الخاص, وأما رجل ورجلان, وفرس وفرسان, فمعدودان فيهما دلالة على العدد فلا حاجة إلى أن يقال: (رجل واحد ورجلان اثنان) فما وجه قوله: {إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} ؟ قلتُ: الاسم الحامل لمعنى الإِفراد والتثنية دال على شيئين: على الجنسية والعدد المخصوص، فإذا أًريدت الدلالة على أن المَعْنِيَّ به منهما والذي يُساق إليه الحديث هو العدد شُفعَ بما يُؤكده فدل به على القصد إليه والعناية به ألا ترى أنك لو قلت: (إنما هو إله) ولم تؤكده بواحد لم يحسن، وخيل إنك تثبت الإلهية لا الوحدانية".(37/226)
وذكر الرازي وجوها مختلفة لذلك مال إلى أحدها فقال: "الأقرب عندي أن الشيء إذا كان مستنكراً مستقبحاً، فمن أراد المبالغة في التنفير عنه بعبارات كثيرة ليصير توالي تلك العبارات سببا لوقوف العقل على ما فيه من القبح"ثم ذكر قولا آخر هو أنَّ قوله: {إِلَهَيْنِ} لفظ واحد يدل على أمرين: ثبوت الإله، وثبوت التعدد، فإذا قيل: لا تتخذوا إلهين، لم يعرف من هذا اللفظ أنَّ النهي وقع عن إثبات الإله أو عن إثبات التعدد أو مجموعهما فلما قال: {لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} ثبت أن قوله: {لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ} نهي عن إثبات التعدد فقط". وذكر وجوها أخرى يكفي منها ما ذكرناه.
4- قوله تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} (1) . ومن المعلوم أنَّ السقف لا يخر إلا من فوق, وأجاب الرازي على هذا القول: "وجوابه من وجهين:
الأول: أنْ يكون المقصود التأكيد.
الثاني: ربما خَرَّ السقفُ ولا يكون تحته أحد فلما قال: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} دلَّ هذا الكلام على أنهم كانوا تحته، وحينئذ يفيد هذا الكلام أنَّ الأبنية قد تهدمت وهم ماتوا تحتها". وقال بهذا ابن حيان في تفسيره.
5- قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} (2) .
والإسراء من السُّرى كالهُدى وهو سير عامة الليل , وإذا كان الإسراء لا يكون إلا بالليل فما معنى ذكر الليل هنا.
وقف كثير من المفسرين عند هذا المعنى وكأنهم اتفقوا على التعليل بأنه أراد بقوله ليلا بلفظ التنكير تقليلَ مدة الإِسراء, وأنه أُسري به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة.(37/227)
ومال ابن عاشور في تحريره إلى أنه ذكر الليل للتوسل بذكره إلى تنكيره المفيد للتعظيم. فتنكير (ليلاً) للتعظيم بقرينة الاعتناء بذكره مع علمه من فعل "أَسْرَى", وبقرينة عدم تعريفه، أي هو ليلٌ عظيم باعتبار جعله زمنا لذلك السّرى العظيم, فقام التنكير هنا مقام ما يدل على التعظيم، ألا ترىَ كيف احتيج إلى الدلالة على التعظيم بصيغه خاصة في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ, وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} (1) , إذ وقعت ليلة القدر غير منكرة (2) .
ومنهم من قال إنَّ ذكر الليل على سبيل التأكيد.
وذكر الفيروز آبادي قولا لم أجد من قال به سواه, وهو أن المراد بأسرى بعبده سَيَّره أي سَيَّره ليلاً.
ومع كثرة القائلين بالأول إلا أننا نجد أحمد بن المنير قد تعقب الزمخشري فيما ذهب إليه من أن ذكر الليل بلفظ التنكير لتقليل مدة الإسراء فقال: "وقد قرن الإسراء بالليل في موضع لا يليق الجواب عنه بهذا كقوله: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} (3) , وكقوله تعالى: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً} (4) . فالظاهر والله أعلم أنَّ الغرض من ذكر الليل، وإن كان الإسراء يفيده تصوير السير بصورته في ذهن السامع, وكأن الإسراء لما دل على أمرين: أحدهما السير, والآخر كونه ليلا أريد إفراد أحدهما بالذكر تثبيتا في نفس المخاطب وتنبيها على أنه مقصود بالذكر" (5) .
ولعل فيما ذكرته من أمثلة- وهي قليل من كثير- ما يغني ويكفي في بيان هذا النوع من البدهيات.
وإني لاعتقد أنه لو تصدى أحد لجمع البدهيات اللغوية في القرآن الكريم ودرسها دراسة بلاغية شاملة لجاءت في رسالة علمية عالية مفيدة.
النوع الثالث: البدهية العادية:
فقد تدل جُملة في آية قرآنية على أمر بدهي لا يختلف فيه اثنان، أو تكون الجملة الثانية معلومة قطعا من الجملة الأولى بحيث توجب العادة ذلك.(37/228)
وبهذا يظهر أن البداهة هنا قد تكون في جملة واحدة وقد تكون في جملتين.
ويظهر أيضا نوعٌ من التداخل في بعض البدهيات من هذا النوع مع البدهية اللغوية وذلك أن بدهيتها وإن كانت راجعة إلى العادة، فإن اللغة قد صبغتها بصبغتها فهي بدهية عادية لغوية فمثلا في قوله تعالى عن عيسى عليه السلام: {مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} (1) . فمن المعلوم لغة وعادة أنَّ كل أحد كان في المهد صبيا.
وقد بذلتُ ما في وسعي لتصور تقسيم لهذا النوع من البدهيات فظهر لي ما أُدركُ أنَّه بحاجة إلى زيادة استيعاب واستقصاء وإعادة فكر، وتقليب نظر وما أرسمه على كل حال ليس إلا خطوة في طريق جديد وطويل. أما ما ظهر لي من الأقسام فهي:
- القسم الأول: الجمع بين الشيء ولازمه.
- القسم الثاني: الجمع بين الشيء وآلته.
- القسم الثالث: إثبات الشيء ونفي نقيضه.
- القسم الرابع: الأمر بالشيء والنهي عن نقيضه.
- القسم الخامس: الجملة الخبرية القطعية الثبوت.
وسأكتفي هنا بذكر مثال واحد لكل قسم منها:
القسم الأول: الجمع بين الشيء ولازمه:
ومثاله قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ} (2) .
فمن المعلوم أنَّ قتل النبيين لا يكون بحق مطلقا لمن لازم يقتلون النبيين أن يكون بغير الحق، إذ لا يجوز أن يُقتل نبي بحقٍ أبدا (3) .
فقيل: معناه بغير الحق في اعتقادهم، ولأن التصريح بصفة فعلهم القبيح أبلغ في ذمهم، وإن كانت تلك الصفة لازمة للفعل كما في عكسه كقوله: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَق} (4) لزيادة معنى التصريح بالصفة، كذا قال الرازي في مسائله , وقال بنحوه الزمخشري , وأبو حيان , والآلوسي وابن عاشور , وعلى هذا فاللام عندهم في (الحق) للعهد.(37/229)
وقيل إنها للجنس والمراد بغير حق أصلا لأن لام الجنس المبهم كالنكرة, ويؤيده ما في آل عمران {بِغَيْرِ حَق} (الآية21) , فيفيد أنه لم يكن حقا باعتقادهم أيضا, قال بهذا الآلوسي, وقال: "إنه الأظهر". وقيل: قوله {بِغَيْرِ حَق} تأكيد؛ لأن قتل النبيين لا يكون إلا بغير حق، فهو كقوله: {الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (1) , {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْه} (2) . وأمثاله (3) .
القسم الثاني: الجمع بين الشيء وآلته:
كقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (4) .
وكلِ طائر إنما يطير بجناحيه فهما آلة طيرانه التي لا يطير بدونهما فما الفائدة إذاً من ذكر الجناحين؟
قال بعضهم: "إن ذكر الجناحين للتأكيد كقَولهم: "نعجة أنثى", وكما يقال: "كلمته بفمي, ومشيت إليه برجلي".
وقيل: فائدةُ ذلك نفي توهم المجاز فإنه يقال: "طار فلان شي أمر كذا إذا أسرع فيه، وطار الفرس إذا أسرع الجريَ".
قال أبو حيان: "ألا ترىَ إلى استعارة الطائر للعمل في قوله: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِه} (5) . وقولهم: "طار لفلان كذا في القسمة: أي سهمه، وطائر السعد والنحس) , وفيه تنبيه على تصور هيئته على حالة الطيران.
واستحضار لمشاهدة هذا الفعل الغريب "فجاء ذكر الجناحين ليتمحض هذا الكلام في الطير".
ومن فوائد ذكر الجناحين زيادةُ التعميم والإحاطة كأنه قال: جميع الطيور الطائرة (6) .
القسم الثالث: إثبات الشيء ونفي نقيضه:
ومثاله قوله تعالى: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} (7) , فإن الموت والحياة متضادان لا يرتفعان معا ولا يلتقيان فنفيُ أحدهما إثبات للآخر، وعلي هذا يكفي وصفهم بأنهم أموات لنعلم أنهم غيرُ أحياء إلا أنه هنا نفى الحياة وهو معلوم من وصفهم أولاً بالموت.(37/230)
وفائدةُ ذلك بيان أنها أموات لا يعقب موتها حياة, احترازا عن أموات يعقب موتها حياة, كالنطف والبيض والأجساد الميتة, وذلك أبلغ في موتها كأنه قال: "أموات في الحال غير أحياء في المآل" , قال الفخر الرازي: "الإِله هو الحي الذي لا يحصل عقيب حياته موت, وهذه الأصنام أموات لا يحصل عقيب موتها الحياة".
وقال الرازي: "والوجه الثاني: أَنَّ هذا الكلام مع الكفار الذين يعبدون الأوثان وهم في نهاية الجهالة والضلالة, ومن تكلم مع الجاهل الغر الغبي فقد يحسن أن يُعَبِّرَ عن المعنى الواحد بالعبارات الكثيرة, وغرضه منه الإِعلام بكون ذلك المخاطب في غاية الغباوة, وإنه إنما يعيد تلك الكلمات لكون ذلك السامع في نهاية الجهالة, وأنه لا يفهم المعنى المقصود بالعبارة الواحدة".
قلت: وفي هذا مبالغة لأن المخاطبين ليسوا على هذه الدرجة الموصوفة من الغباء وعدم الفهم بل كانوا يدركون ذلك ويفهمونه ويعلمون أنها لا تضر ولا تنفع، ولكنه التقليد الأعمى والعناد المستكبر, وقد بين الله ذلك في آيات كقوله سبحانه في سورة الشعراء على لسان إبراهيم عليه السلام مخاطبا قومه حين قالوا: {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ, قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ, أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} . فلم يثبتوا ذلك أو يدعو بل بينوا إنه مجرد التقليد {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (1) , ولعل الأصوب أن يقال: إن في هذا الأسلوب تنزيلا لهم منزلة من لا يفهم باعتبار عدم استجابتهم لنداء الحق.
ومن الأجوبة على ذلك قولهم: إنه إنما قال: {غَيْرُ أَحْيَاءٍ} ليعلم أنه أراد أمواتا في الحال لا أنها ستموت كما في قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (2) (3) .
القسم الرابع: الأمر بالشيء والنهي عن نقيضه:(37/231)
وذلك كقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} (1) .
فالبيان يضاد الكتمان فلما أمر بالبيان كان الأمر به نهياً عن الكتمان, فما الفائدة في ذكر النهي عن الكتمان بعد الأمر بالبيان؟
ذكر العلماء وجوهاً لهذا, منها:
1- أن المراد من البيان: ذكر تلك الآيات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة والإنجيل، والمراد من النهي عن الكتمان أن لا يلقوا فيها التأويلات الفاسدة والشبهات المُعَطِّلة.
2- وقيل: معناه لتبيننه في الحال وتداومون على ذلك البيان ولا تكتمونه في المستقبل.
3- وقيل: إن الضمير الأول للكتاب, والثاني لنعت النبي صلى الله عليه سلم وذكره فإنه قد سبق ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قبيل هذا (2) .
4- وقيل: فائدته التأكيد (3) .
القسم الخامس: الجملة الخبرية القطعية الثبوت:
ونريد بها الجملة التي تفيد معلومة لا يختلف فيها اثنان ولا تحتاج إلى تقرير وتبقى الحكمة في إيرادها.
وذلك كقوله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} (4) . وذلك أنه من المعلوم قطعاً أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن حاضرا معهم فما فائدة هذا الإخبار؟
قلنا: إنَّ معرفة الحوادث لا تكون إلا بطرق أربعة:
1) القراءة.
2) الرواية.
3) المشاهدة.
4) الوحي.(37/232)
وقد كانوا يعلمون قطعاً أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن من أهل القراءة ولا من أهل الرواية إذ لم يخالط أهل الكتاب ولم يتلق عنهم علما، وهم ينكرون الوحي إليه صلى الله عليه وسلم فلم يبق إلا المشاهدة وهي مستحيلة فنفاها تهكما بهم إذ أنكروا الوحي إليه مع علمهم أنه لا قراءة له ولا رواية، والمقصود تحقيق كون الإخبار بهذه القصة وغيرها عن وحي على سبيل التهكم بمنكريه كأنه قيل: إن رسولنا أخبركم بما لا سبيل إلى معرفته بالعقل مع اعترافكم بأنه لم يسمعه ولم يقرأه في كتاب, وتنكرون أنه وحي فلم يبق مع هذا ما يحتاج إلى النفي سوى المشاهدة التي هي أظهر الأمور انتفاء لاستحالتها المعلومة عند جميع العقلاء ونظيره في قصة موسى {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيّ} (1) {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّور} (2) وفي قصة يوسف {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ} (3) (4) .
وبعد:
فلعلك تلاحظ أن ما قدمتُه ليس إلا إشارات سريعة لبحر واسع, لعلم طريف, كل جزء منه يحتاج إلى وقفة طويلة، بل وقفات ننظر فيها، ونتفكر، ونتأمل ونتدبر، هذا البناء المتماسك، والصرح العظيم، الذي لا نرى فيه عوجا ولا أَمْتَا، ما أجمله، وما أبدعه، وما أعظمه، ذلكم أنه كلام العزيز الخبير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وإنها لدعوة أوجهها إلى من آتاه الله علما واسعا وفهما ثاقبا في البلاغة وأسرارها أن يخوض عباب هذا البحر فيستخرج لنا من كنوزه ويكشف لنا عن درر من درره ويكفي هذا البحث شرف هذه الدعوة والله المستعان.
---
(5) المعجم الوسيط ج1 ص 44.
(6) الفصل في الملل والأهواء والنحل: ابن حزم، ج1 ص (5-7) بتصرّف.
ولمزيد تفصيل في مذهب ابن حزم في ذلك انظر مقال (العقل والحقيقة) للأستاذ أبي عبد الرّحمن ابن عقيل, مجلّة الفيصل العدد 215ص 48-50.
(7) التعريفات للجرجاني: ص53.(37/233)
(1) معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية: جلال الدين سعيد، ص75.
(2) التعريفات: الجرجاني، ص 241.
(3) سورة البقرة: من الآية 258.
(4) سورة البقرة: من الآية 258.
(5) سورة يس الآيتين 78- 79.
(6) سورة البقرة: آية 196.
(7) سورة الأنعام آية 38.
(8) سورة البقرة: آية 196.
(9) سورة البقرة: آية 196
(10) جسأ: جسئا وجسوءا وجسأة: يبس وصلب وخشن. (المعجم الوسيط ج1 ص 122) .
(11) مفتاح العلوم للسكاكي، ص 196
(12) الإيضاح العضدي، ص 7
البيان والتبيين: الجاحظ، ج1 ص 75.
(13) الطراز: يحي بن حمزة العلوي، ج2 ص 230.
(14) لسان العرب: ابن منظور: ج1 ص 562 مادة (طنب) .
(15) الإتقان: السيوطي، ج2 ص 53.
(16) الصناعتين: لأبي هلال العسكري، صر 196.
(17) الطراز: العلوي، ج2 ص 230.
(18) الطراز العلوي،ج2 ص 232, والفوائد المشوق: ص 159.
(19) الطراز: العلوي ج2 ص 230, والمثل السائر: ابن الأثير، ج2 ص128.
(20) بيان إعجاز القرآن: الخطابي ص47-48.
(21) سورة الأحزاب: الآية 4.
(22) انظر الطِراز: العلوي، ج2 ص 235 - 236.
(23) سورة الحج: الآية 46.
(24) الطِراز: العلوي، ج2 ص 237.
(25) ديوان أبي تمام: ص206.
(26) سورة التوبة: الآيتين 44- 5 4.
(27) ديوان البحتري: ج1 ص 591.
(28) أقسام الإِطناب في الجمل المتعددة نقلتها عن كتاب الطراز: للعلوي، ج2 ص 238-244. وانظر الفوائد المشوق: ص 157-159. ومعجم المصطلحات البلاغية وتطورها د. أحمد مطلوب، ج1 ص 225-226.
(29) الطراز العلوي، ج2 ص176.
(30) ذكر الزركشي في البرهان ثمانية وعشرين قسما للتوكيد وفصل القول فيها من ص 384 ج2 إلى ص 101 ج3.
(31) أوضح المسالك: ابن هشام، ج 3 ص 327 – 328.
(32) سورة الأنعام الآية 125.(37/234)
(1) وهي قراءة نافع وأبى بكر وقرأ الباقون بفتح الراء (التذكرة في القراءات: ابن غلبون، ج2 ص 410 والكشف عن وجوه القراءات السبع لأبي مكي ابن أبي طالب، ج1 ص450) .
(2) سورة فاطر: الآية 27.
(3) سورة الإنسان الآيتين 15-16.
(4) سورة الطارق الآية 17.
(5) سورة المؤمنين الآية 36.
(6) سورة هود الآية 108.
(7) سورة الانشراح الآية 5-6.
(8) الإتقان: للسيوطي، ج2 ص 66.
(9) المرجع السابق.
(10) سورة النساء الآية 164.
(11) سورة المزّمّل: الآية 8.
(12) الإتقان السيوطي ج2 ص66.
(13) سورة نوح: الآية 8.
(14) البرهان للزركشي ج2 ص394.
(15) سورة البقرة: الآية 282.
(16) سورة آل عمران: الآية 37.
(17) سورة التوبة الآية 111.
(18) سورة المعارج: الآية الأولى.
(19) البرهان للزركشي ج2 ص 398- 399.
(20) البرهان: للزركشي ج2 ص 402. والإتقان للسيوطي ج2 ص 66.
(21) سورة مريم: الآية 33.
(22) سورة العنكبوت: الآية 76.
(23) المعجم الوسيط: ج2 ص 590 - مادة (عثا) -.
(24) سورة ق: الآية 31.
(25) المعجم الوسيط: ج1 ص 399 مادة (زلف) .
(26) فدْلَك الحِسَابَ: أنهاه وفرغ منه، وهي منحوته من قوله: - إذا أجمل حسابه - فذلك كذا وكذا (الفذلكة) مُجْمل ما فُصِّل وخلاصته. (المعجم الوسيط ج2 ص 685) .
(27) سورة البقرة: الآية 121.
(28) الكشّاف: الزمخشري، ج1 ص 121.
(29) البحر المحيط: أبو حسان، ج2 ص80.
(30) المرجع السابق ج2 ص 79- 80.
(31) الكشّاف: الزمخشري، ج1 ص 12.
(32) البحر المحيط: أبو حيان ج2 ص 79.
(33) البحر المحيط: أبو حيان، ج2 ص 79- 80.
(34) سورة النساء: الآية 3.
(35) البحر المحيط: أبو حيان، ج2 ص80, وانظر المحرر الوجيز: أبو عطية، ج2 ص 161-162.
(36) البرهان. الزركشي، ج2 ص480. والبحر المحيط: أبو حيان، ج2 ص 80.
(37) سورة فصلت. الآيتين 9- 10.(37/235)
(1) سورة فصلت. الآيتين 9- 10.
(2) البحر المحيط: ج2 ص 80.
(3) البرهان: الزركشي، ج2 ص 480.
(4) البحر المحيط: أبو حيان، ج2 ص 080 البرهان: الزركشي، ج2 ص 481.
(5) البحر المحيط: أبو حيان، ج2 ص 80.
(6) سورة الأعراف الآية 142.
(7) الروض الريان: شرف الدين بن ريان، ج1 ص67. وتفسير الرازي: ج14 ص 226.
(8) البحر المحيط: ج4 ص 381.
(9) فتح الرحمن بكشف ما يلبس في القرآن: أبو يحي زكريا الأنصاري، ص 207.
(10) مسائل الرازي وأجوبتها: محمد ابن أبي بكر الرازي، ص 99.
(11) الروض الريان: بن ريان، ج1 ص 67.
(12) تفسير الرازي ج14 ص 226.والبحر المحيط: ج4 ص 381. ومسائل الرازي وأجوبتها: ص99. وفتح الرحمن: ص 207.
(13) البحر المحيط: ج4 ص381 ومسائل الرازي ص 99 فتح الرحمن ص 207.
(14) البرهان للزركشي: ج7 ص 478.
(15) سورة الأنفال: 5 6- 66.
(16) إرشاد العقل السليم: أبو السعود العمادي، ج4 ص 34.
(17) مسائل الرازي وأجوبتها: محمد بن أبي بكر الرازي، ص 110.
(18) الكشاف: الزمخشري، ج2 ص 134.
(19) فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن: أبو يحي زكريا الأنصاري، ص 223.
(20) فتح القدير: الشوكاني، ج2 ص 324.
(21) البحر المحيط: أبو حيان، ج4 ص 517.
(22) سورة المجادلة: من الآية 7.
(23) الكشاف: ج4 ص 74, والبحر المحيط: ح8 ص235, التحرير والتنوير: محمد الطاهر ابن عاشور، ج28 ص 26. مسائل الرازي: ص339. الروض الريان: ج2 ص 477. فتح الرحمن: ص 555.
(24) الروض الريان ج2 ص 477، وفتح الرحمن: ص555.
(25) الكشاف: ج4 ص 74.
(26) انظر الروض الريان ج2 ص477.
(27) سورة البقرة: من الآية 19.
(28) لسان العرب: مادة (صوب) ، ج1 ص 534.
(29) البحر المحيِط: أبو حيان، ج1 ص 83.
(30) سورة فصلت: الآية 12.
(31) الكشاف: الزمخشري، ج1 ص 41. وانظر مسائل الرازي وأجوبتها: ص4.(37/236)
(1) التحرير والتنوير: محمد الطاهر بن عاشور ج1 ص304.
(2) التحرير والتنوير: ابن عاشور ج1 ص304.
(3) التحرير والتنوير: محمد الطاهر بن عاشور ج1 ص304.
(4) سورة الحج: الآية 19.
(5) روح المعاني. الآلوسي، 1ج ص171.
(6) سورة البقرة الآية60.
(7) الكشاف: الزمخشري ج1 ص 72. تفسير البسيط: الواحدي، ج3 ص957.
(8) مسائل الرازي وأجوبتها: ص5.
(9) البحر المحيط: أبو حيان، ج1 ص 231.
(10) التحرير والتنوير: ابن عاشور، ج1 ص 498.
(11) المصدر السابق ج1 ص231.
(12) سورة النحل: الآية 51.
(13) الكشاف: الزمخشري، ج2 ص 331-332.
(14) التفسير الكبير: الرازي، ج20 ص 47-48.
(15) سورة النحل: الآية 26.
(16) التفسير الكبير: الرازي ج20 ص 20.
(17) البحر المحيط: أبو حيان، ج5 ص 485.
(18) سورة الإسراء: من الآية الأولى.
(19) القاموس المحيط: الفيروز آبادي، ص 1669مادة السري.
(20) الكشاف: ج2 ص 350. والتفسير الكبير: الفخر الرازي، ج20 ص 146. ومسائل الرازي: محمد بن أبي بكر الرازي، ص 182. والبحر المحيط: ج6 ص5. والروض الريان: ج1 ص 207.
(21) سورة القدر: الآيتان 1-2.
(22) التحرير والتنوير: محمد الطاهر بن عاشور ج15 ص11-12.
(23) البحر المحيط. ج6 ص5. والقاموس المحيط: ص 1669. والتحرير والتنوير: ج15 ص 11. وقد علق على هذا بقوله: "على أن الإفادة كما يقولون خير من الإعادة"وفي هذا إيحاء إلى ترجيح القول الأول.
(24) القاموس المحيط الفيروز آبادي ص1669.
(25) سورة هود: الآية 81. وسورة الحجر: الآية65.
(26) سورة الدخان: الآية 23.
(27) الانتصاف أحمد بن منير حاشية الكشاف للزمخشري ج2 ص 750.
(28) سورة مريم: آية 29.
(29) سورة البقرة: الآية 61.
(30) تفسير البسيط: الواحدي، ج3 ص977.
(31) سورة الأنبياء: الآية 112.
(32) مسائل الرازي وأجوبتها: محمد أبي بكر الرازي ص6.(37/237)
(1) الكشاف: ج1 ص 72.
(2) البحر المحيط: ج1 ص237. ...
(3) روح المعاني: الآلوسي، ج1 ص276.
(4) التحرير والتنوير: محمد الطاهر بن عاشور، ج1 ص508.
(5) روح المعاني: الآلوسي، ج1 ص 276.
(6) سورة الحج: آية 46.
(7) سورة الأنعام: الآية 38.
(8) تفسير البسيط: الواحدي، ج3 ص 977.
(9) سورة االأنعام: آية 38.
(10) البحر المحيط: ج4 ص 119. وتفسير الرازي: ج12 ص 212. ومسائل الرازي: ص84. والروض الريان: ج1 ص46.
(11) سورة الإسراء: الآية 13.
(12) البحر المحيط: ج4 ص 119. وانظر تفسير الرازي: ج12 ص 212. ومسائل الرازي: ص 85. وفتح الرحمن بتفسير القرآن: العُليمي، ص 76. وتلخيص تبصرة المتذكر: الكواشي، ج1 ص 42.
(13) مسائل الرازي وأجوبتها: ص 85. والكشاف: ج2 ص12– 13.
(14) سورة النحل: الآية 21.
(15) مسائل الرازي: ص172. والبحر المحيط: ج5 ص482. وتفسير أبي السعود: ج5 ص 106.
(16) التفسير الكبير: الفخر الرازي، ج20 ص15_ 16.
(17) التفسير الكبير: الفخر الرازي، ج20 ص 16.
(18) سورهَ الشعراء: الآيات 71- 74.
(19) سورة الزمر: الآية 30.
(20) أسئلة الرازي وأجوبتها: ص 172.
(21) سورة آل عمران: من الآية 187.
(22) التفسير الكبير: الفخر الرازي ج9 ص 130.
(23) مسائل الرازي: ص 39. وفتح الرحمن: ص 102.
(24) مسائل الرازي: ص 39.
(25) المرجع السابق: وفتح الرحمن: ص 102.
(26) سورة آل عمران: الآية 44.
(27) سورة القصص: الآية 44.
(28) سورة القصص: الآية 46.
(29) سورة يوسفْ: الآية 102.
(30) روح المعاني. للآلوسي ج3 ص 158. وانظر الكشاف: ج1 ص 189. والبحر المحيط: ج2 ص 458. ومسائل الرازي: ص 32. وفتح الرحمن: 88.(37/238)
التَّمَسُّكُ بالسُّنَنِ والتحذير من البدع
تأليف
الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
(673- 748هـ)
تحقيق ودراسة
د. محمد باكريم محمد باعبد الله
الأستاذ المساعد في قسم العقيدة
بكلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فإن الإتباع، والابتداع، أمران لهما أثرهما في صحة عقيدة المرء أو فسادها، وفي قبول العمل أو رده.
وقد أمرنا الله عز وجل باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، وجعل ذلك آية محبته فقال عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله} (1) ، وقال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (2) .
وأوصى نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أمته باتباع سنته وسنة الخلفاء المهديين من بعده فقال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" (3) .
فأرشد صلى الله عليه وسلم أمته إلى سبيل نجاتها عند وقوع الاختلاف، وهو الإتباع والتمسك بالسنن، وحذرها من الضلالة والبدعة والإحداث في الدين.
والنصوص في هذا المعنى كثيرة متضافرة، في الكتاب، والسنة، وأقوال السلف، من الصحابة، والتابعين، وأئمة السلف في كل عصر.
ولا يزال أهل الحق والسنة، من علماء هذه الأمة، يدعون إلى ما دعا الله عز وجل إليه في كتابه، وإلى ما دعا إليه رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوالهم في ذلك مدونة مسطورة، وآثارهم مشهورة، في سيرهم وأخبارهم، ولبعضهم مؤلفات خاصة في ذلك.(37/239)
ولقد وقفت على مؤلف لطيف في هذا الشأن، لإمام من أئمة أهل السنة والإتباع، ذلكم هو الإمام أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي رحمه الله.
وما إن انتهيت من مطالعته وقراءته، حتى عزمت على إخراجه، لما حواه مع لطافته وصغر حجمه، من فوائد عزيزة، وتأصيلات في هذا الشأن مفيدة، صاغها الإمام الذهبي رحمه الله بأسلوب مميز فريد، تلمس فيه صدق النصح لهذه الأمة، والحرص على هداية من انحرفت به السبل منها، في رفق ولين، مع غيرة على السنة والدين.
ولئن كانت النسخة التي وقفت عليها خلت من ذكر اسم هذا المؤلَّف وعنوانه، إلا أن موضوعه، يدور حول الإتباع والتحذير من الابتداع، مما جعلني أرجح أن يكون هو كتاب "التمسك بالسنن "الذي ورد ذكره ضمن مؤلفات الإمام الذهبي.
وقد جعلت العمل فيه في قسمين:
القسم الأول: دراسة عن المؤلف، والكتاب، في تمهيد ضم فصلين.
الفصل الأول: في التعريف بالمؤلف تضمن:
أولاً: اسمه.
ثانياً: نسبته.
ثالثاً: مولده.
رابعاً: طلبه العلم وارتحاله إليه.
خامساً: مكانته العلمية وثناء الناس عليه.
سادساً: مصنفاته.
سابعاً: جهوده في الدعوة إلى السنة ومحاربة البدعة.
ثامناً: وفاته.
الفصل الثاني: في التعريف بالكتاب ووصف النسخة الخطية، وعملي في الكتاب، على النحو التالي:
· التعريف بالكتاب.
أولاً: اسمه.
ثانياً: توثيق نسبته للمؤلف.
ثالثاً: موضوع الكتاب.
· وصف النسخة المعتمدة في التحقيق.
· عملي في الكتاب.
القسم الثاني: تحقيق الكتاب.
وقد بينت عملي فيه في الفقرة المشار إليها قبل.
وإذ أقدم هذا الكتاب لأرجوا الله مخلصاً أن ينفع به من اطلع عليه، وأن يجعل عملي المتواضع فيه خالصاً لوجهه تعالى، وأن يصلح العمل والنية، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه/ د. محمد باكريم محمد باعبد الله
2/9/1415هـ
تمهيد في التعريف بالمؤلِّف والكتاب
الفصل الأول: التعريف بالمؤلِّف.(37/240)
الفصل الثاني: التعريف بالكتاب ووصف النسخة المعتمدة وعملي في الكتاب.
الفصل الأول: التعريف بالمؤلِّف:
أولا: اسمه.
ثانيا: نسبته.
ثالثا: مولده.
رابعا: طلبه العلم ورحلاته.
خامسا: مكانته العلمية وثناء الناس عليه.
سادسا: مصنفاته.
سابعا: جهوده في الدعوة إلى السنة ومحاربة البدعة وأسلوبه في ذلك.
ثامنا: وفاته.
الفصل الأول
التعريف بالمؤلِّف
بعد الدراسة الضافية والموسعة، التي قدَّمها الدكتور بشار عوّاد عن الإمام الذهبي بعنوان: "الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام "؛ لا أجدني بحاجة إلى تقديم دراسة وافية عن حياة الإمام الذهبي، وسأكتفي بتدوين ترجمة موجزة للمؤلف تتضمن الأمور التالية:
أولاً: اسمه:
محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز، ابن الشيخ عبد الله التركماني، الفارقي ثم الدمشقي الشافعي، ويكنى بأبي عبد الله.
ثانياً: نسبته:
اشتهر رحمه الله بـ "الذهبي "أو "ابن الذهبي "، نسبة إلى صنعة أبيه، حيث كان أبوه قد برع في صنعة الذهب، وتميز بها فعرف بالذهبي.
قال د. بشار: "ويبدو أنه- أي صاحب الترجمة- اتخذ صنعة أبيه مهنة له في أول أمره، لذلك عُرف عند بعض معاصريه بـ "الذهبي "، مثل: الصلاح الصفدي، وتاج الدين السبكي، والحسيني، وعماد الدين ابن كثير ".
قلت: ويدل لذلك قول سبط ابن حجر في ترجمته: "وتعلَّم صناعة الذهب كأبيه وعرف طرقها".
لذا نجد الذهبي يعرِّف نفسه في الغالب بـ "ابن الذهبي " وأحيانا بـ "الذهبي".
ثالثاً: مولده:
ولد الإِمام الذهبي في ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وستمائة في مدينة دمشق.
قال تلميذه الصفدي: "وأخبرني- أي الذهبي- عن مولده فقال: في ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وستمائة".
رابعاً: طلبه العلم ورحلاته:(37/241)
بدأ الذهبي رحمه الله في طلب العلم في سن الثامنة عشرة من عمره (1) ، وكانت عنايته متجهة إلى علم القراءات، وعلم الحديث، وقد بلغ في علم القراءات شأواً عالياً، فبرع في هذا الفن حتى إن شيخه شمس الدين أبا عبد الله محمد بن عبد العزيز الدمياطي، أقعده مكانه في حلقته في الجامع الأموي في أواخر سنة 692، أو أوائل 693 حينما أصابه المرض الذي توفى فيه، وألف في هذا الفن كتابه القيِّم "طبقات القُرَّاء".
أما علم الحديث فقد شغف به، وأولاه جل عنايته، فسمع ما لا يحصى من الكتب، ولقي الكثير من الشيوخ وأخذ عنهم، وأصيب بالشَّرَهِ في سماع الحديث وقراءته حتى إنه كان يسمع من أناس قد لا يرضى عنهم، كما قال في ترجمة: علاء الدين أبي الحسين بن مظفر الاسكندراني: "ولم يكن عليه ضوء في دينه، حملني الشره على السماع من مثله، والله يسامحه".
وقد رحل الإمام الذهبي في طلب العلم، فسمع بدمشق، وبعلبك، وبالقرافة، وبالثغر، ومكة، وحلب، ونابلس، وحمص، وطرابلس، والرّملة، وبلبيس، والقاهرة، والإسكندرية، والحجاز، والقدس وغير ذلك.
خامساً: مكانته العلمية وثناء الناس عليه:
برع الإِمام الذهبي رحمة الله عليه في علم الحديث ورجاله، والتاريخ وله تمكن في علم القراءات، مع مشاركة قوية في مختلف علوم الشريعة، وعلوم الآلة من نحو وصرف وأدب.
وقد تبوّأ رحمه الله مكانة علمية عالية في حياته، وكان جديراً بتولي مشيخة بعض المدارس والدور العلمية في عصره.
فتولى مشيخة دار الحديث بتربة أم الصالح، وهي من أكبر دور الحديث بدمشق, كما تولى بعد ذلك مشيخة دار الحديث الظاهرية.
وتولى تدريس الحديث بالمدرسة النفيسية، ومشيخة الحديث بدار الحديث والقرءآن التنكزية، ودار الحديث الفاضلية، ودار الحديث العُروّية.(37/242)
عرف منزلة الذهبي هذه، ومكانته، أفاضلُ أهل العلم من تلاميذه الذين أخذوا وتلقوا عنه، ومعاصريه الذين أدركوا فضله ومكانته، ومن جاء بعده من أهل العلم والفضل، فذكروه بخير، وأثنوا عليه بالجميل.
فقال تلميذه صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي في ترجمته: " ... أبو عبد الله الذهبي، حافظ لا يجارَى، ولافظ لا يبارَى، أتقن الحديث ورجاله، ونظر علله وأحواله، وعرف تراجم الناس، وأزال الإيهام في تواريخهم والإلباس، مع ذهن يتوقد ذكاؤه، ويصح إلى الذهب نسبته وانتماؤه، جمع الكثير، ونفع الجم الغفير، وأكثَر من التصنيف، ووفر بالاختصار مؤونة التطويل في التأليف ... اجتمعت به وأخذت عنه، وقرأت عليه كثيراً من تصانيفه، ... له دُربة بأقوال الناس، ومذاهب الأئمة من السلف، وأرباب المقالات، وأعجبني ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثاً يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن، أو ظلام إسناد، أو طعن في رواة، وهذا لم أر غيره يعاني هذه الفائدة فيما يورده".
وقال ابن ناصر الدين: " ... كان آية في نقد الرجال، عمدة في الجرح والتعديل، عالماً بالتفريع والتأصيل، إماماً في القراءات، فقيهاً في النظريات، له دُربة بمذاهب الأئمة وأرباب المقالات، قائماً بين الخلف، ينشر السنة ومذهب السلف ... ".
وقال عنه السيوطي: " ... وطلب الحديث وله ثماني عشرة سنة، فسمع الكثير، ورحل، وعني بهذا الشأن، وتعب فيه وخدمه، إلى أن رسخت فيه قدمه، وتلا بالسبع، وأذعن له الناس، -قال-: "وحكي عن شيخ الإِسلام أبي الفضل ابن حجر أنّه قال: "شربت ماء زمزم لأصل إلى مرتبة الذهبي في الحفظ".
والذي أقوله إن المحدثين عيال الآن في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعة: المزي، والذهبي، والعراقي، وابن حجر".
هذا بعض ما قيل في هذا الإمام العظيم الشأن، وما تركت أكثر، وهو بعض ما يستحقه رحمة الله عليه.(37/243)
أمّا هو فكان يقلل من شأن نفسه، ويتواضع تواضع العلماء الربّانيين فيقول في ترجمته لنفسه: " ... وجمع تواليف- يقال مفيدة - والجماعة يتفضلون ويثنون عليه، وهو أخبر بنفسه، وبنقصه في العلم والعمل، والله المستعان، ولا قوة إلاّ به، وإذا سلم لي إيماني فيا فوزي".
يقول هذا عن نفسه، وهو من عرفنا في العلم والإمامة والفضل، فهل يعي هذا الجانب طلبة العلم؟، فإن لهم والله في سيرة هذا الإمام وأمثاله لقدوة، وأسوة.
سادساً: مصنفاته:
ذكر الدكتور بشّار للإمام الذهبي مائتين وأربعة عشر مصنفاً، وأشار في مقدمته إلى أنه عني بذكر آَثار الذهبي من المختصرات، والانتقاءات والتآليف، والتخاريج، مما ذَكَرتْه المصادر، أو وقف عليه, سواء أكانت مفقودة أم مخطوطة أم مطبوعة.
وأشار أيضاً إلى أنه لم يُعْنَ باستقصاءِ طبعات الكتب ولا نُسَخِها في جميع خزائن العالم.
وقد بذل جهداً متميزاً في دراسته للإمام الذهبي وكتابه "تاريخ الإسلام "بوجه عام، وفي اعتنائه بتتبع مؤلفاته ومحاولة استقصائها.
ومع ذلك فقد فاته ذكر بعض مصنفات الإمام الذهبي، التي لم يقف عليها أو على ذكر لها، ذكر منها الأستاذ: قاسم علي سعد ثمانية وثلاثين مصنفاً. وفاته هو أيضاً ذكر بعض مصنفات الإمام الذهبي. وفي هذا دلالة على أن النقص وعدم الكمال من طبيعة عمل البشر، إذ أبى الله أن يتم كتاباً غير كتابه عز وجل.
ولمّا كان عمل الباحثين في فن من الفنون يكمل بعضه بعضاً، ويبدأ الآخر من حيث انتهى الذي قبله وهكذا حتى تتظافر الجهود على البلوغ بالبحث إلى أقصى ما يمكن للبشر من الاستيعاب والإتقان.(37/244)
فإني من هذا المنطلق لم أشأ أن أعدد مصنفات الذهبي، التي ذكرها د. بشار أو الأستاذ قاسم علي سعد، لأنه تكرار لا موجب له، ورأيت أن أكتفي ببعض الإضافات التي وقفت عليها، سواء في أسماء المصنفات والمؤلفات، أو في ذكر نسخ خطية أخرى لبعضها، أو في الإشارة إلى طبع ما تم طبعه منها، وإن كان الدكتور بشار لم يلتزم باستقصاء الطبعات، ولا النسخ إلاّ أنه لو وقف على شيء من ذلك لذكره، وحيث إن في ذكر ذلك ما يفيد الباحثين، وطلاب العلم رأيت أن لا غضاضة في ذكر ما وقفت عليه أو بلغه علمي من نسخ أخرى لبعض هذه المؤلفات، أو طبعات لبعضها، أو زيادة توثيق لمصنفات ذكرها د. بشار، ولاسيما إذا كان هذا التوثيق من كلام الإمام الذهبي.
وهذا العمل ليس استدراكا على الباحثين الكريمين، ولا يقلل بحال من عملهما وإنما هو إضافة أطمع أن تكون مكملة لعملهما، مفيدة للباحثين وطلاب العلم.
وهذا أوان تفصيل ذلك:
أولاً: مؤلفات لم يذكرها د. بشار، أو الأستاذ قاسم:
1- أسماء الذين راموا الخلافة.
ورقة واحدة طبعت بتحقيق د. صلاح الدين المنجد.
2- الإمامة العظمى.
رسالة اختصر فيها كلام ابن حزم في ذلك، لها نسخة مصورة في قسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
3- مختصر الجهر بالبسملة لأبي شامة:
له نسخة في الظاهرية ضمن مجموع رقم (55) الذي فيه "ذكر الجهر بالبسملة مختصراً"الذي اختصره الذهبي من تصنيف في هذا الموضوع للخطيب البغدادي، ذكره د. بشار برقم (133) .
4- مسائل في طلب العلم وأقسامه.
يوجد له نسخة في الظاهرية برقم (3216) وهو غير كتاب: "بيان زغل العلم"الذي ذكره د. بشار برقم (119) ،وأشار إلى نشره. وقد طبع كتاب المسائل، بتحقيق: جاسم الدوسري.
5- مشيخة محمد بن يوسف بن يعقوب:
ذكره الذهبي في "المشتبه".
6 - العزة للعلي العظيم.
ذكره الذهبي في السير (11/ 291) ويحتمل أن يكون هو "العلو للعلي العظيم ".(37/245)
ثانياً: ذكر نسخة أو نسخ خطية لبعض مؤلفات الذهبي، لم يشر إليها د. بشار.
1- بيان زغل العلم.
ذكره د. بشار برقم (119) وذكر له نسخة برلين.
قلت: عُثر له على نسختين أخريين:
أولاهما: في مكتبة الأحقاف بتريم، وعنها صورة في معهد المخطوطات في الكويت تحت رقم (181) .
والأخرى: في إحدى مكتبات اليمن، وعنها صورة في قسم المخطوطات في عمادة شئون المكتبات في الجامعة الإسلامية تحت رقم (254) .
2- ذيل دول الإسلام.
ذكره د. بشار برقم (64) ، ولم يذكر له نسخاً خطية.
قلت: له نسخة خطية في مكتبة "تشستربتي "برقم (4100) ، بعنوان "ذيل تاريخ الإسلام".
3- الرخصة في الغناء بشرطه.
ذكر له د: بشار نسخة الظاهرية رقم (7159) في 54 ورقة.
قلت: له نسخة أخرى في مكتبة "تشستربتي"في إيرلندا، تحت رقم (5356) في 57 ورقة.
4- مختصر مناقب سفيان الثوري.
ذكره د. بشار برقم (163) ، وقال: ولا نعرف اليوم منه نسخة.
قلت: له نسخه في دار الكتب المصرية برقم (382 مجاميع طلعت) .
5- المعجم المختص بمحدثي العصر.
ذكره د. بشار برقم (84) ولم يذكر له نسخة.
وقد وجد له نسختان خطيتان الأولى في المكتبة الناصرية بالهند تحت رقم (154) ، والثانية في مكتبة آزاد ذخيرة سبحان الله، الجامعة الإسلامية في عليكره برقم (212 ع 297) /2.
6- المقتنى في سرد الكنى.
ذكره د. بشار برقم (169) ، وذكر له ثلاث نسخ، الأولى في الأحمدية بحلب، والثانية في مكتبة فيض الله في استانبول، والثالثة في مكتبة الأوقاف ببغداد.
قلت: له نسخة رابعة في دار الكتب المصرية برقم (2786 ب) .
ثالثاً: ذكر بعض مصنفات الذهبي التي طبعت, ولم يشر إليها د. بشار إما لأنها طبعت بعد انتهائه من مؤلفه، أو لم يقع له علم بذلك.
1- أحاديث مختارة من الموضوعات من الأباطيل للجوزقاني. [125]
طبع بتحقيق: د. محمد حسن الغماري، بعنوان "مختصر الأباطيل والموضوعات". نشرته دار البشائر الإسلامية سنة 1413 هـ.(37/246)
2- الأربعين في صفات رب العالمين. [13]
طبع بتحقيق: جاسم سليمان الدوسري، نشرته الدار السلفية في الكويت، سنة 1408 هـ.
كما طبع أيضاً بتحقيق: عبد القادر بن محمد عطا صوفي، نشرته مكتبة العلوم والحِكَم بالمدينة المنورة، سنة 1413هـ.
3- تَشَبُّه الخسيس بأهل الخميس. [29]
طبع بتحقيق: علي حسن عبد الحميد، نشرته دار عمار، بالأردن، سنة 1408 هـ.
4- ذكر الجهر بالبسملة مختصراً. [133]
طبع بتحقيق: جاسم سليمان الدوسري، نشرته الدار السلفية في الكويت، سنة 1408 هـ.
5- ذكر من اشتهر بكنيته من الأعيان. [61]
طبع بتحقيق: جاسم سليمان الدوسري، نشرته الدار السلفية في الكويت، سنة 1408 هـ.
6- المجرد في أسماء رجال كتاب سنن الإمام أبي عبد الله ابن ماجة سوى من أخرج له منهم في أحد الصحيحين. [78]
طبع بتحقيق: جاسم سليمان الدوسري، نشرته الدار السلفية في الكويت، سنة 1408هـ.
7- مختصر مناقب سفيان الثوري. [163]
طبع بتحقيق: قسم التحقيق بدار الصحابة للتراث بطنطا، سنة 1413هـ.
8- معجم الشيوخ الكبير. [81]
طبع بتحقيق: د. محمد الحبيب الهيلة، نشرته مكتبة الصديق بالطائف، سنة 1408 هـ.
9- المعجم الصغير. [83]
طبع بتحقيق: جاسم سليمان الدوسري، نشرته الدار السلفية في الكويت، سنة 1408هـ. باسم "المعجم اللطيف ".
10- المعجم المختص بمحدثي العصر. [84]
طبع بتحقيق: د. محمد الحبيب الهيلة، نشرته مكتبة الصديق بالطائف، سنة 1408 هـ.
11- المقتنى في سرد الكنى. [169]
طبع بتحقيق: محمد صالح المراد، نشره مركز البحث وإحياء التراث الإسلامي في الجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة، سنة 1408 هـ.
12- الموقظة في علم مصطلح الحديث. [11]
طبع بعناية: عبد الفتاح أبي غدة، نشرته مكتبة المطبوعات الإِسلامية في حلب، سنة 1405 هـ، وأعادت طبعه سنة 1412 هـ.
رابعاً: توثيق نسبة بعض مؤلفات الذهبي من كلامه في بعض مؤلفاته الأخرى.(37/247)
اعتمد د. بشار في توثيق نسبة بعض المؤلفات للإِمام الذهبي على ذكر بعض المترجمين للإِمام الذهبي لها، مع أن الإمام الذهبي ذكرها في بعض كتبه، ولعل الدكتور بشار لم يقف على ذلك، ووثق نسبة بعضها من كلام الذهبي نفسه في بعض كتبه، ثم وقفت على توثيقها من كلامه أيضا في بعض كتبه فرأيت إثبات ذلك أيضا للفائدة. فمن ذلك:
1- ترجمة محمد بن الحسن الشيباني [105]
ذكره الذهبي أيضاً في: السير: 13/233.
2- سيرة الحلاج. [108]
ذكره الذهبي أيضاً في السير: 16/265، وقال: "وقد جمعت بلاياه في جزئين "، وفي كلام الإِمام الذهبي هذا إجابة على قول د. بشار: "وهو من كتب الذهبي الغريبة لأنه لم يكن من الذين يعتقدون بالحلاج ومبادئه"- ثم قال: "ولعله اهتم به لشهرته ولشدة خطورة سيرته وما قام به و ... ".
قلت: وإنما جمعها الإِمام الذهبي للتحذير منها، وبيان فسادها ومخالفتها للشرع.
3- طرق أحاديث النزول [8]
وثقه د. بشَّار من كلام ابن تغري بردى، وسبط ابن حجر، وابن العماد.
وقد ذكره الذهبي نفسه في كتابيه "العلو ص 73" و"الأربعين في صفات رب العالمين. ص70".
4- كتاب مسألة دوام النار. [23]
وثقه د. بشار أيضاً من كلام المذكورين في الذي قبله.
وقد ذكره الذهبي نفسه في السير: 18/126.
5- كتاب معرفة آل منده. [85]
ذكره الذهبي أيضاً في السير: 17/38.
6- كسر وثن رتن. [163]
ذكره الذهبي أيضاً في السير: 12/367.
7- الكلام على حديث الطير. [5]
ذكره الذهبي أيضاً في السير: 13/233.
سابعا ً: جهوده في الدعوة إلى السنة ومحاربة البدعة وأسلوبه في ذلك:
الإمام الذهبي من أئمة أهل السنة، وأعلامهم في عصره، له في الدعوة إلى السّنة والذبِّ عنها، ومحاربة البدعة والتحذير منها، جهود مشكورة، وآثار مذكورة مشهورة.(37/248)
فمؤلفاته المفيدة، في التاريخ، والتراجم، كتاريخ الإِسلام، وسير أعلام النبلاء، وتذكرة الحفاظ، وميزان الاعتدال، تحمل في طياتها كثيراً من أقواله في الحضِّ على التمسك بالسنة، والثناء على أهلها، والتحذير من البدع وأهلها، وله في ذلك مصنفات متخصصة في كثير من مسائل الدين، عقيدة، وعبادة، بيَّن فيها منهج أهل السنة والسلف الصالح الواجب اتباعه، وردّ على أهل البدع من الفرق والطوائف الحائدة عن سواء الصراط.
فمن هذه المصنفات:
1- كتابه القيم: العلو للعلي الغفار. وهو من أهم الكتب المصنفة في مسألة العلو, جمع فيه النصوص من الكتاب، والسنة، وآثار السلف والأئمة في إثبات علو الله عز وجل على عرشه، والرد على النفاة والمؤولة لهذه الصفة.
2- الأربعين في صفات رب العالمين. أورد فيه أربعين حديثاً في عدد من صفات الله عز وجل.
3- كتاب رؤية الباري، عز وجل. وهو من كتبه التي لم تصل إلينا.
4- كتاب مسألة الوعيد. ولم يصل إلينا أيضاً.
5- كتاب في مسألة دوام النار. ولم يصل إلينا أيضاً.
6- تشبه الخسيس بأهل الخميس. وهو في بيان بدعة التشبه بالنصارى في أعيادهم.
7- التمسك بالسنن. وهو كتابنا هذا.
وقام رحمه الله باختصار بعض المؤلفات التي ألفّها بعض أهل العلم في الردّ على بعض الفرق والطوائف وأهل البدع، فله:
1- مختصر الرد على ابن طاهر لابن المجد، وهو في بيان مسألة السماع، ردّ فيه على من جوزه (1) ولم يصل إلينا.
2- مختصر كتاب القدر للبيهقي. قال د. بشار: "ولا نعرف اليوم نسخة منه ولا من أصله".
قلت: أما أصله، فقد عثر على نسخة منه، في المكتبة السليمانية في استانبول، تحت رقم (1488) .
3- المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال. اختصر فيه كتاب منهاج السنة، لشيخ الإِسلام ابن تيمية.
وله تآليف عديدة، ومختصرات في هذا الباب مفيدة.(37/249)
وكان رحمه الله شديد الحذر والتحذير من البدع، يخشى على نفسه وغيره من الوقوع فيها، فكان يدعو ربه عز وجل ويسأله السلامة من البدع والثبات على السنة. ويقول: "يا مصرف القلوب، ألهمنا سنة نبيك وجنّبنا الابتداع والتشبه بالكفار".
ويقول: "اللهم أحيي قلوبنا بالسُّنُّةِ المحضة، وأمددنا بتوفيقك ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اهدنا الصراط المستقيم، وجنبنا الفواحش والبدع ما ظهر منها وما بطن ... ".
وُيحَذِّر رحمه الله من البدع وإلْفِها وخطورة ذلك، فيقول: "فمتى تعودت القلوب بالبدع وألفتها لم يبق فيها فضل للسنن". وفي ذلك موت القلوب وهلاكها وضلالها، وفي "اتباع السنن حَياة القلوب وغذاؤها".
وهذه النقول من كلامه رحمه الله تدل على مدى حُبّه للسنة، وحرصه عليها، وحذره من البدعة والوقوع فيها.
وكان من منهجه رحمه الله في دعوة أهل البدع: سلوك طريق الرفق واللين إذا كان المبتدع جاهلاً، لأن ذلك أحرى باستجابته وإقلاعه عن بدعته، فيقول: "فليكن رفقك بالمبتدع والجاهل حتى تردهما عما ارتكباه بلين، ولتكن شدتك على الضال الكافر".
ويقول: "والجاهل يعذر ويبين له برفق ".
ونلمس أحيانا في أسلوبه شيئاً من الشدة والحدَّة ولاسيما مع من بُيِّن له الحق بدليله ولم يرعو عن بدعته وغيِّه.
فنراه يقول بعد أن ذكر نقولاً عن أئمة السلف في باب الصفات: "وقد طولنا في هذا المكان، ولو ذكرنا قول كل من له كلام في إثبات الصفات من الأئمة لاتسع الخرق، وإذا كان المخالف لا يهتدي عن ذكر ما أتت نقول الإِجماع على إثباتها من غير تأويل، أو لا يصدقه في نقلها فلا هداه الله، ولا خير والله فيمن رد على مثل: الزهري، ومكحول والأوزاعي ... ".
ثامناً: وفاته:
توفي الإِمام الذهبي رحمة الله عليه ليلة الاثنين، ثالث ذي القعدة، سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ودفن في مقابر باب الصغير.
وكان رحمه الله قد أضَرّ قبل موته بأربع سنين أو أكثر.(37/250)
وقال الحسيني: " ... أضر في سنة إحدى وأربعين، ومات في ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، بدمشق. . "
الفصل الثاني
التعريف بالكتاب ووصف النسخة المعتمدة وعملي في الكتاب
· التعريف بالكتاب.
1- اسمه.
2- توثيق نسبته للمؤلف.
3- موضوع الكتاب.
· وصف النسخة المعتمدة في التحقيق.
· عملي في الكتاب.
الفصل الثاني
التعريف بالكتاب والنسخة المعتمدة
· التعريف بالكتاب ويتضمن الجوانب التالية:
أولاً: اسمه:
لم يدون اسم الكتاب على غلاف النسخة، ولم يذكره المؤلف في مقدمته.
وسجل الكتاب في فهارس قسم المخطوطات في عمادة شؤون المكتبات في الجامعة الإسلامية بعنوان: "رسالة في البدعة".
ويبدو أن المفهرس أخذ هذه التسمية من قول المصنف رحمه الله في مقدمته بعد ذكر حمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم: "اعلم أن البدعة مذمومة في الجملة".
ومع بحثي في تراجم الإمام الذهبي ومؤلفاته فإني لم أجد من ذكر له مؤلفاً باسم "البدعة ".
لكن ذكر من مؤلفاته كتاب "التمسك بالسنن "ولم أقف على ذكر له مخطوطا ولا مطبوعاً.
وقد بحثت طويلاً في مؤلفات الذهبي لعلي أجد نقولاً من هذا الكتاب أسترشد بها وأقارن بينها وبين ما جاء في الكتاب الذي بين أيدينا فلم أظفر بشيء.
لكن موضوع كتاب "التمسك بالسنن "ذو صلة وثيقة ببيان البدع والتحذير منها.
وفي كتابنا هذا نجد الإمام الذهبي رحمه الله يجمع بين بيان السنن والحض عليها، وبين بيان البدع والتحذير منها. فيقول في أول الرسالة: "فاتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أصل ونور، ومخالفته ضلالة ووبال، وابتداع ما لم يأذن به ولا سَنَّةُ مردود".
ويقول: "فلابدّ من العلم بالسنن ".
ويقول: "فعلى العالم أن يفتش على المسألة النازلة في كتاب الله، فإن لم يجد فتش السنن، فإن لم يجد نظر في إجماع الأمة ... ".
ويقول في بيان ضرورة اتباع السنن والاقتصار عليها، ونبذ البدع والبعد عنها:(37/251)
"وشرع لنا نبينا كل عبادة تقربنا إلى الله، وعلّمنا ما الإيمان وما التوحيد، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، فأيُّ حاجة بنا إلى البدع في الأقوال والأعمال والأحوال والمحدثات، في السنة كفاية وبركة، فيا ليتنا ننهض ببعضها علماً وعملاً وديانة، واعتقاداً ".
ويقول في ص 48: "لكن الخير كله في الاتباع واجتماع الكلمة".
وهل كلام الذهبي هذا، وما يماثله في هذا الكتاب، إلاَّ دعوة إلى اتباع السنن، وحضٌّ على التمسك بها، ولا يتم ذلك إلا ببيان البدع والتنفير منها والحضِّ على الابتعاد عنها.
ولهذا أجدني شديد الميل إلى أن يكون كتابنا هذا هو كتاب (التمسك بالسنن) المذكور في مؤلفات الذهبي، ولذلك أثبته عنوانا للكتاب، ووضعت بين قوسين عبارة "والتحذير من البدع "لتضمن الكتاب الكلام عن البدع والتحذير منها.
ثانياً: توثيق نسبته للمؤلف:
يدل على صحة نسبة هذا الكتاب إلى الإمام الذهبي أمور منها:
1- قول ناسخ هذه النسخة في نهايتها: "وكتبت هذه النسخة من خط مؤلفها الحافظ الذهبي وقوبلت على خطه ".
2- ما سبق ذكره من الميل الشديد إلى كون هذا الكتاب هو كتاب "التمسك بالسنن "المذكور في مؤلفات الذهبي، كما ذكره، ابن تغرى بردى، وسبط ابن حجر، وابن العماد.
3- جرى الإِمام الذهبي رحمة الله عليه في كثير من كتبه، أنه إذ ورد ذكر السنة، واعتقاد السلف الصالح، سأل الله: الثبات عليه والتوفيق إليه.
وإذ ورد ذكر فتنة في دين أو دنيا، ذيّل كلامه عليها، بالالتجاء إلى الله عز وجل وسؤاله السلامة منها.
وإذ ذكر بدعة في عقيدة، أو عبادة، ذيل كلامه عنها بالتعوذ منها وسؤال الله المعافاة والسلامة منها، والثبات على السنة، والتمسك بها.
وإذا ذكر معصية، أو سوء سلوك، في ترجمة عَلمٍ، ذيل كلامه بالدعاء له ولصاحبها بالصلاح.(37/252)
وهذا المنهج والأسلوب نلمسه في كتابنا هذا في أكثر من موضع، فنراه لمّا ذكر أن اتباع غير سبيل المؤمنين بالهوى وبالظن وبالعادات المردودة مقت وبدعة، يدعو لنفسه فيقول: "اللهم اصرف قلوبنا إلى طاعتك ".
ولمّا ذكر ما أنعم الله به على هذه الأمة المحمدية من وضع الإصر والأغلال عنها، وإباحة طيبات كثيرة حرمت على أهل الكتاب يذيل كلامه بقوله: "فلله الحمد على دين الإِسلام الحنيفي، فإنه يسر، ورفق، ورحمة للعالمين".
ولمّا ذكر البدع وتنوعها تعوذ منها في قوله: "فبدع العقائد تتنوع أعاذك الله وإيانا منها".
ونحو ذلك في مواطن من الكتاب.
وهذا هو أسلوب الذهبي في كتبه ومؤلفاته، وهو قرينة قوية على صحة نسبة هذا الكتاب إلى الإِمام الذهبي رحمة الله عليه، والله أعلم.
ثالثاً: موضوع الكتاب:
بدأ المؤلف كتابه ببيان أن البدعة مذمومة في الجملة، وأَنها تشريع في الدين لم يأذن به الله.
وبيَّن أنّ اتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أصلٌ ونور وأنَّ مخالفته ضلال ووبال.
ثم أورد النصوص الداعية إلى اتباع السنة، والمحذرة من الابتداع.
ثم تكلم على تحديد مفهوم السنة والبدعة، ومنشأ النزاع في البدعة وأنه نشأ من جهة قوم ظنوا أن البدعة هي ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، والتابعون أو لم يقولوه.
ثم بين أن طريقة أهل الأثر التفريق بين البدعة الشرعية، والبدعة اللغوية. ونقل كلام الإِمام الشافعي في تقسيم البدعة.
ثم بيّن خطأ قول من قال إن البدعة هي: "ما نهي عنها لعينها، وما لم يرد فيه نهي لا يكون بدعة ولا سنة"، وبين ما يلزم هذا القول من تعطيل معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة".
وأشار إلى بداية ظهور البدع وأن أولها بدعة الخروج، ثم الرفض والطعن في الصحابة، وبدعة القدر، والجبر، والجهمية، والتشبيه، ثم ذكر بدعة الخُرَّميَّة، والقرامطة وتعطيل الشرائع وأن بدعة هاتين الطائفتين من البدع المكفرة.(37/253)
ثم بيَّن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة ... " وذكر أمثلة للسنة الحسنة، وأخرى للسنة السيئة، وذمّ من لم يفرق بينهما.
وأوضح المراد من قول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة"ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" وأنه ليس معناه كلّ ما سمي بدعة ولابد من التفريق بين البدعة الشرعية واللغوية.
وبيّن كمال الدين، واستدل على ذلك، وأنه لا حاجة بالأمة بعد إكمال الدين إلى البدع في الأقوال، أو الأعمال. وأنّ اتباع الشرع متعين، واتباع الهوى والعادات بدعة ممقوتة.
ثم ذكر بعض الأمور التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعمل بها في عهده لانتفاء شرط الفعل ووجود مانعه كقتال أهل الردة، والمجوس والترك والخوارج، وكأمره بإطاعة أمراء الجور والصلاة خلفهم فإذا فعلت هذه الأشياء عند وجود المقتضي لها فلا تعد بدعة لأنها إنما فعلت بأمره وإن لم تفعل في عهده.
وأشار إلى أن إحداث ما بالناس إليه حاجة لتنظيم أمورهم الدنيوية، كتمصير المدن وإحداثها، ووضع الدواوين وخزائن الأموال لا يدخل في مسمى البدعة المذمومة، وقد فعل الخلفاء والأئمة شيئاً من ذلك عند الحاجة.
ثم بين المنهج الذي ينبغي أن يسلكه العالم عند النوازل، وأَنه ينبغي أن يفتش أولاً في كتاب الله عز وجل، ثم في السنن، فإن لم يجد نظر في إجماع الأمة.
وبين بعد ذلك أن فعل ما أمسك النبي صلى الله عليه وسلم عن فعله أو الأمر به، أو الندب إليه، مع قيام المقتضي في عهده، ليس بحسن ولا بر.
وما أُحدث بعده وكان بنا إليه حاجة فحسن، كفرض عمر للصحابة وغيرهم وجمع الناس في التراويح، وجمع الناس على مصحف.
ونبَّه إلى أَنه قد كثر المنكر والمحدَث، وأنه ينبغي النهي عن ذلك بنيّة خالصة، وحذر من الغضب والفرقة.
وأشار إلى أنه قد وقع التفريط في مسمى السنة حتى أخرج عنها بعض مسماها، واُدخل فيها ما ليس منها، وكذا الشرع أيضاً.(37/254)
ونبه إلى يسر هذا الدين وسماحة الشريعة المحمدية وأنه ينبغي حمد الله على دين الإسلام فإنه دين يسر ورفق ورحمة للعالمين. وذكر أموراً كانت محرمة على الأمم قبلنا أباحها الله لهذه الأمة، كالعمل يوم السبت، وإباحة الغنائم، والتطهر بالتراب والصلاة في الأرض إلا المقبرة والحمام، وغير ذلك.
ثم بين تنوع البدع وتفاوتها في الشر مع كونها كلها ضلالة وأن شرها ما أخرج صاحبها من الإسلام وأوجب له الخلود في النار كبدع النصيرية، والباطنية، وادعاء نبوة علي.
ثم ذكر بعد ذلك بدع الخوارج، وغلاة الروافض، والجهمية، ثم بدع القدرية، والشيعة المفَضِّلة لعلي مع محبة الشيخين.
ثم ذكر بدع العبادات والعادات، وأن الخطب فيها أيسر منه في غيرها، كصلاة النصف من شعبان، وتلاوة جماعة بتطريب وأشباه ذلك. وذيل ذلك بأن الخير كله في الإتباع واجتماع الكلمة.
· وصف النسخة المعتمدة في التحقيق:
اعتمدت في تحقيق الكتاب على نسخة فريدة، أصلها محفوظ في: مكتبة الاسكوريال برقم 707/5.
لها صورة فلمية، محفوظة في قسم المخطوطات في عمادة شئون المكتبات في الجامعة الإسلامية تحت رقم (7955) .
وهي نسخة منقولة من خط المؤلف، ومقابلة عليه، كما أثبت ذلك الناسخ في آخر الكتاب.
عدد لوحاتها: تقع هذه النسخة في ست لوحات. ضمن مجموع تبدأ من (53/ آ-58/ ب) .
عدد الأسطر: يبلغ عدد الأسطر خمسة وعشرين سطراً في كل وجه من لوحات المخطوط.
عدد الكلمات: متوسط عدد الكلمات في كل سطر: عشر كلمات.
نوع الخط ووصفه: كتبت هذه النسخة بخط نسخي جيد، منقوط، ولم تخل النسخة من الأخطاء، وبعض الكلمات غير المقروءة.
ولم يذكر اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ.
عملي في الكتاب:
1- اجتهدت في قراءة النص ونسخه حسب القواعد الإملائية الحديثة، وضبطت بالشَّكْل ما يحتاج إلى ضبط خاصة ما قد يُشْكِل على القارئ.
وحاولت قدر الطاقة إخراج النص على أقرب صورة تركه عليها المؤلف.(37/255)
2- قمت بعزو الآيات القرآنية إلى سورها، فأشَرْتُ في الحاشية إلى اسم السورة ورقم الآية.
3- خرَّجت الأحاديث النبوية، والآثار المروية عن السلف، وربما ذكرت كلام أهل العلم في الحكم على بعض الأحاديث.
4- ترجمتُ للأعلام الوارد ذكرهم في النص ترجمة موجزة.
5- عرَّفت بالفرق الوارد ذكرها في النص.
6- شرحت ما يحتاج إلى شرح من الألفاظ الغريبة.
7- أشرت إلى بداية كل صفحة من المخطوط بوضع خط مائل في النَّصَ والإشارة أمامه في الحاشية إلى رقم اللوحة والوجه, بين قوسين على الشكل الآتي (2/ ب) فالرقم يشير إلى رقم اللوحة والحرف يشير إلى أحد وجهي اللوحة.
8- جعلت بعض العنواين بين قوسين مربعين داخل النصر المحقق.
9- قمت بتحرير دراسة موجزة، عرّفت فيها بالمؤلف، والكتاب.
10- صنعت بعض الفهارس التفصيلة التي تسهل على القارئ والباحث الوصول إلى بغيته من الكتاب بيسر وسهولة, على النحو التالي:
· صنعت فهرساً للآيات القرآنية الواردة في النص المحقق.
· وفهرساً للأحاديث والآثار.
· وفهرساً آخر للأعلام الوارد ذكرهم في النص.
· وفهرساً للفرق والطوائف والأمم والجماعات.
· وفهرساً للأمكنة والبقاع.
· وفهرساً للألبسة والأطعمة والمراكب.
· وفهرساً للمراجع والمصادر.
· وأخيراً فهرساً للموضوعات.
النص المحقق
P 91
P 92
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
[ذم البدعة] *
اعلم أن البدعة مذمومة في الجملة، قال تعالى: {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (1) ، وقال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} (2) ، "قال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} (3) .
فاتِّبَاع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أصلٌ ونورٌ , مخالفته ضلال ووبال, وابتداع ما لم يأذن به ولا سَّنهُ، مردودٌ.(37/256)
[روى] جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خُطبته: "إنَّ أصدق الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهُدى هُدَى محمد، وشَرَّ الأمور محدثاتُها، وكُلّ بدعةٍ ضلالةٌ " (1) .
وفي رواية ابن المبارك عن الثوري عن جعفر: "وكل محدثة بدعة، وكل ضلالة في النار" (2) .
وحديث العرباض، وصححه الترمذي، قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: "يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة" (3) .
ورُوِيَ عن غُضَيف بن الحارث مرفوعاً: "ما ابتدع قوم بدعة إلاّ تركوا من السنة مثلها" (4) .
وجاء في الأثر: "كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة".
تفسير هذه الإطلاقات:
فإن النزاع يقع في أشياء هل هي [محبوبة] أو هي مذمومة؟.
فطائفة ذَمَّتْهَا؟ لأنها بدعة، وأخرى لا تَذُمُّ، ويقولون: "مِنَ البدع حسنٌ وسيئُ، وهذه من الحسن".
وقد تَعُدُّ طائفةٌ الشيء بدعةً ولا تشعر بأنَّه جاء فيه أَثَرٌ.
وكذلك عامةُ الطوائف تَدَّعي أَنَّها أهل السُّنة، وتُبَدِّعُ مَنْ خالفها.
[تعريف السنة]
فنقول: السُّنَّةُ التي هي مقابلة البدعة، هي الشرعةُ المأثورةُ، من واجب ومندوب/، وصنَّفَ خلائقُ من المحَدِّثين كُتباً في السُّنَّة، والعقائد، على طرائق أهل الأثر، وسمى الآجري كتابَه: (الشريعة) .
[تعريف البدعة]
فالبدعة على هذا: ما لا يأمر الله به ولا رسوله، ولم يأذن فيه، ولا في أصله.
فعلى هذا: كُلّ ما نهى الله ورسوله عنه فهو من البدعة.
أما المباحُ المسكوتُ عنه فلا يُعَدُّ سنةً ولا بدعةً، بل هُما مِمَّا عفا الله عنه.(37/257)
وفي السنن لسلمان مرفوعاً: "ما سكَت الله عنه فهو مما عفا عنه" (1) .
حديث أبى ثعلبة مرفوعاً: "وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها" (2) .
فكل ما سكت الشارع عنه هل يسمى حلالاً أو عفوا؟، فيه قولان للعلماء.
فالبدعة المذمومة، لابُدَّ أن تندرجَ في القسم المذموم محرمة كانت أو مكروهة.
كما أن السنة المحبوبة مندرجة في القسم المحمود.
[منشأ النزاع في تحديد مفهوم البدعة]
وإنما نشأ النزاع من جهة قوم ظَنُّوا أن البدعة هي ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعون، أو لم يقولوه.
والرسول صلوات الله عليه يتَحتَّمُ اتِّبَاعُه، فلا يمكن أن يكون قوله أو فعله بدعة ًقط، بل هو سنة، فتراهم تارة يقتصرون في البدعة على ما لم يصدر عنه، وتارة يَضُمُّونَ إليه الخلفاء الأربعة، وتارةً يَضُمون إليه البدرييّن، وتارة الصحابة، وتارةً الأئمةَ، وتارة السَّلف.
[فما من أحدٍ] من هؤلاء إلاّ مَن هو متبوع في شيءٍ، لأنه من أُولي الأمر.
فإذا كان متبوعاً إِمَّا شرعاً، وإِمَّا عادةً، احتاج إيجاد البدعة إلى أن يُخْرَجَ ما يتبع فيه عن أن يكون بدعة.
ثم لمّا اعتقد هذا خلق صاروا يتنازعون بعد في بعض هذه الأمور التي لم يفعلها المتبوع.
[البدعة كلها سيئة]
فقوم يرونها كلَّها سيئة، أخذاً بعموم النص في قوله: "كل بدعة ضلالة", فهؤلاء وقفوا مع النص؛ لأنّه لابد لمن سلك هذا أن يقول: "ما ثبت حسنه من هذه البدع فقد خص من العموم، أو يفرق بين البدعة اللغوية والبدعة الشرعية".
وهذه الطريقة أغلب على الأثريَّةِ، وذلك أشبه بكلام أحمد ومالك. لكن قد يُغَلِّظُون في مسمى البدعة.
وقوم قسَّمُوها إلى: محرم، ومكروه، ومباح، ومستحب، وواجب، وذكروا قول عمر: "نعمت البدعة"، وقول الحسن: "القصص بدعة، ونعمت البدعة، كم فيها من أخ مستفاد، ودعاء مستجاب".(37/258)
وقال الشافعي: "البدعة بدعتان، بدعة: خالفت كتاباً، أو سنة، أو إجماعاً، أو قول صاحب، فهذه ضلالة، وبدعة: لا تخالف ذلك فهذه حسنة".
قالوا: وثبت بالإِجماع استحباب ما يسمى بدعة كالتراويح، وذكروا حديث: "من سن سنة حسنة".
لكنهم لا يكادون يضبطون الفرق بين البدعة الحسنة والبدعة السيئة، فهذا يَسْتَحسِنُ ما يَذُمُّه الآخر.
[القول بأن البدعة هي ما نهي عنه لعينه وبيان ما يلزمه]
وبعضهم قال: "البدعة هي: ما نهي عنها لعينها، وما لم يرد فيه نهي لا يكون بدعة ولا سنة".
فلازم قولهم: تعطيل معنى قوله: "كل بدعة ضلالة" حيث قابلوا: التعميم بالتقسيم، والإثبات بالنفي، ولم يبق فائدة لقوله: "كل محدثة بدعة"، بل يبقى بمنزلة قوله: كُلُّ ما نهيتكم عنه ضلالة.
لكن عمدتهم ما يقوم من الأدلة على حُسْنِ بعض ما سَمَّوْهُ بدعة، من إجماع، أو قياس.
وهذه طريقة مَنْ لم يتقيَّد بالأثر إذا رأى حقا ومَصلحةً، مِنْ مُتَكَلِّمٍ وفقيهٍ وصُوفي، فتراهم قد يَخْرُجُونَ إلى ما يخالف النَّصَّ، ويتركون واجباً ومُستحبًّا، وقد لا يَعرفون بالنَّص، فلا بد من العلم بالسُّنَن.
أمّا ما صحّ فيه النهيُ فلا نزاع في أنّه منهيٌ عنه، وأنه سيّئ كما أن ما صَحّ فيه الأمر فهو شرع وسُنة.
وأما من خالف باجتهاد، أو تأويل، فهذا ما زالَ في الأعصار.
فأوَلُ ذلك بدعةُ الخوارج، حتى قال أولهم للنبي: صلى الله عليه وسلم: "اعدل".
فهؤلاءِ يُصَرِّحُون بمخالفة السنة المتواترة، ويقفون مع الكتاب، فلا يرجمون الزاني، ولا يَعتبرون النَصَابَ في السّرقة، فبدعتهم تخالف السنن المتواترةَ.
وغالب من يخالف مذاهب السلف في الأُصول والفروع، إنّما يُخالفها لاعتقاده أن ذلك مخالف للنُّصوص والعقل.
قال الإمام أحمد: "أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس".(37/259)
وبعض الصحابة ردَّ حديث: "الميِّتُ يُعذَّب ببكاء أهله عليه" (1) ، وحديث: مخاطبة أهل قليب بدر، وحديث: [بروع بنت واشق] في مهر المُفَوِّضة، وحديث: بنت قيس في عدم السُّكْنى والنَّفَقة للمَبْتُوتة.
وظهر في خلافة علي بدعة الخروج، والرفض، وطعن الصحابة بعضهم في بعض، وذلك خلاف الكتاب والسنة.
[بدعة القدر والجبر ومخالفتهما للكتاب والسنة]
ثم ظهر في حدود السَّبْعين بدعةُ القدر، كذبوا بالعلم، أو بالمشيئة العامّة، وذلك مخالف للكتاب والسنة.
وجاءت الجَبريَّة فجعلوا العبد مجبوراً لا حكم عليه، فهذه أيضاً بدعة مخالفة لما في الكتاب من الأمر والنَّْهي، والوعد والوعيد، وإثابة المُحْسِن، وعقوبة الظالم.
فالأوَّلُون كذَّبوا بخروج العصَاة من النّار، وأحاديث الشفاعة، ومن الأخيرين يقولون: لا عذاب، وإن الإيمان لا يتفاوت.
[بدعة الجهمية]
ثم وجدت بدعة الجهّمِيّة، والكلام في الله، فأنكروا الكلام والمحبَّة، وأن يكون كَلَّمَ موسى، أو اتخذ إبراهيم خليلا، أو أنَه على العرش استوى، وذلك مخالف للنصوص.
[بدعة التشبيه]
فنشأ من شَبَّه الباري، وجعل صفاته كصفاتنا، فخالفوا الكتاب والسُّنَّة.
[البدع الكفرية]
ثم حدث في دولة المأمون ما هو من البدع الكفرية، كالخُرَّميَّة، والقرامطة، وتعطيل الشرائع، وأن ذلك رموز، فلم يرتَبْ مُسْلِم في كفرهم.
فالمُتَّبعُ ضد المُبتَدِعَ، لأن المتَّبِع [لم يخرج] من حدود متبوعه. [و] المبتدع أحدث أمراً على غير مثال، قال الله تعالى:/ {بَدِيعُ السَّمَاوَات} (2) أي:"مبدع"، وقيل: "بديع سماواته وأرضه، ومنه: بديع الجمَال، وكلام بديع أي: لم يعهد له نظير".
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يَنْهَ عن كل أمر ابتدأه مبتدئ، وأحدثه محدث.(37/260)
كمن مَرّ إلى فَسَقَةٍ، أو كُفَّارٍ فدعاهم، ووعظهم، بل هو المَعْنِيُّ بقوله عليه السلام: "من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من اتَّبعه" (1) الحديث.، وبقوله: "من سَنَّ سُنَّة حسنة" (2) . وقال تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (3) .
وليس المراد بقوله: "من سَنَّ سُنَّة" أنه يبتدع عبادة أو قولاً لم يأذن الله به.
[السنة الحسنة والسنة السيئة]
ومن السُّنة الحسنة؛ ما فعله عمر بن عبد العزيز من رد المظالم، وأخذه من الأمراء أموالا.
ومن السُّنَّةِ السَّيِّئَةِ؛ ما فعله الحجَّاجُ من أَيمان البيعة، وجرأته على الدِّمَاءِ بمُجَرِّدِ شبهة، فإنه أحدث أموراً قبيحة.
ولهذا عَظَّمَ العلماء من قدر الشافعي، وأحمد، والجنيد، وأمثالهم أكثر من غيرهم؛ لأنهم سَنُّوا في الإسلام سنَّةً حسنة، وأماتوا بدعاً سيِّئَة.
قال عليه السلام: "إنَّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها" (4) .
فمن لم يُفرِّق بين ما ابتدعه الجعد، وغيلان، والجهم، وبين ما أحياه عمر بن عبد العزيز، والحسن، وأيوب، والأوزاعي، لم يفقه. وإن كان الكُلُّ في اللغة قد ابتدعوا وشرعوا. بل كًلّ نبيٍّ له شِرْعَة ومنهاج بإذن ربه، وإنَما ذمَّ الله مَنْ شرع ديناً لم يأذن به الله.
[المراد بقول عمر: نعمت البدعة]
ومن ذلك قول عمر: "نِعْمت البدعة"؛ لأنها بدعة في اللغة لا في العُرف الشَّرعي.
ومن بدعة اللًّغة: جَمْعُ المصحف، وشَرَح الله لذلك صدرَ عمر، وزيد، وأبي بكر، ثم عثمان.
[المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة"]
فقوله: "كُلًّ بدعة ضلالة" ليس المراد كل ما سمي في اللغة بدعة، ويوضحه قوله: "وشَر الأمور محدثاتُها" (5) فكلاهما في العرف صار لما يذَمّ.
[كمال الدين وعدم الحاجة إلى الابتداع](37/261)
وديننا بحمد الله تام كامل مرضيٌّ، قالت تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (1) , وقوله عليه السلام: "ما تركت من شيء يُقرِّبكم إلى الجنَّة ويبعدكم عن النار إلاّ وقد حدَّثْتُكُمْ به" (2) .
فأيُّ حاجة بنا بعد هذا إلى البدع في الأعمال والأقوال؟ قال ابن مسعود: "اتَّبِعُوا ولا تَبْتَدعوا فقد كفيتم".
واتِّبَاع الشرع والدين متعيِّن، واتّباع غير سبيل المؤمنين بالهوَى وبالظَّنِّ وبالعادات المردودة مَقْتٌ، وبِدْعة. اللهمَّ اصرف قلوبنا إلى طاعتك.
قيل: إن أويساً القَرَني قال لهَرم بن حَيّان: "سَلِ الله أن يُصلح قلبك ونِيَّتَك، فإنّي ما عالجتُ شيئاً عليَ أشد من صلاح قلبي ونِيَّتي".
وفي مُسْلم عن ابن مسعود قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله من نَبيٍّ إلا كان له من أُمَّتِه حواريون، وأنصار يستَنُّونَ بسُنَّتِه، ويَتَّبعون هديَه، ثم يَخْلُف من بعدهم خُلُوفٌ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، من جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حَبَّة خردل".
وفي البخاريّ حديث: "من عَمِل عملاً ليس عليه أَمرُنا فهو رَدّ" ولو كانت البدعة مُستَحَبَّةً لكانت مَقبولة.
وقد أَمَرَ بأشياء لم تكن على عهده صلى الله عليه وسلم، أو لم تُعمل لعدم الحاجة إليها، أو لانتفاء شرط الفعل، ووجود مانعه، مثل: قتال أهل الرِّدةِ، وقتال المجوس، والتُّرْك، وياج، والخوارج، وكأمره بإطاعة أمراء الجور،
والصلاةِ خلفَهم، وكشروط عمر عَلىَ الذِّمَّةِ، وكانَ عليه السلام أَقرَّ يهود خيْبَر لفِلاَحَتِها بلا جَزية، ثمَّ أجلاهم عمر، وضرب عليهم الجزية.
وكذا نزول ابن مريم حكما عدلاً، فيكسر الصَّليب، ويقتُل الخنزير، ويضع الجزية، وإنَّما يفعل ذلك بأمر نبينا صلى الله عليه وسلم.(37/262)
وكذلك ما يفعله المؤمنون في اليوم الطويل، زمَنَ الدَّجَّال في كثرة الصلوات في قوله: " [اقدروا] له قدره" (1) .
وكذلك أمْرهُ بالقعودِ في يوم الفتنة، وبالفرار إلى الجبَال في غَنَمِه ِ، وباتِّخاذِ سيف من خشب.
وكُلُّ ذلك بحسب الأحْوالِ، على ما دَلَّتْ عليه النُّصُوص والعُمُومَات.
ومن ذلك: إذْنُه في دُخول حمَّاماتِ الأعاجم للرجل بمِئْزَرٍ، ومَنع المرأة منه، إلاَّ المريضة، والنُّفَسَاء، فََلاَ يُقَالُ: دُخُولُ الحمَّام بَدعة، فما كان في الحجاز حَمَّامٌ.
وكذلك المطاعم، والملابس، والدور، والزّيُّ، قال الله تعالى: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} (2) ، وقال: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} (3) .
ولمَّا عَافَتْ نفسه الزْكِيَّةُ أكْلَ الضَّبِّ ما حرَّمَه، واعتذر بأنْ لم يَكُنْ بأرض قومه، وكان يُحبُّ الحلوى، والحُلُوَ البَارد، واللَّحْم، وأكَلَ الدّجَاج، والرُّطَبَ، والقِثَّاءَ، والطَّيِّبَاتِ التي بأَرضه، وتَزَوَّجَ ببضعِ عشْرةَ امرأة، ولَبسَ القميصَ، والعِمَامَةَ والجُبَّةَ الضيِّقَة، وركبَ الفرس، والنَّاقةَ، والحِمَار، والبَغْلَةَ، ولا كان مع ذلك يُكْثِرُ من التَّنَعُّمِ والرَّفاهِيَة، وما خُيِّر بين اثنين أمرين إلاّ اختار أيسرهما صلوات الله عليه وسلامه.
قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} (4) . وقال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} (5) .
فاحْذَرِ الورَعَ الفاسِدَ، ولا تَكُنْ عَبْدَ شَهَوَاتِكَ.
وكان يَمْرَضُ ويَتَداوَى، ويَحرص على أدْويةٍ نافعة، وعلى الحِجَامَةِ.(37/263)
ومما أًحْدِثَ: تَمْصِيُر الكوفةِ، والبصْرة، والمناير، ووضْعُ الدَّواوين، وخزائن الأموال، وأمثال ذلكَ مما فعله الخلفاء الراشدون، والأئمة، أو الأمَّةُ كلُّها.
و [إن] استدَلَّ مُتَكَلم على من أَنكر عليه بعض حجاجه، ومسائله، بأنَه بدعة؛ لأنَّ السلف لم ينقَل عنهم نهيك عن هذا، فلابُدَّ أن تجيبه بأن السًلفَ ما احتاجوا إلى النَهي، ودَلَتِ النُّصُوصُ على النَّهْىِ، فالنَهْي حَسَنٌ.
وأيضاً فإذا كان الَفعل بدعة، والبدعة ضلالةٌ، فهذا تناقض.
فالفعل إن ثبت حُسْنُه بأدلَّةٍ شَرعيَّةٍ، فالنَّهْيُ عنه بِدعةٌ، وإن لم يَدَّل عليه الشرع فهو بدعة، والنَّهْي عنه سُنَة.
ورُبمًا كان فَصْلُ الخطاب، أنَّ بعض الفعل حَسَن، وبَعْضُه سيّئ، مثاله: النَظَر والمُنَاظَرَةُ، فالجدالُ بالحسنى حَسَنٌ، ومِنْه مَذْمُومٌ، قال الله تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا} (1) ، وقال تعالى يجمع الأمرين: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} (2)
فمن جادل في الحق بعد ما تبين فهو مَذْمُوم، سواء قصد نصر إمَامِه، أو هَوَاه، وجادل بلا علم.
ومنه قوله عليه السلام في السُّنَنِ: "القُضاةُ ثلاثة: قاضيان في النَّارِ وقاضٍ في الجَنَّةِ، رَجُلٌ عَلِمَ الحق فقَضَى به فهو في الجنَّةِ، ورجلٌ قَضَى على جهلٍ فَهو في النارِ، ورَجُلٌ عَلِمَ الحَقَّ فقَضَى بخلافه، فهو في النَار" (3)
وكذلك الْمُفْتِي، والشَّاهد، والمفتي، والمصنِّف، والمحدِّث، فمن تكلم بلا علم فجاهل، أو حَادَ عن الحقِّ فظالم، أو تكلم بعلم فله أجران إنْ أَصابَ، أو أجرٌ إِنْ أخطأ.
فمن جادل الخَصْمَ بحُجَجٍ صَحِيحة دَلَّ عليها النَّصُّ أو الإِجماع عند الحاجَةِ فَهُو مُحْسِنٌ إن صَلحت نِيَّتُه، وذلك من فُروض الكفايات والنّهْي عنه عدوان.(37/264)
ومن جادل بلا حُجج، وأعرض عن النُّصُوص، ومَشَى مع رأيِهِ وهواه كما يفعله كثير من المتكلّمين، فهو من المذمومين لاسيَّما إذا أوقعه حِجاجُه في التزام ما يخالف الكتابَ والسُّنَّة، ونَهْيُه سُنَّةٌ حسنةٌ، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} (1) ، وقال: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (2) .
[ما ينبغي للعالم فعله تجاه النوازل من المسائل]
فعلى العالِمِ أن يُفَتِّشَ على المسألة النازلة في كتاب الله، فإن لم يجد فَتَّشَ السًّنَن، فإن لم يجد نَظَرَ في إجماع الأمَّةِ. وهذا هو المجتهد المطلق، وأَنَّى يُوجدَ ذلك.
[الاستدلال بتركه، أو إقراره مع علمه صلى الله عليه وسلم]
ومن الدّليل على مسائل عِدَّة: تركُهُ، أو إقرَاره مع علمه عليه السلام بالمسألة كما يُسْتَدل بتركه الزكاة في الخضروات التي بالمدينة على عدم الوجوب، وبتركه نَْهيَه للحَبَشَة عن الزَّفْن في المسجد على الرُّخْصةِ، وبترك التأذين في العيد والكسوف، والاستسقاء على عدم الاستحباب، وأنه ليس بدين فما أمسك عن فعله، أو الأمر به والنَّدْب, مع قيام المقتضي دَلَّ على أنه ليس بَحَسَن ولا بِرٍّ.
وما أُحدِثَ بعده، وكَانَ بنا إليه حاجَةٌ فحَسَنٌ كفرض عمر للصحابة وغيرهم، وكالتراويح، وجَمْعِ الناس على مُصحف.
ثم خَلَف قومٌ اعْتَدوا في الجُوع، والسَّهَرِ، والرَّهْبَانِيَّةِ، وفي المسائل، والسماع، وفي بَذْلِ بُيوت الأموال لمَن شاءوا، ومَنْعِ المستحق، وتعدَّوا في العقوبات، والجور، واحْتَالُوا على الرِّبا، وبالغوا في نفيِّ الصِّفَات، أو في إثْبَاتها، وتَنَطَّعُوا، وزيّدوا، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله.
وقد يَفْعَلُ المُسْلِمُ بعضَ الأمور بنَوْعِ تَأْويلٍ فيخطئ، والله يغفر له، وقد يتوبُ، وينقاد للحق، أو له حَسَنات مَاحية.(37/265)
وقد كَثُر المنكر والمُحْدَث، فَليَنْهَ الفقيهُ عَمَّا أمْكَنَ من البدع بنِيَّةٍ خالصة، وليحذر الغضبَ، فإن الفُرقة هَلَكَةٌ والجماعة رحمة. ويروى "أنه ما ابتدع قوم بدعة إلاّ رفع منهم من السنة مثلها".
[المشروع في استماع القرآن وأقسام من أعرض عنه]
شَرَعَ الله استماع القرآن، ونَدَبَ إليه، وذَمَّ من يُعرضُ عنه. فأعرض قوم عن حقيقته وفَهْمِه الذيَ يخشع له القلب، ثم صاروا لونين:
لوناً (1) : فتنوا واقتصروا على ظاهره، وعلى تلاوتِه أمانيّ كأهل الكتاب.
ولوناً: طلبوا رقَّةَ قلوبهم بسماع غيره كالرُّهبان.
وكُلٌ من الطائفتين يقول للأخرى: لستم على شيء.
ولا رَيْبَ مع كل منهما نوع من المشروع.
[وقوع التفريط في مسمى السنة والشرع]
وكذا وقع التفريطُ في مُسَمَّى السُّنَّةِ، حتى أخرج عنها بعضُ مسمَاها وعُدَّ بدعة، وأُدخل فيها ما ليس منها بخبر منها قول شاذ.
وكذلك الشّرع أدخل في مُسَمَّاه أشياء في العبادات، والمعاملات، والأنكحةِ، والعقوبات، وغير ذلك مما فيه اختلاف فصار الشرع عند العَامِّي عبارة عَمَّا يحكم به قاض وإن كان جاهلا.
أمَّا الشَّرْعُ المُنَزَّل فما ثبت بالكتاب والسُّنَّة والإجماع.
وأما الشرع المُبَدَّل، كما يصدر من جهة الحًكَّام، والوكلاء، فالمنزَّل واجب، والثاني شائع، والثالث منهيُ عنه.
الطيّبَات، أحلها الله لنا وحَرَّمَ الخبائث.
فأما اليهود فبِظُلمٍ منهِم حَرَّم الله عليهم طيبات، وحمل عليهم آصارا ً كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ} (2) الآية.
فالمُحَرَّمُ خبيث: كالدِّم، والميْتَةِ، وأكْلِ مالٍ بالظُّلمِ، كالرِّبا، والقِمَار، وأكْلِ السم، والسِّبَاع، والرَّخَم، وكُلِّ حيوان خبيث الغِذَاء، إذ الاغتذاء به يورث الطبع بغيا، واعتداء.(37/266)
وكذا الدَّم هو الحامل للاغتذاء به، يورث الطبع بغياً واعتداء، لقوة الشّهوة، والغضب، وكذا الخمر، فالمحرمات تَضرّ المزاجَ والدِّينَ أو أحدهما.
[حد المعروف والمنكر]
وكذا من أكل فوق عادته يتضرر به، فالمعروف (1) : كل صلاح وعدل وخير، والمنكر: كل فساد وبغي وظلم وفحش.
[حد الطيب والخبيث]
والطيب: كل حلال مريّ هنيّ، من كسب طيب.
والخبيث: كل حرام وبيِّ نكدٍ مؤذٍ، من كسب مُحَرَّم، قال تعالى: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} (2) وفي الحديث: "الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، وما سكت عنه فهو مما عفي" (3) .
[سماحة شريعتنا ورفع الآصار والأغلال عن هذه الأمة]
ونبينا صلى الله عليه وسلم بُعث بالحنيفيّةِ السَّمحةِ، وبوضعِ الآصار والأغلالِ، وبإباحة طيبات كثيرة حُرِّمت على أهل الكتابين، فلله الحمد على دين الإسلام الحنيفي، فإنّه يسر، ورفق، ورحمةٌ للعالمين.
فأباح الله لنا الغنائم، ولَحْمَ الإبل، ومواكلةَ الحائض، وأَباح لنا العمل في السَّبْت، وأربعاً من الزوجات، وعِدَّة من السراري، والعفو عن أثر الغائط، والتطهير بالتراب، والصلاة في الأرض إلا المقبرة والحمام، ولطف بنا في أشياء كثيرة، ووعدنا بإجابة الدعاء، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} (4) .
وشرع لنا نبينا كُل عبادة تقربنا إلى الله، وعلّمنا ما الإِيمان، وما التوحيد, وتَركنا على البيضاء ليلها كنهارها، فأيُّ حاجةٍ بنا إلى البدع في الأقوال، والأعمال، والأحوال، والمحدثات.
ففي السنة كفاية وبركة، فيا ليتنا نَنْهَضُ ببعضها علماً وعملاً، وديانة، ومعتقداً.
[تفاوت البدع في الشر والخبث](37/267)
فَشَرُّ البدع وأخبثُها ما أخرجَ صاحِبَها من الإِسلام، وأوجبَ له الخلود في النَّار، كالنُصيْرِية، والباطِنِيَّةِ، ومن ادّعى نُبَوَّةَ عَليٍّ، ثم بعدهم غلاة الرافضة، وغلاة الجهمية، والخوارج، وهؤلاء مُتَرَدَّدٌ في كفرهم. وكذا مَنْ صرّح بخلقِ القرآن، أو جَسَّم، أو جحد الصفات، أو شَبَّه الله بخلقه.
ثم دونهم: القدرية، ودعاة المعتزلة، ومَنْ ينقص بأبي بكر وعمر، ثم من تنقّص بعثمان، وعلي، وعمّار، وعائشة رضي الله عنهم.
ثم دونهم الشيعة الذين يُحبّون الشيخين، وُيفَضِّلون علياً عليهما، والزيدية.
فبدع العقائد تَتَنَوَّع أعاذك الله وإيَّانا منها.
وخلائق من كبار العلماء رحمةُ الله عليهم بَدَّعَ بعضُهم بعضاً، من الشافعيةِ، والحنفيةِ، والحنابلةِ، وأهلِ الأثرِ، وأهل الكلامِ، ومثبتةِ الصفات القرآنية لا الخبرية، ومثبتةِ السبع دون غيرها، ومثبتةِ ما ثبت من الأخبار دون ما حَسُن، على اختلاف آرائهم، ومبالغة بعضهم في التنزيه، والتأويل، أو مبالغة بعضهم في الإقرارِ والإمرارِ، وذَمِّ التأويل، فبَيْنَ هؤلاء نزاع، وخلاف شديد مع إيمانهم الكل بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث، والقدر، والانقياد للكتاب، والصحاح، والإِجماع، وتعظيم الرّب، وإجلاله، ومراقبته، والانقيّاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والخضوع له، والمحافظة على الفرائض، والطهارة، والابتهال إلى الله في الهدى والتوفيق، مع الذكاء والعلم.(37/268)
وبعضهم يتعجّب من بعض كيف خالف في تأويل الصفات، كما يتعَجَّبُ الآخر منه ومن سعة علومه كيف جمد على إثباتها وأَقَرَّهَا. وبعضهم يتعْجَّبُ مِنْ هؤلاء ومِن هؤلاء كيف لم يسكتُوا كما سكت الجمهور، وفوّضوا ذلك إلى الله ورسوله، حتى إن التلميذَ يتعجَّب من شيخه، والمفضولَ منهم مِنَ الأفضل، ونحن نرجو للجميع العفو والمغفرة، ويعد خطأهم مع بذل الوسع، وحسن النية في الأصول والفروع شيئاً واحداً، أعني أرباب هذا النوع، الذين لا مَحِيْدَ لهم عن الكتاب والسًّنة.
[بدع العبادات والعادات]
وأمَّا بدَعُ العبادات، والعادات، فخطبها يسير، وكتلاوة جماعة بتطريب، وأذانهم، وصلاة النصف، والحلاوة فيه، وأمثال ذلك من الشعارات، والهيئات، والنِّيَّات، والحوادث وأشباه ذلك، ولكنّ الخير كله في الإتّباع واجتماع الكلمة.
[مشابهة أهل الذمة في أعيادهم وحكم ذلك]
أما مشابهة الذِّمة في الميلاد، والخميس، والنيروز، فبدعة وحشة.
فإن فَعلها المسلم تديُّناً فجاهل، يزجر وُيعَلَّم، وإن فعلها حُبّاً [لأهل الذِّمة] وابتهاجاً بأعيادهم فمذموم أيضاً، وإنْ فعلها عادةً ولعباً، وإرضاءً لعياله، وجبراً لأطفاله فهذا محل نظر، وإنما الأعمال بالنيَّات، والجاهل يُعذر ويبين له برفق، والله أعلم.
وكتبت هذه النسخة من خط مُؤلِّفها الحافظ الذهبي وقوبلت على خطِّه.
---
(1) سورة آل عمران: آية 31.
(2) سورة الأنعام: آية 153.
(3) سيأتي تخريجه ص 95.
(4) وانظر: ص 81 لمزيد الإيضاح عن اسم الكتاب.
(5) وهي في الأصل أطروحة دكتوراه في التاريخ الإسلامي، ظهرت أولى طبعاتها سنة 1976م.
(6) نسبة إلى "ميافارقين"مدينة من أشهر مدن ديار بكر. انظر عنها: معجم البلدان للحموي: 4/703.
(7) الذهبي: المعجم المختص بالمحدثين: ص97، بتحقيق: محمد الحبيب الهيلة, نشر مكتبة الصحابة بالطائف سنة 1408هـ.(37/269)
(1) الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام ص 79, ط: الحلبي 1976م.
(2) رونق الألفاظ: (2/ 35/ آ) مخطوط. عن قاسم علي سعيد صفحات في ترجمة الحافظ الذهبي.
(3) انظر: المعجم المختص. ص 97، ومعجم الشيوخ الكبير: 1/12 بتحقيق: محمد الحبيب الهيلة، نشر مكتبة الصحابة بالطائف سنة 1408 هـ.
(4) انظر: السبكي. طبقات الشافعية الكبرى: 9/ 102، بتحقيق: محمود الطناحي، وعبد الفتاح الحلو، ط: الأولى 1383 هـ.
(5) الذهبي: المعجم المختص: ص 97
(6) المصدر السابق. ص 97.
(7) نكت الهميان: ص 242، ط: المطبعة الجمالية بمصر، سنة 1329 هـ.
(8) ابن فهد: لحظ الألحاظ ذيل تذكرة الحفاظ: ص 348.
(9) الذهبي: معجم الشيوخ:2/218.
(10) انظر: معجم الشيوخ 2/58.
(11) الذهبي: المعجم المختص: ص 97.
(12) الصفدي: نكت الهميان: ص 242.
(13) راجع عن هذه المدارس ومشيخة الذهبي لها: الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام: ص 133. ومقدمة د. بشار لسير أعلام النبلاء: 1/41.
(14) نكت الهميان: ص 241.
(15) الرد الوافر: ص65، بتحقيق: زهير الشاويش، ط: الأولى 1400هـ، نشر: المكتب الإسلامي.
(16) طبقات الحفاظ: ص 522، ط: الأولى 1403 هـ، نشر: دار الكتب العلمية.
(17) المعجم المختص. ص 97.
(18) الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام ص 139.
(19) المصدر السابق ص 140.
(20) صفحات في ترجمة الحافظ الذهبي: ص 31.
(21) المشتبه في الرجال:1/290, بتحقيق علي محمد البجاوي، ط الأولى 1962.
(22) الرقم بين الحاصرتين المعقوفتين يشير إلى رقم الكتاب في كتاب د. بشار "الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام".
(23) بتصحيح: عبد الرحمن محمد عثمان ط المكتبة السلفية بالمدينة.
(24) بتحقيق. عبد القادر بن محمد عطا صوفي.
(25) مطبوع، تقدم.(37/270)
(1) طبع، بتحقيق: جاسم سليمان الدوسري، نشرته الدار السلفية في الكويت سنة 1408 هـ. وله طبعة أخرى بتحقيق: عبد القادر محمد عطا، نشرته مكتبة العلوم والحكم سنة 1413 هـ.
(2) وهو مطبوع كما تقدم.
(3) انظر: الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام: ص 240.
(4) انظر: د. أحمد عطية الغامدي: البيهقي وموقفه من الإِلهيات: ص (78) . وقد سجل الكتاب أطروحة جامعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
(5) وهو مطبوع.
(6) تشبه الخسيس بأهل الخميس. ص 39.
(7) المصدر السابق ص 50.
(8) المصدر نفسه ص 46.
(9) المصدر نفسه ص 46.
(10) المصدر نفسه ص 45.
(11) التمسك بالسنن ص 130.
(12) الأربعين في صفات رب العالمين، بتحقيق: عبد القادر عطا ص 95.
(13) الصفدي، نكت الهميان: ص 242.
(14) ذيل تذكرة الحفاظ: ص 36.
(15) ص 93.
(16) ص 100.
(17) ص 118.
(18) المنهل الصافي: ق 70.
(19) رونق الألفاظ: ق 180.
(20) شذرات الذهب: 6/ 156. وراجع: الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام ص 212.
(21) انظر مثلا: الأربعين في صفات رب العالمين، تحقيق: عبد القادر عطا ص 164.
(22) انظر: تشبه الخسيس بأهل الخميس ص 30.
(23) انظر: المصدر السابق: ص 28، 39،50.
(24) وهذا كثير. انظر مثلا: المعجم المختص ص 261 ترجمة رقم (332) .
(25) انظر: ص 109.
(26) انظر: ص 122.
(27) انظر: ص 126.
(28) العناوين بين قوسين مربعين من وضع المحقق وليست من النص.
(29) سورة الشورى، آية: 21.
(30) سورة الأنعام، آية: 153.
(31) سورة القصص، آية:50.
(32) ما بين المعوقتين ليس في الأصل زيدت لاقتضاء السياق.
(33) هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله، المعروف بالصادق، صدوق، فقيه، إمام، مات سنة 148. ابن حجر: القريب 1/132.(37/271)
(1) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو جعفر الباقر، ثقة، فاضل، مات سنة بضع عشرة ومئة. المصدر نفسه 2/192.
(2) هو جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري، ثم السلمي، صحابي ابن صحابي، مات بالمدينة بعد السبعين، وهو ابن 94سنة. ابن حجر: الإصابة 2/45 والتقريب 1/122.
(3) م: كتاب الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة 2/592ح867 بلفظ: (فإن خير الحديث كتاب الله ... ) .
البيهقي: السنن، كتاب الجمعة، باب: كيف يستحب أن تكون الخطبة 3/ 214.
جه: المقدمة، باب: اجتناب البدع والجدل 1/17، ح 45 ولفظه: (فإن حير الأمور كتاب الله ... ) .
(4) هو: عبد الله بن المبارك المروزي، مولى بني حنظلة، ثقة، ثبت، فقيه، عالم، جواد، مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، مات سنة 181،وله 63سنة. ابن حجر: التقريب1/445.
(5) هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله، الكوفي، ثقة، حافظ، فقيه عابد، إمام حجة، وكان ربما دلّس، مات سنة 161وله 64سنة. المصدر نفسه:1/311.
(6) كتاب صلاة العيدين، باب: كيف الخطية 3/188 وفيه بعد: (وكل محدثة بدعة) (وكل بدعة ضلالة) . وقال الألباني: صحيح. صحيح سنن النسائي:1/346 ح1487.
(7) هو: عرباض بن سارية السلمي، أبو نجيح، صحابي مشهور، من أهل الصفة، نزل حمص، ومات بعد السبعين. ابن حجر: الإصابة 6/410، والتقريب 2/17.
(8) ت: كتاب العلم، باب: ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع: 5/ 44ح 2676 وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
د: كتاب السنة، باب: لزوم السنة: 5/13 ح 4617.
حم: 4/126.
جه: المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين: 1/ 15 ح 42.
دي: المقدمة، باب اتباع السنة: 1/44.
وأخرجه ابن أبي عاصم في: السنة: 1/18-19، 29. وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
(9) غضَيف بن الحارث السَّكُوني، ويقال: الثُمالي، يكنى أبا أسماء، مختلف في صحبته، مات سنة بضع وستين. ابن حجر: التقريب 2/ 105.(37/272)
(1) حم: 4/ 105, ابن بطة: الإبانة: 1/ 176 ح10 وقال محققه: الحديث ضعيف. اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة: 1/ 90 ح 121، وقال محققه: سنده ضعيف، فيه: أبو بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف. المروزي: السنة: ص27.
والحديث مداره على "أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم "قال فيه الحافظ في التقريب: 2/398 "ضعيف ". وقال الهيثمي: "منكر الحديث "مجمع الزوائد: ا/ 188.
وقال الألباني: في حاشيته على المشكاة "ضعيف ".
وقول الحافظ ابن حجر في الفتح 13/253، عن سند أحمد: "إنه جيّد"- مع أن فيه أبا بكر بن عبد الله بن أبي مريم وقد ضعفه هو في التقريب كما تقدم - عجيب.
(2) أخرجه: اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة، من قول ابن عمر رضي الله عنهما 1/92 ح126.
والمروزي: السنة: ص 24.
(3) ليست في الأصل زدتها لاقتضاء السياق، واللفظة مأخوذة من قول المؤلف عند تفصيله القول في ذلك حيث قال: "كما أن السنة المحبوبة ... "ص97.
(4) وهو أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري، له تصانيف كثيرة، منها: كتاب: "الشريعة"و"الرؤية"وغيرهما، توفي بمكة سنة360هـ.
(5) طبع بتحقيق الشيخ: محمد حامد الفقي.
(6) هو أبو عبد الله، سلمان الفارسي، ويقال: سلمان الخير، أصله من رام هرمز، وقيل: من أصبهان، أول مشاهده الخندق، مات سنة 34 ويقال: بلغ ثلاثمائة سنة. ابن حجر: الإصابة 4/223.
(7) ت: كتاب اللباس، باب: ما جاء في لبس الفراء: 4/220ح1726، وقال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلاّ من هذا الوجه"، قال: وروى سفيان وغيره عن سليمان التميمي عن أبي عثمان عن سلمان قوله: "وكأن الحديث الموقوف أصح، وسألت البخاري عن هذا الحديث فقال: ما أراه محفوظا".
وأخرجه الحاكم: المستدرك 4/115 وقال: "هذا حديث مفسر في الباب، وسيف بن هارون -راوي الحديث عن سليمان التميمي- لم يخرجاه"، وقال الذهبي: "ضعفه جماعة".
البيهقي: السنن 10/12.(37/273)
(1) في الأصل (أبي نغيله) وهو تصحيف، وهو أبو ثعلبة الخشني.
(2) الحاكم المستدرك 4/115، وسكت عليه الذهبي.
البيهقي: السنن 10/12 موقوفاً على أبي ثعلبة الخشني، قال البيهقي: "وأنبأنيه شيخنا أبو عبد الله الحاكم في المستدرك، وأشار إلى رفعه الدارقطني / السنن، كتاب الرضاع: 4/183-184ح42. وحسنه ابن رجب في: جامع العلوم والحكم2/150.
(3) في الأصل (فمن أخذ) وما أثبت يقتضيه السياق.
(4) كذا، ويحتمل رسمها أن تكون (بعض) على أنه لا معنى لها حينئذ فتكون زائدة.
(5) في الأصل (لأن) .
(6) كذا في الأصل بالظا، ويحتمل أن تكون بالطا.
(7) خ: كتاب التراويح، باب قيام رمضان: 3/ 250 ح 2010.
ط: كتاب الصلاة، باب قيام رمضان: 1/ 114 ح 3.
(8) هو: الحسن بن أبي الحسن، واسم أبي الحسن "يسار"البصري، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه، وتوفي سنة 110 هـ. ابن سعد: الطبقات الكبرى 7/156-178.
(9) ذكره ابن الجوزي في"تلبيس إبليس"ص 117.
والسيوطي في الأمر بالإتباع: ص91ح85 ط 1409هـ بتحقيق: د. ذيب القحطاني.
(10) الإمام محمد بن إدريس الشافعي، أبو عبد الله، (150-204 هـ) انظر عنه: ابن أبي حاتم: "آداب الشافعي ومناقبه "، والبيهقي: "مناقب الشافعي ".
(11) أخرجه أبو نعيم: في الحلية 9/113، عن حرملة بن يحيى عن الشافعي.
. وأخرج البيهقي: في مناقب الشافعي 1/468-469، من طريق الربيع بن سليمان عن الإمام الشافعي كلاماً نحو هذا.
. وانظرْ الباعث على إنكار البدع والحوادث، لأبى شامة: ص 93-94.
. وجامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2/ 131.
وفتح الباري: 13/253.
قال ابن رجب: "ومراد الشافعي رحمه الله: ما ذكرناه من قبل أن البدعة المذمومة ما ليس لها أصل من الشريعة يرجع إليه، وهي البدعة في إطلاق الشرع.(37/274)
وأما البدعة المحمودة: فما وافق السنة، يعني: ما كان لها أصل من السنة يرجع إليه، وإنما هي بدعة لغة لا شرعاً؛ لموافقتها السنة) . جامع العلوم والحكم: 2/131.
(1) م: كتاب الزكاة، باب. الحث على الصدقة 1/705 ح 1017، وكتاب العلم، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة /2059 ح 1017 من حديث جرير في الموضعين.
(2) ويحتمل الرسم أن تكون بالباء.
(3) في الأصل (قالوا) وما أثبته يقتضيه السياق.
(4) الخوارج: كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت عليه الجماعة يسمى خارجيا سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كل زمان. وهم فرق.
وأهم بدعهم التي فارقوا بها جماعة المسلمين: القول بالخروج على الإمام الجائر، وتكفير أميري المؤمنين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، والقول بتكفير مرتكب الكبيرة وتخليده في النار.
انظر عن هذه الفرقة: الأشعري: المقالات1/167-168.
والبغدادي: الفرق بين الفرق 72.
والشهرستاني: الملل والنحل1/114.
(5) وهو: ذو الخويصرة التميمي.
(6) كما ورد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عه: "بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو يقسم قسماً - إذ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من تميم, فقال: يا رسول الله: اعدل، فقال: "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن اعدل ... "الحديث.
أخرجه: خ: مناقب، باب: علامات النبوة 6/617ح3610.
(7) راجع عن بدعتهم هذه: البغدادي: أصول الدين ص 19، والفرق بين الفرق:84. والشهرستاني: الملل والنحل 1/121.وشيخ الإسلام ابن تيمية: الفرقان بين الحق والباطل ضمن مجموعة الرسائل الكبرى1/156. والسكسكي: البرهان ص21. وخادم حسين إلهي بخش: القرآنيون: 82-87.
(8) ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: 13/63.(37/275)
(1) الحديث أحرجه: خ: كتاب الجنائز، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه": 3/151ح1286 من حديث ابن عمر رصي الله عنهما، ومن حديث عمر برقم 1287.
وردَّته عائشة رضي الله عنها في قولها: "رحم الله عمر، والله ما حَدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه" وقالت: "حسبكم القرآن: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (الأنعام: الآية164) "خ برقم 1288.
وفي رواية أخرى قالتَْ: "إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودية يبكي عليها أهلها، فقال: "إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها"خ: رقم 1288.
وفي رواية أخرىَ قالت: "وهل- أيَ: غلِطَ- تعني ابن عمر، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليعذب بخطيئته وذنبه وإن أهله ليبكون عليه" خ: المغازى، باب: قتل أبي جهل: 71/301 ح 3978.
(2) الحديث أحرجه: خ: المغازى، باب قتل أبي جهل: 7/ 300 ح 3976، من حديث أبي طلحة رضي الله عنه.
وقد ردَته عائشة رصي الله عنها وقالت: "ما قال- أي- النبي صلى الله عليه وسلم-: إنهم ليسمعون ما أقول، إنما قال: "إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقوله لهم حق، ثم قرأت: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} (النمل: الآية:80) , {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور} (فاطر: الآية:22) خ: 7/301ح3979-3980 وراجع كلام ابن حجر في الفتح7/303-304.
(3) في الأصل: بياض.
(4) أخرجه: د: كتاب النكاح، باب: فيمن تزوج ولم يسم صداقا حتى مات: 2/588ح2114.ونحوه: ح2116.
جه: النكاح، باب الرجل يتزوج المرأة ولا يفرض لها فيموت على ذلك 609 ح 1891.
دي: النكاح، باب الرجل يتزوج المرأة فيموت قبل أن يفرض لها: 2/155.
(5) أخرجه: م: كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها: 2/ 1114 ح 1480.(37/276)
وقد ردَّه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: "لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندرس لعلها حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة، قال الله عز وجل: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا َّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (الطلاق: الآية1) } م: 2/1119.
(1) وذلك بعد موقعة "صفين سنة 37 هـ"وتقدم التعريف بالخوارج وذكر أهم بدعهم. انظر ص (101) .
(2) حيت ظهر في خلافة علي رضي الله عنه، رأس الرفض ومؤصله، عبد الله بن سبأ وهو يهودي أظهر الإسلام، ثم أظهر محبة علي رضي الله عنه، وغلا فيه غلواً شديداً، وأظهر الطعن في الصحابة وخاصة في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ورفض إمامتهما، وادعى الوصية بالإمامة لعلي رضي الله عنه دونهما، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على إمامته بعده.
فكل من أبغض أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، أو واحدا منهم، وأنكر إمامته وتقدمه وفضله، فهو رافضي، وسمي الرافضة بذلك لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر.
انظر: الأشعري، المقالات: 1/ 89, والسجزي، الرد على من أنكر الحرف والصوت: ص217.
وانظر عن ابن سبأ ومقالته وأخباره، فرق الشيعة، للنوبختي ص19 بتصحيح: ريتر. ورجال الكشي: ص70. والمقالات للقمي: ص20. وكلها من كتب الرافضة، تثبت حقيقة ابن سبأ ودوره في الغلو في علي رضي الله عنه، وفي ذلك رد على من ينكر وجوده منهم.
وانظر: أيضا كتاب الزينة لأبي حاتم الرازي، الإسماعيلي: ص305 ضمن كتاب"الغلو والفرق الغالية"للسامرائي، نشر: دار واسط.
وللمزيد راجع كتاب: (عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام) لسليمان بن حمد العودة.
(3) أول من أظهر بدعة القدر، سوسن، ويقال له سنسويه، رجل من أهل العراق كان نصرانيا ثم أظهر الإسلام، ثم تنصر، وأخذ عنه هذه المقولة، معبد الجهني الذي قتله الحجاج سنة 80هـ، وعنه أخذ غيلان الدمشقي.(37/277)
ثم تزعم المعتزلة القول بنفي القدر بعد ذلك فسموا بالقدرية لأجل ذلك.
راجع: ابن حجر: تهذيب التهذيب 10/225-226 في ترجمة معبد الجهني.
وانظر عن القدرية: الأشعري: المقالات1/298. والبغدادي: الفرق بين الفرق114.والشهرستاني: الملل والنحل1/45,43.
(1) أول من قال هذه المقالة: الجهم بن صفوان السمرقندي، قال الذهبي: "هلك في زمان التابعين"، وذكر أنه زرع شرا عظيما، وذكر ابن كثير أنه قتل سنة 128 هـ. انظر: ميزان الاعتدال:1/426, والبداية والنهاية:10/27.
(2) في الأصل (التحار) وهو تحريف.
(3) الجهمية: اتباع الجهم بن صفوان المذكور.
انظر في شأن هذه الفرقة: الأشعري: المقالات:1/338, والبغدادي: الفرق بين الفرق211, والشهرستاني: الملل والنحل:1/86.
(4) هو الخليفة العباسي، عبد الله المأمون بن هارون الرشيد، ولد سنة170 هـ، وولي الخلافة بعد أخيه الأمين سنة 198هـ إلى وفاته سنة 218هـ. انظر: ابن كثير: البداية والنهاية:10/287.
(5) الخرمية: أتباع: (بابك الخرَّمي) الذي ظهر في زمن المأمون سنة 201هـ، في جبل البدين، بناحبة أذربيجان، وكثر أتباعه بها، واستباحوا المحرمات، وقتلوا كثيراً من المسلمين.
جهز إليهم خلفاء بني العباس جيوشا كثيرة إلى أن أخذ بابك وأخوه إسحاق وصلبا بسر من رأى أيام المعتصم سنة 223هـ. راجع: ابن كثير: البداية والنهاية:10/259-296-297. وعن بدع هذه الطائفة: انظر: البغدادي: الفرق بين الفرق: 266-268، والإسفرائيني: التبصير في الدين 135.
(6) القرامطة، نسبة إلى: حمدان فرمط، أحد دعاة الباطنية، ومن بدعهم: القول بإبطال الفرائض من صلاة وحج وغير ذلك، وإباحة المحرمات. ...
انظر عن هذه الفرقة: البغدادي: الفرق بين الفرق: 282. وبيان مذاهب الباطنية وبطلانه من كتاب عقائد آل محمد: ص22. والموسوعة الميسرة: 395.
(7) في الأصل بياض. اجتهدت في إثبات الجملة المناسبة للسياق.(37/278)
(1) الواو ساقطة من الأصل، والسياق يقتضي إثباتها.
(2) سورة البقرة، آية: 117.
(3) الأصل: (كم) والسياق يقتضي ما أثبت.
(4) م: كتاب العلم، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة 4/ 2060 ح 674، من حديث أبي هريرة رصي الله عنه، وتمامه: ".. لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً".
(5) تقدّم، انظر: ص (99) .
(6) سورة البقرة، آية: 148.
(7) الخليفة الأموي المشهور بالعدل والسيرة المرضية، ولد سنة 61هـ، وتولى الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك، سنة 99هـ، وتوفي مأسوفا عليه سنة 102هـ بدير سمعان. انظر: ابن كثير: البداية والنهاية 9/192-200-227.
(8) أي وردها إلى بيت مال المسلمين. انظر المصدر السابق: 9/208-216.
(9) هو: الحجاج بن يوسف الثقفي (39، 40، 41 - 95) أحد عمال وولاة بني أمية، قال عنه الإمام الذهبيِ: "كان ظلوماً جبارا ناصبياً خبيثاً، سفاكاً للدماء. . وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله". سير أعلام النبلاء 4/343.
وانظر أيضا: ابن كثير: البداية والنهاية 9/139، وابن نباتة: سرح العيون 170-186.
(10) هو الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (164-241هـ) راجع: ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة1/4، وابن الجوزي: مناقب الإمام أحمد.
(11) هو: أبو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز النهاوندي، (220-298هـ) كان شيخ الصوفية في وقته، وكان يقول: "علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث، ولم يتفقه لا يقتدى به". وهذا منهج ابتعد عنه متأخروا الصوفية فلحقهم الذم بسبب ذلك وغيره. انظر ترجمته لدى أبي نعيم: الحلية10/255، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 7/241، وابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة1/127، والذهبي: السير14/66.
(12) د: كتاب الملاحم، باب: ما يذكر في قرن المائة: 4/480ح4291.(37/279)
الحاكم: المستدرك4/522، وسكت عليه الحاكم والذهبي، وذكر المناوي أن الحاكم صححه ولعله سقط من النسخة المطبوعة للمستدرك، قال الشيخ الألباني: "والسند صحيح ورجاله ثقات، رجال مسلم".
الداني: الفتن ص700-701، وقال محققه: "وقد صرح بصحته عدد من أئمة الشأن"- وذكر ممن صححه -: السيوطي، والعراقي، وابن حجر، والحاكم، والبيهقي، والسخاوي.
(1) هو: الجعد بن درهم، أول من ابتدع القول بأن الله لم يكلم موسى تكليما, ولم يتخذ إبراهيم خليلا، وقال بخلق القرآن، كان معلما لآخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد، فنسب إليه وقيل له مروان الجعدي.
قتله خالد بن عبد الله القسري يوم عيد الأضحى لمقالته في كلام الله، سنة 124هـ. انظر: الذهبي: ميزان الاعتدال 1/399، وابن كثير: البداية والنهاية 9/364، وابن نباتة: سرح العيون 393-394.
(2) هو: غيلان بن مسلم الدمشقي، أبو مروان، قال ابن قتيبة: "كان قبطبا قدريا، لم يتكلم أحد في القدر قبله، ودعا إليه إلا معبد الجهني"، - قلت: "وقبلهما سوسن أو سنسويه كما تقدم ص (104) أخذه هشام بن عبد الملك فصلبه بباب دمشق"المعارف: 484، وانظر: الذهبي: الميزان 3/338.
(3) تقدم ص (104) حاشية رقم (4) .
(4) تقدم ص (106) .
(5) تقدم ص (99) .
(6) وهو: أبو بكر أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري (86-131 هـ) ، أحد الأعلام، قال فيه حماد بن زيد: "هو أفضل من جالست، وأشدهم اتباعاً للسنة". الذهبي: التذكرة 1/130، والسير 6/15، وابن سعد: الطبقات 7/246.
(7) وهو: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (88-157هـ) ، كان ثقة مأمونا، صدوقاً فاضلاً خيراً، كثير الحديث والعلم والفقه، حجة. ابن سعد: الطبقات 7/488.
(8) تقدم، انظر: ص 99.(37/280)
(1) هو الصحابي الجليل زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري، كان من علماء الصحابة، وكتّاب الوحي، وهو الذي جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنهما. مات سنة 45هـ في قول الأكثرين. ابن حجر: الإصابة 2/41.
(2) تقدم، انظر: ص (94) .
(3) سورة المائدة آية: 3.
(4) عبد الرزاق: المصنف11/125ح20100، من حديث معمر عن عمران عن صاحب له.
الشافعي: الرسالة ص 87 رقم 289، وجماع العلم ص 119 رقم 514. وقال محققه الشيخ أحمد شاكر: "وهو حديث صحيح فيما أرجّح".
(5) أبو خيثمةْ: كتاب العلم ص 122رقم 54، وتمامه: " ... وكل بدعة ضلالة".وقال محققه الشيخ الألباني: "هذا إسناد صحيح".
دي: المقدمة، باب في كراهية أخذ الرأي: 1/69.
ابن وضّاح: البدع والنهي عنها ص 10.
المروزي: السنة ص 28، رقم 78، وقال محققه: "إسناده صحيح".
ابن بطة: الإبانة 1/327 رقم 174-175.
اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/86، رقم104.
الطبراني: المعجم الكبير، قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح". مجمع الزوائد:1/181.
(6) وهو: سيد التابعين في زمانه أبو عمر أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني، أسلم زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن منعه من القدوم عليه برّه بأمه.
ترجم له ابن حجر في الإصابة: 1/187رقم 497، شهد صفين مع علي وقاتل حتى قُتل، وانظر ترجمته أيضا لدى الذهبي في السير: 4/19، وابن سعد: الطبقات 6/161، وأبي نعيم: الحلية 2/79.
(7) وهو: هَرِمُ بن حيَّان العَبْدي، ويقال: الأزدي البصري، أحد العابدين، قَدِمَ دمشق في طلب أويس القرني، ترجم له ابن حجر في الإصابة: 10/240رقم 8947، وهو فيه "ابن حبَّان"بالباء. وانظر ترجمته أيضا لدى: الذهبي: السير 4/48، وابن سعد: الطبقات 7/131، وأبي نعيم: الحلية 2/119.
(8) لم أقف عليه.(37/281)
(1) كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان: 1/69ح80 وفيه زيادة: "ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن" قبل قوله: "ليس وراء ذلك. . .".
حم: 1/458-461، إلى قوله:"ويفعلون ما لا يؤمرون".
(2) خُلُوفُ: جمع خَلْف بتسكين اللام، وهو كل من يجيء بعد من مضى، إلا أنه بالتسكين في الشَّرِ، ويأتي بتحريك اللام في الخير.
انظر: ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث: 2/65-66.
(3) في الأصل (فهو من) .
(4) كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردودْ: 5/ 301 ح2697 من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ " وعلقه بلفظ المؤلف في كتاب: الاعتصام بالسنة، باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم: 13/317.
وأخرجه مسلم: في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور:3/1343ح 1718 من حديث عائشة رضي الله عنها.
(5) وقد قاتل الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه طوائف المرتدين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقال كلمته المشهورة في ذلك: "والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة ... " خ: كتاب استتابة المرتدين، باب قتل من أبى قبول الفرائض، 12/275ح 6925.
(6) جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم ... "، خ: كتاب المناقب، باب علامات الساعة، 6/ 604 ح3590.
(7) أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما في حديث أبيِ هريرة رضي الله عنه: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه دلف الأنوف كأن وجوههم المجّان المطرقة" خ: كتاب المناقب، باب: علامات النبوة 6/ 604ح 3587.(37/282)
(1) أي يأجوج ومأجوج، وهم قوم من ولد آدم يخرجون آخر الزمان، في زمنِ عيسى عليه السلام، كما جاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه: "إذ أوحى الله إلى عيسى أَنى قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم فَحرِّز عبادي إلى الطور، ويبعث الله ياجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون.. فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة.." م: كتاب أشراط الساعة، باب ذكر الدجال 18/68-69بشرح النووي.
(2) كما جاء في حديث علي رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة". خ: كتاب استتابة المرتدين، باب قتل الخوارج والملحدين 12/283ح6930 وقد قاتلهم علي رضي الله عنه.
(3) في قوله صلى الله عليه وسلم: "اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حملتم". م: كتاب الإمارة، باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق 3/1474ح1486.
(4) أي على أهل الذمّة، وشروط عمر رضي الله عنه, مشهورة بالشروط العمرية. شرحها العلامة ابن القيم في كتاب: أحكام أهل الذمة 2/657 وما بعدها.
(5) أخرج قصة إجلائهم وسبب ذلك الإمام البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في كتاب الشروط، باب: إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك: 5/327ح2730.
(6) كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلاً فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد. . .". م: كتاب الإيمان، باب نزول عيسى عليه السلام حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 1/135ح242.(37/283)
(1) لأن عيسى عليه السلام إذا نزل إنما يحكم بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، ووضعه الجزية - وهو عدم قبوله لها, إذ لا يقبل من الناس إلا الإسلام- لأن مشروعية قبولها مقيدة بنزول عيسى عليه السلام، كما دلّ عليه الخبر المتقدم، وليس عيسى عليه السلام بناسخ لحكم الجزية بل نبينا صلى الله عليه وسلم هو المبين للنسخ بقوله هذا. راجع النووي: شرح مسلم 2/1900.
وهو إذا نزل عليه السلام يكون تابعا لنبينا صلى الله عليه وسلم وعلى ملته، لذا يصلي خلف المهدي ولا يتقدم للإمامة كما في حديث جابر: "فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم: "تعال صل لنا"فيقول: "إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة". م: إيمان، باب نزول عيسى 2/193، بشرح النووي.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) م: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال: 4/2252ح2137، من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه.
(4) خ: كتاب الفتن، باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم: 13/29ح7081-7082من حديث أبي هريرة، وفي كتاب المناقب، باب علامات النبوة: 6/612ح3601.
م: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب نزول الفتن: 4/2212ح2887من حديث أبي بكرة.
(5) ت: كتاب الفتن، باب ما جاء في اتخاذ سيف من خشب في الفتنة: 4/90ح2203 من حديث أهْبان بن صيفي الغفاري رضي الله عنه.
حم: 5/69.
(6) د: كتاب الحمّام، باب (1) : 4/301ح4011 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وح2009 من حديث عائشة رضي الله عنها في الإذن للرجال في الميازر وليس فيها ذكر النساء.
جه: كتاب الأدب، باب دخول الحمام: 2/1233ح 3748 من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وح3749 في الترخيص للرجال في الميازر دون النساء.
(7) الجملة في الأصل غير واضحة اجتهدت في قراءتها على ما أثبت.
(8) في الأصل بالراء، ولعلها "والزّيّ "بالمعجمة كما أثبتُّ.
(9) سورة المائدة، آية: 87.(37/284)
(1) سورة الجاثية، آية: 13.
(2) خ: كتاب الأطعمة، باب الشواء: 9/542ح 5400، من حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه. وباب الأقط: 9/ 544ح 5402 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وفي كتاب الذبائح والصيد، باب الضب: 9/662 ح 5536، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وح5537 من حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه.
م: كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب: 3/1543ح1945 و1946 من حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه.
(3) انظر: خ: كتاب الأطعمة، باب الحلوى والعسل: 9/557 ح 5431.
(4) انظر: ت: كتاب الأشربة، باب ما جاء في أيّ الشراب كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: 4/307ح1895.
حم: 6/38-40.
(5) انظر: خ: كتاب الأطعمة، باب النهش وانتشال اللحم: 9/545 ح 5404 - 5405.
(6) انظر: خ: كتاب الذبائح والصيد، باب لحم الدجاج: 9/ 645 ح 5517.
(7) انظر: خ: كتاب الأطعمة، باب القثاء بالرطب: 9/ 564 ح 5440.
(8) انظر: خ: كتاب اللباس، باب لبس القميص: 10/ 266ح 5796.
ت: كتاب اللباس، باب ما جاء لبس القميص: 4/237ح 1762 وح1763 و1746 و 1766.
جه: كتاب اللباس، باب لبس القميص: 2/1183ح3575.
(9) ت: كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس العمامة السوداء: 4/225ح1735 وقال الترمذي: "حديث جابر حسن صحيح".
جه: كتاب اللباس، باب إرخاء العمامة بين الكتفين: 2/1186ح3587.
(10) انظر: خ: كتاب اللباس، باب من لبس جُبَّة ضيِّقة الكمين في السفر:10/268ح5798.
(11) فكان له صلى الله عليه وسلم فرس يقال (اللُّحَيف) بالمهملة وقيل بالخاء المعجمة.
خ: جهاد، باب اسم الفرس والحمارِ: 6/58ح2855.
(12) انظر: خ: كتاب اللباس، باب إرداف المرأة خلف الرجل ذا محرم: 10/398ح 5968.
(13) انظر: خ:كتاب اللباس، باب الارتداف على الدابة: 10/395ح 5964.
(14) انظر: م: كتاب الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه: 4/2199ح2867.(37/285)
(1) كما ورد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:"ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما ... ". خ: كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم: 6/566ح3560.
(2) سورة الطلاق، آية: 7.
(3) سورة الأعراف، آية: 31.
(4) انظر: خ:كتاب الطب، باب السعوط: 10/147ح5691، وباب أيّ ساعة يحتجم: 10/149ح5694، وباب الحجم في السفر والإحرام: 10/150ح5695.
(5) اختطها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بأمر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 17هـ. انظر: البلاذري: فتوح البلدان: 274.
(6) مَصَّرَها الخليفة الراشد عمر الفاروق رضي الله عنه سنة 14هـ. انظر: المصدر السابق ص 341.
(7) وأول ما أحدثت في زمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، ولم تكن قبل ذلك، كما ذكر السيوطي في الوسائل في مسامرة الأوائل ص 15 فقرة 72.
(8) أول من وضع الدواوين، أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. انظر: ابن الجوزي: تاريخ عمر:121.
(9) وأول من اتخذ ذلك عمر أيضا رضي الله عنه، قال قتادة: "آخر مال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة ألف درهم من البحرين، فما قام حتى أمضاه، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم بيت مال، ولا لأبي بكر، وأول من اتخذ بيت المال عمر بن الخطاب". انظر: المصدر السابق 119.
(10) ليست في الأصل والسياق يقتضي إثباتها.
(11) سورة غافرِ، آية: 4.
(12) سورة آل عمران، آية: 66.
(13) د. كتاب الأقضية، باب في القاضي يخطئ: 4/5ح 3573 من حديث ابن بريدة عن أبيه.
جه: كتاب الأحكام، باب الحاكم يجتهد: 2/776ح 2315، من حديث ابن بريدة عن أبيه.
ت: كتاب الأحكام، باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القاضي: 3/613ح 1322، باختلاف في لفظه.
وصححه الشيخ محمد ناصرِ الدين الألباني في إرواء الغليل: 8/235ح 2614.
(14) كذا في الأصل وهو تكرار.(37/286)
(1) في الأصل (وقعه) .
(2) والأصل (مما) وما أتبت يقتضيه السياق.
(3) سورة النساء، آية: 69.
(4) سورة النور، آية: 54.
(5) وقد استدل بذلك الإمام أحمد رحمه الله وغيره من فقهاء الحديث، فلم يوجبوا في الخضروات زكاة، لما في الترك من عمل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه. راجع: المغني: 4/158.
والحديث الذي رواه الترمذي في كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الخضروات 3/30 ح 638: أن معاذ رضي الله عنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضروات فقال: "ليس فيها شيء"قال عنه الترمذي: "ليس بصحيح، وليس يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء.. والعمل على هذا عند أهل العلم أن ليس في الخضروات صدقة"استدلالاً بتركه صلى الله عليه وسلم الزكاة فيها.
(6) في الأصل (الدفن) وهو تصحيف، والزفْنُ: اللعب والدفع والرقص. انظر: ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث: 2/305.
(7) انظر: م: كتاب العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد: 2/609 ح 18-21.
(8) انظر: خ: كتاب العيدين، باب المشي والركوب إلى العيدين بغير أذان ولا إقامة: 2/451 ح959-960.
م: كتاب العيدين، 2/604 ح886-887.
(9) في الأصل (إذ) وهو تصحيف.
(10) في الأصل (لعرض) وهو تصحيف.
(11) ذكر ابن الجوزي عن أبي هريرة رصي الله عنه أن عمر فرض للمهاجرين في خمسة آلاف، وللأنصار في أربعة آلاف، وفرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أثنى عشر ألفا. انظر: تاريخ عمر: 121.
(12) تقدم قول عمر في جمع الناس عليها: "نعمت البدعة".
(13) حيث جمعهم الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه على مصحف واحد وأمر بتحريق ما سواه.
انظر: المصاحف لابن أبي داود. ص 26-27.
(14) في الأصل رسمها أقرب إلى (الرا) بدال الدال.
(15) في الأصل (فليت) وَما أثبت يناسب السياق.
(16) في الأصل: بالتاء.
(17) كذا في الأصل.(37/287)
(1) في الأصل (مسمَّاه) وهو تحريف بيّن.
(2) كذا.
(3) كتبَت الكلمة بدون نقط، فتقرأ (شائع) وتقرأ (سائغ) .
(4) سورة الأعراف، آية: 157 وتمامها: {الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف: الآية: 157) .
(5) في الأصل (كالمعروف) .
(6) في الأصل (ولا) .
(7) سورة المائدة, آية: 100.
(8) ت: كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس الفراء: 4/ 220 ح 1726 من حديث سلمان رضي الله عنه، وقال
الترمذي فيه: "وهذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه".
جه: كتاب الأطعمة، باب أكل الجبن والسمن: 2/1117 ح 3367 من حديث سلمان بزيادة: (في كتابه) في الموضعين.
وضعفه الشيخ الألباني، فقال: "وخلاصة القول: أن الراجح في هذا الحديث أنه موقوف كما جزم به أمير المؤمنين في الحديث (البخاري) ، ولم نجد له طريقاً أخرى قوية نرجح بها المرفوع".. وأشار إلى أن في حديث "ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو ... " الذي رواه الحاكم وصححه 2/ 375 وحسنه الألباني في غاية المرام 14/5 ح 2- 3 غُنية عن الموقوف إذ هو في معناه.(37/288)
(1) قال عز وجل: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الأنفال:69) , وقال صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر ... وأحلت لي الغنائم". أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" 3/533ح438 من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(2) قال تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} (المائدة: من الآية1) .
وقال تعالى: {وَمِنَ الأِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْن} - إلى قوله- {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِه} (الأنعام: 144-145) .
(3) أخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب، وأتعرَّقُ العَرَق وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ". كتاب الحيض، باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد:1/245ح300.
وأخرج الترمذي عن عبد الله بن سعد قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مؤاكلة الحائض؟، فقال:"واكلها". كتاب الطهارة، باب ما جاء في مواكلة الحائض وسؤرها: 1/240ح133.
قال ابن كثير: "ويحل مضاجعتها ومؤاكلتها بلا خلاف". تفسير القرآن العظيم: 1/379.(37/289)
وقد كان اليهود لا يواكلونهن، أخرج مسلم عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (البقرة: الآية:222) آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيء إلاّ النكاح" 1/246ح302كتاب الحيض.
(1) وقد كان محرماً على اليهود العمل في يوم الست، وقد مسخ الله جماعة منهم عملوا فيه قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (البقرة:65) وكان من يعمل فيه يقتل عندهم، وقد جئ إلى موسى برجل وجد يحتطب في يوم السبت فأمر بقتله، كما جاء في سفر العدد: الإصحاح 15 فقرة (33-36) .
(2) فقال الله عز جل: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ} (النساء: الآية:3) .
(3) وقد كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم البول قرض موضعه، كما في حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم "كانوا- أي بني إسرائيل- إذا أصابهم البول قطعوا ما أصابه البول منهم.." أخرجه: الإمام أحمد في المسند 4/196.وأبو داود في السنن، باب الاستبراء من البول 1/26. وهو في مسلم من كلام أبي موسى، طهارة رقم 74.
أما هذه الأمة فقد خفّف الله عنها، فيكتفي بغسل موضع البول كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. راجع كتاب الطهارة في الصحاح والسنن، وانظر مثلا سنن أبي داود 1/171ح247.
(4) قال صلى الله عليه وسلم في حديث جابر المتقدم: " ... وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً".
(5) فقال عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر: الآية:60) .
(6) سورة إبراهيم، آية: 34.(37/290)
(1) في الأصل: (الستر) وهو تحريف بيِّن.
(2) في الأصل: (المصرية) وهو تصحيف، وسميت نصرية نسبة إلى مؤسسها: أبي شعيب محمد بن نصير النميري (ت270هـ) ، ويقال لهم "النميرية"أيضا، وهي فرقة باطنية غالية، يقول اتباعها بألوهية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأحلّوا كثيراً من المحرمات.
انظر في شأنها: الأشعري: المقالات: 1/86، باسم"النميرية"، والبغدادي: الفرق بين الفرق: 252، والشهرستاني: الملل والنحل: 1/188، والسكسكي: البرهان: 67، والموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة: 511، وانظر: أحمد محمد جلي: دراسات عن الفرق في تاريخ المسلمين: ص 243, ط: الأولى، فقد ذكر كلاماً عن أصل هذه الطائفة، وعقائدها، غير أنه في الطبعة الثانية للكتاب أضاف مبحثاً جديداً تحت عنوان"النصيرية والشيعة الإمامية من ص و (325-330) "، ذكر فيه اجتماع وفد علماء شيعة إيران بعلماء النصيرية، وإصدارهم بيانا تضمن أن العلويين- شيعة، وأن"العلويين"و"الشيعة"كلمتان مترادفان مثل "الإمامية"و"الجعفرية"وأن مذهبهم هو المذهب الجعفري.
ثم علق المؤلف على ذلك بقوله:"ولا شك أن هذه خطوة طيبة ينبغي الإشادة بها في سبيل تصحيح عقائد النصيرية من دائرة الغلو الخرافية الفاسدة التي كانوا يعتقدونها".
مع أن المؤلف نفسه أثبت في الطبعة الأولى غلو"الإمامية"المتقدمين منهم والمعاصرين، في أئمتهم وأن لهم مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، كما أثبت غلو الإمامية في الحط على الصحابة وتكفيرهم.
فهل يصح بعد ذلك أن يشيد بانتقال النصيرية أو بعضهم إلى عقائد الإمامية، ويعدُّ ذلك خطوة في طريق تصحيح عقائد النصيرية، وهل هذا منهم إلا انتقال من غلو مقيت إلى غلو مثله، أو هو إضافة غلو إلى ما عندهم من الغلو.(37/291)
وينبغي أن يتنبه إلى أن للمؤلف في هذه الطبعة الثانية إضافات في مواضع أخرى على ما في الطبعة الأولى، زلّ فيها قدمه - عفا الله عنا وعنه -، فندّها فضيلة شيخنا الدكتور علي بن محمد بن ناصر فقيهي في الدراسة التي أعدّها فضيلته عن طبعتي الكتاب وما وقع فيه المؤلف من مجانبة للحق فيما زاده في الطبعة الثانية في مواضع، نشرت هذه الدراسة في العدد (101-102) من مجلة الإسلامية سنة 1414-1415.
(1) الباطنية: لقب اصطلاحي تندرج تحته اتجاهات لطوائف وفرق مختلفة، القاسم المشترك فيما بينها، أو الصفة العامة التي تجمعها: تأويل النص الظاهر بالمعنى الباطن.
قال الغزالي:"إنما لقّبوا بالباطنية لدعواهم أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللّب من القشر، وذكر لهم ألقاب أخرى.
انظر في شأنها: البغدادي: الفرق بين الفرق: 181، والشهرستاني: الملل والنحل: 1/192، والغزالي: فضائح الباطنية: 11، واليافعي: ذكر مذاهب الفرق اثنتين وسبعين: 89، والاسفرائيني: التبصير في الدين:140، وصابر طعيمه: دراسات في الفرق: 75.
(2) في الأصل: "الدعى"وهو خطأ.
(3) تقدم التعريف بهم: (103) وفي الأصل (الرفضة) .
(4) تقدم التعريف بهم: (104) .
(5) تقدم التعريف بهم ص: (101) .
(6) وهم القائلون بنفي القدر وأن الله لم يقدر أفعال العباد ولم يخلقها، وتقدم أن روَّادَ هذا القول هم: سنسويه، ومعبد الجهني، وغيلان الدمشقي، ثم تبنَّاه المعتزلة ولُقِبوا بالقدرية لذلك. انظر ص (104) .(37/292)
(1) المعتزلة: سمّوا بذلك نسبة إلى الاعتزال وهو: الاجتناب، وسبب تسْميتهم بذلك أن مقدمهم واصل بن عطاء (80-131هـ) لما أحدث القول بأن مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر وأنه في منزلة بين المنزلتين، اعتزل مجلس شيخه الحسن البصري (110هـ) وأخذ يقرر مذهبه هذا ويدعو إليه، فسمّي هو ومن اعتزل معه بالمعتزلة انظر: الشهرستاني، الملل والنحل 1/48. وزهدي جار الله، المعتزلة: ص 2.
(2) كذا بالياء.
(3) وممن يتنقّص منهم الرافضة، فلهم فيهما أقوال شائنة أدناها تأخيرهما عن مرتبتهما، وأعلاها القول بتكفيرهما وبذلك تغلظت بدعتهم.
(4) وهم الخوارج انظر: السجزي، الرد على من أنكر الحرف والصوت: ص 218.
(5) وهؤلاء هم المفضِّلة إحدى طواف الشيعة قال. شيخ الإسلام ابن تيمية: عن شيعة علي: "كانوا ثلاث طوائف:
طائفة: غلت فيه كالتي ادّعت فيه الألوهية، وهؤلاء حرَّقهم بالنار.
وطائفة: كانت تسبّ أبا بكر, وكان رأسهم عبد الله بن سبأ، فلما بلغ عليا ذلك طلب قتله فهرب.
وطائفة كانت تفضّله على أبي بكر وعمر، قال - أي علي رضي الله عنه -: "لا يبلغني عن أحد منكم أنه فضّلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حدَّ المفتري". الفتاوى: 4/407.
(6) الزيدية: إحدى فرق الشيعة. قال الأشعري: "وإنما سمُّوا"زيدية"لتمسكهم بقول"زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،..... وكذا زيد بن علي يُفضّل علي بن أبي طالب على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولى أبا بكر وعمر، ويرى الخروج على أئمة الجور". المقالات: 1/136.
(7) وهؤلاء هم أكثر متقدمي المتكلمين من الأشاعرة، يثبتون الصفات السمعية القرآنية كالوجه واليد،.. وأما ما لا يرد إلا في الحديث فأكثرهم - أي المتقدمين- لا يثبتها, وأما متَأخروهم فأكثرهم يتأوّل جميع الصفات الخبرية، القرآنية منها والحديثية.(37/293)
انظر:. ابن تيمية، الفتاوى: 12/32. وعبد الرحمن المحمود، موقف ابن تيمية من الأشاعرة: ص 1224، ط: الأولى 1415هـ، نشر مكتبة الرشد.
(1) في الأصل (السبعة) والمراد بها: الصفات السبع التي يثبتها جميع الأشاعرة وهي: (العلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر، والحياة) أثبتوها لأن العقل دل عليها، ثم إنهم لما وجدوا السمع وافق العقل في هذا احتجوا به، وهذا خلاف منهج السلف الصالح -رحمهم الله- الذي يقوم على الإقرار بما ورد في الكتاب والسنة وإن لم نعلمه بعقولنا. انظر: عبد الرحمن المحمود، المصدر السابق: ص 1049، 1051. وراجع: ابن تيمية، شرح الأصفهانية: ص12، تقديم: مخلوف.
(2) في الأصل (من) مكررة.
(3) كذا في الأصل والجملة مضطربة، ولعل صحتها (إيمان الكل) .
(4) في الأصل: الدال ساقطة.
(5) في الأصل (التأويل) .
(6) كذا في الأصل ولعل الصواب (خطؤهم) أو لعل الكلمة التي قبلها (ونعُدُّ) بالنون.
(7) أي: إنه من باب الاجتهاد الذي يؤجر صاحبه مع خطئه فيه، لاجتهاده وحسن نيته في طلب الحق. فهذا يعذر ويؤجر، ولكن من تبين له من أتباع هؤلاء مذهب السلف ومنهجهم في إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات، وجب عليه اتباعه، ولا عذر له في اتباع أئمته على اجتهادهم بعد تبين خطئهم، وثبوت رجوع أكثرهم عند موتهم وفي آخر حياتهم.
(8) كذا بالعطف في الأصل، ولعل الواو زائدة.
(9) في القراءة بالتطريب قولان:
أحدهما: المنع والكراهة.
والثاني: الجواز.
فقد روي منع ذلك وكراهته عن بعض أئمة السلف، كأنس بن مالك رضي الله عنهما، والإمام أحمد والإمام مالك، وسعيد بن المسيب وغيرهم.
وروي الجواز عن عمر وابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهم، والإمام أبي حنيفة وأصحابه.
ذكر القولين الإمام ابن القيم، وذكر أدلة كل قول، ثم ذكر أن فصل النزاع في المسألة: أن التطريب على وجهين:(37/294)
أحدهما: ما اقتضته الطبيعة من غير تكلف ولا تمرين، فذلك جائز حتى وإن أعان طبيعته بفضل تزيين وتحسين كمال قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: "ولو علمت أنك تسمع لحبرته تحبيرا".
قال: وهذا الذي كان السلف يفعلونه، ويستمعونه، وهو التغنّي الممدوح، وعلى هذا الوجه تحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.- أي أدلة المجيزين -.
والوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعة من الصنائع وليس في الطبع السماحة به، بل لا يحصل إلاّ بتكلف وتصنّع وتمرّن، كما تتعلم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة والمركبة على إيقاعات مخصوصة وأوزان مخترعة لا تحصل إلا بالتعلم والتكلف، فهذه هي التي كرّهها السلف، وعابوها، وذمّوها، ومنعوا القراءة بها، وأنكروا على من قرأ بها، وأدلة أرباب هذا القول - أي المانعين- إنما تتناول هذا الوجه". انظر: زاد المعاد: 1/484-493.
(1) التطريب في الأذان: هو التغني به بحيث يؤدي إلى تغيير كلماته وكيفياتها، ونقص بعض حروفه، أو زيادة فيها محافظة على توقيع الألحان. فهذا - بدعة - لا يحلّ إجماعاً.
والأذان الجماعي: هو المعروف بالأذان السلطاني، وأول من أحدثه هشام بن عبد الملك، ولا خلاف في أنه مذموم مكروه لما فيه من التلحين والتغني وإخراج كلمات الأذان عن أوضاعها العربية وكيفياتها الشرعية. انظر: علي محفوظ، الإبداع في مضار الابتداع: ص 176.
(2) لعل مراد المؤلف: صلاة النصف من الشعبان.
وهي من البدع التي أحدثت، وقد رويت أحاديث في فضل هذه الصلاة كلها موضوعة. انظر: ابن الجوزي، الموضوعات: 2/127. وراجع عن هذه البدعة: الطرطوشي، الحوادث والبدع: 261-267. ورسالة "التحذير من البدع"لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: ص 11-16.
(3) المراد به: اليوم الذي ولد فيه عبد الله ورسوله عيسى بن مريم عليه وعلي نبينا أفضل الصلاة والسلام. انظر: المقريزي، الخطط: 1/ 494.(37/295)
(1) "الخميس ": عيد من أعياد النصارى، ويسمونه الخميس الكبير، وذلك أن الأسبوع الذي يقع في آخر صوم النصارى يسمون خميسه الخميس الكبير، ويسمى: خميس البيض، لأنهم يصنعون لأولادهم فيه البيض ويصبغونه, لأنهم فيه يأكلون ما يحرج من الحيوان من لحم ولبن وبيض، إذ صومهم هو عن الحيوان وما يخرج منه، وإنما يأكلون في صومهم الحب وما يصنع منه.
ويزعمون أن في مثله نزلت المائدة على عيسى عليه السلام، فهو يوم عيد المائدة. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم 1/478-480.
وللمؤلف رحمه الله رسالة في هذا اليوم وإنكار تشبه المسلمين بالنصارى فيه سماها "تشبه الخسيس بأهل الخميس "طُبعت بتحقيق: علي حسن عبد الحميد، نشرتها دار عمار في الأردن عام 1408 هـ.
(2) النيروز: بفتح النون: كلمة فارسيهَ معَربة، وأصلها في الفارسية "نوروز"وهي لفظة مركبة من كلمتين: أولاهما "نو"بفتح النون وضمها، ومعناها الجديد، وثانيهما "روز"وتفسيرها: اليوم، فمعناها: اليوم الجديد.
وهو عيد من أعياد الفرس، ويُعد أعْظم أعيادهم، ويقال: إنّ أول من اتخذه "جمشيد "أحد ملوك الفرس الأول، ويقال فيهْ "جمشاد ".
والنيروز: أول أيام السنة الفارسية، ويستمر خمسة أيام بعده.
ويحتفل أقباط مصر بالنيروز، وهو أول سنتهم، وهو المعروف بعيد شم النسيم.
قال المؤلف رحمه الله في رسالة "تشبه الخسيس بأهل الخميس"ص 46: "فأما النيروز، فإن أهل مصر يبالغون في عمله، ويحتفلون به، وهو أول يوم من سنة القبط، ويتخذون ذلك عيداً، يتشبه بهم المسلمون وهو أول فصل الخريف".
راجع عن هذا اليوم: الخطط للمقريزي:1/494. والأزمنة والأمكنة، للمرزوقي: 2/288. ومقدمة عبد السلام هراس لكتاب النيروز لأبى الحسين أحمد بن فارس، ضمن كتاب: نوادر المخطوطات: 2/4 وما بعدها.
(3) في الأصل العبارة هكذا: (حبّا لله ذمه ... ) .(37/296)
صلاة التوبة والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلامي
تأليف
الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الجبرين
الأستاذ المشارك بكلية المعلمين بالرياض
تمهيد
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (1) .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (2) .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (3) .
أما بعد:
فإنّ من رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن فتح لها باب التوبة، فلا تنقطع حتى تبلغ الروح الحلقوم أو ينزل العذاب أو تطلع الشمس من مغربها، ولم يوجب عليها سبحانه وتعالى لقبول هذه التوبة ما أوجبه على بعض من سبقها من الأمم، فقد كان من الآصار التي حملت على من قبلنا اشتراط قتل النفس في قبول التوبة قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (4) .(37/297)
ومن رحمته تعالى بهذه الأمة كذلك أن شرع لهم عبادة من أفضل العبادات، يتوسل بها العبد المذنب إلى ربه (1) ، رجاء قبول توبته، وهي "صلاة التوبة ".
ونظراً إلى أن هذه العبادة العظيمة والسنة الثابتة قد هجرها أكثر المسلمين، حتى كادت تندثر بينهم، وربما استعاضوا عنها بأمور لم ترد في الشرع، ونظراً إلى أن مسائل هذه الموضوع لم تنتظم في رسالة مستقلة، أحببت أن أجمع هذه المسائل في بحث مستقل.
وقد اشتمل هذا البحث على أربعة مباحث، وخاتمة:
المبحث الأول: مشروعية صلاة التوبة وسببها:
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: مشروعيتها.
المسألة الثانية: سببها.
المبحث الثاني: وقت صلاة التوبة.
المبحث الثالث: محل صلاة التوبة.
المبحث الرابع: صفة صلاة التوبة.
أما الخاتمة فتشتمل على خلاصة ما انتهى إليه هذا البحث.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المبحث الأول
مشروعية صلاة التوبة وسببها
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: مشروعية صلاة التوبة:
أجمع أهل العلم على مشروعية صلاة التوبة (2) ، لما ثبت عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه- قال: "كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدثني أحد من الصحابة استحلفته فإذا حلف لي صدقته، قال: وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر- رضي الله عنه- أنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يذنب ذنباً فيُحسِنُ الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له " ثم قرأ هذه الآية {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} (آل عمران: من الآية135) إلى آخر الآية.
ولهذا الحديث شواهد منها:(37/298)
1- ما رواه يوسف بن عبد الله بن سلام- رضي الله عنهما- قال: "أتيت أبا الدرداء- رضي الله عنه- في مرضه الذي مات فيه، فقال: يا ابن أخي، ما عناك إلى هذا البلد، وما أعملك إليه؟ قلت: ما عناني وما أعملني إلا ما كان بينك وبين أبي. فقال: أقعدوني. فأخذت بيده فأقعدته، وقعدت خلف ظهره، وتساند إليّ، ثم قال: بئس ساعة الكذب هذه. ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قام فصلى ركعتين، أو أربعاً يحسن فيها الركوع والسجود، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له " [ (1) .
2- ما رواه البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن- رحمه الله - مرسلاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أذنب عبد ذنباً ثم توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى براز من الأرض فصلى فيه ركعتين، واستغفر الله من ذلك الذنب إلا غفر الله له".
3- ما رواه عبد الله بن بريدة عن أبيه- رضي الله عنه- قال: أصبح رسول الله يوماً فدعا بلالاً، فقال: "يابلال بم سبقتني إلى الجنة؟ إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي" فقال بلال: "يا رسول الله ما أذنبت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بهذا" [.(37/299)
وقال الحافظ ابن كثير- رحمه الله تعالى-: "ويتأكد الوضوء وصلاة ركعتين عند التوبة، لما رواه الإمام أحمد بن حنبل ... "ثم ذكر حديث أبي بكر السابق، ثم قال: "وقد ذكرنا طرقه والكلام عليه مستقصى في مسند أبي بكر الصديق، وبالجملة فهو حديث حسن، وهو من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن خليفة النبي صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما-، ومما يشهد لصحة هذا الحديث ما رواه مسلم في صحيحه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ- أو فيسبغ- الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء". وفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان- رضي الله عنه- أنه توضأ لهم وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: سمعت رسول الله يقول: " من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه ". فقد ثبت هذا الحديث من رواية الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين عن سيد الأولين والآخرين ورسول رب العالمين كما دل عليه الكتاب المبين من أن الاستغفار من الذنب ينفع العاصيين ". انتهى كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى.
المسألة الثانية: سبب صلاة التوبة:
سبب صلاة التوبة هو وقوع المسلمِ في معصية سواء كانت كبيرة أو صغيرة، فيجب عليه أن يتوب منها فوراً، ويندب له أن يصلي هاتين الركعتين، فيعمل عند توبته عملاً صالحاً من أجل القربات وأفضلها، وهو هذه الصلاة، فيتوسل بها إلى الله تعالى رجاء أن تقبل توبته، وأن يغفر ذنبه.
قال ابن العربي عند كلامه على حديث أبي بكر في صلاة التوبة، قال: "وفيه استيفاء وجوه الطاعة في التوبة، لأنه ندم فطهر باطنه، ثم توضأ، ثم صلى، ثم استغفر".(37/300)
وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله عند شرحه لحديث أبي بكر أيضاً، قال: "وفيه استيفاء، وجوه الطاعة في التوبة، لأنه ندم، فتطهر، ثم صلى، ثم استغفر، وإذا أتى بذلك على أكمل الوجوه غفر الله له بوعده الصادق ".
المبحث الثاني
وقت صلاة التوبة
يستحب أداء هذه الصلاة عند عزم المسلم على التوبة من الذنب الذي اقترفه، سواء كانت هذه التوبة بعد فعله للمعصية مباشرة، أو متأخرة عنه، فالواجب على المذنب المبادرة إلى التوبة - كما سبق بيانه قريباً- لكن إن سوّف وأخّرها قبلت، لأن التوبة تقبل ما لم يحدث أحد الموانع الآتية:
1- إذا وقع الإِياس من الحياة، وحضر الموت، وبلغت الروح الحلقوم. قال الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر".
2- إذا نزل العذاب، قال الله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} .
3- إذا طلعت الشمس من مغربها، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تاب من قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه " رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
وهذه صلاة تشرع في جميع الأوقات بما في ذلك أوقات النهي، لأنها من ذوات الأسباب التي تشرع عند وجود سببها.(37/301)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ذوات الأسباب كلها تفوت إذا أخرت عن وقت النهي، مثل سجود التلاوة، وتحية المسجد، وصلاة الكسوف، ومثل الصلاة عقب الطهارة، كما في حديث بلال، وكذلك صلاة الاستخارة، إذا كان الذي يستخير له يفوت إذا أخرت الصلاة، وكذلك صلاة التوبة، فإذا أذنب فالتوبة واجبة على الفور، وهو مندوب إلى أن يصلي ركعتين، ثم يتوب، كما في حديث أبي بكر الصديق".
المبحث الثالث
محل صلاة التوبة
اختلف أهل العلم في صلاة التوبة هل تؤدى قبل التوبة أو بعدها، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أن المشروع أن يصلي قبل التوبة، لا بعدها، لحديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه-.
القول الثاني:
أنها تصلى بعد التوبة.
القول الثالث:
أنها تصلى قبل التوبة أو بعدها، فإن شاء صلاها قبل التوبة وإن شاء صلاها بعدها.
الترجيح:
والراجح من هذه الأقوال هو القول الأول، لقوة دليله، ولأن القولين الآخرين لا يعضدهما دليل من كتاب ولا سنة، فحديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه- صريح في أن هذه الصلاة تؤدى قبل التوبة، لا بعدها، حيث ذكرت فيه الصلاة ثم عطف عليها الاستغفار، الذي هو توبة، أو جزء من التوبة بحرف "ثم "الذي يدل على الترتيب.
هذا كله فيما يتعلق بالتوبة باللسان، وهي المرادة هنا عند الإطلاق، والتي هي مناجاة العبد ربه بإعلان الندم على فعل المعصية، والعزم على عدم العودة إليها، وطلب مغفرة الذنب الذي ارتكبه. أما الندم بالقلب والذي هو في حد ذاته توبة، أو ركنها الأعظم، لحديث: "الندم توبة"، فإنه يكون قبل الصلاة وبعدها، لأن المسلم لن يعزم على صلاة التوبة إلا وقد ندم قلبه على فعل المعصية، وعزم على الإقلاع عنها، ولا يعتبر استغفاره بعد هذه الصلاة توبة إلا إذا صحبه ندم القلب، وإلا كانت توبته غير صادقة.
المبحث الرابع
صفة صلاة التوبة(37/302)
صلاة التوبة صلاة نافلة يتعين لها جميع الشروط اللازمة لصلاة النافلة، ويجب فيها من الأركان والواجبات ما يجب في صلاة النافلة.
وهي ركعتان، كما في حديث أبي بكر الصديق- رضي الله عنه-.
ويشرع للتائب أن يصليها منفرداً، لأنها من النوافل التي لا تشرع لها صلاة الجماعة، ويندب لها بعدها أن يستغفر الله تعالى، لحديث أبي بكر- رضي الله عنه-.
وقال الغزالي عند كلامه على الأمور التي إذا أتبع بها الذنب كان العفو عنه مرجوا، قال: " أن تصلي عقيب الذنب ركعتين ثم تستغفر الله تعالى بعدهما سبعين مرة، وتقول: سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة، ثم تتصدق بصدقة، ثم تصوم يوماً".
وهذا القول فيه نظر، فأصل مشروعية الاستغفار، وذكر الله تعالى والذي يشمل التسبيح والتحميد ثابت في هذا الموضع بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} ، وإن كان قد اختلف في المراد بقوله تعالى في هذه الآية {ذَكَرُوا اللَّهَ} ، فقيل: المراد ذكروا وعيد الله على ما فعلوا من معصيتهم إياه، وتذكروا عقابه، وقيل: المراد ذكروا الله باللسان، وقيل: المراد: الصلاة.
وقد يقال: إن لفظ الآية يعم هذه الأمور كلها.
وكذلك الصدقة يدل على مشروعيتها في هذا الموضع عموم قول الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} .
وثبت عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه قال لما تاب الله عليه: "يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله: "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك "، قال: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر". متفق عليه.(37/303)
وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف، فقال في حلفه: "واللات والعزّى"فليقل: "لا إله إلا الله "، ومن قال لصاحبه: "تعال أقامرك" فليتصدق " متفق عليه. وفي رواية لمسلم: "فليتصدق بشيء".
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار" (1) .
وكذلك عدد الاستغفار ورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".
وثبت عن الأغر المزني رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله: "إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة" رواه مسلم.
وأيضاً فعموم قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} يدل على أن فعل الأعمال الصالحة بعد السيئة يكفرها.
لكن تقييد التسبيح والتحميد والصيام بهذه الأعداد لا دليل عليه، وهو من البدع المحرمة، لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " (2) ، ولما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبّحكم ومسّاكم، ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين" ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ".(37/304)
وذكر الملا علي القاري رحمه الله أنه يقرأ في هذه الصلاة سورتي الإخلاص، {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، أو يقرأ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} .
والصحيح أنه لا يشرع تخصيص هذه الصلاة بسور أو آيات بعينها، لأنه لم يرد في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الخاتمة
الحمد لله وحده، وبعد: فمن خلال بحث الأحكام المتعلقة بصلاة التوبة ظهر لي الأمور الآتية:
الأمر الأول:
ثبوت هذه الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثاني:
أنها تشرع عند توبة المسلم من أي ذنب، سواء كان من الكبائر أم من الصغائر، وسواء كانت هذه التوبة بعد اقتراف المعصية مباشرة، أم بعد مضي زمن.
الأمر الثالث:
أن هذه الصلاة تؤدى في جميع الأوقات، بما في ذلك أوقات النهي.
الأمر الرابع:
أن الصحيح من أقوال أهل العلم أن هذه الصلاة قبل التوبة لا بعدها.
الأمر الخامس.
أن هذه الصلاة في أركانها وواجباتها وما يشترط لها كصلاة النافلة، وهي ركعتان.
الأمر السادس:
أنه يستحب مع هذه الصلاة فعل بعض القربات، كالصدقة والذكر والصيام وغيرها.
وفي الختام أسأل الله أن ينفع بهذا العمل كاتبه وجميع المسلمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
---
(1) سورة آل عمران: 102.
(2) سورة النساء: 1.
(3) سورة الأحزاب: (70، 71) .
(4) سيأتي الكلام على هذه المسائل بشيء من التفصيل في المبحث الثاني، وسيأتي الكلام على شروط التوبة العامة في المبحث الثالث.(37/305)
(1) سورة البقرة: 54. وينظر تفسير ابن كثير 1/130-132، وأضواء البيان 1/327.
(2) ينظر شرح الطيبي لمشكاة المصابيح 3/180.
(3) قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في الإحكام 1/321 عند شرحه لحديث أبي بكر الصديق في صلاة التوبة، قال: "وفيه استيفاء وجوه الطاعة في التوبة، لأنه ندم، فتطهر، ثم صلى، تم استغفر، وإذا أتى بذلك على أكمل الوجوه غفر الله له بوعده الصادق". وسيأتي تخريج حديث أبي بكر رضي الله عنه قريباً.
(4) لم أقف على من حكى إجماع العلماء على هذه المسألة، لكن بعد البحث ومراجعة كتب أهل العلم لم أقف على من قال بعدم مشروعيتها وهذه بعض المصادر في هذه المسألة:
1- عارضة الأحوذي (2/196، 197) . 2- المغني (2/553) . 3- مجموع فتاوىَ ابن تيمية (23/215) . 4- الترغيب والترهيب (1/214) . 5- الفروع (1/567) . 6- المبدع (2/25، 26) . 7- إحياء علوم الدين (5/49) . 8- نهاية المحتاج (2/142) . 9- فتح الباري (11/98) . 10- تفسير ابن كثير (2/104، 105) . 11- مغني المحتاج (1/225) . 12- كشاف القناع (1/443) . 13- مختصر منهاج القاصدين (ص 327) . 14- شرح الطيبي لمشكاة المصابيح (3/180) . 15- تحفة المحتاج (2/26) . 16- دلائل الأحكام (2/360) . 17- الروض الندي (ص 95) . 18- غاية المنتهى (1/171) . 19- الإحكام شرح أصول الأحكام (1/321) . 20- الإقناع للشربيني (1/101) . 21- مرقاة المفاتيح (2/187) . 22- رد المحتار على الدر المختار (1/462) . 23- شرح السندي لسنن ابن ماجه (1/424) . 24- بلوغ الأماني (19/239،240) . 25 - حاشية قليوبي (1/6 21) . 26- شرح منتهى الإرادات (1/236) . 27- بذل المجهود (7/378) . 28- عون المعبود (5/573، 574) . 29- حاشية الروض المربع للشيخ عبد الرحمن بن قاسم (2/231) . 30- حاشية الشرواني (2/238) . 31- الدرر السنية في الأجوبة النجدية 4/242.(37/306)
وينظر أيضاًَ كتب السنة وغيرها التي روي فيها حديث أبي بكر- رضي الله عه- في صلاة التوبة، وسيأتي تخريج هذا الحديث قريباً.
(1) رواه الإمام أحمد في مسنده 1/153، 154، 174، 175، 178، رقم (2، 48، 56) وفي فضائل الصحابة 9/159، 413، رقم (142, 642) ، وابن أبي شيبة في مصنفه في الصلاة فيما يكفر به الذنوب 2 /387، 388، والحميدي في مسنده 1/2،4 رقم (1، 4) ، وأبو داود الطيالسي في مسنده ص (2، 3) ، وأبو داود السجستاني في سننه في كتاب الصلاة باب في الاستغفار 2/86، رقم (1521) ، والترمذي في سننه في الصلاة باب ما جاء في الصلاة عند التوبة 7/257، رقم (406) ، وفي تفسير القرآن 5/228، رقم (3006) ، والنسائي في تفسيره 1/330، رقم (98) ، وفي سننه الكبرى، وفي عمل اليوم والليلة (كما في تحفة الأشراف 5/300، حديث6610) ، وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها باب ما جاء في أن الصلاة كفارة 1/446، حديث (1295) ، والمروزي في مسند أبي بكر ص (42 - 44) ، رقم (9 - 11) ، وابن أبي حاتم في تفسيره 2/553، حديث (1455) ، والطبري في تفسيره 7/220، 222، حديث (7853 - 855) ، وأبو يعلي في مسنده 1/11، 23، 24، رقم (1، 12، 13) ، والبزار في مسنده 1/61- 64، رقم (9- 11) ، وابن حبان في صحيحه (موارد الظمآن كتاب التوبة باب فيمن أذنب ثم صلى واستغفر ص 608، رقم 2454) ، (والإِحسان باب التوبة: ذكر مغفرة الله جل وعلا للتائب المستغفر لذنبه إذا عَقِب استغفاره صلاة 2/10، رقم 622) ، والطبراني في كتاب الدعاء باب فضل الاستغفار في أدبار الصلوات 3/1623 –1626، رقم (1841 – 1844) ، وابن السني في عمل اليوم والليلة باب ما يقول إذا أذنب ذنبا ص 109، رقم (361) ، وابن عدي في الكامل 1/420، 421، والعقيلي في الضعفاء 1/106، والبيهقي في الدعوات الكبير رقم 149، والبغوي في تفسيره 1/353، وفي شرح السنة باب الصلاة عند التوبة (4/151، 152) ، رقم (1105) ، وأبو نعيم في أخبار أصبهان 1/142 من طرق(37/307)
عن عثمان ابن المغيرة الثقفي عن علي بن ربيعة الوالي عن أسماء ابن الحكم الفزاري عن علي- رضي الله عنه - فذكره. وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال البخاري، عدا أسماء ابن الحكم فقد وثقه العجلي في تاريخ الثقات ص 63، وابن حبان في ثقاته 4/59 وقال: "يخطئ"، وقال الحافظ في التقريب: "صدوق"، وقد أطال الحافظ الكلام حول هذا الحديث في تهذيب التهذيب1/267 في ترجمة أسماء هذا، وقال: "وهذا الحديث جيد الإسناد". وحسنه في الفتح 11/98، وقال ابن عدي في ترجمة أسماء أيضاً بعده روايته لهذا الحديث: "وهذا الحديث طريقه حسن وأرجو أن يكون صحيحاً"وينظر التاريخ الكبير للبخاري 2/554. والعلل للدارقطني 1/176 – 180، وتهذيب الكمال لوحة (93) .
وقد صحح هدا الحديث غير من ذكر النسائي كما في فتح القدير للشوكانيِ 1/382، والحافظ ابن كثير في تفسيره 1/104، وابن مفلح في الفروع 1/567، وأحمد شاكر في عمدة التفسير 1/42، والشيح محمد ناصر الدين في تعليقه على مشكاة المصابيح 1/416، وشعيب الأرنؤوط في تعليقه على مسند أبي بكر، وحسين سليم أسد في تعليقه على مسند أبي يعلي، والدكتور محمد سعيد البخاري في تعليقه على كتاب الدعاء للطبراني، والدكتور حكمت ياسين في تعليقه على تفسير ابن أبي حاتم.
وقد روى هذا الحديث الطبراني في الدعاء 3/1645، 1626، رقم (1844) وابن عدي في الكامل 1/421، والخطيب البغدادي في موضح أوهام الجمع والتفريق 2/434 من طريق معاوية بن أبي العباس عن علي بن ربيعة به، وإسناده ضعيف جداً، معاوية بن أبي العباس متهم بسرقة الحديث. ينظر الموضح 2/423 – 426.
ورواه أيضا الحميدي في مسنده 1/4 ,5 رقم (5) ، والطبري في تفسيره 7/222، رقم (7855) ، والطبراني في الدعاء 3/1626، رقم (1846) ، وابن عدي في الكامل 3/1190 من طريق عبد الله بن سعيد المقبري عن جده أبي سعيد عن علي به. وإسناده ضعيف جداً، عبد الله بن سعيد المقبري متروك كما في التقريب.(37/308)
وقد ذكر الدارقطني في العلل 1/176 –180 طرقاً أخرى كثيرة لهذا الحديث، وبعضها عند الطبراني في الدعاء 3/1625، 1626، رقم (1843، 1845، 1847) ثم قال الدارقطني بعد ذكره لما فيه من الاختلاف وما في بعضها من الضعف الشديد، قال: "وأحسنها إسناداً وأصحها ما رواه الثوري ومسعر ومن تابعها عن عثمان بن المغيرة". وهي الرواية الأولى.
وذكر المزي في تحفة الأشراف 5/300، وفي تهذيب الكمال لوحة (93) متابعات كثيرة لرواية أسماء بن الحكم، وتعقبه الحافظ في التهذيب 1/268 بقوله: "والمتابعات التي ذكرها لا تشد هذا الحديث شيئاً، لأنها ضعيفة جداً ".
(1) رواه الإمام أحمد في مسنده 6/450 واللفظ له، والطبراني في الأوسط (كما في مجمع البحرين 1/419،420، حيث 546) ، وفي كتاب الدعاء باب فضل الاستغفار في أدبار الصلوات 3/2626، 1627، رقم (1848) من طرق عن صدقه بن أبي سهل ثنا كثير أبو الفضل الطوفاوي حدثني يوسف ابن عبد الله بن سلام فذكره. وذكر الإمام أحمد في روايته أن لفظة "أو أربعا ً" شك من أحد الرواة، ولفظ الطبراني: "فصلى ركعتين أو أربع ركعات مكتوبة أو غير مكتوبة"، وقال الطبراني في الأوسط- كما في مجمع البحرين-: "لا يروى عن أبي الدرداء إلا بهذا الإسناد، تفرد به صدقة". وقد اختلف في صدقه هذا، فقيل: هو صدقة أبو سهل الهنائي، وقيل: هو صدقه بن أبي سهل، وقد وثق ابن معين صدقه أبا سهل الهنائي، وذكره ابن حبان في الثقات، أما صدقة به أبي سهل فلم يوثقه سوى ابن حبان، وروى عنه جماعة من الثقات، فالإسناد حسن إن كان صدقه هو أبا سهل الهنائي، وإن كان ابن أبي لسهل فهو الشواهد.
ينظر التاريخ الكبير 4/297، الجرح والتعديل 4/434، الثقات 4/468، الإكمال للحسيني ص 183، 184، تعجيل المنفعة ص 185، 186،. 305، وقد حسن هذا الإسناد الشيخ عبد القدوس نذير في تعليقه على مجمع البحرين، والدكتور محمد سعيد البخاري في تعليقه على كتاب الدعاء.(37/309)
(1) ينظر الترغيب والترهيب للمنذري 1/241، والدر المنثور 2/327، وفتح القدير للشوكاني 1/382.
(2) رواه ابن خزيمة في صحيحه في باب استحباب الصلاة عند الذنب يحدثه المرء لتكون تلك الصلاة كفارة لما أحدث من الذنب 2/213، 214، حديث (1209) عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثنا علي بن الحسن بن شقيق أخبرنا الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة به. ورجاله ثقات، لكن في رواية عبد الله بن بريدة عن أبيه ضعف، وقيل: لم يسمع منه. ينظر تهذيب التهذيب 5/158. ومع ذلك فقد صحح هذه الرواية الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في تعليقه على صحيح ابن خزيمة. وقال الشيخ محمد ناصر الدين في تعليقه على هذا الحديث في صحيح ابن خزيمة عند قوله: "ما أذنبت" قال: "كذا وقع للمصنف- رحمه الله - وترجم له بما سبق، ووقع في المسند وغيره: "أذنت". من التأذين، وهو الصواب ". والرواية التي أشار إليها هي في المسند 5/460، وسنن الترمذي 5/620، والمستدرك 3/385 من طريق الحسين بن واقد به كما في الرواية السابقة غير هذه اللفظة التي هي موضع الشاهد من الحديث.
(3) صحيح مسلم كتاب الطهارة باب الذكر المستحب عقب الوضوء 1/209، 210، حديث (234) .
(4) صحيح البخاري كتاب الوضع باب المضمضة في الوضوء (فتح الباري 1/266، حديث 164، وصحيح مسلم كتاب الطهارة باب صفة الوضوء وكماله 1/204، 205، حديث (226) .
(5) ينظر تفسيره 2 /104، 105.
(6) نهاية المحتاج 2/122، حاشية قليوبي 1/216، حاشية الشرواني 2/238، بذل المجهود 7/378، مرقاة المفاتيح 2/187.
(7) مجموع فتاوى ابن تيمية 23/215، مدارج السالكين 1/297، شرح صحيح مسلم 17/59.
(8) شرح الطيبي على المشكاة 3/180.
(9) عارضة الأحوذي 2/197.
(10) الإحكام شرح أصول الأحكام 1/221.
(11) سورة النساء. (18) .(37/310)
(1) رواه الإمام أحمد في مسنده (9/17، 18، حديث 6160 , و9/161 ط حديث 6408 تحقيق شاكر) ، والترمذي في الدعوات باب في فضل التوبة والاستغفار 5/546، حديث (3537) ، وابن ماجه في الزهد باب ذكر التوبة 2/1420، حديث (4253) ، وابن حبان (موارد الظمآن ص 607، حديث 2449) ، والحاكم في المستدرك في كتاب التوبة والإنابة 4/257، وصححه ووافقه الذهبي، وأبو يعلي في مسنده 9/462، حديث (5609) ، والبغوي في شرح السنة في باب التوبة 5/90، 91، حديث (1306) من طرق عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن ابن عمر به. ورجاله ثقات، عدا ابن ثوبان - واسمه عبد الرحمن - فهو صدوق يخطئ، وتغير بأخرة كما في التقريب. ووقع في سنن ابن ماجه "عبد الله بن عمرو"وهو وهم كما قال ابن كثير في تفسيره 2/206. وقد صحح هذه الرواية أو حسنها أحمد شاكر في تعليقه على المسند، والشيخ محمد بن ناصر الدين في صحيح الجامع 1/386، وشعيب الأرنؤوط في تعليقه على شرح السنة، وحسين أسد في تعليقه على مسند أبي يعلى.
ورواه الإمام أحمد 3/425، و5/362 (طبع المكتب الإسلامي) وسعيد بن منصور في سننه 3/1201، 1202، حديث (597) . والحاكم في الموضع السابق من طرق عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن البيلماني عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وإسناده ضعيف، ابن البيلماني ضعفه غير واحد، ولم يوثقه سوى ابن حبان في الثقات. ينظر الثقات 5/91، تهذيب التهذيب 6/150.
ورواه ابن مردويه - كما في تفسير ابن كثير 2/207- من طريق عثمان عن الهيثم حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة به وإسناده ضعيف، عثمان بن الهيثم تغير بأخرة، فكان يتلقن. ينظر الجرح والتعديل 3/172.
ورواه ابن جرير في تفسيره 8/96، رقم (8859) عن الحسن البصري مرسلا. وقال ابن كثير في تفسيره: 2 /207: "مرسل حسن ".
ورواه ابن جرير في الموضع السابق، رقم (8857) من طريق العلاء به زياد عن بشير بن كعب مرسلا.(37/311)
ورواه أيضا ابن جرير في الموضع السابق، رقم (8858) من طريق قتادة عن عبادة بن الصامت. وإسناده منقطع، قتادة لم يدرك عبادة بن الصامت.
ورواه الإمام أحمد في مسنده (تحقيق شاكر 11/133، 134، حديث 6920) ، والطيالسي في مسنده ص 301، حديث (2284) ، والبخاري في تاريخه الكبير 1/427، والطبري في تفسيره 8/99، 100، حديث (8863) من طريق إبراهيم بن ميمون قال: سمعت رجلاً من بني الحارث قال: سمعت رجلاً منا يقال له أيوب قال: سمعت عبد الله بن عمرو فذكره. وإسناده ضعيف. لا يهام شيخ إبراهيم بن ميمون. وقد سقط بعض السند من مسند الطيالسي المطبوع. وقد أورده ابن كثير في تفسيره 2/206 نقلاً عن الطيالسي، فذكر السند كاملاً، غير أنه قال: "عبد الله بن عمر"بدل "عبد الله بن عمرو".
وفي الجملة فإن هذا الحديث صحيح بمجموع هذه الطرق، الطريق الأولى ضعفها ليس قوياً، فتتقوى بالطرق الأخرى.
(1) سورة غافر (85) . ولهذا لم تقبل توبة فرعون لما أدركه الغرق، حين قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} قال الله تعالى: {الآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} سورة يونس (90، 91) ، وينظر تفسير القرطبي 15/336.
(2) سورة الأنعام: (158) .
وروى البخاري في كتاب الرقاق (فتح الباري 11/352) ، حديث (5606) ، ومسلم في الإِيمان باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان 1/137، حديث (157) عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت من مغربها آمن الناس كلهم أجمعون، فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً ".
(3) صحيح مسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه 4/2076، حديث 2073.(37/312)
(1) وقد ذكرت أقوال أهل العلم في حكم أداء الصلاة ذات السبب في وقت النهي في بحث مستقل بعنوان "حكم أداء الصلوات فوات الأسباب في أوقات النهي"وقد ظهر لي بعد استعراض أدلة الأقوال في هذه المسألة وما ورد على بعضها من مناقشة أن الصحيح جواز أداء الصلاة ذات السبب في وقت النهي إذا وجد سببها فيه.
(2) مجموع فتاوى ابن تيمية 23/215.
(3) عارضة الأحوذي 2/197، كشاف القناع 1/443، الروض الندي ص 59، غاية المنتهى 1/171، الإحكام شرح أصول الأحكام 1/321. وينظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي سبق نقله قريباً. وقد سبق تخريج حديث أبي بكر ص (5، 6) .
(4) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 2/10.
(5) نهاية المحتاج 2/122، حاشية قليوبي 1/216، حاشية الشرواني 2/238.
(6) ينظر هوامش الإقناع للشربيني 1/101.
(7) مدارج السالكين 1/334،335، وقال الملا علي القاري في الرقاة 2/187 عند شرحه لحديث أبي بكر "والمراد بالاستغفار التوبة بالندامة والإقلاع والعزم على أن لا يعود إليه أبدا، وأن يتدارك الحقوق، إن كانت هناك"
(8) ذكر الشوكاني في فتح القدير 1/381 أنه يمتنع لغة إطلاق التوبة على الاستغفار.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " الاستغفار هو طلب المغفرة، وهو من جنس الدعاء والسؤال، وهو مقرون بالتوبة في الغالب، ومأمور به، لكن قد يتوب الإنسان ولا يدعو، وقد يدعو ولا يتوب". ينظر كتاب "ذو النورين"لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 76 جمع وتعليق محمد مال الله.(37/313)
فيمكن أن يقال: إن التوبة تطلق على الاستغفار وما يصحبه من الندم على فعل المعصية والعزم على عدم الرجوع إلى فعلها، لما روى الإمام أحمد في مسنده 6/264: ثنا محمد بن يزيد – يعني الواسطي – عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، فإن التوبة من الذنب الندم والاستغفار". وإسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيحين، عدا محمد بن يزيد، وهو ثقة ثبت كما في التقريب. وصححه الأرنؤوط في تعليقه على الإحسان 2/378.
(1) قال الملا علي قاري في مرقاة المفاتيح 2/187 عند شرحه لحديث أبي بكر: "ثم"في الموضعين لمجرد العطف التعقيبي. أ. هـ.
وقال ابن مالك في ألفيته:
والفاء للترتيب باتصال ... وثم للترتيب بانفصال
تنظر الألفية مع شرحها لابن الناظم ص 205، وشرح شذور الذهب ص 576، وأوضح المسالك ص 318.
(2) مدارج السالكين 1/311، طرح التثريب 8/238.
(3) فتح الباري 11/103، 104.(37/314)
(1) رواه الإمام أحمد في مسنده 5/194، 195، رقم (3568) ، و6/46، رقم (4014، 4016) ، و6/83، رقم (4124) ، وابن المبارك في الزهد ص 368، حديث (1044) ، والحميدي في مسنده 1/58، 59، حديث (105) ، وابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الديات: من قال: القاتل توبة 9/361، 362، وابن ماجه في سننه في كتاب الزهد باب ذكر التوبة 2/1420، حديث (4252) ، والشاشي في مسنده 1/309، رقم (269) ، والطبراني في الصغير 1/33، وأبو يعلي في مسند 85/380، حديث (4969) ، والحاكم في المستدرك في كتاب التوبة والإنابة 4/243 وصححه ووافقه الذهبي، والقضاعي في مسند الشهاب 1/42، 43، رقم (13، 14) ، وأبو نعيم في الحلية 8/312، وابن عدي في الكامل 4/1464، والبيهقي في كتابه: الآداب باب من عاجل كل ذنب بالتوبة منه وسأل الله المغفرة ص 443. رقم (1190) من طرق عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن زياد بن أبي مريم عن عبد الله بن معقل عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً، وإسناده جيد، وقد اختلف في زياد بن أبي مريم فقيل: هو زياد بن الجراح، وقيل: هما اثنان، وكلاهما ثقة. ينظر التاريخ الكبير للبخاري 1/347، العلل للدارقطني 3 /190 -193، تهذيب التهذيب 3/384، 385.
ورواه الإمام أحمد في مسنده 6/45، حديث (4012 تحقيق شاكر) ، والشاشي في مسنده 1/311، 312، حديث (272) وابن حاتم في العلل 2/101، 102، حديث (1797) ، والبغوي في شرح السنة كتاب الدعوات باب التوبة 5/91، حديث (1307) وأبو يعلي في مسنده 9/13، حديث (5080) ، 9/64، حديث (5129) من طرق عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن الجراح عن عبد الله بن معقل به.(37/315)
ورواه ابن حبان (كما في الإحسان كتاب الرقائق باب التوبة 2/379، حديث 614) ، وأبو نعيم في الحلية 8/251 عن المسيب بن واضح حدثنا يوسف به أسباط عن مالك بن مغول عن منصور عن خيثمة عن ابن مسعود به. وقال أبو نعيم: "رواه عن مالك جماعة". وإسناده ضعيف، المسيب بن واضح صدوق يخطئ كثيراً كما قال أبو حاتم، ويوسف بن أسباط ضعيف، وخيثمة لم يسمع من ابن مسعود. ينظر لسان الميزان 6/40، 317، تهذيب التهذيب 3/179.
ورواه الخطيب في تاريخ بغداد 9/405 من طريق حسام بن مصك عن منصور به، وحسام ضعيف يكاد أن يترك كما في التقريب.
ورواه أبو يعلي في مسنده 9/171 من طريق خالد بن الحارث حدثنا مالك بن مغول عن منصور عن خيثمة عن رجل عن عبد الله بن مسعود، وإسناده ضعيف لجهالة الراوي عن ابن مسعود.
ورواه ابن حبان كما في الإحسان الموضع السابق، حديث (613) ، والحاكم في الموضع السابق من طريق يحي بن أيوب عن حميد الطويل عن أنس بن مالك مرفوعاً. وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي في التخليص بقوله: "هذا من مناكير يحي". وقال ابن حجر في التقريب في ترجمة يحي بن أيوب - وهو أبو العباس الغافقي-: "صدوق ربما أخطأ ".
ورواه الطبراني في الكبير 22/306، حديث (775) ، وأبو نعيمِ في الحلية 10/398 من طريق يحيى ابن أبي خالد عن ابن أبي سعيد الأنصاري عن أبيه مرفوعاً. ويحي بن أبي خالد وشيخه مجهولان. ينظر اللسان 6/252، وقال السخاوي في المقاصد الحسنة ص 152. "سنده ضعيف "وينظر السلسلة الضعيفة 2/83.
رواه الطبراني في الصغير 1/69، والعقيلي في الضعفاء 4/259 عن طريق مورق بن سخيت حدثنا أبو هلال عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعاً, وقال العقيلي: "مورق بن سخيت عن أبي هلال الراسبي ولا يتابع عليه بهذا الإسناد"، و"مورق "لم يوثقه سوى ابن حبان، وقال الذهبي: "فيه جهالة" شيخه أبو هلال صدوق فيه لين كما في التقريب. ينظر الثقات 9/198، والميزان 4/198، والتقريب ص481، واللسان 1/111.(37/316)
وفي الجملة فإن هذا الحديث صحيح، لاشك في صحته، وقد صححه العقيلي في الضعفاء 4/259، والبوصيري في مصباح الزجاجة 4/248، 2/464، والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند، والشيخ محمد ناصر الدين في صحيح سنن ابن ماجه 2/418، والأرنؤوط في تعليقه على شرح السنة، وحسين أسد في تعليقه على مسند أبي يعلي.
(1) وذلك أن للتوبة ثلاثة شروط عامة هي: ...
1 – الإقلاع عن الذنب. ...
2 – الندم على ما فات.
3 – العزم على ألا يعود إلى الذنب الذي تاب منه، فمن لم يندم على فعل المعصية فذلك دليل على رضاه به، وإصراره عليه.
ينظر تفسير القرطبي 4/40، 210، 211، و5/90، 280، شرح صحيح مسلم 17/59، مجموع فتاوى ابن تيمية 7/488، و10/318، 319، و11/319، الآداب الشرعية 1/84، طرح التثريب 8/238، مدارج السالكين 1/202.
وينظر فتح الباري 11/103، 104 ففيه تفصيل في شروط التوبة.
(2) ينظر مجموع فتاواي ابن تيمية 23/215، نهاية المحتاج 2/122، مغني المحتاج 1/225، رد المحتار 1/462، الإقناع للشربيني 1/101، حاشية قليوبي 1/216.
(3) سبق تخريجه ص (5،6) .
(4) المغني 2/529، 553، تحفة المحتاج (مطبوع مع حاشيتيه للشربيني وابن قاسم 2/238) ، نهاية المحتاج 2/122، الإقناع للشربيني 1/101، حاشية قليوبي 1/216، الدرر السنية 4/242.
(5) وقد سبق الكلام على محل الاستغفار بشيء من التفصيل في المبحث الثالث.
(6) الإحياء:4/49.(37/317)
وقال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح 2/188: "وقال الغزالي في المنهاج: إذا أردت التوبة تغسل، واغسل ثيابك، وصل ما كتب الله لك، ثم ضع وجهك على الأرض في مكان خال لا يراك إلا الله سبحانه وتعالى، ثم اجعل التراب على رأسك، ومرغ وجهك الذي هو أعز أعضائك في التراب، بدمع حار، وقلب حزين، وصوت عال، واذكر ذنوبك واحداً واحداً ما أمكنك، ولم نفسك العاصية عليها، ووبخها، وقل: أما تستحين يا نفس، أما أن لك أن تتوبي وترجعي، ألك طاقة بعذاب الله، ألك حاجز عن سخط الله ... "إلخ. وغالب ما ذكره هنا لا دليل عليه، بل هو من البدع المحرمة.
(1) سورة آل عمران: 135.
(2) تفسير ابن أبىِ حاتم 2/552، 553، تفسير الطبري 7/217، 222، 223، زاد المسير /463، 464، تفسير البغوي 1/353، تفسير القرطبي 4/210، فتح القدير للشوكاني1/381.
(3) قال الطيبي في شرح المشكاة 3/180: أقول: {وذَكَرُوا اللَّهَ} يجب أن يحمل على الصلاة.كما في قوله تعالى: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه} ليطابق لفظ الحديث، وهو قوله: "ثم يصلي ثم يستغفر الله".أ. هـ.
(4) ذكر بعض العلماء أن المراد أن النص القرآني إذا جاء بلفظ عام يحمل على جميع ما يشمله هذا اللفظ من المعاني، وقد سمعت شيخنا محمد بن صالح بن عثيمين يقرر هذه القاعدة في مجلسه أو أكثر من مجالسه العلمية المباركة. وينظر مقدمة التفسير لابن تيميه ص 49، 50، أضواء البيان 3/124، التحرير والتنوير 1/93 – 100، الإكسير في قواعد علم التفسير للطوفي ص 13، مقدمة جامع التفاسير للراغب ص 98، وقال الملا علي القاري في المرقاة 2/187، 188: "أي ذكروا عقابه. قال الطيبي: أو وعيده. وظاهر الحديث أن معناه: صلوا. لكن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، فالمعنى ذكر الله بنوع من أنواع الذكر، من ذكر العقاب ... أو تعظيم رب الأرباب، أو بالتسبيح، والتهليل أو قراءة القرآن أو بالصلاة التي تجمعها ".
(5) سورة البقرة: 271.(37/318)
(1) صحيح البخاري مع الفتح كتاب الوصايا باب إذا تصدق أو وقف بعض رقيقه أو دوابه فهو جائز 5/386، حديث (2757) ، وكتاب المغازي باب حديث كعب ابن مالك 8/11-116، حديث (4418) ، وكتاب التفسير باب {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} 8/341، 342، حديث (4676) ، وصحيح مسلم مع شرحه للنووي كتاب التوبة:17/96، 97.
(2) قال شمس الدين البعلي في المطلع على أبواب المقنع ص 256، 257 "القمار مصدر قامر إذا لعب معه على مال يأخذه الغالب من المغلوب، كائنا ما كان، إلا ما استثني في باب السبق، يقال: قمره يقمره ويقمره، بضم الميم وكسرها، عن صاحب المحيط وأقمره، عن ابن القطاع وغيره".
(3) فتح الباري كتاب التفسير باب: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزَّى} 8/611، حديث (4860) وكتاب الاستئذان باب كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة الله 11/91، حديث (6301) ، وكتاب الأدب باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً 10/516، وكتاب الأيمان والنذور باب لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغييت 11/536، حديث (6650) .
وصحيح مسلم كتاب الأيمان باب من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله 2/1267، حديث (1647) .
(4) صحيح مسلم الموضع السابق 2/1268. وقال النووي في شرح مسلم 11/107: "قال العلماء: "أمر بالصدقة تكفيراً لخطيئته في كلامه بهذه المعصية". قال الخطابي: "معناه فليتصدق بقدر ما أمر أن يقامر به". والصواب الذي عليه المحققون، وهو ظاهر الحديث أنه لا يختص بذلك المقدار، بل يتصدق بما تيسر، مما ينطبق عليه اسم الصدقة، ويؤيده رواية معمر التي ذكرها مسلم: "فليتصدق بشيء" أ. هـ.(37/319)
(1) روى عبد الرزاق في مصنفه باب الأمراء 11/345، رقم (20719) ، وأحمد في مسنده 3/321، 399، (طبع المكتب الإسلامي) ، والبزار (كثف الأستار كتاب الإمارة باب الدخول على أهل الظلم 2/241، رقم 1609) ، وابن حبان في صحيحه (ترتيب ابن بلبان كتاب الصلاة باب فضل الصلوات الخمس 5/9، رقم 1723) ، والحاكم في المستدرك في معرفة الصحابة 3/379، 380، وفي الفتن والملاحم 4/422 من طريق عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: "أعاذك الله يا كعب بن عجرة من إمارة السفهاء"، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: " أمراء يكونون بعدي لا يهدون بهدي، ولا يستثنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، أو أعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون عليّ حوضي، ومن لم يصدقهم على كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك مني وأنا منهم، وسيردون علي حوضي، يا كعب بن عجرة الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، والصلاة قربان- أو قال: برهان- يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت أبدا، النار أولى به، يا كعب بن عجرة الناس غاديان، فمبتاع نفسه فمعتقها، أو بائعها فموبقها ". وإسناده حسن، عبد الله بن عثمان صدوق، من رجال مسلم، وعبد الرحمن بن سابط ثقة من رجال مسلم أيضاً، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي 2/514، 515، وقال الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان: "صحيح على شرط مسلم ".(37/320)
وله شاهد بنحوه من حديث كعب بن عجرة، رواه الترمذي في الصلاة باب ما ذكر في فضل الصلاة 2/512، 513، حديث (614) ، والطبراني في معجمه الكبير 19/105، 106، حديث (212) من طريقين عن عبيد الله بن موسى حدثنا غالب أبو بشر عن أيوب بن عائذ الطائي عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن كعب به. وإسناده ضعيف. رجاله ثقات رجال الصحيحين، عدا أبي بشر فهو مقبول، كما في التقريب، وقد صححه أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي وذكره الشيخ محمد ناصر الدين في صحيح سنن الترمذي 1/189.
وروى عبد الرزاق في مصنفه في باب المفروض من الأعمال والنوافل 11/194، رقم (20303) ، والإِمام أحمد 5/231 (طبع المكتب الإسلامي) ، والترمذي في الإيمان باب ما جاء في حرمة الصلاة 5/11، 12، حديث (2616) ، وابن ماجه في الفتن باب كف اللسان في الفتنة 2/1314، 1315، حديث (3973) ، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف 8/399، حديث (11311) وعبد بن حميد في المنتخب من المسند ص 68، 69، رقم (112) من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر- ذكر الحديث بطوله – وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ... ". وقد أعل الحافظ ابن رجب هذا الإسناد بالانقطاع بين أبي وائل ومعاذ، وأعله بعلة أخرى. ينظر جامع العلوم والحكم 2/135.
ولهذا الحديث – حديث معاذ رضي الله عنه – طرق أخرى يطول الكلام بذكرها. وقد صححه بمجموع طرقه الشيخ محمد ناصر الدين في السلسلة الصحيحة 3/114، 115، حديث (1122) ، وشعيب الأرنؤوط في تعليقه على جامع العلوم والحكم 2/134، وينظر الزهد لوكيع، رقم (30، 286، 109) ، وصحيح سنن ابن ماجه 2/359.
(1) صحيح البخاري مع الفتح كتاب الدعوات باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم والليلة11/101،حديث (6307) .(37/321)
وروى أبو نعيم في حلية الأولياء في ترجمة الحجاج بن فرافصه 3/109: حدثنا أبو عمرو بن حمدان، قال: ثنا الحسن بن سفيان، قال: ثنا سعيد بن أشعث السمان، قال: ثنا الحارث بن عبيد، قال: ثنا الحجاج بن فرافصه، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استغفروا" قال: "فاستغفرنا". قال: "أكملوا سبعين مرة "قال: "فأكملنا". قال: "إنه من استغفر سبعين مرة غفر له سبعمائة ذنب، وقد خاب وخسر من عمل في يوم وليلة أكثر من سبعمائة ذنب" وإسناده ضعيف، الحارث بن عبيد مجهول كما في التقريب، والحجاج صدوق يهم كما في التقريب أيضا، وسعيد السمان قال الإمام أحمد كما في الجرح والتعديل 4/5: "ما أراه إلا صدوقاً "، وباقي رجاله ثقات. وذكر هذا الحديث السيوطي في الجامع الصغير ص 151 ورمز لضعفه، وتبعه في ذلك المناوي في التيسير 2/364، وذكره الشيخ محمد ناصر الدين في ضعيف الجامع 5/121.
(1) قال الحافظ في الفتح 11/101: "قال عياض المراد بـ (الغين) فترات عن الذكر الذي شأنه أن يداوم عليه، فإذا فتر عنه لأمر ما عدّ ذلك ذنباً، فاستغفر عنه. وقيل هو شيء يعتري القلب مما يقع من حديث النفس، وقيل: هو السكينة التي تغشى قلبه، والاستغفار لإظهار العبودية لله والشكر لما أولاه. وقيل: هي حالة خشية وإعظام، والاستغفار شكرها "أ. هـ.
(2) صحيح مسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه 4/2075، 2076، حديث (2702) .
(3) سورة هود 114.
(4) ويدل على ذلك أيضا ما رواه مسلم في صحيحه 1/209، حديث (233) عن أبي هريرة مرفوعا: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفّرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".(37/322)
وفي الباب أحاديث أخرى يطول الكلام بذكرها، تنظر في تفسير الطبري 15/511 – 526، جامع الأصول 9/388 – 395، تفسير ابن كثير 4/285، 289، تخريج الأحاديث الواقعة في تفسير الكشاف 2/152 – 154، الكافي الشافي ص 87، 88.
وقال الحافظ في الفتح 12/134 بعد ذكره القول بأن الذي تكفره الصلاة من الذنوب الصغائر لا الكبائر، قال: "هذا هو الأكثر الأغلب، وقد تكفر الصلاة بعض الكبائر، كمن كثر تطوعه مثلاً، بحيث صلح لأن يكفر عدداً كثيراً من الصغائر، ولم يكن عليه من الصغائر شيء أصلاً أو شيء يسير، وعليه كبيرة واحدة، فإنها تكفر عنه، لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ".
(1) صحيح البخاري مع الفتح كتاب الصلح باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود 5/301، حديث (2697) .
وصحيح مسلم مع شرحه للنووي كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة 12/16.
(2) صحيح مسلم الموضع السابق.
(3) صحيح مسلم كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة 2/592، حديث (867) .
(4) مرقاة المفاتيح 2/187.
(5) سورة آل عمران: 135.
(6) سورة النساء: 110.(37/323)
مُعْطِيَةُ الأمَان مِن حِنْثِ الأيمان
تأليف
عبد الحي ابن العماد الحنبلي
حقَّقَهُ وَعَلَّقَ عَلَيْهِ
الدكتور/ عبد الكريم بن صنُيْتَان العمري
أستاذ مشارك بكلية الشريعة
بالجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسّلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فإنّ مذهب الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - يعتبر من أكثر المذاهب الفقهية التيِ خُدِمت في مجال التأليف والتصنيف، فلقد اعتنى الحنابلة بمذهبهم عنايةً فائقة، وأوْلَوه اهتماماً خاصاً وفريداً في هذا الشأن، ابتداءً من تلاميذ الإمام الذين دوّنوا عنه كثيراً من المسائل الفقهية التي أخذوها عنه مباشرة، فأفردوها بمصنفات مستقلة عرفت بـ (المسائل) ، حتى وصلت إلينا مهذبة منقحة، كمسائل ولديه عبد الله وصالح، ومسائل أبي داود، وابن هانئ وغيرهم، ثم دوَّن المجتهدون في المذهب- بعد ذلك- مصنفاتٍ أخرى مستقلة على طريقة الفقهاء، شملتْ جميع أبواب الفقه، وذلك بذكر أقوال الإمام في المسألة، ونقل الروايات المتعددة عنه، وذكر الصحيح المعتمد منها، مع النص على أقوال مجتهدي المذهب في بقية المسائل الأخرى التي لم يُنقل فيها عن الإمام قول.
فكان نتيجة لذلك أن دوّنت في المذهب المصنفاتِ المطولةَ والمختصرةَ على اختلاف طريقتها، فمنها ما اقتصر فيه مصنفوه على ذكر الأقوال وأدلتها في المذهب فقط، ومنها ما شمل غيرَه من المذاهب الفقهية الأخرى، مع الإشارة إلى أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم من الفقهاء المبرّزين.(37/324)