وقد يجيء بعد تمام الكلام، كقوله عليه السلام "أنا سيّد ولد آدم ولا فخر" فتقول في الأوّل: زيدٌ وإن كان غنياً بخيل، وفي الثاني: زيدٌ بخيل وإن كان غنياً. فجواب الشرط في مثله مدلول الكلام، أي إذا كان غنياً فهو بخيل، فكيف إذا افتقر، والجملة كالعوض من الجواب المقدّر، كما تقرر، ولو أظهرته لم تذكر الجملة المذكورة ولا الواو الاعتراضية، لأن جواب الشرط ليس جملة اعتراضية. وقال الجنزي: هو واو العطف، والمعطوف عليه محذوف، وهو ضدّ الشرط المذكور، الذي قلنا إنه [هو] الأولى بالجزاء المذكور. فالتقدير عنده: زيدٌ إن لم يكن غنياً وإن كان غنياً فبخيل. وقد تقرر أنه يجوز حذف المعطوف عليه مع القرينة، لكن يلزمه أن يأتي بالفاء في الاختيار، فتقول: زيدٌ وإن كان غنياً فبخيل، لأن الشرط لا يلغى بين المبتدأ والخبر اختيارا. وأما على ما اخترنا من أن الواو اعتراضية فيجوز، لأن الاعتراضية تفصل بين أي جزأين من الكلام كانا بلا تفصيل إذا لم يكن أحدهما حرفا. وعن الزمخشري أن الواو في مثله للحال، فيكون الذي هو كالعوض عن الجزاء عاملا في الشرط نصبا على أنه حال، كما عمل جواب "متى"عند بعضهم في "متى"النصب على أنه ظرفه، ومعنى الحال والظرف متقاربان. ولا يصح اعتراض الجنزي عليه، فإن معنى الاستقبال الذي في "إنْ"يناقض معنى الحال الذي في الواو، لأن حالية الحال باعتبار عامله مستقبلاً كان العامل أو ماضيا نحو: اضربه غدا مجرداً، وضربته أمس مجردا، واستقبالية شرط "إنْ"باعتبار زمان المتكلم، فلا تناقض بينهما". انتهى.(33/279)
وقال أبو حيان: "الذي يظهر لي أن الواو الداخلة على الشرط في مثل: أقوم وإنْ قُمتَ، وأَضْربُ زيدا وانْ أحسن إليك، للعطف، لكنها لعطف حال على حال محذوفة يتضمنها السابق، تقديره: أقومُ على كل حال وإنْ قمت، أَضربُ زيداً على كل حال وإن أحسن إليك، أي وفي هذه الحال. وكذلك حكمنا إذا دخلت على نحو "أعطوا السائل ولو جاء على فرس" "رُدّوا السائل ولو بِظِلْف" (1) "أولمْ ولو بشاة" (2) . المعنى: أعطوه كائنا مِنْ مَنْ كان ولو جاء..، أوْلم على كل حال ولو بشاة، ردّوه بشيء ولو بظلف. ولا تجيء هذه الحال إلا منبهة على ما كان يتوهم أنه ليحس مندرجاً تحت عموم الحال المحذوفة فأدرج تحته، ألا ترى أنه لا يحسن: أعطي السائل ولو كان فقيراً، ولا أضرب زيداً وإن ما.."انتهى.
ومن أمثلة ذلك حديث "لا تمنع المرأة زوجها وإن كانت على ظهر قَتَب"
وحديث "إذا أراد أحدكم من امرأته حاجة فليأتها ولو كانت على تنُّور"
وحديث "إنّ الله يحبُّ السَّماحة ولو على تمرات، ويحب الشَّجاعة ولو على قتل حية"
وحديث "بعْها وِلو بضَفير"
وحديث "أَلا خمرْتَهُ ولو أن تَعْرُضَ عليه عوداً"
وحديث "تصدَّقْنَ ولو من حُليّكن". قال الطيبي: "لو"في هذا الحديث للمبالغة".
وحديث "إذا صلى أحدُكم فليستتر لصلاته ولو بسهم".
وحديث "إذا أتى أحدكم أهلَه فلْيُطْرِفْهم ولو حجارة".
وحديث "لا تشْتره وان أعطاكه بدرهم".
وحديث "اغتسل يوم الجمعة ولو كأساً بدينار".
وحديث "التمس ولو خاتما من حديد" قال التوربشتى: "هذا للمبالغة".
وحديث "اعتزلوهم ولو أن تعضَّ بأصل شجرة". قال الطيبي: "هذا شرط تعقب به الكلام تتميماً ومبالغة، أي اعتزل الناس اعتزالاً لا غاية بعده، ولو قنعت فيه بعضّ أصل الشجر فإنه خير لك".
وحديث "تسّحروا ولو بجرعة من ماء".
وحديث "تعشوا ولو بكفّ من حَشَف".(33/280)
وحديث "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تُعْطى صِلَة الحبْل، ولو أن تعطي شِسْع النَّعل، ولو أن تُفْرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تنحيّ الشيء من طريق الناس يؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق، ولو أن تأتي أخاك فتسلم عليه، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض".
وحديث "من بنى لله مسجدا ولو مفْحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة".
وحديث "بلّغوا عني ولو آية".
وحديث "أفي الوضوء إسراف؟ قال نعم وإنْ كُنت على نهر جارٍ".
163 - حديث (اتخذ خاتماً من فضّة نقشُه محمدٌ رسولُ الله) .
قال الكرماني: "نقشه"مبتدأ، و"محمد رسول الله"جملة خبره. فإن قلت: أين العائد في الجملة إلى المبتدأ؟ قلت: إذا كان الخبر عن المبتدأ فلا حاجة إلى العائد، هو في تقدير المفرد، أي الكلمة مثلا، كأنه قال: نقشه هذه الكلمة، وإعراب أمثاله يكون بحسب المنقول لا بحسب المنقول إليه".
وقال الحافظ زين الدين العراقي: "قوله "رسولُ الله"صفة لقوله "محمد"لا خبر له، ويكون خبر المبتدأ محذوفاً، أي صاحبه أو مالكه رسول الله".
164 - حديث (كان أبو طلْحةَ أكثرَ أنصاريّ بالمدينة مالا) .
قال الزركشي: "نصب "أكثر"نصب خبر كان، و"مالا"نصبٌ على التمييز".
وقال الكرماني: "فإن قلت: القياس يقتضي أن يقال أكثر الأنصار. قلت: أراد التفضيل على التفصيل، أي أكثر من كل واحد من الأنصار".
قوله (وكان أحبّ الأموال إليه بَيْرُحا) .
قال التيمي: "بيرُحا"بالرفع اسم كان، و"أحبَ"بالنصب خبرها، ويحوز العكس".
قال الزركشي: "والأوّل أحسن، لأن المحدّث عنه "بيرحا"فينبغي أن تكون هي الاسم".
ثم قال التيمي: "وجاء مقصوراً، كذا المحفوظ، ولا يظهر فيه إعراب".
قال الكرماني: "أي فهو كلمة واحدة، لا مضاف ومضاف إليه. قال: ويجوز أن يمدّ في اللغة".
وقال عياض: "رواية المغاربة بضم الراء في الرفع وبفتحها في النصب وبكسرها في الجر مع الإضافة إلى حاء على حرف المعجم".
قوله (بخ) .(33/281)
قال الداودي: "هي كلمة تقال عند المدح، وللرفق بالشيء، وتكرّر للمبالغة".
وقال النووي: "قال أهل اللغة يقال "بخ"بإسكان الخاء وتنوينها مكسورة".
وحكى القاضي عياض الكسر بلا تنوين. وحكى الأصمعي التشديد فيه.
قال القاضي: "وروي بالرفع. وإذا كررت فالاختيار تحريك الأوّل منوّناً وإسكان الثاني".
وقال ابن دريد: "معناه تعظيم الأمر وتفخيمه. وسكنت الخاء فيه كسكون اللام في هَلْ وبَلْ. ومن نوّنه شبّهه بالأصوات كصه ومه".
وقال ابن السكيت: "بخ بخ وبه به بمعنى واحد"
قوله (ذلك مالٌ رابح) .
معناه ذو ربح، كـ"الابن"و"تامر". وقيل: هو فاعل بمعنى مفعول أي مربوح فيه.
165 - حديث (أنّه رأى عبد الرَّحمن بن عَوْف وعليه وضَرٌ من صُفْرة، فقال: مَهْيَم) .
قال أبو البقاء: " [مهيم] هو اسم للفعل، والمعنى ما يمّمْت، أي ماقصدت؟ وقيل تقديره ما وراءك؟ " (1) انتهى.
وقال ابن الجوزي: "معناه ما حالك؟ " (2) .
وقال ابن مالك في التوضيح: "مهيم"اسم فعل بمعنى أخبرني".
وقيل هي كلمة يمانية
وفي حديث البخاري في قصة إبراهيم وسارة "فأتته وهو قائم يصلى، فأومأ بيده مهيا" وفي رواية ابن السكن: "والقياس مَهْين بالنون بدلاً من الميم".
قال الزركشي: "وكأنه لما سمعه منوّناً ظن التنوين نوناً".
166 - حديث "فرأيت الماء ينبعُ من تحت أصابعه حتى توضؤوا مِنْ عند آخرهم".
قال العلامة شمس الأئمة الكرماني في شرح البخاري: "حتى"للتدريج. و"من"للبيان، أي توضأ الناس، حتى توضأ الذين هم عند آخرهم وهو كناية عن جميعهم. و"عند"بمعنى في. لأن "عند"وإن كانت للظرفية الخاصة، لكن المبالغة تقتضي أن تكون لمطلق الظرفية، فكأنه قال الذين هم في آخرهم".
وقال النووي: "مِنْ"في "مِنْ عند آخرهم"بمعنى إلى، وهي لغة.(33/282)
قال الكرماني: "وُرود "مِنْ"بمعنى إلى شاذ لم يقع في فصيح الكلام، ثم إنّ "إلى"لا يجوز أن تدخل على عند. ثم إن ما بعد "إلى"مخالف لما قبلها، فيلزم خروج "من عند آخرهم"عنه.
وقال التيمي: "المعنى توضؤوا كلّهم حتى وصلت النوبة إلى الآخر".
وقال الحافظ ابن حجر: "ما قاله الكرماني في تعقبه على النووي من أن "إلى"لا تدخل على "عند"لا يلزم مثله في "من"إذا وقعت بمعنى إلى. وعلى توجيه النووي يمكن أن يقال "عند"زائدة".
وقال الكرماني في موضع آخر في هذا الحديث: "كلمة "من"هنا بمعنى إلى، وهي لغة، والكوفيون يجيزون مطلقاً وضع حروف الجر بعضها مقام بعض".
167 - حديث (نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} مرجعه من الحديبية) .
قال أبو البقاء: "بالنصب للمرجع، مصدر مثل الرجوع، والتقدير: نزلت عليه وقت رجوعه، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه".
168 - حديث "إن الله تعالى وكّل بالرحم ملكاً يقول: أيْ ربّ نُطْفة، أيْ ربّ علقة، أيْ رب مُضْغة".
قال الكرماني: " [نُطفة] بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي هذه نطفة. وبالنصب أي جعلت أنا المنيَّ نطفة في الرحم، أو صار نطفة، أو خلقت أنا نطفة. وقوله: "فإذا أراد أن يقضي خلقه قال أذكر أم أنثى شقيّ أم سعيد؟ " فإن قلت: "ذكر"مبتدأ أو خبر؟ قلت: مبتدأ. وقد تخصصّ بثبوت أحدهما إذ السؤال فيه عن التعيين، فصلح الابتداء به. وروي "أذكراً"بالنصب أي أتريد أو أتخلق؟ فإن قلت: أم المتصلة ملزومة بهمزة الاستفهام فأين هي؟ قلت: مقدّرة وجوباً، ووجودها في قرينتها يدل عليه".
169 - حديث "عَجبتُ للمؤمن إنّ الله تعالى لم يَقْض له قضاء إلا كان خيراً له".
قال أبو البقاء: "الجيد "إنّ"بالكسر على الاستئناف. ويجوز الفتح على معنى في أن الله، أومن أن الله".(33/283)
170- حديث (مُرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم ببدنة، فقال: ارْكَبْها، قالوا: إنها بَدَنَة. قال: وإِنْ) .
قال النووي: "هكذا في جميع النسخ "وإنْ"فقط، أي وإن كانت بدنة".
171- حديث (قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، وكُنَّ أًمَّهاتي يَحْثُثْنني على خدمته) الحديث.
قال أبو البقاء: "النون في "كنّ"حرف يدل على جمع المؤنث، وليست اسما مضمراً، لأن "أمهاتي"هو اسم كان، فلا يكون لها اسمان، ونظير النون هنا الواو في قوله: أكلوني البراغيث، والنون في قول الشاعر:
ولكنْ دِيافيٌ أبوه وأمّهُ
بِحَوْرانَ يعْصِرْن السَّليطَ أقاربه
وقوله في الحديث (الأيمن فالأيمن) منصوب بفعل محذوف تقديره: قدّموا الأيمن فالأيمن" انتهى.
وقال ابن مالك في توضيحه: "اللغة المشهورة تجريد الفعل من علامة تثنية وجمع عند تقديمه على ما هو مسند إليه، استغناء بما في المسند إليه من العلامات نحو: حضر أخواك، وانطلق عبيدُك وتبعهم إماؤك، ومن العرب من يقول: حضر أخواك وانطلقوا عبيدُك وتبعتهم إماؤك. والسبب في هذا الاستعمال أن الفاعل قد يكون غير قابل لعلامة تثنية ولا جمع كـ"من"فإذا قصدت تثنيته أو جمعه، والفعل مجرد، لم يُعلم القصد. فأراد أصحاب هذه اللغة تمييز فعل الواحد عن غيره. فوصلوه عند قصد التثنية والجمع بعلامتيهما، وجرّدوه عند قصد الإفراد، فرفعوا اللبس، ثم التزموا ذلك فيما لا لبس فيه ليجري الباب على سنن واحد. وعلى هذه اللغة قول من روى "كُنّ نساءُ المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر" وقول أنس "فكنّ أمهاتي يحثثنني" وقوله صلى الله عليه وسلم "يتعاقبوِن فيكم ملائكة" (1) ، وقول الشاعر:
رأيْنَ الغواني الشيبَ لاحَ بعارضي
فَأعْرضْنَ عنّي بالخدُود ِالنَّواضرِ " انتهى.
وقال النووي: "ضبط "الأيمن فالأيمن"بالنصب على تقدير: أعط الأيمن، وبالرفع على تقدير: الأيمنُ أحقّ".(33/284)
وقال الزركشي: "يجوز رفعه على الابتداء وخبره محذوف، أي أولى، والنصب بتقدير اسقوا".
172- حديث (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجدَ وحبلٌ ممدودٌ بين ساريتين) الحديث.
قال ابن مالك في توضيحه: "لا يمتنع الابتداء بالنكرة على الإطلاق، بل إذا لم يحصل بالابتداء بها فائدة، نحو: رجلٌ تكلّم، وغلامٌ احتلم، وامرأةٌ حاضت. فمثل هذا من الابتداء بالنكرة يمنع لخلوّه من الفائدة، إذ لا تخلو الدنيا من رجل يتكلم ومن غلام يحتلم ومن امرأة تحيض. فلو اقترن بالنكرة قرينة تتحصّل بها الفائدة، جاز الابتداء بها. فمن القرائن التي تتحصل بها الفائدة الاعتماد على واو الحال كقولك: انطلقتُ وسبعٌ في الطريق، وأتيتُ فلانا ورجلٌ يخاصمُه. ومنه {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} (1) ومنه "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبلٌ ممدود"وقول عائشة "دخل رسوله الله صلى الله عليه وسلم وبُرْمَةٌ على النار" (2) ومنه قول الشاعر:
سريْنا ونجمٌ قد أضاء فمذ بدا
مُحيّاك أخفى ضَوؤه كُلَّ شارق
وكذا الاعتماد على "إذا"المفاجأة، نحو: انطلقتُ فإذا سبعٌ في الطريق، ومنه قول بعض الصحابة "إذا رجُلٌ يصلي". انتهى.
قوله: "ليُصلِّ أحدُكم نشاطه".
قال أبو البقاء: "أي مدة نشاطه، فحذف الظرف وأقام المصدر مقامه".
وقال الأشرفي في شرح المصابيح: "يجوز أن يكون "نشاطه"بمعنى الوقت، وأن يراد به الصلاة التي نشط لها".
وقال الطيبي: "يجوز أن يكون نصبه على المصدر من حيث المعنى، يعني انشطوا في صلاتكم النشاط الذي يليق بحالكم".(33/285)
173 - حديث "ذَهبْتُ بعَبْد الله بنْ أبي طلْحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وُلد، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في عباءة يهْنا بعيراً له، فقال: هل معك تمر؟ فقلت: نعم. فناولته تمرات فألقاهنّ في فيه، فلاكهن ثم فغر فا الصبيّ فمجهّ في فيه، فجعل الصبيّ يتلمظه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حب الأنصار التمر".
قال النووي: [حبّ] روي بضمّ الحاء وكسرها. فالكسر بمعنى المحبوب كالذِّبح بمعنى المذبوح. وعلى هذا فالباء مرفوعة، أي محبوبُ الأنصار التمر. وأما من ضمّ الحاء فهو مصدر، وفي الباء على هذا وجهان: النصب وهو الأشهر، والرفع؛ فمن نصب فتقديره: انظر حُبَّ الأنصار التمر، فينصب التمر أيضاً. ومن رفع قال هو مبتدأ حذف خبره، أي حبّ الأنصار التمر لازم، أو هكذا، أو عادة من صغرهم".
174- حديث "لبَّيْك حقَّاً حقَّا، تعبُّداً ورقاً".
قال في النهاية: "حقا"مصدر مؤكد لغيره، أي إنه أكّد به معنى ألْزَمُ طاعتك، الذي دلّ عليه لبّيْك، كما تقول: هذا عبْدُ الله حقاً، فتؤكده به. وتكريره لزيادة التأكيد. و"تعبّداً"مفعول له".
175- حديث "أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها" (1) .
قال ابن مالك في شرح الكافية: "يجوز كسر "إنّ"بعد "أَما"مقصوداً بها معنى "ألا"الاستفتاحية. وإن قصد بها معنى حقا فتحت".
وقال في شرح التسهيل: "روى سيبويه نحو أما إنك ذاهب، بالكسر على جعل "أما"استفتاحية بمنزلة ألا، والفتح على جعل "أما"بمعنى حقا. وتكون "أما"مع الفتح على مرادفة الاستفتاح أيضاً، وما بعدها مبتدأ خبره محذوف، كأنه قال أما معلوم أنك ذاهب. وقد يقع بين "أما"و"إن"يمين فيجوز أيضا الفتح على مرادفة "أما""حقا"، والكسر على مرادفتها "ألا"ذكر ذلك سيبويه ". انتهى.
176- حديث "حَسْبُك مِنْ نساء العالمين مَرْيَمُ بنتُ عِمْران" الحديث.(33/286)
قال الطيبي: "حَسبُك"مبتدأ، و"من نساء العالمين"متعلق به، و"مريم"خبره. والخطاب إما عام أو لأنس. أي كافيك معرفتك فضلهن من معرفة سائر النساء".
177 - حديث "وما رياضُ الجنة؟ قال: حلق الذكر".
قلت: في النهاية "حِلَق"بكسر الحاء وفتح اللام. جمع حَلْقة، مثل قَصْعة وقصَع.
وقال الجوهري: "جمع الحَلقة حَلَق بفتح الحاء على غير قياس. وحكى عن أبي عمرو أن الواحد حَلَقة بالتحريك والجمع حَلَق بالفتح. وقال ثعلب: "كلّهم يجيزه على ضعفه". وقال أبو عمرو الشيباني: "ليس في الكلام حَلَقة بالتحريك إلا جمع حالق".
178 - حديث "يقولُ الله لأهْوَن أهل النار عذاباً يوم القيامة، لو أنَّ لك ما في الأرْض مِنْ شيء" (1) .
قال الطيبي: "أي لو ثبت. لأن "لو"يقتضي الفعل الماضي، وإذاَ وقعت "أن"المفتوحة بعد "لو"كان حذف الفعل واجباً، لأن ما في "أن"من معنى التحقيق والثبات مُنزَّل منزلة الفعل المحذوف. وقوله: "فأَبَيْت إلا أنْ تُشرك بي" استثناء مفرّغ. وإنما حذف المستثنى منه مع أنه كلام موجب لأنّ في الإباء معنى الامتناع، فيكون نفيا معنى، أي ما اخترت إلا الشرك".
179 - حديث (مرَّ على امْرأة وهى تبكي على قبر، فقال لها: اتّقي الله واصْبري، فقالت له: إليْك عنّي، فإنك لاتُبالي مُصيبتي) (2) .
"إليك"اسم فعل بمعنى تنحَّ. وفي حديث المغيرة بن شعبة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل طعاماً ثم أقيمت الصلاة، [فقام] وقد كان توضأ قبل ذلك. فأتيته بماء ليتوضأ منه فانتهرني وقال: وراءك" وفي حديث أبي هريرة "أقيمت الصلاةُ وعُدّلت الصفوفُ قياماً فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام في مُصلاّه ذكر أنه جُنُب، فقال لنا مكانكم، ثم رجع فاغتسل" (3) .(33/287)
قال الزمخشري في المفصّل: "من أسماء الفعل: دُونَك زيدا أي خذه، وعندك عمراً أي الزمه، ومكانك إذا قلت تأخر وحذّرته شيئاً خلفه، وأمامك إذا حذَّرته من بين يديه شيئاً، أو أمرته أن يتقدّم، ووراءك أي انظر إلى خلفك إذا أبصرته شيئاً".
وقال الأندلسي: "موضع هذا الباب للمبالغة، لأن من شأن العرب إذا أرادت معنى زائداً على ما يعطيه اللفظ غّيرته وأزالته عن موضعه المعهود، كما تراهم يفعلون في ضارب وضرّاب وراحم ورحمان. وفيه أيضاً اختصار وإيجاز إلا أنه لا يخلو عن توسّع وتجوّز. أما الاختصار فلأن الأصل في قولك: "دونك زيدا": خُذ من دونك زيداً، فحذف حرف الجر والفعل، وضمّن الظرف معناهما. وأما التجّوز فلأنهم حذفوا أحد اللفظين وجعلوا الآخر نائباً منابه وسادا مسدّه. وإقامة الشيء مقام غيره وحلوله في غير محلّه تجّوز وتوسّع. ثم الألفاظ المستعملة فيه ثلاثة ضروب: عليك وإليك، وظروف المكان نحو عندك ووراءك وأمامك وباقي أسماء الجهات الست، ومصادر نحو حِذْرَك وحذارك. ثم قولك "أمامك"يحتمل وجهين: أن يريد ادْنُ، أو احذر. فإن أردت ادْنُ فلا يتعدّى، وإن أردت احذر تعدّى. فيكون اللفظ واحداً والمراد به مختلف، والقرائن هي الفارقة المفهمة. ويقال في إعرابه إغراء، وفي المنصوب به منصوب بالإِغراء. وإذا ارتفع ما بعد هذه الحروف أو الظروف خرجت عن الإغراء، كقولك: عليك الدَّينُ، وأمامك الجزاءُ. ومن أحكام هذا الأصل أن لا يُغْري به غائب. فمن ذلك: عليك عمراً، ووراءك انظر وهو ظرف. ومكانك أي الزمه- وهو ظرف. وإليك بمعنى تنح. ووراءك انظر. وهذه المجرورات بمنزلة صَهْ ومَهْ، ولا يقع إلا في الأمر. أما ما روي أنه إذا قيل إليك، فقال: إليَّ، فهذا شاذ مخالف لقياس العرب، ولا يجوز علىَّ زيداً ولا دوني عمراً، إلا أن يريد بعليّ أوْلِني، فيقول: عليّ زيداً، فتوسعت العرب في هذا، فعدَّته مرة إلى المتكلم بحرف الجر، ومرّة إلى المخاطب. ولم يقع توسّع في(33/288)
دونك وعندك. فلا يقولون دوني ولا عندي". انتهى.
وقال الرضي: "من أسماء الأفعال الظروف وشبهها. فعندك ودونك ولديك بمعنى خُذ. والأصل: عندك زيدٌ فخذه، وكذا لديك زيدٌ ودونك زيدٌ، برفع ما بعدها على الابتداء. فاقتصر من الجملة الاسمية والفعلية بعدها على الظرف، فكثر استعماله حتى صار بمعنى خُذ فعمل عمله. وهذه الظروف مبنية على الفتح لأنه الحركة التي استحقها في الأصل حين كانت ظروفاً، فوراءك أي تأخر، وأمامك أي تقدّم أو احذر من جهة أمامك. ويجوز أن يقال هما باقيان على الظرفية، إذ هما لا ينصبان مفعولا، كعندك ولديك، فيكون التقدير استقرّ وراءك وأمامك. وكذا مكانك أي الزم مكانك. ويقال: عليك زيداً أي خذه. كان الأصل عليك أخذه. ويقال إليك عني، والأصل ضمّ عملك إليك وتنحّ عني، فاختصر كما ذكرنا".
مراجع الحلقة
- الإحاطة في أخبار غرناطة: لسان الدين بن الخطيب، تحقيق محمد عبد الله عنان، مكتبة الخانجي بالقاهرة- الطبعة الأولى 1397هـ 1977م.
- ارتشاف الضرب: أبو حيان النحوي الأندلسي- تحقيق د. مصطفى النماس.
- الاستيعاب في أسماء الأصحاب: الحافظ القرطبي/ في هامش الإصابة- دار الكتاب العربي- بيروت.
- إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين: عبد الباقي اليماني، تحقيق د. عبد المجيد دياب، الطبعة الأولى1406هـ 1986م.
- الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر العسقلاني، دار الكتاب العربي، بيروت.
- إصلاح المنطق: ابن السكيت، تحقيق أحمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف بمصر، الطبعة الثالثة.
- الأصمعيات: الأصمعي، تحقيق أحمد شاكر وعبد السلام هارون، الطبعة الخامسة- بيروت. لبنان.
- إعراب الحديث النبوي: أبو البقاء العكبري، تحقيق د. حسن موسى الشاعر.
- إعراب القرآن: أبو جعفر النحاس، تحقيق د. زهير غازي زاهد، الطبعة الثانية 1405هـ 1985م.
- الأعلام: الزركلي، دار العلم للملايبين، بيروت، الطبعة السادسة 1984م.(33/289)
- أمالي السهيلي: تحقيق د. محمد إبراهيم البنا، الطبعة الأولى 1390هـ 1970م.
- إنباه الرواة: القفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، 1406هـ- 1986م.
- الإنصاف في مسائل الخلاف: الأنباري، تحقيق المرحوم الشيخ محي الدين عبد الحميد.
- أوضح المسالك: ابن هشام الأنصاري، تحقيق المرحوم الشيخ محي الدين عبد الحميد.
- البحر المحيط: أبو حيان، مطبعة السعادة 1328هـ.
- بغية الوعاة: السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة الحلبي، الطبعة الأولى 1384هـ 1964م.
- تاج العروس: الزبيدي، دار ليبيا للنشر والتوزيع.
- التبيان في إعراب القرآن: العكبري، تحقيق علي محمد اليحاوي، مطبعة عيسى الحلبي.
- تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد: ابن هشام الأنصاري، تحقيق د. عباس الصالحي، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1406هـ 1986م.
- تذكرة الموضوعات: الفتني، بيروت.
- تذكرة النحاة: أبو حيان، تحقيق د. عفيف عبد الرحمن، الطبعة الأولى 1406هـ 1986م.
- التصريح على التوضيح: الشيخ خالد الأزهري، دار إحياء الكتب العربية.
- تهذيب اللغة: الأزهري، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي 1967م.
- توضيح المقاصد والمسالك: المرادي، تحقيق د. عبد الرحمن سليمان، الطبعة الثانية.
- الجامع الكبير: السيوطي، نسخة مصورة عن مخطوطة دار الكتب- الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- الجامع لأحكام القرآن: القرطبي، طبعة دار الكتب المصرية- القاهرة.
- الحماسة: أبو تمام، تحقيق د. عبد الله عسيلان، 1451هـ 1981م.
- خزانة الأدب: البغدادي، تحقيق عبد السلام هارون.
- دراسات لأسلوب القرآن الكريم: المرحوم الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة.
- الدّر المصون في علوم الكتاب المكنون: السمين الحلبي، تحقيق د. أحمد الخراط، دار القلم، دمشق.
- الديباج المذهب: ابن فرحون المالكي، تحقيق د. محمد الأحمدي أبو النور، مكتبة التراث- القاهرة.(33/290)
- ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: تحقيق محمد عبده عزام، دار المعارف بمصر، الطبعة الثانية.
- ديوان أبي النجم العجلي: شرح علاء الدين آغا، النادي الأدبي- الرياض 1401هـ 1981م.
- ديوان امرىء القيس: تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف بمصر، الطبعة الثالثة.
- ديوان جرير بشرح ابن حبيب: تحقيق نعمان محمد طه، دار المعارف.
- ديوان عدي بن زيد العبادي: تحقيق محمد جبار المعيبد، بغداد 1965م.
- ديوان عروة بن الورد: دار صادر، بيروت 1384هـ 1964م.
- الزاهر: أبو بكر الأنباري، تحقيق د. حاتم الضامن، دار الرشيد 1399هـ 1979م.
- السبعة في القراءات: ابن مجاهد، تحقيق د. شوقي ضيف، دار المعارف بمصر، الطبعة الثانية.
- سنن ابن ماجه: تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
- سنن أبي داود: تحقيق محمد محمي الدين عبد الحميد.
- سنن الترمذي: تحقيق عبد الرحمن عثمان، مطبعة الفجالة الجديدة.
- سنن الدارقطني: ومعه التعليق المغني على الدارقطني لأبي الطيب العظيم آبادي.
- السنن الكبرى: البيهقي، طبعة دار المعرفة بيروت عن الطبعة الأولى بحيدر آباد 1352هـ.
- السيرة النبوية: ابن هشام، تحقيق مصطفى السقا وزميليه، الطبعة الثانية 1375هـ 1955م.
- شرح أبيات سيبويه- ابن السيرافي، تحقيق د. محمد علي سلطاني، دار المأمون للتراث دمشق 1979م.
- شرح أبيات مغني اللبيب: عبد القادر البغدادي، تحقيق عبد العزيز رباح وزميله، دار المأمون للتراث، دمشق.
- شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، مع حاشية الصبان.
- شرح جمل الزجاجي: ابن عصفور، تحقيق د. صاحب أبو جناح.
- شرح ديوان أبي الطيب المتنبي المنسوب للعكبري، تحقيق مصطفى السقا وجماعة 1391هـ 1971م.
- شرح الكافية:- الرضي.
- شرح الكافية الشافية:- ابن مالك، تحقيق د. عبد المنعم هريدي، منشورات جامعة أم القرى.(33/291)
- شرح اللباب للإِسفراييني: السيرافي الفالي، تحقيق ثلاثة من طلاب الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية- رسالة ماجستير.
- شرح مشكاة المصابيح: الطيبي، مخطوط بالمكتبة المحمودية في المدينة المنورة.
- شرح المفصل: ابن يعيش، إدارة الطباعة المنيرية.
- شروط سقط الزند للمعري: تحقيق مصطفى السقا وجماعة، عن طبعة دار الكتب 1365هـ.
- شفاء العليل في إيضاح التسهيل: السلسيلي، تحقيق د. عبد الله البركاتي، الطبعة الأولى.
- شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح: ابن مالك، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
- الصحاح: الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، 1402هـ 1982م.
- صحيح البخاري بشرح ابن حجر "فتح الباري"، دار المعرفة، بيروت.
- صحيح البخاري بشرح الزركشي "التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح"، الطبعة الأولى 1351هـ 1932م.
- صحيح البخاري بشرح الكرماني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1401هـ 1981م.
- صحيح الجامع الصغير: السيوطي، تحقيق ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1399هـ 1979م.
- صحيح مسلم بشرح النووي: دار إحياء التراث العربي.
- ضعيف الجامع الصغير: السيوطي، تحقيق ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي.
- طبقات الحفاظ: السيوطي، تحقيق علي محمد عمر، مكتبة وهبة، الطبعة الأولى 1393هـ 1973م.
- العرف الطيب شرح ديوان أبي الطيب: ناصيف اليازجي، دار العلم- بيروت.
- غاية النهاية في طبقات القراء: ابن الجزري، نشر برجستراسر، عن الطبعة الأولى 1351هـ 1932م- دار الكتب العلمية.
- غريب الحديث: الخطابي، تحقيق عبد الكريم العزباوي، منشورات جامعة أم القرى 1402 هـ 1982 م.
- غريب الحديث: ابن قتيبة، تحقيق د. عبد الله الجبوري، بغداد، الطبعة الأولى 1397هـ 1977م.
- الفائق في غريب الحديث: الزمخشري، تحقيق علي البجاوي وزميله، مطبعة عيسى الحلبي، الطبعة الثانية.(33/292)
- الفاخر: المفضل بن سلمة، تحقيق عبد العليم الطحاوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1974م.
- الفتح الكبير وضمّ الزيادة إلى الجامع الصغير للسيوطي، ترتيب الشيخ يوسف النبهاني، طبعة الحلبي بمصر 1350هـ.
- القاموس المحيط: الفيروز آبادي.
- الكتاب: سيبويه، تحقيق عبد السلام هارون.
- كتاب الألفاظ والأساليب: صادر عن مجمع اللغة العربية في القاهرة سنة 1977م.
- الكتيبة الكامنة: لسان الدين بن الخطيب، تحقيق د. إحسان عباس، دار الثقافة بيروت.
- الكشاف: الزمخشري، طبعة الحلبي.
- كشف الظنون: حاجي خليفة، منشورات مكتبة المثنى- بيروت.
- اللزوميات: أبو العلاء المعري، تحقيق أمين الخانجي، القاهرة.
- مجلة معهد المخطوطات العربية بالكويت/ المجلد التاسع والعشرون- الجزء الأول عام 1405هـ 1985م.
- مجمع الأمثال: الميداني، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.
- المحتسب: ابن جني، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
- المساعد على تسهيل الفوائد: ابن عقيل، تحقيق د. محمد كامل بركات، منشورات جامعة أم القرى.
- مسند الإمام أحمد بن حنبل: وبهامشه منتخب كنز العمال.
- مشارق الأنوار: القاضي عياض، طبع المكتبة العتيقة بتونس.
- مشكاة المصابيح: التبريزي، تحقيق ناصر الدين الألباني، منشورات المكتب الإِسلامي بدمشق.
- المصباح المنير: الفيومي.
- معاني القرآن: الفرّاء، عالم الكتب، الطبعة الثانية 1980م.
- معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة- بيروت- دار إحياء التراث العربي.
- مغني اللبيب: ابن هشام، تحقيق د. مازن المبارك وزميله، الطبعة الأولى، دمشق.
- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج- الشيخ محمد الشربيني الخطيب، على متن المنهاج للنووي- مصطفى البابي الحلبي 1377هـ 1958م.
- المقتضب: المّبرد، تحقيق الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة.
- النحو الوافي: عباس حسن- دار المعارف بمصر.
- نفح الطيب: المقري، تحقيق د. إحسان عباس، دار صادر- بيروت 1388هـ 1968م.(33/293)
- النهاية في غريب الحديث والأثر: ابن الأثير، تحقيق طاهر الزاوي وزميله.
- همع الهوامع: السيوطي. تحقيق د. عبد العال سالم مكرم، دار البحوث العلمية، الكويت.
---
البخاري: كتاب العلم – باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم 1/200. مسلم بشرح النووي 1/67. مسند أحمد 3/98، 113. ابن ماجة برقم 32، 33.
النهاية في غريب الحديث 1/159.
مريم: أية 75.
(1) علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال، أبو الحسن، عالم بالحديث من أهل قرطبة له شرح البخاري. توفي سنة 449هـ. انظر: الأعلام 4/ 285.
(2) العبارة في الكرماني "ويَلْزَم عليه في قوله (فليتبوأ) توجيهات أربعة"وهذا أولى. والمراد بالتوجيهات الأربعة أقوال العلماء المذكورين في شرح الكرماني، وهم الخطابي وابن بطال والطيبي والكرماني. فعبارة السيوطي غير دقيقة.
(3) صحيح البخاري بشرح الكرماني 2/113.
فتح الباري 1/ 201.
(4) انظر كلام الطيبي في صحيح البخاري بشرح الكرماني 2 /113- نقلاً عن شرح مشكاة المصابيح للطيبي- مخطوط بالمكتبة المحمودية بالمدينة المنورة ج 1 ورقة 162.
(5) مسند أحمد 3/177،207 البخاري: كتاب الِإيمان- باب حب الرسول من الإيمان 1/58. مسلم بشرح النووي 2/15. ابن ماجة برقم 67.
(6) قال الصبان 3/ 55: "أفعل التفضيل فيه [أي أحبّ] مصوغ من فعل المفعول، ففيه شذوذ من هذه الجهة، إلا على قول من يجعل المصوغ منه مقيسا عند أمن اللبس. وكذا من جهة صوغه من زائد على الثلاثي إن كان من أحب الرباعي فإن كان من حب الثلاثي فلا شذوذ فيه..".
وقال الرضي في شرح الكافية 2/214: "وقياسه- أي اسم التفضيل- أن يكون لتفضيل الفاعل على غيره في الفعل ... وقد استعملوا في المفعول أيضا على غير قياس نحو: أعذر، وأشهر، وألوم، وأشغل أي أكثر معذورية ومشهورية وملكية ومشغولية، ومنه أعنى في قول سيبويه: وهم بشأنه أعنى".
وانظر: شرح المفصل لابن يعيش 6/ 94.(33/294)
(1) البخاري بشرح الكرماني 1/97.
تكملته (.. ثم قال: أين السائل عن وقت صلاة الغداة، ما بين هاتين أو قال هذين وقت) هذه رواية جامع المسانيد التي اعتمد عليها العكبري في إعراب الحديث، والرواية في مسند أحمد3 /113 "أسفر من الغد ".
(2) إعراب الحديث النبوي لأبي البقاء العكبري- برقم 45.
الحديث عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بالوسطى والسبابه". وفي رواية أخرى: "وضم السبابة والوسطى".
مسلم: كتاب الفتن 18/ 90- البخاري: كتاب الرقاق. فتح الباري 11 /347. مسند أحمد 3/ 131
(3) إعراب الحديث النبوي برقم 46، وما بين القوسين منه.
صحيح البخاري كتاب التفسير- سورة النازعات- فتح الباري 8/ 691
(4) في النسخ الخطية: "قمتُ أنا وزيد"والصواب ما أثبته.
قال ابن مالك في شرح الكافية الشافية 3/ 1244: "إن كان المعطوف عليه ضميرا متصلاً مرفوعاً فالجيد الكثير أن يؤكد قبل العطف بضمير رفع منفصل كقوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ".
(5) كتاب المسائل والأجوبة لابن السّيد البطليوسي المتوفى سنة 521 هـ.
الطيالسة جمع طَيْلسان وهو فارسي معرَّب، نوع من اللباس.
(6) أي مفعول به على رأي الزجاج. وانظر الخلاف في ناصب المفعول معه- التصريح 1/ 344
أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي فقيه مالكي من رجال الحديث. مولده بقرطبة كان مدرساً بالإسكندرية وتوفي بها سنة 656 هـ من كتبه: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلما. انظر الأعلام1/186.
(7) حديث عن أنس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى خيبر ليلاً… فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوه قالوا: محمد والله، محمد والخميس ... )
البخاري: كتاب المغازي باب غزوة خيبر7/467 كتاب الخوف باب التبكير 2/438. مسند أحمد 3/111، 163.
(8) النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 79(33/295)
(1) صحيح البخاري بشرح الكرمايى 4/32
شرح صحيح البخاري للزركشي2/16
(2) مسند أحمد 3/191
(3) الصحاح للجوهري 6/ 2250
(4) قال الرضي في شرح الكافية 2/69: "وأما التنوين اللاحق لبعض هذه الأسماء فعند الجمهور للتنكير ... وقال ابن السكيت والجوهري: دخولها فيما تدخل عليه منها دليل كونه موصولاً بما بعده وحذفه دليل الوقف.." وقال الأشموني 3/207: "وذهب قوم إلى أن أسماء الأفعال كلها معارف ما نون منها وما لم ينون".
(5) ن نصر الداودي الأسدي المالكي، أبو جعفر، محدّث فقيه متكلم، سكن طرابلس الغرب وتوفي بتلمسان. من مصنفاته: النامي في شرح الموطأ، النصيحة في شرح البخاري، توفي سنة 402 هـ انظر. معجم المؤلفين 2/ 194
(6) الحديث عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعودوا الكفر كما يكره أن يُقذف في النار" مسند أحمد 3/103، 248، 288. البخاري: كتاب الإيمان. باب حلاوة الإيمان. فتح الباري 1/ 60
(7) إذا وقع اسم الشرط مبتدأ فقيل خبره فعل الشرط وحده وفيه ضميره وقيل فعل الجواب لأن الفائدة به تمّت، وقيل مجموعها.
قال أبن هشام: والصحيح الأول وإنما توقفت الفائدة على الجواب من حيث التعلق فقط لا من حيث الخبرية. انظر: مغنى اللبيب- الباب الرابع ص 519- 520 همع الهوامع 4/341.
المقصود بكلمة الانتهاء (إلى) وبآلة الظرف (في) .
(8) صحيح البخاري بشرح الكرماني 1/ 100
(9) مسند أحمد 3/106، 243.
(10) إعراب الحديث النبوي- برقم 47
(11) البخاري- كتاب المزارعة- باب فضل الزرع والغرس- فتح الباري 5/3. مسلم 10/ 214 مسند أحمد 3/ 229، 243. مشكاة المصابيح- كتاب الزكاة باب فضل الصدقة.
شرح مشكاة المصابيح. الطيبي، مخطوط بالمكتبة المحمودية الجزء الثاني ورقة 104(33/296)
(1) الحديث عن أنس وفيه ".. فصلى رسول الله فلما فرغ من صلاته قال: أين السائل عن الساعة؟ فقال: أنا يا رسول الله. قال: وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كبير عمل صيام ولا صلاة إلا أني أحب الله ورسوله.." مسلم 16/187. مسند أحمد3/104
(2) إعراب الحديث النبوي. رقم 48
(3) عن أنس قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يهادي بين ابنيه، قال: ما هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل لغني أن يعذب هذا نفسه، فأمره فركب".
مسند أحمد 3/106. وفي البخاري ي كتاب الأيمان والنذور باب النذر فيما لا يملك فتح الباري 11/ 585 "إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه"، وكذلك الراوية في سنن أبي داود 3/ 235 كتاب الأيمان والنذور.
(4) عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على أزواجه وسوَّاق يسوق بهن يقال له أنجشة، فقال. ويحك يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير..".
مسند أحمد 3/ 186، 107- البخاري: كتاب الأدب،10/538.
مسلم: كتاب الفضائل 15/ 80 بروايات مختلفة.
إعراب الحديث النبوي- برقم 49
(5) شواهد التوضيح والتصحيح ص 205
(6) صحيح مسلم بشرح النووي 15/ 80 وما بين المعقوفات منه.
(7) البخاري: كتاب الجنائز- باب فضل من مات له ولد فاحتسب. فتح الباري 3/118.
في النسخ المخطوطة "اللام"والتصويب من إعراب الحديث للعكبري.
سورة يوسف: آية 90.
(8) إعراب الحديث النبوي- برقم50.
(9) فتح الباري 3/ 121.
(10) الإمام عبد الواحد بن التين السفاقسي. له شرح على صحيح البخاري. انظر: كشف الظنون 1/546.
(11) صحيح البخاري بشرح الكرماني 7/58.
(12) عمرو بن عبسة بن خالد السلميّ، قيل أسلم قديماً بمكة ثم رجع إلى بلاده فأقام بها إلى أن هاجر بعد خيبر وقبل الفتح فشهدها. يقال مات بحمص في أواخر حلافة عثمان. انظر: الإصابة 3/ 705.(33/297)
(1) سليمان بن أحمد الطبراني من كبار المحدثين، أصله من طبرية، له ثلاثة معاجم في الحديث، ومصنفات أخرى. توفي سنة 360 هـ انظر: الأعلام 3/ 121.
(2) فتح الباري 3/ 121.
أبو ثعلبة الأشجعي، قال عنه البخاري له صحبة. انظر: الإصابة 4/ 29.
البخاري: كتاب الهبة- باب من استسقى. فتح الباري 5/ 201.
وتكملته ".. فأعطيته، وأبو بكر عن يساره وعمر تجاهه وأعرابي عن يمينه، فلما فرغ قال عمر: هذا أبو بكر، فأعطى الأعرابيّ فضله ثم قال: الأيمنون الأيمنون..".
(3) صحيح البخاري بشرح الكرماني 11/114.
(4) عن أنس قال: "كان فزع بالمدينة، فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرساً من أبي طلحة، يقال له المندوب، فركبه فلما رجع قال: ما رأينا من شيء، وإن وجدناه لبحرا".
البخاري: كتاب الهبة 5/ 240. كتاب الجهاد 6/58، 66.
(5) عبد الملك بن قريب الأصمعي الباهلي، أحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان، طاف كثيراً في البوادي وحفظ كثيراً من الشعر، له مصنفات كثيرة منها: الإبل، الأضداد، الخيل. توفي بالبصرة سنة 216 هـ. انظر: الأعلام 4/ 162.
(6) انظر: فتح الباري 5/ 241.
(7) أحمد بن يحي ثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة كان ثقة حجة صالحاً ديِّناً مشهوراً بالحفظ ورواية الشعر. من مصنفاته: المصون، معاني القرآن، المجالس. توفي سنة 1 29 هـ. انظر: إنباه الرواة1/ 173 بغية الوعاة 1/ 396.
(8) انظر الخلاف في الإنصاف مسألة 90، مغنى اللبيب 256.
(9) انظر: ارتشاف الضرب 2/ 151 بتحقيق د. النماس.
الحديث لا مشكاة المصابيح- كتاب البيوع- باب الربا. برقم 2831 ورواه ابن ماجة- كتاب الصدقات برقم 2432.
(10) سورة البقرة: آية 245(33/298)
(1) عن أنس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة التمس غلاماً من غلمانكم يخدمني… ثم أقبل حتى إذا بدا له أحد قال: هذا جبل يحبنا ونحبه، فلما أشرف على المدينة قال: "اللهم إني أحرِّم ما بين جبليها مثل ما حرّم به إبراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدّهم وصاعهم".
البخاري كتاب الأطعمة- باب الحيس- فتح الباري 9/ 554. وقد رويَ الحديث بروايات متعددة مختلفة منها: البخاري6/87. مسند أحمد 3/243، 149، 159.
(2) يونس بن حبيب الضبي، غلب عليه النحو، وروى عنه سيبويه كثيرا. كانت حلقته بالبصرة ينتابها الأدباء. توفي سنة 182 هـ انظر: إنباه الرواة 4/ 74.
(3) الكتاب لسيبويه 2/ 355 بتصرف يسير.
(4) مسند أحمد 3/117
صحيح البخاري بشرح الكرماني 20/48.
(5) البخاري- كتاب النكاح 9/314. مشكاة المصابيح/ كتاب النكاح باب القسم برقم 3233.
مسند أحمد 3/136. مسلم 13/45. مشكاة المصابيح برقم 3810.
(6) سورة آل عمران: آية 133.
(7) عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أول شفيع في الجنّة، لم يصدق نبي من الأنبياء ما صُدّقتً ... " مسلم بشرح النووي 3/73. صحيح الجامع الصغير برقم 1471.
(8) شرح مشكاة المصابيح مجلد 4 ورقة 244.
(9) البخاري- كتاب الرقاق- باب صفة الجنة والنار 11/ 415. مسند أحمد 3/ 124 وتكملته: "فقال: ويحك أو هبلت أو جنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه لفي جنة الفردوس".
وانظر: البخاري/ كتاب المغازي 7/ 304، كتاب الجهاد 6/ 26 وفيه: "أن أم حارثة بن سراقة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة، وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب..".
(10) سورة الإسراء: آية 7.
(11) سورة البقرة: آية 279.
سورة النساء: آية 31.
سورة يوسف: آية 26.
سورة يوسف: آية 77.
(12) سورة النحل: آية 120.
سورة مريم: آية 14.
(13) سورة النساء: آية 137.(33/299)
(1) قائله الخنجر بن صخر الأسدي، فكأنه نظر وجهه في المرآة فلم يره حسناً فتسلى بأنه يشبه الأسد في شجاعته.
انظر: الأشموني 1/ 245. خزانة الأدب 9/ 304. همع الهوامع 1/108.
شفاء العليل في إيضاح التسهيل 1/326. شواهد التوضيح 176.
البخاري: كتاب المغازي 7/ 282 وانظر شواهد التوضيح ص 17.
طلحة بن سليمان السمان، مقرئ مصدّر، له شواذ تروى عنه. انظر: غاية النهاية في طبقات القراء1/ 341.
سورة النساء: آية 78. وقراءة طلحة بن سليمان شاذة. انظر: البحر المحيط 3/ 299. القرطبي 5/ 282. الدرّ المصون 43/4. التبيان للعكبري 1/374.
رجز من شواهد سيبويه 3/67 ونسبه إلى جرير بن عبد الله البجلي، ومطلعه: يا أقرَعُ بن حابسٍ يا أقرعُ
وقيل قائله عمرو بن خثارم البجلي يخاطب الأقرع بن حابس في منافرة بين بجيلة وكلب.
انظر: شرح أبيات سيبويه للسيرافي 2/122، خزانة الأدب للبغدادي 8/ 20 شرح الأشموني 4/18، شرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي 7/ 180.
شواهد التوضيح 174.
سهم غَرب أي لا يعرف راميه. يقال سَهْم غَرْب بفتح الراء وسكونها وبالإضافة وغير الإضافة. وقيل هو بالسكون إذا أتاه من حيث لا يدري، وبالفتح إذا رماه فأصاب غيره.
انظر: النهاية لابن الأثير 3/ 350. غريب الحديث للخطابي 1/ 221.
(2) عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في جنين امرأة منِ بني لحيان بغرة عبد أو أمة". البخاري: كتاب الديات 12/ 252.
(3) عن عائشة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببُردْ حِبرَة". البخاري: كتاب اللباس 10/ 276. وبرد حِبَرة على الوصف والإضافة: برد يمان مخطط. انظر: النهاية 1/328.
(4) عن علي بن أبي طالب: "أهدى إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم حلّة سيراء فلبستها، فرأيت الغضب في وجهه، فشققتها بين نسائي".
البخاري 5/229، 9/512، 10/296. قيل هي ثياب فيها خطوط من حرير.(33/300)
(1) عبد الكريم بن محمد الرافعي، القزويني، فقيه من كبار الشافعية. من مصنفاته: التدوين في أخبار قزوين، المحرر في الفقه، فتح العزيز في شرح الوجيز للغزالي في الفقه. توفي سنة 623 هـ.
انظر: الأعلام 4/ 55.
(2) عن أنس "أن الربيّع ابنة النضر كسرت ثنية جارية فطلبوا الأرش وطلبوا العفو، فأبوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالقصاص ... فقال: كتاب الله القصاص، فرضي القوم وعفوا ... "
البخاري- كتاب الصلح 5/306. مسند أحمد 3/128، 167
سنن أبي داود- باب القصاص من السنّ 4/197
(3) سورة النساء: آية 24
(4) مسلم بشرح النووي 2/ 135
مسلم بشرح النووي 2/ 135
الحديث عن أنس وأوله: "كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها ... "
البخاري- كتاب الرقاق- باب التواضع 11/ 340. مسند أحمد 3/103
عن أنس بن مالك: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ... "
سنن أبي داود- كتاب الجهاد 3/38. مشكاة المصابيح- كتاب الجهاد- باب القتال في الجهاد برقم 3956.
الحديث عن أنس وأوله: "مررت ليلة أسري بي بقوم تقرض شفاههم ... " مشكاة المصابيح- كتاب الأدب- باب البيان والشعر، برقم 4801 الجامع الكبير للسيوطي 1/741. مسند أحمد 3/ 120، 180، 231 باختلاف.
(5) هكذا في النسخ المخطوطة ولم يظهر لي المراد، وقد رجعت إلى نسختين خطيتين من شرح الطيبي فلم أجد فيه العبارة.(33/301)
(1) البيت من البحر الكامل، وعجزه: فمضيت ثمّت قلتُ لا يعنيني وهو من شواهد سيبويه 3/24 منسوب لرجل من بني سلول. وفي الأصمعيات ص 126 مع أبيات قائلها شمر بن عمرو الحنفي. وانظر: شرح جمل الزجاجي لابن عصفور 1/ 250، مغنى اللبيب 107، 480، الأشموني 3/ 60 والشاهد فيه أن جملة (يسبني) وقعت صفة للئيم لأنه معرف بـ "أل"الجنسية فقرب من النكرة فجاز نعته بالنكرة، ويجوز أن تكون الجملة حالا.
مسلم بشرح النووي 17/ 149. صحيح الجامع الصغير برقم 1849.
(2) شرح مشكاة المصابيح- مخطوط في المكتبة المحمودية ج- 4 ورقة 121.
عن أنس قال: "بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم… قال: أنشدك بالله آالله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال اللهم نعم…".
البخاري- كتاب العلم 1/148. مسند أحمد 3/168.
(3) الفائق في غريب الحديث للزمخشري 1/ 41 ببعض اختلاف في الترتيب وانظر الكلام أيضاً في صحيح البخاري بشرح الكرماني 2/17.
(4) صحيح البخاري بشرح الكرماني 2/17.
(5) صحيح البخاري بشرح الكرماني 2/18.
(6) ناصر بن عبد السيّد الخوارزمي المطرزي، أديب عالم باللغة، من فقهاء الحنفية. من مصنفاته: الإيضاح في شرح مقامات الحريري، المصباح في النحو، المعرب في اللغة شرحه ورتبه في كتابه المُغرب في ترتيب المعرب. توفي سنة 610 هـ. انظر: الأعلام 7/348.
(7) الترمذي: أبواب فضائل القرآن 4/250 برقم 3083. سنن أبي داود: كنس المسجد 1/126. مشكاة المصابيح: كتاب الصلاة- باب المسجد.
(8) شرح مشكاة المصابيح للطيبي مخطوط في المكتبة المحمودية- ج اورقة 262.
(9) الحيس: تمر ينزع نواه ويدق مع أقط ويعجنان بالسمن- (المصباح المنير- الحيس) .
- مسند أحمد 3/99.
سورة الطارق: آية 5.(33/302)
إعراب الحديث النبوي- برقم 36.
131- الترمذي: أبواب صفة القيامة 4/ 59 برقم 2590 مسند أحمد 3/ 120، 286 الحديث عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أخفتُ في الله وما يخاف أحد، ولقد أذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتيت عليَّ ثلاثون من بين يوم وليلة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبدٍ إلا شيء يواريه إبط بلال". قال الترمذي: "ومعنى هذا الحديث حين خرج النبي صلى الله وسلم هارباً من مكة ومعه بلال، إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمل تحت إبطه".
(1) شرح مشكاة المصابيح للطيبي- ج-4 ورقة 138.
سنن أبي داود 4/360 باب ما جاء في البناء.
البخاري: كتاب الفتن- باب ذكر الدجال- فتح الباري 13/ 91.
(2) البخاري: كتاب التهجد- فتح الباري 3/ 38 والرواية في الأصل "حقاً"وفي رواية أخرى في الشرح "حق.
مسلم: كتاب اللباس والزينة 14/ 92.
الكتاب 2/ 134.
(3) البخاري: كتاب الطلاق. باب إذا عرّض بنفي الولد. فتح الباري 9/ 442.
البيت لعدي بن زيد العبّادي في ديوانه 162. وانظر خزانة الأدب 10/ 445، مغنى اللبيب 321.
البيت من البحر الطويل، وهو من شاهد سيبويه 2/136 نسبه للفرزدق، يهجو رجلا من ضبة، نفاه عن ضبة ونسبه إلى الزنج. والمشافر: جمع مشفر وهو شفة البعير.
وانظر: خزانة الأدب 10/ 444. مغنى اللبيب 323، همع الهوامع 2/163.
(4) شواهد التوضيح ص148.
تكملته: "كذلك صاحب الدنيا لا يسلم من الذنوب"مشكاة المصابيح- كتاب الرقاق برقم 5205 الفتح الكبير للسيوطي 292/3- عن شعب الإيمان للبيهقي.
(5) شرح مشكاة المصابيح ج-4 ورقة 132. قال الطيبي في شرح المشكاة: وحاصل معناه: هل يتحقق المشي على الماء مع عدم الابتلال؟ ولذا صح الجواب بلا.
مسلم بشرح النووي 16/ 180.(33/303)
(1) الشيخ أكمل الدين محمد بن محمد بن محمود البابرتي الحنفي، له شرح على كتاب مشارق الأنوار للإمام الصغاني، سماه تحفة الأبرار في شرح مشارق الأنوار، وله مصنفات أخرى. توفى بمصر سنة 786 هـ. انظر: الأعلام 7/42. كشف الظنون 2/ 1688 الدرر الكامنة 4/250.
(2) سورة البقرة: آية 36.
(3) البخاري- كتاب التفسير 8/ 492 والرواية فيه "قادراً". مسلم بشرح النووي 17/148 والرواية فيه "قادراً". مشكاة المصابيح: كتاب أحوال القيامة. باب الحشر برقم 5537.
(4) شرح مشكاة المصابيح ج 4 ورقة 196.
137- البخاري 7/ 93. مسند أحمد 3/ 189.
(5) قال في فتح الباري 7/93: "صورته صورة النداء، لكن المراد فيه الاختصاص ... "وقال الأشموني 3/ 186: "اعلم أن المخصوص- وهو الاسم الظاهر الواقع بعد ضمير يخصه أو يشارك فيه- على أربعة أنواع: الأول أن يكون أيّها وأيتها، فلهما حكمهما في النداء وهو الضم، ويلزمهما الوصف باسم محلا بـ "أل"لازم الرفع نحو: أنا أفعل كذا أيها الرجلُ، واللهم اغفر لنا أيتها العصابةُ ... ".
(6) البخاري: كتاب مناقب الأنصار- باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة 7/ 249 والرواية فيه: "مرني بما شئت". وكذلك مسند أحمد 3/211.
(7) شواهد التوضيح ص 195.
(8) سنن أبي داود- باب في الحسد 4/277- مشكاة المصابيح: كتاب الإيمان- باب الاعتصام بالكتاب والسنة برقم 181. الحديث عن أنس وفيه: ".. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديار..".
(9) سورة الكهف: آية 78.
(10) شرح مشكاة المصابيح ج1 ورقة 158.
(11) البخاري: كتاب الصلاة- باب ما يذكر في الفخذ ا/480. مسند أحمد 3/102، 168.
(12) في الصحاح (عرس) : العروس: نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ماداما في إعراسهما.(33/304)
(1) البخاري: كتاب المغازي- باب قتل أبي جهل. فتح الباري 7/293، 321 مسند أحمد 3/ 115، 129. والرواية فيه "أنت أبو جهل".
(2) هو الإمام عبد الواحد بن التين السفاقسي، له شرح على صحيح البخاري.
(3) أي قطع النعت إلى الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، وإلى النصب على أنه مفعول به لفعل محذوف. ولكني أرى أن الداودي لم يقصد هنا قطع النعت بل أراد النصب على الاختصاص بإضمار أعني.
(4) قال المرادي في شرح ألفية ابن مالك 3/152: "قد يوهم كلام الناظم أن القطع مشروط بتكرار النعوت، كما أوهمه كلام غيره، وليس ذلك بشرط". وقال الرضي في شرح الكافية 1/316: "وشرط الزجاجي في القطع تكرر النعت، والآية {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} ردّ عليه ... ".
(5) الحافظ محمد بن فتوح الحُميدي. مؤرخ محدث أندلسي، صاحب ابن حزم وتلميذه، رحل إلى مصر ودمشق ومكة وتوفي ببغداد سنة 488 هـ من مصنفاته: جذوة المقتبس، الجمع بين الصحيحين. انظر: الأعلام 6/327.
(6) الحديث عن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل تدرون من أجود جودا..) مشكاة المصابيح: كتاب العلم برقم 259 قال الشيخ الألباني في حاشيته 1/86 قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/166 وفيه سويد بن عبد العزيز وهو متروك الحديث.
(7) شرح مشكاة المصابيح للطيبي- مخطوط ج- 1 ورقة 186.
(8) عن أنس "لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ... فأشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يانبي الله، بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقِهما تنقزان القرب على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم ... ".
البخاري: كتاب مناقب الأنصار 7/128، كتاب المغازي 7/361.(33/305)
وقال عياض: "قيل معنى تنقزان تثبان. والنقز: الوثب والقفز، كناية عن سرعة السير". البخاري- كتاب الجهاد 6/79
قال ابن مالك في الألفية:
وشرط جزم بعد نهي أن تضع
"إن"قبل "لا"دون تخالف يقع
قال المرادي: "يعني إن شرط جزم الجواب بعد النهي أن يصح إقامة شرط منفي مقامه ... هذا مذهب الجمهور. وأجاز الكسائي جزم جواب النهي مطلقا، ولا يشترط تقدير "إن"قبل "لا" ... وقد نسب ذلك إلى الكوفيين. واستدل الكسائي بالقياس على النصب ... وبالسماع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فلا يقربن مسجدنا يؤذنا بريح الثوم "وقوله عليه السلام: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" وقول أبي طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشرف يصبك سهم". توضيح المقاصد 4/213-214 وانظر الأشموني والصبان 3/311. أمالي السهيلي 85، 118.
(1) مشارق الأنوار 2/ 24.
(2) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي طلحة: "أقرئ قومك السلام فإنهم ما علمت أعفّه صبر". مسند أحمد 3/ 150.
إعراب الحديث النبوي برقم 54.
(3) عن أنس بن مالك: "أن فاطمة ناولت رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرة من خبز شعير فقال: هذا أول طعام أكله أبوك من ثلاثة أيام". مسند أحمد 3/213
(4) إعراب الحديث النبوي- برقم 56
(5) البخاري- فتح الباري 2/ 509
البخاري- فتح الباري 9/ 563. والدباء: القرع (القاموس المحيط)
البخاري- فتح الباري 5/ 271.
فصل ابن مالك في هذه المسألة في كتابه شواهد التوضيح ص 129- 132 فجعل المبحث الثامن والأربعين في استعمال "من"في ابتداء غاية الزمان، واستدل بشواهد من القرآن والحديث والشعر.
(6) مسند أحمد 3/195
(7) إعراب الحديث النبوي برقم 57
147- مسند أحمد 3/208.
(8) إعراب الحديث النبوي برقم 58.
(9) مسند أحمد 3/ 158.
حارثة بن وهب الحزاعي، أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه له في الصحيحين أربعة أحاديث ويعد في الكوفيين.(33/306)
انظر: الإصابة 1/ 299، الاستيعاب 1/ 284.
(1) صحيح البخاري- فتح الباري 3/ 509 كتاب الحج- باب الصلاة بمنى.
شواهد التوضيح 193.
(2) جابر بن عبد الله الأنصاري، أحد المكثرين عن النبي صلى الله عليه وسلم شهد العقبة وكثيراً من الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم قيل مات سنة 74 هـ أنظر الاصابة 1/ 214-215.
مسند أحمد 3/321.
(3) سمرة بن جندب الفزاري، كان من الحفاظ المكثرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت وفاته بالبصرة سنة 58 هـ انظر: الاستيعاب 2/ 75-77 الإصابة 2/ 77.
(4) مسند أحمد 5/16.
(5) حديث الاستسقاء ورد بروايات مختلفة في كتب الحديث، انظر: البخاري كتاب الجمعة- باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة 2/413. باب الاستسقاء في المسجد الجامع 2/501، 512 مسلم بشرح النووي 6/ 191. مسند أحمد 3/256.
مشكاة المصابيح كتاب الفصائل- باب في المعجزات برقم 5902.
وقد اختلفت النسخ المخطوطة من عقود الزبرجد في ترتيب فقرات الحديث، ولكن الكلام فيها واحد.
مسند أحمد 1/175.
وردت في بعض النسخ "يحبك ويحب الناس"وروايات أخرى. والتصويب من شرح البخاري للزركشي.
(6) شرح صحيح البخاري للرركثي 2/66.
(7) في قوله تعالى: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} النحل: آية 66 قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي: {نُسْقِيكُمْ} بضم النون وفي المؤمنين آية 21 مثله. وقرأ ابن عامر ونافع وعاصم في رواية أبي بكر {نَسْقِيكُمْ} بفتح النون انظر: السبعة في القراءات لابن مجاهد ص 374.
(8) شرح صحيح البخاري 2/ 66.
(9) صحيح البخاري بشرح الكرماني 6/ 41.
صحيح البخاري بشرح الكرماني 6/ 41.
(10) صحيح البخاري بشرح الكرماني 6/ 41.
(11) محمد بن علي بن يوسف، رضي الدين الأنصاري الشاطبي، عالم باللغة، له تصانيف منها حواش على صحاح الجوهري وغيره توفي بالقاهرة سنة 684 هـ وهو أستاذ أبي حيان النحوي. انظر: الأعلام 6/283.(33/307)
(1) عن فتح الباري 2/506.
شرح مشكاة المصابيح: مخطوط ج 4 ورقة 278.
شرح صحيح البخاري للزركشي 2/66.
شرح صحيح البخاري للزركشي 2/67.
(2) صحيح البخاري بشرح الكرماني 6/106.
(3) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 2/ 505.
سورة النمل: آية 22.
(4) شرح مشكاة المصابيح/ مخطوط ج 4 ورقة 278.
(5) انظر في هذا المثل: الفاخر للمفضل بن سلمه ص 109.
شرح مشكاة المصابيح/ مخطوط ج 4 ورقة 278. وانظر: فتح الباري 2/ 505.
(6) صحيح البخاري شرح الكرماني 6/108.
الأعمش هو أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش الأسدي الكوفي، الإمام الجليل، كان ورعاً واسع الحفظ للقرآن. مات سنة 148هـ. انظر القراءات الشاذة للمرحوم القاضي ص 6 ا-17.
سورة المدثر: آية 6. وفي المحتسب 2/337: قرأ الحسن "ولا تمنن تستكثر"جزماً، وقرأ الأعمش "تستكثر"نصباً. وانظر: القرطبي 19/69.
الأشموني 3/315، توضيح المقاصد للمرداوي 4/223.
(7) شواهد التوضيح 179.
(8) شرح المشكاة- ج4 ورقة 278- والمقصود الضمير في "يحبسها".
(9) انظر كلام القاضي عياض على هذه المسألة في صحيح مسلم بشرح النووي 6/ 191.
البخاري- كتاب الأدب باب ما جاء في قول الرجل ويلك 3/553.
البخاري- كتاب الدعوات، باب الدعاء بالموت والحياة 11/150. مسند أحمد 3/ 104، 247
صحيح البخاري بشرح الكرمايى 22/133.
(10) البخاري- كتاب التوحيد، باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه 13/ 311 مسند أحمد 3/127، 130، 272.
(11) رواية الكرماني 25/228: "إذا تقرب العبد إليّ شراً تقربت إليه ذراعاً وإذا تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً".
صحيح مسلم بشرح النووي 2/178. مسند أحمد 3/162.
صحيح مسلم بشرح النووي 2/178.(33/308)
البخاري- كتاب البيوع- باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها فتح الباري 4/398، وتكملته، "قال: حتى تحمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ ". وانظر: مشكاة المصابيح/ كتاب البيوع- باب المنهي عنها من البيوع. برقم 2840.
(1) من البحر الوافر، قائله عروة بن الورد العبسي من قصيدة يتحسر فيها على سلمى التي سباها وتزوجها ثم اختارت أهلها عليه. وعجزه: إلى الإصباح آثر ذي أثير، انظر: ديوان عروة بن الورد 35، ابن يعيش 2/ 95، همع الهوامع 13/1. قال في الهمع: "فإنه نزل فيه ألهو منزلة اللهو ... "
(2) مسند أحمد 3/ 161.
(3) أحمد بن الحسين، أبو بكر البيهقي الشافعي، من أئمة الحديث، له مصنفات كثيرة منها: السنن الكبرى في عشر مجلدات، السنن الصغرى، الأسماء والصفات، الترغيب والترهيب. توفي سنة 458 هـ. أنظر: الأعلام 1/ 116.
(4) السنن الكبرى 5/303.
(5) هذا الجزء تكملة للحديث السابق ذي الرقم 154.
(6) صحيح البخاري بشرح الكرماني 10/57.
(7) الكتاب سيبويه 1/ 239.
الحديث عن أنس، وتكملته (مباركاً فيه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: أيكم المتكلم بالكلمات، فأرمَّ القوم، فقال: أيكم المتكلم بها فإنه لم يقل بأساً فقال رجل: جئت وقد حفزني النفس فقلتها، فقال: لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها) .
مسلم: كتاب المساجد، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة 5/97.
سنن أبي داود: كتاب الصلاة، باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء1/203. مسند أحمد 3/106، 67 1، 252.
(8) عبد الله بن عمر الشيرازي، ناصر الدين البيضاوي، قاض مفسر، من مصنفاته: تفسير البيضاوي، منهاج الوصول إلى علم الأصول. توفي بشيراز سنة 685 هـ. انظر: الأعلام 4/ 110.
(9) شرح مشكاة المصابيح/ مخطوط ج1 ورقة 278.(33/309)
(1) البخاري: كتاب الشهادات 5/ 252. مسند أحمد 3/ 186، 197، 245.
(2) صحيح البخاري بشرح الكرمايى 11/165.
(3) عبد الرحمن بن عبد الله، أبو القاسم السّهيلي، إمام في اللغة والنحو والحديث، نظر في كتاب سيبويه على بن الطراوة وسمع منه كثيرا، وله تآليف جليلة، منها: الروض الأنف، نتائج الفكر، أمالي السهيلي. توفي بمراكش سنة 581 هـ. انظر: إشارة التعيين 182. إنباه الرواه 2/ 162.
(4) مسند أحمد 1/119، 2/0211 الفتح الكبير 3/252.
(5) الفتح الكبير 3/232.
(6) مسند أحمد 2/394.
(7) انظر: أمالي السهيلي ص 87.
(8) عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ لمحمد صلى الله عليه وسلم. فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار. قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، فيراهما جميعا، قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في قبره… وأما المنافق والكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس. فيقال: لا دريت ولا تليت. ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين". البخاري: كتاب الجنائز باب ما جاء في عذاب القبر 3/232. مسلم 17/203. مسند أحمد 3/126. مشكاة المصابيح: باب إثبات عذاب القبر رقم 126 مع اختلاف الروايات.
"إنه"رويت بإثبات الواو قبلها وحذفها. والإعراب هنا على رواية حذف الواو.
(9) شرح مشكاة المصابيح- مخطوط ج1 ورقة 125.
(10) سورة الزمر: آية 60.(33/310)
(1) قال سيبويه 1/ 391: "قولك: كلمته فاه إلى فيّ، وبايعته يداً بيد، كأنه قال مشافهة، وبايعته نقدا. أي كلمته في هذه الحال. وبعض العرب يقول: كلمته فوه إلى فيّ، كأنه يقول: كلمته وفوه إلى فيّ، أي وهذه حاله". وانظر شرح اللباب في علم الإعراب للسيرافي الغالي، دراسة وتحقيق محمد المهدي عمّار، رسالة ماجستير في الجامعَة الإسلامية، المجلد الثاني ص – 533- 535.
(2) اللباب في النحو تأليف تاج الدين محمد بن محمد بن أحمد بن السيف المعروف بالفاضل الاسفرايني، توفي سنة 684هـ وشارح اللباب هو محمد بن مسعود بن محمود السيرافي الغالي، كان حياً سنة 712 هـ
وقد قام ثلاثة من طلاب الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بتحقيق هذا الشرح، نالوا به الماجستير.
سورة الكهف: آية 30.
شهاب الدين فضل الله بن حسن التوربشتي، محدث فقيه من أهل شيراز. من مصنفاته: الميسر في شرح مصابيح السنة للبغوي توفي سنة 661هـ انظر الأعلام 5/152.
(3) البراء بن عازب الأنصاري الأوسي، له ولأبيه صحبة، روي عنه أنه غزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم أربع عشرة غزوة، قيل مات سنة 72 هـ. انظر: الإصابة 1/ 146- 147.
(4) حديث البراء في مسند أحمد 4/287. وكلام التوربشتي هنا منقول عن شرح المشكاة للطيبي- مخطوط ج- 1 ورقة 125.
(5) النضر بن شميل التميمي، من أهل مرو، صاحب غريب وشعر وفقه ومعرفة بأيام الناس ورواية الحديث. وهو من أصحاب الخليل بن أحمد. توفي سنة 203 هـ انظر: إنباه الرواة 3/348.
هو الخليفة العباسي عبد الله بن هارون الرشيد، سابع الخلفاء العباسيين، كان عالماً كبيراً، قرّب العلماء والفقهاء والمحدثين والمتكلمين وأهل اللغة، حصلت في أيامه المحنة بخلق القرآن، توفي سنة 218 هـ. انظر. الأعلام 4/ 142.(33/311)
(1) انتهى كلام التوربشتي كما في شرح المشكاة. وقد عقَّب عليه الطيبي في شرح المشكاة ج1 ورقة 125 بقوله: "أقول: لا ارتياب أن الجلوس والقعود مترادفان، وأن استعمال القعود مع القيام، والجلوس مع الاضطجاع مناسبة لفظية، ونحن نقول بموجبه إذا كانا مذكورين معاً، كقوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} وكقوله تعالى: {دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا} لكن لم قلت إنه إذا لم يكن أحدهما مذكورا كان كذلك، ألا ترى إلى حديث جبرائيل عليه السلام "حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم"بعد قوله: "إذا طلع علينا"ولا خفاء أنه عليه السلام لم يضطجع بعد الطلوع عليهم. وكذلك لم يرد في هذا الحديث الاضطجاع ليوجب أن تذكر معه الجلوس. وأما الترجيح بما رواه عن النضر. وهو من رواة العربية، على رواية الشيخين العالميين التقيين، فبعيد عن مثله، وهو من مشاهير المحدثين.
(2) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشيخ الشربيني 1/158 على متن المنهاج للنووي.
قال الشيخ الشربيني في مغني المحتاج: فإن قيل كان الصواب أن يقول: ولو أبدل ظاء بضاد، إذ الباء مع الإبدال تدخل على المتروك لا على المأتي به كما قال تعالى: {ومن يَتبدل الكفر بالإيمان} قال تعالى: {وبدّلناهم بجنتيهم جنتين} أجيب بأن الباء في التبديل والإبدال إذا اقتصر فيهما على المتقابلين، ودخلت على أحدهما إنما تدخل على المأخوذ لا على المتروك. فقد نقل الأزهري عن ثعلب: بدلت الخاتم بالحلقة، إذا أذبته وسويته حلقة، وبدلت الحلقة بالخاتم، إذا أذبتها وجعلتها خاتماً. وأبدلت الخاتم بالحلقة إذا نحيت هذا وجعلت هذه مكانه. قال السبكي بعد نقله بعض ذلك عن الواحدي عن ثعلب عن الفراء: ورأيت في شعر الطفيل بن عمرو الدوسي لما أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم:
وبدَّلَ طالعي نحسي بسعدي
فألهمني هُدايَ الله عنه(33/312)
ومنشأ الاعتراض توهم أن الإبدال المساوي للتبديل كالاستْبدال والتبدّل، فإن ذنيك تدخل الباء فيهما على المتروك. قال شيخنا: وبذلك علم فساد ما اعترض به على الفقهاء من أن ذلك لا يجوز.
(1) سورة الفاتحة: من الآية 7.
(2) أبيات من الرجز، لم أعرف قائلها. وقد استدل بها أبو حيان في البحر المحيط 6/ 514. وقصة ذات النحيين مشهورة في كتب الأمثال، يقال أشغل من ذات النحيين. انظر: الفاخر ص- 86، مجمع الأمثال للميداني 1/376.
وفي الحماسة لأبي تمام 2/ 426 وردت هذه الأبيات دون نسبة:
أَبْدَلَها الله بلَوْنٍ لَوْنَينِ
مِنْ أَيِّنا تَضحَك ذاتُ الحِجْلَيْن
سَوادَ وَجْهٍ وبَياضَ عَيْنين
سورة البقرة: آية 108.
(3) سورة سبأ: آية 16.
(4) سورة البقرة: آية 61.
(5) سورة محمد: آية 38.
(6) سورة القلم: آية 32.
(7) سورة الكهف: آية 81.
هو حبيب بن أوس الطائي، الشاعر الأديب المشهور، في شعره قوة وجزالة، وهو صاحب ديوان الحماسة، وله الوحشيات. وديوانه مطبوع. توفي سنة 231 هـ. انظر: الأعلام 2/ 165.
(8) من قصيدة مشهورة لأبي تمام في ديوانه بشرح الخطيب التبريزي 3/232 0 الخدلة الساق: الممتلئة الساق- الشوى: الأطراف كاليدين والرجلين. والمخدّم: الذي فيه الخَدَمة وهو الخلخال. والعبنّى: الجمل الضخم الشديد. المخدّم من الإبل: الذي قد شدَّت في أرساغه سيور إلى نعاله.
(9) سورة الفرقان: آية 70
سورة البقرة: آية 59
(10) سورة إبراهيم: آية 48
(11) البيت لامرىء القيس في ديوانه ص-107 بتحقيق أبي الفضل إبراهيم، من قصيدة مطلعها:
ألمّا على الربع القديم بعسعسا
كأني أنادي أو أكلّم أخرسا
سورة سبأ: آية 16.
قام بتحقيق هذه الرسالة الأخ الدكتور عياد الثبيتي، ونشرها في مجلة معهد المخطوطات العربية بالكويت- المجلد التاسع والعشرون/ الجزء الأول ص – 163، لعام 405اهـ/ 1985، معتمداً على كتاب عقود الزبرجد للسيِوطي.(33/313)
هو أبو سعيد فرج بن قاسم بن أحمد بن لبّ الغرناطي المالكي، من أكابر علماء المالكية، وقلَ من لم يأخذ عنه في الأندلس في وقته ومن مصنفاته: شرح جمل الزجاجي، شرح تصريف التسهيل، الباء الموحدهَ، القصيدة النونية، الفتاوى. توفي سنة 782 هـ. انظر: الإحاطة في أخبار غرناطة 4/ 233، الكتيبة الكامنه 67، نفح الطيب 5/ 512، بغية الوعاة 2/243، الديباج المذهب 2/ 139.
(1) كان المرحوم عباس حسن، عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة قد قدم إلى لجنة الأصول، مذكرة عرض فيها لطائفة من أقوال اللغويين، التي تفيد عدم لزوم دخول الباء على المتروك، كما تقتضي القاعدة المشهورة، فكان قرار اللجنة ما يلي (ينص كثير من اللغويين على أن "باء البدل"لا تدخل إلا على المتروك… وهناك من ثقاتهم من يقول إنها كذلك تدخل على المأخوذ، كما جاء في المصباح المنير ومختار الصحاح وتاج العروس. وترى اللجنة أن "باء البدل "يجوز دخولها على المتروك أو على المأخوذ، والمدار في تعيين ذلك السياق) .
وعرض قرار اللجنة على مجلس المجمع بالجلسة الثانية والعشرين من الدورة الثامنة والثلاثين فلم ير المجلس داعياً لوضعه. انظر: كتاب الألفاظ والأساليب ص 36-37 الصادر عن مجمع اللغة العربية في القاهرة سنة 1977 م.
وقد أشار المرحوم عباس حسن إلى هذه المسألة أيضاً في باب حروف الجر من كتاب النحو الوافي ج 2 ص 491 الحاشية.
(2) وانظر في استعمالات "بدّل"دراسات لأسلوب القرآن الكريم للمرحوم الشيخ عضيمة القسم الثالث ج2 ص 327 وما بعدها.
(3) انظر قول ثعلب في تاج العروس مادة (بدل) . وفي إعراب القرآن للنحاس 1/228: قال أحمد بن يحيى: يقال بدّلت الشيء أي غيّرته ولم أزل عينه، وأبدلته: أزلت عينه وشخصه، كما قال: عزل الأمير للأمير المبدل. وانظر: تفسير القرطبي 1/ 410.
(4) معاني القرآن للفراء2/ 529.(33/314)
أحمد بن محمد بن إسماعيل، أبوجعفر النحاس، كان من أهل العلم بالفقه والقرآن، سمع من الزجاج وأخذ عنه النحو من مصنفاته: إعراب القرآن، تفسير كتاب سيبويه، التفاحة في النحو. توفي سنة 338 هـ. انظر أنباه الرواة 1/136.
(1) إعراب القرآن لابن النحاس 2/373.
(2) سورة إبراهيم: آية 48.
(3) الكشاف للزمخشري 2/ 384 طبعة الحلبي.
(4) سورة إبراهيم: آية 28.
(5) الكشاف 2/377.
سورة الأنعام: آية 34.
سورة فاطر: آية 43.
(6) سورة يونس: آية 64.
(7) سورة الفتح: آية 15.
سورة يونس: آية 15.
سورة البقرة: آية 181.
سورة غافر: آية 26.
البيت لأبي تمام في ديوانه بشرح الخطيب التبريزي 2/ 064 السيب: العطاء. الأزل: الضيق.
أحمد بن الحسين، أبو الطيب المتنبي، الشاعر العربي المشهور، ولد بالكوفة ونشأ بالشام واتصل بسيف الدولة فمدحه وحظي عنده، ثم ذهب إلى مصر ومدح كافورا الإخشيدي، ثم رجع إلى العراق وزار بلاد فارس وقُتل وهو عائد سنة 354 هـ. له ديوان مطبوع اعتنى بشرحه كثير من العلماء.
الأجلة: جمع جُلّ وهو ما يتجلّل به الفرس. يقول لقد طال بمصر مقامي لإكرام مثواي حتى بليت أجلة فرسي وعذره ورسنه فبُدّل بغيرها. والبيت من قصيدة مشهورة في ديوانه 4/238 بشرح العكبري. هذا، وأنا أرى أن ابن لب لم يوفق في توجيه هذا البيت لمراده، لأن الباء في الفسطاط بمعنى "في"وليست باء البدل كما زعم، إذ كيف يعوض الفسطاط بدل العذار والرسن! هذا فضلاً عن أنه خالف الجمهور في الاحتجاج بأشعار المتأخريِن عن عصور الاحتجاج.
(8) كافور الإخشيدي: والي مصر كان عبداً حبشيا اشتراه الإخشيدي ملك مصر سنة 312 هـ فنسب إليه وأعتقه ثم صار ملك مصر وكان ذكياً حسن السياسة. توفي سنة 357 هـ.
(9) البيت للمتنبي في ديوانه 1/ 35 والسحناء: الهيئة.(33/315)
أحمد عبد الله بن سليمان، التنحي المعرّي، شاعر فيلسوف، كان عالما باللغة. مصنفاته الشعرية: اللزوميات، سقط الزند. ومن مصنفاته الأدبية: شرح ديوان المتنبي شرح ديوان البحتري، رسالة الغفران. توفي سنة 449 هـ.
اللزوميات لأبي العلاء المعرّي 1/57.
(1) عديّ بن زيد العبادي التميمي، شاعر من دهاة الجاهلية من أهل الحيرة، يحسن العربية والفارسية والرمي، اتخذه كسرى ترجماناً بينه وبين العرب، سجنه النعمان بن المنذر وقتله في سجنه بالحيرة، نحو سنة 35 قبل الهجرة. انظر الأعلام 4/ 220.
(2) الأبيات لعدي بن زيد في ديوانه ص 47. وفي السيرة النبوية لابن هشام 1/62 خبر خروج سيف بن ذي يزن. وتروَى الأبيات ببعض اختلاف، ففي النسخ "والأيام صوب"وفي السيرة النبوية "جُوْن"أي سود.
(3) الأقوال: الملوك. والمنقل: الطريق المختصر. وقوله من طرق المنقل أي من أعالي حصونها. ومخضرَّة كتائبها: يعني من الحديد. وفي النسخ المخطوطة "ساقت أليها الأحرار".
(4) الملك سيف بن ذي يزن من ملوك العرب اليمانيين ودهاتهم، وكان الحبشة قد ملكوا اليمن وقتلوا أكثر ملوكها فنهض سيف وقصد قيصر ملك الروم، وشكا إليه ما أصاب اليمن فلم يلتفت إليه، فقصد النعمان بن المنذر عامل كسرى على الحيرة والعراق فأوصله إلى كسرى، فبعث معه جيشاً إلى اليمن، فقتلوا ملك الحبشة ودخلوا صنعاء، وبقي سيف بن ذي يزن ملكاً نحو خمس وعشرين سنة، ثم قتل بصنعاء نحو سنة 50 قبل الهجرة.
(5) سورة إبراهيم: آية 48.
(6) سورة! إبراهيم: آية 28.
(7) سورة الفرقان: آية 70.
(8) لعلّه: عالي بن إبراهيم بن إسماعيل الغزنوي، تاج الشريعة، فقيه حنفي مفسر، أقام في حلب، من كتبه "تفسير التفسير"في مجلدين، قيل أبدع فيه. توفي سنة 382 هـ انظر. الأعلام 3/249.
(9) الكتاب 4/478 وفيه "صويق ومصاويق".
(10) الكتاب 4/478.
سورة غافر: أية 26.(33/316)
(1) مكي بن أبي طالب الأندلسي القيسي، مقرئ عالم بالتفسير والعربية، له مصنفات كثيرة منها: مشكل إعراب القرآن، الكشف عن وجوه القراءات، التبصيرة في القراءات السبع. توفي في قرطبة سنة 437 هـ. الأعلام 7/286.
سورة الإنسان: آية 28.
امرؤ القيس بن حُجْر الكندي، من أهل نجد، من الطبقة الأولى، أشعر شعراء الجاهلية، وصاحب المعلقة المشهورة التي مطلعها: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ...
(2) هدا عجز بيت لامرئ القيس، وصدره: أأسماء أمسى ودّها قد تغيرا.
وهو في ديوانه بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ص 61.
(3) معن بن أوس صحابي، شاعر مجيد، من مخضرمي الجاهلية والإسلام. مات في المدينة سنة 64 هـ انظر: الحماسة لأبي تمام بتحقيق د. عسيلان 1/563. الأعلام 7/273.
البيتان من البحر الطويل من قصيدة لمعن بن أوس في حماسة أبي تمام 1/563-564، وفي خزانة الأدب 8/292 والرواية فيهما "رام ظنتي، وبلّ سوءاً بالذي كنت أفعلُ ". وقلب له ظهر المجن أي عاداه.
(4) سورة النحل: آية 101.
سورة النمل: آية 11.
سورة الِإنسان: آية 28.
سورة سبأ: آية 16.
(5) وهو كلمة (بعد) في الآية وبيت الشعر.
(6) سورة النور: آية 55.
سورة القلم: آية 32.
(7) قال الخطيب التبريزي في شرح ديوان أبي تمام 2/ 65: هذا مثل، أي تحوّل من هلكة إلى نجاة لقولهم في المثل: انًج سعد فقد هلك سُعيد. والعجاف: المهزولة.
(8) صدر بيت لم أهتد إلى قائله، وسيأتي ذكر البيت قريباً.
(9) سورة البقرة: آية 108.
(10) سورة الأحزاب: آية 52.
سورة البقرة: آية 61.
سورة النساء: آية 20.
سورة محمد: آية 38.
البيتان لأبي العلاء المعري من البحر البسيط في ديوانه سقط الزند 2/655، من قصيدة مطلعها:
مَن ذاَ علي بهذا في هوا كِ قَضَى
منكِ الصدود ُومني بالصدود رضا
انظر: القصيدة في شروح سقط الزند 2/ 654(33/317)
من البحر الوافر، لم أهتد إلى قائله، وفي النسخ المخطوطة "وبات"ولكن المعنى يقتضي ما أثبته "وبانَ".
(1) البيت من البحر الطويل، لإسماعيل بن عمار الأسدي، وهو ثاني بيتين في ديوان الحماسة 2/ 210 بتحقيق د. عسيلان، وقبله قوله:
هلال بن مرزوقٍ ببشر ِبن غالب
بكت دار ُبشرٍ شجوها إذ تبدَّلتْ
(2) اسورة البقرة: آية 59.
(3) لكشاف 1/283.
(4) سورة النحل: آية 101.
(5) سورة اإبراهيم: آية 28.
(6) أبو النجم العجلي هو الفضل بن قدامة، كان ينزل بسواد الكوفة أيام هشام بن عبد الملك، وهو من الرجّاز الفحول، وكانت وفاته آخر دولة بني أمية.
ديوان أبي النجم العجلي- ص 304، صنعه علاء الدين آغا، منشورات الناجي الأدبي بالرياض.
في النسخ المخطوطة "بغيرها"والصواب ما أثبته لأن المصنف سيذكره بعد قليل، وانظر: كلام ثعلب أيضاً في تاج العروس للزبيدي (مادة بدل) .
(7) قال الفراء في قوله تعالى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} : قرأها عاصم بن أبي النجود والأعمش "ولِيُبدَلنَهم"بالتشديد، وقرأ الناس "وليُبْدِلنهَّم"خفيفة، وهما متقاربان. وإذا قلت للرجل قد بُدّلت فمعناه غُيّرت وغُيرّت حالك ولم يأت مكانك آخر، فكل ما غير عن حاله فهو مبدّل بالتشديد. وقد يجوز مُبْدَل بالتخفيف، وليس بالوجه، وإذا جعلت الشيء مكان الشيء قلت:
قد أبدلته، كقولك: أَبْدلْ لي هذا الدرهم، أي أعطني مكانه، وبدِّل جائزة. فمن قال {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} فكأنه جعل سبيل الخوف أمنا، ومن قال "وليُبْدلنهّم "بالتخفيف قال: الأمن خلاف الخوف، فكأنه جعل مكان الخوف أمنا، أي ذهب بالخوف وجاء بالأمن. وهذا من سعة العربية. وقال أبو النجم: عزل الأمير للأمير المبدلِ. انظر: معاني القرآن للفراء2/258-259.
تفسير الكشاف 2/ 377.(33/318)
محمد بن عبد الواحد أبو عمر الزاهد غلام ثعلب، من مصنفاته: اليواقيت، شرح الفصيح، غريب مسند أحمد ... مات ببغداد سنة 345 هـ. انظر بغية الوعاة 1/164.
لأبي النجم العجلي، وقد سبق ذكره قريباً.
أبو العباس محمد بن يزيد الأزدي المعروف بالمبرد، إمام العربية ببغداد في زمنه وأحد أئمة الأدب والأخبار. من مصنفاته: الكامل، المذكر والمؤنث، المقتضب. مات ببغداد سنة 286 هـ.
(1) سورة الفرقان: آية 70.
سورة النساء: آية 56.
انظر كلام ثعلب والمطرز في تاج العروس للزبيدي/ مادة بدل.
(2) سورة إبراهيم: آية 48.
جرير بن عطية بن الخَطَفي اليربوعي التميمي، من شعراء الدولة الأموية، أشعر أهل عصره، ولد ومات باليمامة، وكان شاعراً هجاء لم يثبت أمامه إلا الفرزدق والأخطل. وله ديوان مطبوع. توفي سنة 110 هـ.
(3) البيت في ديوان جرير بشرح ابن حبيب 1/163.
سورة النساء: آية 2.
إسماعيل بن عبد الرحمن السدّي، تابعي، حجازي الأصل، سكن الكوفة. قيل فيه صاحب التفسير والمغازي والسير ... توفي سنة 128 هـ. انظر: الأعلام 1/317.
انظر كلام الزمخشري في الكشاف 1/495
سورة إبراهيم: آية 48
سورة البقرة: آية 59
سورة الفرقان: آية 70
الرواية في صحيح مسلم بشرح النووي 17/203.
محمد بن إبراهيم بهاء الدين بن النحاس الحلبي النحوي، شيخ الديار المصرية في علم اللسان، تخرّج به جماعة من الأئمة والفضلاء، له شرح على المقرّب يسمى التعليقة. مات سنة 698 هـ.
مسرّح أي غير مقيد بحرف جر، فإذا وجد المفعول به فلا يجوز أن ينوب غيره عن الفاعل، وأجاز الكوفيون إقامة غير المفعول به مع وجوده. وإن لم يوجد المفعول به فقال الجزولي تساوت البقية، واختار أبن عصفور إقامة المصدر وأبو حيان طرف المكان وابن معط المجرور. انظر: التصريح على التوضيح 1/ 291.(33/319)
(1) يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي، عالم بالعربية والأدب، أقام في القاهرة ودرس بها، من مصنفاته الدرة الألفية في علم العربية، الفصول الخمسون. توفى سنة 628 هـ.
شرح مشكاة المصابيح. مخطوط ج1 ورقة 129.
لنظر في "لا دريت ولا تليت"الفاخر 38، الزاهر 1/268.
(2) إعراب الحديث النبوي، الحديث رقم 83.
(3) غريب الحديث للخطابي 3/263.
(4) في الفائق "للازدواج ".
(5) الفائق في غريب الحديث للزمخشري 1/153.
(6) عبد الله بن برّي بن عبد الجبار المقدسي الأصل، المصري، من علماء العربية النابهين، ولد ونشأ وتوفى بمصر سنة 582 هـ من مصنفاته: شرح شواهد الايضاح، حواشي على صحاح الجوهري. انظر: الأعلام 4/73.
شرح مشكاة المصابيح ج1 ورقة 126.
(7) الصحاح مادة (تلا) .
قال الأزهري في تهذيب اللغة 14/ 320: وكان يونس يقول إنما هو ولا أتليت في كلام العرب، معناه ألا يُتلي إبله، أي لا يكون لها أولاد تتلوها. وقال غيره إنها هو لا دريت ولا اتّليت على افتعلت، من ألوت أي أطقت واستطعت، كأنه قال لا دريت ولا استطعت
(8) فتح الباري لابن حجر 3/ 239 وما بين المعقوفات منه.
(9) يعقوب بن إسحاق أبو يوسف بن السكيت، كان عالما بنحو الكوفيين وعلم القرآن واللغة والشعر، راوية، ثقة، أخذ عن البصريين والكوفيين، وله تصانيف كثيرة في النحو ومعاني الشعر وتفسير دواوين العرب. توفى سنة 244هـ. انظر بغية الوعاة 2/349.
(10) قال ابن السكيت في إصلاح المنطق ص ا 32: وقولهم "لا دريت ولا تليت"لما يدعو عليه بأن لا تُتلي إبله، أي لا يكون لها أولاد. عن يونس. ويقال "لادريت ولا ائتليت"هي افتعلت من قولك: ما ألوت هذا ولا استطعته، أي ولا استطعت. وقال: بعضهم يقول: "لا دريت ولا تليت"تزويجا للكلام.(33/320)
(1) عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، من أئمة الأدب واللغة، له مصنفات كثيرة منها: أدب الكاتب، المعارف، الشعر والشعراء، تأويل مشكل القرآن. توفي ببغداد سنة 276 هـ.
(2) انتهى الكلام من فتح الباري 3/ 239. وانظر غريب الحديث لابن قتيبة1/326 ولكن يبدو أن السيوطي أخذ عن فتح الباري لا عن غريب الحديث لابن قتيبة لاختلاف في الكلام.
شرح مشكاة المصابيح ج1 ورقة 127.
(3) مسند أحمد 3/ 115 البخاري: كتاب الأذان. باب لا يفترش ذراعيه في السجود. فتح الباري 2/ 301.
(4) سورة نوح: آية 17 انبساط اسم مصدر زادت حروفه عن فعله، ونبات اسم مصدر نقصت حروفه عن فعله.
(5) صحيح البخاري بشرح الكرماني 5/ 174.
البخاري: كتاب الحدود- باب إذا أقرّ بالحد ولم يبين- فتح الباري 12/133.
(6) شرح مشكاة المصابيح ج1 ورقة 233.
161- سنن الدارقطني 2/95 باب ليس في الخضراوات صدقة. وقد ضعّفه أبو الطيب العظيم آبادي في التعليق المغني على الدارقطني. كما ضعّفه الترمذي- باب ما جاء في زكاة الخضراوات برقم 633. ورواه السيوطي في الجامع الكبير 1/682 واستشهد به المبرد في المقتضب 2/217، وابن يعيش في شرح المفصل 5/61.
(7) منصور بن فلاح بن محمد، أبو الخير، تقي الدين نحوي يمني. من مؤلفاته الكافي في أصول الفقه، والمغني في النحو أربع مجلدات. توفي سنة 680 هـ. الأعلام 7/303.
(8) البخاري- كتاب الآذان باب ما جاء في الثوم 2/ 339.
(9) النهاية في غريب الحديث 2/ 41.
(10) شرح الكافية 2/187.
الحديث ضعِّفه الشيخ الألباني- انظر ضعيف الجامع الصغير برقم 1005، 1006. مشكاة المصابيح بتحقيق الألباني- برقم 218 الحاشية.
(11) من الطويل، وعجزه: ثلاثا ومن يَخْرَقْ أعَقُّ وأظلَمُ.(33/321)
وهذا البيت ثاني ثلاثة أبيات قيل كتب بها الرشيد إلى القاضي أبي يوسف يسأله عن حكم الطلاق فيها. انظر المسألة في خزانة الأدب 3/ 459 وما بعدها، مغني اللبيب ص 54، تذكرة النحاة لأبي حيان ص 148.
عجز بيت للمتنبي في مدح كافور، وصدره: وتحتقرُ الدنيا احتقار مُجرب.
انظر: العرف الطيب شرح حيوان أبي الطيب- 475.
(1) مسند أحمد 1/281، 3/2، 144.
(2) في بعض النسخ "الجزي"وفي شرح الكافية الجنزي، وهو عمر بن عثمان بن الحسين بن شعيب الجنزي، أبوحفص، إمام في النحو والأدب، قدم بغداد وصحب الأئمة، وكان حسن السيرة، صنف تفسيراً لم يتم. مات سنة 550 هـ. انظر: بغية الوعاة 2/221.
شرح الكافية للرضي 2/257.
(3) الفتح الكبير 1/199، الجامع الكبير للسيوطي 1/ 120.
(4) صحيح الجامع الصغير رقم 3496. مسند أحمد 4/ 70.
(5) صحيح البخاري/ كتاب النكاح- فتح الباري 9/ 116.
الجامع الكبير للسيوطي 1/906. والقتب: الرحل الصغير على قدر سنام البعير.
صحيح الجامع الصغير رقم 298. مسند أحمد 4/23 وفي النسخ المخطوطة "وإن كانت.."والتنوّر: الفرن.
(6) تذكرة الموضوعات - الفتني ص 64. وهو حديث موضوع. قاله الصغاني [طبعة بيروت] .
مسند أحمد 4/117. والضفير: الحبل.
مسلم بشرح النووي 13/183، باب استحباب تغطية الإناء- وخمرته: أي غطيته.
(7) مسلم بشرح النووي 7/ 88.
(8) مسند أحمد 3/404.
في الفتح الكبير 1/ 140 "إذا قدم أحدكم على أهله من سفر فليُهد لأهله، فليُطْرفهم ولو كان حجارة".
البخاري/ كتاب الهبة. فتح الباري 5/ 235. مسند أحمد 1/ 40 وفيه "لا تبتعه ... ".
(9) الكبير للسيوطي 1/125.
(10) صحيح الجامع الصغير برقم 1252 مسند أحمد 5/ 336 0 البخاري كتاب اللباس 10/323.
(11) سنن ابن ماجه- كتاب الفتن 2/1317.
(12) ضعيف الجامع الصغير برقم 2432.
ضعيف الجامع الصغير برقم 2446.
(13) مسند أحمد 3/483 0 الجامع الكبير للسيوطي 1/883.(33/322)
صحيح الجامع الصغير برقم 6604، مسند أحمد 1/ 241.
صحيح الجامع الصغير برقم 2834.
(1) مسند أحمد 2/ 221. ابن ماجه- كتاب الطهارة 1/147.
163- مسند أحمد 3/198. البخاري. كتاب العلم/ باب ما يذكر في المناولة 1/155. لبخاري: كتاب اللباس/ باب نقش الخاتم 10/323.
(2) صحيح البخاري بشرح الكرماني 2/23.
أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين، زين الدين العراقي، كان حافظ العصر. من مصنفاته: التقييد والإيضاح على مقدمة ابن الصلاح، تكملة شرح الترمذي. توفي سنة 806 هـ. انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي 539.
(3) الحديث عن أنس وفيه (كان أبو طلحة أكثر أنصاريّ بالمدينة مالاً، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء فقال يارسول الله إن الله تعالى يقول "لن تنالوا البّر حتى تنفقوا مما تحبون""وإن أحبّ أموالي إليّ بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها فضعها يارسول الله حيث شئت. فقال: بخ، ذلك مال رابح ... ) . البخاري: كتاب الوكالة 4/493 كتاب الزكاة 3/ 325. مسلم 7/ 84 فضل النفقة على الأقربين. مسند أحمد 3/ 141.
(4) صحيح البخاري بشرح الكرماني 10/ 146.
(5) في النسخ "التميمي"والتصويب من شرح الكرماني 8/ 4.
والتيمي هو إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصفهاني، الملقب بقوام السنة، من أعلام الحفاظ، كان إماماً في
التفسير والحديث واللغة. من مصنفاته: الجامع في التفسير، الترغيب والترهيب، شرح الصحيحين، إعراب القرآن. وتوفي سنة 535 هـ. انظر: الأعلام 1/323.
شرح صحيح البخاري 8/ 4. يعني ليس "بير"مضافاً و"حا"مضافا إليه.
قال القاضي عياض في مشارق الأنوار 1/ 115: (بيرحا) اختلف الرواة في هذا الحرف وضبطه فرويناه بكسر الباء وضم الراء وفتحها والمد والقصر، وبفتح الباء والراء معا، ورواية الأندلسيين والمغاربة بيرحا بضم الراء وتصريف حركات الإعراب في الراء، وكذا وجدتها بخط الأصيلي، وقالوا إنها بير مضافة إلى حاء..
صحيح مسلم بشرح النووي 7/ 85.(33/323)
في شرح النووي "الأحمر"بدل الأصمعي.
إصلاح المنطق لابن السكيت 292. وابن السكيّت هو يعقوب بن إسحاق، روى عن الأصمعي وأبي عبيدة والفراء وغيرهم. كان عالما بنحو الكوفية، وعلم القرآن واللغة والشعر. مات سنة 244 هـ. بغية الوعاة 2/ 349.
من قوله "قال النووي"إلى هنا- الكلام مأخوذ من النووي 7/ 85-88. ومن شرح الكرماني.
لابن وتامر من صيغ النسب السماعية أي صاحب لبن وتمر. انظر سيبويه 3/381 الأشموني 4/200.
(1) البخاري- كتاب مناقب الأنصار 7/ 112- مسند أحمد 3/ 190.
(2) إعراب الحديث النبوي رقم 39.
(3) عبد الرحمن بن علي بن محمد القرشي البغدادي أبو الفرج علامة عصره في التاريخ والحديث له مصنفات كثيرة منها: تلبيس إبليس، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، صيد الخاطر، جامع المسانيد. توفي سنة 597 هـ.
شواهد التوضيح 216.
(4) الفائق للزمخشري 4/ 65.
(5) البخاري- كتاب الأنبياء، والرواية فيه "مهيم"قال ابن حجر 6/ 394: في رواية المستملي "مهيا"وفي رواية ابن السكن "مهين"بنون وهي بدل الميم، وكان المستملي لما سمعها بنون ظنها نون تنوين. ويقال: إن الخليل أول من قال هذه الكلمة ومعناها: ما الخبر؟.
(6) سعيد بن عثمان بن السكن البغدادي، من حفاظ الحديث، نزل بمصر وتوفي بها سنة 353 هـ. انظر: الأعلام 3/98.
(7) عن انس وأوله (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه ... ) البخاري- كتاب الوضع- باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة- فتح الباري 1/ 271.
(8) صحيح البخاري بشرح الكرماني ج3 ص 5.
في النسخ المخطوطة "التميمي"، والتصويب من شرح الكرماني 3/6 والكلام منه.
(9) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 1/ 271.(33/324)
(1) الصبّان 2/ 210: "اعلم أن مذهب البصريين أن حروف الجر لا ينوب بعضها عن بعض قياساً ... وجوّز الكوفيون، واختاره بعض المتأخرين نيابة بعضها عن بعض قياسا". وانظر التصريح للشيخ خالد 2/ 4-7.
سورة الفتح آية 2.
167- مسند أحمد 3/215، 134.
(2) إعراب الحديث النبوي رقم 40.
(3) 68 1- البخاري- كتاب الحيض- باب مخلقة وغير مخلقة 418/1، كتاب الأنبياء 6/363- كتاب القدر 11/477 مسلم بشرح النووي 16/ 195.
الكلام كلّه مر شرح الكرماني 3/187.
(4) مسند أحمد 3/117.
(5) إعراب الحديث النبوي برقم 41.
(6) مسند أحمد 3/167، 141. مسلم 9/ 75.
صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 75.
الحديث عن أنس في البخاري كتاب المساقاة 5/ 30. مسند أحمد 3/ 110. صحيح مسلم بشرح النووي 13/ 200.
(7) البيت للفرزدق من أبيات يهجو بها عمرو بن عفراء الضبي. والديافيّ: منسوب إلى دياف، وهي قرية بالشام يسكنها النبط، يذكر أنه نبطي غير خالص العربية. وحوران: منطقة، جنوب الشام. والسليط: الزيت. انظر الشاهد في: الكتاب لسيبويه 2/40، شرح أبيات سيبويه 1/ 491 بتحقيق د/ محمد سلطاني. خزانة الأدب 5/ 234، ابن يعيش 3/ 89.
(8) إعراب الحديث النبوي- برقم 43.
(9) البخاري- كتاب مواقيت الصلاة- باب وقت الفجر 2/ 54.
(10) البخاري- كتاب مواقيت الصلاة- باب فضل صلاة العصر 2/33.
من البحر الطويل، وقائله أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان، والغواني جمع غانية وهي المرأة التي غنيت بجمالها.
والبيت من شاهد الأشموني 2/47، ابن مالك في الكافية الشافية 582، ابن عقيل في المساعد 1/393.
شواهد التوضيح 191.
(11) صحيح مسلم بشرح النووي 13/202، وهذا الجزء تتمة الحديث السابق ( ... فشرب رسول الله، فقال عمر: أعط أبا بكر، فناول الأعرابي وقال: الأيمن فالأيمن) .(33/325)
(1) عن أنس (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وحبل ممدود بين ساريتين، فقال: ما هذا؟ قالوا لزينب تصلي فإذا كسلت أو فترت أمسكت به، فقال: حلّوه، ليصلّ أحدكم نشاطه…) مسلم 6/72. مسند أحمد 3/ 101 البخاري كتاب التهجد 3/36. أبو داود: النعاس في الصلاة.
سورة آل عمران: آية 154.
(2) البخاري- كتاب النكاح- باب الحرة تحت العبد 9/138.
(3) من البحر الطويل، ولم ينسب لقائل. والسرى: السير ليلا. والمحيّا: الوجه والبيت من شواهد الأشموني 1/ 206 مغني اللبيب 523، تخليص الشواهد لابن هشام 193.
شواهد التوضيح 45.
(4) إعراب الحديث النبوي برقم 44.
الشيخ أبو عبد الله إسماعيل بن محمد بن عبد الملك بن عمر المدعو بالأشرف له شرح على مصابيح السنة للِإمام البغوي المتوفي سنة 516 هـ.
(5) شرح مشكاة المصابيح ج2 ورقة 24.
يهنأ بعيرا: أي يطليه بالقطران.
(6) مسلم بشرح النووي 14/123.
شرح صحيح مسلم للنووي 14/123.
الجامع الكبير للسيوطي 1/638.
(7) المصدر المؤكد لغيره هو الواقع بعد جملة تحتمل غيره فتصير به نصا. انظر التفصيل في الأشموني والصبان 2/119.
(8) النهاية في غريب الحديث 1/413.
البخاري- كتاب مواقيت الصلاة 2/ 51.
(9) شرح الكافية الشافية لابن مالك 1/487.
(10) الكتاب لسيبويه 3/ 122.
(11) الترمذي- أبواب المناقب5/367 صحيح الجامع الصغير برقم 3138.
شرح مشكاة المصابيح 4/ 321.
(12) عن أنس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر) . مسند أحمد 3/ 0150 الترمذي 5/ 194.
(13) النهاية في غريب الحديث 1/426.
الصحاح (حلق) .
(14) إسحاق بن مرار أبو عمرو الشيباني الكوفي، كان راوية أهل بغداد، واسع العلم باللغة والشعر، ثقة في الحديث، عالماً بكلام العرب من مصنفاته: كتاب الجحيم، النوادر، غريب الحديث. مات سنة 206 هـ. بغية الوعاة 1/ 440.(33/326)
الحديث عن أنس، وتكملته (.. كنت تفتدي به، فيقول نعم. فيقول: قد أردت منك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا أن تشرك بي) مسند أحمد 3/ 129 0 البخاري 6/363، 11/416.
(1) شرط الاستثناء المفرّغ أن يكون الكلام غير موجب. قال ابن هشام: فأما ما قوله تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} فحمل "يأبى"على لا يريد، لأنهما بمعنى- انظر: أوضح المسالك 2/253.
(2) شرح مشكاة المصابيح ج4 ورقة 227.
(3) البخاري- كتاب الجنائز- باب زيارة القبور 3/148. مسلم 6/ 227.
(4) مسند أحمد 4/253.
(5) البخاري- كتاب الغسل- باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب 1/383.
في المفصل "ومكانك وبعدك إذا قلت تأخر"قال أبن يعيش: وقالوا بعدك ووراءك إذا قلت به تأخر وحذرته شيئاً من خلفه 4/74.
(6) شرح المفصل 4/74.
(7) في بعض النسخ "المطر".
(8) في الرضي "علقك".
(9) شرح الكافية للرضي 2/ 75.(33/327)
رسائل لم يحملها البريد
للشيخ عبد الرؤوف اللبدي
أستاذ مساعد بكلية الشريعة
بسم الله الرحمن الرحيم
أختي الاستفهامية: "هل":
هذه رسالتي السابعة عشرة التي وعدت أن أحدثك فيها عن أسلوب "أرأيتَ" و"أرأيتَكَ""أرأيتَكم"في القرآن الكريم:
لقد ورد أسلوب {أَرَأَيْتَ} في إحدى عشرة آية من آياته الكريمة:
الآية الأولى في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً, فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً, فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً, قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً, قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً, فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} الآيات (60- 65) من سورة الكهف.
روي أن سبب هذه القصّة التي تضمنت هذه الآيات الكريمة الجزء الأول منها، سببها أن موسى عليه السلام قام خطيبا في بني إسرائيل فقيل له: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فأوحى الله تعالى إليه أن يسير على ساحل البحر حتى يبلغ مجمع البحرين، وهناك في المكان الذي يفقد فيه الحوت- يجد الرجل الذي هو أعلم منه.
ويعزم موسى على السفر، ويأمر فتاه يوشع- وكان خادما له يتبعه ويأخذ عنه العلم- يأمره أن يستعد للرحيل وأن يأخذ معه حوتا يكون لهما زادا.(33/328)
وقال موسى لفتاه يوشع وقد بدأ الرحلة: سوف أظل أسير حتى أبلغ مجمع البحرين، فإما أن أجد الرجل على مقربة ودون نصب، وإما أن أمضي حقبا وسفرا ناصبا قبل أن أعثر عليه وألقاه.
وبلغ موسى وفتاه مجمع البحرين، وهناك وجدا صخرة كبيرة شاهقة، فجلسا يستريحان في ظلها، وسرعان ما غلب النوم على موسى فنام، أما يوشع فقبل أن ينام رأى الحوت في مكتله يضطرب ثم يتخذ سبيله في البحر سربا، وينام يوشع على أن يخبر موسى خبر الحوت ومما كان من أمره حين يستيقظان.
ويستيقظان، ويواصلان الرحلة، ويتجاوزان ملتقى البحرين، ويقطعان شوطا بعيدا عن تلك الصخرة، ويحسّ موسى بالجوع والتعب فيقول لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، ولكن يوشع يقول أسيفا معتذرا: أتذكر يا موسى إذ بلغنا مجمع البحرين وأوينا إلى تلك الصخرة نستريح وننام، هنالك نسيت الحوت، نسيت أن أذكر لك ما كان من شأنه، وما أنساني ذكره وقت الرحيل عن الصخرة إلا الشيطان، هنالك يا موسى أحيا الله تعالى الحوت فاتخذ سبيله في البحر عجبا.
لم يأس موسى ولم يغضب لفقدان الزاد والحوت، بل صاح يقول: ذلك ما كنا نبغي يا يوشع، فالرجل الذي ننشده سنجده في ذلك المكان الذي نسينا فيه الحوت فاتخذ سبيله في البحر عجبا.
وسرعان ما دبّ النشاط والعزم في موسى وفتاه فارتدا على آثار أقدامهما قصصا قبل أن تضيّع سافيات الرياح وأمواج البحر الممتدة آثار تلك الأقدام فيضلا الطريق.
ويصلان الصخرة، مكان فقدان الحوت، وإذا بهما يعثران على الرجل الذي كانا ينشدانه، عثرا على الخضر عليه السلام، وكان عبدا من عباد الله تعالى، آتاه الله النبوة، وعلمه غيب أمور أوحى بها إليه.
أختي الاستفهامية: "هل"(33/329)
أما بقية القصة، وأما الحوار الذي دار بين موسى والخضر فقد جاء في الآيات التي وردت بعد هذه الآيات المتقدمة في سورة الكهف، وسوف أذكر بقية القصة وذاك الحوار حين أحدثك- إن شاء الله تعالى- عن همزات الاستفهام التي وردت في ذلك الحوار. هذا، وقد اختلفت آراء العلماء في (أرأيت) الواردة في هذه الآية، فذهب أبو الحسن الأخفش إلى أن أرأيت هنا ليست بمعنى أخبرني، لأنها لا تكون كذلك إلا إذا جاء بعدها مفعول به صريح يكون هو المستخبر عنه، ومن بعده جملة استفهامية هي مناط الاستخبار ومتعلقه، و (أرأيت) في هذه الآية ليست كذلك، فهي- في رأيه- قد خرجت عن معناها بالكلية، فهي لا تعمل ولا تنصب مفعولا به ولا مفعولين، وإنما هي بمعنى أمَّا أو تنبّهْ، والتقدير: أما إذا أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت، أو تنبّه إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت. وعلى رأي الأخفش هذا تكون (إذْ) الظرفية الزمانية المضافة إلى الجملة بعدها، تكون متعلقة بأرأيت.
أما الزمخشري فقد رأى في تفسيره الكشاف أن (أرأيت) هنا بمعنى أخبرني، وكأن المعنى على رأيه: أخبرني أي شيء دهاني إذ أوينا إلى الصخرة، أو أخبرني عما دهاني إذ أوينا إلى الصخرة، وعلى هذا الرأي تكون (إذْ) الظرفية متعلقة بدهاني المقدرة.
ونقل الألوسي في تفسيره والجمل في حاشيته على الجلالين، نقلا عن أبى حيان جواز أن تكون (أرأيت) هنا قد حذف مفعولاها اختصارا، والتقدير: أرأيت أمرنا إذ أوينا إلى الصخرة ما عاقبته، وعلى هذا الرأي تكون (إذ) ظرفا لأمرنا، وأبو حيان في هذا الرأي قد اتبع مذهب سيبويه في أن (أرأيت) إذا كانت بمعنى أخبرني فهي علمية تنصب مفعولين: الأول مفرد منصوب يأتي بعدها يكون هو المستخبر عنه والثاني جملة استفهامية هي مناط الاستخبار ومتعلقه كما في قولك أرأيت زيدا ما صنع.(33/330)
وذهب بعض العلماء ومنهم أبو السعود إلى أن (أرأيت) في هذه الآية بمعنى أعرفت أو أشاهدت فهي متعدية إلى مفعول واحد يدل عليه السياق، ولم يقدر أصحاب هذا الرأي هذا المفعول الذي يدل عليه السياق، ويمكن أن يكون التقدير أرأيت فعل الحوت إذ أوينا إلى الصخرة، وعلى هذا الرأي تكون إذ متعلقة بهذا المفعول المحذوف، ورأي ابن عطية أن (أرأيت) هنا بمعنى أتأملت ونحن.
هذه آراء العلماء في (أرأيت) الواردة في هذه الآية، ويبدو أن رأي الأخفش المتقدم أقل هذه الآراء تكلفا وأخفها مؤونة، على أن أبا حيان لم يرتضه وقال إنه إخراج لأرأيت عن معناها بالكلية.
أما استفهام (أرأيت) هنا فقد أفاد التنبيه والتعجب:
التنبيه: على معنى أن يوشع يريد بهذا الاستفهام أن ينبه موسى للحالة العجيبة التي سيذكرها بعدُ، وكأنه يقول له: استمع جيدا، وتنبه لما أذكره لك بعدُ، فهو شيء عجيب غريب.
وأفاد التعجب: على معنى أن يوشع نفسه قد تعجب كيف نسي أن يذكر لموسى بعد أن استيقظا من نومهما عند الصخرة، أن يذكر له ما كان من الحوت، وأنه قد حيي واتخذ سبيله في البحر عجبا، فمثل ذلك لا ينسى ولا ينبغي أن يقع فيه نسيان.
وقد ذهب أبو السعود إلى أن استفهام (أرأيت) هنا للتعجيب على معنى أن يوشع أراد بهذا الاستفهام أن يحمل موسى على التعجب من نسيانه (نسيان يوشع) أن يذكر له ما كان من الحوت مع أن ذلك مما لا ينبغي أن ينسى.
أما الآية الثانية التي ورد فيها استفهام (أرأيت) ففي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً, أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً, كَلا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً, وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} الآيات: (77- 85) من سورة مريم.
ذكر أن هذه الآية الكريمة نزلت في العاصي بن وائل السهمي:(33/331)
فقد عمل له خبّاب بن الأرتّ عملا، وتقاضاه أجر ما عمل، فقال العاصي: لا أنصفك حتى تكفر بمحمد، فقال خباب: لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ويبعثك، فقال العاصي: أو مبعوث أنا بعد الموت؟! فقال خباب: نعم، قال العاصي: فائت إذا كان ذلك فسيكون لي مال وولد، وعند ذلك أقضيك دينك. فالعاصي بن وائل هو المراد بـ {الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا} .
وقد تضمنت هذه الآية الكريمة:
أفرأيت يا محمد هذا الذي كفر بالقرآن الكريم وبالحجج الدالة على البعث، وقال مستهزئا متعنتا: لأوتَينّ مالا وولدا، أوَ بلغ من عظمة شأنه أن ارتقى إلى علم الغيب الذي توحّد به الله تعالى فادعى أن يؤتى في الآخرة مالا وولدا، أم اتخذ من عالم الغيب عهداً أن يؤتى ذلك؟! .
لِيرتدع عن قوله الكاذب!! فليس الأمر كما قال، فهو لم يطلع الغيب، ولم يتخذ عند الرحمن عهدا، إنه مجرم كاذب كفّار!! .
سنحفظ عليه قوله هذا، فنجازيه به في الآخرة، وسنزيده عذابا فوق عذاب، ونسلبه ما أعطيناه في الدنيا من مال وولد، ولسوف يأتينا يوم القيامة فردا ذليلا لا مال ولا ولد ولا عشيرة.
وقد جاء استفهام (أفرأيت) في هذه الآية الكريمة، جاء مفيدا التعجب والتعجيب والتنبيه: التعجب والتعجيب من حال هذا الكافر الغريبة ومن جرأته الوقحة القبيحة، فقد كفر بآيات الله الدالة على البعث، وكفر بيوم القيامة، وقال هازئا مقسما أن يؤتى في الآخرة مالا وولدا، كأنما اطلع الغيب فعلم ذلك، أو اتخذ عند الرحمن عهدا بأن يعطيه مالا وولدا.
وجاء مفيدا التنبيه على قصة هذا الكافر، وما حدث منه، وما قاله، فذلك شيء غريب جدير بأن يتعجب منه وأن يكون فيه معتبر لمن أراد أن يتذكر.(33/332)
هذا، وقد ذهب الزمخشري إلى أن أرأيت بمعنى أَخْبرْ (الكشاف ج2 ص 522) ولكن أبا السعود في تفسيره هذه الآية لم يرتض رأي الزمخشري هذا وقال: "وقد قيل إن أرأيت بمعنى أَخْبرْ… وأنت خبير بأن المشهور استعمال أرأيت في معنى أخبرني بطريق الاستفهام جاريا عَلى أصله مخرجاً إلى ما يناسبه من المعاني لا بطريق الأمر بالإخبار لغيره" (تفسير أبي السعود ج 5 ص279)
وقال الألوسي: "وإرادة أخبرني هنا مما لا يكاد يصح كما لا يخفي" (روح المعاني جـ16 ص 130) وكلام الألوسي هذا حق وصدق لو كان المراد بأخبرني المعنى الحقيقي لأرأيت، لأن المعنى حينئذ أن الله سبحانه وتعالى يطلب من محمد صلى الله عليه وسلم أن يخبره عن الذي كفر بالآيات وأقسم أنه سيؤتى يوم القيامة مالا وولدا، فالله سبحانه وتعالى منزه عن أن يستفهم استفهاما حقيقيا، أو أن يستخبر عن شيء ما، والله سبحانه وتعالى عالم بكل شيء لا تخفي عليه خافية.
والمفسرون حين يقولون إن أرأيت بمعنى أخبرني أو إن أرأيتم بمعنى أخبروني لا يريدون أن هذا هو المعنى الحقيقي، وإنما يشيرون إلى الأصل في استعمالها وأنها علمية حينئذ، وأنها تنصب مفعولين: الأول اسم مفرد يأتي بعدها ويكون هو المستخبر عنه، والثاني جملة استفهامية هي متعلق الاستفهام ومناطه، أما المعنى المراد من أرأيت وأخواتها فهو ما يدل عليه السياق كالتعجب والتنبيه في هذه الآية.
وعلى هذا فليس في قول السمين في حاشية الفتوحات الإلهية على الجلالين (ج 3 ص 76) : إن أرأيت هنا بمعنى أخبرني ليس في قوله حرج، لأنه لا يريد أن هذا هو معناها الحقيقي، فالمعنى الحقيقي في هذه الآية وفي غيرها مما يشبهها لا يصح ولا يكاد يصح، فالله سبحانه وتعالى منزه عن أن يستفهم استفهاما حقيقيا أو أن يستخبر.
أما إعراب: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا} ... الآية:(33/333)
فـ {رَأَيْتَ} علمية تنصب مفعولين: المفعول الأول هو اسم الموصول: {الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا} وجملة كفر بآياتنا صلة الموصول لا محل لها من الإِعراب، والمفعول الثاني هو الجملة الاستفهامية {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} وإعراب {لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} : اللام واقعة في جواب قسم محذوف، (أُوتين) فعل مضارع مبني للمجهول، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، وهو في محل رفع لتجرده من الناصب والجازم، وقيل إذا بني الفعل المضارع ولم يسبقه ناصب ولا جازم فلا محل له، ونائب الفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا، و {مَالاً} مفعول به، و {وَلَداً} عطف على مالا وجملة {لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} واقعة جواب قسم محذوف لا محل لها من الإعراب، والقسم المحذوف وجوابه في محل نصب مقول القول، وجملة {قَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} معطوفة بالواو على جملة {كَفَرَ بِآياتِنَا} فهي مثلها لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول.
و {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} الهمزة حرف استفهام، و (طلع) فعل ماض متعد بنفسه هنا، والغيب مفعول به وليس منصوبا على نزع الخافض، وأصل أَطلع: أَاِطلع بهمزتين: الأولى مفتوحة وهي همزة الاستفهام، والثانية مكسورة وهي همزة الوصل، وفي مثل هذا يستغنى عن همزة الوصل المكسورة فتحذف تخفيفا لأن اجتماع همزتين في أول الكلمة ثقيل. و {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} : {أَمِ} متصلة عاطفة، و {اتَّخَذَ} فعل ماض وهو هنا متعد إلى مفعول به واحد وهو {عَهْداً} و {عِنْدَ} ظرف مكان متعلق باتخذ، وجملة {اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} معطوفة على أطلع الغيب، فهي داخلة في حيز الاستفهام.(33/334)
و {اتَّخَذَ} على وزن افتعل من الأخذ، والأصل اِأْتخذ بهمزتين: الأولى همزة وصل مكسورة والثانية ساكنة هي فاء الكلمة، فاجتمع في أول الكلمة همزتان: الأولى متحركة والثانية ساكنة، فوجب قلب الثانية ياء لتجانس حركة ما قبلها، فصارت الكلمة اِيْتخذ، فأبدلت الياء تاء لوقوعها قبل تاء الافتعال وأدغمت في تاء الافتعال، فصارت الكلمة اتّخذ بتاءين: التاء الأولى هي التاء التي أُبدلت من الياء المبدلة من الهمزة، والتاء الثانية هي تاء الافتعال.
أما الآية الثالثة التي وردت فيها {أَرَأَيْتَ} فقوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} . الآية (43) من سورة الفرقان.
تتضمن هذه الآية الكريمة: أرأيت يا محمد حال هؤلاء المشركين كيف يختار الرجل منهم الإله الذي يعبده بحسب ما تهوى نفسه وتحب، يعبد أحدهم الحجر فإذا رأى حجراً آخر أحسن من الأول شكلا وصورة رمى بإلهه الأول في الأرض واتخذ الثاني إلها يعبده من دون الله.
لست يا محمد وكيلا على هذا المشرك ولا كفيلا حتى ترده إلى الإيمان وتخرجه من الشرك وإنما عليك البلاغ.
وقد جاء استفهام {أَرَأَيْتَ} في هذه الآية الكريمة مفيدا التعجب والتعجيب والتنبيه: مفيدا التعجب والتعجيب من حال هذا المشرك الذي يتخذ إلهه حجرا لا يسمع ولا يعقل ولا يضر ولا ينفع، ثم هو يعبث بهذه الأحجار الآلهة فيرمي بها في الأرض إلها إثر إله تبعا لما تهواه نفسه ويزين له هواه.
ومفيدا التنبيه لحال هذا المشرك الغريبة الدالة على الجهل والغباء وعزوب التفكير وغروب التعقل، لحال عبادته الحجارة واتخاذها آلهة من دون الله الواحد القهار، ثم استبداله بعضها ببعض بحسب ما تشتهيه نفسه وتلذّ به عينه.(33/335)
وقد ذهب ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير (ج19 ص 36) إلى جواز أن يكون الاستفهام إنكاريا على معنى لست أنت وكيلا على من اتخذ إلهه هواه، وقد علل هذا بأن جملة {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} هي مناط الاستفهام الأول ومتعلقه، ثم هي وثيقة الصلة بأرأيت لأنها المفعول الثاني لها فهي متممة لها، فالإنكار الذي تفيده جملة {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} انسحب على استفهام أرأيت وبيّنه.
أما إعراب جملة استفهام {أَرَأَيْتَ} هنا في هذه الآية الكريمة:
فقد جاء في تفسير الجلالين على هامش الفتوحات الإلهية (ج 3 ص 259) أن أرأيت بمعنى أخبرني، وبناء على ذلك هي علمية تنصب مفعولين: الأول اسم الموصول {مَنِ} في {مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} ، وهو المستخبر عنه، والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} وهي متعلق الاستفهام ومناطه، وهمزة الاستفهام في {أَفَأَنْتَ} مؤكدة لهمزة الاستفهام في {أَرَأَيْتَ} وليست استفهاما جديدا، والفاء في {أَفَأَنْتَ} واقعة في جواب اسم الموصول {مَنْ} ، وكثيرا ما يعامل اسم الموصول معاملة الشرط فيكون له جواب مقترن بالفاء. و {اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} : اتخذ فعل تعدى إلى مفعولين في هذه الآية الكريمة: المفعول الأول {إِلَهَهُ} ، والمفعول الثاني {هَوَاهُ} من غير تقديم ولا تأخير بين المفعولين لاستوائهما في التعريف. وهذا رأي أبي حيان، وذهب الزمخشري إلى التقديم والتأخير بين المفعولين، فيكون {إِلَهَهُ} هو المفعول! الثاني وقد قدم للعناية به، ويكون {هَوَاهُ} هو المفعول الأول.
وعلى الإعراب الذي اختاره أبو حيان يكون المعنى: جعل إلهه الشيء الذي يحب أن يكون إلها، أي لمجرد الشهوة وليس لاستحقاقه الألوهية، وعلى إعراب الزمخشري يكون المعنى: جعل هواه كأنه إله، فهو لا يأتي عملا إلا إذا كان وفاقا لشهوته.(33/336)
أما الآية الرابعة التي وردت فيها {أَرَأَيْتَ} ففي قوله تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ, ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ, مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} . الآيات: (204- 207) من سورة الشعراء.
كان المشركون يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم أشرا وبطرا واستهزاء:
يا محمد، إلى متى تعدنا بالعذاب ولا تأتينا به؟!، ظنا منهم أن العذاب غير كائن ولا لاحق بهم، فهاهم أولاء يُمتّعون بأعمار طوال في سلامة وأمن، ويعيشون حياة طويلة بلا عذاب، فنزل! قوله تعالى {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} توبيخا لهم وسخرية بهم وتعجبا من استعجالهم العذاب، وليس هناك من عاقل يستعجل عذابا.
ثم قال تعالى بعد ذلك ما يتضمن:
هب أن الأمر كما يعتقدون، فمتعناهم في الحياة الدنيا زماناً طويلا في أمن ودعة، وعمرناهم أعمارا طوالا في سلامة وأمن، وأملينا لهم السنين المديدة، ثم جاءهم بعد هذا ما يوعدون من العذاب الأليم، فأي شيء أغنى عنهم هذا التأخير الذي أخرناه في آجالهم، والمتاع الذي متعناهم به في الحياة الدنيا؟! لقد جنى عليهم التأخير، فازدادوا فيه إثما على إثم، وجرما على جرم.
أما إعراب هذا الاستفهام: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ, ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ, مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} . الآيات: (205-205) من سورة الشعراء.(33/337)
فقد جاء في تفسير البحر المحيط لأبي حيان وفي تفسير أبي السعود وفي تفسير الألوسي وفي تفسير الجلالين- جاء فيها أن {أَرَأَيْتَ} هنا بمعنى أخبرني، وبناء على هذا تكون علمية تنصب مفعولين: المفعول الأولى- وهو المستخبر عنه- ضمير محذوف يعود على اسم الموصول {مَا} في قوله {مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} ، على أساس أن المسألة هنا من باب التنازع، فقد تنازع الفعلان: فعل {أَرَأَيْتَ} وفعل {جَاءَهُمْ} ، تنازعا اسم الموصول في قوله {مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} ، فالفعل الأول وهو {أَرَأَيْتَ} يطلب هذا الموصول على أنه مفعوله، والتقدير: أفرأيت ما كانوا يوعدون، والفعل الثاني وهو {جَاءَهُمْ} يطلبه على أنه فاعل له، والتقدير: جاءهم ما كانوا يوعدون، فأعمل الثاني في المتنازع فيه، وأعمل الأول في ضمير المتنازع فيه وحذف ذلك الضمير.
أما المفعول الثاني لـ {أَرَأَيْتَ} - وهو متعلق الاستفهام ومناطه- فالجملة الاستفهامية: {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} . و {مَا} الأولى في هذه الجملة الاستفهامية اسم استفهام في محل نصب مفعول مقدم لأغنى، بمعنى أيَّ شيء أغنى ما كانوا يمتعون، و {مَا} الثانية اسم موصول في محل رفع فاعل لأغنى، وجملة {كَانُوا يُمَتَّعُونَ} صلة ما لا محل لها، والعائد محذوف تقديره {بِهِ} . ويجوز في {مَا} الأولى أن تكون مفعولا مطلقا، وفي الثانية أن تكون مصدرية، وعلى هذا يكون التقدير: أيَّ إغناء أغنى عنهم تمتيع الله إياهم أو كونهم ممتعين، وجوز العكبري في {مَا} الأولى أن تكون نافية، أما جواب الشرط في قوله {إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} فمحذوف يدل عليه الجملة الاستفهامية الواقعة مفعولا ثانيا، والتقدير: إن متعناهم سنين لم يغن عنهم تمتعهم. وجملة {مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} في قوله تعالى {ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} صلة الموصول {مَا} والعائد محذوف والتقدير: ما كانوا يوعدونه.(33/338)
أما استفهام {أَفَرَأَيْتَ} في هذه الآيات الكريمة فقد جاء مفيدا التعجب من حال هؤلاء المشركين الذين كانوا يستعجلون عذاب الله استهزاءً وسخرية حين طالت آجالهم فظنوا أنْ ليس هناك عذاب. وجاء هذا الاستفهام مفيدا التنبيه أيضا على أن تمتيع الله تعالى هؤلاء المشركين بحياة طويلة آمنة وادعة لا ينجيهم من عذابه تعالى ولا يغني عنهم شيئا فعذابه تعالى واقع بهم لا محالة، ولكن الله- جلت حكمته - تارة يعجل العذاب، وتارة ينظر ويمهل ولكنه لا يهمل.
وقد ذهب ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير إلى أن استفهام {أَفَرَأَيْتَ} هنا يفيد التقرير وعلى هذا يكون المعنى: اعلم أن تمتيعهم بالسلامة وتأخير العذاب إن فرض امتداده سنين عديدة غير مغن عنهم شيئا إن جاء العذاب بعد ذلك.
وأيَّا ما كان معنى الاستفهام فالخطاب في {أَفَرَأَيْتَ} ليس مقصورا على الرسول صلى الله عليه وسلم بل عام يشمل كل من يصلح أن يكون مخاطبا حتى المجرمين.
أما الآية الخامسة التي وردت فيها {أَرَأَيْتَ} فهي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} . الآية (23) من سورة الجاثية.
تتضمن هذه الآية الكريمة:
أفرأيت يا محمد من اتخذ إلهه ما تهواه نفسه، وخذله الله عن سبيل الهدى والرشاد على علم سابق منه تعالى بأنه لا يهتدي ولو جاءته كل آية، وختم على سمعه فلا يسمع آيات كتاب الله فيتدبرها، وختم على قلبه فلا يفهم ما في كتاب الله من النور والهدى، وجعل على بصره غشاوة فلا يبصر به حجج الله فيستدل بها على أنه لا إله إلا هو.
من كان على هذه الصفات فلن يهتدي، ولن يستطيع أحد من بعد الله أن يهديه إلى الحق وطريق الرشد.(33/339)
أفلا تتذكرون أيها الناس وتتعظون وتعتبرون فتعلموا أن من فعل الله به هذا الفعل فلن يهتدي أبداً، ولن يجد لنفسه وليا مرشدا.
وقد جاء استفهام {أَفَرَأَيْتَ} في هذه الآية الكريمة مفيدا التعجب والتعجيب والتنبيه: التعجب والتعجيب من حال هذا المشرك يترك عبادة الله الواحد الخالق الرازق القهار إلى عبادة الأصنام التي لا تفهم ولا تعقل ولا تضر ولا تنفع، ثم هو لا يستقر به الحال على معبود واحد، تراه اليوم يعبد حجرا فإذا رأى في الغد حجرا آخر أحسن انتقل إلى هذا ورمى بالأول في الأرض، وهكذا ينتقل من معبود إلى معبود بحسب ما يختار هواه الأرعن، وتزينه له نفسه الأمارة بالسوء، لقد ضل طريق الهدى والنور، فهو لا يسمع آيات الله فيتبين فيها الحق والرشد، ولا يبصر خلائقه العظيمة فيستدل بها على وحدانيته، وليس له قلب يعقل أو يفقه، فأنى له التذكر والتدبر فيدرك أن الله لا إله إلا هو، وأن هذه الأصنام التي يعبدها من دونه ضلال وباطل.
ويفيد هذا الاستفهام أيضا التنبيه لحال هذا المشرك الغبي الضال، يعبث بآلهته وينتقي منها ويختار كما يشاء هواه وتشتهي نفسه، ويصمّ أذنيه ويغمض عينيه ويغلق قلبه عما في هذا الكون الواسع الرائع من آيات وخلائق تشهد بربوبية الله تعالى ووحدانيته وأنه وحده الذي يستحق العبادة.
إن حال هذا المشرك لجديرة بأن ينبه لها، وجديرة بأن تثير التعجب وتبعث على الاستغراب، وأن يكون فيها ذكرى لأولى الألباب.(33/340)
وفي البحر المحيط وتفسير الجلالين أن {أَفَرَأَيْتَ} هنا بمعنى أخبرني، فهي علمية تنصب مفعولين: المفعول الأول- وهو المستخبر عنه- اسم الموصول {مَنْ} في قوله تعالى {مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} ، وجملة {اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، وجملة {أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} صلة ثانية للموصول معطوفة بالواو على الصلة الأولى، وجملة {خَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} صلة ثالثة معطوفة بالواو على الصلة الأولى، وجملة {جَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} صلة رابعة معطوفة بالواو على الصلة الأولى، والجار والمجرور {عَلَى عِلْمٍ} في صلة الموصول الثانية في محل نصب حال من لفظ الجلالة بمعنى أضله الله وهو تعالى يعلم أن هذا المشرك لا يهتدي، ويجوز أن يكون الجار والمجرور حالا من الضمير المفعول به في أضله، والمعنى أضل الله هذا المشرك وهو أي المشرك يعلم الحق.
أما المفعول الثاني لـ {أَفَرَأَيْتَ} - وهو متعلق الاستفهام ومناطه- فقد جعله أبو حيان (البحر المحيط ج 8 ص 48) محذوفا يدل عليه قوله تعالى {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} ، والتقدير عنده: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة أيهتدي.
وفي الفتوحات الإِلهية (ج 4 ص 119) من يرى رأيا آخر فيجعل الجملة الاستفهامية: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} هي المفعول الثاني ومتعلق الاستفهام ومناطه، وعلى هذا تكون الفاء في هذه الجملة واقعة في جواب اسم الموصول، وكثيرا ما يقترن جواب اسم الموصول بالفاء تشبيها له بالشرط. ولعل هذا الرأي أفضل من رأي أبي حيان لأنه لا تكلف فيه، ولأن ما لا يحتاج إلى تقدير أولى مما يحتاج.(33/341)
أما الآية السادسة التي وردت فيها {أَرَأَيْتَ} ففي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى, وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى, أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} الآيات: (33-35) من سورة النجم.
ذُكر أن هذه الآيات نزلت في رجل أسلم فلقيه من يعيّره بإسلامه وبترك ملة آبائه، فقال الرجل: إني خشيت عذاب الله في الآخرة، فقال المعّير: ارجع إلى دين آبائك وأنا أحمل عنك كل عذاب يكون عليك إن أعطيتني كذا وكذا، فارتدّ الرجل وأعطى المعيّر قليلا مما وعد، ثم أمسك وشحّ.
وقد تضمنت الآية الأخيرة من هذه الآيات الثلاث: كيف يرتدّ عن إيمانه وهو لا يعلم الغيب ولا يعلم أن ما ضمن له صاحبه من حمل أوزاره يوم القيامة حق؟!.
وقد جاء استفهام {أَفَرَأَيْتَ} هنا مفيدا التعجب والتعجيب والتنبيه: التعجب والتعجيب من حال هذا الرجل: يسلم عن رضاً وطواعية، ثم يرتد عن الإسلام إلى الكفر من غير ما سبب سوى أنه عُيِّر بترك ملة الآباء والأجداد، ثم إنه يصدّق بضمان صاحبه أن يتحمل عنه عذاب الآخرة مع أنه لا يعلم الغيب ولا يعلم أن ضمان صاحبه حق، ثم هو يعد بأن يعطى صاحبه مالا مسمى مقابل هذا الضمان الباطل فيكذب ولا يفي بما وعد.
وجاء هذا الاستفهام مفيدا أيضا التنبيه على حال هذا الرجل المرتد: إسلام رضاً وطواعية، ثم ردّة طائشة تقوم على جهالة الجاهلية، وقبول ضمان لا دليل على صحته وصدقه، ثم وعد لا يعقبه وفاء. إنها لحال جديرة بأن ينبه عليها، حال مثيرة للتعجب والاستغراب، باعثة على التذكر والتدبر والتفكير.
وفي البحر المحيط لأبى حيان وتفسير الجلالين أن {أَفَرَأَيْتَ} هنا بمعنى أخبرني، فهي علمية تنصب مفعولين: المفعول الأول- وهو المستخبر عنه- اسم الموصول {الَّذِي تَوَلَّى} ، أما المفعول الثاني- وهو متعلق الاستخبار ومناطه- فالجملة الاستفهامية: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} .(33/342)
أما الآية السابعة والثامنة والتاسعة لاستفهام {أرأيت} ففي قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى, أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى, أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى, أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى, أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} . الآيات: (9-14) من سورة العلق وسبب نزول هذه الآيات مايلي:
"أخرج أحمد ومسلم والنسائي وغيرهم عن أبي هريرة أن أبا جهل حلف باللات والعزى لئن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ليطأنّ على رقبته وليعفرنّ وجهه، فأتى رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو يصلي ليفعل، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، فقيل له مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا، وأنزل الله تعالى كلا إن الإنسان إلى آخر السورة" (تفسير الألوسي ج30 ص183) . ومن ضمنها هذه الآيات المتقدمة موضع البحث.
و {أَرَأَيْتَ} هنا في آياتها الثلاث بمعنى أخبرني فهي علمية تنصب مفعولين:
أما {أرأيت} الأولى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى} فمفعولها الأول- وهو المستخبر عنه- اسم الموصول {الَّذِي يَنْهَى} ، ومفعولها الثاني- وهو متعلق الاستخبار ومناطه- محذوف يدل عليه {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} . والمعنى والتقدير: أرأيت الذي ينهي - وهو أبو جهل - عبدا إذا صلى - وهو الرسول صلى الله عليه وسلم - ألم يعلم ذلك الناهي أن الله يراه فيحاسبه.(33/343)
وعبر عن أبي جهل باسم الموصول {الَّذِي يَنْهَى} ليشمل كل ناه عن الصلاة، وعبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ {عَبْداً} وهي نكرة تدل على التعظيم لتشمل كل منهي عن الصلاة، وعبر عن النهي مع أنه قد مضى بصيغة المضارع التي تدل على الحال والاستقبال لبيان أن ذلك النهي جدير بأن يستحضر ويظل عالقا بالأذهان لغرابته وأنه مما لا ينقضي التعجب منه.
أما أرأيت الثانية: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى, أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} فمفعولها الأول- وهو المستخبر عنه - ضمير محذوف يعود على الذي ينهي، ومفعولها الثاني - وهو متعلق الاستخبار ومناطه - محذوف أيضا يدل عليه {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} والضمير المستتر في {كَانَ} وفي {أَمَرَ} يعود على الذي ينهي وهو أبو جهل، وهذا رأى جماعة من المفسرين منهم الزمخشري وأبو السعود والألوسي، وعلى هذا الرأي قال البيضاوي في تفسيره: "والمعنى أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله عن صلاته إن كان ذلك الناهي على هدى فيما ينهى عنه أو آمرا بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده… {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} ويطلع على أحواله من هداه أو ضلاله "ا. هـ.
وذهب مفسرون آخرون منهم الطبري وابن كثير وابن عاشور إلى أن الضمير المستتر في كان وأمر يعود على {عَبْداً} وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلى هذا الرأي أشار البيضاوي في تفسيره: "وقيل المعنى: أرأيت الذي ينهى عبدا يصلى والمنهي على الهدى آمر بالتقوى"ا. هـ.(33/344)
أما أرأيت الثالثة: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى, أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} فمفعولها الأول محذوف اختصارا يعود على الذي ينهي، ومفعولها الثاني الجملة الاستفهامية: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} . أما الشرط الواقع بعد أرأيت الثانية والشرط الواقع بعد أرأيت الثالثة فجوابهما محذوف دل عليه الجملة الاستفهامية، والمعنى أرأيت أبا جهل الناهي عن الصلاة إن كذب بالحق الذي بعث الله به محمدا وتولى وأدبر عنه فلم يصدق به ألم يعلم بأن الله يراه فيحاسبه على تكذيبه وتوليه.
والمراد بتاء الخطاب في {أَرَأَيْتَ} في آياتها الثلاث الرسول صلى الله عليه وسلم وكل من يصلح أن يكون مخاطبا.
وقد جاء استفهام {أَرَأَيْتَ} في آياتها الثلاث مفيدا التعجب والتعجيب والتنبيه والتهديد والوعيد:
التعجب والتعجيب من حالة أبي جهل، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهدى ويأمر بالتقوى، ويدعو إلى عبادة الخالق الرازق، وإلى نبذ عبادة الأصنام التي لا تسمع ولا تعقل ولا تضر لا تنفع، فكان ينبغي لأبي جهل أن يستجيب إلى دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فيؤمن به ويصدقه، لا سيما أنه قد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم أمينا صادقا مستقيما، ولكن أبا جهل يكذب الأمين، ويظل يعبد الأصنام، وزيادة في الكفر والعناد والجهالة حاول أن يمنع الرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة في المسجد الحرام حول الكعبة عند المقام، وهو يعلم أن الله تعالى يراه ويعلم فعله وأنه قادر على الانتقام منه ونصرة رسوله الأمين.(33/345)
وجاء مفيدا التنبيه أيضا: التنبيه لحال تبعث على التعجب وتثير الاستغراب، وتدعو إلى التدبر والتبصر، حال أبي جهل- وما أكثر آباء الجهل- فقد وقف إلى جانب الباطل وهو يعلم أنه باطل، وترك جانب الحق وهو يعلم أنه حق، وعبد الأصنام وهو يراها لا تسمع ولا تعقل ولا تضر ولا تنفع، وأعرض عن عبادة الله الواحد القهار، وكذب من يعلم صدقه وأمانته وكان عليه أن يصدقه ويؤمن به.
ويفيد هذا الاستفهام أيضا التهديد والتوعد: تهديد أبي جهل وتوعده بأن الله تعالى ليس بغافل عما يفعل، فهو يراه وسوف ينتقم منه وينزل به العذاب الأليم.
ويدخل مع أبي جهل في هذا التهديد والتوعد أمثاله الذين يمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، ويحولون بين المسلمين وبين إقامة الصلاة.
أما الآية العاشرة التي ورد فيها استفهام: {أَرَأَيْتَ} ففي قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ, وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} الآيات: (1-3) من سورة الماعون.
وتتضمن هذه الآيات الكريمة:
أعلمت الذي يكفر باليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وثواب وعقاب من هو، وعلى أي صفة يكون، إن لم تكن قد علمته فذلك الذي يدفع اليتيم عن حقه دفعا في خشونة، ويرده عن طعامه الذي يستحقه في غلظة وقسوة، ولا يحث نفسه ولا غيره على إطعام المساكين طعامهم دون مِنة وتطاول، ذلك هو الذي يكفر باليوم الآخر وما فيه، ولو كان قد آمن به وبما يقع فيه ما فعل الذي قد فعل من قسوة وغلظة وإمساك يد وشحّ.
والتاء في {أَرَأَيْتَ} خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وقيل هي عامة تشمل كل من يصلح أن يكون مخاطباً.(33/346)
و {أَرَأَيْتَ} قيل هي من الرؤية البصرية فتأخذ مفعولا واحدا، وقيل هي بمعنى أخبرني فهي علمية تأخذ مفعولين: المفعول الأول- وهو المستخبر عنه - {الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} ، والثاني- وهو متعلق الاستخبار ومناطه- جملة استفهامية مقدرة، والتقدير: أعلمت الذي يكذب بالدين من هو.
وقُدر المفعول الثاني: جملة استفهامية لأن {أَرَأَيْتَ} التي بمعنى أخبرني لم يأت مفعولها الثاني مصرحا به في القرآن الكريم إلا جملة استفهامية، فكان أن قدر هنا جملة استفهامية طردا للأسلوب على نمط واحد وطريقة واحدة.
والمراد بـ {الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} قيل هو شخص معينّ، وذكروا أشخاصا بأسمائهم، وقيل- وهو الحق - أنه على عمومه، فيشمل كل من كان مكذباً بالدين.
وقد اختلفت آراء العلماء في استفهام {الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} : فذهب ابن خالويه إلى أنه للتقرير والتنبيه، وذهب الفخر الرازي والبيضاوي إلى أنه للتعجب، وقال أبو السعود إنه للتشويق والتعجب.
والذي يبدو لي أن استفهام {أَرَأَيْتَ} هنا يفيد التشويق والتنبيه:
يفيد التشويق على معنى تشويق المخاطب وإثارة تطلعه واستشرافه إلى معرفة جواب هذا الاستفهام، حتى إذا جاءه الجواب تمكّن منه فضل تمكن.
ويفيد التنبيه تنبيه المخاطب لأمر جدير بالتأمل والتبصر، ذلك حرمان اليتيم من حقه، والبخل على المسكين بطعامه الذي يستحقه، فإنهما يدلان على أنّ المقدم عليهما لا يرجو ثوابا ولا يخاف عقابا ولا يحسّ برحمة، وذلك مما ينبغي للمؤمن أن يتقيه ويحذر منه.
أختي الاستفهامية: "هل":
أريد الآن أن أبدأ الحديث عن الأسلوب الثالث من أساليب الهمزة الداخلة على الفعل الماضي (رأى) بعد أن حدثتك عن الأسلوب الأول وهو (أرأيتم) في رسالتي السابقة، وبعد أن انتهيت من الحديث عن الأسلوب الثاني وهو (أرأيت) في هذه الرسالة.(33/347)
لقد جاء على الأسلوب الثالث - وهو ما لحقت فيه تاء المخاطب كافُ الخطاب المتصرفة إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا – لقد جاء على هذا الأسلوب صورتان: الأولى (أرأيتك) والثانية (أرأيتكم) .
أما (أرأيتك) فقد وردت مرة واحدة في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً, قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلاً} الآيتان: (61-62) من سورة الإسرَاء.
تتضمن هاتان الآيتان الكريمتان: أن الله جلّ وعلا أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم سجود تحية وتكريم، فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر أن يسجد وقال منكرا متعجبا: أأسجد وقد خلقتني من نار لهذا الذي خلقته من طين؟! إنني لن أسجد ولن أكون من الساجدين!!.
أخبرني عن آدم هذا الذي كرّمته عليّ بأن أمرتني بالسجود له لم كرّمته عليّ؟! يمينا لئن أخرتني حيّاً إلى يوم القيامة لأستولينّ على ذريته وأقودهم إلى الضلال وارتكاب المعاصي ولن ينجو من إغوائي إلا قليل هم عبادك المخلصون.
هذا، و {أَرَأَيْتَكَ} هنا- في رأى كثير من المفسرين- بمعنى أخبرني فهي علمية تأخذ مفعولين: مفعولها الأول اسم الإِشارة {هَذَا} - وهو المستخبر عنه - واسم الموصول بعده نعت له، ومفعولها الثاني- وهو متعلق الاستخبار ومناطه- جملة استفهامية مقدرة يدل عليها صلة الموصول، والمعنى: أخبرني عن هذا الذي كرمته عليّ بأن أمرتني بالسجود له لم كرمته علي.(33/348)
وقد ذهب إلى جعل الجملة الاستفهامية المقدرة هي المفعول الثاني لأرأيتك جماعة من المفسرين منهم الزمخشري والبيضاوي والجلال السيوطي والألوسي وابن عاشور، أما أبو حيان فقد قال إن ما ذهب إليه الزمخشري هو الصحيح، ثم قال بعد ذلك: "ولو ذهب ذاهب إلى أن هذا"مفعول أول لقوله {أَرَأَيْتَكَ} بمعنى أخبرني، والثاني الجملة القسمية بعده لانعقادهما مبتدأ وخبرا قبل دخول أرأيتك لذهب مذهبا حسنا إذ لا يكون في الكلام إضمار" (البحر المحيط جـ6 ص 37) .(33/349)
وقد ردّ السمين في حاشية الفتوحات الإلهية هذا الرأي بقوله: "ويردّ ذلك التزام كون المفعول الثاني جملة استفهامية مشتملة على استفهام ... فعليك باعتباره هنا"حاشية الفتوحات الإلهية ج2 ص 364 وما قاله السمين في ردّه على أبي حيان حق- فيما أرى- فإن المفعول الثاني لـ {أَرَأَيْتَ} التي بمعنى أخبرني لم يأت في القرآن الكريم مصرحا به إلا جملة استفهامية كما في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً. أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} . (الآيتان: 77، 78) من سورة مريم وكما في قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} الآية (43) من سورة الفرقان. وكما في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى. وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى. أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} الآيات (33-35) من سورة النجم. وكما في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} (الآيتان 68، 69) من سوره الواقعة. وكما في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} الآية (59) من سورة يونس.
ويتبين من هذه الآيات- وهناك في القرآن الكريم آيات كثيرة غيرها- أنه قد التزم في المفعول الثاني لأرأيت التي بمعنى أخبرني كونه جملة استفهامية هي متعلقُ الاستخبار والاستفهام عن مفعولها الأول، فإذا جاءت (أرأيت) التي بمعنى أخبرني في بعض الآيات دون أن يصرح فيها بالمفعول الثاني لزم أن يكون هذا المفعول الثاني جملة استفهامية مقدرة قياسا على ما جاء في آيات أخرى مصرحا بها.(33/350)
ثم إن قول أبي حيان: "لانعقادهما - أي المفعول الأول والثاني - مبتدأ وخبرا قبل دخول أرأيتك- قول يقال في أرأيت إذا كانت علمية ليست بمعنى أخبرني نحو أرأيت زيدا عالما- أما إذا كانت (أرأيت) بمعنى أخبرني فإن القول يختلف، فلا يكفي في المفعول الثاني أن ينعقد منه ومن المفعول الأول مبتدأ وخبر، بل لابدّ مع ذلك أن يكون المفعول الأول مستخبرا عنه من حيث المعنى، وأن يكون المفعول الثاني موضع الاستفهام والاستخبار عن المفعول الأول، وأن يبقى المعنى سليما مستقيما إذا ما وضعنا (أخبرني عن) موضع (أرأيت) ".
ولنعد إلى الآية الكريمة موضع البحث وهي: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلاً} فالمعنى والتقدير على ما ذهب إليه أبو حيان من أن الجملة القسمية هي المفعول الثاني لأرأيتك التي بمعنى أخبرني هو: أخبرني عن آدم هذا الذي كرمته عليّ لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأغوين ذريته إلا قليلا.
فالجملة القسمية هنا لا تصلح أن تكون مفعولا ثانيا لأرأيتك التي بمعنى أخبرني، لأنها ليست متعلق استفهام إبليس واستخباره حينما قالت: أخبرني عن آدم هذا الذي كرمته عليّ، ويظلّ السؤال قائما: ما الذي يريد إبليس أن يُخبر به عن آدم وعمّ يستفهم؟ وليست هناك من أحد يستطيع أن يدّعي أن قسَمَ إبليس {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} ... هو الذي يريد إبليس أن يُخبر به عن آدم، وأن قسَمَ إبليس هو الذي يسأل عنه إبليس.
ولأنه لا ارتباط بين الجملة القسمية هذه وما قبلها ذهب المفسرون إلى أن هذه الجملة كلام مستأنف.(33/351)
أما تقدير الكلام في هذه الآية الكريمة على ما ذهب إليه معظم المفسرين فهو: أخبرني عن آدم هذا الذي كرمته عليّ لمَ كرمته عليّ، ففي هذا التقدير الذي جعل فيه المفعول الثاني جملة استفهامية نجد المعنى واضحا مرتبطا أوله بآخره وآخره بأوله، وأن العلاقة وثيقة بين مفعولي أرأيتك، وأن المفعول الثاني جاء مشتملا على موضع الاستفهام والاستخبار عن المفعول الأول، وأنه يسير وفقا لأساليب أرأيت التي بمعنى أخبرني.
ومن هذا الذي تقدم يتبينّ أن ما ذهب إليه أبو حيان من كون الجملة القسمية مفعولا ثانيا لأرأيتك مذهب بعيد عن الحسن كل البعد.
هذا، وقد رجع أبو حيان عن هذا الرأي في آخر الجزء الأخير من تفسيره البحر المحيط عند تفسير قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} ... الآيات (9-14) من سورة العلق، فقال متحدثا عن المفعول الثاني لأرأيت التي بمعنى أخبرني: "وعندنا أن المفعول الثاني لا يكون إلا جملة استفهامية" (البحر المحيط ج8 ص 494) .
هذا، والتاء في {أَرَأَيْتَكَ} ضمير المخاطب فاعل، والكاف- عند البصريين- حرف خطاب لا محل له من الإِعراب، مؤكد لمعنى التاء قبله، وهو من التوكيد اللغوي.
وذهب الفراء إلى أن الكاف في {أَرَأَيْتَكَ} لها محل من الإِعراب وهو النصب على المفعولية، والمعنى أرأيت نفسك، و {هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} مبتدأ وخبر وقد حذف منه الاستفهام أي أهذا الذي كرمت عليّ.
وقال ابن عطية: الكاف في {أَرَأَيْتَكَ} حرف خطاب ومبالغة في التنبيه لا موضع لها من الإعراب فهي زائدة، ومعنى أرأيت أتأملت ونحوه، كأن المخاطب بها أي بأرأيتك ينبّه المخاطب ليستجمع لما ينبه عليه بعدُ، ولا تكون بمعنى أخبرني إلا إذا كان بعدها استفهام مصرح به.
وقد أفاد استفهام {أَرَأَيْتَكَ} التعجب والإِنكار:(33/352)
فقد عجب إبليس من تكريم الله تعالى لآدم، فقد أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم وأمره هو أيضا بالسجود فكان في هذا السجود تكريم لآدم عظيم.
وقد أنكر إبليس ذلك التكريم، لأن الله تعالى خلقه من نار، وخلق آدم من طين، ومن يُخلق من نار أفضل - في زعمه - ممن يُخلق من طين. وقد ضل إبليس عن أن الله تعالى لا يُسأل عما يفعل، وأن خلقه هم الذين يُسألون.
أختي الاستفهامية "هل":
وعلى أسلوب أرأيتك بمعنى أخبرني جاء أرأيتكم في آيتين اثنتين:
الأولى: في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ, بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} . الآيتان: (40- 41) من سورة الأنعام.
في هاتين الآيتين الكريمتين يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين ما يتضمن:
أخبروني - أيها المشركون - عن عذاب الله إن أتاكم في الدنيا أو أتتكم أهوال يوم القيامة، أترجعون إلى غير الله في دفع ذلكم العذاب أو تلكم الأهوال. إن كنتم صادقين فأخبروني إلى مَنْ ترجعون، إنكم لن ترجعوا في دفع ذلك كله إلا إلى الله تعالى، فيكشف الذي من أجله دعوتموه إن شاء أن يتفضل عليكم بكشفه، وتنسون الأصنام التي كنتم تعبدونها كأن لم تعبد من قبل.(33/353)
والتاء في {أَرَأَيْتَكُمْ} ضمير المخاطب في محل رفع فاعل، و (كُمْ) التي بعد التاء حرف خطاب لا محل له من الإعراب جاء لتأكيد الخطاب الذي دلت عليه التاء، وهذه (الكافات) اللواحق التي تأتي بعد التاء تختلف باختلاف المخاطب مع بقاء التاء مفتوحة، فتقول: {أَرَأَيْتَكَ} الخطاب المفرد المذكر، و (أرأيتَكِ) لخطاب المفردة المؤنثة، و (أرأيتكُما) لخطاب المثنى بنوعيه (المذكر والمؤنث) ، و {أَرَأَيْتَكُمْ} لخطاب جماعة الذكور، و (أرأيتكُنَّ) لخطاب جماعة الإناث.
هذا إذا كانت {أَرَأَيْتَكَ} بمعنى أخبرني، وهو رأي البصريين، وسوف أذكر لك رأي الكوفيين ضمن أمور أنبهك عليها في ختام هذه الرسالة.
وإذا لم تكن {أَرَأَيْتَكَ} بمعنى أخبرني فهذه الكافات اللواحق بالتاء ضمائر في محل نصب مفعول به لرأيت، سواء أكانت علمية أم بصرية أم عرفانية، ولايلزم الفتح تاء الضمير.
والحديث عن هذه المسألة مجاله كتب النحو الموسعة عندما تتحدث عن (رأى) في باب ظن وأخواتها، وليس لهذه الرسائل أن تأخذ من النحو إلا ما يتصل بآياتها الكريمة اتصالا وثيقا، وفيما ذكرته لك ما يكفي ويزيد.
و {أَرَأَيْتَكُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه هو عذاب الله والساعة، ومتعلق الاستخبار ومناطه وموضعه هو الجملة الاستفهامية: {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} ، والمعنى: أخبروني أيها المشركون عن عذاب الله إن أتاكم أو الساعة إن جاءتكم أغير الله تدعون لكشفه أو كشف أهوالها.(33/354)
و {أَرَأَيْتَكُمْ} وإن كانت بمعنى أخبروني من حيث المعنى- هي علمية من حيث الإعراب تأخذ مفعولين: المفعول الأول ضمير محذوف يعود على {عَذَابُ اللَّهِ} فاعل أتاكم، وهذه المسألة من باب التنازع، فقد تنازع (أرأيتكم) و (أتاكم) : {عَذَابُ اللَّهِ} ، فالأول وهو {أَرَأَيْتَكُمْ} يطلبه على أنه مفعوله، والثاني وهو {أَتَاكُمْ} يطلبه على أنه فاعله، فأعمل الثاني وارتفع {عَذَابُ اللَّهِ} على الفاعلية، وأعمل الأول في ضميره وحذف ذلك الضمير، أما المفعول الثاني لـ {أَرَأَيْتَكُمْ} فهو الجملة الاستفهامية: {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} والرابط لهذه الجملة الاستفهامية بالمفعول الأول ضمير محذوف، والتقدير: أغير الله تدعون لكشفه أو كشفها. أما جواب {إنْ} الشرطية في قوله تعالى {أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ} ففيه خمسة أوجه:
الوجه الأول: أن الجواب محذوف، وقدّره الزمخشري: إن أتاكم عذاب الله من تدعون، وقال أبو حيان: وإصلاح هذا الجواب أن يكون: (فمن تدعون) بالفاء، لأن جواب الشرط إذا وقع جملة استفهامية فلابد فيه من الفاء.
الوجه الثاني: أن جوابه {أَرَأَيْتَكُمْ} - قاله الحوفي- وقال أبو حيان: رأي الحوفي هذا فاسد لسببين: الأول: أن جواب الشرط لا يتقدم عند جمهور البصريات وإنما جوزه الكوفيون وأبو زيد والمبرد. والسبب الثاني: أن الجملة المصدرة بالهمزة لا تقع جوابا للشرط البتة، إنما يقع من الاستفهام ما كان بهل أو اسم من أسماء الاستفهام.(33/355)
الوجه الثالث: أن الجواب هو الجملة الاستفهامية: {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} ، وهو ظاهر عبارة الزمخشري، وقد ردّ أبو حيان هذا الرأي بقوله: لا يجوز أن يتعلق الشرط بقوله {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} لأنه لو تعلق به أعان جوابا له، لكنه لا يقع جوابا، لأن جواب الشرط إذا كان استفهاما بالحرف لا يقع إلا بهل مقدّما عليها الفاء، وأيضا الجملة الاستفهامية المصدرة بالهمزة لا يصح وقوعها جوابا للشرط.
الوجه الرابع: أن الجواب محذوف، دلّ عليه الاستفهام: {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} ، والتقدير: إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة دعوتم الله.
الوجه الخامس: أن الجواب محذوف، دلّ عليه الكلام السابق وهو {أَرَأَيْتَكُمْ} والتقدير: إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة فأخبروني عنه أتدعون غير الله لكشفه. ومثل هذا قولهم: أنت ظالم إن فعلت، أي فأنت ظالم، فحذف فأنت ظالم لدلالة ما قبله عليه. (البحر المحيط ج 4 ص 127) .
وهذا الوجه الخامس هو الذي اختاره أبو حيان وقال إنه الذي تقتضيه قواعد العربية، وهو الذي التزمته في جواب كل شرط جاء بعد (أرأيت) إذا كان المعنى عليه.
وقد كان للعلماء في المفعول الأولى والثاني لـ {أَرَأَيْتَكُمْ} ثلاثة آراء:
الرأي الأول: أن مفعولها الأول محذوف لدلالة الكلام عليه، وأن مفعولها الثاني محذوف أيضا لدلالة الجملة الاستفهامية عليه، والتقدير: أرأيتكم عبادتكم الأصنام هل تنفعكم. أو اتخاذكم غير الله إلها هل يكشف ضركم، وقال أبو حيان هو رأي ضعيف ولم يعلّل، وربما كان ضعفه في أنه متكلف لا داعي إليه.
الرأي الثاني: أنه ليس لـ {أَرَأَيْتَكُمْ} مفعول أول ولا مفعول ثان وأن الشرط الذي بعدها وجوابه سدّا مسدّ مفعوليها، وقال أبو حيان هو رأي ضعيف، ولكن السمين في حاشية الفتوحات الإلهية ردّ هذا الرأي بأنه لم يعهد في باب ظن أن يسدّ الشرط وجوابه مسدّ المفعولين.(33/356)
الرأي الثالث: أن المفعول الأول ضمير محذوف يعود على {عَذَابُ اللَّهِ} وأن المسألة من باب التنازع، وأن المفعول الثاني هو الجملة الاستفهامية {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} .
وهذا الرأي الثالث هو الذي اختاره أبو حيان، وهو الذي التزمته فيما جاء على أسلوب {أَرَأَيْتَكُمْ} هنا.
وقد أفاد استفهام {أَرَأَيْتَكُمْ} في هذه الآية الكريمة توبيخ المشركين وتقريعهم على عبادتهم الأصنام وتركهم عبادة الله تعالى، مع أنهم إذا وقع العذاب بهم لا يدعون أولئك الأصنام لكشفه عنهم، وإنما يدعون الله وحده وينسون ما كانوا يعبدون.
ويفيد أيضا التنبيه: تنبيه المشركين على سوء صنيعهم، فهو يعبدون الأصنام التي لا تقدر أن تجلب لهم نفعا أو تدفع عنهم ضرا، ويتركون عبادة الله الذي لا يدعون غيره إذا نزل بهم البلاء.
ويفيد أيضا التعجب: التعجب من حال هؤلاء المشركين، فهم يعبدون الأصنام حتى إذا نزل العذاب وأصابتهم المصائب لجئوا إلى الله تعالى وحده ليكشف عنهم ما نزل بهم، وتركوا الأصنام وراءهم نسيا منسيا، وكان مقتضى هذا- لو كان لديهم إدراك سليم وفهم مستقيم ومُسكة من عقل وقليل من تدبر- أن يعبدوا الله القادر على أن يكشف عنهم العذاب والضر، وأن يتركوا عبادة ما لا يقدرون على شيء.
الآية الثانية قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} . الآية (47) من سورة الأنعام.
في هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين ما يتضمن:
أخبروني- أيها المشركون- عن عذاب الله إن أتاكم فجأة من غير مقدمات، أو أتاكم جهرة قد تقدمه علامات وأمارات- هل يهلك بهذا العذاب إلا أنتم أيها المشركون.(33/357)
و {أَرَأَيْتَكُمْ} هنا بمعنى أخبروني، والمستخبر عنه عذاب الله، ومتعلق الاستخبار وموضعه ومناطه الجملة الاستفهامية: {هَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} .
و {أَرَأَيْتَكُمْ} من حيث الإِعراب علمية تنصب مفعولين: المفعول الأول ضمير محذوف يعود على عذاب الله، والمسألة هنا من باب التنازع على نحو ما مرّ في الآية الأولى التي سبقت هذه. أما المفعول الثاني فهو الجملة الاستفهامية: {هَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الظَّالِمُون} والرابط الذي يربطها بالمفعول الأول ضمير محذوف، والتقدير: هل يهلك به إلا القوم الظالمون. وأداة الشرط {إِنْ} في قوله تعالى {إِنْ أَتَاكُمْ} جوابها محذوف دل عليه {أَرَأَيْتَكُمْ} ، والتقدير: إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة فأخبروني هل يهلك به إلا القوم الظالمون. والتاء في {أَرَأَيْتَكُمْ} ضمير المخاطب فاعل، والكاف أو {كُمْ} حرف جيء به لتأكيد الخطاب الذي دلت عليه التاء لا محل له من الإعراب. و {بَغْتَةً أَوْ جَهْرَة} مصدران، وهما منصوبان على الحالية من فاعل أتاكم وهو عذاب الله فيؤولان باسم الفاعل، أو على الحالية من المفعول به في أتاكم وهو الكاف أو كُمْ، فيؤولان باسم المفعول، أو منصوبان على المصدرية. واستفهام {أَرَأَيْتَكُمْ} هنا يفيد التهديد: تهديد المشركين بالعذاب جزاء إشراكهم بالله تعالى.
ويفيد أيضا التقريع والتوبيخ: تقريع المشركين وتوبيخهم على إشراكهم الذي استحقوا به عذاب الله تعالى.
ويفيد أيضا التنبيه: تنبيه المشركين على أنهم بإشراكهم بالله يظلمون أنفسهم ويستحقون به عذاب الله تعالى الذي سوف ينزل بهم بغتة أو جهرة وليس لهم منه سلامة ولا نجاة.
أختي الاستفهامية "هل":(33/358)
بهذا ينتهي حديثي إليك عن الآيات التي وردت فيها همزة الاستفهام داخلة على الفعل الماضي "رأى يا ولكنني أودّ قبل أن أكتب إليك حديثا جديدا- أودّ أن أعود إلى الوراء قليلا لأريك أمورا جاءتك تفاريق في مواضع شتى، ومن هذه الأمور:
1- أن همزة الاستفهام قد دخلت على الفعل الماضي "رأى"في أربع وثلاثين آية من آيات القرآن الكريم، وليس هناك فعل آخر قد دخلت عليه الهمزة وكان في مثل هذا العدد أو قريبا منه.
2- وأنني قد ذهبت إلى أن {أَرَأَيْتَ} في هذه الآيات كلها كانت بمعنى أخبرني، وأنها من حيث الإعراب علمية تنصب مفعولين: الأول يجيء بعدها ويكون اسما مفردا ظاهرا أو مضمرا- وهو المستخبر عنه من حيث المعنى- والثاني يجيء جملة استفهامية ظاهرة أو مقدرة وهي موضع الاستخبار ومتعلقة ومناطه.
وقد جاء هذان المفعولان من حيث الذكر والحذف على أربع صور:
الصورة الأولى: ذكر المفعولين مصرحا بهما، وقد جاء ذلك في ثلاث عشرة آية:
1- في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} الآية (59) من سورة يونس.
المفعول الأول هنا اسم الموصول {مَا أَنْزَلَ} ، والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} و {قُلْ} الثانية توكيد للأولى.
2- وفي قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} . الآية (40) من سورة فاطر.
المفعول الأول هنا {شُرَكَاءَكُمُ} والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} وجملة {أَرُونِي} معترضة بين المفعولين لتأكيد الكلام وتقويته.(33/359)
3- وفي قوله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} الآية (38) من سورة الزمر.
المفعول الأول هنا اسم الموصول {مَا تَدْعُونَ} والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} . {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} والجملة الشرطية: {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ} ، {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} معترضة بين المفعولين.
4- وفي قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} الآية (40) من سورة الأحقاف.
يقال في المفعولين هنا ما سبق قوله في الآية الأربعين من سورة فاطر المتقدمة في رقم (2) .
5- وفي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى, وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى, أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى} . الآيات: (19- 21) من سورة النجم.
المفعول الأول: اللات والعزى ومناة، والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى} .
6- وفي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ, أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} الآيتان: (58-59) من سورة الواقعة.
المفعول الأول هنا: اسم الموصول {مَا تُمْنُونَ} والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} .
7- وفي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ, أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} الآيتان: (63-64) من سورة الواقعة.
المفعول الأول هنا: اسم الموصول {مَا تَحْرُثُونَ} والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} .(33/360)
8- وفي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ, أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} الآيتان: (68-69) من سورة الواقعة.
المفعول الأول هنا {الْمَاءَ} ، والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} .
9- وفي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} الآيتان: (71-72) من سورة الواقعة.
المفعول الأول هنا {النَّارَ} والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} .
10- وفي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً, أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} الآيتان: (77-78) من سورة مريم.
المفعول الأول هنا اسم الموصول {الَّذِي كَفَرَ} ، والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} .
11- وفي قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} . الآية: (43) من سورة الفرقان.
المفعول الأول هنا اسم الموصول {مَنِ اتَّخَذَ} والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} .
12- وفي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} . الآية (23) من سورة الجاثية.
المفعول الأول هنا اسم الموصول {مَنِ اتَّخَذَ} ، والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} .(33/361)
13- وفي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى, وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى, أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} الآيات: (33-35) من سورة النجم.
المفعول الأول هنا اسم الموصول {الَّذِي تَوَلَّى} . المفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ} .
الصورة الثانية: حذف المفعول الأول وذكر المفعول الثاني وهو الجملة الاستفهامية، وقد ورد ذلك في اثني عشر موضعاً في آيات القرآن الكريم:
1- في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} الآية (40) من سورة الأنعام.
المفعول الأول لأرأيتكم هنا ضمير محذوف يعود على {عَذَابُ اللَّهِ} والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} .
2- وفي قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِه} الآية (46) من سورة الأنعام.
المفعول الأول لأرأيتم هنا ضمير محذوف يعود على سمعكم وأبصاركم وقلوبكم، والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِه} .
3- وفي قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} . الآية (47) من سورة الأنعام.
المفعول الأول لأرأيتكم هنا محذوف وهو ضمير يعود على عَذَابُ اللَّهِ، والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {هَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} .
4- وفي قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} الآية: (50) من سورة يونس.(33/362)
المفعول الأول لأرأيتم هنا ضمير محذوف يعود على {عَذَابُهُ} ، والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} .
5- وفي قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} الآية (28) من سورة هود.
المفعول الأول لأرأيتم هنا ضمير محذوف يعود على {بَيِّنَةٍ} والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} .
6- وفي قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ} الآية (63) من سورة هود.
المفعول الأول لأرأيتم هنا ضمير محذوف يعود على {بَيِّنَةٍ} والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ} .
7- وفي قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ} الآية (71) من سورة القصص.
المفعول الأول لأرأيتم هنا ضمير محذوف يعود على {اللَّيْلَ} ، والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ} .
8- وفي قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيه} الآية (72) من سورة القصص.
المفعول الأول لأرأيتم هنا ضمير محذوف يعود على {النَّهَارَ} والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيه} .(33/363)
9- وفي قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} الآية (52) من سورة فصلت.
المفعول الأول لأرأيتم هنا محذوف يدل عليه المعنى تقديره (أنفسكم) وهذا رأي أبي حيان، والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} ومعناها: من أضل منكم.
10- وفي قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} الآية (28) من سورة الملك.
المفعول الأول لأرأيتم هنا محذوف يدل عليه المعنى تقديره (أنفسكم) والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ومعناها: من يجيركم من عذاب أليم، والفاء زائدة للتوكيد.
11- وفي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ, ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ, مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} الآيات (205-207) من سورة الشعراء.
المفعول الأول هنا ضمير محذوف يعود على اسم الموصول: {مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} .
12- وفي قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى, أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} . الآيات: (13-14) من سورة العلق.
المفعول الأول هنا محذوف وهو ضمير يعود على اسم الموصول: {الَّذِي يَنْهَى} والمفعول الثاني الجملة الاستفهامية: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} .
الصورة الثالثة: ذكر المفعول الأول وحذف المفعول الثاني وقد ورد ذلك في أربعة مواضع في آيات القران الكريم:(33/364)
1- في قوله تعالى: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ, أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ, فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} . الآيات: (75-77) من سورة الشعراء.
المفعول الأول مذكور وهو اسم الموصول: {مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} والمفعول الثاني جملة استفهامية مقدرة يدل عليها المعنى والسياق وتقديرها: "أيستحقون أن تعبدوهم وهم لا ينفعون ولا يضرون".
0 2- وفي قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى, عَبْداً إِذَا صَلَّى} الآيتان: (9-10) من سورة العلق.
المفعول الأول اسم الموصول {الَّذِي يَنْهَى} ، والمفعول الثاني جملة استفهامية مقدرة وتقديرها: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} وقد دلّ عليها وأغنى عن التصريح بها قوله تعالى في الآية الرابعة عشرة من هذه السورة {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} .
3- وفي قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} الآيتان: (1-2) من سورة الماعون.
المفعول الأول اسم الموصول: {الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} ، والمفعول الثاني جملة استفهامية مقدرة وتقديرها: أرأيت الذي يكذب بالدين من هو.
4- وفي قوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلاً} . الآية (62) من سورة الإسراء.
المفعول الأول اسم الإشارة {هَذَا} والمفعول الثاني جملة استفهامية مقدرة، والتقدير: أرأيت هذا الذي كرمته عليّ لم كرمته عليّ.
الصورة الرابعة: حذف المفعول الأول والثاني معاً، وقد ورد ذلك في خمسة مواضيع في آيات القرآن الكريم:(33/365)
1- في قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} . الآية (88) من سورة هود.
مفعولا أرأيتم هنا محذوفان وقد دلّ عليهما المعنى والسياق، وتقديرهما: أرأيتم البينة- إن كنتم عليها- أيحق لي أن كتمها وأن لا أبلغكموها.
2- وفي قوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً} . الآية (63) من سورة الكهف.
مفعولا أرأيت هنا محذوفان، يدل عليهما المعنى والسياق، وتقديرهما: أرأيت أمرنا ما عاقبته. أو أرأيت الحوت ماذا كان منه.
3- وفي قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} الآية (10) من سورة الأحقاف.
مفعولا أرأيتم هنا محذوفان، يدل عليهما السياق والمعنى، وتقديرهما: أرأيتم حالكم إن كان هذا القرآن من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله - وهي التوراة بأنها من عند الله فآمن به واستكبرتم عن الإيمان به - ألستم ظالمين لأنفسكم بكفركم هذا.
4- وفي قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} الآية (35) من سورة الملك.(33/366)
مفعولا أرأيتم هنا محذوفان يدل عليهما الجملة الشرطية وجوابها وتقديرهما: أرأيتم ماءكم- إن أصبح غائرا في الأرض - أيستطيع أحد غير الله أن يأتيكم ببدل منه.
3- وفي قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى, أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} الآيتان: (11-12) من سورة العلق.
مفعولا أرأيت هنا محذوفان يدل عليهما المعنى والسياق، وتقديرهما: أرأيته أي- أبا جهل- إن كان على الهدى بحسب زعمه في نهيه الرسول عن الصلاة أو آمرا بالتقوى وهي عبادة الأصنام بحسب زعمه - ألم يعلم بأن الله يراه، فيحاسبه على هداه المزعوم وتقواه الكاذبة.
وبهذا تنتهي الصور التي جاء عليها مفعولا (أرأيت) بأساليبها الثلاثة:
(1- أرأيت) (2- أرأيتم) (3- أرأيتكم) .
وإذا أنعمت النظر في هذه الصور الأربع وجدت فيها أنه حيثما حذف المفعول الأول لـ (أرأيت) في أساليبها الثلاثة جاء بعدها مباشرة "إنْ"الشرطية وكان شرطها فعلا ماضيا، ويستثنى من ذلك {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} . الآية (63) من سورة الكهف. فقد جاء بعد (أرأيت) "إذْ"الظرفية ولم تأت "إنْ"الشرطية.
وفي هذه الآيات التي جاءت فيها "إنْ"الشرطية بعد (أرأيت) وأخواتها (أرأيتم، أرأيتك، أرأيتكم) مباشرة، في هذه الآيات أجاز بعض العلماء أن يسدّ الشرط وجوابه - إذا جاء الجواب جملة استفهامية مقترنة بالفاء - مسدّ مفعوليْ أرأيت وأخواتها. وقد ردّ أبو حيان هذا الرأي بأنه لم يعهد في أساليب العربية أن يسد الشرط وجوابه مسدّ مفعوليْ (علم) .(33/367)
وقد أجاز بعض العلماء أيضا أن تكون (أرأيت) وأخواتها (أرأيتم، أرأيتك، أرأيتكم) جوابا لإن الشرطية الواقعة بعدها إذا كان المعنى على ذلك، وقد ردّ أبو حيان هذا الرأي أيضا بأنّ "إنْ"الشرطية لها الصدارة فلا يصح أن يتقدم معمولها عليها، وأرأيت وأخواتها حينئذ تدل على الجواب وليست هي الجواب نفسه، وما ذهب إليه أبو حيان هو مذهب البصريين، أما الكوفيون فقد أجازوا تقدم جواب الشرط على الشرط.
ومن الأمور التي أحب أن أنبهك عليها أن الكسائي قد ذهب في إعراب (أرأيتك، أرأيتكم) إلى أن التاء ها الفاعل وأن الكاف اللاحقة بالتاء في موضع المفعول الأول.
ويرد على مذهب الكسائي هذا أمران: أحدهما أن هذا الفعل يتعدى إلى مفعولين كقولك أرأيتك زيدا ما فعل. فلو جعلت الكاف مفعولا لكانت المفاعيل ثلاثة.
وثانيهما أنه لو كانت الكاف مفعولا لكان هو الفاعل في المعنى، لأن كلا من الكاف والتاء واقع على المخاطب وليس المعنى على ذلك، إذ ليس الغرض أرأيت نفسك بل أرأيت غيرك، ولذلك قلت أرأيتك زيدا، وزيد ليس هو المخاطب ولا هو بدل منه. (الفتوحات الإلهية ب 2 ص 27) ، (إملاء ما منّ به الرحمن للعكبري ج1 ص 242) .
ويقول الفراء: للعرب في (أرأيت) لغتان ومعنيان: أحدهما رؤية العين، فإذا أردت هذا عديت الرؤية إلى ضمير المخاطب، وتتصرف الرؤية تصرف سائر الأفعال، تقول للرجل: أرأيتك على غير هذه الحال؟ تريد هل رأيت نفسك، ثم تثني وتجمع فتقول: أرأيتما كما، أرأيتموكم، أرأيتنَّ كُنَّ.
والمعنى الآخر أن تقول: أرأيتك إن فعلت كذا ماذا تفعل؟ أي أخبرني، وتترك التاء - إذا أردت هذا المعنى - مُوحَّدة على كل حال، تقول: أرأيتكما، أرأيتكم، أرأيتكن.(33/368)
وإنما تركت العرب التاء واحدة لأنهم لم يريدوا أن يكون الفعل واقعا من المخاطب على نفسه، فاكتفوا من علامة المخاطب بذكرها في الكاف وتركوا التاء في التذكير والتوحيد مفردة، إذ لم يكن الفعل واقعا. (الفتوحات الإلهية ج 2 ص 27) .
ومن هذه الأمور أن استفهام (أرأيتم) الذي ورد في إحدى وعشرين آية من آيات القرآن الكريم قد غلب عليه التقريع والتوبيخ، فقد جاء ذلك في سبعة عشر موضعا، ثم جاء بعد ذلك من حيث الكثرة معنى التنبيه، فقد ورد في أربعة عشر موضعا، وقد جاء معنى التقرير في خمسة مواضع، وجاء الإِنكار في ثلاثة.
أما استفهام (أرأيت) الذي ورد في عشر آيات من آيات القرآن الكريم فقد غلب عليه التعجب والتنبيه، ورد كل منهما في عشرة مواضع وجاء التعجيب في ثمانية، وجاء التهديد والوعيد في موضع واحد، وكذلك جاء التشويق.
أما (أرأيت وأرأيتكم) فقد ورد استفهام (أرأيتك) مرة واحدة وقد أفاد التعجب والإنكار. وأما استفهام (أرأيتكم) فقد ورد مرتين: المرة الأولى في الآية الأربعين من سورة الأنعام وقد أفاد التعجب والتعجيب والتوبيخ والتنبيه، والمرة الثانية في الآية السابعة والأربعين من سورة الأنعام وقد أفاد التهديد والتوبيخ والتنبيه.
أختي الاستفهامية "هل":
في رسالتي السابقة التي تحدثت فيها عن استفهام (أرأيتم) نسيت أن أذكر لك معنى الاستفهام في قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} . الآية (63) من سورة هود.(33/369)
فقد أفاد استفهام (أرأيتم) هنا التنبيه: تنبيه صالحِ عليه السلام قومه ثمود - وقد أنكروا عليه أن ينهاهم عن عبادة الأصنام التي كان يعبدها آباؤهم من قبل وأن يأمرهم بعبادة الله الذي ليس لهم من إله غيره- تنبيههم على أن الله تعالى قد آتاه النبوة وأصبح على بينة من ربه فلا يستطيع بعد هذا إلا أن يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وأن ينهاهم عن عبادة الأصنام، وأنه إن لم يفعل ذلك فقد عصى الله وكان عاقبة أمره خسرا.
وبهذا تنتهي الأمور التي وددت أن أنبهك عليها، وتنهى هذه الرسالة، وسوف أحدثك في الرسالة القادمة- إن شاء الله تعالى- عن همزة الاستفهام الداخلة على "ليس". وأسأل الله تعالى أن يعين وأن يوفق، وعليه أتوكل وإليه أنيب في كل ما ينوب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أختك
همزة الاستفهام
مراجع هذه الرسالة
1- تفسير ابن جرير الطبري.
2- تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي.
3- تفسير أبي السعود.
4- الفتوحات الإلهية المعروفة بحاشية الجمل على الجلالين.
5- تفسير الكشاف للزمخشري.
6- تفسير الفخر الرازي.
7- تفسير القرطبي.
8- تفسير ابن كثير.
9- تفسير البيضاوي.
10- تفسير الجلالين المطبوع على هامش الفتوحات الإلهية.
11- تفسير روح المعاني للألوسي.
12- تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور.
13- البرهان في علوم القرآن للزركشي.
14- بديع القرآن لابن أبي الإصبع المصري.
15- همع الهوامع للسيوطي.
16- حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك.
17- إملاء ما منّ به الرحمن للعكبري.
18- إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه.
19- أساليب الاستفهام في القرآن لعبد العليم السيد فودة.
20- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي.(33/370)
قضية الحداثة
الدكتور عبد الباسط بدر
أستاذ مشارك في كلية اللغة العربية
تمهيد
تثير قضية "الحداثة في الأدب"في أيامنا هذه ضجة كبيرة وتشتعل المعارك حولها بضراوة، ويستخدم المتخاصمون فيها منابر مختلفة، كقاعات الجامعات والكتب، وأعمدة الصحف والمجلات، والأشرطة الصوتية ذات الانتشار المذهل، وتتخذ هذه القضية ميدانين رئيسين لمعاركها هما: ميدان الشعر، بأنواعه كلها: الخليلي والتفعيلي، والغنائي والتمثيلي، وميدان النقد: الأدبي وغير الأدبي، والموضوعي والمتعسف، بينما تغيب أو تكاد عن القصة والمسرحية النثريتين.
ومن المعروف أن الشعر والنقد ميدانان عريقان لمعركة الحداثة، فمنذ العصر العباسي الأول شهد الشعر محاولات لتغيير بعض أعرافه وقواعده، بدأها بشار بن برد، واشتدت على يد شعراء آخرين كابن هرمة ومسلم بن الوليد والحسن بن هانئ، وبلغت ذروتها على يد أبي تمام، وقد سمّى النقاد شعر هؤلاء "شعر المحدثين"، ومن أهم ما جاء به: الصياغة المتقنة التي توائم بين العناصر الفكرية والعناصر الفنية. فالأدوات البديعية: من جناس وطباق ومشاكلة، تمتزج بالفكرة الفلسفية وتخدمها، والاستعارة تأخذ أطرافاً من المنطق، والقواعد الفلسفية تؤثر على الصورة الفنية، وعلى لغة القصيدة، وتجعل اللون العقلي أقوى من اللون العاطفي. وهذا الضرب من "الصناعة الفنية"لم يألفه الشعر العربي من قبل.
وأما موسيقى الشعر، فلم يلحقها تغيير كبير، وظلت تعتمد على الأوزان المعهودة والقافية، وظهرت تنويعات محدودة تتمثل في المسمطات والمزدوجات والمخمسات، ولكنها لم تلق تشجيع النقاد، حتى أن ابن رشيق عدّها مظهرا من مظاهر ضعف الشاعر [1] . وعندما شاعت في وقت متأخر لم تحدث سوى تلوين محدود في التنغيم الأساسي لموسيقى الشعر(33/371)
وفي ميدان النقد الأدبي أحدث شعر المحدثين ردة فعل قوية عند النقاد اللغويين فرفضوه لسببين: الأول أنه ليس من العصور التي يحتج بها في اللغة والنحو والصرف، والثاني أنه يتضمن خروجا على "عمود الشعر" الذي ألفوه في شعر الجاهلية وصدر الإسلام، ويمثل هذه الطائفة ابن الأعرابي في قوله المشهور عن شعر أبي تمام: "إن كان هذا شعرا، فما قالته العرب باطل" [2] .
ولك ن النقاد الآخرين أسقطوا السبب الأول فألغوا عنصر الزمن من مقاييس المفاضلة، ورفضوا أن يعطوا القديم أية ميزه إضافية بسبب قدمه، وأعلن ابن قتيبة أنه "لم يقصر الله العلم والشعر على زمن دون زمن، ولا خص به قوما دون قوم، بل جعل ذلك مشتركا مقسوما بين عباده في كل دهر، وجعل كل قديم حديثا في عصره ... " [3] .
وأما السبب الثاني - خروج شعر المحدثين على عمود الشعر العربي- فقد أثار معارك نقدية واسعة، اتخذت شكل الخصومة حول أبي تمام والبحتري، فأبو تمام رأس المحدثين والبحتري رأس العموديين آنئذ. وقد انحاز لكل منهما عدد من النقاد: فكان الصولي وبشر ابن يحيى والحاتمي من أنصار أبي تمام، وكان ابن عمار القطربلي وابن الأعرابي من أنصار البحتري، وما لبث أن ظهر أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي، ونصب الموازين النقدية ليوازن بين الشاعرين ويبين حسنات كل منهما وعيوبه، ويقوم- من ثم - الحداثة ممثلة في شعر أبي تمام.
وقد ظل كثير من النقاد من بعد يستأنسون بموازنة الآمدي كلما عرضوا لمذهب البديع أو لعمود الشعر العربي [4] .
ويبدو أن قضية الحداثة في نقدنا القديم قد نضجت عند هذا الحد، ذلك أن عددا كبيرا من النقاد في القرون التالية قد تمسكوا بالمقاييس التي أعلنها ابن قتيبة، والتي تتلخص فيما يلي:
أ- ليس الزمن قيمة تفضيلية بين الشعراء، فليس للمتقدم فضل مطلق على المتأخر، ولا العكس.(33/372)
ب- لا تنتهي المعاني في زمن معين، والشعراء في كل زمن يجدون مجالا للقول والإبداع.
ج- مقياس التفاضل الأمثل بين الشعراء هو: "الجودة الفنية".
وقد تكررت هذه المقاييس بصياغات مختلفة عند أعلام النقد العربي على امتداد العصور التالية، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: المبرد، والآمدي، والمرزباني، والقاضي الجرجاني، وابن رشيق، وابن سنان الخفاجي، وابن بسام الشنتريني، وابن الأثير، وحازم القرطاجني… وغيرهم [5]
لذلك علينا أن نعبر القرون إلى العصر الحديث، لنرى قضية الحداثة تظهر وتنمو، وتشتد، بدلالات كثيرة، بعضها مشابه لدلالتها التراثية، وبعضها مختلفة عنها، وفي ميادين كثيرة متفاوتة.
قضية الحداثة في العصر الحديث
يَعدّ بعض النقاد الشاعر خليل مطران (1288-1369 هـ 1871-1949م) رائد الحداثة في العصر الحديث، "حتى ليكاد يختط طريقا يشبه الطريق الذي اختطته في العصر العباسي مدرسة البديع- وعلى رأسها أبو تمام-" [6] ، ذلك أن خليل مطران كان أكثر شعراء جيله تأثرا بالثقافة الفرنسية، فقد ترجم عدة قصائد من الشعر الفرنسي، وعارض قصائد أخرى، وتأثر ببعض قواعد القصيدة الغنائية الفرنسية، وخصوصا استبطان المشاعر الذاتية، والحزن الرومانسي، والتعلق بالطبيعة، وبناء القصيدة على دفقة شعورية واحدة، وربط أجزائها بوحدة عضوية، وقد تحمس لهذه القضايا، ودعا الشعراء العرب إلى الأخذ بها [7] .(33/373)
غير أن تحديث خليل مطران محدود، وأثره فيمن حوله أو بعده من الشعراء والنقاد ضئيل لا يرفعه إلى درجة الريادة، فصياغته الشعرية تداني الصياغة التقليدية التي يريد الخروج عليها، وموضوعات شعره تتراوح بين الموضوعات الوجدانية، التأمل والشكوى والغزل، والموضوعات التقليدية التي يهاجمها الحداثيون: المديح والرثاء وشعر المناسبات والمجاملات، كما أن ظهور الديوانيين الثلاثة: عبد الرحمن شكري (1304-1378هـ 1886-1958م) وعباس محمود العقاد (1301-1383 هـ 1889-1964م) وإبراهيم عبد القادر المازني (1298-1369 هـ 1880-1949م) ، أضاع عليه فرصة التأثير في الساحة الأدبية، فقد شد هؤلاء الثلاثة إليهم الأنظار، وأثاروا زوبعة كبيرة غطى ضجيجها على مطران وغير مطران. والحق أن الديوانيين الثلاثة هم الذين جعلوا إدخال التغييرات على الشعر قضية كبيرة، وهم الذين قادوا أول انعطاف حقيقي في النقد العربي الحديث، وهيئوا المناخ لتضخم قضية الحداثة وانتشارها فيما بعد. وقد وقفت في مقالة سابقة نشرت في هذه المجلة على جوانب من تحديثهم ومدى إسهامهم في دفع القضية [8] ، لذلك أكتفي هنا بإيجاز نتائجها فيما يلي:(33/374)
كان الأعلام الثلاثة على قدر كبير من الثقافة - ولا سيما الثقافة الإنجليزية - وقد درسوا آدابها وأخذوا من شعرها ونقدها عددا من الأصول والمفهومات، وأدخلوها في شعرهم ودعوا إليها في نقدهم، فكانوا كما يقول العقاد نفسه: "مدرسة لا شبه بينها وبين من سبقها في تاريخ الأدب العربي الحديث، فهي مدرسة أوغلت في القراءة الإنكليزية، ولم تقتصر قراءتها على أطراف من الأدب الفرنسي- كما كان يغلب على أدباء الشرق الناشئين في أواخر القرن الغابر- وهي على إيغالها في قراءة الأدباء والشعراء الإنجليز لم تنس الألمان والطليان والروس والأسبان واليونان واللاتين الأقدمين، ولعلها استفادت من النقد الإنجليزي الحديث فوق فائدتها من الشعر وفنون الكتابة الأخرى، ولا أخطئ إذا قلت إن "هازلت"هو إمام هذه المدرسة كلها في النقد لأنه هو الذي هداها إلى معاني الشعر والفنون وأغراض الكتابة ومواضع المقارنة والاستشهاد" [9] .
وأهم جوانب تحديث الديوانيين هي: إضافات في مفهوم الشعر ومحتواه وبعض قواعد الشكل فيه.
أ- في مفهوم الشعر: كان الشعر عند البارودي وتلاميذه صناعة متقنة تقوم على مجموعة من القواعد والقوانين، وقد رفض الديوانيون هذا المفهوم، وقرروا أن الشعر إبداع يعبر عن ذات الشاعر، ويصور عالمه الداخلي، بكافة مناحيه وطاقاته النفسية، ويصدر عن الشعور ويضطرب بالعاطفة، يقول عبد الرحمن شكري في تعريف الشعر: "هو كلمات العواطف والخيال والذوق السليم، فأصوله الثلاثة متزاوجة " [10] .
ب- في مضمون الشعر: اهتم الديوانيون بالقضايا الوجدانية، ووجهوا الشعر نحو استبطان الذات والتعبير عن الاحساسات الفردية، وقلما اهتموا بالقضايا العامة التي كان يهتم بها شوقي وحافظ وأحمد محرم.. الخ.
ج- في شكل الشعر:(33/375)
دعا الديوانيون إلى الوحدة العضوية في القصيدة لتكون "كالجسم الحي يقوم كل قسم فيها مقام جهاز من أجهزته، ولا يغني عنه غيره في موضعه" [11] ، ودعوا إلى تطوير الصورة الشعرية لتكون تعبيرا عن شعور أو قضية، وهاجموا الصورة الشعرية عند شوقي، واتهموها بالافتعال والمبالغة والسطحية والحسية.
كما دعوا إلى التحرر من القافية الموحدة، ورأوا أنها قيد على الإبداع، يقول العقاد: "ليس بين الشعر العربي وبين التفرع والنماء إلا هذا الحائل، فإذا اتسعت القوافي لشتى المعاني والمقاصد وانفرج مجال القول، بزغت المواهب الشعرية على اختلافها، ورأينا بيننا شعراء الرواية، وشعراء الوصف، وشعراء التمثيل" [12] .
تلك هي أهم ملامح الحداثة التي دعا إليها الديوانيون. ويعزو النقاد أصول دعوتهم إلى الرومانسية الإنجليزية التي تأثروا بها، فيذهب الدكتور محمد مندور إلى أن المنهج الشعري الذي اختارته هذه المدرسة ودعت إليه هو نفس المنهج الشعري الذي صدر عنه جامع "الكنز الذهبي" [13] في اختيار ما اختاره من الشعر الغنائي الإنجليزي. وقد قام الباحث محمد عبد الهادي محمود بتتبع هذه الأفكار عند عدد من الشعراء والنقاد الإنجليز، وأثبت أنها منقولة عنهم [14] .
ولم ينكر الديوانيون هذا التأثير، بل أعلنوه على رؤوس الأشهاد، كما رأينا في حديث العقاد عن مصادر ثقافتهم الإنجليزية قبل قليل.(33/376)
ولاشك أن الديوانيين قد جاؤوا الشعر العربي في هذا العصر بعدد من القيم الفنية، استمدوا معظمها من الأدب الغربي، وأفادوه في عدة جوانب منها: إعادته إلى التعبير عن الوجدان الفردي بإِخلاص وصدق، كما كان في شعر معظم الشعراء الجاهلين والإسلاميين، والشعراء الغزليين، والصوفيين، وأصحاب الاتجاهات الفردية، كابن الرومي والمتنبي (في غير مدائحه) وأبي فراس الحمداني وأبي العلاء المعري ... وغيرهم من الفرديين الذين لم يخل منهم عصر من العصور. وعلى ذلك فإن دعوة الديوانيين ليست جديدة كل الجدة على الشعر العربي، وليست نابعة - أيضا - من التيار الوجداني العربي، وإنما من الرومانسية الغربية.
وكذلك الأمر بالنسبة لآرائهم النقدية، فهي أيضا نتيجة من نتائج تأثرهم العميق بثقافتهم الإنجليزية، ولعل هذا هو الذي يفسر لنا التفاوت الكبير بين دعوتهم النظرية وتطبيقهم العملي، فشعرهم - ولاسيما شعر العقاد، ثم شعر المازني - لا يحقق أحيانا المبادئ التي دعوا إليها، ولا يخلوا من المعاني التي هاجموها بشدة. والطريف أن العقاد نفسه - وهو أعنف زملائه في الهجوم على الشعر التقليدي - وقع في الفخ الذي نصبه من قبل لأمير الشعراء أحمد شوقي، فقد أخذه الناقد محمد مندور بجريرة تفكك القصيدة وضياع وحدتها العضوية، وطبق عليه الطريقة نفسها التي اتبعها هو في تحليل قصيدة شوقي، وكال له بالمكيال الذي استخدمه في الهجوم على شوقي! [15] .
والأمر الذي يحسب للديوانيين أنهم فتحوا الباب لرياح الحداثة أوسع مما فتحه أية داعية من قبل، وأنهم جرؤوا من بعدهم أن يدفعوا الباب بحدة أكثر، إلى أن جاء من يقتلعه نهائيا.(33/377)
وقبل أن نتحدث عن تلك المراحل، نلتفت قليلا إلى بيئة أدبية ساندت حداثة الديوانيين وعززت أثرها في الساحة الأدبية، تلك هي بيئة المهجريين، الذين رفعوا أصواتهم من خلف الآفاق، فآزروا الديوانيين، وشاركوهم في التأثير على الجيل التالي من الشعراء والنقاد.
تحديث المهجريين:
لقي الأدب العربي الذي أنشأه المهاجرون العرب إلى الأمريكتين عناية فائقة في بلادنا. فقد اهتمت به المؤسسات الثقافية الرسمية والخاصة، وعكف عليه عدد من الدارسين يحللونه ويظهرون جوانب الإِبداع فيه، ونسبوا إليه فضل السبق والريادة في عدد من الجوانب، فجعلوه مرحلة مهمة من مراحل الحداثة في عصرنا الحاضر [16] .
ويجمع هؤلاء الدارسون على أن الموجهين الحقيقيين للحركة الأدبية في المهجر، ورواد الحداثة فيها، أربعة أدباء هم: أمين الريحاني (1293-1365هـ 1876-1945م) وجبران خليل جبران (1301-1350هـ 1883-1931م) وميخائيل نعيمة (1307-1408هـ 1889-1988م) وإيليا أبو ماضي (1308-1377هـ 1890-1957م) . وكان هؤلاء الأربعة على درجة عالية من الثقافة الغربية، أما ثقافتهم العربية فلم تكن واسعة، لأنهم انقطعوا عن مصادرها في تلك الأصقاع النائية، ولم تكن دراستهم في بلادهم- قبل الهجرة - واسعة. يقول ميخائيل نعيمة في ذلك: "إن أدباء المهجر - بما فيهم أعضاء الرابطة القلمية - لم يكونوا من ذوي الثقافات العميقة، ولم تهيئهم مدارسهم في وطنهم للمركز الممتاز الذي شغلوه في عالم الأدب" [17] .(33/378)
وقد اتخذ الأدب المهجري منذ نشأته سمة التمرد والثورة على التراث، وكان رائده الأول- أمين الريحاني - ذا مزاج ثوري حاد، وهو صاحب أول دعوة إلى الشعر المنثور في الأدب العربي، ومن أشد المتحمسين له، وكان الرائد الثاني - جبران خليل جبران - ثورة عارمة على المقاييس اللغوية والشعرية التراثية كلها. وكان ميخائيل نعيمة - فيلسوف الحركة المهجرية وناقدها الأول - يدعو إلى تغييرات مهمة في مفهوم الأدب ووظيفته، وقد سجل معظم المبادئ التي دعا إليها المهجريون في كتابه النقدي "الغربال"، أما إيليا أبو ماضي فقد آثر أن يكون تجديده عمليا، يطبقه في قصائده المتوالية دونما ضجة.
وقد أدخل المهجريون - ولا سيما الرواد - إلى الشعر العربي ونقده عدة مفهومات جديدة، ووجهوا محتوى الشعر وجهة جديدة، وتركوا في أسلوبه بصمات خاصة، أثرت في جيل ما بين الحربين في المهجر وفي البلاد العربية.
وكان تجديدهم في موضوعات الشعر أقوى من أي تجديد آخر، فقد ثاروا. على الموضوعات التقليدية الصلدة كالمديح والهجاء والنسيب، واتجهوا إلى استبطان النفس البشرية وكشف صراعاتها الداخلية، والتأمل العميق في الكون والحياة وتوثيق الصلة بالطبيعة، والتفكير من خلالها، وتحايلوا على أشد الموضوعات الفلسفية صلابة فصبغوها بلون شعري، كقضايا الموت والخلود والروح، ونمت في قصائدهم نزعة إنسانية قوية، تدافع بضراوة عن حقوق الإنسان، وتنشد العدالة المطلقة، وتدعو إلى المحبة. كما ظهرت في أشعارهم الروابط الأسرية، ومن الطبيعي أن تظهر وتشتد، فالغربة والحنين إلى الوطن ومن فيه يجعلان أوهن الروابط قوياً متيناً، لذلك كانت الغربة والحنين المحورين اللذين تلتقي عندهما قصائد المهجريين بعامة.(33/379)
ومن المؤكد أننا نجد صورا لهذه الموضوعات في الشعر العربي القديم، ولكن هذه الصور قليلة، تزاحمها الموضوعات التقليدية السائدة آنئذ، وهذا ما يجعلنا نقول: إن المهجريين قد وجهوا الشعر العربي في العصر الحديث إلى العناية بهذه الموضوعات، وأعطوها صدارة القصائد، وجعلوا شعرهم مثالا عمليا يحتذيه كثيرون من بعدهم. ولا شك أن مرارة الغربة والصعوبات الكثيرة التي واجهتهم في سبيل لقمة العيش، والروح الشرقية التي صدمتها الحضارة الغربية، والثقافة النصرانية التي يصدر عنها هؤلاء، هذه العوامل كلها قد ساعدت على تألق الموضوعات الجديدة في الأدب المهجري. يضاف إلى ذلك أن اطلاعهم على جانب من الفلسفة التي تُعنى بالروح من وجهة نظر غربية، كفلسفة امرسون، والأعمال الأدبية المتأثرة بها، قد ضاعف اهتمامهم بالموضوعات الإنسانية الجديدة، يقول صاحبا كتاب "الشعر العربي في المهجر"في هذا الشأن: وربما سمعوا أو قرأوا شيئا من فلسفة امرسون عن الطبيعة، "المعلم الأكبر"أو عن "غاب ثورو" وربما يأتي إليهم- بطريقة ما- صوت الشاعر "ويتمان"وهو يرى أن الإنسان قد يستطيع تحقيق حريته فيحرر عقله وجسمه عن طريق الديمقراطية، ويحرر قلبه عن طريق الحب، ويحرر روحه بالدين....... ولكننا نعلم أن هذا الاتجاه الأمريكي نفسه هو وليد اتجاه أوربي عند "كانت"و "كولريدج" و "بليك"و "وردزورث"و "روسو"، وقد اتصل جبران بهذا الموروث من خلال "بليك"و "نيتشه" [18] . والمعروف أن جبران هو أكثر الشعراء المهجريين استبطانا لذاته، وأكثرهم التصاقا بالطبيعة، وأنه أغرم - أثناء وجوده في فرنسا - بوليم بليك، وقرأ مؤلفاته، وتأثر بها في اختيار موضوعاته [19] ، ولاسيما موضوعات العناية بالنفس والروح والعالم العلوي - حسب التصور النصراني - ومن جبران سرت هذه الموضوعات إلى عدد من الشعراء المهجريين، ومن ثم إلى عدد من الشعراء المشرقيين.(33/380)
وفي ميدان الشكل يتمثل تحديث المهجريين في عدة جوانب، أهمها جانبان هما: التشكيل الموسيقي والمعجم الشعري.
أ- تحديث المهجريين في الشكل الموسيقي:
كثيرا ما تحدث الدارسون عن أثر المهجريين في موسيقى الشعر العربي الجديدة، وكثيرا ما عدوهم ممهدين للتغييرات الواسعة التي نادى بها الحداثيون فيما بعد، والحقيقة أن تجديدهم في هذا الميدان ليس كبيرا، وأنه في معظمه دعوة نظرية لم تطبق تطبيقا كاملا قط. فقد دعا أمن الريحاني إلى الشعر المنثور، وكتب نماذج منه، وظل متمسكا به إلى آخر حياته [20] ، ولكن دعوته لم تنتشر بين الشعراء المهجريين، وظل هؤلاء مخلصين لإطاري القصيدة والموشح، يدخلون عليهما في بعض الأحيان تنويعات بسيطة لا تخرجهما عن بنيتهما الأساسية [21] .
وهاجم ميخائيل نعيمة الأوزان والقوافي، ونادى بالتخلص منها، لأنها في اعتباره زخارف لا قيمة لها، تشبه زخارف المعابد. قال: لقد وضع الناس للشعر أوزانا مثلما وضعوا طقوسا للصلاة والعبادة، فكما أنهم يتأنقون في زخرفة معابدهم لتأتي لائقة بجبروت معبودهم، هكذا يتأنقون في تركيب لغة النفس، لتأتي لائقة بالنفس، وكما أن الله لا يحفل بالمعابد وزخرفتها، بل بالصلاة الخارجة من أعماق القلب، هكذا النفس لا تحفل بالأوزان والقوافي، بل بدقة ترجمة عواطفها وأفكارها. فلا الوزن ولا القوافي من ضرورة الشعر، كما أن المعابد والطقوس ليست من ضرورة الصلاة والعبادة. فرب عبارة منثورة، جميلة التنسيق، موسيقية الرنة، كان فيها من الشعر أكثر مما في قصيدة من مئة بيت بمئة قافية [22] .(33/381)
وتط رف في هجومه على موسيقى الشعر العربي، فعد الزحافات والعلل أوبئة تصيب القصيدة، ولم يحسبها تنويعا موسيقيا يثري نغمها، فقال: "والزحافات والعلل أوبئة تتنزل بأوزان الشعر العربي فتحرك ساكنا أو تسكن متحركا، وتقضم حرفا هنا ومقطعا هناك، وقد عني بها الخليل عناية خاصة، فأعطى لكل منها اسما ورتبها في أبواب وفصول، وهي أكثر عدا من خطاياي! " [23] .
غير أن نعيمة يناقض نفسه في قضية الوزن، فهو يهاجمه في مكان من غرباله ويشيد به في مكان آخر منه، فيقول مبينا أهميته وأثره في تنسيق موسيقى الشعر: "الوزن والتناسب أخوان لا ينفصلان، والشاعر الذي يعانق روحه روح الكون يدرك هذه الحقيقة أكثر من سواه. لذلك نراه يصوغ أفكاره وعواطفه في كلام موزون منتظم. الوزن ضروري، أما القافية فليست من ضروريات الشعر لاسيما إذا كانت كالقافية العربية بروي واحد يلزمها في كل القصيدة" [24] .
وبذلك يتراجع عن رأيه السابق الذي يجعل الوزن كالنقوش في المعابد لا قيمة لها، ويقترب من الديوانيين الذين يتمسكون بالوزن ويتساهلون في أمر القافية.
وقد قام الباحث شفيع السيد بدراسة شعر نعيمة دراسة مستفيضة، وتوصل إلى أن نعيمة الشاعر غير نعيمة الناقد، فهو لا يطبق دعوته النقدية في شعره، ولا يتخلى عن الأوزان الخليلية [25] ، وكل ما فعله هو الخروج على ما أثر عن العرب في الزحافات والعلل، وعمل تشكيلات موسيقية جديدة لا تخرج عن الوحدة النغمية القديمة، كما أنه استغل إطار الموشح استغلالا كبيرا.
كذلك فعل جبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي، ونسيب عريضة، وسائر المجددين من شعراء المهجر [26] .(33/382)
وبوجه عام لم تخرج موسيقى القصيدة المهجرية عن الأسس التي يقوم عليها نظام الموشح من حيث التزام التماثل التام في الوزن والقافية بين المقاطع، فالمقطع في القصيدة المهجرية يقوم مقام البيت في القصيدة التقليدية وفي الموشح معا. الأمر الذي يجعل الباحثين يجزمون بأن هذه الظواهر امتداد لما جاءت به الموشحات الأندلسية، فهم كما يقول عنهم عيسى الناعوري: وجدوا الطريق أمامهم مشقوقة وليس عليهم إلا أن يطوروها التطور الذي يقتضيه الفن الرفيع، ويبلغ بها المرحلة التي تجعل من الشعر رفيقا للنفس وتصويرا للإحساس، ولكن وعلى الرغم من ارتباطهم بأنظمة الموشحات فثمة أنغام خاصة في موسيقاهم الشعرية، وصلوا إليها بتفننهم في نغم الموشح، وخروجهم على نظامه الرتيب. كما أنهم مع اعتمادهم على نظام المقطوعة، أحدثوا تنويعات موسيقية في قصائدهم، فقد تكون هذه المقطوعة ثنائية أو ثلاثية أو رباعية أو خماسية غير أن هناك تنويعاً داخل الثنائية أو الثلاثية في بعض الأحيان [27] .
وفي ميدان اللغة، كانت ثورة المهجريين عارمة في التنظير، ومحدودة في التطبيق. فقد دعا ميخائيل نعيمة إلى تطوير اللغة، وفتح الباب أمام الشعراء والأدباء ليدخلوا الكلمات التي يرونها دون عائق. وهاجم بعنف أحد النقاد المصريين لأن هذا الناقد أخذ على جبران استخدامه كلمة (تحمم) مكان استحم، ورفض الاحتكام إلى القواميس، وجعل ذوق الشاعر الحكم الفيصل في هذه القضايا قال: "لماذا جاز لبدوي لا أعرفه ولا تعرفونه أن يجعلها تحمم، ولا يجوز لشاعر أعرفه وتعرفونه أن يجعلها تحمم؟ وأنتم تفهمون قصده، بل تفهمون تحمم قبل استحم" [28] .(33/383)
وفي يقيني أن الذوق وحده لا يكفي حكما لقبول الكلمات الجديدة، وهو معيار شخصي جدا، ولا يجوز أن يتدخل في لغة لها قواعدها وأصولها التي استقرت منذ قرون عديدة. لذلك لم يرض العقاد عن رأي نعيمة، وأعلن مخالفته الصريحة له في المقدمة التي كتبها للغربال فقال: "الأديب في حل من الخطأ في بعض الأحيان، ولكن على شرط أن يكون الخطأ خيرا وأوفى من الصواب، وأن يكون مجاراة التطور فريضة وفضيلة، ولكن يجب أن نذكر أن اللغة لم تخلق اليوم فنخلق قواعدها وأصولها في طريقنا، وأن التطور إنما يكون في اللغات التي ليس لها ماض وقواعد وأصول. ومتى وجدت القواعد والأصول فلماذا نهملها أو نخالفها؟ إلا لضرورة قاسرة لامناص منها؟ [29] .
وفي الحقيقة كانت ثورة المهجريين على اللغة نظرية أكثر منها تطبيقية أيضا، فقد كتبوا أشعارهم بالفصحى وقلما خرجوا عنها. لكن معظمهم كان يعاني من ضعف محصوله اللغوي، وكان يقع في الخطأ، فتحول ضعفهم وتساهلهم إلى دعوة للتجديد، ولقبول الاستعمالات غير الفصيحة ما داموا قد استعملوها.
وقد ساعدهم على التساهل في اللغة مزاجهم الرومانسي، فمن طبيعة هذا المزاج رفض القيود في كل شيء، وإيثار اللغة اللينة ولو أدى الأمر إلى استخدام بعض الكلمات العامية في القصائد، كما أنه ينفر من قوة التركيب وجزالته.
ومن الضروري أن نتحرز - ونحن نذكر هذا - فنؤكد أن المجيدين منهم كنعيمة وجبران والريحاني وعريضة وإيليا أبو ماضي.. ونفر آخر قليل من المهجريين كانوا رغم أخطائهم يحسنون استخدام اللغة في شعرهم، حتى أن الدكتور مندور أعجب بها إعجابا شديدا، وعدها القمر التي لا يصل إليها إلا الأفذاذ من الشعراء [30] .(33/384)
ولاشك أن هؤلاء الشعراء استطاعوا أن يصفّوا لغتهم ويخلصوها من النبرة الخطابية، كما استطاعوا أن يصقلوا عباراتهم لتعبر عن أعماق ذواتهم، ولكنهم في اعتقادي لم يصلوا إلى القمة التي يشير إليها الدكتور محمد مندور.
وأخيرا نشير إلى التجاوب الكبير الذي قام بين جماعة الديوان في مصر، وجماعة المهجريين في المهجر الأمريكي، ولاسيما جيل نعيمة ومن بعده، وتبدو صورة التجاوب في المقدمة التي كتبها العقاد لغربال نعيمة، حيث رحب العقاد بالغربال ووافق على المبادئ النقدية التي وردت فيه، باستثناء تحفظ واحد في قضية اللغة [31] .
وقد أثمر هذا التجاوب مساندة قوية لآراء الديوانيين، وأسهم في دفع عملية التغيير في الأدب العربي الحديث ونقده، فتضافرت جهود جماعة الديوان مع دعوة المدرسة المهجرية في توجيه الشعر وجهة وجدانية لا تزال آثارها تلازمه حتى اليوم، كما أثرت جهود المدرستين في إنتاج "جماعة أبولو"، وفي إنتاج شعراء ما بين الحربين في عدد من البلاد العربية. فكان شعراء أبولو مثالا لاستمرار عملية التحديث في الشعر العربي. وهذا ما سنقف عليه في الفقرة القادمة.
تحديث (جماعة أبولو) [32] :
تضافرت جهود خليل مطران والديوانيين والمهجريين في إدخال قيم حديثة إلى الشعر العربي، وتعاونت على توجيهه نحو الخط الرومانسي، فكان التيار الرومانسي العربي في الشعر، يبدأ بخليل مطران، ويقوى بشعر الديوانيين والمهجريين، ويتكامل في شعر جماعة أبولو ونظرائهم.
ويمثل شعر جماعة أبولو تطور الحركة الشعرية في الثلاثينيات من هذا القرن الميلادي.
وعلى الرغم من تباين اتجاهات شعرائها، فثمة سمات عامة تغلب على معظمهم أهمها: الرغبة في تحديث الشعر ودفعه خطوة أخرى بعد الديوان، والتأثر القوي بالثقافة الغربية، والإعجاب الكبير بمبادئ الرومانسية الغربية.(33/385)
وقد سار شعراء جماعة أبولو المجددون في ركب الديوانيين، وقدموا الصورة التطبيقية الناجحة لدعوتهم، فاهتموا بتناسق الشكل والمضمون في العمل الشعري، وعنوا بالوحدة العضوية عناية خاصة، حتى أننا لنرى هذه الوحدة تنتظم معظم شعرهم، وسعوا إلى التجديد في موسيقى الشعر، فتابعوا عبد الرحمن شكري في تلوين القافية وإرسالها، وكتبوا الشعر المرسل، والمتعدد القافية، فضلا عن الشعر المقفى، ثم اندفعوا خطوة أبعد من ذلك ودعوا إلى الشعر الحر.
ومن المفيد أن نتوقف هنيهة عند الشعر الحر الذي دعوا إليه لتداخله - في الاصطلاح - مع الشعر الحر الذي دعت إليه نازك الملائكة فيما بعد.
الشعر الحر - كما نظمه بعض شعراء جماعة أبولو - شعر يخرج في تشكيله الموسيقي عن قواعد العروض في شيئين: الأول أنه يجمع بين بحور مختلفة في قصيدة واحدة، بحيث يمكن أن يكون كل بيت على وزن يختلف عن وزن البيت الذي يجاوره، ولكنه لا يخرج على الأوزان الخليلية المقررة، بل يلتزم بها التزاما تاما في البيت الواحد على الأقل.
والثاني أنه يتحرر من القافية تحريرا تاما. فلا تجد في القصيدة أية قافية تربط بين الأبيات. ومثال هذا الشعر قول الدكتور أحمد زكي أبو شادي في قصيدته "مناظرة وحنان"حيث يقول [33] :
وجلسن بين تناظر متأملات في المرائي
فلم التناظر
الحسن وحدته تجل وإن تنوع أو تباين
فله الجلالة
وللمحبين أشواق وتقديس
هيهات يحصرها داع إلى حصر
فالحسن سلطان والجوهر الأسنى
لا قسمة المظهر
مهما ازدهى وغلا
وكأنما الأزهار وقد حنن إلى التناظر
ويعد هذا اللون من الشعر أول محاولة لكتابة الشعر الحر بإيقاع شعري لا نثري، إذ أن محاولة أمين الريحاني في الشعر المنثور لم تكن تهتم بالوزن على الإِطلاق.(33/386)
وقد تبنى هذه الدعوة الدكتور أحمد زكي أبو شادي، ودافع عنها بحماسة فائقة. ويرى الباحث س. موريه أن أبا شادي استقى فنية الشعر الحر من الشاعر "الجرنون تشارلز سونيرن" وأن دفاعه عن هذا النمط في وجه منتقديه مقتبس من كتاب "هاربيت مونور" (الشعراء وفن الشعر) حيث ناقشت المؤلفة حركة الشعر الحر في إنكلترا وأمريكا، وأن بعض عباراته منقولة عنها كلمة بكلمة [34]
لكن أبا شادي - كما يقول موريه - لم يصل في قصائده الحرة إلى تلك التكتيكات الخفية التي يتقنها الشعراء الغربيون أمثال: أزرا باوند وهيلدا دولتيل وريتشارد الدينجتون، وبخاصة ما يتعلق باختيار البحور المناسبة للتجربة، وطريقة استخدامها، وتنويعها في القصيدة بتوقيت دقيق حسب تغير الحالة الشعورية، مع إضافة مجموعة من الحيل الموسيقية المعوضة عن فقدان القافية وتغير الوزن [35] .
لذا لم تكن قصائده نموذجا يشجع جمهور الشعراء على احتذائه، كما لم يكن أنصاره كثيرين، فقد كانت الاستجابة لدعوته محدودة، لا تجاوز عددا من شعراء جماعة أبولو، في حين رفضها معظم الشعراء والنقاد. أما أبوشادي نفسه فقد دافع عن دعوته بحرارة، وعدها تحديثا للشعر العربي يساعده على الانتقال من الغنائية إلى الدرامية، وهاجم خصمه، وعلل إعراضهم عن دعوته بجهلهم، أو بسبب خصومة شخصية، قال: وإني إذا عذرت من لا يقدِّرون قيمة الشعر الحر والشعر المرسل وتنويع الأوزان والابتداع فيها، وأثر كل ذلك في تحرير التعابير الشعرية من القيود الثقيلة، ودفعها حرة لتكون للأدب العربي شعرا دراميا قويا بعد أن حرم من ذلك طويلا في ماضيه، إذا عذرت هؤلاء، فإني لا أعذر من يجازفون بأحكامهم تبعا للمحبة والكراهية [36](33/387)
وإذا جاوزنا الشعر الحر باحثين عن جوانب أخرى لحداثة جماعة أبولو فلن نعثر على كثير. ذلك أن هذه الجماعة لم تخرج في أهدافها عن الأسس العامة التي وضعها الديوانيون، ولم تضف جديدا إلى دعوتهم، فضلا عن تباين اتجاهات شعرائها، وقد عدها الدكتور محمد مندور صورة مكررة للديوانيين، فقال: إننا لا نستطيع أن نحدد لهذه المدرسة - ولأبي شادي رائدها خاصة - مذهبا محددا من مذاهب الشعر التي عرفها الأوربيون، كالرومانسية أو الواقعية أو الرمزية، وإنما الذي يتفقون عليه هو نفسه ما اتفقت عليه جماعة الديوان من قبل أي: الدعوة للتجديد والتحرر من التقاليد العربية التي تحجرت [37] .
ويرجع الفضل إلى أبي شادي في تعميق الرغبة في الحداثة عند عدد من شعراء جماعة أبولو، فهو الذي تولى النقد والتوجيه على صفحات مجلتها، معتمدا على ثقافته الواسعة واتصاله الوثيق بالأدب الإنجليزي.
والملحوظ أن ثقافة أبي شادي تشبه ثقافة الديوانيين، ولعل هذا سر تشابه دعوته مع دعوة الديوانيين، فقد استقى من المنابع التي وردوها، وتأثر بمنهجهم في النقد.
وهكذا يجتمع دعاة التجديد من شعراء جماعة أبولو مع الديوانيين، ومع المهجريين، للعمل على "تحديث الشعر العربي"ومضمون هذا التحديث هو: إدخال عدد من مبادىء الرومانسية الغربية إلى الشعر العربي ونقده، فهؤلاء الشعراء - ابتداء بخليل مطران وانتهاء بعلي محمود طه - اطلعوا بنسب متفاوتة على الأدب الغربي، وأعجبوا بالشعر الرومانسي ونقده، وأسهموا في ترجمة الآثار الأدبية الرومانسية إلى الأدب العربي، وكتبوا المقالات للتعريف بالرومانسية وأدبائها، وطبقوا عددا من مبادئها الرئيسة في أشعارهم.
نخلص من ذلك كله إلى القول: إن قضية الحداثة قد نمت عند "الرومانسيين العرب": الديوانيين والمهجريين وجماعة أبولو، وان مفهومها الأساسي هو: الاستفادة من بعض القيم الفنية في الشعر الغربي ونقده.(33/388)
وقد استمرت قضية الحداثة خلال الحرب العالمية الثانية، وتكررت الكتابات فيها، وكانت الآراء متناقضة، تعيد صورة الخلاف بين الديوانيين وخصومهم. إذ أثيرت قضية الشعر المرسل في سلسلة من المقالات كتبها دريني خشبة [38] وتحول العقاد عن مناصرته لها، ورأى أن القضية حلت نهائيا باعتماد القافية المنوعة [39] ، ودخل الدكتور محمد مندور حلبة النقد بعد عودته من فرنسا، فأثار قضية القاموس الشعري الجديد من خلال دعوته إلى الشعر المهموس، وتخطى المفهوم التقليدي للشعر، وهاجم شعر العقاد، وعد الشعر المهجري - في نماذجه الجيدة - مثالا لما يجب أن يكون عليه الشعر العربي الحديث [40] . وما لبث أن دعا الأدباء صراحة إلى الأخذ بأدب أوربا في أنواعه المستحدثة [41] ، وكتب سلسلة من المقالات درس فيها قضايا الوزن والقافية في موسيقى الشعر الغربي وموسيقى الشعر العربي وشرح الفروق بينهما [42] .
وهكذا ترتبط الحداثة في الشعر العربي - إلى حد بعيد - بالأخذ عن الشعر الغربي ونقده بعض المبادىء الجديدة على الشعر العربي، حتى أن نعيمة يقول بصراحة تامة: إن ما تعود البعض (كذا) أن يدعوه نهضة أدبية عندنا ليس سوى نغمة هبت على بعض شعرائنا وكتابنا من حدائق الآداب الغربية، فدبت في مخيلاتهم وقرائحهم كما تدب العافية في أعضاء المريض بعد إبلاله من سقم طويل [43] .(33/389)
ولا تخلو دعوة من دعوات التجديد في هذه الفترة من شيء مما قاله نعيمة، حتى "العقاد"الذي وقف مواقف ثابتة من الشعر الغربي، يستند فيها إلى فهم عميق للشعر العربي، وارتباط كبير به، فإن دعوته إلى تحديث الشعر العربي ليست في الحقيقة إلا دعوة لإدخال عدد من القيم الغربية - والإنجليزية الرومانسية بخاصة - إلى القصيدة العربية. حتى الآن اقتصر حديثنا في قضية الحداثة على الحركة الشعرية في مصر، والحقيقة أن الحركة الشعرية لم تكن محصورة في مصر وحدها. ولم يكن التطور وقفا على إنتاج شعرائها. بل كان موزعا هنا وهناك في أطراف البلاد العربية. ولكن من الواضح تماما أن قيادة الحركة الشعرية في مطلع العصر الحديث، بدءاً بانعطاف محمود سامي البارودي إلى قمم الشعر العربي الأصيل ووصولا إلى الدعوة الرومانسية، كان في مصر، أو لنقل كان صوتها القوي في مصر، وذلك لأسباب كثيرة: فمصر كانت أسبق البلاد العربية إلى الاحتكاك بأوربا، جاءتها الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، وخرجت منها في مطلع التاسع عشر، ومصر أسبق البلاد العربية إلى تكوين حكم ذاتي قوي، ينافس الدولة العثمانية إلى درجه كاد أن يزحزحها عن بلاد الشام، وأسبق شقيقاتها إلى إرسال البعثات العلمية والاتصال بالثقافة الغربية. لذا من الطبيعي أن تزدهر حركة الثقافة فيها، وأن تتسرب إليها ألوان من الثقافة الغربية، ثم تنتقل منها إلى البلاد العربية الأخرى. وقد سهل هذا الانتقال تنقل المثقفين بين الأقطار العربية، ورحيل عدد منهم إلى مصر، سواء للإقامة فيها - كما فعل الكواكبي ومطران وغيرهما - أو مرورا بها للتزود من مواردها الثقافية، كما فعل جميع طلاب الأزهر من غير المصرين، ومنذ منتصف القرن الماضي، أو لنقل منذ ظهور البارودي في مصر ظهرت في الأقطار العربية الأخرى بوادر التغير في الشعر. لكنها لم تلق النجاح الذي لقيته حركة البارودي. لذا نقول بثقة واطمئنان إن ريادة(33/390)
تحديث الشعر كانت في مصر، وإن انتشارها بدأ في مصر، على الرغم من وجود مظاهر لها في البلاد العربية الأخرى، وإن هذه الريادة استمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم انتقلت منها إلى البلاد العربية الأخرى، وبالذات إلى العراق ولبنان. ذلك أن سيطرة المحتلين الأوربيين على معظم البلاد العربية ولا سيما بلاد الشام والعراق، وشيوع الثقافة الغربية في هذه البلاد، أثر في ريادة مصر، وجعل المثقفين يتحولون عنها ليصيبوا من الموارد التي أصابها المجددون في مصر. حتى إذا كانت نهاية الحرب العالمية الثانية، أخذ هؤلاء المثقفون ينقلون النزعات الحديثة في الغرب عن أصحابها مباشرة دون المرور بمصر، واستطاعوا أن يأخذوا في بعض القضايا الشعرية دور الريادة، لذا، واستكمالا لقضية الحداثة في الشعر العربي، أرى من الضروري أن أعرض (خطفاً) الحركة الشعرية في بعض البلدان العربية، لنصل الي رؤية شاملة لقضية حداثة الشعر العربي.
قبل النهضة كان التشابه بين الأقطار العربية كبيرا، فجميعها متخلفة علميا وأدبيا واجتماعيا، والشعر في جميعها متشابه في جموده وارتباطه بالأسلوب البديعي المتكلف.
وكما بدأت بوادر التغيير في مصر إثر رحيل الحملة الفرنسية، فإن بوادر التغيير في سورية بدأت إثر انتشار المدارس التبشيرية في الساحل وفي عدد من المدن الكبرى، فقد أعدت هذه المدارس طلابها ليكونوا طلائع التغيير القادم.(33/391)
غير أن ريادة هؤلاء لم تنجح، لأنها حاولت أن تقفز من مرحلة التخلف الشديد إلى مرحلة تقليد الشعر الغربي وتطعيم الأدب العربي بالمفهومات الغربية، ولم يكن لخريجي المدارس التبشيرية هؤلاء صفات الريادة المؤثرة، ولم يكن في المجتمع من يتحمس لآرائهم ودعواتهم. ومن أشهر أولئك "الرواد": بطرس البستاني (1316- 1389هـ - 1898-1969م) وسليم البستاني (1265-1301هـ - 1848-1884م) وإبراهيم اليازجي (1316-1372هـ - 1898-1953م) ورزق الله حسون (1241-1298هـ - 1825-1880م) وقسطاكي حمصي (1275-1360 هـ - 1858-1941م) .
ويعد رزق الله حسون أسبقهم إلى الدعوة للتحديث، فقد نادى في وقت مبكر بإهمال القافية في الشعر، لأنها في اعتقاده ليست من عناصر الشعر الأساسية، قال: "فالشعر نظم موزون، وليست القافية تشترط إلا لتحسينه، فقد كان الشعر شعرا قبل أن تُعرف القافية" [44] .
وقد طبق رزق الله حسون دعوته هذه في إحدى قصائده، فنظم جزءا من "نشيد الإنشاد"في قصيدة غير مقفاة [45] (43) ، وتبعه بولس شحادة الذي دعا صراحة إلى وجوب اقتفاء الشعراء الأوربيين في انتشار الشعر غير المقفى، وطبق دعوته أيضا في قصيدة ترجم فيها جزءا من مسرحية "يوليوس قيصر"لشكسبير [46] .
ولم تلق هذه الدعوات أية استجابة لدى الأدباء، ولا لدى الجمهور، وربما يكون السبب في ذلك- إضافة إلى ما قدمته عن صعوبة الانتقال من مرحلة الجمود إلى مرحلة الشعر الأوربي مباشرة، وعدم وجود جمهور يستسيغ التقنية الأدبية الأوربية - هو ضعف القصائد التي قدمها حسون وشحادة لتكون نماذج للدعوة الجديدة، وفي الحقيقة فإن شعر هؤلاء في جملته ضعيف لا يملك قوة شعر البارودي وإشراقة ديباجته.(33/392)
وعندما جاء الجيل الثاني، جيل محمد البزم (1305-1375هـ - 1887-1955م) وتامر الملاط (1237-1333هـ - 1856-1914م) وإلياس صالح (1254-1303هـ 1839م) وشفيق جبري (1316-1400هـ - 1898-1970م) وشكيب أرسلان (1286-1366هـ- 1869-1946م) وشبلي الملاط (1293-1380هـ - 1876-1961م) وبشارة الخوري (1308-1388هـ 1890-1968م) .. الخ كان شعر البارودي وتلاميذه في أيديهم، إضافة إلى الدواوين التراثية التي كانت المطابع تخرجها واحدا تلو الآخر. فتهيأت الظروف لحركة إحياء في سورية، تتأثر خطى حركة الإِحياء التي قامت في مصر.
ولكن سرعان ما تسللت النزعة الرومانسية المتأثرة بالأدب الغربي الرومانسي من جهة، وبالديوانيين من جهة أخرى، واختلطت بالصفات التراثية "الكلاسيكسة"عند بشارة الخوري وعمر أبي ريشة وبدر الدين حامد وبدوي الجبل، ثم ظهرت قوية وحادة في شعر علي الناصر، الذي كان يعب ومن الثقافة الفرنسية بنهم شديد، ويجتهد في صياغة شعره على هديها.
وطبيعي أننا نجد أصداء دعوات العقاد وشكري والمازني في محاولات الشعراء السوريين للاهتمام بالذات الفردية، وأن نجد أصداء دعوة المهجريين وجماعة أبولو أيضا في تنويع القافية أو تركها، ذلك أن التأثر الكبير بتلك المدارس لابد أن يدفع الشعراء السورين إلى تجريب ما يجدونه في شعر النماذج التي يتطلعون إليها [47] .(33/393)
وفي فلسطين والأردن [48] ، كانت الصورة مشابهة للصورة التي رأيناها في سورية فقد بدأت حركة الإحياء مع ظهور الشعراء: محمد إسعاف النشاشيبي (1302-1368هـ 1885-1948م) وفؤاد الخطيب (1269-1376هـ 1879-1957م) وعادل أرسلان (1304-1373هـ - 1887-1954م) . وهؤلاء جميعا تأثروا بحركة الإِحياء في مصر. ثم ظهرت امتدادات الإحياء في اتجاه جديد، قاده خير الدين الزركلي ووديع البستاني، وكان موازيا لاتجاه شوقي وحافظ ومتأثرا به إلى حد كبير. وما لبثت النزعة الرومانسية أن خالطت الاتجاه الجديد بفضل شيوع الثقافة الإنكليزية بين الشعراء. ثم غلبتها في شعر إبراهيم طوقان ومطلق عبد الحق، ليكون مسار حركة الشعر في الأردن وفلسطين موازيا تماما لمسار حركة الشعر في سورية.
وفي السودان كان الشعر فاترا في مطلع القرن التاسع عشر، تغلب عليه آثار التصنع الذي ساد في العصر العثماني، باستثناء خيط من الشعر الصوفي حافظ على شيء من الحيوية [49] . فلما كانت الثورة المهدية تأثر الشعر بها، وبدت بوادر التغير في أسلوبه وموضوعاته، فقد لانت لغته، وتخلصت - إلى حد ما - من التصنع والبديع، وكثرت فيه الملامح العباسية الحماسية، فكان أسبق من شعر البارودي في الالتفات إلى الشعر العباسي والتتلمذ على شعرائه. ولكن لفتته هذه لم تطل، ولم تؤثر في الشعر العربي، وسرعان ما انتهت مع خمود الحركة المهدية، فعاد الشعر سيرته الأولى، منزويا في قصائد المديح والغزل والتصوف، وظل على حالته حتى الحرب العالمية الأولى [50] .(33/394)
وبعد الحرب العالمية الأولى، ظهر الجيل الأول من المثقفين من خريجي كلية غوردون، وقد درس هؤلاء المثقفون التراث الشعري العربي كما درسوا الشعر المعاصر في مصر، وتأثروا بهما تأثرا كبيرا، ونبغ من بينهم شعراء مجيدون أمثال: عبد الرحمن شوقي، وعبد الله عبد الرحمن، ومحمد سعيد العباسي، وأحمد محمد صالح. فكانوا أعمدة الاتباعية، وكان شعرهم صورة للشعر الاتباعي في مصر، سواء في أسلوبه أو في موضوعاته، وإن كان لا يحوي براعة شعر شوقي ورشاقة شعر حافظ.
وقد تألق الشعر الاتباعي في السودان لأن الشعراء هناك لم يتأثروا بالثقافة الغربية، فكانت ديباجتهم عربية أصيلة. وكان الجمهور مفتونا بها، وقد بلغ افتتانه به - كما يقول الدكتور إبراهيم الشوشي - حدا من التقديس جعل التجديد عسيرا [51] .
ولكن ما لبث الخط الرومانسي أن تسرب إلى الشعر السوداني. فقد ظهر الشاعر "حمزة الملك طنبل"، الذي تأثر بالرومانتيكي الإنكليزي "ماثيو أرنولد"، وكانت ظروف الرجلين متشابهة، فأثر في الوسط الشعري بقصائده الرائعة. ثم ظهر عدد من الشعراء الذين تأثروا به وبالحركة الرومانسية العربية والغربية، أمثال: صالح عبد القادر، وعثمان حسن بدري، والشيخ حسيب علي حسيب، فملؤوا ساحة الشعر بدواوين ذات نزعة رومانسية واضحة، يظهر فيها آثار محمود علي طه وإبراهيم ناجي وأحمد زكي أبو شادي [52] .
وهكذا تتبع الشعر السوداني - كما تتبع من قبله الشعر السوري- خطوات التطور التي ظهرت في مصر، وحافظ على الترتيب ذاته.
أما العراق، فأجدني متجها للوقوف عند ظروف الشعر فيه وقفة أطول من ذي قبل، لسبب يسير هو أنه البلد الذي احتضن حركة الشعر التفعيلي في بدايتها.(33/395)
فقد كان الشعر في العراق متخلفا طوال القرن التاسع عشر، يقوم في جملته على تقليد الشعراء المتأخرين، أمثال: صفي الدين الحلي والشاب الظريف وابن نباته، وكان الشعراء آنئذ يحاكونهم في أغراضهم وأساليبهم وعنايتهم بالمحسنات البديعية عناية شديدة. يقول الدكتور يوسف عز الدين عن الشعر العراقي في تلك الفترة: "فمنذ سقوط بغداد إلى أوائل القرن العشرين بقي الشعر العراقي ألفاظا مجردة، بعيدة عن الموسيقى الشعرية. لا أثر للحس والعاطفة فيها" [53] وما لبث أن ظهر جيل من الشعراء، عاد إلى الثقافة العربية، وتعمق دراستها ولم يتصل اتصالا مباشرا بآثار الغربيين، فظهر في شعره حركة إحياء تقف عند حدود هذا التراث ولا تتجاوزه إلا قليلا. وكان على رأس هذا الجيل جميل صدقي الزهاوي (1280-1355هـ - 1863-1936م) ، ومحمد مهدي البصير (1313-1394هـ - 1895-1974م) .. وما لبث الزهاوي أن انفصل عن زملائه واندفع بدعوة جديدة هي: دعوة الشعر المرسل.
فقد نشر في جريدة المؤيد القاهرية عام 1907م مقالة يدعو فيها إلى الشعر المرسل، وأيد دعوته بقصيدة جعل عنوانها (الشعر المرسل) يقول فيها [54] :
لموت الفتى خير له من معيشته
يكون بها عبئا ثقيلا على الناس
يعيش رضى العيش عشر من الورى
وتسعة أعشار الورى مناكيد
أما في بني الأرض العريضة قادر
يخفف ويلات الحياة قليلا
أفي الحق أن البعض يشبع بطنه
وأن بطون الأكثرين تجوع
والمعروف أن الزهاوي لا يتقن لغة أجنبية غير التركية، وليس له اتصال بالشعر الغربي، فمن أين استمد مصادر دعوته؟(33/396)
يرجح موريه أن يكون الزهاوي قد تأثر بمقدمة سليمان البستاني لترجمة "الإلياذة"والتي قارن فيها بين الشعر العربي والشعر الغربي، وعرض الأشكال المختلفة للعروض الغربي، بما فيها الشعر المرسل [55] . والجدير بالذكر أن دعوة الزهاوي لم تنتشر في بيئة الشعر العراقية، لأن الشعر المرسل الذي كتبه ضعيف لم يشد إليه الجمهور أو النقاد. فيما عدا ذلك لا نجد للزهاوي اتصالا مباشرا بعالم الحداثة في الشعر العربي. رغم أنه عاصر حركتي الديوانيين والمهجريين، وقرأ شيئا من كتابات أعلامها، وكتب يرحب بهم فقال: "أما الذين يزفون الشعر إلى الأسماع عربيا في زي عصري، أو أنهم حذوا حذو الإفرنج في الابتكارات أو الإحسان في العرض والوصف والاستبعاد عن المبالغات، وأفرغوا معانيهم في قالب عربي، وحوروا الشعر الأفرنجي حتى جعلوه موافقا للشعر العربي، وحافظوا على الأسلوب العربي بتمامه متفرقين في أمريكا ومصر، فهؤلاء يكسبون الشعر رونقا فوق رونقه، وثراء فوق ثرائه" [56] . وعلى الرغم من قوله هذا فإنه لم يتزحزح عن موقفه الاتباعي.
ويبدو أن الاتباعية كانت ثابتة الأقدام في البيئة العراقية، فقد ظلت مسيطرة على ساحات الشعر حتى الحرب العالمية الثانية، وهاجم أعلامها حركات التجديد واتهموها بالتغريب، فكتب الرصافي يقول: "نعم إن هنالك فريقا من أهل الأدب يدعون إلى التجديد في الشعر، وكلما حاولت أن أفهم معنى صحيحا للتجديد الذي يدعون إليه، لم أستطع، ولم أفهم ماذا يريدون من التجديد، ثم قرَّ رأيي على ما استنتجته من أقاويلهم: إن التجديد هو تقليد الغربيين في شعرهم وأدبهم مع أن هذا الشعر هو الوحيد الذي يستحيل فيه التقليد" [57](33/397)
وقد كتب للاتجاه الاتباعي أن يعمر في العراق أكثر مما عمر في بقية البلاد العربية عندما تسلم الجواهري ريادته، إذ تمكن هذا الشاعر من استصفاء التراث ثم تقديمه في أعلى مستويات الأصالة. فمنح الاتجاه الاتباعي مسوغ الاستمرار، في الوقت الذي كاد فيه يتهاوى في مصر.
ومع ذلك، لم يخل الجو من دعوة هنا ورأي هناك حول ضرورة نبذ الصياغة الاتباعية. كما ظهرت حملات على الشعراء الذين يقلدون شعراء مصر وسورية، فقد كتب عنهم أحد مهاجميهم يقول: "يزعمون التجديد، ويدعون الابتكار، وقد وضعوا نصب أعينهم شاعرا مصريا أو سوريا وأصبحوا يقتفون آثاره فكرة وتعبيرا. وقد نتج عن ذلك أن النتاج الأدبي في العراق اليوم ما هو إلا نتاج تقليدي مبتذل لا يستحق إعجابا أو تقديرا".
بعد ئذ تعرض الشعر العراقي لمرحلة تداخل الرومانسية مع الاتباعية، ومر بفترة قلق كانت الاتجاهات فيها غير واضحة، وكان المثل الأعلى أمام الشعراء هو الشاعر المصري أو السوري.
ولعل الشاعر عبد القادر الناصري (1338-1381هـ - 1920-1962م) خير من يمثل طابع الشعر العراقي في هذه المرحلة. وهو نموذج الشاعر الذي كونته قراءات مجلة الرسالة، ودواوين شعراء المهجر، وقصائد علي محمود طه وإبراهيم ناجي. لذا راح يقلدهم في عرض تجاربهم الشعرية شكلا وموضوعا [58] .
كانت هذه المرحلة في فترة ما بين الحربين، وكان معظم الشعراء العراقيين يقلدون الشعراء في مصر وسورية، لذا كانت رؤيتهم مشوشة ومضطربة بين القديم والجديد، تجتمع في شعرهم النزعتان الاتباعية والرومانسية غالبا.(33/398)
وقد أخذ عدد من الشعراء الشباب يدرسون بتوسع قصيدة الشاعر الغربي، ويتتبعون تجاربه المتعاقبة، منذ إرهاصات الرومانسية، وإلى آخر الحركات التي ورثتها، فاطلعوا على ما أحدثه التصويريون، والتعبيريون، والواقعيون، أمثال: إيليوت وأزرا باوند، وإيديت ستويل، وكيتس.. وغيرهم. وتتلمذوا بإعجاب شديد على هذا الشعر، كما تتلمذوا أيضا على أعلام الشعر الرومانسي الغربي. وجاء تأثرهم أول الأمر بالشعر الرومانسي الغربي أقوى من تأثرهم بالاتجاهات التالية، فقد بلغ إعجابهم بشعرائه درجة جعلتهم يهدونهم قصائدهم المبكرة، ويترجمون أشعارهم في قالب شعري، على نحو ما فعل الديوانيون من قبل. فنازك الملائكة تكتب في ديوانها الأول "عاشقة الليل"قصيدة بعنوان "إلى الشاعر كيتس" [59] مشيرة إلى تأثرها بقصيدته، وتترجم قصيدتين من الشعر الإنكليزي: الأولى قصيدة البحر للشاعر بيرون [60] والثانية مرثية في مقبرة ريفية للشاعر توماس غراي [61] . وبدر شاكر السياب يهدي خمسا من قصائده المبكرة إلى روح الشاعر الرومانسي ورد زورث [62] ويهدي مطولته بين الروح والجسد إلى روح الشاعر بودلير [63] ، وعبد الوهاب البياتي يسجل إعجابه الشديد بالشعراء الرومانسيين فيقول: "إنني لأذكر كيف ألهبت مشاعري في ذلك الوقت - وقت دخوله دار المعلمين (عام 1944م) - كتابات أودن وأشعاره بغنائيتها الواقعية التي سبقت إليوت إلينا. ولم يكن أدباء التعبير عن الأزمة من عرفناهم وحدهم، ولكننا عرفنا بيرون وشيلي وكيتس ورامبو وهوغو " [64] .
وهكذا بدأت إرهاصات وتغيرات جديدة وعميقة تظهر في شعر هؤلاء، وتنذر بعاصفة حداثية كبيرة قادمة.. وهذا ما كان.. وهو ما سنراه في الحلقة القادمة إن شاء الله.
--------------------------------------------------------------------------------(33/399)
[1] أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده 1/182 تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد ط-3 المكتبة التجارية الكبرى القاهرة 1963م.
[2] أبو بكر محمد بن يحيى الصولي: أخبار أبي تمام 244 تحقيق خليل عساكر ومحمد عبده عزام ونظير الإسلام الهندي. مطبعة لجنة التأليف والنشر. القاهرة 19370م.
[3] أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري: الشعر والشعراء7 تحقيق أحمد محمد شاكر. دار إحياء الكتب العربية. القاهرة 1364هـ
[4] انظر ما كتبه الدكتور إحسان عباس عن أثر كتاب الموازنة في كتاب الوساطة وذلك في كتابه: تاريخ النقد الأدبي عند العرب ص322 ط2 دار الثقافة. بيروت 1978م.
[5] انظر تكرر هذه المقاييس- سواء مع الإِشارة إلى ابن قتيبة أو دونها- في كتابات أعلام النقد العربي في القرون الماضية، في المصادر التالية: المبرد. الكامل: 1/ 29. ت محمد أبو الفضل إبراهيم والسيد شحاته. مكتبة نهضة مصر، المرزباني: الموشح 384 ت علي محمد البجاوي. دار نهضة مصر 1965، القاضي الجرجاني: الوساطة بين المتنبي وخصومه 16 و50-53 ت محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي. مكتبة عيسى البابي الحلبي 1385هـ، ابن رشيق القيرواني: العمدة: 1/ 91، 2/238-242 ت محمد محيى الدين عبد الحميد ط 3 المكتبة التجارية الكبرى بمصر، ابن سنان الخفاجي: سر الفصاحة 261 ت علي فودة: مكتبة الخانحي بمصر 1350هـ، ابن الأثير: المثل السائر 3/219 ت أحمد الحوفي وبدوي طبانة مكتبة نهضة مصر 1386هـ الحازم القرطاجني: منهاج البلغاء 265 ت محمد الحبيب خوجة دار الكتب الشرقية تونس 1965م.
[6] د. محمد مندور: محاضرات عن خليل مطران 11 مطبعة دار الهناء بمصر 1954م
[7] انظر: خليل مطران: ديوان الخليل 8 و9 مطبعة الهلال بمصر 1949م.(33/400)
[8] انظر: د. عبد الباسط بدر: حداثة الشعر العربي. مجلة الجامعة الإِسلامية س 13 ع 50 و51 ص 284-293.
[9] عباس محمود العقاد: شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي 191 مطبعة حجازي. القاهرة 1937م.
[10] عبد الرحمن شكري: ديوان عبد الرحمن شكري 4/288 جمع وتحقيق نقولا يوسف دار المعارف بالإسكندرية: 1960م.
[11] عباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني: الديوان 1/13 ط-3 دار الشعب القاهرة د. ت.
[12] عباس محمود العقاد: مطالعات في الكتب والحياة 280 القاهرة 1924م.
[13] د. محمد مندور: الشعر المصري بعد شوقي 1/54 مكتبة نهضة مصر 1973م.
[14] انظر: محمد عبد الهادي محمي "مقدمة لدراسة العقاد"المطبعة العالمية بمصر 1975م. والكتاب جزء من رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة القاهرة عام 1973م بعنوان: "نظرية الصورة الشعرية عند مدرسة الديوان".
[15] كان العقاد قد اتهم شعر شوقي بالتفكك، وضرب مثالا على ذلك بقصيدته "في رثاء مصطفى كامل"حيث حللها وأظهر أنها مثل كومة الرمل، يمكن إعادة ترتيبها بشكل آخر دون أن يتأثر المعنى. وقد عمد الدكتور محمد مندور إلى قصيدة العقاد "رفيق الصبا المعسول"التي رثى بها حسن الحكيم وحللها بالطريقة نفسها ووصل إلى النتائج التي وصل إليها العقاد من قبل، انظر تحليل العقاد لقصيدة شوقي في: الديوان 130-140 وتحليل د. محمد مندور لقصيدة العقاد في: النقد والنقاد المعاصرون 118 مكتبة نهضة مصر. د. ت.
[16] انظر مثلا: جورج صيدح. أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأمريكية. القاهرة 1956م، د. احسان عباس: الشعر العربي في المهجر. دار صادر بيروت 1975م، د. أنس داود. التجديد في شعر المهجر. دار الكاتب العربي القاهرة 1967م(33/401)
[17] أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأمريكية 58، وأما الرابطة القلمية فهي: جماعة أدبية تأسست في نيويورك عام 1920م، ومن أبرز أعضائها: جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، ونسيب عريضة، وإيليا أبو ماضي، ورشيد أيوب، وندرة حداد، تولى جبران رئاستها، وقد أصدرت مجلة أدبية دورية باسمها، وكانت تدعو إلى التجديد في اللغة والبيان، وكان معظم أعضائها متأثرين بالرومانسية، ولهذه الرابطة أثر كبير في الأدباء المهجريين بخاصة.
[18] د. إحسان عباس ود. محمد يوسف نجم: الشعر في المهجر: 168 عالم الكتب. القاهرة 1972م.
[19] د. محمد عبد المنعم خفاجي: قصة الأدب المهجري 371 ط2 دار الكتاب اللبناني. بيروت 1973م.
[20] انظر س. موريه: حركات التجديد في موسيقى الشعر العربي 70-71 ترجمة سعد مصلوح. عالم الكتب. القاهرة 1969م.
[21] انظر د. حسن جاد حسن: الأدب العربي في المهجر 428 دار قطري بن الفجاءة قطر 1985م والتجديد في شعر المهجر 251.
[22] ميخائيل نعيمة: الغربال 100 المطبعة العصرية. القاهرة 1922م.
[23] السابق 101
[24] السابق 73.
[25] انظر: شفيع السيد: ميخائيل نعيمة. منهجه في النقد واتجاهاته في الأدب 68ا-177 عالم الكتب. القاهرة 1972م.
[26] د. رجاء عيد: الشعر والنغم 46 دار الثقافة للطباعة والنشر. القاهرة 1975م.
[27] انظر: الأدب العربي في المهجر 430، 434 والتجديد في شعر المهجر 352.
[28] الغربال 84.
[29] السابق 8.
[30] د. محمد مندور. في الميزان الجديد 69 مكتبة نهضة مصر القاهرة 1963م.
[31] انظر: مقدمة الغربال للعقاد 8.(33/402)
[32] جماعة أبولو: اسم لجماعة من الشعراء تألفت في مصر عام 1932م وأصدرت مجلة أدبية باسم (أبولو) خصصتها للشعر والنقد، وكانت تدعو إلى الارتقاء بالشعر العربي وتحديثه والاهتمام بالشعراء. وقد ضمت حين تأليفها شعراء من اتجاهات مختلفة وأسندت رئاستها إلى أمير الشعراء أحمد شوقي، ولكنه توفي بعد اجتماعها الأول فأسندت إلى خليل مطران. وكان سكرتير الجماعة والرجل النشيط فيها ورئيس تحرير مجلتها الدكتور أحمد زكي أبو شادي. وقد غلب عليها الشعراء المتأثرون بالنزعة الرومانسية. أمثال أبو شادي وعلي محمود طه وأبو القاسم الشابي وإبراهيم ناجي ... الخ.
انظر عبد العزيز الدسوقي: جماعة أبولو وأثرها في الشعر الحديث الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر 1391هـ.
د. كمال نشأت: أبو شادي وحركة التجديد في الشعر الحديث دار الكتاب العربي للطباعة والنشر القاهرة 1967م.
[33] د. أحمد زكي أبو شادي: مختارات وحي العام 44 دار العصور للطباعة والنشر القاهرة 1928م.
[34] حركات التجديد في موسيقى الشعر العربي 83، 84.
[35] السابق 87.
[36] د. أحمد زكي أبو شادي: الشفق الباكي 1240 المطبعة السلفية بمصر 1926م.
[37] د. محمد مندور. محاضرات في الشعر المصري بعد شوقي، الحلقة الثانية 656 دار نهضة مصر 1971م.
[38] انظر: دريني خشبة: الشعر المرسل والشعر الحر. مجلة الرسالة ع 538، 539 اكتوبر، نوفمبر 1943م ومقالته: الشعر المرسل وشعراؤنا الذين حاولوه. مجلة الرسالة ع 540 نوفمبر 1943م.
[39] انظر: عباس محمود العقاد: في الشعر العربي، مجلة الرسالة ع 541 نوفمبر 1943م.
[40] انظر: د. محمد مندور، الأدب المهموس، مجلة الرسالة ع 509، 510، 511 مايو 1943م.
[41] انظر: د. محمد مندور: الأخذ عن أوربا، مجلة الرسالة عدد 574 يوليو 1944م.(33/403)
[42] انظر: د. محمد مندور، الشعر الأوربي، مجلة الرسالة العددان، 540، 541 نوفمبر 1943م.
[43] الغربال: 29.
[44] رزق الله حسون: أشعر الشعر 3 بيروت 1870م.
[45] السابق 31.
[46] انظر: حركات التجديد في موسيقى الشعر العربي 31.
[47] للتوسع في هذا الموضوع انظر: أحمد الجندي شعراء سورية بيروت 1965م. سامي الدهان: الشعر الحديث في الإقليم السوري، معهد الدراسات العربية العليا. القاهرة، 1960م. سامي الكيالي: الأدب العربي المعاصر في سورية دار المعارف القاهرة 1968م، صلاح لبكي: التيارات الأدبية الحديثة في لبنان، معهد الدراسات العربية العليا، القاهرة 1955م، د. عمر دقاق: فنون الأدب المعاصر في سورية، دار الشرق حلب 1971م.
[48] للتوسع في هذا الموضوع انظر: د. ناصر الدين الأسد: الشعر الحديث في فلسطين والأردن، معهد الدراسات العربية العليا القاهرة 1961م.
[49] للتوسع في هذا الموضوع انظر: د. إبراهيم الشوش: الشعر الحديث في السودان، معهد الدراسات العربية العليا القاهرة 1962 م.
د. محمد مصطفى هدارة: تيارات الشعر المعاصر في السودان، دار الثقافة بيروت 1957م.
[50] الشعر الحديث في السودان، 47.
[51] السابق، 48.
[52] السابق، نفسه.
[53] د. يوسف عز الدين: الشعر العراقي: أهدافه وخصائصه في القرن التاسع عشر ص 189 الدار القومية للطباعة والنشر. القاهرة 1965م.
[54] انظر: عبد الرزاق الهلالي: الزهاوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1976م.
[55] انظر: حركات التجديد في موسيقى الشعر العربي 30.
[56] هذا النص أورده روفائيل بطي في كتابه سحر الشعر 41، المطبعة الرحمانية بمصر 1922م.
[57] هذا النص أورده رؤوف جبور في مقالته التجديد في الأدب، مجلة الحكمة العدد الثاني بغداد 11/ 1936م.(33/404)
[58] انظر ديوان عبد القادر رشيد الناصري، بغداد 1965 م وانظر د. سهير القلماوي: شاعر أخطأ عصره، مجلة الهلال مايو 1966م.
[59] ديوان نازك الملائكة 1/ 655، دار العودة بيروت 1971م.
[60] السابق 1/670.
[61] السابق 1/678.
[62] بدر شاكر السياب: قيثارة الريح، بغداد 1971م.
[63] السابق 34.
[64] عبد الوهاب البياتي: تجربتي الشعرية 13 دار العودة بيروت 1972م.(33/405)
ألفية ابن مالك منهجها وشروحها
2
للأستاذ الدكتور غريب عبد المجيد نافع
أستاذ اللغويات بالدراسات العليا بالجامعة
ولتجاوب الناس مع "الألفية"بأثرها الواضح في سرعة استحضار القواعد أكثروا من مدحها، وبيان فضلها؛ ألا ترى إلى قول ابن المجراد:
خُلاصةُ النحو لا أبغي بها بدلا
مستغرقاً درسها في كلِّ أوقاتي
قد جمّعت لُبَّ علم النحو مختصرا
نظما بديعاً حوى جُلَّ المهماتِ
قُلْ لابن مالكٍ إني قد شُغِفْتُ بها
لم يأت مثل لها يوما، ولا ياتي
وها أنا أسأل الرحمن معفرةً
له تُبَوِّئه في خير جنّاتِ [1]
أو إلى قول بعض المغاربة:.
لقد مَزَّقتْ قلبي سِهامُ جُفونها
كمامَزَّق اللخميُّ مذهبَ مالكِ
وصال على الأوصال بالقَدِّ قَدُّها
فأضحت كأبيات بتقطيع مالكِ
وقُلِّدْتُ إذْ ذاك الهوى لمرادها
كتقليد أعلام النحاة ابْنِ مالك
وملكتها رقّي لرقّة لفظِها
وإن كنت لا أَرضاه مِلْكا لمالك
وناديتها: يا مُنْيتي، بَذْل مُهْجتي
ومالي قليلٌ في بديع جمالكِ [2]
ولا يمكن أن يكون هذا الإِعجاب وليد التعصب، أو الجهل؛ فالرجل قد مات، ولا نسب بينهم ولا خُلّة، ولكن كما قيل:
والناسُ أكيسُ من أن يمدحوا رجُلاً
ما لم يَرَوْا عنده آثار إحسان [3]
وآثار الجودة في الألفية واضحةٌ جليّة؛ فهي التي حركت همة الصفوة إلى شرحها، وأذكت في المخلصين منهم روح التنافس والوفاء؛ فكثرت بذلك شروحها، وتنوعت حواشيها، فقد تخطت شروحها المائة بكثير، وقلما تجرد شرح من حاشية أو تعليق، ومغنم الجميع من تلك الجهود، إنما هو إعلاء كلمة الله؛ فحيث تكون العربية يكون الإِسلام، وحيث يكون الإسلام، يكون الأمن والسلام!.(33/406)
وفي ضوء الاستقراء التام لما تيسر لنا الاطلاع عليه من مطبوعات، أو مخطوطات، أو فهارس موثوق بنقولها، أو إشاراتٍ مقطوع بصحتها أثبتُّ هذه الشروح، وما كتب عليها من حواشٍ وتقريرات، مرتّبةً ترتيباً زمنيا، مع وصفها وبيان منهجها، أو التنبيه على مصادرها لعل الله بمنه وكرمه يهيئ الأسباب لإنقاذ ما ضل الطريق، ونشر ما طواه النسيان. فنضيف بذلك إلى المكتبة جديداً، وإلى العلم مفيداً، وإليك البيان.
1- "بُلْغة ذَوِي الخَصاصة، في شرح الخلاصة"للإمام أبى عبد الله جمال الدين محمد ابن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مالك، الطائي، الجياني، الأندلسي، الدمشقي، المتوفى سنة 672هـ. فقد عدّها البغدادي في مؤلفات ابن مالك نفسه، كما أشار إلى ذلك حاجي خليفة، نقلاً عن الذهبي [4]
2- "الدُّرّة المضية، في شرح الألفية"لابن الناظم، العلامة بدر الدين محمد بن محمد ابن عبد الله بن مالك الطائي، الدمشقي، النحوي ابن النحوي، المتوفى بدمشق في يوم الأحد الثامن من شهر المحرم سنة 686هـ.
وقد فرغ ابن الناظم من شرحه في المحرم من سنة 676هـ[5] .
وشرح ابن الناظم شرح موجز منقح، سلك فيه منهج الحياد؟ فاعترض على والده في بعض المسائل، وأورد فيه كثيرا من الشواهد القرآنية، مع الاستشهاد بالحديث، وكلام العرب،، ومما يدل على ذلك أنّا نراه في باب التنازع، يقول: "وقد يتوهم من قول الشيخ رحمه الله:
بَلْ حَذْفَه الزمْ، إن يكن غير خبر
وأخِّرنه، إن يكن هو الخبر
أن ضمير المتنازع فيه، إذا كان مفعولا في باب "ظنّ"يجب حذفُه، إن كان المفعول الأول، وتأخيره إن كان المفعول الثاني، وليس الأمر كذلك؟ بل لا فرق بين المفعولين في امتناع الحذف، ولزوم التأخير،، ولو قال بدله:
واحذفه إن لم يك مفعولَ حَسِبْ
وإن يكن ذاك، فأخّره تُصِبْ
لخلص من ذلك التوهم" [6]
ونراه في باب المفعول المطلق، يأتي بقول والده:(33/407)
وَحَذْفُ عامل المؤكِّد امتنعْ
وفي سواه لدليل مُتَّسَعْ
ثم يعقب عليه بقوله: "يجوز حذف عامل المصدر، إذا دل عليه دليل، كما يجوز حذف عامل المفعول به وغيره، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المصدر مؤكَّدا، أو مبينا، والذي ذكره الشيخ رحمه الله في هذا الكتاب، وفي غيره: أن المصدر المؤكد لا يجوز حذف عامله؛ قال في شرح الكافية: لأن "المصدر المؤكد يقصد به تقوية عامله، وتقرير معناه، وحذفه منافٍ لذلك، فلم يجز" [7] ، فإن أراد أن المصدر المؤكد يقصد به تقوية عامله، وتقرير معناه دائما، فلا شك أن حذفه منافٍ لذلك القصد، ولكنه ممنوع، ولا دليل عليه، وإن أراد أن المصدر المؤكد قد يقصد به التقوية والتقرير، وقد يقصد به مجرد التقرير، فمسلم، ولكن لا نسلم أن الحذف منافٍ لذلك القصد؛ لأنه إذا جاز أن يقرر معنى العامل المذكور بتوكيده بالمصدر، فلأن يجوز أن يقرر معنى العامل المحذوف لدلالة قرينة عليه أحَقُّ وأولى، ولو لم يكن معنا ما يدفع هذا القياس لكان في دفعه بالسماع كفاية، فإنهم يحذفون عامل المؤكد حذفا جائزا، إذا كان خبراً عن اسم عين في غير تكرار ولا حصر، نحو"أنت سيراً ومَيراً" [8] ، وحذفاً واجباً في مواضع يأتي ذكرها، نحو "سَقْياً، ورَعْياً، وحمداً وشكراً لا كفرا"، فمنع مثل هذا إما لسهو عن وروده، وإما للبناء على أن المسوغ لحذف العامل منه نية التخصيص، وهو دعوى على خلاف الأصل، ولا يقتضيها فحوى الكلام" [9]
كما نراه في باب المنادى، يأتي بقول والده:
وغيرُ مندوب، ومضمر، وما
جا مُسْتغاثاً قد يُعَرّى، فاعلما
وذاك في اسم الجنس والمشار له
قلَّ، ومن يمنعه، فانصر عاذله(33/408)
ثم يعقب عليه بقوله: "يجوز حذف حرف النداء، اكتفاء بتضمن معنى الخطاب، إن لم يكن مندوباً، أو مضمرا، أو مستغاثا، أو اسم جنس، أو اسم إشارة؛ لأن الندبة تقتضي الإطالة ومدَّ الصوت، فحذف حرف النداء فيها غير مناسب، وهكذا الاستغاثة؛ فإن الباعث عليها هو شدة الحاجة إلى الغوث والنصرة، فتقتضي مَدّ الصوت، ورفعه، حرصا على الإبلاغ، وحرف النداء معين على ذلك، وأما المضمر، فلا يحذف منه حرف النداء؛ لأنه لو حذف فاتت الدلالة على النداء؛ لأن الدال عليه هو حرفُ النداء، وتضمُّنُ المنادى معنى الخطاب، فلو حذف الحرف من المنادى المضمر بقي الخطاب، وهو فيه غير صالح للدلالة على إرادة النداء؛ لأن دلالته على الخطاب وضعية لا تفارقه بحال،، وأما اسم الجنس، واسم الإشارة، فلا يحذف منهما حرف النداء إلا فيما ندر من نحو قولهم: "أصبحْ ليلُ، وأطرقْ كرا، وافتد مخنوقُ"، وقوله في الحديث: "ثوبي حَجَرُ"، وقول الله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} وذلك لأن حرف النداء في اسم الجنس كالعوض من أداة التعريف، فحقه ألا يحذف، كما لم تحذف الأداة، واسم الإشارة في معنى اسم الجنس، فجرى مجراه، وعند الكوفيين أن حذف حرف النداء من اسم الجنس والمشار له قياس مطرد، والبصريون يقصرونه على السماع. وقول الشيخ: "ومن يمنعه فانصر عاذله"يوهم اختيار مذهب الكوفيين، هذا إذا لم يحمل المنع على عدم قبول ما جاء من ذلك" [10] .
وقد طبعت "الدُرّة المضيّة "في ليبسيك (Leipzig) بألمانيا سنة 1866م، وفي القاهرة سنة 1342هـ، كما طبعت في بيروت بتحقيق الشيخ محمد بن سليم اللبابيدي، مرتين: الأولى بمطبعة القديس جاورجيوس سنة 1313هـ في 356 صفحة من القطع المتوسط، والثانية بالتصوير عن الأولى، وأخرجته منشورات خسرو ببيروت، منذ عهد قريب. وغمرت به المكتبات.(33/409)
و"الدرة المضية"أول شرح للألفية عرفته المكتبة، ومن ثمة لا تنصرف كلمة "الشارح"إذا أطلقت في شروح الألفية إلا إلى بدر الدين بن مالك، كما لا تنصرف كلمة "الشرح"إلا إلى "الدرة المضية".
وقد ترجمت "الدرة المضية"إلى اللغة الفارسية بطهران [11] .
ولأهمية هذا الشرح في حل رموز الألفية، وكشف غوامضها، كثر التعليق عليه، فظهرت حوله المؤلفات الآتية:
(أ) "تخليص الشواهد، وتلخيص الفوائد"للشيخ جمال الدين بن هشام الأنصاري، المتوفى سنة 761هـ[12] وبمكتبة شيخ الإسلام، الشيخ عارف حكمت بالمدينة المنورة نسخة في 334 صفحة.
(ب) "المسعف والمبين، في شرح ابن المصنف بدر الدين" لابن جماعة، أبي عبد الله عز الدين محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموى، المصري، المتوفى سنه 819هـ[13] .
وبالمكتبة الظاهرية بدمشق نسخة في 108 ورقة.
(ج) "حاشية كمال الخضيري" الشيخ أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن عثمان الخضيري، السيوطي، المصري المتوفى سنة 855هـ، وهو والد جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة 911هـ.
وقد أشار الزركلي في الأعلام إلى حاشية الشيخ أبي بكر السيوطي على شرح ابن الناظم، وقال: "إنه لم يتمها"، كما أشار إلى ذلك الأستاذ الدكتور محمد الأحمدي أبو النور في تعليقاته على "في ذيل الوفيات"، وقال: "إنها في مجلدين" [14] .
(د) "حاشية العيني على شرح ابن المصنف"، للعلامة بدر الدين محمود بن أحمد العيني، المصري، الحنفي، المتوفى بالقاهرة سنة 855هـ[15] .
(هـ) "الموضح المعرّف، لما أشكل في ابن المصنف"للشيخ محيى الدين عبد القادر بن أبي القاسم أحمد السعدي العبادي الأنصاري المكي، المالكي، المتوفى سنة880هـ[16] . وبالمكتبة الظاهرية بدمشق نسخة في 157 ورقة.(33/410)
(و) "المشنِّف على ابن المصنف"لجلال الدين السيوطي، المتوفى سنة 911هـ، وصل فيها إلى أثناء الإضافة، كما أشار إلى ذلك حاجي خليفة.
وأثبت البغدادي للسيوطي مع "المشنِّف"تعليقة على شرح الألفية [17] .
(ز) "الدرر السنيّة، على شرح الألفية"للشيخ زكريا الأنصاري، قاضي القضاة زين الدين أبي يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، السُّنَيْكي، المصري، الأزهري، المتوفى سنة 926هـ[18] .
وبالمكتبة الظاهرية بدمشق نسختان: الأولى في 149 ورقة، والثانية في 125، وبالمكتبة الأزهرية بالقاهرة نسخة بهامشها حواش في 233 ورقة، ولكنها بعنوان "الدرة السنية على شرح الألفية"، وبمكتبة الحرم النبوي الشريف نسخة في 208 ورقة، ولكنها بعنوان "حاشية شيخ الإسلام، القاضي زكريا، على شرح ابن الناظم للألفية".
وبمكتبة الأوقاف العامّة ببغداد نسخة، جزءان في مجلد، 425 ورقة برقم [5623-5624] ، ولكنها بعنوان "حاشية على الدرة السنية، شرح الألفية".
(ح) "حاشية ابن قاسم العبّادي" العلامة شهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي المصري، الشافعي، المتوفى سنة 994هـ[19] .
وقد تناول ابن قاسم في هذه الحاشية المصطلحات والألفاظ والتعبيرات الواردة في كلام ابن الناظم بالشرح والتعليق.
وبالمكتبة الظاهرية بدمشق نسخة في 370 ورقة، برقم [1642 عام] وبمكتبة الأوقاف العامة ببغداد نسخة في 451 ورقة برقم [6105] .
وقد جرد الشيخ محمد بن أحمد الشوبري، الشافعي، المصري، المتوفى سنة 1069هـ هذه الحاشية في مجلد، كما ورد في كشف الظنون [20] .
(ط) "شرح شواهد شرح ابن الناظم "للبحرانى، السيد محمد بن السيد على بن أبي الحسن حسين الموسوي، العاملي، البحراني، الشيعي، المتوفى سنة 1009هـ[21] .
وقد طبع هذا الشرح في مجلد بالمطبعة العلوية في النجف الأشرف بالعراق سنة 1344هـ.(33/411)
(ي) "حاشية التميمي"القاضي تقي الدين بن عبد القادر التميمي، الغزي، المصري، الحنفي، المتوفى سنة 1010هـ[22] .
وقد جمع التميمي في هذه الحاشية أقوال الشراح، وفصل فيما بينهم.
(ك) "حاشية محمد حمزة"الشيخ محمد بن كمال الدين بن محمد الحسيني الحنفي، المعروف بـ "محمد حمزة "المتوفى سنة 1085هـ[23] .
(ل) "حاشية ابن حمزة"برهان الدين، إبراهيم بن محمد بن محمد كمال الدين بن أحمد ابن حسين، بن حمزة الحسيني، الحنفي، الدمشقي، المحدث، النحوي، المتوفى سنة 1120هـ[24] ، وقد أشار إليها الزركلي في الأعلام، وقال: إنها لم تكمل.
(م) "الموضح المعرف، لما أشكل في شرح ابن المصنف"للشيخ ابن عبد المعطي، المتوفى بعد 1122هـ، وقد فرغ من تأليفها يوم الأربعاء السادس من جمادى الأولى سنة 1122هـ. وبمكتبة الشيخ أحمد عارف حكمت بالمدينة المنورة نسخة في 282 صفحة، برقم (191/415) .
(ن) "إيضاح المعالم، من شرح ابن الناظم"في ثلاثة أجزاء، للشيخ عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بن عبد الرحيم بن محمد بدران، الفقيه، الأصولي، الحنبلي، المتوفى سنة 1346هـ[25] .
3- "شرح الألفية"للبعلي، أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ أبي الفتح محمد بن الفضل بن على البعلبكي، الحنبلي، المحدث، النحوي، المتوفى سنة 709 [26]
4- "شرح الألفية"للجزري، أبي عبد الله، شمس الدين محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمود الجزري، المصري، الشافعي، الخطيب المتوفى سنة 711هـ[27] .
5- "نثر الألفية، وشرحها"للأسنوي، نور الدين، إبراهيم بن هبة الله بن علي الحميري، الأسنوي، الأصولي، الفقيه.، الشافعي، النحوي، المصري، المتوفى سنة 721هـ[28] .
6- "شرح الألفية"لابن الفركاح، أبي إسحاق، برهان الدين، إبراهيم بن عبد الرحمن بن سبَّاع بن ضياء، الفزاري، المصري، الدمشقي، الشافعي، المعروف بـ "ابن الفركاح"، المتوفى سنة 729هـ[29](33/412)
7- "منهج السالك، في الكلام على ألفية ابن مالك "لأبى حيان النحوي، الإمام أثير الدين، أبي حيان، محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان، الغرناطي، الأندلسي النحوي، الشافعي، المتوفى بمصر في الثامن والعشرين من صفر سنة 745هـ[30]
وقد حدد أبو حيان غرضه من هذا الشرح، ومنهجه في تأليفه، بقوله: "فالغرض من هذا الكتاب الكلام على الألفية في مقاصد ثلاثة:
الأول: تبيين مقصد أطلقه، وواضح أغلقه، ومخصص عممه، ومعين أبهمه، ومفصل أجمله، وموجز طوّله.
الثاني: التنبيه على الخلاف الواقع في الأحكام، ونسبته إن أمكن إلى من ذهب إليه من الأئمة والأعلام.
الثالث: حل ما يهجس في أنفس النشأة من مشكلاتها، وفتح ما يلبس من مقفلاتها، ولم أقصد التكثير من الكلام لما وضح للأفهام، وربما انجرّ مع هذه المقاصد فوائد تُشَنَّفُ بحسنها الأسماع، وفرائد تشرِّف المبارق والرقاع" [31]
وبالجزائر نسخة تحت رقم (76) ، وبالمكتبة التيمورية بالقاهرة النصف الأول من هذا الكتاب.
وقد نشر "منهج السالك"لأبي حيان النحوي في جزأين في نيوهيفن بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1947م. بتحقيق وتقديم سيدني جليزر (Sidney Glazer) الجمعية الشرقية الأمريكية العدد (31) .
8- "تحرير الخصاصة، في تيسير الخلاصة"لابن الوردي، أبي حفص زين الدين عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس، المعرّي، الحلبي، الكندي، المؤرخ، الأديب الشاعر، الشافعي، المعروف بـ"ابن الوردي"، المتوفى سنة 749 هـ[32] .
و"تحرير الخصاصة"نثر لألفية ابن مالك، وهو مخطوط، كما ورد في الأعلام، ومحفوظ بالقاهرة أول: 4/ 96، وثان: 2/83، كما ورد في تاريخ الأدب العربي لبروكلمان. ولابن الوردي "شرح لألفية ابن مالك"، أشار إليه الزركلي، والبغدادي.(33/413)
9- "توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك"للمرادي، العلامة الحسن بدر الدين بن قاسم بن عبد الله بن علي، المرادي، المغربي، المصري، المالكي، النحوي، اللغوي، المعروف بـ"ابن أم قاسم"المتوفى يوم عيد الفطر سنة 749هـ[33] .
و"توضيح المرادي": شرح خفيف للألفية، جمع كثيراً من الأحكام النحوية المنسوبة إلى أصحابها، وسلك فيه صاحبه منهجاً علميا تعليميا، مع تتبع ابن مالك في كتبه الأخرى، والتنبيه على ما جاء بها من زيادات، فضلاً عن العناية بالشواهد، والإشارة إلى المسائل الشاذة، والنادرة، والمطردة، وبيان الأوجه الصحيحة.
وقد حقق هذا الشرح المفيد الأستاذ الدكتور عبد الرحمن علي سليمان، ونشرته مكتب الكليات الأزهرية بالقاهرة سنة 1397هـ في ستة أجزاء متوسطة.
وقد دارت حول هذا الشرح الهادئ دراسات مختلفة، منها:
(أ) "حاشية ابن غازي"، أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن غازي، العثماني، المكناسي، الفاسي، المالكي الشهيي بـ"ابن غازي"المتوفى سنة 919هـ[34] .
وهي حاشية مفيدة، جمعها من أقوال السابقين، ومما فتح الله به عليه من النقد التوجيه، وبمكتبة الشيخ عارف حكمت بالمدينة المنورة نسخة في 214 صفحة.
(ب) "تعليقات ابن القاضي"الشيخ قاسم بن محمد بن محمد بن قاسم بن أبي العافية، الفاسي، المالكي، الفقيه، النحوي، الشهير بـ"ابن القاضي"، المتوفى سنة 1021هـ[35] . وهي محفوظة بالإِسكوريال، ثان: 5.
(ج) "حاشية الشاوي"العلامة أبي زكريا يحي بن محمد بن محمد بن عبد الله بن عيسى بن شبل بن أبي البركات النائلي، الجزائري، المالكي، الشهير بـ"الشاوي" المتوفى سنة 1096هـ[36]
وبالمكتبة الأزهرية بالقاهرة الجزء الأول في 470 ورقة.
(د) "حاشية التلمساني"، الشيخ عبد الرحمن بن إدريس بن محمد المنجري، الإدريسي، الحسني، التلمساني، الفاسي، المالكي، المتوفى سنة 1179هـ[37] .(33/414)
(هـ) "المرادي، وكتابه توضيح مقاصد الألفية"للدكتور علي عبود الساهي. وهي دراسة نقدية تحليلية لـ"توضيح المرادي"مع كشف واضح عن حياته العامة والخاصة ووصف. دقيق لآثاره العلمية.
فقد بين الباحث في دراسته منهج المرادي في تناوله للمسائل الجزئية والقضايا العامة وموقفه من الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف في ضوء الدراسات المقارنة، مع تفصيل مركز لآرائه النحوية، وموقفه من النحاة السابقين، وأثره فيمن جاء بعده.
ودراسة "الساهي"فيما تناوله دراسة جادة يقظة، لولا ما تخللها من رداءة في الطبع، واعتماد على بعض النقول دون تحقيق.
وقد طبعت هذه الدراسة الممتعة المفيدة في بغداد سنة 1404هـ في 680 صفحة من القطع المتوسط، وساعدت على طبعها ونشرها- جامعة بغداد.
10- "شرح الألفية"لابن اللبان، أبي عبد الله، شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن، الشافعي المصري، المعروف بـ"ابن اللبان"، المتوفى سنة 749هـ[38]
11- "دفع الخصاصة، عن قراء الخلاصة"لابن هشام، الإمام أبي محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري، المصري، النحوي، الحنبلي، الشهير بـ"ابن هشام"المتوفى ليلة الجمعة في الخامس عشر من شهر ذي القعدة سنة 761هـ[39] .
وهي حواش وتعليقات على الألفية، تقع في أربعة مجلدات، كما ورد في "كشف الظنون".
وقد أفاد من هذه "الحواشي والتعليقات"الشيخ خالد الأزهري في "التصريح"، والشيخ يحي العليمي في حاشيته عليه [40] .
12- "أوضح المسالك، إلى ألفية ابن مالك لما لابن هشام الأنصاري، المتوفى سنة 761هـ، وهو المعروف بـ "التوضيح".
و"التوضيح": نثر مكثف لمضمون الألفية، مع كثير من الزيادات المفيدة، والآراء المنسوبة إلى أصحابها.
ولأهمية "التوضيح"في الحقل التعليمي، حظي بعناية العلماء والمحققين؛ فتعددت شروحه، وتنوعت حواشيه، وكان منها:(33/415)
(أ) "حاشية ابن جماعة"بدر الدين، محمد بن شرف الدين عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله القاضي، الكناني، المقدسي، الشافعي، المعروف بـ"ابن جماعة"المتوفى سنة 819هـ[41] .
(ب) "شرح التوضيح"لابن هلال، أبي البقاء، نور الدين، القاضي محمد بن خليل بن هلال الحلبي، الحنفي، المتوفى سنة 824هـ[42] .
(ج) "حاشية الحفيد"العلامة شهاب الدين، أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن هشام، المعروف بـ"حفيد ابن هشام "المتوفى سنة 835هـ[43] .
وبالمكتبة الأزهرية بالقاهرة نسخة في 122 ورقة.
وبالمكتبة الظاهرية بدمشق نسخة في 243 ورقة.
(د) "حاشية العيني"بدر الدين محمود بن أحمد العيني، المتوفى سنة 855هـ[44] .
(هـ) "حاشية النواجي"الشيخ شمس الدين محمد بن حسن بن علي بن عثمان النواجي، المصري، الأديب، الشافعي، المتوفى سنة 859هـ[45] .
(و) "حاشية ابن أبي الصفا"الشيخ محمد بن إبراهيم بن علي بن أبي الصفا، النحوي، المتوفى سنة 861هـ تقريبا [46] .
(ز) "رفع الستور والآرائك، عن مخبَآت أوضح المسالك"للعبادي المكي، العلامة الشيخ عبد القادر بن أبي القاسم أحمد الأنصاري، السعدي، العبادي، المكي، القاضي المالكي، المتوفى سنة 880هـ[47] .
وبمكتبة الشيخ أحمد عارف حكمت بالمدينة المنورة نسخة في 300 صفحة.
وبدار الكتب المصرية بالقاهرة نسخة في 151 ورقة، بخط معتاد، وتمت كتابتها في يوم الأربعاء التاسع والعشرين من شوال سنة 879هـ. برقم (5667هـ) ، وفى خزانة الرباط نسخة برقم (1707 كتاني) .
(ح) "هداية السالك، إلى أوضح المسالك"لابن عبد الخالق، العلامة الشيخ شمس الدين، محمد بن أحمد بن على بن عبد الخالق، السيوطي، المصري، الشافعي، المنهاجي، المتوفى سنة 880هـ[48] .
وهذا الشرح مخطوط، كما أشار إليه الزركلي في الأعلام.(33/416)
(ط) "حاشية ابن قُطْلوُبغا" سيف الدين محمد بن محمد بن عمر بن قطلوبغا البكتمري، التركي، المصري، النحوي، الحنفي، المتوفى سنة 881هـ[49] .
وهي حواشي متقنة، كما وصفها الزركلي في الأعلام.
(ي) "التصريح بمضمون التوضيح"للشيخ خالد الأزهري، زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن أحمد الخزرجي، الشافعي، النحوي، الأزهري، المتوفى سنة 905هـ[50] .
وقد حدد الشيخ خالد منهجه فيهذا الشرح بقوله: "وشرحته شرحاً كشف خفاياه، وأبرز أسراره وخباياه، وباح بسره المكتوم، وجمع شمله بأصله المنظوم، وسميته "التصريح بمضمون التوضيح"، ووشحته بعشرة أمور مهمة، مشتملة على فوائد جمة:
أحدها: أني مزجت شرحي بشرحه حتى صار كالشيء الواحد، لا يميز بينهما إلا صاحب بصر، أو بصيرة، ومن فوائد ذلك حل تراكيبه العسيرة.
ثانيها: أنني تتبعت أصوله التي أخذ منها، وربما شرحت كلامه بكلامه؛ ومن فوائد ذلك بيان قصده ومَرامه.
ثالثها: أنني ذكرت ما أهمله من الشروط في بعض المسائل المطلقة؛ ومن فوائد ذلك تقييد ما أطلقه.
رابعها: أنني كملت بيت كل شاهد. بما اقتصر على شطره، وعزوته إلى قائله إلا قليلا لم أظفر بذكره، وشرحت منه الغريب؛ ومن فوائد ذلك معرفة كونه غريبا، حتى يتم منه التقريب، وهو سوق الدليل على طبق المدعى.
خامسها: أنني ضبطت الألفاظ الغريبة بالحرف، وبينت جميع معانيها؟ ومن فوائد ذلك الأمن من التحريف، وحفظ مبانيها.
سادسها: أنني طبقت الشرح على النظم، وقد كان أغفله؛ ومن فوائد ذلك معرفة شرح كل مسألة.
سابعها: أنني ذكرت حجج المخالفين، وقوة الترجيح؛ ومن فوائد ذلك العلم بما يفْتَى به على الصحيح.
ثامنها: أنني ذكرت غالب علل الأحكام وأدلتها؛ ومن فوائد ذلك تمكينها في الأذهان والجزم بمعرفتها.(33/417)
تاسعها: أنني بينت المعتمد من المواضع التي تنقض كلامه فيها، وما خالف فيه من التسهيل؛ ومن فوائد ذلك معرفة ما عليه التعويل.
عاشرها: أنني بينت المواضع التي اعتمدها، مع أنها من أبحاثه، ومن فوائد ذلك معرفة أنها من عندياته " [51] .
ولشهرة "التصريح" بين العلماء والمتخصصين، تناولوه بالنقد، والتعليق:
فكتب عليه الدنوشري: أبو الفتح الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن علي بن محمد الدنوشري، الفقيه، الشافعي، اللغوي، النحوي، المصري، المتوفى سنة 1025هـ[52] حاشية مفيدة، يوجد منها نسخة بالمكتبة الأزهرية في 182 ورقة.
وكتب عليه الشيخ يس بن زين الدين بن أبي بكر محمد بن محمد بن الشيخ عُلَيْم الحمصي الشهير بـ"العليمي" المتوفى سنة 1061هـ[53] حاشية مفيدة، ضمنها المهم مما كتبه لأعلام في هذا العلم، مع بعض التحقيقات الفاصلة، والفوائد المتممة.
وقد طبعت الحاشية مع الشرح في جزأين كبيرين أكثر من مرة.
وللشيخ محمد بن سليمان بن الفاسي بن طاهر الروداني السوسي، المغربي، المكي المالكي، المتوفى 1094هـ[54] حاشية على "التصريح"أشار إليها العلامة الصبان في حاشيته على "شرح الأشموني"، واعتمد عليها كثيرا.
(ك) "التوشيح على التوضيح" لجلال الدين السيوطي، المتوفى سنة 911هـ[55] .
(ل) "حاشية الكركي"أبي الوفاء، برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل الكركي، المصري، الحنفي، المتوفى سنة 922هـ[56] .
(م) "حاشية اللقانى"الشيخ ناصر الدين أبى عبد الله، محمد اللقانى، المصرى، المالكى، المتوفى سنة 958هـ[57] .
وبالمكتبة الأزهرية بالقاهرة نسخة عليها حواش تقع في 105 ورقة بقلم معتاد بخط الشيخ حسين بن محمد بن على النماوي المالكي المتوفى سنة 1022هـ.
وبمكتبة الحرم النبوي الشريف نسخة في 124 صفحة كتبت بخط مغربي سنة 1191هـ.(33/418)
(ن) "هداية السالك، على أوضح المسالك، لابن هشام، على الألفية لابن مالك"للشنواني، أبي بكر بن إسماعيل بن شهاب الدين عمر بن علي بن وفاء الشنواني الشريف، التونسي الأصل، المصري المولد والدار، الشافعي، المتوفى سنة 1019هـ[58] جزءان. وبمكتبة حسن حسني بتونس الجزء الأول، ويقع في 400 ورقة تنتهي بباب الإضافة.
(س) "شرح التوضيح"لابن مهدي، أبي الطيب الحسن بن يوسف بن مهدي العبدوادي، الزياتي، المالكي المعروف بـ"ابن مهدي"المتوفى سنة 1023هـ[59] .
(ع) "تكميل المرام، بشرح شواهد ابن هشام"للشيخ محمد بن عبد القادر الفاسي، المتوفى سنة 116اهـ[60] ، وهو شرح لشواهد التوضيح.
وبمكتبة حسن حسني عبد الوهاب بتونس نسخة في 172 ورقة.
وعلى هذا الشرح حاشية للشيخ ياسين بن محمد غرس الدين الخليلي الأزهري، المدني، المتوفى سنة 1086هـ[61] .
(ف) "حاشية ابن كيران"، الشيخ محمد الطيب بن عبد المجيد بن عبد السلام بن كيران المالكي الفاسي، المتوفى سنة 1227هـ[62] .
وهي حاشية ضافية، جمعها من أقوال السابقين، ومما فتح الله به عليه، وقد طبعت هذه الحاشية بفاس في جزأين سنة 1315هـ.
(ص) "حاشية ابن قصارة"أبي الحسن بن إدريس بن علي قصارة، الفقيه، المالكي، المغربي، المتوفى سنة 1259هـ[63] ، فرغ منها في الرابع عشر من صفر سنة 1259هـ.
(ق) "نظم أوضح المسالك، إلى ألفية ابن مالك"للشيخ أبي عبد الله محمد بن حمدون بن الحاج السُّلمي، المتوفى سنة 1274هـ[64] .
وعلى هذا النظم شرح للمؤلف، أسماه "كشف الخفاء، والغطاء"، وقد طبع النظم مع شرحه بفاس سنة 1318هـ.
(ر) "تهذيب التوضيح"للأستاذين: الشيخ أحمد مصطفى المراغي، المتوفى سنة 1371هـ، والشيخ محمد سالم علي، المتوفى بعد سنة 1344هـ[65] .(33/419)
وقد اختصر الأستاذان "التصريح بمضمون التوضيح"، وأخرجاه في جزأين، يضم الأول منهما "علم النحو"والثاني "علم الصرف"، مع بعض زيادات من كتب القوم، وطبع بالقاهرة سنة 1329هـ، والكتاب بجزأيه قد تكرر طبعه، وأقبل عليه طلاب العلم في معاهده وكلياته؛ لكثرة فوائده، ودقة أفكاره، وجمال ترتيبه.
(ش) "بغية السالك، إلى أوضح المسالك"للشيخ عبد المتعال الصعيدي، المصري، الأزهري، المتوفى بعد 1390هـ[66] .
فقد حقق الشيخ رحمه الله "التوضيح"وكتب عليه تعليقات مفيدة، ونشرته مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده بالقاهرة في 322 صفحة، وظهرت الطبعة الرابعة سنة 1388هـ.
(ت) "هداية السالك، إلى تحقيق أوضح المسالك"للشيخ محمد محي الدين عبد الحميد، المتوفى سنة 1393هـ[67] .
فقد حقق الشيخ رحمه الله تعالى هذا الكتاب، وشرح شواهده شرحاً وافيا، مع بعض توضيحات وتنبيهات، وأخرجه في طبعات مختلفة، آخرها في أربعة أجزاء.
(ث) "منار السالك، إلى أوضح المسالك"للأستاذ محمد عبد العزيز النجار، والشيخ محمد عبد العزيز حسن.
فقد ضبط المحققان نصوص الكتاب، وعلقا عليه تعليقات مفيدة، وأخرجاه في جزأين، ونشرته المطبعة الرحمانية بالقاهرة لأول مرة سنة 1349هـ.
(خ) "ضياء السالك، إلى أوضح المسالك" للأستاذ محمد عبد العزيز النجار. فقد عني المحقق بنصوص الكتاب، وكتب عليه كتابات وافية، وأخرجه وحده في أربعة أجزاء بمطبعة الفجالة الجديدة بالقاهرة سنة 1393هـ.
13- "شرح الألفية"لابن النقاش، أبي أمامة شمس الدين، محمد بن على بن عبد الواحد بن يحي المغربي، الدكالي، المصري، المعروف بـ"ابن النقاش"، المتوفى سنة 763هـ[68] .
14- "إرشاد السالك، إلى حل ألفية ابن مالك"لابن قيم الجوزية، الشيخ إبراهيم ابن محمد بن أبي بكر بن أيوب، المعروف بـ"ابن قيم الجوزية"الفقيه الحنبلي، النحوي المتوفى سنة 767هـ[69] .(33/420)
وهو شرح موجز مفيد، يقع في 254 ورقة.
وبمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، نسخة ميكروفيلم، عن مكتبة أحمد الثالث بتركيا.
والى العدد القادم، مع الحلقة التالية، إن شاء الله تعالى.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الأبيات من البسيط لأبي عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن عمران، الشهير بـ"ابن المجراد" السلاوي المتوفى سنة
819هـ.
و"الخلاصة": زبدة الشيء، وخلاصة الكلام: ما استخلص فيه معنى العبارة، مجردا عن الزوائد والفضول.
و"الاستغراق": الاستيعاب: والتضعيف في "جمَّعتْ "للتكثير في الفعل.
و"اختصار الكلام": حذف الفضول منه. و"اللب"من كل شيء: خالصه، وخياره.
و"جُل المهمات": أكثرها، و"المهمات": الأمور التي تدعو إلى اليقظة والتدبير، والواحد: مُهمّة أما "المهامّ "، فواحدها: مُهِمّ. و"مالك"في "لابن مالك": مضاف إليه، ووصلت همزة "إني"للضرورة. و"شُغِفت بها": أحببتها وأولعت بها؟ يقال: "شُغف به أو بحبه شَغَفاً، فهو مشغوف. والأصل في "لا ياتي: لا يأتي"فخففت الهمزة للضرورة.
وثبتت ألف "أنا" في الوصل على لغة تميم. و"تبوّئه": تنزله وتسكنه.
حاشية ابن حمدون على شرح المكوّدي للألفية ج 1 ص 10، ومغني اللبيب بحاشية الأمير ج1 ص 26.
[2] الأبيات من الطويل، واللام في "لقد": واقعة في جواب قسم محذوف. و"مَرّقت"بالتشديد شقّقت. و"السهام"جمع سهم، وهو عود من الخشب يسوّى في طرفه نَصْلُ يرمى به عن القوس و"الجفون" جمع جَفْن، وهو غطاء العين من أعلاها وأسفلها.(33/421)
والمراد ب "اللخمي" هنا: أبو الحسن على بن محمد الربعي القيرواني، المتوفى سنة 498 هـ، وكان رحمه الله فقيها دينا فاضلا مفننا، ذا حظ من الأدب، وله تعليق كبير على "المدونة"في الفقه المالكي، سماه "التبصرة"، وهو مفيد حسن إلا أنه اختار فيه وخرَّج، فخرجت اختياراته عن المذهب؟ ومن ثمة نسبة إليه تمزيقه.
و"صال": سطا، و"الأوصال": جمع وصل، وهو المفصل، أو مجتمع العظام. و"قلدت": ألزمت وكلفت. و"التقليد": التفويض والإلزام. و"لقد": القطع. و"قدها": قامتها أو قوامها. و"مالك"في الأول: إمام دار الهجرة وعالمها، المتوفى سنة 179هـ وفي الثاني: مالك بن المرحل السبتي المتوفى سنة 699هـ وفي الثالث: جد الناظم رحمه الله، وفى الرابع: الحائز والمتفرد بالتصرف، فانتفى بذلك الإيطاء في هذه الأبيات.
و"المنية"البغية، وما يحرص عليه الإنسان. و"المهجة": الروح، ودم القلب. و"بديع جمالك ": حسنك الفائق، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف. و"بذل مهجتي": مبتدأ حذف خبره جوازا، والتقدير: " بذل مهجتي لك "، والواو في "ومالي": حالية، و" مالي"مبتدأ. خبره "قليل"، و"في بديع جمالك"متعلق به.
الديباج المذهب في أعيان المذهب المالكي لابن فرحون المتوفى سنة 799 م، ص 203، الطبعة الأولى، والأعلام للزركلي ج4 328، ونفح الطيب ج 2 ص 232-233، ومقدمة الألفية ص 14.
[3] البيت من البسيط، و"أكيس": اسم تفضيل من الكياسة، وهي تمكن النفس من استنباط ما هو أنفع. و"الإحسان"الإتقان، وفعل ما هو حسن. و"آثار الإحسان": علاماته- فتح المالك للسلطاني الجزائري ج1 ص 3.
[4] هدية العارفين للبغدادي ج6 ص120، وكشف الظنون لحاجي خليفة ج1 ص 151.
[5] كشف الظنون ج1 ص ا 15.
[6] شرح الألفية لابن الناظم ص 101.
[7] شرح الكافية الشافية لابن مالك ج2 ص 657، بتحقيق الدكتور عبد المنعم أحمد هريدي.(33/422)
[8] والتقدير: أنت تسير سيرا، وتمير ميرا ": مصدر "مار أهله يميرهم ميرا"، إذا أعد لهم الميرة، وهي الطعام يجمع للسفر ونحوه، الصحاح والمعجم الوسيط، مادة (م ي ر) ، والصبان على الأشموني ج2 ص 118.
[9] شرح ابن الناظم ص 104.
[10] شرح ابن الناظم ص220.
[11] بروكلمان ج5 ص 278، والترجمة الفارسية بطهران: سبه سالار 2/ 335-337.
[12] هدية العارفين ج5 ص 465.
[13] هدية العارفين ج 6 ص 182.
[14] الأعلام ج 2 ص 69، والضوء اللامع للسخاوي ج11 ص 72، وهدية العارفين له ص 237، وذيل وفيات الأعيان لابن القاضي، أبى العباس أحمد بن محمد المكناسي المتوفى سنة 025 اهـ بتحقيق الأستاذ الدكتور محمد الأحمدي أبو النور ج1 ص 223.
[15] كشف الظنون ج 1 ص 152، وهدية العارفين ج6ص.42.
[16] هدية العارفين ج5 ص 597.
[17] كشف الظنون ج 1 ص 152، وهدية العارفين- ج5 ص 542، "والمشنف"اسم فاعل من شنف كلامه إذا زينه و"الأثناء"جمع "ثني"بكسر فسكون، والمراد هنا الوسط، وهو ما يكتنفه أطرافه، ولو من غير تساو.
[18] هدية العارفين ج5 ص 374، و"السنيكى" نسبة إلى سنيكة: قرية مصرية بالشرقية.
[19] معجم المؤلفين ج2 ص 48، وهدية العارفين ج5 ص 149.
[20] كشف الظنون ج1 ص 2 5 1، وهدية العارفين ج5 ص 287، و"الشوبري": نسبة إلى "شوبر": قرية مصرية بالغربية.
[21] هدية العارفين ج6 ص 264، وبروكلمان ج5 ص 278، وفيه أنه توفى سنة 1098هـ.
[22] كشف الظنون ج1 ص 152، وهدية العارفين ج5 ص 245.
[23] الأعلام ج7 ص 15، وتراجم بعض أعيان دمشق ص 9، وخلاصة الأثر ج 4ص 124-131.
[24] الأعلام ج 1 ص 68، وسلك الدرر ج1 ص 22، ومعجم المطبوعات ص 88، ومعجم المؤلفين ج1 ص105، وإيضاح المكنون ج3 ص 120، وهدية العارفين ج5 ص 37.
[25] الأعلام ج1 ص 37.(33/423)
[26] الأعلام ج6 ص 326، وشذرات الذهب ج6 ص20، وكشف الظنون ج1ص 152، وهدية العارفين ج6 ص141.
[27] الأعلام ج 7 ص 151، والدرر الكافية ج4 ص 299، وبغية الوعاة ص 120، والشذرات ج 6 ص 42، وكشف الظنون ج 1ص 152، وهدية العارفين ج6 ص 142.
[28] الأعلام ج 1 ص 78، وبغية الوعاة ص 189، وطبقات الشافعية ج6 ص 83، وخطط مبارك ج8 ص 63، والدرر الكامنة ج 1 ص 74، وكشف الظنون ج1 ص 154، ومعجم المؤلفين ج1 ص 123، وهدية العارفين ج5 ص 13.
[29] كشف الظنون ج1 ص 153، وهدية العارفين ج5 ص 14، ومعجم المؤلفين ج1 ص 43.
[30] هدية العارفين ج6 ص 152-153، ومجلة المجمع العلمي بدمشق ج 3 ص 341، والأعلام ج7 ص 152، وبغية الوعاة ص 121، وكشف الظنون ج1 ص 153، وبروكلمان ج5 ص 281.
[31] منهج السالك ص 1-2 نقلا عن "المرادي وكتابه توضيح مقاصد الألفية"للدكتور علي عبود الساهي ص 129.
[32] الأعلام ج5 ص 67، وكشف الظنون ج1 ص 153، وهدية العارفين ج5 ص 789، وبروكلمان ج5 ص 281 والمعري: نسبة إلى معرة النعمان بسورية.
[33] هدية العارفين ج5 ص 286، و"المرادي، وكتابه توضيح مقاصد الألفية"للدكتور علي عبود الساهي ص 43-45.
[34] هدية العارفين ج6ص 226، وبروكلمان ج5 ص 279.
[35] معجم المؤلفين ج8 ص 123، واليواقيت الثمينة للأزهري ج1 ص 99-100، وأخبار مكناس لابن زيدان ج5 ص 522 -527، وهدية العارفين ج5 ص 833، وفهرس الفهارس ج1 ص 209، ودليل مؤرخ العرب ص 329، وبروكلمان ج5 ص 279.
[36] هدية العارفين ج6 ص 533.
[37] الأعلام ج 3 ص 298، واليواقيت الثمينة ص 196، ودليل مؤرخ المغرب ج2 ص 289، ومجلة دعوة الحق، عدد مارس 1974م. ص179-180، والاستقصاء للناصري ج2 ص 92، وما بعدها، وسلوة الكناني ج2 ص 257، والرباط: 261 رقم 3، بروكلمان ج5 ص 279.
[38] كشف الظنون ج 1 ص 153، وهدية العارفين ج 6 ص 155.(33/424)
[39] كشف الظنون ج 1 ص 154، وهدية العارفين ج 5 ص 5 46.
[40] انظر حاشية الشيخ يس على التصريح ج 1 ص 18، 21، 45، 94، 96، 98، 130، 134، 138، 146.
[41] كشف الظنون ج1 ص 155، وهدية العارفين ج6 ص 182.
[42] هدية العارفين ج6 ص 184، وقد تردد البغدادي في وفاته بين (824 و842) .
[43] الأعلام ج1 ص 147، والضوء اللامع ج1 ص 329، وكشف الظنون ج1 ص 155، وهدية العارفين ج5 ص124، ومعجم المؤلفين ج1 ص 266، وبروكلمان ج5 ص 279-280.
[44] كشف الظنون ج1 ص155.
[45] هدية العارفين ج6 ص200.
[46] معجم المؤلفين ج8 ص210، وكشف الظنون ج1 ص 155.
[47] الأعلام ج4 ص 42، وبغية الوعاة ص 9 30، والضوء اللامع ج4 ص 283، وكشف الظنون ج1 ص155، وهدية العارفين ج5 ص 597.
[48] الأعلام، ج5 ص 335، والضوء اللامع ج7 ص 13.
[49] الأعلام ج7 ص 50، والضوء اللامع ج9 ص 173-175، والبغية ص 99، وابن إياس ج2 ص 168، وكشف الظنون ج1 ص 155، والهدية ج6 ص210، ومعجم المؤلفين لكحالة ج11 ص 198.
[50] هدية العارفين ج5 ص 343، ويس على التصريح ج1 ص 2.
[51] التصريح بحاشية الشيخ يس ج1 ص 3-4.
[52] هدية العارفين ج5 ص 474، والأعلام ج3 ص 97،، و"الدنوشري": نسبة إلى "دنوشر": غربي المحلة الكبرى مصر.
[53] هديّة العارفين ج6 ص 512، والأعلام ج8 ص130.
[54] الصبان ج1 ص 3- 5، وهدية العارفين ج6 ص 298،، والروداني": نسبة إلى "رودان ": قاعدة سوس بالمقرب العربي.
[55] كشف الظنون ج1 ص154-155، وهدية العارفين ج5 ص 538.
[56] الأعلام ج1 ص 46، وهدية العارفين ج5 ص25 ومعجم المطبوعات ص 429، وكشف الظنون ج1 ص155، ومعجم المؤلفين ج1 ص460، و"الكركي": نسبة إلى "الكرك": شرقي الأردن.
[57] معجم المؤلفين ج11 ص 167، وهدية العارفين ج6 ص 244، وبروكلمان ج5 ص280(33/425)
[58] هدية العارفين ج5 ص 239، وبروكلمان ج5 ص 281، والقاهرة ثان: 2/98.
[59] الأعلام ج2 ص 228، وهدية العارفين ج5 ص 291.
[60] هدية العارفين ج6 ص 309، وبروكلمان ج5 ص 280، ودي يونج: 18، والقاهرة ثان: 2/ 89، ومعجم المؤلفين ج10 ص 182.
[61] هدية العارفين ج6 ص 512، وبروكلمان ج5 ص 280، ونشر المثاني للقادري ج2 ص 119 والرباط: 252 ررقم 4، وجامع القرويين بفاس: 1231، ومعجم المؤلفين ج13 ص 178.
[62] معجم المطبوعات ص 228، وبروكلمان ج5 ص 281، والأعلام ج6 ص 178، والرباط 255.
[63] الأعلام ج4 ص 263، وشجرة النور الزكية ص 1588، وسلوة الكتانيج2 ص 265 وبروكلمان ج5 ص 280- 281، والرباط: 251.
[64] معجم المطبوعات لسركيس ص 70، وبروكلمان ج5 ص 280.
[65] معجم المؤلفين ج10 ص 17، والأعلام ج1 ص 258.
[66] الأعلام ج4 ص 148.
[67] الأعلام ج7 ص 92.
[68] بغية الوعاة ص 78، وشذرات الذهب ج6 ص 198، والدرر الكامنة ج4 ص 81، وكشف الظنون ج1 ص153، وهدية العارفين ج6 ص 162.
[69] كشف الظنون ج1 ص 153، ومعجم المؤلفين ج1 ص88، ومعجم المصنفين للتونكي ج4 ص406، وشذرات الذهب لابن العماد ج6 ص 208، والدرر الكامنة ج1 ص 58، والدارس للتميمي ج2 ص 89-90، وهدية العارفين ج5 ص 16، ووفاته فيها سنة 765هـ.(33/426)
العدد 75-76
فهرس المحتويات
1- الأحلاف والتكتلات الدولية المعاصرة وأثرها على العالم الإسلامي: للدكتور جميل عبد الله محمد المصري
2- كتاب تصحيح العمدة للإمام الزركشي: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله المنهاجي الزركشي (745- 794 هـ) دراسة وتحقيق الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
3- محاولات التحالف بين المغول والصليبيين ضد المسلمين في القرنين السابع والثامن الهجريين وآثارها: الدكتور شفيق جاسر أحمد محمود
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م(33/427)
الأحلاف والتكتلات الدولية المعاصرة وأثرها على العالم الإسلامي
للدكتور: جميل عبد الله محمد المصري
أستاذ مشارك بالجامعة الإسلامية
كلية الدعوة وأصول الدين
الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، وأرسل رسله بالبينّات والهدى، ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ويهدوهم إلى صراطه المستقيم، وصلَّى الله على سيدنا محمد، أفضل رسل الله، وأشرف دعاته، أرسله الله بالهدى، ودين الحق، ليظهره على الدّين كله، ورضي الله عن من والاه إلى يوم الدين.
وبعد: فإنّ أبرز أهداف الجامعة الإسلامية أن تخّرج دعاة إلى الله، والدعاة يقومون بدور قيادي في المجتمع، فهم مصدر قوة الأمة، وبدونهم لا تتّم نهضتها، ويتوقع أفراد المجتمع دائما أن يجدوا عند الدّعاة ثقافة واسعة، ومعارف متنوّعة على المستوى المحلي والعالمي.
ويحيا الناس اليوم في عالم مقسم بين مراكز النفوذ الدولي، وهذا يؤثر على العالم الإسلامي، وعلى الدعوة الإسلامية سلباً، وإيجاباً. فلا بدّ من معرفة كيف يدور الصرّاع، وكيف يقسّم النفوذ بين الدول وبمعنى آخر كيف تمارس الدول الكبيرة لعبة التكتلات والأحلاف في هذا العصر لجلب المنافع والمصالح لها.
وكان طلابي في الجامعة الإسلامية كثيراً ما وجّهوا إلي أسئلة حول التكتلات والأحلاف الدولية أثناء قيامي بإلقاء محاضرات مادة حاضر العلم الإسلامي على مدى سبع سنين، ولمست جهلا عند الكثير منهم بشأن هذه الأحلاف والتكتلات والتجمعات الدولية، الأمر الذي دفعني لكتابة هذا البحث، بشكل ثقافي دعويّ، يخدم الداعية المسلم، والدارس المسلم، والطالب المسلم، راجياً الله سبحانه وتعالى أن أكون قد أسهمت فيما ينفع أبناءنا، وفي تنوير أذهانهم، وتبصيرهم فيما يدور حولهم، دارسين ودعاة، ومربين، وعلماء. والله من وراء القصد، إنه نعم المولى، ونعم النصير.(33/428)
الظروف التي تشكلت فيها الأحلاف والتكتلات الدولية المعاصرة:
إن المفهوم الشائع للتكتلات والأحلاف الدولية المعاصرة هو المفهوم الأوربي، حيث كانت الدول الأوربية تتحالف وتتكتل في مواجهة ضغط المدّ الإسلامي، ثم في مهاجمة المسلمين، والوقوف في وجه الدولة العثمانية بصورة خاصّة عندما طرقت أبواب أوربا وتوّغلت فيها، ثم تحوّلت وجهة الأحلاف والتكتلات إلى التنافس لاقتسام العالم الإسلامي، بعد أن بان ضعف المسلمين وعجزهم، وقد قادت الأحلاف والتكتلات الأوربية إلى التنافس الاستعماري وإلى السباق في التسلح، ثم إلى حروب مريرة مدمرة، وهكذا واصلت أوربا التفكير في مفهوم الأحلاف والتكتلات إلى أن وصلت إلى المفهوم المعاصر، وشاع عالمياً في ظل سيطرة وجهة النظر الأوربية على العالم، وإلاّ فالأحلاف والتكتلات قديمة، قدم التاريخ نفسه، ونجد من الضروري إيضاح هذا المفهوم المعاصر:
إن كلاًّ من التكتل والحلف هو تجمع، يضمّ دولتين أو أكثر ويفترض مصلحة متماثلة وخطاً استراتيجيا معينا. وقد يكون التكتل بداية للتحالف، لكن الفرق بينهما أن الحلف عادة هو تجمع ذو أغراض عسكرية سياسية بالدرجة الأولى، وأما التكتل كقاعدة يستهدف التعاون في الشئون السياسية أو الاقتصادية بالدرجة الأولى.
فكل حلف هو تكتل، وكل تكتّل هو تجمُّع، ولكن العكس ليس صحيحاً. والتحالف لابدّ أن يستند إلى معاهدة دولية بالمعنى الدقيق للتعبير، ولابدّ أن يكون له هيئات تسهر على حسن تنفيذ بنود هذه المعاهدة، بعكس التكتل الذي لا يشرط فيه بالضرورة مثل ذلك [1] .(33/429)
فالحلف في القانون الدولي والعلاقات الدولية إذاًَ هو علاقة تعاقدية بين دولتن أو أكثر، يتعهد بموجبها الفرقاء المعنيون بالمساعدة المتبادلة في حالة الحرب [2] . وقد يكون التحالف متوازناًَ بمعنى أن يكون توازن المنافع ضمن التحالف متبادلاً تماماً - أي أن الخدمات التي يقدمها الأطراف لبعضهم فيه متعادلة مع المنافع المتوخاة- وهذا لا يكون إلاّ بين دول متساوية في القوة، وتعمل لمصالح متطابقة. أما الشكل المعاكس لتوازن المنافع فهو الانتفاع الوحيد الطرف- بمعنى أن طرفا واحداً يتلقى المنافع في حين يتحمل الآخرون الأعباء- وهذا لا يختلف كثيراً عن معاهدات الحماية التي ابتكَرتها السياسة الاستعمارية الأوربية في إطار عصبة الأمم، ثم في إطار هيئة الأمم.
والواقع أن معظم الأحلاف العسكرية تُبرم بين دولة كبيرة وبعض الدول الصغيرة، بعد أن يدخل في روعها بأنها مهدّدة بخطر خارجي يُلجئها إلى هذه الدولة الكبيرة. فتتمكن الدولة الكبيرة بالتالي من فرض سيطرتها في وقت السلم والحرب، إذ تتضمّن هذه المعاهدات إنشاء تحالف عسكري ونظام للدفاع المشترك، والاحتفاظ بقواعد عسكرية في أراضي الدولة الصغيرة، مع السماح للدولة الكبيرة بحرية استخدام الموانئ والمطارات والمواقع الاستراتيجية [3] ، وبالطبع فإن هذا لا ينطبق بالضرورة على كلّ الأحلاف القائمة، ولكنه هو الأعمّ الأغلب. فقد تتمكن دولة صغيرة من استغلال علاقتها بحليف قوي لدعم مصالحها [4] .(33/430)
والإسلام كلّف المسلمين بتبعات إنسانية تجاه البشرية، فهو دعوة إلى السلام، يحقّق سلام الفرد في نفسه، وسلام البيت، وسلام المجتمع، وسلام العالم في تناسق واطّراد بسبب نظرته الكلية عن الحياة [5] . وقد جعل الله سبحانه وتعالى المسلمين أوصياء على البشرية. قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [6] . فكلّفهم سبحانه بتحقيق السلام عن طريق إفراد الله سبحانه وتعالى بالألوهية والربوبية والحاكمية، وإقامة العدل، وتحقيق المساواة بين الناس، وضمانات الحياة القانونية والمعيشية، ومنع البغي وإزالة الظلم، وتحقيق التوازن الاجتماعي والتكافل والتعاون، وإزالة الفرقة والخصام، والنزاع بين الأفراد وبين الجماعات، وسدّ الذرائع التي تدعو إلى قيام الطبقات وتميّزها وصراعها. كما جعل الله سبحانه وتعالى أمة الإسلام، أمة الوسط، أمة العدل والخيرية في كل شيء بين طرفي التفريط والإفراط، والتقصير والغلو في كل اتجاهات الحياة. قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [7] .(33/431)
ومن هذا نرى أن التكتلات والأحلاف في الإسلام لا تقوم على أساس من المصلحة الاقتصادية أو السياسية ... وإنما تقوم على الأسس التي وضعها الله سبحانه وتعالى، تلك التي ذكرناها، وعلى الوفاء بالعهد (ومنه المعاهدات الدولية) وعدم الغدر، خدمة للبشرية، وتنفيذا لما يأمر به الإسلام لتتحقّق الخيرية، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [8] ، فالمسلمون مطالبون بأن تكون تكتلاتهم وأحلافهم على هذه الأسس التي بيّنها لهم الإسلام، وشرعها الله سبحانه وتعالى لهم، وليس على المصالح الدنيوية الآنية الزائلة.
وقد تميّز الزمن المعاصر بتقارب المسافات بين دول العالم، وشعوبه، وباتصال المجتمعات، وتشابك المصالح، وتعقّدها، وذلك يعود إلى: سهولة المواصلات البرية، والبحرية، والجوية، وتوافر وسائل الإعلام وتقدمها من صحافة، ومذياع، وتلفاز، وخيّالة، وفيديو، واتصالات سلكية ولا سلكية، وأقمار صناعية، وما حصل من تقدم علمي في مجال الفضاء، وسهولة تبادل النقد عن طريق البنوك، والمصارف، والحوالات، والشيكات، كما تميّز بالحرب الباردة بين ما يسمى (بالمعسكر الاشتراكي الذي تتزعمه روسيا) ، وما يسمى (بالمعسكر الديمقراطي الغربي الذي تتزعمه أمريكا) ، وبأساليب الجاسوسية المبتكرة، والتسابق في التسلح، والتنافس في إنتاج الأسلحة الفتاكة المدمرة وتكديسها، والتفنن في إدخال التعديلات عليها وتطويرها، وبالقلق الناتج عن البحث وراء الماديات، والتسابق في اقتناء الكماليات التي تغرق الأسواق، مع بريق الإعلانات والدعايات، وتسهيل الحصول عليها بالتقسيط!! وبخفوت الفكر الديني، والفراغ العقدي.(33/432)
كل ذلك وغيره قاد العالم (دولا وشعوبا) إلى البحث عن التكتلات السياسية والعسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية وإلى التنسيق بين مجموعات الدول التي تلتقي في مصالحها، لتحافظ على نفسها، ونمّي مرافقها، أو لتحافظ على هيمنتها على غيرها، فظهرت بذلك تكتلات وأحلاف مختلفة توصف بالعالمية، والإقليمية، والوطنية، والقومية، والقارية، أسهم في صنع معظمها، وخطط لها القوى المتنفذة في العالم، ملبيّة الرغبة الملحة لدى بعض الدول، ومن أجل المحافظة على نفوذها وهيمنتها على تلك الدول وحتى لا ينفلت حبل النفوذ من يدها، ولما كانت تلك الدول المتنفّذة ذات حضارة غربية اعتمدت معظم التكتلات والأحلاف المصلحة أساسا دون العقيدة، وتوزعت البلاد الإسلامية على هذه الأحلاف والتكتلات، وتشتت بينها، الأمر الذي أضعف جهودها، وربطها بعهود ومواثيق مختلفة، تتناقض في أكثرها مع عقيدتها الإسلامية وشريعتها، حيث ضعف صوت الإسلام، وخفت دوره في مواثيق هذه التكتلات، فسارت الأمور لصالح الدول المتنفّذة، صاحبة القوة والسلطان، وصاحبة التخطيط لمعظم هذه الأحلاف "اللعبة" [9] وأصبح ما يسمى بالعالم الثالث [والذي يعدّ الإسلام مرشحاً لزعامته] نهباً مقسّماً، موزعا على تلك الأحلاف والتكتلات الدولية.
وفيما يلي نبذة عن أهم هذه التكتلات والأحلاف الدولية، ومن خلال عرضها يظهر جلياًّ أثرها على العالم الإسلامي ومسيرته.
أولاً: هيئة الأمم المتحدة: (U. N)(33/433)
مع بداية القرن الرابع عشر الهجري، ظهر ضعف الدولة العثمانية، والعالم الإسلامي للعيان، وفقدت وزنها أمام الدول الأوروبية القومية المتغطرسة، وخاصة روسيا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والنمسا، وإيطاليا. فاتجهت تلك الدول لاقتسام أملاك الدولة العثمانية فيما أسموه: حل المسألة الشرقية [10] ، وقد ازداد الإنتاج الصناعي في تلك الدول، وسيطرت عليها الرأسمالية، واشتدت حركة القوميات [11] ، ورغبة السيطرة، وشهوة التسلّط، فأخذت تتسابق على المستعمرات للحصول على المواد الأوّلية الرخيصة الثمن، السوق الأعظم لاستهلاك المواد المصنّعة، فأدى ذلك إلى اشتداد المنافسة بينهما، فتكونت نتيجة ذلك الأحلاف، إذ تقاربت بريطانيا وفرنسا وروسيا رغم ما بينها من عداء. فانقسمت أوربا إلى كتلتين متنافستين، واشتد سباق التسلّح، ومع وجود الأزمات - وخاصة أزمة البلقان - اندلعت شرارة الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م) التي انتهت بانتصار الحلفاء وهم: بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا (التي انضمت للحلفاء أثناء الحرب) والولايات المتحدة (التي عادت لعزلتها بعد انتهاء الحرب) .
وقامت الدول المنتصرة بإنشاء عصبة الأمم، وقد هيمنت عليها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، واتخذتها ستاراً لاقتسام العالم. واعتبرتها هيئة دائمة، تشدّ أزرها الحكومات القومية.
وتألفت عصبة الأمم من جمعية عمومية مؤلفة من مندوبين يمثلون الدول الأعضاء في العصبة، تنعقد مرة كلّ عام لمدة شهرين في جنيف مقرها الدائم، ومن مجلس كان يتكون أولا من تسعة مندوبين، خمسة منهم ينوبون عن الدول الكبرى التي لها كراسي دائمة في مجلس العصبة وينعقد هذا المجلس أكثر من مرة في العام. وتعدّ سكرتارية العصبة (وهي هيئة دولية من الموظفين المدنيين) أعمال الجمعية والمجلس [12] كما أنها تشرف على تنفيذ أعمالها [13] .(33/434)
وقد بلغ أكبر عدد لأعضاء العصبة (ستين دولة) ، وانضمت لها روسيا عام 1934م، في حين انسحبت منها اليابان عام 1933م، ورفضت الولايات المتحدة الانضمام إليها مؤثرة العزلة عن مشكلات أوربا، وكان للصهيونية نشاط كبير في تكوينها من أجل تحقيق أهدافها تحت ستار الشرعية الدولية.
وميثاق العصبة حمل بذور فشلها، فقد كانت رابطة دول ذات سيادة، ولم تكن اتحاد دول، وكانت القرارات يلزمها الإجماع، وهذا أضعف مواقفها ولم تكن تملك القوة الضرورية لغرض احترام مقرراتها،، وانصبّ نشاطها على المحافظة على "الحالة الراهنة"، وبذلك عملت لصالح بعض الدول وخاصة بريطانيا وفرنسا [14] ولم تتفق على شيء كاتفاقها ضد مصالح المسلمين: فقد أقرّت مبدأ الانتداب والوصاية، كما اعترفت بوعد بلفور، وأصدرت صك الانتداب على فلسطين يتضمّن تكليف بريطانيا بتنفيذ وعد بلفور بمشاركة الوكالة اليهودية.
وعن وضعها العام عبّر المؤرخ الأمريكي (كاتانو سلفيميني (GAETANO SALVEMINI الأستاذ في جامعة " هارفرد"عن رأيه فيها وقال: "إن تاريخ عصبة الأمم بين الحربين الأولى والثانية هو تاريخ الغدر، والحيل، والخيانة" [15] فمن الطّبيعي أن تفشل العصبة في محاولاتها منع استخدام القوة في فضّ المنازعات الدولية، وفي الحدّ من التسلُح بين الدول، فعادت حدّة سباق التسلّح، وعادت التكتلات والأحلاف، وانقسمت أوربا ثانية إلى:
أ) الحلفاء من الإنجليز والفرنسيين.
ب) دول المحور: ألمانيا، وإيطاليا. وانضمت إليهما اليابان. وتمثلت فيها الدكتاتوريات.
فعاد التنافس بشكل أشدّ عمّا كان عليه قبل الحرب العالمية الأولى، وأدّى إلى نشوب الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) .(33/435)
وفي أثناء هذه الحرب الثانية ظهرت فكرة تطوير عصبة الأمم على اسم جديد هو: هيئة الأمم [16] حيث ظهرت أفكار إنشائها عام 1941م بميثاق الأطلسي بين روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وتشرشل رئيس وزراء بريطانيا.
وتلا ذلك مشاورات كثيرة أثناء الحرب بين دول الحلفاء وبشكل خاص: الولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وعقدت مؤتمرات بشأن إنشاء هيئة الأمم أهمّها:
أ- اجتماع البيت الأبيض عام 1942م الذي أسفر على تصريح الأمم المتحدة من قبل ممثلي (26) دولة. ذكر فيه ميثاق الأطلسي مع إضافة الحرية الدينية [17] .
ب- مؤتمر موسكو عام 1643م الذي ضم: الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي، وبريطانيا، ومثل هذه الدول: روزفلت، وستالين، وتشرشل. وقد اعترفوا بضرورة وضع تنظيم دولي في أول ساعة ممكنة يقوم على: مبدأ المساواة في حقوق السيادة بين جميع الدول المحبة للسلام، وتعهدوا بفتح باب العضوية لجميع هذه الأمم صغيرها وكبيرها، كي تعمل على كفالة السلام، والأمن الدوليين [18] .
ج- مؤتمر طهران عام 1944م وضم روزفلت، وستالين، وتشرشل [19] وأكدوا فيه ما سبق.
د- مؤتمر "دمبرتن أوكس": حيث اجتمع ممثلو بريطانيا، وروسيا، والولايات المتحدة، والصين في فندق "دمبرتن أوكس"بواشنطن عام 1944م، وعملوا على وضع مشروعات تمهيدية لمنظمة دولية. ووضعوا خطوطها العريضة [20] .
هـ- مؤتمر يالطا عام 1945م بين روزفلت وتشرشل، وقد بحث فيه أمر المنظمة [21] .(33/436)
و مؤتمر سان فرانسيسكو في مارس عام 1945م، وقام بالدعوة إلى هذا المؤتمر كلّ من: روسيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، والصين. وقد اشتركت فيه فرنسا دون أن تكون داعية إليه باعتبار أنها لم تساهم في مؤتمر "دمبرتن أوكس"ولا في يالطا. وحضره مندوبون عن إحدى وخمسين دولة. حيث تم في 26 يونيو من العام نفسه الموافقة على ميثاق الأمم المتحدة في اليوم نفسه. واتخذت مقرها الدائم في نيويورك (امبراير ستايت) .
وقد تضمنت شرعة الأمم (19) فصلا في (111) مادة، عرّفت أولاً مبادئ المنظمة وأهدافها، (الديباجة والفصل الأول) ، ثم وصفت مختلف الهيئات، وكيفية سير أعمالها. وقد حدّدت أهدافها في:
1- حفظ السلام والأمن في العالم، وذلك بمقاومة الأخطار التي تهدد السلام العالمي، ومنع الحروب واستعمال القوة في حل المشكلات.
2- تنظيم وتوثيق التعاون الدولي، ومدّ يد المساعدة للدّول المختلفة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والفنية.
3- حل المشكلات الدولية والخلافات الإقليمية بالطرق السلمية عن طريق المفاوضة والتوفيق، أو الوساطة، أو التحكيم.
وتكوّنت الهيئة من الأجهزة الرئيسية التالية:
1- الجمعية العمومية:
وتكونت من جميع الدول الأعضاء: التي بلغ عددها عام 1987م (151دولة) . ويمثل كل عضو فيها مندوبون لا يزيد عددهم على خمسة لهم جميعاً صوت واحد. وتقوم الجمعية: بتوثيق العلاقات والتعاون الدولي، وبحث المشكلات التي تؤثر في السلم، والأمن العالمي. وتسوية الخلافات بين الدول، والمحافظة على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وزيادة التضامن الدولي في ميادين الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والتربية، والصحة. وإقرار ميزانية الأمم المتحدة، وانتخاب أعضاء وموظفي الأجهزة الأخرى التابعة لهيئة الأمم.(33/437)
وتصدر الجمعية قراراتها في المسائل الهامة بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين. وتكتفي في المسائل العادية بالأغلبية العادية.
ومما يجدر ذكره أن سلطات الجمعية استشارية محضة، فهي تدرس وتناقش، وتوصي، وتفحص التقارير، ولا تقرر أبداً [22] فيما عدا الموافقة على عضوية دولة من الدول.
2- مجلس الأمن:
ويتكون من خمسة أعضاء دائمين هم ممثلو: الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، والصين (الوطنية سابقا، والشعبية حالياً) . ومن ستة أعضاء غير دائمين يكون انتخابهم لمدة سنتين. وقد زيد عدد الأعضاء غير الدائمين إلى خمسة عشر عضواً.
وتصدر القرارات في المسائل الهامة بالأغلبية العددية على أن يكون منها الأعضاء الدائمين الخمسة. كما يحق للأعضاء الدائمين استعمال حق الفيتو (النقض) لأي قرار يعرض على المجلس. وهذا أدّى إلى تسلّط الدول الكبرى على هذا المجلس. وضياع أي حق ما لم يوافق هواهم جميعاً.
ويقوم مجلس الأمن: بالمحافظة على الأمن والسلام في العالم بالتعاون مع الجمعية العامة (طبعاً بمفهوم الدول المهيمنة) ، واتّخاذ قرارات بتوقيع عقوبات اقتصادية، أو إجراءات لمنع وقوع العدوان، أو لوقفه، واتّخاذ إجراء حربي ضد المعتدي في ظروف خاصة. وقد وافقت جميع الدول الأعضاء على أن تضع تخت تصرف المجلس أية قوات مسلحة، وتقدم كل تسهيلات عسكرية يطُلب منها أو يتفق عليها [23] .
3- الأمانة العامة: (السكرتاريا) :
وتتألف من أمين عام تعينه الجمعية العمومية للهيئة، ومن عدد من الموظفين.
ويمثل الأمن العام حلقة الوصل بين الجمعية العمومية ومجلس الأمن، وبين الدول الأعضاء ذات المصلحة، وبين مجلس الأمن والجمعية العمومية. كما تنظم الأمانة أمور اللجان الأخرى.
4- المجلس الاقتصادي والاجتماعي:(33/438)
ويتألّف من ثمانية عشر عضواً، تنتخبهم الجمعية العمومية، ومهمته تقديم خدمات اقتصادية، واجتماعية، وصحية، وثقافية للدول الأعضاء، عن طريق وكالات متخصّصة في هذه الميادين، يتعاون بعضها مع الآخر عن طريق المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الذي يقوم بدور جهاز التنسيق. ومن أهم هذه الوكالات:
منظمة الأغذية والزراعة: F. A. O، ومنظمة اليونسكو للثقافة والتعليم U. N. E. S. C. O ومقرها باريس. ومنظمة العمل الدولية L. L. O، ومنظمة الصحة العالمية W. H. O والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة اللاجئين الدولية.U. N. R. W. A
5- محكمة العدل الدولية:
وتتألف من قضاة من كبار رجال القانون من مختلف الدول. ومركزها مدينة لاهاي في هولندة. ويعود تأسيسها إلى عام 1921م للنظر في الخلافات بين الدول، والمطالب التي تتقدّم بها على ضوء المعاهدات والاتفاقيات الدولية القائمة [24] .
6- مجلس الوصاية:
وحل محل لجنة الانتدابات الدائمة القديمة. ويشرف على شئون المستعمرات السابقة لدول المحور (ألمانيا، وإيطاليا، واليابان) . ويتألف من أعضاء الدول التي تتولى إدارة تلك البلدان.
وقد انضمت الدول الإسلامية المستقلة إلى منظمة هيئة الأمم منذ تأسيسها وتوقيع ميثاقها، فضمت المملكة العربية السعودية، وتركيا. وقبلت فيها أفغانستان عام 1946م ثم انضمت إليها اليمن والأردن وألبانيا عام 1947م، وإندونيسيا عام 1948م. كما ضمّت هذه المنظمة الكيان الصهيوني في فلسطين باسم "دولة إسرائيل"التي اعترفت بها أمريكا والاتحاد السوفيتي من أول إعلانها عام 1948م [25] . كما انضمت إليها الدول العربية والإسلامية تباعاًَ بعد استقلالها.(33/439)
وقد عرضت القضية الفلسطينية على الهيئة مراراً ولا تزال، كما عرضت عليها القضايا الإسلامية المختلفة، والمتتبع للأحداث يجد أن هذه القضايا لا تحل في اجتماعات هيئة الأمم وقاعاتها ومناقشاتها. فهي لا تعدو أن تكون منبراً دولياً تعرض عليه مشكلات الأمم، ومجلس الأمن مجمّد بنظام الفيتو فهو غير قادر على اتخاذ قرارات في الحالات الخطيرة، والجمعية العامة لا تستطيع أن تصدر إلاّ توصيات، كما أنه من الممكن أن يطرح كل بلد مهما كان صغيراً توصيات الجمعية، وأعمال اليهود في فلسطين، وأعمال الحكومة العنصرية في جنوب أفريقيا ماثلة للعيان [26] .
ثانياً. مجموعة الدول الـ 77:
ظهرت هذه المجموعة في إطار هيئة الأمم، فقد دعت الأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر للتجارة والتنمية من أجل بحث إمكانية توسيع التبادل التجاري بين الدول النامية والدول المتقدمة صناعياً. والتعاون من أجل بناء مجتمع دولي متعاون. وفي نطاق هذا المؤتمر الذي أصبح يعقد بصورة دورية تجمعت سبع وسبعون دولة من الدول النامية في قارات: آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وعقدت أول مؤتمراتها عام 1964م في نيودلهي عاصمة الهند، وعقدت مؤتمرها الثاني في مدينته الجزائر عام 1967م، وانضم عدد من الدول النامية الأخرى إلى هذه المجموعة حتى بلغ مجموع أعضائها عام 1974م خمسا وتسعين دولة. وأما أثرها فضئيل. ومعظم دول العالم الإسلامي أعضاء في هذه المجموعة.
ثالثاً: دول حلف الأطلسي: n. a. t. o
وهذا الاسم نسبة إلى شمال المحيط الأطلسي.(33/440)
تعرّض الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية عام 1941م إلى هجوم ألماني صاعق، فدفع ذلك روسيا إلى الانخراط في المعسكر الديمقراطي الغربي ضد ألمانيا النازية، وهذا أدّى إلى إعادة النظر في الوضع السياسي بين لندن وواشنطن. فقابل الرئيس الأمريكي (روزفلت) رئيس وزراء بريطانيا "تشرتشل"في 14 آب (أغسطس) عام 1941م على ظهر الدارعة الإنجليزية (أمير ويلز) الراسية في جون الأرض الجديدة ووضعا صكاً يُعتبر أول مَعْلم وُضع لتشكيل تضامن شعوب الأطلسي. إذ اتفقت الدولتان على [27] :
ألاّ تُحدثا أي تغيير أرضي مضاد لأماني الشعوب، ويحقّ لكل شعب اختيار شكل الحكم بحرية، ولجميع الشعوب الحق في الوصول إلى المواد الأولية، وترجوان التعاون الاقتصادي بين جميع الدول. وأنّه بعد تقويض النازية يجب أن يشمل السلام الأمن الدولي وحرية البحار، وأعلنا عن تخفيض عَام للتسلح!
وأسفرت الحرب العالمية الثانية (1939-1945) عن ظهور قوتين غربيّتين: روسيا، وأمريكا. تحاول كل منهما فرض أيدلوجيتها على العالم، والحلول محلّ أوربا الغربية في السيطرة على العالم، والهيمنة عليه. وتسابقتا في التسلح، وتزعمتا العالم في الأبحاث الخاصة بالذّرة [28] واستعرت بينهما الحرب الباردة.(33/441)
وقد ظهرت روسيا السوفيتية بمظهر الزعيم المدافع عن النظام الاشتراكي (الأيدلوجية الشيوعية) ، وظهرت أمريكا بمظهر الزعيم الممثل للنظام الديمقراطي الغربي (الأيدلوجية الرأسمالية الليبرالية) . واشتدت الحرب الباردة بين الطرفين، وتمت القطيعة بين النظامين عام 1947م لتسير كل منهما في تكوين حلف تتزعمه لاقتسام العالم تحت اسم: المعسكر الشرقي، والمعسكر الغربي. وأحست الدول الأوروبية بالخوف فبحثت عن أحلاف وتكتلات فكان ميثاق بروكسل (عاصمة بلجيكا) عام 1948 م الذي ضمّ دول البينولوكس الثلاثة وهي: هولندة، وبلجيكا، ولكمسبورج، باقتراح من بريطانيا وفرنسا. وقد وافقت الحكومات الثلاث على معاهدة لمدة خمسين سنة، نصّت على معونة عسكرية آلية في حالة عدوان ضد أحد موقعيها في أوربا، وعلى تبادل المشورة في حالة عدوان في قارة أخرى غير أوربا، أو في حالة تهديد ألمانيا لأيّ منها. كما أكدت على منع وقوع الأقطار الأوروبية تحت النفوذ السوفييتي، ونصت على إنشاء مجلس استشاري ينعقد بناء على طلب أحد الأعضاء. وتضمّنت تقوية الروابط الثقافية والتبادل التجاري بين هذه الأقطار [29] ، كما ظهرت الرغبة عندهم في التعاون مع الولايات المتحدة التي وضعت شرطاً هو: التنظيم المسبق في أوربا لسياسة الدفاع ضد كل عدوان من حيث أتى [30] . فبدأ الكلام عن ميثاق أطلسي مُحتمل، يضّم اتحاد بروكسل والولايات المتحدة وكندا.
وفي الوقت نفسه كانت الدول الاسكندنافية وهي: النرويج، والسويد، تفكّر في تحقيق ميثاق خاص. وفي جنوب أوربا اقترح "تسالداريس"وزير خارجية اليونان على "بيفن"- رئيس وزراء بريطانيا اشتراك إنكلترا وفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، واليونان للدفاع عن البحر المتوسط [31] .(33/442)
فتهيأ الأمر لميثاق الأطلسي بزعامة أمريكا، ونقّح النصّ الكامل للميثاق في 8 آذار (مارس) عام 1948م ووصل إلى باريس، ثم إلى لندن، ونوقش من قبل مجلس الخمسة الاستشاري [32] دون إدخال تعديلات. وفي 15 آذار دعا الخمسة والولايات المتحدة وكندا إلى اشتراك النرويج، والدانمارك، وأيسلندا، والبرتغال في الميثاق [33] وفي نيسان (أبريل) عام 1949م تم توقيع الحلف في واشنطن من قبل اثنتي عشرة دولة وهي: الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، وبلجيكا، ولكسمبورج، والنرويج، والدانمارك، والبرتغال، وكندا، وأيسلندا. ثم انضمت تركيا واليونان عام 1952م إلى هذا الحلف. وكذلك ألمانيا الغربية عام 1955م [34] .
وادّعى منشئو هذا الحلف أن طابعه دفاعي، وأنه موجّه ضد خطر العدوان الشيوعي على أوربا الغربية [35] وأعربت دول الحلف عن الثقة بأهداف هيئة الأمم المتحدة ومبادئها، ونصّت مقدمته على رغبة المتعاقدين في السلام، والتصميم على حماية النظام الديمقراطي- النموذج الغربي- بالقوة.
وتعتبر البنود العسكرية هي الأساسية من بين بنوده. ففي المادة الرابعة ميّزوا بين التهديد والعدوان. ففي حالة التهديد تتشاور الأطراف ويكفي لتعريف التهديد أن يصرّح أحدهم أنه موجود. وأما البند الثامن في المعاهدة فإنه يخضع جميع الاتفاقيات الأخرى الدولية، وبالتالي كل سياسة المشتركين في حلف الناتو في حكام هذه المعاهدة [36] .(33/443)
ودخل الميثاق حيز التنفيذ في 24 آب (أغسطس) عام 1949م وأنشئ مجلس عسكري لتحقيق أغراضه، وقيادة عامة للحلف. كما أنشئت "الوحدة الاستراتيجية الدائمة"لتأمين إدارة العمليات العسكرية وهي تتألف من ممثلين من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا. وتحت أمرها خمس وحدات إقليمية للعمليات: كندا في أمريكا. وشمال الأطلسي، والشمال الأوروبي، والغرب الأوروبي، والجنوب الأوروبي للمتوسط الغربي. وقد عُينّ الجنرال (دوايت ايزنهاور) قائداً أعلى في أوربا عام 1950م. كما خوّلت السلطة التنفيذية إلى مكتب دائم دعوه: "مكتب الثلاثة عقلاء"عام 1951م [37] .
وقد تحوّل الحلف إلى أداة كبّلت بواسطتها الدول الداخلة فيه بقيود التبعية العسكرية للولايات المتحدة. كما حوّلت إلى رؤوس جسور خطيرة لمرابطة القوات الأميركية، وإقامة القواعد النووية، وغيرها من القواعد العسكرية الأميركية بأشكالها المتعدّدة، وإلى مصادر للموارد البشرية، والأسلحة الإضافية المطلوبة للاستراتيجية الأمريكية [38] . فقد تحدث الجنرال الأمريكي (جرونتر) بعد إنشاء الحلف فقال: "يحلو لنا ذلك، أم لا، ولكن رداء قيادة العالم يقع على أكتافنا، ونجاح هذا الحلف وسيتوقف على مقدار ما نستطيع تحقيق هذه القيادة " [39] .(33/444)
وقد قام الاتحاد السوفيتي بحملات عنيفة على هذا الحلف وهاجمه بشدة بالصحافة والإذاعة [40] . وذلك بهدف ضمّ الدول الأخرى إلى جانبه. الأمر الذي يدعونا إلى القول مطمئنين: أن اتفاقاً سرياً حصل بين ما يسمى بالعملاقين لاقتسام العالم، وكبت القوى التي يمكنها الوقوف أمام كل منها وخاصة الإسلام. وقد تحولت أمريكا بموجب هذا الحلف إلى شرطي يفرض هيمنته على العالم، ويتدخل في كل قضاياه صغيرة أو كبيرة. وأمام ذلك انسحبت فرنسا عام 1966م رسمياً من الجهاز العسكري تبعاً لسياسة ديغول في أن يكون لأوربا وجود مستقل عن أمريكا، والاتحاد السوفيتي، فانتقل مركز الحلف من باريس إلى بروكسل. وألغيت "الإدارة التنفيذية للجنة العسكرية"وأوجدت جهازاً جديداً أطلق عليه اسم: "الهيئة العسكرية الدولية" [41] .
ومن حلف الأطلسي انبثق: "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" e. c. d. o. بقصد ربط دول أوربا الغربية بعجلة الاقتصاد الأمريكي. ومنافسة للسوق الأوروبية المشتركة. وضمت إلى جانب دول الحلف بعض الدول المحايدة مثل: النمسا، والسويد، وسويسرا، وفنلندا، ويوغسلافيا.
رابعاً: دول حلف وارسو: warso pact
نسبة إلى وارسو عاصمة بولندة (بولونيا) .(33/445)
كان الاتحاد السوفييتي قد سيطر أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها مباشرة على أوربا الشرقية سيطرة كاملة. حيث شملت عام 1948 م: ألمانيا الشرقية، وبولندة، وتشيكوسلوفاكيا، وهونغاريا، ويوغسلافيا، وألبانيا، وبلغاريا، ورومانيا. وربطت روسيا هذه البلدان بها بمعاهدات ذات طابع سياسي وضعت أولياتها زمن الحرب [42] ، أطلقت عليها اسم: (علاقات الصداقة والمساعدة المتبادلة بين الاتحاد السوفييتي ودول الديمقراطية الشعبية) [43] . واعتمدت على قيام أنظمة شيوعية مخلصة لموسكو، ترتكز على دكتاتورية البرولوتاريا (الطبقة العاملة) [44] ، واعتمدت في الحكم على القهر، والتضييق، وكبت الحريات على مختلف أشكالها وألوانها.
وبعد القطيعة بين روسيا وأمريكا عام 1947 م أشرفت روسيا على عقد معاهدات بين الدول التي تسير في فلكها، بعضها مع بعض [45] . كما عقدت مع الصين الشيوعية معاهدة للصداقة والتحالف والمساعدة المتبادلة عام 1950م [46] ، وأنشأت جمهورية ألمانيا الشرقية عام1949 م [47] . وأخذت تصدر الشعارات الاشتراكية إلى بلاد الإسلام، باسم التقدمية، ومحاربة الرجعية والاستعمار والرأسمالية، فاستهوت كثيراً من الناس، وخفت صوت الإسلام، وضُرب المسلمون ضربات موجعة تحت اسم هذه الشعارات في بلاد الإسلام التي في الاتحاد السوفييتي، وفي يوغسلافيا، وأوربا الشرقية، والصين، ومصر، وإندونيسيا، والهند الصينية. ثم في أقطار إسلامية أخرى.(33/446)
ولما وقع ميثاق حلف الأطلسي حمل الاتحاد السوفييتي مع منظومته الاشتراكية عليه بشدة ونظم مؤتمراً في موسكو عام 1954م يبحث الأمن الأوروبي ودعا إليه البلاد الغربية: بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، فرفضت. وعليه فقد اشتركت منظومة الاتحاد السوفييتي في هذا المؤتمر وحدها. وأعلن التصريح الختامي هذا المؤتمر: "بأن الموقعين في حال تصديق المعاهدات التي تستأنف فيها ألمانيا الحياة العسكرية على استعداد لاتخاذ إجراءات مشتركة تتعلق بتنظيم قواها المسلحة وقيادتها" [48] .
ثم أخذ الاتحاد السوفييتي بفسخ معاهدات تحالفه مع بريطانيا وفرنسا.
وفي عام 1956 م قام بعقد مؤتمر وارسو للكتلة التي دعاها "الشرقية"بزعامته. وأسفر هذا المؤتمر عن توقيع معاهدة حلف وارسو بين ثمانية بلاد من تلك التي تسير في فلكه، وتأتمر بأمره. وهي بالإضافة إلى الاتحاد السوفييتي: بولندة (بولونيا) ، وتشيكوسلوفاكيا، وألمانيا الشرقية، ورومانيا، وبلغاريا، وألبانيا، وهونغاريا.
وبنود الميثاق نسخة عن ميثاق الأطلسي وتنصّ مادته الخامسة على: "تنظيم قيادة عسكرية موحدة، يُعهد بها إلى الماريشال السوفييتي كومنيف" [49] .
وحلف وارسو لم يغيرّ واقع الكتلة العسكرية الشرقية، ولكنه أعطاها معنى مؤثراً، وكرّس انقسام العالم إلى كتلتين، وألقى الرعب في قلب من كان يحاول أن يقف في وجه الكتلتين. وقد هاجمته أمريكا بالدرجة نفسها التي هاجم بها الاتحاد السوفييتي حلف الناتو، وذلك للعمل على جرّ الدول الأخرى إلى السير في مخططاتها، والارتماء في أحضان إحدى الكتلتين.
خامساً: السوق الأوروبية المشتركة:
) المجموعة الاقتصادية الأوروبية (E. E. C.(33/447)
كانت فرنسا قد فقدت دورها الاستعماري، ونفوذها بعد الحرب العالمية الثانية أمام الكتلتين الشرقية، والغربية، فقامت بمشاريع للعمل على تكتل أوربا لإعادة دورها. فتكوّنت بجهودها "مجموعة الأسرة الأوروبية للفولاذ والفحم"عام 1951 م، من دول: فرنسا، وألما نيا الغربية، وإيطاليا، وبلجيكا، ولكسمبورغ، وهولندة [50] . واتخذت لكسمبورغ مركزاً لها.
وانبثقت من هذه الأسرة فكرة "الدمج الأوروبي"حيث تكوّنت "جمعية مختصّة"، تألفت من جمعية أسرة الفولاذ والفحم، ومن تسعة أعضاء. وكلّفت عام 1952م بتحضير- دستور سياسي أوروبي. وتبنت هذه الجمعية مشروع معاهدة يتضمّن نظام الأسرة الأوروبية ذات الطابع "فوق القومي"يكون لها نظام: برلمان من مجلسين نواب وشيوخ، ومجلس تنفيذي مسئول أمام البرلمان، ومجلس وزراء وطنيين، ومحكمة عدل، ومجلس اقتصادي واجتماعي. ولكن المشروع اصطدم بتحفظات كثيرة فتراجعت عنه فرنسا عام 1954م [51] بعد أن رفضها البرلمان الفرنسي [52] وعادت إلى أسلوب التكتل الاقتصادي. فاجتمع مؤتمر الوزراء الستة في مسينا عام 1955م، وأعقب هذا الاجتماع ثمانية اجتماعات أخرى أسفرت في النهاية عن وضع مشروع "السوق الأوروبية المشتركة"في الاجتماع الثامن بروما عام 1957 م. ووقّعت المعاهدة. ووافقت اللجنة على نقطة ركزّت عليها فرنسا وهي: "إدخال ما وراء البحار في السوق المشتركة". وقد تولىّ أمرها سلطة عليا هي: مجلس الوزراء، ويساعده لجنة أوروبية تتألف من خبراء تكلّف بتحضير عمل الوزراء. وأصبحت السوق الأوروبية المشتركة، والأسرة الأوروبية للفولاذ والفحم مؤلفة من (14) ، برلمانياً، تعطي آراءها بأكثرية الثلثين في مراقبة اللجنة الأوروبية وتساعدها: اللجنة الاقتصادية والاجتماعية، واللجنة النقدية، وتوجد محكمة عدل، وبنك أوروبي للتوظيف برأسمال قدره مليار دولار [53] . وأعلنت المجموعة أهدافها في [54] :(33/448)
أ- إزالة التعرفة الجمركية بين الدول الأعضاء تدريجياً وعلى مراحل وضّحتها وبيّنتها، وسارت في تطبيقها.
ب- إقامة تجارة فيما بين دول السوق، وفتح الحدود تدريجياً لحركات العمال، ورؤوس الأموال، عبر الحدود الوطنية.
ج- وتخضع بلاد ما وراء البحار التي تُقبل في هذه المجموعة للتجربة لمدة خمس سنوات.
ووقّعت سبع دول أوروبية على ميثاقها هي: فرنسا، وألمانيا الغربية، وإيطاليا، وهولندة، وبلجيكا، ولوكسمبورغ، والدانمارك. وانضمت لها ايرلندا عام 1963 م، وبريطانيا عام 1967 م.
وكانت بريطانيا قد تزعمت منافسة هذا السوق في بداية الأمر وكَوّنت: "الرابطة الأوروبية للمبادلة الحرّة"بزعامتها عام 59 19 م، ووصفت السوق الأوروبية: "بالحصار القاري". وتكونت الرابطة من: بريطانيا، والدانمارك، والنرويج، والسويد، والبرتغال، والنمسا، وسو يسرة. ولكن الرابطة فشلت لعدم تجانسها، وتبعثرها الجغرافي [55] ، ثم لاتجاه زعيمتها "بريطانيا"للسوق الأوروبية المشتركة.
هذا وقد حقّقت السوق الأوروبية النجاح على أكثر من صعيد، وأصبحت واضحة الأثر في الحياة الأوروبية اليومية، رغم ما كان بين دولها من تاريخ دموي حافل بالحروب، والضغائن، والإثارة منذ ما قبل حروب نابليون إلى الحرب العالمية الأولى ثم الثانية [56] . فقد نجحت هذه الدول في تأمين أرضية مشتركة لتنسيق الأهداف والبرامج، ودمج المصالح، ومنع التعارض والتضارب والتنافس فيما بينها. فأدى ذلك إلى تحقيق نوع من التكامل الاقتصادي الأوروبي، الذي أدّى بدوره إلى نوع من التطور السياسي والعسكري بحيث أصبحت السياسات الدفاعية الخارجية، والداخلية لمختلف دول السوق شبه موحدة [57] .(33/449)
ونرى في الآونة الأخيرة (ويا للأسف) تهافت أكثر من دولة من دول بلاد الإسلام على طلب الانضمام إلى السوق الأوروبية بهدف الإفادة من عضويتها الآنية، دون النظر إلى أبعاد ذلك على التأثيرات على عالم الإسلام، واستغلاله لمصالح تلك الدول الصناعية. التي نجحت في التحكم في أسعار المواد الأولية التي في معظمها في بلاد الإسلام، كما نجحت في، رفع أسعار المواد المصنّعة المصدّرة إلى بلاد الإسلام. فأثر ذلك كثيراً على أوضاع بلاد المسلمين، وعلى نقدها.
سادساً: حول الكومنولث:common wealth
ابتكرت بريطانيا نظام الكومنولث (رابطة الشعوب التي تتكلّم الإنجليزية) لتحافظ على نوع من السلطة على البلاد التي كانت تسيطر عليها، وبدأت تكوينه مع كندا عام 1867م، بعد أن نجحت في صدّ الولايات المتحدة عنها [58] .
وبعد الحرب العالمية الأولى رسمت سياسة أسمتها: "التفضيل الإمبراطوري"لتحقيق لون من ألوان الاكتفاء الذاتي الاقتصادي والسياسي، بالتضامن مع مستعمرات الدومنيون، ومستعمرات التاج. وقد قبل المؤتمر الإمبراطوري عام 1930م تقرير بلفور الذي أعلن فيه أن بريطانيا وممتلكاتها المستقلة متساوية في حقوقها في الحكم الذاتي داخل نطاق الإمبراطورية البريطانية، ولكنها جميعاً ترتبط بالتاج برباط الولاء المشترك، وقد عبّر عن هذه المبادئ دستور وستمنستر عام 1931م الذي نصّ على قيام الكومنولث البريطاني، المكوّن من أقطار مستقلة مرتبطة ببعضها برباط المواطنة إلى رابطة الشعوب البريطانية [59] . وبيّنت هذه السياسة في مؤتمر رؤساء وزارة الإمبراطورية الذي عقد في أوتاوا (كندا) عام 1932م. وكانت الأراضي الخاضعة للتاج البريطاني تنتمي إلى ثلاثة أقسام وزارية كبيرة حتى عام 1944م وهي:(33/450)
أ- وزارة الدومنيون، وتشرف على كندا، واستراليا، وزيلندة الجديدة، واتحاد جنوب أفريقيا، ودولة ايرلندا الحرّة. وكان لجنوب أفريقيا وضع خاص، على أساس النظام الذي وضع عام 1926م، على أساس المساواة، والاستقلال الذاتي، والولاء للتاج البريطاني. ولما تحررت الدول تلك من الرقابة البريطانية بقيت تقيم مع بريطانيا علاقات خاصة فتحولت وزارة الدومنيون إلى: وزارة الشئون الخارجية المكلفة بعلاقات مع الأسرة.
ب- وزارة الشئون الهندية (مع وزارة برمانيا الملحقة بها) وكانت تدير سياسة الهند، ومسئولة أمام برلمان وستمنستر عن حكومة الهند، وتتّخذ القرارات مباشرة دون الرجوع إلى زعماء البلاد، مع أن بريطانيا كانت قد وعدت الهند بنظام الدومنيون منذ عام 1917م.
ج- وزارة المستعمرات: وكانت تشرف على مستعمرات بريطانيا في أفريقيا، وجنوب شرق آسيا، وجزر الهند الغربية، والمحيط الهادي، والبحر الأبيض المتوسط. ولم يعرض على بساط البحث تحويل هذه المستعمرات إلى دومنيون.
فالكومنولث ضم البلاد التي تشرف عليها وزارة الدومنيون، والتي أصبحت عام 1944م ذات سيادة كاملة.(33/451)
وقد مرّ الكومنولث بعصره الذهبي بين عامي 1927-1954م، وأطلق عام 1947م على وزارة الدومنيون اسم: "وزارة العلاقات مع الكومنولث". وهي التي ورثت عام 1966م جميع علاقات المملكة المتحدة مع بلاد إمبراطوريتها القديمة، قبل أن تنصهر عام 1968م مع وزارة الخارجية [60] . فأصبح الكومنولث يدل على رابطة دول حرّة مستقلة ومتساوية ضمت عام 1968م: المملكة المتحدة، وكندا، واستراليا، وزيلندة الجديدة، والهند، وباكستان، وسيلان، وغانا، وماليزيا، ونيجيريا، وسيراليون، وقبرص، ومالطة، وتانزانيا، وجامايكا، وترينداد، وتوغو، وأوغندة، وكينيا، ومالاوي، وزامبيا، وغامبيا، وسنغافورة، وغوايانا، وليسوتو، وبوتشوانا، وبارباد، والمالديف، وناورد، وساموا الغربية، وجزيرة موريشيوش، وسوازيلاند. كما يدل على توابع المملكة المتحدة، وبعض المستعمرات أو المحميات.
هذا وقد أضيف إلى حق الاشتراك في الكومنولث حق الخروج منه، كما فعلت بورما (برمانيا) عام 1948 م، وأيرلندة عام 1949 م. وانضمت الهند وسيلان عام 1949 م، وباكستان عام 1948 م [61] .
ولم يكن للكومنولث سلطة تنفيذية اتحادية، ولا سلطة تشريعية فكانت بريطانيا هي المهيمنة عليه. وشهد ضعفاً شديداً بعد عام 1968م لأسباب نوجزها فيما يلي:
1- التنظيمات الجديدة التي شهدتها أوربا ومواثيقها العسكرية.
2- نفوذ الولايات المتحدة وروسيا ودورهما في محاولات الحلول محال النفوذ البريطاني والفرنسي. والتكتلات الجديدة التي تزعمتها روسيا والولايات المتحدة.
3- ظهور كتل أخرى بمساندة الولايات المتحدة وغيرها مثل: ميثاق دفاع بين: استراليا، وزيلندة الجديدة، والولايات المتحدة، ومنظمة معاهدة جنوب شرق آسيا التي ضمت: إندونيسيا، وتايلاند، والفليبين، وماليزيا، وبروني.
4- سياسة التمييز العنصري في أفريقية الجنوبية، وموقف بريطانيا الحرج في ذلك أمام دول الكومنولث.(33/452)
5- الاعتداء الثلاثي على مصر عملية السويس- عام 1956م، حيث اشتركت بريطانيا مع فرنسا ودولة اليهود في مهاجمة مصر. فسبّب ذلك تصادمات عنيفة بين بريطانيا وأعضاء دول الكومنولث.
6- وأخيراً اتجاه بريطانيا للقارة الأوروبية [62] ، وتشابك مصالحها وتناقضها مع كثير من مصالح دول الكومنولث. وضعفها الاقتصادي الذي جعلها بحاجة ماسة إلى أمريكا. ففقدت زعامتها وقيادتها، وبالتالي ضعفت أهمية الكومنولث وفقد فعاليته. وخاصة بعد أن أثبتت بريطانيا عجزها عن مسابقة أمريكا والاتحاد السوفييتي في مجال السباق الذري والفضائي [63] .
سابعاً: جامعة الدول العربية
وهي منظمة إقليمية أنشئت عام 1945م من أجل مزيد من التعاون السياسي، والاقتصادي، والثقافي بين الدول العربية المستقلة. وأعضاؤها اليوم اثنتان وعشرون دولة هي: المملكة العربية السعودية، والكويت، والبحرين، وقطر، وعُمان، واليمن الشمالية، واليمن الجنوبية، والإمارات العربية، والأردن، وسوريا، ولبنان، والعراق، ومصر، والسودان، والصومال، وجيبوتي، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا. بالإضافة إلى فلسطين. وكان مقرها القاهرة، وانتقل إلى تونس عام 1979م بعد اعتراف مصر بالكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.
كان عقد المسلمين قد انحلّ، وتبعثر بعد الحرب العالمية الأولى [1914- 1918م] ، وإلغاء الخلافة العثمانية رمز الوحدة الإسلامية، وقسمت بلاد الإسلام ومنها العربية إلى مستعمرات حكمها الإنجليز والفرنسيون والإيطاليون، ولم يبق من يتمتع باستقلاله إلاّ: المملكة العربية السعودية، واليمن الشمالية، وأفغانستان وأخذت الاتجاهات الوطنية والإقليمية تجد لها صدى بين شعوب العالم الإسلامي تحت شعارات: الاستقلال، والحرية، ومكافحة الاستعمار، إلى جانب الاتجاهات الإسلامية التي لا يمكن إغفالها.(33/453)
وبدأ تقارب البلاد العربية على الصعيد الدبلوماسي بمعاهدة الإِخاء والتحالف بين المملكة العربية السعودية والعراق عام 6 193 م، وتنص المادة السابعة منها: "يتعاون الفريقان المتعاقدان الساميان على توحيد الثقافة الإسلامية والعربية، والأساليب العسكرية في بلادها، بتبادل بعثات علمية وعسكرية للاطلاع على الأساليب المتبعة في المملكتين، وتوحيد ما يمكن منها، والاستفادة من المعاهد السلمية والعسكرية والتدريب بها ... " [64] وتركت المعاهدة الباب مفتوحاً أمام الدول العربية الأخرى، فاشتركت فيها اليمن عام 1937م. كما عقدت معاهدة صداقة بين المملكة العربية السعودية ومصر في عام 1936م في القاهرة وأقامت هذه المعاهدة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لأول مرة، كمّا ألفت خطوة نحو تقارب البلاد العربية.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م) برزت مشاريع تدعو لوحدة بعض الأقطار العربية قبل مشروع الجامعة العربية ومنها:
أ- مشروع سوريا الكبرى الذي نادى به الأمير عبد الله بن الحسين أمير شرق الأردن.
ب- مشروع الهلال الخصيب: (وحدة بلاد الشام والعراق) الذي نادى به نوري السعيد رئيس وزراء العراق عام 1942م.(33/454)
وكانت بريطانيا قد واجهت أحلك الظروف في الحرب العالمية الثانية، ووقفت وحدها أمام دول المحور بعد استسلام فرنسا لهتلر، وقبل دخول الولايات المتحدة الحرب إلى جانبها. كما كانت ألمانيا تحاول استشارة العرب ضدها بإطلاق الوعود. فخشيت بريطانيا انفلات الأمر من يدها، كما خشيت أن يتجه العرب إلى الاتجاهات الإسلامية، وهم بحكم وضعهم ولغتهم من الممكن أن يسلّم لهم العالم الإسلامي بالزعامة. هذا بالإضافة إلى أن بريطانيا كانت ترغب في إقامة منطقة نفوذ اقتصادية في الشرق الأوسط كله، فرغبت بالتالي في تمهيد الطريق أمام تقارب العرب فيما يشبه الحلف أو التضامن يسهل عليها التعامل معهم، من مركز واحد، كما كانت ترغب في انتزاع لبنان وسوريا من فرنسا ليخلوا لها الجوّ [65] . علاوة على أنّها بتبنيها أماني العرب في الوحدة تحقّق هدفاً غالياً عند العرب طالما تمنوه وعملوا من أجله، ويزيل ما علق بنفوسهم من حقد على بريطانيا لموقفها من فلسطين وتهويدها، وتبنيها للصهيونية. من أجل ذلك كلّه كان تصريح "إيدن"رئيس وزراء بريطانيا عام 1941م في مجلس العموم البريطاني، وجاء فيه:(33/455)
(لهذه البلاد- بريطانيا [66] تقاليد طويلة من الصداقة مع العرب، وهي صداقة قد أثبتتها الأعمال، وليست الأقوال وحدها، ولنا بين العرب عَدد لا يُحصى ممَّن يرجون لنا الخير، كما أن لهم هنا أصدقاء كثيرون، وقد قلت منذ أيام في مجلس العموم أن حكومة جلالته تعطف كثيراً على أماني سوريا في الاستقلاَل، وأود أن أكرر ذلك الآن، ولكني سأذهب إلى أبعد من ذلك فأقول: إن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمتّ عقب الحرب الماضية. ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من الوحدة أكثر من الدرجة التي يتمتعون بها في الحاضر، وهم إذ يحاولون بلوغ هذه الوحدة، يعتمدون على مساعدتنا. وهذا النداء الصادر عن أصدقائنا يجب ألا يبقى دون جواب ويبدو لي أن من الطبيعي والعادل معاً أن تقوى الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية، وكذا الروابط السياسية. وإن حكومة صاحب الجلالة من جانبها ستبذل مساعدتها التامة لكل خطة يمليها اتفاق عام) [67] .
وقد أعقب هذا التصريح جهود عربية لم تتعدّ نطاق الاستشارة أو المكاشفة والمداولة التي لم تتّخذ أية صفة رسمية عملية [68] .(33/456)
وجدّد "إيدن"تصريحه عام 1943م "بعطف بريطانيا على أماني العرب في الاتحاد على أن تكون المبادرة من العرب أنفسهم". وكانت ظروف التصريح الجديد تختلف عن ظروف سابقه: فدول المحور ابتدأت بالتراجع، والحلفاء يتقلّبون من نصر إلى نصر، والصهيونية تكيد لفلسطين وتكشّر عن أنيابها، والفرنسيون يتشبّثون بسوريا ولبنان والجوّ العربي لا يخلو من سوء التفاهم [69] . فبادر النحاس باشا رئيس الوزراء المصري إلى الاتصال بزعماء العرب عام 1944م، وتمت عدة لقاءات ومشاورات أسفرت عن مشروع وحدوي واسع في بروتوكول الإسكندرية (مؤتمر الإسكندرية) الذي جمع في 7 تشرين الأول عام 1944م الدول العربية: مصر، والمملكة العربية السعودية، وسورية، ولبنان، والأردن، واليمن، والعراق.
ولكن المشروع "شبه الاتحادي"الذي أقره بروتوكول الإسكندرية اصطدام بالتحفظات فأسفر عن ميثاق من نوع المنتدى الدبلوماسي بروابط مرنة، ورخوة، وهو ميثاق جامعة الدول العربية [70] . وقعت عليه الدول العربية في 22 من آذار عام 1945 م. والواقع أن بعض التحفظات كان لا بدّ منها عند بعض الدول، وكمثال على ذلك:
من بين أهداف الجامعة العربية: "السعي لتوحيد الثقافة وتوحيد التشريع بين الدول العربية". ولما كان أكثر البلاد العربية قد تمسك بالعلمانية فإن المملكَة العربية السعودية بيّنت أن ظروفها، ووجود البلاد المقدسة فيها يجعل لها وضعاً خاصاً، فهي ستمتنع عن تنفيذ أي مبدأ في التعليم، أو التشريع يخالف قواعد الدين يمت الإسلامي وأصوله [71] . ولو أخلصت النيات لتبنّت جميع الدول هذه النقطة واتجهوا إلى تحكيم الإسلام الذي هو القاسم المشترك بينهم.
وقد عبّر عبد الخالق حسونة الأمين العام للجامعة لمدة طويلة عن الميثاق بقوله: "يعتبر ميثاق الجامعة هو الحدّ الأدنى لما كان يمكن التوصل إليه آنذاك" [72] .(33/457)
والبتّ في أمورها معقّد، شاقّ طويل الأمد، إذ يتم عرض المشروع ثم يُناقش، ويتخذ القرار، تم يُصدّق عليه من الدول الأعضاء كل على حدة، والقرارات غير ملزمة، للأعضاء ولو كانت بالأغلبية. فالمادة السابعة: "ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزماً لجميع الدول المشتركة في الجامعة، وما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزماً لمن يقبله" [73] .
وأما أهداف الجامعة كما بيّنها الميثاق فهي:
1- توثيق الصلات بين الدول العربية، وتنسيق خططها، تحقيقاً للتعاون بينها، وصيانة لاستقلالها وسيادتها.
2- توثيق التعاون بين البلاد العربية، في الشئون الاقتصادية، والمالية، والثقافية، والاجتماعية، والصحية، والعسكرية.
3- تحقيق التعاون مع الهيئات الدولية التي تعمل لنشر السلام في العالم، خاصة هيئة الأمم المتحدة وفروعها.
وأجهزة الجامعة هي:
1- مجلس الجامعة: ويتألف من ممثلي الدول العربية المشتركة، وينعقد مرتين في العام بشكل عادي، وينعقد بصفة استثنائية إذا دعت الحاجة إلى ذلك. ولكل دولة عضو صوت واحد، وعدد من الممثلين.
2- الأمانة العامة: وتتألف من أمين عام، وأمناء مساعدين، وعدد كبير من الموظفين. ويعين الأمين العام من قبل مجلس الجامعة بأكثرية ثلثي الأعضاء. ومهمته: دعوة مجلس الجامعة حين الحاجة، والإشراف على إعداد مشروع الميزانية، وتحديد نصيب كل دولة من نفقات الجامعة بعد موافقة مجلس الجامعة على ذلك.
3- اللجان الخاصة: ومنها.
اللجنة السياسية، واللجنة الاقتصادية والمالية، واللجنة الاجتماعية، واللجنة الثقافية، واللجنة الصحية، ولجنة التنسيق والجوازات.
هذا وقد قامت الجامعة بأنشطة رغم ضعف ميثاقها مثل:(33/458)
1- لعبت دوراً في معارك التخلص من الاستعمار في المغرب، وتونس، وليبيا، والجزائر، والجنوب العربي، وذلك على مختلف الجبهات والمستويات سواء أكان بالعمل المنظم في الأمم المتحدة. أم بالطرق الدبلوماسية بواسطة الأعضاء، أو بالوسائل المادية، أو عن طريق الدعاية.
2- حصلت على شرعيتها العالمية، فمنها وفد في الأمم المتحدة، وهو عضو في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) حيث أدخلت اللغة العربية لغة عالمية عام 1974م. وهي عضو بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. وعضو بمنظمة الصحة العالمية. ومنظمات أخرى مماثلة.
3 - كلّفتها الأمم المتحدة بالوساطة وفض النزاع في بعض القضايا مثل: الصراع بين العراق والكويت.
4- لها تمثيل دبلوماسي لدى بعض الدول منها الهند، وأسبانيا [74] .
5- قامت بمشاريع توحيد نظم التعليم، وبرامجه، والتقريب بين القوانين، وإجراءات تنفيذها. والتخطيط المشترك في شئون المواصلات وشبكة الطرق وبتوحيد الغرف التجارية والصناعية والزراعية. وبتنسيق سياسة البترول، والمواصلات الجوية والبحرية ووسائل الإِعلام، وبتوجيهات بشأن السوق العربية المشتركة، وإنجازاتها في هذه المجالات ضعيفة.
وأبرز مساهمتها في الأمم المتحدة، وفي الكتلة الآسيوية الأفريقية وفي مجموعة الـ "77". كما قامت بتنظيم عقد مؤتمرات القمة العربية حيث عُقد حتى عام 1988م خمسة عشر مؤتمراً. الأول في القاهرة عام 1964 م، والرابع عشر في عمان عام 1987 م، والأخير في الجزائر (وكان طارئاً) عام 1988م/ 1408هـ. ولا تزال تؤدي دورها رغم أنها تعاني من الإِفلاس.
ثامناً: دول عدم الانحياز: THE NON - ALIGNAENT GROUP(33/459)
وعدم الانحياز يقصد به عدم الانحياز إلى إحدى الكتلتين اللتين تتزعمهما روسيا والولايات المتحدة، والوقوف إلى جانب الحق والعدل. وأطلق عليه اسم: "الحياد الإيجابي"، بمعنى أنه: موقف سياسي تتخذه الدول منها ابتعاداً عن المشاركة في صراع المعسكرين، ورفضاً للاستسلام لأي منهما في الميادين السياسية، والاقتصادية، والعسكرية.
وقد بدأت فكرة عدم الانحياز في كولومبو (عاصمة سيلان) عندما عقد مؤتمر عام 1954م ضم: الهند، وباكستان، وإندونيسيا، وبرمانيا، وسيلان. حيث بحث المؤتمر تقرير موقف مشترك أمام الدول الكبرى الاستعمارية، ودراسة قضية الهند الصينية، ومحاولة إنشاء جبهة آسيوية محايدة.
وأعقب مؤتمر كولمبو توقيع المعاهدة التي أقامت منظمة حلف جنوب شرق آسيا عام 1954م، التي ضمت الدول: تايلاند، وماليزيا، وسنغافورة، وإندونيسيا، سلطنة بروني، والفلبين. وبعد توقيع هذه المعاهدة اجتمع أعضاء مؤتمر كولولمبو الخمس في "بوغور"بالقرب من جاكارتا بإندونيسيا في العام نفسه وقرروا دعوة الدول الأفريقية والآسيوية للاجتماع معهم في باندونغ عام 1955م. ووجهوا الدعوة إلى (24) بلداً، بالإضافة إلى دول مؤتمر كولومبو الخمس وهذه البلاد هي:
أ- البلاد العربية المستقلة: مصر، وليبيا، والعراق، ولبنان، والأردن، وسوريا، والمملكة العربية السعودية، واليمن، والسودان.
ب- البلاد الإسلامية المستقلة الأخرى في آسيا وهي: تركيا، وإيران، وأفغانستان.
ج- من البلاد الأفريقية المستقلة: الحبشة، وساحل الذهب (غانا) ، وليبيريا، واتحاد أفريقيا الوسطى (وهي البلد الوحيد الذي لم يحضر المؤتمر من الدول المدعوة إليه) .
د- من البلاد الآسيوية المستقلة: كامبوتشيا (كمبوديا) ، ولاوس، والفيتنام، وتايلاند، والفلبين، ونيبال، والصين الشعبية، واليابان.(33/460)
وانعقد مؤتمر باندونغ بالفعل عام 1955 م، وسط مظاهر الدعاية والشعارات، حيث ضم ممثلين عن 65% من سكان الأرض. وبرز فيه أسماء كبار قادة ما سمّي بالحياد الإيجابي: نهرو رئيس الهند، وأحمد سوكارنو الرئيس الإندونيسي، وبروز تيتو الرئيس اليوغسلافي، وشوان لاي الزعيم الصيني، وجمال عبد الناصر الرئيس المصري.
وكان جدول أعمال المؤتمر غامضاً للغاية، كما كانت القضية معرفة ما ستكون عليه المناقشات. وبعد جوّ من الخطابة صوّت على ميثاق من عشر نقاط ذات طابع عام جداً، ومرن للغاية [75] هي:
1- احترام حقوق الإنسان.
2- احترام أهداف ومبادئ شرعة الأمم المتحدة.
3- احترام سيادة الدول وسلامتها القومية.
4- مساواة الشعوب والأمم.
5- عدم التدخل في شئون الدول الداخلية.
6- تسوية الخلافات بالطرق السلمية.
7- إعلاء شأن المصالح المشتركة والتعاون.
8- شجب الاستعمار بجميع مظاهره.
9- شجب التمييز العنصري.
10- دعم حقوق الشعب العربي في فلسطين.
وعندما طالبت سيلان وتركيا والعراق شجب الاستعمار الروسي في أوربا الشرقية، قام نهرو بهجوم، وطالب باشتراك البلاد الأفرو - آسيوية بقوة دولية ثالثة تشجع التعايش بين الشرق والغرب. واكتفي أخيراً بالاقتراح الغامض: شجب الاستعمار بجميع مظاهره، وأما الحياد فلم يؤخذ به لأن أحد المبادئ صيغ على الشكل التالي:
"احترام حق كل أمة بالدفاع عن نفسها فردياً وجماعياً، طبقاً لشرعة الأمم المتحدة" [76] .
ومن خلال هذه الدول تأسست عام 1958 "منظمة التضامن الآسيوي الأفريقي" واتخذت القاهرة مقراً لها.(33/461)
وعقدت دول عدم الانحياز عدداً من المؤتمرات بعد مؤتمر باندونغ كان عاشرها بزيمبابوي عام 1986م. وضمت دولاً أخرى فبلغ عدد المنتمين إليها (106) دول، ولكن الدول الغير المنحازة فعلاً لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ولهذا ظلت أهداف هذه المنظمة ومبادئها وشعاراتها نوعاً من أضغاث الأحلام، أو السّراب بحيث أصبح لسان حال أقطابها اليوم:
"نحن نجتمع، إذاً نحن موجودون" [77] . ولم تؤثر على الأحلاف التي أقامتها الولايات المتحدة وروسيا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في آسيا أو في أفريقيا [78] .
تاسعاً: منظمة الوحدة الأفريقية:
أخذت الدول الأفريقية التي استقلت تتنبه إلى أهمية المسائل الاقتصادية، وإلى ضرورة معالجتها، فظهرت محاولات في هذا الميدان [79] . وبدأ التفكير بتكوين منظمة في مؤتمر باندونغ عام 1955م، ثم في اجتماعات القاهرة عام 1957م ت وكونكري عام 1960م. فتكونت مجموعة دول كازابلانكا، (الدار البيضاء) عام 1961م من دول: المغرب، وجبهة التحرير الجزائرية، وغانا، ومالي. ومجموعة دول برازافيل من اثنتي عشرة دولة ناطقة بالفرنسية في أفريقيا، حيث وقعت اتفاقاً في"تناناريف" (عاصمة مالاجاش) عام 1961م، ودعي بميثاق: "اتحاد أفريقية - مالاجاش". وكذلك تم اجتماع مونروفيا حضرته دول أفريقية السوداء، وأعقبه مؤتمر لاجوس (عاصمة نيجيريا) عام 1962م بهدف إقامة تعاون بين الشعوب الأفريقية السوداء [80] .
كل هذه الاتفاقيات والمؤتمرات كانت خطوات نحو انعقاد مؤتمر كبير في أديس أبابا (عاصمة أثيوبيا) عام 1963م بحضور ثلاثين وزير خارجية أفريقي من الدول المستقلة.
حيث أنهى هذا المؤتمر ميثاق كازابلانكا، وميثاق مونروفيا، واقترح إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية.(33/462)
وفي العام نفسه عقدت بأديس أبابا أول قمة أفريقية: وتم إعلان إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية، متعهدة بالتمسك بأهداب ومبادئ الأمم المتحدة، والاتجاهات الدولية السلمية. واتخذت أديس أبابا مركزاً لها.
وتبع ذلك عدة مؤتمرات منها: المؤتمر الثاني في القاهرة عام 1964 م، والثالث في أكرا عام 1965م. وهكذا أخذت أديس أبابا تلعب دوراً في السياسة الأفريقية لصالح أثيوبيا التي ظهرت من خلال هذه المنظمة بطلة الوحدة الأفريقية، مما أثر كثير اً على قضايا المسلمين في قارة أفريقيا، وخاصة في إريتريا وأوجادين والحبشة هذا وقد اهتمت قمة أديس أبابا عام 1980م بالمشكلاَت الاقتصادية الأفريقية، دون أن تتوصل إلى نتائج عملية.
وتتلخص أغراض هذه المنظمة في:
- العمل على تعاون الشعوب الأفريقية في شتى الميادين السياسية، والاقتصادية، والفنية، والاجتماعية.
- والسعي إلى تحرير بقية الأجزاء من الاستعمار، ومجابهة الاستعمار الجديد.
- وتسوية مشكلات القارة الأفريقية كمنازعات الحدود.
- ومكافحة التمييز العنصري في القارة الأفريقية.
وهي أغراض كما تلاحظ عامة وغير محددة. كقرارات مؤتمراتها.
وأما أجهزة المنظمة فهي:
1- الجمعية العمومية: وهي مجلس رؤساء الدول الذي يعقد اجتماعاً سنوياً.
2- مجلس وزراء الخارجية. ويجتمع مرتين في العام.
3- الأمانة العامة: ومقرها أديس أبابا.
4- لجان متنوعة منها: لجنة الوساطة والتحكيم، واللجان المتخصّصة العليا الاقتصادية [81] .
عاشراً منظمة أوبك- الدول المصدرة للنفط: O. P. E. C.
وهي تنظيم رسمي لمجموعة من الدول المنتجة والمصدرة للبترول، بهدف تنسيق، وتوحيد، وتطوير السياسات النفطية لهذه الدول بالصورة التي تكفل المحافظة على مصالحها بالتفاوض مع شركات البترول العالمية.(33/463)
فقد رأت الدول المنتجة للنفط والمصدرة له أن الشركات الغربية التي تستخرج النفط من أراضيها تستغلّها، وتتحكم بأسعاره كما تشاء. فقامت بإنشاء هذه المنظمة للحدّ من استغلال الشركات، وتحديد أسعار النفط لخدمة هذه الدول الاقتصادية والتنموية.
وقد تأسست هذه المنظمة في بغداد عام 1960م من الدول الخمس التالية: الكويت، والعراق، والمملكة العربية السعودية، وإيران، وفنزويلا. وتركت المجال مفتوحاً لانضمام أي دولة منتجه ومصدرة للبترول بشرط أن يوافق على انضمامها ثلاثة أرباع الدول كاملة العضوية من بينها الخمسة المؤسسة للمنظمة. فتوالى انضمام الدول الأعضاء، فأصبح عددها ثلاث عشرة دولة. وهي بالإضافة إلى الخمسة:
الجزائر، والإكوادور، والغابون، وإندونيسيا، وليبيا، ونيجيريا، وقطر، والإمارات العربية.
وأنشأت المنظمة الصندوق الخاص بها. وكان مقرها في جنيف، ثم نقل إلى فينا [82] .
ويمكن تلخيص أهدافها كما أعلنتها في:
1- تنسيق وتوحيد وتطوير السياسات البترولية للدول الأعضاء، وتحديد السبل لحماية مصالحهم منفردين أو مجتمعين.
2- المشاركة الفعالة في وضع السياسات التسعيرية التي تضمن تحقيق استقرار الأسعار في الأسواق العالمية وتجنب التقلّبات الضارة في إيرادات البترول.
3- المشاركة الفعالة في وضع السياسات الإنتاجية التي تضمن مصالح الدولة المنتجة والمستهلكة.
4- تحقيق عائد عادل على الاستثمار في الموارد الناضبة.(33/464)
كما عملت على امتلاك الدولة المنتجة للبترول لأسهم شركات البترول عن طريق مبدأ المشاركة الذي طرحته المملكة العربية السعودية بديلا لمبدأ التأميم. وهذا المبدأ يقوم على مساهمة الدولة المنتجة للبترول بجزء من رأسمال الشركة الحائزة على الامتياز البترولي بحيث تصبح الدولة مالكة لجزء من الشركة البترولية، وتمتد المشاركة لتشمل جميع مراحل الإنتاج البترولي. فأصبحت المملكة العربية السعودية تملك جميع الأسهم عام 1980م عن طريق هذا المبدأ [83] .
هذا وقد نجحت منظمة أوبك، وأفادت الدول المشتركة، وكانت بمثابة القذى في أعين الأوروبيين والروس والأمريكان، فاستُهدفت منذ تأسيسها، واشتد الكيد لها. وكانت أعمالها، وقراراتها، ومشاريعها عرضة للمؤامرات والمناورات والدسائس. واستخدم الغرب والشرق مع أعضائها شتى صنوف المغريات، وأقسى أنواع التهديدات، بقصد فصْم عرى وحدتها [84] . وبذلت المملكة العربية السعودية وبعض الدول المشتركَة الأخرى جهودا جبارة للإبقاء عليها، رغم الظروف المرّة التي مرّت بها هذه المنظمة، والتي اشتدت منذ عام 1975م إلى اليوم، ورغم عمق تناقضات أعضائها.
وقد أنشأت بعض الأقطار العربية منظمة: "أوابك"أي منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول. بهدف تنسيق السياسة البترولية العربية. ووقّع على اتفاقيتها كل من: المملكة العربية السعودية، والكويت، وليبيا عام 1968 م. واتخذت الكويت مقراً لها. ثم ضمت بعد ذلك: الإِمارات العربية، والبحرين، والجزائر، والعراق، وقطر، ومصر، وسورية [85] .(33/465)
ومن هذا العرض السريع للتكتلات الدولية يتضح تبعثر جهد المسلمين، وخفوت صوت الإسلام ومناهجه فيها، ولما كَان الإسلام يفرض وجوده، ويجمع أفراده، فقد تحركت الغيرة في بعض بلدانه ودوله وقادته فقامت بجهود مشكورة في سبيل تجميع المسلمين وطاقاتهم فظهر للوجود: منظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. وسنتكلم عنهما باختصار:
أولاً: مجلس التعاون لدول الخليج العربية: [86]
وجدت دول الخليج العربية أن التحديات التي تواجه هذه المنظمة تتعاظم بتعاظم حاجة العالم الصناعي للنفط، فأدركت أن اندماجها هو العامل الحاسم نحو توجه جديد لصياغة سياسة اقتصادية واجتماعية تبعد المنطقة عن التنافس الدولي، ويكسبها قوة تفاوضية كبيرة، ومقدرة على اتخاذ القرار لصالحها، وتمكينها من حمايته. فقررت إقامة تنظيم باسم (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) . وقّعت على قيامه كل من: المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية، ودولة البحرين، وسلطنة عُمان، ودولة قطر، ودولة الكويت، وأهدافه:
1- تحقيق التنسيق، والتكامل، والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.
2- تعمق وتوثيق الروابط والصَّلات، وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.
3- وضع أنظمة مماثلة في مختلف الميادين: الاقتصادية، والمالية، والتجارية، والجمارك، والمواصلات، وفي الشئون التعليمية والثقافية، والتشريعية والإِدارية.
4- دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين، والزراعة، والثروات المائية، والحيوانية، وإنشاء مراكز بحوث علمية، وإقامة مشاريع مشتركة، وتشجيع تعاون القطاع الخاص.
وأما أجهزة مجلس التعاون فهي:
1- المجلس الأعلى- يتكون من رؤساء الدول الأعضاء وتكون رئاسته دورية حسب الترتيب الهجائي لأسماء الدول المشتركة.(33/466)
2- المجلس الوزاري- ويتكون من وزراء الخارجية للدول الأعضاء، أو من ينوب عنهم من الوزراء، ويعقد اجتماعاته مرة كل ثلاثة أشهر، ويجوز له عقد دورات استثنائية بناء على دعوة أي عضو من الأعضاء وتأييد عضو آخر.
3- اللجان والاجتماعات الوزارية والمتخصصة، للعمل على تنفيذ سياسات المجلس ووضع الإِجراءات التفصيلية لذلك.
4- الأمانة العامة- تتكون من أمين عام يعاونه أمناء مساعدون وما تستدعيه الحاجة من موظفين. وتعتبر الأمانة العامة الأداة الأساسية لتقديم مقترحات الجهات المسئولة للسياسات والخطط والبرامج المؤدية إلى تحقيق أهداف المجلس.
ومن أهم منجزات المجلس "الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون"التي وُقعت في الرياض عام 1402هـ/1981م وذلك لتنمية وتوسيع وتدعيم الروابط الاقتصادية فيما بين دول مجلس التعاون على أسس متينة لما فيه خير شعوبها، ومن أجل العمل على تنسيق وتوحيد سياستها الاقتصادية والمالية والنقدية، وكذلك التشريعات التجارية والصناعية، والنظم الجمركية المطبقة فيها.
وقد شجعت هذه التجربة الناجحة لمجلس التعاون الخليجي أقطار المغرب العربي على التفكير الجدي في إنشاء مجلس تعاون مغربي مشابه، فعقد رؤساء "المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا"اجتماع قمة يوم 10/ 6/ 1988م لهذا الغرض. وكونوا لجاناً فنية تجتمع دورياً لصياغة الترتيبات المؤسسة لهذا المجلس المرتقب.
ثانياً: منظمة المؤتمر الإسلامي [87]
وتعود فكرة إنشائها إلى عام 1350هـ/1931م حيث عقد مؤتمر إسلامي في بيت المقدس ورفع صوته احتجاجاً على اضطهاد المسلمين في الاتحاد السوفييتي، وأصدر نداء للرأي العام ناشده المساعدة. وأخذت الأحداث تشغل أقطار المسلمين بأنفسهم. إلى أن تقرر إنشاء هذه المنظمة في القمة الإسلامية بالرباط عام 1389هـ/ 1969م بوصفها ردّ فعل على الجريمة اليهودية في إحراق المسجد الأقصى.(33/467)
وقد تم إقرار ميثاق المنظمة في المؤتمر الثالث لوزراء خارجية الدول الإسلامية بجدة عام 1392هـ/ 1972م ووقعته ثلاثون دولة مسلمة. وفتح باب العضوية لكل دولة مسلمة ترغب في الانضمام. ويمثَّل النشاط الرئيسي لهذه المنظَّمة على مستوى وزراء خارجية الدول المسلمة، أو ملوكها، ورؤسائها.
وكان الملك فيصل بن عبد العزيز قد تبنّى الدعوة إلى التضامن الإسلامي للوقوف في وجه المخططات الاستعمارية ولم شعث المسلمين، ومجابهة الغزو الفكري بجميع أشكاله، فقام من أجل ذلك بعدة جولات في البلاد الإسلامية كالمغرب وغينية، ومالي، وتونس، والجزائر، والسنغال، وأوغندا، وتشاد، والنيجر، كما أرسلت المملكة عدة بعثات لأفريقية واستقبلت مئات الطلاب في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والجامعات الأخرى. وكانت نتائج ذلك:
1- تنبهت الدول الأفريقية للخطر الصهيوني الذي تسلل إليها منذ عام 1376هـ بعد احتلال اليهود لمضائق تيران وخليج العقبة.
2- أنشئ البنك الإسلامي للتنمية ليسدّ الفراغ في مساعدة الدول الأفريقية النامية، وليقوم بمشاريع التنمية على أسس خالية من المعاملات الربوية.
3- أنشئت الأمانة العامة للدول الإسلامية بجدة، بعد انعقاد عدة دورات لملوك ورؤساء الدول الإسلامية (منظمة الدول الإسلامية) وقد أسفر مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عن تأسيس مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة.
4- مدّ يد العون إلى الشعوب والأقليات المسلمة، تلك التي تعاني الظلم والاضطهاد، أو الفقر والمجاعة. ففي مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عام 1401 هـ أضيف موضوع الأقليات المسلمة إلى جدول أعمال المؤتمر بناء على موافقة مؤتمر وزراء خارجية العالم الإسلامي الثاني عشر الذي عُقد بمدينة الطائف. وهكذا تبنت منظمة الدول الإسلامية القضايا الإسلامية.(33/468)
هذا وبناء على قرار صدر عن المؤتمر الإسلامي العام الأول الذي عقد بمكة المكرّمة عام 1382 هـ/1962م أُنشئت رابطة العالم الإسلامي [88] . وهي منظمة إسلامية عالميه، تمثّل فيها جميع الشعوب المسلمة، ومقرّها مكة المكّرمة، ولها مجلس تأسيسي مؤلف من كبار العلماء، ورجال الفكر في العالم الإسلامي. وقد لقيت التشجيع والمؤازرة والدعم من الحكومة السعودية. وقامت بنشاط في مجال تبليغ الدعوة، والتصدي للتيارات والأفكار الهدّامة، والدفاع عن القضايا الإسلامية.
كما قرّرت منظمة المؤتمر الإِسلامي عام 1982 م تنفيذاً لتوجيهات قادة الدول الإسلامية إنشاء المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) بأجهزتها الخاصة.
والمسلمون مطالبون إلى أن تتجه تكتلاتهم وأحلافهم إلى وجهة إسلامية. تخدم قضاياهم، وتخدم البشرية المتعبة كلها في أرجاء المعمورة.
المراجع
1- أحمد عطية- قاموس السياسي- دار النهضة العربية 1968 م.
2- إسماعيل صبري مقلد - العلاقات السياسية الدولية - مطبوعات جامعة الكويت 1971 م.
3- بيير رونوفن - تاريخ القرن العشرين- تعريب د. نور الدين حاطوم - مطبعة الجامعة السورية دمشق 1378 هـ / 1959 م.
4- تاريخ السياسة الخارجية للاتحاد السوفييتي- مجموعة من المؤلفين - جزءان إصدار موسكو.
5- جميل المصري - حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة - جزءان- ط1/ الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1406هـ /1986م.
6- Joseph dunner dictionary of political scince vision press ltd London 1965
7- حاطوم - د. نور الدين - تاريخ عصرنا: دار الفكر 1970/ 1971م.
8- دروزيل- ج. ب- التاريخ الدبلوماسي- تعريب نور الدين حاطوم مطبعة جامعة دمشق 1381 هـ/1962م.
9- الدّسوقي- د. محمد كمال- الدولة العثمانية والمسألة الشرقية- دار الثقافة/ القاهرة 1976م.(33/469)
10- سيّد فتحي أحمد الخولي- اقتصاديات البترول- جدّة.
11- سيّد قطب- السلام العالمي والإسلام- هـ مكتبة وهبة ط 5/ القاهرة 1386هـ/1966م.
12- طربين- أحمد- الوحدة العربية- دار الهلال ط 2/1963 م.
13- العمري- أحمد سويلم- الإفريقيون والعرب- مكتبة الإِنجلو المصرية/ القاهرة 1967م.
14- فشر- هـ. أ. ل- تاريخ أوربا في العصر الحديث/ تعريب أحمد نجيب هاشم ووديع الضبع ط 4/ دار المعارف بمصر 1964 م.
15- لويس. ل. سنايدر العالم في القرن العشرين- ترجمة سعيد عبود السامرائي- مراجعة وتقديم عطا بكري مكتبة الحياة- بيروت - مغفل السنة.
16- ليختهم- جورج- أوربا الجديدة، حاضرها ومستقبلها- ترجمة محمود محمد حسن، 1966م. المكتبة المركزية بالجامعة رقم 940 ل. ي. أ.
17- محمد عزيز شكري- الأحلاف والتكتلات السياسية العالمية عالم المعرفة (7) الكويت رجب 1398 هـ/ تموز (يوليو) 1978م.
18- مصطفى ماهر- ألمانيا والعالم العربي- (ترجمة) دار صادر- بيروت- 1974 م.
19- موفّق المرجة- موسوعة إسلامية.
20- بعض الصحف والمجلات والنشرات.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] انظر: محمد عزيز شكري الأحلاف والتكتلات الدولية في السياسة العالمية ص 7 - 8.
JOSEPH DUNNER DICTIONAY OF POEITICAL SCIENCE VISSION PRESS LTD, LONDON 1965 P/6
[2]
[3] أحمد عطية - قاموس السياسي ص 27- 28.
[4] إسماعيل صبري مقلد - العلاقات السياسية الدولية- ص 227.
[5] انظر: سيد قطب - السلام العالمي والإسلام ص 167- 168.
[6] سورة المائدة الآية: 48.
[7] سورة البقرة الآية: 143.
[8] سورة آل عمران الآية 110.
[9] انظر: مايلزكوبلاند - لعبة الأمم.(33/470)
[10] انظر: محمد كمال الدسوقي - الدولة العثمانية والمسألة الشرقية.
[11] انظر: سنايدر - العالم في القرن العشرين ص 35 وما بعد.
[12] فشر - تاريخ أوربا في العصر الحديث ص 571.
[13] انظر: التفاصيل عن العصبة - سنايدر - العلم في القرن العشرين ص 63- 68.
[14] تاريخ القرن العشرين ص 367 وما بعد.
[15] سنايدر - العالم في القرن العشرين ص 135.
[16] فشر - ص 732، سنايدر - العالم في القرن العشرين ص 151 وص 163.
[17] دروزيل -التاريخ الدبلوماسي - ص 34/ وسنايدر ص 163.
[18] فشر: ص 732 / سنايدر ص 163.
[19] التاريخ الدبلوماسي ص 45 / سنايدر ص 163.
[20] فشر: ص 732.
[21] التاريخ الدبلوماسي ص 80/ وانظر: سنايدر - العالم في القرن العشرين ص 235.
[22] التاريخ الدبلوماسي ص 113.
[23] فشر: ص 733 وانظر: مادة حق الرفض من ميثاق الأمم المتحدة - وهي المادة 27/ سنايدر ص 239/ عن ميثا الأمم المتحدة ص 16- 17.
[24] سنايدر - العالم في القرن العشرين ص 67.
[25] التاريخ الدبلوماسي ص 117.
[26] نفسه ص 418.
[27] التاريخ الدبلوماسي ص 33.
[28] سنايدر - العالم في القرن العشرين ص 162 وانظر: عن الحرب الباردة ص 164.
[29] النعيمي ص 17، التاريخ الدبلوماسي ص 215.
[30] التاريخ الدبلوماسي ص 216.
[31] التاريخ الدبلوماسي ص 218.
[32] وهي دول: هولندة، وبلجيكا، ولكسمبورج، وبريطانيا، وفرنسا.
[33] جورج ليختهم - أوربا الجديدة ص 22. التاريخ الدبلوماسي ص 218.
[34] موفق المرجه - الموسوعة - ص 66. سنايدر ص 185.
[35] انظر: سنايدر ص 165.
[36] تاريخ السياسة الخارجية للاتحاد السوفييتي ج2 ص 202.
[37] وكانوا عام 1951م: هاريمان عن الولايات المتحدة، وغيستكل عن بريطانيا، وجان موليه عن فرنسا.(33/471)
[38] تاريخ السياسة الخارجية ج2 ص 202.
[39] نفسه ص 204.
[40] نفسه ص 205.
[41] النعيمي ص 26.
[42] التاريخ الدبلوماسي ص235.
[43] تاريخ السياسة الخارجية ص70.
[44] نفسه ص 76.
[45] نفسه ص 72.
[46] تاريخ السياسة الخارجية ص74.
[47] نفسه ص 76.
[48] التاريخ الدبلوماسي ص 339.
[49] نفسه ص 340.
[50] التاريخ الدبلوماسي ص 211.
[51] نفسه ص 362.
[52] جورج ليختهم- أوربا الجديدة ص 44.
[53] التاريخ الدبلوماسي ص 365 وانظر: جورج ليختهم- أوربا، الجديدة ص 46-51.
[54] أوربا الجديدة ص 66.
[55] تاريخ عصرنا ص 214.
[56] موسوعة إسلامية ص 44.
[57] نفسه ص 48. وانظر: جورج ليختهم- أوربا الجديدة ص 59 وص 64.
[58] تاريخ عصرنا ص 94.
[59] سنايدر- العالم في القرن العشرين ص 84.
[60] تاريخ عصرنا ص 95.
[61] نفسه ص 95.
[62] جورج ليختهم - أوربا الجديدة ص24.
[63] نفسه ص 33 وص 18.
[64] الوثائق والمعاهدات في بلاد العرب - إصدار جريدة الأيام الدمشقية.
[65] طريين - الوحدة العربية ص 200.
[66] اتصفت السياسة الإنجليزية بعمق التخطيط والبطء في التنفيذ، والمرونة، فهي سياسة ذكية تعرف كيف تستغل الأحداث لتحقق ما تريده، وتحسن المراقبة، والاستكشاف، ثم تحسن الاستغلال والتوجيه، فهي كما وصفها السياسي الفرنسي المشهور جول فري: "تعرف من أين تؤكل الكتف". وسياستها هذه تركت أخاديد غائرة خطيرة في عالم الإسلام، وقضاياه الصعبة الحل في: فلسطين، وفطاني، وأركان، وماليزيا، والهند، والخليج العربي، والجنوب العربي، وإريتريا، والصومال، والسودان، ونيجيريا. فما من قضية إسلامية إلا تجد بصمات السياسة الإنجليزية عليها بصورة مباشرة أو غير مباشرة.(33/472)
[67] التاريخ الدبلوماسي ص 151/ 152، الوحدة العربية ص 198 عن: THE TIMES 30 MAY 1941
[68] الوحدة العربية ص 226.
[69] نفسه ص 227.
[70] تاريخ عصرنا ص 475.
[71] نصّ الكتاب الذي قدمه الشيخ يوسف ياسين إلى دولة أحمد ماهر باشا رئيس اللجنة التحضيرية بتاريخ 3/ 1/1945م في مرفق رقم 6 من محاضر اللجنة التوعية السياسية ص 17 - 18.
[72] ألمانيا والعالم العربي - ترجمة د. مصطفى ماهر ص 362.
[73] نفسه ص 368.
[74] انظر: ألمانيا والعالم العربي ص 394 - 395.
[75] التاريخ الدبلوماسي ص 409.
[76] التاريخ الدبلوماسي ص 410.
[77] الموسوعة ص 59.
[78] التاريخ الدبلوماسي ص 410.
[79] العمري - الأفريقيون والعرب ص 211.
[80] العمري - الأفريقيون والعرب ص 210.
[81] الموسوعة ص 68 - 69.
[82] الموسوعة ص63.
[83] د. سيد فتحي أحمد الخولي- اقتصاديات البترول.
[84] الموسوعة ص 59 وانظر: جميل المصري /حاضر العالم الإسلامي ج1 ص 34- 35.
[85] الموسوعة ص 63.
[86] انظر: حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة ج 2 ص 640-644 عن مجلس التعاون لدول الخليج العربية- واعي قيام المجلس وطموحاته - الأمانة العامة - المملكة العربية السعودية - الرياض.
[87] انظر: حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة ج2 ص 630- 638.
[88] انظر: تفصيل ذلك: رابطة العالم الإسلامي - عشرون عاماً على طريق الدعوة والجهاد، مكة المكرمة 1401هـ / جميل المصري - حاضر العالم الإسلامي ص 633.(33/473)
كتاب تصحيح العمدة للإمام الزركشي
أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله المنهاجي الزركشي
(745- 794 هـ)
دراسة وتحقيق
الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
أستاذ مساعد بقسم الدراسات العليا
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [1] .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيب} [2] .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [3] يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [4] .
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:(33/474)
فإن كتاب تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي ألفيته كتاباً نافعاً ومفيداً فهو أحد الجهود العظيمة التي بذلها المصنف في خدمة هذا الدين ففيه نكت جيدة تنبئ عن همة عظيمة وعزم لا ينثني لدى علماء الأمة المحمدية بتِوخي الدقة في النقل، وسلامة الرواية وتحرير الألفاظ، حتى تكون السنة المطهرة أقرب ما تكون للفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن تخرج عن المعنى الذي أراد، ولا غرابة في مطاردة العلماء كل شاردة من كنوز السنة واستقبالهم كل واردة منها، فهي المصدر الثاني من مصادر الشريعة الإسلامية لذا وجبت العناية بدقائقها وتوخي الدقة والأمانة في تلقيها ونقلها هذا ما حفز الإمام الزركشي رحمه الله أن يعني بكتاب عمدة الأحكام للإمام الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله، ويأخذ شرطه ميزاناً يطبقه على كل حديث أورده في العمدة وقد استطاع الزركشي رحمه الله أن يستدرك ستة وسبعين موضعاً من مجموع أربعمائة وسبعة أحاديث. وتلك المواضع التي سجل فيها الزركشي اعتراضاً أوافقه فيها سوى ستة مواضع فقد سجلت الرأي مدعماً بما يؤيده ولقد كانت جولة ممتعة مع الحوار الهادف المفيد وكانت محاور الحوار [5] تارة تدفعنا إلى صحيح الإمام البخاري، وأخرى إلى مسلم، وثالثة إلى العمدة وإلى عشرات المصنفات والشروح كل ذلك بحثاً عن الدقة والسلامة في اللفظ والمعنى وسيجد القارئ الكريم ما تسعد به نفسه في الجانب الحديثي، والجانب اللغوي من هذا الكتاب النفيس، وقد رأيت تقسيم العمل في هذا الكتاب إلى تمهيد وثلاثة أقسام وخاتمة.
التمهيد وفيه كلمة موجزة عن الصحيحين وعناية الأمة بهما، ثم عمدة الأحكام.
القسم الأول وفيه فصلان:
الفصل الأول ترجمة الإمام الزركشي في مباحث.
الفصل الثاني ترجمة موجزة للمقدسي.
القسم الثاني وفيه فصلان:
الفصل الأول بيان عملي في الكتاب.
الفصل الثاني تسمية الكتاب ووصف النسخ الخطية.(33/475)
القسم الثالث تحقيق نصوص الكتاب.
ولعلم القارئ الكريم فإني استخدمت الرموز التالية:
أ- النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق.
ب- النسخة الخطية الثانية.
برهان الدين هو ابن خضر تلميذ الحافظ ابن حجر صاحب التعليقات على النسخة الأصل (أ) .
عبد الكريم هو عبد الكريم بن عبد الله الشريف المكي، مالك النسخة الأصل.
قال شيخنا: الحافظ ابن حجر والقائل قال شيخنا برهان الدين بن خضر.
م - مسلم في صحيحه.
صف - صحيح البخاري مع الفتح.
خ - البخاري في صحيحه.
وليعلم القارئ الكريم أن كل ترجمة لم أذكر مصدرها فهي من التقريب مع تصرف أحيانا.
تمهيد
الحمد لله أجل الحمد وأوفاه، وصلاة الله وسلامه على خليله ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره وترسم خطاه.
أما بعد:
فلا أعتقد أن طالب عِلم اليوم مهما قلت بضاعته، ونأت به الديار، لا يعرف عن الصحيحين شيئا، أو على الأقل مَا المراد بالصحيحين؟ ومن ألف كلاً منهما؟ فإن أخطأت في هذا التصور قلت: إن الصحيحين كتابان لشيخ وتلميذه، انفرد كل منهما بمؤلف خاص.
الأول: صحيح البخاري وسماه الإمام البخاري (الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه) [6] .
والثاني: صحيح مسلم وسماه الإمام مسلم (المسند الصحيح) [7] .
هذا هو المراد بالصحيحين وهما كتابان عظيمان، تميزا بصحة النقل، ودقة الرواية، وشدة التحري، ففاقت قيمتهما العلمية كل تصور، وطارت شهرتهما في ذلك العصر، وطبقت الآفاق حتى لا يعذر اليوم طالب علم بجهل هذين الكتابين في عصر الثقافة والعلوم التي سخرت لها وسائل سمعية وبصرية، وسرعة إيصال المعلومات بصور مختلفة وأسباب مذهلة حتى لم تعد المعلومة تأخذ أكثر من بضع دقائق فليست عسيرة المنال، لكنها افتقدت الرجال ولاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه الصوارف الدنيوية.(33/476)
أما هذان الكتابان فيحسن إعطاء نبذة موجزة عن كل كتاب ومؤلفه لتكون صورة مشرقة بين يدي القارئ الكريم.
1- صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل بذل فيه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري أقصى درجات الحيطة والتثبت منها.
أ- الانتقاء فقد روي عنه أنه قال: خرَّجتُ الصحيح من ستمائة ألف حديث [8] . وهذا في حد ذاته مهمة صعبة وشاقة. وقال: لم أخرَّج في هذا الكتاب إلا صحيحاً، وما تركت من الصحيح أكثر [9] .
ب- التروي والتثبت ودعم ذلك بالصلاة والاستخارة قال البخاري: ما كتبت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين [10] . فما أعظمها من حيطة في دين أدته يغتسل بعدد الأحاديث ويصلى ضعف عددها كل ذلك لئلا، يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
جـ- اشتراط أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلا ف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلاً غير مقطوع، وإن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن، وإن لم يكن إلا راو واحد وصح الطريق إليه كفي [11] . ولم يكتف البخاري بمعاصرة الراوي لشيخه بل اشترط اجتماعهما [12] واللقاء بينهما وهذه زيادة في الحرص والتثبت.
والإِمام البخاري بهذه الدقة قدم للأمة الإسلامية ما لم يسبقه مثيل، ولن يلحقه مغير، فكان كتابه بحق أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل [13] لذا أجمع علماء هذه الأمة على قبوله، وصحة ما فيه [14] .(33/477)
أما الإِمام البخاري فباختصار هو أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل، البخاري إمام المحدثين بغير منازع، وسيد الحفاظ والمتقنين لم نسمع بأحفظ منه ولا أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقاصده، وما صنع في كتابه الصحيح خير دليل على ما نقول فله الرواية والدراية، ولد في مدينة بخارى من بلاد خراسان، في سنة أربع وتسعين ومائة من الهجرة، تحدث عنه الأئمة بما يذهل من بداية طلبه هذا الشأن إلى وفاته، وكانت بقرية من قرى سمرقند، سنة ست وخمسين ومائتين من الهجرة [15] رحمه الله.
2- صحيح مسلم.
اقتدى الإمام مسلم بأستاذه الكبير الإِمام البخاري في العناية بالصحيح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن مسلماً خالف أستاذه في الطريقة والمنهج ومن هنا قال بعض الأئمة: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج [16] ، وقد كانت عناية الإمام مسلم بمؤلفه هذا شبيهة إلى حد كبير بعناية شيخه بمؤلفه. منها:
أ- تحقيق جانب العلم بهذا الشأن رواية ودراية قال الإمام مسلم رحمه الله: إن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها، من المتهمين، ألا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم، والمعاندين من أهل البدع [17] . وهذا مبدأ التثبت في النقل.
ب- الانتقاء قال الإمام مسلم رحمه الله: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة [18] .
جـ- التروي وعدم العجلة قال الإمام مسلم: ما وضعت في كتابي هذا المسند إلا بحجة، وما أسقطت منه شيئاً إلا بحجة [19] .(33/478)
د- وزيادة في الدقة والتثبت يستخدم الإمام مسلم أسلوب العرض على العلماء والاستشارة العلمية وهذا هو الإنصاف في طلب الحق وعدم الاغترار بالثقة بالنفس، وهي صفة نبل وتواضع. قال الإمام مسلم رحمه الله: عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي، فكل ما أشار: أن له علة تركته، وكل ما قال: إنه صحيح وليس له علة خرجته [20] .
هـ- شرط الإمام مسلم في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإِسناد، بنقل الثقة، عن الثقة من أوله إلى منتهاه، سالماً من الشذوذ والعلة [21] . واكتفى بمطلق المعاصرة بين الشيخ والتلميذ ومن هنا حاز الكتاب الرتبة الثانية بعد كتاب الإمام البخاري وهذا ما عليه المحققون من أهل العلم، قال النووي رحمه الله: وكتاب البخاري أصحهما وأكثر فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة، وقد صح أن مسلماً كان ممن يستفيد من البخاري، ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث، وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري، هو المذهب المختار قاله الجماهير، وأهل الإتقان، والحذق والغوص على أسرار الحديث [22] . قلت: ولم يرو مسلم عن شيخه البخاري في الصحيح شيئاً ولا غرابة في ذلك فعذر الإمام مسلم واضح في ذلك.
1- أنه شارك الإِمام البخاري في كثير من شيوخه فهو من أقرانه وإن كان معترفاً بتقدمه وفضله لكنه رغب في طلب العلو في الإِسناد. وهذا أبرز في بيان السبب في عدم الرواية عن البخاري.
2- اختط الإمام البخاري لنفسه منهجاً في إخراج الصحيح فأراد الإمام مسلم إدراك الغاية نفسها فسلك نهجاً آخر في الموضوع. والله أعلم.(33/479)
أما الإمام مسلم فهو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، ولد سنة أربع ومائتين من الهجرة، ونشأ في بيت علم، ترجم له العلماء منذ ولادته حتى وفاته وذكروا من علمه وفضله ما يجعله جديراً بلقب الإمام مقدماً على غيره من أئمة هذا الشأن، وتلقت الأمة كتابه بالقبول والثناء الحسن، فاحتل صحيحه الرتبة الثانية بعد صحيح البخاري رحمهما الله وكانت وفاته في سنة إحدى وستين ومائتين عن عمر ناهز سبعاً وخمسين سنة كانت حافلة بالفضل والعلم والذكر الحسن وأورث الأمة الإِسلامية أعظم الكنوز التي تعتز بها وتعتمد على قوة نصوصها وصحتها [23] .
هذان هما الصحيحان، وهذان هما المؤلفان أنْعِم وأكْرم بالمؤلِّف والمؤلَّف قال ابن الصلاح رحمه الله: وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز [24] . وقال النووي رحمه الله: اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان، البخاري ومسلم [25] .
وبهذه النبذة الموجزة يعلم القارئ الكريم اندفاع كل شبهة حول هذين الإمامين وكتابيهما، ويتأكد له أن تلك المحاولات الفاشلة إنما هي افتراءات يقصد منها النيل من الإسلام وأهله، جزا الله عنا الإمامين كل خير ورحم الله أئمة الإِسلام وعلماء الأمة المخلصين الصادقين وغفر لنا ولهم أجمعين.
كتاب عمدة الأحكام(33/480)
تقدمت الإشارة إلى أن الصحيحين وقعا من قلوب المسلمين موقعاً عظيماً وذكرت أن الأمة تلقت ما فيهما بالقبول نتج عن هذه المكانة العظيمة للكتابين أن العلماء شمروا عن سواعد الجد والاجتهاد في البحث العلمي الهادف إلى خدمة الكتابين ببيان ما فيهما من كنوز وإيضاح ما يشكل على طلاب العلم فكان من هؤلاء من اعتنى بالشرح والتفصيل في الجوانب الحديثية والفقهية واللغة كالحافظ ابن حجر في شرحه صحيح البخاري (فتح الباري) والنووي في شرحه صحيح مسلم ومنهم المخرج عليهما، والمستدرك، والموازن بينهما، وَكان من بين المشتغلين بالصحيحين الإمام المقدسي الذي طلب منه أن يجرد ما اتفق عليه الشيخان في كتاب مستقل، فبادر رحمه الله إلى إجابة طالبه وشمر للجد سواعده فدون جملة من الأحاديث شرط على نفسه أنها مما اتفق عليه الشيخان، أودعها كتابه الموسوم (بعمدة الأحكام من كلام خير الأنام) فشاع ذكره عند الخاص والعام، واعتنى الأئمة بخدمته ولا غرابة فالرابط بينه وبين الصحيحين كبير جدا، والمقدسي إمام يشار إليه بالبنان، فكان لكتابه هذا حظ وافر من عناية الأئمة فمنهم الشارح له كابن العطار [26] ، وابن دقيق العيد [27] ، وابن الملقن [28] ، وممن أدلى بدلوله في هذا المجال الإمام الزركشي إذ عَنّ له أن يتتبع عمل المقدسي ويطبق عليه شرطه ليخرج بتصحيحات مفيدة، ونكت علمية نافعة أحسن الله مثوبتهم أجمعين ووفقنا لخدمة كتابه وسنة نبيه الكريم.
القسم الأول
الفصل الأول: ترجمة الإمام الزركشي
نسبه: هو بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله [29] بن بهادر، المنهاجي [30] ، الزركشي [31] .
مولده: ولد الزركشي في سنة خمس وأربعين وسبعمائة من الهجرة في مصر، من أصل تركي.
نشأته:(33/481)
نشأ الإِمام الزركشي في ظل أسرته وهي أسرة لم تكن ذات شهرة في الأوساط الاجتماعية ولم تذكر بعلم، ولا وجاهة، أسرة مسلمة تعيش في بلاد إسلامية وذكر أن أباه كان مملوكا [32] ، وفي نظري أن لهذه الحالة الاجتماعية بعد توفيق الله عز وجل دوراً بارزاً في بعث هذا الفتى النابغ، إذ بدأ حياته بتعلم حرفة تعينه على شئون حياته، فبرع في حرفة الزركش، لكن طموحه وهمته العالية أبت عليه الوقوف عند هذا الحد فبادر بفضل الله وتوفيقه إلى طلب العلم، وهذا ما سنعرفه فيما يلي من الدراسة.
سعيه في طلب العلم:
ما من شك في أن الله عز وجل إذا أراد بعبد الخير يسَّر له سبله، وبعث في نفسه همة عالية لإدراك المراد، والزركشي رحمه الله أجاد حِرفة تُدِرّ عليه معاشاً في حياته، لكن الله عز وجل أراد له أفضل من ذلك، فأثار في نفسه الرغبة الشديدة في العلم، فأحبه، وصبر على تحصيله، وبادر إلى منابع العلم فلازم الشيوخ، وعايش الكتب، ونوّع مصادر المعرفة، حتى ضرب في ذلك مثلاً للجد والمثابرة، والصبر والمصابرة، فاستوعبت ذاكرته العديد من العلوم، واعتمد على ذاكرته بعد توفيق الله، وما يدون من الكتب إذ لم يشتر كتاباً، بل كان يقضي نهاره فيِ حوانيت الكتب [33] ، يقرأ ويفهم، ويدون ما يروق له، وهكذا كان جمَّاعاً للعلم حريصاً عليه، مقتحماً كل عقبة كؤود في سبيله، إنها بداية الجد والاجتهاد والصبر والمثابرة.
رحلاته:(33/482)
لم تتسع الرحلة عند الإمام الزركشي ولم تزد المصادر على أن ذكرت لنا رحلتين قام بهما الزركشي رحمه الله الأولى من مصر إلى دمشق حيث أخذ عن العماد بن كثير [34] علم الحديث والثانية كانت من دمشق إلى حلب حيث أخذ عن الأذرعي [35] . هاتان الرحلتان أكسبته السماع من عالمين كبيرين يشار إليهما بالبنان في عصره وقد نسبه في كشف الظنون فقال: الموصلي (1/448) فلعله رحل إليها. ولعل السبب في عدم سعة الرحلة والله أعلم أن مصر والشام كانتا أكثر البلاد الإسلامية من حيث الشهرة العلمية وكثرة العلماء في ذلك العصر أو أنه آثر الأخذ عن علماء مصر والشام، وبدأ دراسة التصانيف والاشتغال بالتأليف.
شيوخه:
أفاد الزركشي رحمه الله من مشاهير علماء مصر والشام ولازم بعض شيوخه ومن أولئك الأعلام عبد الله بن يوسف بن أحمد المتوفى سنة 761 هـ، ومغلطائي بن فليح الحنفي المتوفى سنة 762 هـ، وإسماعيل بن كثير المتوفى سنة 774 هـ، وأحمد بن محمد بن جمعة المتوفى سنة 774 هـ[36] ، وأحمد بن حمدان الأذرعي المتوفى سنه 783 هـ وسراح الدين البلقيني المتوفى سنة 805 هـ.
ومن أبرز شيوخه الذين تأثر بهم في منهجه العلمي جمال الدين الأسنوي المتوفى سنة 772 هـ[37] ، والأذرعي، وبرهان الدين بن جماعة المتوفى سنة790 هـ، واستفاد من منهج الزيلعي في بعض مصنفاته.
الآخذون عنه:
تتلمذ عليه وتخرج به محمد بن عبد الدائم بن موسى البرماوي المتوفى سنة 831 هـ، وأخذ عنه أيضاً عمر بن حجي السعدي المتوفى سنة 835 هـ، وحسن بن أحمد بن حرمي بن مكي المتوفى سنة 833 هـ، وقد أكمل الدكتور عبد الرحيم القشقري العدد إلى ثمانية وأعطى معلومات موجزة عن كل واحد منهم [38] .
حالته الاجتماعية:(33/483)
عمل الزركشي رحمه الله بالسنة في تحصين النفس بالزواج، الذي ندب إليه نبي الهدي صلى الله عليه وسلم، فأنجب الزركشي ذكوراً هم محمد وعلي وأحمد، وإناثاً هن عائشة وفاطمة [39] ، وكانت له عناية بتعليمهم وتثقيفهم ذكوراً وإناثا [40] ، وله أقارب يجلونه ويعتمد عليهم في كفالة أبنائه وتدبير شئون معاشهم [41] ، واعتنى بالجانب العلمي، وتفرغ للعبادة، ولم تكن علاقته بالعلماء أقل حظاً من علاقته بأبنائه، كانت علاقة حب ووفاء، وصدق وإخاء، كان معترفاً بالفضل لأهله وفياً لمن أحسن إليه ومن هذا الباب كانت علاقته مع برهان الدين بن جماعة علاقة مودة ووفاء، لا كما وصفه الدكتور السيد بأنه كان متزلفاً [42] له، وفي نظري أن إطلاق مثل هذا اللفظ على عالم جليل اشتغل بالعلم والتصنيف وترك الدنيا وأهلها أمر فيه إجحاف بحقه رحمه الله فضلاً عن كون مثل هذا الخلق وصمة إن تخلق به رجل من عامة الناس فضلاً عن عالم له فضله وجلالته، ولعل الأسلوب لم يسعفه الدكتور فزلَّ قلمه فقد أشاد بالزركشي وأثنى عليه، وقطعاً لم يرد ما تدل عليه اللفظة.
عصر الإمام الزركشي:
إن أي باحث يرغب في الكتابة عن مثل هذا العنصر أول ما يحضره أن عصر الشخص ينقسم إلى قسمين: ما سبقه من فترة والزمن الذي عاشه وألم بأحداثه وتطورات الأمور فيه وليس هذا بالأمر الهين لمن أراد الاستقصاء لغزارة المادة العلمية فيه ومنها كثرة الأحداث في الداخل والخارج وتشعبها غير أنني أرى أن لابد من الكلام عن ناحيتين بإيجاز لأهمية هذين الأمرين في حياة كل عالم يعني بأمور المسلمين.
1- الناحية السياسية:(33/484)
كان المسلمون يعانون من التفرق السياسي وشتات الأمر، الشيء الذي أطمع الأعداء في البلاد الإسلامية وكانت حملات المغول والتتر تترى على المسلمين الذين أثخنهم الأعداء جراحاً وأذاقوهم مرارة العداوة والحقد غير أن أحوال المسلمين بدأت تهدأ قليلا وتلتئم جراحاتهم بأمور منها:
أ- دخول قبائل مغولية في الإِسلام وكان ذلك قبيل مولد الزركشي رحمه الله.
ب- نشاط الدولة العثمانية، ومد نفوذها على كثير من البلاد الإسلامية.
جـ- تحرك الفتح الإسلامي، وهزيمة زعماء البلقان، وكسر الجيش الصليبي.(33/485)
ولم تكن هذه الأحداث سوى ومضة أيقظت الشعور بالأمل عند المسلمين على تخوف وحذر فأحداث التيمورية روعت المسلمين وأعاثت في الأرض الفساد والدمار، والاضطرابات الداخلية تهز كيان المسلمين ليل نهار، ولاسيما تلك الدويلات المتناثرة المتناحرة في اليمن والحجاز، وبلاد الجزيرة، وبلاد فارس تتنازعها دويلات عدة، والشام ومصر تحت حكم المماليك وأقاليم إفريقيا ليست بأحسن حالاً مما سبق، فكانت الحالة السياسية بالنسبة للمسلمين منذرة بخطر، مهددة بكوارث في الأنفس والممتلكات، إلا أن بارقة أمل لاحت للمسلمين في مصر حينما قيَّض الله في مطلع القرن الثامن الهجري الملك الناصر محمد بن قلاوون وكان رجلاً صالحاً ذا حكمة وبعد نظر باشر الأحداث السياسية في سن التاسعة وحدثت له تطورات في الشطر الأول من القرن الثامن استطاع الملك الناصر أن يرفع ميزان القوى عند المسلمين ويذكي جذوة الإيمان إلا أن الأجل لم يمهله لتوطيد الدولة الإسلامية بالصورة التي توقف الأعداء أو تقطع دابرهم إذ توفي في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بعد أن وضع ركائز جيدة لدولة إسلامية رشيدة استخلف عليها ابنه سيف أبو بكر الذي لم يقدر على لمّ شعت إخوته واحتواء خلافاتهم فانفرط العقد بينهم وبدأ المسلمون المعاناة من جديد، من كثرة نفوذ الأمراء، وتفشي الظلم، وكثرت الأسباب التي أدت إلى سقوط دولة المماليك البحرية في سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وظهرت دولة المماليك الجراكسة وأول ملوكهم الملك الظاهر برقوق بن أنس الذي أشعل الحرب بينه وبين سابقيه مما أدى إلى تفريق كلمة المسلمين وإضعافهم.
2- حالة المجتمع في هذا العصر:(33/486)
خلاصة المقال في هذا الجانب أن المجتمع كان يعاني من أمور كثيرة من أبرزها ضعف الدولة الشيء الذي نتج عنه مشاكل لا حصر لها مثل انتشار الظلم، والتعسف، والتلاعب بأموال المسلمين، والاستيلاء عليها بغير وجه حق، وظهور الفساد الخلقي حتى راجت تجارة الحشيش وأخذ قانوناً تجارياً، يباع ويشترى على مرآى ومسمع من الدولة [43] . وانتشار الفقر، وتفشي الأمراض، والأوبئة، لانصراف الدولة عن خدمة المجتمع إلا في بعض محاولات إصلاحية.
3- الحالة العلمية:
رغم ما سبق تصويره من مشكلات سياسية، ومتاعب اجتماعية جمة، فإن المجتمع الإسلامي لم يخل من رجال جردوا أنفسهم لله، وخدموا العلم بأمانة وإخلاص، رغم أنوف الكثيرين من الولاة الذين فرطوا في الأمانة وضيعوا حقوق العباد. في هذا العصر ضحى كثيرون من العلماء بالجاه والمال وزهدوا في السلطان، وسخروا أنفسهم لخدمة الدين والعقيدة ولم يبخلوا بنصح ولا توجيه، ولم يكتموا علماً عن طالبه، وممن سبق الزركشي الإمام ابن تيميه، الإمام المصنف المجاهد، الذي أشعل جذوة الجهاد لدى السلطان وجنده وأبلا بلاء حسناً في تلك المعارك، ومن أولئك شيوخ الزركشي الذين أخذ عنهم ومنهم أفاد علماً، ولا ريب أن ثبات أولئك الأفذاذ من العلماء أنقذ البلاد من ويلات الجهل والضلال، ومما كان يهدد الأمة الإسلامية من الفرق الضالة ذات المبادئ الهدامة، وكانوا درعاً واقياً لجسد الأمة من زحف الزندقة والإلحاد، والوثنية كل هذه الصعوبات صمد أمامها أفذاذ العلماء، وحطموا قواها بصبر وثبات على الحق، والله هو المنقذ والحامي.
إفادة الزركشي من هذه الأحداث:(33/487)
إن المستوفي دراسة عصر الزركشي يتبين له أن تلك الأحداث الجسام التي اكتنفت حياة الزركشي سابقاً ولاحقاً، لم تكن صعوباتها ومخاوفها تثنى عزم هذا الرجل الفذ عن شق طريقه في الحياة مختاراَ- بعد توفيق الله - أسلم السبل وأشقها في نفس الوقت فانقطاعه إلى العلم، وملازمة العلماء دليل قاطع على قوة شخصيته، وعدم تأثرها بالأحداث الجوفاء فتحصيل العلم هو السلاح الواقي من التردي في المهالك، وهو الأساس الذي تبني عليه الأمم دولها وقوتها وحضارتها، هذا جانب من شخصية الزركشي قد يستشفه الباحث بعد إمعان النظر.
الجانب الثاني أن الإِمام الزركشي وإن وصف بالعزلة عنِ الناس والزهد في الدنيا والاشتغال بالتصنيف فإنه لم يكن غافلاً عن مجتمعه فقد كان محاربا للأعداء بقلمه السيال، فقد كتب في جانب العقيدة حول الركن الأول من أركان الإسلام، وفي هذا محاربة للوثنية والإلحاد، وصد للزندقة، وصنف في تحريم الحشيش الذي تفشى في المجتمع بصورة مذهلة. ودرس في خانقاه كريم الدين وأفتى.
ومن هنا يلمس الباحث عناية الزركشي بمجتمعه الطبقة العامة من الناس وطبقة العلماء المصنفين، فطبقة العامة أخذت قدراً من تفكير هذا الإمام لدراسة المشكلة وتحديد الحكم الشرعي فيها وذلك الحكم هو في نظر الزركثي الحل الوحيد، والعلاج الناجع المفيد لأدواء المجتمع لاسيما أنه قد بدأ الاشتغال بهذا المجال في سن مبكر [44] . أما طبقة العلماء فكان ملازماً للشيوخ [45] منهم، متتبعاً مؤلفات السابقين عليه، فأفاد من علم شيوخه، ودَرسَ التصانيف، فاستدرك، وشرح، وعلق، وصوب ما رآه خطأ، فكانت حياته خدمة جلى بين أخذ من منابع العلم، وإفاضة من غزير الفوائد مع تتبع للنكت والفرائد. ولعل من الأسباب الدافعة لهذا المنهج غاية الحرص على الخير والبعد عن مخاطر السلطان، ومهالك المجتمع، وقد بسط القول في دراسة عصره الشيخ علي محي الدين علي أثابه الله [46] .(33/488)
مكانته العلمية:
إن شاباً يزهد في مهارة بيده تكسبه مالاً ويتجه إلى طريق العلم [47] ، والعيش على الكفاف ويعشق الرحلة في طلب العلم وهو في الثامنة عشرة من عمره [48] ، ويصنف الكتب وهو في الرابعة والعشرين [49] لجدير بالمكانة العلمية العالية، كانت حياته مقصورة على هذا الشأن قيّد وقته بقوة العزيمة فلا يرى إلا مع شيخ يفيد منه علماً، أو معتكفاً في داره على كتاب يدرس فيه ويؤلف، أو في جولة علمية في أسواق الكتب ليمتع فكره بفنون العلم وفوائده [50] . هذا المنهج الفريد، أكسب الزركشي مكانة علمية عالية، شهد له بذلك أعلام كبار، منهم الحافظ ابن حجر يقول عن شرح الزركشي للمنهاج: هو أنفع شروح المنهاج على كثرتها [51] . صنف عشرات الكتب في فنون من العلم شهد بجودتها وحسنها العلماء، وأفادوا منها علماً ومعرفة. فكان بحق فقيهاً، أصولياً، محدثا بارعاً، أديباً ناقداً، ومن يشك في ذلك فليستقرئ مصنفاته تتضح له الحقيقة، ويعرف منْ الزركشي، وكيف استطاع أن يؤلف أكثر من أربعين كتابا.
بعض صفاته:(33/489)
إن من أبرز ما يجد الباحث من صفات الإمام حرصه الشديد على وقته، ومثابرته على خدمة العلم، كما يجد التواضع الجم صفة ملازمة له رغم تلك الجهود العلمية التي تسمو به إلى درجات عُلى، كان رحمه الله لا يرى لنفسه مزية، يجل من سبقه في هذا الميدان، ويجهل من يدعي العلم، ويترك الإفادة من جهود السابقين يقول رحمه الله: اعلم أن بعض الناس يفتخر ويقول: كتبت هذا وما طالعت شيئاً من الكتب، ويظن أنه فخر، ولا يعلم أن ذلك غاية النقص، فإنه لا يعلم مزية ما قاله إلى ما قيل، ولا مزية ما قيل إلى ما قاله، فبماذا يفتخر؟! [52] وقد ذكر الزركشي رحمه الله أنه اجتمع عنده من مصنفات الأقدمين ما يزيد على المائتين [53] . قلت: ولا يعارض ما سلف من أنه لم يشتر كتاباً فقد يحمل عدا الشراء على بداية الطلب. والاقتناء على حالة التصنيف أو على أنه طالع هذا العدد من المصنفات والله أعلم. ويؤيد جانب التواضع عند الزركشى قوله: ومع هذا ما كتبت شيئاً إلاخائفاً من الله مستعيناً به، معتمداً عليه، فما كان حسناً فمن الله وفضله، وما كان ضعيفاً فمن النفس الأمارة بالسوء [54] . قلت: وهذا ورب الكعبة لهو أساسا النجاح في الأعمال وسر السعادة والفلاح في الآخرة.
وكان من صفاته الحذق وتذوق العلوم، فقد كان ناقداً بصيراً، ولم يكن جماعاً دون تمييز بين غث وسمين ومؤلفاته خير دليل على هذا ومنها تصحيح العمدة هذا، والنكت وله في كل علم جولة تشهد له بالحذق والإتقان.
عقيدته:(33/490)
أثبت فضيلة الدكتور عبد الرحيم في دراسته أن الزركشي رحمه الله كان أشعري العقيدة وذلك من خلال دراسته لمؤلفين من كتب الزركشي هما لقطة العجلان، ومعنى لا إله إلا الله، وقال ما معناه: إنه لم يسلك في تقريراته أمورا في العقيدة مسلك أهل السنة، بل ترسم خطى الأشاعرة في بحثه ومناقشته لتلك الأمور [55] . قلت: قد نسب إلى اعتقاده على الصفحة الأولى من كتابه "الأزهية في أحكام الأدعية"وفي مواطن من الكتاب المذكور عبارات لا تدع مجالاً للشك في أنه في العقيدة أشعريًّ، عفى الله عنا وعنه، والغريب أنه أخذ عن العماد بن كثير ولم يتأثر وكذلك من المعلوم أنه شافعي المذهب فكيف غفل عن ما قال الأئمة في هذا الباب أمثال ابن خزيمة واللالكائي وعلى كل حال فقد زل في هذا الباب أئمة عفى الله عنهم وغفر لهم، والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل [56] .
ألقابه العلمية ومناصبه:
وصف الزركشي رحمه الله من بعض من ترجم له بأنه إمام عالم علاَّمة [57] . وقد ذكر لقب الإفتاء الحافظ ابن حجر [58] ، والداودي [59] ، وابن العماد [60] ، فقالوا: المفتي وهو لقب علمي رفيع لا يطلق إلا على من تأهل لهذه الرتبة ومارسها ولا غرابة فالزركشي جدير بمثل هذا.
ومن ألقابه العلمية أيضاً المصنف [61] ، فقد اعتنى بهذا الجانب وأبدع وآثاره شاهد عيان على واقعية هذا اللقب.
كما ذكر العلماء لقباً علمياً تخصصياً أعني أن فيه إشارة إلى تخصص دقيق وهو حفظه وعنايته بالمنهاج حتى قيل عنه: المنهاجي فهو أوثق من اعتنى بهذا المؤلف وأبدع في شرحه كما قال الحافظ: هو أنفع شروح المنهاج على كثرتها.
أما المناصب العلمية:
فمعلوم أن الإفتاء منصب علمي رفع وهو رتبة علمية ينالها من تأهل لها وإن لم تتبنى الدولة إشغاله بذلك.(33/491)
وقد تولى الزركشي رحمه الله مشيخة خانقاه [62] كريم الدين بالقرافة الصغرى [63] بمصر، والمشيخة منصب علمي لا يناله إلا من فاق أقرانه، وبزهم علماً وفطنة.
مصنفاته:
برع الزركشي رحمه الله في علوم كثيرة وأثرت بمصنفاته المكتبة الإسلامية وقدّم حصاد عمره ونفائس ما خزنته ذاكرته، وجاد به فكره، خمسين مؤلفاً في مختلف العلوم الإسلامية منها المؤلف الضخم، والجزء النافع المفيد، كتب عن أكثرها الشيخ سعيد الأفغان [64] ، والدكتور السيد أحمد فرج [65] ، والشيخ علي محيى الدين [66] ، واستوعبها الدكتور عبد الرحيم القشقري [67] وتحدثت عنها كتب التراجم [68] من غير حصر، ومن تلك المصنفات:
1- ثلاثة في القرآن وعلومه منها:
البرهان في علوم القرآن.
كتاب في التفسير وصل فيه إلى سورة مريم.
2- أحد عشر كتاباً في الحديث وعلومه منها:
تصحيح العمدة (كتابنا هذا) .
شرح الجامع الصحيح تركه مسودة، ولخص منه كتاب التنقيح.
النكت على ابن الصلاح.
3- سبعة عشر كتاباً في الفقه منها:
خادم الرافعي، والروضة في عشرين مجلدة، وقيل في أربع عشرة مجلدة. كل منها خمس وعشرون كراسة.
شرح التنبيه للشيرازي في أربعة مجلدات.
4- سبعة كتب في أصول الفقه منها:
البحر المحيط من أهم الكتب في هذا الفن، وقد جاء نتيجة جهود مضنيه، وبحث متواصل في مائتي مؤلف درس من خلالها آراء الشافعية والأحناف والحنابلة والظاهرية.
تشنيف السامع بجمع الجوامع، تعليق وشرح للغريب على كتاب أبي الحسن السبكي.
5- أربعة كتب في اللغة والأدب منها:
التذكرة النحوية، إعراب لبعض الأحاديث النبوية والأبيات الشعرية التي استشهد بها علماء اللغة، ربيع الغزلان، كتاب في الأدب.
6- له جملة مؤلفات في جوانب من هذه العلوم.(33/492)
وهكذا أمضى الزركسثي رحمه الله حياة حافلة بالطاعة والاجتهاد في خدمة العلوم الإسلامية، والإفتاء، والتعليم، مخلفاً ثروة من الأجر المتواصل والعلم النافع.
وفاته:
لقد تظافرت المصادر [69] على أنه رحمه الله توفي في ثالث رجب من سنة أربع وتسعين وسبعمائة وذكر الداودي أنه دفن بالقرافة الصغرى بالقرب من تربة الأمير بكتمر الساقي رحمهما الله تعالى.
الفصل الثاني
ترجمة موجزة للمقدسي رحمه الله
كل من ترجم لهذا العلم بعد الإمام اسأذكر مختصر الترجمة مفيداً مما ذكر الحافظ الذهبي في ترجمته لعبد الغني المقدسي [70] . لذهبي فهو عالة عليه، وإنما يحدث نوع من التصرف بالاختصار أو إضافة وصف أو زيادة في ثناء لذا
نسبه:
عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر، تقي الدين، أبو محمد، المقدسي [71] ، الجمّاعيلي [72] ، ثم الدمشقي.
مولده:
ولد في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة من الهجرة، بجمّاعيل.
نشأته:
لم يتطرق الذهبي رحمه الله إلى شيء من هذا سوى صحبته لابن خالته موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة وكان يكبر عبد الغني بأربعة أشهر [73] . وذكر ياقوت أنه نشأ في دمشق [74] ولم يزد على ذلك.
سعيه في طلب العلم:
تشير المصادر إلى أنه بدأ حياته العلمية في دمشق فتلقى العلم عن علمائها منهم أبو المكارم بن هلال.
رحلا ته:(33/493)
اتسعت الرحلة في طلب العلم عند الإمام المقدسي رحمه الله، فبعد أن أفاد من علماء بلده تاقت نفسه إلى المزيد فرحل إلى بغداد وسمع من علمائها منهم هبة الله بن هلال، وابن البطي، ورحل إلى الثغر [75] حيث سمع من أبي طاهر السلفي، وأقام عليه ثلاثة أعوام، وكتب عنه الكثير، ورحل إلى الموصل وفيها سمع أبا الفضل الطوسي، ثم رحل إلى همذان حيث سمع من عبد الرزاق بن إسماعيل القومساني، ورحل إلى أصبهان وفيها سمع من الحافظ أبي موسى المديني، ورحل إلى مصر حيث سمع مِن علي بن هبة الله الكاملي، هكذا قطع الغيافي، وجاب الأمصار، بحثاًَ عن العلم، وجهاداً في سبيله.
بعض ـيوخه:
تقدم ذكر المشاهير منهم في الرحلات ولا أرى مزيد حاجة للإِعادة.
الآخذون عنه:
تتلمذ عليه ولداه أبو الفتح، وأبو موسى، وأخذ عنه عبد القادر الرهاوي، وموفق الدين ابن خالته، والضياء محمد بن عبد الواحد بن أحمد، وابن خليل يوسف، والفقيه اليونيني محمد بن أحمد، وعثمان بن مكي الشارعي، وأحمد بن محمد الأرتاحي، وآخر من أخذ عنه محمد بن مهلهل الجيتي وبقي بعده بالإجازة أحمد بن أبي الخير شيخ الحافظ الذهبي.
عصر المقدسي:(33/494)
ولد المقدسي رحمه الله في خلافة المقتفي لأمر الله، محمد المستظهر بالله، وهو عبارة عن رمز للخلافة، وليس بيده من أمور الدولة شيء، ويعتبر هذا التاريخ عمق ضعف الدولة العباسية، فقد انفرط عقد الخلافة العباسية، وبدأت الانحدار من أوج قوتها بعد موت المعتصم وإن كان ابنه المتوكل جعفر أصلح ما أفسده جده المأمون، وأخوه الواثق هارون من أمر العقيدة فأمات بدعة القول بخلق القرآن وهذا العمل أبرز حسناته [76] ، ومنذ ذلك الوقت والمسلمون يعانون من الضعف السياسي، وشتات الأمر، وكان ظهور الدويلات، والممالك الإسلامية وبالاً على وحدة المسلمين، وإضعافاً لقوتهم، فسادت الفوضى السياسية، واندلعت الحروب بين المسلمين، فأضرمت نار الهلاك، وكثر النهب والسلب، ووجد الإفرنج فرصة سانحة لضرب المسلمين في عقر دارهم، ونشطت الفرق الهدامة.
كما عاصر المقدسي رحمه الله خلافة المستنجد بالله بن المقتفي، ولم يكن أحسن حالاً من أبيه، فكان من أبرز أعماله في بداية عهده الاشتغال بالصيد، في الوقت الذي كانت الممالك نشطة في الغارات والحروب والاستنجاد بالفرنج [77] .
وقد عايش المقدسي رحمه الله خلافة المستضيئ بأمر الله الحسن بن المستنجد، كان خيرا من أبيه ومن أحداث عهده، إبطال مظالم كثيرة، وانقطاع الدعوة العبيدية والحمد لله [78] .
وعاصر المقدسي رحمه الله أحداث الملك نور الدين صاحب الشام، وكان ملكاً مجاهداً، محاسنه جمة، في دينه وشجاعته، وغزواته وفتوحاته، ومساجده ومدارسه، وبره وعدله، وقد أبطل المكوس، وأبلى بلاء حسناً في دك حصون الفرنج والاستيلاء عليها، وله آفاق قتالية واسعة، جرت أحداثها سجالاًَ بينه وبين الفرنج [79] .
وعاصر المقدسي رحمه الله صلاح الدين الملك الناصر، الذي رفع راية الجهاد، مؤيداً منصوراً بجيوش الإسلام.(33/495)
وشهد المقدسي عصر خلافة الناصر لدين الله أحمد بن المستضيئ، وقد تميز عهده بقوة صلاح الدين الملك الناصر، يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب، الذي كان سلطان زمانه له السيادة والقيادة، أذاق الفرنج الذل والهوان، وهو بحق السلطان الكبير، والمجاهد في سبيل الله، افتتح بسيفه وبإخوته بلاداً، من اليمن إلى الموصل، ومن طرابلس إلى أسوان [80] ، فارتفعت به هام المسلمين وخدم السنة والدين.
ومن أحداث عصر المقدسي:
1- موقعه الزلاقة في الأندلس، كان جيش المسلمين فيها يقدر بمائتي ألف، ما بين فارس وراجل، واجه جيش الفرنج المقدر بمائتين وأربعين ألفا، وكانت الدائرة في هذه الموقعة على الأعداء، ونصر الله جيش المسلمين، فقتلوا مائة وأربعين ألفاً من الفرنج وأسروا منهم ثلاثين ألفا، وغنموا ثمانين ألف فرس، ومائة ألف من البغال حتى بخست أثمانها عند بيعها [81] .
2- ما حل ببلاد مصر من القحط، والوباء المؤلم المفرط، فخربت الديار، وجلى عنها أهلها، كان ذلك في سنة ست وتسعين وخمسمائة، وفي التي تليها اشتد البلاء، حتى أكلوا لحوم الآدميين، وأكثر قرى الإقليم لم يبق بها آدمي، وكان يخرج من القاهرة في اليوم نحو خمسمائة جنازة حتى سجل في ديوان الهالكين نحو مائة وأحد عشر ألف في نحو سنتين [82] .
3- وقوع زلزلة بالشام، كان من هولها ما لا يوصف، كادت لها الأرض تسير سيرا، والجبال تمور مورا، وما ظن الناس إلا أنها القيامة، جاءت دفعتين، دامت الواحدة مقدار ساعة أو أزيد، وقيل إن صفد لم يبق بها سوى رجل واحد، ونابلس لم يبق بها حائط، ومات بمصر خلق كثير تحت الردم [83] وسبق أن حدث لدمشق زلزلة عظمى في سنه ثلاث وثلاثين ومائتين، دامت ثلاث ساعات، سقطت الجدران، وهرب الناس إلى المصلى يجأرون إلى الله، ومات خلق تحت الهدم، وامتدت الزلزلة إلى أنطاكية، فقيل هلك بها عشرون ألفا تحت الهدم [84] .(33/496)
4- ماجت النجوم في بغداد في أول سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وتطايرت شبه الجراد، ودام ذلك إلى الفجر، وضجّ الخلق بالابتهال إلى الله تعالى [85] .
الحالة الاجتماعية في عصره:
إن سرد ما تقدم من الأحداث السياسية بمختلف صورها، وغيرها من عجائب ذلك العصر، يغِني اللبيب عن القول في هذا الجانب، فإن السياسة تنعكس آثارها على المجتمع سلباً وإيجاباًَ، وسلبيات هذا العصر تكاد تفوق الإيجابيات فيه، ولم يخل من قائم بالخير.
الحالة العلمية:
تكفل الله عز وجل بحفظ دينه، فجند له جهابذة من عباده المخلصين الصالحين، وما من مصر من البلاد الإسلامية إلا وبه من يقيم هذا الجانب الهام في رقي الأمم والشعوب، فتوارث العلم رجال وقفوا أنفسهم لخدمته، والحفاظ عليه، وبذله لطالبيه في بعد عن مجازفة السلطان، وبلبلة العامة، فكان العلماء في الجانب العلمي دعائم خير وهدى، وحماة لثغور الشريعة الغراء، وإن كان المتتبع لأحوالهم، يجد أنهم بعدوا عن السلطان، ولم يشتغلوا بإيقاظ الروح الإسلامية عند الملوك والسلاطين، ولعل العذر في ذلك وصول الجهال وبعض أعداء الإسلام إلى قيادة الناس، وإذا ساس العامة والأعداء العلماء، حلت الكارثة وصعب التفاهم مع هذا النوع من الحكام والولاة، فالعوام والأعداء لا يعرفون إلا لغة الظلم والبطش.
مكانته العلمية:(33/497)
إن شاباً بدأ حياته بطلب العلم فلازم علماء بلده ثم رحل إلى علماء الأمصار في عنفوان شبابه [86] ليأخذ عنهم ما لم يجده عند علماء بلده، وعايش أحداث عصره الجسام لجدير بتكوين شخصية علمية فذة، وهو ما يعلمه كل باحث في حياة هذا الإمام فألقابه العلمية تنبض بشهادة العلماء له بالمكانة الرفيعة، وتصانيفه العديدة خير شاهد على ما نقول، فهو الإمام الحافظ، محدث الإسلام، لا يكاد أحد يسأله عن حديث إلا ذكره له وبينه، ولا يسأل عن رجل- من أهل العلم- إلا قال هو فلان بن فلان [87] ، ذكر أنه يحفظ مائة ألف حديث [88] ، وفضل في حفظه وعلمه على أبي موسى المديني، والدارقطني [89] .
بعض صفاته:
وصف المقدسي بالحفظ والتصنيف [90] وهذا يدل على ذكائه، وألمعيته، كما وصف بمحاربة البدعة وأهلها، حتى تألب عليه المبتدعون وأخذت خطوطهم على إهدار دمه [91] ، فلم يرعه ذلك ولم يتردد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكان لا يرى منكراً إلا غيره بيده أو بلسانه، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم [92] ، وهذا يدل على شجاعته وقوة شخصيته ومع هذا كان سمحاً متواضعاً يجتمع عليه الناس إجلالاً له، وكان كريماً لا يدخر شيئاً، وقيل: كان يخرج في الليل بقفات الدقيق، فإذا فتحوا ترك ما معه ومضى لئلا يعرف، وربما كان عليه ثوب مرقع [93] . وهذا يدل على أنه احتسب ماله لله عز وجل كما احتسب علمه وعمله ومع هذه الجولات في ساحات الخير والفضيلة كان عابداً، صواماً فكان يصلي الفجر ويلقن القرآن، وربما لقن الحديث، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ثلاثمائة ركعة، بالفاتحة والمعوذتين، إلى قبيل الظهر فينام نومة فيصلي الظهر، ويشتغل بالتسميع أو النسخ إلى المغرب فيفطر إن كان صائما، ويصلي إلى العشاء ثم ينام إلى نصف الليل ثم يصلي إلى الفجر [94] .
عقيدته:(33/498)
كان رحمه الله معتمداً على الكتاب والسنة في عقيدته لا يخرج عما دلت عليه النصوص، فقد أمر أن يكتب اعتقاده فقال: أقول كذا لقول الله كذا، وأقول كذا لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذا، حتى فرغ من المسائل، فلما وقف عليها الكامل قال: أيش أقول في هذا؟! يقول بقول الله ورسوله [95] ، وهذا ورب الكعبة هو الحق المبين فالله أعلم بنفسه من خلقه، ومحمد صلى الله عليه وسلم أعرف بربه من الفقهاء، وكان المقدسي رحمه الله ورعاً متمسكاً بالسنة على قانون السلف تكلم في الصفات والقرآن بشيء أنكره أهل التأويل من الفقهاء، وشنعوا عليه- وادعوا أنه يصرح بالتجسيم [96]- فعقد له مجلس بدار السلطان بدمشق، فأصروا وأباحوا قتله- وأخذت على ذلك خطوطهم [97]- فشفع فيه أمراء الأكراد، على أن يبرح دمشق، فذهب إلى مصر- ولم يخل في مصر عن نكد له في مثل ذلك، تكدرت عليه حياته بذلك [98]- فكان له كثير من المخالفين لكن رائحة السلطان كانت تمنعهم، وجاء العادل وأخذ مصر، فجاءه المخالفون للحافظ يستوغرونه عليه، لكن الله قيض من عرف العادل بقدر الإمام ومكانته العلمية، فتنبه للمكيدة [99] ، فكانت حاله بمصر أحسن منها بالشام إذ وجد حشداً من أهل السنة وأصحاباً [100] .
بعض مؤلفاته:
وصف المقدسي رحمه الله بالتصنيف، وكثرة الكتابة [101] ، وهذا ليس بغريب على إمام فذ لا يضيع شيئاً من زمانه [102] . وسأكتفي بما ذكر الذهبي رحمه الله وهي مرقمة على ما يلي:
1- المصباح. في ثمانية وأربعين جزءاً مشتملاً، على أحاديث الصحيحين.
2- نهاية المراد. في السنن نحو مائتي جزء ولم يبيضه.
3- المواقيت. مجلد.
4- الجهاد. مجلد.
5- الروضة. أربعة أجزاء.
6- فضائل خير البرية. مجلد.
7- الذكر. جزءان.
8- الإسراء. جزءان.
9- التهجد. جزءان.
10- المحنة. ثلاثة أجزاء.(33/499)
11- صلاة الأحياء إلى الأموات. جزءان.
12- الصفات. جزءان.
13- الفرح. جزءان.
14- فضل مكة. أربعة أجزاء.
15- تصانيف كثيرة. جزء جزء.
16- غنية الحفاظ في مشكل الألفاظ. مجلدان.
17- الحكايات. أزيد من مائة جزء.
ومما ألفه بلا إسناد:
18- العمدة. جزءان.
19- الأحكام. ستة أجزاء.
20- ورد الأثر. تسعة أجزاء.
21- الكمال. عشرة مجلدات. وهو في أسماء رجال الكتب الستة [103] .
وفاته:
مرض رحمه الله أياماً وفي يوم موته قال لابنه عبد الله أبي موسى: صل بنا وخفف، وصلى معهم جالساً، ثم طلب من ابنه أن يقرأ عند رأسه سورة يس [104] فقرأها، وقال: هناء دواء تشربه؟ فقال: ما بقي إلى الموت، فقال له ابنه: ما تشتهي شيئاً؟ قال: أشتهي النظر إلى وجه الله الكريم. وكانت وفاته رحمه الله يوم الاثنين الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة ستمائة من الهجرة [105] ، عن عمر بلغ ستين سنة، مخلفاً آثاراً مجيدة، وأعمالاً حميدة سوى ما قدم من صالح العمل والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقمع البدعة وإحياء السنة رحمه الله وغفر لنا وله، فقد صبر وصابر، واجتهد وثابر، طلباً لما أعد الله للمتقين الصابرين.
القسم الثاني
الفصل الأول:
بيان عملي في الكتاب
1- قمت بنسخ نصوص الكتاب من المخطوطة الأصل.
2- حرصت على مقابلة النسخة الأصل بأخرى وأوضحت مواطن التغاير بالزيادة أو النقص.
3- قمت بضبط النص وما كان فيه من خطأ أثبت الصواب في المتن، وأذكر الخطأ في الحاشية منبهاً عليه.
4- رجعت إلى كل مصدر عزا إليه المصنف، وحددت مكان النقل بالجزء والصفحة.
5- شرحت بعض الألفاظ الغريبة.
6- ناقشت بعض الاستدراكات، وأوضحت الحق حسبما ظهر لي.
7- ترجمت للصحابة بإيجاز شديد، والغرض استكمال اسم الصحابي ليسهل حفظه والعلم به.(33/500)
8- ترجمت لبعض الأعلام الواردين في البحث حسبما يقتضيه المقام.
9- جعلت للأحاديث التي استدركها الزركشي أرقاماً مسلسلة من واحد وهلم جرا. وأَثبت رقم الحديث في العمدة بين قوسين. لتسهل مراجعته لمن أراد. هكذا 1 (3) فرقم واحد لتسلسل الأحاديث عند الزركشي وثلاثة لتسلسلها في العمدة نسخة مكتبة الرياض الحديثة.
10- سجلت خاتمة للبحث.
11- أعددت فهارس للبحث.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الفصل الثاني:
تسمية الكتاب ووصف النخ الخطية(34/1)
لم يتطرق الزركشي رحمه الله في مقدمة كتابه هذا إلى تحديد مسماه، وقد حاولت أن أجد ما أدعم به التسمية المثبتة على إحدى النسخ الخطية وهي الأقرب في نظري وبحثاً عن المستند رجعت أولاًَ إلى الدارسين لبعض كتب الزركشي فوجدت الدكتور عبد الرحيم القشقري يسميه (التعليق على عمدة الأحكام) [106] ولم يذكر مستند هذه التسمية فلما رجعت إلى دراسة الدكتور السيد وجدته يسميه (النكت على عمدة الأحكام) [107] ولم يذكر مستنده في هذا، بل عزا إلى الداودي تسمية أخرى، وما علمت وجه ترجيح الدكتور هذه التسمية على ما ذكر الداودي، فرمت الفائدة من دراسة الشيخ الأفغاني، فما وجدته تعرض لذكره ضمن المؤلفات [108] ، فعدت إلى دراسة الشيخ على القره فلم يذكر شيئاً هو الآخر عن الكتاب [109] ، فرجعت إلى المصادر بحثاً عن تأييد للتسمية، أو تصحيح لها ولم أقف على شيء، إلا ما عند الداودي رحمه الله قال: وشرح العمدة. وهذه التسمية كتبت بخط صغير جانبي تحت كلمة (صح) على وجه النسخة الأصل (أ) في الطرف الأيسر، وهذه صورته (صح شرح عمدة الأحكام) وفي نظري أنها من عمل مالك النسخة، وليست عنواناً أو تسمية من المؤلف لكتابه هذا، والذي تقرر لدي حتى الآن أن التسمية الموافقة لمنهج الزركشي في كتابه هذا ما أثبت على النسخة الأخرى (ب) في وسط الصفحة من وجه النسخة فقد كتب أولاً كلمة (كتاب) وتحتها كتب (تصحيح العمدة) وتحتها كتب (للإمام الزركشي) فتكون التسمية هكذا (كتاب تصحيح العمدة للإمام الزركشي) لذا اعتمدته اسما للكتاب، واعتبرته تصحيحاً من النسخة (ب) للنسخة الأصل (أ) .
وصف النسخ:(34/2)
النسخة الأصل (أ) : هذه النسخة صورتها الجامعة الإسلامية عن المكتبة السعيدية بحيدر آباد الهند، وسجلت تحت رقم 98 حديث. عدد صفحاتها أربع وتسعون صفحة، مقاس 18×15سم، في سبع وأربعين لوحة خطية، في كل صفحة واحد وعشرون سطرا، كتبت بخط نسخي واضح جلي، وكتبت عناوين الأبواب بالحمرة، وقد كتب على وجه النسخة في أعلى الصفحة تملك هذه صورته (الحمد لله وقد منَّ [110] الله على عبده بواسع فضله بتمليك هذا الكتاب المبارك، وأنا الفقير إلى الله الغني، عبد الكريم بن عبد الله الشريف، المكي، في 1177في ذي القعدة الحرام مضى منه (23) [111] وتحته خاتم.
وفي الجانب الأيمن كتبت عبارة (صح شرح عمدة الأحكام) وفي أسفل الصفحة دون المنتصف كتب الكلام التالي.
(اعلم أن ما على النوع الأول من هذا الكتاب من الحواشي، نقلتها جميعها من خط الشيخ، الإمام العالم، العلامة برهان الدين بن خضر، أحد تلامذة شيخ الإسلام ابن حجر، تغمدهما الله برحمته، وأن ما صرحت فيها بقولي: بخط ابن خضر، وجدتها بخطه من غير نسبة، وما قلت فيه قال شيخنا، وجدته بخط ابن خضر منسوباً كما نقلته) .
وأول هذه النسخة (بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، الحمد لله الذي جعل الحديث النبوي العمدة في الأحكام ... ) وآخرها ( ... قاله صاحب ضياء الحلوم والله أعلم. فرغ من كتابته محمد بن خليل الصالحي، الحنفي، في يوم الأحد تاسع عشر ذي القعدة الحرام، عام إحدى وستين وثمانمائة، وحسبنا الله ونعم الوكيل) . أسباب ترجيح هذه النسخة، واعتمادها أصلاً للتحقيق:
1- لأنها أقل سقطا بينما يكثر السقط في الأخرى لاسيما في النوع الثاني من الكتاب.
2- كتبت عليها حواشي مفيدة لتلميذ الحافظ ابن حجر [112] .
3- عليها إشارة عرض ومقابلة بأصل وهي قوله. (صح شرح عمدة الأحكام) .(34/3)
4- دون تاريخ الفراغ منْ كتابتها، كما سلف نقله وكان بعد وفاة المصنف بسبع وستين سنة.
5- لم تكن هذه الميزات موجودة في النسخة الأخرى.
النسخة (ب) .
وهي مطابقة لسابقتها من حيث المقاس وعدد الأسطر إلا أن الكلمات في سطورها أكثر الأمر الذي جعل عدد صفحاتها أقل من سابقتها وهي ثمان وسبعون صفحة، في تسع وثلاثين لوحة خطية، كتبت بخط نسخي جيد، وكتب على وجه النسخة اسم الكتاب في أعلى الصفحة كلمة (كتاب) وتحتها عبارة (تصحيح العمدة) وتحتها عبارة (للإمام الزركشي) وفي الجانب الأيسر كتب تملك، وهذه صورته (من كتب محمد بن عبد الوهاب الكندي) وتحته في نصف الصفحة تملك آخر، وصورته (مما ملكه العبد الفقير إلى الله أحمد الحضرمي غفر الله له) وتحت اسم الكتاب كتب الكلام التالي.:
(منقبة عمدة الأحكام:
ذكر القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية في تاريخ حلب أن بعض أهل حلب رأى شيخنا سراج الدين البلقيني في المنام فقال له: قل لبرهان الدين المحدث يقرأ عمدة الأحكام، ليفرج الله عن أهل حلب، فقصها على البرهان، فاجتمع جمع فقرأه البرهان، ودعوا، فاتفق أنه في آخر النهار، كسروا فرقة حاصرتهم في حلب، وبعد يومين رحلوا بأسرهم عن حلب، وحصل الفرج بحمد الله تعالى) نقله كاتبه من إنباء الغمر لابن حجر، ونقل منه أيضاً ترجمة مصنف الكتاب تحت هذا العنوان. وهذا من تصرف مالك النسخة حيث سجل بنفس الخط بجانب الترجمة (دخل في ملك الفقير إلى الله علي بن.... [113] .
(76-80 صور المخطوط)
القسم الثالث
تحقيق نصوص الكتاب
مقدمة المصنف رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله على سيدنا [114] محمد وآله وسلم.(34/4)
الحمد لله [115] الذي جعل الحديث النبوي العمدة في الأحكام، وبين بالسنة ما في الكتاب من الحلال والحرام، والصلاة على سيدنا محمد الذي أوتي جوامع الكلام، واختصر [116] له الكلام، وقال: "بلغوا عني ولو آية" [117] خطاباً للرواة على ممر الأيام، صلاة مشفوعة من السلام بالسلام، وعلى آله الكرام، وصحبه نجوم الظلام، ما روّى مسلسل الغيث الغمام، وأبكى على [118] أوراق الغصون حمام، أما بعد:
فإن حفظ الحديث النبوي يرقيّ إلى أرفع مقام، والاعتناء بمعانيه يوجب الفوز بالسلامة، في دار السلام، وكأن كتاب العمدة للحافظ تقي الدين، أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي [119] بن سرور المقدسي، رحمه الله- تعالى-[120] قد طار في الخافقين ذكره، و ذاع-[121] بين الأئمة نشره، واعتنى الناس بحفظه وتفهمه، وأكبوا على تعليمه وتعلمه، لا جرم اعتنى الأئمة بشرحه، وانتدبوا لإبراز معانيه عن سهام قدحه [122] ، كان من المهم في ذلك بيان نوعين مهمين:
أحدهما: اعتبار [123] ما فيه، فإن مصنفه رحمه الله قد التزم أن جميع ما فيه المتفق عليه [124] ، وقد وجد فيه خلاف هذا الشرط، والتصريح بحمل هذا الربط، فلابد من الوقوف على تمييز ذلك.
الثاني: تحرير ألفاظ يقع فيها التصحيف، ويؤدي بها ذلك إلى التحريف، ولا يجد الإنسان سبيلاً إلى عرفانها ولو كشف عليها، ولا في كلام أحد من الشراح الإِشارة إليها، والاعتناء بهذا القدر أهم [125] من الأول، لأنه تحرير [126] في الأداء، واحتياط للسنة الغراء، فاستخرت الله في إفراد هذين النوعين، بخصوصهما، وذكرت منهما ما تيسر الوقوف عليه، بعد التنقيب والتهذيب، والله سبحانه المسئول في الإِعانة، إنه قريب مجيب، لا مرجواً سواه.
النوع الأول
تبيين [127] ما وقع فيه الوهم بالنسبة إلى التخريج في كتاب الطهارة إلى الصلاة.(34/5)
(3) حديث عائشة [128] "ويل للأعقاب من النارية" [129] تفرد به مسلم [130] ولم يخرجه البخاري من حديثها [131] ، نبه عليه عبد الحق [132] في الجمع بين الصحيحين [133] .
(4) حديث أبى هريرة [134] "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا" [135] هذا لفظ مسلم [136] ، ولم يذكر البخاري التثليث [137] .
(6) حديث أبى هريرة "إذا لغلب [138] الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً" [139] ولمسلم "أولاهن بالتراب" [140] انتهى. كذا [141] رأيته في نسخة عليها خط المصنف [142] ، وإنما رواه البخاري بلفظ "شرب " [143] ورواها مسلم أيضا وروى "ولغ " [144] وهذا الذي يعرفه أهل اللغة.
(6) وقوله: وله في حديث عبد الله بن مغفل [145] . صريح في انفراد مسلم بهذه الرواية [146] ، ووهم ابن الجوزي في كتاب التحقيق فقال: تفرد بها البخاري [147] ، وهو سبق قلم.
(8) حديث [148] عمرو بن يحي المازني [149] ، عن أبيه [150] ، قال:"شهدت عمرو بن أبي الحسن [151] ، سأل عبد الله بن زيد [152] ، عن وضوء [153] رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فدعا بتور [154] من ماء ... " [155] إلى آخره، لفظة التور ليست في شيء من روايات البخاري [156] ، وإنما هي من أفراد مسلم [157] ، وقوله: "أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... "إلى آخر الرواية، من أفراد مسلم [158] .
(10) حديث أبي هريرة، في إطالة الغرة [159] والتحجيل [160] ، وقوله: "من استطاع منكم أن يطيل غرته" [161] إلى آخره، هذه رواية، وفي الصحيحين أيضاً "وتحجيله" [162] وادعى بعضهم أن قوله: "من استطاع " إلى آخره من قول أبي هريرة، مدرج في الحديث [163] .(34/6)
(18) حديث [164] حذيفة: "كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك" [165] انتهى وعلى هذا اللفظ شرح ابن دقيق العيد [166] ، وفي نسخة أخرى "إذا قام من النوم " وادعى ابن العطار في شرحه أنه لفظ الصحيحين، وهو المذكور في كتاب الإمام بلفظ "النوم " بدل [167] "الليل " وقال: أخرجوه إلا الترمذي [168] . قلت: وليس كذلك فقد ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين بلفظ "الليل " [169] وكذا في البخاري هنا [170] ، ورواه في كتاب الجمعة بلفظ "كان إذا قام للتهجد من الليل " [171] .
(25) حديث [172] أبي موسى، باللفظ الذي أورده [173] ، هو للبخاري [174] ، ولفظ مسلم "دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وطرف السواك على لسانه " [175] انتهى، ولم يذكر الصفة، وكذا حرره عبد الحق في الجمع بين الصحيحين [176] .
(22) حديث [177] حذيفة أيضاً، في المسح على الخفين ذكره المصنف مختصرا [178] ، ولفظه في الصحيحين عنه قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فانتهى إلى سباطة [179] قوم فبال قائما، فتنحيت فقال: أدنه، فدنوت منه حتى قمت عند عقبه، فتوضأ" [180] زاد مسلم "فمسح على خفيه " [181] قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين: ولم يذكر البخاري في روايته هذه الزيادة، وعلى هذا فلا يحسن من المصنف عد هذا الحديث في هذا الباب من المتفق عليه [182] .
10 (23) حديث [183] علي [184] في رواية البخاري "اغسل ذكرك وتوضأ" [185] انتهى، والذي أورده البخاري بلفظ "توضأ واغسل ذكرك " وترجم عليها باب غسل المذي والوضوء [186] ورواية مسلم "توضأ وانضح فرجك " [187] استدركها عليه الدارقطني فإن فيها انقطاعا [188] جمع استدراكاته.
11 (28) حديث أبي هريرة في باب الجنابة [189] ، في أوله انقطاع [190] في رواية مسلم ذكره المازري في المعلم [191] ، ووصله البخاري [192] وغيره.(34/7)
12 (38) حديث جابر [193] "أعطيت خمساً- إلى أن قال:- وبعثت إلى الناس كافة" [194] هذا اللفظ للبخاري [195] ولم يروه مسلم كذلك، إنما رواه بلفظ "وبعثت إلى كل أحمر وأسود" [196] ولعل المصنف اغتفر ذلك ظنا منه ترادفهما، وقد يفرق بينهما بما تعطيه الصيغة من كل واحد منهما.
على أن رواية مسلم أقوى في نظر الحديثي [197] ، لأنه رواها عن شيخه يحيى بن يحيى، عن هشيم، والبخاري روى لفظه عن محمد بن سنان، عن هشيم، ويحيى أجل من محمد بن سنان، فهي رواية يقدم الحافظ لها على من روى بالمعنى.
13 (40) حديث عائشة "أن أم حبيبة [198] استحيضت، فأمرها أن تغتسل لكل صلاة" [199] انتهى. غسلها لكل صلاة لم يقع بأمره صلى الله عليه وسلم، كما بين في رواية مسلم ولفظه "فأمرها أن تغتسل، فكانت تغتسل لكل صلاة" [200] وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين [201] .
14 (43) حديث معاذة [202] ، عن عائشة "كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة" [203] انتهى. ولم يذكره البخاري بهذا اللفظ، وإنما أورده بلفظ "قد كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يأمرنا به، أو قالت فلا نفعله " هكذا أورده البخاري، وليس فيه "فنؤمر بقضاء الصوم" [204] وإنما هذا السياق الذي أورده المصنف لمسلم [205] ، وأيضا فإن البخاري لم يذكر أن السائلة معاذة. بل ساقه من جهة قتادة، عن معاذة "أن امرأة قالت لعائشة: أتجزئ إحدانا صلاتها إذا تطهرت؟ فقالت: أحرورية أنت؟! قد كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يأمرنا به، أو قالت: فلا نفعله " [206] هذا لفظه، وهو قريب لأن رواية مسلم بينت [207] أنها هي السائلة [208] .(34/8)
15 (52) حديث أبي سعيد الخدري [209] "لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس" [210] هذا لفظ البخاري [211] ، وإنما لفظ مسلم [212] "لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع " [213] ورواية البخاري محمولة على هذه، ولو ذكر المصنف رواية مسلم كان أولى.
قوله: (وفي الباب ... ) إلى آخره [214] .
هذا تابع فيه الترمذي، لكن المصنف قد توهم [215] أن ذلك كله متفق عليه، وليس كذلك، وإنما اتفقا على حديث ابن عمر [216] ، وأبى هريرة [217] ، وانفرد مسلم بحديث عائشة [218] ، وابن عبسة [219] ، وأخرج أبو داود حديث علي [220] ، وأخرج ابن ماجة حديث الصنابحي [221] ، وأخرج الطبراني حديث ابن العاص [222] ، وزيد [223] ، وابن مرة [224] ، وأخرج الطحاوي [225] حديث سمرة.
قوله: (والصنابحي لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، هذا نقله الترمذي عن البخاري، قال الترمذي في حديث الوضوء: سألت البخاري عنه فقال: عبد الله الصنابحي [226] ، وهو أبو عبد الله الصنابحي، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه مرسل [227] ، انتهى.
ولما رأى المصنف حديثه في النهي عن الأوقات في سنن النسائي من جهة مالك، وسماه عبد الله [228] ، وفي سنن ابن ماجة، وسماه أبا عبد الله [229] ، قطع بذلك، لكن جاء في مسند أحمد التصريح بالسماع فقال:(34/9)
حدثنا روح [230] قال: نا مالك [231] وزهير بن محمد [232] قالا: نا زيد بن أسلم [233] ، عن عطاء بن يسار [234] قال: سمعت عبد الله الصنابحي [235] يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تطلع الشمس بين قرني الشيطان" [236] – ح - ونقل البيهقي في السنن الكبير [237] ، عن عباس الدوري [238] ، سمعت يحي بن معين يقول: يروي عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي، صحابي، ويقال أبو عبد الله، والصنابحي صاحب أبي بكر، عبد الرحمن بن عسيلة [239] ، انتهى فجعلها اثنين [240] ، وإلى هذا مال أبو الحسن بن القطان [241] ، وغيره.
16 (66) حديث أنس بن سيرين [242] "حين قدم من الشام " [243] هذه رواية البخاري [244] ، ورواية مسلم "حين قدم الشام "بإسقاط (من) [245] قال القاضي عياض: وقيل: إنه وهم، وأن الصواب إثباتها كما رواه البخاري [246] ، وخالفه النووي وقال: رواية مسلم صحيحة، ومعناه تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام [247] .
17 (69) حديث أنس بن مالك [248] "أن جدته مليكة [249] دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " [250] إلى آخره.
ما صرح به من أنها جدة أنس بن مالك، خلاف المشهور [251] ، وذلك أن الحديث يرويه إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة [252] ، عن أنس، فالضمير في جدته يعود إلى إسحاق بن عبد الله، وهي أم أبيه، قاله [253] الحافظ أبو عمر [254] بن عبد البر [255] ، والقاضي عياض [256] ، والنووي [257]- رحمهم الله -[258] وغيرهم.(34/10)
فكان ينبغي للمصنف أن يذكر إسحاق ليعود الضمير عليه، فتكون [259] أم أنس، لأن إسحاق ابن أخي أنس لأمه [260] ، ولما أسقط المصنف ذكر إسحاق لم يبق للضمير مرجع لغير أنس [261] ، نعم قال غير أبي عمر: إنها جدة أنس أم أمه، وهي جدة لإسحاق أم أبيه، قاله أبو الحسن بن الحصار [262] في تقريب المدارك [263] ، وعلى كل حال فكان ينبغي للمصنف إثبات إسحاق ليخرج من الخلاف [264] ، وقد روى النسائي من جهة إسحاق بن عبد الله "أن أم سليم سألت رسول الله أن يأتيها ... " [265] الحديث.
18 (71) حديث [266] أبي هريرة "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام، أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار" رواه البخاري بلفظ "يجعل" [267] فيهما، وكذا ذكره الحميدي في جمعه بين الصحيحين [268] ، وذكره المجد بن تيميه [269] في المنتقى بلفظ "يحول" [270] فيهما، وعزاه لرواية الجماعة، والمصنف ذكره في الأولى دون الثانية [271] .
19 (74) حديث عبد الله بن يزيد، الخطمي، الأنصاري [272] قال: "حدثني البراء [273] ، وهو غير كذوب ... "إلى آخره.(34/11)
ظاهره أن القائل (وهو غير كذوب) هو عبد الله بن يزيد، والضمير للبراء، وليس كذلك، بل قائله أبو إسحاق السبيعي [274] ، في عبد الله بن يزيد، فإنه الراوي عنه [275] ، فكان ينبغي للمصنف أن يقول: عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن يزيد، وقد سبق نظيره في حديث أنس [276] هكذا قاله الحفاظ، يحيى بن معين [277] ، وأبو بكر الخطيب [278] ، والحميدي [279] ، وابن الجوزي [280] ، وغيرهم. قال يحي بن معين: لأن البراء صحابي لا يحتاج إلى تزكية، ولا يحسن فيه هذا القول [281] ، وأما النووي فلما حكاه عن يحيى بن معين قال: هذا خطأ، والصواب عند العلماء أن القائل: (وهو غير كذوب) عبد الله بن يزيد في البراء، ومعناه تقوية الحديث، وتفخيمه وتمكينه في النفس، لا التزكية، ونظيره قول ابن مسعود: "حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق " [282] وأيضا فعبد الله بن يزيد صحابي أيضاً، فالمحذور الذي تخيله ابن معين في البراء مانعاً، موجود فيه أيضا [283] ، وعلى هذا فكلام المصنف مستقيم، لكن لو ذكر أبا إسحاق لكان أحسن، لاحتمال الكلام الوجهين [284] معا فيخرج من الخلاف، وقد سبقه إلى ذلك الحميدي في الجمع بين الصحيحين [285] .
وفي سؤالات الآجري قلت لأبي داود: عبد الله بن يزيد الخطمي، الأنصاري؟ قال: له رؤية يقولون. قال أبو داود: وسمعت يحي بن معين يقول هذا. وسمعت مصعب الزبيري يقول: ليس له صحبة [286] . قال: وهو الذي قتل الأعمى [287] أمه، وهو [288] الطفل الذي سقط بين رجليها [289]- التي-[290] سبّت النبي صلى الله عليه وسلم [291] .
20 (76،77) حديث أبي هريرة "من أم الناس فليوجز" [292] هي رواية مسلم [293] وقال البخاري: "فليتجوز" [294] قوله: "فإن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة"ولم يذكر البخاري [295] "ذا الحاجة".(34/12)
21 (79) حديث عائشة "في الاستفتاح في الصلاة" [296] قال ابن دقيق العيد: سها المصنف في إيراده في هذا المكان فإنه مما انفرد به مسلم عن البخاري [297] .
22 (87) حديث أبي قلابة [298] قال: "جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا" [299] الحديث. هو من أفراد البخاري [300] قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين:
لم يخرج مسلم هذا الحديث [301] ، وسها المصنف [302] في إيراده من المتفق عليه [303] . وقد نبه على هذا ابن دقيق العيد أيضا قال: وأيضاً فإن البخاري أخرجه من طرق، منها رواية وهيب [304] ، فأكثر ألفاظ هذه الرواية التي ذكرها المصنف هي رواية وهيب وفي آخرها في كتاب البخاري "وإذا رفع رأسه في السجدة الثانية، جلس واعتمد على الأرض [305] ، وقام " [306] .
وفي رواية خالد، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث الليثي "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم- يصلي-[307] فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا" [308] .
23 (100) حديث محمد بن سيرين [309] ، عن أبى هريرة "في سجود السهو" [310] قوله: "فنبئت أن عمران بن حصين قال: "ثم [311] سلم "- القائل هذا، هو محمد بن سيرين، الراوي عن أبى هريرة، فكان ينبغي للمصنف أن يذكره، لئلا يوهم أنه قول أبي هريرة.
24 (101) حديث عبد الله بن مالك بن بحينة [312] "فقام في الركعتين ولم يجلس" [313] رواية مسلم بالفاء "فلم يجلس" [314] وبها استدل القاضي عياض على أنه لم يرجع - إلى-[315] الجلوس بعد التنبيه له [316] .
25 (102) حديث أبي جهيم [317] ، "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم " [318] ، هكذا وقع في نسخ العمدة أعني ذكر الإثم، وليس في الصحيحين [319] ذلك، لكن قيل إنها وقعت في بعض طرق البخاري [320] ، من رواية أبي الهيثم، ذكره عبد الحق في الجمع بين الصحيحين [321] .(34/13)
26 (104) حديث ابن عباس "أقبلت راكباً على حمار أتان " [322] هي رواية البخاري [323] ، ولمسلم روايتان [324] ، إحداهما أتان، والأخرى حمار.
27 (107) حديث زيد بن أرقم [325] ، "فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام " [326] . لم يقل البخاري "ونهينا عن الكلام " [327] وإنما هي من أفراد مسلم [328] .
28 (117) حديث أبى هريرة في التشهد [329] :
قوله: وفي لفظ مسلم "إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع " [330]
هكذا قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين [331] : إن هذا من أفراد مسلم.
وأما النووي فعزاه في شرح المهذب [332] ، والأذكار [333] إلى البخاري أيضاً، وكأنه أراد أصل الحديث. [334]
29 (122) حديث عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء، إلا في آخرها" [335] قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين: إن البخاري لم يخرج هذا اللفظ [336] . وأما الحميدي فجعله من المتفق عليه [337] والأول أولى [338] .
30 (125) حديث أبي هريرة في التسبيح والتحميد والتكبير عقب الصلاة [339] : لم يذكر البخاري رجوعهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم [340] . وقولهم: "سمع إخواننا ... " إلى آخره قاله الحافظ ضياء الدين في أحكامه [341] . وقال الحافظ رشيد الدين العطار: قول مسلم في آخر الحديث: "قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... "إلى آخره مرسل لم يسنده أبو صالح [342] ، وقد أخرجه البخاري في مواضع من كتابه [343] . ولم يذكر فيه الزيادة من قول أبي صالح إلا مسلماً، وقد أخرجه من وجه آخر عن أبي صالح، وفيه هذه الزيادة متصلة مع سائر الحديث. قال: إلا أنه أدرج في حديث أبي هريرة قول أبي صالح: "فرجع فقراء المهاجرين"إلى آخره قال: وقوله: حدثت بعض أهلي - بهذا الحديث [344]- فقال: - وهمت [345]- هو غير متصل.(34/14)
31 (127) حديث ابن عباس "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء" [346] هذا اللفظ للبخاري [347] دون مسلم.
كما قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين [348] ، ونبه عليه ابن دقيق العيد [349] ، وأطلق المصنف إخراجه عنهما [350] ، نظراً إلى أصل الحديث على عادة المحدثين، فإن مسلماً أخرج من رواية ابن عباس الجمع بين الصلاتين في الجملة، من غير اعتبار لفظ بعينه [351] ، وهو المتفق عليه، - ثم ينبغي التنبيه على أن البخاري علقه ولم يصل سنده، فإنه قال: وقال إبراهيم بن طهمان: عن حسين [352] ، عن يحي [353] ، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكره [354] . والبخاري لم يدرك إبراهيم بن طهمان [355] ، ففي إطلاقه أنه رواه مشاحة قوية، والعجب من ابن الأثير في شرح المسند حيث ادعى أن مسلماً أخرجه [356] ، وساق سنده الذي فيه التصريح وذلك في عرض سطر -[357] .
32 (128) حديث ابن عمر [358] "صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين" [359] .(34/15)
قال الشيخ تقي الدين: هذا لفظ رواية البخاري [360] ، ولفظ رواية مسلم أكثر وأزيد، ولم يبين تلك الزيادة [361] . وقال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين [362] : روى مسلم عن حفص بن عاصم بن عمر الخطاب قال: "صحبت ابن عمر في طريق مكة فصلى الظهر ركعتين ثم أقبل، وأقبلنا معه حتى جاء رحله، وجلس وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى، فرأى ناساً قياماً فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون [363] . قال: لو كنت مسبحاً أتممت صلاتي، يا ابن أخي صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [364] . قال عبد الحق: خرجه البخاري من قوله: "صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... "إلى آخره [365] ، والصحيح أن عثمان أتم في آخر أمره [366] ، على ما يأتي بعد إن شاء الله تعالى.
33 (132) حديث ابن عمر - رضي الله عنهما [367]- "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم، يفصل بينهما بجلوس" [368] قال ابن دقيق العيد: لم أقف عليه بهذا اللفظ في الصحيحين، فمن أراد تصحيحه فعليه إبرازه [369] . ولفظ الصحيحين من حديث ابن عمر "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً، ثم يجلس ثم يقوم كما يفعلون اليوم" [370] وفي لفظ "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين يفصل بينهما" [371] وعليه اقتصر الحميدي في جمعه [372] ، ورواه النسائي بلفظ "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين قائما، وكان يفصل بينهما بجلوس " [373] وقد ذكر ابن العطار في شرحه هذا الحديث من رواية جابر ثم قال: إنه جابر بن سمرة، كما هو مبين في صحيح مسلم [374] ، ثم ساق ترجمته [375] . وهو عجيب لم يقع في العمدة من روايته، ولا يمكن ذلك لأنه من أفراد مسلم [376] .(34/16)
34 (146) حديث عبد الله بن زيد في صلاة الاستسقاء "وجهر فيها بالقراءة" [377] هذا من أفراد البخاري [378] ، كما قاله النووي في شرح مسلم [379] .
35 (150) حديث جابر في صلاة [380] ، ثم قال: أخرجه مسلم بتمامه [381] ، وأخرج البخاري طرفاً منه، وأنه صار مع النبي صلى الله عليه وسلم، في الغزوة السابعة، غزوة ذات الرقاع، فيه وهمان:
أحدهما [382] : أن البخاري لم يخرجه ولا شيئاً منه [383] ، وإنما أخرج البخاري من حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر في غزوة ذات الرقاع، وليس فيه صفة الصلاة [384] ، وذات الرقاع مخالفة لهذه الكيفية، فتبين أنه ليس طرفاً منه، وإنما حمله على ذلك كونه من حديث جابر في الجملة [385] .
الوهم الثاني: قوله: "في الغزوة السابعة، غزوة ذات الرقاع، وذات الرقاع ليست سابعة"ولفظ البخاري "في غزوة السابعة" [386] بحذف الألف واللام من "غزوة "والمراد في غزوة السنة السابعة، وقصد البخاري الاستشهاد به على أن ذات الرقاع بعد خيبر [387] ، وهذا ظاهر على رأي البخاري، فإنه يقول: إنها بعد خيبر، فلا إشكال في كونها في السنة السابعة، لكن جمهور أهل السير خالفوه [388] .
36 (149) قوله "الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم [389] هو سهل بن أبي حَثَمَة" [390] هذا الذي قاله في تعيين المبهم ذكره عبد الحق [391] ، وابن عبد البر [392] وغيرهما، وهو عجيب وكيف يكون هذا؟! وقد كان سهل إذ ذاك صغيرا، أكثر ما يكون عمره أربع سنين، أو خمس فإنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان عمره ثمان (سنين) [393] بالاتفاق [394] ، وقد رجح ابن العطار أن سهلاً لم يشهد هذه الواقعة [395] ، وهو الصواب، وقد قال الإمام الرافعي في شرح الوجيز: إن هذا المبهم هو خوات بن جبير [396] ، وهو أقرب إلى الصواب كما أوضحته في الذهب الإبريز [397] .
ومن كتاب الجنائز إلى كتاب الحج(34/17)
37 (156) حديث ابن عباس - رضي الله عنه [398]- وفي رواية "ولا تخمروا وجهه ولا رأسه" [399] هذه رواية مسلم [400] ، فكان ينبغي التنبيه عليه، قال البيهقي: وذكر الوجه وهم من بعض الرواة في الإسناد والمتن - جميعا -[401] والصحيح "لا تغطوا رأسه" [402] كذا أخرجه البخاري، وذكر الوجه غريب [403] .
38 (167) حديث أبي هريرة، وفي لفظ "إلا زكاة الفطر في الرقيق" [404] هذه من أفراد مسلم [405] .
39 (169) حديثه أيضاً في بعث عمر على الصدقة، من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أما العباس فهي عليَّ، ومثلها - معها [406]-" لم يروه البخاري بهذا اللفظ، بل لفظه"وأما العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي عليه صدقة، ومثلها معها" [407] وليس عنده "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر" [408] ولا قوله: "أما شعرت يا عمر أن الرجل صنو أبيه" [409] وقد نبه الحافظ الضياء في أحكامه [410] لذلك. فساق الحديث بتمامه ثم قال: رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظه، وليس في رواية البخاري ذكر عمر، وعنده [411] "وأما العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي عليه صدقة، ومثلها معها" وليس عنده قوله: "أما شعرت ... " [412] إلى آخره.(34/18)
40 (186) حديث عائشة- رضي الله عنها-[413] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" [414] وأخرجه أبو داود وقال: هذا في النذر [415] ، وهو قول أحمد بن حنبل [416] ، قال الشيخ تقي الدين: ليس هذا الحديث مما اتفق الشيخان على إخراجه [417] . وليس كما قال الشيخ فقد أخرجه البخاري [418] ومسلم [419] جميعا، كما نبه عليه عبد الحق في الجمع بين الصحيحين [420] ، وكذلك ذكره صاحب المنتقى [421] ، ولعل الواقع في نسخ العمدة تحريف، وكأنه إنما قال: هذا الحديث مما اتفق على إخراجه لأن المصنف لما قال: وأخرجه أبو داود أراد الشيخ أن يبين أنه في الصحيحين كما هو شرط المصنف ولو كانت ليست ثابتة في الأصل لقال: بل خرجه مسلم.
41 (190) حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنة-[422] "فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر" [423] عزاه المصنف إلى رواية مسلم وهو وهم، وإنما هو من أفراد البخاري [424] ، كما قاله عبد الحق في جمعه [425] بين الصحيحين، وكذا قال صاحب المنتقى [426] ، والضياء في أحكامه [427] ، وكذا المصنف في عمدته الكبرى [428] ، عزاها للبخاري [429] فقط فالظاهر أن ما وقع في الصغرى [430] سبق قلم، وقول المصنف بعد أن أخرج حديث ابن عمر: رواها أبو هريرة، وعائشة، وأنس، أراد أن يبين- أن-[431] أحاديثهم [432] في الصحيحين، وأن أبا سعيد في حديثه زيادة "إلى السحر" من أجل معتقده جواز الوصال إليه.(34/19)
42 (197) حديث أبي سعيد الخدري قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين، الفطر والنحر" [433] إلى قوله: أخرجه مسلم بتمامه [434] ، وأخرج البخاري الصوم فقط، انتهى. هذا غريب فقد أخرجه البخاري بتمامه في هذا الباب من صحيحه، وترجم عليه (باب صوم يوم الفطر) [435] ثم قال عقيبه: (باب الصوم يوم النحر) [436] وذكره أيضاًً لكن بدون "الصماء" و"الاحتباء" [437] وكأن المصنف لم ينظر هذا، إنما نظره في باب ستر العورة فإنه ذكر طرفاً منه بدون الصوم والصلاة [438] .
43 (200) حديث عائشة: أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم قال: "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر" [439] انتهى. وهو صريح في أن لفظة "في الوتر" متفق عليها، وليس كذلك، بل هي من أفراد البخاري [440] ، ولم يخرجها مسلم [441] من حديث عائشة، ووقع للشيخ تقي الدين [442] هنا شيء ينبغي التنبيه عليه، فإنه قال: بعد أن ذكر حديث عائشة: هذا يدل على ما دل عليه الحديث الذي قبله، مع زيادة الاختصاص بالوتر من العشر الأواخر [443] . انتهى. والحديث الذي قبله هو حديث ابن عمر "أن رجالاً من الصحابة رأوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر" [444] وهذا الحديث لا يدل على ما دل عليه حديث عائشة بالزيادة التي [445] ذكرها الشارح، فالتماس الوتر من السبع الأواخر غير التماس الوتر من السبع الأواخر [446] .(34/20)
44 (201) حديث أبي سعيد الخدري "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاماً حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين، التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه" [447] انتهى. وهذا اللفظ وهو قوله: "حتى إذا كانت ... "إلى آخره لم يخرجه مسلم [448] ، وإنما هو في بعض روايات البخاري [449] ، بل الذي دل عليه طرف الحديث فيهما أن ليلة إحدى وعشرين ليست هي الليلة التي كان يخرج - من -[450] صبيحتها من اعتكافه، بل الخروج للخطبة كان من صبيحة إحدى وعشرين، والخروج من الاعتكاف والعودة إلى المسكن - كان -[451] في مساء يوم الموفي عشرين، لا في صبيحة الحادي والعشرين [452] .
ومن كتاب الحج إلى البيوع
45 (210) حديث ابن عمر في التلبية قال: "كان ابن عمر يزيد فيها لبيك وسعديك" [453] هذه الزيادة ليست في البخاري، بل أخرجها مسلم خاصة، كما نبه عليه عبد الحق في جمعه [454] .
46 (211) حديث أبي هريرة قوله: وفي لفظ للبخاري [455] "لا تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم" [456] يوهم انفراد البخاري [457] به، وليس كذلك فقد أخرجه مسلم [458] أيضا.
47 (215) حديث عائشة: "خمس من الدواب كلهن فاسق ... " [459] إلى آخره اعلم أن اللفظ الأول للبخاري [460] ، ولمسلم مثله إلا أنه قال: "فواسق" بدل "فاسق " [461] وأما اللفظ الثاني الذي عزاه لمسلم فليس فيه كذلك، وإنما لفظه "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم [462] وفي رواية- له-[463] قالت: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرم " [464] ولعل المصنف أراده لكن ليس هو لفظ الراوي [465] .
48 (229) حديث عائشة "أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة غنماً " [466] هذا لفظ البخاري [467] ، ورواه مسلم كذلك وزاد "إلى البيت فقلدها" [468] .(34/21)
49 (238) حديث عبد الله بن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أرمي" [469] هذا الحديث ثابت في الصحيحين [470] ، كما قال وذكره الشيخ في شرحه من طريق عبد الله [471] بن عمر وهو سهو.
50 (243) حديث ابن عمر "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع [472] ، لكل واحد منهما بإقامة، ولم يسبح [473] بينهما" [474] هذا لفظ البخاري [475] ، بزيادة وإسقاط، فأما الزيادة فهي لفظه "كل" بعد قوله: "إثر" وأما الإسقاط فهو "اللام"من قوله "لكل واحدة منها" ومسلم ذكره بألفاظ [476] .
ومن كتاب البيوع إلى النكاح
51 (257) حديث رافع بن خديج "ثمن الكلب خبيث، وكسب الحجام خبيث" [477] هذا الحديث من أفراد مسلم [478] كما نبه عليه عبد الحق [479] ، وغيره، وأغرب الحميدي فلم يذكره أصلاً في ترجمة رافع [480] ، مع أن مسلماً كرره في البيوع من صحيحه [481] .(34/22)
52 (260) حديث عمر في [482] العرايا قوله: ولمسلم "من ابتاع عبداً، فما له للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع" [483] كذا فعل في عمدته الكبرى [484] ، وهو صريح [485] في أنها من أفراد مسلم [486] ، وليس كذلك فقد أخرجها البخاري [487] أيضاً في باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو نخل، ولفظه "من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع، ومن ابتاع عبداً وله مال فما له للذي ابتاعه، إلا أن يشترط المبتاع" [488] . الذي أوقع المصنف في ذلك، عدم ذكر البخاري له في باب (البيع) [489] واقتصاره على القطعة الأولى، وليس كذلك، فقد أخرجه في غير مظنته، ولهذا نسبه الحافظان المنذري في مختصره للسنن [490] ، والضياء في أحكامه [491] للبخاري ومسلم، ووقع لابن العطار الشارح في هذا الموضع وهم، فإنه قال: هذه الزيادة التي نسبها لمسلم رواها الشيخان أيضاً في صحيحيهما، لكن من رواية سالم عن أبيه، ولا يضر ذلك لأن سالما ثقة، وهو أجل من نافع، فزيادته مقبولة، وقد أشار النسائي [492] ، والدارقطني [493] إلى ترجيح رواية نافع، وهذه إشارة مردودة، قال: فحينئذ المصنف معذور من حيث أنه يروي الحديث عن ابن عمر، والزيادة عنه أيضاً، والذي خرجاه في الصحيحين [494] روايتهما عن ابن عمر عن أبيه، هذا كلام ابن العطار [495] . وهو مردود بأن هذا الحديث لم يروه الشيخان من حديث ابن عمر عن أبيه أصلا [496] ، ولهذا لم يذكره [497] الحميدي في جمعه بين الصحيحين من روايته، والحديث ثابت فيهما، من حديث سالم عن أبيه، وهو ابن عمر مرفوعاً بلفظ المصنف جميعه، ذكره مسلم [498]- هنا -[499] والبخاري مفرقاً كما سبق، نعم وقع في بعض نسخ البخاري عقيب الحديث المذكور بكماله، وعن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر (في العبد) انتهى، وقد ساق هو قبل ذلك ومسلم الحديث عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً (في النخل) - فقط -[500] الله أعلم بحال هذه الزيادة [501] والذي أوقع ابن(34/23)
العطار فيما ذكره، أنه رأي شيخه أبا زكريا النووي رحمه الله قال في شرح مسلم: قوله عليه السلام: "ومن ابتاع عبداً فما له للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع" هكذا روى الحكم البخاري ومسلم من رواية سالم، عن أبيه، عن عمر [502] ، ولم تقع هذه الزيادة في حديث نافع، عن ابن عمر، ولا يضر ذلك، فسالم ثقة، بل هو أجل من نافع، فزيادته مقبولة، وقد أشار النسائي والدارقطني إلى ترجيح رواية نافع، هذه إشارة مردودة [503]- هذا [504]- كلامه، وهو صحيح لأنه لم يذكر رواية عمر البتة [505] .
53 (265) حديث أبي هريرة "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لبادي ولا تناجشوا ... " [506] إلى آخره. هذا لفظ البخاري [507] ، ولمسلم نحوه [508] .
54 (267) حديث أبي سعيد الخدري "أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا مثلاً بمثل ... " [509] إلى آخره وفي لفظ "إلا وزناً بوزن" ذكر الوزن من أفراد مسلم [510] ، نبه عليه عبد الحق في جمعه بين الصحيحين [511] .
55 (274) حديث جابر - بن عبد الله [512]- قال: "جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم"وفي لفظ "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم" [513] أخرجه ابن الجوزي في تحقيقه من طريق أبي سلمة، عن جابر قال: "إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة" ثم قال: انفرد بإخراجه البخاري [514] ، ثم ذكره من طريق أبي الزبير، عن جابر قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم، ربعة، أو حائط، لا يحل [515] له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك" وقال: انفرد بإخراجه مسلم [516] .(34/24)
56 (288) حديث أسامة [517]- بن زيد رضي الله عنه [518]- (في الفرائض) [519] زعم الشيخ مجد الدين بن تيمية في أحكامه أن هذه القطعة لم يروها مسلم [520] . وهو عجيب فإنها في أول كتاب الفرائض من صحيحه [521] .
ومن كتاب النكاح إلى القصاص
57 (292) حديث أنس "أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ... " [522] إلى آخره، هذا اللفظ لمسلم خاصة [523] . وللبخاري نحوه [524] ، ولهذا قال في عمدته الكبرى متفق عليه [525] ، واللفظ لمسلم وللبخاري نحوه.
58 (294) حديث أم حبيبة [526] قوله: "قال عروة- و ثويبة مولاة لأبي لهب ... " [527] إلى آخره. يوهم أنه من المتفق عليه، وليس كذلك، فهو من أفراد البخاري خاصة [528] ، كما قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين [529] .
59 (308) حديث فاطمة بنت قيس [530] "أن أبا عمرو بن حفص [531] طلقها ... " [532]
الحديث هو بهذه السياقة من أفراد مسلم [533] ، وأما البخاري فذكر فيه قصة انتقالها [534] .
60 (309) حديث سبيعة [535] ذكره عبد الحق في أحكامه [536] من جهة مسلم، وأنكره عليه ابن القطان في كتاب الوهم والإيهام [537] ، وقال: لم يروه مسلم. وليس كما - قال [538]- ابن القطان [539] .
61 (323) حديث عقبة بن الحارث [540] (في الرضاع) [541] هو من أفراد البخاري [542] ولم يخرجه مسلم، بل لم يخرج - في صحيحه [543]- عن عقبة بن الحارث شيئا.(34/25)
62 (324) حديث البراء بن عازب [544] قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني من مكة - فاتبعتهم ابنة [545] حمزة" [546] الحديث. هذا الحديث بهذا السياق من أفراد البخاري [547] ، وكذا عزاه إليه البيهقي في سننه [548] وعبد الحق في الجمع بين الصحيحين [549] . والمزي في الأطراف [550] ، ووقع لصاحب المنتقى [551] ، ولابن الأثير في جامع الأصول [552] أنه من المتفق عليه ومرادها قصة صلح الحديبية منه، والمصنف اختصره، والبخاري ذكره في موضعين [553] .
ومن كتاب القصاص إلى الإيمان.
63 (328) حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ[554]ـ في الجارية التي رضَّ اليهودي رأسها. قوله: "ولمسلم والنسائي" [555] هذه الرواية التي عزاها لمسلم ليست فيه بهذا اللفظ وإنما لفظه: "فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجرين" [556] ، وهي بهذا اللفظ في البخاري [557] أيضا.
64 (334) حديث أنس ـ في العرنيين ـ[558] ذكر الشيخ المنذري في مختصر السنن أن البخاري أخرجه تعليقا [559] من حديث قتادة عن أنس [560] فقد يقف الواقف على هذا فيعترض على صاحب [561] العمدة، والعجب من الشيخ زكي الدين [562] نفسه، فإن البخاري قد رواه موصولاً في الطهارة، من حديث أبي قلابة، عن أنس [563] .
65 (329) حديث أبي هريرة- رضي الله عنه [564]- قال: "لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قتلت هذيل رجلاً من بني ... " [565] ، إلى آخره. هذا الحديث بهذا السياق من أفراد مسلم [566] ، وروى البخاري نحوه من حديث مجاهد، مرسلا [567] ، ثم أسند الحديث إلى ابن عباس قال: بمثل هذا، أو نحو هذا [568] ، ثم قال: رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم [569] . قاله عبد الحق في جمعه بين الصحيحين [570] .(34/26)
66 (33) قوله: عن الحسن بن أبي الحسن [571] البصري قال: "حدثنا جندب [572] في هذا المسجد ... " [573] إلى آخره. قلت: إنما آثر ذكر الراوي عن الصحابي هاهنا، لنكتة حديثية، وهي أن أبا حاتم الرازي قال: لايصح للحسن سماع من جندب [574] . وهذا الحديث يرد عليه، وأيضاً فلتضخيم الحديث وتقويته في النفس [575] ، كما سبق نظيره.
67 (343) حديث أنس "أتي برجل شرب الخمر، ... " [576] إلى آخره هذا اللفظ لمسلم، لكن بلفظ "جريدتين نحو أربعين" [577] قال عبد الحق في جمعه بين الصحيحين: ولم يخرج البخاري مشورة عمرو، ولا فتوى عبد الرحمن بن عوف، وحديثه عن أنس قال: "جلد النبي صلى الله عليه وسلم بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر، أربعين". ولم يقل: عَن النبي صلى الله عليه وسلم أربعين [578] .
ومن كتاب الإيمان إلى الصيد
68 (347) حديث عمر بن الخطاب- رضي الله عنه [579]- قوله: ولمسلم "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت " [580] هذه الرواية التي عزاها لمسلم، ليست فيه من هذا الوجه الذي أورده، بل أوردها من رواية ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وعمر يحلف بأبيه، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت " [581] وهذه الزيادة ثابتة في صحيح البخاري، أيضاً من حديث ابن عمر [582] ، فتوجه على المصنف فيها نقدان:
أحدهما: كونها ليست من أفراد مسلم، والثاني: أنها ليست من مسند عمر، وقد وقع ذلك في العمدة الكبرى أيضاً [583] .
69 (354) حديث عقبة بن عامر [584]- رضي الله عنه [585] – "نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله الحرام [586] – حافية" [587] لفظ "حافية" ليس في البخاري [588] ، كما نبه عليه عبد الحق في جمعه [589] .(34/27)
70 (357) حديث عائشة- رضي الله عنها [590]- "من أحدث في أمرنا- هذا [591]- ما ليس منه فهو رد" [592] هذا الحديث عزاه النووي في أربعينه [593] إلى مسلم خاصة، وصرح عبد الحق في جمعه بين الصحيحين بأن البخاري لم يخرجه، فإنه لما ذكره عن مسلم باللفظين قال: أخرج البخاري اللفظ الأول "منْ أحدث في أمرنا هذا" [594] أي دون الثاني، لكن البخاري ذكره معلقاً في أثناء صحيحه، من كتاب الاعتصام، قال: "باب إذا اجتهد العامل، أو الحاكم فأخطأ"خلاف [595] الصواب من غير علم، فحكمه مردود لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" [596] هذا لفظه.
ومن كتاب الصيد إلى آخر الكتاب
1 7 (373) حديث عدي [597] ، قوله. "فإنما سميت على كلبك، ولم تسم على غيره " [598] هذه الزيادة ليست في هذه الرواية، وإنما ذكرها مسلم في رواية أخرى عقب هذه، من هذا الوجه [599] ، فكان ينبغي أن يقول: وفيه. وقوله: "فإذا أرسلت كلبك المكَلب " لم يذكر مسلم في روايته "المكلب" وليس في روايته هذه "فإن أكل الكلب ذكاته" [600] . وقوله: "وإن غاب ... "إلى آخره لفظ مسلم نحوه [601] وقال عبد الحق: لم يقل البخاري في شيء من طرقه "فأدركته حياً فاذبحه" ولم يذكر أيضاً قوله: "فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك " [602] .
72 (388) حديث أبى هريرة، ولمسلم "مثل المجاهد في سبيل الله ... " [603] إلى آخره، هذه الزيادة التي عزاها لمسلم ليست فيه [604] ، إنما هي في البخاري بطولها، في باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله [605] .(34/28)
73 (390) حديث أبى أيوب [606]- الأنصاري رضي الله عنه [607] – "غدوة في سبيل الله أوروحة ... " [608] ثم قال: أخرجه مسلم [609]- يعنى منفرداً- ثم قال: عن أنس، ثم قال: وأخرجه البخاري [610]- يعنى مع مسلم- ويقع في بعض النسخ، أخرجه البخاري، بحذف الواو، وقد رأيته في نسخة عليها خط المصنف، وليس بصواب [611] .
74 (398) حديث عمر بن الخطاب قال: "كانت أموال بنى النظير مما أفاء الله على رسوله 000" [612] الحديث. لما ذكر المصنف هذا الحديث في عمدته الكبرى عزاه للترمذي [613] ثم قال: ومتفق على معناه [614] ، هذا لفظه، وقد أخرجه مسلم في الجهاد قريباً منه [615] ، والبخاري في خمسة مواضع من صحيحه [616] .
75 (399) حديث ابن عمر، قال سفيان [617] : "من الخفياء [618] إلى ثنية [619] الوداع " [620] هذا لم يخرجه مسلم [621] .
76 (401) حديث أيضاً "أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم في النفل" [622] لفظ "في النفل" لم يروه البخاري [623] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الآية (102) من آل عمران.
[2] الآية (2) من النساء.
[3] الآية (70) من الأحزاب.
[4] الآية (71) من الأحزاب.
[5] بكسر الحاء ومن ضمها فقد أخطأ فإنه بالضم ولد الناقة.
[6] هدي الساري ص 8.
[7] تاريخ بغداد 13/ 101.
[8] هدي الساري ص7.
[9] نفسه.
[10] نفسه.
[11] هدي الساري ص 9. ولم أتعرض لطبقات الرواة، لا لتزامي الاختصار وقد استوعب ذلك الحازمي في كتاب شروط الأئمة فليراجعه الراغب في المزيد.
[12] هدي الساري ص 12.
[13] طبقات الشافعية 2/215.
[14] البداية والنهاية 11/ 24.(34/29)
[15] ما من مشتغل بعلم الحديث بعد البخاري إلا وترجم له وانظر: تاريخ بغداد 2/4 وتذكرة الحفاظ 2/555 وتهذيب التهذيب 9/47.
[16] تاريخ بغداد 13/ 101.
[17] صحيح مسلم 1/8.
[18] تاريخ بغداد 13/ 101.
[19] تذكرة الحفاظ 2/ 590.
[20] النووي 1/ 11.
[21] نفسه.
[22] النووي 1/10.
[23] ترجم له الجم الغفير من العلماء منهم الخطيب في تاريخ بغداد 13/ 100 وانظر: (تذكرة الحفاظ 2/588، وتهذيب التهذيب 2/126) .
[24] المقدمة ص 14.
[25] النووي 1/ 10.
[26] لم أقف عليه، وذكر الشيح حماد أنه مفقود، وابن العطار، هو تلميذ النووي.
[27] شرحه مطبوع في ثلاثة أجزاء.
[28] مخطوط مصور عند الشيخ حماد.
[29] اختلف في اسم والده، أهو عبد الله بن بهادر أو العكس؟ وممن قال بالأول ابن تغري في النجوم الزاهرة 12/134 والسيوطي في حسن المحاضرة 1/206، والداودي في طبقات المفسرين 2/162 وهذا ما رأيته راجحاً، وأثبته في النسب، مؤيداً بأن محمد بن الإمام الزركشي قيد سماعه من والده الزركشي فقال: بلغ السماع لهذا الكتاب على مؤلفه، شيخي ووالدي الفقير إلى الله تعالى بدر الدين أبى عبد الله محمد ابن الفقير إلى ربه جمال الدين عبد الله، الشهير بالزركشي، الشافعي عامله الله بلطفه، (الإجابة 146) ولا شك أنه أعرف بنسب والده. وقد قرر هذا الدكتور السيد أحمد فرج، ودون في النسب العكس. واستنتج أن عبد الله وبهادر اسمان لوالد الزركشي بهادر الاسم التركي وتسمى عبد الله بعد ذلك (زهر العريش 6) وهو استنتاج لا دليل عليه والصواب عندي أن بهادر اسم الجد.
[30] لأنه حفظ المنهاج في الفقه.
[31] نسبة إلى تزيين الحرير بخيوط الذهب والفضة، وزركش أعجمية مركبة من (زر) أي ذهب و (كش) أي ذو. وليس كما ذكر الدكتور السيد أنه اشتغل بخدمة أحد المماليك ونسب إليه (زهر العريش 6) .(34/30)
[32] المعتبر 1/ 14.
[33] الدرر الكامنة 3/ 398.
[34] الدرر الكامنة 3/ 397.
[35] المصدر السابق.
[36] فصل في هذا الدكتور عبد الرحيم (المعتبر 1/ 18- 21) .
[37] الدرر الكامنة 3/ 397، 398.
[38] المعتبر 1/22-23.
[39] انظر: صورة السماع المثبتة في نهاية كتاب الإجابة ص 146 وقد عزا الدكتور السيد المعلومة في الحاشية خطأ (زهر العريش ص 15) .
[40] يؤكد هذا ما جاء في صورة السماع المشار إليه آنفا غير أن ابنه أحمد كان في الثانية فلا يكون متحملاً.
[41] طبقات المفسرين 2/162، والشذرات 6/335.
[42] زهر العريش ص 14.
[43] زهر العريش ص 39.
[44] كان ذلك سنة 769هـ (الدرر الكامنة 3/397) أي في الرابع والعشرين من عمره.
[45] الدرر الكامنة 3/ 397.
[46] معنى لا إله إلا الله 23- 32 وفي الإعادة بهذا الاختصار إفادة لمن يطلع على هذا البحث وعليه درج الباحثون.
[47] المعتبر 1/14.
[48] لأنه في سنة 763 أو 762هـ (الدرر الكامنة 1/135- 137) .
[49] لأنه بدأ في سنة 769هـ (الدرر الكامنة 3/397) .
[50] الدرر الكامنة 3/ 397، 398.
[51] الدرر الكامنة 2/ 465.
[52] نقله عن البرهان 1/ 16 د. عبد الرحيم (المعتبر 1/16، 17) .
[53] البحر المحيط 1/ق2 أ.
[54] انظر: (المعتبر 1/17) .
[55] انظر: (المعتبر 1/ 18، 52) .
[56] لم نطل البحث في هده المسألة لأنها معلومة ميسرة وليست من المعضلات.
[57] انظر: (طبقات المفسرين 2/ 162، والشذرات 6/ 335.
[58] التلخيص 1/ 9، طبقات المفسرين2 /162، والشدرات 6/ 335.
[59] نفسه.
[60] نفسه.
[61] النجوم الزاهرة 12/ 134.(34/31)
[62] نسبة إلى كريم الدين وكيل السلطان، وإليه ينسب الجامع الكريمي بالقبيبات (دول الإسلام 2/225، 230) أما الخانقاه، فلا تزال موجودة في شارع الجمالية بالقاهرة باسم جامع بيبرس (النجوم الزاهرة 12/130) .
[63] الدرر الكامنة 3/398، طبقات المفسرين 2/162، والشذرات 6/335.
[64] الإجابة ص 8- 15.
[65] زهر العريش ص 25- 38.
[66] معنى لا إله إلا الله ص 21-23.
[67] المعتبر 1/ 25-54.
[68] الدرر الكامنة 3/397، 398 وكذلك إنباء الغمر 3/140، وحسن المحاضرة 1/437، وطبقات المفسرين 2/163، والشذرات 6/335.
[69] النجوم الزاهرة (12/134) ، الدرر الكامنة (3/398) ، حسن المحاضرة (1/437) ، طبقات المفسرين (2/163) ، الشذرات (6/335) ، هدية العارفين (1/174) .
[70] تذكرة الحفاظ 4/1372-1381.
[71] انتسب إلى بيت المقدس، لقرب جمّاعيل منها، ولأن نابلس وأعمالها جميعاً من مضافات بيت المقدس - وينسب إلى جمّاعيل أيضاً - (معجم البلدان 2/160) .
[72] بتشديد الميم، قرية في جبل نابلس من أرض فلسطين (معجم البلدان 2/159) .
[73] النجوم الزاهرة 6/185.
[74] معجم البلدان 2/ 160.
[75] هو كل موضع قريب من أرض العدو. (معجم البلدان 2/79) . ولعل المراد هنا ثغر الشام بقرينة ذكره بعد الرحلة إلى بغداد. والله أعلم.
[76] هذه المعلومات مقتبسة من كتاب دول الإسلام بتصرف أحيانا (2/52-107) .
[77] دول الإسلام 2/72- 79.
[78] ويقول الذهبي رحمه الله: وكانت دولتهم من قبيل الثلاثمائة (من الهجرة) وعدتهم أربعة عشر متخلفاً، لا خلفاء، ويدعون أنهم فاطميون، ونسبتهم إلى يهودي، أو مجوسي (دول الإسلام 2/ 79- 80) .
[79] دول الإسلام 2/83 - 88.
[80] دول الإسلام 2/ 88 - 101.
[81] دول الإسلام 2/102.
[82] دول الإسلام 2/150-106.
[83] دول الإسلام 2/106.(34/32)
[84] دول الإسلام 1/141.
[85] دول الإسلام 2/107.
[86] كان ذلك سنة 560هـ وعمره إحدى وعشرين سنة حين رحل إلى بغداد (معجم البلدان 2/160) .
[87] تذكرة الحفاظ 4/1372، 1374.
[88] تذكرة الحفاظ 4/ 1375.
[89] تذكرة الحفاظ 4/1375، ومعجم البلدان 2/160، والنجوم الزاهرة 6/ 185.
[90] تذكرة الحفاظ 4/1372.
[91] تذكرة الحفاظ 4/1376، 1377، ومعجم البلدان 2/160.
[92] تذكرة الحفاظ 4/1376، 1377.
[93] تذكرة الحفاظ 4/1377.
[94] تذكرة الحفاظ 4/1376.
[95] تذكرة الحفاظ 4/1380.
[96] معجم البلدان 2/160. مرادهم أنه يشبه الخالق بالمخلوق حينما أثبت اليد والاستواء وغير ذلك من الصفات الواردة في الكتاب والسنة وهي فرية ودعوى باطلة يعقد لواءها أهل الزيغ والابتداع في كل زمان ومكان، ضد دعاة العمل بالكتاب والسنة، وكثيراً ما تثار عند التعرض للأسماء والصفات، فكل من قال بما قال الله في كتابه وبما قاله نبيه في سنته في مجال الصفات اعتبره المبتدعون مجسماً ولم تع قلوبهم أن الله قال ذلك في كتابه وقال: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
[97] نفسه.
[98] نفسه.
[99] تذكرة الحفاظ 4/1373، 1376، 1380.
[100] معجم البلدان 2/ 160.
[101] النجوم الزاهرة 6/ 185.
[102] تذكرة الحفاظ 4/ 1376.
[103] تذكرة الحفاظ 4/1374. ولم أتعرض لدراسة المؤلفات وتقييمها وبيان المخطوط من المطبوع أو المفقود منها، لغرض الاختصار ولأن الهدف إعطاء معلومات موجزة فقط.
[104] لعل الشيخ رحمه الله على رأي من يصحح حديث (إقرؤا يس على موتاكم) والحديث أخرجه أبو داود 3/489 وغيره وفي سنده أبو عثمان عن أبيه، وليسا بمشهورين كما قال المنذري. وصحح الحديث ابن حبان (تمييز الخبيث من الطيب ص 28) ونقل عنه العجلوني (كشف الخفا 1/183) .
[105] تذكرة الحفاظ 4/1380.(34/33)
[106] المعتبر 1/23.
[107] زهر العريش ص 38.
[108] الإجابة ص 8-15.
[109] معنى لا إله إلا الله ص 21-23.
[110] في الأصل (أ) منا وهو خطأ.
[111] ليست واضحة في الأصل.
[112] هو الفقيه العلامة برهان الدين بن خضر بن أحمد، ولد سنة 794هـ ومات سنة 852هـ. انظر: ترجمته (نظم العقيان في أعيان الأعيان ص 15) .
[113] بقية الاسم لم تتضح لي قراءته على غلاف المخطوطة.
[114] سقطت من (ب) .
[115] في (ب) قال الشيخ الإمام، العالم، العلامة، بدر الدين، مفتي المسلمين، أبو عبد الله، محمد المنهاجي، المعروف بالزركشي، الشافعي، قدس الله روحه، ونور ضريحه، الحمد لله ...
[116] في (ب) وأخصر.
[117] أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو. (صف 6/ 496) .
[118] في (ب) في هذا الموضع (غصو) وهو خطأ.
[119] في (ب) عبد الواحد بن سرور.
[120] زيادة من (ب) .
[121] في (أ / ب) ضاع. وهو مناقض لما بعده فالصواب في نظري ما أثبته.
[122] الأسطر الأخيرة فيها تكلف وعدم دقة في الأسلوب والربط بين العبارات فيه ضعف.
[123] أي تتبع ما اشترط المقدسي من الالتزام بإخراج المتفق عليه.
[124] بين الشيخين البخاري ومسلم ومعناه موافقة مسلم للبخاري على تخريج أصل الحديث بالسند عن صحابيه وإن وقعت بعض المخالفة في السياق والمعنى هو المعتبر وهذا ما جرى عليه المقدسي رحمه الله وإن كنت لاحظت أن الزركشي رحمه الله يعتبر المخالفة في السياق ناقضة لشروط الاتفاق وليس كذلك. والله أعلم.
[125] لأن غاية ما في الأول إخراج الأصح فإن وقع خلل في الشرط فلا يخرج الحديث عن كونه صحيحاً، أما الثاني فكما ذكر المصنف، فإن الخطأ فيه قد يحيل المعنى، ويبعد به عما أراد الشارع.
[126] في (ب) تحرّز وكلاهما صحيح.
[127] في (ب) بيان.(34/34)
[128] بنت أبي بكر الصديق، وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين الطاهرة العفيفة.
[129] العمدة ص4.
[130] انظر: (م1/213) .
[131] وأخرجه من حديث عبد الله بن عمرو. ومن حديث أبي هريرة. انظر: (صف1/265، 267) .
[132] ابن عبد الرحمن بن عبد الله، الأشبيلي ابن الخراط، كان فقيهاً حافظاً، عالماً بالحديث وعلله ورجاله. (فوات الوفيات 2/256) .
[133] في باب ما جاء أن الطهور شطر الإيمان. من كتاب الطهارة. (اللوحات الفلمية غير مرقمة) .
[134] عبد الرحمن بن صخر، عند الأكثرين، صحابي من قبيلة دوس، أحد المكثرين من رواية الحديث.
[135] العمدة 4، 5.
[136] انظر: (م1/ 233) .
[137] انظر: (صف1/ 263) .
[138] لعل المعنى أفسد، فإن الكلب إذا ولغ في الإناء أفسد ما فيه وفي اللسان10/742: لغب على القوم إذا أفسد عليهم، وانظر: (الصحاح2/ 447) .
[139] الذي في العمدة "شرب" بدل" لغب" ص 5.
[140] م1/ 234.
[141] يعني (لغب) .
[142] لم أقف على هذه النسخة.
[143] انظر: (صف1/ 274) .
[144] انظر: (م1/234) .
[145] أحد الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة رضي الله عنهم، وروايته:"إذا ولغ الكلب في الإناء ... " العمدة ص6.
[146] انظر: (م 1/ 235) غيرِ أنه قال: (في إناء أحدكم) .
[147] التحقيق في مسائل التعليق (مجلد 1/13) .
[148] في (ب) قوله.
[149] ابن بنت عبد الله بن زيد بن عاصم، ثقة.
[150] يحي بن عمارة بن أبي الحسن، الأنصاري، ثقة.
[151] هو عم يحي أخو أبيه، ففي رواية البخاري "كان عمي يكثر من الوضوء"وانظر: (الفتح 1/304) .
[152] ابن عاصم، أبو محمد، الأنصاري، صحابي، قيل: إنه قاتل مسيلمة.(34/35)
[153] مشتق من الوضاءة، وهي الحسن والنظافة، وقد ذكر العلماء أنه بفتح الواو اسم للماء، وبضمها اسم للمصدر الذي هو الفعل، والمراد هنا الأخير. انظر: (الصحاح 2/695، ونيل الأوطار 1/155) .
[154] قال بعض علماء اللغة: إنه دخيل - على العربية - وهو إناء من صفر أو حجارة. (اللسان 4/96) .
[155] العمدة ص 6.
[156] الواقع أن الوهم وقع للزركشي رحمه الله، ولعل السبب في ذلك وقوفه على بعض روايات عبد الله بن زيد، مما ليست فيها هذه اللفظة، كما في 1/289، 197 من الصحيح مع الفتح، وكذلك ما روي عن عثمان رضي الله عنه كما في 1/259، 266، 4/158، 11/250 من المصدر السابق، والواقع أن اللفظة ثابتة عند البخاري من رواية عبد الله بن زيد كما في 1/294، 302، 303 من الصحيح مع الفتح، فالتصحيح من الزركشي رحمه الله غير صحيح، فاللفظ من أفراد البخاري.
[157] العكس هو الصحيح، فاللفظة ليست عند مسلم انظر: (1/210، 211 من صحيحه) فهي من أفراد البخاري قال الشيخ برهان الدين بن خضر أحد تلاميذ الحافظ ابن حجر: قال ابن حجر رحمه الله تعالى: وقع للشيخ نظير ما وقع لابن الجوزي من سبق القلم، والصواب هنا أنها من أفراد البخاري (أ / 11) . قلت: ويحتمل أن الزركشي وقع منه الخطأ في حالة الإملاء على كاتبه، لاسيما إن كان إملاء من حفظه.
[158] وهنا كذلك العكس هو الصحيح فالراوية ليست عند مسلم (1/210، 211) وهي ثابتة عند البخاري فهي من أفراده، غير أنه قال: "أتي النبي "انظر: (صف1/ 302) قال الشيخ برهان الدين: قال شيخنا ابن حجر رحمه الله: ليس كما قال - يعني الزركشي - وإنما هي من أفراد البخاري (أ /1) .
[159] المراد هنا البياض في الوجه، وغرة الشيء: أوله وأكرمه. انظر: (اللسان 5/15) .(34/36)
[160] المراد هنا: تجاوز المرفقين والكعبين عند الوضوء، طلباً لأثره يوم القيامة، فالمحجل: هو الذي يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد، ويجاوز الأرساغ، ولا يجاوز الركبتين، لأنهما مواضع الأحجال. (انظر: النهاية 1/346 واللسان 11/144) .
[161] العمدة ص 7.
[162] الواقع أن قوله: "وتحجيله" ليست عند البخاري. انظر: (صف1/235) وهي من أفراد مسلم. انظر: (1/216 من صحيحه) قال الشيخ برهان الدين: قال شيخنا رحمه الله: قوله: "هذه رواية البخاري في الصحيحين"وقوله: " وفي الصحيحين أيضا وتحجيله "معترض، فإنها من أفراد مسلم. وقوله: " وادعى بعضهم " ... الخ لا يرد (أ /1) . قلت: المصنف لم يقل "البخاري".
[163] تقدم النقل عن الحافظ. وانظر: الإشارة إلى ما عنى المصنف في (الفتح 1/236) .
[164] في (ب) قوله: حذيفة، " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام ... "وحذيفة هو ابن اليمان الأنصاري أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[165] العمدة ص 10.
[166] شرح العمدة 1/ 382.
[167] في (ب) بدليل وهو خطأ.
[168] انظر: (الإلمام حديث 18 وهو خطأ ولا ريب) .
[169] انظر: (صف1/235) .
[170] انظر: (صف1/356، 2/375) .
[171] انظر: (صف2/375) لكن ليس فيه (للتهجد) وإنما هي في كتاب التهجد. انظر: (صف 3/19) قال الشيخ برهان الدين: قال شيخنا رحمه الله: قوله: "في كتاب الجمعة "ليس كذلك، بل هو في كتاب التطوع - يعني التهجد 3/19- المذكور بعد كتاب قصر الصلاة وقبل كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، والمذكور في الجمعة، هو باللفظ المذكور أولا، والتقييد بالتهجد وقع لمسلم أيضاً ولفظه: " إذا قام ليتهجد يشوص "أ /2. قلت: هو كذلك. انظر: (م1/220) .
[172] في (ب) قول أبي موسى وهو الأشعري، عبد الله بن قيس، كان حسن الصوت بالقرآن، وهو أحد الحكمين.
[173] العمدة ص11.(34/37)
[174] لفظه عند البخاري "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدته يستن بسواك بيده يقول: أع، أع، والسواك في فيه كأنه يتهوع ". انظر: (صف1/355) وبينه وبين ما في العمدة ص11 اختلاف في الكلمات. قال الشيخ برهان الدين رحمه الله: قال شيخنا تغمده الله تعالى برحمته: قوله: "للبخاري "الخ فيه نظر لأن لفظه "فوجدته يستن بسواك بيده "ولم يقل يستاك، وقال: "بيده" وليست في العمدة، ولم يقل "طرف السواك على لسانه "فليس اللفظ هذا للبخاري، بل هو مجموع من الصحيحين، وقد فصله عبد الحق تفصيلاً بيناً لاكما يوهمه. (أ /2) . قلت: الواقع كما ذكر الحافظ رحمه الله. انظر: (العمدة ص11) وتقدم النقل عن البخاري.
[175] هو كذلك. انظر: (م1/220) .
[176] انظر: (الجمع باب في السواك وفضله) (اللوحات الفلمية غير مرقمة) .
[177] في (ب) قول حذيفة.
[178] الذي في العمدة ص 12 وإن كان مختصراً لكنه لا يوافق ما في الصحيحين عن حذيفة إذ لم يرد ذكر للسفر في روايته قط. انظر: (صف1/ 328 - 329، 5/117، وم1/ 228) . وقد ورد ذكر السفر في حديث المغيرة عند مسلم، والقصة تختلف تماماً، وجعل مثل ذلك اللفظ من حديث حذيفة متفقاً عليه زلة يجب التنبه لها.
[179] بضم السين المهملة. هي الموضع الذي يرمي فيه التراب والأوساخ، وما يكنس من المنازل (النهاية 2/335) .
[180] الواقع أن هذا اللفظ ليس في البخاري، إنما هو لفظ مسلم وحده. انظر: (صحيحه 1/228) . وللبخاري ما يقاربه (صف1/328، 329) .
[181] هو كذلك. انظر: (م1/ 228)
[182] انظر: (الجمع باب في البول قائماً وفي المسح) (اللوحات الفلمية غير مرقمة) وهو كما قال فالزيادة ليست عند البخاري. انظر: (صف1/ 328، 329) قال الشيخ عبد الكريم المكي: هو كما قال عبد الحق، كذلك رأيته بخط ابن خضر. (أ /2) .
[183] في (ب) قوله علي. وانظر: الحديث في العمدة ص 12.(34/38)
[184] هو أمير المؤمنين، ابن عم سيد المرسلين، وزوج ابنته الزهراء، ووالد سيدي شباب أهل الجنة.
[185] يعني الرواية المذكورة في العمدة ص 12.
[186] هو كما قال. انظر: (صف1/379) .
[187] هو كذلك. انظر: (م1/ 247) .
[188] لأنها من رواية مخرمة بن بكير، عن أبيه، وقد وقع خلاف بين النقاد في سماع مخرمة من أبيه، أكثرهم على أنه لم يسمع منه، وإنما يروي من كتاب أبيه، وبهذا جزم الإمام أحمد، وقال يحي بن معين: يقال: وقع إليه كتاب أبيه، ولم يسمعه، انظر: (تهذيب الكمال ترجمة مخرمة) ولهذا وقع الاستدراك من الدارقطني رحمه الله فقال: وأخرج مسلم حديث ابن وهب عن مخرمة، عن أبيه، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس قال: قال علي: أرسلت المقداد ... الخ. وقال حماد بن خالد: سألت مخرمة سمعت من أبيك شيئا؟ قال: لا. وقد خالفه الليث، عن بكير، عن سليمان فلم يذكر ابن عباس، وتابعه مالك عن أبي النضر أيضاً. (التتبع ص 417) قلت: يلاحظ القارئ هنا أن الإمام الدارقطني رحمه الله يستدرك على الإمام مسلم إخراج هذا الحديث لأنه معل بالانقطاع في مكانين الأول أن مخرمة لم يسمع من أبيه ويدل له قول مخرمة نفسه، وهو الراجح عند النقاد. والثاني: أن رواية الإمامين مالك والليث ليس فيها ابن عباس، وهما حافظان يفوقان مخرمة كثيرا، هذا وجه ملاحظة المصنف على المقدسي، ولكن قال برهان الدين رحمه الله: قال شيخنا: هو من رواية مخرمة، عن أبيه، وقد قيل إنه لم يسمع منه، ولم يؤثر فيه ذلك عند مسلم، لأن الذين قالوا إنه لم يسمع من أبيه قالوا: إنه حدث من كتاب أبيه، وهذه وجادة قوية، وهي أحد وجوه النقل (أ /2) قلت: هذه الوجادة إن نفعت في جانب مخرمة، فلا تنفع في الانقطاع بين سليمان وعلي رضي الله عنه.
[189] العمدة ص 13 وفيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب ... ".(34/39)
[190] بين حميد الطويل وأبي رافع نفيع الصايغ، الأول من الطبقة الخامسة، والثاني من الثانية.
[191] لم أقف عليه، أقواله عند النووي وللقاضي عياض إكمال المعلم وللأبي إكمال إكمال المعلم.
[192] بذكر بكر بن عبد الله، بين حميد الطويل وأبي رافع. (صف1/390) .
[193] ابن عبد الله، أنصاري، غزا تسع عشرة غزوة، وهو صحابي ابن صحابي رضي الله عنهما.
[194] العمدة ص 12.
[195] انظر: (صف1/ 533) لكن قال عبد الكريم المكي: بخط ابن خضر قوله: (كافة) وكذا هو في الطهارة من البخاري (أ /2) وانظر: (صف1/ 436) والذي في العمدة (عامة) والعمدة بشرح الشيخ آل بسام (كافة) (تيسير العلام 1/ 89) .
[196] انظر: (م1 /270)
[197] في (ب) الحديثين. وهو خطأ. المراد المحدث، نسبة إلى الحديث، وما ذكره تعليلا للقوة، تقابله تعليلا، وفي نظري أن هذا التصحيح من المصنف رحمه الله ليست فائدته جوهرية، لكنها من ملح العلم، ولا ينازع في تقديم يحيى على محمد بن سنان، وقد يزاد على ذلك أن يحيى روي له الجماعة، ولم يرو لمحمد بن سنان مسلم، ولا النسائي، ولا ابن ماجة، وقد وصف كل منهما بأعلى درجات التعديل، وللحافظ ابن حجر رأي في هذا قال ابن خضر رحمه الله: قال شيخنا رحمه الله تعالى: قوله: "ويحيى أجل ... الخ "ولكن ترجيح رواية البخاري من جهة أخرى أقوى في نظر المحدث مما ذكره وهي أن رواية يحي، عن هشيم، عن سيار بالعنعنة، ورواية محمد بن سنان، عن هشيم قال: أخبرنا سيار، فصرح بالإخبار، فارتفعت تهمة تدليسه، لأنه معروف بالتدليس - طبقات المدلسين ص 34- ولا يقال: تبين بهذا أن رواية مسلم متصلة، لأنا نقول ما اتصل بأمر خارجي دون ما اتصل بأمر ذاتي، فحصل لكل منهما جهة ترجيح، وجهة البخاري أرجح لما بيناه، (أ /2) .
[198] أم المؤمنين، رملة بنت أبي سفيان.
[199] العمدة ص 18.(34/40)
[200] الواقع كما ذكر المصنف، والبيان عند مسلم، وهو أيضاً عند البخاري، ولذلك اعتبره صاحب العمدة متفقا عليه، وهو بهذا اللفظ وهم منه دون شك رحمه الله. انظر: (م1 /264، وصف1/ 426) . قال الشيخ برهان الدين: قال شيخنا رحمه الله تعالى: لفظ البخاري أيضاً "وقال:"هذا عرق"، فكانت تغتسل لكل صلاة "- صف1/ 426 - وهذا موافق لرواية مسلم بزيادة عليه - م1/ 264 - ثم إن لفظ الذي ساقه المصنف في بعض النسخ من العمدة، وفي بعضها كما في مسلم. (أ /2) .
[201] لم أقف على مسند عائشة في الأجزاء الموجودة في الجامعة.
[202] بنت عبد الله، العدوية، أم الصبهاء، ثقة.
[203] العمدة ص 19.
[204] هو كما قال (صف1/421) .
[205] الواقع أن لفظ مسلم لا يتطابق مع ما في العمدة من كل وجه، وهو مقارب (م1/ 265) .
[206] هذا كذلك (صف1/421) .
[207] في (ب) تثبت، وكلاهما صحيح.
[208] هو كذلك (م1/ 265) .
[209] سعد بن مالك، له ولأبيه صحبة، وهو أحد المكثرين من الرواية.
[210] العمدة ص22.
[211] هو كذلك غير أنه قال: "ترتفع " بدل "تطلع " وقال: "تغيب " بدل " تغرب ". (صف2/61) .
[212] في (ب) وأما لفظ مسلم فهو.
[213] هو كذلك (م1/567) .
[214] العمدة ص22.
[215] في (ب) لكن كلام المصنف يوهم.
[216] هو كذلك (صف2/60، 61، م1/567، 566) .
[217] نفسه.
[218] انظر: في (م1/571) .
[219] انظر: في (م1/569 - 571) وقد صرح باسمه في العمدة بشرح آل بسام (تيسير العلام 1/124) .
[220] انظر: في (سنن أبي داود 2/55) .(34/41)
[221] سنن ابن ماجة 1/397 قال الشيخ برهان الدين رحمه الله: فائدة، قال شيخنا رحمه الله تعالى: قال يعقوب بن شبه: هؤلاء الصنابحيون الذين يروي عنهم في العدد ستة، وإنما هم اثنان فقط، الصنابح، الأعسر، الأحمسي، ومن قال فيه الصنابحي فقد أخطأ، الثاني: عبد الرحمن بن عسيلة، الصنابحي، يكني أبا عبد الله، فقد أصاب اسمه، ومن قال: عن أبي عبد الله، فقد أصاب كنيته، ومن قال: عن عبد الله، فقد أخطأ، قلب كنيته فجعلها اسمه، هذا قول ابن المديني، وغيره، وهو الصواب، (أ /3) وانظر: (تهذيب التهذيب 6/229) .
[222] لم أقف عليه في الأجزاء المطبوعة، ولعله فيما لم يصل إلى أيدينا، وقد ذكره الهيثمي ولم يعزه إلى الطبراني، وعزاه إلى أحمد (المسند 2/207) وأبي يعلي (المسند ق339) وقال: رجاله رجال الصحيح. انظر: (مجمع الزوائد 2/225) .
[223] لم أقف عليه أيضاً، وقد ذكره (في المجمع 2/224) ولم يعزه إلى الطبراني، وعزاه إلى أحمد (المسند 5/185) وقال: رجاله رجال الصحيح.
[224] يعني كعب بن مرة. ويقال: مرة بن كعب. ولم أقف على حديثه عند الطبراني لكن الهيثمي ذكره وعزاه لأحمد (المسند 4/234، 235) أوله (أي الليل أسمع ... ) انظر: (المجمع 2/225) .
[225] في (أ) البخاري وهو خطأ، لأنه لم يخرج حديث سمرة، إنما أخرج حديث أبي سعيد. انظر: (صف2/61) وفي (ب) الطحاوي ولم أقف عليه في معاني الآثار. والذي يظهر لي والله أعلم أن ما في النسختين تصحف وإنما هو عند الطبراني (7/275) وعزاه أيضاً (في المجمع 2/225) الهيثمي إلى أحمد (المسند 5/15، 20) والبزار.
[226] هو عبد الرحمن بن عسيلة.(34/42)
[227] عدّ في كبار التابعين وقد جاء في ترجمته أنه أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاجر إليه فلما وصل الجحفة لقيه الخبر بوفاة رسول الله (أسد الغابة 3/310) ولذلك نقل ابن أبي حاتم عن يحي بن معين، وعن أبي زرعة أن الصنابحي عبد الرحمن بن عسيلة ليست له صحبة (المراسيل 121) ويبقى الإشكال قائماً بسبب التصريح بالسماع فيما رواه أحمد، وكذلك ابن الأثير في نهاية ترجمة الصنابحي. ولم يعقب (أسد الغابة 3/310) . وانظر: قول الترمذي في (الجامع 1/344) .
[228] انظر: (سنن النسائي 1/275) .
[229] انظر: (سنن ابن ماجة 1/397) .
[230] ابن عبادة، ثقة، فاضل.
[231] إمام دار الهجرة.
[232] التيمي. فيه كلام. وقد قرن بالإمام مالك.
[233] العدوي. ثقة يرسل.
[234] الهلالي، ثقة فاضل.
[235] هكذا في (أ، ب) عبد الله الصنابحي، والذي في المسند 4/348 أبو عبد الله، وتقدم تحقيقه ص 84.
[236] في (أ، ب) بقرني، والتصويب في المسند 4/348 وانظر: (صف 6/355) لكنه عند البيهقي بهذا اللفظ في رواية (السنن الكبير 2/453) .
[237] هكذا في (أ، ب) وفي نظري أنه أجود من قولهم (الكبرى) لأن السنن لا توصف بأنها كبرى وصغرى فيكون وصفاً لكتاب.
[238] ابن محمد، الدوري، ثقة. ولم أقف عليه في السنن الكبير إلا رواية من طريق عطاء، عن عبد الله الصنابحي ... الخ ونقل عن الترمذي تصحيح الاسم (السنن الكبير 2/454) .
[239] تقدم بيانه ص 85.
[240] نفسه.
[241] في كتابه الوهم والإبهام وهو مخطوط لم يطبع.
[242] أخو محمد بن سيرين.
[243] العمدة ص 27.
[244] صف 2/ 576.
[245] م1 /488.
[246] في إكمال المعلم شرح صحيح مسلم.
[247] الشرح 2/353.
[248] خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.(34/43)
[249] بنت مالك بن عدي، أنجبت أم سليم بن ملحان (طبقات ابن سعد 3/516) وقد اختلف في اسمها (الفتح 1/489) وأم سليم هي أم أنس بن مالك، وأم عبد الله بن أبي طلحة (الطبقات 5/74) فيتضح أن مليكة جدتهما، فلا إشكال في مرجع الضمير إلى أيهما أو إلى إسحاق فإنها جدة أبيه، وهي جدته دون شك أيضاً.
[250] العمدة ص 28.
[251] تكلم المصنف حول هذه النقطة أكثر مما تستحق وجعل فيها قولاً مشهوراً، والحق أن التصحيح غير وارد، كما بين الأمر، وهو ما قرره الحافظ. (الفتح 1/489) .
[252] جده أبو طلحة، الأنصاري، عم أنس بن مالك، وإسحاق ثقة حجة.
[253] في (أ) قال.
[254] في (ب) عمرو.
[255] في مقابل هؤلاء ابن سعد، وابن مندة، وابن الحصار (الفتح 1/489) .
[256] نفسه.
[257] نفسه.
[258] زيادة من (ب) .
[259] في (ب) فيكون. أما قول المصنف رحمه الله: فتكون أم أنس، أراد به الوصول إلى ترجيح عود الضمير إلى إسحاق فتكون الجدة أم سليم بنت ملحان وهي أم أنس، وهذا لا يتم له حتى مع ذكر إسحاق لأن الحافظ روى ما يؤيد عود الضمير على أنس وأن الجدة مليكة بنت مالك بن عدي قال رحمه الله: ويؤيده - يعني عود الضمير إلى أنس - ما رويناه في فوائد العراقيين لأبي الشيخ - بسنده - عن أنس قال: (أرسلتني جدتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأسمها مليكة فجاءنا فحضرت الصلاة) الحديث (الفتح 1/489) .
[260] هذا صحيح ولا معارضة، فأم أنس هي أم عبد الله أبو إسحاق. وجدة أنس مليكة هي جدة عبد الله وفي نفس الوقت جدة إسحاق أيضاً لكونها جدة أبيه.
[261] هذا العمل من صاحب العمدة يحمل على أنه جزم برجحان عود الضمير إلى أنس فأراد أن يزيل اللبس وقد ذكر الحافظ الذين جزموا بهذا وقال: وهو مقتضى كلام إمام الحرمين في النهاية، وكلام عبد الغني في العمدة. وهذا عكس ما يريد المصنف رحمه الله مع علمه بهذا المذهب.(34/44)
[262] علي بن محمد بن إبراهيم بن موسى الخزرجي، إشبيلي الأصل، نشأ بفاس، وجاور مكة، وتوفي بالمدينة - له مصنفات منها المدارك، ولم أقف عليه ولا على التقريب المذكور، وسألت بعض أهل العلم فلم يعرفه لي أحد - (انظر: الأعلام 4/330) .
[263] الذي ظهر أن المصنف لم يقف على الرواية التي عند أبي الشيخ في فوائده، واعتبر الأمر مجرد رأي ولذلك اقتصر على النقل عن العلماء دون التعرض للأثر.
[264] الحق أن صاحب العمدة رحمه الله خرج من الخلاف لموافقة الراجح.
[265] تمام الحديث ( ... فيصلي في بيتها فتتخذه مصلى، فأتا فعمدت إلى حصير فنضحته بماء، فصلى عليه، فصلوا معه) (سنن النسائي 1/57) .
[266] في (ب) قوله أبي هريرة.
[267] انظر: (الصحيح مع الفتح 2/182) .
[268] لم أقف على مسند أبي هريرة في الأجزاء الموجودة في الجامعة.
[269] عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم، الحراني، جد شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيميه. أئمة معروفون انظر: ترجمته (المنهج الأحمد 2/249 - 254) .
[270] المنتقى مع شرحه نيل الأوطار 3/159.
[271] علق مالك النسخة (أ) السيد عبد الكريم الشريف على حديث أبي هريرة فقال: قال ابن حجر رحمه الله تعالى: لفظ البخاري "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام، أن يجعل الله رأسه رأس الحمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار" ولفظ مسلم "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام، أن يحول الله رأسه رأس حمار" ولم يذكر الباقي، وفي رواية له "ما يأمن الذي يرفع رأسه في صلاته قبل الإمام، أن يحول الله صورته في صورة حمار" وفي رواية له "أن يجعل الله وجهه وجه حمار" وعلى هذا فليس اللفظ الذي في العمدة لواحد منهما، بسياقه وإنما هو من مجموع ما اشتملا عليه. (أ /3) .
[272] في (ب) قوله عبد الله. قلت: وهو صحابي شهد الحديبية. (انظر: أسد الغابة 3/274) .(34/45)
[273] ابن عازب رضي الله عنه. انظر: حديثه في العمدة ص 30.
[274] عمرو بن عبد الله.
[275] هو كذلك انظر: (خ2/181، م1 / 345) لكن المصنف نفسه أجاب عن هذا التصحيح بما أورده عن النووي رحمه الله في نظري جواب جيد. وقد اعترف المصنف بأن كلام صاحب العمدة مستقيم. والتصحيح يكون للخطأ ولا خطأ هنا.
[276] رقم 17 ويعني بذلك الخلاف في عود الضمير في قوله "أن جدته مليكة"وتقدم تحقيقه ص 87 ت2، 12.
[277] انظر: (التاريخ 2/338) .
[278] يعني أن هؤلاء قالوا بعدم صحبة عبد الله بن زيد. والله أعلم.
[279] نفسه.
[280] نفسه.
[281] لم أقف على مصدر هذا القول. والذي في التاريخ، عن عبد الله بن زيد قال: حدثنا البراء - وكان غير كذوب- قال يحي: يعني أبا إسحاق، أن عبد الله بن يزيد كان غير كذوب. (التاريخ 2/338) .
[282] انظر: (صف 6/363) .
[283] رد الحافظ هذا الإلزام فقال: ليس بوارد لأن يحي بن معين لا يثبت صحبة عبد الله بن يزيد، وقد نفاها أيضاً مصعب الزبيري، وتوقف فيها أحمد بن حنبل وأبو حاتم وأبو داود، وأثبتها البرقي، والدارقطني وآخرون. (الفتح 2/ 181) . وقد يرده ما ذكر المصنف عن الآجري في ثبوت الرؤية لعبد الله بن يزيد. ورجح الحافظ أن القائل "وهو غير كذوب"عبد الله بن يزيد، ودعمه ترجيحه بدليل (الفتح 2/182) .
[284] هذا الاستحسان قد يستحسن العلماء ما ذهب إليه صاحب العمدة لا سيما وله ما يؤيده من أقوال الصحابة، وعود الضمير إلى أقرب مذكور. وقد حرر هذه المسألة الحافظ ورجح أن الضمير يعود إلى البراء. (الفتح 2/181 - 182) .
[285] الجمع بين الصحيحين (مجلد 2/11) .
[286] سؤالات الآجري ص 200 -201.
[287] هذا الأعمى رضي الله عنه هو عمير بن عدي بن خرشة بن أمية بن عامر بن خطمة. ترجم له الحافظ وذكر قصته (الإصابة 7 /165) وأخرج قصته أبو داود. انظر: (سننه 4/528) .(34/46)
[288] يعني عبد الله بن يزيد الحظمي.
[289] في هذا إشكال لأن الرواية تذكر أن المرأة التي سبّت الرسول صلى الله عليه وسلم - واسمها عصماء بنت مروان من بني أمية - كانت أم ولد الأعمى. وذكر أن له منها ولدين مثل اللؤلؤتين وأنها كانت به رفيقة وهذا يقتضي أنها تحته وأن الحمل له. واسم هذا الأعمى عمير بن عدي، وصحابينا عبد الله بن زيد فالذي يظهر لي أن أبا داود أو مصعب الزبيري وهم في هذا الأمر، ولم ينتبه إلى أن عبد الله بن يزيد ليس ابناً للأعمى فلا يكون هو الطفل الساقط من تلك المرأة ونشأ الوهم في نظري أن الأعمى له ابن اسمه عبد الله ذكره الحافظ في (الإصابة 6/ 184) وهو خطمي، وعبد الله بن يزيد خطمي، وقد ذكر الحافظ ترجمة والد عبد الله بن يزيد في (الإصابة 10/347) ولم يتنبه لذلك محقق السؤالات.
[290] زيادة من (ب) .
[291] سؤالات الآجري ص 201.
[292] لفظه في (ب) "فأيكم أم الناس فليوجز". وهذا لفظ حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه في العمدة ص 31. أما لفظ أبي هريرة: إذا صلى أحدكم للناس فليخفف ... العمدة ص 31. وانظر: (م1/ 341) .
[293] لم يرد عن أبي هريرة "فليوجز" والذي عند مسلم "إذا أم أحدكم الناس فليخفف" ورواية "إذا ما قام.." وفي رواية "إذا صلى أحدكم للناس ... " انظر: (م1 /341) .
[294] ليس هذا من لفظ أبي هريرة. انظر: (خ2/199) بل هو من لفظ أبي مسعود. انظر: (خ2/197، 10/517) .
[295] يعني في لفظ أبي هريرة. وهي ثابتة عند البخاري من لفظ أبي مسعود الأنصاري (خ2/198، 10/517) .
[296] لفظه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين ... "العمدة32.(34/47)
[297] شرح العمدة 2/272 وانظر: (م1/357) قال برهان الدين: قال شيخنا رحمه الله: هو منقطع لأنه من رواية أبي الجوزاء، عن عائشة ولم يسمع منها، قاله ابن عدي وابن عبد البر (أ/4) قلت: هو كذلك انظر: (الكامل 1/402) لكن قال الحافظ: لا مانع من جواز كونه توجه إليها بعد ذلك فشافهها على مذهب مسلم في إمكان اللقاء (التهذيب1/ 384) .
[298] عبد الله بن زيد الجرمي كثير الإرسال.
[299] العمدة ص 35.
[300] صف 2/163، 288، 818، 824.
[301] الجمع - صلاة الجماعة (اللوحات الفلمية غير مرقمة) .
[302] يعني المقدسي رحمه الله.
[303] شرح العمدة 2/333.
[304] صف 2/163، 288، 818، 824.
[305] في (ب) ثم قام.
[306] صف2 /303
[307] زيادة من (ب) .
[308] صف 2/302.
[309] الإمام المعروف وكان لا يرى الرواية بالمعنى.
[310] العمدة ص 39.
[311] هنا سقط. وهو هكذا في (أ، ب) والذي في العمدة ص 39 (قال: "فصلى بنا ركعتين ثم سلم") .
[312] ابن القشب، صحابي، حليف بني المطلب.
[313] هكذا في (أ، ب) وزاد في العمدة ص 40 "الأوليين"ولم أقف على هذه الزيادة في حديث ابن بحينة في الصحيحين (صف 3/92، م1/399) .
[314] وكذلك في رواية البخاري (بالفاء) وأخرى بدون الواو (المصدر السابق) .
[315] في (أ) من.
[316] الإكمال.
[317] ابن الحارث بن الصمة، صحابي اختلف في اسمه. (الإصابة 11/68) .
[318] العمدة ص40.
[319] هو كما قال. انظر: (صف 1/584، م1/363) .
[320] لعل المصنف رحمه الله يريد طرق روايته كتاب البخاري، قال الحافظ: زاد الكشميهني "من الإثم" وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات عند غيره، فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل البخاري حاشية فظنها الكشميهني أصلاً لأنه لم يكن من أهل العلم، ولا من الحفاظ بل كان راوية. (الفتح 1/585) .(34/48)
[321] باب في سترة المصلي وما جاء في المرور. (اللوحات الفلمية غير مرقمة) .
[322] العمدة ص 41
[323] صف 1/171
[324] م1/361، 362.
[325] صحابي مشهور، أنزل الله تصديقه في سورة المنافقون.
[326] العمدة ص 42.
[327] صف 1/72.
[328] م3 /383.
[329] العمدة ص 45 والمراد قوله: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار.."الخ.
[330] م1 /412.
[331] لم أقف عليه في باب وضع اليمنى على اليسرى والتشهد. وفي الأحاديث تكرار فلعله سقط (اللوحات الفلمية غير مرقمة) .
[332] المجموع 3/414.
[333] الأذكار 1 /105 بل أشار إلى أنها من أفراد مسلم فقال: رواه مسلم من طرق كثيرة وفي رواية منها إذا تشهد أحدكم ... الخ.
[334] مراد المصنف رحمه الله أن البخاري لم يخرجه من حديث أبي هريرة وأصله من حديث عائشة. انظر: (صف 2/317) وانظر: الأطراف التي أحال عليها محمد عبد الباقي رحمه الله.
[335] العمدة ص 46، 47.
[336] باب في صلاة الليل والوتر (اللوحات الفلمية غير مرقمة) .
[337] لم أقف على مسند عائشة في الأجزاء الموجودة في الجامعة.
[338] يعني أن قول عبد الحق أولى لأن لفظ عائشة (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر) انظر: (صف 3/20) واللفظ مختلف كما هو مشاهد.
[339] يعني قول فقراء الصحابة: (ذهب أهل الدثور بالأجور) العمدة ص 48، 49.
[340] وهو كذلك. انظر: (صف 2/325) .
[341] أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي، محدث حافظ، رحاله. تنسب إليه المدرسة الضيائية - له تصانيف منها الأحكام، لم أقف على هذا المؤلف قال الشيخ حماد الأنصاري: لا يوجد - انظر: ترجمة الضياء (تذكرة الحفاظ 4/1405) .(34/49)
[342] علي بن إبراهيم بن داود، فاضل من أهل دمشق، باشر مشيخة النورية والقوصية والعلمية، مدة ثلاثين سنة، له مؤلفات منها - إحكام شرح عمدة الأحكام - لم أقف عليه، قال شيخنا حماد الأنصاري: لا يوجد من كتبه سوى المقطوعات في الصحيح مسلم - لابن العطار. (الدرر الكامنة 3/73) بتصرف.
[343] انظر: (صف 2/325، 11/132) .
[344] زيادة من (ب) .
[345] في (أ) وزعمت. والتصحيح من (ب) .
[346] العمدة ص 49.
[347] انظر: (صف 2/579) .
[348] باب الجمع بين الصلاتين (اللوحات الفلمية غير مرقمة) .
[349] شرح العمدة 3/94.
[350] يعني عن البخاري ومسلم.
[351] يعني أخرج مطلق الجمع. انظر: (م1/489 - 490) .
[352] هو المعلًّم.
[353] يحي بن أبي كثير.
[354] انظر: (صف 2/579) .
[355] لأن إبراهيم مات سنة ثمان وستين ومائة، والبخاري مات سنة ست وخمسين ومائتين.
[356] لم أقف عليه وما عرفه لي أحد ممن سألت لكن في الضوء اللامع 5/114 قال السخاوي رحمه الله: الكواكب الدراري في ترتيب مسند أحمد على أبواب البخاري وشرحه في مائة وعشرين مجلدا أبو الحسن علي بن زكنون الحنبلي. وقال ابن الجزري رحمه الله: أما ترتيب هذا المسند فقد أقام الله تعالى في ترتيبه خاتمة الحفاظ أبا بكر محمد بن عبد الله المحب الصامت فرتبه على معجم الصحابة، ورتب الرواة كذلك كترتيب كتب الأطراف، تعب فيه تعباً كثيراً. (المقصد الأحمد في رجال مسند أحمد 30) .
[357] ما بين الشرطتين مسقط من (ب) وهو قدر أربعة أسطر.
[358] عبد الله بن عمر الخطاب، صحابي ابن صحابي، وأحد المكثرين من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[359] العمدة ص 50.
[360] انظر: (صف 2/577) وانظر: الزيادة في (م1/479، 480)
[361] شرح العمدة 3/101.
[362] في باب قصر الصلاة. (اللوحات الفلمية غير مرقمة) .(34/50)
[363] المراد يصلون تطوعاً.
[364] الآية (21) من الأحزاب.
[365] انظر: (صف 2/577) .
[366] انظر: (صف 2/563، 569) وانظر: (فتح الباري 2/507، 578) .
[367] زيادة من (ب) .
[368] العمدة ص 51.
[369] شرح العمدة 3/130.
[370] انظر: (صف 2/401) لكنه قال: "كما تفعلون الآن"والمصنف ذكر لفظ مسلم (2/589) .
[371] لم أقف على هذا اللفظ "يفصل" والذي عند البخاري (يقعد) 2/406، وليست عند مسلم لكن لفظ "يفصل"أخرجه النسائي 3/109.
[372] الجمع بين الصحيحين (مجلد 2/91) .
[373] سنن النسائي 3/109.
[374] م2/589.
[375] إحكام شرح عمدة الأحكام ولم أقف عليه. (انظر: ص 38 ت14) .
[376] هو كما قال رحمه الله، فلا ذكر لجابر بن سمرة في العمدة بهذه الرواية.
[377] في (أ، ب) جهر فيها وفي العمدة "فيهما"ص56 وهو كذلك عند البخاري.
[378] انظر: (صف2/514) .
[379] قال: ويذكر في رواية مسلم الجهر بالقراءة، وذكره البخاري. (شرح النووي على مسلم 2/550) .
[380] إحدى الروايات في صلاة الخوف، وفيها "فصففنا صفين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.."العمدة ص58.
[381] انظر: (م1/574) .
[382] سقطت من (ب) .
[383] هو كذلك، ولم أقف على شيء مما ذكر.
[384] انظر: (صف 7/416، 417) .
[385] الأمر كما قال المصنف رحمه الله.
[386] انظر: (صف 7/416) .
[387] قال: وهي بعد خيبر، لأن أبا موسى جاء بعد خيبر. (صف 7/416) .
[388] منهم ابن إسحاق فيما نقل عنه ابن هشام. (السيرة 3/692) حيث ذكر أنها في سنة أربع.
[389] العمدة ص 58.
[390] في (أ، ب) حتمة بالمثناة والصواب بالمثلثة، أنصاري، صحابي صغير.
[391] في باب صلاة الخوف. (اللوحات الفلمية غير مرقمة) .
[392] انظر: (شرح الزرقاني 1/270) .
[393] سقطت من (ب) .(34/51)
[394] قال ابن أبي حاتم عن أبيه: بايع تحت الشجرة، وشهد المشاهد، إلا بدرا، وكان دليل النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أحد (الجرح والتعديل 4/200) قال ابن القطان: هذا لا يصح، لإطباق الأئمة على أنه كان ابن ثمان سنين أو نحوها عند موت النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن مندة، وابن حبان، وابن السكن، والحاكم أبو أحمد (نقله عنه الحافظ في الإصابة 4/271) .
[395] إحكام شرح عمدة الأحكام (انظر: ص 38 ت14) .
[396] شرح الوجيز مع المجموع 4/635.
[397] وقفت على مجلدة من الكتاب المذكور مبدوءة بكتاب (الجراح، وهي ناقصة والمطلوب فيما لم يوجد (مكتبة الشيخ حماد) .
[398] زيادة من (ب) .
[399] العمدة ص 60 لكنه قال: (وجهه ورأسه) بحذف (لا) .
[400] بل عندهما (م2/865) وكذلك عند البخاري "ولا تخمروا رأسه" صف 3/136، 137، 4/64 فلا وجه في نظري للاعتراض.
[401] زيادة عند البيهقي (السنن الكبير 3/393) .
[402] صف 4/52.
[403] السنن الكبير 3/393.
[404] العمدة ص 63.
[405] الرواية في مسلم بلفظ "إلا صدقة الفطر" (م2/676) ولم أجده عند البخاري بهذا اللفظ (صف 3/363) ولم أقف على كلام للحافظ حول ما إذا كانت رواية في بعض نسخ البخاري، لكن البخاري عقد لوجوب زكاة الفطر في الرقيق بابين قال: باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين (صف 3/393) وباب صدقة الفطر على الحر والمملوك (صف 3/275) وذكر فيهما حديث ابن عمر، ولعل المقدسي اعتبر هذا فتساهل ولم يقيد الرواية والله أعلم.
[406] زيادة من (ب) وانظر: العمدة ص 64.
[407] صف 3/331 لكنه قال: (فعم) .
[408] هو كذلك (المصدر السابق) .
[409] هو كما قال (المصدر السابق) .
[410] الأحكام (انظر: ص 38 ت13) .
[411] يعني البخاري.
[412] انظر: (صف 3/331) .
[413] زيادة من (ب) .
[414] العمدة ص 69.(34/52)
[415] سنن أبي داود 2/791، 792.
[416] المغني 3/152، 153.
[417] شرح العمدة 3/377، والشيخ تقي الدين هو ابن دقيق العيد رحمه الله.
[418] صف 4/192 قال برهان الدين: قال شيخنا: هو في البخاري في كتاب الصوم وبوب عليه باب من مات وعليه صوم (أ /8) .
[419] م2/803.
[420] لم أقف عليه عند عبد الحق.
[421] في باب صوم النذر عن الميت. انظر: (المنتقى مع شرحه نيل الأوطار 4/263) .
[422] زيادة من (ب) .
[423] العمدة ص 71.
[424] صف 4/208.
[425] لم أقف عليه عند عبد الحق.
[426] المنتقى مع نيل الأوطار 4/243، 244.
[427] الأحكام (انظر: ص 38 ت13) .
[428] لم أقف على هذا الكتاب وسألت الشيخ حماد وقال: لا يوجد وكذلك غيره من أهل العلم.
[429] في (ب) إلى البخاري.
[430] العمدة ص 71.
[431] سقطت من (ب) .
[432] في (أ) أحاديثهما بالتثنية، والجمع هو الصواب.
[433] العمدة ص 73.
[434] الواقع أن مسلماً رحمه الله لم يخرجه بتمامه أعني باللفظ المذكور في العمدة، فإن مسلماً لم يذكر الصماء ولا الاحتباء (م2/799، 800) ولعل ما استدركه المصنف على المقدسي رحمهما الله، إنما هو سبق قلم وقع من المقدسي وإنما أراد عكس ما كتب أن البخاري أخرجه بتمامه، ومسلماً أخرج الصوم فقط.
[435] صف 4/239، 240.
[436] نفسه.
[437] إن كان المصنف يريد عدم ذكرهما في حديث أبي سعيد فليس كذلك بل هما مذكوران فيه وإن أراد أن البخاري ذكره من طريق آخر ليس فيه الصماء ولا الاحتباء فهو كذلك عن عمر بن الخطاب. (صف 4/238) .(34/53)
[438] في كلام المصنف رحمه الله نظر لأنه علل قول المقدسي: "أخرج البخاري الصوم فقط"باحتمال أن المقدسي وقف على الرواية المذكورة في باب ستر العروة فقط وهذا في نظري وهم من المصنف لأن المقدسي لم يقل: وأخرج البخاري الصمّاء والاحتباء. وإنما قال: "وأخرج البخاري الصوم فقط"فدل على أن المقدسي رحمه الله وقع له سبق قلم فكتب في الأول مسلماً بدل البخاري وفي الثاني البخاري بدل مسلم لأنه لم يذكر الصماء ولا الاحتباء واقتصر على الصوم فقط. (انظر: ص 44 تعليق13) ثم انظر: (صف 1/ 476) .
[439] العمدة ص 74.
[440] صف 4/259.
[441] م2/828.
[442] ابن دقيق العيد رحمه الله.
[443] شرح العمدة 3 /434.
[444] العمدة ص 73 غير أنه قال: "فمن كان منكم" ولفظه: "منكم" ليست عند الشيخين. انظر: (صف 4/ 257) و (م2/822، 829) .
[445] في (ب) الذي.
[446] وهو كذلك بالنظر إلى اختلاف العلماء في أمر الروايتين لكن المترجح لدي ما ذهب إليه بعض العلماء من أن المراد بالسبع الأواخر أواخر الشهر فإن العمل فيها أولى بالاجتهاد وأحوط لكسب الخير والحصول على هذه الليلة المباركة. وانظر: كلاماً للحافظ ابن حجر حول هذا الموضوع (الفتح 4/256، 257) .
[447] العمدة ص 74.
[448] م2/824 وما بعدها.
[449] صف 4/371.
[450] في (ب) في.
[451] زيادة من (ب) .(34/54)
[452] هو كذلك قال الحافظ: ومقتضاه أن خطبته وقعت في أول اليوم الحادي والعشرين، وعلى هذا يكون أول ليالي اعتكافه الأخير ليلة اثنتين وعشرين، وهو مغاير لقوله في آخر الحديث "فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين، من صبح إحدى وعشرين"فإنه ظاهر في أن الخطبة كانت في صبح اليوم العشرين، ووقوع المطر كان ليلة إحدى وعشرين، وهو الموافق لبقية الطرق.. ويؤيده أن في رواية الباب الذي يليه (فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع على مسكنه، وهذا في غاية الإيضاح.. الخ. (الفتح 4/257، 258) .
[453] العمدة ص 78.
[454] انظر: (صف 3/408، م2/841) والجمع باب التلبية (اللوحات الفلمية غير مرقمة) .
[455] هكذا في (أ، ب) وليس هذا في العمدة.
[456] العمدة ص 79 وزاد (وليلة) وهو الصواب.
[457] انظر: (صف 2/566) تجد اختلافاً في بعض الألفاظ بالنسبة للفظ البخاري وعادة المصنف المؤاخذة على هذا.
[458] عند مسلم "إلا مع ذي محرم عنها" في هذه الرواية وفي أخرى "منها" ولم يذكرها المقدسي ولا استدركها المصنف كعادته. (م2/977) .
[459] العمدة ص 81.
[460] يعني قوله (خمس من الدواب) إلى قوله (ولمسلم) فكلمة "فواسق" ليست من لفظ البخاري (صف 4/34) .
[461] م2/857.
[462] الحديث عند مسلم بألفاظ عن عائشة وفي نظري الأقرب منها لما عند المقدسي "خمس من الدواب كلها فواسق تقتل في الحرم". (م2/857) ولعل المقدسي رحمه الله أخذ بلفظ البخاري وبمجموع الروايات عند مسلم لاندراجها تحت ذلك اللفظ.
[463] سقطت من (ب) .
[464] م2/857.
[465] قال عبد الكريم المكي: بخط ابن خضر، لم يرد المصنف هذا وإنما أراد الذي قبله، وليس فيه غير تقديم وتأخير والخطب في سهل. (أ /8) .
[466] العمدة ص 86.
[467] صف 3/547.(34/55)
[468] قال برهان الدين ابن خضر: قال شيخنا: لفظ مسلم "أهدى مرة إلى البيت غنماً فقلدها"فيه تقديم وتأخير عن ما تشعر به عبارة المصنف وعادته المؤاخذة بمثل ذلك. (أ /8) وانظر: (م2/958) .
[469] العمدة ص 89.
[470] عند البخاري من حديث ابن عباس ولم أقف عليه من حديث ابن عمر (صف 3/559) وعند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وليس عنده عن ابن عمر (م2/948) والذي وقع للمقدسي والله أعلم هو سهو أو أنه من الناسخ أسقط الواو الفارقة وهو الأقرب عندي، ثم وقفت على العمدة بشرح آل بسام فوجدت الرواية عن عبد الله بن عمرو بن العاص (تيسير العلام 1/600) فتحقق بحمد الله أنه من الناسخ وكذلك حصل لبعض النساخ أن كتب عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو خطأ بني على خطأ.
[471] شرح العمدة 3/578، 579) .
[472] اسم للمزدلفة.
[473] المراد بهذا صلاة النافلة.
[474] العمدة ص 91.
[475] صف 3/523 وقد زاد المقدسي (اللام) وأسقط (كل) بعد قوله (إثر) .
[476] م2/937، 938 وقال برهان الدين: قال شيخنا رحمه الله تعالى: منها جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع فصلى المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين بإقامة واحدة. (أ /8) .
[477] العمدة ص 95 وقد أسقط المصنف وسط الحديث "ومهر البغي خبيث".
[478] م3/1199.
[479] في النهي عن ثمن الكلب والسنور (اللوحات الفلمية غير مرقمة) .
[480] انظر: الجمع بين الصحيحين (مجلد 1 ورقة160) .
[481] م3/1199.(34/56)
[482] قال برهان الدين رحمه الله: قال شيخنا رحمه الله تعالى: قوله: (حديث عمر في العرايا) هذه الترجمة على هذه الصورة غلط، فإن الحديث المذكور إنما هو عن ابن عمر، لا عن عمر، ثم إنه لا ذكر للعرايا فيه أصلاً، وسبب هذا الوهم أن المصنف ذكر حديث ابن عمر هذا في باب ترجمة العرايا وغير ذلك. ولعله كان فيه حديث ابن عمر في باب العرايا، فسقط من النساخ. (أ /8) . قلت: لا حاجة لهذه الإطالة في التعليق والمخرج واضح فاحتمال سقوط لفظة (ابن) كبير جداً فالسبب غالباً من الناسخ ومثل هذا يقع لكل باحث. ولم أقف عليه من حديث عمر.
[483] العمدة ص96.
[484] تقدمت الإفادة بعدم الوقوف عليه.
[485] قال عبد الكريم المكي: بخط ابن خضر قوله: "وهو صريح"فيه مشاحَّة، لأنه ليس صريحاً لفظاً، وإنما يؤخذ ذلك بطريق الاصطلاح، وعبارة ابن الملقن "ظاهر إيراده أنها من أفراد مسلم"وهي عبارة جيدة (أ /8) .
[486] انظر: (م3 /1173) .
[487] انظر: (صف 5/49) .
[488] انظر: (صف 5/ 49) .
[489] انظر: (صف 4 /401) .
[490] مختصر سنن أبي داود 5/78، 79.
[491] الأحكام (انظر: ص 38 ت13) .
[492] السنن الكبرى.
[493] انظر: (العلل 50 - 52) .
[494] في (ب) في صحيحيهما.
[495] في كتابه إحكام شرح عمدة الأحكام (انظر: ص 38 ت14) .
[496] هو كما قال الزركشي رحمه الله فالذي من حديث نافع عن ابن عمر خلاف هذا (صف 4/401، م3/1137) .
[497] (م3/1137) .
[498] انظر: (صف 4/401 وأطراف الحديث) .
[499] في (ب) هاهنا.
[500] زيادة من (ب) .(34/57)
[501] قال ابن خضر: قال شيخنا رحمه اله تعالى: الزيادة ثابتة في رواية أبي ذر عن مشايخه الثلاثة (أ /9) . قلت: أبو ذر عبد الله بن محمد بن أحمد الهروي أحد رواة صحيح البخاري ولد سنة خمس أو ست وخمسين وثلاثمائة، ومات سنة أربع وثلاثين وأربعمائة. انظر: ترجمته في (هدية العارفين 1/472) ويقال: عيد بن محمد. ولعل هذا القول من المصنف يريد به حال النسبة إلى البخاري والزيادة عند أبي داود من طريق مالك بالسند المذكور أعلاه (سنن أبي داود 3/715) .
[502] قال ابن خضر: قال شيخنا رحمه الله تعالى: صوابه عن أبيه ابن عمر، فابن عمر بدل من أبيه، وقد وقع على الصواب في شرح العمدة للشيخ سراج الدين بن الملقن، ومنه نقل المصنف الكلام على هذا الحديث برمته لا زيادة ولا نقص، لكن أوهم أنه من تصرفه، وليس كذلك. (أ /9) .
[503] انظر: (شرح صحيح مسلم 4/28) . قال الحافظ: أما نفي تخريجها فمردود فإنها ثابتة عند البخاري هنا من رواية ابن جريح، عن ابن أبي مليكة، عن نافع، لكن باختصار. - وهو كذلك - (الفتح 5/51) .
[504] في (ب) وهذا.(34/58)
[505] جاءت الإشارة في رواية نافع وقد وقع الاختلاف بين سالم ونافع في رفعها ووقفها، لا في إثباتها ونفيها، فسالم رفع الحديثين جميعاً، ونافع رفع حديث النخل عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووقف حديث العبد على ابن عمر، عن عمر، وقد رجح مسلم ما رجحه النسائي، ورجح البخاري رواية سالم في رفع الحديثين، ونقل ابن التين، عن الداودي، وهو وهم من نافع، والصحيح ما رواه سالم في العبد والثمرة. قال ابن التين: لا أدري من أين أدخل الوهم على نافع مع إمكان أن يكون عمر قال ذلك - يعني على جهة الفتوى - مستنداً إلى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فتصح الروايتان، قال الحافظ: قد نقل الترمذي في الجامع -3/ 538 - عن البخاري تصحيح الروايتين، ونقل عنه في العلل -1/499، 500 - ترجيح قول سالم. (الفتح 5/52) قلت: وعبارة الترمذي: قال إن نافعاً يخالف سالما في أحاديث، وهذا من تلك الأحاديث. روى سالم عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال نافع: عن ابن عمر، عن عمر، كأنه رأى الحديثين صحيحين. إنه يحتمل عنهما جميعاً.
[506] العمدة ص 99.
[507] انظر: (صف 4/353) .
[508] انظر: (م3/1157) .
[509] العمدة ص 100.
[510] انظر: (م3/1214) .
[511] في باب في الصرف (اللوحات الفلمية غير مرقمة) .
[512] زيادة من (ب) .
[513] العمدة ص 101.
[514] التحقيق في مسائل التعليق (مجلد 2/42) .
[515] سقطت من (ب) .
[516] التحقيق (مجلد 2/42، 43) .
[517] صحابي عقد له رسول اله صلى الله عليه وسلم لواء الجهاد، وأنفذه أبو بكر رضي الله عنه.
[518] زيادة من (ب) .
[519] لفظه: "قلت: يا رسول الله أتنزل غداً في دارك بمكة؟ فقال: "وهل ترك لنا عقيل من رباع".."العمدة ص 108.(34/59)
[520] تجوز المصنف رحمه الله في هذه التسمية ولو قال في كتاب الأحكام لكان أدق، لأن ما في الكتاب حكم الله ورسوله وليس حكماً لمؤلفه. وهذا استدراك على المجد ابن تيمية وليس على المقدسي فلينتبه له. انظر: كلام المجد (منتقى الأخبار مع نيل الأوطار 6/82) .
[521] انظر: (م3/1233) .
[522] لفظه "سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر ... "العمدة ص 109.
[523] انظر: (م2/1020) .
[524] انظر: (صف 9/104) .
[525] تقدمة الإفادة بعدم الوقوف عليه.
[526] أم المؤمنين، رملة بنت أبي سفيان.
[527] العمدة ص 110.
[528] انظر: (صف 9/140) .
[529] في الرضاع (اللوحات الفلمية غير مرقمة) .
[530] الفهرية، صحابية، من المهاجرات الأول.
[531] ابن المغيرة المخزومي، مختلف في اسمه وفي وفاته، والمرجح أنه مات باليمن في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
[532] العمدة ص 115.
[533] انظر: (م2/114) .
[534] انظر: (صف9/477) قال الحافظ: أخرج مسلم قصتها من طرق متعددة عنها، ولم أرها في البخاري، وإنما ترجم لها ... وأورد أشياء من قصتها بطريق الإشارة إليها، ووهم صاحب العمدة فأورد حديثها بطوله في المتفق. (الفتح 9/478) .
[535] بنت الحارث، الأسلمية، زوج سعد بن خولة، لها صحبة ورواية. وانظر: العمدة ص 116.
[536] الأحكام 319 من نسخة حلب. ويلاحظ أن الزركشي أعاد تسمية الكتاب فقال أحكامه. ولو قال في الأحكام لكان أولى.
[537] مخطوطة في مكتبة الشيخ حماد (انظر: ص 217) .
[538] في (ب) قاله.
[539] الواقع كما قال المصنف. انظر: (م2/1122) .
[540] ابن عامر بن نوفل بن عبد مناف صحابي من مسلمة الفتح، مات بعد الخمسين.
[541] لفظه "أنه تزوج أم يحي بنت أبي إهاب ... "الحديث. انظر: (العمدة ص 123) .
[542] انظر: (صف 9/152) .(34/60)
[543] الواقع كما ذكر المصنف. انظر (الجمع بين رجال الصحيحين 1/381، 382) .
[544] ابن الحارث بن عدي، الأنصاري، صحابي ابن صحابي.
[545] اختلف في اسمها ورجح الحافظ أن اسمها عمارة. (الفتح 7/505) .
[546] ابن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث في العمدة ص 123.
[547] انظر: (صف 5/303، 304) .
[548] لم أقف عليه من حديث البراء عند البيهقي. وهو عنده من حديث علي بغير هذه السياقة. (السنن الكبير 7/452) .
[549] كذلك لم يذكره عبد الحق عن البراء، وهو كما عند البيهقي. (الجمع الرضاع، اللوحات الفلمية غير مرقمة) .
[550] تحفة الأشراف 2/53.
[551] منتقى الأخبار مع شرحه نيل الأوطار 6/368.
[552] لم أقف عليه عنده من حديث البراء وهو عنده من حديث علي رواية مسلم ومن حديث ابن عباس رواية البخاري ومسلم (جامع الأصول 12/147-148) . .
[553] انظر (صف 5/303-304 و 7/449) .
[554] زيادة من (ب) .
[555] لفظه: "أن يهوديا قتل جارية على أوضاح فأقاده ... "العمدة ص125.
[556] هو كذلك فليست لفظة: "فأقاده رسول الله"عند مسلم (م3/1299) .
[557] انظر (صف 12/200) .
[558] نسبة إلى عرينة إحدى قبائل العرب وهم الذين أمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، انظر الحديث في العمدة ص128، وقد قدم المصنف هذا الحديث على الحديث رقم (65) ، والحديث رقم (66) وترتيبه في العمدة بعدهما. وكذلك الحديث رقم (65) ترتيبه في العمدة بعد رقم (66) فحصل للمصنف تقديم وتأخير بين ثلاثة أحاديث.(34/61)
[559] لم أقف على هذا النقل عند البخاري إلا قوله بعد أن ساق الحديث مسندا من طريق قتادة عن أنس: قال قتادة: "بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلى"وليس هذا متفقا من حديث الموضوع مع حديث العرنيين. وقد قال الحافظ ابن حجر: هو موصول بالإسناد المذكور إليه. انظر (صف 7/458) ومثل هذا تماما في موضع آخر قال البخاري بعد أن ذكر الحديث من طريق أخرى عن قتادة عن أنس قال قتادة: "فحدثني محمد بن سيرين أن ذلك كان أن قبل تنزل الحدود"وكذلك يقول الحافظ: هو موصول بالإسناد المذكور. انظر (صف 10/142-143) ولعل المنذري رحمه الله وقف عليه في بعض نسخ البخاري ولا شك أن تعجب المصنف من هذا العزو في موضعه.
[560] انظر (صف 7/458 و 10/142) وانظر الحديث أيضا من طريق أبي قلابة عن أنس (1/335 مع الأطراف المحال عليها) .
[561] لورود الحديث عند البخاري من طرق موصولة ولا ريب أن المقدسي أثبت من المنذري في النقل.
[562] هو المنذري عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله ولد سنة 581هـ ومات سنة 656هـ رحمه الله. انظر (كتابه مختصر سنن أبي داود 6/205) .
[563] صف 1/335.
[564] زيادة من (ب) .
[565] العمدة ص 126.
[566] انظر: (م2/989) وفي نظري انه ليس من أفراد مسلم للتوافق الكبير بين الشيخين في الألفاظ.
[567] لم أقف على هذا عند البخاري بل عنده من طريق مجاهد عن ابن عباس (صف 8/176، الفتح 12/207) .
[568] لعله يريد قوله: "كانت في بني إسرائيل قصاص ولم تكن الدية ... ". (صف 12/205) .
[569] صف 1/205، 5/87، 12/205.
[570] باب تحريم مكة وصيدها. (اللوحات الفلمية غير مرقمة) .
[571] ثقة، فقيه، واسم أبيه يسار.
[572] ابن عبد الله، البجلي، له صحبة.
[573] العمدة ص 127.
[574] انظر: هذه المقولة في (المراسيل ص42 والجرح والتعديل 3/41) .(34/62)
[575] قوله: "وهذا الحديث يرد عليه"أولاً صرح بالتحديث لكن قد يرد عليه أن الحسن عرف عنه أنه يقول: حدثنا وخطبنا ويريد أن قومه حدثوا وخطب فيهم. ثانياً: أن الحسن ذكر العلماء أنه قارب التسعين ومات سنة عشر ومائة. فعلى فرض أن عمره بلغ خمساً وثمانين سنة يكون مولده سنة خمس وعشرين من الهجرة فيكون عمره عند وفاة جندب خمساً وثلاثين سنة لأن جندب مات بعد الستين واحتمال السماع كبير والله أعلم. أما تقوية الحديث في النفوس فقد أخذ هذا المصنف من كلام الحسن رحمه الله وهو قوله: (وما نسينا منه حديثاً، وما نخشى أن يكون جندب كذب..)
[576] العمدة ص 132.
[577] انظر: (م3/1330) .
[578] انظر: (صف 12/63 والجمع بين الصحيحين الحد في الخمر (اللوحات الفلمية غير مرقمة)
[579] زيادة من (ب) .
[580] العمدة ص 134.
[581] انظر: (م3/1266، 1267) .
[582] هو كذلك لكن في رواية من طريق سالم قال: قال ابن عمر: سمعت عمر يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" وفي نظري يصح اعتباره من مسند عمر بهذه الرواية. انظر: (صف 11/530) .
[583] تقدمت الإفادة بعدم الوقوف عليه.
[584] الجهني، صحابي ولي إمرة مصر لمعاوية.
[585] زيادة من (ب) .
[586] سقطت من (ب) .
[587] العمدة ص 136.
[588] انظر: (صف 4/78) وكذلك لفظة "الحرام" ليست في الرواية.
[589] لم أقف عليه عنده.
[590] زيادة من (ب) .
[591] سقطت من (ب) .
[592] العمدة ص 137.
[593] ليس كما قال رحمه الله، فالنووي عزا هذا اللفظ إلى البخاري ومسلم معاً - وعزا اللفظ الثاني إلى مسلم - قال: وفي رواية لمسلم "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" انظر: الأربعين ص 21.
[594] انظر: (صف 5/301) .(34/63)
[595] هكذا في (أ، ب) وفي الصحيح "خلاف الرسول"والأول في نظري أصح لأن الاجتهاد لا يكون إلا فيما لا نص فيه وظاهر العبارتين غير صحيح فالصواب أن يقول في الأولى: "فأخطأ الصواب، أو وفاق الصواب"وفي الثانية "فأخطأ وفاق الرسول"وقد أجاب الحافظ عن هذا الإشكال. انظر: (الفتح 13/ 318، 318) .
[596] انظر: (صف 13/317) .
[597] ابن حاتم، صحابي، مشهور رضي الله عنه.
[598] العمدة ص 142، 143.
[599] تعجل المصنف رحمه الله في الاستدراك على المقدسي، والمقدسي ذكر أنها في رواية أخرى قال: وحديث الشعبي عن عدي نحوه وفيه ... إلى آخره. انظر: (العمدة 143، م3/1530) .
[600] هذه رواية عاصم، عن الشعبي عن عدي وليس فيها "المكلب" وصاحب العمدة قال: "المعلم" بدل "المكلب" والثانية أيضاً ليست عند مسلم ولا قوله: "فإن أكل الكلب ذكاته". انظر: (م3/531) .
[601] المصدر السابق.
[602] هو كذلك. انظر: (صف 9/609، 612) .
[603] العمدة ص 148.
[604] هو كذلك. انظر: (م3/1495) وما بعدها، لكن قال برهان الدين: قال شيخنا رحمه الله: الزيادة تنتهي إلى قوله: "الصائم القائم" وأما ما بعده فمتفق عليه، على أن مسلماً أورد الزيادة المذكورة بلفظ آخر وهو "مثل المجاهد في سبيل كمثل الصائم القائم، القانت بآيات الله ... " أورد في أثناء حديث. (أ/11) وانظر: (م3/1498) .
[605] انظر: (صف 6/ 6) .
[606] خالد بن زيد، من كبار الصحابة، نزل عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة.
[607] زيادة من (ب) .
[608] العمدة ص 149.
[609] انظر: (م3/1500) .
[610] هذا النقل ليس في العمدة الصغرى.
[611] حاولت الوقوف على النسخة المذكورة ولم أتمكن من ذلك.
[612] العمدة ص 150.
[613] سنن الترمذي 4/216.
[614] تقدم القول بأنه غير موجود.
[615] انظر: (م3/1376) .(34/64)
[616] انظر: (صف 6/93) والمواضع التي أحال عليها. لكن قال برهان الدين: قال شيخنا رحمه الله تعالى: لفظ مسلم موافق للفظ العمدة إلا قوله: "خالصاً" ففي مسلم "خاصة" وإلا قوله: "فكان يعزل نفقة أهله سنة"ففي مسلم "فكان ينفق منها على أهله نفقة سنة" ولفظ البخاري في التفسير كلفظ مسلم. (أ /11) قلت: هو كما قال الحافظ رحمه الله: إلا لفظة "منها"فليست عند مسلم. انظر: (م3/1376) وهي عند البخاري. انظر: (صف 8/629، 630) .
[617] الثوري، ثقة، إمام معروف.
[618] قال ياقوت: موضع قرب المدينة، أجرى منه رسول صلى الله عليه وسلم الخيل في السياق - وقدر المسافة بينها وبين المدينة بخمسة أميال أو ستة. (معجم البلدان 23/276) . قلت: سألت بعض أهل العلم بآثار المدينة فقال: الحفياء هي في أول بساتين الخليل اليوم على غالب الظن وهي تقدر بنفس المسافة المذكورة. وانظر: (وفاء الوفاء 2/1172) .
[619] الأرض ترتفع وتغلط - وهي - في الجبل علو فيه، والجمع ثنايا، وهي طريق مرتفع في المدينة موقعه اليوم على مفترق الطريقين إلى أحد، وسلطانة مجاورة لجبل سلع وكانت تسمى ثنية الركاب وثنية سلع وثنية الشامية. انظر: (غريب الحديث 3/698، والمجموع المغيث 1/277، والمدينة بين الحاضر والماضي ص 130، والنهاية 1/226) .
[620] العمدة ص 150، 151.
[621] يعني قول سفيان هذا في قياس المسافة، لكن الحافظ قال: وهو عند مسلم لكن لم يسق لفظه. (الفتح 6/72) . وهو كذلك فإن مسلماً حول الإسناد عن ثلاثة من شيوخه قالوا: حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية. (م3/1492) واستدراك المصنف ينصب على اللفظ.
[622] العمدة ص 151 وهو عن ابن عمر أيضاً.
[623] هو كذلك. انظر: (صف 6/67و 7/484) .(34/65)
*** تم بحمد الله تحقيق النوع الأول من الكتاب في يوم الثلاثاء الرابع عشر من شعبان لعام تسعة وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. المدينة المنورة 14/8/1409هـ.
ويليه تحقيق النوع الثاني من الكتاب إن شاء الله تعالى.(34/66)
محاولات التحالف بين المغول والصليبيين ضد المسلمين
في القرنين السابع والثامن الهجريين وآثارها
بقلم الدكتور شفيق جاسر أحمد محمود
الأستاذ المساعد بقسم التاريخ الإسلامي
الحمد لله رب العالمين الذي منّ على عباده بدينه القويم، والصلاة والسلام على نبيه الأمين سيد العالمين وعلى آلة وصحبه وثمن تبعه إلى يوم الدين.
جذور العداء بين المسلمين والنصارى:
منذ أن منّ الله تعالى على خلقه بنبي الرحمة وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جاء هاديا ومبشرا ونذيرا، ومنذ أن أضاء نور الإسلام جزيرة العرب، ولامست أشعة نوره جوارها من بلاد العراق والشام ومصر والحبشة، اتخذ منه النصارى واليهود موقفا معاديا، فتقولوا عليه الأقاويل، ونالوا منه أبشع نيل، وحاربوه بألسنتهم وسيوفهم وبذلوا في سبيل ذلك جهدهم.
{وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [1] فعمت الدعوة الإسلامية العراق والشام ومصر وشمال إفريقيا في سنوات معدودة، وزال عنها نفوذ النصرانية ودخل جل أهلها في الإسلاَم. وقبل ذلك زالت اليهودية من الجزيرة العربية فقبعت مذمومة مدحورة في قلوب أهلها.
ولهذا تأججت الأحقاد في قلوب النصارى، ولم تزد الأيام حقدهم وكرههم للإسلام والمسلمين إلا اشتعالا، حيث لم تجد فيهم نظرة الإسلام السمحة إلى الديانات السماوية ومعتنقيها، واعترافه بأنبياء الله عموما، وما لاقاه أهل الذمة تحت ظل الإسلام في المشرق، والمغرب من إحسان ورعاية وعدل، وما تمتعت به مقدساتهم من رعاية وحماية واحترام، وما وفرته الدولة الإسلامية من أمن وحماية لحجاجهم. {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [2] .(34/67)
وزاد العداء النصراني حدة بازدياد ما حققه الإسلام من توسع على حساب النصرانية، حيث غزاها في عقد دارها في أرمينية وآسيا الصغرى والأندلس بل وعبر البحر إلى جزر بحر الروم (البحر الأبيض المتوسط) وجنوب فرنسا وإيطاليا، وهدد أكثر من مرة باجتياح عاصمتها الشرقية (القسطنطينية) خصوصا في عهد الأتراك السلاجقة، حيث تمكن سلطانهم المسلم ألب أرسلان من أن يهزم رأس نصارى الشرق- الإمبراطور رومانوس البيزنطي- في معركة ملاذكرد عام 463 هـ (1071 م) وأن يهدد العاصمة نفسها.
ففقدت أوروبا صوابها، وبادرت بشن حرب صليبية بشعة حاقدة، اكتوى بنارها الشرق والغرب مسلمون ونصارى، قرابة قرنين من الزمان، توجوا خلالها انتصاراتهم بالاستيلاء على القدس من المسلمين، وإقامة مملكة صليبية دامت قرابة القرن، على أشلاء سبعين ألف مسلم من سكانها لم ينج منها مخبَّر.
قيض الله للمسلمين الناصر صلاح الدين الأيوبي، رحمه الله، ومن خلفوه من أيوبيين ومماليك، جاهدوا في الله حق جهاده، حتى اندحر الصليبيون دون أن يحققوا أهدافهم، ولم يبق منهم إلا جيوب هنا وهناك في صور، وقبرص، وغيرهما، تعلقوا بآمال واهية ارتبطت باحتمال مساعدة أوروبية صليبية أو مغولية وثنية تعيد إليهم ما فقدوه.
ظهور المغول:
وفي هذه الأثناء التي انحطت فيها قوى الصليبين في المشرق وأوروبا- ما عدا الأندلس حيث كانت هجماتهم على أشدها- ظهرت قوة طاغية جبارة في المشرق تتفجر عنفا ورغبة في سفك الدماء - أي دماء -[3] هي قوة المغول. وقد نشأوا في هضبة مغوليا بشمال صحراء جوبى، في أواسط آسيا ما بين جنوب سيبريا وشمال التبت وغرب منشوريا وشرق التركستان. بين جبال التاي غربا وجبال خنجان شرقا [4] .(34/68)
وكان مؤسس إمبراطوريتهم هو جنكيز خان، الذي نظم الدولة ووضع قانون اليساق [5] ثم لم يلبث أن توفي عام 623هـ (1223م) فانساح خلفاؤه في كل اتجاه، ومنهم مغول إيران الذين انساحوا غربا مع هولاكو وخلفائه فجرفوا ما صادفوه أمامهم وخربوا وهدموا كالعاصفة المدمرة. حتى قال عنهم المؤرخ ابن الأثير المعاصر لتلك الأحداث: "وقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر الحادثة - خروج التتر إلى بلاد الإسلام - استعظاما لها، كارها لذكرها، فأنا أقدم رجلا وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه نعي الإسلام! ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟! فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا… وهذا الفصل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عظمت الليالي عن مثلها، عمت الخلائق وخصت المسلمين… وهؤلاء لم يبقوا على أحد، بل قتلوا النساء والرجال والأطفال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنّة…" [6]
وقد أورد توماس أرنولد، وصفا لقسوة الهجمة المغولية على بلاد الإسلام جاء فيها: "لا يعرف الإسلام من بين ما نزل به من الخطوب والويلات خطباً أشد هولاً من غزوات
المغول، فقد انسابت جيوش جنكيزخان انسياب الثلوج على قمم الجبال واكتسحت في طريقها الحواضر الإسلامية، وأتت على ما كان لها من مدينه وثقافة لم يتركوا وراءهم من تلك البلاد سوى خرائب وأطلال بالية" [7]
ولم يقتصر المغول في توسعهم على البلاد المسلمين بل توسعوا أيضا في بلاد النصارى كروسيا وبولندا وهنغاريا وغيرها وقتلوا وخربوا، لا يفرقون بين جنس وجنس ولا بين دين ودين، فلا يعني الإسلام ولا النصرانية لهم شيئا [8]
نظرة الصليبين إلى المغول:(34/69)
ومع كل ذلك فقد رأى فيهم النصارى والصليبيون، حليفا طبيعيا، ونعمة ساقها الله إليهم لمساعدتهم في صراعهم التاريخي ضد المسلمين، خصوصا لما رأوه من عنفهم وشراستهم، وسرعة اجتياحهم للبلاد التي قصدوها في عهد إمبراطورهم كيوك، من الصين شرقا حتى أواسط روسيا وإيران وجبال طورس غربا، وما ألحقوه من هزيمة بكيخسرو الثاني سلطان سلاجقة الروم في آسيا الصغرى، وإخضاعهم هيثيوم ملك أرمينية النصراني لسلطانهم [9] فرأوا أن هؤلاء لو تحالفوا معهم أو استطاعوا أن يدخلوهم في النصرانية، فسوف يشكلون قوة هائلة تضغط على المسلمين في الشام ومصر من الشرق، في حين تضغط عليهم أوروبا من الغرب، فيصبحون بين المطرقة والسندان، مما قد يؤدي لاجتثاثهم.
بدء الاتصالات بين الصليبيين والمغول:
لهذا بدأ الصليبيون الأوروبيون في الاتصال بإيلخانات المغول، ومراسلتهم وتبادل الهدايا معهم، ودعوتهم إلى الإحسان لرعاياهم من النصارى، واستعدائهم على المسلمين من أيوبيين ومماليك وعباسيين، بل وإلى دعوتهم الصريحة وبإلحاح إلى الدخول في النصرانية [10] .
ومن هذه المحاولات ما فعله البابا انوسنت الرابع، innocent 644هـ (1245م) حين أرسل إلى توراكيتا خان في قرة قوروم [11] مبعوثاً هو الراهب الفرنسيسكاني حناّ دي بلانوكاربنيس john de Plano carpinis يدعوه للدخول في الديانة النصرانية، فرد عليه مشترطا خضوعه - أي البابا- وخضوع أمراء أوروبا لسلطانه كثمن لذلك [12] فلم يسع البابا قبول هذا المطلب الذي كان ثمنا باهظاً لمطلبه الجريء.
كما أن البابا انوسنت الرابع نفسه قد أرسل سفارة إلى بيجو زعيم مغول القوقاز تدعوه إلى الدخول في النصرانية. [13] وذلك سنة 644هـ (1246م) .
موقف الإيلخان كيوك 644 -646 هـ (1246- 1248م) من هذه الدعوة.(34/70)
يبدو أن هذه المحاولات قد لقيت صدى مبكراً في نفوس بعض الإيلخانات، حيث قيل أن هذا الإيلخان قد اعتنق النصرانية على المذهب النسطوري، وتبعه بعض الوزراء والقواد، مما شكل نصراً مبكراً للنصرانية، لو تم بشكل واسع ومستمر، لأدى إلى دخول المغول في النصرانية، ولكان في ذلك كل الخطر على الإسلام والمسلمين ولأصبحوا كما يتمنى الصليبيون بين فكي كماشة [14] .
وكان عمل كيوك هذا إدراكا منه لأهمية ما يعرضه عليه الصليبيون، ورغبة في استغلاله لصالحه، فقام نائبه على القوقاز وفارس- جغطاي خان- بعرض عقد تحالف مغولي صليبي مع الملك الفرنسي لويس التاسع عام 1248م (646هـ) ضد الخلافة العباسية والأيوبيين والمماليك في الشام، وذلك خلال مرور لويس التاسع بقبرص في طريقه لغزو دمياط بمصر. وكان رسولاه إليه راهبين نسطوريين هما داود ومرقص، وقصده- أي جغطاي- من ذلك إشغال المماليك عن نجدة الخلافة العباسية، التي كان ينوي مهاجمتها [15] .
وقد قام لويس التاسع بإرسال رده على هذا العرض مع وفد وجهه إلى أذربيحان- حيث كان جغطاي- ومنها إلى قرة قوروم- حيث كان يقيم الخان الأعظم كيوك- فوصل الوفد بعد وفاة هذا الخان 644 هـ (1248م)
موقف منكوخان 646-655 هـ (1248 -1257م) من محاولات الصليبين:
استقبل منكوخان خليفة كيوك خان، وفد لويس التاسع بفتور، حيث إنه لم يكن ميالا للتعاون معه [16] ولكن هذا الاستقبال لم يدفع لويس التاسع إلى اليأس، فكرر المحاولة بعد أن هزمه المصريون في المنصورة وأرسل رسولا آخر إلى منكوخان هو وليم روبروك - William of rubruck الراهب الفرنسيسكاني - فوصل العاصمة قرة قوروم، التي كانت تعج بالكثيرين من رسل الملوك والأمراء الذين جاؤوا يطلبون صداقة الخان الجديد، والتحالف معه، ويظهرون له الطاعة ويخطبون وده.(34/71)
وكان شرط منكوخان للاستجابة لطلب لويس التاسع أن يخضع الملك لويس له فعاد الرسول خائبا في هذه السفارة أيضا.
إلا أن هذا الرسول سمع في قرة قوروم أثناء إقامته بها أخباراً تفيد أن المغول ينوون مهاجمة بلاد الخلافة العباسية والاستيلاء على بغداد نفسها. فبادر لدى عودته إلى عكا بإرسال الخبر إلى لويس التاسع الذي كان قد غادرها إلى فرنسا [17] .
وقام هيثيوم الأول ملك أرمينية الصغرى بمثل ما قام به لويس التاسع من تودد لمنكوخان، حيث أرسل أخاه سمباد على رأس سفارة إلى عاصمة المغول عام 1247 -1248م (645-646 هـ) [18] ثم أتبعها بزيارة شخصية قام بها بنفسه للتأكيد على ولائه لمنكوخان وأصبح تابعا له [19] .
وهكذا يمكن اعتبار هذه الاتصالات المتكررة التي أثمرت انحياز منكوخان للنصارى بالعطف عليهم ورعايتهم وبإعلان حمايته للكنيسة، ووعده لهم بأنه سوف ينفذ أخاه هولاكو نحو الغرب ليحطم الخلافة العباسية- رمز الإسلام والمسلمين- ويستعيد الأراضي المقدسة في الشام ويسلمها للصليبيين الذين أخرجوا منها على يد صلاح الدين وخلفائه، حلفاً أثلج صدور الصليبيين وزاد من أملهم في سقوط الخلافة [20] .
يمكن اعتبار هذه المبادرة الخطيرة نوعا من التحالف غير المعلن بين المغول والصليبيين ضد المسلمين، لعب في عقده كل من لويس التاسع وهيثيوم الأول الدور الأكبر، في حين لم يحاول بقايا الصليبين في الشام وقبرص القيام بأي جهد في هذا المجال، فلم يتصلوا قط بالمغول [21] إلا نادراً. منها ما رواه المقريزي: "أن جماعة من الفرنج خرجوا من الغرب وبعثوا إلى أبغا بن هولاكو بأنهم واصلون لمواعداته من جهة سيس في سفن كثيرة ... " [22] .(34/72)
وما رواه مفضل بن أبي الفضائل أن صاحب طرابلس بعد أن عقد هدنة مع بيبرس 669 هـ (1271م) توسل إلى أبغا وأرسل إليه يطلب معونته ضد المسلمين، ويصف ما فتحه بيبرس من القلاع والحصون حتى صاح به أبغا "أنت ما جئت إلا لتخوفني منه وتنفرني عنه وتملأ قلوب عسكري رعبا" [23] .
بالإضافة لما ذكره بعض المؤرخين من اتصالات قليله كانت تحدث أحيانا بين الصليبيين بالشام والمغول بقصد شن هجمات محدودة على المسلمين [24] كما حدث عندما أغار الفرنجَ على قاقون بمواعدة التتار [25] .
التحالف بين المغول والصليبيين في عهد كوبيلان خان 655- 693 هـ (1257-1294م) :
خلف كوبيلان خان، منكوخان في زعامة المغول العظمى، وفي عهده قام هولاكوخان- وكان وثنيا- باجتياح بلاد خوارزم والاستيلاء على عاصمة الخلافة العباسية بغداد، حيث ارتكب المغول فيها من المجازر مالا زالت النفوس تشمئز منه وتقشعر منه الأبدان، فزاد عدد من قتلوه من المسلمين عن المليون، وهدموا وخربوا عاصمة كانت منار العالم علما وعمرانا وازدهارا، ومع ذلك فلم يقدم على إيذاء النصارى من أهل بغداد بل وضعهم تحت حمايته، وأجاز جاثليقهم النسطوري ووهبه منزل الدفتر دار الصغير [26] وذلك لميله لهم ولتأثير زوجته النصرانية النسطورية دكوزخان [27] كما أقر فعله ابنه أبغا الذي خلفه من بعده [28] .(34/73)
وقد قدر الصليبيون ذلك فتعاونوا مع المغول في اجتياحهم لبلاد المسلمين حتى اتخذت هذه الحملة طابع الحملة الصليبية [29] فاشتركت فرقة من الأرمن مع المغول في غزو ميافارقين وساهموا في ذبح سكانها من المسلمين والحفاظ على النصارى من سكانها، واشترك هيثيوم الأول، ملك أرمينية الصغرى في وضع خطة غزو بلاد الشام، وطلب منه هولاكو أن يلاقيه بجيشه عند الرها، ليصحبه معه إلى بيت المقدس فيخلصها من أيدي المسلمين ويسلمها للصليبيين [30] وشارك في هذا التأييد للغزو المغولي بوهيمند السادس أمير أنطاكية وطرابلس الصليبي وزوج ابنة هيثيوم الأول [31] والبابا اسكندر الرابع الذي أرسل سنة 658هـ -1260م إلى هولاكو يهنئه على بطولاته ويدعوه للدخول في النصرانية [32] وسارع مطران اليعاقبة في حلب إلى لقاء هولاكو وبذل جهده في استعدائه على المسلمين [33] لذلك لم يقم هولاكو بالاعتداء على نصارى حلب، ولم يتعرض لكنيسة اليعاقبة في الوقت الذي أحرق فيه مسجدها وذبح معظم أهلها من المسلمين بتحريض من حليفه ومرافقه الصليبي هيثيوم الأول [34] .
وأرسل رسالة تهديد إلى قطز جاء فيها: "من ملك الملوك شرقا وغربا القائد الأعظم ... يعلم ... قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم ... أنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه وسلطنا على من حل به غضبه ... وأسلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء ... ونحن لا نرحم من بكى ولا نرق لمن شكا ... فأبشروا بالمذلة والهوان ... فقد حذر من أنذر، وقد ثبت عندكم أن نحن الكفرة وقد ثبت عندنا إنكم الفجرة ... "فغضب قطز وقطع رؤوس أعضاء الوفد ما عدا صبي استبقاه مملوكا له [35] ولكن رشيد الدين الهمداني أورد نصا آخراً لهذه الرسالة تضمن نفس المعنى، وذكر أن قطز قتل رسل هولاكو بناء على مشورة بيبرس [36] .(34/74)
وعندما اضطر هولاكو للعودة إلى الشرق مستخلفا على معظم جيشه قائده كتبغا المشهور بميله للنصارى [37] لإكمال مهمته في اجتياح بلاد الشام ومصر، قام هيثيوم الأول ملك أرمينية الصغرى وصهره بوهيمند السادس أمير أنطاكية وطرابلس بمرافقته، ودخلا معه مدينة دمشق، وطلبا منه أن يغلق مساجدها وأن يحول بعضها إلى كنائس، فأجابها إلى طلبهما رغم استعطاف المسلمين [38] .
وتحمس نصارى الشام لهذه الحملة حتى ظنوا أنهم إنما يقومون بدعم حملة صليبية جديدة، فعندما أقبل المغول إلى دمشق نظم النصارى في طرقهم المواكب الكبيرة، وأخذوا يرتلون التراتيل النصرانية، واستطالوا على المسلمين، حتى وصف أبو الفداء ذلك فقال: "واستطالوا على المسلمين بدق النواقيس وإدخال الخمر في الجامع الأموي" [39] وروى المقريزي في حوادث سنة 658هـ ما نصه "استطال النصارى بدمشق على المسلمين، وأحضروا فرمانا من هولاكو بأمرهم وإقامة دينهم، فتظاهروا بالخمر في نهار رمضان، ورشوه على ثياب المسلمين في الطرقات، وصبوه على أبواب المساجد، وأمروا أصحاب الحوانيت بالقيام إذا مروا بالصليب عليهم. وأهانوا من امتنع عن القيام للصليب، وصاروا يمرون به في الشوارع إلى كنيسة مريم، ويخطبون في الثناء على دينهم وقالوا جهرا: ظهر الدين الصحيح دين المسيح. فقلق المسلمون من ذلك وشكوا أمرهم إلى كتبغا، فأهانهم وضرب بعضهم، وعظم قدر قسوس النصارى. ونزل إلى كنائسهم وأقام شعائرهم [40] ".
وفي عام 659هـ (1260م) جهز الظاهر بيبرس جيشا لطرد المغول من حلب، وعندما وصل الجيش إلى غزة، كتب الفرنجة إلى المغول يحذرونهم فرحلوا عنها مسرعين [41] .
الإيلخان أباقا (ابغاخان) بن هولاكو: 665- 681هـ (1265- 1282م)(34/75)
وفي عهد أباقا بن هولاكو ازدادت هجمة النصارى عليه محاولة إدخاله في دينهم، فأرسل إليه أربعة من البابوات هم كليمنت الرابع، وجريجوري العاشر، ويوحنا السادس والعشرون، ونقولا الثالث، يحضونه على الدخول في النصرانية [42] فتزوج من امرأة نصرانية هي مارية ابنة الإمبراطور البيزنطي ميشيل باليوغولوس التي سماها المغول باسم (دسينا) ، وأظهر ميلا للنصارى وعطفا عليهم، فأقر إعطاء دار الدفتردار الصغير في بغداد للجاثليق النسطوري.
وطمع أباقا بمساعدة النصارى الأوروبيين فأرسل إلى ملك إنجلترا إدوارد الأول 673 هـ (1274م) [43] في ذلك فرد عليه يعده خيراً ويوصيه بالنصارى.
كما أرسل إلى فيليب الثالث ملك فرنسا يطلب منه التعاون معه في محاربة المماليك، فرد عليه واعداً إياه بالمساعدة [44] كما وراسل إلى جيمس الثاني ملك أرغونة واتفق معه على إعداد حمله صليبيه ضد المماليك، وتوجهت هذه الحملة فعلا ولكنها فشلت بسبب كبر سن جيمس الثاني، وتحطم سفنه في الطريق [45] .
وعندما عقد مجمع ليون عام 1274م (673 هـ) حضره مبعوثان من قبل أباقا عرضا على المجتمعين مشروع تحالف صليبي مغولي، وتم تعميدهما نصرانيين دون أن يجابا إلى طلبهما [46] .
الإيلخان أحمد تكوادر (أحمد بن هولاكو) :
لقد شذ هذا الإيلخان الذي تولى السلطة عام 681 هـ (1282م) عن سابقيه في الميل للنصارى والرغبة في التحالف مع الصليبيين ضد المسلمين، فلم يلبث بعد توليه الحكم بعد أباقا خان، أن دخل في الإسلام، رغم أنه كان نصرانيا منذ طفولته، وأنه سبق أن عمد باسم نقولا، فسمى نفسه أحمدا، وأرسل رسله إلى بغداد وسلطان مصر المملوكي، يخبرهم بإسلامه ويعرض عليهم التحالف وإنهاء العداء التقليدي بين المغول والمسلمين. ولكنه لم يلبث في الحكم سوى ست سنوات حيث ثار عليه بعض قادته وقتلوه عندما حاول نشر الإسلام بين شعبه [47] .
الإيلخانات أرغون وكيخانو وبايدو:(34/76)
تولى إرغون السلطة بعد أحمد تكوادر عام 688 هـ (1288م) [48] عن طريق الجيش، وكان كأبيه محبا للنصارى، فعمل على الحد من نفوذ المسلمين في الدولة، وأبعدهم عن المراكز الهامة وعن الظهور في بلاطه، وغالى في عدائه لهم حتى أعلن بتأثير من وزيره اليهودي سعد الدولة أنه سيعمل على جعل مكة معبدا وثنيا، ولكن الله تعالى أخذه أخذ عزيز مقتدر هو ووزيره الغاشم [49] .
وكان قبل موته قد اتصل بالملك إدوارد الأول ملك إنجلترا مقترحا عليه شن هجوم مشترك على الأراضي المقدسة من الشرق والغرب، ولكن الملك الإنجليزي اعتذر إليه بانشغاله بالحروب الاسكتلندية.
وكرر عرضه هذا على فيليب الرابع ملك أرغون عام 688 هـ (1289م) مقترحا عليه التعاون في غزو مصر، ويعده بمنحة دمشق وكثير من الخيول والإمدادات، ويعلمه بأن ملكي بلاد الكرج [50] سينضمان إلى حلفهما، وحدد لبداية الغزو شهر محرم 690 هـ (1291م) [51] .
وكان الإِيلخان كيخانوا خليفة أرغون مؤيدا للنصارى كسابقيه [52] إلا أنه اتبع أسلوبا معتدلا في ميله إليهم، وصار يظهر شيئا من العطف على المسلمين، فأعفى آل البيت من دفع عامة الضرائب [53] وكتب شعارات إسلامية على عملته، حيث كتب على أحد وجهيها "لا اله إلا الله محمد رسول الله" [54] .
أما الإيلخان بايدو الذي خلف كيخانوا فقد كان ظاهر الميل والتأييد للنصارى بتأثير من دسبينا زوجة أباقا خان، التي كانت لا تزال على قيد الحياة، وكانت ذات تأثير شديد عليه، حيث كان يقضي معظم وقته عندها. فقام بتعليق صليب فخم في عنقه، وسمح للنصارى ببناء الكنائس وقرع أجراسها في معسكره، وعاقب بشدة كل من يحاول الدخول في الإسلام من المغول، ومع هذا فإنه كان يحاول إظهار الاعتدال تجاه المسلمين، فيرسل ابنه ليصلي كما يصلون [55] .
الإيلخان غازان (قازان) : 694- 4 70 هـ (1295- 4 130 م)(34/77)
كان هذا الإيلخان في أول عهده بوذيا، ثم اعتنق الإسلام أثناء ولايته للعهد، وذلك في الرابع من شعبان عام 694 هـ (1295م) [56] فكان ذلك مفاجأة كبرى وانتصاراً غير متوقع للإِسلام على المحاولات النصرانية لتنصير المغول. لأن هذا الخان فور ارتقائه العرش جعل الإسلام دين الدولة الرسمي، وأدخل في الإسلام عدداً كبيرا من قبائل المغول. ودخل من جيشه في الإسلام عشرة آلاف وقيل مائة ألف من القادة [57] .
وقد اختلف في سبب إسلامه ومدى إخلاصه، فقيل أنه أسلم لكسب تأييد المسلمين الذين يؤلفون غالبية شعبه ضد عدوه وعدوهم بايدو. وقيل كان بضغط وإلحاح من قائده نوروس، وتوسلات من بعض أمرائه وبعض المشايخ.
ومهما كان السبب وحتى لو كان إسلامه في البداية سياسيا، فإن من الثابت أنه فيما بعد قد أصبح مسلما حقيقيا، وذلك بشهادة رشيد الدين، أحد معاصريه ووزرائه، فقد ذكر أنه كان يشك في صحة إسلام غازان ولكنه تأكد فيما بعد من صحته من حديث جرى بينه وبين غازان حول الذنوب والأوثان [58] .
وقد عرف عنه إنه تعلم شرائع الإسلام فصلى وصام وانقطع عن الولاء لخاقان التتار ألغى اسمه عن عمله إيران.
ومع ذلك فإن غازان قد حارب المماليك المسلمين، وقيل أنه حاول الاستعانة بالنصارى ضدهم واعداً إياهم أن يرد إليهم الأراضي المقدسة عندما يستخلصها، فراسل البابا بانونيفاس الثامن ودعاه لشن حرب صليبية ضد المماليك سنة 699 هـ (1300 م) واعداً إياه وملوك أوروبا بإعطائهم فلسطين ثمنا لذلك [59] .
وقد استجاب له جيمس الثاني ملك أرغونة وأرسل إليه سنة 698 هـ (1299م) يهنئه بانتصاراته ويعده بإمداده بالسفن ويعلمه بأنه سمح لمن يرغب من رجاله بالانضمام إليه. كما زعم بعضهم أن غازان عرض على الأوروبيين أن يعتنق النصرانية في سبيل الحصول على مساعدتهم ضد المماليك [60] .(34/78)
هذا وقد قام الإيلخان خدا بنداه خان خليفة غازان [61] 703 هـ (3 هـ 1303 م) والذي كان مسلماً منذ 694 هـ (1294م) ويلقب بغيات الدين محمود بالاتصال بالملك الناصر قلاوون، وتصالح معه وأظهر تراجعا عن سياسة سلفه [62] .
ثم إنه لم يلبث في أواخر عهده أن عاد لمعاداة المماليك والاستعانة بأوروبا ملوكا وبابوات ضدهم، فاتصل بالبابا كليمنت الخامس، والملك إدوارد الثاني ملك إنجلترا، والملك فيليب الجميل ملك فرنسا، محاولا الاستعانة بهم ضد المماليك [63] .
وحاول إعانة بعض الأمراء المتمردين، فذكر المقريزي بأنه أعد حملة هدفها الشام مع الأميرين سنقر والأقرم الهاربين من الملك محمد بن قلاوون، ثم لم تلبث هذه الحملة أن فشلت وتخلت عن مهمتها بعد أن سمعت بخروج السلطان لملاقاتها [64] .
ومنذ عهد الإيلخان أبي سعيد الذي خلف خدا بنداه سنة 716 هـ (1316م) الذي كف عن معاداة المماليك، وصادق الناصر محمد بن قلاوون وراسله وهاداه وعقد معه اتفاقيات فتحا بموجبها حدودهما للتجارة، وتعهد له الناصر بحماية الحجاج الإيرانيين والمحمل اللإيلخاني [65] وتبعه في ذلك خلفاؤه من الإيلخانات الذين ضعف شأنهم وانشغلوا بنزاعاتهم على العرش، لم يعد التاريخ يعلمنا بغارات مغولية على الشام بل انعكس الحال فصار بعض المماليك يحاولون التوسع في أراضي الإيلخانات [66] .
موقف مغول القفجاق (القبيلة الذهبية) من المماليك المسلمين.
يطلق اسم القفجاق (القبشاق) أو (القبيلة الذهبية) golden horde على المغول الذين أقاموا في البلاد التي منحها جنكيزخان قبل وفاته لابنه الأكبر جوشي. وتشمل سهول جنوب روسيا وأقصى غرب آسيا وسيبيريا فيما بين نهر آتش والسواحل الجنوبية لبحر قزوين. وسمى هؤلاء باسم القبيلة الذهبية لأن خيام معسكراتهم كانت ذات لون ذهبي.(34/79)
انقسمت هذه الدولة بعد جوشي 624 هـ (1227 م) بين أولاده الأربعة عشر الذين كانوا بزعامة أكبرهم أوردا، ثم سيطر أخوه باطو على القسم الغربي من المملكة الذي سمى باسم القبيلة الزرقاء أو القبشاق الغربي، واقتصر حكم أوردا على القسم الشرقي الذي عرف بالقبيلة البيضاء.
ولما كان باطو هذا على قدر من الشجاعة والقوة فقد غزا أوروبا، وتوغل في روسيا وبولندا والمجر 625-640 هـ (1227 -1242م) وحمل اسم خان القبيلة الذهبية بشكل عام وطغى اسمه على اسم أخيه أوردا [67] .
وخلف باطو خان ابنه طرطق خان الذي توفي في نفس السنة ليخلفه ابن أخيه وهو بركة خان بن ناظو خان بن جوشي 1256 -1267م (656-666 هـ) الذي اعتنق الدين الإسلامي على يد أحد التجار، فجعل الإسلام دين الدولة الرسمي وأظهر شعار الإسلام وقرب العلماء، كما أسلمت زوجته وبنت لها مسجدا. ورغم محاولات البعض التشكيك في صحة إسلامه إلا أن التاريخ يعلمنا أنه أسلم منذ صغره، وإنه حفظ القرآن الكريم، وإن جيشه كان مسلما يحمل كل فرد سجادة صلاة وهذا أغضب خصومه حتى تآمروا عليه [68] .
وبما أن هذه القبيلة كانت على عداء دائم مع أقربائهم وجيرانهم مغول فارس الذين "كان يتزعمهم هولاكو وخلفاؤه، بسبب خلافاتهم على الأرض وعلى زعامة المغول، فإنه كان من الطبيعي أن يتعاون القفجاق مع أكبر دولة إسلامية تحمي الإِسلام والمسلمين وهي دولة المماليك، العدوة الطبيعية لأعدائهم مغول إيران، كما كان من الطبيعي أيضا أن يتحالف مغول إيران مع الصليبيين أعداء المماليك.(34/80)
وازدادت حاجة كل منهما إلى حليفه بازدياد الصراع بين هولاكو وبركة خان عام 661 هـ (1262م) عندما هزم بركة خان زعيم القبيلة الذهبية هولاكو خان زعيم مغول إيران، فقام هولاكو بالانتقام من تجار من القفجاق تابعين لبركة خان بأن قتلهم في بلاده، فأغضب ذلك بركة خان فأمر أفراد جيشه الذين كانوا يحاربون مع هولاكو أن ينضموا إلى الظاهر بيبرس ففعلوا [69] .
وقد وصف القاضي محي الدين بن عبد الظاهر (620-622 هـ) [70] [71] وهو معاصر للأحداث. وصول هؤلاء الجنود الفارين من جيش هولاكو فقال: "وصل كتاب الحاج علاء الدين- متولي دمشق سنة 660 هـ (1262م) بأن الكشافة وجدوا جماعة كبيرة من التتار مستأمنين وافدين إلى الباب الشريف لأنهم من أصحاب الملك بركة وكانوا نجده عند هلاون (هولاكو) فلما وقع بينهما كتب الملك بركة إليهم بالحضور إليه وإن لم يقدروا على ذلك ينحازون إلى عسكر الديار المصرية، ويذكرون أن العداوة قد استحكمت بينهما، وأن ولد هلاون قتل في المصاف، وإنهم فوق المئتي فارس، فكتب السلطان إلى النواب في الشام بإكرامهم وحمل الخلع إليهم وإلى نسائهم وأحسن إلى مقدميهم الأربعة ... وخرج السلطان للقائهم ... فكان يوما عظيما، ورأوا من كثرة العساكر وكثرة العالم شيئا بهر عقولهم ... وبلغ التتار ذلك فتوافدوا جماعة بعد جماعة والسلطان يعتمد معهم هذا الإحسان " [72] .
وكانت العلاقات قد توطدت بين بيبرس وبركة خان [73] حيث لم يكد بيبرس يسمع بإسلام بركة خان حتى كتب إليه يغريه بقتال هولاكو ويرغبه في ذلك [74] .(34/81)
ويصف صاحب الروض الزاهر سفارة بركة خان إلى الظاهر بيبرس بأنها كانت مكونة من الأمير جلال الدين بن القاضي والشيخ نور الدين علي، عن طريق الإسكندرية، ويحملون رسالتين "مضمونهما السلام والشكر وطلب الإنجاد على هلاون (هولاكو) والإعلام بما هو عليه من مخالفة جنكيزخان وشريعة أهله، وأن كل ما فعله من إتلاف النفوس بطريق العدوان منه "وإنني قد قمت أنا وإخوتي الأربعة بحربه في سائر الجهات، لإِقامة منار الإسلام وإعادة مواطن الهدى إلى ما كانت عليه من العمارة، وذكر الله والأذان والقراءة والصلاة وأخذنا ثأر الأئمة والأمة"ويلتمس إنقاذ جماعة من العسكر إلى جهة الفرات لإمساك الطريق على هلاون، ويوصي على السلطان عز الدين صاحب الروم ويستمد مساعدته [75] ".
ورد السلطان الظاهر بيبرس على رسالة وسفارة الملك بركه خان يخبره بأحوال المسلمين، وبمبايعة الخليفة العباسي وبأنه أمر بأن يدعي له في خطب مكة والمدينة المنورة والقدس وحمل رسله بالهدايا الثمينة [76] . وذلك في عام 661 هـ (1261م) .
وعندما عاد وفد بيبرس من بلاد الملك بركة خان ذكروا أنهم رأوا في بلاده لكل أمير عشرة مؤذن وإمام، ولكل خاتون مؤذن وإمام، وأن الصغار كانوا يتلقون القرآن العزيز في المكاتب [77] .
وفي أواخر عام 661 هـ (1261م) وصل حوالي ألف وثلاثمائة فأرسل مغولي من المستأمنين فاستقبلهم السلطان بيبرس وعرض عليهم الإسلام فأسلموا، وتكرر بعد ذلك وصول جماعة منهم [78] .
واشتعلت نار الحرب بين بركة خان وعدوه هولاكو، وتوفي هولاكو سنة 663 هـ (1265م) وخلفه ابنه أبغا، فقاتله بركة خان حتى هزمه [79] .(34/82)
وتوفي بركة خان عام 665 هـ (1266م) ، وخلفه منكوتمر، فواصل سياسة سلفه في نشر الإسلام بين المغول والتحالف مع المماليك ضد مغول إيران، فقام بمحاربة أبغا بن هولاكو فهزمه وخلص منه الأسرى، مما قوى معنويات المسلمين وشجعهم على الاستبسال في محاربته، ولم يكتف بذلك بل قدم بنفسه ليساعد المماليك في قتاله واستعادة أرض المسلمين من أيدي المغول.
وعندما توفي سنة 680 هـ (1281م) خلفه أخوه تدان منكو، الذي دخل في الإسلام، وأرسل يبشر قلاوون بذلك ويطلب منه أن يلقبه بلقب، ويجهز له علم الخليفة وعلم السلطان ليقاتل بهما أعداء الإِسلام، فلبى السلطان قلاوون طلبه سنة 682هـ (1283 م) [80] وأرسل له هدية قيمة وأموالا [81] ولكن تدان لم يلبث أن تنازل عن عرشه وتزهد وانقطع للعبادة، ومصاحبة العلماء، فخلفه ابن أخيه تولا يوغا بن منكوتمر بن طوغان 686هـ (1287م) ، ولكنه ما لبث أن مات غيلة سنة 690هـ (1291م) على يد طقطقا (طقطاي) الذي كان على دين المغول والذي حكم حتى عام 713 هـ (1314 م) فعمت في عهده المجاعة [82] وأرسل طقطاي هذا إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون عام 704 هـ (1304م) ، فطلب محالفته ضد غازان، فاعتذر إليه حيث أن خدا بنده أخو غازان قد تولى الحكم وعقد معه الناصر صلحا، وكرر طلبه عام 713 هـ (1313م) عندما هاجمه خدا بنده وهزمه فوعده الناصر باستعادة بغداد وإعادة الخليفة العباسي إليها.
وهكذا استمرت العلاقات بين خليفة طقطاي وهو أزبك 713- 741 هـ (1313- 1340م) ، وابن أخيه، الذي أسهم في العمل على نشر الإسلام فصاهره الملك الناصر ودامت العلاقة جيدة بين المماليك وخانات القبيلة الذهبية فيما بعد.
نتائج محاولات التحالف:
مما سبق نرى أنه لم يتم عقد تحالف فعلي فعال بين المغول من جهة والصليبيين في أوروبا والشام وآسيا الصغرى من جهة أخرى، وذلك راجع لأسباب متعددة تتعلق بكل منهما.(34/83)
فالأوروبيون كان أملهم ضعيفا في استراد الأراضي المقدسة بعد أن حاولوا ذلك سنين طويلة، بالإضافة لانشغالهم بخلافاتهم الداخلية، وكون دولتهم لازالت في دور التكوين والنشوء في ظل حركة القوميات الحديثة [83] . فلم تكن إيطاليا موحدة، وكذلك ألمانيا، وكانت أرغون وصقلية مشغولتين بصراعهما.
والمغول في إيران كانوا حكاما لبلاد إسلامية من الصعب عليهم- كحكام غير مسلمين- السيطرة على شعوب مسلمة لفترة طويلة وسوقها لمحاربة مسلمين، مما كان يضطر بعضهم إلى مصانعة المسلمين، ويضطر البعض الآخر إلى اعتناق الإسلام ومصادقة المماليك، ومحاولة الابتعاد عن الأوروبيين، ولا يخفى أن اعتناق بعض الإلخانات للإسلام كان يتسبب في فتور همته في عدائه للمسلمين.
يضاف إلى ذلك أن تحالف مغول القبيلة الذهبية المتواصل مع المماليك وتعاونهم الفعلي معهم لدفع خطر أقربائهم مغول فارس، وتهديدهم لحدودهم، كان يخفف من حدة توجه هؤلاء نحو بلاد الشام ويشل قوتهم.
أما نصارى الشرق فقد وقفوا مواقف متفاوتة من المغول والأوروبيين فقد أحجم بقايا الصليبيين في الشام عن التعاون معهم، ونظروا للمغول نظرة شك وخوف، بل وتعاونوا أحيانا مع المماليك ضدهم، بينما اقتصر تعاون نصارى بلاد الشام مع المغول على إظهار السرور بانتصاراتهم وإظهار الشماتة بهزائم المسلمين بطرق غوغائية، واحتفالات مهرجانية لا يلبثون أن يتلقوا العقوبة عليها. ولم تكن جهودهم تتجاوز ذلك لأن خبرتهم التاريخية أقنعتهم بعدم جدوىَ ذلك [84] .(34/84)
أما الدولة البيزنطية فلم يكن لديها من القوة ما يمكنها من تهديد المماليك [85] جيرانها، بالإضافة إلى أن المغول وحلفاءهم لا يقلون عداءً لها عن المسلمين. وكانوا يدركون أن النصر سيكون حليفا للمماليك على المدى البعيد، كما أدرك ذلك بعدهم ملك أرغون فسارع إلى طلب صداقة السلطان محمد بن قلاوون في عدة سفارات في سنوات 1303، 1305، 1314، 1318م (702، 704، 714، 718 هـ) .
ولم يكن حليفا للمغول إلا دولتي أرمينية الصغرى وبلاد الكرج، وهؤلاء كانوا أقرب إلى التابعين للمغول منهم إلى حلفائهم، حيث كانوا تحت سلطة المغول كتابعين أذلاء لا يملكون من أمرهم شيئا.
وهكذا لم يرد الله تعالى لهذه المحاولات الخبيثة أن تتم، لأنه لو تمت لأدى ذلك إلى نتائج لا يعلمها إلا الله، إذ لو دخل مغول إيران في النصرانية فلربما جروا إيران إلى التنصر، مما كان سيؤدي لنشوء دولة صليبية في المشرق تقوم بالتعاون مع الصليبيين في الغرب والشمال بوضع بلاد الشام ومصر في وضع خطير ولكن الله سلم فله الحمد أولا وأخرا.
المماليك
647هـ-1250م
شجرة الدر
647هـ -1250م
المعز، عز الدين أيبك
656هـ -1259م
المنصور نور الدين علي أيبك
659هـ-1259م
المظفر سيف الدين قطز
660هـ - 1260م
الظاهر ركن الدين بيبرس البند قداري
679هـ - 1279م
السعيد بركة بن بيبرس
679هـ - 1279م
سلامش بن بيبرس
679هـ - 1280م
سيف الدين قلاوون
689هـ -1290م
خليل بن قلاوون
693هـ -1294م
الناصر محمد بن قلاوون
694هـ - 1225م
العادل كتبغا
696هـ - 1297م
حسام الدين لاجين
698هـ -1299م
الناصر محمد بن قلاوون (للمرة الثانية)
709هـ -1309م
عز الدين بيبرس (الثاني)
709هـ - 1309م
الناصر محمد بن قلاوون (للمرة الثانية)
خانات المغول
603هـ -1206م
جنكز خان(34/85)
624هـ -1227م
اوكتياي (أجتاي)
639هـ -1241م
توراكينا
644هـ -1246م
كيوك
644هـ -1246م
اوغول قيمتس (وصيه)
646هـ -1248م
صوتكو (مانجو)
655هـ -1257م
قوبيلاي
693هـ -1294م
اولجاتيو
706هـ -1307م
كيويوك
711هـ -1311م
بويانتو
720-732 / 1320-1332
جحن الى توغان تيمور
إيلخات فارس
655هـ-756هـ / 1256- 1353م
655هـ -1256م
هولاكو
665هـ -1265م
أباقا
681هـ -1282م
أحمد تكوادر
688هـ -1288م
ارغون
690هـ -1291م
كيختو
694هـ -1295م
بايدو
649هـ-1295م
غازان محمود
703هـ -1304م
اولجايتو خدا بنده محمد
717هـ -1317م
أبو سعيد بهادر
735هـ -1335م
أربا كماون (معز الدين)
736هـ -1336م
موسى
خانات القبيلة الذهبية
623هـ -1226م
جوجي
فرع باتو خانات القبيلة الزرقاء
جنوب روسيا وغرب بلاد القبجاق
639هـ -1227م
باتو جوجي
654هـ -1255م
سارتاق
655هـ -1256م
اولاغجي
656هـ -1257م
بركة بن جوجي
666هـ -1267م
منكو تيمور
679هـ -1280م
تودا منكو
686هـ -1287م
تولا يوغا
689هـ -1290م
تقتو (غياث الدين)
741هـ -1341م
تيني بك
741هـ -1341م
جاتي بك
المراجع
المراجع العربية
- ابن الأثير محمد بن علي بن أبي الكرم ت 630هـ، الكامل في التاريخ 12 جزاءا دار الفكر.
- ابن خلدون عبد الرحمن بن محمد (ت 808هـ) ، تاريخ ابن خلدون ج5 ط1391هـ.
- عماد الدين أبو الفداء اسماعيل ت 774هـ، بيروت 1978م، البداية والنهاية، 14 جزاء، دار الفكر العربي.
- د. جمال سرور، دولة الظاهر بيبرس وحضارة مصر في عصره، القاهرة 1960م.(34/86)
- الديار بكري حسن بن محمد بن الحسن ت 966هـ، الخميس في أحوال أنفس نفيس، ج1، 2 طبعة القاهرة 1302هـ.
- سير تومارس،.و. أرنولد. الدعوة إلى الإسلام، ترجمة حسن إباهيم ورفاقه، ط دار النهضة المصرية 1970م.
- الصياد فؤاد عبد المعطي: المغول في التاريخ، القاهرة 1960م.
- عاشور، سعيد عبد الفتاح: الحركة الصليبية صفحة مشرفة في تاريخ الجهاد العربي في العصور الوسطى، ج2، الطبعة الأولى 1963م، مكتبة الأنجلو المصرية.
- عبد القادر أحمد اليوسف، علاقات بين الشرق والغرب في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، المكتبة العصرية صيدا.
- غياث الدين محمد بن همام الدين ت 942هـ: حبيب السير في أخبار البشر، المجلد الثالث الجزء الأول.
- أبو الفداء، الملك المؤيد اسماعيل بن علي بن عماد الدين، المخصتر في أخيار البشر، 14 جزءا القاهرة 1325هـ.
- القلقشندي، أبو العباس أحمد ت 821هـ، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، 14 جزءا، دار الكتب المصرية 1914-1915م.
- أبو المحاسن، جمال الدين يوسف بن تغري بردي، (813-874هـ) : النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، وزارة الثقافة والإرشاد القومي.
- محيي الدين عبد الظاهر، ت692هـ: الروض الزاهر في سرة الملك الظاهر، تحقيق ونشر عبد العزيز الخويطر، الرياض 1396هـ.
- د. مصطفى بدر: مغول إيران بين المسيحية والإسلام، دار الفكر العربي.
- مفضل بن أبي الفضائل: كتاب النهج السديد والدر الفريد فيما بعد تاريخ ابن العميد، باريس 1921م.
- المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي ت845هـ، السلوك لمعرفة دول الملوك، صححه ووضع حواشيه محمد مصطفى زيادة حتى نهاية حوادث سنة 755هـ، ج2 في ست مجلدات، القاهرة 1934-1955م.
- الهمداني، رشيد الدين فضل الله، جامع التواريخ، تاريخ المغول، نقله إلى العربية محمد صادق نشأت، وفؤاد عبد المعطي الصياد، القاهرة 1960م.(34/87)
المراجع الأجنبية.
1- arnold, sir,t.w the preaching of islam, 3 rd ed, tra. By. Regnold nicholson (london 1935)
2- atiya , a.s. the crusades in the middele ajes (london1938) .
3- cambridje mid.history. (cambridje 1957) .
4- howorth, (sir henry) : history of manjols, part///. (london, 1888) .
5- lamb h.jenjhizkhan, emperor of allmen. (1965) .
6- malcolm, the hiostory of persia.
7- mills, the history of the crusades.
8- muir, (sir william) : the mamluke, or slave dynasty of egypt. (London) .
9- runciman, s.a history of the crusades (cambridge, 1957) .
10- setton, (k.m.) : a history of the crusades (2 vols.) , (pensylvania 1958) .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة التوبة آية: 32.
[2] سورة البقرة آيه: 120.
[3] ابن الأثير، علي بن أحمد بن عبد الكريم ت 630هـ، الكامل في التاريخ 9 أجزاء، دار الفكر ببيروت 1978م حوادث سنة 617هـ (1220م) .
[4] د. مصطفى طه بدر. محنة الإسلام الكبرى. (ص73) دار الفكر العربي.
[5] اليساق أو الياسة: هو مجموعة أنظمة وضعها جنكيز خان للمغول، أصبح لديهم بمنزلة الكتاب الديني. القلشقندي، أبو العباس أحمد ت 831هـ (1427م) . صبح الأعشى في صناعة الانشا 14 جزءا، القاهرة، دار الكتب المصرية 1914- 1915م. جـ4 (ص 310- 312) .
[6] ابن الأثير، الكامل (جـ9 ص329، 370) .
Arnold, sir, t. w. the preaching of Islam. 3 rd ed. Tra. By. Regnold Nicholson. (London, [7] 1935) pp. 218- 219.
سيرتوماس. و. أرنولد: الدعوة إلى الإسلام: الترجمة العربية، محسن إبراهيم حسن ص 248- 249.(34/88)
[8] د. مصطفى طه بدر: مغول إيران بين المسيحية والإسلام، دار الفكر العربي (ص5،6) .
[9] عاشور، سعيد عبد الفتاح: الحركة الصليبية صفحة مشرفة في تاريخ الجهاد العربي في العصور الوسطى، الطبعة الأولى 1963م، (جـ2/ص 1098) .
[10] نفسه.
[11] قرة قوروم: مدينة وقاعدة التتار، وهي قرية جنكيزخان التي أخرجته، ونشأ بها.
القلشقندي، صبح الأعشى (جـ4/ ص480- 481) .
[12] رأى هذا الرسول في بلاط كيوك خان عددا من الرسل منها وفد ركن الدين قليبج أرسلان الرابع عن سلاجقة آسيا الصغرى، ووفد المستعصم الخليفة العباسي، ووفد أرمينيا الصغرى، ووفد فارس، وأمير روسيا، ياروسلاف نفسه الذي جاء ليقدم الولاء، بالإضافة للموفد البابوي كاربيني مندوب البابا انوسنت الرابع الذي رد عليه الخان كيوك برسالة جاء فيها: "لقد أمر الله أسلافي وأمرني أيضا بإبادة الأمم الضالة، وها أنت تسأل فيما إذا كنت مسيحي المعتقد، فإن الله يعلم، وإن شاء البابا أن يعلم فمن الأولى به أن يشخص بنفسه إلينا".
Lamb, genghiz khan, emperor of ali men, (London 1965) pp. 203-211.
انظر: عبد القادر أحمد يوسف، علاقات بين الشرق والغرب في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، منشورات الكنيسة العصرية، صيدا بيروت (ص196) .
setton, (k. m.) a history of the crusades,2 vole, (pensylvania, 1958) , ll: pp. 722. [13]
Cambridge mid history. (Cambridge, 1957) vol. 6. p. 75. [14]
عاشور، الحركة الصليبية (جـ2/ ص1098 -1099) .
[15] عاشور، الحركة الصليبية (جـ2/ ص 1100) .
Atiya, (a.s) the crusades in the later middle ages (London 1938) . P. 242.
[16] عاشور، المرجع السابق (2/1100) .
[17] عاشور، الحركة الصليبية (جـ 2/ ص1102) .
[18] نفسه.
setton, (k. m.) op cit, ll. P. 572. [19](34/89)
Runciman, s. a history of the crusades. (Cambridge, 1957) vol. Ll. P. 247.
[20] عاشور، الحركة الصليبية (جـ2/1103) .
[21] نفسه (ص1102) .
[22] المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي ت 845هـ. السلوك لمعرفة دول الملوك، نشره ووضع حواشيه / محمد مصطفى زيادة، الطبعة الثانية 1957م، لجنة التأليف والترجمة والنشر، (جـ2/ص845) حوادث سنة 668هـ.
[23] مفضل بن أبى الفضائل: كتاب النهج السديد والدر الفريد فيما بعد تاريخ ابن العميد باريس 1932م (ص 192- 195) .
[24] عاشور، الحركة الصليبية (جـ2/1111) .
[25] المقريزي: السلوك (جـ1/600) .
howorth, (sir Henry) history of mangols. Ill (London 1988) ill. P. 208. [26]
د. مصطفى طه بدر: مغول إيران (ص10) .
[27] ابن كثير: عماد الدين أبو الفداء إسماعيل ت 774هـ. البداية والنهاية 14 جزءاً، دار الفكر العربي (جـ 83ص 248) . حوادث سنة 658هـ (1260م) ذكر أن زوجة هولاكو، وكان اسمها ظفر خاتون قد تنصرت، وكانت تفصل النصارى على سائر الخلق.
howorth, op. cit pp. 208- 211. [28]
انظر: د. مصطفى بدر، مغول إيران (ص100) .
[29] عاشور: الحركة الصليبية (جـ2/ص1103) .
[30] نفسه.
setton, op. cit. lll. P. 572. [31]
howorth, op. cit. lll. P. 208- 211. [32]
[33] أبو الفداء، الملك المؤيد إسماعيل بن علي بن عماد الدين: المختصر في أخبار البشر 14 جزءاً، القاهرة 325هـ، حوادث سنة 658هـ. (1260م) .
[34] نفسه.
[35] المقريزي، السلوك (جـ2 ق1) حوادث سنة 658هـ (1260م) (ص 427- 428) .
[36] رشيد الدين الهمداني، جامع التواريخ، تاريخ المغول، ترجمة/ محمد صادق ورفاقه، دار إحياء الكتب العربية 1960م (جـ1 ص311، 313) .
[37] ابن كثير، البداية والنهاية (جـ13/ص 231) .(34/90)
[38] المقريزي، السلوك (جـ2 ق1) حوادث 658هـ. (1260م) .
[39] أبو الفداء، المختصر، حوادث سنة 658هـ. (1260م) .
[40] المقريزي، السلوك (جـ2 ق1) حوادث سنة 658هـ. (1260م) .
[41] ابن كثير، البداية والنهاية (جـ13 ص 231) حوادث سنة 659هـ. (1261م) .
[42] مصطفى بدر: مغول إيران (ص8) .
[43] نفسه. Howorth. Op. cit. lll. P. 280.
lbid [44]
lbid. P. 271- 286. [45]
[46] عاشور، الحركة الصليبية (جـ2 ص1112) .
[47] د. عبد القادر اليوسف، علاقات بين الشرق والغرب، المكتبة العصرية صيدا بيروت ص 223.
howorth. Op. cit. p. 286. [48]
[49] انظر: مصطفى بدر: مغول إيران (ص12، 13) . Lbid.
انظر سيرتوماس ارنولد. الدعوة إلى الإسلام، ترجمة حسن إبراهيم ورفاقه. دار النهضة المصرية، ص 257.
[50] مملكة الكرج: خضعت للمغول عام 634هـ (1236م) وشارك ملكها داود أولو في الهجوم على بغداد، وفي معركة عين جالوت، ثم ثار ضد المغول ولكن جيشه تخلى عنه ففر هاربا، ثم استرضاه هولاكو بسبب خلافه مع بركة خان زعيم مغول القبيلة الذهبية المسلم، وأعاده إلى ملكه وظل حتى مات سنة 667هـ (1269م) تابعا للمغول.
المقريزي، السلوك (جـ1 ق2) (ص537) حاشية 1.
howorth, op. cit. p. 260. [51]
انظر: مصطفى بدر، مغول إيران (ص11) lbid
howorth, op. cit. p. 260. [52]
lbid [53]
Malcolm, the history of Persia. L. p. 271 [54]
[55] الصياد، فؤاد عبد المعطى المغول في التاريخ، القاهرة 1960 م (ص 13) .
[56] غيات الدين بن محمد همام الدين ت 942هـ، حبيب السير في أخبار البشر. م3 (جـ1/ ص 83)
[57] نفسه.
[58] رشَيد الدين الهمداني جامع التواريخ، تاريخ المغول (جـ1 ص 15) .
[59] الصياد، فؤاد عد المعطى، المغول في التاريخ (ص 64) .(34/91)
[60] انظر: د/ مصطفى بدر، المغول في التاريخ (ص.2) .
وذكر ابن كثير أن قازان هذا هزم السلطان المنصور لاجين ووصل دمشق "وشرع التتار وصاحب سيس في نهب الصالحية ومسجد الأسدية ومسجد خاتون، ودار الحديث الأشرفية بها واحترق جامع التوبة بالعقيبية، وكان هذا من جهة الكرج والأرمن من النصارى الذين هم مع التتار قبحهم الله، وسبوا من أهلها خلقا كثيرا وجمعا غفيراً".
البداية والنهاية (جـ14/ص8) حوادث سنة 699هـ. (1299م) .
[61] أبو المحاسن: جمال الدين يوسف بن تغري بردي ت 873هـ. النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، طبعة دار الكتب 1929م (ص168) .
muir, (sir William) : the mamluke, or slave dynasty of Egypt. P. 69. (London 1891) . [62]
المقريزي، السلوك (جـ2ق1) (ص115) .
[63] المقريزي، السلوك (جـ2 ق1) (ص 115) .
[64] المقريزي، السلوك (جـ2 ق1) (ص 115) . Muir, op. cit. p. 64.
[65] المقريزي، السلوك (جـ2 ق1) (ص 209- 210) .
[66] أبو المحاسن: النجوم الزاهرة (جـ5 ق1) (ص137) .
[67] المقريزىَ، السلوك، (جـ1 ق2) (ص394-395) حاشية 2.
د. عاشور، فايد، العلاقات السياسية بين المماليك والمغول في الدولة المملوكية الأولى، دار المعارف (ص206) .
[68] جمال سرور، دولة الظاهر بيبرس وحضارة مصر في عهده (ص102) حاشية رقم 2. القاهرة 1960م.
يروي ابن خلدون، في تاريخه حـ5، ص 534هـ. أنه أسلم على يد الشيخ شمس الدين الباخوري الذي كان مقيما في بخارى، حيث دعاه إلى الإسلام فاستجاب لدعوته وذهب إلى بخارى وأعلن إسلامه وعاهد الشيخ على العمل على نشر الإسلام.
وانظر: سيرتوماس و. أرنولد. الدعوة إلى الإسلام، ترجمة حسن إبراهيم، مكتبة النهضة المصرية 1970م ص 259.
[69] د. جمال سرور: دولة الظاهر بيبرس وحضارة مصر في عهده (ص110) حاشية 1.(34/92)
[70] ابن كثير: البداية والنهاية (جـ 13/ص234) حوادث سنة 660هـ (1262م) أشار إلى ذلك بقوله: "وفي ذي الحجة قدمت وفود كثيرة من التتار على الملك الظاهر مستأمنين فأكرمهم وأحسن إليهم وأقطعهم إقطاعات حسنة"وأشار إلى سبب النزاع بين بركة وهولاكو قائلاً "وفيها - أي سنة 660هـ - وقع الخلاف بين هولاكو وبين السلطان بركة خان ابن عمه وأرسل إليه بركة يطلب منه نصيبا مما فتحه من البلاد وأخذه من الأموال، على ما جرت به عادة ملوكهم، فقتل رسله، فاشتد غضب بركة، وكاتب الظاهر ليتفقا على هولاكو"ويصف في (ص239) حوادث سنة (661هـ)
(1263م) قائلاً: "وفيها التقى بركة خان وهولاكو فاقتتلوا فهزم الله هولاكو هزيمة فظيعة وقتل أكثر أصحابه".
[71] القاضي محي الدين بن عبد الظاهر (620- 692هـ) الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر (ص137) تحقيق ونشر عبد العزيز الخويطر، الرياض 1396هـ.
[72] القاضي محمي الدين بن عبد الظاهر، الروض الزاهر (ص 137 -138) .
[73] تزوج بيبرس من ابنة بركة خان بن دولة خان الخوارزمي، وليس من ابنة بركة خان زعيم القبيلة الذهبية، كما ذكر جمال سرور في كتابه الظاهر بيبرس، (ص113) وحسن إبراهيم، ولين بول وغيرهم.
القاضي محي الدين بن عبد الظاهر (ص 177) حاشية.
[74] المقريزي، السلوك (جـ1 ص 465) وانظر: عاشور، سعيد عبد الفتاح العصر المماليكي في مصر والشام (ص 226) ط دار النهضة العربية 1965.
[75] القاضي محي الدين بن عبد الظاهر، الروض الزاهر (ص 170- 171) .
[76] نفسه (ص 138- 174) .
[77] نفسه (ص 217) .
[78] نفسه (ص 180) .(34/93)
[79] ذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية (جـ13/ ص 245) حوادث سنة 663هـ ما نصه: "وفيها- أي سنة 663- جاءت الأخبار بأن سلطان التتار هولاكو قد هلك بمرض الصرع بمدينة مراغه، واجتمعت التتار على ابنه أبغا، فقصده الملك بركة خان فكسره وفرق جموعه"والأصح أن موت هولاكو كان سنة 665هـ وليس 663هـ.
[80] المقريزي، السلوك (جـ1 ق3) (ص 716) .
[81] نفسه (ص738) .
[82] نفسه (ص 942) .
[83] د. مصطفى بدر، سول إيران (ص 124) .
[84] حتى إنه عندما دخلت إمارة أنطاكية في حلف مع المغول بإلحاح من ملك أرمنيا الصغرى في الهجوم على حلب عام 1260 (658هـ) اعتبرت عكا ذلك خطراً شديداً على صليبي الشرق، لأن هذا التحالف وقع بضغط من أرمينيا والمغول، وأن ذلك سيؤدي إلى اعتماد الطقوس النصرانية الأرمنية بدل الكاثوليكية بالإضافة لانزعاج تجار البندقية المتواجدين في عكا وما حولها لأن المغول كانوا حلفاء غريمتهم جنوا، كما أن المغول لا ينظرون لأي حليف على قدم المساواة معهم وإنما يعتبرونه تابعا.
عبد القادر أحمد يوسف، علاقات بين الشرق والغرب، المكتبة العصرية. صيدا (ص211) .
[85] د. طه مصطفى بدر، مغول إيران (ص124) .(34/94)
العدد 77-78
فهرس المحتويات
1- النقص من النص حقيقته وحكمه وأثر ذلك في الاحتجاج بالسنة الاَحادية: دكتور: عمر بن عبد العزيز
2- طَرَسوس صفحة من جهاد المسلمين في الثغور: بقلم الدكتور/ جميل عبد الله المصري
3- الكشف عن صاحب "البسيط " في النحو: للدكتور حسن موسى الشاعر
4- همزية بشار بن برد في مدى عقبة بن سلم دراسة تحليلية مفارنة: د/ أحمد مختار البزرة
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م(34/95)
النقص من النص حقيقته وحكمه
وأثر ذلك في الاحتجاج بالسنة الاَحادية
دكتور: عمر بن عبد العزيز
بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية
بالمدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا مباركا فيه.
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تمسك بسنته، واهتدى بهديه.
أما بعد: فإن الحرص على السنة المطهرة، وإعمالها في شتى مجالات الحياة، والعمل بما تأتي به من الأحكام الدنيوية والأخروية، وعدم ترك العمل بأي نوع من أنواعها مادام صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم مما ينبغي أن يتحلى به كل مسلم، ولاسيما العلماء الذين يستنبطون منها الأحكام باعتبارها ثانية المصادر التي تستقي منها الشريعة السمحة أحكامها، وتأخذ الأمة منها نظامها، وتؤسس بها كيانها.
وقد تحلى بذلك العلماء من السلف الصالح من هذه الأمة رضي الله عنهم حرصوا على السنة المطهرة أشد الحرص، وتمسكوا بها بجميع أنواعها وعملوا بمقتضاها في شتى الميادين.
ومن الحرص على السنة، إزالة أي عقبة تعترض طريق تطبيق أي نوع من أنواع السنة، وإذابة أي عثرة تعوق العمل بها في أي زاوية من زواياها وإتاحة المكنة لسلوك المداخل المؤدية إلى إعمالها والأخذ بموجبها.
وهناك بعض القواعد قد يكون مدخلا إلى مس العمل بالسنة في نوع من أنواعها، وقد قال بها علماء لا نعلم أن الحرص على السنة ينقصهم، أو أن التمسك بها يعوزهم.
ومن هذه القواعد، قاعدة: "النقص من النص نسخ ".
فإني رأيت أن القول بها مطلقا يؤثر في العمل بالسنة الآحادية في بعض حالاتها مع الكتاب الكريم أو السنة المتواترة.
فأحببت أن أدرس هذه القاعدة، وأبحث عن مكامن أثرها في الاحتجاج بالسنة الآحادية.
وقد خططت أن يقع البحث في ثلاثة فصول على النحو التالي:
الفصل الأول: النقص من النص. ويتضمن مبحثين:(34/96)
المبحث الأول: تمهيد يتضمن: تعريفه، ولشرحه، وتمثيله.
المبحث الثاني: أنواعه. ويتضمن ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: نقص الشرط.
المطلب الثاني: نقص الجزء.
المطلب الثالث: نقص الجزئي.
الفصل الثاني: حكم النقص من النص. ويتضمن مبحثين:
المبحث الأول: حكم نقص الشرط والجزء.
المبحث الثاني: حكم نقص الجزئي. وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التخصيص.
المطلب الثاني: التقييد.
الفصل الثالث: أثر النقص من النص في الاحتجاج بالسنة الآحادية. وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف السنة الآحادية.
المبحث الثاني: تأثير نقص الشرط والجزء.
المبحث الثالث: تأثير نقص الجزئي. وفيه مطلبان:
المطلب الأول: بالنسبة للتخصيص.
المطلب الثاني: بالنسبة للتقييد.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يهدينا سواء السبيل، وأن يوفقنا للعمل بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويرشدنا إلى الصواب.
14 رمضان 1409 هـ
عمر بن عبد العزيز المدينة المنورة
الفصل الأول
النقص من النص
المبحث الأول: تعريفه، وشرحه، وتمثيله.
النقص: مصدر نقص ينقص بفتح القاف في الماضي، وضمها في المضارع من باب نصر.
وهو في اللغة بمعناه المصدري: القلة، والخسة، والضعف.
يقال: "نقص الشيء نقصا ونقصانا"أي خسر، وقَلَّ. و: "نقص عقله لما أي ضعف. والنقص أيضا: الخسران، وذهاب شيء من الشيء بعد تمامه.
وذكر: أن الذهاب بعد التمام يطلق عليه النقصان فقط، وأن الضعف يطلق عليه النقص فقط. فيقال: "دخل عليه نقص في عقله، ولا يقال: نقصان "ويطلق النقص والنقصان اسما للقدر الذاهب من المنقوص. من إطلاق المصدر على اسم المفعول.
والنقص قد يكون لازما لا يتوقف فهم فعله على فهم أمر غير الفاعل. قال الله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ....} الآية"(34/97)
والنقص المتضمن في الفعل {تَنْقُصُ} المسند إلى الأرض بطريق الصدور والقيام لم يتوقف فهمه على شيء آخر يتعلق به الفعل تعلق الوقوع عليه بحيث لا يمكن تعقل الفعل، وتصوره إلا بعد تعقل ذلك الشيء وتصوره. بل يجوز فهمه مادام الفاعل المسند إليه الفعل قد فهم مع عدم خطو رأي متعلق غيره بالبال.
... وقد يكون النقص متعديا يتوقف فهم فعله على فهم أمر غير الفاعل. قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} (1) .
والنقص كما يكون في معاني مدلولات الألفاظ، كذلك يكون في الألفاظ الدالة على المعاني بأقسامها الثلاثة: الاسم والفعل والحرف.
ففي الاسم مثل: الفاعل للفعل المبني للمفعول. حيث ينقص بحذفه، وإقامة المفعول به مقامه. مثل: "نيل خبر نائل "فأصل الكلام (نال زيد خبر نائل) فحذف الفاعل وهو (زيد) وأقيم المفعول به وهو (خبر نائل) مقامه، فأخذ حكم المفاعل من الرفع، والتأخر عن الفعل الرافع له. والفاعل اسم.
وفي الفعل مثل: الفعل الذي يدل دليل عليه وإن لم يذكر. فإنه يجوز حذفه مثل (زيد) مقولا في جواب قول القائل: من قرأ؟ فإن تقدير الجواب (قرأ زيد) لكن الفعل (قرأ) حذف لدلالة الاستفهام عليه.
وفي الحرف مثل: الهمزة في (يكرم) مضارع أكرم. فإن أصله (يؤكرم) حذفت منه الهمزة. والهمزة حرف.
والنقص بالحذف لابد أن ينطوي على فائدة تعود إما إلى اللفظ بالطلاوة والحسن والرقة والخفة. وإما إلى المعنى كتوقير المحذوف أو تحقيره أو غيرهما.
والنقص بالحذف يشترط العلماء فيه - بالإِضافة إلى كونه مفيدا - أن لا ينقص من بلاغة الكلام، ولا يخل بالمعنى لأنه أحد قسمي الإيجاز. والإيجاز فن من فنون البلاغة. ففي الأمثلة التي مرت نرى أن النقص أتى بفوائد كانت تنتفي لو قدر للنقص أن ينتفي.(34/98)
ففي قول القائل: (نيل خير نائل) تتزاحم احتمالات الفوائد من التوقير بعدم استرذاله، أو التحقير بصون اللسان عنه، أو ادعاء تعينه، أو غير ذلك من كونه معروفا لا يحتاج إلى الذكر، أو مجهولا لا يمكن ذكره.
وفي قول القائل: "زيد"جوابا للمستفهم بـ (من قرأ؟) يتضمن نقص الفعل وحذفه فائدة الاختصار لأن الفعل (قرأ) قد دلت الجملة المستفهم بها عليه فعرف، وعندئذ يكون ذكره لمعرفته قد وجدت فائدته دونه فاقتضى فائدة الاختصار حذفه.
وفي (يكرم) حذفت الهمزة للتخفيف. لأن من حروف المضارعة الهمزة، فعندما يعبر المتكلم وحده عن إكرامه في الحال أو المستقبل يقول ... لو لم تحذف الهمزة: "أؤكرم فتجتمع همزتان، إحداهما حرف المضارعة والثانية من صيغة الفعل، فيثقل على اللسان النطق به. فحذفت الهمزة الثانية وحذفت تلك الهمزة مع بقية حروف المضارعة طردا للباب - كما يقولون - ولتتحد صيغة المضارع في باب الأفعال في المتكلم والمخاطب والغائب
وفي موضوع النقص من النص يقصد بالنقص: النقص الذي يكون في المعاني مدلولات الألفاظ.
النص: مصدر نص ينص من باب نصر.
وقد جاء بمعناه المصدري في اللغة بعدة معان يرجع معظمها إلى الرفع والإظهار
وقد ورد في حديث رفعه صلى الله عليه وسلم من عرفات: "فإذا وجد فجوة نص" (1) أي رفع ناقته في السير وأسرع كما ذكره شراح الحديث.
ويقال: "نص الشيء نصا"أي أظهره.
وأما في الاصطلاح: فقد تناولته اصطلاحات متعددة بالإطلاق اختلف ما يقصد به حسب اختلاف تلك الاصطلاحات.
والذي يعنينا منها هو الاصطلاح الشرعي العام.
لقد أريد بالنص في هذا الاصطلاح: الكتاب والسنة.
يقال: (هذا ثبت بالنص) أي بالكتاب والسنة.(34/99)
وهذا الاصطلاح عندما نقل النص إلى هذا المعنى لم يبعد به عن معناه اللغوي. إذ أن ثبوت الكتاب عن الله عز وجل، ورفع السنة الشريفة بإسنادها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإظهار ألفاظهما لمعانيها وإظهارها للأحكام ودلالتها عليها تبرز المناسبة القوية بين هذا المعنى الاصطلاحي وبن المعنى اللغوي للنص.
ويعني علماء الأصول بالنقص من النص: "أن يوجد نص شرعي ويتناول ذا شرط أو جزء أو جزئيات ثم يأتي نص آخر أو ما في حكمه ويزيل الشرط أو يخرج بعض أجزاء أو جزئيات ما تناوله النص الأول من حكمه ".
المبحث الثاني: أنواع النقص من النص.
وفيه ثلاثة مطالب:
يتنوع النقص من النص إلى ثلاثة أنواع:
المطلب الأول: نقص الشرط.
والشرط بفتح الشين وسكون الراء لغة: الإِلزام والالتزام، ويطلق على ما يوضع ليلتزم به في العقود ونحوها.
والشرط يطلق بمعنيين: أحدهما مصدري والآخر اسمي.
ويكون المراد منه باعتبار المعنى الأول: التعليق الذي يعني به ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى. مثل قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} (1) .
فالآية الكريمة علّقت حصول مضمون جملة هي: {فَاطَّهَّرُوا} ومضمونها وجوب التطهر الذي يقتضيه الأمر به، بحصول مضمون جملة أخرى هي: {كُنْتُمْ جُنُباً} بأداة تدل على هذا الربط بين المضمون وهي: "إن الشرطية. فالجملة الأولى الشرط والثانية الجزاء.
وبناء على هذا المعنى وهو التعليق، يكون الشرط مصدرا ووصفا للمتكلم وباعتبار المعنى الثاني يطلق على مضمون الجملة الأولى التي ربط حصول مضمون الأخرى بحصول مضمونها.
وبناء على هذا يكون اسما للكلام وهو الجملة الأولى.(34/100)
وإذا كان النحاة قد اصطلحوا على أن الشرط هو: "ما دخل عليه أحد الحرفين (إن) أو (إذا) أو ما يقوم مقامهما مما يدل على سببية الأول ومسببية الثاني "وهذا هو الشرط اللغوي – فإن للأصوليين اصطلاحا آخر. حيث إنهم يعنون به: "ما يتوقف عليه الشيء ولا يكون داخلا في ماهيته ولا مؤثرا فيه " والشرط الذي نحن الآن بصدده، هو الذي اصطلح عليه الأصوليون.
المطلب الثاني: نقص الجزء
والجزء: بضم الجيم وسكون الزاي لغة: البعض والقسم.
ووفي الاصطلاح "مايتركب الشيء منه ومن غيره" مثل: (اليد) للإنسان. حيث إن الإنسان يتركب منها ومن غيرها كالعين والأنف وغيرهما من أعضاء الإنسان.
ومن حكم الجزء أنه لا يحمل عليه كله بحمل هوهو، فلا يصح أن يجعل الجزء مبتدءاً ويجعل كله خبراً له، فلا يقال مثلا: "يد زيد زيد".
المطلب الثالث: نقص الجزئي.
والجزئي نسبة إلى الجزء. وقد مر معناه اللغوي.
وهو في الاصطلاح: "ما يمنع نفس تصور مفهومه عن وقوع الشركة فيه". مثل: (محمد) فإنه يدل على ذات واحدة هي المسماة بهذا الاسم وهي مفهومه ويمتنع أن يشترك مع محمد غيره في هذا المفهوم. واشتراك غيره معه في اسمه لا يقدح في جزئيته، لأن الاشتراك في الاسم لا يستلزم الاشتراك في المعنى الخاص والمفهوم المعين الذي به صار محمد جزئيا. والاشتراك في الاسم لم يأت نتيجة صفة مشتركة جعلتهم يشتركون في هذا الاسم بل جاء نتيجة اتفاق ومصادفة.
هذا هو الجزئي الحقيقي.
وهناك نوع آخر من الجزئي يسمى بالجزئي الإِضافي. ويقصدون به: "كل أخص تحت أعم "مثل: (الرجل) بالنسبة إلى الإنسان، فإن (الرجل) في الحقيقة وواقع الأمر كلي لأنه لا يمنع نفس تصوره عن اشتراك كثيرين فيه، ولكن جزئيته بالإضافة إلى الإنسان المشتمل عليه وعلى غيره الذي هو المرأة. والمقصود في النقص هو الجزئي الإضافي.
الفصل الثاني
حكم النقص من النص
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: نقص الشرط والجزء. وفيه مطلبان:(34/101)
المطلب الأول: المذاهب وأدلتها.
بالنسبة للنوعين الأولين نقص الشرط والجزء.
اتفق العلماء على أن ذلك النقص نسخ لذلك الشرط والجزء. لأن النسخ هو: الرفع والإزالة وقد تناول الشرط والجزء الذي نقص واختلفوا في كون النقص نسخا لجميع المنقوص منه إلى ثلاثة مذاهب:
الأول: أنه ليس بنسخ للمنقوص منه مطلقا. وإليه ذهب معظم الحنفية والمالكية والجمهور من الشافعية والحنابلة على الصحيح في المذهب.
الثاني: أنه نسخ مطلقا. وإليه ذهب بعض الحنفية وبعض الشافعية.
الثالث: أن نقص الجزء نسخ دون نقص الشرط.
الأدلة:
أولا: أدلة المذهب الأول:
استدل القائلون بأن نقص الجزء والشرط ليس نسخا للمنقوص عنه بما يلي:
1 - لو كان نقص الجزء والشرط نسخا للمنقوص منه لاحتاج إلى دليل آخر يثبت حكمه وهذا الاحتياج باطل.
وجه الملازمة: أن كون النقص نسخا يقتضي ارتفاع الدليل الدال على حكم المنقوص منه جريا على مقتضى النسخ من كونه رفعا وإزالة، وعندئذ: إما أن يكون حكم المنقوص منه ثابت بلا دليل بناء على عدم احتياجه إلى دليل آخر، وإما أن يحتاج إلى دليل آخر، وكونه ثابتا بلا دليل متفق على بطلانه، فتعين حاجته إلى دليل آخر.
ووجه بطلان اللازم الذي هو الاحتياج هو: أن الاتفاق مع الأطراف المختلفة حاصل على أن حكم المنقوص منه ثابت بعد النقص دون حاجة إلى دليل غير الدليل المثبت له قبل النقص.
وأجيب عن هذا الدليل بما يلي:
أ - بمنع الملازمة وعدم التسليم بإفضاء كون النقص نسخا للمنقوص منه إلى الاحتياج إلى دليل آخر لإثْبات حكمه.
لأن دليل التنقيص هو نفسه يدل على بقاء الباقي. فالنص الدال على النقص مزدوج الدلالة، فقي الوقت الذي يدل على زوال المنقوص، يدلى على بقاء المنقوص منه أيضا، وازدواجية الدلالة هذه شأن كل دال أن على النقصان وأمثاله، ومن هنا ينتفي الاحتياج إلى دليل غير الأول، وبالطبع ينتفي ثبوت الحكم بلا دليل.(34/102)
ب - النقض بلزوم الحاجة إلى دليل آخر على تقدير التسليم بعدم النسخ أيضا لأن النص الدال على المجموع (المنقوص، والمنقوص منه) قد ارتفع بورود الدال على النقص الذي اتفق على كونه نسخا للمنقوص.
لأن الدليل الأول إنما كان يدل على حكم المنقوص منه في ضمن حكم المجموع ولم يكن دالا على حكم المنقوص منه فقط استقلالا. وقد ارتفعت دلالته على المجموع بورود النقص فلم يبق دليلا، فيحتاج الباقي المنقوص منه إلى دليل آخر يثبت حكمه.
فإذا لم تكن الحاجة إلى دليل آخر مانعة من نسخ المنقوص، لا تكون تلك الحاجة مانعة من نسخ الباقي المنقوص منه أيضا.
2 - لو كان النقص نسخا للجميع للزم أن يكون التخصيص موجبا لسقوط جميع ما تضمنه العام المخصوص. واللازم باطل، فيبطل ما يستلزمه، وهو كون النقص ناسخا للجميع.
وجه الملازمة.
أن النقص والتخصيص صنوان في أن كلا منهما إخراج لبعض ما تناوله اللفظ. ولا فرق بينهما من حيث ذات الإِخراج، فيؤدي كون النقض نسخا للجميع إلى كون التخصيص إسقاطا للجميع، وإلا لزم التحكم والتفريق بين المتماثلين. وكل ذلك لا يجوز.
ووجه بطلان اللازم هو:
أن الاتفاق حاصل بين جميع الأطراف المختلفة على أن التخصيص لا يؤدي إطلاقا إلى سقوط جميع ما تناوله النص العام المخصوص.
ويمكن أن يجاب عن هذا الدليل بمنع الملازمة ووجود الفرق بينهما، النقص والتخصيص لأن النقص أعم من التخصيص حيث يشمل رفع ما أريد رفعه أيضا.
أما التخصيص فهو دفع فقط. والأعم لا يستلزم أن يكون حكمه حكم الأخص لجواز أن يكون حكم الأعم بالنسبة لما لا يلتقي فيه مع الأخص.
3 - أنّ النّسخ إزالة وهي تنافي البقاء. والمنقوص منه باق ثابت والإِزالة إنما تتعلق ببعض مدلول النص الدال عليه، وهذا لا يستلزم تعلقها بجميع المدلول لأن الناقص والمنقوص منه أمران لكل منهما حكمه، ونسخ أحد الحكمين لا يستلزم نسخ الحكم الآخر.
وقد أجيب عن هذا الدليل:(34/103)
بأن الإزالة والبقاء إنما يتنافيان إذا كانا من جهة واحدة. أما إذا اختلفت جهتهما فإن أحدهما لا يستلزم نفي الآخر.
وبقاء المنقوص منه بعد النقص من جهة حكمه السابق من وجوب وغيره ونسخه من جهة أخرى وهي الإِجزاء وعدم الإجزاء وحده. فقد يكون باقيا من الجهة الأولى زائلا من الجهة الثانية.
وإذا كان نسخ أحد الأمرين لا يستلزم نسخ الأمر الآخر، فإن نسخه لا يمنع أيضا من نسخ الآخر.
أدلة المذهب الثاني:
استدل القائلون بأن نقص الجزء والشرط نسخ للمنقوص منه مطلقا بما يلي:
ا - أن المنقوص منه عندما يكون واجبا تكون حرمته ثابتة بلا جزء أو شرط قبل ورود ما أنقص الجزء أو الشرط، فما كان الإتيان به جائزا بدونهما وبورود النقص قد ارتفعت هذه الحرمة، فأصبح الإتيان بالمنقوص منه بدون الجزء أو الشرط الذي نقص جائزا.
وكل من الحرمة والجواز حكم شرعي، فيكون رفع أحدهما بالآخر نسخا، لأن النسخ ما هو إلا رفع لحكم شرعي بحكم شرعي متراخ عنه.
وأجيب عن هذا الدليل:
بأن حرمة المنقوص منه بدون الجزء أو الشرط معناها وجوبهما فيه، وجوازه بدونهما معناه عدم وجوبهما فيه.
فالذي ارتفع إذًا إنما هو وجوب الجزء أو الشرط، وهو حكم لهما لا له، فيستلزم ارتفاعه نسخهما لا نسخه.
وكون إنقاصهما نسخا لهما مما لا خلاف فيه، والكلام إنما هو في نسخ المنقوص منه والدليل لم ينهض لإثباته.
دفع هذا الجواب:
لم يعتبر المستدلون هذا الجواب هازا لدليلهم، واعتبروا أن تقرير الدليل هو الذي شق له الطريق، فسعوا إلى سد المنفذ الذي نفذ منه الجواب بتقرير الدليل على وجه آخر يتلخص فيما يلي:
إن إجزاء المنقوص منه قبل النقص كان مقيدا باقترانه بالجزء أو الشرط. وبعد النقص أصبح مطلقا في إجزائه، وزال عنه التقيد بحال الاقتران. وبهذا يكون حكم المنقوص منه قد تغير من التقييد إلى الإطلاق وأن النقص أزال قيد الاقتران.
والنسخ هو الإزالة. فيكون النقص نسخا للمنقوص منه.(34/104)
وبهذا التقرير للدليل اطمئنوا إلى أنه لا ينخدش بتصبيب التغير جراء النقص على حكم الجزء أو الشرط وإبعاد المنقوص منه عن ساحته، لأن التغير قد انصب على حكم المنقوص منه بناء على هذا التقرير.
ولم يروا التلازم بين تقيد إجزاء المنقوص منه قبل النقص بحال مقارنته للجزء أو الشرط وبين كون كل منهما واجبا فيه يقضِ مضجع الدليل. لأنهم رأوا في هذا التلازم مسعفا للتغاير بينهما. إذ كون المنقوص منه مجزءاً حال المقارنة بالجزء أو الشرط ملازما لكونهما واجبين فيه، يدل على أن ذلك الإجزاء غير ذلك الوجوب، لأنه من المسلم به، أن اللازم غير الملزوم لا أنه عينه، لأن اللازم لا يكون عين الملزوم.
فالإِجزاء صفة للمنقوص منه، والوجوب صفة للجزء أو الشرط فلا يكون أحدهما الآخر.
2 - أن المنقوص منه قبل النقص كان مطلوبا ضمن الكل وهو المجموع المكون من المنقوص منه والجزء أو الشرط، ولم يكن وحده مقصودًا بالطلب، مستقلا فيه عن جزئه أو شرطه. وبعد النقص أصبح وحده مقصودا بالطلب مستقلا.
وبهذا يكون الحكم قد تغير بالنسبة له، حيث استجد له حكم - وهو استقلاله في كونه مطلوبا - لم يكن ثابتا له قبل النقص، وزال عنه حكم - وهو عدم كونه مطلوبا بالاستقلال بل ضمن الجميع - كان ثابتا له قبل النقص، وهذا هو االنسخ. فيكون النقص نسخا للمنقوص منه.
وقد أجيب عن هذا الدليل:
بأن الذي زال إنما هو طلب الجزء أو الشرط. وأما المنقوص منه فإنه باق على الطلب الأصلي الثابت له قبل النقص، ولم يتجدد بالنسبة له شيء فلم يزل عنه حكم، ولم يثبت له آخر، فلم يتأت بالنسبة له النسخ.
3 - أن الشيء المطلوب إذا نقص منه واقتصر على بعضه، فإن ذلك النقص ينسخ أصل المطلوب. لأن حقيقة النسخ، الرفع والتبديل. وقد كان حكم الكل أنه مطلوب جميعه وبالنقص نسخ ذلك بالكلية، لأن البعض الباقي المقتصر عليه مطلوب آخر استؤنف طلبه لا أنه بعض من المطلوب الأول.(34/105)
فمثلا: لو أنقص الشارع من الصلاة الرباعية ركعتين واقتصر عليهما، فإن الركعتين عبادة أخرى غير الرباعية لا أنهما بعض منها.
ويدل على نفي هذه البعضية أن من صلى الصبح أربعا لا يعتبر أنه أتى بالواجب وزيادة. فلو كانت الركعتان بعضا من الأربع للزم أن يكون آتيا بالواجب وزيادة لأن الدرهم الواحد لما كان بعضا من الدرهمين، كان الذي وجب عليه درهم فتصدق بدرهمين آتيا بالواجب وزيادة.
وأجيب عن هذا الدليل:
بأن كون البعض الباقي مستأنف الطلب في حيز المنع، لأن الطلب الأول بالنسبة له ما زال باقيا، وأن عدم اعتبار صلاة ممن صلى الصبح أربعا لا ينفي هذه البعضية لأن عدم الاعتبار هذا لا دخل له بالبعضية، أوعدمها، وإنما هو ناشئ من تحريم الزيادة في الصلاة.
ولذا فإن الزيادات عندما لا تكون محرمة، أو محرمة لكن لا لذاتها، يكون الآتي بالمزيد عليه مع الزيادة آتيا بالمطلوب حيث يكون المزيد عليه مجزئا فلا يشكل عليه التصدق بدرهمين رغم كون المطلوب واحدا، لأن الضم والزيادة ليست محرمة ولا بالزيادة في الجلدات، حيث تكون الجلدات المقررة مع الزيادة مجزئة. لأن الزيادة وإن كانت محرمة إلا أن تحريمها ليس لذاتها، بل لكونها إضرارا بالمجلود.
فإذا علمنا أن الزيادة في الصلاة محرمة لذات الزيادة ظهر لنا الفرق بينها وبين التصدق والجلد.
دليل المذهب الثالث
استدل الذاهبون إلى أن نقص الجزء نسخ دون الشرط بما يلي:
إن نقص الجزء رفع لنفي إجزاء الكل من دون ذلك الجزء. حيث كان الكل لا يجزئ بل النقص من دون ذلك الجزء، لأن ذلك الجزء"كان داخلا في ماهية الكل محققا مع الأجزاء الأخرى لحقيقته. وبالنقص أصبح مجزئا بدونه فارتفع عدم الإِجزاء. وهو حكم شرعي إن كان الكل مطلوبا شرعا فيكون رفعه نسخا.
وأما الشرط فإنه تابع للمشروط خارج عن ماهيته.(34/106)
ونسخ التابع لا يكون نسخا للمتبوع لأنهما كيانان. فإذا ارتفع أحدهما لمقتض اقتصر عليه، لا يقتضي ذلك ارتفاع الآخر لأن رابطة الشرطية مهما قويت لا تنفي التغاير بين الشرط والمشروط.
قد أجيب عن هذا الدليل:
بأن نسخ الباقي لو تصور فإنما يتصور بالنسبة لإِجزائه أو عدم إِجزائه، ولا فرق بين الجزء والشرط في توقف هذا الإجزاء عليهما واعتداده بهما. كما أنه لا فرق بينهما في زوال اعتباره شرعا بفقدانهما.
ولو أنعم النظر فإنه يصل إلى أن مآل الجزء فيما ذكر من الإجزاء وعدمه إلى الشرط، لأن الجزء قبل النقص كان شرطا أيضا بالنسبة للباقي، حيث إنه خارج عنه، واعتداده موقوف عليه وما الشرط إلا هذا.
هذا الجواب بناء على تسليم كون الإِجزاء أو عدمه حكما شرعيا. وهناك من لم يسلم ذلك فأجاب عن الدليل بجواب ثان مفاده:
أن الإِجزاء عبارة عن موافقة الأمر وعدم القضاء وموافقة الأمر نسبة عدمية بين الفعل والأمر لأنهما عبارة عن عدم المطالبة به، وعدم القضاء عبارة عن عدم ورود نص بطلبه، فانتفى عن الإِجزاء وعدمه أن يكونا حكمين شرعيين لأمرين:
أحدهما: عدميتهما. والحكم الشرعي إنما هو حكم الله تعالى الوجودي المتعلق على وجه خاص.
ثانيهما: أنهما عبارتان عن النسبة وعدمها، والنسب أو عدمها ليست أحكاما شرعية، فلا يكون رفعها نسخا.
دليل المذهب الرابع
استدل القائلون بأن نقص الجزء والشرط نسخ إن غير حكم المنقوص وإلا فلا بما يلي:
إن النسخ عبارة عن إزالة الحكم الثابت بالشرع المتقدم بدليل شرعي متأخر عنه والمنقوص منه الباقي بعد النقص قد كان تقدم ورود الخطاب بأنه بانفراده ليس مطلوبا واستقر ذلك وثبت. فإذا ورد بعد ذلك خطاب بأنه مطلوب تام بانفراده فإن ذلك يكون نسخا له.
ومثلوا له بما لو نقصت ركعتان من أربع ركعات فإن هذا النقص يغير حكم الركعتين الباقيتين من عدم كونهما عبادة بانفرادهما إلى كونهما عبادة تامة.(34/107)
أما النقص الذي لا يغير حكم المنقوص منه فإنه لا يتأتى فيه معنى النسخ من الإزالة والرفع، فلا يكون نسخا.
وقد مثلوا له بما لو نقص الشارع ستر العورة من الصلاة أو وقوف المأموم عن يمين الإمام.
المطلب الثاني: الموارنة والترجيح
بالرجوع إلى الأدلة التي احتجت المذاهب بها يظهر ما يلي:
1 - أن المذهب الأول القائل بأن النقص من النص ليس بنسخ مطلقا قد ساق ثلاثة أدلة قدحت الإجابة في نهوض اثنين منها للحجية وهما الأول والثالث ولم أطلع على إجابة عن الثاني المتمثل في قياس نقص الجزء والشرط على التخصيص، واستلزام ناسخيه النقص للمنقوص منه لكون التخصيص ناسخا للباقي بعده.
وبإنعام النظر يتبين للناظر أن هذا القياس قياس مع الفارق وأن التلازم في حيز المنع.
ووجه الفرق أن النقص أعم والتخصيص أخص.
تكمن أعمية النقص في شموله لرفع ما أريد من النص بعد ثبوته، ودفع ما تناوله النص من أن يثبت قبل ثبوته. وتكمن أخصية التخصيص في انحصاره في دفع ما تناوله النص من أن يثبت. والأعم لا يستلزم أن يكون حكمه حكم الأخص، لجواز أن يكون حكم الأعم بالنسبة لأفراده التي لا يلتقي فيها مع الأخص، فلا يلزم من كون النقص نسخا، كون التخصيص نسخا مثله فامتنعت الملازمة وخرجت الإجابة عن هذا الدليل أيضا.
2 - وأما المذهب الثاني فإنه قد أتى بثلاثة أدلة أيضا. وقد تصدوا لها بالإجابة عنها. غير أن الأول منها المتضمن ثبوت حرمة المنقوص منه - إن كان واجبا - بدون الجزء والشرط قبل النقص وارتفاع تلك الحرمة بالنقص قد دفع الجواب عنه بما يظهر أنه أعاد القوة إليه للنهوض للحجية.
3 - أما المذهب الثالث فقد أجيب عن دليله الوحيد.(34/108)
4 - وأما المذهب الرابع فإنه قد سبك دليله الوحيد سبكا أتقن إحكامه بحيث سد المنافذ التي يمكن أن ينفذ منه الغبار المثار عن الاعتراضات. ويرجع ذلك إلى انتزاع دليله من واقع النسخ، وحقيقته التي يقرها الجميع، فعلق كون النقص نسخا على تأتي هذه الحقيقة ونفى نسخيته على انتفائها، فأصبح الدليل بمنجاة عن الإجابة عنه والاعتراض عليه.
صحيح أن المذهب نفسه قد ترك المجال أمام الاعتراض بأنه علق النسخ على التغيير وهما شيء واحد، لأن دليله أنبأ أن مراده من التغيير الرفعِ والإزالة بخصوصهما وليس التغيير بمعناه الأعم الشامل للرفع والدفع والتقييد، فيكون مآل المذهب أن النقص نسخ إن كان نسخا. وتعليق الشيء على نفسه خال عن التحصيل ممتنع.
لكن بيان المراد من المذهب بأن أمر النقص من حيث كونه نسخا أو ليس بنسخ لا ينضبط كليا لا إثباتا ولا نفيا، فلا يحكم على كل نقص بأنه نسخ ولا يحكم عليه كله بأنه ليس بنسخ، بل في بعض الأحكام يكون مغيرا لحكم شرعي فيكون نسخا وفي بعض الأحكام لا يكون مغيرا فلا يكون نسخا.
هذا البيان يسد ذلك المجال لهذا الاعتراض فيعيد المذهب إلى نطاق المذاهب المفيدة الحاوية للتحصيل.
بقي النظر في تمثيله، ففي الوقت الذي لا تختلف وجهات النظر - في نظري - في كون الأول (نقص ركعتين من أربع) مغيرا نجد تلك الوجهات مختلفة في عدم كون الثاني (نقص ستر العورة أو وقوف المأموم على يمين الإمام) مغيرا.
فإن هناك من يجعل نقص الشرط مغيرا وبين وجه تغييره للمنقوص منه.(34/109)
وعلى كل فإن اختلاف وجهات النظر في المثال لا يقدح في الممثل له. ومن جهة أخرى، فإن التمثيل للمغير وغير المغير بهذين المثالين قد يدخل في الروع رجوع هذا المذهب إلى المذهب القائل بكون نقص الجزء نسخا دون الشرط، ولكن إذا لوحظ أن المغير أعم من الركن والشرط وكذلك غير المغير إذا غض النظر عما يلازمهما، يتلاشى وهم هذا الرجوع، إذ الشرط إذا ثبت تغيير نقصه للمنقوص منه يكون نسخا عند هذا المذهب دون المذهب الآخر.
وقبل أن نغادر هذا الموطن لابد من العودة إلى الدليل الأول من أدلة المذهب الثاني
القائل بالنسخ مطلقا والذي تمثل دليله في أن المنقوص منه إذا كان واجبا، فإن نقص الجزء أو الشرط يرفع حرمته بدونهما قبل النقص.
وسبب العودة إليه هو أن هذا الدليل وإن أجيب عنه غير أن الجواب عنه قد دفع مما يجعل الدليل ناهضا، ومعنى نهوض الدليل قيام المذهب، وربما ترجيحه، وبإنعامِ النظر في دفع الجواب يتبين أنه يعود إلى جعل النقص مغيرا لإِثبات النسخ له، مما يجعل مآله راجعا إلى هذا المذهب.
وبهذا يظهر لي رجحان هذا المذهب القائل بالنسخ عند التغيير وعدمه عند عدمه. والله أعلم.
المبحث الثاني: نقص الجزئي
وبالنسبة للنوع الثالث: نقص الجزئي: فإنه يتفرع إلى فرعين هما: التخصيص والتقييد. ويتم دراسة ذلك في مطلبين:
المطلب الأول: التخصيص
وفيه فروع.
الفرع الأول: تعريفه
التخصيص: مصدر خصص. والتكثير الذي تفيد صيغة التفعيل غير مراد هنا فخصص بمعنى خص.(34/110)
والتخصيص في اللغة: الإِفراد. ومنه يقال: خصني فلان بكذا أي أفردني به. ويقال: اختص فلان بملك كذا، إذا انفرد بملكيته ولم يشترك معه غيره. وفي اصطلاح الأصوليين: "قصر العام على بعض أفراده " والعام: الشامل. وهو: "كلمة تستغرق الصالح لها بلا حصر"مثل: الإِنسان. فإنه يتناول دفعة واحدة كل ما يصلح أن يكون فردا من أفراده، مندرجا تحته. مثل زيد وعمرو وبكر وغيرهم، ولا ينبئ عن انحصار هذه الأفراد في عدد معين.
ويقصد بقصره على بعض أفراده بيان أنه عند وروده أريد به بعض من تلك الأفراد الصالحة للانضواء تحته. مثل قوله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) . فإن (من) في {فَمَنْ شَهِدَ} من ألفاظ العموم يتناول جميع الشاهدين للشهر المقيمين منهم والمسافرين، الأصحاء منهم والمرضى. فجاء قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وأخرج المرضى والمسافرين من حكم من شهد الشهر وهو وجوب الصوم المستفاد من الأمر به بـ {فَلْيَصُمْهُ} وقصر ذلك على المقيمين الأصحاء الذين هم بعض أفراد (من) في {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وبيَّن أنهم هم المقصودون بهذا الحكم وأن غيرهم من المرضى والمسافرين لهم أن يفطروا في شهر رمضان حال مرضهم وسفرهم، ويصوموا مكان الأيام التي أفطروا فيها عدة من أيام أخر.
الفرع الثاني: العلاقة بين التخصيص والنسخ:
بيان العلاقة بين التخصيص والنسخ يتطلب ذكر أنواع النسخ باعتبار الأفراد المرفوع عنها الحكم لتعيين النوع الذي يعقد التشابه رابطة تربطه بالتخصيص فتميزه أوجه الفرق عنه.
فالنسخ بهذا الاعتبار نوعان:(34/111)
الأول: نسخ الحكم بالنسبة لجميع أفراد العام، ومثلوا له بقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم} .
ذكروا أن هذه الآية نسخها قوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (1) .
فالآية الكريمة الأولى عامة شملت جميع المؤمنين، فعمهم الأمر بتقديم الصدقة بين يدي مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم وشملهم وجوبه. ومما دل على هذا العموم، اسم الموصول {الَّذِينَ} إذ هو من ألفاظ العموم.
والآية الكريمة الثانية أيضا عامة، لأنها خوطب بها من خوطب بالأولى. فرفعت عن الجميع وجوب التقديم.
وهذا النوع لا يربطه بالتخصيص تشابه، ولا يلتبس به لأن الحكم كان متعلقا بجميع الأفراد عند نزوله ثم انتهى عنها جميعا بعد ذلك.
والتخصيص لا ينهي الحكم عن جميع أفراد العام، بل لا بد من بقاء بعض من الأفراد ينتهي إليه التخصيص.
النوع الثاني: نسخ الحكم عن بعض أفراد العام:
وقد مثلوا له بقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} (2) وذكروا أنه نسخ من هذه الآية الكريمة حكم الحامل بقوله تعالى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (3) .
فالآية الكريمة الأولى عامه تتناول جميع المطلقات، فتوجب عليهن أن يعتدن ثلاثة قروء، ودل على هذا العموم لفظ {وَالْمُطَلَّقَاتُ} حيث إنه جمع معرف ب (أل) وهي من صيغ العموم.(34/112)
والآية الكريمة الثانية خاصة بالحاملات جعلت عدتهن وضع الحمل، فذكروا أنها نسخت بالنسبة لهن العدة بتربص ثلاثة قروء.
وبهذا تكون الثانية ناسخة للأولى نسخا جزئيا، لأنها رفعت حكم الأولى بالنسبة لبعض أفرادها وهو الحوامل، دون البعض الآخر وهو غير الحوامل، وقد كانت المطلقات عامة شاملة للصنفين.
وهذا النوع يربطه بالتخصيص علاقة اشتراكهما في اختصاص الحكم ببعض ما يتناوله
العام، ونظراً لهذا الاشتراك والتشابه، قد يلتبس التخصيص بالنسخ عند البعض إلى درجة الاعتقاد باندراج النسخ في تعريف التخصيص لأنه يصدق عليه أنه: قصر العام على بعض أفراده.
ومن هنا اعترضوا على تعريف التخصيص بأنه غير مانع لأنه صدق على النسخ مع أنه ليس من المعرف ودخل في التخصيص مع أنه ليس منه.
غير أن هذا الاعتراض قد دفع بأن العام الذي نسخ حكمه بالنسبة لبعض أفراده لم يكن مقصورا على بعض أفراده عند الإطلاق بل أريد به جميع الأفراد ثم رفع البعض بالنسخ. أما العام الذي خصص بعض أفراده فإنه لم يرد به عند الإطلاق إلا البعض، فلا يتناول تعريفه النسخ، فيكون مانعا منه.
وتوخي بيان العلاقة بين التخصيص والنسخ يحدونا إلى ذكر أهم ما بينه العلماء من أوجه الاختلاف بينهما. من هذه الأوجه:
ا - أن التخصيص دفع، ويقصدون به أن التخصيص بيان أن حكم العام لم يتعلق إلا ببعض أفراده حين وروده دون البعض الآخر فخرج من حكمه من وقت الورود. بخلاف النسخ فإنه رفع. ويقصدون به أن حكم العام كان متعلقا بكل الأفراد ثم بعد ذلك تغير الحكم بالنسبة لبعض أفراد العام، فرفع الحكم عنها بعد ثبوته لها.
2 - أن التخصيص يجوز فيه اقتران المخصص بالعام، بل عند من لا يجوز تأخير البيان، يجبَ اقترانه به، كما يجوز عند الجمهور أن يكون مقدما عليه.(34/113)
وجواز الاقتران هذا ينبعث من طبيعة التخصيص وحقيقته وهي أنه بيان لما أريد من العام، واقتران البيان لما اكتنفه نوع من الإبهام لا يفضي إلى محظور، بل هو من سائغ الأمور، بل ربما ارتقى إلى درجة الأولوية، بل الوجوب فيما إذا حان وقت تطبيق العام.
وهذه الحقيقة نفسها جوزت تقدم المخصص على العام، إذ لا مانع من تقدم المبين على المبين ذاتاً مادام يتأخر عنه صفة وهي كونه بيانا، حيث إن البيانية لا تتأتى إلا بعد ورود العام لأنه محل لها. بخلاف النسخ حيث إنه لا يجوز فيه اقتران الناسخ بالمنسوخ، بل يشترط تراخيه عنه وبطريق أولى لا يجوز تقدمه عليه.
وعدم الجواز هذا نابع من حقيقة النسخ التي هي الرفع، إذ أن الرفع فرع الثبوت، فلا يتأتى إلا لما ثبت، فلا بد للشيء أن يثبت أولا حتى يطرأ عليه الرفع، والطروء يستلزم تراخي الطارئ عن المطروء عليه. والاقتران ينفي الطرءان ثم إن الرفع - وهو نفي - لا يمكن اقترانه بالإثبات - وهما يعرضان على شيء واحد - لأنه يفضي إلى التناقض. والشريعة منزهة عنه.
3 - أن التخصيص لا يتطرق إلا إلى الحكم الذي ظاهره التعلق بأفراد كثيرة، أما الذي يتعلق بحق شخص واحد فإنه لا يتطرق إليه.(34/114)
ونعود إلى حقيقة التخصيص مرة أخرى لنأخذ منها عدد التطرق هذا، إذ أن هذه الحقيقة إذا كانت عبارة عن بيان ما أريد بالنص عند وروده بإخراج ما لم يرد به فإن الحكم الثابت في حق شخص واحد يأبى هذا الإخراج، إذ أنه لا يبقي شيئا يتناوله النص، ويبين أن النص عندما ورد لم يرد به شيء، فيفضي إلى كون الكلام المخرج منه لغوا من الكلام. ونصوص الشريعة منزهة عن اللغو. بخلاف النسخ، فإنه يتطرق إلى الحكم الثابت في حق شخص واحد وحقيقة النسخ أيضا هي التي تسيغ هذا التطرق، لأنها عبارة عن رفع الحكم الثابت بالنص. وهذا يقتضي أن النص عندما ورد أريد به هذا الشخص الواحد، والإرادة تنفي اللغوية عن النص ولا تؤثر في هذا النفي قلة ما أريد به أو كثرته، إنما المؤثر حصوله أو عدمه فلم يفض تطرقه هذا إلى محظور فتطرق كما يتطرق إلى الحكم الثابت في حق أفراد كثيرة.
4 - أن التخصيص لا يفقد العام صلاحية الاحتجاج مطلقا في مستقبل الزمان، بل يعمل به في غير صورة التخصيص، لأنه لا بد من بقاء بعض أفراد العام بعد تخصيصه، ولا يمكن أن يتناول التخصيص كل أفراده نأيا للعام عن اللغو كما ذكر ودلالة العام على أفراده الباقية تحته بعد التخصيص باقية، والتخصيص لا يبطلها بل يبقيها، فيبقى الاحتجاج به المبني عليها. بخلاف النسخ. فإن الدليل الذي نسخ حكمه قد يخرجه النسخ عن أن يعمل به ويفقده صلاحية الاحتجاج به حينما يكون الحكم ثابتا في حق شخص واحد، أو في حق كثيرين ويكون النسخ كليا لأن دلالة المنسوخ في هاتين الحالتين تبطل بالنسخ في مستقبل الزمان بالكلية، فلا يبقى النسخ دلالة المنسوخ مطلقا، فلا يبقى الاحتجاج به المبني عليها.
وبهذه الفروق الثلاثة المرتبطة وثيق الارتباط بحقيقة التخصيص والنسخ وماهيتهما، يظهر بوضوح تميز كل منهما عن الآخر تميزا يجعل السر في القادم من الكلام على بينة. وهذا ما توخيناه من بيانها.
تحقق التخصيص(34/115)
يتحقق التخصيص عند اختلاف حكم العام والخاص الذي هو: "لفظ وضع لمعنى واحد على سبيل الانفراد، أو لكثير محصور". مثل: زيد وأسماء الأعداد مثل: عشرة، فالأول خاص لانفراده والثاني لانحصاره.
ويقصد باختلاف حكم العام والخاص: أن يرد نص عام ويقتضي حكماً، ثم يرد نص خاص يقتضي حكماً لأفراده خلاف ما يقتضيه النص العام بالنسبة لهذه الأفراد. مثل ما ذكرنا في قوله تعالى: {َمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه} وقوله تعالى: {َمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} .
والاختلاف بينهما إنما يتأتى في أفراد الخاص، إذ هي التي تناولها النصان العام والخاص.
وهذا الاختلاف يتأتى في حالات متعددة هي ما يلي:
الحالة الأولى: مقارنة الخاص بالعام وتأخر الخاص عنه
وتعني المقارنة نزول أو ورود العام والخاص معا في وقت واحد من الزمن. ويعني التأخر: أن يذكر الخاص بعد ذكر العام مثل آية الصيام بالنسبة لمن شهد الشهر وبالنسبة للمريض والمسافر.
وهذه الحالة متفق على حكمها بين جميع المجيزين للتخصيص. وهو أن الخاص يخصص العام. لأن التخصيص حينئذ يحتمه إعمال الدليلين، الخاص في كل أفراده، والعام فيما عدا أفراد الخاص من أفراده. ويحتمه أيضا تعيين الخاص بيانا لما أريد من العام عند وروده بانقطاع سبل الجمع بينهما غيره.
الحالة الثانية: تراخي الخاص عن العام(34/116)
ويتأتى ذلك بورود الخاص بعد العام بفترة زمنية. ومثلوا له بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} . مع قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} . فالآية الكريمة الأولى عامة تشمل كل من يرمي محصنة، الأزواج وغيرهم، والآية الكريمة الثانية خاصة بالأزواج.
وقد اختلف حكمهما بالنسبة للأزواج، حيث اقتضى ظاهر الأولى أنهم إذا رموا المحصنات ولم يأتوا بأربعة شهداء يجلدون ثمانين جلدة واقتضت الثانية عدم جلدهم عند الرمي وعدم إحضار الشهود، وأن شهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. وقد نزلت الآية الكريمة الثانية الخاصة بالأزواج بعد الآية الكريمة الأولى العامة في الأزواج وفي غيرهم.
وقد اختلف العلماء في حكم هذه الحالة: فذهب الجمهور إلى أن الخاص يخصص العام. وذهب الحنفية إلى عدم التخصيص، بل إن الخاص ينسخ العام بقدره.
الأدلة: أولا: أدلة الجمهور
استدل الجمهور على أن الخاص المتراخي عن العام يخصصه بما يلي:
ا - قوله تعالى: {ِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (1)
وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (2) .
فالآية الكريمة الأولى عامة تعم كل معبود ولم يقترن بها تخصيص، والآية الكريمة الثانية خاصة بالذين سبقت لهم من الله الحسنى كعيسى ابن مريم والملائكة عليهم السلام، وأخرجتهم من عموم الأولى فخصصتها، وقد نزلت الثانية بعد الأولى متراخية عنها.(34/117)
فلو لم يكن التخصيص بالمتراخي جائزاً لما وقع لكنه وقع في هذه الآية الكريمة، والوقوع يستلزم الجواز، فدل هذا على أن تأخير المخصص جائز.
وأجيب عن هذا الدليل:
أ - بأن قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} لا يعم المعبودين كلهم، وإنما يعم معبود المخاطبين وهم أهل مكة فقط، وهو الأصنام. لأن الأصنام هي الموصوفة بعبادة المخاطبين لها، والموصول إنما يعم الموصوفين بالصلة، فلا تعم الآية الذين
سبقت لهم من الله الحسنى، فلا تتناول مثل عيسى والملائكة عليهم السلام، ولا يدخلون في عمومها، فلا يتحقق الإخراج بالنسبة لهم لأنهم لم يدخلوا والإخراج فرع الدخول. ولهذا لا يكون قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ... } الآية إخراجاً لهم وتخصيصاً لعموم الآية الأولى. وإنما هو تأكيد لعدم دخولهم الذي علم سابقاً أو تأسيس لإِظهار بعدهم عنها فضلاً عن دخولهم فيها، لقطع تعنت المتعنتين.
ب - على فرض تسليم تناول الآية بعمومها لغير معبود المخاطبين أيضاً، فإنها لا تتناولهم أيضاً لأنهم عقلاء، و (ما) لغير العقلاء فلا تتناول من يعقل ويعلم وإذا لم تكن الآية متناولة لهم، فلا داعي إلى إخراجهم لعدم الحاجة إلى إخراج مالا دخول له.
وأما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ... } الآية فهو إما للتأكيد أو لبيان بعدهم عنها على النحو الذي ذكر.(34/118)
ج - على فرض تسليم أن الآية تتناولهم فإن قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} لا يكون تخصيصا أيضاً لأنهم خصوا بالعقل، ذلك أن العقل يقضي بأن الجريمة إذا صدرت عن الغير لا تكون سبباً في تعذيب من لم يقترفها ولم يدع إليها ولم يرض بها. والمسيح والملائكة طبعاً لم يدعوا إلى عبادتهم لهم ولم يرضوا بها، فالعقل يخرجهم من عموم الآية الأولى فيكون هو المخصص، لا الآية الثانية. وإنما هي تأكيد لما حضر في عقولهم عند الخطاب بالآية الأولى. فالمخصص إذاً كان مقارنا للآية، ودعوى تأخره في خير المنع (1) .
2 - قال الله تعالى: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِين} (2) فهذه الآية الكريمة عامة تعم من في القرية، المؤمنين وغيرهم، ولذلك قال إبراهيم عليه السلام للملائكة الذين قالوا له هذا الكلام الكريم: {إِنَّ فِيهَا لُوطاً} ، فبينوا بعد ذلك تخصيص عموم هذه الآية، وإخراج لوط ومن معه من المؤمنين بالقول الكريم: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَه} (3) ولم يكن هذا التخصيص إلا بعد سؤال إبراهيم عليه السلام فلو لم يكن التخصيص بالمتراخي جائزاً لما أخروه
وأجيب عن هذا الدليل:
بأن التخصيص لم يتأخر عن هذه الآية بل اقترن بها، ويدل على ذلك قول الملائكة: {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِين} فإن هذا تعليل للهلاك دل على تخصيص الهلاك بالظالمين، وأن من لم يكن ظالماً لا يدخلِ ضمن من يلحقهم الهلاك، ولم يكن لوط ومن معه ظالمين.(34/119)
ثم إن بين قول الملائكة: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} وبين قولهم: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَه} لم يتخلل إلا سؤال إبراهيم بقوله: {إِنَّ فِيهَا لُوطا} والتخلل بمثل هذا لا يعد - تأخيرا، لأن مثل هذا يجري فيما بين المبين والبيان كالتخلل بانقطاع نفس، أو سعال - مثلاً - مع أنة يعتبر مقارناً.
فسؤال إبراهيم عليه السلام ينزل منزلة ذلك، فلا يجعل التخصيص متأخراً، ولأنه لو لم يكن لبادر بالّسؤال لبادر الملائكة بالبيان والتخصيص. فلا دليل في الآية على جواز تأخير التخصيص.
3 - قال الله تعالى لنوح عليه السلام: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ ... } الآية فالأهل بعمومه كان شاملاً للابن ثم خرج ابنه بقوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ} (1) وكان هذا الإخراج متراخياً بعد أن نادى نوح ربه فقال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} (2) فقال تعالى: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح} (3) .
فتأخير تخصيص الأهل في هذه الآية الكريمة يدل على جواز التخصيص بالمتراخي.
وأجيب عن هذا الدليل:
بأن قوله تعالى: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} ليس تخصيصا تراخي عن العام وإنما هو أحد أمرين:
الأمر الأول: أنه بيان للمجهول؛ لأن الأهل شاع في مفهومين: النسب كالابن والزوجة وغيرهما والأتباع الموافقون، وإذا كان المفهوم الأول معروفاً غنياً عن الاستدلال فإن المفهوم الثاني يدل عليه قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ} (4) ، فبين الله تعالى بقوله: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} أنه أراد بالأهل أحد المفهومين وهو الثاني الذي هو الأتباع.(34/120)
الأمر الثاني: أن الأهل عام. وقد استثنى منه غير معين وهو قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْل} وهذا الاستثناء مجمل عند البعض، أو تخصيص إجمالي عند البعض الآخر. فلقوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} بيان مجمل عند البعض، أو تفصيل لتخصيص إجمالي عند البعض الآخر وكل منهما يجوز تأخيره بالاتفاق بين الأطراف المختلفة.
إذاً لا دلالة في هذه الآية على جواز تأخير المخصص.
وقول نوح عليه السلام: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} إما لظنه أن الله تعالى أراد بالأهل النسب أو إنه ظن أن ابنه آمن عند مشاهدة الآية، أو ظن إيمانه مطلقاً لأنه كما قيل كان من المنافقين مستور الحال. ويناسب هذا المعنى قوله تعالى: {فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (1) .
4 - قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} (2) فهذه الآية الكريمة بعمومها تقتضي إيجاب الخمس من السلب كما أن ذي القربى يعم بني هاشم وبني المطلب وبني أمية وبني نوفل. ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم له السلب للقاتل وبين أن السلب لا يجب فيه الخمس بل هو للقاتل وقال: "من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه" (3) كما بين أن ذي القربى ليس على عمومه وإنما المراد منه بنو هاشم وبنو المطلب، حيث منع بني أمية وبني نوفل من الخمس.
وكلا التخصيصين كان متأخراً عن نزول الآية، فدل ذلك على جواز التخصيص بالمتراخي.
وقد أجيب عن هذا الدليل بقولهم: لا نسلم أن جعل السلب للقاتل تخصيص، بل هو نسخ لأنهٍ متراخ وكل متراخ يخرج البعض من عموم سابق يكون ناسخاً لذلك البعض لا مخصصا.(34/121)
5 - لو امتنع التخصيص بالمتراخي فامتناعه إما أن يكون لذاته أو لأمر خارج عنه، فالأول منتف لأنه لا يلزم على فرض وقوعه محال لذاته. والثاني ينحصر فيما يقترن به من جهل المكلف بما أريد منه. لأن التخصيص بالمقارن جائز بالاتفاق. والفرق بينه وبين تراخيه هو علم المكلف بالمراد في الأول وجهله في الثاني. فلما كان الأول جائزا يبقى الذي يتصور أنه يمنع من الثاني، هو جهل المكلف لا غيره. ولو كان جهل المكلف بالمراد مانعا من تراخي التخصيص لكان مانعا أيضا من تراخي الناسخ، لأنه يلزم منه أيضا عدم علم المكلف بالمراد من الكلام - على حد قولهم - الذي يدل وضعاً على دوام العمل وتكرره. وامتناع تأخير الناسخ باطل لأنه جائز بالاتفاق، فامتناع تأخير المخصص باطل أيضا وإذا بطل امتناعه ثبت جوازه.
وبهذا ظهر أن تراخي المخصص ليس ممتنعاً لا لذاته ولا لأمر خارج عنه، فيكون جائزاً.
وأجيب عن هذا الدليل: بالتفريق بين التخصيص والنسخ بوجهين:
الأول: قول المانعين من التخصيص بالتراخي: إن الجهل الذي يلزم بناء على تراخي التخصيص جهل مركب، لأنهم يجهلون المطلوب الذي هو الخصوص ويعتقدون العموم وهو خلاف ما في نفس الأمر، والجهل المركب مذموم مطلقاً. أما الجهل اللازم لتأخير الناسخ فهو جهل بسيط منحصر في اعتقاد المكلفين دوام واستمرار الحكم، وهو غير مذموم على الإطلاق.
الوجه الثاني: إنه في تأخير الناسخ يتمكن من العمل بالمنسوخ عملاً يطابق ما يراد بالمنسوخ في نفس الأمر. أما في تأخير المخصص فإن العمل بما يطابق ما يراد بالعام في نفس الأمر غير متمكن منه لفقدان العلم بالمراد منه.
وبهذين الوجهين يتبين الفرق بين تأخير النسخ وتأخير التخصيص. فلا يستلزم جواز الأول جواز الثاني، ولا يلزم القائل بالأول القول بالثاني.
ثانياً: أدلة الحنفية ومن معهم
استدل الحنفية ومن معهم على منع التخصيص بالمتراخي بما يلي:(34/122)
أ - إن العام إذا أطلق دون اقتران المخصص به يفيد إرادة جميع الأفراد لأن الكل هو الموضوع له العام، وقد استعمل فيه بلا أن يقترن به ما يفيد غيره، واللفظ إذا استعمل مجرداً عن القرينة ينصرف إلى الموضوع له ويتبادر هو منه. فلو لم تكن هذه الإرادة مرادة منه مع إفادته لها، يلزم في الخبر الإخبار بما ليس بمطابق للواقع، لأنه إخبار بأن جميع الأفراد مراد من اللفظ مع أن المفروض أن المراد بعضه فكان ما يفيده العام، لا يطابق ما هو الواقع من إرادة البعض. ونصوص الشريعة منزهة عن ذلك.
ويلزم في الإنشاء إفادته تثبيت ما ليس بثابت في نفس الأمر. وذلك إيقاع للمكلفين في الجهل المركب. ذلك: أن المكلفين يعتقدون ما كلفوا به ويعملون به، وهو هنا العموم حسب ما يفيده اللفظ. من حيث إن حكم الشارع متعلق به. مع أن العموم لم يقع في نفس الأمر، وهو غير مراد للشارع، ومن غير أن يكون قد حكم به، فيكون في هذا إظهار أن المراد هنا خلاف ما يظهر، ويفيده أنه المراد، فالمكلفون لعدم علمهم بما يطلبه الشارع في نفس الأمر يقعون في الجهل بهذا الاعتبار. وجهلهم هذا يتصف بالتركيب لأنهم مع عدم علمهم بالمطلوب يعتقدون أيضًا خلاف ما هو في نفس الأمر، لأنهم يعتقدون العموم حسب ظاهر اللفظ، وهو خلاف ما في نفس الأمر وهو الخصوص. وبهذا يكون جهلهم جهلاً مركباً.
وإفادة نصوص الشريعة ما ليس بثابت منتفية، لأنها منزهة عن ذلك فما يستلزمها وهو التخصيص بالمتراخي يكون باطلا.
وأجيب عن هذا الدليل:(34/123)
بأن ما ذكر من التجهيل وعدم التفهيم إنما يلزم لو كان العام نصا في الاستغراق. وليس كذلك، بل هو ظاهر في الاستغراق مع احتمال الخصوص فينبغي على المكلف أن يعتقد أن العام ظاهر في العموم، محتمل للخصوص كما هو مفاده، وعليه أن يحكم بالعموم وينتظر أن ينبه على الخصوص، فبعد ذلك إذا اعتقد العموم قطعاً فإنما ذلك لجهله، وأنه هو الذي أوقع نفسه في الجهل لا الشارع ولا استحالة في ذلك، وعلى هذا فلزوم الإخبار بما ليس بواقع وإفادة ما ليس بثابت بناء على تراخي التخصيص باطل.
2 - أن تأخير المخصص إما أن يكون إلى مدة معينة أو بلا نهاية، فإن كان إلى مدة معينة يلزم التحكم، لأن الوحدات الزمانية متساوية، فإيقاع التخصيص في إحداها ترجيح لها على الوحدات الأخرى بلا مرجح، وإن كان إلى غير نهاية يلزم إبقاء المكلف في الجهل، حيت يظل معتقدًا العموم عاملاً به مع كونه غير مراد، حيث الخصوص هو المراد وهذا تجهيل له. وكل من التحكم والتجهيل باطل، فما يستلزمهما وهو تراخي المخصص يكون باطلاً أيضاً.
وأجيب عن هذا الدليل:
بأن تأخير المخصص إنما يجوز إلى وقت الحاجة إلى البيان. وهذا الوقت معين عند الله سبحانه وتعالى يجوز أن يعلمه للرسول صلى الله عليه وسلم ولا تحكم في ذلك، لأن الحاجة هي المرجحة لوقوع بيان التخصيص في هذا الوقت، ووقت الحاجة هو الوقت الذي يتحتم فيه على المكلف أن يعمل بمدلول العام. وقبل هذا الوقت وهو وقت وجوب العمل، لا عمل للمكلف فلا يكون عاملاً بعموم أريد به الخصوص، كل ما هنالك أن المكلف يعتقد العموم ولا امتناع في ذلك. نظيره لو أمر بعبادة تتكرر كل يوم فإنه لو اعتقد عمومها في جميع الأيام لا يمتنع ذلك مع جواز أن تنسخ هذا المستقبل وإن لم يرد بذلك بيان.(34/124)
3 - أستدل لهم بأنه إذا ورد خطاب من الشارع، فإنه يكون مخاطباً للمكلفين في الحال. ومقتضى وروده أن يكون قاصداً تفهيمهم حالاً بهذا الخطاب كما أن هذا هو مقتضى كون الشارع مخاطباً في الحال. لأن حقيقة الخطاب توجيه الكلام إلى المخاطب بغية تفهيمه.
ولهذا لما كان الفهم منتفياً في الجماد لم يصح خطابه لانتفاء حقيقته معه، كما لا يصح خطاب الشخص بلغة لا يفهمها. والتفهيم إما أن يكون لما هو الظاهر من الكلام، وهو هنا العموم، أو لما هو المراد في نفس الأمر، وهو الخصوص. فعلى الأول يلزم التجهيل لأنه تفهيم خلاف المراد، وعلى الثاني يلزم تفهيم مالا سبيل للمكلفين إلى فهمه، لعدم اقترانه بالبيان وهو التخصيص.
وكلٍ منهما لا يليق بالشارع فيكون باطلا، فما يستلزمهما وهو تراخي التخصيص يكون باطلا أيضا.
وأجيب عن هذا الدليل بوجهين:
الوجه الأول:
إن استلزام كون الشارع مخاطباً للتفهيم في الحال لا يستلزم تفهيم ما هو الظاهر من كلامه فقط ولا تفهيم ما يريده في نفس الأمر فقط، بل إنه يفهم ما هو الظاهر من كلامه مع تجويز تخصيصه. وهذا لا يستلزم التجهيل كما أن فهم الظاهر مع جواز التخصيص في استطاعة المخاطب، فلا يلزم تفهيمه ما لا سبيل له إلى فهمه.
الوجه الثاني:
إن ما ذكر من التجهيل وتفهيم ما لا سبيل إلى فهمه لو لزم بناء على تأخير المخصص فإنه يلزم أيضاً بناء على تأخير الناسخ لاتحادهما فيما ذكر. ولزومه في تأخير الناسخ باطل لجواز تأخيره بالاتفاق، فيبطل لزومه أيضا بناء على تأخير المخصص لعدم الفرق بينهما في ذلك.(34/125)
4 - أستدل لهم بأنه: لو جاز أن يراد الخصوص من الخطاب الوارد بلفظ العام مع عدم اقتران المخصص به، لتعذر أن يعرف المخاطب ما يريده الشارع من المخصص أيضا لجواز أن يراد منه غير ما يفيده في الظاهر ولو لم يبين بل يتعذر معرفة كلام الشارع مطلقا لأن كل لفظ حتى الذي يبين المراد يجوز أن يكون الشارع قد أراد به غير ما يفيده في الظاهر ولم يبينه. وفي هذا إخلال بما يقصد من الخطاب مطلقا. وذلك باطل فما يستلزمه وهو جواز تأخير المخصص باطل أيضا.
وأجيب عن هذا الدليل بوجهين:
الوجه الأول:
إن البيان المقترن بما يحتاج إليه إما أن يكون بقطعي لا احتمال للتأويل فيه أو بمحتمل مقترن بقرائن تفيد العلم بمدلول الكلام. والعام اقترن به احتمال التخصيص. وهذا الاحتمال اقترنت به قرائن تفيده وهي كثرة وقوع التخصيص. وبهذا يندفع الإِخلال بالمقصود من الخطاب ولا يتعذر معرفة ما يراد منه.
الوجه الثاني:
لو لزم من تأخير المخصص الإخلال بالمقصود من الخطاب وتعذر معرفة ما يراد منه للزم ذلك أيضاً في تأخير الناسخ عن الخطاب الذي علم الله تعالى نسخ حكمه مع أن تأخير الناسخ جائز بالاتفاق.
5 - أستدل لهم: بأن العموم للاستغراق وضعا، والخصوص إنما يراد منه إذا كانت هناك قرينة اتصلت به بينت أن المراد منه الخصوص. فلو جاز إرادة الخصوص من العام بلا قرينة مقترنة به، للزم تغيير الوضع. وذلك باطل، فما يستلزمه وهو تراخي المخصص يكون باطلاً أيضاً.
وأجيب عن هذا الدليل:
بأن تأخير المخصص إنما يكون تغييراً لوضع العام لو كان العام نصا في الاستغراق لكن العام ليس نصا فيه، وإنما هو ظاهر فيه مع احتمال التخصيص - كما ذكر في الجواب عن الدليل الأول - وإذا كان كذلك فإن ورود المخصص متراخيا لا يكون تغيير الوضع العام.(34/126)
6 - أستدل لهم: بأن الغرض من الخطاب التكليف. ولا بد له أن يحقق هذا الغرض، فلو جاز تراخي التخصيص عن العام لانتفى هذا الغرض، لأنه يوجب الشك في كل فرد من أفراد العام فلا يعلم هل أراده المتكلم بخطابه أولا؟ وبهذا يتعذر أن يعلم من الخطاب تكليف أحد بعينه، وبالتالي ينتفي التكليف الذي هو الغرض من الخطاب وانتفاء التكليف باطل، فما يستلزمه وهو جواز تراخي المخصص يكون باطلا أيضًا.
وقد أجيب عن هذا الدليل:
بأن جواز تراخي المخصص يوجب الشك في كل فرد على سبيل البدل، بينما تأخير النسخ يوجب الشك في الجميعِ: هل يبقى الحكم بالنسبة لهم أو ينسخ؟ فكان تأخير النسخ أحق بالمنع - لو كان هذا مانعا من تأخير التخصيص. فلما جاز تأخير الناسخ بالاتفاق لزم أن يجوز تأخير المخصص أيضاً.
الموازنة والترجيح
ينبغي - ونحن في صدد الموازنة والترجيح - أن نقف وقفات تأمل عند الأمور الآتية:
أولا: إن ما ذكره المانعون من تراخي التخصيص من استلزام تراخيه لتلك اللوازم الباطلة التي ذكروها في أدلتهم كالتجهيل والتحكم والبيان بالملبس وغيرها لا يختلف موقف المخصص الأول عن المخصصِ الثاني منها. لأن المهمة المناطة بالمخصص الأول هي التي نيطت بالمخصص الثاني أيضاً وقد انعقد الاتفاق بين المانعين من تراخي التخصيص والمجيزين له، على جواز تراخي المخصص الثاني. وما تجويز ذلك إلا اعتراف بأن تلك اللوازم غير لازمة لتراخي المخصص الأول أيضا نظراً لاتحاد مهمتهما. وعندئذ يكون تجويز التراخي في أحدهما دون الآخر تحكماً لا يجوز المصير إليه.
حاول المانعون التخلص من هذا التحكم فقالوا: إن مرادهم بتأخير المخصص الثاني تأخير المخصص التفصيلي عن المخصص الإجمالي. ومادام الإجمالي قد اقترن بالعام فلا مانع من تراخي التفصيلي لأن الواجب هو اقتران أحدهما بالعام. ولأن تأخير البيان التفصيلي عن الإجمالي إلى وقت الحاجة جائز.(34/127)
وقالوا: إن المخصص الثاني ليس مخصصاً حقيقة، وإنما المراد منه هو الكلام الذي ورد لبيان المخصص المجمل وإطلاق المخصص عليه تسامح، والذي سوغ هذا الإطلاق ما يربط بينهما من علاقة البيان في كل منهما. والذي يظهر أن هذه المحاولة لا تجدي نفعاً ولا يورِث تخلصاَ. لأن المخصص الثاني لا ينحصر في التفصيلي بعد الإِجمالي، بل قد يكون مستقلاَ عن الأول، يخرج عن العام أفراداً غير التي أخرجها المخصص الأول.
ثانياً: إن قصر (ما تعبدون) على الأصنام فقط باعتبارها معبود أهل مكة، وهم المخاطبون في حيز المنع، لأن العبرة بعموم اللفظ وهو (ما) لا بخصوص السبب، ثم إن انحصار المخاطبين في أهل مكة يحتاج إلى دليل ولم يأتوا به. بل المخاطب كل من يمكن أن تبلغه الآية سواء كان في مكة أو في غيرها، ولا نسلم أن كل ما عبدوه هو الأصنام فقط، فلم تكن الأصنام فقط هي الموصوفة بعبادة المخاطبين لها.
ثم إن دعوى كون (ما) في هذه الآية لغير العاقل فقط غير مسلمة، بل (إن) ما تطلق على من يعقل ويعلم أيضا، يدلّ على ذلك عدة أدلة منها ما يدل على إطلاقه على العاقل عامة ومنها ما يدل على إطلاقه على من يعقل في هذه الآية.
أما الأول: فمنه قوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} (1) وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} (2) وقوله: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} (3) "فإن (ما) في هذه الآيات لمن يعلم. ومن جهة أخرى فإن (ما) قد تطلق بمعنى "الذي"باتفاق أهل اللغة، ويصح إطلاق (الذي) على العاقل.
وأما الثاني: فهو أن الإتيان بقيد (من دون الله) يدل على الحاجة إليه، وهذه الحاجة تنبعث من تناول (ما) لمن يعقل ويعلم، فأتى بهذا القيد لإخراج الله سبحانه وتعالى حيث كانت (ما) متناولة له عز وجل بعمومها.(34/128)
فلو كانت مختصة بما لا يعقل لما احتيج إليه، ولما كان لها فائدة سوى التأكيد أما بناء على أن (ما) متناولة لما يعقل، تكون فائدة هذا القيد التأسيس، والتأسيس أولى من التأكيد، لأنه الأصل فحمل الكلام عليه أولى.
ومن جهة ثانية فإن ابن الزبعري فهم تناول (ما) في هذه الآية لمن يعقل ولهذا بادر بسؤاله عن مصير عيسى وعزير والملائكة عليهم السلام، وهو من فصحاء العرب عارف
بلغاتها ملم بمراميها وأسرارها. وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه سؤاله بل انتظر البيان بالتخصيص. فسؤال ابن الزبعري وعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم لسؤاله يدلان على أن (ما) في هذه الآية تعم من يعقل.
بقي بعد ذلك، قول المانعين عن تراخي المخصص، إن المخصص في هذه الآية هو العقل بناء على فرض تسليم تناول (ما) لمن يعقل، ويجاب عنه بأن قيام المخصص العقلي عند نزول هذه الآية غير مسلم، لأن عدم رضا المسيح والملائكة بعبادة الناس لهم إنما يعرف بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} الآية، لا بالعقل إذ لا مجال له في إدراكه، فإذاً تكون الآية هي المخصصة لا العقل.(34/129)
ثالثاً: إن دعوى اقتران التخصيص بقوله تعالى: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} بدليل قول الملائكة: {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} ، غير مسلمة لأن تعليل الملائكة الإهلاك بكونهم ظالمين، لا يدل على اختصاص الهلاك بالظالمين فقط حتى يخرج لوط ومن معه من لحوق الهلاك بهم، لأن الهلاك قد يلحق بمن لم يصدر منه الظلم بسبب ظلم الآخرين. يدل على ذلك قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (1) ولو كان لوط ومن معه خارجين عن الأهل لما احتيج إلى إخراجهم بقول الملائكة: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ} الآية، لأن الإِخراج فرع الدخول، ولم يكن لهذا القول فائدة إلا التأكيد وحمل الكلام على التأسيس هو الأصل والأولى.
وكذلك لو لم يكن لوط ومن معه دخلوا في عموم الأهل، لما كان هناك إلى سؤال إبراهيم بقوله إن فيها لوطا داعٍ، فسؤاله هذا يدل على دخلوهم وإفادة الكلام لذلك.
ثم إن اعتبار تخلل السؤال بين القولين بمثابة سعال أو انقطاع نفس وعدم اعتباره تأخيراً للتخصيص فيه نظر، فإن سؤال إبراهيم يدل على أن الملائكة أكملوا كلامهم بحيث عدوا معرضين عن كلامهم الأول فاستفسر منهم بهذا السؤال.
رابعاً: إن قولهم إن المراد من الأهل الأتباع، يأبى عنه عطف جملة {وَمَنْ آمَن} على {وَأَهْلَكَ} لأن العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه. فإذا أريد من الأهل
الأتباع يكون المعطوف هو نفس المعطوف عليه، وتنتفي المغايرة بينهما، بل المراد من الأهل والله أعلم الأتباع الذين بينهم وبين نوح علاقة القرابة أيضاً، ويكون المراد من (من آمن) الأتباع الذين لا تربطهم بنوح علاقة القرابة فيكون المعطوف مغايراً للمعطوف عليه.(34/130)
ثم إن جعل {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك} بيان مجمل سواء كان المجمل الأهل أو الاستثناء المجهول، يلزمه تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ لأن وقت الحاجة هنا هو وقت الامتثال بالأمر بالإركاب، وقبل غرق الابن وقوله: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك} كان بعد الغرق، وتأخير البيان من وقت الحاجة ممتنع بالاتفاق، فدعوى كونه بيان مجمل في حيز المنع.
ورغم دفع الاعتراض عن هذا الدليل، فإن هذا الدفع لا يبرر ضعف الدليلِ ولا يثبت صلاحيته لإِثبات كون (أنه ليس من أهلك) تخصيصاً، لأنه على كونه تخصيصًا يلزم تأخير بيان التخصيص عن وقت الحاجة وهذا ممتنع اتفاقاً.
فإذاً لا يخلو هذا الدليل من ضعف ولا ينهض حجة للمستدلين به على جواز تراخي التخصيص.
والذي يظهر أن الأصوب أن يكون {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك} بيان تقرير لما أراده الله من الأهل وهو الأتباع مع القرابة، وأمره عليه السلام ابنه بالركوب لظن إيمانه حيث كان مستور الحال كما ذكرنا، والله أعلم.(34/131)
خامساً: إنه بناء على جعل السلب للقاتل ناسخاً لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَه} الآية، يلزم المانعين من تراخي التخصيص القول بنسخ المحتمل، وهو خبر الواحد للقاطع وهو العام الكتابي، ولا يمكنهم القول به لأنه إبطال القاطع بالمحتمل، فيبطل دعوى النسخ، ولما أدركوا ورود هذا عليهم أرادوا أن يتلافوه بالجواب عنه وذلك بالتسوية بين النسخ والتخصيص وجعل الفرق بينهما تحكماً، حيث قالوا إن نسخ البعض بيان من وجه لأن المنسوخ لا يبطل به بالكلية وإنما يبقى معمولا في البعض فلا بد أن يجوز النسخ كالتخصيص تجنبا من التحكم، ولكن جوابهم هذا يمكن أن يدفع بأنه إن كان التحكم يلزم بناء على القول بالتخصيص فإنه يلزم أيضا بناء على القول بالنسخ، لأنهم ماداموا سووا بين النسخ والتخصيص هنا في جوازهما، فالقول بالنسخ دون التخصيص ترجيح بلا مرجح، على أنه مادام الأمر تردد بين النسخ والتخصيص فإن التخصيص هو الراجح والأولى؛ لأن النسخ رفع الحكم بعد ثبوته، والتخصيص منع من إثبات الحكم ودفع له، والدفع أسبل من الرفع، فيكون أولى.
وأما عن تخصيص العام الثاني في الآية وهو (ذي القربى) فقد أجابوا عنه بجوابين لم يسلما لهم.
أما الجواب الأول: فقالوا: إن ذي القربى وإن كان عاماً إلا أن المراد به القرابة القريبة، وهي لا تشمل بني نوفل وبني أمية فلا يدخلون فيه، وماداما لم يدخلا فلا إخراج بالنسبة لهما. وهذا الجواب مردود لأن بني أمية وبني نوفل وبني المطلب كلهم في درجة واحدة من القرابة. فهم جميعاً داخلون في ذي القربى وهو بعمومه يتناولهم لكن منع الرسول صلى الله عليه وسلم لبني نوفل وبني أمية من الخمس خصص هذا العموم.
الجواب الثاني: هو أن المراد بالقرابة قرابة النصرة والنسب. ويرد هذا الجواب بأنه تحميل للفظ ذي القربى معنى لا يفيده اللفظ وإنما هو تأويل واضح البعد.(34/132)
سادساً: إن التفريق بين النسخ والتخصيص من حيث جواز تأخير بيان الأول دون الثاني تحكم، لأن الخطاب المنسوخ كان ظاهراً في تناوله لجميع أوقات الحياة، كما أن العام ظاهر في تناوله لجميع الأفراد، فالأوقات في المنسوخ بمثابة الأفراد في العام، فإذا كان المخاطب يعتقد في العام إرادة جميع الأفراد فإنه في الخطاب الذي يراد نسخه يعتقد أيضاً إرادة جميع الأوقات. فإذا جاز رفع حكم الخطاب الظاهر في تناول جميع الأوقات بدليل متأخر جاز أيضاً تخصيص ما يتناوله اللفظ في تناوله لجميع الأفراد.
ثمَّ إن المكلف كما يتمكن من العمل بما يطابق ما يراد من المنسوخ في نفس الأمر، فإنه أيضا يتمكن من العمل بما يطابق ما يراد من العام في نفس الأمر لأن التخصيص لا يتأخر عن وقت العمل، وقبله لا عمل للمكلف كما ذكرنا إنما العمل يبدأ بعد التخصيص وبعده يكون المكلف قد علم ما يراد من العام في نفس الأمر، فيكون عمله مطابقاً له.
هذا ومن نظر في عمومات القرآن الكريم والسنة الشريفة يرى كثيراً منها خصصت بأدلة متأخرة عنها مثل قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} (1) فهذا عام ثم ورد بعده قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} (2) مخصصاً لعمومه متأخراً وكذلك بقية الأعذار، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس في الخضروات صدقة" (3) ، ثم قال بعد ذلك: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" (4) ، ومثلٍ قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} (5) ، ثم ورد قوله صلى الله عليه وسلم: "في أربعين شاة شاة" (6) بعد ذلك متأخرا.
الحالة الثالثة: تقدم الخاص على العام
ومثلوا له بما روي عن أنس قال: "قدم أناس من عكل - أو عرينة - فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها ... الحديث ".(34/133)
وبما روي عن ابن عباس (1) رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا من البول " (2) .
فالحديث الأول خاص في الأمر بالشرب من أبوال الإبل. والحديث الثاني عام يشمل الأمر بالاستنْزاه من كل بول، أبوال الإبل وغيرها. وقد اختلف حكمهما بالنسبة لأبوال الإبل فاقتضى الأول جواز شربها للتداوي واقتضى الثاني عدم جواز شربها ضمن دلالته على.
وجوب الاستنْزاه والابتعاد عن كل بول المستلزم لعدم الشرب. وذكروا أن الحديث الثاني ورد بعد الأول.
وقد اختلف العلماء في حكم هذه الحالة: فذهب الجمهور إلى أن الخاص يخصص العام. وذهب الحنفية إلى أن العام ينسخ الخاص.
أدلة الجمهور:
استدل الجمهور بأدلة منها ما يلي:
أ - أن الخاص المتقدم على العام كالمعهود بين المتكلم والمخاطب. فإذا أطلق العام انصرف إلى الخاص. كما هو جار في انصراف الخطاب عند الإطلاق إلى المعهود. ومعنى انصراف العام إلى الخاص، أن الخاص لما سبق وعرف حكمه أصبح عالقاً بالذهن معهودًا فيه، فعندما يأتي العام - وهو متناول للخاص المتقدم - ويخالف حكمه حكمه يتبين أن المراد من العام غير الخاص فيختص حكم العام بأفراده التي تبقى بعد خروج أفراد الخاص من حكمه، فيكون الخاص المتقدم مخصصاً للعام المتأخر عنه.
وقد اعترض على هذا الدليل: بأن هذا رجوع إلى محل الخلاف، لأن معنى كون الخاص كالمعهود أن المتكلم بين بما تقدم من الخاص أنه أراد بالعام سوى ما يتناوله الخاص. وكذلك السامع إنما يفهم منه ذلك. وهذا عين محل الخلاف فلا احتجاج به. إذ لا يحتج بمحل الخلاف لإثبات أحد طرفيه.
2 - لو لم يخص العام بالخاص المتقدم عليه للزم إما إلغاء الخاص بناء على جعله منسوخاً بالعام أو إهمالهما معاً بناء على التوقف. وكلا الأمرين لا يجوز المصير إليه.(34/134)
أما الأول فلأنه يلزم منه إبطال القاطع بالمحتمل. لأن دلالة الخاص على مدلوله قطعية ودلالة العام على العموم محتملة، لاحتمال أن يراد به بعض أفراده التي هي غير ما دل عليه الخاص وتناوله من الأفراد، ودلالته على العموم تتوقف على تناوله لأفراد الخاص أيضاً وهذا الاحتمال يهزها. وإبطال القاطع بالمحتمل لا يجوز.
وأما الثاني فبطلانه واضح من كون الدليل ورد ليعمل به، فإهماله بلا مقتض من نسخ وغيره نقض لما وضع عليه وهو باطل. وإذا امتنع الأمران، تعين الثالث الذي هو كون الخاص المتقدم مخصصًا للعام حيث انحصرت احتمالات الحالة فيها.
وأجيب عن هذا الدليل:
أ - أن كون دلالة العام على مدلوله محتملة غير مسلم، بل دلت الأدلة على أنها قطعية، فالعام يتساوى مع الخاص من هذه الجهة، فلا بأس بانتساخ كل منهما بالآخر.
ب - على فرض تسليم كون دلالة العام محتملة، فإنها لا تمنع من نسخه الخاص، لأنه عام أيضاً مثل الناسخ وكونه خاصاً إنما هو بالإضافة إلى العام الذي يخصصه وليس خاصاً حقيقياً، إذ لا تخصيص في الشرع إلا بالعام. حسب ما دل على ذلك الاستقراء، وحينئذ يكون كل من العام والخاص محتملاً، فيجوز انتساخ كل منهما بالآخر.
أدلة الحنفية ومن معهم:
استدل الحنفية ومن معهم على نسخ الخاص المتقدم بالعام المتأخر وعدم تخصيصه به بما يلي:
1 - روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره"، ولا شك أن العام المتأخر أحدث من الخاص المتقدم فيؤخذ بالعام، ومعنى الأخذ به انتساخ الخاص فيكون منسوخًا.
وقد أجيب عن هذا الدليل:
بأن اتباع الأحدث فالأحدث والأخذ به يحمل على ما لا يقبل التخصيص كالخاص الذي ورد بعده خاص يعارضه، فيؤخذ ويتبع الثاني الأحدث وينسخ الأول، وبهذا الحمل يجمع بين هذا الدليل وبين الأدلة الدالة على جواز التخصيص مطلقا.(34/135)
2 - أستدل لهم - بأن الخاص يمكن أن ينسخه العام المتأخر فيكون ناسخاً له.
وأجيب عن هذا الدليل:
بأن إمكان نسخ الخاص المتقدم لا يستلزم نسخه فعلاً، لأن الامكان أعم من الفعلِ والأعم لا يستلزم الأخص. ثم إنه كما يمكن نسخه، كذلك يمكن أن يكون مخصصًا للعام. والعام كما يمكن أن يرفع الخاص المتقدم، كذلك يمكن أن يكون مخصوصاً بالخاصِ المتقدم فلو كان الامكان مستلزماً للوقوع، للزم أن يكون الخاص المتقدم منسوخاً ومخصصًا لناسخه في آن واحد، وهو محال. وتأتي الاستحالة من استلزام ذلك كون الخاص المتقدم مرتفعاً باعتباره منسوخاً وثابتاً باعتباره مخصصاً، والارتفاع عدم لا يجتمع مع الثبوت.
3 - استدل لهم بأنه: لو كان الخاص المتقدم مخصصاً لزم البيان بالملبس لأن الخاص متردد بين أن يكون منسوخاً بالعام المتأخر عنه وبين أن يكون مخصصاً له، وهذا التردد يؤدي إلى أن يكون الخاص ملبساً، فلا يخصص لأن التخصيص بيان، فلا يجوز بالملبس وأجيب عن هذا الدليل:
بأن تردد الخاص المتقدم بين كونه منسوخاً ومخصصاً غير مسلم، بل إنه مخصص لثبوت أولوية ذلك، ولو سلم أنه متردد فإن هذا التردد إن منع من كونه بياناً للتخصيص فإنه يمنع أيضاً من كونه بياناً للنسخ. لأن المنع الأول ليس بأولى من المنع الثاني، فالمصير إلى الأول تحكم.
4 - أستدل لهم: بأن التخصيص بيان، فلا يجوز أن يكون الخاص المتقدم مخصصاً، لأن المبين لا يجوز أن يتقدم على المبين، بل يجب أن يتأخر البيات عن المبين لاستدعاء كونه بياناً لذلك.
وأجيب عن هذا الدليل:(34/136)
بأن الواجب هو تأخر البيان عن المبين بوصف كونه بيانا بغض النظر عن تقدم ذاته أو تأخرها، لأنه لا يمتنع أن يرد كلام ليبين المراد بكلام آخر متأخر عنه، لأنه حينئذ يكون وصف كونه بياناً قد تأخر عن المبين وإن تقدمت ذاته عليه، فتقدم ذات الخاص لا امتناع منه، وإنما الممتنع تقدمه بصفة كونه مخصصاً، ولا يلزم هذا التقدم الممتنع بناء على التخصيص بالخاص المتقدم، لأنه وإن كان متقدماً ذاتا إلا أن وصف التخصيص إنما يعرض له بعد ورود العام، أما قبله فهو مجرد عن هذا الوصف.
الموازنة والترجيح
بالرجوع إلى ما ساقه الطرفان من الأدلة وما قوبلت به من الإجابات نطلع على أن الجمهور أتوا بدليلين لإثبات جواز التخصيص بالخاص المتقدم على العام أجيب عنهما. وإنعام النظر فيهما يقودني إلى ما يلي:
بالنسبة لدليلهم الأول المتمثل في جعل الخاص المتقدم كالمعهود، نرى أن الإِجابة عنه بأنه رجوع إلى محل النزاع قد أقعدته عن النهوض لإثبات ما سبق لإثباته لأن القواعد المنظمة للأدلة تأبى صلاحية ما هو محل النزاع أن يكون حلاً لأحد طرفيه، مثبتاً لأحد شقيه، ومعهودية الخاص المتقدم واضح كونها متنازعاً عليها.
وأما بالنسبة لدليلهم الثاني المتمثل في استلزام نسخه بالعام وعدم تخصيصه له إبطال القاطع بالمحتمل، فإن الجواب بالتسوية بين الخاص والعام بقطعية دلالتهما تارة، واحتمالها تارة أخرى، يلاحظ عليه ما يلي:
أولاً: أن التسوية بين الخاص والعام في القطعية لا تصلح جواباً عن الدليل لأمرين:
أولهما: أنه عود إلى متنازع فيه بين المستدلين والمجيبين، ومن مسلمات قواعد البحث أن مثله لا ينهض جوابا يهز الدليل.(34/137)
ثانيا: أن التساوي في أصل القطعية لا يستلزم التساوي في قوة الدلالة التي تتفاوت درجاتها صعوداً ونزولا رغم استقرارها عند قاعدة واحدة هي أصل القطعية. صحيح أن دلالة العام قوية ولتكن قطعيتها أيضاً، ولكن عندما تكون أفراد الخاص هي المدلولة، تكون دلالة الخاصِ عليها أكثر قوة وأقوى قطعية من دلالة العام عليها، إذ أن الخاص يدل عليها وحدها منفردًا بها مصرحًا باسمها، في حين يدل العام عليها مع غيرها غير خاص عليها. فلا يتأتى التساوي الذي يشترطه العلماء بين الدليلين كي يتم النسخ بينهما.
ثانياً: أن التسوية بين الخاص والعام في الاحتمالية المبنية على عدم ورود تخصيص إلا بالعام الذي هو الخاص الإضافي لا الحقيقي، يلاحظ عليه: أنه وقع التخصيص بالخاص الحقيقي. مثل قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (1) ، فإنه خصص قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (2) ، ولا شك أن إباحة الأكثر من الأربع كانت خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم خاص حقيقي.
وكذلك خص قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم} (3) بما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم من كفاية شهادة خزيمة رضي الله عنه لمن شهد له دون الحاجة إلى شاهد آخر.
وخزيمة خاص حقيقي. وبهذا انتقض دعوى عدم التخصيص إلا بالعام.
هذا، وأن الحنفية ومن معهم قد ساقوا دليلاً، وسيق لهم ثلاثة أجيب عنها كلها والذي يظهر لي - والله أعلم - أن تلك الإجابات قد أقعدت تلك الأدلة عن أن تنهض حججًا تثبت ما سيقت له. والذي يظهر لي - والله أعلم - أن الراجح هو التخصيص بالخاص المتقدم على العام.
الحالة الرابعة: عدم معرفة التاريخ بين الخاص والعام(34/138)
يتحقق ذلك بأن لا يعلم تقدم أحدهما على الآخر. وقد مثلوا لها بحديث: "فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثرياً العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر" (1) . وحديث: "ليس فيما أقل من خمسة أوسق صدقة" (2) .
فالحديث الأول عام إذ أنه يتناول ما بلغ خمسة أوسق وما لم يبلغها، ويقتضي ظاهره وجوب الزكاة في الجميع. والحديث الثاني خاص إذ أنه لا يتناول إلا ما لم يبلغ خمسة أوسق، ويقتضي ظاهره عدم وجوب الزكاة فيه. فاختلف حكم الحديثين فيما دون خمسة أوسق، حيث اقتضى الأول وجوب الزكاة فيه والثاني عدمه. وقد اختلف العلماء في حكم هذه الحالة: فذهب الجمهور إلى تخصيص العام بالخاص. وذهب الحنفية إلى التوقف بقدر الخاص إلى ظهور دليل يرجح أحدهما على الآخر ويؤخر المحرم.
الأدلة:
استدل الجمهور على التخصيص في هذه الحالة بالدليل الآتي: إذا ورد خبران وجهل التاريخ بينهما، وجب حملهما على أنهما وردا معاً. كما إذا جهل الاقتران في الغريقين، حيث يحمل أمرهما على أنهما غرقا معاً ولا يقدم أحدهما على الآخر.
وقد أجيب عن هذا الدليل:
بأن اعتبار الغريقين أنهما غرقا معاً ليس متفقاً عليه حتى يقاس عليهما الخبران اللذان جهل تأريخهما. لأن من الصحابة - رضي الله عنهم - من جعل كل واحد منهما كأنه لم يوجد أبدا فقضى بعدم التوارث بينهما وما ذلك إلا لاشتباه حالهما.
فإذا كان الخبران مجهولا التأريخ يقاسان على الغريقين اللذين لم يعرف اقتران غرقهما من جهة اعتبارهما غرقا معًا نظراً إلِى أن بعض الصحابة رضي الله عنهم ورثا كلا منهما من الآخر فإن الخبرين يقاسان أيضًا على الغريقين من جهة اشتباه حالهما والتوقف في أمرهما نظراً إلى أن بعض الصحابة رضي الله عنهم لم يورث أحدهما من الآخر.
فيتوقف في أمر الخبرين أيضاً ولا يبنى أحدهما على الآخر، بل يصار إلى أمر آخر للترجيح، لأن القياس الأول ليس بأولى من الثاني.
دليل الحنفية ومن معهم:(34/139)
استدل الحنفية على التوقف وتأخير المحرم في هذه الحالة بما يلي: إن الخاص عند الجهل بالتأريخِ يحتمل أن يكون متقدما على العام، وحينئذ يترجح عليه العام فيكون منسوخاً بالعام مرجوحا.
ويحتمل أن يكون متأخراً عن العام، وحينئذ يترجح على العام فيخصصه ويكون راجحاً وهذان الاحتمالان متعارضان، فتعارضهما يوجب التوقف ويؤخر المحرم احتياطًا، لأنه لا بأس بترك المباح الذي يترتب على تقديم المبيح وتأخير المحرم، ولكن البأس في فعل الحرام الذي يترتب على تقديم المحرم وتأخير المبيح.
الموازنة والترجيح
إن قياس الخبرين مجهولي التأريخ على الغريقين في الاقتران للوصول إلى التخصيص قد أجيب عنه. وفي نظري قدحت الإجابة في الدليل وحالت دون نهوضه حجة لأن الدليل ركز على توريث الصحابة رضي الله عنهم في مثلهما، أحدهما عن الآخر، وقد جاءت الإجابة بما يمكن أن يكون قياساً معارضاً لذلك الذي أتى به الدليل وهو عدم توريث بعض الصحابة لمثل الغريقين أحدهما عن الآخر فتعادل القياسان من جهتين:
الأولى: أن كلاً منهما اعتمد على عمل بعض الصحابة فتساويا من هذه الجهة.
الثانية: أن كلا العملين لبعض الصحابة ثبت بدرجة متساوية للآخر حيث كان إسناد كل واحد منهما صحيحاً حسبما بينه المحدثون.
وهذا التعادل يجعل الأخذ بقياس الخبرين على أحدهما دون الآخر ترجيحاً بلا مرجح فلا يجوز المصير إليه إلا بمرجح خارجي، ولم يثبته المستدلون.
والذي يظهر لي أن الخبرين لا يشبهان الغريقين إلا في الجهل بالتأريخ وأقصى ما يؤدي إليه هذا الشبه هو الحكم بالاقتران والاقتران ليس العنصر الوحيد الموصل إلى التخصيص بل إذا اعتبر عنصراً فإنه لابد أن تتحقق النسبة وهي الخصوص والعموم مطلقًا.
أو من وجه، وأعتقد أن هذه النسبة لم تتحقق في الغريقين، لأنهما شخصان متساويان في العموم والخصوص، فهما بمثابة عامين أو خاصين.(34/140)
ومن هنا جاء توريث كل منهما من الآخر، وهذا بمثابة إعمال كل من الخبرين في كل الآخر، بينما التخصيص إعمال الخاص في بعض أفراد العام، وإعمال العام في غير أفراد الخاص. إلا أن يقال إن الغرض ثبوت الإعمال، أما كيفيته فبحسب نسبة الخبرين بعضهما من بعض.
يبقى بعد ذلك النظر فيما تمسك به الحنفية من تعارض الاحتمالين، وأدائه إلى التوقف. وتجاه هذا الدليل وجواباً عنه ينبغي أن يقرر أن التوقف ليس من السهولة بحيث يصار إليه لأدنى تردد بين أمرين يتصور التساوي في النسبة إليهما.
وتكمن خطورة التوقف في أن فيه تعطيلاً للنصوص الواردة لتطبيقها والعمل بها بإعمالها. ولهذا لا يصار إليه إلا عند التعذر التام بالنسبة للعمل بها، وعند انتفاء إمكان الجمع بينها، وهذا وذاك لم يتأتيا بالنسبة للخبرين الخاص والعام مجهولي التاريخ. إذ يمكن إعمالهما والجمع بينهما على النحو الذي مر غير مرة من إعمال الخاص في أفراده والعام في غير أفراد الخاص من أفراده والجمع بينهما بجعل الخاص مبينا للمراد منه.
ولما تقدم فإن الذي يظهر لي - والله أعلم - أن الراجح هو التخصيص في هذه الحالة. حالة الجهل بالتاريخ بين الخاص والعام.
خاتمة المطاف
فيما عدا الحالة الأولى التي اتفق على التخصيص فيها وحالة الجهل بالتاريخ كان الخلاف يدور حول الأخذ بأحد الأمرين - النسخ والتخصيص. وقد تركز ترجيح أحدهما على النقاط التالية:
الأولى: قوة دلالة العام.
الثانية: فرض حالات لا تصلح إلا لأحدهما.
الثالثة: كثرة الورود.
الرابعة: إعمال الأدلة.(34/141)
بالنسبة للنقطة الأولى: اتخذ المرجحون للنسخ قوة دلالة العام مؤهلة له للنسخ في الحالات التي يمكن أن يكون فيها ناسخاً. وأوصلوا هذه القوة إلى درجة قوة الخاص الحقيقي، فقالوا: إن اللفظ العام في تناوله لأفراده بمثابة ألفاظ خاصة، كل لفظ منها يتناول واحدا فقط من تلك الأفراد فهو يجري مجرى هذه الألفاظ. فمثلاً قوله: "اقتلوا المشركين"يجري مجرى: "اقتلوا زيدا المشرك، اقتلوا عمروا المشرك، اقتلوا خلفا المشرك "إلى أن يأتي على أفراد العام واحدا بعد واحد حتى ينتهي، فقوله: "اقتلوا المشركين"إجمال لهذا المفصل. ولو قال هذا المفصل بعد ما قال: "لا تقتلوا زيدًا"لكان الثاني نسخاً للأول، فكذا ما هو بمثابة هذا المفصل. فيكون "اقتلوا المشركين"نسخاً لـ "لا تقتلوا زيداً المشرك ".
ولكن المرجحين للتخصيص وإن سلموا لهم أن هذا الإجمال بمثابة ذلك المفصل، غير أنهم حددوا ما هو بمثابته فيه بما لا يسد باب التخصيص في الإجمال فبينوا: أن كون اللفظ بمثابة ألفاظ خاصة إنما هو في تناوله لما تتناوله هذه الألفاظ فقط، وأما في امتناع دخول التخصيص على هذه الألفاظ الخاصة، فإن العام لا يجري مجراها.
ففي المثال المذكور لو ذكر بدل "المشركين "في "اقتلوا المشركين "خصوصية زيد وعمرو وخلف، يصار إلى النسخ نظراً لعدم إمكان التخصيص، لأن التخصيص إخراج البعض، وذلك إنما يتصور فيما يندرج تحته أشياء ويكون ذا بعض، وزيد لا يتصور فيه ذلك، لأن اللفظ الخاص لشيء واحد لم يدخل تحته أشياء حتى يخرج منه بعضها، بخلاف ما لو كان المذكور لفظ "المشركين "حيث يمكن تخصيصه لأن اللفظ تناول أشياء يمكن إخراج بعضها ويراد به بعضها.(34/142)
وإذا أمكن التخصيص صير إليه، ولا يصار إلى النسخ لكون التخصيص أولى منه1. هذا، ومما لا شك فيه أن إلقاء نظرة فاقهة في بيان الجانحين إلى التخصيص لهذه المثابتية تفصح عن وجاهته وكونه أدعى إلى القبول لأن المثابتية تبقي شيئاً من المغايرة بين الأمرين اللذين جعل أحدهما بمثابة الآخر، ولا تنفى هذه المغايرة لأن نفيها يجعل أحدهما هو الآخر وهذا ما يعارضه مقتضى كلمة "المثابة".
ومما يدل على أن هذا الإجمال لا يماثل المفصل في كل حكمه أن المائلين إلى النسخ أنفسهم لا يجعلون الإجمال مثل المفصل عند المقارنة في الورود حيث يمنعون ورود المفصل مع الخاص عند اختلاف حكمهما، بينما يجيزون ذلك في المجمل، لأنهم يجعلون الأول مفضياً إلى التناقض الذي ينزه عنه نصوص الشارع، ويجعلون الثاني تخصيصا يؤخذ به فيها.
فدلالة العام قوية بلا شك، ولكن كون دلالة الخاص على أفراده أقوى من دلالة العام عليها مما جنح إليه الأكثرون إن لم يكن الجميع.
وبالنسبة للنقطة الثانية: فرض الناسخون حالات لا يصلح فيها إلا النسخ، وطرءان التخصيص فيها يفضي إلى اللغو من الكلام، ذلك اللغو المحذور في نصوص الشريعة، لأنها منزهة عنه بل يصان منه حتى كلام العقلاء.(34/143)
من هذه الحالات قالوا: إذا قيل في شهر "لا تكرم الجهال"ثم قيل في شهر آخر: "أكرم الناس"ثم قيل في شهر ثالث: "لا تكرم العلماء"فقد اتفق على أن قوله "أكرِم الناس"لا يعد لغوا، وعدم اعتباره لغواً إنما يتأتى بناء على عدد القول بالتخصيص مطلقا، لأنه لو قيل بالتخصيص مطلقاً سواء كان الخاص متقدما على العام أو متأخراً عنه لزم لغوه، لأن كلاًّ من (لا تكرم الجهال) و (لا تكرم العلماء) يجعل مخصصاً ومبينا أن المراد من (أكرم الناس) حين وروده كان غير الجهال والعلماء، وحينئذ لا يبقى شيء من الناس لأن الناس ينقسم إلى قسمين الجهال والعلماء، فإذا خص منه الجهال بـ (لا تكرم الجهال) يبقى العلماء فقط، وإذا خص العلماء منه أيضاً بـ (لا تكرم العلماء) لا يبقى منه شيء فيكون لغوًا وقد اتفق على عدم كونه لغواً.
فلو كان الخاص مخصصاً للعام مطلقاً، لزم لغو ما اتفق على عدم لغوه.
ولكن المخصصين لم يعتبروا هذه الحالة من الحالات التي يتردد الأمر فيها بين النسخ
والتخصيص حتى يكون تحتم النسخ فيها مرجحاً للنسخ على التخصيص فقالوا: إن التخصيص إنما يقال به عند تعارض العام والخاص.
أما إذا تعارض الخاص مع الخاص فإن الثاني ينسخ الأول. وما ذكروه من المثال من قبيل الثاني دون الأول. لأن الناس إذا خص منه الجهال يبقى العلماء فقط وهم المأمور بإكرامهم. فإذا قيل: لا تكرم العلماء يكون نهياً عن إكرامهم. والنهي عن إكرام من أمر بإكرامهم يكون نسخاً لا تخصيصاً، لأن الأمر بالإكرام والنهي عنه وردا على شيء واحد، وهو العلماء.
والممعن للنظر في هذه الحالة المفروضة يدرك أنها في غير محل البحث إذ البحث يجري فيما يمكن فيه التخصيص والنسخ، لا الحالة المتعينة لأحدهما ففي فرضها غض للنظر عما يجري فيه الخلاف فلا تصلح مثبتة للدعوى ولا ملزمة للمخالفين، لأنها مما اتفق الطرفان على تعينه للنسخ، فلا تصلح مرجحة للنسخ عندما يكون التخصيص ممكناً.(34/144)
وبالنسبة للنقطة الثالثة: ركز المخصصون على كثرة التخصيص وجعلوها مرجحة للتخصيص عند تردد الأمر بينه وبين النسخ واحتماله لهما.
وقالوا: التخصيص أولى من النسخ، لأنه من جهة الوقوع أغلب من النسخ والحمل على الأغلب وقوعاً أولى.
ولم يقف الأمر عند بعضهم في حدِّ اعتقاد كثرة التخصيص وأغلبيته، بل جاوزوا هذا الحد وقالوا: "ما من عام إلا وخص"وحتى هذا القول قد خص بقوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1) . ولكن الناسخين رفضوا هذه الكثرة ولم يسلموا بتلك الأغلبية، بل إنهم قالوا: "إن التخصيص أقل القليل "وعللوا أقليته بكونه لا يتم إلا بكلام مستقل مقارن وهذا قل أن يحدث ويوجد.
وبتفحيص النظر وتدقيق الفكر فيما ذهب إليه الطرفان وما قالاه، نجد أن كلا القولين جاوز حد الاعتدال وتخطى رقاب ما هو واقع، ومن هنا جاء رفض استقراء النصوص الشرعية للقولين معاً. فإذا سلم بكثرة التخصيص فإنه لا يقرّ القول بأنه (ما من عام إلا وخص) فلم تصل الكثرة إلى هذا الحد الذي ذهب إليه المخصصون.
والمتتبع لنصوص الشريعة يجد كثرة كاثرة من عموماتها غير مخصوصة فالقارئ لكتاب الله الكريم يفتتح فاتحته بعمومات لم تخص: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) فالله سبحانه وتعالى رب كل العالمين وجميعهم بحيث لا يخرج من ذلك شيء فهو عام لم يدخله التخصيص نهائيا. وكذلك: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (3) فكل ما في يوم الدين يملكه الله تعالى بأجمعه لا يخرج منه شيء فهو عام لم يدخله التخصيص.
وهكذا من تتبع يجد الكثير والكثير مما يدحض دعوى (ما من عام إلا وخص) وكما لا يقر القول بندرة ما لم يخص، كذلك لا يقر القول بندرة ما خصص فالقول بأنه (أقل القليل) يرفضه استقراء النصوص الشرعية أيضاً ولعل فيما ذكر فيما سبق من البحث غنية عن ضرب الأمثال الذي يطيل بنا المقال.(34/145)
فالذي يظهر لي - والله أعلم - أن كثرة التخصيص لا تصلح نقطة يرتكز عليها ترجيح التخصيص، لأنها ما وصلت إلى حد ما ادعاه المخصصون، ولا ينبغي أن يغفل جانبها، ويغض النظر عنها لأنها ما انتفت إلى حد ما ادعاه الناسخون، فهي حقيقة قائمة يمكن أن تتعاضد بغيرها فترجح.
وبالنسبة للنقطة الرابعة: ركز المخصصون والناسخون على إعمال الأدلة تركيزاً مكثفاً لأنه نقطة تمس جوهر ما سيق له الأدلة، والقصد الذي من أجله وردت فرأى كل فريق أنه سبيل للوصول إلى بغيته وتحقيق غايته من ترجيح التخصيص أو النسخ عند اختلاف حكم الخاص والعام.
ذهب المخصصون إلى أن التخصيص هو الذي فيه إعمال الدليلين الخاص والعام، الخاص في جميع أفراده، والعام في بعض أفراده، وهو غير ما تناوله الخاص، وإعمال الدليلين ولو من وجه أولى من إعمال أحدهما وإلغاء الآخر. فيكون أولى من النسخ عند تردد الأمر بينهما.
وذهب الناسخون إلى أن النسخ هو الذي فيه إعمال الدليلين الخاص والعام حيث استعمل كل منهما في تمام مدلوله في زمن، فهما استعملا في مدلولهما في زمانين، لأنه في الزمن الذي سبق نزول الناسخ استعمل المنسوخ في تمام مدلوله. فيكونان قد استعملا في تمام مدلولهما في زمانين، فيكون أولى من التخصيص.
والذي يظهر لي - والله أعلم - أن التخصيص هو الذي يتحقق فيه إعمال الدليلين الخاص والعام على النحو الذي ذكره المخصصون. لأن ما تصوره الناسخون في النسخ إعمالا للدليلين ليس في الحقيقة إعمالاً لهما، لأن إعمالهما إنما يتأتى فيما لو أعملا معًا في وقت واحد. لأن هذا هو المتبادر من إطلاق إعمال الدليلين في موقف كهذا.(34/146)
وما قيل في النسخ من الإعمال ليس كذلك. لأنه في الوقت الذي يعمل فيه المنسوخ وهو وقت ما قبل ظهور الناسخ، يكون العمل لدليل واحد وهو المنسوخ. أما الناسخ فلا عمل له وفي هذا الوقت نهائياً ثم لمَّا يظهر الناسخ يبدأ هو بالعمل. ففي هذا الوقت وهو وقت ما بعد ظهور الناسخ يكون العمل للناسخ فقط أما المنسوخ فلا عمل له نهائياً. فتبين من هذا أن كلا من الناسخ والمنسوخ عمل في وقت معين على انفراد ولم يجمع وقت واحد بينهما في العمل.
فدعوى إعمال الدليلين في النسخ غير مسلَّمة، لأنه في الوقت الذي يعمل فيه المنسوخ يكون الناسخ غير موجود وبالطبع لا عمل له، وفي الوقت الذي يعمل فيه الناسخ يلغى المنسوخ عن العمل نهائيًا.
أما في التخصيص، ففيه إعمال الدليلين في وقت واحد، الخاص في جميع مدلوله، والعام في بعض مدلوله. وإعمال الدليلين ولو من وجه أولى من إعمال أحدهما من جميع الوجوه وإلغاء الآخر كذلك.
وهذه النقطة في نظري ينبغي أن يركز عليها في ترجيح أحد الأمرين النسخ والتخصيص عند احتمال الأمر لهما. وأهميتها تنبعث من انصبابها على الحفاظ على النصوص الشرعية وتحقيقها للهدف المقصود من ورودها.
وهنا نختم مطافنا بالقول بأن الذي ظهر رجحانه، هو القول بالتخصيص في جميع حالات اختلاف حكم العام والخاص. والله أعلم.
المطلب الثاني: التقييد
وفيه فروع:
الفرع الأول: تعريفه:(34/147)
التقييد على وزن التفعيل، مصدر قيد يقيد. وهو في اللغة: جعل القيد وهو الحبل ونحوه في رِجل دابة وغيرها فيمسكها وفي اصطلاح الأصوليين: "اتباع الخاص بلفظ يقلل شيوعه" ويقصد بالخاص هنا المطلق على اعتبار أنه من أنواع الخصوص، والمقصود باللفظ هو القيد، والمقصود بتقليل شيوعه تقليل انتشاره بين أفراد جنسه. مثل: زيادة صفة الإيمان على حقيقة الرقبة فيقال: {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} فهذه الزيادة تعتبر تقييداً لأنها اتباع للخاص الذي هو الرقبة بلفظ وهو المؤمنة وهذا اللفظ قلل شيوع الرقبة، وحد انتشارها بين الأفراد التي هي الرقاب المشتركة معها في جنسها وهو كونها رقبة. وهذه الزيادة تجعل المطلق مقيداً. وبما أن تصور الكل يتوقف على تصور أجزائه المكونة له، وحيث إن التعريف قد اشتمل على أجزاء وعناصر منها المطلق والمقيد، فإنه ينير تصور التقييد كلاً، التطرق إلى ما يتيح تصور كل من المطلق، والمقيد الركيزتين المهمتين من ركائز التقييد وهو تعريفهما. ففيه نسوق الكلام الآتي:
تعريف المطلق لغة:
المطلق: اسم مفعول مأخوذ من الإطلاق وهو التخلية والإرسال. فالمطلق لغة: المرسل. يقال: أطلقت الأسير إذا خليته.
تعريف المطلق اصطلاحاً:
لعلماء الأصول في تعريف المطلق اتجاهان، حولهما دارت التعاريف المتعددة التي ذكرها العلماء له.
الاتجاه الأول: النظر إلى المطلق من حيث الدلالة على الماهية التي تعد من المفهومات المعتبرة من الأمور العقلية.(34/148)
الاتجاه الثاني: النظر إليه من حيث الدلالة على الأفراد الموجودة في الخارج. فأصحاب الاتجاه الأول عرّفوا المطلق بأنه: (الدال على الماهية بلا قيد) ومعنى هذا التعريف أن المطلق هو اللفظ الذي يدل على الحقيقة والماهية من حيث هي بلا اعتبار قيد من وحدة أو وصف أو شرط أو زمان أو مكان أو غيرها. مثل: رجل. فإنه لفظ يدل على حقيقة وماهية هي: الإنسان الذكر. ولم يعتبر في اللفظ قيد من القيود التي تقلل من شيوعه وانتشاره حيث لم يوصف الرجل بوصف ما، كما لم يشترط فيه أن يكون في زمان لا أو مكان ما أو غير ذلك من القيود.
ومما ينبغي ملاحظته أن المهم هو عدم اعتبار القيد في لفظ المطلق سواء وجد في الواقع ونفس الأمر ولكنه لم يعتبر في اللفظ أو لم يوجد. فعدم الاعتبار هو الذي يضفي على اللفظ صفة كونه مطلقاً، أما وجوده في نفس الأمر فليس بذي بال ولا ينفي كونه مطلقاً مادام لم يعتبر. ذلك أن الماهية إنما توجد بوجود جزئياتها، والجزئي عندما يوجد تصاحبه القيود، فمثلا عندما يوجد رجل لابد أن يكون في زمان ما ومكان ما ومتصفاً بصفة ما، فإذًا القيد وجد رغم كون اللفظ مطلقًا، ولكن هذه القيود أو واحداً منها مادام لم يعتبر في اللفظ فلا ضير حينئذ على كونه مطلقاً. فالماهية مأخوذة لا بشرط شيء، وبهذا الاعتبار تسمى مطلقاً.(34/149)
وأصحاب الاتجاه الثاني عرّفوه بأنه: هو المتناول لواحد لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه. ومعنى هذا التعريف: أن المطلق هو اللفظ الذي يشمل فرداً واحداً غير معين بمعنى أن ذلك الفرد المتناول بالمطلق فرد منتشر شائع في جنسه، وشيوع المدلول في جنسه يعني كونه حصة محتملة لحصص كثيرة على سبيل البدل بمعنى أنها يمكن أن تصدق على كلِ حصة من تلك الحصصِ من غير أن تستغرقها وبلا تعيين. فمثلاً (رجل) لفظ يتناول شخصًا واحداً فليكن زيداً مثلاً، ولكن تناوله له ليس معناه أن ذلك الواحد تعين أن يكون مدلولا له، ولا يحتمل أن يصدق على غيره بل هو فرد منتشر في جنس الرجل، وحصة واحدة شائعة محتملة لحصص كثيرة كعمرو وبكر وسعيد وغيرهم ممن يشملهم جنس الرجل، فرجل يمكن أن يصدق على عمرو بدل زيد، وعلى بكر بدلهما، وعلى سعيد بدلهم، ولكنه عندما تصدق عليهم لا يستغرقهم ولا يشملهم دفعة واحدة، ولا يعين واحداً منهم بالتناول بل يتناول واحدا منهم فقط. فتناوله لهم بدلي وليس استغراقيا ولا تعيينيا، وذلك باعتبار حقيقة وهي: الإنسان الذكر شاملة لجنس الرجل.
وبهذا يخرج من التعريف العام لوجود الاستغراق فيه وكذلك خرج جميع المعارف لوجود التعيين فيه.
وقد ذكر بعض العلماء أن تعريف أصحاب الاتجاه الثاني أقرب إلى أسلوب الأصوليين، لأنه يجعل مدلول المطلق هو الأفراد، أما تعريف أصحاب الاتجاه الأول فإنه يجعل مدلوله الماهية من حيث هي.
ووجه الأقربية أن كلام الأصوليين في قواعد استنباط أحكام أفعال المكلفين والتكليف متعلق بالأفراد لا بالمفهومات الكلية التي هي أمور عقلية، والتي تعتبر الماهية من حيث هي هي منها وإجراء الأحكام على المطلق يكون في ضمن الأفراد لا في ضمن الماهية لأن المقصود وجود ما تعلق به التكليف والحكم، والوجود يتأتى للجزئيات والأفراد أما الماهية من حيث هي هي فلا وجود لها في الخارج.(34/150)
وقد قال الفريق الأول: إن الماهية وإن كانت لا توجد في الخارج من حيث تجردها إلا أنها توجد ضمن أفرادها وجزئياتها. فهي موجودة في الخارج بوجود جزئياتها لأنها جزء لجزئيه، وجزئيه موجود فتكون موجودة بوجوده؛ لأن جزء الموجود موجود، فمثلاً ماهية الرجل وهي الإنسان الذكر وإن لم تكن موجودة في الخارج مجردة، إلا أنها موجودة ضمن زيد مثلاً، فزيد وهو جزئي للرجل موجود في الخارج وهو مكون من جزئين الأول الإِنسان الذكر والثاني المتشخص، فالجزء الأول وهو الماهية يكون موجوداً بوجود زيد المكون منه ومن الجزء الآخر، لأن هذا المركب إنما يتأتى وجوده بوجود جزئيه، إذ وجود المركب بوجود أجزائه.
وهذا القدر كافٍ في تحصيل الماهية ووجودها وتعلق التكليف والحكم بها.
وقد أجاب الفريق الثاني بأن الماهية لما توقف وجودها على وجود جزئي وفرد من أفرادها كان ذلك الجزئي مطلوباً بالمطلق من حيث إن الماهية يتوقف وجودها عليه، فآل الأمر إلى أن المطلوب بالمطلق جزئي من جزئيات الماهية لا الماهية نفسها.
كما أن موافقة التعريف الثاني لكلام أهل العربية تجعله أقرب إلى القبول منضما إلى ذلك وضوحه في بيان المراد منه، والوضوح من أهم مميزات التعريف.
تعريف المقيد:
لماّ وجد بالنسبة لتعريف المطلق اتجاهان أصبح من الطبيعي أن يوجد هذان الاتجاهان في تعريف المقيد أيضاً، نظراً إلى أن المقيد هو ما يقابل المطلق ولذا عرّفه الفريق الأول بأن المقيد هو: "اللفظ الدال على الماهية الموصوفة بأمر زائد عليها"مثل (رجل كريم) فإنه يدل على الماهية وهي الإنسان الذكر الموصوفة بأمر وهو الكرم زائد على الماهية لأنها لا تتضمنه.
وعرّفه الفريق الثاني بأنه: "اللفظ المتناول لمعين أو غير معين موصوف بأمر زائد على الحقيقة الشاملة لجنسه " مثل: (رجل كريم) فإنه يدل على فرد غير معين موصوف بأمر وهو الكرم زائد على الحقيقة التي هي: الإنسان الذكر إذ هذه الحقيقة لا تتضمنه.
الفرع الثاني(34/151)
حكم المطلق والمقيد
أ - حكم المطلق:
الأصل أن المطلق على إطلاقه ما لم يوجد دليل يقيده، فانطلاقاً من هذا الأصل إن اللفظ إذا ورد مطلقاً في نص من النصوصِ ولم يرد مقيداً في أي نص آخر فإن الحكم أنه يعمل به على إطلاقه مثل لفظ {أَزْوَاجاً} الوارد في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرا} (1) . فقد ورد هذا اللفظ في هذه الآية الكريمة مطلقاً غير مقيد بكونهن مدخولا بهن أو غير مدخول بهن. ولم يرد هذا اللفظ في نص آخر مقيداً بوصف الدخول أو عدمه، ولذا كان الحكم أن تعتد الزوجة المتوفى عنها الزوج هذه المدة المقدرة في الآية الكريمة لعدة الوفاة سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها.
ب - حكم المقيد:
الأصل أن المقيد على تقييده ما لم يوجد دليل على إطلاقه فاللفظ إذا ورد في نص مقيدا بقيد فإنه يعمل به مع قيده ما لم يقم دليل على إطلاقه بأن لم يرد في أي نص آخر مطلقا عن هذا القيد، مثل لفظ {شَهْرَيْنِ} الوارد في قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (2) .
فقد ورد هذا اللفظ في هذه الآية الكريمة مقيدا بمتتابعين، ولم يرد في نص آخر مطلقا عن هذا القيد ولذا كان الحكم في كفارة الظهار بالنسبة لمن وجب في حقه الصوم فيها أن يصوم شهرين متتابعين، ولا يخرج عن العهدة بصومهما متفرقين، عملا بالقيد الذي هو وصف التتابع الذي قيد به صيام شهرين.
حمل المطلق على المقيد
معنى الحمل:
هو أن يكون المقيد بيانا للمطلق، فيراد بالمطلق الذي ورد في نص المقيد الذي ورد في نص آخر، فيقلل من شيوع وانتشار المطلق.(34/152)
فمثلا ورد لغة (رقبة) في نص مطلقا، وفي نص آخر مقيداً بالإِيمان (رقبة مؤمنة) فإذا حملنا المطلق على المقيد يكون المقيد بيانا للمطلق بمعنى أن المقيد وهو الرقبة الذي ورد في نص بين أن المراد من المطلق وهو (رقبة) الوارد في النص الآخر رقبة مؤمنة أيضا وورود لفظ مطلقا في نص ومقيدا في نص آخر يحتمل حالات عدة، اتفق العلماء على حمل المطلق على المقيد في بعض منها، كما اتفقوا على عدم الحمل في بعض آخر، واختلفوا في الحمل وعدمه في حالات أخرى.
الحالة الأولى: اتحاد الحكم والسبب:
مثاله قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (1) . وقوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِير} (2) .
فقد ورد لفظ الدّم مطلقا في الآية الكريمة الأولى وورد مقيدا بكونه مسفوحا في الآية الكريمة الثانية والحكم فيهما واحد وهو التحريم كما أن السبب وهو ما في الدم من الإيذاء والمضرة واحد فيهما أيضا. ففي مثل هذه الحالة اتفق العلماء على حمل المطلق على المقيد، ولذا اتفقوا على أن الدم المحرم بموجب الآيتين إنما هو الدم المسفوح.(34/153)
وقد استدل العلماء لحمل المطلق على المقيّد في هذه الحالة (حالة اتحاد الحكم والسبب) بأن هذا الحمل فيه جمع بين الدليلين المطلق والمقيد؛ لأن العمل بالمقيد يلزم منه العمل بالمطلق، ذلك أن المطلق جزء من المقيد، إذ المقيد مركب من جزئين المطلق جزئه الأول، والمقيد جزئه الثاني، فمثلا ٍ {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَة} مقيد قيدت الرقبة بوصف وهو الإيمان وهذا المقيد مكون من جزئين أحدهما رقبه والثاني مؤمنة فلفظ {رَقَبَةٍ} وحده مطلق وهو هنا جزء من المقيد الذي هو الكل، وإذا كان المطلق جزءًا من المقيد والمقيد كلا، فإنه حينئذ يكون الإتيان بالمقيد مستلزما للإتيان بالمطلق؛ لأن الآتي بالكل آت بجزئه، فإذا كان المكلف قد كلف بعتق رقبة مطلقة في نص وكلف بعتقه رقبة مؤمنة في نص آخر، فأعتق رقبة مؤمنة يكون آتيا بموجب النصين، وعاملا بالدليلين لأن المطلق يفيد جواز الإتيان بأي رقبة سواء كانت مؤمنة أو غير مؤمنة.
فإذًا الرقبة المؤمنة وهي المطلوبة في النص المقيد فرد من أفراد المطلق سيكون معتقها منفذا للأمرين معا.
وأما إذا لم يحمل المطلق على المقيد في هذه الحالة (حالة اتحاد الحكم والسبب) فإن عدم الحمل يكون إعمالا لأحد الدليلين وهو المطلق وإهمالا للآخر وهو المقيد؛ لأن العمل بالمطلق لا يلزم منه العمل بالمقيد لأن المطلق كما ذكرنا يفيد جواز الإتيان بأي فرد ففيما ذكرنا إذا أعتق المكلف رقبة غير مؤمنة فقد عمل بالمطلق فقط وأهمل المقيد. وإهمال الدليل لا يجوز فيجب المصير إلى إعمال الدليلين وذلك بحمل المطلق على المقيد.(34/154)
ولأن في العمل بالقيد الذي يتحقق بحمل المطلق عليه خروجا عن العهدة بيقين سواء كان المطلوب الإتيان بالمطلوب أو المقيد، لأنه إن كان المطلوب المطلق لكان المقيد مجزئا لكونه فرداً من أفراد المطلق الذي يتحقق في ضمنه، وإن كان المطلوب المقيد يكون المقيد مجزئا أيضا لأنه المطلوب نفسه، وأمَّا العمل بالمطلق الذي يتأتى من عدم حمل المطلق على المقيد فإنه يحتمل عدم الخروج من العهدة، لأن المطلق كما ذكرنا يتحقق بأي فرد كَان سواء كان الفرد المقيد أو غيره، فربما يأتي المكلف بذلك الغير ويكون المطلوب الفرد المقيد فلا يخرج عن العهدة.
ولأنه لو لم يحمل المطلق على المقيد يلزم أن يكون السبب الواحد موجبا للمتنافيين وهو الإطلاق. والتقييد في وقت واحد والسبب الواحد لا يوجبهما كذلك.
وقد ذكرنا أن العلماء اتفقوا على حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة والأمر كذلك فيما إذا تقدم المقيد على المطلق فإن بعض العلماء ينقلون عن بعض العلماء أنهم خالفوا في حمل المطلق على المقيد وأنهم ذهبوا إلى حمل المقيد على المطلق وبينوا المقصود من حمل المقيد على المطلق بأن يراد من المقيد ما أريد بالمطلق ويلغى القيد، فبدل أن يكون المقيد بيانا للمطلق أيضا كما هو مذهب جمهور العلماء يكون المطلق هو البيان للمقيد ولا يعتبر القيد في المقيد أيضا.
واستدلوا على ذلك بأن المقيد جزئي للمطلق وفرد من أفراده، فذكر المقيد ذكر لجزئي من المطلق، فلا يقيده، كما أن ذكر فرد من أفراد العام لا يخصصه، والتقييد مثل التخصيص بجامع أن كلا منهما نقص للشيوع وقطع للحكم عن بعض الأفراد، فما لا يصلح أن يكون مخصصا لا يصلح أن يكون مقيدا أيضا.(34/155)
وقد أجابوا عن هذا الدليل بأن قياس التقييد على التخصيص قياس مع الفارق وجه الفرق أن المذكور في المقيد قيد ومفهوم القيد حجة عند القائلين بمفهوم المخالفة لأن القيد صفة، ومفهوها حجة عند الجمهور، أما الفرد من أفراد العام فهو لقب غالبا ومفهوم اللقب ليس بحجة، فلا يقاس ما هو حجة على ما ليس بحجة، فلا يلزم من عدم التخصيص بذكر فرد من أفراد العام عدم التقييد بالمقيد.
ومع نقل هذا الخلاف فإن المحققين من العلماء على أنه لا خلاف يعتد به في حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة.
الحالة الثانية: اختلاف الحكم والسبب:
مثاله قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (1) وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (2) .
فقد ورد لفظ الأيدي مطلقا في الآية الأولى. ورد مقيدا بكونها إلى المرافق في الثانية والحكم فيهما مختلف إذ هو في الآية الأولى وجوب القطع، وفي الثانية وجوب الغسل، كما أن السبب مختلف فيهما أيضا إذ هو في الأولى السرقة وفي الثانية القيام إلى الصلاة.
ففي مثل هذه الحالة اتفق العلماء على أنه لا يحمل المطلق على المقيد، بل يبقى المطلق على إطلاقه ويعمل به كذلك، والمقيد على تقيده، ويعمل به كذلك أيضا.
وقد استدل العلماء لعدم حمل المطلق على المقيد في مثل هذه الحالة بأنه لا منافاة بين المطلق والمقيد حتى يحمل أحدهما على الآخر، فلو حمل يكون حملا بلا دليل موجب وذلك لا يجوز لمخالفة ذلك لما هو الأصل فيهما من بقاء المطلق على إطلاقه ما لم يقيده دليل، وبقاء المقيد على تقيده ما لم يطلقه دليل.
واستثنى العلماء من حكم هذه الحالة صورة يحمل فيها المطلق على المقيد رغم اختلاف حكمهما. وهذه الصورة تتمثل في أن يتوقف أحد الحكمين على الآخر ويتلازم المطلق والمقيد.(34/156)
وقد مثلوا له بـ (اعتق رقبة) و (لا تملك رقبة كافرة) فالرقبة مطلقة في الكلام الأول مقيدة في الثاني، والحكم فيهما مختلف فهو في الأول الإعتاق وفي الثاني عدم الملك، والسبب أيضا مختلف إذ هو في الأول قد يكون الظهار مثلا، وفي الثاني سبب آخر.
ورغم اختلاف الحكم والسبب فيهما، فإن المطلق يحمل على المقيد في هذه الصورة، فيقيد المطلق بنفي الكفر، ويكون المأمور بعتقها رقبة مؤمنة، لتوقف أحد الحكمين وهو الإِعتاق على الآخر وهو الملك، إذ الملك لازم للإعتاق والملزوم لا يوجد بدون لازمه، فلا يوجد الإعتاق بدون الملك، وقد نهى عن ملك الرقبة الكافرة فيكون عتقها منهيا عنه أيضا بمقتضى هذا الكلام، فيكون الأمر بالعتق إذًا أمرا بعتق الرقبة المؤمنة.
الحالة الثالثة: اختلاف الحكم واتحاد السبب:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} وقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (1) .
فقد ورد لفظ الأيدي مقيدا في الآية الأولى بكونها إلى المرافق، وورد في الآية الثانية مطلقا عن هذا القيد والحكم فيهما مختلف، إذ هو في الآية الأولى وجوب الغسل وفي الثانية وجوب المسح، وأما السبب فهو متحد فيهما، إذ هو في الآيتين القيام إلى الصلاة وإرادتها.
ففي مثل هذه الحالة اتفق العلماء دون خلاف يعتد به على أنه لا يحمل المطلق على المقيد، بل يبقى المطلق على إطلاقه إلا إذا قيده دليل آخر غير هذا المقيد ويبقى المقيد على تقيده ما لم يطلقه دليل آخر غير هذا المطلق.(34/157)
ولعل دليل العلماء على عدم الحمل في هذه الحالة هو نفس ما استدلوا به على عدم الحمل في الحالة السابقة من نفي المنافاة بين المطلق والمقيد نظرا لاختلاف حكمهما، وكون الحمل حينئذ حملا بلاَ دليل. ونظرا إلى أن السبب وهو القيام إلى الصلاة وإرادتها يوجب الغسل في حالة وجدان الماء والقدرة على استعماله، وأنه يوجب المسح في حالة عدم وجدان الماء، أو عدم القدرة على استعماله، والحالتان مختلفتان، فإنه لا مجال للقول بأن عدم الحمل يؤدى إلى إيجاب السبب الواحد للمتنافيين وهو الإطلاق والتقييد، لأن امتناع إيجاب السبب للمتنافيين مقيد بكونه في وقت واحد وحالة واحدة أما عند اختلاف الحالات كما هنا فلا امتناع من ذلك. نظرا إلى أن السبب وإن اتحد في حد ذاته إلا أنه يختلف باعتبار حالته. هذا وإذا كانت هذه القاعدة تقتضي بقاء الأيدي في آية التيمم على إطلاقها فإن ذلك إنما هو بالنسبة إلى آية الوضع نظرا لاختلاف حكمهما، أما تقييدها بأدلة أخرى غير آية الوضوء فإنه لا مانع من ذلك، ولهذا فإن المذاهب المتفقة على عدم تقييد آية التيمم بآية الوضوء قد قيد بعض منهم الأيدي في آية التيمم بالكفين بما صح عندهم من السنة وهو: ما رواه عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال: "تمعكت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يكفيك الوجه والكفان " (1) .
وقيدها البعض الآخر بالمرفقين وذلك بما صح عندهم من السنة وهو: "فضرب الحائط بيده ضربة فمسح بها وجهه، ثم ضرب أخرى فمسح بها ذراعيه إلى المرفقين ".
فكل من الفريقين قيد إطلاق آية التيمم بالسنة التي صحت عنه لا بآية الوضوء ذلك أن وضع آية التيمم مع السُنّة الشريفة المذكورة يختلف عن وضعها مع آية الوضوء الكريمة،(34/158)
فهي مع آية الوضوء تدخل ضمن حالة اختلاف الحكم واتحاد السبب المتفق لدى العلماء على عدم حمل المطلق على المقيد في مثلها، وأما هي مع السُنّة الشريفة المذكورة فهي تدخل ضمن حالة اتحاد الحكم والسبب المتفق لدى العلماء على حمل المطلق على المقيد في مثلها ذلك أن آية التيمم الكريمة وحديث عمار أوٍ حديث المرفقين اتحد فيهما السبب وهو القيام إلى الصلاة وإرادتها واتحد فيهما الحكم أيضا وهو وجوب المسح.
الحالة الرابعة: اتحاد الحكم واختلاف السبب:
مثاله قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَة} (1) وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (2) . فقد ورد لفظ الرقبة مقيدا في الآية الأولى بكونها مؤمنة، وورد في الآية الثانية مطلقا عن هذا القيد، والحكم في الآيتين متحد وهو تحرير الرقبة، والسبب مختلف فيهما، إذ هو في الآية الأولى القتل الخطأ، وفي الثانية إرادة العودة إلى الاستمتاع بالزوجة.
ففي مثل هذه الحالة اختلف العلماء في حمل المطلق على المقيد أو عدم حمله عليه إلى المذاهب التالية:
الأول: حمل المطلق على المقيد مطلقا. وإليه ذهب جمهور الشافعية، وبعض المالكية، والحنابلة.
الثاني: عدم الحمل مطلقا. وإليه ذهب جمهور الحنفية، وبعض المالكية والحنابلة (3) .
الثالث: الحمل إذا اشترك المطلق والمقيد في العلة وعدم الحمل عند عدم اشتراكهما فيها. وإليه ذهب بعض علماء المالكية والشافعية والحنابلة.
الأدلة:
أولا: أدلة المذهب الأول: استدل القائلون بحمل المطلق على المقيد مطلقا في هذه الصورة بأدلة أهمها ما يلي:(34/159)
ا - أن القرآن كالكلمة الواحدة فلا يختلف بالإِطلاق والتقييد، بل يفسر بعضه بعضا فيجب حمل المطلق على المقيد لتحقيق وحدة الكلمة، إذ إبقاء المطلق على إطلاقه، والمقيد على تقييده يؤدي إلى اختلافه وإخراجه عن كونه كلاما واحدا. ولهذا فإن الشهادة لما قيدت بالعدالة مرة واحدة. وأطلقت في سائر الصور حمل المطلق على المقيد، وأصبحت العدالة شرطا في الشهادة.
فإذا نص على تقييد شيء بقيد في صورة ما كان منصوصا على تقييده به في سائر الصور.
وقد اعترض على هذا الدليل بأن كون القرآن الكريم كالكلمة الواحدة لا يستلزم حمل المطلق على المقيد مطلقا؛ لأن معنى كونه كلاما واحدا يفسر بعضه بعضا أنه لا يتناقض فلا يناقض بعضه بعضا، وإلا فلو أريدت الوحدة في كل شيء لزم أن يتقيد كل مطلق بكل مقيد، وليس الأمر كذلك، فإن من جملة ذلك المطلق والمقيد اللذين اختلف حكمهما وسببهما وقد بينا فيما سبق اتفاق العلماء ومنهم المستدلون بهذا الدليل - على عدم حمل المطلق على المقيد في مثل هذه الحالة ثم إن الاختلاف بالإطلاق والتقييد لا ينافي وحدة الكلام.
لأن ذلك حسب اختلاف تعلقاته، واختلاف التعلقات لابد منه نظرا لاختلاف المتعلقات، وهذا الاختلاف لا يؤدي إلى التناقض الذي يقدح في وحدة الكلام.
ثم إن هذا الدليل - لو تم - ينفي النسخ مطلقا لأن الناسخ يختلف عن المنسوخ، ونفي الاختلاف عموما يؤدي إلى نفي النسخ في ضمنه ونفي النسخ مطلقا باطل، لأن وجوده من المسلمات. فيكون الدليل على عمومه غير مسلم.
أضف إلى ذلك أن الكلام إذا كان عبارة عن العبارات والألفاظ الدالة على المعاني فإنها لا خفاء في تكثرها وتعددها، ولاشك في اختلافها وكذلك القرآن فيه الأحكام المختلفة، ففيه المنفى والإثبات والأمر والنهى، وغيرها فمع العلم بهذا لا يقبل تنزيل جهات الخطاب على حكم واحد.(34/160)
وأما بالنسبة لتقييد الشهادة بالعدالة في سائر الصور التي أطلقت فيها فإن ذلك التقييد كان لدليل قام عليه وهو قوله سبحانه وتعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} (1) حيث استنبط العلماء منه اشتراط العدالة الذي يستلزمه رد شهادة الفاسق. كما أن الإجماع انعقد على اشتراط العدالة والبحث بصدد الحمل لمجرد الورود، فما كان لدليل فهو خارج عن محل البحث.
ثم إن هناك من الصور ما قيد في صورة وأطلق في سائر الصور ولم يحمل المطلق فيها على المقيد في تلك الصورة.
مثل الوضوء والتيمم حيثما قيدت الأيدي في الأول بالمرافق، وأطلقت في الثاني عنها، ولم يحمل المطلق في الثاني على المقيد في الأول.
وهذا يدل على أن مجرد التقييد في صورة لا يستوجب التقييد في سائر الصور.
2 - أن سنن العرب في كلامها هو حمل المطلق على المقيد، حيث تطلق الحكم في مكان وتحرره في آخر، وتقصد بالمطلق المقيد. والقرآن الكريم الذي نزل بلغة العرب جرى على هذا السنن.
قال الله سبحانه وتعالى: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} (2) .
فالحافظات وإن كانت مطلقة إلا أنها قيدت بالفروج نظرًا لتقيدها بها في جانب الذكور. والذكر مطلق في جانب الإناث لكنه لما كان مقيدا بكونه لله تعالى وبالكثرة في جانب الذكور قيد بذلك في جانب الإناث. ليكون التقدير: والحافظات فروجهن، والذاكرات الله كثيرا.
وقال الله تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} (3) فاليمين وإن كانت مطلقة، إلا أنها قيدت بالقعيد لما كان الشمال مقيدا به. وقد جرى على هذا الأسلوب الشعر العربي. قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف.
فما عند المتكلمين لما قيد بالرضا، قيد ما عند المخاطب به أيضا. ليكون التقدير (نحن بما عندنا راضون) .(34/161)
فدلت اللغة العربية على أن ما قيد في موضع وأطلق في آخر يراد بذلك المطلق ذلك المقيد، وهذا هو حمل المطلق على المقيد، فيكون عدم الحمل مخالفة للغة.
وأجيب عن هذا الدليل:
بأن البحث يدور في حمل المطلق على المقيد لمجرد ورودهما دون أن يقوم دليل على التقييد، ودون أن تنتصب قرينة تعين القيد.
وما ذكر قد قام فيه دليل التقييد، وانتصبت قرينة التعين، فنأى بذلك عن محل البحث.
ففي الآيتين الكريمتين دل العطف فيهما على التقييد وتعين القيد بما يقتضيه من المشاركة في الحكم المتمثل فيهما بالتقييد بما تقيد به المعطوف عليه. الحافظين والذاكرين في الآية الكريمة الأولى، واليمن في الآية الكريمة الثانية.
وكذلك في البيت المذكور حيث عطف المخاطب المقيد بالرضا على المتكلمين المطلقين عنه، فدل على تقيد الأول بما تقيد به الثاني.
ثم إن البحث يدور حول مطلق ومقيد وردا في نصين مستقلين. وما ذكر لا يستقل فيه المطلق عن المقيد، بل وردا في كلام واحد وبهذا أيضا يكون الدليل بمنأى عن محل البحث.
3 - أن المطلق ساكت عن القيد فيحتمل أن يكون مرادا والسكوت عدم، فلا يدل على إثبات القيد ولا ينفيه. والمقيد ناطق بالقيد فلا يحتمل عدم إرادته وإذا تقابل السكوت والنطق كان الناطق حريا أن يجعل أصلا يبنى عليه الساكت، إذ يكون كالمفسر له. فكان المقيد حريا أن يبنى عليه المطلق ويكون مبينا للمراد منه.
وقد أجيب عن هذا الدليل:(34/162)
بأن حمل أحد الدليلين على الآخر إنما يصار إليه عند التنافي بين مدلوليهما وذلك إنما يتأتى عند اتحاد مفادهما. ونظرا لعدم الاتحاد في هذا المفاد بين المطلق والمقيد لجواز إفادة المقيد استحباب الإتيان بالقيد الذي لا يتنافى مع إفادة المطلق جواز عدم الإتيان به، أو جواز إفادة المقيد أن الإتيان بالقيد عزيمة، وإفادة المطلق أن الانفصال عنه رخصة، وإحداهما لا تنافي الأخرى. وقد دل على الجوازين النص على المقيد بعد دخوله تحت الاسم المطلق مما يدل على أهميته وشرفه، لا أنه لا يجزى غيره.
فنظرا لكل ما ذكر لا يتحتم المصير إلى حمل المطلق على المقيد كما أفاده الدليل.
4 - أن الخبرين إذا كان أحدهما عاما والآخر خاصا يصار إلى التخصيص الذي هو حمل العام على الخاص. فينبغي أن يصار إلى التقييد الذي هو حمل المطلق على المقيد إذا كان أحد الخبرين مطلقا والآخر مقيدا. نظرا إلى تماثل نسبة المقيد إلى المطلق لنسبة الخاص إلى العام، وتشابه التقييد للتخصيص في كون كل منهما بيانا.
وأجيب عن هذا الدليل:
بأن قياس التقييد على التخصيص قياس مع الفارق. ووجه الفرق: أن التخصيص إنما يتم إذا ورد الخاص والعام في حكم واحد بالشخص. أو النوع أما في التقييد، فإن المقيد والمطلق في حكمين مختلفين شخصا، أو نوعا وما يذكر فيهما من اتحاد الحكم فإنما هو في الجنس فقط. فافترقا.
5 - أن الحكيم إنما يزيد في الكلام لزيادة البيان، والقيد في المقيد زيادة على المطلق فيجعل بيانا له، وذلك يحمل المطلق على المقيد، فلو لم يجعل بيانا له يحمله عليه لزم إلغاء تلك الزيادة بالنسبة للمطلق فلا يحسن ذلك ولا ينبغي المصير إليه.
6 - أن موجب المقيد متيقن لاندراجه في المطلق والمقيد، وموجب المطلق محتمل لاحتماله ما انتفى عنه القيد وما وجد فيه، والمصير إلى المتيقن أولى لأن فيه الخروج عن العهدة بيقين، وذلك إنما يتحقق بحمل المطلق على المقيد.
دليل المذهب الثاني:(34/163)
استدل القائلون بعدم حمل المطلق على المقيد مطلقا في هذه الصورة بما يلي:
أ - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (1) .
وبينوا وجه الاستدلال: بأن الآية الكريمة نهت عن السؤال عن الأشياء غير البادية والقيد بالنسبة للمطلق يعتبر منها لسكوت المطلق عنه، وحمل المطلق على المقيد رجوع إلى المقيد ليعرف منه حكم المطلق، وهذا الرجوع بمثابة سؤال عن شيء لم يبد، فيكون ارتكابا لما نهت عنه الآية فلا يجوز.
وبينوا أن مما يؤيد هذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ذرونى ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم " (2) .
وأجيب عن هذا الاستدلال: بأن الأشياء المنهي عن السؤال عنها لا تنتظم القيد في سلكها، والنهى الوارد فيها لا يمس الرجوع إلى المقيد بالمنع، لأنه في السؤال عن تقييد الحكم ابتداء من غير أن يكون هناك مقيد، يدل على ذلك ما ذكر في سبب نزول الآية الكريمة، وورود الحديث الشريف من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: "يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا"قال رجل: "أكل عام يا رسول الله؟ "فسكت حتى قالها ثلاثا. فقال رسول الله لا: "لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم". ثم قال: الحديث المذكور"وقد ذكرت هذه الحادثة سببا لنزول الآية.
وأما الرجوع إلى المقيد ليعرف منه حكم المطلق، فقالوا: إنه من التفقه في الدين المندرج ضمن ما أمر به في قوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (3) .
2 - قالوا: لو حمل المطلق على المقيد مطلقا في هذه الصورة لزم التضييق من غير أمر الشارع، والعدول عن التزام ما جاء عن الشارع، وكل منهما لا يجوز.(34/164)
بيان ذلك - أن المطلق فيه توسعة على المكلف إذ يقتضي خروجه عن العهدة بالإتيان بالفرد الذي توفر فيه القيد المذكور في المقيد، وبالإتيان بالفرد الذي انتفى عنه ذلك القيد، إذ المطلق يتأتى بكل واحد منهما، فإلزامه بالفرد المقيد وذلك بحمل المطلق على المقيد يكون تضييقا.
إن كلا من المطلق والمقيد حجة قائمة بذاتها والأصل التزام ما جاء عن الشارع في دلالات ألفاظه على الأحكام كما هو إذا لم يدل دليل على العدول عنه وهذا الالتزام يقتضي بقاء المطلق على إطلاقه فإذا حمل على المقيد يكون ذلك الحمل عدولا عن هذا الالتزام وحمل المطلق على المقيد إنما يصار إليه إذا لم يمكن العمل بكل منهما مستقلا بأن يكون بينهما تناف، ويؤدي العمل بكل على حدة إلى التناقض، وهذه الصورة بمأمن من ذلك، إذ يمكن العمل بكل منهما مستقلا دون أي تناف بينهما مادام سببهما مختلفا.
والجمهور يجيبون عن هذا الدليل بأن ما يقتضي حمل المطلق على المقيد من وجود النافي بينهما متحقق في هذه الصورة لأن المطلق والمقيد وردا في حكم واحد، والحكم الواحد لا يكون مطلقا ومقيدا في آن واحد، وهذا يستدعي جعل المقيد أصلا يبني عليه المطلق ويبين به، لسكوت المطلق عن المقيد ونطق المقيد به، وهذا ما يجعل القيد ذا فائدة متوخاة منه.
وما دام المقيد دليلا شرعيا اقتضى تقييد المطلق واستدعى العدول عن إطلاقه فلا يكون في حمل المطلق على المقيد تضييق من غير أمر الشارع ولا عدول عن التزام ما جاء عن الشارع في دلالات ألفاظه على الأحكام.
أضف إلى ذلك أن اتحاد الحكم بين المطلق والمقيد يقتضي حصول التناسب بينهما بجهة حمل المطلق على المقيد.
أدلة المذهب الثالث:
استدل القائلون بالحمل عند اشتراك المطلق والمقيد في العلة وعدم الحمل عند عدم اشتراكهما فيها بما يلي:(34/165)
أن المطلق والمقيد إذا اشتركا في علة التقييد فإن في حمل المطلق على المقيد حينئذ جمعا بين الأدلة وعملا بها، وفي عدم الحمل إعمال لدليل وترك لدليلين، ذلك أن القياس إذا اقتضى حمل المطلق على المقيد وحمل عليه يكون ذلك عملا بالمطلق والمقيد والقياس، وعدم الحمل يكون تركا لأحد من المطلق والمقيد وتركا للقياس وإعمال الأدلة جميعا أولى من إعمال بعضها وترك البعض الآخر.
وقد اعترض على هذا الدليل باعتراضين:
أحدهما: أن من شرط القياس أن لا يعارضه نص، وقياس المطلق على المقيد بحمله عليه عن طريقه يعارضه النص المطلق في الفرد الذي انتفى عنه القيد؛ ذلك أن المطلق عام، بدلي يدل بالتساوي على الفرد الذي وجد فيه القيد، والفرد الذي انتفى عنه ذلك القيد، فإن كان دالا على الإجزاء يدل على إجزاء كل منهما، فإذا قيس على المقيد، دل ذلك القياس على عدم إجزاء الفرد المنتفي عنه القيد، فيتعارض النص والقياس في الفرد الذي انتفى عنه القيد، حيث يدل النص المطلق على إجزائه، ويدل القياس على عدم إجزائه وعند تعارض النص والقياس يعمل بالنص ويترك القياس، فلا يصلح إذا مقتضيا لحمل المطلق على المقيد.
ففي كفارة الظهار أطلقت الآية الكريمة الرقبة، وهذا الإطلاق يفيد إجزاء الرقبة سواء كانت مؤمنة أو غير مؤمنة، فإذا قيس على كفارة القتل الخطأ، كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء - لاشتراكهما في العلة - وهي: حرمة سببهما، أو كونهما من الكفارات أو زيادة القربة، أو خلاص الرقبة المؤمنة من قيد الرق فإن هذا القياس يفيد عدم إجزاء الرقبة غير المؤمنة في كفارة الظهار فعندئذ يتعارض النص المطلق والقياس في الفرد الذي انتفى عنه القيد وهو الرقبة غير المؤمنة، حيث يدل النص على إجزائها ويدل القياس على عدم إجزائها وحينئذ يقدم النص ويعمل به ويترك القياس.(34/166)
ثانيهما: أن من شرط اعتبار القياس أن يكون حكم المقيس عليه حكما شرعيا، والذي يقاس عليه المطلق وهو عدم إجزاء غير المقيد ليس حكما شرعيا لأن ما يفيده النص المقيد هو أن الفرد المقيد يجزئ، أما عدم إجزاء غير المقيد فهذا ما لا يدل عليه النص المقيد، وإنما جاء بناء على الأصل وما كان كذلك لا يكون حكما شرعيا، لأنه لم يثبت بدليل وارد من الشرع، والشق الذي هو عدم إجزاء غير المقيد هو الذي يقاس عليه المطلق، فما دام هذا الشق غير حكم شرعي لا يصلح أن يكون أصلا يقاس عليه. ويحمل المطلق على المقيد عن طريقه.
وقد أجيب عن هذا الاعتراض:
بأن المقيس عليه هو المقيد وحكمه (وهو إجزاء الفرد الثابت فيه القيد) حكم شرعي لأنه ثبت بدليل شرعي وهو النص المقيد، وهذا الحكم هو الذي يعدى إلى المطلق، ويحمل على المقيد عن طريقه، فالاعتراض غير وارد من هذه الجهة (1) .
وهناك اعتراض ثالث يمكن أن يرد على هذا الدليل وهو:
أن هذا الدليل - لو تم - فإنما يدل على جزء المدعى ذلك أن دعوى المستدلين ذات شقين:
الأول: حمل المطلق المقيد إن اقتضى القياس ذلك.
الثاني: عدم الحمل إذا لم يقتض القياس ذلك والدليل لو سلم فإنما يدل على الشق الأول دون الثاني لعدم تطرقه إليه بتاتا.
2 - أن تقييد المطلق كتخصيص العام في أن كلا منهما تقليل لبعض الشيوع، ومنع الحكم عن بعض الأفراد وتخصيص العام بالقياس جائز فكذا تقييد المطلق.
وقد أجابوا عن هذا الدليل بمثل ما أجابوه عن الدليل الأول.
3 - أن القياس دليل شرعي ينبغي العمل بموجبه، وهذه الحالة للمطلق والمقيد إحدى الصور التي يكون القياس فيها دليلا، فإذا اقتضى القياس حمل المطلق على المقيد ينبغي المصير إلى هذا الحمل عملا بالدليل المقتضي للتسوية في الحكم بين المطلق والمقيد.
الموازنة والترجيح(34/167)
بالرجوع إلى الأدلة التي استدل بها الأطراف المختلفة نرى أن الأجوبة عنها كانت تلاحقها لتهبط بها عن مستوى الحجية، ماعدا دليلين للقائلين بالحمل مطلقا، سكت عنهما المجيبون، أو هكذا وصلا إلينا مسلمين، وهما الدليلان الأخيران المتضمن أولهما أن زيادة الحكيم في الكلام لزيادة البيان، والمتضمن ثانيهما أن موجب المقيد متيقن.
وتدقيق الفكر فيهما يقول إلى ما يلي:
1 - بالنسبة للأول كون زيادة الحكيم في الكلام لزيادة البيان، قضية لا يمتنع من التسليم بها أحد فيما اعتقد، ولكن مساسها بموضوع الحمل مطلقا وإفضاءها إليه للنظر فيه مجال واسع، لأن التسليم بالنسبة لكلام واحد اتحد فيه الحكم والسبب، أما إلباس هذا الثوب لكلامين اختلف فيهما سبب الحكم، فإنه بمنأى عن هذا التسليم، لأن الزيادة من الحكيم إذا كانت لحكمة، فإن السكوت عنه أيضا يكون لحكمة، وما دام الجمع بين الحكمتين ممكنا فإنه ينبغي المصير إليه، واختلاف السبب يجعل التصادم بينهما منتفيا، لأنه يجعل إبقاء المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده ممكنا.
2 - وأما بالنسبة للثاني، فإن القضايا الشرعية تحكمها نصوصها وما يقررها الشرع ولا يلغيها كون الشيء متيقنا، فإذا كان الشرع قد قرر إجزاء ما انتفى عنه قيد المقيد من أفراد المطلق فإن تيقن الموجب لا يلغي هذا التقرير.
والخروج عن العهدة يقرره الشرع، وحسب تقريره يتأتى، وتيقنه في نص، لا يقضى على ما في نص آخر بالإلغاء مادام اختلاف السبب فيهما قد حال دون ذلك.
وبعد الركون إلى وجاهة الأجوبة عن أدلة المانعين من الحمل مطلقا نعود إلى الجواب عن أدلة الحاملين بالقياس المتركز على اصطدام قياس المطلق على المقيد بالنص.(34/168)
والدي يظهر - والله أعلم - أن توهم هذا الاصطدام يتلاشى إذا علمنا أن القياس المقتضي للحمل بمثابة بيان لأحد محتملات لحمل المطلق، وليس إلغاء له والاصطدام إنما يتأتى بناء على الثاني لا الأولى، والثاني إنما يتحقق بناء على نفي النص المطلوب، لقيد المقيد وهو لم يتعرض له بالنفي حتى يكون إثبات القياس له مفضيا إلى التصادم.
فإذا نأى القياس عن هذا التصادم بجانبه، ينبغي النظر إليه من حيث كونه دليلا أقره الشرع، وأعطاه هذا الإقرار صلاحية البيان.
هذا وينبغي أن لا يغض الطرف عن ماهية السبب وتماميته. فإذا كانت ذاته معرفة للحكم، أو مفضية إليه، فإن تماميته تقتضي أن يستقل به، ويميزه عن غيره، فقد يكون السبب يناسبه التغليظ في الحكم ويتحقق هذا التغليظ بالتقييد فيقيد الحكم، وقد يكون السبب يناسبه التخفيف، ويتحقق هذا التخفيف في الإطلاق فيطلق الحكم.
مثل: القتل. فإنه وإن كان خطأ إلا أن فيه إزهاق روح ربما يفقد المجتمع به عضوا نافعا يرتجى منه فوائد كثيرة، كان المجتمع ينتفع بها. فناسبه التغليظ - والله أعلم - بتقييد الرقبة بالإيمان.
ومثل الظهار، فإنه لما لم يكن في ضرره بمثابة القتل الخطأ ناسبه - والله أعلم - التخفيف، بإطلاق الرقبة من كل قيد ومنه قيد الإيمان.
أضف إلى ذلك أن الإطلاق والتقييد مادام قد وردا على الحكم فإنهما يجعلان الحكمين مختلفين شخصا أو نوعا المركز عليهما في ثبوت الاختلاف أو انتفائه بين الحكمين فنبقى أمام حكمين مختلفين بسببين مختلفين، والاتحاد في الجنس لا يؤثر على هذا الاختلاف بالإزالة.
ولما سبق فإن النفس تميل إلى الحمل عند وجود العلة الجامعة بين المطلق والمقيد، وعدم الحمل عند انتفائها، ويطمئن القلب إلى ترجيح ذلك في هذه الحالة. والله أعلم بالصواب.
الحالة الخامسة: اتحاد الموضوع والحكم ويكون الإِطلاق والتقييد في سبب الحكم:(34/169)
مثاله: ما ورد: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة " (1) .
وورد في رواية أخرى: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر أو قال: رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير وقال: فعدل الناس به نصف صاع من بر على الصغير والكبير" (2) .
فقد ورد لفظ العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير ممن يمونه المزكي مقيدا بكونه من المسلمين في الرواية الأولى وورد مطلقا عن هذا القيد في الرواية الثانية، ومن يمونه المزكي سبب الحكم، والموضوع في النصين واحد وهو زكاة الفطر كما أن الحكم فيهما واحد وهو وجوب زكاة الفطر، ففي مثل هذه الحالة اختلف العلماء في حمل المطلق على المقيد أو عدم حمله عليه إلى المذاهب التالية:
الأول: حمل المطلق على المقيد. وإليه ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.
الثاني: عدم حمله عليه. وإليه ذهب جمهور الأحناف.
الثالث: حمل المقيد على المطلق.
حجة المذهب الأول:
استدل القائلون بحمل المطلق على المقيد مطلقا في هذه الصورة بنفس الأدلة التي استدلوا بها في الحالة السابقة من كون القرآن كالكلمة الواحدة، وكون المطلق ساكتا والمقيد ناطقا. وأن الحكيم إنما يزيد في الكلام لزيادة البيان، وأن موجب المقيد متيقن وموجب المطلق محتمل على التفصيل الذي مر ذكره سابقا.
أدلة المذهب الثاني:
استدل القائلون بعدم الحمل مطلقا بما يلي:(34/170)
1 - أن في إبقاء المطلق على إطلاقه وعدم حمله على المقيد احتياطا، وينبغي مراعاة الاحتياط في الأحكام الشرعية، وجه الاحتياط أنه عند إبقاء المطلق على إطلاقه يجب الواجب مع السبب المطلق والسبب المقيد، وأما عند الحمل فإن الواجب يجب مع السبب المقيد فقط، ووجوب الواجب في الحالتين أقرب إلى الاحتياط من وجوبه في حالة واحدة.
ويجاب عن هذا الدليل بأنه إنما يتم لو لم يكن هناك دليل على التقييد أما عند وجود دليل التقييد من قبل الشارع فإن الذي ينبغي هو المصير إلى الدليل.
2 - أنه لا توجد منافاة بين سببية المطلق والمقيد إذ أن الشيء الواحد قد يكون له أسباب متعددة وما دامت المنافاة منعدمة فلا مقتضى للحمل، لأن المقتضى له هو المنافاة بين المطلق والمقيد.
وقد اعترض على هذا الدليل بأن المنافاة بين سببية المطلق والمقيد متصورة لأن معنى كون كل منهما سببا أن كل واحد منهما سبب تام له، وتمامية السببية تقتضي عدم الحاجة إلى الآخر، فلو كان المطلق سببا تاما لمنع الاحتياج إلى القيد ولكنه لم يمنع من ذلك، ومن هنا ظهرت المنافاة بين تمامية سببية المطلق مع تمامية سببية المقيد ولدفع تلك المنافاة ينبغي حمل المطلق على المقيد (1) .
حقيقة المذهب الثالث واستدلاله:
أن أصحاب المذهب الثالث عندما يقولون إن المقيد هو الذي يحمل على المطلق لا يقصدون بذلك آن المقيد يراد منه المطلق، إذ لو عنوا ذلك لأدى قولهم إلى إلغاء القيد وذلك ممتنع، بل يريدون بذلك أن سببية المقيد تتأتى من سببية المطلق ذلك أن المطلق سبب حقيقة والمقيد مشتمل عليه؛ لكون المطلق جزءاً للمقيد كما سبق ذلك والكل مشتمل على الجزء، فسببية المقيد لاشتماله على السبب حقيقة وهو المطلق وإطلاق السبب على ما هو مشتمل على السبب الحقيقي شائع.
وهذا المذهب يلتقي في النتيجة مع المذهب الثاني، وهي إبقاء المطلق على إطلاقه وعدم حمله على المقيد، وإن اختلف عنه في التعبير والتعليل..(34/171)
الموازنة والترجيح
بالنسبة لأدلة القائلين بالحمل مطلقا، فإنه يظهر لي أن الدليلين الأخيرين لهم زيادة الحكيم، وتيقن الموجب، لم يظهر شيء يخدش انتهاضهما حجة، فهما قضيتان مسلمتان بالنسبة لكلام اتحد فيه الحكم والسبب وإن تعدد نصه، ونحن في هذه الحالة أمام مثل هذا الكلام، لان السبب مادام قد اتحد ذاتا أو نوعا فإن الاختلاف بالإطلاق والتقييد لا يظهر له أثر على هذا الاتحاد بالسلب.
والمتتبع لنصوص الشريعة يجد أن السائد فيها في مثل هذه الحالة هو حمل المطلق على المقيد من هذه النصوص:
ا - قوله سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِير ... } وقوله سبحانه: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ…} .
فإنا واجدون أن الدم أطلق في الآية الكريمة الأولى، وقيد بكونه منسوخا في الآية الثانية، والدم سبب الحكم فيكون الإِطلاق والتقييد قد دخل على سبب الحكم، وقد اتفق العلماء على أن المراد بالدم المطلق في الآية الأولى هو الدم المقيد بالسفح في الآية الثانية.
فقد انعقد الإِجماع على حمل المطلق على المقيد هنا.
2 - قوله تعالى: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (1) وقوله سبحانه: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِين} (2) . فأولو الأرحام أطلق في الآية الأولى وقيد في الثانية بالإِيمان، وهو سبب الحكم الذي هو الأولوية المقتضية للميراث، فيكون الإِطلاق والتقييد قد دخل على سبب الحكم، وقد حمل المطلق في الأولى على المقيد في الثانية، فقال العلماء أن أولو الأرحام في الأولى هم أولو الأرحام من المؤمنين.(34/172)
3 - قوله صلى الله عليه وسلم: "في خمس من الإِبل شاة " (1) وقوله عليه الصلاة والسلام: "في كل سائمة إبل في أربعين، بنت لبون" (2) .
فموضوع الحديثين واحد وهو زكاة الإِبل، وكذلك الحكم وهو الوجوب والسبب وهو العدد الخاص من الإِبل قد أطلق في الحديث الأول، وقيد بالسوم في الثاني. فيكون الإِطلاق.
والتقييد قد دخل في السبب. وقد حمل المطلق في الحديث الأول على المقيد في الثاني، فأريد من الإبل في الأول، السائمة أيضا.
فالذي يظهر لي بوضوح في هذه الحالة أن الراجح هو حمل المطلق على المقيد. والله أعلم.
الحالة السادسة: أن يطلق في موضع ويقيد في موضعين بقيدين متضادين:
مثاله: قوله تعالى في قضاء صيام رمضان: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} (3) وقوله عز وجل في صوم التمتع: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (4) وقوله تعالى في صوم كفارة الظهار: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} (5) .
فقد ورد الصيام مطلقا في الآية الكريمة الأولى ومقيدا بالتفريق في الثانية ومقيدا بالتتابع في الثالثة والقيدان وهما التفريق والتتابع متضادان لا يجتمعان.
ففي مثل هذه الحالة ذهب العلماء القائلون بأن المطلق يحمل على المقيد وبتقييده به لفظا إلى أن المطلق يبقى على إطلاقه، ولا يحمل على أي واحد من المقيدين، لأنه لا يمكن حمله عليهما معا لما بينهما من المنافاة فلو حمل عليهما معا لزم اجتماع القيدين وهو ممتنع ولا يمكن حمله على أحدهما دون الآخر لأن نسبة المطلق إلى كل واحد منهما سواء لنسبته إلى الآخر، فترجيح أحدهما بحمل المطلق عليه على الآخر يكون ترجيحا بلا مرجح، وذلك تحكم وهو باطل فتعين أن لا يحمل المطلق على أي واحد منهما، بل يبقى على إطلاقه، ويعمل بالإطلاق في محله ويعمل بكل قيد في محله.(34/173)
وذهب العلماء القائلون بالحمل قياسا إلى أن المطلق يحمل على المقيد الذي يشترك معه في العلة ويكون القياس عليه أولى، لأن الجامع بينهما حينئذ يكون مرجحا، فلا يلزم التحكم عندئذ ومثاله: قوله تعالى في كفارة اليمن: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} (1) مع آيتي كفارة الظهار وصوم التمتع السابقين.
فقد ورد الصوم في كفارة اليمين مطلقا بينما ورد في كفارة الظهار مقيدا بالتتابع، وفى صوم التمتع مقيدا بالتفريق كما ذكرنا، فقالوا: يحمل المطلق في كفارة اليمين على المقيد في كفارة الظهار، قياسا عليه، لاتحادهما في الجامع بينهما وهو النهي عن اليمن والظهار.
وأما المطلق الذي لا يشترك مع أي من المقيدين في العلة فإنه لا يحمل على أي واحد منهما بالاتفاق، لانعدام المرجح الذي يرجح أحد المقيدين لحمل المطلق عليه دون الآخر، فيكون الحمل على أحدهما تحكما وهو باطل، وكذلك اجتماع الضدين وهو ممتنع.
ومثاله: ما روى من حديث: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب " (2) .
فقوله "إحداهن" مطلق، وقد قيد في روايات أخرى بقيدين متضادين. حيث ورد "أولاهن بالتراب" كما ورد "أخراهن بالتراب" ويتعذر الجمع بين القيدين ولا توجد علة تجمع بين المطلق وأحد القيدين، فلا يحمل المطلق على المقيد، فلا يتعين أن يكون الغسل بالتراب، أولا أو آخرا، بل يبقى المطلق "إحداهن" على إطلاقه.
والذي يظهر أن مجال الاختيار ينحصر في حمل المطلق على المقيد قياسا عندما يجمع بين المطلق وأحد القيدين جامع.
أما من ناحية اللغة، فواضح أن نسبة المطلق إلى كل من المقيدين واحدة ووحدة النسبة وتساويها تسد باب الحمل تفاديا للتحكم المحظور. كما أنه في حالة عدم وجود الجامع يسد باب الحمل تنافي القيدين.
والذي يظهر رجحانه عند وجود الجامع هو الحمل قياسا، اعتبارا للقياس المعتبر شرعا، عند وجود مقتضيه وهو الجامع وانتفاء المانع منه.(34/174)
وقد ذكرنا عدم وجود محل لتوهم اصطدام هذا القياس بالنص. والله أعلم.
الفصل الثالث
أثر النقص من النص في الاحتجاج بالسنة الآحادية
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف السنة الآحادية:
السنة بضم السين، وفتح النون المشددة على وزن فعلة.
وهي في اللغة: الطريقة مطلقا، ممدوحة كانت أو مذمومة، حسنة كانت أو سيئة.
قال الله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (1) .
وبينّ المتمرسون قي لغة القرآن الكريم أن السنة في الآية الكريمة: الطريقة. وهي طريقة حكمته.
وأتى بهذا المعنى، وأكد على مطلقيته، قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " (2) .
ففي الوقت الذي جاءت السنة في الحديث الشريف بمعنى الطريقة - كما بينه المحدثون - أكد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم إيَّاها بالحسن تارة وبالسوء أخرى مطلقيتها، لأن الوصف تقييد، والتقييد إنما يعتري الحقيقة المطلقة للتأكيد على نوع منها تتناوله، ولا يضير مطلقيتها وضعا بيان بعض اللغويين أنها: الطريقة المحمودة، وأنها إذا أطلقت انصرفت إليها، وفي السيئة منها لابد من تقييدها بها. وعدم الضير هذا ينبعث من أن هذا الذي بينوه، حقيقة عرفية، تعارفوا على استعمال السنة فيها، والحقائق العرفية معروفة بتخصيصها المعنى الوضعي لغة في معنى أخص منه يتخصص بالتقييد دون تقييد، يتعارف عليه، ويشتهر اللفظ فيه بحيث لا يتبادر عند الإطلاق إلى الذهن غيره، وعندئذ يحتاج فهم النوع.(34/175)
الآخر الذي لم يتعارف عليه، إلى التقييد لفظا، لأنه لم يشتهر اشتهارا يغني عن التقييد لفظا. ولقد جاءت السنة بمعان أخرى غير الطريقة كالدوام، والأمة، والمثال المتبع، والإمام، والطبيعة، والوجه، والخطاب، والتمر.
وقد يكون بعض هذه وضعية، وبعضها الآخر استعمالية لمناسبات ربطتها بالمعنى الوضعي.
وتظل الطريقة هي المشهورة من معاني السنة اللغوية، والمشهود بها من الكتاب والسنة، فكان تحقيقها حقيقا بالتفصيل بالقدر الذي تسمح به ظروف البحث.
السنة في الاصطلاح:
تناولت السنة اصطلاحات متعددة، فاختلف تعريفها حسب كل اصطلاح.
السنة في اصطلاح المحدثين:
عرف المحدثون السنة بأنها: "ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل، أو تقرير، أو صفة خُلقية أو خَلقية، أو سيرة سواء كان ذلك قبل البعثة، أو بعدها".
السنة في اصطلاح الأصوليين:
عرف الأصوليين السنة بأنها: "ما صدر عن النبي الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير".
وبملاحظة التعريفين يتباين أنهما التقيا على أمور ثلاثة ركزا عليها هي: القول، والفعل، والتقرير، غير أن الأول منهما زاد عليها الصفة، والسيرة، وعمها فيما قبل البعثة، وفيما بعدها، وهنا تدخلت النسبة بينهما لتكون العموم والخصوص المطلق، الأعمية المطلقة في جانب تعريف المحدثين، والأخصية المطلقة في جانب تعريف الأصوليين، فأصبح كل سنة عند الأصوليين، سنة عند المحدثين، دون العكس.
والنسبة هذه انبعثت من انطلاق كل من الفريقين من منطلق نظرته إلى الرسول.
المحدثون ينظرون إليه على أن فيه أسوة حسنة، والتأسي يتأتى بكل ما يتصل به صلى الله عليه وسلم من سيرة وصفات بالإضافة إلى الأقوال والأفعال، والتقريرات.
والأصوليون ينظرون إليه على أنه المشرع عن الله، والتشريع يتأتى بالقول والفعل والتقرير.
وليس معنى هذا أن كل فريق اقتصر نظره على ما ذكر بالنسبة له، ولكن التركيز لكل كان على ذلك عند تعريف السنة.(34/176)
فالمحدثون ما غضوا الطرف عن كون الرسول مشرعا عن الله، بل عرفوه هكذا أيضا كما أن الأصوليين لم يغضوا النظر عن كون الرسول صلى الله عليه وسلم فيه أسوة حسنة، بل عرفوه هكذا أيضا.
السنة عند الفقهاء:
عرفها بعض الفقهاء بأنها: "الطريقة الدينية التي يطالب المكلف بإقامتها من غير افتراض ولا وجوب "وهي ما يعبر عنها عند البعض الآخر: "ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه "ويلتقي مع ما ذكره البعض من أنها: "ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله مع ترك ما بلا عذر"ومع "الفعل المطلوب طلبا غير جازم ".
والذي يدور البحث حوله هو اصطلاح الأصوليين.
الآحادية:
نسبة إلى الآحاد، والآحاد جمع أحد بمعنى واحد. وهو: المنفرد.
والسنة الآحادية في اصطلاح المحدثين:
هي: "التي لم تبلغ نقلتها مبلغ المتواتر" وضم الحنفية إلى التعريف "أو المشهور".
وخلو تعريف الآحاد عن المشهور عند الجمهور، واشتماله عليه عند الحنفية تقتضيها طبيعة قسمة السنة عند كل فريق.
فالقسمة عند الجمهور ثنائية تقتصر على المتواترة، والآحادية دون أن تتخللهما واسطة، وهي عند الحنفية ثلاثية، تتخلل المتواترة والآحادية واسطة هي المشهورة.
بالنسبة لنقص الشرط، أو الجزء، يقتصر أثره في الاحتجاج بالنسبة الآحادية على ما إذا كان المنقوص منه ثابتا بالكتاب أو السنة المتواترة، عندئذ يرى جمهور العلماء أن السنة الآحادية لا تنقص الجزء أو الشرط، لأن إنقاصهما أو أحدهما نسخ لهما والنسخ يشترط فيه التكافؤ بين الناسخ والمنسوخ على الأقل، ولا يرون هذا التكافؤ متأتيا بين الكتاب والسنة المتواترة من جهة، وبين السنة الآحادية من جهة أخرى.
ففي هذه الحالة يتأتى تأثر الاحتجاج بالسنة الآحادية. هذا بالنسبة للمنقوص.
أما بالنسبة للمنقوص منه، فإن اعتبار نقص الجزء أو الشرط نسخا له، أو عدم اعتباره كذلك لا يؤثر في الاحتجاج بالسنة الآحادية، لا من جهة المنقص ولا من جهة المنقوص منه.(34/177)
أما من جهة المنقص، فإن الاحتجاج به في نسخ الجزء أو الشرط يظهر إمكانية الاحتجاج به في نسخ المنقوص منه الباقي بعد خروج الجزء أو الشرط منه أيضا، لأنه بالنسخ الأول ثبت التكافؤ بين المنقص والمنقوص منه وهذا التكافؤ هو المطلوب في النسخ الثاني أيضا بالقدر الذي كان مطلوبا في الأول.
أما من جهة المنقوص منه، فإن الذي يتصور تأثره هو الاحتجاج به في الباقي منه بعد الجزء أو الشرط، وعلى القول بأن نقص الجزء أو الشرط نسخ له في هذا الباقي. ولكن هذا التأثر يتلاشى إذا عرف أنه لا يمس الجانب العملي لأن المنقوص منه يظل محتجا به في الباقي، ويعمل بمقتضاه فيه، والنسخ يتجه نحو جانب آخر غير العمل تماما.
فمثلا: فيما مثلوا به من نقص ركعتين من أربع واعتبار النص المثبت للأربع منسوخا حتى في الركعتين الباقيتين، تظل الباقيتان عبادة يقام بها، فالعمل بالنص فيهما قائم لم يتأثر، وإنما النسخ اتجه إلى تغيرهما من عدم كونهما عبادة بانفرادهما إلى كونهما عبادة تامة، فاعتبر النقص نسخا للنص فيهما من جهة هذا التغير فقط، وهذا كما يرى لم يؤثر في الاحتجاج بالنص، المتمثل في العمل بمقتضاه، وتنفيذ موجبه.
وأما بالنسبة لنقص الجزئي المتمثل في التخصيص والتقييد فالكلام فيه على النحو التالي:
مبحث الثالث: تأثير نقص الجزئى:
المطلب الأول: بالنسبة للتخصيص:(34/178)
بناء على القول بالتخصيص مطلقا عند اختلاف حكم العام والخاص لا يتأثر الاحتجاج بالسنة الآحادية سلبا، بل تظل محتجا بها معمولا بمقتضاها لأنها عندما تكون خاصة تكون مخصصة للعام الذي يخالف حكمها حكمه في جميع الحالات، والتخصيص بيان، والبيان لا يشترط فيه التكافؤ والتساوي بين المبيِّن والمبيَّن، فكما يجوز بيان الشيء بما يساويه أو أقوى منه كذلك يجوز بيانه بما هو أدنى منه رتبة وأضعف منه ثم إن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، أجمعوا على تخصيص القرآن الكريم بالسنة الآحادية حيث إنهم قاموا بهذا التخصيص ولم يتعرض لإنكاره أحد فكان إجماعا، ومن أمثلة ذلك: تخصيص قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (1) بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها" (2) .
ذلك: أن (ما) في الآية الكريمة تقيد العموم، فتفيد حل كل ماعدا المذكورات في الآيات من المحرمات والمرأة على عمتها أو خالتها من جملة ذلك ولكن الحديث الشريف أخرجهما من هذا العموم، وبين حرمتهما.
أضف إلى ذلك أن كلا من عموم الكتاب أو السنة المتواترة مع السنة الآحادية دليلان قد اختلف حكمهما، فوجب أن يجمع بينهما بقدر الإمكان، وهذا الجمع يقتضينا أن نعمل بكل واحد منهما من وجه، والذي يحقق هذا هو إعمال العام في غير مورد الخاص، وإعمال الخاص في مورده فيتعين ذلك، وهذا هو التخصيص وبهذا بحفظ الدليلان من الإلغاء المطلق.
ومن هنا فإن القول بالتخصيص في جميع حالات اختلاف الحكم بين العام والخاص فيه الحفاظ على السنة الآحادية والاحتجاج بها.(34/179)
وأما القول بالتخصيص حالة اقتران الخاص بالعام وتأخره عنه، وبالنسخ في الحالات الأخرى فإنه يشكل خطورة كبيرة على الاحتجاج بالسنة الآحادية. ذلك: أن حالات اختلاف حكم العام والخاص أربع، والنسخ يشترط العلماء فيه التساوي على الأقل بين الناسخ والمنسوخ في القوة، ويعتبرون أن السنة الآحادية لا تساوي قوته قوة الكتاب والسنة المتواترة، فمعنى هذا أن السنة الآحادية تتأثر في الاحتجاج بها سلبيا في ثلاث حالات من أربع وهذه الحالات الثلاث تشكل معظم اختلاف حكم الخاص والعام.
فإذا علمنا أن اختلاف حكم العام والخاص يشغل مساحة واسعة من الأدلة الشرعية، وأن الكثير من الأدلة الخاصة من السنة الآحادية علمنا أن استبدال النسخ بالتخصيص في تلك الحالات الثلاث يفضي إلى تعطيل كثير من الأدلة الممثلة في السنة الآحادية بعدم الأخذ بما تأتى به من الأحكام الناتج من عدم التخصيص بها.
ومن هنا جاء ترجيح التخصيص فيما مضى في هذه الحالات الثلاث دفعا لهذا التعطيل، وإعمالا للأدلة، وحفاظا عليها، وتمسكا بالسنة الآحادية بقدر الإمكان كما ينبغي.
المطلب الثاني: بالنسبة للتقييد:
يتأثر الاحتجاج بالسنة الآحادية سلبا تأثرا كبيرا بناء على القول بعدم تقييد السنة الآحادية لمطلق الكتاب والسنة المتواترة، ودائرة السنة الآحادية المقيدة لمطلق الكتاب والسنة المتواترة واسعة غاية السعة.
وكل هذا يدعوا إلى دراسة مبنى هذا القول ومستنده.
أما مبناه: فهو أن التقييد عند أصحاب هذا القول بطريق المعارضة (1) ، والكتاب والسنة المتواترة قطعيان والسنة الآحادية في ثبوتها احتمال، والمحتمل لا يقوى على معارضة القطعي، فلا يقيده. لأن من شرطها التساوي في القوة بين الدليلين.
ولكنا إذا نظرنا إلى حقيقة التقييد وأنه البيان للمطلق لا المعارض له، وأنه يتوجه نحو شيوع المطلق المحتمل، لا أصل حكمه المقطوع به، يهتز هذا المبنى.(34/180)
وأما مستنده، فهو جعل التقييد بمثابة التخصيص وقياسه عليه بجامع أن كلا منهما تنقيص وتقليل، ثم الاستدلال على عدم تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بالسنة الآحادية على النحو التالي:
قالوا: أجمع الصحابة رضي الله عنهم على عدم تخصيص الكتاب بالسنة الآحادية يدل على ذلك ما روي من أن عمر رضي الله عنه رد ما روته فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه لم يجعل لها سكنى ولا نفقة" لما كان مخصصا لعموم قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (1) وقال: "كيف نترك كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندرى أحفظت أم نسيت". ولم ينكر ذلك أحد فصار إجماعا.
ولا معتصم لهم في هذا الذي ذكروه على أنه إجماع على عدم التخصيص بالسنة الآحادية لأمور ثلاثة:
أولها: أن انعقاد الإجماع على ذلك غير مسلم سواء كان إجماعا تصريحيا أم سكوتيا. لأنه لو كان وافق عليه الكل صراحة لنقل لكنه لم ينقل، فانتفى انعقاد الإجماع التصريحي على ذلك.
ولم يكن الكل حاضرين عند رد عمر لحديث فاطمة، فلا يكون هناك إجماع سكوتي أيضا.
وبهذا يكون الإجماع بنوعيه غير منعقد على ما ذكروه.
ثانيا: على فرض تسليم صحة ثبوت ما ادعوه من الإجماع، فإنه لا يكون مثبتا لمنع تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بالسنة الآحادية. لأن المجوزين لتخصيصهما بها لم يدعو تخصيصهما بكل ما كان من السنة الآحادية مطلقا سواء كان راويها متهما بالنسيان أم لا، بل يجوزون التخصيص بما لا يكون راويه متهما بالنسيان والحديث المردود من قبل عمر رضي الله عنه صريح بتهمة راويه بالنسيان.
ثالثها: أن رد عمر لحديث فاطمة يصلح حجة للمجوزين لتخصيص الكتاب والسنة المتواترة بالسنة الآحادية، لأن عمر رضي الله عنه علل رده لحديثها بكونها غير مأمونة.(34/181)
وهذا التعليل ينبئ عن عدم رد التخصيص للكتاب والسنة المتواترة بالسنة الآحادية كيف ما كانت - لأنه لو كان كذلك لما كان معنى لهذا التعليل، ولكان علله بكونه خبر واحد.
ومما استندوا إليه أيضا قياس التقييد على النسخ فقالوا: لو جاز تقييد الكتاب والسنة المتواترة بالسنة الآحادية لجاز نسخهما بها أيضا لأن النسخ تخصيص في الأزمان، والتقييد تخصيص في الأعيان والمعنى الذي من أجله يصار إلى التقييد وهو أولويته على إلغاء المقيد متحقق أيضا في النسخ. لكن نسخهما بها لا يجوز، فلا يجوز تقييدهما بها أيضا.
وبهذا القياس لا يتم لهم الاستدلال، لأنه قياس مع الفارق يكمن وجه الفرق في أن النسخ رفع للحكم، والتقييد بيان، والرفع أصعب من البيان فيحتاط في الرفع مالا يحتاط في البيان، فلا يلزم من امتناع النسخ بالسنة الآحادية امتناع التقييد بها.
ويرجح تقييد الكتاب والسنة المتواترة بالسنة الآحادية بالإضافة إلى وهي ما استدل به المانعون منه ما يلي:
1 - أن كلا من مطلق الكتاب والسنة المتواترة ومقيد السنة الآحادية دليل يجب اتباعه، والعمل به، والذي يحقق هذا العمل وذلك الاتباع هو حمل المطلق على المقيد. لأن الفرد الذي فيه القيد يتناوله المطلق بإطلاقه وهو بطبيعة الحال يوجب المقيد الإتيان به. وبهذا يجمع بين الأدلة في الإعمال.
2 - التقييد صنو التخصيص، وقد ذكرنا إجماع الصحابة على جوازه بالسنة الآحادية.
هذا وقد دلت الأدلة القاطعة على وجوب العمل بالسنة الآحادية والتقييد بها عمل بها فتكون تلك الأدلة دالة على صحة التقييد بها ضمن دلالتها على وجوب العمل بها. والله أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكان الفراغ منه في شهر رمضان المبارك
سنة 1409 هجرية. في المدينة المنورة
فهرس المصادر
أولاً: القرآن الكريم وتفسيره
1 - أسباب النزول. لعلي بن أحمد الواحدي المتوفي 468 هـ ط مصر 1315 هـ.(34/182)
2 - أسباب النزول. لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطى المتوفي 911 هـ. المطبوع بهامش تفسير الجلالين. ط بيروت دار الفكر.
3 - التسهيل لعلوم التنزيل. لمحمد بن أحمد بن جزى المتوفى 741 ط مصطفى محمد مصر 1355 هـ.
4 - تفسير البحر المحيط. لمحمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي المتوفى 754 هـ. ط دار الفكر – بيروت - 1403 هـ.
5 - تفسير القرآن العظيم. للحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير المتوفى 774 هـ ط دار الفكر – بيروت - 1400 هـ.
6 - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ط - مؤسسة مكة المكرمة للطباعة والإعلام. مكة المكرمة 1398 هـ.
7 - جامع البيان في تفسير القرآن. لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى 310 هـ - ط دار المعرفة. بيروت 1398 هـ.
8 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور. لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي ط - مصر 1306 هـ.
9 - عناية القاضي وكفاية الراضي. للشيخ الشهاب الخفاجي ط. دار صادر.
10 - المفردات في غريب القرآن. لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني المتوفى 502 هـ. تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني ط - دار المعرفة - بيروت.
11 - نواسخ القرآن. لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي. المتوفي 597 هـ تحقيق د. محمد أشرف عك المليبارى. ط الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة 1404 هـ.
ثانيا: الحديث الشريف وما يتعلق به
12 - تهذيب السنن. للحافظ المحقق شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر، المعروف بابن قيم الجوزية المتوفي 751 هـ. تحقيق محمد حامد الفقي، ط مكتبة السنة المحمدية - القاهرة.
13 - جامع الترمذي - للحافظ أبي عيسى، محمد بن عيسى بن سورة الترمذي المتوفي 279 هـ المطبوع مع تحفة الأحوذي ط دار الفكر بيروت 1399 هـ.(34/183)
14 - سنن ابن ماجة. لأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزوينى المتوفي 273 هـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. ط عيسى البابى الحلبى 1313 هـ.
15 ـ سنن أبي داود. للحافظ أبي داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني المتوفي 275 هـ المطبوع مع شرحه عون المعبود. تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان. ط دار الفكر بيروت 1399 هـ.
16ـ سنن الدارقطني. للحافظ علي بن عمر الدارقطني المتوفي 385 هـ. تحقيق عبد الله هاشم المدني ط. دار المعرفة. بيروت 1386 هـ.
17ـ شرح صحيح مسلم. للحافظ الفقيه أبي زكريا محي الدين بن شرف النووي المتوفي 676 هـ ط. دار إحياء التراث العربي بيروت 1349 هـ.
18 ـ صحيح البخاري. للحافظ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفي 256 هـ. المطبوع مع فتح الباري. تحقيق وتصحيح وإشراف سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي. إخراج وتصحيح محب الدين الخطيب.
19 ـ صحيح مسلم. للحافظ أبي الحسين مسلم بن حجاج القشيري النيسابوري المتوفي 261 هـ المطبوع مع شرح النووي ط دار إحياء التراث العربي بيروت 1392 هـ.
20ـ غريب الحديث. لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي المتوفي 224 هـ. ط - دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان 1396 هـ.
21 ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري. للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفي 852 هـ المطبعة السلفية. القاهرة.
22 ـ قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث. للشيخ محمد جمال الدين القاسمي المتوفى 1332 هـ ط. دار الكتب العلمية - بيروت - 1399 هـ
23ـ مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخيار. للشيخ محمد طاهر الصديقي الهندي الفتني المتوفي 986 هـ. ط - مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن الهند - 1391 هـ.
24ـ المستدرك على الصحيحين. للحافظ محمد بن عبد الله النيسابوري الحاكم المتوفى 405 هـ - ط المطبوعات الإسلامية - حلب.(34/184)
25ـ المصنف في الأحاديث والآثار. للحافظ أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة المتوفى 235 هـ تحقيق عامر العمري الأعظمي. ط الدار السلفية - الهند.
26ـ معالم السنن. للحافظ أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي المتوفي 388 هـ تحقيق محمد حامد الفقي – ط مكتبة السنة المحمدية. مصر.
27ـ النهاية في غريب الحديث والأثر. لمجد الدين المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير المتوفي 606 هـ. تحقيق طاهر أحمد الزاوى ومحمود محمد الطناحي - ط دار الفكر بيروت.
3 - أصول الفقه
28 - ابن قدامة وآثاره الأصولية. للدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن السعيد. ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1458 هـ.
29 - إجابة السائل شرح بغية الأمل لمحمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى 1182 هـ تحقيق السياغي والأهدل. ط مؤسسة الرسالة بيروت 1406 هـ.
35 - الإِحكام في أصول الأحكام. لسيف الدين أبي الحسن على بن أبي علي بن محمد الآمدي، المتوفى 631 هـ. ط - دار الكتب العلمية، بيروت 1400 هـ.
31 - إحكام الفصول في أحكام الأصول. لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي. المتوفى 474 هـ تحقيق عبد المجيد التركي ط - دار الفكر 401 اهـ.
32 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول. للشيخ محمد بن علي بن محمد الشوكاني، المتوفى 1255 هـ، ط - دار المعرفة - بيروت 1399 هـ.
33 - الإشارات إلى مفاتيح الأحكام. للكرباسي ط. حجر 1245 هـ.
34 - أصول البزدوى. للشيخ علي بن محمد بن الحسين البزدوي، المتوفى 482 هـ. ط - دار الكتاب العربي - بيروت 1394 هـ.
35 - أصول السرخسي، للشيخ أبي بكر محمد بن أبي سهل السرخسي، المتوفى 490 هـ. ط - دار المعرفة، بيروت 1393 هـ.
36 - التحرير - لكمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد المجيد السيواسي، الشهير بابن الهمام، المتوفى 861 هـ. ط - مصطفى البابي الحلبي بمصر، مع تيسير التحرير سنة 350 أهـ.(34/185)
37 - التقرير والتحبير. للشيخ محمد بن محمد بن الحسن المعروف بابن أمير الحاج المتوفى 879 هـ. ط - دار الكتب العلمية 1402 هـ.
38 - التلويح على التوضيح. للشيخ سعد بن عمر بن عبد الله التفتازاني، المتوفى 792 هـ. ط - كراجي 1400
39 - التمهيد في أصول الفقه. للشيخ محفوظ بن أحمد بن الحسن أبي الخطاب الكلوذاني، الحنبلي، المتوفى 510 هـ. تحقيق: الدكتورين مفيد محمد أبو عمشة - ومحمد بن علي بن إبراهيم، ط - دار المدني، جدة، المملكة العربية السعودية. سنة 1456 هـ.
40 - التوضيح لمتن التنقيح. للشيح عبيد بن مسعود البخاري، الشهير بصدر الشريعة، المتوفى 747 هـ، ط - كراجي 1400 هـ.
41 - تيسير التحرير. للشيخ محمد أمين المعروف بأمير بادشاه، المتوفى 978 هـ. ط - مصطفى البابي الحلبي، مصر 1350 هـ.
42 - جمع الجوامع. لعبد الوهاب بن علي السبكي، الشهير بتاج الدين، المتوفى 771 هـ المطبوع مع حاشية العطار، ط - المطبعة العلمية 1316 هـ.
43 ـ السبب عند الأصوليين. للدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن بن علي الربيعة ط. مطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1399 هـ.
44 ـ شرح تنقيح الفصول. لشهاب الدين أبو العباس، أحمد بن إدريس القرافي، المتوفى 684 هـ، ط - شركة الطباعة الفنية المتحدة، مصر 1393 هـ.
45 ـ شرح الكوكب المنير. للشيخ محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي، المعروف بابن النجار المتوفى 972 هـ. تحقيق: الدكتور محمد الزحيلي، والدكتور نزيه حماد، ط: دار الفكر دمشق سنة 1400هـ.
46 ـ شرح المحلي على جمع الجوامع. للشيخ جلال الدين محمد أحمد المحلي، المطبوع مع حاشية العطار، ط - المطبعة العلمية بمصر 316 أهـ.
47 ـ شرح مختصر المنتهي. للشيخ عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار عضد الدين الإِيجي المتوفى 756 هـ. مراجعة وتصحيح: شعبان محمد إسماعيل. ط الفجالة الجديدة 1393 هـ.(34/186)
48 ـ العدة في أصول الفقه. للقاضي أبي يعلي، محمد بن الحسين الفراء البغدادي الحنبلي، المتوفى 458 هـ. تحقيق: الدكتور أحمد بن على سير المباركي. ط: مؤسسة الرسالة بيروت سنة 1400 هـ.
49 ـ العقد المنظوم في الخصوص والعموم. للقرافي. مخطوط الجامعة الإِسلامية مصور برقم 1791.
50 ـ فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت. للشيخ عبد العلي محمد بن نظام الدين محمد اللكنوي الأنصاري، المتوفى 1180 مصر. ط - المطبعة الأميرية بمصر 1322 هـ.
51 ـ كشف الأسرار. للشيخ علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري، المتوفى 735 هـ ط - دار الكتاب العربي، بيروت، 1394 هـ.
52 ـ مجموع، فتاوى شيخ الإِسلام أحد بن تيمية، لشيخ الإِسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن تيمية. جمع وترتيب: الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي. توزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث والإفتاء والدعوة والإرشاد 1404 هـ.
53 ـ المحصول في علم أصول الفقه. لمحمد بن عمر بن الحسن الشهير بفخر الدين الرازي، المتوفى 606 هـ تحقيق د/ طه جابر. ط - جامعة الإِمام محمد بن سعود الإِسلامية، الرياض، المملكة العربية السعودية.
54 ـ مختصر المنتهى. للشيخ جمال الدين عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب، المتوفى 646 هـ، ط - الفجالة الجديدة بمصر 1393 هـ.
55 ـ المستصفى من علم الأصول. لأبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، المتوفى 505 هـ، المطبوع مع مسلم الثبوت. ط - المطبعة الأميرية بمصر 1322 هـ.
56 ـ مسلم الثبوت. للشيخ محب الله بن عبد الشكور، المتوفى 1119 هـ. ط: المطبعة الأميرية بمصر 1322 هـ.(34/187)
57 - المسودة في أصول الفقه. لثلاثة علماء من آل تيمية، وهم: مجد الدين، أبو البركات عبد السلام ابن عبد الله بن الخضر، المتوفى 632 هـ، وشهاب الدين أبو المحاسن عبد الحليم بن عبد السلام، المتوفى 682 هـ. وتقي الدين أبو العباس شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، المتوفى 682 هـ.
جمع وتبييض: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الحراني، المتوفى 745 هـ، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، ط: دار الكتاب العربي: بيروت.
58 - المعتمد في أصول الفقه. لأبي الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري، المتوفى 436 هـ - تحقيق: محمد حميد الله، ط: دمشق 1384 هـ.
59 - مناهج العقول. للشيخ محمد بن حسن البدخشي، المتوفى 922 هـ. ط: محمد علي صبيح بمصر.
65 - منهاج الوصول إلى علم الأصول. للقاضي عبد الله بن عمر البيضاوي، المتوفى 685 هـ ط: محمد على صبيح بمصر.
61 - ميزان الأصول في نتائج العقول. لعلاء الدين شمس النظر أبي بكر محمد بن أحمد السمرقندي، المتوفى 539 هـ تحقيق: الدكتور خمد زكي عبد البر، ط: مطابع الدوحة الحديثة بقطر 1454 هـ.
62 - نشر البنود على مراقي السعود. للشيخ عبد الله بن إبراهيم الشنقيطي، المتوفى 1233 هـ. ط: مطبعة فضالة، المغرب.
63 - نفائس الأصول شرح المحصول. لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي المتوفى 684 هـ مخطوط في الجامعة الإسلامية بميكروفيلم رقم 2442.
الفقه
الفقه الحنفي
64 - البناية في شرح الهداية. لأبي محمد، محمود بن أحمد العيني، المتوفى 855 هـ. تصحيح: محمد عمر الرامفوري، ط: دار الفكر بيروت 1400 هـ.
65 - الهداية شرح بداية المبتدي. للشيخ علي بن بكر المرغيناني، المتوفى 593 هـ. المطبوعة مع البناية. ط: دار الفكر بيروت 1400 هـ.
الفقه المالكي
66 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد. لأبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، المتوفى 595 هـ، ط: دار المعرفة بيروت 1403 هـ.(34/188)
67ـ كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني للشيخ علي أبو الحسن المالكي المتوفى 939 هـ، ط: دار المعرفة للطباعة والنشر. بيروت لبنان.
الفقه الشافعي
68 ـ المجموع شرح المهذب. لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي، المتوفى 676 هـ. ط: دار الفكر.
69 ـ المهذب في فقه الإمام الشافعي. لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، المتوفي 476 هـ، ط: دار المعرفة، بيروت 1379 هـ.
70 ـ نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. لشمس الدين محمد بن أحمد الرملي، المتوفى 1004 هـ، ط: المكتبة الإسلامية بحلب.
الفقه الحنبلي
71 ـ المغني، لأبي محمد بن قدامة المقدسي، ط: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض المملكة العربية السعودية، سنة 1401 هـ.
72 ـ الروض المربع شرح زاد المقنع، للشيخ منصور بن يونس البهوتى. ط: مكتبة الرياض الحديثة 1390 هـ.
المعاجم اللغوية والاصطلاحية
73 ـ أساس البلاغة. لمحمود بن عمر الزمخشري، المتوفى 538 هـ. تحقيق: عبد الحليم محمود، ط: دار المعرفة بيروت 1399 هـ.
74 ـ تاج العروش من جواهر القاموس. لمحمد مرتضي الحسيني الزبيدي، المتوفى 1205 هـ. تحقيق: عبد العليم الطحاوي، ط: مطبعة حكومة الكويت 1400 هـ.
75 ـ التعريفات. لأبي الحسن علي بن محمد، الشهير: بالشريف الجرجاني، المتوفى 816 هـ، ط: دار الكتب العلمية بيروت 1403هـ.
76 ـ الصحاح. لإسماعيل بن حماد الجوهري، المتوفى 393 هـ أو 396 هـ. تحقيق: أحمد عبد الغفور عطارد ط: مطابع الكتاب العربي، القاهرة 1402 هـ.
77 ـ القاموس المحيط. لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، المتوفى 817 هـ. ط: مصطفى البابي الحلبي بمصر 1371 هـ.
78 ـ الكليات. لأبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي، المتوفى 1094 هـ. تحقيق: د/ عدنان درويش، ومحمد المصري. ط: مطابع وزارة الثقافة دمشق 1981 هـ.
79 ـ لسان العرب. لمحمد بن مكرم بن منظور، المتوفى 711 هـ. ط: دار صادر، بيروت 1376 هـ.(34/189)
80 - مختار الصحاح. لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، المتوفي 666 هـ. ط: دار الكتاب العربي بيروت 1967 م.
81 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي. لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، المتوفي 770 هـ، ط: المكتبة العلمية بيروت 1398 هـ.
82 - المعجم الوسيط. مجمع اللغة العربية. ط: مطابع قطر الوطنية - الدوحة 1985م.
83 - معجم البلاغة العربية. للدكتور بدوي طبانه، ط: دار العلوم للطباعة والنشر الرياض.
الطبقات والتراجم
84 ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب. لابن عبد البر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، المتوفى 463 هـ. تحقيق محمد على البيجاوي. ط مصر.
85 ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير. تعليق محمد البنا ومحمد عاشور ط: دار الشعب. القاهرة.
86 ـ الإصابة في تمييز الصحابة. للحافظ ابن حجر العسقلاني ط. مطبعة السعادة، القاهرة 1328 هـ.
87 ـ تقريب التهذيب. للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف. ط: دار المعرفة، بيروت: 1395 هـ.
88 ـ تهذيب الأسماء واللغات. لأبي زكريا النووي. ط: إدارة الطباعة المنيرية.
علوم متنوعة
89 ـ بدائع الفوائد. للإِمام محمد بن أبي بكر الشهير بابن قيم الجوزية المتوفى 751 هـ، ط: مطبعة الفجالة بمصر 1392 هـ.
90 ـ التهذيب. للسعد التفتازاني. ط: عيسى البابي الحلبي، المطبوع مع التذهيب.
91 ـ شرح ابن عقيل. للقاضي بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي، المتوفي 769 هـ. تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد ط. مطبعة السعادة بمصر 1384 هـ.
92 ـ شرح الشافية. لفخر الدين أحمد بن الحسن فخر الدين الجاربردى، المتوفي 746 هـ، ط: دار الطباعة العامرة سنة 315 هـ.
93 ـ الفوائد الضيائية، لنور الدين عبد الرحمن الجامى، المتوفي 798 هـ، دراسة وتحقيق: الدكتور أسامة طه الرفاعي، ط: مطبعة وزارة الأوقاف والشئون الدينية، بغداد، العراق.(34/190)
94 ـ المرشد السليم. للدكتور عوض الله جاد حجازي، ط: دار الطباعة المحمدية، بالقاهرة، مصر، سنة 1383 هـ.
---
(1) انظر: الصحاح (3/1059) ولسان العرب (7/100) وتاج العروس (18/187ـ188) .
(2) الفعل في اللغة: العمل. والمقصود هنا ما هو في اصطلاح النحاة وهو: "ما دل على معنى في نفسه، مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة"مثل (نصر) للماضي، و (ينصُر) للحاضر أو المستقبل. انظر: لسان العرب (3/528) وشرح ابن عقيل (1/ 264) .
(3) الفاعل: اسم فاعل من فعل يفعل. على وزن منيع يمنع وهو في اللغة: العامل. والمقصود هنا ما هو في اصطلاح النحاة وهو: "ما أسند إليه الفعل، أو شبهه وقدم عليه "مثل (زيد) في (خرج زيد) فإن زيدا أسند ونسب إليه (خرج) باعتبار صدوره منه وقيامه به. وقد قدم عليه. ومثل: (أخارج عمرو) فإن (عمرا) أسند إليه (خارج) وهو شبه الفعل، لأنه اسم فاعل. وهو يشبه الفعل في العمل حيث يعمل عمله في رفع الفاعل بشروط مبسوطة في كتب النحو.
انظر: الفوائد الضيائية (1/253،254) وانظر لمعنى اللزوم: شرح الكافية للرضى (2/272-273) والفوائد الضيائية (2/253-254)
(4) ق:4.
وللمعنى الذي يكون النقص بناء عليه لازما في هذه الآية الكريمة انظر جامع البيان (26/ 94) والبحر المحيط لأبي حبان (8/121) .
(5) راجع: شرح الكافية للمرضى (2/ 272) والفوائد الضيائية (2/ 274) .
الرعد: ا 4. وانظر: إعراب القرآن للنحاس (2/ 174-175) والبحر المحيط (5/ 0 40) .
(6) الاسم في اللغة: أصله سمو بكسر السين وضمها وسكون الميم على وزن حمل أو قفل. حذفت الواو وعوض عنها بالهمزة في أول الكلمة. وهو من السمو وهو العلو، لأن الاسم فيه تنويه با المسمى.
وفي الاصطلاح: "ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة". انظر: نحتار الصحاح (316) والكافية لابن الحاجب مع شرح الرضى (9/1) وشرح ابن عقيل (1/15) .(34/191)
(1) الحرف بفتح الحاء وسكون الراء في اللغة: الطرف والجانب، وبه سمى الحرف من حروف الهجاء. وفي الاصطلاح: "كلمة لا تدل على معنى في نفسها، بل تحتاج إلى انضمام كلمة أخرى إليها". مثل (من) فلا وحدها لا تدل على معنى، ولكنها تدل على الابتداء إذا انضم إليها كلمة أخرى مثل (البصرة) مثلا قولك: "سرت من البصرة"فهي تدل على الابتداء الثابت في البصرة) . انظر لسان العرب (9/ 41) وشرح الكافية للرضى (1/9) والفوائد الضيائية (1/ 171) .
(2) راجع: شرح ابن عقيل (1/ 499) .
(3) المرجع السابق (473/1-474) .
(4) المرجع السابق (4/ 345) .
(5) البلاغة لغة: التمام والوصول والانتهاء. واصطلاحا: المطابقة لمقتضى الحال. والمناسبة بت المعنيين أن المطابقة تفضي إلى الوصول إلى المطلوب عند البلغاء فبلاغة الكلام هو: "مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته"وتتأتى هذه المطابقة بأن يعتبر مع الكلام الذي يؤدي به المراد خصوصية ما، كالتأكيد مثلا عندما يكون المخاطب منكِرا لمقتضى الكلام الذي يوجه إليه، إذ حاله عندئذ يستدعى التأكيد، فيكون اعتباره مطابقة لمقتضى هذا الحال، على عكس الخالي عن الإنكار لخلو ذهنه عن مضمون الكلام الموجه إليه حيث يكون بلاغة الكلام معه بخلوه من التأكيد. انظر: مختار الصحاح (63) ومختصر المعاني (11 وا 2-22) وشرح عقود الجمان (6) .
(6) الإيجاز: مصدر أوجز يوجز، وهو لغة: الإِقصار، من الوجازة وهي القصر. وفي الاصطلاح: "أداء المقصود من الكلام بأقل من عبارات متعارف الأوساط ". وأبرز ما مثل به البلاغيون قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة} حيث تضمن هذا اللفظ الوجيز معاني كثيرة يحتاج أداؤها في متعارف الأوساط إلى عبارات كثيرة انظر: المصباح المنير (2/648) ومفتاح العلوم (493) وحلية اللب المصون (100) .
(7) راجع: منحة الجليل (1/ 499) ومعجم البلاغة (1/ 190) .
(8) انظر: شرح الشافية للجاربردي (1/58) .(34/192)
(1) ذكرت المعاني التي جاء بها النص في اللغة في كتاب "الزيادة على النص " (ص 8 ا- ا 2) راجع لتفصيلات هذه المعاني: أساس البلاغة (459) ولسان العرب (7/97) ضاج العروس (18/ 179) .
(2) متفق عليه. انظر: صحيح البخاري مع الفتح (3/518) وصحيح مسلم مع شرح النووي (9/34) .
(3) راجع: غريب الحديث لأبي عبيد (13/178) والنهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 64) وشرح النووي على مسلم (9/ 34) وفتح الباري شرح صحيح البخاري (13/518) .
(4) انظر: لسان العرب (7/98) وتاج العروس (18/ 180) .
(5) بينت تفاضل تلك الاصطلاحات في كتاب "الزيادة على النص" (ص/ 21-2) .
(6) راجع كليات أبي البقاء (4/ 366) .
(7) الحكم لا اللغة: المنع، والقضاء.
وفي العرف: "إثبات أمر لآخر، أو نفيه عنه ".
وفي اصطلاح الأصليين: "خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين على سبيل الاقتضاء، أو التخيير، أو الوضع.
وعند الفقهاء: "ما ثبت بالخطاب "كالوجوب، ونحوه، والمعنى الأخير هو المراد هنا راجع: مختار الصحاح (ص/148) والأحكام للآمدي (1/135) .
(8) المائدة: 6.
(9) راجع: تاج العروس (/404) والمعجم الوسيط (1/478) ، والتلويح على التوضيح (1/143) والسبب عند الأصوليين (31/2-32) .
(10) راجع: تاج العروس (1/171) والتعريفات (ص/75) ، والتهذيب للتفتازاني (ص 78/ 79) .
(11) انظر: التعريفات (ص/75) ، والمرشد السليم (ص/ 54) .
(12) أنظر: التعريفات (ص/ 75) ، والمرشد السليم (ص/ 34) .
(13) النسخ في اللغة: الإزالة. وفي الاصطلاح: "رفع حكم شرعي بدليل شرعي متراخ عه ".
انظر: مفردات القرآن (ص/512) وشرح الكوكب المنير (3/525) .
(14) راجع: إحكام الفصول (ص/ 409) وشرح المحلى على جمع الجوامع (2/114) وشرح الكوكب المنير (3/584) .
(15) راجع: التمهيد قي أصول الفقه (2/ 8 0 4) وفواتح الرحموت (2/ 94) .(34/193)
(1) راجع: تيسير التحرير (3/ 220) وأحكام الفصول (ص/ 409) وشرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 114) والعدة في أصول الفقه (3/837) .
(2) منهم: الكرخي، وعبد العزيز البخاريَ، وعبد العلي الأنصاري.
انظر: ميزان الأصول (ص/ 729) وكشف الأسرار (3/ 1679) وفواتح الرحموت (2/ 94) .
(3) منهم الغزالي. انظر: المستصفى (1/ 116) .
(4) وإليه ذهب عبد الجبار المعتزلي. انظر: المعتمد (1/ 447) والتمهيد (2/ 408) والمسودة (ص/ 213) .
(5) راجع. التحرير مع التيسير (3/ 220) والمختصر مع العضد (2/203) وشرح الكوكب المنير (3/ 383) .
(6) راجع. فواتح الرحموت 2/94-95)
(7) راجع: 1لعدة3/ 838، والتمهيد (2/408) .
(8) انظر: إحكام الفصول (ص/ 410) والأحكام للآمدي 3/554) .
(9) راجع. إحكام الفصول (ص 410) .
(10) راجع: مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت (2/ 93) .
(11) المرجع السابق.
(12) راجع: فواتح الرحموت (2/ 95) .
انظر: المرجع السابق
(13) المرجع السابق.
(14) المرجع السابق.
(15) المرجع السابق.
(16) راجع: المستصفى (1/ 116) .
انظر النفائس (2/ 286) .
راجع: المعتمد (1/ 148) والمستصفى (1/116) والمحصول (3/559) .
أنظر: فواتح الرحموت (2/ 94) .
(17) راجع النفائس (2/285) .
راجع: إحكام الفصول (ص/ 410) .
(18) راجع: تاج العروس (4/388) ولسان العرب (8/290) .
(19) راجع: جمع الجوامع مع العطار (2/28) والسبب عند الأصوليين (3/98)
البقرة: 185.
(20) المجادلة 120.
(21) المجادلة: 13.
(22) راجع: جامع البيان (28/ 5 ا-16) ونواسخ القرآن (ص/ 478- ا 48) .
(23) البقرة: 228.
(24) الطلاق: 4.
(25) انظر: جامع البيان (2/ 264) ونواسخ القرآن (ص/ 206) والدر المنثور (1/ 274) .
(26) راجع: تيسير التحرير (1/ 272) .
(27) لمعرفة مزيد من الفروق بينهما راجع: الأحكام للآمدي (3/165 وتنقيح الفصول (2/72) وإرشاد الفحول (ص/125-926) .(34/194)
(1) راجع: صحيح البخاريَ (6/ 4) وجامع البيان (17/ 64-67) ومرآة الأصول (1/ 334) .
(2) انظر: الأحكام للآمديَ (2/ 463) والمختصر مع شرح العضد (1/147-148) . وابن قدامة وآثاره الأصولية (1/251) .
(3) راجع: مسلم الثبوت مع شرحه (1/345،349) .
الأنبياء: 98.
الأنبياء: 101.
(4) راجع: أسباب النزول للواحدي (ص/ 229و- 230) وتفسير ابن جزي (3/33) وتفسير ابن كثير (3/ 199) وأسباب النزول للسيوطي بهامش تفسير الجلالين (ص/508،510) .
(5) راجع: الأحكام للآمدي (2/ 465) والأسنوي على المنهاج (2/110) ، والبد خشي على المنهاج (2/ 186) .
(6) راجع: تيسير التحرير (1/278) ومسلم الثبوت مع شرحه (1/ 301) .
(7) 1لعنكبوت:31.
(8) 1لعنكبوت: 32.
(9) راجع: تفسير ابن كثير (3/413) وحاشية الشهاب على البيضاوي (7/ 99-100)
والأحكام للآمدي (3/ 52) .
(10) المرجع السابق (3/52-53)
(11) هود ة 40.
(12) هود 46.
(13) هود. 46
(14) راجع: تفسير ابن كثير (2/448،449) والشهاب على البيضاوي (5/ 97-103) .
(15) راجع المستصفى (1/ 371-372) .
(16) القصص:29.
(17) المجمل لغة: المبهم. واصطلاحا. "ما خفي المراد منه بحيث لا يدرك إلاَّ ببيات ممن صدر منه"، "انظر: لسان العرب والمجموع (11/ 127) والقاموس المحيط (ص/ 1266) والمرقاة (ص/195) .
(18) راجع: تيسير التحرير (1/278) ، ومسلم الثبوت مع شرحه (1/ 4 0 3-3.3) .
(19) الأنفال: 41.
(20) رواه البخاري وغيره. انظر: صحيحه مع الفتح (6/247) .
(21) تقسيم الني صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى بين بنىِ هاشم وبني المطلب وعدم إعطاء غيرهم رواه البخاري وغيره. أنظر: صحيحه (6/244) .
(22) راجع: المستصفى (1/ 371) والمختصر مع العضد (2/ 164) وفتح الباري (6/ 244، 247، 248) .
(23) راجع: تيسرت التحرير (1/277) ومسلم الثبوت مع فواتح الرحموت (1/ 4 30) .(34/195)
(1) راجع: المستصفى (1/ 373) والأحكام للآمدىِ (3/ 9 5) .
(2) الجهل البسيط هو: "عدم العلم عما من شأنه أن يكون عالما"سمى به لكونه شيئا واحدا هو: عدم العلم فقط، فاستحق وصف البساطة التي هي عدم العلم فقط من أجزاء متعددة.
وأما الجهل المركب فهو: الاعتقاد الجازم غير المطابق للواقع "سمى به، لأنه اعتقاد الشيء على حلاف ما هو به، فاجتمع فيه جهلان عدم العلم، وعدم العلم بعدم العلم. وكون هذا مركبا من جزئين واضح؛ ومن هنا اشتهر أن الجاهل جهلا بسيطا هو: أنه لا يدري، ولكنه يدري أنه لا يدري. وأما الجاهل جهلا مركبا هو. أنه لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري. انظر التعريفات (ص/ 80) وكليات أبي البقاء (67/162) .
(3) راجع: مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت (1/303) . ...
(4) راجع: تيسير التحرير (1/175 ـ176) والتقرير والتحبير (1/ 245) ومسلم الثبوت مع شرحه (1/303) .
(5) راجع: المستصفى (1/378،180) .
(6) انظر: تيسير التحرير (1/175-176) ومسلم الثبوت مح شرحه (1/303) .
(7) راجع: الأحكام للآمدي (3/ 64) والعضد على المختصر (2/ 166) .
(8) انظر: المرجعين السابقين
(9) راجع: الأحكام (3/ 63- 64) .
(10) المرجع السابق، وشرح المختصر للعضد (2/166) .
(11) راجع: الأحكام للآمدي (3/ 63) .
(12) راجع: المرجع السابق.
(13) راجع: المستصفى (1/ 378) .
(14) راجع: شرح المختصر للعضد (2/166-167) .
(15) راجع: المرجع السابق.
(16) راجع: مسلم الثبوت وشرحه (1/303) .
(17) الليل الآية 3.
(18) الشمس الآية5.
(19) الكافرون الآية 3.
(20) 4 راجع جامع البيات (30/32 ا-133، 0 4 1، 13 2) وبدائع الفوائد (1/132-133) وتفسير ابن كثير (4/ 516،519، 561) وتيسير الكريم الرحمن (8/245، 247، 268) وشرح البدخشي على المنهاج (2/187) وشرح المنهاج للآسنوى (2 /19) .
(21) راجع: مغنى اللبيب (2/328) .(34/196)
(1) انظر الأحكام للآمدي (3/ 50- ا 5) .
(2) هو: عبد الله بن الزبعرى بن قيس الساعدي، كان شاعرا مشهورا، وكان من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونفسه قبل إسلامه، ثم أسلم وحسن إسلامه واعتذر عن زلاته حين أتى النبي صلى الله عليه وسلم.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات (ص/ 266) .
(3) راجع: جامع البيان (17/ 76) وتفسير ابن كثير (3/ 199) وتيسير الكريم الرحمن (3/ 131) .
(4) راجع الأحكام للآمدي (3/ 50) وشرح المنهاج للأسنوي (2/ 191) .
(5) الأنفال: 25.وراجع: الشهاب على البيضاوى. (4/ 265- 226) .
(6) راجع تفسير ابن كثير (2/ 446) .
(7) راجع: فواتح الرحموت (1/ 305) .
(8) راجع مسلم الثبوت مع فواتح الرحموت (1/304) .
(9) فواتح الرحموت (1/ 306) .
(10) راجع الأم للإمام الشافعي (4/ 71) .
(11) راجع فواتح الرحموت (1/ 304) .
(12) التوبة: الآية 41.
(13) النور: الآية 61.
(14) رواه الدارقطني. وذكر صاحب المعنى أن في إسناده ضعيفين انظر: سنن الدارقطني، والتعليق المغني (2/ 94-95) .
(15) رواه البخاري. أنظر: صحيحه مع الفتح (3/ 350) .
(16) البقرة: 43.
(17) رواه ابن ماجة بهذا اللفظ. ورواه البخاري بلفظ: "وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة".
راجع: صحيح البخاري مع الفتح (7/317) وسنن ابن ماجه (1/577) .
(18) هو: أبو حمزة، أنس بن مالك بن النضر، الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. خدمه عشر سنين مدة إقامته بالمدينة، روى عنه حديثا كثيرا، توفى رضي عنه بعد أن جاوز عمره مائة سنة، عام 93 هـ وقيل غير ذلك. انظر: تهذيب الأسماء واللغات (ص/ 137) .
(19) أي كرهوا المقام فيها وإن كانوا في نعمة إذْ تضرروا بالإقامة، حيث لم يوافقهم هواؤها، والكلمة مأخوذة من الجوى. وهو المرض، وداء الجوف. أنظر: النهاية لابن الأثير (1/ 262) وفتح الباري (1/337) .(34/197)
(1) اللقاح جمع لقحة بكسر اللام. وهي الناقة ذات اللبن وغزيرته. انظر: النهاية (4/318) وفتح الباري (1/338) .
(2) متفق عليه. واللفظ للبخاري. انظر: صحيحه مع الفتح (1/ 335) .
(3) هو: أبو العباس، عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، الصحابي ابن الصحابي المكي ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، لقب بحبر الأمة وترجمان القرآن دعا له النبي بها بالعلم. وهو أحد الستة من الصحابة الذين هم أكثرهم رواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم. توفى رضي الله عنه سنة 68 هـ. انظر: تهذيب الأسماء (ص/ 274) .
(4) رواه الدارقطني، وقال: لا بأس به. انظر: سننه (1/128) .
(5) راجع: شرح المنار لابن ملك (ص/ 74) .
(6) راجع. المنهاج مع شرحي الأسنوي والبدخشي (2/115،118) والمختصر مع شرح العضد (2/147-148) . وابن قدامة وآثاره الأصولية (2/251) .
(7) راجع. مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت (1/ 345 -3499) .
(8) راجع: المعتمد في أصول الفقه (1/278) .
(9) المرجع السابق.
(10) انظر: المنهاج مع شرحي الأسنوي والبدخشي (2/117) ، والمختصر مع العضد (2/148) والتمهيد لأبي الخطاب (2/151) .
(11) الاستقراء في اللغة: طلب الجمع، والتتبع من القرء وهو الجمع، وفي الاصطلاح: "هو: الحكم على كلي لوجوده في أكثر جزئياته "، مثل الحكم هنا على الكلي الذي هو التخصيص بأنه لا يتم إلا بالعام. لأن أكثر أفراد وجزئيات التخصيص تتبع، فوجد أنه تم بالعام. انظر: مختار الصحاح (ص/ 36) والتعريفات (ص/ 18) .
(12) راجع: فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/347) .
(13) رواه مسلم. انظر: صحيحه مع شرح النووى (7/ 230) .
(14) راجع: فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1/348) .
(15) راجع: المختصر مع شرح العضد (2/148) .
(16) انظر المعتمد (1/278) "والأحكام للآمدي (2/468) .
(17) راجع: المعتمد (11/ 278- 279) .
(18) المرجع السابق، والأحكام للآمدي (2/ 468) .(34/198)
(1) راجع. المعتمد (1/ 278- 279) .
(2) انظر: حاشية السعد على شرح العضد (2/147-148) والبدخشي على المنهاج (2/117) .
(3) أنظر: المرجعين السابقين.
(4) الأحزاب: 50.
(5) 1لنساء: 3.
(6) الطلاق: 2.
(7) هو: خزيمة بن ثابت بن الفاكه الأنصاري الأوسي، من السابقين الأولين شهد بدرا، وما بعدها من المشاهد توفى رضي الله عنه في صفين سنة سبع وثلاثين هجرية. انظر: الإصابة (ا/ 424) .
(8) جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة رضي الله عنه شهادة رجلين، رواه البخاري، وغيره، أنظر: صحيحه مع الفتح (6/21-22) .
(9) العثرى بفتح الأول والثاني وكسر الثالث وتشديد الأخير: نسبة إلى العثر. وهو: الاطلاع والوقوف على الشيء. والعثرى: هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي. سمي به، لأنه لا يحتاج في سقيه إلى تعب. فكأن صاحبه عثر على الماء بلا عمل منه. انظر: القاموس مع تاج العروس (12/ 526) ، وفتح الباري (3/ 349) ومجمع البحار (3/ 519) .
(10) النضح: بالفتح فالسكون: الرش، وما سقي بالنضح: هو الذي سقى بالساقية. راجع: القاموس المحيط (ص/313) وفتح الباري (3/ 349) .
(11) رواه البخاري. انظر: صحيحه مع الفتح (3/347) .
(12) رواه البخاري. انظر: صحيحه مع الفتح (3/ 351) .
(13) راجع. المنهاج مع شرحي الأسنوي والبدخشي (2/115-117) وشرح المختصر للعضد (2/147-148) وابن قدامة وآثاره االأصولية (2/251) .
(14) راجع مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت (1/ 345-349)
ومعنى تأخير المحرم: إن الخاص والعام إذا كان أحدهما مبيحا والآخر محرما، يجعل المحرم متأخرا عن المبيح واردا بعده في الزمن ليصبح ناسخا للمبيح المعتبر متقدما عليه زمنًا.
(15) راجع المعتمد (1/ 279-280) .
(16) عدم توريث بعض الصحابة من ماتوا معا ولم يعرف المتقدم موتا عن المتأخر رواه الحاكم في المستدرك، وقال عنه. وهذا حديث إسناد صحيح". انظر: المستدرك للحاكم (4/ 345) .(34/199)
(1) توريث – الصحابة رضي الله عنهم، الذين ماتوا معا، ود يعرف المتقدم موتا عن المتأخر، بعضهم من بعض، رواه أبن أبي شيبة، والدارقطني، وقال صاحب التعليق المغني على الدارقطني: "إسناده صحيح ".
انظر: مصنف ابن أبي شبة (11/ 346) وسنن الدارقطني والتعليق المغني (4/ 74) .
(2) راجع: المعتمد (1/ 280) .
(3) راجع: مسلم الثبوت وفواتح الرحموت (1/ 346) .
(4) راجع: مسلم الثبوت وشرحه (1/348) .
(5) قارن: المعتمد (1/ 278) والأحكام للآمدي (2/ 469) وشرح المختصر (2/148) .
(6) راجع: مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت (1/348) .
(7) المرجع السابق.
(8) 1لبقرة: 282.
راجح: المنهاج وشرحه للأسنوي (2/117) والمختصر مع شرح العضد (2/148) والتلويح للتفتازاني (1/ 41) .
(9) راجع: مسلم الثبوت مع شرحه (1/348) .
(10) الفاتحة: 2.
(11) الفاتحة: 4.
(12) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، كلام نفيس ومفيد في كثرة التخصيص وذكر رحمه الله أمثلة كثيرة من الكتاب الكريم للعمومات التي لم يدخلها التخصيص راجع لذلك: مجموع الفتاوى (6/ 441-445) .
(13) راجع: المنهاج وشرح الأسنوي (2/117) وشرح المختصر للعضد (2/148) .
(14) مسلم الثبوت وشرحه (1/348) .
(15) راجعْ الصحاح (2/529) والمعجم الوسيط (2/769) .
(16) راجع: النسخ في القرآن الكريم (1/ 145) .
(17) انظر: الصحاح (4/1518) ولسان العرب (10/226 - 229) .
(18) راجع جمع الجوامع لابن السبكي (2/ 71) .
(19) أنظر حاشية السعد على مختصر المنتهى (2/155) والعطار على جمع الجوامع (2/ 71) .
(20) انظر. ابن قدامة وآثاره الأصولية (2/259) .
(21) أنظر: ابن قدامة وآثاره الأصولية (2/ 259) .
(22) البقرة ة 234.
(23) المحادلة: 4.
(24) راجع: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/283) وإرشاد الفحول للشوكاني (ص/154) .(34/200)
(1) السبب لغة: ما يتوصل به إلى مقصود ما. واصطلاحا: "الوصف الظاهر المنضبط الذي دل الدليل السمعي على كونه معرفا لحكم شرعي ". انظر: مختار الصحاح (ص/ 281) ، والسبب عند الأصوليين (1/188) .
(2) 1لما ئد ة: 3.
(3) 1لأنعام: 145.
(4) راجع: جامع البيان عن تأويل القرآن للطبري (12/193) .
(5) مختصر المنتهى مع شرح العضد، وحاشية السعد (2/156) والمنهاج مع شرحه (2/139، 140) وشرح المحلى على جمع الجوامع وحاشية العطار (2/76) وشرح مسلم الثبوت (1/362) .
(6) راجع:شرح المختصر وحاشية السعد (2/156) وشرح المحلى وحاشية العطار على جمع الجوامع (2/76) وإرشاد الفحول (ص/154) .
(7) المائدة: 38.
(8) المائدة: 6.
(9) راجع: شرح المختصر للعضد (2/ 156) والمنهاج مع شرح الآسنوي والبدخشي (2/ 40 ا-142) وابن قدامة وآثاره الأصولية (2/ 262) .
(10) المراجع السابقة.
(11) 1لمائد ة: 6.
(12) هو: عمار بن ياسر بن عامر العنسي، الصحابي، كان من السابقين إلى الإِسلام عذب في الله تعالى على إسلامه، فيه وفي أبيه وأمه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة"هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وشهد معه بدرا وأحدا، وجميع المشاهد. راجع: تهذيب الأسماء واللغات (2/37) .متفق عليه، واللفظ للبخاري.
انظر صحيح البخاري مع الفتح (1/ 445) وصحيح مسلم مع النووي (4/ 61) .
(13) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
انظر صحيح البخاري مع الفتح (1/ 445) وصحيح مسلم مع النووي (4/ 61) .
(14) رواه الدارقطني. وبين المحدثون أن إسناده ضعيف.
راجع: سنن الدارقطني (1/77) ونيل الأوطار (1/ 332-333) .
(15) جامع البيان (8/ 414) والمبسوط للسرخسي (1/107) وبداية المجتهد (1/68) المغني (1/ 244) .
(16) النساء: 92.
(17) المجادلة: 3.
(18) راجع: أحكام الفصول (ص/ 281) والتبصرة (ص/ 2 21) والتمهيد في أصول الفقه (2/ 280) .(34/201)
(1) انظر: أصول السرخسي (1/267،268) ونشر البنود (1/268) والعدة لأبي يعلي (2/638) .
(2) راجع: مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد (2/ 156) والأحكام للآمدي (3/ 4) وشرح الكوكب المنير (3/ 402) .
(3) انظر: شرح المختصر للعضد (2/157) والمنهاج مع شرح الأسنوي والبدخشي (2/ 129) وابن قدامة وآثاره الأصولية (2/261)
(4) راجع: مسلم الثبوت مع شرحه (1/266) وحاشية سعد على مختصر ابن الحاجب (2/157) .
(5) 1لحجرات: 6.
(6) انظر: التمهيد في أصول الفقه (2/ 185) .
(7) الأحزاب: 25. وانظر: تفسير ابن كثير (3/ 489) .
(8) ق: 17. وانظر: تفسير ابن كثير (4/ 225) .
(9) البيت لعمرو بن امرئ القيس. انظر: خزانة الأدب (4/283) .
(10) انظر: معاني القرآن للفراء (1/ 231) وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة (ص: 228) والعدة في أصول الفقه (2/640-641) وابن قدامة وآثاره الأصولية (2/261) .
(11) انظر: المعتمد في أصول الفقه (1/ 4 31) والتمهيد لأبي الخطاب (2/182) .
(12) راجع: الأحكام للآمدي (2/ 112) والتوضيح مع التلويح (1/ 64) .
(13) انظر: الأحكام للآمدي (3/4) والعدة في أصول الفقه (2/ 647) .
(14) راجع: التمهيد في أصول الفقه (2/ 186) .
(15) راجع: التمهيد في أصول الفقه (2/ 186) .
(16) راجع: تخريج الفروع على الأصول للزنجاني (ص/ 134) .
(17) راجع: إرشاد الفحول للشوكاني (ص/ 155) .
(18) 1لمائد ة: 101.
(19) رواه مسلم. انظر: صحيحه مع النووي (9/ 100- ا10) وانظر: لهذا الاستدلال أصول السرخسي (1/268) .
(20) راجع: تفسير ابن كثير (2/ 105) .
(21) 1لنحل/ 43.
(22) راجع: البزدوي مع شرحه للبخاري (2/608) والتوضيح مع التلويح (1/ 64) .
(23) انظر: الأحكام للآمدى (2/ 112) والتوضيح مع التلويح (1/ 64) وإرشاد الفحول للشوكاني (ص/ 155) .
(24) انظر: شرح المنهاج للآسنوي (2/ 139) .
(25) أنظر: مسلم الثبوت مع شرحه (1/ 365) .(34/202)
(1) راجع: أصول البزدوى مع كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري (2/608) ، والتحرير مع التقرير والتحبير (1/ 296) ، والمحلى على جمع الجامع (2/77) والبدخشي على المنهاج (2/ 139) .
(2) انظر: شرح مسلم الثبوت (1/ 365) .
(3) راجع: شرح المختصر للعضد (57/2 1) والبدخشي على المنهاج (2/ 139) 4 وابن قدامة وآثاره الأصولية (2/ 261) .
(4) انظر: نهاية الوصول (1/ 279) وإجابة السائل (ص/ 349) .
(5) متفق عليه. انظر: صحيح البخاري مع الفتح (3/376) وصحيح مسلم مع النووي (7/ 1 6) .
(6) رواه مسلم. انظر: صحيحه مع شرح النووي (7/ 59-. 6) .
(7) تبين مذهبهم هذا من أنهم لا يرون زكاة الفطر على الكافر لوجود قيد المسلمين. انظر: بداية المجتهد (1/ 280) ونهاية المحتاج (3/112) والمغنى لابن قدامة (3/ 56) .
(8) انظر: كشف الأسرار للبخاري (2/ 287) والتوضيح (1/ 63) والتقرير والتحبير (1/ 296) .
(9) راجع: مسلم الثبوت مع شرحه (1/366-367) .
(10) راجع: المرجع السابق.
(11) راجع: جامع البيان (12/ 193) .
(12) لأنفال: 75.
(13) لأحزاب: 6.
(14) انظر: الجامع لأحكام القرآن (8/58) ومجموع الفتاوى (15/442-443) .
(15) رواه أبو داود الترمذي وقال: "حديث حس".
انظر: سنن أبى داود (438/4) وجامع الترمذي مع التحفة (2/252،255) .
(16) رواه أبو داود الترمذي، وقال المنذري في راوي الحديث: "وبهز بن حكيم وثقه بعضهم، وتكلم فيه بعضهم قال العلامة ابن القيم "وقد قال على ابن المديني. حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح. وقال الإمام أحمد "بهز بر حكيم عن أبيه عن جده صحيح ".
انظر: سنن أبي داود (4/453) وجامع الترمذي (2/252) ومختصر سنن أبي داود (2/194) وتهذيب السنن (2/194) .
(17) راجع: الهداية مع البناية (3/ 39) وبداية المجتهد (1/ 2 25) والمهذب مع المجموع (5/355) والمغني لابن قدامة
(2/576) .
(18) لبقرة/185.
(19) البقرة/ 196.(34/203)
(1) النساء/ 92.
(2) المائد ة/ 89.
(3) راجع: جمع الجوامع مع شرح المحلى (2/78) ونهاية السول (2/ 181) . وابن قدامة وآثاره الأصولية (2/ 1 26-262) و (إرشاد الفحول (ص/ 156) .
(4) حديث غسل الإناء سبعا من ولوغ الكلب، متفق عليه.
انظر: صحيح البخاري مع الفتح (1/ 274) وصحيح مسلم بشرح النووي (3/182-183) .
(5) انظر: الروايات المختلفة للحديث: فتح الباري (1/ 274-27) . وراجع: الفروق للقرافي (1/193) .
(6) 1لفتح/ 23.
(7) انظر: مفردات الراغب (ص/ 245) .
(8) رواه مسلم. انظر: صحيحه مع شرح النووي (7/ 104) .
(9) انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 409) .
(10) انظر: لسان العرب (13/224-226) والقاموس المحيط (ص/1558) . ولشيخنا عبد الغني عبد الخالق رحمه الله كلام نفيس حول المعنى اللغوي للسنة أنظره في كتابه حجية السنة (ص/45 ـ 49) .
(11) راجع: قواعد التحديث (ص/ 38،35) وتوجيه النظر (ص/2) .
(12) راجع: تيسير التحرير (3/ 9 ا- 20) وشرح المختصر للعضد (2/ 22) ، الأحكام للآمدي (1/ 241) والمختصر لابن اللحام الحنبلي (ص/ 74) .
(13) راجع: الهداية وشرحه فتح القدير (1/423) وشرح الرسالة لأبي الحسن (1/ 21) وشرح المنهج (1/246) والروض المربع (1/ 35) وحجية السنة (ص/ 51-67) .
(14) راجع: تاج العروس (9/ 264- 265) .
(15) المتواتر في اللغة: المتتابع، وفي اصطلاح المحدثين: "ما رواه جمع لا يمكن تواطؤهم وتوافقهم على الكذب عن مثلهم من أوله إلى آخره، ومستند روايتهم الحس، وأفاد خبرهم العلم لسامعه ".
انظر: نزهة النظر (ص/ 21) .
(16) المشهور في اللغة. الذائع المنتشر، وفي الاصطلاح: "ما كان من الآحاد في الأصل، ثم انتشر فصار ينقله قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب. وهم القرن الثاني فمن بعدهم، وأولئك قوم ثقات أئمة لا يتهمون، فصار بشهادتهم وتصديقهم بمنزلة المتواتر". انظر: المغني للخبازي (ص/ 192-193) .
(17) النساء/ 24.(34/204)
(1) متفق عليه. انظر: صحيح البخاري مع الفتح (9/ 160) وصحيح مسلم مع النووي (9/ 190) .
(2) راجع العدة في أصول الفقه (2/552) .
(3) انظر: الإشارات إلى مفاتيح الأحكام (1/ 180) .
(4) التعارض في اللغة: التمانع، وفي الاصطلاح: "التمانع بين الأدلة مطلقا بحيث يقتضي أحدهما عدم ما يقتضيه الآخر". انظر: المصباح المنير (2/403) والتعارض والترجيح (1/ 31) .
(5) راجع: أصول السرخسي (1/ 142) ، وكشف الأسرار للبخاري (1/ 294) والتيسير (3/ 12) .
(6) هو: عمر بن الخطاب بن نفيل العدوى. أمير المؤمنين، ثاني الخلفاء الراشدين المشهور بالعدل. جم الفضائل، وفير المناقب، كثير المزايا ولد سنة 40 قبل الهجرة، وتوفى رضي الله عنه سنة 23 هـ.
انظر: تقريب التهذيب (ص/253) وأسد الغابة (4/52،78) .
(7) هي: فاطمة بنت قيس بن خالد الفهري صحابية مشهورة. كانت من المهاجرات الأوائل، روت أحاديث عدة. انظر: الاستيعاب (4/ 1901) .
(8) رواه مسلم وغيره. انظر: صحيحه (2/1114، 1117 رقم 1480) .
(9) الطلاق: 6.
(10) أخرجه مسلم. انظر: صحيح مسلم (2/1118 ـ 1119رقم 1480) .
(11) راجع: العقد المنظوم (ص/237) وشرح المختصر للعضد (2/ 150) .
(12) راجع: المحصول للرازى (1-3/ 143) .
(13) انظر: المرجع السابق، والعقد المنظوم (ص/238) .
(14) راجع: جمع الجوامع مع شرح المحلى (2/27-28) والأسنوي على المنهاج (2/ 20 ا-123) .(34/205)
طَرَسوس
صفحة من جهاد المسلمين في الثغور
بقلم الدكتور/ جميل عبد الله المصري
الأستاذ المشارك
في كلية الدعوة وأصول الدين
الحمد لله، بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدى، ودينا لحق، ليظهره على الدين كله، وأيده بصحابة كرام، اختارهم على علم، وخصّهم بصحبته، فحملوا الأمانة، وسّلموها إلى من بعدهم من التابعين، الذين سلّموها إلى من بعدهم، وهكذا إلى أن وصلتنا نقية.
وبعد:
فقد سار الفتح الإسلامي وفق خطة راشدة مستنيرة، اتضحت معالمها على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائد هذه الأمة، وسار عليها الخلفاء الراشدون، وخلفاء بني أمية، وبني العباس. هذه الخطة تهدف إلى تثبيت الدعوة في الداخل، وتبليغها، ومدّها في أقطار الأرض، وتعتمد المحافظة على شخصية الفرد المسلم ودمه، فلا مجازفة، ولا امتداد بالفتح، إلا بعد إقامة قواعد ثابتة للمسلمين، تتولّى إقامة حياة إسلامية، فتنطلق منها الدعوة إلى غيرها. وتبعا لذلك، فقد كانت بلاد الإسلام كلّها ثغور، وكلّ أهلها مثاغرون، فكل مسلم على ثغرة من ثغور الإسلام، كما قال صلى الله عليه وسلم: "أنت على ثغرة من ثُغَر الإسلام، فلا يؤتين من قبلك".
وأهم طرق تبليغ الدعوة: الجهاد في سبيل الله، وهو فرض على المسلمين، وكانت كل مدينة من مدن المسلمين مركزا من مراكز نشر الدعوة، ومعسكرا لمواصلة الفتوح، هذا دور المدن التي مصّرها المسلمون في العراق، والشام، وفارس، ومصر، وشمال إفريقيا، وتركستان، والهند، وآسيا الصغرى.(34/206)
ومنذ العهد الأموي انتقلت مراكز الجهاد إلى الحدود، وتكفل جند الدولة بالجهاد-ذلك الجند المرصود في العاصمة دمشق، أو المقيم في الأمصار الإسلامية (كالبصرة، والكوفة، والفسطاط، والقيروان....) أو على الأطراف في الثغور. ولم يتغيّر هذا الوضع في عهد الدولة العباسية الأولى. واستمر أهل الإِيمان يخرجون للرباط في نواحي الحدود، ويشتركون في الجهاد، حسبة لله وتطوعا، ولم تخل بلاد الإسلام أبداً من أفذاد يتطوعون للرباط، أو الجهاد، ويخفّون إلى مناطق الثغور والسواحل، للاشتراك في ذلك العمل الجليل مع الجند، أو الانفراد به. وطَرَسوس من المدن التي مصّرها المسلمون في العهد العباسي في آسيا الصغرى، وقامت بدور جهادي بطولي هو موضوع بحثنا هذا بإذن الله.
وطرسوس: بفتح الطاء والراء [1] ، من مدن آسيا الصغرى، على ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى الشمال الغربي من أنطاكيا، من ثغور الشام المشهورة، مع المصيصة [2] ويبعد عنها مضيق البوسفور أكثر من 450 ميلا في خط مستقيم قاطعا هضبة آسيا الصغرى الجبلية [3] وكانت قاعدة للهجوم الإسلامي على القسطنطينية [4] ، منذ تمصيرها، براً أو بحرا، إذ تشرف على المدخل الجنوبي للدرب المشهور عبر جبال طوروس المعروف بأبواب قليقية [5] . فكان بينها وبين حدّ الروم جبال منيعة متشعبة من اللكام [6] . كما كان يشقها نهر البردان (نهر كودنس) [7] ومنبعه من جبل في شمال طرسوس يعرف بالأقرع، ويصب في بحر الروم، (البحر الأبيض المتوسط) غير بعيد عن المصبّ الحديث لنهر سيحان.
وفي ناحية الغرب وعلى مرحلة من طرسوس نهر اللامس، الذي شهد أحداث الفداء بين المسلمين والروم [8] مرات كثيرة.
طرسوس في عهد الخلافة الراشدة والدولة الأموية 11-132 هـ:(34/207)
تمكن المسلمون في عهد عمر بن الخطاب (13-23 هـ) من تحرير بلاد الشام من الحكم الروماني الييزنطي، وبلغ أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه قائد الجبهة الشامية أقصى شمال الشام عندما فتح قنسرين ثم أنطاكيا، وأسلم بعض أهلها، ورابط فيها المسلمون من أهل النيات والحسبة. وأصبحت أنطاكيا قاعدة التحرك الإسلامي إلى آسيا الصغرى قبل تمصير طرسوس [9] .
وكان فيما بين الاسكندرونة وطرسوس حصون ومسالح للروم [10] ، وعندما غادر هرقل الشام إلى غير رجعة عام 16هـ أخذ هرقل أهل هذه المدن والحصون معه [11] ، وشعث الحصون [12] ، في خطة تعرقل سير المسلمين إلى آسيا الصغرى. بحيث لا يسيرون في عمارة متصلة ما بين أنطاكيا وبلاد الروم [13] . فكان المسلمون إذا توغلوا في بلاد الروم لا يجدون أحدا، وربما كمن عندها الروم فأصابوا غرة المتخلفين، فاحتاط المسلمون لذلك [14] .
وكان أول القادة المسلمين وصولا إلى طرسوس أبو عبيدة رضي الله عنه، غزا الصائفة فمرّ بالمصيصة، وطرسوس، وقد جلا أهلهما، وأهل الحصون التي تليها، فأدرب وبلغ في غزاته زندة، وقيل إنما وجه ميسرة بن مسروق العبسي [15] .
وفي عام 25 هـ غزا معاوية والي الشام الروم، فبلغ عمورية، ووجد الحصون التي بين أنطاكيا وطرسوس خالية، فجعل عندها جماعة كثيرة من أهل الشام والجزيرة وقنسرين، حتى انصرف من غزاته [16] . ولما أغزى يزيد بن الحرّ العبسي الصائفة أمره بمثل ذلك. ولما خرج هدم الحصون إلى أنطاكيا [17] ، وأَتمّ معاوية عملية الهدم هذه في غزوته من ناحية المصيصة عام 31 هـ[18] .
وفتح جنادة بن أبي أمية الازدي طرسوس عام 53 هـ في غزو المسلمين القسطنطينية زمن معاوية رضي الله عنه [19] .(34/208)
وبقيت طرسوسِ قاعدة لانطلاق القوات الإسلامية إلى بلاد الروم، وقاعدة لانطلاق القوات البيزنطية إلى بلاد الإسلام، طيلة عهد بنى أمية، فكانت تنطلق منها قوات الجهاد الإسلامي إلى القسطنطينية، وإلى بلاد الروم سنويا على نظام الصوائف والشواتي التي استنها معاوية في حرب الروم. وعندما كان الروم يغتنمون غرّه من المسلمين أو ضعفا كانوا ينطلقون من طرسوس كما فعلوا عندما هاجموا أنطاكيا عام 79 هـ[20] .
وتقدم الأمويون خطوة بعد انطاكيا، حينما مصّروا مدينة المصيصة عام 74 هـ في عهد عبد الملك بن مروان، ومصّرها ابنه عبد الله وبنى مسجَدها، وشحنت بالجند عام 85 هـ[21] . وقام الوليد بن عبد الملك (86 96هـ) بتعمير ما بين أنطاكيا والمصيصة [22] ، فأصبحت من ديار الإسلام. وفي عام 93 هـ غزا العباس بن الوليد الروم ففتح سبسطية، والمرزبانين وطرسوس [23] .
وعلى العموم فإن المسلمين في عهد بني أمية كانوا يغزون الروم بأهل الشام والجزيرة صائفة وشاتية مما يلي ثغور الشام والجزيرة، وتقيم الدولة للراكب الغزو، وترتب الحفظة في السواحل [24] ، دون أن تجعل من هذه الأماكن المتقدمة قاعدة دائمة من القواعد الإسلامية، وهي خطة تقوم على التريث، وعدم الاندفاع في مغامرات غير مضمونة النتائج، وعندما كانت الدولة تحسّ بالوقت الملائم للتقدم، تتقدم كما فعلت في تمصير أنطاكيا وقنسرين، والمصيصة. ويظهر أن الأوضاع المناسبة لم تظهر لتمصير طرسوس في العهد الأموي. واحتاج الأمر لسنين طويلة من العهد العباسي حتى تمّ تمصيرها. وبقيت خلال هذه الفترة تقوم بالدور المناط بها كقاعدة لانطلاق القوات فقط.
طرسوس في عهد قوة الدولة العباسية 33 1- 248 هـ:
ظهرت الدولة العباسية عام 132 هـ، على أنقاض الدولة الأموية، وقامت بدورها في تثبيت الإِسلام، ومدِّه في البلاد التي فتحها المسلمون في عهد الأمويين [25] .(34/209)
وكان الروم بقيادة الإمبراطور قسطنطين الخامس (741- 775 م) قد انتهزوا فرصة انشغال الدولة العباسية بالتمكن لنفسها، فأغاروا على الحدود الإِسلامية، وآتوا على جهود المسلمين في التحصين، ودمروا خطوط حصون الفرات، ثم الخط الممتد بين الفرات إلى البحر. وهددوا النظام الثغري كله تهديداً خطيراً [26] .
فأمر أبو العباس السفاح (132- 136 هـ) بإعادة تمصير المصيصة، وتم ذلك في عام 139 هـ في عهد أبي جعفر المنصور (136158هـ) . ولما رغب امبراطور الروم في فداء الأسرى، وأبى المنصور، كتب إليه الإِمام الأوزاعي رسالة شديدة اللهجة بالمبادرة إلى الفداء [27] . فنزل المنصور عند كتاب الأوزاعي وجرى الفداء واستحق الأوزاعي منذ ذلك الوقت لقب "عالم الأمة" [28] .
ولما تجدد تهديد البيزنطيين للنظام الثغري وسقطت اللاذقية بأيديهم عام 40 اهـ، انبرى الأوزاعي لإنذار الخليفة بخطورة الأمر، وطلب منه أن يأمر بتخصيص أعطيات سنوية لأهل الساحل حتى يَقْووا على المرابطة، وحراسة الأبراج والحصون الساحلية.
فتتبع المنصور حصون السواحل ومدنها فمصّرها، وحصّنها، وبنى ما احتاج البناء منها [29] . وجدّد الصوائف والشواتي، فقام العباس بن محمد بن علي عام 139 هـ بالغزو على الصائفة، ومعه صالح بن علي الذي بنى ما هدمه البيزنطيون من ملطية [30] .
واستعمل المنصور وسائل إغراء كثيرة لحث الجند والناس على العمل في الثغور واستيطانها منها: زيادة العطاء لكل مقاتل عشرة دنانير إضافية وتخصيص معونة قدرها مائة دينار لكل واحدا منهم، وبناء بيوت خاصة لإِقامتهم مع عوائلهم. فاستكمل المنصور مرحلة الدفاع والتحصينات.
ولإدراك المنصور لأهمية الجهاد في الثغور، لم ينس وهو على فراش الموت أن يوصي ابنه المهدي بشحن الثغور، وضبط الأطراف، إذ قال له [31] :(34/210)
"وليكن أهم أمورك إليك أن تحفظ أطرافك، وتسدّ ثغور.. وارغب إلى الله في الجهاد، والمحاماة عن دينك، وإهلاك عدوك، بما يفتح الله على المسلمين، ويمكّن لهم في الدين، وابذل في ذلك مهجتك، ونجدتك ومالك، وتفقّد جيوشك ليلك، ونهارك، واعرف مراكز خيلك، ومواطن رحلك، وبالله فليكن عصمتك، وحولك، وقوتك ".
وسار المهدي (1581- 169 هـ) على هذه السياسة الرشيدة بالفعل، فاستتمّ ما كان بقي من المدن والحصون وزاد في شحنها [32] . فتقدمت مراكز المسلمين الثّغْريّة واقتربت من طرسوس.
وأخذ المهدي يوجه الحملات لجهاد الروم، فغزا الحسن بن قحطبة الطائي بلاد الروم عام 162 هـ، في أهل خراسان، وأهل الموصل والشام، وإمداد اليمن، ومتطوعة العراق والحجاز، ومعه مندل العنزي محدث الكوفة، ومعتمر بن سليمان البصري. ولما رجع من بلاد الروم مما يلي طرسوس، نزل في مرجها، وركب إلى مدينتها وهي خراب، فنظر إليها، وأطاف بها من جميع جهاتها، وحزر عدة من يسكنها فوجدهم مائة ألف.
ولما قدم الحسن على المهدي وصف له أمر طرسوس وما في بنائها وشحنها من غيظ العدو وكبته، وعزّ الإسلام وأهله، كما أخبره بأهمية بناء مدينة الحدث في الثغور الجزرية. فاستجاب المهدي وأمر بتمصير الحدث أولا، وأوصى ببناء طرطوس. فمصّر علي بن سليمان بن علي والي الجزيرة وقنسرين مدينة الحدث [33] . قبل مدينة طرسوس.(34/211)
وأما الرشيد [170- 193 هـ] ، الذي تمرس على غزو الروم في عهد أبيه، شاباً، فقد اجتهد في الغزو وأمام من الصناعة ما لم يقم بمثله، وقسم الأموال في الثغور والسواحل، وأشجى الروم [34] . وعندما بلغه عام 171 هـ ائتمار الروم بالخروج إلى طرسوس لتحصينها، وترتيب المقاتلة فيها، أغزى الصائفة هرثمة بن أعين، وأمره بعمارة طرسوس وبنائها وتمصيرها، وأجرى أمرها على يدي فرج بن سليم الخادم التركي [35] . فقام فرج ببنائها، وأحكمه، وجعل على نهرها الذي يشقها في وسطها القناطر المعقودة، وجُعل لها سور من حجارة، وستة أبواب، وخندق واسع. كما أقام حولها سبعة وثمانين برجاً. ومسح ما بين النهر إلى النهر فبلغ ذلك أربعة آلاف خطة، كل خطة عشرون ذراعاً في مثلها، ثم انتدب إليها الناس، فكانت الندبة الأولى من أهل خراسان، وهم ثلاثة آلاف رجل، ثم كانت الندبة الثانية وهم ألف رجل من أهل المصيص، وألف رجل من أهل انطاكيا على زيادة عشرة دنانير من أصل العطاء. وعسكرت الندبتان على باب الجهاد في مستهل عام 172 هـ. إلى أن تم بناء طرسوس وتحصينها وبناء مسجدها الجامع، فأقطع فرج أهل طرسوس الخطط، وسكنتها الندبتان في شهر ربيع الأول عام 172 هـ.(34/212)
أصبحت طرسوس قاعدة الإسلام المتقدمة في بلاد الروم، فتدافع إليها المجاهدون من بقاع العالم الإسلامي، وأصبحت بلدة في غاية العمارة والخصب، تمتد قراها على مساحات واسعة. وأصبح فيها زهاء مائة ألف فارس فيما يزعم أهلها، وليس من مدينة عظيمة من سجستان، إلى كرمان، وفارس، والجبال، وخوزستان، وسائر العراق، والحجاز، واليمن، والشامات، ومصر، إلاّ ولها لأهلها دار أو أكثر ينزلها أهلها إذا وردوها [36] للتجارة أو الجهاد أو العلم، كما أصبح لها وقوفات في سائر بلاد الإسلام، وخاصة في حلب، تمدّها بالأموال لصرفها في حركة الجهاد. وتردها الجرايات والصلات، وتدرّ على أهلها الأنزال والحملان العظيمة الجسيمة، إلى ما كان السلاطين يتكلفونه وينفذونه متطوعين وأصبحت موئلا للصالحين والمجاهدين. وزخرف المدينة بالمساجد الجامعة، والمساجد والمدارس، والربط، والمشاهد والأسواق، وكانت لها شوارع رئيسية تتفرع من أبواب الإمارة كان عرض كل منها ثمانين ذراعاً (40 مترا) وكانت تؤدي إلى أبواب المدينة، وتفرعت من هذه الشوارع دروب وسكك كما هي العادة في المدن الإسلامية.(34/213)
واتخذت أهميتها كموقع جهادي متقدم لاهتمام الرشيد بالثغور إجمالا، فقد عزلها عن ولاية الجزيرة وقنسرين، وجعلها حيزاَ واحداً، وأقام منطقة منفصلة أطلق عليها اسم منطقه العواصم [37] . ورتب لها جيشاً دائماً يرابط على طول الحدود، وقام بتحصين وبناء زبطرة وعين زربة، والهارٍونية، واهتم بعمارة الحدث بعد أن شعّثها الروم. بل وأراد أن يسكن أنطاكيا ليكون قريبا من الروم، في خطة للقضاء على الإمبراطورية البيزنطية، ولكنه عدل عن سكناها [38] . ونزل عام180 هـ الرقة واتخذها وطنا [39] ، ليشرف إشرافاً تاماً على الثغور، وعلى الشام التي اتسمت في تلك الفترة بحوادث العصبية [40] . وبذلك كله أصبحت طرسوس الثغر الإسلامي المتقدم في بلاد الروم، يقوم بواجبه في الجهاد. إلى جانب أنه القاعدة الرئيسية لانطلاق الجيش الإسلامي إلى جهاد الروم، فأصبحت شجىً في حلق الروم [41] .
ففي عام 181هـ حد قام الرشيد بالغزو بنفسه، وتوجه بعد ذلك بالحج بالناس، وترك ابنه القاسم ليقوم بعملية الفداء باللامس على جانب البحر بينه وبن طرسوس اثنا عشر فرسخاً. وبالفعل قام أبو سليمان الخادم متولي طرسوس بعملية الفداء، ومعه ثلاثون ألفاَ من المرتزقة، وخلق كثير من أهل الثغور وغيرهم من الأعيان والعلماء، وفودي بكل أسير في بلاد الروم. وكان عدة الأسرى 3700 نفس، وقيل أكثر من ذلك [42] .(34/214)
وأغزى الرشيد عام 191 هـ يزيد بن مخلد الهبيرى بلاد الروم في عشره آلاف، فأخذت عليه الروم المضيق فقتلوه في خمسين من أصحابه على مرحلتين من طرسوس، وانهزم الباقون. فولى الرشيد الصائفة الهرثمة بن أعين، وقام هو بنفسه فافتتح هرقلة [43] . وأرسل محمد بن يزيد بن مزيد الشيباتي أشهر قادته إلى طرسوس مرابطاً [44] . فكانت جهود الرشيد قد تركت جرحاً عميقاً في جسد الدولة البيزنطية، وكانت مرابطة طرسوس وأهلها شجىً في حلوق الروم، فلم تستطع بيزنطة أن تفيق منها في سهولة ويسر، يدل على هذا أنها لم تحاول استغلال أَوضاع الدولة العباسية أثناء الفتة بين الأمين والمأمون [45] (193-194هـ) . فمكن طرسوس وبقية الثغور من أن تحتفظ بمركزها، بل أن تقوم بدور فعال في الجهاد بنفسها. وظهر إلى جانب المجاهدين من أهلها المتطوعة الذين كان لهم أثر محمود في الجهاد إجمالا، وخاصة في الثغور، وكانوا يُجعلون في جناحي الجيش النظامي، فتكون وظيفتهم الإِحاطة بجناحي العدو، دون أن يختلطوا بالجند النظامي المدرب، أو أن يوكل إليهم أن يغيروا على العدو، قبل نشوب الحرب لإزعاجه في قواعده، وعرقلة تجمعاته، وتخريب مدخراته، وقطع مواصلاته، كما قد يوُكل إليهم مهمة مطاردة العدو عند تقهقره.
وقد ظهر دور المتطوعة في الثغور جلياً إبّان ضعف الدولة الإِسلامية، الداخلي، وعدم قدرة الخلفاء على تسيير الجيوش أثناء الفتن الداخلية. وكانت أعمالهم كما عبر عنها الذهبي: تسر قلب المسلم [46] .(34/215)
واستتمت طرسوس أهميتها في عهد المأمون (198، 218هـ) . لما اعتلى "تيوفيل"العرش سأل المأمون الصلح عام 210 هـ، فلم يجب المأمون إذ كانت الدولة البيزنطية تقف إلى جانب البابكية في أذربيجان، فكتب المأمون إلى عمال الثغور ومنها طرسوس فساحوا في بلاد الروم، فأكثروا من القتل فدوّخوها وظفروا ظفرا حسناً إلا أن يقظان بن عبد الأعلى السلميِ أصيب [47] . وفي عام 215 هـ أخذ المأمون ينفذ خطته في ضرب الدولة البيزنطية مستعيدا خطة الرشيد، فدخل طرسوس في جمادي الأولى في جحافل كثيرة، واتخذها قاعدة للهجوم على الروم، فدخل بلاد الروم وفتح حصن قرة، وخرشنة، وصملة، ثم رجع إلى دمشق [48] ، لمواجهة بعض المشكلات فعدا"تيوفيل"امبراطور الروم على جماعة من المسلمين في أرضِ طرسوس عام 216 هـ، وقتل نحوا من ألف وستمائة مسلم. وكتب من هناك إلى المأمون كتابا بدأ بنفسه. فعاد المأمون مسرعاً، وانطلق من طرسوس إلى بلاد الروم، وفتح هرقلة في عام 216 هـ[49] واعتمد المأمون خطة الفتح المنظم فحاول أن يتقدم بالثغور إلى ما وراء طرسوس في بلاد الروم، وأن ينقل مركز ثقل الجهاد من طرسوس إلى الأمام في محاولة لمد الإِسلام في آسّيا الصغرى، فاستولى على ممرات طوروس ذات الأهمية الاستراتيجية [50] ، واهتم بتمصير وبناء طوانة عام 218 هـ، وراء طرسوس [51] ولكنه توفي بالبندرون خارج طرسوس وعلى بعد أربعة مراحل، قبل أن تتم مشروعاته. فحمله ابنه العباس ونقله إلى طرسوس ودفن بها [52] .(34/216)
وقام المعتصم (218-227 هـ) بتخريب ما أمر المأمون ببنائه من طوانة، وحمل ما كان فيها من آلة وسلاح [53] . كما أمر بانسحاب الجيوش الإسلامية إلى طرسوس، وأخلت البلاد التي فتحها المأمون وراء جبال طوروس [54] . إذ رأى المعتصم أن الظروف غير مناسبة للامتداد المنظم داخل آسيا الصغرى، ونقل المدن الممصّرة إلى داخلها، وخاصة بعد اشتداد حركة بابك الخرمي والتنسيق مع الامبراطورية البيزنطيه [55] . فبقيت طرسوس هي الثغر المتقدم الذي يقوم بعبء الجهاد، وقاعدة انطلاق الجهاد الإسلامي في آسيا الصغرى وسواحلها.(34/217)
واستغل تيوفيل (215-228هـ- 829 هـ 842 م) امبراطور الروم وفاة المأمون، واشتداد حركة بابك الخرمي، فنسق معه، وهاجم زبطرة، وأوقع بها، وأسر من المسلمات ألف امرأة، ومثل بمن وقع في أسره من المسلمين فقطع آذانهم، وسمل أعينهم [56] . فهب أهل الثغور من الشام والجزيرة، إلا من لم يكنِ له دابة ولا سلاح، وبلغ ذلك المعتصم، فصاح في قصره النفير!، النفير!، ووجه عجيفاً وطائفة من الأمراء لإعانة الثغور، وتحرك بجحافل إسلامية أمثال الجبال، فقد عُبّئ جيشه تعبئة لم يسمع بمثلها، وقدم بين يديه الأمراء المعروفين بالحرب، وسار على رأسهم، فانتهى في سيره إلى نهر اللامس القريب من طرسوس في رجب عام 223 هـ. وقسم جيشه إلى ثلاث فرق، سيّر إشناس من درب 155، طرسوس، وأمره بانتظاره في الصفصاف، وانطلق هو على أثره، واستولى المسلمون على أنقرة، ثم تقدموا إلى عمورية (مسقط رأس الأسرة العمورية الحاكمة في بيزنطة (802هـ 867 م) وعلى مسافة سبعة مراحل من أنقرة، وحاصر المعتصم عمورية، واستولى عليها، وأمر بهدمها، وأحرقت. وكان نزوله عليها لسِتٍ خلون من رمضان، وأقام عليها -خمسة وخمسين يوما. ولم يستغل المعتصم انتصاره الكبير هذا، بل رجع إلى طرسوس [57] ، ليصفي حسابه مع المتآمرين في جيشه، ففوت الفرصة على المسلمين في التقدم إلى القسطنطنية، ولكنه أمر بتحصين قالياقلا، وأمر ببناء زبطرة ورمّها وشحنها [58] فعادتا كما كانتا قبل مهاجمة تيوفيل لهما. وكان تيوفيل استنجد بملوك أوربا وأمرائها.. وهذا أيضا من الأسباب التي منعت المعتصم من استثمار ذلك النصر الكبير.(34/218)
وفي عهد الواثق (228- 232 هـ) تم تبادل الأسرى في المحرم من عام 231 هـ على يدي الأمير خاقان الخادم، على ضفاف نهر اللامس، واشترى الواثق من ببغداد وغيرها من أسرى الروم، وعقد لأحمد بن سعد بن مسلم بن قتيبة الباهلي على الثغور والعواصم، وأمره بحضور الفداء مع خاقان. فحضرت مفاوضات الفداء فرقة عباسية عددها سبعون ألفا من حملة الرماح، فكانت فرصة لإظهار قوة المسلمين.
وفي العاشر من محرم اجتمع المسلمون ومن معهم من أسرى الروم على النهرِ، وأتت إلى الروم ومن معهم من أسرى المسلمين، والنهر بين الجانبين، وأقام كل منهما جسرا. فكان المسلمون إذا أطلقوا أسيرا، أطلقوا الروم أسيراً مثله، فيلتقيان وسط الجسر، فإذا وصل المسلم كبر المسلمين، وإذا وصل الرومي إلى أصحابه صاحوا صيحة الفرح. وكان عدد من افتدي من المسلمين4460 نفساً، النساء وأزواجهن وأولادهن ثمانمائة، ومن أهل الذمة مائة، كانت الدولة تعطي الطليق فرساً وألف درهم [59] وممن أطلق من أسرى المسلمين مسلم بن أبي مسلم الجرمي، وكان من مشاهير أهل الثغور، وعلى معرفة بأهل الروم وأرضهم، وله مصنفات في أخبارهم، وملوكهم، وذوي المراتب منهم [60] .(34/219)
واستمرت طرسوس تقوم بدورها عى رأس الثغور الشامية في تثبيت الإِسلام على حدود الروم، والدفاع عنه طيلة عهد المتوكل (232- 248 هـ) ، وتم فداء عام 240 عند نهر اللامس، بالقرب من طرسوس، وقام به خاقان الخادم، واستمر تبادل الأسرى مدة أربعة أيام، بدل كل نفس نفس، ثم بقي مع خاقان الخادم جماعة من الروم الأسارى، فأطلقهم للروم، حتى يكون له الفضل عليهم [61] . وتم فداء آخر عام 241 في بلاد طرسوس، حضره قاضي القضاة جعفر بن عبد الواحد عن إذن الخليفة المتوكل، واستنابة ابن أبي الشوارب. وكانت عدة الأسرى من المسلمين 785 رجلاً ومن النساء 125 امرأة، فقد كانت أم الملك تدورهٍ (تيودوره) قد عرضت النصرانية على من كان في يدها من أسرى المسلمين، وعددهم نحوا من عشرين أيضا، فمن أجابها إلى النصرانية وإلا قتلته. فقتلت اثني عشر ألفاً، وتنصر بعضهم، وبقي منهم هؤلاء الذين فودوا [62] .
وفي عام 245 هـ أصيبت ثغور الشام ومنها طرسوس بزلازل شديدة [63] ، فأثر ذلك على قدرتها، ولكن امكانيات الأمة كانت كبيرة فتجاوزت الأزمة.
وتمّ الفداء الثالث في عهد المتوكل عام 246 هـ ففودي نحو أربعة آلاف أسير من المسلمين [64] . وأمر المتوكل على الله بترتيب المراكب في جميع السواحل، وأن تشحن بالمقاتلة [65] فنالت طرسوس خيرا كثيراً بسبب ذلك، وأصبحت قدرتها البحرية كبيرة إلى جانب قدرتها البرية، وتستطيع الاعتماد على نفسها، وأخذ المبادرة في حركة الجهاد بنفسها.
طرسوس في أوج قوتها- عهد النفوذ المكي 248- 334 هـ:(34/220)
استكملت طرسوس قوتها البرية والبحرية في عهد المتوكل على الله، ولمّا قتله القادة الأتراك عام 248 هـ تنافسوا على السلطة، والتسلط على الخلفاء، فدبت الفوضى في مركز الخلافة في الفترة (248-256 هـ) ففقدت الثغور الإمدادات العسكرية، وقامت بعبء الجهاد معتمدة على نفسها، وتعرّضت لكارثة كبيرة عام 249 هـ، باستشهاد أمير المسلمين في الثغور المجاهد عمر بن الأقطع، ومعه ألف رجل، واستشهاد علي بن يحي الأرمني أمير طائفة أخرى من المجاهدين في الثغور.
ووصلت أخبار الكارثة إلى بغداد، فجمع أهل اليسار أموالا كثيرة من أهل بغداد، لتصرف إلى من ينهض إلى ثغور المسلمين لقتال العدو، عوضاً عن من استشهد من المسلمين هناك. فأقبل الناس من نواحي الجبال، وأهواز، وفارس لغزو الروم، ذلك لأن الخليفة والجيش لم ينهضوا لقتال الروم [66] فورد طرسوس عدد من المجاهدين رابطوا فيها ومنهم أحمد بن طولون ومعه الخاقاني وكان خصيصاً عنده، وَرَدَها عام 251 هـ[67] ورابط بها، وأدمن على الغزو والجهاد. فحصلت نقطة تحول تاريخي، إذ ظهر دور المتطوعة وأهالي الثغور بوضوح في التصدي للروم، وأصبحت طرسوس تظهر بقوة عظيمة، منها تخرج النجدات لأهالي الثغور، ولا يجرؤ الروم على مهاجمتها.(34/221)
وانتعشت الخلافة في عهد المعتمد (256- 279 هـ) على يدي أخيه أبي أحمد الموفق، الذي واجه حركة الزنج بقوة وجرأة. وولي أحمد بن طولون مصر، وكان يؤثر أن يلي طرسوس ليغزو منها أميراً. فكتب إلى أبي أحمد الموفق يطلب ولايتها، فلم يجبه، واستعمل عليها محمد بن هرون التغلبي، فقتل قبل وصوله. فاستعمل عوضه محمد بن علي الأرمني، وأضيف إليه انطاكيا، فوثب به أهل طرسوسِ فقتلوه. فاستعمل عليها أرخوز بن يولغ بن طرخان التركي، فسار إليها، وكان غرّاً جاهلاَ فأساء السيرة، وأخذ عن أهل لؤلؤة أرزاقهم، وميرتهم، فضجوا من ذلك، وكتبوا إلى أهل طرسوس يشكونه ويقولون: "إن لم ترسلوا إلينا أرزاقنا وميرتنا، وإلا سلمنا القلعة إلى الروم ". فأعظم ذلك أهل طرسوس، وجمعوا من بينهم خمسة عشر ألف دينار، ليحملوها إليهم. فأخذها أرخوز، ليحملها إلى لؤلؤة، فأخذها لنفسه. فسلّموا القلعة إلى الروم. فقامت على أهل طرسوس القيامة، لأنها كانت شجاً في حلق الروم، فلم يكن يحرج الروم في برّ أو بحر إلا ردّوه وأنذروا به.
واتصل الخبر بالمعتمد، فقلد أحمد بن طولون طرسوس والثغور، واستعمل عليها من يقوم بغزو الروم ويحفظ ذلك الثغر عام 263 هـ[68] .(34/222)
وقام عبد الله بن رشيد بن كاوس عام 264 هـ في أربعة آلاف من أهل الثغور الشامية بدخول بلاد الروم، فلما عاد عن البدندون خرج عليه بطريق سلوقية، وبطريق قرة كوكب، وخرشنة، فأحدقوا بالمسلمين، وقتلوهم إلا خمسمائة فإنهم حملوا حملة رجل واحد، ونجوا على دوابهم. وأسر عبد الله بن رشيد بعد ضربات أصابته، وحمل إلى ملك الروم أسيراً [69] . فدخل أحمد بن طولون طرسوس بجيشه، وعزم على المقام بها، وملازمه الغزاة، فغلا فيها السعر، وضاقت عنه وعن عساكره، فركب إليه أهلها، وقالوا له: "ضيقت بلدنا، وأغليت أسعارنا، فإما أقمت في عدد يسير، وإمّا ارتحلت عناية"وأغلظوا له في القول، وشغبوا عليه. وأقنع أحمد أصحابه بالانهزام من الطرسوسيين، والرحيل عن البلد، ليظهر للناس وخاصة العدو أن ابن طولون على بعد صيته، وكثرة عساكره، لم يقدر على أهل طرسوس [70] . ونجحت خطة ابن طولون، فقد زادت هيبة طرسولس في قلب العدو، وأصبحت تظهر بقوة عظيمة، وتخرج منها النجدات إلى الثغور الشامية والجزرية، تهاجم الروم، ولا يجرؤ الروم على مهاجمتها. وظهر فيها عدد من القادة المسلمين الأفذاذ الذين قادوا حركة الجهاد في الثغور، دون أن يتخلصوا من التنافس، والاختلاف، وتأرجح الولاء لأحمد بن طولون أو للموفق أبي أحمد، ومن هؤلاء القادة: سيما الخادم خليفة أحمد بن طولون على الثغور الشامية، وخلف صاحب أحمد بن طولون، ويازمان الخادم مولى الفتح بن خاقان، وأحمد العجيفي، وراغب مولى الموفق، ومحمد بن موسى بن طولون.
ففي عام 266 هـ غزا سيما في ثلاثمائة رجل من أهل طرسوس ووصلوا في غارتهم إلى بلاد هرقلة [71] .(34/223)
وفي عام 269 هـ وثب خلف صاحب أحمد بن طولون بالثغور الشامية على يازمان الخادم [72] مولى الفتح بن خاقان، وحبسه. فوثب به جماعة من أهل طرسوس، واستنقذوا يا زمان، وهرب خلف، وتركوا الدعاء لابن طولون، فسار ابن طولون إِليهم ونزل إذنة، واعتصم أهل طرسوس ومعهم يازمان، ورجع عنهم [73] ابن طولون وفقا لخطته الحكيمة، وأرسل إلى يا زمان: "إنني لم أرحل إلا خوفا أن تخترق حرمة هذا الثغر، فيطمع فيه العدو" [74] فزادت ثقة أهل طرسوس في أنفسهم، ففي عام 270 هـ خرجت الروم في مائة ألف، ونزلوا على قلمية، وهي على ستة أميال من طرسوس فخرج إليهم يا زمان في أهل طرسوس، وبيّتهم ليلا في ربيع الأول، فقتل فيما قيل سبعين ألفا، وعدداً من البطارقة، وأخذ لهم سبع صلبان
من ذهب وفضة، وصليبهم الأعظم من ذهب (صليب الصلبوت) [75] مكلل بالجوهر، وأخذ كثيرا من الغنائم الأخرى [76] .
ولجأ المعتضد بن أبي أحمد الموفق إلى طرطوس عام 271 هـ، بعد معركة الطواحين التي دارت بينه وبين خمارويه بن أحمد بن طالون [77] . فاشتد الصراع بين الموالين للطولونيين، والموالين لأبي العباس المعضتد، والموالين ليازمان الذين كانوا يريدون بقاء طرسوس على الحياد بين القوى الإسلامية المتصارعة، وملجأ لمن يريد الرباط، والجهاد في سبيل الله.
واشتد الخلاف عام272 هـ، بين أبي العباس ويازمان صاحب طرسوس، فثار أهل طرسوس بأبي العباس وأخرجوه منها، فعاد إلى والده ببغداد [78] .
وقام يازمان بالغزو، فوغل في أرض الروم براً، وبحراً، وغنم عدة مراكب [79] وجدّد الغزو بأهل طرسوس عام 274 هـ، واستعرض قوة طرسوس، وعاد سالماً غانمًا [80] . كما شاركت طرسوس في أحداث الفتن التي تجددت عامي 274، و 5 27 هـ بين أبي الساج، وخمارويه، وتأثرت بها [81] ، ولكنها لم تمنع يازمان عن الجهاد، فغزا الروم بحراً عام 275 هـ، ودمّر لهم عدة مراكب [82] .(34/224)
وسار خمارويه على سياسة والده في تقوية طرسوس، فأمدّ يازمان عام 277 هـ بالسلاح والمال، والذهب الكثير، فمال يازمان إليه [83] . ودخل عام 278 هـ أحمد العجيفي طرسوس، وغزا مع يازمان الصائفة، فبلغوا سلند. فأصابت يازمان شظية حجر منجنيق في أضلاعه، فارتحل عنها بعد أن أشرف على أخذها، فتوفي في الطريق، وحمل إلى طرسوس فدفن بها. وفقدت مجاهداً كبيراً. فخلفه أحمد العجيفي وكتب إلى خمارويه يخبره بموته، فأقره على ولاية طرسوس، وأمدّه بالخيل والسلاح، والذخائر وغيرها. ثم عزله واستعمل عليها ابن عمه محمد بن موسى بن طولون.
وتوفي أبو أحمد الموفق في العام نفسه (278 هـ) ، وكان له خادم من خواصه يقال له راغب، فاختار الجهاد، وسار إلى طرسوس، على عزم المقام بها. فلما وصل إلى الشام، سير ما معه من دواب، وآلات، وخيام، وغير ذلك إلى طرسوس مع غلامه مكنون، وسار هو جريدة إلى خمارية ليزوره، ويعرفه عزمه. فلما لاقيه بدمشق أكرمه خمارويه وأحبه، وأُسر به، واستحيا راغب أن يطلب منه المسير إلى طرسوس، فطال مقمه عنده: وظن أصحابه أن خمارويه قبض عليه، فأذاعوا ذلك، فاستعظمه أهل طرسوس، وقالوا: يعمد إلى رجل قصد الجهاد معه في سبيل الله فيقبض عليه؟ فثاروا على محمد بن موسى، وقبضوا عليه، ونهبوا داره، وقالوا: لا يزال في الحبس إلى أن يطلق ابن عمك راغبا.
وبلغ الخبر خماروية، فأطلع راغباً عليه، وأذن له في المسير إلى طرسوس، فلما وصلها، أطلق أهلها أميرهم. فتركهم وسار عنهم إلى بيت المقدس فأقام بها وعاد العجيفي إلى ولايتها [84] وأخذ راغب يلعب دورا في أحداث هذا الثغر الهام، وقام بدور في الجهاد.(34/225)
وتوفي المعتمد عام 279هـ، وولي الخلافة المعتضد (279-289 هـ) حيث واصلت الخلافة العباسية انتعاشها على يديه، وتم الوفاق مع خمارويه حين تزوج المعتضد قطر الندى ابنة خمارويه عام 279 من، فاشتد ساعد طرسوس، إذ أخذت الإمدادات ترد من الجانبين، فدخل أحمد بن أبا طرسوس للغزاة من قبل خمارويه عام 280 هـ، ودخل بعده بدر الحمامي، فغزوا جميعاً مع أحمد العجيفي أمير طرسوس، حتى بلغوا البلقسون (البوسفو) [85] ودخل طغج بن جف طرسوس عام 281 هـ، لغزو الصائفة من قبل خمارويه، فبلغ طرابزون، وفتح بلودية (ملوريا) [86] .(34/226)
وقام أحمد بن طغان بالفداء عام 283 هـ على نهر اللامس، ومعه راغب ومواليه، ووجوه طرسوس، والمطوعة، والقواد بأحسن زي. وبعد الفداء انصرف الأمير ومن معه، وخر ج أحمد بن طغان إلى البحر وخلف دميانة على عمله في طرسوس. ثم وجه بعد يوسف بن الباغمردي على طرسوس ولم يرجع هو إليها [87] . وكان راغب قد ترك الدعاء لهرون بن خمارية ودعا لبدر مولى المعتضد، فأمد أحمد بن طوغان دميانة وقوي أمره وأنكر ما كان يفعله راغب، فوقعت الفتنة في طرسوس بين راغب ودميانة، وظفر راغب عام 284 هـ، فحمل دميانة إلى بغداد [88] . فوفد أهل طرسوس على المعتضد، وطلبوا أن يولي عليهم والٍ، فأرسل ابن الإخشيد أميراً على طرسوس من بغداد [89] ، فقاد عملية الجهاد، وغزا بأهلها عام 285 هـ، وفتح الله على يديه [90] . وقام راغب الخادم بالغزو في البحر [91] ولم تدم إمارة ابن الإخشيد طويلا، إذ توفي عام 286 هـ، واستخلف أبا ثابت عليها. ولما خرج المعتضد إلى الرقة، استدعى راغباً من طرسوس، فقدم عليه، فحبسه وأخذ جميع أمواله، ومات بعد أيام من حبسه، وقبض على مكنون غلام راغب وأخذ ماله بطرسوس [92] فحنق أهل طرسوس على المعتضد، وكانت حركة القرامطة أيضاً قد اشتدت بهجر عام 287 هـ، فطمعت الروم في ناحية طرسوس، واجتمعت، وحشدت العساكر، ووافت باب قلمية من طرسوس، فنفر أبو ثابت أميرها، فلم يقدر على مقاومتهم، وأسروه، وقتلوا من أصحابه جماعة، وأسروا من أسروا. وكان ابن كلوب غازياً في درب السلامة، فلما عاد جمع مشايخ الثغر، ليتراضوا على أمير، فأجمعوا رأيهم على ابن الأعرابي، فولوه أمرهم [93] .(34/227)
وتحرك وصيف ضد المعتضد في الثغور، ولحنق أهل طرسوس على المعتضد كاتبوا وصيفاً، فتوجه المعتضد بنفسه إلى الثغور، وهزم وصيفاً، ثم رحل إلى المصيصة، وهناك أحضر رؤساء طرسوس فقبض عليهم، وأمر بإحراق مراكب طرسوس التي كانوا يغزون فيها، وجميع آلاتها، وكان من جملتها نحو خمسين مركباً قديمة قد أنفق عليها من الأموال ما لا يُحصى، ولا يمكن عمل مثلها، فأضر ذلك بالمسلمين، وفتّ في أعضادهم، وأمن الروم أن يُغزوا في البحر. وكان إحراقها بإشارة دميانة غلام يازمان، لشئ كان في نفسه على طرسوس. واستعمل المعتضد على أهل الثغور الحسن بن كوره، وبماد إلى بغداد [94] ، وقد أضرّت سياسته هذه بطرسوس كثيراً وأصبحت تعتمد على جند الخلافة، بدلا من اعتمادها على نفسها في الجهاد، واحتاجت عملية البناء من جديد جهداً ووقتاً وأموالا، وزاد الأمر سوءاً انشغال الخلافة بعد ذلك بحركة القرامطة، وبفتنها الداخلية، فتوجه غلام زرافة إلى طرسوس، بعد تدمير اسطولها، وكان أحد البحارة المسلمين، والمجاهدين الكبار، فجمع أمهر البحارة، وأشدهم بأساً، وأخذ يبني أسطولا جديداً، ويستعد للقيام بغزوات بحرية تعيد لطرسوس هيبتها. كما قام نزار بن محمد عامل الحسن بن علي كوره بغزو الصائفة عام 288 هـ، وأسر عددا من الروم، أدخلهم طرسوس، ثم وجههم إلى بغداد [95] .
وتوفي المعتضد عام 289 هـ، وبويع للمكتفي بالله 2891-295 هـ، وفي عهده اشتد أذى القرامطة، والأعراب، وامتد من هجر إلى الشام [96] ، فأثر ذلك على عملية الجهاد في طرسوس، واتجه أهلها إلى المكتفي بالشكوى من واليهم مظفر بن جناح، فعزله المكتفي عام 290 هـ، وولّى عليهم أبا العشائر أحمد بن نصر [97] ، الذي خرج مع جماعة من المطوعة للغزو، كما حمل الهدايا من المكتفي إلى ملك الروم [98] .(34/228)
وخرج المكتفي إلى الرقة عام 291 هـ، وأخذ يسرح الجيوش إلى القرمطي، جيشاً بعد جيش، وورده هناك رسول من ملك الروم يسأله الفداء بمن في يده من المسلمين أسرى، ومعهما هدايا، وأسارى من المسلمين، بعث بهم إليه، فأجابه إلى طلبه. وقام أبو العشائر أمير طرسوس بالفداء [99] .
ويظهر أن مهمة رسل الروم كانت للتجسس في الدرجة الأولى، فبعد عودتهم وإتمام عملية الفداء، نهض الروم في عشرة صلبان، مع كل صليب عشرة آلاف، وتوجهوا إلى الثغور، وأغاروا عليها، وخرّبوا، وقتلوا خلقاً، وسبوا نساء وذرية من المسلمين [100] .
وكان غلام زرافة قد أتم استعداداته البحرية، فهاجم بعسكر طرسوس بلاد الروم من الساحل، وفتح مدينة أنطاكية. وهي أتاليا أو انطاليا- من أعظم مدن الروم على ساحل البحر المتوسط، وخلّص من أسارى المسلمين خمسة آلاف أسير، وأخذ للروم ستين مركبا، وغنم شيئا كثيراً، فبلغ نصيب كل واحد من الغزاة ألف دينار [101] .
وعندما أغار "اندرونقس"الرومي على مرعش ونواحيها، نفر أهل المصيصة، وأهل طرسوس عام 292 هـ، فأصيب أبو الرجال بن أبي بكار، في جماعة من المسلمين، فعزل الخليفة أبو العشائر عن الثّغُور، واستعمل رستم بن بردو والياً على طرسوس، وتم على يديه فداء آخر للأسرى، وكان جملة من فودي من المسلمين 1200 نفس [102] . وفي عام 294 هـ، قام نائب دمشق أحمد بن كيلغلغ، بغزو بلاد الروم، ومعه رستم بن بردو بأهل طرسوس، فقتل نحواً من أربعة آلاف، وأسر نحواً من خمسين ألفاً، وأسلم بطريق من بطارقة الروم الكبار، وأطلق نحو مائتي أسير من المسلمين كانوا معه، وقد حاول الروم تتبعه، وفشلوا، ودخل بلاد المسلمين وقدم إلى الخليفة، فأكرمه وأحسن إليه، وقد وصل المسلمون في تلك الحملة إلى قونية، ثم عادوا إلى طرسوس [103] قاعدة غزوهم.(34/229)
ومن نتائج هذا الغزو الرائع، أرسل إمبراطور الروم إلى المكتفي يطلب الفداء، وقد ضم الوفد الذي أرسله خال ولده اليون، وبسيل الخادم، ومعهم جماعة، وكتاب إلى المكتفي يسأله الفداء، وأن يوجه المكتفي رسولاً إلى بلاد الروم، ليجمع أسرى المسلمين فِى بلاده، وليجتمع هو معه على أمر يتفقان عليه، وتخلف بسيل الخادم بطرسوس، ليجمع الأسرى من الروم في الثغور ليصيرهم مع صاحب السلطان إلى موضع الفداء. وأجيب صاحب الروم إلى ما سأل [104] . وتم الفداء بالفعل في ذي القعدة من عام 295 حد قبلَ وفاة المكتفي بقليل، وقام به مؤنس الخادم، واستنقذ المسلمون نحواً من ثلاثة آلاف من أسراهم [105] .
وبوفاة المكتفي عام 295 هـ، انتكست الخلافة مرة أخرى، زمن المقتدر [295-320] ، وكان صغير السن، ووقع بين تنافس قادة الأتراك، وألاعيب النساء، ورغم ذلك فقد اهتم المقتدر بالثغور، ففي شعبان من عام 296 هـ خلع على مؤنس الخادم، وأمره بالمسير إلى طرسوس لغزو الصائفة، فخرج في عسكر كثيف، ومعه جماعة من القواد، وغلمان الحجر [106] ، وقام عام 297 هـ بغزو الروم عن طريق ثغر ملطية، ومعه أبو الأغر السلمي، وظفر بالروم، وأسر منهم [107] ، فطلب الروم المفاداة، ففادى مؤنس الأسارى عام 297 هـ[108] .
وفي عام 298 هـ، غزا القاسم بن سيما بلاد الروم، ورجع إلى بغداد بأسارى، بأيديهم أعلام عليها صلبان، وحاول الروم أن يقصدوا اللاذقية بحرا [109] ، فردّ رستم أمير الثغور بأن غزا الصائفة ومعه دميانة (غلام زرافة) من ناحية طرسوس، وحصر حصن مليح الأرمني، ثم دخل بلده، وأحرقه [110] .(34/230)
وفي عام 300 هـ قلّد المقتدر مؤنس الخادم الحرمين والثغور، وولىّ بشر بن أبي الساج الأفشيني طرسوس [111] ، وقام مؤنس بغزو الروم مع بشر، وأوقع بهم بأساً شديداً، وأسر 150 بطريقا- أي أميرا- عام 301 هـ، وفي عام 302 هـ، وصلت الأخبار إلى بغداد بانتصارات مؤنس وبشر، ففرح المسلمون بذلك [112] ، ونال مؤنس لقب المظفر، وأمر المقتدر وزيره علي بن عيسى بالمسير إلى طرسوس، لغزو الصائفة، فسار في ألفي فارس معونة لبشر والي طرسوس، فلم يتيسر لهم غزو الصائفة فغزوا شاتية، وفي برد شديد وثلج [113] .
وانشغل جند المسلمين والثغور بأمر الحسين بن حمدان عام 303 هـ، فاغتنم الروم الفرصة، وسار الغثيط على رأس جيش كبير، وأوقع بغزاة من أهل طرسوس والغزاة، وقتلوا نحو ستمائة فارس. ولم يكن للمسلمين صائفة. وسبي من المسلمين في الثغور حوالي 50 ألفاً. فعظم الأمر على المسلمين، فوجه المقتدر بمال ورجال إلى طرسوس. وارتحل الروم بعد وقعات كثيرة [114] . وقام مؤنس المظفر بغزو الصائفة عام 304 هـ من ملطية، وكتب إلى أبي القاسم علي بن أحمد بن بسطام أن يغزو من طرسوس في أهلها، ففعل. وأنكى مؤنس الروم، وفتح حصوناً كثيرة، وأثر آثاراً جميلة، وعتب عليه أهل الثغور وقالوا: "لو شاء لفعل أكثر من هذا"، ولكنه عاد إلى بغداد، فأكرمه الخليفة، وخلع عليه [115] . فوصل وفد من ملك الروم عام 305 هـ إلى بغداد، ومعهم الهدايا، فأكرم المقتدر الوفد، وأدرك مهمة الوفد التجسسية كعادة رسل الروم، فعرض الجيش الإسلامي، عرضا مهيباً رائعاً، وكان يوماً مشهوداً [116] ، وسير مؤنس ومعه 120 ألفاً ليحضر الفداء عام305 هـ[117] .(34/231)
وزاد المسلمون من حدة غزواتهم بين عامي 306 و312 هـ، من طرسوس، براً وبحراً. فغزا بشر الإِفشيني عام 306 هـ براً، فافتتح عدة حصون، وغزا ثمال بحرا فغنم وسبى وعاد، ودخل جني الصفواني بلاد الروم، فنهب، وأحرق، وفتح وعاد، وقرئت أخبار الانتصارات على المنابر ببغداد [118] .
وأسهم أهل طرسوس بقيادة ثمل الخادم في انقاذ الإسكندرية من البربر عندما هاجموها، واستغاث المسلمون عام 308 هـ[119] . ودخلوا بلاد الروم من جهة ملطية عام 310 هـ فظفروا [120] ، وقرئت أخبارهم على منابر بغداد [121] .
وهنا يجب ملاحظة أن معظم أعمال الجهاد هذه، كانت استعراضية، وهدفها الدعاية، ولم تحقق شيئاً من تثبيت الإسلام في آسيا الصغرى، أو مدّه. وكان القادة ينالون التكريم العظيم من الخليفة، ومن الأمة، فكان مؤنس الخادم مثلاً يدخل بغداد قادماً من الجهاد، دخول الفاتحين العظام. كما حدث عام 311 هـ[122] .(34/232)
وانقلبت الأوضاع في الثغور عام 313 هـ. فقد تأكد للروم ضعف المسلمين وانشغالهم بحركة القرامطة، وقد عاد مؤنس لحربهم. فكتب ملك الروم إلى أهل السواحل والثغور يأمرهم بحمل الخراج إليه، وإلا قصدهم، فقتل الرجال، وسبى الذرية، وقال: "إنني صح عندي ضعف ولاتكم ". ولما لم يفعلوا، هاجمهم الدمستق، ودخل ملطية عام 314 هـ، ومعه مليح الأرمني صاحب الدروب، وعاثوا فساداً، في بلاد الإِسلام، وطلبت ملطية الغوث من بغداد، فلم يغاثوا [123] . ولكن أهل طرسوس تحركوا للانتقام، فغزوا الصائفة، فغنموا وعادوا [124] ، وأخذت الأنظار تتجه إلى طرسوس لإغاثة الثغور. وعندما هاجم الروم سميساط عام 315 هـ، ودخلوها، واستباحوها، وضربوا الناقوس في الجامع، وأخذوا جميع ما فيها [125] ، هب أهل طرسوس للجهاد، وخرجت سرية منهم إلى بلاد الروم، ولكن الروم استظهروا عليها، وأسروا من المسلمين أربعمائة رجل قتلوهم صبراً. فغزا شمال الصائفة، وانتقم من الروم وعاد سالماً إلى طرسوس [126] . كما أمر المقتدر مؤنس أن يخرج لقتال الروم، وكان خروجه يوماً مشهوداً إلى بلاد الثغور [127] ، ولكن مؤنساً عاد إلى بغداد قبل أن يصل الثغور، لاشتداد أذى القرامطة، حيث هاجموا بيت الله الحرام، وانتزعوا الحجر الأسود من مكانه عام 317 هـ[128] وهكذا بقيت الثغور بدون غوث من الخلافة، فضغط الروم على المسلمين ودخلوا ملطية، وعاشوا فساداً في ثغور أرمينيه [129] ، فعزمت الثغور الجزرية على طاعة ملك الروم، ولكن مفلح الساجي أعاد الثقة إلى النفوس حين التقى مع الدمستق وهزمه عام 317 هـ، ودخل وراءه إلى بلاد الروم [130] ، كما قام ثمل والي طرسوس في ربيع الأول عام 319 هـ، بغزو الروم، فعبر نهراً، ونزل عليهم ثلج إلى صدور الخيل، ولم يثنهم ذلك عن الجهاد، وانتصروا على جمع للروم، فقتلوا ستمائة، وأسروا نحواً من ثلاثة آلاف. وفي رجب من السنة نفسها عاد ثمال إلى طرسوس، ودخل بلاد الروم صائفة في(34/233)
جمع كثير من الفارس والراجل، فبلغوا عمورية، ودخولها وقد انسحب منها الروم، وأوغلوا حتى وصلوا إلى أنقرة، وعادوا إلى طرسوس في رمضان [131] . فشاع صيت ثمل في بلاد الروم، ورهبوه، ولكنهم تمكنوا من دخول ملطية بعد حصارها وإعطائها الأمان عام 322 هـ. فتمكن الروم من أهلها، وقتلوا خلقاً كثيراً، وأسروا ما لا يحصون كثرة [132] . في حين استمرت طرسوس تقوم بدورها، وأصبحت زعيمة الثغور جميعاً بحق، وخاصة بعد انشغال الخلافة بمشكلاتها، وقتل الخليفة المقتدر عام 320 هـ. وازداد انتكاس الخلفاء العباسيين.
وفي عام 324 هـ تخلّى الخليفة الراضي بالله (322-329) عن كل صلاحياته تقريباً، وسلم مقاليد الدولة لمحمد بن رائق أمير الأمراء [133] ، وأصبح التنافس على هذا المنصب الخطير بين القادة. وضعف أمر الخلافة جداً عام 325 هـ، وصارت البلاد بين خارجي قد تغلب عليها، أو عامل لا يحمل مالا إلى الخلافة، وصارت أشبه بملوك الطوِائف [134] ، وتمتع أهل الثغور عامة، وطرسوس خاصة باحترام جميع المسلمين، حيث وقفوا سدا في وجه أطماع الدولة البيزنطية، تحطمت على صخرتها موجات الصليبية المرة تلو المرة. وخسرت عام 326 هـ والياً من أشهر رجالها المجاهدين وهو ثمل والي طرسوس. وقد وصف بالشجاعة، وكان شجاعاً، بطلاً عظيم الهيبة، في قلوب النصرانية، كثير الإقدام عليهم، لا يهوله أن يحمل على خمسة آلاف بخمسمائة من المسلمين، وكانت له غزوات مشهورة، فولي الثغر بشرى غلام ثمل [135] ، وتم فداء بين المسلمين والروم في ذي القعدة عام 326 حد قام به ابن ورقاء الشيباني، وكان عدة من فودي من المسلمين 6300 بين ذكر وأنثى على نهر البدندون [136] .(34/234)
وفي عام 330 هـ قاد الروم هجوماً على الثغور، ونهبوا البلاد، وخربوا، ووصلوا إلى قريب من حلب، وسبوا نحو خمسة عشر ألف إنسان، فدخل بشرى الثملي من ناحية طرسوس إلى بلاد الروم، فقتل وسبى، وعاد سالماً، وقد أسر عدة من بطارقتهم االمشهورين [137] .
وعاد الروم بقوة فهاجموا الثغور الجزرية عام 331 هـ، وأعطى ملك الروم صفة الحرب الصليبية لحروبه، فافتعل قضية المنديل، زعم أن المسيح مسح به وجهه، فارتسمت صورته فيه، وأن هذا المنديل في بيعة الرها، وأرسل إلى المتقي بالله، يطلب هذا المنديل، مقابل جميع من سبى من المسلمين. فأحضر المتقي القضاة، والفقهاء، واستفتاهم، فاختلفوا تسليمه. ثم وافق الخليفة على رأي الوزير علي بن عيسى عندما قال: "إن خلاص المسلمين من الأسر، والضر، والضنك الذي هم فيه، أولى من حفظ هذا المنديل"فأمر بتسليمه إليهم [138] . فشُحن الصليبيون شحنة دينية حماسية، وجههم بها ملك الروم لمهاجمة الثغور.
طرسوس ومأساتها 334- 355 هـ:
في عام 334 هـ في عهد الخليفة المستكفي بالله 329- 334 هـ، خضعت الخلافة العباسية لسيطرة البويهين، الذين اهتموا في تثبيت نفوذهم في العراق، وفارس، ولم يلعبوا دوراً في الجهاد الإسلامي، وأحداث العالم الإسلامي. فيروى أنه كان في اصطبلات معز الدولة أحمد بن بويه: "اثنا عشر ألف فرس، أغلاها ثمنا بمائة ألف درهم، وأدناها ثمنا بعشرد آلاف درهم، لم يطرح قط على فرس منها بسرج في سبيل الله… " [139](34/235)
وظهرت الدولة الحمدانية، في الجزيرة الفراتية، والإمارة الإخشيدية في مصر، والشام. وتبعت الثغور الجزرية الدولة الحمدانية منذ البداية، في حين أن الثغور الشامية وأهمها طرسوس، تبعت الدولة الإخشيدية أولاً، ثم الحمدانية، وتأثرت بصراع الدولتين. وفي الواقع وقع عبء الجهاد في الثغور على أهلها، وعلى الدولة الحمدانية. وأقامت طرسوس الدعوة لسيف الدولة بن حمدان عام 335 هـ، فأنفذ إليها الخلع والذهب، وأنفذ إليهم آلاف الدنانير للفداء [140] . وقام نصر الثملي أمير الثغور لسيف الدولة، بالفداء، وكان عدة الأسرى 2480 أسيراً، من ذكر وأنثى، وفضل الروم على المسلمين 23 أسيرا لكثرة من معهم من الأسرى، فوفاهم سيف الدولة [141] .
ووقع الخلاف بين أهل طرسوس، وتأرجحوا في الولاء بين الدولة الحمدانية، والإخشيدية، والبويهية. فأثر ذلك على قوتها، وعندما دخل سيف الدولة بلاد الروم عام 337 هـ، انهزم، وأخذت الروم مرعش، وأوقعوا بأهل طرسوس بأساً شديداً [142] .
ودخل سيف الدولة عام 338 هـ بلاد الروم بنحو ثلاثين. ألفاً، ومعه عسكر طرسوس في أربعة آلاف، وعليهم القاضي أبو حصين [143] . فوغل في بلاد الروم، وعاد الطرسوسيون والعربان إلى بلادهم. وكانت الروم قد أخذوا على سيف الدولة الدروب والمضايق، فقتلوا عامة من معه، وأسروا بقيتهم، واستردوا ما كان أخذه، ونجا سيف الدولة في عدد يسير [144] . وحاول الطرسوسيون الانتقام لهزيمته، فغزوا في البر والبحر [145] .
وحاول سيف الدولة الغزو عام 0 34 هـ فحدث له ما حدث عام 338 هـ[146] . وزاد الأمر سوءاً أن ضربت الزلازل الثغور، فأثر ذلك على طرسوس. وتمكن الروم من انتزاع زمام المبادرة، وسقطت سروج بأيديهم، فسبوا أهلها، وغنموا أموالهم، وأخربوا المساجد [147] في الوقت الذي اتصلوا فيه بالدولة الفاطمية العبيدية المغرب لمفاوضتها [148] .(34/236)
وحاول سيف الدولة استعادة هيبته فَكَرَّ على الروم عام 342 هـ[149] وعام 343 هـ، وحقق بعض الانتصارات، وقتل خلقا من أصحاب الدمستق، وأسر قسطنطين بن الدمستق ملك الروم، وآخرين من رؤساء البطارقة [150] .
وفي عام 345 هـ، هاجم الروم ميافارقين، وركبوا في البحر إلى طرسوس، فقتلوا من أهلها 1800، وحرقوا قرى كثيرة حولها، وسبوا كثيرًا، في الوقت الذي كان رئيس طرسوس فيه في زيارة لسيف الدولة وهو في طريقه إلى حلب [151] .
وساءت الأحوال الداخلية في العالم الإسلامي، وامتلأ رفضاً، وسباً للصحابة، من بني بويه، وبني حمدان، والفاطميين، والقرامطة، فاشتد ساعد الروم، فأغاروا عام 347 هـ على الثغور الإسلامية، ووصلوا حلب. وهزموا سيف الدولة هزائم متلاحقة [152] . وغزوا طرسوس والرها عام 348 هـ، وسبوا، وأخذوا الأموال [153] ، فاشتد ضغط المسلمين على ولاتهم، ودعوهم للجهاد، وعمل الخطيب عبد الرحيم بن نباتة خطبه الجهاديات، يحرّض الإسلام على الغزاة [154] ، وكان خطيباً لسيف الدولة [155] . وقام العالم عبد الرحمن بن محمد اللخمي العسقلاني بحثّ سيف الدولة على الجهاد [156] . وتحركت العامة في بغداد، وجمعوا الأموال للجهاد، فأخذها معز الدولة البويهي، وأنفقها على لهوه، ولما غضبت العامة عليه، قام بتسكينها، بأن أرسل جيشاً ادّعى أنه تمكن من إحراز بعض الانتصارات. وتحرك سيف الدولة عام 349 هـ، ومعه أهل طرسوس، فغزوا الروم من ناحية طرسوس [157] ، واحرزوا انتصارات، وانتهوا إلى خرشنة. ولما أرادوا العودة، نصح أهل طرسوس سيف الدولة بالعودة معهم، لأنه بلغهم أن الروم ملكوا الدرب خلفه، فرفض وكان معجباً بنفسه، وبرأيه، فرفض النصيحة فأتى عليه الروم قتلاً، وأسراً، وتخلص هو في ثلاثمائة رجل من رجاله وغلمانه، بعد جهد ومشقة [158] . وسلم أهل طرسوس وقتل من وجوه قادته حامد بن النمس، وموسى بن سياكان، والقاضي أبو حصين- قاضي طرسوس-.(34/237)
وأخذت قوة طرسوس تسير إلى انحدار سريع، وقطع الروم عن أهلها إمدادات المسلمين، ففي عام 350 هـ سار قفل عظيم من أنطاكيا إلى طرسوس، ومعهم صاحب أنطاكيا، فخرج عليهم كمين للروم، فأخذ من كان فيها من المسلمين، وقتل كثيراً منهم، وأفلت صاحب أنطاكيا، وبه جراحات [159] .
واتسعت هجمات الروم، وسقطت جزيرة اقريطش (كريت) بأيديهم وقتل ارمانوس بن قسطنطين كثيرا من أهلها، وسبى من بقي، وأخذ الأموال، وأحرق المصاحف، وهدم المساجد [160] . فاستنجد أهلها بالمعز الفاطمي فأرسل إليهم جيشاً فانتصروا على الفرنج [161] . وهاجموا منبج في الثغور، وأسروا أبا فراس الحمداني وكان متقلداً لها [162] . وسقطت بأيديهم عين زربى [163] .
وقد أمن الروم قوة طرسوس التي غرقت في الفوضى من داخلها، إذ تنكرت لسيف الدولة، بسبب ظلمه، وقبضه لوقوف أهل طرسوس، في بلاد حلب، وولاياتها، وكانت مورداً هاماً لأهل الثغر. فقطعوا الدعوة له، وأعلنوها لأنوجور وكافور الإخشيديين، وتزعم ذلك رشيق النسيمي، وضمن لها عمارة الثغر نيابة عنهما.(34/238)
واتفق أهل المدينة، وعلى رأسهم أبو أحمد الهاشمي، ومحمد بن الزيات، على أن يكون الهاشمي وابن الزيات أميري الثغر، وأن يخطب لهما معا. وأرسلوا رسولا إلى مصر ليعلم أنوجور وكافور بالأمر، ولجلب الميرة والمال، لانفاقهما في الثغر. وكان الخليفة المطيع لله (234-263 هـ) قد كتب لأنوجور بن الإخشيد على مصر، والاسكندرية، والشام، وقبرص، على أن يحمل إلى حضرته كل سنة مائة ألف دينار، وولاه أمورها سوى الخطابة والحكومة، على أن يحمل إلى طرسوس في كل سنة خمسة وعشرين ألف دينار، وتفرق في المستحقين ببلاده مائتي ألف دينار [164] . ولكن أنوجورِ وكافور لم يرسلا شيئاً إلى طرسوس، فقام سيف الدولة بمراسلة الهاشمي وابن الزيات سرا عن رشيق النسيمي، وتم الاتفاق على إعادة الدعوة لسيف الدولة مقابل رد الوقوف المقبوضة، وإرسال مال إليهما لينفقاه بالثغر.
واختلف الهاشمي وابن الزيات، فاعتقل الأول، وسجن مع جماعة من أتباعه ولكنه تمكن من الهرب، ولجأ إلى سيف الدولة، ثم عاد إلى طرسوس في غياب ابن الزيات للجهاد، وحاول أن يخلص أصحابه، فهاجمه عامة الناس، وقبضوا عليه، وسلّمه لابن الزيات عندما عاد، فسجنه. ويقال أن صاحب البحر في طرسوس الذي تولى نقله إلى سجنه، قتله.(34/239)
استغل الروم أحداث طرسوس هذه، ولجأ ملكهم نقفور إلى المكر والخديعة وأظهر لسيف الدولة مقاربته، وراسله لتقرير شروط الهدنة، فركن سيف إلى قوله وراسل أهل طرسوس طالباً منهم الدخول فيما سيعقد مع الروم من شروط. وكان نقفور يصلح أموره، ويجمع رجاله. وأتت عيون ابن الزيات بأخبار مكر الروم، وأن نقفور يجمع بطارقته ومن أمكنه من نصارى أوربا [165] ، وما تأخره في الهجوم إلا انتظارا لتفرّق من قصد طرسوس من الغزاة، وخروج من كان يريد الحج من أهل الثغور. فجمع ابن الزيات أهل طرسوس وأخبرهم، فاختلفت الآراء في خروجه لمقابلة الروم في عين زربة، وخرج من طرسوس بمن تبعه، وهم ألف فارس، ونفر معه أهل المصيصة وكان عددهم قليلاً، حيث كان فرسانهم استشهدوا مع هرون الثملي في فتح الهارونية. وعند المصيصة وردته أخبار تحرك جيش الروم باتجاهه، فأمر من معه أن يخلفوا أثقالهم، وبغالهم بالمصيصة، وتقدم بعدد قليل من رجاله ومن أهل المصيصة (نحو خمسمائة فارس وثلاثمائة وثمانين راجل) . فتوجه لهم الدمستق بأمر نقفور في جيش كبير، وأشار جماعة على ابن الزيات بعدم مواجهة القوات الرومية الكثيرة، والاعتصام منها ببعض الجبال القريبة، لكنه رفض، وأظهر ومن معه من المسلمين بطولة عظيمة، وسقط من الشهداء خمسمائة بين فارس وراجل، بينهم أخو ابن الزيات. وتراجع الباقون إلى مدن الثغور. في حين تقدم الروم وحاصروا عين زربة التي استسلمت للروم، وكان استسلامها كارثة بالفعل وصفها ابن مسكويه [166] ، وصاحب العيون والحدائق [167] ، فقد أطلق نقفور لأصحابه نهب المدينة، ودخل ببطارقته إلى الجامع بخيلهم، ورجاهم، وصعد نقفور على منبرها، وبدل الآذان بضرب الناقوس، ووضعت المصاحف تحت الأقدام، ورفعت فيه الصلبان. وطلب نقفور خمرا في عين زربة، فلم يجد فيها جرعة، لطهارة من حلان يسكنها على حدّ تعبير صاحب العيون والحدائق.(34/240)
وعاد ابن الزيات إلى طرسوس، وأخبر أهلها بما حدث. فخاطبه ابن بلوطة وكان يتعصب لسيف الدولة قائلاً: "هذا أمر لا يقوم به إلا ملك، مثل الملك الذي قصدنا، فلو كُفينا أمرك، صار إلى بلدنا من يحميه ". ولم يردّ أحد عليه، ولا أنكر. فقام ابن الزيات مغيظاً، وقد طوى يومين لم يطعم فيها طعاما ولا شراباً، وقال: "أنا أكفيكم نفسي، حتى يجيء ملك يقوم بالأمر لكم". واعتزل، وكتب وصية بما خلفه من مال المسلمين، وفرق دوابه على غلمانه، وأخيه، وأعطى لكل غلام نفقة، وتقدم إلى أخيه، وإلي أبي الحسن بن رشيق النسيمي، أن يطوفوا ليلتهم بالبلد، ودخل بيتاً على نهر بردان، وقد أدركه الليل، وأغلقه عليه، وتهيأ للصلاة، وتطيّب، وقام يصلي ليله، ويدعو، ويستغفر، ولما هدأت العيون، نزل إلى النهر، فرمى نفسه فيه، وعليه سلاحه، فغاص في الماء، ولم يقف أحد على ما فعله، إلى أن رأت امرأة عمامته على رأس الماء، فأنذرت بذلك، فغاصوا، فأخرجوه، وانقلبت طرسوس، ووجدوه على حاله لم يتغير منه شيء، ولا انفتح له جوف، ولا أثر السمك شيء منه، وكثر البكاء والعويل عليه، من الرجال والنساء، وصلي عليه، ودفن في مقابر المسلمي [168] .
وجاء رسل المصيصة يدعون ابن الزيات إليهم فوجدوه قد مات. واجتمع أهل طرسوس على تعيين أبي الحسن بن رشيق النسيمي، فأقام الدعوة لسيف الدولة، واستمر في ولاية طرسوس والثغور الشامية إلى أن استسلمت طرسوس للروم [169] .(34/241)
وفي أثناء هذه الأحداث انشغل البويهيون بحرب الحمدانين في الجزيرة الفراتية، وبالخارجين عليهم، وابتعد سيف الدولة إلى ميافارقين هرباً من حلب التي تعرضت لهجمات الروم، واتهم كافور الإخشيدي بالتهاون في أمر الثغور [170] . وأرسل أهل طرسوس الوفود إلى مصر، والعراق، وبقية بلدان العالم الإسلامي، يحملون الاستغاثة، وعاد اغلب الرسل دون الحصول على مساعدة تذكر من الجهات الرسمية. وتنادى الناس للجهاد، ووصل المطوعة إلى طرسوس. ولكن الأمر زاد سوءاً بانتشار الوباء والغلاء في طرسوس وبقية الثغور الشامية، حتى اضطر الناس إلى أكل دوابهم، وأكل الميتة [171] وراسل أهل بغراس الدمستق، وبذلوا له الأموال، فأقرهم، وتركهم [172] . وتوجه الروم في مائتي ألف إلى حلب. وفيهم ثلاثون ألفاً بالجواشن، وثلاثون ألفاً للهدم، وإصلاح الطرق من الثلج، وتمكن الروم من دخولها، وفر سيف الدولة إلى ميافارقين فقد كان قليل الصبر [173] . ولم ينجُ إلا قلعه حلب، وبقي فيها الروم تسعة أيام، عاثوا فيها فساداً، وقتلوا حتى كلّوا، وملّوا، وأحرقوا المساجد، وقتلوا جميع أسرى المسلمين، وقدر عدد القتلى بمائة وخمسين ألفاً بحلب [174] واستنجد سيف بأهل الشام، فسار إليه جيش من دمشق على رأسه ظالم بن السلال العقيلي واليها من جهة الدولة الإخشيدية [175] ، كما وصل إلى طرسوس كثير من المجاهدين. فانسحب الروم من حلب. وسيّر سيف حاجبه في جيش من أهل طرسوس إلى بلاد الروم، فحققوا بعض لانتصارات [176] .
وضعف أمر سيف الدولة بعد كائنة حلب، وأصيب بفالج عام 352 هـ في يده، ورجله [177] . ولكن أهل طرسوس تابعوا الجهاد، فدخلوا بلاد الروم غازين مرة أخرى، كما دخلها نجا غلام سيف الدولة من درب آخر، وأوغل أهل طرسوس في غزوهم حتى وصلوا إلى قونية، وعادوا [178] .(34/242)
واضطرب أمر بني حمدان، بسبب خلافات هبة الله بن ناصر الدولة بن حمدان مع عمه سيف الدولة [179] . وكان الروم يرقبون ذلك فرحين، وهدفهم إضعاف طرسوس واستنزافها، فقاموا بحملات مكثفة على ما تبقى من الثغور الشامية، على رأسهم نقفور نفسه، الذي عسكر على مقربة من إذنة. فخرج أهلِ طرسوس لمساعدة أهلها عام 353 هـ، وكانت كارثة فقد قتل من المسلمين خمسة عشر ألفا، وأقام نقفور خمسة عشر يوماً في بلاد الإسلام، لم يقصده أحد لقتاله. وعاد لغلاء الأسعار، وقلة الأقوات. بعد أن أرسل الدمستق إلى أهل المصيصة، وإذنة، وطرسوس قائلا: "إني منصرف عنكم، لا لعجز ولكن لضيق العلوفة، وشدة الغلاء، وأنا عائد إليكم، فمن انتقل منكم نجا، ومن وجدته بعد عودي قتلته". ففرّ من أذنة أكثر من خمسين ألفاً من المسلمين، في حين أظهر أهل طرسوس من الشجاعة وشدة البلاء الشيء الكثير، وأسروا بطريقاً كبيراً من بطارقة الروم [180] .
وبني نقفور مدينة قيسارية، وعسكر فيها، ليقرب من بلاد الإسلام [181] ، وقد عزم على أن يستحوذ على البلاد الإسلامية بعد أن طمع فيها لفساد حكامها، وفساد عقائدهم في الصحابة [182] .
وأدرك أهل المصيصة وطرسوس عجز البلاد الإسلامية، عن نجدتهم. فأرسلوا إلى نقفور، يبذلون له أتاوة، ويطلبون منه أن ينفذ إليهم بعض أصحابه، يقيم عندهم، ولكنه أدرك عجزهم، واشتداد الغلاء، وقد أكلوا السباع والميتة، وفتك فيهم الوباء، فكان يموت في طرسوس كل يوم نحو ثلاثمائة نفس، فأحضر نقفور الرسول، وأحرق الكتاب على رأسه، واحترقت لحيته، وقال لهم: "أنتم كالحية في الشتاء تخدر، وتذبل، حتى تكاد تموت، فإن أخذها إنسان، وأحسن إليها، وأدفأها، انقضّت ونهشته" [183] .(34/243)
وفي ظل هذه الأوضاع المحزنة توجه نقفور بجيوشه الجرارة عام 353 هـ، فاحتل إذنة بسهولة، وكان قد هجرها أهلها. ودخل المصيصة عنوة في 13 رجب بعد حصار طويل، ووضع السيف في أهلها، فقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم رفع السيف ونقل كل من بها إلى بلد الروم، وكانوا نحو مائتي ألف إنسان [184] . واستولى بعد ذلك على كَفَرْبَيّا، وأسر كثيرا من المسلمين. وكَفَرْبَيّا مدينة بإزاء المصيصة على شاطئ جيحان [185] .
وجاء دور طرسوس آخر معقل من معاقل الثغور الشامية، وقد نهكتها الحروب، وملاحم الجهاد، وتوجه إليها نقفور بقواته الهائلة، ولما وصل إلى أسوارها، أمر بأن يُساق من أسر من أهل المصيصة وكفربيا أمام أهل طرسوس الذين كانوا ينظرون من فوق الأسوار، وأمر بضرب أعناق مائة من أعيان المدينتن، بهدف إضعاف معنويات أهل طرسوس فكان أن أخرج أهل طرسوس أسرى الروم الذين عندهم، وضربوا أعناقهم على باب المدينة [186] .
واشتد حصار الروم لطرسوس، ولم يتحرك أحد من المسلمين لإنقاذها، وكانت تعاني من قلة الأقوات، ومن الغلاء، وانتشار الوباء، فأسقط في أيدي أهلها، وطلبوا من نقفور الأمان، وعرضوا رفع الحصار، مقابل ثلاثمائة ألف دينار، وإطلاق ما عندهم من الأسرى. وأبى نقفور، وخّيرهم بين الخروج من المدينة بالأمان، أو البقاء فيها مع الدخول في طاعة الروم، وتخريب أسوار المدينة [187] . واستمرت المفاوضات إلى أن تم الاتفاق على تسليم المدينة للروم بالأمان لأهلها، على أن من أراد أن يخرج من المدينة فله أن يحمل من ماله، ورحله، ما يطيق حمله. وأن من أراد البقاء على الذمة، أو الجزية، أو النصرانية، فله ذلك أيضاً. واشترط نقفور تخريب الجامع والمساجد.(34/244)
ودخل نقفور وعامة عسكره طرسوس في منتصف شهر شعبان عام 354 هـ، فأخذ كل واحد من الروم دار رجل من المسلمين بما فيها، ثم يتوكل ببابها، ولا يطلق لصاحبها إلا حمل الخفّ، فإن رآه قد تجاوز منعه، حتى إذا خرج منها صاحبها دخلها النصراني، فاحتوى على ما فيها. ونصب نقفور علمين، علم يشير إلى الإسلام، وعلم يشير إلى النصرانية، وطلب من أهل المدينة أن من أراد الخروج إلى بلاد الإسلام، فليقف تحت العلم الأول، ومن اختار البقاء تحت حكم الروم فليقف تحت الثاني. وقد قدر عدد الذين خرجوا بمائة ألف ما بين رجل وامرأة وصبي. وحدث أثناء الخروج من المواقف المحزنة الكثير. فقد تقاعد بالمسلمين أمهات أولادهم لما رأين أهاليهن، وقالت: أنا الآن حرّة، لا حاجة لي في صحبتك، فمنهن من رمت بولدها على أبيه، ومنهن من منعت الأب من ولده، فنشأ نصرانيا. فكان الإنسان يجيء إلى عسكر الروم، فيودع ولده، ويبكي، ويصرخ، وينصرف على أقبح صورة [188] .
وقام نقفور بإحراق المصاحف، وتخريب المساجد، وأخذ من خزائن السلاح ما لم يسمع بمثله، مما كان جُمع من أيام بني أمية إلى هذه الغاية. وصعد نقفور منبر المدينة وخاطب من حوله: "أين أنا؟ "فقالوا: "على منبر طرسوس". فقال: "لا، ولكنني على منبر بيت المقدس، وهذه كانت تمنعكم من تلك" [189] . وأمر بنقل أبواب مدينة طرسوس إلى القسطنطينية، كما أمر بنبش قبر المأمون، فأخذ سلاحه، وأعاد القبر كما كان. وجعل المسجد الجامع اصطبلا لدوابه، ثم أحرق البلد.
كل ذلك يُشير إلى الروح الصليبية التي كانت تحرّك نقفور، وهذا وسيف الدولة حي يرزق بميافارقين، والملوك من المسلمين كل واحد مشغول بمحاربة جاره من المسلمين، وعطّلوا فرض الجهاد كما قال ياقوت [190] وابن كثير [191] .(34/245)
ولم تغب أهمية طرسوس عن نقفور، فعزم على المقام بها وعمرها، ليكون أقرب إلى بلاد المسلمين ثم بدا له فعاد إلى عاصمته القسطنطينية [192] . وبقيت طرسوس قاعدة للروم للغارة على بلاد الإسلام براً وبحراً.
ولما سقطت طرسوس اضطربت بلاد الشام، وقام أهل أنطاكيا بطرد نائب سيف الدولة، وعينوا مكانه رشيقا النسيمي الذي خرج من طرسوس. وأعلنوا أنه لا مقام لهم بعد طرسوس. فقام الأمير رشيق بمكاتبة الروم، ودفع لهم 400 ألف دينار في السنة. واستمرت أنطاكيا تعاني المأساة إلى أن سقطت أيضا في كارثة إسلامية أخرى عام 359 هـ بيد الروم [193] . وكذلك سقطت في العام نفسه ملازكرد في آسيا الصغرى. وخاف المسلمون الروم في أقطار البلاد، وأصبحت كلها سائبة، لا تمتنع عليهم يقصدون أيها شاءوا [194] .
ومن أثر سقوط طرسوس أيضا أن قوي أمر أبي عبد الله بن الداعي ببلاد الديلم.
وكتب إلى الآفاق حتى إلى بغداد، يدعو إلى الجهاد في سبيل الله لمن سبَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [195] . فوجدت دعوته صدىً.
وبسقوط طرسوس انطوت صفحة رائعة من صفحات الجهاد الإسلامي في آسيا الصغرى، وبقيت طرسوس بيد الروم، إلى أن عادت إلى تبعية البلاد الإسلامية علي يد مليح بن ليون الأرمني عام 568 هـ الذي خدم نور الدين زنكي [196] . ثم أخذت وضعها الإسلامي الصحيح علي يد العثمانيين، الذين أعادوا المدّ الإسلامي إلى بلاد الأناضول. وأصبحت آسيا الصغرى على أيديهم من أهم بلاد الإسلام.
طرسوس بلد العلم والرباط:(34/246)
كانت طرسوس كسائر الأمصار الإسلامية تعج بدور العلم التي لها صلة قوية بالجهاد، حيث اتخذ بعض العلماء داره الخاصة مكاناً للتعليم، وقدم إليها عدد من التابعين، واستوطنوها منذ تأسيسها، وحدّثوا فيها، وشاركوا في الرباط، والجهاد، وسمع عليهم عدد من أهل طرسوس، ورووا عنهم، ثم تناقلته الأجيال. ورحل إليها عدد من العلماء وطلاب الحديث من شتى أنحاء العالم الإسلامي لسماع الحديث من مشايخها، أو نقله إلى طلابها. وانتقل بعض علمائها إلى بغداد، أو دمشق أو غيرهما من أمصار العالم الإسلامي.
وكان الإمام أحمد بن حنبل يخرج ماشياً إلى طرسوس، وشارك في الرباط والجهاد [197] . ومشى إليها أبو حاتم الرازي الحنظلي الغطفاني في طلب الحديث [198] . وكان يحدث بها محمد بن سعيد- أبو بكر البغدادي [199] ، ومحمد بن عبد الله القطان رحل من بغداد، كان أحمد بن حنبل يكرمه، ومات بطرسوس [200] . ومحمد بن عبد الله أبو بكر المقرئ البغدادي، سكن طرسوس، ثم قدم إلى دمشق عام 340 هـ، وحدث بها [201] . ووردها النسائي أحمد بن شعيب الخراساني صاحب السنن وعبد الله بن أحمد بن حنبل وكيلجة وهو محمد بن صالح البغدادي أبو بكر الأنماطي [202] .
وانتقل زهير بن محمد بن قمير- أبو محمد المروزى- من بغداد إلى طرسوس فرابط بها إلى أن مات عام 258 هـ[203] . ووردها الأصم- محمد بن يعقوب بن يوسف، وسمع بها الحديث من أبي أمية الطرسوسي [204] . وسكنها المحدث محمد بن إبراهيم بن أمية الطرسوسي [205] ونسب إليها. وابن الخشاب- أبو الفرج أحمد بن القاسم البغدادي، وكان قد حدث بدمشق وغيرها [206] وسكنها محمد بن العباس أحد المحدثين، وقد حدّث ببغداد [207] .(34/247)
وأبو ثوبة- الربيع بن نافع الحلبي نزيلها [208] . وأبو معاوية الأسود وقد حج من طرسوس [209] . ومن علمائها المشاهر: إبراهيم بن محمد بن الصباح الطرسوسي الذي سمع أبا عبد الله الصيدلاني البغدادي [210] . كما توفي فيها عباد بن موسى الختلي [211] ، ونزلها أبو القاسم بن محمد الكرماني [212] وقدمها عمر بن محمد بن أبي خيثمة للغزاة، وحدث بها [213] ، وأبو الآذان عمر بن إبراهيم [214] وقدمها يحي بن عبد الباقي الثغري- أبو القاسم- من أهل أذنة. وكان قد قدم بغداد وحدث بها. وتوفي بطرسوس عام 293 هـ[215] . ونزلها إبراهيم بن الحارث من نسل عبادة بن الصامت رضي الله عنه- أبو اسحق العبادي- وكتب عنه تلاميذه بها، وبأنطاكيا [216] . وحدث بها أحمد بن محمد ين الحجاج المروزي [217] ومحمد بن مصعب القرقساني [218] ، وعلي بن إسماعيل الذي امتدح قمع المتوكل لفتنة خلق القرآن [219] ، وسعيد بن مسلم [220] .
وسكنها حامد بن أحمد الزيدي [أبو أحمد المروزي] ورابط بها وكان له عناية بحديث زيد بن أبي أنيسة، وجمعه، وطلبه، فنسب إليه. ثم قدم بغداد وحدّث بها [221] . وعاش فيها محمد بن أحمد بن موسى [أبو بكر العصفري] ، وهو بغدادي سكن طرسوس وحدّث بها [222] . ونزلها محمد بن مسعود بن يوسف أبو جعفر النيسابوري [ابن العجمي] ورابط في طرسوس، وتوفي بها [223] ، وأحمد بن الصقر [أبو سعيد البصري] كان أصله من طرسوس، وسكن بغداد، وحدّث بها [224] . وقدمها المحدّث أحمد بن محمد أبو بكر الدرهمي، وقدم منها إلى بغداد [225] .
وتوفي بها مسلم بن أبي مسلم الجرمي، وكان ممن حدّث ببغداد [226] ، ومحمد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصري المحدث. وكان غزاءً من شجعان الناس [227] .(34/248)
واشتهرت طرسوس كسائر أمصار الإسلام بالربط، وكانت تتخذ ملجأ للفقراء، والزهاد، ومنازل للعلماء، والطلاب الراحلين لطلب العلم أو نشره، ومكاناً لتعليم القرآن الكريم، والحديث، والوعظ. وتخرج الدعاة والمجاهدين. وقد عجّت المدينة بالمرابطين الغزاة والصالحين، الذين وردوها محتسبين لله، وتحملوا عبء الجهاد، وحملوا شرفه إلى جانب أهل طرسوس المرابطين. اذكر منهم إلى جانب من ذكرنا:
ابن القاصّ الطبري- أبو العباس أحمد بن أبي أحمد، فقيه طبرستان، صنف كتباً كثيرة صغيرة الحجم، كثيرة الفائدة. وكان يعظ الناس، وضرب بنفسه المثل، فسافر إلى طرسوس، وأصبح فقيهها، وتوفي مرابطاً بها. وكان يملي الحديث على تلاميذه، بالمسجد الجامع [228] .
ووردها إبراهيم بن أدهم الزاهد المعروف [229] . وعبد الله بن المبارك الذي كان كثير الاختلاف إلى طرسوس [230] وأظهر فيها من ضروب الشجاعة في الجهاد، وأملى عام 177 هـ قصيدته المشهورة بطرسوس على محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، وأنفذها معه إلى الفضيل بن عياض وفيها:
ياعابد الحرمين لو أبصرتنا
لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه
فنحورنا بدمائنا تتخضّب
أو كان يتعب خيله في باطل
فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا
رهج السنابك والغبار الأطيب
والقرآن أتانا من مقال نبيّنا
قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في أنف
امرئ ودخان نار تلهب [231]
هذا كتاب الله ينطق بيننا
ليس الشهيد بميت لا يكذب
ولما وصل كتابه إلى الفضيل في الحرم المكي، قرأه وبكى، ثمّ قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصح. والأبيات تصور حياة طرسوس المجاهدة أجمل تصوير. وسمع بعضهم ابن المبارك وهوينشد على سورطرسوس [232] :
ومن البلاء وللبلاء علامة(34/249)
أن لا يرى لك عن هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها
والحرّ يشبع مرة ويجوع
وقدم طرسوس علي بن عثام العامري الكوفي نزيل نيسابور، وخرج من نيسابور عام 225 هـ، وحج، وذهب إلى طرسوس، فأقام بها وتوفى بها مرابطاً [233] .
وقدمها وكيع بن الجراح- أبو سفيان الرؤاسي الكوفي، وحسن أخو زيدان [234] . ومحمد بن أحمد بن الريحاني البغدادي، وسكن طرسوس [235] . وسماك بن عبد الصمد الأنصاري في عام 282 هـ[236] .
ونزلها للغزو أحمد بن سعيد أبو الحسن الصولي ومات بها [237] . وأحمد بن محمد الضراب الدينوري [238] ، والمحدث أحمد بن محمد بن أبي عثمان الغازي، خرج إليها غازيا ومات بها [239] وأبو الخير التيناتي الأقطع- ويقال اسمه حماد، سكن تينات من أعمال حلب، وسكن جبل لبنان مدة، ثم سكن ثغر طرسوس وجاهد هناك [240] . وابن الحيري الحافظ أبوسعيد أحمد بن أبي بكر النيسابوري الشهيد، استشهد بطرسوس عام 353 هـ، وله خمس وستون سنة [241] .
وأحمد بن محمد بن ثابت بن النعمان الخزاعي المروزي- ابن شبويه- توفي بطرسوس [242] وأبو حمزة البغدادي- محمد بن إبراهيم، وكان كثير الرباط والغزو [243] . وأبو بكر محمد بن الإمام ابن أبي عثمان سعيد بن إسماعيل النيسابوري الحيري. وكان من كبار الغزاة في سبيل الله، ورابط بطرسوس [244] .
وكان الذي يذهب في الجهاد في الثغور يحظى باحترام الناس، ويكون موضع تقديرهم، وعطفهم، فاستغل بعض ضعاف النفوس ذلك، وقد سجل لنا التاريخ قصة أحد أعوان الحلاج، الذي تظاهر بالعمى، ثم أبرأه الحلاج، فضرب للناس على وتر الجهاد بالخروج إلى طرسوس، وكان ببلاد الجبل. فقال للناس:(34/250)
"إن من حق الله عندي، ورده جوارحي علي، أن أنفرد بالعبادة انفراداً أكثر من هذا، وأن يكون مقامي في الغزو، وقد عملت على الخروج إلى طرسوس، فمن كانت له حاجة تحمّلتها". فأخرج هذا ألف درهم. وقال: "أغز بهذه عني"، وأخرج هذا مائة دينار وقال: "أخرج بها غزاة من هناك". وأعطاه كل أحد شيئا، فاجتمع له ألوف دنانير، ودراهم. فلحق بالحلاج، وقاسمه عليها [245] .
وقد أوردت هذا الخبر ليعرف القارئ مقدار ما كان الجهاد في طرسوس من أهمية كبيرة في قلوب المسلمين، باعتبارها الثغر المتقدم للإسلام في مواجهة الروم.
وقد ذكرنا كثيراً من قادة المسلمين ومشاهيرهم وخلفائهم ممن وردها، وأضيف هنا: عمرو بن مسعدة بن سعيد بن صول الكاتب- أبو الفضل- أحد وزراء المأمون. وورد إذنة وتوفي بها عام 217 هـ[246] . والقاضي جعفر بن عبد الواحد- أبو عبد الله- وتوفي بطرسوس عام 258 هـ[247] . والقاضي أبو عبيد القاسم بن سلام، الذي كان فاضلاً في دينه، وعلمه، متفنناً في أصناف علوم الإسلام، من القراءات، والفقه، والعربية، والأخبار، وأشهر من فسّر غريب الحديث، ولي قضاء طرسوس ثماني عشرة سنة [248] أثناء ولاية ثابت بن نصر بن مالك الخزاعي الذي ولي طرسوس ثماني عشرة سنة [249] . وولي قضاءها صالح بن أحمد بن حنبل [250] ، وموسى بن داود الضبي الخلقاني، وتوفي بها عام 216 هـ. وكان يوصف بأنه قاضي طرسوس وعالمها [251] .
من هذا العرض تظهر صلة طرسوس القوية بأمصار الإسلام، وتتبنّ مظاهر الاحترام والتقدير، الذي حظيت به طرسوس في قلوب المسلمين، من مختلف طبقاتهم، الحكام والوزراء، والأمراء، والعلماء، وقادة الجيوش، وأرباب الجهاد، والعامة. فكانت تظهر فيها عظمة الإسلام والمسلمين، فكان يقال:(34/251)
"من محاسن الإسلام يوم الجمعة ببغداد، وصلاة التراويح بمكة، ويوم العيد بطرسوس" [252] إذ كانت تظهر في طرسوس الأبهة الإسلامية بأجلى معانيها، لغيظ الكفار، وإلقاء الرعب في قلويهم في العيدين، فكانت تسطع فيها الأنوار، في ليالي العيد، وتتجاوب أصوات المسلمين بالتهليل، والتكبير، وتزدحم الأنهار بالزوارق المزينة بأبهى الزينات، وتسطع من جوانبها أنوار القناديل، ويخرج الناس بأسلحتهم ودراعاتهم بدل دروعهم، وعليها يكتب: "فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم".
وسقطت طرسوس، وبقيت مسيرة الإسلام بين مدّ وجزر، وفتحت صفحات أخرى من الجهاد وفي ثغور أخرى. وتبقى المسيرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ويبقى التزام المسلمين بإسلامهم هو سبب عزتهم. وبدونه تكون لهم المذلة.
المصادر والمراجع
1- ابن الأثير- الكامل في التاريخ- دار الكتاب العربي- بيروت ط 4/ 1403 هـ-983 1 م.
2- أحمد عبد القادر اليوسف- الأمبراطورية البيزنطية- صيدا- ببيروت 1966 م.
3- البلاذري- فتوح البلدان- دار الكتب العلمية- بيروت- 1403هـ- 1983م.
4- ابن تغري بردي- أبو المحاسن- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة- المؤسسة المصرية القاهرة/1383 هـ/1963 م.
5- حسن إبراهيم حسن- تاريخ الإسلام- مكتبة النهضة المصرية- ط/ 1964 م.
6- حسن أحمد محمود، وأحمد إبراهيم الشريف- العالم الإسلامي في العصر العباسي - دار الفكر العربي- القاهرة ط 4/ 1980 م.
7- أبو حنيفة الدينوري- الأخبار الطوال- تحقيق عبد المنعم عامر- دار إحياء الكتب القاهرة ط 1/160م.
8- ابن حوقل- مسالك الممالك- ليدن 1899.
9 - الحياري- مصطفى- نهاية الثغور الشامية- بحث في مجلة مجمع اللغة العربية الأردني العدد 11/ 12.
10- ابن خرداذبة- المسالك والممالك، تحقيق دي خويه- طبع الأوفست- مكتبة المثنى ببغداد ط إبريل 1889 م.(34/252)
11- الخطيب البغدادي- تاريخ بغداد- دار الكتب العلمية- بيروت- مغفل السنة.
12- ابن خلكان- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان- دار صادر- بيروت مغفل السنة
13- الذهبي- سير أعلام النبلاء- مؤسسة الرسالة ط 2 / 1402هـ- 1982 م.
14- الذهبي- العبر في خبر من غبر- دار الكتب العلمية- بيروت ط1. 1405هـ/1985م.
15- الأزدي- الشيخ أبو زكريا يزيد بن محمد- تاريخ الموصل- تحقيق دي خويه.
إحياء التراث الإسلامي. القاهرة 1383 هـ/1967م.
16- الأزدي- أخبار الدول المنقطعة- تاريخ الدولة العباسية- مكتبة الدار بالمدينة المنورة 1408هـ/ 1988 م.
17- السيوطي- تاريخ الخلفاء- المكتبة التجارية- مصر. ط 1389. هـ/1969م.
18- ابن الشحنة- الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب- بيروت. ط2. 19580م.
19- الطبري- تاريخ الأمم والملوك- دار المعارف بمصر. ط2. 1971م. والطبعة التجارية.
20- ابن العبري- مختصر تاريخ الدول- المطبعة الكاثوليكية. بيروت.
21- ابن عبد ربه- العقد الفريد- دار الكتب العلمية- بيروت. ط1. 1404هـ/1983 م.
22- قدامة بن جعفر- الخراج وصناعة الكتابة- دار الرشيد- العراق 1981 م.
23- القزويني- آثار البلاد وأخبار العباد- دار صادر- بيروت. مهمل السنة.
24- ابن كثير- البداية والنهاية- دار الفكر العربي- الجيزة. مهمل السنة.
25- كي لسترنج- بلدان الخلافة الشرقية- ترجمة بشيرفرنسيس، وكوركيس عواد، مؤسسة الرسالة. ط2. 1405 هـ/ 1985م.
26- مجهول- العيون والحدائق في أخبار الحقائق- تحقيق نبيلة عبد المنعم داود، مطبعة الإرشاد. بغداد 1973 م.
27- المسعودي- مروج الذهب ومعادن الجوهر- دار الأندلس- بيروت ط 1. 1385هـ/1965 م.
28- المسعودي- التنبيه والإِشراف- دار التراث- بيروت 388 1 هـ/ 1968م.(34/253)
29- موريس لومبارد- الجغرافيا التاريخية للعالم الإسلامي- ترجمة عبد الرحمن حميدة- دار الفكر دمشق. 1399 هـ/1979م.
30- ياقوت الحموي- معجم البلدان- دار صادر- بيروت- 1404هـ/1984م.
31- يحي بن سعيد- تاريخ- مطبعة الأباء اليسوعيين- بيروت 1905 م.
32- اليعقوبي- تاريخ- دار صادر- بيروت- 1965 م.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ياقوت- معجم البلدان- 28/4، ابن حوقل 64.
[2] ياقوت 28/4، القزويني ص 219، قدامة بن جعفر ص 186 ابن خرداذبة- المسالك والمالك ص 253. وذكر ابن عبد العقد الفريد 7/279 أنها من الشام الخامسة، حيث قسم الشامات إلى خمس وهي غير ما نتعارف عليه اليوم:
الأولى: فلسطين، ومن مدنها غزة والرملة، وعسقلان، وبيت المقدس
الثانية: الأردن ومن مدنها طبرية، وبيسان..
الثالثة: الغوطة ومن مدنها دمشق وطرابلس الشام.
الرابعة: حمص. ومدينتها العظمى حمص.
الخامسة: قنسرين، ومن مدنها حلب وانطاكية، وطرسوس.
[3] بلدان الخلافة الشرقية ص 169.
[4] نفسه ص 169، انظر ابن خلكان 4/62، 5/350.
[5] بلدان الخلافة الشرقية ص 164.
[6] ابن حوقل ص 122.
[7] ياقوت 4/28، بلدان الخلافة الشرقية165.
[8] بلدان الخلافة 165
[9] البلاذري- فتوح البلدان ص 150- 153.
[10] فتوح البلدان ص 168، قدامة بن جعفر- الخراج ص 307.
[11] فتوح البلدان ص 168. الكامل في التاريخ 2/ 344.
[12] الكامل في التاريخ 2/ 344.
[13] فتوح البلدان ص 169.
[14] الكامل في التاريخ 2/344.
[15] فتوح البلدان ص168.
[16] فتوح البلدان ص 169، قدامة ص 307.
[17] الكامل في التاريخ 3/ 44.
[18] قدامة بن جعفر ص 307.(34/254)
[19] اليعقوبي: تاريخ 2/ 240.
[20] ابن كثير- البداية والنهاية 9/ 30.
[21] فتوح البلدان ص 169، قدامة بن جعفر ص 307.
[22] فتوح البلدان ص 172.
[23] الكامل في التاريخ 4/ 129.
[24] فتوح البلدان ص 167، ووردت تقيم بدلا من تقيم. وهو خطأ.
[25] ذكر بعض المؤرخين أن وجهة الحرب بين المسلمين والبيزنطيين قد تغيرت زمن العباسيين عما كانت عليه زمن الأمويين. وأصبحت عبارة عن غارات الغرض منها الهدم، والتخريب وإتلاف النفس والمال. وهذا يخالف ما كانت عليه الحال في أيام الأمويين الذين كانت لهم سياسة مرسومة لمحاربة البيزنطيين ابتغاء امتلاك القسطنطينية. (انظر حسن إبراهيم حسن- تاريخ الإسلام 2/242) .
وقمت ببحث هذه النقطة، ووجدت أن سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسيةلم يقلل من شأن الجهاد مع الروم البيزنطيين، وليس هناك فاصل بين سياسة الأمويين والعباسيين. والعهد العباسي امتداد للعهد الأموي، ولم تتغير سياسة الفتح، فقد فشل المسلمون زمن الأمويين في فتح القسطنطينية فاعتمدوا خطة التريث، واعتمدوا على القوى العسكرية وبناء الحصون، والأمصار الإسلامية على حدود آسيا الصغرى وفي داخلها، تمهيداً للامتداد. وقام العباسيون بمتابعة هذه الجهود، فقاموا بتثبيت الإسلام في منطقة العواصم والثغور، ومنها مدوا الإسلام إلى داخل آسيا الصغرى ومصرّوا فيها الأمصار.
وتوقف المدّ الإسلامي يعود إلى انتهاء حدة موجة الفتح الإسلامي، لأسباب ليس هنا موضعها، وبدأ المسلمون يفقدون أقاليمهم في آسيا الصغرى في العهد العباسي الثاني (248-332 هـ) ، وفي عهد التسلط البويهي على الخلفاء (334-447 هـ) ، ففقدوا معظمها، ليعود المد الإسلامي من جديد في العهد السلجوقي ليغطي آسيا الصغري كلها بعد معركة ملاذكرد (مانزكرت) عام 463 هـ/1071.(34/255)
[26] اليعقوبي- تاريخ 2/ 99، فتوح البلدان ص 190، قدامة ص 308، العالم الإسلامي ص 156، الإمبراطورية البيزنطية
[27] حلية الأولياء 6/ 135.
[28] البسوي- المعرفة والتاريخ 2/ 408.
[29] فتوح البلدان ص 167.
[30] الطبري 7/497، الكامل في التاريخ 5/ 486.
[31] الطبري 92/ 321، اليعقوبي 2/ 394، الكامل في التاريخ 5/ 44.
[32] فتوح البلدان ص 167.
[33] فتوح البلدان ص 173، قدامة بن جعفر ص 0 32.
[34] فتوح البلدان 167.
[35] فتوح البلدان ص 74 ا، قدامة ص 311، الأزدي ص 262، خليفة بن الخياط ص 448، مسالك الممالك ص 64، وجعلها ياقوت بعد سنة 190هـ. (4/28) وابن الأثير جعلها سنة 170هـ الكامل 5/83، ثم عاد وذكر ذلك عام 190، 191هـ الكامل 5/127، وهذا يعني أن الروم قامت بمهاجمتها بعد تمصيرها، فأعاد الرشيد تمصيرها.
[36] مسالك الممالك 64، العيون والحدائق 4/ 502، القزويني ص 219. فتوح البلدان ص 174.
[37] الطبري 10/ 5، فتوح البلدان ص 194، الكامل في التاريخ 5/83.
[38] الروض المعطار ص 38.
[39] 1لطبري 6/ 469 1لتجارية.
[40] انظر الطبري 6/ 466 فقد كان الرشيد كثير الغزو والحج (السيوطي ص 283) يحج سنة ويغزو سنة (الخطيب البغدادي6/14) إلا سنين قليلة (الفخري صر 173) فقال الشاعر يمدحه:
فبالحرمين أو أقصى الثغور
فمن يطلب لقاءك أو يرده
طمرّ وفي أرضا البنية فوق طور
ففي أرض العدو على
[السيوطي 283، الطبري 0 1/ 99 0 ابن كثير 10/203] .
[41] الكامل: 5/ 127.
[42] نفسه
[43] البداية والنهاية 10/ 206.
[44] ابن تغري- النجوم الزاهرة- 2/ 136
[45] سير أعلام النبلاء 13/40.
[46] العالم الإسلامي ص 165.
[47] فتوح البلدان ص 165/196.(34/256)
[48] الكامل في التاريخ 5/ 219، البداية والنهاية 10/ 269، المعارف ص ا 17.
[49] الكامل 5/ 220، البداية والنهاية 10/ 270.
[50] الأمبراطورية البيزنطية ص 124، وانظر خطة الفتح واضحة الطبري 8/ 645 اليعقوبي 2/ 465.
[51] الذهبي- سير أعلام النبلاء 10/287، المعارف 171 الطبري 8/ 625، اليعقوبي 1/ 496.
[52] سير أعلام النبلاء10 / 289، الطبري 8/ 650، الكامل 5/ 227، البداية 10/ 280، القزويني 220، الدول المنقطعة 155، تاريخ بغداد 1/68.
[53] الكامل في التاريخ 5/ 231، الأزدي ص 415.
[54] الأخبار الطوال ص 401.
[55] انظر فتحى عثمان 2/ 195.
[56] الفخري في الآداب السلطانية 204- 205.
[57] أنظر الكامل في التاريخ 5/247-249، الأزدي ص 427، اليعقوبي 2/ 475 مروج الذهب4/ 60، الروض المعطار 32، خليفة بق خياط 477، ابن تغري 2/238 زيني دحلان 1/ 286، وذكر ابن كثير أن تيوفيل هاجم ملطية وهذا خطأ فإنه ذكر بعد ذلك بقليل "زبطرة " [البداية والنهاية 10/ 285-287] .
[58] فتوح البلدان 176.
[59] الطبري 11/ 19- 12، البداية 10/303، الكامل في التاريخ 5/ 275، اليعقوبي 2/217، التنبيه والإشراف ص 162.
[60] الطبري 10/ 20.
[61] البداية والنهاية 10/307.
[62] نفسه 10/ 324.
[63] الكامل 5/ 299، البداية والنهاية 10/ 346.
[64] البداية والنهاية 1/347.
[65] فتوح البلدان ص 167.
[66] البداية والنهاية 11/3.
[67] ابن تغري 3/5.
[68] الكامل في التاريخ 6/ 15.
[69] نفسه 6/16.
[70] نفسه 6/18.
[71] الكامل 6/ 25.
[72] في الطبري يازمان، وفي الكامل بازمان.
[73] الكامل 6/ 50.
[74] نفسه 6/56.
[75] الذهبي ـ سير أعلام النبلاء 12/550.(34/257)
[76] الكامل 6/55، البداية 11/45، وفي هذه السنة قضى على حركة خبيث الزنج.
[77] انظر: الكامل 6/58
[78] الكامل 6/59، البداية والنهاية11/50، ابن تغري 3/67، الطبري8/149
[79] الذهبي ـ سير أعلام النبلاء 12/551
[80] الكامل 6/ 62، البداية والنهاية 11/ 52 ابن تغري 3/ 71
[81] انظر الكامل 6/78.
[82] الطبري 8/ 153 التجارية، ابن تغري 3/ 72.
[83] الطبري 8/ 55 1، ابن تغري 3/ 76، الكامل 6/67، البداية والنهاية 11/571.
[84] /71، وانظر الطبري الذي ومنها بلمحة طرسوس عام 279 هـ 8/163 ـ 164
[85] الطبري 8/ 67 1، الكامل 6 / 77،
[86] الطبري 8/ 69 1، الكامل 6 / 78، ابن تغري 3/ 86.
[87] الطبري 8/ 176.
[88] الكامل في التاريخ 6/ 85.
[89] الطبري 8/ 181، 193.
[90] الكامل 6/ 91، البداية والنهاية 11/ 79.
[91] الطبري 8/ 194، ابن تغري 3/ 116.
[92] الطبري 8/ 196، ابن تغري 3/118، الكامل 6/93 (في الكامل بكنون) .
[93] الطبري 8/ 199، الكامل 6/ 94، البداية والنهاية 11/ 83.
[94] الطبري 8/203، الكامل 6/ 94، العبر 1/413، سير أعلام النبلاء13/ 466.
[95] الطبري 8/ 206، الكامل في التاريخ 6/ 99.
[96] الطبري 8/213-215، ابن تغري 3/ 29 1- 130.
[97] الطبري 8/16، البداية والنهاية 11/ 96.
[98] 1لطبري 8/217.
[99] 1لطبري 8/ 225.
[100] الطبري 8/232، ابن تغري 3/123، البداية 11/8، العبر 1/419، دول الإسلام 1/176، ابن العبرى ص 154.
[101] الطبري 8/ 233، ابن تغري 3/ 13، الكامل 6/ 109، البداية 11/ 98، العبر 1/ 419، التنبيه والإشراف ص 153، سير أعلام النبلاء 13/483.
[102] الطبري 8/ 235، الكامل 6/ 11.(34/258)
[103] الطبري 8/243، الكامل 6/117، البداية 11/ 102.
[104] الطبري 8/ 248، 1لكا مل 6/ 117.
[105] الطبري 8/ 250، الكامل 6/ 120، البداية 11/103، ابن تغري 3/ 162.
[106] الطبري 8/ 252، الكامل 6/ 135، البداية 11/108
[107] الطبري 8/ 253، 1لكا مل 6/ 135.
[108] يذكر ابن كثير أن اسمه (يونس الخادم) وهذا خطأ [البداية 11/ 110] .
[109] البداية والنهاية 11/112
[110] الطبري 8/ 254، الكامل 6/ 140.
[111] الكامل في التاريخ 6/143
[112] الطبري 8/257، الكامل6/150، البداية والنهاية 11/ 122.
[113] الطبري 8/ 248، الكامل 6/ 148.
[114] الكامل 6/ 152ابن عريب ص39.
[115] الكامل 6/157.
[116] ابن عريب 45، الكامل 6/158، ابن تغري 3/192، البداية 11/127، حول الإسلام 1/ 185
[117] الكامل 6/ 158.
[118] نفسه 6/161
[119] سير أعلام النبلاء 15/50.
[120] الكامل 6/ 172.
[121] البداية والنهاية 11/ 145.
[122] البداية والنهاية 11/ 145.
[123] ابن تغري 3/215، دول الإسلام 1/190، دحلان 1/330، البداية والنهاية 11/531، العبر 1/468.
[124] الكامل 6/ 185، البداية 11/153.
[125] البداية 11/ 155، العبر 1/ 469، دول الإسلام 1/ 190.
[126] الكامل 6/ 189.
[127] البداية 11/155.
[128] نفسه 11/ 160، السيوطي 384
[129] الكامل 6/ 199.
[130] الكامل 6/207، البداية 11/163.
[131] الكامل 6/316-317، البداية 11/166، في حين ذكر الذهبي أن والي طرسوس هزم الروم، ثم هزموه عام 319 هـ سير أعلام النبلاء 15/54.
[132] البداية والنهاية 11/177.
[133] تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 392.
[134] السيوطي- تاريخ الخلفاء392.(34/259)
[135] العيون والحدائق 4 ق 2/ 68.
[136] الكامل 6/268، ابن تغري 3/ 262- 263،
[137] الكامل 6/ 288، البداية 11/203
[138] الكامل 6/ 294، السيوطي- تاريخ الخلفاء 395.
[139] الحياري- نهاية الثغور الشامية- مجلة مجمع اللغة العربية الأردني العدد اا-12 ص 23.
[140] ابن تغري 3/ 294.
[141] الكامل في التاريخ 6/ 324.
[142] الكامل 6/341، البداية 11/ 250، ابن تغري 3/297، دول الإسلام 1/210، العبر 1/51
[143] ابن تغري 3/303.
[144] الكامل 6/ 334، البداية 11/223.
[145] الذهبي دول الإسلام 1/210.
[146] ابن تغري 3/ 305.
[147] الكامل 6/ 342، البداية 11/ 225، أبو الفداء 3/ 125، حول الإسلام 1/ 212.
[148] العيون والحدائق 4 ق 2/ 195، العبر 2/ 262.
[149] البداية 11/227
[150] الكامل 6/ 346، ابن تغري 3/ 311، البداية 11/ 227، 228.
[151] الكامل 6/ 350، دول الإسلام 1/213، العبر 2/ 69، البداية 11/ 230.
[152] ابن تغري 3/ 319، العبر 2/ 75.
[153] ابن تغري 3/322، دول الإسلام 1/ 215، البداية 11/ 234.
[154] 1لعبر 2/78.
[155] العبر 2/143، البداية 11/303.
[156] الموجز في تاريخ الدول العربية وعهودها في بلادنا فلسطين ص 298.
[157] ابن تغري 3/ 324.
[158] الكامل 6/ 358.
[159] نفسه 6/ 360.
[160] العيون والحدائق 4 ق 2/ 24، ابن تغري 3/ 327.
[161] البداية والنهاية 11/ 241، الكامل 7/5.
[162] الكامل 7/ 5، ابن تغري 3/333، البداية 11/241.
[163] العيون والحدائق 2 ق 2/218، حول الإسلام 1/217، في حين ذكر ابن الأثير سقوطها عام 351 هـ/ الكامل 7/ 2.
[164] أخبار الدول المنقطعة ص 248.(34/260)
[165] العيون والحدائق 4 ق 2/ 218، ابن تغري 3/ 332.
[166] تجارب الأمم وانظر دول الإسلام 1/217، ابن تغري 3/ 132.
[167] ج 4 ق 218/2-233.
[168] هذا الوصف لصعب العيون والحدائق ج 4 ق 2/218-223. وانظر تجارب الأمم 2/191، والكامل 7/ 2-3.
[169] العيون والحدائق ص 223.
[170] الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب ص 183.
[171] زبدة الحلب 1/ 142، تاريخ يحي بن سعيد ص 121- 122، البداية والنهاية 11/ 255، الكامل في التاريخ 7/13.
[172] الكامل 7/3.
[173] البداية والنهاية 11/ 239، ابن تغري 3/ 332.
[174] ابن تغري 3/332، دول الإسلام 1/217، العبر 2/87.
[175] زبدة الحلب 391.
[176] الكامل 7/ 705، البداية 11/ 241، ابن تغري 3/ 335- 336.
[177] ابن تغري 3/ 335.
[178] الكامل 7/ 7، المنتظم لابن الجوزي حوادث 352 هـ.
[179] الكامل 7/ 7.
[180] الكامل 7/9-11، البداية 11/253، زبدة الحلب 1/ 141 ابن تغري 3/337، تاريخ يحي بن سعيد ص 122.
[181] مسكويه- تجارب الأمم 2/ 210، السيوطي- تاريخ الخلفاء ص ا 40.
[182] البداية 11/253.
[183] البداية 11/ 255، الكامل 7/13.
[184] البداية 11/ 255، الكامل 7/ 14، تجارب الأمم 208- 210.
[185] ياقوت- معجم البلدان 4/468.
[186] تجارب الأمم 2/ 211، تاريخ يحي بن سعيد 123.
[187] تجارب الأمم 2/ 213.
[188] ياقوت- معجم البلدان 4/ 28، الكامل 7/ 13- 4 1.
[189] زبدة الحلب ص 133.
[190] معجم البلدان 4/ 29.
[191] البداية والنهاية 11/ 255.
[192] الكامل 7/13-14، البداية 11/ 255.
[193] الكامل 7/ 36، 0 2. تجارب الأمم 2/212.
[194] الكامل 7/ 37.
[195] البداية 11/ 260.
[196] الكامل 9/ 119.(34/261)
[197] سير أعلام النبلاء 11/210، 211، 311
[198] نفسه 13/255.
[199] تاريخ بغداد 5/ 311.
[200] نفسه 5/416.
[201] نفسه 5/452
[202] سير أعلام النبلاء 14/ 130.
[203] سير أعلام النبلاء 12/ 361 تاريخ بغداد 8/ 485، 486.
[204] نفسه 15/456.
[205] نفسه 17/ 415، 13/ 91، 92، 1/ 395، 396، ياقوت- معجم البلدان 4/ 29
[206] نفسه 16/151، 156
[207] تاريخ بغداد 12/ 590.
[208] سير أعلام النبلاء10/653، 654.
[209] نفسحه 9/ 79.
[210] تاريخ بغداد 3/ 26.
[211] نفسه 11/108
[212] سير أعلام النبلاء 13/ 245.
[213] تاريخ بغداد 11/235.
[214] نفسه 11/215
[215] نفسه 4 1/228.
[216] نفسه 6/55.
[217] نفسه 6/214، 7/319.
[218] نفسه 7/170.
[219] تاريخ بغداد 7/ 170.
[220] نفسه 9/165.
[221] تاريخ بغداد 8/ 171، سير أعلام النبلاء5 1/369.
[222] نفسه 1/375.
[223] نفسه 3/310، العبر 1/354.
[224] تاريخ بغداد 4/206
[225] نفسه 4/426
[226] نفسه 13/100
[227] نفسه 2/ 4، سير أعلام النبلاء10/ 694.
[228] سير أعلام النبلاء 15/372، تاريخ بغداد 1/353، ابن خلكان ا/ 68، 8/7 30.
[229] سير أعلام النبلاء 7/ 389
[230] سير أعلام النبلاء 8/ 386،408، 412، تاريخ بغداد 4/ 6 1 4.
[231] يشر إلى الحديث الذي أخرجه أحمد 2/ 256، 242، 441، والنسائي، والحاكم، والبيهقي "لا يجتمع غبار في سبيل الله، ودخان جهنم في جوف عبد أبداً ""ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً"سير أعلام النبلاء- الحاشية 8/ 412.
[232] سير أعلام النبلاء 8/417.
[233] نفسه 10/571، العبر 1/317.
[234] نفسه 9/145.(34/262)
[235] تاريخ بغداد 1/320.
[236] تاريخ بغداد 9/217.
[237] نفسه 4/172.
[238] نفسه 4/427.
[239] نفسه 5/23.
[240] سير أعلام النبلاء 16/23.
[241] نفسه 16/296.
[242] نفسه 11/8
[243] نفسه 13/166.
[244] نفسه 15/251.
[245] ابن خلكان 2/143، تاريخ بغداد 8/ 122- 123.
[246] ابن خلكان 3/ 476.
[247] نفسه 6/165.
[248] ابن خلكان 4/ 61، 62، سير أعلام النبلاء10/ 492، 501، تاريخ بغداد 412/413.
[249] تاريخ بغداد 12/ 415.
[250] نفسه 9/318
[251] نفسه 1/33، سير أعلام النبلاء0 1/ 36 1.
[252] انظر تاريخ بغداد 1/ 47، المدور- حضارة الإسلام في دار السلام ص 22، حسن إبراهيم- تاريخ الإسلام 2/ 435، المسالك والممالك ...(34/263)
الكشف عن
صاحب "البسيط "في النحو
للدكتور حسن موسى الشاعر
أستاذ مشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية
يتردد كثيراً في مصنفات أبي حيان الأندلسي، ومن جاء بعده من النحاة ذكر "صاحب البسيط" في النحو، والنقل عن كتاب "البسيط". فتراهم يقولون: "قال صاحب البسيط" أو "وفي البسيط"، من غير أن يبينّ كثير من هؤلاء المصنفين من هو صاحب البسيط، أو يكشف النقاب عن مؤلف كتاب البسيط هذا، مما أوقع عدداً من المحققين المعاصرين في الوهم والخطأ.
فرأيت أن أعدّ بحثاً مفصّلاً عن صاحب البسيط، لعلّي بذلك أميط اللثام عن هذا الغموض الذي اكتنفه.
الكتب المصنفة في النحو بعنوان "البسيط":
1- البسيط في شرح جمل الزجاجي، تأليف: ابن أبي الرّبيع عُبيد الله بن أحمد بن عبيد الله القرشي الإِشبيلي (599- 688 هـ) . وقد قام بتحقيق السفر الأول منه الأخ الدكتور عياد الثبيتي، ونال به درجة الدكتوراه من كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى عام 1402 هـ.
وليس هذا الكتاب هو كتاب البسيط المراد بهذا البحث، فالآراء فيه تختلف عن النقول الواردة في كتاب البسيط مجال البحث، بل لم يذكر أحد من المحققين أنه هو المقصود بكتاب البسيط، أو أن مؤلفه هو صاحب البسيط.
2- البسيط في شرح الكافية لابن الحاجب: قال حاجي خليفة في كشف الظنون [1] : وصنف السيد ركن الدين حسن بن محمد الاستراباذي الحسيني ثلاثة شروح على الكافية؛ كبير وهو المسمىّ بالبسيط، ومتوسط وهو المسمى بالوافيه وهو المتداولة، وصغير. توفي سنة 717 هـ.(34/264)
وهذا الكتاب هو الذي وهم فيه كثير من المحققين المعاصرين، فظنوا- خطأ- كتاب البسيط المشار إليه آنفا، وجعلوا مصنفه وهو ركن الدين الاستراباذي، صاحب البسيط في النحو. ومما يدفع هذا الوهم أن كتاب البسيط لركن الدين الاستراباذي معروف، والحصول عليه متيسّر، وقد سجّل رسالة دكتوراه بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر [2] .
ومن هذا الشرح نسخ خطية في عدد من المكتبات، ومنه نسخة خطية في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة في مجلد كتب عليه: الشرح الكبير على الكافية لصاحب الوافية السيد ركن الدين. برقم 134/ 415 كتبت عام 718 هـ.
ومن الشرح نشخ خطية في عدد من المكتبات، ومنه نسخة خطية في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة في مجلد كُتبَ عليه: (الشرح الكبير على الكافية لصاحب الوافية السيد ركن الدين) ، برقم 134/415، كتبت عام 718هـ.
فكتاب البسيط في شرح الكافية، أو الشرح الكبير للكافية للاستراباذي يختلف ما فيه عمّا نقل عن كتاب البسيط، أو عن صاحب البسيط في النحو، فهو غيره قطعاً.
3- البسيط في النحو، تأليف: ضياء الدين بن العِلْج. وقد ذكر المحققون القدامى أنه هو صاحب البسيط المذكور. وسيأتي له مزيد من التفصيل.
أوهام المحققين المعاصرين في نسبة "البسيط "إلى ركن الدين الاستراباذي:
ا- أوّل من رأيته وقع في هذا الوهم الأستاذ الفاضل محمد أبو الفضل إبراهيم في تحقيقه لكتاب "البرهان في علوم القرآن"للإمام الزركشي المتوفى سنة 794 هـ.
فقد نقل الإمام الزركشي عن كتاب البسيط في سبعة مواضع من كتابه [3] . ولم يبينّ من صاحب البسيط!؟.
قال الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم معرّفاً بصاحب البسيط [4] : هو السيد ركن الدين حسن بن محمد الاستراباذي المتوفى سنة 717 هـ، والبسيط أحد شروحه الثلاثة على كتاب الكافية في النحو للشيخ جمال الدين عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب، والمتوفى سنة 646 هـ.(34/265)
وأحال الأستاذ المحقق في ذلك على كشف الظنون، وكرّر هذا الكلام مختصراً في موضعين آخرين من التحقيق [5] .
2- الدكتور عبد العال سالم مكرّم في تحقيقه لكتاب "همع الهوامع"للسيوطي (المتوفى سنة 911 هـ) . والإمام السيوطي ينقل عن كتاب البسيط في أكثر من خمسين موضعاً من كتابه "همع الهوامع" [6] ، ولم يذكر من هو صاحب البسيط.
وقد وهم الدكتور عبد العال سالم في تحقيقه إذ قال [7] : البسيط لركن الدين حسن ابن محمد الاستراباذي (المتوفى سنة 717 هـ) .
3- الأستاذ عبد السلام هارون في تحقيقه لكتاب "خزانة الأدب"لعبد القادر البغدادي المتوفى سنة (1093 هـ) . والبغدادي نقل عن البسيط في ثلاثة مواضع من الخزانة [8] .
وقد سكت الأستاذ عبد السلام هارون عن بيان الموضع الأوّل ولم يعلّق عليه بشيء، ولكنه في الموضعين الآخرين نسب الكتاب إلى ركن الدين الاستراباذي، فقال [9] : البسيط هو الشرح الكبير للكافية، لركن الدين حسن بن محمد الاستراباذي الحسني المتوفى سنة 717 هـ.
4 - الأستاذ عبد العزيز رباح وزميله الأستاذ أحمد يوسف دقّاق محّققا كتاب "شرح أبيات مغني اللبيب"لعبد القادر البغدادي. وقد ورد ذكر صاحب البسيط في موضع واحد من هذا الكتاب [10] ، ولم يعلق عليه المحققان. ولكنهما أشارا في الفهارس، في فهرس أسماء الكتب التي ذكرها المصنف، عند ذكر شروح الكافية [11] : البسيط لركن الدين حسن ابن محمد الاسزاباذي، كما في الكشف.
5- الدكتور عباس مصطفى الصالحي محقق كتاب "تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد"لابن هشام الأنصاري (المتوفى سنة 761 هـ) . وقد ورد ذكر البسيط مرة واحدة في الكتاب، فعلّق عليه المحقق في الحاشية بقوله [12] : لعل المقصود بالبسيط أحد شروح الكافية، فقد ورد في كشف الظنون (2/ 1370) ما نصّه: وصنّف السيد ركن الدين حسن بن محمد الاستراباذي ثلاثة شروح على الكافية، كبير وهو المسمى بالبسيط.(34/266)
6- الدكتور عبد العال سالم مكرّم في تحقيقه لكتاب "الأشباه والنظائر"للسيوطي، وقف موقفاً عجيبا في نسبة كتاب البسيط، ففي فهرس المصادر التي اعتمد عليها السيوطي جعل المحقق كتاب البسيط كتابين [13] ، فقال: البسيط لركن الدين حسن بن محمد الاستراباذي، وأحال إليه في أكثر من ثمانين موضعاً، وذلك في الأجزاء الثلاثة الأولى من التحقيق. ثم قال: البسيط لضياء الدين بن العلج، وأحال إليه في نحو خمسة وعشرين موضعاً، وذلك في الجزء الرابع من الكتاب.
والصحيح أن كتاب "البسيط"المذكور في الأشباه والنظائر كتاب واحد، ولكن سبب هذا الخلط، أن الأستاذ المحقق كان يظن كما ظن في تحقيقه لكتاب همع الهوامع، أن صاحب البسيط هو ركن الدين الاستراباذي، واستمر لديه هذا الظن في الأجزاء الثلاثة الأولى من تحقيقه لكتاب الأشباه والنظائر، حتى فوجئ في بداية الجزء الرابع بقول السيوطي [14] : وممّن ذهب إلى الترادف ضياء الدين بن العلج، صاحب البسيط في النحو، وهو كتاب كبير نفيس في عدة مجلدات.
فماذا يصنع الأستاذ المحقق أمام هذا النصّ؟ لعله رأى أن من الأسلم له أن يجعل كتاب البسيط كتابين، والمصنّف مصنّفين، دفعاً للتعارض القائم في نظره!! وإن كان الأوْلى به أن يصحح معلوماته، ويرجع إلى الحق، ويلتزم بما قاله السيوطي.
هذا.. وهناك كتاب كبير في التفسير اسمه "البسيط"للإمام عليّ بن أحمد الواحدي (المتوفى سنة 468 هـ) . قال في ترجمته القفطي [15] : وصنّف التفسير الكبير وسماه "البسيط"وأكثر فيه من الإعراب والشواهد واللغة، ومن رآه علم مقدار مَا عنده من علم العربية.(34/267)
ولم أجد أحداً خلط بين كتاب "البسيط"في النحو، وكتاب "البسيط"في التفسير للواحدي، خلافاً لما ذكره الدكتور النماس محقق كتاب الارتشاف، إذ قال [16] : والكثير يخلط بين كتاب البسيط في النحو السابق الذكر، وكتاب البسيط في التفسير لعليّ بن أحمد الواحدي. ولم يُقدّم لنا الأستاذ المحقق مثالاً واحداً على هذا الخلط.
صاحب "البسيط"في النحو:
لا تسعفنا المصادر التي بين أيدينا إلا بنتف يسيرة، أو شذرات متناثرة عن صاحب البسيط في النحو، على الرغم من الآراء الكثيرة التي، نقلت عنه. وهذا من الأسباب التي أدت بعدد من المحققين المعاصرين إلى الخلط في الكشف عن شخصيته.
ولعل أبا حيان النحوي هو المصدر الأساسي للتعريف بصاحب البسيط وآرائه النحوية، فلا نكاد نجد أثراً لصاحب البسيط فيما قبل مصنفات أبي حيان.
وقد ظفرت بنصّ مهم يعدّ أوفى ما وجدته في التعريف بصاحب البسيط، وذلك في تفسير البحر المحيط لأبي حيان، عند قوله تعالى: {سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} [17] .
قال أبو حيان [18] : وقال بعض أصحابنا، وهو الإِمام العالم ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عليّ الإشبيلي، ويعرف بابن العلْج، وكان ممنّ أقام باليمن، وصنّف بها، قال في كتابه البسيط في النحو ... وتبينّ من كلام هذا الإمام أنه لا يجوز أن تكون الجملة بدلا من المفرد.
كما وجدت ترجمة موجزة لصاحب البسيط في طبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة (المتوفى سنة 851 هـ) إذ قال [19] : "محمد أبو عبد الله ضياء الدين بن العلْج، بكسر العين المهملة وسكون اللام، ثم جيم، مؤلف كتاب البسيط في النحو، ذكره الشيخ أثير الدين أبو حيان في شرح التسهيل، ونقل عنه في كتاب البسيط كثيراً. قال: كان قد سكن اليمن، وصنّفَ بها. ومما حكى عنه منع إبدال الجملة من المفرد، وقد جوّزه ابن جنى وأجازه ابن مالك رحمه الله".(34/268)
ويبدو أن الإمام السيوطي (المتوفى سنة 911 هـ) لم يطَّلع على النصّ السابق من البحر المحيط، أو على هذه الترجمة لصاحب البسيط، وقد صرّح بذلك في بغية الوعاة إذ قال [20] : صاحب البسيط ضياء الدين بن العلج، أكثر أبو حيان وأتباعه من النقل عنه، ولم أقف له على ترجمة.
وأشار إليه السيوطي أيضاً في الأشباه والنظائر بقوله [21] : وممنّ ذهب إلى الترادف ضياء الدين بن العلج، صاحب البسيط في النحو، وهو كتاب كبير نفيس في عدة مجلدات.
موطن صاحب البسيط وعصره:
عرفنا أن صاحب البسيط هو محمد بن عليّ الإشبيلي، المعروف بابن العلْج. ويفهم من ذلك أن موطنه الأصلى مدينة إشبيلية في الأندلس، وأنه ولد ونشأ بها، وتلقى فيها العلم على علماء عصره..
وقد وصف ياقوت مدينة إشبيلية بأنها مدينة كبيرة عظيمة، تقع غربي قرطبة، بينهما ثلاثون فرسخاً، يطلّ عليها جبل الشرف، وهو جبل كثير الشجر والزيتون وسائر الفواكه.. وهي على شاطىء نهر عظيم، قريب في العظم من دجلة أو النيل، تسير فيه المراكب المثقلة، يقال له وادي الكبير، وينسب إليها خلق كثير من أهل العلم [22] .
وقد سقطت مدينة إشبيلية بيد النصارى عام 646 هـ بعد أعمال حربية لعدة سنوات، وحصار طويل، استمر نحو سنة ونصف، فاضطرت المدينة إلى التسليم بالشروط ورحيل المسلمين عنها، فغادرها من أهلها ما يقدّر بأربعمائة ألف، قصدوا مدن الأندلس الأخرى والمغرب.. [23] .(34/269)
هذا عن موطنه الأصلي، ولكن ما العصر الذي عاش فيه صاحب البسيط؟ لم أجد إشارة ممنّ كتب عن صاحب البسيط تذكر سنة ولادته أو وفاته، إلا خبراً مهمّا ينصّ على أن صاحب البسيط كان من تلاميذ الأستاذ أبي عليّ الشلوبين (المتوفى سنة 645 هـ) . قال ابن مكتوم [24] (المتوفى سنة 749 هـ) : "وقد تخرج بالأستاذ أبي عليّ الشلوبين رحمه الله، ومهر بين يديه نحو أربعين رجلاً كأبي الحسن بن عصفور، وأبي الحسن بن أبي الربيع، وأبي عبيد الله بن أبي الفضل، وأبي عبد الله بن العلج، وأبي الحسن بن الضَّائع، وأبي الحسن الأبذي، وأبي عليّ بن أبي الأحوص، وأبي جعفر اللبلي، وابن يللجنت، وأبي القاسم الصفار، وأبي العباس بن الحاج، وغيرهم. وكلّهم أئمة كبار مصنفون في علم العربية وغيره، قد طبقوا بعلمه الآفاق، وملأوا بفوائده وفرائده الأوراق ... "
فهذا النصّ إشارة واضحة إلى أن ابن العلْج كان من طبقة بن عصفور (المتوفى سنة 669 هـ) وغيره من تلامذة الأستاذ أبي عليّ الشلوبين.
قال الغبريني [25] : كان الشلوبين أستاذاً بارعاً تخرَّج على يديه جماعة كثيرة من أهل العلم، قيل: وكل من قرأ على أبي عليّ الشلوبين ببلده نجب.
وقد توفى الشلوبين ببلده إشبيلية في سنة 646 هـ، قبل استيلاء العدوّ عليها بقليل [26] .
فابن العلج إذاً من نحاة الأندلسي في القرن السابع الهجري، ولكن يبدو أنه غادر موطنه بسبب حملات النصارى على الأندلس، ولا ندري متى غادر الأندلس، ولا المدن التي مرّ بها، حتى وصل اليمن وسكن بها، وصنف.
وأقدّر أن صاحب البسيط توفى باليمن في الثلث الأخير من القرن السابع الهجري، وهو الزمن الذي توفى فيه كثير من تلامذة الشلوبين.
تعريف موجز بصاحب البسيط:
ومما سبق يمكن استخلاص المعلومات التالية عن صاحب البسيط في النحو:
اسمه: محمد بن عليّ الإِشبيلي، ويعرف بابن العِلْج.
كنيته: أبو عبد الله.(34/270)
لقبه: ضياء الدين.
موطنه: مدينة إشبيلية في الأندلس، ولد ونشأ بها، وتلقى العلم على أبي عليّ الشلوبين. لكنه غادر الأندلس متوجهاً إلى المشرق حتى وصل اليمن، وسكن بها وصنّف.
عصره: هو من نحاة القرن السابع الهجري، لأنه من طبقة ابن عصفور وغيره من تلاميذ الشلوبين.
أشهر مصنفاته: كتاب البسيط في النحو، وهو كتاب كبير نفيس في عدة مجلدات.
شهرته:
لماذا عرُف صاحب البسيط بابن العِلجْ؟ لم أجد أحداً ذكر سبباً لذلك. فما معنى العِلجْ؟
قال في القاموس مادة علج: العِلْج بالكسر العيَرْ، وحمار الوحش السمين القوي، والرغيف الغليظ الحرف، والرجل من كفار العجم.
وفي المصباح المنير: العِلجْ: "حمار الوحش الغليظ، ورجل عِلْج شديد والرجل الضخم من كفار العجم ... "قال أبو زيد: "يقال استعلج الرجل إذا خرجت لحيته، وكل ذي لحية عِلْج، ولا يقال للأمرد عِلْج".
أقول: ولعلّه عرف بابن العِلْج لأن والده كان غليظاً شديداً.
وهم في كنية صاحب البسيط:
عرفنا أن صاحب البسيط يكنى أبا عبد الله، وقد عجبت للدكتور النماس كيف جعل كنية صاحب البسيط أبا البقاء، وذلك في تحقيقه "ارتشاف الضرَّب"لأبي حيان، عند قول أبي حيان: "وقال أبو البقاء وصاحب البسيط ... "فجعل المحقق النصّ هكذا "وقال أبو البقاء صاحب البسيط" [27] ثم أكدّ ذلك في الحاشية معرّفا بصاحب البسيط فقال: "هو أبو البقاء ضياء الدين بن العلج". فوقع الشكّ في نفسي، وفزعت إلى النسخة المخطوطة التي لدي من ارتشاف الضرَّب، وهي النسخة التي جعلها المحقق أصلاً في تحقيقه للكتاب فوجدت النصّ واضحاً في المخطوطة، والتحريف بيّناً في التحقيق، وذلك أن الناسخ كتب النص هكذا "وقال أبو البقا وصاحب البسيط"، فجاء الأستاذ المحقق وجعل الواو همزة، ثم أكدّ هذا الخطأ في التعليق عليه في الحاشية.(34/271)
والحق أن الأستاذ المحقّق عاد وصحّح هذه الكنية في قسم الفهارس آخر الكتاب، حيث قال [28] : ابن العلج أبو عبد الله محمد ضياء الدين بن العلج. ولكنه لم ينبّه على التحريف المذكور.
منزلته العلمية:
صاحب البسيط في النحو عالم كبير، وإمام متبحّر في علم النحو، وهذه النقول الكثيرة عن كتابه "البسيط"تدل على علوّ كعبه في هذا الفن، وشدّة تمكنه من هذا العلم. ويكفى للدلالة على ذلك أنه من تلاميذ الأستاذ أبي عليّ الشلوبين، وقد قيل: كل من قرأ على أبي الشلوبين ببلده نجب [29]
وقال ابن مكتوم القيسى: "وقد تخرج بالأستاذ أبي عليّ الشلوبين رحمه الله، ومهر بين يديه نحو أربعين رجلاً كأبي الحسن بن عصفور وأبي الحسين بن أبي الربيع وأبي عبد الله بن العلج ... وغيرهم".
ثم قال: "وكلهم أئمة كبار مصنفون في علم العربية وغيره، قد طبقوا بعلمه الآفاق، وملأوا بفوائده وفرائده الأوراق ... " [30] .
وقد وصفه أبو حيان بالإمامة والعلم فقال: "وقال بعض أصحابنا، وهو الإمام العالم ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عليّ الأشبيلي ويعرف بابن العلج ... " [31]
وهذه شهادة تقدير واعتراف من أبي حيان لهذا العالم الكبير. ووصف السيوطي كتاب "البسيط"في النحو بأنه كتاب كبير نفيس في عدة مجلدات [32] .
وقد أشار إلى كتاب البسيط هذا، ونقل عنه عدد كبير من العلماء بدءاً بأبي حيان، حتى قال السيوطي عن صاحب البسيط: "أكثر أبو حيان وأتباعه من النقل عنه" [33] .
أشهر المصنفين الذين نقلوا عن صاحب البسيط:
1- أبو حيان النحوي الأندلسي (المتوفى سنة 745 هـ) :
تعدّ مصنفات أبي حيان المصادر الأساسية للتعريف بصاحب البسيط وآرائه النحوية.
قال السيوطي [34] : صاحب البسيط ضياء الدين بن العلْج، أكثر أبو حيان وأتباعه من النقل عنه.(34/272)
ويبدو لي أن صاحب البسيط لم يكن من شيوخ أبي حيان، إذ لم يذكر ضمن شيوخه فضلاً عن أن أبا حيان كان كثيراً ما ينصّ على شيوخه في مصنفاته، ومن ذلك قوله: "وزعم ابن عصفور وشيخنا أبو الحسن الأبذي" [35] ، وقوله: "وقال شيخنا الأستاذ أبو الحسن بن الضائع" [36] . وانظر إليه كيف يميز بين شيوخه وغيرهم إذ يقول: "هكذا قال أصحابنا ابن عصفور وشيخانا الأبذي وابن الضائع" [37] .
وقد لاحظت أن أبا حيان عندما يقول "وقال أصحابنا" فإنما يقصد بهم الأندلسيين، وقد تكرّر ذلك في مصنفاته، وهذا منه دقة في التعبير.
ومن ذلك قوله: "ولم ينازع في هذا من متأخري أصحابنا إلا أبو العباس بن الحاج، وهو من تلاميذ الأستاذ أبي عليّ الشلوبين ونبهائهم ... " [38] .
وقو له: "ذهب ابن عصفور وابن مالك من أصحابنا ... " [39] .
وقا ل في البحر المحيط عن صاحب البسيط: "وقال بعض أصحابنا، وهو الإمام العالم ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عليّ الأشبيلي، ويعرف بابن العلج ... " [40] .
وفي شرح التسهيل المسمى التذييل والتكميل ينقل أبو حيان كثيراً عن صاحب البسيط، فيقول: وفي البسيط [41] … وأحيانا يذكر اسم مصنفه، كقوله: وقال ضياء الدين أبو عبد الله ابن العلج ... [42] .
وفي ارتشاف الضرَّب نقل أبو حيان عن صاحب البسيط في أكثر من تسعين موضعاً بأشكال مختلفة: فالأكثر أن يقول: "وفي البسيط ... " [43] .
وكثيراً ما يذكره بقوله: "صاحب البسيط ... " [44] .
ويقرنه أحياناً بغيره من العلماء، كقوله: "ابن عصفور وصاحب البسيط " [45] . أو "قال ابن مالك وصاحب البسيط" [46] . أو "ووهم ابن مالك وصاحب البسيط " [47] . أو "وهو اختيار صاحب البسيط وابن مالك" [48] . أو قوله: "وهو قول الأستاذ أبي عليّ الشلوبين وتبعه صاحب البسيط" [49] .
ومن ذلك أيضاً قوله: "وذهب الأعلم وابن خروف وصاحب البسيط" [50] .(34/273)
وقوله: "وزعم الأستاذ أبو عليّ وابن عصفور وصاحب البسيط وابن مالك" [51] .
ولم أجد أبا حيان في الارتشاف ذكر "ابن العلْج" باللفظ إلا مرة واحدة، بقوله "نصّ على ذلك الفارسي والزجاجي وابن خروف وابن العلْج وابن مالك وابن أبي الربيع وابن عصفور" [52] .
وقد لاحظت أن أبا حيّان ينقل كلام صاحب البسيط بنصّه غالباً، ثم يتبعه بقوله "انتهى".
ولكن كان أبو حيان يذكر أحياناً كلام صاحب البسيط باختصار، كقوله: "وهذا مختصر من البسيط" [53] . وقوله: "وفي البسيط ما ملخصه.." [54] . أو قوله: "وفي البسيط ... "انتهى ملخّصاً [55] .
وأبو حيان في الغالب ينقل كلام صاحب البسيط من غير أن يعلّق عليه، ولكنه أحياناً يصفه بالوهم كقوله: "ووهم صاحب البسيط" [56] ، وقوله: "ووهم ابن مالك وصاحب البسيط" [57] .
بل قد يخطئه ويردّ عليه، ومن ذلك قوله: "وفي البسيط: إن توسعت في الظرف لم تجز إضافته، لأنه اسم حينئذٍ، والأسماء لا تضاف إلى الجمل. انتهى. وليس بصحيح، بل قد اتسع فيها، وأضيفت ... " [58] .
2- ابن أُم قاسم المرادي المتوفى سنة 749 هـ:
أشار المرادي إلى صاحب البسيط خمس مرات في كتابه الجنى الداني: من غير أن يذكر اسمه. فأحياناً يقول: "ذكر في البسيط" [59] . أو "حكاه في البسيط" [60] . وأحياناً أخرى يقول: "صاحب البسيط" [61] .
قال في مبحث رُبّ [62] : اختلف النحويون في معنى ربّ على أقوال: الأول أنها للتقليل، وهو مذهب أكثر النحويين، ونسبه صاحب البسيط إلى سيبويه.
وفي شرح الألفية المسمى "توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك"ذكر المرادي صاحب البسيط في نحو عشرة مواضع [63] ، ولم يعرّف به ولا مرة، وكذلك سكت المحقق عن التعريف به.
وقد ذكر المرادي ابن العلْج غير مقرون بكتابه البسيط حيث قال [64] : "قال ابن العلج: وأما الرفع بعد "كذا"فخطأ لأَنه لم يسمع".(34/274)
3- ابن هشام الأنصاري المتوفى سنة 761 هـ:
ذكر ابن هشام صاحب البسيط مرة في المغني في مبحث "لكنّ " [65] ، ومرّة في كتابه تخليص الشواهد [66] . من غير أن يعرّف به.
4- ابن عقيل المتوفى سنة 769 هـ:
صرّح ابن عقيل في شرح الألفية مرتين بذكر البسيط وصاحبه ضياء الدين بن العلج، في المرّة الأولى عند قول الناظم:
وفعل أمرٍ ومضيٍّ بُنيا
قال ابن عقيل [67] : ونقل ضياء الدين بن العلج في البسيط أن بعض النحويين ذهب إلى أن الإعراب أصل في الأفعال فرع في الأسماء.
وفي المرة الثانية في باب إعمال المصدر [68] .
أما في كتابه المساعد على تسهيل الفوائد فقد أكثر ابن عقيل من النقل عن البسيط وصاحبه في أكثر من ستين موضعاً بأشكال مختلفة.
فأحياناً يقول [69] : "في البسيط"وأحياناً يقول [70] : "ونقل ابن العلج". أو "وحكى ابن العلج".
وأحياناً يقول [71] : "ابن العلج في البسيط"أو "الضياء في البسيط".
5- جمال الدين الأسنوي (المتوفى سنة 773 هـ) :
الإمام الأسنوي في كتابه "الكوكب الدرّي"قال [72] : "ونقل صاحب البسيط عن سيبويه أن "ما"في قول القائل: كلما تأتيني أكرمتك، مصدرية ظرفية.."
6- بدر الدين الزركشي (المتوفى سنة 794 هـ) :
الإمام الزركشي في كتابه "البرهان في علوم القرآن"نقل عن صاحب البسيط في ثمانية مواضع [73] ، من غير أن يذكر اسمه.
7 - الشيخ خالد الأزهري (المتوفى سنة 905 هـ) :
الشيخ خالد الأزهري في كتابه "التصريح على التوضيح"نقل في عدد من المواضع عن صاحب البسيط، أحيانًا يقول "وفي البسيط " [74] ، وأحيانًا يذكر "ابن العلج" [75] أو "ابن العلج في البسيط" [76] .
8 جلال الدين السيوطي (المتوفى سنة 911 هـ) :
أكثر الإِمام السيوطِي من النقل عن صاحب البسيط. ففي كتابه "همع الهوامع"نقل عنه في نحو ستين موضعا [77] ، من غير أن يعرّف به.(34/275)
وفي "الأشباه والنظائر"نقل السيوطي عن البسيط في أكثر من مائة موضع [78] . وعرّف بصاحبه مرة واحدة بقوله [79] : وممنّ ذهب إلى الترادف ضياء الدين بن العلج، صاحب البسيط في النحو، وهو كتاب كبير نفيس في عدة مجلدات.
9- عبد القادر البغدادي (المتوفى سنة 1093 هـ) :
نقل البغدادي عن صاحب البسيط في ثلاثة مواضع من خزانة الأدب [80] ، وفي موضع واحد من كتابه شرح أبيات مغني اللبيب [81] . ولم يبين البغدادي من صاحب البسيط!؟.
10 الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة المتوفى (سنة 1404 هـ) :
ذكر أستاذنا المرحوم الشيخ عضيمة في ثلاثة مواضع من كتابه دراسات لأسلوب القرآن الكريم [82] عن ضياء الدين بن العلج أنه لا يجوز أن تكون الجملة بدلا من المفرد، وذلك نقلاً عن البحر المحيط لأبي حيان. وقد تقدمت المسألة.
المنهج النحوي لصاحب البسيط:
إن الباحث المدقق في هذه النقول الكثيرة عن صاحب البسيط يجد نفسه أمام عِلْم ناضج وفكِر عميق، استوعب أراء السابقين من النحاة، ووازن بينها، ثم أخذ يرجّح ويختار، ويقوّي رأياَ ويردّ آخر، من غير تعصب لمذهب أو لعالم.
وليس صاحب البسيط بدْعاً في ذلك، بل هذه هي سمة النحو في الأندلس بعامة، وهذا منهج طبقه ابن عصفور وابن الحاج وابن أبي الربيع من تلاميذ الشلوبين بخاصة.
وصاحب البسيط ينقل عن البصريين والكوفيين ومن جاء بعدهم، وينسب الآراء إلى أصحابها في الغالب، يفصل ويرجّح ويجتهد.
ففي معنى "ربّ"نقل في البسيط عن كبار البصريين والكوفيين أنها للتقليل [83] .
وصاحب البسيط له عناية واضحة بآراء سيبويه، ففي حديثه عن "عسى"من أفعال المقاربة، إذا قلت: عسى أن يذهب زيد، قال في البسيط: ظاهر كلام سيبويه أنها هاهنا تامة لا خبر لها، وفاعلها ما بعدها على تقدير المصدر، ومعناها دنا وقرب ولا يجوز صريح المصدر [84] .(34/276)
وفي باب البدل، قال صاحب البسيط: "وأما بدل الغلط فجوّزه سيبويه وجماعة، والقياس يقتضيه" [85] .
وفي حرف التعريف قال في البسيط: "ذهب سيبويه إلى أن حرف التعريف اللام وحده" [86] .
وقد يختار رأي سيبويه، كما في الوصف بإلاّ، قال السيوطي: "وجوّز سيبويه أن يوصف بها كل نكرة ولو مفرداً، ومثل بـ "لو كان معنا رجلٌ إلا زيدٌ "واختاره صاحب البسيط" [87] .
وقد يعترض على سيبويه، كما في الفرق بين الحال والصفة الجامدة، قال فيِ البسيط:
"لم يستضعف سيبويه: مررت برجل أسداً، بنصب "أسداً"على الحال، أي جريئاً أو شديداً قوياً. واستضعف: مررت برجلٍ أسدٍ، على الوصف. والفرق بينهما من وجهين:
أحدهما: أن الوصف أدخل في الاشتقاق من الحال.
والثاني: أن الحال تجرى مجرى الخبر، وقد يكون خبراً ما لا يكون صفة.
قال: والقياس التسوية بينهما، لأنه يرجع بالتأويل إلى معنى الوصف، أو بحذف مضاف، أي مثل أسد" [88] .
وينقل صاحب البسيط عن الأخفش أن حتى العاطفة، تعطف الفعل إذا كانت سبباً كالفاء نحو: ما تأتينا حتى تحدثُنا [89] .
وينقل عن المبرد، قال في البسيط: "ذكر المبرّد في كتابه المسمى بالشافي: إن حرف التعريف الهمزة المفتوحة وحدها، وضمّ إليها اللام لئلا يشتبه التعريف بالاستفهام" [90] .
وينقل عن السيرافي، ومن ذلك أنهم اختلفوا في "لات"هل لها عمل أولا، على أقوال:
أحدها: وهو مذهب سيبويه والجمهور أنها تعمل عمل ليس، ولكن في لفظ الحين خاصة.
والثاني: أنها لا تعمل شيئاً، بل الاسم الذي بعدها إن كان مرفوعاً فمبتدأ أو منصوباً
فعلى إضمار فعل، أي ولات أرى حين مناص، نقله ابن عصفور عن الأخفش، وصاحب البسيط عن السيرافي [91] .(34/277)
وينقل عن الفارسي، ويصحح مذهبه في مسألة العدد المضاف من ثلاثة إلى عشرة، هل يجوز إضافته إلى اسم الجمع نحو: ثلاثة القوم، أو اسم الجنس نحو ثلاث نحل؟ أقوال:
أحدها: نعم ويقاس إن كان قليلا، وعليه الفارسي وصححّه صاحب البسيط لشبهه بالجمع، ولو روده [92] ، قال:
ثلاثة أنفسً وثلاث ذودٍ [93] .
وقال تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍٍ} [94] .
ويصرّح صاحب البسيط أحياناً بصحّة مذهب البصريين، ومن ذلك قول البصريين إن "هلم"مركبة من "ها"التنبيه، ومن "لُمّ"التي هي فعل أمر من قولهم: لم الله شعثه، أي جمعه.
قال في البسيط: "ويدل على صحة مذهب البصريين أنهم نطقوا به فقالوا: ها لُمّ" [95] .
وذكر صاحب البسيط أنه لا يجوز الفصل بين الموصوف وصفته بإلا، فلا يقال: جاءني رجل إلا راكب، لأنهما كشيء واحد.
ورد على الزمخشري حيث جوّز ذلك في المفرد، نحو: ما مررت برجل إلا صالحٍ. وفي الجملة نحو: ما مررتُ بأحدٍ إلا زيدٌ خيرٌ منه، {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [96] بأنه مذهب لا يعرف، لا بصري ولا كوفي. وقال: "الصواب أن الجملة في الآية والمثال حالية" [97] .
وينقل صاحب البسيط عن الكوفيين، فالخبر الجامد لا يتحمّل ضميراً نحو: زيدٌ أسدٌ. وزعم الكسائي أنه يتحمّله، ونسبه صاحب البسيط وغيره إلى الكوفيين والرماني [98] . ومن ذلك أن (لعلّ) بسيطة، ولامها أصل، حكاه في البسيط عن الكوفيين وأكثر النحويين [99] .
وفِي "سِوى" ذهب جماعة منهم الرماني والعكبري إلى أنها ظرف متمكن، أي يستعمل ظرفاً كثيرا وغير ظرف قليلا، قال ابن هشام في التوضيح [100] : وإليه أذهب. ونقله في البسيط عن الكوفيين [101] .
ونقل في البسيط عن الفرَّاء أنه جوّز إضافة اسم الفاعل المعرّف بـ"أل"إذا كان للحال أو الاستقبال، نحو: الضارب زيد الآن أو غدا [102] .(34/278)
وصاحب البسيط ممَّن يهتم بالقياس ويعدّه من أصول النحو، فيقبل حكماً لموافقة القياس، ويردّ آخر لبعده عن القياس. فيقول مثلاً. في بدل الغلط: جوّزه سيبويه وجماعة، والقياس يقتضيه [103] .
ويقول في حروف المعاني: القياس يقتضي عدم حذف حروف المعاني وعدم زيادتها [104] .
وفي باب "سنين"من الملحق بجمع المذكر السالم، قال السيوطي: "ومن العرب من يلزمه الواو وفتح النون، ومن العرب من يلزمه الواو ويعربه على النون كزيتون". قال في البسيط: "وهو بعيد من جهة القياس" [105] .
وصرّح صاحب البسيط بأن الضرورة لا يقاس عليها [106] .
وفي "لا" العاملة عمل ليس، قال في البسيط: "القياس عند بني تميم عدم إعمالها، ويحتمل أن يكونوا وافقوا أهل الحجاز على إعمالها" [107] .
وفي بحث "لات "العاملة عمل ليس، قال في البسيط: "يحتمل أن تكون التاء بدلا من "سين"ليس، كما في ست، وانقلبت الياء ألفاً على القياس" [108] .
ولكن صاحب البسيط يصرّح بتقديم السّماع على القياس. ومن ذلك: ذهب الكوفيون إلى أن أمثلة المبالغة لا تعمل، لأن اسم الفاعل إنما عمل لجريانه على الفعل في
حركاته وسكناته، وهذه غير جارية، فوجب امتناع عملها، والمنصوب بعدها محمول على فعل تفسّره الصفة.
قال صاحب البسيط: "وهذا ضعيف لأن النصّ مقدّم على القياس ... " [109] .
وقال "في البسيط: باب فَعْلان فَعْلى كسكران وسكرى وغضبان وغضبى وعطشان وعطشى إنما يعرف بالسمّاع دون القياس" [110] .
ويهتم صاحب البسيط في كتابه بالتعليل، ففي باب مالا ينصرف اختلف في "رحمن"هل يصرف لأنه ليس له فَعْلى، أو لا؛ لأنه ليس له فعلانة؟ على قولين:
أحدهما: نعم لأن الأصل في الأسماء الصرّف، ولم يتحقق شرط المنع وهو وجود فَعْلى.(34/279)
والثاني: لا، قال في البسيط: وعليه الأكثرون، لأن الغالب في باب فَعْلان عدم الصرف، فالحمل عليه أولى من الحمل على الأقلّ [111] .
وفي البسيط في عِلَّة بناء "أمس"أقوال: قول الجمهور أنه بني لتضمنه لام التعريف لوجهين:
أحدهما: أنه معرفة في المعنى لدلالته على وقت مخصوص، وليس هو أحد المعارف، فدلّ ذلك على تضمنه لام التعريف.
والثاني: أنه يوصف به بما فيه اللام، كقولهم: لقيته أمس الأحدث، وأمس الدابر، ولولا أنه معرفة بتقدير اللام لما وصف بالمعرفة، لأنه ليس أحد المعارف، وهذا مما وقعت معرفته قبل نكرته [112] .
وفي سبب تسمية عطف البيان، قال أبو حيان: وسميّ به لأنه تكرار الأول لزيادة بيان فكأنك رددته على نفسه، بخلاف النعت والتأكيد والبدل.
وقيل: لأن أصله العطف، فأصل جاء أخوك زيد: وهو زيدٌ، حذف الحرف والضمير وأقيم زيد مقامه، ولذلك لا يكون في غير الأسماء الظاهرة، ذكره صاحب البسيط [113] .
ومن ذلك أيضاً، قوله في البسيط: "فتحت همزة الوصل في أداة التعريف لكثرة الاستعمال، وفرقاً بينها وبين الداخلة على الاسم والفعل، فإنها مع الاسم مكسورة، ومع الفعل مكسورة ومضمومة" [114] .
ويبدو لي أن صاحب البسيط كان ملماً بعلوم الشريعة أيضاً، بدليل أنه يستعين بالمصطلحات الشرعية في توضيح القواعد النحوية. ومن ذلك، قال السيوطي: الأصل في الأسماء الصرف ولذا لم يمنع السبب الواحد اتفاقاً، ما لم يعتضد بآخر يجذبه عن الأصالة إلى الفرعية.
قال في البسيط: "ونظيره في الشرعيات أن الأصل براعة الذمة، فلا يقوى الشاهد على شغل الذمة ما لم يعتضد بآخر" [115] .
وقال في البسيط أيضاً: "التنوين زيادة على الكلمة، كما أن النّفل زيادة عن الفرض" [116] .
وقد لاحظت أن صاحب البسيط استشهد بالحديث "أو مُخرجىَّ هُم" [117] . ولكن يبدو أن ذلك قليل.
من الآراء النحوية لصاحب البسيط:(34/280)
1- قال أبو حيان في ارتشاف الضرَّب [118] : وفي البسيط: قَدَم (اسم امرأة) ، وسَقَر ممنوعا الصرف باتفاق للتأنيث المعنوي والعلمية.
2- وقال أبو حيان في ارتشاف الضرَّب في باب المفعول المطلق، عند ذكر المصادر المثناة، مثل لبيك وحنانيك وسعديك، قال [119] : "وعدّ في البسيط في هذه المصادر المثناة حواليك، قال بمعنى الإقامة والقرب كأنه أراد الإحاطة من كل جهة، لأنه يقال: أحوالك، ويحتمل أن يريد إطافة بك بعد إطافة، وليس له فعل من لفظه، ويجوز نصبه على الظرف وعلى الحال". انتهى.
3- وقال أبو حيان في الارتشاف أيضاً، في باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر [120] : "جعل"بمعنى (صيّر) ، قال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [121] ، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [122] .
وفي البسيط: وهذه إما تصيير لما له نسبة إليه أو إلى ما يكون له ذاتاً أو كالذات.
فالأول لابدّ فيه من أحد حروف النسبة كقوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [123] .
والثاني تصيير في الفعل بالذات نحو: جعلت الطن خزفاً. وقد تدخل فيه "من"كقوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِير} [124] . أو بالصفة: جعلته عالماً. وإما في الاعتقاد: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} [125] . وإما في النيابة عن الشيء: جعلت البصرة بغداد، والكتّان خزًّا. وإما في الشبه: جعلت حسنًا قبيحاً. وهي إذا كانت بهذه المعاني لم تؤثر إلا في المفعول الأول، لأنه وقع به ذلك، ولا يستغني عن الثاني، لأنه كالمبتدأ والخبر في الأصل، أو ما هو منزل منزلته. انتهى ملخصاً.
4- وقال المرادي [126] في شرح بيت الألفية:
ويُبدَلُ الفعلُ مِن الفعل كمنْ
يَصِلْ إلينا يستعنْ بنا يُعَنْ(34/281)
يجوز إبدال الفعل من الفعل بدل كل. قال في البسيط: باتفاق. ومنه:
متى تأْتِنا تُلْمِمْ بنا في ديارن [127]
وبدل الاشتمال نحو: {يَلْقَ أَثَاماً، يُضاعَفْ} [128] . و: مَنْ يَصلْ إلينا يستعن بنا يُعن. وحكى في البسيط فيه خلافاً.
ولا يبدل بدل بعض. وأما بدل الغلط، فقال في البسيط: "جوّزه سيبويه وجماعة من النحويين، والقياس يقتضيه".
5- قال ابن هشام في المغني [129] : لكنّ (مشددة النون) وفي معناها ثلاثة أقوال.
أحدها: وهو المشهور أنه واحد، وهو الاستدراك ...
والثاني: أنها ترد تارة للاستدراك وتارة للتوكيد. قاله جماعة منهم صاحب البسيط.
6- قال ابن عقيل في شرح الألفية [130] : وإعمال اسم المصدر قليل، ومن ادَّعى الإجماع على جواز إعماله فقد وهم. وقال ضياء الدين بن العلج في البسيط: "ولا يبعد أن ما قام مقام المصدر يعمل عمله. ونقل عن بعضهم أنه أجاز ذلك قياساً".
7- وقال ابن عقيل في المساعد [131] في قول الشاعر:
تراه كالثغام يُعلُّ مِسْكاً
يسوء الفالياتِ إذا فليني [132]
في قوله "فليني"المحذوف منه عند سيبويه ومن وافقه نون الإِناث، والباقية نون الوقاية، كما بقيت في {تَأْمُرُونِّي} [133] واختاره ابن مالك. وذهب المبرد ومن وافقه إلى أن المحذوف نون الوقاية والباقية نون الإِناث، لأنها ضمير الفاعل. وهو الموافق لما قرّره البصريون من أن الفاعل لا يحذف. قال في البسيط في "فليني"إنه لا خلاف أن نون الوقاية هي المحذوفة.
8- قال الزركشي في البرهان [134] : "أيّانَ" ... وهي في الأزمان بمنزلة "متى"إلاَّ أن "متى"أشهر منها. وفي أيّان تعظيم. ولا تستعمل إلاَّ في موضع التفخيم، بخلاف متى ... وقال صاحب البسيط: إنها تستعمل في الاستفهام عن الشيء المعظَّم أمره.(34/282)
9- قال الشيخ خالد الأزهري في باب التنازع [135] : وأجاز ابن العلجِ التنازع بين الحرفين مستدلا بقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} [136] . ورُدّ بأن "إنْ"تطلب مثبتا، و"لم"تطلب منفيا، وشرط التنازع الاتحاد في المعنى.
10- قال السيوطي في الهمع [137] في باب الظرف: أما "وسَط" المتحرك السين فاسم.
قال في البسيط: "جعلوا الساكن ظرفاً، والمتحرك اسم ظرف نحو: زيدٌ وسْط الدار، والثاني نحو: ضربت وسَطه".
11- وقال السيوطي في الأشباه والنظائر [138] : وقال صاحب البسيط: "القياس يقتضي عدم حذف حروف المعاني وعدم زيادتها، لأن وضعها للدلالة على المعاني، فإذا حذفت أخل حذفها بالمعنى الذي وضعت له، وإذا حكم بزيادتها نافى ذلك وضعها للدلالة على المعنى، ولأنهم جاءوا بالحرف اختصاراً عن الجمل التي تدل معانيها عليها، وما وضع للاختصار لا يسوغ حذفه ولا الحكم بزيادته، فلهذا مذهب البصريين المصير إلى التأويل ما أمكن صيانة عن الحكم بالزيادة أو الحذف".
12- وقال السيوطي في الأشباه والنظائر [139] : "قال صاحب البسيط: إنما اختصّت "غدوة "بالنصب بعد "لدن "دون "بكرة"وغيرها لكثرة استعمال غدوة معها. وكثرة الاستعمال يجوز معه مالا يجوز مع غيره".
13- وقال السيوطي في الهمع [140] في باب الحال: "وجوّز بعض البصريين وصاحب البسيط مجيء الحال من المضاف إليه مطلقاً، وخرجوا عليه: {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} [141] . وقوله:
حَلَقُ الحديد مُضاعفاً يتلهّبُ" [142]
14- وقال السيوطي في الهمع [143] ، في تمييز العدد:
"إذا جيء بنعتٍ مفرد أو جمع تكسير جاز الحمل فيه على التمييز وعلى العدد، نحو: عندي عشرون رجلا صالحاً أو صالحٌ، وعشرون رجلا كراماً أو كرامٌ. فإن كان جمع سلامة تعينّ الحمل على العدد نحو: عشرون رجلا صالحون". ذكره في البسيط.(34/283)
وفي الأشباه والنظائر للسيوطي نقول طويلة عن صاحب البسيط، وانظر من ذلك ما افترق فيه كم الاستفهامية وكم الخبرية [144] .
المراجع
(1) - اختصار القدح المعلّى: لابن سعيد. تحقيق إبراهيم الأبياري، القاهرة 1959 م.
(2) - ارتشاف الضرَّب: أبو حيان الأندلسي، تحقيق د. مصطفى النماس، الطبعة الأولى- القاهرة.
(3) - الأشباه والنظائر: السيوطي. تحقيق د. عبد العال سالم مكرم- مؤسسة الرسالة.
(4) - إعراب الحديث النبوي: أبو البقاء العكبرى، تحقيق د. حسن موسى الشاعر. الطبعة الثانية 1408هـ- 987 1 م عن دار المنارة بجدة.
(5) - إنباه الرواة: القفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى.
(6) - أوضح المسالك: ابن هشام، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الطبعة الخامسة. بيروت.
(7) - البحر المحيط: أبو حيان الأندلسي، مصر 1328 هـ.
(8) - البرهان في علوم القرآن: الزركشي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية. بيروت.
(9) - بغية الوعاة: السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. الطبعة الأولى. مطبعة عيسى الحلبي. القاهرة.
(10) - التاريخ الأندلسي: د. عبد الرحمن الحجي، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية.
(11) - تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد: ابن هشام الأنصاري، تحقيق د. عباس مصطفى الصالحي. دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ- 1986 م.
(12) - التذييل والتكميل: أبو حيان، الجزء الثالث، مصور بقسم المخطوطات في الجامعة الإسلامية برقم (1416) .
(13) - التصريح على التوضيح: الشيخ خالد الأزهري، دار إحياء الكتب العربية.
(14) - توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك: المرادي، تحقيق د. عبد الرحمن سليمان، الطبعة الثانية، مكتبة الكليات الأزهريه.
(15) - الجنى الداني في حروف المعاني: المرادي، تحقيق طه محسن، بغداد 1396 هـ- 976 م.(34/284)
16- خزانة الأدب: البغدادي، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتاب العربي.
17- دراسات لأسلوب القرآن الكريم: الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة، مطبعة حسان.
18- السبعة في القراءات: ابن مجاهد، تحقيق د. شوقي ضيف، دار المعارف. الطبعة الثانية.
19- شرح أبيات سيبويه: السيرافي، تحقيق د. محمد على سلطاني، دار المأمون للتراث، دمشق 1979م.
20- شرح أبيات مغني اللبيب: البغدادي، تحقيق عبد العزيز رباح وزميله، دار المأمون، دمشق.
21- شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: ابن عقيل، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.
22- شرح الأشموني مع الصبان، ومعه شرح الشواهد للعينى: دار إحياء الكتب العربية.
23- طبقات النحاة واللغويين: ابن قاضى شهبة، تحقيق د. محسن غياض، بغداد 1974 م.
24- عنوان الدراية: الغبريني، تحقيق عادل نويهض، بيروت 1969 م.
25- الكافية في النحو: لابن الحاجب، تحقيق د. طارق نجم، مكتبة الوفاء، الطبعة الأولى 1407 هـ- 1986 م.
26- الكتاب: سيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة.
27- كشف الظنون: حاجى خليفة، المطبعة الإسلامية بطهران.
28- الكوكب الدّري: جمال الدين الإسنوي، تحقيق د. محمد حسن عواد، دار عمار، عمان 405 اهـ- 1985م.
29- المساعد على تسهيل الفوائد: ابن عقيل، تحقيق د. محمد كامل بركات، منشورات جامعة أم القرى.
30- معجم البلدان: ياقوت الحموي، طبعة دار صادر. بيروت.
31- مغنى اللبيب: ابن هشام الأنصاري. تحقيق د. مازن المبارك وزميله، دمشق، الطبعة الأولى 1384 هـ- 1964 م.
32- همع الهوامع: السيوطي، تحقيق د. عبد العال سالم مكرم، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة 4060 اهـ-1985م.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] كشف الظنون 2/ 1375.(34/285)
[2] الكافية في النحو: د طارق نجم ص 35.
[3] البرهان للزركشي 2/ 364، 4/119، 211، 251، 259، 296، 443.
[4] البرهان للرزكشي 2/ 364 (الحاشية) .
[5] البرهان للزركشي 4/ 119، 211 (الحاشية) .
[6] همع الهوامع للسيوطي- الجزء الخاص بالفهارس 7/343.
[7] همع الهوامع 1/82 (الحاشية) .
[8] خزانة الأدب للبغدادي، تحقيق هارون 2/ 22، 9/ 416، 10/ 198.
[9] خزانة الأدب 9/ 416، 10/198 الحاشية.
[10] شرح أبيات مغني اللبيب ا/394.
[11] شرح أبيات مغني اللبيب 8/432.
[12] تخليص الشواهد ص 75.
[13] الأشباه والنظائر- الفهارس 9/ 183.
[14] الأشباه والنظائر بتحقيق د عبد العال سالم 4/7.
[15] إنباء الرواة 2/ 223.
[16] رتشاف الضرب3/ 686.
[17] سورة الجاثية: آية 21.
[18] البحر المحيط 8/47.
[19] طبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة298.
[20] الأشباه والنظائر 4/ 7.
[21] بغية الوعاة 2/ 370.
[22] معجم البلدان 1/195.
[23] التاريخ الأندلسي. د. عبد الرحمنِ الحجي 482.
[24] إنباه الرواة 2/ 334 الحاشية نقلاَ عن كتاب تلخيص أخبار النحويين واللغويين لابن مكتوم/ مخطوط.
[25] عنوان الدراية 318.
[26] اختصار القدح المعلّى 154.
[27] ارتشاف الضرب 2/ 239.
[28] ارتشاف الضرب 3/ 671.
[29] عنوان الدراية 318.
[30] إنباء الرواة 2/ 334 الحاشية.
[31] الأشباه والنظائر 4/ 7.
[32] بغية الوعاة 2/37.
[33] ارتشاف الضرب 2/13، 14، 661.
[34] البحر المحيط 8/47.
[35] بغية الوعاة 2/ 370.
[36] ارتشاف الضرب 2/ 14، 565.
[37] ارتشاف الضرب 2/ 14.
[38] البحر المحيط 6/ 301.(34/286)
[39] ارتشاف الضرب 2/378، 455، 495.
[40] البحر المحيط 8/ 47.
[41] التذييل والتكميل ج3 لوحة 153 مصور بالجامعة الإسلامية برقم 1416.
[42] التذييل والتكميل ج 3 لوحة 154.
[43] ارتشاف الضرب ا/225، 255، 269، 366، 420، 440 ومواضع كثيرة.
[44] ارتشاف الضرب 1/ 380، 387، 416، 2/ 46، 138، 157، 566.
[45] ارتشاف الضرب 1/ 377.
[46] ارتشاف الضرب 2/ 320.
[47] ارتشاف الضرب 3/ 51.
[48] ارتشاف الضرب 3/ 85.
[49] ارتشاف الضرب 3/85.
[50] ارتشاف الضرب 3/ 80.
[51] ارتشاف الضرب 3/149.
[52] ارتشاف الضرب 1/ 390.
[53] ارتشاف الضرب 2/232.
[54] ارتشاف الضرب 3/70،116.
[55] ارتشاف الضرب 3/61.
[56] ارتشاف الضرب 2 /138.
[57] ارتشاف الضرب 3/51.
[58] ارتشاف الضرب 2/520-521.
[59] الجني الداني 25 4. بتحقيق طه محسن.
[60] الجني الداني 506
[61] الجني الداني 417، 436،454.
[62] الجني الداني. تحقيق طه محسن ص 417.
[63] توضيح المقاصد 1/ 210، 301، 2/118، 265، 279، 3/6، 262، 4/8، 338.
[64] توضيح المقاصد 4/ 336.
[65] مغني اللبيب 322.
[66] تخليص الشواهد 75.
[67] شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك 1/37. وانظر شرح التسهيل لابن عقيل 1/ 20.
[68] شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك 2/ 101.
[69] المساعد على تسهيل الفوائد 1/ 20، 98، 171، 320، 430، 492، 2/42، 43، 73، 106، وغيرها.
[70] المساعد 1/227، 305، 418، 465، 2/131 وغيرها.
[71] المساعد 1/ 405، 569، 2/ 144، 286 وغيرها.
[72] الكوكب الدري 417
[73] البرهان في علوم القرآن 2/364، 4/119، 211، 251، 259، 296، 390، 443.(34/287)
[74] التصريح 1/ 244، 264، 274، 2/ 169، 195، 201.
[75] التصريح 1/313، 317، 2/ 100، 179، 327.
[76] التصريح 1/ 320، 2/95.
[77] همع الهوامع. بتحقيق د. عبد العال سالم 1/82، 160، 176، 226، وأنظر الجزء الخاص بالفهارس 7/343 وقد نسبه المحقق خطأ لركن الدين الاستراباذي.
[78] الأشباه والنظائر- قسم الفهارس 9/183.
[79] الأشباه والنظائر 4/ 7.
[80] خزانة الأدب بتحقيق هارون 2/ 22، 9/ 416، 10/198.
[81] شرح أبيات مغني اللبيب 1/394.
[82] دراسات لأسلوب القرآن الكريم/ القسم الثالث 4/ 76، 77، 164.
[83] ارتشاف الضرب 2/ 455. همع الهوامع 4/ 174.
[84] ارتشاف الضرب 2/ 221.
[85] همع الهوامع 5/ 221.
[86] الأشباه والنظائر 2/117.
[87] همع الهوامع 3/272.
[88] الأشباه والنظائر 4/ 148-149.
[89] همع الهوامع 5/ 259.
[90] الأشباه والنظائر 5/ 9.
[91] همع الهوامع 2/122-123.
[92] همع الهوامع 4/75.
[93] صدر بيت من الشعر للحطيئة، وهو من شواهد سيبويه 3/565 وعجزه (لقد جار الزمان على عيالي) .
[94] سورة النمل: آية 48.
[95] همع الهوامع 5/126.
[96] سورة الحجر: آية/4.
[97] همع الهوامع 2/153.
[98] همع الهوامع 2/10، ارتشاف الضرب 2/46.
[99] همع الهوامع 2/153.
[100] أوضح المسالك لابن هشام 2/ 2820.
[101] همع الهوامع 3/ 161.
[102] الأشباه والنظائر 2/ 438.
[103] همع الهوامع 5/ 221.
[104] الأشباه والنظائر 1/ 80.
[105] همع الهوامع 1/ 160.
[106] همع الهوامع 1/226.
[107] همع الهوامع 2/ 120.
[108] همع الهوامع 2/ 122.
[109] الأشباه والنظائر 2/ 256- 257.(34/288)
[110] الأشباه والنظائر 3/ 64.
[111] الأشباه والنظائر 1/ 256، 2/951.
[112] الأشباه والنظائر 1/ 252.
[113] همع الهوامع 5/ 190.
[114] الأشباه والنظائر 2/ 285.
[115] الأشباه والنظائر3/ 62.
[116] الأشباه والنظائر 3/ 239.
[117] ارتشاف الضرب 3/ 181.
[118] ارتشاف الضرب 1/ 440.
[119] ارتشاف الضرب 2/ 210.
[120] ارتشاف الضرب 3/ 60.
[121] سورة الفرقان آية 23.
[122] سورة الصافات آية 77.
[123] سورة النحل آية 62.
[124] سورة المائدة آية 60.
[125] سورة الأحزاب آية 19.
[126] توضيح المقاصد والمسالك 3/ 261- 262.
[127] صدر بيت لعبيد الله بن الحُر وعجزه: تجد حطباً جزلاً وناراً تأجّجا.
والبيت من شواهد سيبويه 3/86، الأشموني مع الصبان 3/131. قال البغدادي في الخزانة 9/98: البيت من قصيدة تزيد على ثلاثين بيتا لعبيد الله بن الحر، قالها وهو في حبس مصعب بن الزبير في الكوفة.
[128] سورة الفرقان من الآيتين 68- 69.
[129] مغني اللبيب 322.
[130] شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك 2/ 101.
[131] المساعد على تسهيل الفوائد 1/98. وانظر همع الهوامع 1/226، الأشباه والنظائر ا/ 85.
[132] البيت قائله عمرو بن معد يكرب يصف شعره أن الشيب قد شمله. والثغام: نبت له نور أبيض. يعل مسكاً: يطيب به مرة بعد مرة. والفاليات جمع فاليه وهي التي تخرج القمل من الشعر. والشاهد فيه: حذف إحدى النونين في "فليني".
والبيت من شواهد سيبويه 3/520، شرح أبيات سيبويه 2/304، خزانة الأدب 5/371. إعراب الحديث النبوي للعكبرى 234 وفيه شواهد متعددة لحذف النون.(34/289)
[133] سورة الزمر آية 64. قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} . قرأ نافع وابن عامر {تَأْمُرُونِّي} بتخفيف النون، وقرأ الباقون بتشديد النون. انظر السبعة في القراءات 563.
[134] البرهان في علوم القرآن 4/251.
[135] التصريح على التوضيح 1/317.
[136] سورة البقرة آية 24.
[137] همع الهوامع 3/157.
[138] الأشباه والنظائر 1/ 80.
[139] الأشباه والنظائر 2/ 304.
[140] همع الهوامع 4/23.
[141] سورة الحجر آية 66.
[142] من أبيات لزيد الفوارس وصدره: عَوْد وبُهْثَةُ حاشدون عليهم. والبيت في خزانة الأدب 3/173، وذكر أنه استدل به الرضي وأبو علي في المسائل الشيرازيات على مجيء الحال من المضاف إليه.
[143] همع الهوامع 4/77.
[144] الأشباه والنظائر 4/121- 123.(34/290)
همزية بشار بن برد في مدى عقبة بن سلم
دراسة تحليلية مفارنة
د/ أحمد مختار البزرة
أستاذ الأدب المشارك بكلية اللغة العربية
دواعي الدراسة:
دراسة الآثار الأدبية دراسة منهجية تحليلية هي الصرح لتاريخ الأدب، في عصر أو عدة عصور، أو لتاريخ جامع لأدب الأمة. وهي الميدان الموثوق لكثير من فروع علم اللغة ولاسيما:
- نشوء المفردات وتطور معانيها ما بين أجيالا الأدباء عبر العصور.
- وابتكار التراكيب ذات الدلالات الطارئة والفريدة.
- وجهود العبقريات في إغناء اللغة بالمضامين الفكرية والعاطفية التي يمرّ بها العصر.
وإذا كانت هي الأرضية للنقد الأدبي فهي أيضا الرصيد العملي الثري لعلم البلاغة ولعلم الأسلوب اللذين يعنيان بأسس التعبير الجدلي ودقائقه وأسراره، وبالعطاء المتبادل ما بين اللغة والأديب في عمليات التوليد والإبدال.
ولن تلقى مؤرخاً كبيراً في عالم الأدب أو ناقداً فذاً لم يحصّل خبرته وعلمه من التعامل الصابر مع النصوص: يفحص مبانيها، ويستكنه إيحاءاتها، ويكتشف إشاراتها ورموزها الخافية حتى ينتهي إلى نظرات وأحكام أُنفٍ مدعومة بالدليل المادي.
وهي في الدراسة الجامعية وسيلة ومنهج لازم للطلبة المتخصصين ليتعمقوا النصوص فهماً يبلغ الغور ويستخرج الدر الخبيء، وُيبصّرهم بمكونات النص الأدبي لتتمايز لهم مراكز القوة من الضعف، والتعبير الجاف المبدع من الآخر الساكن المحافظ.(34/291)
ولن تكون لهم ملكة الذوق المصقول والتقويمٍ السديد والاستجابة الفنية التلقائية إلا بعد مرانٍ مدمن على تحليل النصوص شعرا أو نثرا، فهي في نهاية المطاف العدة والأداة لتكوين موقف موضوعي من الأحكام السياسية والفكرية والاجتماعية والفنية التي اكتنفت تاريخنا الأدبي بتعميمات مرتجلة أو مسرفة في الشطط أحياناً لم تعتمد الاستقصاء والبحث التحليلي.
وأدنى ثمار الدراسة التحليلية للنصوص أن يُكوِّن الطالب الدراسي تكويناً أدبياً شخصيًا يوظف فيه إمكاناته وذوقه.
ولعل من واجب الدارسين في الجامعة الإسلامية أن يقدّموا نماذج تَهْدي أبناءنا إلى إحراز هذا الغرض. وعسى أن يُوَفّق الله إلى تقديم عدد منها بادئين - بعون من الله - بقصيدة في المدح كانت تلاقي عند أهل الأدب حظاً من الاستحسان، لشاعر كان رائد الشعر والشعراء في العصر العباسي الأول هو بشّار بن برد.
القصيدة [1]
"وهي من مختار صنعة بشار، وصدورها ومما تشبَّه به بالقدماء في مذاهبهم "
أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني: 3/ 198
واحذرا طرفَ عينها الحوراءِ
1. حاحبيَّ أمَّ العلا [2]
لُملمّ [3] ، والداءُ قبل الدواء
2. إنّ في عينها دواءً وداء
م إزاءٍ [4] ، لا طابَ عيشُ إزاء
3. رب مَمْش منها إلينا على رغ
وتَصدَّت في السبت لي لشقائي
4. أسقمت ليلةُ الثلاثاء قلبي
ثم راحت في الحلة الخضراء
5. وغداة الخميس قد موتتني
م خيالاً أَصبْتَ عيني بداء [5]
6. يوم قالت: إذا رأيتك في النو
بك حتى كأنني في الهواء
7. واستُخِفَّ الفؤادُ شوقاً إلى قر
يا لَقومي دمي على حمّاء
8. ثم صدَّت لقولِ حمّاءَ [6] فينا(34/292)
مُشرفاتٍ [7] يَطْرفن طَرْفَ الظباء
9. لا تلوما فإنها من نساء
وأمسى من الهوى في عناء
10. وأعينا امْرأً جفا ودَّه الحيُّ
أنسيتِ السّرار تحت الرداء
11. اِِعْرضا حاجتي عليها وقولا
بر أبكي عليك جهد البكاء
12. ومقامي بذهن المصلّى إلىالمن
ما التجنّي من شيمة الحلماء
13. ومقالَ الفتاة عودي بحلم
وقولُ العدى وطول الجفاء
14. فاتقي الله في فتىً شفَّه الحبُ
ق صريعاً كأنه في الفضاء
15. أنت با عدته فأمسى من الشو
حسبُك الوأْيُ [8] قادحاً في السخاء
16. فاذكري وَأْيهَ عليك وجودي
دَ فأَوْفي ما قلتِ في الرَّوْحاء [9]
17. قد يسيء الفتي ولا يُخْلف الوع
فاقض واظفر به على الغرماء
18. إنَّ وعدَ الكريم دينٌ عليه
كانَ ما بيننا كظل السَّراء
19. فاستهلت بعبرةٍ [10] ثم قالت
أنت سُرْسُورتي [11] من الخُلطاء
20. يا سُليمي قومي فروحي إليه
كلُّ شيءٍ مصيرهُ لفناء
21. بلّغيه السلام منيّ وقولي:
وتعزّى قلبي وما من عزاء
22. فتسَّليتُ بالمعازف عنها
ونَ رفاضاً يمشين مشي النساء
23. وفلاةٍ زوراءَ [12] تلقىِ بها العي
كب فضاءً موصولةً بفضاء
24. من بلاد الخافي [13] تَغوَّلُ بالر
ن نداء في الصبح أو كالنداء
25. قد تجشَّمتها [14] وللجندب الجو
ل بريعانه ارتكاض النهاء
26. حين قال [15] اليعفور وارتكض الآ
ل مروح تغلو من الغلواء
27. بسبوح [16] اليدين عاملة الرج(34/293)
ك فتروى من بحره بدلاء [17]
28. همها أن تزور عقبة في المل
ب كما إنشقت الدجى عن ضياء
29. مي [18] تنشق عن وجهه الح
دة والبأس والندى والوفاء
30. أيها السائلي عن الحزم والنج
ومزيدا من مثلها في الغناء
31. إن تلك الخلال [19] عند ابن سلم
لقريب ونازح الدار ناء
32. كخراج السماء [20] سيب يديه
عقبة الخير مطعم الفقراء
33. حرم الله أن ترى كابن سلم
وتغشما منازل الكرماء
34. يسقط الطير حيث ينتثر الحب
ف ولكن يكذ طعم العطاء
35. ليس يعطيك للرجاء ولا الخو
في عطاء ومركب للقاء
36. إنما لذة الجواد ابن سلم
ل ولكن يُهينه للثناء
37. لا يهاب الوغى ولا يعبد الما
ل وأخرى سم على الأعداء
38. أريحي [21] له يد تمطر
ر وخلا بنيتي في الحلاء
39. قد كساني خزا [22] وأخد مني الح
ع صلت الخدين غض الفتاء
40. وحباني به [23] أغر طويل البا
ت بنونا وسالف الآباء
41. فقضى الله أن يموت كما
بة أشكو فقال غير نجاء [24]
42. راح في نعشه ورحت إلى عق
عاجل مثله من الوصفاء
43. إن يكن منصف [25] أصبت فعندي
ث غاداك خارجا من ضراء
44. فتنجزته [26] أشم كجرو اللي
حين قلّ المعروف خير الجزاء
45. فجزى الله عن أخيك ابن سلم
ذو ثراء من سر [27] أهل الثراء
46. صنعتني يداه حتى كأني
ري دموعي على الخؤون الصفاء
47. لا أبالي صفح اللئيم ولا تج
ل بكف محمودة بيضاء(34/294)
48. وكفاني أمرا على البخ
مَّ فظيعا كالحية الرقشاء [28]
49. يشترى الحمد بالثناء ويرى الذ
ل ويسقي الدماء يوم الدماء
50. ملك يفرع المنابر [29] بالفض
وأياد بيض على الأكفاء
51. كم له من يد علينا وفينا
ت فغيث أجش ثر السماء [30]
52. أسد يقضم الرجال وإن شئ
ت رجالا عن حرمة الخلفاء
53. قائم باللواء يدفع بالمو
وإذا سار تحت ظل اللواء
54. فعلى عقبة السلام مقيما
الشاعر والقصيدة
كان عقبة بن سلم والي البصرة لأبي جعفر المنصور، منتجعاً خصباً ومورداً ثريا لبشار بن برد، وجد عنده رواجاً لمديحه، فأكب على تجويده لما يلقى منه من جزالة الجائزة والعطاء المغداق، ولم ينكر بشار بن برد أن الرغبة المادية كانت الباعث الملحاح على كثير مديحه في عقبة، وعلى التفوق فيه، إذ قال له قائل: "إن مديحك عقبة بن سلم فوق مدائحك كلَّ أحد؟ فقال: إن عطاياه إياي كانت فوق عطاء كل أحد" [31] . وكان الشعر لبشار وسيلة من ليس له وسيلة كسب غيرها إذ لم تكن له موارد إضافية من إرث أو مزاولة مهنة، وكان العصر يتفجّر بالغنى، ولا يسد مطالب عيش رفةٍ رغدٍ إلا مالٌ وفر، فكان الحافز للمدح حيوياً، ولم يكن للشاعر مندوحة عن استنباط ملكة الإبداع ليبلغ موضع الرضا الفني من ممدوحه فيصيب من المال ما ينهض به من شظف الفاقة والحاجة إلى لين الاغتناء، ولعله بلغ ما أمّل في مضماري الفن والثواب، ولم يكن ما قاله في هذه القصيدة:
ذو ثراء من سرِّ أهل الثراء
صنعتني يداه حتى كأني(34/295)
غير تقرير حقيقة. ودراسة قصيدة أنشأها حافز وباعث مادي مَحْضٌ جديرة أن تكشف للنقد عن فعاليّة الرغبة الحاشدة في صناعة قصيدة المديح وفي تحبيرها إذا كان ثمة تفاعل إيجابي وتبادلٌ موضوعي ما بين المنتج والمستورد، ما بين الشاعر والممدوح.
بناء القصيدة
تَعدُّ هذه الهمزية في مدح عقبة بن سلم أربعة وخمسين بيتاً، فهي أجنح إلى الطول. ولا تنحو قصائد المدح في العصر الأموي والإسلامي والجاهلي، في الغالب، غير هذا المنحى: فالإطالة في هذا الفن مطلوبة، وبشار بن برد يسير فيها على منهج مطروق. وعلى هذا فالذين يستصدرون المدح من الشعراء، باعتبارهم نقاداً عمليين، أصحاب حق في التقويم وإصدار الأحكام وتكييف القصيدة وفاق مطالبهم، لما لهم من إسهام مادي في ابتعاث هذا الشعر واستصداره، هؤلاء الممدَّحون كانوا يرون أن قصيدة المدح في العصر العباسي الأول لا ينبغي لها أن تقلّ كمّاً عما كانت عليه من قبل.
فهل كان هذا العُرْف الأدبي قاصراً على الحجم والكم أو أنه ينسحب على الهيكل التخطيطي للقصيدة؟
من اليسير أن نلمح أن بشاراً بنى قصيدته من قسمين متساويين عِدَّةَ أبيات: المقدمة فالمديح، كل منهما سبعة وعشرون بيتًا.
هذا التوازن الدقيق لا نكاد نقع عليه فيما نظم من قبل، فهل كانت المقدمة تعدِلُ "الغرض"أهمية وقيمة فنية عند بشار؟ إن اعتراضاً كميّاً ما على هذه المقدمة ونظائرها لا نعثر عليه في معرض من معارض النقد العابر أو المقصود، وإن موافقة ضمنية على هذا التناظر متحققة ما بين المادح والممدوح والجمهور. فما الدوافع الفنية أو الذاتية فيما وراء هذا التعادل؟
إن دراسة المقدمة قد تخرج لنا مفاتيح تعليلية مقبولة.
المقدمة
والمقدمة قسمان يتفاوتان عدد أبيات تفاوتاً ملحوظاً، والقسم الأول في الغزل، وعدد أبياته اثنان وعشرون بيتاً والقسم الثاني في وصف الصحراء، والرحلة والناقة، وهو خمسة أبيات.(34/296)
(أ) الغزل: من نافلة القول أن المطالع أو المقدمات الذاتية الوجدانية تقليد عريق في القصيدة العربية القديمة، ولاشك أن المكانة الجليلة التي كانت تحتله تلك القصيدة جعل منها مثالا يحتذى على جانب من الاحترام والالتزام كبير، وخاصة قصيدة المناسبات في المواقف الرسمية. إن عرفاً مشتركاً، غير معلن عنه تصريحاً، إلا في وقت متأخر، ما بين الشعراء ورجال اللغة والأدب وأرباب القصور، هو أنه ينبغي لقصيدة المدح المحدثة أن تبلغ شأو قصائد المدح الممتازة في العصور السابقة، ومن ثم لابد من العمل على مثال أو أنموذج متعارف عليه.
وليست المطالع الغزلية وقفاً على قصائد المدح في أدبنا القديم، فهي في المفاخرات والنقائض وغير ذلك من الأغراض تتراوح بين الإسهاب والاقتضاب. وإذا كانت القصيدة ذاتية المضمون في مجموعها تتركز حول شخص الشاعر مثل معلقة امرئ القيس اللامية، فإن حظ النسيب والغزل والنساء يغطي على نصف القصيدة أو يزيد. ولكنه يتراجع إلى نسبة قليلة إذا كان موضوع القصيدة غير ذاتي، مدحاً أو فخراً قبلياً، أو ذاتيًا متمركزًا على الجانب العملي من الحياة كمعلقة عنترة التي رفع بها من شأنه من خلال مواقف البطولة وحسن البلاء.
ولكن قصائد المدح والفخر التي تُعدّ نماذج تامة في الجاهلية والإسلام تتوافق على الابتداء بمقدمة ذاتية أكثر ما تنطلق من الوقوف على الديار، وأحيانا من الغزل الصرف بالنساء. ولا يسعنا أن نرفض تعليلاً نقديا استقرأه ابن قتيبة في القرن الثالث إذ رأى في هذه الخطوة مَقْصداً ذاتياً فَنِيًّا معًا، فالشاعر ينبعث في النظم من أقرب الدواعي إليه، وهي قادرة على استمالة الآخرين لما في هذه الدواعي الذاتية من مشاركة وجدانية أو شجاً إنساني عام [32] .(34/297)
واستقراء تام ومسح كامل لأمثال هذه المقدمات يهب لنا فائدة لا يستغني عنها النقد والتقويم، وهي أن هذه المقدمات إن تكن تقليداً متبعاً فإن فيما بينها تفاوتاً ذاتياً وفنياً ملحوظاً تُرَّدُ أسبابه إمَّا إلى النموذج النفسي، أو الوضع النفسي للشاعر وتركيب ميوله واتجاهاته، وإما إلى طابع العصر واتجاهه الفني الغالب، وإن يكن من الصعب الفصل ما بين العاملين بخطوط قاطعة تُرجح تغليب أحدهما على الآخر في إيثار إحدى الصورتين، الغزلية أو الطللية، على الأخرى، فإن هذه المقدمات في نهاية التحليل هي نتاج هذين العاملين معا. ويقودنا الاستقراء إلى تقرير حقيقة تشفع لها موضوعية أكيدة هي أن الصبغة الفنية الغالبة كانت تجنح في أواخر العصر الجاهلي إلى مزج متكافئ ما بين المرأة والطلل أو اقتران متين يكشف عن ترجيح العنصر الإنساني أو الذاتي على الجوامد المادية. وفي معلقة زهير بن أبي سلمى مثال موافق يقرن أسماء الأمكنة باسم المرأة قرانا يدل على ارتباط لا يقبل الانفصام وأن الدار إنما تذكر بصاحبتها:
بحومانة الدراج فالمتثلم
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
مراجع وشم في نواشر معصم [33]
فدار لها بالرقمتين كأنها
حتى إن صورة هذه الدار تنعكس لعينيه في مرآة من معصم موشوم، ومن ثم يرفع بصره وشيكًا باحثاً عن الحياة والأحياء من العين والآرام والظعائن.
ويظهر هذا التأليف المنسق بين الطلل والمرأة وشظف الصحراء معاً في لامية الأعشى:
وسؤالي وما ترد سؤالي [34]
ما بكاء الكبير في الأطلال
فللأطلال بيتان وللمحبوبة وما يفصل بينهما من نائي المكان خمسة عشر بيتاً.(34/298)
ويتردد الاقتران في معلقة عنترة في كل بيت تذكر فيها الدار بل لا تذكر الدار إلا بالمرأة. ولولا اضطراب المعلقة ترتيباً لكانت الأبيات التي تصلح أن تكون مجموعة متوالية من مقدمة نسيب مثالاً حسناً لضآلة العنصر المكاني بجانب العنصر الإنساني أو العاطفي. فإذا قورنت هذه النماذج بمطلع معلقة امرئ القيس وببعض قصائده رأينا المكانية تنساح في بيتين أو ثلاثةٍ متواليات انسياحاً يغمر النبض الوجداني أو الإشعاع بالحياة.
وفي مطلع العصر الإسلامي نجد شاعراً مخضرماً، أعرق نظماً في الجاهلية منه في الإسلام، يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقصيدة مدح ظلت تتمتع بنموذجية فذة على مدى العصور، هو كعب بن زهير صاحب البردة، وفيها نجد الشاعر أحلَّ مقدمة غزلية خالصة مكان المقدمة الطللية أو المزيجة، شغلت (14) بيتاً من (58) بيتاً.
فلمَ أقدم على هذا التعديل وهو يُعِدُّ قصيدة يود لو تفوق كل شعر ليظفر بالصفح والحياة؟ لا شك أنّ بعض الشعراء - كعلقمة الفحل - لهم مطالع غزلية خالصة، ولكن قصيدة المدح لها صباغ رسمي - دعك عن المناسبة الحساسة - كما أن كعبًا هو عماد في مدرسة الصنعة والتحكيك التي لا تهمل المراسم المفضَّلة؟.
هل وجد كعب الغزل الصرف أحسن وقعاً عند من يحيا متحضراً؟ وهل أحسَّ أنَّ الأطلال ظل من الصحراء لا يستهوي الأنفس ولا تقبل عليه الأسماع إقبالها على الغزل؟
لا نستطيع أن نجزم قاطعين، ولكن الغزل يشهد - إذا قورن بأقسام القصيدة - لصاحبه أن قد توخى فيه الرقة والقرب، وجاهد أعرابيته على ذلك.
فإن كان في هذا دليل مرجِّح جاز لنا أن نلاحظ أن مراعاة ميول الجمهور وأذواقهم، للتأثير فيهم، بدأ يؤثر في مضمون المقدمة مادامت مادة المقدمة تسمح بالتعديل أما إذا كانت المادة صحراوية طبيعةً وجبلّةً - مثل وصف الناقة - فلا سبيل للمواءمة والتعديل [35] .(34/299)
ولكن الاستقراء الدقيق، ولاسيما قصائد العصر الأموي، لا تأذن بإصدار حكم له صفة الشمول، وكثيراً ما نجد أنفسنا لدى نماذج متفاوتة وفي بعضها لا يفارق الشاعر التصميم الجاهلي لقصيدة المدح من الوقوف على الأطلال ومساءلتها، واجتياب الفلاة على الناقة الوجناء، والتغزل بالمرأة، حتى ليخيل إلينا في بعض القصائد أن هذه المقدمة التقليدية أولى من الغرض الأول فيها، وهو المدح، ومن أمثلتها قصيدة القطامي اللامية:
وإن بليت وإن طالت بك الطول
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل
إذ هي "43"بيتاً لا يشغل المدح غير العشرة الأخيرة منها [36] .
ولكن المقدمة في قصيدة بشار هذه ليس فيها من حديث الديار أثارة، فهي تنتمي إلى بردة كعب بن زهير. والشاعر ينصرف عن الوصف المادي الذي كان لا يفوت السابقين، من تعدادٍ لمفاتن حسيَّة كانت تُعدّ في ذلك اليوم المثلَ الجمالي الأعلى، ينصرف إلا قليلاً في المطلع إذ يذكر حور عينيها ولكنه يُعوّل على الأثر متجاوزًا في تصويره عن المؤثِّر:
واحذرا طرف عينها الحوراء
1 - حيّيا صاحبيّ أمّ العلاء
لملمّ والداء قبل الدواء
2 - إن في عينها دواء وداء
إنه الإِغراء متنكر في هيئة تحذير، إن ينجح بإثارة الفضول لدينا فلن يُعْقِبَ قناعةً لأنه فضول غير مدعوم بدليل مادي يجعل النظر مخشيًا حقاً مثل الدليل المادي في قول امرئ القيس:
بسهميك في أعشار قلب مُقتَّل [37]
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي
وما ذاك إلا لأن بشاراً تنقصه خبرة امرئ القيس بخفايا المقاصد وبواعث السلوك، فغزله غزل الفن، غزل الحقائق المتقابلة في الفكر لا غزل الوقائع والصراع.
وكان النابغة أقدر على الإِيحاء بالأثر من خلال الصورة المادية للمؤثر:
أحوى أحم المقلتين مقلدّ
نظرت بمقلة شادن متربّبٍ
نظر السقيم إلى وجو العوّد [38]
نظرت إليك بحاجة لم تقضها(34/300)
وإن الصيغة المنطقية المحكمة "والداء قبل الدواء"لم تطلع علينا بسبرٍ لمدى التأثير كما يبدو مداه في شعر لجرير:
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا [39]
إن العيون التي في طرفها حور
وهن أضعف خلق الله إنسانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
وعلى ما في تقرير بشار "والداء قبل الدواء"من المعقولية المنطقية فإن المبالغة في قول جرير تبعث على استمتاع مريح، واسترسال وجداني مستعذب، نفتقد مثله في بيتي بشار. أهي العاهة التي تعوق الشاعر الأعمى عن الصورة الخارجية؟
ما ذاك ببعيد إذ نفتقد - لفقدانه الرؤية - الصور البصرية التي تنم عن تأثر حق. وكان يغطي على تصويره للمرئيات بصور ذات عموم غير محدود أو إجمال لا تفصيل له، كما يغطي على ذلك تصويره للمسموعات كقوله:
كأن حديثها ثمر الجنان [40]
ودعجاء المحاجر من معدّ
وقوله في صوت مغنية:
محاسنها من روضة ويفاع [41]
كأنهم في جنة قد تلاحقت
وكان يركب عناصر الصورة المادية تركيباً ذهنياً خيالياً من غير انطباع حسي:
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه [42]
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
وعبثا نحاول استخراج صورة لأم العلاء من (22) بيتاً أو أن نجمعها من جزئيات متفرقة. فقد غابت الجزئيات أيضاً. وما كان الغزل إلا دعوى وله معروضة في مواقف قصصية متلاحقة هي:
1 - أيام الوصال والوفاق (3 - 7) .
2 - الوشاية والجفوة (8) .
3 - الاعتذار والوساطة (9 - 18) .
4 - مؤايستها له من الوصال (19 - 21) .
5 - تسليه عنها بالطرب (22) .
أليس الغزل في مجموع مواقفه قصة مكرورة تبدأ بالحنين إلى الماضي ومحاولة استعادة الوصال، فالإخفاق، فاليأس والانصراف؟(34/301)
ونجد خطوط هذه القصة في غزليات العصر الأموي ولاسيما أحاديث عمر بن أبي ربيعة. واقتباس القصة الغزلية، مقدمةً لقصيدة المدح، دليلٌ على سيرورة هذا الغزل مطلباً لفريق من الناس من العابثين والسطحيين. يدل على ذلك سطحية المعالجة الغزلية موقفاً ومعنىً وعاطفة، سطحية تهش لها السذاجة، وتترضّى العبث المُسْتخَفّ. وماذا في البيتن (4 - هـ) إلا معنى ضحل مُمدّد في سِمْطين من القوالب اللفظية:
وتصدت في السبت لي لشقائي
4 - أسقمت ليلة الثلاثاء قلبي
ثم راحت في الحلة الخضراء
5 - وغداة الخميس قد موّتتني
وسائر المعاني الغزلية لا تبرأ من السذاجة والسطحية، والمعاني الشائعة بذهن العامة تتبّدى بقوة في البيتين (6 - 7) .
ولاشك أن فقدان المعاناة أو التجربة الحية، وجدانياً أو عملياً، كانت من وراء تلك السطحية، إننا نستطيع أن نصوغ قصة تطرف البسطاء من الناس، وتمتع مشاعرهم وأذواقهم عَرَضاً، ولكن ليس من اليسير إقناعُ الكثير بأن وراء هذه القصة ضحيةً على وجه الحقيقة، وعذاباً إنسانيًا. ولقد احتاج الشاعر إلى معونة الوسطاء - الجمهور - في استرجاع قلب المحبوبة فلم يجدْ ما يستعين به على قضيته، شواهدَ من غرامه وجواه، وغايةُ ما اعتد به التزامٌ أخلاقي - كما يزعم - بينه وبن محبوبته. هذا الالتزام كان وسيلة الجمهور إليها وحجتهم أو حجة الشاعر عليها، ولقد عوّل على هذا الالتزام تعويلا كأنما يتعامل مع شخصية مثالية تخشى مخالفة المبدأ الخلقي، واتكأ عليه إتكاءَ من لم يجد من أجيج مشاعره ما يحمل الطرف الآخر على التفكر به والاهتمام بأمره، حتى استوفى فيها أبياتاً ستة - ما بين البيت (13) إلى البيت (18) - تحوّل فيها المسعى والرجاء إلى حكمة خلقية محضة في البيتين (17 18) :
فأوفي ما قلت بالروحاء
17-قد يسيء الفتى ولا يخلف الوعد
فاقض واظفر به على الغرماء
18- إن وعد الكريم دين عليه(34/302)
وأي تناقض بين الدعوة إلى الأخلاقية المثالية في موقف هو في جوهره غير أخلاقي؟ أليس انسحاب الفضائل على أرضية الرذائل تلويثاً أو إتلافاً تاماً للفضيلة؟ أفليس من حقنا أن نشك في سلامة نظرة الشاعر إلى القيم إذ يوظفها في موقف يخرج بصاحبه عن القيم؟ .
وفي خاتمة هذا الموقف الذي أعقب إخفاقاً كلياً قد يعنّ لمتسائل سؤال: ألم يكن في عملية الإقناع تخليط سافر بين أخلاق النساء وأخلاق الرجال؟.
أليست الفروق بين الجنسين متعارفة، أن المنطق النسوى عاطفي ذاتي لا تحكمه المبادئ والكلمة المثالية إلى تحكم الرجولة؟ إن قوة الحجة لا تفتح قلب المرأة، ولذلك كان بكاؤها في البيت (19) مستغرباً:
كان ما بيننا كظل السراء
19 - فاستهلت بعبرة ثم
أرقّت فرثت له؟ بم استثار فيها التحنّن والتعاطف؟ أي امرأة تذري الدموع من فرط الصبابة بعد ثلاثة أبيات على الأقل، من الحكمة التوجيهية الجافة لا تبض بقطرة من استعطاف؟.
إن القصة تلفيق شاعر قصاص يروي عن غير تجربة، ولا هدف له إلا امتاع الآذان. ونحن لا نزعم أن بشارا كان مطالباً بقصة حب واقعية ولكنا نؤكد أن اثنين وعشرين بيتاً في الغزل هي خالية من كل رسيس وجداني صادق، مما يؤكد أن الشاعر كان غريباً عن ميدان العاشقين، والمحبين الصادقين، غريباً عن استشعار الحنّو الدافئ البريء إلى المرأة، ولا يُظن إلا أن الجانب الحسيّ غلب على مطالب نفسه فما أبقى للانفعال المتسامي موضعاً في حناياه.
ولا نزعم أيضاً أن ذاك الغزل السطحي كان منطلياً على ممدوحه، وما كان أمير البصرة ليزن مقدمته الغزلية بمعيار الصدق والواقعية أو الرصيد الإنساني الحق.
فلماذا، إذن، أعجب بالقصيدة حتى أعطاه عليها ثلاثة آلاف دينار؟ إن حجم الجائزة يشير إلى الإعجاب أو الرضا عن مجموع القصيدة لا عن المدح فيها: فهل استهوى الغزل رجل دولة كان يتطلع حقاً إلى بناء الأمجاد؟(34/303)
لا، وإنما توخّى عقبة أن تذيعَ القصيدة بين الناس على اختلاف طبقاتهم، وهذا الغزل الذي يتقدّم المدح ويستهوى الكثيرين هو مفتاح إغراءٍ لبقٍ للولوج بقصيدة المدح إلى نفوس الخاصة والعامة.
أليس هناك، إذن، اتفاق ضمني ما بين الشاعر والممدوح على ترويج القصيدة على الجمهور؟ وما حاجة الأمير إلى مدح لا يضمن له الذيوع والانتشار؟.
لابد، في الحق، أن يجدّ الشاعر في اكتشاف خير وسائل الدعاية جاذبية. ولم تعترف قصيدة المدح الرسمية في العصر العباسي الأول بوسيلة أفعل من الغزل.
وإذا كان اختيار هذا الضرب من الغزل القصصي مقدمة يكشف عن جانبها النفعي عند الممدوح فإنه يكشف عن جوانب ذاتية وعن مؤشرات اجتماعية.
لم يختر الشاعر القصة الغزلية للجانب الدعائي وحده لولا أن تكون من هوى نفسه.
إن شاعراً محافظاً على القيم الخلقية، من الصون والعفة، لا ينهج منهجًا يتخطى فيه الخلق والآداب. ولكن شاعراً يؤزّه نشوز على المواضعات وعلى كل ما يحاجزه عن رغباته وأهدافه، مثل بشار بن برد، لا يتورع عن الغواية والإغراء بالجرأة السافرة. أليس قوله: "رب ممشى منها إلينا ... "في عدة أبيات دعوة سافرة وتيسيراً كبيرا لإخراج الفتاة من الخِدْر والكنّ إلى الريبة والانزلاق، أليس قيام الوسطاء من رجال ونساء ما بين العاشقين إضعافاً لحساسية الجمهور تلقاء الإخلال بآداب الدين والتقاليد؟.
وإذا كان هذا الغزل مطلباً وليداً لفريق من العامة، أفليس هو مؤشراً إلى رغبات مستسرة تود أن تنطلق؟ إن بشاراً يضرب بمعوله - جاداً - في تجمعّات نفسية تريد أن تتفلّت من ضبطة الخلق العفّ.(34/304)
وبذلك يكون بشار بن برد - في هذه القصيدة على الأقل - قد طلع على الشعراء بمحاولة جديدة استبدل فيها الوقوف على الأطلال أو الغزل التقليدي بقصة غزلية ذات أهداف عملية، واءم فيها ما بين ذات نفسه والنوازع الجامحة في طور اجتماعي طارئ تفاقم فيه الثراء وتمطت البطالة.
وإذا كان بعض النقاد يرفض أن يحاكم بشاراً إلى الأخلاق في شعره هذا، ويجنح في محاكمته إلى الفن وحده فقد رأينا خلو هذا الشعر من الرصيد الإِنساني، وكل أدب مضمونه الإنساني ضحل هو أدب لفظي، كان يتعالى عنه الشاعر الجاهلي في وقفاته على الأطلال. فمن منا لا يستشعر حزناً شاجيا عميقاً في الأبيات الأولى من معلقة امرئ القيس، يهيمن على الشاعر فيها إحساس حاد بمأساة الزوال أو الفناء الإِنساني من خلال مواكب الظاعنين الذين يطويهم الزمان تاركاً من بعدهم منازل مهجورة صوىً لوجودهم العابر، ومن ثم فقد انحدر حزنه عبر دمعة صادقة في قوله:
فهل عند رسم دارس من معول [43]
وإن شفائي عبرة مهراقة
ومن لا يشعر بالسرور الهادئ العميق في لحظة التعرف على الديار وما تسحب وراءها من تاريخ للأحباب والأصدقاء، في التحية الهادئة في بيت زهير:
ألا أنعم صباحاً أيها الربع واسلم [44]
فلما عرفت الدار قلت لربعها
وكذلك تغدو الديار في مقدمة رائية النابغة مثار ذكريات لا تخبت إلا إذا خبا قلب صاحبها الإِنسان، ومن بين الثمام والحجارة السود تهلّ عليه أغلا صور الماضي وأحبها:
والدار لو كلمتنا ذات أخبار
فاستعجمت دار نعم ما تكلمنا
إلا الثمام وإلا موقد النار
فما وجدت بها شيئا ألوذ به
والدهر والعيش لم يهمم بإمرار
وقد أراني ونعماً لاهيين معاً
ما أكتم الناس من حاجي وأسراري [45]
أيام تخبرني نعم وأخبرها
إنه استدعاء للماضي الذي لن يعود بما فيه من سذاجة براءة ونعمة، وإذ زال وانطوى فالمرارة الآن بعد الزوال.(34/305)
ههنا رصيد إنساني نابع من استكناه الحياة والوجود وعَرِضيّة الأحداث وزواليّه الإنسان، وعلى ما جرت عليه هذه المقدمات من تقليدٍ دهرا طويلاً فما هي بمعارض من ألفاظ وصور، وما هي بخاوية من حسٍ إنساني رصيده الحنين والأسرة الغافي.
وقد يكون مقارنة المقدمة الغزلية في قصيدة بشار بمقدمات النسيب والغزل أولى: هذا حق، وعندها ألا يقال لنا: أليست المفاتن الجسدية التي أبرزها الشعراء في مقدماتهم حتى على مسامع الرسول في مسجده ينبغي أن يوجه إليها شجب قاسٍ على حين لم يستثر بشار بتعداد المفاتن شهواتنا؟
لو استفتينا أولا نسيب علقمة الفحل، وهو جاهلي قديم، وأوله:
بعيد الشباب عصر حان مشيب [46]
طحا بك قلب في الحسان طروب
لوجدنا فيه إطراء لخلال المرأة ذات المنعة والعفاف، للزوجة الحافظة بالغيب لما ينبغي أن يحفظ:
على بابها من أن تزار رقيب
منعمة ما يستطاع كلامها
وترضى غياب البعل حتى يؤوب
إذا غاب عنها البعل لم تفش سره
وهذه الخلقية الشامخة مفقودة في غزل بشار بل هي محطمة تحطيماً عن عمدٍ، كما يبدو من أدنى مقارنة، فإذا شفع علقمة نسيبه بما تحصل لديه من رأي في النساء لم نجد، ولو عممنا النظرة، إلا خبرة مستفادة من واقع العلائق، فإن الميول الفطرية من إيثار النساء لحداثة السن وسعة الحال، لا تثريب عليها، وكل ما في الأمر تحذير للشيوخ أن يطمعوا في مودة صادقة عند الفتيات.
وبمثل هذا الغزل لا يجاوز الشاعر إطراء المرأة الفاضلة ومراعاة التكافؤ ما بين المرأة والرجل سنا، وما يتوجب عليه من كفاية مادية. فالغزل أو النسيب يتردد بين المطالب الثابتة للمرأة والمؤهلات المرغوبة في الرجل، ولاشك أن هذا المضمون لا يخسر واقعيته أبداً.(34/306)
وأما عرض المحاسن، وخاصة في قصيدة كعب بن زهير، فلا يعدو أن يكون الوصف الخارجي تعدادًا لصفات الجمال الجسدية المطلوبة، فالشاعر يعبر عن الذوق العام في جمال المرأة، ومتى تناءى الحديث عن الخصوص إلى العموم، وصادف ذوقاً أو رأياً مشتركاً، لم يكن غير مداعبة مشاعر فطرية، غير هادف لإثارة ولا إغواء، فهو لا يوجّه اتهاما فاحشًا إلى الشاعر إذ لا يسلط الأضواء على امرأة مخصوصة.
ولاشك أن ثمة شعراء فُتَّاكاً كامرئ القيس والأعشى، يُصرّحون بالكثير من المغامرات العملية والوقائع، وهذا خارج عن غرضنا إذ لا يرد غزلهم في مقدمة لقصيدة المدح، وهو غالباً في أثناء قصيدة يصف فيها الشاعر أحواله في فراغه ساعياً وراء أوطاره كمعلقة امرئ القيس، كما أن قصيدة متخصصة في هذا الغرض - مثل رائية عمر بن ربيعة -[47] لا تدخل في نطاق المقارنة.
ومن ثم نخلص إلى خصيصة هي أن بشار بن برد في قصيدة المدح يترسم إطار القصيدة التقليدية محافظاً على رسم متعارف عليه بين النقاد وأهل البصر بالشعر والممدوحين أنفسهم. فالمدح قصيدة عليها طابع الوقار السياسي والاجتماعي - من جهة المعاني - والوقار الأدبي - من جهة الخطة والبناء - وقد التزم بشار، كما سوف يلتزم كثير من معاصريه ولاحقيه الإطار العمودي شكلاً خارجاً وتصميما، ولكنه أحدث تبديلا جذريا في المضمون، فلا أطلال ولا غزل مادياً، ولكن قصة حب ذات ظاهر تحقيقي، لا تشى بتجربة ولا معاناة، وهي إلى السذاجة أقرب منها إلى التحليل المعمَّق.
ب وصف الرحلة:(34/307)
ونجد في إتباع الغزل بحديث الصحراء والراحلة والسفر دليلاً آخر على استمساك بشار بالإطار العمودي في قصيدة المدح، وهو قسم اقتحم المقدمة على الشاعر اقتحاماً إذ لم يدخل في صميم العمل الفني من المقدمة، ويبدو الانقطاع بينه وبين الغزل إخلالاً فنيا كان الشاعر القديم يتخطاه كثيرًا بتخلص أو وصل حسن يضعف إحساسنا بالانقطاع وفجأة النقلة. ولعل شاعراً مخضرماً هو كعب بن زهير، كان من الكياسة الفنية بمكان في هذه الصورة اللبقة من الانتقال بعد مقدمته الغزلية المشار إليه سابقاً:
إلا العتاق النجيات لمراسيل
أمست سعاد بأرض لا يبلغها
ولا يبلغها إلا عذافرة
فيها على الأين إرقال وتبغيل [48]
فبهذين البيتن عبر بنا برزخاً إلى القسم الثاني من مقدمته، فهيأنا بسلسلة من الألفاظ الجديدة "عتاق - نجيات - مراسيل - عذافرة - إرقال - تبغيل "على الإيغال في جواء ثمانية.
عشر بيتاً في وصف الناقة. ولم يتهيَّأ لبشار تخلصٌ مرعيٌ على هذا النمط إذ ختم الغزل ببيت أعلن فيه عن يأسه من المحبوب وتسلّيه عنه بحضور مجالس القصف واللهو:
وتعزَّى قلبي وما من عزاء
22- فتسليت بالمعازف عنها
قد يكون هذا البيت خاتمة أدنى إلى الواقعية إذ يلقي ظلاً حقيقياً لسيرة شاعر مقبل على اللذة والمتاع ولبيئة حضرية آخذة بأسباب من الغناء، ولكن خاتمة من هذا الطراز منعت بشاراً من لطف تخلص ليس عليه بعسير. وهو لم يخطئه في انتقاله إلى القسم الثاني من القصيدة، وهو المدح:
فتروى من بحره بدلاء
28- همها أن تزور عقبة في الملك
وبذلك تحقق لحديث الرحلة والراحلة وصْلٌ بحرف المدح وهو سائبٌ من قبل الغزل، وبهذا الخلل يمكن إسقاط الغزل من غير أن يطرأ إخلال بنائي على القصيدة لا معنى ولا لفظاً، أو أن تكون المقدمة أشبه بقصيدة مُعدّة مسبقاً رُكّبت أو أضيفت في أول قصيدة المدح.(34/308)
ولا يكاد يزيد وصف الصحراء والمطية على الرُبْع من مادة الغزل وهي نسبة تغاير المألوف في شعر الأقدمين مغايرة ظاهرة، إذ هو في الغالب أذهب في الوصف والاستقصاء، وأكثرُ عددَ أبيات من الوقوف على الأطلال والنسيب. وتشهد قصائدهم أنهم كانوا يتبارون فنياً في إتقان هذا الحيّز من الوصف بتكثير الجزئيات والمشاهد والأحداث. وليس من غرضنا الدخول في بحث تعليلي لهذه الظاهرة في عملنا هذا، ولكن لا نشك أن بشارًا توخى الاختصار فيه توخياً مقصوداً، واجتزأ بأبيات خمسة استكمالاً لحلقات العمود الشعري، لعله كان يحس إحساساً غير كاذب أن مجتمع البصرة بعيد عن الاستمتاع بالمناخ الصحراوي وبالناقة والأسفار والأخطار، فهو يوجز ويحث الخطا إلى المدح قبل أن يبطل جفاف الوصف ما رقرق الغزل من إمتاع.
والمتأمل في هذا القسم من القصيدة يحكم أن بشاراً بذل جهداً مقصوداً لتأنيسه وتنعيمه وترقيقه بالاكتفاء بأقل قدر من الغريب الذي يستدعيه حديثُ الصحراء، ثم بإضافة ألفاظ مأنوسة تمازج الغريبة في سياق البيت فتعدّل من جفائها كقوله:
ن رفاضاً يمشين مشي النساء
22- وفلاة زوراء تلقى بها العي
ن نداء في الصبح أو كالنداء
23 - قد تجشمتها وللجندب الجو
فالألفاظ: "العين - مشي النساء - نداء في الصبح "تضفي ظلا من الرقة على الألفاظ الضخمة الخشنة "فلاة - زوراء - رفاضاً - تجشمتها - الجندب الجون يا يكاد يخفي غرابتها.
غرض القصيدة: المدح
تبدأ القصيدة قسمها الثاني بالبيت الثامن عشر معبرًا للمدح، والحق أن الشاعر ركز فيه وفي البيت التاسع عشر المعنيين الكبيرين اللذين نسج منهما الشاعر مُلاءة المدح كله، فهما نواة هذا القسم، ومن صورتي الكناية في كل منهما نعلم أن الكرم والشجاعة قوام حقيقة ممدوحه:
ك فتروى من بحره بدلاء
28 - همها أن تزور عقبة في المل
ب كما انشقت الدجى عن ضياء(34/309)
29 - مالكي تنشق عن وجهه الحر
وكلا الصورتين - على أنهما إرث متداول - تعطي مضمونها اتساعاً وسطوعاً. ومحاولة العثور على معنى ثالث يضاف إلى سجايا الممدوح لن تخرج بطائلِ. فلنوطّن أنفسنا على أن ننساب مع الشاعر في جدول هاتين السجيتين، ليقدم لنا أولاً بيانًا تحليليًا لمضمون الشجاعة والكرم:
ة والبأس والندى والوفاء
30 - أيها السائلي عن الحزم والنجد
ومزيداً من مثلها في الغناء
31 - إن تلك الخلال عند ابن سلم
فمن الشجاعة يتفرع الحزم والنجدة والطاقة القتالية - البأس - ومن الكرم يطلع البذل - الوفاء - وهو الوجه العملي للكرم. وثاني البيتين رديف تقريري لما قبله، والإيهام بالمبالغة في شطره الثاني لا يكسب المعنى ثراء بعد التحليل الدقيق آنفًا.
ويضيف بشار إلى المقياس التحليلي تقديراً كميّاً لكرم ممدوحه، وهو"كمّ "يفوت العدّ أو الحصر متى قورن بالسحاب المنتشر يصوب على القاصي والداني.
لقريب ونازح الدار نائي
32 - كخراج السماء سيب يديه
وهو تقدير مقصود إذ لم يجد في صورة "البحر" المكرورة وفاءً بغرضه على حين وجد الصورة في البيت (29) تفي بقياس شدة الشجاعة والحمية فلم يدعمها بصورة أخرى. وبعد التحليل والتقدير يأتي الشاعر بالدليل، إن هناك وجهاً أو شاهداً عملياً للكرم، وهو البذل التلقائي للعفاة، لا يستخرجه سؤال سائل، فيتوافد الفقراء إلى موائده كما تهتدي الطير إلى مساقط الرزق.(34/310)
وماذا بعد الدليل المادي على الكرم؟ لابد من علة جوهرية تبعث على كرم جم عميم. وبالفكر الدقيق والنظر المتعمق الذي حلّل فيه مضامين الشجاعة والكرم ينفذ الشاعر إلى العلة، إلى العمق النفسي لممدوحه: إنه مركب جبلّةً على العطاء فهو لا يجد نفسه إلا إذا أعطى، فإذا حقق ذاته على هذا الوجه كانت راحته ومتعته. ففي البيتن (35 - 36) يرُدّ فضيلتي الممدوح الكُبْريين إلى المنبع النفسي الأصيل، فإذا عرفت حقيقةُ العلة التي لا تتبدل ولا تُعصى لم تكن الشجاعة والكرم، مقداراً وأبعادا، موضع تساؤل أو غرابة.
ولذلك شرع بعد التعليل يوضح الآثار النفسية والسلوكية لهذا الباعث الفطري: وهي آثار لا تستهان عظمتها: لقد انتصر على سلبيتين لابد للكريم والشجاع أن ينتصر عليهما: انتصر على الخوف والجبن، وعلى البخل والشح، وإذ تحرر من عبودية الخوف والحرص فهو سيد في المجالين يهين ماله كما يهين عدوه:
الما ل ولكن يهينه للثناء
37 - لا يهاب الوغى ولا يعبد
ل وأخرى سم على الأعداء
38 - أريحى له يدٌ تمطر البذ
وما ثاني البيتين إلا تأكيد لأولهما، لتلك الثنائية المتزامنة بين الخصلتين.
ولما أشبع هاتين السجيتن تحليلاً ودليلاً وبياناً لآثارهما أتبع ذلك بالشواهد المادية المحسوسة على تعدّي كرمه إلى الآخرين. ولم يشأ الشاعر أن يتناول الشواهد المحسوسة من مكان بعيد بل من واقع تعامله مع الممدوح، فقد رفع مستواه المادي إذ لم يكن يلبس الخز فصار الخز له لباساً، ولم يكن له من يخدمه، فأعطاه الفتيان والجواري خدماً، وكانت ابنته لا زينة لها فصارت ترفل في الحلية، ومن صدق كرم ممدوحه أنه لما مات خادم الشاعر وذهب يشكو إليه سوء طالعه عوّضه أفحل منه.(34/311)
وأما دليل الشجاعة فلم يذكر لنا شاهداً مشهوراً من مواقفه أو وقائعه على أنه يذكر في البيت قبل الختام أن ممدوحه رجل الدولة الأمين وموضع ثقتها وحاميها المقدام، ذكراً عامًا من غير تخصيص:
ت رجالا عن حرمة الخلفاء
53 - قائم باللواء يدفع بالمو
فهل كان فيما ذكر من شواهد الكرم المتصلة بشخص الشاعر قوة للمدح؟.
لاشك أن الدعوى تقوى بقوة الإثبات، والإثبات يدعم الدعوى إذا كان مكافئاً لنوعيتها ودرجتها ومضمونها حتى لا ينخذل عن تأييدها.
وكنا رأينا كرم الممدوح سحاباً يعم البعيد والقريب، ولكن الشاعر ما أطلعنا من عوائد إحسانه إلا على ما خصه به الممدوح. ومن الواضح أن العطية المحدودة المقيدة لا تصلح برهاناً على كرم مطلق غير محدود. ألم يكن من الخير للشاعر لو سكت عن هذا البرهان؟ لقد
بدا الدليل المادي ضئيلاً باهتاً بين يدي الإدّعاء العريض البعيد في الأبيات المتقدمة عليه. ويزيد في ضعفه نوعيةُ الصلة بين الشعراء والممدوحين عموماً فهي قائمة على تبادل المنافع: أفلا تنسف هذه الشبهة القوية الدليل من قواعده؟
ما كان أجدر بشاراً بأن يلغي هذا الدليل المضعوف وقد أنفق في صياغته عشرة أبيات (39 - 48) ، إنه موضع السقم في القصيدة أساء لما قبله وخاس بما بعده.
أو كان يخفى على بشار تخلُّفُ هذا الموضع في قصيدته وهو أبصر أهل عصره في الشعر؟.
ما نظن ذلك ولكن شغله عن تدبر هذه الأبيات العشرة وموازنتها بطرفي المدح جشعٌ غلب عليه، إذ أقبل على ممدوحه وهو يريد فوق الجائزة المالية أعطيات إضافية كان - على ما يبدو - حريصا عليها: منها حصوله على فتى خادم، فدسَّ هذا الطلب في ثنايا المدح المثالي، فهبط هبوطاً ذريعاً. ولو راعى فنه وضبط رغبته، ووازن بين المثال والمطلب لكانت قصيدته أدنى إلى التجانس والتواؤم ما بين القضية والدليل، ما بين السجايا الشاهقة وشواهدها المتواضعة.(34/312)
مرةً مدح زهير بن أبي سلمى - في معلقته - زعيمين من غطفان فجعلهما خير العدنانين قاطبة:
رجال بنوه من قريش وجرهم [49]
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله
على كل حال من سحيل ومبرم
يميناً لنعم السيدان وجدتما
ومن يستبح كنزا في المجد يعظم
عظيمين في عليا معد هديتما
ولكنه ذكر كفاء قسمه وبرهانه بأن هذين السيدين أعادا السلام الذي أضاعته الحرب بين عبس وذبيان أربعين سنة، واشترياه بحُرِّ أموالهما حقناً للدماء، وهي مأثرة لا يحرزها إلا عظيم النفس نبيل المقصد حقاً.
تفانوا ودقوا بينهم عطر منشسم
تداركتما عبساً وذبيان بعدما
بمال ومعروف من الأمر نسلم [50]
وقد قلتما إن ندرك السلم واسعاً
فإذا الوقائع تعطي الثناء مصداقية غير مدافعة.
ويعود بشار بالمدح، بعد تلك الصورة الإثباتية للعطاء، إلى المثل العليا التي لا تزال ثرينة الشجاعة والكرم:
- اكتسابُ حسن الذكر والتباعد عن الذم (البيت 49) ولعل الشاعر يُلوِّح لممدوحه، من وراء هذا البيت، بالقيمة الحيوية لشعره فيه لينفرّه من الوجه المضاد للمدح ألا هو الذم. فإن صح هذا الاستشفاف للمرمى البعيد كان الشاعر يقف من وراء معناه وقفة البائع المُدِلّ ببضاعته أو الكميّ الواثق بسلاحه.
- علو كعب الممدوح في الخطابة وضراوته في الحرب (البيت 50) والخطابة صفة ووسيلة قيادية، والبيت مؤشر على حرص ذوي القيادات على أن يذكروا بهذه الفضيلة البيانية - في القرن الثاني الهجري - وبأنهم يجمعون بين حدّة السنان وبلاغة اللسان.
- نشر العوائد على الشاعر والمسارعة له ولكبار الرجال بالعون (البيت 51) .
- وفي البيت "52"يعود إلى الجمع ما بين الشجاعة والكرم في بيت واحد نظير ما صنع في كل من الأبيات الثلاثة "36 - 38".(34/313)
- ومن البيت "52 "ينسل البيت "53"صورة ميدانية للشجاعة إحدى السجيتن، فالخلال الفطرية الممتازة في الممدوح يوظفها صاحبها في الحفاظ على الدولة، في الوفاء بالمسؤوليات الكبرى. وتكتسب الشجاعة في هذه الصورة مضموناً فخما ضخماً يوازي عظمة المسؤولية.
– ولعله أرهص بالبيتين "52 - 53" لبيت الختام "54"إذ ألف فيه مرة أخرى ما بين الفضيلتين الأم: الشجاعة والكرم، كل منهما في شطرها صيغة موفقة من التحية الهادئة للمعطاء المقدام:
وإذا سار تحت ظل اللواء
54 - فعلى عقبة السلام مقيماً
وهو ختام - كما نرى - منحدرٌ من صلب السياق المدحيّ مركز لعُمْدتيه - الكرم والشجاعة - في تقسيم معجب وإخراج متفوق.
ولكن هذه الأبيات الستة الأخيرة من القصيدة يشكو بعضها من قلق ملحوظ في موضعه أو ترتيبه، فالبيت "49 "أولى به أن يلي البيت "37" فهو له كالرديف وبينهما وشيجة معنوية متينه، وخير للبيت "51"أن يلي البيت "48"ليكون تذييلاً جامعاً لعشرة أبيات قبله، وإذا توخينا الدقة في الترتيب ومراعاة الصلة ما بين الأبيات حسن لدينا أن نجعل البيت "53"بعد البيت "50"وبذلك تتلاقي نظائر متشاكلة. ولا يحق لناقدٍ أن يعزو الاضطراب في الترتيب في هذا القسم لشاعر حاذق ثاقب الفكر والنظر مثل بشار بن البرد إذ لا سبيل إلى القطع أن ترتيب القصيدة في ديوانه المطبوع هو الترتيب الذي روي عنه، وليس تجنياً أن تتحمل الرواية شيئاً من مسؤولية الخلل.
التقويم النقدي
(1) عمود شعري مُعدَّل:
يحق لنا أن نحكم مبدئياً بأن العمل العقلي، والتأهب والاحتشاد للعمل الفني يهيمن على بناء هذه القصيدة في المدح. وهي قصيدة رسمية ذات عمود مرسوم. ويؤيد جانب التهيؤ والإتقان المقصود اتخاذ النقد في عصر بشار من قصيدة المدح معياراً لمكانة الشاعر فلا يعد من شعراء القمة إلا إذا تفوَّق في هذا الغرض تفوقاً ظاهراً [51] .(34/314)
ولما عرضنا أقسام القصيدة تبين لنا التزام الشاعر بالخطة العامة، والهيكل الأساسي لعمود الشعر، واللمسات التعديلية في الأقسام حجماً ومضموناً، وهو تعديل يساير التطور الاجتماعي الآخذ باللين والدعة، ويواكب أو يلبي اتجاهات الذوق الناشئ. ونبهنا إلى الفصل ما بين قسمي المقدمة، وإلى الوصل بالتخلص الحسن إلى المدح، وإلى التعادل الكمي ما بين المقدمة والمدح وإلى الغاية المتوخاة من الإطالة في القسم الغزلي منها وهي اجتذاب المسامع واكتساب الجمهور وسيرورة القصيدة.
وفي هذا كله يطالعنا عملٌ واع جاد ومواءمة مقصودة تراعي اعتبارات أو معايير قديمة وحديثة معاً.
(2) صياغة فكرية فنية:
ولا نغالي إذا قلنا: إن هذه القصيدة مدينة إلى فكر الشاعر وعقله لا إلى وجدانه وقلبه، فلا وَجْدَ في الغزل، ولا مشاعر شاغله من إقدام أو خوف أو رجاء في وصف السير حتى أن الرجاء المعلن عنه أسند إلى الناقة لا إلى الشاعر:
ك فتروى من بحره بدلاء
28 - همها أن تزور عقبة في المل ـ
أما المدح فهل صدر من إعجاب حق بالقائد المثالي أو النموذجي وهل نلمح ظلاً من ولاء مشفوع بدفقة من ودّ؟ إن أعمق بؤرة عاطفية في القصيدة لا تتجاوز الشكر أو الاعتراف بالجميل في الأبيات (45 - 48) يمليه عليه أدب المجاملة، وتستدعيه وقائع المدح المتقدمة عليه.
أفكان الفكر الواعي المدقق واقفاً بالمرصاد للعواطف المستجاشة؟ لو كان في حنايا الشاعر، إذ تغزل، لاعجة من لواعج الحب أو مشاركة ودية غامرة، إذ مدح، تشايع الرغبة
المادية أو توجهها، لتبدّت تلقائيا في معانيه، والشاعر بذلك راضٍ لأن التلازم، أو الاقتران، الفكري والعاطفي وجه من وجوه القوة والتأثير، والسمو الحق في الشعر في لقائهما الموفق بل اتحادهما في عملية النظم والإبداع.
(3) الترتيب والموالاة:(34/315)
ولكن علينا أن نرضى بالفكر والبناء العقلي في هذه القصيدة نصيباً، وكذلك امتاز كل قسم من أقسامها بالترتيب والتوالي المحكم ما بين الأبيات - إلا ما نبهنا إليه من اضطراب الترتيب في آخر القصيدة - فالقصة الغزلية تتسلسل مواقفها وفق الترتيب الطبيعي لمجريات الأحداث: تحية المحبوبة (1 - 2) ، تذكار الماضي (3 - 7) فساد ذات البين
(8 - 9) ، الوساطة لإصلاح ذات البين (10 - 18) ، النهاية الحزينة الخائبة (19 - 22) .
وعلى الإيجاز في حديث الصحراء والراحلة فالترتيب على الغاية من الأحكام، وكل بيت يضيف إضافات جزئية أساسية للمشهد العام في البيت:
ين رفاضاً يمشين مشي النساء
23 - وفلاة زوراء تلقى بها العـ
ويضيف البيت (24) إليه عنصراً نفسياً (خيفة متوجسة من الخلاء) وعناصر مادية من القافلة ومن شيوع الآفاق. أما البيتان (25 - 26) فيبرزان شخص الشاعر في هذا الجو الفسيح بين هوامّ الصحراء وحيوانها وسرا بها فيكثر فيهما توضع الجزئيات في أنحاء المشهد حتى إذا كان البيت (27) نشأت الناقة تحمل الشاعر في ذاك المنطلق الفسيح قريبة من العَيْن ترسم سريرها الناشط بتتابع حركات اليدين والرجلين.
وعلى أن الشاعر لم يبل الصحراء رؤية ومنظراً، وإن عاش فيها يفاعته، فقد ظفرت أبياته بالترتيب المحكم نتيجة جهد عقلي خالص ينتقل من العام إلى الخاص، ومن البسيط إلى المركب، ويوالي ما بين العناصر أو الجزئيات على قاعدة التجانس، ولنقرأ البيت:
كب فضاء موصولة بفضاء
25 - من بلاد الخافي تغول بالر
لنعلم أن العناصر الثلاثة في البيت يحقق ما بينها التجانس ما يشبه ولادة بعضها من بعض في تسلسل منظم كتوالي جزئيات الزمن.(34/316)
أما المدح فقد علمنا أن الموالاة يتحكم فيها ترتيب منطقي مُنسَّق: تقرير السجايا نوعاً وكماً - التدليل عليها - علة وجودها أو نشوئها - آثارها الخلقية والسلوكية - شواهد لها وأدلة - تلخيص وخاتمة.
هل تظفر خطة أو مقالة حديثة بترتيب أرصن وموالاة أحكم؟
أليست هذه الموالاة تشهد بفكر منظم يفحص المعاني المتوالدة أو المتتابعة ويلحق كلاً بجنسه وفق نسق المدح الذي فصلناه؟
إن هذه القصيدة مدينة - في الحق - إلى القدرة الفكرية الخلاقة لدى الشاعر، إلى ملكة التحليل المنطقي لطبيعة الحقائق تحليلاً يستوفي الجوانب والخصائص جميعًا. ألا نرى كيف بنى (27) بيتاً يا المدح على معنيين اثنين هما: الكرم والشجاعة، ثم ذهب فكره فيهما كل مذهب حتى استوف له منهما مدح معجب يتقدم به شعراء عصره؟
(4) توليد المعاني:
وصف بشار نفسه مرة بذكاء القلب، "حسبه شاهداً إبداعه هذه القصيدة، وليس من مظاهر فكره الخلاق الترتيب وحده، فإنه يهتدي إليه بشيء من ترداد النظر، وفحص المعاني لتحقيق المشاكلة فيما بينهما، بل توليدُ المعاني بعضها من بعض أيضاً وتوسيعها وطريقة عرضها.
ويعتمد توليد المعاني في هذه القصيدة على القدرة التحليلية، ألا نرى أن بشاراً كان له أن يكتفي بالمطلع المستطرف:
واحذرا طرف عينها الحوراء
حييا صاحبي أم العلاء
ولكن قوة الفكر المحلل لا ترضى إلا أن تشتق من الشطر الثاني بيتاً آخر يكون للأول رديفاً وظهيرًا:
لملم والداء قبل الدواء
إن في عينها دواء وداء
والاحتراس المنطقي في قوله "والداء قبل الدواء"هو ليدفع عن الشطر الأول ما قد يوهم به العطف من ترتيب يجعل الدواء قبل الداء. فلأيّ مدى يراقب بشار معانيه وهو يفتّقها، وبأية بصيرة؟(34/317)
إن الرجل الذي وعى علوم عصره وثقافته، وحضر حلقات ومجالس علماء الكلام يمنح شعره ثمرة عقله اللامع القادح، ولعله بهذا التحليل الدقيق تفوق على الأقران، إنه ليس سهلا أن تضع الثقافة العميقة في خدمة الشعر إلا من تمثلها حق تمثلها ودخلت في صميم بنية فكره وفي منهج تفكيره.
والمدح في القصيدة مليء بأمثاله هذه التواليدات المعنوية وكان الترابط [52] ما بينها نتيجة ممن نتائجها، إن قوله:
عقبة الخير مطعم الفقراء
33 - حرّم الله أن ترى كابن سلم
يحتاج إلى برهان حسي، وكان البرهان:
الحـ ب وتغشى منازل الكرماء
34 - يسقط الطير حيث ينتثر
ومن البرهان اشتق القاعدة اللازمة عنه "تغشي منازل الكرماء"وهو تتبع لفروع المعاني ناتج عن قوة المنطق التحليلي، وتوضيح الصفة بمثال، واستخلاص قاعدة من المثال.
وبذلك قدّر لبشار أن يوسّع قسم المدح من معنيين اثنين وكأنه في كل بيت منه يهب جديداً، وما هو إلا الفرع الأول أطلع غصنا من نسغه ولحائه.
(5) الإحكام والربط:
وبشار يتوخى الإحكام في الصنعة المنطقية توخي شاعر يدفع الخلل ولو أسرف في توضيح ما هو واضح قال:
الخو ف ولكن يلذ طعم العطاء
35 - ليس يعطيك للرجاء ولا
وأراد أن يبين أنَّ الشجاعة هي من لذة الممدوح مثل الكرم، فأراد المعنى في صياغة نظرية خالصة عارية من كل تلوين ليقرن إليها المعنى الثاني وتكون الإعادة وصلة معنوية، ليستوي البيتان في إحداث الأثر:
في عطاء ومركب للقاء
36 - إنما لذة الجواد ابن سلم
ومن آثار الفكر المنطقي الذي يطلب الوضوح دائباً التكرارُ، وإذا كان التكرار في البيت الآنف يراد به حسن التأليف والربط فهو في مواضع كثيرة لمحض التأكيد مثل قوله:
المال ولكن يهينه للثناء
38 - لا يهاب الوغى ولا يعبد
الني ل وأخرى سم على الأعداء(34/318)
39 - أريحي له يد تمطر
ويتردد هذا الغرض في عدد من أبيات المدح يكون فيها الثاني تثبيتاً للأول كالأبيات (33 - 39) فهي، إذن، ظاهرة مميزة في القصيدة يحرص فيها بشار على استقرار المعنى عند السامع وأن يبلغ الأثر فيه أبعد ماله من مدى.
ولا تنحصر هذه الظاهرة ما بين الأبيات في قسم المدح بل نجد لها نظيراً في المقدمة الغزلية في الأبيات (3 - هـ) ولكن التكرار فيها يطلب التطويل لا التأكيد.
(6) أشكال التوليد وأسبابه:
فهل كان بشار يجنح لتكثير عدد الأبيات في القصيدة؟ قد لمحنا ذلك في موضعين من المقدمة الغزلية، وفي مواضع متعددة من المدح، ونحن، وإن كنا نرى أن بعض التكرارات لم تفد المعنى شيئاً، وجدنا أن الكثير منها كانت له فائدتان: تأكيد المعنى الذي بيّناه، وإيراد المعنى في لبوس جديد: إما في صورة محسوسة من التشبيه الضمني (انظر البيتين 33 - 34) أو الاستعارة أو الكناية (انظر البيت 38) أو التشبيه البليغ (انظر البيت 52) . وقد يكون التكرار لإصلاح الأسلوب كما بيّنا في البيتين (35 - 36) غير أن العودة إلى المعنى بالصورة الحسية هو الأغلب، وهو حرص من الشاعر متوخىً، لتكرره في غير موضع، وكأنه إذ صاغ المعنى صياغة نظرية أو رده في صورة محسوسة إمتاعاً وتثبيتاً وإظهاراً لجانب الاقتدار على الصور.
فما العلة وراء هذا الصنيع؟.
من الممكن رد هذه الظاهرة إلى علة مزدوجة:
(أ) منها عادة عقلية أو مسلك في التفكير تأصّل لدى الشاعر بتقليب المعنى على وجوهه من شتى أطرافه، أو بالصور الطريفة التي يجد السامع متعة في استعادة المعنى من خلالها، ولعل نقاد عصره أعجبوا بطريقة بشار هذه، فتمكنت من تعبيره، يشهد بهذا قول ابن الأعرابي لما أنشده رجل بيتاً لخالد الكاتب:
وليل المحب بلا آخر
رقدت ولم ترث للساهر
فاستحسنه ثم أنشده رجل لبشار:
وما بال ضوء الصبح لا يتوضح(34/319)
خليلي ما بال الدجى لا يزحزح
أم الدهر ليل كله ليس يبرح
أضلّ الصباح المستقيم طريقه
ولكن أطال الليل هم مبرّح
أظن الدجى طالت وما طالت الدجى
فقال ابن الأعرابي للذي أنشده بيت خالد: "نحّ بيتك لا تأكله هذه الأبيات فإن بيتك طفل وهذه سباع" [53] .
أكان بشار يهيمن على الشعر والشعراء بهذا الاتساع في المعنى، وبهذه الجزالة في الأداء؟ فلم لا يلحّ على هذه الطريقة ليبقى في مركز القوة؟.
(ب) ومنها العمي، عاهةٌ جعلت فكره تجريدياً، فهو - كما يتضح من القصيدة - يقنص المعنى في صورته المعنوية المجردة من اللبوس المادي ثم يُقويه بالصور الحسية، كما كنا بيّناه، وإنّ تواتر هذا المنحى في قصيدته يومئ إلى عادة فكرية متأصلة تحكم أسلوبه في النظم، وسنبين بعد قليل أثر هذه العادة الذهنية التجريدية في اللفظ إذ هي لا تحكم المعنى وحده. إن تلك العاهة خلقت فيه باعثاً نفسياً على تقليب المعاني واشتقاقها وتفريعها: فهو ضرير، وسائله ومصادره غير بصرية، وهو مفتقر إلى الجانب البصري افتقاراً لا حيلة له فيه. أفلا يتجه، إذن، بدافع من التحدي إلى شكل من أشكال التعويض في تنويع المعنى الواحد في عبارات وصور، كأنما يقول للمبصرين: إذا كنتم ترون المعنى من زاوية فأنا قادر على رؤيته من غير زاوية.
(7) النزعة التجريدية واللغة:
وأما أثر النزعة التجريدية في الألفاظ فقد تميزت باختيار الألفاظ التي تسع المعنى وتحيط به بدقة. لقد أراد أن يحلل الشجاعة والكرم إلى عناصرهما:
دة والبأس والندى والوفاء
30 - أيها السائلي عن الحزم والنجـ(34/320)
فانحلت كل منها إلى غير لفظة من أسماء المعاني في هذا الشريط الذي يروع بما فيه من تجانس - كما أشرنا - ومن دقة في تحديد المضمون. ولو مسحنا ألفاظ هذه القصيدة لوجدنا لأسماء المعاني حظا كبيرًا يقارب أو يكاد يوازي أسماء الذوات، في الغزل أو في المدح وباستطاعتنا أن نصنف طائفة كبيرة من كل من النوعين. ونجتزئ من أسماء المعاني - بالإضافة لما سبق في البيت - بمثل "دواء، داء، شقاء، النوم، ود، الهوى، جهد علم، وعد، مصير، فناء، عزاء، الخلال، الغناء، الرجاء، الخوف، العطاء، الثناء، الصفح، الصفاء، البخل، الحمد، الذم، الفضل "فإذا امتازت هذه الألفاظ بدقة التوظيف - كما هو واقع الحال - علمنا ما كان يملك من هذا النوع من مخزون ثري يقدمه ابتداءً قبل أن يشفعه بمرادف مادي.
(8) الجزالة والإيقاع:
والحق أن بشار بن برد ملئ لغةً فياض الرصيد، يسكب معانيه في لبوس من الألفاظ قُدت لها قدًا لا أصلح ولا آنق، ولا تخطئ الأذن جرساً يجنح إلى الجزالة يسيطر على القصيدة من المطلع إلى الختام، يتماوج ونوعية المعنى: من جزالة منعمة في الغزل إلى فخامة مضخمة في المدح، في مثل قوله:
ت فغيث أجش ثر السماء
52 - أسد يقضم الرجال وإن شئـ
وهو يتجافى عن الغريب جهده إلا إذا طلبت مادة الوصف بعض الألفاظ النائية عن الحضرية كما تقتضي طبيعة البيئة الصحراوية.
فهو، إذن، يوائم بين الألفاظ ودلالاتها الصوتية، فينخفض في لسان في مثل قوله:
وتصدت في السبت لي لشقائي
أسقمت ليلة الثلاثاء قلبي
ويرتفع بارتفاع أحرف المد المتواليات من ألف وياء في قوله:
ل ولكن يهينه للثناء
37 - لا يهاب الوغى ولا يعبد الما(34/321)
وهذه المشاكلة بين المعاني وألفاظها والقيم الصوتية المتآلفة منها أضفت على شعره جلالة راعت أدباء عصره. وإن الصوت ليتماوج تماوج المعنى، صادرا من التراكيب التي تتوزع البيت بإيقاع منظم، يبعث صدى موحيا بالمعنى أو بانفعال الشاعر أيما إيحاء، شأن الصدى المنبعث من البيت المتقدم، في موجات ثلاث متقاربة متناظرة من تراكيبه الثلاثة المتسقة زمناً وصيغة وإسناداً.
وتراكيبه غنية بالقيم الصوتية عموماً، ولكل بيت إيقاعٌ ينثُّه مضمونهُ، وصورُ تراكيبه نثاً ينشأ عنه تآزر تلقائي، صادر عن حسٍ لغوي فطري، بين تلك الأقطاب الثلاثة: اللفظ ومضمونه وجرسه، وهو يحقق هذا التآزر بمراعاة صيغ التراكيب أو الجمل -
كما بينا في البيت المتقدم - وغالباً ما نلقى في البيت تركيبيين، على الأقل، من صيغة وقيمة موسيقية واحدة طلباً للجرس الموقع، فالبيت (27) صورة صوتية موقعة لإرقال ناقة مسرعة:
ل مروح تغلو من الغلواء
بسبوح اليدين، عاملة الرجـ
إذ يرسم، في الزمن الواحد، الحركة مرئية بسرعتها، ومدركة بما يُولدّها من نشاط واندفاع ذاتي. والتراكيب الثلاثة الأولى ترسم السرعة، وكل من الأول والثاني تركيب إضافي، فهما من قيمة صوتية متقاربة، ومروح "توازن، سبوح "صيغة، وتحكم التراكيب الثلاثة حركة الخفض في خمس كلمات متوالية كالإيقاع المنتظم الذي ترسم أجزاؤه المتساوية
مستقيم بوثبة من الفعل "تغلو"واندفاع ممعن من المصدر "الغلواء"اندفاع من لا يريد أن يقف، يمتد بامتداد حركات ثلاث متعاقبات - في "غلواء"- من ضم بعده فتح بعده مدّ ممدود يبلغ به الانطلاق أقصاه.(34/322)
والتشاكل الصوتي لا يقف به حسّ الشاعر عند صيغ التراكيب بل يتناول الحروف التي يراعي الانسجام ما بين أصدائها كالتقارب الصوتي في حروف كل من اللفظيين "سبوح - مروح "فهما تشتركان بحرفين متجاورين ليس قبلهما حرف من الحروف الضخمة المستعلية. ولكن إذا ألقت الوحشة ظلالها على البيت، وظهر الحرف القوي الموجس بالخوف إيجاس حرف الخاء في قوله:
ب فضاء موصولة بفضاء
من بلاد الخافي تغول بالرك
تتابعت، في ضربات إيقاعية موقوتة، الغين والضاد في ثلاثة مواضع، لتجانس الخاء في القوة والاستعلاء ولتنشر في أعقاب حروف المد رهبة غير محدودة.
والتجانس الصوتي صفة كل بيت في قصيدة بشار يجيش لحنه حيناً - كما رأينا - ويطمئن حينا اطمئنان البيت الأخير بحروف الهمس واللين:
وإذا سار تحت ظل اللواء
فعلى عقبة السلام مقيماً
على أن التجانس الصوتي، وما ينشأ عنه من إيقاع، يبلغ تمامه بالقافية.
(9) القوافي:
وتبدو قافية كل بيت كأنها حلقة الختام في سلسلة مقدرة تقديرا، عندها تنتهي الموجة الإيقاعية، وبها تبلغ الذروة، فإذا قافية البيت تنتسب لكل لفظة فيه فيأتي من إحكام القافية بالعجب العجاب، ونظرة في الأبيات الثلاثة الأولى تهدي إلى أنّ كلمة القافية يرهص بها ما يتقدمها من الكلم إرهاصاً لا يقتضي غيرها في نهاية المطاف: أليست الصفة "حوراء"متحدة بموصوفها، والموصوف جزء من "أم العلاء"ثم هي - أي الصفة حوراء - سبب التخدير. و"الدواء" أليس محمولا على الشطر الأول من البيت الثاني، و"إزاء"في إطار الجملة الدعائية ألم يرهص له "على رغم إزاء".
ألا يدل إيراد كلمة وفاء في قافية البيت (3) بعد لفظة "ندى"على التلازم المعنوي بينهما فإنه لا كرم على الحقيقة إلا بالوفاء به؟ والحق أن المصادر - أسماء المعاني الدالة على الفضائل - تتساند في رتل متراص حتى يكون آخرها القافية:
دة والبأس والندى والوفاء(34/323)
أيها السائلي عن الحزم والنج
والبيت "45 "تنسل قافيته من أول كلمة فيه. وليس من غرضنا التتبع لقوافي الأبيات كلها غير أن قافية البيت الخامس تفاجئ المستمع مفاجأة:
ثم راحت في الحلة الخضراء
5 - وغداة الخميس قد موتتني
وليس في البيت أو ما قبله ترشيح يقتضي هذا اللون دون غيره، ولعل الشاعر أراد أن يوهم أنه يحبها وهي في حلتها الخضراء إذ تبدو أجمل في عينيه لتعلق نفسه بهذا اللون، وقريب منه البيت السابع عشر:
د فأوفى ما قلت بالروحاء
17 - قد يسيء الفتى ولا يخلف الوعـ
ولا يطالعنا اسم هذا الموضع من قبل ولا من بعد، ولا يرشح له حديث لقاء صريحٍ. فلماذا هذه المفاجأة بالقافية وما كان لمثل شاعرنا أن يخطئه الضعف فيها لو أحس فيها ضعفا؟ لا تعليل سوى أنْ أراد بذكر اسم المكان إضفاء لون الواقعية على العلاقة، ولكنها لا تنزل محكمة في مستقرها إحكام القوافي الأخر [54] ، واستبدالها بنظير آخر لا يزلزل بناء البيت.
(10) أصالة الأداء:
كل ما في هذه القصيدة ينبئ عن أصالة مبرأة من الوهن، وكذاك الشاعر الفحل، ألم يقل ابن الأعرابي: إن أبيات بشار سباع تهم أن تأكل بغاث الشعر؟
وهذه الأصالة تجعل العاديّ المستهلك طريفاً، وتخرج المشاع من المعاني في حلة قشيبة، وهل ثمة ذيوع أوسع من ذيوع كلمتي الشجاعة والكرم، ولكن بشاراً، بأسلوب مبدع من أساليب العرض، - يحملنا على الإعجاب بها كما نعجب بمبتكر طارئ أليس في أسلوب السؤال والتقرير في قوله:
دة والبأس والندى والوفاء
30 - أيها السائلي عن الحزم والنجـ
ومزيداً من مثلها في العطاء
31 - إن تلك الخلال عند ابن سلم
إحياء لهذين المعنيين: لقد فقدت الفضيلتان وأضلهما الناس ولكن الشاعر يعرف إنساناً واحدا لا يزال وحده يحتفظ بهما، فإذا تعب الباحث عنهما وأخبره الشاعر بمكانهما أفما دَلّه على شيء ثمين؟(34/324)
وأساليب الشاعر التي تسهم في بحث المعاني الهامدة عديدة: منها الدعاء في قوله:
م إزاءٍ لا طاب عيشى إزاء
3 - رب ممشى منها إلينا على رغـ
والاستغاثة في قوله:
يا لقومي دمي على حمّاء
8 - ثم صدّت لقول حمّاء فينا
وفي الدعاء على الرقيب أو الواشي محتوىً نفسي كبير: مكابدة ذاتية أو ضيق يعانيه الشاعر ممن يرقبه ويفسد عليه صفاء وصاله، فاستحق الرقيب أن يُدْعى عليه بمثل ما جنى. وليست الجدّة في تركيب الدعاء الثابت الإطار وحده ولكن في مادة المضمون الموافقة للموقف أيضاً: "لا طاب عيشي إزاء".
ولو أن تركيب الاستغاثة في البيت عراه تعديل طفيف لخبا الإيحاء المعنوي الواسع الطيف: إنه استعدى قومه "يا لقومي دمي على حماء"- وههنا جوهر الفن: فلو استعدى فرداً: صديقاً أو قريبًا، لكان محتوى الاستغاثة غير مليء ولا مشع، ولكن الاستغاثة بقومه جميعاً، يحملّهم عبء دمه المراق أحيت تلك الصورة الجماعية التاريخية الصاخبة، صورة القبيلة قاطبة يستفزها الصريخ على نبأة الثأر، فتهب بالضجيج والعجيج والغضب.
فأي حدث خطير، وأي ضحية بريئة، وأي هول مشتعل ينشره تركيب الاستغاثة بمضمونه هذا
إنها الأساليب التي بها ينفخ الشاعر العبقري روح الحياة والجدّة في المعاني واللغة!
(11) الخيال:
عدد الصور الخيالية في القصيدة دون عدد نصف أبياتها، أكثرها التشبيه وأقلها الاستعارة، ولا تخلو من الكنايات. والفحص المدقق لمفردات تلك الصور يهدي إلى مصادرها فهي من الموروث الشائع قديمه وحديثه، والاستعارة في قوله:
لملم والداء قبل الدواء
2 - إن في عينها دواء وداء(34/325)
مستخلصة، في تآلف مركز، من صورتين يتداولهما حديث الغزل: "النظرة القاتلة"ومر بنا شعر لجرير فيها - و"النظرة الشافية"الشائعة على الألسن. والجهد الفني هو التأليف ما بين المتضادين في اللفظ المتجانس في تركيز يحكمه المنطق الواضح. فالطرافة في السبك والعرض لا في المادة.
ولعل بشاراً كان يستهدف كثيراً الجمع أو المقابلة ما بين الصورتين المتضادين ضرباً من الجهد الإبداعي تعويضاً عن الإبدل في الصورة: كذلك يقف كل من الاستعارة والتشبيه وجهاً لوجه في قوله:
ل وأخرى سم على الأعداء
38 - أريحي له يد تمطر النيـ
وأسلوب التضاد طريقة من طرق الفكر التوضيحي يُعول عليها بشار أحيانا بين أركان الصورة الواحدة.
كما انشقت الدجى عن ضياء
29 - مالكي تنشق عن وجهه الحرب
فالنور بارز من الظلمة هيكل للمشبه والمشبه به في هذا التشبيه التمثيلي.
وإذا كان في أسلوب التضاد مَسْحة فنية فإن التقليدية البحتة في غير أسلوب التضاد.
ك فتروى من بحره بدلاء
28 - همها أن تزور عقبة في الملـ
لقريب ونازح الدار ناء
32 - كخراج السماء سيب يديه
ولكن الصور التقليدية ينالها رشاش من الفن والحياة إذا أضيف إليها توابع تكميلية من نعوت مفردة أو جملة موحية ومُضخِّمة لمضمونها مثل قوله:
ت فغيث أجشى ثر السماء
52 - أسد يقضم الرجال وإن شئـ
وفيما غير ذلك لا تكون الصورة من التشبيه أو الاستعارة إلا استبدالا باللفظ الحقيقي، ولا جدوى فيها إلا الإيجاز بنيابة اللفظ المجازي أحياناً عن غير لفظ حقيقي مثل "كخراج السماء سيب يديه"وأقواله:
كان ما بيننا كظل السراء
19 - فاستهلت بعبرة ثم قالت
مشرفات يطرفن طرف الظباء
9 - لا تلوما فإنها من نساء
ن رفاضاً يمشين مشي النساء
23 - وفلاة زوراء تلقي بها العيـ(34/326)
ولكن بعض الصور تتفوق في "المضمون "وتحقق تجسيداً مادياً للمعنى وصفته معاً يوائم نوعيته ويقوي الأثر الانطباعي المقصود، كما في قوله:
يشترى الحمد والثناء ويرى الـ
ذم فظيعاً كالحية الرقشاء
فالتأليف ما بين "الذم - الحية الرقشاء"يعتمد على حس دقيق في التوافق ما بين المعنوي والنظير والشبيه المادي، إن الذم ينفث السم المميت!
وهذا ما يجعل الصورة، عند بشار، من البيت في الموضع المستقر كأنها الجزء الطبيعي من التعبير ولو استقلت الصورة بالبيت كله، كقوله:
ب وتغشى منازل الكرماء
34 - يسقط الطير حيث ينتثر الحـ
فهو الرديف البرهاني لما تقدمه:
عقبة الخطير مطعم الفقراء
33 - حرّم الله أن ترى كابن سلم
ذلك أن التشبيه الضمني يتفتح شاهداً واقعياً، لا يُدْفَع على الكرم العمِّ كما يشهد لبشار بمحرزات ابتكارية تتأتى له في عنفوان النظم، ولكن النظر فيه يدل على أنه صناعة عقلية أكثر منه خطفاً خيالياً، ألا ترى إلى الربط ما بين الفعل "سقوط الطير - وعلته - انتثار الحب "وأعرق صوره إبداعاً تتداعى من عناصر ألّفَ بينها التفكير والتنسيق المنطقي الواعي، ألم يعجب النقاد والبلغاء بقوله:
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه [55]
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
وهي صورة ركّبها فكره البصير من عناصر يتزامنُ حدوثُها؟
وثمة فرقٌ بين الخيال الخلاق والخيال الفكري، فالأول يلمح الصورة في خطفة برق من الإبدال وتستوي له تامة متكاملة كقول الخنساء:
يتعاوران مُلاءة الحَضْر
جارى أباه فأقبلا وهما
صقران قد حطا على وكر [56]
وهما وقد برزا كأنهما(34/327)
والثاني يخطط للصورة ويهيئ عناصرهما ثم يخرجها على نسق ونظام ومقارنات محكومة بالفكر. وصور بشار الخيالية من هذا المورد، وثمة صورة في القصيدة جاءت كرتين في المقدمة وبصياغة واحدة وألفاظ مترادفة، وليست من الصور المجنحة إبداعاً، إنها من النوع القريب يعبر بها عن الإحساس بالخفة أو فقدان الثقالة والوزن قال:
بك حتى كأنني في الهواء
7 - واستخف الفؤاد شوقاً إلى قر
ق صريعا كأنه في الفضاء
15 - أنت باعدته فأمسى من الشو
وأحسب الصورة بمضمونها هذا مما كان يدور على ألسن العامة من الصور العفوية فنقلها هو إلى الشعر كأنما قد استحدثها، وأظنها ذات صلة وثيقة بذاته، أو بإحدى عقده النفسية إذ كان ضخماً طوالا مُثقَّلا، ومن يدري لعله كان يضيق بالسمن المفرط صدراً
ويشتهي النحول والرشاقة لما فيهما من القبول، وبعض غزله ينم عن هذه الرغبة المكبوتة:
لو توكأت عليه لانهدم [57]
إن في بُرْدَيَّ جسما ناحلاً
فكان يتوق إلى أن يستشعر نفسه خفيفاً كالورقة في مهب الريح، فتوافي هذه الصورة تعبيراً رامزاً إلى التوق المستكن ما وراء الشعور الواعي. ولهذه الصورة أصول في الموروث من التراث الأدبي، في القرآن العظيم وفي غيره.(34/328)
وهي في كتاب الله يملؤها مضمون آخر هو الخوف وذهاب النفس من الفزع. قال تعالى يذكر ذل الكفار يوم القيامة وقد طارت قلوبهم هولاً {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ} [58] . ولها نوع اتصال بعناصر من صورة أخرى من كلام الله {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [59] . كما تلاقي قول العرب: "طارت نفسه شعاعًا"بعنصر ضمني هو الفضاء، وذلك إذا تفرقت هِمَمهُا ورأْيُها ولم تتجه لأمر [60] في الخوف المسيطر، قال قطري بن الفجاعة:
من الأبطال ويحك لن تراعي [61]
أقول لها وقد طارت شعاعاً
واختلاف المضمون لا يمنع قرابة الصور واشتقاق بعض من وحي بعض.
ولكن التعبير الواقعي والمجازي - الخيالي - في هذه القصيدة صنوان في التقنية الفنية ووظيفة الأداء، وبذلك نجد الخيالي تتمة طبيعية لما هو حقيقي، فهو في الموضع الأمكن من البناء الفني، غير أنه لا يُشكّل إبداعاً مميزاً إلا ندوراً، وذلك للاعتداد بالمادة التقليدية وبالجهد الفكري في إخراج الصور الخيالية، على أن التحكم الفكري الواعي في نَوْعيّ الأداء الواقعي والخيالي جعل في الواقعي شاعرية وجاذبية لا تقل عن الخيالي لما امتاز به الشاعر من تدقيق في تحديد الأوضاع والصفات الحقيقية كما قال في صفة الناقة:
ل مروح تغلو من الغلواء
27 - بسبوح اليدين عاملة الرجـ
وفي الفتى الوصيف:
باع صَلْتَ الخدين غضَّ الفَتاء
40 - وحباني به أغر طويل إلى الـ
فهذه الصورة المخططة باللفظ الحقيقي ليست، في سياق الأداء، دون الصورة التي رسمها التشبيه للوصيف:
ث غاداك خارجاً من ضراء
44 - فتنجزته أشم كجرو الليـ(34/329)
وكنا بيّننا في غير هذا الموضع الآثار السلبية والإِيجابية لعاهة العمى في تناوله معانيه، وهي آثار تنسحب على الملكة الخيالية أيضاً.
(12) لمسات بديعية:
وأما الصنعة البديعية فهي في بواكير إقبالها من جناس وطباق عفوي لا يكاد يشعرك بموقعه لولا أنك تتحرّى عنه، فهو من اقتضاء المعنى لا من قصد التزيين، ولذلك لا يدخل في جوهر العمل. ومن يدعي على الشاعر أنه يجتلب من بعيد مثل قوله "داء ودواء - الدجى والضياء - الثناء والذم "؟.
استنبطنا من القصيدة كثيرا من أصول الإصدار الفني وخططه لدي الشاعر، فإذا تتابعت الجهود على دراسة عدة قصائد له تمثل مختلف فنون شعره وأغراضه أمكن تكوين صورة موضوعية لبواعث الإبدال ومظاهره وقيمته الفنية عند بشار بن برد.
والحمد الله رب العالمين ...
مقدمة: دواعي الدراسة.
القصيدة.
الشاعر والقصيدة.
بناء القصيدة.
- المقدمة: (أ) 1لغزل (ب) الرحلة.
- الغرض (المدح) .
التقويم النقدي:
1 - عمود شعري مُعدل. 7 - النزعة التجريدية واللغة.
2 - صياغة فكرية فنية. 8 - الجزالة والإيقاع.
3 - الترتيب والموالاة. 9 - القوافي.
4 - توليد المعاني. 10 - أصالة الأداء.
5 - الإحكام والربط. 11 - الخيال.
6 - أشكال التوليد وأسبابه. 12 لمسات بديعية.
راجع الدراسة
(1) الأغاني: أبو الفرج الأصبهاني، المجلد الثالث. طبعة دار الكتب.
(2) أمالي المرتضي، الشريف المرتضي، علي بن الحسن. ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب. القاهرة سنة 1954م.
(3) بروكلمان: 1: 72، الملحق 1: 108 - 110.(34/330)
(4) بشار بن برد: طه الحاجري، دار المعارف. بيروت سنة 1950 م.
(5) بشار بن برد: عبد القادر المازني. دار إحياء الكتب العربية. القاهرة سنة 944 م.
(6) بشار بن برد: عمر فروخ. بيروت سنة 1949م.
(7) بشار بن برد: ديوان بشار بن برد. ت: الشيخ محمد طاهر عاشور، الشركة التونسية للتوزيع سنة 1976 م.
(8) بشار بن برد: محمد النويهي. مكتبة النهضة المصرية. سنة1951 م.
(9) تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، المجلد السابع.
(10) جمهرة أشعار العرب، أبو زيد القرشي، تحقيق علي محمد البجاوي. دار نهضة مصر للطبع والنشر.
(11) دلائل الإعجاز. عبد القادر الجرجاني. ت: محمود محمد شاكر. القاهرة.
(12) ديوان امرئ القيس. ت: أبو الفضل إبراهيم. دار المعارف. مصر 1969 م.
(13) ديوان الخنساء. دار صادر. بيروت.
(14) ديوان شعر الخوارج، تحقيق وجمع. د إحسان عباس. دار الشروق. بيروت سنة 1982 م.
(15) ديوان عمر بن أبي ربيعة. دار صادر. بيروت.
(16) ديوان كعب بن زهير، صنعة السكري. ط دار الكتب سنة1950 م.
(17) ديوان النابغة الذبياني. ت: عاشور. تونس سنة 1976 م.
(18) ديوان جرير: تحقيق الصاوي. ط النوري. دمشق.
(19) شرح ديوان علقمة الفحل. السيد أحمد الصقر. المطبعة المحمدية. القاهرة.
(20) شرح القصائد السبع الطوال. أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري. تحقيق عبد السلام محمد هارون. ط 2. دار المعارف بمصر.
(21) الشعر والشعراء ابن قتيبة. ت: أحمد محمد شاكر. ط 3. سنة1977 م.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] نصاً كاملا من ديوان بشار بن برد: 1/132. ت: عاشور، تونس1976 م.
[2] أم العلاء: امرأة وهمية، وحوراء صفة من الحور: شدة بياض العين في شدة سوادها (الصحاح)(34/331)
[3] مُلم: ألم بالمكان: داناه وبالقوم نزل بهم.
[4] إزاء: اسم الرجل الرقيب على تلك المرأة.
[5] أصبت عيني بداء: كناية عن امتناع النوم عليها.
[6] حماء: اسم امرأة والحماء والأحم السوداء والأسود.
[7] مشرفات: من نساء ذوات طول أو ذوات شرف ومكانة.
[8] الوأي: الوعد.
[9] الروحاء: مكان.
[10] العبرة: الدمعة، واستهلت: بكت، والسراء: شجر تتخذ منه القسيّ ظله مديد، أرادت عهداً قصيرا لم يدم إلا الظل.
[11] السُرْسورة: المقربة إليها المؤتمنة على سرها، والخلطاء: الأصحاب الذين تخالطهم ويخالطونك.
[12] فلاة زوراء: مترامية الأطراف، والعين: بقر الوحش الواحدة عيناء. ورفاضا: متفرقة.
[13] من بلاد الخافي: بلاد الجن، وتغوّل: مخففة من تتغول، أي يختفي فيها الركب فلا يهتدي إليه لاتساعها.
[14] تجشمتها: تحملت أخطار السير فيها، والجندب ضرب من الجراد إذا اشتد الحر صوَّت.
[15] قال: هجع في القيلولة، عند الظهر، واليعفور: حمار الوحش، والآل: السراب وريعانه: شدته، وارتكض: اضصرب. والنهاء: جمع نهى آخر الماء الوادي.
[16] السبوح: السريعة تسبح في مشيها كأنها الحوت في الماء، مروح: نشيطة تغلو: تزداد حيوية ونشاطاً، والغلواء مصدر تغلو.
[17] الدلاء: جمع دلو يستقي به الماء.
[18] مالكي: نسبة إلى جده مالك بن فهم، تنشق عن وجهه الحرب: يتقدم الصفوف ويخرج منها منتصرًا منير الوجه.
[19] الخلال: السجايا والأخلاق، الغناء: النفع والكفاية.
[20] خراج السماء: غيثها.
[21] أريحي: مهتز لفعل الخير والمعروف، والنيل: العطاء.
[22] الخز: نوع من الحرير، الحور: جمع حوراء أراد المرأة الجميلة خلا: ترك الحلاء: الحلية.(34/332)
[23] حباني به: أعطاني مملوكا والضمير في به يعود إلى غير مذكور، صلت: واسع عريض، الفتاء: القوة والشباب.
[24] النجاء: المناجاة أي قال علنا مصرحاً.
[25] المنصف: الخادم والوصيف.
[26] تنجزته: وفى بوعده لي، أي أخذته منه بوعده لي، والضراء: الشجر الكثير.
[27] السر: الخالص من كل شيء.
[28] الحية الرقشاء: ذات النقط، وهي شديدة السم.
[29] يفرع المنابر: يعلوها.
[30] ثر السماء: كثير السحاب والتهطال.
[31] الأغاني: 3/194.
[32] الشعر والشعراء: 1/ 80- 81، ابن قتيبة،: أحمد محمد شاكر، ط3، 1977 م.
[33] شرح القصائد السبع الطوال: ص 237، الأنباري أبوبكر، ت: عبد السلام محمد هارون، ط 2، دار المعارف بمصر.
[34] جمهرة أشعار العرب. ص 202، أبو زيد القرشي، ت: علي محمد البجاوي، القاهرة.
[35] كذاك كان وصف الناقة في شعر كعب صحراوياً بحتاً.
[36] انظر جمهرة أشعار العرب: ص 643، ت: البجاوي، ط دار نهصة مصر.
[37] ديوان امرئ القيس: ص 13، ت: أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف بمصر 1969 م.
[38] ديوان النابغة الذبياني: ص 95، 57، ت: عاشور، تونس 1976 م.
[39] ديوان جرير: ص 594، ط الصاوي.
[40] الأغاني: 3/ 154.
[41] أمالي المرتضي: 2/ 139، ت: أبو الفضل إبراهيم. القاهرة.
[42] دلائل الإِعجاز: ص 411، الجرجاني ت: محمود محمد شاكر، القاهرة.
[43] ديوان امرئ القيس: ص 9.
[44] شرح القصائد السبع الطوال: 239.
[45] ديوان النابغة: ص 142.
[46] شرح ديوان علقمة الفحل، السيد أحمد صقر، المطبعة المحمودية بالقاهرة.
[47] ديوان عمر بن أبي ربيعة: ص 120، ط. دار صادر، بيروت.
[48] ديوان كعب بن زهير: ص 9.
[49] جمهرة أشعار العرب: 161- 162.(34/333)
[50] جمهرة أشعار العرب: 161- 162.
[51] انظر رأي بلال بن أبي بردة الأشعري في جمهرة أشعار العرب، المقدمة ص 67-68 ورأي أبي عبيدة ص99.
[52] الترابط: بمعنى الربط، من قولهم ماء مترابط: دائم لا ينزح (الصحاح) .
[53] تاريخ بغداد: ج7 ص 114، الخطيب البغدادي.
[54] في قصائد فحول الجاهليين أسماء الأمكنة في القوافي يرشح لها بذكر مواضع قبلها. انظر معلقة امرئ القيس (اللامية) ومعلقة زهير بن أبي سلمي وليد.
[55] دلائل الإعجاز: 96، الجرجاني، ت: محمود محمد شاكر، القاهرة.
[56] ديوان الخنساء: ص 76، دار صادر، بيروت. الحضر: عدو الفرس. والملاءة: ريطة تلبسها المرأة.
[57] الأغاني: 3/ 151.
[58] سورة إبراهيم الآية (43) . ومعنى هواء في الآية. أفئدتهم ذات فراغ مجوفة، يملها الهواء لا الحكمة ولا الخير.
[59] سورة الحج الآية (31) .
[60] الصحاح (شعع) .
[61] ديوان الخوارج: ص 122 جمع وتحقيق إحسان عباس. دار الشروق بيروت.(34/334)
العدد 79-80
فهرس المحتويات
1- كتاب التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة ما عني به الشيخ الإمام العالم العلامة: صلاح الدين العلائي (694- 761هـ) ؛ دراسة وتحقيق: الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
2- خطَّاب المارديّ ومنهجه في النحو: للدكتور حسن موسى الشاعر
3- التعجب من فعل المفعول بين المانعين والمجيزين: د/ سليمان بن إبراهيم العايد
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م(34/335)
كتاب التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة
ما عني به الشيخ الإمام العالم العلامة
صلاح الدين العلائي (694- 761هـ)
دراسة وتحقيق
الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
أستاذ المساعد بقسم الدراسات العليا
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
تمهيد
الحمد لله حمداً كثيرا لا يحصى عدده، ولا يدرك منتهاه، وأشهد أن الله إله فرد صمد، تنزه عن مشابهة خلقه، واستوى على عرشه، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، وسع كرسيه السموات والأرض، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه، أرسله بالهدى ودين الحق، ولهداية البشرية اجتباه.
أما بعد: فإن المتتبع لجهود علماء الأمة الإسلامية منذ عهد الصحابة- رضي الله عنهم- إلى يومنا هذا يجد من صبرهم على البحث والتتبع لفرائد العلم وفوائده، والغوص في بحور العلم والمعرفة، ما يشيب له الولدان، وتحار العقول في الموازنة بين ذلك الإنتاج الهائل - الذي تجلى في أدق صفاته، من حيث الكيف والكثرة- وبين الوقت المنجز فيه، إنها أزمنة قياسية لن تحطم، تقف العقول مشدوهة أمام تلك الصلابة الحسية المتمثلة في الصبر على عناء البحث، ومشقة التتبع العلميين، والمعنوية المتمثلة في ذلك السد المنيع الواقف أمام التيارات المعادية لشريعة الإسلام بقضها وقضيضها، تلك العداوة المستمرة التي لا تفتأ ترسل حملاتها الشعواء على السنة وأهلها الحملة تلو الحملة، ولكنها تبوء بالفشل، وإن كانت تثير بعض الجدل، لكن سرعان ما يظهر الحق ويعود الكيد إلى نحور أهله.(34/336)
ولو أخذنا مثلا على هذا، جهود العلماء لخدمة السنة النبوية، لرأينا العجب العجاب من أولئك الجهابذة الذين جندوا أفكارهم، وجردوا أقلامهم لصيد كل فائدة من كنوز هذا الدين، فكان من جهودهم، حفظ النصوص، وشرح الألفاظ، وتذليل كل ما يحول دون الفهم، من أجل بيان الحق لطالبيه، والذود عن حرم السنة المقدسة، كي تبقى سيدة الموقف في كل زمان ومكان، ولا غرابة، فالسنة مصدر التشريع الثاني، وهي موضحة لما في كتاب الله من الإجمال، ومفصلة له بأوضح المعاني، فكان الإعداد لحملتها منحة من الله عز وجل لهذه الأمة، فهيأهم لحمل هذا المنصب الجليل، وأمدهم بكل المقومات، النفسية، والفكرية، والعقلية، فكان من ذكائهم ما لا يوصف، ومن حفظهم ما يشبه الخيال، ومن صبرهم ما يثقل الجبال، ومن إيمانهم بشريعة الله وصفاء عقيدتهم، ما يجعلهم يدفعون النفس والنفيس في سبيل إظهار الحق، وقمع الباطل، وهذا ما يلمسه المتتبع لأخبارهم العارف بصفاتهم وأحوالهم، أفكارهم تجوب ميادين العلم والمعرفة دون كلل أو ملل، فكانت الثمرة إثراء المكتبة الإسلامية بالنفائس في مختلف الموضوعات، الجمع الشامل، التصنيف النوعي، أو الجزئي، أو تتبع النكت، والبحث عن المضايق العلمية، وإيجاد الحلول المناسبة لكل إشكال.(34/337)
ولقد كان العلائي رحمه الله أحد العلماء النابهين الأفذاذ, متمتعا بقدر كبير من الحذق والذكاء، استغل هذه المواهب في خدمة العلم الشرعي في مجالاته الواسعة، وأعطى كل جانب علمي عناية خاصة، وصفة من البحث محددة، مقدما بذلك عصارة أفكاره خدمة للشريعة الإسلامية وكانت جهوده ثمرة لا تقدر بثمن، ومن تلك الجهود المشكورة كتابه الذي نقدمه اليوم إسهاما في تزويد المكتبة الإسلامية بالنافع المفيد، وهو عمل لم تظهر ضخامته في الكم، لكنها برزت من حيث الكيف، فتتبع تلك المواضع المشكلة، وإيجاد الحلول العلمية لها، ليس بالأمر السهل، وطرق مثل هذه المضايق لا يقدم عليه إلا الفحول من العلماء فقد تتبع العلائي رحمه الله مواضع أشكلت على العلماء في الصحيحين، والسنن الأربعة ولا أراه إلا أجاد وأفاد، وأنبأ عمله عن حذق وقوة ملاحظته، ورأيت من المناسب عدم تحديد تلك المواضع في المقدمة، خشية الإطالة، ورغبة في كون الإبهام دافعاً للقارئ الكريم إلى قراءة هذا المؤلف النفيس، والوقوف على مواطن الإشكال لتمام الفائدة، وليسعد بالمزيد من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قراءة المؤلف، وهذا في حد ذاته فضل عظيم، يندب إليه القارئ الكريم.
وتجدر الإشارة إلى أنني جعلت العمل بعد هذا التمهيد على النحو التالي:
ثلاثة أقسام، وخاتمة، وفهارس.
القسم الأول: وفيه فصلان:
الفصل الأول: ترجمة العلائي. في مباحث.
الفصل الثاني: معلومات موجزة عن الكتب التي أورد عليقا التنبيهات ومؤلفيها.
القسم الثاني: وفيه فصلان:
الفصل الأول: بيان عملي في الكتاب.
الفصل الثاني: تسمية الكتاب ووصف نسخته الخطية.
القسم الثالث: تحقيق نصوص الكتاب.
ثم الخاتمة، والفهارس.
القسم الأول
(الفصل الأول)
ترجمة العلائي(34/338)
لم يطل المتقدمون البحث في نسب العلائي، فأوائل المترجمين له من أمثال الذهبي [1] والحافظ ابن حجر، والسبكي [2] ، لم يزيدوا على أن ذكروا اسمه، واسم أبيه، والنسبة، وزاد ابن العماد [3] اسم الجد.
اسمه ونسبه:
هو صلاح الدين، أبو سعيد، خليل بن كيكَلدي بن عبد الله، العلائي [4] ، الشافعي [5] .
ولادته:
ولد سنة أربع وتسعين وستمائة (694هـ) من الهجرة في دمشق [6] .
نشأته:
نشأ في مدينة دمشق، وتلقى العلم على علمائها وخطبائها، فختم القرآن العظيم، وسمع الحديث الشريف، وابتدأ قراءة العربية، وغيرها من العلوم [7] .
أسرته:
لم تفصح المصادر بشيء عن أسرة العلائي، وكل ما تيسر الوقوف عليه في هذا الشّأن، هو أن العلائي تركي الأصل، وأن أباه كان جنديا [8] وقد نسبه الدكتور زهير الناصر, فقال: "ابن الأمير سيف الدين كيكلدي " [9] "وهذا يعني أن العلائي من أسرة ذات شأن، لكن يعكر على هذه المعلومة أمران:
الأول: عدم الوقوف على المصدر الذي أورد هذه المعلومة.
الثاني: أن الأسنوي قال عن العلائي: "منسوبا إلى بعض الأمراء" [10] .
وهذا يعني عكس ما تقدم. لكن ثبت أن جده لأمه كان عالماً [11] ، أسهم في تعليم حفيده العلائي [12] .
سعيه في طلب العلم:
الذي أراه أن العلائي توجه إلى العلم بعناية جده لأمه، وكان الجد عالماً يحفظ متوناً ويذاكر بفوائد، وما من شك في أنه دفع حفيده لأخذ الرواية والسماع، حتى أصبح على قدر من الوعي والعلم، واستيعاب المعلقات، وسنه لم يجاوز التاسعة، أي أنه بلغ هذه الرتبة العلمية وهو في عمر طالب في السنة الثالثة الابتدائية في زماننا هذا، ولا عجب, فالفارق كبير، فإن الذاكرة غير الذاكرة، والهمة غير الهمة، والتربية غير التربية.(34/339)
إن العلائي في هذا السن كان يتعامل مع صحيح البخاري، وصحيح مسلم، ففي سنة ثلاث وسبعمائة (703هـ) سمع صحيح مسلم على شرف الدين الفزاري، وعمره يومذاك تسع سنوات، وفي سنة أربع وسبعمائة (704هـ) سمع صحيح البخاري على علي بن مشرف [13] ، وفيها ابتدأ بقراءة العربية وغيرها على الشيخ نجم الدين القحفازي، والفقه والفرائض على الشيخ زكي الدين زكوي [14] كل هذا ولم يجاوز عشر سنوات، وهو يحظى برعاية جده لأمه، وبعد هذا بدأ العلائي استقلاله العلمي في سنة إحدى عشرة وسبعمائة (711هـ) . أي: في السابعة عشرة من عمره، فاشتغل بالفقه والعربية، وطلب الحديث بنفسه، وقرأ فأكثر [15] .
رحلاته:
سبق القول أن العلائي- رحمه الله - ولد بدمشق [16] ، وبها تأهل لطلب العلم، والرحلة في سبيله، ومنها تأهب للرحلة، إذ خرج في سنة سبع عشرة وسبعمائة بصحبة شيخه ابن الزملكاني [17] ، في طريقهما إلى القدس ولازم شيخه المذكور، وتخرج به، وعلق عنه كثيراً، ولازم البرهان الفزاري وخرج له مشيخة [18] ، ورحل إلى الحجاز- مكة- سنة (720 هـ) بصحبة شيخه ابن الزملكاني، حيث سمع من الشيخ رضي الدين الطبري [19] ، ثم رحل إلى مصر وأقام بها مدة، وسمع، وعاد إلى مكة مرات للحج، وأقام مجاورا، رحل إلى القدس واستوطنها [20] .
وهكذا قضى العلائي- رحمه الله - قدراً من عمره في الرحلة بين الشام والحجاز ومصر [21] والقدس، بحثا عن الخير والعطاء، نال بذلك شرفا، وأعطى عطاء العلماء الصالحين الشرفاء.
شيوخه:
لم تكن همة العلائي - رحمه الله - قاصرة في البحث عن العلم وأهله بل كان يفتش عن مصادره، ويرتوي من منابعه، بدأ حياته بتحصيله، وختمها بجمعه وتصنيفه، ذكر أنه أخذ عن سبعمائة من الشيوخ في مختلف العلوم [22] منهم:(34/340)
1 - شرف الدين الفزاري، أحمد بن إبراهيم بن سباع، كان فصيحاً لا يكاد يلحن، مع طيب النغمة، ولين الكلمة، وحسن التودد والدين والأمانة، متوسط المعرفة بالرجال [23] ، تلا بالقراءات السبع، وحدّث بالصحيح، والسنن الكبير، وولي مشيخة الحديث بالظاهرية [24] . وقد سمع عليه العلائي صحيح مسلم في سنة ثلاث وسبعمائة، وفيه كمل عليه ختم القرآن الكريم [25] .
2- ابن مشرف الفزارى، محمد بن أبي العز، كان فصيحا، مناظرا متدينا، مرضي الأحكام [26] ، وقد سمع عليه العلائي صحيح البخاري.
3- ابن الزملكاني، محمد بن علي بن عبد الواحد، كان من بقايا المجتهدين، ومن أذكياء أهل زمانه، درس وأفتى وصنف، وتخرج به الأصحاب [27] ، ومنهم العلائي, فقد لازمه وتأثّر به، وقرأ عليه الحافظ الذهبي أربعين حديثاً، وكان لا يقرّب إلا المهرة من تلاميذه [28] .
4- برهان الدين الفزاري، إبراهيم بن عبد الرحمن بن سباع، الإمام الفقيه، شيخ الإسلام، برهان الدين أبو إسحاق ابن الفقيه الإمام شيخ الإسلام تاج الدين، انتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه ووجوهه مع علم بمتون الأحكام، وعلم بالأصول والعربية [29] . وقد لازمه العلائي واستفاد منه، وخرّج له مشيخة.
5- رضي الدين الطبري، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، الإمام القدوة، العابد، له علم وفهم وديانة [30] ، وكان إمام المقام الشافعي، وأتقن المذهب، قال العلائي: "هو أجلّ شيوخي" [31] .
6- نجم الدين القحفازي، علي بن داود بن يحيى، ساق الحافظ نسبه إلى عبد الله بن الزبير، سمع عدة أجزاء، وسمع الموطأ وغيره، ولم يحدث، وقرأ القراءات بالروايات، وكان بقية أعيان الشاميين في العربية [32] وكان من أذكياء وقته، مع الديانة والورع [33] .(34/341)
7- ابن تيمية: تقي الدين، أبو العباس، أحمد بن شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم بن تيمية، كان شيخاً إماماً، عالماً، علامة فقيها، حافظا، زاهدا، عابدا، مجاهدا، قدوة، لقبه العلماء بـ "شيخ الإسلام " [34] ، كان ذكيا، كثير المحفوظ، قلّ أن سمع شيئا إلا حفظه، حتى قيل: إنه كان أعرف بفقه المذاهب من أهلها [35] ، فخالف الأئمة الأربعة في عدة مسائل، صنف فيها واحتج لها بالكتاب والسنة [36] ، وما قوطع في مجلس، ولا تكلم معه فاضل في فن من الفنون إلا ظن أن ذلك الفن فنه، وكان حاملا راية الحديث، حفظا ونقدا وتمييزا، ناظر واستدل، وهو دون البلوغ، وأفتى ودرّس، وهو دون العشرين، "صنف وصار من كبار العلماء في حياة شيوخه [37] ، اجتمعت فيه شروط الاجتهاد [38] ، وحاز ثناء العلماء وعمره ثلاثون سنة [39] ، صنف أكثر من أربعة آلاف كراسة [40] ، رحمه الله رحمة واسعة.
8- المزي: يوسف بن عبد الرحمن، أبو الحجاج، المزي، حامل لواء معرفة الرجال، والقائم بأعبائها، لم تر العيون مثله، ولم تعرف له صبوة، ترافق هو وابن تيمية كثيرا، وكان يقرر طريقة السلف في السنة، ويعضد ذلك بمباحث نظرية، وقواعد كلامية [41] ، أثنى عليه الإمام ابن تيمية، وأخرجه من السجن، وكان سبب سجنه قراءته لكتاب خلق أفعال العباد [42] . وبعد موته جمع تلميذه الحافظ العلائي جزءا سماه "سلوان التعزي عن الحافظ المزي" [43] .
حالته الاجتماعية:
إن المسلم يرقى إلى الفضائل، ويأخذ بأسباب الكمال، لا سيما في مجال الدين والأخلاق، وقد اعتنى الدين الإسلامي بهذا الجانب، وحث على التعامل مع أسبابه المعنوية والمادية، ومنها الزواج الذي شرعه الله - عز وجل - وبناه على أسس متينة، تشكل الحقوق والواجبات للطرفين.(34/342)
وقد أخذ العلائي - رحمه الله - بأسباب الفضل والكمال، معنوية ومادية فكما أوضحت المصادر إقدامه على طلب العلم، وكسبه الوفير لفنونه وصنوفه بيّنت أنه لم يبلغ الثلاثين من عمره إلا وهو رب أسرة لها حقوقها، وعليه التزامات الرعاية والتوجيه، فابنته أسماء، ولدت في سنة خمس وعشرين وسبعمائة [44] ، والذي نستجليه من المصادر، أنه تزوج بعد عودته من الرحلة مع شيخه الزملكاني إلى بيت المقدس، وخلال إقامته بدمشق [45] أنجب أبناءه أحمد، وأسماء، وأمة الرحيم، الذين تجلت محبته لهم في الرعاية الفكرية إذ أفادهم من علمه الوافر، وعرضهم على حفاظ دمشق والقاهرة [46] .
الآخذون عنه:
لا يساور الشك أحدا اطلع على ترجمة العلائي، وعرف مباشرته التدريس في العديد من دور العلم، مع وجود أفاضل العلماء، في كثرة الآخذين عنه، بل يجزم بأنهم من الكثرة بمكان، ولولا الرغبة في عدم الإطالة، لتتبعت الأمر وقدمت ما يؤيد هذا الميول، غير أنه لابد من تعريف القارئ الكريم بأن في مقدمة الآخذين عنه: ابنه، وبنتيه, وهم:
1- أبو الخير, أحمد بن خليل العلائي، اعتنى به والده، فأسمعه من حفاظ دمشق، ورحل به إلى القاهرة، وسمع من حفاظها، سكن بيت المقدس، وصار من أعيانها، شدت إليه الرحال للسماع منه، وممن رحل إليه الحافظ ابن حجر، لكنه لم يدركه، بلغه موته وهو بالرملة فعرج عن القدس إلى الشام [47] ، مات سنة 802هـ، لكن الحافظ أخذ عنه بالإجازة [48] .
2- أم محمد, أسماء بنت خليل العلائي، اعتنى بها والدها وأسمعها من حفاظ دمشق، والقاهرة، ولعلها زوجة شيخ الفقهاء الشافعية: إسماعيل بن علي القلقشندي [49] . توفيت ببيت المقدس سنة 975هـ[50] .
3- أمة الرحيم, زينب بنت خليل العلائى، سمعت وحدثت، وتوفيت قبل أختها بأيام [51] .(34/343)
4- الحافظ الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز، التركماني, طلب الحديث وله ثمان عشرة سنة، وتعب فيه وخدمه، إلى أن رسخت فيه قدمه [52] ، ومهر فيه، وفي غيره من العلوم، حتى كان أكثر أهل عصره تصنيفاً، وكان علامة زمانه في الرجال وأحوالهم [53] ، والقائم بأعباء صناعة الحديث [54] ، عرف العلائي، وأثنى عليه، وأخذ عنه، قال: "وثنا في درسه عن جماعة" [55] . (673-774 هـ) وهو من شيوخه.
5- ابن كثير: إسماعيل بن عمر، فقيه متفنن، ومحدث متقن، مفسر نقال، وله تصانيف مفيدة [56] ، كان من محدثي الفقهاء، ولم يكن على طريقة المحدثين في تحصيل العوالي، وتمييز العالي من النازل [57] ، قال السيوطي: "العمدة في علم الحديث معرفة صحيح الحديث وسقيمه، وعلله واختلاف طرقه، ورجاله جرحا وتعديلا،، وأما العالي والنازل ونحو ذلك، فهو من الفضلات، لا من الأصول المهمة" [58] . قلت: وما ذكره السيوطي- رحمه الله - متحقق لدى الحافظ الإمام ابن كثير وتفسيره وغيره ينبئ بذلك. (700-774 هـ) . أخذ عن العلائي [59] .
6- زين الدين العراقي: أبو الفضل، عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن، اشتغل بالعلوم، وأحب الحديث فأكثر من السماع، وتقدم في فن الحديث، كان حافظ العصر [60] ، أخذ عن العلائي. وقال: "مات حافظ المشرق والمغرب صلاح الدين العلائي" [61] . (725-806 هـ) .
7- القلقشندي: أبو الفداء، إسماعيل بن علي بن الحسن، حفظ القرآن، ومختصرات في العلوم، وتفقه فدرس وأفتى، وبرع وتصدر لنشر العلم، حتى صار أوحد عصره، مرجعا في المذهب، مستحضرا للروضة، صاهر العلائي على ابنته [62] . (702-778هـ) .(34/344)
8- السبكي: عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، صاحب الطبقات كان عارفا بالأمور، جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاضي قبله، وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحد قبله [63] . أخذ عن العلائي قال: "حدثنا الفقيه أبو سعيد خليل بن كيكلدى العلائي من لفظه بالمسجد الأقصى، وذكر سنده إلى أبي داود بحديث قدر الدية" [64] .
دراسة عصر العلائي بإيجاز
الناحية السياسية:
تميز عصر العلائي في الجانب السياسي بكثرة الحروب والفتن، فقد كان عهد المماليك ميدانا فسيحا لتلك الأحداث المؤلمة من الداخل والخارج فقد وقعت بين المسلمين مطاحنات جسيمة كلفت الطرفين خسائر مادية ومعنوية وكان ضررها على المسلمين بالغ الأثر لأسباب منها: شتات القيادة الإسلامية، وكثرت النزاعات والخلافات الداخلية، السبب الذي جعل التتر يكلفون المسلمين خسائر فادحة في المجالين العسكري والاقتصادي، وتوالت الملاحم الشرسة بين الطرفين من أمثال ملحمة وادي الخزندار قرب حمص، قتل فيها فوق عشرة آلاف من المسلمين [65] ، وحدث أن دخل التتر دمشق، وكلفوا المسلمين خسائر في الأرواح، ونهبت الأموال وأسر أكثر من أربعة آلاف، وحرقت المدارس، ضربا من أولئك الأعداء للجوانب العسكرية والاقتصادية والتعليمية [66] ، فكان لتلك الهجمات الشرسة أثرها السلبي على مناشط الحياة في البلاد، على أن نفحات من الإصلاح السياسي، وإقامة الحصون والقلاع تخللت هذا العصر، وكان لها الأثر البالغ في انتصارات المسلمين.
الناحية الاجتماعية:(34/345)
كان الناس في الإطار العام للدولة يعانون من الشتات الاجتماعي مما سهل لكثير من الآفات الاجتماعية أن تنشط في الحياة الاجتماعية، فانتشرت الأمراض، وتوسعت دائرة الفقر، وظهرت المفاسد الخلقية في مواقع من البلاد، وهذا كان منفذا للأعداء، سهل لهم الوصول إلى كثير من الأمصار الإسلامية، وغايتهم إضعاف الدولة الإسلامية، وكسر شوكتها ثم القضاء عليها، على أن هذا العصر لم يخل من ومضات إصلاحية في شتى المجالات، كثيرا ما تعرقلها الخلافات الداخلية، وتهاجمها الحملات الخارجية، وقد أبطلت الفواحش والقمار، والخمور، وقرئت بذلك المراسيم [67] ، وعممت على البلاد في بعض الأحيان. وكان لها الأثر الإيجابي في حياة المسلمين.
الناحية العلمية:
لقد كان للهجمة التترية الشرسة على العالم الإسلامي أثرها السيء، فقد أخرت عجلة التقدم الحضاري في المجالات السياسية والعلمية والاقتصادية بوجه خاص، وكان المجال العلمي أقل الثلاثة تأثرا، وذلك ليقظة علماء المسلمين الذين كان لهم دور بارز في الإصلاح العلمي، إذ جردوا عن سواعد الجد، ونشطوا في دفع عجلة الحضارة العلمية، وكان لدعم الولاة أثر بارز في بناء المدارس، وتكريم العلماء، حتى ارتفعت ألوية العلم والمعرفة وازدهر التأليف في مختلف العلوم والفنون، فبرز علماء أفذاذ، أثروا المكتبة الإسلامية بذخائر، تجسدت آثارها في الحياة عند المسلمين عبر الأجيال.
الناحية الحضارية بوجه عام:
حاول أعداء الإسلام غير مرة القضاء على الحضارة الإسلامية من خلال ضرب المراكز الثقافية، ومن أعظم ما منيت به الثورة المعرفية الإسلامية إسقاط الدولة العباسية، والاستيلاء على مهد حضارتها ببغداد في عام 656 هـ.(34/346)
وكانت الهجمة التترية في غاية الحقد والهمجية، انتقاما من الإسلام وأهله، غير أن تلك القسوة لم تكن محققة لأطماع الأعداء من التتر وغيرهم، فقد احتضنت مصر والشام الحضارة الإسلامية، وحاول القطران القيام بأعباء الحضارة في مختلف الأدوار على غرار ما قدمت بغداد، لاسيما في المجال العلمي، وقد كان للمماليك دور بارز في إقامة الجوامع الكبيرة ودور العلم، حتى أضحت القاهرة بديلا عن بغداد، شيدت فيها مراكز العلم والمعرفة، وتوزعت جهود المماليك في محاولة جادة لإقامة الحضارة الإسلامية من خلال بناء المدارس، وتشييد الجوامع، ورفع الحصون والقلاع لحماية الثغور والمدن، ونصب الجسور على الأنهار، وحفر القنوات، وسك العملات وكانت إيجابيات الحضارة العلمية ملموسة في حياة المسلمين في ذلك العصر، رغم الاضطرابات السياسية في الداخل والخارج [68] .
مكانة العلائي العلمية:(34/347)
تقدم القول أن الزملكاني كان لا يقرب إلا المهرة من تلاميذه [69] ، وقد كان العلائي مكتسبا لهذه الصفة، مما جعل الزملكاني يحتفظ به تلميذا بارزا وملازما له سفرا وحضرا [70] ، وكانت صحة الذهن، وسرعة الفهم صفتين تتمع بهما العلائي، مع جد واجتهاد في طلب العلم، حتى تقدم في العلوم وفاق على أقرانه [71] ، واحتل مكانة علمية عالية، السبب الذي جعل شيخه المزي - وهو المشهود له بالحفظ وعلو المرتبة في العلم والإمامة - ينزل للعلائي عن مشيخة حلقة صاحب حمص، فدرس بها العلائي، وحضر عنده الفقهاء والقضاة والأعيان [72] ، وكان عمره حينذاك ثلاثا وثلاثين سنة [73] ، بلغ الإمامة والتفنن في عدد من العلوم، ومصنفاته تنبىء عن إمامته في كل فن، كان حافظ زمانه لم ير السبكي خلفا له سواه، ولم يخلف العلائي مثله [74] ، وما يأتي في ذكر مناصبه وألقابه العلمية شاهد على علمه وتقدمه، وقد نقل السبكي عن والده قوله: "ما أعلم أحداً يصلح لمشيخة دار الحديث غير ولدي عبد الوهاب وشخص آخر غائب عن دمشق" ... قال السبكي: "وأنا أعرف أنه الشيخ صلاح الدين العلائي" [75] .
وفي ما تقدم برهان يوقف القارئ الكريم على ما كان يتمتع به العلائي - رحمه الله - من مكانة علمية رفيعة، أقر بها كبار العلماء، فقد فاق الأقران وانتزع المناصب من الشيوخ والأعيان [76] ، لأنه العالم المتبحر، والناقد المنظّر، والمؤلف المحرر، تقدم في علم الرجال والعلل، والمتون والأسانيد [77] كان حافظ زمانه [78] ، يستحضر الرجال والعلل [79] ، بلغ الإمامة في علوم كثيرة [80] ، برع وحقّق ودقّق، قال الصفدي: "اجتمعت به مرة بدمشق، والقدس، والقاهرة، وارتويت من فوائده في كل علم، وقلّ أن رأيت مثله في تحقيق ما يقوله، وتدقيقه [81] ، ولم يكن أحد يدانيه في الحديث في عصره" [82] .
عقيدته:(34/348)
لم يسعف الوقت بدراسة مؤلفات العلائي- رحمه الله - للوقوف على نصوص تحدد اتجاهه في الاعتقاد، لكن وقفت على قول السبكي في أثناء ترجمته للعلائي: "كان حافظا، ثبتا، ثقة، عارفا بأسماء الرجال، والعلل والمتون، فقيها، متكلما، أديبا، شاعرا، ناظما، ناثرا، متفننا، أشعريا، صحيح العقيدة، سنيا" [83] .
وقال الحسيني: "لبس خرقة التصوف" [84] .
ولا أعتقد أن السبكي يطلق القول في تحديد المعتقد مجازفة، فلابد أن يكون كلامه عن علم ويقين، لا سيما وهو معاصر للعلائي، وأخذ عنه وهو في بيت المقدس. أما خرقة التصوف، فلعلها شعار للصوفية، أو لمرتبة منها. والله أعلم.
ولا علم لي بنوعية هذا التصوف, أهو من جنس التصوف الذي وصفه به ابن تيمية شيخ العلائي، أو من جنس آخر؟ غير أن الذي أعرفه أن الأشاعرة وقفوا من شيخ الإسلام وقفات ناله منها الأذى، وكفره بعض العلماء، وناصره آخرون، فما موقف العلائي من شيخه ابن تيمية؟.
هذا السؤال يجيب عنه العلائي- رحمه الله - وهو ما وقف عليه الحافظ ابن حجر, قال:(34/349)
"وقرأت بخط الحافظ صلاح الدين العلائي في ثبت شيخ شيوخنا الحافظ بهاء الدين عبد الله بن محمد بن خليل ما نصه: "وسمع بهاء الدين- المذكور- على الشيخين، شيخنا وسيدنا وإمامنا فيما بيننا وبين الله تعالى، شيخ التحقيق، السالك بمن اتبعه أحسن طريق، ذي الفضائل المتكاثرة، والحجج الباهرة، التي أقرت الأمم كافة، أن هممها عن حصرها قاصرة، ومتعنا الله بعلومه الفاخرة، ونفعنا به في الدنيا والآخرة، وهو الشيخ الإمام العالم الرباني، والحبر البحر القطب النوراني، إمام الأئمة، بركه الأمة، علامة العلماء، وارث الأنبياء، آخر المجتهدين، أوحد علماء الدين، شيخ الإسلام، حجة الأعلام، قدوة الأنام، برهان المتعلمين، قامع المبتدعين، سيف الناظرين، بحر العلوم، كنز المستفيدين، ترجمان القرآن، أعجوبة الزمان، فريد العصر والأوان، تقي الدين، إمام المسلمين، حجة الله على العالمين، اللاحق بالصالحين، والمشبه بالماضين، مفتي الفرق، ناصر الحق، علامة الهدى، عمدة الحفاظ، فارس المعاني والألفاظ، ركن الشريعة، ذو الفنون البديعة: أبو العباس ابن تيمية" [85] .
هذا الثناء العطر من العلائي، قد يجر الواقف عليه إلى الميل لمخالفة ما حكاه السبكي، غير أن الثناء ليس دليلا على المسايرة في الاعتقاد, فالسبكي يذكر ما يشبه التأييد لقوله السابق. قال عن العلائي: "وكان بينه وبين الحنابلة خصومات كثيرة [86] ، ولا يبعد أن يكون سبب هذه الخصومات مباحث في العقيدة". والله أعلم.
ذكر بعض صفاته:
لابد من النظر في جانبين للتعرف على الصفات بصورة شاملة. وهذا:
1- الجانب الحسي من الصفات:(34/350)
هذا الجانب لم أقف على بيان وصفي للناحية الشكلية لشخص العلائي- رحمه الله -، من حيث الطول والقصر، واللون وغيره من الصفات الحسية، غير أن الحافظ ابن حجر يذكر أنه كان بزي الجند [87] ، وهذا يقودنا إلى معلومة هامة، وهي أن العلائي عمل في الرباط، وروّض نفسه على الجهاد في سبيل الله، يؤيد هذا قول النعيمي: "وكان أولا يعاني الجندية" [88] . ومعاناة الجندية والعلم، وصف لا يكاد يجتمع إلا لقلة من الناس، من أمثال ابن المبارك، وابن تيمية، الذين متعوا بحظ وافر من الشجاعة والعلم، لكن العلائي لم يقض حياته في الجندية، بل عاود الاشتغال بالفقه والأصول [89] ، وتزي بزي الفقهاء [90]- ألبسه شيخه كمال الدين بن الزملكاني- ولبس خرقة التصوف- ألبسه أبو المجامع بن حمويه الجويني -[91] ، وإن كان التصوف في عصره منذر بخطر.
2- الجانب المعنوي:
تمتع العلائي- رحمه الله - بحظ وافر من الصفات المعنوية، وكان في مقدمتها صحة الذهن، وسرعة الفهم، الشيء الذي جعله يحفظ الكتب، وينظر في العلل والرجال، ولتقدم في مبدأ العلم والمعرفة [92] ، وبرز في مجال التصنيف، فألف كتبا كثيرة جدا، سائرة مشّهورة، نافعة متقنة محررة [93] ، وكان شجاعا قوي الشخصية، ذا سطوة، جمع بين العلم والدين، والكرم والمروءة [94] ، والبراعة والذكاء والفصاحة، وقوة المناظرة [95] .
ألقابه العلمية:
إن المتتبع لأقوال الأئمة النقاد والعارفين بأحوال الرجال، يبهره ذلك الاتفاق والتواتر على نقل أعلى رتب الألقاب العلمية، وتصوير ترجمة العلائي بها، فتأتي في مقدمة الحلل العلمية الباهرة. من ذلك:
الحافظ [96] :
وهو لقب لا يناله إلا ذووا الأذهان الصافية والأفهام السريعة.
الإمام [97] :(34/351)
وهو لقب علمي لا يطلقه العلماء إلا على من نال أعلى الرتب العلمية، واستطاع بعلمه الغزير وإبداعه في مختلف العلوم، أن يخضع العلماء للاعتراف بتقدمه وقدرته العلمية، وقد وصف العلائي بالإمامة في علوم عدّة [98] .
الفقيه [99] :
وهو لقب علمي لا يدركه إلا من خرّج المسائل الفقهية، وعرف اختلاف العلماء، وبرع في المذهب.
المفتي [100] :
منصب عظيم، وحمل جسيم، لا أراه مستحقا إلا لمن جمع أصناف الألقاب السابقة وزيادة، وقد لقب به العلائي، وأجازه بذاك شيخه الزملكاني وقاضي القضاة سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وعمره ثلاثون سنة [101] .
وخلاصة القول: جمع العديد من الألقاب العلمية، وتصانيفه تشهد بجدارته واستحقاقه لما لقب به. وقد سرد له السيوطي جملة من الألقاب. فقال: "الشيخ الإمام العلامة، الحافظ الفقيه" [102] . وقال النعيمي:"الشيخ الإمام، العلامة، الحافظ، المحدث الفقيه، الأصولي الأديب" [103] . وله على كل لقب دليل من مؤلفاته - رحمه الله -.
مناصبه:
إن ما تمتع بها العلائي- رحمه الله - من نباهة وعلم، وفصاحة وسطوة ومناعة، كانت أسبابا - بعد فضل الله - أنالته مناصب رفيعة، كان أولها ممارسة التدريس وعمره ثلاث وعشرون سنة، ولم يكن هذا المنصب الرفيع سهل الارتقاء، لكثرة الناقدين، والمبارزين في ميادين شتى من العلوم والفنون، فلا يجرؤ على كرسي الحلقة إلا من نال علما غزيرا، وتفقه، وقد درس العلائي في دمشق في المدارس التالية:
1- دار الحديث الناصرية [104] :
وكان ذلك في سنة ثمان عشرة وسبعمائة من الهجرة [105] ، وهي المدرسة الأولى التي بدأ فيها نشر علومه على طلاب العلم، وأول تلك العلوم، علم الحديث وعمره أربع وعشرون سنة.
2- دار الحديث الأسدية [106] :
وكان عمره ثمانيا وعشرين سنة - أي: في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة [107] .
3- حلقة صاحب حمص:(34/352)
درس بها وعمره أربع وثلاثون سنة، في يوم الأربعاء، ثاني المحرم، سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وحضر درسه، القضاة والفقهاء والأعيان، وقد نزل له عن هذه الحلقة: المزي- رحمه الله -[108] .
أما بالقدس فدرس في المدارس التالية::
1- المدرسة الصلاحية بالقدس [109] :
درس بها العلائي وعمره سبع وثلاثون سنة، أي: سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، انتزعها من علاء الدين علي بن أيوب المقدسي [110] ، وقد كانت كنيسة زمن الروم، ونزل عنها العلائي لزوج ابنته القلقشندي [111] .
2- مدرسة دار الحديث السيفية [112] :
تولى العلائي مشيختها، وهي من مدارس القدس [113] .
3- دار الحديث والقرآن التنكزية [114] :
درس بها العلائي [115] .
وكان تاج هذه المناصب الإفتاء، والإمامة في العلوم، وكان العلائي قديرا على مزاولة هذه المناصب، والقيام بأعبائها [116] .
مؤلفات العلائي:
كان العلائي- رحمه الله - واعيا بأساليب الجمع والتصنيف، محيطا بطرق التخريج والتأليف، مجيدا الانتقاء للأبواب والأجزاء [117] ، فكان له من المصنفات أجودها، ومن المؤلفات أحسنها، أثرى بعطائه، في هذا الميدان، المكتبة الإسلامية بالنفائس مما خزنته ذاكرته، ووعاه قلبه، وسطره قلمه، ما يقارب خمسين كتابا في مختلف العلوم الإسلامية, منها الكتاب ذو الأجزاء الكثيرة، والمجلد ذو الفوائد المنثورة، والجزء النافع المتتبع لمواطن الإشكال، وقد أحصاها الدكتور زهير الناصر [118] . أذكر عددا منها للتمثيل، ولا حاجة في نظري للتطويل:
1- التفسير:
في هذا العلم العظيم، تفسير القرآن العظيم، كتب العلائي - رحمه الله - سبعة مصنفات منها:
أ- السفينة الكبرى في تفسير القرآن العظيم.
ب - برهان التيسير في عنوان التفسير.
2- الحديث:
صنف في الحديث الشريف وعلومه، تسعة عشر كتابا. منها:(34/353)
أ- التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة، وهو موضوع تحقيقنا.
ب - النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح.
3- الفقه:
صنف فيه العلائي، تسعة كتب. منها:
أ- الأشباه والنظائر في فروع الفقه الشافعي.
ب- فتاوى صلاح الدين العلائي.
4- أصول الفقه:
صنف العلائي في هذا العلم، ستة كتب. منها:
أ- تفصيل الإجمال في تعارض الأقوال والأفعال.
ب- تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد.
5- الأخلاق والسلوك:
أ- الأمالي الأربعين في أعمال المتقين.
ب - عقيلة المطالب في ذكر أشرف الصفات والمناقب.
ومن يقف على مؤلفات العلائي، يعلم إلى أي مدى كان الحسيني صادقا حين قال: "كان إماما في الفقه والنحو، والأصول، متفننا في علوم الحديث وفنونه، حتى صار بقية الحفاظ، عارفا بالرجال، علامة في المتون والأسانيد، ومصنفاته تنبئ عن إمامته في كل فن، ولم يخلف بعده مثله" [119] .
وكان العلائي ناظما للشعر [120] ، له في الأدب مشاركة جيدة، بل إن السبكي يقول:
"كان ... متكلما، أديبا، شاعرا، ناظما، ناثرا " [121] .
ومن نظم العلائي- رحمه الله -:
تسير به في مهمه وسباسب
ألا إنما الدنيا مطية راكب
وإما إلى شر وسوء معاطب
فإما إلى خير يسر نواله
لما كنت في طول الحياة براغب
فلولا ثلاث هنّ أفضل مقصد
عن النقص والتشبيه رب المواهب
ملازمة خير اعتقاد منزها
عقود معانيها لتفهيم طالب
ونشر علوم للشريعة ناظما
دنيّ حطام أو عليّ مناصب
وصوني نفسي عن مزاحمة على
معجلة من خوف ند مغالب
ففي ذاك عز بالقنوع وراحة
مقال حق صادق غير كاذب
وحسبك في ذا قول عالم عصره
ورتبة أهل العلم أسنى المراتب [122]
كمال الفتى بالعلم لا بالمناصب
وخاتمة الحسنى ونيل الرغائب(34/354)
ومع ذاك أرجو من إلهي عفوه
بهن اعتصامي من وبيل المصائب
ويطعمني في ذي الثلاثة ثلاثة
مهيمن من عليا لؤي بن غالب
محبة خير الخلق أحمد مصطفى الـ
ومن بعدهم من تابع في المذاهب
وإني موال للصحابة كلهم
أرى حبهم حتم عليّ كواجب
وبالأولياء الغر حسن تعلقي [123]
حياتي وموتي والإله محاسبي " [124]
فحسبي بهذا كله لي عدة
وقد رثى العلائي رحمه الله شيخه الزملكاني بقصيدة [125] .
وفاته:
ذكرت المصادر [126] أن الإمام العلائي- رحمه الله - توفي في الخامس- أو الثالث- من المحرم سنة إحدى وستين وسبعمائة من الهجرة [127] ، ودفن بمقبرة باب الرحمة إلى جوار سور المسجد [128] ، بعد رحلة علمية استمرت أكثر من ستين سنة، كان حصادها العلم النافع، والثناء الواسع. فالله نسأل أن يثيبه على أعماله الصالحة، وأن يعفو عن زلته، ولا يحرمه لقاء البررة الأخيار في الجنة، مسكن الأبرار.
وتجدر الإشارة إلى أنني وقفت على دراسة الأخوين الكريمين الدكتور: زهير الناصر - عند تحقيقه لجامع التحصيل-، والدكتور: عبد الرحيم القشقري - عند تحقيقه منيف الرتبة -. واستفدت من جهودهما. فجزاهما الله خيرا.
وفي نظري لا يعتبر الجهد مكررا من حيث العرض وإثارة المعلومات فلكل أسلوبه ومنهجه. والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(الفصل الثاني)
معلومات موجزة عن الكتب التي أورد عليها التنبيهات ومؤلفيها
ذكر الحافظ العلائي- رحمه الله - في مقدمة كتابه هذا أن عمله تضمن التنبيه على مواضع مشكلة، وقعت في كتب الحديث المهمات، الصحيحين والسنن، وغيرهما.
ومعلوم أن مراده بالصحيحين: صحيح البخاري،وصحيح مسلم. وبالسنن: أبي داود، وسنن ابن ماجة، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وبغيرهما: الموطأ، ولم يذكر سواه.(34/355)
ويحسن بنا أن نعرِّف الكتب التي تعرض لمواضع مشكلة فيها، ونعرف - أيضا- بمؤلفيها باختصار:
1- صحيح الإمام البخاري:
سماه الإمام البخاري (الجامع الصحيح المسند من حديث رسول - صلى الله عليه وسلم - وأيامه وسننه) [129] . وهو أصح الكتب بعد كتاب الله - عز وجل -، بذل فيه الإمام البخاري أقصى درجات الحيطة والتثبت, ومن ذلك:
أ- الانتقاء, وهذه مرحلة علمية شاقة، روي عن الإمام البخاري قوله: "خرجت الصحيح من ستمائة ألف حديث" [130] , وقوله: "لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا، وما تركت من الصحيح أكثر" [131] .
ب- المبالغة في التروي والبحث بدقة عن المتيقّن، ودعم ذلك بالصلاة والاستخارة، قال البخاري - رحمه الله -: "ما كتبت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك، وصليت ركعتين" [132] . فيكون رحمه الله اغتسل عدد الأحاديث، وصلى ضعف عددها، بحثاً عن الصدق وبعداً عن الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
جـ - اشترط أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلا غير مقطوع وإن كان للصحابي راويان فأكثر فحسن، وإن لم يكن إلا راو واحد وصحّ الطريق إليه كفى [133] .
والبخاري- رحمه الله - لم يكتف بمعاصرة الراوي لشيخه، بل اشترط اجتماعهما، وثبوت اللقاء بينهما [134] ، من هنا يعلم الدارس يقيناً أن الإمام البخاري بهذا المنهج الفريد قدم للأمة عملا ما سبقه إليه مثيل، ولن يلحقه بمثله مغير، لذلك صار كتابه بحق أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى [135] ، وعلى صحة ما فيه وقبوله، أجمع علماء الأمة [136] .(34/356)
أما الإمام البخاري: فهو: أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل، البخاري إمام المحدثين، صدر في هذا الشأن بغير منازع، فاق الحفاظ والمتقنين لم نسمع بأحفظ منه ولا أعلم بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم – ومقاصده, ومؤلفاته تنبئ عن تقدمه في الرواية والدراية، ولد في سنة أربع وتسعين ومائة من الهجرة، في مدينة بخاري من بلاد خراسان، تحدث عنه العلماء بما يذهل، من بداية طلبه العلم إلى وفاته، وكان مستجاب الدعوة، مات سنة ست وخمسين ومائتين، في قرية من قرى سمرقند- رحمه الله -[137] .
2- صحيح مسلم:
كان الإمام مسلم - رحمه الله - مقتديا بأستاذه الكبير الإمام البخاري من حيث العناية بالصحيح من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه سلك طريقا تخالف البخاري من حيث المنهج، وهنا قال بعض الأئمة: "ما تحت أديم السماء أصحّ من كتاب مسلم بن الحجاج " [138] , لكن مسلما فاته شيخه في الحيطة والتثبت. ومن ذلك:
أ- تحقيق جانب العلم بهذا الشأن رواية ودراية، قال الإمام مسلم- رحمه الله -:
"إن من الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقدين لها، والمتهمين، ألاّ يروى منها إلاّ ما عرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم، والمعاندين من أهل البدع " [139] . وهذا مبدأ التثبت في النقل.
ب- الانتقاء، قال الإمام مسلم: "صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة" [140] .
جـ- التروي وعدم العجلة, قال الإمام مسلم: "ما وضعت في كتابي هذا المسند إلا بحجة، وما أسقطت منه شيئا إلاّ بحجة " [141] .
د- العرض على العلماء, قال الإمام مسلم: "عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي، فكل ما أشار، أن له علة تركته، وكل ما قال إنه صحيح وليس له علة خرجته" [142] .(34/357)
هـ- شرط الإمام مسلم في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد، بنقل الثقة عن الثقة، من أوّله إلى منتهاه، سالما من الشذوذ والعلة [143] ، واكتفى بمطلق المعاصرة بين الراوي ومن روى عنه، ومن هنا أحرز الكتاب الرتبة الثانية بعد صحيح البخاري، وهذا الذي عليه المحققون من أهل العلم. قال النووى - رحمه الله -: "كتاب البخاري أصحهما وأكثر فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة، وقد صح أن مسلما كان ممن يستفيد من البخاري، ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث، وهذا الذي ذكرناه من ترجيح البخاري هو المذهب المختار، قاله الجماهير وأهل الإتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث " [144] . ولم يرو مسلم عن البخاري شيئا في كتابه الصحيح، وعذره في ذلك من وجوه, منها: أنه شارك الإمام البخاري في كثير من شيوخه، والرغبة في علو الإسناد مطلب عند أئمة الحديث.
أما الإمام مسلم: فهو أبو الحسين، مسلم بن الحجاج، القشيري ولد سنة أربع ومائتين (204) من الهجرة، ونشأ في بيت علم وفضل، دوّن العلماء حياته ومآثره، وذكروا من علمه وفضله ما يجعله جديرا بلقب الإمام، مقدما على الكثيرين، تلقت الأمة كتابه الصحيح بالقبول، عمّر ما يقارب سبعا وخمسين سنة، كانت حافلة بالفضل والعلم والعمل، أورث الأمة الإسلامية كنزا به تعتز وتفخر بوثوق نصوصه وصحتها [145] .
3- سنن أبي داود:(34/358)
تقدم القول أن أصحّ الكتب - بعد كتاب الله تعالى- كتاب البخاري ويليه في الرتبة الثانية كتاب الإمام مسلم، وهما الصحيحان، أما الرتبة الثالثة، فإن العلماء جعلوها من حظ كتاب أبي داود "السنن", فقد أثنى عليه أهل العلم، وذكروا له مآثر تجعله جديرا بهذه المكانة، وقد كتبه أبو داود على أبواب الفقه مقتصرا على السن، مبينا الأحكام، لم يتعرض لمباحث الأخبار، والقصص، ولا لأبواب الزهد، وفضائل الأعمال، اتبع طريقة الانتخاب. قال - رحمه الله -: "كتبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب، جمعت فيه أربعة آلاف وثمان مائة حديث [146] ، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث:
أحدها: قوله عليه السلام: "الأعمال بالنيات".
والثاني: قوله: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ".
والثالث: قوله: "لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه".
والرابع: قوله: "الحلال بين والحرام بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهات " [147] .
وكانت الاستشارة العلمية هدفا هاما عند أبي داود، إذ عرض كتابه على الإمام أحمد فاستحسنه [148] ، واعتنى بكتابه فخرج فيه الصحيح وما دونه، وبيّن ما فيه وهن شديد [149] ، وخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، لأنه أقوى عنده من رأي الرجال [150] . وما سكت عنه فهو صالح عنده، والحق أنه على ثلاثه أقسام: فيه الصالح للاحتجاج، والضعيف، والموضوع، كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح.
أما أبو داود: فهو الإمام الثبت، الحجة، الحافظ، سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي، كان مقدما في زمانه، لم يسبقه أحد إلى المعرفة بتخريج العلوم، والبصر بمواضعها، سكن البصرة، وتردد على بغداد مرارا، وبها روى مصنفه هذا، ولد سنة اثتين ومائتين (202 هـ) ، ومات سنة خمسة وسبعين ومائتين. رحمه الله [151] .(34/359)
4- سنن الترمذي:
اشتهر مصنف الترمذي (الجامع) بسنن الترمذي، وهو من أشهر مصنفاته تداوله العلماء، وحصل تساهل في التسمية، حيث أطلق عليه بعض العلماء (الجامع الصحيح) ، وهو إطلاق غير صحيح، وإن كان الكتاب يعتبر من أكثر الكتب فائدة، وأقلها تكرارا، وهذا يعرفه من عايش الكتاب وسبر غوره، فإن الإمام الترمذي أخرج فيه الصحيح، والحسن، والضعيف والغريب، والمعلّل، وتطرق إلى كشف العلل، وبيان النكارة، وابتعد عن التخريج لمن اتفق النقاد على اتهامه بالكذب، إلا مقرونا بغيره، وجمع الإمام الترمذي في مصنفه هذا الفقه إلى جانب العناية بالحديث، وبيان درجة ما يخرجه من خلال اصطلاحاته المعروفة، واعتنى بعلل الأحاديث والرجال، وكتابه ينبئ عن براعته، وعلمه.
أما الترمذي: فهو أبو عيسى، محمد بن عيسى بن سورة، الإمام الحافظ، الحجة، الثبت، ابتدأ طلب العلم في الصّغر، ورحل في سبيل ذلك إلى البلاد شرقا وغربا، وإلى الأئمة الكبار، وعنهم أخذ علما واسعا، شهد له معاصروه بالإمامة والحفظ، وعرف بسرعة الفهم، وقوة الملاحظة، وعبارة شيخه البخاري تنبئ عن مكانته العلمية الرفيعة, قال البخاري للترمذي: "ما انتفعت بك، أكثر مما انتفعت بي" [152] أي الذي انتفعت بك فيه، أكثر من الذي انتفعت به مني، كانت ولادة الترمذي في إحدى قرى ترمذ على نهر جيجون، بعد المائتين من الهجرة، ومات بها أيضا في سنة تسع وسبعين ومائتين من الهجرة" [153] .
5- السنن الكبرى [154] للنسائي:(34/360)
هذا المصنف من أبرز مصنفات الإمام النسائي - رحمه الله - وقد سلك في تأليفه مسلك أبي داود في سننه، فخرّج الصحيح وما دونه، وأحاديث أبان علتها بما يفهمه أهل المعرفة، لتزول الشبهة، وذكر بعض العلماء أنه في مقام الحسن حينما لا يرد في الباب غيره، لأنه مقدم عند الإمام النسائي على رأي الرجال [155] ، ومن هنا نعلم أن الإمام النسائي قد جمع بين أعمال من سبقه، مع حظ وافر في بيان العلل، وقد اجتبى منه كتابه (السنن الصغرى) , (أو المجتبى) . ومن هنا ندرك سر الخلاف بين العلماء في تحديد منزلة سنن النسائي, لكن ربما يقول قائل: إن منشأ الخلاف النظر إلى الشرط وليس النظر إلى الأصل والمختصر, فإن من العلماء من أطلق الصحة على سنن النسائي، بالنظر إلى أن شرط الإمام النسائي هو شرط الشيخين، بل إن له شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم [156] . وقال آخرون: "إن شرطه في كتابه المذكور شرط أبي داود، إخراج حديث من لم يجمع على تركه [157] . وعلى هذا القول يكون في قول من أطلق الصحة [158] على سنن النسائي تساهل. وذهب بعض العلماء إلى أن المجتبى هو الذي يعتبره العلماء صحيحا، ويخرجون عليه الرجال، ويعملون في الأطراف [159] . وهذا الرأي - في نظري- جيد، ويجمع بين النظرين السابقين. وبالله التوفيق.
أما الإمام النسائي. فهو: أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي النسائي، أحد الحفاظ الأعلام، إمام في الحديث وعلله، من أئمة الجرح والتعديل، تضلع في العلوم، ومارس المعضلات من المسائل والفنون، حتى مهر وتقدم في هذا الشأن، وأصبح من حذاقه ونقاده, ولد سنة أربع عشرة- أو خمس عشرة- ومائتين من الهجرة [160] ، في خراسان، في قرية نساء، ونسب إليها.
6- سنن ابن ماجة:(34/361)
يعد هذا المصنف عند االكثيرين من العلماء، سادس الأمهات الست وقد جمع فيه الإمام ابن ماجة جماعة كبيرة من الأحاديث الضعيفة، فهو على النقيض ممن سبقه من الأئمة، وتفرد فيه بإخراج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب، وسرقة الحديث، وبعضها لا تعرف إلا من جهتهم، مثل: حبيب بن أبي حبيب، كاتب مالك، والعلاء بن زيد، وداود بن المحبر، وعبد الوهاب بن الضحاك، وغيرهم. فهو آخر الكتب الستة رتبة، بل إن بعض أهل العلم قدم عليه موطأ الإمام مالك من حيث الرتبة [161] ، وحكى على هذا الاتفاق أبوجعفر الزبيري, قال: "أولى ما أرشد إليه ما اتفق المسلمون على اعتماده، وذلك الكتب الخمسة، والموطأ، الذي تقدمها وضعا، ولم يتأخر عنها رتبة [162] .
أما ابن ماجة. فهو: أبو عبد الله محمد بن يزيد بن عبد الله، أحد علماء الأمة الأعلام طلب العلم ورحل في سبيله، سمع أئمة كبار, حدث وتدرج في العلوم إلى أن صار من حفاظ الإسلام، وعي الحديث، ونقد الأسانيد والمتون، وشارك في من العلوم. ولد سنة تسع ومائتين (209 هـ) ، ومات سنة ثلاث وسبعين ومائتين (273هـ) ، رحمه الله [163] .
7- الموطأ:(34/362)
هذا المصنف النفيس من أقدم المصنفات الحديثية، لذلك جزم الإمام الشافعي - رحمه الله - بأنه أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى [164] . ورجح الإمام البخاري أن أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر [165] ، أما كلام الشافعي - رحمه الله - فقد سرى مفعوله واستمر، فلم يكن في وقت الموطأ مثله، فلما خرج الإمام البخاري بكتابه "الجامع الصحيح"، وتلاه الإمام مسلم، وهيَّئَا من الأسباب والاحتياطات، ما جعل كتابيهما يفوقان الموطأ ويتقدمان عليه، وعلى ما تقدم حمل العلماء كلام الشافعي - رحمه الله -[166] , وإن كان من العلماء من لم يقتنع بالإجابة المذكورة، وفي رأيه أن الموطأ تقدم على الصحيحين من حيث الوجود، وهو حق، ولم يتأخر عنهما من حيث الرتبة، وفيه نظر، لأن ما فيه من المراسيل، والبلاغات من وجهة نظر الآخرين تجعله يتأخر رتبة، وهو أمر غير مؤخر للإمام مالك - رحمه الله - فهو رأس أتباع التابعين، وإمام دار الهجرة، وأهل السنة والجماعة، فضائله منشورة، ومناقبه مأثورة، ومكانته عظيمة عند المسلمين، توخى في كتابه القوي من أحاديث أهل الحجاز، ومزجه بأقوال الصحابة والتابعين [167] ، فجمع الحديث الصحيح والمراسيل والبلاغات، ومن نظر في الآخذين عن الإمام مالك كتابه الموطأ من علماء الأمة ومختلف الديار، يعلم بالضرورة أن أصحاب الحديث استفادوا من الإمام مالك، كثيرا في المعلومات الحديثية، وفي الأسلوب التأليفي، وإن بعض من ألف بعده في هذا الشأن من التابعين وأتباعهم، انتهج نهجه، واستفاد من صنيعه، ومن هؤلاء أصحاب الكتب الستة، ولا يبعد عن الواقعية من قال: إن أصحاب كتب الحديث عالة على الإمام مالك وأصحابه، فهو شيخ لجميعهم من حيث البنية الأساسية للتأليف [168] .(34/363)
أما الإمام مالك. فهو: أبو عبد الله، مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر، الأصبحي، إمام دار الهجرة، رأس المتقنين، وكبير المتثبتين اشتهر بالإمامة في الفقه والحديث، والجرح والتعديل، ومعرفة الآثار ورواتها، أحد أئمة أهل السنة والجماعة، ولد سنة ثلاث وتسعين، ومات سنة تسع وسبعين ومائة، عن عمر بلغ تسعين سنة. رحمه الله.
القسم الثاني
(الفصل الأول)
بيان عملي في الكتاب
1- نسخت المخطوطة، وهي نسخة فريدة لم أقف على سواها.
2- قمت بدراسة عن الإمام العلائي من ولادته وفاته.
3- عرفت بالمصنفات التي نبه العلائي على مواضع مشكلة فيها وبمؤلفيها بصورة موجزة.
4- حاولت ضبط النص من خلال الرجوع إلى المصنفات المنبه على مواضع فيها، ومن النقولات عن العلائي.
5- صححت الأخطاء الإملائية، وجعلتها وفق قواعد الإملاء الحديثة.
6- عندما يكون الخطأ من المتن أثبت بدلا منه الصواب، منبها عليه في الحاشية.
7- رجعت إلى مصادر المصنف وحددت مواضع الأحاديث منها.
8- شرحت بعض الكلمات الغريبة.
9- ناقشت بعض المواقف العلمية.
10- عرّفت ببعض رجال الإِسناد.
11- ذكرت بعض عبارات التعديل أو الجرح عندما يقتضي المقام البيان.
12- عرفت ببعض الأمكنة والمواقع.
13- جعلت لكل تنبيه رقما يدل عليه.
14- سجلت خاتمة للبحث.
15- أعددت الفهارس اللازمة للبحث حسب رأيي.
(الفصل الثاني)
تسمية الكتاب, ووصف نسخته الخطية
اسم الكتاب, ونسبته:(34/364)
اقتصر الكثيرون من العلماء الذين تعرضوا لترجمة العلائي، على ذكر بعض مؤلفاته الكبيرة، واكتفى البعض بالإشارة إلى أنه له أجزاء كثيرة [169] ، ولم أقف على اسم كتابنا هذا ضمن ما عدّ من مؤلفات العلائي، ونصّ عليه الأستاذ عمر كحالة، وأحال على فهرس الظاهرية، وفهرس القادرية [170] ، ولم يذكر في الأول، وما وقفت على الثاني من الفهرسين، لكن الدكتور زهير الناصر نصّ على اسم الكتاب، وأحال على تاريخ الأدب العربي ص68، ولم أقف عليه في الكتاب المذكور، ولا في تاريخ التراث، ولم يرد في كشف الظنون ضمن مؤلفات العلائي.
ما النسخة الخطية فقد صدرت بالعنوان التالي:
"كتاب التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة"
وهو ما يتفق مع ما ورد في مقدمة المصنف, إذ قال: "فهذه نكت مفيدة، تضمنت التنبيه على مواضع مشكلة، وقعت في كتب الحديث المهمات". وهذا اسم للكتاب ضمنا من غير تصريح.
أما النسبة, فلم يراودني شك في صحة نسبة الكتاب للعلائي، لثبوت النقل عنه عند الحافظ ابن حجر، وقد تقدم التنبيه على هذا والإيضاح في مواضع من الكتاب، فالتنبيهات المجملة من الأجزاء التي لم ينص على أسمائها، وهو من جملة مؤلفات العلائي- رحمه الله -.
وصف النسخة:(34/365)
التنبيهات المجملة نسخة فريدة فيما أعلم، وقد صورتها الجامعة الإسلامية تحت رقم (878) عن نسخة أصلية في مكتبة الأسكوريال بأسبانيا، وعدد أوراقها اثنتان وعشرون ورقة، وأسطر في أول الورقة الثالثة والعشرين، بدأت بقول المصنف: "بسم الله الرحمن الرحيم، وما توفيقي إلا بالله، بعد حمد الله على ما هدى إليه وألهم", وختمت بقول الناسخ: "فرغ من تعليقه العبد الفقير إلى الله تعالى المعروف باللدني, الراجي رحمة ربه وغفرانه، عيسى بن إبراهيم بن ناجي، عفا الله عنه وغفر له، وذلك من نسخة المصنف بخطه، وفرغ في مستهل ربيع الأول سنة ست وسبعين وسبعمائة بالمسجد الأقصى الشريف، بالخانقاة الفخرية [171] ، رحم الله واقفها [172] ، والحمد لله وحده، وصلى الله على نبيه محمد وآله وسلم".
وقد نسخت هذه النسخة مرة ثانية وقوبلت. لذلك قال ناسخها- رحمه الله -:
"وليس فيه سوى الغلط في اسم عثمان بن حنيف، آخر الكتاب فرغ منه محمد بن أحمد الصميدي، في ثامن شهر جمادى الأولى سنة ست وسبعين وسبعمائة (776 هـ) .
محمد بن أحمد بن الصميدى، شهرة وأصلا بلدا، والقرشي نسبا، الشافعي مذهبا، الدمشقي مولدا، وأبا وجدا، وجد جد، المصري منشأ" [173] .
مقاس الوجه من هذه المخطوطة: 17×12سم، وعدد الأسطر تسعة عشر سطرا، خطها مشرقي جيد، تقدم بيان مكان نسخها وتاريخه.
كتب عنوان الكتاب على الوجه الأول من النسخة مرتين بخط دقيق في الأولى، ومكبرا في الثانية، على نحو ما تقدم بيانه في أول الكتاب [174] ، حيث عدد الكتب التي وقف على مواضع مشكلة فيها، وذكر اسم المصنف، ثم نصّ على عدد المواضع المشكلة: ثلاثة وعشرون موضعا.
في الصحيحين خمسة مواضع، وفي البخاري - وحده - أحد عشر موضعا، وفي مسلم -وحده - موضعان، وفي الترمذي موضعان، وفي النسائي واحد، وفي أبي داود واحد، وفي الموطأ واحد.(34/366)
وكل ما تقدم كتب في النصف الأعلى من الوجه، وكتب على النصف الأول ما صورته:
مجموع
فيه ستة كتب، وكلها تصنيف صلاح الدين العلائي:
الأول: كتاب التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة في كتب الحديث كالبخاري، ومسلم، والموطأ للإمام مالك، والسنن وغيرها
. الثاني: النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح.
الثالث: الكلام في اشتراط القبول في الوقف على المعين.
الرابع: الكلام في بيع الفضولي
الخامس: منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة.
السادس: توفية الكيل فيمن حرم لحوم الخيل
وكتب على الجانب الأيسر من الوجه:
تملك لمحمد بن عبد الحق "الحمد لله من نعم الله تعالى على تملكه محمد بن عبد الحق".
وعلى الهامش بخط معاكس كتبت عدة مسائل فقهية.
التحقيق
الرموز المستخدمة في تحقيق الكتاب
خ: البخاري
صف: صحيح البخاري مع فتح الباري
م: مسلم
د: أبو داود
ت: الترمذي
ن: النسائي
جه: ابن ماجة
واعلم أن كل ترجمة لم أذكر مصدرها، فهي من التقريب وقد تكون بتصرف أحيانا.
P (45)
راموز ما كتب على الوجه الأول من المخطوطة
راموز الصفحة الأولى من المخطوطة
P (47)
راموز الصفحة الأخيرة من المخطوطة
(القسم الثالث)
تحقيق نصوص الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم. وما توفيقي إلا بالله ...
بعد حمد الله على ما هدى إليه وألهم، وأسدى من جزيل أفضاله وأنعم، والصلاة على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -:(34/367)
فهذه كتب مفيدة، تضمنت التنبيه على مواضع مشكلة، وقعت في كتب الحديث المهمات، كالصحيحين وكتب السنن وغيرها، يسر الله سبحانه التفطن لها، وقلّ من رأيته تعرض لها، فمنها ما منّ الله تعالى بحل إشكاله، وبيان الصواب فيه، ومنها ما يغلب على الظن كونه وهماً، إما من الناسخ، أو من أصل التصنيف، ومنها ما تردد النظر فيه، والانفصال عنه قريب، فذكرته ليعرف ذلك، وما لم يتوجه فيه شيء من ذلك، فتركته منبها عليه، ليظفر بالصواب فيه من سهل الله عليه ذلك فيفيده، وبالله تعالى أستعين، وعليه أتوكل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
1- فمنها: ما وقع في الصحيحين وغيرهما من طريق جماعة، عن نافع، عن ابن عمر- رضي الله عنهما - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ أمامكم حوضي [175] ما بين ناحيتيه كما بين جرباء [176] وأذرح " [177] . وهذا لفظ مسلم [178] ، وعنده من طريق عبيد الله [179] بن عمر، عن نافع نحو ذلك [180] . وزاد قال: عبيد الله: فسألته - يعني نافعا - فقال: "قريتان [181] بالشام، وبينهما مسيرة ثلاثة أيام" [182] . وتبع نافعا على هذه المسألة [183] جماعة ممن تكلم على هذا الحديث.
وقال ابن وضاح من المالكية في أذرح: "إنها فلسطين" [184] ، وفي الصحيحين أيضا: عن حارثة بن وهب - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "حوضي كما بين صنعاء والمدينة". وهذا لفظ البخاري [185] .
وقال - يعني ابن وضاح-: "سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام - رحمه الله - عن الجمع بين [186] الحديثين؟ فقال: المقدر بما بين المدينة وصنعاء، هو بحسب الطول، وبما بين جرباء وأذرح هو بحسب العرض [187] . قلت: وهذا لا يستقيم، ففي صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء " [188] .(34/368)
ومن حديث أبي ذر- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عن صفة الحوض: "عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيله " [189] .
ولذلك روى البخاري في صحيحه [190] من طريق ابن جريج، عن مجاهد، عن النواس بن سمعان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظ: "عرضه وطوله سواء كما بين أيله [191] إلى عمان" [192] الحديث.
ومثله أيضا ما روى النضر بن شميل [193] ، عن سنان بن سعد [194] ، سمعت أبا الوازع- وهو جابر بن عمرو [195]- أنه سمع أبا برزة الأسلمي [196]- رضي الله عنه - يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة إلى صنعاء، مسيرة شهر، عرضه كطوله…" [197] الحديث.
وكذلك روي [198] أيضا من حديث عبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - بإسنادين جيدين، روى الجميع الحافظ ضياء الدين المقدسي، في جمعه طرق أحاديث الحوض [199] ، فامتنع حينئذ الجمع الذي ذكره الشيخ عز الدين - رحمه الله -[200] ، ولكن حديث ابن عمر [201] وقع فيه اختصار (فدعه فيه) [202] اقتضاه قصد من سمعه حينئد لما مع شغله عن إدراك جملة الحديث، فحصل الوهم فيه لعامة من بعده، وقد روى الحافظ ضياء الدين في الكتاب المذكور بسند جيد إلى سليمان بن بلال [203] ، ثنا إبراهيم بن أبي أسيد [204] ، عن جده [205] ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا [206] أنا هلكت [207] فإني فرطكم على الحوض"قيل: يارسول الله، وما الحوض؟ قال: "عرضه مثل ما بينكم وبين جرباء وأذرح، بياضه بياض اللبن ... " [208] وذكر بقية الحديث.
وإبراهيم بن أبي أسيد هذا، قال فيه أبو حاتم: محله الصدق، ولم يتكلم فيه أحد" [209] ، وجده أبو أسيد - بفتح الهمزة وكسر السين- قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: "أظنه سالما البراد" [210] .(34/369)
قلت: وسالما هذا وثقه يحيى بن معين [211] ، وقال أبو حاتم: "كان من خيار المسلمين" [212] لكن كنيته أبو عبد الله [213] ، وقد ذكر شيخنا المزي في الأطراف أن حديث الحوض هذا رواه أحمد بن صالح [214] ، عن أبي ضمرة، أنس بن عياض [215] ، عن إبراهيم بن أسيد، عن جده أبي أسيد، عن أبي هريرة، قال: "فكأنه نسبه إلى جده"، وقد أخرج أبو داود في سننه بالسند الذي ذكراه أولا حديث "إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات" [216] . فيكون حسنا عنده على قاعدته [217] ، ففي هذا الحديث بيان لما سقط من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، وهذا هو الصحيح، فإن جربا وأذرح قريتان متقاربتان جدا، بحيث يسمع أهل كل قرية النداء من الأخرى، وهما بين بلد الصنعان [218] ، وبلد الشوبك [219] , على جادة الطريق، شاهدتها [220] قريب أذرح ليلة، ولا يعرف مكان [221] يسمى بهذا الاسم غيرها. قال الحازمي: "كان أهل جرباء يهودا، كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمان، لما قدم عليه يحنة بن رؤبة [222] ، صاحب أيلة، بقوم منهم، ومن أهل أذرح، يطلبون الأمان، وهذا يدل على تقاربهما [223] ، كما شاهدته، وقول ابن وضاح في أذرح: إنها فلسطين، فوهم بلا شك. فإن الذي قال [224] الحازمي [225] والبكري [226] ، وصاحب الغريب في شرح مسلم [227] ، وغيرهم: إن أذرح مدينة في طرف الشام، في قبلة الشوبك، بينهما وبينه نحو نصف يوم، وهي في طرف الشراة، في طرفها الشمالي.
وأما اختلاف الأحاديث في تقدير مساحة الحوض، أوردنا الله إياه بفضله وكرمه، فالكلام عليها مشهور، وأحسن وجه قيل فيه: إن التقدير كان في كل وقت بحسب ما يفهم الحاضرون من المسافة، مع تقارب ذلك، وأنه نحو شهر، والمقصود منه هو التنبيه على الموضع الناقص من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما-، وإزالة الإشكال [228] عنه وبالله التوفيق.(34/370)
2- ومنها: ما رواه البخاري في كتاب المغازي [229] ، فقال: "حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة [230] ، عن حصين [231] ، عن أبي وائل [232] حدثهم مسروق بن الأجدع، حدثتني أم رومان [233] ، وهي أم عائشة - رضي الله عنها - قالت: "بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت [234] امرأة من الأنصار [235] ، فقالت: "فعل الله بفلان [236] وفعل"، فقالت أم رومان: وما ذاك؟ قالت: "ابني فيمن حدث الحديث"، قالت: وما ذاك؟ قالت: "كذا وكذا" [237] ، قالت عائشة: "سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: نعم. قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم. فخرت مغشيا عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض [238] ، فطرحت عليها ثيابها، فغطيتها، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: " ما شأن هذه؟ قلت: يا رسول أخذتها حمى بنافض قال: "فلعل في حديث تحدث به؟ [239] ؟ قالت: نعم. قالت [240] : فقعدت عائشة - رضي الله عنها - فقالت: "والله لئن حلفت لا تصدقوني، ولئن قلت لا تعذروني، مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه [241] ، والله المستعان على ما تصفون". قالت: فانصرف, ولم يقل شيئا، فأنزل الله عذرها [242] ، قالت: "بحمد الله، ولا بحمدك، ورواه [243] أيضا في أحاديث الأنبياء [244] ، عن محمد بن سلام، ثنا ابن فضيل [245] ، ثنا حصين [246] ، عن شقيق، عن مسروق، قال: سألت أم رومان، وهي أم عائشة - رضي الله عنهما- عما قيل فيها [247]- قالت: "بينا أنا مع عائشة جالسة". وذكرت نحو ما تقدم. فهذا السياق فيه مخالفة كبيرة لما رواه ابن شهاب [248] ، عن عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، كلهم عن عائشة - رضي الله عنها -، القصة بطولها، وهي في الصحيحين [249] ، وسائر الكتب، ولا يلتئم الجمع بينهما، وكذلك رواية أبي أسامة [250] عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، قريبة من رواية الزهري، وقد أخرجاه [251] أيضا، وتباين طريق(34/371)
مسروق هذه (وقال:) [252] كنت مهما أستغرب هذا السياق, لا أعرف له علة، إلى أن ظفرت للحافظ أبي بكر الخطيب بكلام عليه [253] , تبين أنه مرسل [254] ، لأن أم رومان - رضي الله عنها - توفيت في ذي الحجة سنة ست من الهجرة [255] ، بعد قضية الإفك، بأشهر قليلة، قال ذلك الزبير بن بكار، والواقدي، وأبو حسان الرمادي [256] ، وإبراهيم الحربي [257] وقد روى عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد [258] ، عن القاسم بن محمد، عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: "لما دفنت أم رومان, قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين، فلينظر إلى هذه " [259] . ورواه ابن أبي عدي، عن حماد بن سلمة، فجعله من مسند عائشة - رضي الله عنها -.
ومنهم من أرّخ وفاتها سنة خمس، والأول أصح [260] إذا [261] ثبت أنها توفيت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يصح [262] أن يسمع منها مسروق، ولو سمع منها بالمدينة - كان يكون [263]- صحابيا، ولا خلاف في أنه لم يقدم المدينة إلا بعد [264] وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلى خلف أبي بكر - رضي الله عنه -، وسمع ممن بعده [265] ، فيتعين أن تكون روايته هذه مرسلة [266] .
وقد رواه [267] أحمد بن حنبل في المسند من طريق علي بن عاصم، وابن جعفر الرازي، كلاهما عن حصين، عن أبي وائل، عن مسروق عن أم رومان بلفظ: (عن) [268] . قال الخطيب: "وهذا هو الصحيح [269] وتصريح (حصين فيه) [270] بالحديث، والسؤال فيما رواه البخاري، لعله كان في حال اختلاطه في آخر عمره.(34/372)
قال: "وقد رواه أبو سعيد الأشج" [271] ، عن ابن فضيل، بسند البخاري. فقال فيه: "قال: (سئلت [272] أم رومان) فذكر القصة، قال الخطيب: "كتبت (سألت) بالألف على اصطلاح من يجعل الهمزة في الخط ألفا، وإن كانت مكسورة، أو مضمومة" [273] . قلت: ولا يتأتى هذا التأويل في قول مسروق: (حدثتني أم رومان) . كما رواه البخاري [274] ، من طريق أبي عوانة.
فالأولى رد الوهم فيه إلى حصين بعد اختلاطه [275] ، والحاصل أن هذا الحديث منقطع بين مسروق وأم رومان [276] ، وقد ذكر شيخنا المزي في الأطراف [277] ، أن بعض الرواة، رواه عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، عن أم رومان. قال: "وهو أشبه بالصواب " [278] .
وأما ذكر إبراهيم الحربي، أن مسروقا كان يسأل أم رومان وله خمس عشرة سنة، فهو وهم [279] منه [280] . قال محمد بن سعد وجماعة: "توفي مسروق سنة ثلاث وستين [281] . وقال أبو نعيم: "سنة اثنتين وستين" [282] وذكر الفضل بن عمرو أن مسروقا حين مات، كان له ثلاث وستون سنة [283] ، فيكون عمره عند موت أم رومان - رضي الله عنها - نحو سبع سنين [284] ، وإبراهيم الحربي ممن أرّخ وفاة أم رومان سنة ست [285] في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخفي عليه ذلك [286] ، كما خفيت هذه العلة على الإمام البخاري - رحمه الله -[287] ، وحصل بسبب هذا الإرسال المخالفة في متن الحديث كما تقدم [288] .(34/373)
3- ومن ذلك أيضا: قوله: (امرأة من الأنصار) ، وإنما كانت هذه أم مسطح، وليست من الأنصار [289] ، وكان إخبارها بذلك عائشة - رضي الله عنها - حين خرجوا إلى المناصع [290] ، ثم كانت القصة من حين بلغ عائشة - رضي الله عنها - الخبر، إلى أن نزلت براءتها في أيام متعددة، كما دلت عليه تلك الروايات المتصلة، ومقتضى حديث أم رومان أن كله كان في بعض يوم [291] ، إلى غير ذلك من وجوه [292] الاختلاف، والاعتراض بحديث مسروق هذا على الإمام البخاري أقوى مما اعترض به عليه ابن حزم في إخراجه حديث شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس في قصة المعراج، أنه جاؤا ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وذكر القصة [293] .(34/374)
قال ابن حزم: "لا خلاف في أن الإسراء كان بعد النبوة بمدة [294] وأوّل بعضهم قوله: "قبل أن يوحى إليه"، أي في شأن الصلوات أو الإسراء ونحو ذلك، والتزم الشيخ شهاب الدين أبو شامة وغيره، بسبب هذه الرواية [295] أن الإسراء كان مرتين، مرة قبل النبوة بروحه، ومرة بعدها بالجسد، وهذا ضعيف جدا، إذ كيف يجوز أن يحفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -[296] هذه القصة بطولها، ويعرف جبريل، وفرض الصلوات عليه، وعلى أمته، ثم لما جاءه - صلى الله عليه وسلم - جبريل بالوحي أوّل النبوة يقول لخديجة - رضي الله عنها- "لقد خشيت على نفسي"، إلى غير ذلك مما روى عنه - صلى الله عليه وسلم - أوّل النبوة، من سؤال ورقة، وأصحاب خديجة - رضي الله عنها - (أمر جبريل بكشف قناعها) [297] . فهذا التجويز الذي قاله أبو شامة، يطرّق للمحدثين الطعن في النبوة، ولكن لحديث شريك بن أبي نمر مخرج حسن ظاهر، لم أر أحدا تنبه له، وهو في نفس الحديث عند البخاري من طريقه، قال: سمعت أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول عن ليلة أُسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أوسطهم: "أيهم هو" [298] ؟ فقال أوسطهم: "هو خيرهم ". فقال آخرهم: "خذوا خيرهم"، فكانت [299] تلك الليلة، فلم يروه حتى أتوه ليلة أخرى [300] ، فيما يرى قلبه، وكانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه، فوضعوه عند بئر زمزم ". ثم ذكر القصة بطولها، في شق قلبه [301] ، ثم الإسراء به [302] .
فيكون الذي وقع قبل النبوة تلك الليلة الأولى فقط [303] ثم إنما جاؤوا في الليلة الأخرى بعد [304] ، وليس فيها ما يشعر بأنها كانت قبل أن يوحى إليه، فاندفع حينئذ ما اعترض به ابن حزم، وما ترتب على ذلك من الالتزام الذي التزمه أبو شامة وغيره.(34/375)
نعم, وقع في حديث شريك هذا، في كتاب لبقية الروايات عن أنس في عدة مواضع، ومنها جعله في المقام، ولهذا (أعرض) [305] مسلم عن سياق حديثه، بل ذكره سنده بعد سياق الحديث من طريق ثابت، عن أنس، وقال في سند: شريك، فقدم وأخر، وزاد ونقص [306] . والمقصود إنما هو دفع ما اعترض به على قوله ذلك "قبل أن يوحي الله"، والله أعلم.
4- ومنها: ما وقع في حديث الإفك الذي رواه ابن شهاب، عمن تقدم من شيوخه، عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قام على المنبر فقال:
"يا معشر المسلمين، من يعذرني في رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي " الحديث. فقام سعد بن معاذ الأنصاري - رضي الله عنه - فقال: "أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس، ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج، أمرتنا ففعلنا أمرك"، قالت: فقام سعد بن عبادة - وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية - فقال لسعد بن معاذ: "كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تعذر على قتله"، فقام أسيد بن حضير- وهو ابن عم سعد بن معاذ - فقال لسعد بن عبادة: "كذبت لعمر الله لنقتلنه" [307] الحديث. هذا لفظ مسلم، من طريق يونس ومعمر عن الزهري، وقال: "السياق لمعمر" [308] . ثم رواه من حديث فليح بن سليمان، عن الزهري، ومن طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه [309] ، عن صالح بن كيسان، عن الزهري [310] .
وأخرجه البخاري في المغازي [311] ، عن عبد العزيز [312] بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد. وقال فيه: "فقام سعد أخو بني عبد الأشهل فقال: "أنا يا رسول الله ... "ثم ذكر سعد بن عبادة، ثم قال: "فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد". ورواه في التفسير من طريق يونس، عن الزهري [313] ، بمثل حديث مسلم، وصرح فيه بنسبس سعد بن معاذ، وكلامه يومئذ.(34/376)
ووجه الإشكال، أن قضية الإفك كانت في مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة بني المصطلق، وكانت غزوة بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة. قاله ابن إسحاق [314] ، وأبو حاتم بن حبان [315] وابن حزم [316] ، وجماعة كثيرون [317] ، وكان سعد بن معاذ - رضي الله عنه - قد مات قبل ذلك بمدة، لأنه توفي عقيب غزوة الخندق، بعد حكمه في بني قريظة [318] ، وكانت غزوة الخندق في شهر ربيع الأول سنة خمس [319] على ما ذكر ابن إسحاق، وقال موسى بن عقبة: "كانت في شوال سنة أربع" [320] ، ورجح هذا ابن حزم لما في الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني، ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني [321] ، وغزوة أحد كانت في شوال سنة ثلاث بلا خلاف، فتكون [322] وفاة سعد بن معاذ - رضي الله عنه - على هذا القول أقدم [323] ، مما قال ابن إسحاق، والمدة بين ذلك وبين قصة الإفك أطول، لكن ذكر البخاري في صحيحه، عن موسى بن عقبة - أن غزوة بني المصطلق - كانت سنة أربع [324] ، ومع ذلك فقد ذكر موسى بن عقبة في مغازيه أن غزوة الخندق، وبني قريظة، كانتا قبل غزوة بني المصطلق [325] ، فيكون وفاة سعد بن معاذ قبل ذلك على قوله أيضا [326] ، وذكر ابن هشام في السير عن ابن عمرو المدني أن غزوة بني المصطلق كانت بعد بني النضير، قبل الخندق، وعلى هذا فلا إشكال [327] .
وحديث الإفك رواه ابن إسحاق في مغازيه، عن ابن شهاب [328] ، عن أشياخه. قال: "وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير [329] ، عن أبيه [330] ، عن عائشة.(34/377)
(ح) وعبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة. فذكر القصة بطولها، وجعل المحاورة فيها بين أسيد بن حضير، وسعد بن عبادة فقط، ولم يذكر سعد بن معاذ أصلا، بل أسيد بن حضير هو القائل: "يا رسول الله، إن لم يكن من الأوس نكفكم، وإن يكن من إخواننا الخزرج فمرنا بأمرك". وذاكرت الحافظ أبا الحافظ أبا عبد الله الذهبي بهذا، فذكر لي أن المتكلم أولا يومئذ من الأوس: عباد بن بشر، وجاء كذلك في رواية - ولم أقف على هذه الرواية إلى الآن - والله سبحانه أعلم.
5- ومنها: أن السياق الذي ذكره البخاري في قضية الإفك في كتاب المغازي [331] قال فيه: "ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريرة، فقال: أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟ فقالت له بريرة - رضي الله عنها -: "والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمراً قط أغمضه"الحديث. وكذلك هو أيضا في صحيح مسلم [332] ، وغيرهما - و [333] أيضا في عدة طرق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للعباس - رضي الله عنه -: "يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة، وبغض بريرة مغيثا"؟ ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها: "لو راجعتيه؟ "قالت: تأمرني؟ …" [334] الحديث، وذلك لما خيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد العتق فاختارت.(34/378)
وأقدر وجه هذا الإشكال، أن عائشة -رضي الله عنها- اشترت بريرة بشرط العتق، كما دلت عليه الروايات، اتفق عليه الفقهاء، وأقامت عند عائشة –رضي الله عنها - تخدمها، وقد تقدم أن قصة الإفك كانت سنة ست، أو سنة سبع، أو سنة أربع، على قول موسى بن عقبة [335] ولعل الأوّل أرجح، وقد كانت بريرة - رضي الله عنها- مقيمة عند عائشة - رضي الله عنها- من قبل ذلك بمدة، ولذلك سألها النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها، ومجيء العباس - رضي الله عنه- إلى المدينة وإقامته بها، إنما كان في أواخر سنة ثمان، لأنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مهاجرا، فلقيه بطريق مكة متوجها إليها ومن الفتح، فرجع معه وشهد فتح مكة، وحنين، والطائف، ثم جاء بعد إلى المدينة، وحينئذ قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا تعجب من حب مغيث بريرة". وإنما كان قبل ذلك مقيما بمكة، والظاهر [336] أن هذا كان قريبا من فراق بريرة إياه، واختيارها نفسها، فيلزم من هذا أن يكون عتقها تأخر عن شرائها، وهو بعيد جدا، إذ لا يظن بعائشة [337]- رضي الله عنها- أنها تشترى جارية بشرط العتق، ثم يتأخر عتقها عن الشراء مدة طويلة، بل ولا يقرها النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وقد يقال: إن أصل المراوضة في بيعها كان بشرط العتق، ثم ابتاعتها بدون ذلك، وتأخر عتقها إلى أن قدم العباس- رضي الله عنه-، ولكنه بعيد أيضا، إذ لم يفهم العلماء في كل عصر من قصة بريرة إلا أنها بيعت بشرط العتق، وأقرب من هذين, أن يقال: إن محبة زوجها إياها امتدت زمنا طويلا إلى مجيء العباس، وبقي فسألها الرجعة، وفي صحيح البخاري كتاب العتق [338] ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "اشتريت بريرة فاشترط أهلها ولاءها، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أعتقيها، فإن الولاء لمن أعطى الورق"، فأعتقتها فدعاها النبي - صلى الله عليه وسلم - فخيّرها من زوجها، فقالت: لو أعطاني كذا(34/379)
وكذا ما بقيت عنده، فاختارت نفسها". ففي هذا أن العتق كان عقيب الشراء، وكذلك التخيير، فلم يبق إلا أن حب زوجها استمر زمنا طويلا، وبه يزول الإشكال [339] . والله أعلم.
6- ومنها: ما قال البخاري في كتاب الجهاد، من صحيحه [340] ، باب من غزا بصبيّ للخدمة: "حدثنا قتيبة [341] ، حدثنا يعقوب [342] ، عن عمرو [343] ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي طلحة: "التمس (لي) [344] غلاما من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر"، فخرج بي أبو طلحة (مردفي) [345] وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل ... "، وذكر بقية الحديث. وهو مشكل لأن ظاهره يقتضي أن ابتداء خدمة أنس للنبي - صلى الله عليه وسلم -[346] كانت يومئذ، وليس كذلك، بل هي من أول مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، قال محمد بن عبد الله الأنصاري [347] : حدثني حميد، عن أنس - رضي الله عنه - قال: "لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة أخذت أم سليم بيده فقالت: يا رسول الله، هذا أنس غلام، كاتب لبيب يخدمك، فقبلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى أحمد [348] في السنة عن إسماعيل بن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: "لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة أخذ أبو طلحة بيدي، فانطلق بنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن أنسا غلام كيّس فيخدمك، قال: فخدمته في السفر والحضر" [349] .(34/380)
وفي صحيح مسلم [350] ، من حديث حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس أنه قال: "خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين ... "الحديث فهذا هو الصحيح، ثم إن تبويبه باب من غزا بصبي، وقول أنس: "وأنا غلام راهقت الحلم"مشكل [351] أيضا؛ ففي الصحيحين [352] من طريق الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وأنا ابن عشر سنوات ومات وأنا ابن عشرين"، فيكون عمر أنس عام خيبر نحو سبع عشرة سنة، لأنها كانت فيما ذكر ابن إسحاق [353] وغيره، في أول سنة سبع، وقد أعاد البخاري الحديث بهذا اللفظ أيضا في كتاب الأطعمة [354] عن قتيبة، عن إسماعيل بن جعفر [355] ، وعمرو بن أبي عمرو [356] ، وكان الوهم فيه من عمرو بن أبي عمرو، فإنه وإن روى عنه مالك، واحتج به الشيخان، فقد قال فيه يحيى بن معين، والنسائي [357] : "ليس بالقوي" [358] . وقال أبو داود: "ليس بذاك" [359] , وقال (الجوزجاني) [360] : "مضطرب الحديث" [361] . وهذا وإن كان متوقفا عنه بإجماع الشيخين - على إخراج -[362] حديثه، فهو يؤثر [363] فيما خرج عند معارضة من هو أحفظ منه وأتقن كالزهري، - وثابت البناني فيما تقدم -[364] والله أعلم.(34/381)
7- ومنها: ما روى البخاري أيضا في كتاب الجهاد [365] : "حدثنا حفص بن عمر الحوضي، ثنا همام [366] ، عن إسحاق [367] ، عن أنس- رضي الله عنه - قال: "بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أقواما من بني سليم إلى بني عامر، في سبعين، فلما قدموا قال لهم خالي [368] : أتقدمكم ... " وذكر قصة بئر معونة [369] ، هكذا تتبعته في عدة نسخ من الأصول، "من بني سليم"، وهو غلط، إما من النساخ [370] ، أو من بعض الرواة [371] , وغفل عنه المصنف [372]- رحمه الله -، لأن الذين استشهدوا ببئر معونة كانوا من الأنصار، لكن المبعوث إليهم هم بنو سليم، وهم رعل وذكوان، وعصية، وبنو لحيان، وكلهم بطون من بني سليم، وقد رواه البخاري – أيضا - في المغازي [373] ، عن موسى بن إسماعيل، عن همام، ولم يقل: (من بني سليم) [374] . وأخرجه- أيضا- من طريق فيها عن أنس - رضي الله عنه - "أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عدوهم، فأمدهم بسبعين من الأنصار، كما كنا [375] نسميهم القراء في زمانهم، كانوا يخطبون بالنهار، ويصلون بالليل، حتى - إذا -[376] كانوا ببئر معونة، قتلوهم وغدروا بهم ... " [377] الحديث. فهذا هو الصواب، وهو المعروف في جميع الكتب [378] .(34/382)
8- ومنها: ما رواه مسلم في أوّل كتاب الجنائز من صحيحه [379] ، من طريق - عمر -[380] بن كثير بن أفلح، عن ابن سفينة [381] ، عن أم سلمة قالت: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول - ما أمره الله عز وجل -: [382] إنا لله وإنا إليه راجعون [383] ، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا منها" قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أوّل بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قلتها"الحديث هكذا وقع في جميع النسخ، وهو غلط، وصوابه: "أوّل بيت هاجر إلى الله"، وزيد فيه لفظة (رسول) , وهما: إما من النساخ، أومن بعض الرواة، فإن أبا سلمة - رضي الله عنه - كان بمكة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أول من هاجر من مكة إلى أرض الحبشة، مع زوجته أم سلمة - رضي الله عنهما - فلم تكن هجرته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك أيضا هجرته إلى المدينة ثانيا، فإنه رجع بأهله إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مقيم بعد مكة، قال ابن إسحاق: "هو أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[384] فلم تكن هجرته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[385] ، ولم ينبه على هذا أحد من شراح كتاب مسلم. والله أعلم.(34/383)
9- ومنها: حديث عبد بن مسعود - رضي الله عنه - قال:"إن قريشا لما استعصوا على النبي - صلى الله عليه وسلم -[386] قال:"اللهم أعني عليهم بسنين كسني يوسف"، فأخذتهم سنة أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد [387] ، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد [388] ، فأنزل الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِين, يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [389] فأتاه أبو سفيان [390] . فقال: "إن قومك - هلكوا فادع [391]- الله أن يكشف عنهم، فدعا فسقوا، فنزلت: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [392] ، فلما أصابتهم الرفاهية عادوا - إلى كفرهم -[393] ، حين أصابتهم الرفاهية فأنزل الله: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [394]- قال -[395] يعني يوم بدر، اتفقا عليه [396] , وأخرجه البخاري في مواضع. منها: كتاب الاستسقاء، من طريق سفيان الثوري، عن منصور [397] والأعمش [398] ، عن أبي الضحى [399] ، عن مسروق [400] ، عن عبد الله بن مسعود، ثم قال في آخره: "وزاد أسباط [401] عن منصور:"فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسقوا الغيث، فأطبقت عليهم سبعا، وشكا الناس كثرة المطر، فقال: "اللهم حوالينا ولا علينا، فانحدرت السحابة عن رأسه، فسقى الناس حولهم" [402] . أما ما يتعلق بقول ابن مسعود - رضي الله عنه - في تفسير الدخان الذي ذكر في الآية - بما حكى - فقد خالفه فيه جماعة من الصحابة، منهم علي، وابن عمر، وابن عباس [403] وأبو هريرة - رضي الله عنهم- فقالوا: [404] إن الدخان كبير (يورى النيران) [405] ، لم يأت بعد، بل يجيء في آخر الزمان، من أشراط الساعة، وهذا هو الصحيح - إن شاء الله تعالى -، لما روى مسلم، عن حذيفة بن أسيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:(34/384)
"لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج [406] ، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن, تطرد الناس إلى محشرهم" [407] ، فهذا نص صريح في أن الدخان لم يأت بعد، وجاء فيه مفسرا أيضا حديثان، لا أعرف الآن سندهما، أحدهما: عن حذيفة - رضي الله عنه - أن النّبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(34/385)
"من أشراط الساعة: دخان يمكث في الأرض أربعين يوما" [408] . والآخر: عن ابن مسعود نحوه. وزاد: "فيأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ويدخل جوف الكافر والمنافق حتى ينتفخ" [409] . وذكر بعض الأئمة في الجمع بين هذه الأحاديث وقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "أن الدخان اثنان، أحدهما: وقع في زمن النبوة لأهل مكة - كما ذكر ابن مسعود - والآخر: من أشراط الساعة"، ولا يخلو هذا من نظر. فإن الذي رآه أهل مكة ليس حقيقة [410] ، الدخان بل شيء كهيئته يخيل إليهم من الجهد والجوع، وأيضا فغزوة بدر كانت على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وهذا الجهد الذي أخذ أهل مكة لم يكن والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرهم قطعا، بل بعد الهجرة, ومقتضى قول ابن مسعود - رضي الله عنه - أن أهل مكة أصابتهم سنة شديدة ثم أخصبوا وكابدوا تعدّي حال الجهد، فعادوا بعده. وأن الله عز وجل وعدهم بعد ذلك بيوم بدر، ومقتضى هذا أن تكون آيات الدخان مدنية، ولم يعدها أحد من أمته كذلك أصلا [411] . وأيضا في الصحيحين عن أبي هريرة أنه شهد القنوت من النبي [412]- صلى الله عليه وسلم -: "اللهم انج الوليد بن الوليد…". الحديث، وفيه: "اللهم اشدد وطئتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف" [413] قال: "ثم رأيته ترك الدعاء بعد ذلك، هذا يدل على أن دعاءه بسنين كسني [414] يوسف، كان بعد إسلام أبي هريرة، وغنما أسلم بعد بدر [415] ، والكلام في هذا مشهور، والمقصود الإشكال ما ذكره البخاري في قضية الاستسقاء لأهل مكة [416] ، فإنه - والله أعلم - وهم دخل به حديث في حديث من بعض الرواة [417] ، ودام المطر سبعا، ثم الدعاء بكشفه إنما كان لأهل المدينة، ومن حولهم من المسلمين، كما رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه -، من عدّة طرق عنه، وأن السائل لذلك كان من المسلمين، قاله يوم الجمعة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر كما هو مشهور في(34/386)
دواوين الإسلام [418] ، وإلا فإذا دعا لأهل مكة بالمطر أي تعلق لأهل المدينة به حتى يسألوا كشفه عنهم؟. فالقصتان كل منهما منفصلة عن الأخرى [419] ، والله سبحانه أعلم.
10- ومنها: ما رواه الترمذي، من طريق عبد الرحمن بن مروان بن غزوان "أبي" [420] نوح ثنا يونس بن أبي إسحاق [421] , عن أبي إسحاق [422] عن أبي بكر بن [423] أبي موسى عن أبيه [424]- رضي الله عنه - قال: "خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا، فحملوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يمرون فلا يخرج إليهم، ولا يلتفت - فخرج إليهم -[425] ، فجعل يتخللهم حتى أخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هذا [426] سيد العلمين، هذا رسول رب العالمين، هذا [427] يبعثه الله رحمة للعالمين". فقال له أشياخ قريش [428] : ما علمك؟ "فقال: "إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا، ولا يسجدون إلا لنبي، وأنا أعرفه بخاتم النبوة.."ذكر الحديث. وفي آخره قال: "…أنشدكم الله أيكم وليه؟ قالوا: أبو طالب، فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب، وبعث معه أبو بكر بلالا، وزوده الراهب [429] من الكعك والزيت".(34/387)
ثم قال فيه الترمذي: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه" [430] " انتهى. وهذا الفصل الأخير غلط بلا شك، فإن أبا بكر - رضي الله عنه - كان أصغر من النبي - صلى الله عليه وسلم - قطعا بنحو ثلاث سنين، فلم يكن حينئذ ممن يتصرف بنفسه، ولا اشترى بلالا إلا بعد الإسلام، هذا ما لا خلاف فيه [431] أيضا، ثم إن كثيرا من الألفاظ فيه مخالفة، لما تضمنّته كتب السير [432] ، والمغازي، كلها في قصة بحيرا، وأيضا فالعادة قاضية [433] ، بل مثل هذه الألفاظ لو وقعت هكذا صراحة بحضور أبي طالب وجماعة من قريش، لاحتج عليهم أبو طالب بها عليهم [434] بعد زمن النبوة، ولم يكن ينساها [435] ، وعبد الرحمن بن غزوان، وإن احتج به البخاري، ووثقه جماعة، فقد قال فيه أبو حاتم بن حبان: "كان يخطئ"، يتخالج في القلب منه شيء" [436] ، وسئل أحمد بن صالح عن حديث تفرد به عبد الرحمن هذا، عن الليث [437] ، عن مالك [438] ، عن الزهري [439] ، عن (عروة) [440] [441] ، عن عائشة في قصة المماليك فأنكره، وقال: "هو موضوع" [442] ، وذكر الذهبي حديث الترمذي. وقال: "إنه منكر جدا" [443] .
11- ومنها ما روى مسلم في أواخر الفضائل من حديث (عكرمة بن عمار) [444] عن سماك الحنفي أبي زميل [445] ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان، ولا يقاعدونه، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا نبي الله - ثلاث -[446] أعطيتهن؟، قال: نعم. قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها. قال: نعم. قال: ومعاوية تجعله كاتبا، قال: نعم. قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: نعم " [447] .(34/388)
وهذا أحد الحديثين الذين اعترض - ابن حزم عليهما -، وقال: "ليس في الكتابين شيء دخل الوهم فيه على الشيخين غيرهما، والآخر: حديث شريك بن أبي نمر في قصة المعراج - وقد تقدم -[448] والذي اعترض به على حديث ابن عباس هذا، أنه لا يختلف اثنان من أهل العلم بالأخبار، أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما زوج أم حبيبة - رضي الله عنها - قبل الفتح، وإسلام أبي سفيان، وهي كانت بأرض الحبشة يومئذ، وأبوها كافر بمكة، والذي زوجها منه النجاشي وأصدقتها عنه، هذا ما لا شك فيه، قال: "والآفة فيه عن عكرمة بن عمار، وبالغ في ذلك، حتى جعل الحديث موضوعا، ونسب الوضع فيه إلى عكرمة [449] ، وهو خطأ فاحش، فإن أحدا لم ينسب عكرمة [450] إلى الوضع، وقد وافقه جماعة، واحتج به مسلم كثيرا، ولكنه وهم فيه، قال فيه البخاري: "لم يكن له كتاب، فاضطرب في حديثه" [451] ، وقال فيه أحمد بن حنبل: "مضطرب الحديث ". وقد أجاب جماعة [452] عن اعتراض ابن حزم بتأويل قول أبي سفيان: "أزوجكها"على أنه طلب تجديد العقد، فربما كان يرى عليه غضاضة في تزويج ابنته من غير رضاه، أو توهم أن إسلامه يقتضي تجديد العقد، وخفي ذلك عليه كما خفي على من هو أقدم إسلاما منه أحكام كثيرة، وأوّلوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له في جوابه: "نعم", على أن مقصودك يحصل وإن لم يكن بحقيقة العقد، لأنه لم ينقل تجديد أصلا، ولا ريب بعد هذه التأويلات، لأن ألفاظ الحديث صريحة في إنشاء العقد [453] ، لا في تجديده، وسمعت بعض الحفاظ يذكر أن التي عرضها أبو سفيان ابنته الأخرى، التي عرضتها عليه (أختها) [454] أم حبيبة - رضي الله عنها - في الحديث المشهور في الكتابين [455] ، ويرد على هذا كله قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم" في جواب ذلك، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقول ذلك فيما لا يفعله، وقد قال لأم حبيبة - رضي الله عنها- لما عرضت أختها عليه: "إن ذلك لا يحل لي"، وأيضا لم ينقل(34/389)
أحد البتة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمّر أبا سفيان على جيش أصلا، فرد الحديث بالوهم أولى من تأويله بالمستكره من الوجوه [456] . والله أعلم.
12- ومنها: ما رواه البخاري في كتاب العتق [457] ، عن بشر بن محمد، عن ابن المبارك [458] عن يونس [459] ، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[460] : "للعبد المملوك الصالح أجران، والذي نفسي بيده، لولا الجهاد في سبيل الله، والحج - وبر أمي- لأحببت أن أموت وأنا مملوك " [461] . فهذا الفصل الأخير [462] مدرج في الحديث من قول أبي هريرة قطعا، ولا يجوز أن يكون من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو يستحيل عليه أن يتمنى كونه مملوكا، وأيضا فلم يكن له أم يبرها [463] ، وكأن البخاري لم يبين كونه من قول أبي هريرة - رضي الله عنه - لظهور ذلك، وأنه لا يجوز أن يكون من تتمة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، والحديث في صحيح مسلم، من طريق ابن وهب، عن يونس، ولفظه: "والذي نفس أبى هريرة بيده" [464] . وكذلك رواه الحافظ الخطيب من طريق حبان بن موسى، عن ابن المبارك، بسند البخاري، فأبقي به الإدراج الموهم. وبالله التوفيق.(34/390)
13- ومسألة أيضا: ما روى الترمذي في كتاب الزهد من جامعه [465] ، من طريق إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد عن مورق العجلي [466] ، عن أبي ذر- رضي الله عنه-: أن [467] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطّت [468] السماء، وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك ساجد - وددت أني كنت شجرة تعضد - " [469] . وقال فيه: "هذا حديث حسن غريب " [470] . ويروى عن أبي ذر موقوفا. فهذا الفصل المشتمل على (التمني) [471] آخر الحديث لا يجوز أن يكون من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عظم منزلته عند الله تعالى، وما جعل الله على يديه من هداية الأمة، وما أعلمه الله به من منزلته يوم القيامة، وأنه مغفور له ما تقدم وما تأخر، إلى غير ذلك، بل هو من قول أبي ذر- رضي [472] الله عنه-، بيّن ذلك القاضي عياض وغيره، وأنه روى ذلك مصرحا به أنه من قول أبي ذر [473] ، وأدرج في الحديث، إن لم يكن كله موقوفا، وفي كون أوّله موقوفا نظر أيضا، إذ لا يقول أبي ذر [474]- رضي الله عنه -: "إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون " [475] ، بل هذا ظاهر في أنه كلام النبوة، فوهم من وقف جملة الحديث، كما وهم من أدرج الفصل الأخير فيه، والأقوى التفصيل. والله أعلم.
14- ومنها: ما روى البخاري في كتاب المحاربين [476] ، حدثنا محمود [477] ، حدثنا عبد الرزاق [478] ، أنا معمر [479] ، عن الزهري، عن أبي سلمة [480] ، عن جابر - رضي الله عنه -: "أن رجلا من أسلم [481] جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعترف بالزنا"، فذكر الحديث, وقال في آخره "فرجم حتى مات", فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - خيرا، وصلى عليه ".(34/391)
ومحمود شيخ البخاري هذا: ابن غيلان، وقد تفرد بهذه الزيادة، أعني الصلاة عليه، فقد رواه أبو داود [482] ، عن محمد بن المتوكل والحسن بن علي. والترمذي [483] عن الحسن علي، والنسائي [484] (عن) محمد بن رافع، (…) [485] ، ونوح بن حبيب. وأخرجه البيهقي [486] من طريق أحمد بن منصور الرمادي، كلهم عن عبد الرزاق بسنده، وكلهم قالوا فيه "ولم يصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عكس ما قاله محمود بن غيلان [487] ، وقد حكم البيهقي على محمود بالخطأ [488] . وإخراج البخاري له من طريقه بهذا اللفظ عجيب، إذ كيف يخفى عليه مثل هذا, وقد قال عقيب سياقه حديث محمود: "لم يقل يونس [489] ، وابن جريج [490] عن الزهري: "فصلى عليه؟ "، قلت: وقد رواه مسلم أيضا عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن معمر وابن جريج، ومن حديث ابن [491] وهيب، عن يونس ثلاثتهم عن ابن شهاب، ولم يسق متنه، بل أحاله على حديث أبي هريرة قبله، وليس فيه ذكر صلاة [492] , والذين ذكروها (من) [493] أصحاب عبد الرزاق قالوا: إنه لم يصل وخالفهم محمود بن غيلان بإثباتها، فروايته شاذة جدا، ويذل لذلك أيضا ما في صحيح مسلم [494] ، وسنن أبي داود [495] وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري في قصة ماعز, قال: "فما استغفر له، ولا سبه"، وعند مسلم [496] أيضا في حديث سليمان بن بريدة، عن أبيه - رضي الله عنه - قال: "فأمر به فرجم، فكان الناس فرقتين، قائل يقول: لقد هلك، لقد أحاطت به خطيئته، وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز، إنه جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: اقتلني بالحجارة. قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم جلوس، فسلم ثم جلس, فقال: "استغفروا لماعز بن مالك", فقالوا: "غفر الله لماعز بن مالك", فقال - صلى الله عليه وسلم -:"لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم". وجه الدلالة من هذا أنه لو كان النبي - صلى(34/392)
الله عليه وسلم - صلى عليه لم يختلفوا فيه، وكان يمكن أن يحمل حديث محمود بن غيلان على أنه أراد الصلاة اللغوية، وهي الاستغفار المذكور في هذا الحديث آخرا، لكن لم يكن على ذلك اتفاق غيره من أصحاب عبد الرزاق عنه - بل -[497] على نفيها، وهذا الموضع من مشكلات [498] الصحيح على قاعدة أهل الحديث. والله سبحانه أعلم.
13- ومنها ما رواه النسائي في سننه الكبير، وفي المجتبي [499] أيضا قال: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد [500] ، حدثني أبيّ [501] عن جدي [502] ، حدثني جعفر بن ربيعة [503] [504] عن عبد الرحمن بن هرمز [505] عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن زينب ابنة أبي سلمة [506] ، أخبرته عن أمها أم سلمة - رضي الله عنها -: "أن امرأة من أسلم يقال لها: سبيعة، كانت تحت زوجها، فتوفي عنها وهي حبلى، فخطبها أبو السنابل بن بعكك، فأبت أن تنكحه, فقال: "ما يصلح لك أن تنكحي حتى تعتدي آخر الأجلين" [507] ، فمكثت قريبا (من) [508] عشرين ليلة، ثم نفست، فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "انكحي ". وهذا الحديث رواه البخاري في الطلاق [509] عن يحيى بن بكير [510] عن الليث بن سعد بهذا السند، وقال فيه: "فمكثت قريبا من عشر ليال، ثم جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "انكحي ", لم يذكر فيه أنها نفست بعد أن خطبها أبو السنابل كما هو في رواية النسائي [511] ، وأخرجه البخاري- أيضا- في كتاب التفسير [512] من طريق كريب، عن أم سلمة- رضي الله عنها- قالت: "قتل [513] زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى، فوضعت بعد موته (بأربعين) [514] ليلة، فخطبت فأنكحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان أبو السنابل فيمن خطبها". ففي هذا التصريح بأن خطبته إياها كانت بعد الولادة، وكذلك جاء مصرحا به في عدة طرق [515] ، عن سبيعة نفسها – رضي الله عنها-، وهو الصواب. والله أعلم.(34/393)
16- ومنها: ما رواه البخاري في الزكاة من صحيحه [516] ، عن أبي اليمان [517] ، عن شعيب [518] ، عن أبي الزناد [519] ، عن الأعرج [520] ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: "أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة، فمنع ابن جميل، وخالد بن الوليد، وعباس بن عبد المطلب ... "الحديث. وقال فيه: "وأما العباس فهي عليه صدقة، ومثلها معها ... ". وذكر بقيته ثم قال [521] بعد ذلك: "تابعه ابن أبي الزناد، عن أبيه, وقال ابن إسحاق، عن أبي الزناد: "فهي عليه ومثلها معها". انتهى كلامه، والحديث عند النسائي [522] من طريق علي بن عياش [523] ، عن شعيب بن أبي حمزة، باللفظ الذي ذكره البخاري "فهي عليه صدقة ومثلها معها", لكنه جعل الحديث من مسند عمر - رضي الله عنه -. وطريق ابن إسحاق رواها الدارقطني [524] ، من حديث يونس بن (بكير) [525] عن (ابن) [526] إسحاق، عن أبي الزناد، ولفظه: "فهي عليّ ومثلها معها". وهكذا رواية مسلم [527] ، وأبي داود [528] ، من طريق ورقاء، عن أبي الزناد. والإشكال في رواية البخاري، والنسائي: "فهي عليه صدقة". قال البيهقي [529]- رحمه الله -: "يبعد من أن يكون الذي رواه شعيب بن أبي حمزة محفوظا، لأن العباس - رضي الله عنه- كان رجلا من (صلبية) [530] بني هاشم، تحرم عليه الصدقة، فكيف يجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما عليه من صدقة عامين، صدقة عليه؟ "قلت: وبهذا يندفع ما ذكر عن بعضهم أنه قال: "أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، لأنه كان فادى نفسه وعقيلا، فكأنه كان غارما، وأيضا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - صرح بتحريم الصدقة على بني هاشم (عمرهم) [531] ، ولا يستقيم هذا التخريج على مذهب أحد من الأئمة (فيلزم معه) [532] . والوجه المرجوح في مذهبنا، أنهم إن منعوا خمس الخمس، جاز الدفع إليهم، لا يجيء هنا أيضا، لأنهم كانوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير ممنوعين قطعا، وقد أوّل(34/394)
أبو عبيد القاسم بن سلام وغيره هذه اللفظة، على أن العباس [533]- رضي الله عنه- كان سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - تأخير صدقة عامين فأرخص له النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، ولم يكن عمر- رضي الله عنه- علم بذلك، فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها غير ساقطة من ذمته، بل هي عليه باقية ومثلها، وهي زكاة العام الماضي، فيكون صدقة عطف بيان للمبتدأ، وهو الضمير المنفصل، وخبره الجار والمجرور، أي: باقية مستقرة، وهذا تأويل صحيح [534] ، لكنه يحتاج إلى دليل يقتضي ما ذكره من التأخير، وسؤاله ذلك، ثم هو معارض رواية مسلم، قال فيها: "فهي عليّ ومثلها معها". وتعتضد هذه الرواية بما روي من غير وجه، عن علي - رضي الله عنه -: "أن العباس - رضي الله عنه - عجّل صدقته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - " أخرجه أبو داود [535] ، والترمذي [536] ، وابن ماجة [537] ، من حديث الحجاج بن دينار [538] عن الحكم [539] ، عن حجين بن عدي [540] ، عن علي - رضي الله عنه -، وفي كلام الترمذي ما يقتضي تصحيحه [541] ، لكن رواه هشيم. (وعن ابن سلام) [542] وصحح أبو حاتم، وأبو زرعة [543] ، وأبو داود [544] ، وغيره قول من أرسله، ورواية هشيم [545] له، عن منصور [546] ، عن الحكم بن عتبة، عن الحسن (بن) مسلم [547] بن يناق، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعمر- رضي الله عنه- في هذه القصة: "إنّا تعجلنا صدقة مال العباس، لعامنا هذا، عام أوّل" [548] ، وروى جرير بن حازم، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي- رضي الله عنه- بالقصة. وفيها: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا عمر, أما علمت [549] أن عم الرجل صنو أبيه، إنا كنا احتجنا فاستسلفنا العباس صدقة عامين ". أخرجه البيهقي وإسناده صحيح، لكن فيه إرسال من جهة أن أبا البختري، لم يسمع من علي- رضي الله عنه-[550] . وروى أبو داود الطيالسي [551] ، عن شريك(34/395)
[552] ، وعن إسماعيل بن مسلم العبدي البصري [553] ، عن سليمان الأحول، عن أبي رافع - رضي الله عنه- "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عمر ساعيا ... "، فذكره. وفيه: "قوله - صلى الله عليه وسلم -:"إن العباس أسلفنا صدقة العام، عام الأول"، فهذه عدة طرق مرسلة، يعتضد بعضها ببعض، ويعتضد بها المسند المتقدم، وينتهي الحديث بها إلى درجة الصحة القوية، وبيّن أن الصحيح في حديث أبي هريرة رواية مسلم "فهي علي ومثلها معها". وأن رواية شعيب التي أخرجها البخاري "فهي عليه صدقة" لا يصح تأويلها المتقدم [554] فلا وجه لها. والله سبحانه أعلم.(34/396)
17- ومنها: ما روى البخاري [555] ، ومسلم [556] جميعا، في كتاب الصوم، من طريق حصين، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: "لما نزلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [557] , عمدت إلى عقال أبيض، وعقال أسود، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي, قال: (فمررت) [558] على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكرت ذلك له فقال: "إنما ذاك سواد الليل وبياض النهار"، وأخرجه البخاري [559] من حديث هشيم، ومسلم [560] من حديث عبد الله بن إدريس, كلاهما عن حصين. ثم رواه البخاري في التفسير [561] من [562] طريق أبي عوانة [563] ، عن حصين [564] ، عن الشعبي، عن عدي - رضي الله عنه - قال: "أخذ عدي عقالا أبيض، وعقالا أسود حتى كان بعض الليل نظر (فلم يستبينا) [565] ، فلما أصبح قال: "يا رسول الله، جعلت تحت وسادتي عقالين, قال: "إن وسادك (إذا) [566] لعريض، إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك ". وفي طريق جرير [567] ، عن مطرف [568] ، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟ وهذان الخيطان, قال: "إنك لعريض القفا، إن أبصرت الخيطين"، ثم قال: "لا، بل هو سواد الليل، وبياض النهار" [569] . وأخرج الترمذي في التفسير من جامعه [570] ، من حديث سفيان بن عيينة، عن مجالد، عن الشعبي عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن (الصوم) [571] قال: "حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود", قال: "فأخذت عقالين، أحدهما أبيض، والآخر أسود، فجعلت أنظر إليهما، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما هو الليل والنهار". وقال فيه الترمذي: "حديث حسن" [572] . فهذه الروايات الثلاث، فيها تقييد ذلك بنزول الآية، وهذا هو الصحيح، ومقتضى(34/397)
الرواية الأولى المتفق عليها، أن ذلك كان عند نزول الآية، وهو مشكل، لأن قدوم عدي- رضي الله عنه- وإسلامه كان بالاتفاق، في شهر شعبان من سنة سبع [573] ، ونزول الآية كان في أوّل الإسلام قبل [574] ذلك بزمن طويل، فإن الاتفاق على أن هذه الآية نزلت ناسخة لما كان عليه الصحابة في أوّل فرض الصوم، من تحريم الأكل والجماع على الإنسان بعد ما ينام [575] ، إلى أن اتفقت قصة عمر- رضي الله عنه - وقيس بن صرمة - رضي الله عنه - ونزل قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ... } [576] الآية. قال السدي وأبو العالية والربيع بن أنس: "كان ذلك في أوّل الإسلام، ثم نسخه الله تعالى" [577] ، ومعلوم أن فرض رمضان كان في سنة اثنتين من الهجرة [578] ، فيكون نزول هذه الآية [579] إما في تلك السنة، أو في سنة ثلاث، ولم ينقل أحد أن هذا الحكم تمادى إلى سنة سبع، بعد إسلام عدي بن حاتم - رضي الله عنه - وفي صحيح البخاري [580] ، من طريق أبي إسحاق السبيعي، سمعت البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: "لما نزل صوم رمضان، كانوا لا يقربون النساء، رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ ... } [581] الآية. ففي هذه الرواية – أيضا - إشعار بأن ذلك كان في أوّل - الإسلام -[582] . فالذي يظهر أن عديّا - رضي الله عنه- لما سمع الآية تأوّل فيها ما تأوله غيره من الصحابة - رضي الله عنهم [583] ، عند نزولها - كما سيأتي -، إلا أن ذلك كان عند نزول الآية، فتكون الرواية الأولى [584] حدّث بها بعض الرواة بالمعنى، ولم يتفطن الشيخان لما فيها من المخالفة، من تقييد ذلك بنزول الآية، وأيضا فالآية لم تنزل بكمالها من أوّل الأمر، بل تأخر نزول قوله [585] تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ} ، عن نزول بقيتها، فقد روى أبو حازم، عن سهل بن سعد [586]- رضي الله عنهما -(34/398)
قال: "نزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [587] ، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحد في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله {مِنَ الْفَجْرِ} ، فعلموا أنما يعني الليل والنهار"، متفق عليه، وهذا لفظ البخاري [588] ، فهذه قضية أخرى، (غير) [589] واقعة عدي - رضي الله عنه - وهي متقدمة على قصة عدي. والله أعلم.
18- ومنها: ما في الصحيحين - أيضا - من طريق الليث بن سعد، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: "حدثني أنس بن مالك - رضي الله عنه -: "أنه رأى في يد النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتما من ورق، يوما واحدا، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتم من ورق، ولبسوها، فطرح النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم". قال البخاري: "وتابعه إبراهيم بن سعد، وزياد - يعني ابن سعد- وشعيب - يعني ابن أبي حمزة- عن الزهري [590] ، وأسنده مسلم من طريق إبراهيم بن سعد، وزياد بن سعد [591] ، بهذا اللفظ، قال القاضي عياض: "قال جميع أهل الحديث: "هذا وهم من ابن شهاب، فوهم من "خاتم الذه"ب إلى "خاتم الفضة". والمعروف من روايات أنس من غير طريق ابن شهاب، اتخاذه - صلى الله عليه وسلم - خاتم فضة، ولم يطرحه، وإنما طرح خاتم الذهب، كما ذكره مسلم في باقي [592] الأحاديث" [593] قلت: اتفق عليها الأئمة الستة [594] من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما - في عدة طرق، وزاد فيه: "أن خاتم الورق استمر في يده - صلى الله عليه وسلم -، ثم كان في يد أبي بكر، ثم كان في يد عمر، ثم في يد عثمان - رضي الله عنهم - إلى أن سقط من يد عثمان - رضي الله عنه - في بئر (أريس) [595] ، فالتمس، فلم يجد".(34/399)
وفي صحيح مسلم، من رواية ابن وهب وغيره، عن يونس، عن الزهري، عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - من ورق، وفصه حبشي " [596] . وفي رواية قتادة، وعبد العزيز بن صهيب، عن أنس، نحوا من ذلك [597] ، وهذا يدل على بقائه في يده، وكأن الشيخين - رحمهما الله - إنما أخرجا الحديث الأول مع بقية الأحاديث، ليبينا ما في تلك الرواية من الوهم، وقد حاول القاضي عياض، ثم الشيخ محي الدين [598]- رحمهما الله - تأويل حديث ابن شهاب المتقدم، على أنه لما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - تحريم خاتم الذهب، اتخذ خاتم فضة، فلما لبس خاتم الفضة أراه الناس في ذلك اليوم، ليعلمهم إباحته، ثم طرح خاتم الذهب وأعلمهم تحريمه، فطرح الناس خواتيمهم من الذهب، فيكون قوله: "فطرح الناس خواتيمهم" [599] . أي: خواتيم الذهب، وفي هذا التأويل من التعسف ما لا يخفى، وتنزيل ألفاظ الحديث عليه فيه عسر، ولكنه خير من التغليط. والله الموفق.(34/400)
19- ومنها: ما رواه أبو داود في باب النهي عن أكل السباع، من كتاب الأطعمة من حديث [600] صالح بن يحي بن المقدام، عن أبيه [601] ، عن جده [602] ، عن خالد بن الوليد - رضي الله عنه - قال: "غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر، فأتت اليهود فشكوا أن الناس قد سرقوا حظائرهم, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها، وحرام عليكم حمر الأهلية، (وخيلها) [603] وبغالها، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير" [604] رواه كذلك (000) [605] عن بقية بن الوليد قال: "حدثني ثور بن يزيد [606] ، (عن صالح بن يحي) [607] . والحديث عند النسائي، وابن ماجة، والدارقطني [608] ، وغيرهم؟ من طرق عن بقية، ولم يقل أحد فيه: "عن خالد بن الوليد، غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر". عن رواية أبي داود، سوى ما جاء في رواية ذكرها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، في كتاب مختصر اللطيف قال: "حدثنا أحمد بن المقدام، ثنا عمر بن عبد الرحمن، ثنا أيوب عن يحيى بن كثير، عن رجل من أهل خيبر، عن خالد بن الوليد - رضي الله عنه - قال: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر"،- فشكا - إليه اليهود أن أصحابه يصيبون من ثمارهم, قال: "فأمرني أن أنادي: الصلاة جامعة، ولا يدخل إلا مسلم " [609] . فذكر بقية الحديث، والذي يتعلق بهذا الحديث من أصله، من الاضطراب والتضعيف، لسنا بصدده، وقد بسطته في موضع آخر، إنما نقصد هنا بيان الوهم في قولهم: "عن خالد بن الوليد - رضي الله عنه - أنه غزا خيبر مع النبي - صلى الله عليه وسلم -", وليس ذلك بصحيح, فقد جزم [610] أحمد بن حنبل، والبخاري بأنه لم يشهدها، حكاه عنهما الحافظ زكي الدين عبد العظيم في مختصر السنن [611] ، قال الحافظ شرف الدين الدمياطي [612] : "كان إسلام خالد - رضي الله عنه- بعد خيبر بتسعة أشهر، لأنه أسلم في أوّل يوم من صوم سنة ثمان،(34/401)
وغزوة خيبر كانت في جمادى الأولى سنة سبع"، قلت: وقيل: إنها كانت في المحرم، أو في صفر من هذه السنة، وقال أبو محمد بن حزم: "لم يسلم خالد إلا بعد خيبر بلا خلاف [613] ، وكأنه لم يطلع على غير ذلك، فقد قال ابن عبد البر في الاستيعاب: "قيل: كان إسلامه بين الحديبية وخيبر، وقيل: بل كان سنة خمس بعد فراغ النبي من بني قريظة، وقيل: كان في سنة ست، وقيل: بل في أوّل سنة ثمان، مع عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة - رضي الله عنهم-" [614] . قلت: هذا القول الأخير هو الصحيح المعتمد، وما سواه فليس بشيء لما سنذكره، وقد ذكر ابن عبد البر - أيضا - أن خالد بن الوليد كان على خيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية، وكانت في ذي القعدة سنة ست [615] . قلت: وهذا ضعيف، أو باطل، ففي صحيح البخاري - مسندا - عن المسور بن مخرمة - رضي الله عنهما - في قصة الحديبية بطولها. قال: "خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن خالد بن الوليد بالغميم [616] ، في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات (اليمين) [617] فو الله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة [618] الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش ... " [619] ، فهذا نص صحيح من النبي [620]- صلى الله عليه وسلم -، أن خالد بن الوليد لم يكن يومئذ مسلما، و ما - كان على خيل النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل كان على خيل قريش، فبطل بهذا أن يكون إسلامه قبل الحديبية، وقال مصعب بن عبد الله الزبيري - وإليه المرجع في أخبار قريش - في ترجمة الوليد بن الوليد -: "الصحيح أنه شهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرة القضاء، وكتب إلى أخيه خالد، وكان خالد خرج من مكة (فارا) [621] لئلا يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بمكة، كراهة الإسلام، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوليد عنه. وقال: "لو أتانا لأكرمناه وما قتله سقط عليه(34/402)
الإسلام في عمله". فكتب بذلك الوليد إلى أخيه خالد، فوقع الإسلام في قلب خالد، وكان ذلك بسبب هجرته - رضي الله عنه -، فهذا يقتضي أن إسلامه كان بعد عمرة القضاء، وكانت بعد خيبر قطعا، وقال محمد بن إسحاق في سيرته [622] ، رواية يزيد البكائي عنه: "حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس الثقفي، عن حبيب بن أبي أوس قال: "حدثني عمرو بن العاص من فيه، فذكر قصة ذهابه إلى النجاشي، وما جرى له معه، ومبايعته إياه على الإسلام، إلى أن قال: "ثم خرجت عامدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأسلم، فلقيت خالد بن الوليد وذلك قبيل الفتح (من مكة) [623] . فقلت: أين يا أبا سليمان؟ فقال: "والله لقد استقام المنسم [624] ، وإن الرجل لنبي (أذهب) [625] والله فأسلم، فحتى متى؟ "قال: فقلت: "والله ما جئت إلا لأسلم" [626] . قال: فقدمنا المدينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتقدم خالد بن الوليد، فأسلم وبايع ". وذكر بقية الحديث، وهو صحيح لتصريح ابن إسحاق فيه بالتحديث، ويزيد بن أبي حبيب مسند عن كبار رجال الصحيحين، وحبيب، وراشد مولاه، ذكرهما ابن حبان في الثقات [627] ، ولم (يضعفها) [628] أحد، فهذا سند ثابت، يقتضي صحة ما ذكره الحافظ الدمياطي، وأن إسلام خالد كان في أوّل سنة ثمان، لأن فتح مكة، كان في شهر رمضان من سنة ثمان [629] ، وإذا كان لم يسلم إلا يومئذ، فلم يشهد غزوة خيبر، ولهذا قال ابن عبد البر- بعد كلامه المتقدم -: "لا يصح لخالد بن الوليد - رضي الله عنه - مشهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الفتح [630] ، (وقد) [631] تبين بهذا كله, أن قول من قال: عن خالد في هذا الحديث: "غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر" [632] ، لا أصل له. والله أعلم.(34/403)
20- ومنها: ما روى البخاري في التفسير من صحيحه، من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي إدريس الخولاني، عن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- قال: "كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أتبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا, (وقرأ آية النساء) فمن وفي منكم فأجره على الله ... " [633] الحديث.
وهو كذلك- أيضا- عند مسلم من طريق معمر، عن الزهري. قال فيه: "فتلا علينا آية النساء" [634] . وقال البخاري في طريقه المتقدمة: "وأكثر لفظ سفيان [635] قرأ الآية [636] .
ووجه الإشكال في هذا أن هذه البيعة هي بيعة العقبة الأولى مع الاثني عشر من الصحابة للأنصار، وقد أخرجاه في الصحيحين من طريق عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، عن عبادة - رضي الله عنه - أنه قال: "إني لمن البعث الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا ... " [637] ، وذكر نحوه. وأخرجه مسلم - أيضا - من حديث أبي الأشعث الصنعاني، عن عبادة - رضي الله عنه - وفيه: "أخذ علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أخذ على النساء، أن لا نشرك بالله شيئا ... " [638] ، وذكر بقيته. فهذه البيعة الأولى [639] ، كانت قبل الثانية، وفي ليلة العقبة الثانية، شرط عليهم أن يمنعوه مما منعوا منه أزرهم، يعني نساءهم، ثم فرض القتال بعد ذلك، لما نزل قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} [640] الآية. فإذا عرف ذلك فآية بيعة النساء التي في الممتحنة مدنية بالاتفاق [641] ، إنما نزلت بعد قصة الحديبية في سنة ست، فكيف يتصور أن تتلى في بيعة العقبة الأولى قبل الهجرة، بأزيد من عامين؟! وقد يمكن تأويل الرواية المتقدمة، على أن الذي اشترطه النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة، يشبه ما في آية بيعة النساء، لكن قول الراوي: "تلا الآية"، يبعد هذا التأويل. والله أعلم.(34/404)
21- ومنها ما روى البخاري - أيضا - في باب التقنع، من كتاب اللباس [642] (حدثنا) [643] إبراهيم بن موسى، (أخبرنا) [644] هشام [645] ، عن معمر [646] (عن الزهري، عن عروة) عن عائشة [647]- رضي الله عنها - قالت: "هاجر ناس من المسلمين [648] إلى الحبشة، وتجهز أبو بكر - رضي الله عنة - مهاجرا، (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي" [649] . فقال أبو بكر- رضي الله عنه -: "أو ترجوه, بأبي أنت؟ "قال: "نعم"، فحبس أبو بكر - رضي الله عنه - نفسه على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصحبه، وعلف راحلتين"كانتا عنده، ورق السمر أربعة أشهر…"الحديث.
فقوله في هذه الرواية: "إلى الحبشة"وهم من بعض الرواة، أو سبق قلم [650] ، وصوابه "إلى المدينة". كما في سائر الروايات في غير هذا الموضع في الصحيحين [651] ، وغيرهما [652] . والله أعلم.
22- ومنها ما ذكره البخاري في كتاب الزكاة [653] ، عقيب حديث ابن عمر: "فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثريا، العشر ... " الحديث.
قال: "هذا تفسير الأول [654] ، لأنه لم يوقت في الأول - يعني حديث ابن عمر - "فيما سقت السماء العشر"، وبيّن في هذا ووقّت، والزيادة مقبولة، والمفسر يقضي على المبهم إذا رواه أهل الثبث، كما روى الفضل ابن عباس: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل في الكعبة" وقال بلال: "قد صلى" فأخذ بقول بلال، وترك قول الفضل [655] .
قلت: المشهور في الروايات أن الذي نفى كون النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى داخل الكعبة أسامة بن زيد - رضي الله عنهما -، وعنه روى عبد الله بن عباس ذلك [656] . وأما رواية الفضل فرواها محمد بن سعد، في كتاب الطبقات قال: "أنا موسى بن داود [657] ، أنا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، عن أخيه الفضل "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل البيت فكان [658] يسبح ويكبر ويدعو ولا يركع ".(34/405)
وموسى بن داود هذا، هو في خبر طرسوس، أخرج له مسلم [659] ووثقه، وقال فيه أبو حاتم الرازي: "في حديثه اضطراب " [660] . وروى هشيم (عن) [661] ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - البيت ومعه الفضل بن عباس، وأسامة بن زيد، وعثمان بن طلحة، وبلال ... " فذكر الحديث. وخالفه خالد بن الحارث، فرواه عن ابن عون، ولم يذكر الفضل بن عباس، أخرجه مسلم [662] ، ولم يأت أن الفضل كان معهم يومئذ، إلا في رواية هشيم وقد قيل فيها: "إنها شاذة [663] ، لكن في كلام البخاري المتقدم ما يقتضي تصحيح رواية موسى بن داود المتقدمة، وأن الفضل كان معهم. والله أعلم.
23- ومنها: ما روى مالك في أواخر الموطأ عن سالم أبي النضر [664] ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: "أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - يعوده. قال: "فوجد عنده سهل بن حنيف- رضي الله عنه - قال: "فدعا أبو طلحة إنسانا فنزع نمطا من تحته، فقال له سهل بن حنيف: "لم تنزعه؟ فقال: لأنه فيه تصاوير، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها ما قد علمت ". فقال سهل: "لم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا فيما كان رقما في ثوب. قال: "بلى، ولكنه أطيب لنفسي " [665] .(34/406)
قال الإمام أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار [666] : "كأن هذا الحديث منقطع، لأن عبيد الله بن عبد الله لم يدرك سهل بن [667] حنيف ولا أبا طلحة ولا حفظ له عن أحد منهما سماع، ولا له من يذكرها به، ثم احتج لذلك بأن سهل بن حنيف، مات بلا خلاف سنة ثمان وثلاثين [668] ، وصلى عليه علي - رضي الله عنه - فكبر عليه ستا، وكذلك كان يفعل بالبدريين [669] ، ثم ذكر الاختلاف في وفاة أبي طلحة، فإن بعضهم قال: إنه مات سنة أربع وثلاثين [670] ، ثم قال: "والصحيح في هذا الحديث أن (بين) عبيد الله، وبين أبي طلحة، وسهل بن حنيف فيه ابن عباس [671]- رضي الله عنهما - كذا رواه الزهري من رواية ابن أبي (ذئب) [672] وغيره. ثم روي من طريق ابن أبي (ذئب) [673] عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن أبي طلحة - رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة". ثم قال ابن عبد البر: "كأن هذا الحديث غير حديث أبي النضر". قلت: كذلك هو ولابد وحديث مالك عن أبي النضر قصة مباينة [674] لهذا الحديث المرفوع، فلا يعترض به عليها، ويجعلا واحدا. وأما عدم لقاء عبيد الله بن عبد الله الصحابيين، فهو كما ذكر في سهل بن حنيف إذ لو أدركه عبيد الله لسمع من علي - رضي الله عنه - وأمثاله [675] ، وقد حكموا على روايته عن علي بالإرسال، ولكن رواية مالك وقع فيها وهم في تسمية سهل بن حنيف إما من سالم أبي النضر، أومن الإمام مالك، وهو الظاهر، لأن النسائي روى هذه القصة في سننه الكبرى [676] , قال: أنا محمد بن وهب، ثنا محمد بن سلمة، ثنا ابن إسحاق، عن [677] سالم أبي النضر، عن عبيد الله بن عبد الله قال: "دخلت أنا وعثمان بن حنيف نعود أبا طلحة في بيته فدخلنا عليه وتحته بسط فيها صور, فقال لغلامه: أردت أن تحول هذا من تحتي. فقال له عثمان: "أو ما سمعت يا أبا طلحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(34/407)
حين نهى عن الصور. يقول: "إلا رقما في ثوب، أو ثوبا فيه رقم؟ قال: بلى, ولكنه أطيب لنفسي أن أنزعه من تحتي ".
فهذا هو الصواب - إن شاء الله تعالى- وإن كان الإمام مالك أحفظ من ابن إسحاق وأتقى ولكن الغلط قلّ أن يسلم منه أحد، ويتأيد ذلك بأن سالما أبا النضر ثقة، متفق عليه، وعبيد الله بن عبد الله أحد الفقهاء السبعة، متفق على جلالته والاحتجاج به، وقد صرح بحضور هذه القصة، ولا يحتمل سنه أن يكون ذلك مع سهل بن حنيف، فيتعين - كما قال ابن عدي - قول ابن إسحاق، وأنه عثمان بن حنيف [678] .
وقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أن عثمان بن حنيف بقي إلى زمن معاوية - رضي الله عنهما -. وحينئذ يصح (إدراك) عبيد الله له وأما أبو طلحة - رضي الله عنه -، فالقول بأنه مات سنة (أربع وثلاثين، أو ما يقاربها) ، لا يعتد به، لما روى أبو زرعة الدمشقي الحافظ عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس - رضي الله عنه -: "أنّ أبا طلحة - رضي الله عنه - سرد الصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة" [679] . وهذا إسناد صحيح وهو يصحح قول ابن المدائني [680] وغيره: أن أبا طلحة (مات) سنة إحدى وخمسين، وحينئذ فقد أدركه عبيد الله، وزال توهم الانقطاع في حديث مالك، وليس فيه سوى الغلط في اسم عثمان بن حنيف ولم ينبه على هذا الموضوع أحد. والله أعلم.
فرغ من تعليقه العبد الفقير إلى الله تعالى، المعروف باللدني الراجي رحمة ربه، وغفرانه، عيسى بن إبراهيم بن ناجي اللدني عفا الله (عنه) ، وغفر له، وذلك من نسخة المصنف بخطه، وفرغ في مستهل ربيع الأول سنة ست وسبعين وسبعمائة (776 هـ) بالمسجد الأقصى الشريف بالخانقاه الفخرية، رحم الله واقفها، والحمد لله وحده، وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم.
وليس فيه سوى الغلط في اسم عثمان بن حنيف.(34/408)
آخر الكتاب: فرغ منه محمد بن أحمد الصميدي، في ثامن جمادي الأولى سنة ست وسبعين وسبعمائة.
كتبه محمد بن أحمد بن الصميدي مشهرة, وأصلاً وبلداً, القرمشي نسباً, الشافعي مذهباً, الدمشقي مولداً, وأبا وجدا وجد جد, ومنشأ [681] .
الخاتمة
بعد حمد لله الذي تتم بنعمته وفضله الصالحات، والصلاة على رسول الله خاتم الأنبياء والمرسلين.
أقول: إن هذا البحث العلمي النفيس، قدمت فيه عملا أراه حسنا إن شاء الله, وأضفت إلى عمل المؤلف عملا رأيته يزيد البحث جمالا إلى جماله، وفوائد إلى فوائده، فأصبح البحث مكونا من ثلاثة جوانب:
الأول: يتعلق بالمؤلف العلائي- رحمه الله - قدمت فيه دراسة مستفيضة ونافعة - إن شاء الله - عن هذا العلم من ولادته إلى وفاته، وهو أمر هام يتعلق بسيرة علم من أعلام المحدثين، أجاد وأفاد في كثير من العلوم الإسلامية.
والثاني: يتعلق بالكتب التي أورد عليها العلائي بعض التنبيهات على مواضع مشكلة فيها، وبيان مكانة تلك الكتب العلمية، وما لمؤلفيها من مكانة وفضل وهي الصحيحان، والسنن الأربعة، والموطأ. وإن لم يتعرض المؤلف لشيء من سنن ابن ماجة، لكن رأيت إتمام الفائدة بالتعريف به. ولعل المصنف على رأي من يجعل الموطأ سادس الكتب الستة.
والثالث: إخراج وتحقيق ما قام به المؤلف من جهد علمي قيم له مكانته ونفاسته بين علوم الحديث الشريف، من حيث أنه يبحث في جوانب دقيقة وشاقة من حيث الرواية والدراية، وفقه المسائل المشكلة، والبحث عن مواضعها، ليس بالأمر السهل.
وهذا الباب من العلم، يعد من المضايق العلمية في الحديث فأهل العلم يسمونه مشكل الحديث، أو مختلف الحديث، ومعرفته هامة جدا لطالب العلم، إلا أنه لا يكمل لهذا الفن إلا الأئمة الذين كان لهم الباع الواسع في علوم الحديث، والفقه، والأصول، ولهم قدرة على الغوض في مجالات العلم.(34/409)
وهكذا فعل العلائي، فتتبع عددا من المواضع المشكلة، أحصاها في ثلاثة وعشرين موضعا، موزعة بين الصحيحين، والبخاري وحده، ومسلم وحده، والترمذي في سننه، وسنن أبي داود، والموطأ، ولقد أجاد وأفاد رحمه الله.
وحصلت لي مناقشات علمية دونتها في التعليقات على المواضع التي نبه عليها. منها على سبيل المثال: قضية سماع مسروق من عائشة.
وقد لاحظت على المخطوطة أخطاء إملائية، قمت بتصحيحها وفق القواعد الإملائية السليمة حسب علمي.
وفي العبارات: عدم جودة في الأسلوب، وهي قليلة جدا، اللف والنشر غير المرتب في المواضع التي نبه عليها.
هذا وإني لأرجو من الله - عز وجل- أن يكون عملي هذا ذا جدوى وفائدة، وأن يجعله عملا يدوم ثوابه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فهرس المصارد والمراجع
1- أحوال الرجال لأبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني 259هـ/ط. الأولى، 1405هـ، مؤسسة الرسالة.
2- الاستيعاب: لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر /ط. الأولى مكتبة الكليات الأزهرية.
3- أسد الغابة في معرفة الصحابة: أبو الحسن علي بن أبي الكرم بن الأثير. طهران.
4- الإصابة في تمييز الصحابة: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، 852هـ، ط. الأولى، 1396هـ. مكتبة الكليات الأزهرية.
5- أعلام النساء: عمر رضا كحالة. مؤسسة الرسالة. 1379هـ.
6- الأنس الجليل: لعبد القادر بن محمد النعيمي 927هـ، تحقيق: جعفر الحسيني، مكتبة الثقافة.
7-البداية والنهاية: إسماعيل بن كثير الدمشقي 774هـ، الثالثة. 1978م، مكتبة المعارف.
8- تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي 463 هـ. دار الكتاب العربي.
9- التاريخ الصغير: محمد بن إسماعيل البخاري 256 هـ. المكتبة الإسلامية.
10 تاريخ يحيى بن معين: (تحقيق: د. أحمد نور سيف) يحيى بن معين 233هـ، ط. الأولى 1399هـ، مركز البحث العلمي، بمكة.(34/410)
11- تحفة الأحوذي: محمد بن عبد الرحمن المباركفوري، المكتبة السلفية بالمدينة.
12- تحفة الأشراف. جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزي 742 هـ. الدار القيمة، 1384 هـ.
13- تذكرة الحفاظ: أبو عبد الله شمس الدين الذهبي 748 هـ. دار إحياء التراث العربي، بيروت.
14- تذكرة العراقي: الحافظ عبد الرحيم العراقي.
15- تقريب التهذيب: أحمد بن على بن حجر العسقلاني 852 هـ، ط. الأولى 1393 هـ. دار الكتب. باكستان.
16- تفسير ابن كثير: الحافظ إسماعيل بن كثير 774 هـ. ط. السابعة 1402هـ. دار القرآن الكريم. بيروت.
17- تفسير عبد الرزاق: الحافظ عبد الرازق.
18- تهذيب التهذيب: أحمد بن علي بن حجر 852 هـ، ط. الأولى، 1325هـ، دائرة المعارف.
19- تهذيب الكمال: الحافظ المزي.
20- توضيح الأفكار: محمد بن إسماعيل الأمير الحسني الصنعاني 1182هـ، ط. الأولى، 1366هـ، مطبعة السعادة.
21- الثقات: محمد بن حبان التميمي 354 هـ. ط. الأولى، 1393 هـ. دائرة المعارف.
22- جامع البيان في تفسير القرآن: محمد بن جرير الطبري 310 هـ. ط. الأولى، 1323 هـ. دار المعرفة.
23- جامع الترمذي: أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة 209-279 هـ. ط. الثانية، 1398 هـ. مصطفى الحلبي.
24- الجرح والتعديل: عبد الرحمن بن أبي حاتم 327 هـ. ط. الأولى 1271 هـ. مجلس دائرة المعارف.
25- الجمع بين رجال الصحيحين: أبي الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي 507 هـ. ط. الأولى، 1323 هـ. دار الكتب العلمية.
26- جوامع السيرة:
27- حاشية السندي: على سنن النسائي.
28- الدارس في تاريخ المدارس: عبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي 927 هـ. مكتبة الثقافة الدينية.
29- دراسة جامع التحصيل في أحكام: رسالة دكتوراة تحت الطبع.(34/411)
30- الدرر الكامنة: شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني 852 هـ. دار الكتب الحديثة.
31- دول الإسلام: للحافظ الذهبي. طبع الكويت.
32- ذيل التذكرة: للحسيني.
33- ذيل العبر في خبر من غبر: الحافظ الذهبي 748 هـ. ط. الأولى 1405 هـ. دار الكتب العلمية. بيروت. لبنان.
34- ذيل تذكرة الحفاظ: للسيوطي.
35- سنن ابن ماجة: محمد بن يزيد القزويني 275 هـ. ط محمد فؤاد عيسى الحلبي.
36- سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث 275 هـ. الأولى، 1388 هـ. محمد علي السيد.
37- سنن الدارقطني: علي بن عمر الدارقطني 385 هـ. عبد الله هاشم المدني، 1386هـ.
38- السنن الكبرى: أحمد بن الحسيني البيهقي 458 هـ. ط. الأولى، 1344 هـ مجلس دائرة المعارف.
39- سنن النسائي. أحمد بن شعيب الأزدي 303 هـ. ط. الأولى، 1406 هـ. مكتب المطبوعات.
40- سيرة ابن هشام: عبد الملك بن هشام 218 هـ. ط 1383 هـ. مكتبة محمد علي صبيح.
41- شذرات الذهب في أخبار من ذهب: أبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي 1089 هـ. المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع بيروت. لبنان.
42- شرح النووي على مسلم: يحيى بن شرف الدين النووي 676 هـ. مطبعة الشعب.
43- شرح صحيح مسلم: محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف الدين النووي الشافعي 631-676 هـ. ط. الأولى، 1407 هـ.
44- شروط الأئمة: للحازمي.
45- صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري 256 هـ. ترتيب محمد فؤاد، 1380هـ. السلفية.
46- صحيح مسلم: محمد بن الحجاج القشيرى 261 هـ. ط. الأولى. 1374 هـ. عيسي الحلبي.
47- الضعفاء والمتروكين: أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي 385 هـ. ط. الأولى 1404هـ. مكتبة المعارف. الرياض.
48- الضوء اللامع: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي. منشورات. دار مكتبة الحياة بيروت. لبنان.
49- طبقات الأسنوي.(34/412)
50- طبقات الحفاظ: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي 849-911هـ، ط. الأولى، 1393 هـ. مكتبة وهبة.
51- طبقات الشافعية: تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي 727- 771 هـ. ط. الأولى، 1383 هـ. عيسى الحلبي.
52- الطبقات الكبرى: لابن سعد، 1380 هـ. بيروت.
53- طبقات المفسرين: لمحمد بن علي بن أحمد الداوودي 945 هـ. الطبعة الأولى، 1403 هـ.
54- فتح الباري: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني 852 هـ. ط. 1380 هـ. السلفية.
55- الكنى: لأبي أحمد الدولابي.
56- اللباب في تهذيب الأنساب: عز الدين الأثير الجزري. دار صادر بيروت.
57- لسان العرب: محمد بن مكرم بن منظور 711 هـ. دار صادر.
58- المجموع.
59- مرويات غزوة بني المصطلق: للدكتور إبراهيم القريبي. طبع المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية.
60- مختصر سنن أبي داود: للمنذري. تحقيق أحمد شاكر، ومحمد الفقي.
61- المستدرك على معجم المؤلفين.
62- مسند الإمام أحمد: أحمد بن حنبل الشيباني 241 هـ. المكتب الإسلامي.
63- معجم البلدان: شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت الحموي الرومي البغدادي، 1397 هـ. دار صادر.
64- المعجم المختص: للحافظ الذهبي. الطبعة الأولى، 1408 هـ.
65- المعجم الكبير:
66- معجم ما استعجم: أبي عبيد الله عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي. 487 هـ. ط. الأولى، 1364 هـ. القاهرة.
67- معجم المؤلفين: لعمر كحالة. دار إحياء التراث العربي.
68- مقدمة ابن الصلاح: عذب؟ عمرو بن الصلاح. تحقيق نور الدين عتر. طبع سنة 1386هـ.
69-مقدمة مختصر السنن: للمنذري.
70- الموطأ: مالك بن أنس 179هـ، ترتيب محمد فؤاد، دار إحياء التراث.
71- النجوم الزاهرة: جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي الأنابكسي، الهيئة المصرية العامة، 1390هـ.(34/413)
72- نور اليقين:للخضري.
73- هدي الساري: للحافظ ابن حجر.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] المعجم المختص ص93.
[2] الدرر الكامنة 2/179.
[3] طبقات الشافعية 10/36.
[4] شذرات الذهب 6/190.
[5] نسبه إلى البلدة الأصل لأسرته، والعلاية بلد بالروم, منها الصلاح خليل بن كيكلدي، العلائي، حافظ بيت المقدس (شرح القاموس 10/253) .
[6] نسبة إلى المذهب.
[7] المعجم المختص ص93، وطبقات الشافعية 10/36، والدرر الكامنة 2/179، وشذرات الذهب 6/190، وغيرها كثير من كتب التراجم.
[8] المستدرك على معجم المؤلفين ص235، ولعل النسبة ليست إلى العلاية من بلاد الروم، بل إلى سكة العلاء ببخارى، والأتراك أصولهم بخارية، انظر معجم البلدان 4/144.
[9] انظر دراسته لكتاب: جامع التحصيل.
[10] طبقات الأسنوي 2/858.
[11] الدرر الكامنة 1/41.
[12] الدرر الكامنة 2/180.
[13] الدرر الكامنة 2/180.
[14] الدارس 1/60.
[15] الدرر الكامنة 2/180.
[16] ص 4.
[17] الدرر الكامنة 2/180.
[18] الدرر الكامنة 2/180.
[19] الدارس 1/62.
[20] الدارس 1/62. وشذرات الذهب 6/190.
[21] النجوم الزاهرة 10/337.
[22] الدرر الكامنة 2/180.
[23] المعجم المختص ص 8. والدرر الكامنة 1/94.
[24] المعجم المختص ص 8. والدرر الكامنة 1/94.
[25] الدارس 1/60.
[26] الدرر الكامنة 4/167.
[27] المعجم المختص ص55.
[28] الدرر الكامنة 4/193.
[29] المعجم المختص ص55.
[30] المعجم المختص ص62. بتصرف.
[31] الدرر الكامنة 1/56.
[32] الدرر الكامنة 3/116-117.(34/414)
[33] عزاها الحافظ إلى معجم الذهبي. ولم أقف فيه على ترجمة القحفازي ولعلها في المعجم الكبير.
[34] ابن كثير في البداية والنهاية 14/135.
[35] البداية والنهاية 14/137.
[36] الدرر الكامنة 1/160.
[37] الدرر الكامنة 1/168.
[38] البداية والنهاية 14/137. والدرر الكامنة 1/168.
[39] البداية والنهاية 14/137.
[40] الدرر الكامنة 1/168.
[41] تذكرة الحفاظ ص1498-1499.
[42] الدرر الكامنة 5/234، 1/516.
[43] الدرر الكامنة 5/237.
[44] الدرر الكامنة 1/384.
[45] لأنه رحل لزيارة بيت المقدس مع الزملكاني في سنة سبع عشرة وسبعمائة ودرس بالناصرية سنة ثمان عشرة، والناصرية إحدى مدرستين تسمى بهذا الاسم، فالتي في دمشق الناصرية الجوّانية، والتي في قاسيون تسمى الناصرية البرانية، (الدارس 1/115،117) .
[46] شذرات الذهب 7/15.
[47] شذرات الذهب 7/15.
[48] الدرر الكامنة 1/384. وانظر ترجمته: (الضوء اللامع 1/296) .
[49] شذرات الذهب 6/256-257. والدرر الكامنة 1/394-395. وذيل التذكرة ص183.
[50] ذيل تذكرة الحفاظ ص183، وشذرات الذهب 6/344، وأعلام النساء 1/54.
[51] ذيل تذكرة الحفاظ ص183، وشذرات الذهب 7/154، وأعلام النساء 1/58.
[52] طبقات الحفاظ ص518.
[53] الدرر الكامنة 3/426، 427.
[54] طبقات الحفاظ ص517.
[55] المعجم المختص ص93.
[56] المعجم المختص ص75.
[57] الدرر الكامنة 1/400.
[58] ذيل التذكرة ص362. وطبقات الحفاظ 530.
[59] الدارس 1/59.
[60] طبقات الحفاظ 539.
[61] طبقات الحفاظ 528. وذيل التذكرة 361.
[62] الدرر الكامنة 1/395. وشذرات الذهب 6/256-257.
[63] الدرر الكامنة 3/40،41.
[64] طبقات الشافعية 10/224.
[65] دول الإسلام 2/202.(34/415)
[66] دول الإسلام 2/203.
[67] دول الإسلام 2/224-232.
[68] خلاصة من تتبع أحداث عصر العلائي (695-761هـ) في دول الإسلام والبداية والنهاية.
[69] انظر ترجمة شيخ الزملكاني ص8 ت3.
[70] الدارس 1/61.
[71] المعجم المختص ص92. بتصرف.
[72] الدارس 1/59-60.
[73] لأنه درس في الحلقة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، يوم الأربعاء ثاني المحرم. (الدارس 1/59) .
[74] الدرر الكامنة 2/181.
[75] طبقات الشافعية 10/209.
[76] الدرر الكامنة 2/181.
[77] المعجم المختص ص92، طبقات الشافعية 10/36. ذيل العبر الدارس 1/63.
[78] طبقات الأسنوي 2/858.
[79] طبقات الحفاظ ص529، نقلا عن الذهبي في المختص، وليست بهذا النص.
[80] ذيل العبر 186. الأسنوي 2/858، الدارس 1/63، طبقات الحفاظ 529.
[81] الدارس 1/62.
[82] طبقات الشافعية 10/36.
[83] طبقات الشافعية 10/36. وقد نقل عبارته هذه: ابن العماد في: شذرات الذهب 6/190. والداودي في: طبقات المفسرين (1/169) .
[84] ذيل تذكرة الحفاظ ص44.
[85] الدرر الكامنة 1/169-170.
[86] طبقات الشافعية 10/36، وتبعه الداودي أيضا (طبقات المفسرين 1/169) .
[87] الدرر الكامنة 2/180.
[88] الدارس 1/61.
[89] الدارس 1/61.
[90] الدرر الكامنة 2/180.
[91] ذيل التذكرة ص44.
[92] المعجم المختص ص92. بتصرف.
[93] الدرر الكامنة 2/180.
[94] الدرر الكامنة 2/180.
[95] المعجم المختص ص92. وطبقات الأسنوي 2/858. والدرر الكامنة 2/180.
[96] المعجم المختص ص92. وطبقات السبكي 10/35. والدرر الكامنة 2/181. والنجوم الزاهرة 10/337.
[97] المعجم المختص ص92. والنجوم الزاهرة 10/337. والدرر الكامنة 2/181.(34/416)
[98] الدرر الكامنة 2/181، عن الحسيني. ولم أقف عليه في الذيل، وهو في المعجم، كما ذكر ابن العماد 5/90.
[99] المعجم المختص 92، وطبقات الشافعية للسبكي 10/36.
[100] المعجم المختص 92.
[101] الدارس 1/62، وشذرات الذهب 6/190.
[102] طبقات الحفاظ ص528.
[103] الدارس 1/60.
[104] إحدى مدرستين بهذا الاسم، والفارق بينهما، أن إحداهما برانية تقع خارج دمشق في سفح قاسيون، والأخرى جوانية داخل دمشق. كلاهما أنشأهما الملك الناصر صلاح الدين. (الدارس 1/115-117) .
[105] الدرر الكامنة 2/180. والدارس 1/62.
[106] تقع في ظاهر دمشق، وهي على الطائفتين، الشافعية والحنفية، أنشأها أسد الدين شيركوه الكبير. (الدارس 1/152) .
[107] الدرر الكامنة 2/180. والدارس 1/62.
[108] العبر 4/83. والدارس 1/59. والبداية والنهاية 1/132. بتصرف.
[109] بانيها نور الدين محمود بن زنكي الشهيد، ونسبت إلى الملك الناصر صلاح الدين، فاتح بيت المقدس (الدارس 1/331) .
[110] الدرر الكامنة 2/181.
[111] الأنس الجليل 2/41.
[112] نسبة إلى الأمير سيف الدين بكتمر. (هامش الدارس 1/275) . والأنس الجليل (2/35) .
[113] الدارس 1/62.
[114] الدارس 1/123.
[115] الدارس 1/62-63.
[116] الدارس 1/62-63.
[117] بتصرف. انظر: (طبقات الشافعية 10/35. والنجوم الزاهرة 10/237. وطبقات الحفاظ ص529) .
[118] في دراسة كتاب جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي.
[119] ذيل العبر ص186، الدرر الكامنة 2/181.
[120] الدرر الكامنة 2/181.
[121] طبقات الشافعية 1/36.(34/417)
[122] هذا البيت تمثل به العلائي، وهو من قول تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي مطلع قصيدته، حين أخذت منه مشيخته جامع طولون في سنة تسع عشرة وسبعمائة. طبقات الشافعية (10/180-181) .
[123] لا أعتقد أن العلائي أراد التعلق غير المشروع، يشير إلى أنه يريد ما شرع، وهو حبهم لعلمهم بالكتاب والسنة، فإن كان الواقع خلاف ذلك، فلا شك أنها شائبة في الاعتقاد.
[124] طبقات الشافعية 10/181-182.
[125] الدرر الكامنة 2/182.
[126] الأسنوي. فإنه قال:"سنة ستين". (الطبقات 2/585) .
[127] طبقات الشافعية 10/36. والدرر الكامنة 2/181.
[128] الأنس الجليل 2/107.
[129] هدي الساري ص8.
[130] هدي الساري ص7.
[131] هدي الساري ص7.
[132] هدي الساري ص7.
[133] هدي الساري ص9.
[134] هدي الساري ص12.
[135] طبقات الشافعية 2/251.
[136] البداية والنهاية 11/24.
[137] كل من اشتغل بعلم الحديث وتاريخ الرواة - بعد البخاري - ترجم له ومنهم من أفرده. انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/4. تذكرة الحفاظ 2/555، وتهذيب التهذيب 9/47) .
[138] تاريخ بغداد 13/101.
[139] صحيح مسلم 1/8.
[140] تاريخ بغداد 13/101.
[141] تذكرة الحفاظ 2/590.
[142] شرح النووي 1/11.
[143] شرح النووي 1/11.
[144] شرح النووي 1/10.
[145] تاريخ بغداد 13/100. وتذكرة الحفاظ 2/588. وقد اعتنى الأئمة بترجمته وذكر مآثره.
[146] وعدة ما فيه بالمكرر أربعة وسبعون ومئتان وخمسة آلاف (5274) .
[147] تاريخ بغداد 9/57.
[148] تاريخ بغداد 9/56.
[149] مقدمة ابن الصلاح ص33.
[150] مقدمة ابن الصلاح ص34.
[151] بتصرف, بعد دراسة عدة تراجم له. وانظر تاريخ بغداد 9/75-77.
[152] تهذيب التهذيب 9/389.(34/418)
[153] بتصرف. بعد دراسة عدة تراجم له. وانظر (تذكرة الحفاظ ص633 واللباب 1/212. وتهذيب التهذيب 9/387-389) .
[154] وصف الكتاب؛ لأن السنن ليس فيها صغرى وكبرى.
[155] مقدمة سنن النسائي ص5.
[156] شروط الأئمة للمقدسي ص18.
[157] تذكرة العراقي 1/103. مقدمة مختصر السنن ص8.
[158] مقدمة ابن الصلاح.
[159] مقدمة سنن النسائي ص5.
[160] ترجم له الأئمة ومنهم المزي. (تهذيب الكمال 1/328-340) .
[161] لأنه دون شك مقدم على ابن ماجة من حيث الصحة، ولا أعلم خلافا في هذا، بل بعضهم قدمه على الصحيحين.
[162] مقدمة سنن النسائي ص5.
[163] انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ 2/236. والتهذيب 9/350.
[164] التذكرة ص41، وورد بلفظ آخر. (مقدمة ابن الصلاح ص4) .
[165] منهم الإمام البخاري. مقدمة ابن الصلاح ص12.
[166] مقدمة ابن الصلاح ص14. والتذكرة ص41. وتوضيح الأفكار 1/48-49.
[167] مقدمة الموطأ ص (د) .
[168] بتصرف. من مقدمة الموطأ.
[169] الدارس 1/61. وطبقات المفسرين 1/170. وشذرات الذهب 6/191.
[170] المستدرك على معجم المؤلفين ص235.
[171] في القدس الشريف, والأخرى بمصر (الدارس 1/431) .
[172] محمد بن فضل الله، القاضي، فخر الدين، كاتب المماليك، أصله قبطي، فأسلم وحسن إسلامه، وكان له أوقاف كثيرة، وبر وإحسان إلى أهل العلم، وإليه تنسب الفخرية بالقدس الشريف. (الدارس 1/431) بتصرف.
[173] لم أقف على ترجمته الآن.
[174] انظر: نموذج الوجه الأول من المخطوطة.
[175] هكذا في الأصل. وصوبت في الهامش (حوض) . والتصويب خطأ لأنه في رواية ابن المثنى، وهو أحد شيوخ مسلم (حوضي) . أما بقية الطرق عند مسلم فقد اتفقت على لفظ: "إن أمامكم حوضا". م 4/1797.(34/419)
[176] قرية من أعمال عمّان، بالبلقاء من أرض الشام، قرب جبال الشراة، من ناحية الحجار، قريبة من أذرح، وقد كان بينهما أمر الحكمين. (معجم البلدان 2/118) . قال الأكثرون: "إنها بألف مقصورة، ورواية المد خطأ" (م 4/1797. والفتح 11/470) .
[177] بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة. ذكر ياقوت بالسند أن بينها وبين جربى ميل واحد. (معجم البلدان 1/129) .
[178] (م 4/1797) .
[179] في الأصل: عبد الله, وهو سبق قلم, صوابه ما أثبت، يؤيد الصواب ما بعده.
[180] (م 1797) .
[181] هكذا في الأصل مثنى مرفوع. و (قريتين) بالجر. (م4/1798) .
[182] لكن ذكر ياقوت خلاف هذا، وأوضح بالسند أنها لا تزيد على ميل واحد. (المعجم 1/129) .
[183] في الأصل: المساحة , وهو خطأ.
[184] رده ياقوت, قال: "وهو غلط منه، وإنما هي قبلي فلسطين، من ناحية الشراة"، (معجم البلدان 1/129) . وسيأتي ذكره ما رجحه المؤلف) .
[185] في 7/209.
[186] 1 /أ.
[187] لم أقف على المصدر.
[188] م 4/1797.
[189] م 4/1797، في 7/207 بدون قوله: "وزواياه سواء". قال الحافظ:"وهذه الزيادة تدفع تأويل من جمع بين مختلف الأحاديث في تقدير مسافة الحوض، على اختلاف العرض والطول" (الفتح 11/470) .
[190] هذا وهم من المؤلف - رحمه الله - لأن النواس ليست له رواية في صحيح البخاري، وله عند مسلم خمسة أحاديث ليس هذا الحديث منها.
[191] مدينة على ساحل بحر القلزم - البحر الأحمر - مما يلي الشام، وهي مدينة لليهود الذين حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت، فخالفوا فمسخوا قردة وخنازير. (معجم البلدان 13/292) .
[192] م 4/1798،1799.
[193] أبو الحسن، ثقة، صاحب سنة. (الجرح والتعديل 8/477) .
[194] أبو طلحة، الراسبي، البصري، يخطئ.
[195] الراسبي. صدوق، يهم.(34/420)
[196] نضلة بن عبيد, صحابي، غزا سبع غزوات.
[197] لم أقف على كتاب المقدسي في أحاديث الحوض، لكن الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه بسند المؤلف. (الإحسان 8/126) .
[198] التعبير بصيغة التمريض أسلوب غير دقيق، لا سيما مع التصريح بجودة الإسنادين، ولا يراد احتمال أنها (روى) بالألف المقصورة، يعني المقدسي، لأن الياء في الأصل منقوطة.
[199] لم أقف على الكتاب المذكور، وعند مسلم رواية من حديث جابر بن سمرة، ولم أقف على رواية جابر بن عبد الله، ولا عبد الله بن عباس، بل ليست عند مسلم. (م4/1801) .
[200] يورد الأحاديث بما يناقض قوله.
[201] يعني: أصل الحديث، وتقدم تحت رقم (1) .
[202] العبارة لم تتضح لي قراءتها، رغم الاستعانة ببعض المختصين في قراءة المخطوطات.
[203] التيمي، ثقة.
[204] البراد، صدوق.
[205] روى عنه إبراهيم ولم يسمه، ولم أقف على تسمية له.
[206] 1/ب.
[207] إن صح هذا التعبير عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالمراد به الموت، والعرب تستعمل هذه اللفظة بمعنى الموت، وإلا فإن من المعلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول الناجين.
[208] تقدم أن المصنف عزا هذه الروايات إلى جمع المقدسي لطرق أحاديث الحوض.
[209] الجرح والتعديل 2/88.
[210] لم أقف على المصدر. قلت: ظن ابن عساكر هذا ظن شك لا يقين، ومجرد الاشتراك في لفظة (البراد) لا يحرر المقام، وغالب الظن عندي أنه ليس سالما، لانفراد ابن عساكر بهذا الظن، ولاختلاف الكنية، ولعدم ذكر سالم في شيوخ إبراهيم، ولم يذكر إبراهيم في تلاميذ سالم.
[211] نقل عنه ذلك الحافظ وغيره (تهذيب التهذيب 3/444) .
[212] الجرح والتعديل 4/190.(34/421)
[213] هذه العبارة توحي بالشك عند المؤلف فيما نقل عن ابن عساكر، فذاك أبو أسيد إن كان إبراهيم منسوبا إلى جده، وهذا أبو عبد الله المصري.
[214] المصري، المعروف بـ "ابن الطبري"، ثقة، حافظ، تكلم فيه ابن معين والنسائي، ورد ذلك ابن حبان.
[215] ويكنى أبا حمزة، ثقة.
[216] سنن أبي داود 5/209.
[217] لأن من شرطه أنه إذا سكت عن الحديث، فهو صالح عنده. ويريد المؤلف- رحمه الله - أن يحكم بسكوت أبي داود على هذا الحديث على أن حديث إبراهيم بن أبي أسيد في الحوض حسن أيضا، قياسا على حديثه عند أبي داود، يؤيد هذا الفهم قوله. "ففي هذا الحديث بيان ... إلخ"، والبيان ليس في حديث أبي داود، بل في حديث إبراهيم المذكور في الأطراف عند المزي، وكذا لا يستقيم للمؤلف ما أراد، لأن العلماء قسموا ما سكت عه أبو داود إلى ثلاثة أقسام، وجعلوا منه الصالح للاحتجاج، والضعيف، والموضوع، وحديث إبراهيم - في نظري - ضعيف بمفرده، لعدم العلم بأبي أسيد.
[218] قال ياقوت: "لغة في صنعاء، وما أراه إلا وهما، لأن - قائله - رأى النسبة إلى صنعاء صنعاني". (معجم البلدان 3/431) . قلت. ومراد المصنف صنعاء الشام.
[219] بالباء الموحدة المفتوحة قال ياقوت: "قلعة حصينة في أطراف الشام، بين عمان وأيلة. والقلزم - البحر الأحمر- قرب الكرك. (معجم البلدان 3/370) .
[220] هذه شهادة ثانية وشهادة تقطع الخلاف في المسافة. وقد تقدم مثل هذا عن ياقوت.
[221] في الأصل: "من كان". وهو خطأ.
[222] عند ياقوت: "يوحنه ". من أيلة، قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في تبوك، مصالحة على الجزية، وقرر على كل حاكم بأرضه في السنة دينارا، فبلغ ذلك ثلاثمائة دينار، واشترط عليهم قري من مرّ بهم من المسلمين ... (معجم البلدان 1/292) بتصرف.(34/422)
[223] ويؤيده ذكر مسلم له في غزوة تبوك. وقال الحافظ نقلا عن المؤلف أنه قال ردا على ابن الأثير في تقديره المسافة بثلاثة أيام: "بل بينهما غلوة سهم ... "، (الفتح 11/472) . وتقدم أن المؤلف قال: "يسمع أهل كل قرية النداء من الأخرى"ص 49. وقول ياقوت مسندا أن بينهما ميل واحد ص 45/1ت، ص 46 ت5. كل هذا يؤكد خلاف ما ذكر نافع وغيره. ويحسم الخلاف في تقدير المسافة.
[224] 2/أ.
[225] المؤتلف في الأماكن, ويسمى أيضا (ما اتفق لفظه واختلف مسماه من أسماء الأمكنة) . هذا الكتاب نشرته مجلة العرب منذ عام 1979، 1980م. (معجم المخطوطات المطبوعة 5/69) .
[226] معجم ما استعجم 1/130، 2/374.
[227] لعله كتاب "المفهم لما أشكل من كتاب مسلم"لأبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي (ت 656) . ذكر منه نسخة في القرويين الجزء الثاني، والرابع. وفي الظاهرية. (عن مقال الشروح المغربية لصحيح مسلم) .
[228] لأن من طالع المختصر منه يقع في حيرة، لاسيما إذا تقرر لديه شدة التقارب بين جربى وأذرح. وفي نظري أن ما ذكر المؤلف - رحمه الله - من أوجه الجمع بين الأحاديث المختلفة في تقدير المساحة وجه حسن وبه يزول اللبس في هذا الأمر، وإن كان الحافظ - رحمه الله - رد هذا على المؤلف، وقد استفاده من القاضي عياض، وأفاد الحافظ بأن ما ذكره المؤلف يتم فيما لو كان التقدير متقاربا، أما وقد ظهر الاختلاف متباعدا إلى حد كبير فلا. (الفتح 11/471) . قلت: وبعد العلم بما تقرر في المسافة بين جربى وأذرح لا يتم للحافظ - رحمه الله - ما أراد. والأوجه في نظري ما نقله المؤلف عن عياض، وأن التقدير إنما كان تقريبا للأفهام. والله تعالى أعلم، نسأله التوفيق والإلهام.
[229] في5/60, 61.
[230] وضاح بن عبد الله اليشكري.
[231] ابن عبد الرحمن السلمي.
[232] شقيق بن سلمة، الأسدي.(34/423)
[233] بضم الراء، زينب. وقيل: دعد. وقول مسروق: حدثتني أم رومان ينفي زعم من قال: إن روايته عنها خطأ. انظر (التقريب 2/621) والفتح (7/438) .
[234] دخلت. من الولوج: وهو الدخول.
[235] هي بنت خالة أبي بكر، سلمى بنت أبي رهم. (الفتح8/465) .
[236] فيه بيان أدب أم رومان، إذ لم تصرح باسم المدعو عليه، وهو مسطح بن أثاثة - عفا الله عنه - وكان يجلس مع أناس في بيت عبد الله بن أبي، يتحدثون في الأمر. (الفتح8/465) .
[237] مرادها حديث الإفك، وعبرت بهذا استقباحا له، وهو كمال في الأدب وتنزيه للألفاظ.
[238] رعدة شديدة، والأصل في النفض الحركة. (النهاية 5/97) .
[239] بالبناء للمجهول، وفي الأصل (نحدث) بالنون.
[240] في الأصل، وليست عند البخاري.
[241] إذا لم يصدقهم في دعواهم.
[242] في سورة النور في الآيات 11-26 {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الآيات. والعبرة من هذا المصاب الجلل، كمال الصبر واللطف وانتظار حكم الله، تجلى في أكمل ما يكون عليه أولوا العزم في النبي الكريم، ومعلم الأمة العظيم محمد - صلى الله عليه وسلم -، إذ لم يعنف عائشة، وما كان يلومها، وكمال الإيمان، وقوة اليقين عند أم المؤمنين, وقفت في ثبات وعزيمة، ولجأت إلى الله، ولم تزد على أن ذكرت ذلك المثل العظيم وبعد براءتها بالقرآن تزداد شموخا وعزة - رضي الله عنها -.
[243] أ/ب.
[244] خ 4/122, 123.
[245] محمد بن فضيل.
[246] في الأصل: "ابن حصين", وهو خطأ.
[247] في الأصل هكذا. وفي متن البخاري مع الفتح "لما قيل فيها ما قيل"صف 6/418. وفي صحيح البخاري المتن، كما في عند المصنف خ 4/123. وكذلك عند المزي في تحفة الأشراف 13/79.
[248] محمد بن مسلم الزهري.
[249] خ 5/55-60، م 4/2129.
[250] حماد بن أسامة.(34/424)
[251] خ 4/11 معلقا عن أبي أسامة. م 4/2137.
[252] هكذا في الأصل، ولا أظنها إلا زائدة.
[253] قال: "لا نعلمه روى هذا الحديث عن أبي وائل غير حصين، ومسروق لم يدرك أم رومان - في نظر الخطيب - وكان يرسل هذا الحديث عنها، ويقول: "سئلت أم رومان" فوهم حصين فيه، حيث جعل السائل لها مسروق - هذا احتمال -.
والثاني: أو يكون بعض النقلة كتب (سئلت) بألف، فصارت (سألت) فقرأت بفتحتين - فيكون السائل لها مسروق - وهو خطأ في نظر الخطيب رحمه الله.
قال الحافظ: "وعمدته - يعني الخطيب - في دعوى الوهم الاعتماد على قول من قال: إن أم رومان ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة أربع، وقيل: خمس، وقيل: ست، وهو شيء ذكره الواقدي وذكر زبير بن بكار، وبسند منقطع فيه ضعف" (الفتح 7/438) .
قلت: والأمران مردودان؛ فإن البخاري - رحمه الله - لم يكن غافلا عن هذا، فإنه قال في قضية تاريخ الوفاة - بالنسبة لأم رومان -: فيه نظر، وحديث مسروق أسند. (التاريخ الصغير 22) .
ويؤيد قول البخاري هذا أن إبراهيم الحربي جزم بأن مسروقا سمع من أم رومان، وله خمس عشرة سنة، فعلى هذا يكون سماعه منها في خلافة عمر، لأن مولد مسروق كان في سنة الهجرة، ويؤيد تأخر موت أم رومان أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت آية التخيير - وكان نزولها سنة تسع بالاتفاق- قال لعائشة: "إني عارض عليك أمرا فلا تفتاتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك، أبي بكر وأم رومان"المسند (6/12711) ، وانظر الفتح (7/438) .(34/425)
ومما يؤيد تأخر موتها: قول عبد الرحمن بن أبي بكر في قصة أضياف أبي بكر: "وإنما هو أنا وأبي وأمي وامرأتي وخادم" (خ 4/172) ، وإنما هاجر عبد الرحمن بعد الحديبية سنة سبع، في قول ابن سعد وفي قول الزبير فيها أو في التي بعدها، لأنه روي أن عبد الرحمن خرج في مائة من قريش قبل الفتح إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتكون أم رومان تأخرت عن الوقت الذي ذكراه فيه. (الفتح 7/438) .
[254] اعتمادا على قول الخطيب، وتقدمت أدلة نقضه.
[255] نقلا عن الواقدي، والزبير، وقاله ابن سعد (الطبقات 8/276) . وتقدمت دلائل نقضه.
[256] قلت: لم ينتبهوا إلى قضية التخيير، وكانت في السنة التاسعة بالاتفاق ولا إلى هجرة عبد الرحمن بن أبي بكر، وقضية ضيافته هو وأمه وامرأته وكانت بعد سنة سبع. (هدي الساري 373) .
[257] بل جزم إبراهيم أن مسروقاً سمع منها في خلافة عمر. (هدي الساري 373) .
[258] ضعيف. انظر: سؤالات البرقاني للدارقطني ص 52. وسؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني ص 57. والتقريب.
[259] أخرجه ابن سعد بسنده من طريق علي بن زيد. (الطبقات 8/267) . وفيه زيادة.
[260] تقدم قول البخاري: "فيه نظر"، وثبت بالأدلة أنه ليس بأصح ولا صحيح وأن الصحيح تأخر وفاتها عن هذا التاريخ. انظر ص 53، 54 ت10.
[261] 3/أ.
[262] هذا حق, لكنه لم يثبت، بل ثبت خلافه.
[263] "كان يكون صحابيا": في الكلام ركة، وليس بلازم أن يكون صحابيا إذا سمع منها بالمدينة، والذي أوقع المؤلف في هذا الظن جزمه بأن أم رومان توفيت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
[264] هذا حق لا مرية فيه.
[265] وذكره الذهبي أيضا (تذكرة الحفاظ 1/49-50) .
[266] استنتاج غير سليم، بل المتعين أن تكون الرواية موصولة، وهنا تبرز نباهة الإمام البخاري وفطنته.
[267] يعني حديث الإفك.
[268] المسند 6/367.(34/426)
[269] ليس بصحيح. وما ذهب إليه الإمام البخاري عين الصواب فقد سمع مسروق من أم رومان على ما سبق تقريره، وصرح بالتحديث عنها، وبالسؤال، ولا مانع أن يتصرف الراوي، أو يروى مسروق نفسه مرة عنها بـ (عن) . قال الحافظ - بعد أن ساق أدلة خطأ الخطيب -: "وفي بعض هذا كفاية في التعقيب ومن تبعه فيما تعقبوه على هذا الجامع الصحيح، والله المستعان". (الفتح 7/438) . ولم يكن المؤلف مغترا بقول الخطيب وحده، بل ذكره الحافظ، وذكر معه صاحب المشارق والمطالع والسهيلي، وابن سيد الناس، والمزي، والذهبي، وقد أورد المزي- رحمه الله - كلام الخطيب في أكثر من عشرة أسطر. (تحفة الأشراف 13/79) .
[270] في الأصل: "حسين".
[271] عبد الله بن سعيد.
[272] في الأصل: "سئلت".
[273] تقدم إثبات عدم صحة التحليل، ويدفعه - كما ذكر المؤلف - قول مسروق: "حدثتني أم رومان ".
[274] خ 5/60.
[275] محاولة تحميل حصين علة تقدح في سماع مسروق من أم رومان غير وارد لما تقدم ذكره من أدلة إمكانية السماع، وتأخر وفاة أم رومان عن التاريخ الذي بنيت عليه فكرة عدم السماع. انظر: ص 53، 54, ت 10.
[276] هذه النتيجة بنيت على خطأ، فلا تكون مسلمة، والصواب خلافها للأسباب المتقدم بيانها ونجملها فيما يلي:
1- أن عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما- أسلم هو ومعاوية يوم الفتح، وقيل: في صلح الحديبية، وعلى كل فهما متقاربان, كان صلح الحديبية في ذي القعدة، والفتح كان في رمضان سنة ثمان من الهجرة. والقصة قطعا وقعت بعد إسلامه، إلا أن يزعم زاعم أن إسلام عبد الرحمن وقع قبل الحديبية بزمن، وحينئذ عليه الإثبات.
2- إذا تقرر أن إسلام عبد الرحمن كان بعد الحديبية، فقد ثبت أن عبد الرحمن، وأمه، وامرأته، وخادمه، كانوا أضيافا على أبي بكر. (خ 1724) .(34/427)
3- ورد النص على أم عائشة - وهي أم رومان - وأمرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن تستشيرها في قضية التخيير. وآية التخيير كانت سنة تسع.
4- معلوم أن أم عبد الرحمن هي أم رومان، وهو شقيقها، كما نص على ذلك أهل العلم، منهم ابن سعد (الطبقات5/251) وبعد هذا، فالحاصل بعد التحقيق أن الحديث متصل، وثبوت سماع مسروق من أم رومان لا ريب فيه، ولم يخف على فارس هذا الميدان الإمام البخاري.
[277] انظر: تحفة الأشراف 13/79.
[278] ليس فيه قادح، ولا مرجح لعدم السماع، بل يمكن أن يكون مسروق سمعه مرة منها، وأخرى بواسطة عنها، ومسروق يهمه أن يسمع من أكثر من صحابي.
[279] بل الحق مع إبراهيم - كما سيأتي بيانه -.
[280] 3/ب.
[281] الطبقات (6/84) .
[282] لكن الحافظ ابن حجر ذكر عن أبي نعيم أنه قال: "عاشت أم رومان بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - دهراً. (هدي الساري373) . و (الإصابة 13/209) . صرح بأن القول بوفاتها في عهد النبي وهم.
[283] وغيره أيضا، مثل الذهبي (تذكرة الحفاظ 1/49-50) . والمزي في تهذيبه.
[284] بل على هذا يكون عمره ست سنوات، فقد أرّخ الحافظ ولادة مسروق بسنة إحدى من الهجرة، هذا لو ثبت أن أم رومان ماتت سنة ست ولم يثبت.
[285] لم أقف عليه إلا عند المؤلف، لكن تقدم أن الحافظ قال: "وجزم إبراهيم أن مسروقا سمع من أم رومان وله خمس عشرة سنة ص43 ت: 10، أي في خلافة عمر، وتعضده الدلائل الأخرى إسلام عبد الرحمن وضيافة أبي بكر له ولأمه…الخ، وآية التخيير.
[286] بل لعل هذا في أول الأمر، إن صح عنه وتبين له الصواب، فقال به بعد ذلك، مع أن معتمد ما حكاه المصنف فيه ضعف وإرسال.(34/428)
[287] قال الحافظ: "بل عرف البخاري العلة المذكورة وردّها…ورجح الرواية التي فيها التصريح على الرواية التي فيها أنها ماتت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمرين وردا في مدار القول بأن أم رومان ماتت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -:
1- أنها من رواية علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.
2- أنها مرسلة، لأن عليا قال: "عن القاسم بن محمد، قال:"لما وليت أم رومان". لذلك قال البخاري - عقب هذه الرواية -: "فيه نظر، وحديث مسروق أسند" (التاريخ الصغير ص22) . وانظر: (الإصابة 13/209-210) ، قلت: ثم إن مسروقا متفق على توثيقه وعلي بن زيد متفق على سوء حفظه".
[288] ليست فيه مخالفة وسيأتي بيانه.
[289] هذا صحيح، وهي من المهاجرات، لكن لا يستلزم كونها مهاجرة أن لا يطلق عليها ذلك، وهو جائز، لأن الهجرة في حد ذاتها كانت نصرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكل مهاجر أنصاري بهذا الاعتبار، وأقل ما يقال في ذلك: أن أم رومان تجوزت في الأمر بحكم الإقامة في المدينة.
[290] هي المواضع التي يتخلى فيها لقضاء الحاجة. (النهاية 5/65) .
[291] الحق أن المتأمل للحديث يجد فيه ما يدل على تعدد الأيام, وكل ما في الأمر أن أم رومان اختصرت الحديث.
[292] لم تظهر لي وجوه اختلاف، إنما هي فروق غير قادحة في الرواية لمن تأملها.
[293] خ 8/203, القصة بطولها، 4/168 باختصار.
[294] إشارة إلى أن شريكا خالف الإجماع في دعوى أن المعراج كان قبل البعثة. (الفتح 13/480) .
[295] 4 /أ(34/429)
[296] منشأ هذا القول اختلاف الروايات على ما في الكثير منها من ضعف وغرابة. قال ابن كثير: "ومن جعل من الناس كل رواية خالفت الأخرى مرة على حدة، فأثبت إسراءات متعددة، فقد أبعد وأغرب، وهرب إلى غير مهرب، ولم يتحصل على مطلب ... "، إلى أن قال: "والحق أنه عليه السلام أسري به يقظة لا مناماً، من مكة إلى بيت المقدس، راكبا البراق ... "الخ (تفسير ابن كثير 3/22) .
[297] هكذا في الأصل. ولم أقف على هذا إلا من فعل خديجة نفسها. انظر: (سيرة ابن إسحاق 1/157) .
[298] قال الحافظ: "هو مشعر بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان نائما بين اثنين أو ثلاثة أو أكثر، وقد قيل: إنه كان نائما بين عمه حمزة، وابن عمه جعفر بن أبي طالب". (الفتح 6/579) .
[299] الضمير يعود إلى القصة. قال الحافظ: "أي لم يقع في تلك الليلة غير ما ذكر من الكلام" (الفتح6/579) .
[300] أي ليلة أخرى، وقد يكون الفارق بينهما يوما أو ليالي، أو شهرا، أو سنوات، وهذا مبدأ ارتفاع الإشكال الذي أثاره ابن حزم - رحمه الله - والخطابي. (انظر الفتح 13/480) .
[301] 4/ب.
[302] خ8/203.
[303] أي لم يحدث فيها سوى المحاورة المذكورة في الحديث، وهو ما فهمه الحافظ أيضا.
[304] هذا هو الحق. ويؤيده ما جاء في الحديث نفسه. أن جبريل أجاب بواب السماء لما سأله، وقد بعث إليه؟ قال: "نعم". (خ 8/204) وقد نبه إليه الحافظ - رحمه الله - (الفتح 13/481) .
[305] في الأصل: "أعترض".
[306] م 1/148.
[307] 5/أ.
[308] م 212914. وقوله: "يا معشر المسلمين ... الخ" 2133، 2134.
[309] إبراهيم بن سعد.
[310] م 4/2137.
[311] خ 5/55.
[312] في الأصل: عبد الله. والصواب عبد العزيز بن عبد الله. حدثنا إبراهيم (خ 5/55) . وقد صوب في الهامش.
[313] خ 6/5.(34/430)
[314] تهذيب سيرة ابن إسحاق (سيرة ابن هشام) 3/757.
[315] الثقات 1/288.
[316] جوامع السيرة ص206.
[317] منهم خليفة بن خياط، والطبري، وابن عبد البر، وابن الأثير، وابن خلدون، حرر ذلك الدكتور القريبي - أثابه الله - (مرويات غزوة بني المصطلق ص90) .
[318] صحيح أنه مات بعد حكمه في بني قريظة، ولكن ليس قبل غزوة بني المصطلق وسيأتي تحقيقه.
[319] هذا ما عليه أهل المغازي، ومنهم ابن إسحاق، ومما يؤيد ترجيحه، أنهم اتفقوا على أن أحدا كانت في شوال سنة ثلاث، وعلى أن المشركين لما توجهوا في أحد نادوا المسلمين: موعدكم العام المقبل بدر، وهي بدر الموعد، وأنه - صلى الله عليه وسلم - خرج إليها في شوال من السنة المقبلة ولم يقع فيها قتال، فتعين ما قاله أهل السير أنها سنة خمس. (الفتح 5/278) . بتصرف.
[320] هذه رواية. قال الحافظ: "هكذا رويناه في مغازيه " (الفتح 7/393) والذي عليه المحققون، أن الثابت عن موسى بن عقبة أنها سنة خمس خرج ذلك من طرق عدة: الحاكم، وأبو سعيد النيسابوري، والبيهقي وغيرهم. ونص كلامه: "ثم قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق، وبني لحيان، في شعبان سنة خمس"انظر: (البداية والنهاية 3/242) . والفتح 7/430. ومرويات غزوة بني المصطلق ص93) لكن المصنف وقف على الرواية التي تدعم قوله هنا. وستأتي عبارته في ميله إلى خلاف هذا.
[321] هذا ليس دليلا لتطرق الاحتمال إليه قال الحافظ: "لا حجة فيه إذا ثبت أنها- الخندق - كانت في سنة خمس، لاحتمال أن يكون بن عمر في أحد، كان أول ما طعن في الرابعة عشرة، وكان في الأحزاب قد استكمل الخمس عشرة. (الفتح 7/393) . وقد صح أنها في شوال سنة خمس، وبذلك جزم أهل المغازي، ومنهم ابن إسحاق. (الفتح 7/393) . وسيرة ابن هشام.
[322] 5/ب.(34/431)
[323] على هذا صحيح, لكنه تحليل منقوص بأقوى منه، والتحقيق أن غزوة بني المصطلق قبل الخندق، إذ الخندق كانت في شوال سنة خمس كما تقرر، والمريسيع - بني المصطلق - في شعبان سنة خمس, أي إنها قبل الخندق، وعلى هذا يكون سعد بن معاذ موجودا في غزوة بني المصطلق، والمريسيع. ورمي بعد دلك بسهم في الخندق، ومات من جراحه في قريظة، ويؤيد هذا أن القصة وقعت بعد نزول الحرب وفي تحديد وقت النزول أقوال ثلاثة:
1- أنه سنة ثلاث, قاله خليفة. وأبو عبيدة وغيرهما.
2- أنه سنة خمس في ذي القعدة. قاله الواقدي، وقال الحافظ: "مردود".
3- أنه في ذي القعدة سنة أربع. قال به جماعة، وفي الحديث التصريح بأن القصة وقعت بعد ذلك، فيرجح أن المريسيع - بني المصطلق - سنة خمس. (الفتح 7/430) . بتصرف.
[324] قال الحافظ تعليقا: "هكذا رويناه في مغازيه" (الفتح 7/393) وفي موضع آخر قال:"كذا ذكره البخاري، وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس، فكتب سنة أربع. والذي في مغازي موسى بن عقبة ... "وذكر رواية أنها سنة خمس. (الفتح 7/430) . قلت: لعل الحافظ لم يرد نفي رواية أنها سنة أربع، وإنما أراد إثبات ما هو أصح، وهي رواية أنها سنة خمس، ومن هنا اعتذر عن الإمام البخاري بهذا العذر لعدم النص على الرواية الراجحة. والله أعلم.
[325] رواية مرجوحة. وقد ثبت عنه من طرق أنها في شعبان سنة خمس، وتبين مما تقدم تحقيقه أن ما عليه المحققون من أهل المغازي أن غزوة بني المصطلق كانت في شعبان سنة خمس. انظر (ت1) وعليه درج المتأخرون، والمعاصرون من كتاب السيرة، أمثال الخضري في نور اليقين ص 125، وأبو شهبة في السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة 196، والبوطي في فقه السيرة، وغير هؤلاء. ومما يرجح هذه المعلومة الأمور التالية:
1- أن روايات الصحيحين اتفقت على ذكر سعد بن معاذ في الغزوة المذكورة، وأوردت محاورته في قصة الإفك.(34/432)
2- أن ورود القصة بهذا السياق في الصحيحين مرجح للأصح على الصحيح وترجيح ما فيهما أولى من ترجيح ما في سواهما.
3- لأن أحدا كانت سنة ثلاث بالاتفاق، وبدر الموعد بعدها بسنة، فتكون سنة أربع بالاتفاق أيضا، فتكون غزوة بني المصطلق سنة خمس.
[326] النتيجة منقوضة بما سلف ذكره.
[327] لأن سعدا شهد الخندق، وأصيب فيها بسهم.
[328] ابن هشام 3/764.
[329] ثقة.
[330] قاضي مكة زمن أبيه، وهو ثقة.
[331] خ 5/58.
[332] م 4/2133.
[333] زدتها ليستقيم الكلام، وليست في المخطوطة.
[334] صف 9/408. ولفظه: "لو راجعتيه"عند البخاري هكذا (لو راجعته) بدون إشباع.
[335] تقد في التحقيق أنها في سنة خمس على الصواب.
[336] في نظري: ليس بظاهر، لأن زيادة العجب لا تكون في مثل حالة القرب، بل تكون في البعد أظهر إذا لم ييأس منها، وهو مردود بالرواية المصرحة بإنفاذ العتق، ذكرها المصنف نفسه.
[337] 6/ب.
[338] خ 3/121، ولفظه (ما بقيت) عند البخاري (ما ثبت) .(34/433)
[339] هذا هو الراجح، ولذلك تعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عدم انقطاع الأمل عند الزوج، رغم طول المدة. وقد أفاد الحافظ أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة، أو العاشرة، وأيد ذلك بقصة العباس هذه، ومشاهدة ابنه عبد الله، وهو إنما قدم المدينة مع أبويه، واستبعد أن تكون قصة العتق قبل الإفك، لأن عائشة صغيرة ولا تحسن التصرف في مثل هذه الأمور. إلى غير ذلك من الاحتمالات (الفتح 9/409) . وهو مردود بأنه قد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل بريرة عن حال عائشة - رضي الله عنها - ولا يمنع أن يتقدم العتق وتبقى بريرة - رضي الله عنها - في خدمة أم المؤمنين وفاء لها، ولتحظى بشرف القرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته، ولا يمنع أن تكون عائشة صغيرة لكنها راجحة في عقلها وليست سفيهة، ومع ذلك تتصرف في ظل التوجيهات النبوية، أما وفرة المال من عدمها فمعلوم أن أبا بكر كان يملك مالا وأسهم في جيش العسرة، وليس بلازم ألا يكون عند عائشة شيء. وقد صح أنها قالت: "إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة) . (م 2/1142) .
[340] خ 3/224.
[341] ابن سعيد.
[342] ابن عبد الرحمن، الاسكندراني.
[343] ابن أبي عمرو، مولى المطلب.
[344] سقطت من الأصل، ولكنها في رواية إسماعيل بن جعفر، عن عمرو (خ 6/206, 207) .
[345] في الأصل "فردني"وهو خطأ.
[346] 7/أ.
[347] من كبار شيوخ البخاري، وقاضي البصرة وعالمها ومسندها. (شذرات الذهب 2/35) .
[348] ومن طريقه أخرجه الإمام مسلم في صحيحه 4/1804.
[349] المسند 3/101، ولا تعارض بين الروايتين فالسياق ظاهر في اختلاف الواقعتين.
[350] م 4/1804، قال الحافظ: "ينحط الالتماس على الاستئذان في المسافر به، لا في أصل الخدمة، فإنها كانت متقدمة، فيجمع بين الحديثين بذلك"الفتح (6/87) .(34/434)
[351] صحيح أن الغالب استخدام هذا الوصف فيما دون هذا السن بكثير فالصبي من لدن يولد إلى أن يفطم. (اللسان 14/450) ، ولكن لا يمنع أن يقال له: ولد طفل وصبي إلى الخمس عشرة، وتجوز البخاري فبوب على هذا، والله - عز وجل – يقول: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} (النور: الآية: 59) , فلا إشكال.
[352] خ 6/141، 142، 204، 206، م 3/1603.
[353] في المحرم من سنة سبع، (ابن هشام 3/791) .
[354] خ 6/206،207.
[355] ابن أبي كثير.
[356] مولى المطلب.
[357] 7/ب.
[358] انظر: (تاريخ يحيى بن معين 2/450) . والضعفاء والمتروكين ص186.
[359] لم أقف على هذا في سؤالات الآجري، ونسبه إليه الحافظ. (تهذيب 8/83) ، ولعله فيما لم يوجد.
[360] في الأصل:"الجوجزاني".
[361] أحوال الرجال ص125.
[362] ما بين الشرطتين زيادة مني لتقويم العبارة، ثم إن من خرج له الشيخان - أو أحدهما - فقد جاز القنطرة، ومن تكلم فيه، فالحق معهما، وربما يكون سبب الكلام لا يصل إلى الضعف وعدم الصحة وغالبا ما يكون بالنظر إلى الأحفظ.
[363] كما بين المصنف، أن التأثير لا يؤدي إلى الضعف، وإنما هو من باب صحيح وأصح.
[364] العبارة غير واضحة في المخطوطة، فاستقرأتها هكذا، والله أعلم.
[365] خ 3/204.
[366] ابن يحيى بن دينار، العوذي.
[367] ابن عبد الله بن أبي طلحة.
[368] حرام بن ملحان.
[369] موقع بين أرض بني عامر وحرة بني سليم، قريب من عسفان، بين مكة والمدينة، انظر (معجم البلدان 1/302) .
[370] هذا الرأي له ما يؤيده. قال الحافظ: "فلعل الأصل": "بعث أقواما معهم أخو أم سليم إلى بني عامر"فصارت من بني سليم"الفتح (6/19) ، أي تصحف من (أم سليم) إلى (بني سليم) .(34/435)
[371] وكذلك هذا الرأي له ما يؤيده، أن الحافظ نسب الوهم فيه إلى حفص، قال:"والوهم في هذا السياق، من حفص بن عمر - شيخ البخاري -، فقد أخرجه هو - يعني البخاري - في - المغازي - خ 5/42 - عن موسى بن إسماعيل، عن همام، فقال: "بعث أخا لأم سليم في سبعين راكبا" (الفتح 6/19) .
[372] يعني الإمام البخاري - رحمه الله - مع أنه رواه على الصواب في المغازي.
[373] خ 5/42.
[374] وقال:" بعث أخا لأم سليم في سبعين راكبا".
[375] في الأصل: "كما كنا".
[376] زيادة في المخطوطة. ولفظه (يخطبون) وردت في الجهاد عند البخاري، وفي المغازي (يختطبون) .
[377] خ 5/42.
[378] يعني أن قوله: "من بني سليم"تصحيف، وأن الصواب: "بعث أخا لأم سليم" فبنوا سليم مبعوث إليهم.
[379] م 2/631،362.
[380] في المخطوطة: "محمد"والتصويب من صحيح مسلم.
[381] يقال اسمه: مهران، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
[382] زيادة في الأصل.
[383] قال الله - عز وجل -: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} الآية 156 من سورة البقرة، والدعاء ثابت في السنة.
[384] انظر هجرته إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، (سيرة ابن هشام 1/213، 2/321) .
[385] كلام المصنف وجيه في نظري، ولو كانت العبارة (إلى الله ورسوله) لما صح الاعتراض، عملا بقوله - صلى الله عليه وسلم -:"فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله"، وهذا يعم من هاجر قبله ومعه وبعده.
[386] المصنف - رحمه الله -لم يسق اللفظ كما ورد عند الإمامين البخاري ومسلم، ولا كما ورد عند واحد منهما بل تصرف واختصر. (انظر: الإحالات الآتية) .
[387] غاية المشقة والتعب.
[388] 8/ب.
[389] الآيتين 10-12 من سورة الدخان.(34/436)
[390] كان وقتها مشركا، وهو صخر بن حرب، أسلم عام الفتح، وابنته أم حبيبة - زوج رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -.
[391] في الأصل: "فأوصى"وهو خطأ، لم يرد في شيء من الروايات.
[392] هكذا عند البخاري -6/38- وعند مسلم: "فأنزل الله - عز وجل - {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} . الآية 15 من الدخان، انظر: (م 4/2157) .
[393] عند البخاري: (إلى حالهم) خ 6/39، وعند مسلم (عادوا إلى ما كانوا عليه) م 4/2157.
[394] الآية 16 من سورة الدخان.
[395] في الأصل (لأن) . وهو خطأ.
[396] أي: البخاري ومسلم، لكن المصنف لم يلتزم بلفظ معين، بل خلط من مجموع الروايات.
[397] ابن المعتمر.
[398] سليمان بن مهران.
[399] مسلم بن صبيح.
[400] ابن الأجدع.
[401] ابن نصر.
[402] خ 1 /19. وفيه فسقوا الناس حولهم.
[403] في الأصل: أسقط الهمزة من (ابن) .
[404] أما قول علي - رضي الله عنه - فأخرجه عبد الرزاق في تفسيره (رسالة في تفسير سورة الدخان، حديث رقم 2755) ، ونقله عنه الحافظ في الفتح 8/572، وكذلك أبو حاتم، من طريق الحارث. وذكره الحافظ ابن كثير نقلا عن أبي حاتم - تفسير ابن كثير 4/139. وقول ابن عمر: أخرجه ابن جرير، من طريق ابن البيلماني عن ابن عمر، جامع البيان 25/68. ومن طريقه ذكره ابن كثير 4/139. وقول ابن عباس أخرجه ابن جرير من طريق ابن أبي مليكة، جامع البيان25/68، قال الحافظ ابن كثير: "وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس (تفسير ابن كثير 4/139) . وذكره الحافظ عن عبد الرزاق، ويشك في أن لفظة (الدجال) تصحفت إلى (الدخان) ولا أرى شكه واردا. (الفتح 8/572-573) .(34/437)
ولم أقف على قول أبي هريرة. وأخرج عبد الرازق قول ابن مسعود، وقال ابن كثير: "قد وافق ابن مسعود على تفسير الآية بهذا، وأن الدخان مضى جماعة من السلف، كمجاهد، وأبي العالية، وإبراهيم النخعي والضحاك، وعطية العوفي، وهو اختيار ابن جرير. جامع البيان 25/68،69، ابن كثير (4/138) ، وقال أيضا - بعد أن ذكر قول ابن عباس -: "وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - حبر الأمة، وترجمان القرآن، وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم أجمعين -، مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما، التي أوردها بما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة، مع أنه ظاهر القرآن قال الله - تبارك وتعالى -: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} (الدخان:10) أي: بين واضح، يراه كل أحد، وعلى ما فسره به ابن مسعود، إنما هو خيال رأوه في أعينهم، من شدة الجوع والجهد، وهكذا قوله تعالى: {يَغْشَى النَّاسَ} : يتغشاهم ويعميهم…، (ابن كثير 4/139) .
[405] العبارة لم تتضح لي قراءتها.
[406] 9/أ.
[407] م 4/2225. وقد أورد المصنف هذا اللفظ من أكثر من رواية.
[408] أخرجه ابن جرير، وأشار إلى أنه لم يصح، ودلل على ذلك. (جامع البيان 25/68) ، قال ابن كثير: "وقد أجاد ابن جرير في هذا الحديث هاهنا، فإنه موضوع بهذا السند". (ابن كثير4/139) .
[409] لم أقف عليه من رواية ابن مسعود. وأخرجه ابن جرير، عن أبي مالك الأشعري. (جامع البيان 25/68) .
[410] قال ابن كثير: "ولو كان أمرا خياليا يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه {يَغْشَى النَّاسَ} . (ابن كثير 4/140) .
[411] يعني أنها مكية باتفاق.
[412] 9/ب.
[413] أخرجه البخاري في عدة مواضع. منها انظر (صف2/290، 492، 6/105, 418, 8/226. مسلم 1/467.(34/438)
[414] في الأصل: كسنين يوسف، بإثبات النون في جميع المواضع.
[415] أسلم - رضي الله عنه - عام خيبر، وشهدها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انظر مثلا (أسد الغابة 5/316) .
[416] تقدم الحديث. ,أخرجه البخاري في الاستسقاء 1/19.
[417] قال بهذا الداودي وغيره، فيما ذكره الحافظ. قال:"ونسبوا أسباط بن نصر إلى الغلط في قوله: "وشكا الناس كثرة المطر…الخ"وزعموا أنه أدخل حديثا في حديث…، ثم قال: "وليس هذا التعقب عندي بجيد، إذ لا مانع أن يقع ذلك مرتين…، ثم أيّد عدم غلط أسباط، بأنه في بعض روايات الحديث (فقيل: يا رسول الله استسق لمضر، فإنها قد هلكت، قال: لمضر؟!، إنك لجريء، فاستسقى فسقوا". وذكر أن القائل: أبو سفيان، لتصريح كثير من الطرق به، وفي رواية عن كعب بن مرة - أو مرة بن كعب - قال: "دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه أبو سفيان فقال: "ادع الله لقومك…"الحديث. ورواه أحمد من طريق كعب بن مرة، بدون شك، فأبهم أبا سفيان، قال الحافظ: "فعلى هذا كأن أبا سفيان وكعبا حضرا جميعا، فكلمه أبو سفيان وهو طلب الدعاء - وكعب بشيء - وهو قوله: "يا رسول الله استنصرت الله فنصرك دعوت الله فأجابك". فدل ذلك على اتحاد قصتهما. (الفتح 2/511،512) بتصرف.
[418] خ 2/12،17،18. وهذا مثال لما ذكر المصنف رحمه الله.
[419] هذه النتيجة ذكرها الحافظ بتحليل جيد. قال:"وسياق كعب بن مرة يشعر بأن ذلك وقع في المدينة…، لأن كلا منهما كان بالمدينة بعد الهجرة، لكن لا يلزم من ذلك اتحاد هذه القصة مع قصة أنس بل قصة أنس واقعة أخرى، لأن في رواية أنس: "لم يزل على المنبر حتى مطروا"، وفي هذه: "فما كان إلا جمعة أو نحوها حتى مطروا"، والسائل في هذه القصة غير السائل في تلك، فهما قصتان، وقع كل منهما طلب الدعاء بالاستسقاء، ثم طلب الدعاء بالاستصحاء …، (الفتح 2/512) . بتصرف.(34/439)
[420] في الأصل: "ابن نوح"وهو خطأ، وهو المعروف بقراد، ثقة له أفراد.
[421] في الأصل:"ابن إسحاق"، وهو خطأ، وهو أبو إسحاق السبيعي، صدوق، يهم قليلا.
[422] عمرو بن عبد الله السبيعي، ثقة، اختلط بآخره.
[423] في الأصل "عن أبي بردة، وأبي موسى - رضي الله عنه -"وهو خطأ، والتصويب من جامع الترمذي، وأبو بكر هو ابن أبي موسى الأشعري، ثقة.
[424] أبو موسى الأشعري، عبد الله بن قيس - رضي الله عنه -.
[425] هكذا في الأصل. وفي جامع الترمذي: قال: "فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم". (5/590) .
[426] 10/أ.
[427] زيادة في الأصل. وفي الجامع: "يبعثه الله".
[428] هكذا في الأصل. وفي الجامع:"من قريش".
[429] ورد في السيرة أن اسمه بحيرى. انظر (سيرة ابن هشام 1/116) .
[430] جامع الترمذي 5/590-591.
[431] هذه ملاحظة جيدة من المصنف - رحمه الله - وسياق ابن إسحاق يشير إلى عدم قناعته بالرواية، فقد كرر لفظة (يزعمون) أكثر من ثلاث مرات مما يؤيد ضعفها عنده، وهو إمام المغازي (سيرة ابن هشام1/ 116) . قال الحافظ الذهبي: "أنكر مالك حديثه عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بكر بن أبي موسى…، ومما يدل على أنه باطل قوله: "ورده أبو طالب، وبعث معه أبو بكر بلالا"وبلال لم يكن خلق بعد، أبو بكر كان صبيا. (الميزان 2/581) وانظر: ما حرره صاحب تحفة الأحوذي 10/93.
[432] انظر مثلا: (سيرة ابن هشام 1/116-118) ، فاختلاف الألفاظ واضح وجلي.
[433] هكذا في المخطوطة والملاحظ أن هنا سقط الكلام ولعله هكذا والعادة قاضية بكم مثل هذا الخبر عما سواه..: لعلها ووثقه.
[434] هكذا في الأصل: وفي نظري: أن لفظة (عليهم) وقعت سهوا من الناسخ ولا لزوم لها.
[435] قد يقال: إن للقصة أصلا, ولعل المانع لأبي طالب من الاحتجاج بها رغبته في البقاء على ملة عبد المطلب.(34/440)
[436] الثقات 8/375.
[437] ابن سعد.
[438] ابن أنس.
[439] محمد بن مسلم.
[440] في الأصل (عمرو) .
[441] 10/ب.
[442] ذكره العلائي نقلا عن الكنى لأبي أحمد – الحاكم- وعن الدارقطني في غرائب مالك. ولفظ الحديث: "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن لي مماليك أضربهم…"التهذيب 6/248،249.
[443] عبارته في الميزان 2/581: "كان يحفظ, له مناكير…"قال أبو أحمد الحاكم: "روى عن الليث حديثا منكرا".
[444] في الأصل: (عكرمة بن عمير) وهو خطأ.
[445] في الأصل: (عن سماك الحنفي، عن أبي زميل) , وهو خطأ وسماك هو أبو زميل, وكذلك المصنف لم يلتزم بصيغة الأداء فإنها عند مسلم بالتحديث، وليست بالعنعنة.
[446] في الأصل: "ثلاثا".
[447] م 4/1945.
[448] ص،
[449] جوامع السيرة.
[450] 11/أ.
[451] هذا القول ليس في التاريخ الكبير ولا الصغير، وذكره الحافظ قال: "وقال البخاري: "مضطرب في حديث يحيى بن أبي كثير، ولم يكن عنده كتاب" (تهذيب التهذيب 7/262) .
[452] منهم أبو عمرو بن الصلاح. وقد نقل جوابه النووي - رحمه الله -. (شرح مسلم 5/271) .
[453] كقوله: عندي أحسن العرب وأجمله، فإن المعنى أنها لا زالت في بيته.
[454] في الأصل: "أخته". وهو خطأ.
[455] يعني البخاري 6/195. ومسلم 2/1072،1073.
[456] الذي يظهر لي أن المصنف - رحمه الله - أصاب في ملاحظته، ولا يمنع أن يقع الوهم فيه لعكرمة بن عمار، وليس هناك عصمة لأي كتاب سوى كتاب الله عز وجل.
[457] خ 3/124.
[458] عبد الله بن المبارك.
[459] ابن يزيد الأيلي، يهم قليلا في الزهري.
[460] 11/ب.
[461] سقطت من الأصل.
[462] يعني قوله: "والذي نفسي بيده…الخ".(34/441)
[463] في الأصل:"أم برهان"وهو خطأ، وبرأي المصنف جزم الداودي وابن بطال وغير واحد. (الفتح 5/176) .
[464] م 3/1284, وهذا نص في المسألة. وزاد الحفظ - ردا على الكرماني القائل بتأويل الحديث -: "وفاته التنصيص على إدراج ذلك، فقد فصله الإسماعيلي من طريق عن ابن المبارك، ولفظه: "والذي نفس أبي هريرة بيده…الخ"وكذلك أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في كتاب البر والصلة، عن ابن المبارك، والبخاري في الأدب المفرد وأبو عوانة، كلهم عن يونس، (الفتح 5/176) بتصرف.
[465] جامع الترمذي 4/556.
[466] زيادة في الأصل.
[467] عند الترمذي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
[468] أي: سمع لها صوت, والأطيط: صوت الأقتاب، قرب به المعنى لبيان كثرة الملائكة. انظر (النهاية 1/54) .
[469] هكذا في الأصل. وعند الترمذي: "إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله, والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصّعدات، تجأرون إلى الله، لوددت أني كنت شجرة تعضد".
[470] جامع الترمذي 4/556.
[471] في الأصل: "النهي". والأليق بالمقام التمني لقوله: "لوددت".
[472] 12/أ.
[473] التصريح به من قول أبي ذر عند الإمام أحمد في مسنده 5/173. وذكر الحديث ثم قال: "فقال أبو ذر: "والله لوددت أني شجرة تعضد".
[474] سقطت من الأصل.
[475] هذا فهم جيد من المؤلف - رحمه الله - ولا أراه إلا مصيبا. والتفصيل على ضوء رواية أحمد هو الصواب. والله أعلم.
[476] الحدود والمحاربين خ 8/22.
[477] ابن غيلان أكثر عنه الإمام البخاري. (الفتح 12/130) .
[478] ابن همام.
[479] معمر بن راشد.
[480] ابن عبد الرحمن.
[481] هو ماعز بن مالك.
[482] سنن أبي داود 4/581،582.
[483] جامع الترمذي 4/36،37.(34/442)
[484] سنن النسائي 4/62،63. وفي الأصل: (و) , ورواية محمد بن رافع في الكبرى. انظر (تحفة الأشراف 2/394) .
[485] ما بين القوسين لم يتضح لي قراءته, غالب ظني أنه (ومحمد بن يحيى) ؛ لأنه هو ومحمد بن رافع ونوح بن حبيب، ثلاثتهم عن عبد الرزاق عند النسائي في الكبرى. انظر: (تحفة الأشراف 2/394) .
[486] سنن البيهقي 8/218.
[487] قال الحافظ: "وخالفه محمد بن يحيى الذهلي وجماعة عن عبد الرزاق فقالوا في آخره: "ولم يصل عليه". قال المنذري في حاشية السنن 4/321: "رواه ثمانية أنفس عن عبد الرزاق، فلم يذكروا قوله: "وصلى عليه". وذكر التخريج الذي ذكره المصنف. (الفتح 12/130) .
[488] سنن البيهقي 8/218.
[489] قال الحافظ: "أما رواية يونس فوصلها المصنف - رحمه الله ـ يعني البخاري 8/21. (الفتح 12/130) .
[490] قال الحافظ: "وأما رواية ابن جريج فوصلها مسلم مقرونة برواية معمر 3/1318، (الفتح 12/130) .
[491] 12/ب.
[492] م 3/1318.
[493] في الأصل: "في".
[494] قاله في آخر حديث الطول 3/1320،1321.
[495] سنن أبي داود 4/582،583.
[496] م 3/1321،1322.
[497] ليست في الأصل, وزدتها ليستقيم الكلام.(34/443)
[498] أورد الحافظ كلاما حول هذه المشكلة أستحسن ذكره, قال رحمه الله: "سئل أبو عبد الله - البخاري - هل قوله (فصلى عليه) يصح أم لا؟، قال: "رواه معمر"، قيل له: هل رواه غيره؟، قال: "لا"، وقع هذا الكلام في رواية المستملي وحده، عن الفربري، وقد اعترض على البخاري في جزمه بان معمرا روى هذه الزيادة، مع أن المتفرد بها إنما هو محمود بن غيلان، عن عبد الرزاق، وقد خالفه العدد الكثير من الحفاظ، فصرحوا بأنه لم يصل عليه، لكن ظهر لي أن البخاري قويت عنده رواية محمود بالشواهد، فقد أخرج عبد الرزاق- أيضا وهو في السنن - لأبي قرة، من وجه آخر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز، قال: فقيل يا رسول الله: أتصلي عليه؟ قال: "لا"، فلما كان من الغد، قال: صلوا على صاحبكم"، فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس". فهذا الخبر يجمع الاختلاف فتحمل رواية النفي على أنه لم يصل عليه حين رجم، ورواية الإثبات على أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى عليه في اليوم الثاني…، ويتأيد بما أخرجه مسلم من حديث عمران بن حصين في قصة الجهنية التي زنت ورجمت - م3/1324 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى عليها، فقال له عمر: أتصلي عليها وقد زنت؟ فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين لوسعتهم…" (الفتح 12/131) . ,ذكر فوائد حول هذا الموضوع.
[499] 6/193، 194.
[500] ثقة، روى له مسلم.
[501] ثقة، فقيه، روى له مسلم.
[502] الليث بن سعد إمام معروف.
[503] 13/أ.
[504] ثقة، روى له الجماعة.
[505] الأعرج، ثقة ثبت، روى له الجماعة.
[506] ربيبة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
[507] جاء في رواية بيان لسبب هذه المقولة من أبي السنابل, أنه كان كهل وخطبها شاب فضلته، وكان أهلها غُيبا، فرجا أبو السنابل إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها. (المجتبى 6/192) .
[508] في الأصل (و) .(34/444)
[509] صف 9/469.
[510] في الأصل: بكر, وهو خطأ.
[511] المجتبى 6/194.
[512] صف 8/653.
[513] قال الحافظ: "هكذا هنا, وفي غير هذه الرواية أنه مات وهو المشهور". (الفتح 8/654) .
[514] في الأصل (بادمن) .
[515] من ذلك رواية الإمام مسلم 2/1122. (فقال لها: "مالي أراك متعجلة لعلك ترجين النكاح، والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: "فلما قال لي ذلك، جمعت علي ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الحديث. وهذا جلي وأن ذلك بعد الولادة.
[516] صف 3/331.
[517] الحكم بن نافع.
[518] شعيب بن أبي حمزة.
[519] عبد الله بن ذكوان.
[520] عبد الرحمن بن هرمز.
[521] 13/ب.
[522] المجتبى 5/33،34.
[523] في الأصل. ابن عباس، وهو خطأ، وابن عياش هذا ثقة ثبت، روى له البخاري.
[524] السنن 2/123.
[525] في الأصل: "بكر".
[526] في الأصل: "أبي".
[527] م 2/276،277.
[528] سنن أبي داود 2/273،275.
[529] السنن الكبير 4/111،112.
[530] سقطت من الأصل. والمراد بقوله: "من صلببية بني هاشم": أنه من أنفسهم وليس من مواليهم.
[531] هكذا رسمها في الأصل، ولعل المراد: مدة حياتهم.
[532] ما بين القوسين لم تتضح فيه القراءة، ولعله: فيلزم منه.
[533] 14/أ.
[534] بل قد يعترض عليه بأن المقام يقتضي التعجيل، لا التأخير، فإن الحاجة إلى الجهاد قائمة وملحة، والعباس قادر على ذلك، وهو ما تؤيده روايات عديدة، ذكر المصنف قدرا منها. فقول ابن سلام فيه بعد ولا شك.
[535] سنن أبي داود 2/275،276.
[536] جامع الترمذي 3/54.
[537] 2/572.
[538] لا بأس به، له ذكر في مقدمة مسلم.
[539] ابن عتيبة.(34/445)
[540] صدوق، يخطئ، شدد القول فيه ابن أبي حاتم.
[541] قال: "وحديث إسماعيل بن زكريا عن الحجاج ـ بن دينار ـ عندي أصح من حديث إسرائيل، عن الحجاج بن دينار" (جامع الترمذي 3/55) ..
[542] هذه العبارة. إما أن تكون زائدة، وإما أن يكون قبلها كلام سقط من الأصل. فالسياق فيه خلل لم يظهر لي بصحيحه.
[543] العلل 1/215.
[544] قال: وحديث هشيم أصح. (سنن أبي داود 2/275) لأن الحسن بن مسلم ين يناق أرسله، فهو ليس بصحابي.
[545] ابن بشير، كثير التدليس والإرسال.
[546] ابن زادان.
[547] في الأصل: "ابن سلمة"وهو خطأ.
[548] قال البيهقي: "وروه هشيم عن منصور بن زادان، عن الحكم عن الحسن بن مسلم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا…، وهذا هو الأصح من هذه الروايات. السنن الكبير 4/111) .
[549] 14/ب.
[550] المصدر السابق 4/111.
[551] لم أقف عليه في مسند الطيالسي، رغم مشاركة بعض الإخوة الأفاضل في هذا.
[552] ابن عبد الله.
[553] ثقة، خرج حديثه مسلم.
[554] قلت: لم يتطرق الزركشي لهذه الملاحظة عند استدراكه الرواية على المقدسي. انظر تصحيح العمدة حديث رقم 39.
[555] صف 4/132. وفي اللفظ الذي ساقه المصنف مفارقات بالنظر إلى ما عند البخاري، وليس فيها إخلال بالمعنى.
[556] م 2/766،767.
[557] الآية 187 من سورة البقرة.
[558] في الأصل:"فمرت".
[559] ص 4/132.
[560] م 2/766.
[561] صف 8/182.
[562] 15/أ.
[563] الوضاح بن عبد الله.
[564] ابن عبد الرحمن.
[565] سقطت من الأصل، وتوجد بعض مغايرات، كقوله: (وسادتي) بدل (وسادي) وقوله (عقالين) . ولم تذكر عند البخاري. صف 8/183.
[566] في الأصل (اذى) .
[567] ابن حازم.
[568] ابن طريف.
[569] صف 8/182.(34/446)
[570] 5/211.
[571] في الأصل: (الصومة) .
[572] الجامع 5/211، وقال: مجاهد، بدل مجالد. وهو خطأ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
[573] بل على حلاف, قال ابن الأثير: "وقدوم عدي سنة تسع في شعبان. وقيل سنة عشر". (أسد الغابة 3/392) , وقال ابن عبد البر: "قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في شعبان سنة تسع، ونقل عن الواقدي أنه في شعبان سنة عشر. (الاستيعاب 8/69) . وقال الحافظ ابن حجر: "أسلم في سنة تسع, وقيل سنة عشر". (الإصابة 6/401) .
[574] 15/ب.
[575] انظر: (صف 4/129) .
[576] الآية 187 من سورة البقرة.
[577] انظر: تفسير ابن كثير 1/220.
[578] انظر: المجموع 6/202.
[579] قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (البقرة: من الآية187) .
[580] صف 8/181.
[581] الآية 187 من سورة البقرة.
[582] وهو ما قرره ابن كثير وغيره من أهل العلم. (تفسير ابن كثير 1/220) .
[583] أنه كان أحدهم يربط خيطا أسود، وآخر أبيض في رجله، فإذا تميز له أحدهما عن الآخر، أمسك عن الأكل والشرب. (ص 4/132، 8/182) . فيحصل توافق في الفهم بين عدي - المتأخر عن وقت نزول الآية - وبين بعض الصحابة حين نزول الآية.
[584] يعني رواية حصين، عن الشعبي، عن عدي قال: لما نزلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} .
[585] 16/أ.
[586] في الأصل: "سليمان"وهو خطأ.
[587] الآية 187 من سورة البقرة.
[588] صف 13214، 8/182،189، م 2/767.
[589] في الأصل: "عن", والصواب ما أثبت، فقصة عدي متأخرة عن نزول الآية.
[590] صف 10/318.
[591] م 3/1657،1658.
[592] 16/ب.
[593] م 3/1658، وما قبلها.(34/447)
[594] صف 10/318، م 3/1656, د 4/425، ت 4/227،228، ن 8/178، جه 2/1201. مختصرا.
[595] في الأصل: (- اس) . والصواب ما أثبتناه. انظر: صف 1/318، م 3/1656.
[596] م 3/1658. ولفظ الشطر الأخير منه: "وكان فصه حبشيا".
[597] لم يرد في روايتهما عند مسلم ذكر للفص. (م 3/1656, 1657) .
[598] هذه المحاولة من الشيخين لفتة ذكية، لكنها غير خافية التكلف ولو حدث هذا التصرف، لوردت حكايته من الصحابي، ولو رواية لا سيما والأمر يتعلق بحكم شرعي.
[599] تكررت كتابة العبارة من الناسخ، في الأصل.
[600] 17/أ.
[601] يحيى بن المقدام بن معدي كرب: مستور، وابنه لين.
[602] المقدام بن معدي كرب بن عمرو الكندي، صحابي، نزل الشام، مات 87هـ.
[603] في الأصل: (وحسها) .
[604] سنن أبي داود 4/160, 161.
[605] ما بين القوسين بياض في الأصل. ورواه كثير بن عبيد, قال: "حدثنا بقية، عن ثور مختصرا". (سنن النسائي 7/202) . ورواه محمد بن المصفى ثنا بقية، ثني ثور، مثله (سنن ابن ماجه 2/1066) . قال السندي: "اتفق العلماء على أنه حديث ضعيف" (سنن 7/202) .
[606] الديلي.
[607] الأصل (صالح بن عمر) وهو خطأ، والصواب ما أثبت. انظر: (ن 7/202 جـ2/1066، والدارقطني 4/287) .
[608] سنن الدارقطني 4/287.
[609] …
[610] 17/ب.
[611] مختصر سنن أبي داود 5/317.
[612] عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسين بن شرف الدمياطي، فقيه، أصولي، محدث، حافظ (معجم المؤلفين 6/197) .
[613] جوامع السيرة.
[614] الاستيعاب مع الإصابة 3/164.
[615] الاستيعاب مع الإصابة 3/164.
[616] موضع بين مكة والمدينة. (معجم البلدان 4/214) . وهو معروف إلى جدة أقرب.
[617] في الأصل: "اليمن". وهو خطأ.(34/448)
[618] أي: غبرة تثار من التراث، بسبب الخيل والإبل، ومنه قوله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} (عبس:40)
انظر (النهاية 4/12) .
[619] صف 5/329
[620] 18/أ.
[621] في الأصل:"قارى".
[622] 1/749. تهذيب ابن هشام.
[623] في الأصل: "في حكم".
[624] اسم لخف البعير. والمراد به هنا: أي: وضح الأثر وظهر. انظر: (النهاية 5/50) .
[625] في الأصل: "إذا ذهب".
[626] 18/ب.
[627] الثقات 4/139، وراشد لم يرد في الثقات إلا عند ذكر حبيب.
[628] في الأصل: (تصحفها) .
[629] السيرة النبوية 4/851.
[630] الاستيعاب مع الإصابة 3/165.
[631] في الأصل (وهل) .
[632] في الأصل (حين) .
[633] صف 8/637, 638.سس
[634] م 3/1333. والمراد آية بيعة النساء من سورة الممتحنة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} (الممتحنة: من الآية 12) .
[635] 19/أ.
[636] صف 8/638.
[637] صف 7/219.
[638] م 3/1333, 1334.
[639] انظر: فتح الباري 7/220.
[640] الآية 39 من سورة الحج.
[641] ذكر ابن كثير أن سورة الممتحنة مدنية، وتعرض لحديث عبادة، وقراءة آية النساء، ولم يتنبه لهذه الملاحظة. انظر تفسير ابن كثير (4/344, 353) .
[642] صف 10/273.
[643] في الأصل: (إلى) .
[644] في الأصل: (إلى) .
[645] الدستوائي.
[646] ابن راشد.
[647] 19/ب.
[648] في الأصل: (هاجر إلى الحبشة رجال من المسلمين) .
[649] ما بين القوسين. سقط من الأصل.
[650] الذي أرجحه. أن ذلك سبق قلم، لأن الرواة أئمة كبار، والأمر من البديهيات.
[651] هو عند البخاري في مواضع. منها: (صف/476،442،443، 7/231) ولم أقف عليه عند مسلم.(34/449)
[652] انظر مثلا: مسند أحمد 6/198.
[653] صف 3/347.
[654] حديث ابن عمر "فيما سقت السماء العشر".
[655] صف 3/347.
[656] م 2/968.
[657] قاضي طرسوس.
[658] 20/أ.
[659] انظر الجمع بين رجال الصحيحين 2/485) .
[660] وقال أيضا: "ثقة". (الجرح والتعديل 8/141) .
[661] في الأصل: (بن) . وهو خطأ، وهشيم هو: ابن بشير، وابن عون هو: عبد الله بن عون بن أرطبان.
[662] م 2/967.
[663] قال الحافظ: "لم يثبت أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة". (الفتح 3/468) قلت: وقد ذكر الحافظ أنه قد يقدم إثبات بلال- الصلاة- على نفي غيره لها. لأمرين:
1- أنه - ابن عباس- لم يكن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ، وإنما أسند نفيه تارة لأسامة، وتارة لأخيه الفضل، مع أنه لم يثبت أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة.
2- قد وقع إثبات صلاته فيها عن أسامة من رواية ابن عمر، عن أسامة عند أحمد ... الخ. (الفتح 468/3) .
[664] ابن أبي أمية، ثقة، ثبت، كان يرسل.
[665] الموطأ 2/966.
[666] لا يوجد فيما هو مطبوع, ولم أقف على المخطوط.
[667] 20/ب.
[668] انظر الاستيعاب مع الإصابة 4/275.
[669] انظر سنن الدارقطني 2/73.
[670] انظر الاستيعاب مع الإصابة 4/64.
[671] صف 10/380.
[672] في الأصل: (ذويب) .
[673] في الأصل: (ذويب) .
[674] وهو واضح في الرواية، لأنهما لم يختلفا على أصل تحريم الصور غير أن أبا طلحة احتاط لنفسه في الاستثناء، ولم يرد في رواية ابن أبي ذئب المذكورة.
[675] لأن سهلا مات في خلافة علي- رضي الله عنه- وعبيد الله لم يدرك عليا، بل قال علي بن المديني. إنه لم يدرك زيد بن ثابت ولا رآه، وزيد مات بعد سهل حنيف. (الفتح 10/381) .(34/450)
[676] انظر: (تحفة الأشراف 3/170) . وأخرجه الطبراني /.
[677] 21/أ.
[678] قال الحافظ: "وعثمان تأخر بعد سهل لمدة، وكذلك أبو طلحة، ولا يبعد أن يكون عبيد الله أدركهما.
[679] انظر: (الاستيعاب مع الإصابة 4/65) .
[680] 21/ب.
[681] وفرغ منه محققه يوم الثلاثاء الثالث عشر من جمادى الآخرة من سنة عشر وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام بمدينة العامرة (المديتة النبوية) . اللهم اغفر لمؤلفه ومن نسخه, ومن حققه, ومن قرأه من المسلمين, بفضلك وكرمك يا رب العالمين. وصلى الله وسلم على خير خلقه محمد الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.(34/451)
خطَّاب المارديّ ومنهجه في النحو
للدكتور/ حسن موسى الشاعر
أستاذ مشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية
خطَّاب المارديّ
عصره:
عاش خطَّاب المارديّ حياته في الأندلس، في النصف الأول من القرن الخامس الهجري، وشهد سقوط الخلافة الأموية في الأندلس، على إثر انهيار الدولة العامرية سنة 399 هـ، وانقسام بلاد الأندلس إلى دول متعددة تقوم في كل منها دولة أو مملكة تزعم لنفسها الاستقلال، ولا تربطها بجاراتها أو زميلاتها أية رابطة، إلا المنافسة والحرب الأهلية، وقد عرف هذا العصر بعصر دول الطوائف [1] .
وقد ذكرت المصادر أن خطاباً كان من أهل قرطبة، ثم سكن بطليوس، وأنه توفي آخر أيام المظفر بن الأفطس، صاحب بطليوس [2] .
وكانت مملكة بطليوس تشمل رقعة كبيرة تمتد من غرب مملكة طليطلة عند مثلث نهر وادي يانه غرباً حتى المحيط الأطلسي، وتشمل أراضي البرتغال كلها تقريباً حتى مدينة باجه في الجنوب. وكانت العاصمة بطليوس تتوسط هذه الرقعة الكبيرة التي تشمل عدا العاصمة عدة مدن هامة أخرى مثل: ماردة، ويابرة، وأشبونة، وشنترين، وقلمرية وغيرها [3] .
وكان بنو سلمة أو بنو الأفطس، كما اشتهر اسمهم، سادة هذه المملكة الشاسعة التي حكموها نيفاً وسبعين عاماً، وسطع بلاطهم أيام الطوائف.(34/452)
وينتمي أبو محمد عبد الله بن مسلم المعروف بابن الأفطس إلى قبيلة من قبائل مكناسة المغربية، وأصله من ولاية قرطبة. وقد استولى على حكم بطليوس سنة 413 هـ، وتلقب بالمنصور، وكان رجلا كثير المعرفة والدهاء، وافر الحزم والسياسة، توفي سنة 437 هـ، فخلفه محمد بن عبد الله بن أفطس، وتلقب بالمظفر، وكان عالماً وفارساً شجاعاً، وكان يرى في بني عباد - حكام إشبيلية - خصومه الأوائل، ويعمل لاتقاء عدوانهم، واستطاع ابن الأفطس أن يوقع بالمعتضد بن عباد هزيمة شديدة سنة 439 هـ. ثم جهز المعتضد قوة كبيرة وتوغلت في أراضي ابن الأفطس، والتقى الفريقان على مقربة من يابرة، فهزم ابن الأفطس سنة 442 هـ، وقتل كثير من جنده، واستمرت الحرب عدة شهور ثم عقد الصلح بينهما سنة 443 هـ.
وأخذ المظفر يتعرض لخطر جديد، وذلك من قبل نصارى الشمال، الذين أخذوا يتحينون الفرص ويستولون على بعض المدن، وكان أعظم خطب نزل بالمسلمين هو فقد مدينة قلمرية، أعظم مدن البرتغال الشمالية، وذلك سنة 456 هـ، وتوفي المظفر بن الأفطس سنة 461 هـ[4] .
وقد كان المظفر من أعلم أهل عصره، وكان رأسًا في الأدب والشجاعة والرأي، وكان مناغراً للروم، شجىً في حلوقهم. وكان مع استغراقه في الجهاد لا يفتر عن العلم، ولا يترك العدل، صنع مدرسة يجلس فيها كل جمعة ويحضره العلماء. وقد اشتهر في عالم الأدب بكتابه الضخم الموسوم بالمظفري، نسبه إلى اسمه, وهو موسوعة أدبية وتاريخية عظيمة, على هيئة عيون الأخبار لابن قتيبة, يحتوي على كثير من الأخبار والسير الطرائف والنوادر…وقيل: إن المظفري كان يحتوي على خمسين مجلدا، وقيل عشرة أجزاء ضخمة [5] .
اسمه ونسبه:
هو خطّاب بن يوسف بن هلال المارديّ، من أهل قرطبة، وسكن بطليوس، يكنى أبا بكر [6] .(34/453)
وذكر بعضهم في نسبه أيضاً "المالكي" [7] . وأعتقد أن خطّاباً كان مالكي المذهب، وإن لم أجد له ترجمة في طبقات المالكية، إذ كان مذهب الإمام مالك منتشراً في الأندلس. وقد ذكر أن شيخه ابن الفخار القرطبي الحافظ كان مالكياً [8] .
وزاد بعضهم في نسبه "الأنباري" [9] ، ولا أرى له وجهاً، ولم أجد أحداً من القدامى ذكره، ولعله وهم سببه أن خطّاباً صنف مختصر الزاهر لابن الأنباري، فالتبس ذلك على بعضهم، فأدخل "الأنباري "في نسب خطّاب.
و"المارديّ"نسبة إلى ماردة. قال أبو حيان [10] : "أبو بكر خطّاب به يوسف بن هلال الماردي، أندلسي من ماردة".
قال ياقوت [11] : "ماردة كورة واسعة من نواحي الأندلس, من أعمال قرطبة، إحدى القواعد التي تخيرتها الملوك للسكنى من القياصرة والروم.. وهي مدينة رائقة كثيرة الرخام، عالية البنيان، فيها آثار قديمة حسنة، تقصد للفرجة والتعجب، وبينها وبين قرطبة ستّة أيام.. ينسب إليها غير واحد من أهل العلم والرواية".
وكانت ماردة إحدى المدن الهامة في مملكة بطليوس التي يعيش بها خطّاب في عصر دول الطوائف [12] .
وقد وقع تحريف كثير في لفظة "المارديّ"في عدد من المصنفات: ففي فهرسة ابن خير الإشبيلي ذكر في مواضع "المارديّ" وفي مواضع أخرى "الماوردي" [13] .
وفي إشارة التعيين والبلغة ذكر "المازريّ" [14] .
وفي توضيح المقاصد للمراديِّ ورد "الماورديّ" [15] .
وفي التصريح للشيخ خالد ورد "خطاب الماردي" [16] . وورد مرة "خطّاب الماوردي" [17] . ومرة "خطاب المرادي" [18] .
وذكره صاحب ضياء السالك باسم "خطّاب الماوردي" [19] تبعاً لما ورد في التصريح. وفي إيضاح المكنون وهدية العارفين ذكر "المادري" [20] .(34/454)
أما محقق ارتشاف الضرب ففي قسم الفهارس ذكر خطاباً مرتين باسم "المارزي" [21] مع أسماء المصنفين، ولعله من أخطاء الطباعة وهو يقصد "المازري"لأنه ذكره مرتين أيضاً باسم "المازري" [22] في فهرس أسماء الكتب.
هذا مع أن الاسم ورد صحيحاً مرات كثيرة في أصل كتاب الارتشاف باسم "خطّاب الماردي " [23] .
وفي الأشباه والنظائر للسيوطي ورد "خطاب المارديني"، وعلق عليها المحقق في الحاشية بقوله: "في النسخ الثلاث "الماريني "وفي (ط) فقط "المارديني "ولعل الصواب "الماردي" [24] .
وفي شرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي ورد "خطاب بن يوسف الماردي" [25] . ويبدو أن المحققَيْنِ اختارا ذلك اعتماداً على كتاب إيضاح المكنون الذي أشارا إليه في الحاشية.
وأنا أرى أن هذه التحريفات من أخطاء النساخ أو المحققين أو الناشرين للكتب من غير تدقيق؛ لأنه ورد باسم "خطّاب المارديّ "في معظم الكتب التي ترجمت له، وفي مواضيع كثيرة من كتب النحو التي ذكرته.
نشأته ومنزلته:
لا تسعفنا المصادر التي بين أيدينا إلا بشذرات قليلة عن حياة خطّاب، لا تتضح بها حياة خطّاب من ولادته أو نشأته، ولكنها تدل على علو منزلته.
فقد ذكرت المصادر أنه من أهل قرطبة وسكن بطليوس [26] . ويبدو لي أنه ولد في قرطبة ونشأ بها، لأنه روى عن أبي عبد الله بن الفخار الفقيه [27] .
وشيخه هذا هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن يوسف المالكي الحافظ، يعرف بابن الفخار، من أهل قرطبة، قدم مصر وحج وجاور بالمدينة المنورة، وأفتى بها، وكان من أهل العلم والذكاء والحفظ والفهم، عارفاً بمذاهب الأئمة وأقوال العلماء، يحفظ المدونة والنوادر لأبي زيد. قيل توفي بمدينة بلنسية سنة 417 هـ، وقيل 419 هـ. وهو آخر الفقهاء الحفاظ الراسخين العالمين بالكتاب والسنة بالأندلس [28] .(34/455)
أمّا خطّاب فقال عنه ابن الأبّار (المتوفي سنة 659 هـ) : كان متقدماً في علوم اللسان، واقفاً على كتب الأشعار والأخبار، متحققا بالنحو، يؤخذ عنه، ويرغب فيه، وقعد لإقراء ذلك، وعاصر الأستاذ أبا عبد الله بن يونس الحجاري [29] .
وقال عنه ابن عبد الملك المراكشي (المتوفى سنة 703 هـ) : كان من جلّة النحاة، ومحققيهم والمتقدمين في المعرفة بعلوم اللسان على الإطلاق، روى عن أبي عبد الله بن الفخار وأبي عمر أحمد بن الوليد وهلال بن عريب، وروى عنه ابناه عبد الله وعمر، وتصدر لإقراء العربية طويلاً، وصنف فيها [30] .
وفاته:
تشير أكثر المصادر التي ترجمت لخطّاب المارديّ أنه توفي بعد الخمسين والأربعمائة [31] ، في آخر أيام المظفر بن الأفطس، صاحب بطليوس. وقد اختلف في سنة وفاة المظفر بن الأفطس فقيل توفي سنة 460 هـ[32] ، وقيل سنة 461 هـ[33] .
وعليه أرجّح أن تكون وفاة خطّاب نحو سنة 460 هـ.
مصنفاته:
ترك خطّاب مصنفات كثيرة، ذكرها ابن خير الإشبيلي في كتابه "فهرسة ما رواه عن شيوخه". ثم قال [34] : "وكل ذلك من تأليف الشيخ الأستاذ أبي بكر خطّاب بن يوسف بن هلال المارديّ النحوي رحمه الله. حدثني بذلك كله الشيخ الحاج أبو حفص عمر بن عياد ابن أيوب بن عبد الله اليحصبي رحمه الله، عن أبي حفص عمر بن خطاب بن يوسف عن أبيه مؤلفها رحمه الله. وحدثني بها أيضا الشيخ أبو بكر محمد بن أحمد بن محرز عن أبيه رحمه الله، عن أبي حفص عمر بن خطاب المذكور عن أبيه خطّاب بن يوسف رحمه الله.
وهذه هي مصنفاته التي ذكرها ابن خير، وما أضفته إليها، مما وجدته عند غيره، رتبتها فيمايلي:
1- الترشيح في النحو، وهو أشهر كتبه، وقد وصلتنا منه نقول كثيرة، وسوف أعرض له بالتفصيل.
2- أرجوزة في مخارج الحروف وصفاتها [35] .
3- إعراب مسألة (الحسن الوجه) بعللها وتصريف وجوهها [36] .
4- الترجمة [37] .(34/456)
5- التمحيص [38] .
6- الدلائل في النحو [39] .
7- الدلالة [40] .
8- الفصول في النحو [41] .
9- شرح مسألة الزي [42] .
10- المشعر [43] .
11- اختصار الزاهر لابن الأنباري [44] .
12- شعر فيما يذكر ويؤنث [45] .
كتاب الترشيح في النحو لخطّاب:
الترشيح في النحو أشهر مصنفات خطّاب، وقد ذكره معظم الذين ترجموا له، كما وصلتنا نقول كثيرة منه، تمثل آراء خطّاب النحوية.
قال السيوطي في ترجمة خطّاب: "وهو صاحب كتاب الترشيح، ينقل عنه أبو حيان وابن هشام كثير"ا [46] .
ووصف بعضهم كتاب الترشيح في النحو بأنه كبير [47] .
وقد لخص أبو حيان السّفر الأول من كتاب الترشيح في كتابه (تذكرة النحاة) ، بدأه بقوله [48] : "أبو بكر خطّاب بن يوسف بن هلال المارديّ، أندلسي من ماردة، له تصانيف في النحو، منها كتاب الترشيح، عارض به كتاب دريود في شرحه لكتاب الكسائي".
وبلغ ما لخصه أبو حيان نحو خمس وعشرين صحيفة، ثم قال [49] : "انتهى ما لخص من السفر الأول من كتاب الترشيح".
وقد ذكر البغدادي [50] نصوصاً من كتاب الترشيح منقولة عن كتاب التذكرة لأبي حيان، وليست في الجزء المطبوع منه، ولعله في الأجزاء المفقودة من كتاب التذكرة.
الترشيح أم التوشيح؟
ذكرت معظم كتب التراجم وكتب النحو أن كتاب خطّاب اسمه "الترشيح "بالراء. ولكن ورد في مصدرين أن اسمه "التوشيح"وذلك في فهرسة ما رواه عن شيوخه [51] لابن خير، وفي كشف الظنون [52] لحاجي خليفة.
وأنا أرى أن كتاب خطّاب اسمه "الترشيح" لأنه ورد بهذا اللفظ في معظم كتب التراجم التي ذكرته، وفي جميع كتب النحو التي نقلت عنه في مواضع كثيرة.(34/457)
فأما تسميته "التوشيح"فذلك وهم أو تحريف بلا شك. ومما يقطع بذلك نصّ صريح جاء في التصريح للشيخ خالد الأزهري، عند قول ابن هشام في إحدى المسائل " ... خلافا لصاحب الترشيح "قال الشيخ خالد "بالراء، وهو خطاب الماردي" [53] .
وقد ورد بلفظ "الترشيح"في المصادر التالية: إشارة التعيين، وفي البلغة، وفي بغية الوعاة، وفي إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، وفي هدية العارفين، وفي معجم المؤلفين.
وورد بلفظ "الترشيح"أيضاً في كتب النحو التالية:
- في ارتشاف الضرب - في نحو ثلاثين موضعاً.
- في أوضح المسالك لابن هشام [54] ، وفي التصريح على التوضيح [55] .
وفي حاشية يس على التصريح [56] ، وفي الأشموني وحاشية الصبان [57] .
وفي الأشباه والنظائر للسيوطي [58] ، وفي خزانة الأدب للبغدادي [59] . وفي شرح أبيات مغني اللبيب [60] للبغدادي.
وقد اضطرب محقق كتاب همع الهوامع للسيوطي في ضبط اسم الكتاب فجاء في الجزء الأول منه: قال خطّاب في الترشيح [61] ، وعلق عليه في الحاشية بقوله: في نسخة أ "التوشيح"بالواو تحريف.
وجاء في الجزء الثاني منه: خطاب بن يوسف المارديّ صاحب "التوشيح" [62] ، وعلّق عليه في الحاشية بقوله: في البغية والأشموني "الترشيح"بالراء تحريف، صوابه من النسخ الثلاث وكشف الظنون.
وهكذا اختلف حكم المحقق في اسم الكتاب فقال: "التوشيح"تحريف، ثم قال في الموضع الثاني: " الترشيح"تحريف.
وجاء في الجزء الخامس من الهمع أيضاً: خطّاب في الترشيح [63] .
أقول: والصحيح أنه "الترشيح". فأما تسميته "التوشيح"فهو تحريف وقع في فهرسة ابن خير، ووهم من أوهام كشف الظنون.
وكتاب كشف الظنون على الرغم من غزارة مادته، لا يمكن الاطمئنان إلى كل ما ورد فيه، فقد وقعت فيه أوهام كثيرة بحاجة إلى توقف ونظر.
بين الترشيح لخطّاب والترشيح لابن الطراوة:(34/458)
عرفنا أن كتاب الترشيح لخطّاب المارديّ كتاب كبير يقع في عدة أجزاء، عارض به كتاب دريود في شرحه لكتاب الكسائي، ومنه نقول كثيرة في كتب النحو، كما سيأتي.
وابن الطراوة [64] (المتوفى سنة 528 هـ) له كتاب في النحو باسم "الترشيح"أيضاً.
وكتاب الترشيح لابن الطراوة كتاب صغير، وصفه ابن عبد الملك المراكشي فقال: "وله مجموع في النحو مختصر، سماه "الترشيح "يكون على قدر النصف من جمل الزجاجي " [65] .
ويقول عنه الدكتور عياد الثبيتي: "إنه مقدمة صغيرة في النحو" [66] . ثم يقول: "وهذا الكتاب مما لم أجد له ذكرا في الكتب النحوية التي اطلعت عليها، ولا أعلم عنه شيئاً".
وينبه الدكتور عياد على وهم وقع في كشف الظنون يتعلق بوصف كتاب الترشيح لابن الطراوة [67] ، حيث جاء في كشف الظنون "وهو مختصر من المقدمات على كتاب سيبويه"فيبين الدكتور عياد أن هذا الوهم في كشف الظنون أوقعه فيه قول السيوطي عن ابن الطراوة: "وألف الترشيح وهو مختصر، المقدمات على كتاب سيبويه", فقوله "المقدمات على كتاب سيبويه"كتاب آخر لابن الطراوة غير الترشيح.
وهذا ملحظ جيد من الدكتور عياد، لم أجد أحداً نبه عليه.
وعلى الرغم من هذه الفروق بين كتاب الترشيح لخطّاب وكتاب الترشيح لابن الطراوة فقد وقع لبس في عنوان كتاب خطّاب من جهة، ووقع خلط بينه وبين كتاب الترشيح لابن الطراوة عند بعض الباحثين من جهة أخرى.
فالدكتور محمد البنا وهو يتحدث عن مصنفات ابن الطراوة، يذكر منها كتاب الترشيح، ويقول: "وهو مفقود ... ولم يُحل عليه ابن الطراوة في الإفصاح". ثم يقول الدكتور البنا: "وإن من يقرأ الارتشاف لأبي حيان يرى اسم "الترشيح"يتردد كثيرا، وقد يظن أن هذا هو الكتاب الذي نحن بسبيله، وقد وقعنا في هذا الظن فترة، ثم تبين لنا أنه "التوشيح "بالواو لا بالراء، وأن صاحبه هو أبو بكر خطّاب بن يوسف بن هلال الماردي [68] .(34/459)
وهكذا يوفق الدكتور البنا إلى معرفة صاحب الكتاب وهو خطّاب، ولكنه يلتبس عليه ضبط اسم الكتاب، فلا يقنعه أن يتردد كثيراً باسم "الترشيح "، بل يجزم بأنه "التوشيح"بالواو لا بالراء، اعتمادا على ما ذكره صاحب كشف الظنون الذي لا يخلو من أوهام كثيرة.
والدكتور عياد الثبيتي في رسالته عن ابن الطراوة، يرجّح أيضاً أن مصنف الكتاب المذكور هو خطّاب، ولكنه يرى أن عنوانه محرف عن "التوشيح"وهو يذكر أنه رجع إلى شرح كتاب سيبويه للصفّار فوجده يذكر "الترشيح"مرتين، ثم يقول الدكتور عياد: "فالمتبادر إلى الذهن هو أن هذا كتاب ابن الطراوة، ولكن الراجح أن هذا المنقول منه هو كتاب التوشيح لخطّاب المارديّ وقد نقل عنه أبوحيان كثيرا في التذييل والتكميل وفي ارتشاف الضرب وفي التذكرة، كما نقل عنه السيوطي في الهمع وفي الأشباه والنظائر، ويصيبه التحريف في كثير من المواضع فيكتب بالراء، فيشتبه بكتاب ابن الطراوة ... " [69] .
ولا أدري لماذا يجعل الدكتور عياد وجود التحريف في المصادر الكثيرة التي تكتبه بالراء، ولا يجعل التحريف في المصادر القليلة التي كتبته بالواو، وما الذي يمنع أن يكون "الترشيح "لكل من خطّاب وابن الطراوة!
وفي شرح أبيات مغنى اللبيب ورد كتاب الترشيح مرتين، جاء في المرة الأولى "وذكر صاحب الترشيح" [70] . فعلق المحققان عليه في الحاشية بقولهما: "الترشيح في النحو لسليمان ابن محمد بن الطراوة المالقي المتوفى سنة 528 هـ، وهو مختصر من المقدمات على كتاب سيبويه "وأحالا على كشف الظنون 1/ 399.
وجاء في المرة الثانية: " ... نقله أبو حيان في تذكرته من كتاب الترشيح لخطّاب ... " [71] فعلّق المحققان عليه في الحاشية بقولهما: "الترشيح في النحو للأديب أبي بكر خطاب بن يوسف بن هلال المارديّ القرطبي النحوي المتوفى سنة 450 هـ" وأحالا على إيضاح المكنون 1/281.(34/460)
وهكذا اضطرب المحققان في تحديد صاحب الترشيح، فنسباه مرة إلى ابن الطراوة ومرة إلى خطّاب.
وفي خزانة الأدب للبغدادي ذكر كتاب الترشيح مرة واحدة منسوبا إلى خطاب بنص صريح، إذ قال البغدادي عن بيت من الشعر: "…وكذا رواه خطّاب بن يوسف في كتاب الترشيح" [72] . ولم يعلق عليه المحقق في الحاشية، ولكنه في القسم الخاص بالفهارس، في فهرس الكتب والمصادر قال: "الترشيح لخطاب بن يوسف نقلاً عن تذكرة أبي حيان" [73] .
وليت المحقق اكتفى بذلك، ولكنه علق عليه في الحاشية فقال: "في كشف الظنون: الترشيح في النحو لسليمان بن محمد بن الطراوة المالقي المتوفى سنة 528 هـ، وهو مختصر من المقدمات على كتاب سيبويه، فهذا كتاب آخر، وصواب تسمية كتاب خطاب هو التوشيح بالواو كما في كشف الظنون 1/345، وكذا في فهرسة ابن خير الإشبيلي 319، وفاة خطّاب هذا كانت بعد سنة 450هـ، وقال صاحب الكشف المتوفى تقريبا سنة 450هـ، كذا ذكر صاحب البغية، وجاء فيها اسم الكتاب بالراء محرفا".
وفي كتاب ارتشاف الضرب لأبي حيان تردد ذكر كتاب "الترشيح"مرات كثيرة، وكثر النقل عن هذا الكتاب، وقد صرّح المصنف بنسبة الكتاب إلى خطاب، فقال: "وقال خطاب الماردي، في كتاب الترشيح" [74] .
فماذا كان موقف المحقق من تحديد صاحب الترشيح؟
لقد اضطرب المحقق كثيراً في نسبة كتاب الترشيح، فهو أحياناً ينسبه إلى ابن الطراوة [75] ، وأحيانا ينسبه إلى خطّاب [76] , وأحيانا أخرى يقع في حيرة فيذكر ابن الطراوة وخطاباً معا، ومن ذلك تعليقه عليه في الحاشية [77] : "كتاب الترشيح في النحو لسليمان بن محمد بن الطراوهّ المالقي المتوفى سنة 528 هـ كما في كشف الظنون 1/399، ولكن في البغية 1/533 أن كتاب الترشيح لخطاب المارديّ القرطبي مات بعد سنة 450هـ وينقل عنه أبو حيان كثيراً ".(34/461)
وفي قسم الفهارس، - في فهرس الكتب - ذكر المحقق الترشح في النحو لابن الطراوة وأحال عليه في عدد من الصفحات، ثم ذكر الترشيح لخطاب وأحال عليه في عدد من الصفحات [78] . علماً بأن النقول كلها عن الترشيح لخطّاب.
وهكذا كان كتاب كشف الظنون من أهم أسباب الوهم والاضطراب في ضبط عنوان كتاب "الترشيح"وفي نشبته إلى صاحبه خطّاب.
بين خطّاب ودُريود:
عرفنا أن خطابا صنف كتابه "الترشيح"في النحو في عدة أسفار، عارض به كتاب دريود في شرحه لكتاب الكسائي.
ودريود اسمه عبد الله بن سليمان بن المنذر الأندلسي القرطبي النحوي، الملقب بدَرْوَد، وربما صغر فقيل دُرَيْود، معروف بالنحو والأدب، شرح كتاب الكسائي، توفي سنة 325 هـ[79] .
وقيل اسمه محمد بن أصبغ، وله شرح على نحو الكسائي في ستة أجزاء سمع عليه. [80]
فإن كان كتاب دريود في ستة أجزاء، فلا بد أن يكون كتاب الترشيح لخطاب نحو ذلك أيضا لأنه عارضه به.
ويبدو لي أن دريوداً نهج نَهْج الكوفيين في شرحه لكتاب الكسائي، فدفع هذا خطّاباً إلى معارضته بكتاب الترشيح، والانتصار لمذهب سيبويه والبصريين.
وكثيراً ما نرى دريوداً تابعاً للكسائي أو الكوفيين في آرائه النحوية، ومن ذلك في قولك: "نِعْمَ رَجُلاً زَيْدٌ". ذهب سيبويه ومعظم البصريين إلى أن في (نِعْمَ) ضميرا مستكناً هو فاعل (نعم) . و (رجلاً) تمييز لذلك الضمير. وذهب الكسائي والفراء أنه لا ضمير، والفاعل بنعم هو زيد، والمنصوب عند الكسائي حال، وتبعه دريود [81] .
ومن ذلك أيضاً أنة يشترط فيما يجمع جمع المذكر السالم أن يكون خاليا من تاء التأنيث لا يكون عوضاً، نحو طلحة، خلافاً للكوفيين وتبعهم دريود، فإنهم يجيزون جمعه بحذف التاء، فيقولون طلحون… [82] .(34/462)
ويقوم خطاب بتعقب دريود في عدد من المسائل، فيغلطه ويرد عليه، ومن ذلك في أسلوب (لا سيما) قال خطاب [83] : "وقد قال دريود في كتابه: إن في قولك: (لا سيما) لغتين التثقيل والتخفيف، فمن خفف خفض بها، ومن ثقل رفع - وهو غلط منه، لأنها اسم مضاف في كلا الحالين، وإنما علة الخفض زيادة (ما) وعلة الرفع كون (ما) بمعنى الذي. وقد صرح الأخفش في كتابه بإجازة الرفع والخفض في التثقيل والتخفيف، دون تفضيل، وهو الذي لا يجوز غير في القياس".
وفي إنابة الظرف عن الفاعل، يقول خطاب [84] : "وأما الأيام المعروفة بأعيانها كيوم السبت والأحد ويوم الأحد، والأزمنة المحدودة كالشتاء والصيف والربيع، وأوقات الليل والنهار مثل بكرة وعشية…فإنك تقيمها مقام الفاعل، وكان دريود لا يرى ذلك ويقول: "كل وقت محدود يحسن فيه (ائتني) فانصبه أبدا، كقولك: سير به يوم الجمعة، وهذا غلط منه، لأنك تقول: ائتني شهر رمضان، وأيام التشريق، ثم تقيم ذلك مقام الفاعل، تقول: سير عليه شهرُ رمضان وأيام التشريق، وهذا ما لا اختلاف فيه، لأنه موقوف محدود محصور العدد، وقد أجاز سيبويه رحمه الله: سير عليه بكرةٌ وغدوةٌ ويومُ الجمعة ويومُ السبت، بالرفع على أن تقيمها مقام الفاعل…"(34/463)
وقد يذكر رأي سيبويه ويضعّف رأي دريود، كما جاء في الاستثناء حيث قال خطاب [85] : "وأما قوله عز وجل: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ} [86] بالرفع فهو على البدل مِن (مَن) ، أو من الضمير الفاعل في (يغفر) العائد عليها، وجاز هذا لأن في الكلام معنى نفي وتقديره: لا يغفر أحد الذنوب إلا الله، وقال دريود: ومثل ذلك {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا} [87] على البدل، وهذا عند سيبويه ومن وافقه رفع على النعت، لأن (إلا) مع ما بعدها قد تكون نعتا للنكرات وللأجناس غير المعهودة كما تكون (غير) … والبدل الذي ذكره قد أجازه غيره وفيه ضعف، لأن معنى النفي في (لو) ليس قويا كقوته في معنى (ما) و (من) في الاستفهام…
وقد يكون خطّاب معتدلا في رده على دريود، فيكتفي بمخالفته، ومن ذلك في باب الوقف، قال خطاب في الترشيح [88] : "هاء السكت ساكنة أبدا، وزعم دريود أنها زيدت للسكت، ولتكون عوضا من الألف الذاهبة، ولا أرى قوله، لأن العوض يكون لازما، وهاء السكت ليست لازمة إلا في كل فعل يعود إلى حرف واحد نحو: (قِهْ، وعِهْ) ". انتهى.
ومن ذلك أيضا أن جواب (لو) إذا كان ماضيا مثبتا فالأكثر أن يجيء باللام، وقد يجيء بلا لام، نحو قوله تعالى: {لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ} [89] وجواب لولا ماض مثبت مقرون باللام نحو قوله تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ} [90] وحذف اللام ضرورة، وقيل: قليل. قال صاحب الترشيح [91] : "حذف اللام مع لولا جائز، وأكثر ما تأتي في الشعر، وسوّى دريود بين حذف اللام وإثباتها في (لو) و (لولا) . انتهى.
منهجه في النحو
خطّاب المارديّ كما قال عنه ابن الأبّار: "كان متقدماً في علوم اللسان، واقفاً على كتب الأشعار والأخبار، متحققاً بالنحو" [92] .(34/464)
وقال عنه ابن عبد الملك المراكشي: "كان من جلّة النحاة ومحققيهم والمتقدمين في المعرفة بعلوم اللسان" [93] .
والباحث المدقق في آرائه النحوية، من خلال هذه النقول المتعددة من كتابه "الترشيح "يجد صدق هذه المقولات، بل يجد نفسه أمام عالم متبحر في النحو واللغة، شديد الثقة بنفسه، مع التواضع والتقدير للعلماء الآخرين، والقدرة على الموازنة والترجيح والاختيار. ولو قدر لنا أن نطلع على مصنفاته لاتضحت لنا جوانب أكثر إشراقا وعمقاً.
ويمكن أن نتناول منهجه في النحو من خلال الجوانب التالية:
مذهبه النحوي:
لم يصرخ خطّاب بمذهبه في النحو، ولكنه كان كثير الاستدلال بآراء النحاة البصريين، مما يدل على تقديره لهم، وميله إلى مذهبهم، ولعله صنف كتاب "الترشيح"في الردّ على دريود انتصارا لمذهب البصريين، ولكنه لم يكن متعصباً لهم، بل نلمح دائما شخصيته المتفردة، وقدرته على اختيار الرأي الراجح لديه، وهذه سمة عامة للنحو الأندلسي.
ومن الأمثلة على ميله إلى البصريين، ما جاء في أسلوب "لاحبذا" من نحو قولك: حبذا زيذ راكباً. قال أبو حيان [94] : "اختلف النحاة في هذا المنصوب بعد (حبذا) ، فذهب الأخفش والفارسي والربعي وخطّاب وجماعة من البصريين إلى أنه منصوب على الحال لا غير، سواء أكان جامدا أم مشتقاً، وأجاز الكوفيون وبعض البصريين نصبه على التمييز.."(34/465)
وكان خطّاب كثيرا ما يذكر سيبويه على سبيل الإعجاب والتقدير، ومن ذلك ما ذكره في حركة الحرف المضعّف المجزوم نحو: لم يردّ، ولم يعضّ، ولم يفرّ. قال [95] : "ومن العرب من يكْسر هذا كلّه، ومنهم من يحركه بحركة ما قبله: لم يرُدُّ، ولم يعضَّ، ولم يفِرِّ، فإن اتصلت بهذا المضاعف هاء الإضمار للمؤنث فتحت في كل اللغات: لم يعضَّها، ولم يفرَّها، ولم يردَّها, وإن اتصلت به هاء الإضمار لمذكر ضممت في كل لغة فقلت: لم يردُّهُ، ولم يعضُّه، ولم يفرُّه. وهذا قول سيبويه وجلّة النحويين".
وقال فيما ينوب عن الفاعل من الظرف، وهو يردّ على دريود: "وقد أجاز سيبويه رحمه الله: سير عليه بكرةٌ، وغدوةٌ، ويومُ الجمعة.." [96] .
ويبدو وعيه بآراء سيبويه في الرد على من ينسب رأياً لسيبويه وليس له، ومن ذلك أنه لا يجيز تقديم خبر ليس عليها، قال [97] : "تقول: ليس عالماً زيدٌ، ولو قلت: عالماً ليس زيدٌ، لم يجز، لأن (ليس) لا تتصرف، لما فيها من معنى الجحد، وقد أجاز تقديم خبرها ابن النحاس، ونسبه إلى سيبويه وليس يصح عنه ".
وذكر خطاب أن أبا إسحاق الزجاج يجيز: لولاك ولولاه، على مذهب سيبويه [98] .
موقفه من مصادر الاحتجاج:
اعتمادا على النصوص الواردة إلينا من آراء خطاب، يبدو لنا اهتمام خطّاب بمصدرين رئيسيين من مصادر الاحتجاج وهما: القرآن الكريم، وكلام العرب (من شعر نثر) . ولم أجد له احتجاجا بالحديث النبوي.
وقد صرّح خطّاب بموقفه هذا عندما تعرض لحذف الخبر بعد لولا، نحو: لولا زيدٌ لقمت. قال: "تقديره بالحضرة، أو بهذا المكان. وقال قوم: يجوز إظهار الخبر، وليس ما ذكروه بجيد، لأن ذلك لم يأت في قرآن ولا شعر فصيح، وهذا الخبر عند جلة النحويين من المضمر الذي لا يجوز إظهاره" [99] .(34/466)
ويظهر اهتمامه أيضاً بكلام العرب في قول أبي حيان: "وزعم أبو العباس وخطاب الماردي أن بدل الغلط لا يوجد في كلام العرب، لا نثرها ولا نظمها". قال خطّاب: "وقد عنيت بطلب ذلك في الكلام والشعر، فلم أجده، فطالبت غيري فلم يعرفه" [100] .
أما القرآن الكريم فهو مصدر مهم من مصادر الاحتجاج عنده، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تحتاج إلى بيان.
ولكن خطّاباً وقف موقفاً عجباً في رفض بعض القراءات القرآنية الثابتة، لأنها خالفت القياس النحوي الذي يراه.
وهذا يذكرنا بما أورده السيوطي عن موقف قوم من النحاة في رفض بعض القراءات القرآنية، إذ يقول السيوطي [101] : "كان قوم من النحاة المتقدمين يعيبون على عاصم وحمزة وابن عامر قراءات بعيدة في العربية، وينسبونهم إلى اللحن، وهم مخطئون في ذلك، فإن قراءاتهم ثابتة بالأسانيد المتواترة الصحيحة التي لا مطعن فيها، وثبوت ذلك دليل على جوازه في العربية. وقد ردّ المتأخرون، منهم ابن مالك، على من عاب عليهم ذلك بأبلغ رد، واختار جواز ما وردت به قراءاتهم في العربية، وإن منعه الأكثرون مستدلا به.
وقد صرّح خطّاب برفض الاحتجاج بقراءة لحمزة، فقال: "ورأيت ابن الأنباري يجيز أن تقول: لم يخشى، ولم يسعى، بإثبات الألف، واحتج بقراءة حمزة {لاتخفْ دركاً ولا تخشى} [102] بإثبات الألف وهذا لا يجوز عندنا " [103] .
ولكن العكبري يرى لهذه القراءة وجوهاً سائغة، فيقول: "ولا تخشى"على قراءة الجزم هو حال، أي: وأنت لا تخشى.. وقيل: الألف في تقدير الجزم شبهت بالحروف الصحاح. وقيل: نشأت لإشباع الفتحة ليتوافق رؤوس الآي" [104] .(34/467)
بل نجد خطّاباً يتهم حمزة بالجهل بالعربية، ويجعل ذلك سبيلا لردّ قراءته. ومن ذلك أنه يرى أن إسكان لام الأمر مع "ثم " يكون في ضرورة الشعر، ولا يجوز في الكلام. قال: "وإن كان حمزة قد قرأ {ثّم لْيقْطَعْ} [105] بسكون اللام، لأنه لم يكن له علم بالعربية" [106] .
قال السيوطي: "وهو مردود", قال أبو حيان: "ما قرئ به في السبعة لا يردّ ولا يوصف بضعف ولا بقلة" [107] .
ويستدل خطّاب بالقراءة إذا وافقت القاعدة النحوية، ومن ذلك رفع الفاعل بفعل محذوف بعد المفعول الذي لم يُسمَّ فاعله، نحو: ضُربَ زيدٌ وعمرو. قال: "وعلى ذلك قراءة بعضهم {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُم} [108] أي زيّنه شركاؤهم" [109] .
وهذه القراءة شاذة ذكرها ابن جني في المحتسب، ونسبها إلى أبي عبد الرحمن السلمي، قال أبو الفتح: "يحتمل رفع "شركاء"تأويلين: أحدهما وهو الوجه أن يكون مرفوعا بفعل مضمر دلّ عليه قوله "زين"كأنه لما قال: "زُيّن لكثير من المشركين قتلُ أولادهم "قيل: من زيّنه لهم؟ فقيل: زيّنه لهم شركاؤهم، فارتفع الشركاء بفعل مضمر دلّ عليه "زُين " [110] .
وقد يذكر القراءة الشاذة على وجه الإنكار، ومن ذلك قوله: "حكى أبو حاتم (السجستاني) عن هارون القارئ أن الأعمش قرأ {وما كان صلاتَهم عند البيت إلا مكاءٌ وتصديةٌ} [111] فنصب الصلاة ورفع المكاء والتصدية، وهذا من شواذ القراءات" [112] .
قال السمين [113] : "وخطّأ الفارسي هذه القراءة، وقال: لا يجوز أن يخبر عن النكرة بالمعرفة إلا في ضرورة…"
وقد حاول ابن جني توجيه هذه القراءة ودفع القبح أو اللحن عنها [114] .
موقفه من القياس والسماع:
"إنما النحو قياس يتبع". ولهذا قيل في حد النحو [115] : "إنه علم بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب".(34/468)
وقد اعتنى النحاة بالقياس في بناء قواعدهم النحوية، كما اهتم به خطّاب المارديّ في توجيه الآراء والمذاهب النحوية.
ومن ذلك في باب ما لا ينصرف للعلمية والتأنيث، قال خطاب في الترشيح [116] : "ما لا علامة فيه فبعض النحويين يجريه مجرى ما فيه الهاء، ولا يصرفه معرفة، قلّت حروفه أو كثرت، ويصرفه نكرة، وهو القياس…"
وقد يتبع خطاب القياس فيرى رأياً حسنا في القياس، ولكنه مخالف لآراء العلماء، فيؤثر الاتّباع على الابتداع، والالتزام برأي الأئمة، وهذا تواضع منه واحترام للعلماء.
ومن ذلك في باب أفعال المقاربة، في نحو قولك: عسى أن يقوم زيدٌ. قال أبو بكر خطّاب [117] : " (أن يقوم) : فاعل (بعسى) , هذا قول النحويين، وقد كان عندي قياساً أن يكون مفعوله توسط بين الفعل وفاعله، كما تقول: يريد أن يضربك زيدٌ. المعنى: يريد زيدٌ أن يضربك. وجاز أن يتوسط مفعول (عسى) ، كما توسط خبر (ليس) في قولنا: ليس قائماً زيدٌ. وهذا قول حسن في القياس، غير أنه رأي رأيناه، ولم يقل به أحد غيرنا، واتباعنا لأئمة النحويين أحق وأجمل". انتهى.
وفي باب المفعول الذي لم يسم فاعله، قال خطّاب المارديّ في الترشيح [118] : "وكان قياسها، يعني اختير وانقيد، أن يجري مجرى (قيل وبيع) في الإشمام، وفي قلب الياء واواً، كما قيل: بوع وكول الطعام، ولكني لم أره قولا لأحد".
أقول: يبدو أن خطابا هو صاحب هذا الرأي، ثم تبعه فيه ابن مالك وغيره. قال الشيخ خالد [119] : "وادعى ابن عذرة وطائفة من متأخري المغاربة امتناعها في افتعل كاختار، وانفعل كانقاد مما زاد على الثلاثة، فلا يقال اختور ولا انقود. والمشهور الأول، وهو قول ابن عصفور والأبذي وابن مالك.
قال ابن مالك في الألفية:
في اختار وانقاد وشبه ينجلي
وما لفا باع لما العين ثلي
وكان خطّاب يهتم أيضاً بالسّماع، ويرى أن بعض مسائل النحو تؤخذ سماعاً ولا تنقاس.(34/469)
ومن ذلك باب جمع المؤنث السالم، قال في الترشيح [120] : "ومن قال الاثنان لليوم فجعل الرفع والنصب والخفض في النون جمعه الاثنانات، كما تقول رمضانات وشعبانات، وأجاز ابن قتيبة: الأثانين، كما تقول الدهاقين، وتكسير هذا على فعاليل لا ينقاس، وإنما هو يؤخذ سماعا عن العرب، وإلا فهو مجموع على السلامة". انتهى.
وفي دخول (ما) على إنّ وأخواتها فيبقى بعضها عاملا، يقول خطّاب [121] : "وبعض العرب يقول: ليتما زيداً منطلقٌ. ولا يجوز هذا في غير (ليت) . وقد أجاز بعض النحويين النصب بهذه الحروف قياساً على (ليتما) فتقول: لكنّما زيداً مقبلٌ، ولعلّما عمراً خارجٌ، وإنما أخاك ذاهبٌ. وهو مذهب أبي القاسم الزجاجي، وأبي بكر بن السراج، والقول الأول مذهب الأخفش، وهو أقوى، لأنه المسموع من العرب الذي لا يُعرف غيره ... "
ويستعمل خطّاب مصطلحات في السّماع مثل: قليل، وقبيح، وشاذ، ولا يطرد، وقد يلجأ إلى الوقوف عند ظاهر النصّ المسموع عن العرب إذا خالف القاعدة التي يراها، ومن ذلك قوله في الترشيح [122] : "ومن العرب من يثبت الألف في الاستفهام إذا دخل عليها حرف الجر، فيقول: عمّا تسأل؟ وفيما ترغب؟ وذلك قليل وقبيح. فإن كانت بمعنى الذي أثبت الألف. وحكى أبو زيد أن من العرب من يقول: سَلْ عمّ شئت، كأنهم حذفوا لكثرة الاستعمال. وهذا شاذ عندي ولا يطّرد، يحفظ كما وقع، ولا يصرف من لفظه غير ما سمع، ولو قلت: سَلْ عمّ تشاء، لم يجز، لأن ذلك إنما سمع مع شئت". انتهى.
ومن قواعد خطّاب في السّماع أن الظروف تؤخذ سماعاً ولا تقاس [123] . والشاذ يحفظ حفظاً ولا يقاس عليه [124] .
ومن الشاذ عنده وزن (فُعَلَى) من أوزان ألف التأنيث المقصورة، فقد عدّ ابن مالك وزن (فُعَلى) من الأوزان المشهورة لألف التأنيث المقصورة نحو: أُرَبى للداهية، وأُدَمى وشُعَبى لموضعين.(34/470)
فاعترض عليه ابن هشام بأن جعل هذا الوزن في الأوزان المشهورة مشكل [125] .
قال الشيخ خالد: "لأنها من الأوزان النادرة، بل قال خطّاب الماردي: إنها شاذة" [126] .
آراؤه النحوية:
تعد مصنفات أبي حيان الأندلسي هي المصادر الأساسية لعدد من نحاة الأندلسيين، إذ لولا أبو حيان لضاع كثير من التراث النحوي الأندلسي.
ومن هؤلاء النحاة الأندلسيين خطّاب المارديّ، الذي عاش في القرن الخامسِ الهجري، ومع ذلك لم أجد أحداً ذكر له رأياً قبل أبي حيان، الذي نقل إلينا في مصنفاته كثيرا من آراء خطاب النحوية، كما أنه لخص لنا في تذكرته السّفر الأول من كتاب الترشيح لخطّاب.
وقد ذكر بعض آراء خطّاب عدد من النحاة الذين جاءوا بعد أبي حيان، كالمرادي، وابن هشام، وابن عقيل، والشيخ خالد الأزهري، والأشموني، والسيوطي، وعبد القادر البغدادي.
وقد صرّح عبد القادر البغدادي بالنقل عن تذكرة أبي حيان في أكثر من موضع [127] .
وسوف أختار هنا أشهر آراء خطّاب النحوية، مع توضيحها وتوثيقها، ومراعاة ألاّ أكرر آراءه التي وردت سابقاً، بقدر الإمكان.
(1) من مواضع قلب الياء همزة
تقلب الواو والياء والألف همزة إذا وقعت إحداها بعد ألف مفاعل وكانت مدة زائدة في الواحد، نحو: عجوز عجائز، وصحيفة صحائف، ورسالة رسائل. فلو كانت المدة عيناً لم تهمز نحو: معاون ومعايش ومثاوب جمع معونة ومعيشة ومثوبة. وشذّ الهمز في معائش ومنائر ومصائب.
أما مسائل جمع مسيل فذهب الزبيدي إلى أن الهمزة أصلية فهمزها قياس. وذهب الأعلم وغيره إلى أن مسيلاً مَفعِل من سال، فالهمز في جمعه شاذ [128] .
قال خطّاب في الترشيح [129] : "مسيل الماء جمعه مسايل بلا همزة، لأنه من سال يسيل، قال زهير-:
بمُستأسدِ القُرْيان حُوٍ مَسايلُهْ [130]
(فقال شياهٌ راتعاتٌ بقفْرةٍ)(34/471)
وإن شئت همزت، تجعل الميم أصلية، لأن الجمع مُسُل. وحكَى يعقوب [131] في مسيل الماء أن جمعه أمسلة ومُسل ومُسْلان ومسائل، قال: يقال للمسيل مَسَل [132] . وقوله يدل على أن الميم أصل، كأنه من مَسَل يمسلُ. انتهى.
وقال الجوهري [133] : "ومسيل الماء موضع سيله، والجمع مسايل, ويحمع أيضاً على مُسُل وأمْسلة ومُسلان على غير قياس؛ لأن مسيلاً إنما هو مَفْعِل، ومَفْعِل لا يجمع على ذلك، لكنهم شبهوه بفعيل، كما قالوا: رغيف ورُغُف وأرغفة ورُغفان. ويقال للمسيل أيضاً مَسَل بالتحريك".
(2) تثنية المركَّب
من شروط التثنية عدم التركيب، فلا يثنى المركّب تركيب إسناد ولا يجمع، نحو تأبط شراً.
وأما تركيب المزج كبعلبك وسيبويه، فالأكثر على منعه لعدم السماع.
وقال خطّاب في الترشيح [134] : "فإن ثنيت على من جعل الإعراب في الآخر، قلت: معدي كربان ومعدي كريبين، وحضرموتان وحضرموتين أو على من أعرب إعراب المتضايفين قلت: حضْراموتٍ وحضرَي موتٍ. وقال في المختوم بويه: تلحقه العلامة بلا حذف نحو: سيبويهان وسيبويهون.
(3) في النسب إلى محذوف اللام
إذا كانت لام الكلمة تردّ في التثنية أو الإضافة أو الجمع بالألف والتاء، وجب ردّها عند النسب، نحو: أب أبوي، أخ أخوي، سنة سنوي أو سنهي، لأن لامها تردّ بالجمع بالألف والتاء، ولامها هاء في لغة أهل الحجاز، وواو عند غيرهم.
وإذا لم يثبت ردّ اللام في موضع من هذه المواضع فأنت في النسب مخير بين الردّ والترك. نحو: غد ويد، تقول: غديّ أو غدويّ، يدي أو يدويّ. وفي شفة تقول: شفيّ أو شفهيّ [135] قال أبو حيان [136] : "ولم يذكر أبو البقاء العكبري في شفة إلا الردّ فتقول شفهي. وذكر خطّاب المارديّ فيها الوجهين".(34/472)
قال ابن هشام بعد قوله: "شفيّ أو شفهيّ " [137] : "قاله الجوهري وغيره، وقول ابن الخباز "إنه لم يسمع إلا شفهيّ بالردّ"لا يدفع ما قلناه، إن سلّمناه، فإن المسألة قياسية لا سماعية. ومن قال "إن لامها واو"فإنه يقول إذا ردّ: شفويّ. والصّواب ما قدمناه بدليل شافهت والشفاه.
(4) في النّسب إلى الكلمة الدالة على جماعة
ينسب إلى الكلمة الدالة على جماعة على لفظها إن أشبهت الواحد، بكونها اسم جمع له مفرد من لفظه أولا، فالأول كصحْبيّ ورَكْبيّ. والثاني كقوميّ ورهطيّ، ولا يردّ إلى مفرده في اللفظ، فلا يقال: صاحبيّ وراكبيّ. ولا إلى مفرده في المعنى فلا يقال: رجُليّ؛ لأن اسم الجمع بمنزلة الفرد. أو بكونها اسم جنس كشجريّ. لا يقال يحتمل أن يكون منسوبا إلى مفرده وهو شجرة، وحذفت التاء كما في مكّي، لأنا نقول ليس الأمر كذلك، وإنما هو منسوب إلى الجماعة، بدليل قولهم في النسب إلى الشعّير شعيريّ، بإثبات الياء بعد العين. ولو كان منسوباً إلى الشَّعيرة لقيل شَعَريّ بحذف الياء المثناة تحت، لأن شعيرة فعيلة، وقياس فعيلة فعَليِّ، كفَرضيّ في فريضة. قاله خطّاب الماردي في الترشيح [138] .
(5) ما لا ينصرف للوصفية الأصلية ووزن الفعل
قال ابن مالك:
في الأصل وصفا انصرافه منع
فالأدهمُ القيد لكونهِ وُضع
قال المرادي [139] : "أدهم للقيد، وأسود للحية، وأرقم لحية فيها نقط كالرقم، فهذه أوصاف في الأصل غلبت عليها الاسمية، وهي غير منصرفة نظراً إلى أصلها، وذكر سيبويه أن كل العرب لا تصرفها ... "
قال سيبويه [140] : "وأما أدهم إذا عنيت القيد، والأسود إذا عنيت به الحية، والأرقم إذا عنيت الحية، فإنك لا تصرفه في معرفة ولا نكرة، لم تختلف في ذلك العرب".(34/473)
وفي الترشيح [141] : "قولهم للقيد أدهم، وللحية أسود وأرقم، الأقيس ألا تصرف، لأنها صفات عند ابن النحاس. وقوله هذا يؤدي إلى ترك الصرف لغة فيها. وسيبويه يزعم أن العرب لم تختلف في ترك صرفها لأنها صفات". انتهى.
(6) دخول اللام في خبر إنَّ
قال ابن مالك:
لامُ ابتداء نحو: إني لَوَزَرْ
وبعد ذات الكسر تصحبُ الخَبرْ
ولا من الأفعال ما كرضيا
ولا يلي ذي اللام ما قد نُفيا
لقد سما على العدا واستحوذا"
وقد يليها مع قد كـ "إنّ ذا
قال ابن هشام [142] : "تدخل لام الابتداء بعد إن المكسورة على أربعة أشياء، أحدها: الخبر، وذلك بثلاثة شروط: كونه مؤخراً، ومثبتاً، وغير ماض، نحو: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [143] {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ} [144] . بخلاف {إِنَّ الله اصْطَفَى} [145] . وأجاز الأخفش والفراء، وتبعهما ابن مالك: إن زيداً لقد قام، لشبه الماضي المقرون بقد بالمضارع لقربه زمانه من الحال. وليس جواز ذلك مخصوصاً بتقدير اللام للقسم لا للابتداء، خلافاً لصاحب الترشيح".
قال الشيخ خالد في شرحه [146] : "وهو خطّاب المارديّ، حيث ذهب إلى منع دخول لام الابتداء على قد، وادّعى أن هذه اللام الداخلة عليها لام جواب القسم، والتقدير: إن زيداً والله لقد قام. ووافقه على ذلك محمد بن مسعود الغزني".
وقال السيوطي [147] : "وذهب خطّاب بن يوسف المارديّ في الترشيح إلى أنها لا تدخل على الماضي مطلقاً، لا مع قد ولا خالياً عنها، لأنه ليس له معنى اسم الفاعل. قال: وما سمع من ذلك فاللام فيه للقسم، لا للابتداء".(34/474)